الكتاب: الأصول الأربعمائة
المؤلف: الشيخ أسعد كاشف الغطاء
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

الأصول الأربعمائة
تأليف
الشيخ أسعد كاشف الغطاء
قال الشيخ المفيد (قدس سره)
«صنفت الأمامية من عهد أمير المؤمنين عليه السلام أربع مائة كتاب تسمى الأصول هذا معنى قولهم له أصل».
1

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الغر الميامين.
وبعد: - -
يقول الفقير إلى الله الغني واهب المنن والعطاء أسعد كاشف الغطاء: لقد وجدت جملة من طلبة العلم ليس لهم معرفة تامة تفصيلية بالأصول الأربع مائة، اعتقادا منهم بعدم الجدوى في هاتيك المعرفة وفاتهم ما يترتب على الإحاطة بها من آثار مهمة يعرفها من كتب له التوفيق في سبر أغوارها. وقد عرضت لهذا الموضوع المغفول عنه من لدن كثير من الفضلاء - بله شداة الطلبة - ولم أشأ الخوض في تفاصيله لأن قصدي في كتابة هذه السطور هو الإعطاء فكرة موجزة تسلط الأضواء الكاشفة على جملة مسائل هذا المبحث على النحو الذي يخرج عنه الطالب وهو على بصيرة في مسائل هذا الموضوع.
ولا أكتم القارئ الكريم أني ألفيت مباحثه غير سائرة على نمط واحد من التحرير والتقرير مع غموض جملة من مطالبه، هذا مع ماله من الأهمية البالغة والدور الفعال في جملة ما يستفيد منه الفقيه في طريق استنباط الحكم الشرعي وما يتصل بأمر تصحيح الرواية أو طرحها، فهذه الأمور مجتمعة هي التي حدتني إلى المبادرة إلى تأليف هذا الكتاب، وقد قسمته إلى فصول وخاتمة ومضمنا له رجال الأصول الأربع مائة. ومبينا الحاجة إليها ليسهل على الطالب ويتضح له المطالب. ومن الله نستمد العون والتوفيق ببركات من نحن بجواره مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
2

النجف الأشرف 27 رجب 1417 هجرية
أسعد علي كاشف الغطاء
الفصل الأول
لمحة تاريخية عن
الأصول الأربع مائة
قال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين
«قد بلغنا عن مشايخنا - قدس سرهم - انه
كان من دأب أصحاب الأصول
أنهم إذا سمعوا عن أحد الأئمة (عليهم السلام)
حديثا بادروا إلى إثباته في أصولهم لئلا
يعرض لهم نسيان لبعضه أو لكله
بتمادي الأيام».
3

من أجل أن نعطي لمحة تاريخية عن الأصول الأربع مائة لابد من استجلاء الروايات الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة الطاهرين من أهل بيته عليهم السلام التي بها فسر القرآن الكريم وبينت ناسخة ومنسوخة، ومطلقه ومقيده، وعامه وخاصه وجاءت مؤكدة له ومبينة لمجمله. وبها يعرف تفصيل شرائع الدين ومعالمه وأحكامه فكان من المؤكد ان يهتم أصحاب رسول الله بالسنة النبوية. كما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر أصحابه ممن يعرف منهم القراءة والكتابة بان يكتب له ما أنزل من القرآن الكريم فتكون نسخة له صلى الله عليه وآله وسلم ونسخة للصحابي حتى اشتهر من كان يتولى هذه المهمة من الصحابة في الزمن النبوي الشريف بلقب (كتاب الوحي). ولكن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انقسم أصحابه إلى قسمين فمنهم من منع تدوين الأحاديث النبوية ويمثل هذا القسم عمر بن الخطاب ومن قفا أثره بحجة أنها تختلط ألفاظها ومعانيها مع القرآن وقسم آخر أهتم بتدوين السنة وحث عليها ويمثل هذا القسم الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام ومن حذا حذوه. فكان لأصحاب الإمام كتب برزت في زمن متأخر مثل كتاب سليم بن قيس الهلالي
وبقي الأمر على هذه الحال حتى زمن عمر بن عبد العزيز حيث أمر بتدوين الحديث ويتضح هذا من كلام الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره في مراجعاته «إن الباحثين ليعلمون بالبداهة تقدم الشيعة في تدوين العلوم على من سواهم إذ لم يتصد لذلك في العصر الأول غير علي وأولي العلم من شيعته، ولعل السر في ذلك اختلاف الصحابة في إباحة كتابة العلم وعدمها، فكرهها - كما عن العسقلاني في مقدمة فتح (1) الباري - عمر بن الخطاب وجماعة آخرون خشية أن يختلط الحديث
في الكتاب، وأباحه علي أمير

(1) يعني كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852.
4

المؤمنين وخلفه الحسن السبط المجتبى وجماعة من الصحابة وبقى الأمر على هذه الحال حتى اجمع أهل القرن الثاني في آخر عصر التابعين على إباحته - وحينئذ ألف ابن جرير كتابه في الآثار عن مجاهد وعطاء بمكة - وعن الغزالي أنه أول كتاب معتمر بن راشد الصنعاني باليمن ثم موطأ مالك - وعن مقدمة الفتح إن الربيع بن صبيح أول من جمع وكان في آخر عصر التابعين - وعلى كل فالاتفاق منعقد عندهم أنه لم يكن تأليف في العصر الأول» (1) ومن هذا يتضح أن الإمام عليا عليه السلام وشيعته قد تصدوا إلى جمع الأحاديث النبوية في العصر الأول فكان «أول شئ دونه الأمام علي عليه السلام هو القرآن الكريم بعد فراغه من تجهيز الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم آلى على نفسه أن لا يرتدي إلا للصلاة أو يجمع القرآن الكريم فجمعه مرتبا على حسب النزول وأشار إلى عامه وخاصه ومطلقه ومقيده ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وعزائمه ورخصه وسننه وآدابه ونبه على أسباب النزول في الآيات البينات، وأوضح ما عساه يشكل من بعض الجهات وكان ابن سرين يقول لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم - فيما نقله عنه ابن حجر في صواعقه وغير واحد من الأعلام -) (2).
وللإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كتاب في الديات يعرف بالصحيفة وقد ذكر كثيرا في أحاديث أهل السنة منها «ما قد أورده ابن سعد في آخر كتابه المعروف بالجامع مسندا إلى أمير المؤمنين (ع) ورأيت البخاري ومسلما يذكران هذه الصحيفة ويرويان عنها في عدة مواضع من صحيحهما ومما روياه عنها أخرجاه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال قال علي (ع)

(1) المراجعات / السيد عبد الحسين شرف الدين ص 291
(2) المراجعات / السيد عبد الحسين شرف الدين ص 292
5

ما عندنا كتاب نقرؤه غلا كتاب الله وغير هذه الصحيفة قال فأخرجها فإذا فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل وقال: - «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» الحديث بلفظ البخاري في باب إثم من تبرأ من مواليه من كتاب الفرائض في الجزء الرابع من صحبة ص 811 هو موجود في باب فضل المدينة من كتاب الحج من الجزء الأول من صحيحة مسلم ص 523 والإمام أحمد بن حنبل أكثر من الرواية من هذه الصحيفة في مسنده» (1). وكان لفاطمة الزهراء عليها السلام كتاب يعرف بمصحف فاطمة يتضمن أمثالا وحكما، ومواعظ وعبرا، وأخبارا، ونوادرا، وجاء وصفه في كثير من الروايات عن الأئمة عليهم السلام.
واقتدى بأمير المؤمنين عليه السلام ثلة من شيعته فألفوا على عهد الإمام عليه السلام منهم سلمان المحمدي وأبو ذر - رضوان الله عليهم فيما ذكر ابن شهرآشوب حيث قال «أول من صنف في الإسلام علي ابن أبي طالب ثم سلمان الفارسي ثم أبو ذر» (2) ثم سليم بن قيس - رضوان الله عليهم.
وتوارث الأئمة الأطهار عليهم السلام خلفا عن سلف تلك الكتب للإمام علي عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام حتى عصر الإمام الصادق حيث برزت كثير من الكتب والمؤلفات. كما صنفت كثير من الكتب والمؤلفات في زمن الإمام الصادق وكثرت الرواة عن أهل البيت - عليهم السلام - حتى قالوا كان في مسجد الكوفة أربعة آلاف رجل كلهم يقولون حدثني جعفر بن محمد الصادق عليه السلام. وسبب كثرة التصانيف وانتشار أحاديث السنة النبوية عن طريق أهل البيت عليهم السلام هو الوضع السياسي في تلك الفترة وقلة الضغط على الشيعة واشغال السلطة في ذلك بتثبيت كيانها من خلال إظهار مظلومية أهل البيت عليهم السلام. حيث ذكر الشيخ أغا بزرك الطهراني قدس سره إن (سيرة تاريخ الرواة والمصنفين في الظروف القاسية الحرجة، وما عانوه من المحن والمصائب فيها وعدم تمكنهم من أخذ معالم الدين عن معادنها ثم ما مكنهم الله تعالى منه في عصر الرحمة عصر النور عصر انتشار علوم آل محمد عصر ضعف الدولتين واشتغال أهل الدولة بأمور الملك عن أهل الدين ذلك العصر هو أواخر ملك بني أمية بعد هلاك الحجاج بن يوسف سنة 95 ه‍، إلى انقراضهم بموت مروان سنة 103 ه‍ ثم

(1) المراجعات / السيد عبد الحسين شرف الدين ص 292.
(2) معالم العلماء / ابن شهرآشوب
6

أوائل ملك بني العباس إلى أوائل أيام هارون الرشيد الذي ولي سنة 170 ه‍. وهو المطابق لأوائل عصر الإمام الباقر عليه السلام المتوفي سنة 114 ه‍. وتمام عصر جعفر الصادق عليه السلام المتوفي سنة 148 ه‍ وبعض عصر الكاظم عليه السلام المتوفي في حبس هارون الرشيد سنة 184 ه‍. وكان قد قبض عليه الرشيد من المدينة المنورة في سفر حجه. فكان فضلاء الشيعة ورواتهم في تلك السنين آمنين على أنفسهم مطمئنين متجاهرين بولاء أهل البيت عليهم السلام - (1). فكانت مؤلفاتهم وتصانيفهم وكتبهم بارزة دون خفاء كما مر قبل هذا العصر. فظهرت في عصرهم تصانيف وكتب ومؤلفات ونوادر ورسائل وأصول لأن الأئمة كثيرا ما كانوا يأمرون بكتابة كل ما يلقونه من الوعظ والاحكام والاخبار حيث ورد عنهم (كل علم ليس بالقرطاس ضاع).

(1) الذريعة / الشيخ أغا بزرك الطهراني ص 132.
7

«فان الشيعة من أول نشأتها لا تبيح الرجوع في الدين إلى غير أئمتها، ولذلك عكفت هذا العكوف، وانقطعت في أخذ معالم الدين إليهم بذلت الوسع والطاقة عكفت هذا العكوف، وانقطعت في أخذ معالم الدين إليهم بذلت الوسع والطاقة في تدوين كل ما شافهوها به واستفرغت الهمم والعزائم في ذلك بما لا مزيد عليه حفظا للعلم الذي لا يصح (على رأيها) عند الله سواه وحسبك (مما كتبوه أيام الصادق) تلك الأصول الأربع مائة، وهي أربع مئة مصنف لأربع مائة مصنف كتبت من فتاوى الصادق على عهده ولأصحاب الصادق غيرها، هو أضعاف أضعافها» (1). «وبسعيهم نشرت علوم آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فشكر الله مساعيهم بسعة رحمته في العقبى وأخلد ذكرهم في الدنيا بما كتبت من تراجمهم بعد عصرهم في الكتب الرجالية القديمة مثل كتاب الرجال لعبد الله بن جبلة الكناني المتوفى سنة 219 ه‍. ومشيخة الحسن ابن محبوب المتوفى سنة 224 ه‍. ورجال الحسن بن فضال المتوفى سنة 224 ه‍. ورجال ولده علي بن الحسن ورجال محمد بن خالد وولده أحمد بن محمد بن خالد الذي توفى سنة 274 ورجال الشريف أحمد العقيقي المتوفي سنة 280 ه‍.» (2).
ولكن بعد هذه الفترة بدأت الضغوط تزداد على الشيعة والمصنفات والكتب تختفي وأحاديث أهل البيت لا يتكلم بها الشيعة تقية إلا في مجالسهم الخاصة حتى زمن الغيبة الكبرى وقبلها الغيبة الصغرى حيث كانوا السفراء يكتبون للامام - عجل الله فرجه - والامام - عجل الله فرجه - يجيب ويوقع على الكتاب.
كما قال صاحب الرسائل «وأما ما نقلوا منه ولم يصرحوا باسمه فكثير جدا مذكور في كتب الرجال يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب عليه ما ضبطناه» (3). فمن عصر الامام علي بن أبي طالب - عليه السلام - إلى عصر الامام العسكري - عليه السلام - كتب 6600 كتاب كما أحصاه الشيخ الحر العاملي (قدس سره) برزت منها تصانيف وكتب ونوادر ورسائل قد كانت موضع الاعتماد والأهمية ولها المكانة العالية ومرجع الشيعة إليها

(1) المراجعات / السيد الحسين شرف الدين ص 290.
(2) الذريعة / أغا بزرك طهراني ص 132.
(3) الوسائل / الحر العاملي ص 29.
8

وكمصدر من المصادر في الأدلة الشرعية وحفظ السيرة تدعى ب‍ (الأصول) وهو جمع أصل فكان اعتماد الشيعة في أخذ الأحاديث منها وتصحيح الرواية إذا كانت أكثر من أصل ممتازة عن غيرها بكونها معتمدة عند الامامية وقلة وقوع الخطأ فيها وأنما كتبت في زمن المعصومين - عليهم السلام - «إن المزايا التي توجد في الأصول ومؤلفيها دعت أصحابنا إلى الاهتمام التام بشأنها قراءة ورواية وحفظا وتصحيحا والعناية الزائدة بها وتفضيلها على غيرها من المصنفات يرشدنا إلى ذلك تخصيصهم الأصول بتصنيف فهرست خاص لها، وأفرادهم مؤلفيها عن سائر الرواة والمصنفين بتدوين تراجمهم مستقلة». «من الواضح أن احتمال الخطأ والغلط والنسيان وغيرها في الأصل المسموع شفاها عن الامام أو عمن سمع عنه أقل منها في الكتاب المنقول عن كتاب آخر لتطرق احتمالات زائدة في النقل عن الكتاب المنقول عن كتاب فالاطمئنان بصدور عين الالفاظ المندرجة في الأصول أكثر والوثوق به أكد فإذا كان مؤلف الأصل من الرجال المعتمد عليهم الواجدين لشرائط القبول يكون حديثه حجة لا محالة وموصوفا بالصحة كما عليه بناء القدماء» (1) «الظاهر أن الأصل أعلى وأشرف قدرا عند أصحاب الحديث من الكتاب ويمدح به صاحبه قال النجاشي في ترجمة إبراهيم بن مسلم الضرير ثقة ذكره شيوخنا في أصحاب الأصول» (2) ومن مزايا الأصول الأربع مائة روى السيد رضي الدين علي بن طاوس في مهج الدعوات باسناده عن أبي الوضاح محمد بن عبد الله بن زيد النهستلي عن أبيه أنه قال «كان جماعة من أصحاب أبي الحسن الكاظم عليه السلام من أهل بيعته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال فإذا نطق أبو الحسن بكلمة أو أفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوه منه ذلك» (3) وقال الشيخ البهبهاني في مشرق الشمسين «قد بلغنا عن مشايخنا (قدس سرهم) أنه كان من دأب أصحاب الأصول انهم إذا سمعوا عن أحد من الأئمة عليهم السلام حديثا بادروا إلى اثباته في أصولهم لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كله بتمادي الأيام» (4). وقال المحقق الداماد في الراشحة التاسعة والعشرين من رواشحه «يقال قد كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من

(1) الذريعة / أغا بزرك طهراني ص 128
(2) تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال / السيد علي الموحد الأبطحي ص 90 ج 1
(3) نقلا عن الذريعة ص 127
(4) نقلا عن صاحب الذريعة.
9

أحدهم عليهم السلام حديثا بادروا إلى ضبطه في أصولهم من غير تأخير» (1) كما وأن بناء القدماء في تصحيح الحديث إذا وجدوه في أحد الأصول ويزداد تقوية سند الحديث عندما يتكرر أكثر من كتاب «كما ذكره الشيخ البهائي في مشرق الشمسين الأمور الموجبة لحكم القدماء بصحة الحديث (وعد منها) وجود الحديث في كثير من الأصول الأربع منه المشهورة المتداولة عندهم (ومنها) تكرر الحديث في أصل أو أصليين منها بأسانيد مختلفة متعددة (ومنها) وجوده في أصل وجل واحد معدود من أصحاب الاجماع. كما قال المحقق الداماد - وليعلم أن الأخذ من الأصول المصححة المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية». (2) وهكذا تتضح مكانتها عند العلماء ومالها من اعتماد عند الشيعة. فكانت مصدرهم في استنباط الاحكام الشرعية ومرجعهم مع مكانت بقية التصانيف.
ولكن ما أصاب الشيعة من نكبات ومصائب وضغوط من قبل الولاة أدى إلى هجرة كثير من أصحاب الأصول مع اخفاء مؤلفات كثيرة مع إصابة بعض مكتبات الشيعة بالحرق والتمزيق أو إلقاؤها في الماء. «وأول تلف وقع فيها - الأصول الأربع مئة - إحراق ما كان منها موجودا في مكتبة سابور بكرخ / بغداد فيما أحرق من محال الكرخ عند ورود طغول بيك أول ملوك السلوجقية إلى بغداد سنة 448 ه‍. كما ذكره في معجم البلدان بعد ما مر من كلامه وذلك كان بعد تأليف شيخ الطائفة التهذيب والاستبصار وجمعهما من تلك الأصول التي كانت مصادر لهما بعد التاريخ المذكور هاجر هو من الكرخ وهبط النجف الأشرف وصيرها مركز العلوم الدينية إلى اثنتي عشرة سنة وتوفي بها سنة 460 ه‍. وكان أكثر تلك الأصول باقيا بالصورة الأولية إلى عصر محمد بن إدريس الحلي وقد استخرج من جملة منها ما جعله مستطرف السرائر وحصلت جملة منها عند السيد رضي الدين بن طاوس المتوفي سنة 664 ه‍. كما ذكرها في كشف المحجة ونقل عنها في تصانيفه الأخرى ثم تدرج التلف وتقليل النسخ في أعيان هذه الأصول إلى ما نراه في عصرنا هذا ولعله يوجد منها في أطراف الدنيا ما لم نطلع عليه والله العالم» (3) وبسبب انتشار الأصحاب في البلدان وكثرة الضغوط عليهم ضاع كثير من الكتب.

(1) الرواشح / الداماد.
10

ذكر شيخ الطائفة في (الفهرست) «واني لا أضمن استفاء لان تصانيف أصحابنا وأصولهم لا يكاد تنضبط لكثرة انتشار أصحابنا في البلدان» وأن الحياة التي يعيشها العلماء وذكر أجدادنا - قدس الله اسرارهم - السيرة التي مروا بها في حفظ التصانيف وأن الولاة كم حرقوا من تصانيف وكتب وحرقوا من دور وقتلوا من العلماء مضافا إلى منع كتبهم من الطبع والقراءة يعلم ما أصاب تصانيف والأصول والعلماء الشيعة سابقا من أذى وجور كما وأن من مزايا الأصول كانت غير مبوبة ومرتبة على ترتيب الأبواب الفقهية وإدخال الأصول ضمن مجاميع مبوبة ومرتبة قلت الرغبات في استنساخ أعيانها لمشقة الاستفادة منها فقلت نسخها وتلفت النسخ القديمة تدريجيا.
كما نراه في عصرنا الحالي حيث كان الاعتماد في الرجوع إلى أحاديث الأصول الأربعة - الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه - وبعد حصر الحر العاملي (قدس سره) في الوسائل الأحاديث الفقهية في استنباط الاحكام اعتمدوا عليه في الاستخراج الأحاديث، وقل اخراجها من الكتب الأربعة منه فوصل في زماننا هذا القدر القليل من الأصول الأربع مئة لاعتماد العلماء في العصر على الكتب الأربعة. وتركهم للأصول كما أصبح مبنى صحة سند الحديث ثقة رجاله وكونهم من الامامية فكان مبنى المعاصرين في استنباط الحكم الشرعي هو سند الحديث من توثيق أو ضعف الراوي ان كان صحيحا أو حسنا أو ضعيفا فيكون مبنى الاستنباط على قوة السند وضعفه وهل يؤخذ ببناء القدماء في استنباط الاحكام الشرعية في قولهم إذا ذكر الحديث في أصل أو أصول يكون صحيحا؟ هذا ما سنبحثه في الفصل الخامس وبعد عصر الحر العاملي قدس سره أعتمد الفقهاء على كتاب (الوسائل) الذي صنفه الشيخ المذكور - الحر العاملي - وجمع فيه أحاديث الكتب الأربعة مرتبة على الأبواب
مما يسهل الحصول على الحديث المطلوب في أدنى وقت وهذا الاعتماد على - الوسائل - كان من أسباب قلة رجوعهم إلى الكتب الأربعة... الخ
لا كما في مبنى القدماء من أن يكون في أكثر من أصل وهذا يقلل من الاهتمام بالأصول في عصر المتأخرين ففي عصر المتأخرين أصبح الاعتماد على الكتب الأربعة أو الجوامع الأربعة لما تضمنت الأصول الأربع مئة وكتب القدماء.
11

هذا ما بوسعنا ذكره من الملحمة التاريخية وأن المصنفات الكثيرة كتبت تفصيلا عن المراحل التي مرت على الشيعة وتصانيفهم ومن أهم هذه الكتب هو كتاب (أدوار علم الفقه وأطواره) لشيخنا الوالد (قدس الله سره) ففيه يجد طالب العلم فوائد جمة في معرفة المراحل التي مرت بها الشيعة بصورة خاصة والاسلام بصورة عامة.
12

الفصل الثاني
تعريف
الأصول الأربع مئة
- لغة
- اصطلاحا
قال الوحيد البهائي (قدس سره)
«الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم أو عن راو عنه
تعريف الأصول
الأصول جمع أصل، وهو أسفل كل شئ جاء في لسان العرب «الأصل: - أسفل كل شئ وجمعه أصول لا يكسر على غير ذلك» (1).
وأما تعريف الأصول اصطلاحا: - فهناك عدة تعاريف للأصول الأربع مئة فقد عرفه الوحيد البهبهاني (قدس سره) بقوله «يقرب في نظري أن الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم أو عن راو عنه» (2). أي أن الأصل من كتب الحديث ويكون مسموعا من المعصوم أو عمن سمع منه ولا يكون منقولا عن المكتوب. كما أن أصل كل

(1) لسان العرب / ابن منظور ص 69.
(2) الفوائد / الوحيد البهبهاني ص 53.
13

كتاب هو المكتوب الأولي منه الذي كتبه المؤلف وكل ما ينسخ منه فهو فرع له فيطلق عليه النسخة الأصلية أو الأصل لذلك. ويرد على من ذكر أنه تعريف بأن الأصل لا يكون فقط كتابا وأنما يكون نوادر كنوادر مبروك. وكذلك يرد أنه توضيح وليس تعريفا للوحيد البهبهاني كما أن هنالك كثيرا من الكتب كتبت عن المعصوم - عليه السلام - ولم تسم أصلا فيكون فقط الذي عرف عند القدماء بأنه أصل.
وعرفه الشيخ المازندراني في كتابه المستطاب نتيجة المقال في علم الرجال «والأصل معناه لغة معروف - أسفل كل شئ - ومعناه الاصطلاحي يعلم في وجه الفرق بينه وبين الأوليين - أي الكتاب والمصنف..» (1).
ويرد عليه أن الأصل لا ينحصر فروقه بين الكتاب والمصنف وأنما فروق مع الرسائل والنوادر وغيرها فلا يمكن تعريفه بهذا.
كما عرفه صاحب الذريعة «الأصل هو عنوان صادق على بعض كتب الحديث خاصة» إلى أن قال «واطلاق الأصل على هذا البعض ليس بجعل حادث من العلماء بل يطلق عليه الأصل بما له من المعنى اللغوي. ذلك لأن كتاب الحديث إن كان جميع أحاديثه سماعا من مؤلفه عن الأمام عليه السلام أو سماعا منه عمن سمع عن الأمام عليه السلام فوجود تلك الأحاديث في عالم الكتاب من صنع مؤلفها وجود أصلي بدوي ارتجالي غير متفرع من وجود آخر فيقال له الأصل لذلك» (2) قال الشيخ محمد رضا في مستدركه بعد ذكر كلام صاحب الذريعة «لا يخفى ما فيه مما مر وسيأتي، وأنه صحيح بالجملة لغة إلا انه لا يعطى الحد المصطلح خصوصا وأنه حادث وأنه في زمن الصادقين عليهما السلام» (3) ويرد على صاحب المستدرك المقباس أن الشيخ صاحب الذريعة (قدس سره) لم يرد من تعريف الأصول، وأنما أراد أن يوضح كلام الوحيد البهبهاني (قدس سره) لم يرد من تعريف الأصول، وأنما أراد أن يوضع كلام الوحيد البهبهاني (قدس سره) ويتضح من كلام الشيخ صاحب الذريعة (قدس سره) قال «وهذا مراد الأستاذ الوحيد البهبهاني من قوله «الأصل هو الكتاب... الخ» فيكون توضيح لكلام الوحيد (قدس سره) وليس تعريفا له. وعرفه التستري في القاموس بأنه «ما كان

(1) نتيجة المقال في علم الرجال / المازندراني ص 99.
(2) الذريعة / الشيخ أغا بزرك طهراني ص 126.
(3) مستدرك مقباس / الشيخ محمد رضا المقمقاني ص 235.
14

مجرد رواية إخبار بدون نقض وابرام وجمع بين المتعارضين وبدون حكم بصحة خبر أو شذوذ خبر كما فيما وصل إلينا من الأصول سواء أكان صاحب الأصل راويا عن المعصوم عليه السلام بلا واسطة أم مع الواسطة، كما يفهم من تلك الأصول الواصل إلينا» (1). هذا قريب إلى تعريف الوحيد البهبهاني مع تغير في الألفاظ ويرد عليه كما مر في الرد على تعريف الوحيد البهبهاني (قدس سره).
إن الأصول الأربع مئة كانت معروفة عند الأقدميين والتي وصلت إلينا هي بعض تلك الأصول لا يمكننا معرفة خصائصها وتميزها عن غيرها. والعلة التي سميت بالأصول دون غيرها. ولكن بمساعدة ذكر كتب التي ذكرة الأصول الأربع مئة والتي يمكن بالتأمل فيها أن يخرج بهذا التعريف وهو
[[ما كتب راو من الأحاديث عن المعصومين أو عن راو عنه وعرف عند قدماء الشيعة بأنه أصل]]
وذكرنا (ما كتب راو) لأنه لا يوجد للأصل في الصدور وأنما في السطور وذكرنا (من الأحاديث عن المعصومين) لأن قليلا ما يتضمن كلامه بل قد ينعدم في بعض الأصول فيكون الغالب أحاديث المعصومين.
وذكرنا (وعرف عند قدماء الشيعة بانص أصل) وهذه العبارة لم تذكر في أغلب التعريفات وهي المصححة لها لأن للشيعة كثير من الكتب والتصانيف والنوادر ولم يطلق عليها أصل بل يطلق على من عرف أصل وهذا يتضح من كلام الوحيد البهبهاني «إذ بملاحظة كثير من التراجم يظهر أن الأول ما كانت بجميعها مشخصة عند القدماء» (2) فيكون تعريف الأصول الأربع مئة اصطلاحا هو «ما كتب راو من الأحاديث عن المعصومين أو عن راو عنه وعرف عند قدماء الشيعة بأنه أصل».

(1) نقلا عن صاحب المستدرك المقباس ص ج 6.
(2) الفوائد / الوحيد البهبهاني ص 34.
15

الفصل الثالث
الفرق بين
1 - الأصول الأربع مئة والكتاب
2 - الأصول الأربع مئة والنوادر
3 - الأصول الأربع مئة والرسائل
4 - الأصول الأربع مئة والمسائل
قال الوحيد البهائي (قدس سره)
16

«لا يخفى أن مصنفاتهم أزيد من الأصول فلابد من
وجه في تسمية بعضها أصولا دون البواقي»
لا يخفى من أصحاب التراجم ورجال الحديث من استعمال في كلامهم. له كتاب أو له أصل، أو له نوادر، أو له مصنف، أو له نسخة، أو له كتاب وأصل وغير ذلك. ولا يتضح لنا مرادهم بالتمييز بينها وذكر الأقوال التي ذكرت فيها
الأصل والكتاب: - ذكروا أن أصحاب هنالك ثلاثة أقوال وهي
الأولى: الفرق بين الأصل والكتاب: - هنالك فروق بين الأصل والكتاب وهي: -
أولا: - «الكتاب مأخوذ من الكتب بمعنى الجمع يقال لما كتب فيه المطالب وجمع فيه المقاصد» (1) وجاء في لسان العرب «الأزهري: الكتاب اسم لما كتب مجموعا والكتاب مصدر» (2).
أما الأصل فقد جاء في لسان العرب «أسفل كل شئ وجمعه أصول» (3) هذا الفرق بينهما لغويا وفي العرف الخاص فان الكتاب مستخدم بمعناه المتعارف وهو معناه اللغوي قال الوحيد البهبهاني «إعلم أن الكتاب مستعمل في كلامهم في معناه المتعارف» (4) وأما الأصل فهو «ما كتب

(1) نتيجة المقال / المازندراني ص 99.
(2) لسان العرب / ابن منظور ص 216.
(3) لسان العرب / ابن منظور ص 216.
(4) الفوائد / الوحيد البهبهاني ص 32
17

راو من أحاديث المعصومين أو عن راو وعرف عند قدماء الشيعة بانص أصل».
ثانيا: - «إن الأصل ما اشتمل على كلام المعصوم فقط والكتاب ما فيه كلام المصنف أيضا» (1) ذكره محمد علي الأوحدي والمازندراني في قوله «ما عن ابن شهرآشوب من أن الأصل ما فيه الأحاديث فقط والكتاب ما فيه كلام مصنفه أيضا» (2) والوحيد البهبهاني «ان الأصل ما كان مجرد كلام المعصوم - عليه السلام - والكتاب ما فيه كلام مصنفه أيضا» (3). ويرد عليه هنالك كتبا لم تشتمل على كلام صاحبها مع ذلك لم تدع بالأصول ذكر صاحب تهذيب المقال «وفيه أن كثيرا من الكتب يخلو عن كلام مصنفها مثل كتاب سليم بن قيس وكتاب علي بن جعفر - عليه السلام - وكثير من أصحاب الأئمة - عليهم السلام -» (4) وذكر المازندراني «بان كثير مما صنف في زمان الأئمة - عليهم السلام - لم يذكر فيه غير الأحاديث ولم يطلقوا عليها اسم الأصل ككتاب حسين بن عثمان بن شريك وكتاب جعفر بن محمد بن شريح وكتاب أبي سعيد عماد العصفري وكتاب مثنى بن الوليد». وصرح الوحيد البهبهاني بعد ذكر الفرق ما نقله عن الشيخ «بات كثيرا من الأصول فيه كلام مصنفة وكثير من الكتب ليس فيه» وبالجملة يظهر ان هنالك كتبا ليس فيها كلام مصنفة وهنالك أصول فيها كلام مصنفة نعم لو ادعوا «ندرة وجود كلام المصنف فيها فليس ببعيد، ويمكن ان لا يضر القائل أيضا». ومن هذا يظهر ان هنالك أصلا فيه كلام مصنفة وهنالك كتب ليس فيها كلام مصنفها فيكون الانتفاء هذا الفرق.
ثالثا: - ان الأصل غير مبوب وغير مرتب والكتاب مبوب ومرتب قال صاحب تهذيب المقال في شرح الرجال «ان الأصل مجمع اخبار وروايات بلا تبويب والكتاب ما كان مبوبا مفصلا» (5) والوحيد البهبهاني «ان الكتاب ما كان مبوبا ومفصلا والأصل مجمع اخبار وآثار» (6) والمازندراني «ما عن بعض من ان الكتاب ما كان مبوبا ومفصلا والأصل ما جمع فيه

(1) تهذيب المقال / محمد علي الأوحدي الأبطحي ص 89.
(2) نخبة المقال / المازندراني ص 99.
(3) الفوائد / الوحيد البهبهاني ص 34.
(4) تهذيب المقال / محمد علي الأبطحي ص 89.
(5) تهذيب المقال / محمد علي الأوحدي ص 34 ص 90.
(6) الفوائد / الوحيد البهبهاني ص 34.
18

الأحاديث من غير ترتيب» (1) وكذلك ذكر صاحب الذريعة «حيث لم يكن للأصول ترتيب خاص لان جلها من إملاآت المجالس وجوابات المسائل النازلة المختلفة المتفرقة من أبواب الفقه والأصول كما نرى في الموجودة أعيانا اليوم ولم يرد الشيخ في الفهرست من ترجمة احمد بن محمد ابن نوح (له كتب في الفقه على ترتيب الأصول وذكر الاختلاف فيها) ان للأصول ترتيبا خاصا بل انما أراد ان كتبه الفقهية لم تكن مرتبة على ترتب أبواب الفقه الذي اختاره القدماء في مجاميعهم بل كانت على نسق الأصول في عدم ترتب» (2).
ويرد على هذا الفرق هنالك أصول مبوبة ومرتبة كما ان هنالك كتب غير مبوبة ومرتبة قال الوحيد البهبهاني «بات كثيرا من الأصول مبوبة كذلك» والمازندراني «بات كتاب حسين بن عثمان وغيره مما ذكرنا آنفا لم يكن مبوبا ولم يطلق عليها اسم أصل» وصاحب تهذب المقال «وفيه أولا ان الأصول فيها ما كانت مبوبة كما يظهر بالتأمل في تراجم من عد كتبه في الأصول وثانيا ان لازمه كون كتب إلى ان قال ورابعا لزوم فضل الكتاب على الأصل بالتبويب والنظم والامر بالعكس كما سنقف عليه» (3)
رابعا: - كون الأصل اخذ مشافهة عن المعصوم دون واسطة ذكره السيد محمد علي الأوحدي الأبطحي «إن الأصل ما اخذ من المعصوم مشافهة بلا واسطة سماع من الرواة. وفيه ان كتب كثير من أصحاب الأئمة - عليهم السلام - كانت مأخوذة منه بالسماع مشافهة وفهم من لا يوجد له رواية عن الرجال عنهم بل انما روى عنهم - عليهم السلام بلا واسطة ومع ذلك لا يعد كتابه في الأصول على ان في أصحاب الأصول من قيل فيه انه لم يسمع من أبي عبد الله - عليه السلام - «حديثين مثل حرير بن عبد الله وقد عد كتابه أصلا كما في الفهرست ص 63» (4)
وبالجملة يظهر ان الأصل يأخذ مشافهة وكذلك الكتاب فلا فرق بينهما من هذه الناحية
خامسا: - ان الأصل ما كان معروضا على الأئمة ومعروفا عندهم قال المازندراني «ما يظهر من المولى الفقي المجلسي من ان الأصول ما

(1) نخبة المقال / المازندراني ص 15.
(2) الذريعة / أغا بزرك الطهراني ص 192.
(3) تهذيب المقال / محمد علي الأوحدي ص 34 ص 90.
(4) تهذيب المقال / محمد علي الأوحدي الأبطحي ص 90.
19

صنفها أصحاب الاجماع أو ما كانت معروضة على الأئمة - عليه السلام - أو كان متواترا عندهم تقرير المعصوم - عليه السلام - لها فال شرح المشيخة ان الأصحاب اختاروا من هذه الكتب الأربعمئة وسموها بالأصول واجمعوا على صحتها اما لكون روايتهم ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم أو كانت الكتب معروضة على الأئمة أو كانت متواترا عندهم تقرير المعصوم لها أو لغير ذلك. وترد باب لم يذكر لأصحاب الاجماع أصل أصلا الا ان في فهرست في ترجمة جميل بن دراج له أصل مع ان نجاشي بدله بالكتاب والعرض على الأئمة - عليه السلام - ليس الا في قليل ككتاب عبد الله بن علي المحلبي وكتاب يونس بن عبد الرحمن والنواتر التقرير محض احتمال» (1)
سادسا: - في الغاية حيث ان غاية الأصل حفظ الحديث والكتاب غايته ترتيب وتعديل. ويرد عليه بان بعض الأصول مرتبة كما ان ذكر ان أصحاب الأئمة كانوا يأخذون معهم قرطاسا وقلم ويكتبون ما يملى عليهم ولم تسم محلها بالأصول.
سابعا: - في الحجية كان بنان القدماء ان حديث إذا ورد في أكثر من أصل قوى لهذه واما الكتاب فليس له تلك الخاصية.
الثاني) - النسبة بين الأصل والكتاب: -
قد ذكر ان هنالك نسبة بين الأصل والكتاب عموم وخصوص مطلق حيث كل كتاب أصل وليس كل أصل كتابا ذكر الشيخ صاحب الذريعة «الأصل هو عنوان صادق على بعض كتب الحديث خاصة. كما ان الكتاب عنوان يصدق على جميعها» (2)
وكما ذكر المازندراني «وبالجملة فالنسبة بينهما - الكتاب والأصل - عموم وخصوص مطلق إذ كل أصل كتاب ولا ينعكس» (3) ويرد عليه ان هنالك نوادر مروك.
الثالث) - الأصل هو الكتاب: - وذهب اليه بعضهم ويتضح هذا من كلام الوحيد البهبهاني كما وضحه الخاقاني «[فإنه - أي الكتاب - يطلق على الأصل كثيرا، ومنها ما سيجئ في ترجمة احمد بن الحسين المفلس واحمد ابن سلمة واحمد بن محمد بن عمار] بيان الاطلاق في تراجم هؤلاء اما

(1) نخبة المقال / المازندراني ص 100.
(2) الذريعة / أغا بزرك طهراني ص 192.
(3) نخبة المقال / المازندراني ص 100.
20

الأول فان فيه «روى عنه حميد بن زياد كتاب زكريا بن محمد المؤمن وغير ذلك من الأصول ذكره الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم فهذا يدل على إطلاق الكتاب على الأصل والا لم يتم قوله. وغير ذلك من الأصول» وفي احمد بن محمد بن سلمة «روى عنه حميد أصول كثيرة منها كتاب زياد بن مروان» وفي احمد بن محمد بن عمار [كثير الأحاديث والأصول - ثم قال - أخبرنا بكتبه]» (1) ويرد عليه ان بعض الأصول ليس بكتاب بل نوادر مثل نوادر مروك.
الرابع) استعمال الأصل بمعناه اللغوي: - ذكر صاحب الذريعة «واطلاق الأصل على هذا البعض ليس بجعل حادث من العلماء بل يطلق عليه الأصل بما له من المعنى اللغوي» (2) والمازندراني إلى ان قال «فيكون الأصل بما له من المعنى اللغوي». ويرد عليه ان استعماله في معناه اللغوي يكون واضحا ولم يكن هنالك فروق كما ان الكتاب معروف كذلك يكون الأصل ولكن اختلاف الأقوال في الأصل مما يتضح ليس مستخدما بمعناه اللغوي
الأصل والنوادر: - ذكر العلماء في ذلك أقوالا وهي: -
الأول: - الفرق بين الأصول الأربعمائة والنوادر: - هنالك فروق بين الأصول الأربعمائة والنوادر وهي: -
أولا: - النوادر لغة ما سقط وشذ جاء في لسان العرب «ندر الشئ يندر ندورا: - سقط وقيل سقط وشذ وقيل سقط من جوف الشئ أو من بين الشئ أو سقط من جوف الشئ أو من أشياء فظهر. ونوادر الكلام تضرر، وهي ما شذ وخرج من الجمهور وذلك لظهوره» (3). واما الأصل فهو أسفل كل شئ. واما اصطلاحا فقد ذكروا عدة تعاريف للنوادر مختلفة الالفاظ ولكن معناها واحد وأقربها هو تعريف صاحب الفوائد «ما اجتمع فيه أحاديث لا تضبط في باب لقلته باب يكون واحدا أو متعددا لكن يكون قليلا جدا» (4). واما الأصل فهو «ما كتب راو من الأحاديث عن المعصومين أو عن راو وعرف عند قدماء الشيعة بأنه أصل».

(1) رجال الخاقاني / الخاقاني ص 132.
(2) الذريعة / أغا بزرك طهراني ص 82.
(3) لسان العرب / ابن منظور.
(4) الفوائد / الوحيد البهبهاني ص 34.
21

ثانيا: - ان النوادر غير مبوبة ابتداء واما الأصول فهي مبوبة وغير مبوبة ابتداء لان النوادر لا تنضيد في باب ويمكن تبويبها كما في نوادر احمد بن محمد بن عيسى غير مبوبة فبوبه داود بن كورة. واما الأصل ففيها المبوب وغيره.
الثاني) - النسبة بين الأصل والنوادر: - ان النسبة بين الأصل والنوادر نسبة العموم والخصوص من وجه وذلك لان بعض النوادر أصول وبعض الأصول نوادر كما في نوادر مروك يقول المازندراني «اما بينهما - النوادر وبين الأصول - فالظاهر بينهما عموم وخصوص من وجه» (1) ومن قال بينهما تباين من ينفي ان نوادر مروك ليست بأصل كما ذكر المازندراني «وأن يظهر من بعض دعوى التباين» (2) وليس له وجه ظاهر حيث اتفق على وجود بعض النوادر أصل كما صرح الوحيد البهبهاني من كلامه «واما النسبة بين الأصل والنوادر فالأصل ان النوادر غير الأصل وربما يعد من الأصول، كما يظهر في احمد بن الحسن بن سعيد واحمد بن سلمة وحرير بن عبد الله» (3)
الأصل والمصنف: - هنالك قولان هما
الأول): - الفرق بين الأصول الأربع مئة والمصنف: - هنالك فروق بينها وهي: -
أولا: - المصنف لغة من الصنف والصنف لغة النوع والضرب من الشيء جاء في لسان العرب «والصنف: - النوع والضرب من الشيء يقال صنف وصنف من المتاع لغتان والجمع أصناف وصنوف» (4) وقال المازندراني «والمصنف من التصنيف وتصنيف الشيء جعله أصنافا مميزة بعضها عن بعض كذا في اللغة» (5). واما الأصل فهو أسفل كل شئ واما اصطلاحا فان المصنف مستخدم بمعناه اللغوي. واما الأصل «فهو ما كتب راو من الأحاديث عن المعصومين أو عن راو عنه وعرف عند قدماء الشيعة بأنه أصل»
ثانيا: - «ان المصنف أعم من المسائل والنوادر والأصل والكتاب ظاهرا - لاطلاقه عليهما كما في ترجمة احمد بن ميثم بن أبي نعيم الفضل بن

(1) نخبة المقال / المازندراني ص 113.
(2) نخبة المقال / المازندراني ص 113.
(3) الفوائد الوحيد البهبهاني ص 34.
(4) لسان العرب / ابن منظور.
(5) نخبة المقال / المازندراني ص 163.
22

دكين في باب من لم يرو عنهم - 4 - من رجال الشيخ 420 برقم: 21، والفهرست: 49 برقم: 77 والنجاشي: 69 ويطلق بإزاء الأصل لما في ترجمة هشام بن الحكم: 204 برقم 772 قال: وله من المصنفات كتب كثيرة وديباجة الفهرست: 24 فالمراد به إذا مطلق المجموع أعم من الأصل والكتاب والنوادر. قال الشيخ في الفهرست في ترجمة محمد بن علي المقري: 174 برقم: 635 له مصنفات ومثله في محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري: 184 برقم 707 ومثله في رجاله: 513 برقم 133» (1)
ويرد عليه ان المصنف في الخاص والعام يطلق على الكتاب دون الفرق بينهما كما نلمسه في واقعنا الحياة ويؤيد ذلك المازندراني في قوله «ولعل الظاهر منهم اتحادهما. الكتاب والمصنف - وعدم تفاوت بينهما حيث يطلقون كل واحد منهما على الاخر» (2) فيكون اطلاق المصنف عليهم ليس من باب الأعم وانما لعدم التفاوت.
ثالثا: - «وربما يطلق المصنف مقابل الأصل كما يظهر من ديباجة الفهرست: 24 عند ذكره احمد بن الحسين بن عبد الله حيث قالك فإنه عمل كتابين أحدهما ذكر فيه المصنفات والاخر ذكر فيه الأصول» (3) ويرد عليه ان لا فرق بين الكتاب والمصنف.
الأصل والنسخة والمسائل والرسائل: - ان توضيح هذه الثلاثة يمكنك من معرفة الفروق بينها وبين الأصل
النسخة: - النسخة في اللغة مأخوذة من نسخ: نسخ الشيء ينسخه وانسخه، جاء في لسان العرب «نسخ: نسخ الشيء ينسخه وانتسخه واستنسخه اكتتبه عن معارضه. التهذيب: النسخ اكتتابك كتابا عن كتاب حرفا بحرف والأصل نسخه والمكتوب عنه نسخة لأنه قام مقامه والكاتب ناسخ ومنتسخ» (4). واما اصطلاحا فلقد ذكر صاحب المقال «النسخة وهي الكتاب المنقول أو المنقول منه. والظاهر من موارد ذكرها الكتاب المأثور عن أحد المعصومين عليهم السلام كان بخطهم أو منقولا من خطهم سواء كانت مبوبة أولا مشتملة على المسائل المختلفة أو لا كما يظهر من الإشارة إلى مواضعها كما ذكر النجاشي عمر بن عبد الله بنسخه جده عن أمير

(1) مستدرك المقباس / المقمقاني ج 6 ص 95.
(2) نخبة المقال / المازندراني ص 99.
(3) نخبة المقال / المازندراني ص 99.
(4) لسان العرب / ص 624.
23

المؤمنين - عليه السلام - رقم 768» (1) كما وذكر الشيخ محمد رضا المقمقاني «هو عنوان عام لبعض رسائل صغيرة من مؤلفات الفروق الأولى تحتوي على مسائل واحكام عملية دينية، فهي من مصادر التشريع، وهي كالأصول الأربعمئة يرويها الراوي لها عن مصنفه مع الواسطة أو بلا واسطة فيعبر عنها بنسخه فلان ابن فلان - ثم ذكر - قال شيخنا في الذريعة 24 / 148: فلعل النسخة اسم لكتاب جمع فيه احكام تأسيسية وضعها نقلها الراوي - وهو المصنف للأصل أو الراوي عن أباه». ثم عرضها على الامام واخذ تأييده لها» ويرد على التعريفات من ان الذي ذكر صحيح ولكن ليس له في الاحكام من دخل حيث ان النسخة المتعارف في عصرنا الحالي هو كتاب أو رسالة أو مسائل أو أصل عند شخص معين غير مؤلفه ولم نعلم بتغيير عنوانها. كما وان ليس لنسخة أهمية في الاحكام تأسيسها أو إمضائيا الا في موضوعها ومادتها ويمكن ان تكون لها أهمية من قبل مؤلفها إذا كان من الأعيان. ومن هذا يتضح الفرق
أولا: - ان الأصل يختلف عن النسخة في التعريف.
ثانيا: - ان النسخة إذا كانت أصلا فلها دخل في قوة السند اما غيره فليس له في قوة السند واما الأصل فهو له دخل في قوة السند.
المسائل: - والمسائل جمع مسألة جاء في لسان العرب «وجمع المسألة مسائل بالهمزة فإذا حذفوا الهمزة مسلة» (2) تعريفه لغة واما تعريفه اصطلاحا فقد عرفه صاحب مستدرك المقياس «هو مجموعة مختصة بما سألها صاحب الكتاب من أحد الأئمة - عليهم السلام - في مسائل متفرقة» (3) ومن هذا يتضح انها مستعملة في معناها اللغوي وكما انها ليس لها موضع في قوة السند فمثلا عن علي بن يقطين ومسائله عن الكاظم - عليه السلام - ومسائل علي بن جعفر الهمداني لأبي الحسن العسكري - عليه السلام. فيكون الفرق واضحا بينهما وبين الأصول الأربع مئة وهي
أولا: - التعريف.
الثاني. في قوة السند للحديث

(1) تهذيب المقال / السيد محمد علي الأوحدي الأبطحي ص 68.
(2) لسان العرب / ابن منظور ص 76 مجلد 2.
(3) مستدرك المقباس / الشيخ محمد رضا المامقاني.
24

الرسائل: - الرسائل جمع رسالة وهي مأخوذة من (أرسله) أي وجهه جاء في لسان العرب «الارسال: التوجيه، وقد ارسل اليه.
والاسم الرسالة والرسالة والرسول والرسيل» (1) فتكون بمعنى التوجيه وأما اصطلاحا فهي مستخدمة بمعناها اللغوي وقد ذكر صاحب المستدرك المقباس «وهي تطلق على المراسلات التي جرت بين الأصحاب والأئمة - عليهم السلام - وحفظت ودونت، وتدور حول مسائلة واحد غالبا أو موضوع معين بخلاف المسائل ولعلها هي المكاتبة التي اصطلحها أهل الدراية» (2) ويكون حملها على المراسلات إلا أن في حياتنا اليومية نجد أن الرسالة بمعناه اللغوي وهو التوجيه. حيث يكون في موضوع معين كما في رسائل الشيخ المفيد ورسائل الأنصاري (قدس سره) وغيرهم فهي متعارف حتى في عصرنا وحملها على المراسلات وجه ضعيف. وأما الفرق
بينها وبين الأصول يتوجه
الأول: - التعرف
الثاني: - إن الرسائل ليس لها دخل في قوة السند خلاف الأصل.
القول الراجح: - يتضح من الأقوال والفروقات بين الأصول الأربع مئة والكتاب والنوادر والرسائل ونسخ المصنف والمسائل والنسخ، إن الراوي في كتابته لأحاديث الأئمة وتأليفه لا يقصد سوى حفظ كلامهم - عليهم السلام - وذكر أقوالهم - عليهم السلام - حتى يكون له عون في رجوع له عند فقد الامام - عليه السلام -. فان كان ذو فائدة وأعتمد عند الشيعة وكان متوفرا ويسهل اقتناءه وجعلته أصلا في الاتكال عليه ورجوع سمته أصل ويعترف بفضله عند الشيعة وأما إذا كان كثير الفائدة وليس متوفر وسهل الاقتناء ولم تشر إليه الشيعة بأنه أصل ولم يصرح به أحد سوى أقلتهم فيكون كتاب ويبقى على عنوانه.
كما وأن كان في عصر الأول عدم الترتيب والتبويب فيخرج الأصل عدم التبويب والترتيب وأما في العصور المتأخرة فهنالك الترتيب والتبويب ينتج أن بعض الأصول مرتبة ومبوبة. كما نراه في عصرنا الحالي ممن جعل بعض التأليف أصولا ومعتمدة عندنا مع وجود عدد تصانيف وكتب ليس لها ذلك الحظ في الخروج مع ما لها من فائدة أما لعسر اقتناءها أو عدم ذكرهم في تصانيف الآخر وعدم ذكر العلماء لها.

(1) لسان العرب / ابن منظور ص 1165 مجلد 1.
(2) مستدرك المقباس / الشيخ محمد رضا المقمقاني ج 6.
25

وكثيرا ما تساءلنا عن كتاب يطبع عدد المرات وآخر يبقي مع المخطوطات مع ماله فائدة ومعتمد عند ذوي الفن. فيكون الأصل ما اختارته الشيعة وأطلقت عليه أصلا كما اختارته مجموعة من الكتب وأطلقت عليها نوادر وهكذا.
26

الفصل الخامس
في حجية الأصول الأربع مئة
قال المحقق الداماد في رواشحه
«وليعلم أن الأخذ من الأصول المصححة
المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية»
27

في حجية الأصول الأربع مئة يجب البحث في أمرين مهمين فلا يمكن الجمع بينهما كما فعل السابقين واللاحقين وهما أولا في نفس الأصول الأربع مئة هل هي في صحة سند الحديث وتقوية أم لا؟ والثاني في نفس صاحب الأصول الأربع مئة وذكره هل يفيد المدح أولا؟
الأول: - نفس الأصول الأربع مئة: - قال المحقق الداماد في الراشحة التاسعة والعشرون من رواشحه بعد ذكر الأصول الأربع مئة «وليعلم ان الأخذ من الأصول المصححة المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية» (1). وفي مشرق الشمسين بعد ذكر الأمور الموجبة لحكم القدماء بصحة الحديث «وعد منها - وجود الحديث كثير من الأصول الأربع مئة المشهورة المتداولة عندهم - ومنها - تكرر الحديث في أصل أو أصلين منها بأسانيد مختلفة متعددة (ومنها) وجوده في أصل رجل واحد معدود من أصحاب الاجماع» (2). وفي الوافي قال «المتعارف بين قديمنا اطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه وبما يوجب الوثوق والركون اليه كوجود في كثير من مشايخهم بطرقهم المتصلة إلى أصحاب العصمة - سلام الله عليهم - وتكرره في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة. وكوجود في أصل معروف والانتساب إلى أحد الجماعة اجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل أو على تصحيح ما يصح عنهم» (3). وفي الذريعة «فوجود الحديث في الأصل المعتمد عليه بمجرده كان من موجبات الحكم بالصحة عند القدماء. واما سائر الكتب المعتمدة فإنها يحكمون بصحة ما فيها بعد دفع ما سائر الاحتمالات المخلة بالاطمئنان بالصدور ولا يكتفون بمجرد الوجود فيها وعقيدة مؤلفيها فالكتاب الذي هو أصل ممتاز عن غيره من الكتب بشدة الاطمئنان بالصدور

(1) الرواشح / دامان ص.
(2) نقلا عن الذريعة ص 126.
(3) فوائد رجالية مخطوطة مجهولة المؤلف ص 12.
28

والأقربية إلى الحجة والحكم بالصحة» (1). فاعلم ان إثبات الحكم الشرعي بالاخبار المروية عن المعصومين عليهم السلام - موقوفة على مقدمات وهي: -
أولا: - كون الكلام صادرا عن المعصوم - عليه السلام -. فيكون الحاكي للسنة تثبت به السنة إذ مع عدم ثبوتها به لا يصح الاعتماد عليه.
ثانيا: - كون صدوره لبيان حكم الله الواقعي لا لغرض آخر من تقيه ونحوها مما يصح إظهار خلاف الواقع بصورة الواقع.
ثالثا: - ثبوت دلالتها على الحكم المدعى. وهذا يتوقف أولا على تعيين أوضاع ألفاظ الرواية وثانيا على تعيين المراد منها وأن المراء مقتضى وضعها أو غيره فهذه أمور أربعة.
رابعا: - إثبات عدم المعارض للسنة وعلاج المعارض لها.
خامسا: - (المقدمة الرابعة) فقد تكفل بها مبحث التعارض. «المقدمة الثالثة» وقد تكفل للبحث عن دلالة الحاكي للسنة إذا كانت قولا مباحث الالفاظ وأثبتوا فيها ان الظهور اللفظي هو الحجة كما ان البحث إذا كانت السنة فعلا أو تقريرا فهو مبحث السنة في أصول الفقه. و (المقدمة الثانية) وهي تسمى بجهة الصدور فمع العلم به لا كلام لنا ومع الشك فالأصل فيه صدور السنة بجهة بيان لا لجمعة أخرى من تقية أو استهزاء أو نحوها للقاعدة المجمع عليها بين العلماء والعقلاء على حمل ما يصدر من العاقل البالغ قولا أو فعلا أو تقريرا على ما هو المقصود منه ظاهرا بحسب المتعارف لبيان الواقع لا لغرض اخر ولذا لا يسمع دعواه ذلك إذا لم يأتي عليها بشواهد وحيث ان هذه الجهة معلومة الحال لم يتكلم فيها على سبيل الاستقلال و (المقدمة الأولى) وهي محل بحثنا. حيث كون الكلام صادر من المعصوم - عليه السلام - وحاكيا عنه يثبت بعدد طرق.
اما بطريق التواتر وهو يفيد القطع ويبحث في الرواية.
واما بطريق الخبر الواحد ويبحث في حجيته في الأصول الفقه.
واما الكتب الأربعة المعروفة - في هذا الاعصار - من لا يحضره الفقيه، والكافي، والاستبصار، والتهذيب - فقد وقع الخلاف في صدورها ولكن اجمع العلماء على العمل بها بل من ضروريات المذهب ما ذكره الشيخ

(1) الذريعة / أغا بزرك طهراني ص 182 ج 1.
29

الأنصاري (قدس سره) قال «ثم اعلم ان أصل وجوب العمل بالأخبار المدونة في الكتب المعروفة مما اجمع عليه في هذه الاعصار، بل لا يبعد كونه ضروري المذهب» (1). واما الأصول الأربع مئة. فمن ذكرها أقوال العلماء في الأصول اربع مئة يتضح اجماع القدماء ولم يختلف فيه اثنان بأنها المصححة للحديث، وكانت ولا تزال هي من ضروريات المذهب. وذلك ان أصحاب الأصول الأربع مئة كانوا يتصفون بكثرة الحفظ وعدم النسيان وان الراوي كان يستصحب معه أدات وقرطاس عند حضورهم لدى المعصوم - عليه السلام -. ان قربهم من مصدر التشريع مما أدى إلى قول القدماء بصحة ما ورد في أصول الأربع مئة. «لا ريب ان احتمال الخطأ والغلط والنسيان والسهو وغيرها في الأصل المسموع شفاها عن الامام أو عن سمع عنه أقل منها في الكتاب المنقول» (2). كما وانه القدماء عملوا بالأصل وان كان صاحبه ضعيفا، كما في أصل علي بن حمزة البطائي وغيره مع ان الأصحاب اضعفه الا انه عمل بأصله بخلاف ما ذكر صاحب الذريعة من قوله «قبول ما في الأصول والاحتجاج بحديثهم ان كان صاحب الأصل من الرجال المعتمدين ويوصف حديثهم بالصحة» (3) حيث كون الراوي ثقة هو يقوي سند الحديث دون الاعتماد على قرائن أخر وهذا مبنى المتقدمين والمتأخرين. لمن يرى حجية خبر الواحد كما أعتمد صاحب المستدرك المقباس على قول صاحب الذريعة في أن الأصل يكون حجة إذا كان صاحبه ثقة. ووضحنا بخلافه بذكر المزبور.
وأما في عصرنا الحالي فان علماء يذكرون الأصول الأربع مئة ومبنى القدماء ويتضح من كلامهم بان الأصل صحيح إذا كان صاحبه صحيح فيقرنون الأصل مع راويه هذا ما اتضح من كلام صاحب الذريعة وأعتمد عليه الشيخ محمد رضا المقمقاني قائلا «لا ريب أن احتمال الخطأ والغلط والنسيان والسهو وغيرها في الأصل المسموع شفاها عن الامام أو عمن سمع عنه أقل منها في الكتاب المنقول - إلى أن قال - ومن هنا كان بناء القدماء - وجمع من المتأخرين - على قبول ما في الأصول والاحتجاج بحديثهم إن كان صاحب الأصل من الرجال المعتمدين ويوصف حديثهم بالصحة - بخلاف سائر الكتب والمصنفات والرسائل - كما ذكر صاحب

(1) فرائد الأصول الرسائل / الشيخ الأنصاري.
(2) الذريعة / أغا بزرك طهراني.
(3) الذريعة / أغا بزرك طهراني.
30

الذريعة» (1). وإذا كان صاحب الأصل ضعيف فلم يذكره وذكرهم بقبول الأصل إذا كان راوية ثقة فهو مقبول هذا لم يختلف فيه اثنان. وأما الأصل دون راوية إن كان ثقة أو غيره هل هو مصحح للحديث بما أن أصحاب الأصول شهدوا عليهم القدماء بأنهم كانوا قليلي السهو والخلط والنسيان وكثيري الحفظ وأنهم كانوا يكتبون كلما يذكره الامام فكان الأصل مقوى ومصحح لرواية. ولم يذكر علمائنا المتأخرين بان القدماء عارضوا هذا المبنى بل كانوا مسلموا بها كما أن القدماء كانوا قربى لمصدر التشريع.
نستصحب بناءهم إلى زماننا لما نرى عدم المعارض لهذا المبنى. كما نرى ونستشم بان هذا القول في زمن الأئمة لأن القدماء عاصروا الأئمة - عليهم السلام - ولم يعترض عليه من أحد من الأئمة - عليهم السلام - فهو تقرير من الأئمة - صلوات الله عليهم - لهذا المبنى. فيكون الأصل مصحح لسند ومقويه إن قلت: - بان الأصول الأربع مئة حجة مصححة للحديث ومقوية سنده يلزم القول بصحة الأصول الأربعة - الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والاستبصار، والتهذيب - ومسلم بين العلماء الأصوليين بأنها ظنية الصدور.
قلنا: - إن الشبهة التي وقع فيها الأخباريين هو من اعتقادهم الإخبارين بان الأصول الأربعة جمعت من تلك الأصول الأربع مئة، وأن الأصول الأربع مئة قطعية الصدور فيلزم بقطعية صدور الكتب الأربعة.
ولكن من الواضح إن الكتب الأربعة ليست ضليعة فقط للأصول الأربع مئة منها وأنما هنالك كتب آخر اعتمدوا في جمعهم لكتاب وهذا مما يتضح من مراجعة الكتب وهم في مقدمة كتبهم قد ذكروا هذا. ولو سلمنا بان هذه من الأصول الأربع مئة فلا يستلزم قطعية صدورها لاختلاف العنوان.
فائدة: - (في اختلاف قبول رواية علي بن أبي حمزة البطائني): -
لقد اختلفت الأقوال في علي بن أبي حمزة البطائني حيث «قال المجلسي في وجيزته، فإنه بعدما ضعف البطائني صريحا نسب إلى القيل كونه ثقة معللا له بأمور ثلاثة فقال وأبن أبي حمزة البطائني ضعيف وقيل ثقة لأن الشيخ قال في العدة عملت الطائفة بأخباره. ولقوله في الرجال (رجال الشيخ) له أصل ويقول ابن الغضاري ابنه الحسن أبوه أوثق منه -

(1) مستدرك المقباس / الشيخ محمد رضا المقمقاني ج 6 ص 232.
31

وصرح الشيخ المامقاني بان هذه الأمور التي أشار إليها المجلسي هي حجة توثيق البطائني الذي مال إليه.
أو قال به عدة من الأواخر. قال الشيخ محمد بن الحسن الحر بعد نقل خبر هو في طريقة وأكثر رواته ثقات وإن كان منهم علي بن أبي حمزة وهو واقفي لكنه وثقة بعضهم وبنى الشيخ المامقاني على ضعفه لكنه قيل اخباره وعدها من القوي وقدم الصحيح عليها عند التعارض. لأجل شهادة الشيخ بان الطائفة قد عملت باخباره لكن الحق إن ما ذكره المجلسي لا يصلح دليلا لوثاقة البطائني أو قبول أخباره» (1). ومن هذا يظهر إن علي بن أبي حمزة البطائني ضعيف له أصل ولكن عملت الشيعة برواياته. وتخرج مما هم فيه هو أن البطائني له أصل كما ذكر الشيخ وبناء القدماء ورود الرواية في أصل مصححه لها دون النظر إلى الراوي ثقة أو ضعيف فعمل الشيعة برواياته هو لورودها في أصله. ولم يلتفت ظاهرا إلى هذا المطلب من قبل لما كان يبحثون في الراوي والأصل معنا وما حار فيه ذي الأفهام يمكن حله بمبنى
القدماء القائل إن الأصل يصحح الحديث.
ومثال على ذلك كقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - «كل من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن» مع عدم إيمان أبي سفيان إلا ان من دخل بيته فهو آمن فما دخل في الأصل صحيح مع دون النظر إلى الراوي ثقة أو غيره.
الثاني: - نفس راوي الأصل: -
وراوي الأصل اختلف فيه إلى أربعة أقوال وهي إما كون له أصل يفيد حسن أو لا يفيد وأن إفادة الحسن فاما الحسن الاصطلاحي أو يفيد منه إمارة المدح فهذه ثلاثة أقوال وهي: -
أولا: - ما يفيد الحسن والاصطلاحي (2) فقد ذهب إلى هذا القول خال وجد صاحب الفوائد حيث قال «ثم اعلم أنه عند خالي (3) وجدي (4) - أيضا - على

(1) قواعد الحديث / محي الدين الموسوي الغريفي.
(2) الحسن الاصطلاحي: - «وهو ما كان رواته ممدوحين بمدح لم يبلغ التصريح بالعدالة كلهم أو كانوا عدول ولكن فيهم واحد ممدوح ولم يصرح بعدالته.» مصادر الحكم الشرعي، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج 1 ص 48.
(3) خالي: - هو المولى محمد باقر المجلسي الثاني صاحب (البحار).
(4) جد: - هو والده المولى محمد تقي المجلسي الأول والمولود سنة 1003 ه‍ والمتوفي سنة 1070 ه‍.
32

ما هو ببالي ان كون الرجل ذا أصل من أسباب الحسن» (1) ووجه بأنه حسن من قول العلماء ذو أصل عند اطلاق له دون ذكر شئ عن وثقه أو ضعفه وغيرها من معائب الراوي يشعر بوثاقة صاحبه وذلك إن الشيخ المفيد «في مقام مدح جماعة في رسالته في الرد على الصدوق قال: - وهم أصحاب الأصول المدونة.» (2). ولو كان فاسد العقيدة لتعرضوا إلى ذلك. هذا في إطلاق الأصل ذكر صاحب القواعد الحديث «وجه القول بإفادة الحسن إن قولهم: ذو أصل مع الاطلاق له وعدم ذكر فساد عقيدته وغيرها من معائبه، ربما يشعر - بل يظهر منه - التعديل على ذلك الأصل، بل قد يشعر بوثاقة صاحبه، إذ لو كان فاسد العقيدة لتعرضوا له، كما هو ديدنهم ذلك كما لا يخفى والغرض للقائل إنما هو مع الاطلاق لهذا القول، والا فقد يتفق كون الرجل ذا أصل مع فساد العقيدة بل هو كثير كما نبه عليه فيما بعد، ولكن ذلك للمعلومية من خارج للتنبيه عليه ممن تعرض له - إلى أن قال - وهذا كله غير منافي مع المدعى إذ المدعى إنما هو مع الاطلاق، وعلى هذا فيكون عرض القائل بكونه من أسباب الحسن هو الحسن الاصطلاحي بالتقريب المذكور» (3) ويرد عليه بادئا تأمل حيث هنالك كثير من أصحاب الأصول كانوا فاسدي العقيدة أو ضعفاء أو عدم العمل بروايتهم وهذا ما ذهب إليه الوحيد البهبهاني والخاقاني حيث قال «ولكنه محل نظر وتأمل كما تأمل فيه - أعلى الله مقامه - إذ لم يثبت ذاك الديدن في قولهم: (ثقة) مع عدم التعرض لفساد المذهب.» (4) وأما الوحيد البهبهاني فقال «وعند فيه تأمل لأن كثيرا من مصنفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وأن كانت كتبهم معتمدة على ما صرح به أول (الفهرست) وأيضا الحسن ابن صالح بن حي بترى متروك العمل بما يختص بروايته على ما صرح به في (التهذيب) مع إنه صاحب الأصل، وكذلك علي بن أبي حمزة البطائني، مع انه ذكر فيه ما ذكر، إلى غير ذلك وقد بسطنا الكلام في المقام في الرسالة» (5) وأضعف من ذلك كون الرجل ذا كتاب من أسباب الحسن

(1) الفوائد / الوحيد البهبهاني ص 35.
(2) نقلا عن الفوائد ص 35.
(3) رجال الخاقاني / الشيخ علي الخاقاني ص 325.
(4) رجال الخاقاني / الشيخ علي الخاقاني ص 326.
(5) الفوائد / الوحيد البهبهاني ص 325.
33

فهو مكابر قال في (المعراج) (1) «كون الرجل ذا كتاب لا يخرجه عن الجهالة إلا عند بعض من لا يعتد به» (2)
ثانيا: - «ما يفيد حسنا لا الحسن الاصطلاحي
وكذا كونه كثير التصنيف، وكذا جيد التصنيف وأمثال ذلك، بل كونه ذا كتاب أيضا يشير إلى حسن ما» (3) هو ما ذكره صاحب الفوائد وبعض الأجلاء من أن ذكر الأصل يشعر بالمدح لا انه يدل على المدح ذكر المازندراني «من كون الرجل صاحب أصل يفيد حسنا لا الحسن الاصطلاحي بمعنى إن في ذلك اشعارا بالمدح لا إنه يدل على المدح وان الاشعار من الدلالة ان قال: - ودعوى عدم إفادة هذه الحسن مطلقا في غاية السخافة بل مكابرة بينة كما إن إفادتها ذلك دعوى بينة فالأجود هو التفضيل في إفادتها حسنا ما وتعريف ما لا الحسن الاصطلاحي المعروف عند علماء الرجال وبهذا يمكن الجمع بكون كلمات النافي والمثبت حتى يصير النزاع لفظيا فتأمل وكذا الحال في ساير الألفاظ من كونه كثير التصنيف وجيد التصنيف وذو كتب ونحوها» (4) وكما استدرك الوحيد البهبهاني حيث قال «ولعل ذلك مرادهم مما ذكروا وسيجئ عن (البلغة) (5) في الحسن بن أيوب أن كون الرجل صاحب الأصل يستفاد منه لمدح» (6) هو بعد إن أضعف قول بان ذكر له أصل يفيد الحسن الاصطلاحي استدرك بأنه يفيد الحسن ما لا الحسن الاصطلاحي ويرد عليه السيد الخوئي (قدس سره) «إذ رب مؤلف كذاب وضاع، وقد ذكر النجاشي والشيخ جماعة منهم» (7).
ثالثا: - إن ذكر للراوي إنه صاحب أصل لا يفيد شيئا
كما يذكر له كتاب وله مصنف وغير ذلك وهذا ما ذهب إليه السيد الخوئي (قدس سره) في معجمه وهنالك من قال به وذلك (إذ رب مؤلف

(1) المعراج (مخطوطة) للشيخ أبي الحسن سلمان بن عبد الله بن علي بن الحسن ابن أحمد بن يوسف بن عمار البحراني المولود سنة 1075 ه‍. والمتوفي سنة 1121 ه‍. نقلا عن كتاب رجال الخاقان.
(2) نقلا عن كتاب الفوائد / ص 35.
(3) الفوائد / الوحيد البهبهاني ص 35.
(4) نخبة المقال / الشيخ محمد حسن المازندراني ص 113.
(5) البلغة المحدثين في الرجال (مخطوط) على حذو الوجيزة للمجلسي الثاني صاحب البحار، تأليف الشيخ سليمان البحراني المذكور.
(6) نقلا عن كتاب رجال الخاقاني ص 36.
(7) معجم رجال الحديث / السيد أبو القاسم الخوئي ج 1 ص.
34

كذاب وضاع، وقد ذكر النجاشي والشيخ جماعة منهم» (1) ويرد عليه كما ذكر المازندراني من أن «دعوى عدم إفادة هذه الحسن مطلق غاية السخافة بل مكابرة بينة كما إن إفادتها ذلك أي الحسن ما لا الحسن الاصطلاحي دعوى بينة» (2)
القول الراجح: -
تبين لك من سرد أقوال الأجلاء من أن لراوي له أصل فيه ثلاثة احتمالات فأما يفيد الحسن أو لا يفيد. والحسن أما يفيد الحسن الاصطلاحي أو لا يفيد الحسن الاصطلاحي بل مطلق الحسن وتقدم الأقوال فيهم. فان الحسن الاصطلاحي لا يمكن القول به ومن قال به فهو من الشواذ حتى الخال والجد للوحيد قد استدرك الوحيد البهبهاني بان مرادهم غيره فبأدنا تأمل نخرج بعدم دلالته على الحسن الاصطلاحي. وأن لا يفيد شئ فهو محل نظر وذكرنا من يرد عليه. كما ويرد بان في أعراف الناس ان ذكر للشخص له صنع أو عمل شئ يعتبر مدح له وكذلك من ألف كتاب أو إنه صاحب كتب أو تصانيف يفيد مدح ما وكذلك من ملك مكتبة تشعر بالمدح ما وهذا متعارف في كل عصر ومصر بأنه يفيد مدح ما. ولهذا من أسباب معرفة العالم علمه وأعلميته من كثيرة مصنفاته وتأليفه كما ذكروا الشيخ المفيد (قدس سره) انه كثير
التصانيف وكذلك الشيخ الطوسي (قدس سره) وغيرهم من العلماء الأعلام. نعم يمكن احتمال كون له كتاب أو له مصنف أو له أصل إنه كذاب فهذا لا يجعلنا أن نحكم من لم يذكر له صفة من ثقة أو غيرها، حمله على الكذب كما كان مسلك القميون حيث كانوا يشككون في الشخص حتى يثبت خلافه فهم شك وطردوا أحمد بن محمد بن خالد لأنه يروي عن الضعفاء قال ابن الغضائري: «طعن عليه القميون، وليس الطعن فيه، انما الطعن فيمن يروي عنه فإنه كان لا يبالي عمن أخذ على طريقة أهل الأخبار! وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده عن قم ثم أعاده إليها واعتذر إليه. وقال: وجدت كتابا فيه وساطة بين أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد لما توفى مشى أحمد ابن محمد بن عيسى في جنازته حافيا حاسرا، ليبرء نفسه مما قذفه به» (3) حتى ثبت خلافه فاحترموه وقدموه عكس الكوفيون حيث

(1) معجم رجال الحديث / السيد أبو القاسم الخوئي ج 1 ص.
(2) نخبة المقال / الشيخ محمد حسن المازندراني ص 113.
(3) وهو يمكن القول أنه يغمد رفع الجهالة شئ ما.
35

كانوا يحملون على الصحة. مقتدين بحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما معناه «احمل أخاك على محمد حسن» أو «إحمد أخاك على سبعين محمد» وهنالك غيرها من الروايات. وهذا ما نلمسه من بعض من يسلك مسلك القميون في حياتنا اليومية فإنه يشكك جميع إخوانه المؤمنين عكس ذلك من اتخذ مسلك الكوفيون حيث يحمل أخاه المؤمن على الحسن وأفعاله كذلك حتى يتبين العكس ومن هذا يكون القول بان ذكر للراوي له أصل أو صاحب كتاب أو جيد التصنيف يفيد حسن لا الحسن الاصطلاحي (1) كما وأن النجاشي في مقدمته انه ألف كتابه ليظهر للمقابل إن للشيعة لها تأليف وكتب ومصنفات ومنها يظهر مدح ما فلو لم يكن فيها مدح لما ذكر ذلك عالم بالسرائر.

(1) نقلا عن الخلاصة ص 14.
36

الفصل السادس
شبهات وردود حول
الأصول الأربع مئة
قال الشيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي: -
«فان تصانيف أصحابنا وأصولهم لا تكاد تضبط
لانتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض»
37

لقد ذكرت عدة شبهات على الأصول الأربع مئة وهي:
الأول: - «من قول بعض المعاصرين في دراسته حول الأصول التي ذكرها الطوسي والنجاشي بأكثر من مائة أصل، إذ لو كانت الأصول الأربع مئة - كما هو المشهور - فلماذا لم يذكرها وهما قد ضمنا الاستيفاء؟ ولو كانت أقل فمن أين جاء التحديث بالأربعمائة كما هو المشهور؟ ثم ذكر ثلاثة شواهد على أن الأصول لا تتجاوز المائة أصل، لا يرجع أحدها إلى محصل، وقد ناقض المتسالم عند القوم، ثم وجه قول المشهور بقوله: وما ذكره المشهور إنما نشأ من تعريفهم للأصل بأنه الكتاب المعتمد أو المصدر الحديثي الذي لم ينقل عن كتاب آخر ونحو ذلك» (1) وقد ذكر ذلك صاحب المستدرك المقباس واستعجب من حيث أن من المسلم عند الشيعة هو أربع مئة أصل لأربع مئة مصنف قال الشيخ المفيد «صنفت الامامية من عهد أمير المؤمنين - عليه السلام - إلى عصر أبي محمد الحسن العسكري - عليه السلام - أربع مئة كتاب تسمى الأصول وهذا معنى قولهم له أصل» (2). كما وأن النجاشي والفهرست حيث ذكر صاحب الفهرست «إني لا أضمن الاستيفاء لأن تصانيف أصحابنا وأصولهم لا يكاد تنضبط لكثرة انتشار أصحابنا في البلدان» (3). ومن مراجعة أقوال العلماء الأجلاء يتبين أن من يقول هذا من المعاصرين غير مطلع على أقوالهم.
الثاني: - «من قول بعض المعاصرين حيث ذهب إلى أن الأصل والكتاب والنوادر والجامع والمسائل بمعنى واحد، وإنما تطلق على كتب الأصحاب في الفقه والحديث ثم قال: وهذه الكتب المدونة في القرون الثلاثة بمنزلة المسانيد عند العامة، فكل كتاب من هذه الرواة يعد مسندا للراوي قد جمع فيه مجموع رواياته عن الامام أو الأئمة في كتابه» (4) ومما ذكرنا في الفصل الثالث يظهر لك جواب هذه الشبه حيث ترى الفروق بينهما.

(1) مستدرك المقباس / الشيخ محمد رضا المامقاني ج 6 ص 223.
(2) نقلا عن كتاب معالم العلماء ص 1.
(3) فهرست / الشيخ الطوسي ص 2.
(4) مستدرك المقباس / الشيخ محمد رضا المامقاني ج 6 ص 236.
38

الثالث: - فيما نقل عن الشيخ المفيد «إنه قال صنفت الامامية من عهد أمير المؤمنين إلى عهد أبي محمد الحسن العسكري أربع مئة كتاب ويسمى الأصول وهذا معنى قولهم فلان له أصل» (1) وظاهر منه اعتبار أمور ثلاثة في ذلك الوجه الأول كون مصنفة من طائفة الامامية الإثنى عشرية الثاني انحصار الكتب المصنفة في المدة المذكورة في أربع مئة والثالث تسمية الكل بالأصول «وأرد على كل واحد من الأمور الثلاثة أما على الأول فبان الشيخ قال في الفهرست في ترجمة زرعة الواقفي له أصل وكذا في علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي وفي زياد بن المنذر وهو زيدي وأما على الثاني ممنع الحصر لما عن المولى التقي المجلسي (رضوان الله عليه) في حاشيته على روضة المتقين وهو شرحه العربي للفقيه اعلم أن الظاهر أن المراد من الأصول الأربع مئة التي اعتمد عليها من بين الكتب الكثيرة المصنفة فإنه صنف من أصحاب الصادق - عليه السلام - أربع آلاف مصنف. وأما على الثالث فبالقطع بان كثيرا من الكتب المصنفة فيها لم يطلقوا عليها اسم الأصل فلاحظ ما في الفهرست» (2).
الرابع: - إن الأصول الأربع مئة ألفت في عصر الامام الصادق - عليه السلام - وهي جميعها في عصره. ويرد عليه بقول الشيخ المفيد المذكور سالفا وأن الشبهة التي وقعوا فيها هو أن غالب التأليف كان في عصر الامام الصادق - عليه السلام - فأدى الإعتقاد بان الأصول الأربع مئة في عصره - عليه السلام -.

(1) نقلا عن كتاب معالم العلماء ص 1.
39