الكتاب: محو السنة أو تدوينها
المؤلف: حسين غيب غلامي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٩ - ١٩٩٨ م
المطبعة: الهادي
الناشر: مؤسسة الهادي
ردمك:
ملاحظات:

محو السنة أو تدوينها
1

هوية الكتاب
اسم الكتاب: محو السنة أو تدوينها
المؤلف: حسين غيب غلامي
الناشر: مؤسسة الهادي
تنضيد الحروف والاخراج الفني: دار المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) - حسين الأسدي
الطبعة: الأولى 1419 ه‍ - 1998 م
المطبعة: الهادي
الكمية: 3000 نسخة
2

* (وما جعلنا الرؤيا التي أرينك إلا فتنة للناس
والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا
طغيانا كبيرا) *.
" سورة الإسراء: الآية 60 "
* (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتب يؤمنون
بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من
الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن
تجد له نصيرا) *.
" سورة النساء: الآية 51 و 52 "
3

... إنا لله وإنا إليه راجعون، على من المعول؟ وعند من
المستعتب؟ نشكوا إلى الله بثنا وما نرى فيك ونحتسب عند
الله مصيبتنا بك
الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام)
... جعلوك قطبا تدور رحى باطلهم عليك وجسرا يعبرون بك
إلى بلائهم وسلما إلى ضلالتهم وداعيا إلى غيهم، وسالكا
بينهم يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب
الجهال إليهم
سلمة بن دينار
... أفسد نفسه بصحبته الملوك مكحول
... كان الزهري جنديا محمد بن أشكاب
... قال عمر بن رديح: كنت مع ابن شهاب الزهري نمشي
فرآني عمرو بن عبيد، فلقيني بعد فقال: مالك ولمنديل
الأمراء؟ يعني ابن شهاب. عمرو بن عبيد
4

المقدمة
الحمد لله الذي نزل الكتاب ليتهدى به في الظلمات وجعل السنة بيانا له
ونفى بالسنة تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وصانها من
إفك المفترين على مر العصور وصينت من أرباب الفجور بعنايته وفضله وكرمه،
وله الحمد على ما أنعم على عباده بالنبوة والولاية ليكونوا للخلق بشيرا ونذيرا
وهاديا ومهديا، ومزيد الحمد على ما أبصرنا بالحق وأرشدنا على هدايته وسبل
أوليائه * (ومن يهد الله فماله من مضل) * (1) * (ومن يضلل الله فما له من هاد) * (2).
وبعد فأني لما رأيت، ان أساس الخلفاء الأمويين بالشام على هدم شريعة
سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) وان المسألة المهمة " التدوين وجمع السنن " تمت بأيديهم
الغادرة المصبوغة بالنصب بادرت بالنظر إلى روايات السنة في الصحاح
والمسانيد المشهورة فوجدت ان أساسها أسست بالشام بتدابير الأمويين.
ثم نظرت إلى " جامع السنن " و " مدونها " محمد بن مسلم المشهور بنسبته
" ابن شهاب الزهري " فوجدته أيضا ذات بلاياء في تخريب السنن والآثار. لأنه
بإقامته زهاء خمسة وأربعين عام، عند الخلفاء انتصر بجهاده العلمي الأمويين
وقوى بذلك قواعد ملكهم، وجهل الناس جناياتهم، إنه كان متهما، لأنه أول من
دون العلم وأول من صنف الدفاتر بإشاراتهم، وهذه الدفاتر المنتشرة إلى الأمصار،

(1) سورة الزمر، الآية 36 - 37.
(2) سورة الزمر الآية 36 - 37.
5

صارت أساس السنة والمعمول المقبول عند المحدثين في البلاد.
- انعدام السنن بإشارة الملوك، في استثنائه أحاديث أهل البيت من السنن.
- انعدام أخبار المغازي والسير، بإشارة الخلفاء الأمويين لبغضهم أخبار
المغازي لأنها حكاية مثالبهم ومدائح الأنصار كما يأتي.
- إنه ربى وحدث جماعة من أبناء الأمويين وغيرهم فإنهم نشأوا من بعده
وصاروا سببا للإضلال بتحديثهم الأخبار المدسوسة والموافقة للحكام الظلمة.
هذا مالك بن أنس إمام المالكية المتوفى 179 ه‍ من خيارهم لديهم أخذ
الموطأ عن الزهري وانتشرها في حين من الدهر، الحكم فيها أيضا حكم الجور
والأمر بيد الظلمة الذين هم أيضا أعداء للأئمة من أهل البيت.
فمالك بن أنس هذا، اعترف عندما تم ظلمه بنشر المكذوبات الناشئة
المتلقاة من الزهري من جانب بني أمية.
روى الحاكم في كتاب " معرفة علوم الحديث ": حدثني موسى بن سعيد
الحنظلي بهمذان قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن ماهان قال سمعت حماد بن
غسان، يقول: سمعت عبد الله بن وهب يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: لقد
حدثت بأحاديث وددت أني ضربت بكل حديث منها سوطين ولم أحدث بها (1).
ورواه أيضا ابن الأثير الجزري في " جامع الأصول ".
وفي رواية الخطيب انه قال: روى يحيى بن سليمان عن ابن وهب، قال:
سمعت مالكا يقول: كثير من هذه الأحاديث ضلالة، لقد خرجت مني أحاديث
لوددت أني ضرب بكل حديث منها سوطين وإني لم أحدث به (2).

(1) معرفة علوم الحديث ص 61 ط جامعة دكة بنغالة - تصحيح الدكتور معظم حسين، أم - أي، دى، فل
(أكسن).
(2) نصيحة أهل الحديث: 34.
6

وليس مالك هذا، أول من اعترف بخطيئته وجنايته بل كثير من المحدثين
الأئمة من الصدر الأول اعترفوا بفسق أنفسهم أو ببطلان ما لديهم من السنن، كما
يأتي، بأنهم يوصون من بعدهم بمحو آثارهم أو يباشرون بأنفسهم بتحريق الآثار
والسنن المجموعة لديهم أو بالدفن، والتخريق، والتغريق في الماء، وليس هذا، إلا
عدم اطمينانهم بصدور ما لديهم من السنن.
ولا شبهة لمن تفطن وتدبر في ذلك، ان ما بأيدي الناس من الصحاح
والسنن كانت بعناية الملوك والخلفاء الجبابرة بغضا وعداوة للأخبار الصادرة من
ناحية آل الرسول صلوات الله عليهم، ولنفي حقوقهم.
والناصب يتقول ويحمل ما صدر من هؤلاء الذين يعترفون بجناياتهم في
نشر الأكاذيب أو يأمرون ويوصون بمحو الآثار والسنن مثل مالك بن أنس
والشيخين وغيرهم كما يأتي، على الورع والتقوى لمحاربتهم الكذب والافتراء
على الرسول ويحمل أعمال الخلفاء الأمويين وغيرهم في نشر السنن على التقوى
منهم في محبتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
فالحق ما نزل في الكتاب العزيز * (ويضل الله الظالمين ويفعل الله
ما يشاء) * (1).
لانهم لا يرون أن الغاصبين للخلافة وأبناءهم، كيف عاملوا من بعد
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أهل بيته.
فعلى كل ذلك إنما وجدت بعد الفحص والدقة في السنن والآثار ان العامل
الرئيسي الأولى للنشر والتدوين هي الأموية في الشام والبلاء منها.
وابن شهاب الزهري المستشار المطيع في تدوين السنة، عاملهم.

(1) سورة إبراهيم الآية 27.
7

ولذلك، الحرية الفكرة الدينية الباحثة تطلب من الأحرار المفكرين
بالدعوة إلى الأقطار العالم من جميع الفرق الإسلامية في المشاركة بهذه المهمة
العميقة الخائنة السائسة التي ارتكبها الأمويون، لاستخراج فكرتها السياسية
وأهدافها الأموية. وفي هذه المجموعة، أوردنا ما يتعلق بالتدوين وما لابن شهاب
الزهري من الخيانة بالسنة وما يطعن بالأموية في ذلك في أربعة فصول مع تمهيد
قبلها كما يلي:
التمهيد.
الفصل الأول: محو السنة أو تدوينها.
الفصل الثاني: معرفة الزهري واتصاله بالأمويين.
الفصل الثالث: كتابة الزهري الحديث.
الفصل الرابع: بني أمية ومذهبهم.
وفي الختام نسئل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى سواء سبيله وشاكرا على
نعمائه.
والحمد لله رب العالمين.
قم المقدسة
غيب غلامي
8

التمهيد
الوضع في الحديث
إذا نظرنا إلى الكتب المؤلفة في الأحاديث الموضوعة في عدد كبير، نطمئن
ونصدق بوقوع الوضع، مع كثرة الكذابين في السنن والآثار، وكذلك تناول علماء
أصول الحديث، هذه المسألة بعقد الأبواب لها في كتبهم، كما أن هناك طائفة كبيرة
من رواة الحديث جرحوا وردت رواياتهم لإتهامهم بالكذب والوضع في
الحديث.
ولا عبرة في ذلك بقول بعض المتكلمين حيث أنكر وقوع الوضع في
الحديث بالكلية، كما أشار إليه ابن كثير، غير أنه لم ينسبه إلى شخص بعينه، أو
طائفة معروفة، وتعقب ذلك بان هذا القائل إما أنه لا وجود له أصلا، أو أنه في غاية
البعد عن ممارسة العلوم الشرعية (1).
وعلى ذلك، فمن البديهي، إن إنكار وقوع الوضع إنكار أمر وجداني
محسوس كما نشاهد في المؤلفات الكثيرة المطبوعة وغيرها في الوضاعين، لا
سيما إذا عرف أن هناك من الأدلة المحسوسة والشواهد الواقعة ما تدل على أن
بعض ما ينسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمكن أن يصدر من
لطافة طبعه ومشكاة نبوته.
وقد حاول بعض العلماء، في رد على من ادعى إنكار وقوع الوضع في
الحديث محتجا بما روى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله:

(1) اختصار علوم الحديث: ص 80.
9

" سيكذب علي " قالوا: فهذا الحديث ان كان صحيحا فهو يدل على أن
الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيقع لا محالة وان
كان الحديث كذبا فقد حصل المقصود بورود نفس الحديث في الاثبات.
عدد الموضوعات في حديث السنة
فمن العلماء الباحثين في الموضوعات وذكر الوضاعين من يذكر ويشير
إلى عدد الأحاديث الموضوعة وها نحن نذكر طائفة من كلماتهم:
قال الخطيب في " الكفاية " بسنده عن الحكم الحاستي قال:
سمعت حماد بن زيد يقول: وضعت الزنادقة على رسول
الله اثني عشر ألف حديث (1).
وفي " الموضوعات " لابن الجوزي: قال حماد بن زيد:
وضعت الزنادقة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أربعة عشر ألف
حديث (2).
وقال ابن عدي في " الكامل " عند ذكر " عبد الكريم بن أبي العوجاء " الذي
قتل في زمن المهدي العباسي، وانه أخذ لتضرب عنقه قال:
وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال
وأحلل فيها الحرام (3).
وقال العقيلي في " الضعفاء الكبير " بسنده عن غندر، قال: رأيت شعبة راكبا

(1) الكفاية للخطيب: ص 604 - الوضع والوضاعون: ص 122.
(2) الموضوعات لابن الجوزي: 1 / 38. تدريب الراوي 1 / 240.
(3) المغني في الضعفاء: 2 / 402 - ميزان الاعتدال: 2 / 644 - تاريخ السنة المشرفة: ص 34.
10

على حمار، فقيل له أين تريد يا أبا بسطام؟ قال أذهب أستعدي على هذا - يعني
جعفر بن زبير - وضع على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أربعمائة حديثا كذبا (1).
وهذا عدد اعترفوا بها، وستعرف من أمر " التدوين " بأيدي العاملين
والمستأمرين من جانب الشام، بإشارة من بني أمية وبني مروان الحلفاء على هدم
السنن النبوية.
من المسلم لدى أئمة الحديث وعلماء النقد أن وقوع الوضع في الحديث
من الأمور التي لا يصح أن يمتري فيها وأن من الجهل المركب ادعاء إنكارها.
يقول الشيخ أبو شهبة: إن السائر على نهج هؤلاء القوم في معرفة السنة
يجزم كما جزموا بوقوعه، فهناك من الأحاديث الكثيرة ما لا يشك عاقل وهب هذه
المنحة الربانية أنه مكذوب مختلق لاستحالة أن يأتي به الشرع، فإن الشرع لا
يناقض العقل ولا يأتي على خلافه، وهذا الرأي - أي إنكار وقوع الوضع في
الحديث - له خطره على الشريعة لأن التمسك به يقتضي تصحيح الباطل
والمحال، واعتماد روايات تقلل الثقة بالأنبياء والمرسلين وتذهب بعصمتهم،
وفي هذا من الخطر على الشرائع والأديان ما لا يمكن معه إقامة دين، وإثبات حق،
فما أحق هذا الرأي أن يجعل دبر الأذنين (2).
وجملة القول: أن الوضع في الحديث والكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر
حاصل واقع لا شبهة فيه، وهو الدافع الأول لاهتمام أئمة الحديث في النقد وفي
تنقية حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كل ما شابه مما ليس منه، وقد أسفر هذا الجهد
الجهيد، والكفاح الدائم عن وجود هذا العدد الهائل من المؤلفات في تمييز

(1) الضعفاء الكبير: 1 / 182 - الوضع والوضاعون: ص 122 - المجروحين: 1 / 212.
(2) الوضع في الحديث: 9.
11

الصحيح من ضعيفه وصدقه من كذبه مما يعجز الباحث عن حصر أسمائها فضلا
عن جمعها واستيعابها.
وإذا كان الوضع في الحديث أمرا واقعا لا يتطرق إليه احتمال فلا بد أن
نتحدث في عللها وأسبابها الرئيسي لا التمذهب والتعصب السائر بين الطوائف
والفرق، لانهم عند حصر أطراف القضية جعلوا قتل العثمان مبدء الحركة نحو
وضع الحديث لأن الناس عند ذلك صاروا فريقان، فرقة مع علي بن أبي طالب
وفرقة مع عثمان.
ولا يخفى على اللبيب المتفكر الفقيه ان هذا التوجيه ليست إلا كتمان حقيقة
نحو إخفاء المخاصمات الواقعة من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أمر " سقيفة بني ساعدة " في
ضرب الزهراء (عليها السلام) وغصب فدك، والهجمة المفجعة باحراق البيت أو
البيعة لأبي بكر كما رواه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " في رواية صحيحة
على شرط الشيخين (1).
فلا يصح بعد ذلك، القول في مبدأ الوضع بمقتل العثمان لان في ذلك
حركة نحو تبرئة الأولين وكتمان أمر بين، فالمعاندة البغيضة على انكار وصاية
علي بن أبي طالب نشأت من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان لم نقل في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) عند موته
في قصة طلب الدواة والقلم لكتابة شئ لن تضل الأمة ما داموا متمسكين بها،
فالرواية على ما في صحيح البخاري مكررا، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إئتوني بكتاب أكتب لكم
كتابا لا تضلوا بعده... (2).

(1) كتاب المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 432 رقم 37045 - انظر تحقيق الرواية في كتابنا " احراق بيت
فاطمة في الكتب المعتبرة عند أهل السنة " المطبوع 1417 ه‍.
(2) صحيح البخاري - كتاب العلم - باب كتابة العلم: 1 / 37 - 5 / 138 باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته
والاعتصام باب: كراهية الخلاف: 9 / 774 رقم 2169.
12

ويؤيد بذلك كلام ابن عباس على ما في ذيل الرواية:
حيث تقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين ان يكتب
لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم (1).
فيشهد أيضا، المنع من كتابة الحديث النبوي والأمر باحراق الكتب، وأشد
الممانعة في نقل الحديث والسنن لدى الشيخين (2).
فكيف يبقى السنة من بعد المنع من التحديث وكتابة للسنن والآثار وبعد
الإحراق والتضييع للأحاديث النبوية (صلى الله عليه وآله وسلم) والإذن بأمثال " تميم الداري " الراهب
النصراني في التحديث والتقصيص في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وتميم الداري هو، أول من قص في مسجد النبي باذن خاص من ناحية
عمر بن الخطاب (3).
وما يشهد لنا في ذلك من الأقوال والأخبار فوق الإحصاء والعدد في المنع
عن الكتابة ونقل الحديث النبوي.
وليس كما يقال: من أن الخليفة، أحتاط في أمر السنة، حفظا للقرآن ولعدم
اختلاطه بكلام آدمي، لأنه مغلطة ظاهرة البطلان.
والصحيح هو ما رواه بعض المحدثين بالأسانيد العالية والصحيحة لدى

(1) صحيح البخاري كتاب العلم: 1 / 37 - 5 / 138 باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتاب عيادة المريض وقوله
قوموا عني.
(2) تذكرة الحفاظ: 1 / 5 - تقييد العلم - للخطيب ص 52 - جامع بيان العلم وفضله: 1 / 65 دلائل التوثيق
السنة المبكر ص 243 - المصنف عبد الرزاق: 11 / 262 رقم 30496.
(3) كنز العمال: 10 / 280.
13

الجمهور حتى النواصب:
أخرج ابن الأثير الجزري في " جامع الأصول " عن زيد بن أسلم العمري،
قال:
جاء كعب إلى عمر فوقف بين يديه، فاستخرج من تحت
يده مصحفا قد تشرمت حواشيه فقال: يا أمير المؤمنين، في
هذا " التوراة " أفأقرؤها؟ فسكت طويلا فأعاد كعب مرتين أو
ثلاثا، قال له عمر: ان كنت تعلم إنها التوراة التي أنزلت على
موسى يوم طور سيناء فاقرأ آناء الليل والنهار (1).
وفي رواية آخر رواه أحمد والدارمي بسند صحيح عن
حماد وهشيم وابن نمير عن مجالد عن عامر عن الشعبي
وعن جابر إن عمر بن الخطاب أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بنسخة من
التوراة، فقال: يا رسول الله هذه النسخة من التوراة، فسكت،
فجعل يقرأ ووجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتغير، فقال أبو بكر: ثكلتك
الثواكل، ما ترى ما بوجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فنظر عمر إلى وجه
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله
رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي نفس محمد بيده، لو بدا لكم موسى
فاتبعتموه وتركتموني، لضللتم عن سواء السبيل ولو كان حيا
وأدرك نبوتي لاتبعني (2).

(1) جامع الأصول: 12 / 372 رقم. 9469
(2) مسند أحمد: 3 / 338 و 386 - سنن الدارمي رقم 435 والمسند الجامع للأحاديث الكتب الستة:
4 / 318.
14

فعلى ذلك يعد من الأسباب والعلل الرئيسي في الوضع، صد الناس
وحرمانهم عن علومهم المخزونة في مشكاة أنوار علم علي ابن أبي طالب الذي
قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا مدينة العلم وعلي بابها " (1)، فالمنع من علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
تساوق الوضع في الحديث ونشر القصص في الدين وهدم أركان اليقين ألم تر أن
الخليفة عمر بن الخطاب حين استخلف حبس ثلاثة - " ابن مسعود " و " أبا درداء "
و " أبا مسعود " وقال لهم: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله (2).
وأذن لتميم الداري الراهب النصراني أن يقص في مسجد رسول الله (3)،
وكان نفس عمر بن الخطاب يجلس إليه ويستمع إلى قصصه (4) وإنما أخذ ذلك
من اليهود والنصارى (5).
نعم، الوضع في الحديث اشتد في الأزمنة اللاحقة حتى تم نصابها في الشام
من معاوية بن أبي سفيان إلى آخر خلفاء بني أمية كما نتلو عليك صحيفتهم في
ترجمة " الزهري ".

(1) المستدرك 3 / 126 - 127 فتح الملك العلى للغماري ص 12 - 17 قطع بصحة الحديث والخطيب في
تاريخ بغداد 7 / 172 - 4 / 348، 11 / 49 - 50 - 51 - ابن حجر في رسالة له المطبوعة في آخر " المرقاة "
للقاري وفيها الرد على من ضعف حديث " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وقال: هذا الحديث أخرجه
الحاكم وقال إنه صحيح وخالفه ابن الجوزي والصواب خلاف قولهما معا وان الحديث من قسم
الحسن، وأخرجه السيوطي من " الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة " قرأه ص 31 - 32.
(2) تذكرة الحفاظ 1 / 7.
(3) كنز العمال 10 / 280 - سير أعلام النبلاء 2 / 446 - تهذيب تاريخ دمشق 3 / 360 - مصنف عبد الرزاق
3 / 219 - الإصابة 1 / 183 تهذيب الأسماء 1 / 138 - الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص 161.
(4) الزهد والرقائق ص 508 - القصاص والمذكرين ص 29.
(5) المفصل من تاريخ العرب 8 / 378.
15

فالأحداث التاريخية المخالفة لعلي بن أبي طالب تشهد بان الفتن المقبلة
من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واحدا بعد واحد تدور حول الخلافة والملك ولذا قال (عليه السلام) في
خطبة له حين بايعوه بالخلافة:
أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر
وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء الا يقاروا
على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها
ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي
من عفطة عنز (1).
ولعمري إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو فوق الخلافة وأعلاها، وما هو
بقولي بل عرفها الخصم بأن علي ابن أبي طالب زين الخلافة ولا الخلافة زينة له (2)
وقال الآخر في حقه عند قدومه الكوفة:
والله يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زانتك ورفعتها
وما رفعتك وهي كانت أحوج إليك منك إليها (3).
كل هذه الفتن إلى غيرها مما ماج بالعالم الاسلامي في تلك الفترة كانت
أمورا مهيئة وموطئة لارتكاب جريمة أفظع وأشنع، وكانت بمثابة المقدمة لظاهرة
الوضع في الحديث حيث تجرأ بعض من لا خلاق له على
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول عليه كذبا، وقد بدأت في هذه الفترة تتحول الخلافات بين
الطوائف المختلفة بجعل آرائهم شرعة، آراء يخضعون لها آيات القرآن الكريم

(1) نهج البلاغة خ 3 المعروفة بالشقشقية.
(2) تاريخ بغداد 1 / 135 - تاريخ مدينة دمشق 42 / 446.
(3) تاريخ مدينة دمشق 42 / 445.
16

تعزيزا لأهوائهم، وكذلك السنة النبوية لما لها من المنزلة والحجية لديهم. ترفيعا
وتعزيزا لمنار الخلفاء، مواجهة لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا سيما خاصتهم علي بن أبي
طالب.
والذي يفرض علينا القول بأن تلك الفترة كانت مقدمة وموطئة لظهور
جريمة الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن مؤلفي كتب التاريخ الإسلامي المهتمين
بتدوين حوادث تلك الحقبة بالرغم من اهتمامهم وتدوينهم لما دق وجل من
الحوادث تفصيلا وإجمالا، فإني لم أقف على حسب ما تيسر لي من استقراء
وتتبع على حادثة تثبت من وجه مقبول من لدن انتقال الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى
الرفيق الأعلى، أعظم مؤلمة من إنكار حقوق آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتمان حق
علي بن أبي طالب للخلافة حتى بداية القرن الثاني بالكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وآل بيته وما يمكن اعتباره في نشر الوضع والكذب في الحديث.
وأن أول حادثة دلت على ذلك ما أورده روايتهم في " سقيفة بني ساعدة "
" الأئمة من قريش " وبعدها " إنا معاشر الأنبياء لا نورث " تمهيدا لملكهم وتثبيتا
لظلمهم.
فالأول وضعوها " لدفع شر الأنصار حين غلبتهم في السقيفة على
المهاجرين ونقضها من بعد فترة نفس الخليفة عمر بن الخطاب من قوله على
فراش الموت: لو أدركني أحد الرجلين ثم جعلت إليه الأمر لوثقت به سالم مولى
أبي حذيفة وأبو عبيدة وقد علق الذهبي أن عمر يجوز الإمامة في غير القرشي (1)
فينتقض بذلك رواية السقيفة المذكورة.

(1) ميزان الاعتدال: 3 / 127، سير أعلام النبلاء: 5 / 206.
17

وأما الثانية - المخلوقة من السقيفة، فلا خلاف في بطلانها عند من يعقل
ويتدبر نص الكتاب العزيز، كما نبه عليها الصديقة الطاهرة في مواجهتها لابن بكر
عند مطالبة حقها في خطبتها الفدكية الفاضحة المعلنة للسرائر والضغائن المكونة
في " سقيفة بن ساعدة " بان الآيات المباركات القرآنية تثبت إرث الأنبياء من بعد
موتهم.
ولذلك نحن نقول: بأننا لا نحتاج في إثبات وقوع الوضع في الحديث إلى
البحث العلمي لكل افراد الأحاديث الواردة في الصحاح والمسانيد، حتى إن
وجدنا فيها ضعف، أو أثر الوضع نحكم عليها والا فلا، بل نقول: فالصحيح
المختار المحقق في باب الوضع في الحديث هو كشف ارتكاب جريمة لقوم أو
طائفة لهم دعاوى وأقاويل في تثبيت عقيدتهم، وذلك تسوقهم نحو الوضع
والاختلاق حتى بالأسانيد الجياد، وكما يأتي في ترجمة " الزهري " من أمر
التدوين، إن عمدة العناية والدقة عند الخلفاء إمحاء أثر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته وبعد
مماته في تأسيس أحكام جديدة، بتدخل الأهواء والأغراض، كما يكشف لنا إنا
ولما عما وقعت من أمر الخلفاء، لا سيما الوقايع الصادرة من بني أمية
بالشام الذين هم على أثر " سقيفة بني ساعدة " وسياساتها.
ويؤيد قولنا في تحديد الوضع في الحديث في حيات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
فهذه الرواية دلت بنفسها على حادثة وقعت في عصره بالكذب عليه، فعلى
ذلك يعد هذا من أحد الأقوال بل أهم الآراء التي ذهب إليها الباحثون في تحديد
بداية الوضع في الحديث.
وبعد ما توفى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واشتد الأمر وتفرق الناس فطائفة على أهواء
18

السقيفة مع المهاجرين، وطائفة اخر، مع الأنصار وهم أتباع سعد بن عبادة والثالثة،
هم بني هاشم، والذين اتبعوهم وإنهم كانوا مع علي بن أبي طالب.
وفي هذه الحقبة المؤلمة ظهرت بوادر كثيرة بإشارة المنازعين والمخالفين
لدولة الإسلام، بداية الأمر عند إرادة قتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسيف الشاهر (1).
ونهاية الأمر عند رأس المائة الأولى وما بعدها إلى ثلث الثانية في نشر
المكذوبات والمدسوسات بأيدي المستأجرة وأقلامهم بإشارة الخلفاء من بني
أمية وبني مروان الذين هم حلفاء على المنازعة لأهل البيت وإيذائهم، كما كان
مروان بن الحكم يؤذي الحسن بن علي بن أبي طالب السبط الأكبر في قوله: " إنكم
أهل بيت ملعونون " (2) نستجير بالله فهذه الخليفة يدافع عن السقيفة وينتشر
أحاديثها الموضوعة والمكذوبة.
فلا بد لنا ولكل من يطلب حقيقة الشريعة أن يعرف المدافعين للسنة من
بني أمية وبني مروان حتى يطلع على أسرار الأخبار صحاحها ومسانيدها.
بدأ تصنيف الكتب في معرفة رجال الحديث منذ فترة مبكرة بأساليب
متعددة مع اختلاف العناوين المأخوذة في تأليفهم مما أدى إلى تنوع مصنفاتهم،
فمنهم من اقتصر عل تعريف الصحابة ومنهم من شمل الصحابة والتابعين
وأتباعهم ومن تلاهم من بعدهم.

(1) حين أراد عمر بن الخطاب قتل النبي متوشحا سيفه، وقال في جواب من سئله: أين تعمد يا عمر؟ قال:
أريد أن أقتل محمدا. سيرة ابن هشام 1 / 344 - تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 10 - الكامل
في التاريخ 1 / 603، مختصر سيرة الرسول ص 103 - الرصف / العاقولي 1 / 46 - الرحيق المختوم
ص 100.
(2) تاريخ الإسلام وفيات 61 - 80 ص 227 - 234.
19

ومنهم من صرف همته ببيان درجة التوثيق والتضعيف.
ومنهم من اقتصر على ذكر الثقات فقط.
ومنهم من اقتصر على ذكر الضعفاء فقط.
ومنهم من اقتصر على ذكر رجال بلدة معينة.
ومنهم من اهتم في بيان الأنساب في المحدثين بعد أن اشتهر الراوي إلى
قبيلة أو مدينة أو صنعة ونحو ذلك.
وما يؤثر تدخله في مباحثنا، البحث في البلدتين المشهورتين.
أحدهما: الكوفة.
والثاني: الشام.
وقد يلاحظ ان أكثر ما يبتلى بها الباحث المفكر عند الفحص في
الموضوعات والإسرائيليات كما أثبتوا هي الكوفة، والشام لأن في هذه البلدتين
جرت الأقلام وسعت الأقدام نحو الوضع في الحديث أكثر من سائر البلدان، على
ما جاء في كتب السنة في الدراية والحديث.
في الشام: بني أمية أتباع معاوية بن أبي سفيان إلى آخر خلفائهم.
وفي الكوفة: العلويين أتباع الأمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (1).
الكوفة
أختارها علي بن أبي طالب (عليه السلام) مقرا ومقاما للخلافة لما رأى فيها وجوه من
الاستعداد.

(1) انظر الوضع في الحديث.
20

نزل في الكوفة من قبله ومن بعده عدة من الصحابة تبلغ عددهم ثلاثمائة
من أصحاب الشجرة وسبعون من أهل البدر، (1) ولهذا كان نصيب الكوفة من
الصحابة أكثر من سائر البلدان سوى المدينة، ولهذا قال علي بن المديني - الذي
هو شيخ البخاري - عند تقويم دور العراق في حمل الرواية ونصيبها من ذلك:
دار حديث الثقات على ستة: رجلان بالبصرة ورجلان بالكوفة ورجلان
بالحجاز (2).
وقال ابن تيمية: بعد ذكر القدح في أهل الكوفة " ومع هذا، انه كان في الكوفة
وغيرها من الثقات الأكابر كثير " (3).
وقال علي ابن المديني: لو تركت أهل البصرة لحال القدر وتركت أهل
الكوفة لذلك الرأي - يعني التشيع - خربت (4).
وقال " ضياء العمري ": " وهكذا عندما تم تدوين الصحاح فإنها حوت
مرويات العراقيين وبينهم عدد من الشيعة منهم - ممن نقل " البخاري " عنهم في
الصحيح، عبد الرزاق الصنعاني، وجرير بن عبد الحميد الضبي، وإسماعيل بن
أبان، وخالد بن مخلد، وعلي بن الجعد، والفضل بن دكين، وعباد بن يعقوب
وآخرون غيرهم.
واما " مسلم " فقد قال أبو عبد الله محمد بن يعقوب " ان كتاب أستاذي -

(1) طبقات الكبرى 6 / 9.
(2) تاريخ الاسلام - وفيات 121 - 140 ص 239.
(3) المنتقى من منهاج الاعتدال ص 88.
(4) الكفاية للخطيب ص 129.
21

يعني مسلم بن الحجاج - ملآن من حديث الشيعة " (1) وان ظهور مرويات العراقيين
في كتب الصحاح يدل على نجاح علماء العراق في تنقية السنة وتمييز
الصحيح من الموضوع ومعرفة الرجال الثقات من المتهمين " (2).
وروى الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " بسنده عن ابن عمار: ما رأيت
قوما أصح في حديثهم من أهل البصرة ولا أهل الكوفة (3).
فهذا مجمل القول في وصف الكوفة وحديثها.
وأما علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) الذي هو الإمام، وتدور حوله
بقولهم بحث وقوع الوضع في الكوفة، وصفه المعاندون بأنه فوق الوصف، وهو
لا يحتاج إلى شئ من المنقولات من الفضائل، لأنه فوق الفضائل، جمع الله له من
الفضائل ما لم يجمع على أحد من العالمين من الأولين والآخرين.
أخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال:
ذكر العطاء أكان أحد من الصحب أفقه من علي؟ قال: لا
والله قال الحرالي قد علم الأولون والآخرون ان فهم كتاب الله
منحصر إلى علم علي ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب
الذي من ورائه، يرفع الله عن القلوب الحجاب حتى يتحقق
اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء (4).
هو ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوج الصديقة الكبرى، وابناه سيدا شباب أهل

(1) الكفاية للخطيب ص 131.
(2) بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 30.
(3) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص 420.
(4) فيض القدير: 3 / 46.
22

الجنة، يحب الله ويحبه الله ورسوله فتح الله بأيديه المقتدرة الفتوح، وقتل الله
بأيديه الكفار والمحاربين، الذاب عن وجه رسول الله الكروب،...
فعلى ذلك علي بن أبي طالب لا يحتاج إلى جعل الجاعل ووضع الواضع
للحديث في فضائله ومناقبه حتى يقال: بان الكوفة هي دار الضرب للحديث (1).
فمن أدرك هذا وأدرك ما في الشام من الفتن والإضلال وتفكر في ذلك
يعلم بأن البلية والرزية وخروج الفتنة في وضع الحديث من الشام لا من الكوفة،
منها نشأت وانتشرت إلى الأمصار.
الشام
أرسل عمر بن الخطاب إلى الشام واليا، اسمه، يزيد بن أبي سفيان، ولما
مات يزيد عين عمر أخاه معاوية بن أبي سفيان وولاه فيما بعده على بلاد الشام (2)
بلا رقيب ولا حسيب.
فلما مضى دور عمر بن الخطاب بدأ عثمان عهده ليكون الخليفة الثالثة من
بعده، وأنه أول الخلفاء من بني أمية، لأن أبوه " عفان " كان ابن لأبي العاص بن أمية
ولذلك جمع الأمويين حوله فجعلهم ولاة لخلافته وحكومته بلا منازعة
ومعارضة، فصاروا فئة متميزة عن الجميع.
جمع أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكونوا أصفياءه وأعوانه، منهم الحكم بن أبي
العاص بن أمية طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي نفاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الطائف

(1) انظر: الوضع في الحديث.
(2) تاريخ الاسلام الخلفاء الراشدين ص 180.
23

لأنه كان يحكيه في مشيته وبعض حركاته (1). لعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأرسله إلى بطن
و ج (2). وحرم عليه دخول المدينة فلم يزل طريدا إلى أن ولي عثمان، فادخله
المدينة ووصل رحمه وأعطاه مائة ألف درهم، لأنه كان عم عثمان بن عفان (3).
وقال الشعبي سمعت ابن الزبير يقول: ورب الكعبة، ان الحكم بن أبي
العاص وولده ملعونون على لسان محمد (صلى الله عليه وسلم) (4).
وقال الذهبي: إسناده صحيح (5).
فلما قتل عثمان وبايعوا الناس عليا، أخذ بثأره من قتلته طائفة، منهم طلحة
والزبير وعائشة، وخرجوا من المدينة إلى البصرة من غير مشورة لعلي بن أبي
طالب (6).
وقعت واقعة الجمل خارج البصرة عند قصر عبيد الله بن زياد (7).
قال الذهبي: وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة
من الأنصار وأربعمائة ممن شهد بيعه الرضوان (8).
وفي " تاريخ خليفة " تسعمائة ممن شهد بيعة الرضوان (9).

(1) تاريخ الاسلام الخلفاء الراشدين ص 366.
(2) تاريخ الاسلام الخلفاء الراشدين ص 365 - 3366. و ج: هو الطائف بعجم البلدان.
(3) سير أعلام النبلاء 2 / 108 - تاريخ الاسلام الخلفاء الراشدين ص 366 5 / 361.
(4) سير أعلام النبلاء 2 / 108.
(5) تاريخ الاسلام الخلفاء الراشدين ص 367.
(6) تاريخ الاسلام الخلفاء الراشدين 483.
(7) تاريخ الاسلام 485.
(8) تاريخ الاسلام ص 484.
(9) تاريخ خليفة بن خياط ص 183.
24

فكان مروان بن الحكم في جيش طلحة والزبير يوم الجمل (1).
وقال قيس بن أبي حازم: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ
بسهم، فوقع في ركبته، فما زال يسح حتى مات (2).
وفي بعض طرقه: رماه بسهم، وقال هذا ممن أعان على عثمان (3).
في " تاريخ الخليفة ": ان مروان رمى طلحة والتفت إلى أبان بن عثمان وقال
قد كفيناك بعض قتلة أبيك (4).
وأخرج ابن أبي حاتم، إن النبي قال: رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على
المنابر كأنهم القردة فأنزل الله: * (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس
والشجرة الملعونة) * يعني الحكم وولده (5).
وفي لفظ للحاكم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر، ان الرسول قال: " رأيت
في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص، ينزون على منبري كما تنزو القردة " فما
رؤى النبي مستجمعا ضاحكا (6).
علم الرجال الحديث
من أهم علوم الحديث معرفة الأسانيد وتمييز الرجال وهو ينقسم إلى
علمين:

(1) تاريخ الاسلام ص 527.
(2) طبقات ابن سعد 3 / 223 - المعرفة والتأريخ 3 / 312 تاريخ الاسلام - الخلفاء الراشدين - ص 486.
(3) تاريخ خليفة بن خياط ص 185 - تاريخ الاسلام - الخلفاء الراشدين - ص 487.
(4) تاريخ الاسلام - الخلفاء الراشدين ص 487.
(5) الدر المنثور 5 / 309 طبعة دار الفكر.
(6) الدر المنثور 5 / 309 طبعة دار الفكر.
25

- علم الجرح والتعديل
- علم تاريخ الرواة
فالجرح في الراوي أهم سلاح يتسلح به العلماء في الحديث تجاه الكذابين
وانه مبدء الحركة في تدوين علم الرجال بعد انتشار الكذب وكثرة
الكذابين والوضاعين.
ولذلك قال سفيان الثوري المتوفى 161 ه‍:
لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ (1).
فنشأ علم الجرح والتعديل واهتم العلماء به ليتمكنوا بذلك معرفة رجال
الأسانيد، وهم يسألون عن الرواة مواطنهم وأعمارهم وسماعاتهم من الشيوخ،
ليعرفوا اتصال الأسانيد وانقطاعها وكانوا يسألون عن الرواة أنفسهم ليعرفوا مكانته
في الصدق والكذب، وكان من آثار هذه الحركة تدوين الكتب التراجم في الرجال
واخبارهم، صنفوا في الصحابة وأحوالهم، وأخبارهم وقبائلهم ومن التابعين
واتباعهم وأهل العلم من بعدهم من المحدثين والفقهاء فمنهم من صنف على
حسب الطبقات، فتناول أحوال الرواة طبقة بعد طبقة، كطبقات الكبرى لمحمد بن
سعد المتوفى 230 ه‍ و " طبقات الرواة " لخليفة بن خياط العصفري المتوفى 240 ه‍.
ومنهم من صنف في بيان الأسماء والكنى لتمييز والتفريق بين رواة
الحديث حذرا عن التدليس في الشيوخ، وصنف لذلك علي بن المديني
المتوفى 234 ه‍ كتاب " الأسامي والكنى " وبعدها " الكنى والأسماء " لابن بشر
محمد بن أحمد الدولابي المتوفى 320 وبعده الإكمال لابن ماكولا البغدادي

(1) الكفاية للخطيب - فتح المغيث 4 / 133 - الكامل في الضعفاء 3 / 4.
26

المتوفى 486 ه‍ وغيرها.
وفي الجرح والتعديل، يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين
والجوزجاني وعلي بن المدني، والبخاري وأمثالهم صنفوا في الرجال جرحا
وتعديلا، ومن أهم تلك الكتب والمصنفات هي كتب " الضعفاء المتروكين " (1)
وهذه الكتب العديدة تشهد لنا الآن بكثرة الدواعي في الصدر الأول لانحراف
الناس وتفرق الأمة عن السنة الشريفة النبوية (صلى الله عليه وآله وسلم).
كتابة الحديث
منشأ الخلاف في كتابة الحديث والمنع لذلك والتحديث بها يرجع إلى
عهد الفاروق عمر بن الخطاب (2) لأنه منع من التدوين والكتابة والتحديث، بل
وأضاف على سيرته التخريق والتحريق (3).
ومن المعروف ان عددا من الصحابة والتابعين اثر متابعته ما حرقوا أو
طمسوا السجلات المكتوبة بأنفهسم أو وصوا بذلك، ومن المعروف أيضا: ان
الفاروق وعبد الله بن مسعود حرقوا (4)، وتخلصوا من كافة المواد المكتوبة
المتصلة بهم، وأصدر عبد الله بن مسعود أمرا عاما بحرق كل ما هو مكتوب في ذلك
الوقت (5).

(1) مثل ما كتب، البخاري، والنسائي، وابن الجوزي وابن حبان والعقيلي والدارقطني وابن عدي والذهبي.
(2) تقييد العلم 57 جامع بيان العلم: 1 / 64.
(3) طبقات ابن سعد: 5 / 140، تقييد العلم: 52، دلائل التوثيق ص 210.
(4) دراسة في أدب المخطوطات العربية: 1 / 20، ميزان الاعتدال: 2 / 276، تقييد العلم: ص 52، طبقات
ابن سعد: 5 / 140.
(5) دلائل توثيق السنة ص 243، جامع الأحاديث للسيوطي: 13 / 61 رقم 210.
27

ولأبي قلابة المتوفى 104 ه‍ وصية لأحد تلاميذه المقربين (هو أيوب
السختياني) المتوفى 131 يقول:
أرسلوا كتبي إلى أيوب لو كان حيا وإذا لم يكن حيا فاحرقوها (1).
ولذلك عبيدة بن قيس المتوفى 72 ه‍ بعد أن أتلف كتبه قال: أخشى ان يليها
أحد بعدي فيضعها في غير مواضعها (2).
روى الذهبي أنه قال: قال أبو عبد الله الحاكم: إسحاق بن راهويه وابن
المبارك، ومحمد بن يحيى هؤلاء دفنوا كتبهم (3).
إن المناقشات، دارت حول النظريتين في البطلان والتصحيح، بين الاخبار
المجوزة والمانعة، أخذت طائفة نظرية المنع مع ما يلاحظ من تأكيد الخليفة على
ذلك وانه العامل الرئيسي في ذلك، قال امتياز أحمد في " دلائل التوثيق ":
منع الفاروق عمر: وعامل رئيسي آخر لعدم تدوين أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) في
وقت مبكر كان الامر المشدد أصدره عمر بمنع الصحابة من تسجيل أقوال
النبي (صلى الله عليه وسلم) ووجدنا ان الفاروق عمر اثنا خلافته نفذ هذا الامر بنجاح وفي سعيه
لتنفيذ سياسة حرق بعضا من مجموعات الأحاديث المكتوبة ولهذا فتسجيل
أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) في عهد عمر تم بمعدل متواضع للغاية (4).

(1) تذكرة الحفاظ: 1 / 88، طبقات ابن سعد: 7 / 135.
(2) جامع بيان العلم: 1 / 67، سنن الدارمي: 1 / 131، طبقات ابن سعد: 6 / 63، وتقييد العلم: ص 61.
(3) سير أعلام النبلاء: 11 / 377.
(4) دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث - لامتياز أحمد، عميد كلية المعارف الإسلامية بجامعة كراتشي -
نقله إلى العربية الدكتور أمين قلعجي - ط. الأولى - القاهرة 1410 ه‍ تقييد العلم ص 53، جامع بيان العلم
وفضله: 1 / 65.
28

احراق الصحف المكتوبة أو اتلافها
ذكر في " دلائل التوثيق ":
من الواقع تاريخيا ان مجموعة أدب الأحاديث تخلص منها أصحاب
المخطوطات أنفسهم أو اتباعهم ومن بين الذين تخلصوا من مخطوطاتهم
بأنفسهم نذكر هذه الأسماء (1):
عبيدة بين قيس المتوفى 72 ه‍ (2) (دعا كتبه عند موته فمحاها).
عيسى بن يونس المتوفى 187 ه‍ (3) (قال: إني لأهم بها أن أحرقها، يعني
كتبه).
أبو عمرو بن العلاء المتوفى 154 - 159 ه‍ (وكانت دفاتره ملء بيت إلى
السقف، ثم تنسك فأحرقها).
عروة بن الزبير المتوفى 93 (4) (انه أحرق كتبا له، فيها فقه. وقال: كتبت
الحديث ثم محوته (5).
أبو سليمان الداراني المتوفى 215 ه‍ (6).

(1) وأضفنا إلى بعضهم الإشارة إلى مقالاتهم فيما بين () مع تاريخ وفياتهم.
(2) سير أعلام النبلاء: 4 / 43، تقييد العلم: ص 61.
(3) تقييد العلم: ص 62.
(4) سير أعلام النبلاء: 4 / 426.
(5) تقييد العلم: ص 60.
(6) معجم الأدباء: 5 / 133.
29

أحمد بن أبي الحواري المتوفى 246 ه‍ (1): (حمل كتبه كلها إلى البحر
فغرقها (2).
محمد بن عبيد الله (3).
سفيان الثوري المتوفى 161 ه‍ (4).
داود الطائر المتوفى (5) (انه دفن كتبه).
بشر الحافي المتوفى 227 ه‍ (6)
أبو حيان التوحيدي المتوفى (7).
ويوسف بن أسباط المتوفى (8).
ومن بين هؤلاء الذين تركوا وصايا لأتباعهم اما بالتخلص من مخطوطاتهم
بطريقة معينة، أو تسليمها إلى اشخاص بعينهم، نجد هذه الأسماء:
الحسن البصري المتوفى 110 (9).
طاووس (10). (قال ابن طاووس عن أبيه انه كان يأمر باحراق الكتب).

(1) عيون الاخبار: ص 52، سير أعلام النبلاء: 12 / 88، حلية الأولياء: 10 / 6.
(2) طبقات ابن سعد: 6 / 255.
(3) طبقات الأولياء: ص 32.
(4) معجم الأدباء: 5 / 389. يقال انه مزق آلاف الاجزاء وبعثرها في الهواء.
(5) معجم الأدباء: 5 / 389 المعارف 271 - رمى كتبه في البحر.
(6) تاريخ بغداد: 7 / 67.
(7) معجم الأدباء: 5 / 386.
(8) معجم الأدباء: 5 / 389.
(9) طبقات ابن سعد: 7 / 1 / 127.
(10) طبقات ابن سعد: 5 / 393، تقييد العلم 61.
30

عبيدة (1) المتوفى 72: (قال النعمان بن قيس: دعا عبيدة بكتبه عند موته،
فمحاها، وقال: أخشى أن يليها أحد بعدي، فيفتحوها في غير مواضعها).
شعبة (2) (فإنه قال: يا بني إذا أنا مت فاغسل كتبي وادفها، فلما مات غسلت
كتبه ودفنتها).
أبو قلابة المتوفي 105 ه‍ (3) (فإنه قال: إدفعوا كتبي إلى أيوب، ان كان حيا وإلا
فاحرقوها وقال الحسن: وإلا فخرقوها).
بشر بن الحارث (4)، (قال إبراهيم بن هاشم: دفنا لبشر بن الحارث ثمانية
عشر ما بين قمطر وقوصرة).
أبو السعيد السيرافي المتوفى (5).
سفيان الثوري المتوفي 161 (6).
ابن الجعابي المتوفي 355 ه‍ (7).
وأبو كريب المتوفى 248 (8).
لقد اتخذ تخريب هذا الكنز الأدبي اشكالا مختلفة، فاما بحرقها أو دفنها أو
محوها أو طمسها، أو بإلقائها في الماء وهذه الممارسة التي اتخذت شكلها

(1) تقييد العلم: ص 61، كتاب العلم لأبي خيثمة: ص 9.
(2) تقييد العلم: ص 62.
(3) تقييد العلم: ص 62، طبقات ابن سعد: 7 / 135، تذكرة الحفاظ: 1 / 88.
(4) تقييد العلم: ص 62، طبقات ابن سعد: 7 / 135، تذكرة الحفاظ: 1 / 88.
(5) معجم الأدباء: 5 / 389.
(6) تذكرة الحفاظ: 3 / 131.
(7) تذكرة الحفاظ: 3 / 131.
(8) تذكرة الحفاظ: 2 / 73.
31

الأساسي في عصر الصحابة (1).
وبالنسبة إلى هذه الضياع العلمي التراثي فكيف يمكن الركون إلى الحديث
الذي جمع بعد فترة مع ذهاب الرجال وفقد الوثائق وكثرة الدواعي إلى الجعل
والوضع والدس في الحديث عندما عقدوا وائتلفوا على هدم آثار النبوة من
بعده (صلى الله عليه وسلم).
الكتب الموجودة بأيدي الصحابة
من الثابت الضروري أن بعض الصحابة يكتبون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتبهم
بأيديهم بعده حتى جاء الأمر من الشيخين باحراقها (2).
ومن ذلك:
أخرج الترمذي بسنده عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتب كتاب الصدقة (3).
واشتهر صحيفة علي بن أبي طالب (عليه السلام) التي كان يعلقها في سيفه (4).
وعن محمد بن الحنفية ابن علي بن أبي طالب (المتوفى 81 ه‍) قال: أرسلني
أبي قال: خذ هذا الكتاب، فاذهب به إلى عثمان فان فيه أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالصدقة (5).
وروى عن مسعر عن معن قال: اخرج عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود

(1) دلائل التوثيق المبكر ص 240 - 241.
(2) تذكرة الحفاظ: 1 5 / - تقييد العلم: 59 - 63 - كتاب العلم لزهير بن حسن: ص 192، جامع لأخلاق
الراوي: ص 44 - أصول الحديث ومصطلحة: 153 - 160 - جامع بيان العلم: 1 / 66.
(3) سنن الترمذي: 3 / 17.
(4) مسند أحمد: 2 / 44 - 35 - 121 - 131.
(5) فتح الباري 7 / 23.
32

كتابا، وحلف لي إنه بخط أبيه بيده (1).
وكان عند سعد بن عبادة الأنصاري المقتول 15 ه‍ كتاب أو كتب فيها طائفة
من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وروى ابنه من كتب أبيه بعض أعمال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (2).
وروى البخاري ان هذه الصحفية كانت نسخة من صحيفة عبد الله بن أبي
أوفى (78 ه‍) الذي كان يكتب الأحاديث بيده وكان الناس يقرؤون عليه ما جمعه
بخطه (3). وابن أبي أوفى من الذين شهدوا الحديبية وهو آخر من توفى بالكوفة
من الصحابة (4).
وكان عند أبي رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المتوفى 35 ه‍ كتاب فيه استفتاح
الصلاة (5).
وكان عند أسماء بنت عميس المتوفاة 38 ه‍ كتاب جمعت فيه بعض
أحاديثه (صلى الله عليه وسلم) (6).
وعن محمد بن سعيد قال: لما مات محمد بن مسلمة الأنصاري
المتوفى 42 ه‍ وجدنا في ذؤابة سيفه كتابا (7).
وكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتابا لوائل بن حجر المتوفى 50 ه‍ لقومه في
حضرموت فيه الخطوط الكبرى للإسلام، وبعض أنصبة الزكاة وحد الزنا وتحريم

(1) جامع بيان العلم: 1 / 72.
(2) صحيفة همام بن منبه: ص 16 - أصول الحديث ومصطلحه: ص 191.
(3) صحيح البخاري بشرح السندي: 2 / 143 باب الصبر عند القتال.
(4) تقريب التهذيب: 1 / 402.
(5) الكفاية للخطيب: ص 330.
(6) أصول الحديث ومصطلحه: ص 192، عن نظرة العامة في تاريخ الفقه: ص 118.
(7) المحدث الفاصل الرامهرمزي: ص 112.
33

الخمر وكل مسكر حرام (1).
وولى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عمرو بن حزم المتوفى 53 ه‍ على اليمن وأعطاه كتابا
فيه الفرائض والسنن والديات وغير ذلك (2).
وكان أبو هريرة المتوفى 59 ه‍ يحتفظ بكتب فيها أحاديث عن رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) (3) وقال ابن حجر: إن أبا هريرة، لم يكن يكتب فتبين ان المكتوب عنده
بغير خطه (4).
سمرة بن جندب المتوفى 60 ه‍ أحاديث كثيرة في نسخة رواها عنه ابن
سليمان... وقال محمد بن سيرين: في رسالة سمرة إلى بنيه علم كثير (5).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد سمح لعبد الله بن عمرو المتوفى 65 ه‍ بكتابة
الحديث لأنه كان كاتبا محسنا، فكتب عنه الكثير، واشتهرت صحيفته
" بالصادقية " (6).
وصحيفة جابر بن عبد الله الأنصاري المتوفى 78 ه‍ (7).
وممن شارك في التصنيف أو وجد عنده كتب في تلك الحقبة يحيى بن أبي

(1) الإصابة في تمييز الصحابة: 6 / 312، أصول الحديث: ص 192.
(2) الإصابة: 4 / 293 رقم 5805.
(3) جامع بيان العلم: 1 / 74 - طبقات ابن سعد: 7 / 162 - الجامع لأخلاق الراوي: ص 127 - أصول
الحديث: ص 193 والمحدث الفاصل: ص 128.
(4) فتح الباري: 1 / 218.
(5) تهذيب التهذيب: 4 / 198 - التاريخ الكبير: 1 / 26 رقم 29.
(6) طبقات ابن سعد: 7 / 189 - سنن الدارمي: 1 / 127 - مسند أحمد: 10 / 171 - تهذيب التهذيب: 8 /
48 - أسد الغابة: 3 / 233.
(7) تذكره الحفاظ: 1 / 48 - طبقات ابن سعد: 5 / 433.
34

كثير المتوفى 128 ه‍ (1).
وغيرها من الكتب والمصنفات قبل تدوين السنة من ناحية عمر بن
عبد العزيز.
ومن المؤسف في ذلك بعد شيوع الأمر في مسألة التدوين على رأس المائة
الأولى بين العلماء وانتشار الكتب في البلاد ليس ذكر عن الباقرين (عليهما السلام) مع أنهما
أحفظ وأثبت، وأعلم الناس (2)، فكيف لا يصدر منهما الحديث ولا يدور في
صحاحهم ومسانيدهم ذكر الأثبت والأحفظ ولا يروون عنهما معالم الدين في
الحلال والحرام.
فالبخاري لا يروي عن الصادق (عليه السلام) ويتورع ويروى لورعه عن " مروان بن
الحكم " الذي قال فيه ابن حبان وغيره معاذ الله أن نحتج بخبر رواه مروان بن
الحكم " (3).
ولتلك المصيبة روى النسائي في سننه:
عن ابن عباس قال: اللهم العنهم، قد تركوا السنة من بغض علي (4).
وقال النيسابوري حول السبب في تركهم الجهر بالبسملة في الصلاة:
وأيضا، ففيه تهمة أخرى، وهي: ان عليا (عليه السلام) كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلما كان
زمن بني أمية بالغوا في المنع عن الجهر سعيا في ابطال آثار علي (5).

(1) معرفة علوم الحديث للحاكم: ص 110.
(2) سير أعلام النبلاء: 6 / 257.
(3) سير أعلام النبلاء: 1 / 36، 3 / 476 - تهذيب التهذيب: 10 / 91، الجرح والتعديل: 8 / 271.
(4) سنن النسائي: 5 / 253 - السنن الكبرى: 5 / 113.
(5) تفسير النيسابوري المطبوع بهامش جامع البيان للطبري: 1 / 79.
35

الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) (1)
ولد سنة ثمانين، رأى بعض الصحابة كما قاله الذهبي، حدث عنه ابنه
موسى الكاظم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وأبو
حنيفة، وأبان بن تغلب، وابن جريج، ومعاوية بن عمار الدهني، وابن إسحاق في
طائفة من أقرانه، وسفيان، وشعبة ومالك، وإسماعيل بن جعفر، ووهب بن خالد،
وحاتم بن إسماعيل وسليمان وبلال وسفيان بن عيينة والحسن بن صالح،
والحسن بن عياش أخو أبي بكر وزهير بن محمد، وحفص بن غياث وزيد بن
الحسن الأنماطي، وسعيد بن سفيان الأسلمي، وعبد الله بن ميمون، وعبد العزيز
ابن عمران الزهري، وعبد العزيز الدراوردي، وعبد الوهاب الثقفي، وعثمان بن
فرقد، ومحمد بن ثابت البناني، ومحمد بن ميمون الزعفراني، ومسلم الزنجي
ويحيى القطان وأبو عاصم النبيل (2).
فلا بد على الأحداث التاريخية المظلمة، أن تمر الأيام والشهور وتمضي
السنون والقرون حتى تكشف الأستار والأوهام عن وجه الحقائق، ويظهر الحق
المبين.
فالصادق من آل محمد أرفع وأعلى في أن يذكر في طبقات الثقات من

(1) مشاهير علماء الأمصار: ص 127 - تاريخ الاسلام سنوات: 141 - 160: ص 88 - سير أعلام النبلاء: 6 /
255 رقم 117 - تهذيب التهذيب: 2 / 103 - وفيات الأعيان: 1 / 327 - الكامل في التاريخ: 5 / 27 -
البداية والنهاية: 105 / 10 - التاريخ لابن معين: 2 / 87 رقم 670 - الحلية: 3 / 193 - صفة الصفوة: 2 / 94
- تاريخ أبي زرعة: 1 / 233 - طبقات خليفة: 2 / 763 - تذكرة الحفاظ: 1 / 157 - الوافي بالوفيات: 10 /
126 رقم 208 - شذرات الذهب: 1 / 220.
(2) سير أعلام النبلاء: 6 / 255 - 256.
36

رجال الحديث، لأن الثقة والإتقان والتثبت ألفاظ قاصرة عن رفعة شأنه وعلو
جنابه وسمو درجاته.
روى الذهبي عن عمرو بن أبي مقدام: قال: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن
محمد علمت أنه من سلالة النبيين وقد رأيته واقفا عند الجمرة يقول: سلوني،
سلوني.
وعن صالح بن أبي الأسود، سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن
تفقدوني، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة، وسئل عن جعفر بن محمد، عن أبيه،
وسهيل عن أبيه، والعلاء عن أبيه، أيها أصح؟ قال:
لا يقرن جعفر إلى هؤلاء. وسمعت أبا حاتم يقول: جعفر لا يسأل عن
مثله (1).
فيا ذهبي إذا علمت ذلك فلماذا أجرأت على الحق وقرنته بغيره في قولك
جعفر ثقة صدوق، ما هو في الثبت كشعبة (2)؟.
فأنت تعرف ما تقول وما تكتب؟
الإمام الصادق (عليه السلام) ومعاصريه
وقد عاصره أركان الحديث وأئمة المذاهب الحنفية والمالكية وكلهم
اعترفوا بجلالته وعلو مقامه.

(1) سير أعلام النبلاء: 6 / 257.
(2) سير أعلام النبلاء: 6 / 257.
37

فيا للعجب من بعض كالبخاري يتورع في الحديث، يتوضأ ويصلي عند
كتابة كل حديث ثم يروي عن مروان بن الحكم، عدو رسول الله، قاتل طلحة - كما
يأتي - ويروي عن طائفة غير معلومة الإسلام كما قاله يحيى بن سعيد شيخ
المشايخ وإمام الأئمة في حديث السنة.
وطائفة آخر ضعفهم نفس البخاري في كتابه " الضعفاء " وأورد أسمائهم في
" الضعفاء والمتروكين " وخرج رواياتهم في الصحيح!!!
ومع ذلك كله، هو لا يروي عن الصادق من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي اعترف
الكل على عظمته ودرجاته.
هذا أبو حنيفة إمام أعظم الحنفية يقول: ما رأيت أفقه من جعفر بن
محمد (1).
وأورد الذهبي قصته في مجلس المنصور، كما يلي:
ابن عقدة الحافظ، حدثنا جعفر بن محمد بن حسين بن حازم، حدثني
إبراهيم بن محمد الرماني أبو نجيح، سمعت حسن بن زياد، سمعت أبا حنيفة،
وسئل، من أفقه من رأيت؟ قال: ما رأيت أحد أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه
المنصور الحيرة، بعث إلي فقال: يا أبا حنيفة، ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد،
فهيئ له من مسائلك الصعاب، فهيأت له أربعين مسألة ثم أتيت أبا جعفر وجعفر
جالس عن يمينه، فلما بصرت بهما، دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي
جعفر، فسلمت وأذن لي، فجلست ثم التفت إلى (2) جعفر فقال: يا أبا عبد الله،

(1) تاريخ الاسلام سنوات 141 - 160: ص 89.
(2) في سير أعلام النبلاء " إلي ".
38

تعرف هذا؟ قال: نعم هذا أبو حنيفة، ثم أتبعها: قد أتانا. ثم قال: يا أبا حنيفة، هات
من مسائلك فسأل أبا عبد الله، فابتدأت أسأله.
فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون
كذا وكذا - ونحن نقول كذا وكذا.
فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا معا (1) حتى أتيت على
أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة، ثم قال أبو حنيفة:
أليس قد روينا ان اعلم الناس أعلمهم (2) باختلاف الناس (3)؟!
* * *

(1) في سير أعلام النبلاء جميعا.
(2) في تاريخ الاسلام " أعلم الناس أعلم الناس بالاختلاف ".
(3) سير أعلام النبلاء: 6 / 257 - 258 - تاريخ الاسلام سنوات 141 - 160: ص 89 - 90.
39

الفصل الأول
محو السنة أو تدوينها
41

الحركة التي أبدأها سعيد بن المسيب تجاه بني أمية بتحريم حكمهم
والتخلف عن أمرهم يشرح لنا صحيفة الأموية ومساعدة الزهري على نشر السنن
ما ناحيتهم، ولطائف هذه الحركة كما يعلم من زوايا حياته وحيات غيره من
المحدثين يوقفنا على أن السنن المتلقاة من بعد التدوين لمخلوقة للأمويين
والمحدثين المباشرين للتدوين المستأجرين لهم أيضا.
تدوين السنة أو محوها؟
كل من تتبع التاريخ يعلم من دون خفاء إن الأمر الصادر من ناحية الشيخين
أبي بكر وعمر باحراق الكتب الأحاديث والآثار (1) فرع تثبيت الكتابة من قبل
خلافتهما في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فالأمر بالتدوين بعد محو الآثار بالتمزيق والتخريق كاشفة عن أمر لا يتصور
أن يصدر من شخص واحد، بل هو أمر دقيق منبعث عن الأفكار المجربة المعلمة
للتخريب والتمريض للسنة النبوية وهدم الشريعة.
ولهذا، أمروا بالتدوين في رأس المأة الأولى بأيدي الظلمة وأعوانهم
ومجالسيهم من المحدثين مثل أبي بكر بن حزم والزهري وغيرهم.

(1) يراجع مصادره تقييد العلم: ص 59 - 63 - جامع بيان العلم: 1 / 66.
43

تدوين السنة
وقد سعى بعض الخلفاء الأمويين نحو جمع الحديث وتدوينه كما جمع
بعض الآخرون من الصحابة والتابعين من قبلهم في أجزاء منحصرة لدى
أنفسهم.
كتب عبد العزيز بن مروان والد عمر بن عبد العزيز، إلى كثير بن مرة
الحضرمي - أن يكتب له ما يسمعه من أحاديث الصحابة سوى أبي هريرة لان
حديثه كان مجموعا عنده (1).
وكثير بن مرة هذا هو الذي أدرك سبعين بدريا، فعلى ما ثبت المؤرخون، لم
ينتج حركته نحو التدوين حتى جاء ابنه عمر بن عبد العزيز بن مروان وصار خليفة
من بعد سليمان بن عبد الملك من سنة 99 - 101 ه‍ - سنتين وأشهرا - وهو أيضا
كتب إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم والي المدينة وعامله بها: أنظر ما كان
من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحديث عمر فاني قد خشيت درس العلم وذهابه
فالرواية على ما في " السنن الدارمي ":
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر، عن أبي ضمرة، عن
يحيى بن سعيد عن عبد الله بن دينار، قال: كتب عمر بن عبد
العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن أكتب إلي
بما ثبت عندك من الحديث من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبحديث عمر،

(1) تهذيب التهذيب 8 / 429 - طبقات ابن سعد - 7 / 448.
44

فاني قد خشيت درس العلم وذهابه (1).
وفي " طبقات ابن سعد " كتب إلى أبي بكر محمد بن حزم أنظر ما كان من
حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو سنة ماضية أو حديث عمرة، فاكتبه فأني خشيت دروس
العلم وذهاب أهله (2).
فالثابت في رواية " الدارمي " " حديث عمر " وفي رواية ابن سعد " حديث
عمره " وقيل أن " عمرة " هذه هي ابنة عبد الرحمن التي عندها أحاديث عائشة.
روى الامام مالك في الموطأ: أن عمر بن عبد العزيز كتب
إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: ان انظر ما كان من
حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أو سنة أو حديث عمر أو نحو هذا فأكتبه
فاني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء وأوصاه ان يكتب ما
عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، والقاسم ابن محمد
بن أبي بكر.
وقال البخاري في كتاب العلم، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن
حزم أنظر ما كان من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاكتبه فاني خفت دروس العلم وذهاب
العلماء (3).
وكما يأتي عند ترجمة عمر بن عبد العزيز إن لم يكن له الا هذه الموبقة،
لكفى في إثبات جرمه وجنايته، لأنه على علم لديه بان في المدينة محمد بن علي
بن الحسين باقر علم النبيين وابنه جعفر بن محمد بن الصادق (عليهما السلام) من أركان العلم

(1) 1 / 137 رقم 487 - سنن الدارمي.
(2) الطبقات الكبرى 8 / 480.
(3) فتح الباري 1 / 194، سنن الدارمي 1 / 136، تقييد العلم ص 106.
45

والحديث، ومع ذلك يكتب إلى " أبو بكر بن حزم " وغيره يلتمس حديث رسول
الله.
وقال في ذلك جعفر بن محمد: شرقا أو غربا، فلا تجدان علما صحيحا إلا
خرج شيئا من عندنا وقال أيضا: حديث جعفر خير من الدنيا وما فيها... الخ.
وفي رواية أخرى تنتهي أيضا إلى عبد الله بن دينار قال: كتب عمر بن عبد
العزيز إلى أهل المدينة، ان انظروا حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاكتبوه، فاني خفت
دروس العلم وذهاب أهله (1).
ولكن عمر بن عبد العزيز لم يمهله الله فمات قبل أن يبعث إليه أبو بكر ابن
حزم أو أحدا من أهل المدينة.
هذا وكان ممن كتب إليهم عمر بن عبد العزيز: محمد بن مسلم بن شهاب
الزهري الذي كان موضع ثقة عمر، ومحل تقديره لما بينهما من العلائق والمودة
والزمالة العلمية، من قبل عشرين عام فقام ابن شهاب الزهري بما كلف به وادى
المهمة إذ جمع السنن في دفاتر وبعث بها إلى عمر بن عبد العزيز ووزعها عمر
بدوره على الأمصار الاسلامية.
روى سعيد بن زياد قال: سمعت ابن شهاب يحدث سعد
ابن إبراهيم أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها
دفترا دفترا فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا (2).
وإذا كان عدد ما اشتملت عليه تلك الدفاتر من الأحاديث مجهولا بالنسبة

(1) الدارمي: السنن 1 / 104، تقريب التهذيب 1 / 413 تقييد العلم ص 106.
(2) ابن عبد البر: جامع بين العلم وفضله 1 / 78 فتح الباري 1 / 194.
46

لنا، فإن مما لا شك فيه إهتمام عمر بن عبد العزيز بها وتعميمه لها إلى كل الأمصار
التي له عليها سلطان - دليل على أنها كانت تشتمل على مجموعة كبيرة من
الأحاديث التي جمعها له الزهري!!!
وكان الزهري فيما يبدو: أول من أرسل ما جمعه من السنة إلى عمر ابن عبد
العزيز إذ لم نعلم أن أحدا سبقه إلى ذلك، وإنما الثابت هو قول المالك بان: " أول
من دون العلم ابن الشهاب " (1).
وقال الذهبي: قال عبد الرزاق: سمعت معمرا يقول: أتيت الزهري بالرصافة
فجالسته فجعلت أسأله حتى ظننت أني قد فرغت منه فلما مات مر علينا بكتبه
على البغال، وفي لفظ للإمام أحمد ثنا عبد الرزاق سمعت معمرا يقول: كنا نرى أنا
قد أكثرنا عن الزهري حتى قتل الوليد فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من
خزائنه، يعني من علم الزهري (2).
قلت: يعني الكتب التي كتبت عنه لآل مروان (3).
فيعلم من ذلك إن الزهري تكفل أمر التدوين في خلافة عبد الملك وابنه
الوليد وبعده سليمان قبل ان يأتي عمر بن عبد العزيز.
لان عبد الملك مات في سنة 86 ه‍ وابنه الوليد قتل في سنة 96 ه‍ ومات
سليمان في سنة 99 ه‍ وعمر في سنة 101 ه‍ كما ذكرنا في ترجمتهم.

(1) حلية الأولياء: 3 / 3 و 3.
(2) تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 234 - 235 - حليه الأولياء 3 / 361.
(3) تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 235.
47

الزهري وتساهله في تدوين السنة
تقدم ان ابن شهاب الزهري كان أول من جمع ما جمع من السنة وبعث به
دفترا دفترا إلى عمر بن عبد العزيز، وان عمر قد بعث إلى كل أرض له عليها
سلطان دفترا من تلك الدفاتر.
ولم يكن هذا من الزهري أول جهد قام به في تدوين السنة، بل كان الجهد
المتمم لما بذل من جهود في هذا السبيل زهاء 45 عام وكان عمره عند ما نزل
الشام على عبد الملك 31 عاما تقريبا على الإختلاف. وبناء على القول بوفوده
على مروان تكون مدة ملازمته إياهم 62 عام.
صالح بن كيسان إنه قال: اجتمعت أنا والزهري ونحن نطلب العلم؟ فقلنا:
نكتب السنن فكتبنا ما جاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ثم قال الزهري: نكتب ما جاء عن
أصحابه فإنه سنة قال: فقلت انا: لا، ليس بسنة لا نكتبه فكتب ولم أكتب فأنجح
وضيعت (1).
ومما روي عن أبي الزناد (2) انه قال: كنا نكتب الحلال والحرام وكان الزهري
يكتب كل ما سمع فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس (3).

(1) طبقات ابن سعد 2: 2 / 135 جامع بيان العلم 1 2 76 - 77 حلية الأولياء 3 / 360 تقييد العلم ص 107
- تاريخ الإسلام وفيات - 121 - 140 ص 239 المعرفة والتأريخ 1 / 237.
(2) هو عبد الله بن ذكوان ابن أخي أبو لؤلؤ قاتل الخليفة عمر بن الخطاب وهو كما وصفوه كان من الأئمة
الفقهاء المدنيين وواسطة بين عمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب لان سعيد بن المسيب يخالف بنو
أمية ولا يدخل على أبوابهم وقد خرج البخاري ومسلم اخباره في الصحيحين وكذا ابنيه قاسم وعبد
الرحمن ولنا على ذلك شرح ذكرناه في محله.
(3) سير أعلام النبلاء 5 / 332.
48

ولم يكتف الزهري بما دونه بطلب عمر بن عبد العزيز، وما دونه قبل ذلك
كالذي أشار إليه: صالح بن كيسان وأبو الزناد وانما: استمر بعد ذلك على الجمع
والتدوين حتى أدرك أواخر خلافة هشام بن عبد الملك وبلغ منيته سنة 124 ه‍.
فقد روى: أن هشام بن عبد الملك طلب منه ان يملي على بعض ولده، شيئا
من الحديث، فدعا بكاتب، وأملى عليه أربعمائة حديث (1).
وروي أيضا: ان هشاما: أقام كاتبين يكتبان عن الزهري فأقاما سنة يكتبان
عنه (2).
وروي عن يونس بن يزيد قال: قلت للزهري اخرج إلي كتبك، فاخرج إلي
كتبا فيها شعر (3).
وجاء عن معمر انه قال: كنا نرى انا قد أكثرنا عن الزهري حتى قتل الوليد
بن يزيد فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزانته: يعني من علم الزهري (4).
وروى الذهبي عن إبراهيم بن أبي سفيان القيسراني: حدثنا الفريابي،
سمعت الثوري، يقول: أتيت الزهري فتثاقل علي، فقلت له: أتحب لو أنك أتيت
مشايخ، فصنعوا بك مثل هذا؟ فقال: كما أنت، ودخل، فأخرج إلي كتابا، فقال خذ
هذا فاروه عني، فما رويت من حرفا.

(1) المحدث الفاصل 397، المختصر من تاريخ دمشق 23 / 234.
(2) جامع بيان العلم 100.
(3) جامع بيان العلم 99.
(4) سير أعلام النبلاء 5 / 334 وتاريخ مدينة دمشق 55 / 334، جامع بيان العلم 476، تاريخ الاسلام
وفيات 121 - 140 ص 325.
49

وعن عبيد الله بن عمر قال: رأيت الزهري يؤتى بالكتاب من كتبه فيقال له:
يا أبا بكر كتابك وحديثك نرويه عنك، فيقول: نعم (1).
عن الأوزاعي: أن الزهري دفع إليه صحيفة وقال: أروها عني (2).
وروى الحاكم بسنده عن رجل من أهل الري يقال له: أشرس قال: قدم علينا
محمد بن إسحاق، فكان يحدثنا عن إسحاق بن راشد فقدم علينا إسحاق ابن راشد
فجعل يقول: ثنا الزهري وثنا الزهري قال: فقلت له: أين لقيت ابن شهاب؟ قال لم
القه مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا له ثم (3).
فهذه الروايات وغيرها الواردة في هذا المعنى: تفيد أن الزهري كان يتساهل
في نقل السنن وإجازتها وتدوينها التي كان قد بدأها أيام طلبه، وعززها بمحاولته
الشاملة على عهد: عمر بن عبد العزيز وأتمها باستمراره على ذلك بعد تلك
المحاولة الموفقة، وأنه كان مدركا لأهمية تدوينها وضرورة تسجيلها حسب
المطلوب والمختار من الخليفة أو الخلفاء.
ومما يؤكد ما روي عنه من أنه قال: لولا أحاديث سألت علينا من المشرق
ننكرها لا نعرفها ما كتبت حديثا ولا أذنت في كتابه (4).
وقوله: كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الامراء فرأينا ان لا
نمنعه أحدا من المسلمين (5).

(1) سير أعلام النبلاء 5 / 338 - تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 245.
(2) ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 479.
(3) الحاكم: معرفة علوم الحديث 110.
(4) والخطيب: تقييد العلم 107.
(5) سير أعلام النبلاء 5 / 324 حلية الأولياء 3 / 362 - تقييد العلم ص 107.
50

وفي رواية: كنا نكره كتابة العلم حتى أكرهنا عليه السلطان فكرهنا أن نمنعه
أحدا (1).
فعن الوليد بن مسلم عن مرو بن أبي الهذيل قال: كان
الزهري لا يترك أحدا يكتب بين يديه قال: فأكرهه هشام بن
عبد الملك فأملى على بنيه، فلما خرج من عنده دخل
المسجد فاستند إلى عمود من عمده، ثم نادى يا طلبة
الحديث قال: فلما اجتمعوا إليه قال: اني كنت منعتكم أمرا
بذلته لأمير المؤمنين آنفا هلم فاكتبوا قال: فكتب منه الناس من
يومئذ (2).
وفي رواية عن الوليد أيضا بلفظ: يا أيها الناس، إنا قد كنا منعناكم شيئا قد
بذلناه لهؤلاء (3).
وعن أبي المليح قال: كنا لا نطمع أن نكتب عن الزهري حتى أكره هشام
الزهري، فكتب لبنيه، فكتب الناس الحديث (4).
روى عن مالك بن أنس، إنه قال: أول من دون العلم ابن شهاب (5)!!.
وعن الدراوردي قال: أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب (6).

(1) الدارمي: السنن 1 / 92.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 333.
(3) مختصر تاريخ دمشق 23 / 234 - تاريخ مدينة دمشق 55 / 333.
(4) أبو نعيم: حلية الأولياء 3 / 363، تهذيب التهذيب.
(5) ابن عبد البر: جامع بيان العلم 98، البداية والنهاية 9 / 342. المنتظم 7 / 234 - تاريخ مدينة دمشق
55 / 334.
(6) جامع بين العلم وفضله 94، والدراوردي: هو عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي، أبو محمد
الجهني مولاهم المدني، صدوق، مات سنة 186 ه‍ أنظر: تقريب التهذيب 1 / 512 - تاريخ مدينة
دمشق 55 / 334.
51

حدثني عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد: إن أول من وضع
للناس هذه الأحاديث ابن شهاب (1).
وقال إبراهيم بن سعد: إن أول من وضع للناس هذه الأحاديث ابن
شهاب (2).
وقال الترمذي: هو واضع علم الحديث بأمر عمر بن عبد العزيز مخافة
ضياعه بضياع أهله (3).
وقال ابن حجر: وأول من دون الحديث ابن شهاب على رأس المائة بأمر
عمر بن عبد العزيز (4).
وروي عن الزهري نفسه انه قال: لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني (5)
والأخبار في هذا المجال أكثر من أن تحصى، وأشهر من أن تخفى.
منهجه في تدوين السنة
ومن خلال ما مر من أخبار تدوين الزهري للسنة في تلك المرحلة
المتقدمة من تأريخها، نبين غايتها أن الكتابة: لم تؤخذ طابع الاستقصاء والشمول
الا في عهد صغار التابعين على يد الزهري وباشاراتهم في خلافة: عمر بن عبد

(1) المعرفة والتاريخ 1 / 632.
(2) المعرفة والتاريخ 1 / 633.
(3) مختصر الشمائل المحمدية 125.
(4) فتح الباري 1 / 208.
(5) الرسالة المستطرفة 4.
52

العزيز كما رأينا، حيث قام بمحاولته الشاملة الدائبة المستمرة التي انتهى فيها إلى
تدوين ما كان لديه، منها: في الدفاتر التي بعثها إلى عمر بن عبد العزيز (1)، وفي
الكتب والدفاتر التي ظهرت بعد وفاته (2)، والتي وجدت في خزانة كتب الأمويين
بعد مقتل الوليد بن يزيد (3) وفيما كان يمليه منها على تلاميذه (4).
نشر السنة
إهتم الزهري بنشر السنة عن طريق كتابتها، بعد ما كان يمنع عنها، فكتبها
لمن طلبها من المهتمين بها من أولي الأمر الفسقاء، وكانت الكتابة من أهم العوامل
التي ساعدت بها الأموية على نشر السنة المختارة ووصولها إلى عدد كثير من
الناس في الأقطار، فما أرسلت إلى البلاد من السنن والدفاتر فإنها سنة الأموية لا
السنة النبوية لأن الأموية على طرفي النقيض من السنن.
تقدم ان عمر بن عبد العزيز لما أراد أن يجمع السنن كان من بين من كلفهم
بالقيام بتلك المهمة الزهري، وانه كان من أول من لبى ذلك الطلب، فجمع السنن
وبعث بها إليه دفترا دفترا، وان عمر بعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا.
وروي عنه انه قال: أرسل إلى هشام بن عبد الملك: أن اكتب لبني بعض
أحاديثك، فقلت لو سألتني عن حديثين ما تابعت بينهما ولكن ان كنت تريده
فادع كاتبا فإذا اجتمع إلي الناس يسألوني كتبت لهم ما تريد، قال: فأرسل إلي كاتبا
ومكث سنة، ما يأتيني يوم الا ملأته قال: فلقيني بعض بني هشام، فقال لي: يا أبا

(1) جامع بيان العلم: 1 / 76، فتح الباري: 1 / 194.
(2) تاريخ الاسلام - وفيات 121 - 140 ص 234، حلية الأولياء: 3 / 361.
(3) سير أعلام النبلاء: 5 / 334، تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 235، تاريخ دمشق: 5 / 334.
(4) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 333.
53

بكر، ما أرانا إلا قد أنقصناك، قال ابن شهاب: فقلت له: إنما كنت في عزاز الأرض،
إنما هبطت بطون الأودية اليوم (1).
وفي رواية: فبعث إلي كاتبين فاختلفا إلي سنة (2).
وكان ممن كتبوا لهشام بن عبد الملك عن الزهري: شعيب بن أبي حمزة.
قال الذهبي: فكتب للخليفة هشام شيئا كثيرا باملاء الزهري عليه (3).
وإنما المهم في ذلك جوابه لهشام وتلبية امره بقوله: " كتبت لهم ما تريد ".
ولا شبهة لأحد إن ما أراده هشام من كتابة السنة هي السنة المختارة لبني
أمية لا السنة المختارة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته وخاصة من الصحابة، فما أراد الزهري
بقوله " ما تريد " هي الإرتكازات المجموعة الذهنية له من بني أمية ومن هشام
خاصة منذ زمن بعيد من حياته في خدمته لهم.
وهو يعلم بان هشام، ما يطلب وما يريد، ولذلك قال: " ما تريد " واما قوله:
" هبطت بطون الأودية " فإنه أعنى بذلك تفسيره لقوله: " أكرهنا هؤلاء الأمراء " كأنه
هو الأجير المكره في خدمة بني أمية لا يرضى بما يفعل وبما ينتشر من أمر السنة
وتدوينها. وأما قوله: " هبطت " ينفي الأكراه ويثبت الإختيار.
أخباره مع علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
أخذ الزهري عن علي بن الحسين علوما كثيرا واعترف نفسه بذلك، لأنه
كان أكثر مجالسة له وأصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن

(1) تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 237.
(2) المعرفة والتاريخ 1 / 632 - سير أعلام النبلاء 5 / 333 - مختصر تاريخ دمشق 23 / 233.
(3) تذكرة الحفاظ: 1 / 221.
54

علي (1).
وبني أمية بعدما وصل إليهم الزهري يعيبون عليه بان: علي بن الحسين كان
نبيا له!!
وروى " ابن عساكر " في تاريخه، أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو
الفضل بن البقال، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا عثمان بن أحمد، نا حنبل بن
إسحاق قال: ومما كتب من كتاب أبي عبد الله ولم أسمعه من عبد الرزاق أنا معمر
قال قلت للزهري مالك لا تكثر الرواية عن علي بن الحسين، فقال: كنت أكثر
مجالسته ولكنه كان قليل الحديث (2).
وروى أيضا: عن أبي بكر بن أبي دارم الحافظ بالكوفة يحكى عن بعض
شيوخه عن أبي بكر بن أبي شيبة قال:
أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي (3).
وقال ابن سعد كما ذكره الحافظ الذهبي: كان علي بن الحسين كثير الحديث
عاليا رفيعا ورعا (4).
وقال ابن كثير: كان ثقة مأمونا كثير الحديث (5).
ومن اخباره في علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام).
ما رأيت أحدا كان أفقه منه ولكنه كان قليل الحديث (6) وكان من أفضل أهل

(1) سير أعلام النبلاء: 4 / 391.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 41 / 376 - سير أعلام النبلاء: 4 / 389 - البداية والنهاية: 9 / 111.
(3) تاريخ مدينة دمشق: 41 / 376 - سير أعلام النبلاء: 4 / 391.
(4) سير أعلام النبلاء: 4 / 387.
(5) البداية والنهاية: 9 / 110.
(6) تاريخ مدينة دمشق: 41 / 371.
55

بيته وأحسنهم طاعة وأحبهم إلى مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان (1).
وفي رواية: ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين (2).
ومن أخباره المعروفة حكايته وقائع الشام عند دخول علي بن الحسين (عليهما السلام)
على عبد الملك بن مروان ومشاهدته الأقياد على رجليه والغل في يديه...
والعجيب من أمره هذا، معاينته واقراره بجلالة الإمام زين العابدين
وأفقهيته وكذا أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) ومع ذلك اشترى غضب
الله لنفسه وباع دينه بالدنيا وحب الرياسة، وكان علي بن الحسين ينهاه عما ارتكبه
في نصرة الظلمة ومجالستهم، وكتب في ذلك رسالة له ووعظه وبين عظيم جرئته
على الحق في تبدل الأحكام وتكتم الآيات، فرسالة علي بن الحسين (عليه السلام) للزهري
رواها أبو نعيم الإصفهاني في " الحلية " عند ذكر " سلمة بن دينار أبو حازم " ونسبه
له، - كما سيأتي عند ذكر ترجمته - وهي رسالة كتبها الإمام علي بن الحسين زين
العابدين (عليه السلام) إليه، ويمكن أيضا الجمع بينهما لأن الإمام علي بن الحسين توفي
مسموما في سنة اثنتين وتسعين (3) وأبو حازم هذا، من رواته وانه مات حدود
سنة 140 ه‍ وانه قال في الإمام زين العابدين: ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن
الحسين (4) وعلى ذلك، أخذ أبو حازم أيضا عند وظيفته الشرعية في النهي عن
المنكر، واختار كلمات الإمام زين العابدين في تحذيره إياه عن المشاركة مع
الأمويين، ونحن نذكر كلاهما ليشهدا في ذلك حجة لمن يعاند.

(1) تاريخ مدينة دمشق: 41 / 371.
(2) سير أعلام النبلاء: 4 / 387 - المعرفة والتاريخ: 1 / 544.
(3) تاريخ الإسلام وفيات 81 - 100 ص 439.
(4) حلية الأولياء: 3 / 141 - تاريخ الإسلام وفيات 81 - 100 ص 433.
56

" كتابه (عليه السلام) إلى محمد بن مسلم الزهري يعظه "
كفانا الله وإياك من الفتن ورحمك من النار، فقد أصبحت
بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك، فقد أثقلتك نعم الله
بما أصح من بدنك، وأطال من عمرك وقامت عليك حجج
الله بما حملك من كتابه وفقهك فيه من دينه، وعرفك من سنة
نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فرض لك في كل نعمة أنعم بها عليك وفي
كل حجة احتج بها عليك الفرض فما قضى إلا ابتلى شكرك
في ذلك وأبدى فيه فضله عليك فقال: * (لئن شكرتم
لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) * (1).
فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله فسألك
عن نعمه عليك كيف رعيتها وعن حججه عليك كيف
قضيتها ولا تحسبن الله قابلا منك بالتعذير ولا راضيا منك
بالتقصير، هيهات هيهات ليس كذلك، أخذ على العلماء في
كتابه إذ قال: * (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) * (2) واعلم أن أدنى
ما كتمت وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم وسهلت
له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت وإجابتك له حين
دعيت، فما أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غدا مع الخونة، وأن
تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة، إنك أخذت

(1) سورة إبراهيم: الآية 7.
(2) سورة آل عمران: الآية 187.
57

ما ليس لك ممن أعطاك، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا
ولم ترد باطلا حين أدناك وأحببت من حاد الله أو ليس بدعائه
إياك حين دعاك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم،
وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم، سلما إلى ضلالتهم، داعيا
إلى غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء
ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلما يبلغ أخص وزرائهم
ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم
واختلاف الخاصة والعامة إليهم. فما أقل ما أعطوك في قدر ما
أخذوا منك. وما أيسر ما عمروا لك، فكيف ما خربوا عليك.
فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك وحاسبها حساب رجل
مسؤول.
وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمة صغيرا وكبيرا. فما
أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه: * (فخلف من بعدهم
خلف ورثوا الكتب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون
سيغفر لنا) * (1) إنك لست في دار مقام. أنت في دار قد آذنت
برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه. طوبى لمن كان في الدنيا
على وجل، يا بؤس لمن يموت وتبقى ذنوبه من بعده.
احذر فقد نبئت. وبادر فقد أجلت. إنك تعامل من لا
يجهل. وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل. تجهز فقد دنا منك
سفر بعيد وداو ذنبك فقد دخله سقم شديد.

(1) سورة الأعراف: الآية 168.
58

ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكني
أردت أن ينعش الله ما [قد] فات من رأيك ويرد إليك ما
عزب من دينك وذكرت قول الله تعالى في كتابه: * (وذكر فإن
الذكرى تنفع المؤمنين) * (1).
أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم
كقرن أعضب. انظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت؟ أم هل وقعوا
في مثل ما وقعت فيه؟ أم هل تراهم ذكرت خيرا علموه
[عملوه]؟ وعلمت [عملت] شيئا جهلوه؟ حظيت بما
حل من حالك في صدور العامة، وكلفهم بك إذ صاروا
يقتدون برأيك ويعملون بأمرك، إن أحللت أحلوا وإن حرمت
حرموا وليس ذلك عندك، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما
لديك، ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم وحب
الرئاسة وطلب الدنيا منك ومنهم، أما ترى ما أنت فيه من
الجهل والغرة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة. قد ابتليتهم
وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم إلى
أن يبلغوا من العلم ما بلغت، أو يدركوا به مثل الذي أدركت،
فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه وفي بلاء لا يقدر قدره.
فالله لنا ولك وهو المستعان.
أما بعد فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين

(1) سورة الذاريات: الآية 55.
59

الذين دفنوا في أسمالهم، لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس
بينهم وبين الله حجاب، ولا تفتنهم الدنيا ولا يفتنون بها، رغبوا
فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا، فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا
المبلغ مع كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك، فكيف
يسلم الحدث في سنه، الجاهل في علمه، المأفون في رأيه،
المدخول في عقله. إنا لله وإنا إليه راجعون. على من المعول؟
وعند من المستعتب؟ نشكوا إلى الله بثنا وما نرى فيك
ونحتسب عند الله مصيبتنا بك.
فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا، وكيف
إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا، وكيف
صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا، وكيف
قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا. مالك لا
تنتبه من نعستك وتستقيل من عثرتك فتقول: والله ما قمت لله
مقاما واحدا أحييت به له دينا أو أمت له فيه باطلا، فهذا
شكرك من استحملك، ما أخوفني أن تكون كمن قال الله
تعالى في كتابه: * (أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف
يلقون غيا) * (1) استحملك كتابه واستودعك علمه فأضعتها،
فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به والسلام (2).

(1) سورة مريم: الآية 59.
(2) تحف العقول لابن شعبة الحراني: 281 - 284.
60

بني أمية والزهري وسعيد بن المسيب
سعيد بن مسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي المدني المتوفى 105 ه‍
على المشهور.
ولد في خلافة عمر لأربع مضين منها وقيل لسنتين مضتا منها وقال ابن عبد
البر: ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر وذلك سنة أربع عشرة، هذا أشهر شئ في
مولده فالجميع على تبجيله وتفخيمه ووصفوه بالسيادة والعلم قال مكحول:
طفت الأرض كلها في طلب العلم، فما لقيت أحدا أعلم من سعيد بن المسيب (1).
وقال أحمد بن حنبل وغير واحد: مرسلات سعيد بن المسيب صحاح (2).
فانظروا إلى هذا وقولهم: مرسل الزهري شر من مرسل غيره. وقيل في
الزهري: انه حافظ وكلما قدر أن يسمي سمى وإنما يترك من لا يحسن أو يستحي
ان يسميه وفي رواية: إنما يترك من لا يحب أن يسميه (3).
وفي رواية: مرسل الزهري شبه لا شئ أو بمنزلة الريح (4).
وقال الذهبي في ذلك: ومن عد مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب
وعروة بن الزبير ونحوهما، فإنه لا يدر ما يقول، نعم مرسله كمرسل قتادة
ونحوه (5).

(1) تاريخ الاسلام - وفيات 81 - 100 ص 372.
(2) سير أعلام النبلاء 4 / 222.
(3) سير أعلام النبلاء 5 / 338.
(4) جامع التحصيل ص 90.
(5) سير أعلام النبلاء 5 / 339.
61

إن سعيد بن المسيب هذا، يسمى، راوية عمر بن الخطاب، لأنه كان أحفظ
الناس لأحكامه وأقضيته (1).
ومكائد بني أمية في تطميع العلماء أحد الدسائس والحيل المعمولة في
تجليب الأقلام والأنفاس المؤثرة في العلم ولا سيما إذا كان مثل سعيد بن
المسيب، والزهري ولذلك سعوا نحو استخدام هؤلاء من العلماء المطلعين على
أحاديث المدنيين.
اما الزهري فإنه فعل ما فعل ورضى بما يرضاه بني أمية، ولكن سعيد بن
المسيب ضرب وسجن وما رضى بفعال بني أمية أبدا.
وفي ذلك من الإشارات والنكت الدقيقة ما يكشف لكل من يطلب الحقائق
من دور العلماء في مواجهة الخلفاء في أمر الحديث وتبدل السنن.
قال الزهري: جالست سعيد بن المسيب ثمان سنين (2)، وفي رواية عشرة
وفي رواية ست سنين.
وعندما يحدث عند الخلفاء بالشام، يزين حديثه، بابن المسيب.
وإنهم أيضا يرضون بذلك، لأن الزهري تعلم عند سعيد وأخذ عنه الحديث
وهو عالم المدينة بلا مدافعة (3) ويعتنى بني أمية بأحاديث الزهري عن سعيد بن
المسيب لتحكيم ملكهم، أما نفس سعيد بالمدينة مكره جدا ولا يرضى أبدا
بصنيعة الزهري عند الخلفاء.

(1) التمهيد لما في الموطأ: 6 / 303.
(2) تاريخ الاسلام - وفيات 121 - 140 ص 238 - أنظر تاريخ مدينة دمشق 55 / 314 - 315.
(3) تاريخ الاسلام - وفيات - 81 - 100 ص 371 رقم 279.
62

روى الذهبي وأبو نعيم وابن عساكر، عن انس بن مالك انه قال: ان ابن
شهاب سأله بعض بني أمية عن سعيد بن المسيب فذكره له وأخبره بحاله، فبلغ
ذلك سعيد بن المسيب فقدم ابن شهاب فجاء يسلم على سعيد، فلم يكلمه ولم
يرد عليه، فلما انصرف سعيد مشى معه ابن شهاب فقال: مالي سلمت عليك فلم
تكلمني؟ ما بلغك عني الأخير؟ قال: لم ذكرتني لبني مروان؟ (1).
وفي رواية الذهبي عن ابن وهب عن مالك، قال: غضب سعيد بن المسيب
على الزهري وقال: ما حملك على أن حدثت بني مروان حديثي؟ (2).
وروى ابن عساكر في " تاريخ مدينة دمشق ": فجئت سعيد بن المسيب في
مجلسه في المسجد فدنوت لأسلم عليه، فدفع في صدري، وقال: انصرف، وأبى
ان يسلم علي، قال فخشيت ان يتكلم بشئ يعيبني به فيرويه من حضره، قال
فتنحيت ناحية قال: واتبعته ليخلو، فلما خلا وبقي وحده مشيت إلى جنبه، فقلت:
يا أبا محمد، ما ذنبي؟ انا ابن أخيك ومن مؤيديك، قال: فما زلت أعتذر إليه وأتنصل
إليه، وما يكلمني بحرف، وما يرد علي كلمة حتى إذا بلغ منزله واستفتح ففتح له
فأدخل رجله ثم التفت إلي، فقال: أنت الذي ذهبت بحديثي إلى بني مروان؟ (3).
وهذا البيان من سعيد بن المسيب يشعر بأن الزهري عنده كالمعاند
والمحارب الساقط عن الإعتبار.
وان منزلة سعيد بن المسيب فوق ما يتصور من بين المحدثين.
ومن ذلك يعلم أن الزهري كلما حدث عن سعيد بن المسيب تكون بلا إذنه

(1) حلية الأولياء 3 / 366.
(2) تاريخ الاسلام - وفيات - 81 - 100 ص 372.
(3) تاريخ مدينة دمشق 55 / 298.
63

ورضاه وربما أخذ الزهري للتقرب إلى بني أمية وفرحهم بنسبه الكاذبة إلى سعيد
بن المسيب، وقد ترى أن جل أخبار الزهري التي تبلغ 1205 رواية فقط في
صحيح البخاري روى عن سعيد بن مسيب سيما في الفضائل، وسعيد بن المسيب
على طرف النقيض من الزهري وفعاله، وقد رأيت كيف غضب عليه حين سلم
عليه فلم يجبه، بما ارتكبه في الشام عند بني أمية.
ولا عبرة بقول الذهبي حيث قال: ما زال غضبان عليه حتى أرضاه بعد (1).
لأن الذهبي وأضرابه يعلم من صنيعهم في الرجال والحديث ان يحتفظ عن
الأئمة وكبار المحدثين سيما التابعين ومن بعدهم إلى رأس ثلاثمائة وان كانوا هم
فاسقين ويعلل قولهم بأنه: لو فتحت باب جرح الأئمة لما سلم أحد.
قال في مقدمة ميزانه:... ثم من المعلوم انه لابد من صون
الراوي وستره والحد الفاصل بين المقدم والمتأخر هو رأس
ثلاثمائة، ولو فتحت على نفس تليين هذا الباب ما سلم إلا
القليل (2).
وقال أيضا في مقدمته على " المغني في الضعفاء " وكذا في " معرفة الرواة "
فإنه قال: " لو فتحنا هذا الباب على لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة
فبعض الصحابة كفر بعضهم بعضا بتأويل ما (3).
وكذا هو قول الحاكم في " معرفة علوم الحديث " فإنه قال:

(1) تاريخ الاسلام - وفيات 81 - 100 ص 372.
(2) ميزان الاعتدال 1 / 4.
(3) معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد ص 45.
64

ولم استحسن ذكر أسامي من كان من الأئمة المسلمين
صيانة للحديث ورواته... " (1).
فعلى ذلك كله، ان غضب سعيد بن المسيب على الزهري واقع لا مرية فيها
واما القول برضاه، يلحق بمدافعة الذهبي عن ذهاب السنة بحفظ الأئمة صيانة
للحديث ومن صغرياته، ولا أثر له.
فصل في عزة نفسه وصدعه بالحق
سلام بن مسكين: حدثنا عمران بن عبد الله، قال: كان لسعيد بن المسيب في
بيت المال بضعة وثلاثون ألفا، عطاؤه. وكان يدعى إليها فيأبى ويقول: لا حاجة لي
فيها. حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان (2).
حماد بن سلمة: أنبأنا علي بن زيد أنه قيل لسعيد بن المسيب: ما شأن
الحجاج لا يبعث إليك، ولا يحركك، ولا يؤذيك؟ قال: والله ما أدري، إلا أنه دخل
ذات يوم مع أبيه المسجد، فصلى صلاة لا يتم ركوعها ولا سجودها، فأخذت كفا
من حصى فحصبته بها. زعم أن الحجاج قال: ما زلت بعد أحسن الصلاة (3).
في " الطبقات " لابن سعد (4): أنبأنا كثير بن هشام، حدثنا جعفر بن برقان،
حدثنا ميمون، وأنبأنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أبو المليح، عن ميمون ابن مهران،
قال: قدم عبد الملك بن مروان المدينة فامتنعت منه القائلة، واستيقظ، فقال

(1) معرفة علوم الحديث ص 111 طبع دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الثانية 1397.
(2) المصدر السابق.
(3) ابن سعد: 5 / 129.
(4) ابن سعد: 5 / 130.
65

لحاجبه: انظر، هل في المسجد أحد من حداثنا؟ فخرج فإذا سعيد بن المسيب في
حلقته، فقام حيت ينظر إليه، ثم غمزه وأشار بأصبعه، ثم ولى، فلم يتحرك سعيد،
فقال: لا أراه فطن، فجاء ودنا منه، ثم غمزه وقال: ألم ترني أشير إليك؟ قال: وما
حاجتك؟ قال: أجب أمير المؤمنين. فقال: إلي أرسلك، قال: لا، ولكن قال: انظر
بعض حداثنا فلم أر أحدا أهيأ منك. قال: اذهب فأعلمه أني لست من حداثة.
فخرج الحاجب وهو يقول: ما أرى هذا الشيخ إلا مجنونا، وذهب فأخبر عبد
الملك، فقال: ذاك سعيد بن المسيب فدعه (1).
سليمان بن حرب: وعمرو بن عاصم، حدثنا سلام بن مسكين، عن عمران
بن عبد الله بن طلحة الخزاعي، قال: حج عبد الملك بن مروان، فلما قدم المدينة،
ووقف على باب المسجد أرسل إلى سعيد بن المسيب رجلا يدعوه ولا يحركه،
فأتاه الرسول وقال: أجب أمير المؤمنين، وأقف بالباب يريد أن يكلمك. فقال:
ما لأمير المؤمنين إلي حاجة، ومالي إليه حاجة، وإن حاجته لي لغير مقضية، فرجع
الرسول، فأخبره فقال: ارجع فقل له: إنما أريد أن أكلمك، ولا تحركه. فرجع إليه،
فقال له: أجب أمير المؤمنين، فرد عليه مثل ما قال أولا. فقال: لولا أنه تقدم إلي
فيك ما ذهبت إليه إلا برأسك، يرسل إليك أمير المؤمنين يكلمك تقول مثل هذا!
فقال: إن كان يريد أن يصنع بي خيرا، فهو لك، وإن كان يريد غير ذلك فلا أحل
حبوتي حتى يقضي ما هو قاض، فأتاه فأخبره، فقال: رحم الله أبا محمد، أبى إلا
صلابة (2).
زاد عمرو بن عاصم في حديثه بهذا الإسناد: فلما استخلف

(1) سير أعلام النبلاء 4 / 226.
(2) ابن سعد: 5 / 129.
66

الوليد، قدم المدينة، فدخل المسجد، فرأى شيخا قد اجتمع
عليه الناس، فقال: من هذا؟ قالوا: سعيد بن المسيب، فلما
جلس أرسل إليه، فأتاه الرسول فقال: أجب أمير المؤمنين،
فقال: لعلك أخطأت باسمي، أو لعله أرسلك إلى غيري، فرد
الرسول، فأخبره، فغضب وهم به، قال: وفي الناس يومئذ تقية،
فأقبلوا عليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، فقيه المدينة، وشيخ
قريش، وصديق أبيك، لم يطمع ملك قبلك أن يأتيه. فما زالوا
به حتى أضرب عنه (1).
عمران بن عبد الله - من أصحاب سعيد بن المسيب: ما علمت فيه لينا.
قلت: كان عند سعيد بن المسيب أمر عظيم من بني أمية
وسوء سيرتهم. وكان لا يقبل عطاءهم.
قال معن بن عيسى: حدثنا مالك، عن ابن شهاب، قلت لسعيد بن المسيب:
لو تبديت، وذكرت له البادية وعيشها والغنم، فقال: كيف بشهود العتمة (2).
ابن سعد: أنبأنا الوليد بن عطاء بن الأغر المكي، أنبأنا عبد الحميد بن
سليمان، عن أبي حازم، سمعت سعيد بن المسيب، يقول: لقد رأيتني ليالي الحرة
وما في المسجد أحد غيري، وإن أهل الشام ليدخلون زمرا يقولون: انظروا إلى هذا
المجنون. وما يأتي وقت صلاة إلا سمعت أذانا في القبر. ثم تقدمت فأقمت
وصليت وما في المسجد أحد غيري (3).

(1) ابن سعد: 5 / 129، 130.
(2) ابن سعد: 5 / 131.
(3) ابن سعد: 5 / 132.
67

عبد الحميد هذا، ضعيف.
الواقدي: حدثنا طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: كان
سعيد أيام الحرة (1) في المسجد لم يخرج، وكان يصلي معهم الجمعة ويخرج في
الليل. قال: فكنت إذا حانت الصلاة، أسمع أذانا يخرج من قبل القبر حتى أمن
الناس (2).
ذكر محنته
الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، وغيره من أصحابنا، قالوا:
استعمل ابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف الزهري على

(1) هي حرة واقم شرقي المدينة المنورة، وفيها كانت الوقعة المشهورة، يقول فيها ابن حزم في كتابه
جوامع السيرة ص 357 ما نصه: "... أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة حرم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وإلى مكة حرم
الله تعالى. فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرة، وهي أيضا أكبر مصائب الإسلام وخرومه، لأن
أفاضل المسلمين وبقية الصحابة، وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهرا ظلما في الحرب
وصبرا. وجالت الخيل في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وراثت وبالت في الروضة بين القبر والمنبر، ولم تصل
جماعة في مسجد النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولا كان فيه أحد، حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد، ولولا
شهادة عمرو بن عثمان بن عفان، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنه مجنون لقتله. وأكره
الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له، إن شاء باع، وإن شاء أعتق، وذكر له بعضهم البيعة
على حكم القرآن وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأمر بقتله. فضرب عنقه صبرا. وهتك مسرف أو مجرم الإسلام
هتكا، وأنهب المدينة ثلاثا، واستخف بأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومدت الأيدي إليهم وانتهبت دورهم،
وانتقل هؤلاء إلى مكة شرفها الله تعالى، فحوصرت، ورمي البيت بحجارة المنجنيق، تولى ذلك
الحصين بن نمير السكوني في جيوش أهل الشام، وذلك لأن مجرم بن عقبة المري مات بعد وقعة
الحرة بثلاث ليال، وولي مكانه الحصين بن نمير.
وأخذ الله تعالى يزيد أخذ عزيز مقتدر، فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر وأزيد من شهرين،
وانصرفت الجيوش عن مكة ".
(2) أنظر ابن سعد: 5 / 132.
68

المدينة، فدعا الناس إلى البيعة [لابن الزبير] فقال سعيد بن
المسيب: لا، حتى يجتمع الناس. فضربه ستين سوطا. فبلغ
ذلك ابن الزبير، فكتب إلى جابر يلومه ويقول: مالنا ولسعيد،
دعه (1).
وعن عبد الواحد بن أبي عون، قال:
كان جابر بن الأسود عامل ابن الزبير على المدينة قد تزوج
الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة، فلما ضرب سعيد بن
المسيب صاح به سعيد والسياط تأخذه: والله ما ربعت على
كتاب الله، وإنك تزوجت الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة،
وما هي إلا ليال فاصنع ما بدا لك، فسوف يأتيك ما تكره. فما
مكث إلا يسيرا حتى قتل ابن الزبير (2).
الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر وغيره أن عبد العزيز بن مروان توفي
بمصر سنة أربع وثمانين، فقعد عبد الملك لابنيه: الوليد
وسليمان بالعهد، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان، وعامله
يومئذ على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي، فدعا
الناس إلى البيعة، فبايعوا، وأبى سعيد بن المسيب أن يبايع
لهما وقال حتى أنظر، فضربه هشام ستين سوطا، وطاف به في
تبان من شعر، حتى بلغ به رأس الثنية، فلما كروا به قال: أين
تكرون بي؟ قالوا: إلى السجن. فقال: والله لولا أني ظننته

(1) ابن سعد: 7 / 122، 123 وما بين الحاصرتين منه.
(2) ابن سعد: 7 / 123.
69

الصلب، ما لبست هذا التبان أبدا. فردوه إلى السجن، فحبسه
وكتب إلى عبد الملك يخبره بخلافه. فكتب إليه عبد الملك
يلومه فيما صنع به ويقول: سعيد، كان والله أحوج إلى أن تصل
رحمه من أن تضربه، وإنا لنعلم ما عنده خلاف (1).
وحدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن المسور بن رفاعة، قال:
دخل قبيصة بن ذؤيب على عبد الملك بكتاب هشام بن
إسماعيل يذكر أنه ضرب سعيدا وطاف به. قال قبيصة: يا أمير
المؤمنين، يفتات عليك هشام بمثل هذا، والله لا يكون سعيد
أبدا أمحل ولا ألج منه حين يضرب، لو لم يبايع سعيد ما كان
يكون منه، وما هو ممن يخاف فتقه، يا أمير المؤمنين أكتب
إليه. فقال عبد الملك: اكتب أنت إليه عني تخبره برأيي فيه، وما
خالفني من ضرب هشام إياه. فكتب قبيصة بذلك إلى سعيد.
فقال سعيد حين قرأ الكتاب: الله بيني وبين من ظلمني (2).
حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي، قال: دخلت على سعيد بن المسيب
السجن فإذا هو قد ذبحت له شاة، فجعل الإهاب على ظهره،
ثم جعلوا له بعد ذلك قضبا رطبا، وكان كلما نظر إلى عضديه
قال: اللهم انصرني من هشام (3).
شيبان بن فروخ: حدثنا سلام بن مسكين، حدثنا عمران بن عبد الله الخزاعي

(1) ابن سعد: 5 / 125، 126. - انظر سر أعلام النبلاء 4 / 230.
(2) ابن سعد: 5 / 126. - انظر سير أعلام النبلاء 4 / 230.
(3) ابن سعد: 5 / 126. - انظر سير أعلام النبلاء 4 / 230.
70

قال:
دعي سعيد بن المسيب للوليد وسليمان بعد أبيهما فقالا:
لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار. فقيل: ادخل واخرج من
الباب الآخر، قال: والله لا يقتدي بي أحد من الناس، قال:
فجلده مئة وألبسه المسوح (1).
ضمرة بن ربيعة: حدثنا رجاء بن جميل، قال:
قال عبد الرحمن بن عبد القاري لسعيد بن المسيب حين
قامت البيعة للوليد وسليمان بالمدينة: إني مشير عليك
بخصال، قال: ما هن؟ قال: تعتزل مقامك، فإنك تقوم حيث
يراك هشام بن إسماعيل، قال: ما كنت لأغير مقاما قمته منذ
أربعين سنة. قال: تخرج معتمرا. قال: ما كنت لأنفق مالي
وأجهد بدني في شئ ليس لي فيه نية، قال: فما الثالثة؟ قال:
تبايع، قال: أرأيت إن كان الله أعمى قلبك كما أعمى بصرك فما
علي؟ قال - وكان أعمى - قال رجاء: فدعاه هشام بن إسماعيل
إلى البيعة، فأبى، فكتب فيه إلى عبد الملك. فكتب إليه
عبد الملك: مالك ولسعيد، ما كان علينا منه شئ نكرهه، فأما
إذ فعلت فاضربه ثلاثين سوطا وألبسه تبان شعر، وأوقفه
للناس لئلا يقتدي به الناس. فدعاه هشام فأبى وقال: لا أبايع
لاثنين. فألبسه تبان شعر، وضربه ثلاثين سوطا، وأوقفه للناس.
فحدثني الأيليون الذين كانوا في الشرط بالمدينة قالوا: علمنا

(1) الحلية: 2 / 170. - انظر سير أعلام النبلاء 4 / 231.
71

أنه لا يلبس التبان طائعا، قلنا له: يا أبا محمد، إنه القتل، فاستر
عورتك، قال: فلبسه، فلما ضرب تبين له أنا خدعناه، قال: يا
معجلة أهل أيلة، لولا أني ظننت أنه القتل ما لبسته (1).
وقال هشام بن زيد: رأيت ابن المسيب حين ضرب في تبان شعر.
يحيى بن غيلان: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، قال:
أتيت سعيد بن المسيب وقد ألبس تبان شعر وأقيم في
الشمس، فقلت لقائدي: أدنني منه فأدناني، فجعلت أسأله
خوفا من أن يفوتني، وهو يجيبني حسبة والناس يتعجبون (2).
قال أبو المليح الرقي: حدثني غير واحد أن عبد الملك ضرب سعيد بن
المسيب خمسين سوطا، وأقامه بالحرة وألبيه تبان شعر، فقال
سعيد: لو علمت أنهم لا يزيدوني على الضرب
ما لبسته. إنما تخوفت من أن يقتلوني، فقلت: تبان استر من
غيره (3).
قبيصة: حدثنا سفيان عن رجل من آل عمر، قال: قلت
لسعيد بن المسيب: ادع على بني أمية، قال: اللهم أعز دينك،
وأظهر أولياءك، وأخر أعداءك في عافية لأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) (4).

(1) الحلية: 2 / 170، 171.
(2) الحلية: 2 / 171.
(3) ابن سعد: 5 / 127، 128.
(4) ابن سعد: 5 / 128.
72

أبو عاصم النبيل: عن أبي يونس القوي (1)، قال: دخلت
مسجد المدينة، فإذا سعيد بن المسيب جالس وحده، فقلت:
ما شأنه؟ قيل: نهي أن يجالسه أحد (2).
همام: عن قتادة، أن ابن المسيب كان إذا أراد أحد أن
يجالسه قال: إنهم قد جلدوني، ومنعوا الناس أن
يجالسوني (3).
عن أبي عيسى الخراساني، عن ابن المسيب، قال: لا
تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم، لكيلا
تحبط أعمالكم.
تزويجه ابنته
أنبئت عن أبي المكارم الشروطي، أنبأنا أبو علي، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا
القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا الحسن بن عبد العزيز، قال: كتب إلى
ضمرة بن ربيعة عن إبراهيم بن عبد الله الكناني أن سعيد بن المسيب زوج ابنته
بدرهمين (4).
سعيد بن منصور: حدثنا مسلم الزنجي، عن يسار بن عبد الرحمن، عن
سعيد بن المسيب أنه زوج ابنة له على درهمين من ابن أخيه (5).

(1) في الأصل (القوني) بالنون، والتصحيح من التبصير 1115 وتقريب التهذيب.
(2) ابن سعد: 5 / 128.
(3) الحلية: 2 / 172.
(4) الحلية: 2 / 167.
(5) ابن سعد: 5 / 138.
73

وقال أبو بكر بن أبي داود: كانت بنت سعيد قد خطبها عبد الملك لابنه
الوليد، فأبى عليه، فلم يزل يحتال عبد الملك عليه حتى ضربه مئة سوط في يوم
بارد، وصب عليه جرة ماء، وألبسه جبة صوف، ثم قال: حدثني أحمد ابن أخي
[عبد الرحمن] بن وهب، حدثنا عمر بن وهب، عن عطاف بن خالد، عن ابن
حرملة، عن ابن أبي وداعة - يعني كثيرا - قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب،
ففقدني أياما، فلما جئته قال: أين كنت؟ قلت: توفيت أهلي فاشتغلت بها، فقال: ألا
أخبرتنا فشهدناها، ثم قال: هل استحدثت امرأة؟ فقلت: يرحمك الله، ومن
يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال: أنا. فقلت: وتفعل؟ قال: نعم، ثم
تحمد، وصلى على النبي (صلى الله عليه وسلم)، وزوجني على درهمين - أو قال: ثلاثة - فقمت وما
أدري ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر فيمن أستدين.
فصليت المغرب، ورجعت إلى منزلي، وكنت وحدي صائما، فقدمت عشائي
أفطر، وكان خبزا وزيتا، فإذا بابي يقرع، فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد. فأفكرت في
كل من اسمه سعيد إلا ابن المسيب، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد،
فخرجت، فإذا سعيد، فظننت أنه قد بدا له، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إلي
فآتيك؟ قال: لا، أنت أحق أن تؤتى، إنك كنت رجلا عزبا فتزوجت، فكرهت أن
تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك. فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذ بيدها
فدفعها في الباب، ورد الباب. فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم
وضعت القصعة في ظل السراج لكي لا تراه، ثم صعدت إلى السطح فرميت
الجيران، فجاؤوني فقالوا: ما شأنك؟ فأخبرتهم. ونزلوا إليها، وبلغ أمي، فجاءت
وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام،
فأقمت ثلاثا، ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظ الناس لكتاب الله،
وأعلمهم بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأعرفهم بحق زوج. فمكثت شهرا لا آتي سعيد بن
74

المسيب. ثم أتيته وهو في حلقته، فسلمت، فرد علي السلام ولم يكلمني حتى
تقوض المجلس، فلما لم يبق غيري قال ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: خير يا أبا
محمد، على ما يحب الصديق، ويكره العدو. قال: إن رابك شئ، فالعصا.
فانصرفت إلى منزلي، فوجه إلي بعشرين ألف درهم (1).
سلمة بن دينار أبو حازم الأعرج التمار المدني
المتوفى حدود 133 ه‍
قال الذهبي فيه: سلمة بن دينار، الإمام القدوة، الواعظ شيخ المدينة النبوية.
وثقة ابن معين وأحمد وأبو حاتم، وقال ابن خزيمة: ثقة، لم يكن في زمانه
مثله.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما رأيت أحدا، الحكمة أقرب إلى فيه
من أبي حازم (2).
وقال ابن حجر: كان ثقة كثير الحديث وهو من رجال الستة.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال ابن عبد البر: وكان أبو حازم هذا، أحد الفضلاء الحكماء العلماء
الثقات الأثبات من التابعين (3) بعث إليه سليمان بن عبد الملك بالزهري في أن
يأتيه فقال: للزهري، ان كان له حاجة فليأت وأما أنا فما لي إليه حاجة مات
سنة 135 ه‍ وقد قيل 140 ه‍ (4).

(1) أوردها أبو نعيم في الحلية: 2 / 167، 168 - سير أعلام النبلاء: 4 / 226 - 234.
(2) سير أعلام النبلاء 6 / 96 رقم 24.
(3) التمهيد لما في الموطأ 21 / 96.
(4) تهذيب التهذيب 4 / 126 رقم 247.
75

سلمة بن دينار والزهري
كان الزهري رسول الخلفاء وحامل دعواتهم إلى العلماء والمحدثين،
لنصرة بني أمية وإعانتهم وانضمام حواشي الأمراء.
وسلمة بن دينار منهم الذين دعاه الزهري إلى سليمان بن عبد الملك من
خلفاء بني أمية، وخالفه هو في ذلك وأبي عن مؤانسة الخلفاء ومجالستهم، وسلمة
بن دينار هذا، هو جار للزهري، فإنه بعدما وعظ سليمان ونفى دعوته قال له
الزهري: يا أبا حازم، إياي تعني أو بي تعرض؟ قال: ها إياك اعتمدت ولكن هو ما
تسمع.
قال سليمان: يا ابن شهاب تعرفه؟ قال: نعم جاري منذ ثلاثين سنة، ما كلمته
كلمة قط، قال أبو حازم: انك نسيت الله فنسيتني ولو أحببت الله لأحببتني قال ابن
شهاب: يا أبا حازم، تشتمني؟ قال سليمان: ما شتمك ولكن شتمت نفسك أما
علمت، ان للجار على الجار حقا كحق القرابة؟... (1).
وروى ابن عبد البر: فقال أبو حازم: اما والله لو كنت من الأغنياء لعرفتني
ولكني من الفقراء (2).
ولسلمة بن دينار هذا، كتابة تشتمل على ذم الزهري ونصيحته عما ارتكبه
في تقوية بني أمية ونهاه عن الدعوة إلى غيهم والسلوك في سبيلهم. وقد مر ذكر
هذه الرسالة عند ترجمة الإمام زين العابدين (عليه السلام) مع الزهري وقلنا بأخذ كلمات

(1) حلية الأولياء 3 / 237.
(2) التمهيد لما في الموطأ 21 / 95.
76

هذه الرسالة عن السجاد (عليه السلام).
وانه قال فيها: جعلوك قطبا تدور رحى باطلهم عليك وجسرا يعبرون بك
إلى الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم.
ولأهمية هذه الكتابة من شخصية بارزة في حديث السنة ردا على الزهري
وفعاله الخائنة نذكرها بجميعها على ما في " حلية الأولياء " فإنه جدير بالذكر
لمعرفته بذلك، لأنه جاره من بعد ثلاثين سنة ونفسه أيضا من أعاظم المحدثين
الثقات الذين روى عنه جماعة كثيرة منهم الزهري في كثير من روايات الصحاح.
وإليك نص الكتابة:
حدثنا أبو الحسين (1) أحمد بن محمد بن مقسم وأبو بكر بن محمد بن
أحمد بن هارون الوراق الأصبهاني. قالا: ثنا أحمد بن عبد الله بن صاحب أبي
ضمرة ثنا هارون بن حميد الدهكي ثنا الفضل بن عنبسة عن رجل قد سماه أراه
عبد الحميد بن سليمان عن الذيال بن عباد قال كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري:
عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن، ورحمك من النار. فقد
أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك منها،
أصبحت شيخا كبيرا قد أثقلتك نعم الله عليك، بما أصح من
بدنك وأطال من عمرك، وعلمت حجج الله تعالى مما حملك
من كتابه، وفقهك فيه من دينه، وفهمك من سنة نبيك (صلى الله عليه وسلم).
فرمى بك في كل نعمة أنعمها عليك، وكل حجة يحتج بها
عليك، الغرض الأقصى. ابتلى في ذلك شكرك، وأبدى فيه

(1) في مغ: أبو الحسن.
77

فضله عليك. وقد قال: * (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن
عذابي لشديد) * (1) أنظر أي رجل تكون إذا وقفت بين يدي
الله عز وجل؟ فسالك عن نعمه عليك كيف رعيتها، وعن
حججه عليك كيف قضيتها، ولا تحسبن الله راضيا منك
بالتغرير، ولا قابلا منك التقصير، هيهات ليس كذلك! أخذ
على العلماء في كتابه إذ قال تعالى: * (لتبيننه للناس ولا
تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم) * (2) الآية. إنك تقول انك
جدل! ماهر عالم - قد جادلت الناس فجدلتهم، وخاصمتهم
فخصمتهم، إدلالا منك بفهمك، واقتدارا منك برأيك، فأين
تذهب عن قول الله عز وجل: * (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم
في الحياة الدنيا فمن يجدل الله عنهم يوم القيمة أم من
يكون عليهم وكيلا) * (3) الآية. اعلم إن أدنى ما ارتكبت،
وأعظم ما احتقبت، أن أنست الظالم وسهلت له طريق الغي
بدنوك، حين أدنيت، وإجابتك حين دعيت، فما أخلقك أن
تبوء باسمك غدا مع الجرمة، وأن تسأل عما أردت باغضائك
عن ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لمن أعطاك، ودنوت
ممن لا يرد على أحد حقا ولا ترك باطلا حين أدناك، وأجبت
من أراد التدليس بدعائه إياك حين دعاك، جعلوك قطبا تدور
رحى باطلهم عليك، وجسرا يعبرون بك إلى بلائهم، وسلما

(1) سورة إبراهيم: الآية 7.
(2) سورة آل عمران: الآية 187.
(3) سورة النساء: الآية 109.
78

إلى ضلالتهم (1) وداعيا إلى غيهم، سالكا بيلهم. يدخلون بك
الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم
تبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم لهم، إلا دون ما بلغت
من اصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما
أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك، وما أقل ما
أعطوك في كثير ما أخذوا منك. فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها
غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول. وأنظر كيف شكرك
لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا، وأنظر كيف إعظامك أمر من
جعلك بدينه في الناس بخيلا (2) وكيف صيانتك (3) لكسوة من
جعلك لكسوته ستيرا (4)، وكيف قربك وبعدك ممن
أمرك أن تكون منه قريبا. مالك لا تنتبه من نعستك؟ (5)،
وتستقيل من عثرتك، فتقول والله ما قمت لله مقاما واحدا
أحي له فيه دينا، ولا أميت له فيه باطلا، انما شكرك لمن
استحملك كتابه، واستودعك علمه. ما يؤمنك أن تكون من
الذين قال الله تعالى: * (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتب
يأخذون عرض هذا الأدنى) * (6) الآية. إنك لست في دار
مقام؟ قد أوذنت بالرحيل! ما بقاء المرء بعد أقرانه. طوبى لمن

(1) في الأصلين: علالتهم.
(2) في ج: قليلا.
(3) في مغ: صبابتك.
(4) وفيها: سترا.
(5) في الأصلين: من نفسك.
(6) سورة الأعراف: الآية 169.
79

كان مع الدنيا على وجل! يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من
بعده. إنك لم تؤمر بالنظر لوراثك على نفسك، ليس أحد أهلا
أن تردفه على ظهرك (1). ذهبت اللذة، وبقيت التبعة، وما أشقى
من سعد بكسبه غيره، أحذر فقد أتيت، وتخلص فقد أدهيت،
إنك تعامل من لا يجهل، والذي يحفظ عليك لا يغفل، تجهز
فقد دنا منك سفر، وداو دينك فقد دخله سقم شديد، ولا
تحسبن أني أردت توبيخك أو تعييرك (2) وتعنيفك، ولكني
أردت أن تنعش (3) ما فات من رأيك، وترد عليك ما عزب
عنك من حلمك، وذكرت قوله تعالى: * (وذكر فإن الذكرى
تنفع المؤمنين) * (4). أغفلت ذكر من مضى من أسنانك (5)
وأقرانك وبقيت بعدهم كقرن أعضب. فانظر هل ابتلوا بمثل
ما ابتليت به؟ أو دخلوا في مثل ما دخلت فيه؟ وهل تراه أدخر
لك خيرا منعوه؟ أو علمك شيئا جهلوه؟ بل جهلت ما ابتليت
به من حالك في صدور العامة، وكلفهم بك أن صاروا يقتدون
برأيك ويعملون بأمرك، إن أحللت أحلوا، وإن حرمت
حرموا، وليس ذلك عندك. ولكنهم إكبابهم عليك، ورغبتهم
فيما في يديك ذهاب عملهم، وغلبة الجهل عليك وعليهم،

(1) في ز: بان ترد له على ظهرك. وفي مغ: تبرك له عليك ظهرك.
(2) في ج، ومغ: أو تغييرك (بالمعجمة).
(3) في الأصلين أن تجهز. وفي مغ: تنقش.
(4) سورة الذاريات: الآية 55.
(5) ز: في أسلافك.
80

وطلب حب الرياسة وطلب الدنيا منك ومنهم، أما ترى ما أنت
فيه من الجهل والغرة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟
ابتليتهم بالشغل عن مكاسبهم، وفتنتهم بما رأوا من أثر العلم
عليك، وتاقت أنفسهم إلى أن يدركوا بالعلم ما أدركت،
ويبلغوا منه مثل الذي بلغت، فوقعوا بك في بحر لا يدرك
قعره، وفي بلاء لا يقدر قدره، فالله لنا ولك ولهم المستعان.
واعلم أن الجاه جاهان: جاه يجريه الله تعالى على يدي
أوليائه لأوليائه، الخامل ذكرهم، الخافية شخوصهم، ولقد جاء
نعتهم على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " إن الله يحب الأخفياء
الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم
يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل فتنة سوداء
مظلمة ". فهؤلاء أولياء الله الذين قال الله تعالى فيهم: * (أولئك
حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) * (1).
وجاءه يجريه الله تعالى على يدي أعدائه لأوليائه، ومقة
يقذفها الله في قلوبهم لهم، فيعظمهم الناس بتعظيم أولئك
لهم، ويرغب الناس فيما في أيديهم لرغبة أولئك فيه إليهم،
* (أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم
الخاسرون) * (2). وما أخوفني أن تكون ممن ينظر لمن عاش
مستورا عليه في دينه، مقتورا عليه في رزقه، معزولة عنه

(1) سورة المجادلة: الآية 22.
(2) سورة المجادلة: الآية 19.
81

البلايا، مصروفة عنه الفتن في عنفوان شبابه، وظهور جلده،
وكمال شهوته، فعنى بذلك دهره، حتى إذا كبر سنه، ورق
عظمه، وضعفت قوته، وانقطعت شهوته ولذته، فتحت عليه
الدنيا شر فتوح، فلزمته تبعتها، وعلقته فتنتها، وأعشت (1)
عينيه زهرتها، وصفت لغيره منفعتها، فسبحان الله ما أبين هذا
الغبن، وأخسر هذا الأمر، فهلا إذا عرضت لك فتنتها ذكرت
أمير المؤمنين عمر في كتابه إلى سعد - حين خاف عيه مثل
الذي وقعت فيه عندما فتح الله على سعد -: أما بعد فاعرض
عن زهرة ما أنت فيه حتى تلقى الماضين الذين دفنوا في
أسمالهم، لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله
حجاب، لم تفتنهم الدنيا ولم يفتنوا بها، رغبوا فطلبوا فما لبثوا
أن لحقوا. فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا في كبر سنك
ورسوخ علمك، وحضور أجلك. فمن يلوم الحدث في سنه،
والجاهل في علمه، المأفون في رأيه (2) المدخول في عقله؟
إنا لله وإنا إليه راجعون. على من المعول؟ وعند من
المستعتب؟ نحتسب عند الله مصيبتنا، ونشكوا إليه بثنا، وما
نرى منك ونحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به، والسلام
عليك ورحمة الله وبركاته.
أسند أبو حازم: عن سهل بن سعد الساعدي وسمع

(1) في مغ: وارعتش عينه والتصحيح من المختصر.
(2) وفيها: في امره.
82

منه، ومن ابن عمر، وأنس بن مالك، وقيل إنه رأى أبا هريرة.
وسمع من سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن،
وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، ومحمد بن كعب
القرظي، والأعرج، وأبي صالح السمان، والنعمان بن أبي
عياش (1).
* * *

(1) حلية الأولياء: 3 / 246 - 249.
83

الفصل الثاني
معرفة
الزهري واتصاله بالأمويين
85

مع الإمام الزهري في تدوين السنة
من الحقائق التاريخية الثابتة التي تجب على العلماء فحصها وحصر
أطرافها مسألة " تدوين السنة "، والدقة في أمرها ولا شبهة إن الذي يتصدى ضبط
الوقائع التاريخية من الأقوال والأفعال وتراجم الرجال، يلزمه التحري في النقل،
فلا يجزم إلا بما يتحققه، ولا يكتفى بالقول الشائع عند الناس، ولا سيما إن ترتب
على ذلك مفسدة من الطعن في حق أحد من أهل العلم والصلاح من الربانيين
ولذلك يحتاج المتكلم في الوقايع ان يكون عارفا وعالما بمقادير الناس وأحوال
الرجال ومنازلهم حتى لا يرفع الوضيع ولا يضع الرفيع.
فالعمدة في البحث التجنب عن العصبية والهوى التي هي الباعث العمدة
في المدائح والمثالب الكاذبة.
أهمية " الزهري " في تاريخ الحديث و " تدوين السنة " المتداولة بين الناس
فوق ما يتصوره، بعض أهل العلم، من أنه: " أول من دون السنة وصنف الدفاتر بل
مثله في حديث السنة كان كالمعنى الإسمي للجمل والربط للمعاني.
فلا بد لمعرفته ومعرفة حركته العلمية في الصدر الأول من أمر السنة.
" فالزهري " في نظرية دقيقة هو العامل الرئيسي لأعداء أهل البيت ووسيلة مبكرة
لانقطاع السنة النبوية الموجودة عند أهل البيت عن الناس وصد الناس علومهم،
87

بكتم العلم وإخفاء معدنه.
هو الحاجز بين الناس في الأقطار الأمة الاسلامية وبين العلوم الجمة لأهل
البيت، لأنه تلمذ وجالس زين العابدين علي بن الحسين وباقر العلوم أبي جعفر
محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) وأخذ عنهما العلم ثم كتمه عند ما طلب منه الأموية في
تدوين السنة نحو إشارتهم وأهوائهم، ولذلك يطلب تفصيلا شاملا وتشريحا
جامعا حول حركته وأثره في انعقاد السنة المعمولة اليوم عند الأمم الإسلامية في
العالم غير مذهب أهل البيت.
الزهري
قال ابن عساكر في " تاريخ مدينة دمشق ": أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد
الباقي أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيوية، أنبأنا سليمان بن
إسحاق ثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد قال في الطبقة الرابعة من
أهل المدينة " الزهري " واسمه محمد بن مسلم بن بن عبيد الله بن عبد الله الأصغر
بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة، وأمه عائشة بنت عبد
الله الأكبر بن شهاب ويكنى أبا بكر.
قال محمد بن عمر: ولد الزهري سنة ثمان وخمسين في آخر خلافة معاوية
بن أبي سفيان وهي سنة التي ماتت فيها عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الأصغر ابن شهاب بن عبد الله بن
الحارث بن زهرة المدني يكنى بأبي بكر ويعرف بالزهري كما يعرف " بابن

(1) تاريخ مدينة دمشق 55 / 309 - 308.
88

شهاب " نسبة إلى جد جده (1).
وينسب الزهري إلى " بني زهرة " وهم بطن من بطون قريش (2) ومكي
الأصل ومدني المنشأ والمربى (3) غير أنه لم تكن سنة ولادته معلومة ولهذا
اختلفت النقول في ذلك.
- ولد سنة خمسين، قاله دحيم وأحمد بن صالح (4).
- ولد سنة إحدى وخمسين قاله خليفة بن خياط (5).
- ولد سنة ست وخمسين قاله يعقوب بن سفيان الفسوي (6).
- ولد سنة ثمان وخمسين قاله ابن الجوزي وابن كثير (7).
وقال ابن عبد البر في " التمهيد " وهي سنة التي توفيت فيها عائشة وأبو
هريرة وآخر خلافة معاوية (8).
وفي تاريخ وفاته أيضا أقوال مختلفة كما اختلفت في ولادته.
ذهب الجمهور على أن وفاته كانت في سنة 124 ه‍ (9).
قال المزي وقال إبراهيم بن سعد وابن أخي الزهري والهيثم ابن عدي

(1) سير أعلام النبلاء 5 / 324 رقم 160 والامام الزهري للضاري ص 25.
(2) المعرفة والتاريخ 1 / 620.
(3) رواية الشاميين للمغازي ص 71 ط دار الجيل.
(4) سير أعلام النبلاء 5 / 326.
(5) طبقات الخليفة 261 - سير أعلام النبلاء 5 / 326.
(6) سير أعلام النبلاء 5 / 327 - المعرفة والتاريخ 1 / 620.
(7) صفة الصفوة 2 / 79 - البداية والنهاية 9 / 340 - المنتظم 7 / 231.
(8) التمهيد لما في الموطأ 6 / 113.
(9) الامام الزهري ص 260. والذهبي في " العبر " - وابن العماد في " شذرات الذهب ".
89

والواقدي وخليفة بن خياط وعلي بن المديني وأبو نعيم ويحيى بن بكير وعمرو
بن علي ومحمد بن المثنى ومحمد بن سعد وأبو عمر الضرير وغيرهم: مات سنة
أربع وعشرين ومائة وكذلك قال محمد بن يحيى بن عمر العدني وغير واحد عن
سفيان بن عيينة: وزاد الواقدي لسبع عشرة مضت من رمضان وهو ابن اثنتين
وسبعين (1).
قال الذهبي: وقال ابن عيينة وإبراهيم بن سعد وابن أخي الزهري والناس:
مات سنة أربع وعشرين ومائة (2).
فهذا أحد الأقوال.
والثاني: انه مات سنة 125 ه‍ وهو قول ابن يونس (3).
والثالث: انه مات في سنة 123 وهو قول ضمرة بن ربيعة ويحيى بن سعيد
القطان وأبو عبيد وغيرهم (4).
فعلى ذلك يتضح ان أصح الأقوال هو ما ذهب إليه جمهور المؤرخين من أنه
توفي سنة 124 من الهجرة.
وكان أبو جده عبد الله بن شهاب مع المشركين بدرا، وكان أحد النفر الذين
تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليقتلنه أو ليقتلن دونه، وروي انه قيل
للزهري: هل شهد جدك بدرا؟ فقال: نعم، ولكن من ذلك الجانب، يعني انه كان
في صف المشركين، وكان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير، ولم يزل

(1) تهذيب الكمال 26 / 441. ابن الجوزي في " المنتظم " في وفيات سنة 124 ه‍.
(2) سير أعلام النبلاء 5 / 326 - تاريخ الاسلام. وفيات 121 - 140 ص 249.
(3) تهذيب التهذيب 9 / 398.
(4) تاريخ الاسلام - وفيات. 121 - 140 ص 249.
90

الزهري مع عبد الملك ثم مع هشام بن عبد الملك وكان يزيد بن عبد الملك قد
استقضاه (1).
ويتبين بذلك انه عاصر مع بني أمية، من يزيد بن معاوية إلى هشام بن عبد
الملك بن مروان بن الحكم.
هاجر إلى شام قاصدا خدمة الخلفاء في سنة 82 هجري وهو ابن 31 سنة
وأتصل بالأمويين وكان أول من اتصل به منهم، هو عبد الملك بن مروان من أول
رحلة له إلى دمشق بعد ما وفد على أبوه مروان في المدينة في أيام حلمه.
فمن ناحية أخرى انه معاصر للأئمة من أهل البيت سيد الساجدين وزين
العابدين علي بن الحسين والصادقين (عليهم السلام).
وله صلة بهم من ناحية اخذه حديث المدنيين من أهل البيت (عليهم السلام) ولا يخفى
على أحد أنه حين دخل الشام واستقر بها مقاما وتقرب عند الأمويين الخلفاء،
انقطع عنهم ومال إلى ما ينالون به، الأموية وهو النصب والعداء للإمام علي بن أبي
طالب والإنحراف عنه، ثم دون الحديث بأمرهم.
الأموية في دمشق
فالثابت من أمر بني أمية في دمشق الجحد والعداء ضد الإمام علي بن أبي
طالب وسبه على المنابر في خطب الجمعات وقنوتهم، والسعي على محو اسمه
المبارك من بين الأسماء حتى سمى بعض من كان اسمه ولده عليا، عليا أو تغير
باسم آخر كما روى ابن عساكر في " تاريخ مدينة دمشق " وغيره من كتبهم وعند

(1) وفيات الأعيان 4 / 178.
91

ذكر الوقايع التاريخية.
فهذا الحسن البصري المتوفى - 110 هجري كما ذكر المزي في " تهذيب
الكمال ": ومن هوامش " تهذيب التهذيب " وقال يونس بن عبيد سألت الحسن
قلت:
يا أبا سعيد إنك تقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنك لم تدركه
قال: يا ابن أخي لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه قبلك
ولولا منزلتك مني ما أخبرتك اني في زمان كما ترى، (وكان
في عمل حجاج) كل شئ سمعته، أقول قال رسول الله، فهو
عن علي بن أبي طالب غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر
عليا (1).
والحسن البصري هذا هو الذي شبهوه بعمر بن الخطاب في المهابة ومع
ذلك يخاف أن يذكر عليا.
وروى مسلم في صحيحه عن سهل بن سعد قال:
استعمل على المدينة رجل من آل مروان، قال فدعا سهل
بن سعد فأمره ان يشتم عليا قال فأبى سهل، فقال (معاوية) له
أما إذا أبيت فقل: لعن الله أبا تراب... (2).
ولما ولي مغيرة بن شعبة على الكوفة قال له: ولست، تاركا

(1) تهذيب الكمال.
(2) صحيح مسلم 4 / 4، 187 رقم 2409.
92

إيصاءك بخصلة: لا تترك شتم علي وذمه (1).
فالمتيقن من أمر الزهري في صلته إلى بني أمية، من بعد يزيد بن معاوية في
وفده على مروان بن الحكم في سنة 65 ه‍ (2) وفي سنة 82 ه‍ على عبد الملك في
الشام إلى آخر عمره سنة 124 ه‍ وذلك بعد فترة من ادبار الناس عن بني أمية من
بعد قتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) بالطف ووقوع الحرة في قتال
أهل المدينة.
فلا ريب في ذلك لأحد ان بني أمية من بعد قتل الحسين (عليه السلام) كانوا على
جرف الفنا والخراب، ولذلك أخذوا طرق المختلفة والمتفاوتة حتى لا يدرون ما
يفعلون ففي حين يقتلون المعارضين ويصلبونهم وفي الأخرى ينتشرون
الأكاذيب والموضوعات هدما للسنة النبوية.
فأمثال الزهري قد استحكموا الأركان وجوزوا للناس حكم الصادر من
ناحية الخلفاء في دمشق وتزكيتهم الخلفاء من الظلم في أعين الناس، كما يظهر من
كلام الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) وسلمة بن دينار إليه وتهيؤوا من ناحية الأخرى
أسباب ظهور العباسيين بالظلم والشقاوة على أهل البيت والأئمة الميامين
(صلوات الله عليهم).
فلولا " الزهري " وأضرابه وأتباعه من المحدثين والعلماء، ما وقع على أهل
البيت (عليهم السلام) من الظلم بمثل ما يشاهد من أمرهم. وما هجر الناس عن علومهم، فهم
السبب الأصلي في انقطاع الناس عن علوم أهل البيت لأن دفاتر الزهري وكتبه
المرسلة إلى البلاد المختلفة بأمر الخلفاء، لبني أمية، ملئت الأعين وتلقت بالقبول،

(1) الكامل في التاريخ 3 / 472.
(2) تاريخ الاسلام وفيات 61 - 80 ص 42.
93

وهو شيخ الإجازة والإذن بالرواية مع تساهله فيها لأنه أذن لكل من استأذنه من
دون دقة وتثبيت كما يلي.
قال المزي في " تهذب الكمال " وقبله " يعقوب بن سفيان " في " المعرفة
والتاريخ ": قال أنس بن عياض، عن عبيد الله بن عمر: كنت أرى الزهري يعطى
الكتاب فلا يقرأه ولا يقرأ عليه، فيقال له: نروي هذا عنك؟ فيقول: نعم (1).
ويأتي فيما يدل على ذلك في بابه.
وهو عند بني أمة مقربا محبوبا لإنه سوى خدمته في نشر الحديث كان
جنديا (2) ومنديلا لهم (3)، يتمسحون به قذارة الظلم والغدر.
الزهري والأمويون
كان الزهري من دعاة بني أمية اتصل بهم سنة 65 ه‍ في خلافة مروان بن
الحكم، كما قال نفسه وفدت على مروان وأنا محتلم (4).
وقال الذهبي بعد ذلك: هذا بعيد، وإنما المعروف وفادته أول شئ على
عبد الملك في أواخر إمارته.
ولا يخفى ان استبعاد الذهبي في غير محله، لأن الجمع بينهما من
الممكنات العادية وأنهما من المثبتين في أمره فيمكن وفادته على مروان عند
خلافته في المدينة سنة 65 ه‍ والآخر على عبد الملك في الشام سنة 82 ه‍ من أول

(1) المعرفة والتاريخ 1 / 6 - تهذيب الكمال 26 / 439 - 440.
(2) تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 229.
(3) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 370.
(4) تاريخ الاسلام وفيات 61 - 80 - ص 42.
94

رحلة له إلى دمشق حيث مكث فيها أياما ثم صار مأمورا من عند الخليفة لمواصلة
العلم عند المدنيين الأنصار بناء على إشارة عبد الملك (1).
ولما أخذ من العلم عاد إلى الشام ثانية ثم أخذ يتردد بعدها إلى أن أقام فيها
واستوطنها.
وكان الخلفاء من بني أمية كثيرا ما يتمتعون من علمه واستقامته وإنهم
يحتاجون إليه أشد الإحتياج وانه أيضا، لهم مطيع ومنقاد.
هو يوجه الناس ويرشد إلى بني أمية وإنهم أيضا يوجهون الناس ويرشدون
إليه ويبالغون في مدحه من العلم والفضل، كما يأتي بيان ذلك.
وان يزيد بن عبد الملك استقضاه لتأهله لذلك (2) وامر هشام بكاتبين أن
يكتبان عنه الأحاديث سنة كاملة (3)، وقال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: هل تأتون
ابن شهاب؟ قالوا: إنا لنفعل، قال: فأتوه فإنه لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه (4).
بداية أمر الزهري مع الخلفاء
روى ابن عساكر في " تاريخ مدينة دمشق " وقال: أخبرنا أبو العز أحمد بن
عبيد الله - إذنا ومناولة وقرأ على إسناده - أنبأنا محمد بن الحسين، أنبأنا المعافى بن
زكريا، ثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، ثنا ابن أبي سعد حدثني أبو عمرو القعنبي،

(1) تاريخ مدينة دمشق 55 / 303.
(2) سير أعلام النبلاء 5 / 339 - حلية الأولياء 3 / 246 - تهذيب التهذيب 4 / 143.
(3) جامع بيان العلم ص 100 - مختصر تاريخ دمشق 23 / 231.
(4) سير أعلام النبلاء 5 / 336 - الجرح والتعديل 4 / 72 - شذرات الذهب 1 / 162 - حلية الأولياء 3 /
360.
95

ثنا صفوان بن هبيرة التميمي، عن الصدفي، عن الزهري قال: أتيت عبد الملك بن
مروان فاستأذنت عليه، فلم يؤذن لي، فدخل الحاجب، فقال: يا أمير المؤمنين ان
بالباب رجلا شابا أحمر زعم أنه من قريش، قال: صفه، فوصفه له، قال: لا أعرفه إلا
ان يكون من ولد مسلم بن شهاب فدخل عليه، فقال: هو من بني مسلم، فدخلت
عليه، فقال: من أنت؟ فانتسبت له وقلت: إن أبي هلك وترك عيالا صبية، وكان
رجلا مئناثا [متلافا] لم يترك مالا، فقال لي عبد الملك: أقرأت القرآن؟ قلت: نعم،
قال: باعرابه وما ينبغي فيه من وجوهه وعلله؟ قلت: نعم، قال: إنما فوق ذلك
فضل، إنما يعايا ويلغز به، [قلت: نعم] قال: أفعلمت الفرائض؟ قلت: نعم، قال:
الصلب والجد واختلافهما؟ قلت: أرجوا ان أكون قد فعلت، قال: وكم دين أبيك؟
قلت: كذا وكذا - قال: قد قضى الله دين أبيك، وأمر لي بجائزة ورزق يجري وشراء
دار قطيعة بالمدينة وقال إذهب فاطلب العلم ولا تشاغل عنه بشئ فاني أرى لك
عينا حافظة وقلبا ذكيا وائت الأنصار في منازلهم، قال الزهري: وأخذت العلم عنهم
بالمدينة فلما خرجت إليهم إذا علم جم فأتبعتهم... (1).
وذكرنا في ترجمته، انه، وفد إلى مروان بن الحكم وهو محتلم (2)
- هو شاب - ومروان بن الحكم مات في سنة 65، ولو كان ولادته سنة 51 ه‍ لكان
عمره 14 عاما.
وأما ما ثبت في التاريخ انه رحل إلى الشام سنة 82 في خلافة عبد الملك بن
مروان وقال نفسه بعد ما دخل الشام على عبد الملك وقرب عنده:... لزمت عسكر
عبد الملك وكنت أدخل عليه كثيرا... وتوفى عبد الملك بن مروان فلزمت الوليد

(1) تاريخ مدينة دمشق 55 / 302 - 303.
(2) تاريخ الاسلام وفيات 61 - 80 ص 42 - تاريخ مدينة دمشق 55 / 305.
96

بن عبد الملك حتى توفى ثم سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد
بن عبد الملك فاستقضى يزيد بن عبد الملك على قضائه الزهري وسليمان بن
حبيب المحاربي جميعا، قال: ثم لزمت هشام بن عبد الملك، قال: وحج هشام
سنة ست ومئة وحج معه الزهري فصيره هشام مع ولده يعلمهم ويفقههم
ويحدثهم ويحج معهم فلم يفارقهم حتى مات (1).
فعد نفسه أيضا، مدة إقامته معهم وروى في ذلك ابن عساكر في " تاريخ
مدينة دمشق " باسناده المتعددة عنه، إنه قال: مكثت خمسا وأربعين سنة أختلف
من الحجاز إلى الشام ومن الشام إلى الحجاز، فما كنت أسمع حديثا استطرفه (2).
وذلك أنه بترحاله مدة 45 عاما من الشام إلى المدينة لابد أن يقصد أمرا
عظيما، لا وانه باع نفسه وحريته واستأجر علمه وقد صح عنه: والله ما نشر العلم
نشري ولا صبر عليه صبري (3).
لان غيره لا يشتري بدينه ملك غيره، ألم ترى أن سعيد بن المسيب أبي
واستنكر أمر بني أمية حتى ضرب وسجن ولم يجلب حطام الدنيا على الآخرة،
ورضى الخلق بسخط الخالق.
روى الذهبي عن ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الرحمن بن
عبد العزيز، سمعت الزهري، يقول: نشأت وأنا غلام، لا مال لي، ولا أنا في ديوان،
وكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بن ثعلبة بن صعير، وكان عالما بذلك وهو
ابن أخت قومي وحليفهم. فأتاه رجل، فسأله عن مسألة من الطلاق فعي بها وأشار

(1) تاريخ مدينة دمشق 55 / 324 - 325.
(2) تاريخ مدينة دمشق 55 / 340 - 341 - المعرفة والتاريخ 1 / 636.
(3) المعرفة والتاريخ 1 / 624 - حلية الأولياء 2 / 362.
97

له إلى سعيد بن المسيب، فقلت في نفسي: ألا أراني مع هذا الرجل المسن يذكر أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مسح رأسه، ولا يدري ما هذا؟! فانطلقت مع السائل إلى سعيد بن
المسيب، وتركت ابن ثعلبة، وجالست عروة، وعبيد الله، وأبا بكر بن عبد الرحمن
حتى فقهت، فرحلت إلى الشام، فدخلت مسجد دمشق في السحر، وأممت حلقة
وجاه المقصورة عظيمة، فجلست فيها. فنسبني القوم، فقلت: رجل من قريش،
قالوا: هل لك علم بالحكم في أمهات الأولاد؟ فأخبرتهم بقول عمر بن الخطاب،
فقالوا: هذا مجلس قبيصة بن ذؤيب وهو حاميك، وقد سأله أمير المؤمنين، وقد
سألنا فلم يجد عندنا في ذلك علما، فجاء قبيصة فأخبروه الخبر، فنسبني
فانتسبت، وسألني عن سعيد بن المسيب ونظرائه، فأخبرته.
قال: فقال: أنا أدخلك على أمير المؤمنين، فصلى الصبح، ثم انصرف فتبعته،
فدخل على عبد الملك، وجلست على الباب ساعة، حتى ارتفعت الشمس، ثم
خرج الاذن، فقال: أين هذا المديني القرشي؟ قلت: ها أنا ذا، فدخلت معه على أمير
المؤمنين فأجد بين يديه المصحف قد أطبقه، وأمر به فرفع، وليس عنده غير
قبيصة جالسا، فسلمت عليه بالخلافة، فقال: من أنت؟ قلت: محمد بن مسلم،
وساق آباءه إلى زهرة، فقال: أوه قوم نعارون في الفتن، قال: وكان مسلم بن عبيد
الله مع ابن الزبير، ثم قال: ما عندك في أمهات الأولاد؟ فأخبرته عن سعيد، فقال:
كيف سعيد، وكيف حاله؟ فأخبرته، ثم قلت: وأخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن
الحارث بن هشام، فسأل عنه، ثم حدثته الحديث في أمهات الأولاد عن عمر.
فالتفت إلى قبيصة فقال: هذا يكتب به إلى الآفاق.
فقلت: لا أجده أخلى منه الساعة، ولعلي لا أدخل بعدها. فقلت: إن رأى أمير
المؤمنين أن يصل رحمي، وأن يفرض لي فعل، قال: إيها الآن انهض لشأنك،
98

فخرجت والله مؤيسا من كل شئ خرجت له، وأنا يومئذ مقل مرمل.
ثم خرج قبيصة فأقبل علي لائما لي، وقال: ما حملك على ما صنعت من غير
أمري؟ قلت: ظننت والله أني لا أعود إليه، قال: ائتني في المنزل، فمشيت خلف
دابته، والناس يكلمونه، حتى دخل منزله فقلما لبث حتى خرج إلي خادم بمئة
دينار، وأمر لي ببغلة وغلام وعشرة أثواب، ثم غدوت إليه من الغد على البغلة، ثم
أدخلني على أمير المؤمنين، وقال: إياك أن تكلمه بشئ، وأنا أكفيك أمره.
قال: فسلمت، فأومأ إلي أن اجلس، ثم جعل يسألني عن أنساب قريش،
فلهو كان أعلم بها مني، وجعلت أتمنى أن يقطع ذلك لتقدمه علي في النسب، ثم
قال لي: قد فرضت لك فرائض أهل بيتك، ثم أمر قبيصة أن يكتب ذلك في
الديوان، ثم قال: أين تحب أن يكون ديوانك مع أمير المؤمنين ها هنا أم في بلدك؟
قلت: يا أمير المؤمنين أنا معك.
ثم خرج قبيصة، فقال: إن أمير المؤمنين أمر أن تثبت في صحابته، وأن
يجري عليك رزق الصحابة، وأن يرفع فريضتك إلى أرفع منها، فالزم باب أمير
المؤمنين، وكان على عرض الصحابة رجل، فتخلفت يوما أو يومين، فجبهني جبها
شديدا، فلم أتخلف بعدها.
قال: وجعل يسألني عبد الملك، من لقيت؟ فأذكر من لقيت من قريش، قال:
أين أنت عن الأنصار (1)، فإنك واجد عندهم علما، أين أنت عن ابن سيدهم
خارجة بن زيد، وسمى رجلا منهم. قال: فقدمت المدينة فسألتهم، وسمعت منهم.
قال: وتوفي عبد الملك، فلزمت ابنه الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم

(1) ويأتي وجه ذكره الأنصار في باب " بني أمية والمغازلي ".
99

يزيد، فاستقضى يزيد بن عبد الملك على قضائه الزهري، وسليمان بن حبيب
المحاربي جميعا. قال: ثم لزمت هشام بن عبد الملك، وصير هشام الزهري مع
أولاده، يعلمهم ويحج معهم...
وكان الزهري بذلك معروفا عند الخلفاء الأمويين وحظيا عندهم وافر
الحشمة لديهم (1) لما كان عليه من العلم والتسليم عندما أمروه، وقد كانت له
صلات وافرة مع بعضهم، كعبد الملك وهشام وعمر بن عبد العزيز وقد ثبت له ان
هشام بن عبد الملك كان يقربه ويستشيره ويصحبه معه للحج وكان قد وكل إليه
تعليم أولاده وتحديثهم (2).
وبالنظر إلى خدماته عند بني أمية في انتفاعهم بعلومه لقبوه بعالم الحجاز
والشام (3) واشتهر بهذا اللقب لديهم ثم شاع في الأفواه واشتهر.
الزهري والحجاج
فالزهري بلغ من أمره في الذلة والخفة حتى أصبح وهو في حاشية الحجاج
ابن يوسف الثقفي وملازمه في الحج كما روى الخطيب البغدادي ومليح الأندلس
في " عقده " بسندهما عن، زكريا بن عيسى عن ابن شهاب قال: خرجنا مع الحجاج
حجاجا فلما انتهينا إلى البيداء... (4)
وروى عبد الرزاق في " المصنف " أنبأنا معمر، عن الزهري قال: كتب عبد

(1) سير أعلام النبلاء 5 / 337 - البداية والنهاية 9 / 341 - دول الاسلام 1 / 85.
(2) سير أعلام النبلاء 5 / 331 - مختصر تاريخ دمشق 23 / 232، تاريخ مدينة دمشق 55 / 323 - حلية
الأولياء 3 / 367.
(3) تهذيب التهذيب 9 / 398.
(4) عقد الفريد 5 / 304 - تقييد العلم ص 140.
100

الملك إلى الحجاج أن، اقتد بابن عمر في مناسكك فأرسل إليه الحجاج يوم عرفة
إذا أردت أن تروح فأذنا، قال: فجاء هو وسالم وانا معهما حين زاغت الشمس
فقال: ما يحبسه، فلم ينشب ان خرج الحجاج فقال: ان أمير المؤمنين كتب إلي ان
اقتدي بك وآخذ عنك، قال: ان أردت السنة فأوجز الخطبة والصلاة قال ابن
شهاب: وكنت يومئذ صائما، فلقيت من الحر شدة (1).
تقربه بالخلفاء
لم يكن لدى الزهري من المال الموروث أو المكسوب ما يسد حاجاته،
فكان لابد له أن يقبل مساعدة الخلفاء من بني أمية!! ويأخذ منها ما يسد حاجاته
ويعينه على الطلب وكان أول من قدم له مثل تلك المساعدة، عبد الملك بن
مروان، حين قرر العودة إلى المدينة بناء على نصيحته له بذلك (2).
الزهري وتقواه!
عاش الزهري إلى جانب الخلفاء الأمويين وألزم أبوابهم خمسة وأربعين
عاما (3) وانه اعترف بداية وصوله إلى الأمويين في الشام في سنة 82 ه‍ بالخدمة في
أبوابهم، وقال له عبد الملك ألزم الباب (4)، فلزمهم، حتى صار لهم جنديا (5)، وعند
بعض منديلا لهم (6)، وقال الذهبي. له صورة كبيرة في دولة بني أمية (7)، وهو

(1) سير أعلام النبلاء 5 / 327 - تهذيب التهذيب 9 / 399.
(2) سير أعلام النبلاء 5 / 328 - 331.
(3) تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 237.
(4) العقد الفريد: 5 / 135.
(5) تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 229.
(6) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 370.
(7) سير أعلام النبلاء: 5 / 337.
101

ناصرهم ومقوي أركان ملكهم ومجالسا لهم في الحضر والسفر، ومعلم أطفالهم.
ولا أدري، إن من جالس الحجاج كيف يزهد في الدنيا؟!!
واعترف نفسه بالظلم وبما ينافي الزهد والعدالة.
وروى في ذلك ابن عساكر في " تاريخ مدينة دمشق " في قوله:
أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد - في كتابه - ثم حدثني
أبو مسعود عبد الرحيم بن علي ابن أحمد عنه، أنبأنا أبو نعيم
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الحافظ، حدثنا أبي
حدثنا محمد بن إبراهيم بن سالم، حدثنا زيد بن خرشة،
حدثنا سعيد بن يحيى، عن ابن عيينة قال قائل للزهري: لو
جلست في حلقة بالمدينة، فإنه قد احتيج إليك، قال: إذا
لوطئ عقبي، ويبغي لمن فعل هذا، ان يكون زاهدا في الدنيا،
راغبا في الآخرة (1).
وروى أيضا: أخبرنا أبو القاسم أيضا، أنبأنا إسماعيل بن
مسعدة، أنبأنا حمزة بن يوسف أنبأنا أبو أحمد بن عدي،
أنبأنا أحمد بن جعفر الإمام، حدثنا إسحاق بن إبراهيم
المروزي - هو ابن أبي إسرائيل - قال: سمعت سفيان يقول:
قيل للزهري: لو جلست إلى سارية فقال: إني إذا فعلت ذلك
لوطئ الناس عقبي، ولا ينبغي أن يقعد ذلك المقعد إلا رجل

(1) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 362.
102

زهد في الدنيا (1).
ويعلم بذلك اعتراف نفسه بعدم صلاحيته للزعامة الديني
للناس بعد أن تلبس بلباس الجور وصحبته الظلمة.
الزهري ورحلاته
فإنه بعد ما رحل إلى الشام وقرب إلى الخلفاء في سنة 82 ه‍ واستقر بها
سافر منها إلى البلدان والمدن البعيدة منها رحلته إلى مصر. رحل الزهري إلى مصر
على عهد أميرها، عبد العزيز بن مروان بن الحكم، فزار الأمير والتقي فيها من
علماء مصر وطلاب العلم، وروى في ذلك عن عقيل بن خالد انه قال: سمعت ابن
شهاب يقول: قدمت مصر، على عبد العزيز بن مروان (2)... وذلك في الفترة الزمنية
الواقعة ما بين سنتي 65 و 85 من الهجرة، وهي الفترة التي ولي فيها، عبد العزيز بن
مروان أمرة مصر لأخيه عبد الملك.
رحلاته إلى مكة
رحل الزهري إلى مكة المكرمة كثيرا وخاصة في مواسم الحج التي كان قلما
يتخلف عنها، لأنه من حواشي الخلفاء وانهم يوجبون على أنفسهم الحج، وكان
كثير الحج والاعتمار.
روي أنه كان قد حج مع عمر بن عبد العزيز (3) وهشام بن عبد الملك

(1) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 362.
(2) المعرفة والتاريخ 1 / 551.
(3) العلل ومعرفة الرجال 1 / 30.
103

وحجاج بن يوسف ومع أبي شاكر ويزيد ابني هشام بن عبد الملك (1).
وانما كان يغتنم كل فرصة ممكنة بما يتقرب إلى الخلفاء كما أنه بالغ في
الذل إلى الغاية بملازمة الحجاج بن يوسف في الحج، روى الخطيب وابن عبد ربه
في كتابيهما، " العقد " و " التقييد " عن زكريا بن عيسى عن ابن شهاب الزهري، قال:
خرجنا مع الحجاج بن يوسف إلى الحج، فلما كنا بالشجرة، قال: تبصروا الهلال
فإن في بصري عهدة، فقال له نوفل بن مساحق: أتدري مم ذاك؟ ذاك من كثرة
نظرك في الدفاتر (2) ويأتي في " الزهري والحجاج " بقية الكلام في ذلك.
الزهري وارتكابه القتل
وروى ابن عبد ربه في حديث الزهري الواردة في قتل الحسين (عليه السلام) بسنده
عن حماد بن عيسى وحدثني به عباد بن بشر عن عقيل عن الزهري عن سعيد بن
مسيب عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال: " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ".
وقال بعد ذلك (3) قال لي عبد الملك بن مروان ما جاء بك؟ - أعنى إلى الشام
- قلت: جئت مرابطا (4)، قال: ألزم الباب.
فأقمت عنده، فأعطاني مالا كثيرا، قال: فاستأذنته في الخروج إلى المدينة

(1) تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 233 - عقد الفريد - 5 / 304 تقييد العلم ص 140.
(2) تقييد العلم للخطيب ص 140 - عقد الفريد 5 / 304.
(3) وقد ذكرنا حديثه في صفحه...
(4) وهذا هو معناه قولهم فيه، بان " الزهري كان جنديا ".
104

فأذن لي ومعي غلام لي، ومعي مال كثير في عيبة (1)، ففقدت العيبة، فاتهمت
الغلام، فوعدته وتوعدته فلم يقر لي بشئ، قال: فصرعته وقعدت على صدره،
ووضعت مرفقي على صدره، وغمزته (2)، غمزة وانا لا أريد قتله، فمات تحتي،
وسقط في يدي، فقدمت المدينة فسألت سعيد بن المسيب وأبا عبد الرحمن
وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، فكلهم قال: لا نعلم لك
توبة!
فبلغ ذلك علي بن الحسين، فقال علي به، فأتيته فقصصت عليه القصة،
فقال: إن لذنبك توبة، صم شهرين متتابعين واعتق رقبة مؤمنة، واطعم ستين
مسكينا، ففعلت.
ثم خرجت أريد عبد الملك وقد بلغه أني أتلفت المال، فأقمت ببابه أياما لا
يؤذن لي بالدخول، فجلست إلى معلم لولده وقد حذق ابن لعبد الملك عنده، وهو
يعلمه ما يتكلم به بين يدي أمير المؤمنين إذا دخل عليه، فقلت لمؤدبه: ما تأمل من
أمير المؤمنين، أن يصلك به، فلك عندي ذلك على تكلم الصبي إذا دخل على أمير
المؤمنين، فإذا قال له: سل حاجتك، يقول له: حاجتي أن ترضى عن الزهري.
ففعل، فضحك عبد الملك وقال: أين هو؟ قال: بالباب.
فاذن لي فدخلت، حتى إذا صرت بين يديه، قلت: يا أمير المؤمنين، حدثني
سعيد بن مسيب عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه قال: " لا يلدغ المؤمن من جحر
مرتين " (3).

(1) العيبة: وعاء من أدم ونحوه يكون في المتاع.
(2) غمز: طعن.
(3) العقد الفريد: 5 / 135 - 136.
105

ابن عبد ربه واعتبار " العقد "
قال الذهبي أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حدير الأندلسي
القرطبي المتوفى 328 ه‍ كان موثقا، نبيلا، بليغا، شاعرا (1).
وقال اليافعي في " مرآة الجنان "
... كان رأس العلماء المكثرين والاطلاع على أخبار الناس (2).
وقال الصفدي: " وكان له بالعلم جلالة وبالأدب رئاسة وشهر مع ديانته
وصيانته (3).
وقال ابن كثير: صاحب كتاب " العقد الفريد " كان من الفضلاء المكثرين
والعلماء بأخبار الأولين والمتأخرين، وكتابه " العقد " يدل على فضائل جمة وعلوم
كثيرة مهمة (4).
موارد الجرح على الزهري
كان من أعوان الظالمين ومن الذين يركنون لهم وكان عاملا لبني أمية.
وقال محمد بن اشكاب: كان الزهري جنديا (5).
وقال زيد بن يحيى الدمشقي: حدثنا علي بن حوشب، عن مكحول،

(1) سير أعلام النبلاء: 15 / 283.
(2) مرآة الجنان: 2 / 295.
(3) الوافي بالوفيات: 8 / 10 رقم 3416.
(4) البداية والنهاية: 11 / 206.
(5) تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140: ص 229 - سير أعلام النبلاء: 5 / 341.
106

وذكر الزهري، فقال: انه أفسد نفسه بصحبة الملوك (1).
وقال: عمر بن رديح: كنت مع ابن شهاب الزهري نمشي فرآني عمرو ابن
عبيد، فلقيني بعد فقال: مالك ولمنديل الأمراء؟ يعنى ابن شهاب (2).
والمنديل: هو الذي يتمسح به (3)، ولعل وجهه إن بني أمية يتمسحون به
أيديهم من قذارة الظلم، أو يخفون به جناياتهم، أو أسرارهم.
بني أمية ومدائح الزهري
من المادحين له، " عراك بن مالك " المتوفى حدود 104 الذي قال في
الزهري: " أفقه أهل المدينة وأعلمهم الزهري " (4) وعراك هذا، من المقربين لبني
أمية.
قال فيه ابن حجر: كان من أشد أصحاب عمر بن عبد العزيز على بني مروان
في انتزاع ما حازوا من الفئ والمظالم من أيديهم فلما ولي يزيد بن عبد الملك
ولي عبد الواحد البصري (5) على المدينة فقرب عراكا وقال صاحب الرجل الصالح
وكان يجلس معه على سريره (6).
وآخر من مدحه: أيوب بن شرحبيل بن اكسوم المتوفى 101، الذي قال: ما
رأيت أحدا أعلم من الزهري (7).

(1) سير أعلام النبلاء: 5 / 339.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 370.
(3) القاموس في اللغة ج 3.
(4) تهذيب التهذيب: 9 / 397.
(5) والظاهر الصحيح: " النصري " كما " تاريخ الاسلام " وغيره من الكتب.
(6) تهذيب التهذيب: 7 / 156 رقم 340.
(7) تهذيب التهذيب: 9 / 397.
107

وأيوب هذا، ولي مصر لعمر بن عبد العزيز (1).
ومن مادحيه عمر بن عبد العزيز الأموي الخليفة، الذي قال: ما ساق
الحديث أحد مثل الزهري (2).
ومنهم إبراهيم بن سعد عن أبيه إبراهيم بن سعد الذي قال: ما وعى أحد من
العلم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما وعى ابن شهاب (3).
وإبراهيم بن سعد هذا هو المتوفى 183 ها الذي قال فيه الذهبي في " السير "
كان ممن يترخص في الغناء على عادة أهل المدينة، وكأنه ليم في ذلك.
فانزعج على المحدثين، وحلف انه لا يحدث حتى يغني قبله فيما قيل (4).
وأبو إبراهيم بن سعد هو أيضا كما وصفه الذهبي هو والد قاضي المدينة " (5)
من أتباع الأمويين.
وقال عبد الرحمن بن قاسم، عن مالك، قال: قدم ابن شهاب المدينة، فأخذ
بيد ربيعة ودخلا إلى بيت الديوان، فما خرجا إلى العصر، فقال ابن شهاب:
ما ظننت ان بالمدينة مثلك، وخرج ربيعة وهو يقول: ما ظننت ان أحدا بلغ
من العلم ما بلغ ابن شهاب (6).

(1) تاريخ الاسلام وفيات 101 - 120 ص 30.
(2) سير أعلام النبلاء: 5 / 334.
(3) التمهيد لابن عبد البر في شرح الموطأ: 6 / 105.
(4) سير أعلام النبلاء: 8 / 306.
(5) سير أعلام النبلاء: 4 / 350 رقم 126.
(6) سير أعلام النبلاء: 5 / 343.
108

الزهري وروايات المناقب
روى البخاري في الصحيح نحو 1205 من رواياته حسب ما جاء في كتاب
" الإمام الزهري " وأما ما اعترف البخاري نفسه هي فوق ذلك، بل يقرب زهاء ألفي
حديث أو أكثر، فمن تفطن وتفحص يعلم، ان جلة هذه الروايات وردت في كتاب
المناقب، سيما ما ورد في مناقب الشيخين وكثرتها نشأت من حياته العلمية من
سنة 82 إلى 124 ه‍ مدة 42 عام فتم بذلك الكيل وأوفى بالعهد الأموي كما ظهر من
أمر التدوين.
وإليك الإشارة إلى بعض أخباره:
من أخباره في المناقب: " الموافقات " لعمر بن الخطاب، وفيها: أول من
تعلم النبي وتنبهه على بعض الأمور هو عمر بن الخطاب فيثبت بأخباره ذلك
فضله على النبي. كما ورد في تفسير آيات الحجاب من أنه، هو أول من تعلم
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مسألة الحجاب ثم أجاب الله عز وجل فأنزل آيات الحجاب.
ومن اخباره في المناقب: " روى البخاري في الصحيح:
... عن الزهري أخبرني حمزة عن أبيه ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بينا انا نائم
شربت يعني اللبن حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري أو في أظفاري ثم ناولت
عمر وقالوا فما أولته يا رسول الله قال: العلم (1):
وروى أيضا:... عن ابن شهاب الزهري قال أخبرني أبو امامة بن سهل عن

(1) صحيح البخاري كتاب المناقب: 4 / 200 ط، باموق استانبول.
109

أبي سعيد قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي
وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك وعرض علي عمر
وعليه قميص اجتره قالوا فما أولته يا رسول الله قال: الدين (1).
وكذا من أخباره نخبة القول وأعظم الفضائل روايته في مناقب الشيخين
وعثمان وبيان أفضليتهم على علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولا يكون ذلك إلا بإشارة
الخليفة أو الخلفاء في الشام والزهري مباشرا في نشر تلكم الفضائل رواية أو
اجازة.
فإنه كما مر روى بقدر الإمكان في تصحيح أمر الخلفاء من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
وما لا يقدر أذن أو أجاز في الرواية من غير تثبت وتحقيق كما ذكرنا في: " كيفيت
نشره الأحاديث " ومن أخباره روايته في إمرة المؤمنين لعمر بن الخطاب.
فالزهري بروايته ذلك أثبت ان أول من أطلق هذا اللفظ على عمر بن
الخطاب هو الكوفيين كما ذكره ابن عساكر.
ومن اخبار عن سعيد بن حبيب عن أبي بن كعب قال قال رسول الله:
أول من يسلم عليه الحق ويصافحه عمر بن الخطاب (2).
ومن اخباره بالسند السابق عن رسول الله: كان جبرئيل يذاكرني فضل عمر
فقلت: يا جبريل ما بلغ من فضل عمر؟ قال: يا محمد لو لبثت ما لبث نوح في قومه
ما بلغت لك فضل عمر، وماذا له عند الله قال لي جبريل: يا محمد ليبكين الاسلام

(1) صحيح البخاري - كتاب العلم.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 44 / 158.
110

من بعد موتك على موت عمر (1).
وروى ابن أبي حاتم عن أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرزاق قال:
سمعت عبيد الله بن عمر يقول: لما نشأت فأردت أن أطلب
العلم جعلت آتي أشياخ آل عمر رجلا رجلا، وأقول ما
سمعت من سالم؟ فكلما آتيت رجلا منهم قال: عليك بابن
شهاب فان ابن شهاب كان يلزمه قال وابن شهاب حينئذ
بالشام (2).
بني أمية والزهري وأخبار المغازي
" المغازي والسير " في كتب الحديث هو أحاديث أخبار تتعلق بغزوات
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته وسير أصحابه في حروبه وأحكام تتعلق بنظام الحرب في
الإسلام، ولما رتبت الأحاديث في الأبواب، جمعت السير أيضا في الأبواب
المستقلة فسمي بكتاب " المغازي والسير " بداية الأمر وألفت فيها الكتب الخاصة
ثم أدخلها المحدثون في كتبهم تحت الأبواب وبعضهم في كتاب " الجهاد
والسير " (3).
فالمغازي تدور حول الغزوات ولا شبهة ان أخبار المغازي تكون نشرا
لمساوي الأمويين وإزراء بهم، وتجريح لهم وفيه إظهار لمحاسن الأنصار وثناء

(1) تاريخ مدينة دمشق: 44 / 138.
(2) الجرح والتعديل - للرازي - 8 / 73 - سير أعلام النبلاء: 5 / 337 - تاريخ مدينة دمشق: 55 / 315.
(3) انظر كتاب - المغازي للواقدي - والمغازي للذهبي في تاريخ الاسلام - وصحيح البخاري: 5 / 71 -
صحيح مسلم: 3 / 1356 وأبو داود: 3 / 6 - 224 - وابن ماجة: 2 / 920 - والترمذي: 4 / 119 - والنسائي:
3 / 2 - 50.
111

عليهم وإعلاء لهم.
ولذلك يطلب التحديد والاستيفاء فيها عند تعريف " الزهري " وحركة
الأموية نحو تدوين الحديث. لان " الزهري " اشتهر بصاحب " المغازي " والعالم
بأخبارها كما اشتهر بالعلم والحديث ولا يخفى ان الخلفاء يكرهون أخبار
المغازي.
كتب في ذلك " الدكتور حسين عطوان " كتابا سماه " رواية الشاميين للمغازي
والسير في القرنين الأول والثاني الهجريين " وطبعه في " دار الجيل " عمان
سنة 1986 م.
فإنه أظهر في كتابه وأثبت مقابلة الأمويين تجاه أخبار المغازي وأخرج
مصادر بحثه عن المأخذ المعتبرة في التاريخ والحديث.
ونحن نذكر بعض كلماته لأنه استوفى البحث في ذلك وإن كان أحيانا
يحذف بعض الحقائق ولا يذكر صحيح الأخبار إلا أنه يكفينا في البحث عن
الأمويين والزهري، فإنه قال:
كره الخلفاء الأمويون رواية المغازي (1) والسير (2) في القرن الأول، ونهوا

(1) المغازي في الأصل جمع مغزي ومغزاة، وهي مواضع الغزو نسفه، ثم أطلقوها على مناقب الغزاة
وغزواتهم، ثم توسعوا في استعمالها فأطلقوها على حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى جعلوها مرادفة للسيرة.
(انظر اللسان: غزا).
(2) أول ما غني به الأخباريون المسمون هو السيرة النبوية، واعتمدوا فيها على مصدرين: الأول بعض
أخبار الجاهلية، والثاني الأحاديث التي رواها الصحابة والتابعون عن حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ولادته
ونشأته ودعوته إلى الإسلام وجهاده وغزواته وأخباره إلى حين وفاته. وأضافوا إلى أخبار الجاهلية
والإسلام الأشعار التي رويت في هذه الموضوعات.
وتأثر ما يروى في السيرة ما أحداث من قبل الإسلام بالنمط الذي تروى به أيام العرب في
الجاهلية. وتأثر ما يروى منها من أحداث الإسلام بنمط الحديث.
وكانت السيرة النبوية جزءا من الحديث، وكانت الأحاديث فيها متفرقة يوم كان المحدث يجمع كل
ما وصل إليه علمه من غير ترتيب. فلما رتبت الأحاديث في الأبواب جمعت السيرة في أبواب مستقلة،
أشهرها " باب المغازي والسير "، ثم انفصلت هذه الأبواب عن الحديث، وألفت فيها الكتب الخاصة،
ولكن ظل المحدثون يدخلونها في أبوابهم، ففي صحيح البخاري " كتاب المغازي " وفي صحيح مسلم
" كتاب الجهاد والسير "، إلى غير ذلك من الأبواب المتصلة بالسيرة النبوية في كتب الحديث.
وكان الأخباريون من أهل المدينة هم أول من روى السيرة النبوية، وخلفتهم طبقة ثانية كان رجالها
من أهل المدينة أيضا، وكانت الطبقة الثالثة منهم من أهل المدينة، ومن أهل البصرة والكوفة. وروى
هؤلاء الأخباريون شيئا من سيرة الخلفاء الراشدين، كما رووا شيئا من سيرة الخلفاء الأمويين.
انظر: رواية الشاميين للمغازي: 13.
112

أهل الشام عن معرفتها وتداولها، وحاولوا صدهم عن العناية بها.
وكان الخلفاء الأمويون يرون أن رواية المغازي والسير تهيج الإحن
والضغائن الكامنة، وتحرك الحزازات والعداوات القديمة بينهم وبين الأنصار، فقد
قتل الأنصار الأمويين وفتكوا بهم يوم بدر وأنتقم الأمويون منهم وتشفوا بهم يوم
أحد وكان الأنصار يفتخرون بأنهم من أهل السابقة والقدمة في الإسلام، وأنهم
منعوا الرسول الكريم من كفار قريش من الأمويين وغيرهم، وكانوا يعيرون
الأمويين بأنهم ممن تأخر إسلامهم، وأنهم من المؤلفة قلوبهم. وكان الأمويون لا
يغضون على جراحاتهم ولا ينسون مناهضة الأنصار لهم ولشيعتهم، وكان ذلك
مصدر خصام بينهم في صدر الإسلام (1)، ولم يزل الأمويون يذكرون الأنصار به،
ويسخطون عليهم بسببه، بعد قيام دولتهم.
كيد الأمويين
وكان الخلفاء الأمويون يقرون بأنهم ليسوا كمن سبقهم من الخلفاء

(1) أنساب الأشراف: 4 / 1 / 44.
113

الراشدين، وإنما هم دونهم درجات، فهم لا يبلغون مبلغهم في الصلاح والفضل،
ولا في التقوى والورع، وكانوا يعترفون بأنهم وعمالهم ليسوا أحسن أهل زمانهم،
وإنما في رعيتهم من يتقدمهم ويتفوق عليهم، ولكنهم كانوا يزعمون أنهم أفضل
ممن سيأتي بعدهم، وأنهم يجتهدون رأيهم، ويبذلون ما في وسعهم. وكانوا
يسلمون أيضا بأنهم مهما يصنعوا، فإنهم عاجزون عن أن يسيروا في أهل زمانهم
بسيرة أبي بكر وعمر، وأبدوا ذلك ولم يكتموه، وكان معاوية بن أبي سفيان
أقوالهم في الإعلان له، وأوضحهم في الإعراب عنه، وقد ذكره في غير قليل من
خطبه، قال المدائني (1):
" قدم معاوية المدينة، فخطبهم فقال: إني رمت سيرة أبي بكر وعمر فلم
أطقها، فسلكت طريقة لكم فيها حظ ونفع، على بعض الأثرة. فارضوا بما أتاكم
مني، وإن قل، فإن الخير إذا تتابع عنى، وإن قل أغنى، وإن السخط يكدر المعيشة،
ولست بباسط يدي إلا إلى من بسط يده، فأما القول الذي يستشفي به ذو غمر (2)،
فهو دبر أذني، وتحت قدمي، حتى يروم العوجاء ".
وقال معاوية لأهل المدينة (3): " إني لست أحب أن تكونوا خلقا كخلق
العراق، يعيبون الشئ وهم فيه كل امرئ منهم شيعة نفسه، فاقبلونا بما فينا، فإن
ما وراءنا شر لكم، وإن معروف زماننا هذا منكر زمان مضى، ومنكر زماننا معروف
زمان لم يأت، ولو قد أتى، فالرتق خير من الفتق، وفي كل بلاغ، ولا مقام على
الرزية ".

(1) أنساب الأشراف: 4 / 1 / 38، والعقد الفريد: 4 / 82، والبداية والنهاية: 8 / 132. رواية الشاميين ص 21.
(2) الغمر: الحقد.
(3) العقد الفريد: 4 / 82، وانظر أنساب الأشراف: 4 / 1 / 24، وجمهرة خطب العرب: 2 / 183.
114

وقال في خطبة ثالثة (1): أيها الناس، ما أنا بخيركم، وإن منكم لمن هو خير
مني، عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وغيرهما من الأفاضل، ولكن عسى أن
أكون أنفعكم ولاية، وأنكاكم في عدوكم، وأدركم حلبا ".
وقال في آخر خطبه (2): " إني كزرع مستحصد (3)، وقد طالت إمرتي عليكم،
حتى مللتكم ومللتموني، وتمنيت فراقكم، وتمنيتم فراقي، ولن يأتيكم بعدي إلا
من أنا خير منه، كما أن من كان قبلي، كان خيرا مني ".
إلى غير ذلك من خطبه التي كرر فيها المعاني السابقة (4).
ورجع عمر بن عبد العزيز آراء معاوية بأكثر ألفاظها، إذ يقال في خطبته يوم
استخلف (5): " ألا إني لست بخيركم، ولكن رجل منكم، غير أن الله جعلني أثقلكم
حملا ".
وقال في آخر خطبه (6): " ألا وإني قد استعملت عليكم رجالا لا أقول: هم
خياركم، ولكنهم خير ممن هم شر منهم ".
تبدل السياسة مع تبدل الناس
وكان الخلفاء الأمويون يؤمنون بأن نظام الحكم في الإسلام له قواعد
وأسس، ز ولكنها جميعا ليس ثابتة غير متغيرة، بل منها الثابت، ومنها المتغير، وما

(1) البداية والنهاية: 8 / 134.
(2) أنساب الأشراف: 4 / 1 / 34، وأمالي القالي: 2 / 311، وجمهرة خطب العرب: 2 / 185.
(3) استحصد: حان أن يحصد.
(4) استحصد: حان أن يحصد.
(5) طبقات ابن سعد: 5 / 240.
(6) طبقات ابن سعد: 5 / 343.
115

يصلح منها لعصر، قد لا يصلح لعصر آخر، وما تصح به حياة الناس في عهد، قد
تفسد به حياتهم في عهد ثان، وأنهم لو ساسوا الناس في أيامهم بما ساس به عمر
بن الخطاب الناس في أيامه، لساءت أحوالهم، والتوت حياتهم، وتعطلت
منافعهم، واهتضمت حقوقهم. ولذلك كانوا يرون أن من واجب الخليفة أن ينظر
في أمور أهل عصره، ويقدر السياسة التي تحقق مصالحهم، وتحفظ أمنهم.
وكان عبد الملك بن مروان أهم من شرح رأيهم في هذه المسألة، إذ يقول
لثعلبة بن أبي مالك القرظي المدني، وقد حج سنة خمس وسبعين (1): " أين الناس
الذين كان يسير فيهم عمر بن الخطاب والناس اليوم، يا ثعلبة، إني رأيت سيرة
السلطان تدور مع الناس، إن ذهب اليوم رجل يسير بتلك السيرة، أغير على الناس
في بيوتهم، وقطعت السبل، وتظالم الناس، وكانت الفتن، فلا بد للوالي أن يسير في
كل زمان بما يصلحه ".
تخوف الأمويين من ثورة الناس
وكان الخلفاء الأمويون يخشون أن يندد أهل الشام بسياستهم، ويشهروا
بممارساتهم ويثوروا على خلافتهم ويسعوا للتطويح بدولتهم، إذا هم أباحوا لهم
الاطلاع على سيرة الخلفاء الرشدين، وسمحوا لهم بروايتها، وتغافلوا عن تمثلهم
بها، وتعاضوا عن مقارنتهم بينها وبين سيرة الخلفاء الأمويين وكان عبد الملك بن
مروان ممن خاف عواقب ذلك منهم، فصرف أهل الشام عن تناقل لسيرة عمر بن
الخطاب، ومنعهم من الخوض فيها، وحرم عليه التنويه بها.

(1) طبقات ابن سعد: 5 / 233.
116

قال أبن منظور (1): " في الخبر: أن عبد الملك بن مروان أشرف على
أصحابه وهم يذكرون سيرة عمر، فغاظه ذلك، فقال: إيها (2) عن ذكر عمر، فإنه
إزراء على الولاة، مفسدة للرعية "!
وقال ابن كثير (3): " سمع عبد الملك جماعة من أصحابه يذكرون سيرة عمر
بن الخطاب، فقال: أنهى عن ذكر عمر، فإنه مرارة للأمراء، مفسدة للرعية "!.
وقاوم عبد الملك بن مروان القصص الذي نسج حول المغازي، كما قاوم
الأحاديث التي تقدح في خلافة الأمويين، إذ قال لأهل المدينة بعد أن أقام الحج
سنة خمس وسبعين (4): " يا أهل المدينة، إن أحق الناس أن يلزم الأمر الأول لأنتم،
وقد سالت علينا أحاديث من قبل هذا المشرق لا نعرفها (5) ولا نعرف منها إلا قراءة
القرآن، فالزموا ما في مصحفكم الذي جمعكم عليه الإمام المظلوم، وعليكم
بالفرائض التي جمعكم عليها إمامكم المظلوم، فإنه قد استشار في ذلك زيد بن
ثابت، ونعم المشير كان للإسلام فأحكما ما أحكما، وأسقطا ما شذ عنهما ".
وجعل الخلفاء الأمويون القصص من الوظائف الرسمية، لأنهم كانوا
يخافون أخطاره السياسية، واختاروا لهذه الوظيفة قصاص الذين كانوا يثقون بهم،
ويطمئنون إليهم، ولكنهم ظلوا يراقبونهم ويحاسبونهم، ويقصون من ينتقدهم
ويعرض بهم.

(1) اللسان: فسد.
(2) قال ابن منظور: " عدي إيها بعن لأن فيه معنى انتهوا ". اللسان: فسد.
(3) البداية والنهاية: 9 / 66.
(4) طبقات ابن سعد: 5 / 233.
(5) انظر رواية الزهري في تدوين السنة فإنه أيضا أشار بمثل ما أشار إليه عبد الملك.
117

وكان أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله الحولاني الدمشقي المتوفى سنة
ثمانين (1) من علماء أهل الشام وقرائهم، ومن عبادهم وفقهائهم، " وكان واعظ أهل
دمشق وقاصهم وقاضيهم (2) " في خلافة عبد الملك بن مروان، فعزله عن القصص،
وأقره على القضاء، فقال (3): عزلتموني عن رغبتي، وتركتموني في رهبتي ". ويبدو
أنه عزله عن القصص لأنه هاجم الخلفاء الأمويين، وطعن عليهم، وربما أشار إلى
خروجهم على السنة، وذكر مخافتهم لها، فإنه كان يتمسك بها أوثق التمسك،
ويصدر عنها أدق الصدور، وكان لا يسكت عن الضلالة أقصر السكوت، ولا يصبر
عليها أقل الصبر، بل كان يرفضها أشد الرفض، وينكرها أقوى الإنكار، وكان يجد
في محوها واستئصالها أعظم الجد، ويشمر لإزالتها وإبطالها أصدق التشمير.
طمس ماضي الأمويين في أول الإسلام
وكان الخلفاء الأمويون يعلمون أنهم ليس لهم نصيب من المغازي والسير،
لأنهم صدوا عن سبيل الله، وناصبوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) العداء، وصبوا عليه وعلى من
آمن برسالته أصناف العذاب، وقتل منهم من قتل وهم يدافعون عن أوثانهم
وسلطانهم في أول الدعوة، ولم يدخلوا في الإسلام إلا بعد فتح مكة،

(1) انظر ترجمته في طبقات ابن سعد: 7 / 448، طبقات خليفة بن خياط ص: 789، والتاريخ الكبير: 4 / 1
/ 83، والجرح والتعديل: 3 / 2 / 37، وتاريخ أبي زرعة: ص 413، وتاريخ داريا: ص 109، وحلية
الأولياء: 5 / 122، والاستيعاب: ص 1594، وتاريخ دمشق حرف العين من عاصم إلى عائذ ص: 485،
وأسد الغابة: 5 / 134، والبداية والنهاية: 9 / 34، وتذكره الحفاظ: 1 / 56، وتهذيب التهذيب: 5 / 85،
وتقريب التهذيب: 1 / 390، والنجوم الزاهرة: 1 / 208، والقضاة الشافعية للنعيمي: ص 5، وشذرات
الذهب: 1 / 88.
(2) تذكرة الحفاظ: 1 / 56، وتهذيب التهذيب: 5 / 85.
(3) تاريخ دمشق حرف العين من عاصم إلى عايذ: ص 522، وتذكرة الحفاظ: 1 / 57.
118

فكفوا أهل الشام، عن رواية المغازي والسير، ليكتموها عنهم، ويخفوها عليهم،
فإنهم كانوا يعتقدون أن اطلاعهم عليها فيه نشر للمساوئ الأمويين، وإزراء بهم،
وتجريح لهم، وفيه إظهار لمحاسن الأنصار، وثناء عليهم، وإعلاء لهم. وكان
معاوية بن أبي سفيان هو الذي سن لهم هذه السنة، وأخذ بها مروان بن الحكم،
وعبد الملك بن مروان، وتعصب عبد الملك لها، وأبى أن يعدل عنها.
ومن خير ما يصور ذلك هذا الخبر الذي حفظه
عبد الرحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني أخو عاصم
بن عمر بن الخطاب لأمه، فقال (1): " قدم علينا سليمان بن
عبد الملك حاجا سنة اثنتين وثمانين، وهو ولي عهد، فمر
بالمدينة فدخل عليه الناس، فسلموا عليه، وركب إلى مشاهد
النبي (صلى الله عليه وسلم) التي صلى فيها وحيث أصيب أصحابه بأحد، ومعه
أبان بن عثمان، وعمرو بن عثمان، وأبو بكر بن عبد الله بن أبي
أحمد، فأتوا به قباء ومسجد الفضيخ، ومشربة أم إبراهيم،
وأحدا، وكل ذلك يسألهم ويخبرونه عما كان. ثم أمر أبان بن
عثمان أن يكتب له سير النبي (صلى الله عليه وسلم)، ومغازيه، فقال أبان: هي
عندي قد أخذتها مصححة ممن أثق به. فأمر بنسخها، وألقي
فيها إلى عشرة من الكتاب، فكتبوها في رق، فلما صارت إليه،
نظر، فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين، وذكر الأنصار في بدر،
فقال: ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل، فإما أن يكون

(1) الأخبار الموفقيات: ص 332.
119

أهل بيتي غمصوا (1) عليهم، وإما أن يكونوا ليس هكذا. فقال
أبان بن عثمان: أيها الأمير، لا يمنعنا ما صنعوا بالشهيد
المظلوم من خذلانه من (2) القول بالحق، هم على ما وصفنا
لك في كتابنا هذا. قال: ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى
أذكره لأمير المؤمنين لعله يخالفه، فأمر بذلك الكتاب
فخرق (3)، وقال: أسأل أمير المؤمنين إذا رجعت، فإن يوافقه،
فما أيسر نسخه. فرجع سليمان بن عبد الملك، فأخبر أباه
بالذي كان من قول أبان، فقال عبد الملك: وما حاجتك أن
تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل! يعرف أهل الشام أمورا لا نريد
أن يعرفوها!! قال سليمان: فلذلك يا أمير المؤمنين، أمرت
بتخريق ما كنت نسخته حتى استطلع رأي أمير المؤمنين،
فصوب رأيه، وكان عبد الملك يقل عليه ذلك.
ثم إن سليمان جلس مع قبيصة بن ذؤيب (4)، فأخبره خبر أبان بن عثمان،
وما نسخ من تلك الكتب، وما خالف أمير المؤمنين فيها، فقال قبيصة: لولا ما كرهه
أمير المؤمنين، لكان من الحظ أن تعلمها وتعلمها ولدك وأعقابهم، إن حظ أمير

(1) غمصوا عليهم: عابوهم.
(2) في الأصل: " إن ".
(3) في الأصل: " فحرق "، وخرق الكتاب: قطعه ومزقه.
(4) هو قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، مدني الأصل، دمشقي الدار، كان له فقه وعلم، وكان أعلم الناس بقضاء
زيد بن ثابت، وكان على خاتم عبد الملك بن مروان، وتوفي سنة ست وثمانين. (انظر ترجمته في
طبقات ابن سعد: 7 / 447، وطبقات خليفة بن خياط ص: 798، والتاريخ الكبير: 4 / 1 / 174،
والمعارف: ص 447، والجرح والتعديل: 3 / 2 / 125، والاستيعاب: ص 1272، وأسد الغابة: 4 / 191،
والبداية والنهاية: 9 / 73، والإصابة: 3 / 266، وتهذيب التهذيب: 8 / 346، وتقريب التهذيب: 2 / 122).
120

المؤمنين فيها لوافر، إن أهل بيت أمير المؤمنين لأكثر من شهد بدرا، فشهدها من
بني عبد شمس ستة عشر رجلا من أنفسهم وحلفائهم ومواليهم، وحليف القوم
منهم، ومولى القوم منهم، وتوفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعماله من بني أمية أربعة (1):
عتاب بن أسيد على مكة، وأبان بن سعيد على البحرين، وخالد بن سعيد على
اليمن، وأبو سفيان بن حرب على نجران، عاملا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم).
ولكني رأيت أمير المؤمنين كره من ذلك شيئا، فما كره فلا تخالفه. ثم قال قبيصة:
لقد رأيتني، وأنا وهو - يعني عبد الملك - وعدة من أبناء المهاجرين ما لنا علم غير
ذلك حتى أحكمناه، ثم نظرنا بعد في الحلال والحرام. فقال سليمان: يا أبا إسحاق
ألا تخبرني عن هذا البغض من أمير المؤمنين وأهل بيته لهذا الحي من الأنصار،
وحرمانهم إياهم، لم كان؟ فقال: يا ابن أخي، أول ما أحدث ذلك معاوية بن أبي
سفيان، ثم أحدثه أبو عبد الملك، ثم أحدثه أبوك. فقال: علام ذلك؟ قال: فوالله ما
أريد به إلا لأعلمه وأعرفه! فقال: لأنهم قتلوا قوما من قومهم، وما كان من خذلانهم
عثمان، رضي الله عنه، فحقدوه عليهم، وحنقوه وتوارثوه، وكنت أحب لأمير
المؤمنين أن يكون على غير ذلك لهم، وأن أخرج من مالي، فكلمه، فقال سليمان:
أفعل والله. فكلمه وقبيصة حاضر، فأخبره قبيصة بما كان من محاورتهم، فقال
عبد الملك: والله ما أقدر على غير ذلك، فدعونا من ذكرهم فأسكت القوم "! وحكى
الزهري (2): " أن عبد الملك رأى عند بعض ولده حديث المغازي فأمر به فأحرق،
وقال: عليك بكتاب الله فاقرأه، والسنة فاعرفها واعمل بها " (3).

(1) انظر فيمن شهد بدرا من بني عبد شمس وحلفائهم ومواليهم السيرة النبوية لابن هشام: 3 / 4.
(2) أنساب الأشراف المخطوط: 1 / 1165.
(3) رواية الشاميين للمغازي والسير: ص 13 - 25.
121

الزهري والمغازي
وقد ثبت للزهري تقدمه في علم المغازي فذكر في ذلك البخاري في
صحيحه (1)، وأشار حاجي خليفة في " كشفه أن للزهري كتابا في المغازي، فيقول
عند ذكر كتب المغازي: ومنها مغازي محمد بن مسلم الزهري (2).
وذكره ابن كثير أن اسمه السير (3).
روى الخطيب بسنده عنه انه قال: في علم المغازي علم الآخرة والدنيا (4).
وأما كتابه هذا، فإنه قد ضيع والسبب في ذلك يعلم من خدمته لبني أمية من
أنه لما اتصل بالأمويين وأحس كراهتهم عن الأخبار في المغازي سعى نفسه
بإشارتهم نحو ضياع أخباره المجموعة، كما ذكرنا شدة كراهة الخلفاء الأمويين
من أخبار المغازي وسعيهم في التخريق والتحريق والتضييع للأخبار والآثار في
ذلك.
وأما أخبار الزهري في المغازي والسنن الباقية في المصادر والمآخذ
المدونة فكثيرة جدا، غير أن أخباره في المغازي لا يشتمل مثالب بني أمية
ومطاعنهم وقد يشم منها أنه عند اتصاله لبني أمية نسي أو أنساه ذكر أخبار
المغازي في ثلبهم.
وأما ما نشره، الدكتور سهيل زكار بعنوان " كتاب المغازي النبوية " تصنيف

(1) صحيح البخاري: 5 / 14 - السيرة النبوية لابن كثير: 2 / 354.
(2) كشف الظنون: 2 / 1747.
(3) السيرة النبوية لابن كثير: 1 / 249.
(4) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: للخطيب ص 358.
122

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، فليس من الصواب نسبته إليه،
لأنه أخذ كتاب المغازي من كتاب " المصنف " لعبد الرزاق بن همام الصنعاني
المتوفى 211 ه‍ لان أكثر الأخبار التي أوردها الصنعاني في كتاب المغازي من
رواية الزهري، إذ نقل من طريقه ما يزيد على مائة خبر من أخبار السيرة ومعظمها
عن " معمر بن راشد " من تلاميذ الزهري، لكن ما حفظه عبد الرزاق من روايات
الزهري لا يساوي ثلث رواياته التي حفظه ابن سعد في طبقاته، فعلى ذلك ليس
من الصواب القول بأنه جمع كل روايات الزهري ولا أن كتاب المغازي من كتاب
" المصنف " يحوي كتاب الزهري في المغازي، كما زعم الدكتور سهيل زكار (1).
وقد ذكرنا في محله من هذا الكتاب ان للبخاري زهاء الفين من الأحاديث
المختلفة التي رواها الزهري عند تدوين السنة وقد اختص مؤلف كتاب: " رواية
الشاميين للمغازي " عمدة كتابه بذكر أخبار الزهري في المغازي مع الإشارة إلى
منشأ الإسرائيليات في رواياته ومرد ذلك أنه كان عالما باخبار الأنبياء وأهل
الكتاب (2) فأورد في السيرة النبوية قليلا منها أخذه عن اليهود والتوراة والنصارى،
وعن طريق مسلمة اليهود وبعض الصحابة الذي كان لهم معرفة
بالإسرائيليات (3)...
* * *

(1) المغازي النبوية - المنسوب إلى الزهري: ص 22، ورواية الشاميين للمغازي - لعطران: ص 88 - 89.
(2) حلية الأولياء: 3 / 361 - صفة الصفوة: 2 / 78 - البداية والنهاية: 9 / 342.
(3) رواية الشاميين للمغازي: ص 113.
123

الفصل الثالث
كتابة الزهري للحديث
125

كتابة الحديث
من الصحابة من يمنع عن الكتابة ممن رويت عنهم كراهة الحديث، عمر
ابن الخطاب، وأبن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وآخرون من
الصحابة والتابعين.
وأما الذين رويت عنهم إباحة ذلك، فهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأنس بن
مالك وأبن عمر وغيرهم من الصحابة والتابعين (1).
وكان من بين من أباحت كتابة الحديث وتدوينه، ابن شهاب الزهري بعد ما
صار نديما للأموية بالشام.
اعترف الزهري في قوله: كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء
الأمراء الخ.
فهذه شبهة تستند إليها في اتهامه ويشهد عليه بالإستعداد للوضع في
الحديث فإنه اعترف نفسه اعترافا خطيرا في قوله الذي رواه معمر: ان هؤلاء
الامراء أكرهونا على كتابة الأحاديث، ويفهم منه إستعداد الزهري لأن يكسو
رغبات بني أمية باسمه المعترف به عند المسلمين (2).

(1) علوم الحديث 203، والنووي: التقريب 28.
(2) السنة ومكانتها في التشريع 404.
127

ولذلك كان مجروحا متهما في أمانته ودينه.
فالذي رواه معمر عن الزهري هو قوله: كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا
عليه هؤلاء الامراء فرأينا ان لا نمنعه أحدا من المسلمين (1).
وفي رواية: كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه الأمراء فرأينا الا نمنعه
مسلما (2).
وفي ثالثة: كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه السلطان فكرهنا ان نمنعه
أحدا (3).
عن الوليد بن مسلم عن مروان بن أبي الهذيل قال: كان
الزهري لا يترك أحدا يكتب بين يديه قال: فأكرهه هشام بن
عبد الملك فأملى على بنيه فلما خرج من عنده دخل المسجد
فاستند إلى عمود من عمده، ثم نادى يا طلبة الحديث قال:
فلما اجتمعوا إليه قال: كنت منعتكم أمس ما بذلته لأمير
المؤمنين آنفا هلم فاكتبوا قال: فكتب منه الناس من يومئذ (4).
وقوله: " أكرهنا هؤلاء الأمراء ". استعداده لا كساء رغبة الحكومة باسمه
المعترف به، إذ كان ما يفهم منه هو: امتناعه أولا عن كتابة العلم، اي: إملائه للغير
حرصا منه على تداول العلم شفاها، ورغبة في استمرار الاعتماد في حمله على
الملكات والحوافظ وانه امام الحاج هشام بن عبد الملك، وتلبية لرغبة الكثير من

(1) تقييد العلم 107 - تاريخ مدينة دمشق 55 / 321.
(2) سير أعلام النبلاء 5 / 333 - تاريخ مدينة دمشق 55 / 334.
(3) الدارمي السنن 1 / 92 - تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 240 وفيه فكرهنا ان نمنعه الناس.
(4) تاريخ مدينة دمشق 55 / 333.
128

طلاب العلم في الاخذ عنه املاء وافق على الكتابة عنه، روي عن أبي المليح انه
قال: كنا لا نطمع ان نكتب عند الزهري حتى أكره هشام الزهري، فكتب لبنيه فكتب
الناس الحديث (1).
كتابته لتلاميذه
كان الزهري قد كتب كتبا وأهداها لجماعة من تلاميذه، فقد روي عن ابن
جريج انه قال: لم اسمع من الزهري، إنما أعطاني جزء كتبته وأجازه لي (2).
وروي عن عبيد الله بن عمر انه قال: دفع إلي ابن شهاب صحيفة فقال: انسخ
ما فيها وحدث به عني، فقلت: أو يجوز ذلك؟
قال: نعم (3).
وعن الأوزاعي انه قال: دفع إلي الزهري صحيفة، فقال: أروها عني (4).
وكان كما رأينا فيما مضى قد كتب أشياء كثيرة من السنة، وكان يحتفظ
ببعض ما كتبه منها لنفسه. روي عن عبد الرزاق انه قال: سمعت معمرا يقول: أتيت
الزهري بالرصافة، فجعلت أسأله حتى ظننت إني قد فرغت منه، فلما مات مر
علينا بكتبه على البغال (5).
وروي عن مالك بن أنس قال: مات يوم مات الزهري وإن كتبه حملت

(1) حليه الأولياء 3 / 363.
(2) تذكرة الحفاظ: 1 / 170.
(3) الكفاية: 467.
(4) الكفاية: 460، وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله: 479.
(5) الذهبي: تأريخ الاسلام وفيات 121 - 140: ص 234.
129

على البغال (1).
وكان الزهري يكره الاملاء كما أسلفنا، ويحب أن تؤخذ السنة منه حفظا
كما كان يأخذها هو حفظا، لكنه لما وافق أخيرا على إملائها نتيجة إلحاح بعض
الخلفاء من بني أمية عليه، رأى أن لا يمنع أحدا من المسلمين من الإملاء بعد
ذلك.
فعن الوليد بن مسلم قال: كان الزهري لا يترك أحدا يكتب بين يديه قال:
فأكرهه هشام بن عبد الملك فأملى على بنيه فلما خرج من عنده دخل المسجد
فاستند إلى عمود من عمده، ثم نادى يا طلبة الحديث قال: فلما اجتمعوا إليه قال:
إني كنت منعتكم أمس ما بذلته لأمير المؤمنين آنفا هلم فاكتبوا، قال: فكتب منه
الناس من يومئذ (2).
وهذا يشير ولا شك إلى كثرة ما كانوا يكتبون عنه السنن.
روي عن مالك بن أنس انه قال: لما قدم الزهري أخذت الكتاب لأقرأ عليه،
فقال: من أنت؟ فقلت: انا مالك بن انس، وانتسبت له. فقال: ضع الكتاب، ثم أخذ
الكتاب محمد بن إسحاق يقرأ وانتسب له، فقال له: ضع الكتاب، ثم أخذ الكتاب
عبيد الله بن عمر بن حفص ابن عاصم بن عمر بن الخطاب، فقال: إقرأ فجميع ما
سمع الناس يومئذ مما قرأ عليه عبيد الله (3).
وعن عبيد الله بن عمر قال: ما أخذنا عن ابن شهاب إلا قراءة كان مالك بن

(1) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 333.
(2) مختصر تاريخ دمشق: 23 / 234 - تاريخ مدينة دمشق: 55 / 333.
(3) ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله: 477.
130

أنس يقرأ لنا، كان جيد القراءة (1).
وعن بشر بن السري قال: قال ابن أبي ذئب: ما سمعت عن الزهري شيئا،
قال: وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: إنما كنت أقول للزهري حدثك فلان بكذا
وكذا؟ فيقول: نعم (2).
وقال معمر: قرأت العلم على الزهري، فقلت: أحدث به منك؟ قال: ومن
حدثك به غيري (3).
" كثرة رواياته "
يعد الزهري بالنسبة لأقرانه ومعاصريه من المكثرين في رواية الحديث، إذ
قد روي عنه ما يزيد على ألفي حديث قال البخاري عن علي ابن المديني: له نحو
ألفي حديث (4). وسبب ذلك أنه نشأ في المدينة وأدرك مجالس الحديث.
وقال أبو مسعود بن الفرات: عنده ألفا حديث (5).
وقال أبو داود: جميع حديث الزهري كله ألفا حديث ومائتا حديث النصف
منها مسند، وقدر مائتين عن غير الثقات (6)، هذا ما رواه عنه المحدثون ونقلوه إلينا.
فالبخاري أخرج في صحيحه عن الزهري نحو 1205 روايات من رواياته

(1) الخطيب: الكفاية: 387.
(2) الخطيب: الكفاية 389.
(3) الخطيب: الكفاية 388.
(4) تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 91 - تهذيب التهذيب: 9 / 338.
(5) تهذيب الكمال: 26 / 439.
(6) سير أعلام النبلاء: 5 / 95 - تهذيب التهذيب: 9 / 447.
131

التي أورده في الصحيحة من الصحاح والموقوفات والمقطوعات والمعلقات
المجزمة به وغيره مجزومة التي جاء بها على سبيل الترجمة أو
الاستشهاد وقال ابن حجر في " التهذيب ": قال البخاري عن علي بن المديني له
نحو ألفي حديث (1).
أما: ما كان يحفظه في الواقع فلا شك أنه كان أكثر من ذلك بكثير، فقد روي
عنه انه قال: حينما سئل عن شئ من أمر " الخلع ": إن عندي فيه ثلاثين حديثا ما
سألني عنها أحد قط (2). ولعله كان يحفظ غيرها في مواضيع أخرى لم يسأل عنها.
وروي عنه أيضا انه قال: لقيني سالم كاتب هشام بن عبد الملك فقال: إن
أمير المؤمنين يأمرك أن تكتب لولده حديثك قال فقلت له: لو سألتني عن حديثين
اتبع أحدهما الآخر ما قدرت على ذلك، ولكن أبعث إلى كاتبا أو كاتبين، فإنه كل
يوم إلا يأتيني قوم يسألون عما لم أسأل عنه بالأمس قال: فبعث إلي كاتبين فاختلفا
إلي سنة قال: ثم لقيني بعض بني هشام، فقال: يا أبا بكر، ما أرانا إلا قد نقصناك قال:
قلت: كلا إنما كنت في عزاز الأرض، الآن هبطت بطون الأودية (3).
وهذا حديث صحيح رواه المحدثون بطرقه المختلفة، روى ابن عساكر في
" تاريخ دمشق " بعضه وكلها يشعر بان فعله عند نفسه غير مرضي به لأنه قال:
" هبطت " يعني بذلك: بيان حركته من المدينة إلى الشام في تركه صحبة المحدثين
المدنيين باختيار صبحة الأمويين والمروانيين الفاسقين.

(1) تهذيب التهذيب: 9 / 396.
(2) تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140: ص 239.
(3) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 332.
132

كتمان الحديث
ويعلم ذلك من بعض الكمات الصادرة عن بعض المحدثين المعروفين
المعاشرين من تلامذة الزهري، مثل مالك بن أنس امام المالكية فإنه قال:
سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ما حدثت بها قط (1).
ومالك هذا من محدثي المدينة، وممن روى عن الزهري روايات كثيرة.
وأما الزهري نفسه إنه قال: " كنت أكثر مجالسة عند علي بن الحسين " وأصح
الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي (2).
ولا شبهة ان الزهري عند دخوله الشام وأخذه مصاحبة أعداء آل رسول
نسي وأنساه أخبارهم المتلقاة منهم في المدينة أيام معاشرته معهم، ألم تر ان
عبد الملك بن مروان كيف أمره بعدم رواية، رؤية الدم صباح قتل علي بن أبي
طالب وحسين بن علي (عليه السلام) من تحت الأحجار في بيت المقدس (3).
عدم الإتقان والتثبت
من شؤون المحدثين الأثبات، التثبت والإتقان في أمر السنة عندما يدون أو
يخرج.
وما ثبت في ترجمة الزهري هو خلاف ذلك، لعدم تثبته ودقة في أمر السنة

(1) تذكرة الحفاظ: 1 / 209 - 210. - سير أعلام النبلاء 8 / 107 - 62.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 41 / 376 - سير أعلام النبلاء: 4 / 391.
(3) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 305 - المعرفة والتاريخ: 1 / 629.
133

وحفظها، مع تساهله في نقله الرواية حيث، روى المزي في " تهذيب الكمال ".
وقال انس بن عياض عن عبيد الله بن عمر، كنت أرى الزهري يعطي
الكتاب فلا يقرأه ولا يقرأ عليه، فيقال له نروي هذا عنك؟ فيقول: نعم (1).
عن عبيد الله بن عمر قال: دفعت إلى ابن شهاب كتابا نظر فيه فقال: اروه
عني (2).
روى ابن عساكر أيضا بسنده عن أبو البركات الأنماطي، أنبأنا ثابت بن
بندار، أنبأنا أبو العلاء الواسطي، أنبأنا أبو بكر البابسيري، أنبأنا الأحوص بن
المفضل، حدثني أبي حدثنا أبو زكريا يعني يحيى بن معين، عن أبي ضمرة، عن
عبيد الله بن عمر قال: كنت أرى الزهري يعطي الكتاب فلا يقرأه، ولا يقرأ عليه،
فيقال له، يروى هذا عنك؟ فيقول: نعم (3).
وقال: ان إبراهيم بن الوليد الأموي جاء إلى الزهري بصحيفة وطلب منه أن
يأذن له بنشر أحاديث فيها على أنه سمعها فأجازه الزهري من غير ترو كثير، وقال
له: من يستطيع أن يجيزك بها؟ وهكذا استطاع الأموي أن يروي ما كتب في
الصحيفة على أنها مروية عن الزهري (4).
إذ أن نص الرواية كما نقلها: ابن سعد وابن عبد البر والخطيب البغدادي عن
عبد الرزاق عن معمر هو: أن عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: سمعت إبراهيم بن
الوليد رجل من بني أمية يسأل الزهري وعرض عليه كتابا من علمه، فقال: أحدث

(1) تهذيب الكمال المزي: 26 / 439 - 440.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 364.
(3) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 364 و 365.
(4) السنة ومكانتها في التشريع: 169.
134

بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال: نعم فمن يحدثكموه غيري (1)؟
وفي رواية عنه قال: رأيت رجلا من بني أمية يقال له: إبراهيم بن الوليد، جاء
إلى الزهري بكتاب فعرضه عليه، ثم قال: أحدث بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال: أي
لعمري فمن يحدثكموه غيري (2).
وعن ابن أبي ذئب عن الزهري انه قال: عرض الكتاب والحديث سواء (3).
وحدث عبد الرزاق عن معمر قال: قال رجل للزهري أقرأ عليك الحديث، فأقول
حدثني الزهري؟ قال: نعم فمن حدثك غيري.
فمن عجائب أمره في ذلك اعترافه بوحدة نفسه في انهدام السنة في قوله:
" فمن يحدثكموه غيري " مع علمه بان غيره لا يرتكب بمثل ما ارتكبه.
المجروحين في الزهري
هنا جماعة من الرجال من تلامذة الزهري، كانت روايتهم عن غيره أقوى
من روايتهم عنه، فوثقوا في غير وضعفوا فيه، لما اعتراهم من وهم، أو اضطراب أو
غير ذلك من العلل القادحة في روايتهم عنه.
ومنهم على سبيل المثال: ابن أبي ذئب، قال يعقوب بن أبي شيبة ثقة، وفي
روايته عن الزهري خاصة شئ (4).
ومنهم: ابن جريج، روى عن ابن معين انه قال: وابن جريج ليس بشئ في

(1) جامع بيان العلم وفضله: 476، والخطيب: الكفاية: 388.
(2) الخطيب: الكفاية 388. سير أعلام النبلاء 5 / 377 - تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 34.
(3) الخطيب: الكفاية 378.
(4) العلائي: جامع التحصيل 174 - شرح علل الترمذي: 343.
135

الزهري (1).
منهم سفيان بن حسين الواسطي: ذكره ابن حبان في الثقات وقال اما روايته
عن الزهري فان فيها تخاليط يجب ان يجانب وقال في الضعفاء: يروى عن
الزهري المقلوبات وذلك أن صحيفة الزهري اختلطت عليه (2).
ومنهم: محمد بن إسحاق، قال ابن معين: ليس به بأس، وهو ضعيف
الحديث عن الزهري (3).
ومنهم: جعفر بن برقان، قال العلائي: ثقة مشهور لكن حديثه عن الزهري
مضطرب، ونقل عن ابن معين انه قال: جعفر بن برقان ثقة، فيما روى عن غير
الزهري، فهو فيه ضعيف (4).
ومنهم: إسحاق بن راشد الجزري، قال ابن معين: ليس في الزهري بذاك
قيل: ففي غير الزهري، قال: ليس به بأس (5). وإسحاق بن راشد هو من رجال
البخاري وهو ممن روى عن الزهري (6).
مرسلات الزهري
تكلم في مرسلات الزهري كل من: يحيى بن سعيد القطان والشافعي

(1) العلائي: جامع التحصيل 174 - شرح علل الترمذي: 344.
(2) تهذيب التهذيب: 4 / 96 رقم 190.
(3) العلائي: جامع التحصيل: 174 ب وابن رجب: شرح علل الترمذي: 344.
(4) العلائي: جامع التحصيل: 94 آ، وابن حجر: تهذيب التهذيب: 2 / 84.
(5) العلائي: جامع التحصيل: 196 ب وابن حجر: تهذيب التهذيب: 1 / 202.
(6) المغني في معرفة رجال الصحيحين ص 30 رقم 143 - رجال صحيح البخاري: 1 / 74 رقم 73، روى
عنه البخاري في سورة البراءة والطب والاعتصام.
136

ويحيى بن معين، فوصفوها بأنها لا شئ وأنها شبه الريح، واليك ما روي عنهم في
ذلك.
روي عن يحيى بن سعيد القطان انه قال: مرسل الزهري شر من مرسل غيره
لأنه حافظ وكلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يحسن أو يستحي أن
يسميه (1).
وفي رواية: وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه (2).
وفي أخرى: وإنما يترك من لا يحب أن يسميه (3).
وروي عنه انه قال: مرسل الزهري شبه لا شئ (4).
وقال ابن أبي حاتم: كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى ارسال الزهري
وقتادة، ويقول: هو بمنزلة الريح، ثم يقول: هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا
الشئ علقوه (5).
وقال العلائي: اختلف في مراسيل الزهري لكن الأكثر على تضعيفها، قال
أحمد بن أبي شريح سمعت الشافعي يقول: يقولون نحابي ولو حابينا أحدا لحابينا
الزهري وارسال الزهري ليس بشئ وذلك أنا نجده يروى عن سليمان بن أرقم.
وقال أبو قدامة عبيد الله بن سعيد سمعت يحيى بن سعيد - يعني القطان
يقول مرسل الزهري شر من مرسل غيره لأنه حافظ وكلما قدر ان يسمي سمى

(1) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 368.
(2) ابن رجب: شرح علل الترمذي: 226.
(3) سير أعلام النبلاء: 5 / 338 - تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140: ص 245.
(4) السيوطي: تدريب الراوي: 124 - جامع التحصيل: ص 90.
(5) تهذيب التهذيب: 9 / 398 - جامع التحصيل: ص 90.
137

وإنما يترك من لا يستجيز ان يسميه.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان قال: كان يحيى بن سعيد لا يرى
ارسال الزهري وقتادة شيئا ويقول هو بمنزلة الريح ويقول: هؤلاء قوم، كانوا إذا
سمعوا الشئ علقوه وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين قال: مراسيل
الزهري ليست بشئ (1).
وروى ابن عساكر وقال: أخبرنا أبو محمد بن طاوس، أنبأنا أبو الغنائم بن
أبي عثمان، أنبأنا أبو عمر بن مهدي أنبأنا محمد بن أحمد بن يعقوب، حدثنا
جدي قال: وسمعت عليا يقول: مرسلات الزهري رديئة (2).
تدليس الزهري
فالمشهور من أمر الزهري أيضا التدليس:
قال الذهبي: محمد بن مسلم الزهري الحافظ الحجة كان يدلس في
النادر (3).
وقال ابن احجر: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري الفقيه
المدني نزيل الشام مشهور بالإمامة والجلالة من التابعين وصفه الشافعي والدار
قطني وغير واحد بالتدليس (4).

(1) جامع التحصيل - للعلائي: 90 - تهذيب التهذيب: 9 / 398 - سير أعلام النبلاء: 5 / 338 - تاريخ
الإسلام وفيات 121 - 140: ص 245 - علوم الحديث لابن الصلاح: ص 75 - شرح علل الترمذي:
ص 226 - تاريخ مدينة دمشق: 55 / 368.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 369.
(3) ميزان الاعتدال: 3 / 126.
(4) ابن حجر: طبقات المدلسين: 15.
138

والتدليس عند المحدثين قسمان:
الأول: تدليس الأسناد: وهو أن يروى عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه
سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما انه قد لقيه وسمعه منه، بصيغة من
صيغ الاحتمال، كقال وعن ونحوهما. ومن ذلك تدليس التسوية وهو ان يسقطه
الراوي غير شيخه لضعفه أو صغر سنه ليجعل الحديث مرويا عن الثقات فقط
وهذا شر أنواع التدليس وقال الشعبة: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس. وقال ابن
الصلاح: ان من عرف بهذا النوع من التدليس صار مجروحا مردود الرواية مطلقا
وإن بين السماع (1).
الثاني: تدليس الشيوخ: هو أخف من تدليس الإسناد لان الراوي لا يسقط
أحدا في الإسناد وهو أن يروى عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه، أو
ينسبه، أو يصفه بما لا يعرف به كما لا يعرف (2) وللتدليس أغراض عديدة تحمل
عليه وتدفع المدلسين إليه:
منها: اخفاء ضعف راو ضعيف باسقاطه من السند، أو تغيير أسمه أو كنيته أو
لقبه، لتوعير طريق معرفته على السامع.
ومنها: كونه أكثر الرواية عنه وهو لا يحب الإكثار من ذكر شخص واحد
على صورة واحدة في الأداء (3).
وروى ابن عساكر في " تاريخ مدينة دمشق " وقال: أخبرنا أبو القاسم

(1) أصول الحديث النبوي علومه ومقاييسه - عبد المجيد هاشم - ص 64 ط دار الشروق.
(2) علوم الحديث 95 - اختصار علوم الحديث: 53 - طبقات المدلسين: 3 و 4 - التبيين لأسماء المدلسين:
ص 50 رقم 64.
(3) ابن الصلاح: علوم الحديث 100 والنووي: التقريب 11 - 12 - والطيبي: الخلاصة 75.
139

السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم بن سعدة، أنبأنا حمزة السهمي أنبأنا ابن عدي،
حدثنا محمد بن يحيى بن آدم، حدثنا إبراهيم بن أبي داود، حدثنا علي بن معبد،
حدثنا يزيد بن الهذلي، عن مكحول، قال: إنما الزهري عندنا بمنزلة الجراب يؤكل
جوف ويلقي ظرفه (1).
وبسنده أيضا عن علي بن حوشب الفزاري قال: سمعت مكحولا وذكر
الزهري فقال: كل كليله - وكانت به لكنه - قال يزيد: قل قليله أي رجل هو لولا أنه
أفسد نفسه بصحبته الملوك (2).
ومنها: ايهام التكثير وهو الغالب (3).
وهي متفاوتة كما ترى، فمنها ما حرم كاخفائه ضعف راو ضعيف، ومنها ما
يكره فقط، كاخفائه لصغر سنه، أو لإيهام التكثير، ومنها ما هو بين ذلك.
هذا وقد كره العلماء القسم لأول وذموه وكان من أشدهم له ذما: شعبة بن
الحجاج، فقد روى عنه انه قال: التدليس أخو الكذب، وقال لأن أزني أحب إلي
من أن أدلس.
وقد اختلفوا في قبول رواية من عرف بالتدليس:
فذهب فريق من المحدثين والفقهاء إلى القول: بأنه مجروح وانه لا تقبل
روايته، بين السماع أو لم يبين.
وذهب فريق إلى القول بالتفصيل، وان ما رواه المدلس بصيغة من صيغ

(1) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 369.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 369.
(3) ابن حجر: الطبقات المدلسين: ص 4.
140

الاحتمال، فحكمه حكم المرسل وأنواعه وما رواه بصيغة من صيغ الاتصال
كسمعت، وحدثنا ونحوهما، فهو مقبول محتج به (1).
فعلى ذلك لا يسلم الزهري ولا يزكي من شر أنواع التدليس المردود، وقد
مر في باب " مرسلات الزهري " انه، " كان كلما قدر أن يسمي سمى، وانما يترك من
لا يحسن أو يستحي أن يسميه (2) " وفي رواية: " وإنما يترك من لا يستجيز أن
يسميه " (3).
وفي الأخرى: " إنما يترك من لا يحب أن يسميه " (4).
الزهري والرواية بالمعنى
وقد اختلفوا في جواز رواية الحديث بالمعنى، فذهبت طائفة إلى المنع
وأخرى، إلى الجواز في ذلك في غير حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى تجويزها بالمعنى في الجميع ما
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يروي عن غيره إذا قطع بأداء المعنى وذلك في غير
المصنفات (5).
وكان الزهري ممن أجاز الرواية بالمعنى.
روى أبي أويس ابن عم مالك بن أنس قال: سمعت الزهري يقول إذا كتبت

(1) انظر ابن الصلاح: علوم الحديث 98 - 99، والطيبي: الخلاصة 75.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 55 / 368.
(3) شرح علل الترمذي - ابن رجب ص 226.
(4) سير أعلام النبلاء: 5 / 338، تاريخ الاسلام - وفيات 121 - 140 ص 245.
(5) علوم الحديث 226، والنووي: التقريب 23، والطيبي: الخلاصة 116 والسيوطي في تدريب الراوي 2 /
92.
141

المعنى فلا بأس (1).
والتحقيق في ذلك، ان رواية الحديث بالمعنى تكون جائزا إذا أصاب
المعنى مطابقة، ولا يجوز ذلك إلا عند الحافظ الخبير الذي يعتنى بحفظه، وقوة
إدراكه، مع العدالة والأمانة في النقل.
وما ثبت في ترجمة الزهري من التدليس والإرسال، حيث أن مرسلاته شر
من مرسلات غيره، وأقوال الأئمة في شأنه من أنه: يدلس، وتدليسه تكون من قسم
التدليس في الأسناد. وهو أشد مذموما من بين أنواع التدليس، لأنه يترك من لا
يحسن أو يستحي ان يسميه أو يترك من لا يحب أن يسميه (2).
ولذلك قالوا: " مرسل الزهري شر من مرسل غيره "، أو " مرسل الزهري
بمنزلة الريح " " أو شبه لا شئ " (3).
فلا شبهة ان الزهري في موضع الإتهام ولا يعتبر نقله بالمعنى، لأن الأصل
يقتضي ان يحمل أخباره على هوى من بني أمية بالزيادة والنقيصة في جميع آثاره
وهذا احتمال لا دافع له مع ما يعلم من أمره في خدمته الخلفاء من بني أمية الذين
النصب شعارهم والفسق دثارهم.
التقدم والتأخير
اختلفوا في تقديم بعض الحديث على بعضه الاخر، فمنهم من منع ذلك،
ومنهم من أجازه على ما كان في جواز الرواية بالمعنى.

(1) الخطيب: الجامع لأخلاق الراوي 6 / 107.
(2) شرح علل الترمذي لابن رجب ص 226 - سير أعلام النبلاء 5 / 338.
(3) تهذيب التهذيب 9 / 398 - جامع التحصيل للعلائي ص 90.
142

روي عن أبي أويس أنه قال: سألت الزهري عن التقديم والتأخير في
الحديث، فقال: هذا يجوز في القرآن فكيف به في الحديث؟ إذا صيب المعنى فلا
بأس (1). وفي رواية قال: سألت الزهري عن التقديم والتأخير في الحديث،
فقال: إذا أصيب معنى الحديث ولم يحل به حراما، ولا يحرم به حلال لا بأس (2).
وقد جاء عن الزهري بمثل هذا في حديث الإفك: فقد روي عنه أنه قال:
أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قال أهل
الإفك ما قالوا قال: فبرأها الله، وكلهم حدثني بطائفة من حديثها، وبعضهم كان
أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث
الذي حدثني به، وبعض حديثهم يصدق بعضا (3).
روى الحاكم النيشابوري في " معرفة علوم الحديث ".
حدثني الحسين بن عبد الله الصيرفي قال حدثني محمد بن حماد
الدوري بحلب قال أخبرني أحمد بن القاسم بن نصر بن دوست قال حدثنا حجاج
بن الشاعر قال اجتمع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني في
جماعة معهم اجتمعوا فذكروا (4) أجود الأسانيد الجياد، فقال رجل منهم: أجود
الأسانيد شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عامر أخي أم سلمة عن أم
سلمة، وقال علي بن المديني: أجود الأسانيد ابن عون عن محمد بن عبيدة عن

(1) الذهبي: تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 241، سير أعلام النبلاء 5 / 347.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 5 / 347.
(3) عبد الرزاق: المصنف 5 / 410.
(4) خ، ش، صف: " اجتمعوا اجتماعا فتذاكروا " وأيضا في ظ: " فتذاكروا " موضع: " فذكروا ".
143

علي، وقال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: أجود الأسانيد الزهري عن سالم عن أبيه،
وقال يحيى: الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، فقال له انسان: الأعمش
مثل الزهري؟ فقال: برئت من الأعمش أن يكون مثل الزهري، والزهري يرى
العرض والاجازة وكان يعمل لبني أمية، وذكر الأعمش فمدحه فقال: فقير صبور
مجانب السلطان، وذكر علمه بالقرآن وورعه (1).
ناسخ الحديث ومنسوخه
النسخ: هو رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر وهو كما قال ابن
الصلاح: فن مستصعب (2). ومن لم يعلم ذلك خلط (3).
فالزهري على أثر تساهله وعدم اهتمامه من أمر السنن وحفظ الآثار كما
يشاهد من أقواله المضبوطة في الكتب، يغلط كثيرا، ولذلك نقول: انه في ما صدر
عنه معذور لأنه مأمور، وكما اعترف نفسه " أكرهنا " انه مكره غير مختار، وأما ما
روي عن الليث بن سعد أنه قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب عن سهل بن سعد،
وكان قد أدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: حدثني أبي بن كعب. أن الفتيا التي كانوا يفتون بها
في قوله: " الماء من الماء " رخصة كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رخص فيها في أول الاسلام،
ثم أمر بالاغتسال بعد (4).
فمردود ولذلك رد جماعة على البخاري بأنه ليس مجتهدا ولا علم له
بالناسخ والمنسوخ في الروايات كما استظهر بعض، منهم الدكتور الأعظمي أستاذ

(1) معرفة علوم الحديث، للحاكم: ص 54.
(2) ابن الصلاح: علوم الحديث 278.
(3) فتح المغيث للسخاوي: 3 / 62.
(4) انظر الدارمي: السنن 1 / 159.
144

الحديث بالجامعة الاسلامية في المدينة المنورة فإنه قال في تذييله " للسنن
الصغرى " للبيهقي المتوفى 458 ه‍ بعد نقل رواية الترمذي في وجوب الغسل
الجنابة:
فان بعض الصحابة والتابعين كانوا لا يرون: " ان الماء من الماء " ولم يعرفوا
بنسخه، منهم الإمام البخاري فقد قال أبو عبد الله: الغسل أحوط وذلك الأخير انما
بينا لاختلافهم، فكان لم يثبت عنده النسخ ولذلك قال: الغسل أحوط
ولم يوجب (1).
وقال النووي المتوفى 676 ه‍ في شرحه على صحيح مسلم هامش " ارشاد
الساري " للقسطلاني المتوفى ان الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع
وإن لم يكن معه إنزال وعلى وجوبه بالانزال (2).
وقال ابن حجر في " الفتح " قال ابن عربي: إيجاب الغسل أطبق عليه
الصحابة ومن بعدهم وما خالف فيه إلا داود ولا عبرة بخلافه، وإنما الأمر الصعب
مخالفة البخاري وحكمه، بان الغسل مستحب (3).
وأقول: ليس كما زعم الحافظ بصعوبة مخالفة البخاري في ذلك، لأن
البخاري هنا يغلط كثيرا، وليس هو أول قول له قد رده العلماء، فإنه ذات بلاياء
وفتن كما قال الإسكندراني في " المتواري في تراجم أبواب البخاري " فإنه قال:
بلغني عن الإمام أبي الوليد الباجي انه كان يقول: يسلم البخاري في علم الحديث

(1) السنن الصغرى 1 / 110 ح 137 تحقيق الأعظمي.
(2) ارشاد الساري 2 / 425.
(3) فتح الباري 1 / 316.
145

ولا يسلم له في علم الفقه (1).
وقال أبو البركات النسفي في مقدمته كتاب " كشف الأسرار " من كتب
الأصولية للحنفية: المحدث غير الفقيه يغلط كثيرا، فقد روي عن محمد بن
إسماعيل، صاحب " الصحيح " انه استفتي في صبيين شربا من لبن شاة، فأفتى
بثبوت الحرمة بينهما، وأخرج به من البخاري إذ الأختية تتبع الأمية والبهيمة لا
تصلح أما للآدمي.
* * *

(1) المتواري في تراجم أبواب البخاري للإسكندراني ص 36 - 37 ط - مكتبة المعلا - الكويت.
146

الفصل الرابع
بني أمية ومذهبهم
147

مذهب أهل الشام
أطلق العلماء بان مذهب أهل الشام هو النصب. ومن أراد أحد من أئمة أهل
الحديث ان يرمى أحدا بالنصب يقول فيه: تارة هو ناصبي، وأخرى: أن له مذهب
أهل الشام فمذهب أهل الشام هو النصب من دون ريبة.
روى الذهبي: قال أبو موسى الأشعري لعمرو يوم الحكمين:
وقد علمت أن أهل العراق لا يحبون معاوية وأهل الشام لا يحبون عليا
أبدا (1).
وفي رجال الحديث جماعة يذهبون مذهب أهل الشام ويرمون بها، كما إن
أهل الكوفة يرمون بها لتشيعهم.
فأمثلة ذلك لأهل الشام: أبو بكر بن أبو موسى الأشعري الكوفي أبو برده (2)
- اسمه عمر ويقال، عامر، وإنه كان من رجال البخاري ومسلم.

(1) تاريخ الاسلام - خلفاء الراشدين: ص 551 - تاريخ الطبرسي: 5 / 67 - نهاية الإرب: 20 / 158 -
الاخبار الطوال: ص 199
(2) الجمع بين رجال الصحيحين: 2 / 619 - تهذيب التهذيب: 12 / 442 - الكاشف: 3 / 277 - رجال
صحيح البخاري: 2 / 545 - الجرح والتعديل: 9 / 340 - طبقات ابن سعد: 6 / 269 - البيان والتوضيح:
325 رقم 548.
149

قال أبو داود فيه: أبو بكر أرضى عندهم من أبي بردة، كان يذهب مذهب
أهل الشام، جاءه " أبو غادية " الجهني قاتل عمار، فأجلسه إلى جنبيه وقال: مرحبا
بأخي (1).
وأبو غادية المزني هذا هو قاتل عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار (2).
قال ابن عساكر في تاريخه: وأنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن الحارث
ابن الفضيل، عن أبيه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة ابن ثابت
الجمل وهو لا يسل سيفا، وشهد صفين وقال: أنا لا أضل أبدا حتى يقتل عمار
فانظر من يقتله، فاني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " تقتله الفئة الباغية " قال فلما
قتل عمار بن ياسر، قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة ثم اقترب فقاتل حتى قتل.
وكان الذي قتل عمار بن ياسر، أبو غادية المزني طعنه برمح فسقط.
وكان يومئذ يقاتل في محفة، فقتل يومئذ وهو ابن أربع وتسعين سنة، فلما
وقع أكب عليه رجل آخر فاحتز رأسه، فأقبلا يختصمان فيه، كلاهما يقول: أنا
قتلته، فقال: عمرو بن العاص - والله ان يختصمان إلا في النار، فسمعها منه معاوية -
فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثل ما صنعت!، قوم
بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: إنكما تختصمان في النار؟
فقال عمرو: هو والله ذاك، والله إنك لتعلمه ولوددت أني مت قبل هذا

(1) تهذيب التهذيب: 12 / 43.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 43 / 348 إلى 483 والرواية في صحيح البخاري أيضا مع ما يلاحظ فيها من
بعض نسخ البخاري كما ذكرناه في محله من الزيادة والنقيصة فراجع.
150

بعشرين سنة (1).
ومنهم الجوزجاني (2)، إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي
المتوفى 256 ه‍: كان حروري المذهب كما قاله ابن حجر،: وصلبا في السنة ومن
صلابته ربما كان يتعدى طوره،
وقال ابن عدي: كان شديد الميل إلى مذهب دمشق في الميل على علي.
وقال السلمي: عن الدارقطني، بعد أن ذكر توثيقه: لكن فيه انحراف عن
علي، اجتمع على بابه أصحاب الحديث فأخرجت جارية له فروجة لتذبحها فلم
تجد من يذبحها فقال: سبحان الله فروجة لا يوجد من يذبحها وعلي يذبح في
ضحوة نيفا وعشرين ألف مسلم.
وكتابه في الضعفاء يوضح مقالته ورأيت في نسخة من كتاب " ابن حبان "
حريزي المذهب وهو بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء وبعد الياء زاي نسبة إلى
حريز بن عثمان المعروف بالنصب (3).
وقال في مقدمة فتح الباري: قلت: الجوزجاني، كان ناصبيا منحرفا عن علي (4).
ومنهم حريز بن عثمان بن جبر الشامي المتوفى 163.
روى له البخاري حديثه في الصحيح.

(1) تاريخ مدينة دمشق: 43 / 471.
(2) تهذيب التهذيب: 1 / 158 - 159 رقم 332 - الكامل في ضعفاء الرجال: 1 / 305 - تهذيب الكمال: 2 /
244 رقم 268 - ميزان الاعتدال: 1 / 75 رقم 257 - لسان الميزان: 1 / 127 - تاريخ الاسلام: 251 - 260
ص 71 رقم 78 - الوافي بالوفيات: 6 / 170 رقم 2624 - مقدمة فتح الباري: ص 390.
(3) تهذيب التهذيب 1 / 158 - 159 رقم 332.
(4) هدى الساري ص 390.
151

قال العجلي: شامي ثقة - وكان يحمل على علي.
وقال عمرو بن علي: كان ينتقص عليا وينال منه وقال في موضع آخر: ثبت
شديد التحامل على علي.
وقال ابن عمار: يتهمونه إنه كان ينتقص عليا، ويروون عنه ويحتجون به.
وقال أحمد بن سليمان الرهاوي سمعت يزيد بن هارون يقول: وقيل له
كان حريز يقول: لا أحب عليا قتل آبائي.
وقال أحمد بن سعيد الدارمي عن أحمد بن سليمان المروزي سمعت
إسماعيل بن عياش قال عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسب
عليا ويلعنه.
قال الضحاك ابن عبد الوهاب: وهو متروك متهم، حدثنا إسماعيل بن عياش
سمعت حريز بن عثمان يقول: هو الذي يرويه الناس عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه قال: لعلي
أنت مني بمنزلة هارون من موسى حق ولكن أخطأ السامع قلت: فما هو؟ فقال:
إنما هو " أنت مني بمنزلة قارون من موسى " قلت: عمن ترويه؟ قال سمعت: الوليد
ابن عبد الملك يقوله وهو على المنبر.
وقد روى من غير وجه ان رجلا رأى يزيد بن هارون في النوم فقال له: ما
فعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني وعاتبني، قال لي يا يزيد كتبت عن حريز بن
عثمان، فقلت: يا رب ما علمت إلا خيرا، قال: انه كان يبغض عليا (1).
قال ابن حجر: وحكى الأزدي في الضعفاء: إن حريز بن عثمان، روى إن
النبي (صلى الله عليه وسلم) لما أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب، فحل حزام البغلة ليقع

(1) تاريخ بغداد: 14 / 347 - معرفة علوم الحديث للحاكم: ص 138.
152

النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال الأزدي من كانت هذه حاله لا يروى عنه.
قلت (ابن حجر): لعله سمع هذه القصة أيضا من الوليد.
وقال ابن عدي: قال يحيى بن صالح الوحاظي أملى على حريز بن عثمان
عن عبد الرحمن بن ميسرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) حديثا في تنقيص علي بن أبي طالب لا
يصلح ذكره، حديث معقل منكر جدا لا يروي مثله، من يتقي الله، قال الوحاظي
فلما حدثني بذلك قمت عنه وتركته.
وقال غنجار: قيل ليحيى بن صالح لم لم تكتب عن حريز؟ فقال: كيف
أكتب عن رجل، صليت معه الفجر سبع سنين فكان، لا يخرج من المسجد حتى
يلعن عليا سبعين مرة.
وقال ابن حبان: كان يلعن عليا بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة،
فقيل له في ذلك؟ فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي وكان داعية إلى
مذهبه (1).
أخبار بني أمية
لا يسع لأحد إحصاء جنايات بني أمية وجرائمهم المضبوطة المؤلفة بأيدي
أتباعهم فضلا عن غيرهم، لأنهم لا يبقى جريمة إلا ارتكبوها وها نحن نذكر بعض
الكلمات من مفصل صحيفتهم الملعونة في السنن والآثار.
روى " ابن عبد البر " في " التمهيد " عن أبو قدامه انه قال:
كان مالك بن انس من احفظ أهل زمانه وقال عبد الرحمن بن مهدي وقد

(1) تهذيب التهذيب: 2 / 207 رقم 436.
153

سئل اي الحديث أصح؟ قال: حديث أهل الحجاز، قيل له: ثم من؟ قال: حديث
أهل البصرة، قيل ثم من؟ قال حديث أهل الكوفة، قال: فالشام؟ قال: فنفض يده (1).
ومن ناحية الشقاء ودفن العواطف كفى أيضا رواية فخر المغاربة في
" التمهيد " فإنه روى:
قال أبو العرب (2): سمعت قدامة بن محمد يقول: كان خلفاء بني أمية
يرسلون إلى المغرب يطلبون جلود الخرفان التي لم تولد بعد العسيلة، قال: فربما
ذبحت المائة شاة فلا يوجد في بطنها إلا واحد عسلي، كانوا يتخذون منها الفراء
فكان عكرمة يستعظم ذلك ويقول: هذا كفر، هذا شرك (3)...
روى في أهل الشام إن أحمد بن محمد السكري، قال: حدثني ابن عمي أبو
يحيى السكري قال: دخلت مسجد دمشق، فرأيت في مسجدها خلقا، فقلت: هذا
بلد قد دخله جماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وملت إلى حلقه في المسجد في
صدرها شيخ جالس فجلست إليه، فسأله رجل ممن بين يديه، فقال: يا أبا المهلب
من علي بن أبي طالب؟ قال: خناق كان بالعراق، اجتمعت إليه جمعية، فقصد أمير
المؤمنين يحاربه، فينصره الله عليه، قال: فاستعظمت ذلك وقمت، فرأيت في
جانب المسجد شيخا يصلي إلى سارية، حسن السمت والصلاة والهيئة فقعدت
إليه، فقلت له: يا شيخ أنا رجل من أهل العراق، جلست إلى تلك الحلقة وقصصت
عليه القصة، فقال لي: في هذا المسجد عجائب بلغني ان بعضهم يطعن على أبي

(1) التمهيد لما في الموطأ 1 / 81 - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص 421.
(2) هو الحافظ المؤرخ محمد بن أحمد بن تميم المغربي الإفريقي من أمراء المغرب توفى سنة 333.
(3) التمهيد لما في الموطأ 2 / 32.
154

محمد حجاج بن يوسف، فعلي بن أبي طالب من هو (1).
وفي رواية آخر عن عبد الرزاق قال سمعت معمرا يقول: دخلت مسجد
حمص فإذا أنا بقوم لهم رواء، فظننت بهم الخير فجلست إليهم فإذا هم ينتقصون
علي بن أبي طالب ويقعون فيه. فقمت من عندهم، فإذا شيخ يصلي، ظننت به
خيرا فجلست إليه، فلما حس بي جلس وسلم فقلت له: يا عبد الله، ما ترى هؤلاء
القوم يشتمون علي بن أبي طالب وينتقصونه، وجعلت أحدثه بمناقب علي بن
أبي طالب، وأنه زوج فاطمة بنت رسول الله وأبو الحسن والحسين وابن عم
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا عبد الله ما لقى الناس من الناس؟ لو أن أحدا نجا من الناس
لنجا منهم أبو محمد (رحمه الله)، هو ذا يشتم وينتقص قلت: ومن أبو محمد: قال الحجاج
بن يوسف (رحمه الله) وجعل يبكي فقمت منه وقلت لا استحل إن أبيت فيها فخرجت من
يومي (2).
معاوية بن أبي سفيان في الشام
لما استقر يزيد بن أبي سفيان في الشام بأمر من عمر بن الخطاب تهيأت
لنبي أمية الخلافة في تلك الديار، وبعد ما توفي يزيد جمع عمر بن الخطاب
لمعاوية الشام كله (3) وقال مسلم بن جندب، عن أسلم مولى عمر قال: قدم علينا
معاوية وهو أبض الناس وأجملهم، فحج مع عمر وكان عمر ينظر إليه، فيعجب له،
ثم يضع إصبعه على متنه ويرفعها، عن مثل الشراك، ويقول: بخ بخ، نحن إذا خير

(1) تاريخ مدينة دمشق 1 / 365.
(2) تاريخ مدينة دمشق 1 / 366.
(3) تاريخ خليفة بن خياط ص 155 - تاريخ الاسلام - وفيات 40 - 60 ص 310.
155

الناس، أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة (1)...
وقال أبو الحسن المدائني: كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى
العرب (2).
وعن الشعبي قال: أول من خطب الناس قاعدا معاوية، وذلك حين كثر
شحمه وعظم بطنه (3).
وروى الحاكم في " المستدرك " وصححه: ان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لأصحابه: إن أهل
بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا وأن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية
وبنو المغيرة وبنو مخزوم (4).
معاوية يطلب دم عثمان
قال الشعبي: لما قتل عثمان، أرسلت أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان
إلى أهل عثمان: أرسلوا إلي بثياب عثمان التي قتل فيها، فبعثوا إليها بقميصه
مضرجا بالدم بخصلة الشعر التي نتفت من لحيته، ثم دعت النعمان بن بشير،
فبعثته إلى معاوية، فمضى بذلك وبكتابها فصعد معاوية المنبر وجمع الناس ونشر
القميص عليهم وذكر ما صنع بعثمان ودعا إلى الطلب بدمه.
فقام أهل الشام فقالوا: هو ابن عمك وأنت وليه ونحن الطالبون معك بدمه،
وبايعوا له (5).

(1) البداية والنهاية 8 / 125 والإصابة 3 / 134 - تاريخ الاسلام وفيات - 41 - 60 ص 310.
(2) تاريخ الاسلام وفيات - 41 - 60 ص 311.
(3) تاريخ الاسلام وفيات - 41 - 60 ص 317.
(4) المستدرك 4 / 487.
(5) تاريخ الاسلام - الخلفاء الراشدين - ص 538.
156

فلما انصرف علي من البصرة، أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية
فكلم معاوية، وعظم أمر علي ومبايعته، واجتماع الناس عليه، فأبى أن يبايعه،
وجرى بينه وبين جرير كلام كثير، فانصرف جرير إلى علي فأخبره، فأجمع على
المسير إلى الشام، وبعث معاوية أبا مسلم الخولاني إلى علي بأشياء يطلبها منه،
منها:
ان يدفع إليه قتلة عثمان، فأبى علي وجرت بينهما رسائل ثم سار كل منهما
يريد الآخر، فالتقوا بصفين لسبع بقين من المحرم وشبت الحرب بينهم في أول
صفر فاقتتلوا أياما (1).
قال خليفة: شهد مع علي من البدريين: عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف
وخوات بن جبير، وأبو سعد الساعدي، وأبو اليسر، ورفاعة بن رافع الأنصاري،
وأبو أيوب الأنصاري، بخلف فيه، قال: ويشهد معه من الصحابة ممن لم يشهد
بدرا: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبو قتادة، وسهل
بن سعد الساعدي وقرظة بن كعب وجابر بن عبد الله، وأبو مسعود عقبة بن عمرو،
وأبو عياش الزرقي، وعدي بن حاتم، والأشعث بن قيس، وسليمان بن صرد
وجندب بن عبد الله، وجارية بن قدامة السعدي (2).
وعن ابن سيرين قال: قتل يوم صفين سبعون ألفا يعدون بالقصب.
وقال خليفة وغيره: افترقوا عن ستين ألف قتيل، وقيل، عن سبعين ألفا،
منهم خمسة وأربعون ألفا من أهل الشام. (3)

(1) تاريخ الاسلام - الخلفاء الراشدين - ص 538.
(2) تاريخ خليفة بن خياط ص 194، تاريخ الاسلام - الخلفاء الراشدين - ص 545.
(3) تاريخ خليفة بن خياط ص 194.
157

وقال عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن عن جعفر - أظنه ابن
أبي المغيرة - عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: شهدنا مع علي
ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون رجلا، منهم عمار (1).
ومعاوية بن أبي سفيان لا يزال يعلم أن علي بن أبي طالب لا يحبه المنافقين
كما يعلم أن المؤمنين يحبونه ويجعلون أنفسهم فداه، ولذلك جمع المنافقين
واستشارهم وسيرهم للبلاد وأمرهم على قتل كل من يجدونه على طاعة علي بن
أبي طالب وولايته.
وجه بسر بن أرطاة بجيش سار به حتى وصل المدينة، فهرب والي علي
ودخل المدينة، فاستذل أصحابها وهدم دورا منها، ثم سار إلى مكة فهرب أبو
موسى منه، ثم سار إلى اليمن، وقتل كل من كان من الموالي حتى الصغار (2).
وعند ذلك أيضا أخذ طريق آخر للمحاربة مع علي بن أبي طالب وهو
الجحود مع اسمه السامي الذي اشتق من الأعلى عليا، والروايات في ذلك كثيرة
نشير إلى بعضها.
روى ابن عساكر باسناده المتعددة، بان علي بن عبد الله بن العباس ولد ليلة
قتل علي بن أبي طالب فسماه عبد الله بن العباس عليا وكناه بأبي الحسن، وولد
معه في تلك السنة لعبد الله بن جعفر غلام فسماه عليا وكناه بابي الحسن، فبلغ
ذلك معاوية، فوجه إليهما ان انقلا اسم أبي تراب وكنيته عن ابنيكما وسميهما
باسمي وكنياهما بكنيتي ولكل واحد منكما الف ألف درهم، فلما قدم الرسول
عليهما بهذه الرسالة... قال عبد الله بن عباس: وما كنت لأفعل ذلك أبدا.

(1) تاريخ خليفة ص 196 - تاريخ الاسلام - الخلفاء الراشدين ص 545.
(2) البداية والنهاية 7 / 319 - تاريخ الطبري 6 / 776 - الكامل ف التاريخ 3 / 162 الاستيعاب 1 /. 65
158

حدثني علي بن أبي طالب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): انه قال: " ما من قوم يكون فيهم
رجل صالح فيموت فتخلف فيهم بمولود فيسمونه باسمه إلا خلفهم الله
بالحسنى ".
فأتى الرسول معاوية فأخبره بخبر ابن عباس، فرد الرسول وقال: فانقل
الكنية عن كنيته ولك خمس مائة الف الف، فلما رجع الرسول إلى ابن عباس بهذه
الرسالة قال: اما هذا فنعم، فكناه بأبي محمد (1).
وروي أيضا: أخبرنا أبو مسعود بن المجلي، نا أبو الحسين بن المهتدي، أنا
عبد الرحمن بن عمر بن أحمد، أنا محمد بن أحمد بن يعقوب، نا جدي قال:
وذكر أبو علي بن عروة عن عبد الله بن سليمان بن علي، عن عيسى بن موسى قال:
لما قدم علي بن عبد الله بن عباس على عبد الملك بن مروان من عند أبيه قال له
عبد الملك: ما اسمك قال: علي، قال: أبو من: قال: أبو الحسن، قال: أيجمعهما (2)
علي حول كنيتك ولك مائة ألف، قال: أما أبي حي فلا، قال: فلما مات عبد الله بن
عباس كناه عبد الملك أبا محمد (3).
وفي " حلية الأولياء " لابن نعيم قال: فلما قدم على عبد الملك، قال له غير
اسمك وكنيتك فلا صبر لي على اسمك وكنيتك (4).

(1) تاريخ مدينة دمشق 43 / 44.
(2) وفي المختصر: لا تجمعهما علي وفي " سير أعلام النبلاء " لا احتمل لك الاسم والكنية جميعا فغير
بأبي محمد.
(3) تاريخ مدينة دمشق 43 ظ 45 - سير أعلام النبلاء 5 / 252 رقم 116 وتكرر ترجمته في " السير " 5 /
284 رقم 134.
(4) حلية الأولياء 3 / 207 رقم 243.
159

وفي نقل الذهبي: لا أحتمل لك الاسم والكنية (1).
وقال أبو عبد الرحمن المقرئ: كانت بنو أمية إذا سمعوا المولود اسمه
" علي " قتلوه، فبلغ رباحا، فغير اسم ابنه (2).
اما علي بن عبد الله بن عباس فهو المتوفى سنة 117 ه‍ في خلافة هشام بن
عبد الملك وكان وفوده على عبد الملك وهو أيضا متوفى سنة 86 ه‍.
وعلي بن رباح هو المتوفى 117 ه‍.
وكل ذلك يقع في مجلس " ابن شهاب الزهري " المتوفى س 124 ه‍ لأنه أقام
عند بني أمية من سنة 82 ه‍ إلى آخر حياته، فلا محالة يشاهد جميع ما يرتكبها بني
أمية.
معاوية بن أبي سفيان
هو الذي سن للناس سب الخليفة بالحق ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على
المنابر وجعله أحد أركان الخطبة، وأخباره في ذلك مشهورة.
روى ابن حجر وكتب بيعته (علي بن أبي طالب (عليه السلام)) إلى الآفاق فأذعنوا
كلهم إلا معاوية في أهل الشام (3).
وقد يهمنا البحث من هذه الفترة في " معاوية بن أبي سفيان " عند من يكرمه
ويعظمه، لصحبته، وكتابته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

(1) سير أعلام النبلاء 5 / 284 رقم 134 - تاريخ الاسلام وفيات - 101 - 120 ص 282.
(2) سير أعلام النبلاء 5 / 102.
(3) فتح الباري: 7 / 72.
160

وقد أجابوا عن ذلك جماعة من علماء السنة بالأجوبة المنتقدة على أثر
الشبهات الرائجة بين يدي المبتدئين.
فحاصل الأجوبة حلا ونقضا يرجع إلى أن الأخبار الواردة في فضل معاوية
بن أبي سفيان من مكذوبات بني أمية ومجعولاتهم المتكثرة المنتشرة بين الناس
بأيدي أعوان الظلمة والمستأجرين للأمراء.
أما الرواية في كتابة معاوية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما هي رواية رواها مسلم في
صحيحه وجماعة من العلماء من أهل السنة حكموا عليها بالوضع عندما تكلموا
في " الصحيحين " وأوضحوا مسالكهم في تنقيدهم عنهما بأن فيهما أحاديث
موضوعة.
وقد جمعنا أسماء الكتب المؤلفة في تنقيص الصحيحين وتنقيدهما في
كتاب مستقل.
ومن ذلك كتاب " مشكل الصحاح " لابن الجوزي كما ذكره الذهبي في
كتبه (1) ويسميه بعض " مشكل الصحيحين ". وكتب بهذا الاسم خليل بن كيكلدي
بن عبد الله المتوفى 761 (2).
وكتب الحافظ ابن حجر " الوقوف على ما في صحيح مسلم من
الموقوف " (3) وللدار قطني كتاب " الإلزامات والتتبع " (4).
ومن ذلك كتاب ألفه " الغماري " باسم " الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث

(1) سير أعلام النبلاء: 21 / 368.
(2) سزكين: 1 / 275 (طبع جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية).
(3) طبع بتحقيق عبد الله الليثي - بيروت مؤسسة الكتب الثقافية.
(4) طبع بتحقيق الأستاذ مقبل بن هادي في مكتبة السلفية - المدينة المنورة.
161

الشاذة المردودة ".
وهو أول من حرر في هذه المسألة تصنيفا مستقلا فيما نعلم.
وصرحوا أن في " صحيح مسلم " طائفة من الأخبار الموضوعة، منها: رواية
أبي هريرة مرفوعا: " خلق الله عز وجل التربة يوم السبت وخلق فيها لجبال يوم
الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم
الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم (عليه السلام) بعد العصر من يوم الجمعة
في آخر الخلق من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل " (1).
وفي هذه الرواية إثبات ان الله خلق السماوات والأرض في سبعة أيام
ولا شك إن ذلك مخالفة صريحة للقرآن لأن الله عز وجل أخبر أنه خلق السماوات
والأرض في ستة أيام كما يقول: * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في
ستة أيام) * (2).
قال ابن كثير في تفسيره:
هذا الحديث من غرائب " صحيح مسلم "، وقد تكلم عليه " ابن المديني "
" والبخاري " وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب الأحبار، وأن أبا هريرة
إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وقد اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعا " (3).
وذكره البخاري في " التاريخ الكبير " وطعنه وذكره " ابن تيمية " في " فتاواه "
ونقل طعن الحفاظ فيه (4).

(1) صحيح مسلم: 4 / 2149 برقم 2789.
(2) الأعراف الآية: 53.
(3) تفسير ابن كثير: 1 / 99.
(4) الفتاوى: 17 / 236.
162

ومنها: رواية نقل فضيلة لمعاوية وهي هكذا:
روى مسلم، في " فضائل الصحابة "، من طريق عكرمة بن عمار عن أبي
زميل عن ابن عباس، قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه،
فقال للنبي (صلى الله عليه وسلم): يا نبي الله ثلاث أعطينهن؟ قال: نعم،
قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها؟
قال: نعم.
قال: معاوية تجعله كاتبا بين يديك؟
قال: نعم.
قال: تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين؟
قال: نعم (1).
وهذا الحديث صار منشأ الفضيلة لمعاوية، وقد ترى آنفا انه أيضا من
الموضوعات المكذوبة التي تشهد بظاهرها على الإختلاق والوضع.
ومن دلائل وضعه: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد تزوج أم حبيبة قبل فتح مكة
بمدة في سنة سبع من الهجرة، وإن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان
من الهجرة.
وقد نقل بعض المحدثين عند شرحهم للحديث المذكور التصريح
بالوضع، كما ورد في شرح " صحيح مسلم " للنووي إنه قال: إن ابن حزم حكم عليه

(1) صحيح مسلم رقم 2501 كتاب الفضائل باب فضائل أبي سفيان.
163

بالوضع (1).
وقال الذهبي: قلت: قد ساق له مسلم في الأصول حديثا منكرا وهو الذي
يرويه عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الأمور الثلاثة التي التمسها أبو سفيان
من النبي (صلى الله عليه وسلم).
وقال الحافظ ابن الجوزي في هذا الحديث:
هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد، وقد اتهموا به عكرمة بن
عمار راوي الحديث وإنما قلنا، ان هذا وهم لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم
حبيبة كانت تحت عبيد الله بن جحش، وولدت له، وهاجر بها وهما مسلمان إلى
أرض الحبشة ثم تنصر وثبتت أم حبيبة على دينها، فبعث رسول الله إلى النجاشي
يخطبها عليه، فزوجه إياها وأصدقها عن رسول الله أربعة آلاف درهم، وذلك في
سنة سبع من الهجرة، وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة وهي التي كانت بين
النبي (صلى الله عليه وسلم) وبين قريش في صلح الحديبية فدخل عليها، فثنت بساط رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
حتى لا يجلس عليه ولا خلاف في أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة
ثمان، ولا يعرف ان رسول الله أن أمر أبا سفيان (2).
وقد نقل الذهبي عن ابن سعد بان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عقد على أم حبيبة بالحبشة
سنة ست ودخل بها سنة سبع وكانت قبلها زوجة عبد الله بن جحش بن رباب
الأسدي وكان مرتدا متنصرا وقال أيضا:
وأما ما ورد من طلب أبي سفيان من النبي (صلى الله عليه وسلم) ان يزوجه بأم حبيبة

(1) شرح صحيح مسلم للنووي: 16 / 63.
(2) دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه: ص 53.
164

فما صح (1).
هذا، وأما ما ورد في فضله من الأخبار فلا يصح منه شئ كما قال " الذهبي "
عن إسحاق بن راهويه إنه قال: لا يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في فضل معاوية شئ (2).
وإسحاق بن راهويه هذا هو كما وصفه " الذهبي ": كان شيخا للمشرق وإمام
الكبير، سيد الحفاظ (3) والنسائي مع تعنته في الرجال قال: ابن راهويه أحد الأئمة،
ثقة مأمون، سمعت ابن ذؤيب، يقول: ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق (4).
وأما ما ورد في حديث الترمذي، من طريق سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة
ابن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي عميرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: لمعاوية: اللهم
اجعله هاديا مهديا واهد به (5).
لا تقوم بها الحجة وانه حديث ضعيف مضطرب.
واما رجاله: " سعيد بن عبد العزيز " وهو مفتي الشام وعالم دمشق بعد
الأوزاعي وهو كمالك لأهل المدينة (6) ولد في سنة 90 ه‍ ومات سنة 168 ه‍ ولا
شبهة ان ما في دمشق هو النصب والعداء والولاء لأموية، هذا الحديث من دمشق
وعبد الرحمن بن أبي عميرة: لم يصح صحبته.
وحكم ابن أبي حاتم الرازي في كتابه " علل الحديث " بعدم سماعه عن

(1) سير أعلام النبلاء: 2 / 222.
(2) سير أعلام النبلاء: 3 / 132.
(3) سير أعلام النبلاء: 6 / 358.
(4) سير أعلام النبلاء: 6 / 372.
(5) سنن الترمذي رقم 3842.
(6) تهذيب التهذيب: 4 / 54.
165

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: هذا حديث معلول (1).
وقد نص ابن عبد البر ان عبد الرحمن بن عميرة لا تصح صحبته ولا يثبت
إسناد حديثه (2).
وأما قول الترمذي عقيب الحديث المذكور:
" هذا حديث حسن غريب " فسر ابن حجر في كتابه " النكت على ابن
الصلاح " بان قول الترمذي هذا عقيب الأحاديث يعني: " ضعيف ".
وطريق الاخر لهذا الحديث طريق رواه عمرو بن واقد، وعمرو بن واقد
كذاب متروك الحديث.
قال البخاري وأبو حاتم ودحيم ويعقوب بن سفيان: عمرو بن واقد ليس
بشئ.
قال مروان الطاطري: عمرو بن واقد، كذاب.
وقال النسائي والدارقطني والبرقاني: متروك الحديث.
وقال أبو حاتم: ضعيف منكر الحديث.
وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويروى المناكير عن المشاهير واستحق
الترك وقال ابن المبارك: كان يتبع السلطان (3).
وقال ابن حجر: هو أبو حفص الدمشقي مولى بني أمية.

(1) علل الحديث: 2 / 362.
(2) تهذيب التهذيب: 6 / 220.
(3) تهذيب التهذيب: 8 / 101 - 102.
166

ولا شبهة أيضا انه من المائلين إلى الخلفاء من بني أمية ومات بين الثلاثين
إلى الأربعين ومائة.
فهل طريق هذا الكذاب يفيد شيئا من الصدق حتى تترتب على خبره أثرا؟
مع ما يقال من وصفه.
وأما الاضطراب في الحديث قاله الذهبي بعد ذكره الخبر بطرقه: فهذه علة
الحديث قبله (1).
واما حديث " اللهم علم معاوية الكتاب وقه العذاب ".
وإنه أيضا من مختلقات الشام ولا يصح شيئا من ذلك لأنه دعاء، دعا رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) لابن عباس كما رواه البخاري مكررا في صحيحه (2).
والنواصب العاملين للوضع المجتمعين في دمشق قلبوه لمعاوية. وشهد
على وضعه انه، لا يعرف عند أحد بأن معاوية بن أبي سفيان كان عالما بالكتاب
حتى جزءا وإنما المشهور دعاء النبي لابن عباس وكما ترى ملئت التفاسير من
أقواله وأخباره.
وأثر الوضع في هذا الخبر أيضا: مشهود في سنده ومتنه كما ذكره ابن عدي
في " الكامل في ضعفاء الرجال " في ترجمة " عثمان بن عبد الرحمن الجمحي " (3).
وفي ترجمة: معاوية بن صالح حمصي (4).

(1) سير أعلام النبلاء: 8 / 38.
(2) فتح الباري: 1 / 169.
(3) الكامل في ضعفاء الرجال: 5 / 161.
(4) الكامل في ضعفاء الرجال: 6 / 404 رقم 1888.
167

وأما خبر " نعيم بن حماد " كما ذكره الذهبي في " تاريخ الإسلام ".
نعيم بن حماد: بن محمد بن شعيب بن شابور، حدثنا مروان بن جناح عن
يونس بن مسيرة، عن عبد الله بن بسر، ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استأذن أبا بكر وعمر في
أمر فقال: " أشيروا " فقالا: الله ورسوله أعلم، فقال: " ادعوا معاوية، أحضروا أمركم
فإنه قوي أمين " (1).
وقال الذهبي عقيب ذكره هذا:
قلت: هذا من مناكير نعيم وهو صاحب أوابد (2).
ومن الغريب المضحك جدا خيانة بعض أقلام المستأجرة في انهدام السنن
وإمحاء الآثار النبوية بنشرهم الأكاذيب الباطلة.
فهذا ابن كثير في تاريخه عقد بابا في فضل معاوية بن أبي سفيان وقال: هو
معاوية بن أبي سفيان... خال المؤمنين وكاتب وحي رب العالمين أسلم هو وأبوه
وأمه هند.. يوم الفتح (3).
وأما قوله: هو " خال المؤمنين ": فلا بد ان تكونوا آباء أزواج النبي هم أجداد
المؤمنين فحيي بن أخطب اليهودي جد المؤمنين وكذا أبو سفيان وأبي بكر
وعمر، وأبنائهم أيضا أخوال المؤمنين، فعبد الله بن عمر وآخرون من أولاد أبي
بكر وعمر هم الأخوال، لان العقلاء يقبحون الترجيح بلا مرجح.
وأما كتابة وحيه فان ذلك أيضا من المكذوبات المخلوقة لبني أمية، لأن

(1) تاريخ مدينة دمشق: 16 / 344 - تاريخ الاسلام وفيات 41 - 60: ص 310 من ترجمة معاوية.
(2) تاريخ الاسلام 41 - 60: ص 310.
(3) البداية والنهاية: 8 / 20.
168

معاوية وأبوه من الطلقاء أسلما عام الفتح سبعة أو ثمان من الهجرة في أوقات قد
فرغ فيها نزول الوحي ووصل عند قوله تعالى:
* (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام
دينا) * (1).
فماذا سيكتب معاوية بعد هذا؟!
مع أن جمع من المؤرخين من أهل السنة بل كلهم متفق على أن زيد بن
ثابت هو الكاتب للوحي (2).
نعم، قال الذهبي وابن حجر بان معاوية كتب للنبي ثلاث رسائل بين النبي
وبين العرب وأين هذا والكتابة للوحي؟! قال الذهبي: كان زيد بن ثابت كاتب
الوحي وكان معاوية كاتبا بين النبي وبين العرب (3).
وقال ابن حجر في " الإصابة ": وليكن معلوما أنه أيضا ما كتب للنبي (صلى الله عليه وسلم) إلا
ثلاث رسائل (4).
وليعلم إن كتابة الوحي لا يعد فضلا لأنه لو كان كتابة الوحي فضيلة لأحد،
لما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر بقتل " عبد الله بن أبي سرح " الذي كان يكتب الوحي
للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة أول ما نزل من الوحي، ثم ارتد وخرج من الاسلام بعد ذلك (5).
قال أبو داود في " سننه ":

(1) المائدة الآية 3.
(2) سير أعلام النبلاء: 2 و 426 - طبقات ابن سعد: 2 / 358 - أسد الغابة: 2 / 278 - الإصابة: 4 / 41.
(3) سير أعلام النبلاء: 3 / 123.
(4) الإصابة: 3 / 33 - 435.
(5) سير أعلام النبلاء: 3 / 33.
169

كان عبد الله بن سعد ابن أبي سرح يكتب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأزله الشيطان
فلحق بالكفار، فامر به رسول الله ان يقتل يوم الفتح (1).
من قتله معاوية
من أبرز أوصاف الولاة الجائرين قتل المخالف والمعاند لولايته بأي طريق
ممكن وبأشدها.
وقتال معاوية بن أبي سفيان، مخالفيه يعد من مصاديق هذا الفصل، وإنه قتل
جماعة من الأبرياء والصالحين من الصحابة وغيرهم، منهم: " حجر بن عدي "
الصحابي الجليل، حين أنكر على عمال معاوية سب علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما
ذكره ابن حجر في " الإصابة " بأنه: قتل " بمرج عذراء " بأمر معاوية (2).
وقال الذهبي: وكان مع حجر عشرون رجلا فقتل عشرة منهم مع حجر (3).
وقال الطبري في تاريخه وابن الأثير في " الكامل " في ترجمة " عبد الرحمن
بن خالد بن الوليد ".
وكان سبب موته، انه كان قد عظم شأنه عند أهل الشام ومالوا إليه لما عنده
من آثار أبيه ولغنائه في بلاد الروم وشدة بأسه، فخافه معاوية وخشي منه، وأمر ابن
أثال النصراني ان يحتال في قتله، وضمن له، أن يضع عند خراجه ما عاش وان
يوليه جباية خراج حمص، فلما قدم عبد الرحمن من الروم دس إليه ابن أثال شربة

(1) سنن أبي داود: 4 / 128 رقم 4358.
(2) الإصابة: 1 / 314.
(3) تاريخ الاسلام وفيات 41 - 60: ص 194.
170

مسمومة مع بعض مماليكه، فشربها، فمات بحمص فوفى له معاوية بما ضمن له (1).
وممن قتل بأمر من معاوية: " محمد بن أبي بكر ".
قال الذهبي: سير معاوية من الشام، معاوية بن حديج على مصر أيضا وعلى
حرب محمد، فالتقى الجمعان، فكسره أبو حديج، وانهزم عسكر محمد، واختفى
هو بمصر في بيت امرأة، فدلت عليه فقال: احفظوني لأبي بكر، فقال معاوية بن
حديج، قتلت ثمانين رجلا من قومي في دم عثمان، وأتركك وأنت صاحبه، فقتله
ثم جعله في بطن حمار وأحرقه (2).
وقال ابن الأثير في " جامع الأصول ":
قتل محمد بن أبي بكر بيد أصحاب معاوية وأحرقوه في جوف جيفة حمار
في سنة ثمان وثلاثين (3).
الذهبي ومعاوية
فالذهبي، بعدما ذكر قول إسحاق بن راهويه: بان " لا يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في
فضل معاوية شئ " كما ذكرناه آنفا.
قال في ترجمته أيضا، بعد نقله رواية " لا أشبع الله بطنه " (4) في دعاء
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على معاوية عن " مسند أحمد " و " مسند الطيالسي ".

(1) تاريخ الطبري: 3 / 202 - الكامل في التاريخ: 3 / 453.
(2) تاريخ الاسلام وفيات الخلفاء الراشدين: ص 600 و 601.
(3) جامع الأصول: 15 / 172 - 173.
(4) أخرجه مسلم رقم 2604 في البر والصلة: باب من لعنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو سبه أو دعا عليه - مسند
الطيالسي رقم 2746 - أنساب الأشراف: 4 / 125 و 126.
171

فسره بعض المحبين، قال: لا أشبع الله بطنه، حتى لا يجوع يوم القيامة، لأن
الخبر عنه انه قال: أطول الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة " (1).
قلت: هذا ما صح، والتأويل ركيك، وأشبه منه قوله (عليه السلام): اللهم من سببته أو
شتمته من الأمة فاجعلها له رحمة (2).
أو كما قال: وقد كان معاوية معدودا من الأكلة (3).
وروى أيضا: أبو هلال محمد بن سليم، حدثنا جبلة بن عطية عن رجل عن
مسلمة بن مخلد، انه قال لعمرو بن العاص، ومعاوية يأكل، ان ابن عمك هذا
لمخضد (4)، أما اني أقول هذا، وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " اللهم علمه
الكتاب، ومكن له في البلاء، وقه العذاب ".
وفيه رجل مجهول، وجاء نحوه من مراسيل الزهري ومراسيل عروة بن
رويم، وحريز بن عثمان (5).
وقد يشاهد ما في كلام الذهبي بان جميع رواة الخبر كانوا من الأمويين
والنواصب الذين هم حلفاء على بغض علي بن أبي طالب وبني هاشم.
وقال بعد ذكره روايات المجعولة الموضوعة في فضل معاوية: فهذه
أحاديث مقاربة، وقد ساق ابن عساكر في الترجمة أحاديث واهية وباطلة، طول بها جدا (6).

(1) اخرج الترمذي: رقم 2478 - سنن ابن ماجة: 3350 - مجمع الزائد: 5 / 31.
(2) أخرجه مسلم: رقم 2601 و 2602.
(3) سير أعلام النبلاء: 3 / 123 - 124.
(4) مخضد: مفعل من الخضد، شدة الأكل وسرعته، جعله كأنه آلة الاكل أي: انه يأكل بجفاء وسرعة.
(5) سير أعلام النبلاء: 3 / 125.
(6) سير أعلام النبلاء: 3 / 125.
172

وقال في ذلك:
وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلونه، إما قد ملكهم
بالكرم والحلم والعطاء، وإما قد ولدوا في الشام على حبه، وتربى أولادهم على
ذلك. وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء،
وحاربوا معه أهل العراق، ونشؤوا على النصب، نعوذ بالله من الهوى. كما قد نشأ
جيش علي رضي الله عنه، ورعيته - إلا الخوارج منهم - على حبه والقيام معه،
وبغض من بغي عليه والتبري منهم، وغلا خلق منهم (1) في التشيع. فبالله كيف
يكون حال من نشأ في إقليم، لا يكاد يشاهد فيه إلا غاليا في الحب، مفرطا في
البغض، ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال؟ فنحمد الله على العافية الذي
أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق، واتضح من الطرفين، وعرفنا مآخذ كل
واحد من الطائفتين، وتبصرنا، فعذرنا واستغفرنا، وأحببنا باقتصاد، وترحمنا على
البغاة بتأويل سائغ في الجملة، أو بخطأ إن شاء الله مغفور، وقلنا كما علمنا الله
* (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين
آمنوا) * [الحشر: 10] وترضينا أيضا عمن اعتزل الفريقين، كسعد بن أبي وقاص،
وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وسعيد بن زيد، وخلق. وتبرأنا من الخوارج
المارقين الذين حاربوا عليا، وكفروا الفريقين. فالخوارج كلاب النار، قد مرقوا من
الدين، ومع هذا فلا نقطع لهم بخلود النار، كما نقطع به لعبدة الأصنام والصلبان.
فمن الأباطيل المختلقة:
عن واثلة مرفوعا " كاد معاوية أن يبعث نبيا من حلمه وائتمانه على كلام
ربي ".

(1) من قوله " منهم على حبه " إلى هنا سقط من المطبوع. سير أعلام النبلاء 3 / 128.
173

وعن عثمان مرفوعا: " هنيئا لك يا معاوية، لقد أصبحت أمينا على خبر
السماء ".
عن أبي موسى: نزل عليه الوحي، فلما سري عنه، طلب معاوية، فلما كتبها -
يعني آية الكرسي - قال: " غفر الله لك يا معاوية ما تقدم إلى يوم القيامة ".
عن مري الحوراني، عن رجل: نزل جبريل، فقال: يا محمد ليس لك أن
تعزل من اختاره الله لكتابة وحيه، فأقره إنه أمين.
عن سعد مرفوعا: " يحشر معاوية وعليه حلة من نور ".
عن أنس: هبط جبريل بقلم من ذهب، فقال يا محمد: إن العلي الأعلى
يقول: قد أهديت القلم من فوق عرشي إلى معاوية، فمره أن يكتب آية الكرسي به
ويشكله ويعجمه، فذكر خبرا طويلا.
وعن ابن عباس، قال: لما أنزلت آية الكرسي، دعا معاوية، فلم يجد قلما،
وذلك أن الله أمر جبريل أن يأخذ الأقلام من دواته، فقام ليجئ بقلم، فقال
النبي (صلى الله عليه وسلم): خذ القلم من أذنك، فإذا قلم ذهب مكتوب عليه لا إله إلا الله، هدية من
الله إلى أمينه معاوية.
وعن عائشة مرفوعا: كأني أنظر إلى سويقتي معاوية ترفلان في الجنة.
عن علي، قال: لأخرجن ما في عنقي لمعاوية، قد استكتبه نبي الله وأنا
جالس، فعلمت أن ذلك لم يكن من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولكن من الله.
عن جابر مرفوعا: " الأمناء عند الله سبعة، القلم، وجبريل، وأنا، ومعاوية،
واللوح، وإسرافيل، وميكائيل ".
عن جعفر: أنه أهدي للنبي (صلى الله عليه وسلم) سفرجل، فأعطى معاوية منه ثلاثا، وقال:
174

" القني بهن (1) في الجنة ".
قلت: وجعفر قد استشهد قبل قدوم معاوية مسلما.
وعن حذيفة مرفوعا: " يبعث معاوية وعليه رداء من نور الإيمان ".
عن أبي سعيد مرفوعا: " يخرج معاوية من قبره عليه رداء من سندس مرصع
بالدر والياقوت ".
وعن علي: " أن جبريل نزل، فقال: استكتب معاوية، فإنه أمين ".
أبو هريرة مرفوعا: " الأمناء ثلاثة، أنا وجبريل، ومعاوية ".
وعن واثلة: بنحوه.
أبو هريرة: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ناول معاوية سهما، وقال: " خذه حتى توافيني به
في الجنة ".
أنس مرفوعا: " لا أفتقد أحدا غير معاوية، لا أراه سبعين عاما، فإذا كان بعد
أقبل على ناقة من المسك، فأقول: أين كنت؟ فيقول: في روضة تحت العرش...
الحديث " (2).
وعن بعضهم جاء جبريل بورقة آس عليها لا إله إلا الله حب معاوية فرض
على عبادي.
ابن عمر مرفوعا: " يا معاوية، أنت مني وأنا منك، لتزاحمني على باب الجنة "
فهذه الأحاديث ظاهرة الوضع والله أعلم (3).

(1) سير أعلام النبلاء 3 / 130.
(2) سير أعلام النبلاء 3 / 131.
(3) وقد ذكر أكثر هذه الأحاديث: الشوكاني في " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " في
صفحة 403 - 407 وقال الحافظ ابن كثير في " البداية " 8 / 120 بعد أن ذكر حديثا منها: وقد أورد
ابن عساكر بعد هذا أحاديث كثيرة موضوعة والعجب منه مع حفظه واطلاعه كيف لا نبه عليها وعلى
نكارتها وضعف حالها.
175

يحيى بن أبي زائد، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن عبد الملك ابن
عمير، قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول النبي (صلى الله عليه وسلم): " يا معاوية إن
ملكت فأحسن "
ابن مهاجر ضعيف والخبر مرسل (1).
الأصم: حدثنا أبي، سمعت ابن راهويه يقول: لا يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في
فضل معاوية شئ (2).
ابن فضيل: حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص،
عن أبي برزة، كنا مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، فسمع صوت غناء، فقال: انظروا ما هذا؟ فصعدت
فنظرت، فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان، فجئت فأخبرته، فقال: " اللهم
اركسهما في الفتنة ركسا، ودعهما في النار دعا " (3).
يزيد بن معاوية
هو قاتل الحسين بن علي وأولاده وأصحابه في كربلاء وقاتل أهل المدينة
في واقعة " الحرة " وقال في ذلك " الذهبي ":
افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرة
فمقته الناس ولم يبارك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد

(1) سير أعلام النبلاء 3 / 131.
(2) انظر " تاريخ دمشق " 1 / 218 لأبي زرعة.
(3) " تاريخ خليفة ": 155، 178.
176

الحسين كاهل المدينة قاموا لله... (1).
وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أول من يبدل سنتي رجل من بني
أمية، وقال ابن عساكر والبيهقي هو يزيد بن معاوية لخبر أبي
يعلى والبيهقي وأبو نعيم (2).
وكان ناصبيا، فظا، غليظا، جلفا، يتناول المسكر ويفعل
المنكر... (3)
وعن محمد بن أحمد بن مسمع قال: سكر يزيد، فقام
يرقص فسقط على رأسه فانشق وبدا دماغه (4).
وقال أيضا في " تاريخ الاسلام ":
وقال جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال: نهب مسرف
ابن عقبة المدينة ثلاثا، وافتض فيها ألف عذراء (5).
وقال الواقدي: انا ابن أبي ذئب، عن صالح بن أبي حسان،
أنا إسماعيل بن إبراهيم المخزومي، عن أبيه وثنا سعيد بن
محمد بن عمرو بن يحيى، عن عبادة بن تميم، كل قد حدثني،
قالوا: لما وثب أهل الحرة وأخرجوا بني أمية عن المدينة،
واجتمعوا على عبد الله بن حنظلة وبايعهم على الموت، قال:

(1) سير أعلام النبلاء: 4 / 38.
(2) فيض القدير: 3 / 94.
(3) سير أعلام النبلاء 4 / 37.
(4) سير أعلام النبلاء 4 / 37.
(5) تاريخ الاسلام وفيات - 61 - 80 ص 26 ط دار الكتاب العربي.
177

يا قوم: اتقوا الله، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان
نرمي بالحجارة من السماء انه رجل ينكح أمهات الأولاد
والبنات والأخوات ويشرب الخل ويدع الصلاة... (1)
وعن مالك بن أنس قال: قتل يوم الحرة من حملة القرآن
سبعمائة (2).
وقال الذهبي: قلت: ولما فعل يزيد باهل المدينة ما فعل
وقتل الحسين وإخوته وآله، شرب يزيد الخمر وارتكب
أشياء منكرة بغضه الناس، وخرج عليه غير واحد، ولم يبارك
الله في عمره... (3)
وروى احمد في " المسند " وغيره في الصحاح عن عطاء
ابن يسار عن السائب بن خلاد، انه سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:
من أخاف أهل المدينة أخافه الله. وعليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين (4).
مروان بن الحكم ابن أبي العاص الأموي المتوفي 65
روى له البخاري في الصحيح وقال في رجاله: لم ير النبي (صلى الله عليه وسلم) وقد روى عنه
حديث الحديبية بطوله وقد عابوا عليه لروايته عن مروان لأنه رمى طلحة فقتله

(1) تاريخ الاسلام وفيات 61 - 80 ص 27.
(2) تاريخ الاسلام وفيات 61 - 80 ص 30.
(3) تاريخ الاسلام وفيات 61 - 80 ص 30.
(4) مسند أحمد 4 / 55 تاريخ الاسلام المصدر ص 26.
178

يوم الجمل (1).
وقال ابن حبان: معاذ الله أن نحتج بخبر رواه مروان بن الحكم.
وقال الذهبي: يلقب: خيط الباطل (2).
وروى ابن عون عن عمير بن إسحاق، قال: كان مروان أميرا علينا، فكان
يسب عليا كل جمعة على المنبر، ثم عزل بسعيد بن العاص فبقى سعيد سنتين
وكان سعيد لا يسبه، ثم أعيد مروان، فكان يسب فقيل للحسن: ألا تسمع ما يقول؟
فجعل لا يرد شيئا.
قال: وكان الحسن يجئ يوم الجمعة، ويدخل في حجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) فيقعد
فيها، فإذا قضيت الخطبة خرج فصلى، فلم يرضى بذلك حتى أهداه له في بيته.
قال: فإنا لعنده إذ قيل: فلان بالباب، قال: أئذن له، فوالله إني لأظنه قد جاء
بشر (3) فأذن له فدخل، فقال: يا حسن، إني جئتك من عند سلطان وجئتك بعزمه.
قال: تكلم، قال: أرسل مروان، ويك بعلي وبعلي وبعلي، ويك ويك ويك،
وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة، يقال لها: من أبوك، فتقول: أمي الفرس [نستجير
بالله]، قال: ارجع إليه فقل له: إني والله لا أمحو عنك شيئا مما قلت، فلن أسبك،
ولكن موعدي وموعدك الله، فإن كنت صادقا فجزاك الله بصدقك، وإن كنت كاذبا
فالله أشد نقمة، وقد أكرم الله جدي أن يكون مثله - أو قال مثلي - مثل البغلة.
فخرج الرجل، فلما كان في الحجرة لقي الحسين، فقال: ما جئت به؟ قال

(1) الجمع بين رجال الصحيحين: 2 / 501 - رجال صحيح البخاري: 2 / 715 - تهذيب التهذيب: 10 / 82
- الكاشف: 3 / 116 - البيان والتوضيح: ص 257 رقم 424.
(2) سير أعلام النبلاء: 3 / 477 - ثمرات النظر في علم الأثر: ص 112.
(3) تاريخ الاسلام سنوات 61 إلى 80: ص 227 - 234.
179

رسالة. قال: والله لتخبرني أو لآمرن بضربك، فقال: ارجع، فرجع، فلما رآه الحسن
قال: أرسله، قال: إني لا أستطيع، قال: لم؟ قال إني قد حلفت، قال: قد لج فأخبره،
فقال: اكل فلان بظر أمه ان لم يبلغه عني ما أقول له، قل له: ويل لك ولأبيك وقومك
وآية بيني وبينك ان يمسك منكبيك من لعنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: فقال وزاد.
وقال حماد بن سملة عن عطاء بن سائب، عن أبي يحيى قال: كنت بين
الحسن والحسين ومروان، والحسين يساب مروان، فجعل الحسن ينهاه، فقال
مروان: إنكم أهل بيت ملعونون، [نستجير بالله] فغضب الحسين وقال: ويلك،
قلت هذا، فوالله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه وأنت في صلبه (1).
ثم قال الذهبي: وعقد لولديه عبد الملك وعبد العزيز بعده وزهد الناس في
خالد بن يزيد بن معاوية، الذي كان قد أطمع في الخلافة بعده وكان يجلس معه،
فدخل يوما فزبره وقال: تنح يا ابن رطبة الإست، والله مالك عقل، فأضمرت أمه
السوء لمروان، وكانت امرأته بعد يزيد، فدخل عليها فقال: هل قال لك خالد شيئا؟
فأنكرت، فنام، فوثب في جواريها وغمته بوسادة قعدن على جوانبها فتلف
وصرخن، وقلن مات فجأة (2).
وقد ذكرنا في باب " الزهري والأمويون " قصة وفود الزهري على مروان
هذا، في قوله: وفدت على مروان وانا محتلم (3) فراجع.

(1) تاريخ الاسلام وفيات 61 إلى 80: ص 227 - 234، المطالب العالية لابن حجر: 4 / 329 رقم 4521 -
4522، الإصابة: 3 / 235.
(2) تاريخ الاسلام سنوات 61 - 80: ص 234 - سير أعلام النبلاء: 3 / 479 - طبقات ابن سعد: 5 / 42 - 43.
(3) تاريخ الاسلام وفيات 61 - 80: ص 42.
180

عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي
المتوفى 86 ه‍
كان من رجال البخاري ومسلم (1).
يعد من الفقهاء من بني مروان.
وكان من مادحيه أبو الزناد ابن أخي أبو لؤلؤ قاتل عمر بن الخطاب
المجالس والمصاحب مع بني أمية ومن فقهائهم. فإنه قال: فقهاء المدينة، سعيد
ابن المسيب وعبد الملك بن مروان وعروة وقبيصة بن ذؤيب (2).
قال الذهبي: وكان الحجاج من ذنوبه (3).
وقال أيضا: وذكر ابن عائشة عن أبيه إن عبد الملك كان فاسد الفم (4).
وسئل الحسن البصري عن عبد الملك؟ فقال: ما أقول في رجل الحجاج
سيئة من سيئاته (5).
وقال أيضا: كان عبد الملك بن مروان كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء في
مؤخر المسجد بدمشق، فقالت له مرة: بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء
بعد النسك والعبادة؟ فقال: إي والله والدماء قد شربتها (6).

(1) تهذيب التهذيب: 6 / 373 رقم 781.
(2) المعرفة والتاريخ: 1 / 563 - سير أعلام النبلاء: 4 / 248.
(3) سير أعلام النبلاء: 4 / 249.
(4) تاريخ الاسلام وفيات 81 - 100 ص 142.
(5) النجوم الزاهرة: 1 / 244.
(6) تاريخ الاسلام وفيات 81 - 100: ص 142 - البداية والنهاية: 9 / 66.
181

وأما نصبه وعداوته لعلي بن أبي طالب.
الفسوي في " المعرفة والتاريخ ": حدثني سعيد بن عفير، حدثني حفص بن
عمران بن رسام عن السري بن يحيى عن ابن شهاب (الزهري) ان عبد الملك بن
مروان قال له: يا بن شهاب، أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل علي بن أبي
طالب؟ قلت: نعم، قال هلم، فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة - اي
التي كان يجلس فيها عبد الملك وحول وجهه فأحنى علي، فقال: ما كان؟
قال: فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم، قال: فقال: لم
يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك، فلا يسمعن منك، قال: فما تحدثت به حتى
توفي (1).
وفي وصيته لولده الوليد بعد ما أوصى بأولاده وأخوته: وأنظر الحجاج
فأكرمه، فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر، وهو سيفك يا وليد، ويدك على من ناوأك،
فلا تسمعن فيه قول أحد وأنت إليه أحوج منه إليك... (2).
فانظروا إلى ناشر السنة ومدونها " الزهري " كيف أخذ بداية إتصاله بالأموية
نصائح عبد الملك وجعل امتثاله على نفسه واجبة؟
الوليد بن عبد الملك بن مروان المتوفى 96 ه‍
قال الذهبي: وكان الوليد جبارا ظالما (3).
وقال العتبي عن أبيه: كان دميما، إذا مشى تبختر في مشيته، وكان أبواه

(1) المعرفة والتاريخ: 1 / 629 - 630 - تاريخ مدينة دمشق: 55 / 305.
(2) تاريخ الاسلام وفيات 81 - 100: ص 144.
(3) تاريخ الاسلام وفيات 81 - 100: ص 499.
182

يترفانه، فشب بلا أدب، وكان سائل الأنف (1).
وروى ابن يحيى الغساني ان روح بن زنباع قال: دخلت يوما على
عبد الملك وهو مهموم، فقال: فكرت فيمن أوليه أمر العرب فلم أجده، فقلت: أين
أنت عن الوليد؟
قال: انه لا يحسن النحو. قال: فقال لي: رح إلي العشية فإني سأظهر كآبة،
فسلني، قال: فرحت إليه، والوليد عنده فقلت له: لا يسوءك الله ما هذه الكآبة؟ قال:
فكرت فيمن أوليه أمر العرب، فلم أجده، فقلت: وأين أنت عن ريحانة قريش
وسيدها الوليد! فقال لي: يا أبا زنباع، إنه لا يلي العرب إلا من تكلم بكلامهم، قال:
فسمعها الوليد، فقام من ساعته وجمع أصحاب النحو وجلس
معهم في بيت وطين عليه ستة أشهر، ثم خرج وهو أجهل مما كان فقال
عبد الملك: أما إنه قد أعذر (2).
وروى العتبي: إن عبد الملك أوصى بنيه عند الموت بأمور، ثم قال: للوليد: لا
ألفينك إذا مت تعصر عينيك وتحن حنين الأمة، ولكن شمر ائتزر وألبس جلد نمر
ودلني في حفرتي وخلني وشأني، ثم ادع الناس إلى البيعة فمن قال هكذا، فقل
بالسيف هكذا (3).
وقد ذكرنا وصية عبد الملك لولده الوليد في ترجمة عبد الملك آنفا أنه
أوصى له بالحجاج فراجع (4).

(1) تاريخ الاسلام وفيات 81 - 100: ص 499.
(2) تاريخ الاسلام وفيات 81 - 100: ص 497.
(3) تاريخ الاسلام وفيات 81 - 100: ص 497 - 498 - المنتظم: 6 / 276.
(4) تاريخ الاسلام وفيات 81 - 100: ص 144 - المنتظم: 6 / 275.
183

الخليفة أفضل من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
فالإتجاهات الأموية في قيامها على إمحاء السنن وطمس الآثار وتبدل
المعالم والمفاخر الإسلامية بالطرق المختلفة، لم يتوقف أمام حريم إلا هتكوها
وما من جريمة إلا ارتكبوها فالأمويون على أثر سياساتهم الخبيثة تفوهوا، تفضيل
الخليفة الأموي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
كتب الحجاج إلى عبد الملك: إن خليفة الرجل في أهله أكرم عليه من
رسوله إليهم، وكذلك الخلفاء يا أمير المؤمنين أعلى منزلة من المرسلين (1).
وقال الجاحظ في " رسائله ": خطب الحجاج بالكوفة، فذكر الذين يزورون
قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة، فقال: تبا لهم، إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية هلا
طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك؟ ألا يعلمون: ان خليفة المرء خير من
رسوله؟ يقول المبرد: ان ذلك مما كفرت به الفقهاء الحجاج، وأنه إنما قال ذلك
والناس يطوفون بالقبر (2)، وفي " أخبار الطوال " للدينوري: ان عبد الله بن صيفي
سأل هشاما، فقال: يا أمير المؤمنين، أخليفتك في أهلك أحب إليك وآثر عندك، أم
رسولك؟
قال هشام: بل خليفتي في أهلي.
قال: فأنت خليفة الله في أرضه وخلقه ومحمد رسول الله إليهم فأنت أكرم
على الله منه.

(1) العقد الفريد: 2 / 354، 5 / 51 - البداية والنهاية: 9 / 131.
(2) العقد الفريد: 5 / 51 - البداية والنهاية: 9 / 131 - وفيات الأعيان: 2 / 7 - تهذيب تاريخ دمشق: 4 / 72.
184

فلم ينكر هذه المقالة من عبد الله بن صيفي وهي تضارع الكفر (1).
وقال الحجاج: إن خبر السماء لم ينقطع عن الخليفة الأموي (2).
ويرى ان عبد الملك بن مروان معصوم (3).
ومن ذلك يعرف قول بعض: ان من خالف الحجاج فقد خالف الاسلام (4).
وبذلك يوصي فقيه بني أمية في المدينة، ولده الوليد: انظر الحجاج فأكرمه،
فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر، وهو سيفك يا وليد، ويدل على من ناواك، فلا
تسمعن فيه قول أحد، وأنت إليه أحوج منه إليك (5).
أخبار الحجاج
روى ابن عساكر في تاريخه: أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم نبأنا
عبد العزيز بن أحمد نبأنا تمام بن محمد، حدثني أبي، أخبرني أبو بكر محدث
علي بن دعامة القرشي، نبأنا عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي، حدثني الحسن
ابن عبد الرحمن الفزاري نبأنا حجاج بن محمد، نبأنا أبو المعشر قال: مات رجل
عندنا بالمدينة فلما وضع على مغتسله ليغسل استوى قاعدا ثم أهوى بيده إلى
عينيه فقال: بصر عيني بصر عيني بصر عيني بصر عيني، إلى عبد الملك بن مروان
وإلى الحجاج بن يوسف يسحبان أمعاءهما على النار ثم عاد مضطجعا كما كان. انتهى (6).

(1) اخبار الطوال: ص 346.
(2) تهذيب تاريخ دمشق: 4 / 72.
(3) العقد الفريد: 5 / 25.
(4) لسان الميزان: 6 / 89.
(5) تاريخ الاسلام - وفيات 81 - 100: ص 144 - المنتظم: 6 / 275.
(6) تاريخ مدينة دمشق: 12 / 200.
185

وروى أيضا: بسنده عن ابن عائشة قال: اتي الوليد رجل من الخوارج فقيل
له: ما تقول في أبي بكر؟ قال: خيرا، قيل: فما تقول في عمر؟ قال: خيرا، قيل: فما
تقول في عثمان؟ قال: خيرا، قيل: فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك؟
قال: الآن جئت المسألة، ما أقول في رجل الحجاج خطيئة من خطاياه.
إنتهى (1).
وفيه أيضا: بسنده عن هشام بن يحيى الغساني، عن أبيه قال: قال لي عمر
ابن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم (2).
وفي رواية آخر: فقال رجل من آل أبي معيط: لا تقل ذلك فوالله إنه وطأ لكم
هذا الأمر الذي أصبحتم فيه غرة (3)...
وجاء الحجاج إلى الكوفة فدخلها، فجاء الناس إليه، فكان لا يبايعه أحد إلا
قال: أشهد أنك كفرت، فإذا قال نعم، بايعه وإلا قتله، فجاء رجل من خثعم، فقال
له: أشهد أنك كافر؟ فقال بئس الرجل أنا إن كنت، عبدت الله عز وجل ثمانين سنة،
ثم أشهد على نفسي بالكفر، قال: إذا أقتلك قال وان قتلتني، فوالله ما بقي من
عمري ظم ء حمار وإني لأنتظر الموت صباحا ومساء، فقال: اضربوا عنقه، فضربت
عنقه.
ودعا بكميل بن زياد، فقتله، وأتى برجل فقال الحجاج: إني أرى رجلا ما
أظنه شهد على نفسه بالكفر، فقال أخادعي أنت عن نفسي، أنا أكفر أهل الأرض
وأكفر من فرعون ذي الأوتاد، فضحك الحجاج وخلي سبيله (4).

(1) تاريخ مدينة دمشق: 12 / 180.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 12 / 186 - الكامل لابن الأثير: 4 / 236 - 271.
(3) تاريخ مدينة دمشق: 12 / 186 - الكامل لابن الأثير: 4 / 236 - 271.
(4) المنتظم: 6 / 246.
186

الحجاج والزهري
من أعظم المعضلات لمدافعي " الزهري " البحث والتصحيح عند الدفاع
عنه في مخالطته لبني أمية لا سيما مجالسته مع الحجاج وخروجه معه إلى الحج،
حيث أنكر ذلك الحازمي في " اتهامات كاذبة " (1) وليعلم الحازمي وأضرابه، ما ثبت
التاريخ من أمر الحجاج لا يبقى على أحد ريبة على أن " الزهري " مع حركته هذا،
صحح ظلم الحجاج وخطاياه قال في ذلك مليح الأندلس في " عقده " وفخر بغداد
في " تقييده " بسندهما عن زكريا بن عيسى عن ابن شهاب قال: خرجنا مع الحجاج
حجاجا، فلما انتهينا إلى البيداء... الخ (2).
وذكر الحافظ في " تهذيبه " رواية عبد الرزاق بن همام في " مصنفه " بسنده
عن الزهري إنه، قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج أن اقتد بابن عمر في المناسك
فأرسل إليه الحجاج يوم عرفة إذا أردت أن تروح فأذنا، فراح هو وسالم وأنا معهما
وقال في آخره قال ابن شهاب: وكنت صائما فلقيت من الحر شدة (3).
سليمان بن عبد الملك
بن مروان بن الحكم الأموي ولد سنة 60 ه‍ ولي الخلافة من سنة 96 ه‍
إلى 99 ه‍ بويع بالخلافة بعد الوليد.

(1) اتهامات كاذبة، إبراهيم بن عبد الله الحازمي: ج 1 / ص 51 - 64 ط. الرياض - دار الشريف للنشر،
الطبعة الأولى 1418 ه‍.
(2) العقد الفريد: 5 / 304 - تقييد العلم للخطيب: ص 140.
(3) تهذيب التهذيب: 9 / 399. وقد مر الرواية في " الزهري والحجاج " ص 102.
187

كان سليمان هذا، يعد من الأكلة المشهورين، يقال: إنه أكل في مجلس
سبعين رمانة وخروفا، وست دجاجات، ومكوك زبيب طائفي، ويقال: أكل أربعين
دجاجة تشوي على النار على صفة الكباب وأكل أربعا وثمانين كلوة بشحومها
وثمانين جردقة (رغيفا).
فروى الذهبي في ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الرحيم القرشي عن أبيه، عن هشام بن سليمان قال:
أكل سليمان بن عبد الملك أربعين دجاجة تشوى له على النار على صفة الكباب
وأكل أربعا وثمانين كلوة بشحومها وثمانين جردقة (1).
وروى أيضا:
وقال محمد بن حميد الرازي: عن ابن المبارك: أن سليمان حج فأتى
الطائف، فاكل سبعين رمانة وخروفا وست دجاجات وأتي بمكوك زبيب طائفي
فأكله أجمع (2).
عمر بن عبد العزيز
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن أمية المتوفى سنة 101 ه‍
بويع له بالخلافة بعد سليمان بن عبد الملك سنة 99 وملك سبعة وعشرين

(1) تاريخ الاسلام وفيات 81 - 100: ص 379 - سير أعلام النبلاء: 5 / 112.
انظر ترجمته في الوافي بالوفيات: 15 / 400 - مآثر الأناقة: 1 / 138 - مرآة الجنان: 1 / 207 - الكامل
في التاريخ: 5 / 37 - نهاية الأرب: 21 / 353.
(2) تاريخ الاسلام وفيات 81 - 100: ص 379، أنساب الأشراف: 3 / 308 - المعرفة والتاريخ: 223 / 1 -
تاريخ الطبري: 6 / 546 - وفيات الأعيان: 2 / 420.
188

شهرا (1).
كان أبوه واليا بمصر، فأرسل ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها.
روى ابن عساكر بسنده والمزي في " تهذيب الكمال " والذهبي في " السير "
عن داود بن أبي هند قال: دخل علينا عمر بن عبد العزيز من هذا الباب - يعني بابا
من أبواب مسجد مدينة الرسول (صلى الله عليه وسلم) - وقال ابن خزفة مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - فقال
رجل - زاد ابن بيري - من القوم - بعث إلينا الفاسق بابنه هذا يتعلم الفرائض
والسنن ويزعم أنه لن يموت حتى يكون خليفة ويسير بسيرة عمر بن الخطاب
فقال لنا داود: فوالله ما مات حتى رأينا ذلك فيه (2).
وروى أيضا: وكان عمر بن عبد العزيز يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله يسمع
منه العلم، فبلغ عبيد الله ان عمر ينتقص علي بن أبي طالب، فاتاه عمر فقام يصلي
فجلس عمر، فلم يبرح حتى سلم من ركعتين ثم أقبل على عمر بن عبد العزيز
فقال: متى بلغك أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضى عنهم؟ قال: قال: فعرف
عمر ما أراد، فقال: معذرة إلى الله وإليك والله لا أعود قال: فما سمع عمر بن
عبد العزيز بعد ذلك ذاكرا عليا إلا بخير (3).
ومما ثبت في بني أمية من النصب والعدوان لعلي بن أبي طالب يجري إلى
جميعهم، لأنهم ولدوا على بغضه، وتربى أولادهم على ذلك ونشؤوا على

(1) تاريخ مدينة دمشق: 45 / 129.
(2) تاريخ مدينة دمشق: 45 / 137 - تهذيب الكمال: 14 / 118 - سير أعلام النبلاء: 5 / 116.
وترجمته في: الطبقات الكبرى: 5 / 330 - المعرفة والتاريخ: 1 / 568 - الطبري: 6 / 565، تهذيب
التهذيب: 7 / 475 - النجوم الزاهرة: 1 / 246 - تاريخ الاسلام وفيات 101 - 120: ص 187.
(3) تاريخ مدينة دمشق: 45 / 136 - المعرفة والتاريخ: 1 / 568 - سير أعلام النبلاء: 5 / 117 - البداية
والنهاية: 9 / 193.
189

النصب، وكيف لا يكون هكذا من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا المبغض
والمعاند لعلي بن أبي طالب.
وأما ما نقل المؤرخون في عمر بن عبد العزيز من أنه أمسك عن سب علي
بن أبي طالب (1) ورد فدك على بني فاطمة على ما كانت عليه في عهد رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
وان كان يعد له من الأمور المخالفة لبني أمية وسيرتهم ولكن هو أيضا
يشترك معهم نحو إخماد ذكر أهل البيت ونفوذ كلمتهم.
ألم تر أنه يروج مذهب مخالفي أهل البيت ويمنع الناس عن التقرب إليهم،
لأنه حينما ولي الخلافة، كان في المدينة أعلم الناس وأفقههم الإمام باقر العلوم
وابنه جعفر بن محمد الصادق وعلى ذلك يكتب إلى أبي بكر بن حزم، أن يجمع
حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحديث عمرة ابنة عبد الرحمن التي عندها أحاديث
عائشة، أو حديث عمر بن الخطاب (3).
كأنه في المدينة لا يعتبر هو للباقرين (عليهما السلام) وعلومهما الكاملة الجامعة في
جميع الفنون، سيما في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا مع أن جميع العلماء
والمحدثين في تلك الحقبة يعترفون بما عندهما من الجلالة ووفور العلم
والحكمة والحديث.
كما وصفها من لا يؤمن بهما، فإنه قال: محمد بن علي بن الحسين بن علي
بن أبي طالب الهاشمي أبو جعفر الباقر: " كان أحد من جمع العلم والفقه، والشرف

(1) سير أعلام النبلاء: 5 / 147.
(2) سير أعلام النبلاء: 5 / 129 - تاريخ الاسلام - وفيات 101 - 120: ص 196.
(3) الطبقات الكبرى: 8 / 480 - سنن الدارمي: 1 / 137 رقم 487.
190

والديانة والثقة والسؤدد، وكان يصلح للخلافة " (1)...
وروى ابن أثير الجزري في " جامع الأصول " بعد ذكر رواية: " ان الله سيبعث
لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ".
قال: وكان من الفقهاء بالمدينة محمد بن علي الباقر على رأس المائة
الأولى (2).
وهو الذي بلغه جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) السلام وقال:
أمرني رسول الله أن أقرئك منه السلام " (3).
وقال أيضا: وشهر أبو جعفر الباقر، من: بقر العلم، اي شقه فعرف أصله
وخفيه ولقد كان أبو جعفر إماما مجتهدا، تاليا لكتاب الله... (4).
وفي الإمام جعفر بن محمد الصادق، أيضا صدر عنهم كلمات، اعترفوا بعلو
درجته وسمو مقاماته، التي لا يدانيه أحد من البشر ولذلك قال ابن أبي حاتم:
سمعت أبا زرعة، وسئل عن جعفر بن محمد عن أبيه وسهيل عن أبيه، والعلاء عن
أبيه أيها أصح؟ قال: لا يقرن جعفر إلى هؤلاء (5).
ومع ما عليه من أمرهما من الجلالة والعظمة في العلم والفقه والحديث ترى
أن عمر بن عبد العزيز الذي يصفونه بالعدل والديانة لا يقبل إليهما ولا يرجع في
أمر الحديث وتدوينه إلى علومهما.

(1) تاريخ الاسلام وفيات 101 - 120: ص 463.
(2) جامع الأصول: 2 / 219 - 220.
(3) سير أعلام النبلاء: 5 / 404.
(4) سير أعلام النبلاء: 4 / 402.
(5) سير أعلام النبلاء: 6 / 257.
191

ويعلم بذلك أن بني أمية كانوا على هدم السنن وإمحائها لا جمعها وصيانتها
وعمر بن عبد العزيز في الحقيقة، ماحي السنن والآثار، لا الجامع للسنن ومدونها،
وهو الذي تم وأكمل الظلم بآل محمد في استثنائه السنن منهم حتى خلت السنن
والصحاح من رواياتهم الكثيرة وعلومهم الجامعة.
عمر بن عبد العزيز من ولد عمر بن الخطاب
ولد عمر بن عبد العزيز بحلوان من أعمال مصر مشرفة على نيل في
سنة 63 ه‍، أمه هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ويعد من أولاده من
ناحية الأم، وروى في ذلك: ان عمر بن الخطاب قال: إن من ولدي رجلا بوجهه
شتر، يملأ الأرض عدلا (1).
وقال ابن ماجشون: حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: يا عمر كنا
نتحدث، إن الدنيا لا ينقضي حتى يلي رجل من آل عمر، يعمل مثل عمل عمر،
قال: فكان بلال بن عبد الله بن عمر بوجهه شامة، وكانوا يرون أنه هو، حتى جاء الله
بعمر بن عبد العزيز، أمه بنت عاصم بن عمر بن الخطاب (2).
وروى الذهبي بسنده عن جويرية عن نافع: بلغنا ان عمر قال: إن من ولدي
رجلا بوجهه شين يلي فيملأ الأرض عدلا، قال نافع: لا أحسبه إلا عمر بن
عبد العزيز.
وروى أيضا، عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر يقول: ليت

(1) حلية الأولياء: 5 / 254 - سير أعلام النبلاء: 5 / 115 - 116 - تاريخ الخلفاء: 230 - تاريخ الإسلام
وفيات 101 - 120: ص 190.
(2) سير أعلام النبلاء: 5 / 122 - تاريخ الاسلام وفيات 101 - 120: ص 191.
192

شعري من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة (1).
وعلامة وجهه كانت من رمحة بغلة في إصطبل الخيل من أبيه بمصر، روى
في ذلك، أنه، خرج ذات يوم بصحبته شقيقه الأصبغ، فأتيا إصطبل الخيل، وبينما
هو يلعب بلا حذر، ويمضي في غفلة من وراء الخيل رمحته بغلة، فشجت رأسه،
فصاح الأصبغ ضاحكا، الله أكبر! هذا أشج بني مروان الذي يملك (2).
وكان عمر، في حداثته، معلقا بأخواله، يرى فيهم القدوة الصالحة والمثل
الأعلى، وكان إذا زار خاله عبد الله يقول لأمه، يا أمه، أحب أن أكون مثل خالي
عبد الله... (3).
اثر عمر بن عبد العزيز في تدوين السنة
كانت المدينة المنورة مرجعا أصليا ترجع الأمة إليها لأخذ المسائل ولحل
المشاكل، وفيها أصحاب رسول الله وأهل بيته ومن بعدهم التابعين. ولما كثرت
الخراب وانفصلت قواعد التشريع وتبدلت السنن والآثار النبوية سيما بعد قتل
الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) بالطف كانت المدينة مرجعا للأمة والناس
عندما سمعوا الخلاف في نقل السنن وتبدل الأحكام أقبلوا إلى المدينة. وفي
المدينة باب الحديث ومعدن العلم الحقيقي وهو البيت النبوي وأهله كما اعترف
به المبغض والمعاند.

(1) سير أعلام النبلاء: 5 / 122 - سيرة عمر بن عبد العزيز: ص 18.
(2) الخليفة الزاهد: ص 21 - سيرة عمر بن عبد العزيز: ص 17 - تاريخ الاسلام وفيات 101 - 120:
ص 188 - سير أعلام النبلاء: 5 / 116.
(3) سيرة عمر بن عبد العزيز: ص 19.
193

والناس عندما دخلوا في المدينة يسألون عن أهل بيت النبوة.
ولذلك لاحظت الجبابرة والظالمين لأهل البيت المنع والتحذير والشدة
على من أخذ العلوم والسنن من العلويين وأهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وكانت الأهواء هي الحاكمة، والأحقاد هي المسيطرة، والناس عن السنة
المفارقون، تركت السنة وأخذت بالمجعولات والمدسوسات.
أخذ الخليفة عمر بن عبد العزيز طريقة مقبولة لاستثناء أهل البيت
وعلومهم، وهي أمره: " بتدوين السنة " وتصنيف الدفاتر ثم إرسالها إلى الأمصار.
وهذه هي المكيدة العظمى في تاريخ التدوين لأن الصادقين (عليهم السلام) في عصر
عمر بن عبد العزيز كانا من أركان العلم عند جميع المحدثين والناقلين للسنن
والآثار في ذلك العصر المشئوم.
فكل من لقي أبي جعفر محمد بن علي الباقر وابنه جعفر بن محمد
الصادق (عليهما السلام) وصفهما بالعلو والدرجة التي لا يبلغها أحد من معاصريهم، فكيف لم
يتمسك عمر بن عبد العزيز في جمع السنن وتدوينها بالصادقين (عليهما السلام)؟
1 - أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن دينار قال:
كتب عمر بن العزيز إلى أبي بكر بن حزم (1) -: أنظر ما كان
من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاكتبه، فإني خفت دروس العلم
وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولتفشوا العلم
ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى

(1) هو عامله في المدينة وقاضيها.
194

يكون سرا (1).
2 - وعن ابن شهاب الزهري قال:
أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتباها دفترا دفترا
فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا (2).
3 - روى الدارمي بسنده إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل المدينة:
أنظروا حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاكتبوه، فاني خفت دروس
العلم وذهاب أهله (3).
4 - روى الخطيب بسنده إلى الزهري انه قال:
لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها ولا نعرفها ما
كتبت حديثا ولا أذنت في كتابة (4).
5 - أخرج الحافظ ابن عبد البر بسنده إلى الإمام مالك بن أنس قال: أول من
دون العلم ابن شهاب الزهري (5).
فالمراد بهذا، التدوين الشامل الذي بدأه الزهري، بأمر الخليفة عمر بن
عبد العزيز.
ولا يناقش ذلك بأن كتابة السنن قد بدأ من عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذا عصر
الصحابة وبعدها التابعين، لأنه لم يكن ذلك شمول مع ما يلاحظ من منع الخلفاء

(1) صحيح البخاري - كتاب العلم باب كيف تفيض العلم.
(2) جامع بيان العلم وفضله: 1 / 76.
(3) سنن الداري: 1 / 104 باب من رخص في كتابة العلم - تقييد العلم: ص 106.
(4) تقييد العلم: ص 107.
(5) جامع بيان العلم: 1 / 76 - تدوين السنة النبوية: ص 85.
195

السابقين عن كتابة الحديث ونقلها. كما قال عمر بن الخطاب: واني والله لا ألبس
كتاب الله بشئ، فترك كتابة السنن (1).
فعمر بن عبد العزيز يختار ويراجع إلى أبي بكر بن حزم وإلى الزهري، من
تدوين السنة ولا يلتمس ذلك من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين هم في عصره أركان
الفقه والحديث في المدينة.
فالصادق من آل محمد (عليهم السلام) يعيش في ذلك العصر، ومحنة الأموية تمر بها
الأمة وقد كان الحكم حكما جائرا والبدع والضلالات مستوعبا.
الزهري ويزيد بن عبد الملك
ولي يزيد بن عبد الملك بعد عمر بن عبد العزيز من سنة 101 ه‍
إلى 105 ه‍.
جعل يزيد بن عبد الملك الزهري قاضيا مع سليمان بن حبيب (2).
ويزيد هذا، هو الفاسق المتجاهر.
قال الذهبي: انه أتى بأربعين شيخا شهدوا ان الخلفاء ما عليهم حساب ولا
عذاب (3). وإنه تلطف يوما حبابة المغنية غنته أبياتا، فقال للخادم: ويحك! قل
لصاحب الشرط يصلي بالناس، وهي التي أحب يوما الخلوة معها فحذفها بعنبة.
وهي تضحك، فوقعت في فيها فشرقت، فماتت وبقيت عنده حتى أروحت واغتم
لها ثم زار قبرها... وعاش بعدها خمسة عشر اليوم أو غد.

(1) تبرير الحوادث شرح الموطأ: ص 35.
(2) سير أعلام النبلاء 5 / 337 - 331 - تاريخ مدينة دمشق 55 / 356.
(3) سير أعلام النبلاء 5 / 151.
196

وقال الذهبي: وكان لا يصلح للإمامة، مصروف الهمة إلى اللهو والغواني...
لامه أخوه مسلمة من شغفه بها وتركه مصالح المسلمين فما أفاد (1).
الزهري وهشام بن عبد الملك
ولي هشام الأمر بعهد من أخيه يزيد بن عبد الملك سنة 105 ه‍ وبقي إلى
سنة 125 وهي سنة وفاته، فالزهري مات قبله بسنة، وكانت مدة ملكه تسع عشره
سنة وسبعة أشهر غير أيام وكان هشام، يعد من دهاة بني أمية، وقرنوه بمعاوية.
روى الذهبي: قال مصعب الزبيري: زعموا إن عبد الملك رأى أنه بال في
المحراب أربع مرات، فدس من سأل ابن المسيب عنها، فقال: يملك من ولده
لصلبه أربعة، فكان هشام آخرهم، وكان حريصا جماعا للمال (2).
وكان شديد البغض للعلويين وبني هاشم وقصة حجه وعدم تمكنه من
استلام الحجر مشهورة حيث رأى لعلي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) إجلالا
وهيبة، وقال من هذا؟ استنقاصا له، وكان الفرزدق حاضرا فقال: أنا أعرفه، فقال
هشام من هو؟ فأنشأ الفرزدق قصيدته المشهور:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا جاء يستلم

(1) سير أعلام النبلاء 5 / 151 - البداية والنهاية 9 / 231.
(2) سير أعلام النبلاء 5 / 352 - 351.
197

يغضي حياء ويغضى من مهابته * فلا يكلم الا حين يبتسم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
وليس قولك من هذا؟ بضائره * العرب تعرف ما أنكرت والعجم
قال الذهبي وهي طويلة مشهورة، فأمر هشام بحبس الفرزدق فحبس
" بعسفان " وبعث إليه علي بن الحسين باثني عشر ألف درهم وقال اعذر أبا فراس،
فردها وقال: ما قلت ذلك إلا غضبا لله ولرسوله فردها علي وقال بحقي عليك لما
قبلتها فقد علم الله نيتك ورأى مكانك وقبلها وهجا هشاما بقوله:
أيحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينين حولاوين باد عيوبها (1).
روى الذهبي، عن الوليد بن مسلم: حدثنا سعيد بن عبد العزيز أنبأنا الزهري
قال لهشام اقض ديني، قال: وكم هو؟
قال: ثمانية عشر ألف دينار، قال: إني أخاف إن قضيتها عنك تعود، فقال:
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " فقضاها عنه، قال سعيد: فما
مات الزهري حتى استدان مثلها فبعث ببعث كذا فقضى دينه (2).

(1) تاريخ الاسلام وفيات 81 - 100 ص 438 - سير أعلام النبلاء: 4 / 398 - 399 - حلية الأولياء: 3 / 139
البيتان في ديوان الفرزدق: 1 / 51 ولفظهما:
يرددني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب عينا لم تكن لخليفة * مشوهة حولاء باد عيوبها.
(2) تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 234 - سير أعلام النبلاء 5 / 342 وفيه " فبيعت سغب فقضى
دينه " وسغب: ضيعة.
198

وقصص الزهري مع هشام بن عبد الملك مشهورة طول ملكه الجائرة.
كيف لا وهو معلم أطفاله وملازمه في السفر والحضر، حج هشام بن عبد
الملك سنة ست ومائة ومعه الزهري حصره مع ولده يفقههم ويعلمهم ويحج
معهم فلم يفارقهم حتى مات (1).
وهشام أيضا يعطيه العطايا ويقضي ديونه كما ذكرنا، وروى أيضا الذهبي:
قضى هشام عن الزهري سبعة آلاف دينار، وقال: لا تعد لمثلها تدان، فقال: يا أمير
المؤمنين حدثني سعيد بن مسيب: عن أبي هريرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " لا يلدغ
المؤمن من جحر مرتين " وترى كثيرا يستشهد: بالنبوي المشهورة ويخالفه،
استشهد بها عند عبد الملك وكذا عند هشام مرات.
* * *

(1) تاريخ الاسلام وفيات 121 - 140 ص 233.
199

هذا وقد انتهينا عن البحث في الأيادي المخضوبة بالظلم على السنة النبوية
الشريفة بانقطاعها من معادنها الزاخرة ومن عيونها السائغة وشجرتها الطيبة
واتصالها بخبيثتها الأموية الغادرة، التي غرسها أيدي الظالمة ليصد الناس من ثمار
الشجرة المباركة.
فأين العلوم الكاملة من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفقه بني مروان؟
وأين علي بن أبي طالب وسيدا شباب أهل الجنة؟ وأين زين العباد علي
بن الحسين وباقر العلوم وجعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام)، عند جمع الحديث
وتدوين السنة؟ فبأي سنة تعمل؟ وبأي قول يؤخذ؟
أيؤخذ قول مروان بن الحكم من شجرة الملعونة!! ويطرد رواية جعفر بن
محمد الصادق من آل محمد؟!!
وقد تبين لنا من خلال هذه الدراسة والفصول الضافية في موقف ابن
شهاب الزهري وفي سيرة بني أمية من جمع الحديث وتدوين السنة، كما تبين
الصبح الذي عينين ان آل أمية وآل مروان لا يبقى عندهم جريمة إلا ارتكبوها ولا
مفسدة إلا وهم أسسوها على مر الأيام ومضى السنون.
............................................................................. ولقيام نهضة علمية شامخة تستمد السنة المطهرة من المفكرين الأحرار
كشف قناع الأحداث التاريخية في الشريعة المطهرة، فلا تزال قريبة العهد ترى
العيون ثمراتها برد المغصوبة إلى صاحبها وقيمها الأصيلة.
200

وهم أصحاب الشجرة الطيبة المباركة، الذين عندهم جواهر الحكم
وجوامع الكلم ولطائف المعارف، الذين عندهم فقه السنن وفقه المعرفة
والمقاصد والمكارم وفقه الدين والدينا فقه الحياة وفقه العاليات العليا للحياة
الإنسان.
ما لم تجد معشارها عند شجرة الملعونة، بني أمية وأتباعها.
وفي الختام نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا معرفة الحق واتباعه وان
يجعلنا ويجعل أمتنا أهلا للإتباع والإهتداء بالكتاب الكريم والقرآن العظيم
وبرسوله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، معادن علومه وخزائن
أسراره، وهو ولي كل توفيق.
قد وقع لي الفراغ من ترقيم هذه الرسالة صباح يوم الثالث المنتصف من
شهر محرم الحرام سنة 1418 ه‍
والحمد لله رب العالمين
201

المصادر والمراجع المطبوعة
القرآن الكريم: كلام الله عز وجل.
- اتهامات كاذبة: إبراهيم بن عبد الله الحازمي. ط. الرياض - دار الشريف
للنشر - الطبعة الأولى - 1418 ه‍.
- الأخبار الطوال: أحمد بن داود أبو حنيفة الدينوري المتوفى 282 ه‍.
- إرشاد الساري: أحمد بن محمد القسطلاني المتوفى 923 ه‍.
- الإستيعاب: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد المعروف بابن عبد البر
المتوفى 463 ه‍ - ط - القاهرة.
- الإسرائيليات في كتب التفسير: الدكتور محمد بن محمد أبو شهبة - دار
الجيل - بيروت.
- الإصابة: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى 852 ه‍.
- أصول الحديث ومصطلحه: الدكتور محمد عجاج الخطيب - ط دار الفكر.
- الإلزامات والتتبع: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني المتوفى 385 ه‍.
- الامام الزهري: حارث سليمان الضاري - إشراف محمد سيد ندا - موصل
مكتبة بسام - 1405.
- الأم: أبو عبد الله محمد بن إدريس المتوفى 204 ه‍.
- أصول الحديث النبوي: الدكتور الحسين عبد المجيد هاشم - ط.
203

دار الشروق - مصر.
- أمالي القالي: أبو علي، إسماعيل بن القاسم بن عيذون المتوفى 356 ه‍.
- أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري المتوفى 279 ه‍ ط دار
المعارف القاهرة.
- بحوث في تاريخ السنة المشرفة: أكرم ضياء العمري.
- البداية والنهاية: إسماعيل بن عمر الدمشقي المعروف بابن كثير
المتوفى 774 ه‍.
- البيان والتوضيح لمن اخرج له في الصحيح ومس بضرب من التجريح:
أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي المتوفى 826 ه‍ ط - دار الجنان -
بيروت.
- تاريخ أبو زرعة: عبد الرحمن بن عمرو أبو زرعة الدمشقي المتوفى 281 ه‍.
- تاريخ الأدب العربي: كارل بروكلمان الطبعة العربية - دار المعارف مصر.
- تاريخ الاسلام: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفى 748 ه‍ ط - دار الكتاب العربي - بيروت.
- التاريخ الكبير: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى 256 ه‍.
- تاريخ بغداد: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي
المتوفى 463 ه‍.
- تاريخ خليفة بن خياط: أبو عمرو خليفة بن خياط شباب العصفري
المتوفى 240 ه‍.
204

- تاريخ عمر بن الخطاب: أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي
المتوفى 597 ه‍.
- تاريخ مدينة دمشق: أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله المعروف بابن
عساكر المتوفى 571 ه‍ ط دار الفكر - بيروت - 1417 ه‍ الأولى.
- التبيين لأسماء المدلسين: سبط ابن العجمي الشافعي المتوفى 841 ه‍.
- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: جلال الدين عبد الرحمن ابن
أبي بكر السيوطي المتوفى 911 ه‍.
- تدوين السنة: محمد الطيب البنجار - ط - المجلس الأعلى للشئون
الاسلامية.
- تذكرة الحفاظ: أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى 748 ه‍.
- تفسير ابن كثير: إسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير المتوفى 774 ه‍.
- تفسير النيسابوري: الحسن بن محمد بن الحسين النيسابوري
المتوفى 728 ه‍.
- تفسير جامع البيان: محمد بن جرير الطبري المتوفى 310 ه‍.
- تقريب التهذيب: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
المتوفى 852 ه‍.
- التقريب: محي الدين يحيى بن شرف النووي المتوفى 676 ه‍.
- تقييد العلم: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى 463 ه‍.
- تلخيص المستدرك: أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى 748 ه‍.
205

- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: أبو عمرو يوسف بن عبد
الله المعروف بابن عبد البر المتوفى 463 ه‍.
- تهذيب الأسماء واللغات: أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي
المتوفى 676 ه‍.
- تهذيب التهذيب: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
المتوفى 852 ه‍.
- تهذيب الكمال: أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي المتوفى 742 ه‍.
- تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر: عبد القادر بدران المتوفى 1346 ه‍.
- ثمرات النظر في علم الأثر: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني
المتوفى 1182 ه‍ طبع - الرياض - 1417 ه‍.
- جامع الأحاديث: جلال الدين السيوطي المتوفى 911 ه‍.
- جامع الأصول في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): أبو السعادات المبارك بن محمد
بن الأثير المتوفى 606 ه‍.
- جامع التحصيل في أحكام المراسيل: ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا من
الكتب يشترون الظللة ويريدون أن تضلوا السبيل أبو سعيد خليل بن كيكلدي
العلائي المتوفى 761 ه‍.
- جامع بيان العلم وفضله: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبر البر
المتوفى 463 ه‍.
- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت
الخطيب البغدادي المتوفى 436 ه‍.
206

- الجرح والتعديل: عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى 327 ه‍.
- الجمع بين رجال الصحيحين: أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي
ابن القيسراني المتوفى 507.
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني
المتوفى 430 ه‍.
- الخلاصة في أصول الحديث: الحسين بن عبد الله الطيبي المتوفى 743 ه‍.
- الخليفة الزاهد: عبد العزيز سيد الأهل - ط - دار الملايين - بيروت.
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين السيوطي المتوفى 911 ه‍.
- الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة: جلال الدين السيوطي
المتوفى 911 ه‍.
- دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه: أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي
المتوفى 597 ه‍.
- دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث: الدكتور امتياز احمد عميد كلية
المعارف بجامعة كراتشي - نقله إلى العربية، الدكتور امين قلعجي - ط. الأولى -
القاهرة 1410 ه‍ - دار الوفاء.
- دول الإسلام: محمد بن أحمد الذهبي المتوفى 748 ه‍.
- ديوان الضعفاء والمتروكين: أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي
المتوفى 748 ه‍.
- رجال صحيح البخاري: أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسين البخاري
207

الكلاباذي المتوفى 398 ه‍.
- الرحيق المختوم: صفي الرحمن المباركفوري - ط. دار الحديث - القاهرة -
1412 ه‍.
- الرسالة المستطرفة: محمد بن جعفر الكتابي المتوفى 1345 ه‍.
- الرسوالة المستطرفة: محمد بن جعفر الكتاني المتوفى 1345 ه‍.
- الرصف لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الفعل والوصف: محمد بن العاقولي
المتوفى 797 ه‍ - ط - القاهرة 1406 ه‍.
- رواية الشاميين للمغازي والسير في القرنين الأول والثاني الهجريين:
الدكتور حسين عطوان - ط - دار الجيل - عمان - 1986 م.
- الزهد والرقائق: عبد الله بن المبارك المتوفى (18 ه‍ - ط - مؤسسة الرسالة.
- سنن ابن ماجة: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المتوفى 275 ه‍.
- سنن الدارقطني: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني المتوفى 385 ه‍.
- سنن الدارمي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي المتوفى 255 ه‍.
- السنن الصغرى: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى 458 ه‍.
- السنن الكبرى: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى 458 ه‍.
- سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى 275 ه‍.
- سير أعلام النبلاء: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى 748 ه‍.
- سيرة ابن هشام: عبد الملك أبي محمد المتوفى 213 ه‍.
- سيرة الرسول: أبو الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى 774 ه‍.
208

- السيرة النبوية: إسماعيل بن عمر ابن كثير، المتوفى 774.
- سيرة عمر بن عبد العزيز: علي فاعور - ط. دار الهادي - بيروت الطبعة
الأولى.
- شذرات الذهب: أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفى 1089 ه‍.
- شرح صحيح مسلم: محي الدين يحيى بن شرف النووي المتوفى 676 ه‍.
- شرح علل الترمذي: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب - ابن رجب -
المتوفى 795 ه‍.
- صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى 256 ه‍.
- صحيح مسلم: أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيشابوري
المتوفى 261 ه‍.
- صحيفة همام بن منبه: أخرج أحاديثها وشرحها، رفعت فوزي - ط القاهرة -
مكتبة الخانجي.
- صفة الصفوة: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي المتوفى 597 ه‍.
- الضعفاء الصغير: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى 256 ه‍.
- الضعفاء والمتروكون: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي
المتوفى 385 ه‍.
- الضعفاء والمتروكون: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي
المتوفى 303 ه‍.
- الطبقات الكبرى: محمد بن سعد المتوفى 230 ه‍.
209

- طبقات المدلسين: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى 852 ه‍.
- طبقات خليفة: أبو عمرو خليفة بن خياط شباب العصفري 240 ه‍.
- العبر في خبر من غبر: أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى 748 ه‍.
- عقد الفريد: أحمد بن محمد الأندلسي ابن عبد ربه المتوفى 328 ه‍.
- العلل ومعرفة الرجال: أحمد بن محمد بن حنبل المتوفى 241 ه‍.
- علوم الحديث: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المعروف
بابن الصلاح المتوفى 643 ه‍.
- عيون الأخبار: أبو محمد عبد الله بن مسلم المتوفى 276 ه‍.
- الفتاوي: أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية المتوفى 728 ه‍.
- فتح الباري: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى 852 ه‍.
- فتح المغيث: محمد بن عبد الرحمن أبن الخير السخاوي المتوفى 902 ه‍.
- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: محمد بن علي الشوكاني
المتوفى 1250 ه‍.
- فيض القدير شرح جامع الصغير: عبد الرؤوف المناوي المتوفى 1031 ه‍.
- القاموس المحيط: محمد بن يعقوب الفيروزآبادي المتوفى 817 ه‍.
- القضاة الشافعية: عبد القادر بن محمد يحيى الدين النعيمي المتوفى 927 ه‍.
- القواعد في علوم الحديث: ظفر أحمد العثمان التهانوي، تحقيق: أبو غدة.
- الكاشف في معرفة الرجال: محمد بن أحمد الذهبي المتوفى 748 ه‍.
210

- الكافية في علم الدراية: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي
المتوفى 463 ه‍.
- الكامل في التاريخ: أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابن الأثير
المتوفى 630 ه‍.
- الكامل في ضعفاء الرجال: أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله
الجرجاني المتوفى 365 ه‍.
- كشف الظنون: مصطفى بن عبد الله - حاجي خليفة -.
- كنز العمال في سنن والأقوال والأفعال: علاء الدين علي المتقي الهندي
المتوفى 975 ه‍.
- لسان الميزان: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى 852 ه‍.
- مآثر الإناقة في رتبة الخلافة: أحمد بن علي القلقشندي المتوفى 821 ه‍.
- المتواري في تراجم أبواب البخاري: ناصر الدين أحمد بن محمد
المعروف بابن المنير الإسكندراني المتوفى 683 ه‍ - ط - مكتبة المعلا الكويت.
- المجروحين: محمد بن حبان البستي المتوفى 354 ه‍.
- المحدث الفاصل: الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي المتوفى 360 ه‍.
- المختصر من تاريخ دمشق: محمد بن مكرم المعروف بابن منظور
المتوفى 711 ه‍.
- مرآة الجنان: عبد الله بن أسعد اليافعي المتوفى 768 ه‍.
- المرقاة المفاتيح: علي بن سلطان محمد القاري المتوفى 1014 ه‍.
211

- المستدرك على الصحيحين: أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم
النيسابوري المتوفى 405 ه‍.
- مسند أحمد: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل المتوفى 241 ه‍.
- المسند الجامع للأحاديث الكتب الستة: رتبه بشار عواد وجماعة - ط -
1413 ه‍ الأولى.
- مشاهير علماء الأمصار: محمد بن حبان البستي المتوفى 345 ه‍.
- المصنف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى 221 ه‍.
- المصنف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة المتوفى 235 ه‍.
- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: أبو الفصل أحمد بن علي بن
حجر العسقلاني المتوفى 852 ه‍.
- المعارف: عبد الله بن مسلم بن قتيبة المتوفى 276 ه‍.
- معجم الأدباء: ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي البغدادي المتوفى 626 ه‍.
- معرفة الرواة المتكلم فيهم بما يوجب الرد: محمد بن أحمد بن عثمان
الذهبي المتوفى 748 ه‍.
- معرفة علوم الحديث: أبو عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى 405 ه‍ ط -
الدكتور السيد معظم حسين، رئيس جامعة دكة بنغالة - هند.
- المعرفة والتاريخ: أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي المتوفى 277 ه‍.
- المغازي النبوية: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المتوفى 124 ه‍ تحقيق:
سهيل زكار - ط دار الفكر بدمشق - 1980 م.
212

- المغني في الضعفاء: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفى 748 ه‍.
- المغني في معرفة رجال الصحيحين: صفوت عبد الفتاح محمود - ط دار
عمار - عمان - الأولى.
- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن
الجوزي المتوفى 597 ه‍.
- الموضوعات: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي المتوفى 597 ه‍.
- الموطأ: مالك بن أنس المتوفى 179 ه‍.
- ميزان الإعتدال: أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى 748 ه‍.
- النجوم الزاهرة: أبو المحاسن يوسف بن تغري بردى الأتابكي
المتوفى 784 ه‍.
- نزهة النظر شرح نخبة الفكر: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر المتوفى 852 ه‍.
- نصيحة أهل الحديث: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي
المتوفى 463 ه‍.
- نهاية الإرب في فنون الأدب: أحمد بن عبد الوهاب النويري
المتوفى 733 ه‍ - ط - وزارة الثقافة المصرية.
- الوافي بالوفيات: خليل بن أيبك الصفدي المتوفى 764 ه‍.
- الوضع في الحديث: الدكتور عمر بن حسن عثمان فلاته - ط - مكتبة
الغزالي - دمشق - 1410 ه‍.
213

- الوضع والوضاعون: الدكتور عبد الصمد بن بكر بن إبراهيم عابد ط.
المدينة المنورة دار الفضيلة.
- وفيات الأعيان: أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان
المتوفى 681 ه‍.
- الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف: أحمد بن علي بن حجر
العسقلاني المتوفى 852 ه‍.
- هدى الساري: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
المتوفى 852 ه‍.
* * *
214