الكتاب: معالم المدرستين
المؤلف: السيد مرتضى العسكري
الجزء: ٣
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

معالم المدرستين 3
1

مؤسسة النعمان
للطباعة والنشر والتوزيع
الحاج حسن الكتبي
تتعهد المؤسسة لكافة المؤلفين والناشرين الكرام داخل لبنان وخارجه بطبع
كتبهم وصفها (بالكمبيوتر): وكذلك التصحيح والورق والتجليد الفني بأسعار
مرضية، كما تزود المكتبات ودور النشر بكتبها وكتب دور النشر الأخرى وحسب
الطلب.
اتصلوا بنا على العنوان التالي:
بيروت - لبنان حارة حريك - شارع دكاش ص. ب. 229 / 25.
2

معالم المدرستين
الجزء الثالث
مصادر الشريعة الاسلامية واثر قيام الإمام الحسين (ع)
في احياء سنة الرسول (ص)
تأليف
العلامة السيد مرتضى العسكري
3

حقوق الطبع محفوظة
1410 ه‍ - 1990 م
4

بسم الله الرحمن الرحيم
فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا
الألباب.
الزمر 17 - 18
5

معالم المدرستين
القسم الأول
البحث الرابع
قيام الإمام الحسين (ع) ضد الانحراف
عن سنة رسول الله (ص) بسبب الاجتهاد والعمل بالرأي
المدخل: حال المسلمين قبل قيام الإمام الحسين (ع)
الفصل الأول: استشهاد الإمام الحسين (ع) أيقظ الأمة من سباتها العميق
الفصل الثاني: ثورات أهل الحرمين وغيرهم بعد استشهاد الإمام الحسين (ع)
7

معالم المدرستين - القسم الأول
البحث الرابع
المدخل
حال المسلمين قبل قيام الإمام الحسين (ع)
9

بسم الله الرحمن الرحيم
10

ذكرنا في ما سبق كيف اجتهد الخلفاء بعد رسول الله في احكام الاسلام حكما
بعد حكم بما رأوا فيه مصلحة عامة أو مصلحة خاصة مما حفلت بذكره كتب
الخلاف وأوردنا بعضها في ما سبق، والى جانب ذلك وجه المسلمون توجيها خاصا إلى
تقديس مقام الخليفتين أبي بكر وعمر خاصة بحيث أصبح مستساغا لدى عامتهم أن
يشترط في البيعة بعد الخليفة عمر: العمل بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين، وبذلك
أقر المسلمون أن تكون سيرة الشيخين في عداد كتاب الله وسنة نبيه، مصدرا للتشريع
في المجتمع الاسلامي، واستمر الامر كذلك حتى إذا جاء إلى الحكم الإمام علي (ع)
بقوة الجماهير بعد عثمان، لم يستطع أيضا أن يعيد إلى المجتمع الاحكام الاسلامية التي
اجتهد فيها الخلفاء، وتعالت صيحات: وا سنة عمراه، من جيشه عندما نهاهم عن إقامة
صلاة النافلة جماعة في شهر رمضان، ولم يرضوا بسنة الرسول بديلا عن سنة عمر في هذا
الحكم، وذلك لان الجماهير المسلمة عندما بايعته لم تكن تدرك بأنه مخالف في اتجاهه
في الحكم سيرة الشيخين، وهذا ما كان يحاول معاوية جاهدا أن ينبه الجماهير
الاسلامية إليه، ليثوروا عليه.
والامام وان لم يستطع ان يعيد إلى المجتمع الاحكام الاسلامية التي جاء بها
الرسول بديلا عن اجتهادات الخلفاء، استطاع هو وثلة من صحبه ان ينشروا بين
المسلمين من حديث الرسول ما كان محظورا نشره قبل ذاك. فأنتجت هذه النهضة من
الإمام علي وجماعته في نشر الحديث المحظور عن الرسول، تيارا فكريا مخالفا لما ألفه
11

المسلمون زهاء خمس وعشرين سنة مدة حكومة الخلفاء الثلاثة قبله، وهذا ما أشار إليه
سليم بن قيس حين قال لأمير المؤمنين:
" اني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث
عن نبي الله (ص) أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل، افترى الناس
يكذبون على رسول الله متعمدين ويفسرون القرآن برأيهم...؟ "
كان ما سمعه سليم من سلمان وأبي ذر والمقداد وليس غيرهم قبل هذا،
بتكتم وائتمان على سر، ثم سمعه بعد ذلك من أمير المؤمنين وصحبه جهارا وفي غير سر
من قبل مناشدة أمير المؤمنين الركبان في رحبة مسجد الكوفة: من سمع النبي يقول في
غدير خم (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) فليشهد. فقام اثنا عشر بدريا وشهدوا
بذلك. وما كشفه عن واقع الامر في خطبته الشقشقية حين قال:
" أما والله لقد تقمصها فلان - ابن أبي قحافة - وانه ليعلم ان محلي منها محل
القطب من الرحى ينحدر عنى السيل ولا يرقى إلي الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت
عنها كشحا وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها
الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا
أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول
لسبيله فأدلى إلى فلان بعده.
شتان ما يومى على كورها * ويوم حيان أخي جابر
فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا
ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها، ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها،
والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم،
فمنى الناس لعمر الله - بخبط وشماس وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدة
وشدة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنى أحدهم، فيا لله
وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر!!
لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا، فصغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر
لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه
بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه
عمله وكبت به بطنته فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ينثالون علي من كل
12

جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم فلما
نهضت بالامر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون... الخطبة.
ومثل قوله: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (ص) متعمدين
لخلافه، ناقضين لعهده مغيرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها، وحولتها إلى
مواضعها، والى ما كانت في عهد رسول الله (ص)، لتفرق عنى جندي حتى أبقى
وحدي، أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عز وجل
وسنة رسول الله (ص) 1.
انقسام الأمة إلى قسمين
تلكم التظاهرة الضخمة في الأقوال أدت إلى انقسام الأمة إلى قسمين، وذلك أن
الناس مدى الدهر ينقسمون إلى قسمين:
1 - همج رعاع، اتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح - كما وصفهم الإمام علي
(ع) 2.
2 - وقسم آخر يتحركون، واعين لتحركهم هادفين وينظر في تقييم أفعال
الناس في المجتمع وتعليلها إلى الواعين الهادفين. والواعون الهادفون في المجتمع يومذاك
انقسموا على اثر تلك التظاهرة إلى قسمين:
أ - محب لأهل البيت، موال لهم مقر بفضلهم.
ب - مستنكر للاستهانة بمقام الشيخين مستهزئ بأقوال الامام، يزداد حقدهم
له يوما بعد يوم، وكان جل هؤلاء الحاقدين على الامام ممن ثار قبل ذلك على عثمان
حتى قتلوه: وهؤلاء هم الخوارج الذين رفعوا شعار " لا حكم الا الله " واشرب في
قلوبهم حب الشيخين، والسخط على عائشة، وطلحة، والزبير، وعثمان، وعلي.
وخرج هؤلاء على الامام فقاتلهم في نهروان. ولم يقض عليهم، فأردوه قتيلا في محرابه،
واستولى على الحكم معاوية بعده، فبذل جهده في عشرين سنة مدة حكمه في توجيه الأمة
توجيها تساير مع هواه وتسير طائعة راغبة إلى ما يشتهيه.
وكان معاوية بالإضافة إلى ذلك يغيضه انتشار ذكر بني هاشم أعداء أسرته

1) راجع الهامش رقم 1 في صفحة 132، ونهج البلاغة باب المختار من حكم أمير المؤمنين رقم 147.
2) ترجمة الامام على بتاريخ دمشق لابن عساكر، ط الأولى سنة 1935 ه‍ بمطبعة العاملية 2 / 285
الحديث 501 - 528 خاصة رقم 521 - 522.
13

التقليديين عامة، وخاصة ذكر الرسول وابن عمه الإمام علي، وذلك لانتشار ذكرهما
بين المسلمين انتشارا هائلا 1 في مقابل خمول ذكر بني أبيه أمثال عتبة، وشيبة،
وأبي سفيان، والحكم بن أبي العاص أولا، وثانيا لما يناقض انتشار ذكر الرسول وابن
عمه ما يتوخاه من تركيز الخلافة لنفسه، وتوريثه لعقبه، فان مع انتشار ذكرهما تتجه
أنظار المسلمين إلى شبليهما الحسن والحسين، لهذا كله جد معاوية في اطفاء نورهم عامة،
وخاصة ذكر الرسول وابن عمه، فقدر لهذا، ودبر ما يلي:
أ - رفع ذكر الخليفتين أبي بكر وعمر، وألحق بهما أخيرا ابن عمه عثمان ثالث
الخلفاء 2.
ب - العمل سرا لتحطيم شخصية الرسول في نفوس المسلمين وجهارا لتحطيم
شخصية ابن عمه، وللوصول إلى هذين الهدفين، دفع قوما من الصحابة والتابعين
ليضعوا أحاديث في ما يرفع ذكر الخلفاء، ويضع من كرامة الرسول وابن عمه وصرف
حوله وطوله في انجاح هذا التدبير، وكتم أنفاس من خالفه في ذلك من أولياء علي وأهل بيته
وقتلهم شر قتلة، صلبا على جذوع النخل، وتمثيلا بهم، ودفنهم احياء.
فنجح في ما دبر نجاحا منقطع النظير حين انتشر بين الأمة على اثر ذلك أحاديث
تروى عن رسول الله أنه قال في مناجاته لربه: اني بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما
مؤمن لعنته أو سببته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة. وفي
رواية " طهورا: أجرا " 3.
وانه قال " أنتم أعلم بأمر دنياكم " أو قال " وإذا أمرتكم بشئ من رأي
فإنما أنا بشر " وانه قال ذلك عندما نهاهم عن تأبير النخل وفسد تمرهم 4 أو أنه رفع

1) اما انتشار ذكر الرسول فواضح واما اسم على فمن مواقفه في بدر وأحد وخندق وخيبر ومن
أحاديث الرسول في شأنه في تلك المواقف وفى تبوك والغدير، وعمل الرسول في المباهلة، وعند نزول آية التطهير،
وآيات صدر سورة البراءة. من كل ذلك ونظائرها انتشر له ذكر جميل، وسعى معاوية لاخفاء معالمه.
2) راجع قبله فصل " على عهد معاوية " من باب الحديث 336 فما بعد.
3) صحيح مسلم باب " من لعنه النبي (ص) أو سبه... كان له زكاة وأجرا ورحمة " من كتاب البر
ح 88 - 97، وأبو داود السنة - 10، والدارمي الرقاق - 52، ومسند أحمد 2 / 317 و 390 و 449 و 448 و
493 و 496 و 3 / 33 و 391 و 400 و 5 / 437 و 439 و 6 / 45.
4) صحيح مسلم، باب " وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره (ص) من معايش الدنيا على
سبيل الرأي " من كتاب الفضائل ح 139 - 141، وابن ماجة باب تلقيح النخل، ومسند أحمد 1 / 162 و
3 / 152.
14

زوجته عائشة لتنظر إلى رقص الحبشة بمسجده 1، أو أنه أقيم مجلس الغناء في داره 2
هذه الأحاديث إلى عشرات غيرها، نراها قد وضعت بامعان في عصر معاوية 3
وامتد أثرها على مدرسة الخلفاء إلى يومنا الحاضر، وانها هي التي جعلت طائفة من
المسلمين لا ترى لرسول الله القدرة على اتيان المعجزات، ولا الشفاعة، ولا حرمة لقبره،
ولا ميزة له بعد موته.
اما الإمام علي (ع) فقد نجح معاوية في تحطيم شخصيته في المجتمع الاسلامي
يومذاك إلى حد أن المسلمين استمروا على لعنه فوق جميع منابرهم في شرق الأرض
وغربها، خاصة في خطبة الجمعة كفريضة من فرائض صلاة الجمعة زهاء الف شهر مدة
حكم آل أمية، والى جانب ذلك نجح معاوية في رفع مقام الخلافة في نفوس المسلمين 4.
واستمرت الأمة بعده في سيرها الفكري على هذا الاتجاه إلى حد أنه أمكن
الولاة أن يقولوا على منابر المسلمين أخليفة أحدكم أكرم عنده أم رسوله؟ أي أن
الخليفة الذي يعتبرونه خليفة الله في الأرض أكرم على الله من رسوله خاتم النبيين.
نتيجة مساعي الخليفة معاوية
وكانت نتيجة تلك المساعي أن المسلمين وغير المسلمين منذ عهد معاوية وإلى
اليوم عرفوا رسول الله وابن عمه والخلفاء الثلاثة وشخصيات اسلامية أخرى من
خلال ما وضع من حديث على عهد معاوية وكما أراد معاوية وكان ما اراده خلاف
الواقع الذي كانوا عليه، وبالإضافة إلى ذلك كان لمعاوية اجتهادات في تغيير الاحكام

1) صحيح البخاري كتاب الصلاة باب أصحاب الحراب في المسجد كتاب العيدين، باب: 25،
كتاب الجهاد، باب 79. وكتاب النكاح باب نظر المرأة إلى الجيش ونحوهم من غير ريبة وباب حسن
المعاشرة مع الأهل وكتاب المناقب باب قصة الحبش.
وصحيح مسلم كتاب صلاة العيدين باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه. مساجد 18، نسائي
34 و 35، منسد أحمد 2 / 368 و 6 / 56 و 83 و 84 و 85 و 166 و 186.
2) صحيح البخاري " كتاب فضائل النبي " باب مقدم أصحاب النبي المدينة - وكتاب العيدين -
باب سنة العيدين لأهل الاسلام، وباب إذا فإنه العيد يصلى ركعتين، وباب الحراب والدرق، وكتاب مناقب
الأنصار / 46 وصحيح مسلم باب اللعب الذي لا معصية فيه كتاب العيدين / 16. سنن ابن ماجة،
كتاب النكاح - 21، ومسند أحمد 6 / 134.
3) راجع فصل " مع معاوية " من كتاب أحاديث عائشة للمؤلف.
4) سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
15

الاسلامية بدل منها ما بدل باجتهاده، سمى بعضها بأوليات معاوية 1.
استطاع معاوية بكل تلك الجهود أن يبدل الاسلام ويعرفه كما يشتهي، حتى لم
يبق من الاسلام في آخر عهده الا اسمه ومن القرآن الا رسمه، وإنما حافظ معاوية ومن
جاء بعده على اسم الاسلام لأنهم كانوا يحكمون باسم الاسلام.
كذلك كانت حالة المسلمين عندما توفي معاوية في سنة ستين واستولى على
الحكم ابنه يزيد، فما كان أمام سبط الرسول ووريثه الا واحدة من اثنتين: البيعة، أو
القتال. وبيعة الحسين (ع) ليزيد كان معناها اقراره على أفعاله وتصديقه لأقواله. فأبى
الحسين (ع) أن يبايع يزيد واستشهد في سبيل ذلك.

1) ذكر بعضها اليعقوبي في تأريخه والسيوطي في تاريخ الخلفاء في ذكر سيرة معاوية.
16

الإمام الحسين (ع) امتنع من بيعة يزيد
فكيف كان يزيد في أفعاله وأقواله؟ ولماذا أبى الامام أن يبايعه؟ وهل كان
يعرف مصيره حين أبى؟ وماذا كان أثر استشهاده على الاسلام والمسلمين؟
في ما يلي نحاول تفهم كل ذلك من خلال كتب الحديث والسيرة إن شاء الله
تعالى.
أولا: يزيد في أفعاله وأقواله
في تاريخ ابن كثير: كان يزيد صاحب شراب، فأحب معاوية أن يعظه في رفق،
فقال: يا بني ما أقدرك على أن تصل حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك وقدرك
ويشمت بك عدوك ويسئ بك صديقك، ثم قال: يا بني اني منشدك أبياتا فتأدب
بها واحفظها فأنشده:
انصب نهارك في طلاب العلا * واصبر على هجر الحبيب القريب
حتى إذا الليل أتى بالدجا * واكتحلت بالغمض عين الرقيب
فباشر الليل بما تشتهى * فإنما الليل نهار الأريب
كم فاسق تحسبه ناسكا * قد باشر الليل بأمر عجيب
غطى عليه الليل أستاره * فبات في أمن وعيش خصيب
ولذة الأحمق مكشوفة * يسعى بها كل عدو مريب 1

1) تاريخ ابن كثير 8 / 228.
17

وقال: وكان فيه أيضا اقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات، في بعض
الأوقات، وإقامتها في غالب الأوقات 1.
* * *
لما أراد معاوية أن يأخذ البيعة ليزيد من الناس، طلب من زياد أن يأخذ بيعة
المسلمين في البصرة، فكان جواب زياد له: ما يقول الناس إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد،
وهو يلعب بالكلاب والقرود، ويلبس المصبغات، ويدمن الشراب، ويمشي على الدفوف
وبحضرتهم الحسين بن علي، و عبد الله بن عباس، و عبد الله بن الزبير، و عبد الله بن
عمر، ولكن تأمره يتخلق بأخلاق هؤلاء حولا أو حولين فعسينا أن نموه على الناس 2.
فاغزى معاوية يزيد الصائفة مع الجيش الغازي الروم " فتثاقل وعتل وأمسك
عنه أبوه " 3 فأصاب المسلمين حمى وجدري في بلاد الروم ويزيد حينذاك كان
مصطبحا بدير مران مع زوجته أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر، فلما بلغه خبرهم قال:
إذا ارتفقت على الأنماط مصطبحا * بدير مران عندي أم كلثوم
فما أبالي بما لاقت جنودهم * ب‍ (الغذقدونة) من حمى ومن موم 4
وبعده في معجم البلدان:
فبلغ معاوية ذلك فقال: لا جرم ليلحقن بهم ويصيبه ما أصابهم والا خلعته فتهيأ
للرحيل وكتب إليه:
تجنى لا تزل تعد ذنبا * لتقطع حبل وصلك من حبالي
فيوشك أن يريحك من بلائي * نزولي في المهالك وارتحالي 5
وأرسل معاوية يزيد إلى الحج وقيل بل أخذه معه فجلس يزيد بالمدينة على
شراب فاستأذن عليه عبد الله بن العباس والحسين بن علي فأمر بشرابه فرفع، وقيل له:
ان ابن عباس ان وجد ريح شرابك عرفه، فحجبه واذن للحسين، فلما دخل وجد رائحة
الشراب مع الطيب، فقال: ما هذا يا ابن معاوية؟ فقال: يا أبا عبد الله هذا طيب

1) تاريخ ابن كثير 8 / 230.
2) تاريخ اليعقوبي 2 / 220.
3) هذا نص ابن الأثير في تاريخه 3 / 181 في ذكر حوادث سنة 49.
4) تاريخ اليعقوبي 2 / 229، والأغاني ط. ساسى 16 / 33، وأنساب الأشراف 4 / 2 / 3.
5) ترجمة دير مران والغذقدونة: من معجم البلدان.
18

يصنع لنا بالشام ثم دعا بقدح فشربه ثم دعا بقدح آخر فقال: اسق أبا عبد الله يا
غلام. فقال الحسين: عليك شرابك أيها المرء...
فقال يزيد:
ألا يا صاح للعجب * دعوتك ثم لم تجب
إلى القينات واللذات * والصهباء والطرب
وباطية مكللة * عليها سادة العرب
وفيهن التي تبلت * فؤادك ثم لم تتب
فوثب الحسين عليه وقال: بل فؤادك يا ابن معاوية تبلت 1.
وحج معاوية وحاول أن يأخذ البيعة من أهل مكة والمدينة فأبى عبد الله بن
عمر وقال: نبايع من يلعب بالقرود والكلاب ويشرب الخمر ويظهر الفسوق، ما
حجتنا عند الله؟
وقال ابن الزبير: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقد أفسد علينا ديننا 2 وفي
رواية: إن الحسين قال له: كأنك تصف محجوبا أو تنعت غائبا أو تخبر عما كان
احتويته لعلم خاص وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد في ما أخذ من
استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش والحمام السبق لأترابهن، والقينات ذوات
المعازف وضروب الملاهي تجده ناصرا ودع عنك ما تحاول 3. انتهى.
قال المؤلف لست أدري هل كان هذا الحوار من سبط النبي مع معاوية وحوار
ابن الزبير وابن عمر معه في مجلس واحد أو في مجلسين، ومهما يكن من امره فان معاوية
لم يستطع ان يأخذ البيعة من هؤلاء واستطاع أن يأخذ البيعة من أهل الحرمين ويموه
عليهم أمر العبادلة في بيعة ابنه وارتحل عنهم.
* * *
وجدنا يزيد في سفريه إلى الحج والغزو يتظاهر باللامبالاة بالمقدسات الاسلامية
وعدم الاكتراث بنكبة الجيش الاسلامي الغازي، خلافا لرغبة أبيه معاوية ووصية
دعيه زياد أن يتظاهر بالتخلق بالأخلاق الاسلامية حولا أو حولين عساهم ان يموهوا

1) الأغاني 14 / 61، وتاريخ ابن الأثير 4 / 50 في ذكره سيرة يزيد وقد أوردت الخبر بإيجاز.
2) تاريخ اليعقوبي 2 / 228.
3) الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 170.
19

على الناس أمره ولم يكتف بذلك حتى نظم في سكره واعلام أمره ما سارت به
الركبان.
وأكثر يزيد من نظم الشعر في الخمر والغناء مثل قوله:
معشر الندمان قوموا * واسمعوا صوت الأغاني
واشربوا كأس مدام * واتركوا ذكر المثاني 1
شغلتني نغمة العيدان * عن صوت الاذان
وتعوضت من الحور * عجوزا في الدنان
وقوله:
ولو لم يمس الأرض فاضل بردها * لما كان عندي مسحة للتيمم
وأظهر ذات صدره في قصيدته التي يقول فيها:
عليه هاتي واعلني وترنمي * بذلك إني لا أحب التناجيا
حديث أبي سفيان قدما سما بها * إلى أحد حتى أقام البواكيا
الا هات سقينى على ذاك قهوة * تخيرها العنسي كرما شاميا
إذا ما نظرنا في أمور قديمة * وجدنا حلال شربها متواليا
وان مت يا أم الأحيمر فانكحي * ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا
فان الذي حدثت عن يوم بعثنا * أحاديث طسم تجعل القلب ساهيا
ولا بد لي من أن أزور محمدا * بمشمولة صفراء تروى عظاميا
إلى غير ذلك مما نقلت من ديوانه. انتهى نقلا عن تذكرة خواص الأمة 2.
يخاطب يزيد في هذه القصيدة حبيبته ويقول لها: ترنمي وأعلني قصة
أبي سفيان لما جاء إلى أحد وفعل ما فعل، حتى أقام البواكي على حمزة وغيره من
شهداء أحد، اعلني ذلك ولا تذكريه في نجوى، واسقني على ذلك خمرا تخيرها الساقي من
كروم الشام. فانا إذ نظرنا في أمور قديمة من أعراف قريش وآل أمية في الجاهلية وجدنا
حلالا شربها متواليا واما ما قيل لنا عن البعث فهي من قبيل أساطير (طسم) تشغل

1) في الأصل: " المعاني " تحريف ويقصد بالمثاني: السبع المثاني أي اتركوا قراءة الحمد في الصلاة.
2) تذكرة خواص الأمة - ص 164 تأليف أبى المظفر يوسف بن قزاوغلي أي السبط وكان سبط
جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي. من مؤلفاته التاريخ المسمى بمرآة الزمان (ت 654) راجع ترجمة جده في
وفيات الأعيان لابن خلكان.
20

قلبنا فلا بعث ولا نشور فإذا مت فانكحي بعدي فلا تلاقي بعد الموت، ثم يستهزئ
بالرسول، ويقول: ولا بد أن ألقاه بخمرة باردة تروي عظامي، كان يزيد يستهين بمشاعر
المسلمين وينادم النصارى.
وروى صاحب الأغاني وقال: كان يزيد بن معاوية أول من سن الملاهي في
الاسلام من الخلفاء وآوى المغنين وأظهر الفتك وشرب الخمر، وكان ينادم عليها
سرجون النصراني مولاه، والأخطل - الشاعر النصراني - وكان يأتيه من المغنين
سائب خاثر فيقيم عنده فيخلع عليه... 1.
كان يزيد بن معاوية أول من أظهر شرب الشراب والاستهتار بالغناء والصيد
واتخاذ القيان والغلمان والتفكه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعافرة بالكلاب
والديكة 2.
وكان من الطبيعي أن يتأثر بيزيد حاشيته ويتظاهر الخلعاء والماجنون أمرهم
كما ذكره المسعودي في مروجه قال: وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله
من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي وأظهر الناس
شرب الشراب.
وكان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته، ويطرح له متكأ، وكان
قردا خبيثا، وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت وذللت لذلك بسرج ولجام
ويسابق بها الخيل يوم الحلبة فجاء في بعض الأيام سابقا، فتناول القصبة ودخل الحجرة
قبل الخيل وعلى أبى قيس قباء من الحرير الأحمر والأصفر مشمر وعلى رأسه قلنسوة من
الحرير ذات الألوان بشقائق، وعلى الأتان سرج من الحرير الأحمر منقوش ملمع بأنواع
من الألوان فقال في ذلك بعض شعراء الشام في ذلك اليوم.
تمسك أبا قيس بفضل عنانها * فليس عليها إن سقطت ضمان
ألا من رأى القرد الذي سبقت به * جياد أمير المؤمنين أتان 3
وروى البلاذري عن قصة هذا القرد وقال: كان ليزيد بن معاوية قرد يجعله
بين يديه ويكنيه أبا قيس، ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ

1) الأغاني 16 / 68.
2) أنساب الأشراف للبلاذري ج 4 القسم الأول ص 1. المعافرة كالمهارشة.
3) مروج الذهب 3 / 67 - 68.
21

وكان يسقيه النبيذ ويضحك مما يصنع وكان يحمله على أتان وحشية ويرسلها مع
الخيل فيسبقها، فحمله يوما وجعل يقول تمسك... البيتين 1.
واشتهر يزيد بمنادمة القرود حتى قال فيه رجل من التنوخ:
يزيد صديق القرد مل جوارنا * فحن إلى أرض القرود يزيد
فتبا لمن أمسى علينا خليفة * صحابته الأدنون منه قرود 2
وقال ابن كثير: اشتهر يزيد بالمعازف وشرب الخمور والغناء والصيد واتخاذ
القيان والكلاب والنطاح بين الأكباش والدباب والقرود وما من يوم الا ويصبح فيه
مخمورا: وكان يشد القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به ويلبس القرد قلانس
الذهب وكذلك الغلمان وكان يسابق بين الخيل وكان إذا مات القرد حزن عليه
وقيل أن سبب موته أنه حمل قردة وجعل ينقزها فعضته... 3.
وروى البلاذري عن شيخ من أهل الشام: ان سبب وفاة يزيد أنه حمل قردة
على الأتان وهو سكران ثم ركض خلفها فسقط فاندقت عنقه أو انقطع في جوفه شئ.
وروى عن ابن عياش أنه قال: خرج يزيد يتصيد بحوارين وهو سكران فركب
وبين يديه أتان وحشية قد حمل عليها قردا وجعل يركض الأتان ويقول:
أبا خلف احتل لنفسك حيلة * فليس عليها إن هلكت ضمان
فسقط واندقت عنقه 4.
ولا منافاة بين هذه الروايات فمن الجائز أنه اركب قردة على أتان وركب هو
أيضا وركض خلفه وجعل ينقزها فعضته وسقط واندقت عنقه وانقطع في جوفه شئ
وهكذا استشهد الخليفة قتيل القرد.
* * *
كان هذا شيئا من سيرة يزيد، وكان أبناء الأمة آنذاك قد تبلد احساسها
وأخلدت إلى سبات عميق وما غير حالها تلك عدا استشهاد الإمام الحسين (ع) كما
نشرحه في الباب التالي.

1) أنساب الأشراف 4 / 1 / 1 - 2 وفى لفظ البيتين اختلاف يسير مع رواية المسعودي.
2) أنساب الأشراف 4 / 1 / 2.
3) ابن كثير 8 / 436.
4) أنساب الأشراف 4 / 1 / 2 ويبدو ان هذا القرد الذي كناه أبا خلف غير القرد الذي كناه أبا قيس.
22

معالم المدرستين - القسم الأول
البحث الرابع
الفصل الأول
استشهاد الإمام الحسين
أيقظ الأمة من سباتها العميق
23

ينبغي لنا في سبيل دراسة آثار استشهاد الإمام الحسين على الاسلام وأهله ان
ندرس جميع جوانبه بدءا بدراسة ما ورد من أنباء باستشهاده قبل وقوعه عن الأنبياء
السابقين وخاتم الأنبياء والإمام علي مما مهد السبيل لقيامه كما يلي بيانه:
25

أنباء باستشهاد الحسين (ع) قبل وقوعه
1 - خبر رأس الجالوت:
روى الطبري والبلاذري والطبراني وابن سعد واللفظ للأول عن رأس
الجالوت عن أبيه قال: ما مررت بكربلا، الا وأنا أركض دابتي حتى أخلف المكان،
قال: قلت: لم؟ قال: كنا نتحدث أن ولد نبي مقتول في ذلك المكان وكنت أخاف
أن أكون أنا، فلما قتل الحسين قلنا: هذا الذي كنا نتحدث، وكنت بعد ذلك إذا
مررت بذلك المكان أسير ولا أركض 1.
2 - خبر كعب:
روى الذهبي والهيثمي والعسقلاني وابن كثير عن عمار الدهني قال: مر
علي (ع) على كعب فقال: يقتل من ولد هذا رجل في عصابة لا يجف عرق خيولهم حتى
يردوا على محمد (ص)، فمر حسن (ع) فقالوا: هذا؟ قال: لا، فمر حسين (ع) فقالوا:
هذا؟ قال: نعم 2.

1) تاريخ الطبري 6 / 223 وترجمة الإمام الحسين بمعجم الطبراني الكبير تأليف أبى القاسم سليمان بن
أحمد (ت: 360 ه‍)، ح - 61. ص 128 وقد طبع ضمن مجموعة باسم " الحسين والسنة " اختيار وتنظيم السيد
عبد العزيز الطباطبائي بمطبعة مهر قم. وفى المجموعة بالإضافة إليه فضائل الحسين من كتاب فضائل امام الحنابلة
أحمد بن حنبل، وفى تاريخ ابن عساكر ح - 641 وفى لفظه " فلما قتل حسين كنت أسير على هيئتي "، وسير
النبلاء 3 / 195 بإيجاز.
2) معجم الطبراني الكبير ح 85، وطبقات ابن سعد بترجمة الإمام الحسين ح 277، تاريخ ابن عساكر
ح - 639 و 640، وتاريخ الاسلام للذهبي 3 / 11، وسير النبلاء له 3 / 195، ومجمع الزوائد 9 / 193، وفى
مقتل الخوارزمي أخبار من كعب بقتل الحسين 1 / 165، وتهذيب التهذيب 2 / 347، والروض النضبر شرح
مجموع الفقه الكبير تأليف الحسين بن أحمد بن الحسين السياغي الحيمي الصنعاني (ت: 1221 ه‍) وفى لفظ
بعضهم مع بعض اختلاف. نقلنا هذا الخبر عن كعب مع عدم اعتمادنا عليه، لتواتر الاخبار عن رسول الله أنه أنبأ
بقتل الحسين فلعل كعبا سمع ممن سمع من النبي ومن الجائز أنه قرأ شيئا من ذلك في كتب أهل الكتاب.
26

وأخرج ابن قولويه (ت: 367 ه‍) أربع روايات في باب علم الأنبياء بمقتل
الحسين من كتابه كامل الزيارة، وفي باب علم الملائكة حديثا واحدا، وفي باب لعن الله
ولعن الأنبياء لقاتليه روايتين إحداهما ما رواها عن كعب ان إبراهيم وموسى وعيسى أنبأوا
بقتله ولعنوا قاتله 1.
3 - حديث أسماء بنت عميس:
عن علي بن الحسين (ع) قال: حدثتني أسماء بنت عميس قالت: قبلت جدتك
فاطمة بالحسن والحسين...
فلما ولد الحسين فجاءني النبي (ص) فقال: يا أسماء هاتي ابني فدفعته إليه في
خرقة بيضاء، فاذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثم وضعه في حجره وبكى، قالت
أسماء: فقلت فداك أبي وأمي مم بكاؤك؟ قال: على ابني هذا. قلت: انه ولد
الساعة، قال: يا أسماء تقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال: يا أسماء
لا تخبري فاطمة بهذا، فإنها قريبة عهد بولادته. الحديث 2.
4 - حديث أم الفضل:
في مستدرك الصحيحين وتأريخ ابن عساكر ومقتل الخوارزمي وغيرها
واللفظ للأول عن أم الفضل بنت الحارث.
انها دخلت على رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله اني رأيت حلما منكرا
الليلة، قال: وما هو؟ قالت: إنه شديد قال: وما هو؟ قالت: رأيت كأن قطعة من

1) كامل الزيارة لابن قولويه ط. المرتضوية - النجف سنة 1356 ص 64 - 67 الأبواب 19 و 20
و 21 من الكتاب.
2) مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 87 - 88 وذخائر العقبى 119 واللفظ للأول. لا تستقيم هذه
الرواية مع الواقع التاريخي فإن أسماء كانت بالحبشة ورجعت مع زوجها جعفر بعيد فتح خيبر وقد ولد
الحسنان (ع) قبل ذلك ولعل الصحيح سلمى بنت عميس زوجة حمزة سيد الشهداء. ترجمتها بأسد الغابة
5 / 479.
27

جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول الله (ص): رأيت خيرا، تلد فاطمة
- إن شاء الله - غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري
- كما قال رسول الله (ص) - فدخلت يوما إلى رسول الله (ص) فوضعته في حجره، ثم
حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله (ص) تهريقان من الدموع قالت: فقلت: يا نبي
الله بأبي أنت وأمي مالك؟ قال: أتاني جبرئيل عليه الصلاة والسلام فأخبرني ان
أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ فقال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه 1.
5 - في مقتل الخوارزمي:
لما أتى على الحسين من ولادته سنة كاملة هبط على رسول الله (ص) اثنا عشر
ملكا محمرة وجوههم قد نشروا أجنحتهم وهم يقولون: يا محمد سينزل بولدك الحسين ما
نزل بهابيل من قابيل، وسيعطى مثل أجر هابيل، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل،
قال: ولم يبق في السماء ملك الا ونزل على النبي يعزيه بالحسين ويخبره بثواب ما
يعطي، ويعرض عليه تربته، والنبي يقول: اللهم اخذل من خذله، واقتل من قتله،
ولا تمتعه بما طلبه.
ولما أتت على الحسين من مولده سنتان كاملتان خرج النبي في سفر فلما كان
في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه، فسئل عن ذلك فقال: هذا جبريل
يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها: كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين بن
فاطمة، فقيل: من يقتله يا رسول الله؟ فقال: رجل يقال له يزيد، لا بارك الله في نفسه،
وكأني أنظر إلى منصرفه ومدفنه بها، وقد اهدى رأسه، والله ما ينظر أحد إلى رأس
ولدي الحسين فيفرح الا خالف الله بين قلبه ولسانه - يعني ليس في قلبه ما يكون
بلسانه من الشهادة.

1) مستدرك الصحيحين 3 / 176 وباختصار في ص 179 منه، وتاريخ ابن عساكر ح - 631،
وقريب منه في ح - 630، وفى مجمع الزوائد 9 / 179، ومقتل الخوارزمي 1 / 159 وفى 162 بلفظ آخر، وتاريخ
ابن كثير 6 / 230 وأشار إليه في 8 / 199، وأمالي السجري ص 188. وراجع الفصول المهمة لابن الصباغ
المالكي ص 145، والروض النضير 1 / 89، والصواعق 115 وفى ط 190، وراجع كنز العمال ط القديمة
6 / 223، والخصائص الكبرى 2 / 125. وفى كتب اتباع مدرسة أهل البيت ورد في مثير الأحزان ص 8
واللهوف لابن طاوس 6 - 7.
28

قال: ثم رجع النبي من سفره ذلك مغموما فصعد المنبر فخطب ووعظ والحسين
بين يديه مع الحسن، فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسين ورفع رأسه
إلى السماء وقال: اللهم إني محمد عبدك ونبيك وهذان أطائب عترتي وخيار ذريتي
وأرومتي ومن أخلفهما بعدي. اللهم وقد أخبرني جبريل بان ولدي هذا مقتول مخذول،
اللهم فبارك لي في قتله واجعله من سادات الشهداء انك على كل شئ قدير، اللهم
ولا تبارك في قاتله وخاذله.
قال: فضج الناس في المسجد بالبكاء، فقال النبي: أتبكون ولا تنصرونه؟
اللهم فكن له أنت وليا وناصرا 1.
6 - رواية زينب بنت جحش في بيتها:
في تاريخ ابن عساكر ومجمع الزوائد وتأريخ ابن كثير وغيرها واللفظ للأول
عن زينب، قالت: بينا رسول الله (ص) في بيتي وحسين عندي حين درج، فغفلت
عنه، فدخل على رسول الله (ص) فقال: دعيه - إلى قولها - ثم قام فصلى فلما قام
احتضنه إليه فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكى، ثم مد يده فقلت حين قضى
الصلاة: يا رسول الله اني رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك تصنعه؟ قال: إن جبريل
أتاني فأخبرني ان هذا تقتله أمتي، فقلت: فأرني تربته، فأتاني بتربة حمراء 2.
7 - حديث انس بن مالك:
في مسند أحمد ومعجم الكبير للطبراني وتأريخ ابن عساكر وغيرها واللفظ
للأول عن انس بن مالك، قال: استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي (ص) فاذن له
وكان في يوم أم سلمة، فقال النبي (ص): يا أم سلمة احفظي علينا الباب، لا يدخل
علينا أحد قال: فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي (ع) فاقتحم ففتح الباب
فدخل فجعل النبي (ص) يلتزمه ويقبله فقال الملك: أتحبه؟ قال: نعم. قال: إن أمتك
ستقتله، ان شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟ قال: نعم. قال: فقبض قبضة من
المكان الذي قتل فيه فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها.

1) مقتل الخوارزمي 1 / 163 - 164 وقد أوردنا ما ذكره باختصار.
2) تاريخ ابن عساكر ح - 629 ومجمع الزوائد 9 / 188، وكنز العمال 13 / 112، وأشار إليه
ابن كثير بتاريخه 8 / 199 وورد في كتب اتباع مدرسة أهل البيت بأمالي الشيخ الطوسي 1 / 323، ومثير الأحزان
ص 7 - 8، وورد قسم منه في ص 9 - 10 وفى آخره تتمة مهمة وكذلك في اللهوف ص 7 - 9.
29

قال ثابت: فكنا نقول إنها كربلاء 1.
8 - حديث أبي أمامة:
في تاريخ ابن عساكر والذهبي ومجمع الزوائد وغيرها واللفظ للأول عن
أبي أمامة. قال: قال رسول الله (ص) لنسائه: " لا تبكوا هذا الصبي " يعني حسينا. قال:
وكان يوم أم سلمة فنزل جبرئيل فدخل على رسول الله (ص) الداخل وقال لام سلمة:
" لا تدعى أحدا أن يدخل علي " فجاء الحسين فلما نظر إلى النبي (ص) في البيت
أراد أن يدخل فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكته فلما اشتد في البكاء
خلت عنه، فدخل حتى جلس في حجر النبي (ص) فقال جبريل للنبي (ص) إن أمتك
ستقتل ابنك هذا، فقال النبي (ص) " يقتلونه وهم مؤمنون بي؟ " قال: نعم يقتلونه.
فتناول جبريل تربة فقال: مكان كذا وكذا، فخرج رسول الله (ص) وقد احتضن
حسينا كاسف البال، مهموما. فظنت أم سلمة انه غضب من دخول الصبي عليه
فقالت: يا نبي الله جعلت لك الفداء إنك قلت لنا: لا تبكوا هذا الصبي، وأمرتني ان
لا ادع أحدا يدخل عليك، فجاء فخليت عنه، فلم يرد عليها، فخرج إلى أصحابه وهم
جلوس فقال " ان أمتي يقتلون هذا " وفي القوم أبو بكر وعمر، وفي آخر الحديث:
فأراهم تربته 2.
9 - روايات أم سلمة:
أ - عن عبد الله بن وهب بن زمعة:

1) مسند أحمد 3 / 242 و 265، تاريخ ابن عساكر ح - 615 و 617، وتهذيبه 4 / 325 واللفظ له،
وبترجمة الحسين من المعجم الكبير للطبراني ح - 47، ومقتل الخوارزمي 1 / 160 - 162، والذهبي في تاريخ
الاسلام 3 / 10، وسير النبلاء 3 / 194، وذخائر العقبى ص 146 - 147، ومجمع الزوائد 9 / 187، وفى
ص 190 منه بسند آخر وقال: اسناده حسن، وفى باب الاخبار بمقتل الحسين من تاريخ ابن كثير 6 / 229 في
لفظه " وكنا نسمع يقتل بكربلاء "، وفى ج 8 / 199، وكنز العمال 16 / 266، والصواعق ص 115، وراجع
الدلائل للحافظ أبي نعيم 3 / 202، والروض النضير 1 / 192، والمواهب اللدنية للقسطلاني 2 / 195، والخصائص
للسيوطي 2 / 25، وموارد الظمآن بزوائد صحيح ابن حبان لأبي بكر الهيتمي ص 554. وفى كتب اتباع مدرسة
أهل البيت بأمالي الشيخ الطوسي (ت: 460 ه‍). ط - النعمان بالنجف سنة 1384 ه‍ 1 / 221 وفى لفظه:
" ان عظيما من عظماء الملائكة... ".
2) تاريخ ابن عساكر ح - 618، وتهذيبه 4 / 325، تاريخ الاسلام للذهبي 3 / 10، وسير النبلاء له
3 / 10، ومجمع الزوائد 9 / 189، وتاريخ ابن كثير 8 / 199، وأمالي الشجري ص 186 وفى الروض النضير 1 / 93
- 94 اسناده حسن، وأبو امامة هذا صدى بن عجلان.
30

في مستدرك الصحيحين وطبقات ابن سعد وتاريخ ابن عساكر وغيرها واللفظ
للأول - قال: أخبرتني أم سلمة: رضي الله عنها: ان رسول الله (ص) اضطجع ذات
ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر 1 ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به
المرة الأولى ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها 2 فقلت: ما هذه التربة يا
رسول الله؟ قال: أخبرني جبريل (عليه الصلاة والسلام) ان هذا يقتل بأرض العراق
- للحسين - فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها.
فقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه 3.
ب - عن صالح بن أربد:
روى الطبراني وابن أبي شيبة والخوارزمي وغيرهم واللفظ للأول، عن صالح
بن أربد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: اجلسي بالباب، ولا يلجن
علي أحد، فقمت بالباب إذ جاء الحسين رضي الله عنه فذهبت أتناوله فسبقني الغلام
فدخل على جده، فقلت: يا نبي الله جعلني الله فداك أمرتني أن لا يلج عليك أحد، وان
ابنك جاء فذهبت أتناوله فسبقني، فلما طال ذلك تطلعت من الباب فوجدتك تقلب
بكفيك شيئا ودموعك تسيل والصبي على بطنك؟
قال: نعم، أتاني جبريل (ع) فأخبرني أن أمتي يقتلونه، وأتاني بالتربة التي
يقتل عليها فهي التي أقلب بكفي 4.
ج - عن المطلب بن عبد الله بن حنطب:
في معجم الطبراني وذخائر العقبى ومجمع الزوائد وغيرها واللفظ للأول، عن
المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أم سلمة قالت:
كان رسول الله (ص) جالسا ذات يوم في بيتي فقال: لا يدخل علي أحد

1) كذا في لفظ الحاكم والبيهقي وفى غيرهما من الأصول: خائر، وفى النهاية: أصبح رسول الله وهو
خائر النفس، أي ثقيل النفس غير طيب ولا نشيط ه‍.
2) في الحديث الآتي " يقلبها ".
3) مستدرك الصحيحين 4 / 398، والمعجم الكبير للطبراني ح - 55، وتاريخ ابن عساكر ح - 619
- 621، وترجمة الحسين بطبقات ابن سعد بترجمة الحسين ح - 267، والذهبي في تاريخ الاسلام 3 / 11، وسير
النبلاء 3 / 194 - 195، والخوارزمي في المقتل 1 / 158 - 159 باختصار، والمحب الطبري في ذخائر العقبى
ص 148 - 149، وتاريخ ابن كثير 6 / 230، وكنز العمال للمتقي 16 / 266.
4) ترجمة الحسين في المعجم الكبير للطبراني ح - 54 - ص 124، وطبقات ابن سعد ح - 268،
ومقتل الخوارزمي 1 / 158، وكنز العمال 16 / 226 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ج 12 بلفظ آخر.
31

فانتظرت فدخل الحسين رضي الله عنه فسمعت نشيج رسول الله (ص) يبكي فاطلعت
فإذا حسين في حجره والنبي (ص) يمسح جبينه وهو يبكي فقلت: والله ما علمت حين
دخل فقال: ان جبريل (ع) كان معنا في البيت فقال: تحبه؟ قلت: أما من الدنيا
فنعم، قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء. فتناول جبريل (ع) من
تربتها فأراها النبي (ص). فلما أحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟
قالوا: كربلاء، قال: صدق الله ورسوله، أرض كرب وبلاء 1.
د - عن شقيق بن سلمة:
في معجم الطبراني وتأريخ ابن عساكر ومجمع الزوائد وغيرها واللفظ للأول،
عن أبي وايل شقيق بن سلمة عن أم سلمة قالت: كان الحسن والحسين رضي الله عنهما
يلعبان بين يدي النبي (ص) في بيتي فنزل جبريل (ع) فقال: يا محمد ان أمتك تقتل ابنك
هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله (ص) ووضعه إلى صدره، ثم
قال رسول الله (ص): وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول الله (ص) وقال: ويح
كرب وبلاء. قالت:
وقال رسول الله (ص): يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي ان ابني
قد قتل، قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة. ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: ان يوما
تحولين دما ليوم عظيم 2.
ه‍ - عن سعيد بن أبي هند:
في تاريخ ابن عساكر وذخائر العقبى وتذكرة خواص الأمة وغيرها واللفظ
للأول عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه قال: قالت أم سلمة رضي الله عنها.
كان النبي (ص) نائما في بيتي فجاء حسين رضي الله عنه يدرج فقعدت على
الباب فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه، ثم غفلت في شئ فدب فدخل فقعد على بطنه
قالت: فسمعت نحيب رسول الله (ص) فجئت فقلت: يا رسول الله والله ما علمت به

1) معجم الطبراني ح - 53 ص 125، مجمع الزوائد 9 / 188 - 189، وكنز العمال 16 / 265،
وفى ذخائر العقبى ص 147 بإيجاز، وراجع نظم الدرر ص 215 للحافظ جمال الدين الزرندي.
2) معجم الطبراني ح - 51 ص 124، وتاريخ ابن عساكر ح 622، وتهذيبه 4 / 325، وبايجاز في
ذخائر العقبى ص 147، ومجمع الزوائد 9 / 189، وراجع طرح التثريب للحافظ العراقي 1 / 42، والمواهب اللدنية
2 / 195، والخصائص الكبرى للسيوطي 2 / 152، والصراط السوي للشيخاني المدني 93، وجوهرة الكلام
ص 120، والروض النضير 1 / 92 - 93.
32

فقال: إنما جاءني جبريل (ع) - وهو على بطني قاعد - فقال لي: أتحبه؟ فقلت: نعم،
قال: إن أمتك ستقتله، ألا أريك التربة التي يقتل بها؟ قال: فقلت: بلى قال: فضرب
بجناحه فأتى بهذه التربة، قالت: وإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول: يا ليت
شعري من يقتلك بعدي؟ 1.
و - عن شهر بن حوشب:
في فضائل ابن حنبل وتاريخ ابن عساكر وذخائر العقبى وغيرها واللفظ
للأول، عن شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت: كان جبريل عند النبي (ص) معي
فبكى فتركته فدنا من النبي (ص) فقال جبريل: أتحبه يا محمد؟ فقال: نعم، قال: إن
أمتك ستقتله وان شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، فأراه إياها فإذا الأرض
يقال لها: كربلاء 2.
ز - عن داود:
في تأريخ ابن عساكر وغيره واللفظ له، عن داود، قال: قالت أم سلمة: دخل
الحسين على رسول الله ففزع، فقالت أم سلمة: مالك يا رسول الله؟ قال: إن جبريل
أخبرني أن ابني هذا يقتل وانه اشتد غضب الله على من يقتله 3.
ح - في معجم الطبراني وتاريخ ابن عساكر وغيرهما واللفظ للأول، عن
أم سلمة قالت: قال رسول الله (ص) يقتل الحسين بن علي (رض) على رأس ستين من
مهاجري 4.
ط - في معجم الطبراني عن أم سلمة، قالت:
قال رسول الله يقتل الحسين حين يعلوه القتير.
قال الطبراني: القتير: الشيب 5.

1) تاريخ ابن عساكر ح - 626، وذخائر العقبى ص 147، وراجع الفصول المهمة ص 154،
وتذكرة خواص الأمة 142 نقلا عن الإمام الحسين (ع) وأمالي الشجري ص 163 و 166 و 181.
2) فضائل الحسن والحسين عن كتاب الفضائل تأليف أحمد بن حنبل ح - 44 ص 23 من المجموعة
وطبقات ابن سعد ح - 272، وتاريخ ابن عساكر ح - 624، والعقد الفريد في الخلفاء وتواريخهم وقد أسنده
إلى أم سلمة، وذخائر العقبى ص 147.
3) تاريخ ابن عساكر ح - 623، وتهذيبه 4 / 325، كنز العمال 23 / 112، والروض النضير 1 / 93.
4) ترجمة الحسين ح - 41 ص 121 من المجموعة، وتاريخ ابن عساكر ح - 634، وتهذيبه 4 / 325،
ومجمع الزوائد 9 / 189، ومقتل الخوارزمي 1 / 161، وأمالي الشجري ص 184.
5) ترجمة الحسين من معجم الطبراني ح - 42 ص 121 من المجموعة، وأمالي الشجري ص 184.
33

10 - روايات عائشة:
أ - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في تاريخ ابن عساكر ومقتل الخوارزمي ومجمع
الزوائد وغيرها واللفظ للثاني، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة، قالت: إن
رسول الله (ص) أجلس حسينا على فخذه فجاء جبريل إليه، فقال: هذا ابنك؟ قال:
نعم، قال: أما ان أمتك ستقتله بعدك، فدمعت عينا رسول الله، فقال جبريل: ان
شئت أريتك الأرض التي يقتل فيها؟ قال: " نعم " فأراه جبريل ترابا من تراب الطف.
وفي لفظ آخر: فأشار له جبريل إلى الطف بالعراق فأخذ تربة حمراء، فأراه
إياها فقال، هذه من تربة مصرعه 1.
ب - عن عروة بن الزبير:
في مجمع الطبراني وغيره واللفظ له، عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله
عنها، قالت: دخل الحسين بن علي رضي الله عنه على رسول الله (ص) وهو يوحى إليه
فنزا على رسول الله (ص) وهو منكب ولعب على ظهره فقال جبريل لرسول الله (ص):
أتحبه يا محمد؟ قال: يا جبريل ومالي لا أحب ابني؟ قال: فان أمتك ستقتله من
بعدك، فمد جبرئيل (ع) يده فأتاه بتربة بيضاء فقال: في هذه الأرض يقتل ابنك هذا يا
محمد واسمها الطف، فلما ذهب جبريل (ع) من عند رسول الله (ص) والتربة في يده
يبكي فقال: يا عائشة ان جبريل (ع) أخبرني ان الحسين ابني مقتول في أرض الطف،
وان أمتي ستفتتن بعدي، ثم خرج إلى أصحابه، فيهم علي وأبو بكر وعمر وحذيفة
وعمار وأبو ذر، رضي الله عنهم وهو يبكي فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أخبرني
جبريل: ان ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها
مضجعه 2.

1) طبقات ابن سعد ح - 269 تاريخ ابن عساكر بترجمة الحسين ح - 627، ومقتل الخوارزمي
1 / 159 واللفظ له..، ومجمع الزوائد 9 / 187 - 188، وكنز العمال 13 / 108، وفى ط. القديمة 6 / 223،
والصواعق المحرقة لابن حجر ص 115، وفى ط: 19، وراجع خصائص السيوطي 2 / 125 و 126، وجوهرة
الكلام للقرة غولي ص 117، وفى أمالي الشيخ الطوسي من كتب اتباع مدرسة أهل البيت ج 1 / 325، وفى
أمالي الشجري ص 177 بتفصيل.
2) بترجمة الحسين (ع) من معجم الطبراني ح - 48 وص 123 من المجموعة، ومجمع الزوائد 9 / 187،
وراجع اعلام النبوة للماوردي ص 83، وأمالي الشجري ص 166.
34

ج - عن المقبري:
في طبقات ابن سعد وتاريخ ابن عساكر واللفظ للثاني، عن عثمان بن مقسم
عن المقبري عن عائشة قالت: بينا رسول الله (ص) راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحيته
عنه ثم قمت لبعض أمري فدنا منه فاستيقظ يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: إن جبريل
أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه، وبسط يده
فإذا فيها قبضة من بطحاء فقال: يا عائشة والذي نفسي بيده 1 انه ليحزنني، فمن هذا من
أمتي يقتل حسينا بعدي 2؟
د - عن عبد الله بن سعيد، في طبقات ابن سعد ومعجم الطبراني وغيرهما
واللفظ للأخير عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة: ان الحسين بن علي دخل على
رسول الله (ص) فقال النبي (ص)، يا عائشة ألا أعجبك لقد دخل علي ملك آنفا ما
دخل علي قط فقال: ان ابني هذا مقتول، وقال: ان شئت أريتك تربة يقتل فيها،
فتناول الملك بيده فأراني تربة حمراء 3.
وعن أم سلمة أو عائشة، كما في مسند أحمد وفضائله وطبقات ابن سعد
وتاريخ الاسلام وسير النبلاء للذهبي ومجمع الزوائد واللفظ للأول، عن عبد الله بن
سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة - شك عبد الله أن النبي قال لأحدهما: لقد دخل
على البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي: ان ابنك هذا حسين مقتول، وان شئت
أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء 4.
11 - رواية معاذ بن جبل:
في معجم الطبراني ومقتل الخوارزمي وكنز العمال واللفظ للأول، عن عبد الله

1) في نسخه. تاريخ ابن عساكر الكلمة غير واضحة.
2) ترجمة الحسين من طبقات ابن سعد ح - 270 وتاريخ ابن عساكر ح - 628.
3) حديث ابن عساكر ح - 627، ومعجم الطبراني ح - 49 ص 124 من المجموعة، وكنز العمال
13 / 113، وتاريخ ابن كثير 8 / 199. ولدى اتباع مدرسة أهل البيت بمثير الأحزان ص - 8 و عبد الله بن سعيد
أبو هند الفزاري ولاء المدني (ت: 147 ه‍) من رجال الصحاح الست.
4) مسند أحمد 6 / 294 وبترجمة الحسين من فضائل أحمد ح - 10، وتاريخ ابن عساكر ح - 625،
وقال الذهبي في تاريخ الاسلام 3 / 11، اسناده صحيح. وفى سيرة النبلاء 3 / 195، ومجمع الزوائد 9 / 187،
وكنز العمال 13 / 111، والصواعق 115 وفى طبعة 190، وراجع طرح التثريب 1 / 41 للعراقي، والروض النضير
1 / 94، وأمالي الشجري ص 184.
35

بن عمرو بن العاص ان معاذ بن جبل أخبره قال: خرج علينا رسول الله (ص) متغير
اللون فقال: أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم،
فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله عز وجل أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، أتتكم المؤتية
بالروح والراحة، كتاب الله من الله سبق، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم، كلما
ذهب رسل جاء رسل، تناسخت النبوة فصارت ملكا رحم الله من أخذها بحقها،
وخرج منها كما دخلها.
أمسك يا معاذ واحص، قال: فلما بلغت خمسة. قال: يزيد لا يبارك الله في
يزيد، ثم ذرفت عيناه، ثم قال: نعي إلي حسين، وأوتيت بتربته، وأخبرت بقاتله،
والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه الا خالف الله بين صدورهم
وقلوبهم، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا، ثم قال: واها لفراخ آل محمد (ص) من
خليفة مستخلف مترف، يقتل خلفي وخلف الخلف. الحديث 1.
12 - رواية سعيد بن جمهان:
في تاريخ ابن عساكر والذهبي وابن كثير واللفظ للأول، عن سعيد بن جمهان:
أن النبي (ص) أتاه جبريل بتراب من تراب القرية التي يقتل بها الحسين، فقال: اسمها
كربلاء، فقال رسول الله (ص) كرب وبلاء 2.
13 - روايات ابن عباس:
أ - أبو الضحى: في مقتل الخوارزمي، عن أبي الضحى، عن ابن عباس
قال: ما كنا نشك أهل البيت وهم متوافرون ان الحسين بن علي يقتل بالطف 3.
ب - سعيد بن جبير: في تاريخ ابن عساكر، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس، قال:
أوحى الله تعالى: يا محمد، اني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا، واني
قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا، وسبعين ألفا 4.

1) معجم الطبراني ح - 95 ص 140، ومقتل الخوارزمي 160 - 161، وكنز العمال 13 / 113.
وأمالي الشجري ص 169.
2) تاريخ ابن عساكر ح - 632، وتاريخ الاسلام للذهبي 3 / 11، وتاريخ ابن كثير 8 / 200.
3) مقتل الخوارزمي 1 / 16.
4) تاريخ ابن عساكر ح - 684، وتهذيبه 4 / 339، وأمالي الشجري ص 160.
36

وسنذكر بقية رواياته في باب سبب استشهاد الحسين (ع) إن شاء الله تعالى.
وروى ابن قولويه في باب قول رسول الله (ص) ان الحسين (ع) تقتله أمته من
بعده في كامل الزيارة سبع روايات عن رسول الله (ص) 1.
14 - روايات الإمام علي (ع):
أ - عن أبي حبرة:
في ترجمة الإمام الحسين (ع) بمعجم الطبراني عن أبي حبرة، قال: صحبت
عليا (رض) حتى أتى الكوفة فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: كيف أنتم إذا
نزل بذرية نبيكم بين ظهرانيكم؟ قالوا: اذن نبلى الله فيهم بلاءا حسنا، فقال: والذي
نفسي بيده لينزلن بين ظهرانيكم ولتخرجن إليهم فلتقتلنهم ثم أقبل يقول:
هم أو ردوهم بالغرور وعردوا * أجيبوا نجاة لا نجاة ولا عذرا 2.
ب - عن هانئ بن هانئ
في معجم الطبراني وتاريخ ابن عساكر وتاريخ الاسلام للذهبي وغيرها واللفظ
لابن عساكر عن هانئ بن هانئ عن علي، قال: يقتل الحسين بن علي قتلا واني
لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها، يقتل بقرية (بتربة) قريبة من النهرين 3.
ج - في مقتل الخوارزمي:
ان أمير المؤمنين علي (ع) لما سار إلى صفين نزل بكربلاء وقال لابن عباس:
أتدري ما هذه البقعة؟ قال: لا، قال: لو عرفتها لبكيت بكائي، ثم بكى بكاء شديدا،
ثم قال: مالي ولآل أبي سفيان؟ ثم التفت إلى الحسين. وقال: صبرا يا بني فقد لقى أبوك
منهم مثل الذي تلقى بعده 4.
د - عن الحسن بن كثير، في صفين:
عن الحسن بن كثير، عن أبيه: ان عليا أتى كربلاء فوقف بها، فقيل: يا

1) كامل الزيارة ص 68 - 71 الباب 22.
2) معجم الطبراني ح - 57 ص 128، وفى مجمع الزوائد 9 / 191 " أجيبوا دعاه، وأنساب الأشراف
للبلاذري ص 38 عن مجاهد بإيجاز.
3) معجم الطبراني ح - 57، ص - 128، وفى لفظه: " ليقتلن الحسين قتلا، وانى لأعرف التربة
التي يقتل فيها قريبا من النهرين "، وتاريخ الاسلام للذهبي 3 / 11، وسير النبلاء له 3 / 195، ومجمع الزوائد
9 / 190، وكنز العمال 16 / 279، ومن كتب حديث أهل البيت بكامل الزيارة ص - 72.
4) مقتل الخوارزمي 1 / 162.
37

أمير المؤمنين هذه كربلاء؟ قال: ذات كرب وبلاء، ثم أوما بيده إلى مكان فقال هاهنا
موضع رحالهم، ومناخ ركابهم، وأومأ إلى موضع آخر فقال: هاهنا مهراق دمائهم 1.
ه‍ - عن الأصبغ بن نباتة:
وفي ذخائر العقبى وغيره، عن الأصبغ بن نباتة قال: أتينا مع علي فمررنا
بموضع قبر الحسين، فقال علي: هاهنا مناخ ركابهم، وهاهنا موضع رحالهم، هاهنا
مهراق دمائهم، فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكى عليهم السماء والأرض 2.
و - عن غرفة الأزدي:
في أسد الغابة، عن غرفة الأزدي قال: دخلني شك من شأن على خرجت معه
على شاطئ الفرات فعدل عن الطريق ووقف، ووقفنا حوله، فقال بيده: هذا موضع
رواحلهم ومناخ ركابهم ومهراق دمائهم بأبي من لا ناصر له في الأرض ولا في السماء
الا الله، فلما قتل الحسين خرجت حتى أتيت المكان الذي قتلوا فيه فإذا هو كما قال
ما أخطأ شيئا قال: فاستغفرت الله مما كان منى من الشك، وعلمت أن عليا رضي الله عنه
لم يقدم الا بما عهد إليه فيه 3.
ز - عن أبي جحيفة:
في صفين لنصر بن مزاحم عن أبي جحيفة قال: جاء عروة البارقي إلى سعيد بن
وهب، فسأله وأنا أسمع، فقال: حديث حدثتنيه عن علي بن أبي طالب، قال: نعم،
بعثني مخنف بن سليم إلى علي فاتيته بكربلاء، فوجدته يشير بيده ويقول: " هاهنا،
هاهنا " فقال له رجل: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: " ثقل لآل محمد ينزل هاهنا
فويل لهم منكم، وويل لكم منهم " فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين
قال: " ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم: يدخلكم الله بقتلهم النار ".
وقد روى هذا الكلام على وجه آخر: أنه (ع) قال " فويل لكم منهم وويل

1) صفين لنصر بن مزاحم ص 142، وشرح نهج البلاغة 1 / 278.
2) ذخائر العقبى ص 97، وراجع دلائل النبوة لأبي نعم 3 / 211، وفى تذكرة خواص الأمة ص 142
" هذا مصرع الرجل ثم ازداد بكاؤه ".
3) أسد الغابة 4 / 169 قال في ترجمة غرفة الأزدي: " يقال له صحبة وهو معدود في الكوفيين روى
عنه أبو صادق قال: وكان من أصحاب النبي (ص) ومن أصحاب الصفة، وهو الذي دعا له النبي (ص) ان
يبارك في صفقته " ثم أورد الخبر الذي أوردناه في المتن، ثم قال بعد انتهائه " أخرجه ابن الدباغ مستدركا على
أبى عمر ". وأشار إليه ابن حجر في ترجمته بالإصابة.
38

لكم عليهم " قال الرجل: اما ويل لنا منهم فقد عرفت وويل لنا عليهم ما هو؟ قال:
ترونهم يقتلون ولا تستطيعون نصرهم 1.
ح - عون بن أبي جحيفة:
في تاريخ ابن عساكر، عن عون بن أبي جحيفة، قال: انا لجلوس عند دار
أبى عبد الله الجدلي، فأتانا ملك بن صحار الهمداني، فقال: دلوني على منزل فلان، قال:
قلنا له: ألا ترسل فيجئ؟ إذ جاء فقال: أتذكر إذ بعثنا أبو مخنف إلى أمير المؤمنين
وهو بشاطئ الفرات، فقال: ليحلن هاهنا ركب من آل رسول الله (ص) يمر بهذا
المكان فيقتلونهم فويل لكم منهم وويل لهم منكم 2.
ط - في تاريخ ابن كثير:
روى محمد بن سعد وغيره من غير وجه عن علي بن أبي طالب: انه مر بكربلاء
عند أشجار الحنظل وهو ذاهب إلى صفين فسأل عن اسمها فقيل: كربلاء. فقال:
كرب وبلاء، فنزل وصلى عند شجرة هناك ثم قال: يقتل هاهنا شهداء هم خير
الشهداء غير الصحابة، يدخلون الجنة بغير حساب - وأشار إلى مكان هناك - فعلموه
بشئ، فقتل فيه الحسين 3.
ى - عن نجى الحضرمي:
في مسند أحمد ومعجم الطبراني وتاريخ ابن عساكر وغيرها واللفظ للأول،
عن عبد الله بن نجي عن أبيه: أنه سار مع علي رضي الله عنه، فلما جاؤوا نينوى وهو
منطلق إلى صفين، فنادى على: اصبر أبا عبد الله اصبر أبا عبد الله! بشط الفرات، قلت:
وماذا؟ قال: دخلت على رسول الله (ص) ذات يوم وعيناه تفيضان. قلت: يا نبي الله
أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل، فحدثني:
أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال فقال: هل لك إلى أن أشهدك من تربته؟ قال:
قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا 4.

1) صفين نصر بن مزاحم ص 142.
2) تاريخ ابن عساكر ح - 635 وتهذيبه 4 / 325.
3) تاريخ ابن كثير 8 / 199 - 200، ومجمع الزوائد 9 / 191.
4) في مسند أحمد 1 / 85، وقال بهامشه: اسناده صحيح ومعجم الطبراني ح - 45 ص 121، وتاريخ
ابن عساكر ح - 611 - 612، وتهذيبه ج 4 / 325، ومجمع الزوائد 9 / 187، وتاريخ الاسلام للذهبي 3 / 10،
والنبلاء 3 / 193، وتهذيبه التهذيب 2 / 347، وتاريخ ابن كثير 8 / 199، وتذكرة خواص الأمة بلفظ آخر في
ص 142، ومقتل الخوارزمي 1 / 170، والصواعق لابن حجر ص 115، وفى ذخائر العقبى ص 148 من
" دخلت... " إلى آخر الحديث، وراجع الخصائص الكبرى للسيوطي 2 / 126، ولدى اتباع مدرسة أهل البيت
بمثير الأحزان ص 9، وأمالي الشجري ص 150.
39

وفي رواية: " وكان صاحب مطهرته فلما حاذوا نينوى وهو منطلق إلى صفين
نادى على: صبرا أبا عبد الله صبرا أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: ومن ذا
أبو عبد الله... هل لك أن أشمك من تربته... " 1.
ك - عن عامر الشعبي:
في طبقات ابن سعد وتاريخ ابن عساكر والذهبي وتذكرة خواص الأمة عن
عامر الشعبي: أن عليا قال وهو بشط الفرات: صبرا أبا عبد الله ثم قال: دخلت على
رسول الله (ص) وعيناه تفيضان، فقلت: أحدث حدث؟ قال: " أخبرني جبريل أن
حسينا يقتل بشاطئ الفرات ثم قال: أتحب أن أريك من تربته؟ قلت: نعم، فقبض
قبضة من تربتها فوضعها في كفى فما ملكت عيني أن فاضتا 2.
ل - عن كدير الضبي:
في تاريخ ابن عساكر عن كدير الضبي قال: بينا أنا مع علي بكربلاء، بين
أشجار الحرمل، - إذ - أخذ بعرة ففركها، ثم شمها، ثم قال: ليبعثن الله من هذا
الموضع قوما يدخلون الجنة بغير حساب 3.
م - عن هرثمة:
في معجم الطبراني عن هرثمة، كنت مع علي (رض) بنهري كربلا فمر بشجرة
تحتها بعر غزلان فاخذ منه قبضة فشمها، ثم قال: يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا
يدخلون الجنة بغير حساب 4.
قد روى عن هرثمة حضوره مع الامام على بكربلاء وما تبع ذلك غير واحد
وكل راو يؤيد ما قاله الاخر كما نذكره في ما يلي:
1 - رواية نشيط مولى هرثمة:

1) كما في أحاديث تاريخ ابن كثير. والروض النضير 1 / 92.
2) طبقات ابن سعد ح - 173، وتاريخ ابن عساكر ح - 614 ص 393، وتاريخ الاسلام للذهبي
3 / 10، والنبلاء 3 / 194، وأشار إليه ابن كثير في 8 / 199 من تاريخه وتذكره خواص الأمة ص 142.
3) تاريخ ابن عساكر ح - 638، وتهذيبه 4 / 326.
4) معجم الطبراني ح - 59 ص 128.
40

في مقتل الخوارزمي بسنده إلى نشيط أبى فاطمة قال: جاء مولاي هرثمة من
صفين فأتيناه فسلمنا عليه فمرت شاة وبعرت فقال: لقد ذكرتني هذه الشاة حديثا.
أقبلنا مع علي ونحن راجعون من صفين فنزلنا كربلاء، فصلى بنا الفجر بين شجرات
ثم أخذ بعرات من بعر الغزال ففتها في يده، ثم شمها فالتفت إلينا وقال: يقتل في هذا
المكان قوم يدخلون الجنة بغير حساب 1.
2 - رواية أبى عبد الله الصبي:
في طبقات ابن سعد وتاريخ ابن عساكر بسنده عن أبي عبد الله الضبي قال:
دخلنا على هرثمة الضبي 2 حين اقبل من صفين، وهو مع علي، وهو جالس على دكان
له، وله امرأة يقال لها جرداء وهي أشد حبا لعلى وأشد لقوله تصديقا، فجاءت شاة له
فبعرت، فقال لها: لقد ذكرني بعر هذه الشاة حديثا لعلى، قالوا وما علم بهذا " قال:
أقبلنا مرجعنا من صفين فنزلنا كربلاء، فصلى بنا على صلاة الفجر بين شجيرات
ودوحات حرمل، ثم أخذ كفا من بعر الغزلان فشمه، ثم قال: " أوه، أوه، يقتل بهذا
الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب " قال: قالت جرداء: وما تنكر من هذا؟ هو أعلم
بما قال منك، نادت بذلك وهي في جوف البيت 3.
3 - عن هرثمة بن سليم:
عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علي بن أبي طالب غزوة
صفين، فلما نزلنا بكربلاء صلى بنا صلاة، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم
قال: واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب. فلما رجع
هرثمة من غزوته إلى امرأته - وهي جرداء بنت سمير، وكانت شيعة لعلى فقال لها
زوجها هرثمة: ألا أعجبك من صديقك أبى الحسين؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من
تربتها فشمها وقال: واها لك يا تربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب وما
علمه بالغيب؟ فقالت: دعنا منك أيها الرجل، فان أمير المؤمنين لم يقل الا حقا. فلما

1) مقتل الخوارزمي 1 / 165 - 166 وفى لفظ أبو هرثمة.
2) في الأصل " أبي هرثمة " تحريف. وان اعلام هذا الحديث وغير هذا الحديث اللاتي ذكرت في
هذا البحث بحاجة إلى تحقيق لم يتسن لنا القيام به.
3) في طبقات ابن سعد ح - 276، وتاريخ ابن عساكر ح - 636، وفى مقتل الخوارزمي 1 / 165
عن نشيط أبى فاطمة قال: جاء مولاي أبو هرثمة من صفين فاتيناه فسلمنا عليه فمرت شاة فبعرت... وليس في
لفظه " وما علم بهذا ".
41

بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه، قال: كنت
فيهم في الخيل التي بعث إليهم، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل
الذي نزل بنا على فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها، والقول الذي قاله، فكرهت
مسيري، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين، فسلمت عليه، وحدثته بالذي
سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسين: معنا أنت أو علينا؟ فقلت يا ابن رسول
الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي أخاف عليهم من ابن زياد. فقال
الحسين: فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا، فوالذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم
رجل ولا يغيثنا الا أدخله الله النار. قال: فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفى على
مقتلهم 1.
4 - عن جرداء بنت سمير:
عن زوجها هرثمة بن سلمى، قال: خرجنا مع علي في بعض غزواته، فسار
حتى انتهى إلى كربلاء، فنزل إلى شجرة فصلى إليها فأخذ تربة من الأرض فشمها، ثم
قال: واها لك تربة ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب. قال: فقفلنا من غزوتنا
وقتل على ونسيت الحديث، قال: وكنت في الجيش الذين ساروا إلى الحسين فلما
انتهيت إليه نظرت إلى الشجرة، فذكرت الحديث، فتقدمت على فرس لي فقلت: أبشرك
ابن بنت رسول الله (ص)، وحدثته الحديث، قال: معنا أو علينا؟ قلت لا معك ولا
عليك، تركت عيالا وتركت - كذا وكذا - 2 قال: اما لا فول في الأرض، فوالذي
نفس حسين بيده، لا يشهد قتلنا اليوم رجل الا دخل جهنم. فانطلقت هاربا موليا في
الأرض حتى خفي على مقتله 3.
ن - عن شيبان بن مخرم
في معجم الطبراني وتاريخ ابن عساكر ومجمع الزوائد وغيرها واللفظ لابن
عساكر عن ميمون عن شيبان بن مخرم - وكان عثمانيا يبغض عليا - قال:
رجعنا مع علي إلى صفين فانتهينا إلى موضع، قال: فقال: ما سمى هذا

1) صفين لابن مزاحم ص 140 - 141، وتاريخ ابن عساكر ح 636 و 638 باختصار. وأمالي
الشجري ص 184.
2) تهذيب ابن عساكر 4 / 328.
3) تاريخ ابن عساكر ح 677، وأمالي الشجري ص 184، وفى لفظ " عن جرد ابنة شمير "، والأمالي
للصدوق (ره) ط. الاسلامية طهران سنة 1396 ه‍ ص 136.
42

الموضع؟ قال: قلنا: كربلاء قال: كرب وبلا. قال: ثم قعد على دابته، وقال يقتل
هاهنا قوم أفضل شهداء على ظهر الأرض لا يكون شهداء رسول الله (ص) قال: قلت
بعض كذباته ورب الكعبة. قال: فقلت لغلامي، وثمة حمار ميت: جئني برجل هذا
الحمار فأوتدته في المقعد الذي كان فيه قاعدا، فلما قتل الحسين قلت لأصحابنا:
انطلقوا ننظر، فانتهينا إلى المكان فإذا جسد الحسين على رجل الحمار وإذا أصحابه
ربضة حوله 1.
واخرج ابن قولويه في باب قول أمير المؤمنين في قتل الحسين من كامل الزيارة
أربعة أحاديث 2.
15 - رواية أنس بن الحارث واستشهاده:
في تاريخ البخاري وابن عساكر والاستيعاب وغيرها ان أنس بن الحارث بن
نبيه قتل مع الحسين، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: " ان ابني هذا - يعنى
الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك فلينصره "، فخرج أنس ابن
الحارث إلى كربلاء فقتل بها مع الحسين.
وفي مثير الأحزان: خرج انس بن الحارث الكاهلي وهو يقول:
قد علمت كاهلنا وذودان * والخندفيون وقيس علان
بان قومي آفة للاقران * يا قوم كونوا كأسود خفان
واستقبلوا القوم بضرب الان * آل علي شيعة الرحمن
وآل حرب شيعة الشيطان 3

1) ترجمة الحسين من طبقات ابن سعد ح - 275، وتاريخ ابن عساكر ح - 675، وتهذيب
ابن عساكر 4 / 337 - 338، وقريب منه لفظ الحديث 676 في التأريخ وأسقطه في التهذيب، والطبراني
ح - 60 ص 128، والمقتل 1 / 161، وكنز العمال 16 / 265، ومجمع الزوائد ج 9 - ص 190 - 191.
وفى الأصل " رجع " تحريف، وربضة: الجثة الجاثمة، ومن الناس الجماعة والجاثم: الذي لزم الأرض. لسان
العرب وغيره.
2) كامل الزيارة باب 23 ص 71 - 72.
3) ترجمة أنس بن الحارث في الجرح والتعديل للرازي 1 / 287، وتاريخ البخاري الكبير 1 / 30 رقم
الترجمة 1583، وابن عساكر ح - 680، وتهذيبه 4 / 338، والاستيعاب وأسد الغابة 1 / 123، والإصابة
ومقتل الخوارزمي 1 / 159 - 160، وتاريخ ابن كثير 8 / 199، والروض النضير 1 / 93، ومثير الأحزان ص 46
- 47.
43

16 - رجل من بنى أسد:
روى كل من ابن سعد وابن عساكر عن العريان بن هيثم بن الأسود النخعي
الكوفي الأعور، قال: كان أبي يتبدى 1 فينزل قريبا من الموضع الذي كان فيه معركة
الحسين، فكنا لا نبدو 2 الا وجدنا رجلا من بني أسد هناك، فقال له أبي: اني أراك
ملازما هذا المكان؟ قال: بلغني ان حسينا يقتل هاهنا، فأنا اخرج لعلي أصادفه،
فاقتل معه، فلما قتل الحسين، قال أبي: انطلقوا ننظر، هل الأسدي في من قتل؟ واتينا
المعركة فطوفنا فإذا الأسدي مقتول 3.
* * *
أوردنا في ما سبق من الأحاديث التي فيها إنباء باستشهاد الإمام الحسين قبل
وقوعه، ما رواها الفريقان أو ما تفرد بروايتها اتباع مدرسة الخلفاء، وتركنا ايراد ما تفرد
بروايتها اتباع مدرسة أهل البيت 4 وتخيرنا في ما رواها الفريقان لفظ روايات مدرسة
الخلفاء، وينبغي ان نبحث بعد هذا عن سبب استشهاد الإمام الحسين ونرجع في هذا
البحث في ما يلي إلى كتب الفريقين المشهورة دونما تخير رواية فريق على آخر.

1) يتبدى أي يقيم في البادية وفى الأصل " يبتدى " تحريف.
2) نبدو أي نخرج إلى البادية.
3) بترجمة الحسين من كل من طبقات ابن سعد ح - 280، وتاريخ ابن عساكر ح - 666.
4) مثل ما روى الصدوق في أماليه ط. النجف، ص 112، وط. دار الكتب الاسلامية طهران سنة
1355 ش. ه‍ ص 126 - 127 عن ميثم رواية مفصلة وما ورد في أمالي الشيخ الطوسي (ره) 1 / 323 - 4،
ومثير الأحزان ص 9 - 13.
44

سبب استشهاد الإمام الحسين
ينبغي ان نبحث في هذا المقام عن أمرين:
أ - عن قاتل الإمام الحسين لماذا أقدم على قتله؟
ب - عن الإمام الحسين لماذا اختار القتل.
وقد روى الطبري وغيره واللفظ للطبري 1 في بيان ذلك وقال: بويع ليزيد بن
معاوية بالخلافة بعد وفاة أبيه في رجب سنة ستين وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي
سفيان ولم يكن ليزيد همة حين ولى الا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية الإجابة إلى
بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته وانه ولى عهده بعده والفراغ من أمرهم، فكتب إلى
الوليد يخبره بموت معاوية وكتب إليه في صحيفة كأنها أذن فأرة: أما بعد. فخذ حسينا
و عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا
والسلام.
فأشار عليه مروان أن يبعث إليهم في تلك الساعة ويدعوهم إلى البيعة
والدخول في الطاعة فان فعلوا قبل منهم وكف عنهم وان أبوا قدمهم فضرب أعناقهم
فإنهم ان علموا بموت معاوية وثب كل منهم في جانب وأظهر الخلاف والمنابذة ودعا
إلى نفسه عدا ابن عمر فإنه لا يرى القتال الا أن يدفع الامر إليه عفوا.
فأرسل عبد الله بن عمرو بن عثمان إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما فوجدهما
في المسجد فدعاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس فقالا: انصرف الان نأتيه

1) الطبري باب خلافة يزيد بن معاوية 6 / 188.
45

فقال حسين لابن الزبير: أرى طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن
يفشو في الناس الخبر فقال: وانا ما أظن غيره فقام الحسين وجمع إليه مواليه وأهل بيته
وسار إلى باب الوليد وقال لهم: انى داخل فان دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا
فاقتحموا على والا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم، فدخل على الوليد ومروان جالس
عنده فاقرأه الوليد الكتاب ودعاه إلى البيعة فاسترجع الحسين وقال: ان مثلي لا يعطى
بيعته سرا ولا أراك تجتزئ بها منى سرا دون أن تظهرها على رؤوس الناس علانية،
قال: أجل؟ قال: فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان
أمرا واحدا فقال له الوليد، وكان يحب العافية: انصرف على اسم الله، فقال له. مروان:
والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها حتى تكثر القتلى بينكم وبينه
احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك
الحسين، فقال: يا ابن الزرقاء 1 أنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله وأثمت 2.
وفي تاريخ أعثم ومقتل الخوارزمي ومثير الأحزان 3 واللهوف واللفظ للأخير 4،
كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها عامة وخاصة على الحسين (ع)
ويقول له: إن أبى عليك فاضرب عنقه، ثم أوردوا الخبر نظير ما ذكره الطبري إلى قولهما،
فغضب الحسين وقال: ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي؟ كذبت
ولؤمت نحن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ويزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس
ومثلي لا يبايع مثله.
قال الطبري: فقال له الوليد - وكان يحب العافية -: انصرف على اسم
الله. وفي الرواية الأولى: فلما أصبح الحسين لقية مروان فقال أطعني ترشد، قال: قل،

1) قال ابن الأثير في تاريخه الكامل 4 / 160 ط. أوروبا وكان يقال له - أي لمروان ولولده بنو
الزرقاء يقول ذلك من يريد ذمهم وعيبهم وهي الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لأبيه وكانت من
ذوات الرايات التي تستدل على بيوت البغاء فلهذا كانوا يلمون بها وقال البلاذري: اسمها مارية ابنة موهب
وكان قبنا. أنساب الأشراف 5 / 126.
2) الطبري 6 / 190.
3) مثير الأحزان لابن نما نجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء (ت: 645 ه‍) ط. المطبعة الحيدرية
في النجف سنة 1369 ه‍ ص 14 - 15.
4) اللهوف في قتلى الطفوف ط. مكتبة الأندلس بيروت ص 9 - 10 تأليف علي بن موسى بن جعفر
بن طاووس الحسيني (ت: 614 ه‍)، فتوح أعثم ج 5 / 10 مقتل الخوارزمي 1 / 180 - 185.
46

قال: بايع أمير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين فقال الحسين: " انا لله وانا إليه
راجعون " 1 وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد 2.
أما ابن الزبير فإنهم ألحوا عليه وتعلل ولم يحضر دار الوليد وبعث الوليد إلى
عبد الله بن عمر فقال: بايع ليزيد. فقال: إذا بايع الناس بايعت فانتظر حتى جاءت
البيعة من البلدان فتقدم إلى الوليد فبايعه 3.
وفي رواية: أن الحسين خرج من منزله بعد ذلك وأتى قبر جده فقال: السلام
عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك والثقل الذي
خلفته في أمتك، فاشهد عليهم يا نبي الله انهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني، وهذه
شكواي إليك حتى ألقاك صلى الله عليك.
ثم صف قدميه فلم يزل راكعا ساجدا 4 إلى الفجر.
وفي رواية أخرى: فصلى ركعات فلما فرغ من صلاته جعل يقول: اللهم هذا
قبر نبيك محمد (ص) وأنا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الامر ما قد علمت، اللهم إني
أحب المعروف وأنكر المنكر وإني أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق هذا القبر
ومن فيه الا اخترت من أمري ما هو لك رضى ولرسولك رضى وللمؤمنين رضى، ثم
جعل يبكى عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى فإذا هو
برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه ومن خلفه فجاء
وضم الحسين إلى صدره وقبل بين عينيه وقال " حبيبي يا حسين كأني أراك عن
قريب مرملا بدمائك، مذبوحا بأرض كربلاء، بين عصابة من أمتي، وأنت في ذلك
عطشان لا تسقى، وظمآن لا تروى، وهم في ذلك يرجون شفاعتي، ما لهم لا أنالهم الله
شفاعتي ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، وما لهم عند الله من خلاق، حبيبي يا
حسين ان أباك وأمك وأخاك قدموا علي وهم إليك مشتاقون، وان لك في الجنة
لدرجات لن تنالها الا بالشهادة 5. الحديث.

1) لم أجد الاسترجاع في اللهوف.
2) مثير الأحزان 14 - 15، اللهوف ص 9 - 10، وفتوح أعثم ومقتل الخوارزمي.
3) الطبري 6 / 190 - 191.
4) مقتل الخوارزمي 1 / 186.
5) فتوح أعثم 5 / 29، ومقتل الخوارزمي 1 / 187.
47

وذهب إلى قبر أمه وأخيه وودعهما 1 وروى عمر بن علي الأطرف وقال:
لما امتنع أخي الحسين (ع) عن البيعة ليزيد بالمدينة دخلت عليه فوجدته
خاليا، فقلت له: جعلت فداك يا أبا عبد الله: حدثني أخوك أبو محمد الحسن عن
أبيه (ع). ثم سبقتني الدمعة، وعلا شهيقي، فضمني إليه، وقال: أحدثك أني مقتول؟
فقلت: حوشيت يا ابن رسول الله. فقال: سألتك بحق أبيك، بقتلي خبرك أبي؟ فقلت
نعم، فلولا تأولت وبايعت. فقال: حدثني أبي: أن رسول الله (ص) أخبره بقتله وقتلي
وأن تربتي تكون بقرب تربته، فتظن أنك علمت ما لم أعلمه واني لا أعطى الدنية من
نفسي أبدا ولتلقين فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته ولا يدخل الجنة أحد
آذاها في ذريتها 2.
* * *
كان حكام ذلك العصر وأشياعهم قد اعتادوا على تسمية تغيير أحكام الله
بالتأويل كما شرحناه في بحث الاجتهاد حتى أصبح المتبادر إلى الذهن من لفظ التأويل
هو التغيير، وأصبح ذلك شائعا وسائغا ومن ثم كان معاصروا الإمام الحسين الذين
بلغهم نبأ استشهاد الحسين في العراق عن رسول الله يلحون على الإمام الحسين أن يؤول
قضاء الله هذا اي يغيره بعدم ذهابه إلى العراق وبعضهم كان يضيف إلى ذلك طلبه من
الامام ان يؤوله بالبيعة اي يغيره بالبيعة، وهذا ما عناه عمر بن علي بقوله (فلولا تأولت
وبايعت) اي فلولا أولت قضاء الله بقتلك ببيعتك، وكذلك كان قصد محمد بن
الحنفية في حاور أخاه الإمام الحسين وان لم يصرح به.
كما روى الطبري والمفيد وغيرهما واللفظ للمفيد: ان محمد بن الحنفية قال
للحسين (ع) لما عزم على الخروج من المدينة: يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم
علي ولست أدخر النصيحة لاحد من الخلق الا لك وأنت أحق بها. تنح ببيعتك عن
يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك
فان بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك وان اجتمع الناس على غيرك لم
ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك انى أخاف عليك
أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك
فيقتتلون فتكون لأول الأسنة غرضا، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها

1 و 2) اللهوف ص 11.
48

دما وأذلها أهلا. فقال له الحسين (ع): فأين أذهب يا أخي؟ قال: انزل مكة فان
اطمانت بك الدار بها فسبيل ذلك وان نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال
وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس إليه فإنك أصوب ما تكون
رأيا حين تستقبل الامر استقبالا 1.
وفي فتوح أعثم ومقتل الخوارزمي بعده: فقال له الحسين: يا أخي والله
لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية أبدا وقد قال (ص): اللهم
لا تبارك في يزيد، فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكى فبكى معه الحسين ساعة ثم
قال: جزاك الله يا أخي عنى خيرا لقد نصحت وأشرت بالصواب وأنا أرجو أن يكون
إن شاء الله رأيك موفقا مسددا وانى قد عزمت على الخروج إلى مكة، وقد تهيأت لذلك أنا
وإخوتي وبنو إخوتي وشيعتي وأمرهم أمري ورأيهم رأيي واما أنت يا أخي فلا عليك
أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم ولا تخف على شيئا من أمورهم. ثم دعا بدواة
وبياض وكتب 2 هذه الوصية لأخيه محمد.

1) ارشاد الشيخ المفيد ص 183.
2) فتوح أعثم 5 / 32 - 33.
49

وصية الحسين (ع) 1
بسم الله الرحمن الرحيم - هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى
أخيه محمد المعروف بابن الحنفية ان الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن
الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وانى لم أخرج أشرا ولا بطرا
ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (ص)، أريد أن آمر
بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبى علي بن أبي طالب فمن قبلني
بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد على هذا أصبر حتى يقضى الله بيني وبين القوم
بالحق وهو خير الحاكمين وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت
واليه أنيب.
ثم طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه
وخرج في جوف الليل 2.

1) اخترنا لفظ محمد بن أبي طالب الموسوي حسب رواية المجلس في البحار 44 / 329.
2) في فتوح أعثم 5 / 34، مقتل الخوارزمي 1 / 188 وبعد سيرة جدي وأبى، أضافت يد التحريف
" وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم " وان الراشدين اصطلاح تأخر استعماله عن عصر الخلافة
الأموية ولم يرد في نص ثبت وجوده قبل ذلك ويقصد بالراشدين الذين أتوا إلى الحكم بعد رسول الله متواليا من
ضمنهم الامام على، فلا يصح ان يعطف الراشدين على اسم الامام، كل هذا يدلنا على أن الجملة أدخلت في لفظ
الإمام الحسين.
50

مسير الإمام الحسين (ع) إلى مكة المكرمة
وروى الطبري والمفيد: أن الوليد أرسل إلى ابن الزبير بعد خروج الحسين
فطاوله حتى خرج في جوف الليل إلى مكة وتنكب الطريق فلما أصبحوا سرح في طلبه
الرجال فلم يدركوه فرجعوا وتشاغلوا به عن الحسين (ع) فلما أمسوا، أرسل إلى الحسين
فقال لهم: أصبحوا ثم ترون ونرى، فكفوا عنه فسار من ليلته إلى مكة وهو يتلو (فخرج
منها خائفا يترقب قال: رب نجني من القوم الظالمين) وأبى ان يتنكب الطريق الأعظم
مثل ابن الزبير 1.
وفى تاريخ الطبري وغيره، أن عبد الله بن عمر التقى بالحسين وابن الزبير في
الطريق فقال لها: اتقيا الله ولا تفرقا جماعة المسلمين 2.
ولقى الحسين - أيضا - عبد الله بن مطيع، فقال له: جعلت فداك أين تريد؟
قال: اما الان فمكة وأما بعد فاني أستخير الله قال: خار الله لك وجعلنا فداءك فإذا
أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة فإنها بلدة مشؤومة بها قتل أبوك وخذل أخوك
واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه. الزم الحرم فإنك سيد العرب لا تعدل بك أهل
الحجاز أحدا ويتداعى إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمى وخالي
فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك، وسار الحسين حتى دخل مكة يوم الجمعة لثلاث
مضين من شعبان وهو يقرأ: " ولما توجه تلقاء مدين، قال: عسى ربى أن يهديني سواء
السبيل "، ودخل ابن الزبير مكة ولزم الكعبة، يصلى عندها عامة النهار، ويطوف

1) تاريخ الطبري 6 / 190، وارشاد المفيد ص 184.
2) تاريخ الطبري 6 / 191.
51

ويأتي حسينا في من يأتيه، ويشير عليه بالرأي، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير، قد
عرف ان أهل الحجاز لا يبايعونه أبدا ما دام الحسين بالبلد وأنه أعظم في أعينهم
وأنفسهم منه وأطوع في الناس منه 1.
فأقبل أهلها يختلفون إليه ويأتيه المعتمرون وأهل الآفاق 2.
وفي هذه السنة عزل يزيد الوليد وولى على الحرمين عمرو بن سعيد 3 وبلغ أهل
الكوفة موت معاوية وامتناع الحسين وابن الزبير وابن عمر عن البيعة فاجتمعوا وكتبوا
إليه كتابا واحدا... أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزل
على هذه الأمة فابتزها أمرها وتآمر عليها بغير رضى منها... فبعدا له كما بعدت ثمود انه
ليس علينا امام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والنعمان بن بشير - الوالي -
في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا عيد ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت أخرجناه
حتى نلحقه بالشام... وبعثوا بالكتاب مع رجلين فأغذا السير حتى قدما على الإمام الحسين
لعشر مضين من شهر رمضان. ثم مكثوا يومين وسرحوا إليه ثلاثة رجال معهم
نحوا من ثلاث وخمسين صحيفة من الرجال والاثنين والأربعة ثم لبثوا يومين آخرين
وأرسلوا رسولين وكتبوا معهما... إلى الحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين،
أما بعد فحى هلا فان الناس ينتظرونك ولا رأى لهم في غيرك فالعجل العجل والسلام
عليك.
وكتب إليه رؤوس من رؤساء الكوفة كتابا ورد فيه: فاقدم على جند لك
مجندة والسلام عليك 4.
وفي رواية الطبري: كتب إليه أهل الكوفة " أنه معك مائة الف " 5.

1) تاريخ الطبري 6 / 196 - 197.
2) الطبري 6 / 196.
3) الطبري 6 / 191.
4) الطبري 6 / 197، وراجع أنساب الأشراف ص 157 - 158.
5) الطبري 6 / 221، ومثير الأحزان ص 16.
52

ارسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة
وهكذا تلاقت الرسل وتكدست الكتب لديه فكتب الامام في جوابهم... إلى
الملا من المؤمنين والمسلمين أما بعد... قد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة
جلكم انه ليس علينا امام فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق وقد بعثت
إليكم أخي وابن عمى وثقتي من أهل بيتي وأمرته أن يكتب إلى بحالكم وأمركم
ورأيكم فان كتب إلى أنه قد أجمع رأى ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على
مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله
فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه
على ذات الله والسلام 1.
وأرسل إليهم مسلم بن عقيل 2 فاقبل حتى دخل الكوفة فاجتمع إليه الشيعة
واستمعوا إلى كتاب الحسين وهم يبكون وبايعه ثمانية عشر ألفا 3.
فكتب مسلم بن عقيل إلى الحسين: أما بعد فان الرائد لا يكذب أهله وقد
بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجل الاقبال حين يأتيك كتابي فان الناس
كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأى ولا هوى والسلام 4.
وفي رواية بايع مسلم بن عقيل خمسة وعشرون ألفا.

1) الطبري 6 / 198، والاخبار الطوال للدينوري 238.
2) الطبري 6 / 198.
3) الطبري 6 / 211، ومثير الأحزان ص 21، واللهوف ص 10.
4) الطبري 6 / 211.
53

وفي رواية أخرى أربعين ألفا 1.
قال المؤلف: ولعل أهل الكوفة استمروا على البيعة لمسلم بعد ارساله الكتاب
إلى الإمام الحسين حتى بلغوا خمسا وعشرين أو أربعين ألفا.
قال الطبري: اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة وتذاكروا أمر الحسين والتحق
بعضهم به وسار معه حتى استشهد وكتب إليهم الحسين يستنصرهم 2.
قال: وعزل يزيد نعمان بن بشير عن ولاية الكوفة وولى عبيد الله بن زياد
عليها 3 بالإضافة إلى ولايته على البصرة وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل حتى يقتله
فقدم الكوفة وتتبع الشيعة فثار عليه مسلم بن عقيل وخذله من بايعه من أهل الكوفة
وبقى وحيدا يحارب جنود ابن زياد فضرب بسيف قطع شفته العليا ونصلت ثناياه
وأخذوا يرمونه بالحجارة من فوق البيوت ويلهبون النار في أطنان القصب ثم يقلبونها
عليه فتقدم إليه محمد بن الأشعث وقال: لك الأمان لا تقتل نفسك وكان قد أثخن
بالحجارة وعجز عن القتال وانبهر وأسند ظهره إلى جنب الدار فدنا منه ابن الأشعث
فقال: لك الأمان قال: آمن أنا؟ قال: نعم. وقال القوم أنت آمن. فقال: أما لو لم
تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم فاجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه من عنقه فقال: هذا
أول الغدر أين أمانكم؟ ثم أقبل على ابن الأشعث وقال له: انى أراك والله ستعجز
عن أماني فهل عندك خير؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ حسينا
فانى لا أراه الا قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خارج غدا هو وأهل بيته وان ما ترى
من جزعي لذلك فيقول: ان ابن عقيل بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير لا يرى أن
تمشى حتى تقتل، ارجع باهل بيتك ولا يغرك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي
كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل، ان أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس
لمكذوب رأي. فقال الأشعث: والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد انى قد أمنتك.
وادخل مسلم على ابن زياد على تلك الحالة وجرى بينهم محاورة فقال له
ابن زياد لعمري لتقتلن.
قال: كذلك؟ قال: نعم قال: فدعني أوص إلى بعض قومي فنظر إلى جلساء

1) تاريخ ابن عساكر 649.
2) الطبري 6 / 198 - 200.
3) الطبري 6 / 199 - 215.
54

عبيد الله وفيهم عمر بن سعد. فقال: يا عمر ان بيني وبينك قرابة ولى إليك حاجة وقد
يجب لي عليك نجح حاجتي وهو سر، فأبى أن يمكنه من ذكرها فقال له عبيد الله:
لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد فقال
له: ان على بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عنى وانظر
جثتي فاستوهبها من ابن زياد فوارها وابعث إلى حسين من يرده فانى قد كتبت إليه
أعلمه ان الناس معه ولا أراه الا مقبلا. فأخبر ابن سعد ابن زياد بما قال مسلم فقال
ابن زياد. انه لا يخونك الأمين ولكن يؤتمن الخائن وامر بمسلم ان يصعد به فوق القصر
ويضرب عنقه فقال لابن الأشعث: أما والله لولا أنك أمنتني ما استسلمت قم بسيفك
دوني فقد أخفرت ذمتك فصعد به وهو يكبر ويستغفر ويصلى على ملائكة الله ورسله
ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وأذلونا. وأشرف به وضربت
عنقه وأتبع جسده رأسه.
وأمر ابن زياد بهانئ بن عروة فاخرج إلى السوق فضرب عنقه وأرسل
ابن زياد برأسيهما مع كتاب إلى يزيد فكتب إليه يزيد: أما بعد فإنك لم تعد ان كتب كما
أحب عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش فقد أغنيت وكفيت
وصدقت ظني بك ورأيي فيك... الكتاب 1.

1) الطبري 6 / 199 - 215، وارشاد المفيد 199 - 200.
55

عزم الإمام الحسين (ع) على المسير إلى العراق
هكذا استشهد مسلم بن عقيل، أما الإمام الحسين فقد استعد بعد تسلمه
كتاب سفيره مسلم - الآنف الذكر - للتوجه إلى العراق ولما علم ابن الزبير بقصده
قال له: أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها، ثم خشي أن يتهمه فقال: أما انك
لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الامر ههنا ما خولف عليك إن شاء الله ولما خرج من
عند الإمام الحسين قال الامام: ان هذا ليس شئ يؤتاه من الدنيا أحب إليه من أن
أخرج من الحجاز إلى العراق وقد علم أنه ليس له من الامر معي شئ وان الناس لم
يعدلوه بي فود أنى خرجت منها لتخلو له 1.
وفي يوم التروية التقيا بين الحجر والباب فقال له ابن الزبير: ان شئت أقمت
فوليت هذا الامر آزرناك وساعدناك ونصحناك وبايعناك فقال له الحسين: ان أبى
حدثني أن بها كبشا يستحل حرمتها فما أحب أن أكون ذلك الكبش فقال له ابن
الزبير: فأقم ان شئت وتوليني أنا الامر فتطاع ولا تعصى فقال: وما أريد هذا ثم إنهما
أخفيا كلامهما 2.
وفى رواية: فسار ابن الزبير الحسين فالتفت إلينا الحسين، فقال: يقول ابن
الزبير: أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس، ثم قال: والله لئن أقتل خارجا منها أحب
إلى من أن أقتل داخلا منها بشبر، وأيم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام

1) الطبري 6 / 216.
2) الطبري 6 / 317، وراجع أنساب الأشراف ص 164.
56

لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم ووالله ليعتدن على كما اعتدت اليهود في
السبت 1.
وفى تاريخ ابن عساكر وابن كثير: لئن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى من
أن تستحل بي يعنى مكة 2.
ثم طاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة وقص من شعره وأحل من
احرامه وجعلها عمرة 3.
الحسين مع ابن عباس:
وفي تاريخ الطبري وغيره، لما عزم على الخروج أتاه ابن عباس وقال له في ما
قال: أقم في هذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا
فاكتب إليهم فلينفوا عاملهم وعدوهم، ثم أقدم عليهم فان أبيت الا أن تخرج فسر إلى
اليمن فان بها حصونا وشعابا وهي أرض عريضة طويلة ولابيك بها شيعة وأنت عن
الناس في عزلة فتكتب إلى الناس وترسل وتبث دعاتك. فانى أرجو أن يأتيك عند ذلك
الذي تحب. فقال له الحسين: يا ابن عم انى والله أعلم أنك ناصح مشفق وقد أزمعت
وأجمعت المسير، فقال له ابن عباس: فان كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك، فانى
خائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه، وفي الاخبار الطوال بعده
قال الحسين: يا بن عم ما أرى الخروج إلا بالأهل والولد 4.
وفي رواية: فقال الحسين: لئن اقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى من أن أقتل
بمكة وتستحل بي، فبكى ابن عباس 5. وفي رواية فقال: فذلك الذي سلا بنفسي عنه 6.
كتابه إلى بني هاشم:
في كامل الزيارة قال: كتب الحسين بن علي من مكة إلى محمد بن علي:

1) الطبري 6 / 217، ابن الأثير 4 / 16، وقوله " ليعتدن على... " في طبقات ابن سعد ح - 278،
وتاريخ ابن عساكر ح - 664، وابن كثير 8 / 166.
2) تاريخ ابن عساكر ح - 648، وابن كثير 8 / 166.
3) ارشاد المفيد ص 201، وتاريخ ابن كثير 8 / 166.
4) الطبري 6 / 216 - 217، وابن الأثير 4 / 16، والاخبار الطوال ص 244.
5) تاريخ ابن عساكر بترجمة الإمام الحسين الحديث 642 - 644، وابن كثير 8 / 165، وذخائر العقبى
ص 151، ومقتل الخوارزمي 1 / 219.
6) معجم الطبراني ح - 93، ومجمع الزوائد 9 / 192.
57

بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من
بني هاشم، أما بعد: فان من لحق بي استشهد ومن تخلف لم يدرك الفتح والسلام 1.
قال ابن عساكر: وبعث حسين إلى المدينة فقدم عليه من خف معه من بنى
عبد المطلب... وتبعهم محمد بن الحنفية بمكة... 2
الإمام الحسين مع أخيه محمد بن الحنفية:
في اللهوف: سار محمد بن الحنفية إلى الحسين (ع) في الليلة التي أراد الخروج
في صبيحتها عن مكة، فقال: يا أخي ان أهل الكوفة من عرفت غدرهم بأبيك وأخيك
وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى، فان رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم
وأمنعه، فقال: يا أخي خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون الذي
يستباح به حرمة هذا البيت... 3
خروج الإمام الحسين من مكة وممانعة رسل الوالي إياه:
خرج الإمام الحسين من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة 4 فاعترضه
رسل الوالي من قبل يزيد عمرو بن سعيد، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط، وامتنع
الحسين وأصحابه منهم امتناعا قويا، ومضى فنادوه: يا حسين ألا تتقي الله تخرج من
الجماعة وتفرق بين هذه الأمة فتأول حسين قول الله عز وجل: " لي عملي ولكم
عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون " 5.
مع عبد الله بن جعفر وكتاب الوالي:
فكتب إليه عبد الله بن جعفر مع ابنيه عون ومحمد: أما بعد، فاني أسألك بالله
لما انصرفت حين تنظر في كتابي فاني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له أن يكون
فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، وان هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنك علم

1) كامل الزيارة ص 75 باب 75، وفى اللهوف عن الكليني: ان هذا الكتاب كتبه إليهم لما فصل من
مكة ولفظه من الحسين بن علي إلى بني هاشم اما بعد، فإنه من لحق بي منكم استشهد ومن تخلف عنى لم يبلغ
الفتح، اللهوف ص 25 ومثير الأحزان ص 27.
2) ترجمة الإمام الحسين في تاريخ ابن عساكر، وتاريخ الاسلام للذهبي 2 / 343.
3) اللهوف ص 24 - 25.
4) الطبري 6 / 211.
5) الطبري 6 / 217 - 218، وابن الأثير 4 / 17، وابن كثير 8 / 166، وأنساب الأشراف ص 164.
58

المهتدين، ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير، فاني في اثر الكتاب والسلام.
وطلب من عمرو بن سعيد أن يكتب له أمانا ويمنيه البر والصلة ويبعثه إليه،
فكتب: أما بعد، فاني أسأل الله ان يصرفك عما يوبقك، وان يهديك لما يرشدك،
بلغني أنك توجهت إلى العراق، واني أعيذك بالله من الشقاق، فاني أخاف عليك فيه
الهلاك، وقد بعث إليك عبد الله بن جعفر، ويحيى بن سعيد - أخا الوالي - فاقبل إلي
معهما، فان لك عندي الأمان، والصلة والبر وحسن الجوار.. فذهبا بالكتاب ولحقا
الإمام الحسين، واقرأه يحيى الكتاب فجهدا به وكان مما اعتذر به أن قال: اني رأيت
رؤيا فيها رسول الله (ص) وأمرت فيها بأمر انا ماض له على كان أولي، فقالا: فما تلك
الرؤيا؟ قال: ما حدثت بها أحدا وما انا محدث بها حتى القى ربى 1. وكتب الإمام الحسين
في جواب عمرو بن سعيد: اما بعد فإنه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله
عز وجل وقال: انني من المسلمين، وقد دعوت إلى الأمان والبر والصلة، فخير الأمان
أمان الله، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا
توجب لنا أمانه يوم القيامة فان كنت نويت بالكتاب صلتي وبرى، فجزيت خيرا... 2
كتاب عمرة بنت عبد الرحمن:
وفي تاريخ ابن عساكر: كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد
ان يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه، وتقول:
اشهد لحدثتني عائشة انها سمعت رسول الله (ص) يقول: يقتل حسين بأرض بابل، فلما
قرأ كتابها، قال: فلابد لي إذا من مصرعي، ومضى 3.
مع ابن عمر:
وفيه أيضا: ان عبد الله بن عمر كان بمال له فبلغه ان الحسين بن علي قد توجه
إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليال ونهاه عن المسير إلى العراق فأبى الحسين،

1) الطبري 6 / 219 - 220، وابن الأثير 3 / 17، وابن كثير 8 / 167، وفي 163 منه بإيجاز وارشاد
المفيد ص 202، وتاريخ الاسلام للذهبي 2 / 343.
2) في الطبري وابن الأثير وابن كثير تتمة للخبر السابق.
3) تاريخ ابن عساكر بعد الحديث 653. وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية
أكثرت عن عائشة ثقة من الثالثة ماتت قبل المائة. تقريب التهذيب 2 / 607.
59

فاعتنقه ابن عمر، وقال: استودعك الله من قتيل 1.
وفي فتوح أعثم ومقتل الخوارزمي ومثير الأحزان وغيرها واللفظ للأخير: ان
ابن عمر لما بلغه توجه الحسين إلى العراق لحقه وأشار عليه بالطاعة والانقياد، فقال له
الحسين: يا عبد الله أما علمت أن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا
أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل - إلى قوله - فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد
ذلك أخذ عزيز مقتدر، ثم قال: اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي 2.

1) تاريخ ابن عساكر ح؟ 645 و 646، وتهذيبه 4 / 329، وقد أوردنا موجزا من الحديث. وأنساب الأشراف
ح 21 ص 163.
2) فتوح أعثم 5 / 42 - 43، والمقتل 1 / 192 - 193، ومثير الأحزان 29، واللهوف ص 13، ويبدو
ان ابن عمر حاور الحسين في هذا الامر مرتين أولاهما عند توجهه إلي مكة والثانية بعد خروجه منها متوجها إلى
العراق.
60

توجه الإمام الحسين (ع) إلى العراق
خطبة الإمام (ع):
وفي مثير الأحزان بعد المحاورة السابقة: ثم قام خطيبا فقال: الحمد لله وما شاء
الله، ولا قوة الا بالله، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني
إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع انا لاقيه، كأني بأوصالي
تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا، فيملأن مني أكراشا جوفا وأحوية
سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا
أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقر
بهم عينه وينجز بهم وعده، من كان باذلا فينا مهجته، وموطنا على لقاء الله نفسه،
فليرحل معنا فاني راحل مصبحا إن شاء الله 1.
لفت نظر:
لم نتوخ في ايراد هذه المحاورات تسجيلها حسب تسلسلها الزماني أو المكاني
كي نبحث عنها كذلك ثم نرتب تدوينها حسبما يؤدى إليه البحث لأنا استهدفنا في هذا
البحث اعطاء صورة عن رؤية الإمام الحسين ورؤية معاصريه لواقعة استشهاده لنتمكن
من معرفة حكمة استشهاده وآثارها، وكان يكفينا في هذا المقام ايراد المحاورات
والحوادث حسبما أدى إليه ظننا وهكذا فعلنا.

1) مثير الأحزان ص 29، وفى اللهوف ص 23 انه خطب بها في مكة لما عزم على الخروج وفى لفظه
" أجربة سغبا ".
61

أوامر الخليفة يزيد:
ولما بلغ نبأ مسير الامام إلى يزيد كتب إلى ابن زياد: انه قد بلغني ان حسينا
قد سار إلى الكوفة وقد ابتلى به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان،
وابتليت به أنت من بين العمال، وعندها تعتق أو تعود عبدا كما تعتبد العبيد 1.
لعل يزيد يشير في كتابه إلى أن زيادا والد عبيد ابن زياد، ولد من أبوين
عبدين وهما عبيد وسمية، وبعد ان الحقه معاوية بأبيه أبي سفيان، أصبح أمويا 2 ومن
الأحرار في حساب العرف القبلي الجاهلي، وان يزيد يهدد ابنه ابن زياد: انه ان لم يقم
بواجبه في القضاء على الحسين فإنه سينفيه من نسب آل أبي سفيان فيعود عبدا.
وفي رواية: ان عمرو بن سعيد أيضا كتب إلى ابن زياد نظير هذا الكتاب 3.
مع الفرزدق:
سار الإمام الحسين حتى انتهى إلى الصفاح 4 فلقيه الفرزدق بن غالب الشاعر
فقال للامام: بأبي وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج فقال: لو لم أعجل
لأخذت.
ثم سأل الفرزدق عن نبأ الناس خلفه فقال له الفرزدق: قلوب الناس معك
وسيوفهم مع بنى أمية والقضاء ينزل من السماء.
فقال له الحسين: صدقت لله الامر، والله يفعل ما يشاء، وكل يوم ربنا في
شأن ان نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر
وان حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته، والتقوى سريرته، ثم حرك
الحسين راحلته فقال: السلام عليك 5.

1) تاريخ ابن عساكر ح - 657، وفى ح - 656 امره بمحاربته، وفى تهذيبه 4 / 332، ومعجم الطبراني
ح - 80، وأنساب الأشراف للبلاذري بترجمة الحسين ح 180 ص 160، وتاريخ الاسلام للذهبي 2 / 344،
وتاريخ ابن كثير 8 / 165.
2) راجع كتاب عبد الله بن سبأ ج 1 فصل استلحاق زياد.
3) تاريخ ابن عساكر ح - 653، وتهذيبه 4 / 326، وتاريخ ابن كثير 8 / 165، وتاريخ الاسلام للذهبي
2 / 343.
4) الصفاح بين حنين وانصاب الحرم يسرة الداخل إلى مكة.
5) الطبري 6 / 218، وابن الأثير 4 / 16، وارشاد المفيد ص 201، وابن كثير 8 / 168، وأنساب الأشراف
ص 165 - 166.
62

ولما بلغ الحاجر ارسل إلى أهل الكوفة بكتاب يخبرهم فيه انه خرج من مكة
يوم التروية متجها إليهم 1.
مع عبد الله بن مطيع 2:
وفي بعض المياه التقى بعبد الله بن مطيع العدوي فقال له: بأبي أنت وأمي يا
ابن رسول الله ما أقدمك؟ فأخبره الحسين بخبره فقال ابن مطيع: أذكرك الله يا ابن
رسول الله وحرمة الاسلام ان تنتهك، أنشدك الله في حرمة رسول الله (ص)، أنشدك
الله في حرمة العرب، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك: ولئن قتلوك
لا يهابون بعدك أحدا ابدا، والله انها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة قريش وحرمة
العرب، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض لبني أمية، فأبى الا أن يمضي 3.
وفي رواية، فقال الحسين: لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا، ثم ودعه ومضى 4.
من رأى أن الحسين (ع) لا يجوز فيه السلاح:
خلافا لمن سبق ذكر رأيه كان عبد الله بن عمرو بن العاص من عصبة الخلافة
من الصحابة يأمر الناس باتباع الإمام الحسين، قال الفرزدق بعد ذكره لقاءه للإمام الحسين:
ثم مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم وهيئته حسنة فاتيته فإذا هو
لعبد الله بن عمرو بن العاص فسألني فأخبرته بلقاء الحسين بن علي، فقال لي: ويلك
فهلا اتبعته: فوالله سيملكن ولا تجوز السلاح فيه ولا في أصحابه.
قال: فهممت والله ان الحق به ووقع في قلبي مقالته ثم ذكرت الأنبياء
وقتلهم فصدني ذلك عن اللحاق بهم... الحديث 5.

1) الطبري 6 / 223 - 224، الاخبار الطوال للدينوري ص 245، وكان الحاجر ببطن الرمة ويجتمع
فيه أهل الكوفة والبصرة بطريق مكة - مادة الحاجر وبطن الرمة بمعجم البلدان وراجع أنساب الأشراف
ص 166.
2) عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي المدني، له رؤية، وكان رأس قريش يوم الحرة وأمره ابن الزبير
على الكوفة ثم قتل معه سنة ثلاث وسبعين اخرج حديثه البخاري ومسلم. تقريب التهذيب 2 / 452.
3) الطبري 6 / 224، وارشاد المفيد ص 203، وأنساب الأشراف ص 155.
4) الاخبار الطوال للدينوري 246.
5) الطبري 6 / 218 - 219.
63

مع زهير بن القين:
سار الإمام الحسين حتى نزل زرود فالتقى فيها بزهير بن القين - وكان
عثمانيا 1 قال الراوي الذي كان مع زهير: اقبلنا من مكة نساير الحسين فلم يكن شئ
أبغض إلينا من أن نسايره في منزل فإذا سار الحسين تخلف زهير وإذا نزل تقدم، حتى
نزلنا منزلا لم نجد بدا من أن ننازله فيه، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب، فبينا
نحن جلوس نتغذى إذ أقبل رسول الحسين فسلم، وقال: يا زهير بن القين ان أبا عبد الله
الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه، قال: فطرح كل انسان ما في يده حتى كأننا على
رؤوسنا الطير.
فقالت له زوجته: أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه؟ سبحان الله لو أتيته
فسمعت من كلامه! فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه،
فأمر بفسطاطه ومتاعه فحمل إلى الحسين، ثم قال لامرأته: أنت طالق! الحقي بأهلك،
فاني لا أحب ان يصيبك من سببي الا خير، ثم قال لأصحابه: من أحب منكم أن
يتبعني والا فإنه آخر العهد.
وفي رواية: من أحب منكم الشهادة فليقم ومن كرهها فليتقدم 2.
اني سأحدثكم حديثا غزونا بلنجر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا
سلمان الباهلي: أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من المغانم؟ فقلنا: نعم. فقال لنا:
إذا أدركتم شباب آل محمد - وفي رواية: سيد شباب أهل محمد 3 فكونوا أشد فرحا
بقتالكم معهم بما أصبتم من الغنائم فاما أنا فأستودعكم الله 4 فقالت له زوجته: خار الله
لك وأسألك ان تذكرني يوم القيامة عند جد الحسين (ع).

1) في أنساب الأشراف ط. الأولى، 1397 ص 168 وص 167 وتاريخ ابن الأثير 4 / 17 انه كان
عثمانيا وزرود في وسط رمال عالج كان منزلا للحاج العراقي.
2) الاخبار الطوال ص 246 - 247، وأنساب الأشراف ص 168.
3) ابن الأثير 4 / 17.
4) نقلنا الرواية من الطبري 6 / 224 - 225، وسلمان المذكور في الخبر هو ابن ربيعة الباهلي أرسله
الخليفة عثمان لغزو اران من آذربايجان ففتح كورها صلحا وحربا وقتل خلف نهر بلنجر، فتوح البلدان
ص 240 - 241، وراجع أسد الغابة ترجمته 2 / 225.
64

وصول خبر قتل مسلم وهانئ
لما وصل الامام إلى الثعلبية 1 أخبره أسديان عن صاحبهم أنه لم يخرج من
الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورآهما يجران في الأسواق بأرجلهما.
فقال الامام: انا لله وانا إليه راجعون رحمة الله عليهما وردد ذلك مرارا، فقالا:
ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك الا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة
ناصر ولا شيعة بل نتخوف أن تكون عليك، فوثب عند ذلك بنو عقيل، وقالوا: لا والله
لا نبرح حتى ندرك ثارنا أو نذوق ما ذاق أخونا. فنظر الحسين إلى الأسديين وقال:
لا خير في العيش بعد هؤلاء.
قالا: فعلمنا انه عزم له رأيه على المسير، فقلنا: خار الله لك، فقال: رحمكما
الله 2.
رسولا ابن الأشعث وابن سعد إلى الحسين (ع):
في تاريخ الاسلام للذهبي: ارسل ابن سعد رجلا على ناقة إلى الحسين يخبره
بقتل مسلم بن عقيل.
وفي الاخبار الطوال: لما وافى زبالة وافاه بها رسول محمد بن الأشعث، وعمر
بن سعد بما كان سأله مسلم أن يكتب به إليه من أمره وخذلان أهل الكوفة إياه بعد
ان بايعوه وقد كان مسلم سأل محمد بن الأشعث ذلك فلما قرأ الكتاب استيقن بصحة

1) الثعلبية من منازل طريق الحاج من العراق مثير الأحزان ص 33، واللهوف ص 27.
2) تاريخ الطبري 6 / 225، وابن الأثير 4 / 17، والدينوري ص 247 باختصار، وابن كثير 8 / 168.
65

الخبر 1.
وروى الطبري: ان محمد بن الأشعث ارسل اياس بن العثل الطائي، وقال
له: الق حسينا فأبلغه هذا الكتاب وكتب فيه الذي أمره مسلم بن عقيل فاستقبله
بزبالة وأخبره الخبر وبلغه الرسالة، فقال حسين: كل ما حم نازل وعند الله نحتسب
أنفسنا وفساد أمتنا 2.

1) الدينوري في الاخبار الطوال ص 248 تاريخ الاسلام للذهبي 2 / 270 و 344، وزبالة منزل مشهور
كان به حصن وجامع لبني أسد.
2) الطبري 6 / 211.
66

الامام يخبر الناس بقتل مسلم ويحلهم عن بيعته
قال الطبري وغيره: كان الحسين لا يمر بأهل ماء الا اتبعوه حتى انتهى إلى
زبالة وفيها جاءه خبر قتل ابن زياد، عبد الله بن يقطر وكان سرحه إلى أهل الكوفة
فاخرج للناس كتابا فقرأه عليهم:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإنه قد أتانا خير فظيع قتل مسلم بن عقيل
وهاني بن عروة و عبد الله بن يقطر وقد خذلتنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف
فلينصرف ليس عليه منا ذمام، فتفرق الناس عنه يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه
الذين جاؤوا معه من المدينة وإنما فعل ذلك لأنه ظن إنما اتبعه الاعراب لأنهم ظنوا انه
يأتي بلدا استقامت له طاعة أهله فكره أن يسيروا معه الا وهم يعلمون على ما يقدمون
وقد علم أنهم إذا بين لهم لم يصحبه الا من يريد مواساته.
رجل من بني عكرمة:
قال الراوي: فلما كان من السحر أمر فتيانه فاستقوا الماء وأكثروا ثم سار حتى
نزل ببطن العقبة 1. وفي هذا المكان لقيه رجل من بني عكرمة فسأله: أين تريد؟ فحدثه
الحسين فقال له: اني أنشدك الله لما انصرفت فوالله لا تقدم الا على الأسنة وحد
السيوف فان هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطئوا لك الأشياء
فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فاما على هذه الحال التي تذكرها فاني لا أرى لك ان
تفعل، فقال له: يا عبد الله، انه ليس يخفى على، الرأي ما رأيت ولكن الله لا يغلب

1) الطبري 6 / 226، وأنساب الأشراف ص 168 ابن كثير 8 / 168 - 169 وقد تخيرت لفظ الطبري
في هذا الخبر وما قبله الا ما ذكرت مصدره والعقبة أيضا من منازل الطريق.
67

على أمره 1.
وفي الاخبار الطوال: وأخبره بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسية إلى
العذيب رصدا له - وفي لفظه - فلا تتكلن على الذين كتبوا لك فان أولئك أول
الناس مبادرة إلى حربك - الحديث 2.
وفي رواية ثم قال: والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي. فإذا
فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم 3.
نذير آخر:
وفي تاريخ ابن عساكر وابن كثير قال الراوي: رأيت أخبية مضروبة بفلاة
من الأرض، فقلت: لمن هذه؟ قالوا: هذه لحسين قال: فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن
والدموع تسيل على خديه ولحيته، قلت: بأبي وأمي يا ابن رسول الله ما أنزلك هذه
البلاد والفلاة التي ليس بها أحد، فقال: هذه كتب أهل الكوفة إلى ولا أراهم الا
قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة الا انتهكوها، فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى
يكونوا أذل من قدم الأمة - يعنى مقنعتها - 4.
ويبدو من مقارنة الروايات بعضها ببعض ان الامام كان قد أخبر بأنهم
سيقتلونه ويذلهم الله ويسلط عليهم، في محاورته مع ثلاثة اشخاص وفي ثلاثة أماكن.
وكذلك كان يكرر التصريح بأمثال هذه الأقوال قال علي بن الحسين: خرجنا
مع الحسين (ع) فما نزل منزلا ولا ارتحل منه الا ذكر يحيى بن زكريا ومقتله، وقال
يوما: ومن هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا
بني إسرائيل 5.

1) الطبري 6 / 226، وابن الأثير 3 / 17 - 18، وابن كثير 8 / 168 و 171.
2) الاخبار الطوال ص 248.
3) ارشاد المفيد ص 206، وقد روى كلام الحسين هذا أيضا غيره ولم يذكروا أين خطب، مثل
الطبري في 6 / 223، وابن الأثير 3 / 16، وابن كثير 8 / 169 وفى لفظهما " حتى يكونوا أذل من فرام الأمة " أو
فرمة الأمة. قال ابن الأثير بعده " والفرام خرقة تجعلها المرأة في قبلها إذا حاضت " وطبقات ابن سعد
ح - 268.
4) تاريخ ابن عساكر ح - 665، وتاريخ الاسلام للذهبي 2 / 345، تاريخ ابن كثير 8 / 169.
5) ارشاد المفيد ص 236، وإعلام الورى ص 218.
68

لقاء الإمام الحسين (ع) مع الحر
سار الحسين حتى نزل شراف 1 فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء
فأكثروا 2.
وسار الحسين من شراف فلما انتصف النهار، كبر رجل من أصحابه فقال له مما
كبرت؟ قال: رأيت النخل. فقال رجلان من بنى أسد ما بهذه الأرض نخلة قط فقال
الحسين فما هو؟ فقالا: لا نراه الا هوادى الخيل فقال وأنا أيضا أراه ذلك وقال لهما أما
لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد فقالا: بلى هذا
ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فان سبقت القوم إليه فهو كما تريد فمال إليه
فما كان بأسرع من أن طلعت الخيل وعدلوا إليهم فسبقهم الحسين إلى الجبل فنزل وجاء
القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثم اليربوعي فوقفوا مقابل الحسين
وأصحابه في نحر الظهيرة فقال الحسين لأصحابه وفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من
الماء ورشفوا الخيل ترشيفا وسقوا القوم من الماء حتى ارووهم واقبلوا يملؤون القصاع
والاتوار والطساس من الماء، ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيه ثلاثا أو أربعا أو

1) بين شراف والواقصة ميلان كان بها ثلاثة آبار كبار.
2) خبر لقاء الحسين مع الحر إلى آخره من تاريخ الطبري 6 / 227، وابن الأثير 4 / 9 - 21، وابن كثير
8 / 172 - 174، وقد بدأ هذا الفصل بقوله: وهذه صفة مقتله (رض) مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن، لا كما
يزعمه أهل التشيع من الكذب والبهتان ثم جاء بسياق الطبري الذي سنلتزمه إن شاء الله، والاخبار الطوال
للدينوري ص 248 - 253، وأنساب الأشراف ص 169 - 176، وارشاد المفيد 205 - 210، وإعلام الورى
229 - 231، وقد تخيرت اللفظ من الطبري وأوجزته.
69

خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها، قال علي بن الطعان المحاربي: كنت
آخر من جاء من أصحاب الحر فلما رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ
الراوية والراوية عندي السقاء، ثم قال: يا ابن أخي أنخ الجمل فأنخته، فقال: اشرب
فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين أخنث السقاء أي اعطفه
قال: فجعلت لا أدرى كيف أفعل، قال: فقام الحسين فخنثه فشربت وسقيت
فرسي.
قال المؤلف: الا يجد الباحث في أمر الامام بارواء الف فارس وفرسه في هذا
اليوم تعليلا لما أمر به فتيانه في سحر هذا اليوم ان يستقوا وانهم استقوا وأكثروا؟ الا
يجوز أن يكون الإمام الحسين قد سمع من جده الرسول في هذا الشأن خاصة أنباء تلقاه
الرسول عن علام الغيوب.
قال الطبري وغيره: وكان مجئ الحر من القادسية، أرسله الحصين بن نمير في
هذه الألف وذلك أن عبيد الله بن زياد لما بلغه اقبال الحسين بعث الحصين التميمي
وكان على شرطه فأمره ان ينزل القادسية ويضع المسالح ما بين القطقطانة إلى خفان
فأرسل الحصين الحر ليستقبل الحسين. فلم يزل موافقا الحسين حتى حضرت صلاة الظهر
فأمر الحسين مؤذنه بالاذان فأذن فخرج الحسين إليهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أيها الناس انها معذرة إلى الله عز وجل وإليكم أنى لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت
على رسلكم ان أقدم علينا فإنه ليس لنا امام لعل الله يجمعنا بك على الهدى فان كنتم
على ذلك فقد جئتكم فان تعطوني ما اطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم
وان لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين، انصرف عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه
إليكم قال فسكتوا عنه وقالوا للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال الحسين (ع) للحر: أتريد
أن تصلى بأصحابك قال: لا بل تصلى أنت ونصلي بصلاتك قال فصلى بهم الحسين ثم
إنه دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه الذي كان به فدخل خيمة قد
ضربت له فاجتمع إليه جماعة من أصحابه وعاد أصحابه إلى صفهم الذي كانوا فيه
فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها فلما كان وقت العصر
أمر الحسين أن يتهيؤا للرحيل ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم
الحسين فصلى بالقوم ثم سلم وانصرف إلى القوم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
اما بعد أيها الناس فإنكم ان تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله ونحن
70

أهل البيت أولى بولاية هذا الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين
فيكم بالجور والعدوان وان أنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا وكان رأيكم غير ما أتتني
كتبكم وقدمت به على رسلكم انصرفت عنكم.
فقال له الحر بن يزيد انا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر؟
فقال الحسين يا عقبة بن سمعان 1 أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلى
فأخرج خرجين مملؤين صحفا فنثرها بين أيديهم.
فقال الحر: فانا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أمرنا إذا نحن لقيناك
ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله ابن زياد فقال له الحسين: الموت أدنى إليك من
ذلك ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا وانتظروا حتى ركبت نساؤهم فقال
لأصحابه انصرفوا بنا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال
الحسين للحر: ثكلتك أمك، ما تريد؟ قال اما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو
على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل ان أقوله كائنا من كان ولكن
والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل الا بأحسن ما يقدر عليه، فقال له الحسين فما تريد؟
قال الحر أريد والله ان انطلق بك إلى عبيد الله بن زياد قال له الحسين اذن والله لا اتبعك
فقال له الحر اذن والله لا أدعك فترادا القول ثلاث مرات ولما كثر الكلام بينهما قال
له الحر اني لم أومر بقتلك وإنما أمرت ان لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ
طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتى اكتب إلى
ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية ان أردت ان تكتب إليه أو إلى عبيد الله بن
زياد ان شئت فلعل الله إلى ذاك ان يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشئ من
امرك قال فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وبينه وبين العذيب ثمانية
وثلاثون ميلا ثم إن الحسين سار في أصحابه والحر يسايره.
وخطب الحسين أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال أيها الناس ان رسول الله (ص) قال من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا
لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله (ص) يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه
بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة

1) كان عقبة بن سمعان مولى الرباب بنت امرئ القيس الكلبية أم سكينة بنت الحسين، أنساب الأشراف
بترجمة الحسين ص 205.
71

الشيطان وتركوا طاعة الرحمان وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ
وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غير وقد اتتني كتبكم وقدمت على
رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني ولا تخذلوني فان تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم
فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) نفسي مع أنفسكم وأهلي مع
أهليكم فلكم في أسوة وان لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري
ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم والمغرور من اغتر بكم
فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وخطب بذى حسم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه قد نزل من الامر ما قد
ترون وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت جذاء فلم يبق منها الا
صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل الا ترون ان الحق لا يعمل به
وان الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فانى لا أرى الموت الا شهادة
ولا الحياة مع الظالمين الا برما.
فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه: تكلمون أم أتكلم؟ قالوا لا بل
تكلم فحمد الله فأثنى عليه، ثم قال: قد سمعنا هداك الله يا بن رسول الله مقالتك،
والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين الا ان فراقها في نصرك ومواساتك،
لاثرنا الخروج معك على الإقامة فيها فدعا له الحسين ثم قال له خيرا، وأقبل الحر يسايره
وهو يقول له يا حسين انى أذكرك الله في نفسك فاني اشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن
قوتلت لتهلكن فيما أرى، فقال له الحسين: أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان
تقتلوني، ما أدرى ما أقول لك ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه ولقيه وهو
يريد نصرة رسول الله (ص) فقال له: أين تذهب فإنك مقتول! فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا يغش ويرغما
فلما سمع ذلك منه الحر تنحى عنه وكان يسير بأصحابه في ناحية وحسين في
ناحية أخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات وكان بها هجائن النعمان ترعي هنالك
فإذا هم بأربعة نفر قد اقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال
له الكامل ومعهم دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه وهو يقول:
72

يا ناقتي لا تذعري من زجري * وشمري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان وخير سفر * حتى تحلي بكريم النجر
الماجد الرح رحيب الصدر * اتى به الله لخير أمر
ثمت أبقاه بقاء الدهر
قال فلما انتهوا إلى الحسين انشدوه هذه الأبيات فقال اما والله اني لأرجو أن يكون
خيرا ما أراد الله بنا قتلنا أم ظفرنا.
وأقبل إليهم الحر بن يزيد فقال إن هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا
ممن اقبل معك وانا حابسهم أو رادهم فقال له الحسين: لأمنعنهم مما امنع منه نفسي
إنما هؤلاء أنصاري وأعواني وقد كنت أعطيتني ان لا تعرض لي بشئ حتى يأتيك
كتاب من ابن زياد فقال: أجل لكن لم يأتوا معك قال: هم أصحابي وهم بمنزلة من
جاء معي فان أتممت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك، فكف عنهم الحر، ثم
قال لهم الحسين: أخبروني خير الناس وراءكم؟
فقال له مجمع بن عبد الله العائذي، وهو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوه: اما
اشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم، يستميل ودهم، ويستخلص به
نصيحتهم، فهم ألب واحد عليك، واما سائر الناس بعد فان أفئدتهم تهوى إليك
وسيوفهم غدا مشهورة عليك، قال: أخبروني فهل لكم برسولي إليكم قالوا: من هو؟
قال: قيس بن مصهر الصيداوي، فقالوا: نعم اخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى
ابن زياد فأمره ابن زياد ان يلعنك ويلعن أباك فصلى عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد
وأباه ودعا إلى نصرتك، وأخبرهم بقدومك، فأمر به ابن زياد فألقى من طمار القصر،
فترقرقت عينا حسين (ع) ولم يملك دمعه ثم قال: منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر
وما بدلوا تبديلا، اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من
رحمتك ورغائب مذخور ثوابك.
ثم دنا الطرماح بن عدي من الحسين فقال له والله اني لأنظر فما أرى معك
أحدا ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم وقد رأيت قبل
خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيني في صعيد واحد
جمعا أكثر منه فسألت عنهم فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون إلى الحسين فأنشدك الله
إن قدرت على أن لا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت فان أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به
73

حتى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت صانع، فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي
يدعى أجأ امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر ومن الأسود
والأحمر، والله ان دخل علينا ذل قط، فأسير معك حتى أنزلك القرية ثم نبعث إلى
الرجال ممن بأجأ وسلمى من طيئ فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتيك طيئ
رجالا وركبانا ثم أقم فينا ما بدا لك فان هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي
يضربون بين يديك بأسيافهم والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف فقال له جزاك
الله وقومك خيرا انه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف
ولا ندري على ما تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة ومضى الحسين حتى انتهى إلى قصر
بنى مقاتل فنزل به فإذا هو بفسطاط مضروب فقال لمن هذا الفسطاط فقيل: لعبيد الله
بن الحر الجعفي، قال: ادعوه لي وبعث إليه فلما اتاه الرسول، قال: هذا الحسين بن
علي يدعوك، فقال عبيد الله بن الحر انا لله وانا إليه راجعون، والله ما خرجت من
الكوفة الا كراهة ان يدخلها الحسين وانا بها، والله ما أريد ان أراه ولا يراني، فأتاه
الرسول فأخبره، فأخذ الحسين نعليه فانتعل، ثم قام فجاءه حتى دخل عليه، فسلم
وجلس، ثم دعاه إلى الخروج معه، فأعاد إليه ابن الحر تلك المقالة فقال: فالا تنصرنا
فاتق الله أن تكون ممن يقاتلنا فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك، قال:
اما هذا فلا يكون ذلك ابدا إن شاء الله، ثم قام الحسين من عنده حتى دخل رحله.
قال المؤلف: لعل الباحث يجد بادئ ذي بدء تناقضا بين موقف الامام ممن
تجمع عليه في منزل زبالة يفرقهم من حوله، بين موقف الامام هنا مع ابن الحر وقبله
مع ابن القين وكذلك مع غيرهما حيث كان يدعوهم فرادى وجماعات إلى نصرته،
ولكنه إذا تدبر خطب الامام وكلامه في كل مكان ومع أي إنسان كان، أدرك ان
الامام كان يبحث عن أنصار ينضمون تحت لوائه ويبايعونه على الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر واستنكار بيعة أئمة الضلالة أمثال يزيد على الحكم، أنصارا واعين لأهداف
قيامه، يقاومون الاغراء بالدنيا، يصارعون الحكم الغاشم حتى يقتلوا في سبيل ذلك!
استقاء مرة أخرى:
روى الطبري وغيره واللفظ للطبري 1 عن عقبة بن سمعان، قال: لما كان في

1) المصادر لا تزال هي التي ذكرناه في أول فصل " لقاء الإمام الحسين مع الحر ".
74

آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ثم أمرنا بالرحيل ففعلنا 1 قال فلما ارتحلنا من
قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثم انتبه وهو يقول: انا لله وانا
إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين.
قال: ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا.
قال: فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له، فقال: يا أبت جعلت فداك
مم حمدت الله واسترجعت، قال: يا بني، إني خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس
على فرس، فقال: القوم يسيرون والمنايا تسرى إليهم، فعلمت انها أنفسنا نعيت إلينا
قال له: يا أبت، لا أراك الله سوءا السنا على الحق؟ قال: بلى والذي إليه مرجع
العباد. قال: يا أبت: إذا لا نبالي، نموت محقين، فقال له: جزاك الله من ولد خير ما
جزى ولدا عن والده.
75

نزول ركب آل الرسول (ص) أرض كربلاء
قال فلما أصبح نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه
يريد ان يعرقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيردهم فيرده، فجعل إذا ردهم إلى الكوفة ردا
شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون حتى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل
به الحسين.
قال: فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة
فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على الحر بن يزيد وأصحابه ولم يسلم على
الحسين (ع) وأصحابه فدفع إلى الحر كتابا من عبيد الله بن زياد فإذا فيه اما بعد فجعجع
بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى
غير ماء وقد أمرت رسولي ان يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك امرى والسلام.
قال: فلما قرأ الكتاب، قال لهم الحر: هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد
يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه، وهذا رسوله، وقد امره
أن لا يفارقني حتى انفذ رأيه وأمره، فنظر إلى رسول عبيد الله، يزيد بن زياد بن المهاصر
أبو الشعثاء الكندي ثم الهندي فعن له فقال: أمالك بن النسير البدي؟ قال: نعم،
وكان أحد كندة، فقال له يزيد بن زياد: ثكلتك أمك! ماذا جئت فيه قال: وما جئت
فيه أطعت امامي ووفيت ببيعتي، فقال له أبو الشعثاء: عصيت ربك وأطعت امامك في
76

هلاك نفسك، كسبت العار والنار، قال الله عز وجل: " وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى
النار ويوم القيامة لا ينصرون " فهو إمامك.
قال: واخذ الحر بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية
فقالوا دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى أو هذه القرية يعنون الغاضرية أو هذه
الأخرى يعنون شفية فقال لا والله ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلى عينا فقال له
زهير بن القين يا بن رسول الله ان قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم
فلعمري ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به، فقال له الحسين ما كنت لأبدأهم
بالقتال. وفي الاخبار الطوال بعده:
فقال له زهير: فها هنا قرية بالقرب منا على شط الفرات، وهي في عاقول 1
حصينة، الفرات يحدق بها إلا من وجه واحد.
قال الحسين: وما اسم تلك القرية؟
قال: العقر.
قال الحسين: نعوذ بالله من العقر 2.
فقال الحسين للحر: سر بنا قليلا، ثم ننزل.
فسار معه حتى أتوا كربلاء، فوقف الحر وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من
المسير، وقال: انزل بهذا المكان، فالفرات منك قريب.
قال الحسين: وما اسم هذا المكان 3؟
قالوا له: كربلاء.
قال: ذات كرب وبلاء، ولقد مر أبى بهذا المكان عند مسيره إلى صفين، وأنا
معه، فوقف، فسأل عنه، فأخبر باسمه، فقال: " هاهنا محط ركابهم، وهاهنا مهراق
دمائهم "، فسئل عن ذلك، فقال: " ثقل لآل بيت محمد، ينزلون هاهنا " 4. وقبض
قبضة منها فشمها وقال هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول الله انني
أقتل فيها، أخبرتني أم سلمة، قالت: كان جبرئيل عند رسول الله (ص) وأنت معي

1) عاقول الوادي ما أعوج منه، والأرض العاقول التي لا يهتدى إليها.
2) مكان قرب كربلاء من نواحي الكوفة.
3 و 4) روى هذه المحاورة الدينوري في الاخبار الطوال ص 252 - 253، وتاريخ الخميس 2 / 297،
ومجمع الزوائد 9 / 192.
77

فبكيت. فقال رسول الله دعى ابني، فتركتك فأخذك ووضعك في حجره. فقال
جبرئيل: أتحبه؟ قال: نعم، قال: فان أمتك ستقتله، وان شئت أريتك تربة أرضه
التي يقتل فيها، قال: نعم فبسط جبرئيل جناحه على أرض كربلاء فأراه إياها 1.
وفي رواية: لما أحيط بالحسين بن علي، قال: ما اسم هذه الأرض؟ قيل:
كربلاء. فقال صدق النبي (ص) انها أرض كرب وبلاء 2.
قال المؤرخون: ثم أمر بأثقاله فحطت بذلك المكان يوم الأربعاء غرة محرم سنة
61 ه‍ 3. أو يوم الخميس الثاني من المحرم 4.
ولما نزل كربلاء كتب إلى ابن الحنفية وجماعة من بني هاشم: اما بعد:
فكأن الدنيا لم تكن، وكأن الآخرة لم تزل 5.

1) أوردتها بلفظ سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة 142.
2) ترجمة الحسين بمعجم الطبراني ح - 46، وكنز العمال 26 - 266، ومجمع الزوائد 9 / 192 ذيل
الرواية التي أوردناها آنفا بلفظ سبط ابن الجوزي.
3) الدينوري في الاخبار الطوال ص 253.
4) الطبري 6 / 232، وابن كثير 8 / 174، وأنساب الأشراف للبلاذري ص 176، وارشاد المفيد
ص 210.
5) كامل الزيارة لابن قولويه ص 75 باب 23. وقد استفاد بعد الإمام الحسين الحسن البصري منه
وكتب به إلى عمر بن عبد العزيز كما يبدو، وراجع الأغاني ط. ساسى 8 / 105.
78

قدوم عمر بن سعد على الحسين (ع)
قال الطبري وغيره واللفظ للطبري 1. فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن
سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف، قال وكان سبب خروج ابن سعد إلى
الحسين (ع) ان عبيد الله ابن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى
دستبي وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها فكتب إليه ابن زياد عهده على الري
وأمره بالخروج فخرج معسكرا بالناس بحمام أعين فلما كان من أمر الحسين ما كان
وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال سر إلى الحسين فإذا فرغنا مما بيننا
وبينه سرت إلى عملك فقال له عمر بن سعد: إن رأيت رحمك الله ان تعفيني فافعل،
فقال له عبيد الله: نعم، على أن ترد لنا عهدنا فلما قال له ذلك قال عمر بن سعد:
امهلني اليوم حتى انظر فانصرف عمر يستشير نصحاءه، فلم يكن يستشير أحدا الا نهاه
وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته، فقال: أنشدك الله يا خال ان تسير إلى
الحسين فتأثم بربك، وتقطع رحمك، فوالله لان تخرج من دنياك ومالك وسلطان
الأرض كلها لو كان لك خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين، فقال له عمر بن سعد:
فانى افعل إن شاء الله.

1) رجعنا إلى رواية المصادر التي ذكرناها في أول فصل " لقاء الإمام الحسين مع الحر " وما كان من
غيرها، صرحنا به في الهامش، وهي تاريخ الطبري 6 / 232 - 270، وابن الأثير 19 - 38، وابن كثير
8 / 172 - 198، والدينوري في الاخبار الطوال ص 253 - 261، وهو يوجز الاخبار وأنساب الأشراف
للبلاذري ص 176 - 227، وسياقه غير سياق الطبري، وارشاد المفيد 210 - 236، وإعلام الورى 231 -
250. وما تفرد به أحدهم صرحنا به وكذلك ما نقلناه عن غير هؤلاء.
79

وروى عن عبد الله بن يسار الجهني قال: دخلت على عمر بن سعد وقد أمر
بالمسير إلى الحسين فقال لي: ان الأمير امرني بالمسير إلى الحسين، فأبيت ذلك عليه فقلت
له: أصاب الله بك، أرشدك الله، أجل فلا تفعل، ولا تسر إليه، قال: فخرجت من
عنده فأتاني آت وقال: هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين، قال: فأتيته فإذا
هو جالس، فلما رآني اعرض بوجهه، فعرفت انه قد عزم على المسير إليه، فخرجت من
عنده.
وروى الطبري وقال: فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد، فقال: أصلحك الله
انك وليتني هذا العمل وكتبت لي العهد وسمع به الناس فإن رأيت أن تنفذ لي ذلك
فافعل، وابعث إلى الحسين في هذا الجيش من اشراف الكوفة من لست بأغنى ولا أجزأ
عنك في الحرب منه، فسمى له أناسا فقال له ابن زياد: لا تعلمني بأشراف أهل الكوفة،
ولست أستأمرك فيمن أريد ان ابعث، ان سرت بجندنا والا فابعث إلينا بعهدنا، فلما
رآه قد لج، قال: فإني سائر، قال: فأقبل في أربعة آلاف حتى نزل بالحسين من الغد من
يوم نزل الحسين نينوى.
ابن سعد يسأل الحسين لماذا جاء
قال: فبعث عمر بن سعد إلى الحسين (ع) عزرة بن قيس الأحمسي، فقال: ائته
فسله ما الذي جاء به، وماذا يريد، وكان عزرة ممن كتب إلى الحسين، فاستحيا منه
ان يأتيه، قال: فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى وكرهه، قال: وقام
إليه كثير بن عبد الله الشعبي، وكان فارسا شجاعا ليس يرد وجهه شئ، فقال: انا
اذهب إليه، والله لان شئت لأفتكن به، فقال له عمر بن سعد: ما أريد ان يفتك به،
ولكن ائته فسله ما الذي جاء به، فأقبل إليه فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين:
أصلحك الله أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض وأجرأه على دم وأفتكه، فقام إليه،
فقال: ضع سيفك: قال: لا والله ولا كرامة، إنما انا رسول فإن سمعتم مني أبلغتكم ما
أرسلت به إليكم، وإن أبيتم انصرفت عنكم، فقال له: فاني آخذ بقائم سيفك، ثم
تكلم بحاجتك، قال: لا والله لا تمسه! فقال له: أخبرني ما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا
أدعك تدنو منه، فإنك فاجر! قال: فاستبا ثم انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر:
فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي فقال له: ويحك يا قرة! الق حسينا، فسله ما جاء به،
80

وماذا يريد. قال فأتاه قرة بن قيس فلما رآه الحسين مقبلا، قال: أتعرفون هذا؟ فقال
حبيب بن مظاهر: نعم! هذا رجل من حنظلة تميمي وهو ابن أختنا، ولقد كنت اعرفه
بحسن الرأي، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد! قال: فجاء حتى سلم على الحسين،
وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه، فقال له الحسين: كتب إلي أهل مصركم هذا ان أقدم
فأما إذ كرهوني فأنا انصرف عنهم. قال: ثم قال له حبيب بن مظاهر: ويحك! يا قرة
بن قيس، أنى ترجع إلى القوم الظالمين! انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله
بالكرامة وإيانا معك! فقال له قرة: ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي، قال:
فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، فقال له عمر بن سعد: انى لأرجو ان يعافيني الله
من حربه وقتاله.
مكاتبة ابن سعد وابن زياد:
قال: كتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد: بسم الله الرحمان الرحيم، اما
بعد، فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما اقامه وماذا يطلب
ويسأل، فقال: كتب إلى أهل هذه البلاد واتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت فأما
إذ كرهوني فبدا لهم غير ما اتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم.
فلما قرئ الكتاب على ابن زياد قال:
ألآن إذ عقلت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين مناص
وكتب إلى عمر بن سعد: بسم الله الرحمان الرحيم، اما بعد، فقد بلغني كتابك
وفهمت ما ذكرت فاعرض على الحسين ان يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه
فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام.
قال فلما اتى عمر بن سعد الكتاب، قال: قد حسبت ان لا يقبل ابن زياد
العافية.
ابن زياد يأمر بالنفير العام:
وروى البلاذري في أنساب الأشراف وقال: لما سرح ابن زياد عمر بن سعد،
أمر الناس فعسكروا بالنخيلة، وأمر أن لا يتخلف أحد منهم، وصعد المنبر فقرض
معاوية وذكر إحسانه وادراره الأعطيات وعنايته بأهل الثغور، وذكر اجتماع الألفة به
81

وعلى يده، وقال: إن يزيد ابنه المتقيل له 1 السالك لمناهجه المحتذي لمثاله، وقد زادكم
مأة مأة في أعطيتكم، فلا يبقين رجل من العرفاء والمناكب والتجار والسكان الا
خرج فعسكر معي، فأيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه
الذمة.
ثم خرج ابن زياد فعسكر وبعث إلى الحصين بن تميم وكان بالقادسية في
أربعة آلاف، فقدم النخيلة في جميع من معه.
ثم دعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي ومحمد بن الأشعث بن قيس
والقعقاع بن سويد بن عبد الرحمان المنقري وأسماء بن خارجة الفزاري وقال: طوفوا في
الناس فمروهم بالطاعة والاستقامة، وخوفوهم عواقب الأمور والفتنة والمعصية،
وحثوهم على العسكرة [كذا] فخرجوا فعزروا وداروا بالكوفة. ثم لحقوا به غير كثير بن
شهاب، فإنه كان مبالغا يدور بالكوفة يأمر الناس بالجماعة، ويحذرهم الفتنة والفرقة
ويخذل عن الحسين!!!
وسرح ابن زياد أيضا حصين بن تميم في الأربعة الآلاف الذين كانوا معه إلى
الحسين بعد شخوص عمر بن سعد بيوم أو يومين.
ووجه أيضا إلى الحسين حجار بن أبجر العجلي في ألف.
وتمارض شبث بن ربعي فبعث إليه فدعاه وعزم عليه أن يشخص إلى
الحسين في ألف ففعل.
وكان الرجل يبعث في ألف فلا يصل إلا في ثلاث مأة وأربع مأة وأقل من
ذلك كراهة منهم لهذا الوجه.
ووجه أيضا يزيد بن الحرث بن يزيد بن رويم في ألف أو أقل.
ثم إن ابن زياد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث، وأمر القعقاع بن سويد
بن عبد الرحمان بن بجير المنقري بالتطواف بالكوفة في خيل فوجد رجلا من همدان قد قدم
يطلب ميراثا له بالكوفة، فأتى به ابن زياد فقتله، فلم يبق بالكوفة محتلم الا خرج إلى
العسكر بالنخيلة.
ثم جعل ابن زياد يرسل العشرين والثلاثين والخمسين إلى المأة، غدوة وضحوة
ونصف النهار وعشية من النخيلة يمد بهم عمر بن سعد.

1) أي المشبه له المتخلق بأخلاقه وسجيته.
82

ذكر ابن نما في مثير الأحزان: ان عددهم بلغ لست خلون من المحرم عشرين
ألفا 1.
وروى البلاذري في أنساب الأشراف وقال: ووضع ابن زياد المناظر على
الكوفة 2 لئلا يجوز أحد من العسكر مخافة لان يلحق الحسين مغيثا له، ورتب المسالح
حولها 3 وجعل على حرس الكوفة زحر بن قيس الجعفي.
ورتب بينه وبين عسكر عمر بن سعد خيلا مضمرة مقدحة 4 فكان خبر ما قبله
يأتيه في كل وقت 5.

1) مثير الأحزان ص 36 - 37، واللهوف ص 33.
2) المناظر: جمع المنظرة: القوم يصعدون إلى أعلى الأماكن ينظرون ويراقبون ما ارتفع من الأرض أو
البناء.
3) المسالح: جمع المسلحة: المرقب أو قوم ذوو السلاح يحرسون ويراقبون.
4) مقدحة من قولهم: " قدح الفرس ": ضمره. أي صيره هزالا خفيف اللحم كي يكون عند الجري
سريعا يسبق أقرانه إلى الهدف.
5) الرواية الأولى والثانية في أنساب الأشراف ح - 33 بترجمة الحسين.
83

منع الماء عن عترة الرسول (ص)
روى الطبري عن حميد بن مسلم الأزدي قال جاء من عبيد الله بن زياد كتاب
إلى عمر بن سعد: اما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة
كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان.
قال: فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على
الشريعة وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء ان يسقوا منه قطرة وذلك قبل قتل
الحسين بثلاث قال: ونازله عبد الله بن أبي حصين الأزدي وعداده في بجيلة فقال: يا
حسين! ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء! والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت
عطشا، فقال حسين: اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له ابدا! قال حميد بن مسلم والله لعدته
بعد ذلك في مرضه فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى يبغر ثم يقئ ثم يعود
فيشرب حتى يبغر فما يروى فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعني نفسه.
معركة على الماء:
قال: ولما اشتد على الحسين وأصحابه العطش دعا العباس بن علي بن
أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا وبعث معهم بعشرين قربة
فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا واستقدم امامهم باللواء نافع بن هلال الجملي، فقال
عمرو بن الحجاج الزبيدي: من الرجل؟ فجئ ما جاء بك قال: جئنا نشرب من هذا
الماء الذي حلأتمونا عنه، قال: فاشرب هنيئا، قال: لا والله لا اشرب منه قطرة
وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه، فطلعوا عليه، فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء
84

إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء، فلما دنا منه أصحابه قال لرجاله: املؤا قربكم
فشد الرجالة فملأوا قربهم وثار إليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه، فحمل عليهم العباس
بن علي ونافع بن هلال فكفوهم، ثم انصرفوا إلى رحالهم فقالوا: امضوا ووقفوا دونهم
فعطف عليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه واطردوا قليلا، ثم إن رجلا من صداء طعن
من أصحاب عمرو بن الحجاج، طعنه نافع بن هلال فظن أنها ليست بشئ ثم إنها
انتفضت بعد ذلك، فمات منها وجاء أصحاب حسين بالقرب فأدخلوها عليه.
اعذار الامام قبل القتال:
وروى عن هانئ بن ثبيت الحضرمي وكان قد شهد قتل الحسين، قال: بعث
الحسين (ع) إلى عمر بن سعد عمرو بن قرضة بن كعب الأنصاري ان القني الليل بين
عسكري وعسكرك قال: فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا وأقبل حسين
في مثل ذلك فلما التقوا أمر حسين أصحابه ان يتنحوا عنه وأمر عمر بن سعد أصحابه
بمثل ذلك، قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما، ولا كلامهما، فتكلما فأطالا
حتى ذهب من الليل هزيع، ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه، وتحدث
الناس فيما بينهما ظنا يظنونه ان حسينا قال لعمر بن سعد اخرج معي إلى يزيد بن معاوية
وندع العسكرين قال عمر اذن تهدم دارى قال انا ابنيها لك قال اذن تؤخذ ضياعي قال
اذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز قال فتكره ذلك عمر، قال فتحدث الناس بذلك
وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئا ولا علموه.
وروى عن عقبة بن سمعان قال صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى
مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة
ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها، ألا
والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية
ولا ان يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال دعوني فلاذهب في هذه الأرض
العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس.
وروى عن أبي مخنف عن رجاله: انهما كانا التقيا مرارا ثلاثا أو أربعا حسين
وعمر بن سعد قال: فكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد: اما بعد فان الله قد اطفأ
النائرة، وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة، هذا حسين قد أعطاني ان يرجع إلى المكان
85

الذي منه اتى أو ان نسيره إلى اي ثغر من ثغور المسلمين شئنا فيكون رجلا من المسلمين
له ما لهم وعليه ما عليهم أو ان يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده فيرى فيما بينه
وبينه رأيه، وفي هذا لكم رضى وللأمة صلاح، قال: فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال هذا
كتاب رجل ناصح لاميره مشفق على قومه نعم قد قبلت قال فقام إليه شمر بن
ذي الجوشن، فقال: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك إلى جنبك، والله لئن رحل من
بلدك، ولم يضع يده في يدك، ليكونن أولى بالقوة والعز، ولتكونن أولى بالضعف
والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة، فإنها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك، هو
وأصحابه، فإن عاقبت فأنت ولى العقوبة وان غفرت كان ذلك لك، والله لقد بلغني
ان حسينا وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل، فقال له
ابن زياد: نعم ما رأيت، الرأي رأيك.
ابن زياد يمنع الامام من الرجوع
قال ثم إن عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوش فقال له: اخرج بهذا
الكتاب إلى عمر بن سعد، فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا
فليبعث بهم إلي سلما، وان هم أبوا فليقاتلهم، فإن فعل فاسمع له وأطع، وان هو أبى
فقاتلهم، فأنت أمير الناس وثب عليه فاضرب عنقه، وابعث إلى برأسه.
قال: ثم كتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد: اما بعد فإني لم أبعثك إلى
حسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعا،
انظر، فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم، واستسلموا، فابعث بهم إلي سلما وإن أبوا
فازحف إليهم حتى تقتلهم، وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قتل حسين فأوطئ
الخيل صدره وظهره، فإنه عاق مشاق قاطع ظلوم، وليس دهري في هذا ان يضر بعد
الموت شيئا ولكن علي قول: لو قد قتلته فعلت هذا به! ان أنت مضيت لامرنا فيه
جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن
ذي الجوشن وبين العسكر، فإنا قد امرناه بأمرنا والسلام.
أمان ابن زياد للعباس واخوته:
قال: لما قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب، قام هو و عبد الله بن أبي المحل،
86

وكانت عمته أم البنين ابنة حزام عند علي بن أبي طالب (ع) فولدت له العباس
و عبد الله وجعفرا وعثمان، فقال عبد الله بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن
الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب: أصلح الله الأمير ان بني أختنا مع الحسين، فان
رأيت أن تكتب لهم أمانا، فعلت، قال: نعم، ونعمة عين، فأمر كاتبه فكتب لهم أمانا
فبعث به عبد الله بن أبي المحل مع مولى له يقال له: كزمان، فلما قدم عليهم دعاهم
فقال: هذا أمان بعث به خالكم، فقال له الفتية: أقرئ خالنا الاسلام، وقل له: ان
لا حاجة لنا في أمانكم، أمان الله خير من أمان بن سمية. قال: فأقبل شمر بن
ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد، فلما قدم به عليه، فقرأه، قال له
عمر، مالك! ويلك لا قرب الله دارك، وقبح الله ما قدمت به علي، والله اني لأظنك
أنت ثنيته ان يقبل ما كتبت به إليه، أفسدت علينا أمرا كنا رجونا ان يصلح،
لا يستسلم والله حسين، إن نفسا أبية لبين جنبيه، فقال له شمر: اخبرني ما أنت صانع
أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوه؟ وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر قال: لا! ولا
كرامة لك، وانا أتولى ذلك، قال: فدونك وكن أنت على الرجال.
قال وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين فقال أين بنو أختنا؟ فخرج
إليه العباس وجعفر وعثمان بنو علي فقالوا له: مالك وما تريد؟ قال: أنتم يا بني أختي
آمنون، قال له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك، لئن كنت خالنا أتؤمننا وابن رسول الله
لا أمان له.
87

ليلة العاشر من محرم
قال: ثم إن عمر بن سعد نهض إليه عشية الخميس لتسع مضين من المحرم،
ونادى: يا خيل الله اركبي وابشري:
فركب في الناس، ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر، وحسين جالس امام بيته
محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها
فقالت: يا أخي! اما تسمع الأصوات قد اقتربت قال: فرفع الحسين رأسه، فقال: اني
رأيت رسول (ص) في المنام فقال لي انك تروح إلينا، قال: فلطمت أخته وجهها،
وقالت: يا ويلنا! فقال: ليس لك الويل يا أخية اسكني، رحمك الرحمان، وقال العباس
بن علي: يا أخي اتاك القوم، قال: فنهض، ثم قال: يا عباس! اركب بنفسي أنت يا
أخي حتى تلقاهم فتقول لهم: مالكم وما بدالكم؟ وتسألهم عما جاء بهم، فأتاهم
العباس، فاستقبلهم في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر
فقال لهم العباس: ما بدالكم وما تريدون؟ قالوا جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن
تنزلوا على حكمه، أو ننازلكم. قال: فلا تعجلوا حتى ارجع إلى أبي عبد الله فأعرض
عليه ما ذكرتم، قال: فوقفوا، ثم قالوا: القه فأعلمه ذلك، ثم القنا بما يقول، قال:
فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين يخبر بالخبر، ووقف أصحابه يخاطبون القوم،
فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين كلم القوم، ان شئت، وان شئت كلمتهم، فقال
له زهير: أنت بدأت بهذا، فكن أنت تكلمهم، فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما والله
لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه (ص) وعترته، وأهل
88

بيته (ع) وعباد أهل هذا المصر المجتهدين بالاسحار والذاكرين الله كثيرا، فقال له عزرة
بن قيس: انك لتزكى نفسك ما استطعت، فقال له زهير: يا عزرة! ان الله قد زكاها
وهداها، فاتق الله يا عزرة! فانى لك من الناصحين، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن
يعين الضلال على قتل النفوس الزكية، قال: يا زهير! ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا
البيت إنما كنت عثمانيا! قال: أفلست تستدل بموقفي هذا اني منهم؟ اما والله ما
كتبت إليه كتابا قط، ولا أرسلت إليه رسولا قط، ولا وعدته نصرتي قط، ولكن
الطريق جمع بيني وبينه، فلما رأيته ذكرت به رسول الله (ص) ومكانه منه، وعرفت ما
يقدم عليه من عدوه وحزبكم؟ فرأيت أن انصره، وان أكون في حزبه، وان اجعل
نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق الله، وحق رسوله (ص).
استمهال الحسين عنهم:
قال واتى العباس بن علي حسينا بما عرض عليه عمر بن سعد، فقال له: ارجع
إليهم فان استطعت ان تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلى لربنا وندعوه
ونستغفره فهو يعلم انى قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء
والاستغفار.
قال: وأقبل العباس ابن علي يركض حتى انتهى إليهم، فقال: يا هؤلاء ان
أبا عبد الله يسألكم ان تنصرفوا هذه العشية، حتى ينظر في هذا الامر فإن هذا أمر لم يجر
بينكم وبينه فيه منطق، فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله، فإما رضيناه، فأتينا بالامر
الذي تسألونه وتسومونه، أو كرهنا فرددناه، وإنما أراد بذلك ان يردهم عنه تلك العشية،
حتى يأمر بأمره ويوصي أهله، فلما اتاهم العباس بن علي بذلك، قال عمر بن سعد: ما
ترى يا شمر! قال: ما ترى أنت، أنت الأمير والرأي رأيك! قال قد أردت أن لا أكون،
ثم اقبل على الناس فقال: ماذا ترون؟ فقال عمرو بن الحجاج بن سلمة الزبيدي.
سبحان الله! والله لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة، لكان ينبغي لك ان تجيبهم
إليها، وقال قيس بن الأشعث: أجبهم إلى ما سألوك فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة،
فقال: والله لو اعلم أن يفعلوا ما أخرتهم العشية.
وروى عن علي بن الحسين قال: أتانا رسول من قبل عمر بن سعد فقام مثل
حيث يسمع الصوت فقال: انا قد أجلناكم إلى غد، فإن استلمتم سرحنا بكم إلى أميرنا
عبيد الله بن زياد وإن أبيتم فلسنا تاركيكم.
89

خطبة الحسين في أصحابه ليلة العاشر:
وروى عن علي بن الحسين، قال: جمع الحسين أصحابه بعدما رجع عمر بن
سعد، وذلك عند قرب المساء قال علي بن الحسين: فدنوت منه لاسمع وانا مريض
فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه: أثنى على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء وأحمده على
السراء والضراء، اللهم! اني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن، وفقهتنا
في الدين، وجعلت لنا اسماعا وأبصارا وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين، اما بعد فإني
لا اعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي،
فجزاكم الله عني جميعا خيرا ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا، ألا وإني قد
رأيت لكم، فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام. هذا الليل قد غشيكم
فاتخذوه جملا ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم
ومدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم إنما يطلبوني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري.
جواب أهل بيته وأصحابه:
فقال له اخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل لنبقى بعدك
لا أرانا الله ذلك ابدا، بدأهم بهذا القول العباس بن علي، ثم إنهم تكلموا بهذا ونحوه،
فقال الحسين (ع) يا بني عقيل! حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذنت لكم، قالوا:
فما يقول الناس؟ يقولون: إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم
معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا! لا
والله لا نفعل! ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا، وأهلونا، ونقاتل معك حتى نرد موردك،
فقبح الله العيش بعدك.
وقال: فقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي، فقال: أنحن نخلي عنك ولما نعذر
إلى الله في أداء حقك؟! اما والله! حتى اكسر في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي ما
ثبت قائمه في يدي، ولا أفارقك ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة
دونك، حتى أموت معك.
قال: وقال سعد بن عبد الله الحنفي: والله لا نخليك حتى يعلم الله انا قد
حفظنا غيبة رسول الله (ص) فيك، والله لو علمت انى اقتل، ثم أحيا، ثم أحرق حيا،
ثم أذر، يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتى القى حمامي دونك، فكيف لا افعل
90

ذلك؟ وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا، قال: وقال زهير
ابن القين: والله لوددت اني قتلت ثم نشرت، ثم قتلت، حتى أقتل كذي الف قتلة،
وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك، قال:
وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد، فقالوا: والله لا نفارقك،
ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا، وجباهنا وأيدينا فإذا نحن قتلنا كنا وفينا
وقضينا ما علينا.
سند آخر لهذه الرواية:
وروى الطبري هذه الرواية بإيجاز عن الضحاك ابن عبد الله المشرقي قال:
قدمت ومالك بن النضر الأرحبي على الحسين فسلمنا عليه ثم جلسنا إليه فرد علينا
فرحب بنا وسألنا عما جئنا له فقلنا جئنا لنسلم عليك وندعو الله لك بالعافية ونحدث بك
عهدا ونخبرك خبر الناس وإنا نحدثك انهم قد جمعوا على حربك فر رأيك فقال
الحسين (ع) حسبي الله ونعم الوكيل قال فتذممنا وسلمنا عليه ودعونا الله له قال فما
يمنعكما من نصرتي فقال مالك بن النضر علي دين ولي عيال، فقلت له: ان على دينا
وإن لي لعيالا ولكنك ان جعلتني في حل من الانصراف إذا لم أجد مقاتلا قاتلت عنك
ما كان لك نافعا وعنك دافعا.
قال: قال: فأنت في حل فأقمت معه.
ثم نقل الضحاك الخبر السابق بإيجاز
الحسين (ع) ينعى نفسه ويوصى أخته بالصبر:
روى الطبري عن علي بن الحسين بن علي، قال: اني جالس في تلك العشية
التي قتل أبي صبيحتها، وعمتي زينب عندي تمرضني إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له
وعنده حوي مولى أبي ذر الغفاري 1 وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:
يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الامر إلى الجليل * وكل حي سالك السبيل

1) ورد في مقتل الخوارزمي وغيره في خبر مقتله بلفظ " جون ".
91

قال فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها فعرفت ما أراد، فخنقتني عبرتي
فرددت دمعي ولزمت السكوت، فعلمت ان البلاء قد نزل، فأما عمتي فإنها سمعت ما
سمعت وهي امرأة وفي النساء الرقة والجزع فلم تملك نفسها ان وثبت تجر ثوبها وإنها
لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت، وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة
أمي! وعلي أبي! وحسن أخي! يا خليفة الماضي وثمال الباقي، فنظر إليها
الحسين (ع)، فقال: يا أخية! لا يذهبن حلمك الشيطان، قالت: بأبي أنت وأمي، يا
أبا عبد الله استقتلت! نفسي فداك! فرد غصته وترقرقت عيناه وقال: لو ترك القطا
ليلا لنام قالت: يا ويلتا! أفتغصب نفسك اغتصابا! فذلك اقرح لقلبي! وأشد على
نفسي! ولطمت وجهها وأهوت إلى جيبها وشقته! وخرت مغشيا عليها! فقام إليها
الحسين، فصب على وجهها الماء! وقال لها: يا أخية! اتقي الله! وتعزي بعزاء الله!
واعلمي ان أهل الأرض يموتون، وان أهل السماء لا يبقون، وان كل شئ هالك إلا
وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد وحده، أبي خير
مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة، قال:
فعزاها بهذا ونحوه، وقال لها: يا أخية! اني أقسم عليك فأبري قسمي لا تشقي علي
جيبا! ولا تخمشي على وجها! ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا انا هلكت! قال: ثم
جاء بها حتى اجلسها عندي وخرج إلى أصحابه، فأمرهم ان يقربوا بعض بيوتهم من
بعض وان يدخلوا الاطناب بعضها في بعض، وان يكونوا هم بين البيوت، إلا الوجه
الذي يأتيهم منه عدوهم.
احياؤهم الليل بالعبادة:
وروى عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال: فلما امسى حسين وأصحابه،
قاموا الليل كله يصلون، ويستغفرون، ويدعون، ويتضرعون، قال: فتمر بنا خيل لهم،
تحرسنا، وان حسينا ليقرأ: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي
لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين، ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز
الخبيث من الطيب. فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا، فقال: نحن ورب
الكعبة الطيبون! ميزنا منكم! قال فعرفته فقلت لبرير بن حضير: تدرى من هذا؟ قال:
لا، قلت: هذا أبو حرب السبيعي عبد الله بن شهر، وكان مضحاكا بطالا وكان
شريفا، شجاعا فاتكا، وكان سعيد بن قيس ربما حبسه في جناية، فقال له برير بن
92

حضير: يا فاسق أنت يجعلك الله في الطيبين؟ فقال له: من أنت؟ قال: انا برير بن
حضير، قال: انا لله عز على! هلكت والله! هلكت والله يا برير، قال: يا أبا حرب
هل لك ان تتوب إلى الله من ذنوبك العظام؟! فوالله انا لنحن الطيبون، ولكنكم لأنتم
الخبيثون، قال: وأنا على ذلك من الشاهدين قلت: ويحك! أفلا ينفعك معرفتك؟ قال:
جعلت فداك فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي من عنز بن وائل، قال: ها هو ذا معي،
قال: قبح الله رأيك على كل حال. أنت سفيه! قال: ثم انصرف عنا وكان الذي
يحرسنا بالليل في الخيل عزرة بن قيس الأحمسي وكان على الخيل.
93

يوم عاشوراء
قال: فلما صلى عمر بن سعد الغداة يوم الجمعة، وكان ذلك اليوم يوم
عاشوراء خرج فيمن معه من الناس، قال: وعبأ الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة
الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا، فجعل زهير بن القين في
ميمنة أصحابه، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه وأعطى رايته العباس بن علي
أخاه. وجعلوا البيوت في ظهورهم، وامر بحطب وقصب كان من وراء البيوت تحرق
بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم.
قال: وكان الحسين (ع) أتي بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض
كأنه ساقية فحفروه في ساعة من الليل، فجعلوه كالخندق، ثم ألقوا فيه ذلك الحطب
والقصب، وقالوا: إذا غدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه النار كيلا نؤتى من ورائنا، وقاتلونا
من وجه واحد، ففعلوا، وكان لهم نافعا.
قال: لما خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذ عبد الله
ابن زهير بن سليم الأزدي، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمان بن أبي سبرة الحنفي
وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن
يزيد الرياحي، فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين إلا الحر بن يزيد فإنه عدل إلى الحسين
وقتل معه، وجعل عمر على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى ميسرته شمر بن
ذي الجوشن بن شرحبيل بن الأعور بن عمر بن معاوية وهو الضباب ابن كلاب، وعلى
الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وعلى الرجال شبث بن ربعي اليربوعي وأعطى الراية
94

ذويدا مولاه.
استبشارهم بالشهادة:
وروى عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري، قال: كنت مع مولاي
فلما حضر الناس وأقبلوا إلى الحسين، أمر الحسين بفسطاط فضرب، ثم أمر بمسك فميث
في جفنة عظيمة أو صحفة.
قال: ثم دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة، قال: ومولاي
عبد الرحمان ابن عبد ربه، وبرير بن حضير الهمداني على باب الفسطاط، تحتك منا كهما،
فازدحما أيهما يطلى على أثره، فجعل برير يهازل عبد الرحمان فقال له عبد الرحمن: دعنا
فوالله ما هذه بساعة باطل، فقال له برير: والله لقد علم قومي اني ما أحببت الباطل شابا
ولا كهلا، ولكن والله انى لمستبشر بما نحن لاقون، والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن
يميل هؤلاء علينا بأسيافهم، ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم.
قال: فلما فرغ الحسين دخلنا فأطلينا.
قال: ثم إن الحسين ركب دابته ودعا بمصحف فوضعه امامه 1 قال: فاقتتل
أصحابه بين يديه قتالا شديد، فلما رأيت القوم قد صرعوا أفلت وتركتهم.
دعاء الحسين يوم عاشورا:
وروى الطبري، وقال: لما صبحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه، فقال:
اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة
وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت
فيه العدو، أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته وكشفته،
فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة 2.
وروى عن الضحاك المشرقي قال: لما اقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في
الحطب والقصب الذي كنا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا، إذ أقبل
إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة فلم يكلمنا حتى مر على أبياتنا فنظر إلى

1) في تذكرة خواص الأمة أنه نشره على رأسه وخاطبهم كما يأتي إن شاء الله.
2) ورواه بالإضافة إلى الطبري ومن ذكرنا ابن عساكر ح - 667، وتهذيبه 4 / 333 وفى لفظه " منتهى
كل غاية ".
95

أبياتنا فإذا هو لا يرى إلا حطبا تلتهب النار فيه، فرجع راجعا فنادى بأعلى صوته: يا
حسين! استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة؟!
فقال الحسين: من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن! فقالوا: نعم أصلحك الله
هو هو، فقال: يا ابن راعية المعزى! أنت أولى بها صليا.
فقال له مسلم بن عوسجة: يا ابن رسول الله! جعلت فداك. ألا ارميه بسهم،
فإنه قد أمكنني وليس يسقط سهم، فالفاسق من أعظم الجبارين. فقال له الحسين:
لا ترمه فانى أكره ان أبدأهم، وكان مع الحسين فرس له يدعى لاحقا حمل عليه ابنه
علي بن الحسين.
خطبة الحسين الأولى:
قال: فلما دنا منه القوم دعا براحلته، فركبها، ثم نادى بأعلى صوته بصوت عال
دعاء يسمع جل الناس: أيها الناس! اسمعوا قولي، ولا تعجلوني حتى أعظكم بما الحق
لكم علي، وحتى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي
وأعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم على سبيل، وان لم تقبلوا مني
العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم، فأجمعوا أمركم وشركاءكم، ثم لا يكن أمركم
عليكم غمة، ثم اقضوا إلى ولا تنظرون، ان وليي الله الذي نزل الكتاب، وهو يتولى
الصالحين 1.
قال: فلما سمع أخواته كلامه هذا، صحن وبكين وبكت بناته، فارتفعت
أصواتهن، فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي، وعليا ابنه، وقال لهما أسكتاهن
فعمري ليكثرن بكاؤهن فلما سكتن، حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله وصلى
على محمد صلى الله عليه وعلى ملائكته وأنبيائه فذكر من ذلك ما الله اعلم، وما
لا يحصى ذكره، قال:
فوالله ما سمعت متكلما قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه، ثم قال: اما بعد
فانسبوني فانظروا من انا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يحل لكم قتلي
وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم (ص): وابن وصيه؟ وابن عمه؟ وأول
المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عم

1) رواها ابن نما في مثير الأحزان في اليوم السادس من المحرم.
96

أبي؟ أوليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي؟ أو لم يبلغكم قول مستفيض
فيكم: ان رسول الله (ص) قال لي ولأخي " هذان سيدا شباب أهل الجنة " فان
صدقتموني بما أقول وهو الحق، والله ما تعمدت كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه
أهله، ويضربه من اختلقه! وان كذبتموني فان فيكم من أن سألتموه عن ذلك
أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري! أو أبا سعيد الخدري! أو سهل بن سعد
الساعدي! أو زيد بن أرقم! أو أنس بن مالك! يخبروكم انهم سمعوا هذه المقالة من
رسول الله (ص) لي ولأخي أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟ فقال له شمر بن
ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف، إن كان يدرى ما تقول، فقال له حبيب بن
مظاهر: والله اني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا، وأنا اشهد انك صادق ما تدري ما
يقول، قد طبع الله على قلبك! ثم قال لهم الحسين: فإن كنتم في شك من هذا القول
أفتشكون أثرا ما اني ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي
غيري منكم ولا من غيركم انا ابن بنت نبيكم خاصة، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم
قتلته! أو مال لكم استهلكته؟! أو بقصاص من جراحة؟
قال: فأخذوا لا يكلمونه، قال: فنادى: يا شبث بن ربعي! ويا حجار بن
أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا يزيد بن الحارث! ألم تكتبوا إلى أن قد أينعت الثمار،
وأخضر الجناب وطمت الجمام، وإنما تقدم على جند لك مجندة، فاقبل! قالوا له: لم
نفعل! فقال: سبحان الله! بلى والله لقد فعلتم!
ثم قال: أيها الناس! إذ كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمني من
الأرض، قال: فقال له قيس بن الأشعت: أولا تنزل على حكم بني عمك، فإنهم لن
يروك الا ما تحب، ولن يصل إليك منهم مكروه، فقال له الحسين: أنت أخو أخيك،
أتريد ان يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل! لا والله لا أعطيهم بيدي اعطاء
الذليل ولا أقر اقرار العبيد. عباد الله! اني عذت بربي وربكم أن ترجمون أعوذ بربي
وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، قال: ثم إنه أناخ راحلته وأمر عقبة بن
سمعان فعقلها، واقبلوا يزحفون نحوه.
خطبة زهير بن القين:
وروى عن كثير بن عبد الله الشعبي، قال: لما زحفنا قبل الحسين، خرج إلينا
زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح فقال: يا أهل الكوفة نذار لكم من
97

عذاب الله نذار! ان حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن اخوة، وعلى
دين واحد، وملة واحدة، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا
وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة، وأنتم أمة، ان الله قد ابتلانا وإياكم بذرية
نبيه محمد (ص)، لينظر ما نحن وأنتم عاملون، انا ندعوكم إلى نصرهم، وخذلان
الطاغية عبيد الله بن زياد، فإنكم لا تدركون منهما الا بسوء عمر سلطانهما كله! ليسملان
أعينكم! ويقطعان أيديكم وأرجلكم! ويمثلان بكم! ويرفعانكم على جذوع النخل!
ويقتلان أماثلكم وقراءكم أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهانئ بن عروة وأشباهه.
قال: فسبوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له وقالوا: والله لا نبرح حتى
نقتل صاحبك ومن معه! أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلما! فقال لهم:
عباد الله! ان ولد فاطمة رضوان الله عليها أحق بالود والنصر من ابن سمية! فإن لم
تنصروهم فأعيذكم بالله ان تقتلوهم فخلوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن
معاوية فلعمري ان يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين.
قال فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم! وقال: اسكت اسكت الله نأمتك
أبرمتنا بكثرة كلامك! فقال له زهير: يا ابن البوال على عقبه ما إياك أخاطب، إنما
أنت بهيمة، والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة
والعذاب الأليم! فقال له شمر: ان الله قاتلك وصاحبك عن ساعة، قال أفبالموت
تخوفني؟ فوالله الموت معه أحب إلي من الخلد معكم، قال: ثم اقبل على الناس رافعا
صوته، فقال عباد الله: لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه فوالله لا تنال
شفاعة محمد (ص) قوما هرقوا دماء ذريته وأهل بيته وقتلوا من نصرهم وذب عن
حريمهم. قال فناداه رجل فقال له ان أبا عبد الله يقول لك اقبل فلعمري لئن كان مؤمن
آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح
والابلاغ.
توبة الحر
وروى عن عدى بن حرملة قال: إن الحر بن يزيد لما زحف عمر بن سعد قال
له أصلحك الله مقاتل أنت هذا الرجل؟! قال: إي والله! قتالا أيسره ان تسقط
الرؤوس وتطيح الأيدي! قال: أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم
98

رضى؟! قال عمر بن سعد: اما والله لو كان الامر إلي لفعلت! ولكن أميرك قد أبى
ذلك، قال: فأقبل حتى وقف من الناس موقفا، معه رجل من قومه يقال له: قرة ابن
قيس، فقال: يا قرة! هل سقيت فرسك اليوم؟! قال: لا، قال: أفما تريد ان تسقيه؟
قال: فظننت والله انه يريد ان يتنحى، فلا يشهد القتال، وكره ان أراه حين يصنع
ذلك، فيخاف ان ارفعه عليه، فقلت له: لم اسقه، وانا منطلق فساقيه، قال: فاعتزلت
ذلك المكان الذي كان فيه، قال: فوالله لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى
الحسين. قال: فأخذ يدنو من حسين، قليلا قليلا، فقال له رجل من قومه يقال له
المهاجر بن أوس: ما تريد يا بن يزيد؟ أتريد ان تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء،
فقال له: يا بن يزيد! والله ان امرك لمريب! والله ما رأيت منك في موقف قط مثل
شئ أراه الآن! ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا؟ ما عدوتك! فما هذا الذي
أرى منك. قال: اني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ووالله لا اختار على الجنة شيئا،
ولو قطعت وحرقت، ثم ضرب فرسه فلحق بحسين (ع) فقال له: جعلني الله فداك يا بن
رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك
في هذا المكان، والله الذي لا إله الا هو ما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضت
عليهم أبدا! ولا يبلغون منك هذا المنزلة! فقلت في نفسي: لا أبالي ان أطيع القوم في
بعض أمرهم ولا يرون اني خرجت من طاعتهم، واما هم فسيقبلون من حسين هذه
الخصال التي يعرض عليهم، ووالله لو ظننت انهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، واني
قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك افترى
ذلك لي توبة، قال: نعم يتوب الله عليك، ويغفر لك، ما اسمك؟ قال: انا الحر بن
يزيد! قال أنت الحر، كما سمتك أمك، أنت الحر إن شاء الله في الدنيا والآخرة، انزل
قال: انا لك فارسا، خير مني راجلا، أقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول ما يصير آخر
أمري، قال الحسين: فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.
موعظة الحر لأهل الكوفة:
فاستقدم امام أصحابه ثم قال: أيها القوم ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه
الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟ قالوا: هذا الأمير عمر بن
سعد فكلمه فكلمه بمثل ما كلمه به قبل، وبمثل ما كلم به أصحابه، قال عمر: قد
حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت، فقال: يا أهل الكوفة! لامكم الهبل والعبر إذ
99

دعوتموه حتى إذا اتاكم أسلمتموه، وزعمتم انكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه
لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه. وأحطتم به من كل جانب، فمنعتموه التوجه في
بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته، وأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك
لنفسه نفعا ولا يدفع ضرا، وحلأتموه ونساءه وأصبيته وأصحابه عن ماء الفرات
الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني، وتمرغ فيه خنازير السواد
وكلابه، وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله يوم
الظماء، ان لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا، في ساعته هذه، فحملت
عليه رجالة لهم ترميه بالنبل، فأقبل حتى وقف امام الحسين.
خطبة الحسين الثانية:
قال سبط ابن الجوزي: ثم إن الحسين عليه السلام ركب فرسه، وأخذ مصحفا
ونشره على رأسه، ووقف بإزاء القوم وقال: يا قوم ان بيني وبينكم كتاب الله وسنة
جدي رسول الله (ص) 1.
وقال الخوارزمي: لما عبأ ابن سعد أصحابه، فأحاطوا بالحسين، من كل
جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة خرج الحسين من أصحابه، فأتاهم، فاستنصتهم،
فأبوا ان ينصتوا فقال لهم: ويلكم! ما عليكم ان تنصتوا إلى فتسمعوا قولي! وإنما
أدعوكم إلى سبيل الرشاد! فتلاوم أصحاب عمر بن سعد، وقالوا: أنصتوا له، فقال:
تبا لكم أيتها الجماعة وترحا! أحين استصرختمونا والهين، فأصرخناكم
موجفين، سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم، وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا
وعدوكم، فأصبحتم ألبا لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل
أصبح لكم فيهم، فهلا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن، والرأي
لما يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش، ثم
نقضتموها فسحقا لكم يا عبيد الأمة! وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرفي
الكلم، وعصبة الآثم ونفثة الشيطان، ومطفئي السنن، ويحكم! أهؤلاء تعضدون،
وعنا تتخاذلون أجل والله غدر فيكم قديم، وشجت عليه أصولكم، تأزرت فروعكم،
فكنتم أخبث ثمر، شجى للناظر وأكلة للغاصب!

1) تذكرة الخواص ص 252.
100

ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا
الذلة يأبى الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية،
ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام، على مصارع الكرام، الا واني زاحف بهذه الأسرة
على قلة العدد وخذلان الناصر، ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي 1.
فان نهزم فهزامون قدما * وإن نهزم فغير مهزمينا
وما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا
إذا ما الموت رفع عن أناس * بكلكله أناخ بآخرينا
أما والله لا تلبثون بعدها الا كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور
الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إلى أبي عن جدي رسول الله " فاجمعوا
أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون، إني
توكلت على الله ربى وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط
مستقيم " 2.
ثم رفع يديه نحو السماء وقال اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين
كسني يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة فإنهم كذبونا وخذلونا
وأنت ربنا عليك توكلنا واليك المصير 3.
والله لا يدع أحدا منهم إلا انتقم لي منه قتلة بقتلة وضربة بضربة وإنه لينتصر
لي ولأهل بيتي واشياعي 4.
استجابة دعاء الحسين على ابن حوزة
وروى الطبري، قال: إن رجلا من بني تميم يقال له: عبد الله بن حوزة، جاء
حتى وقف امام الحسين فقال: يا حسين! يا حسين! فقال حسين: ما تشاء؟ قال: أبشر

1) قال ابن حجر في الإصابة ج 3 ص 205: في ترجمة فروة بن مسيك: وفد على النبي (ص) سنة تسع
مع مذحج واستعمله النبي على مراد ومذحج وزبيد، وفى الاستيعاب سكن الكوفة أيام عمر.
2) تاريخ ابن عساكر ح 670، وتهذيبه ج 2 ص 334، والمقتل للخوارزمي ج 2 ص 7 وقد ذكرا
البيتين الأول والثاني ولم ينسباهما إلى أحد
3) اللهوف ص 56 ط صيدا والمقتل للخوارزمي ج 2 ص 7.
4) راجع مقتل العوالم ص 84.
101

بالنار! قال: كلا! اني أقدم على رب رحيم، وشفيع مطاع، من هذا؟ قال له أصحابه:
هذا ابن حوزة قال: رب حزه إلى النار، قال: فاضطرب به فرسه في جدول، فوقع فيه،
وتعلقت رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض ونفر الفرس فأخذه، يمر به، فيضرب
برأسه كل حجر، وكل شجرة، حتى مات.
وفي رواية ان عبد الله بن حوزة حين وقع فرسه بقيت رجله اليسرى في الركاب
وارتفعت اليمنى فطارت وعدا به فرسه يضرب رأسه كل حجر واصل شجرة حتى مات.
وروى عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي عن أخيه مسروق بن وائل قال كنت
في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين فقلت: أكون في أوائلها لعلي أصيب رأس
الحسين، فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد، قال: فلما انتهينا إلى حسين تقدم رجل
من القوم يقال له ابن حوزة فقال أفيكم حسين؟ قال: فسكت حسين، فقالها ثانية
فأسكت حتى إذا كانت الثالثة، قال: قولوا له نعم، هذا حسين، فما حاجتك؟ قال: يا
حسين! ابشر بالنار، قال كذبت بل أقدم على رب غفور، وشفيع مطاع، فمن أنت قال:
ابن حوزة قال فرفع الحسين يديه حتى رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب ثم قال: اللهم
حزه إلى النار قال: فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس، وبينه وبينه نهر، قال:
فعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها، قال: فانقطعت قدمه وساقه
وفخذه وبقي جانبه الآخر متعلقا بالركاب، قال: فرجع مسروق، وترك الخيل من
ورائه، قال: فسألته، فقال لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم أبدا قال:
ونشب القتال 1.

1) في أمالي الشجري ص 160، وفي تاريخ ابن عساكر ح 716 بإيجاز.
102

زحف جيش الخلافة على معسكر الحسين (ع)
وروى الطبري عن حميد بن مسلم، قال: وزحف عمر بن سعد نحوهم ثم
نادى يا ذو يد 1: ادن رأيتك، قال: فأدناها ثم وضع سهما في كبد قوسه ثم رمى فقال
اشهدوا اني أول من رمى.
وفي رواية المقريزي. اشهدوا لي عند الأمير اني أول من رمى.
قال الطبري والمفيد: ثم ارتمى الناس وتبارزوا، فبرز يسار مولى زياد وسالم
مولى عبيد الله بن زياد فقالا: من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم قال: فوثب حبيب بن
مظاهر وبرير بن حضير فقال لهما حسين اجلسا، فقام عبد الله بن عمير الكلبي من بني عليم
وكان قد خرج مع امرأته أم وهب لما رأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين
فسأل عنهم فقيل له: يسرحون إلى حسين بن فاطمة بنت رسول الله (ص) فقال: والله
لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا، واني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين
يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين، فدخل إلى
امرأته فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد فقالت: أصبت أصاب الله بك ارشد أمورك
افعل وأخرجني معك، قال: فخرج بها ليلا، حتى اتى حسينا فأقام معه فلما برز يسار
وسالم قام عبد الله بن عمير الكلبي فقال أبا عبد الله رحمك الله ائذن لي فلاخرج إليهما
فرأى حسين رجلا آدم طويلا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين، فقال حسين: اني
لاحسبه للاقران قتالا اخرح ان شئت، قال: فخرج إليهما فقالا له: من أنت؟ فانتسب

1) ورد في نسخة " زويد " وفى أخرى " دويد ".
103

لهما، فقالا: لا نعرفك، ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن
حضير، ويسار مستنتل 1 امام سالم فقال له الكلبي: يا ابن الزانية: وبك رغبة عن
مبارزة أحد من الناس، يخرج إليك أحد من الناس، الا وهو خير منك؟ ثم شد عليه
فضربه بسيفه حتى برد، فإنه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم فصاح به: قد
رهقك العبد، قال: فلم يأبه له حتى غشيه فبدره الضربة فاتقاه الكلبي بيده اليسرى
فأطار أصابع كفه اليسرى، ثم مال عليه الكلبي، فضربه حتى قتله، وأقبل الكلبي
مرتجزا وهو يقول وقد قتلهما جميعا:
ان تنكروني فانا ابن كلب * حسبي ببيتي في عليم حسبي
اني امرؤ ذو مرة وعصب * ولست بالخوار عند النكب
اني زعيم لك أم وهب * بالطعن فيهم مقدما والضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب
فأخذت أم وهب امرأته عمودا ثم أقبلت نحو زوجها تقول له: فداك أبي وأمي
قاتل دون الطيبين ذرية محمد، فاقبل إليها يردها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه ثم
قالت: إني لن أدعك دون ان أموت معك، فناداها حسين فقال: جزيتم من أهل بيت
خيرا، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن، فإنه ليس على النساء قتال،
فانصرفت إليهن.
زحف الميمنة واستمداد قائد الفرسان:
قال: وحمل عمرو بن الحجاج وهو على ميمنة الناس في الميمنة، فلما ان دنا
من حسين، جثوا له على الركب، واشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم على الرماح
فذهبت الخيل لترجع، فرشقهم أصحاب الحسين بالنبل، فصرعوا منهم رجالا، وجرحوا
منهم آخرين.
قال: وقاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا وأخذت خيلهم تحمل وإنما هم
اثنان وثلاثون فارسا، وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفته،
فلما رأى ذلك عزرة بن قيس وهو على خيل أهل الكوفة ان خيله تنكشف من كل
جانب بعث إلى عمر بن سعد، عبد الرحمان بن حصن، فقال اما ترى ما تلقى خيلي مذ

1) مستنتل أي متقدم امام الصف.
104

اليوم من هذه العدة اليسيرة؟ ابعث إليهم الرجال والرماة، فقال لشبث بن ربعي: الا
تقدم إليهم، فقال: سبحان الله أتعمد إلى شيخ مصر وأهل المصر عامة، تبعثه في الرماة لم
تجد من تندب لهذا ويجزى عنك غيري؟! قال: وما زالوا يرون من شبث الكراهة
لقتاله، قال: وقال أبو زهير العبسي: فانا سمعته في امارة مصعب يقول: لا يعطي الله
أهل هذا المصر خيرا ابدا! ولا يسددهم لرشد، الا تعجبون انا قاتلنا مع علي بن
أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين، ثم عدونا على ابنه وهو خير أهل
الأرض نقاتله مع آل معاوية، وابن سمية الزانية! ضلال يا لك من ضلال قال: ودعا
عمر بن سعد الحصين بن تميم فبعث معه المجففة وخمس مائة من المرامية فأقبلوا حتى
إذا دنوا من الحسين وأصحابه، رشقوهم بالنبل فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم، وصاروا
رجالة كلهم.
قال وكان أيوب بن مشرح الخيواني يقول: انا والله عقرت بالحر بن يزيد فرسه
حشأته سهما فما لبث ان ارعد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه الحر كأنه ليث
والسيف في يده وهو يقول: إن
تعقروا بي، فأنا ابن الحر * أشجع من ذي لبد هزبر
قال: فما رأيت أحدا قط يفري فريه، قال: فقال له أشياخ من الحي: أنت
قتلته، قال: لا والله ما انا قتلته، ولكن قتله غيري وما أحب اني قتلته فقال له أبو
الوداك ولم؟! قال: إنه كان زعموا من الصالحين فوالله لئن كان ذلك اثما لان القى الله
باثم الجراحة والموقف أحب إلي من أن ألقاه باثم قتل أحد منهم، فقال له أبو الوداك: ما
أراك الا ستلقى الله باثم قتلهم أجمعين، أرأيت لو أنك رميت ذا فعقرت ذا، ورميت آخر
ووقفت موقفا وكررت عليهم وحرضت أصحابك وكثرت أصحابك، وحمل عليك
فكرهت ان تفر، وفعل آخر من أصحابك كفعلك وآخر وآخر، كان هذا وأصحابه
يقتلون. أنتم شركاء كلكم في دمائهم! فقال له: يا أبا الوداك! انك لتقنطنا من رحمة
الله ان كنت ولي حسابنا يوم القيامة فلا غفر الله لك ان غفرت لنا قال هو ما أقول
لك.
زحف الميسرة ومقتل الكلبي وزوجته:
قال: وحمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة فثبتوا له، فطاعنوه
105

وأصحابه، وحمل على حسين وأصحابه من كل جانب، فقتل الكلبي وقد قتل رجلين
بعد الرجلين الأولين، وقاتل قتالا شديدا فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي، وبكير
بن حيي التيمي من تيم الله بن ثعلبة، فقتلاه وكان القتيل الثاني من أصحاب
الحسين.
قال: وخرجت امرأة الكلبي تمشى إلى زوجها حتى جلست عند رأسه تمسح
عنه التراب وتقول هنيئا لك الجنة فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمى رستم اضرب
رأسها بالعمود فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها.
زحف الميمنة ومقتل مسلم بن عوسجة:
قال: ثم إن عمرو بن الحجاج حمل على الحسين في ميمنة عمر بن سعد من نحو
الفرات، فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي أول أصحاب الحسين، ثم
انصرف عمرو بن الحجاج وأصحابه وارتفعت الغبرة فإذا هم به صريع، فمشى إليه
الحسين فإذا به رمق، فقال رحمك ربك يا مسلم بن عوسجة، منهم من قضى نحبه ومنهم
من ينتظر وما بدلوا تبديلا ودنا منه حبيب بن مظاهر، فقال: عز علي مصرعك يا
مسلم! أبشر بالجنة! فقال له مسلم قولا ضعيفا: بشرك الله بخير، فقال له حبيب لولا أني
اعلم اني في آثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت ان توصيني بكل ما أهمك
حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين، قال: بل انا أوصيك بهذا
رحمك الله واهوى بيده إلى الحسين ان تموت دونه! قال: افعل ورب الكعبة، قال: فما
كان بأسرع من أن مات في أيديهم وصاحت جارية له فقالت: يا ابن عوسجتاه! يا
سيداه! فتنادى أصحاب عمرو بن الحجاج: قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي.
فقال شبث لبعض من حوله من أصحابه: ثكلتكم أمهاتكم، إنما تقتلون
أنفسكم بأيديكم، وتذللون أنفسكم لغيركم، تفرحون ان يقتل مثل مسلم بن عوسجة!
اما والذي أسلمت له لرب موقف له قد رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سلق
آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين! أفيقتل منكم مثله
وتفرحون؟!
قال: وكان الذي قتل مسلم بن عوسجة مسلم بن عبد الله الضبابي
و عبد الرحمان ابن أبي خشكارة البجلي.
106

يزيد بن زياد يرمى بين يدي الحسين (ع):
قال الطبري: وكان أبو الشعثاء يزيد بن زياد بن المهاصر من بني بهدلة خرج
مع عمر بن سعد إلى الحسين فلما ردوا الشروط على الحسين مال إليه وقاتل معه، جثى
على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمائة سهم ما سقط منها إلا خمسة أسهم، وكان راميا
فكان كلما رمى قال انا ابن بهدلة فرسان العرجلة ويقول حسين: اللهم سدد رميته
واجعل ثوابه الجنة فلما رمى بها قام فقال: ما سقط منها الا خمسة أسهم ولقد تبين لي
اني قد قتلت خمسة نفر وكان في أول من قتل وكان رجزه يومئذ:
أنا يزيد وأبى مهاصر * أشجع من ليث بغيل خادر
يا رب اني للحسين ناصر * ولابن سعد تارك وهاجر
أربعة استشهدوا في مكان واحد:
قال الطبري: وبرز عمر بن خالد وجابر بن الحارث السلماني، وسعد مولى
عمر بن خالد، ومجمع بن عبد الله العائذي فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس وقاتلوا
فلما وغلوا، عطف عليهم الناس، فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد،
فحمل عليهم العباس بن علي فاستنقذهم، فجاؤوا قد جرحوا فلما دنا منهم عدوهم،
شدوا بأسيافهم فقاتلوا في أول الأمر حتى قتلوا في مكان واحد.
مقتل برير:
وروى الطبري عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس وكان قد شهد مقتل
الحسين، قال: خرج يزيد بن معقل من بنى عميرة بن ربيعة، وهو حليف لبني سليمة
من عبد القيس، فقال: يا برير بن حضير! كيف ترى الله صنع بك؟ قال: صنع الله
والله بي خيرا، وصنع الله بك شرا: قال: كذبت! وقبل اليوم ما كنت كذابا! هل
تذكر وانا أماشيك في بني لوذان، وأنت تقول: إن عثمان بن عفان كان على نفسه
مسرفا وإن معاوية بن أبي سفيان ضال، مضل، وإن امام الهدى والحق علي بن
أبي طالب فقال له برير: اشهد ان هذا رأيي وقولي، فقال له يزيد بن معقل: فاني اشهد
انك من الضالين! فقال له برير بن حضير: هل لك فلا باهلك ولندع الله ان يلعن
الكاذب وان يقتل المبطل، ثم اخرج، فلابارزك.
107

قال: فخرجا فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه ان يلعن الكاذب، وان يقتل المحق
المبطل، ثم برز كل واحد منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بن معقل برير بن
حضير ضربة خفيفة، لم تضره شيئا وضربه برير بن حضير ضربة قدت المغفر وبلغت
الدماغ، فخر كأنما هوى من حالق، وإن سيف ابن حضير لثابت في رأسه فكأني انظر
إليه ينضنضه من رأسه، وحمل عليه رضي بن منقذ العبدي، فاعتنق بريرا فاعتركا
ساعة، ثم إن بريرا قعد على صدره فقال رضي: أين أهل المصاع والدفاع؟!
قال فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه، فقلت: ان هذا
برير ابن حضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد! فحمل عليه بالرمح حتى
وضعه في ظهره، فلما وجد مس الرمح، برك عليه، فعض بوجهه، وقطع طرف انفه
فطعنه كعب بن جابر حتى ألقاه عنه، وقد غيب السنان في ظهره، ثم اقبل عليه يضربه
بسيفه، حتى قتله.
قال عفيف: كأني انظر إلى العبدي الصريع، قام ينفض التراب عن قبائه،
ويقول: أنعمت علي يا أخا الأزد نعمة لن أنساها ابدا.
قال: فقلت أنت رأيت هذا، قال: نعم رأى عيني وسمع اذني، فلما رجع
كعب بن جابر قالت له امرأته، أو أخته النوار بنت جابر: أعنت على ابن فاطمة!
وقتلت سيد القراء! لقد أتيت عظيما من الامر، والله لا أكلمك من رأسي كلمة ابدا
وقال كعب بن جابر:
سلى تخبري عني وأنت ذميمة * غداة حسين والرماح شوارع
ألم آت أقصى ما كرهت ولم يخل * على غداة الروع ما انا صانع
معي يزني لم تخنه كعوبه * وأبيض مخشوب الغرارين قاطع
فجردته في عصبة ليس دينهم * بديني واني بابن حرب لقانع
ولم تر عيني مثلهم في زمانهم * ولا قبلهم في الناس إذ انا يافع
أشد قراعا بالسيوف لدى الوغا * ألا كل من يحمي الذمار مقارع
وقد صبروا للطعن والضرب حسرا * وقد نازلوا لو أن ذلك نافع
فأبلغ عبيد الله اما لقيته * بأني مطيع للخليفة سامع
قتلت بريرا ثم حملت نعمة * أبا منقذ لما دعا من يماصع
108

وروى عن عبد الرحمان بن جندب قال: سمعته في امارة مصعب بن الزبير وهو
يقول: يا رب انا قد وفينا فلا تجعلنا يا رب كمن قد غدر! فقال له أبي: صدق ولقد وفى
وكرم وكسبت لنفسك شرا، قال: كلا اني لم اكسب لنفسي شرا ولكني كسبت لها
خيرا قال: وزعموا أن رضي بن منقذ العبدي رد بعد على كعب بن جابر جواب قوله
فقال:
لو شاء ربي ما شهدت قتالهم * ولا جعل النعماء عندي ابن جابر
لقد كان ذاك اليوم عارا وسبة * يعيره الأبناء بعد المعاشر
فيا ليت أني كنت من قبل قتله * ويوم حسين كنت في رمس قابر
عمرو بن قرظة الأنصاري:
قال: وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري يقاتل دون حسين، وهو يقول:
قد علمت كتيبة الأنصار * أني سأحمي حوزة الذمار
ضرب غلام غير نكس شاري * دون حسين مهجتي وداري
فقتل عمرو بن قرظة بن كعب وكان مع الحسين وكان علي اخوه مع عمر بن
سعد فنادى علي ابن قرظة يا حسين! يا كذاب ابن الكذاب! أضللت أخي وغررته
حتى قتلته! قال: إن الله لم يضل أخاك ولكنه هدى أخاك وأضلك! قال قتلني الله ان
لم أقتلك! أو أموت دونك! فحمل عليه فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه،
فحمله أصحابه، فاستنقذوه فدوي بعد فبرأ.
مبارزة يزيد بن سفيان والحر:
وروى عن أبي زهير العبسي ان الحر بن يزيد لما لحق بحسين قال يزيد بن
سفيان من بني شقرة وهم بنو الحارث بن تميم: اما والله لو اني رأيت الحر بن يزيد حين
خرج لاتبعته السنان قال فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحر بن يزيد يحمل على
القوم مقدما ويتمثل قول عنترة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره * ولبانه حتى تسربل بالدم
وإن فرسه لمضروب على اذنيه وحاجبه وإن دماءه لتسيل، فقال الحصين بن
تميم وكان على شرطة عبيد الله ليزيد بن سفيان هذا الحر بن يزيد الذي كنت تتمنى
109

قال نعم:، فخرج إليه، فقال له: هل لك يا حر بن يزيد في المبارزة؟! قال: نعم، قد
شئت، فبرز له قال: فأنا سمعت الحصين بن تميم يقول: والله لبرز له فكأنما كانت
نفسه في يده فما لبثه الحر حين خرج إليه ان قتله.
قال وقاتلوهم حتى انتصف النهار أشد قتال خلقه الله وأخذوا لا يقدرون على أن
يأتوهم إلا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض قال فلما رأى
ذلك عمر بن سعد ارسل رجالا يقوضونها عن ايمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم قال
فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخللون البيوت فيشدون على الرجل وهو
يقوض وينتهب فيقتلونه ويرمونه من قريب ويعقرونه.
حرق الخيام:
قال: فأمر بها عمر بن سعد عند ذلك فقال احرقوها بالنار، ولا تدخلوا بيتا ولا
تقوضوه، فجاؤوا بالنار فأخذوا يحرقون فقال حسين دعوهم فليحرقوها، فإنهم لو قد حرقوها
لم يستطيعوا ان يجوزوا إليكم منها، وكان ذلك كذلك، وأخذوا لا يقاتلونهم الا من وجه
واحد.
قال: وحمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين برمحه ونادى: علي
بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله، قال: فصاح النساء وخرجن من الفسطاط،
قال: وصاح به الحسين يا بن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي! حرقك
الله بالنار.
وروى عن حميد بن مسلم قال قلت لشمر بن ذي الجوشن: سبحان الله: ان
هذا لا يصلح لك، أتريد ان تجمع على نفسك خصلتين تعذب بعذاب الله، وتقتل
الولدان والنساء، والله ان في قتلك الرجال لما ترضى به أميرك قال: فقال: من أنت؟!
قال: قلت: لا أخبرك من انا، قال: وخشيت والله ان لو عرفني ان يضرني عند
السلطان! قال: فجاءه رجل كان أطوع له مني شبث بن ربعي، فقال: ما رأيت مقالا
أسوأ من قولك، ولا موقفا أقبح من موقفك! أمرعبا للنساء صرت! قال: فأشهد انه
استحيا فذهب لينصرف، وحمل عليه زهير بن القين في رجال من أصحابه عشرة فشد
على شمر بن ذي الجوشن وأصحابه فكشفهم عن البيوت، حتى ارتفعوا عنها فصرعوا أبا
عزة الضبابي، فقتلوه، فكان من أصحاب شمر، وتعطف الناس عليهم فكثروهم فلا
110

يزال الرجل من أصحاب الحسين قد قتل، فإذا قتل منهم الرجل والرجلان تبين فيهم،
وأولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم.
صلاة الخوف:
قال: فلما رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي قال للحسين: يا أبا
عبد الله! نفسي لك الفداء، اني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى
اقتل دونك إن شاء الله، وأحب ان القى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها
قال: فرفع الحسين رأسه، ثم قال: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين
نعم، هذا أول وقتها، ثم قال: سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلي فقال لهم الحصين ابن
تميم: انها لا تقبل! فقال له حبيب بن مظاهر: لا تقبل، زعمت الصلاة من آل رسول
الله (ع)، وتقبل منك يا حمار! قال: فحمل عليهم حصين بن تميم، وخرج إليه حبيب
بن مظاهر، فضرب وجه فرسه بالسيف، فشب ووقع عنه، وحمله أصحابه، واستنقذوه.
مقتل حبيب بن مظاهر:
وحمل حبيب وهو يقول:
أقسم لو كنا لكم أعدادا * أو شطركم وليتم أكتادا 1
يا شر قوم حسبا وآدا
وجعل يقول يومئذ:
أنا حبيب وأبي مظاهر * فارس هيجاء وحرب تسعر
أنتم أعد عدة وأكثر * ونحن أوفى منكم وأصبر
ونحن أعلى حجة وأظهر * حقا وأتقى منكم وأعذر
وقتل قتالا شديدا فحمل عليه رجل من بني تميم فطعنه فوقع فذهب ليقوم
فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع ونزل إليه التميمي فاحتز رأسه فقال له
الحصين: اني لشريكك في قتله فقال الآخر: والله ما قتله غيري فقال الحصين: أعطنيه
أعلقه في عنق فرسي كيما يرى الناس ويعلموا أني شركت في قتله ثم خذه أنت بعد
فامض به إلى عبيد الله بن زياد، فلا حاجة لي في ما تعطاه على قتلك إياه، قال: فأبى عليه

1) أكتادا: أي جماعات.
111

فاصلح قومه فيما بينهما على هذا فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر فجال به في العسكر قد
علقه في عنق فرسه ثم دفعه إليه بعد ذلك، فلما رجعوا إلى الكوفة، أخذ الاخر رأس
حبيب فعلقه في لبان فرسه، ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر، فبصر به ابنه القاسم بن
حبيب وهو يومئذ قد راهق، فاقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه وإذا
خرج خرج معه، فارتاب به فقال: مالك يا بني تتبعني؟ قال: لا شئ قال: بلى يا بني
أخبرني، قال له: ان هذا الرأس الذي معك رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه. قال يا
بني لا يرضى الأمير أن يدفن، وأنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا، قال له
الغلام: لكن الله لا يثيبك على ذلك الا أسوء الثواب أما والله لقد قتلت خيرا منك
وبكى فمكث الغلام حتى إذا أدرك لم يكن له همه الا اتباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرة
فيقتله بأبيه فلما كان زمان مصعب بن الزبير، وغزا مصعب باجميرا دخل عسكر
مصعب، فإذا قاتل أبيه في فسطاطه، فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرته فدخل عليه
وهو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتى برد.
ولما قتل حبيب بن مظاهر، هد ذلك حسينا، وقال عند ذلك أحتسب نفسي
وحماة أصحابي قال فأخذ الحر يرتجز ويقول:
آليت لا أقتل حتى أقتلا * ولن أصاب اليوم الا مقبلا
أضربهم بالسيف ضربا مقصلا * لا ناكلا عنهم ولا مهللا
وأخذ يقول أيضا:
أضرب في أعراضهم بالسيف * عن خير من حل منى والخيف
فقاتل هو وزهير بن القين قتالا شديدا فكان إذا شد أحدهما فان استلحم شد
الاخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة ثم إن رجالة شدت على الحر بن يزيد فقتل وقتل
أبو ثمامة الصائدي ابن عم له كان عدوا له، ثم صلوا الظهر صلى بهم الحسين صلاة
الخوف.
سعيد الحنفي:
ثم اقتتلوا بعد الظهر فاشتد قتالهم ووصل إلى الحسين فاستقدم الحنفي أمامه
فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يمينا وشمالا قائما بين يديه فما زال يرمي حتى سقط. وذكر
112

الخوارزمي أنه كان يرتجز ويقول:
أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا * وشيخك الخير عليا ذا الندى
وحسنا كالبدر وافى الا سعدا * وعمك القرم الهجان الاصيدا
وحمزة ليث الاله الأسدا * في جنة الفردوس تعلو صعدا 1
زهير بن القين:
وقاتل زهير بن القين قتالا شديدا وأخذ يقول:
أنا زهير وأنا ابن القين * أذودهم بالسيف عن حسين
قال: وأخذ يضرب على منكب حسين ويقول:
أقدم هديت هاديا مهديا * فاليوم تلقى جدك النبيا
وحسنا والمرتضى عليا * وذا الجناحين الفتى الكميا
وأسد الله الشهيد الحيا
فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس فقتلاه.
نافع بن هلال الجملي:
قال: وكان نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نبله فجعل يرمي
بها مسمومة وهو يقول: أنا الجملي، أنا على دين علي.
وقال الخوارزمي: وكان يرمي ويقول:
أرمي بها معلمة أفواقها * والنفس لا ينفعها اشفاقها
مسمومة يجري بها أخفاقها * لتملأن أرضها رشاقها
ويقول:
انا على دين علي * ابن هلال الجملي
أضربكم بمنصلي * تحت عجاج القسطل 2
فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه، ثم ضرب إلى قائم سيفه فاستله، وحمل وهو
يقول:

1) مقتل الخوارزمي 2 / 20.
2) مقتل الخوارزمي 2 / 14 - 15.
113

أنا الغلام اليمني الجملي * ديني على دين حسين وعلي
ان أقتل اليوم فهذا أملي * وذاك رأيي وألاقي عملي
فقتل ثلاثة عشر رجلا... 1
قال الطبري:
خرج إليه رجل يقال له مزاحم بن حريث فقال: انا على دين عثمان، فقال
له: أنت على دين شيطان! ثم حمل عليه فقتله، فصاح عمرو بن الحجاج بالناس: يا
حمقى! أتدرون من تقاتلون؟ فرسان المصر، قوما مستميتين. لا يبرزن لهم منكم أحد!
فإنهم قليل، وقل ما يبقون، والله لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم. فقال عمر بن
سعد: صدقت، الرأي ما رأيت. وأرسل إلى الناس يعزم عليهم الا يبارز رجل منكم
رجلا منهم.
قال ودنا عمرو بن الحجاج من أصحاب الحسين يقول يا أهل الكوفة الزموا
طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الامام، فقال له
الحسين يا عمرو بن الحجاج أعلي تحرض الناس؟! انحن مرقنا، وأنتم ثبتم عليه؟! أما
والله لتعلمن لو قد قبضت أرواحكم ومتم على أعمالكم، أينا مرق من الدين! ومن هو
أولى بصلي النار!
وقال الطبري: فقتل اثني عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح.
قال: فضرب حتى كسرت عضداه وأخذ أسيرا. قال: فأخذه شمر بن ذي الجوشن
ومعه أصحاب له يسوقون نافعا حتى أوتي به عمر بن سعد، فقال له عمر بن سعد: ويحك
يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك قال: إن ربي يعلم ما أردت، قال: والدماء
تسيل على لحيته وهو يقول: والله لقد قتلت منكم اثني عشر سوى من جرحت وما ألوم
نفسي على الجهد، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني، فقال له شمر: اقتله أصلحك
الله، قال: أنت جئت به فان شئت فاقتله، قال: فانتضى شمر سيفه، فقال له نافع:
أما والله ان لو كنت من المسلمين لعظم عليك ان تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل
منايانا على يدي شرار خلقه، فقتله. قال: ثم أقبل شمر يحمل عليهم وهو يقول:
خلوا عداة الله خلوا عن شمر * يضربهم بسيفه ولا يفر
وهو لكم صاب وسم ومقر

1) مقتل الخوارزمي 2 / 20 - 21.
114

قال: فلما رأى أصحاب الحسين انهم قد كثروا وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا
حسينا ولا أنفسهم تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه.
الغفاريان:
فجاءه عبد الله و عبد الرحمن ابنا عزرة الغفاريان فقالا: يا أبا عبد الله عليك
السلام حازنا العدو إليك فاحببنا أن نقتل بين يديك، نمنعك وندفع عنك، قال: مرحبا
بكما ادنوا منى فدنوا منه فجعلا يقاتلان قريبا منه، أحدهما يقول.
قد علمت حقا بنو غفار * وخندف بعد بنى نزار
لنضر بن معشر الفجار * بكل عضب صارم بتار
يا قوم ذودوا عن بني الأحرار * بالمشرفي والقنا الخطار
الجابريان وحنظلة:
قال: وجاء الفتيان الجابريان سيف بن الحارث بن سريع، ومالك بن عبد بن
سريع، وهما ابنا عم وأخوان لام فأتيا حسينا فدنوا منه وهما يبكيان، فقال: أي ابني
أخي ما يبكيكما فوالله اني لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين، قالا: جعلنا الله
فداك، لا والله ما على أنفسنا نبكي، ولكنا نبكي عليك، نراك قد أحيط بك، ولا
نقدر على أن نمنعك، فقال: جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما
إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين.
قال: وجاء حنظلة بن أسعد الشامي فقام بين يدي الحسين فأخذ ينادي يا
قوم اني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من
بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد، ويا قوم أني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون
مدبرين مالكم من الله من عاصم، ومن يضلل الله فما له من هاد، يا قوم لا تقتلوا حسينا
فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى، فقال له حسين: يا ابن أسعد رحمك الله
أنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، ونهضوا إليك
ليستبيحوك وأصحابك، فكيف بهم الان وقد قتلوا اخوانك الصالحين، قال: صدقت
جعلت فداك، أنت أفقه مني وأحق بذلك أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق باخواننا،
فقال: رح إلى خير من الدنيا وما فيها، والى ملك لا يبلى، فقال: السلام عليك يا أبا
115

عبد الله، صلى الله عليك، وعلى أهل بيتك، وعرف بيننا وبينك في جنته، فقال: آمين
آمين، فاستقدم فقاتل حتى قتل.
ثم استقدم الفتيان الجابريان يلتفتان إلى الحسين ويقولان: السلام عليك يا
ابن رسول الله، فقال: عليكما السلام ورحمة الله، فقاتلا حتى قتلا.
عابس بن أبي شبيب وشوذب:
قال وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر، فقال: يا
شوذب ما في نفسك أن تصنع، قال: ما أصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله (ص) حتى أقتل، قال: ذلك الظن بك أملا، فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتى
يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه وحتى أحتسبك أنا، فإنه لو كان معي الساعة
أحد أولى به مني بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه فان هذا يوم ينبغي لنا أن
نطلب الاجر فيه بكل ما قدرنا عليه، فإنه لا عمل بعد اليوم، وإنما هو الحساب قال:
فتقدم فسلم على الحسين ثم مضى فقاتل حتى قتل، ثم قال عابس بن أبي شبيب: يا
أبا عبد الله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي
منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشئ أعز علي من نفسي ودمي
لفعلته، السلام عليك يا أبا عبد الله، أشهد الله أني علي هديك وهدي أبيك ثم مشى
بالسيف مصلتا نحوهم وبه ضربة على جبينه.
وروى عن ربيع بن تميم الهمداني وقد شهد ذلك اليوم قال: لما رأيته مقبلا
عرفته وقد شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس فقلت: أيها الناس هذا الأسد
الأسود، هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم فأخذ ينادي ألا رجل لرجل
فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة قال: فرمي بالحجارة من كل جانب، فلما رآى
ذلك ألقى درعه ومغفره ثم شد على الناس فوالله لرأيته يكرد أكثر من مائتين من الناس
ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل، قال: رأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة،
هذا يقول: أنا قتلته، وهذا يقول: أنا قتلته، فأتوا عمر بن سعد، فقال: لا تختصموا،
هذا لم يقتله سنان واحد ففرق بينهم.
فرار الضحاك المشرقي:
وروى عن عبد الله المشرقي، قال: لما رأيت أصحاب الحسين قد أصيبوا وقد
116

خلص إليه والى أهل بيته ولم يبق معه غير سويد بن أبي عمر، وابن أبي المطاع الخثعمي
وبشير بن عمرو الحضرمي، قلت له: يا ابن رسول الله! قد علمت ما كان بيني وبينك،
قلت لك: أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا فإذا لم أر مقاتلا فانا في حل من الانصراف،
فقلت لي: نعم قال: فقال: صدقت وكيف لك بالنجاء ان قدرت على ذلك فأنت في
حل قال: فأقبلت إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلت بها حتى
أدخلتها فسطاطا لأصحابنا بين البيوت وأقبلت أقاتل معهم راجلا فقتلت يومئذ بين
يدي الحسين رجلين وقطعت يد آخر، وقال لي الحسين: يومئذ مرارا لا تشلل لا يقطع الله
يدك جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيك (ص) فلما أذن لي استخرجت الفرس من
الفسطاط ثم استويت على متنها ثم ضربتها حتى إذا قامت على السنابك رميت بها
عرض القوم فأفر جوالي وأتبعني منهم خمسة عشر رجلا حتى انتهيت إلى شفية، قرية
قريبة من شاطئ الفرات فلما لحقوني عطفت عليهم فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي
وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبد الله الصائدي وقالوا: هذا الضحاك بن
عبد الله المشرقي، هذا ابن عمنا ننشدكم الله لما كففتم عنه فقال ثلاثة نفر من بني تميم
كانوا معهم: بلى والله لنجيبن اخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن
صاحبهم، قال: فلما تابع التميميون أصحابي كف الآخرون قال: فنجاني الله.
قال الطبري: وكان آخر من بقي مع الحسين من أصحابه سويد بن عمرو بن
أبي المطاع الخثعمي.
قال المؤلف: إلى هنا أوردنا أخبار تاريخ الطبري في مقتل أصحاب الحسين
دون أن نلتزم بسياقه في ترتيب ذكر الحوادث لما يظهر منه عدم الاكتراث بذكر
الحوادث كما وقعت ولم يكن ترتيبنا أيضا بنتيجة البحث العلمي في غير أخبار الطبري
وإنما لاحظنا القرائن الدالة في أخباره على الترتيب الذي أوردناه وصرحنا بمصادر
الاخبار التي أضفناها إلى أخباره، وبما أن الطبري لم يستوعب في تاريخه جميع أخبار
أصحاب الحسين وكان في بعضها مزيد ايضاح لما نحن بصدده من درك سبب استشهاد
الحسين نورد يسيرا منها في ما يلي.
117

شهداء آخرون
عمرو بن خالد:
قال الخوارزمي: وبرز عمرو بن خالد الأزدي وهو يقول:
اليوم يا نفس إلى الرحمن * تمضين بالروح وبالريحان
اليوم تجزين على الاحسان * قد كان منك غابر الأزمان
ما خط باللوح لدى الديان * فاليوم زال ذاك؟ الغفران
لا تجزعي فكل حي فان * والصبر أحظى لك بالأمان
فقاتل حتى قتل.
سعد بن حنظلة:
ثم خرج من بعده سعد بن حنظلة التميمي وهو يقول:
صبرا على الأسياف والاسنه * صبرا عليها لدخول الجنة
وحور عين ناعمات هنه * لمن يريد الفوز لا بالظنه
يا نفس للراحة فاطرحنه * وفي طلاب الخير فأرغبنه
ثم حمل فقاتل قتالا شديدا فقتل 1.
عبد الرحمن بن عبد الله اليزني:
قال: ثم خرج عبد الرحمن بن عبد الله اليزني وهو يقول:

1) مقتل الخوارزمي 2 / 14.
118

انا ابن عبد الله من آل يزن * ديني على دين حسين وحسن
أضربكم ضرب فتى من اليمن * أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن
ثم حمل فقاتل حتى قتل.
قرة بن أبي قرة:
ثم خرج قرة بن أبي قرة الغفاري وهو يقول:
قد علمت حقا بنو غفار * وخندف بعد بني نزار
بأنني الليث الهزبر الضاري * لأضربن معشر الفجار
بحد عضب ذكر بتار * يشع لي في ظلمة الغبار
دون الهداة السادة الأبرار * رهط النبي احمد المختار
ثم حمل فقاتل حتى قتل.
عمر بن مطاع:
وبرز عمر بن مطاع الجعفي وهو يقول:
انا ابن جعفي وأبي مطاع * وفي يميني مرهف قطاع
واسمر سنانه لماع * يرى له من ضوئه شعاع
قد طاب لي في يومى القراع * دون حسين وله الدفاع
ثم حمل فقاتل حتى قتل 1.
جون مولى أبي ذر:
في مثير الأحزان واللهوف: ثم تقدم جون مولى أبي ذر وكان عبدا اسود فقال
له: أنت في اذن مني فإنما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا، فقال: يا ابن رسول الله
انا في الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم؟ والله ان ريحي لنتن، وحسبي للئيم
ولوني لاسود فتنفس علي بالجنة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي، لا
والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم، ثم قاتل حتى قتل 2.
وفي مقتل الخوارزمي: فجعل يقول وهو يحمل عليهم:
كيف يرى الفجار ضرب الأسود * بالمشرفي القطاع المهند

1) مقتل الخوارزمي 2 / 17 - 18.
2) مثير الأحزان 47 واللهوف 41.
119

احمي الخيار من بني محمد * أذب عنهم باللسان واليد
أرجو بذاك الفوز عند المورد * من الاله الواحد الموحد 1
فقتل خمسة وعشرين وقتل، فوقف عليه الحسين، وقال: اللهم بيض وجهه
وطيب ريحه واحشره مع محمد (ص) وعرف بينه وبين آل محمد 2.
أنيس بن معقل:
وفي مقتل الخوارزمي: ثم خرج من بعده أنيس بن معقل الأصبحي، فجعل
يقول:
انا أنيس وانا ابن معقل * وفي يميني نصل سيف فيصل
أعلو به الهامات بين القسطل * حتى أزيل خطبه فينجلي
عن الحسين الفاضل المفضل * ابن رسول الله خير مرسل
الحجاج بن مسروق:
قال: وبرز الحجاج بن مسروق وهو مؤذن الحسين (ع) فجعل يقول:
أقدم حسين هاديا مهديا * اليوم نلقى جدك النبيا
ثم أباك ذا العلا عليا * والحسن الخير الرضا الوليا
وذا الجناحين الفتى الكميا * وأسد الله الشهيد الحيا
ثم حمل فقاتل حتى قتل.
جنادة بن الحرث:
قال: وبرز جنادة بن الحرث الأنصاري وهو يقول:
انا جنادة انا ابن الحارث * لست بخوار ولا بناكث
عن بيعتي حتى يقوم وارثي * من فوق شلو في الصعيد ماكث
فحمل ولم يزل يقاتل حتى قتل.
عمرو بن جنادة:
ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة وهو ينشد ويقول:

1) مقتل الخوارزمي 2 /.
2) راجع مقتل العوالم ص 88.
120

اضق الخناق من ابن هند وارمه * في عقره بفوارس الأنصار
ومهاجرين مخضبين رماحهم * تحت العجاجة من دم الكفار
خضبت على عهد النبي محمد * فاليوم تخضب من دم الفجار
واليوم تخضب من دماء معاشر * رفضوا القران لنصرة الأشرار
طلبوا بثأرهم ببدر وانثنوا * بالمرهفات وبالقنا الخطار
والله ربي لا أزال مضاربا * للفاسقين بمرهف بتار
هذا علي اليوم حق واجب * في كل يوم تعانق وحوار
ثم حمل فقاتل حتى قتل.
غلام يتيم:
ثم خرج من بعده شاب قتل أبوه في المعركة، وكانت أمه عنده، فقالت: يا بني
اخرج فقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تقتل، فقال: افعل، فخرج، فقال الحسين:
هذا شاب قتل أبوه ولعل أمه تكره خروجه، فقال الشاب: أمي أمرتني يا ابن رسول
الله. فخرج وهو يقول:
أميري حسين ونعم الأمير * سرور فؤاد البشير النذير
علي وفاطمة والداه * فهل تعلمون له من نظير
ثم قاتل فقتل وحز رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين، فأخذت أمه رأسه
وقالت له: أحسنت يا بني! يا قرة عيني! وسرور قلبي! ثم رمت برأس ابنها رجلا
فقتلته واخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول:
انا عجوز في النساء ضعيفة * بالية خالية نحيفة
أضربكم بضربة عنيفة * دون بني فاطمة الشريفة
فضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين (ع) بصرفها ودعا لها 1.
قال الخوارزمي: وكان يأتي الحسين الرجل بعد الرجل، فيقول: السلام عليك
يا ابن رسول الله فيجيبه الحسين: وعليك السلام ونحن خلفك، ويقرأ: فمنهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، ثم يحمل فيقتل! هكذا استمر القتال حتى قتلوا
عن آخرهم 2.

1) مقتل الخوارزمي 2 / 19 - 22.
2) مقتل الخوارزمي 2 / 25.
121

مقتل عترة الرسول
وقال: لما لم يبق مع الحسين الا أهل بيته. اجتمعوا وودع بعضهم بعضا
وعزموا على الحرب 1.
أول شهيد من عترة رسول الله:
قال الطبري: وكان أول قتيل من بني أبي طالب يومئذ علي الأكبر بن الحسين
بن علي وأمه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي 2 وكانت أم أمه ميمونة بنت
أبي سفيان ابن حرب 3 ومن أجل هذا أعطي له الأمان يومذاك، وقالوا له كما ذكره
المصعب الزبيري: " ان لك قرابة بأمير المؤمنين - يعنى يزيد بن معاوية - ونريد أن
يرعى هذا الرحم، فان شئت آمناك ".
فقال علي: " لقرابة رسول الله (ص) أحق أن ترعى " وحمل وهو يقول... 4.
قال الخوارزمي: فلما رآه الحسين رفع شيبته نحو السماء، وقال: اللهم اشهد
على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك
محمد (ص) وكنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه، اللهم فامنعهم بركات
الأرض، وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم

1) مقتل الخوارزمي 2 / 6.
2) مقاتل الطالبيين ص 80 وتاريخ الطبري، ط / اروبا 2 / 356 - 357.
3) مقاتل الطالبيين ص 80 ونسب قريش لمصعب ص 57، والإصابة 4 / 178 ترجمة أبي مرة.
4) نسب قريش ص 57.
122

أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا يقاتلونا.
ثم صاح بعمر بن سعد: مالك قطع الله رحمك، ولا بارك لك في أمرك وسلط
عليك من يذبحك على فراشك، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله. ثم رفع
صوته وقرأ: " ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية
بعضها من بعض والله سميع عليم ".
وحمل علي بن الحسين وهو يقول:
أنا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولى بالنبي
والله لا يحكم فينا ابن الدعي * أطعنكم بالرمح حتى ينثني
أضربكم بالسيف حتى يلتوي * ضرب غلام هاشمي علوي
فلم يزل يقاتل حتى ضج أهل الكوفة، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات
كثيرة، فقال: يا أبة: العطش قد قتلني وثقل الحديد أجهدني، فهل إلى شربة من ماء
سبيل أتقوى بها على الأعداء؟ فبكى الحسين وقال: يا بني عز على محمد، وعلى علي،
وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك وتستغيث بهم فلا يغيثونك. ودفع إليه خاتمه،
وقال له: خذ هذا الخاتم في فيك وارجع إلى قتال عدوك، فاني لأرجو أن لا تمسي
حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا، فرجع علي بن الحسين إلى
القتال وحمل وهو يقول:
الحرب قد بانت لها حقائق * وظهرت من بعدها مصادق
والله رب العرش لا نفارق * جموعكم أو تغمد البوارق 1
قال الطبري: ففعل ذلك مرارا فبصر به مرة بن منقذ بن النعمان العبدي ثم
الليثي فقال: علي آثام العرب ان. مربي يفعل مثل ما كان يفعل ان لم أثكله أباه فمر يشد
على الناس بسيفه فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه فصرع واحتوشه الناس فقطعوه
بأسيافهم.
وقال الخوارزمي: ضربه منقذ بن مرة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعه
فيها، وضربه الناس بأسيافهم، فاعتنق الفرس فحمله الفرس إلى عسكر عدوه، فقطعوه
بأسيافهم إربا إربا، فلما بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته: يا أبتاه! هذا جدي
رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا وهو يقول لك: العجل فان

1) مقتل الخوارزمي 2 / 30 - 31.
123

لك كأسا مذخورة، فصاح الحسين... 1.
وروى الطبري: عن حميد بن مسلم الأزدي قال: سماع أذني يومئذ من
الحسين يقول: قتل الله قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمان وعلى انتهاك حرمة
الرسول، على الدنيا بعدك العفاء. قال: وكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها
الشمس الطالعة تنادى يا أخياه ويا بن أخاه قال فسألت عنها فقيل: هذه زينب ابنة
فاطمة بنت رسول الله فجاءت حتى أكبت عليه فجاءها الحسين، فأخذ بيدها، فردها
إلى الفسطاط، وأقبل الحسين إلى ابنه وأقبل فتيانه إليه فقال: احملوا أخاكم فحملوه من
مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون امامه.
مقتل آل أبي طالب:
عبد الله بن مسلم بن عقيل:
ثم برز من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب 2، وأمه رقية الكبرى
بنت الإمام علي (ع) 3 وهو يقول:
اليوم ألقى مسلما وهو أبي * وفتية بادوا على دين النبي 4.
قال الطبري: ثم إن عمرو بن صبيح الصدائي رمى عبد الله بن مسلم بن عقيل
بسهم فوضع كفه على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه ونفذ إلى جبهته فسمرها به 5.
فاخذ لا يستطيع أن يحرك كفيه ثم انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه، قال: فاعتورهم
الناس من كل جانب. قال الخوارزمي وابن شهرآشوب برز جعفر بن عقيل بن أبي طالب
وهو يقول:
أنا الغلام الأبطحي الطالبي * من معشر في هاشم من غالب
ونحق حقا سادة الذوائب * هذا حسين أطيب الأطايب
فقاتل حتى قتل، قتله بشر بن سوط الهمداني 6.

1) مقتل الخوارزمي 2 / 31.
2) ذكره الطبري بعد مقتل على الأكبر، ط / اروبا، 2 / 357.
3) نسب قريش للمصعب الزبيري ص 45 ومقاتل الطالبين 94.
4) مناقب ابن شهرآشوب 2 / 220، ومقتل الخوارزمي 2 / 26.
5) هذه الزيادة في سياق الارشاد ص 223.
6) نقلنا في مقتل ابني عقيل وابنى جعفر بعدهما الأراجيز من مقتل الخوارزمي ومناقب ابن
شهرآشوب وكان الطبري قد أسقط أراجيزهم من خبر مقتلهم على عادته في حذف الأراجيز في أغلب ما يروى
من اخبار الحروب.
124

وقال الطبري: وشد عثمان بن خالد الجهني وبشر بن سوط الهمداني ثم
القابضي على عبد الرحمن بن عقيل فقتلاه.
وبرز بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل وهو يرتجز:
أبي عقيل فاعرفوا مكاني * من هاشم وهاشم اخواني
كهول صدق سادة الاقران * هذا حسين شامخ البنيان
وسيد الشباب في الجنان
فقاتل حتى قتله عثمان بن خالد الجهني.
قال الطبري: ورمى عبد الله بن عزرة الخثعمي جعفر بن عقيل بن أبي طالب
فقتله.
قال الخوارزمي وابن شهرآشوب: ثم برز محمد بن عبد الله بن جعفر وهو ينشد:
أشكو إلى الله من العدوان * فعال قوم في الردى عميان
قد بدلوا معالم القرآن * ومحكم التنزيل والتبيان
وأظهروا الكفر مع الطغيان
فقاتل قتالا شديدا حتى قتله عامل بن نهشل التميمي، ثم برز أخوه عون فحمل
وهو يقول: إن
تنكروني فأنا ابن جعفر * شهيد صدق في الجنان أزهر
يطير فيها بجناح أخضر * كفى بهذا شرفا في محشر
فقاتل حتى قتله عبد الله بن قطبة الطائي 1.
نجلا السبط الأكبر:
ثم برز عبد الله بن الحسن بن علي وهو يقول: إن
تنكروني فأنا فرع الحسن * سبط النبي المصطفى المؤتمن
هذا حسين كالأسير المرتهن * بين أناس لا سقوا صوب المزن

1) مناقب ابن شهرآشوب 2 / 220، ومقتل الخوارزمي 2 / 27، ويتفق سياق رواية الطبري معهما فيما
عدا حذفه الرجزين.
125

قتله هاني بن شبيب الحضرمي 1.
ثم برز أخوه القاسم بن الحسن وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم فلما نظر إليه
الحسين اعتنقه وجعلا يبكيان ثم استأذن الغلام للحرب فأبى عمه الحسين أن يأذن
له، فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه ويسأله الاذن حتى أذن له فخرج ودموعه تسيل
على خديه 2 عليه ثوب وازار ونعلان فقط وكأنه فلقة قمر وأنشأ يقول:
اني أنا القاسم من نسل علي * نحن وبيت الله أولى بالنبي
من شمر ذي الجوشن أو ابن الدعي 3
وروى الطبري عن حميد بن مسلم، قال: خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر
في يده السيف عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما انسى أنها اليسرى،
فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي والله لأشدن عليه، فقلت له: سبحان الله وما
تريد إلى ذلك، يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوهم قال: فقال: والله لأشدن
عليه، فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف، فوقع الغلام لوجهه، فقال: يا
عماه! قال: فجلى الحسين كما يجلى الصقر، ثم شد شدة ليث أغضب، فضرب عمرا
بالسيف، فاتقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق، فصاح - صيحة سمعها أهل
العسكر - 4 ثم تنحى عنه، وحملت خيل لأهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من حسين،
فاستقبلت عمرا بصدورها فحركت حوافرها وجالت الخيل بفرسانها عليه، فتوطأته
حتى مات وانجلت الغبرة فإذا أنا بالحسين قائم على رأس الغلام، والغلام يفحص
برجليه، وحسين يقول: بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك ثم قال:
عز والله على عمك، ان تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك، صوت والله كثر واتره
وقل ناصره ثم احتمله فكأني انظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض وقد وضع حسين
صدره على صدره، قال: فقلت في نفسي: ما يصنع به، فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي
ابن الحسين وقتلى قد قتلت حوله من أهل بيته، فسألت عن الغلام فقيل: هو القاسم
ابن الحسن بن علي بن أبي طالب.

1) مناقب ابن شهرآشوب 2 / 220، وفى مقتل الخوارزمي 2 / 27 نسب البيتين إلى القاسم أو عبد الله،
وفى إعلام الورى ص 213: وكان عبد الله بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبني بها.
2) مقتل الخوارزمي 2 / 27. 3) مناقب ابن شهرآشوب 2 / 221.
4) ارشاد المفيد ص 223.
126

مقتل إخوة الحسين 1
أبو بكر بن علي (ع):
ثم تقدم اخوة الحسين (ع) عازمين على أن يقتلوا من دونه فأول من تقدم منهم
أبو بكر بن علي، واسمه عبد الله، وأمة ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي بن مسلم
بن جندل بن نهشل بن دارم التميمية فبرز أبو بكر وهو يقول:
شيخي علي ذو الفخار الأطول * من هاشم الصدق الكريم المفضل
هذا الحسين ابن النبي المرسل * نذود عنه بالحسام الفيصل
تفديه نفسي من أخ مبجل * يا رب فامنحني الثواب المجزل
فحمل زحر بن قيس النخعي فقتله:
عمر بن علي (ع):
ثم خرج من بعد أبي بكر بن علي، أخوه عمر بن علي، فحمل وهو يقول:
أضربكم ولا أرى فيكم زحر * ذاك الشقي بالنبي قد كفر
يا زحر يا زحر تدان من عمر * لعلك اليوم تبوء بسقر
شر مكان في حريق وسعر * فإنك الجاحد يا شر البشر
ثم قصد قاتل أخيه فقتله، وجعل يضرب بسيفه ضربا منكرا ويقول في
حملاته:
خلوا عداة الله خلوا عن عمر * خلوا عن الليث العبوس المكفهر

1) إلى آخر هذا الفصل أوردناه بلفظ الخوارزمي 2 / 28 - 29.
127

يضربكم بسيفه ولا يفر * وليس يغدو كالجبان المنجحر
ولم يزل يقاتل حتى قتل.
عثمان بن علي (ع):
ثم خرج من بعده عثمان بن علي وأمه أم البنين بنت حزام بن خالد، من
بني كلاب وهو يقول:
إني أنا عثمان ذو المفاخر * شيخي علي ذو الفعال الطاهر
صنو النبي ذو الرشاد السائر * ما بين كل غائب وحاضر
ثم قاتل حتى قتل.
جعفر بن علي (ع):
ثم خرج أخوه جعفر بن علي وأمه أم البنين أيضا فحمل وهو يقول:
اني أنا جعفر ذو المعالي * نجل علي الخير ذو النوال
أحمي حسينا بالقنا العسال * وبالحسام الواضح الصقال
ثم قاتل حتى قتل.
عبد الله بن علي (ع):
ثم خرج من بعده أخوه عبد الله بن علي، وأمه أم البنين أيضا، فحمل وهو
يقول:
أنا ابن ذي النجدة والافضال * ذاك علي الخير في الفعال
سيف رسول الله ذو النكال * وكاشف الخطوب والأهوال
فحمل وقاتل حتى قتل 1.
وروى الطبري عن حميد بن مسلم قال: سمعت الحسين يومئذ وهو يقول:
اللهم أمسك عنهم قطر السماء وامنعهم بركات الأرض اللهم فان متعتهم إلى حين
ففرقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض عنهم الولاة أبدا. فإنهم دعونا لينصرونا
فعدوا علينا فقتلونا قال: وضارب الرجالة حتى انكشفوا عنه، قال: ولما بقي الحسين في

1) أورد الطبري ومن تبعه خبر مقتل أخوة الحسين بإيجاز، وفى مناقب ابن شهرآشوب أورد ارجاز أخوة
العباس لامه وما أوردناه هنا نقلناه من مقتل الخوارزمي 2 / 28 - 29 وبلفظه.
128

ثلاثة رهط أو أربعة، دعا بسراويل محققة يلمع فيها البصر يماني محقق ففزره ونكثه
لكي لا يسلبه فقال له بعض أصحابه: لو لبست تحته تبانا قال ذلك ثوب مذلة ولا
ينبغي لي أن ألبسه قال: فلما قتل أقبل بحر بن كعب فسلبه إياه فتركه مجردا.
قال أبو مخنف: فحدثني عمرو بن شعيب عن محمد بن عبد الرحمن أن يدي بحر
بن كعب كانتا في الشتاء ينضحان الماء وفي الصيف ييبسان كأنهما عود.
مقتل العباس بن أمير المؤمنين (ع):
في مقاتل الطالبين: كان رجلا وسيما جميلا يركب الفرس المطهم ورجلاه
تخطان في الأرض، وكان يقال له: قمر بني هاشم، وكان لواء الحسين معه يوم قتل، وهو
أكبر ولد أم البنين وهو آخر من قتل من أخوته لامه وأبيه 1.
وفى مقتل الخوارزمي: ثم خرج العباس وهو السقاء فحمل وهو يقول:
أقسمت بالله الأعز الأعظم * وبالحجون صادقا وزمزم
وبالحطيم والفنا المحرم * ليخضبن اليوم جسمي بدمي
دون الحسين ذي الفخار الأقدم * امام أهل الفضل والتكرم 2
وفى الارشاد ومثير الأحزان واللهوف 3: واشتد العطش بالحسين (ع) فركب
المسناة يريد الفرات وبين يديه العباس أخوه فاعترضه خيل ابن سعد.
وفي مناقب شهرآشوب: مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم وهو
يقول:
لا أرهب الموت إذا الموت رقى * حتى أوارى في المصاليت لقا
نفسي لابن المصطفى الطهر وقا * انى أنا العباس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقى
ففرقهم فكمن له زيد بن الورقاء الجهني من وراء نخلة وعاونه حكيم بن طفيل
السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله وحمل عليه وهو يرتجز:
والله ان قطعتموا يميني * اني أحامي أبدا عن ديني
وعن امام صادق اليقين * نجل النبي الطاهر الأمين

1) مقاتل الطالبيين ص 84.
2) مقتل الخوارزمي 2 / 29 - 30.
3) الارشاد ص 24، وإعلام الورى ص 244، ومثير الأحزان ص 53، واللهوف ص 45.
129

فقاتل حتى ضعف، فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه
على شماله، فقال:
يا نفس لا تخشي من الكفار * وأبشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار * قد قطعوا ببغيهم يسارى
فأصلهم يا رب حر النار
فقتله الملعون بعمود من حديد 1.
وفي مقتل الخوارزمي: فقال الحسين: الان انكسر ظهري وقلت حيلتي 2.

1) مناقب ابن شهرآشوب 2 / 221 - 222.
2) مقتل الخوارزمي 2 / 30.
130

مقتل أطفال آل الرسول (ص)
قتل الطفل الرضيع:
في مقتل الخوارزمي وغيره: تقدم الحسين إلى باب الخيمة وقال: ناولوني عليا
الطفل حتى أودعه، فناولوه الصبي، فجعل يقبله ويقول: ويل لهؤلاء القوم إذ كان
خصمهم جدك، فبينا الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه في
حجره فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه ثم رمى به نحو السماء، وقال: اللهم ان
حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا، وانتقم من هؤلاء الظالمين، ثم نزل
الحسين عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه وزمله بدمه وصلى عليه 1.
مقتل طفل آخر للحسين (ع):
قال الطبري: ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن علي بسهم
فقتله فلذلك يقول الشاعر وهو ابن أبي عقب:
وعند غني قطرة من دمائنا * وفى أسد أخرى تعد وتذكر
معركة في طريق الفرات:
روى الطبري عمن شهد الحسين في عسكره، أن حسينا حين غلب على
عسكره، ركب المسناة، يريد الفرات، قال: فقال رجل من بني أبان بن دارم: ويلكم
حولوا بينه وبين الماء لا تتام إليه شيعته قال: وضرب فرسه واتبعه الناس حتى حالوا

1) مقتل الخوارزمي 2 / 32، وتاريخ الطبري ط / اروبا، 2 / 360، وابن كثير 8 / 188.
131

بينه وبين الفرات فقال الحسين: اللهم أظمه! قال: وينتزع الاباني بسهم فأثبته في حنك
الحسين.
وفى رواية: فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه - وفي رواية في حنكه -
قال: فانتزع الحسين السهم ثم بسط كفيه فامتلأتا دما فرمى به إلى السماء، ثم حمد الله
وأثنى عليه ثم جمع يديه فقال: اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك، اللهم
أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا.
وروى الطبري وقال: فانتزع الحسين السهم ثم بسط كفيه فامتلأتا دما ثم
قال الحسين: اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك قال: فوالله ان مكث
الرجل الا يسيرا حتى صب الله عليه الظماء فجعل لا يروي، قال القاسم بن الأصبغ لقد
رأيتني فيمن يروح عنه، والماء يبرد له فيه السكر وعساس فيها اللبن وقلال فيها الماء
وانه ليقول: ويلكم أسقوني قتلني الظماء فيعطى القلة أو العس كان مرويا أهل البيت
فيشربه فإذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة ثم يقول: ويلكم أسقوني قتلني الظماء قال:
فوالله ما لبث الا يسيرا حتى انقد بطنه انقداد بطن البعير.
مقتل طفل مذعور:
روى الطبري عن هانئ بن ثبيت الحضرمي، قال: كنت ممن شهد قتل
الحسين، قال: فوالله اني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل الا على فرس وقد جالت
الخيل وتضعضعت: إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه
ازار وقميص وهو مذعور يتلفت يمينا وشمالا فكأني أنظر إلى درتين في أذنيه تذبذبان
كلما التفت، إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ثم اقتصد الغلام
فقطعه بالسيف، قال الراوي: هانئ بن ثبيت هذا هو صاحب الغلام فلما عتب عليه
كنى عن نفسه.
مقتل طفل الإمام الحسن (ع):
قال الطبري: ثم أن شمر بن ذي الجوشن أقبل في الرجالة نحو الحسين فأخذ
الحسين يشد عليهم فينكشفون عنه ثم إنهم أحاطوا به إحاطة وأقبل إلى الحسين عبد الله
132

بن الحسن 1 من عند النساء وهو غلام لم يراهق فأخذته أخته زينب ابنة علي لتحبسه،
فقال لها الحسين: أحبسيه فأبى الغلام وجاء يشتد إلى الحسين فقام إلى جنبه، قال: وقد
أهوى بحر بن كعب بن عبيد الله من بنى تيم الله بن ثعلبة بن عكابة إلى الحسين بالسيف
فقال الغلام: يا ابن الخبيثة أتقتل عمي؟! فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده، فأطنها
الا الجلدة فإذا يده معلقة فنادى الغلام يا أمتاه فاخذه الحسين فضمه إلى صدره وقال:
يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فان الله يلحقك بآبائك
الصالحين برسول الله (ص) وعلي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن علي صلى الله
عليهم أجمعين!
وروى الطبري: قال ومكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهى إليه رجل من
الناس انصرف عنه، وكره ان يتولى قتله وعظيم إثمه عليه قال: وان رجلا يقال له:
مالك بن نسير من بني بداء أتاه وضربه على رأسه بالسيف وعليه برنس له فقطع
البرنس وأصاب السيف رأسه فأدمى رأسه فامتلأ البرنس دما فقال له الحسين: لا
أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين، قال: فألقى ذلك البرنس ثم دعا
بقلنسوة فلبسها واعتم وقد أعيا وبلد وجاء الكندي حتى أخذ البرنس وكان من خز
فلما قدم به بعد ذلك على امرأته أم عبد الله ابنة الحر أخت حسين بن الحر البدي أقبل
يغسل البرنس من الدم فقالت له امرأته: أسلب ابن بنت رسول الله (ص) تدخل بيتي:
أخرجه عني: فذكر أصحابه أنه لم يزل فقيرا بشر حتى مات.
رجالة جيش الخلافة تهجم على مخيم ذراري رسول الله:
قال أبو مخنف في حديثه: ثم إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر نحو من عشرة
من رجالة أهل الكوفة قبل منزل الحسين الذي فيه ثقله وعياله فمشى نحوه، فقال
الحسين: ويلكم ان لم يكن لكم دين ولا تخافون يوم المعاد، فكونوا في أمر دنياكم
أحرارا ذوي أحساب امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم وجهالكم! فقال ابن
ذي الجوشن: ذلك لك يا ابن فاطمة. قال: وأقدم عليه بالرجالة منهم أبو الجنوب واسمه
عبد الرحمن الجعفي والقشعم بن عمرو بن يزيد الجعفي وصالح بن وهب اليزني وسنان
ابن أنس النخعي وخولي بن يزيد الأصبحي، فجعل شمر ابن ذي الجوشن يحرضهم فمر

1) في الطبري ط / اروبا، 2 / 363: " غلام من أهله " والتصحيح من ارشاد المفيد ص 225.
133

بأبي الجنوب وهو شاك في السلاح فقال له: أقدم عليه قال: وما يمنعك أن تقدم عليه
أنت؟ وقال له شمر: ألي تقول ذا؟ قال: وأنت لي تقول ذا؟ فاستبا فقال له
أبو الجنوب: وكان شجاعا: والله لهممت أن أخضخض السنان في عينك قال:
فانصرف عنه شمر وقال: والله لان قدرت على أن أضرك لاضرنك.
آخر قتال الحسين (ع):
وروى الطبري عن أبي مخنف عن الحجاج بن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث
البارقي أنه عتب على عبد الله بن عمار مشهده قتل الحسين فقال عبد الله بن عمار: ان لي
عند بني هاشم ليدا قلنا له: وما يدك عندهم؟ قال: حملت على حسين بالرمح فانتهيت
إليه فوالله لو شئت لطعنته ثم انصرفت عنه غير بعيد وقلت ما أصنع بأن أتولى قتله يقتله
غيري، قال: فشد عليه رجالة ممن عن يمينه وشماله، فحمل على من عن يمينه حتى
ابذعروا، وعلى من عن شماله حتى ابذعروا، وعليه قميص له من خز وهو معتم، قال:
فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشا ولا أمضى
جنانا منه ولا اجرأ مقدما، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله إن كانت الرجالة
لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب.
صرخة زينب:
قال: فوالله انه لكذلك إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أخته وهي تقول: ليت
السماء تطابقت على الأرض، وقد دنا عمر بن سعد من حسين فقالت: يا عمر بن سعد
أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! قال: فكأني أنظر إلى دموع عمر وهي تسيل على
خديه ولحيته قال: وصرف بوجهه عنها.
134

مقتل سبط النبي (ص)
قال أبو مخنف: حدثني الصقعب بن الزبير عن حميد بن مسلم قال: كانت عليه
جبة من خز وكان معتما وكان مخضوبا بالوسمة قال: سمعته يقول قبل أن يقتل وهو
يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة ويشد على الخيل
وهو يقول: أعلى قتلي تحاثون أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله الله أسخط
عليكم لقتله مني! وأيم الله اني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من
حيث لا تشعرون أما والله ان لو قتلتموني لقد القى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم،
ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم، قال: ولقد مكث طويلا من
النهار ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا، ولكنهم كان يتقي بعضهم ببعض، ويحب هؤلاء
أن يكفيهم هؤلاء قال: فنادى شمر في الناس: ويحكم ماذا تنظرون بالرجل! اقتلوه
ثكلتكم أمهاتكم! قال: فحمل عليه من كل جانب فضربت كفه اليسرى ضربة
ضربها شريك التميمي وضرب على عاتقه ثم انصرفوا وهو ينوء ويكبو، قال: وحمل عليه
في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع، ثم قال لخولي بن
يزيد الأصبحي احتز رأسه فأراد أن يفعل فضعف فارعد فقال له سنان بن أنس: فت
الله عضديك وأبان يديك فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه ثم دفع إلى خولي بن يزيد وقد
ضرب قبل ذلك بالسيوف.
قال أبو مخنف عن جعفر بن محمد بن علي قال: وجد بالحسين (ع) حين قتل
ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة قال: وجعل سنان بن أنس لا يدنو أحد
135

من الحسين الا شد عليه مخافة أن يغلب على رأسه حتى أخذ رأس الحسين (ع) فدفعه إلى
الخولي.
جيش الخلافة تسلب ذراري رسول الله (ص) وتنهب:
قال: وسلب الحسين ما كان عليه فأخذ سراويله بحر بن كعب وأخذ قيس بن
الأشعث قطيفته وكانت من خز وكان يسمى بعد قيس قطيفة وأخذ نعليه رجل من
بني أود يقال له: الأسود وأخذ سيفه رجل من بنى نهشل بن دارم فوقع بعد ذلك إلى أهل
حبيب بن بديل، قال: ومال الناس على الورس والحلل والإبل وانتهبوها، قال: ومال
الناس على نساء الحسين وثقله ومتاعه فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى
تغلب عليه فيذهب به منها.
آخر شهيد:
وروى عن زهير بن عبد الرحمن الخثعمي، ان سويد بن عمرو بن أبي المطاع كان
صرع فأثخن فوقع بين القتلى مثخنا فسمعهم يقولون: قتل الحسين فوجد إفاقة فإذا معه
سكين وقد اخذ سيفه فقاتلهم بسكينه ساعة ثم إنه قتل قتله عروة بن بطار التغلبي وزيد
بن رقاد الجنبي وكان آخر قتيل.
وعن حميد بن مسلم قال: انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي، الأصغر 1 وهو
منبسط على فراش له وهو مريض وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجالته يقولون لا نقتل
هذا قال: فقلت: سبحان الله أنقتل الصبيان إنما هذا صبي. قال: فما زال ذلك دأبي
ادفع عنه كل من جاء حتى جاء عمر بن سعد فقال: ألا لا يدخلن بيت هؤلاء النسوة
أحد! ولا يعرضن لهذا الغلام المريض، ومن أخذ من متاعهم شيئا فليرده عليه، قال:
فوالله ما رد أحد شيئا، قال: فقال علي بن الحسين: جزيت من رجل خيرا فوالله لقد
دفع الله عني بمقالتك شرا.
قاتل الحسين يطلب الجائزة:
قال: فقال الناس لسنان بن أنس: قتلت حسين بن علي وابن فاطمة ابنة

1) لم يكن بعلى الأصغر وكان قد ولد له محمد الباقر يومذاك بل هو على الأوسط.
136

رسول الله، قتلت أعظم العرب خطرا، جاء إلى هؤلاء يريد ان يزيلهم عن ملكهم فأت
أمراءك فاطلب ثوابك منهم وانهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلا
فأقبل على فرسه وكان شجاعا وكانت به لوثة فأقبل حتى وقف على باب فسطاط عمر
بن سعد ثم نادى بأعلى صوته.
أوقر ركابي فضة وذهبا * أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا
فقال عمر بن سعد: أشهد أنك لمجنون ما صححت قط، أدخلوه علي فلما
أدخل حذفه بالقضيب، ثم قال: يا مجنون أتتكلم بهذا الكلام! أما والله لو سمعك
ابن زياد لضرب عنقك.
نجاة عقبة بن سمعان وأسر المرقع:
قال: وأخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان، وكان مولى للرباب بنت امرئ
القيس الكلبية وهي أم سكينة بنت الحسين فقال له: ما أنت؟ قال: أنا عبد مملوك
فخلى سبيله، فلم ينج منهم أحد غيره الا ان المرقع بن ثمامة الأسدي كان قد نثر نبله
وجثا على ركبتيه فقاتل فجاءه نفر من قومه فقالوا له: أنت آمن أخرج إلينا فخرج إليه
فلما قدم بهم عمر بن سعد على ابن زياد وأخبره سيره إلى الزارة.
توطئوا بالخيل جسد الحسين (ع):
قال: ثم إن عمر بن سعد نادى في أصحابه من ينتدب للحسين ويوطئه فرسه
فانتدب عشرة منهم إسحاق بن حياة الحضرمي وهو الذي سلب قميص الحسين فبرص
بعد وأحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمي فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى
رضوا ظهره وصدره فبلغني أن أحبش بن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سهم غرب وهو
واقف في قتال ففلق قلبه فمات.
137

من نعى الامام في المدينة
أ - أم سلمة:
في سنن الترمذي وسير النبلاء والرياض النضرة وتاريخ ابن كثير وتاريخ
الخميس وغيرها واللفظ للأول، عن سلمى، قالت:
دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول
الله (ص) - تعنى في المنام - وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت: مالك يا رسول الله؟
قال: شهدت قتل الحسين آنفا 1.
وقال اليعقوبي: وكان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول
الله (ص) كان دفع إليها قارورة فيها تربة وقال لها: (ان جبريل أعلمني ان أمتي تقتل
الحسين) وأعطاني هذه التربة، وقال لي: (إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أن الحسين
قد قتل)، وكانت عندها فلما حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كل
ساعة، فلما رأتها قد صارت دما صاحت، وا حسيناه! يا ابن رسول الله! وتصارخت
النساء من كل ناحية حتى ارتفعت المدينة بالرجة التي ما سمع بمثلها قط 2.
ب - ابن عباس:
في مسند أحمد بن حنبل وفضائله والمعجم الكبير للطبراني والمستدرك للحاكم

1) سنن الترمذي 13 / 193 - 194، ومستدرك الحاكم 4 / 19، وسير النبلاء 3 / 213، والرياض
النضرة ص 148، وتاريخ ابن الأثير 3 / 38، وابن كثير 8 / 201، وتاريخ السيوطي ص 208، وتاريخ
ابن عساكر، ح - 726، وتهذيبه 4 / 240.
2) تاريخ اليعقوبي 1 / 247 - 248.
138

والرياض النضرة وغيرها واللفظ للأول: عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس، قال:
رأيت رسول الله (ص) في المنام نصف النهار أشعث اغبر، معه قارورة فيها دم، فقلت
بأبي وأمي يا رسول الله، ما هذا؟ قال: " هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ
اليوم " قال عمار: فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل فيه 1.
وفي تاريخ ابن عساكر وابن كثير: عن علي بن زيد بن جدعان قال: استيقظ
ابن عباس من نومه فاسترجع، وقال: قتل الحسين والله! فقال له أصحابه: لم يا
ابن عباس؟ فقال: رأيت رسول الله (ص) ومعه زجاجة من دم، فقال: " أتعلم ما
صنعت أمتي من بعدي؟ قتلوا الحسين! وهذا دمه ودم أصحابه ارفعهما إلى الله ".
فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة، فما لبثوا الا أربعة وعشرين
يوما حتى جاءهم الخبر بالمدينة انه قتل في ذلك اليوم وفي تلك الساعة 2.
ج - ناع ثالث:
روى الطبري وغيره واللفظ للطبري، عن عمرو بن عكرمة، قال: أصبحنا
صبيحة قتل الحسين بالمدينة فإذا مولى لنا يحدثنا، قال: سمعت البارحة مناديا ينادى
وهو يقول:
أيها القاتلون جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم * من نبي وملئك وقبيل
قد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى وحامل الإنجيل
وهناك روايات أخرى عن أم سلمة وغيرها أنهم سمعوا نوح الجن على الحسين
وهم يقولون:
أيها القاتلون جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل

1) مسند أحمد 1 / 242 و 282، وفضائل أحمد الحديث 20 و 22 و 26، والمعجم للطبراني ح - 56،
ومستدرك الحاكم 4 / 398، وقال: صحيح على شرط مسلم وسير النبلاء 3 / 323، والرياض النضرة 148،
ومجمع الزوائد 9 / 193 و 194، وتذكرة سبط ابن الجوزي ص 152، وتاريخ ابن الأثير 3 / 38، وابن كثير
6 / 231 و 8 / 200، وقال اسناده قوى، وتاريخ الخميس 2 / 300، والإصابة 1 / 334، وتاريخ السيوطي
ص 208، وأمالي الشجري ص 160:
2) تاريخ ابن كثير 8 / 200، وتاريخ ابن عساكر الحديث 723 - 725.
139

كل أهل السماء يدعو عليكم * ونبي ومرسل وقبيل
قد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى وصاحب الإنجيل 1

1) تاريخ ابن كثير 8 / 201، وراجع سير النبلاء 3 / 214، وتاريخ السيوطي ص 280، وتاريخ
ابن عساكر الحديث 733 - 739.
140

ما وقع بعد استشهاد الإمام الحسين (ع)
قتل من أصحاب الحسين (ع) اثنان وسبعون رجلا، ودفن الحسين وأصحابه
أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوا بيوم وصلى عمر بن سعد على قتلاهم ودفنهم
قال: وما هو الا أن قتل الحسين فسرح برأسه من يومه ذلك مع خولي بن يزيد وحميد بن
مسلم الأزدي إلى عبيد الله بن زياد فأقبل به خولي فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقا
فأتى منزله فوضعه تحت إجانة في منزله وله امرأتان امرأة من بني أسد والأخرى من
الحضرميين يقال لها: النوار ابنة مالك بن عقرب وكانت تلك الليلة ليلة الحضرمية،
قال هشام: فحدثني أبي عن النوار بنت مالك قالت: اقبل خولي برأس الحسين فوضعه
تحت إجانة في الدار ثم دخل البيت فأوى إلى فراشه فقلت له: ما الخبر ما عندك؟!
قال جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار! قالت: فقلت ويلك جاء
الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله (ص)؟ لا والله لا يجمع رأسي
ورأسك بيت ابدا، قالت: فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار فدعا الأسدية فأدخلها
إليه وجلست أنظر قالت: فوالله ما زلت أنظر إلى نور تسطع مثل العمود من السماء إلى
الإجانة ورأيت طيرا بيضاء ترفرف حولها قال: فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله بن
زياد وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد ثم أمر حميد بن بكير الأحمري فأذن في الناس
بالرحيل إلى الكوفة وحمل معه بنات الحسين وأخواته، ومن كان معه من الصبيان
وعلي بن الحسين مريض.
وروى الطبري عن قرة بن قيس التميمي قال: نظرت إلى تلك النسوة لما
141

مررن بحسين وأهله وولده صحن ولطمن وجوههن قال: فما نسيت من الأشياء لا
أنسى قول زينب ابنة فاطمة حين مرت بأخيها الحسين صريعا وهي تقول: يا محمداه يا
محمداه!، صلى عليك ملائكة السماء، هذا حسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطع
الأعضاء، يا محمداه! وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا. قال: فأبكت
والله كل عدو وصديق قال: وقطف رؤوس الباقين فسرح باثنين وسبعين رأسا مع
شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعزرة بن قيس فأقبلوا
حتى قدموا بها على عبيد الله بن زياد.
142

رؤوس الشهداء تتقاسمهما القتلة من جيش الخلافة
وروى الطبري عن أبي مخنف، قال: ولما قتل الحسين بن علي (ع) جئ
برؤوس من قتل معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيد الله بن زياد فجاءت كندة
بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث وجاءت هوازن بعشرين رأسا وصاحبهم
شمر بن ذي الجوشن، وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا وجاءت بنو أسد بستة أرؤس،
وجاءت مذحج بسبعة أرؤس، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس، فذلك سبعون رأسا
قال: وقتل الحسين وأمه فاطمة بنت رسول الله (ص) قتله سنان بن انس النخعي، ثم
الأصبحي وجاء برأسه خولي بن يزيد. وقتل العباس بن علي بن أبي طالب وأمه
أم البنين ابنة حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد، قتله زيد بن رقاد الجنبي وحكيم بن
الطفيل السنبسي وقتل جعفر بن علي بن أبي طالب وأمه أم البنين أيضا. وقتل عبد الله
بن علي بن أبي طالب وأمه أم البنين أيضا وقتل عثمان بن علي بن أبي طالب وأمه
أم البنين أيضا رماه خولي بن يزيد بسهم فقتله. وقتل محمد بن علي بن أبي طالب وأمه
أم ولد، قتله رجل من بني أبان بن دارم. وقتل أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه ليلى
ابنة مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم، وقد
شرك في قتله. وقتل علي بن الحسين بن علي وأمه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود
ابن معتب الثقفي وأمها ميمونة ابنة أبي سفيان بن حرب قتله مرة بن منقذ بن النعمان
العبدي. وقتل عبد الله بن الحسين بن علي وأمه الرباب ابنة امرئ القيس بن عدي
ابن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي،
143

واستصغر علي بن الحسين بن علي فلم يقتل 1. وقتل أبو بكر بن الحسن بن أبي طالب
وأمه أم ولد قتله عبد الله بن عقبة الغنوي. وقتل عبد الله بن الحسين بن علي بن
أبي طالب وأمه أم ولد، قتله حرملة بن كاهل رماه بسهم. وقتل القاسم بن الحسن بن علي
، وأمه أم ولد قتله سعد بن عمرو بن نفيل الأزدي. وقتل عون بن عبد الله بن
جعفر بن أبي طالب وأمه جمانة ابنة المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح من بني فزارة
قتله عبد الله بن قطبة الطائي ثم النبهاني. وقتل محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
وأمه الخوصاء ابنة خصفة بن ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة
من بكر بن وائل، قتله عامر بن نهشل التيمي، وقتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب وأمه
أم البنين ابنة الشقر بن الهضاب، قتله بشر بن حوط الهمذاني. وقتل عبد الرحمان بن
عقيل وأمه أم ولد قتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني. وقتل عبد الله بن عقيل بن
أبي طالب وأمه أم ولد رماه عمرو بن صبيح الصدائي فقتله. وقتل مسلم بن عقيل بن أبي
طالب وأمه أم ولد بالكوفة. وقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمه
رقية ابنة علي بن أبي طالب وأمها أم ولد قتله عمرو بن صبيح الصدائي، وقيل: قتله
أسيد بن مالك الحضرمي. وقتل محمد بن أبي سعيد بن عقيل، وأمه أم ولد قتله لقيط بن
ياسر الجهني واستصغر الحسن بن الحسن بن علي، وأمه خولة ابنة منظور ابن ريان بن
سيار الفزاري، واستصغر عمرو بن الحسن بن علي فترك فلم يقتل وأمه أم ولد. وقتل
من الموالي سليمان مولى الحسين بن علي قتله سليمان بن عوف الحضرمي. وقتل منجح
مولى الحسين بن علي. وقتل عبد الله بن يقطر رضيع الحسين بن علي.

1) لم يكن صغيرا بل كان مريضا فلم يقتل وكان له من الأولاد محمد الباقر كما ذكرناه غير مرة.
144

جيش الخلافة يسوق حرم الرسول إلى الكوفة
في فتوح أعثم ومقتل الخوارزمي وغيرهما، قالوا: وساق القوم حرم رسول
الله (ص) كما تساق الأسارى، حتى إذا بلغوا بهم الكوفة خرج الناس ينظرون إليهم،
وجعلوا يبكون ويتوجعون، وعلي بن الحسين مريض، مغلول مكبل بالحديد قد نهكته
العلة، فقال: ألا إن هؤلاء يبكون ويتوجعون من أجلنا، فمن قتلنا اذن؟ (فأشرفت
امرأة من الكوفة وقالت: من أي الأسارى أنتن؟ فقلن: نحن أسارى آل ممد (ص)
فنزلت وجمعت ملاءا وأزرا ومقانع وأعطتهن) 1.
خطبة زينب (ع):
وقال بشير بن حذيم الأسدي: نظرت إلى زينب بنت على يومئذ - ولم أر خفرة
قط أنطق منها كأنما تنطق عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وتفرغ عنه -
وأومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس، فقالت:
" الحمد لله والصلاة على أبي محمد رسول الله وعلى آله الطيبين الأخيار آل
الله، وبعد! يا أهل الكوفة! ويا أهل الختل، والخذل، والغدر! أتبكون؟ فلا رقأت
الدمعة ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوه أنكاثا.
أتتخذون أيمانكم دخلا بينكم؟ ألا وهل فيكم الا الصلف، والطنف، والشنف 2 وملق

1) ما بين القوسين في مثير الأحزان ص 66 ثم رجعنا إلى رواية ابن أعثم.
2) الأول الوقاحة والثاني فساد الأخلاق والثالث الكراهة.
145

الإماء وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كقصة 1 على ملحودة، ألا ساء ما قدمت
لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون وتنتحبون إي
والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل
بعدها أبدا وأنى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء وسيد شباب أهل الجنة وملاذ
خيرتكم ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم ومدره 2 ألسنتكم ألا ساء ما تزرون وبعدا
لكم وسحقا، فلقد خاب السعي وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من
الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة، ويلكم يا أهل الكوفة. "
" أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي دم له سفكتم، وأي كريمة له أبرزتم
وأي حريم له أصبتم؟ وأي حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات
يتفطرن منه، وتنشق الأرض منه، وتخر الجبال هدا، ان ما جئتم بها لصلعاء، وعنقاء
سوءاء فقماء خرقاء شوهاء، كطلاع الأرض وملاء السماء. أفعجبتم أن قطرت. السماء
دما؟ ولعذاب الآخرة أشد وأخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنه
عز وجل لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، كلا ان ربكم لبالمرصاد. "
قال بشير: فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى، كأنهم كانوا سكارى،
يبكون ويحزنون ويتفجعون ويتأسفون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. قال: ونظرت إلى
شيخ من أهل الكوفة كان واقفا إلى جنبي، قد بكى حتى اخضلت لحيته بدموعه وهو
يقول: صدقت بأبي وأمي، كهولكم خير الكهول، وشبانكم خير الشبان ونساؤكم خير
النسوان، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزي 3.
خطبة فاطمة ابنة الحسين (ع):
وفي مثير الأحزان واللهوف: وخطبت فاطمة الصغرى فقالت: الحمد لله عدد
الرمل والحصى وزنة العرش إلى الثرى أحمده وأومن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله
وأن محمدا عبده ورسوله وأن أولاده ذبحوا بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات اللهم إني
أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب أو أن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود

1) وهي الجص.
2) كمنبر، المقدم من اللسان.
3) تاريخ ابن أعثم 5 / 221 - 226، ومقتل الخوارزمي 2 / 40 - 42. ولا يبزي: لا يقهر.
146

لوصيه علي بن أبي طالب المقتول كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله فيه معشر
مسلمة بألسنتهم تعسا لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته وبعد وفاته حتى قبضته إليك
محمود النقيبة طيب العريكة معروف المناقب مشهور المذاهب، لم تأخذه فيك لومة لائم
زاهدا في الدنيا مجاهدا في سبيلك فهديته إلى صراطك المستقيم.
أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل المكر والغدر والخيلاء فانا أهل بيت ابتلانا الله
بكم وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا فنحن عيبة علمه،
أكرمنا بكرامته، وفضلنا بمحمد نبيه صلى الله عليه وآله على كثير ممن خلق تفضيلا
فكذبتمونا ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا نهبا كأنا أولاد ترك أو كابل فلا تدعونكم
أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا فكأن العذاب قد حل
بكم وأتت نقمات ألا لعنة الله على الظالمين، تبا لكم يا أهل الكوفة أي ترات لرسول
الله صلى الله عليه قبلكم ودخول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب جدي
وبنيه وعترته وافتخر بذلك مفتخركم فقال:
نحن قتلنا عليا وبني علي * بسيوف هندية ورماح
وسبينا نساءهم سبي ترك * ونطحناهم فأي نطاح
بفيك الكثكث والأثلب، افتخرت بقتل قوم زكاهم الله في كتابه وطهرهم
وأذهب عنهم الرجس؟ فأقع كما أقعى أبوك وإنما لكل امرئ ما اكتسب أحسدتمونا
على ما فضلنا الله تعالى به. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله له نورا فما له
من نور. فضج الموضع بالبكاء والحنين وقالوا: حسبك يا ابنة الطيبين فقد أحرقت قلوبنا
وأضرمت أجوافنا فسكتت.
خطبة أم كلثوم:
وقال وخطبت أم كلثوم بنت علي (ع) وقد غلب عليها البكاء فقالت: يا أهل
الكوفة سوءة لكم مالكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم أمواله وسبيتم نساءه ونكبتموه
فتبا لكم وسحقا ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم وأي دماء سفكتموها! وأي كريمة
أصبتموها! وأي أموال انتهبتموها! قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى الله عليه وآله!
147

ألا ان حزب الله هم الفائزون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت:
قتلتم أخي صبرا فويل لامكم * ستجزون نارا حرها يتوقد
سفكتم دماء حرم الله سفكها * وحرمها القرآن ثم محمد
ألا فأبشروا بالنار إنكم غدا * لفى سقر حقا يقينا تخلدوا
وانى لابكى في حياتي على أخي * على خير من بعد النبي سيولد
بدمع غزير مستهل مكفكف * على الخد منى ذايبا ليس يجمد
فضج الناس بالبكاء والنوح 1.

1) مثير الأحزان 66 - 69، واللهوف وابن شهرآشوب في المناقب.
148

آل رسول الله (ص) في دار الامارة
روى الطبري بسنده، عن حميد بن مسلم، قال: دعاني عمر بن سعد فسرحني
إلى أهله لأبشرهم بفتح الله عليه وبعافيته فأقبلت حتى أتيت أهله فأعلمتهم ذلك، ثم
أقبلت حتى أدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس وأجد الوفد قد قدموا عليه فأدخلهم
وأذن للناس فدخلت فيمن دخل، فإذا برأس الحسين موضوع بين يديه وإذا هو ينكت
بقضيب بين ثنيتيه ساعة فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب، قال له:
اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين فوالذي لا اله غيره، لقد رأيت شفتي رسول
الله (ص) على هاتين الشفتين يقبلهما ثم انفضح الشيخ يبكى فقال له ابن زياد: أبكى
الله عينيك فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك قال: فنهض
فخرج فلما خرج سمعت الناس يقولون: والله لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه
ابن زياد لقتله قال: فقلت: ما قال؟ قالوا: مر بنا وهو يقول، ملك عبد عبدا فاتخذهم
تلدا أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة فهو يقتل
خياركم ويستعبد شراركم فرضيتم بالذل فبعدا لمن رضي بالذل، قال: فلما دخل
برأس حسين وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيد الله بن زياد لبست زينب ابنة فاطمة
أرذل ثيابها وتنكرت وحفت بها إماؤها، فلما دخلت جلست فقال عبيد الله بن زياد:
من هذه الجالسة، فلم تكلمه، فقال ذلك ثلاثا، كل ذلك لا تكلمه، فقال بعض إمائها:
هذه زينب ابنة فاطمة قال: فقال لها عبيد الله: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم
وأكذب أحدوثتكم فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد (ص) وطهرنا تطهيرا،
149

لا كما تقول أنت إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، قال: فكيف رأيت صنع الله
بأهل بيتك. قالت كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم
فتحاجون إليه وتخاصمون عنده. قال فغضب ابن زياد واستشاط قال: فقال له عمرو
بن حريث: أصلح الله الأمير إنما هي امرأة وهل تؤاخذ المرأة بشئ من منطقها انها لا
تؤاخذ بقول ولا تلام على خطل، فقال لها ابن زياد: قد اشفى نفسي من طاغيتك
والعصاة المردة من أهل بيتك! قال: فبكت، ثم قالت: لعمري لقد قتلت كهلي وأبرت
أهلي وقطعت فرعى، واجتثثت أصلي، فان يشفك هذا، فقد اشتفيت، فقال لها
عبيد الله: هذه سجاعة! قد لعمري كان أبوك شاعرا سجاعا! قالت: ما للمرأة
والسجاعة ان لي عن السجاعة 1 لشغلا ولكني نفثي ما أقول.
وروى عن حميد بن مسلم قال: اني لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي
ابن الحسين، فقال له: ما اسمك قال: أنا علي بن الحسين قال: أولم يقتل الله علي بن
الحسين؟ فسكت فقال له ابن زياد: مالك لا تتكلم؟ قال: قد كان لي أخ يقال له أيضا
علي فقتلته الناس قال: إن الله قد قتله. قال: فسكت علي فقال له: مالك لا تتكلم؟
قال: الله يتوفى الأنفس حين موتها وما كان لنفس أن تموت الا بإذن الله. قال: أنت
والله منهم (ويحك انظروا هل أدرك والله أنى لاحسبه رجلا 2) فقال: اقتلوه. فقال
علي بن الحسين من توكل بهؤلاء النسوة؟ وتعلقت به زينب عمته فقالت: يا ابن زياد
حسبك منا أما رويت من دمائنا وهل أبقيت منا أحدا قال: فاعتنقته فقالت: أسالك
بالله ان كنت مؤمنا ان قتلته لما قتلتني معه قال: وناداه علي فقال: يا ابن زياد إن
كانت بينك وبينهم قرابة فابعث معهن رجلا تقيا يصحبهن بصحبة الاسلام قال: فنظر
إليها ساعة ثم نظر إلى القوم فقال: عجبا للرحم والله اني لأظنها ودت لو أني قتلته
أنى قتلتها معه دعوا الغلام انطلق مع نسائك.
قال حميد بن مسلم لما دخل عبيد الله القصر ودخل الناس نودي الصلاة

1) السجع: الكلام المقفى أو موالاة الكلام على روى واحد وقد يطلق السجع على الكلام المسجع
وسجع الخطيب سجعا نطق بكلام له فواصل فهو سجاع وسجاعة بتشديد الجيم وهذا ما أراده ابن زياد في قوله
وأجابته زينب بأن لها ما يشغلها عن سجع الكلام وما ورد في النسخة (الشجاع والشجاعة) تحريف.
2) ان علي بن الحسين السجاد كان قد ولد له محمد الباقر (ع) يومذاك، ومع هذا لا يستقيم هذا القول
وهذه الجملة زيادة في الرواية لم ترد ضمن رواية الطبرسي في إعلام الورى.
150

جامعة فاجتمع الناس في المسجد الأعظم فصعد المنبر ابن زياد فقال: الحمد لله الذي
أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه وقتل الكذاب الحسين بن
علي وشيعته فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم
الغامدي ثم أحد بني والبة وكان من شيعة علي كرم الله وجهه وكانت عينه اليسرى
ذهبت يوم الجمل مع علي فلما كان يوم صفين ضرب على رأسه ضربة وأخرى على
حاجبه فذهبت عينه الأخرى، فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلي فيه إلى الليل
ثم ينصرف قال: فلما سمع مقالة ابن زياد قال: يا بن مرجانة ان الكذاب ابن الكذاب
أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه! يا بن مرجانة! أتقتلون أبناء النبيين وتكلمون بكلام
الصديقين! فقال ابن زياد: علي به. قال: فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه قال: فنادى
بشعار الأزد يا مبرور! قال: و عبد الرحمان بن مخنف الأزدي جالس، فقال: ويح غيرك!
أهلكت نفسك وأهلكت قومك، قال: وحاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل،
قال فوثب إليه فتية من الأزد، فانتزعوه فأتوا به أهله، فأرسل إليه من أتاه به فقتله، فأمر
بصلبه في السبخة فصلب هناك.
رأس الامام يدار به في سكك الكوفة:
قال أبو مخنف: ثم إن عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين بالكوفة فجعل يدار
به في الكوفة.
151

اخبار مدينة الرسول (ص) بقتل سبط الرسول (ع):
وروى الطبري بسنده عن عوانة بن الحكم قال: لما قتل عبيد الله بن زياد
الحسين بن علي، وجئ برأسه إليه، دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال:
انطلق حتى تقدم المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص، فبشره بقتل الحسين، وكان
عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة يومئذ. قال: فذهب ليعتل له فزجره وكان
عبيد الله لا يصطلى بناره، فقال: انطلق حتى تأتى المدينة ولا يسبقك الخبر وأعطاه دنانير
وقال: لا تعتل وان قامت بك راحلتك فاكتر راحلة قال عبد الملك: فقدمت المدينة
فلقيني رجل من قريش فقال: ما الخبر؟ فقلت: الخبر عند الأمير. فقال: انا لله وانا إليه
راجعون، قتل الحسين بن علي، قال: فدخلت على عمرو بن سعيد فقال: ما وراءك؟
فقلت: ما سره الأمير، قتل الحسين بن علي، فقال: ناد بقتله، فناديت بقتله، فلم اسمع
والله واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين! فقال عمرو بن سعيد
وضحك:
عجت نساء بني زياد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب
والأرنب وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من
رهط عبد المدان وهذا البيت لعمرو بن معدي كرب ثم قال عمرو: هذه واعية بواعية
عثمان بن عفان، ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله.
وفي الأغاني: أمر عمرو صاحب شرطته على المدينة بعد خروج الحسين أن يهدم
دور بني هاشم ففعل وبلغ منهم كل مبلغ 1.

1) الأغاني، 4 / 155.
152

وروى الطبري بسنده وقال: لما بلغ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب مقتل
ابنيه مع الحسين، دخل عليه بعض مواليه والناس يعزونه قال: ولا أظن مولاه ذلك الا
أبا اللسلاس: فقال: هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين. قال: فحذفه عبد الله بن
جعفر بنعله، ثم قال: يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا؟! والله لو شهدته لأحببت أن
لا أفارقه حتى أقتل معه والله انه لمما يسخي بنفسي عنهما، ويهون علي المصاب بهما،
أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه. ثم أقبل على جلسائه،
فقال: الحمد لله! عز علي بمصرع الحسين إلا يكن آست حسينا يدي فقد آساه ولدي
قال: ولما أتى أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها
نساؤها وهي حاسرة تلوي بثوبها وهي تقول:
ماذا تقولون ان قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
دفن أجساد آل الرسول وأنصارهم:
وفي اثبات الوصية للمسعودي: أقبل زين العابدين في اليوم الثالث عشر من
المحرم لدفن أبيه 1. وقال المفيد في الارشاد: لما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد
كانوا نزولا بالغاضرية إلى الحسين وأصحابه فصلوا عليهم ودفنوا الحسين (ع) حيث قبره
الان، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجله وحفروا للشهداء من أهل بيته
وأصحابه الذين صرعوا حوله، مما يلي رجلي الحسين (ع)، وجمعوهم فدفنوهم جميعا معا،
ودفنوا العباس بن علي (ع) في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره
الان 2.
اخبار الخليفة يزيد بقتل الحسين (ع):
روى الطبري بسنده وقال: لما قتل الحسين وجئ بالاثقال والأسارى
حتى وردوا بهم الكوفة إلى عبيد الله فبينا القوم محتبسون، إذ وقع حجر في السجن معه
كتاب مربوط وفي الكتاب خرج البريد بأمركم في يوم كذا وكذا إلى يزيد بن معاوية

1) اثبات الوصية للمسعودي ص 173.
2) ارشاد المفيد ص 227.
153

وهو سائر كذا وكذا يوما، وراجع في كذا وكذا، فان سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل،
وان لم تسمعوا تكبيرا فهو الأمان إن شاء الله، قال: فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو
ثلاثة إذا حجر قد ألقي في السجن، ومعه كتاب مربوط وموسى، وفي الكتاب أوصوا
وأعهدوا فإنما ينتظر البريد يوم كذا وكذا، فجاء البريد ولم يسمع التكبير، وجاء كتاب
بأن سرح الأسارى إلي.
ارسال أسارى آل البيت (ع) إلى عاصمة الخلافة الشام:
روى الطبري أيضا وقال: إن عبيد الله أمر بنساء الحسين وصبيانه فجهزن
وأمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه، ثم سرح بهم مع محفز بن ثعلبة العائذي عائذة
قريش، ومع شمر بن ذي الجوشن، فانطلقا بهم حتى قدموا على يزيد، فلم يكن علي بن
الحسين يكلم أحدا منهما في الطريق كلمة حتى بلغوا.
وفي فتوح ابن أعثم، قال: دعا ابن زياد زحر بن قيس الجعفي، فسلم إليه رأس
الحسين بن علي رضي الله عنهما، ورؤوس اخوته ورأس علي بن الحسين ورؤوس أهل
بيته وشيعته، رضي الله عنهم أجمعين. ودعا علي بن الحسين (أيضا -) فحمله وحمل
أخواته وعماته وجميع نسائهم إلى يزيد بن معاوية، قال: فسار القوم بحرم رسول
الله (ص) من الكوفة إلى بلاد الشام على محامل بغير وطاء من بلد إلى بلد، ومن منزل
إلى منزل، كما تساق أسارى الترك والديلم 1.

1) فتوح ابن أعثم 5 / 236 وقريب منه نص الطبري ط اروبا 2 / 374 - 375.
154

استقبال الخليفة وعاصمته لآل الرسول (ص)
استقبال خليفة المسلمين رؤوس آل رسول الله (ع) وأنصارهم:
في تذكرة سبط ابن الجوزي، روى عن الزهري، قال: لما جاءت الرؤوس
كان يزيد في منظرة على ربا جيرون فأنشد لنفسه:
لما بدت تلك الحمول وأشرقت * تلك الشموس على ربا جيرون
نعب الغراب فقلت صح أولا تصح * فلقد قضيت من الغريم ديوني 1
حاجة أم كلثوم إلى شمر:
في مثير الأحزان واللهوف، انهم لما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر
وقالت له: - لي إليك حاجة. فقال: ما حاجتك؟ قالت: - إذا دخلت بنا البلد
فاحملنا في درب قليل النظارة، وتقدم إليهم ان يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل
وينحونا عنها، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في مثل هذه الحال.
فأمر في جواب سؤالها ان يجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل وسلك
بهم بين النظارة حتى أتى بهم باب دمشق 2.
عيد بعاصمة الخلافة:
في مقتل الخوارزمي عن سهل بن سعد قال: خرجت إلى بيت المقدس حتى
توسطت الشام فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار قد علقوا الستور والحجب

1) تذكرة الخواص 2 / 148 وجيرون كان خارج دمشق راجع مادة جيرون من معجم البلدان.
2) مثير الأحزان ص 77، اللهوف ص 67.
155

والديباج، وهم فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت في
نفسي: لعل لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن، فرأيت قوما يتحدثون، فقلت: يا هؤلاء
ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟! قالوا: يا شيخ نراك غريبا! فقلت: أنا سهل بن سعد،
قد رأيت رسول الله (ص) وحملت حديثه، فقالوا: يا سهل ما أعجبك السماء
لا تمطر دما! والأرض لا تخسف بأهلها! قلت: ولم ذاك؟ فقالوا هذا رأس الحسين عترة
رسول الله (ص) يهدى من أرض العراق إلى الشام وسيأتي الان. قلت: واعجبا ايهدى
رأس الحسين والناس يفرحون؟! فمن اي باب يدخل؟ فأشاروا إلى باب يقال له: باب
الساعات، فسرت نحو الباب، فبينما أنا هنالك، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضا،
وإذا أنا بفارس بيده رمح منزوع السنان، وعليه رأس من أشبه الناس وجها برسول
الله، وإذا بنسوة من ورائه على جمال بغير وطاء.
حاجة سكينة:
قال سهل: فدنوت من إحداهن فقلت: يا جارية من أنت؟ فقالت: سكينة
بنت الحسين. فقلت لها: ألك حاجة إلي؟ فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمع
حديثه. قالت: يا سهل قل لصاحب الرأس: أن يتقدم بالرأس امامنا حتى يشتغل
الناس بالنظر إليه فلا ينظرون إلينا! فنحن حرم رسول الله، قال: فدنوت من صاحب
الرأس وقلت له: هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار؟! قال:
وما هي؟ قلت: تقدم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلك ودفعت له ما وعدته 1.

1) مقتل الخوارزمي 2 / 60 - 61.
156

دخول أسرى آل الرسول (ص) عاصمة الخلافة الاسلامية
روى ابن أعثم وغيره 1 واللفظ لابن أعثم، قال: وأتي بحرم رسول الله (ص)
حتى أدخلوا مدينة دمشق من باب يقال له: باب توما، ثم أتي بهم حتى وقفوا على درج
باب المسجد حيث يقام السبي وإذا شيخ قد اقبل حتى دنا منهم وقال: الحمد لله الذي
قتلكم وأهلككم وأراح الرجال من سطوتكم وأمكن أمير المؤمنين منكم! فقال له
علي بن الحسين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟ فقال: نعم قد قرأته، قال: فعرفت هذا
الآية " قل لا أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربى " 2 قال الشيخ: قد قرأت ذلك،
قال علي بن الحسين رضي الله عنه: فنحن القربى يا شيخ قال: فهل قرأت في سورة
بني إسرائيل " وآت ذا القربى حقه " 3 قال الشيخ: قد قرأت ذلك، فقال علي رضي الله
عنه: نحن القربى يا شيخ، ولكن هل قرأت هذه الآية " واعلموا أنما غنمتم من شئ
فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى " 4 [قال الشيخ: قد قرأت ذلك، قال علي - 5]

1) في تاريخ ابن أعثم ج 5 / 242 - 243، وأوردها الطبري متفرقة في تفسير الآيات بتفسيره وبعضه
بتفسير ابن كثير 4 / 112، ومقتل الخوارزمي 2 / 61، ويختلف سياق اللهوف ص 67، وأمالي الصدوق ص 116
مع هذا السياق. كان باب توما في الشمال الشرقي من مدينة دمشق، راجع الخريطة الملحقة بالمجلدة الثانية من
تأريخ دمشق.
2) سوره الشورى آية 23.
3) سورة الإسراء الآية 26.
4) سورة الأنفال الآية 41.
5) هكذا ورد في النسخة.
157

فنحن ذو القربى يا شيخ ولكن هل قرأت هذه الآية " إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " 1 قال الشيخ: قد قرأت ذلك، قال علي: فنحن
أهل البيت الذين خصصنا بآية التطهير. قال: فبقي الشيخ ساعة ساكتا نادما على ما
تكلمه ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني تائب إليك مما تكلمته ومن بغض
هؤلاء القوم، اللهم إني أبرأ إليك من عدو محمد وآل محمد من الجن والإنس.
ادخال آل الرسول في مجلس الخلافة:
روى الطبري وقال: جلس يزيد بن معاوية ودعا اشراف أهل الشام
فأجلسهم حوله ثم دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونساءه فأدخلوا عليه والناس
ينظرون.
وروى سبط ابن الجوزي وغيره وقالوا: ان الصبيان والصبيات من بنات
رسول الله كانوا موثقين في الحبال 2.
وروى الطبري وغيره قالوا: لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد، رأس
الحسين وأهل بيته وأصحابه قال يزيد:
يفلقن هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما
فقال يحيى بن الحكم أخو مروان:
لهام بجنب الطف أدنى قرابة * من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل
سمية أمسى نسلها عدد الحصى * وبنت رسول الله ليس لها نسل
فضرب يزيد في صدر يحيى وقال: اسكت.
بين السجاد (ع) ويزيد:
وفي مثير الأحزان وغيره، فقال علي بن الحسين: أتأذن لي في الكلام؟ فقال:
قل ولا تقل هجرا! فقال علي بن الحسين: لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول
الهجر، ما ظنك برسول الله لو رآني في غل؟ فقال لمن حوله: حلوه 3.

1) الأحزاب 33.
2) تذكرة خواص الأمة ص 149، وفى اللهوف ومثير الأحزان ص 79 واللفظ للتذكرة.
3) مثير الأحزان ص 78.
158

وفي تاريخ الطبري وغيره قال يزيد لعلي بن الحسين: أبوك الذي قطع رحمي
وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت.
قال علي: ما أصابكم من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم الا في كتاب من
قبل أن نبرأها.
فقال يزيد لابنه خالد: أردد عليه، قال: فما درى خالد ما يرد عليه، فقال له
يزيد: قل: ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير، ثم سكت عنه.
حبر من اليهود يستنكر على يزيد:
في فتوح ابن أعثم، قال: فالتفت حبر من أحبار اليهود وكان حاضرا فقال: من
هذا الغلام يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذا، صاحب الرأس أبوه. قال: ومن هو صاحب
الرأس يا أمير المؤمنين؟ قال: الحسين بن علي ابن أبي طالب، قال: فمن أمه؟ قال:
فاطمة بنت محمد (ص).
فقال الحبر: يا سبحان الله هذا ابن (بنت) نبيكم قتلتموه في هذه السرعة بئس
ما خلفتموه في ذريته والله لو خلف فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لكنا نعبده من
دون الله وأنتم إنما فارقكم نبيكم بالأمس فوثبتم على ابن نبيكم فقتلتموه سوءة لكم من
أمة! قال: فأمر يزيد بكر 1 في حلقه، فقال الحبر: ان شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو
قرروني، فاني أجد في التوراة أنه من قتل ذرية نبي لا يزال مغلوبا أبدا ما بقي، فإذا
مات يصليه الله نار جهنم 2.
شامي يطلب عترة الرسول (ص) جارية له:
روى الطبري عن فاطمة بنت الحسين انها قالت: إن رجلا من أهل الشام
أحمر قام إلى يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه - أتخذها أمة - 3 يعنيني
وكنت جارية وضيئة فأرعدت، وفرقت وظننت ان ذلك جائز لهم وأخذت بثياب
عمتي 4 زينب، قالت: وكانت عمتي زينب أكبر مني وأعقل، وكانت تعلم أن ذلك
لا يكون، فقالت: كذبت والله ولؤمت، ما ذلك لك وله فغضب يزيد فقال: كذبت

1) أي بضرب في حلقه.
2) فتوح ابن أعثم 5 / 246.
3) ما بين الخطين في مقاتل الطالبيين ص 120. 4) في الأصل أختي محرف.
159

والله ان ذلك لي ولو شئت ان أفعله لفعلت. قالت: كلا والله ما جعل الله ذلك لك الا
أن تخرج من ملتنا، وتدين بغير ديننا، قالت: فغضب يزيد واستطار ثم قال: إياي
تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك، فقالت زينب: بدين الله ودين أبي
ودين أخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك. قال: كذبت يا عدوة الله قالت:
أنت أمير مسلط تشتم ظالما وتقهر بسلطانك، قالت فوالله لكأنه استحيى فسكت، ثم
عاد الشامي فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية، قال: أعزب وهب الله لك
حتفا قاضيا.
رأس سبط رسول الله (ص) بين يدي خليفة المسلمين:
في فتوح ابن أعثم وغيره واللفظ لابن أعثم، قال: وضع رأس الحسين بين يدي
يزيد بن معاوية في طست من ذهب، فدعا بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا
الحسين، وهو يقول: لقد كان أبو عبد الله حسن الثغر 1.
قال الطبري وغيره واللفظ للطبري: فقال رجل من أصحاب رسول الله (ص)
يقال له أبو برزة الأسلمي: أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين! أما لقد أخذ قضيبك من
ثغره مأخذا لربما رأيت رسول الله (ص) يرشفه! أما انك يا يزيد تجئ يوم القيامة وابن
زياد شفيعك! ويجئ هذا يوم القيامة ومحمد شفيعه! ثم قام فولى.
وفي اللهوف عن الإمام زين العابدين (ع)، قال: لما أتي برأس الحسين (ع)
إلى يزيد كان يتخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين ويضعه بين يديه ويشرب عليه
فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم وكان من أشراف الروم وعظمائهم، فقال
يا ملك العرب هذا رأس من؟ فقال له يزيد مالك ولهذا الرأس؟ فقال: اني إذا رجعت
إلى ملكنا يسألني عن كل شئ رأيته فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه
حتى يشاركك في الفرح والسرور. فقال يزيد: هذا رأس الحسين بن علي بن
أبي طالب فقال الرومي: وأمه. فقال: فاطمة بنت رسول الله، فقال النصراني: أف لك
ولدينك، لي دين أحسن من دينكم ان أبى من حوافد داود (ع) وبيني وبينه آباء
كثيرة والنصارى يعظموني وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله (ص) وما بينه وبين نبيكم
الا أم واحدة! فأي دين دينكم... 2

1) في فتوح ابن أعثم، 5 / 241 " المنطق "، وفى غيره " الثغر " كما أثبتناه.
2) اللهوف، ص 69.
160

خليفة المسلمين يتمثل بابيات ابن الزبعرى:
روى ابن أعثم والخوارزمي وابن كثير وغيرهم، أن خليفة المسلمين يزيد
جعل يتمثل بابيات ابن الزبعرى.
1 - ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
2 - لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل
3 - قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
قال ابن أعثم:
ثم زاد فيها هذا البيت من نفسه:
4 - لست من عتبة ان لم انتقم * من بني أحمد ما كان فعل
وفي تذكرة خواص الأمة: " المشهور عن يزيد في جميع الروايات أنه لما حضر
الرأس بين يديه جمع أهل الشام وجعل ينكت عليه بالخيزران ويقول أبيات ابن
الزبعرى:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * وقعة الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرن من ساداتهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
وقال: قال الشعبي وزاد عليها يزيد فقال:
5 - لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل
لست من خندف ان لم انتقم * من بني أحمد ما كان فعل " 1

1) ان أبيات ابن الزبعرى وردت في سيرة ابن هشام 3 / 97، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
؟ / 382. وورد في ما تمثل به يزيد في فتوح ابن أعثم 5 / 241 بعد البيت الثاني.
حين ألقت بقباء بركها * واستحر القتل في عبد الأشل
وهذا من أبيات ابن الزبعرى وكذلك ورد في تاريخ ابن كثير 8 / 192. وورد في مقتل الخوارزمي
2 / 58 قبل البيت الأول.
يا غراب البين ما شئت فقل * إنما تندب أمرا قد فعل
كل ملك ونعيم زائل * وبنات الدهر يلعبن بكل
وجاء فيه أيضا وفى اللهوف ص 69 بعد البيت الرابع:
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحى نزل
وفى نسختنا من مثير الأحزان ص 80 سقط البيت الرابع وفى تاريخ ابن كثير 8 / 204، رواها عن تاريخ
ابن عساكر عن ريا حاضنة يزيد واكتفى بذكر البيت الأول واكتفى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص 120
بذكر البيت الأول والثالث. وذكرنا في المتن لفظ تذكرة خواص الأمة ص 148، وراجع أيضا طبقات فحول
الشعراء ص 200، وسمط النجوم العوالي 3 / 199، فقد روى عنهما بهامش فتوح ابن أعثم وراجع أيضا الأمالي
لأبي على القالي 1 / 142.
161

قال المؤلف: لما كانت أبيات ابن الزبعرى مشهورة ترويها الرواة قبل؟ مثل
يزيد ببعضها ثم تمثل بها يزيد وأضاف إليها البيت الثاني والرابع والخامس فأخذها
الرواة عنه وأحيانا أضافوا إلى ما أنشده يزيد ما كان في ذاكرتهم من أصل الأبيات
ومن ثم حصل بعض الاختلاف في ألفاظ الروايات.
كما أننا نعرف من رواية الإمام زين العابدين الآنفة والتي ورد فيها (أن يزيد
كان يتخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين ويضعه بين يديه) سبب تعدد ما روي
من قصص عن مجلس يزيد عندما كان رأس الحسين أمامه.
خطبة حفيدة رسول الله (ص) في مجلس الخلافة:
في مثير الأحزان واللهوف بعده 1: فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب،
فقالت: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه
حيث يقول: " ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها
يستهزؤون ". أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء،
فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى ان بنا على الله هوانا، وبك عليه كرامة، وان ذلك
لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسرورا، حين
رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلا
مهلا، أنسيت قول الله تعالى: " ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما
نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين ".
" أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول
الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد،
ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني
والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مراقبة من
لفظ فو؟ أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل

1) مثير الأحزان ص 80 واللهوف ص 70.
162

البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان، ثم تقول غير متأثم ولا
مستعظم:
لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل
" منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك
وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية
محمد (ص) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم
فلتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما
فعلت. "
" اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا،
وقتل حماتنا. فوالله ما فريت الا جلدك، ولا حززت الا لحمك، ولتردن على رسول
الله (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث
يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم، ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون "
" وحسبك بالله حاكما، وبمحمد (ص) خصيما، وبجبريل ظهيرا، وسيعلم من
سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا وأيكم شر مكانا واضعف
جندا، ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك،
واستكثر توبيخك، ولكن العيون عبرى، والصدور حرى. ألا فالعجب كل العجب
لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا،
والأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها
أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما، لتجدنا وشيكا مغرما، حين لا تجد الا ما قدمت يداك
وما ربك بظلام للعبيد، والى الله المشتكى وعليه المعول. "
" فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا
تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند وأيامك الا عدد، وجمعك
إلا بدد، يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين. "
" والحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا
بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا
الخلافة، انه رحيم ودود، وحسبنا ونعم الوكيل ".
163

فقال يزيد:
يا صيحة تحمد من صوائح * ما أهون النوح على النوائح
استنكار زوجة الخليفة:
وفي تأريخ الطبري ومقتل الخوارزمي: ان زوجة يزيد وسماها الطبري هند
ابنة عبد الله بن عامر بن كريز، سمعت بما دار في مجلس يزيد فخرجت من خدرها
ودخلت المجلس وقالت: يا أمير المؤمنين أرأس الحسين ابن فاطمة بنت رسول
الله (ص)؟ قال: نعم... 1
وفي سير أعلام النبلاء وتاريخ ابن كثير وغيرهما: ان رأس الحسين صلب
بمدينة دمشق ثلاثة أيام 2.
رأس سبط الرسول (ص) يهدى إلى عصبة الخلافة بمدينة الرسول (ص):
قال البلاذري والذهبي: ثم بعث يزيد رأسه إلى المدينة 3.
فقال عمرو بن سعيد: وددت والله أن أمير المؤمنين لم يبعث إلينا برأسه. فقال
مروان: بئس والله ما قلت هاته، ثم أخذ الرأس وقال:
يا حبذا بردك في اليدين * ولونك الأحمر في الخدين 4
وقال: فجئ برأس الحسين فنصب فصرخ نساء آل أبي طالب، فقال مروان:
عجت نساء بني زبيد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب
ثم صحن فقال مروان:
ضربت دوسر فيهم ضربة * أثبتت أركان ملك فاستقر 5
قال: وقام ابن أبي حبيش وعمرو يخطب، فقال: رحم الله فاطمة، فمضى

1) تاريخ الطبري ط أوروبا مسلسل 2 / 382، ومقتل الخوارزمي 2 / 74.
2) سير أعلام النبلاء 3 / 216، ومقتل الخوارزمي 2 / 75، وتاريخ ابن كثير 8 / 204، وتاريخ
ابن عساكر الحديث 296، وراجع خطط المقريزي 2 / 289، والاتحاف بحب الاشراف ص 23.
3) أنساب الأشراف 219.
4) أنساب الأشراف ص 217، وتاريخ الاسلام 2 / 351.
5) أنساب الأشراف ص 218، وتذكرة خواص الأمة ص 151، وفى أمالي الشجري ص 185 -
186، بإيجاز ودوسر: اسم كتيبة كانت للنعمان بن المنذر ملك الحيرة وكانت أشد كتائبه بطشا، حتى قيل في
المثل " أبطش من دوسر " وكتيبة دوسر ودوسرة: مجتمعة.
164

عمرو في خطبته شيئا، ثم قال: واعجبا لهذا الألثغ، وما أنت وفاطمة؟ قال: أمها
خديجة. قال: نعم والله وابنة محمد أخذتها يمينا وشمالا، وددت والله أن أمير المؤمنين
كان نحاه عني ولم يرسل به إلي ووددت والله أن رأس الحسين كان على عنقه
وروحه في جسده 1.
وقال: ثم رد إلى دمشق 2.
خطبة السجاد (ع) في مسجد دمشق:
وفي فتوح ابن أعثم ومقتل الخوارزمي: ان يزيد أمر الخطيب أن يرقى المنبر
ويثني على معاوية ويزيد وينال من الإمام علي والإمام الحسين فصعد الخطيب المنبر،
فحمد الله وأثنى عليه، وأكثر الوقيعة في علي والحسين، وأطنب في تقريض معاوية
ويزيد، فصاح به علي بن الحسين: ويلك أيها الخاطب اشتريت رضا المخلوق بسخط
الخالق؟ فتبوأ مقعدك من النار. ثم قال: يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد،
فأتكلم بكلمات فيهن لله رضا، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب فأبى يزيد، فقال الناس:
يا أمير المؤمنين ائذن له ليصعد، فعلنا نسمع منه شيئا فقال لهم: ان صعد المنبر هذا لم
ينزل الا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان، فقالوا: وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال: انه
من أهل بيت قد زقوا العلم زقا. ولم يزالوا به حتى أذن له بالصعود فصعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه وقال:
أيها الناس، أعطينا ستا وفضلنا بسبع: أعطينا العلم، والحلم، والسماحة
والفصاحة، والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار
محمد (ص)، ومنا الصديق، ومنا الطيار، ومنا أسد الله وأسد الرسول ومنا سيدة نساء
العالمين فاطمة البتول، ومنا سبطا هذه الأمة، وسيدا شباب أهل الجنة فمن عرفني فقد
عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي:
أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف
الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من

1) أنساب الأشراف ص 218.
2) أنساب الأشراف ص 219.
قال المؤلف: ان البلاذري لم يكتب خطبة عمرو بن سعيد لنعرف سبب اعتراض ابن أبي حبيش عليه، وقد مر بي
في ما قرأت أنه خاطب قبر الرسول، وقال: يوم بيوم بدر.
165

طاف وسعى، أنا ابن خير من حج ولبى، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء، أنا
ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى، أنا ابن
من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى،
أنا ابن من صلى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمد
المصطفى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله، أنا ابن من بايع
البيعتين، وصلى القبلتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين، يعسوب
المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، سمح سخى بهلول زكى، ليث
الحجاز وكبش العراق، مكي مدني، أبطحي تهامي خيفي عقبى بدري أحدي،
شجري مهاجري، أبو السبطين، الحسن والحسين، علي بن أبي طالب، أنا ابن فاطمة
الزهراء، أنا ابن سيدة النساء، أنا ابن بضعة الرسول...
قال: ولم يزل يقول أنا أنا حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب وخشي يزيد
أن تكون فتنة فأمر المؤذن يؤذن فقطع عيله الكلام وسكت، فلما قال المؤذن: الله
أكبر. قال علي بن الحسين: كبرت كبيرا لا يقاس، ولا يدرك بالحواس، ولا شئ أكبر
من الله، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال علي: شهد بها شعري وبشري، ولحمي
ودمي ومخي وعظمي فلما قال أشهد أن محمدا رسول الله التفت علي من أعلا المنبر إلى
يزيد وقال: يا يزيد محمد هذا جدي أم جدك فان زعمت أنه جدك فقد كذبت وان
قلت إنه جدي فلم قتلت عترته؟ قال وفرغ المؤذن من الأذان والإقامة فتقدم يزيد
وصلى الظهر 1.
إقامة المأتم في عاصمة الخلافة:
يبدو ان يزيد اضطر بعد هذا ان يغير سلوكه مع ذراري الرسول (ص) ويرفه
عنهم بعض الشئ ويسمح لهم بإقامة المأتم على شهدائهم.
فقد روى ابن أعثم بعد ذكر ما سبق وقال: فلما فرغ من صلاته أمر بعلي بن
الحسين وأخواته وعماته رضوان الله عليهم ففرغ لهم دار فنزلوها وأقاموا أياما يبكون
وينوحون على الحسين رضي الله عنه.

1) فتوح ابن أعثم 5 / 247 - 249، ومقتل الخوارزمي 2 / 69 - 71، وقد أوجزنا لفظ الخطبة.
166

قال: وخرج علي بن الحسين ذات يوم، فجعل يمشي في أسواق دمشق،
فاستقبله المنهال بن عمرو الصحابي فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ قال:
أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، يا منهال
أمست العرب تفتخر على العجم بان محمدا منهم وأمست قريش تفتخر على سائر العرب
بأن محمدا منها، وأمسينا أهل بيت محمد ونحن مغصوبون مظلومون مقهورون مقتلون
مثبورون مطردون، فانا لله وانا إليه راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال 1.
167

ارجاع ذرية الرسول (ص) إلى مدينة جدهم
لم يكن ما جرى في عاصمة أمية بعد وصول سبايا آل الرسول إليها في صالح
حكم آل أمية فرأى يزيد أن يرجعهم إلى مدينة جدهم مع نعمان بن بشير. كما قال
الطبري وغيره واللفظ للطبري:
قال يزيد بن معاوية: يا نعمان بن بشير جهزهم بما يصلحهم وابعث معهم
رجلا من أهل الشام أمينا صالحا وابعث معه خيلا وأعوانا فيسير بهم إلى المدينة ثم أمر
بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهن ما يصلحهن وأخوهن معهن علي بن الحسين في
الدار التي هن فيها، قال: فخرجن حتى دخلن دار يزيد فلم تبق من آل معاوية امرأة الا
استقبلتهن تبكي وتنوح على الحسين فأقاموا عليه المناحة ثلاثا.
قال: فدعا ذات يوم عمرو بن الحسن بن علي وهو غلام صغير فقال لعمرو بن
الحسن: أتقاتل هذا الفتى يعني خالدا ابنه. قال: لا ولكن اعطني سكينا واعطه سكينا
ثم أقاتله فقام له يزيد: وأخذه فضمه إليه ثم قال: شنشنة أعرفها من أخزم، هل تلد
الحية الا حية، قال: ولما أرادوا أن يخرجوا أوصى بهم ذلك الرسول. قال: فخرج بهم
وكان يسايرهم بالليل فيكونون أمامه حيث لا يفوتون طرفه فإذا نزلوا تنحى عنهم
وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم وينزل منهم بحيث إذا أراد إنسان منهم
وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم فلم يزل ينازلهم في الطريق هكذا ويسألهم عن
حوائجهم ويلطفهم.
168

وصول آل الرسول إلى كربلاء:
في مثير الأحزان واللهوف: ان آل الرسول لما بلغو العراق طلبوا من الدليل ان
يمر بهم على كربلاء فلما وصلوا مصرع الشهداء وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري
وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارة قبر الحسين فوافوا في وقت واحد فتلاقوا بالحزن
والبكاء واجتمع إليهم نساء ذلك السواد وأقاموا على ذلك أياما، ثم انفصلوا من
كربلاء قاصدين مدينة جدهم.
إقامة العزاء خارج المدينة:
روى بشير بن جذلم وقال: لما قربنا من المدينة حط علي بن الحسين رحله
وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال: يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر
على شئ منه فقال: بلى يا ابن رسول الله (ص) اني شاعر فقال (ع): ادخل المدينة
وانع أبا عبد الله.
قال بشير: فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة، فلما بلغت مسجد
النبي (ص) رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرج * والرأس منه على القناة يدار
قال: ثم قلت: هذا علي بن الحسين (ع) مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم
ونزلوا بفنائكم وأنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه، قال: فلم يبق في المدينة مخدرة ولا
محجبة الا برزن من خدورهن وهن بين باكية ونائحة ولا طمة فلم ير يوم أمر على أهل
المدينة منه، وسألوه: من أنت؟ قال: فقلت: أنا بشير بن جذلم وجهني علي بن الحسين
وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله ونسائه، قال: فتركوني مكاني
وبادروني فضربت فرسي حتى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع
فنزلت عن فرسي وتخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط وكان علي بن
الحسين داخلا فخرج وبيده خرقة يمسح بها دموعه وخادم معه كرسي فوضعه وجلس
وهو مغلوب على لوعته فعزاه الناس فأوما إليهم أن اسكتوا فسكنت فورتهم فقال. الحمد
لله رب العالمين مالك يوم الدين بار؟ الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات
العلى وقرب فشهد النجوى نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور وجليل الرزء
169

وعظيم المصائب. أيها القوم ان الله وله الحمد ابتلانا بمصيبة جليلة وثلمة في الاسلام
عظيمة قتل أبو عبد الله وعترته وسبي نساؤه وصبيته وداروا برأسه في البلدان من فوق
عالي السنان، أيها الناس فأي رجالات يسرون بعد قتله؟ أية عين تحبس دمعها وتضن
عن انهمالها، فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار والسماوات والأرض
والأشجار والحيتان والملائكة المقربون وأهل السماوات أجمعون. أيها الناس أي قلب
لا ينصدع لقتله؟ أم أي فؤاد لا يحن إليه أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلم في
الاسلام.
أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين كأنا أولاد ترك أو
كابل من غير جرم اجترمناه ولا مكروه ارتكبناه ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ان هذا
الا اختلاق والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاة بنا لما زادوا
على ما فعلوه فانا لله وانا إليه راجعون. فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان وكان
زمينا فاعتذر إليه فقبل عذره وشكر له وترحم على أبيه 1.
بعد وصولهم إلى المدينة:
روى الطبري بسنده عن الحارث بن كعب، قال: قالت لي فاطمة بنت على:
قلت لأختي زينب: يا أخي لقد أحسن هذا الرجل الشامي إلينا في صحبتنا فهل لك
أن نصله؟ فقالت: والله ما معنا شئ نصله به الا حلينا قالت لها: فنعطيه حلينا
قالت: فأخذت سواري ودملجي وأخذت أختي سوارها ودملجها فبعثنا بذلك إليه
واعتذرنا إليه وقلنا له: هذا جزاؤك بصحبتك إيانا بالحسن من الفعل قال: لو كان
الذي صنعت إنما هو للدنيا كان في حليكن ما يرضيني ودونه ولكن والله ما فعلته الا
لله ولقربتكم من رسول الله (ص) 2.
السجاد (ع) يقيم العزاء أربعين سنة:
في اللهوف: روى عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: إن زين العابدين (ع) بكى
على أبيه أربعين سنة صائما نهاره، وقائما ليله، فإذا حضر الافطار وجاء غلامه بطعامه
وشرابه فيضعه بين يديه فيقول: كل يا مولاي، فيقول: قتل ابن رسول الله (ص)

1) مثير الأحزان ص 90 - 91، اللهوف 76 - 77.
2) تاريخ الطبري. ط / اروبا، 2 / 379.
170

عطشانا فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبتل طعامه من دموعه فلم يزل كذلك حتى
لحق بالله عز وجل.
قال: وحدث مولى له قال: أنه برز يوما إلى الصحراء فتبعته فوجدته قد سجد
على حجارة خشنة فوقفت وأنا أسمع شهيقه و أحصيت عليه ألف مرة يقول: (لا إله إلا الله
حقا حقا. لا إله إلا الله تعبدا ورقا، لا إله إلا الله ايمانا وصدقا) ثم رفع رأسه من
سجوده وان لحيته ووجهه قد غمرا من دموع عينيه، فقلت: يا سيدي أما آن لحزنك أن
ينقضي، ولبكائك أن يقل؟ فقال: ويحك، ان يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبيا
وابن نبي، له اثنى عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب
ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا وأنا رأيت أبي وأخي
وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين، فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي 1؟
رأس ابن زياد بين يدي السجاد (ع):
وذكر اليعقوبي وقال: وجه المختار برأس عبيد الله بن زياد إلى علي بن الحسين
في المدينة مع رجل من قومه، وقال له: قف بباب علي بن الحسين، فإذا رأيت أبوابه قد
فتحت ودخل الناس، فذلك الذي فيه طعامه، فادخل إليه، فجاء الرسول إلى باب علي
بن الحسين، فلما فتحت أبوابه، ودخل الناس للطعام، دخل ونادى بأعلى صوته: يا
أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الملائكة، ومنزل الوحي، أنا رسول المختار ابن
أبي عبيد معي رأس عبيد الله بن زياد. فلم تبق في شئ من دور بني هاشم امرأة
الا صرخت، ودخل الرسول فأخرج الرأس، فلما رآه علي بن الحسين قال: أبعده الله
إلى النار.
وروى بعضهم أن علي بن الحسين لم ير ضاحكا قط منذ قتل أبوه، الا في ذلك
اليوم، وانه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام، فلما أتي برأس عبيد الله بن زياد أمر
بتلك الفاكهة ففرقت بين أهل المدينة وامتشطت نساء آل رسول الله واختضبن وما
امتشطت امرأة ولا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي 2.

1) اللهوف ص 80، وفى مثير الأحزان ص 92 بإيجاز.
2) تاريخ اليعقوبي 2 / 259.
171

حالة مدرسة الخلفاء بعد استشهاد الحسين (ع)
أ - عطاء وحبوة:
قال ابن أعثم: فلما قتل الحسين (رض) استوسق العراقان جميعا لعبيد الله بن
زياد، وأوصله يزيد بألف ألف درهم جائزة، فبنى قصريه الحمراء والبيضاء في البصرة
وأنفق عليهما مالا جزيلا فكان يشتي في الحمراء ويصيف في البيضاء، وعلا امره
وانتشر ذكره وبذل الأموال واصطنع الرجال ومدحته الشعراء 1.
وقال المسعودي: جلس - يزيد - ذات يوم على شرابه، وعن يمينه ابن زياد
وذلك بعد قتل الحسين فأقبل على ساقيه، فقال:
اسقني شربة تروي عظامي * ثم مل فاسق مثلها ابن زياد
صاحب السر والأمانة عندي * ولتسديد مغنمي وجهادي
ثم أمر المغنين فغنوا به 2.
قال المؤلف: نرى المقصود من ابن زياد في شعر يزيد إنما هو عبيد الله وليس
بأخيه سلم كما ذكره ابن أعثم وقال: ان يزيد قال له: لقد وجبت محبتكم يا بني زياد
على آل سفيان، ثم قال: يا غلام أطعمنا، فقدمت المائدة فطعما جميعا، فلما أكلا دعا
يزيد بالشراب فلما دارت الكأس التفت يزيد إلى ساقيه وجعل يقول:
اسقني شربة تروي عظامي * ثم مل فاسق مثلها ابن زياد

1) فتوح ابن أعثم 5 / 252.
2) المسعودي مروج الذهب 3 / 67.
172

موضع العدل والأمانة عندي * وعلى ثغر مغنم وجهادي 1
فان هذا القول من يزيد يناسب عبيد الله وليس أخاه سلما ولعله أنشد البيتين
للأخوين في مجلسين للشرب.
ويؤيد ذلك ما قاله سبط ابن الجوزي في التذكرة فإنه قال: استدعي ابن زياد
إليه وأعطاه أموالا كثيرة وتحفا عظيمة وقرب مجلسه ورفع منزلته وادخله على نسائه
وجعله نديمه وسكر ليلة وقال للمغني غن ثم قال يزيد بديها: اسقني شربة... 2
قال المؤلف: هكذا كان عطاؤه وحباؤه لقائد جنده أما عطاؤه للجنود فقد
ذكره البلاذري وقال: كتب يزيد إلى ابن زياد: أما بعد، فزد أهل الكوفة أهل السمع
والطاعة في أعطياتهم مائة مائة 3.
عاش قتلة الحسين هكذا في حبور وسرور واستبشار حتى إذا ظهرت آثار
أفعالهم ندموا على ما فعلوا.
ب - ندم عصبة الخلافة بعد ظهور نتائج أفعالهم:
قال ابن كثير وغيره واللفظ لابن كثير: لما قتل ابن زياد الحسين وبعث
برؤوسهم إلى يزيد، سر بقتلهم أولا، وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده، ثم لم يلبث
الا قليلا حتى ندم وقال: بغضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة فأبغضني
البر والفاجر 4.
وكذلك يظهر ندم ابن زياد وعمر بن سعد وسائر قتلة آل رسول الله مما ورد في
كتب التواريخ وقد أعرضنا عن نقلها روما للاختصار. وإنما ندموا من فعلهم بسبب ما
رأوا من آثار سخط المسلمين عليهم أولا، ثم لثورات المسلمين المستمرة عليهم بعد ذلك
كما نشرحه في الباب الآتي بحوله تعالى.

1) الفتوح لابن أعثم 5 / 252.
2) تذكرة خواص الأمة ص 164.
3) أنساب الأشراف ص 220.
4) ابن كثير 8 / 232، وتاريخ الاسلام للذهبي 2 / 351.
173

معالم المدرستين - القسم الأول
البحث الرابع
الفصل الثاني
ثورات أهل الحرمين وغيرهم
بعد استشهاد الإمام الحسين (ع)
175

ثورة أهل الحرمين
غايتنا من إيراد خبر مقتل الإمام الحسين (ع)
لم أقصد في ما أوردت من أخبار مقتل الإمام الحسين (ع) استقصاء أخبار
مقتله ولا تحقيق حوادثه، ولا بيان زمانها وتحديد مكانها، بل توخيت في ما أوردت فهم
آثار مقتله على مدرستي الإمامة والخلافة في الاسلام وكان يكفيني في هذا الصدد ما
أوردته على سبيل التنبيه والاشراف.
وكان من آثار مقتله على مدرسة الخلافة ثورات المسلمين المستمرة على حكم
آل أمية وفي مقدمتها ثورة أهل الحرمين كما نبينها في ما يلي:
قال المسعودي: لما شمل الناس جور يزيد وعماله، وعمهم ظلمه وما ظهر
من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله (ص) وأنصاره وما أظهر من شرب الخمور،
وسيره سيرة فرعون بل كان فرعون أعدل منه في رعيته وأنصف منه لخاصته وعامته 1
امتنع ابن الزبير من بيعة يزيد، وكان يسميه السكير الخمير، وكتب إلى أهل المدينة
ينتقصه، ويذكر فسوقه، ويدعوهم إلى معاضدته على حربه 2.
وقال الطبري وغيره: لما قتل الحسين (ع) قام ابن الزبير في أهل مكة وعظم
مقتله وعاب على أهل الكوفة خاصة، ولام أهل العراق عامة، فقال بعد أن حمد الله
وأثنى عليه وصلى على محمد (ص):

1) مروج الذهب 3 / 68، وتاريخ ابن كثير 8 / 219.
2) التنبيه والاشراف ص 263.
177

ان أهل العراق غدر وفجر الا قليلا وان أهل الكوفة شرار أهل العراق وإنهم
دعوا حسينا لينصروه ويولوه عليهم فلما قدم عليهم ثاروا إليه فقالوا له اما أن تضع يدك
في أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد ابن سمية سلما فيمضى فيك حكمه واما أن تحارب،
فرأى والله أنه هو وأصحابه قليل في كثير وإن كان الله عز وجل لم يطلع على الغيب
أحدا انه مقتول ولكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة فرحم الله حسينا وأخزى
قاتل حسين، لعمري لقد كان من خلافهم إياه وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناه
عنهم ولكنه ما حم نازل وإذا أراد الله أمرا لن يدفع أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء
القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهدا لا، ولا نراهم لذلك أهلا، أما والله لقد قتلوه
طويلا بالليل قيامه، كثيرا في النهار صيامه، أحق بما هم فيه منهم، وأولى به في الدين
والفضل، أما والله ما كان يبدل في القرآن الغناء ولا البكاء من خشية الله الحداء،
ولا بالصيام شرب الحرام. ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد
- يعرض بيزيد - فسوف يلقون غيا، فثار إليه أصحابه، فقالوا له: أيها الرجل أظهر
بيعتك فإنه لم يبق أحد إذ هلك حسين ينازعك هذا الامر، وقد كان يبايع الناس سرا
ويظهر أنه عائذ بالبيت، فقال لهم: لا تعجلوا وعمرو بن سعيد بن العاص يومئذ عامل
مكة وقد كان أشد شئ عليه وعلى أصحابه، وكان مع شدته عليهم يداري ويرفق
فلما استقر عند يزيد بن معاوية ما قد جمع ابن الزبير من الجموع بمكة أعطى الله عهدا
ليوثقنه في سلسلة فبعث بسلسلة من فضة فمر بها البريد على مروان بن الحكم بالمدينة
فأخبر خبر ما قدم له وبالسلسلة التي معه فقال مروان:
خذها فليست للعزيز بخطة * وفيها مقال لامرئ متضعف
ثم مضى من عنده حتى قدم على ابن الزبير فأتى ابن الزبير فأخبره بممر البريد
على مروان وتمثل مروان بهذا البيت فقال ابن الزبير: لا والله لا أكون أنا ذلك
المتضعف ورد ذلك البريد ردا رفيقا وعلا أمر ابن الزبير بمكة وكاتبه أهل المدينة وقال
الناس أما إذ هلك الحسين (ع) فليس أحد ينازع ابن الزبير.
رسل يزيد مع ابن الزبير:
روى خبر رسل يزيد مع ابن الزبير ابن أعثم والدينوري وغيرهما واللفظ لابن
178

أعثم قال: وتحرك عبد الله بن الزبير ودعا إلى نفسه 1.
قال: ولما بلغ يزيد بن معاوية ما فيه عبد الله بن الزبير من بيعة الناس له
واجتماعهم عليه دعا بعشرة نفر من وجوه أصحابه منهم النعمان بن بشير الأنصاري،
و عبد الله بن عضاءة الأشعري...
ثم قال لهم: إن عبد الله بن الزبير قد تحرك بالحجاز واخرج يده من طاعتي
ودعا الناس إلى سبي وسب أبي وقد اجتمعت إليه قوم يعينونه على ذلك، صيروا إليه،
فإذا دخلتم عليه فعظموا حقه وحق أبيه، وسلوه أن يلزم الطاعة ولا يفارق الجماعة فان
أجاب فخذوا بيعته وان أبى فخوفوه ما نزل بالحسين بن علي وليس الزبير عندي
بأفضل من علي بن أبي طالب ولا ابنه عبد الله بأفضل من الحسين وانظروا أن لا تلبثوا
عنده فاني متعلق القلب بورود خبركم علي، فخرج القوم إلى مكة ودخلوا على ابن
الزبير وأدوا إليه رسالة يزيد فقال: وما الذي يريد مني يزيد إنما أنا رجل مجاور لهذا
البيت عائذ به من شر يزيد وغير يزيد، فان تركني فيه والا انتقلت عنه إلى بلد غيره
وكنت فيه إلى أن يأتيني الموت، ثم أمر لهم بمنزل فصاروا إليه يومهم ذلك ولما كان
من الغد خرج فصلى بأصحابه الفجر، ثم أقبل فجلس في الحجر واجتمع إليه
أصحابه، وأقبل إليه هؤلاء الوفد الذين قدموا عليه من عند يزيد، وتكلموا كلاما
يرجون به اتباعه ليزيد وطاعته له، قال: فأقبل إليه النعمان بن بشير فقال: بلغ يزيد عنك
أنك تصعد المنبر فتذكره وتذكر أباه معاوية بكل قبيح وأنت تعلم أنه امام وقد بايعه
الناس، ولا نحب لك أن تخرج يدك من الطاعة وتفارق الجماعة، وبعد فان الغيبة
لا خير فيها، قال: فقطع عليه الكلام عبد الله بن الزبير، ثم قال: يا ابن بشير ان الفاسق
لا غيبة له، وما قلت فيه الا ما قد علمه الناس منه، ولو كان على ما كان عليه الأئمة
الأخيار سمعنا وأطعنا ولذكرناه بكل جميل، وبعد فاني أنا في هذا البيت بمنزلة حمامة
من حمام مكة، أفتحل لكم أن تؤذوا حمام مكة؟ قال: فغضب عبد الله بن عضاءة
الأشعري، فقال: نعم والله يا ابن الزبير، نؤذي حمام مكة ونقتل حمام مكة، وما حرمة
حمام مكة؟ يا ابن الزبير! أتصعد المنبر وتتكلم في أمير المؤمنين بكل قبيح ثم تشبه نفسك
بحمام مكة ثم قال: يا غلام، ائتني بقوسي وسهمي قال فأتي بقوسه وسهامه فأخذ
سهما فوضعه في كبد قوس ثم سدده نحو حمام مكة وقال: يا حمامة أيشرب أمير المؤمنين

1) الاخبار الطوال للدينوري ص 263، وقد أوردتها ملخصة من فتوح ابن أعثم 5 / 262 - 290.
179

ويفجر؟ قولي: نعم؟ أما والله لو قلت: نعم، لما أخطئك سهمي هذا، يا حمامة: أيلعب
أمير المؤمنين بالقرود والفهود ويفسق في الدين؟ قولي: نعم أما والله لئن قلت: نعم،
لا أخطأك سهمي هذا، يا حمامة فتقتلين أم تخلعين الطاعة وتفارقين الجماعة وتقيمين
في الحرم عاصية؟ قولي: نعم قال: ثم اقبل عبد الله بن عضاءة: على ابن الزبير فقال له:
مالي لا أرى الحمامة تنطق بشئ وأنت الناطق بجميع ما كلمتها فيه علي المنبر، أما
والله يا ابن الزبير إني خائف عليك وأقسم بالله قسما صادقا لتبايعن يزيد طائعا أو
كارها أو لتعرفني في هذه البطحاء وفي يدي راية الأشعريين 1.
وذكر ابن أعثم وقايع بين ابن الزبير وعمرو بن سعيد، كانت الغلبة فيها لابن
الزبير.
وذكر الطبري أنه عزل عمرو بن سعيد وولى الوليد بن عتبة فأقام الحج سنة
61 ه‍. 2
قال: 3 وأقام الوليد يريد ابن الزبير فلا يجده الا متحذرا متمنعا وأفاض
بالناس من عرفة ثم أفاض ابن الزبير بأصحابه، ثم إن ابن الزبير عمل بالمكر في أمر
الوليد فكتب إلى يزيد انك بعثت إلينا رجلا أخرق لا يتجه لأمر رشد ولا يرعوي لعظة
الحكيم فلو بعثت رجلا سهل الخلق رجوت أن يسهل من الأمور ما استوعر منها وان
يجتمع ما تفرق، فعزل يزيد الوليد وولى عثمان بن محمد بن أبي سفيان.
وفد أهل المدينة عند يزيد:
قالوا كان عثمان فتى غرا حدثا لم يجرب الأمور ولم يحنكه السن فبعث إلى يزيد
وفدا من أهل المدينة فيهم: عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة الأنصاري و عبد الله بن
أبي عمرو المخزومي والمنذر بن الزبير ورجالا كثيرا من أشراف أهل المدينة فقدموا على
يزيد فأكرمهم وأحسن إليهم وأعظم جوائزهم فأعطى عبد الله بن حنظلة وكان شريفا
فاضلا عابدا سيدا مائة ألف درهم، وكان معه ثمانية بنين فأعطى كل ولد عشرة
آلاف سوى كسوتهم وحملانهم، فلما رجعوا قدموا المدينة وأظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا
قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويضرب بالطنابير ويعزف عنده القيان

1) وقريب منه لفظ الأصبهاني في الأغاني 1 / 33.
2) الطبري 6 / 273 - 275 في آخر ذكر حوادث سنة إحدى وستين.
3) الطبري 8 / 2 - 5 في ذكر حوادث سنة ستين وتخيرت اللفظ من تاريخ ابن الأثير 4 / 40 - 42.
180

ويلعب بالكلاب ويسمر عنده الخراب والفتيان! وانا نشهدكم انا خلعناه! وقام
عبد الله بن حنظلة الغسيل، فقال: جئتكم من عند رجل لو لم أجد الا بني هؤلاء
لجاهدته بهم، قالوا: قد بلغنا أنه أجداك وأعطاك وأكرمك، قال: قد فعل وما قبلت
منه عطاءه الا لا تقوى به، فخلعه الناس وبايعوا عبد الله بن حنظلة على خلع يزيد وولوه
عليهم.
أما المنذر بن الزبير فكان قد أجازه بمائة ألف وكان قوله لما قدم المدينة: ان
يزيد والله لقد أجازني بمائة ألف درهم وأنه لا يمنعني ما صنع إلي أن أخبركم خبره
وأصدقكم عنه والله انه ليشرب الخمر وانه ليسكر حتى يدع الصلاة وعابه بمثل ما
عابه به أصحابه الذين كانوا معه وأشد 1.

1) تاريخ الطبري 7 / 3 - 13، وابن الأثير 4 / 40 - 41، وابن كثير 8 / 216، والعقد الفريد
4 / 388.
181

ثورة الصحابة والتابعين
ثورة أهل المدينة وبيعتهم لعبد الله بن حنظلة
وقال الذهبي في تاريخ الاسلام: اجتمعوا على عبد الله بن حنظلة وبايعهم على
الموت، قال: يا قوم اتقوا الله فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمي بالحجارة من
السماء إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع
الصلاة 1.
وقال اليعقوبي: أتى ابن مينا عامل صوافي معاوية إلى عثمان بن محمد والي
المدينة من قبل يزيد فاعلمه أنه أراد حمل ما كان يحمله في كل سنة من تلك الصوافي من
الحنطة والتمر، وان أهل المدينة منعوه من ذلك فأرسل عثمان إلى جماعة منهم فكلمهم
بكلام غليظ فوثبوا به وبمن كان معه بالمدينة من بني أمية، وأخرجوهم من المدينة
وأتبعوهم يرجمونهم بالحجارة 2.
وفي الأغاني: وأقام ابن الزبير على خلع يزيد ومالاه على ذلك أكثر الناس،
فدخل عليه عبد الله بن مطيع و عبد الله بن حنظلة وأهل المدينة المسجد وأتوا المنبر
فخلعوا يزيد فقال عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي: خلعت يزيد كما
خلعت عمامتي، ونزعها عن رأسه، وقال: انى لاقول هذا وقد وصلني وأحسن
جائزتي، ولكن عدو الله سكير خمير. وقال آخر: خلعته كما خلعت نعلي. وقال آخر:
خلعته كما خلعت ثوبي، وقال آخر: قد خلعته كما خلعت خفي، حتى كثرت العمائم

1) تاريخ الاسلام 2 / 356. 2) اليعقوبي 2 / 250.
182

والنعال والخفاف، وأظهروا البراءة منه وأجمعوا على ذلك. وامتنع منه عبد الله بن
عمر، ومحمد بن علي بن أبي طالب - (ع) - وجرى بين محمد خاصة وبين أصحاب
ابن الزبير فيه قول كثير، حتى أرادوا اكراهه على ذلك فخرج إلى مكة وكان هذا أول
ما هاج الشر بينه وبين ابن الزبير. واجتمع أهل المدينة لاخراج بني أمية عنها، فأخذوا
عليهم العهود ألا يعينوا عليهم الجيش، وأن يردوهم عنهم فإن لم يقدروا على ردهم
لا يرجعوا إلى المدينة معهم.
السجاد (ع) يؤوى حريم بنى أمية:
قال: فأتى مروان عبد الله بن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، ان هؤلاء. القوم قد
ركبونا بما ترى فضم عيالنا، فقال: لست من أمركم وأمر هؤلاء في شئ فقام
مروان وهو يقول: قبح الله هذا أمرا وهذا دينا. ثم أتى علي بن الحسين - (ع) -
فسأله أن يضم أهله وثقله ففعل، ووجههم وامرأته أم أبان بنت عثمان إلى الطائف
ومعها ابناه: عبد الله ومحمد 1.
وقال الطبري وابن الأثير: وقد كان مروان بن الحكم كلم ابن عمر لما
أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أمية في أن يغيب أهله عنده فلم يفعل، فكلم علي
بن الحسين وقال: يا أبا الحسن، ان لي رحما وحرمي تكون مع حرمك. فقال: افعل.
فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين فخرج بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم بينبع 2.
وفي تاريخ ابن الأثير: فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان وحرمه
إلى علي بن الحسين فخرج علي بحرمه وحرم مروان إلى ينبع.
وفي الأغاني: وأخرجوا بنو أمية فأراد مروان أن يصلي بمن معه فمنعوه وقالوا:
لا يصلي والله بالناس أبدا ولكن إذا أراد أن يصلي بأهله، فصلى بهم ومضى 3.
استغاثة بنى أمية بيزيد:
قال الطبري وغيره: فخرج بنو أمية بجماعتهم حتى نزلوا دار مروان فحاصرهم
الناس بها حصارا ضعيفا فأرسل بنو أمية بكتاب إلى يزيد يستغيثونه. فقال يزيد

1) الأغاني 1 / 34 - 35.
2) الطبري 7 / 7، ابن الأثير 4 / 45.
3) الأغاني 1 / 36.
183

للرسول: أما يكون بنو أمية ومواليهم ألف رجل بالمدينة قال: بلى والله وأكثر، قال: فما
استطاعوا أن يقاتلوا ساعة من نهار؟! قالوا: فبعث إلى عمرو بن سعيد فأقرأه الكتاب
وأخبره الخبر وأمره أن يسير إليهم فأبى، وبعث إلى عبيد الله بن زياد يأمره بالمسير إلى
المدينة ومحاصرة ابن الزبير فأبى وقال: والله لا جمعتهما للفاسق أقتل ابن بنت رسول
الله (ص) وأغزو البيت وكانت أمه مرجانة قد عنفته حين قتل الحسين وقالت له ويلك
ماذا صنعت وماذا ركبت! 1
فبعث إلى مسلم بن عقبة المري وكان معاوية قد قال ليزيد: ان لك من أهل
المدينة يوما، فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإنه رجل قد عرفت نصيحته، فلما جاءه
مسلم وجده شيخا ضعيفا مريضا 2.
قال صاحب الأغاني: قال مسلم ليزيد: ما كنت مرسلا إلى المدينة أحدا الا
قصر وما صاحبهم غيري، اني رأيت في منامي شجرة غرقد تصيح: على يدي مسلم،
فأقبلت نحو الصوت فسمعت قائلا يقول: أدرك ثأرك، أهل المدينة قتلة عثمان.
أوامر الخليفة لقائد جيشه:
قال الطبري: فانتدبه لذلك وقال له: ان حدث بك حدث فاستخلف على
الجيش الحصين بن نمير السكوني وقال له: أدع القوم ثلاثا فان أجابوك والا فقاتلهم
فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا، فما فيها من مال أو ورقة أو سلاح أو طعام فهو للجند
فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص
به خيرا وادن مجلسه فإنه لم يدخل في شئ مما دخلوا فيه، وأمر مناديه فنادى أن
سيروا إلى الحجاز على أخذ أعطياتكم كملا ومعونة مائة دينار توضع في يد الرجل من
ساعته فانتدب لذلك اثنا عشر الف رجل.
وفي لفظ المسعودي في التنبيه والاشراف: وإذا قدمت إلى المدينة فمن عاقك
عن دخولها أو نصب لك حربا فالسيف السيف ولا تبقي عليهم وانتهبهم عليهم ثلاثا
وأجهز على جريحهم واقتل مدبرهم، وان لم يعرضوا لك، فامض إلى مكة، فقاتل
ابن الزبير.

1) في أمالي الشجري ص 164.
2) الطبري 7 / 5 - 13، وابن الأثير 4 / 44 - 45، وابن كثير 8 / 219، والأغاني 1 / 35 - 36.
184

وفي لفظه في مروج الذهب: فسير إليهم يزيد، مسلم بن عقبة الذي سمى
المدينة نتنة وقد سماها رسول الله طيبة.
قال هو والدينوري:
ما أنشده خليفة المسلمين:
لما عرض على يزيد الجيش أنشأ يقول:
أبلغ أبا بكر إذا الليل سرى * وهبط القوم على وادي القرى
عشرون ألفا بين كهل وفتى * أجمع سكران من الخمر ترى
أم جمع يقظان نفى عنه الكرى
كانت كنية ابن الزبير أبو بكر وأبو خبيب وكان ابن الزبير يسمى يزيد:
السكران الخمير.
قال المسعودي: وكتب يزيد إلى ابن الزبير:
أدع الهك في السماء فإنني أدعو عليك رجال عك وأشعر
كيف النجاة أبا خبيب منهم * فاحتل لنفسك قبل اتي العسكر 1
قال الطبري وغيره واللفظ لابن الأثير: ولما سمع عبد الملك بن مروان ان
يزيد قد سير الجنود إلى المدينة قال: ليت السماء وقعت على الأرض، اعظاما لذلك، ثم
ابتلي بعد ذلك بأن وجه الحجاج فحصر مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق وقتل ابن الزبير.

1) التنبيه والاشراف ص 263، ومروج الذهب 3 / 68 - 69، والاخبار الطوال ص 265، والبيتين
الأخيرين وردا فيه، وأوردت الشعر الأول بلفظ الطبري 8 / 6، وابن الأثير، وراجع تاريخ الاسلام للذهبي
2 / 355.
185

مسير جيش الخلافة إلى الحرمين:
لما اقبل مسلم بالجيش وبلغ أهل المدينة خبرهم، اشتد حصارهم لبني أمية
بدار مروان وقالوا: والله لا نكف عنكم حتى نستنزلكم ونضرب أعناقكم أو تعطونا
عهد الله وميثاقه ان لا تبغونا غائلة ولا تدلوا لنا على عورة، ولا تظاهروا علينا عدوا
فنكف عنكم ونخرجكم عنا، فعاهدوهم على ذلك، فأخرجوهم من المدينة، فساروا
باثقالهم حتى لقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى، فدعا بعمرو بن عثمان بن عفان أول
الناس فقال له: خبرني ما وراءك، وأشر علي؟ فقال: لا أستطيع قد أخذ علينا العهود
والمواثيق أن لا ندل على عورة ولا نظاهر عدوا فانتهره، وقال: والله لولا انك ابن عثمان
لضربت عنقك، وأيم الله لا أقيلها قرشيا بعدك، فخرج إلى أصحابه فأخبرهم خبره،
فقال مروان بن الحكم لابنه عبد الملك: ادخل قبلي لعله يجتزي بك عني فدخل عبد الملك
فقال: هات ما عندك؟ فقال: نعم أرى أن تسير بمن معك فإذا انتهيت إلى ذي نخلة
نزلت فاستظل الناس في ظله فأكلوا من صقره! فإذا أصبحت من الغد مضيت وتركت
المدينة ذات اليسار ثم درت بها حتى تأتيهم بها من قبل الحرة مشرقا ثم تستقبل القوم
فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم الشمس طلعت بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم
ويصيبهم أذاها، ويرون من ائتلاق بيضكم وأسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم ما
لا ترونه أنتم ما داموا؟ ربين، ثم قاتلهم واستعن بالله عليهم، فقال له مسلم: لله أبوك
اي امرئ ولد، ثم إن مروان دخل عليه فقال له: ايه: أليس قد دخل عليك

1) الصقر بكسر القاف التمر الذي يصلح للدبس.
186

عبد الملك؟! قال: بلى وأي رجل عبد الملك، قلما كلمت من رجال قريش رجلا شبيها
به، فقال: إذا لقيت عبد الملك فقد لقيتني. ثم إنه صار في كل مكان يصنع ما أمر به
عبد الملك. فجاءهم من قبل المشرق، ثم أمهلهم ثلاثا، فلما مضت الثلاث قال: يا
أهل المدينة ما تصنعون؟ أتسالمون أم تحاربون؟ قالوا: بل نحارب، فقال لهم: لا تفعلوا
بل ادخلوا في الطاعة ونجعل حدنا وشوكتنا على أهل هذا الملحد الذي قد جمع إليه
المراق والفساق من كل أوب، يعني ابن الزبير فقالوا له: يا أعداء الله لو أردتم أن
يجوزوا إليه ما تركناكم، نحن ندعكم أن تأتوا بيت الله الحرام وتخيفوا أهله وتستحلوا
حرمته لا والله لا نفعل! 1
قال المسعودي والدينوري واللفظ للأول: احتفر أهل المدينة خندق رسول
الله (ص) الذي كان قد حفره يوم الأحزاب وشكوا المدينة بالحيطان وقال شاعرهم
مخاطبا ليزيد:
ان بالخندق المكلل بالمجد * لضربا يبدي عن النشوات
لست منا وليس خالك منا * يا مضيع الصلوات للشهوات
فإذا ما قتلتنا فتنصر * واشرب الخمر واترك الجمعات 2
قال الذهبي: فكان ابن حنظلة يبيت تلك الليالي في المسجد، وما يزيد على أن
يشرب يفطر على شربة سويق ويصوم الدهر، وما رؤي رافعا رأسه إلى السماء أحيانا،
فلما قرب القوم خطب أصحابه وحرضهم على القتال وأمرهم بالصدق في اللقاء،
وقال: اللهم انا بك واثقون. فصبح القوم المدينة، فقاتل أهل المدينة قتالا شديدا،
فسمعوا التكبير خلفهم من المدينة وأقحم عليهم بنو حارثة وهم على الحرة فانهزم الناس
و عبد الله بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغط نوما فنبهه ابنه، فلما رأى ما جرى أمر
أكبر بنيه فقاتل حتى قتل ثم لم يزل يقدمهم واحدا بعد واحد حتى اتى على آخرهم!
قال: وبقي ابن حنظلة يمشي بها مع عصابة من الناس أصحابه، فقال لمولى له:
احم ظهري حتى أصلي الظهر، فلما صلى، قال له مولاه: ما بقي أحد فعلام تقيم؟
ولواؤه قائم، ما حوله الا خمسة، فقال: ويحك إنما خرجنا على أن نموت، قال: وأهل
المدينة كالنعام الشرود وأهل الشام يقتلون فيهم، فلما هزم الناس طرح الدرع وقاتلهم

1) الطبري 7 / 6 - 8، وابن الأثير 4 / 45 - 46.
2) التنبيه والاشراف ص 264، والاخبار الطوال ص 265.
187

حاسرا حتى قتلوه فوقف عليه مروان وهو ماد أصبعه السبابة، فقال: والله لئن نصبتها
ميتا فطالما نصبتها حيا 1.
جيش الخلافة يستبيح حرم الرسول (ص):
قال الطبري وغيره: وأباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس ويأخذون
الأموال 2.
قال اليعقوبي: فلم يبق بها كثير أحد الا قتل وأباح حرم رسول الله حتى ولدت
الابكار لا يعرف من أولدهن 3.
وفي تاريخ ابن كثير: قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن، وكان فيهم
ثلاثة من أصحاب رسول الله!
وقال: قتل بشر كثير حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها 4.
وقال: ووقعوا على النساء، حتى قيل: أنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام
من غير زوج!
وروى عن هشام بن حسان أنه قال: ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد
وقعة الحرة من غير زوج!
وروى عن الزهري أنه قال: كان القتلى سبعمائة من وجوه المهاجرين
والأنصار، ووجوه الموالي، وممن لا أعرف من حر أو عبد وغيرهم عشرة آلاف 5
وفي تاريخ السيوطي: وكانت وقعة الحرة بباب طيبة قتل فيها خلق من
الصحابة ومن غيرهم ونهبت المدينة وافتض فيها ألف بكر 6!
قال الدينوري والذهبي واللفظ للأول: وذكر أبو هارون العبدي، قال:
رأيت أبا سعيد الخدري، ولحيته بيضاء، وقد خف جانباها وبقي وسطها، فقلت " يا
أبا سعيد ما حال لحيتك؟ " فقال: " هذا فعل ظلمة أهل الشام يوم الحرة، دخلوا علي

1) تاريخ الاسلام للذهبي 2 / 356 - 357.
2) تاريخ الطبري 7 / 11، وابن الأثير 3 / 47، وابن كثير 8 / 220.
3) تاريخ اليعقوبي 6 / 251.
4) تاريخ ابن كثير 6 / 234.
5) تاريخ ابن كثير 8 / 22.
6) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 209، وراجع تاريخ الخميس 2 / 302.
188

بيتي، فانتهبوا ما فيه حتى أخذوا قدحي الذي كنت أشرب فيها الماء، ثم خرجوا، ودخل
علي بعدهم عشرة نفر، وأنا قائم أصلي، فطلبوا البيت، فلم يجدوا فيه شيئا، فأسفوا
لذلك، فاحتملوني من مصلاي، وضربوا بي الأرض، وأقبل كل رجل منهم على ما يليه
من لحيتي، فنتفه، فما ترى منها حفيفا فهو موضع النتف، وما تراه عافيا فهو ما وقع في
التراب، فلم يصلوا إليها، وسأدعها كما ترى حتى أوافي بها ربي 1.
هكذا انتهت الأيام الثلاثة على مدينة الرسول.
أخذ البيعة من أهل المدينة على أنهم عبيد للخليفة يزيد:
قال الطبري وغيره: فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية يحكم
في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء 2.
وقال المسعودي: وبايع من بقي من أهلها على أنهم قن ليزيد غير علي بن
الحسين بن علي ابن أبي طالب، لأنه لم يدخل فيما دخل فيه أهل المدينة وعلي بن عبد الله
بن العباس فان من كان في الجيش من أخواله من كندة منعوه. وقال: ومن أبى أمره
على السيف 3.
وفي طبقات ابن سعد: إن مسرف بن عقبة لما قتل الناس وسار إلى العقيق
فسأل عن علي بن الحسين أحاضر فقيل له: نعم، فقال: مالي ما أراه؟ فجاءه مع
ابني عمه محمد بن الحنفية فلما رآه رحب به وأوسع له على سريره 4.
وفي تاريخ الطبري: قال: مرحبا وأهلا، ثم أجلسه معه على السرير
والطنفسة، ثم قال: إن أمير المؤمنين أوصاني بك قبلا وان هؤلاء خبثاء شغلوني عنك
وعن وصلتك، ثم قال لعلي: لعل أهلك فزعوا، قال: اي والله! فأمر بدابته فأسرجت
ثم حمله فرده عليها 5.
قال الدينوري: فلما كان اليوم الرابع جلس مسلم بن عقبة، دعاهم إلى
البيعة، فكان أول من أتاه يزيد بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود، وجدته أم سلمة زوج

1) الدينوري في الاخبار الطوال ص 269، والذهبي في تاريخ الاسلام 2 / 357.
2) تاريخ الطبري 7 / 13.
3) التبيه والاشراف ص 264، ومروج الذهب 3 / 71.
4) طبقات ابن سعد 5 / 215.
5) تاريخ الطبري 7 / 11 - 12، وفتوح ابن أعثم 5 / 300.
189

النبي (ص). فقال له مسلم: بايعني. قال: أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه (ص).
فقال مسلم: بل بايع على أنك فيئ لأمير المؤمنين، يفعل في أموالكم وذراريكم ما
يشاء. فأبى أن يبايع على ذلك، فأمر به، فضربت عنقه 1.
وقال الطبري: دعا الناس مسلم بن عقبة بقبا إلى البيعة وطلب الأمان
لرجلين من قريش ليزيد بن عبد الله بن زمعة ومحمد بن أبي الجهم فأتى بهما بعد الوقعة
بيوم فقال: بايعوا. فقالا: نبايعك على كتاب الله وسنة نبيه، فقال: لا والله لا أقيلكم
هذا أبدا فقدمهما فضرب أعناقهما فقال له مروان: سبحان الله أتقتل رجلين من قريش
أتيا ليؤمنا فضربت أعناقهما، فنخس بالقضيب في خاصرته، ثم قال: وأنت والله
لو قلت بمقالتهما ما رأيت السماء لا برقة.
قال: وأتى بيزيد بن وهب بن زمعة، فقال: بايع قال: أبايعك على سنة عمر،
قال: أقتلوه قال: أنا أبايع قال: لا والله لا أقيلك عثرتك، فكلمه مروان بن احكم
لصهر كان بينهما فأمر بمروان فوجئت عنقه ثم قال: بايعوا على أنكم خول ليزيد بن
معاوية، ثم أمر به فقتل 2.
ارسال الرؤوس إلى الخليفة يزيد:
قال ابن عبد ربه: وبعث مسلم بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلى يزيد، فلما
ألقيت بين يديه، جعل يتمثل بشعر ابن الزبعرى يوم أحد:
1. ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقعي الأسل
2. لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا: يا يزيد لا تشل
فقال له رجل من أصحاب رسول الله (ص): ارتددت عن الاسلام يا
أمير المؤمنين! قال: بلى نستغفر الله، قال: والله لا أساكنك أرضا أبدا، وخرج عنه 3.
وفي رواية ابن كثير، جاء بعد البيت الأول:
حين حلت بقباء بركها * واستحر القتل في عبد الأشل
قد قتلنا الضعف من أشرافهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
ثم قال: وزاد بعض الروافض فيها فقال:

1) تاريخ الطبري 7 / 11 - 2.
2) الاخبار الطوال ص 265.
3) العقد الفريد 4 / 390.
190

لعبت هاشم بالملك فلا * ملك جاء ولا وحي نزل
قال ابن كثير بعده: فهذا ان قاله يزيد بن معاوية فلعنة الله عليه ولعنة اللاعنين
وان لم يكن قاله فلعنة الله على من وضعه عليه 1.
قال المؤلف: قد وهم ابن كثير وظن أنهم قالوا: أضاف يزيد هذا البيت على
شعر ابن الزبعرى في هذا المقام فأنكره بينما هم لم ينقلوا ذلك وإنما روى الشعبي وغيره
أن يزيد أضاف هذا البيت على شعر ابن الزبعرى عندما تمثل بشعره ورأس الحسين
بين يديه ولم يكن الشعبي رافضيا ولا شيعيا وإنما كان من كبار المتعصبين لمدرسة
الخلافة. ولست أدرى لماذا لم يعتذر ابن كثير عن يزيد ويقول: انه مجتهد وانه أنشد هذا
البيت باجتهاده؟!

1) ابن كثير 8 / 224، وفى رواية الدينوري بأخبار الطوال ص 267.
191

في سبيل طاعة الخليفة
مسير جيش الخلافة إلى مكة ومناجاة أميره ساعة الاحتضار ووصيته:
قال الطبري وغيره: ولما فرغ مسلم من قتال أهل المدينة وانهاب جنده
أموالهم ثلاثا، شخص بمن معه من الجند متوجها إلى مكة حتى إذا انتهى إلى المشلل،
نزل به الموت وذلك في آخر المحرم من سنة 64 ه‍ فدعا حصين بن نمير السكوني فقال له:
يا ابن برذعة الحمار! أما والله لو كان هذا الامر إلي ما وليتك هذا الجند ولكن
أمير المؤمنين ولاك بعدي وليس لأمر أمير المؤمنين مرد، فاحفظ ما أوصيك به! عم
الاخبار ولا ترع سمعك قرشيا أبدا! ولا تردن أهل الشام عن عدوهم! ولا تقيمن الا
ثلاثا حتى تناجز ابن الزبير الفاسق! ثم قال: اللهم إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة
أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أحب ولا أرجى عندي في الآخرة 1.
وفي لفظ ابن كثير: أحب إلي من قتل أهل المدينة وأجزى عندي في الآخرة
وان دخلت النار بعد ذلك اني لشقي! ثم مات 2
وفي تاريخ اليعقوبي، قال: اللهم ان عذبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن
معاوية وقتل أهل الحرة فاني إذا لشقي 3
وفي فتوح ابن أعثم أن مسلم بن عقبة قال في وصيته للحصين بن نمير: فانظر أن
تفعل في أهل مكة وفي عبد الله بن الزبير كما رأيتني فعلت بأهل المدينة. ثم جعل يقول:
اللهم انك تعلم أني لم أعص خليفة قط، اللهم إني لا اعمل عملا أرجو به النجاة الا

1) تاريخ الطبري 7 / 14، وابن الأثير 3 / 49، وابن كثير 8 / 225.
2) تاريخ ابن كثير 8 / 225.
3) تاريخ اليعقوبي 2 / 251.
192

ما فعلت بأهل المدينة. ثم اشتد به الامر فمات فغسلوه وكفنوه ودفنوه، وبايع الناس
للحصين بن نمير السكوني من بعده، وسار القوم يريدون مكة، وخرج أهل ذلك المنزل
فنبشوه من قبره وصلبوه على نخلة. قال: وبلغ ذلك أهل العسكر فرجعوا إلى أهل ذلك
المنزل فوضعوا السيف فيهم، فقتل منهم من قتل وهرب الباقون، ثم أنزلوه من النخلة
فدفنوه ثم أجلسوا على قبره من يحفظه 1.
جيش الخلافة يحرق الكعبة في حرب ابن الزبير وينشد الأراجيز:
قال المسعودي: فسار الحصين حتى أتى مكة وأحاط بها وعاذ ابن الزبير
بالبيت الحرام ونصب الحصين في من معه من أهل الشام المجانيق والعرادات على
البيت ورمى مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتان وغير ذلك من المحروقات
فانهدمت الكعبة واحترقت البنية.
ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المنجنيق أحد عشر رجلا فكان ذلك
يوم السبت لثلاث خلون من ربيع الأول وقبل وفاة يزيد بأحد عشر يوما واشتد الامر
على أهل مكة وابن الزبير، واتصل الأذى بالأحجار والنار والسيف فقال راجزهم:
ابن نمير بئسما تولى * قد أحرق المقام والمصلى 2
وقال اليعقوبي: رمى حصين بن نمير بالنيران حتى أحرق الكعبة، وكان
عبيد الله بن عمير الليثي قاص ابن الزبير إذا تواقف الفريقان قام على الكعبة فنادى
بأعلى صوته يا أهل الشام هذا حرم الله الذي كان مأمننا في الجاهلية يأمن فيه الطير
والصيد، فاتقوا الله يا أهل الشام، فيصيح الشاميون: الطاعة الطاعة، الكر الكر،
الرواح قبل المساء، فلم يزل على ذلك حتى احترقت الكعبة فقال أصحاب ابن الزبير:
نطفئ النار. فمنعهم وأراد أن يغضب الناس للكعبة. فقال بعض أهل الشام إن الحرمة
والطاعة اجتمعتا فغلبت الطاعة الحرمة 3!!
وفي تاريخ الخميس وتاريخ الخلفاء للسيوطي: واحترقت من شرارة نيرانهم
أستار الكعبة وسقفها وقرنا الكبش الذي فدى الله إسماعيل وكان معلقا في

1) فتوح ابن أعثم 5 / 301.
2) مروج الذهب 3 / 71 - 72.
3) تاريخ اليعقوبي 2 / 251 - 252.
193

الكعبة 1!!
وقال الطبري وغيره: أقاموا عليه يقاتلونه بقية المحرم وصفر كله حتى إذا
مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع الأول يوم السبت سنة 64 ه‍ قذفوا البيت بالمجانيق
وحرقوه بالنار وأخذوا يرتجزون ويقولون:
خطارة مثل الفنيق المزبد * نرمي بها أعواد هذا المسجد
ويقول راجزهم:
كيف ترى صنيع أم فروة * تأخذهم بين الصفا والمروة
يعني ب‍ " أم فروة " المنجنيق.
قالوا: واستمر الحصار إلى مستهل ربيع الاخر حين جاءهم نعي يزيد وأنه
قد مات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول 2.
وفي تاريخ الطبري وغيره: بينا حصين بن نمير يقاتل ابن الزبير إذ جاء موت
يزيد، فصاح بهم ابن الزبير وقال: ان طاغيتكم قد هلك فمن شاء منكم أن يدخل في
ما دخل فيه الناس فليفعل، فمن كره فليلحق بشامه فغدوا عليه يقاتلونه فقال ابن الزبير
للحصين بن نمير: ادن مني أحدثك فدنا منه فحدثه فجعل فرس أحدهما يجفل، الجفل:
الروث، فجاء حمام الحرم يلتقط من الجفل فكف الحصين فرسه عنهن، فقال له
ابن الزبير: مالك؟ قال: أخاف أن يقتل فرسي حمام الحرم، فقال له ابن الزبير، أتحرج
من هذا وتريد أن تقتل المسلمين؟ فقال: لا أقاتلك فاذن لنا نطف بالبيت وننصرف
عنك. ففعل، قالوا: فأقبل الحصين بمن معه نحو المدينة.
قالوا: واجترأ أهل المدينة وأهل الحجاز على أهل الشام، فذلوا حتى كان
لا ينفرد منهم رجل الا أخذ بلجام دابته ثم نكس عنها! فكانوا يجتمعون في معسكرهم فلا
يفترقون، وقالت لهم بني أمية: لا تبرحوا حتى تحملونا معكم إلى الشام ففعلوا، فمضى ذلك
الجيش حتى دخل الشام 3.

1) تاريخ الخميس 2 / 303، تاريخ السيوطي ص 9.
2) تاريخ الطبري 7 / 14 - 15، وابن الأثير 4 / 49، وابن كثير 8 / 225.
3) تاريخ الطبري 7 / 16 - 17 في ذكر حوادث سنه 65 ه‍. ذكر الطبري وغيره محادثات أخرى بين
ابن الزبير والحصين لم تكن ثمة حاجة لذكرها وإنما ذكرنا رجوع الجيش إلى الشام بإيجاز.
194

الحجاج يرمي الكعبة ثانية:
قال ابن الأثير وغيره: ارسل عبد الملك بن مروان الحجاج لحرب ابن الزبير
بمكة فنزل الطائف وأمده بطارق فقدم المدينة في ذي القعدة سنة 72 ه‍ وأخرج عامل
ابن الزبير عنها وجعل عليها رجلا من أهل الشام اسمه ثعلبة، فكان ثعلبة يخرج المخ
على منبر النبي (ص) يأكله ويأكل عليه التمر ليغيظ أهل المدينة 1.
وقال الدينوري: فقال الحجاج لأصحابه: تجهزوا للحج وكان ذلك في أيام
الموسم ثم سار من الطائف حتى دخل مكة ونصب المنجنيق على أبي قبيس فقال
الأقيشر الأسدي:
لم أر جيشا غر بالحج مثلنا * ولم أر جيشا مثلنا غير ما خرس
دلفنا لبيت الله نرمي ستوره * بأحجارنا زفن الولائد في العرس
دلفنا له يوم الثلاثاء من منى * بجيش كصدر الفيل ليس بذي رأس
فإلا ترحنا من ثقيف وملكها * نصل لأيام السباسب والنحس
فطلبه الحجاج فهرب وأناخ الحجاج بابن الزبير، وتحصن منه ابن الزبير في
المسجد واستعمل الحجاج على المنجنيق ابن خزيمة الخثعمي فجعل يرمى أهل المسجد
ويقول:
خطارة مثل الفنيق الملبد * نرمي بها عواذ أهل المسجد 2
قال المسعودي: وكتب الحجاج إلى عبد الملك بحصار ابن الزبير وظفره بأبي
قبيس فلما ورد كتابه كبر عبد الملك، فكبر من معه في داره، واتصل التكبير بمن في
جامع دمشق فكبروا، واتصل ذلك بأهل الأسواق فكبروا، ثم سألوا عن الخبر فقيل
لهم: ان الحجاج حاصر ابن الزبير بمكة وظفر بأبي قبيس، فقالوا: لا نرضى حتى يحمله
إلينا مكبلا على رأسه برنس على جمل يمر بنا في الأسواق هذا الترابي الملعون 3!
كان " أبو تراب " كنية الإمام علي كناه بها رسول الله فاتخذها بنو أمية نبزا
للامام وسموا شيعته ترابيا بهذا المناسبة، وأصبح هذا اللقب في عرف آل أمية وشيعتهم
طعنا فنبزوا بها ابن الزبير أيضا.

1) تاريخ ابن الأثير 3 / 135.
2) الاخبار الطوال ص 314.
3) مروج الذهب 3 / 113.
195

قال ابن الأثير: قدم الحجاج مكة في ذي القعدة وقد أحرم بحجة فنزل بئر
ميمون وحج بالناس في تلك السنة الحجاج الا أنه لم يطف الكعبة ولا سعى بين الصفا
والمروة، منعه ابن الزبير من ذلك.
قال: ولم يحج ابن الزبير ولا أصحابه لأنهم لم يقفوا بعرفة ولم يرموا الجمار.
قال: ولما حضر الحجاج ابن الزبير، نصب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به
الكعبة وكان عبد الملك ينكر ذلك أيام يزيد بن معاوية، ثم أمر به، فكان الناس يقولون
خذل في دينه 1.
وقال الذهبي: وألح عليه الحجاج بالمنجنيق وبالقتال من كل وجه وحبس
عنهم الميرة فجاعوا، وكانوا يشربون من زمزم فتعصبهم وجعلت الحجارة تقع في
الكعبة 2.
قال ابن كثير: وكان معه خمس مجانيق فالح عليها بالرمي من كل مكان. ثم
ذكر مثل قول الذهبي 3.
احتراق الكعبة ونزول الصواعق:
وفي تاريخ الخميس بسنده قال: إن الحجاج رمى الكعبة بالحجارة والنيران
حتى تعلقت بأستار الكعبة واشتعلت فجاءت سحابة من نحو جدة مرتفعة يسمع منها
الرعد ويرى فيها البرق واستوت فوق الكعبة والمطاف فأطفأت النار وسال الميزاب في
الحجر ثم عدلت إلى أبي قبيس فرمت بالصاعقة وأحرقت منجنيقهم قدر كوة وأحرقت
تحته أربعة رجال، فقال الحجاج لا يهولنكم هذا فإنها أرض صواعق فأرسل الله صاعقة
أخرى، فأحرقت المنجنيق وأحرقت معه أربعين رجلا 4.
وقال الذهبي: وجعل الحجاج، يصيح بأصحابه: يا أهل الشام، الله الله في
الطاعة 5.
وروى الطبري وغيره عن يوسف بن ماهك قال: رأيت المنجنيق يرمى به
فرعدت السماء وبرقت وعلا صوت الرعد والبرق على الحجارة فاشتمل عليها فأعظم ذلك

1) تاريخ ابن الأثير 4 / 136.
2) تاريخ الاسلام للذهبي 3 / 114.
3) ابن كثير 8 / 329.
4) الطبري 7 / 202 في ذكر حوادث سنة 73 ه‍.
5) الذهبي، تاريخ الاسلام 3 / 114.
196

أهل الشام، فأمسكوا بأيديهم فرفع الحجاج بركة قبائه فغرزها في منطقته ورفع حجر
المنجنيق فوضعه فيه، ثم قال ارموا ورمى معهم، قال: ثم أصبحوا فجاءت صاعقة
تتبعها أخرى فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا فانكسر أهل الشام فقال الحجاج: يا
أهل الشام! لا تنكروا هذا فاني ابن تهامة هذه صواعق تهامة هذا الفتح قد حضر
فأبشروا ان القوم يصيبهم مثل ما أصابكم فصعقت من الغد فأصيب من أصحاب ابن
الزبير عدة فقال الحجاج: ألا ترون أنهم يصابون وأنتم على الطاعة وهم على خلاف
الطاعة 1.
وجاء في تاريخ ابن كثير بعده: وكان أهل الشام يرتجزون وهم يرمون
بالمنجنيق ويقولون:
مثل الفنيق المزبد، نرمي بها أعواد هذا المسجد.
فنزلت صاعقة على المنجنيق فأحرقته فتوقف أهل الشام عن الرمي والمحاصرة
فخطبهم الحجاج، فقال: ويحكم! ألم تعلموا أن النار كانت تنزل على من قبلنا فتأكل
قربانهم إذا تقبل منهم؟ فلولا ان عملكم مقبول ما نزلت النار فأكلته 2.
وفي فتوح أعثم: أمر الحجاج أصحابه أن يتفرقوا من كل وجه من ذي طوى،
ومن أسفل مكة، ومن قبل الأبطح، فاشتد الحصار على عبد الله بن الزبير وأصحابه
فنصبوا المجانيق وجعلوا يرمون البيت الحرام بالحجارة وهم يرتجزون بالاشعار. وتقع
الحجارة في المسجد الحرام كالمطر، وكان رماة المنجنيق إذا ونوا وسكتوا ساعة فلم يرموا
يبعث إليهم الحجاج فيشتمهم، ويتهددهم بالقتل، فأنشأ بعضهم يقول:
لعمر أبي الحجاج لو خفت ما أرى * من الامر ما أمسيت تعذلني
- الأبيات
نشيد الحجاج عندما رأى البيت يحترق:
قال: فلم يزل الحجاج وأصحابه يرمون بيت الله الحرام بالحجارة حتى انصدع
الحائط الذي على بئر زمزم عن آخره، وانتقضت الكعبة من جوانبها.
قال: ثم أمرهم الحجاج فرموا بكيزان النفط والنار حتى احترقت الستارات
كلها فصارت رمادا، والحجاج واقف ينظر في ذلك كيف تحترق الستارات وهو يرتجز

1) الطبري ط / اروبا 2 / 844 - 845، ابن كثير 8 / 329.
2) تاريخ الخميس 2 / 305.
197

ويقول:
أما تراها ساطعا غبارها * والله في ما يزعمون جارها
فقد وهت وصدعت أحجارها * ونفرت، منها معها أطيارها
وحان من كعبتها دمارها * وحرقت منها معا أستارها
لما علاها نفطها ونارها 1
قال الطبري وغيره واللفظ للطبري: فلم تزل الحرب بين ابن الزبير والحجاج
حتى كان قبيل مقتله، وقد تفرق عنه أصحابه، وخرج عامة أهل مكة إلى الحجاج في
الأمان وخذله من معه خذلانا شديدا، حتى خرج إلى الحجاج نحو من عشرة آلاف،
وفيهم ابناه حمزة وخبيب فأخذا منه لأنفسهما أمانا.
نهاية أمر ابن الزبير وارسال الرؤوس إلى يزيد:
فقاتل قتالا شديدا حتى قتل وبعث الحجاج برأس ابن الزبير و عبد الله بن
صفوان وعمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة فنصبت بها، ثم ذهب بها إلى عبد الملك ابن
مروان 2.
وفي تاريخ ابن كثير: وأرسل بالرؤوس مع رجل من الأزد وأمرهم إذا مروا
بالمدينة أن ينصبوا الرؤوس بها ثم يسيروا بها إلى الشام ففعلوا ما أمرهم وأعطاه عبد الملك
خمسمائة دينار، ثم دعا بمقراض فأخذ من ناصيته ونواصي أولاده فرحا بمقتل ابن
الزبير!
قال: ثم أمر الحجاج بجثة ابن الزبير فصلبت على ثنية كذا عند الحجون،
يقال: منكسة: ثم أنزل عن الجذع ودفن هناك 3.
قال الذهبي: واستوثق الامر لعبد الملك بن مروان واستعمل على الحرمين
الحجاج بن يوسف، فنقض الكعبة التي من بناء ابن الزبير وكانت تشعثت من
المنجنيق وانفلق الحجر الأسود من المنجنيق فشعبوه 4.

1) فتوح ابن أعثم 6 / 275 - 276.
2) تاريخ الطبري 8 / 202 - 205.
3) تاريخ ابن كثير 8 / 332، وفى فتوح ابن أعثم 6 / 279 أكد انه صلبه منكوسا.
4) تاريخ الاسلام للذهبي 3 / 115.
198

الحجاج يختم أعناق أصحاب النبي (ص):
وقال الطبري بعده: ثم انصرف إلى المدينة في صفر فأقام بها ثلاثة أشهر
يتعبث بأهل المدينة ويتعنتهم وبنى بها مسجدا في بني سلمة فهو ينسب إليه واستخف
فيها بأصحاب رسول الله (ص) فختم في أعناقهم، وكان جابر بن عبد الله مختوما في يده
وأنس مختوما في عنقه يريد أن يذله بذلك.
وأرسل إلى سهل بن سعد فدعاه فقال: ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان
بن عفان، قال: قد فعلت، قال: كذبت ثم أمر به فختم في عنقه برصاص 1.
انتهاء ثورة الحرمين وقيام ثورات أخرى:
هكذا انتهت ثورة الحرمين وثارت معها وبعدها بلاد أخرى، مثل ثورة التوابين
في سنة خمس وستين في الكوفة الذين خرجوا ينادون: يا لثارات الحسين! وقاتلوا جيش
الخلافة بعين الوردة حتى استشهدوا، ثم ثورة المختار في الكوفة سنة ست وستين، وقيامه
بقتل قتلة الحسين (ع).
ثم ثورات العلويين مثل زيد الشهيد وابنه يحيى 2 وأخيرا ثورة العباسيين
وقيامهم باسم الدعوة لآل محمد، وتهديمهم الخلافة الأموية وإقامتهم الخلافة العباسية
بهذا الاسم، فقد كان أبو سلمة الخلال يسمى: وزير آل محمد، وأبو مسلم: أمير
آل محمد!
ولما قتل أبو سلمة، قال الشاعر:
ان الوزير وزير آل محمد * أودى فمن يشناك كان وزيرا 3
الثائرون أضعفوا الخلافة والأئمة (ع) أعادوا أحكام الاسلام:
وقعت كل تلكم الثورات اثر استشهاد الحسين (ع) ومن قبل القائمين بها في

1) تاريخ الطبري 7 / 206 في ذكر حوادث سنة 74 ه‍.
2) راجع تاريخ الطبري، وابن الأثير، وابن كثير في ذكرهم حوادث سنى 65 و 66 - 67 و
121 - 122 و 125.
3) تاريخ اليعقوبي 2 / 345 و 352 - 353، وابن الأثير 5 / 144 و 148 في ذكر حوادث سنة
130 ه‍، ومروج الذهب 3 / 286.
199

جانب. وفي جانب آخر استطاع الأئمة على اثر استشهاد الحسين أن يجددوا شريعة
جدهم سيد الرسل بعد اندراسها ونشطت مدرستهم في نشر احكام الاسلام كما يأتي
بيانه في الباب التالي.
200

معالم المدرستين
القسم الأول
البحث الخامس
إعادة أئمة أهل البيت (ع)
سنة الرسول (ص) إلى المجتمع بعد قيام الإمام الحسين (ع)
الفصل الأول: نتيجة استشهاد الإمام الحسين (ع)
الفصل الثاني: تقييم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت (ع)
الفصل الثالث: رأيا المدرستين في تقييم كتب الحديث
201

معالم المدرستين - القسم الأول
البحث الخامس
الفصل الأول
نتيجة استشهاد الإمام الحسين (ع)
203

نتيجة لكل ما سبق ذكره تيقظت ضمائر بعض أبناء الأمة الاسلامية من
سباتها العميق واشمأزت نفوسهم من أوضاع الخلافة وانتشر حب آل بيت النبي في
الأوساط الاسلامية غير المنتفعة بالحكم وفي خلال المصارعة بين الأمويين والعباسيين
حول الخلافة فسح المجال للواعين منهم ان يلتفوا حول الامامين الباقر والصادق (ع)
ومن ثم تمكن الإمامان نشر الاحكام الاسلامية التي جاء بها رسول الله (ص)
وبيان زيف الاحكام المحرفة، ودحض الشبهات المثارة حول بعض الآيات القرآنية.
فعلا ذلك تارة بالرواية عن كتاب علي " الجامعة "، وأخرى بالتحديث عن رسول الله، أو
ببيان حكم الله دونما ذكر سند له، وفي هذا الصدد أتيحت الفرصة للإمام الصادق،
أكثر من غيره من سائر أئمة أهل البيت فاجتمع حوله في بعض الأحيان آلاف من رواد
العلوم الاسلامية ورواة أحاديثه وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقاة
على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف 1، مثل الحافظ أبي العباس
ابن عقدة (ت: 333 ه‍) الذي صنف كتابا جمع فيه رواة حديثه، وانهاهم إلى أربعة
آلاف 2.

1) راجع الارشاد للشيخ المفيد (ت 413 ه‍) ص 254 منه، وإعلام الورى ص 276 تأليف الفضل
الطبرسي من اعلام القرن السادس.
2) ابن عقدة الحافظ أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني الكوفي كان زيديا جاروديا (ت: 333 ه‍) من
مؤلفاته: كتاب أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق أربعة آلاف رجل خرج فيه لكل رجل الحديث الذي
رووه - ترجمته في الكنى والألقاب 1 / 346.
205

وفي عصر الإمام الكاظم (ع) كان جماعة من أصحابه وأهل بيته وشيعته
يحضرون مجلسه ومعهم في اكمامهم ألواح آبنوس لطاف، واميال فإذا نطق أبو الحسن
بكلمة أو أفتى في نازلة أثبتوا ما سمعوه منه في ذلك.
هكذا دون أصحاب الأئمة ما سمعوه منهم وبلغت مؤلفاتهم الآلاف نجد تراجمها
في فهرستي النجاشي والشيخ الطوسي وكل واحد منهما يروى تلك الكتب عن مؤلفيها
بسنده الخاص إليهم.
وفي عصر الأئمة دون أصحابهم الأصول والأصل في اصطلاح المحدثين من
مدرسة أهل البيت هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها هو عن
المعصوم أو عن الراوي عن المعصوم ولم ينقل فيه الحديث عن كتاب مدون. وكان من
دأب أصحاب الأصول انهم إذا سمعوا من أحد الأئمة حديثا بادروا إلى اثباته في أصولهم
لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كله بتمادي الأيام واستقر أمر المتقدمين على أربعمائة
أصل مما دون منذ عصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى عصر أبي محمد الحسن
العسكري وسميت بالأصول الأربعمائة، وجل الأصول الأربعمائة دونت من قبل
أصحاب الإمام الصادق سواء أكانوا مختصين به أو ممن أدركوا أباه الإمام الباقر أو ممن
أدركوا ولده الإمام الكاظم (ع) بعده 1.
كيف اخذ المصنفون من رسائل أصحاب الأئمة وأصولهم
لمعرفة كيفية اخذهم من الأصول ومدونات أصحاب الأئمة ندرس في كتب
المشايخ الثلاثة كيفية اخذهم من " أصل ظريف " أو كتاب الديات رواية ظريف بن

1) وأول موسوعة حديثية جامعة الفت بمدرسة أهل البيت هو كتاب الكافي الفه ثقة الاسلام أبو جعفر
محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني (ت: 329 أو 28 ه‍) حاول مؤلفه ان يجمع فيه الأصول والمدونات
الحديثية الصغيرة الأخرى وجاب من اجله البلاد في عشرين سنة.
واخذ من الكافي ومن الأصول والمدونات الحديثية الأخرى الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه القمي (ت: 381 ه‍) الروايات الخاصة بالفقه والف فقيه من لا يحضره الفقيه وهو أول
موسوعة حديثية في فقه مدرسة أهل البيت ونحا نحوه من بعده الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
(ت: 460 ه‍) في كتابه تهذيب الأحكام الذي شرح فيه مقنعة الشيخ المفيد ثم في كتابه الاستبصار في ما
اختلف من الاخبار وسميت هذه الكتب بالكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة وأصبحت مدار البحث في
الحلقات التدريسية بمدرسة أهل البيت منذ تأليفها حتى اليوم شأنها في ذلك شأن الصحاح الستة بمدرسة الخلفاء
عدا ان مدرسة أهل البيت لا تلتزم بصحة جميع ما في كتاب ما عدا كتاب الله جل جلاله.
206

ناصح، بعد تعريف ظريف واصله في ما يلي:
ظريف بن ناصح وأصله أو كتابه:
أ - ظريف بن ناصح:
كان أبوه بياع الأكفان 1 أدرك ظريف الإمام الباقر 2.
قال النجاشي في ترجمته: كوفي نشأ ببغداد وكان ثقة في حديثه صدوقا 3.
وله كتب أخرى ذكرها النجاشي والشيخ في ترجمته وروايات الكتاب
منتشرة في الموسوعات الحديثية ذكرها الأردبيلي في ترجمته بجامع الرواة.
ب - أصل ظريف:
ليس ما يسمى بأصل ظريف أو كتاب في الديات تأليف ظريف وإنما هو
كتاب كتبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأمرائه ورؤساء اجناده كما يعرف ذلك من
سند رواية الكليني (د) 4 عن أبي عمرو المتطبب، قال:
عرضته على أبي عبد الله، قال - أي عرضت كتاب الديات موضوع البحث
على أبي عبد الله الصادق فقال في تعريف الكتاب -:
أفتى أمير المؤمنين، فكتب الناس فتياه، وكتب به أمير المؤمنين إلى أمرائه
رؤوس أجناده... الحديث.
وفي سند رواية الكليني (ج) عن محمد بن عيسى وعن يونس جميعا، قالا:
عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين على أبي الحسن الرضا، فقال هو صحيح...
الحديث.
يتضح من هذه الروايات وغيرها ان كتاب ديات ظريف إنما نسب إليه
لرواية جمع من المشايخ عنه 5، وقد صرح بذلك الشيخ الطوسي في ترجمة محمد بن

1) ترجمته بجامع الرواة 1 / 423.
2) ترجمته بمجمع الرجال 3 / 232.
3) ترجمته برجال النجاشي ص 156.
4) قسمنا روايات الكافي عن ظريف إلى خمسة:
أ - ما ورد في 7 / 311 منه، و ب - ما في 7 / 324، و ج - ما في 7 / 327، ود - ما في 7 / 330 -
342 منه و (ه‍) رواية الفقيه.
5) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 / 161 في البحث عن الأصول.
207

أبي عمرو حيث قال: محمد بن أبي عمرو الطبيب، كوفي، روى كتاب الديات عن
أبي عبد الله (ع) وهو المنسوب إلى ظريف بن ناصح، لأنه طريقه 1
ويستفاد أيضا من تلك الاسناد، خاصة ما ورد في سند حديث الكافي (د) عن
الإمام الصادق ان بعض شيعة الإمام علي في عصره كانوا قد كتبوا الكتاب عن املائه
أو خطه.
ويظهر أيضا من تلك الروايات ان كتاب الديات هذا لم يكن جزءا من كتاب
الجامعة للإمام علي، وإنما سمي في الروايات بكتاب الديات وكتاب ما أفتى به عن
أمير المؤمنين وكتاب الفرائض عن أمير المؤمنين. وهو أيضا غير صحيفة الفرائض عن
أمير المؤمنين في المواريث والتي كانت بخط أمير المؤمنين.
هذا ما وجدنا عن ظريف واصله اما سند المصنفين إلى رواة الكتاب فإنه
يتصل بالأئمة بسلسلة متصلة الحلقات كما يلي:
اسناد المصنفين إلى كتاب الديات رواية ظريف:
تتصل اسناد المشايخ في روايتهم كتاب الديات الذي كان باملاء أمير المؤمنين
باثنين من أئمة أهل البيت: أ - الإمام الصادق، ب - الإمام الرضا.
وندرس في ما يلي اسناد المشايخ إلى كل امام على حدة:
1 - اسنادهم إلى الإمام الصادق (ع):
تنقسم اسناد الكتاب إلى الإمام الصادق إلى مجموعتين نوردهما في ما يلي:
اسناد المجموعة الأولى:
وردت اسناد المجموعة الأولى في روايات الشيخ الكليني والشيخ الطوسي
كما يلي:
أولا - الشيخ الكليني:
قال الكليني في باب " ما يمتحن به من يصاب في سمعه... "
من كتاب الديات في الكافي: 1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن

1) مجمع الرجال 5 / 117.
208

الحسن بن ظريف، عن أبيه ظريف بن ناصح، عن رجل يقال له: عبد الله بن أيوب،
قال: حدثني أبو عمرو المتطبب، قال: عرضت هذا الكتاب على أبي عبد الله (ع)..
الحديث 1.
وقصد الكليني من عدة من أصحابنا في طريق سهل بن زياد بكتاب الكافي:
علي بن محمد بن إبراهيم، علان ومحمد بن الحسن الصفار ومحمد بن جعفر أبي عبد الله
الأسدي ومحمد بن عقيل الكليني 2.
روى الكليني بهذا السند هنا بعض احكام الديات من الكتاب المذكور.
وروى في " باب آخر " من نفس الكتاب كثيرا من احكام الديات من
الكتاب المذكور بنفس السند وفي لفظه (حدثني رجل يقال له عبد الله بن أيوب قال:
حدثني أبو عمرو المتطبب، قال: عرضته على أبي عبد الله (ع) قال: أفتى به
أمير المؤمنين (ع) فكتب إلى أمرائه ورؤوس جنادة فمما كان فيه ان أصيب شفر العين
فشتر... الحديث 3.
وتبعه الشيخ الطوسي في التهذيب 4 في باب (ديات الأعضاء والجوارح...)
وقال: " سهل بن زياد " ثم أورد سند الكليني بلفظه، وفي لفظ الحديث عند الطوسي:
" أفتى أمير المؤمنين فكتب الناس فتياه وكتب أمير المؤمنين به إلى أمرائه ورؤوس اجناده
فمما كان فيه: ان أصيب شفر العين.. " الحديث إلى آخر دية الشتر والحاجب، وإنما قلنا
تبع الشيخ الطوسي الشيخ الكليني في هذه الرواية لأنه قال في مشيخة تهذيب الأحكام
5.
وما ذكرته عن سهل بن زياد فقد رويته بهذه الأسانيد عن محمد بن يعقوب
اي الكليني.
وأورد الكليني أيضا بنفس السند في باب " القسامة " ما يخص القسامة 6

1) الكافي 7 / 324.
2) وفى جامع الرواة 2 / 465 " علي بن محمد بن علان " خطأ والتصويب من مجمع الرجال 7 / 201،
ومستدرك الوسائل 3 / 541.
3) الكافي 7 / 330 - 342.
4) تهذيب الشيخ الطوسي 10 / 258.
5) مشيخة تهذيب الأحكام ص 54 - 55.
6) الكافي 7 / 362 - 363.
209

وهكذا وزع الكليني كتاب الديات على أبواب كتاب الكافي.
اما الشيخ الطوسي فقد أورد بعضه في أبواب التهذيب متفرقا وأورد جميع الكتاب
مرة واحدة كما يأتي ذكره:
ثانيا الشيخ الطوسي:
قال الشيخ الطوسي في باب " ديات الشجاج... " من كتاب التهذيب:
2 - محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ظريف بن ناصح.
3 - وروى أحمد بن محمد بن يحيى عن العباس بن معروف عن الحسن بن
علي بن فضال عن ظريف بن ناصح.
4 - وعلي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال عن ظريف بن ناصح.
5 - وسهل بن زياد عن الحسن بن ظريف عن أبيه ظريف بن ناصح.
6 - ورواه محمد بن الحسن بن الوليد عن أحمد بن إدريس عن محمد بن حسان
الرازي عن إسماعيل بن جعفر الكندي عن ظريف بن ناصح، قال: حدثني رجل يقال
له: عبد الله بن أيوب، قال: حدثني أبو عمرو المتطبب، قال: عرضت هذه الرواية على
أبي عبد الله (ع).
ثم أورد بعدها اسناد الرسالة إلى الإمام الرضا (ع) ثم أورد جميع كتاب
الديات 1.
في هذه الأسانيد:
أولا: محمد بن الحسن بن الوليد. قال الشيخ في مشيخة التهذيب: وما ذكرته
عن محمد بن الحسن بن الوليد فقد اخبرني به الشيخ أبو عبد الله - المفيد - عن أبي جعفر
محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن الحسن بن الوليد 2.
ثانيا: أحمد بن محمد بن يحيى. قال الشيخ الطوسي في رجاله: أخبرنا عنه
الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين ابن أبي جيد القمي وسمع منه سنة ست وخمسين
وثلاثمائة 3.

1) تهذيب الأحكام 10 / 295 - 308. 2) مشيخة التهذيب ص 75.
3) مجمع الرجال 1 / 168، وفى مشيخة التهذيب ص 34 وأخبرني به أيضا الحسين بن عبيد الله
وأبو الحسين بن أبي الجيد القمي جميعا عن أحمد بن محمد بن يحيى.
210

ثالثا: علي بن إبراهيم. قال الشيخ الطوسي في مشيخة التهذيب 1: وما ذكرته
عن علي بن إبراهيم بن هاشم فقد رويته بهذه الأسانيد عن محمد بن يعقوب اي الكليني.
رابعا: سهل بن زياد. وسبق قولنا فيه ان الشيخ - أيضا ينقل روايته عن
الكافي.
خامسا: محمد بن الحسن بن الوليد. وسبق القول فيه.
المجموعة الثانية:
تنحصر برواية الشيخ الصدوق ومن تبعه: قال الشيخ الصدوق في باب " دية
جوارح الانسان... " من كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه:
7 - روى الحسن بن علي بن فضال عن ظريف بن ناصح عن عبد الله بن
أيوب، قال: حدثني حسين الرواسي عن ابن أبي عمرو الطبيب، قال: عرضت هذه
الرواية على أبي عبد الله (ع) فقال: نعم هي حق وقد كان أمير المؤمنين (ع) يأمر عماله
بذلك، قال: أفتى (ع) في كل عظم له مخ... الحديث.
روى الشيخ الصدوق هنا كتاب الديات عن الحسن بن علي بن فضال وقال
في مشيخة كتابه: وما كان فيه عن الحسن بن علي بن فضال فقد رويته عن أبي - علي بن
الحسين بن بابويه القمي - رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد
بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال 2.
أورد الشيخ الصدوق بهذا السند في هذا الباب جميع كتاب الديات أو فرائض
على في اثنتي عشر صفحة من أخريات كتابه 3.
اسناد أخرى للكتاب إلى ظريف فحسب
قال الشيخ الطوسي بترجمة ظريف من الفهرست:
8 - له كتاب الديات أخبرنا به الشيخ المفيد أبو عبد الله رحمه الله عن
أبي الحسين أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد.
9 - وأخبرنا ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن

1) مشيخة التهذيب ص 29.
2) مشيخة كتاب الفقيه بآخر المجلد الرابع منه ص 95.
3) فقيه من لا يحضره الفقيه ج 4 / 54 - 66.
211

عيسى عن الحسن بن علي بن فضال، عنه 1.
10 - وقال أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي
(ت: 405 ه‍) في ترجمة ظريف من رجاله: له كتب، منها كتاب الديات رواه عدة من
أصحابنا.
11 - أخبرنا عدة من أصحابنا عن أبي غالب أحمد بن محمد، قال: قرأ على
عبد الله بن جعفر وانا اسمع، قال: حدثنا الحسن بن ظريف، عن أبيه به 2.
* * *
انتهت اسناد المشايخ في روايتهم الكتاب عن الإمام الصادق إلى عشرة أسانيد
حسب احصائنا لها في مصنفاتهم، وتنقسم سلاسل اسنادهم إلى الإمام الصادق إلى
قسمين:
أ - من ظريف إلى الإمام الصادق. ب - من المشايخ إلى ظريف.
أ - أسناد الكتاب من ظريف إلى الإمام الصادق (ع)
ورد سند ظريف إلى الإمام الصادق (ع) في المجموعة الأولى كما يلي: ظريف بن
ناصح عن عبد الله بن أيوب عن أبي عمرو المتطبب عن الإمام الصادق وفي المجموعة
الثانية: ظريف بن ناصح، عن عبد الله بن أيوب عن حسين الرواسي، عن ابن
أبي عمرو الطبيب عن الإمام الصادق.
ورد في سند المجموعة الثانية " حسين الرواسي وابن أبي عمرو " بين عبد الله بن
أيوب وأبي عمرو، بينا لم يرد اسماهما في سند المجموعة الأولى، ونرى أن منشأ ذلك أولا
سقوط لفظ (ابن) قبل (أبي عمرو) من نسخهم وبذلك أصبح (أبو عمرو) الأب هو
الراوي عن الإمام الصادق وهو المتطبب، بينا الراوي عن الامام كان ابنه محمد بن
أبي عمرو، وكان من أصحاب الصادق 3 وكان هو الطبيب كما ورد في ترجمته بمجمع
الرجال وجامع الرواة نقلا عن رجال الشيخ قال: محمد بن أبي عمرو الطبيب كوفي
روى كتاب الديات عن أبي عبد الله (ع) وهو المنسوب إلى ظريف بن ناصح، لأنه

1) فهرست الشيخ الطوسي ص 112.
2) رجال النجاشي ص 156.
3) رمز في ترجمته ب‍ " ق " إلى أنه من أصحاب الصادق كما هو ديدنهم، ونقل ذلك في الذريعة
ج 2 / 161 عن رجال الشيخ الطوسي.
212

طريقه 1.
هذا عن ابن أبي عمرو، اما رواية عبد الله بن أيوب في المجموعة الثانية عن
حسين الرواسي عن ابن أبي عمرو، وفي المجموعة الأولى عن ابن أبي عمرو بلا واسطة
فذلك يعني ان ابن أيوب يروى الكتاب عن الرواسي عن ابن أبي عمرو تارة، وأخرى
عن ابن أبي عمرو مباشرة وقد ورد نظير ذلك في رواية الاقران كثيرا ويبين الجدول الآتي
سند ظريف إلى الإمام الصادق (ع) لدى المجموعة الأولى والثانية:
أ - جدول سند المجموعة الأولى:
الإمام الصادق
محمد بن أبي عمرو الطبيب 2
عبد الله بن أيوب
ظريف بن ناصح
ب - جدول سند المجموعة الثانية:
الإمام الصادق
محمد بن أبي عمرو الطبيب
حسين الرواسي
عبد الله بن أيوب
ظريف بن ناصح

1) ترجمته بمجمع الرجال 5 / 117 وجامع الرواة 2 / 50.
2) كتبنا محمد بن أبي عمرو بناء على ما رجحناه من أن اسمه سقط سهوا لديهم كما بيناه في محله.
213

ب - أسناد الكتاب من المشايخ إلى ظريف
أوردنا آنفا اسناد المجموعتين إلى ظريف ونكتفي هنا بايرادهما في جدولين
ليسهل البحث حولهما:
أ - جدول أسناد المجموعة الأولى:
أولا: سند الشيخ الكليني:
ظريف بن ناصح
الحسن بن ظريف
سهل بن زياد
علي بن محمد، علان محمد بن جعفر محمد بن الحسن محمد بن عقيل
أبو عبد الله الأسدي الصفار الكليني
أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني في كتابه الكافي
214

ثانيا: أسناد الشيخ الطوسي:
ظريف بن ناصح
الحسن بن علي بن فضال إسماعيل بن جعفر الكندي الحسن بن ظريف الحسن بن علي بن فضال
العباس بن معروف أحمد بن محمد بن عيسى محمد بن حسان الرازي سهل بن زياد إبراهيم بن هاشم
أحمد بن محمد بن يحيى محمد بن الحسن الصفار أحمد بن إدريس عدة من أصحابنا 1 علي بن إبراهيم
الحسين أبو الحسين محمد بن الحسن بن الوليد الكليني في الكافي
بن عبيد الله ابن أبي الجيد أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين جعفر بن محمد بن قولويه 2
الشيخ المفيد
الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب التهذيب

1) سبق شرحها في اسناد المجموعة الأولى.
2) ذكر الشيخ الطوسي في مشيخة التهذيب ص 8 انه يروى الكافي عن الشيخ المفيد عن أبي جعفر عن الكليني.
215

ب - جدول سند المجموعة الثانية:
سند الشيخ الصدوق:
ظريف بن ناصح
الحسن بن علي بن فضال
أحمد بن محمد بن عيسى
سعد بن عبد الله
علي بن الحسين بن بابويه
محمد بن علي بن الحسين الصدوق في فقيه من لا يحضره الفقيه
* * *
كانت هذه سلسلة أسانيد المشايخ إلى الإمام الصادق في رواية كتاب الديات
قضاء أمير المؤمنين وفي ما يلي اسنادهم إلى الإمام الرضا (ع).
ب - اسنادهم إلى الإمام الرضا في روايتهم كتاب الديات:
يروى المشايخ كتاب الديات الذي كان بخط الإمام علي أو باملائه عن
الإمام الرضا بثلاثة أسانيد:
216

أولا: سند الحسين بن علي المشهور بابن فضال:
1 - اخرج الكليني في عدة أبواب من كتابه الكافي اقساما من رواية كتاب
الديات عن ابن فضال هذا، منها ما في باب " دية الجراحات ".
اخرج فيه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن ابن فضال،
قال: عرضت الكتاب على أبي الحسن، فقال: هو صحيح. " قضى أمير المؤمنين في دية
جراحات الأعضاء كلها... ثم أورد قسما من كتاب الديات " 1.
وتبعه الشيخ الطوسي وأورد هذا القسم من كتاب الديات، في باب ديات
الشجاج من تهذيبه بلفظ الكليني في سنده ومتنه 2.
ثانيا - سند يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين:
روى الكليني في باب " ما يمتحن به من يصاب... " من كتابه الكافي: عن
علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس. قال يونس: عرضت عليه الكتاب،
فقال: " هو صحيح ". وأورد من الكتاب ما يخص كيفية امتحان من أصيب في
إحدى عينيه 3.
وتبعه الشيخ الطوسي وأورده بلفظ الكليني في سنده ومتنه بباب " ديات
الأعضاء والجوارح... " من كتاب التهذيب 4.
ويجمع المشايخ بين السندين في جل ما أوردوه في روايتهم الكتاب عن الإمام الرضا.
في المثال الأول، قال الكليني والطوسي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن
عيسى، عن يونس عن أبي الحسن (ع). وعنه عن أبيه، عن ابن فضال، قال: عرضت
الكتاب على أبي الحسن، فقال: هو صحيح...
وفي المثال الثاني، قالا: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس.
وعن أبيه عن ابن فضال جميعا عن أبي الحسن الرضا (ع). قال يونس: عرضت عليه

1) الكافي 7 / 327.
2) التهذيب للشيخ الطوسي 10 / 292.
3) الكافي 7 / 324.
4) تهذيب الشيخ الطوسي 10 / 267.
217

الكتاب فقال هو صحيح...
وكذلك فعل الكليني في " باب آخر " من كتاب الديات وقال: علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال. ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعا، قالا: عرضنا
كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين (ع) على أبي الحسن الرضا (ع) فقال " هو
صحيح "...
ثم أورد قسما كبيرا من كتاب الديات في هذا الباب 1 وتبعه الشيخ الطوسي في
ايراد أحد اسناد الكليني وما فيه بيان دية شتر العين وفقد الحاجب من أول ما أورده
الكليني 2.
وفي باب " القسامة " من الكافي أيضا أورد الكليني من الكتاب ما يخص
القسامة بالسندين المذكورين 3.
وقال الكليني في باب " ما تجب فيه الدية كاملة من الجراحات... ": علي بن
إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس. وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن
محمد بن عيسى، عن يونس. انه عرض على أبي الحسن الرضا كتاب الديات، وكان
فيه ذهاب السمع...
ثم أورد من الكتاب ما يخص الباب وبعد انتهائه من ايراد ما أراد، قال: علي،
عن أبيه، عن ابن فضال، عن الرضا مثله 4.
وتبعه الشيخ الطوسي في باب ديات الأعضاء والجوارح.. من التهذيب وأورد
هذا القسم مما أورده الكليني هنا بسنده ومتنه 5.
امتاز هذا الحديث على ما سبقه بروايته عن محمد بن عيسى بطريقين:
أ - علي بن إبراهيم.
ب - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد.
وروى الشيخ في كتاب التهذيب بباب " الحوامل والحمول.. " وفي

1) الكافي 7 / 330 - 342، وأورد أحيانا مع ما في كتاب الديات روايات أخرى تناسب الباب.
2) تهذيب الشيخ الطوسي 10 / 258، أورد سند الكليني إلى الإمام الصادق ولم يورد سنده إلى الإمام الرضا.
3) الكافي 7 / 362 - 363.
4) الكافي 7 / 311.
5) تهذيب الشيخ الطوسي 10 / 245.
218

الاستبصار بباب " دية الجنين "، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال،
ومحمد بن عيسى، عن يونس، جميعا، قالا: عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين على
أبي الحسن (ع) قال " هو صحيح ". وكان مما فيه: ان أمير المؤمنين جعل دية الجنين
مائة دينار... 1
وقال الشيخ الطوسي أيضا في باب " ديات الشجاج وكسر العظام... " من
التهذيب بعد ايراده اسناده إلى الإمام الصادق: وروى علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن
فضال، ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعا، عن الرضا (ع) قالا: عرضنا عليه الكتاب،
فقال: نعم هو حق 2، وقد كان أمير المؤمنين يأمر عماله بذلك... الحديث 3.
ثالثا: رواية الحسن بن الجهم:
قال الكليني في باب " ما يمتحن به من يصاب في سمعه... " عدة من
أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن ظريف... إلى قوله، حدثني أبو عمرو
المتطبب، قال: عرضت هذا الكتاب على أبي عبد الله (ع). وعلي بن فضال عن الحسن
بن الجهم، قال عرضته على أبى الحسن الرضا (ع) فقال لي: ارووه فإنه صحيح، ثم ذكر
مثله 4.
قصد الكليني ان عدة من أصحابنا رووا عن سهل بن زياد، عن الحسن بن
ظريف رواية عرض الكتاب على الإمام الصادق.
وان أولئك العدة من أصحابنا أيضا رووا عن سهل بن زياد عن علي بن
فضال رواية عرض الكتاب على الإمام الرضا، وهذا دأب الكليني وسائر المشايخ
المحدثين في اختصار السند وحذف صدر السند الثاني إذ كان قد ورد في صدر الحديث
السابق.
وقصد الكليني من علي بن فضال: علي بن الحسن بن علي فضال فهذا
روى بواسطة الحسن بن الجهم عن الإمام الرضا، وروى أبوه الحسن بن علي بن فضال

1) تهذيب الشيخ 10 / 285، والاستبصار 4 / 299.
2) في الأصل " هو نعم حق " ورأينا الصواب " نعم هو حق " كما ورد في رواية الصدوق في الفقيه
نظيره.
3) تهذيب الشيخ الطوسي 10 / 295 - 308.
4) الكافي 7 / 324.
219

عن الإمام الرضا بلا واسطة كما مر بيانه في بحث السند الأول.
كان هذا ما وجدنا من اسناد كتاب الديات إلي الإمام الرضا (ع) كما تبينه
الجداول الثلاثة الآتية:
أ - سلسلة سند الحسن بن علي بن فضال
الإمام الرضا
الحسن بن علي بن فضال
إبراهيم بن هاشم
علي بن إبراهيم بن هاشم
الشيخ الكليني في كتاب الكافي
الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار
220

ب - سلسلة سند يونس بن عبد الرحمن
الإمام الرضا
يونس بن عبد الرحمن
محمد بن عيسى
علي بن إبراهيم سهل بن زياد
علي بن محمد، علان محمد بن جعفر محمد بن الحسن محمد بن عقيل
أبو عبد الله الأسدي الصفار الكليني
الشيخ محمد بن يعقوب الكليني في الكافي
الشيخ الطوسي في الاستبصار والتهذيب
221

ج - سلسلة سند الحسن بن الجهم
الإمام الرضا
الحسن بن الجهم
علي بن الحسن بن علي بن فضال
سهل بن زياد
علي بن محمد، علان محمد بن جعفر محمد بن الحسن محمد بن عقيل
أبو عبد الله الأسدي الصفار الكليني
الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني في الكافي
222

سلسلة رواة كتاب الديات عن الامام على
الإمام علي أبو الحسنين صاحب كتاب الجامعة
الأئمة من ولده ورثة أمراؤه وشيعته
كتاب الجامعة
الإمام الصادق
الإمام الرضا محمد بن أبي عمرو المتطبب
الرواسي
الحسن بن علي بن فضال يونس بن عبد الرحمن الحسن بن الجهم عبد الله بن أيوب
إبراهيم بن هاشم محمد بن عيسى علي بن فضال ظريف بن ناصح
اسناد المشايخ الثلاثة إلى الأئمة
223

خلاصة البحث
ان كتاب الديات المنسوب إلى ظريف بن ناصح، كان الامام قد كتبه
بخطه أو انه كان قد املاه، وكتب به إلى أمرائه وكتبه شيعته وتوارثوه جيلا بعد جيل
حتى إذا انتهوا إلى عصر الإمام الصادق عرضوه عليه فقال عن الرواية: " نعم هو حق
وقد كان أمير المؤمنين يأمر عماله بذلك "
وفي رواية: أفتى أمير المؤمنين فكتب الناس فتياه وكتب أمير المؤمنين به إلى
أمرائه ورؤوس أجناده.
ثم تسلسل الرواة عن الإمام الصادق حتى عصر المشايخ وفي هؤلاء الرواة من
أدرك الإمام الرضا وعرض الكتاب عليه، فقال لأحدهم: نعم هو حق قد كان
أمير المؤمنين يأمر عماله بذلك!
وقال للثاني: هو صحيح.
وقال للثالث: ارووه فإنه صحيح.
ثم تسلسل الرواة أيضا عن الامام إلى المشايخ، وادرجه المشايخ في الكتب
الأربعة: الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار.
فرق الكليني الكتاب على أبواب الديات في الكافي. وأورد الصدوق جميعه مرة
واحدة وفى باب واحد من الفقيه.
وأورد الشيخ الطوسي جميعه في مكان واحد من التهذيب وأورده أيضا متفرقا
في أبواب مختلفة منه.
224

وأورد قسما منه في باب واحد من الاستبصار.
تسلسلت روايات المشايخ إلى الأئمة في نقل كتاب الديات عنهم واوردوا
أحاديث أخرى عن الأئمة في نفس مواضيع كتاب الديات، وبنفس المغزى مثاله ما قاله
الكليني في باب " دية الجنين ":
وبهذا الاسناد، اي بالاسناد الذي أورده في أول الباب إلى الامامين: الصادق
والرضا في نقل كتاب الديات، قال:
1 - وبهذا الاسناد عن أمير المؤمنين (ع) قال: جعل دية الجنين مائة دينار
وجعل مني الرجل إلى أن يكون جنينا خمسة أجزاء فإذا كان جنينا قبل أن تلجه
الروح مائة دينار وذلك أن الله عز وجل خلق الانسان من سلالة وهي النطفة فهذا
جزء، ثم علقة فهو جزءان، ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء، ثم عظما فهو أربعة أجزاء، ثم
يكسى لحما فحينئذ تم جنينا فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار والمائة دينار خمسة أجزاء
فجعل للنطفة خمس المائة عشرين دينارا وللعلقة خمسي المائة أربعين دينارا وللمضغة
ثلاثة أخماس المائة ستين دينارا وللعظم أربعة أخماس المائة ثمانين دينارا فإذا كسي
اللحم كانت له مائة دينار كاملة فإذا نشأ فيه خلق آخر وهو الروح، فهو حينئذ نفس
فيه ألف دينار دية كاملة إن كان ذكرا وإن كان أنثى فخمسمائة دينار وإن قتلت
امرأة وهي حبلى فتم فلم يسقط ولدها ولم يعلم أذكر هو أم أنثى ولم يعلم أبعدها مات
أو قبلها فديته نصفان نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى ودية المرأة كاملة بعد ذلك
وذلك ستة أجزاء من الجنين، وأفتى (ع) في مني الرجل يفرغ من عرسه فيعزل عنها الماء
ولم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير وإذا أفرغ فيها عشرين دينارا، وقضى في دية
جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح الذكر والأنثى الرجل والمرأة
كاملة وجعل له في قصاص جراحته ومعقلته على قدر ديته وهي مائه دينار 1.
وورد أيضا في نفس الباب عن سعيد بن المسيب قال: سألت علي بن
الحسين (ع) عن رجل ضرب امرأة حاملا برجله فطرحت ما في بطنها ميتا فقال: إن
كان نطفة فإن عليه عشرين دينارا، قلت: فما حد النطفة؟ فقال: هي التي إذا وقعت في
الرحم فاستقرت فيه أربعين يوما، قال: وإن طرحته وهو علقة؟ فإن عليه أربعين
دينارا، قلت: فما حد العلقة؟ فقال: هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه ثمانين

1) الكافي 7 / 343.
225

يوما، قال: وإن طرحته وهو مضغة فإن عليه ستين دينارا، قلت: فما حد المضغة؟ فقال:
هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه مائة وعشرين يوما، قال: وإن طرحته وهو
نسمة مخلقة له عظم ولحم مزيل الجوارح قد نفخ فيه روح العقل فإن عليه دية كاملة...
الحديث 1.
وورد فيه عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يضرب
المرأة فتطرح النطفة؟ فقال: عليه عشرون دينارا، فقلت: يضربها فتطرح العلقة؟ فقال:
عليه أربعون دينارا، قلت: فيضربها فتطرح المضغة؟ قال: عليه ستون دينارا، قلت:
فيضربها فتطرحه وقد صار له عظم؟ فقال: عليه الدية كاملة، وبهذا قضى
أمير المؤمنين (ع)، قلت: فما صفة خلقة النطفة التي تعرف بها؟ فقال: النطفة تكون
بيضاء مثل النخامة الغليظة فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوما ثم تصير إلى
علقة، قلت: فما صفة خلقة العلقة التي تعرف بها؟ فقال: هي علقة كعلقة الدم المحجمة
الجامدة تمكث في الرحم بعد تحويلها عن النطفة أربعين يوما، ثم تصير مضغة: قلت: فما
صفة المضغة وخلقتها التي تعرف بها؟ قال: هي مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر
مشتبكة، ثم تصير إلى عظم، قلت: فما صفة خلقته إذا كان عظما؟ فقال: إذا كان
عظما شق له السمع والبصر ورتبت جوارحه فإذا كان كذلك فإن فيه الدية كاملة 2.
وعن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (ع) قال: دية الجنين خمسة أجزاء خمس
للنطفة عشرون دينارا، وللعلقة خمسان أربعون دينارا، وللمضغة ثلاثة أخماس ستون
دينارا، وللعظم أربعة أخماس ثمانون دينارا فإذا تم الجنين كانت له مائة دينار، فإذا
أنشأ فيه الروح فديته ألف دينار أو عشرة آلاف درهم إن كان ذكرا وإن كان أنثى
فخمسمائة دينار، وإن قتلت المرأة وهي حبلى فلم يدر أذكر كان ولدها أو أنثى فدية
الولد نصفان نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى وديتها كاملة 3.
* * *
في هذا المورد وجدنا الحكم المبين في حديث الإمام الصادق نظير الحكم
المشروح في حديث الإمام الباقر، والحكم في حديثيهما نظير الحكم في حديث الامام

1) الكافي 7 / 347.
2) الكافي 7 / 345.
3) الكافي 7 / 343.
226

السجاد والحكم في أحاديثهم هذه نظير ما في كتاب الديات الذي املاه الإمام علي،
وفي الباب أيضا حديثان آخران عن الامامين الباقر والصادق لا يختلفان عما سبق الا
بمقدار ما بين الموجز والمفصل والمجمل والمبين 1.
وكذلك نجد في باب " دية الجنين " ثلاثة أحاديث عن الإمام الصادق بمغزى
واحد، روى الأول أبو بصير عن أبي عبد الله، قال: إن ضرب رجل بطن امرأة حبلى
فألقت ما في بطنها ميتا فإن عليه غرة عبد أو أمة يدفعها إليها 2.
وروى الثاني داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (ع) قال: جاءت امرأة
فاستعدت على اعرابي قد افزعها فألقت جنينا فقال الاعرابي لم يهل ولم يصح ومثله يطل
فقال النبي (ص): اسكت سجاعة عليك غرة وصيف، عبد أو أمة 3.
وروى الثالث السكوني، عن أبي عبد الله (ع): قضى رسول الله (ص) في
جنين الهلالية حيث رميت بالحجر فألقت ما في بطنها غرة عبد أو أمة 4.
في هذا المورد، أفتى الإمام الصادق في الحديث الأول وبين حكم الله دون ان
ينسبه إلى أحد، وفي الحديث الثاني والثالث رواهما عن رسول الله مع بيان الحادث
الذي حكم فيه رسول الله.
ونجد نظير ما ذكرنا في كتاب الديات من الكافي كثيرا حيث نرى الحكم
الواحد مبينا في رواية ما عن أحد الأئمة تارة وأخرى يرويه الامام عن الإمام علي وثالثة
عن جدهم الرسول، كما ورد في الصفحات التالية من الجزء السابع من الكافي:
ص 265 و 266 و 268 و 269 و 281 و 284 و 285 و 320 و 323 و 326 و 329
و 331 و 333 و 334 و 353 - 357 و 360 و 364 - 368 و 370 و 371 و 373
و 375.
وكذلك الامر في غير كتاب الديات من الكافي وكذلك أيضا في غير الكافي
من الموسوعات الحديثية الامامية مثل الفقيه والتهذيب والاستبصار.
وإذا انتهينا في البحث عن كتاب الديات إلى هنا، لابد لنا عندئذ من التعرف
على الرجال الوسطاء بين المشايخ والأئمة في ما يلي:

1) الحديث السادس والثامن في الباب ص 344 و 345.
2) الحديث الرابع ص 344 من الكافي ج 7.
3) الكافي 7 / 343 الحديث الثالث.
4) الكافي 7 / 344 الحديث السابع.
227

معرفة رواة كتاب الديات
انقطعت صلة الرواة بمن أخذها عن الامام في عصر بني أمية على اثر نشاط
خلفاء بني أمية العدائي ضد الأئمة من آل علي وشيعتهم، حتى إذا كان عصر الإمام الصادق
، عرضوا الكتاب الذي ورثوه من أسلافهم عليه ومن بعده عرضوه على الإمام الرضا فتسلسل الرواة عنهما إلى المشايخ وفي ما يلي تعريف أولئك الرواة.
أ - من روى كتاب الديات من الإمام الصادق في المجموعة الأولى:
أولا: سند الشيخ الكليني في الكافي:
روى الشيخ الكليني كتاب الديات عن " عدة " عن سهل بن زياد. ومن
أولئك العدة:
1 - محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي:
قال النجاشي في ترجمة: أبو الحسين الكوفي، ساكن الري،. له... أخبرنا...
بجميع كتبه ومات سنة 312 ه‍.
وقال الطوسي: له كتاب... أخبرنا به جماعة... ورواياته بجامع الرواة 1.
ومنهم:
2 - محمد بن الحسن الصفار:
سبقت ترجمته.
ومنهم:

1) مجمع الرجال 5 / 177، وجامع الرواة 2 / 86.
228

3 - علي بن محمد بن ابان الرازي الكليني المعروف بعلان:
قال النجاشي في ترجمة الكليني: وكان خاله علان الكليني. وقال في ترجمة
علان: يكنى أبا الحسن، ثقة، عين، له كتاب اخبار القائم وقتل بطريق مكة. وفي
مجمع الرواة: ثقة، عين 1. ومنهم:
4 - محمد بن عقيل الكليني:
لم يفردوا له ترجمة لأنهم إنما يترجمون أصحاب الأصول والمدونات ولم يكن محمد
بن عقيل هذا من أصحاب المؤلفات وإنما هو من الرواة وذكر في مجمع الرجال وفي
جامع الرواة ما روى عنه من حديث 2.
وسهل بن زياد الآدمي:
قال النجاشي: أبو سعيد الرازي، له كتاب النوادر، أخبرناه...
وقال الشيخ الطوسي: له كتاب أخبرنا به... أدرك الإمام الجواد والهادي
وكاتب الإمام الحسن العسكري سنة 250 ه‍ وقد ضعفوه في الرواية 3.
وروى سهل بن الحسن بن ظريف:
قال النجاشي في ترجمته: أبو محمد، ثقة، والرواة عنه كثير: أخبرنا إجازة...
وقال الشيخ الطوسي في ترجمته: له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا...
وذكر الأردبيلي رواياته في جامع الرواة 4. وروى الحسن بن ظريف، عن أبيه ظريف
بن ناصح وسبقت ترجمته.
وروى ظريف بن ناصح عن عبد الله بن أيوب بن راشد الزهري:
قال النجاشي في ترجمته: بياع الزطي، روى عن جعفر بن محمد (ع). له
كتاب النوادر أخبرنا...
وقال الشيخ الطوسي في ترجمته: له كتاب رويناه عن جماعة... وتعريف
رواياته بجامع الرواة 5.

1) رجال النجاشي ص 292 وص 198، ومجمع الرجال 4 / 214، وجامع الرواة 1 / 596.
2) مجمع الرجال 5 / 265، وجامع الرواة 2 / 150.
3) رجال النجاشي ص 140، والفهرست ص 106، وجامع الرواة 1 / 393، ومجمع الرجال
3 / 179.
4 و 5) رجال النجاشي ص 146 وفهرست الطوسي ص 130 وجامع الرواة 1 / 477 و 1 / 474
ومجمع الرجال 3 / 256 و 2 / 117.
229

وروى ابن أيوب كتاب الديات عن محمد بن أبي عمرو الطبيب عن الإمام الصادق
وسبقت ترجمة ابن أبي عمرو.
ثانيا - سند الشيخ الطوسي
تنتهي اسناد الشيخ الطوسي إلى ظريف بثلاثة طرق:
1 - سند الشيخ الكليني الذي درسناه آنفا:
يتصل سند الشيخ الطوسي إلى الشيخ الكليني في رواية كتاب الكافي بواسطة
جماعة ذكرهم في مشيخة كتاب التهذيب، قال: فما ذكرنا في هذا الكتاب عن محمد بن
يعقوب الكليني (ره) فقد أخبرنا به الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ره) عن
أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (ره) عن محمد بن يعقوب و... 1 نكتفي بهذا السند
حسب وندرس الواسطتين فيه:
أ - الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان:
قال النجاشي: شيخنا واستاذنا (رض) فضله أشهر من أن يوصف في الفقه
والكلام والرواية والثقة والعلم له كتب... (ت: 413 ه‍).
سمعنا منه هذه الكتب كلها بعضها قراءة عليه وبعضها يقرأ عليه غير مرة 2.
ب - الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه:
قال النجاشي: كان أبو القاسم من ثقات أصحابنا واجلائهم في الحديث
والفقه روى عن أبيه وأخيه عن سعد وقال: ما سمعت من سعد الا أربعة أحاديث،
وعليه قرأ شيخنا أبو عبد الله الفقيه، ومنه حمل.
وله كتب... قرأت أكثر هذه الكتب على شيخنا أبي عبد الله (ره) وعلى
الحسين بن عبيد الله.
وقال الطوسي في الفهرست: ثقة، له تصانيف كثيرة على عدد أبواب الفقه
منها... وغير ذلك، وهي كثيرة، وله فهرست ما رواه من الكتب والأصول أخبرنا
برواياته، وفهرست كتبه جماعة، منهم...
وقال في رجاله: أخبرنا عنه محمد بن محمد بن النعمان - الشيخ مفيد - و...
مات سنة ثمان وستين وثلاثمائة. وعين في جامع الرواة من اخرج حديثه من

1) قاله الشيخ الطوسي في مشيخة كتابه التهذيب ص 5 - 23.
2) مجمع الرجال 6 / 33 - 38.
230

الصنفين 1.
2 - سند الطوسي بواسطة المفيد والصدوق:
روى الشيخ الطوسي عن شيخه المفيد والمفيد عن الشيخ أبي جعفر محمد بن
علي بن الحسين بن بابويه، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أحمد بن إدريس، عن
محمد بن حسان الرازي، عن إسماعيل بن جعفر الكندي، عن ظريف بن ناصح،...
أولا - الشيخ المفيد:
مضت ترجمته.
ثانيا - الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه بن موسى القمي نزيل الري:
قال النجاشي: شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان، وكان ورد بغداد سنة
خمس وخمسين وثلاثمائة وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن وله كتب كثيرة
منها...
أخبرنا بجميع كتبه، وقرأت بعضها على والدي علي بن أحمد بن العباس
النجاشي (ره) وقال لي: أجازني جميع كتبه لما سمعنا منه ببغداد ومات سنة
(381 ه‍).
وقال الشيخ في الفهرست: كان جليلا حافظا للأحاديث، بصيرا بالرجال،
ناقدا للاخبار لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة
مصنف...
أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة من أصحابنا منهم... كلهم عنه وذكر نظير
هذا القول في رجاله 2.
ثالثا - محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد:
قال النجاشي: أبو جعفر شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم، ثقة، ثقة، عين
مسكون إليه، له كتب منها... أخبرنا... بجميع كتبه وأحاديثه، مات سنة
(343 ه‍).
وقال الشيخ الطوسي في الفهرست: جليل القدر، عارف بالرجال، موثوق به،

1) فهرست الطوسي ص 67، ومجمع الرجال 2 / 37 - 38، وروضات الجنات 2 / 171، وجامع
الرواة 1 / 157 - 158.
2) مجمع الرجال 5 / 269 - 273، وجامع الرواة 2 / 154.
231

له كتب جماعة، منها... أخبرنا برواياته ابن أبي جيد عنه وأخبرنا جماعة عن...
وأخبرنا جماعة... عنه.. وقال نظير هذا في رجاله وعين الأردبيلي أماكن رواياته في
الكتب 1.
رابعا - أحمد بن إدريس:
قال النجاشي: أبو علي الأشعري القمي، كان ثقة، فقيها، في أصحابنا، كثير
الحديث، صحيح الرواية وله كتاب النوادر اخبرني عدة من أصحابنا إجازة توفى
بالقرعاء في طريق مكة سنة ست وثلاثمائة.
وقال الطوسي في الفهرست: له كتاب النوادر كبير، كثير الفوائد، أخبرنا
بسائر رواياته الحسين بن عبيد الله...
وقال في رجاله: وروى في رجاله عن التلعكبري أنه قال: سمعت منه
أحاديث يسيرة في دار ابن همام وليس لي منه إجازة. وفي جامع الرواة أماكن رواياته 2.
يعرف مما سبق ان النجاشي لم يسمع كتاب نوادره من شيخ، ولم يقرأه على
شيخ، وإنما له إجازة بروايته، وان الشيخ الطوسي سمع رواياته من شيوخه، عدا كتاب
النوادر، وهذا لا ينافي ان الشيخ الطوسي روى كتاب الديات، برواية ظريف بوسايط
عنه فان كتاب الديات كان من مروياته اللاتي اخبره بها أساتذته.
خامسا - محمد بن حسان الرازي الزينبي أو الزيني:
قال الشيخ في الفهرست: له كتب منها... أخبرنا به.
وقال النجاشي: له كتب منها... أخبرنا ابن شاذان عن... بكتبه. وذكر
صاحب جامع الرواة رواياته 3.
وإسماعيل بن جعفر الكندي:
لم يكن من أصحاب التواليف فلم يفردوا له ترجمة خاصة.
3 - سند الشيخ الطوسي إلى الحسن بن فضال ومنه إلى ظريف.
تتصل اسناد الشيخ الطوسي بالحسن بن فضال في ثلاث سلاسل:

1) النجاشي ص 297، وفهرست الطوسي ص 184، ومجمع الرجال 5 / 182 - 183، جامع الرواة
2 / 90.
2) مجمع الرجال 1 / 93 - 94، جامع الرواة 1 / 40 - 41.
3) مجمع الرجال 5 / 180، وجامع الرواة 2 / 88.
232

أولا - بواسطة الكليني في الكافي وهذا اسناده: روى الشيخ الطوسي عن
شيخه المفيد، عن شيخه جعفر بن محمد بن قولويه عن الشيخ الكليني في الكافي. ورواه
الكليني في الكافي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن علي
بن فضال، عن ظريف.
وفي ما يلي تراجم من لم يترجم له في ما سبق.
1 - علي بن إبراهيم بن هاشم القمي:
قال النجاشي: أبو الحسن ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب،
سمع فأكثر وصنف كتبا، له... أخبرنا... بإجازة سائر حديثه وكتبه.
وقال الطوسي: له كتب، منها... أخبرنا بجميعها جماعة... عن علي بن
إبراهيم الا حديثا واحدا استثناه من كتاب الشرائع في تحريم لحم البعير، وقال: لا
أرويه وروى حديث تزويج المأمون أم الفضل من محمد بن علي رويناه بالاسناد
الأول. وفي جامع الرواة تعريف برواياته 1.
2 - إبراهيم بن هاشم القمي:
قال النجاشي: كوفي انتقل إلى قم، وهو أول من نشر حديث الكوفيين بقم،
له كتب منها... أخبرنا... عن علي بن إبراهيم عن أبيه بها.
وقال الطوسي: ذكروا انه لقي الرضا والذي اعرف من كتبه... و... أخبرنا
بهما جماعة من أصحابنا منهم... كلهم عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه. وفي
جامع الرواة تعريف رواياته 2.
3 - الحسن بن علي بن فضال التيملي الكوفي:
قال الكشي: من أصحاب موسى بن جعفر (ع).
وقال النجاشي: من أصحاب الرضا، أخبرنا ابن شاذان... عن الحسن
بكتابه الزهد، وأخبرنا ابن شاذان عن... عنه بكتابه المتعة وكتاب الرجال
(ت: 224 ه‍).
وقال الشيخ الطوسي في الفهرست: كان خصيصا بالرضا له كتب، منها...

1) النجاشي ص 197، وفهرست الطوسي ص 115، وجامع الرواة 1 / 545. ومجمع الرجال
2 / 152.
2) مجمع الرجال 1 / 79 - 80، وجامع الرواة 1 / 38.
233

أخبرنا بجميع رواياته عدة من أصحابنا... عنه وأخبرنا... عنه. وفي جامع الرواة
تعريف رواياته 1.
ثانيا - سند الطوسي إلى ابن فضال بسلسلة ثانية غير سلسلة الكليني:
روى الشيخ الطوسي، عن الحسين بن عبيد الله، وأبي الحسين بن جيد
- كلاهما - عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن العباس بن معروف، عن الحسن بن علي
ابن فضال، عن ظريف بن ناصح.
وفي ما يلي تعريف رواة هذا السند:
1 - الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضايري:
قال النجاشي: أبو عبد الله شيخنا (ره) له كتب منها... أجازنا جميعها وجميع
رواياته (ت: 411 ه‍).
وقال الشيخ الطوسي في رجاله: سمعنا منه وأجاز لنا بجميع رواياته 2.
2 - علي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد القمي:
في جامع الرواة ومجمع الرجال: أبو الحسين شيخ النجاشي والطوسي.
وفي شرح مشيخة التهذيب: سمع أحمد بن محمد بن يحيى العطار سنة
(356 ه‍) وله منه إجازة... 3
3 - أحمد بن محمد بن يحيى العطار القمي:
قال الشيخ: أخبرنا عنه: الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين بن أبي جيد وسمع
منه سنة ست وخمسين وثلاثمائة وله منه إجازة وذكر طرقه إليه في مشيخة التهذيب.
وتعريف رواياته في جامع الرواة 4.
4 - والعباس بن معروف، أبو الفضل مولى جعفر بن عبد الله الأشعري من أصحاب الإمام الرضا والإمام الهادي:
قال النجاشي: قمي، ثقة له كتاب الأدب و... حدثنا بجميع حديثه

1) مجمع الرجال 2 / 182 - 183، وجامع الرواة 1 / 246.
2) رجال النجاشي ص 26 - 28، وفهرست الطوسي ص 73، وجامع الرواة 1 / 214، ومجمع
الرجال 2 / 131 - 137.
3) مجمع الرجال 4 / 164، وجامع الرواة 1 / 554، وشرح مشيخة التهذيب ص 34.
4) مجمع الرجال 1 / 167 - 168، ومشيخة التهذيب ص 34، وجامع الرواة 1 / 71.
234

ومصنفاته...
وقال الشيخ: له كتب عدة أخبرنا بها جماعة... وتعريف رواياته بجامع
الرواة 1.
ثالثا - الشيخ الطوسي إلى ابن فضال بسلسلة ثالثة غير سلسلة الكليني:
روى الشيخ الطوسي: عن الشيخ المفيد، عن أبي جعفر الصدوق عن محمد بن
الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن
بن علي بن فضال.
وفي ما يلي تعريف رجال السند:
أ - أحمد بن محمد بن عيسى، أبو جعفر الأشعري القمي:
قال النجاشي: شيخ القميين ووجههم وفقيههم. لقي الرضا وأبا جعفر الثاني
وأبا الحسن العسكري. له كتب، منها... أخبرنا بكتبه...
وقال الشيخ الطوسي: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدة من أصحابنا، منهم
ابن أبي جيد... وتعريف رواياته بجامع الرواة 2.
* * *
بالطرق الثلاث الآنفة روى الشيخ الطوسي، عن ظريف بن ناصح، عن
عبد الله بن أيوب، عن ابن أبي عمرو الطبيب، عن الإمام الصادق.
وكانت هذه اسناد المجموعة الأولى. ونذكر في ما يلي سلسلة سند المجموعة
الثانية:
سلسلة سند الشيخ الصدوق في كتابه الفقيه:
روى الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه، عن علي بن الحسين بن بابويه، عن
سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن
ظريف بن ناصح، عن عبد الله بن أيوب، عن حسين الرواسي، عن محمد بن أبي عمرو
الطبيب، عن الإمام الصادق.

1) مجمع الرجال 3 / 250، وجامع الرواة 1 / 423.
2) النجاشي ص 64، والفهرست ص 48 - 49، وجامع الرواة 1 / 69، ومجمع الرجال 1 / 161 -
165.
235

وسبق تعريف رواة هذه السلسلة عدا ثلاثة منهم، وهم:
1 - علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، أبو الحسن القمي:
قال النجاشي: شيخ القميين في عصره، وفقيههم، وثقتهم، له كتب، منها...
قدم بغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وأجاز فيها العباس به عمر الكلوذاني بجميع
كتبه وتوفي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.
وقال الطوسي: كان فقيها جليلا ثقة، له كتب كثيرة، منها... أخبرنا بجميع
كتبه ورواياته الشيخ المفيد... وعرف الأردبيلي رواياته بجامع الرواة 1.
2 - سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي:
قال النجاشي: شيخ هذه الطائفة وفقيهها، ووجيهها، سمع من حديث العامة
شيئا كثيرا وصنف كتبا كثيرة، وقع إلينا منها... أخبرنا بكتبه... و... قالا: حدثنا
سعد بكتبه، قال الحسين بن عبيد الله الغضايري: جئت بكتابه المنتخبات إلى
أبي القاسم بن قولويه (ره) أقرؤها عليه، فقلت: حدثك سعد؟ فقال: لا، بل حدثني أبي
وأخي، عنه، وانا لم اسمع من سعد الا حديثين (ت: 301 أو 299 ه‍).
وقال الشيخ الطوسي: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدة من أصحابنا، عن
محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه. ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن
رجاله.
قال محمد بن علي بن الحسين: الا كتاب المنتخبات فاني لم اروه عن محمد بن
الحسن الا اجزاء قرأتها عليه، وأعلمت على الأحاديث التي رواها محمد بن موسى...
وفي جامع الرواة تعيين رواياته 2.
3 - حسين بن عثمان بن زياد الرواسي:
روى عنه الكشي في رجاله ص 236، وذكره مع غيره في ص 372 منه، ثم
قال: كلهم فاضلون، خيار، ثقات.
وقال الشيخ الطوسي في فهرسته: له كتاب، رويناه بالاسناد وعين الأردبيلي
رواياته في كتب الحديث 3.

1) مجمع الرجال 4 / 186 - 188، وجامع الرواة 1 / 574.
2) مجمع الرجال 3 / 105 - 107، وجامع الرواة 1 / 355 - 356.
3) فهرست الشيخ الطوسي ص 82، ومجمع الرجال 2 / 186، وجامع الرواة 1 / 247. ونقصد من
" رجال الكشي " اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي، ط. دانشگاه مشهد سنة 1348 ه‍.
236

أوردنا في ما سبق تعريف سلسلة رواة كتاب الديات عن الإمام الصادق، وفي
ما يلي نعرف سلسلة رواة الكتاب عن الإمام الرضا.
يرتفع سند الكتاب إلى الإمام الرضا بثلاث طرق:
أ - سلسلة الرواة عن الحسن بن علي بن فضال:
روى الشيخ الطوسي بسنده عن الشيخ الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه
إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن علي بن فضال، عن الإمام الرضا. وقد سبقت
تراجمهم.
ب - سلسلة الرواة عن يونس بن عبد الرحمن:
وهم: الشيخ الطوسي بسنده، عن الشيخ الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن
سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الإمام الرضا. وعن
علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى كذلك.
وفي هذا السند:
1 - محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، مولى أسد خزيمة:
قال النجاشي: أبو جعفر، جليل في أصحابنا، ثقة. عين، كثير الرواية، حسن
التصانيف، سكن بغداد، وروى عن أبي جعفر الثاني - الإمام الجواد - مكاتبة
ومشافهة، له من الكتب...
ثم ذكر سنده في رواية كتبه إلى الحميري الذي قال: حدثنا محمد بن عيسى
بكتبه ورواياته.
وروى النجاشي عن أحمد بن محمد، عن سعد، عنه بالمسائل.
وذكر الشيخ الطوسي في الفهرست كتبه، وقال: أخبرنا بها جماعة عن...
وعين الأردبيلي أماكن رواياته في الكتب 1.
2 - يونس بن عبد الرحمن، مولى علي بن يقطين، مولى بني أسد:
قال النجاشي: كان وجها في أصحابنا، متقدما، عظيم المنزلة، ولد في أيام
هشام بن عبد الملك ورأي جعفر بن محمد (ع) ولم يرو عنه، وروى عن الامامين: موسى

1) مشيخة تهذيب الأحكام ص 83 ومجمع الرجال 6 / 17 - 18 وجامع الرواة 2 / 166.
237

بن جعفر وابنه الرضا، كان الرضا يشتر إليه في العلم والفتيا.
له تصانيف كثيرة، منها... ثم ذكر سنده في رواية الكتب إلى محمد بن عيسى
الذي قال: حدثنا يونس بجميع كتبه.
وقال الشيخ في الفهرست: له كتب كثيرة أكثر من ثلثين... أخبرنا بجميع
كتبه ورواياته جماعة... واحصى الأردبيلي رواياته مع تعيين أماكنها 1.
ج - سلسلة الرواة عن الحسن بن جهم:
روى الشيخ الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن
الحسن بن علي بن فضال، عن الحسن بن الجهم، عن الإمام الرضا.
وعلي بن الحسن بن فضال مولى عكرمة بن ربعي الفياض:
في رجال الكشي: لم يكن كتاب عن الأئمة (ع) في كل صنف الا وقد كان
عنده.
قال النجاشي: أبو الحسن، كان فقيه أصحابنا بالكوفة، ووجههم، وثقتهم،
وعارفهم بالحديث، والمسموع قوله فيه، سمع منه شيئا كثيرا، ولم يعثر له على زلة فيه
ولا ما يشينه، وقل ما روى عن ضعيف، وكان فطحيا ولم يرو عن أبيه شيئا، قال:
كنت أقابله وسني ثمان عشرة سنة بكتبه ولا افهم ادراك الروايات، ولا استحل أن
أرويها عنه، وروى عن أخويه، عن أبيهما. وقد صنف كتبا كثيرة، ومنها ما وقع إلينا
كتاب...
وقال: ورأيت جماعة من شيوخنا يذكرون: ان الكتاب المنسوب إلى علي بن
الحسن بن فضال المعروف بأصفياء أمير المؤمنين، موضوع عليه، لا أصل له، قالوا: وهذا
الكتاب الصق روايته إلى أبي العباس بن عقدة وابن الزبير، ولم نر أحدا ممن روى عن
هذين الرجلين، يقول: قرأته على الشيخ، غير أنه يضاف إلى كل رجل منهما بالإجازة،
حسب.
قصد النجاشي: ان كتاب " أصفياء أمير المؤمنين " إنما روي إجازة عن ابن
عقدة وابن الزبير عن ابن فضال، ولم نجد أحدا من تلامذة الرجلين يقول: قرأته عليهما

1) رجال النجاشي ص 349 والفهرست ص 211 ومجمع الرجال 6 / 293 - 307 وجامع الرواة
2 / 356 - 358.
238

إذا لم يتصل سند الكتاب قراءة إلى ابن فضال.
ثم قال النجاشي: قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة، ومناسك
الحج، والصيام... على أحمد بن عبد الواحد في مدة سمعتها معه
وقرأت انا كتاب الصيام عليه في مشهد العتيقة، عن ابن الزبير، عن علي بن
الحسن. وأخبرنا بسائر كتب ابن فضال بهذه الطريق.
إذا فالشيخ النجاشي سمع قراءة زميله كتب ابن فضال على شيخه. كما قرأ
الشيخ النجاشي أيضا بنفسه كتب ابن فضال على شيخه في مشهد العتيقة، ثم قال
النجاشي: وأخبرنا محمد بن جعفر في آخرين عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن علي بن
الحسن بكتبه.
يعنى النجاشي: أن محمد بن جعفر كان قد أخذ عن أحمد بن محمد بن سعيد
وهذا عن ابن فضال كتبه وأخبر محمد بن جعفر بهذا السند جماعة بكتب ابن فضال
كان من ضمنهم النجاشي وبهاتين الطريقين روى الشيخ النجاشي كتب ابن فضال.
وقال الطوسي في الفهرست: كوفي، ثقة، كثير العلم، واسع الاخبار، جيد
التصانيف، غير معاند وكان قريب الامر إلى أصحابنا الإمامية القائلين بالاثني عشر،
عليهم السلام، وكتبه مستوفاة في الاخبار، حسنة، وقيل: إنها ثلثون كتابا، منها...
أخبرنا بكتبه قراءة عليه أكثرها، والباقي إجازة أحمد بن عبدون عن علي بن
محمد بن الزبير سماعا وإجازة عن علي بن الحسن بن فضال. وذكر الأردبيلي رواياته
في جامع الرواة 1.
والحسن بن الجهم:
قال النجاشي: الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الشيباني الزراري. أبو محمد،
ثقة روى عن أبي الحسن موسى والرضا، له كتاب... أخبرناه عدة من أصحابنا...
وقال الطوسي في الفهرست: له مسائل، أخبرنا بها... وبحث الأردبيلي في
جامع الرواة عن رواياته 2.

1) رجال النجاشي ص 195 - 196، وفهرست الطوسي ص 118، وجامع الرواة 1 / 569 ومجمع
الرجال 4 / 180 - 182.
2) رجال النجاشي ص 40، وفهرست الطوسي 72، وجامع الرواة 1 / 191، ومجمع الرجال 2 / 100
- 101.
239

تداخل الاسناد وتشابكها:
وجدنا في ما سبق:
أ - أن عبد الله بن أيوب يروي الكتاب عن أ - حسين الرواسي، عن ابن
أبي عمرو تارة، ب - وأخرى عن ابن أبي عمرو نفسه.
ب - وان الحسن بن علي بن فضال، يروي الكتاب عن الإمام الصادق عن
طريق ظريف بن ناصح. وأخرى يعرض الكتاب بنفسه على الإمام الرضا ويرويه عنه.
ج - وأن سهل بن زياد يروي الكتاب عن الحسن بن ظريف، عن أبيه
ظريف، عن أيوب، عن ابن أبي عمرو المتطبب، عن الإمام الصادق. كما يرويه عن
محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الإمام الرضا.
د - وان محمد بن الحسن الصفار، يروي عن: أحمد بن عيسى، عن الحسن بن
علي بن فضال، عن ظريف. وسهل بن زياد، عن الحسن بن ظريف، عن ظريف بسنده
إلى الإمام الصادق. كما روى عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن
الإمام الرضا.
ه‍ - وان علي بن إبراهيم يروي عن أبيه، عن الحسن بن فضال، عن ظريف
بسنده عن الإمام الرضا. كما يروي عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن الإمام الرضا.
و - وان محمد بن الحسن بن الوليد، يروي عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن
حسان عن إسماعيل، عن ظريف. وعن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن عيسى،
عن الحسن بن فضال، عن ظريف بسنده إلى الإمام الصادق.
ز - وان الشيخ الكليني يروي: بأربعة أسانيد، عن سهل. وبسندين عن محمد
ابن عيسى ويونس. وينتهي بثلاثة أسانيد إلى الإمام الرضا.
ح - وان الشيخ الصدوق يروي عن محمد بن الحسن بطريقيه السابقين، إلى
الإمام الصادق والى الإمام الرضا. وهكذا تتداخل الأسانيد، وتتشابك في رواية أمثال
كتاب الديات. ومن ثم يعلم أن ضعف أحد الرواة في سند ما، يجبر بتسلسل رواة
عدول في السند الآخر.
أضف إليه انه أحيانا كان عندهم الأصل أو الكتاب الذي يأخذون عنه،
مشتهرا في عصرهم، متواترا نقله عن مؤلفه، مثل اشتهار الكتب الأربعة: الكافي والفقيه
والتهذيب والاستبصار اليوم لدينا، ولم يكونوا بحاجة إلى اثبات الكتاب إلى مؤلفه،
240

وإنما كانوا يذكرون اتصال سندهم قراءة إلى مؤلفه، وأحيانا إجازة بواسطة أو بوسائط
مضافا إلى اتصال سندهم قراءة بوسائط أخرى.
وكذلك يعلم أن انقطاع سند هذا الكتاب إلى أبي الأئمة: الإمام علي لا يقدح
في صحة انتسابه إليهم بعد اتصال سلاسل اسناده إلى الامامين الصادق والرضا.
* * *
هكذا ادخل أصل ظريف، أو بالأحرى كتاب الديات برواية ظريف في
الموسوعات الحديثية وأصبح جزءا من آحادها وانتهى إلينا بواسطتها، مع بقاء أصله
منفردا بين أيدي المحدثين، يرويه محدث، عن محدث، حيث قال: الشيخ أبو زكريا
يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن الهذلي المولود بالكوفة (601 ه‍) و (ت: 689 أو
690 ه‍) بالحلة 1، في آخر باب الديات من كتابه " جامع الشرايع ":
فصل فلما انتهيت إلى هنا، وهو المقصود بالكتاب، سأل من وجب حقه،
اثبات كتاب الديات لظريف بن ناصح (ره) باسناده وأجبته إلى ذلك وها انا ذاكره
على وجهه إن شاء الله تعالى. اخبرني...
ثم أورد أسانيده البالغة ثمانية إلى الشيخ الكليني والطوسي، مثل قوله: اخبرني
الشيخ محمد بن أبي البركات بن إبراهيم الصنعاني في شهر رجب سنة ست وثلاثين
وستمائة، عن الشيخ أبي عبد الله الحسين بن هبة الله بن رطبة السوراوي، عن أبي علي،
عن ولده الشيخ أبي جعفر الطوسي 2.
وقال شيخنا صاحب الذريعة: و " نسخة الجامع " هذه التي عليها خط
المؤلف، وقد قرئت عليه موجودة في مكتبة سيدنا الحسن صدر الدين بالكاظمية وهذا
صورة خطه: " أنهاه قراءة وسماعا له، وفقه الله وإيانا لمرضاته بمحمد وآله وكتب يحيى
بن سعيد في ج 2 / 681 ".
وقال النوري في شرح حال الكتب ومؤلفيها من خاتمة مستدرك الوسائل 3:
كتاب الديات هو من الأصول المشهورة واعتمد عليها المشايخ.

1) الذريعة 5 / 61 في ترجمة جامع الشرايع.
2) مستدرك البحار 3 / 308.
3) تأليف الحاج ميرزا حسين النوري.
241

إلى قوله: وبالجملة فهذا الكتاب معروف مشهور معتمد عليه وقد نقله في
الوسائل - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة 1 - عن الكافي والتهذيب والفقيه
وفرق اجزاءه على الأبواب ونحن نقلناه عن الأصل وبينهما اختلاف في بعض المواضع..
* * *
وجدنا هذا الأصل أو هذا الكتاب منذ القرن الأول الهجري إلى عصرنا هذا:
القرن الخامس عشر الهجري، تتداوله أيدي المحدثين، يرجعون إلى نسخة الأصل أحيانا
وآونة إلى من نقل عنه، ولم تنقطع صلتهم به، وان آخر من رجع إلى نسخة الأصل من
المحدثين المحدث النوري المتوفى 1320 ه‍ فجزأ أحاديثه على أبواب كتاب الديات من
مستدرك الوسائل.
* * *
ضربنا مثلا لرجوع المشايخ إلى الأصول والمدونات الحديثية الصغيرة برجوعهم
إلى كتاب الديات رواية ظريف وفي ختام البحث ينبغي ان ندرس كيفية اتصال
اسناد المشايخ إلى أصحاب تلك الأصول والمدونات الصغيرة ومنها إلى أئمة أهل البيت
(ع).

1) تأليف الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (ت: 1104 ه‍).
242

اتصال سلاسل أسناد المشايخ
في مدرسة أهل البيت (ع) بهم
في سبيل هذه المعرفة ندرس أولا بعض مصطلح المحدثين في ما يلي:
قسم المحدثون طرق تحمل الحديث ونقله إلى الدرجات التالية:
أولها: السماع من الشيخ:
السماع من لفظ الشيخ سواء أكان من حفظ الشيخ، أو من كتابه ارفع الطرق
عندهم. ويقول التلميذ عندئذ في مقام الرواية: سمعت فلانا، أو حدثني لدلالته على
قراءة الشيخ عليه.
وقد يقول: أنبأنا أحيانا.
ثانيها: القراءة على الشيخ:
وتسمى: العرض، لان القارئ يعرض الحديث على الشيخ، سواء كانت
القراءة من حفظ الراوي أو من كتاب وسواء كان الشيخ يعارض المقرو على أصل بيده
أو بيد ثقة غيره أو يعارضه على ما يحفظه.
ويقول التلميذ إذا أراد رواية ذلك: قرأت على فلان، أو قرئ عليه، وانا
اسمع فاقر الشيخ به، وله أن يقول: حدثنا وأخبرنا مقيدين بقوله: قراءة عليه.
وفي الحالتين إن كان معه غيره، قال: حدثنا وأنبأنا بلفظ الجمع، وبعد
الفراغ من سماع الحديث كله أو الكتاب بعد الفراغ منه يجيز الشيخ للسامعين روايته.
243

ثالثها: المناولة: 1
وهي نوعان:
أ - المناولة المقرونة بالإجازة، ويسمى عرض المناولة في مقابل عرض القراءة،
وهي دون السماع في المرتبة.
ب - المناولة المجردة عن الإجازة: بان يناوله كتابا ويقول: هذا سماعي أو
روايتي من غير أن يقول: اروه عنى أو أجزت لك روايته عنى والصحيح انه لا يجوز له
الرواية بها، وجوزها بعض المحدثين.
وإذا روى بها، قال: حدثنا فلان مناولة أو أخبرنا مناولة، غير مقتصر على
حدثنا وأخبرنا لايهامه السماع أو القراءة.
رابعها: الكتابة:
وهي ان يكتب الشيخ مروية لغائب أو حاضر بخطه أو يأذن لثقة بكتبه له،
وهي أيضا نوعان:
أ - مقرونه بالإجازة بان يكتب إليه: أجزت لك ما كتبته لك أو كتبت به
إليك ونحو ذلك من عبارات الإجازة. وهي في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة
بالإجازة.
ب - مجردة عن الإجازة: واختلفوا في جواز الرواية بها وعدمه.
خامسها: الإجازة:
الإجازة: إذن وتسويغ، مثل قول الشيخ: أجزتك رواية كذا، أو الكتاب
الفلاني، أو رواية مسموعاتي أو ما أشتمل عليه فهرستي هذا. ولا تجوز الإجازة بما لم
يتحمله المجيز من حديث.
ويصح للمجاز له إجازة المجاز لغيره، فيقول: أجزت لك رواية ما أجيز لي
روايته.

1) لقد جعلها الشهيدان رابعا وجعلا الإجازة ثالثا غير أن ما ذكرا في المناولة المقرونة بالإجازة بأنها أعلا
أنواع الإجازة على الاطلاق،... جعلني اعتبرها ثالثة وجعلت الإجازة بالكتابة رابعة لقولهما فيها: هي في الصحة
والقوة كالمناولة المقرونة، وذكرت الإجازة بعد هذه وجعلتها خامسة في الترتيب.
244

سادسها: الاعلام:
وهو ان يعلم الشيخ الطالب أن هذا الكتاب أو الحديث روايته، أو سماعه
من فلان، من غير أن يقول: إروه عني، أو أذنت لك في روايته ونحوه. وفي جواز
الرواية به قولان: الجواز والمنع.
سابعها: الوجادة:
وهو ان يجد انسان بخط معاصر له، أو غير معاصر، ولم يسمعه منه، وليس له
منه إجازة، ولا خلاف بينهم في منع الرواية بها، وإنما يقول: وجدت، أو قرأت بخط
فلان " حدثنا فلان " ويسوق باقي الاسناد والمتن أو يقول: وجدت بخط فلان، أو في
كتاب فلان، عن فلان... 1
* * *
في كل هذه الصور ليس الكلام من مجهول لمجهول عن مجهول، وإنما الكلام
حول شيخ وطالب وحديث أو كتاب، موجود كل واحد منه في الخارج، ومعلوم
ومشخص.

1) أوردته ملخصا من الباب الثالث " في تحمل الحديث وطرق نقله " من كتاب دراية الشهيد الثاني
زين الدين العاملي (ت: 975 ه‍) ط. مطبعة النعمان بالنجف ص 82 - 108 وقد أورد المامقاني تفصيل أقوال
أهل الفن في مقباس الهداية ص 95 - 102.
245

دراسة اتصال المشايخ بأئمة أهل البيت (ع)
على ضوء ما أوردنا من تعريف مصطلحاتهم ندرس ألفاظهم في الأسانيد لنعلم
مدى اتصال المشايخ في رواية الحديث بأئمة أهل البيت:
في ترجمة ظريف:
قال النجاشي كان ثقة في حديثه، صدوقا، له كتب، منها كتاب الديات رواه
عدة من أصحابنا.
أخبرنا عدة من أصحابنا، عن أبي غالب أحمد بن محمد، قال: قرأ علي عبد الله
ابن جعفر وأنا أسمع، قال: حدثنا الحسن بن ظريف، عن أبيه به.
وقال الطوسي: له كتاب الديات، أخبرنا الشيخ أبو عبد الله... وأخبرنا ابن
أبي جيد... 1
قال النجاشي: (أخبرنا عدة من أصحابنا، عن أبي غالب) وأخبرنا في
اصطلاحهم مشترك بين سماع التلميذ من الشيخ، وقراءة التلميذ أو قراءة زميله على
الشيخ والشيخ يسمع ولعل كل ذلك وقع في رواية عدة من الأصحاب عن أبي غالب،
اما رواية أبي غالب عن شيخه والى آخر سلسلة السند فقد كان سماعا عن الشيخ
حسب مفاد الالفاط الواردة في السند.
وقال الطوسي هنا اي في الفهرست " أخبرنا المفيد وابن أبي جيد " وذكر

1) مجمع الرجال 3 / 233.
246

صدر السند بينما هو يحذف صدور الأسانيد في رواياته بكتابية: الاستبصار والتهذيب
ويختزل ألفاظ الأسانيد.
وكذلك فعل الصدوق في الفقيه وقبله الكليني في الكافي وحذفا صدور أسانيد
كتاب الديات.
وكذلك دأب المشايخ مع اسناد جل رواياتهم يحذفون صدور الأسانيد
ويرمزون إلى مقصودهم أحيانا، وأخرى يجملون القول، مثل قولهم: " علي بن إبراهيم،
عن أبيه ". " وعدة من أصحابنا، أو عدة عن سهل بن زياد ".
ثم يشرحون في محل آخر رمزهم، ويبينون تفصيل ذلك المجمل، ويذكرون تمام
السند، كما فعل الصدوق في ذكر مشيخته بآخر الفقيه، والطوسي في شرح مشيخته
بآخر الاستبصار والتهذيب.
وقد قصدنا في ما أوردنا ببحث " معرفة رواة كتاب الديات " إراءة شرحهم
لكيفية تلقيهم الرواية من كل شيخ في ترجمة ذلك الشيخ، ووجدنا في ما ذكروا بتلك
التراجم تثبتا في تحمل الحديث ونقله بما لا مزيد عليه فهذا العالم يروي عن شيخه أربعة
من أحاديثه بلا واسطة لأنه قد سمعها عنه بنفسه، ويروي سائر رواياته عنه بواسطة أبيه
وأخيه.
وآخر يسمع من أبيه كتبه مقابلة ومع ذلك فإنه لا يرويها عنه بلا واسطة لان
سنه كان عند سماعه إياها عنه ثمانية عشر عاما ولم يكن يفهم درك الحديث تماما.
ولهذا فهو يروي تلك الكتب عن أبيه بواسطة أخويه اللذين سمع الكتب عنهما في حال
كمال ادراكه.
وذلك الشيخ الثالث يروى جميع ما في كتاب الشرائع ويستثني منه حديثا
واحدا في حكم لحم البعير ويحتاط في روايته.
والرابع يقول: سمعت منه روايات يسيرة في دار ابن همام وليس لي منه
إجازة.
* * *
من كل ما أوردناه آنفا ومن نظائرها الكثيرة في سلاسل أسانيد الروايات
ومحتويات رسائل الإجازات يطمئن الباحث إلى سلامة اتصال سلاسل أسناد المشايخ
إلى أئمة أهل البيت في حدود القدرات البشرية.
247

وبعد البرهنة على ذلك ينبغي البحث عن كيفية اتصال فقهاء مدرسة أهل البيت
عبر القرون بالموسوعات الحديثية التي ألفها أولئك المشايخ، ولنضرب مثلا لذلك
اتصالهم بأول الموسوعات الحديثية بمدرسة أهل البيت، وأقدمها زمنا، وهو كتاب
الكافي تأليف محمد بن يعقوب الكليني، وفي هذا الصدد، قال الشيخ الطوسي في
الفهرست: " محمد بن يعقوب الكليني، يكنى أبا جعفر، ثقة، عارف بالاخبار، له كتب
منها كتاب الكافي، وهو يشتمل على ثلاثين كتابا، أوله كتاب العقل ". ثم سجل
أسماء كتاب الكافي، وقال في اخره: " كتاب الروضة آخر كتاب الكافي ".
وقال: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب بجميع كتبه.
وأخبرنا الحسين بن عبيد الله قراءة عليه أكثر هذا الكتاب الكافي عن جماعة،
منهم: أبو غالب أحمد بن محمد الزراري، وأبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه.
وأبو عبد الله أحمد بن إبراهيم الصيمري المعروف بابن أبي رافع، وأبو محمد هارون بن
موسى التلعكبري، وأبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني، كلهم، عن محمد
بن يعقوب.
وأخبرنا الاجل المرتضى، عن أبي الحسين أحمد بن علي بن شعيب الكوفي، عن
محمد بن يعقوب.
وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن عبدون، عن، أحمد بن إبراهيم الصيمري،
وأبي الحسين عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزاز بتفليس وبغداد، عن: أبي جعفر محمد
ابن يعقوب الكليني بجميع مصنفاته ورواياته... - انتهى.
إذا فالشيخ الطوسي عرف كتب الكافي واحدا بعد الآخر وكان أولها كتاب
العقل وآخرها كتاب الروضة.
وقال: انه يرويه عن أربعة من شيوخه، وكان هؤلاء الأربعة يروون الكتاب
عن تلاميذ الكليني، وكان أحد شيوخ الطوسي يروي الكتاب عن خمسة من تلاميذ
الكليني، وآخر عن اثنين منهما.
وروى الطوسي عن شيوخه بلفظ أخبرنا وأخبرنا مشترك بين سماع لفظ
الشيخ والقراءة على الشيخ، غير أنه لما ذكر في روايته عن الحسين بن عبيد الله انه
يروي الكتاب عنه قراءة عليه أكثرها، نفهم بأنه قد روى الكتاب من بقية شيوخه في
248

سلسلة هذا السند سماعا منهم.
هذا ما كان عن الشيخ الطوسي اما النجاشي فقد قال:... صنف الكتاب
الكبير المعروف بالكليني، يسمى الكافي في عشرين سنة، شرح كتبه: كتاب العقل...
كتاب الروضة.
يظهر مما ذكره النجاشي وغيره ان الكتاب كما كان يسمى باسم " الكافي "
كان يسمى أحيانا باسم مؤلفه " الكليني " كما نسمي نحن اليوم أحيانا كتاب " تاريخ
الأمم والملوك " تأليف الطبري باسم مؤلفه " الطبري ".
ويظهر أيضا من تعريف النجاشي والطوسي للكافي انه كان مقسما حسب
مواضيعه إلى ثلاثين كتابا على صورة اجزاء، كل كتاب منه في مجلد واحد، غير أنها
لم تكن مرقمة بالتسلسل، كما هو شأن مجلدات الكتب في عصرنا، لذلك حصل بعض
التقديم والتأخير في ذكر أسماء كتبه، عدا اسم الأول: كتاب العقل، واسم الكتاب
الأخير، الروضة.
وقال النجاشي أيضا: كنت أتردد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي، وهو
مسجد نفطويه النحوي، أقرأ القرآن على صاحب المسجد، وجماعة من أصحابنا يقرؤون
كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب: " حدثكم محمد بن يعقوب
الكليني " ورأيت أبا الحسن العقراوي يرويه عنه.
إذا فالشيخ النجاشي أدرك اثنين من تلاميذ الكليني يرويان الكافي عنه،
أحدهم كان يخاطب تلاميذه عندما يقرأ الكافي، وهو يقول: " حدثكم محمد بن
يعقوب الكليني " وذلك بحكم سماعه الكتاب عن الكليني واجازته له ان يرويه عنه،
ولكن النجاشي لا يروي الكافي عن هذين الشيخين من تلاميذ الكليني وان أدركهما
وسمعهما، وإنما يرويه عن تلاميذ الكليني فقد قال:
وروينا كتبه كلها عن جماعة شيوخنا، منهم: محمد بن محمد - الشيخ المفيد
-، والحسين بن عبيد الله - الغضايري -، وأحمد بن علي بن نوح، عن أبي القاسم
جعفر بن قولويه، عنه رحمه الله. انتهى.
ولنشرح بعد هذا العرض أسلوب الدراسة يومذاك لنتفهم مغزى أقوالهم.
249

أسلوب الدراسة في عصر الكليني فما بعد
كان أسلوب الدراسة في عصر الكليني وقبله حسبما ما يستفاد مما بقي لدينا من
إجازات رواية الأصول الأربعمائة والمدونات الحديثية الصغيرة الأخرى ان يقرأ الشيخ
كتابه على تلاميذه وهم يستمعون إليه أو يقرأ تأليف الشيخ أحد طلابه على الشيخ
ويستمع زملاء الطالب إليه وينتبهون إلى تعليق شيخهم إن كان ثمة تعليق، وبعد انتهاء
الطلاب من دراسة كتاب الشيخ عليه بأحد الأسلوبين المذكورين يمنح الشيخ طلابه
إجازة رواية تأليفه عنه، ويصبح هؤلاء الطلبة بعد ذلك شيوخا للطلبة من الجيل الجديد
الصاعد ويدرسونهم الكتاب كذلك، ثم يجيزونهم ان يرووا ذلك الكتاب بواسطتهم عن
مؤلفه. وهكذا دواليك جيلا بعد جيل، فكل طالب يقرأ الكتاب على مؤلفه أو على
شيخ تتصل سلسلة قراءته وروايته بمؤلف الكتاب.
هكذا كانت الحالة في عصر الكليني وقبله وبعده حتى عصر الشيخ الطوسي
وبعد انتقاله إلى النجف الأشرف سنة (448 ه‍) وتأسيسه الحوزة العلمية هناك.
بعد تأسيس الحوزة العلمية في النجف الأشرف:
أسس الشيخ الطوسي الحوزة العلمية في النجف بعد انتقاله إليها وبقي زعيمها
حتى توفي سنة (460 ه‍).
في هذه الحوزة منذ عصر الشيخ الطوسي وفي الحوزات المماثلة والمؤسسة بعدها
كانت الموسوعات الحديثية الأربعة: الكافي والفقيه والاستبصار والتهذيب محورا
250

للدراسات الفقهية إلى العصور الأخيرة يدرسونها على من تتصل قراءتهم لها بمؤلفيها.
وهكذا بقيت الكتب الحديثية متداولة بين أيدي الطلبة حتى اليوم شأنها في
ذلك شأن ألفية ابن مالك التي قرأها الطلاب على شيوخهم في الحوزات العلمية منذ
تأليفها حتى اليوم.
وشأنها شأن كتب ابن سينا في الطب والفلسفة وشأن غيرهن من الكتب
الدراسية التي بقيت تتداولها أيدي الطلبة الدارسين لها جيلا بعد جيل منذ تأليفها حتى
اليوم غير أن العناية بكتب الحديث كانت أكثر من اي كتاب بعد كتاب الله، وبقي
أسلوب الرواية لها سماعا وقراءة وإجازة معمولا به في دراساتها إلى القرون الأخيرة كما
يشهد به ما تبقى لدينا من إجازات الرواية التي جمع بعضها المجلسي في المجلد السابع
والعشرين من موسوعته البحار، واستدرك عليه جدنا شيخ المحدثين الشيخ مرزا محمد
الشريف العسكري في خمسة مجلدات من مستدركه على بحار الأنوار، ومن أمثلة تلك
الإجازات المصرحة باتصال قراءة الموسوعات الحديثية بمؤلفيها ما ورد في الإجازات
التالية:
أ - إجازة الشيخ فخر الدين محمد (ت: 771 ه‍) ابن العلامة الحلي الحسن بن
يوسف بن علي بن مطهر، للشيخ محسن به مظاهر، ورد فيها: وأجزت له أيضا أن يروى
عني مصنفات الشيخ الأعظم والامام الأقدم مقرر قواعد الشريعة شيخ الشيعة
عماد الدين أبي جعفر بن الحسن الطوسي قدس الله روحه فمن ذلك كتاب تهذيب الأحكام
فاني قرأته على والدي درسا بعد درس وتمت قراءته في جرجان سنة اثني عشر
وسبعمائة عني عن والدي ثم والدي قرأه على والده أبي المظفر يوسف بن علي بن
المطهر وأجاز له روايته ثم يوسف المذكور قرأه على الشيخ معمر بن هبة الله بن نافع
الوراق وأجاز له روايته ثم الفقيه معمر المذكور قرأه على الفقيه أبي جعفر محمد بن
شهرآشوب وأجاز له روايته ثم شهرآشوب قرأه على مصنفه أبي جعفر محمد بن الحسن
الطوسي قدس الله سره وقرأه جدي مرة ثانية على الشيخ يحيى بن محمد بن يحيى بن
الفرج السوراوي وأجاز له روايته والشيخ يحيى المذكور قرأه على الفقيه الحسين بن
هبة الله بن رطبة وأجاز له روايته والشيخ يحيى المذكور قرأه على المفيد أبي عبد الله
محمد بن الحسن الطوسي وأجاز له روايته والمفيد قرأه على والده وأجاز له روايته
وعندي مجلد واحد من الكتاب الذي قرأه المفيد على والده وهو بخط المصنف والده
251

وقرأت أنا هذا المجلد على والدي وباقي المجلدات في نسخة أخرى.
وأما كتاب النهاية والجمل فاني قرأتهما على والدي درسا بعد درس وأجاز لي
روايتهما بالطريق الثاني عند والده قرأه عليه عن باقي أهل السند المذكور قراءة 1. انتهى
موضع الحاجة من الإجازة.
في هذا القسم من إجازة ابن العلامة للشيخ محسن بن مظاهر، يقول المجيز وهو
في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، انه قرأ تهذيب الشيخ الطوسي على والده
العلامة درسا بعد درس، وان والده العلامة كان قد قرأه على شيخه وشيخه على
شيخه، وهكذا يذكر سلسلة القراءات حتى ينهي تسلسل القراءات إلى قراءة على مؤلف
التهذيب الشيخ الطوسي، ويقول: ان جزءا من كتاب التهذيب الذي قرأه على والده
كان بخط مؤلفه الذي توفي في النصف الأول من القرن الخامس الهجري.
ويقول في اجازته رواية كتاب النهاية: انه قرأه أيضا على والده العلامة درسا
بعد درس ويجيز الشيخ محسن روايته بطريق آخر أيضا تسلسلت فيه قراءة شيخ على شيخ
إلى أن ينهي القراءة إلى مؤلف الكتاب.
في هذا النوع من أنواع الإجازة التي يصدرها الشيخ في رسالة خاصة يمنح فيها
تلميذه إجازة رواية مؤلف واحد أو عدة مؤلفات ومرويات، تارة يذكر شيوخه، وأخرى
لا يذكرهم، وعند ما يذكر شيوخه نادرا ما يصرح بتسلسل سند قراءته الكتاب على
شيوخه إلى مؤلفه مثل ما مر في الإجازة الآنفة، وغالبا يذكر ذلك بلفظ " رويت عن
فلان، عن فلان " أو بلفظ " حدثني فلان، عن فلان " أو بلفظ " اخبرني " كل ذلك
اختصارا للسند وكان هذا دأبهم على الأكثر في سلاسل الإجازات، مثاله: ما ورد في
إجازة العلامة الحلي حسن ين يوسف (ت: 726 ه‍) للسيد مهنا ابن سنان المدني
(ت: 754 ه‍) 2 حيث قال فيه: وما رويته من كتاب أصحابنا السالفين رضوان الله
عليهم أجمعين باسنادي المتصل إليهم رحمة الله عليهم.
إلى قوله: وأجزت له رواية كتب شيخنا أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي
الطوسي قدس الله روحه بهذه الطرق وبغيرها عني، عن والدي.

1) البحار 107 / 223، وهذه الإجازة وردت ضمن إجازة الشيخ علي بن محمد البياضي (ت: 827)
للشيخ ناصر بن إبراهيم البو؟ هي.
2) ترجمته في طبقات اعلام الشيعة للشيخ آقا بزرگ الطهراني، القرن الثامن ص 223.
252

لم يذكر العلامة في هذا القسم من الإجازة ما ذكره ابنه فخر الدين في اجازته
الآنفة: ان أباه العلامة قرأ تلك الكتب على أبيه " يوسف " وإنما أشار إلى سنده إلى
الشيخ الطوسي حسب. ولكن في اجازته رواية الكافي بعد هذا أورد سنده نوعا ما أكثر
تفصيلا، حيث قال: وأما الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني فرويت أحاديثه
المذكورة المتصلة بالأئمة (ع) عني عن والدي والشيخ أبي القاسم جعفر بن سعيد
وجمال الدين أحمد بن طاووس وغيرهم باسنادهم المذكور إلى الشيخ المفيد محمد بن
محمد بن النعمان، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عن محمد بن يعقوب
الكليني، عن رجاله المذكورة في كل حديث عن الأئمة (ع).
وكتب حسن بن يوسف بن المطهر الحلي في ذي الحجة سنة تسع عشرة
وسبعمائة بالحلة حامدا مصليا.
في هذه الإجازة نجد العلامة يقول " رويت أحاديث الكافي عن، عن.. " ومر
سابقا انهم يقصدون من " رويته عن " انهم سمعوه من الشيخ وورود " عن فلان "
بعده يفيد تسلسل سماع شيخ عن شيخ إلى حيث ينهون التعبير ب‍ " عن ".
وورد نظيره في إجازة المجلس محمد باقر للأردبيلي حيث قال فيه: اما بعد فقد
قرأ علي وسمع مني المولى الفاضل... حاجي محمد الأردبيلي... كثيرا من العلوم
الدينية... لا سيما كتب الاخبار المأثورة عن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين ثم
استجازني فاستخرت الله سبحانه وأجزت له ان يروي عني... بحق روايتي واجازتي
عن مشايخي الكرام... فمن ذلك ما اخبرني به عدة... ممن قرأت عليهم أو سمعت
منهم... منهم والدي العلامة وشيخه... مولانا حسن علي التستري و... وبحق
روايتهم واجازتهم عن شيخ الاسلام والمسلمين بهاء الملة... محمد العاملي قدس الله
روحه عن والده.
وهكذا سلسل المجلسي في هذه الإجازة سنده حتى انتهى إلى فخر الدين محمد،
عن والده العلامة الحلي ثم سلسل السند منه إلى الشيخ المفيد والكليني والصدوق.
ثم بدأ بذكر سند آخر له وقال: ومنها ما اخبرني به العدة المتقدم ذكرهم بحق
روايتهم عن...، ثم ذكر سلسلة مشايخه إلى الشهيد محمد بن مكي (ت: 786 ه‍) 1

1) ترجمته في المائة الثامنة من طبقات الشيخ آقا بزرگ ص 205.
253

وسند روايته عنهم.
وهكذا ذكر طرقه وأسانيده وأكثره بلفظ اخبرني مما يدل على السماع من
الشيخ أو سماع القراءة عليه، وتسلسل ذلك إلى صاحب التأليف في اجازته رواية
تأليفه، ثم ختم الإجازة بقوله: كتب بيمينه... محمد باقر بن محمد تقي... سنة ثمان
وتسعين بعد الألف الهجرية. 1
* * *
ورد نظائر هذه الإجازات كثيرا في مجلدات إجازات البحار مما فيها ذكر
قراءات الكتب على الشيوخ المجيزين روايتها.
مثل إجازة الشيخ حسن على ابن المولى عبد الله لمحمد تقى المجلسي سنة
(1034 ه‍) حيث ورد فيها: وقرأ من الحديث، كثيرا من تهذيب الأحكام وسمع منه
أيضا، ومن من لا يحضره الفقيه أكثره، ومن الكافي كتبا كثيرة. 2
وورد في إجازة محمد تقي المجلسي (ت: 1070 ه‍) لمرزا إبراهيم " فمنها ما
اخبرني به قراءة وسماعا وإجازة بها الملة... والدين محمد العاملي... عن الشيخ
عبد العال.. 3
وفي إجازة محمد بن الحسن الحر العاملي (ت: 1104 ه‍) للشيخ محمد فاضل
المشهدي 4. وقد قرأ عندي ما تيسر قراءته وهو كتاب من لا يحضره الفقيه، من أوله إلى
آخره، وكتاب الاستبصار أيضا بتمامه، وكتاب أصول الكافي كله، وأكثر كتاب
التهذيب، وغير ذلك، قراءة بحث وتنقيح وتدقيق فأحسن وأجاد وأفاد أكثر مما
استفاد بحيث ظهر جده واجتهاده وقابليته واستعداده... وأهليته لنقل الحديث
وروايته بل نقده ودرايته وقد التمس مني الإجازة فبادرت إلى اجابته... 5
كان هذا نوعا من أنواع الإجازة يحررها الشيخ في رسالة خاصة ونوع ثان منها
يحررها الشيخ بظهر الكتاب الذي قرأه التلميذ عليه، مثل خمس إجازات للمجلسي

1) آخر جامع الرواة 2 / 549 - 552.
2) البحار 110 / 38 - 42.
3) البحار 110 / 67 - 73.
4) ترجمته في الفوائد الرضوية للشيخ عباس القمي ص 588.
5) البحار 110 / 107 - 109، وراجع ص 127 و 157 وما بعدها وما قبلها.
254

محمد باقر منحها تلميذه محمد شفيع التوسركاني وجدناها بخطه في أواخر كتب الكافي
من نسخة مخطوطة ثبتنا صورها بآخر الكتاب وهي كالآتي:
أ - الإجازة الأولى مدونة بآخر كتاب العقل والتوحيد وما يقابل 1 / 167
ط. طهران جاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
أنهاه المولى الفاضل الكامل التقي الذكي الألمعي مولانا محمد شفيع
التويسركاني وفقه الله تعالى للارتقاء على أعلى مدارج الكمال في العلم والعمل سماعا
وتصحيحا وتدقيقا وضبطا في مجالس آخرها خامس عشر شهر جميدي الأولى من شهور
سنة ثلاث وثمانين بعد الألف من الهجرة، وأجزت له ان يروي عنى كلما صحت
روايته، واجازته بحق روايتي عن مشايخي واسلافي، بأسانيدي المتكثرة المتصلة إليهم،
رضوان الله عليهم أجمعين، وكتب بيمناه الجانية الفانية أحقر عباد الله محمد باقر بن
محمد تقي عفي عنهما حامدا مصليا.
ب - الإجازة الثانية منه كذلك، في آخر الجزء الثاني من الكافي المخطوط
حسب تجزئتهم والذي يقابل 1 / 367 ط. طهران مؤرخة بتاريخ ستة أشهر بعد الأولى
قال فيها: أنهاه... في مجالس آخرها بعض أيام شهر ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين بعد
الألف من الهجرة وأجزت له دام تأييده ان يروي...
ج - والثالثة في آخر كتاب الحجة منه وما يقابل 1 / 548 ط. طهران مؤرخه
بتاريخ خمسة أشهر بعد الثانية، قال فيها: أنهاه... في مجالس آخرها أواخر شهر
ربيع الثاني، سنة أربع وثمانين وأجزت له زيد فضله ان يروي...
د - والرابعة بآخر كتاب الايمان منه وما يقابل 2 / 464 ط. طهران منحت
بعد سنتين وعشرة أشهر من صدور الثالثة، قال فيها: أنهاه... في مجالس آخرها شهر
محرم الحرام من شهور سنة سبع وثمانين بعد الألف الهجرية...
ه‍ - والخامسة في آخر كتاب العشرة منه وما يقابل 2 / 674 ط. طهران
منحت بعد ثلاثة أشهر وثلاثة أيام من تاريخ الرابعة، قال فيها: أنهاه... في مجالس
آخرها ثالث جمادى الأولى من شهور سنة سبع وثمانين بعد الألف هجرية، فأجزت له
دام تأييده ان يروي...
255

في الإجازات السابقة وجدنا في بعضها تصريحا بتسلسل قراءة شيخ على شيخ
حتى تنتهي القراءة على مؤلف الكتاب.
وفي بعضها تعبيرا عن ذلك حسب مصطلحهم في علم الحديث، وفي بعضها
تعيينا لزمان القراءة ومكانها وانه انهى الكتاب قراءة أو سماعا.
ووجدنا ذلك معمولا به منذ عصر أصحاب الكافي والفقيه والتهذيب وبقى
معمولا به كذلك حتى عصر المجلسي صاحب البحار.
ومن كل ذلك ثبت عندنا تداول الكتب الأربعة في أيدي الطلبة بلا انقطاع
منذ تأليفها حتى اليوم.
وقلنا حتى اليوم لأننا نعلم استمرار رجوع فقهاء مدرسة أهل البيت في
استنباط الأحكام الشرعية إليها عبر القرون والى يومنا الحاضر.
فإذا أراد أحد فقهاء هذه المدرسة ان يصدر رسالة فقهية رجع إلى الكافي
والتهذيب والاستبصار والوسائل واستند إلى أحاديثها في ما يصدر من فتوى.
وقد مر بنا كيف اخذ أولئك المشايخ الحديث من الأصول والمدونات الحديثية
الصغيرة وألفوا منها كتبهم.
وان أصحاب تلك الأصول والمدونات كانوا قد أخذوا أحاديثها من أئمة أهل
البيت.
وان أئمة أهل البيت حدثوا عن الجامعة التي املاها رسول الله وكتبها علي
بخطه.
* * *
هكذا أصبحت الموسوعات الحديثية الأربعة منذ تأليفها والى عصرنا الحاضر
محور البحوث الفقهية بمدرسة أهل البيت، برجع إليها فقهاؤهم ستكشاف سنة
الرسول في الاحكام ومنها يستنبطون احكام الاسلام بعد القرآن.
وقد مر بنا ان الموسوعات الحديثية الأربعة أخذت الحديث من الأصول
والمدونات الحديثية الصغيرة، وان الأصول والمدونات الحديثية الصغيرة كانت قد
أخذت الحديث من أئمة أهل البيت.
وان أئمة أهل البيت كانوا يتبرؤون من القول بالرأي وإنما كانوا يعتمدون
جامعة الإمام علي في بيان الاحكام.
256

وان جامعة الامام على كان قد أملاه رسول الله على الامام وكتبه الإمام علي
بخطه.
وفي مقابل هذا وجدنا مدرسة الخلفاء تعتمد الاجتهاد وان الخلفاء كانوا
يتأولون في مقابل النصوص الواردة في الشرع الاسلامي ويعتمدون الرأي في بيان
احكام الاسلام.
ويوضح الجدول الآتي اتجاه مدرسة أهل البيت في أخذ سنة الرسول:
مدرسة أهل البيت
املاء خاتم الأنبياء
جامعة الإمام علي
روايات الأئمة الاثني عشر من أهل البيت
الأصول والمدونات الحديثية الصغيرة
الكافي
الفقيه التهذيب الاستبصار
رسائل فقهاء مدرسة أهل البيت
257

معالم المدرستين - القسم الأول
البحث الخامس
الفصل الثاني
تقييم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت (ع)
259

أخطاء في نسخ كتب الحديث
ومع تسلسل الاسناد في جوامع الحديث بمدرسة أهل البيت إلى رسول
الله (ص) كما شاهدنا فان فقهاء مدرستهم لم يسموا أي جامع من جوامع الحديث لديهم
بالصحيح كما فعلته مدرسة الخلفاء وسمت بعض جوامع الحديث لديهم بالصحاح، ولم
يحجزوا بذلك على العقول ولم يوصدوا باب البحث العلمي في عصر من العصور وإنما
يعرضون كل حديث في جوامعهم على قواعد دراية الحديث، ويخضعون لنتائج تلك
الدراسات وذلك لأنهم يعلمون ان رواة تلك الأحاديث غير معصومين عن الخطأ
والنسيان اللذين يعرضان لكل بشر لم يعصمه الله، وفعلا قد وقع الخطأ في أشهر كتب
الحديث بمدرسة أهل البيت وهو كتاب الكافي مثل ما ورد في الأحاديث الأربعة
المرقمة: 7 و 9 و 14 و 17 و 18 من كتاب الحجة بالكافي باب ما جاء في الاثني عشر
والنص عليهم كما نشرحه في ما يلي:
أولا: الحديث السابع والرابع عشر:
في كلا الحديثين في أصول الكافي: بسنده عن ابن سماعة، عن علي بن
الحسين بن رباط، عن ابن أذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول:
الاثنا عشر الامام من آل محمد (ع) كلهم محدث من ولد رسول الله (ص) 1، ومن ولد
علي، فرسول الله وعلي هما الوالدان.

1) وجهه المجلسي في مرآة العقول 6 / 223 وقال: أي أكثرهم من ولد رسول الله.
261

وفي لفظ الحديث السابع بعده " فقال علي بن راشد... " الحديث.
ومغزى هذين الحديثين: أن يكون عدد الأئمة من أهل البيت ثلاثة عشر:
الإمام علي مع اثنى عشر إماما من ولده.
بينما نقل هذه الرواية عن الكافي المفيد في الارشاد والطبرسي في إعلام الورى
ولفظهما كما يلي: الاثنا عشر الأئمة من آل محمد كلهم محدث: علي بن أبي طالب، وأحد
عشر من ولده، ورسول الله وعلي هما الوالدان (ع).
وأخرج الرواية عن الكليني أيضا الصدوق في كتابه: عيون أخبار الرضا
والخصال ولفظه كما يلي: اثنا عشر إماما من آل محمد كلهم محدثون بعد رسول الله،
وعلي بن أبي طالب منهم. 1
نتيجة البحث والمقارنة:
يظهر من استعراضنا الحديث عن الكافي ومن اخذ منه اي الشيخ الصدوق
والمفيد والطبرسي، ان النساخ قد أخطأوا في كتابة الحديث في الكافي بعد عصر الشيخ
المفيد، ولم نقل بعد عصر الطبرسي لان الطبرسي يأخذ اخباره في إعلام الورى من
كتاب الارشاد للمفيد وينسج فيه على منواله.
ثانيا، الحديث التاسع:
بسنده عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن
أبي جعفر (ع) عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة (ع) وبين يديها
لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثنى عشر آخرهم القائم (ع) ثلاثة منهم محمد
وثلاثة منهم على.
ونقل الحديث عن الكافي بهذا اللفظ المفيد في الارشاد وتبعه الطبرسي في
إعلام الورى.

1) الحديث السابع في الكافي 1 / 531 عن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد الخشاب، عن ابن
سماعة... والحديث الرابع عشر 1 / 533 ولفظ سنده: أبو علي الأشعري، عن الحسن بن عبيد الله، عن الحسن
بن موسى الخشاب، عن علي بن سماعة...، وفى الارشاد ص 328 بسند الحديث الرابع عشر، وفى إعلام الورى
ص 369، وفى عيون أخبار الرضا 1 / 56، والخصال ص 480 كلاهما عن الكليني بسند حديثه الرابع
عشر.
262

ومغزى الحديث بهذا اللفظ في الكتب الثلاثة أن يكون عدد الأئمة أوصياء
النبي ثلاثة عشر: الامام على مع اثني عشر من بنيه من ولد فاطمة.
بينا نرى الصدوق الذي يروي نفس الحديث بأسناده، ولا ينقله عن الكافي،
يخرجه في عيون أخبار الرضا بسندين، وفي اكمال الدين بسند واحد، عن محمد بن
الحسين، ثم يجتمع سنده مع سند الكافي إلى جابر ثم يروي عنه أنه قال: دخلت على
فاطمة (ع) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثنا عشر، آخرهم القائم، ثلاثة
منهم محمد وأربعة علي. 1
نتيجة البحث والمقارنة:
ظهر ان في نسخة الكافي ورد " من ولدها " وهي زائدة، وورد " ثلاثة منهم "
محرفة، وان الشيخ المفيد نقل عنه في الارشاد كذلك، وان الصواب ما وزد في لفظ
الرواية عند الشيخ الصدوق في العيون والخصال " أربعة منهم علي " وبدون زيادة " من
ولدها ".
ثالثا ورابعا: الحديث 17 و 18 من كتاب الحجة
وقد رواهما الكليني عن أبي سعيد العصفري: (ت: 150 ه‍) وبحثنا عن
أبي سعيد العصفري فوجدنا الشيخ يقول عنه في الفهرست:
عباد أبو سعيد العصفري، له كتاب أخبرنا به جماعة عن التلعكبري عن ابن
همام، عن محمد بن خاقان النهدي، عن محمد بن علي أبي سمينة، عن أبي سعيد

1) أ - الكافي 1 / 532 وهذا لفظ السند عنده: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين.
ب - الارشاد للمفيد ص 328 ولفظ سنده أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن
يعقوب،... وفى لفظ أسماء الأوصياء والأئمة.
ج - إعلام الورى ص 366، ولفظ رواه محمد بن يعقوب الكليني... وآخره " وأربعة منهم على ".
د - عيون أخبار الرضا للصدوق 1 / 46 و 47، ولفظ سنده حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى
العطار (رض)، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن الحسين... ولفظ سند الحديث الثاني. حدثنا الحسين بن أحمد بن
إدريس (رض)، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعا، عن الحسن بن
محبوب...، وبهذا السند في اكمال الدين 1 / 213. وفي مرآة العقول 6 / 228 من ولدها أي الأحد عشر أو على
المجاز وأشار إلى التصحيف في " ثلاثة منهم على ".
263

العصفري، واسمه عباد.
وقال النجاشي: كوفي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمران، قال:
حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن خاقان النهدي، قال:
حدثنا أبو سمينة بكتاب عباد. 1
وبحثنا عن كتابه فوجدنا صاحب الذريعة 2 يقول:
أصل عباد العصفري أبي سعيد الكوفي هو من الأصول الموجودة، ووجدناه يقول
عن هذا الأصل واصل عاصم: استنسخ من نسخة الوزير منصور بن الحسن الآبي، وهو
كتبها عن أصل محمد بن الحسن القمي الذي رواه عن أبي محمد هارون بن موسى
التلعكبري سنة 374 ه‍.
ووجدنا الشيخ النوري يبحث في مستدركه عن أصل أبي سعيد بتفصيل واف،
ويقول: فيه تسعة عشر حديثا، ثم يصف أحاديثه، وينقل تراجم أبي سعيد عن مختلف
كتب الرجال. 3
ووجدنا نسخة خطية من أصل العصفري بنفس الأوصاف التي وردت عنه في
المستدرك والذريعة بالمكتبة المركزية لجامعة طهران ضمن مجموعة باسم الأصول
الأربعمائة. 4
فقارنا بين الحديثين في أصل العصفري هذا، ونسخة الكافي الموجودة لدنيا،
فوجدنا ما يلي:
أ - الحديث السابع عشر:
في الكافي:
17 - محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد
العصغري 5 عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول

1) مجمع الرجال 3 / 242.
2) الذريعة 2 / 163 في بحثه عن الأصول.
3) متسدرك الوسائل 3 / 299 - 300 في الفائدة الثانية في شرح حال الكتب.
4) نسخة " كتابخانهء اهدائى مشكاة بكتابخانهء مركزي دانشگاه تهران " ضمن المجموعة المسماة.
الأصول الأربعمائة والمرقمة 962 الرسالة الثانية.
5) في نسخة الكافي لدينا " العصفوري " تحريف.
264

الله (ص): " اني واثني عشر من ولدي 1، وأنت يا علي زر الأرض - يعني أوتادها
وجبالها - بنا أوتد الله الأرض ان تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي
ساخت الأرض بأهلها، ولم ينظروا ". 2
وفي أصل العصفري: عباد، عن عمرو، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (ع)
قال: قال رسول الله (ص): اني واحد عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض - يعني
أوتادها [و] 3 جبالها - [بنا أوتد الله] 4 الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الأحد عشر
من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا. 5
نتيجة المقارنة:
و " اثني عشر من ولدي " و " الاثنا عشر من ولدي " في نسخة الكافي تحريف
والصواب ما ورد في أصل العصفري: و " أحد عشر من ولدي " و " والأحد عشر من
ولدي " والذي يروى الكليني الحديث عنه.
ب - الحديث الثامن عشر:
ورد في الكافي: 18 - وبهذا الاسناد، عن أبي سعيد رفعه، عن أبي جعفر، قال:
قال رسول الله (ص): من ولدي اثنا عشر نقيبا، نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم القائم
بالحق يملاها عدلا كما ملئت جورا. 6
وفي أصل العصفري: عباد، رفعه إلى أبي جعفر، قال: قال رسول الله (ص):
من ولدى أحد عشر نقباء، نجباء، محدثون، مفهمون، اخرهم القائم بالحق، يملؤها عدلا
كما ملئت جورا. 7

1) وفي مرآة العقول 6 / 232: روى الشيخ في كتاب الغيبة بسند آخر " انى واحد عشر من ولدى "
وهو أظهر.
2) الكافي 1 / 534.
3) في نسخة الأصول سقط [و].
4) في نسخة الأصل [وقال وتد] تحريف.
5) أصل الحديث 6.
6) الكافي 1 / 534.
7) أصل العصفري الحديث 4.
265

نتيجة المقارنة:
ما ورد في نسخة الكافي (اثنا عشر) تحريف وما ورد في أصل العصفري (أحد
عشر) هو الصواب.
ولا يحتاج هذا البيان إلى استدلال عليه لان الكليني إنما روى في الكافي عن
أصل العصفري ونرى أن الخطأ من قلم النساخ.
ولفظ سندي الحديثين من التلعكبري راوي هذا الأصل عن عباد العصفري
فهو الذي يقول في صدري الحديثين (عباد) وهو الذي يقول: في سند الحديث الثاني
(عباد، رفعه) كما ورد في الأصل، وفي نسخة الكافي.
266

أئمة أهل البيت يعينون مقائيس لمعرفة الحديث
هكذا يقع الخطأ في رواية الحديث وغيره ولم يعصم الله اي كتاب من الباطل
عدا كتابه العزيز (الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه). 1
أضف إليه انه كذب على رسول الله، وكذلك كذب على الأئمة من أهل بيته،
وانتشر الحديث المكذوب على رسول الله والأئمة من أهل بيته في كتب الحديث
واختلط الحق بالباطل والصحيح بالزائف، فعالج أئمة أهل البيت هذا وذاك بأمرين:
أولا - بتشهير الكذابين ممن يروون الحديث وطردهم ولعنهم أمثال
أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الكوفي 2 والمغيرة بن سعيد 3 وبنان بن بيان 4، وغيرهم.
ثانيا - بتعريف قواعد وموازين خاصة لمعرفة سليم الحديث من سقيمه، مثل:
أ - ما رواه الإمام أبو عبد الله الصادق، عن جده الرسول، قال: خطب النبي
بمنى، فقال " أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فانا قلته، وما جاءكم
يخالف كتاب الله فلم أقله ". 5
ب - ما ورد في كتاب الإمام علي لمالك الأشتر:... " فان تنازعتم في شئ
فردوه إلى الله والرسول " فالراد إلى الله الآخذ بمحكم كتابه، والراد إلى الرسول الآخذ

1) سورة فصلت 42.
2) مجمع الرجال 5 / 106 - 115.
3) مجمع الرجال 6 / 117 - 121.
4) مجمع الرجال 6 / 117.
5) وسائل الشيعة 18 / 79 ح - 15 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي، عن المحاسن.
267

بسنته الجامعة غير المفرقة. 1
ج - ما قاله الإمام الباقر: إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا، أو
شاهدين من كتاب الله فخذوا به، والا فقفوا عنده، ثم ردوه إلينا حتى يستبين لكم. 2
د - ما ورد عن الإمام الصادق:
1 - إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق
كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه... 3.
2 - كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله
فهو زخرف. 4
3 - أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا، ان الكلمة لتنصرف على
وجوه 5.
ورد أمثال هذا أحاديث كثيرة عن أئمة أهل البيت، وورد عنهم أيضا
أحاديث يشيرون فيها إلى: الاخذ بما يخالف رأي مدرسة الخلفاء.
وورد عن الإمام الصادق في تعليل ذلك أنه قال: أتدري لم أمرتم بالأخذ
بخلاف ما تقول العامة؟ فقلت: لا أدري فقال: إن عليا (ع) لم يكن يدين الله بدين إلا
خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لابطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين (ع) عن
الشئ الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس. 6
ومن بحث سيرة معاوية وجد فيها الأدلة الكافية على ما قاله الامام.
وبالإضافة إلى ذلك، في ما مضى من بحوث موارد الاجتهاد بمدرسة الخلفاء من
هذا الكتاب أدلة وافرة على اعتماد مدرسة الخلفاء في بيان احكام الاسلام على الرأي
والاجتهاد في مقابل سنة الرسول.
ومر علينا - أيضا - في أول الجزء الثاني تحت عنوان " كيف وجد الحديثان

1) نهج البلاغة في كتاب الامام لمالك الأشتر، والوسائل 18 / 86 ح - 38. غير المفرقه: أي السنة التي
اجتمعت عليها الأمة.
2) الكافي 2 / 222 ح - 4، ووسائل الشيعة 18 / 80 ح - 18.
3) وسائل الشيعة 18 / 84 ح - 29.
4) وسائل الشيعة 18 / 79 ح - 14، والزخرف: الباطل المموه
5) معاني الأخبار ص 1 ح - 1، ووسائل الشيعة 18 / 84.
6) علل الشرايع 2 / 218 ح - 1، ووسائل الشيعة 18 / 83، 84.
268

المتناقضان " وفي آخر باب " المجتهدون في القرن الأول وموارد اجتهادهم " كيف كانوا
يضعون الأحاديث تأييدا لمواقف الخلفاء وكذلك نجد مزيد ايضاح لذلك في ما ورد بآخر
الجزء الأول، في بحث اتجاه السلطة زهاء ثلاثة عشر قرنا.
وعلى ما ذكرنا في هذه البحوث من الصحيح ان نترك من الحديثين المتعارضين
ما وافق اتجاه مدرسة الخلفاء.
ولما كان اتباع مدرسة الخلفاء كثيرا ما يسألون أئمة أهل البيت عن تلك
المسائل في مجالس عامة حيث لم يكن بمقدور الأئمة حينذاك ان يبينوا حكم الله وسنة
الرسول في مورد السؤال والذي كان مخالفا لاجتهاد مدرسة الخلفاء، صونا لدمائهم
ودماء شيعتهم، وكانوا مكرهين أحيانا على الإجابة بما يوافق رأي مدرسة الخلفاء،
حتى إذا أتيح لهم فرصة الإجابة دونما تقية، بينوا حكم الله وسنة الرسول في المسألة فمن
ثم ورد بعض الأحاديث عنهم في مسألة واحدة مختلفة في بيان الحكم كما صرح به
الإمام الصادق وقال: ما سمعته مني يشبه قول الناس فيه التقية، وما سمعت مني
لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه. 2
وقال: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق
كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه، فإن لم تجدوهما في كتاب الله
فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه. 3
هكذا ذكر الأئمة هذه القاعدة مع بيان علتها وأحيانا غير معللة، وورد عنهم
أيضا قواعد أخرى لمعرفة الحديث، مثل حديث الإمام الرضا.
وقد سئل يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في
الحديثين المختلفين عن رسول الله (ص) في الشئ الواحد فقال (ع): إن الله حرم حراما
وأحل حلالا وفرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرم الله أو في تحريم ما أحل الله أو
دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك ما لا يسع الاخذ
به، لان رسول الله (ص) لم يكن ليحرم ما أحل الله ولا ليحلل ما حرم الله ولا ليغير
فرائض الله وأحكامه، كان في ذلك كله متبعا مسلما مؤديا عن الله، وذلك قول الله:

1) لا يفهم هذا البحث حق الفهم ما لم تراجع البحوث الثلاثة المذكورة في المتن.
2) وسائل الشيعة 18 / 88.
3) وسائل الشيعة 18 / 84 ح - 29.
269

" ان أتبع إلا ما يوحى إلى " فكان (ع) متبعا لله مؤديا عن الله ما امره به من تبليغ
الرسالة، قلت: فإنه يرد عنكم الحديث في الشئ عن رسول الله (ص) مما ليس في
الكتاب وهو في السنة ثم يرد خلافه فقال: كذلك قد نهى رسول الله (ص) عن أشياء
نهى حرام فوافق في ذلك نهيه نهى الله، وأمر بأشياء فصار ذلك الامر واجبا لازما كعدل
فرائض الله فوافق في ذلك أمره أمر الله، فما جاء في النهي عن رسول الله (ص) نهى
حرام ثم جاء خلافه لم يسع استعمال ذلك، وكذلك فيما أمر به، لأنا لا نرخص فيما لم
يرخص فيه رسول الله (ص) ولا نأمر بخلاف ما أمر به سول الله (ص) إلا لعلة خوف
ضرورة، فأما أن نستحل ما حرم رسول الله (ص) أو نحرم ما استحل رسول الله (ص)
فلا يكون ذلك أبدا، لأنا تابعون لرسول الله (ص) مسلمون له كما كان رسول الله (ص)
تابعا لأمر ربه مسلما له، وقال الله عز وجل: " ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا " وإن الله نهى عن أشياء ليس نهى حرام بل إعافة وكراهة، وأمر بأشياء ليس
بأمر فرض ولا واجب بل أمر فضل ورجحان في الدين، ثم رخص في ذلك للمعلول
وغير المعلول، فما كان عن رسول الله (ص) نهى إعافة 1 أو أمر فضل فذلك الذي يسع
استعمال الرخصة فيه، إذا ورد عليكم عنا الخبر فيه باتفاق يرويه من يرويه في النهى
ولا ينكره وكان الخبران صحيحين معروفين باتفاق الناقلة فيهما يجب الاخذ بأحدهما أو
بهما جميعا أو بأيهما شئت وأحببت، موسع ذلك لك من باب التسليم لرسول الله (ص)
والرد إليه وإلينا وكان تارك ذلك من باب العناد والانكار وترك التسليم لرسول
الله (ص) مشركا بالله العظيم، فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب
الله، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب، وما
لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله (ص) فما كان في السنة موجودا منهيا
عنه نهى حرام ومأمورا به عن رسول الله (ص) أمر إلزام فاتبعوا ما وافق نهى رسول
الله (ص) وأمره، وما كان في السنة نهى إعافة أو كراهة ثم كان الخبر الأخير خلافه
فذلك رخصة فيما عافه رسول الله (ص) وكرهه ولم يحرمه، فذلك الذي يسع الاخذ بهما
جميعا وبأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتباع والرد إلى رسول
الله (ص)، وما لم تجدوه في شئ من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك،
ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى
270

يأتيكم البيان من عندنا. 1

1) عيون الأخبار: ط قم ج 2 ص 20 - ح 45. والوسائل 18 / 81 - 86 ح - 21.
271

مقائيس العلماء لمعرفة الحديث
هكذا وضع أئمة أهل البيت قواعد لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه، واتخذها
فقهاء مدرستهم ميزانا في فقه الحديث جيلا بعد جيل وقد جمعها بعض العلماء ونسقها
مثل الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الفائدة التاسعة والعاشرة من خاتمة وسائل
الشيعة والشيخ حسين النوري في الفائدة الرابعة من مستدركه. 1
وفي أخريات القرن السابع الهجري راجت قاعدة جديدة لمعرفة الحديث، نسب
كشفها 2 لابن طاوس أحمد بن موسى الحلي (ت: 673 ه‍) 3 والعلامة الحلي الحسن بن
يوسف بن علي بن المطهر (ت: 726 ه‍) 4 حيث صنف الحديث بالنظر إلى راويه منذ
عصرهما إلى أربعة أصناف:
أ - الصحيح: وهو ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل الامامي العدل، عن مثله
في جميع الطبقات.
ب - الحسن، وهو ما اتصل سنده إلى المعصوم بامامي ممدوح من غير نص على
عدالته، مع تحقق ذلك في جميع الطبقات.
ج - الموثق ويقال له: القوي أيضا وهو ما دخل في طريقه من نص الأصحاب

1) وسائل الشيعة 20 / 96 الفائدة التاسعة من الخاتمة، ومستدركه 3 / 535 الفائدة الرابعة.
2) وسائل الشيعة 20 / 96 - 112، وخاصة ص 102 منه.
3) ترجمته؟ مصفى المقال ص 71.
4) ترجمته بالكنى والألقاب للقمي 2 / 436.
272

على توثيقه مع فساد عقيدته بان كان من أحد الفرق الاسلامية المخالفة للامامية وإن كان
من الشيعة.
د - الضعيف: وهو ما لا يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة المتقدمة بان يشتمل
طريقه على مجروح بالفسق ونحوه أو مجهول الحال أو ما دون ذلك كالوضاع. 1
* * *
اشتهرت القاعدة الآنفة منذ عصر العلامة فما بعد، وغالى بعض العلماء في
اعتمادهم على هذه القاعدة وعرض جميع الأخبار والأحاديث عليها.
فعدوا مثلا أحاديث من السيرة لا يصدق محتواها ولا يمكن ان يقع في الخارج
بموجب هذا الميزان صحيحة 2.
كما ضعف هذا البعض عن قبول أحاديث صحيحة لا يصححها هذا الميزان.
وقابل أولئك جماعة من الأخباريين، فشذوا في تصحيحهم جميع ما ورد في
الموسوعات الحديثية الأربعة وما شاكلها 3 ووقع هؤلاء في تهافت عجيب، وكلا
الجانبين ابتعدا عن الصواب في معرفة الحديث، وليس ثمة مجال للخوض في هذا
البحث.
ومن نتائج التصنيف الأخير للحديث واعتمادهم المطلق عليه انهم وزنوا
أحاديث الكافي بالجملة عليه وقالوا: ان الكافي يشتمل على تسعة وتسعين ومائة
حديث وستة عشر الف حديث، منها: 5072 حديث صحيح. 144 حديث حسن.
1118 حديث موثق. 302 حديث قوي. 9485 حديث ضعيف 4. 16121 المجموع.
يعتمد هذا التقسيم على تصنيف الروايات بالنظر إلى درجة رواتها بحسب

1) دراية الشهيد الثاني ص 19 - 24 الباب الأول في أقسام الحديث.
2) راجع فصل " عبد الله بن سبأ في كتب الحديث " من عبد الله بن سبأ - ج 2.
3) راجع الفائدة التاسعة والعاشرة من خاتمة وسائل الشيعة.
4) قال الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين ص 394 قال بعض مشايخنا المتأخرين، أما الكافي
فجميع " أحاديثه... " وهكذا نقله النوري عن لؤلؤه البحرين في شرح حال الكليني من خاتمة المستدرك
3 / 541. وقال النوري: والظاهر أن المراد من القوى ما كان بعض رجال سنده، أو كله الممدوح من غير
الامامي ولم يكن فيه من يضعف به الحديث وله اطلاق آخر...
ويختلف الجمع الذي ذكره البحراني والنوري مع حاصل جمع هذه الأرقام كما أوردناه في المتن،
وينقص (تسعة) عن المجموع الذي ذكره صاحب الروضات بترجمة الكليني 6 / 116، ويختلف عما في الذريعة
17 / 245 فقد ذكر المجموع ستة عشر الف حديث والموثق 178 واراه من الخطأ في النسخ.
273

الميزان المشهور منذ عهد العلامة الحلي، ثم اعتمادا علي معرفة علماء تلكم. العصور بحال
الرواة، ومع غض النظر عن الموازين التي نقلناها عن الأئمة قبل هذا.
ومع كل ذلك فان الحوزات العلمية بمدرسة أهل البيت لم توصد باب البحث
العلمي في يوم من الأيام، بل استمر جهدها الثمر مدى العصور في جهتين من الحديث.
أ - في المحافظة على نصوص الروايات المبينة للأحكام.
ب - في طرح البحوث العلمية حول أسانيد الأحاديث ومتونها ومنطوقها
مدلولها و...
وأخيرا فإنها خضعت لنتيجة ما وعته من نصوص الكتاب والسنة ولم تجتهد
في مقابلهما بتاتا.
وبذلك حافظت على الاحكام الاسلامية من الضياع وتسلسلت أسانيدها إلى
أئمة أهل البيت ومنهم إلى جدهم الرسول (ص) ومنه إلى جبرائيل إلى الباري، ولنعم
ما قال الشاعر:
ووال أناسا قولهم وحديثهم * روى جدنا عن جبرئيل عن الباري
274

معالم المدرستين - القسم الأول
البحث الخامس
الفصل الثالث
رأيا المدرستين في تقييم كتب الحديث
275

نختم بحوث مصادر الشريعة الاسلامية لدى المدرستين ببيان تقيمهما لكتب
الحديث ونقول:
أ - تقييم كتب الحديث بمدرسة الخلفاء:
مر بنا في البحوث السابقة أن الخلفاء الأوائل منعوا نشر حديث الرسول (ص)
ونهوا المسلمين عن كتابته وان النهي استمر حتى عصر عمر بن عبد العزيز حين رفع
الحضر عن تدوين حديث الرسول (ص) وأمر به، فتسابق محدثوا مدرستهم بتدوين
ما كان متداولا بينهم من الحديث وألفوا مختلف كتب الحديث، ثم اشتهر عندهم
الكتب الستة الآتية بالصحاح:
أ - صحيح البخاري، تأليف محمد بن إسماعيل (ت: 256 ه‍).
ب - صحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت: 261 ه‍).
ج - سنن ابن ماجة، تأليف محمد بن يزيد القزويني (ت: 273 ه‍).
د - سنن أبي داود تأليف سليمان بن الأشعث السجستاني (ت: 275 ه‍).
ه‍ - سنن الترمذي تأليف محمد بن عيسى الترمذي (ت: 279 ه‍).
و - سنن النسائي تأليف أحمد بن شعيب النسائي (ت: 203 ه‍).
وبعضهم يجعل بدل سنن النسائي سنن الدارمي تأليف عبد الله بن عبد الرحمن
(ت: 255) من الصحاح الستة.
وكان نتيجة ذلك أن علماء مدرسة الخلفاء بتقليدهم العلماء الستة في تقييم
277

الحديث، أو صدوا باب البحث العلمي في تمحيص الأحاديث على مدرسة الخلفاء
وقلدوا العلماء الستة المذكورين خاصة البخاري ومسلم حتى اليوم، كما فعلوا ذلك في
سد باب الاجتهاد على مدرسة الخلفاء بتقليدهم العلماء الأربعة الآتية أسماؤهم:
أ - أبو حنيفة عتيك بن زوطي 1 المعروف بالنعمان بن ثابت (ت: 150 ه‍).
ب - مالك بن أنس (ت: 279 ه‍).
ج - محمد بن إدريس الشافعي (ت: 204 ه‍).
د - أحمد بن حنبل (ت: 241 ه‍).
ومن الحنابلة تفرعت السلفية أتباع ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم
(ت: 726 ه‍).
ومن السلفية تفرعت الوهابية أتباع محمد بن عبد الوهاب (ت: 1206 ه‍).
كان ذلكم تقييم الحديث بمدرسة الخلفاء وأثره.
ب - تقييم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت:
نلخص هنا ما سبق ذكره في هذا الباب ونضيف إليه ونقول:
ان أول من دون الحديث في مدرسة أهل البيت هو الإمام علي (ع) حيث دون
ما أملاه عليه رسول الله (ص) في كتب منها الجامعة التي كان طولها سبعون ذراعا في
عرض الأديم ما على الأرض شئ يحتاج إليه الناس من احكام الاسلام إلا وهو فيه.
ثم توارث الأئمة من ولده كتبه ورووا منها عن رسول الله (ص) لتلاميذهم، ودونها من
أصحابهم من دون ما سمعه في رسائل صغار، وكان الشيخ الكليني (ت: 329 ه‍)
أول من الف بمدرسة أهل البيت موسوعة حديثية عامة جمع فيها ما أمكنه من تلكم
الرسائل، ثم تلاه الشيخ الصدوق (ت: 381 ه‍) والف كذلك مدينة العلم وهي
مفقودة على أثر حرق كتب أتباع مدرسة أهل البيت ومكتباتهم ومطاردتهم
وتشريدهم. وختم تأليف الموسوعات الحديثية العامة بمدرسة أهل البيت بموسوعة
المجلسي (ت: 1111 ه‍) في الحديث وهو البحار والعوالم للبحراني (من تلامذة المجلسي)

1) بترجمة في تاريخ بغداد: النعمان بن ثابت بن زوطي، وكان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة،
فأعتق، فولاءه لبني تيم الله. أصله من كابل. وزاد ابن خلكان بعد زوطي ابن ماه. وذكر الخطيب ان أبا
حنيفة اسمه عتيك بن زوطرة فسمى نفسه النعمان وأباه ثابتا.
278

واهتم علماء مدرسة أهل البيت بأحاديث الاحكام وعنوا بها عناية فائقة. وكان الشيخ
الصدوق أول من الف موسوعة فقهية من الحديث سماها " من لا يحضره الفقيه "، وتلاه
في ذلك الشيخ الطوسي (ت: 460 ه‍) والف الاستبصار والتهذيب. ثم اشتهر الكافي
ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب والاستبصار من الموسوعات الحديثية اشتهارا واسعا، على أن
الذي ألف بعدها جاء أوسع منها وأفضل تبويبا مثل الوسائل للشيخ الحر العاملي (ت:
1104 ه‍) وجامع أحاديث الشيعة للسيد حسين بن علي البروجردي (ت: 1380).
وهذا الأخير أكثر إتقانا وشمولا من كل ما سبقه غير أن الفضل للمتقدم.
279

علماء مدرسة أهل البيت (ع)
لا تقلد السلف في الفقه ولا دراية الحديث
تمتاز مدرسة أهل البيت (ع) على مدرسة الخلفاء بأنها لا تعتبر أي كتاب عدا
كتاب الله من أوله إلى آخره صحيحا، ولا تقلد أي واحد من السلف الصالح من
العلماء في ما اتخذه من رأي فقهي أو ما اعتبره صحيحا من حديث مروى، خلافا لما
عليه مدرسة الخلفاء من تقليدهم العلماء الأربعة في الفقه وسدهم باب الاجتهاد على
غيرهم إلى يوم، وكذلك اعتبارهم ما ورد في الكتب الستة من الحديث صحيحا
وخاصة ما في صحيحي مسلم والبخاري وسدهم بذلك باب البحث العلمي في دراية
الحديث على أنفسهم إلى اليوم.
ويدلك على ما ذكرنا بالنسبة إلى مدرسة أهل البيت ان ما انتخبه العلامة
الحلي الحسن بن يوسف (ت: 726) من حديث ودونه في عشرة أجزاء وسماه " الدر
والمرجان في الأحاديث الصحاح والحسان " 1 وكذلك ما انتخبه من حديث صحيح
حسب اجتهاده وجمعه في تأليف وسماه " النهج الوضاح في الأحاديث الصحاح " 2،
وما انتخبه الشيخ حسن (ت: 1011 ه‍) ابن الشهيد الثاني من حديث مقتفيا اثر
العلامة وسماه " منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان " 3 لم تتداول في
الحوزات العلمية ولم يعتد بها العلماء وإنما اعتبروا عملهما اجتهادا شخصيا، رغم اشتهار

1) راجع ترجمة الكتاب في حرف الدال من الذريعة.
2) راجع ترجمة الكتاب في حرف النون من الذريعة.
3) راجع رجال المامقاني، ط. النجفية الأولى ج 1 / 281 وترجمة الكتاب في حرف الميم من الذريعة.
280

سائر مؤلفاتهما لديهم وتداولها بينهم حتى اليوم، مثل كتاب معالم الأصول للشيخ حسن
الذي بقي منذ عصر مؤلفه إلى اليوم أول كتاب دراسي يدرسه طلاب أصول الفقه،
ودرسه عامة الفقهاء في سلم الدراسات الأصولية، ومن جراء ذلك اشتهر مؤلفه بين
العلماء بصاحب المعالم، ومع ذلك نسيت مؤلفاتهم في صحاح الأحاديث وحسانها،
ولعل في العلماء بمدرسة أهل البيت من لم يسمع بأسماء كتبهم في صحاح الأحاديث
وحسانها فضلا عن التمسك بما ورد فيها من حديث بعنوان الصحيح والحسن.
281

تقييم أحاديث الكتب الأربعة
ان مدرسة أهل البيت لم تعتبر جميع أحاديث الكتب الأربعة: الكافي والفقيه
والاستبصار والتهذيب، صحيحة كما هو الشأن لدى مدرسة الخلفاء بالنسبة إلى
صحيحي مسلم والبخاري، وان أقدم الكتب الأربعة زمانا وأنبهها ذكرا وأكثرها
شهرة هو كتاب الكافي للشيخ الكليني، وقد ذكر المحدثون بمدرسة أهل البيت ان فيها
خمسة وثمانين وأربعمائة وتسعة آلاف حديث ضعيف من مجموع 16121 حديث،
وإذا رجعت إلى شرح الكافي المسمى بمرآة العقول وجدت مؤلفه المجلسي - أحد كبار
علماء الحديث - يذكر لك في تقييمه أحاديث الكافي ضعف ما يراه منها ضعيفا،
وصحة ما يرى منها صحيحا، ووثاقة ما يرى منها موثقا أو قويا باصطلاح أهل البيت.
وقد ألف أحد الباحثين في عصرنا صحيح الكافي 1 اعتبر من مجموع 16121
حديثا من أحاديث الكافي 3328 حديثا صحيحا وترك 11693 حديثا منها لم يراها
حسب اجتهاده صحيحة.

1) صحيح الكافي تأليف محمد باقر البهبودي، ط. بيروت سنة 1401 ه‍.
ولما كان المؤلف قد اعتمد في عمله على الأقوال المنقولة عن كتاب الرجال المنسوب إلى ابن الغضائري
أبو الحسين أحمد بن الحسين (كان معاصرا للنجاشي والطوسي) وعلماء الدراية والرجال ينكرون وجود كتاب
كهذا لابن الغضائري، لهذا لم يلق عمله المذكور القبول في الحوزات العلمية.
راجع حرف الراء من الذريعة بترجمة رجال ابن الغضائري (ج 10 / 87 - 89) وحرف التاء بترجمة
كتاب تفسير العسكري (ج 4 / 288 - 291)، وفصل " التشكيك في نسبة الرجال إلى ابن الغضائري " الحكم
عليه بالوضع والاختلاق من المقدمة السادسة بمعجم رجال الحديث (ج 1 / 102).
282

وما ذكرناه يدلك على أن مدرسة أهل البيت لا تعتبر أي كتاب حديث لديها
صحيحا، سواء الكافي منها وما دونها شهرة، وبعدها زمانا.
وانها تؤمن بأن كتاب الله القرآن وحده صحيح من الجلد إلى الجلد ولا شريك
له في الصحة.
قول مجهول قائله
أما ما قيل من أن المهدى (ع) قال: إن الكافي كاف لشيعتنا، فإنه قول مجهول
راويه ولم يسم أحد اسمه، ويدل على بطلانه تأليف مئات كتب الحديث بمدرسة أهل البيت
بعد الكافي مثل: من لا يحضره الفقيه، ومدينة العلم والتهذيب والاستبصار
والبحار ووسائل الشيعة وجامع أحاديث الشيعة، إلى غيرها.
الأحاديث الصحيحة لدى فقهاء مدرسة أهل البيت
بما ان أتباع مدرسة أهل البيت لم يسدوا باب الاجتهاد اي استنباط الاحكام
من الكتاب والسنة، كما فعل ذلك أتباع مدرسة الخلفاء، فإنهم بحاجة مستمرة إلى
دراسة آيات الاحكام من كلام الله ودراسة أحاديث الاحكام المنتهية إلى رسول
الله (ص).
وفي صدد ذلك جمعوا آيات الاحكام في رسائل خاصة مثل: كنز العرفان في فقه
القرآن للسيوري (ت: 826 ه‍) ومسالك الأفهام إلى آيات الاحكام لجواد الكاظمي
(توفي أواسط القرن الحادي عشر الهجري)، ثم عنوا بدراستها لدراية منطوقها ومفهومها
خاصها وعامها محكمها ومتشابههما، إلى غير ذلك من الدراسات واستنبطوا منها الأحكام الشرعية
التي دونوها في كتبهم الفقهية.
وكذلك جمعوا الأحاديث المروية بواسطة الصحابة المؤمنين وأئمة أهل البيت
الأطهار في موسوعات كبيرة مثل الفقيه والاستبصار والتهذيب والوسائل وجامع
أحاديث الشيعة، ثم عنوا بدراسة اسناد أحاديثها لمعرفة قويها من ضعيفها وصحيحها من
سقيمها ودراسة متونها لمعرفة عامها وخاصها، مجملها ومبينها ورجحان ما تعارض منها.
ثم أثبتوا الاحكام التي استخرجوها مما صح عندهم من تلك الأحاديث في كتب فقهية،
مثل النهاية للشيخ الطوسي والمختصر النافع وشرايع الاسلام للمحقق الحلي
(ت: 676 ه‍) واللمعة للشهيد الأول (ت: 786 ه‍) وشرحها للشهيد الثاني
283

(ت: 965 ه‍) وجواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام للشيخ محمد حسن
(ت: 1266 ه‍) إلى نظائرها.
ويتضح مما ذكرنا ان علماء مدرسة أهل البيت لم يجروا في دراستهم الرسمية
الحوزوية على غير أحاديث الاحكام دراسات لتمحيص الأحاديث، وأن الأحاديث التي
جمعوها في مثل الوسائل وجامع أحاديث الشيعة إنما جمعوها ليجرى الفقيه عليها دراساته
لمعرفة الأحاديث الصحيحة منها ثم استنباط الاحكام مما ثبت عندهم صحتها منها.
إذا فالأحاديث الصحيحة عند فقهاء الشيعة هي التي استخرجوا منها المسائل
الفقهية المدونة في الكتب الفقهية المذكورة آنفا، ومن ثم ثبت ان العلماء لم يجروا أي
دراسة حوزوية على أحاديث السيرة، سواء سيرة الأنبياء السابقين أو خاتم الأنبياء
وصحابته، أو الأئمة وأصحابهم، وروايات التاريخ الاسلامي العام، ولا على أحاديث
تفسير القرآن الكريم والأدعية والأخلاق وكذلك أغلب أحاديث الأعمال المستحبة،
وتجدهم يعولون في هذه المباحث على روايات ورواة لا يعولون عليها ولا عليهم في
المباحث الفقهية، بل يطرحونها ويسقطونها على الاعتبار. ولو سألت أحدهم: هل صح
عندك جميع ما أوردت في هذا البحث غير الفقهي من حديث؟ لأجابك بالنفي وقال إنه
ليس من مباحث الأحكام الشرعية وإنما هو من أبواب المعارف الاسلامية والامر
فيه هين.
ومن ثم يخرجون في مباحث التفسير والسيرة والأدعية والأخلاق والأعمال
المستحبة روايات عن رواة لا يروون عنهم في أبواب الفقه، وقد أكثروا في هذه المباحث
من ايراد روايات مدرسة الخلفاء مما تخالف الواقع وانتقدوا عليها، دون أن يعلم الناقد
ان النقد إنما يتجه إلى روايات مدرسة الخلفاء فيها وليس على روايات مدرسة أهل
البيت واليك ثبتا بذلك فيما يأتي.
284

انتشار أحاديث مدرسة الخلافة
لدى اتباع مدرسة أهل البيت
أوردنا في الجزء السابع من " نقش أئمة در احياء دين " 1 الأحاديث التي
خرجها الشيخ المفيد (ت: 413 ه‍) من أحاديث سيف بن عمر الزنديق من رواة
أحاديث السيرة والتاريخ بمدرسة الخلفاء.
وذكرنا بعض ما اعتمده الشيخ الطوسي من رواياتهم بترجمة القعقاع من رجاله
وانتشر منه إلى رجال الأردبيلي (ت: 1101 ه‍) والقهبائي (كان حيا سنة 1016 ه‍)
والمامقاني (ت: 1351 ه‍).
وان بعض ما أخرجه الشيخ الطوسي - أيضا - من رواياتهم في تفسيره
التبيان انتشرت منه إلى تفسير: أبي الفتوح الرازي (ت: 554 ه‍) ومنه إلى تفسير گازر
(ت: 722 ه‍) ومنه إلى تفسير الكاشاني (ت: 988 ه‍).
وان من " إحياء علوم الدين " للغزالي (ت: 505 ه‍) انتشر حديث موضوع
عن سيرة رسول الله إلى " جامع السعادات " لمهدي النراقي (ت: 1209 ه‍) ومنه إلى
" معراج السعادة " لابنه احمد النراقي (ت: 1245 ه‍).
وان ابن طاووس (ت: 664 ه‍) اعتمد في كتاب دعائه " المجتنى " على رواية
نقلها من تاريخ ابن الأثير (ت: 630 ه‍) والتي كان قد نقلها من رواية سيف الزنديق
بتاريخ الطبري.

1) راجع في ما نقلناه إلى هنا: " نقش أئمة " ج 7 / 61 - 75، ط. تهران سنة 1404 ه‍ =
1363 ش.
285

وان المجلسي الكبير (ت: 1111 ه‍) أخرج في أبواب سيرة رسول الله (ص)
ومقتل الإمام علي ووفاة فاطمة بكتاب البحار 264 صفحة من روايات كتب
أبي الحسن البكري (ت: منتصف القرن الثالث الهجري) 1.
واستنسخ الشيخ الحر العاملي (ت: 1104 ه‍) كتاب البكري المذكور
وألحقه بآخر كتاب " عيون المعجزات " 2 للشيخ حسين بن عبد الوهاب.
* * *
هكذا انتشر في غير الأبواب الفقهية من كتب علماء مدرسة أهل البيت الشئ
الكثير من الأحاديث الضعيفة، وسبب ايراد النقد الكثير عليهم. ومن ثم يرد هذا
السؤال: انه ما المبرر لهم في تدوين الأحاديث الضعيفة في غير أبواب الفقه من كتبهم؟
وفي ما يأتي جوابهم على هذا السؤال:
الأمانة العلمية لدى علماء مدرسة أهل البيت
لما لم يكن علماء مدرسة أهل البيت بصدد تدوين الحديث الصحيح في كتبهم
كما هو شأن مؤلفي الصحاح بمدرسة الخلفاء وخاصة في غير الأبواب الفقهية، وكانوا
بصدد جمع الأحاديث المناسبة لكل باب، لهذا افتضت الأمانة العلمية في النقل أن
يدونوا كل ما انتهى إليهم من حديث في بابه، مع غض النظر عن صحة الحديث لديهم
أو عدمه كي تصل جميع أحاديث الباب إلى الباحثين في الأجيال القادمة كاملة، مهما
كان بعض الأحاديث مكروهة لديهم وضعيفة بموازين النقد العلمي. وإنما كانوا يرون
أنفسهم مسؤولين أمام الله في تمحيص الأحاديث التي يعتمدونها في استخراج الأحكام الشرعية
في تدوين كتبهم الفقهية فحسب.
إذا فان النقد يرد عليهم لو اعتمدوا على حديث ضعيف في كتبهم الفقهية،
وكذلك يرد النقد على كتب " منتقى الجمان " و " الدر والمرجان في أحاديث الصحاح

1) هو أحمد بن عبد الله بن محمد من أولاد الخليفة الأول أبي بكر قال الذهبي بترجمته: " واضع القصص
التي لم تكن قط " وهو غير أبي الحسن البكري محمد بن محمد بن عبد الرحمن المتوفى 954 ه‍، وترجمته في الأعلام للزركلي
7 / 285.
راجع ترجمة أحمد بن عبد الله في ميزان الاعتدال رقم الترجمة 440 ولسان الميزان رقم الترجمة 639
والأعلام للزركلي 1 / 148.
2) راجع " نقش أئمة " 7 / 70.
286

والحسان " و " النهج الوضاح في الأحاديث الصحاح " و " صحيح الكافي " لو ورد فيها
حديث ضعيف.
ومن كل ما سبق ذكره يتضع جليا ان مدرسة أهل البيت لا تتسالم على صحة
كتاب عدا كتاب الله جل اسمه، وان مؤلفيهم قد يوردون في غير الكتب الفقهية حديثا
لا يعتقدون صحته ويرونه ضعيفا، لان الأمانة العلمية تقتضيهم أن لا يكتموا حديثا من
الباحثين في الأجيال القادمة بدليل انهم يرونه ضعيفا، فلا يتجه إليهم نقد في غير ما دونوه
في الأبواب الفقهية، يرد النقد على مؤلفي الصحاح والحسان الأربعة لو وجد فيها
حديث ضعيف.
* * *
بعد ان بلغ البحث إلى هنا رجعنا إلى معجم رجال الحديث لأستاذ الفقهاء
السيد الخوئي، فوجدناه - مد ظله - قد أفاض الحديث في ذلك تحت عنوان " روايات
الكتب الأربعة ليست قطعية الصدور " 1 و " النظر في صحة روايات الكافي ومن
لا يحضره الفقيه التهذيبين... " 2.
وأثبت ان الشيخ الطوسي والصدوق وشيخه لم يكونوا يرون صحة جميع ما
ورد في الكافي من حديث.
وأن الشيخ الطوسي لم يكن يرى صحة جميع ما ورد في من لا يحضره الفقيه من
حديث.
والاهم من ذلك أن الكليني بنفسه لم يكن يرى جميع ما أورده من حديث في
كتابه الكافي صحيحا.
وكذلك الصدوق لم يكن يرى صحة جميع ما أورد من حديث في من لا يحضره
الفقيه.
والشيخ الطوسي لم يكن يرى صحة جميع ما أورد من حديث في التهذيب
والاستبصار.
واستدل فيما أفاد بأدلة قوية، منها: أنه كيف يصح ان يقال إن الشيخ الكليني
أو غيره يرى جميع ما في كتاب الكافي قطعي الصدور عن رسول الله (ص) أو أحد الأئمة

1) معجم رجال الحديث 1 / 22 - 36، ط. بيروت سنة 1403 ه‍.
2) معجم رجال الحديث 1 / 85 - 97.
287

من أهل بيته (ع) وقد نقل فيه الشيخ الكليني أقوالا عن اشخاص أمثال:
أ - هشام بن الحكم.
ب - أبي أيوب النحوي.
ج - النظر بن سويد.
د - أسيد بن صفوان.
ه‍ - إدريس بن عبد الله الأودي.
و - الفضيل.
ز - أبي حمزة.
ح - اليمان بن عبيد الله.
ط - إسحاق بن عمار.
ى - يونس.
ك - إبراهيم بن أبي البلاد.
ل - أبي نعيم الطحان.
م - إسماعيل بن جعفر. 1
كيف يصح وليس هؤلاء الرجال الذين أخرج أحاديثهم في الكافي بالنبي
والأئمة من أهل بيته لتكون أقوالهم أحاديث صحيحة.

1) معجم رجال الحديث ج 1 / 89 - 91.
288

معالم المدرستين
القسم الأول
خلاصة وخاتمة
البحث الرابع والخامس
289

كان نتيجة ما ذكرنا من انتشار اجتهادات الخلفاء وفق سياستهم أن غم أمر
الاحكام الاسلامية التي جاء بها الرسول (ص) على المسلمين ونسيت، واشتهر بين
المسلمين الاحكام التي اجتهد فيها الخلفاء.
وانتشرت باسم أحكام الاسلام في جميع بلاد الاسلام على وجه الأرض من
اليمن إلى الحجاز والشام والعراق وأقاصي إيران ومصر إلى أقاصي أفريقية أن نسيت
الاحكام التي جاء بها سيد الرسل في تلك المسائل ولو عرفت أحيانا الحكم الذي جاء به
الرسول وكان مخالفا لأوامر الخليفة فالتدين عندهم في الاعراض عن حكم الله في
سبيل طاعة الخليفة: فقد مر علينا قول الشامي في رميه الكعبة إن الحرمة والطاعة
اجتمعتا فغلبت الطاعة الحرمة. ونادى الحجاج: يا أهل الشام! الله الله في الطاعة! ولولا
طاعة الخليفة لاجتنبوا تلك المعاصي الكبيرة. ألم يكن قائد الحملة الحصين بن نمير
يخاف الله في حمامة الحرم أن تطأها فرسه وهو غافل عنها!!
وكذلك كان شأن شمر في قتله الحسين (ع) فقد روى الذهبي وقال:
كان شمر بن ذي الجوشن يصلي الفجر ثم يقعد حتى يصبح ثم يصلي، ويقول
في دعائه: اللهم اغفر لي! فقيل له: كيف يغفر الله لك وقد خرجت إلى ابن بنت رسول
الله (ص) فأعنت على قتله؟!، قال: ويحك! فكيف نصنع إن أمراءنا هؤلاء أمرونا
بأمر فلم نخالفهم ولو خالفناهم كنا شرا من هذه الحمر 1.

1) تاريخ الاسلام للذهبي 3 / 18 - 19.
291

وكان كعب بن جابر - ممن حضر قتال الحسين (ع) في كربلاء - يقول في
مناجاته:
" يا رب إنا قد وفينا فلا تجعلنا يا رب كمن قد غدر " يقصد بمن قد غدر من
خالف الخليفة وعصا أوامره.
ودنا عمرو بن الحجاج يوم عاشوراء من أصحاب الحسين (ع) ونادى وقال:
يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف
الامام.
بلغوا في تدينهم بطاعة الخليفة إلى حد أنه كان أرجى عمل عندهم ليوم القيامة
ارتكاب كبائر معاصي الله في سبيل طاعة الخليفة، وقد مر علينا قول مسلم في حالة
النزع:
اللهم إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده
ورسوله - أي بعد الاسلام - أحب إلي من قتلي أهل المدينة ولا أرجى عندي في
الآخرة وان دخلت النار بعد ذلك إني لشقي.
أرأيت هذا التدين؟! أرأيت أرجى عمل ليوم القيامة؟! أرأيت كيف
استطاعت عصبة الخلافة أن تقلب الاسلام إلى ضده؟ فان الذين قتلوا الحسين (ع)
كانوا يصلون عليه في صلاتهم حين يصلون على محمد وآل محمد ثم يقتلونه؟! وإن الذين
كانوا يرمون الكعبة بالمنجنيق كانوا يستقبلونها في صلاتهم ثم يعقبون صلاتهم برميها
بالنفط ومشاقات الكنان وأحجار المنجنيق؟!!
وقع كل ذلك في سبيل طاعة الخليفة إذن أصبح الخليفة يومذاك مطاعا دون
الله وكان الخليفة الذي يأمر برمي الكعبة بالمنجنيق أعتى وأطغى من فرعون! فان
فرعون لم يأمر بهدم بيت عبادته كما فعل خليفة المسلمين يزيد و عبد الملك هكذا ربت
مدرسة الخلافة المسلمين فكيف أدرك المسلمون الحقيقة؟
كيف وعى المسلمون؟
أصاب شريعة سيد المرسلين (ص) بسبب تلك الاجتهادات ما أصاب شرايع
الأنبياء السابقين في تلك المسائل، ولم يكن من الممكن إعادة أحكام الاسلام إلى
292

المجتمع مع طاعة أفراده لمقام الخلافة 1 التي اجتهدت في تلك الأحكام، فلم يكن بد من
كسر قدسية مقام الخلافة في نفوس المسلمين كي يتيسر بعد ذلك إبعاد الاحكام التي
انتشرت بسبب اجتهاداتهم، ثم إعادة أحكام الاسلام التي جاء بها رسول الله إلى
المجتمع بعد ذلك وقد أعد الله الإمام الحسين للقيام بهذه المهمة كما يلي بيانه.

1) ورد في لسان العرب وتاج العروس بمادة " عبد ":
عبد عبادة وعبودة وعبودية اطاعه أو العبادة الطاعة مع الخضوع وعبد الطاغوت أي اطاعه يعنى
الشيطان في ما سول له وأغواه، واعبدوا ربكم أي أطيعوا ربكم، وإياك نعبد أي نطيع الطاعة التي يخضع
معها.
293

أعد الله ورسوله الإمام الحسين (ع) للقيام بالتغيير
قيض الله الإمام الحسين (ع) لكسر قدسية مقام الخلافة في نفوس المسلمين بعد
أن أعد له الأجواء النفسية في المجتمع الاسلامي بما أنزل في حقه ضمن ما أنزل في حق
أهل البيت عامة بقرآنه الكريم، وفي ما بلغ المسلمين على لسان رسوله في أهل البيت
عامة وفي الإمام الحسين خاصة:
فإنه لما أنزل الله سبحانه: " قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى ".
فسر رسوله (القربى) بعلي وفاطمة والحسن والحسين 1.
ولما أراد الله سبحانه أن ينزل آية التطهير، ورأي رسول الله أن الرحمة هابطة،
دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين وضمهم إلى نفسه تحت الكساء، فأنزل الله تعالى:
" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا "، فقال
رسول الله: اللهم إن هؤلاء هم أهل بيتي، وبقي طول حياته بعد ذلك يقف على باب
دارهم يوميا خمس مرات أوقات الصلاة اليومية ويقول: السلام عليكم يا أهل البيت
إنما يريد الله ليذهب... 2
ولما نزلت الآية الكريمة: " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل
تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل
لعنة الله على الكاذبين (61 آل عمران) وأراد أن يباهل نصارى نجران دعا رسول الله

1) بتفسير الآية من تفسير الطبري والزمخشري والسيوطي، ومستدرك الصحيحين 3 / 172، وذخائر
العقبى للطبري ص 138، وأسد الغابة 5 / 367، وحلية الأولياء 3 / 201، ومجمع الزوائد 7 / 103 و 9 / 146.
2) مضت مصادر الخبر في ص 18 - 23 من القسم الأول من هذا الكتاب.
294

عليا وفاطمة والحسن والحسين 1.
وفي رواية وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه وعلي
يمشي خلفها، وقال لهم النبي: إذا دعوت فأمنوا، فلما رآهم أسقف نجران، قال: يا
معشر النصارى! إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لازاله، فلا
تبتهلوا فتهلكوا، فصالحهم على دفع الجزية 2. هذا بعض ما تلته أبناء الأمة في قرآنها
وسمعته في تفسيره عن رسول الله له وشاهدته يفسرها بعمله.
وأيضا سمعت رسول الله يقول:
من صلى صلاة لم يصل فيها علي ولا على أهل بيتي لم تقبل منه 3.
ولما سألوه كيف يصلون عليه قال:
قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد
مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد 4.
وسمعته يقول لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا حرب لمن حاربتم وسلم
لمن سالمتم 5.
وفي رواية: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم 6.
وأخذ بيد حسن وحسين، فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما

1) صحيح مسلم باب فضائل علي من كتاب فضائل الصحابة، وسنن الترمذي، ومستدرك
الصحيحين 3 / 150، ومسند أحمد 1 / 185، وسنن البيهقي 7 / 63، وتفسير الآية بتفسير الطبري والسيوطي،
والواحدي في أسباب النزول ص 74 و 75.
2) بتفسير الآية بتفسير الكشاف للزمخشري، والتفسير الكبير للفخر الرازي، ونور الابصار للشبلنجي
ص 100.
3) سنن البيهقي 2 / 379، وسنن الدارقطني ص 136.
4) صحيح البخاري كتاب الدعوات في باب الصلاة على النبي وفي كتاب التفسير في باب تفسير قوله
تعالى: " ان الله وملائكته يصلون على النبي "، وصحيح مسلم في كتاب الصلاة باب الصلاة على النبي (ص)
بعد التشهد، ومسند أحمد 2 / 47، و 5 / 353 والأدب المفرد للبخاري ص 93، وسنن النسائي وابن ماجة
والترمذي والبيهقي 2 / 147 و 279، والدارقطني ص 135، ومسند الشافعي ص 23، ومستدرك الصحيحين
1 / 269، وتفسير آية " ان الله وملائكته... " من تفسير الطبري.
5 و 6) سنن الترمذي كتاب المناقب وابن ماجة المقدمة، ومستدرك الصحيحين 3 / 149، ومسند
أحمد 2 / 442، وأسد الغابة 3 / 11 و 5 / 523، ومجمع الزوائد 9 / 169، وتاريخ بغداد 8 / 136، والرياض
النضرة 2 / 199، وذخائر العقبى ص 23.
295

كان معي في درجتي يوم القيامة 1.
ويقول: الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا 2.
ويقول: ألا أخبركم بخير الناس جدا وجدة ألا أخبركم بخير الناس عما
وعمة ألا أخبركم بخير الناس خالا وخالة؟ ألا أخبركم بخير الناس أبا وأما:
الحسن والحسين 3.
ويقول هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من
يحبهما 4.
ويقول: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني 5.
ويقول: كل بني آدم ينتمون إلى عصبتهم الا ولد فاطمة فاني أنا أبوهم وأنا
عصبتهم 6.
وكان يصلي في مسجده فإذا سجد وثب الحسن والحسين (ع) على ظهره،
وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا فإذا عاد عادا... 7

1) مسند أحمد 1 / 77، وسنن الترمذي كتاب المناقب وتاريخ بغداد 3 / 287، وتهذيب التهذيب
10 / 430، وكنز العمال.
2) في باب مناقب الحسن والحسين من كتاب بدء الخلق من صحيح البخاري أن رجلا سأل ابن عمر
عن دم البعوض فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق، قال: أنظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن
النبي (ص) وسمعت النبي (ص) يقول: هما ريحانتاي من الدنيا.
وباب رحمة الولد وتقبيله والأدب المفرد له ص 14 وسنن الترمذي ومسند أحمد 2 / 85 و 93 و 114 و
153، ومسند الطيالسي 8 / 160، وخصائص النسائي ص 37، ومستدرك الحاكم 3 / 165، والرياض النضرة
2 / 232، وحلية أبي نعيم 3 / 201 و 5 / 70، وفتح الباري 8 / 100، ومجمع الزوائد 9 / 181.
3) مجمع الزوائد للهيثمي 9 / 184، وذخائر العقبى ص 130، وكنز العمال؟ 13 / 103 - 14، ط. الثانية.
4) الترمذي كتاب المناقب، وخصائص النسائي ص 220، وكنز العمال. 13 / 99، ط. الثانية.
5) سنن ابن ماجة، في فضائل الحسن والحسين، ومسند أحمد 2 / 288 و 440 و 531، و 5 / 369،
وتاريخ بغداد 1 / 141، وكنوز الحقائق، ط. اسلامبول ص 134، ومسند الطيالسي 10 / 327 و 332، ومجمع
الزوائد 9 / 180 و 181 و 185، وسنن البيهقي 2 / 263، و 4 / 28، وحلية الأولياء 8 / 305، ومستدرك
الصحيحين 3 / 166 و 171.
6) مستدرك الصحيحين 3 / 164، وتاريخ بغداد 11 / 285، ومجمع الزوائد 9 / 172، وذخائر العقبى
ص 121، وكنز؟ العمال 6 / 266 و 220.
7) مستدرك الصحيحين 3 / 163 و 165 و 626، ومسند أحمد 2 / 513، و 3 / 493، و 5 / 51، وسنن
البيهقي 2 / 263، ومجمع الزوائد للهيثمي 9 / 275 و 181 و 182، وذخائر العقبى ص 132، وأسد الغابة
2 / 389، والرياض النضرة ص 132.
296

وكان يخطب في مسجده إذ جاء الحسن والحسين يمشيان ويعثران فنزل رسول
الله (ص) من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه... 1
* * *
أعد الله ورسوله الأمة في الآيات والأحاديث الانفة لتنظر إلى أهل البيت
عامة بعد رسول الله (ص) نظرة اجلال واكبار وحب وولاء، وكذلك في آيات أخرى
مثل: آية الخمس وسورة هل أتى، وآية وآت ذا القربى حقه وفي أحاديث عن النبي
في تفسير تلك الآيات وغيرها 2.
وخص بالذكر من بينهم الإمام الحسين في مثل اخبار الله نبيه باستشهاد الإمام الحسين
في يوم مولده وبعده واخبار رسوله أمته بذلك مرة بعد أخرى 3.
وكذلك في ما فعل الإمام علي بعد رسول الله (ص) مثل روايته عن رسول
الله (ص) في طريقه إلى صفين وغيره باستشهاد الإمام الحسين.
وقوله في بعض أيام صفين:
إنني أنفس بهذين - يعني الحسن والحسين (ع) - على الموت لئلا ينقطع بهما
نسل رسول الله صلى الله عليه وآله 4.
هكذا وجهت الأمة إلى حب الإمام الحسين واجلال مقامه، أضف إلى ذلك
ما كان عند بعض أبناء الأمة من نصوص عن الرسول في امامة الأئمة الاثني عشر وأنهم
حملة الاسلام وحفظته وأن الإمام الحسين ثالثهم.
ومهما يكن من أمر فان الإمام الحسين كان الرجل الوحيد الذي ورث حب
المسلمين لجده الرسول (ص) في عصره.
ولهذا رغب المسلمون يومذاك أن يبايعوه بالخلافة ليصبح بتلك البيعة الخليفة

1) مسند أحمد 4 / 389، و 5 / 354، ومستدرك الحاكم 1 / 287، و 4 / 189، وسنن البيهقي 3 / 218،
و 6 / 165، وسنن ابن ماجة باب لبس الأحمر للرجال من كتاب اللباس، وسنن النسائي باب صلاة الجمعة
والعيدين، وسنن الترمذي كتاب المناقب.
2) أسباب النزول للواحدي ص 331، وأسد الغابة 5 / 530، والرياض النضرة 2 / 227، ونور
الابصار للشبلنجي، وتفسير الآية بتفسير السيوطي.
3) راجع قبله فصل " أنباء باستشهاد الحسين ".
4) نهج البلاغة، العدد 205 من خطبه.
297

الشرعي بعد معاوية، يتبوأ عرش الخلافة بحقوقها، ولو أتيح له ذلك وأصبح خليفة
المسلمين ببيعتهم إياه لما استطاع أن يعيد إلى المجتمع الاحكام الاسلامية التي بدلها
الخلفاء وغيروها باجتهاداتهم كما لم يستطع الإمام علي أن يفعل ذلك بالنسبة إلى
اجتهادات الخلفاء الثلاثة من قبله 1 وكان على الإمام الحسين لو بويع أن يقر أحداث
معاوية - اجتهاداته - على حالها بما فيها لعن أبيه الإمام علي (ع) على جميع منابر
المسلمين بالإضافة إلى اجتهادات الخلفاء السابقين، ولما لم يقدر للمسلمين أن يبايعوه
بالخلافة أصبحت حاله لدى المسلمين حال الحرمين الشريفين، له الحرمة في نفوسهم
ولكنهم انتهكوها في سبيل طاعة الخليفة وصح ما قال له الفرزدق في هذا الصدد
(قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية).
في ضوء الدراسات السابقة نستطيع أن نعرف مشكلة ذلك العصر كما يلي.

1) راجع قبله، شكوى الإمام علي من تغيير الولاة قبله أحكام الاسلام بباب مصدر الاحكام في مدرسة
أهل البيت.
298

حال المسلمين في عصر الإمام الحسين (ع)
كان المسلمون في عاصمتي الاسلام مكة والمدينة وعاصمتي الخلافة الكوفة
والشام يرون التمسك بالدين في طاعة الخليفة مهما كانت صفاته وفي كل ما يأمر،
ويرون في الخروج عليه شقا لعصا المسلمين ومروقا من الدين، هذه كانت حالتهم وفيهم
بقية ممن رأى رسول الله وسمع حديثه وفيهم التابعون باحسان وفيهم علية المسلمين.
وبالقياس إلى هؤلاء، كيف كانت حال المسلمين في سائر الحواضر الاسلامية
وبلاده النائية مثل من كان في أقاصي أفريقيا وإيران والجزيرة العربية ممن لم يروا
رسول الله (ص) ولم يصاحبوا أهل بيته أو خريجي مدرسته، أولئك المسلمين الذين
كانوا يعرفون الاسلام من خلال ما يرونه في عاصمة الخلافة وبلاط الخليفة خاصة
ويمثل الاسلام في عرفهم الخليفة وسيرته! وما أدراك ما الخليفة وما سيرته!
الخليفة الذي لا يردعه رادع من دين عن نيل ما يشتهيه! الخليفة الذي يشرب
الخمر، ويترك الصلاة! ويضرب بالطنابير ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب
ويسمر عنده الخراب والفتيان.
الخليفة الذي ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات 1.
الخليفة الذي يأمر بقتل سبط الرسول ويسبي بناته ويبيح حرم الرسول ويرمي
الكعبة بالمنجنيق وينشد:

1) هكذا وصفه أماثل أهل المدينة الذين وفدوا إليه وشاهدوه من قريب مع أنه برهم وأكرمهم.
299

لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل 1
هذا هو الاسلام الذي كانوا يجدونه لدى خليفة الله وخليفة رسوله 2.
وكان يقال للمسلمين في كل مكان ان التمسك بالدين في طاعة هذا الخليفة.
إذا فقد تبين ان المشكلة يوم ذاك لم تكن مشكلة تسلط الحاكم الجائر كي
يعالج بتبديله بحاكم عادل، بل كانت مشكلة ضياع الاحكام الاسلامية، وتدين
المسلمين بطاعة الخليفة مهما كانت أوامره ورؤيتهم لمقام الخلافة ومع هذه الحالة كان
العلاج منحصرا بتغيير رؤية المسلمين هذه وعقيدتهم تلك كي يتيسر بعد ذلك إعادة
الاحكام الاسلامية من جديد وكان الانسان الوحيد الذي يستطيع أن ينهض بعبء
هذا التغيير هو الإمام الحسين (ع) من رسول الله (ص) ومقامه منه، ولما ورد في حقه من
الآيات والأحاديث.
كان على هذا الانسان مع تلك الميزات أن يختار يومئذ أحد أمرين لا ثالث
لهما.
إما أن يبايع يزيد ويحظى بعيش رغيد في الدنيا مع بقاء حب المسلمين
واحترام كافة الناس إياه وهو يعلم أن بيعته
أولا - اقرار منه ليزيد على كل فجوره وكفره وتظاهره بهما!
وثانيا - اقرار منه للمسلمين في ما يعتقدونه في أمثال يزيد ممن تربع على دست
الخلافة بالبيعة بأنهم الممثلون الشرعيون لله ورسوله وأن طاعتهم واجبة على كل حال
وفي كل ما يأمرون!
وفي الاقرارين قضاء على شريعة جده سيد المرسلين، وتؤول شريعته بعد ذاك
مآل شريعة موسى وعيسى وشرايع سائر النبيين وبذلك كان سبط رسول الله يحمل آثام
أهل عصره وآثام من جاء بعدهم إلى يوم القيامة فإنه لم يكن قد بقي من الرسول سبط
غير الحسين ولم يمهد لاحد ما مهد له كما ذكرنا، ولم يكن يأتي بعده من يصبح له شأن

1) ذكرنا مصادر هذه الأخبار في ما سبق من هذا الكتاب.
2) كانت عصبة الخلافة تسمى الخليفة بخليفة الله كما مر الإشارة إليه، وقد قال مروان بن أبي حفصة
في وصف دفاع معن عن المنصور يوم الهاشمية:
ما زلت يوم الهاشمية معنا * بالسيف دون خليفة الرحمن
مروج الذهب 3 / 286.
300

عند المسلمين كشأن الإمام الحسين (ع).
اذن فهو الانسان الوحيد الذي أنيطت به تلك المهمة الخطيرة مدى الدهر
وعليه أن يختار أحد أمرين اما أن يبايع أو ينكر على يزيد أعماله وعلى المسلمين كافة
اقرارهم اعمال يزيد، وبذلك يغير ما كانوا عليه ويمكن الأئمة من بعده أن يقوموا
باحياء ما اندرس من شريعة جده وهذا ما اختاره الإمام الحسين (ع) واستهدفه في قيامه
واتخذه شعارا لنفسه وسلك سبيلا يوصله إليه كما نبينه في ما يلي.
301

هدف الإمام الحسين (ع) وشعاره وسبيله
رفع الامام شعار بطلان حكم الخلافة القائم وان فيه خطرا على الاسلام حيث
قال:
" وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ".
قال ذلك في جواب من قال له:
بايع أمير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين.
قال ذلك في ظرف كان يقال له:
يا حسين ألا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة!
قال ذلك في ظرف قال له ابن عمر:
اتق الله ولا تفرق جماعة المسلمين 1.
في هذا الظرف قال الإمام الحسين (ع):
والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية أبدا.
وكان مؤدى هذا الشعار صحة أمر الإمامة وبطلان أمر الخلافة القائمة ويتضح
ذلك بأجلى من هذا في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية حيث كتب فيها:
" إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن آمر بالمعروف
وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق

1) الطبري 6 / 191.
302

فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو
خير الحاكمين ".
أسقط الإمام الحسين في هذه الوصية ذكر الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان
ومعاوية وذكر سيرتهم، وصرح بأنه يريد أن يسير بسيرة جده وأبيه.
وتتلخص سيرة الخلفاء في:
مجيئهم إلى الحكم استنادا إلى بيعة المسلمين إياهم كيف ما كانت البيعة ثم
حكمهم المسلمين وفق اجتهاداتهم الخاصة في الاحكام الاسلامية.
وتتلخص سيرة أبيه وجده في:
حملهما الاسلام إلى الناس ودعوتهما الناس إلى العمل به، ووقوفهما عند أحكام
الاسلام، كان هذا سيرتهما في جميع الأحوال، سواء أكانا حاكمين مثل عهد الرسول في
المدينة والإمام علي بعد مقتل عثمان، أو غير حاكمين مثل حالهما قبل ذلك، فقد كان
للرسول سيرة في مكة وللإمام علي سيرة قبل أن يلي الحكم، وسيرتهما في كلتا الحالين
حمل الاسلام إلى الأمة، أحدهما بلغه عن الله والاخر عن رسول.
في كلتا الحالين دعوا إلى الاسلام وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر.
والإمام الحسين (ع) يريد أن يسير بسيرتهما كذلك، ولا يريد أن يسير بسيرة
الخلفاء، فمن قبله بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليه ذلك صبر حتى يقصى
الله بينه وبين عصبة الخلافة بالحق.
* * *
يعرف مما أوردنا ومن سائر اعمال الامام وأقواله في أيام قيامه انه كان قد
حمل إلى الناس شعار بطلان أمر الخلافة القائمة وصحة أمر الإمامة وهدفه من كل ما
قال وفعل أن يؤمن الآخرون بهذا الشعار فمن آمن به اهتدى ومن لم يؤمن بعد أن بلغه
نداء الامام تمت الحجة عليه، ومن ثم كان يعمل جاهدا في سبيل نشر قضيته.
كان هذان شعار الامام وهدفه واتخذ الشهادة سبيلا للوصول إلى هدفه، ولنعم
ما قال الشاعر على لسانه:
إن كان دين محمد لم يستقم * الا بقتلي يا سيوف خذيني
ومما يدل على ذلك ما ورد في كتابه إلى بني هاشم:
أما بعد، فان من لحق بي استشهد ومن تخلف لم يدرك الفتح.
303

صرح الامام في هذا الكتاب بأن سبيله الشهادة ومآلها الفتح وكذلك كان
شأن سائر أقواله وأفعاله في هذا القيام فان كلها توضح ما حمله من شعار وما اتخذ من
سبيل وهدف وكان حين يدعو ويستنصر يدعو ويستنصر من يشاركه في كل ذلك على
بصيرة من أمره، مثل قصته مع زهير بن القين فان الامام حين دعاه ذهب إلى الامام
متكارها ثم: ما لبث - كما قال الراوي - أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه، فأمر
بفسطاطه فحمل إلى الحسين (ع)، ثم قال لامرأته: أنت طالق! الحقي بأهلك، فاني
لا أحب أن يصيبك من سببي إلا خير، ثم قال لأصحابه: من أحب منكم الشهادة
فليقم والا فإنه آخر العهد.
أخبر زهير بمصيره قبل أن يصل إلى ركب الامام خبر استشهاد مسلم وهانئ
وانقلاب أهل الكوفة على أعقابهم وأخبرهم انه سمع في غزوة بلنجر من الصحابي
سلمان الباهلي أن يستبشروا بادراك هذا اليوم.
كان الامام يدعو أنصارا من هذا القبيل ويبعد عن نفسه من اتبعه أملا بوصول
الامام إلى الحكم 1.
أعلن الامام عن سبيله هذا، ورفع شعاره ذلك، مرة بعد أخرى، وفي منزل بعد
منزل. فقد قال في جواب ابن عمر:
يا عبد الله أما علمت أن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا
أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل...: فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك
أخذ عزيز مقتدر! ثم يقول له: اتق الله، يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي.
كأن الامام يشير في حديثه إلى أن شأنه شأن يحيى ويدعو ابن عمر إلى نصره
في من اختار لنفسه من سبيل.
وقال الامام في خطبته عند توجهه إلى العراق:
خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي
اشتياق يعقوب إلى يوسف، وقد خير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها
عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا، فيملان مني أكراشا جوفا، وأحوية سغبا،
لا محيص عن يوم خط بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور
الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، وهي مجموعة له في حضيرة القدس، تقر بهم
عينه وينجز بهم وعده.

1) راجع قبله ص 206.
304

من كان باذلا فينا مهجته، وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا...
وما نزل الامام منزلا ولا ارتحل منه الا ذكر يحيى بن زكريا ومقتله 1.
لبى الامام نداء أهل الكوفة اتماما للحجة
كان الامام يعلم بالبداهة وبحسب حكم طبايع الأشياء ومع صرف النظر عما
كان قد علمه من الأمور الغيبية بأنباء رسول الله عن الله عز اسمه بمقتله كان يعلم أن
عليه أن يختار أحد اثنين لا ثالث لهما اما البيعة أو القتل، وكان يشير إلى ذلك في أقواله
مرة بعد أخرى وقد بان ذلك منذ أول مرة طلب منه البيعة بعد موت معاوية حيث أشار
مروان على والي المدينة أن يأخذ منه البيعة وأن يقتله ان أبى، ففر منهم الامام إلى مكة
والتجأ إلى بيت الله الحرام.
وتبين له في مكة أن يزيد يريد أن يغتاله وخشي أن يكون الذي يستباح به
حرمة البيت كما صرح به لأخيه محمد بن الحنفية وقاله أيضا لابن الزبير حين قال له:
وأيم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في
حاجتهم والله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت...
والله لئن أقتل خارجا منها أحب إلي من أن أقتل داخلا منها بشبر.
وقال لابن عباس:
لئن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أقتل بمكة وتستحل بي.
إذا فإن الامام كان يعلم أنه لا محيص له عن القتل أينما كان، لا زال ممتنعا عن
بيعة خليفة المسلمين يزيد بن معاوية فاختار سبيل الشهادة لنفسه ولمن تبعه!
أما أهل الكوفة، فإنهم بعد أن توالت كتبهم إلى الإمام الحسين (ع) يقولون فيها
انه ليس علينا امام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن بشير في قصر
الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا عيد، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت أخرجناه حتى
نلحقه بالشام.
ويقولون:
إلى الحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين أما بعد فحي هلا، فان

1) مضى ذكر مصادر هذه الأخبار.
305

الناس ينتظرونك ولا رأي لهم في غيرك فالعجل العجل...
وكتب إليه رؤساء أهل الكوفة: فأقدم على جند لك مجند.
وكتبوا إليه: انه معك مائة ألف سيف...
بعد ما توالت عليه أمثال الكتب الآنفة من الرجل والاثنين والأربعة ومن
رؤساء أهل الكوفة وتكاثرت حتى ملأت خرجين.
بعد كل ذلك لو أن الامام لم يلب دعوة أهل الكوفة، وبايع يزيد، أو أنه لم
يبايع يزيد ولكنه استشهد بمكان آخر، كان عندئذ قد فرط في حق أهل الكوفة، وكان
الناس أبد الدهر وجيلا بعد جيل يسجلون لأهل الكوفة الحق على الامام، وفي يوم
القيامة كانت لهم الحجة على الله جل اسمه، ولله الحجة البالغة على خلقه.
اذن فما فعله الإمام الحسين (ع) مع أهل الكوفة كان من باب إتمام الحجة
عليهم وليس غيره، ولو لم يكن هذا بل كان سبب توجه الإمام الحسين (ع) إلى العراق
انخداعه بكتب أهل الكوفة وطلبهم الحثيث، لرجع حين بلغه خبر مقتل مسلم بن عقيل
وهانئ بن عروة، ومن قبل أن يصل إليه الحر بن يزيد ويلازمه بأيام 1.
أجل إن الإمام الحسين (ع) قد أتم الحجة بما فعل على أهل العراق وعلى
غيرهم وقال الله سبحانه " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ".
ذهب إلى العراق لاتمام الحجة لا لقول بني عقيل
وقد يتوهم متوهم ويقول: كان سبب ذهاب الامام إلى العراق بعد وصول نبأ
مقتل مسلم وهانئ إليه قول بني عقيل: " لا نبرح حتى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق
أخونا " وأن الامام بسبب هذا القول عرض نفسه ونفوس من معه للقتل، فالحق أن
هذا ليس بصحيح ولا ينبغي أن يقوله من له مسكة من عقل، وإنما الصحيح أنه لما
كان سيان للامام أن يتوجه إلى العراق أو إلى أي بلد آخر بالنسبة إلى المصير الذي كان
ينتظر الامام، وهو القتل، لا زال ممتنعا عن بيعة خليفة المسلمين يزيد وكان من واجبه
إتمام الحجة على أهل العراق ولما تتم يومذاك، وإنما تمت بعد أن ألقى عليهم هو
وأصحابه الخطبة بعد الخطبة منذ أن قابل جيش الحر حتى يوم عاشوراء وعند ذاك
فقط تمت الحجة عليهم. إذا كان لابد للامام أن يذهب إلى كربلاء بعد اطلاعه على

1) راجع قبله ص 204 - 28.
306

مصرع مسلم وهانئ أيضا دون الرجوع من حيث أتى أو الذهاب إلى أي بلد آخر.
وقد أتم الإمام الحجة على أهل الكوفة وعلى من بلغه خبره من معاصريه في
إنكاره على الطاغوت يزيد إنكارا دوى صداه على وجه الأرض وبقي مدويا ما كر
الجديدان فإنه لم يكتف بالامتناع عن بيعة يزيد والجلوس في داره حتى يقتل فيها
ويذهب ضحية باردة ثم تطمس أجهزة الخلافة على حقيقة خبره، بل قام بكل ما ينشر
خبره، ويعلن حقيقة أمره وأمر الخلافة، كما نشرحه في ما يلي.
307

حكمة الإمام (ع) في كيفية قيامه
عارض الامام في المدينة بيعة خليفة اكتسب شرعية حكمه لدى المسلمين
ببيعتهم إياه، وقاوم عصبة الخلافة في المدينة حتى انتشر خبره ثم توجه إلى مكة والتزم
الطريق الأعظم ولم يتنكبه مثل ابن الزبير وورد مكة والتجأ إلى بيت الله الحرام فاشرأبت
إليه أعناق المعتمرين وتحلقوا حوله، يستمعون إلى سبط نبيهم وهو يحدثهم عن
سيرة جده ويشرح لهم انحراف الخليفة عن تلك السيرة!. ثم أعلن دعوته وكاتب البلاد
ودعا الأمة إلى القيام المسلح في وجه الخلافة، وتغيير ما هم عليه، وطلب منهم البيعة
على ذلك، وليس على أن يعينوه ليلي الخلافة، ولم يمن الامام أحدا بذلك بتاتا ولم يذكره
في خطاب ولم يكتبه في كتاب، بل كان كلما نزل منزلا أو ارتحل ضرب بيحيى بن
زكريا مثلا لنفسه، وحق له ذلك فان كلا منهما أنكر على طاغوت زمانه الطغيان
والفساد، وقاومه حتى قتل، وحمل رأسه إلى الطاغية! فعل ذلك يحيى بمفرده، والحسين
مع أعوانه وأنصاره وأهل بيته، ولا يفعل ذلك من يريد أن يجمع الناس حوله ويستظهر
بهم ليلي الخلافة بل يمنيهم بالنصر والاستيلاء على الحكم ولا يذكر للناس ما يؤدي إلى
الوهن والفشل.
بقي الامام أربعة أشهر في مكة بما فيهن أشهر الحج واجتمع به المعتمرون أولا
ثم الوافدون لحج بيت الله الحرام من كل فج عميق وهو يروي لهم عن جده
الرسول (ص) عن الله ما يخوفهم معصيته، ويحذرهم عذابه في يوم القيامة، ويدعوهم إلى
تقوى الله، وطلب مراضيه، وينبههم إلى خطر الخلافة القائمة على الاسلام، فيسمعون
308

منه ما لم يسمعوه من غيره في ذلك العصر وبقي هكذا حتى أقبل يوم التروية، وأحرم
الحاج للحج، واتجهوا إلى عرفات ملبين.
في هذا الوقت خالف الامام الحجيج وأحل من إحرامه وخرج من الحرم قائلا
أخشى أن تغتالني عصبة الخلافة لأني لم أبايع فتهتك بي حرمة الحرم، ولان أقتل خارجا
منه بشبر أحب إلي من أن أقتل داخلا بشبر إن الامام لم يقل عندئذ أذهب إلى العراق
لالي الحكم بل قال: أذهب لاقتل خارجا من الحرم بشبر.
ويعود الحجيج إلى مواطنهم ويبلغ معهم خبر الإمام الحسين إلى منتهى الخف
والحافر، يبلغ خبره إلى أي صقع من أصقاع الأرض يمر به ركب الحجيج الذي يحمل
معه إلى المسلمين في كل مكان النبأ العظيم، نبأ خروج سبط نبيهم على الخلافة القائمة
ودعوته المسلمين إلى القيام المسلح ضد الخلافة لأنه يرى الخليفة قد انحرف عن الاسلام
ويرى الخطر محدقا بالاسلام مع استمرار هذا الحكم، فيتعطش المسلمون في كل مكان
لمعرفة مآل هذه المعركة، معركة أهل بيت الرسول مع عصبة الخلافة ويتنسمون أخبارها
فيبلغهم أن الحسين (ع) خرج لا يلويه شئ ولا يثني عزمه تحذير المحذرين ولا تخذيل
المخذلين، لا يلويه قول عبد الله بن عمر: استودعك الله من قتيل، ولا قول الفرزدق:
قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية، ولا كتاب عمرة، وحديثها عن عائشة عن
رسول الله أنه يقتل بأرض بابل، هكذا تبلغهم أخبار الامام خبر بعد خبر ويمضي
الحسين (ع) متريثا متمهلا لا يخفى من أمره شئ بل يبادر إلى كل فعل يشهر مخالفته
للخليفة يزيد، فيأخذ ما أرسله والي اليمن إلى الخليفة من تحف وعطور ويعلن بفعله هذا
عدم شرعية تصرف الخليفة وكذلك يفعل كل ما يتم به الحجة على من اجتمع به أو
بلغه خبره، ويبالغ في ذلك وأخيرا يستقبل بالماء جيش عدوه وقد أجهده العطش في
صحراء لا ماء فيه يرويهم ويروي مراكبهم، ولا يقبل أن يباغت هذا الجيش بالحرب،
بل يتركهم ليكونوا هم الذين يبدؤه بالحرب ثم إنه أتم الحجة على هذا الجيش وخاطبهم
بعد أن أمهم بالصلاة وقال:
معذرة إلى الله عز وجل واليكم، اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم، وقدمت
علي رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا امام لعل الله يجمعنا بك على الهدى، فان كنتم
على ذلك، فقد جئتكم، فان تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم
مصركم، وان لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين، انصرف عنكم.
309

وقال في خطبته الثانية:
ان تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا
الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان...
وأتم الحجة أيضا على أصحابه وخطب فيهم وقال:
ألا ترون الحق لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء
الله محقا فاني لا أرى الموت الا شهادة ولا الحياة مع الظالمين الا برما.
فقال له أصحابه: والله لو كانت الدنيا باقية وكنا فيها مخلدين الا أن فراقها في
نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها.
وقال في جواب اقتراح الطرماح أن يذهب إلى جبلي طي فيدافع عنه عشرون
ألف الطائي: انه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف.
انه قد كان بين الحسين (ع) وبين أهل العراق عهد أن يذهب إليهم ولا يقدر
أن ينصرف عنهم حتى يتم الحجة عليهم.
* * *
أتم الحسين (ع) الحجة على المسلمين في بلادهم وحواضرهم وعواصمهم مدة
خمسة أشهر سواء من كان منهم في الحرمين أو العراقين - البصرة والكوفة - وكذلك من
كان منهم في الشام حين أسمعهم حججه في خطبه وكتبه وعلى لسان رسله وأبلغهم
نبأه.
وباشر القيام المسلح بأخذه البيعة ممن بايعه على ذلك، ثم في قتال سفيره مسلم
ثم في توجهه إلى العراق متريثا وكان بامكان جماهير الحجيج أن يلتحقوا بعد الحج بركبه
المتمهل في السير وكان بامكان أهل الحرمين والعراقين وسائر البلاد الاسلامية أن
يلبوا دعوته حين استنصرهم فإنه لم يؤخذ على حين غرة ليكونوا معذورين لأنه لم تؤاتهم
الفرصة لنصرته، بل إنه تنقل من بلد إلى بلد يداور عصبة الخلافة ويحاور بمنظر من
المسلمين ومخبر، اذن فقد اشترك الجميع في تخذيله وان تفرد أهل الكوفة بحمل العار في
دعوته، وتلبية دعوته ثم قتالهم إياه!.
* * *
أتم الإمام الحسين (ع) الحجة على المسلمين عامة بما قال وفعل من قبل أن
يصل إلى عرصات كربلاء، ولما انتهى إليها وقلب له أهل العراق ظهر المجن، وازدلف
310

إليه هناك عشرات الألوف منهم، يتقربون إلى عصبة الخلافة بدمه، عند ذاك أتم عليهم
وعلى عصبة الخلافة خاصة الحجة بما قال وفعل:
فقد اقترح على عصبة الخلافة أولا أن يتركوه فيلقي السلاح ويرجع إلى المكان
الذي أتى منه أو يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه
ما عليهم، وبذلك لا يبقي أي خطر منه على حكمهم كما كان شأن سعد بن أبي وقاص
و عبد الله بن عمر وأسامة بن زيد مع أبيه الإمام علي (ع) حين لم يبايعوه، فلما أبى عليه
جيش الخلافة الا أن يبايع وينزل على حكم ابن زياد، أبى ذلك واستعد للقاء الله،
لاتمام الحجة على جيش الخلافة من أهل العراق، ولاتمام الحجة على أصحابه خاصة،
طلب منهم عصر التاسع من محرم أن يمهلوه ليلة واحدة ليصلي لربه ويتضرع ويتلو كتابه
فإنه يحب ذلك، وبعد لأي لبوا طلبه فجمع أصحابه ليلة العاشر من محرم وخطب فيهم
وقال في خطبته:
ألا واني أظن أن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا واني قد أذنت لكم فانطلقوا
جميعا في حل، ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل
واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعا خيرا وتفرقوا في سوادكم
ومدائنكم فان القوم إنما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري.
فقال له الهاشميون:
لم نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا!
والتفت إلى بني عقيل وقال:
حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لكم!
فقالوا:.. لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا، وأموالنا وأهلينا، نقاتل
معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك!.
ثم تكلم أنصاره فقال مسلم بن عوسجة:
أنحن نخلى عنك وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله لا أفارقك حتى
أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح
أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك!
وقال سعيد بن الحنفي:
والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك! أما والله لو
311

علمت اني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حيا ثم أذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك
حتى ألقى حمامي، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي
لا انقضاء لها أبدا، وتكلم باقي الأصحاب بما يشبه بعضه وبعد هذه الخطبة تهيأوا للقاء
ربهم وأحيوا الليل بالعبادة، قال الراوي:
" فلما أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون
ويتضرعون ".
واستعدوا كذلك للقاء خصومهم واتمام الحجة عليهم في يوم غد فأمر الامام
بمكان منخفض من وراء الخيم كأنه ساقية فحفروه في ساعة من الليل وأمر فأتي بحطب
وقصب فألقي فيه، فلما أصبحوا استقبلوا القوم بوجوههم وجعلوا البيوت في ظهورهم
وأمر بذلك الحطب والقصب من وراء البيوت فأحرقت بالنار كي لا يؤتوهم من
ورائهم، وبذلك منعهم الامام من الحملة عليه بغتة وقتله قبل اتمامه الحجة عليهم بل
ألقى عليهم هو وأصحابه الخطبة تلو الخطبة حين تقابل الجيشان في يوم عاشوراء واستعدا
للقتال بدأهم الإمام الحسين فركب ناقته واستقبلهم واستنصتهم ثم قال في خطبته:
أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم...
آمنتم بالرسول محمد (ص) ثم انكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم...
أيها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل
قتلي وانتهاك حرمتي؟!
ألست ابن بنت نبيكم و...
أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة، فان
كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أني ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق
والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم! تطلبوني بقتيل منكم قتلته
أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟!
ونادى:
يا شبث بن ربعي! ويا حجار بن أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا زيد بن
الحارث ألم تكتبوا إلي أن أقدم قد أينعت الثمار وأخضر الجناب، وإنما تقدم على جند لك
مجند.
وقال:
312

أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم!
فقال له قيس بن الأشعث:
أولا تنزل على حكم بني عمك...؟
وقال:
ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا
الذلة...
وقال:
أما والله لا تلبثون بعدها الا كريثما يركب الفرس حتى تدور بكم دور
الرحى... عهد عهده إلي أبي عن جدي رسول الله...
ثم رفع يديه إلى السماء وقال:
اللهم احبس عنهم قطر السماء... وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا
مصبرة...
* * *
اذن فان جيش الخلافة من أمة محمد (ص) يقاتلون ابن بنت نبيهم من أجل
أن يبايع يزيد وينزل على حكم ابن زياد، ويتقبل الإمام الحسين وجيشه قتل رجالهم
وسبي نسائهم ولا يفعلون ذلك.
جيش الخلافة يقتل ابن بنت نبيه ويسبي عترته من أجل كسب رضا الخليفة،
وواليه، وكسب حطام الدنيا منهما.
والامام وجيشه يستشهدون من أجل كسب رضا الله وتحصيل ثوابه في يوم
القيامة.
يدل على ذلك بالإضافة إلى ما سبق ذكره، جميع أفعال الجيشين وأقوالهما في ذلك
اليوم.
بدأ القول والفعل أمير جيش الخلافة عمر بن سعد حين وضع سهما في كبد
قوسه ثم رمى وقال: اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى.
ورفع الحسين (ع) يديه وقال:
اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة...
وتسابق الجيشان يكشفان عن دخائل نفوسهما في ما يقولان ويفعلان، مثل
313

مسروق الوائلي من جيش الخلافة حين قال: كنت في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين
فقلت: أكون في أوائلها لعلي أصيب رأس الحسين (ع) فأصيب به منزلة عند عبيد الله
ابن زياد.
في جيش الخلافة من يريد أن يأخذ رأس ابن بنت نبيه ليتقرب به إلى ابن
زياد.
وفي جيش الحسين (ع) جون مولى أبي ذر، إنه يستأذن الامام للقتال فيقول له
الحسين:
إنما تبعتنا طلبا للعافية فأنت في اذن مني، فيقول: أنا في الرخاء الحس
قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ان ريحي لنتن وحسبي للئيم ولوني لاسود فتنفس علي
بالجنة ليطيب ريحي ويبيض لوني، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع
دمائكم...
ولما أذن له الحسين (ع) حمل عليهم وهو يقول:
كيف يرى الفجار ضرب الأسود * بالمشرفي القاطع المهند
أحمي الخيار من بني محمد * أذب عنهم باللسان واليد
أرجو بذاك الفوز عند المورد * من الاله الواحد الموحد
وبعد ما قتل وقف عليه الحسين (ع) وقال:
اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع محمد (ص) وعرف بينه وبين آل
محمد (ص).
وفى جيش الحسين (ع) فتى عمره إحدى عشرة سنة قتل أبوه في المعركة
يستأذن الحسين للقتال فأبى أن يأذن له وقال: هذا قتل أبوه ولعل أمه تكره ذلك
فقال: ان أمي أمرتني فلما قتل رمي برأسه إلى عسكر الحسين (ع) فأخذته أمه
ومسحت الدم عنه وضربت به رجلا قريبا منها وعادت إلى المخيم فأخذت عمودا
وتقدمت إلى جيش العدى وهي تقول:
أنا عجوز سيدي ضعيفة * خاوية بالية نحيفة
أضربكم بضربة عنيفة * دون بني فاطمة الشريفة
فامر الحسين (ع) بردها.
وفي جيش الحسين (ع) عمرو الأزدي برز وهو يقول:
314

اليوم يا نفس إلى الرحمن * تمضين بالروح وبالريحان
اليوم تجزين على الاحسان * قد كان منك غابر الزمان
ما خط باللوح لدى الديان * فاليوم زال ذاك بالغفران
وفي جيش الحسين (ع) خالد بن هذا القتيل برز وهو يقول:
صبرا على الموت بني قحطان * كيما نكون في رضي الرحمن
ذي المجد والعزة والبرهان * يا أبتا قد صرت في الجنان
وفي جيش الحسين (ع) سعد بن حنظلة، برز وهو يقول:
صبرا على الأسياف والأسنة * صبرا عليها لدخول الجنة
يا نفس للراحة فاطرحنه * وفي طلاب الخير فأرغبنه
ومن جيش الحسين، زهير أخذ يضرب على منكب حسين ويقول:
أقدم هديت هاديا مهديا * فاليوم تلقى جدك النبيا
وحسنا والمرتضى عليا * وذا الجناحين الفتى الكميا
وأسد الله الشهيد الحيا
ويقول:
أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا * وشيخك الخير عليا ذا الندى
وحسنا كالبدر وافى الا سعدا * وعمك القرم الهجان الاصيدا
وحمزة ليث الاله الأسدا * في جنة الفردوس نعلوا صعدا
ومن جيش الحسين (ع)، حمل نافع وهو يقول:
أنا الغلام اليمني الجملي * ديني علي دين حسين وعلي
ان أقتل اليوم فهذا أملي * وذاك رأيي وألاقي عملي
وفي جيش الحسين (ع) يقول ابنه علي:
أنا علي بن حسين بن علي * نحن وبيت الله أولى بالنبي
ويقول القاسم ابن أخيه:
ان تنكروني فأنا فرخ الحسن * سبط النبي المصطفى والمؤتمن
ويقول محمد بن عبد الله بن جعفر:
أشكو إلى الله من العدوان * فعال قوم في الردى عميان
315

قد بدلوا معالم القرآن * ومحكم التنزيل والتبيان
وأظهروا الكفر مع الطغيان
ويقول أخوه العباس:
اني أحامي أبدا عن ديني * وعن إمام الصادق اليقين
نجل النبي الطاهر الأمين
ويقول:
يا نفس لا تخشي من الكفار * وأبشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار
وفي جيش الخلافة من يرمي الطفل الرضيع في حجر أبيه الامام.
وفي جيش الخلافة من يقطع الصبي الذاهل بسيفه أمام أمه.
* * *
ليت شعري هل قتل جيش الخلافة الطفل الصغير لأنه لم يبايع خليفتهم؟!
أم هل سبوا بنات رسول الله وساروا بهن من كربلاء إلى الكوفة ومن الكوفة
إلى الشام وأحضروهن دار الامارة في الكوفة وعرضوهن في محل عرض الأسارى في
الشام وأحضروهن مجلس الخلافة من أجل أن يبايعن الخليفة؟!
لماذا فعلوا ذلك وغير ذلك؟
لماذا حرق جيش الخلافة خيام آل الرسول (ص)؟!
ولماذا داس جيش الخلافة بحوافر خيولهم صدر ابن بنت رسول الله وظهره؟!
ولماذا ترك جسده وأجساد آل بيته وأنصاره في العراء ولم يدفنوهم؟!
ولماذا قطعوا رؤوسهم واقتسموها في ما بينهم وحملوها على أطراف الرماح؟!
انهم فعلوا ذلك من أجل ان يبلغ ابن زياد أنهم سامعون مطيعون فقد قال
راجزهم:
فأبلغ عبيد الله أما لقيته * بأني مطيع للخليفة سامع
إذا استهدفوا من كل ذلك رضا ابن زياد وطاعة الخليفة كما ذكره الاخر حين
قال:
316

املا ركابي فضة وذهبا * اني قتلت الملك المحجبا
وخير الناس أما وأبا 1
من أجل كسب رضا الخليفة وواليه فعلوا كل ذلك ومن أجل كسب الذهب
والفضة منهما من أجل هذا ينشدون أمام قصر ابن زياد:
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر * بكل يعبوب شديد الأسر
وقال خولي لزوجته: جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معك في البيت.
اذن فان جيش الإمام (ع) عندما يقاتلون كانوا يطلبون بذلك رضا الله ورسوله
والدار الآخرة.
وجيش الخليفة يفعلون في سبيل رضا يزيد وابن زياد وكسب الذهب
والفضة.
وقد أقر الخليفة عيونهم فأمر لزياد بن أبيه بألف ألف، وأمر لأهل الكوفة
جزاء السامع المطيع وزاد في أعطياتهم مائة مائة.
أما ان خليفة المسلمين لماذا فعل ما فعل؟ ولماذا نكت ثنايا أبي عبد الله
بالقضيب ولماذا نصب رأسه ثلاثا في دمشق؟! وسار به من بلد إلى بلد فإنه بنفسه قد
أفصح عن سبب أفعاله وأقواله حين أنشد قائلا:
لست من خندف ان لم انتقم * من بني أحمد ما كان فعل
قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
إذا فإنها أحقاد بدرية! ألم تبقر هند أم أبيه في أحد عن بطن حمزة، وتمثل به،
وتمضغ كبده؟! ثم أنشأت تقول:
شفيت من حمزة نفسي بأحد * حين بقرت بطنه عن الكبد
أولم يضرب جده أبو سفيان بزج الرمح في شدق حمزة يومذاك ويقول: ذق
عقق!.
فرآه الحليس سيد الأحابيش وقال:
يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه لحما ما ترون؟!.
ألم يقل جده أبو سفيان على عهد عثمان وبمحضر منه:
يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها

1) في تاريخ ابن عساكر الحديث 775 وتهذيب 4 / 342.
317

لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة؟!.
ألم يمر يومئذ بقبر حمزة وضربه برجله ويقول:
يا أبا عمارة! ان الامر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس صارت بيد غلماننا
اليوم يتلعبون به؟!
ألم يقل أبوه معاوية:
إن أخا بني هاشم ويقصد به رسول الله ليصاح به يوميا خمس مرات لا والله إلا
دفنا دفنا!.
ألم يقتل جيش أبيه الخليفة معاوية بقيادة ابن أرطأة في وجهه الذي وجهه
ثلاثين ألفا من المسلمين وحرق بيوتهم وذبح طفلي عبيد الله بن العباس بيده بمدية 1.
إذا فان خليفة المسلمين يزيد اقتفى بجديه وأبيه في ما قال وفعل.
وان عصبة الخلافة يزيد ومروان وسعيدا أيضا اشتفوا من رسول الله مما كان
فعل!.

1) راجع تفصيل أخبار أبي سفيان وهند ومعاوية هذه في فصل مع معاوية من كتابنا أحاديث عائشة
ص 213 - 250.
318

اثر استشهاد الحسين (ع)
لقد قتلوا ذرية الرسول (ص) ومثلوا بهم وطافوا بآل رسول الله (ص) سبايا في
بلاد المسلمين والمسلمون بمرأى ومسمع. كل تلك الاحداث الجسام وقعت بين كربلاء
والكوفة والشام في أقل من شهرين من خروج الحسين من مكة يوم التروية.
وكان قد بلغ خبر خروج الامام على خليفة المسلمين مع عودة الحاج إلى كل
فج عميق.
وكان طبيعيا أن يتنسم المسلمون أخباره بعد ذلك، وتبلغهم أنباء تلك
الفجائع فجيعة بعد فجيعة، وتنكسر لتلك الانباء قلوب المؤمنين ويحزنوا.
وكان وقع المصيبة حقا عظيما على من بلغه نبأها من المسلمين، فقد وقعت
الصيحة في دار يزيد، وشمل الانكار عليه أهل مجلسه ومسجده، وأينما بلغت أخبار
فضائعه، وانقسم المسلمون اثر هذه الفجيعة إلى قسمين:
قسم انضوى تحت لواء الخلافة لا يثنيه عن ولاء الخليفة قتل ذرية الرسول ولا
استباحة حرمه ولا هدم الكعبة بل ازدادوا قساوة وفضاضة.
وقسم آخر انكسر مقام الخلافة في نفسه وتبرأ من فعل عصبة الخلافة وخرج
عليهم، مثل أهل المدينة في وقعة الحرة وغيرهم ممن ثاروا على عصبة الخلافة.
وتوالت الثورات والخروج على الخلافة من قبل الفريق الاخر، وقليل من هذا
الفريق عرفوا حق أئمة أهل البيت (ع) واتبعوهم وائتموا بهم وكان بدء ذلك على عهد
قيام الإمام الحسين، كما فعل زهير بن القين الذي كان عثمانيا وأصبح بعد الاجتماع
بالامام علويا حسينيا، والحر بن يزيد الرياحي أحد قادة جيش الخلافة لحرب الامام
319

الذي تاب واستشهد دون الحسين (ع).
هذا القليل من هذا الفريق أدرك مجانبة الاسلام مع سيرة الخلافة القائمة وآمن
بصحة امامة أئمة أهل البيت وتهيأت نفسه لقبول احكام الاسلام الذي جاء به رسول
الله (ص) والذي كان مخزونا لدى أئمه أهل البيت (ع) يتوارثونه كابر عن كابر، ومن
ثم أمكن نشر أحكام الاسلام وتبليغها من جديد فعني بذلك أئمة أهل البيت وبدأ
العمل لذلك الإمام السجاد فمهد له في مرض وفاته كما يلي.
320

أئمة أهل البيت (ع) يتداولون مواريث النبوة
الإمام السجاد (ع) يدفع مواريث النبوة إلى الإمام الباقر (ع) في تظاهرة
لما حضرت علي بن الحسين (ع) الوفاة أخرج صندوقا عنده، فقال: يا محمد
احمل هذا الصندوق فحمل بين أربعة فلما توفي جاء اخوته يدعون في الصندوق فقال
لهم: والله مالكم فيه شئ ولو كان لكم فيه شئ ما دفعه إلي وكان في الصندوق
سلاح رسول الله.
ونظر الإمام السجاد (ع) إلى ولده وهو يجود بنفسه وهم مجتمعون عنده، ثم نظر
إلى ابنه محمد فقال: يا محمد خذ هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك وقال: اما إنه لم
يكن دينار ولا درهم ولكن كان مملو علما.
هذه التظاهرة في تسليم الكتب اختص بها الإمام السجاد (ع) ولم يفعل نظيرها
من سبقه من الأئمة ولا فعل مثلها من جاء بعده منهم، والحكمة في عمله تهيئة الأجواء
للإمام الباقر (ع) كي ينقل للناس أحكام الاسلام وعقائده عما ورثه من رسول
الله (ص) من كتب في مقابل من كان يفتي برأيه مثل الحكم بن عتيبة فإنه اختلف مع
الإمام الباقر (ع) في شئ فقال لابنه الصادق (ع): يا بني قم فاخرج كتابا مدروجا
عظيما وجعل ينظر حتى أخرج المسألة فقال: هذا خط علي واملاء رسول الله وأقبل
على الحكم وقال: يا أبا محمد! اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يمينا
وشمالا فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرائيل.
هكذا بدأ الإمام الباقر (ع) من بين الأئمة (ع) بإراءة الكتب التي ورثوها عن
321

جده الإمام علي من املاء رسول الله للمسلمين وأقرأها بعضهم، وتابعه في ذلك الإمام جعفر
الصادق وأكثر من توصيفها والنقل عنها وبيان ما فيها وانها كيف كتبت، وأن
فيها كل ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة حيت أرش الخدش.
وكان الأئمة يصادمون في عملهم هذا مدرسة الخلافة في اعتمادها على الرأي
والقياس في استنباط الاحكام وبيانها، وكانوا يصرحون بأنهم لا يعتمدون الرأي وإنما
يحدثون عن رسول الله كما قال الإمام الصادق (ع):
حديثي، حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين
وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث
أمير المؤمنين حديث رسول الله وحديث رسول الله قول الله عز وجل.
* * *
بعدما انصرفت قلوب بعض المسلمين عن مدرسة الخلافة اثر استشهاد
الحسين (ع) وأدركوا أن أولئك ليسوا على حق في ما يقولون ويفعلون، ومالت قلوبهم
إلى أهل بيت رسول الله (ص) عند ذاك. استطاع أئمة أهل البيت أن يبصروا بعضهم
أمر دينهم ويعرفوهم أن مدرسة الخلفاء تعتمد الرأي في الدين في قبال أئمة أهل البيت
الذين يبلغون عن الله ورسوله وكان الفرد المسلم بعد تفهم هذه الحقيقة، يتهيأ لقبول ما
يبينه الامام من أئمة أهل البيت ومن ثم بدأ بعض الافراد يتلقى الحكم الاسلامي
الذي جاء به رسول الله عن طريقهم. وكذلك استبصر الفرد بعد الاخر حتى تكونت
منهم جماعات اسلامية واعية، ومن الجماعات الواعية مجتمعات اسلامية صالحة قائمة
على أسس من المعرفة الاسلامية الصحيحة وعند ذاك احتاجوا إلى مرشدين فعين لهم
الأئمة من يقوم بذلك وينوب عنهم في أخذ الحقوق المالية فكانوا يرجعون إلى الوكلاء
النواب في ذينك تارة، وأخرى يجتمعون بامامهم إذا تيسر لهم السفر إليه.
والى جانب ذلك ساعدت الظروف أحيانا الأئمة منذ الإمام الباقر (ع) إلى
تكوين حلقات دراسية يحضرها الأمثل فالأمثل من أهل عصرهم يحدثهم الامام فيها
عن آبائه عن جده الرسول (ص) تارة وأخرى يروي لهم عن جامعة الإمام علي (ع)،
وثالثة يبين لهم الحكم دونما اسناد، وتوسعت تلك الحلقات على عهد الإمام الصادق
(ع) حتى بلغ عدد الدارسين عليه أربعة آلاف شخص وكان تلاميذهم
يدونون أحاديثهم في رسائل صغيرة تسمى بالأصول، دأبوا على ذلك حتى بلغوا عصر
322

المهدي، ثاني عشر أئمة أهل البيت (ع). وغاب عن أنظار الناس وارجع بدءا شيعته
أينما كانوا إلى نوابه الأربعة التالية أسماؤهم:
أ - عثمان بن سعيد العمري.
ب - محمد بن عثمان بن سعيد العمري.
ج - أبو القاسم حسين بن روح.
د - أبو الحسن علي بن محمد السمري.
ومارس هؤلاء النيابة عن الامام زهاء سبعين عاما يتوسطون بينه وبين شيعتهم
حتى تعودت الشيعة على الرجوع إلى نواب الامام وحدهم في ما ينويهم، وألف في هذا
العصر ثقة الاسلام الكليني أول موسوعة حديثية في مدرسة أهل البيت (ع) أسماها
الكافي جمع فيها قسما كبيرا من رسائل خريجي هذه المدرسة التي كانت شائعة في ذلك
العصر يرويها المئات عن أصحابها، وبذلك بدأ عهد جديد في تدوين الحديث بمدرسة
أهل البيت (ع).
* * *
جاهد الأئمة بعد استشهاد الحسين (ع) لإعادة الاسلام الصحيح إلى المجتمع
فأعادوه حكما بعد حكم وعقيدة بعد عقيدة حتى تم في نهاية هذا العهد تبليغ جميع ما
جاء به الرسول وأبعد عنه كل محرف وزايف في حدود من تقبل منهم، وتم تدوين جميع
سنة الرسول (ص) في رسائل صغيرة ومدونات كبيرة.
وكذلك جاهدوا في ارشاد أبناء الأمة فردا بعد فرد حتى تكون منهم مجتمعات
اسلامية صالحة فيها علماء يرجعون إلى مدونات حديثية، حوت كل ما تحتاجه أبناء
الأمة من حقائق الاسلام وبذلك انتهى واجب الأئمة التبليغي في نهاية هذا العهد، كما
انتهى واجب رسول الله التبليغي في آخر سنة من حياته فقبضه الله إليه صلوات الله
عليه وآله.
وكذلك اقتضت حكمة الله أن يحتجب في نهاية هذا العهد الإمام المهدي (ع)
عن الانظار إلى ما شاء الله فارجع شيعته إلى فقهاء مدرستهم وأنابهم عنه نيابة عامة دون
تعيين أحد بالخصوص، وبذلك بدئ عصر غيبة الإمام المهدي الكبرى، وناب عنه
فقهاء مدرستهم في حمل أعباء التبليغ إلى اليوم والى ما شاء الله كما نبينه في ما يلي:
323

نيابة الفقهاء عن الامام في حمل أعباء التبليغ
مارس خريجوا مدرسة أهل البيت (ع) حمل أعباء التبليغ على عهد الأئمة
تدريجيا وتكامل عملهم في عصر غيبة الامام الصغرى، وتنامي في عصر غيبته الكبرى،
حيث تحولت الحلقات الدراسية التي كانت تعقد في المساجد والبيوت على عهد الأئمة
إلى معاهد تعليمية وحوزات علمية شيدت في بلاد كبيرة مثل بغداد، على عهد المفيد
والمرتضى، والنجف الأشرف على عهد الطوسي وغيره، ثم كربلاء والحلة وأصفهان
وخراسان وقم في أزمان غيرهم.
ولم يزل منذئذ ولا يزال يهاجر إلى تلك المعاهد والحوزات طلاب العلوم
الاسلامية من كل صقع عملا بالآية الكريمة:
" فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا
رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " التوبة / 122.
يجتمعون في تلك المعاهد والحوزات حول أساطين العلم ويستقون من معينهم
ثم يرجعون إلى بلادهم ليقوموا بحمل الدعوة الاسلامية إلى كل صقع، دأبوا على ذلك في
خدمة الاسلام جيلا بعد جيل، وكانوا ولا يزالون مع المسلمين في كل نازلة، يحاربون
خصوم الاسلام أعداء الله وأعداء رسوله أبدا، ويدافعون عن المسلمين في كل مكروه
وكذلك لم يزل ولا يزال يحاربهم بكل سلاح في كل عصر كل كافر وملحد ومنافق
عليم يريد أن يقضى على الاسلام! وذلك لان نواب الامام هؤلاء حملوا لواء الاسلام
بعده، وطبيعي ان يهاجم في المعارك حامل اللواء.
ونذكر على سبيل المثال من نواب الامام في الغيبة الكبرى الشيخ الكليني،
وكان أول موسوعي في هذه المدرسة ثم توالت التآليف الموسوعية بعده غير أن الذين
جاؤوا بعده كانوا يعنون بنوع واحد من الحديث فيجمعونه في مؤلفاتهم وغالبا ما كانت
العناية متجهة إلى تجميع أحاديث الاحكام مثل ما فعله الشيخ الصدوق في من لا يحضره
الفقيه والشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار والشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة،
إلى أن لمع نجم المجلسي الكبير وألف موسوعته الكبرى البحار على غرار موسوعة الكليني
الكافي في تجميعه أنواع الأحاديث، وبز المجلسي الموسوعيين جميعا لما جمع في موسوعته
تلك بين الكتاب والسنة وفسر آيات كتاب الله وشرح بعض الأحاديث وبين علل
324

بعضها إلى غير ذلك من المميزات، وشارك الكليني في دراساته حول أحاديث الكافي
بكتابه (مرآة العقول) استوعب فيها شرح ألفاظ الحديث وكشف معانيها وذكر علل
الحديث وقوته وصحته وفق القواعد المتبناة لدى المحدثين منذ عصر العلامة الحلي وابن
طاووس. وخالفهم أحيانا فقال: (ضعيف على المشهور معتمد عندي) أو (معتبر عندي)
وكان نتيجة تقييمه لأحاديث الكافي انه وجد منها خمسة وثمانين وأربعمائة وتسعة
آلاف حديث ضعيف من مجموع 16121 حديث.
* * *
انتهينا فيما سبق من البحث عن معالم المدرستين في أصولهما الفكرية ونبدأ في ما
يأتي بحوله تعالى بالبحث عن معالم المدرستين في اتجهات اتباعهما وأنواع نشاطاتهما
الفكرية والسياسية والاجتماعية في المجتمع الاسلامي، ونقتصر في هذه البحوث كما
أشرنا إليه في أول الكتاب على دراسة مميزات كل من مدرسة الخلافة ومدرسة أهل البيت
على وجه العموم مع غض النظر عن بيان انقساماتهما الداخلية والفرق المنتسبة
إليهما وتراجم مؤسسيها وقد روعي في ايراد البحوث - على قدر الامكان - التسلسل
الزمنى لوقوع الحوادث المذكورة فيها.
325