الكتاب: نهج السعادة
المؤلف: الشيخ المحمودي
الجزء: ٤
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٨٧ - ١٩٦٨ م
المطبعة: مطبعة النعمان - النجف الأشرف
الناشر: مؤسسة التضامن الفكري - بيروت
ردمك:
ملاحظات:

نهج السعادة
في مستدرك نهج البلاغة
الجزء الرابع
1

نهج السعادة
في مستدرك نهج البلاغة
تأليف
الشيخ محمد باقر المحمودي
الجزء الرابع
باب كتب أمير المؤمنين
عليه السلام
مطبعة النعمان النجف الأشرف تلفون 997
3

الطبعة الأولى
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
1968 م - 1387 ه‍
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله
الغر الهداة الميامين، ما دام خالق السماوات والأرضين.
أما بعد فهذا هو الباب الثاني من كتاب نهج السعادة، في المختار من
مأثور كتب أمير المؤمنين وسيد الموحدين وقائد الغر المحجلين علي بن أبي
طالب صلوات الله عليه، تأليف العبد القاصر، أبي جعفر محمد باقر المحمودي
جعله الله في ذاته حميدا، وفي عمله محمودا، فإنه ولي المؤمنين، والمنان
على المستضعفين.
5

- 1 -
ومن كتاب له عليه السلام
شيخ الطائفة نضر الله وجهه [عن معلم الأمة الشيخ المفيد، وعن
الحسين بن عبيد الله، وعن أحمد بن عبدون، كل هم، عن أحمد بن محمد بن
الحسن بن الوليد، عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد] (1) عن الحسين
ابن سعيد، عن محمد بن عاصم، عن الأسود بن أبي الأسود الدؤلي،
عن ربعي بن عبد الله، عن أبي عبد الله [الإمام الصادق] عليه السلام،
قال: تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بدار له بالمدينة في بني زريق فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي ابن
أبي طالب وهو حي سوي، تصدق بداره التي في بني
زريق، صدقة لاتباع ولا توهب (2) حتى يرثها الله الذي
يرث السماوات والأرض، وأسكن هذه الصدقة خالاته ما
عشن وعاش عقبهن (3) فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة

(1) بين المعقفتين مأخوذ من (15) من مشيخة التهذيب: ج 10، ص
63 ط النجف، وللكتاب أسناد ومصادر أخر يأتي ذكرها.
(2) وفى الفقيه ودعائم الاسلام: (صدقة لاتباع ولا توهب ولا تورث).
(3) ومثله في الفقيه، وفى الاستبصار: (وأسكن هذه الصدقة فلانا
ما عاش وعاش عقبه) وفى الدعائم: (وأسكن هذه الدار الصدقة خالاته ما عشن
وأعقابهن ما عاش أعقابهن) الخ.
6

من المسلمين (4).
ورواه أيضا عن أبي الحسين ابن أبي جيد القمي، عن محمد بن الحسن
ابن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد الخ.
ورواه أيضا عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن
الصفار، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد الخ.
الحديث السابع من كتاب الوقوف والصدقات من (تهذيب الأحكام):
ج 9 ص 131، ط النجف، و ج 10، ص 63.
وبهذه الأسانيد رواه أيضا في الحديث الثالث من الباب الأول من
كتاب الوقوف والصدقات من الاستبصار: ج 4 ص 98، وص 312 ط
النجف.
ورواه أيضا الصدوق (ره) في الحديث (23) من باب الوقف
والصدقة والنحل، من كتاب من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 183، وص 65
من المشيخة، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله والحميري جميعا عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن ربعي
ابن عبد الله بن جارود الهذلي - وهو عربي بصري - عن الإمام الصادق (ع)
قال: تصدق أمير المؤمنين الخ.
ورواه أيضا في الحديث (1285) من دعائم الاسلام: ج 2 ص
341 ط مصر.

(4) وفي الفقيه والدعائم: (فهي لذوي الحاجة من المسلمين شهد الله).
7

- 2 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى سلمان الفارسي رضوان الله عليه، كتبه إليه قبل أيام خلافته،
حينما كان سلمان واليا على المدائن.
أما بعد فإن الدنيا مثلها مثل الحية، لين مسها
قاتل سمها (1) فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك
منها (2) وضع عنك همومها لما أيقنت [به] من فراقها
[وتصرف حالاتها] وكن آنس ما تكون بها أحذر ما تكون منها
(3) فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته عنه إلى

(1) ومثله في المختار (36) من قصار كلمه (ع) في نزهة الناظر، وفى
الحكمة الخالدة: (يقتل سمها) الخ. وفى تنبيه الخواطر: (مثل الدنيا مثل
الحية، يلين مسها ويقتل سمها) الخ. وفى الارشاد: (لين مسها، شديد
نهشها) الخ. والنهش - على زنة فلس -: النهس لفظا ومعنى. أو النهش
- بالمعجمة -: الاخذ بالأضراس، وبالمهملة: هو الاخذ بمقدم الأسنان.
(2) وفى الحكمة الخالدة: (فأقلل ما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها،
ودع غمك بهمومها لما أيقنت من فراقها) الخ.
(3) وفى تنبيه الخواطر: (وكن أسر ما تكون فيها) الخ. و (آنس)
حال من الضمير المستتر في (كن) أو في (أحذر) و (أحذر) خبر لقوله:
(كن) أي فليكن أشد حذرك من الدنيا في حال شدة سرورك وأنسك بها.
8

محذور (4) [أو إلى إيناس أزالته عنه إلي إيحاش والسلام].
الحكمة الخالدة ص 111، ط والمختار التاسع من الباب الثاني
من دستور معالم الحكم ص 37 ط مصر.
والفصل السادس مما أختار من مختصر كلامه (ع) في الارشاد، ص
124، ط النجف.
والمختار (73) من الباب الثاني من نهج البلاغة، وباب ذم الدنيا
من تنبيه الخواطر: ج 1، 133. وصرح بأنه (ع) كتب إلى سلمان.
وقريب من صدر الكتاب رواه الكليني (ره) في الحديث (22) من الباب
(61) من كتاب الايمان والكفر، من أصول الكافي: ج 2 ص 136، الا
أنه لم يذكر أنه (ع) كتبه إلى سلمان، وكذا في المختار (119) من قصار
النهج، والمختار (36) مما أختار من كلمه (ع) في كتاب نزهة الناظر،
ص 17، ط النجف، وصرح فيه بأنه (ع) قاله لسلمان.

(4) وفي الحكمة الخالدة: (أشخصته منه إلى مكروه) وفى تنبيه
الخواطر: (أشخصته إلى مكروه) وفى الارشاد: (أشخصه منها إلى مكروه
والسلام). وفي النزهة: (اشخصه إلى مكروه) الخ. -
9

- 3 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى سلمان الفارسي (ره) قبل أيام خلافته (ع) أيضا قال الحافظ
الكبير ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن علي بن عساكر [ظ] بن سرور
(كذا) المقدسي الخشاب بدمشق، حدثنا نصر بن إبراهيم بن نصير ببيت
المقدس سنة سبعين وأربعين مأة، أخبرنا أبو الحسن علي بن طاهر القرشي،
أخبرنا أبو حفص عمر بن الخضر الثمانين [كذا] حدثنا أبو الفتح الأزدي،
حدثنا إبراهيم بن عبد الله الأزدي، حدثنا حميد بن حاتم، حدثنا عبد الله
ابن فيروز، قال ماتت امرأة سلمان الفارسي رحمه الله تعالى بالمدائن فحزن
عليها، فبلغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم، قد بلغني يا با عبد الله
سلمان مصيبتك بأهلك، وأوجعني بعض ما أوجعك، ولعمري
لمصيبة تقدم اجرها خير من نعمة يسأل عن شكرها ولعلك
لا تقوم بها، والسلام عليه.
ترجمة سلمان من تاريخ دمشق: ج 21 ص 192.
10

- 4 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أبي ذر الغفاري (ره) وهو منفي إلى الربذة
قال سبط ابن الجوزي: روى الشعبي عن أبي أراكد قال: لما تقي
أبو ذر إلى الربذة، كتب إليه علي عليه السلام:
اما بعد يا أبا ذر فإنك غضبت لله تعالى فارج من
غضبت له، إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على
دينك (1) فاترك لهم ما خافوك عليه، واهرب منهم لما
خفتهم عليه (2) فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وما أغناك عما
منعوك، وستعلم من الرابح غدا (3) فلو ان السماوات
والأرض كانتا رتقا على عبد ثم اتقى الله لجعل له منهما
مخرجا (4) لا يؤنسنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل،

(1) وفى رواية الكليني (ره) بعده هكذا: (فأرحلوك عن الفناء، وامتحنوك
بالبلاء) الخ.
(2) وفى نهج البلاغة: (فأترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب بما
خفتهم عليه) الخ.
(3) وفى النهج بعده هكذا (والأكثر حسدا) الخ، ومثل النهج في صحيفة
الرضا في جميع المواضع.
(4) قوله (ع): (رتقا أي مغلقتان ومسدودتان. وقوله: (ولو)
(قرضت الشئ) من باب التفعيل -: قطعته. أو أنه من باب الافعال،
وسقطت الألف من النسخة، يقال: أقرضه: أخذ منه القرض - على زنة
الفلس والحبر - وهو ما تعطي من المال غيرك بشرط ان يعيده عليك بعد أجل
معلوم، والجمع: قروض.
11

فلو قبلت دنياهم لأحبوك، ولو قرضت منها لأمنوك.
أقول: هذا الكلام رواه جماعة من ثقات الخاصة والعامة عن أمير
المؤمنين عليه السلام، والمعروف عندهم أن أمير المؤمنين والسبطين: (الحسن
والحسين وعقيلا وعمارا شيعوا أبا ذر لما أخرجه مروان بأمر عثمان، ولما
أرادوا الافتراق وودعوا أبا ذر تكلم أمير المؤمنين (ع) بهذا الكلام، ولكن
سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص 165 ذكر بالسند المتقدم ان أمير
المؤمنين عليه السلام كتبه إلى أبي ذر (ره) ولا تنافي بين النقلين، إذ
لأهمية الموضوع - ولان الغضب لله من صفاة أخص أولياء الله، وأن من
عادى أبا ذر إنما عاداه تحفظا للرئاسة، وتخضما لمال الله، وأن من كان من
الأتقياء ويراقب الله تعالى في حياته، لا ينساه الله بل يخلصه من المضائق
ولو كانت مطبقة عليه - كرر أمير المؤمنين (ع) هذا البيان الشريف،
فتارة شافه أبا ذر به، وأخرى كتبه إليه، كما هو المألوف عند العرف فيما
كان مهما عندهم.
12

- 5 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه في وقف الضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة (1).
قال المبرد: حدثنا أبو محلم محمد بن هشام في أسناد ذكر آخره أبو

(1) قال في باب العين من معجم البلدان: ج 6 ص 251 ط مصر،:
نيزر - بفتح النون وياء مثناة من تحت، وزاء مفتوحة وراء وهو - فيعل،
من النزارة وهو القليل أو من النزر وهو الالحاح في السؤال.
روى يونس عن محمد بن إسحاق بن يسار ان أبا نيزر الذي تنسب إليه
العين هو مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان ابنا للنجاشي - ملك
الحبشة الذي هاجر إليه المسلمون - لصلبه، وان عليا وجده عند تاجر بمكة،
فأشتراه منه وأعتقه مكافأة بما صنع أبوه مع المسلمين حين هاجروا إليه.
وذكروا ان الحبشة مرج عليها أمرها بعد موت النجاشي وانهم أرسلوا
وفدا منهم إلى أبي نيزر - وهو مع علي - ليملكوه عليهم ويتوجوه ولا يختلفوا
عليه، فأبى وقال: ما كنت لا طلب الملك بعد أن من الله علي بالاسلام. قال:
وكان أبو نيزر من أطول الناس قامة، وأحسنهم وجها قال: ولم يكن لونه
كألوان الحبشة ولكنه إذا رأيته قلت: هذا رجل عربي. وقال المبرد: قال
أبو محلم: محمد بن هشام: كان أبو نيزر من أبناء بعض الملوك الأعاجم، قال:
وصح عندي بعد انه من ولد النجاشي فرغب في الاسلام صغيرا فأتى رسول
الله (ص) وكان معه في بيوته، فلما توفى رسول الله (ص) صار مع فاطمة
وولدها رضي الله عنهم.
أقول: وفى باب الباء من معجم البلدان: (بغيبغة بالضم ثم الفتح وياء
ساكنة، وباء موحدة مكسورة، وغين أخرى، كأنه تصغير البغبغة، وهو
ضرب من الهدير والبغيبغة: البئر القريبة الرشاء قال الراجز:
يا رب ماء لك بالاجبال * بغيبغ ينزع بالعقال
أجبال طي الشمخ الطوال * طام عليها ورق الهدال
وقال ابن الاعرابي: البغيبغ ماء كان قامة أو نحوها.
13

نيزر (كذا) قال أبو نيزر: جاءني علي بن أبي طالب وأنا أقوم بالضيعتين:
(عين أبي نيزر، والبغيبغة) فقال: هل عندك من طعام. فقلت: طعام
لا أرضاه لأمير المؤمنين، قرع من قرع الضيعة، صنعته بأهالة سبخة (2).
فقال: علي به، فقام إلى الربيع - وهو جدول - فغسل يده، ثم أصاب
من ذلك شيئا، ثم رجع إلى الربيع فغسل يديه بالرمل حتى أنقاهما، ثم
ضم يديه كل واحدة منهما إلى أختها وشرب منهما حسي من الربيع، ثم
قال: يا أبا نيزر، ان الأكف أنظف الآنية، ثم مسح يديه من ذلك الماء على
بطنه وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله.
ثم أخذ [عليه السلام] المعول وانحدر فجعل يضرب، وأبطأ عليه الماء
فخرج وقد تنضح جبينه عرقا فأتنكف العرق من جبينه (3) ثم أخذ المعول
وعاد إلى العين فأقبل يضرب فيها وجعل يهمهم فانثالت كأنها عنق جزور،
فخرج مسرعا وقال: أشهد الله أنها صدقة، علي بدواة وصحيفة، قال
[أبو نيزر] فجعلت بهما إليه، فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدق به عبد الله

(2) القرع - كفلس -: نوع من اليقطين. والإهالة - بكسر الألف -:
الشحم المذاب. وقيل: دهن يؤتدم به. وقيل: الدسم الجامد. ومنه
الحديث: (أدهن بسمن أو أهالة).
(3) تنضح جبينه: فار بالعرق. ونكف الدمع - من باب نصر -:
نحاه عن خده بإصبعه. وانتكف العرق عن جبينه: مسحه.
14

علي أمير المؤمنين، تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين
أبي نيزر والبغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل
ليقي الله بهما وجهه حر النار يوم القيامة لا تباعا ولا توهبا
حتى يرثهما الله وهو خير الوارثين، إلا أن يحتاج إليهما
الحسن أو الحسين فهما طلق لهما وليس لاحد غيرهما
الكامل للمبرد: ج 1، ص 132، في أخبار أمير المؤمنين (ع) وما
جرى بينه وبين الخوارج، وفي ط ج 2 ص 141.
ورواه عنه إشارة في معجم البلدان: 2 ص 248، وتفصيلا في المجلد
السادس، ص 251 ط مصر، ورواه أيضا في المختار (552) من جمهرة
الرسائل: ج 1، ص 606، ورواه أيضا في أعيان الشيعة: ج 7 ص 192.
أقول: قال المبرد: عند ذكر هذا الكتاب: رووا ان عليا رضي الله
عنه لما أوصى إلى الحسن في وقف أمواله وأن يجعل فيها ثلاثة من مواليه
وقف فيها عين أبي نيزر والبغيبغة، وهذا غلط لان وقفه هذين الموضعين
كان لسنتين من خلافته.
أقول الوصية التي أوصاها أمير المؤمنين (ع) إلى الإمام الحسن
عليه السلام في وقف أمواله، وأن يجعل فيها ثلاثة من مواليه (ع) ذكرناها
بأسنادها وشواهد كثيرة في المختار (35 و 63) من باب الوصايا، ص
434 و 303 من ج 2، من كتابنا هذا، وليس فيها من ذكر (عين أبي
نيزر والبغيبغة) اسم ولا رسم، فالقول بأن أمير المؤمنين (ع) لما أوصى إلى الحسن
15

في وقف أمواله، وقف فيها عين أبي نيزر والبغيبغة لا شاهد له، أو انه غلط
على ما يقوله المبرد، ما أن قول المبرد: (لان وقفه هذين الموضعين كان
لسنتين من خلافته) أيضا بلا شاهد، بل غلط لقيام الشاهد على خلافه
إذ رواية المبرد هذه ناطقة بأن أمير المؤمنين (ع) جاء إلى أبي نيزر عند
قيامه بالضيعتين، فدخل عليه في الضيعتين، وطلب منه الطعام فقدم إليه
أبو نيزر، من قرع الضيعتين، فتناوله (ع) وغسل يده بتراب الضيعة
ومائها، وشرب من مائها، ثم أخذ المعول وجعل يضرب في العين بتمام الجهد
حتى انثالت كعنق الجزور، فخرج (ع) مسرعا وأجرى صيغة الوقف،
فطلب الدواة والصحيفة من أبي نيزر، فكتب كتاب الوقف فورا،
فكيف يكون وقفه (ع) لهذين الموضعين لسنتين من خلافته، مع العلم
والاتفاق على أنه (ع) خرج بعد أشهر قليلة - أربعة أو خمسة - من خلافته
عن المدينة المشرفة، ولم يعد إليها، حتى قبضه الله تعالى إليه شهيدا مظلوما،
فقول المبرد في غاية السقوط، والظاهر من رواية المبرد هذا، أن وقفه (ع)
لهذين الموضعين كان في بدء خلافته قبل خروجه إلى البصرة، ويحتمل
بعيدا أنه كان قبل أيام خلافته.
16

- 6 -
ومن كتاب له عليه السلام
لما بويع بالمدينة إلى معاوية
أما بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة مني،
وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع، فإذا أتاك كتابي فبايع
لي وأوفد إلي أشراف أهل الشام قبلك.
شرح المختار الثامن، من الباب الأول، من نهج البلاغة من شرح
ابن أبي الحديد: 1، ص 230 ط مصر، بتحقيق محمد إبراهيم.
ورواه عنه تحت الرقم (375) من جمهرة رسائل العرب: ج 1،
ص 385.
17

- 7 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية أيضا في أول ما بويع له (ع)
بالخلافة على ما رواه الواقدي في كتاب الجمل.
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي
سفيان.
أما بعد فقد علمت إعذاري فيكم وإعراضي عنكم
حتى كان ما لابد منه (1) ولا دفع له، والحديث طويل
والكلام كثير، وقد ادبر ما ادبر، واقبل ما أقبل، فبايع
من قبلك وأقبل إلي في وفد من أصحابك (2).
المختار (75 / أو 80) من الباب الثاني من نهج البلاغة.

(1) من قتل عثمان المسبب عن سعي بني أبيه في الأرض الفساد،
ورضاه به.
(2) قيل: هذه الجملة كانوا يكتبونها إلى وال يريدون عزله.
18

- 8 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى حذيفة بن اليمان عليه الرحمة
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير
المؤمنين، إلي حذيفة بن اليمان، سلام عليك
أما بعد فإني قد وليتك ما كنت عليه لمن كان قبلي
من حرف المدائن (1) وقد جعلت إليك أعمال الخراج
والرستاق وجباية أهل الذمة (2) فاجمع إليك ثقاتك ومن
أحببت ممن ترضى دينه وأمانته، واستعن بهم على أعمالك
فإن ذلك أعز إليك ولوليك، وأكبت لعدوك (3) وإني آمرك
بتقوى الله وطاعته في السر والعلانية، وأحذرك عقابه في

(1) هو جمع الحرف - كفلس - وهو من كل شئ طرفه وشفيره وحده
وأعلاه، ومنه حرف الجبل: أعلاه المحدد.
(2) كذا في النسخة المطبوعة من الدرجات الرفيعة. والجباية بكسر
الجيم -: الجمع. وهو مصدر، والفعل منه من باب (رمى).
(3) يقال: كبته من باب ضرب كبتا عدوه): صرعه. أذله.
أخزاه. صرفه. كسره. رده بغيظه. وأهلكه. أهانه.
19

الغيب والمشهد (4) وأتقدم إليك بالاحسان إلى المحسن، والشدة على المعاند، وآمرك بالرفق في أمورك والدين (5) والعدل في رعيتك، فإنك مسأل عن ذلك، وإنصاف المظلوم،
والعفو عن الناس، وحسن السيرة ما استطعت، فإن الله
يجزي المحسنين.
وآمرك أن تجبي خراج الأرضين على الحق والنصفة، (6)
ولا تجاوز ما تقدمت به إليك، ولا تدع منه شيئا، ولا تبدع
فيه أمرا، ثم اقسم بين أهله بالسوية والعدل، واخفض
لرعيتك جناحك، وواس بينهم في مجلسك، وليكن القريب

(4) الغيب والغيبة والغياب والغيوب والمغيب - على زنة الفلس والصيحة
والحساب والفلوس والمريض، مصادر قولهم، (غاب زيد عن المجلس): لم
يحضره. بعد عنه وباينه. واستتر. والفعل من باب (باع). والمشهد:
محضر الناس ومجتمعهم. أي أحذرك عقاب الله فاتق الله عند حضور الناس
وعند انفرادك وعدم حضورهم.
(5) كذا في النسخة، والرفق - كحبر -: لين الجانب واللطف، مصدر
قولهم: (رفق زيد بعمرو من باب نصر وشرف وعلم - ومرفقا - على زنة
مجلس ومربع ومشفر): عامله بلطف.
(6) والنصفة: محركا كعرفة -: العدل والانصاف.
20

والبعيد عندك في الحق سواء، واحكم بين الناس بالحق،
وأقم فيهم بالقسط، ولا تتبع الهوى، ولا تخف في الله
لومة لائم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون
وقد وجهت إليك كتابا لتقرأه على أهل مملكتك
ليعلموا رأينا فيهم وفى جميع المسلمين، فأحضرهم واقرأ
عليهم، وخذ البيعة لنا على الصغير والكبير منهم إن شاء
الله تعالى.
ترجمة حذيفة من كتاب الدرجات الرفيعة ص 288 ط 1. وقريب
منه في المختار (16) من الباب الثاني، من المستدرك ص 117.
ورواه مع المختار التالي الديلمي (ره) في أواسط المجلد الثاني من إرشاد
القلوب ص 117.
وروى قطعة منه في الحديث الرابع من الباب (35) من كتاب الجهاد،
من مستدرك الوسائل: ج 2 ص 260 نقلا عن الديلمي.
21

- 9 -
ومن كتاب له عليه السلام
أرسله إلى حذيفة بن اليمان (ره) ليقرأه على أهل المدائن، فلما وصل
عهد أمير المؤمنين (ع) - المتقدم - إلى حذيفة، جمع الناس فصلى بهم
ثم أمر بالكتاب فقرأ عليهم.
بسم الله الرحمن الرحيم، من [عبد الله أمير المؤمنين]
علي بن أبي طالب إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين
سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأساله
أن يصلي على محمد وآله.
أما بعد فإن الله تعالى اختار الاسلام دينا لنفسه
وملائكته ورسله، إحكاما لصنعه وحسن تدبيره، ونظرا منه
لعباده، وخص به من أحبه من خلقه، فبعث إليهم محمدا
فعلهم الكتاب والحكمة، إكراما وتفضلا لهذه الأمة،
وأدبهم لكي يهتدوا، وجمعهم لئلا يتفرقوا، ووقفهم (1)
لئلا يجوروا، فلما قضى ما كان عليه من ذلك مضى إلى رحمة
الله حميدا محمودا.

(1) أي وقفهم على ما أعد الله للمطيعين من الثواب وللعاصين من العقاب
والخزي، لا جل ان لا يجوروا ولا يظلموا خوف العقاب، ورجاء الثواب.
22

ثم إن بعض المسلمين أقاموا بعده رجلين رضوا
بهديهما وسيرتهما، فأقاما ما شاء الله ثم توفاهما الله عز وجل،
ثم ولوا، بعدهما الثالث فأحدث أحداثا، ووجدت الأمة عليه
فعالا (2) فاتفقوا عليه (كذا) ثم نقموا منه فغيروا (3) ثم
جاؤني كتتابع الخيل فبايعوني (4) [و] إني أستهدي الله
بهداه، وأستعينه على التقوى.
ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة نبيه [صلى
الله عليه وآله] والقيام عليكم بحقه (كذا) وإحياء سنته،
والنصح لكم بالمغيب والمشهد، وبالله نستعين على ذلك،
وهو حسبنا ونعم الوكيل.

(2) أي عدت الأمة عليه فعالا منكرا غير مألوف في الشريعة المقدسة. وفى
كتابه (ع) إلى أهل مصر: (فوجدت الأمة عليه مقالا فقالوا، ثم نقموا عليه
فغيروا) الخ وهو الظاهر.
(3) يقال: (نقم الامر - من باب ضرب وعلم - على فلان نقما - كفرسا -
وتنقاما): أنكره عليه وكرهه أشد الكراهة لسوء فعله.
(4) وهذا المعنى مما صرح به (ع) في كثير من كلمه، واتفق عليه المؤرخون
والمحدثون.
23

وقد وليت أموركم حذيفة بن اليمان، وهو ممن أرضى
بهداه وأرجو صلاحه، وقد أمرته بالاحسان إلى محسنكم
والشدة على مريبكم، والرفق بجميعكم، أسأل الله لنا ولكم
حسن الخيرة والاسلام ورحمته الواسعة في الدنيا والآخرة،
ورحمة الله وبركاته (5).
ترجمة حذيفة بن اليمان من الدرجات الرفيعة ص 288 وقريب منه في
المختار (17) من الباب الثاني من المستدرك ص 118.
ومما يشهد لهذا العهد ما ذكر السيد ابن طاوس (ره) في الباب (138)
من كتاب اليقين ص 137، عن ابن الأثير، في كتاب حجة التفصيل، قال:
حدثنا محمد بن الحسين الواسطي (ظ) قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد،
قال: حدثنا الحسن بن زياد الأنماطي، قال حدثنا محمد بن عبيد الأنصاري،
عن أبي هارون العبدي، عن ربيعة السعدي، قال: كان حذيفة واليا لعثمان
على المدائن، فلما صار علي (ع) أمير المؤمنين كتب لحذيفة عهدا يخبره
بما كان من أمره وبيعة الناس إياه، فاستوى حذيفة جالسا وكان عليلا فقال
قد والله وليكم أمير المؤمنين حقا الخ.

(5) كذا في النسخة، والظاهر سقوط كلمة: (والسلام عليكم)
24

- 10 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل مصر، كتبه مع قيس بن سعد بن عبادة، لما بعثه أميرا عليهم
وحاكما.
قال الثقفي (ره) في الغارات: (1) - حدثنا محمد بن عبد الله بن عثمان
الثقفي، قال: حدثني علي بن محمد بن أبي سيف، عن الكلبي - انه
لما ولي علي عليه السلام الخلافة، قال لقيس بن سعد بن عبادة - وكان
من شيعته ومناصحيه -: سر إلى مصر فقد وليتكها، وأخرج إلى ظاهر
المدينة، واجمع ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتى تأتي مصر ومعك جند،
فان ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك، فإذا أنت قدمتها إن شاء الله، فأحسن
إلى المحسن، وأشدد (واشتد) على المريب وارفق بالعامة والخاصة
فالرفق يمن.
فقال قيس: رحمك الله يا أمير المؤمنين، قد فهمت ما ذكرت، فأما
الجند فاني أدعه لك، فإذا احتجت إليهم كانوا قريبا منك، وان أردت
بعثهم إلى وجه من وجوهك كان لك عدة، ولكني أسير إلى مصر بنفسي

(1) ومما يسود وجوه أرباب الثروة والمكنة، مضي ما يقرب من الف
ومأة سنة على عمر هذا الكتاب - وهو من يراع بطل من أبطال الاسلام - وهو
غير مطبوع بعد، ونحن إنما نقلنا عنه بوساطة المجلسي (ره) عنه في البحار،
وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، والمحقق المدني في الدرجات الرفيعة،
وقد لخصنا العبارة المحكية عنه بعض التلخيص وزدنا عليها في بعض الموارد
ما يوضحها.
25

وأهل بيتي، وأما ما أوصيتني به من الرفق والاحسان فالله تعالى هو
المستعان على ذلك.
قال: فخرج قيس في سبعة نفر من أهله حتى دخل مصر، فصعد
المنبر، وأمر بكتاب معه (من أمير المؤمنين (ع) أن) يقرأ على الناس
[وكان فيه]:
من عبد الله علي أمير المؤمنين (2) إلى من بلغه كتابي
هذا من المسلمين، سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي
لا إله إلا هو.
أما بعد فإن الله بحسن صنعه وقدره وتدبيره اختار
الاسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله، وبعث به أنبياءه إلى
عباده، فكان مما أكرم الله عز وجل به هذه الأمة، وخصهم
به من الفضل، أن بعث محمدا [صلى الله عليه وآله وسلم] (3)
فعلمهم الكتاب والحكمة، والفرائض والسنة (4) وأدبهم

(2) وفى الطبري: (بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين)
الخ وهو الظاهر.
(3) كذا في البحار، وهذه الجملة غير موجودة في (الدرجات).
(4) هذا هو الظاهر المؤيد بنقل الطبري، دون غيره.
26

لكيما يهتدوا وجمعهم لكيما لا يتفرقوا (5) وزكاهم لكيما
يتطهروا (6).
فلما قضى من ذلك ما عليه، قبضه الله إليه، فعليه
صلوات الله وسلامه ورحمته ورضوانه.
ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم
صالحين أحييا السيرة (7) ولم يعدوا السنة، ثم توفيا فولي
من بعدهما من أحدث أحداثا (8) فوجدت الأمة عليه مقالا فقالوا،

(5) وفى نسخة ابن أبي الحديد: (وجمعهم لكيلا يتفرقوا).
(6) وزاد في الطبري بعده (ورفههم لكيما لا يجوروا) أي نفس عنهم
ووسع عليهم كي لا يظلم بعضهم بعضا لا جل الضيق والشدة.
(7) وفى الدرجات الرفيعة: (ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا أميرين
منهم أحسنا السيرة، ثم توفيا فولي من بعدهما وآل أحدث أحداثا فوجدت
الأمة عليه مقالا فقالوا ثم نقموا فتغيروا) الخ وزاد في نسخة ابن أبي الحديد،
بعد قوله: (صالحين): (فعملا بالكتاب والسنة).
(8) مثل تسفير أبي ذر إلى الشام ثم إلى الربذة، ومثل تبعيد صلحاء
الكوفة إلى الشام، وضرب عمار حتى غشي عليه وصار ذا فتق، وضرب
عبد الله بن مسعود، وتحريق المصحف، ورد حكم بن أبي العاص إلى المدينة وقد
أخرجه منها رسول الله (ص) إلى غير ذلك مما تواتر عنه من الاحداث التي
لا تحصى.
27

ثم نقموا عليه فغيروا ثم جاؤني فبايعوني، وأنا أستهدي
الله الهدى، وأستعينه على التقوى، ألا وإن علينا العمل
بكتاب الله وسنة رسوله والقيام بحقه، والنصح لكم بالغيب،
والله المستعان (9) وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقد بعثت لكم (10) قيس بن سعد الأنصاري أميرا
فوازروه وأعينوه على الحق (11) وقد أمرته بالاحسان إلى
محسنكم والشدة إلى مريبكم (12) والرفق بعوامكم وخواصكم،
وهو ممن أرضى هدية وأرجو صلاحه ونصحه، نسأل الله لنا
ولكم عملا زاكيا، وثوابا جزيلا (13) ورحمة واسعة والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب عبيد الله بن أبي رافع، في صفر سنة ست وثلاثين. كما في
البحار: ج 8، ص 643، ورواه أيضا السيد المحقق المدني (ره) في

(9) وفي نسخة ابن أبي الحديد: (والله المستعان على ما تصفون). (10) كذا في البحار، وشرح ابن أبي الحديد، وفي الطبري والدرجات
الرفيعة: (وقد بعثت إليكم قيس بن سعيد) الخ.
(11) وفي الطبري: (فوازروه وكانفوه وأعينوه على الحق، وقد أمرته)
الخ.
(12) وفي الطبري وشرح النهج والدرجات: (والشدة على مريبكم).
(13) وفي تاريخ الطبري: (وثوابا جميلا) الخ.
28

ترجمة قيس بن سعد بن عبادة من كتاب الدرجات الرفيعة ص 336، عن
الغارات، كما رواه عنه أيضا في شرح المختار (67) من الباب
الأول من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 6 ص 58.
ورواه في منهاج البراعة: ج 5 ص 106، ط 2، نقلا عن البحار وشرح
ابن أبي الحديد.
ورواه الطبري في حوادث سنة (36 ه‍) من تاريخه: ج 3 ص 550
ط مصر.
- 11 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه إلى أمراء الأجناد لما بويع بعد قتل عثمان
أما بعد فإنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس
الحق فاشتروه (1) وأخذوهم بالباطل فاقتدوه (2).
المختار (79 / أو 84) من الباب الثاني من نهج البلاغة.

(1) جملة: (من كان قبلكم) فاعل لقوله: (أهلك) ومفعوله محذوف،
اي أهلك الناس من كان قبلكم من الامراء، من أجل أنهم منعوا حقوق الناس،
فاشترى الناس حقهم منهم بالرشا والأموال. وروي: (فاستروه) بالسين
المهملة، بمعنى اختاروه، فالضمير راجع إلى الامراء والظلمة - لا إلى الناس -
أي منعوا الناس حقهم من الأموال واختاروها لأنفسهم فاستأثروا بها.
(2) أي حملوا الناس على الباطل فاقتدوا بهم، لان الناس دائما يحذون
حذو الامراء لا سيما إذا كانت رويتهم ملائمة لشهوات الناس، كأهل زماننا
هذا فإنهم أبناء ملوكهم.
29

- 12 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى عماله كافة
قال علم الشيعة، وشيخ الشريعة محمد بن علي بن الحسين قدس الله
نفسه: حدثني محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد
ابن يحيى العطار، قال: حدثني سهل بن زياد الادمي، عن يعقوب بن
يزيد، عن محمد بن إبراهيم النوفلي رفعه إلى (الإمام الصادق) جعفر
ابن محمد (ع) انه ذكر عن آبائه عليهم السلام ان أمير المؤمنين (عليه السلام)
كتب إلى عماله:
أدقوا أقلامكم، وقاربوا بين سطوركم، واحذفوا
عني فضولكم، وأقصدوا قصد المعاني، وإياكم والاكثار
فإن أموال المسلمين لا تحتمل الاضرار.
الحديث (78) من باب الخمسة، من كتاب الخصال: 1، ص 149
وفي ط ص 323، ورواه المجلسي العظيم (ره) في الحديث السابع من الباب
(107) من المجلد التاسع من البحار، ص 532 ط الكمباني، وفي ط
الحديثة ج 41 / 105، ونقله أيضا في الحديث الثاني من الباب (102)
من البحار: ج 16 / 257، س 4، وذكره أيضا في الحديث الأول من
الباب الثامن، من المجلد الرابع والعشرين من البحار، ص 24 ط الكمباني
30

نقلا عن الخصال، الا انه (ره) في ج 9، نقله عن الأمالي، ولم أجده
فيه، وكأنه سهو من الكتاب، ورواه أيضا في المختار الرابع من الباب
الثاني من مستدرك نهج البلاغة ص 111.
- 13 -
ومن كتاب له عليه السلام
وكان (ع) يكتب به إلى عماله
محمد بن يعقوب الكليني رضوان الله تعالى عليه، عن أبي علي
الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن
الحلبي، عن أبي عبد الله [الإمام الصادق] عليه السلام، قال: كان أمير
المؤمنين عليه السلام يكتب إلى عماله:
لا تسخروا المسلمين، ومن سألكم غير الفريضة
فقد اعتدى فلا تعطوه (1).
[قال] وكان (ع) يكتب ويوصي بالفلاحين - وهم الأكارون - خيرا.
الحديث الثالث من الباب (140) من كتاب المعيشة من الكافي: ج
5 ص 284، والذيل رواه أيضا في قرب الإسناد، ص 65.

(1) الفريضة هو ما يعينه ويفرضه الامام من بيت المال لآحاد المسلمين
في كل سنة فمن أخذ منهم فريضته ثم طلب الزيادة فهو معتد، لأنه يطلب
حق غيره ولا يجوز لامين المسلمين ان يعطيه، وان أعطاه فهو أيضا من الخائنين
الذين لا تجوز توليتهم.
31

- 14 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري وقد بلغه (ع) أن بعض المترفين من أهل البصرة دعا عثمان إلى وليمة فأجابه ومضى إليها.
أما بعد يا بن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية
أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك
الألوان، وتنقل إليك الجفان (1) وما ظننت أنك تجيب إلى
طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو (2) فانظر إلى
ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه (3)

(1) المأدبة - بفتح الدال وضمها -: الطعام الذي يصنع لدعوة أو عرس
وقد يطلق على مطلق ما أعد للاكل. و (تستطاب لك الألوان): يطلب لك من
أصناف الطعام طيبها. و (الجفان): جمع الجفنة: القصعة.
(2) عائلهم: محتاجهم وفقيرهم، ومنه قوله تعالى في سورة (والضحى)
(ووجدك عائلا فأغنى) و (مجفو) مأخوذ من الجفا، أي ما كان يخطر ببالي
انك تذهب إلى وليمة قوم فقراؤهم مبعدون ومطردون، وأغنياؤهم مدعوون
مقربون وبأنواع الأطعمة منعمون فكهون.
(3) المقضم - كمقعد مأخود من قولهم: قضم زيد - من باب سمع:
أكل بطرف أسنانه -: المأكل. وقوله: (فالفظه): اطرحه. ومحصله انه (ع)
أمره باجتناب ما لم يعلم حليته وبتناول ما علمت حليته وطيب مكسبه، وهذا
المضمون قد ورد عنهم (ع) في أخبار كثيرة.
32

وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.
ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ويستضئ بنور
علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن
طعمها بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن
أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد، فوالله ما كنزت من
دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت
لبالي ثوبي طمرا (4) [ولا حزت من أرضها شبرا، ولا أخذت
منه إلا كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهى وأهون من
عفصة مقرة (5)].

(4) طمريه تثنية طمر - على زنة حبر -: الثوب الخلق. و (طعم)
كقفل: ما يتغذى به ويطعم. و (التبر) - كحبر -: فتات الذهب والفضة
قبل أن يصاغ. و (الوفر) - كفلس -: المال.
وفى رواية الراوندي (ره) في الخرائج: (واعلم أن امامكم قد اكتفى من
دنياه بطمريه، (و) لسد فورة جوعه بقرصيه، لا يطعم الفلذة الا في سنة أضحية
(أضحيته خ ل) ولن تقدروا على ذلك، فأعينوني بورع واجتهاد، وكأني بقائلكم
يقول: (إذا كان قوت ابن أبي طالب هذا (فقد) قعد به الضعف عن مبارزة
الاقران، ومنازعة الشجعان)! والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية، ولا
بحركة غذائية، ولكني أيدت بقوة ملكية، ونفس بنور بارئها مضيئة).
(5) الأتان - على زنة أمان -: الحمارة. والدبرة - كنمرة -: التي
أصابته الدبرة - كثمرة وشجرة - وهي القرحة التي تحدث في ظهر الدابة من
الرحل ونحوه، والجمع دبر - كفرس - وأدبار. والعفصة - كعطسة -:
نتوء - أي دبس - يكون على شجرة البلوط، ويطلق أيضا على نفس شجرة
البلوط، والتاء فيه للوحدة، والجنس: العفص كفلس. ويقال: (مقر من
باب علم - مقرا الشئ): صار مرا أو حامضا، فهو مقر - كفرح - والمصدر
كالفرح.
33

بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء،
فشحت عليها نفوس قوم (6) وسخت عنها نفوس قوم
آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وغير فدك،
والنفس مظانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب
أخبارها، وحفرة (7) لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا
حافرها لأضغطها الحجر والمدر (8) وسد فرجها التراب
المتراكم، وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة

(6) وهم الذين أظهروا الايمان طمعا في الحطام الفانية، وتكالبا على الدنيا،
وأما الذين سخت أنفسهم فهم الذين أفدوا نفسهم ونفيسهم لله، وهم أهل
بيت النبوة، ومعدن العلم ومخزن الكرم.
(7) حفرة عطف على قوله: (جدث): القبر. ومظان الشئ: المحل
الذي يظن وجود الشئ فيه.
(8) لا ضغطها الحجر والمدر: يجعلانها من الضيق بحيث تضغط وتعصر
الذي حل فيها.
34

يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق (9).
ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل،
ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز (10) ولكن هيهات
أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة،
ولعل بالحجاز أو اليمامة (11) من لا طمع له في القرص، و
لا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى
وأكباد حرى، أو أكون (12) كما قال القائل:

(9) المزلق والمزلقة: الموضع الذي تخشى فيه الزلة، وهو الصراط،
والفعل منه من باب (نصر، ومنع).
(10) القمح - كفلس -: البر. والقز: ما يصنع منه الحرير والإبريسم.
وقيل: هو نفس الحرير.
(11) جملة: (ولعل) الخ حالية والعامل فيها قوله: (تخير الأطعمة)
والجشع - كفرس -: شدة الحرص، أي هيهات ان أتخير الأطعمة اللذيذة
لنفسي والحال انه قد يكون بالحجاز أو اليمامة من لا يجد القرص أي الرغيف،
ولا يعرف الشبع لشدة الفقر، وهيهات أن أبات وأنام مبطانا - أي ممتلئ
البطن - والحال ان حولي بطون غرثى - أي جائعة وأكباد حرى - مؤنث
حران - أي عطشان.
(12) جملة: (أو أبيت مبطانا) و (أو أكون) عطف على قوله: (ان
يغلبني هواي).
35

وحسبك داء أن تبيت ببطنة
وحولك أكباد تحن إلى القد (13)
أأقنع من نفسي بأن يقال [لي] أمير المؤمنين
ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في
جشوبة العيش (14) فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات
كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها
تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها، أو أترك سدى
وأهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق
المتاهة (15)

(13) البطنة - بكسر الباء -: البطر والأشر والكظة. والقد: سير من
جلد غير مدبوغ. وتحن إليه: تطلبه من أجل الجوع بتمام الرغبة ولا تجده.
(14) جشوبة العيش: خشونته وصعوبته، يقال: (جشب الطعام
كنصر وسمع - فهو جشب وجشب وجشيب ومجشاب ومجشوب - كفلس
وفرس وطبيب ومحراب -: أي غلظ فهو غليظ أو بلا أدم.
(15) تقممها أي التقاطها القمامة أي الكناسة. وتكترش: تملأ كرشها،
والكرش - على زنة الحبر والفلس -: هي لذي الخف والظلف وكل مجتر
بمنزلة المعدة للانسان، قيل: هي مؤنثة، والجمع: أكراش وكروش. والاعلاف
جمع العلف. وتلهو: تغفل. وسدى: مهملا. والاعتساف: ركوب الطريق
- والدخول في الشئ - من غير مبالاة. والمتاهة: موضع الحيرة والهلاكة.
36

وكأني بقائلكم يقول: (إذا كان هذا قوت ابن
أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الاقران، ومنازلة
الشجعان).
ألا وإن الشجرة البرية أصلب عودا، والروائع
الخضرة أرق جلودا، والنباتات البدوية أقوى وقودا
وأبطأ خمودا وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو،
والذراع من العضد (16).
والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها،
ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها، وسأجهد
في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس، والجسم
المركوس حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد (17)

(16) الروائع الخضرة: الأشجار التي لها ريعان ونعومة من اجل مجاورتها
للماء والهواء الطيب. والوقود - كقعود -: الاشتعال. والخمود - أيضا
كقعود -: الانطفاء. وقوله (ع): (وانا من رسول الله كالصنو من الصنو)
اعلام منه (ع) وتصريح بأنه من رسول الله ورسول الله منه، لان الصنوان عبارة
عن النخلتين يجمعهما أصل واحد. فأصله (ع) مع أصل رسول الله (ص)
واحد عنصرا وعلما وعملا، وهو الذراع والعضد لرسول الله، وبه أظهره الله على أعدائه.
(17) الظاهر أن مراده (ع) من الشخص المعكوس، والجسم المركوس هو
معاوية، لأنه كان معهودا بعدم المبالاة بالشريعة. والمدرة - كالشجرة -:
قطعة الطين اليابس. والحصيد: المحصود
37

إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك (18) قد انسللت
من مخالبك، وأفلت من حبائلك، واجتنبت الذهاب في
مداحضك، أين القوم الذين غررتهم بمداعبك، أين الأمم
الذين فتنتهم بزخارفك هاهم رهائن القبور،
ومضامين اللحود.
والله لو كنت شخصا مرئيا، وقالبا حسيا لأقمت
عليك حدود الله في عباد غررتهم بالأماني، و [أمم]
ألقيتهم في المهاوي، وملوك أسلمتهم إلى التلف،
وأوردتهم موارد البلاء إذ لا ورد ولا صدر (19) هيهات

(18) إليك عني: اذهب عني. والغارب: الكاهل، وما بين السنام والعنق.
والمخالب جمع المخلب - كمحور -: أظفار السبع، وتطلق أيضا على مطلق
الأظفار.
والحبائل جمع الحبالة وهي شبكة الصياد. وأفلت: خصلت. والمداحض:
المساقط. والمداعب جمع مدعبة: المزاح. والكلام تمثيل لتطليقه (ع) الدنيا
وتسريحه إياها لتذهب حيث تريد، وفى الذيل بين (ع) وجه زهده عنها وعدم
رغبته فيها.
(19) الورد - كحبر -: ورود الماء. والصدر - كفرس -: الصدر عنه
بعد الشرب.
38

من وطئ دحضك زلق، ومن ركب لججك غرق، ومن أزور
عن حبالك وفق (20) والسالم منك لا يبالي إن ضاق به
مناخه، والدنيا عنده كيوم حان انسلاخه (21)
أعز بي عني فوالله لا أذل لك فتستذليني ولا أسلس
لك فتقوديني (22) وأيم الله - يميئنا أستثني فيها
بمشية الله - لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص
إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما (23)
ولأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها (24) مستفرغة
دموعها. أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك وتشبع الربيضة

(20) يقال: مكان دحض كفلس -: زلق لا تثبت فيه الأرجل. وأزور:
مال وتنكب.
(21) المناخ - كغراب -: مبرك الإبل. وحان: حضر. وانسلاخه:
زواله.
(22) أعزبي عني، أي ابتعدي. ولا أسلس، أي لا أنقاد.
(23) الرياضة: حمل النفس وتعويدها على القناعة والجوع. وتهش
إلى القرص: تنبسط إلى الرغيف وتفرح به من شدة حرمانها. و (مطعوما)
حال من القرص، كما أن (مأدوما) حال من الملح، أي مأدوما به الطعام.
(24) المقلة: العين. ونضب: غار. والمعين - بفتح الميم وكسر العين -:
الماء الجاري. أي لا تركن عيني كعين ماء غار ماؤها الجاري.
39

من عشبها فتربض ويأكل علي من زاده فيهجع (25) قرت
إذا عينه، إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة
الهاملة (26) والسائمة المرعية! طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها، وعركت بجنبها
بؤسها (27) وهجرت في الليل غمضها، حتى إذا غلب
الكرى عليها افترشت أرضها وتوسدت كفها (28) في
معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم
جنوبهم، وهمهمت بذكر ربهم شفاههم، وتقشعت
بطول استغفارهم ذنوبهم (29) (أولئك حزب الله، ألا

(25) السائمة: الحيوان الذي يأكل ويرعى حيث شاء من النبات الذي
ينبت بلا صنع مخلوق. فتبرك: فتلصق صدرها بالأرض. والربيضة: الغنم
مع رعاتها إذا كانت في مرابضها أي منامها وموضع استراحتها. ويهجع: يسكن
كما يسكن الحيوان بعد اكل الطعام.
(26) البهيمة الهاملة: المسترسلة، والهمل من الغنم ترعى نهارا بلا راع.
(27) البؤس - كقفل -: الضر. وعرك الجنب بالبؤس والفقر: (الصبر
على الفقر، كأنه شوك فيسحقه بجنبه، يقال عرك الأذى - من باب نصر -
بجنبه عركا): احتمله وصبر عليه.
(28) الغمض - كقفل -: النوم. ومثله الكرى على زنة العصى. وتوسدت
كفها: جعلت كفها كالوسادة لها فتنام عليه.
(29) تجافت عن مضاجعهم جنوبهم: ترفع وتنبو عن الفراش، يقال:
تجافى زيد جنبه عن الفراش: إذا لم يستقر عليه من خوف أو وجع أوهم
وهمهمت: ترنمت ورددت: وتقشعت: انجلت وأزيلت. وهذا الكلام
مأخوذ من قوله تعالى - في الآية (16) من سورة السجدة: (32) -:
(تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون).
40

إن حزب الله هم المفلحون).
فاتق الله يا بن حنيف، ولتكفك أقراصك ليكون
من النار خلاصك.
المختار (48) من كتب نهج البلاغة ورواه أيضا الراوندي (ره) في
كتاب الخرائج، الا أنه رحمه الله اكتفى منه بمحل شاهده، كما في الحديث
الثاني من الباب (98) من المجلد التاسع من بحار الأنوار، ص 499 ط
الكمباني، وفي ط الجديد بطهران ج 40 ص 318.
41

- 14 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه من الربذة إلى عثمان بن حنيف الأنصاري (ره) لما بلغه (ع)
مشارفة طلحة والزبير وعائشة ومن معهم البصرة.
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عثمان
ابن حنيف.
أما بعد فإن البغاة عاهدوا الله ثم نكثوا وتوجهوا إلي
مصرك، وساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضى الله به، والله
أشد بأسا وأشد تنكيلا.
فإذا قدموا عليك فادعهم إلى الطاعة والرجوع إلى
الوفاء بالعهد والميثاق الذي فارقونا عليه، فإن أجابوا
فأحسن جوارهم ما داموا عندك، وإن أبوا إلا التمسك بحبل
النكث والخلاف فناجزهم القتال حتى يحكم الله بينك
وبينهم وهو خير الحاكمين، وكتبت كتابي هذا إليك
من الربذة، وأنا معجل المسير إليك إن شاء الله.
شرح المختار (173) من خطب نهج البلاغة من ابن أبي الحديد: ج
9 ص 312.
42

- 15 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه من الربذة إلى أهل الكوفة:
قال الطبري: حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن بشير بن
عاصم، عن محمد بن عبد الرحمان ابن أبي ليلى، عن أبيه، قال: كتب
علي إلى أهل الكوفة:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اخترتكم
والنزول بين أظهركم لما أعرف من مودتكم وحبكم لله
عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم (1) فمن جاءني
ونصرني فقد أجاب الحق، وقضى الذي عليه.
تاريخ الطبري: ج 3، ص 493، في الحديث الثاني من ذكر الخبر
عن مسيره (ع) إلى البصرة، ط الاستقامة بمصر سنة 1357 ه‍. ونقله عنه
ابن أبي الحديد في شرح المختار الأول من كتب نهج البلاغة: ج 14، ص 16
وقال محمد إبراهيم في الهامش انه مذكور في الطبري: ج 1، ص 316 ط
أروبا. ونقله أيضا في المختار (358) من جمهرة الرسائل: ج 1، ص 370
عن تاريخ الطبري: ج 5 ص 185، و 184، وعن شرح ابن أبي
الحديد على النهج: ج 3، ص 294.

(1) هكذا رواية أهل السنة وصنيعهم في نقل الصلوات.
43

- 16 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه من الربذة إلى أهل الكوفة أيضا.
وروى الطبري أيضا - في الحديث الأول من خبر مسيره (ع) إلى
البصرة - عن السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبيدة بن معتب، عن
يزيد الضخم انه (ع) كتب إليهم من الربذة:
إني قد اخترتكم على الأمصار، وإني بالأثر (1).
أقول: قد تقدم مصادره في المختار السالف.

(1) ويستكشف من روايات الطبري في موارد كثيرة - لا سيما من ذكر
قضايا يوم الدار إلى ارتحال أمير المؤمنين (ع) من البصرة إلى الكوفة - أن
السري يتلاعب بالحقائق، وهل يعقل المتدبر الفطن أن أمير المؤمنين
اكتفى في هذا المهمة بذكر هاتين الجملتين في كتابه إليهم وقد أرجف المرجفون
ونطق الضالون.
44

- 17 -
ومن كتاب له عليه السلام
من الربذة إلى أهل الكوفة أيضا:
قال الطبري - في الحديث الخامس من ذكر مسيره (ع) إلى البصرة -:
كتب إلى السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما
قدم علي (ع) الربذة أقام بها، وسرح منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر
ومحمد بن جعفر، وكتب إليهم:
إني اخترتكم على الأمصار، وفزعت إليكم لما
حدث، فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا، وأيدونا
وانهضوا إلينا فالاصلاح ما نريد، لتعود الأمة إخوانا،
ومن أحب ذلك وآثره فقد أحب الحق وآثره، ومن
أبغض ذلك، فقد أبغض الحق وغمصه (1).
تاريخ الطبري: ج 3، ص 494، ط الاستقامة بمصر سنة 1357 ه‍
و 1939 م، ونقله في المختار (358) من جمهرة الرسائل: ج 1، ص 370
عن تاريخ الطبري ج 5، ص 185.

(1) يقال غمصه واغتمصه: احتقره وعابه وتهاون بحقه وهو من باب
ضرب وعلم.
45

- 18 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أبي موسى الأشعري وهو الوالي على الكوفة:
روى أبو مخنف، قال: حدثني الصقعب، قال: سمعت عبد الله بن
جنادة يحدث ان عليا عليه السلام لما نزل الربذة، بعث هاشم بن عتبة بن أبي
وقاص إلى أبي موسى الأشعري - وهو الأمير يومئذ على الكوفة - لينفر
إليه الناس، وكتب إليه معه (1):
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس،
أما بعد فإني قد بعثت إليك هاشم ابن عتبة، لتشخص
إلي من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا
بيعتي، وقتلوا شيعتي، وأحدثوا في الاسلام هذا الحدث
العظيم، فاشخص بالناس إلى معه حين يقدم عليك،
فإني لم أو لك المصر الذي أنت فيه، ولم أقرك عليه
إلا لتكون من أعواني على الحق، وأنصاري على هذا
الامر والسلام.

(1) وقال معلم الأمة الشيخ المفيد (ره) في كتاب الجمل ص 130:
ما ملخصه: فاتبعهم - أي الناكثين - حتى نزل بذي قار، فأقام بها ثم دعا
هاشم بن عتبة، وكتب معه إلى أبي موسى: بسم الله الرحمن الرحيم - إلى
آخر ما في المتن مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ -.
46

شرح المختار الأول من كتب النهج من شرح ابن أبي الحديد: ج 14،
ص 8. وكتاب الجمل ص 130، ط النجف.
- 19 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه من الربذة إلى أبي موسى الأشعري، لما بلغه انه يثبط الناس عن
الخروج إلى ونصرته عليه السلام:
اعتزل عملنا يا بن الحائك مذموما مدحورا، فما هذا
أول يومنا منك، وإن لك فينا لهنات وهنات (1).
مروج الذهب: ج 2 ص 368 ط مصر سنة 1377.
ورواه في المختار (362) من الجمهرة: ج 1، ص 174، عن المجلد
الثاني من مروج الذهب: ص 7.
وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة ص 75 ط النجف: وبلغ عليا (ع)
قوله (أي أبي موسى) فكتب إليه: (اعتزل عن عملنا مذموما مدحورا،
يا بن الحائك فهذا أول يومنا منك).
ثم قال سبط بن الجوزي: وذكر المسعودي في مروج الذهب ان عليا
عليه السلام كتب إلى أبي موسى:
انعزل عن هذا الامر مذموما مدحورا، فإن لم تفعل فقد أمرت من
يقطعك إربا إربا، يا بن الحائك ما هذا أول هناتك (2) وان لك لهنات وهنات.

(1) الهنات - بفتح الهاء -: الداهية، ويجمع على هنوات أيضا.
(2) وقال في هامش تذكرته: وفى نسخة: (فهذه أول هناتك، (و)
ان لك الهنات (كذا) وهنات).
47

- 20 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أبي موسى الأشعري أيضا:
الطبري عن عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا بشير
ابن عاصم، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه، قال: خرج هاشم بن عتبة إلى علي
عليه السلام بالربذة، فأخبر بقدوم محمد بن أبي بكر، وقول أبي موسى،
فقال (ع): أردت عزله وسألني الأشتر أن أقره [فأقررته] فرد (ع)
هاشما إلى الكوفة، وكتب معه إلى أبي موسى (1):
إني وجهت هاشم بن عتبة لينهض من قبلك من
المسلمين إلي، فأشخص الناس، فإني لم أو لك الذي
أنت به إلا لتكون من أعواني على الحق.
[ولما وصل كتابه (ع) إلى أبي موسى] دعا السائب بن مالك الأشعري

(1) وقال الشيخ المفيد (ره) في كتاب الجمل ص 130: وكان مضمون
الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم من علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس
أما بعد فاني أرسلت إليك هاشم بن عتبة المر قال لتشخص معه من قبلك من
المسلمين، ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي وقتلوا شيعتي وأحدثوا في هذه الأمة
الحدث العظيم، فأشخص الناس إلي معه حين يقدم بالكتاب عليك فلا تحبسه
فاني لم أقرك في المصر الذي أنت فيه الا أن تكون من أعواني وأنصاري على
هذا الامر، والسلام.
48

فقال له: ما ترى. قال: أرى أن تتبع ما كتب به إليك. قال: لكني
لا أرى ذلك.
فكتب هاشم إلى علي (ع): اني قد قدمت على رجل غال مشاق ظاهر
الغل والشنآن، وبعث بالكتاب مع المحل بن خليفة الطائي، فبعث علي (ع)
الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران له الناس، وبعث قرظة بن كعب
الأنصاري أميرا على الكوفة: وكتب معه إلى أبي موسى بالكتاب التالي.
- 21 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أبي موسى الأشعري أيضا
أما بعد فقد كنت أرى أن تعذب عن هذا الامر (1)
الذي لم يجعل الله عز وجل لك منه نصيبا، سيمنعك
من رد أمري (كذا) وقد بعثت الحسن بن علي وعمار بن

(1) كذا في النسخة، وفى كتاب الجمل ص 131: من عبد الله علي
أمير المؤمنين، إلى عبد الله بن قيس، أما بعد يا بن الحائك والله اني كنت
لأرى (ظ) بعدك من هذا الامر الذي لم يجعلك الله له أهلا ولا جعل لك فيها
نصيبا، وقد بعثت لك الحسن وعمارا وقيسا، فأخل لهم المصر وأهله، واعتزل
عملنا مذموما مدحورا، فان فعلت والا امرتهم أن ينابذوك على سواء، ان
الله لا يحب الخائنين، فان أظهروا عليك قطعوك اربا اربا، والسلام على من
شكر النعم ورضي البيعة وعمل لله رجاء العاقبة.
49

ياسر يستنفران الناس، وبعثت قرظة بن كعب واليا على
المصر، فاعتزل عملنا مذموما مدحورا، فإن لم تفعل فإني
قد أمرته أن ينابذك، فإن نابذته فظفر بك أن يقطعك
آرابا.
ذكره مع الكتاب السالف في عنوان: (بعثة علي (ع) من ذي قار.
ابنه الحسن وعمارا ليستنفرا له أهل الكوفة) من تاريخ الأمم والملوك: ج 3
ص 512 ط مصر سنة 1357 ه‍. وجملا منه - مع الإشارة إلى الكتاب
السابق - ذكرها ابن الأثير في تاريخ الكامل: ج 3 ص 133.
- 22 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أبي موسى الأشعري أيضا
روي أبو مخنف، قال: وبعث علي عليه السلام من الربذة - بعد
وصول المحل بن خليفة أخي طئ - عبد الله بن عباس، ومحمد بن أبي بكر،
إلى أبي موسى وكتب معهما إليه:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس
أما بعد يا بن الحائك، يا عاض أير أبيه، فوالله إني كنت
لأرى أن بعدك من هذا الامر الذي لم يجعلك الله له أهلا،
50

ولا جعل لك فيه نصيبا، سيمنعك من رد أمري، والانتزاء
علي (1) وقد بعثت إليك ابن عباس وابن أبي بكر،
فخلهما والمصر وأهله، واعتزل عملنا مذؤما مدحورا (2).
فإن فعلت وإلا فإني قد أمرتهما أن ينابذاك على سواء،
إن الله لا يهدي كيد الخائنين، فإذا ظهرا عليك فقطعاك
إربا إربا، والسلام على من شكر النعمة، ووفى بالبيعة،
وعمل برجاء العاقبة.
شرح المختار الأول من كتب النهج، من شرح ابن أبي الحديد: ج 14
ص 10، وقريب منه في كتاب الجمل ص 131، ط النجف، وفيه: وقد
بعثت لك الحسن وعمارا وقيسا فأخل لهم المصر وأهله، واعتزل عملنا
مذموما مدحورا الخ.

(1) كذا في النسخة، يقال: (نزأ بين القوم نزأ ونزوءا) ألقى الشر بينهم
وأغرى بعضهم على بعض. ونزا على فلان: حمل. ونزأ فلانا عليه: حمله.
ونزأه عن كذا: رده والفعل من باب منع والمصدر على زنة فلس وفلوس.
51

- 23 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل الكوفة على ما رواه المفيد الثاني الشيخ أبو علي ابن شيخ
الطائفة - في قصة طويلة تقدمت في باب الخطب - عن أبيه رضوان الله
عليهما باسناده (1) عن عبد الله بن أبي بكر [ابن محمد بن عمرو بن حزم]
قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، قال: لما بلغ عليا (ع)
مسير طلحة والزبير، خطب الناس وحظهم على الخروج في طلبهما، [فأجابه
الناس الا نفرا استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، فلما رأى أمير
المؤمنين علي (ع) انهم تلقوا هتاف الشيطان بالقبول، فلم يعبأ بهم] وتمكث
حتى عظم جيشه ثم خرج لما سمع توجه طلحة والزبير إلى البصرة، وأغد
السير في طلبهم (2) فجعلوا لا يرتحلون من منزل الا نزله حتى نزل بذي قار (3) فقال:

(1) الذي لاح لي من سياق كلامه (ره) في الأمالي ان المقصود من قوله:
(بأسناده) هو ما ذكره الشيخ أبو علي في الحديث الثاني من المجلس (42)
من أماليه حيث قال: وعنه أي وعن أبي: شيخ الطائفة، قال: أخبرنا أبو
الحسن أحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي، قال أخبرنا أبو العباس احمد
ابن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثنا جعفر بن عبد الله (ظ) العلوي
قال: حدثنا عمي القاسم بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي
ابن أبي طالب (كذا) أبو محمد، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عبد الله
ابن علي بن الحسين، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو
ابن حزم، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري الخ.
(2) يقال: (أغد السير) إذا أسرع. كذا عن بعضهم، ولم أجد هذا
المعنى فيما عندي من كتب اللغة، وإن كان مقتضى سياق الكلام هنا يساعده.
(3) ذي قار اسم (عين) بين الكوفة وواسط - وقيل بين البصرة
والكوفة. وقيل: إنها إلى البصرة أقرب - وفيها وقعت الحرب بين جند برويز
حفيد أنوشيروان، وبني شيبان من العرب، فظفرت بنو شيبان على جند برويز
وهو أول يوم انتصفت فيه العرب على العجم.
52

والله انه ليحزنني أن أدخل على هؤلاء في قلة من معي فأرسل إلى الكوفة
ابنه الحسن وعمار بن ياسر وقيس بن سعد، وكتب إليهم كتابا، فقدموا
الكوفة، فخطب الحسن عليه السلام الناس فحمد الله وأثنى عليه [ثم قال]:
[أيها الناس، انا جئنا ندعوكم إلى الله والى كتابه وسنة رسوله، والى
أفقه من تفقه من المسلمين، وأعدل من تعدلون، وأفضل من تفضلون، وأوفى
من تبايعون، من لم يعبه القرآن، ولم تجهله السنة، ولم تقعد به السابقة
إلى من قربه الله تعالى إلى رسوله قرابتين: قرابة الدين وقرابة الرحم، إلى
من سبق الناس إلى كل مأثرة، إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون
فقرب منه وهم متباعدون، وصلى معه وهم مشركون، وقاتل معه وهم
منهزمون، وبارز معه وهم محجمون، وصدقه وهم مكذبون، إلى من لم
ترد له رواية (كذا) ولا تكافأ له سابقة، وهو يسألكم النصر، ويدعوكم
إلى الحق، ويأمركم بالمسير إليه، لتؤازروه وتنصروه على قوم نكثوا بيعته،
وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه، ومثلوا بعماله، وانتهبوا بيت ماله (4)

(4) وجميع ما ذكره عليه السلام في هذه الخطبة مما قامت الأدلة القاطعة
على صدقه، وبعضها من المتواترات بين المسلمين، لا سيما ما فعله طلحة
والزبير، من قتل أهل الصلاح والأبرياء من المؤمنين، وتمثيلهم بعثمان بن حنيف
الأنصاري وعمال بيت المال من السبابجة، ونهبهم بيت مال البصرة.
ثم ليعلم ان خطبته (ع) هذه الموضوعة بين المعقوفين، غير مروية في هذه
الرواية، بل رواها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 14، ص 11،
ولكونها مغفولا عنها مع أنها من أهم الشواهد، والمحل محلها ذكرناها ههنا،
ووضعناها بين المعقوفين لتتميز عن أصل الرواية.
53

فاشخصوا إليه رحمكم الله، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واحضروا
بما يحضر به الصالحون].
ثم أمر بكتاب [أمير المؤمنين] علي عليه السلام فقرئ عليهم:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني أخبركم عن
أمر عثمان حتى يكون سمعه عيانه (5) إن الناس طعنوا
عليه، وكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه وأقل
عيبه (6) وكان هذان الرجلان أهون سيرهما فيه الوجيف (7)
وقد كان من أمر عائشة فلتة على غضب (8) فأتيح له
قوم فقتلوه.

(5) العيان - بكسر العين -: المشاهدة، اي أخبركم عن امر عثمان
وعلل قتله وهلاكه بحيث يكون اخباري كنفس مشاهدتكم كأنكم رأيتموه ببصركم.
وفى المختار الأول من كتب نهج البلاغة: (حتى يكون سمعه كعيانه) الخ.
(6) وفى النهج: (وأقل عتابه). والاستعتاب: الاسترضاء
(7) وزاد في النهج: (وارفق حدائهما العنيف)، والوجيف ضرب من
سير الخيل والإبل سريع. وجملة: (وأهون سيرهما فيه الوجيف) خبر
(كان) أي ان طلحة والزبير سارعا لإثارة الفتنة عليه. والحداء: زجر الإبل
وسوقها.
(8) وفى نهج البلاغة: (وكان من عايشة فيه فلتة غضب) اي ان عائشة
كانت تغضب عليه وتصدر منها فلتات من السخط والمقت عليه (فأتيح) أي
فهئ وقدر له قوم فقتلوه.
54

ثم إن الناس بايعوني غير مستكرهين، وكان هذان
الرجلان أول من فعل، على ما بويع عليه من كان قبلي، ثم
إنهما استأذناني في العمرة وليسا [إياها أرادا] فنقضا العهد،
وأذنا بحرب، وأخرجا عايشة من بيتها ليتخذانها فئة (9)
وقد سارا إلى البصرة اختيارا لها، وقد سرت إليكم
اختيارا لكم، ولعمري ما إياي تجيبون، ما تجيبون إلا الله
ورسوله، ولن أقاتلهم وفي نفسي منهم حاجة (كذا) وقد
بعثت إليكم بالحسن بن علي، وعمار بن ياسر، وقيس
بن سعد مستنفرين، فكونوا عند ظني بكم ولا حول
ولا قوة إلا بالله.
الحديث الثاني من المجلس (43) من أمالي ابن الشيخ (ره) ص 87.

(9) كذا في النسخة، ومثله في الكتاب الذي كتبه (ع) لأهل الكوفة لما
سألوه عن أبي بكر وعمر، وكأنه مأخوذ من (فاء): رجع. أي اتخذوها
مرجعا ومركزا يرجعون الناس إليها دعما لفتنتهم، ومحورا للوصول إلى
أمنياتهم الباطلة، لأنها من أزواج النبي (ص) وأمهات المؤمنين، فإذا استمالوها
استمالوا الغر من أبنائها.
وفى المختار (25) الآتي: (ليتخذونها فتنة) الخ وهو أظهر، بل
هو الظاهر.
55

- 24 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل الكوفة
بسم الله الرحمن الرحيم من علي بن أبي طالب (1)
إلى أهل الكوفة:
أما بعد فإني أخبركم من أمر عثمان حتى يكون
أمره كالعيان لكم (2)، إن الناس طعنوا عليه، وكنت
رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه وأقل عتابه، وكان
طلحة والزبير أهون سيرهما إليه الوجيف (3)، وقد كان

(1) كذا في النسخة، والظاهر أن كلمة (أمير المؤمنين) سقطت عن
النسخة سهوا، أو أن الرواة لم يذكروها لعدم عنايتهم واهتمامهم بذكرها،
وإنما اهتموا بذكر ما كان الغرض الباعث على الكتاب أو الخطبة أو الدعاء،
كما أن هذا هو السبب لعدم ذكرهم (البسملة والصلاة على النبي وآله) في كثير
من كلمة (ع) والا كان أمير المؤمنين في نهاية الاهتمام لذكر (البسملة والصلاة
واللقب الخاص به أعني لفظة أمير المؤمنين).
(2) وفى المختار الأول من كتب نهج البلاغة: (حتى يكون سمعه كعيانه).
(3) وفى نهج البلاغة بعده هكذا (وأرفق حدائهما العنيف) أقول
الاستعتاب: الاسترضاء. والوجيف: ضرب سريع من سير الإبل والخيل،
وجملة (أهون سيرهما إليه الوجيف) خبر (كان) أي انهما سارعا لإثارة
الفتنة عليه، واستبقا الناس في استيصاله. والحداء: زجر الإبل وسوقها.
56

من عايشة فيه فلتة غضب (4)، فلما قتله الناس بايعوني
غير مستنكرين [بل] طائعين مختارين (كذا) وكان طلحة
والزبير أول من بايعني على ما بايعا به من كان قبلي،
ثم استأذناني في العمرة - ولم يكونا يريدان العمرة - فنقضا
العهد، وأذنا في الحرب، وأخرجا عائشة من بيتها
يتخذانها فتنة، فسارا إلى البصرة.
فاخترت السير إليهم معكم، ولعمري [ما] إياي
تجيبون، إنما تجيبون الله ورسوله، والله ما قاتلتهم
وفي نفسي شك، وقد بعثت إليكم ولدي الحسن وعمارا
وقيسا مستنفرين لكم، فكونوا عند ظني بكم والسلام.
كتاب الجمل ص 131، ط النجف، وقريب منه يأتي بطرق أخر،
وقريب منه جدا أيضا في المختار الأول من كتب نهج البلاغة، ويقرب منه
أيضا ما في الإمامة والسياسة ط مصر، ص 66.

(4) فلتات غضب أم المؤمنين عايشة على عثمان كثيرة، رواها جل
المؤرخين والمحدثين.
57

- 25 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل الكوفة
قال الشيخ المفيد قدس الله نفسه: ولما بلغه عليه السلام ما قال أبو موسى
وما صنع، غضب غضبا شديدا وبعث ولده الحسن (ع) وعمار بن ياسر (ره)
وكتب معهم (1) كتابا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي بن
أبي طالب أمير المؤمنين، إلى أهل الكوفة من المؤمنين
والمسلمين
أما بعد فإن دار الهجرة تقلعت بأهلها فانقلعوا
منها (2) وجاشت جيشان المرجل، وكانت فاعلة يوم

(1) ظاهر السياق يقتضي ان يقول: (وكتب معهما) وكأنه سقط من
الكتاب عطف (قيس) عليهما.
(2) السياق في حاجة إلى كلمة: (قد) كما يؤيده ما في المختار الأول
من كتب النهج: (واعلموا أن دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها وجاشت
جيش المرجل، وقامت الفتنة على القطب) الخ، والمراد من دار الهجرة
المدينة، (وتقلعها بأهلها وتقلع أهلها منها) عبارة عن هيجانهم وخروجهم
مع الإمام عليه السلام إلى دفع غائلة الناكثين، أي ان أهل دار الهجرة من
المهاجرين والأنصار قد أحاطوا بقطب دائرة الخلافة وهو نفس الإمام (ع)
وخرجوا لقتال الناكثة، فعليكم الاقتداء بهم
58

ما فعلت (كذا) وقد ركبت المرأة الجمل، ونبحتها كلاب
الحوأب، وقامت الفئة الباغية بقودها (3) يطلبون بدم
هم سفكوه، وعرض هم شتموه، وحرمة انتهكوها وأباحوا
ما أباحوا، يعتذرون إلى الناس دون الله، يحلفون لكم
لترضوا عنهم، فإن ترضى عنهم فإن الله لا يرضى عن
القوم الفاسقين (4).
إعلموا رحمكم الله أن الجهاد مفترض على العباد

(3) وفى عنوان: (شراء الجمل لعائشة) من تاريخ الطبري: ج 3 ص 475
- ومثله في كامل ابن الأثير: ج 3 ص 107 -، معنعنا عن صاحب الجمل وبائعه
قال: فسرت معهم - أي عايشة وجندها بعد بيع الجمل لهم - فلا أمر على
ماء ولا واد الا سألوني عنه، حتى طرقنا ماء الحوأب فنبحتنا كلابها، قالوا:
أي ماء هذا؟ قلت: ماء الحوأب، قال: فصرخت عائشة بأعلى صوتها ثم
ضربت عضد بعيرها فأناخته ثم قالت: أنا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقا،
ردوني - تقول ذلك ثلاثا - فأناخت وأناخوا حولها الخ. وزاد في الكامل - بعد
قوله: ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته: وقالت: انا لله وانا إليه راجعون،
اني لهي - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه: ليت
شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب.
(4) اقتباس من الآية (95) من سورة التوبة: 8.
59

فقد جاءكم في داركم من يحثكم عليه، ويعرض عليكم
رشدكم، والله يعلم أني لم أجد بدا من الدخول في هذا
الامر، ولو علمت أن أحدا أولى به مني لما تقدمت إليه،
وقد بايعني طلحة والزبير طائعين غير مكرهين، ثم
خرجا يطلبان بدم عثمان، وهما اللذان فعلا بعثمان ما فعلا.
وعجبت لهما كيف أطاعا أبا بكر وعمر في البيعة
وأبيا ذلك علي، وهما يعلمان أني لست بدون واحد
منهما، مع أني قد عرضت عليهما قبل أن يبايعاني إذا
أحبا بايعت لأحدهما. فقالا: لا ننفس على ذلك، بل
نبايعك ونقدمك علينا بحق، فبايعا ثم نكثا والسلام.
كتاب الجمل ص 139، ط النجف.
60

- 26 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل الكوفة أيضا
قال أبو مخنف: فلما أبطأ ابن عباس وابن أبي بكر عن علي عليه السلام،
ولم يدر ما صنعا، رحل عن الربذة إلى ذي قار فنزلها، فلما نزل ذا قار
بعث إلى الكوفة الحسن ابنه عليه السلام، وعمار بن ياسر، وزيد بن
صوحان، وقيس بن سعد بن عبادة، ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة، فأقبلوا
حتى كانوا بالقادسية، فتلقاهم الناس، فلما دخلوا الكوفة قرأوا كتاب
علي وهو:
من عبد الله علي أمير المؤمنين، إلى من بالكوفة
من المسلمين،
أما بعد فإني خرجت مخرجي [هذا] إما ظالما وإما مظلوما
وإما باغيا وإما مبغيا علي، فأنشد الله (1) رجلا بلغه
كتابي هذا إلا نفر إلي، فإن كنت مظلوما أعانني، وإن
كنت ظالما استعتبني (2) والسلام.

(1) يقال: (نشده الله، ونشده بالله): استحلفه وسأله وأقسم عليه بالله.
والفعل من باب نصر وضرب، والمصدر على زنة الفلس وغلمة وغلمان
- وهما جمعا غلام -.
(2) مأخوذ من العتبي: الرجوع أي لا مني على ظلمني وطلب مني الرجوع عنه.
61

شرح المختار الأول من كتب نهج البلاغة، من ابن أبي الحديد: ج 14،
ص 11، وقريب منه جدا في المختار (57) من الباب الثاني من نهج البلاغة
ونقله عن أبي مخنف في ترجمة عمار من الدرجات الرفيعة. ونقله في المختار
(364) من جمهرة الرسائل: ج 1، ص 376 عن نهج البلاغة، وشرح ابن
أبي الحديد: ورواه أيضا في تاريخ الأمم والملوك للطبري: ج 3 ص 512
بعد ذكر كتابه (ع) إلى أبي موسى، ولكن لم يذكر أنه (ع) كتبه إلى أهل
الكوفة، بل قال بعد ذكر كتابه (ع) إلى أبي موسى: (فلما قدم الكتاب
إلى أبي موسى، اعتزل (3) ودخل الحسن وعمار المسجد، فقالا: أيها
الناس ان أمير المؤمنين يقول: اني خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما،
واني أذكر الله عز وجل رجلا رعى لله حقا الا نفر، فان كنت مظلوما أعانني
وان كنت ظالما أخذ مني، والله ان طلحة والزبير لأول من بايعني وأول
من غدر، فهل استأثرت بمال، أو بدلت حكما، فانفروا فمروا بمعروف
وأنهوا عن منكر).

(3) بل اعتزاله إنما كان بعد ما رأى بأس الأشتر، ومقامع الحديد، كما
رواه الطبري وغيره، فما في هذه الرواية أما اختصار للقضية ببيان بعض
الخصوصيات، أو جهل من الراوي أو تجاهل منه وستر للواقع لبعض الاغراض.
62

- 27 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى طلحة والزبير
أما بعد فقد علمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني
ولم أبايعهم حتى بايعوني، وإنكما لممن أراد وبايع،
وإن العامة لم تبايعني لسلطان حاضر (1) فإن كنتما
بايعتماني كارهين، فقد جعلتما لي عليكما السبيل، بإظهار كما
الطاعة، وإسراركما المعصية، فإن كنتما بايعتماني طائعين
فارجعا إلى الله من قريب.
إنك يا زبير فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)
وحواريه، وإنك يا طلحة لشيخ المهاجرين، وإن دفاعكما

(1) هذا هو الظاهر، وفى النسخة: (لسلطان خاص) وفى مطالب
السؤول: (أما بعد فقد علمتما اني لم أرد الناس حتى أرادوني ولم أبايعهم
حتى أكرهوني، وأنتما ممن أرادوا بيعتي وبايعوا، ولم تبايعا لسلطان غالب
ولا لعرض حاضر) الخ.
وفى المحكي عن تاريخ أعثم الكوفي: (اما بعد فاني لم أرد الناس حتى
أرادوني ولم أبايعهم حتى أكرهوني، وأنتما ممن أراد بيعتي).
(2) كذا في طبعة مصر، من الإمامة والسياسة، وفى مطالب السؤول ص 115.
وفى المترجم من تاريخ أعثم الكوفي وانك يا زبير لفارس قريش الخ.
ومثله في الحديث (14) من (قتال أهل الجمل) من مناقب الخوارزمي
ص 116، نقلا عن فتوح أعثم.
63

هذا الامر قبل أن تدخلا فيه، كان أوسع عليكما من خروجكما
منه [بعد] إقرار كما به.
وقد زعمتما أني قتلت عثمان، فبيني وبينكما فيه
بعض من تخلف عني وعنكما من أهل المدينة.
وزعمتما أني آويت قتلة عثمان، فهؤلاء بنو عثمان
فليدخلوا في طاعتي ثم يخاصموا إلي قتلة أبيهم، وما أنتما
وعثمان إن كان قتل ظالما أو مظلوما، وقد بايعتماني وأنتما
بين خصلتين قبيحتين: نكث بيعتكما وإخراجكما أمكما. الإمامة والسياسة، ص 70 ط مصر، وفي ط ص 55 كما في المختار
(378) من جمهرة الرسائل ص 378.
ورواه أيضا في الفصل الثامن ممن مطالب السؤول ص 115، وهو فصل
بيان شجاعته (ع).
أقول: ورواه أيضا أعثم الكوفي كما في المترجم من تاريخه ص 173
ط الهند، وكما في مناقب آل أبي طالب. وكما في البحار: ج 8 ص 417،
س 7 عكسا، ط الكمباني وكما في الحديث الثاني من الفصل الثاني، من
الباب السادس عشر، من مناقب الخوارزمي ص 116.
وفي البحار، ص 419، من ج 8 قريب منه نقلا عن كشف الغمة، ورواه
أيضا في المختار (54) من كتب النهج، وهو أوجز وأوفى وأوقع.
64

- 28 - ومن كتاب له عليه السلام
إلى أم المؤمنين عائشة:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإنك خرجت من
بيتك عاصية لله عز وجل (1) ولرسوله محمد، تطلبين
أمرا كان عنك موضوعا، ثم تزعمين أنك تريدين
الاصلاح بين المسلمين، فخبريني ما للنساء وقود العساكر
والاصلاح بين الناس.
وطلبت كما زعمت بدم عثمان، وعثمان رجل من

(1) كذا في المترجم من تاريخ أعثم الكوفي، والفصل الثامن من كتاب
مطالب السئول. وفى الإمامة والسياسة ط مصر: ص 70 (اما بعد، فإنك
خرجت غاضبة لله ولرسوله) الخ.
أقول: وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟!
متى كانت عائشة غاضبة لله، أحين اعتراضاتها على رسول الله طيلة
حياته (ص) أم حين خالفته في قوله لها: إياك أن تكوني ممن تنبحها كلاب
الحوأب أم حين خالفت صريح قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن
تبرج الجاهلية) فنبذته وراء ظهرها وخرجت على أمام زمانها وقتلت بنيها،
ومهدت الخلاف لمعاوية ومن على شاكلته. أم حين استبشرت بقتل الامام
أمير المؤمنين (ع) لما أخبرت به فأنشأت تقول:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
وجميع ما أشير إليه ثابتة بأضعاف مضاعفة من طريق أهل السنة،
فالمحصل انها كانت عاصية لله من يوم ترعرعت وعاشت إلى أن هلكت وماتت.
65

بني أمية وأنت امرأة من بني تيم بن مرة.
ولعمري إن الذي عرضك للبلاء، وحملك على
العصبية لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان.
وما غضبت حتى أغضبت، ولا هجت حتى هيجت
فاتق الله يا عائشة، وارجعي إلى منزلك واسبلي (2)
عليك سترك.
تاريخ أعثم الكوفي - كما في ترجمته ص 174. ط الهند - ورواه
عنه في الحديث (14) من الباب الثاني من الفصل السادس عشر، من
مناقب الخوارزمي ص 117. ونقله عنه في البحار: ج 8 ص 417، س 4
عكسا، ط الكمباني.
وقريب منه جدا في فصل شجاعته عليه السلام - وهو الفصل الثامن -
من مطالب السئول 115.
ورواه أيضا باختلاف طفيف في عنوان تعبئة الفئتين للقتال، في المجلد
الأول من الإمامة والسياسة ص 71، ط مصر، وفي ط ص 55 كما في
جمهرة الرسائل: ج 1، ص 378، تحت الرقم (367).

(2) يقال: (أسبل الستر) وسبله (من باب نصر). أرخاه.
66

- 29 -
ومن كتابه له عليه السلام إلى أم المؤمنين وطلحة والزبير:
أرسل عليه السلام رسولا إليهم وقال له:
قل لها: ما أطعت الله ولا رسوله، حيث أمرك الله
بلزوم بيتك فخرجت ترددين العساكر (1).
وقل لهما: ما أطعتما الله ولا رسوله حيث خلفتم
حلائلكم في بيوتكم وأخرجتم حليلة رسول الله.
الحديث الرابع من الباب الخامس من كتاب بصائر الدرجات ص 67.
ورواها أيضا في كتاب الخرائج، والمناقب.
ورواها عنهم في البحار: ج 8 ص 415، س 13، ط الكمباني، وفي
الحديث (100) من الباب الحادي عشر، من اثبات الهداة: ج 4 ص 498،
وص 433 نقلا عن البصائر والكافي.
- 30 -
ومن رسالة له عليه السلام
إلى أم المؤمنين عايشة:
ولما ظعن أمير المؤمنين عليه السلام من ذي قار، قدم عليه السلام صعصعة
ابن صوحان وكتب معه إلى عائشة وطلحة والزبير، فرجع إليه صعصعة وقال:

(1) وفى البصائر المطبوعة: (فخرجت ترددين في العساكر، وقل لهم).
67

يا أمير المؤمنين ان القوم لا يريدون الا قتالك، فدعا عبد الله بن عباس،
وقال له: انطلق إليهم فناشدهم وذكرهم العهد الذي في رقابهم، قال ابن
عباس فخرجت إليهم روجعت آيسا إلى علي أمير المؤمنين (ع) وقد دخل
البيوت بالبصرة، فقال ما وراؤك. فأخبرته الخبر. فقال: اللهم افتح بيننا
بالحق وأنت خير الفاتحين، ثم قال: ارجع إلى عايشة واذكر لها خروجها
من بيت رسول الله (ص) وخوفها من الخلاف على الله عز وجل، ونبذها
عهد النبي (ص) (1) وقل لها:
إن هذه الأمور لا تصلحها النساء، وإنك لم تؤمري
بذلك، فلم ترضي بالخروج عن أمر الله في تبرجك
[وخروجك من ظ] بيتك الذي أمرك النبي بالمقام فيه،
حتى سرت إلى البصرة، فقتلت المسلمين وعمدت إلى عمالي
فأخرجتهم وفتحت بيت المال، وأمرت بالتنكيل بالمسلمين
وأبحت دماء الصالحين، فارعي وراقبي الله عز وجل، فقد
تعلمين أنك كنت أشد الناس على عثمان. فما عدا مما بدا (2).
كتاب الجمل للشيخ المفيد (ره) ص 168، ط النجف.

(1) هذا تلخيص ما ذكره الشيخ المفيد (ر) في كتاب الجمل، وليس
بنص كلامه. ثم ليعلم أني من بدء شروعي إلى الآن - وهو اليوم الأول من
شهر محرم الحرام من سنة 1388 ه‍ - لم أعثر بالكتاب الذي كتبه (ع) إلى طلحة والزبير وعايشة، وأرسله على يد صعصعة بن صوحان (ره) من (ذي قار) إليهم.
(2) يقال: (عداه عن الامر): صرفه. و (بدا لي الشئ): ظهر. وكلمة (من) في قوله: (مما بدا) بمعنى (عن) أي ما الذي صرفك عما
بدا وظهر منك، أو ما الذي صرفك عني بعد ما بدا وظهر منك. قال السيد
الرضي (ره): هو عليه السلام أول من سمعت منه هذه الكلمة أعني (فما
عدا مما بدا).
68

- 31 - ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل المدينة بعدما افتتحت البصرة:
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله [أمير المؤمنين]
علي ابن أبي طالب [إلى أهل المدينة [سلام عليكم،
فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، فإن الله بمنه
وفضله وحسن بلائه (1) عندي وعندكم حكم عدل،
وقد قال سبحانه في كتابه - وقوله الحق -: (إن الله لا يغير
ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوء
فلا مرد له ومالهم من دونه من وال) [11 - الرعد: 13]
وإني مخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة
ومن سار إليهم من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير
ونكثهما على ما قد علمتم من بيعتي وهما طائعان غير مكرهين
فخرجت من عندكم بمن خرجت ممن سارع إلى بيعتي

(1) البلاء: النعمة. الاختبار بالخير وبما يكره ويشق.
69

وإلي الحق، حتى نزلت ذا قار، فنفر معي من نفر من
أهل الكوفة، وقدم طلحة والزبير البصرة وصنعا بعاملي
عثمان بن حنيف ما صنعا فقدمت إليهم الرسل، وأعذرت
كل الاعذار، ثم نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء،
وقدمت الحجة، وأقلت العثرة والزلة، واستعتبتهما (2)
ومن معهما ممن نكث بيعتي ونقض عهدي فأبوا إلا قتالي
وقتال من معي والتمادي في الغي فلم أجد بدا في مناصفتهم
بالجهاد، فقتل الله من قتل منهم ناكثا، وولى من ولى
منهم، فأغمدت [ظ] السيوف عنهم وأخذت بالعفو
فيهم، وأجريت الحق والسنة في حكمهم، واخترت لهم
عاملا، واستعملته عليهم وهو عبد الله بن عباس، وإني
سائر إلى الكوفة إن شاء الله تعالى.
وكتب عبيد الله بن أبي رافع في جمادي الأولى سنة ست وثلاثين
من الهجرة.
كتاب الجمل ص 211.

(2) أي طلبت منهما الرجوع إلى الحق، يقال: (استعتبه): طلب منه
العتبى: الرجوع. الاستعطاف والاسترضاء.
70

أقول: وأشار إلى هذا الكتاب برواية الواقدي شيخ الطائفة (ره)
في تلخيص الشافي: ج 3 ص 137، ط النجف.
- 32 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه بعد انقضاء حرب الجمل إلى أخته أم هاني:
سلام عليك، أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو،
أما بعد فإنا التقينا مع البغاة والظلمة في البصرة، فأعطانا
الله تعالى النصر عليهم بحوله وقوته، وأعطاهم سنة
الظالمين، فقتل كل من طلحة والزبير و عبد الرحمان بن
عتاب، وجمع لا يحصى، وقتل منا بنو مخدوع وابنا صوحان
وعلباء وهند فيمن يعد من المسلمين رحمهم الله والسلام.
كتاب الجمل للشيخ المفيد رحمه الله، ص 212 ط النجف.
71

- 33 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل الكوفة أيضا
الطبري عن السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد طلحة، قالا:
كتب علي (ع) بالفتح إلى عامله بالكوفة حين كتب في أمرها وهو يومئذ
بمكة (1):
من عبد الله أمير المؤمنين، أما بعد فإنا التقينا في
النصف من جمادى الآخرة بالخريبة (2) فناء من أفنية
البصرة، فأعطانا الله عز وجل (ظ) سنة المسلمين، وقتل
منا ومنهم قتلى كثيرة وأصيب ممن أصيب منا ثمامة بن
المثنى وهند بن عمرو وعلباء بن الهيثم، وسيحان وزيد
ابنا صوحان ومحدوج (كذا).
وكتب عبد الله بن رافع، وكان الرسول زفر بن قيس إلى الكوفة
بالبشارة في جمادي الآخرة.

(1) لعل الضمير في قوله: (هو) راجع إلى (عامله) أي كان عامله
عليه السلام بمكة.
(2) قيل: وهي البصيرة الصغرى.
72

تاريخ الأمم والملوك: ج 3، ص 545، ورواه في جمهرة الرسائل: ج 1
ص 379 تحت الرقم (370) عن تاريخ الطبري: ج 5 ص 224.
- 34 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل الكوفة أيضا برواية أخرى.
بسم الله الرحمن الرحيم من علي أمير المؤمنين
إلى أهل الكوفة، سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي
لا إله إلا هو.
أما بعد فإن الله حكم عدل لا يغير ما بقوم حتى
يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له،
وما لهم من دونه من وال (1) وإني أخبركم عنا وعمن
سرنا إلهي من جموع أهل البصرة ومن سار إليه من
قريش وغيرهم مع طلحة والزبير بعد نكثهما صفقة
أيمانهما (2) فنهضت من المدينة حين انتهى إلى خبرهم

(1) اقتباس من الآية الحادية عشرة من سورة الرعد: 13.
(2) الصفقة - كضربة -: ضرب اليد على اليد في البيع، تستعار لعقد
البيعة، وهو المراد هنا وفى أمثال المقام. والنكث - كضرب -: النقض.
73

وما صنعوه بعاملي عثمان بن حنيف، حتى قدمت ذا قار،
فبعثت إليكم ابني الحسن وعمار وقيسا فاستنفروكم
لحق الله وحق رسوله وحقنا، فأجابني إخوانكم سراعا
حتى قدموا علي بهم وبالمسارعة إلى طاعة الله (كذا) حتى
نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء، وأقمت الحجة،
وأقلت العثرة والزلة من أهل الردة من قريش وغيرهم
واستعتبتهم عن نكثهم بيعتي وعهد الله لي عليهم (3)
فأبوا إلا قتالي وقتال من معي والتمادي في البغي. فناهضتهم
بالجهاد، وقتل من قتل منهم وولى إلى مصرهم من ولى،
فسألوني ما دعوتهم إليه من كف القتال، فقبلت منهم
وغمدت السيوف عنهم، وأخذت بالعفو فيهم وأجريت
الحق والسنة بينهم، واستعملت عبد الله بن عباس على
البصرة، وأنا سائر إلى الكوفة إنشاء الله تعالى.
وقد بعثت إليكم زجر بن قيس الجعفي لتسألونه،

(3) واستعتبتهم: طلب منهم العتبى (الرجوع عن الفي.
74

يخبركم عنا وعنهم، وردهم الحق علينا، وردهم الله وهم
كارهون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكتب عبيد الله بن أبي رافع في جمادي الأولى سنة ست وثلاثين.
كتاب الجمل ص 213 ط 3.
أقول: ورواه في تلخيص الشافي: (ج 3 ص 135، ط النجف عن الواقدي.
وقريب منه جدا في الفصل الثامن والعشرين من مختار كلمه (ع) في
الارشاد، ص 137، ط النجف.
- 35 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه إلى عماله في الآفاق بعد فتح البصرة:
قال الشيخ المفيد قدس الله نفسه: وكتب (ع) بالفتح إلى عماله في
الآفاق في كلام طويل وكان فيه:
إن الله تعالى قتل طلحة والزبير على بغيهما وشقاقهما
ونكثهما وهزم جمعها ورد عائشة خاسرة.
الفصل (58) من الجزء الأول، من كتاب الفصول المختارة ص 94.
75

- 36 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل الكوفة أيضا
قال معلم الأمة الشيخ المفيد تغمده الله برضوانه: وفي رواية عمر بن
سعد، عن يزيد بن الصلت، عن عامر الأسدي، ان عليا (ع) كتب بعد
فتح البصرة مع عمر بن سلمة الأرحبي إلى أهل الكوفة:
من عبد الله [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب
إلى قرضة بن كعب ومن قبله من المسلمين سلام عليكم،
فإني أحمد الله الذي لا إله الا هو.
أما بعد فإنا لقينا القوم الناكثين لبيعتنا المفرقين
لجماعتنا الباغين علينا من أمتنا فحاججناهم إلى الله
فنصرنا الله عليهم وقتل طلحة والزبير، وقد تقدمت
إليهما بالنذر، وأشهدت عليهما صلحاء الأمة ومكنتهما
في البيعة (كذا) فما أطاعا المرشدين، ولا أجابا الناصحين،
ولاذ أهل البغي بعايشة، فقتل حولها جمع لا يحصي عددهم
إلا الله، ثم ضرب الله وجهه بقيتهم فأدبروا، فما كانت
76

ناقة الحجر بأشأم منها على ذلك المصر (1) مع ما جاءت
به من الحوب الكبير (2) في معصيتها لربها ونبيها من
الحرب، واغترار من اغتر بها، وما صنعته من التفرقة بين المؤمنين وسفك دماء المسلمين، [و] لا بينة ولا معذرة
ولا حجة لها فلما هزمهم الله أمرت أن لا يقتل مدبر ولا يجهز
على جريح، ولا يهتك ستر ولا يدخل دار إلا باذن أهلها (3)
وقد آمنت الناس، واستشهد منا رجال صالحون ضاعف
الله لهم الحسنات، ورفع درجاتهم، وأثابهم ثواب الصابرين،
وجزاهم من أهل مصر عن أهل بيت نبيهم أحسن ما يجزى
العاملين بطاعته، والشاكرين لنعمته، فقد سمعتم وأطعتم
ودعيتم فأجبتم فنعم الاخوان والأعوان على الحق أنتم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتب عبيد الله بن أبي رافع في رجب سنة ست وثلاثين (كذا).
كتاب الجمل ص 215 ط 3.

(1) الظاهر أن المراد من ناقة الحجر هو ناقة صالح عليه السلام.
(2) الحوب - بضم الحاء وسكون الواو -: الاثم.
(3) وهذا من المتواترات عنه عليه السلام رواه الطبري في تاريخه: ج 3
ص 506 س 8، والشيخ الطوسي والمفيد في الحديث (7) من المجلس الثالث
من أماليه، وغيرهم.
77

- 37 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية لما فرغ من وقعة الجمل،
قال ابن قتيبة: وذكروا انه لما فرغ من وقعة الجمل بايع له القوم جميعا
وبايع له أهل العراقب، واستقام له الامر بها فكتب إلى معاوية:
أما بعد فإن القضاء السابق، والقدر النافذ ينزل من
السماء كقطر المطر (1) فتمضي أحكامه عز وجل، وتنفذ
مشيئته بغير تحاب المخلوقين ولا رضاء الآدميين، وقد
بلغك ما كان من قتل عثمان (2) وبيعة الناس عامة إياي
ومصارع الناكثين لي، فادخل في ما دخل الناس فيه،
وإلا فأنا الذي عرفت، وحولي من تعلمه والسلام.
الإمامة والسياسة: ج 1 / 82 ط مصر، والمختار (28) من كتب مستدرك
النهج 129، والمحتار (377) من جمهرة رسائل العرب، ج 1، ص 385.

(1) هذه الألفاظ كثيرة الدوران في كلمه عليه السلام.
(2) وكان في النسخة كلمة رحمه الله وهي من الحاقات أولياء عثمان.
78

- 38 -
ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به أيضا معاوية بن أبي سفيان:
قال ابن عبد ربه: وكتب معاوية إلى (أمير المؤمنين) علي (ع):
أما بعد فإنك قتلت ناصرك واستنصرت واترك، فأيم الله لأرمينك
بشهاب لا تذكيه الريح، ولا يطفيه الماء، فإذا وقع وقب، وإذا مس ثقب،
ولا تحسبني كسحيم. أو عبد القيس، أو حلوان الكاهن (1).
فأجابه علي (أمير المؤمنين عليه السلام):
أما بعد فوالله ما قتل ابن عمك غيرك، وإني أرجوا
أن ألحقك به على مثل ذنبه وأعظم من خطيئته، وإن السيف
الذي ضربت به أباك وأهلك لمعي دائم، والله ما استحدثت
دينا ولا استبدلت نبيا، وإني على المنهاج الذي تركتموه
طائعين، وأدخلتم فيه كارهين.
كتاب العسجدة الثانية من العقد الفريد: ج 3 ص 107، ط 2 وفي ط ج 2 ص 223، وفي ط ج 5 ص 77 تحت عنوان: ما جرى بين علي ومعاوية
من تاريخ الخلفاء، ورواه عنه تحت الرقم (429) من جمهرة الرسائل:
ج 1 / 417.

(1) يقال: - وقب الظلام - من باب وعد، والمصدر كالوعد - وقبا):
انتشر.
79

- 39 -
ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به معاوية لما كتب إليه (ع) بما لفه:
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد يا علي لأضربنك بشهاب قاطع لا يذكيه
(لا يدكنه خ) الريح، ولا يطفئه الماء، إذا اهتز وقع، وإذا وقع نقب (1)
والسلام.
فما قرأ عليه السلام كتاب معاوية، دعا بدواة وقرطاس فكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد - يا معاوية - فقد
كذبت، أنا علي بن أبي طالب، وأنا أبو الحسن والحسين
قاتل جدك وعمك وخالك (2) وأنا الذي أفنيت قومك
في يوم بدر ويوم فتح ويوم أحد، وذلك السيف بيدي
تحمله ساعدي بجرأة قلبي كما خلفه النبي صلى الله
عليه وآله بكف الوصي، لم أستبدل بالله ربا وبمحمد
صلى الله عليه وآله نبيا، وبالسيف بدلا، والسلام على
من اتبع الهدى.

(1) يقال: (نقب الحائط - من باب نصر - نقبا:) خرقه.
(2) وفى النسخة زيادة قوله: (وأبيك) وكأنها من سهو النساخ أو الرواة.
80

ثم طوى (ع) الكتاب ودعا الطرماح بن عدي الطائي - وكان رجلا
مفوها طوالا - فقال له: خذ كتابي هذا فانطلق به إلى معاوية، ورد جوابه.
الاختصاص للشيخ المفيد، ص 138، ط 2، وبحار الأنوار: ج 8
ص 587 ط أمين الضرب، نقلا عن الاختصاص.
- 40 -
ومن كتاب له عليه السلام
وهو أيضا جواب لما كتبه إليه معاوية
قال العلامة المجلسي أعلى الله مقامه: وجدت الرواية (1)
بخط بعض الأفاضل باختلاف ما، فأحببت ايرادها على هذا
الوجه أيضا، قال: قال الشيخ الأديب أبو بكر بن عبد العزيز البستي،
بالأسانيد الصحاح ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لما رجع من وقعة
الجمل كتب إليه معاوية بن أبي سفيان:
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله وابن عبد الله معاوية بن أبي سفيان
إلى علي بن أبي طالب، أما بعد فقد اتبعت ما يضرك وتركت ما ينفعك، وخالفت
كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله (كذا) وسلم وقد انتهى إلي
ما فعلت بحواري رسول الله (ص) طلحة والزبير وأم المؤمنين عايشة، فوالله
لأرمينك بشهاب لا تطفيه المياه، ولا تزعزعه الرياح، إذا وقع وقب وإذا
وقب ثقب، وإذا ثقب نقب، وإذا نقب التهب فلا تغرنك الجيوش واستعد
للحرب، فاني ملاقيك بجنود لا قبل لك بها والسلام.
فلما وصل الكتاب إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقرأه دعا بدواة وقرطاس
وكتب إليه:

(1) أي رواية الكتاب المتقدم، والمختار السالف.
81

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله وابن عبده
علي بن أبي طالب أخي رسول الله وابن عمه ووصيه
ومغسله ومكفنه وقاضي دينه وزوج ابنته البتول وأبي
سبطيه الحسن والحسين، إلى معاوية بن أبي سفيان.
أما بعد فإني أفنيت قومك يوم بدر، وقتلت عمك
وخالك وجدك، والسيف الذي قتلتهم به معي، يحمله
ساعدي بثبات من صدري وقوة من بدني، ونصرة من
ربي كما جعله النبي [صلى الله عليه وآله] في كفي،
فوالله ما اخترت على الله ربا ولا على الاسلام دينا، ولا على محمد
[صلى الله عليه وآله (2)] نبيا، ولا على السيف بدلا، فبالغ
من رأيك فاجتهد ولا تقصر، فقد استحوذ عليك الشيطان،
واستفزك الجهل والطغيان (3) وسيعلم الذين ظلموا أي
منقلب ينقلبون، والسلام على من. اتبع الهدى، وخشي
عواقب الردى.
باب نوادر الاحتجاج على معاوية من بحار الأنوار: ج 8 / 588.

(2) بين المعقفين كان في الموردين هكذا: (ص).
(3) استحوذ عليه: استولى. واستفزه: استخفه.
أربعة أميال
82

- 41 - ومن كتاب له عليه السلام
إلى جرير بن عبد الله البجلي:
نصر بم مزاحم، عن محمد بن عبيد الله القرشي، عن الجرجاني، قال:
لما بويع علي (ع) وكتب إلى العمال في الآفاق، كتب إلى جرير بن عبد الله
البجلي، وكان جرير عاملا لعثمان على ثغر همدان، فكتب إليه مع زحر بن
قيس الجعفي (1):
أما بعد فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له ومالهم من
دونه من وال [11 الرعد 13] وإني أخبرك عن نبأ [عن
أنباء خ] من سرنا إليه، من جموع طلحة والزبير عند
نكثهم بيعتهم [بيعتي خ] وما صنعوا بعاملي عثمان بن
حنيف.
إني هبطت من المدينة بالمهاجرين والأنصار حتى إذا
كنت بالعذيب (2) بعثت إلى أهل الكوفة بالحسن بن

(1) وفى الإمامة والسياسة: (مع زفر بن قيس الجعفي) * الخ.
(2) العذيب: ماء عن يمين القادسية لبني تميم، وبينه وبين القادسية
83

علي و عبد الله بن عباس وعمار بن ياسر وقيس بن سعد
بن عبادة، فستنفروهم فأجابوا، فسرت بهم حتى نزلت
بظهر البصرة، فأعذرت في الدعاء وأقلت العثرة، وناشدتهم
عقد بيعتهم [عهد بيعتهم خ] فأبوا إلا قتالي، فاستعنت
بالله عليهم، فقتل من قتل وولوا مدبرين إلى مصرهم
فسألوني ما كنت دعوتهم إليه قبل اللقاء، فقبلت
العافية ورفعت السيف، واستعملت عليهم عبد الله بن عباس
وسرت إلى الكوفة، وقد بعثت إليكم زحر بن قيس فاسأل
عما بذلك (3).
كتاب صفين ص 15، ط مصر. وقريب منه عن أعثم الكوفي كما في المترجم من تاريخه ص 189. وقريب منه جدا في الإمامة والسياسة: ج 1 / 78.
ورواه في شرح المختار (43) من خطب نهج البلاغة من شرح ابن أبي
الحديد: ج 3 ص 70 عن كتاب صفين.

(3) وفى الإمامة والسياسة 78 ج 1،: (فاسأله عنا وعنهم).
84

- 42 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى الأشعث بن قيس (1)
نصر بن مزاحم، عن محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني، قال: لما بويع
علي وكتب إلى العمال، كتب إلى الأشعث بن قيس، مع زياد بن مرحب
الهمداني والأشعث على آذربيجان عامل لعثمان، وقد كان عمرو بن عثمان
تزوج ابنة الأشعث بن قيس قبل ذلك، فكتب إليه علي:
أما بعد فلولا هناة كن فبك كنت المقدم في هذا
الامر قبل الناس (2) ولعل أمرك يحمل بعضه بعضا إن
اتقيت الله (3).
ثم إنه كان من بيعة الناس إياي ما قد بلغك، وكان
طلحة والزبير ممن بايعاني ثم نقضا بيعتي على غير

(1) ومقتضى ما ذكره في كتاب صفين من قوله - بعد ما ذكر كتابه (ع)
إلى جرير -: (ثم بعث إلى الأشعث بن قيس الكندي) انه (ع) كتب إليه
بعد جرير، ومثله في المترجم من تاريخ أعثم الكوفي.
(2) الهناة - كممات -: الداهية: ويجمع على هنيات وهنوات.
(3) كأنه إشارة إلى قوله تعالى: (أن الحسنات يذهبن السيئات) أي
أن تتق الله في بقية عمرك يصلح لك ما أفرطت فيه من سالف حياتك.
85

حدث، وأخرجا أم المؤمنين وسارا إلى البصرة، فسرت
إليهما فالتقينا، فدعوتهم إلى أن يرجعوا فيما خرجوا
منه فأبوا، فأبلغت في الدعاء، وأحسنت في البقية (4).
وإن عملك ليس لك بطعمة ولكنه أمانة، وفي
يديك مال من مال الله وأنت من خزان الله عليه حتى
تسلمه إلي، ولعلي ألا أكون شر ولاتك لك إن استقمت
ولا قوة إلا بالله.
كتاب صفين ط مصر، ص 20. والإمامة والسياسة ج 1 ص 91 وقريب
منه في المترجم من تاريخ أعثم الكوفي ص 190.
وقريب منه في العقد الفريد: ج 2 / 104 آخر وقعة الجمل من كتاب
العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم.

(4) كذا في النسخة، ولعل الصواب: (فأحسنت في التبقية) أي أتيت
بما هو حسن من دعائهم إلى الرشاد والتبقية عليهم على سيرة المتقين.
86

- 43 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أشعث أيضا وهو عامله على آذربيجان:
أما بعد فإنما غرك من نفسك وجرأك على أخرك
إملاء الله لك (1) إذ ما زلت قد بما تأكل رزقه وتلحد في
آياته وتستمتع بخلاقك (2) وتذهب بحسناتك إلى يومك
هذا، فإذا أتاك رسولي بكتابي هذا فأقبل واحمل ما قبلك
من مال المسلمين إن شاء الله (3).
تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 176، س 7.
وفي ط ص 189.

(1) كذا في النسخة، فيتحمل أن تكون كلمة (آخرك) مفردا (الآخرين)
بمعنى غير، أي إنما جرأك على غيرك امهال الله وتأخير العقوبة عنك، فصرت
مغرورا فتعديت عن طورك وتجرأت على غيرك فظلمته حقه.
ويحتمل أيضا أن تكون لفظة (أخرة) محركة - على زنة سفرة وبررة -
بمعني البطوء، أي إنما جرأت على بطوئك وتثاقلك عن إطاعة الله وخليفته
وأداء الحقوق املاء الله لك، أي إمهاله وعدم تعجيله في عقوبة المتمرد.
(2) يقال: (لحد في الدين - من باب منع - لحدا، وألحد فيه الحادا):
هتك حرمته واستحلها. والخلاق: النصيب.
(4) قال في عنوان: (ذكر الحكم في غنائم أهل البغي) من كتاب الجهاد
من دعائم الاسلام: ج 1، ص 396 ط مصر، (وعن (أمير المؤمنين عليه
السلام) أنه احضر الأشعث بن قيس وكان عثمان استعمله على آذربيجان
(آذربايجان) فأصاب مأة ألف درهم، فبعض يقول: اقطعه عثمان إياها.
وبعض يقول: أصابها الأشعث في عمله - فأمره علي (ع) باحضار (الدارهم
التي أصابها) فدافعه وقال: يا أمير المؤمنين لم أصبها في عملك. قال له:
والله لئن أنت لم تحضرها بيت مال المسلمين لأضربنك بسيفي هذا أصاب منك
ما أصاب. فأحضرها وأخذها منه وصيرها في بيت مال المسلمين، وتتبع عمال
عثمان، فأخذ منهم كل ما أصابه قائما في أيديهم وضمنهم ما أتلفوا.
87

- 44 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه مع جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية بن أبي سفيان
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو عبد الله البلخي، أخبرنا أحمد بن الحسن
ابن خيرون، أخبرنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم، أخبرنا أحمد بن إسحاق
الطيبي، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين، أخبرنا أبو سعيد يحيى
ابن سليمان الجعفي، أخبرنا نصر بن مزاحم، أخبرنا عمر بن سعد الأسدي
عن نمير بن وعلة عن عامر الشعبي، أن عليا بعد قدومه الكوفة، نزع
جرير بن عبد الله البجلي من همدان، فأقبل جرير حتى قدم الكوفة على علي
ابن أبي طالب فبايعه، ثم إن عليا أراد ان يبعث إلى معاوية بالشام رسولا
وكتابا، فقال له جرير: يا أمير المؤمنين ابعثني إليه، فإنه لم يزل لي مستنصحا
88

وودا فآتية فأدعوه على أن يسلم هذا الامر لك، ويجامعك على الحق، وأن
يكون أميرا من أمرائك وعاملا من عمالك ما عمل بطاعة الله واتبع ما في كتاب
الله، وأدعو أهل الشام إلى طاعتك وولايتك فان جلهم قومي وقد رجوت
ألا يعصوني.
فقال له الأشتر: لا تبعثه ولا تصدقه فوالله اني لأظن ان هواه هواهم
ونيته نيتهم. فقال له: دعه حتى ننظر ما يرجع به الينا، فبعثه علي إلى
معاوية، فقال له حين أراد أن يوجهه إلى (معاوية): حولي من قد علمت
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الدين والرأي، وقد
اخترتك عليهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك: من خير ذي يمن
فأت معاوية بكتابي، فان دخل فيما دخل فيه المسلمون، والا فانبذ إليه على
سواء، واعلمه أني لا أرضى به أميرا، وأن العامة لا ترضى به خليفة، فانطلق
جرير حتى نزل بمعاوية فدخل عليه، فقام جرير فحمد الله وأثنى عليه،
ثم قال:
أما بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل
المصرين وأهل الحجاز واليمن ومصر وعمان والبحرين واليمامة، فلم يبق
الا هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها من أوديته سيل غرقها، وقد
أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى متابعة أمير المؤمنين علي. ودفع
إليه كتابه، قال وكانت نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم [من عبد الله علي أمير
المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان (1)].

(1) بين المعقوفين مأخوذ من تاريخ دمشق، وقد سقط من كتاب صفين
ولا بد من اثباته.
89

أما بعد فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام،
لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على
ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب
أن يرد (2) وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا
على رجل فسموه إماما كان ذلك لله رضى (3) فإن خرج
من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه،
فإن أبي قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه
الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا (4).
وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي وكان
نقضهما كردهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق
وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون
فإن أحب الأمور إلي فيك العافية، إلا أن تتعرض للبلاء،

(2) وفى تاريخ دمشق: (لأنه بايعني لاقوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر
وعثمان على ما بايعوا عليه، فلم يكن لشاهد أن يختار، ولا لغائب أن يرد) الخ.
(3) وفي تاريخ دمشق: (فإذا اجتمعوا على رجل وسموه اماما كان ذلك
رضى).
(4) اقتباس من الآية (114) من سورة النساء: 4.
90

فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت الله [بالله خ] عليك.
وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه
المسلمون، ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على
كتاب الله، فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن
اللبن (5)، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك، لتجدني
أبرأ قريش من دم عثمان.
واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة،
ولا تعرض فيهم الشورى، وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك
جرير بن عبد الله، وهو من أهل الايمان والهجرة، فبايع
ولا قوة إلا بالله.
كتاب صفين ص 29 ط 2 بمصر وص 18، ط إيران. وقريب منه في
عنوان: (اخبار علي ومعاوية) من كتاب العسجدة الثانية في تواريخ
الخلفاء من العقد الفريد: ج 3 / 106 / ط 2، والإمامة والسياسة: ج 1 / 93
أقول: ورواه أيضا ابن أبي الحديد، عنه في شرح المختار (43)
من خطب نهج البلاغة: ج 3 / 75. ورواه ابن عساكر في ترجمة معاوية
من تاريخ دمشق: ج 56 ص 974 و 60 برواية الكلبي.

(5) وفى تاريخ دمشق: (فاما تلك التي تريدها يا معاوية فهي خدعة
الصبي عن اللبن).
91

ولما بلغ كتابه (ع) المتقدم إلى معاوية كتب إليه:
سلام عليك، اما بعد فلعمري - لو بايعك الذين ذكرت وأنت برئ
من دم عثمان لكنت كأبي بكر وعمر وعثمان، ولكنك أغريت بدم عثمان
وخذلت الأنصار، فأطاعك الجاهل، وقوي بك الضعيف، وقد أبي أهل
الشام الا قتالك حتى تدفع إليهم قتلة عثمان، فان فعلت كانت شورى بين
المسلمين، وإنما كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحق فيهم، فلما
فارقوه كان الحكام على الناس أهل الشام، ولعمري ما حجتك على أهل
الشام، كحجتك على أهل البصرة، ولا حجتك علي كحجتك على طلحة
والزبير، كانا بايعاك ولم أبايعك انا.
فأما فضلك في الاسلام، وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلم أدفعه.
وحينما بلغ كتابه إلى أمير المؤمنين (ع) أجابه بالكتاب التالي.
92

- 45 -
ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به معاوية لما وصل رد كتابه المتقدم إليه (ع)
أما بعد فقد أتانا كتابك، كتاب امرئ ليس له
بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى فأجابه وقاده
فاتبعه (1) زعمت أنك إنما أفسد عليك بيعتي خفري
لعثمان (2) ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت
كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا وما كان الله ليجمعهم
على ضلالة، ولا ليضربهم بالعمى، وما أمرت فلزمتني
خطيئة الامر (3) ولا قتلت فأخاف على نفسي قصاص
القاتل.

(1) وفى الإمامة والسياسة: (وقاده فاستقاده). وفى نهج البلاغة
(وقاده الضلال فاتبعه، فهجر لا غطا، (وضل) خابطا). هجر: هذي
ولغا. واللغط: الجلبة بلا معنى.
(2) وفى الإمامة والسياسة: (زعمت أنك أنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي
في عثمان). والخفر - كفلس -: الغدر نقض العهد.
(3) وفى الإمامة والسياسة: (وما أمرت فيلزمني خطيئة عثمان).
93

وأما قولك: (إن أهل الشام هم حكام أهل
الحجاز) فهات رجلا من قريش الشام يقبل في الشورى
أو تحل له الخلافة، فإن سميت كذبك المهاجرون والأنصار
ونحن نأتيك به من قريش الحجاز.
وأما قولك: إدفع إلي قتلة عثمان، فما أنت وذاك وههنا بنو عثمان وهم أولى بذلك منك، فإن زعمت أنك
أقوى على طلب دم عثمان منهم فارجع إلى البيعة التي
لزمتك (4) وحاكم القوم إلي.
وأما تمييزك بين أهل الشام والبصرة وبينك وبين
طلحة والزبير، فلعمري فما الامر هناك إلا واحد، لأنها بيعة
عامة لا يتأتى فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار (5).

(4) ولزوم بيعته (ع) على معاوية وغيره، تارة من جهة نص الرسول
صلى الله عليه وآله على خلافته، وأخرى من أجل انه (ع) كان مستجمعا
للفضائل من العلم والعدالة والشجاعة وغيرها، وغيره كان محورا للرذائل
من الجهل والجور والجبن وغيرها،، وثالثة من أجل اتفاق المهاجرين والأنصار
على بيعته بعد قتل عثمان.
(5) وفى نهج البلاغة: - لأنها بيعة واحدة لا يثنى فيها النظر، ولا يستأنف
فيها الخيار، الخارج منها طاعن والمروي فيها مداهن.
94

وأما قرابتي من رسول الله صلى الله عليه [وآله]
وسلم وقدمي في الاسلام فلو استطعت دفعه لدفعته (6).
عنوان: (أخبار علي ومعاوية) من كتاب العسجدة الثانية في تاريخ
الخلفاء من العقد الفريد: ج 3 ص 106، ط 2. ومثله الا في ألفاظ طفيفة
في الإمامة والسياسة ص 102، وقريب منه في المختار (7) من كتب نهج البلاغة.

(6) القدم - كفرس وعنب -: السابقة في الامر والتقدم يقال: (لفلان
قدم في هذا الامر): سابقة، ويقال أيضا: (لفلان عند فلان قدم)
- كفرس - أي يد ومعروف وصنيعة.
95

- 46 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى جرير لما مكث عند معاوية وطال مكثه
روى ابن عساكر عن الكلبي انه لما أبطأ معاوية بالبيعة لعلي (ع) كلمه
جرير في ذلك، فقال له معاوية: قد رأيت أن اكتب إلى صاحبك أن يجعل
لي مصر والشام حياته فان حضرته الوفاة لم يجعل لاحد من بعده في عنقي
بيعة وأسلم له هذا الامر واكتب إليه بالخلافة. فقال جرير: أكتب ما شئت
واكتب معه إليه، فكتب معاوية بذلك، فلما اتى عليا كتابه، عرف إنما
هي خديعة منه، وكتب علي إلى جرير:
أما بعد فإن معاوية إنما أراد بما طلب ألا تكون في
عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يريثك
حتى تذوق أهل الشام (1) وقد كان المغيرة بن شعبة أشار
علي وأنا بالمدينة أن أستعمل معاوية على الشام فأبيت

(1) يقال: راث ريثا وتريث من باب باع وتفعل -: ابطأ. وريث. تعب
وأعيا. وريث الشئ: لينه. ويقال: ريت عما كان عليه، قصر وأراثه
اراثة: جعله يبطي. وأستراثه استراثة: استبطأه. ويقال: ذاق ذوقا
وذواقا ومذاقا - من باب قال - الشئ: اختبر طعمه. وذاق الرجل وما عند
الرجل: خبره وجربه.
96

ذلك، ولم يكن الله ليراني أن أتخذ المضلين عضدا
فإن تابعك وإلا فأقبل.
ترجمة معاوية من تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 56 ص 974.
ورواه قبله في كتاب صفين ص 29، وفي ط ص 58 ورواه عنه في شرح
المختار (43) من خطب النهج من ابن أبي الحديد: 3 / 84. وفي الإمامة
والسياسة ص 95.
- 47 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى جرير بن عبد الله لما مكث عند معاوية وابطأ بأخذه البيعة من معاوية
حتى اتهمه الناس وأيس منه أمير المؤمنين عليه السلام.
قال نصر بن مزاحم (ره): وفى حديث محمد وصالح بن صدقة: قالا:
وكتب علي (أمير المؤمنين عليه السلام) إلى جرير بعد ذلك:
أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على
الفصل، وخذه بالامر الجزم، ثم خيره بين حرب مجلية
أو سلم محظية (1) فإن اختار الحرب فانبذ له وإن

(1) كذا في النسخة، وهو أظهر مما في نهج البلاغة: (أو سلم مخزية)
إذ لو انقاد معاوية وسالم أمير المؤمنين (ع) كان ذا حظ ونصيب من الراحة
والدعة ولم يكن وزره في الآخرة وزر من حارب النبي (ص) لقوله: (يا علي
حربك حربي) وإن كان معاوية من الخاسرين على التقديرين، ولكن شتان
ما بين الصورتين، ومعنى قوله (ع): (فاحمل معاوية على الفصل) أي على
الوجه الذي يتيقن حاله من كونه مسالما أو محاربا.
97

اختار السلم فخذ بيعته [والسلام].
كتاب صفين ص 55، وفي ط ص 61، ورواه عنه ابن أبي الحديد في
شرح المختار (43) من خطب النهج، ج 3 / 87. ورواه أيضا في المختار
الثامن من كتب النهج ورواه أيضا ابن عساكر في ترجمة معاوية من تاريخ
دمشق: ج 56، ص 65، أو 978. كما رواه أيضا في العقد الفريد ج 3 / 106.
- 48 -
ومن عهد له عليه السلام
كتبه لمحمد بن أبي بكر رضوان الله عليه لما ولاه مصر.
الطبري، عن هشام بن محمد، عن أبي مخنف: لوط بن يحيى بن
سعيد بن مخنف بن سليم، قال: حدثني الحارث بن كعب الوالبي - من
والبة الأزد - عن أبيه، قال: كنت مع محمد بن أبي بكر حين قدم مصر
فلما قدم قرأ عليهم عهده:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد عبد الله علي
أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر،
98

أمره بتقوى الله في السر والعلانية، وخوف الله عز وجل في
المغيب والمشهد، وأمره باللين على المسلم، والغلظة على
الفاجر (1) وبالعدل على أهل الذمة، وبإنصاف المظلوم
وبالشدة على الظالم، وبالعفو عن الناس، وبالاحسان
ما استطاع، والله يجزي المحسنين، ويعذب المجرمين.
وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة، فإن
لهم في ذلك من العاقبة وعظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره، ولا يعرفون كنهه.
وأمره يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى
عليه من قبل، لا ينتقص منه ولا يبتدع فيه، ثم يقسمه
بين أهله على ما كانوا يقسمون عليه من قبل.
وأن يلين لهم جناحه، وأن يواسى بينهم في مجلسه
ووجهه، وليكن القريب والبعيد في الحق سواء
وأمره أن يحكم بين الناس بالحق، وأن يقوم

(1) هذا هو الظاهر الموافق لما رواه ابن أبي الحديد عن كتاب الغارات،
ولفظ الطبري هكذا: (وباللين على المسلمين والغلظة على الفاجر) الخ.
99

بالقسط ولا يتبع الهوى ولا يخف في الله عز وجل لومة
لائم، فإن الله عز وجل ثناؤه مع من اتقاه، وآثر طاعته
وأمره على ما سواه.
وكتب عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله [صلى الله عليه وآله]
لغرة شهر رمضان سنة ست وثلاثين.
تاريخ الأمم والملوك: ج 3 ص 556 ط 1357، بمصر، في حوادث
سنة ست وثلاثين من الهجرة. وقريب منه في تحف العقول ص 118، ط
النجف.
ورواه قبلهما الثقفي (ره) في الغارات، كما في شرح المختار (67) من خطب
نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 6، ص 65.
100

- 49 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل مصر ومحمد بن أبي بكر رضوان الله عليه
قال الثقفي عليه الرحمة والرضوان: وحدثني يحيى بن صالح، عن
مالك بن خالد الأسدي، عن الحسن بن إبراهيم، عن عبد الله بن الحسن
ابن الحسن قال: كتب علي عليه السلام إلى أهل مصر، لما بعث محمد بن
أبي بكر إليهم، كتابا يخاطبهم به [فيه خ] ويخاطب محمدا أيضا فيه:
أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله في سر أمركم
وعلانيته، وعلى أي حال كنتم عليها وليعلم المرء منكم
أن الدنيا دار بلاء وفناء، والآخرة دار جزاء وبقاء، فمن
استطاع أن يؤثر ما يبقى (1) على ما يفنى فليفعل، فإن
الآخرة تبقى، والدنيا تفنى، رزقنا الله وإياكم بصرا
لما بصرنا، وفهما لما فهمنا حتى لا نقصر عما أمرنا
ولا نتعدى إلى ما نهانا.
واعلم يا محمد أنك وإن كنت محتاجا إلى نصيبك

(1) أي يقدم ويختار ما هو الباقي الدائم على ما هو الفاني الزائل.
101

من الدنيا، إلا أنك إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن
عرض لك أمران: أحدهما للآخرة، والآخر للدنيا
فابدأ بأمر الآخرة، ولتعظم رغبتك في الخير، ولتحسن
فيه نيتك، فإن الله عز وجل يعطي العبد على قدر نيته،
وإذا أحب الخير وأهله ولم يعمله كان - إن شاء الله - كمن
عمله (2) فإن رسول الله صلى الله عليه [وآله] (3) وسلم
قال حين رجع من تبوك،: (إن بالمدينة لأقواما ما سرتم
من مسير ولا هبطتم من واد إلا كانوا معكم ما حبسهم
إلا المرض) - يقول: كانت لهم نية - (4).
ثم اعلم يا محمد إني قد وليتك أعظم أجنادي أهل
مصر، ووليتك ما وليتك من أمر الناس فأنت محقوق
أن تخاف فيه على نفسك، وتحذر فيه على دينك ولو كان

(2) وهذا المعنى قد تضافرت به الاخبار، وتكاثرت فيه الآثار، منها
قوله (ع) في المختار الحادي عشر، من خطب نهج البلاغة: (ولقد شهدنا في
عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان
ويقوى بهم الايمان).
(3) بين المعقوفين كان ساقطا من النسخة، أو أسقطت منها.
(4) يحتمل انه صلى الله عليه وآله صرح لأمير المؤمنين (ع) بقوله: (كانت
لهم نية) كما هو ظاهر اللفظ، ويحتمل أيضا أن يكون من باب العلم بالعلة
وان اشتراك المرضى المتخلفين مع من نفر وحضر مع رسول الله (ص) في
المسير إلى الجهاد، في الثواب إنما هو لأجل نيتهم وعزيمتهم على امتثال امر
رسول الله (ص) بالمسير معه إلى قتال الكفار.
102

ساعة من نهار، فإن استطعت أن لا تسخط ربك لرضا أحد
من خلقه فافعل، فإن في الله خلفا من غيره، وليس في
شئ خلف منه، فاشتد على الظالم، ولن لأهل الخير
وقربهم إليك واجعلهم بطانتك وإخوانك والسلام.
شرح المختار (67) من خطب نهج البلاغة، من شرح ابن أبي الحديد
ج 6 ص 66.
- 50 -
ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به محمد بن أبي بكر، لما كتب إليه (ع) - وهو وال على مصر -
ان يكتب له كتاب يتضمن شيئا من الفرائض وما يبتلي به من القضاء.
قال ثقفي رحمه الله: وكتب محمد بن أبي بكر إلى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب (ع) وهو إذ ذاك بمصر، عاملا له، يسأله جوامع من
الحلال والحرام، والسنن والمواعظ، فكتب إليه:
لعبد الله أمير المؤمنين (ع) من محمد بن أبي بكر، سلام عليك فاني
أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.
103

اما بعد فان رأى أمير المؤمنين - أرانا الله وجماعة المسلمين أفضل
سرورنا واملنا فيه - ان يكتب لنا كتابا فيه فرائض وأشياء مما يبتلي به مثلي
من القضاء بين الناس فعل، فان الله يعظم لأمير المؤمنين الاجر، ويحسن
له الذخر.
فكتب أمير المؤمنين عليه السلام إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر
سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد فقد وصل إلي كتابك فقرأته وفهمت
ما سألتني عنه، فأعجبني اهتمامك بما لا بد منه، وما لا يصلح
المؤمنين غيره، وظننت أن الذي دعاك إليه، نية
صالحة ورأي غير مدخول ولا خسيس (1) وقد بعثت إليك
أبواب الأقضية جامعا لك، ولا قوة إلا بالله، وحسبنا
الله ونعم الوكيل.
قال الثقفي رحمه الله: فكتب (ع) إليه بما سأله من القضاء وذكر الموت
والحساب، وصفة الجنة والنار، وكتب في الإمامة، وكتب في الوضوء

(1) ظننت: أيقنت. وغير مدخول: غير معيوب. والخسيس: الرذل
الدني الحقير.
104

ومواقيت الصلاة، والركوع والسجود، وفي الأدب، والامر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وفي الاعتكاف، وفي الزنادقة، وفي نصراني فجر بمسلمة
وفي أشياء كثيرة لم يحفظ منها غير هذه الخصال، وحدثنا ببعض ما كتب إليه.
البحار: ج 8 ص 645 نقلا عن الغارات. وقريب منه في تحف العقول
ص 176، الا انه جعله بعضا من العهد الطويل الآتي.
- 51 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل مصر أيضا
قال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه،: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد
ابن محمد بن حبيش الكاتب (1) قال: أخبرني الحسن بن علي الزعفراني،
قال: أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي: قال: حدثنا عبد الله
ابن محمد بن عثمان، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي سعيد، عن فضيل
ابن الجعد، عن أبي إسحاق الهمداني، قال: ولى أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام محمد بن أبي بكر مصر وأعمالها، وكتب له كتابا

(1) وفى أمالي الشيخ هكذا: (محمد بن حبيش - الحسن خ - الكاتب)
وليعلم أن كل ما جعلناه في المتن بين المعقفتين معقبا ب‍ (خ) فهو مأخوذ من
أمالي الشيخ الطوسي وهو يرويه عن الشيخ المفيد، وكل ما وضعناه بينما
غير معقب برمز (خ) فهو مما أدى إليه اجتهادنا ووثقنا بأنه لابد أن يكون
كذلك، ولم نتعرض لبيان كثير من الاختلافات التي بين الأصلين إذ أغلبها
لفظي غير مثمر.
105

وأمره ان يقرأ على أهل مصر، وليعمل بما أوصاه به فيه: فكان الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب إلى أهل مصر، ومحمد بن أبي بكر، سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله في ما أنتم عنه
مسؤولون وإليه تصيرون (2) فإن الله تعالى يقول: (كل
نفس بما كسبت رهينة) (3) ويقول: (ويحذركم الله نفسه
وإلى الله المصير) (4) ويقول: (فو ربك لنسألنهم أجمعين
عما كانوا يعملون) (5).
واعلموا عباد الله أن الله عز وجل سائلكم عن الصغير
من عملكم والكبير، فإن يعذب فنحن أظلم وإن يعف
فهو أرحم الراحمين (6).

(2) وفى رواية الثقفي في الغارات: (فاني أوصيك بتقوى الله: والعمل
بما أنتم عنه مسؤولون فأنتم به رهن واليه صائرون) الخ.
(3) الآية الثامنة والثلاثون من سورة المدثر: 74.
(4) الآية الثامنة والعشرون من سورة آل عمران: 3.
(5) الآية الثانية والتسعون والثالثة والتسعون من سورة الحجر: 15.
(6) وفى رواية الثقفي (ره) في الغارات فاعلموا عباد الله أن الله سائلكم
عن الصغير من أعمالكم والكبير، فان يعذب فنحن الظالمون، وان يغفر فهو
أرحم الراحمين) الخ. وفى نهج البلاغة: (فان الله يسائلكم معشر عباده عن
الصغيرة من أعمالكم والكبيرة: والظاهرة والمستورة، فأن يعذب فأنتم أظلم
وان يعف فهو أكرم).
106

يا عباد الله إن أقرب ما يكون العبد إلى المغفرة والرحمة
حين يعمل لله بطاعته وينصحه بالتوبة (7) فعليكم
بتقوى الله فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها (8)
ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا
وخير الآخرة، قال الله عز وجل: (وقيل للذين اتقوا ماذا
أنزل ربكم قالوا خيرا، للذين أحسنوا في هذه الدنيا
حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين) (9).
إعلموا يا عباد الله أن المؤمن من يعمل لثلاث:
إما لخير فإن الله يثيبه بعمله في دنياه (10) قال الله سبحانه

(7) وفي المحكي عن الغارات: (واعلموا أن أقرب ما يكون العبد إلى الرحمة
والمغفرة حينما يعمل بطاعة الله ومناصحته في التوبة).
(8) كذا في المحكى عن الغارات، وهو الظاهر، وفى النسخة: (عليكم
بتقوى الله فإنها تجمع الخير، ولا خير غيرها).
(9) الآية الثلاثون: من سورة النحل: 16.
(10) كذا في النسخة، وفيه سقط بين، وفى المحكي عن الغارات هكذا
(واعلموا عباد الله ان المؤمن يعمل لثلاث، أما لخير الدنيا فان الله يشبه بعمله
في الدنيا، قال الله: (واتيناه أجره في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين)
فمن عمل لله تعالى أعطاه أجره في الدنيا والآخرة، وكفاه المهم فيهما، وقد
قال الله تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم، للذين أحسنوا في هذه
الدنيا حسنة وأرض الله واسعة، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)
فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة، قال الله تعالى: (للذين
أحسنوا الحسنى وزيادة) فالحسنى: (الجنة. والزيادة الدنيا، واما لخير
الآخرة، فان الله يكفر عنه بكل حسنة سيئة: يقول (الله): (أن الحسنات
يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) حتى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم
حسناتهم وأعطوا بكل واحدة عشر. أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فهو (كذا)
الذي يقول: (جزاء من ربك عطاء حسابا) الخ.
107

لإبراهيم: (وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة
لمن الصالحين) (11) فمن عمل لله تعالى أعطاه أجره في
الدنيا والآخرة، وكفاه المهم فيهما وقد قال الله عز وجل:
(يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه
الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم
بغير حساب) (12) فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم
به في الآخرة، قال الله عز وجل: (للذين أحسنوا الحسنى

(11) الآية التاسعة والعشرون من سورة العنكبوت: 29.
(12) الآية العاشرة من سورة الزمر: 39.
108

وزيادة) (13) فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي الدنيا،
وإن الله عز وجل يكفر بكل حسنة سيئة، قال الله عز وجل:
(إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) (14)
حتى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم ثم أعطاهم
بكل واحدة عشرة أمثالها إلى سبع مأة ضعف، قال الله
عز وجل: (جزاء من ربك عطاء حسابا) (15) وقال:
(فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات
آمنون) (16).
فارغبوا في هذا رحمكم الله واعملوا له وتحاضوا
عليه، واعلموا يا عباد الله أن المتقين حازوا عاجل الخير
وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم
أهل الدنيا في آخرتهم، أباحهم الله في الدنيا ما كفاهم
به وأغناهم قال الله عز اسمه: (قل من حرم زينة الله

(13) الآية السادسة والعشرون من سورة يونس: 10.
(14) الآية الرابعة عشرة بعد المائة من سورة هود: 11.
(15) الآية السادسة والثلاثون من سورة النبأ: 78.
(16) الآية السابعة والثلاثون من سورة السبأ: 34.
109

التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين
آمنوا في الحياة الدنيا، خالصة يوم القيامة كذلك نفصل
الآيات لقوم يعلمون) (17).
سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل
ما أكلت، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم
من طيبات ما يأكلون، وشربوا من طيبات ما يشربون،
ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون،
وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون، وركبوا من أفضل
ما يركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا (18) وهم
غدا جيران الله تعالى، يتمنون عليه فيعطيهم ما تمنوه (19)

(17) الآية (32) من سورة الأعراف: 7.
(18) وفى نهج البلاغة: (وأعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا
وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في
آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت: فحظوا
من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا ما أخذ (ه) الجبابرة المتكبرون،
ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح، أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم
وتيقنوا انهم جيران الله غدا في آخرتهم، لا ترد لهم دعوة: ولا ينقص لهم نصيب
من لذة).
(19) وفى أمالي الشيخ: (فيعطيهم ما يتمنون لا ترد لهم دعوة ولا ينقص
لهم نصيب من اللذة) الخ. يقال: (نقص الشئ من باب نصر - نقصا
وتنقاصا ونقصانا): ذهب منه شئ بعد تمامه - ونقصت الشئ: صيرته
ناقصا. ونقصت زيدا حقه: جعلت حظه ناقصا. ونقص الشئ وأنقصه
- من باب فعل وافعل -: صيره ناقصا. وهو لغة في نقصه اي الثلاثي المجرد.
110

ولا يرد لهم دعوة ولا ينقص لهم نصيبا من اللذة، فإلى
هذا يا عباد الله يشتاق إليه من كان له عقل، ويعمل له
بتقوى الله (كذا) ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يا عباد الله إن اتقيتم الله وحفظتم نبيكم في أهل
بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد، وذكرتموه بأفضل
ما ذكر، وشكرتموه بأفضل ما شكر، وأخذتم بأفضل
الصبر والشكر، واجتهدتم بأفضل الاجتهاد، وإن كان
غيركم أطول منكم صلاة وأكثر منكم صياما فأنتم
أتقى لله عز وجل منهم وأنصح لأولي الامر.
[و] احذروا عباد الله الموت وسكراته وأعدوا له
عدته، فإنه يفاجئكم بأمر عظيم (20) بخير لا يكون

(20) وفى نهج البلاغة: (فإنه يأتي بأمر عظيم وخطب جليل) الخ.
111

معه شر أبدا، أو بشر لا يكون معه خير أبدا، فمن
أقرب إلى الجنة من عاملها، ومن أقرب إلى النار من
عاملها (21) إنه ليس أحد من الناس تفارق روحه [جسده]
حتى يعلم إلى أي المنزلتين يصل [يصير خ] إلى
الجنة أم إلى النار، أو عدو لله أم هو ولي (22) فإن كان
وليا لله فتحت له أبواب الجنة، وشرعت له طرقها،
ونظر إلى ما أعد الله له فيها (23) ففرغ من كل شغل
ووضع عنه كل ثقل، وإن كان عدوا لله فتحت له أبواب
النار وشرعت له طرقها، ونظر إلى ما أعد الله له فيها
فاستقبل كل مكروه وترك كل سرور (كذا) كل هذا يكون

(21) استفهام بمعنى النفي، أي لا أقرب إلى الجنة ممن يعمل لها الخ.
(22) وفى أمالي الطوسي: (حتى يعلم إلى أي المنزلين يصير) الخ. اما
علم الميت حين تفارق الروح جسمه بكونه وليا لله أو عدوا، فاما يحصل برفع الجهل
وكشف الغطاء ومعانيه مقاماته، واما يستفيده من قرائن الأحوال من المعاملة
معه معاملة الأحبة والأعزة، أو صغاره وهو انه كما هو الشأن مع الخصم
الألد، والظاهر من ذيل الكلام هو الأول.
(23) وفى أمالي الشيخ: (ورأي إلى ما أعد الله له فيها) الخ. ولعله من
سهو الكتاب، ويقال: شرع - من باب منع - شرعا) للقوم الطريق: أظهره
لهم ونهجه.
112

عند الموت، وعنده يكون اليقين [بيقين خ] قال الله عز اسمه
(الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم
ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) (24) ويقول: (الذين
تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا
نعمل من سوء، بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا
أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) (25).
عباد الله إن الموت ليس منه فوت فاحذروه قبل
وقوعه وأعدوا له عدته، فإنكم طرداء الموت، إن أقمتم
له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم وهو ألزم لكم من
ظلكم، الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تطوى [من]
خلفكم (26) فأكثروا ذكر الموت عندما تنازعكم أنفسكم
إليه من الشهوات، فكفى بالموت واعظا، وكان رسول
الله صلى الله عليه وآله كثيرا ما يوصي أصحابه بذكر الموت
فيقول: (أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات، حائل

(24 و 25) الآية (28 و 29) من سورة النحل: 16
(26) كذا في نهج البلاغة، وهو الظاهر من سياق الكلام.
113

بينكم وبين الشهوات).
يا عباد الله ما بعد الموت لمن لم يغفر له أشد من
الموت، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته،
إن القبر يقول كل يوم: (أنا بيت الغربة، أنا بيت
التربة [التراب خ] أنا بيت الوحشة، انا بيت الدود
والهوام).
والقبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر
النار [النيران خ] إن العبد المؤمن إذا دفن قالت الأرض
له: مرحبا [و] أهلا، قد كنت ممن أحب أن تمشي على
ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنيعي بك (27) فتتسع
له مد البصر، وإن الكافر إذا دفن قالت له: لا مرحبا
ولا أهلا، قد كنت من أبغض من يمشي على ظهري فإذا
وليتك فستعلم كيف صنيعي بك فتضمه حتى يلتقي
أضلاعه، وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه

(27) وفى المحكي عن الغارات: (كيف صنعي بك) الخ وهما بمعنى واحد
وهو العمل والمعاملة مع الشخص. الاحسان.
114

عذاب القبر (28) إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة
وتسعين تنينا فينهشن لحمه (29) ويكسرن عظمه،
ويترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث، لو أن تنينا منها
نفخ في الأرض لم تنبت زرعا أبدا.
إعلموا يا عباد الله أن أنفسكم الضعيفة، وأجسادكم
الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا، فإن
استطعتم أن تنزعوا (30) الأجساد وأنفسكم مما لا طاقة
لكم [به ظ] ولا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحب الله
واتركوا ما كره [الله].
يا عباد الله إن بعد البعث ما هو أشد من القبر، يوم
يشيب فيه الصغير، ويسكر فيه [منه خ] الكبير، ويسقط

(28) كما قال تعالى في الآية (124) من سورة طه: (ومن أعرض عن
ذكري فان له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني
أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى).
(29) يقال: (نهشه - من باب ضرب ومنع - نهشا) نهشه. تناوله
بفمه ليعضه. والمصدر منه على زنة الفلس لا غير.
(30) كذا في النسخة، وفى أمالي الشيخ (فان استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم) الخ.
115

فيه الجنين، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، يوم
عبوس قمطرير، يوم كان شره مستطيرا (31) إن فزع ذلك
اليوم يرهب [ليرهب خ] الملائكة الذين لا ذنب لهم،
وترعد [ترعب خ] منه السبع الشداد والجبال الأوتاد
والأرض المهاد، وتنشق السماء فهي يومئذ واهية، وتتغير
كأنها وردة كالدهان، وتكون الجبال سرابا كثيبا مهيلا
بعد ما كانت صما صلابا (32) وينفخ في الصور فيفزع من
في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله (33) فكيف
من عصى بالسمع والبصر واللسان واليد الرجل والفرج
والبطن، إن لم يغفر الله له ويرحمه من ذلك اليوم،

(31) من قوله (ع): (يوم يشيب فيه الصغير) إلى قوله. (مستطيرا)
مما قد ورد في القرآن الكريم: كما في الآية (17) من سورة المزمل، والآية
الأولى والثانية من سورة الحج، والآية العاشرة من سورة الانسان ج 76.
(32) كذا في أمالي الشيخ الطوسي (ره) وفى المطبوع من أمالي الشيخ المفيد
(وتصير وردة كالدخان، وتكون الجبال كثيبا مهيلا، بعد ما كان صما صلابا)
الخ. وفى نسخة ابن أبي الحديد: (كانت الجبال سرابا، بعد ما كانت صما
صلابا) وهو أظهر.
(33) كذا في أمالي الطوسي وهو الظاهر وفى أمالي الشيخ المفيد: (الا
ما شاء الله) الخ.
116

لأنه يقضي ويصير (34) إلى غيره، إلى نار قعرها بعيد وحرها
شديد، وشرابها صديد، وعذابها جديد، ومقامعها حديد
لا يفتر عذابها ولا يموت ساكنها، دار ليس فيها رحمة
ولا يسمع لأهلها دعوة (35).
واعلموا عباد الله أن مع هذه [هذا خ] رحمة الله [التي]
لا تعجز عن العباد، جنة عرضها السماء والأرض أعدت
للمتقين، لا يكون معها شر أبدا (36) لذاتها لا تمل، ومجتمعها لا يتفرق، وسكانها قد
جاوروا الرحمان، وقام بين أيديهم الغلمان، بصحاف من

(34) كذا في النسخة المطبوعة من أمالي الطوسي، ويساعد رسم الخط
على قراءته (يمضي) أيضا، ولعل (يمضي) أظهر، وفى أمالي الشيخ المفيد
هكذا: (ان لم يغفر الله له ويرحمه من ذلك اليوم لا يقضي ويصير) الخ.
(35) وفى النهج: (ولا تسمع فيها دعوة، ولا تفرج فيها كربة).
(36) كذا في أمالي الشيخ المفيد والطوسي، وفى البحار، وشرح ابن أبي
الحديد، نقلا عن الغارات هكذا: (واعلموا عباد الله ان مع هذا رحمة الله التي
وسعت كل شئ، ولا يعجز عن العباد جنة - وفى ابن أبي الحديد: وجنة -
عرضها كعرض السماء والأرض، خير لا يكون معه شر ابدا وشهوة لا تنفد ابدا
ولذة لا تفنى أبدا: ومجمع لا يتفرق أبدا) الخ. ومعنى (لا تعجز) - من باب
الافعال -: لا تفوت.
117

ذهب فيها الفاكهة والريحان.
ثم اعلم يا محمد بن أبي بكر أني قد وليتك أعظم
أجنادي في نفسي أهل مصر، فإذا وليتك ما وليتك من
أمر الناس فأنت حقيق أن تخاف منه على نفسك، وأن
تحذر منه على دينك، فإن استطعت أن لا تسخط ربك
عز وجل برضا أحد من خلقه فافعل. فإن في الله عز وجل
خلفا من غيره، وليس في شئ سواه خلف منه (37).
اشتد على الظالم وخذ عليه، ولن لأهل الخير وقربهم
واجعلهم بطانتك وإخوانك [وأقرانك خ].
وانظر إلى صلاتك كيف هي فإنك إمام القوم أن
تتمها ولا تخفها (38) فليس من إمام يصلي بقوم يكون

(37)
وفى النهج: (واعلم يا محمد بن أبي بكر - إلى أن قال - فأنت
محقوق أن تخالف على نفسك، وان تنافح عن دينك ولو لم يكن لك الا ساعة
من الدهر، ولا تسخط الله برضا أحد من خلقه، فان في الله خلفا من غيره).
(38) وفى أمالي الطوسي: (وانظر إلى صلاتك كيف هي فإنك امام لقومك
ان تتمها ولا تخففها) الخ. ولا يبعد أن يكون الأصل: (ولا تخفضها) وخفض
الصلاة عبارة عن اسقاط بعض اجزائها أو شرائطها. وان صح لفظ: (ولا تخففها)
فيراد منه أيضا هذا المعنى. ولا ينافي هذا ما ورد من أن رسول الله (ص) كان
من أتم الناس وأخفها صلاة. فان المعنيين مختلفان بالقرينة.
118

في صلاتهم نقصان إلا كان عليه، ولا ينقص من صلاتهم
شئ، وتتمها [وتتممها خ] وتحفظ فيها يكن لك مثل
أجورهم ولا ينقص ذلك من أجرهم شيئا.
ثم انظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة، تمضمض
ثلاث مرات واستنشق ثلاثا واغسل وجهك ثم يدك اليمنى
ثم يدك اليسرى ثم امسح رأسك ورجليك فإني رأيت
رسول الله [صلى الله عليه وآله خ] يصنع ذلك، واعلم
أن الوضوء نصف الايمان، ثم ارتقب [وقت خ] الصلاة
فصلها لوقتها، ولا تعجل بها قبله لفراغ، ولا تؤخرها
عنه لشغل (39)، فإن رجلا سأل رسول الله [صلى الله عليه
وآله خ] عن أوقات الصلاة، فقال رسول الله [صلى الله عليه
وآله]: أتاني جبرئيل فأراني وقت الصلاة حين زالت
الشمس وكانت على حاجبه الأيمن (40) ثم أراني وقت

(39) وفى النهج: (صل الصلاة لوقتها الموقت لها، ولا تعجل وقتها لفراغ
ولا تؤخرها عن وقتها لاشتغال، واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك).
(40) اي عند استقبال القبلة أو نقطة الجنوب، فان القبلة قريبة منها.
119

العصر فكان ظل كل شئ مثله، ثم صلى المغرب حين
غربت الشمس (41) ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق
ثم صلى الصبح فغلس بها والنجوم مشتبكة (42) فصل
لهذه الأوقات، والزم السنة المعروفة، والطريق الواضح.
ثم انظر ركوعك وسجودك فإن رسول الله (صلى الله
عليه وآله خ) كان أتم الناس صلاتا وأخفهم عملا فيها
(بها خ). واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك فمن
ضيع الصلاة فهو لغيرها أضيع (43) أسأل الله الذي يرى
ولا يرى وهو بالمنظر الاعلى، أن يجعلنا وإياك ممن يحب
ويرضى حتى يعيننا وإياك على شكره وذكره وحسن
عبادته وأداء حقه وعلى كل شئ اختار لنا في ديننا

(41) ويتيقن ذلك بذهاب الحمرة المشرقية عن رأس المصلي.
(42) وفى أمالي الشيخ: (فأغلس بها والنجوم مشبكة) الخ.
(43) وهذا مثل قولهم (ع): (الصلاة عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها
وان ردت رد ما سواها) وأما كون الشخص أشد تضييعا لسائر الفروع
الدينية إذا ضيع الصلاة: فهو من القضايا العرفية الكلية الصادقة إذ عدم
الاعتناء بالأهم يلازم عدم الاعتناء بالمهم عرفا.
120

وآخرتنا (44).
وأنتم يا أهل مصر فليصدق قولكم فعلكم وسركم
علانيتكم ولا تخالف ألسنتكم قلوبكم واعلموا أنه لا يستوي
إمام الهدى وإمام الردى، ووصي النبي وعدوه، [ولقد
قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله] (45): (إني لا أخاف
عليكم مؤمنا ولا مشركا، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه،
وأما المشرك فيحجزه الله عنكم بشركه، ولكني أخاف
عليكم المنافق يقول ما تعرفون، ويعمل ما تنكرون).
يا محمد بن أبي بكر اعلم أن أفضل الفقه الورع
في دين الله والعمل بطاعته، وإني أوصيك بتقوى الله في
سر أمرك وعلانيتك، وعلى أي حال كنت عليه، (فإن ظ)
الدنيا دار بلاء ودار فناء، والآخرة دار الجزاء ودار

(44) وفى أمالي الطوسي: (وعلى كل شئ اختار لنا في دنيانا وديننا
وآخرتنا) الخ.
(45) بين المعقفين مأخوذ من نهج البلاغة، وقريب منه جد في المحكي عن
الغارات، ولفظ رسول الله (ص) المنقول في النهج والغارات أحسن مما هنا
وان اتفقا في المعنى، وهذا الحديث رواه أيضا في منية المريد ورواه عنه في الحديث
(21) من الباب (15) من البحار: ج 1، ص 99، ط الكمباني
121

البقاء، فاعمل لما يبقى، واعدل عما يفنى، ولا تنس
نصيبك من الدنيا.
أوصيك بسبع هن جوامع الاسلام: تخش الله (46)
عز وجل ولا تخش الناس في الله، وخير القول ما صدقه
العمل، ولا تقض في أمر واحد بقضاءين مختلفين
فيختلف أمرك وتزيغ عن الحق، وأحب لعامة رعيتك
ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك
وأهل بيتك، فإن ذلك أوجب للحجة، وأصلح للرعية،
وخض الغمرات إلى الحق، ولا تخف في الله لومة لائم،
وانصح المرء إن (إذا) استشارك، واجعل نفسك أسوة
لقريب المسلمين (المؤمنين خ) وبعيدهم.
جعل الله عز وجل مودتنا في الدين، وخلتنا وإياكم
خلة المتقين (47) وأبقى لكم طاعتكم حتى يجعلنا وإياكم
بها إخوانا على سرر متقابلين.

(46) وفى أمالي الطوسي: (أوصيكم بسبع هن من جوامع الاسلام).
(47) هذا هو الصواب: وفى النسخة: (وجعلنا وإياكم حلية المتقين).
122

أحسنوا (يا) أهل مصر موازرة محمد أمير كم واثبتوا
على طاعته تردوا حوض نبيكم [صلى الله عليه وآله خ]
أعاننا الله وإياكم على ما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحديث الثالث من المجلس (31) من أمالي الشيخ المفيد (ره) ص 162
ورواه عنه شيخ الطائفة (ره) في الحديث الأخير، من المجلس الأول من
أماليه ص 16 وكل ما جعلناه بين معقوفين معقبا ب‍ (خ) فهو من أمالي
الشيخ، وكل ما وضعناه بينهما بلا تعقب، فهو مما اجتهدنا فيه، ووثقنا بأنه
لابد منه، ورواه عنهما في الحديث العاشر من تفسير الآية (114) من
سورة هود، من تفسير البرهان: 2، 237 ط 2. وكذلك في البحار:
17، ص 101، وفرق جملاته في الأبواب المناسبة لها في بقية مجلدات
البحار، كالمجلد الثامن عشر، ص 49، والمجلد الخامس عشر، ص 40
والمجلد الثالث ص 128، إلى غير ذلك. ورواه قبلهما السيد الرضي (ره)
في المختار (29) من كتب النهج، الا انه (ره) ذكر اللمع منه - على
عادته من ذكر الا بلغ فالا بلغ من كلامه (ع) من غير ملاحظة الاتصال
والاتساق - ومثله في تحف العقول ص 119، ط النجف ورواه أيضا في
الحديث (12) من الجزء الثاني من بشارة المصطفى ص 52، وقال: أوردناه
بتمامه في كتاب الزهد والتقوى. وبعض فقراته رواه في تنبيه الخواطر،
ص 12، و 489.
123

- 52 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه لمصدقه الذي بعثه لجباية صدقات الانعام
محمد بن يعقوب الكليني قدس الله روحه، عن علي بن إبراهيم، عن
أبيه، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن محمد بن مقرن بن عبد الله بن زمعة
ابن سبيع، عن أبيه عن جده، عن جد أبيه، ان أمير المؤمنين صلوات الله
عليه، كتب له في كتابه الذي كتب له بخطه حين بعثه على الصدقات:
من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست
عنده جذعة وعنده حقه، فإنه تقبل منه الحقة (1)

(1) الجذعة - على زنة القصبة - من الإبل: ما دخلت في السنة الخامسة
سميت بذلك لأنها تجذع أي تسقط مقدم أسنانها، والجمع جذعات، كقصبة
وقصبات، والحقة - كرقة ودقة (: هي التي دخلت في الرابعة، والجمع
حقق - كسدرة وسدر - وإنما سميت حقة لأنها تستحق ان يحمل عليها
وينتفع بها. وبنت اللبون - أو ابنة اللبون: هي التي دخلت في السنة الثالثة
وإنما سميت بذلك لان أمها ولدت غيرها فصارت ذات لبن.
وبنت المخاض: هي التي دخلت في السنة الثانية: وقيل لها: بنت مخاض
لان أمه لحقت بالمخض أي بالحوامل وان لم تكن حاملا. قال الجوهري:
(وابن مخاض - ومثله ابنة مخاض - نكرة فإذا أردت تعريفه أدخلت عليه
الألف واللام الا انه تعريف جنس).
124

ويجعل معها شاتين أو عشرين درهم ومن بلغت عنده
صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنه تقبل
منه الجذعة، ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما
ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده
حقة فإنه تقبل منه الحقة، ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين
درهما، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة
لبون، وعنده ابنة مخاض فإنه تقبل منه ابنة مخاض،
ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته
أبة مخاض وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون،
ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، ومن لم يكن
عنده ابنة مخاض على وجهها (2) وعنده ابن لبون ذكر

(2) أي بأن يكون ما عنده أما أعلى منها - بأن دخلت في السنة الثالثة
فصارت بنت لبون - أو أدون منها - بأن لم يدخل في السنة الثانية.
125

فإنه تقبل منه ابن لبون وليس معه شئ، ومن لم يكن
معه شئ إلا أربعة من الإبل، وليس له مال غيرها فليس
فيها شئ - إلا أن يشاء ربها - فإذا بلغ ماله خمسا من
الإبل ففيها شاة.
الحديث السابع من الباب (22) من كتاب الزكاة من الكافي: ج 3 / 540
126

- 53 -
ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به عبد الله بن عمر
قال القاضي نعمان: وقطع أمير المؤمنين علي عليه السلام العطاء عمن
لم يشهد معه الحرب، وأقامهم مقام اعراب المسلمين، فكتب إليه ابن عمر
يسأله العطاء، فكتب أمير المؤمنين عليه السلام في جوابه:
شككت في حربنا فشككنا في عطائك.
الحديث العاشر من قتال أهل البغي، من كتاب الجهاد، من دعائم الاسلام
ج 1، ص 392، مصر.
- 54 -
ومن كتاب له عليه السلام
في جواب كتاب كتبه إليه أسامة بن زيد
روى ابن أبي الحديد، عن عاصم بن أبي عامر البجلي، عن يحيى بن
عروة بن الزبير، قال: كان أبي إذا ذكر عليا نال منه، وقال لي مرة: يا بني
والله ما أحجم الناس عنه الا طلبا للدنيا (1)، لقد بعث إليه أسامة بن زيد
(أن ابعث إلي بعطائي، فوالله انك لتعلم لو كنت في فم أسد لدخلت معك)

(1) قال يحيى: فكنت أعجب من وصفه إياه بما وصفه به، ومن عيبه
له وانحرافه عنه.
127

فكتب أمير المؤمنين عليه السلام إليه:
إن هذا المال لمن جاهد عليه، ولكن لي مالا بالمدينة فأصب منه ما شئت.
شرح المختار - (57) من الباب الأول من نهج البلاغة، من شرح ابن أبي
الحديد: ج 4 ص 102، ورواه قبله إبراهيم بن محمد الثقفي (ره) في كتاب
الغارات، كما رواه عنه في الحديث (36) من كتاب الجهاد، من مستدرك
الوسائل: ج 2 ص 261، ورواه أيضا في الحديث الثاني من المجلس (43)
من أمالي ابن الشيخ ص 85 ط طهران.
أقول: هذا المضمون المروي بهذين الطريقين هو الراجح عندي وله
مؤيدات، دون ما رواه أبي عمر والكشي (ره) في الحديث الأخير، من ترجمة
أسامة من رجاله ص 41 ط النجف، قال: وجدت في كتاب أبي عبد الله
الشاذاني، قال: حدثني جعفر بن محمد المدائني، عن موسى بن القاسم
العجلي، عن صفوان، عن عبد الرحمان ابن الحجاج، عن أبي عبد الله
[الإمام الصادق] عن آبائه عليهم السلام، قال: كتب [أمير المؤمنين] علي
عليه السلام إلى والي المدينة: لا تعطين سعيدا ولا ابن عمر من الفئ شيئا فأما أسامة بن زيد، فاني قد عذرته في اليمين التي كانت عليه.
ونقله عنه، في الحديث الرابع من الباب (35) من كتاب الايمان من
مستدرك الوسائل: ج 3 ص 57.
وروى ابن سعد في القسم الأول من الجزء الرابع من طبقاته ترجمة
أسامة ص 50 قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن جعفر، قال: أخبرنا سفيان
بن عيينة، عن عمر، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن علي، قال: حدثني
128

حرملة مولى أسامة - قال عمر: وقد رأيت حرملة - قال: أرسلني
أسامة إلى علي فقال: اقرأه السلام وقل له: انك لو كنت في شدق الأسد
لا حببت ان أدخل معك فيه، ولكن هذا امر لم أره. قال: فأتيت عليا فلم
يعطني شيئا، فأتيت الحسن وابن جعفر فأوقرا لي راحلتي.
ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به ما كتبه إليه ابن عباس (ره)
قال نصر بن مزاحم (ره): وكان علي [ع] قد استخلف [عبد الله] ابن
عباس على البصرة، فكتب ابن عباس إلى علي [عليه السلام] يذكر له
اختلاف أهل البصرة [بعد ارتحاله (ع) منها] فكتب (ع) إليه:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن
عباس. أما بعد فالحمد لله رب العالمين وصلى الله على
سيدنا محمد عبده ورسوله.
أما بعد (1) فقد قدم علي رسولك. وذكرت ما
رأيت وبلغك عن أهل البصرة بعد انصرافي (عنهم)
وسأخبرك عن القوم: هم بين مقيم لرغبة يرجوها أو

(1) من هنا إلى آخره ذكره ابن أبي الحديد، دون ما قبله، وهكذا كان
دأب الرواة قبله، فإنهم يذكرون من الكلام ما يعجبهم، وأما البسملة، والحمد
والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله)،: فإنهم كثيرا ما يسقطونه من الكلام،
وهذا هو السر في عدم ذكر البسملة وما يتبعها من الحمد والصلوات في بعض الكلم المروية عن أمير المؤمنين (ع).
129

خائف من عقوبة يخشاها، فأرغب راغبهم بالعدل عليه
والانصاف له والاحسان له، وحل عقدة الخوف عن
قلوبهم، فإنه ليس لأمراء أهل البصرة في قلوبهم
عظم، إلا قليلا منهم، وانته إلى أمري ولا تعده وأحسن
إلى هذا الحي من ربيعة، وكل من قبلك فأحسن إليهم
ما استطعت إن شاء الله والسلام.
وكتب عبيد الله بن أبي رافع في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين.
كتاب صفين ص 105 / ط مصر، وفي ط ص 124، ورواه عنه ابن
أبي الحديد، في شرح المختار (46) من خطب نهج البلاغة: ج 3 / 183
ونقله عنه أيضا المجلسي الوجيه (ره) في البحار: ج 8 ص 475 س 4 عكسا
وص 505 س 7 عكسا. وقريب منه في المختار (43) من لمع كلامه (ع)
في كتاب نزهة الناظر، ص 21 ط النجف.
130

- 55 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه إلى بعض أصحابه واعظا له (1)
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني قدس الله نفسه، عن علي بن
إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي جميلة، قال قال أبو
عبد الله [الإمام الصادق] عليه السلام، كتب أمير المؤمنين عليه السلام
إلى بعض أصحابه يعظه:
أوصيك ونفسي بتقوى من لا تحل معصيته، ولا يرجى
غيره ولا الغنى إلا به، فإن من اتقى الله [عز وجل خ]
عز وقوي، وشبع [وسمع خ] وروي (2) ورفع عقله عن

(1) قال الخليل - على ما حكي عنه -: الوعظ: هو التذكير بالخير في ما
يرق له القلب، والعظة والموعظة: الاسم. وعن الراغب أنه قال: الوعظ زجر مقترن
بتخويف.
(2) الوصية هي التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ، من قولهم:
ارض واصية: متصلة النبات. وقوله (ع): (فان من اتقى الله) علة للوصية
اي من اتقى الله سيعزز بعزة واقعية ربانية لا تزول باذلال الناس، وقوله (ع)
(وقوي - على زنة روي، وهما من باب علم - أي يقوى بقوة ربانية معنوية
لا تشبه القوى البدنية، كما روي عنه (ع) أنه قال: (ما قلعت باب خيبر بقوة
جسمانية، بل بقوة ربانية). وقوله (ع): (وشبع وروي) أي يحصل له
ما يشبعه ويرويه من غير اكتساب، كما قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له
مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب). أو شبع بالعلوم الدينية، وارتوى
بزلال الحكمة الإلهية.
131

أهل الدنيا فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله معاين
الآخرة (3) فأطفأ بضوء قلبه ما أبصرت عيناه من حب
الدنيا، فقذر حرامها وجانب شبهاتها، وأضر [وأخذ خ]
والله بالحلال الصافي إلا مالا بد له، من كسرة يشد بها
صلبه، وثوب يواري به عورته، (4) من أغلظ ما يجد

(3) قوله (ع): (ترفع عقله) على بناء المجهول، أي صار عقله ارفع من
عقولهم. أو أرفع من أن ينظر إلى الدنيا وأهلها ويلتفت إليهم، ويعتني بشأنهم
الا لهدايتهم وارشادهم فبدنه مع أهل الدنيا لكونه من جنس أبدانهم في الصورة
الجسدانية، وعقله وقلبه - لشدة يقينه وتفانيه في حب الله (معاين الآخرة
لتخليته عن العلائق الجسمانية.
(4) من للتبعيض أو البيان، والثاني هو الظاهر، واسناد الابصار إلى الحب
على المجاز. أو نفترض المصدر بمعنى اسم المفعول. أو ان الكلمة: (حب) بكسر الحاء،
قال في القاموس: الحب - بالكسر -: المحبوب، والجمع أحباب. وقوله (ع):
(فقذر حرامها) أي عده قذرا نجسا يجب اجتنابه، أو كرهه يقال: (قذرت
الشئ وتقذرته واستقذرته) - من باب علم وتفعل واستفعل -: كرهته.
وقوله (ع): (وجانب شبهاتها) أي المشتبهات بالحرام من جهة الشبهة
الموضوعية واختلاط الأمور الخارجية كأموال الظلمة، فيكون ارتكابه مكروها
على المشهور، أو المشتبهات بالحرام من جهة الشبهة الحكمية وعدم وضوح
حكمها في الشريعة من جهة فقدان الدليل أو اجماله أو تعارضه، فيكون
اجتنابه مستحبا على المشهور، ولعله (ع) لذلك غير السياق، فقال في الأول:
(فقذر) وفى الثاني: (وجانب) قوله (ع): (وأضر) اما على بناء المعلوم
أو المجهول وعلى الأول فهو كناية من الترك وعدم الاعتناء، وعلى الثاني
فالمعنى: ان يعد نفسه متضررة به، أو يتضرر به لعلو حاله بالحلال الصافي من
الشبهة، فكيف بالحرام والشبهة. هذا ملخص ما افاده المجلسي الوجيه.
والكسرة: القطعة من الشئ المكسور، والجمع: الكسر والكسرات والكسرات.
132

وأخشنه، ولم يكن له فيما لا بد له منه ثقة ورجاء،
فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء، فجد واجتهد
وأتعب بدنه حتى بدت الأضلاع وغارت العينان، فأبدل
الله له من ذلك قوة في بدنه وشدة في عقله، وما ذخر له
في الآخرة أكثر.
فارفض الدنيا فإن حب الدنيا يعمي ويصم ويبكم
ويذل الرقاب، فتدارك ما بقي من عمرك، ولا تقل غدا [أ]
وبعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني
والتسويف حتى أتاهم أمر الله بغتة وهم غافلون، فنقلوا
على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيقة، وقد أسلمهم
الأولاد والأهلون.
فانقطع إلى الله بقلب منيب من رفض الدنيا، وعزم
133

ليس فيه انكسار ولا انخزال، أعاننا الله وإياك على طاعته،
ووفقنا الله وإياك لمرضاته (5).
الحديث الثالث والعشرون من الباب الواحد والستين من كتاب الايمان
والكفر، من أصول الكافي: ج 2 / 136 / ورواه أيضا في تنبيه الخواطر
ج 2 / 505، ورواه عن الكافي في الحديث (40) من الباب (23) من
القسم الثالث من المجلد الخامس عشر من البحار ص (86 / س 16، ورواه
أيضا عن الكافي مستدرك البحار: ج 17 / 303 / س 14.

(5) قوله (ع): (وعزم عطف على قوله: (قلب منيب) والمنيب:
التائب الراجع المقبل إلى الله وقوله (ع): (من رفض الدنيا) كلمة (من)
تعليلية اما للانقطاع أو الإنابة. أو الانكسار: الوهن. والانخزال: التثاقل.
134

- 56 -
ومن كتاب له عليه السلام
ابن إدريس قدس الله نفسه، عن ابن قولويه رحمه الله، عن جميل
[بن دراج رضي الله عنه] قال قال أبو عبد الله [الإمام جعفر بن محمد
الصادق عليهما السلام]: بلغ أمير المؤمنين (ع) موت رجل من أصحابه،
ثم جاء خبر آخر انه لم يمت فكتب (ع) إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإنه قد كان أتانا
خبر ارتاع له إخوانك (1) ثم جاء تكذيب الخبر الأول،
فأنعم ذلك أن سررنا، وإن السرور وشيك الانقطاع،
سيبلغه [يبلغه] عما قليل تصديق الخبر الأول (2) فهل
أنت كائن كرجل قد ذاق الموت وعاين ما بعده فسأل
الرجعة (3) فأسعف بطلبته، فهو متأهب ينقل ما سره من

(1) وفي المحكي عن كتاب المواعظ للعسكري:: (أما بعد انه قد كان أتانا
خبر ارتاع له أصحابك) الخ يقال: (ارتاع له ومنه) أي فزع منه، وتفزع.
(وفى المحكي عن كتاب المواعظ: (فأنعم ذلك ان سرنا، وان السرور
بسبيل الانقطاع، يستتبعه عما قليل تصديق الخبر الأول) الخ
(3) هذا هو الظاهر الموافق للسياق، المعاضد بما في كنز العمال والبحار
وفى المطبوع من السرائر: (يسأل الرجعة) وفى المحكي عن كتاب المواعظ:
(فهل أنت كائن كرجل قد رأى الموت وعاين ما بعده فسأل الرجعة، فأسعف
بطلبته فهو متأهب آئب، ينقل ما يسره من ماله إلى دار قراره) يقال:
(سعفه - من باب منع - بحاجته سعفا واسعفه بها): قضاها له. و (أسعفه
على الامر): أعانه وساعده.
135

ماله إلى دار قراره، لا يرى أن له مالا غيره.
واعلم أن الليل والنهار لم يزالا دائبين في قصر [نقص خ ل] الاعمار (4) وإنفاد الأموال وطي الآجال،
هيهات هيهات قد صبحا عادا وثمود وقرونا بين ذلك
كثيرا (5) فأصبحوا قد وردوا على ربهم وقدموا على أعمالهم،
والليل والنهار غضان جديدان، لا يبليهما ما مرا به، يستعدان
لمن بقي أن يصيباه من أصابا من مضى (6).
واعلم [انك] إنما أنت نظير إخوانك وأشباهك

(4) وفى المحكي عن المواعظ: (دائبين في نقض الاعمار) أقول: معنى
قوله (ع): (دائبين) اي مجدين مستمرين يقال: دأب - من باب منع -
دأبا ودأبا ودؤبا في العمل): جد وتعب واستمر عليه فهو دائب ودؤب، والمصدر
كفلس وفرس وسرور.
(5) وفى المحكي عن المواعظ: (هيهات هيهات قد صحبا عادا) الخ أقول:
وهو أظهر.
(6) اي يبليانه ويهلكانه كما أبليا وأهلكا من كان قبله.
136

مثلك كمثل الجسد (7) قد نزعت قوته، فلم يبق [فيه] إلا
حشاشة نفسه ينتظر الداعي، فتعوذ بالله مما تعظ به ثم
تقصر عنه (8).
المستطرف العشرون من كتاب السرائر، ص 467 ط إيران. ورواه
عنه في الحديث (24) من الباب (4) من أبواب الموت من البحار: ج 3 /
129 / ط الكمباني، وفي ط 3 ص 134 / ج 6. ورواه أيضا في الحديث
(3534) من كنز العمال: ج 8 / 219 ط الهند، نقلا عن العسكري في
كتاب المواعظ.
- 57 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى كعب بن مالك
أما بعد فاستخلف علي عملك واخرج في طائفة
من أصحابك حتى تمر بأرض السواد كورة كورة فتسألهم
عن عمالهم وتنظر في سيرتهم، حتى تمر بمن كان منهم

(7) جملة: (قد نزعت قوته) حالية، اي إنما حالكم كحال الجسد حال
كونه منزوع القوة.
(8) هذا هو الظاهر، وما في نسخة السرائر فهو مصحف.
137

في ما بين دجلة والفرات، ثم ارجع إلى البهقباذات (1)
فتول معونتها، واعمل بطاعة الله في ما ولاك منها.
واعلم أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، وأن
عمل ابن آدم محفوظ عليه، وأنك مجزي بما أسلفت،
وقادم على ما قدمت من خير، فاصنع خيرا تجد خيرا.
كتاب الخراج، ص 141. والمختار (548) من جمهرة الرسائل: ج 1
ص 603 ط 1.

(1) قيل: هي اسم لثلاث كور ببغداد من أعمال سقي الفرات، منسوبة
إلى قباذ بن فيروز.
138

- 58 -
ومن كتاب له عليه السلام
لمخنف بن سليم الأزدي
قال القاضي نعمان (ره): واستعمل [أمير المؤمنين] عليه السلام
مخنف بن سليم على صدقات بكر بن وائل، وكتب له عهدا كان فيه:
فمن كان من أهل طاعتنا من أهل الجزيرة وفيما
بين الكوفة وأرض الشام، فادعى أنه أدى صدقته إلى
عمال الشام - وهو في حوزتنا ممنوع قد حمته خيلنا
ورجالنا - فلا تجز له ذلك - وإن كان الحق على ما زعم (1)،
فإنه ليس له أن ينزل بلادنا ويؤدي صدقة ماله إلى عدونا.
الحديث السابع من باب دفع الصدقات، من دعائم الاسلام: ج 1،
ص 259.

(1) أي وإن كان دفع صدقته إلى عمال الشام، وهو صادق فيما يقول.
139

- 59 -
ومن كتاب له عليه السلام
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه، عن ابن محبوب
عن مالك بن عطية، عن أبيه، عن سلمة بن كهيل، قال: أتي أمير المؤمنين
عليه السلام برجل قد قتل رجلا خطأ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:
من عشيرتك وقرابتك؟ فقال: ما لي بهذه البلدة ولا قرابة. قال: فقال
فمن اي أهل البلدان أنت؟ فقال: أنا رجل من أهل الموصل ولدت بها
ولي بها قرابة وأهل بيت. قال: فسأل عنه أمير المؤمنين عليه السلام فلم
يجد له بالكوفة قرابة ولا عشيرة، فكتب إلى عامله على الموصل:
أما بعد فإن فلان بن فلان وحليته كذا وكذا (1)
قتل رجلا من المسلمين خطأ فذكر أنه رجل من الموصل (2)
وأن له بها قرابة وأهل بيت، وقد بعثت به إليك مع رسولي
فلان بن فلان وحليته كذا وكذا، فإذا ورد عليك إن شاء
الله وقرأت كتابي فافحص عن أمره وسل عن قرابته من
المسلمين، فإن كان من أهل الموصل ممن ولد بها وأصبت

(1) عدم التصريح باسم القاتل ونعته اما لعدم تعلق الغرض به، أو لجهل
الراوي أو نسيانه مشخصاته.
(2) وفى دعائم الاسلام: (وقد ذكر انه رجل من أهل الموصل) الخ.
140

له بها قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك ثم انظر، فإن
كان منهم رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن
ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية، وخذه بها نجوما (3)
في ثلاث سنين، فإن لم يكن له من قرابته أحد له سهم
في الكتاب وكانوا قرابته (كذا) سواء في النسب، وكان
له قرابة من قبل أبيه وأمه في النسب سواء، ففض الدية
على قرابته من قبل أبيه وعلى قرابته من قبل أمه من
الرجال المدركين المسلمين (4) ثم اجعل على قرابته من
قبل أبيه ثلثي الدية، واجعل على قرابته من قبل أمه

(3) وفى دعائم الاسلام: (فإذا ورد عليك إن شاء الله، وقرأت كتابي هذا
فافحص عن أمره وسل عن قرابته من المسلمين فاجمعهم إليك، ثم انظر فإن كان
منهم رجل يرثه، له سهم في كتاب الله لا يحجبه عن ميراثه أحد) الخ.
ومعنى قوله (ع): (نجوما) اي في أوقات معينة.
(4) وفى دعائم الاسلام: (وان لم يكن له من قرابته أحد له سهم في الكتاب
وكان قرابته سواء في النسب، وكان له قرابة من قبل أبيه وقرابته (كذا)
من قبل أمه سواء في النسب فاقض الدية على قرابته من قبل أبيه وعلى قرابته
من قبل أمه من الرجال المذكورين من المسلمين) وقوله (ع): (ففض الدية)
فرقه وقسمه عليهم. وهو من باب (مد) وأما على رواية الدعائم فهو مأخوذ
من قولهم: (قضى الامر له) حكم به عليه وأوجبه وألزمه به. وهو من
باب (رمى).
141

ثلث الدية (5) وإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ففض
الدية على قرابته من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين
ثم خذهم بها واستأدهم الدية في ثلاث سنين (6) فإن
لم يكن له قرابة من قبل أمه ولا قرابة من قبل أبيه ففض
الدية على أهل الموصل ممن ولد بها ونشأ، ولا تدخلن
فيهم غيرهم من أهل البلد (7) ثم استأد ذلك منهم في
ثلاث سنين في كل سنة نجما حتى تستوفيه إن شاء الله،
وإن لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل
ولا يكون من أهلها وكان مبطلا فرده إلي مع رسولي فلان
ابن فلان إن شاء الله فأنا وليه والمؤدي عنه، ولا أبطل
دم امرء مسلم (8).

(5) وفى الدعائم: (على قرابته من قبل أمه من الرجال ثلث الدية)
(6) وفى الدعائم: (من الرجال المذكورين من المسلمين) الخ ومعنى
قوله (ع): (استادهم الدية): خذها منهم. من قولهم: (استأدي المال)
اخذه.
(7) وفى الدعائم (وان لم يكن له قرابة من قبل أبيه ولا قرابة من قبل أمه
فاقض الدية على أهل الموصل ممن ولد بها، ولا تنأ، ولا تدخل فيهم غيرهم
من أهل البلدان، ثم استأد ذلك منهم في ثلاث سنين في كل سنة نجما حتى
تستوفي إن شاء الله) الخ.
(8) وفى الدعائم: (وان لم يكن لفلان بن فلان من قرابة من أهل الموصل
ولم يكن من أهلها فاردده إلي مع رسول فلان، فأنا وليه المؤدي عنه. لا يطل
دم امرئ مسلم). يقال: (طل الدم - من باب منع - طلا، وطل وأطل
- والثانيان على بناء المجهول -: هدر أو لم يثأر له، فهو طليل ومطلول ومطل.
وأطل الدم: أهدره.
142

الحديث الثاني من الباب (53) من كتاب الديات من الكافي: ج 7 /
365، ورواه أيضا في الحديث الثاني من الفصل الرابع من كتاب الديات - وهو الحديث (1446) - من المجلد الثاني من دعائم الاسلام، ص 412
باختلاف طفيف في بعض ألفاظه، ولعله من تحريفات الكتاب أو المطابع،
ورواه أيضا في أول فصل: قضايا أمير المؤمنين بعد بيعة العامة له (ع) من
مناقب آل أبي طالب: ج 2 / 195 / ط النجف عن الأحكام الشرعية
عن الخراز القمي عن سلمة بن كهيل، قال: أتي أمير المؤمنين (ع) برجل
قتل رجلا خطأ الخ.
143

- 60 -
ومن كتاب له عليه السلام
كان يكتبه إلى ولاته إذا بلغه عن أحد منهم خيانة.
قال أبو عمر: وكان [أمير المؤمنين] عليه السلام يخص بالولايات
أهل الديانات والأمانات، وإذا بلغه عن أحدهم خيانة كتب إليه:
قد جاءتكم موعظة من ربك فأوفوا الكيل والميزان
بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض
مفسدين، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين، وما
أنا عليكم بحفيظ.
إذا أتاك كتابي فاحتفظ بما في يديك من أعمالنا حتى
نبعث إليك من يتسلمه منك.
ثم [كان] عليه السلام يرفع طرفه إلى الماء ويقول:
اللهم إنك تعلم أنى لم آمرهم بظلم خلقك
ولا بترك حقك.
ترجمة أمير المؤمنين (ع) من الاستيعاب: ج 3 ص‍ 1111، ط مصر.
ورواه في الحديث (27) من الباب (107) من البحار: ج 41 ط الجديد
ص 119، عن مطالب السئول ص 93. ثم قال أبو عمر: وخطبه
(عليه السلام) ومواعظه ووصاياه لعماله كثيرة مشهورة، وهي حسان كلها
144

يطول الكتاب بذكره.
أقول: وللكتاب شواهد ومصادر تأتي بعد ذلك ورواه في الحديث (27)
من الباب (107)
من البحار ج 41، ط الحديثة، ص 119، عن مطالب
السئول ص 93.
- 61 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى بعض عماله
روى اليعقوبي (ره) عن الزهري قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز
يوما فبينما أنا عنده إذ أتاه كتاب من عامل له، يخبره ان مدينته قد احتاجت
إلى مرمة (1) فقلت له ان بعض عمال [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب
(عليه السلام) كتب إليه بمثل هذا، فكتب (ع) إليه:
أما بعد فحصنها بالعدل، ونق طرقها من الجور (2)
[فإنه مرمتها والسلام] (3).
ترجمة عمر بن عبد العزيز من تاريخ اليعقوبي: ج 3، ص 51، ط
النجف.
وقال ابن عساكر - في ترجمة عمر بن عبد العزيز، من تاريخ دمشق

(1) المرمة: الاصلاح، من قولهم: رم البنا - من باب فر - ومد - رما ومرمة -:
أصلحها.
(2) وفى رواية ابن عساكر: (ونق طرقها من الظلم).
(3) بين المعقوفين ليس في تاريخ اليعقوبي وإنما هو في رواية ابن عساكر
فان قيل: لا يستفاد من رواية ابن عساكر أن هذه الألفاظ لأمير المؤمنين (ع)
فكيف زدت على ألفاظه (ع) ونسبتها إليه (ع) قلت: أما أنا فلا يعتريني شك
في أنها له (ع) فان كنت اهلا فخذها وكن من الشاكرين، والا فسلام عليك
فامض عني بسلام، ولا تغفل عما نصبنا من القرينة في الكلام.
145

ج 41 / 451 -: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، أنبأنا رشا بن نظيف
أنبأنا الحسن بن إسماعيل، أنبأنا أحمد بن مروان، أنبأنا محمد بن عبد العزيز
قال: سمعت ابن عايشة يقول: كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه:
أما بعد فإن مدينتنا قد خربت، فان رأى أمير المؤمنين ان يقطع لنا مالا
نرمها به. فوقع [عمر بن عبد العزيز] في كتابه: أما بعد فحصنها بالعدل
- إلى آخر ما تقدم -.
- 62 -
ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به ما كتبه إليه بعض مواليه
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني عطر الله تربته، عن علي بن إبراهيم
عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله
[الإمام جعفر الصادق] عليه السلام، قال: ان مولى لأمير المؤمنين عليه
السلام سأله مالا، فقال (عليه السلام) يخرج عطائي فأقاسمك هو، فقال:
لا اكتفي، وخرج إلى معاوية [فأعطاه جائزة سنية، ومالا كثيرا] فكتب إلى
أمير المؤمنين عليه السلام يخبره بما أصاب من المال، فكتب إليه أمير المؤمنين
عليه السلام:
أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك
وهو صائر إلى أهله بعدك (1) وإنما لك منه ما مهدت لنفسك،

(1) وفى نهج البلاغة: (أما بعد فان الذي في يدك من الدنيا قد كان له أهل
قبلك، وهو صائر إلى أهل بعدك وإنما أنت جامع لاحد رجلين: رجل عمل
فيما جمعته بطاعة الله فسعد بما شقيت به أو رجل عمل فيه بمعصية الله
فشقيت بما جمعت له) الخ.
146

فآثر نفسك على صلاح ولدك، فإنما أنت جامع لاحد رجلين:
إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت، وإما رجل
عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له، وليس من هذين
أحد بأهل أن تؤثره على نفسك و [لا أن] تبرد له على
ظهرك (2) فارج لمن مضى رحمة الله، وثق لمن
بقي برزق الله.
الحديث (28) من روضة الكافي ص 72، وقريب منه في المختار (416)
من قصار نهج البلاغة الا انه لم يذكر انه كتب (ع) إلى بعض مواليه. ونقله
عن الكافي في البحار: ج 8 / 587 س 1، وهو المختار الأول من كتب المستدرك.

(2) وفى المستدرك: (وتحمل له على ظهرك) الخ. وفى نهج البلاغة
(ولا أن تحمل له على ظهرك، فارج لمن مضى رحمة الله، ولمن بقي رزق الله)
وقال في النهاية: (برد لي على فلان حق): ثبت. والفعل من باب نصر.
147

- 63 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية بن أبي سفيان
من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
إلى معاوية بن أبي سفيان.
[أما بعد ف‍] إن تبارك وتعالى ذا الجلال والاكرام
خلق الخلق، واختار خيرة من خلقه، واصطفى صفوة
من عباده، يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان
الله وتعالى عما يشركون (1) فأمر الامر وشرع الدين وقسم
القسم على ذلك (2) وهو فاعله وجاعله، وهو الخالق وهو
المصطفى وهو المشرع وهو الفاعل لما يشاء، له الخلق
وله الامر، وله الخير والمشية والإرادة والقدرة والملك

(1) اقتباس من الآية 68) من سورة القصص: (28).
والخيرة - في الأول بكسر الخاء وسكون الياء وفتحها -: الأفضل. والثاني
بمعنى الاختيار.
(2) اي على مشيئته وخيرته دون خيرة الخلق ومشيئتهم.
148

والسلطان، أرسل رسوله وخيرته وصفوته بالهدى ودين
الحق وأنزل عليه كتابه فيه تبيان كل شئ من شرائع
دينه فبينه لقوم يعلمون، وفيه فرض الفرائض، وقسم
فيه سهاما أحل بعضها لبعض وحرم بعضها لبعض، بينها
يا معاوية إن كنت تعلم الحجة وضرب أمثالا لا يعلمها
إلا العالمون (3) فانا سائلك عنها أو بعضها إن كنت تعلم،
واتخذ الحجة بأربعة أشياء فما هي يا معاوية ولمن هي،
واعلم أنهن حجة لنا أهل البيت على من خالفنا ونازعنا
وفارقنا وبغى علينا، والمستعان الله، عليه توكلت وعليه
فليتوكل المتوكلون، وكان جملة تبليغه رسالة ربه فيما
أمره وشرع وفرض وقسم جملة الدين (4) يقول الله:
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [62 - النساء 4]
هي لنا أهل البيت، ليست لكم، ثم نهى عن المنازعة

(3) إشارة إلى قوله تعالى - في الآية (42) من سورة العنكبوت: (29) -
(وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون).
(4) كذا في النسخة، قال المجلسي العظيم (ره): (كان (لفظ النسخة)
يحتمل الجيم، والحاء المهملة، فعلى الأول لعله بدل أو عطف بيان أو تأكيد
لقوله: (جملة تبليغه) وقوله: (يقول الله) بتأويل المصدر، خبر.
149

والفرقة، وأمر بالتسليم والجماعة، فكنتم أنتم القوم الذين
أقررتم لله ولرسوله وبدا لكم (5) فأخبركم الله أن محمدا
لم يك أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم
النبيين (6) وقال عز وجل: (أفإن مات أو قتل انقلبتم
على أعقابكم) [144 - آل عمران: 3] فأنت وشركاؤك
يا معاوية القوم الذين انقلبوا على أعقابهم وارتدوا ونقضوا
الامر والعهد فيما عاهدوا الله ونكثوا البيعة ولم يضروا الله
شيئا، ألم تعلم يا معاوية أن الأئمة منا [و] ليست منكم،
وقد أخبركم الله أن أولي الأمر [هم المستنبطون للعلم (7)]
فمن أوفى بما عاهد عليه يجد الله موفيا بعهده، يقول الله:
(أوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون) [40 - البقرة 2]
وقال عز وجل: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من

(5) هذا هو الظاهر من السياق، أو كلمة: (بدلتم). وفى النسخة:
(وبدلكم).
(6) إشارة إلى الآية: (40) من سورة الأحزاب: 33.
(7) هذا هو الظاهر، وفى النسخة: (وقد أخبركم الله ان أولي الأمر
المستنبطي العلم) وهذا الخبر هو الآية (82) من سورة النساء: (4) وهي:
(ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) الخ.
150

فضله، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم
ملكا عظيما) [35 - النساء 4] وقال للناس بعدهم: (فمنهم
من آمن ومنهم من صد عنه) [58 - النساء] فتبوأ مقعدك
من جهنم وكفى بجهنم سعيرا، نحن آل إبراهيم ا
لمحسودون وأنت الحاسد لنا، خلق الله آدم بيده ونفخ
فيه من روحه، وأسجد له الملائكة وعلمه الأسماء كلها،
واصطفاه على العالمين، فحسده الشيطان فكان من الغوين،
ونوحا حسده قومه إذ قالوا: (ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل
مما تأكلون ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم
إنكم إذا لخاسرون] [34 و 35 - المؤمنون: 23] قالوا ذلك
حسدا أن يفضل الله من يشاء، ويختص برحمته من يشاء،
ومن قبل ذلك ابن آدم قابيل قتل [أخاه] هابيل حسدا
فكان من الخاسرين (8) وطائفة من بني إسرائيل (9) إذ قالوا

(8) إشارة إلى ما ذكر الله تعالى في الآية (33) من سورة المائدة: (5).
(9) كأنه عطف على قوله: (ومن قبل ذلك ابن آدم قابيل) الخ، اي
ومن قبل ذلك طائفة من بني إسرائيل حسدوا أميرهم ونازعوا كبيرهم، ومن
قوله: (إذ قالوا لنبي لهم - إلى قوله -: أحق بالملك منه) مأخوذ من الآية
(227) من سورة البقرة: 2.
151

لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، فلما بعث
الله لهم طالوت ملكا حسدوا وقالوا: أنى يكون له الملك علينا،
وزعموا أنهم أحق بالملك منه، كل ذلك نقص عليك من
أنباء ما قد سبق، وعندنا تفسيره وعندنا تأويله وقد خاب
من افترى، ونعرف فيكم شبهه وأمثاله وما تغن الآيات
والنذر عن قوم (كذا) لا يؤمنون فكان نبينا صلى الله عليه
وآله فلما جاءهم كفروا به حسدا من عند أنفسهم أن
ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، حسدا من القوم
على تفضيل بعضنا على بعض.
ألا ونحن أهل البيت آل إبراهيم المحسودون
حسدنا كما حسد آباؤنا من قبل [من قبلنا خ ل] سنة
ومثلا، قال الله [تعالى]: (وآل إبراهيم وآل لوط وآل
عمران وآل يعقوب وآل موسى وآل هارون وآل
داود) فنحن آل نبينا محمد صلى الله عليه وآله،
ألم تعلم يا معاوية أن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه
وهذا النبي والذين آمنوا [48 - آل عمران] ونحن أولوا
152

الأرحام، قال الله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم
أولى ببعض في كتاب الله [6 - الأحزاب: 33] نحن أهل
بيت اختارنا الله واصطفانا وجعل النبوة فينا والكتاب
لنا والحكمة والعلم والايمان وبيت الله ومسكن إسماعيل
ومقام إبراهيم، فالملك لنا - ويلك - يا معاوية، ونحن
أولى بإبراهيم ونحن آله وآل عمران وأولى بعمران وآل
لوط وأولى بلوط وآل يعقوب ونحن أولى بيعقوب، وآل
موسى وآل هارون، وآل داود وأولى بهم وآل محمد وأولى
به، ونحن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا (10) ولكل نبي دعوة في خاصة نفسه
وذريته وأهله ولكل نبي وصية في آله (كذا).
ألم تعلم أن إبراهيم أوصى ابنه يعقوب (كذا)
ويعقوب أوصى بنيه إذ حضره الموت (11) وإن محمدا

(10) إشارة إلى ما ذكر الله تعالى في شأنهم في الآية (33) من سورة الأحزاب:
33: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
(11) كما في الآية (132) أو بعدها من سورة البقرة: 2.
153

أوصى إلى آله سنة إبراهيم والنبيين اقتداء بهم كما أمره
الله، لبس لك منهم ولا منه سنة النبيين، وفي هذه الذرية
التي (بعضها) من بعض قال الله لإبراهيم (12) وإسماعيل
وهما يرفعان القواعد من البيت -: (ربنا واجعلنا مسلمين
لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك (122 - البقرة: 2) فنحن الأمة
المسلمة، وقالا: (ربنا وابعث فيهم رسولا يتلو عليهم
آياتك (123 - البقرة: 2) فنحن أهل هذه الدعوة ورسول
الله منا ونحن منه، وبعضنا من بعض، وبعضنا أولى ببعض
في الولاية والميراث ذرية بعضها من بعض والله سميع
عليم (13) وعلينا نزل الكتاب وفينا بعث الرسول، وعلينا
تليت الآيات، ونحن المنتحلون للكتاب (كذا) والشهداء
عليه، والدعاة إليه، والقوام به، فبأي حديث بعده
يؤمنون أفغير الله يا معاوية تبغي ربا، أم غير كتابه (تبغي)

(12) كذا في النسخة، فان صح ما فيها فلعل اللام في قوله: (لإبراهيم)
بمعنى (عن) اي قال الله حكاية عن إبراهيم وإسماعيل، حيث قالا - وهما
يرفعان القواعد من البيت -: ربنا واجعلنا الخ
(13) إشارة إلى قوله تعالى في الآية (31) من سورة آل عمران: 3.
154

كتابا، أم غير الكعبة - بيت الله ومسكن إسماعيل ومقام
أبينا إبراهيم - تبغي قبلة، أم غير ملته تبغي دينا،
أم غير الله تبغي ملكا فقد جعل الله ذلك فينا، فقد أبديت
عداوتك لنا وحسدك وبغضك ونقضك عهد الله، وتحريفك
آيات الله وتبديلك قول الله، قال الله لإبراهيم: (إن [الله]
اصطفى لكم الدين) (126 - البقرة: 2) أفترغب عن ملته
وقد اصطفاه الله في الدنيا وهو في الآخرة من الصالحين،
أم غير [الله] تبغي حكما أم غير المستحفظ منا تبغي
إماما، الإمامة لإبراهيم وذريته، والمؤمنون تبع لهم
لا يرغبون عن ملته، قال (الله تعالى عن إبراهيم): (فمن
تبعني فإنه مني) (36 - إبراهيم: 14).
أدعوك يا معاوية إلى الله ورسوله وكتابه وولي أمره
والحكيم من آل إبراهيم، وإلى الذي أقررت به - زعمت -
إلى الله (كذا) والوفاء بعهده، وميثاقه الذي واثقكم به
إذ قلتم سمعنا وأطعنا ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا
من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم، ولا تكونوا كالتي
155

نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا
بينكم أن تكون أمة هي أربي من أمة [93 - النحل: 16]
فنحن الأمة الأربى، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم
لا يسمعون، اتبعنا واقتد بنا فإن ذلك لنا آل إبراهيم
مفترض، فإن الأفئدة من المؤمنين والمسلمين تهوي إلينا،
وذلك دعوة المرء المسلم (14) فهل تنقم منا إلا أن
آمنا بالله وما أنزل إلينا واقتدينا واتبعنا ملة إبراهيم صلوات
الله عليه وعلى محمد وآله.
البحار: ج 8 ص 553 ط الكمباني، نقلا عن الغارات، وأشار إليه في
الحديث (813) من النصوص العامة على امامة أمير المؤمنين عليه السلام من
كتاب اثبات الهداة: ج 3، ص 95، ط 1.

(14) المراد ب‍ (المرء المسلم) هو إبراهيم النبي عليه السلام الذي أسلم
وجهه لله تعالى.
156

- 64 -
ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به معاوية لما كتب إليه يعيره من اكثاره ذكر الأنبياء وتكثيره
وتكريره نعت إبراهيم وكونه من آبائه، وانه ما فضل قرابته وحقه، وانه
أين وجد إمامته وفضله في كتاب الله (1).
أما الذي عيرتني به يا معاوية من كتابي وكثرة
ذكر آبائي إبراهيم وإسماعيل والنبيين، فإنه من أحب
آباءه أكثر ذكرهم، فذكرهم حب الله ورسوله، وأنا
أعيرك ببغضهم فإن بغضهم بغض الله ورسوله، وأعيرك
بحبك آباءك وكثرة ذكرهم فإن حبهم كفر.
أما الذي أنكرت من نسبي من إبراهيم وإسماعيل
وقرابتي من محمد صلى الله عليه وآله وفضلي وحقي
وملكي وإمامتي فإنك لم تزل منكرا لذلك، لم يؤمن
به قلبك، ألا وإنا أهل البيت كذلك، لا يحبنا كافر
ولا يبغضنا مؤمن.

(1) هذا محصل كتاب معاوية، وهو منقول بألفاظه في البحار،
157

والذي أنكرت من قول الله عز وجل: (فقد آتينا
آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما [55
- النساء: 4] فأنكرت أن تكون فينا فقد قال الله:
(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله [6 - الأحزاب 33]
ونحن أولى به.
والذي أنكرت من إمامة محمد (ص) (كذا) وزعمت
أنه كان رسولا ولم يكن إماما. فإن انكارك على جميع
النبيين الأئمة (كذا)، ولكنا نشهد أنه كان رسولا نبيا
إماما صلى الله عليه وآله، ولسانك دليل على ما في قلبك،
وقال الله تعالى: (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن
لن يخرج الله أضغانهم، ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم
بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم)
[30 - محمد: 47].
ألا وقد عرفناك قبل اليوم وعداوتك وحسدك وما في
قلبك من المرض الذي أخرجه الله.
158

والذي أنكرت من قرابتي وحقي فأن سهمنا وحقنا
في كتاب الله قسمه لنا مع نبينا قفال: (واعلموا أنما
غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى)
[42 - الأنفال: 8] وقال (تعالى): (وآت ذا القربى حقه)
[27 - بني إسرائيل: 17] [أ] وليس وجدت سهمنا مع
سهم الله ورسوله، وسهمك مع الأبعدين لا سهم لك إذ
[ا ن خ ل] فارقته، فقد أثبت الله سهمنا وأسقط سهمك
بفراقك.
وأنكرت إمامتي وملكي فهل تجد في كتاب الله قوله
لآل إبراهيم: (واصطفاهم على العالمين) [30 - آل عمران 3]
فهو فضلنا على العالمين، أو تزعم أنك لست من العالمين،
أو تزعم أنا لسنا من آل إبراهيم فإن أنكرت ذلك لنا
فقد أنكرت محمدا صلى الله عليه وآله، فهو منا ونحن منه،
فإن استطعت أن تفرق بيننا وبين إبراهيم صلوات الله عليه
وآله، وإسماعيل ومحمد وآله في كتاب الله فافعل.
باب كتبه (ع) إلى معاوية من البحار ج 8 / 554، ط الكمباني.
159

- 65 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية
قال الحافظ ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم المستملي [المبتهلي خ]
أنبأنا أبو بكر البيهقي، أنبأنا أبو عبد الله الشحامي الحافظ، حدثني أبو
منصور محمد بن عبد الله الفقيه الزاهد، أنبأنا أبو عمرو أحمد بن محمد
النحوي، بأسناد له ان يحيى بن خالد البرمكي لما حبس كتب من الحبس
إلى الرشيد: ان كل يوم يمضي من بؤسي يمضي من نعمتك مثله، والموعد
المحشر، والحكم الديان، وقد كتبت إليك بأبيات كتب بها أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان:
أما والله إن الظلم شوم * وما زال المسئ هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي * وعند الله تجتمع الخصوم
تنام ولم ينم عنك المنايا * تنبه للمنية يا نئوم
لامر ما تصرمت الليالي * لامر ما [تقلبت النجوم] (1)
ترجمة الامام أمير المؤمنين (ع) من تاريخ دمشق: ج 38 / ص 55 /
وفي نسخة ص 120.

(1) بين المعقفين مما أضفناه بمناسبة السياق، لان النسخة كانت ملحونة
أو محرفة هكذا: (لامر ما نحوه يوم). وفى الديوان المنسوب إليه (ع)
المطبوع ببولاق سنة 1251 ه‍: لامر ما تحركت النجوم. وفيه زيادات كثيرة
واختلاف في الترتيب والألفاظ ولذلك ننقلها حرفيا:
اما والله ان الظلم شؤم * ولا زال المسئ هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي * وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا * غدا عند المليك من الظلوم
ستنقطع اللذاذة عن أناس * من الدنيا وتنقطع الهموم
لامر ما تصرفت الليالي * لامر ما تحركت النجوم
سل الأيام عن أمم تقضت * ستخبرك المعالم والرسوم
تروم الخلد في دار المنايا * فكم قد رام مثلك ما تروم
تنام ولم تنم عنك المنايا * تنبه للمنية يا نؤوم
لهوت عن الفناء وأنت تفنى * فما شئ من الدنيا يدوم
تموت غدا وأنت قرير عين * من العضلات (كذا) في لجج تعوم
160

- 66 -
ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به معاوية لما كتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام زهوا وافتخارا:
(ان لي فضائل كثيرة كان أبي سيدا في الجاهلية، وانا صهر رسول الله وكاتب
الوحي) فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أعلي يفتخر ابن آكلة الأكباد
[أبا لفضائل يبغي علي ابن رأس الأحزاب] (1) يا غلام اكتب إليه:

(1) آكلة الأكباد هي هند أم معاوية، فإنها التقمت كبد حمزة عم النبي (ص)
لما استشهد، جاءت إلى جثمانه الشريف فنكلت به وقطعت مذاكيره فعلقتها على
عنقها.
ورأس الأحزاب هو أبو سفيان أبو معاوية، أنظر تفسير سورة آل عمران
أو سورة الأحزاب، أو وقعة بدر وأحد والخندق من الطبري أو غيره من
التواريخ كي تعلم أن رئيس أحزاب الشرك هو أبو سفيان.
161

محمد النبي أخي وصنوي (2) وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يضحي ويمسي يطير مع الملائكة بن أمي (3)
وبنت محمد سكني وعرسي منوط لحمها بدمي ولحمي (4)

(2) وفى ترجمة شريح القاضي من تاريخ دمشق: 23 / 61: محمد النبي
أخي وصهري، أحب الناس كلهم اليا.
أقول: ان لم يكن ما في هذه الرواية تحريفا أو تعمية، فهو مما صدر عنه (ع)
في قضية أخرى، ومقام اخر، صم أقول وفى ترجمة الامام أمير المؤمنين (ع) من
تاريخ دمشق ج 38 / 89، وفى نسخة ص 140، وعن الزرندي وابن أبي الحديد:
محمد النبي أخي وصهري الخ.
أقول: الصنو - كفلس وقفل وحبر - الأخ. الشقيق. العم. وإذا خرجت
نخلتان أو أكثر من أصل واحد فكل واحدة منها هي صنو، والاثنتان صنوان
وصنيان - بتثليث الصاد فيهما، والجمع: صنوان. ويقال: ركيتان صنوان
تنبعان من عين واحدة.
والصهر - كحبر -: القرابة. زوج الابنة أو الأخت جمع أصهار، والمؤنث
صهرة.
(3) يقال: أضحى زيد وأمسى يفعل كذا: يفعله في الضحى - وهو حين
ارتفاع النهار وإشراق الشمس - والمساء - وهو بعد العصر. وإنما قال (ع)
ابن أمي من اجل رعاية الروي.
(4) السكن - كفلس -: أهل البيت والزوجة. وبفتحتين على زنة الفرس
كل ما سكنت إليه واستأنست به. والعرس - كالحبر -: امرأة الرجل.
ومنوط: معلق ومتصل. وفى كنز الفوائد: (مناط) وفى نسخة المجلسي من
الكنز: (مساط). وفى الفصول المختارة ص 70. والديوان واحتجاج الطبرسي
266 والتذكرة الجوزية 115: (مسوط) أي مخلوط. وفى مناقب ابن شهرآشوب
: 2 / 170 مشوب.
162

وسبطا احمد ابناي منها * فأيكم له سهم كسهمي (5)
سبقتكم إلى الاسلام طرا * على ما كان من فهمي وعلمي (6)
فأوجب لي ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم (7)
فويل ثم ويل ثم ويل * لمن يلقى الاله غدا بظلمي (8)
فلما وقف معاوية على الكتاب، قال لبطانته: أخفوا هذا الكتاب،
وإياكم وان يطلع عليه أحد من أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب.

(5) وفى المناقب 170، والتذكرة ومطالب السئول والديوان:
(وسبطا احمد ولداي منها * فمن منكم له سهم كسهمي)
ومثله في الاحتجاج ونظم درر السمطين في الشطر الأول، وفى الاحتجاج
ومطالب السئول في الشطر الثاني:
(فأيكم له سهم كسهمي) وفى نظم درر السمطين:
فهل منه لكم سهم كسهمي.
(6) وفى رواية ابن أبي الحديد: ومحمد بن طلحة
وابن شهرآشوب والكراجكي وابن حجر - على ما حكاه العلامة الأميني مد ظله
عنه - غلاما ما بلغت أوان حلمي) وفى رواية جواهر المطالب: وبعض أخر:
(صغيرا ما بلغت أوان حلمي) وفي رواية الاحتجاج بعد هذا البيت هكذا:
(وصليت الصلاة وكنت طفلا: مقرا بالنبي في بطن أمي) وفى رواية المناقب
بعده هكذا: (انا البطل الذي لن تنكروه: ليوم كريهة وليوم سلم).
(7) وفى كنز الفوائد:
(وأوجب لي الولاء معا عليكم * خليلي يوم دوح غدير خم)
وفى المناقب بعد بيت الولاية هكذا:
وأوصى بي لامته لحكمي * فهل فيكم له قدم كقدمي
(8) وفى مناقب آل أبي طالب هكذا في الشطر الثاني.
(لجاحد طاعتي من غير جرمي) وفى بعض النسخ من الاحتجاج - على
ما قيل - هكذا (لمن يرد القيامة وهو خصمي) وبعده هكذا (انا الرجل
الذي لا تنكروه ليوم كريهة أو يوم سلم) وفى رواية جواهر المطالب هكذا،
(لمن يوم القيامة كان خصمي).
163

أقول: هذه الأبيات مما اتفقت علماء الفريقين على أنها مما كتبها أمير
المؤمنين (ع) إلى معاوية بلا أي غمز فيها، الا ان كل واحد منهم أخذ منها
ما هو شاهد لمقصوده، وأثبت منها مالا يخالف مزعومه من اعتقاده، فرواها
الحافظ ابن شهر أشوب (ره) في فصل قرابته عليه السلام من رسول الله (ص)
من المناقب: ج 2 / 170 / ط إيران، عن المدائني. ورواها الطبرسي (ره)
في فصل احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الاحتجاج: ج 1 / 265
ط 2، عن أبي عبيدة معمر بن مثنى. ورواها قبلهما أبو الفتح الكراجكي:
محمد بن علي بن عثمان (ره) في كنز الفوائد، ص 122 / 233. ورواها
قبله شيخ الأئمة ومعلم الأمة الشيخ المفيد (ره) في الفصول المختارة ص 70.
ورواها سبط ابن الجوزي في آخر الباب الرابع من تذكرته ص 115
عن هشام بن محمد، والزهري. ورواه الزرندي في نظم درر السمطين 97،
وقال: [لما وصل كتاب معاوية إليه (ع)] فقال علي (رض) أعلي يفتخر
ابن آكلة الأكباد، اكتب إليه يا قنبر (ره) ان لي سيوفا بدرية وسهاما هاشمية
قد عرفت مواقع نصالها في أقاربك وعشايرك يوم بدر [و] ما هي من الظالمين
ببعيد، ثم انشد: محمد النبي أخي وصهري الخ. ورواها في جواهر المطالب
في الباب السادس والستين منه - على ما حكاه سيدنا الأمين رضوان الله
عليه في باب الميم من الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (ع) ص 123 وذكر
أيضا في الديوان المنسوب إليه (ع) المطبوع ببولاق سنة 1251 - عن أبي
بكر بن دريد. ورواها في مطالب السئول في الباب الأول منه ص 30 ط
164

النجف، في بيان انه أول من أسلم، قال: وقد ذكر ذلك [أمير المؤمنين] عليه
السلام وأشار إليه في ابيات قالها بعد ذلك بمدة مديدة نقلها عنه الثقات،
ورواها النقلة الاثبات. ثم ذكر الأبيات برمتها كما تقدم. ورواها أيضا ابن
أبي الحديد - في شرح المختار (57) من باب الخطب، في الفصل الذي عقده
لبيان تقدم اسلام علي عليه السلام على كافة المسلمين - في ج 4 من شرح نهج
البلاغة ص 122، الا انه اقتصر على محل شاهده منها.
- 67 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية بن أبي سفيان
قال الحافظ ابن شهرآشوب السروي (ره): ذكر الجاحظ في كتاب
العزة أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى معاوية (1):
غرك عزك، فصار قصار ذلك ذلك (2) فاخش فاحش
فعلك فعلك تهدأ بهذا (3).

(1) هذا نقل بالمعنى، وليس بنص كلامه، إذ لم يحضرني المناقب الآن وإنما
نقلته عن مسودتي عنه سابقا، وقد كنت نقلت عبارته بالمعنى.
(2) القصار - بفتح القاف وضمها أيضا كالقصر - على زنة الفلس والقصارى
- بضم القاف وفتح الراء -: الجهد والغاية. يقال: (قصرك أو قصارك أو
قصارك أو قصاراك أن تفعل كذا) أي غاية جهدك وآخر أمرك وكل مستطاعك
هو أن تفعل كذا.
(3) كذا في البحار نقلا عن المناقب، وفى النسخة المطبوعة من المناقب في
(قم): (فأخش فاحش فعلك، فعلك تهدي بهذا). وكتب في هامشه: وفى
نسخة: (تهدا بهذا).
165

مناقب. آل أبي طالب: ج 2 ص 48 ط قم، في عنوان: (المسابقة بالعلم).
وقريب منه في مطالب السئول ص 176، ط النجف قبيل منظوم كلامه (ع)
ورواه عنه في البحار: ج 17، ص 139، الا انه لم يذكر انه (ع) كتب
به إلى معاوية.
- 68 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية بن أبي سفيان أيضا
أما بعد فإن الدنيا حلوة خضرة ذات زينة وبهجة (1)
لم يصب إليها أحد إلا وشغلته بزينتها عما هو أنفع له
منها (2) وبالآخرة أمرنا، وعليها حثثنا، فدع - يا معاوية -
ما يفنى، واعمل لما يبقى، واحذر الموت الذي إليه
مصيرك، والحساب الذي إليه عاقبتك، واعلم أن الله تعالى

(1) أي ان الدنيا بحلاوتها واخضرار غصونها ونضارتها تغر أهلها وتخدعه.
أقول: الخضر - ككتف -: الأخضر والمؤنث خضراء. والبهجة - بفتح
فسكون -: الحسن. النضارة. السرور. وقوله (ع): (ذات زينة وبهجة)
كالتفسير لقوله: (خضرة) فان الخضرة في حد ذاتها مما يبتهج به الانسان
ويعدها زينة ويتزين بها.
(2) يقال: (صبا يصبو صبوة وصبوة وصبوا كفلسة وقفلة وعتوا) إليه
وله: مال وحن إليه. والذي هو أنفع للذي شغلته الدنيا بزينتها هو الدعة في
الدنيا وسلامة آخرته من الزوال، وبراءة ساحته من الوزر والوبال.
166

إذا أراد بعبد خيرا حال بينه وبين ما يكره، ووفقه لطاعته،
وإذا أراد الله بعد سوءا أغراه بالدنيا وأنساه الآخرة،
وبسط له أمله وعاقه عما فيه صلاحه (3).
وقد وصلني كتابك فوجدتك ترمي غير غرضك،
وتنشد غير ضالتك، وتخبط في عماية، وتتيه في ضلالة
وتعتصم بغير حجة، وتلوذ بأضعف شبهة (4).
فأما سؤالك المتاركة والاقرار لك على الشام،
فلو كنت فاعلا ذلك اليوم، لفعلته أمس.
وأما قولك إن عمر ولاكه. فقد عزل من كان ولاه

(3) يقال: (أغرى الرجل بكذا): حضه عليه. وغراه وغرءا وغرا
- على بناء المجهول من باب علم وفعل وأفعل -: أولع به. ويقال: (عاقه
يعوقه عوقا - كقاله قولا - وعوقه تعويقا وأعاقه إعاقة واعتاقه اعتياقا) عن
كذا: صرفه وثبطه وأخره عنه.
(4) يقال: (نشد من باب ضرب ونصر، والمصدر على زنة الضرب
والانسان والنعمة: - نشدا ونشدانا ونشدة الضالة): نادى وسأل عنها
وطلبها. عرفها. ويقال: - (خبط الشئ - من باب ضرب - خبطا): وطئه
شديدا. وخبط الليل: سار فيه على غير هدى. يقال: إنه يخبط خبط
عشواء: يتصرف في الأمور على غير بصيرة. والعماية والعمية والعمية والعماءة
- كسحابة وأذية ورقية وسماحة -: الغواية. اللجاج.
167

صاحبه (5) وعزل عثمان من كان عمر ولاه، ولم ينصب
للناس إمام إلا ليرى من صلاح الأمة ما قد كان ظهر
لمن [كان] قبله، أو أخفى عنهم عيبه (كذا) والامر
يحدث بعده الامر، ولكل وال رأي واجتهاد.
فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة،
والحيرة المتبعة (6)، مع تضييع الحقائق، واطراح
الوثائق التي هي لله تعالى طلبة (7) وعلى عباده حجة.
فأما إكثارك الحجاج على عثمان وقتلته (8) فإنك
إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك (9) وخذلته حيث

(5) الضمير في (عزل) و (صاحبه) عائد إلى عمر أي فقد عزل عمر ولاة
صاحبه: أبي بكر.
(6) وفى بعض الروايات: (والحيرة المتعبة) من قولهم: (أتعبه): ادخله
في التعب.
(7) الوثائق: جمع الوثيقة - مؤنث الوثيق: المحكم -: ما يعتمد به.
الاحكام في الامر. والطلبة - بفتح الطاء وكسر اللام كفرحة -: ما يطلب.
وبكسر الطاء وسكون اللام: الاسم من المطالبة، يقال: (طالبة طلابا ومطالبة):
طلب منه حقا له عليه. والاسم الطلب - كفرس - والطلبة - كعبرة -.
(8) الحجاج: المخاصمة والمجادلة، وهو مصدر قولهم: (حاجه محاجة
وحجاجا): نازعة. وفى النهج: (فأما اكثارك الحجاج في عثمان وقتلته) الخ.
(9) وهو طلب دمه مكرا وخدعة لتتخذه ذريعة لجمع الناس إلى غرضك
وبلوغ شهواتك من الرئاسة والسيطرة على أموال المساكين، وأعراض الغرة من
المسلمين، واما حيث كان النصر يفيده وهو حي يستنصرك ويستغيث بك فقد
خذلته وأبطأت عنه.
قال ابن أبي الحديد - في شرح هذا الكتاب ج 16، ص 154 -: روى البلاذري
قال: لما أرسل عثمان إلى معاوية يستمده، بعث (معاوية) يزيد بن أسد
القسري - جد خالد بن عبد الله بن يزيد أمير العراق - وقال له: إذا أتيت ذا
خشب فأقم بها ولا تتجاوزها ولا تقل: الشاهد يرى مالا يرى الغائب، فإنني أنا
الشاهد وأنت الغائب قال (البلاذري) فأقام (يزيد بن أسد القسري) بذي
خشب حتى قتل عثمان، فأستقدمه حينئذ معاوية، فعاد إلى الشام بالجيش
الذي كان ارسل معه، وإنما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان فيدعو إلى نفسه.
وكتب معاوية إلى ابن عباس - عند صلح (الامام) الحسن عليه السلام
له - كتابا يدعوه فيه إلى بيعته ويقول له فيه: (ولعمري لو قتلتك بعثمان
رجوت أن يكون ذلك لله رضا، وأن يكون رأيا صوابا، فإنك من الساعين عليه
والخاذلين له، والسافكين دمه، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك مني
ولا بيدك أمان).
فكتب إليه ابن عباس جوابا طويلا يقول فيه: (وأما قولك: (اني من
الساعين على عثمان، والخاذلين له والسافكين دمه، وما جرى بيني وبينك
صلح فيمنعك مني) فأقسم بالله لانت المتربص بقتله، والمحب لهلاكه، والحابس
الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك
ويستصرخ، فما حفلت به حتى بعثت إليه معذرا بأجرة (كذا) وأنت تعلم أنهم
لن يتركوه حتى يقتل، فقتل كما كنت أردت، ثم علمت عند ذلك ان الناس لن
يعدلوا بيننا وبينك فطفقت تنعى عثمان وتلزمنا دمه وتقول: قتل مظلوما. فان
يك قتل مظلوما فأنت أظلم الظالمين، ثم لم تزل مصوبا ومصعدا وجاثما ورابضا تستغوي الجهال، وتنازعنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت (وان أدري لعله
فتنة لكم ومتاع إلى حين) 111 / الأنبياء: 21).
168

كان النصر له، والسلام.
شرح المختار (37) من كتب نهج البلاغة، من شرح ابن أبي الحديد:
ج 26 / 153 / وفي ط ج 4 ص 57، ونقله عنه، تحت الرقم (441) من
جمهرة الرسائل.
169

- 70 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية بن أبي سفيان أيضا
نصر بن مزاحم المنقري (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] عن أبي
روق، ان ابن عمر بن مسلمة الأرحبي أعطاه كتابا في امارة الحجاج بكتاب
من معاوية إلى علي (1). قال: وان أبا مسلم الخولاني (2) قدم إلى معاوية
في أناس من قراء أهل الشام [قبل مسير أمير المؤمنين عليه السلام إلى صفين]
فقالوا [له]: يا معاوية علام تقاتل عليا وليس لك مثل صحبته ولا هجرته
ولا قرابته ولا سابقته.؟ قال لهم: ما أقاتل عليا وأنا ادعي ان لي في الاسلام
مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته، ولكن خبروني عنكم ألستم
تعلمون أن عثمان قتل مظلوما. قالوا: بلي. قال: فليدفع الينا قتلته فنقتلهم

(1) اي أعطاه كتابا كان موسوما ومعروفا بكتاب من معاوية إلى علي (ع).
(2) واسمه عبد الله بن ثوب - بضم المثلثة وفتح الواو، وقيل باشباع
الواو - وقيل: أبو أثوب - بوزن احمر - ويقال: ابن عوف، وابن مشكم.
ويقال: اسمه يعقوب بن عوف. والخولاني نسبة إلى خولان - بفتح الخاء -:
احدى قبائل اليمن، انظر ترجمته من تاريخ دمشق: ج 28 ص 39، وتقريب
التهذيب 612، والمعارف 194.
170

به، ولا قتال بيننا وبينه. قالوا: فأكتب [إليه] كتابا يأتيه [به] بعضنا.
فكتب [معاوية] إلى علي هذا الكتاب، مع أبي مسلم الخولاني، فقدم به
إلى علي (ع)، [فلما قدم أبو مسلم بالكتاب إلى علي عليه السلام فدفع
إليه] ثم قام أبو مسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد فإنك قد قمت بأمر وتوليته، والله ما أحب أنه لغيرك ان أعطيت
الحق من نفسك، ان عثمان قتل محرما مظلوما (3) فأدفع الينا قتلته وأنت
أميرنا، فان خالفك أحد من الناس، كانت أيدينا لك ناصرة، وألسنتنا لك
شاهدة، وكنت ذا عذر وحجة.
فقال له علي (ع): أغد علي غدا فخذ جواب كتابك. فانصرف [أبو
مسلم] ثم رجع من الغد ليأخذ جواب كتابه، فوجد الناس قد بلغهم الذي
جاء فيه، فلبست الشيعة أسلحتها (4) ثم غدوا فملؤوا المسجد وأخذوا
ينادون: كلنا قتل ابن عفان [وأكثروا من النداء بذلك] وأذن لأبي مسلم
فدخل على علي أمير المؤمنين، فدفع إليه جواب كتاب معاوية، فقال له أبو
مسلم: قد رأيت قوما مالك معهم أمر. قال: وما ذاك. قال: بلغ القوم
أنك تريد ان تدفع الينا قتلة عثمان فضجوا واجتمعوا ولبسوا السلاح، وزعموا

(3) محرما: له حرمة وذمة، أو أراد انهم قتلوه في آخر ذي الحجة. وقال
أبو عمرو: أي صائما. ويقال: أراد لم يحل بنفسه شيئا يوقع به فهو محرم.
وبكل هذه التأويلات فسر بيت الراعي الذي أنشده صاحب اللسان: 15 / 13:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما * ودعا فلم أر مثله مقتولا
وانظر خزانة الأدب: 1 / 503 - 504. كذا في هامش كتاب صفين.
(4) وكان في طليعتهم جماعة من المهاجرين والأنصار، من الذين بايعوا النبي
تحت الشجرة، وهم الذين أطلع الله إليهم وقال لهم: اعملوا ما شئتم، فقد
غفرت لكم. إلى غير ذلك مما رواه إخواننا في حق أهل بدر من المهاجرين والأنصار.
171

أنهم كلهم قتلة عثمان. فقال علي: (والله ما أردت ان أدفعهم إليك طرفة
عين، لقد ضربت هذا الامر أنفه وعينه، ما رأيته ينبغي لي ان أدفعهم إليك
ولا إلى غيرك). فخرج [أبو مسلم] بالكتاب وهو يقول: الآن طاب الضراب.
وكان كتاب معاوية إلى علي عليه السلام.
بسم الله الرحمن الرحيم، من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي
طالب، سلام عليك، فاني احمد إليك الله الذي لا إله الا هو.
أما بعد فان الله اصطفى محمد بعلمه، وجعله الأمين على وحيه، والرسول
إلى خلقه، واجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم، فكانوا في منازلهم
عنده على قدر فضائلهم في الاسلام، فكان أفضلهم في اسلامه، وأنصحهم
لله ولرسوله الخليفة من بعده، وخليفة خليفته، والثالث الخليفة المظلوم
عثمان، فكلهم حسدت، وعلى كلهم بغيت، عرفنا ذلك في نظرك الشزر، وفي
قولك الهجر، وفي تنفسك الصعداء، وفي ابطائك عن الخلفاء، تقاد إلى كل
منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع وأنت كاره (5) ثم لم تكن لاحد

(5) يقال: (شزر - من باب ضرب - شزرا الرجل واليه): نظر إليه
بجانب عينه مع اعراض أو اغضب: وهذا بحسب الخارج يكون من أنحاء نظر
العدو إلى عدوه.
والهجر - كقفل -: الكلام القبيح. الافحاش في النطق، الاسم من
الاهجار، يقال: (اهجر بفلان اهجارا) استهزأ به وقال فيه قولا قبيحا.
و (تنفس الصعداء): التنفس الطويل الممدود الذي يخرجه جريح القلب من
رئته القريحة وفؤاده المحروق. و (الفحل): الذكر من كل حيوان. ويستعار
غالبا ويستعمل في الجمل لظهور قوته ومهيب صولته إذا سكر أو أبي عن الانقياد.
و (المخشوش): الذي جعل في أنفه الخشاش - بكسر الخاء - وهو عود يجعل
في عظم أنف الجمل - ويقال له بالفارسية (مهار) على زنة نهار - وهذه
الاعترافات من معاوية وأشباهه - مما تعاضدها الشواهد الكثيرة، والآثار
المتواترة الجمة الغفيرة مما تجعل أساس معاوية - ومن وطده وزرعه له
ومن سقاه ورباه - كشفا جرف هار.
172

منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان، وكان أحقهم ألا تفعل به ذلك في
قرابته وصهره، فقطعت رحمه وقبحت محاسنه وألبت الناس عليه، وبطنت
وظهرت حتى ضربت إليه، آباط الإبل، وقيدت إليه الخيل العراب (6) وحمل
عليه السلاح في حرم رسول الله، فقتل معك في المحلة، وأنت تسمع في داره
الهائعة (7) لا تردع الظن والتهمة عن نفسك فيه بقول ولا فعل، فأقسم صادقا
أن لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه، ما عدل بك من
قبلنا من الناس أحدا (8) ولمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة
لعثمان والبغي عليه، وأخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين (9): ايواؤك
قتلة عثمان، فهم عضدك وأنصارك ويدك وبطانتك، وقد ذكر لي أنك تنصل

(6) ألبت عليه - من باب أفعل -: أفسدت عليه. ويقال: (ألب - من
باب ضرب ونصر - ألبا - كضربا - وألب البابا): جمع. وألب ألبا - من باب
نصر - وتألب تألبا): تجمع وتحشد. و (قيدت): جرت وسيقت.
و (الخيل العراب): كرائم سالمة عن الهجنة. ومثله (الإبل الاعرب والخيل
الاعرب) على زنة أفلس -.
(7) الهائعة: الصيحة، يقال: هاع يهاع هوعا): جزع. القوم بعضهم إلى
بعض: هموا بالوثوب. و (المهوع) و (المهواع): الصياح في الحرب.
(8) يقال: (نهنهه عن الشئ - من باب فعلل نهنهة): كفه عنه وزجره
بالفعل أو القول. وهذا القول من معاوية مما أجمع على كذبه جميع المحدثين
والمؤرخين حتى أنصار معاوية، فان أمير المؤمنين (ع) ذب عن عثمان مرارا الا
أن اعمال عثمان ولعب بني أبيه بالدين والمسلمين جر إليه الويلات. (9) الظنين: المتهم. المعادي لسوء ظنه ولسوء الظن به.
173

من دمه (10) فان كنت صادقا فأمكنا من قتلته نقتلهم به ونحن أسرع الناس
إليك (11) والا فإنه ليس لك ولا لأصحابك الا السيف، والله الذي لا إله
الا هو لنطلبن قتلة عثمان، في الجبال والرمال والبر والبحر، حتى يقتلهم الله،
أو لتلحقن أرواحنا بالله، والسلام.
[فلما قرأ أمير المؤمنين عليه السلام كتابه، أجابه وكتب إليه بما لفظه]:
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير
المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان.
أما بعد فإن أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر
فيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وما أنعم الله به (ظ)
عليه من الهدى والوحي، والحمد الله الذي صدقه
الوعد (12) وتمم له النصر، ومكن له في البلاد، وأظهره

(10) بطانة الرجل: أهله وخاصته. ويقال: (تنصل زيد إلى فلان من
الجناية): خرج وتبرأ عنده منها. و (نصل - من باب نصر، ومنع، والمصدر
- كفلس -: نصلا ونصولا وتنصل من كذا): خرج.
(11) لو كان أمير المؤمنين (ع) يحيي عثمان بما أعطاه الله من استجابة
دعواته وخوارق عاداته ومعجزاته، وعثمان وجميع البرية يدعون معاوية إلى
بيعة أمير المؤمنين (ع) ما كان معاوية يبايع مع مظاهرته بطغام أهل الشام
- ومنافقي أصحابه - على باطله وغيه.
(12) وفى العقد الفريد: (فالحمد لله الذي صدقه) الخ وهو أظهر. ومثله
في شرح ابن أبي الحديد، الا ان فيه: (وأيده بالنصر).
174

على أهل العداء (13) والشنآن من قومه الذين وثبوا به
وشنفوا له (14) وأظهروا له التكذيب، وبارزوه بالعداوة،
وظاهروا على إخراجه وعلى إخراج أصحابه وأهله، وألبوا
عليه العرب وجامعوهم على حربه (15) وجهدوا في أمره
كل الجهد، وقلبوا له الأمور حتى ظهر أمر الله وهم
كارهون (16) وكان أشد الناس عليه ألبة [تأليبا
وتحريضا خ] (17) أسرته والأدنى فالأدنى من قومه إلا من

(13) وفى العقد الفريد: (ومكنه في البلاد، واظهره على الأعادي من قومه
الذين أظهروا له التكذيب، ونابذوه بالعداوة) الخ وفى شرح ابن أبي الحديد:
(وأظهره على أهل العداوة) الخ.
(14) الشنآن - كرمضان -: الحقد. ويقال: (شنف - من باب فرح -
شنفا) فلانا ولفلان: أبغضه. والمصدر على زنة الفرح.
(15) وفى العقد الفريد: (وألبوا عليه العرب، وحزبوا الأحزاب حتى جاء
الحق وظهر أمر الله) الخ أقول: ألبوا عليه العرب: أفسدوهم عليه، حشدوهم
وجمعوهم على حربه. و (حزبوا الأحزاب): جمعوا الأحزاب.
(16) وفى شرح ابن أبي الحديد: (حتى جاء الحق وظهر أمر الله) الخ.
(17) بين المعقوفين مأخوذ من شرح ابن أبي الحديد، وهو أظهر مما في كتاب
صفين: (ألبة) وكأنه مصدر من قولهم: (ألب - من باب ضرب ونصر - ألبا):
تجمع وتحشد.
175

عصمه الله (18).
يا بن هند فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا، ولقد
قدمت فأفحشت إذ طفقت تخبرنا عن بلاء الله تعالى في
نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (19) وفينا، فكنت
في ذلك كجالب التمر إلى هجر، أو كداعي مسدده
إلى النضال.
وذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده
الله بهم (20) فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم
في الاسلام، فكان أفضلهم - زعمت - في الاسلام،
وأنصحهم لله ورسوله الخليفة، وخليفة الخليفة، ولعمري

(18) من قوله: (يا بن هند - إلى قوله - إلى النضال) غير موجود في
نسخة ابن أبي الحديد، والعقد الفريد.
(19) هكذا صنيع ملقدة ابن الزبير - ومن على رأيه - في نقل الصلوات،
قوله (ع): (فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا) أي لقد ادخر لنا الدهر عجبا،
وبخل به عن غيرنا وستره عنه، وهو اخبارك إياي بما صنع. و (مسدد):
معلم الرمي. و (النضال، كالمناضلة: المرامات.
(20) وفى العقد الفريد: (وذكرت أن الله اختار من المسلمين أعوانا أيده
بهم، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الاسلام، فكان أفضلهم
(بزعمك - في الاسلام وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة) الخ.
176

إن مكانهما من الاسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لجرح
في الاسلام شديد (21)، رحمهما الله وجزاهما بأحسن
الجزاء.
وذكرت أن عثمان كان في الفضل ثالثا [تاليا خ]
فإن يكن عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه (22)، وإن يك
مسيئا فسيلقى ربا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره.
ولعمر الله إني لأرجو إذا أعطى الله الناس على قدر
فضائلهم في الاسلام، ونصيحتهم لله ورسوله أن يكون
نصيبنا في ذلك الأوفر (23).
إن محمدا صلى الله عليه [وآله] (24) وسلم، لما

(21) أي ان الذي أصاب الناس في الاسلام بواسطتهما ومن أجلهما شديد.
وفى نسخة ابن أبي الحديد: (فرحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا).
(22) وفى العقد الفريد: (فإن كان محسنا فسيلقى ربا شكورا يضاعف له
الحسنات ويجزيه الثواب العظيم) الخ.
(23) وفى العقد الفريد: (ولعمري اني لأرجو إذا الله أعطى (في) الاسلام
أن يكون سهمنا أهل البيت أوفر نصيب) الخ.
(24) بين المعقفتين مأخوذ من نسخة ابن أبي الحديد، وهو الظاهر، وكذا
كلمة: (له) التالية.
177

دعا إلى الايمان بالله والتوحيد [له] كنا أهل البيت أول
من آمن به، وصدق بما جاء به (25) فلبثنا أحوالا محرمة
وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا (26).
فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا وهموا بنا
الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل، فمنعونا الميرة وأمسكوا
عنا العذب، وأحلسونا الخوف (27) وجعلوا علينا الارصاد
والعيون، واضطرونا إلى جبل وعر، وأوقدوا لنا نار
الحرب (28) وكتبوا علينا بينهم كتابا لا يؤاكلونا ولا

(25) وأما غير أهل البيت من أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم فهم كانوا
مؤمنين بالأصنام في تلك الحال، مصدقين بالأوثان في ذلك الزمان، متقربين إلى
الجبت والطاغوت في هذا الأوان وأقواله (ع) في هذا المعنى كثيرة وشواهدها
وفيرة.
(26) الأحوال جمع حول وهو السنة، ومحرمة: كاملة و (الربع):
المحلة. الدار. والجمع: رباع وربوع وأربع وأرباع كرياح وفلوس وأفلس وأرباب.
(27) الاجتياح: الاستيصال. والميرة: - بكسر فسكون كعبرة -: الطعام
الذي يدخره الانسان، والجمع مير، كعبرة وعبر. والمراد - هنا - مطلق الطعام،
كما أن المراد من (العذب) مطلق ماء الشرب. و (احلسونا الخوف) جعلوا
الخوف ملازما لنا بقيامهم جميعا على لوازم المعاداة.
(28) وهذا الكلام - إلى قوله: (كافرنا يحامي عن الأصل) رواه باختلاف
طفيف، أبو جعفر الإسكافي: محمد بن عبد الله المتوفى سنة 240 - على ما قيل -
في كتابه المعروف ب‍ - نقض العثمانية) وحكم بمعروفيته، كما في شرح المختار
(238) من خطب نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: 13 / 254. ورواه
مع كثير مما بعده في المختار الثامن من كتب النهج.
والأرصاد جمع الرصد: العين والمراقب. والوعر والوعر والوعير - كفلس
وكتف وشريف -: المكان الصلب ضد السهل. يقال: (مكان وعر وطريق وعر
ومطلب وعر): خشن وصعب وعسير غير سهل. ويجمع الجميع على أوعار
وغيره. و (الأوعر - ككوثر - مثلها معنى).
178

يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا، ولا نأمن فيهم حتى
ندفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقتلوه ويمثلوا به،
فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم، فعزم الله لنا على
منعه، والذب عن حوزته، والرمي من وراء حرمته والقيام
بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار، فمؤمننا
يرجو بذلك الثواب، وكافرنا يحامي عن الأصل (29)
فأما من أسلم من قريش بعد (30) فإنهم مما
نحن فيه أخلياء، فمنهم حليف ممنوع، أو ذو عشيرة
تدافع عنه فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف،
فهم من القتل بمكان نجوة وأمن فكان ما شاء الله أن يكون،

(29) المراد من الكافر منهم هو من أسلم بعد انقضاء أمر (شعب أبي طالب).
(30) كأبي بكر وعمر وعثمان وأقرانهم وجميع المسلمين من غير بني هاشم.
179

ثم أمر الله رسوله بالهجرة، وأذن له بعد ذلك في قتال
المشركين، فكان إذا احمر الباس ودعيت نزال (31)
أقام أهل بيته فاستقدموا فوقي بهم أصحابه حر الأسنة
والسيوف، فقتل عبيدة (32) يوم بدر، وحمزة يوم
أحد، وجعفر وزيد يوم مؤتة، وأراد لله من لو شئت
ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي صلى
الله عليه وآله وسلم غير مرة إلا أن آجالهم عجلت،
ومنيته أخرت، والله مولى الاحسان إليهم والمنان عليهم
بما قد أسلفوا من الصالحات، فما سمعت بأحد ولا رأيت
فيهم من هو أنصح لله في طاعة رسوله، ولا أطوع لرسوله

(31) النجوة - كضربة -: ما ارتفع من الأرض. والجمع نجاء - كبغلة
وبغال - يقال: (انه من الامر بنجوة) إذا كان بعيدا منه بريئا سالما. و (إذا
احمر البأس): إذا اشتد القتال واشتبك أظفار القرن بقرنه. و (دعيت نزال):
دعت الدعاة كل واحد من المتحاربين أن أنزلوا عن متن الخيل والإبل وحاربوا
راجلا، يقال: (نازله منازلة ونزالا) في الحرب: نزل في مقابلته وقاتله.
و (حاربوا بالنزال): نزل الفريقان عن إبلهما إلى خيلهما فتضاربوا. ومثله
(تنازل القوم) ويجئ أيضا بمعنى: نزلوا إلى ساحة القتال فتضاربوا.
(32) هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف.
180

في طاعة ربه، ولا أصبر على اللاواء والضراء وحين البأس
ومواطن المكروه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من
هؤلاء النفر الذين سميت لك (33) وفى المهاجرين خير
كثير نعرفه [يعرف خ] جزاهم الله بأحسن أعمالهم.
وذكرت حسدي الخلفاء، وإبطائي عنهم، و
بغيي عليهم. فأما البغي فمعاذ الله أن يكون (34) وأما
الابطاء عنهم والكراهة [والكراهية خ] لامرهم فلست

(33) وهذا هو القول الفصل الذي يعترف به ويراه عيانا كل من له أدنى
المام بسيرة المهاجرين من بدء الاسلام إلى انقضاء آجالهم، فليشرق أبناء معاوية
وابن النابغة أو يغربوا فان بضاعة سلفهم مزجاة عن الخيرات، والدليل القاطع
الذي يعرفه كل أحد هو كفهم وبخلهم عن الصدقة لما نزلت: (يا أيها الذين
آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) فأمسك الجميع الا
أمير المؤمنين (ع) باتفاق الجميع.
(34) إذ البغي هو الظلم، وعصيان الله تعالى والعدول عن الحق، وطلب
حق الغير والاستيلاء عليه بلا طيب نفس صاحبه، وأمير المؤمنين لم يكن كذلك،
بل من تقدم عليه أو خالفه كانوا كذلك، حيث ظلموه - بل ظلموا جميع البرية -
بغصب حقه، وعصوا الله تعالى الجاعل لخلافته في علي - بحكم آية: (وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وبحكم حديث يوم الدار، والغدير،
والطير، والثقلين، والمنزلة، والسفينة، وغيرها - فمخالفوه عدلوا عن الحق،
وطلبوا حقه واستولوا عليه بلا رضى منه (ع).
181

أعتذر منه إلى الناس، لان الله جل ذكره لما قبض نبيه
صلى الله عليه وسلم (كذا) قالت قريش: (منا أمير).
وقالت الأنصار: (منا أمير). فقالت قريش: (منا محمد
رسول لله صلى الله عليه وسلم، فنحن أحق بذلك الامر)
فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية والسلطان،
فإذا استحقوها بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم دون
الأنصار، فإن أولى الناس بمحمد صلى الله عليه وآله
وسلم أحق بها منهم، وإلا فإن الأنصار أعظم العرب
فيها نصيبا، فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا
حقي أخذوا، أو الأنصار ظلموا، بل عرفت أن حقي
هو المأخوذ، وقد تركته لهم تجاوز الله عنهم (35).

(35) ومثله معنى في المختار (28) من نهج البلاغة، وقريب منه ذكره
في الفصل (12) من الفصول المختارة: ج 2 ص 75، عنه (ع) وانه أجاب
كتاب معاوية وهذا المعنى متواتر عنه وعن أهل بيته (ع) وشيعته، ففي مروج
الذهب: ج 2، ص 253، - قبل عنوان الثورة على عثمان -: قال المقداد بن
الأسود: ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم، أعجب من قريش
- وإنما تطولهم على الناس بفضل أهل هذا البيت - قد اجتمعوا على نزع
سلطان رسول الله (ص) بعده من أيديهم الخ. وقريب منه فيه عن عمار (ره).
وقال ابن عباس (ره) في كلام دار بينه وبين عمر - كما في شرح المختار (223)
من خطب نهج البلاغة من ابن أبي الحديد،: ج 12، ص 54 - حيث قال له
عمر: يا بن عباس بلغني انك - لا تزال تقول: أخذ هذا الامر منا (ظ) حسدا
وظلما. فقال له ابن عباس: أما قولك: (حسدا) فقد حسد إبليس آدم
فأخرجه من الجنة، فنحن بنو آدم المحسود. وأما قولك: (ظلما) فأمير
المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو! ثم قال: ألم تحتج العرب على العجم بحق
رسول الله (ص)، واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله (ص):
فنحن أحق برسول الله من سائر قريش.
وفى الفصل (12) من الفصول المختارة: ج 2 / 75، قال: قال الكميت:
يقولون لم يورث ولولا تراثه * لقد شركت فيه بكيل وأرحب
وعك ولخم والسلول وحمير * وكندة والحيان بكر وتغلب
ولا انتشلت عضوين منها بجابر * وكان لعبد القيس عضو مورب
ولا انتقلت من خندف في سواهم * ولا اقتدحت قيس بها حين اثقبوا
ولا كانت الأنصار فيها أذلة) ولا غيبا عنها إذا الناس غيبوا
هم شهدوا بدرا وخيبر بعدها * ويوم حنين والدماء تصبب
وهم رأموها غير ظئر واشبلوا * عليها بأطراف القنا وتحديوا
فان هي لم تصلح لحي سواهم * فان ذوي القربى أحق وأوجب
182

وأما ما ذكرت من أمر عثمان وقطيعتي رحمه
وتأليبي عليه، فإن عثمان عمل ما [قد] بلغك، فصنع
الناس به] ما قد رأيت، وقد علمت [وإنك لتعلم خ]
أني [قد خ] كنت في عزلة عنه، إلا أن تتجنى فتجن
183

ما بدا لك (36).
وأما ما ذكرت من أمر قتلة عثمان، فإني نظرت في
هذا الامر، وضربت أنفه وعينيه [وعينه خ] فلم أر دفعهم
إليك ولا إلى غيرك، ولعمري لئن لم تنزع عن غيك
وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك، ولا يكلفونك
أن تطلبهم في بر ولا بحر، ولا جبل ولا سهل.
وقد كان أبوك أتاني حين ولى الناس أبا بكر،
فقال: أنت أحق بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم
بهذا الامر (37) وأنا زعيم لك بذلك على من خالف
عليك، أبسط يدك أبايعك. فلم أفعل، وأنت تعلم أن
أباك قد كان قال ذلك وأراده حتى كنت أنا الذي أبيت،
لقرب عهد الناس بالكفر، مخافة الفرقة بين أهل الاسلام

(36) تتجنى - مضارع تجنى كتولي - يقال: (جانى مجاناة وتجنى
عليه): رماه باثم لم يفعله. وقوله: (فتجن ما بدا لك) من (أجنه): ستره
وأخفاه. أومن (جن من باب مد - جنا وجنونا الشئ): ستره.
(37) وبما أن قول أبي سفيان لم يكن عن خلوص نية فبمجرد ما أطمعه
الشيخان في رئاسة البلاد، وقيادة أبنائه على الجيوش، ووهبوا له ما عنده من
الصدقات التي جمعها من العشائر، سكت ولم يعد إلى أمير المؤمنين.
184

فأبوك كان أعرف بحقي منك، فإن تعرف من حقي ما
كان يعرف أبوك، تصب رشدك، وإن لم تفعل فسيغني
الله عنك، والسلام.
آخر الجزء الثاني من أصل عبد الوهاب من كتاب صفين ص 85 ط 2
بمصر، وفي ط ص 112، ورواه عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار التاسع
من كتب نهج البلاغة: ج 15، ص 73 ط مصر، بتحقيق أبي الفضل محمد
إبراهيم. وهذا الكتاب يشترك في قطعة منه مع المختار الثامن من كتب نهج
البلاغة. وقريب منه تحت الرقم (11) من كتاب العسجدة في الخلفاء
وتواريخهم، من العقد الفريد: ج 3 ط 2 سنة 1346، في المطبعة الأزهرية
بمصر. وقريب منه أيضا رواه الخوارزمي في كتاب مناقب أمير المؤمنين ص
175. وقطعة منه - أو من الكتاب التالي - رواه الشيخ المفيد في الفصل
12، من العيون والمحاسن كما في الفصول المختارة: ج 2 ص 76.
وقال ابن عساكر - في ترجمة معاوية من تاريخ الشام: ج 56، ص
63، - [أخبرنا أبو عبد الله البلخي، أخبرنا أحمد بن الحسن بن خيرون،
أخبرنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم، أخبرنا أحمد بن إسحاق الطيبي] قال:
أخبرنا إبراهيم (38) أخبرنا يحيى، قال: حدثني يعلى بن عبيد الحنفي،
أخبرنا أبي، قال: جاء أبو مسلم الخولاني وأناس معه إلى معاوية فقالوا له:
أنت تنازع عليا، أم أنت مثله. فقال معاوية: لا والله أني لا علم (ظ) أن
عليا أفضل مني، وانه لاحق بالامر مني، ولكن ألستم تعلمون ان عثمان قتل

(38) هذا مما استفدته سابقا، ولم يحضرني الآن تاريخ ابن عساكر
لأرجع إليه ثانيا.
185

مظلوما وأنا ابن عمه وأنا اطلب بدم عثمان، فأتوه فقولوا له: فليدفع إلي
قتلة عثمان وأسلم له. فأتوا عليا فكلموه بذلك فلم يدفعهم إليهم.
قال: وأنبأنا إبراهيم، أنبأنا يحيى، أنبأنا أحمد بن بشير أخبرني شيخ
من أهل الشام، وحدثني شيخ لنا عن الكلبي: ان معاوية دعا أبا مسلم
الخولاني، لو كان من قراء أهل الشام وعبادهم، فكتب معاوية إلى علي مع
أبي مسلم، وذكر الحديث
- 70 - ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به معاوية لما كتب إليه بما نذكره
قال النقيب أبو جعفر: يحيى بن أبي زيد: كان معاوية يتسقط عليا
وينعى عليه (1) ما عساه يذكره من حال أبي بكر وعمر، وانهما غصباه حقه،
ولا يزال يكيده بالكتاب يكتبه والرسالة يبعثها يطلب غرته، لينفث بما في
صدره من حال أبي بكر وعمر، اما مكاتبة أو مراسلة، فيجعل ذلك حجة
عليه عند أهل الشام، ويضيفه إلى ما قرره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم، فقد
كان غمصه أي اتهمه عندهم بأنه قتل عثمان ومالا على قتله، وانه قتل طلحة
والزبير، وأسر عائشة واراق دماء أهل البصرة، وبقيت خصلة واحدة، وهو
أن يثبت عندهم انه يتبرأ من أبي بكر وعمر، وينسبهما إلى الظلم ومخالفة

(1) يتسقطه: ينتقصه. ونعى - من باب منع - على القوم ذنوبهم نعيا
ونعيا ونعيانا - كدعوى ودعيا وثعبانا -: عابهم بها. أظهرها وشهرها. وانعى
عليه شيئا قبيحا - من باب أفعل -: قاله تشنيعا عليه.
186

الرسول في أمر الخلافة، وانهما وثبا عليها غلبة، وغصباه إياها، فكانت هذه
الطامة الكبرى ليست مقتصرة على فساد أهل الشام عليه، بل وأهل العراق
الذين هم جنده وبطانته وأنصاره، لأنهم كانوا يعتقدون امامة الشيخين، إلا
القليل الشاذ من خواص الشيعة، فلما كتب الكتاب [الذي أرسله] مع أبي
مسلم الخولاني [وكان] قصده ان يغضب عليا ويحرجه ويحوجه إذا قرأ ذكر
أبي بكر، وانه أفضل المسلمين، إلى أن يخلط خطه في الجواب بكلمة
تقتضي طعنا في أبي بكر، فكان الجواب [منه (ع)] مجمجما [أي] غير
بين، ليس فيه تصريح بالتظليم لهما، ولا التصريح ببرائتهما فتارة يترحم
عليهما، وتارة يقول: (أخذا حقي وقد تركته لهما) فأشار عمرو بن العاص
على معاوية ان يكتب كتابا ثانيا مناسبا للكتاب الأول، ليستفزا فيه عليا عليه
السلام وليستخفاه، ويحمله الغضب منه [على] ان يكتب كلاما يتعلقان به
في تقبيح حاله ونهجين مذهبه، وقال له عمرو: ان عليا رجل نزق تياه وما
استطعمت منه الكلام بمثل تقريظ أبي بكر وعمر (2) فأكتب [إليه في ذلك
كتابا]. فكتب كتابا أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلي، وهو من الصحابة، بعد ان عزم على بعثته مع أبي الدرداء، و [هذه] نسخة الكتاب:
اما بعد فان الله تعالى جده اصطفي محمد عليه السلام لرسالته، واختصه
بوحيه وتأدية شريعته، فأنقذ به من العماية، وهدى به من الغواية، ثم قبضه
إليه رشيدا حميدا، قد بلغ الشرع، ومحق الشرك، واخمد نار الإفك،

(2) يقال: (فزه فزا - من باب مد - وأفزه واستفزه - من باب أفعل
واستفعل -: أفزعه وأزعجه. واستخفه: حمله على أن يقول: ما يشينه.
ونزق - من باب فرح - نزقا ونزوقا الرجل - كفرسا وفلوسا -: نشط وطاش
وخف عند الغضب فهو نزق - كفرح - والمؤنث: نزقة. والتياه: كثير
التيه: المتكبر.
187

فأحسن الله جزاءه، وضاعف عليه نعمه وآلاءه.
ثم إن الله سبحانه اختص محمدا عليه السلام بأصحاب أيدوه وآزروه
ونصروه، وكانوا كما قال الله سبحانه لهم: (أشداء على الكفار رحماء بينهم)
[29 / الفتح: 48] فكان أفضلهم مرتبة وأعلاهم عند الله والمسلمين منزلة،
الخليفة الأول الذي جمع الكلمة، ولم الدعوة، وقاتل أهل الردة، ثم الخليفة
الثاني الذي فتح الفتوح، ومصر الأمصار، وأذل رقاب المشركين، ثم الخليفة
الثالث المظلوم الذي نشر الملة، وطبق الآفاق بالكلمة الحنيفية، فلما استوثق
الاسلام وضرب بجرانه، عدوت عليه فبغيته الغوائل، ونصبت له المكائد،
وضربت له بطن الامر وظهره، ودسست عليه وأغريت به، وقعدت حيث
استنصرك عن نصره، وسألك ان تدركه قبل ان يمزق، فما أدركته، وما يوم
المسلمين منك بواحد!
لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه ورمت افساد أمره وقعدت في بيتك
واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته (3).

(3) قال ابن أبي الحديد - في شرح المختار (26) من خطب نهج البلاغة:
ج 2 ص 47 -،: ومن كتاب معاوية المشهور إلى علي عليه السلام: وأعهدك أمس
تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار، ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم
بويع أبو بكر الصديق، فلم تدع أحدا من أهل بدر والسوابق الا دعوتهم إلى
نفسك ومشيت إليهم بامرأتك، وأدليت عليهم بابنيك واستنصرتهم على صاحب
رسول الله، فلم يجبك منهم الا أربعة أو خمسة، ولعمري لو كنت محقا لأجابوك
ولكنك ادعيت باطلا وقلت ما لا يعرف، ورمت ما لا يدرك، ومهما نسيت فلا
أنسى قولك لأبي سفيان - لما حركك وهيجك -: لو وجدت أربعين ذوي عزم
منهم لناهضت القوم. فما يوم المسلمين منك بواحد، ولا بغيك على الخلفاء
بطريف ولا مستبدع. وكتب معاوية في جواب محمد بن أبي بكر: (فقد كنا
وأبوك فينا نعرف فضل بن أبي طالب وحقه لازما لنا، مبرورا علينا، فلما
أختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ما عنده وأتم له ما وعده وأظهر دعوته
وأبلج حجته وقبضه إليه صلوات الله عليه، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه
حقه وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا، ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما،
وتلكأ عليهما فهما به الهموم، وأرادا به العظيم - إلى أن قال: - ولولا ما فعل
أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه الخ أخبار معاوية ونوادر
أفعاله من مروج الذهب: 3 / 12، وأواخر الجزء الثاني من كتاب صفين ص 120.
188

ثم كرهت خلافة عمر وحسدته واستطلت مدته وسررت بقتله وأظهرت
الشماتة بمصابه (4) حتى انك حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه.
ثم لم تكن أشد منك حسدا لابن عمك عثمان، نشرت مقابحه وطويت
محاسنه، وطعنت في فقهه ثم في دينه ثم في سيرته ثم في عقله، وأغريت به
السفهاء من أصحابك وشيعتك حتى قتلوه بمحضر منك، لا تدفع عنه بلسان
ولا يد، وما من هؤلاء الا من بغيت عليه وتلكأت في بيعته حتى حملت إليه
قهرا تساق بخزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش (5) ثم نهضت الآن

(4) كأنه يشير به إلى ما رواه الطبري عن المغيرة بن شعبة انه خرج يوم
وفات عمر بن الخطاب إلى علي (ع) لينظر على أي حال هو فرآه قد أغتسل
وخرج من منزله فإذا قد ارتفعت صيحة بنت حنتمة بقولها: (وا عمراه فقد
قوم الأود، وداوى العمد، وخلف الفتنة وأقام السنة، ذهب نقي الثوب،
قليل العيب). فقال (ع): صدقت بنت حنتمة، فقد قوم الأود، وداوى العمد الخ.
(5) يقال: (تلكأ تلكؤا عليه): اعتل. وتلكأ عن الامر: أبطأ وتوقف.
و (الخزائم) جمع الخزام أو الخزامة - بكسر الخاء -: حلقة يشد فيها الزمام.
و (الاقتسار) و (القسر): القهر والاكراه. و (الفحل المخشوش): الجمل
الذي جعل في أنفه (الخشاش).
189

تطلب الخلافة، وقتلة عثمان خلصاؤك وسجراؤك والمحدقون بك (6) وتلك
من أماني النفوس وضلالات الأهواء.
فدع اللجاج والعبث جانبا، وادفع الينا قتلة عثمان، واعد الامر شورى
بين المسلمين ليتفقوا على من هو لله رضا، فلا بيعة لك في أعناقنا، ولا طاعة
لك علينا، ولا عتبى لك عندنا، وليس لك ولأصحابك عندي الا السيف،
والذي لا إله الا هو لأطلبن قتلة عثمان أين كانوا وحيث كانوا حتى اقتلهم
أو تلتحق روحي بالله.
فأما مالا تزال تمن به من سابقتك وجهادك فاني وجدت الله سبحانه يقول:
(يمنون عليك ان أسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم أن
هداكم للايمان ان كنتم صادقين) [17 / الحجرات: 49] ولو نظرت في
حال نفسك لوجدتها أشد الأنفس امتنانا على الله بعملها، وإذا كان الامتنان
على السائل يبطل أجر الصدقة، فالامتنان على الله يبطل أجر الجهاد، ويجعله
كصفوان عليه التراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا
والله لا يهدي القوم الكافرين [263 / البقرة].
قال النقيب أبو جعفر: فلما وصل هذا الكتاب إلى علي عليه السلام مع
أبي أمامة، كلم أبا امامة بنحو مما كلم به أبا مسلم الخولاني وكتب معه
هذا الجواب - أي الكتاب التالي -:
[بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير
المؤمنين، إلى معاوية بن أبي سفيان].
أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله

(6) السجراء: جمع السجير - على زنة كبير -: الصديق الصفي.
190

محمدا صلى الله عليه وآله لدينه، وتأييده إياه بمن
أيده من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا (7)
إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا ونعمته علينا
في نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر، أو
داعي مسدده إلى النضال (8).
وزعمت أن أفضل الناس في الاسلام فلان وفلان،
فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله (9)، وإن نقص
لم يلحقك ثلمه، وما أنت والفاضل والمفضول والسائس
والمسوس، وما لطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين

(7) خبأ الشئ - من باب منع -: أخفى. أي أخفى الدهر أمرا عجيبا
لنا ثم أظهره، حيث إنك يا معاوية شرعت تعلمنا بنعمة الله علينا في نبينا. وعطف
النعمة على البلاء عطف تفسير.
(8) هجر - كفرس -: مدينة بالبحرين كثيرة النخيل. والمسدد: الذي
يعلم كيفية رمي السهام. والنضال - كنعال -: المراماة، وهو مصدر قولهم:
(ناضله مناضلة ونضالا): راماه. والكلام مثل لناقل الشئ إلى معدنه،
والمتعالم على معلمه.
(9) ولن يتم أبدا عند كل ذي شعور منصف مارس سيرتهم وأقوالهم
ممارسة يسيرة، فضلا عمن أحاط خبرا بالحقائق. والثلم - كفلس -: النقص.
191

المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم
هيهات لقد حن قدح ليس منها، وطفق يحكم فيها من
عليه الحكم لها (10).
ألا تربع أيها الانسان على ظلعك (11)، وتعرف
قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخرك القدر، فما عليك
غلبة المغلوب ولا ظفر الظافر، فإنك لذهاب في التيه،
رواغ عن القصد (12).
ألا ترى - غير مخبر لك، ولكن بنعمة الله أحدث -
أن قوما استشهدوا في سبيل الله تعالى من المهاجرين
والأنصار، ولكل فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل [له]:

(10) حن - من باب فر -: صوت. والقدح - كحبر -: السهم، وإذا
كان في كنانة الرامي سهم يخالف سهامه، كان له عند الرمي صوت يخالف سهامه،
وهذا مثل يضرب لمن يفتخر بقوم ليس منهم.
(11) أي قف عند حدك، يقال: (أربع عليك، أو على نفسك، أو على
ضلعك): توقف. والضلع - كفلس -: الميل والعوج. وكفرس: الاعوجاج
خلقة. والذرع - كفلس أيضا -: الذراع من اليد، والمراد - هنا - معناه
الكنائي أي قصور القدر وانحطاط الرتبة.
(12) الذهاب - بتشديد الهاء كشداد -: كثير الذهاب. والتيه: الضلال.
والرواغ: الميال. والقصد -: كفلس -: الاعتدال.
192

سيد الشهداء، وخصه رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين
تكبيرة عند صلاته عليه.
أو لا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله
ولكل فضل، حتى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم قيل
[له] الطيار في الجنة وذو الجناحين.
ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر
ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها
آذان السامعين (13).

(13) قوله (ع): (ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء) كأنه إشارة إلى
قوله تعالى في الآية (31) من سورة النجم: 53: (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم
بمن اتقى).
وقوله (ع): (لذكر ذاكر) المراد من (الذاكر) هو أمير المؤمنين نفسه
عليه السلام. و (الجمة: الكثيرة. وعرفان قلوب المؤمنين فضائله (ع)
الكثيرة، اما من باب ان الاذعان بإمامته المساوقة لكونه (ع) مستجمعا لجميع
الكمالات الانسانية، جزء لايمانهم ومعتبر فيه، واما من باب ان الاعتراف
بخلافته من قبل الله ورسوله ملازم لعرفانه بأنه ذو فضائل جمة ومناقب غفيرة
غير موجودة في غيره ممن بعد عن ساحة الإمامة والخلافة عن الله تعالى. وقوله:
(ولا تمجها) أي لا تستكرهها، لأنها لكثرة بروزها وشدة ظهورها سمعها كل أذن
ووعاها كل سمع فالآذان مأنوسة بذكرها، والاسماع مملوءة من سمعها فلا
تستنكرها أذن ولا يستكرهها سمع.
193

فدع عنك من مالت به الرمية (14)، فإنا صنائع
ربنا والناس بعد صنائع لنا (15) لم يمنعنا قديم عزنا
ولا عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا
وأنكحنا فعل الأكفاء ولستم هناك (16) وأنى يكون كذلك
ومنا النبي ومنكم المكذب، ومنا أسد الله ومنك أسد
الاحلاف، ومنا سيد شباب أهل الجنة ومنكم صبية
النار، ومنا خير نساء العالمين ومنك حمالة الحطب،
في كثير مما لنا وعليكم (17)، فإسلامنا ما قد سمع،

(14) الرمية: الصيد يرميه الصائد، والجمع رمايا - كبغية وبغايا -
و (مالت به): خالفت قصده فأتبعها. والكلام مثل يضرب لمن أعوج غرضه
فمال عن الاستقامة لطلبه.
(15) الصنائع جمع الصنيعة أو الصنيع: المصنوع. الاحسان، يقال:
(فلان صنيعي وصنيعتي) أي أنا ربيته وخرجته واختصصته بالصنع الجميل.
وهذا الكلام الشريف مشتمل على جميع ما يعتقده الامامية في الأئمة الاثني
عشر وفوقه.
(16) هذا بيان لبعض موارد صنيعهم الجميل ببني أمية، و (العادي)
منسوب إلى عاد، ويعبر عن كل شي عتيق با (لعادي) كناية عن طول زمانه
وقدمه، و (الطول) - بفتح فسكون -: الفضل. و (الأكفاء) جمع الكفؤ:
النظير في الشرف.
(17) أي هذه الفضائل الباهرة المعدودة لنا، وأضدادها من الرذائل
الشاهرة المسرودة لكم - قليل في كثير مما لنا ومما عليكم.
194

وجاهليتنا لا تدفع، وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا،
وهو قوله سبحانه وتعالى: (وأولو الأرحام بعضهم أولى
ببعض في كتاب الله) [75 - الأنفال: 8] وقوله تعالى:
(إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين
آمنوا والله ولي المؤمنين) [68 - آل عمران: 3] فنحن
مرة أولى بالقرابة، وتارة أولى بالطاعة.
ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة
برسول الله صلى الله عليه وآله فلجوا عليهم، فإن يكن
الفلج به فالحق لنا دونكم وإن يكن بغيره فالأنصار على
دعواهم (18).

(18) الفلج - كفرس -: الغلبة والظفر. ويوم السقيفة هو اليوم الذي
مات فيه رسول الله تخلفوا عن جيش أسامة، لينحتوا لرسول الله (ص) خليفة
من شاكلتهم حيث روى أن وصيه مشغول بتجهيزه (ص) فنازعهم الأنصار في
الامارة، فاحتجوا عليهم بأنهم من عصبة رسول الله (ص) فهم أحق بخلافته
من الأنصار، فغلبوهم بذلك على الرئاسة، فأمير المؤمنين (ع) يحتج على معاوية
ومن أسس أصل امارته من الخلفاء، ويقول لهم: (إن كان اختصاص الخلافة
وتعينه من جهة القرب برسول الله (ص) فهي لي لأني أقرب إليه من الجميع،
وإن كان استحقاق الخلافة واختصاصها من أجل جهة أخرى فالأنصار على
دعواهم، فهم ظالمون في التقمص بقميص الخلافة على التقديرين، أما على الأول
فلأجل غصبهم حقي، وأما على الثاني فلأجل ردهم دعوى الأنصار وغلبتهم على
أمرهم بلا استحقاقهم.
وهذا الكلام مما نفث به أمير المؤمنين (ع) في مقامات كثيرة، ومثله معنى
قوله عليه السلام في المختار (190) من قصار نهج البلاغة مخاطبا لأبي بكر:
(فوا عجبا أتكون الخلافة بالصحابة؟ ولا تكون بالصحابة والقرابة)
وقوله عليه السلام.
فان كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب؟!
وان كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب.
قال المحمودي: وأعجب من عمل أصحاب السقيفة، تحريف أبناء النابغة،
هذا الكلام الشريف، من طبعة مصر، من كتاب نهج البلاغة، ولم يلتفت المساكين
ان الشرق والغرب مشحونان بنسخ نهج البلاغة مفردة ومشروحة، مطبوعة
ومخطوطة، وفى جميعها ذكر هذا الكلام على نهج الصواب، ولم يدروا أن تحريف
هذا لا يصلح ما أفسده الدهر من خلفائهم، لان الكلام مروي في غير نهج البلاغة
أيضا، ولان شواهد هذا المعنى كثيرة، ورذائل سلفهم جمة غفيرة، ثم لو كان
أصل الكلام هكذا فأي معنى لالحاق الاشعار التالية به. وأي مورد للاستعجاب
بكينونة الخلافة بالصحابة والقرابة.
195

وزعمت أني لكل الخلفاء حسدت وعلى كلهم
بغيت، فإن يكن ذلك كذلك، فليست الجناية عليك
فيكون العذر إليك،
* وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (19)

(19) وأول البيت هكذا: وعيرها الواشون أني أحبها، و (شكاة) - بالفتح
كزكاة -: نقيصة. و (ظاهر): بعيد. من قولهم: (ظهر الشئ - من باب
منع - ظهرا): نبذة خلف ظهره.
196

وقلت: أني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش
حتى أبايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت،
وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في
أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه ولامر تابا بيقينه،
وهذه حجتي إلى غيرك قصدها، ولكني أطلقت لك منها
بقدر ما سنح من ذكرها (20).
ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان، فلك أن
تجاب عن هذه لرحمك منه، فأينا كان أعدي له وأهدى
إلى مقاتله، أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفه،
أمن استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه حتى أتى

(20) يقال: (سنح الامر - من باب منع (سنحا وسنحا وسنوحا - كقفلا
وعنقا وفلوسا -: عرض. وسنح لي الشعر: تيسر. أي ان حجتي هذه على
وقوع الظلم علي في أخذي لبيعة غيري ليست متوجهة إليك يا معاوية، ولست
المقصود بها إذ ما كان لك في القضية ناقة ولا جمل، والمقصود بها غيرك وهم
الذين ألجأوني إلى البيعة وغصبوني حقي وإنما ذكرت لك منها بقدر ما دعت
الحاجة إليه، وتيسر لي أن أذكره في جوابك.
197

قدره عليه (21) كلا والله لقد علم الله ([يعلم الله] المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون
البأس إلا قليلا) [17 - الأحزاب: 33].
وما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا
فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له، فرب ملوم
لا ذنب له (22).

(21) قوله عليه السلام: (أعدى له): أشد عدوانا عليه. و (المقاتل):
وجوه القتل، وإنما عبر عليه السلام بلفظ الجمع، لان بني أمية - كعثمان
نفسه - أوجبوا بأعمالهم الجاهلية قتل عثمان من وجوه شتى. (فأستقعده):
طلب منه القعود. (واستكفه): طلب منه الكف. (وبث): هيأ ونشر وفرق.
و (المنون): الموت. ومحصل مراده عليه السلام الزام معاوية بأنكم معاشر
بني أمية أحدثتم في الدين أحداثا، وعاملتم مع المسلمين معاملة الجبارين فشردتم
الصلحاء منهم، وحبستم حقوق الضعفاء منهم، وقتلتم الأخيار منهم فاستفززتم
المسلمين - بأعمالكم هذه - لقتل عثمان، فأنتم أشد عدوانا على عثمان، وأشد
هداية ودلالة للثائرين على قتله، أم انا الذي بذلت نصرتي ونصحي لعثمان،
وطلبت منه قعوده عن ظلم الناس وكفه عن تولية الفساق على المسلمين ويحتمل
بعيدا رجوع الضمير المرفوع في (فأستقعده واستكفه) إلى عثمان، والضمير
المنصوب يكون عائدا إلى أمير المؤمنين عليه السلام. و (أتى عليه قدره) أي
أتى عليه ما قدر له، من قتله المسبب من سوء اختياره في رعاية الجهات الشرعية
وأداء حقوق الرعية.
(22) المعوقين: المتثبطين المتأخرين عن المساعدة والنصرة. و (نقم عليه
- من باب ضرب نقما): عاب عليه. و (الاحداث): البدع. وهو جمع
حدث.
198

وقد يستفيد الظنة المتنصح (23).
وما أردت إلا الاصلاح ما استطعت، وما توفيقي
إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
وذكرت أنه ليس لي ولأصحابي عندك إلا السيف
فلقد أضحكت بعد استعبار، متى ألفيت بني عبد
المطلب عن الأعداء ناكلين، وبالسيف مخوفين (24).
* لبث قليلا يلحق الهيجا حمل (25) *
فسيطلبك من تطلب، ويقرب منك ما تستبعد،
وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار

(23) وصدر البيت هكذا: وكم سقت في آثاركم من نصيحة. و (الظنة)
- بالكسر -: التهمة. و (المتنصح) - بكسر الصاد.: المبالغ في النصح
لمن لا ينتصح، أي ربما تنشأ التهمة من اخلاص النصيحة عند من لا يقبلها.
(24) الاستعبار: جريان الدمع والعبرة من البكاء. الحزن. و (ألفيت):
وجدت. و (ناكلين): متأخرين.
(25) لبث - فعل أمر من (لبثه) - بتشديد الباء - إذا استزاد لبثه أي
وقوفه ومكثه. و (الهيجاء): الحرب. و (حمل) - كفرس -: حمل بن
بدر، رجل من بني قشير أغير على إبله فأستنقذها وقال:
لبث قليلا يلحق الهيجا حمل * لا بأس بالموت إذا الموت نزل
199

والتابعين لهم باحسان، شديد زحامهم، ساطع قتامهم
متسربلين سرابيل الموت، أحب اللقاء إليهم لقاء
ربهم، وقد صحبتهم ذرية بدرية وسيوف هاشمية قد عرفت
مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك وأهلك (26)
(وما هي من الظالمين ببعيد) (27).
المختار (28) من كتب نهج البلاغة.

(26) مرقل: مسرع. و (الجحفل: الجيش العظيم. و (شديد زحامهم
وساطع قتامهم) سفة لجحفل. والقتام - بفتح القاف -: الغبار.
و (متسربلين): لابسين ثياب الموت كأنهم متقمصين بأكفانهم.
(27) اقتباس من الآية (83) من سورة هود: 10.
200

- 71 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية
قال الحافظ ابن شهرآشوب: وجاء أبو مسلم الخولاني بكتاب من عند
معاوية، إلى أمير المؤمنين (ع) يذكر فيه: وكان أنصحهم لله الخليفة، ثم
خليفة الخليفة (ظ) ثم الخليفة الثالث المقتول ظلما، فكلهم حسدت وعلى كلهم
بغيت الخ، فأجابه (ع) (1).
أما بعد فإني رأيتك قد أكثرت في قتلة عثمان،
فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي ثم حاكم القوم
إلي أحملكم على كتاب الله، وسنة نبيه محمد صلى الله
عليه وآله.
وأما الذي تريدها فإنها خدعة الصبي عن اللبن،
ولعمري لئن نظرت بعقلك لعلمت أني أبرأ الناس
من دم عثمان، وقد علمت أنك من أبناء الطلقاء الذين
لا تحل لهم الخلافة.
البحار: ج 8 ص 511، س 6.

(1) هذا تلخيص ما سرده من القضية، وليس بنص كلامه.
201

- 72 - ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية أيضا
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن
أبي سفيان.
أما بعد فإن الدنيا دار تجارة، وربحها أو خسرها
الآخرة، فالسعيد من كانت بضاعته فيها الأعمال الصالحة،
ومن رآى الدنيا بعينها، وقدرها بقدرها (1) وإني لأعظك
مع علمي بسابق العلم فيك مما لا مرد له دون نفاذه،
ولكن الله تعالى أخذ على العلماء أن يؤدوا الأمانة، وأن
ينصحوا الغوي والرشيد، فاتق الله، ولا تكن ممن لا يرجو
لله وقارا، ومن حقت عليه كلمة العذاب، فإن الله

(1) قوله (ع): (ومن رأى الدنيا) الخ عطف على قوله: (من كانت
بضاعته) أي فالسعيد من كانت الصالحات بضاعته، ومن رأى الدنيا بعينها
- أي على ما هي عليها - وقدرها بمالها من الشأن، لا أزيد منه. ويحتمل أن
يكون الكلام مستأنفا، والواو في قوله: (وقدرها) زائدة.
202

بالمرصاد وإن دنياك ستدبر عنك، وستعود حسرة عليك
فاقلع عما أنت عليه من الغي والضلال على كبر سنك
وفناء عمرك (2) فإن حالك اليوم كحال الثوب المهيل
الذي لا يصلح من جانب إلا فسد من آخر (3).
وقد أرديت جيلا من الناس كثيرا (4)، خدعتهم
بغيك، وألقيتهم في موج بحرك تغشاهم الظلمات، وتتلاطم
بهم الشبهات، فجاروا عن وجهتهم ونكصوا على أعقابهم
وتولوا على أدبارهم وعولوا على أحسابهم (5) إلا من فاء

(2) وفى نسخة البحراني (ره): (فانتبه من الغي والضلال) الخ.
(3) الثوب المهيل: (المتداعي في التمزق، ومنه (رمل مهيل): ينهال ويسيل.
(4) الجيل - على زنة الفيل -: الصنف من الناس، والجمع: أجيال
وجيلان. وروي: (وقد أرديت جبلا من الناس) أي خلقا منهم. والغي:
الضلال. ومن قوله: (وقد أرديت جيلا) - إلى اخره - رواه في المختار (35)
من كتب النهج.
(5) فجاروا عن وجهتهم: مالوا وانحرفوا. وروي: (فجازوا) - بالزاء
المعجمة -: بعدوا عنها. و (وجهتهم) - بضم الواو وكسرها -: الناحية
والجهة. و (نكصوا على أعقابهم): رجعوا إلى أعقابهم، إلى الجاهلية التي كانوا
عليها. و (عولوا على أحسابهم): اتكلوا واعتمدوا على ما يعجبهم من الافتخار
بالقبائل والأحساب دون الايمان والتقوى فجعلوا يحمونك حمية الجاهلية،
ونبذوا نصرة الحق والتمسك به وراء ظهورهم.
203

من أهل البصائر فإنهم فارقوك بعد معرفتك، وهربوا
إلى الله من موازرتك، إذ حملتهم على الصعب، وعدلت
بهم عن القصد (6).
فاتق الله يا معاوية في نفسك، وجاذب الشيطان
قيادك (7)، فإن الدنيا منقطعة عنك، والآخرة قريبة
منك، والسلام.
قال أبو الحسن علي بن محمد المدائني: فكتب إليه معاوية:
من معاوية بن أبي سفيان، إلى علي بن أبي طالب.
أما بعد فقد وقفت على كتابك، وقد أبيت على الفتن إلا تماديا، واني
لعالم أن الذي يدعوك إلى ذلك مصرعك الذي لابد لك منه، وان كنت
موائلا (7) فأزدد غيا إلى غيك، فطالما خف عقلك، ومنيت نفسك ما ليس لك،
والتويت على من هو خير منك، ثم كانت العاقبة لغيرك (8) واحتملت الوزر
بما أحاط بك من خطيئتك، والسلام.

(6) الا من فاء الخ: الا من رجع إلى الحق من أهل البصيرة والعلم.
والموازرة: المعاضدة. والقصد: استقامة الطريق وكون السالك على رشد.
(7) القياد: ما تقاد به الدابة أي إذا قادك الشيطان إليه بقياد الهوى فجاذب
قيادك منه، وامنع نفسك من انقيادها له.
(8) لعله بمعنى: ناجيا. من قولهم: (وال يئل وإلا ووئيلا ووؤلا - كوعد
يعد وعدا ووعيدا ووعودا - وواءل وئالا ومواءلة) من كذا: طلب النجاة منه.
(9) يقال: (التوى عليه الامسر التواء): أعوج. اعتاص. والكلام إشارة
إلى قضية سقيفة بني ساعدة ونجاح الشيخين في أملهما وتغلبهما على منصب
أمير المؤمنين عليه السلام وندلهما حقه وحرمانه منه.
204

- 73 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية أيضا
ولما بلغ كتاب معاوية - المتقدم - إلى أمير المؤمنين عليه السلام: كتب
عليه السلام إليه مجيبا له.
أما بعد فإن ما أتيت به من ضلالك ليس ببعيد
شبه مما أتى به أهلك وقومك الذين حملهم الكفر
وتمني الأباطيل على حسد محمد صلى الله عليه وسلم (كذا)
حتى صرعوا مصارعهم حيث علمت، لم يمنعوا حريما
ولم يدفعوا عظيما، وأنا صاحبهم في تلك المواطن،
الصالي بحربهم والفأل لحدهم (1) والقاتل لرؤوسهم
ورؤوس الضلالة، والمتبع - إن شاء الله - خلفهم
بسلفهم، فبئس الخلف خلف أتبع سلفا محله ومحطه
النار، والسلام.

(1) الصالي بحربهم - لعله بمعنى -: الموقد لحربهم. و (الفال لحدهم)
مأخوذ من قولهم: (فل - فلا - من باب مد - وفلل السيف تفليلا: ثلمه.
القوم: كسرهم وهزمهم.
205

قال المدائني: فكتب إليه معاوية [لما وصله كتابه]:
أما بعد فقد طالب في الغي ما استمررت ادراجك، كما طالما تمادى عن
الحرب نكوصك وابطاؤك، فتوعد وعيد الأسد، وتروغ روغان الثعلب،
فحتام تحيد عن لقاء مباشرة الليوث الضارية، والأفاعي القاتلة، ولا تستبعدنها
فكل ما آت قريب إن شاء الله، والسلام.
- 74 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية أيضا (1)
قال المدائني: ولما وصل كتاب معاوية السابق إلى أمير المؤمنين عليه السلام
أجابه بما لفظه:
أما بعد فما أعجب ما يأتيني منك، وما أعلمني
بما أنت إليه صائر وليس إبطائي عنك إلا ترقبا لما أنت
له مكذب وأنا به مصدق، وكأني بك غدا وأنت تضج
من الحرب ضجيج الجمال من الأثقال، وستدعوني أنت
وأصحابك إلى كتاب تعظمونه بألسنتكم وتجحدونه

(1) وقريب منه جدا ذكره ابن أبي الحديد، في شرح المختار العاشر، من
كتب النهج: ج 15 / 83 من دون ذكر مصدر له
206

بقلوبكم (2) والسلام.
قال المدائني فكتب إليه معاوية:
أما بعد فدعني من أساطيرك، واكفف عني من أحاديثك، واقصر عن
تقولك على رسول الله (ص) وافترائك من الكذب ما لم يقل، وغرور من
معك والخداع لهم، فقد استغويتهم ويوشك أمرك ان ينكشف لهم فيعتزلوك،
ويعلموا أن ما جئت به باطل مضمحل والسلام.
- 75 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية أيضا
قال المدائني: وحين وقف أمير المؤمنين عليه السلام على كتاب معاوية،
كتب إليه:
أما بعد فطالما دعوت أنت وأولياؤك أولياء

(2) وفى المختار العاشر من كتب نهج البلاغة: (فكأني قد رأيتك تضج من
الحرب إذا عضتك ضجيج الجمال بالأثقال، وكأني بجماعتك تدعوني - جزعا
من الضرب المتتابع، والقضاء الواقع، ومصارع بعد مصارع - إلى كتاب الله
وهي كافرة جاحدة، أو مبايعة حائدة).
وهذا من العلوم الغيبية التي أظهر الله تعالى نبيه المصطفى عليها، وأودعها
النبي (ص) عند وصيه المرتضى دلالة على إمامته.
207

الشيطان الرجيم،
الحق أساطير الأولين (1) ونبذتموه
وراء ظهوركم، وجهدتم بإطفاء نور الله بأيديكم وأفواهكم،
والله متم نوره ولو كره الكافرين (2)
ولعمري ليتمن النور على كرهك، ولينفذن العلم
بصغارك، ولتجازين بعملك، فعث في دنياك المنقطعة
عنك ما طاب لك (3) فكأنك بباطلك وقد انقضى وبعملك
وقد هوى ثم تصير إلى لظى، لم يظلمك الله شيئا، وما
ربك بظلام للعبيد.
قال المدائني: فأجابه معاوية وكتب إليه:
أما بعد، فما أعظم الرين على قلبك، والغطاء على بصرك، الشره من
شيمتك والحسد من خليقتك، فشمر للحرب، واصبر للضرب فوالله ليرجعن

(1) ومن هذا وأمثاله مما لا يحصى يعلم قطيعا ان الجمع بين ولاية أمير
المؤمنين عليه السلام وأوليائه، وبين ولاية معاوية وأوليائه والقول بحقانيتهما
معا، كالجمع بين حقانية موسى وفرعون، وكالقول بحقانية نبينا محمد (ص)
وأبي جهل، فليتنبه المنصفون من إخواننا، وليرجعوا عن رويتهم قبل ان تقول
نفس: يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله.
(2) اقتباس من الآية الثامنة من سورة الحشر: 61، أو إشارة إليها.
(3) كذا في النسخة، يقال: (عاث يعيث عيثا وعيوثا وعيثانا) الشئ:
أفسده، وعاث في ماله: بذره وأسرع في انفاقه، ويحتمل غلط النسخة، وان
الصواب: (وعش في دنياك) الخ.
208

الامر إلى ما علمت، والعاقبة للمتقين.
هيهات هيهات أخطأك ما تمني، وهوى قلبك مع من هوى، فأربع على
ظلعك، وقس شبرك بفترك لتعلم أين حالك من حال من يزن الجبال حلمه،
ويفصل بين أهل الشك علمه، والسلام.
- 76 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية لما بلغه (ع) كتابه المتقدم
أما بعد فإن مساويك مع علم الله تعالى فيك حالت
بينك وبين أن يصلح لك أمرك، وأن يرعوي قلبك (1).
يا بن الصخر اللعين زعمت أن يزن الجبال حلمك
ويفصل بين أهل الشك علمك، وأنت الجلف المنافق
الأغلف القلب، القليل العقل، الجبان الرذل (2) فإن

(1) يقال: (ارعوى عن الجهل يرعوي ارعواء) كف عنه، فهو مرعو.
(2) وفى رواية أبي العباس: يعقوب بن أبي احمد الصيمري: (يا بن صخر،
يا بن اللعين، يزن الجبال فيما زعمت حلمك، ويفصل بين أهل الشك علمك،
وأنت الجاهل القليل الفقه، المتفاوت العقل، الشارد عن الدين.
وقلت: (فشمر للحرب واصبر) فان كنت صادقا فيما تزعم، ويعينك
عليه ابن النابغة، فدع الناس جانبا، وأعف الفريقين من القتال، وابرز إلي
لتعلم أينا المرين على قلبه) الخ. وفى المختار العاشر من كتب نهج البلاغة:
(وقد دعوت إلى الحرب، فدع الناس جانبا وأخرج إلي، وأعف الفريقين من
القتال لتعلم أينا المرين على قلبه والمغطى علي بصره! فأنا أبو حسن) الخ.
209

كنت صادقا فيما تسطر، ويعينك عليه أخو بني سهم (3)
فدع الناس جانبا، وتيسر لما دعوتني إليه من الحرب (4) والصبر على الضرب، وأعف الفريقين من القتال، ليعلم
أينا المرين على قلبه (5) المغطى على بصره، فأنا أبو
الحسن (6) قاتل جدك وأخيك وخالك، وما أنت منهم
ببعيد، والسلام.
أقول: هذه الكتب الخمسة، وما أجابها به معاوية، رواها ابن أبي
الحديد، في شرح المختار (32) من كتب نهج البلاغة: ج 16 / 133 / عن
المدائني.

(3) هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي، وابن النابغة كما في رواية
الصيمري المتقدمة.
(4) تيسر: تهيأ وكن معدا. يقال: تيسر فلان للخير: تهيأ له.
(5) المرين - بفتح الميم وكسر الراء وسكون الياء -: من غلب على قلبه
دنس الذنوب، وغطت عين بصيرته الملكات الرديئة. ومنه قوله تعالى في الآية
(14) من سورة المطففين: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).
(6) أي انا أبو الحسن المعروف بالسطوة والصولة وقمع المتمردين كما في
قول الشاعر: أنا أبو النجم وشعري شعري.
210

- 77 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية أيضا
قال ابن أبي الحديد في شرح المختار العاشر من كتب نهج البلاغة: ووقفت
له عليه السلام على كتاب آخر إلى معاوية يذكر فيه هذا المعنى أوله (1):
أما بعد فطالما دعوت أنت وأولياؤك أولياء الشيطان
الحق أساطير (2) ونبذتموه وراء ظهوركم وحاولتم
إطفاءه بأفواهكم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره
الكافرون (3)

(1) المشار إليه بقوله: (هذا المعنى) هو ما اشتمل عليه المختار العاشر
من كتب نهج البلاغة، وهو قريب ومشابه لما تضمنه المختار السالف من
كتابنا هذا.
(2) الأساطير - جمع الأسطورة والأسطيرة - بضم الهمزة وسكون السين
فيهما - أو جمع الإسطار - بكسر الهمزة - أو جمع الأسطار أو الأسطورة أو
الأسطير - بضم الهمزة في الثلاثة الأخيرة - مع الهاء وبدونها في الأربعة -:
الأباطيل والحديث الذي لا أصل له.
(3) اقتباس من الآية (32) من سورة التوبة: 9.
211

ولعمري لينفذن العلم فيك، وليتمن النور
بصغرك وقماءتك (4) ولتخسأن طريدا مدحورا، أو قتيلا
مثبورا (5) ولتجزين بعملك حيث لا ناصر لك ولا مصرخ
عندك وقد أسهبت في ذكر عثمان، ولعمري ما قتله
غيرك، ولا خذله سواك، ولقد تربصت به الدوائر، و
تمنيت له الأماني (6) طمعا فيما ظهر منك ودل عليه فعلك

(4) يقال: (قمأ - من باب (منع) - وقمؤ - من باب شرف - قمأة -
بتثليث القاف وسكون الميم - وقماءة - كسحابة -: ذل وصغر، فهو قمئ،
والجمع: قماء وقماء - بضم القاف وكسرها -.
(5) يقال: (خسأ - من باب منع - خسأ الكلب): طرده. ويقال:
(ثبره - من باب نصر - ثبرا): لعنه. طرده. خيبه. أهلكه. ومنه قوله
تعالى في الآية (102) من سورة بني إسرائيل: (واني لا ظنك يا فرعون مثبورا)
أي مهلكا. أو ملعونا مطرودا.
(6) أسهبت في ذكر عثمان: أطنبت كلامك في ذكره، وطولت رسائلك في
قتله. وتربصت به: انتظرت به. والدوائر: النوائب والحوادث التي يكرهها
الانسان، وهو جمع الدائرة. والأماني جمع الأمنية - بضم الهمزة وسكون
الميم وكسر النون -: وهو: ما يتمنى. والبغية.
قال اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 165: كتب عثمان إلى معاوية يسأل
تعجيل القدوم عليه، فتوجه إليه في اثنى عشر ألف، ثم قال: كونوا بمكانكم في
أوائل الشام حتى آتي أمير المؤمنين لا عرف صحة أمره، فأتى عثمان فسأله عن
العدة، فقال: قد قدمت لأعرف رأيك وأعود إليهم فأجيئك بهم. فقال: لا والله
ولكنك أردت ان أقتل فتقول: انا ولي الثار، ارجع فجئني بالناس. فرجع فلم يعد إليه حتى قتل.
212

وإني لأرجو أن ألحقك به على أعظم من ذنبه، وأكبر
من خطيئته (7) فأنا ابن عبد المطلب صاحب السيف
وإن قائمه لفي يدي، وقد علمت من قتلت من صناديد
بني عبد شمس، وفراعنة بني سهم وجمح وبني
مخزوم، وأيتمت أبناءهم وأيمت نساءهم وأذكرك ما
لست له ناسيا، يوم قتلت أخاك حنظلة، وجررت
برجله إلى القليب، وأسرت أخاك عمرا فجعلت عنقه
بين ساقيه رباطا وطلبتك ففررت ولك حصاص (8)
فلولا أني لا أتبع فارا لجعلتك ثالثهما، وإني أولي لك
(7) هذا هو القول الفصل الذي أتى به وصي نبي لا ينطق بالهزل، وقد
تقدم مثله في رواية ابن عبد ربه في المختار (38) من هذا الباب، وشواهد
صدقه كثيرة فليتنبه المهتمون بنجاتهم.
(8) أيمت نساءهم: صيرت نساءهم بلا زوج بقتل أزواجهم. و (القليب)
هو بئر (بدر) الذي القى النبي (ص) قتلى المشركين فيها. و (رباطا):
مربوطا ومشدودا. و (الحصاص) - بضم الحاء المهملة -: شدة العدو في
سرعة.
213

بالله ألية برة غير فاجرة، لئن جمعتني وإياك جوامع
الأقدار، لأتركنك مثلا يتمثل به الناس أبدا، ولأجعجعن
بك في مناخك (9) حتى يحكم الله بيني وبينك وهو
خير الحاكمين.
ولئن أنسأ الله في أجلي لأغزينك سرايا المسلمين
ولأنهدن إليك في جحفل من المهاجرين والأنصار، ثم
لا أقبل لك معذرة ولا شفاعة، ولا أجيبك إلى
طلب وسؤال، ولترجعن إلى تحيرك وترددك
وتلددك (10) فقد شاهدت وأبصرت، ورأيت
سحب الموت كيف هطلت عليك بصيبها حتى اعتصمت
بكتاب أنت وأبوك أول من كفر وكذب بنزوله ولقد

(9) أولي لك: احلف وأقسم لك. (ولأجعجعن): لأضيقن عليك، ولأحركنك
من مكانك. و (المناخ) - بضم الميم -: محل الإقامة، والموضع الذي يعيش
فيه الشخص.
(10) أنسأ الله في أجلي: أخر فيه. و (لأغزينك) أرسل إلى حربك.
و (السرايا): جمع السرية - كبرايا وبرية -: قطعة من الجيش. ويقال:
(نهد إلى العدو وللعدو - من باب منع ونصر - نهدا ونهودا ونهدا - كفلسا
وفلوسا وفرسا -: أسرع في قتالهم وبرز. وأنهد فلانا - من باب افعل -:
اشخصه. و (الجحفل): الجيش العظيم. و (التلدد): التحير.
214

كنت تفرستها وآذنتك أنك فاعلها (11) وقد مضى ما
مضى، وانقضى من كيدك فبها ما انقضى، وأنا سائر
نحوك على أثر هذا الكتاب، فاختر لنفسك وانظر لها
وتداركها، فإنك إن فرطت واستمررت على غيك وغلوائك
حتى ينهد إليك عباد الله، أرتجت عليك الأمور (12)
ومنعت أمرا هو اليوم منك مقبول.
يا بن حرب، إن لجاجك في منازعة الامر أهله من
سفاه الرأي، فلا يطمعنك أهل الضلال، ولا يوبقنك

(11) السحب: جمع السحاب وهو الغيم. وهطل المطر - من باب ضرب
- هطلا وهطلانا وتهطالا: نزل متتابعا عظيم القطر، فهو هاطل وهي هاطلة،
والجمع هطل. و (الصيب): السحاب ذو المطر، وهو فيعل من قولهم
(صاب المطر صوبا - من باب قال -: انصب ونزل.
أقول: هذه الفقرات من هذا الكتاب الشريف ظاهر في أنه (ع) كتبه إلى
معاوية بعد انقضاء وقعة صفين في النفر الثاني إلى حرب معاوية.
(12) الغلواء - بضم الغين وسكون اللام المعجمة، كالغلوان على زنة ثعبان،
والغلواء كأمراء -: الغلو هو المبالغة في الشئ متجاوزا عن حده، أول الشباب
ونشاطه. و (ينهد إليك - من باب منع ونصر - نهدا ونهودا ونهدا): برز
وأسرع. و (أرتجت عليك الأمور): استغلق عليك باب المفر من أمورك وما
قدمت يداك. يقال: (أرتج الباب ارتاجا - كرتجه رتجا من باب نصر -: أغلقه
اغلاقا وثيقا.
215

سفه رأي الجهال، فوالذي نفس علي بيده لئن برقت
في وجهك بارقة من ذي الفقار، لتصعقن صعقة لا تفيق
منها حتى ينفخ في الصور، النفخة التي يئست منها، كما
يئس الكفار من أصحاب القبور (13).
- 78 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية لما أراد المسير إلى الشام (1)
شيخ الطائفة: محمد بن الحسن الطوسي (ره) عن الشيخ المفيد محمد
ابن محمد بن النعمان (ره) عن أبي عبد الله محمد بن عمران المرزباني، عن
محمد بن موسى، عن هشام، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، قال حدثنا
عبد الله بن عاصم، قال حدثنا جير بن نوف، قال: لما أراد أمير المؤمنين عليه
السلام المسير إلى الشام، اجتمع إليه وجوه أصحابه، فقالوا: يا أمير المؤمنين
لو كتبت إلى معاوية وأصحابه قبل مسيرنا إليهم كتابا تدعوهم [فيه] إلى
الحق، وتأمرهم بما لهم فيها الحظ، كانت الحجة تزداد عليهم قوة. فقال
أمير المؤمنين عليه السلام لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع اكتب: -

(13) اقتباس من الآية (12) من سورة الممتحنة.
(1) بناء على رواية شيخ الطائفة (ره) وأما بناء على رواية نصر بن مزاحم
في كتاب صفين 149، فلا يستفاد من سنده تاريخ الكتاب.
216

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير
المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان ومن قبله من الناس
سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله
إلا هو (2).
أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل وعروفا
التأويل وفقهوا في الدين، وبين الله فضلهم في القرآن
الحكيم، وأنت يا معاوية وأبوك وأهلك في ذلك الزمان
أعداء الرسول، مكذبون بالكتاب، مجمعون على حرب
المسلمين من لقيتم منهم حبستموه وعذبتموه وقتلتموه
حتى إذا أراد الله تعالى إعزاز دينه وإظهار رسوله (3)
دخلت العرب في دينه أفواجا، وأسلمت هذه الأمة طوعا
وكرها، وكنتم ممن دخل في هذا الدين إما رغبة وإما
رهبة، [على حين فاز أهل السبق بسبقهم، وفاز

(2) وفى كتاب صفين هكذا: (والى من قبله من قريش، سلام عليكم، فاني
احمد الله إليكم الله الذي لا إله إلا هو).
(3) أي ابراز أمره بعد خفائه، وغلبته على أعدائه بعد ضعفه ومقاساته
أذاهم وشديد بطشهم.
217

المهاجرون الأولون بفضلهم] (4) فليس ينبغي لكم أن
تنازعوا أهل السبق ومن فاز بالفضل، فإنه من نازعه
منكم فبحوب وظلم (5) فلا ينبغي لمن كان له قلب
أن يجهل قدره، ولا [أن] يعد وطوره ولا [أن] يشقى
نفسه بالتماس ما ليس له (6).
إن أولى الناس بهذا الامر قديما وحديثا أقربهم
برسول الله صلى الله عليه وآله (7) وأعلمهم بالكتاب
وأفقههم في الدين وأفضلهم جهادا وأولهم إيمانا وأشدهم

(4) بين المعقوفين مأخود من كتاب صفين، وفيه (فلا ينبغي) بدل
(فليس ينبغي).
(5) وفى كتاب صفين: (فلا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين.
ولا فضائلهم في الاسلام أن ينازعهم الامر الذي هم أهله وأولى به فيحوب بظلم)
الخ. والحوب - بضم الحاء وفتحه وسكون الواو - والحوبة - بالتاء مثلهما -
والحاب والحابة: الاثم، يقال: (حاب - من باب قال - حوبا وحوبا وحوبة
وحوبة وحابا وحيابة بكذا): أثم وأذنب.
(6) الطور - كقول -: القدر. الحد، والجمع أطوار. و (يشقى):
ضد (يسعد) وبابه (علم).
(7) والأولوية تعيينية كما في قوله تعالى: (وأولو الأرحام يعضهم أولى
ببعض في كتاب الله) فلاحظ لمعاوية ومن وطد أساسه في الخلافة.
218

اضطلاعا بما تجهله الرعية من أمرها (8) فاتقوا الله الذي
إليه ترجعون ولا تلبسوا الحق بالباطل لتدحضوا به
الحق (9) واعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما
يعلمون، وأن شرارهم الجهلاء الذين ينازعون بالجهل
أهل العلم، ألا وإني أدعوك إلى كتاب الله وسنة نبيه
صلى الله عليه وآله، وحقن دماء هذه الأمة، فإن قبلتم
أصبتم رشدكم وهديتم لحظكم وأن أبيتم إلا الفرقة
وشق عصا هذه الأمة، لم تزدادوا من الله إلا بعدا، ولم يزدد
[الله] عليكم إلا سخطا (11) والسلام.

(8) وكل من يتأمل في السير أدنى تأمل، ويراجع إلى ما تفوه به المشايخ
الثلاثة طيلة حياتهم يعلم قطعيا ويتبين له ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
كان متفردا بالأعلمية والأفقهية وأفضلية الجهاد، وأولية الايمان، وأشدية
الاضطلاع - اي القوة والنهوض - بما تجهله الرعية، فهو الامام دون الجهال
الجبناء الضعفاء.
(9) يقال: دحض الحجة وادحضها - من باب منع وأفعل - دحضا
ودحوضا - كفلسا وفلوسا -: أبطلها. ودحضت الحجة: بطلت.
(10) وفى كتاب صفين: (واعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون،
وأن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم، فان للعالم بعلمه فضلا،
وان الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم الا جهلا) الخ.
(11) حقن الدماء - على زنة الفلس -: حفظها وعدم اراقتها. والشق
- بفتح الشين - مصدر قولهم: (شق - شقا الشئ): صدعه وفرقه. ومنه
(شق عصا القوم): فرق جمعهم وكلمتهم.
219

قال [الراوي] فكتب إليه معاوية:
اما بعد فإنه:
ليس بيني وبين قيس [عمرو خ] عتاب غير طعن الكلى وحر الرقاب
فلما وقف أمير المؤمنين عليه السلام على جوابه بذلك، قال: انك لا تهدي
من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (12).
الحديث العاشر من الجزء السابع من امالي شيخ الطائفة، ص 115،
ورواه عنه في البحار: ج 8 / 481 س 13 / ط الكمباني. ورواه قبله
باختلاف طفيف في بعض الألفاظ نصر بن مزاحم (ره) في كتاب صفين ص
150 ط مصر (13)، عن عمر بن سعد [الأسدي] عن رجل عن أبي الوداك،
ان طائفة من أصحاب علي قالوا له: اكتب إلى معاوية والى من قبله من قومك
بكتاب تدعوهم فيه إليك، وتأمرهم بما لهم فيه من الحظ (ظ) فان الحجة
لن تزداد عليهم الا عظما. فكتب (ع) إليهم: - إلى آخر ما تقدم من
الكتاب - وأنت ترى انه لا دلالة فيها على زمان التماسهم عنه (ع) ارسال
الكتاب إلى معاوية، نعم مقتضى ذكره الكتاب بعد ما ذكر قصة وروده (ع)
في ذهابه إلى الشام (الرقة) انه (ع) أرسل الكتاب بعد ما قارب دخول
الشام في أثناء ذهابه إليه، ولكن هذا اشعار لا يقاوم ما صرح به في رواية شيخ
الطائفة (ره) من أنه (ع) كتب قبل مسيره بالتماس من أصحابه إلى معاوية.

(12) اقتباس من الآية (55) من سورة القصص: 28.
(13) ورواه عنه في شرح المختار (48) من خطب نهج البلاغة من شرح ابن
أبي الحديد: ج 3 ص 309 ط مصر، بتحقيق أبي الفضل محمد إبراهيم.
220

- 79 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى عبد الله بن عامر (1)
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله
ابن عامر.
أما بعد فإن خير الناس عند الله عز وجل أقومهم
لله بالطاعة فيما له وعليه، وأقولهم بالحق ولو كان مرا،
فإن الحق به قامت السماوات والأرض، ولتكن سريرتك
كعلانيتك، وليكن حكمك واحدا وطريقتك مستقيمة،
فإن البصرة مهبط الشيطان، فلا نفتحن على يد أحد منهم
بابا لا نطيق سده نحن ولا أنت والسلام.

(1) كذا في النسخة المطبوعة بمصر من كتاب صفين، والظاهر أنه من خطأ
النساخ أو من سهو الرواة، والصواب: (إلى عبد الله بن عباس) إذ لم يول
أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن عامر ساعة بل ولا آنا على البصرة، بل عزله
وجميع عمال عثمان - الا أفراد خاصة معينة كانوا من أهل التقوى أو استشفع
لهم المتقون متكفلا لاستقامتهم - في اليوم الذي بويع بالخلافة بعد قتل عثمان.
221

كتاب صفين ص 106 / ط مصر، ورواه عنه في البحار: ج 8 / 475
س 11، عكسا، ط الكمباني.
- 80 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى ابن عباس (ره) كتبه إليه لما استنفر المسلمين إلى المسير إلى الشام
لقطع المتمردين وأيدي الظالمين:
نصر بن مزاحم المنقري (ره) عن عمر بن سعد [الا سعدي] عن يوسف
ابن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر، ان عليا (ع) لم يبرح النخيلة
حتى قدم عليه ابن عباس بأهل البصرة، وكان علي (ع) قد كتب إلى ابن
عباس وأهل البصرة:
أما بعد فأشخص إلي من قبلك من المسلمين والمؤمنين
وذكرهم بلائي عندهم (1) وعفوي عنهم واستبقائي
لهم، ورقبهم في الجهاد وأعلمهم الذي في ذلك
من الفضل.
كتاب صفين ط مصر: 2، ص 116. ورواه عنه في البحار: ج 8 / 471
س 8 عكسا ورواه عنه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار (46) من

(1) البلاء - هنا - اما بمعنى الابتلاء والمصيبة والغم، واما بمعنى الاحسان
والانعام، وعلى المعنى الثاني يكون (عفوي) و (استبقائي) بدلا عنه.
222

خطب النهج: ج 3 / 187، وفي ط: ج 1، ص 283 كما في المختار (429)
من جمهرة الرسائل: ج 1 / 459. وقريب منه في الإمامة والسياسة ص 144.
- 81 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى مخنف بن سليم (1)
قال نصر بن مزاحم (ره): وفي حديث عمر بن سعد [الا سعدي]: قال:
وكتب علي (ع) إلى عماله [مستنفرا إياهم إلى حرب معاوية] فكتب إلى
مخنف بن سليم [وهو عامله على أصبهان ونواحيها]:
سلام عليك فإني أحمد الله إليك الذي لا إله
إلا هو.
أما بعد فإن جهاد من صدف عن الحق رغبة عنه
- وهب في نعاس العمى والضلال اختيارا له (2) - فريضة

(1) قال ابن أبي الحديد: قال نصر: وكتب عليه السلام إلى أمراء أعماله
كلهم بنحو ما كتب به إلى مخنف بن سليم، وأقام ينتظرهم.
(2) يقال: (صدف - من باب ضرب ونصر - صدفا وصدوفا - كفلسا
وفلوسا -: انصرف ومال. وصدف عنه صدفا - من باب ضرب -: أعرض
وصد. و (هب - من باب فر - هبا وهبوبا وهبيبا هبابا الرجل): نشط
وأسرع. و (هب السيف هبا وهبوبا): اهتز ومضى.
223

على العارفين، إن الله يرضى عمن أرضا، ويسخط على
من عصاه، وإنا قد هممنا بالمسير إلى هؤلاء القوم الذين
عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله واستأثروا بالفئ،
وعطلوا الحدود، وأماتوا الحق وأظهروا في الأرض الفساد،
واتخذوا الفاسقين وليجة من دون المؤمنين (2) فإذا ولي
الله أعظم أحداثهم أبغضوه وأقصوه وحرموه (3) وإذا
ظالم ساعدهم على ظلمهم أحبوه وأدنوه وبروه، فقد
أصروا على الظلم وأجمعوا على الخلاف، وقديما ما صدوا
عن الحق وتعاونوا على الاثم وكانوا ظالمين، فإذا
أتيت بكتابي هذا فاستخلف على عملك أوثق أصحابك
في نفسك، وأقبل إلينا لعلك تلقى هذا العدو المحل (4)
فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتجامع الحق

(2) الوليجة: بطانة الانسان وخاصته. أو من يتخذه معتمدا عليه من غير أهله
(3) يقال: (حر مه - من باب ضرب - وحرمه - من باب علم حرما وحريما
وحرمانا وحرما وحرمة وحريمة الشئ): منعه إياه.
(4) اي المنتهك للحرم المستحل لها. الذي لا عهد له.
224

وتباين الباطل، فإنه لا غناء بنا ولا بك عن أجر الجهاد
وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم.
وكتبه عبيد الله بن أبي رافع في سنة سبع وثلاثين.
[قال الراوي] فأستعمل مخنف [بن سليم] على أصبهان الحارث بن
أبي الحارث بن الربيع، واستعمل على همدان سعيد بن وهب - وكلاهما
من قومه - واقبل حتى شهد مع علي (ع) صفين.
كتاب صفين، ط مصر، ص 104 / ط 2، وفي ط ص 117. ونقله عنه
ابن أبي الحديد، في شرح المختار (46) من خطب نهج البلاغة: ج 3 / 182،
وفي ط ج 1، ص 282، ونقله عنه في المختار (427) من جمهرة رسائل
العرب: ج 1 / 456.
225

- 82 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى الأسود بن قطنة (1)
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأسود
ابن قطنة.
أما بعد فإنه من لم ينتفع بما وعظ، لم يحذر ما هو
غابر (2) ومن أعجبته الدنيا رضي بها وليست بثقة (3)
فاعتبر بما مضى تحذر ما بقي، واطبخ للمسلمين قبلك

(1) ولعله ما ذكره السيد الرضي في المختار (59) من كتب نهج البلاغة بعنوان:
الأسود بن قطبة (أو القطيبة) صاحب جند حلوان.
(2) الغابر - هنا - بمعنى الباقي والآتي اي من لم ينتفع بما سمع من المواعظ
ولم يتنبه بما رأى وجرى عليه من العبر، لم يحذر ما بقي منها، ولم يتعظ مما
يأتي ويجري عليه أو يتوقع حصوله، فان الأمور أشباه، وما مضى نموذج
مما يأتي.
(3) كذا في النسخة، ولعل الأصل كان هكذا: (ومن أعجبته الدنيا ورضي
بها ليس بثقة). ويحتمل كون الواو في (وليست) حالية، والضمير فيها
راجع إلى الدنيا أي من أعجبته الدنيا رضي بها والحال انه لا ينبغي أن يرضى
بها لأنها ليست بثقة.
226

من الطلاء ما يذهب ثلثاه (4) وأكثر لنا من لطف الجند،
واجعله مكان ما عليهم من أرزاق الجند [كذا] فإن للولدان
علينا حقا، وفى الذرية من يخاف دعاؤه وهو لهم
صالح والسلام.
كتاب صفين ط مصر، ص 106، ط 2، ورواه عنه في البحار: ج 8 /
475 / س 14، عكسا.
- 83 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي وهو عامله على البحرين، فعزله لينفر
معه إلى جهاد طغاة الشام، واستعمل مكانه نعمان بن عجلان الزرقي الأنصاري.
أما بعد فإني قد وليت نعمان بن عجلان الزرقي على
البحرين، ونزعت يدك بلا ذم [لك] ولا تثريب
عليك (1) فلقد أحسنت الولاية وأديت الأمانة، فأقبل

(4) الطلاء - بكسر الطاء على زنة الولاء والكساء -: ما طبخ من عصير العنب
حتى ذهب ثلثاه. ويسمى با (لمثلث) أيضا، قال الطريحي (ره): وفى
الحديث (إذا زاد الطلاء على الثلث فهو حرام).
(1) التثريب: اللوم، ومنه قوله تعالى: (لا تثريب عليكم اليوم)
227

غير ظنين ولا ملوم، ولا متهم ولا مأثوم (2) فلقد أردت
المسير إلى ظلمة أهل الشام، وأحببت أن تشهد
معي فإنك ممن أستظهر به (3) على جهاد العدو وإقامة
عمود الدين، إن شاء الله.
المختار (42 / أو 45) من الباب الثاني من نهج البلاغة.
- 84 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه إلى أمراء الجنود لما أراد النفر إلى الشام
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير
المؤمنين [إلى أصحاب المسالح] (1).
أما بعد فإن حق الوالي ألا يغيره على رعيته أمر
ناله ولا أمر خص به (2) وأن يزيده ما قسم الله له دنوا

(2) الظنين: المتهم، ومنه قوله تعالى: (وما هو على الغيب بظنين).
(3) الظلمة - بالتحريك - جمع ظالم. واستظهر به: أستعين به.
(1) بين المعقوفين مما قد سقط من كتاب صفين ط 2 بمصر، وهو مذكور
في أمالي الشيخ ونهج البلاغة، وسياق الكلام أيضا يستدعيه، و (المسالح):
جمع المسلحة: موضع السلاح، المرقب. القوم ذوو السلاح.
(2) وفى أمالي الشيخ (ره): (أما بعد فان حقا على المولى الا يغير عن
رعيته فضل ناله، ولا مرتبة اختص بها) الخ.
228

من عباده وعطفا عليهم (3).
ألا وإن لكم عندي ألا أحتجز دونكم سرا إلا في
حرب، ولا أطوي عنكم أمرا إلا في حكم، ولا أؤخر
حقا لكم عن محله (4)، ولا أرزأكم شيئا (5) وأن
تكونوا عندي في الحق سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت

(3) وفى نهج البلاغة: (أما بعد فان حقا على الوالي ان لا يغيره على رعيته
فضل ناله، ولا طول خص به، وأن يزيده ما قسم الله له من نعمة دنوا من عباده
وعطفا على اخوانه) أقول: الطول - بفتح الطاء -: النعمة وعظيم الفضل، اي
ان مما يحق ويجب على الوالي إذا خص بفضل كرئاسة أو قيادة أو فتح على
يديه ونحوها - أن يزيد فضله قربا على العباد، وعطفا وحنانا على الاخوان،
وليس من حقه ان يغيره بأن يتكبر ويترفع عليهم، أو يجانبهم ويجفوهم.
(4) ومثله في نهج البلاغة وزاد بعده: (ولا أقف به دون مقطعه) وفى
أمالي الشيخ: (ألا وان لكم عندي الا احتجبن دونكم سرا الا في حرب) الخ اي
لا اكتم عنكم سرا الا في حرب، فإنها لا ينبغي إذاعتها، وكان النبي (ص) إذا
أراد حربا ورى بغيره. قوله (ع): (ولم اطو دونكم) هو من باب (رمى)
ومعنى الكلام: ان لكم علي ان لا اكتم - ولا اجمع أطراف أمر ولا استبد بانقاذ
شئ الا أن يكون حكما من أحكام الله فان انفاذه لا يؤخر لمشورة أحد أو رضائه
أو كراهته.
(5) هذه الجملة غير موجودة في أمالي الشيخ ونهج البلاغة، وهو من باب
(منع) يقال: (رزأ الرجل ماله رزأ ورزأ ومرزئة) - كفلسا وقفلا ومغفرة -:
أصاب منه شيئا مهما كان اي نقصه.
229

عليكم النصيحة والطاعة فلا تنكصوا عن دعوتي، ولا
تفرطوا في صلاح دينكم من دنياكم، وأن تنفذوا لما
هو لله طاعة ولمعيشتكم صلاح، وأن تخوضوا الغمرات
إلى الحق (6)، ولا يأخذكم في الله لومة لائم، فإن
أبيتم أن تستقيموا لي على ذلك، لم يكن أحد أهون
علي ممن فعل ذلك منكم، ثم أعاقبه عقوبة لا يجد
عندي فيها هوادة (7) فخذوا هذا من أمرائكم وأعطوهم
من أنفسكم يصلح الله أمركم والسلام (8).

(6) وفى أمالي الشيخ: (فإذا فعلت ذلك، وجبت لي عليكم البيعة، ولزمتكم
الطاعة، وألا تنكصوا عن دعوة ولا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات
إلى الحق) الخ وفى نهج البلاغة: (فإذا فعلت ذلك، وجبت لله عليكم النعمة،
ولي عليكم الطاعة، وان تخوضوا الغمرات إلى الحق).
(7) الهوادة - على زنة السعادة والشهادة -: اللين والرفق. ما يرجى
به الصلاح بين القوم. الرخصة. المحاباة، ومنه: (لأبعثنك إلى رجل لا تأخذه
فيك هوادة) أي إلى رجل لا يحابيك. وفى أمالي الشيخ:: (فان أنتم لم تسمعوا
لي على ذلك (كذا) لم يكن أحد أهون علي ممن خالفني فيه، ثم أحل بكم فيه
عقوبته، ولا تجدوا عندي فيها رخصة). وفى نهج البلاغة: (فان أنتم لم
تستقيموا على ذلك لم يكن أحد أهون علي ممن أعوج منكم ثم أعظم له العقوبة
ولا يجد عندي فيها رخصة).
(8) وفى أمالي الشيخ: (وأعطوا من أنفسكم هذا يصلح أمركم والسلام)
وفى نهج البلاغة: (واعطوهم من أنفسكم ما يصلح الله به امركم) وهو أظهر.
230

كتاب صفين الطبعة الثانية بمصر، ص 107 / ورواه أيضا الشيخ
الطوسي (ره) في الحديث (33) من الجزء الثامن من الأمالي ص 136 / ط
طهران. عن الشيخ المفيد، عن أبي الحسن: علي بن محمد الكاتب، عن
الأجلح، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحماني، قال: كتب
أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية: اما بعد فان الله تعالى انزل الينا كتابه الخ
إلى أن قال: وكتب إلى أمراء الأجناد: من عبد الله أمير المؤمنين إلى أصحاب المسالح الخ. ورواه أيضا السيد الرضي (ره) في المختار (50) أو (53)
من الباب الثاني من نهج البلاغة.
231

- 85 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى عماله على الخراج
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير
المؤمنين إلى أمراء الخراج (1).
أما بعد فإنه من لم يحذر ما هو وصائر إليه، لم
يقدم لنفسه ولم يحرزها (2) ومن اتبع هواه وانقاد له
على ما يعرف نفع عاقبته عما قليل ليصبحن من
النادمين (3).
ألا وإن أسعد الناس في الدنيا من عدل عما يعرف
ضره، وإن أشقاهم من اتبع هواه، فاعتبروا واعلموا

(1) وفى نهج البلاغة: (إلى أصحاب الخراج) الخ.
(2) كذا في النسخة، وفى نهج البلاغة: (أما بعد فان من لم يحذر ما هو
صائر إليه، لم يقدم لنفسه ما يحرزها) وهو أظهر، اي من لم يحذر العاقبة
التي تصير إليه بعدم مبالاته وبانقياده لشهواته لم يعمل لنفسه عملا يحفظها من
سوء المصير، ولم يحرز نفسها من نكال القيامة.
(3) كذا في النسخة، ولعل لفظة (على) بمعنى (مع).
232

أن لكم ما قدمتم من خير، وما سوى ذلك وددتم لو أن
بينكم وبينه أمدا بعيدا، ويحذر كم الله نفسه والله
رؤوف ورحيم بالعباد (4) وأن عليكم ما فرطتم فيه،
وأن الذي طلبتم ليسير وأن ثوابه لكثير (5)، ولو لم
يكن فيما نهي عنه من الظلم والعدوان عقاب يخاف،
كان في ثوابه مالا عذر لاحد بترك طلبته (6) فارحموا
ترحموا ولا تعذبوا خلق الله، ولا تكلفوهم فوق طاقتهم
وأنصفوا الناس من أنفسكم واصبروا لحوائجهم فإنكم
خزان الرعية (7) لا تتخذن حجابا ولا تحجبن أحدا عن
حاجته حتى ينهيها إليكم (8) ولا تأخذوا أحدا بأحد

(4) اقتباس من الآية (29) من سورة آل عمران: 2.
(5) وفى نهج البلاغة: (واعلموا ان ما كلفتم يسير، وان ثوابه كثير).
(6) وفى نهج البلاغة: (ولو لم يكن فيما نهى الله عنه من البغي والعدوان
عقاب يخاف، لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه، فأنصفوا الناس من
أنفسكم) أقول: الطلبة - بالكسر، وبفتح الطاء وكسر اللام -: المطلوب.
(7) وفى نهج البلاغة: زاد بعدها هكذا: (ووكلاء الأمة، وسفراء الأئمة،
وا تحسموا أحدا عن حاجته، ولا تحبسوه عن طلبته) إلى آخر ما فيه من
الزوائد الجيدة غير الموجودة في أصلنا المأخوذ عنه هنا.
(8) اي حتى يتركها - يقال (طلب حاجة حتى انهى عنها)، اي تركها،
ظفر بها أو لم يظفر.
233

إلا كفيلا عمن كفل عنه، واصبروا أنفسكم على ما فيه
الاغتباط (9) وإياكم وتأخير العمل ودفع الخير، فإن في
ذلك الندم، والسلام.
كتاب صفين الطبعة الثانية بمصر، ص 108، وقريب منه مع زيادات
في غاية الحسن والجودة، في المختار (51 / أو 54) من الباب الثاني من
نهج البلاغة.
- 86 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى زياد بن النضر، وشريح بن هانئ لما بعثهما في اثنى عشر ألفا على
مقدمة جيشه في الذهاب إلى الشام، وأمرهما ان يأخذا في طريق واحد ولا
يختلفا، فاختلفا وكتب كل واحد منهما إلى أمير المؤمنين (ع) يظهر الكراهة
من صاحبه فكتب (ع) اليهما:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير
المؤمنين إلى زياد بن النضر، وشريح بن هانئ، سلام
عليكما، فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو.

(1) اي احملوا أنفسكم على ما فيه الاغتباط.
234

أما بعد فإني قد وليت مقدمتي (1) زياد بن النضر
وأمرته عليها، وشريح على طائفة منها أمير، فإن أنتما
جمعكما بأس فزباد بن النضر على الناس، وإن افترقتما
فكل واحد منكما أمير [على] الطائفة التي وليناه
أمرها. واعلما أن مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة
طلائعهم (2) فإذا أنتما خرجتما من بلادكما فلا تسأما من

(1) مقدمة الجيش - بكسر الدال -: هم القوم الذين لهم نجدة وذكا
ويقدمون أنفسهم أمام الجيش للتحفظ على المصالح، والتجنب عن المضار.
وأما معنى مقدمة الجيش - بفتح الدال -: فهم الجماعة التي يقدمها أمير
الجيش قدام جيشه ليتوصلوا بحزمهم وبطولتهم وشدة محبتهم لقومهم إلى
جلب المصالح، وطرد المكاره، وغير خفي ان الأوصاف المذكورة - من النجدة
والذكاء والحزم والبطولة وفرط المحبة وغيرها مما يلازمها - غير مأخوذة في لفظة
(المقدمة) وإنما هي بحسب الغالب من اللوازم الخارجية للمقدمة،
وليست بمدلول لفظي لها.
(2) المراد من (العيون) هنا اما السادة والشرفاء من الجيش، إذ يطلق
العين على النفيس من كل شئ، أو المراد منها ما يقابل السمع والاذن، وعلى
الثاني يصح أن يراد من (العيون) حقيقة العضو المخصوص ادعاء ومبالغة اي
ان المقدمة عين الجيش وباصرته التي بها يرون الأشياء، ويتبين لهم الضار
والنافع، ويصح أيضا ان يراد من (العيون) على المعنى الثاني المراقب
- من باب ضرب نقما): عاب عليه. و (الاحداث): البدع. وهو جمع
حدث.
235

توجيه الطلائع، ومن نفض الشعاب والشجر والخمر في
كل جانب كي لا يغتر كما عدو، ويكون لكم كمين (3)
ولا تسبرن الكتائب والقبائل من لدن الصباح إلى المساء
إلا على تعبية، فإن دهمكم داهم أو غشيكم مكروه كنتم
قد تقدمتم في التعبية (4).
وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم عدو، فليكن

(3) يقال: (نفض - من باب نصر - نفضا المكان): نظر جميع ما فيه
حتى يتعرفه. الطريق: تتبعها. طهرها من اللصوص. ونفض فلان: نظر إلى
كل جانب، ويقال: إذا تكلمت فأنفض أي التفت هل ترى من تكره. والشعاب
- بكسر الشين - جمع الشعب والشعبة - كحبر وقفلة -: الطريق في الجبل.
مسيل الماء في بطن الأرض. ما انفرج بين الجبلين. الناحية. والخمر - على
زنة الشجر -: ما يستتر به. وأغتره واستغره: اتاه على غرة اي غفلة. واغتره.
طلب غفلته. والكمين: هو الداخل في الامر بحيث لا يفطن له، والمراد منه هنا:
هم القوم الذين يخفون أنفسهم في مكان خفي مراقبين غرة عدوهم للهجوم عليه.
(4) الكتائب جمع الكتيبة: القطعة من الجيش. ويقال: (عبأ يعيئ
تعبية الجيش، وعبأه تعبئة وتعبيئا وعبأه - من باب منع - عبأ هيأه وجهزه.
ودهمه - من باب منع - ودهمه - من باب علم - الامر دهما): غشيه أي حل به.
236

معسكركم في قبل الاشراف أو سفاح الجبال أو أثناء
الأنهار، ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين،
واجعلوا رقباء كم في صياصي الجبال وبأعالي الاشراف
ومناكب الهضاب (5) يرون لكم لئلا يأتيكم عدو من
مكان مخافة أو أمن، وإياكم والتفرق، فإذا نزلتم فانزلوا
جميعا، وإذا رحلتم فارحلوا جميعا، وإذا غشيكم ليل
فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والأترسة، ورماتكم
يلون ترستكم ورماحكم وما أقمتم فكذلك فافعلوا كي
لا تصاب لكم غفلة ولا تلفى منكم غرة (6) فما قوم حفوا
عسكرهم برماحهم وترستهم من ليل أو نهار إلا كانوا

(5) القبل من المكان - كقفل وعنق -: أسفله. والاشراف: الأماكن العالية،
وهو جمع الشرف - كفرس -. وسفاح الجبال - بكسر السين -: أسفلها
حيث يسفح - اي ينصب - فيه الماء. والرقباء: جمع الرقيب: العين والجاسوس.
والصياصي: جمع الصيصة: والصيصية: الحصن وكل ما امتنع به. والمناكب:
جمع المنكب - على زنة المجلس -: الموضع المرتفع. والهضاب - بكسر الهاء -
جمع الهضبة - كضربة -: ما ارتفع من الأرض. الجبل المنبسط على وجه
الأرض. وقيل: الجبل الطويل الممتنع المنفرد.
(6) الا ترسة والترسة - كأفعلة وفعلة -: جمع الترس - كقفل -: وهي
صفحة من فولاذ يحملها المحارب للوقاية من السيف ونحوه. ولا تلفى:
لا توجد. والغرة - بكسر الغين -: الغفلة.
237

كأنهم في حصون
واحرسا عسكركما بأنفسكما، وإياكما أن تذوقا نوما
حتى تصبحا إلا غرارا أو مضمضة (7) ثم ليكن ذلك
شأنكما ودأبكما حتى تنتهيا إلى عدوكما وليكن عندي كل
يوم خبر كما ورسول من قبلكما فإني - ولا شئ إلا ما شاء
الله - حثيث السير في آثاركما.
[و] عليكما في حربكما بالتوأدة (8) وإياكم والعجلة
إلا أن تمكنكم فرصة بعد الاعذار والحجة، وإياكما أن
تقاتلا حتى أقدم عليكما إلا أن تبدأ أو يأتيكما أمري إن
شاء الله والسلام.
كتاب صفين ص 123 / الطبعة الثانية بمصر، ورواه عنه ابن أبي الحديد
في شرح المختار (46) من خطب النهج: ج 3 ص 192.

(7) الغرار - بكسر الغين -: النوم القليل. ويقال: (تمضمض النعاس في
عينيه): دب وسرى. وقال في مادة (مضمض) من لسان العرب: لما جعل
للنوم ذوقا أمرهم أن لا ينالوا منه الا بألسنتهم ولا يسيغوه، فشبهه بالمضمضة
بالماء والقائه من الفم من غير ابتلاع.
(8) فاني حثيث السير: سريع السير. والتوأدة - بضم التاء وسكون
الواو وفتح الهمزة والدال - والتوآد - كتوراة -: التأني والرزانة.
238

- 87 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى زياد وشريح أيضا، فإنهما لما قدمهما أمير المؤمنين (ع) أمامه سارا
بجيشهما حتى انتهيا بسور الروم إلى مقدمة معاوية، وعليهم أبو الأعور
السلمي، فدعواهم إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين (ع) فأبوا، فبعثا إلى
أمير المؤمنين: بأنا قد لقينا مقدمة جيش معاوية وعليهم أبو الأعور، فدعوناهم
إلى الدخول في طاعتك فأبوا علينا، فمرنا بأمرك. فأرسل أمير المؤمنين (ع)
إلى الأشتر وأحضره ووصاه ثم أرسله اليهما وكتب معه إلى زياد وشريح:
أما بعد فإني قد أمرت عليكما مالكا، فاسمعا له
وأطيعا أمره، فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه (1)
ولا بطؤه عن ما الاسراع إليه أحزم، ولا الاسراع إلى ما البطؤ
عنه أمثل، وقد أمرته بمثل الذي أمرتكما: ألا يبدأ
القوم بقتال حتى يلقاهم فيدعوهم ويعذر إليهم
[إن شاء الله].
كتاب صفين ص 154، الطبعة الثانية بمصر. ورواه عنه ابن أبي الحديد
في شرح المختار (47) من خطب نهج البلاغة ج 3 / 213.

(1) الرهق - كفرس -: الاثم. التهمة. خفة العقل. الجهل. حمل
المرء على مالا يطيقه. والسقاط - ككتاب - الزلة.
239

- 88 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى العمال الذين كانوا في ممر الجيش ومعبرهم
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من مر به الجيش
من جباة الخراج وعمال البلاد.
أما بعد فإني قد سيرت جنودا هي مارة بكم إن
شاء الله، وقد أوصيتهم بما يجب لله عليهم من كف الأذى
وصرف الشذى (1) وأنا أبرأ إليكم وإلى ذمتكم من معرة
الجيش، إلا من جوعة المضطر لا يجد مذهبا إلى شبعه (2)
فنكلوا من تناول منهم شيئا ظلما عن ظلمهم (3) وكفوا

(1) الشذى: الشر، ويقال: أشذى فلانا): آذاه.
(2) معرة الجيش: أذاه ومساءته وجنايته على من مر به، من اكل زرعهم
وثمارهم واخذ أموالهم ومواشيهم وتحميل العمل عليهم. وجوعة - بفتح
الجيم -: الواحدة من مصدر جاع، ولا يبعد كونه مصدرا والتاء جزء للكلمة،
لا انه جيئ به للدلالة على الوحدة. ومذهبا: طريقا وسبيلا. أي انا أتبرأ من
اذى الجيش الا أن يكونوا جائعين مضطرين إلى ما يسدوا به رمقهم وقوتهم فإنه
يجوز لهم ان يأكلوا ويتناولوا بمقدار ما يدفع به الضرورة.
(3) (عن ظلمهم) متعلق بقوله: (نكلوا) يقال: (نكله عن الشئ):
صرفه. و (شيئا) مفعول لقوله: (تناول) و (ظلما) تمييز. و (عن
ظلمهم) من باب إضافة المصدر إلى فاعله اي اردعوا واصرفوا من كان من الجيش
يأخذ شيئا من مال غيره ظلما وتعديا - اي من غير اضطرار - عن ظلمه وبغيه.
ويحتمل كون إضافة) ظلم) إلى الضمير، من قبيل إضافة المصدر إلى مفعوله،
اي اصرفوه عن ظلم الرعايا ومن يمر به. والأول أظهر لفظا، والثاني أوجه معنى.
240

أيدي سفهائكم عن مضارتهم والتعرض لهم فيما استثنيناه
منهم (4) وأنا بين أظهر الجيش، فارفعوا إلي مظالمكم
وما عراكم مما يغلبكم من أمرهم [وما] لا تطيقون (5)
دفعه إلا بالله وبي، فأنا أغيره بمعونة الله إن شاء الله.
المختار (60، أو 64) من باب كتب نهج البلاغة.

(4) وهو التناول عند الاضطرار بمقدار يدفع به جوعه.
(5) كذا في النسخة التي عليها تعليقات محمد عبده، وفى نسخة ابن أبي
الحديد وابن ميثم: (ولا تطيقون دفعه). وعراكم: غشيكم ونالكم.
241

- 89 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أمراء الأجناد
قال نصر بن مزاحم (ره): وفي حديث عمر [ابن سعد الأسدي] أيضا
بأسناده، ثم قال: ان عليا (عليه السلام) كتب إلى أمراء الأجناد:
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير
المؤمنين.
أما بعد فإني أبرأ إليكم وإلى أهل الذمة من معرة
الجيش إلا من جوعة إلى شبعة، ومن فقر إلى غنى أو
عمي إلى هدى (1) فإن ذلك عليكم (2) فاعزلوا الناس
عن الظلم والعدوان، وخذوا على أيدي سفهائكم واحترسوا

(1) معرة الجيش: أن ينزلوا بقوم فيأكلوا من زرعهم شيئا بغير علم. أو
هو ما يترتب على مرور الجيش غالبا من الأذى والمساءة والغرم والجناية والعيب
والشدة وغيرها.
(2) هذا هو الظاهر، وفي النسخة. (فان ذلك عليهم). وقوله. (فاعزلوا
الناس): اصرفوهم وامنعوهم، والفعل من باب (ضرب) و (احترسوا):
احترزوا واجتنبوا.
242

أن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد علينا وعليكم
دعاءنا فإن الله تعالى يقول: (قل ما يعبؤ بكم ربي لولا
دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما) [77 - الفرقان]
فإن الله إذا مقت قوما من السماء هلكوا في الأرض، فلا تألوا
أنفسكم خيرا (3) ولا الجند حسن سيرة، ولا الرعية
معونة ولا دين الله قوة، وأبلوا في سبيله ما استوجب عليكم
فإن الله قد اصطنع عندنا وعندكم ما [يجب علينا أن]
نشكره بجهدنا (4) وأن ننصره ما بلغت قوتنا ولا قوة
إلا بالله.
وكتب أبو ثروان.
كتاب صفين ص 125، الطبعة الثانية بمصر، وفي ط ص 132، ورواه
عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار (46) من خطب نهج البلاغة: ج 3
ص 194.

(3) المقت: البغض أو أشده. وقوله: (فلا تألوا): لا تمنعوا أنفسكم
خيرا، ولا تقصروا ولا تبطأوا به عنها. والفعل - من باب (دعا يدعو).
(4) يقال: (أبلى زيد فلانا عذره): قدمه له فقبله. وأبلى في الحرب
بلاء حسنا: أظهر فيها بأسه حتى بلاه الناس واختبروه. و (الجهد) بضم
الجيم وفتحها كالمجهود: بذل الوسع والطاقة.
243

- 90 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى جنوده
قال نصر بن مزاحم (ره): وفي كتاب عمر بن سعد [الأسدي] أيضا:
وكتب [أمير المؤمنين عليه السلام] إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم والذي
عليهم:
من عبد الله علي أمير المؤمنين.
أما بعد فإن الله جعلكم في الحق جميعا سواء أسودكم
وأحمركم (1) وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم
بمنزلة الوالد من الولد، وبمنزلة الولد من الوالد الذي
لا يكفيهم منعه إياهم طلب عدوه والتهمة به (كذا) ما
سمعتم وأطعتم وقضيتم الذي عليكم وإن حقكم عليه
إنصافكم والتعديل بينكم والكف عن فيئكم، فإذا فعل

(1) لعل المراد من الأسود والأحمر: العرب والعجم، لغلبة الأدمة والسمرة
والسواد في الأول، والبياض والحمرة في الثاني، ويحتمل ان يراد من الأول
العبيد، ومن الثاني الأحرار، وابقاء الكلام على اطلاقه أولى.
244

ذلك معكم وجبت عليكم طاعته بما وافق الحق، ونصرته
على سيرته (2) والدفع عن سلطانه، فإنكم وزعة الله في
الأرض (3) فكونوا له أعوانا، ولدينه أنصارا،
ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها إن الله لا يحب
المفسدين.
كتاب صفين ص 126 / الطبعة الثانية بمصر، ورواه عنه ابن أبي
الحديد، في الشرح المختار (46) من خطب نهج البلاغة، ج 3 ص 195.

(2) كلمة (على). بمعنى في أي وجبت نصرته في طريقته ومذهبه، فما
يراه صوابا ويوافق الحق يجب معاونته في فعله، وما يراه خطأ يلزمكم مظاهرته
كي لا يتحقق.
(3) الوزعة - جمع الوازع - وهم الولاة المانعون من محارم الله تعالى، وفى
الحديث: (السلطان وزعة الله في أرضه). ومنه قوله (ع) في المختار (72)
من خطب نهج البلاغة: - أو ما وزع الجهال سابقتي عن تهمتي) الخ.
245

- 91 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية (1)
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير
المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام على من اتبع
الهدى، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو.
أما بعد فإنك قد رأيت من الدنيا وتصرفها بأهلها
وإلى ما مضى منها (كذا) وخير ما بقي من الدنيا ما أصاب
العباد الصادقون فيما مضى، ومن يقس شأن الدنيا بالآخرة
يجد بينهما بونا بعيدا (2).

(1) قال نصر بن مزاحم (ره) في الجزء الثاني من كتاب صفين ص 80:
عن صالح بن صدقة، عن إسماعيل بن زياد، عن الشعبي، ان عليا (ع) قدم
من البصرة مستهل رجب الكوفة، وأقام بها سبعة عشر شهرا يجري الكتب
فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص.
(2) هذا هو الظاهر، وفى نسخة كتاب صفين المطبوع بمصر، وشرح ابن أبي
الحديد: (ومن نسي الدنيا نسيان الآخرة يجد بينهما) الخ. و (البون)
بضم الباء وفتحها وسكون الواو -: البعد. الفضل. المسافة والفرق
بين شيئين.
246

وأعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله
لا في القدم ولا في الولاية، ولست تقول فيه بأمر بين
تعرف لك به أثرة (3) ولا لك عليه شاهد من كتاب الله
ولا عهد تدعيه من رسول الله، فكيف أنت صانع إذا
انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا أبهجت
[تبهجت خ] بزينتها وركنت إلى لذتها وخلي فيها بينك
وبين عدو جاهد ملح مع ما عرض في نفسك من دنيا قد
دعتك فأجبتها وقادتك فاتبعتها، وأمرتك فأطعتها.
فاقعس عن هذا الامر، وخذ أهبة الحساب، فإنه
يوشك أن يقفك واقف على ما لا يجنك منه مجن [ما لا
ينجيك منه منج خ] (4).

(3) القدم - على زنة الفرس والعنب -: التقدم. السابقة في الامر.
والولاية والولاءة - بفتح الواو، كالولاية بكسرها -: القرابة، والاثرة
- كغرفة -: المكرمة المتوارثة والفعل الحميد. والاثرة - كشجرة الاختيار.
(4) فاقعس: تأخر. و (أهبة الحساب) - بضم الألف وسكون الهاء
وفتح الباء -: عدته والتهيؤ له. وما لا يجنك - من باب (مد) و (أفعل) -:
ما لا يسترك. والمجن كالمجنة - بكسر الميم فيهما -: كل ما وقي به السلاح.
الترس، والجمع مجان.
247

ومتى كنتم يا معاوية ساسة للرعية، أو ولاة لامر
هذه الأمة بغير قدم حسن ولا شرف سابق على قومكم
(كذا) فشمر لما قد نزل بك، ولا تمكن الشيطان من بغيته
فيك (5) مع أني أعرف أن الله ورسوله صادقان، وإلا
تفعل أعلمك ما أغفلك [ما أغفلت خ] من نفسك، فإنك
مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه، فجرى منك مجرى
الدم في العروق.
واعلم أن هذا الامر لو كان إلى الناس أو بأيديهم
لحسدوناه وامتنوا به علينا (6) ولكنه قضاء ممن امتن

(5) فشمر: فتهيأ. والبغية. - بضم الباء وفتحها وكسرها وسكون
الغين -: ما يرغب فيه ويطلب.
(6) هذا من جملة ما يحتج به الإمامية من أن الامام والخليفة لابد أن يكون
منصوبا من قبل الله ورسوله، وليس للناس في نصبه - كنصبهم النبي -
من نصيب، ولنعم ما أفاده العلامة الطباطبائي:
وليس للأمة فيه ملتمس * وضل من عليهم الامر التبس
248

به علينا على لسان نبيه الصادق المصدق، لا أفلح من شك
بعد العرفان والبينة.
اللهم احكم بيننا وبين عدونا بالحق، وأنت
خير الحاكمين.
كتاب صفين ص 108، الطبعة الثانية بمصر، وفي ط ص 121، ورواه
عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار العاشر، من كتب نهج البلاغة: ج 15،
ص 86.
وقريب منه رواه ابن عساكر في ترجمة معاوية من تاريخ دمشق: ج 56
ص 63، أو 976، برواية الكلبي الآتية.
- 92 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية، على ما رواه ابن عساكر عن الكلبي.
أما بعد فقد رأيت الدنيا وتصرفها باهلها، ومن
يقس شأن الدنيا بالآخرة يجد بينهما بونا بعيدا.
ثم إنك يا معاوية قد ادعيت أمرا لست من أهله
249

لا في قديم ولا في حديث، ولست تدعي أمرا بينا،
ولا لك عليه شاهد من كتاب الله، ولا عهد من رسول الله
صلى الله عليه [وآله] وسلم، فكيف أنت صانع إذا
انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه (1) من دنيا دعتك
فأجبتها، وقادتك فاتبعتها، وأمرتك فأطعتها، فأي شئ
من هذا الامر وجدته ينجيك.
ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية، وولاة هذا
الامر بغير قدم (ظ) حسن، ولا شرف باسق (2) فلا تمكنن
الشيطان من بغيته [فيك] مع أني أعلم أن الله ورسوله
صادقان (ظ) فيما قالا، فأعوذ بالله من لزوم الشقاء،
فإنك يا معاوية مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذا وجرى

(1) انقشعت عنك زالت وانكشفت. والجلابيب: جمع الجلباب - بكسر
الجيم وسكون اللام -: وهو القميص أو الثوب
الواسع، واستعاره للدنيا باعتبار ان الانسان يغتر بكل منهما ويتبختر بالتزين
بهما.
(2) يقال: (بسق النخل - من باب نصر - بسوقا): ارتفعت أغصانه
وطال فهو باسق. وبسق أصحابه وعلى أصحابه بسوقا - كفسق
فسوقا - علاهم بالفضل.
250

منك [مجرى الدم (3)].
اللهم احكم بيننا وبين من خالفنا بالحق
وأنت خير الحاكمين.
ترجمة معاوية من تاريخ دمشق: ج 56 ص 63.
- 93 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى عمر بن العاص (1)
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير
المؤمنين إلى عمرو بن العاص.
أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها، صاحبها

(3) هذا هو الظاهر كما تقدم في المختار السالف، وفى النسخة: (فجرى
منك المجرى).
(1) ويجئ عند ختام الكتاب عن نصر بن مزاحم (ره) ان هذا أول كتاب
كتبه عليه السلام إلى عمرو بن العاص وانه جاء جوابه قبل ارتحاله (ع) من
النخيلة.
251

مقهور فيها (2) لم بصب منها شيئا قط إلا فتحت له
حرصا وأدخلت عليه مئونة تزيده رغبة فيها، ولن يستغني
صاحبها بما نال عما لم يبلغه، ومن وراء ذلك فراق ما
جمع (3) والسعيد من وعظ بغيره، فلا تحبط أجرك أبا
عبد الله، ولا تجارين معاوية في باطله، فإن معاوية غمص
الناس وسفه الحق (4) والسلام.
قال ابن أبي الحديد - في شرح المختار (49) من كتب النهج -: قال
نصر: وهذا أول كتاب كتبه علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص، ثم قال:
قال نصر: فكتب علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص بعد ذلك كتابا
غليظا. قال ابن أبي الحديد: وهو الذي ضرب مثله فيه بالكلب يتبع الرجل،
وهو مذكور في [المختار (30) من كتب] نهج البلاغة.

(2) جملة (وصاحبها مقهور فيها) غير موجودة في المختار (49) من
كتب نهج البلاغة.
(3) وفى ونهج البلاغة: (ومن وراء ذلك فراق ما جمع ونقض ما أبرم).
(4) فلا تجارين: فلا توافقن ولا تتبعن ويقال: (غمص زيد - من باب
ضرب - عمرا): احتقره. ومثله غمصه غمصا - من باب علم، والمصدر منهما
على زنة فلس. ويقال: (سفه الرجل سفها - كنصره نصرا -: غلبه في
المسافهة. حمله على السفه، أو نسبه إليه. وسفه نفسه: أذلها واستخلف
بها. وسفه نصيبه: نسيه.
252

فأجابه عمرو بن العاص وكتب إليه (ع):
من عمرو بن العاص إلى علي بن أبي طالب، أما بعد فان الذي فيه
صلاحنا وألفة ذات بيننا ان تنيب إلى الحق وأن تجيب إلى ما تدعون إليه من
شورى، فصبر الرجل منا نفسه على الحق، وعذره الناس بالمحاجزة والسلام.
فجاء الكتاب إلى علي (ع) قبل ان يرتحل من النخيلة.
كتاب صفين ط مصر، ص 110، وفي ط ص 124 / ورواه عنه ابن
أبي الحديد، في شرح المختار (49) من كتب نهج البلاغة، ج 17 / ص 15،
ورواه عنه أيضا في شرح المختار (35) من باب الخطب، ج 2 ص 227،
كما رواه المجلسي (ره) في البحار: ج 8 ص 475 س 4 عكسا، وص 505
س 7، كما رواه في تنبيه الخواطر 338. وقريب منه جدا في المختار 49،
أو 52) من كتب نهج البلاغة.
253

- 94 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية
شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ره) عن معلم الأمة: محمد بن
محمد بن نعمان قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال:
حدثنا الأجلح، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن زيد الحماني، قال:
كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان:
أما بعد فإن الله أنزل إلينا كتابه ولم يدعنا في
شبهة، ولا عذر لمن ركب ذنبا بجهالة، والتوبة مبسوطة،
ولا تزر وازرة وزر أخرى (1) وأنت ممن شرع الخلاف
متماديا في غمرة الامل (2) مختلف السر والعلانية،

(1) اقتباس من الآية (164) من سورة الأنعام، و (45) من سورة الإسراء
، و (18) من سورة فاطر، و (7) من سورة الزمر، و (38) من
سورة النجم.
(2) يقال:) تمادى زيد على كذا): دام على فعله ولج. وتمادى في الامر:
بلغ فيه المدى أي الغاية والمنتهى. وغمرة الشئ - بفتح الغين وسكون الميم -:
شدته ومزدحمه، والجمع غمرات وغمار وغمر - كقطرات وعقار وعمر -.
254

رغبة في العاجل، وتكذيبا بعد (كذا) في الآجل، و
كأنك قد تذكرت ما مضى منك فلم تجد إلى الرجوع
سبيلا.
الحديث (32) من الجزء الثامن، من أمالي الشيخ (ره) ص 135 / ط
طهران، ورواه عنه في البحار: ج 8 / 538 س 20 ط الكمباني.
- 95 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى عمرو بن العاص
وبالاسناد المتقدمة عن شيخ الطائفة (ره) كتب صلوات الله عليه إلى
عمرو بن العاص:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عمرو
بن العاص.
أما بعد فإن الذي أعجبك مما تلويت من الدنيا
ووثقت به منها منقلب عنك (1) فلا تطمئن إلى الدنيا
فإنها غرارة، ولو اعتبرت بما مضى حذرت ما بقي، و

(1) لعل معنى تلويت: استأثرت أو عطفت إليك أو تمنيت.
255

انتفعت منها بما وعظت به ولكنك اتبعت هواك وآثرته،
ولولا ذلك لم تؤثر على ما دعوناك إليه غيره، لأنا أعظم
رجاء وأولى بالحجة، والسلام.
- 96 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى عمرو بن العاص أيضا
قال ابن أبي الحديد: قال نصر: وكتب علي عليه السلام إلى عمرو بن
العاص:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأبتر بن الأبتر
عمرو بن العاص بن وائل، شانئ محمد وآل محمد في
الجاهلية والاسلام (1) سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد فإنك تركت مروءتك لامرئ فاسق مهتوك

(1) إشارة إلى ما نزل في شأن العاص بن وائل لما قال: ان محمدا أبتر
لا نسل له، لأنه ليس له ولد ذكر، وسوف يموت ذكره بموته بلا ولد،
فرد الله عليه، وانزل لافتضاحه إلى الأبد: (انا أعطيناك الكوثر، فصل لربك
وانحر، ان شانئك هو الأبتر) والشانئ: المبغض مع سوء خلق وعداوة.
256

ستره (2) يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته
فصار قلبك لقلبه تبعا كما قيل: (وافق شن طبقه) (3)

(2) قال ابن أبي الحديد: ان (معاوية) كان كثير الهزل والخلاعة،
وصاحب جلساء وسمار، ولم يتوقر ولم يلزم قانون الرياسة الا منذ خرج على
أمير المؤمنين (ع) واحتاج إلى الناموس والسكينة، والا فقد كان في أيام عثمان
شديد التهتك موسوما بكل قبيح، وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلا خوفا
منه، الا انه كان يلبس الحرير والديباج، ويشرب في آنية الذهب والفضة،
ويركب البغلات ذوات السروج المحلاة بها وعليها جلال الديباج والوشي، ونقل
الناس عنه في كتب السيرة انه كان يشرب الخمر في أيام عثمان - إلى آخر كلامه -
فراجعه فإنه مفيد جدا.
(3) فاعل (يشين) اما الضمير العائد إلى (امرئ فاسق) أو الفاعل
هو قوله: (بمجلسه) أي انك تركت مروءتك لفاسق من صفته ان مجلسه
والقعود معه بنفسه من أسباب شين الكريم، والمراودة به والاختلاط معه من
وسائل تسفيه الحليم. والتسفيه: جعل الشخص سفيها أي خفيف العقل
مضطرب الرأي. وقوله: (وافق شن) الخ من الأمثلة السائر المعروفة،
والمحكى عن الأصمعي أن الشن اسم لوعاء من أدم كان تشن - أي تقبض - فجعل
له غطاء فوافقه. وعلى هذا فالهاء في (طبقه) ضمير عائد إلى (الشن) وليست
جزأ للكلمة، وقيل: إن الشن اسم لرجل من دهاة العرب صادف في سفره
امرأة مثله ذكاوة وفطانة اسمها طبقة، فتزوجها وحملها إلى عشيرته وأهله فلما
علموا بما حوته من الفراسة والكياسة، قالوا: (وافق شن طبقة) وعليه فالهاء
جزء للكلمة، وقيل فيه غير ذلك. ومما يناسب الكلام جدا ما أنشده مسكين
الدارمي من أولياء معاوية وعمرو وعمر بن سعد، من قوله:
وإذا الفاحش لاقى فاحشا * فهناكم وافق الشن الطبق
إنما الفاحش ومن يعنى به (ظ) كغراب الشر ما شاء يعق
أو حمار الشر ان اشبعته * رمح الناس وان جاع نهق
أو غلام السوء ان جوعته * سرق الجار وان يشبع فسق
257

فسلبك دينك وأمانتك ودنياك وآخرتك، وكان علم الله
بالغا فيك، فصرت كالذئب يتبع الضر غام إذا ما الليل دجى،
أو أتى الصبح يلتمس فاضل سؤره وحوايا فريسته (4)
ولكن لا نجاة من القدر، ولو بالحق أخذت لأدركت ما
رجوت (5) وقد رشد من كان الحق قائده، فإن يمكن الله
منك ومن ابن آكلة الأكباد ألحقتكما بمن قتله الله من
ظلمة قريش على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
وإن تعجزا [ني] وتبقيا بعدي فالله حسبكما، وكفى بانتقامه
انتقاما، وبعقابه عقابا، والسلام.
شرح المختار (39) من الباب الثاني من نهج البلاغة، من شرح ابن أبي
الحديد: ج 16 / 163، وفي ط - ج 4 ص 61، وفي ط ص 39، ورواه أيضا

(4) الضر غام: الأسد. وإذا ما الليل دجى: أظلم فهو داج. والليلة
داجية. والسؤر: ما يفضل ويبقى بعد الأكل والشرب. والحوايا - كعطايا -:
جمع الحوية مؤنث الحوي: ما انقبض واستدار من الأمعاء.
(5) أي لو تمسكت بالحق واستقمت عليه، كتمسكك واستقامتك
على الباطل، لأدركت ما رجوت من الرئاسة والحكومة على بعض العباد.
258

ابن ميثم (ره) في شرح المختار المشار إليه، من شرحه: ج 5 ص 58، وقريب
منه جدا في المختار (39) من كتب نهج البلاغة، ورواه في جمهرة الرسائل:
ج 1 / 486، عن ابن أبي الحديد، كما رواه عنه أيضا العلامة الأميني مد
ظله في الغدير:
- 97 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية كتبه إليه بعد حروب كثيرة في صفين
أما بعد فإنك قد ذقت ضراء الحرب وأذقتها، وإني
عارض عليكم ما عرض المخارق على بني فالج:
أيا راكبا إما عرضت فبلغن * بني فالج حيث استقر قرارها
هلموا إلينا لا تكونوا كأنكم * بلاقع أرض طار عنها غبارها
سليم بن منصور أناس بحرة * وأرضهم أرض كثير وبارها (1)
كتاب صفين ص 385 ط 2 بمصر، ورواه عنه في البحار: ج 8 ص 497
س 20.

(1) الوبار - بكسر الواو كالوبارة ومثلهما الوبور - بضم الواو -: جمع
الوبر - على زنة الفلس وهو دويبة قصير الزند والاذنين أصغر من السنور،
ويقال لها بالفارسية: (ونك). وقيل: إنها لا ذنب لها، ولونها طحلاء، وهي
ترجز في البيوت.
259

- 98 -
ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به معاوية، لما كتب إليه في صفين بما نصه:
من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب، أما بعد فان
الله تعالى يقول في محكم كتابه: (ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك
لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) [65 / الزمر: 39]
واني أحذرك الله ان تحبط عملك وسابقتك بشق عصا هذه الأمة وتفريق
جماعتها، فاتق الله واذكر موقف القيامة، واقلع عما أسرفت فيه من الخوض
في دماء المسلمين، واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (لو
تمالا أهل صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبهم الله على
مناخرهم في النار) (1) فكيف يكون حال من قتل أعلام المسلمين وسادات
المهاجرين بله ما طحنت رحى حربه من أهل القرآن، وذي العادة والايمان،

(1) وهذا الحديث بوحده كاف في أن معاوية واتباعه من أهل النار لقتلهم
الرجل الصالح الذي أبلته العبادة، الا وهو حجر بن عدي الكندي (ره)
شهيد مرج عذراء، وتأمل في كلمات أم المؤمنين عايشه والحسن البصري وغيرهم
حول قتله فإنها تغنيك عن غيرها، ولا حاجة في الحكم بهلاكه إلى ذكر بقية موبقاته
من الحرب مع نفس النبي (ص) بحكم القرآن والسنة القطعية، وإراقة دماء
سبعين الف من المسلمين بصفين، وقتل ثلاثين الف من مسلمي اليمن لما ارسل
إليهم بسر بن أرطاة وغيرها مما هو مذكور في أسفار المؤرخين والمحدثين، بل على
رواية معاوية وأتباعه قتل الحجر بوحده يكفي لهلاكه وهلاك تبعته.
260

من شيخ كبير، وشاب غرير (2) كلهم بالله تعالى مؤمن، وله مخلص، وبرسوله
مقر عارف فان كنت أبا حسن إنما تحارب على الامرة والخلافة، فلعمري لو
صحت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين، ولكنها ما صحت
لك، انى بصحتها وأهل الشام لم يدخلوا فيها ولم يرتضوا بها! وخف الله
وسطواته، واتق بأسه ونكاله، واغمد سيفك عن الناس، فقد والله أكلتهم
الحرب، فلم يبق منهم الا كالثمد في قرارة الغدير (3) والله المستعان.
ولما وقف أمير المؤمنين عليه السلام على كتابه أجابه بما لفظه:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن
أبي سفيان.
أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة، ورسالة
محبرة، نمقتها بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك، وكتاب
امرئ (4) ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى

(2) بله اسم فعل بمعنى (دع) و (أترك). والغرير: الشاب لا تجربة
له. المغرور.
(3) الثمد - على زنة الفلس والفرس -: الماء القليل يتجمع في الشتاء،
وينضب في الصيف، أو الحفرة يجتمع فيها ماء المطر، والجمع ثماد كعبد وعباد.
وقرارة الغدير وقراره: مستقره.
(4) موصلة - بصيغة اسم المفعول -: ملفقة من كلمات مختلفة كالثوب
المرقع بقطع متباينة الألوان. و (محبرة): مزينة. و (نمقتها): حسنت
كتابتها. و (أمضيتها (: أنفذتها وأجزتها. وقوله (ع): (وكتاب امرئ)
عطف على قوله: (موعظة).
261

فأجابه، وقاده الضلال فاتبعه، فهجر لاغطا، وضل
خابطا (5).
فأما أمرك لي بالتقوى فأرجو أن أكون من أهلها،
وأستعيذ بالله من أن أكون من الذين إذ أمروا بها أخذتهم
العزة بالاثم (6).
وأما تحذيرك إياي أن يحبط عملي وسابقتي في
الاسلام، فلعمري لو كنت [أنا] الباغي عليك لكان
لك أن تحذرني ذلك، ولكني وجدت الله تعالى يقول:
(فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) [9 -
الحجرات 49] فنظرنا إلى الفئتين، أما الفئة الباغية

(5) يقال: (هجر في كلامه - من باب نصر - هجرا): خلط وهذى،
فهو هاجر، والكلام مهجور. و (لاغطا) حال عن فاعل (هجر) واللغط
- كفرس -: الصوت والجلبة، أو الصوت الذي لا معنى له. و (خابطا)
اي سائرا على غير هدى وبصيرة.
(6) اقتباس من قوله تعالى في الآية (206) من سورة البقرة: (ومن الناس
من يعجبك قوله في الحياة الدنيا - إلى أن قال: - وإذا قيل له -: اتق الله أخذته
العزة بالاثم) اي حملته العزة وحمية الجاهلية على فعل الاثم، ودعته إليه.
كما يقال: أخذته الحمى: لزمته.
262

فوجدناها الفئة التي أنت فيها، لان بيعتي بالمدينة
لزمتك وأنت بالشام، كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة
وأنت أمير لعمر على الشام، وكما لزمت يزيد أخاك بيعة
عمر، وهو أمير لأبي بكر على الشام.
وأما شق عصا هذه الأمة فأنا أحق أن أنهاك عنه.
فأما تخويفك لي من قتل أهل البغي، فإن رسول
الله صلى الله عليه وآله أمرني بقتالهم وقتلهم، وقال:
لأصحابه: (إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما
قاتلت على تنزيله) وأشار إلي (7) وأنا أولى من اتبع أمره.
وأما قولك: (إن بيعتي لم تصح لان أهل الشام
لم يدخلوا فيها) كيف وإنما هي بيعة واحدة، تلزم الحاضر
والغائب، لا يثنى فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار،
الخارج منها طاعن، والمروي فيها مداهن (8) فأربع على

(7) هذا الكلام ونظائره مما ورد عنهم (ع) في مقامات كثيرة مما يهدم
أساس ما اختلقه بعض النواصب حيث زعم أن حروب أمير المؤمنين (ع) لم
يكن بأمر رسول الله (ص) وإنما كانت حروبا سياسية للتحفظ على الامارة.
(8) لا يثنى فيها النظر: لا ينظر فيها ثانيا بعد النظر الأول: (ولا يستأنف
فيها الخيار) أي لا اختيار لاحد فيها كي يستأنفه بعد عقدها. و (المروي):
المتفكر هل يقبلها أم يردها. و (المداهن): المنافق، وهو الذي يتظاهر بخلاف
ما أبطنه في ضميره.
263

ظلعك، وانزع سربال غيك، واترك ما لا جدوى له عليك (9)
فليس لك عندي إلا السيف حتى تفئ إلى أمر الله صاغرا
وتدخل في البيعة راغما، والسلام (10).
شرح المختار السابع من كتب نهج البلاغة، من شرح ابن أبي الحديد:
ج 14، ص 42. ونقله تحت الرقم (444) من جمهرة الرسائل: ج 1،
ص 475، أيضا عن شرح ابن أبي الحديد: ج 3 ص 302.
(9) فأربع على ظلعك: توقف عليه. و (الظلع) - على زنة الفلس -:
النقص والعيب. أي انك ناقص فانته عما ليس من شأنك، وقف على حدك
ولا تجاوزه. و (الجدوى) - كعدوى -: الغناء والنفع. العطية.
(10) حتى تفئ إلى أمر الله أي حتى ترجع إليه. والكلام إشارة إلى قوله
تعالى في الآية التاسعة من سورة الحجرات: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله).
264

- 99 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية
أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة نمقتها
بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك (1) وكتاب ليس ببعيد
الشبه منك، حملك على الوثوب على ما ليس لك
فيه حق (كذا).
ولولا علمي بك وما سبق من رسول الله صلى الله عليه
وآله فيك مما لا مرد له دون إنفاذه، إذا لوعظتك، و
لكن عظتي لا تنفع من حقت عليه كلمة العذاب، و
لم يخف العقاب، ولا يرجو لله وقارا، ولم يخف له
حذارا (2).

(1) موصلة: ملفقة من كلام مختلف أخذت كل قطعة منه من غيرك فألفتها
تأليف الثوب المرقع. و (نمقتها): حسنت كتابتها. و (أمضيتها):
صوبتها وأنفذتها. و (كتاب) عطف على (موعظة).
(2) ولا يرجو لله وقارا. أي لا تخاف لله عقابا ولا ترجو منه ثوابا. أو
لا تخاف لله عظمة فتوحده وتطيعه. وعلى التقديرين فا (لرجاء) بمعنى الخوف
هنا. أقول: هذان الوجهان مما ذكره المفسرون في تفسير الآية (13) من سورة
نوح أعنى قوله تعالى: (ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا).
و (الحذار) بفتح أوله: اسم فعل بمعنى (الحذر): الخوف. التحرز.
265

فشأنك وما أنت عليه من الضلالة، والحيرة و
الجهالة، - تجد الله [عز وجل] في ذلك بالمرصاد - من
دنياك المنقطعة، وتمنيك الأباطيل، وقد علمت ما قال
النبي صلى الله عليه وآله فيك وفي أمك وأبيك، والسلام.
شرح المختار السابع من الباب الثاني من نهج البلاغة من شرح ابن
ميثم (ره): ج 4 ص 356 ط طهران سنة 1386.
ونقله عنه في البحار: ج 8 ص 539، وقريب منه جدا في المختار (7)
من كتب نهج البلاغة.
266

- 100 - ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية
إن بيعتي شملت الخاص والعام، وإنما الشورى
للمؤمنين من المهاجرين الأولين السابقين بالاحسان من
البدريين، وإنما أنت طليق بن طليق، لعين بن لعين
وثن بن وثن، ليست لك هجرة ولا سابقة ولا منقبة و
لا فضيلة، وكان أبوك من الأحزاب الذين حاربوا الله و
رسوله، فنصر الله عبده وصدق وعده، وهزم الأحزاب
وحده.
ثم وقع عليه السلام في آخر الكلام:
ألم تر قومي إذ دعاهم أخوهم
أجابوا وإن يغضب على القوم يغضبوا
مناقب آل أبي طالب، للحافظ ابن شهرآشوب. ونقله عنه في البحار:
ج 8 ص 511 س 13، ط الكمباني.
267

- 101 -
ومن كتاب له عليه السلام
أجاب به ما كتبه إليه معاوية بن أبي سفيان.
قال نصر بن مزاحم (ره): لما انتهى إلى معاوية [قول أمير المؤمنين
عليه السلام: (اني مناجز القوم إذا أصبحت وغاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى
الله عز وجل) وشعر معاوية بن الضحاك (1) و] شعر الأشتر (2) هاله ذلك،

(1) وأشعاره هكذا:
ألا ليت هذا الليل أطبق سرمدا * علينا وأنا لا نرى بعده غدا
ويا ليته ان جاءنا بصباحه * وجدنا إلى مجرى الكواكب مصعدا
حذار عليا انه غير مخلف * مدى الدهر، ما لبى الملبون موعدا
فأما قراري في البلاد فليس لي * مقام ولو جاوزت جابلق مصعدا
كأني به في الناس كاشف رأسه * على ظهر خوار الرحالة أجردا
يخوض غمار الموت في مرجحنة * ينادون في نقع العجاج محمدا
فوارس بدر والنضير وخيبر * وأحد يروون الصفيح المهندا
ويوم حنين جالدوا عن نبيهم * فريقا من الأحزاب حتى تبددا
هنالك لا تلوي عجوز على ابنها * وان أكثرت في القول: نفسي لك الفدا
فقل لابن حرب ما الذي أنت صانع * أتثبت أم ندعوك في الحرب قعددا
وظني بأن لا يصبر القوم موقفا * يقفه وان لم يجر في الدهر للمدى
فلا رأى الا تركنا الشام جهرة * وان أبرق الفجفاج فيها وأرعدا
(2) وقال الأشتر (ره) حين قال أمير المؤمنين (ع): (اني مناجز القوم
إذا أصبحت) هكذا:
قد دنا الفصل في الصباح وللسلم رجال وللحروب رجال
إلى أن قال:
يا بن هند شد الحيازيم للموت * ولا يذهبن بك الآمال
ان في الصبح ان بقيت لامرا * تتفادى من هوله الابطال الخ
268

وقال: قد رأيت أن أكتب إلى علي كتابا أسأله الشام - وهو الشئ الأول
الذي ردني عنه - وألقي في نفسه الشك والريبة. فضحك عمرو بن العاص،
ثم قال: أين أنت يا معاوية من خدعة علي؟!
فقال: ألسنا بني عبد مناف؟ قال: بلى ولكن لهم النبوة دونك، وان
شئت أن تكتب فاكتب. فكتب معاوية مع عبد الله بن عقبة، وهو من
السكاسك، ومن ناقلة أهل العراق (3) إلى علي (ع):
أما بعد فاني أظنك ان لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت،
وعلمنا لم يجنها بعضنا على بعض، وإنا وان كنا قد غلبنا على عقولنا فقد
بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى ونصلح به ما بقي، وقد كنت سألتك الشام
على ألا يلزمني لك طاعة ولا بيعة، فأبيت ذلك علي، فأعطاني الله ما منعت
وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس، فاني لا أرجو من البقاء الا
ما ترجو، ولا أخاف من الموت الا ما تخاف، وقد والله رقت الأجناد، وذهبت
الرجال، ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل الا فضل لا يستذل
به عزيز، ولا يسترق به حر، والسلام.
فلما انتهى كتابه إلى أمير المؤمنين (ع) وقرأه، قال: العجب لمعاوية
وكتابه، ثم دعا (ع) كاتبه عبيد الله بن أبي رافع، فقال: أكتب إلى معاوية:

(3) الناقلة من الناس: الذين دأبهم وعادتهم الانتقال من مكان إلى آخر.
ونواقل العرب: هم الذين ينتقلون من قبيلة إلى أخرى فينتسبون إليها.
أقول: ما ذكرنا هنا خلاصة كلام النصر في كتاب صفين، وليس عين نصه.
269

[من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
إلى معاوية بن أبي سفيان]
أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر [فيه] أنك لو
علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها
بعضنا على بعض (4) فإنا وإياك منها في غاية لم نبلغ ها
(5) وإني لو قتلت في ذات الله وحييت، ثم قتلت ثم
حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله، و
الجهاد لأعداء الله.
وأما قولك: إنه قد بقي من عقولنا ما نندم به على
ما مضى. فإني ما نقصت عقلي، ولا ندمت على فعلي.
فأما طلبك الشام (6) فإني لم أكن لأعطيك اليوم

(4) بين المعقوفين مأخوذ من كنز الفوائد، وفى المروج الذهب: (من علي
بن أبي طالب، إلى معاوية بن أبي سفيان) الخ والضمير في قوله: (لم يجنها)
راجع إلى الحرب.
(5) وفى الإمامة والسياسة: (وانا وإياك في غاية لم نبلغها بعد) وفى
مروج الذهب وكنز الفوائد: (وانا وإياك نلتمس (منها) غاية لم نبلغها بعد).
(6) وفى الإمامة والسياسة، وكنز الفوائد: (وأما طلبك إلي الشام)
ومثله في نهج البلاغة، الا ان فيه: فأما. وفى مروج الذهب: (فأما طلبك مني).
270

ما منعتك أمس (7).
وأما استواؤنا في الخوف والرجاء، فإنك لست
أمضى على الشك مني على اليقين (8) وليس أهل الشام
بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة (9).
وأما قولك: (إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على
بعض فضل) فلعمري إنا بنو أب واحد، ولكن ليس
أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان
كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا المحق
كالمبطل (10).

(7) وفى نهج البلاغة بعد ذلك هكذا: (وأما قولك: ان الحرب قد أكلت
العرب، الا حشاشات أنفس بقيت، ألا ومن أكله الحق فالي الجنة، ومن أكله
الباطل فإلى النار، وأما استواؤنا في الحرب والرجال، فلست بأمضى على
أنشك مني على اليقين) الخ.
(8) ومثله في الإمامة والسياسة، وفى مروج الذهب وكنز الفوائد
(فلست بأمضى على الشك مني على اليقين) الخ.
(9) ومثله في نهج البلاغة، وفى مروج الذهب: (وليس أهن الشام على
الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة) وفى كنز الفوائد: (ولا أهل الشام
على الدنيا بأحرص) الخ.
(10) وقريب منه لفظا في الإمامة والسياسة، ومروج الذهب، وكنز
الفوائد، وفى نهج البلاغة: (وأما قولك: انا بنو عبد مناف. فكذلك نحن،
ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب،
ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن
كالمدغل، ولبئس الخلف خلفا يتبع سلفا هوى في نار جهنم) الخ.
271

وفى أيدينا [بعد] فضل النبوة التي أذللنا بها
العزيز، وأعززنا بها الذليل (11) والسلام.
أول الجزء الثاني عشر من أجزاء نسخة عبد الوهاب، من كتاب صفين،
ص 471 ط مصر، ومثله الا في ألفاظ يسيرة، في رئاسة معاوية وسيره من
مروج الذهب: ج 3 ص 13، ط بيروت، وفي ط مصر، ج 2 ص 61، وفي
ط ص 22، وكذلك في الإمامة والسياسة ص 118، وكنز الفوائد، في
الفصل الثالث من الرسالة الثالثة، ص 201 ج 2. ورواه أيضا في المختار
(17) من كتب نهج البلاغة بنقص جمل، وإضافات جيدة بديعة، ورواه ابن
أبي الحديد في شرحه: ج 15، ص 122، عن كتاب صفين، ورواه تحت
الرقم: (446) من جمهرة رسائل العرب ص 479، عن شرح ابن أبي الحديد:
ج 3 / 424، والإمامة والسياسة: ج 1 / 88، ومروج الذهب: ج 2
ص 61.

(11) وفى الإمامة والسياسة، ومروج الذهب وكنز الفوائد: (وفى أيدينا
فضل النبوة التي قتلنا بها العزيز، وبعنا بها الحر، والسلام). وفى نهج
البلاغة: (وفى أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز، ونعشنا بها
الذليل، ولما أدخل الله العرب في دينه أفواجا، وأسلمت له هذه الأمة طوعا
وكرها كنتم ممن دخل في الدين اما رغبة واما رهبة على حين فاز أهل السبق
بسبقهم وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم، فلا تجعلن للشيطان فيك نصيبا،
ولا على نفسك سبيلا).
272

- 102 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية، لما أكرهه قواد جيشه وجل من في جنده على الصلح، وبعث
الحكمين، وكتب معاوية - أو ارسل - إليه:
(ان الامر قد طال بيننا وبينك، وكل واحد منا يرى أنه على الحق
فيما يطلب من صاحبه، ولن يعطي واحد منا الطاعة للآخر، وقد قتل فيما
بيننا بشر كثير، وأنا أتخوف أن يكون ما بقي أشد مما مضى، وانا [سوف]
نسأل عن ذلك الموطن، ولا يحاسب به غيري وغيرك، فهل لك في أمر لنا ولك
فيه حياة وعذر براءة وصلاح للأمة، وحقن للدماء، وألفة للدين وذهاب
للضغائن والفتن: أن يحكم بيننا وبينك حكمان رضيان، أحدهما من أصحابي،
والآخر من أصحابك، فيحكمان بما في كتاب الله بيننا فإنه خير لي ولك،
وأقطع لهذه الفتن، فاتق الله فيما دعيت له، وارض بحكم القرآن ان كنت
من أهله، والسلام).
فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام وكتب إليه بما لفظه:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن
أبي سفيان.
أما بعد فإن أفضل ما شغل به المرء نفسه اتباع ما
يحسن به فعله ويستوجب فضله ويسلم من عيبه، وإن
273

البغي والزور يزريان بالمرء في دينه ودنياه، ويبديان من
خلله عند من يغنيه ما استرعاه الله ما لا يغني عنه تدبيره (1)
فاحذر الدنيا فإنه لا فرح في شئ وصلت إليه منها،
ولقد علمت أنك غير مدرك ما قضي فواته، وقد رام قوم
أمرا بغير الحق، فتأولوا على الله تعالى فأكذبهم ومتعهم
قليلا ثم اضطرهم إلى عذاب غليظ، فاحذر يوما يغتبط
فيه من أحمد عاقبة عمله، ويندم فيه من أمكن الشيطان
من قياده ولم يحاده (2) وغرته الدنيا، واطمأن إليها.
ثم إنك قد دعوتني إلى حكم القرآن (3) - ولقد

(1) كذا في ط مصر، من كتاب صفين، وفى شرح ابن أبي الحديد: (وان
البغي والزور يزريان بالمرء في دينه ودنياه، فأحذر الدنيا فإنه) الخ وفى نهج
البلاغة: (وان البغي والزور يذيعان. (يوتغان) بالمرء في دينه ودنياه، ويبديان
خلله عند من يعيبه، وقد علمت أنك غير مدرك ما قضي فواته، وقد رام
أقوام) الخ.
(2) وفى نهج البلاغة: ويندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجادبه)
وهو أظهر، ولم يحاده أي لم يغضبه ولم يعاديه، وهي من باب (مفاعلة).
(3) وفى نهج البلاغة: (وقد دعوتنا إلى حكم القرآن، ولست من أهله،
ولسنا إياك أجبنا، ولكنا أجبنا القرآن في حكمه والسلام.
274

علمت أنك لست من أهل القرآن، ولست حكمه تريد،
والله المستعان - وقد أجبنا القرآن إلى حكمه، ولسنا
إياك أجبنا، ومن لم يرض بحكم القرآن فقد ضل
ضلالا بعيدا.
قبيل قصة الحكمين من كتاب صفين ص 493 ط 2 بمصر. ورواه عنه
ابن أبي الحديد، في شرح المختار (35) من خطب النهج: ج 2 ص 225
ورواه أيضا عن، إبراهيم بن الحسين بن علي بن مهران بن ديزيل الكسائي
الهمذاني المتوفى سنة 281 / في كتاب صفين.
- 103 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى عمرو بن العاص بن وائل السهمي.
قال نصر بن مزاحم (ره): وكتب علي (ع) إلى عمرو بن العاص
يعظه ويرشده:
أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها، ولم يصب
صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا يزيده فيها رغبة (1)

(1) وفى نهج البلاغة: (ولم يصب صاحبها منها شيئا الا فتحت له حرصا
عليها ولهجا بها).
275

ولن يستغني صاحبها بما نال عمال لم يبلغه (2)، ومن
وراء ذلك فراق ما جمع، والسعيد من وعظ بغيره، فلا
تحبط أبا عبد الله أجرك، ولا تجار معاوية في باطله (3).
ذكره مع التالي في كتاب صفين 498 ط 2 بمصر، ورواه عنه، ابن أبي
الحديد في شرح المختار (35) من خطب نهج البلاغة: ج 2 ص 227. ورواه
أيضا في البحار: ج 8 ص 475 س 4 عكسا، عن نصر بن مزاحم.
- 104 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى عمرو بن العاص أيضا، لما بلغه جواب عمرو، عن كتابه (ع)
المتقدم إليه، وهو:
أما بعد فان ما فيه صلاحنا وألفتنا الإنابة إلى الحق، وقد جعلنا القرآن
حكما بيننا فأجبنا إليه، وصبر الرجل منا نفسه على ما حكم عليه القرآن.
وعذره الناس بعد المحاجزة والسلام.
أما بعد فإن الذي أعجبك من الدنيا مما نازعتك
إليه نفسك وثقت به منها لمنقلب عنك ومفارق لك،

(2) وفى نهج البلاغة: (ولن يستغني صاحبها بما نال فيها، عما لم يبلغه
منها) الخ.
(3) أي فلا توافقه ولا تتابعه في باطله.
276

فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة، ولو اعتبرت بما مضى
لحفظت ما بقي، وانتفعت بما وعظت به والسلام.
- 105 -
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه (ع) وهو بقنسرين راجعا من صفين - إلى السبط الأكبر أبي
محمد الحسن المجتبى صلوات الله عليه (1) وقد ذكره السيد الرضي (ره)
في المختار (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة وقد آثرنا ان نذكره في
كتابنا هذا قضاءا لحقوق من دونه ورواه وتزيينا لمجموعة ألفناها، وتقطيعا
لألسن أهل ضعائن عهدناها، فنقول:
قال السيد ابن طاوس أعلى الله في الجنة مقامه - في وصيته إلى ولده -:
وقد وقع في خاطري أن اختم هذا الكتاب (2) بوصية أبيك أمير المؤمنين - (ع)
الذي عنده علم الكتاب - إلى ولده العزيز عليه، ورأيت أن يكون رواية
الرسالة بطريق المخالفين والمؤالفين (3) فهو أجمع على ما تضمنه من سعادة

(1) وقال في نظم درر السمطين ص 161، انه عليه السلام كتبه بصفين
وأرسله إلى الحسن عليه السلام بقاصدين.
(2) يعني كتاب كشف المحجة لثمرة المهجة الذي ألفه لولده (ره).
(3) أقول: وحيث إن للكتاب مصادر كثيرة من الطريقين وبينهما اختلاف
في الزيادة والنقيصة أو في التعبير - بل في أصل الحاكي والمحكي عنه قد
يوجد اختلاف في التعبير، بل نسخ الأصل الواحد قد تختلف في بعض الألفاظ،
أو في الإشارة إلى ما في نسخة أخرى - ولأجل ان الإحاطة على جميع الخصوصيات
لها مدخلية في كشف الواقع وتحصيل المراد من الكلام، أحببنا ان نشير إلى
تلك الخصوصيات اما بوضعها في المتن بين المعقوفين أو قوسين - لو كانت قصيرة -
وتعقيبها برمز المصدر المأخوذ منه، أو بذكرها في ذيل الصفحة والتصريح
باسم المصدر المأخوذ منه، إذا كانت الزيادة طويلة أولم نجد موجبا لذكرها
في المتن المختار.
ثم ليعلم انا جعلنا الإشارة إلى بحار الأنوار بحرف: (ب) والى تحف
العقول بحرف (ت) والى نظم درر السمطين بحرف: (د) والى كنز العمال
بحر: (ك) والى معادن الحكمة والجواهر بحرف (م) والى نهج البلاغة
بحرف: (ن) والى ما في بعض النسخ دون بعض بحرفى: (خ ل) وكل ما جعل
بين المعقوفين بلا تعقيب بحرف فهو مما ساقنا إليه الاجتهاد، وأيضا وضعنا
قبل كل علامة وحرف نقطة كي لا تلتئم العلامة بما قبلها فيفسد المعنى المقصود.
277

الدنيا والدين، فقال أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد، العسكري
في كتاب الزواجر والمواعظ في الجزء الأول منه، من نسخة تاريخها ذو القعدة
من سنة ثلاث وسبعين وأربعمأة ما هذا لفظه:
وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لولده، ولو كان
من الحكمة ما يجب ان يكتب بالذهب لكانت هذه. وحدثني بها جماعة،
فحدثني علي بن الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا الحسن [الحسين. (ب)]
ابن أبي عثمان الآدمي، قال أخبرنا أبو حاتم المكتب يحيى بن حاتم بن
عكرمة، [كذا] قال حدثني يوسف بن يعقوب بأنطاكية، قال حدثني بعض
أهل العلم قال لما انصرف علي (ع) من صفين إلى قنسرين كتب إلى ابنه
الحسن بن علي (ع): (من الوالد الفان المقر للزمان) الخ.
278

وحدثنا أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا سليمان بن الربيع النهدي،
قال: حدثنا كادح بن روحمة الزاهد، قال: حدثنا صباح بن يحيى المزني.
وحدثنا علي بن عبد العزيز الكوفي الكاتب [المكتب (ب)] قال:
حدثنا جعفر بن هارون بن زياد، قال حدثنا محمد بن علي بن موسى الرضا،
عن أبيه، عن جده جعفر الصادق، [عن أبيه جعفر الصادق (ب)] عن
أبيه عن جده عليهم السلام، أن عليا كتب إلى الحسن بن علي (ع).
وحدثنا علي بن محمد بن إبراهيم التستري، قال: حدثنا جعفر بن
عنبسة، قال: حدثنا عباد بن زياد، قال: حدثنا عمرو بن أبي المقدام، عن
أبي جعفر: محمد بن علي عليه السلام، قال: كتب أمير المؤمنين عليه السلام
إلى الحسن بن علي (ع).
وحدثنا محمد بن علي بن زاهر الرازي، قال: حدثنا محمد بن العباس
قال: حدثنا عبد الله بن داهر، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه
عن علي عليه السلام، قال: كتب علي إلى ابنه الحسن (ع)، كل هؤلاء
حدثونا أن أمير المؤمنين عليا كتب بهذه الرسالة إلى ابنه الحسن (ع).
وأخبرني أحمد بن عبد الرحمن بن فضال القاضي، قال: حدثنا الحسن
ابن محمد بن أحمد، وأحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين
ابن علي بن أبي طالب (ع) قال حدثنا جعفر بن محمد الحسني قال:
حدثنا الحسن بن عبدك، قال: حدثنا الحسن بن ظريف بن ناصح، عن
الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي،
قال: كتب أمير المؤمنين (ع) إلى ابنه محمد (كذا) (4).

(4) وروى ثقة الاسلام الكليني (ره) - بسند يأتي ذكره - في الحديث
السابع من الباب (19) من كتاب النكاح من الكافي: ج 5 ص 337، من هذه
الرسالة قوله (ع): (إياك ومشاورة النساء - إلى قوله: - فان استطعت
ان لا يعرفن غيرك من الرجال فأفعل) ثم فال (أخبرني) أحمد بن سعيد،
عن جعفر بن محمد الحسيني (كذا) عن علي بن عبدك، عن الحسن بن ظريف
ابن ناصح، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة،
عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله، الا أنه قال: كتب بهذه الرسالة أمير المؤمنين
عليه السلام إلى ابنه محمد (ابن الحنفية).
وأيضا روى الكليني - بسنده الآتي تحت الرقم (6) -، وفى الحديث
الثالث من الباب (152) وهو باب (اكرام الزوجة) من كتاب النكاح من
الكافي: ج 5 ص 510، قطعة من هذه الرسالة (أي رسالة أمير المؤمنين (ع)
إلى الامام المجتبى) وهي قوله (ع): (لا تملك المرأة من الامر ما يجاوز نفسها
- إلى قوله: - فان امساكك نفسك عنهن وهن يرين انك ذو اقتدار خير من أن
يرين منك حالا على انكسار). ثم قال (ره):
(أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، عن جعفر بن محمد الحسني
(كذا) عن علي بن عبدك، عن الحسن بن ظريف بن ناصح، عن الحسين بن
علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته، عن أمير المؤمنين عليه السلام
مثله الا أنه قال: كتب أمير المؤمنين صلوات الله عليه بهذه الرسالة إلى ابنه
محمد رضوان الله عليه.
أقول: وقريب من هذا السند يأتي عن شيخ الطائفة والمحقق النجاشي
رحمهما الله الا انهما قالا: وصيته (ع) إلى محمد بن الحنفية.
279

(ثم قال السيد (ره) واعلم أنه قد روى الشيخ المتفق على ثقته
وأمانته، محمد بن يعقوب الكليني تغمده الله جل جلاله برحمته، رسالة
مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام، إلى جدك الحسن سلام الله عليهما،
وروى رسالة أخرى مختصرة، عن خط علي عليه السلام، إلى ولده محمد
280

ابن الحنفية رضوان الله عليه، (5) وذكر الرسالتين، في كتاب الرسائل،
ووجدنا في نسخة قديمة [نسخة عتيقة (ب)] يوشك أن يكون كتابتها في
زمان حياة محمد بن يعقوب رحمه الله، وهذا الشيخ محمد بن يعقوب (ره)
كان حياته في زمن وكلاء (مولانا) المهدي عليه السلام: عثمان بن سعيد
العمري، وولده أبي جعفر محمد، وأبي القاسم حسين بن روح، وعلي بن
محمد السمري، وتوفي محمد بن يعقوب، قبل وفاة علي بن محمد السمري.
لان علي بن محمد السمري توفي في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمأة،
وهذا محمد بن يعقوب الكليني توفي ببغداد، سنة ثمان وعشرين وثلاثمأة،

(5) قال شيخ الطائفة (ره) في ترجمة الأصبغ (ره) تحت الرقم (119) من كتاب فهرست مصنفي الشيعة، ص 62 ط النجف: كان الأصبغ من خاصة
أمير المؤمنين عليه السلام، وعمر بعده (ع) وروى عهد مالك الأشتر الذي
عهده إليه أمير المؤمنين عليه السلام لما ولاه مصر، وروى وصية أمير المؤمنين
عليه السلام إلى ابنه محمد بن الحنفية - وساق الكلام إلى أن قال (ره) -:
وأما الوصية فأخبرنا بها الحسين بن عبيد الله، عن الدوري، عن محمد ابن أبي الثلج
(كذا) عن جعفر بن محمد الحسيني (كذا) عن علي بن عبدك الصوفي، عن
الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ
ابن نباتة المجاشعي، قال: كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى ولده محمد بن
الحنفية بوصيته.
أقول: ويأتي في مختار تال التالي - وهو كتابه (ع) إلى ابنه محمد بن
الحنفية - عن المحقق النجاشي (ره) ما يقرب هذا السند، ولكن أسفي على
إغارة الحدثان، واصرار أرباب الغي والعدوان على إبادة آثار الأقدمين، واتلاف
مثل (رسائل) الكليني والثقفي وغيرهما من الأعيان، وأرباب الثروة والمكنة عن
هذا في غمرة ساهون، فانا لله وانا إليه راجعون.
281

فتصانيف هذا الشيخ محمد بن يعقوب ورواياته، في زمن الوكلاء المذكورين
[في وقت (ب)] يجد طريقا إلى تحقيق منقولاته، ثم قال السيد (ره):
ورأيت بين رواية الحسن بن عبد الله العسكري مصنف كتاب الزواجر
والمواعظ الذي قدمناه، وبين رواية الشيخ محمد بن يعقوب (ره) في
رسالة أمير المؤمنين (ع) إلى ولده تفاوتا، فنحن نوردها برواية محمد بن
يعقوب الكليني، فهو أجمل وأفضل فيما قصدناه، فنقول ذكر محمد بن
يعقوب الكليني (ره) في كتاب الرسائل بأسناده إلى جعفر بن عنبسة (6)

(6) كذا في البحار والكافي - على ما يتلى عليك، وفى النسخة المطبوعة
الملحونة من كشف المحجة: (باسناده إلى أبي جعفر ابن عنبسة) الخ.
ثم إنه يحتمل أن يراد من قوله: (باسناده) هو ما ذكره ثقة الاسلام (ره)
في الحديث السابع من الباب التاسع عشر من كتاب النكاح من الكافي: ج 5 ص
337، وكذلك في الحديث الأخير، من الباب (153) وهو باب اكرام الزوجة
من الكتاب، ص 510، حيث قال: (حدثنا) أبو علي الأشعري، عن بعض
أصحابنا عن جعفر بن عنبسة، عن عباد بن زياد الأسدي، عن عمرو بن أبي
المقدام، عن أبي جعفر (الإمام محمد الباقر) عليه السلام.
و) حدثنا (أحمد بن محمد العاصمي، عمن حدثه، عن معلى بن محمد
البصري، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله
الإمام جعفر الصادق) عليه السلام، قال (كذا) في رسالة أمير المؤمنين عليه
السلام، إلى (ولده الامام) الحسن عليه السلام: (لا تملك المرأة من الامر
ما يجاوز نفسها) إلى آخر ما هو مذكور هنا.
ومثله ما ذكره رحمه الله في الحديث الأخير، من الباب (188) من
الكتاب، ص 537.
ويحتمل أيضا أن يراد من قوله: (بأسناده) هو ما ذكر وغيرها.
282

عن عباد بن زياد الأسدي، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر (ع)
قال: لما أقبل أمير المؤمنين (ع) عن صفين كتب إلى ابنه الحسن (ع).
بسم الله الرحمن الرحيم من الوالد الفاني، المقر
للزمان، المدبر العمر، المستسلم للدهر (7) الذام
للدنيا الساكن مساكن الموتى، الظاعن عنها [إليهم
(ب) و (م)] غدا، إلى الولد المؤمل ما لا يدرك السالك
سبيل من قد هلك، غرض الأسقام، ورهينة الأيام،
ورمية المصائب (8) وعبد الدنيا، وتاجر الغرور، وغرير
المنايا (9) وحليف الهموم (10) وقرين الأحزان،

(7) كذا في المطبوع من كشف المحجة والبحار، ومعادن الحكمة وكثير من
المصادر: (من الوالد الفان) بحذف الياء. ومعنى قوله: (المقر للزمان):
المقر له بالقهر والغلبة، المعترف بالعجز في يد تصرفاته، قدر الزمان كشخص
ذي سطوة وبأس.
(8) الرهينة: ما يرهن. والرمية: الصيد. ما ينصب للرمي إليه.
(9) وفى نهج البلاغة وتحف العقول والبحار: (وغريم المنايا) أي الذي
تلزمه المنايا وتطلبه كما يطلب الدائن المديون. ومعنى (غرير المنايا):
مغرور المنايا، من أجل صفاء عيشه ونجاته عن بعض المهالك فكأن المنايا - أي
أسباب موته وجهات فنائه - غرته.
(10) وفى البحار: (وقوام الهموم). وفى معادن الجواهر: (وقوام
(وحليف خ ل) الهموم).
283

ورصيد الآفات (11) وصريع الشهوات وخليفة الأموات.
أما بعد فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني وجموح
الدهر علي (12) وإقبال الآخرة إلي ما يمنعني [ما يزعني
(ب) و (م)] عن ذكر من سواي (13) والاهتمام بما
ورأي (14) غير أني حيث تفرد بي دون هموم [هم
(ب) و (م)] الناس هم نفسي فصدقني رائي وصرفني

(11) أي الذي تترصده وتترقبه الآفات لتقع عليه وتستأصله. وفى
البحار: (وصيد الآفات) أي الذي اصطادته الآفات وأكلته. وفى النهج
وتحف العقول ونظم درر السمطين: (ونصب الآفات) يقال: (فلان نصب
عيني) - على زنة قفل -: لا يفارقني. وقيل: الأولى ان يقرأ (نصب) على
زنة الفرس أو الفلس، بمعنى الغاية أو العلم المنصوب، فكأنه (ع) أراد أنه
غاية تنتهي الآفات إليها، أو اعلم لا تهتدي الآفات الا إليه.
(12) وفى نظم درر السمطين: (وجنوح الدهر على - إلى أن قال: - ما
يرغبني عن ذكر من سواي). يقال: جمح الفرس: إذا استعصى على صاحبه
وغلبه فلم يملكه. ويقال: وزع الشئ وزعا - كوعده وعدا -: صده. منعه.
حبسه.
(13) وفى النهج: (ما يرغبني عن ذكر من سواي) الخ. ولفظة (ما) خبر
(ان) قال محمد عبده: وروي: (فإنني فيما تبينت) الخ. وعليه فما مفعول
تبينت.
(14) وفى النهج وتحف العقول ونظم درر السمطين (والاهتمام بما ورائي).
284

عن هوائي (هواي خ) وصرح لي محض أمري (15) فأفضى
بي إلى جد لا يرى معه لعب (16) وصدق لا يشوبه كذب
وجدتك بعضي (17) بل وجدتك كلي حتى كأن شيئا
لو أصابك أصابني، وحتى كأن الموت لو أتاك أتاني
فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي (18) فكتبت
إليك كتابي هذا مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت
فأوصيك بتقوى الله يا بني (19) ولزوم أمره وعمارة
قلبك بذكره والاعتصام بحبله وأي سبب أوثق من
سبب بينك وبين الله جل جلاله إن أنت أخذت به (20)

(15) وفى تحف العقول: (وصدفني دائي) الخ. صدفني أي صرفني.
والضمير المستتر في صرفني للرأي. ومحض الامر: خالصه.
(61) وفى نظم درر السمطين ونهج البلاغة، وتحف العقول: (فأفضى بي
إلى جد لا يكون فيه لعب) الخ.
(17) وفى نهج البلاغة وتحف العقول: (ووجدتك بعضي).
(18) فعناني: فأهمني. ما يعنيني: ما يهمني.
(19) وفى نظم درر السمطين: (واني أوصيك بتقوى الله أي بني) الخ.
(20) وفى معادن الحكمة: (وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين
الله جل وجهه).
285

فأحي قلبك بالموعظة، وأمته بأزهد) 21) وقوه باليقين
ونوره بالحكمة، وذلله بذكر الموت وقرره بالفناء (22)
وأسكنه بالخشية، وأشعره بالصبر وبصره فجائع الدنيا،
وحذره صولة (حولة خ) الدهر وفحش تقلبه وتقلب
الليالي والأيام (23) واعرض عليه أخبار الماضين،
وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسر في ديارهم
واعتبر آثارهم (24) وانظر ما [فيما خ] فعلوا، وأين
حلوا ونزلوا وعما [عمن (ت)] انتقلوا، فإنك تجدهم
قد انتقلوا [قد انقلبوا (م)] عن الأحبة وحلوا دار

(21) وفى البحار وتحف العقول: (وموته) وفى النهج (بالزهادة)
(22) أي اطلب منه الاقرار بالفناء، وبصره أي اجعله بصير بالفجائع،
أو أره إياها، وهي جمع الفجيعة أي المصيبة التي تفزع بحلولها.
(23) أي حذر قلبك من سطوة الدهر وانقلابه وتغيره عليك، أو احذر من
كثرة تقلب الدهر والليالي والأيام، وعدم بقائها على حالة واحدة، فلا تغتر
بنعيمها وسرائها وبهجة منظرها.
(24) وفى النهج (وسر في ديارهم وآثارهم) الخ. وفى تحف العقول
ونظم درر السمطين: (وسر في بلادهم وآثارهم) الخ. وفى البحار: (واقف
آثارهم).
286

الغربة (25) وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فأصلح
مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك. ودع القول فيما لا تعرف،
والخطاب [والنظر (خ)] فيما لا تكلف (26) وأمسك عن
طريق إذا خفت ضلالته [ضلاله (ت)] فإن الكف عند
[عن (خ ل)] حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال،
وأمر بالمعروف تكن من أهله وأنكر المنكر بلسانك
ويدك، وباين من فعله بجهدك (27) وجاهد في الله حق
جهاده ولا تأخذك في الله لومة لائم، وخض الغمرات إلى
الحق حيث كان (28) وتفقه في الدين، وعود نفسك
بالصبر [التصبر (خ)] على المكروه ونعم الخلق الصبر (29)

(25) وفى تحف العقول: (وناد) في ديارهم: أيتها الديار الخالية أين أهلك،
ثم قف على قبورهم فقل أيتها الأجساد البالية والأعضاء المتفرقة كيف وجدتم
الدار التي أنتم بها) ومثله في نظم درر السمطين
(26) وفى بعض النسخ من الأصل الحاكي والمحكي عنه: (فيما لم تكلف).
(27) وباين أي باعد وجانب الفعل الذي هو منكر وقبيح بقدر طاقتك.
(28) وفى النهج: (وخض الغمرات للحق). والغمرات: الشدائد.
(29) وفى النهج: (وعود نفسك التصبر على المكروه ونعم الخلق التصبر
في الحق).
287

وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها إلى
كهف حريز، ومانع عزيز (30)، وأخلص في المسألة
لربك فإن بيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة (31)
وتفهم وصيتي ولا تذهبن عنك صفحا (32) فإن خير
القول ما نفع، واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع، ولا ينتفع
بعلم لا يحق تعلمه (33).
يا بني إنني لما رأيتك قد بلغت سنا (34) ورأيتني
أزداد وهنا بادرت بوصيتي إليك لخصال (35) منها

(30) الكهف: الملجأ والمناص، والحريز: الحصين الحافظ.
(31) الاستخارة: إجالة الفكر في الامر لاختيار الأفضل والأنفع.
(32) وفى نهج البلاغة وتحف العقول: (ولا تذهبن عنها صفحا) والمعنى
واحد، ومعنى (صفحا): جانبا، أي لا تكن أنت في جانب ووصيتي في جانب
آخر، بأن لا تعمل بها وتجعلها كأن لم تكن شيئا مذكورا.
(33) لا يحق تعلمه - من باب فر) أي لا ينبغي تعلمه ويكون تدريسه
والإفادة والاستفادة منه يترتب عليه من المفاسد. وفى تحف العقول ونظم درر
السمطين: (ولا ينتفع بعلم حتى (لا) يقال به).
(34) وفى نهج البلاغة: (أي بني اني لما رأيتني قد بلغت سنا) وهو أظهر
أي لما رأيت اني قد بلغت النهاية من جهة العمر، بادرت وتسرعت إلى توصيتك.
والوهن: الضعف.
(35) وفى معادن الجواهر: (بادرتك بوصيتي إليك لخصال. منها ان يعجل
بي أجلي) وفى نهج البلاغة: (بادرت بوصيتي إليك، وأوردت خصالا: منها
قبل ان يعجل بي أجلي). وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (: (بادرت
بوصيتي أياك، وأوردت خصالا منها أن يعجل) الخ.
288

قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي
أو أن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي (36) أو أن
يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا فتكون
كالصعب النفور (37) وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية
ما ألقي فيها من شئ إلا قبلته (38) فبادرتك بالأدب

(36) وفى بعض النسخ المحكية: (وان انقص في رأيي الخ وهو عطف
على قوله: (ان يعجل). والافضاء: الالقاء والايصال.
(37) وفى معادن الجواهر: (يعض غلبة الهوى) الخ. وقوله (ع):
(فتكون كالصعب النفور (- أي الفرس غير المذلل الآبي من الدنو منه
والركوب عليه - إشارة منه (ع) بأن الصبي إذا لم يؤدب في بدء أمره، ولم
يمر - ن في حداثته على الأخلاق الحميدة، والآداب الحسنة حتى كبر وطعن في
السن، يكون في هذه الحال متنفرا من محامد الصفات ومكارم الأخلاق، ويفر
من الروحانيين كفرار مردة الشياطين من النبيين، فإذا كان هذا حال من لم
يؤدب بالأخلاق الفاضلة، فكيف حال من ربته يد الالحاد، والدعوة اللادينية
ونغمة المنهمكين في الشهوات، من حين يحبوا ويدرج، إلى أن يترعرع ويشب،
كجل أطفال المسلمين في عصرنا، فانا لله وانا إليه راجعون.
(38) وفى تحف العقول ونهج البلاغة ونظم درر السمطين: (وإنما قلب
الحدث كالأرض الخالية، ما القي فيها من شئ قبلته).
289

قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك لتستقبل بجد رأيك
من الامر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته [تعقله (م)]
وتجربته (39) فتكون قد كفيت مئونة الطلب، وعوفيت
من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه،
واستبان لك منه [منها (ب)] ما ربما أظلم علنيا فيه (40)
يا بني إني وإن لم أكن قد عمرت عمر من كان قبلي (41)
فقد نظرت في أعمارهم وفكرت في أخبارهم وسرت في
آثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأنني [كأني] بما
انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم
فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضرره، فاستخلصت
لك من كل أمر جليله وتوخيت لك جميله (42) وصرفت

(39) وفى معادن الحكمة ونظم درر السمطين: (فتستقبل بحد رأيك). (40) وفى نهج البلاغة: (واستبان لك مار بما أظلم علينا منه) الخ.
(41) يقال: (عمر الرجل - من باب فعل - وعمر - من باب علم -
عمرا وعمرا وعمارة): عاش زمانا طويلا. والمصادر على زنة الفلس والفرس
والسحابة. ويقال: (عمره الله): أبقاه.
(42) كذا في النسخة، وفى البحار وتحف العقول: (نخيله)
والنخيل: المختار المصفى. و (توخيت): تحريت واجتهدت.
290

عنك مجهوله ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعنى الوالد
الشفيق وأجمعت عليه من أدبك (43) أن يكون ذلك
وأنت مقبل العمر ومقبل الدهر [ومقتبل الدهر (ن)]
ذو نية سليمة ونفس صافية (44) وأن أبتدأك بتعليم
كتاب الله عز وجل وتأويله، وشرائع الاسلام وأحكامه
وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره [غيرك
(خ)] (45) ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه
من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم فكان
إحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي

(43) (وأجمعت عليه من أدبك) عطف على (ما يعني الوالد الشفيق)
و (عناني): شغلني وأهمني. و (الشفيق): ذو الشفقة: الرحمة والحنو.
و (أجمعت): عزمت.
(44) قوله: (أن يكون) مفعول (رأيت). وفي نظم درر السمطين وتحف
العقول: وأنت مقبل بين ذي النقية (ذي الفئة في) والنية وأن أبدأك بتعليم
كتاب الله وتأويله وشرائع الاسلام وأحكامه وحلاله وحرامه لا أجاوز ذلك بك
إلى غيره، ثم أشفقت ان يلبسك ما أختلف الناس فيه أهوائهم مثل الذي
لبسهم الخ. ومثله في معادن الحكمة الا ان فيه: (وبين ذوي العقبة وذوي
النية).
(45) أي لا أتعدى بك كتاب الله إلى غيره بل أقف بك عنده.
291

من اسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة (46) ورجوت
أن يوفقك الله فيه لرشدك وأن يهديك لقصدك، فعهدت
إليك وصيتي هذه (47).
واعلم مع ذلك يا بني أن أحب ما أنت آخذ به
من وصيتي إليك تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله
[ما افترض (ت م)] عليك، والاخذ بما مضى عليه الأولون
من ابائك والصالحون من أهل بيتك (48) فإنهم لم يدعوا
أن نظروا (أن ينظروا (خ ل)) كما أنت ناظر وفكروا كما
أنت مفكر، ثم ردهم آخر ذلك إلى الاخذ بما عرفوا

(46) أشفقت أي خفت وخشيت أن يكون اختلاف الناس في الآراء والأهواء
سببا لوقوعك في الهلكة كما وقعوا فيها، فكان تنبيهك وتذكيرك للمنجيات
والمرديات مع كراهتك له أحب إلي من تخليتك وخذلانك ونفسك إلى أمر تخشى
عليك به الهلكة والردى. وقوله (ع): مثل صفة لمفعول مطلق محذوف أي
التباسا مثل الذي كان لهم.
(47) وفى نظم درر السمطين وتحف العقول زيادة قوله (ع): (وأحكم
مع ذلك (والظاهر أنه مصحف (واعلم مع ذلك).
(48) وفيه دلالة على ما يقوله أصحابنا من أن آباء الأنبياء والأئمة عليهم
السلام موحدون.
292

والامساك عما لم يكلفوا (49) فإن أبت نفسك (عن (خ))
أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا، فليكن طلبك
ذلك بتفهم وتعلم، لا بتورط الشبهات (بتردد الشبهات
(ب)) وغلو الخصومات (50) وابدأ قبل نظرك في ذلك
بالاستعانة بإلهك عليه، والرغبة إليه في توفيقك
ونبذ (51) كل شائبة ألجتك في شبهة، أو أسلمتك إلى
ضلالة، فإذا أيقنت أن قد صفى لك قلبك (52) فخشع،
وتم رأيك فاجتمع، وكان همك في ذلك هما واحدا
فانظر فيما فسرت (أشرت (خ) لك، وإن (أنت (ت د
ن م)) لم يجتمع لك رأيك على ما تحب من نفسك وفراغ

(49) أي ان آباءك وصالحي أهل بيتك لم يتركوا النظر لأنفسهم في أول
أمرهم بعين لا ترى نقصا ولا تحذر خطرا ثم ردتهم آلام التجربة إلى الاخذ
بما عرفوا حسن عاقبته وامساك أنفسهم عن عمل لم يكلفهم الله اتيانه.
(50) وفى معادن الحكمة: (لا بتورد الشبهات) وفى النهج وتحف العقول: (وترك
كل شائبة أدخلت عليك شبهة وأسلمتك إلى ضلالة) الخ. وفى البحار: ومعادن
الحكمة: - نبذ كل شائبة أدخلت عليك كل شبهة) الخ.
(52) وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (وإذا أنت أيقنت).
293

نظرك وفكرك (53)، فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء،
وتتورط الظلماء (54) وليس طالب الدين من خبط ولا من
خلط، والامساك عن (عند (ف م)) ذلك أمثل (55)
وأن أول ما أبدأك به من ذلك وآخره أني أحمد الله
إله الأولين والآخرين ورب من في السماوات والأرضين (56)
بما هو أهله (وكما هو أهله (ت)) وكما يحب وينبغي له،
ونسأله أن يصلي على محمد وآل محمد (57) صلى الله عليهم
وعلى أنبياء الله بصلاة جميع من صلى عليه من خلقه وأن
يتم نعمته علينا بما وفقنا له من مسئلته بالاستجابة لنا

(53) وفى نظم درر السمطين وتحف العقول: (وان أنت لم يجتمع لك
ما تحب من نفسك من فراغ فكرك ونظرك).
(54) والعشواء: الضعيفة البصر أي تخبط خبط الناقة التي لا تبصر
أمامها، ولا تأمن أن تسقط فيما لاخلاص منه. واستعار لفظ الخبط له
باعتبار انه طالب للعلم من غير استكمال شرائط الطلب، وعلى غير وجهه فهو متعسف سالك غير طريق المطلوب كالناقة العشواء، وتورط في الامر: دخل
فيه على صعوبة في التخلص منه.
(55) أي حبس النفس عن الخلط والخبط في الدين أحسن.
(56) وفى البحار: (اني أحمد إليك الله الهي واله الأولين).
(57) وفى البحار، المعادن الحكمة: (ونسأله أن يصلي على سيدنا محمد
وآل محمد).
294

فإن بنعمته تتم الصالحات (58).
يا بني إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وانتقالها
وزوالها بأهلها وأنبأتك عن الآخرة وما أعد الله لأهلها

(58) وفى النهج وتحف العقول: (فتفهم يا بني (اي بني ج (ت)) أن
مالك الموت هو مالك الحياة، وان الخالق هو المميت، وان المفني هو المعيد،
وان المبتلي هو المعافي وان الدنيا لم تكن لتستقيم الا على ما جعلها (خلقها
(ت)) الله (تبارك وتعالى (ت)) عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في
المعاد، أو ما شاء مما لا نعلم، فان أشكل عليك شئ من ذلك فاحمله على جهالتك
به، فإنك أول ما خلقت (خلقت (ت)) جاهلا ثم علمت، وما أكثر ما تجهل
من الامر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك ثم تبصر بعد ذلك فاعتصم بالذي
خلقك ورزقك وسواك واليكن له تعبدك (تعمدك. (ت)) واليه رغبتك
ومن شفقتك، واعلم يا بني أن أحدا لم ينبئ عن الله (تبارك وتعالى (ب)) كما
انباء عنه الرسول (نبينا (ت)) صلى الله عليه وآله، فأرض به رائدا
والى النجاة قائدا، فاني لم آلك نصيحة وانك لن تبلغ في النظر لنفسك - وان
اجتهدت - مبلغ نظري لك،
واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه
وسلطانه ولعرفت أفعاله وصفاته (صفته وفعاله (ت)) ولكنه اله واحد كما
وصف نفسه، لا يضاده في ملكه (ذلك (ت)) أحد (ولا يحاجه، وانه خالق
كل شئ، وانه أجل من أن يثبت لربوبيته بالإحاطة قلب أو بصر (كذا) (ت))
ولا يزول أبدا ولم يزل، أول قبل الأشياء بلا أولية، وآخر بعد الأشياء بلا
نهاية، عظم عن أن تثبت ربوبيته إحاطة قلب أو بصر، وإذا عرفت ذلك، فافعل
كما ينبغي لمثلك ان يفعله في صغر خطره وقلة مقدرته وكثرة عجزه وعظيم حاجته
إلى ربه في طلب طاعته، والخشية من عقوبته والشفقة من سخطه، فإنه لم
يأمرك الا بحسن، ولم ينهك الا عن قبيح (ت ن)).
295

فيها، وضربت لك أمثالا لتعتبر بها وتحذوا عليها (59).
إنما مثل من أبصر [خبر (ن)] الدنيا مثل قوم
سفر نبا بهم منزل جديب [جدب (ب ت)] فأموا
منزلا خصيبا (وجنابا مريعا (ت ن) (60) فاحتملوا
وعثاء الطريق وفراق الصديق، وخشونة السفر في
الطعام والمنام (وجشوبة المطعم (ن)] (61) ليأتوا سعة

(59) وفى نهج البلاغة وتحف العقول: (وأنبأتك عن الآخرة وما أعد لأهلها
فيها وضربت لك فيها (فيهما (ن) الأمثال. قوله: (وتحذو عليها):
تقدرها على حد الأمثال المضروبة.
(60) وفى نهج البلاغة وتحف العقول: (كمثل قوم سفر) أقول قوله (ع): (خبر
الدنيا): عرفها كما هي بامتحان أحوالها. والسفر - بالفتح ثم السكون
كفلس -: المسافرون. و (نبا المنزل بأهله): لم يوافقهم المقام فيه لوخامته.
والجديب والجدب والأجدب والمجدوب كأديب ومرحب وحروب ومرعوب:
المكان الذي انقطع عنه المطر فصار مقحطا. و (أموا قصدوا. والجناب
- كسحاب -: الفناء. الناحية. و (والمريع): كثير العشب.
(61) (وعثا الطريق): مشقته. و (والجشوبة) - بضم الجيم -:
الغلط، أو كون الطعام بلا أدم.
296

دارهم ومنزل قرارهم فليس (فليسوا (م)) يجدون لشئ
من ذلك ألما ولا يرون لنفقة مغرما (62) ولا شئ بأحب
(ولا شيئا أحب (ت)) إليهم مما يقربهم (مما قربهم
(ت ن)) من منزلهم، ومثل من اغتر بها كقوم كانوا
في منزل خصيب (بمنزل خصب (ت)) فنبا بهم إلى منزل
(جديب (جدب (ت)) فليس شئ أكره إليهم ولا أهول
(أفظع (ن)) لديهم من مفارقة ما هم فيه إلى ما يهجمون
عليه ويصيرون إليه.
ثم فزعت، (63) بأنواع الجهالات لئلا تعد نفسك عالما
لان [فإن (ب)] العالم من عرف أن ما يعلم فيما لا يعلم قليل، فعد نفسه بذلك جاهلا، وازداد [فاز داد (ت)] بما عرف
من ذلك في طلب العلم اجتهادا، فما يزال للعلم طالبا

(62) وفى النهج: (ولا يرون نفقة فيه مغرما). وفى تحف العقول: (ولا
يرون نفقة مغرما) وفي البحار: (ولا يرون لنفقته مالا).
(63) كذا في كشف المحجة والبحار، ويحتمله ظاهر رسم الخط من كتاب
معادن الحكمة، وفى تحف العقول: (وقرعتك بأنواع الجهالات).
297

وفيه راغبا وله مستفيدا ولأهله خاشعا، ولرأيه متهما
وللصمت لازما وللخطاء حائدا [جاحدا (ب)] (64)
ومنه مستحييا، وإن ورد عليه مالا يعرف لم ينكر ذلك،
لما قرر به نفسه من الجهالة (65) وإن الجاهل من عد
نفسه لما جهل من معرفة العلم [من معرفته للعلم (ب)]
عالما وبرأيه مكتفيا، فما يزال للعلماء معاندا [مباعدا
(ب ت م)] وعليهم زاريا (66) ولمن خالفه مخبطا
[مخطأ (ت م) ولما لا [لم] يعرف من الأمور مضللا،
فإذا ورد عليه من الامر [الأمور (ب)] مالا [لم (خ)]
يعرفه أنكره وكذب به، وقال بجهالته: ما أعرف هذا،
وما أراه كان، وما أظن أن يكون، وأنى (وإن خ ل) كان
ولا أعرف ذلك، لثقته برأيه وقلة معرفته بجهالته،

(64) وفى نسخة كما عن البحار أيضا: (وللظالم جاحدا) الخ وفى تحف
العقول: (وللخطأ حاذرا) الخ.
(65) وفى معادن الحكمة: (لم قدر به نفسه) الخ.
(66) وعليهم زاريا: عاتبا. عائبا. متهاونا. مستخفا.
298

فما ينفك مما (بما (خ)) يرى فيما يلتبس عليه برأيه
(رأيه (م)) (67) مما لا يعرف للجهل مستفيدا وللحق
منكرا، وفى اللجاجة متحريا (متجرئا (ب)) (68) وعن
طلب العلم مستكبرا.
يا بني فتفهم وصيتي واجعل نفسك ميزانا فيما
بينك وبين غيرك، فأحب (فأحبب (ت م ن)) لغيرك
ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، (و) لا
تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن
إليك، واستقبح لنفسك ما تستقبح من غيرك، وارض
من الناس بما ترضي لهم منك (69) ولا تقل ما لا تعلم بل
لا تقل كل ما علمت مما لا تحب أن يقال لك (70).

(67) وفى تحف العقول: فما ينفك بما يرى مما يلتبس عليه رأيه مما لا يعرف للجهل مستفيدا، وللحق منكرا، وفى الجهالة متحيرا).
(68) وفى معادن الحكمة: (وفى اللجاجة متحيرا).
(69) وفى النهج: (وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك) الخ.
وفى تحف العقول: (وارض من الناس لك ما ترضى به لهم منك) الخ.
(70) وفى النهج: (ولا تقل ما لا تعلم - وان قل ما تعلم - ولا تقل مالا
تحب أن يقال لك) الخ. وفى تحف العقول: ولا تقل بما لاتعلم بل لا تقل
كلما تعلم ولا تقل ما لا تحب ان يقال لك) الخ.
299

واعلم أن الاعجاب ضد الصواب وآفة الألباب (71)
وإذا هديت لقصدك (72) فكن أخشع ما تكون لربك واسع
في كدحك ولا تكن خازنا لغيرك (73).
واعلم يا بني أن أمامك طريقا ذا مسافة (ذا مشقة
(ت)) بعيدة، وأهوال شديدة، وأنه لا غنى بك (فيه)
عن حسن الارتباط (74) وقدر بلاغك من الزاد مع
خفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق بلاغك فيكون
ثقيلا (ثقلا في تحف) ووبالا عليك (75) وإذا وجدت

(71) والاعجاب: هو استحسان ما يصدر عنه دون غيره.
(72) وفى تحف العقول: (فإذا أنت هديت لقصدك. وفى نهج البلاغة:
(وإذا كنت هديت) الخ.
(73)
وفى نهج البلاغة: (فاسع في كدحك) وهو كفلس: جهد النفس في
العمل وكدها فيه بحيث يتبين فيها أثره. ويقال: هو أشد السعي.
(74) كذا في النسخة، وفى النهج وتحف العقول ومعادن الحكمة: (عن
حسن الارتياد) الخ والارتياد هو الطلب - وهو من (راد يرود) وحسنه:
أتيانه من وجهه. والبلاغ - بالفتح -: الكفاية أي مالا يزيد عن الحاجة ولا
ينقص عنها.
(75) وفى النهج: (فيكون ثقل ذلك وبالا عليك) الخ.
300

من أهل الحاجة الفاقة (ن)] من يحمل زادك إلى يوم
القيامة فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه
وحمله إياه (ن)] واغتنم من استقرضك في حال
غناك وجعل يوم قضائك له في يوم عسرتك (76) وحمله
إياه وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه فلعلك تتطلبه
ولا تجده.
واعلم أن أمامك عقبة كئودا لا محالة أن مهبطها بك
على جنة أو نار (77) فارتد لنفسك قبل نزولك (78)

(76) كذا في النسخة، وفى النهج: (ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك)
وهو الظاهر، قال مفتي مصر محمد عبده هذا الكلام من أفصح ما قيل في
الحث على الصدقة أقول: هذا الكلام كأكثر كلمه الاخر مما يدرك علوه وارتفاعه
ولا يوصف، تأمل كيف عبر (ع) عن انفاق المال وإعانة المحتاجين بمن يحمل
الزاد غيره ليرفع كلفة الحمل والنقل عنه ثم يوصله إليه ويؤديه حين احتياجه
ويوم فقره وفاقته وبالغ في اغتنامه والاسراع إليه مخافة الفوت وسبق غيره إليه.
(77) وفى النهج: وأعلم ان أمامك عقبة كئودا المخف فيها أحسن حالا من
المثقل والبطئ عليها أقبح حالا من المسرع وأن مهبطك بها لا محالة على جنة الخ
وقريب منه في تحف العقول.
(78) أي اطلب رائدا من الأعمال الصالحة وقدمه أمامك ليهيئ لك المنزل
الجيد ودار السرور والحبور ومجالسة الولدان الحور في القصور.
301

[ووطئ المنزل قبل حلولك فليس بعد الموت مستعتب
ولا إلى الدنيا منصرف (ن)]
واعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا
والآخرة (79) قد أذن لدعائك وتكفل لإجابتك وأمرك
أن تسأله ليعطيك [وتسترحمه ليرحمك (ن)] وهو رحيم
كريم لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه (80) ولم
يلجئك إلى من يشفع لك إليه ولم يمنعك إن أسأت من
التوبة (81) ولم يعيرك بالإنابة، ولم يعاجلك بالنقمة
ولم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة (82) ولم يناقشك

(79) وفى النهج: واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد اذن
لك في الدعاء وتكفل لك بالإجابة). وفى تحف العقول ونظم درر السمطين:
(واعلم أن الذي بيده ملكوت خزائن الدنيا والآخرة قد أذن بدعائك وتكفل
بإجابتك) الخ.
(80) وفي النهج ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك الخ. وفى تحف
العقول ونظم درر السمطين: (لم يجعل بينك وبينه ترجمانا ولم يحجبك
عنه) الخ.
(81)
وفى تحف العقول: (ولم يمنعك ان أسأت التوبة) الخ. ومثله في
معادن الحكمة ونظم درر السمطين.
(82) وفى النهج: - ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدد
عليك في قبول الإنابة) الخ، والإنابة - بالنون الموحدة - الرجوع. والله لا يغير
الراجع إليه، بل يقبل إليه ويغفر له ذنوبه.
ويروى: الإثابة - بالثاء المثلثة - وعليه تحتمل أيضا أن تكون بمعنى الرجوع
من قولهم: (ثاب إلى رشده) أي رجع، وتحتمل أن تكون بمعنى الثواب
302

بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة، ولم يشدد عليك في
التوبة، فجعل توبتك التورع من الذنب (83) وحسب
سيئتك واحدة وحسنتك عشرا وفتح لك باب المتاب
والاستعتاب (84) فمتى شئت [ناديته (ب)] سمع
ندا [ء] ك ونجواك (85) فأفضيت إليه بحاجتك وأبثثته
[وبثثته (م)] ذات نفسك (86) وشكوت إليه همومك

(83) في النهج: بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة. وفى تحف العقول،
ونظم درر السمطين: فجعل النزوع عن الذنب الخ. والنزوع: الرجوع والكف.
(84) وفى نهج البلاغة (وفتح لك باب المتاب وباب الاستعتاب). وفى
تحف العقول ونظم درر السمطين: (باب المتاب والاستيناف) والاستيتاب
(ت)) أقول: المتاب: التوبة. الاستعتاب: الاسترضاء. والاستئناف
الاخذ في الرجوع. واتيان العمل مرة أخرى.
(85) وفى نهج البلاغة: (فمتى ناديته سمع نداك: وإذا ناجيته علم
نجواك).
(86) وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (وأنبأته عن ذات نفسك
وشكوت إليه همومك واستعنته على أمورك، وناجيته بما تستخفي به من
الخلق من سرك). أقول: معنى (أفضيت) وألقيت. و (بثثته وأبثثته):
كاشفته ونشرت عليه وذكرت له بما في نفسك. وذات النفس: حالتها.
303

- واستكشفته كروبك (ن)) واستعنته على أمورك (وسألته
من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره: من زيادة
الاعمار، وصحة الأبدان وسعة الأرزاق (ن)) ثم جعل
في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته، فمتى
شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه (87) فألحح
عليه بالمسألة يفتح لك باب الرحمة (88) ولا يقنطك
إن أبطأت عليك الإجابة، فإن العطية على قدر المسألة (89)
وربما أخرت عنك الإجابة ليكون أطول في المسالة
[للمسألة (م) وأجزل للعطية، وربما سئلت الشئ شيئا (د))

(87) وفى نهج البلاغة: فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته،
واستمطرت شآبيب رحمته، فلا يقنطنك ابطاء اجابته).
(88) يقال: ألح في السؤال: ألحف وبالغ فيه. والقنوط: اليأس. وفى
معادن الحكمة والجواهر: (يفتح لك أبواب الرحمة، ولا يقنطنك ان أبطأت
عليك (عنك (د)) الإجابة).
(89) وفى النهج: (فلا يقنطنك ابطاء اجابته، فان العطية على قدر النية
وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لاجر السائل وأجزل لعطاء الآمل، وربما سألت الشئ فلا تؤتاه) الخ.
304

(د)) فلم تؤته وأتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا أو صرت
إلى ما هو خير لك (90) فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك
دينك ودنياك لو أوتيته ولتكن مسألتك فيما يعنيك (91)
مما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله فإن المال لا يبقى
لك ولا نبقى له، فإنه يوشك أن ترى (تؤتى (خ) عاقبة
أمرك حسنا أو سيئا أو يعفوا الغفور (العفو (خ)) الكريم.
واعلم يا بني أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا
وللفناء لا للبقاء وللموت لا للحياة، وأنك في منزل قلعة
ودار بلغة (92) وطريق إلى الآخرة، وأنك طريد الموت
الذي لا ينجو هاربه (ولا يفوته طالبه (ن)) ولابد أنه

(90) وفى النهج وتحف العقول ونظم درر السمطين (أو صرف عنك لما هو
خير لك) الخ.
(91) اي فيما له أهمية وقدر مما لا يحصل دائما بل يعز وجوده ولا يوجد
في غير دار التكليف، وفسره (ع) بقوله: مما يبقى لك جماله الخ. وفى معادن
الحكمة (ولا ينقم عليك وباله) الخ.
(92) القلعة - بالضم فالسكون وبضمتين وبضم ففتح - أي غير صالح
للاستيطان لاقلاعه عن نازله. يقال منزل قلعة اي لا يملك لنازله ولا يدري متى
ينتقل عنه. ويجوز فيه وجهان: الوصفية مع تنوين الأول. والإضافة.
والبلغة: الكفاية، اي دار تؤخذ وتكتفي فيها بالكفاية.
305

يدرك (مدرك (خ)) يوما (93) فكن منه على حذر أن
يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها (فيها
(خ م)) بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت
قد أهلكت نفسك.
يا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه
وتقضى بعد الموت إليه واجعله أمامك حيث تراه حتى
يأتيك وقد أخذت منه حذرك (94) وشددت له أزرك
ولا يأتيك بغتة فيبهرك ولا يأخذك على غرتك (95)
وأكثر ذكر الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم،

(93) وفى تحف العقول: (ولا بد انه يدركك يوما) الخ. وفى النهج:
(ولا بد انه مدركه) الخ وهما اظهر. وفى نظم درر السمطين (ولا بد انه مدركك
يوما الخ).
(94) وفى تحف العقول ونظم درر السمطين والنهج: (واجعله أمامك
حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك) الخ وفى البحار: (واجعله أمامك حيث
يأتيك وقد أخذت منه حذرك) الخ ومثله في معادن الحكمة.
والحذر - بالكسر فالسكون: - الاحتراز والاحتراس.
(95) الازر - بفتح الأول وسكون التالي -: القوة. الظهر. ويبهرك
- من باب منع - أي يغلبك على أمرك. والغرة - بالكسر والشد -: الغفلة.
306

فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويصغرها عندك وإياك أن تغتر
بما ترى من اخلاد أهل الدنيا إليها وتكالبهم عليها (96)
فقد نبأك الله - جل جلاله - عنها ونعت (97) لك نفسها
وتكشفت لك عن مساويها فإنما أهلها كلاب عاوية، وسباع
ضارية يهر بعضها بعضا (98) ويأكل عزيزها ذليلها ويقهر
كبيرها صغيرها وكثيرها قليلها، نعم معقلة وأخرى
محفلة (مجفلة (م)) مهملة (99) قد أضلت عقولها وركبت

(96) وهنا في البحار ومعادن الحكمة وتحف العقول تقديم وتأخير وقد
أخر قوله (ع): (وإياك - إلى قوله تكالبهم عليها - على الجمل الثلاث
الأخيرة. و (الاخلاد): الميل. والركون. أو اللزوم واللصوق أو الإقامة.
من قولهم: أخلد وخلد بالمكان: أقام فيه. وبصاحبه: لصق به ولزمه. وخلد
واخلد إليه: مال وركن. والأخير أظهر. والتكالب: تواثب الكلاب. والمراد
شدة الحرص.
(97) وفى نظم درر السمطين وتحف العقول: (نعتت) أي وصفت. والدنيا
كل آن تصف نفسها بالفناء والمساوي وإن كان لا يعقلها الا العالمون. ونعت
- على ما في النسخة، والنهج - أي أخبرت بموتها وانقضائها.
(98) ضارية أي مولعة بالافتراس والتوثب. (يهر) أي يصوت ويصيح
بعضها في وجه بعض كراهة له. والهرير: صوت للكلب دون النباح.
(99) النعم - بفتح النون والعين -: الإبل. وتطلق على الغنم والبقر -
بل على مطلق ما يدب على الأرض مما يعبر عنه بالفارسية: (بچهارپا وچهار
بايان) والجمع أنعام. وجمع الجمع أناعيم. و (عقل البعير) أي شديدة
ووظيفه إلى ذراعه بالعقال وهو الحبل الذي يشد به البعير في وسط ذراعه.
و (محفلة) من حفل الماء: اجتمع بكثرة - أي مجتمعة. و (مهملة) أي
متروكة بحالها بلا عقال وراع. وما بعدها كالتفسير لها.
307

مجهولها (100) سرح عامهة في واد وعث (101) لبس لها
راع يقيمها، [ولا مسيم يسيمها (ن) (102) لعبت بهم

(100) أي ان أهل الدنيا على قسمين قسم عقله الضعف وعدم المكنة من
التعدي وارتكاب المعاصي، وقسم لا عقال له يأتي بما يشاء ويفعل ما يريد
لا يرقبون الا ولا ذمة.
(101) وفيا لبحار: (سروح عاهة بواد وعث تبرح عامهة في واد رعت)
ومثله في النهج وتحف العقول: في الجملة الأولى. السروح - جمع السرح -
بالفتح فالسكون -: الماشية من الإبل وغيرها، والسرح - بضمتين - كعنق -
من الأوصاف، يقال: خيل سرح وناقة سرح أي سريعة سهلة السير، مشية
سرح أي سهلة. عطاء سرح: بلا مطل. (والعاهة): الآفة. و (الوعث):
الطريق الغليظ الذي يصعب السير فيه ويشق سلوكه. وتبرح أي تسير.
من (برح) - من باب نصر - بروحا): مر وفارق عن مكانه. و (العامة):
المتحير في الطريق. أو في أمره، والمتردد في الضلال. والجمع عمه - كالغمة -
من عمه - من باب منع وعلم - عمها وعموها وعموهية وعمهانا في طريقه):
تحير.
(102) يقال: أسام الدابة - من باب أفعل - أسامة: سرحها إلى المرعى.
وفى النهج بعد ذلك هكذا: سلكت بهم الدنيا طريق العمى وأخذت بأبصارهم عن
منار الهدى فتاهوا في حيرتها وغرقوا في نعمتها واتخذوها ربا فلعبت بهم ولعبوا
بها ونسوا ما وراءها، رويدا يسفر الظلام كان قد وردت الأظعان يوشك من
شرع أن يلحق) الخ. والأظعان - جمع ظعينة - وهو الهودج تركب فيه المرأة
عبر به عن المسافرين في طريق الدنيا إلى الآخرة وكانت حالهم ان وردوا على
غاية سيرهم.
308

الدنيا فلعبوا بها ونسوا ما وراءها رويدا حتى يسفر الظلام
كأن ورب الكعبة يوشك من أسرع أن يلحق [أن يورد
(ب م)] (103).
واعلم يا بني أن كل من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به (104) وإن كان لا يسير.
أبى الله إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة. يا بني
فإن تزهد فيما زهدتك فيه وتعزب [وتعزف (م)] (105)

(103) وفى تحف العقول: رويدا حتى يسفر الظلام كان قد وردت. الظعينة
يوشك من أسرع أن يؤب الخ. رويدا - مصدر (أرود) صغر تصغير الترخيم -
أي مهلا. و (يسفر): يكشف. و (يؤوب) أي يرجع. والمعنى انه يكشف
عن قريب ظلام الجهل عما خفى من الحقيقة عند انجلاء الغفلة، واتضاح الواقع
بحلول المنية، ونزول الموت. قال ابن أبي الحديد في الشرح: واستقراني أبو
الفرج محمد بن عباد (ره) وأنا يومئذ حدث هذه الوصية فقرأتها عليه من
حفظي فلما وصلت إلى هذا الموضع صاح صيحة شديدة وسقط - وكان
جبارا قاسي القلب.
(104) وفى النهج - (فإنه يسار به وإن كان واقفا ويقطع المسافة وإن كان
مقيما وادعا). والوادع: هو الساكن المستريح.
(105) وفى تحف العقول: فان تزهد فيما زهدك الله فيه من الدنيا
وتعزف نفسك عنها فهي أهل ذلك الخ. ومثله في نظم درر السمطين الا ان
فيه: (فيها من الدنيا) و (تفرق).
309

نفسك منها فهي أهل ذاك، وإن كنت غير قابل
نصيحتي إياك فيها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك،
ولا [ولن (ت د ن)] تعدوا أجلك، فإنك في سبيل من
كان قبلك، فخفض [فاخفض (ت)] في الطلب، وأجمل
في المكتسب (المكسب) فإنه رب طلب قد جر إلى حرب
(خرب (ب)) (106) وليس كل طالب بناج، ولا كل
مجمل بمحتاج (107) وأكرم نفسك عن كل دنية وإن
ساقتك إلى الرغائب (108) فإنك لن تعارض بما تبذل شيئا

(106) الحرب - بفتح الأول والثاني -: سلب المال. والهلاك. والويل
وفى نظم درر السمطين: (فإنه رب طلب قد (جر) إلى الحرب).
(107) وفى النهج بدل الجملتين هكذا: فليس كل طالب بمرزوق، ولا كل
مجمل بمحروم.
(108) وفى البحار ومعادن الحكمة: وان ساقتك إلى الرغب الخ وفى نظم
درر السمطين: (إلى الرغبة) وفى تحف العقول: وان ساقتك إلى رغبة الخ
وما في النسخة والنهج أفصح وأبلغ، وهي: جمع الرغيبة: مؤنث الرغيب،
وهو الشئ المرغوب فيه الذي تحن وتهوي إليه النفوس. وبمعنى العطاء
الكثير. والجمع الرغائب، والظاهر أن المعنى الثاني يرجع إلى الأول وليس
معنى مستقلا، والدنية مؤنث الدني أي الشئ الساقط المذموم المحقور
الناقص، وحاصلة: أن رغائب المال إنما تطلب لصون النفس عن الابتذال، فلو
بذل باذل نفسه لتحصيل المال فقد ضيع ما هو المقصود من المال، فلا عوض
لما ضيع. ولن تعتاض أي لن تجد عوضا.
310

من دينك وعرضك بثمن وإن جل (109).
ومن خير حظ امرء قرين صالح (110) فقارن أهل
الخير تكن منهم وباين أهل الشر تبن منهم (111)
لا يغلبن عليك سوء الظن فإنه لا يدع بينك وبين صديق
صفحا (112) بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش
الظلم، والفاحشة كاسمها والتصبر على المكروه يعصم
القلب (113) وإذا كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا وربما

(109) كذا في النسخة، وفى معادن الحكمة والبحار: (فإنك لن تعتاض).
وفى نظم درر السمطين وتحف العقول والنهج هكذا (فإنك لن تعتاض بما تبذل
من نفسك عوضا) أي لا يكون ولا يوجد شئ عوضا لما بذلت وان جل ذلك
العوض.
(110) كذا في النسخة، وفى غيرها: (ومن خير حظ المرء الفرين الصالح).
وفى نظم درر السمطين: (ومن خير حظ المرء قرين صالح). ومن هنا يختلف
ما في كشف المحجة مع ما في النهج وتحف العقول.
(111) أي تبين وتنفصل منهم، ولا تعد في زمرتهم. والفعل مجزوم
لكونه جوابا للطلب أعني (باين).
(112) وفى تحف العقول: ولا يغلبن عليك سوء الظن فإنه لا يدع بينك وبين
خليل صلحا. وقد يقال: (من الحرم سوء الظن) الخ ومثله في نظم درر
السمطين غير أن فيه: (فإنه لن يدع).
(113) وفى تحف العقول: (والتصبر على المكروه نقص للقلب) وكأنه
مصحف.
311

كان الداء دواء (114) وربما نصح غير الناصح، وغش
المستنصح [المتنصح (م)] (115) إياك والاتكال على المنى
فإنها بضائع النوكى وتثبط في الآخرة والدنيا (116) زك
قلبك بالأدب كما يذكى النار بالحطب، لا تكن كحاطب

(114) وفى النهج وتحف العقول: (وربما كان الدواء داء والداء دواء)
الخ. والخرق - بالضم فالسكون كقفل -: العنف والشدة. والرفق
- كحبر -: المداراة واللين. وحاصله: ان كل مقام يلزم أن يعطي حقه، فإن كان
المقام مقام العفو والاغماض كما إذا كان الحق لك وطرفك شخص شريف
كريم يزيده التجاوز والعفو برا وصلاحا ومعدلة، فينبغي العفو، وإن كان
الخصم ممن يزيده العفو عتوا ودناءة وجرءة على الفساد والافساد - كما في
أغلب سواد الناس - أو كان الحق المتنازع فيه من قبيل حق الله - فالمقام
مقام الشدة والعنف، ولا ينبغي اللين والرقة.
(115) المستنصح - على بناء المفعول -: من يطلب منه النصح والارشاد،
و (المتنصح - على صيغة اسم الفاعل -: المبالغ في النصح لمن لا ينتصح.
وحاصل المراد انه يلزم على العاقل ان يتأمل ويتفكر فيما يرشدونه إليه
وينصحونه به، سواء صدر ممن يتوقع منه النصح أم من غيره، إذ رب شخص
لا يطلب منه النصح وهو ناصح وغير تارك للارشاد والهداية، وربما يعد
الانسان شخصا ناصحا ويتوقع منه النصح وهو غاش ومضل.
(116) وفى بعض نسخ النهج: (فإنها بضائع الموتى) وفى نظم درر
السمطين وتحف العقول: وتثبط عن خير الآخرة والدنيا. وفى معادن الحكمة:
(وتثبطك عن خير الآخرة) الخ. والمنى: جمع منية - بالضم فالسكون -.
وهي ما يتمناه الانسان لنفسه ويعلل نفسه باحتمال الوصول إليه. والبضائع:
جمع البضاعة وهي مال التجارة. والنوكى - كسكرى - جمع الأنوك وهو
الأحمق، أو شديد الحمق. والعاجز الجاهل الضعيف العقل، والتثبط:
التعويق والتأخير. والمراد انه ينبغي ان يعمل على طبق ما يتمناه من المصالح،
ويتحمل المشاق لتحصيله ولا يتكل على صرف التمني فإنه حمق، أو أنه رأس
مال الموتى لان المتجر به يموت ولا يصل إلى مقصوده
312

الليل وغثاء السيل (117) وكفر النعمة لؤم، وصحبة
الجاهل شؤم (118) والعقل حفظ التجارب، وخير ما جربت
ما وعظك، ومن الكرم لين الشيم (119) بادر الفرصة قبل
أن تكون غصة (120) ومن الحزم العزم، ومن سبب الحرمان

(117) وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (ووعثاء السيل) الخ.
والغثاء - بضم أوله مخففا ومشددا -: زبد الماء البالي من ورق الشجر
المخالط لزبد السيل. ويكنى بحاطب الليل وغثاء السيل عن الامر المختلط
الذي لا جدوى فيه، والمراد: حفظ القلب عن الاختلاط واتقانه واستقامته
لكي يكون منشاء للمصالح ومخزنا لها.
(118) وفى نظم درر السمطين: (إياك وكفر النعمة، فان كفر النعمة
لوم) الخ.
(119) الشيم - بكسر ثم الفتح -: جمع شيمة وهي الخلق والطبيعة.
والمراد اجتناب الغلظة والفظاظة، واتخاذ الرحمة والسهولة واكتسابها والتحفظ
على الأوساط.
(120) أي قبل ان تتعذر فتكون كالعظم المختلج في الحلق غير ممكن
الإساغة.
313

التواني (121) ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب
[راكب (ح ل د ت)] يؤوب ومن الفساد إضاعة الزاد،
[ومفسدة المعاد (ن)] (122) لكل امرئ عاقبة (123)
[رب يسير أنمى من كثير (ب ت م)] (124) ولا خير
في معين مهين [ولا في صديق ظنين (ن)] ولا تلين من
أمر على عذر (125) من حلم ساد، ومن تفهم ازداد، ولقاء

(121) التواني هو التسامح في الوصول إلى المقاصد وما ينبغي للشخص
،
هو من أقوى أسباب الحرمان وعدم نيل المقصود، إذ الدهر غير سخي
بإدامة الأسباب الحاصلة فيعطي ثم يقبض سريعا.
(122) لعل المراد من الزاد هو ما يمكن أن يجعل وسيلة للوصول إلى
الله ومرافقة أوليائه أعم من المال والثروة أو القوة والجاه والمعنوية.
(123) وفى تحف العقول ونهج البلاغة: (ولكل أمر عاقبة، سوف يأتيك ما قدر لك، (و) التاجر مخاطر) الخ.
(124) وفى النسخة هنا تصحيف، ولعل الصواب هو ما في معادن الحكمة:
(رب مسير بما يضير) من قولهم: (ضاره الامر) - من باب باع -: أضر
به. وفى كنز العمال: (رب مشير بما يضر).
(125) كذا في النسخة، ولعل المراد منه - على فرض الصحة وصدوره
كذلك منه (ع) -: لا يكن من شأنك اتيان المعذرة في الأمور التي على عهدتك
وأنت مسؤول بإقامتها، بل ائت بها بأنفسها. في البحار، ومعادن (ولا تبيتن من
أمر على عذر). والمهين - بضم الميم -: فاعل الإهانة. وبالفتح: الحقير.
وكلاهما لا يصلحان أما الأول فإنه يفسد المصلح واما الثاني فإنه لضعفه كل على
الانسان ويحتاج إلى الإعانة فكيف يعين غيره. والضنين - بالضاد -: البخيل
- وبالظاء - المتهم.
314

أهل الخير عمارة القلب (126) ساهل الدهر ما ذل لك
قعوده 127) وإياك أن تطيح [تجمح (ت ن)] بك مطية
اللجاج (128) وإن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة (129)
ولا تخن من ائتمنك وإن خانك، ولا تذع سره وإن أذاع
سرك، ولا تخاطر بشئ رجاء أكثر منه، واطلب فإنه

(126) وفى نظم درر السمطين وكنز العمال: (لقاء أهل الخير عمارة
القلوب).
(127) القعود - بالفتح -: ما يركبه الراعي من آباله لحاجته ويختاره
للركوب لجودته مشيا وسرعة. والقعود أيضا بقال: للإبل الفصيل من قياده،
أي ساهل الدهر ما دام منقادا لك وخذ حظك من قياده.
(128) وفى معادن الحكمة: (وإياك أن تطمح). وفى نظم درر السمطين:
(وإياك أن توجف بك مطايا الطمع) الخ. وفى النهج وتحف العقول: (وإياك
أن تجمح) يقال: جمحت المطية أي تغلبت على راكبه وذهبت به. وجمحت به
أي طرحت به وحملته على ركوب المهالك. واللجاج - بالفتح -: الخصومة
والتمادي على المدعى وما تشتهيه النفس وتقترحه والاصرار عليه. أي أحذرك
من الاصرار على ما تقترحه في مقام الخوصمة، فلا تملك نفسك من الوقوع
في مضارها.
(129) وفى نظم درر السمطين: (يا بني ان اقترفت سيئة) الخ.
315

يأتيك ما قسم لك والتاجر مخاطر، خذ بالفضل وأحسن
البذل، وقل للناس حسنا، وأحسن [وأي (خ ل ت)]
كلمة حكم جامعة أن تحب للناس ما تحب لنفسك،
وتكره لهم ما تكره لها (130) إنك قل ما تسلم ممن تسرعت
إليه أن تندم أو تتفضل عليه (131) واعلم أن من الكرم
الوفاء بالذمم [والدفع عن الحرم (ت)] (132) والصدود
آية المقت، وكثرة التعلل [العلل (ت م)] آية
البخل (133) ولبعض إمساكك على أخيك مع لطف خير

(130) وفى تحف العقول ومعادن الحكمة ونظم درر السمطين: (وأي
كلمة حكم جامعة).
(131) ومثله في تحف العقول، وفى البحار ومعادن الحكمة: (أو تندم إذ
(ان (م)) أفضلت عليه) الخ.
(132) وفى نظم درر السمطين: (وان من الكرم الوفاء بالذمم وصلة
الرحم) الخ والذمم - بكسر الذال وفتح الميم -: جمع الذمة، وهي العهد
والأمان والضمان. والحرم - بفتح الأول والثاني - اسم للأهل من الزوجة
ومن يجب التحفظ عليه من النواميس. ويجوز أن يكون - بضم الأول وفتح
الثاني - كصرد - وهو جمع الحريم اي ما يدافع عنه ويتحفظ عليه.
والمعنى واحد.
(133) كذا في البحار، وفى كشف المحجة، ونظم درر السمطين: (والصدق
آية المقت).
316

من بذل مع عنف (134) ومن الكرم (ومن التكرم (خ ل ت))
صلة الرحم ومن يثق بك أو يرجو صلته (صلتك (ب م)) (أو
يرجوك أو يثق بصلتك إذا قطعت قرابتك (135) والتجرم
وجه القطيعة، (136) إحمل نفسك من (مع (ت)) أخيك
عند صرمه إياك على الصلة، وعند صدوده (137) على
لطف المسألة، وعند جموده على البذل وعند تباعده
على الدنو، وعند شدته على اللين وعند تجرمه (جرمه
(ن)) على الاعذار (العذر (ن)) (138) حتى كأنك

(134) هذا هو الظاهر، وفى النسخة تصحيف، وفى تحف العقول والبحار:
(خير من بذل مع جنف) وفى نظم درر السمطين: خير من بذل مع حيف) وفيه
كنز العمال: (وبعض الامساك عن أخيك مع الألف خير من البذل مع الجنف).
(135) وفى نظم درر السمطين: (ومن يثق بك أو يرجو صلتك إذا
قطعت رحمك). أي ان قاطع الرحم والقرابة لا يثق به أحد ولا يطمئن بمواعيده
انسان، ولا ينبغي للشخص ان يلغي اعتباره.
(136) وفى تحف العقول (والتحريم وجه القطيعة) أي التحريم من الصلة
وكون الشخص محروما سبب لقطع القرابة.
(137) هذا هو الظاهر الموافق للبحار والنهج وتحف العقول وغيرها،
وفى النسخة تصحيف. والصوم - على زنة الفلس -: القطيعة. والجمود: البخل.
وكلمة: (على) في قوله: (على الصلة) وما بعدها تتعلق بقوله: (أحمل).
(138) وفى تحف العقول: (وعند جرمه على الاعتذار) الخ.
317

له عبد، وكأنه ذو نعمة عليك، وإياك أن تضع ذلك
في غير موضعه، أو تفعله في غير (بغير (ن)) أهله (139)
ولا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك (140)
ولا تعمل بالخديعة فإنها خلق لئيم (141) وامحض أخاك
النصيحة حسنة كانت أو قبيحة وساعده على كل حال،
وزل معه حيث [حيثما (د)] زال، ولا تطلبن مجازات
أخيك وإن (ولو (ت)) حثا التراب بفيك (142) وجد
[خذ (ت)] على عدوك بالفضل فإنه أحرز [أحرى
(ب ت د م)] للظفر (143) وتسلم من الدنيا (من الناس

(139) وفى معادن الحكمة: (وأن تفعله في غير أهله) الخ.
(140) إذ الضدان لا يجتمعان، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
(141) وفى بعض الطرق: (فإنها خلق اللئام). وفى كنز العمال: (فإنها
من أخلاق اللئام).
(142) يقال: حثا التراب: صبه، وفيك أي فمك، أي وان صب
التراب في فيك.
(143) وفى النهج: (وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرين) ويروى
(أحد الظفرين) وحاصله - على رواية أحلى الظفرين - ان الظفر على قسمين
فسم منه هو الاستيلاء والسلطة على العدو بالقوة والغلبة، وقسم منه هو
الاستيلاء وتملك العدو بالاحسان والتفضل، ولا شك أن الثاني هو أحلى لسهولة
مقدماته وطيب بركاته ودوام ثمراته. وهذا ما قيل بالفارسية: درعفو لذتي
است كه در انتقام نيست.
318

(ت)) بحسن الخلق، وتجرع الغيظ فإني لم أر جرعة
أحلى منها عاقبة ولا ألذ منها مغبة (144) ولا تصرم
أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب (145)
ولن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك، ما أقبح القطيعة
بعد الصلة، والجفاء بعد الإخاء، والعداوة بعد المودة،
والخيانة لمن ائتمنك، والغدر بمن استأمن إليك، وإن
أنت [فإن أنت (ت)] غلبتك قطيعة أخيك فاستبق له
من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما (146)

(144) المغبة - بفتحتين وتشديد الباء -: العاقبة. وكظم الغيظ وان
صعب على النفس في وقته الا انها تجد لذته عند الإفاقة من الغيظ فللعفو لذة
- إن كان في محله - وللخلاص من الضرر المعقب لفعل الغضب لذة أخرى.
(145) الارتياب: (الاتهام والشك. والاستعتاب: طلب العتبى أي
الاسترضاء.
(146) وفى معادن الحكمة: (فاستبق له بقية يرجع إليها ان بدأ (له)
ولك ويوما ما). وعلى هذا فالفعل: (يرجع): مجهول، أي أبق بقية من
الصلة يسهل له ولك معها الرجوع إليه ان - بدا له - أي ظهر له ولك حسن
العودة يوما من الأيام، وفى حين من الأحيان.
319

ومن ظن بك خيرا فصدق ظنه (147) ولا تضيعن حق
أخيك اتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ
من أضعت حقه (148) ولا يكن أهلك أشقى الناس
[الخلق (ت)] بك، ولا ترغبن فيمن زهد فيك ولا
يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا
يكونن على الإساءة أقوى منك على الاحسان، ولا على
البخل أقوى منك على البذل ولا على التقصير منك على
الفضل (149) ولا يكبرن ظلم من ظلمك فإنه إنما يسعى
في مضرته ونفعك، وليس جزاء من سرك أن تسوءه.
(واعلم يا بني أن (ن)) الرزق رزقان: رزق
تطلبه ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك، واعلم يا بني

(147) أي اعمل على ما ظنه بك، ولا تخالف ما ظن بك.
(148) إذ لكل شئ خواص ولوازم ولوازم الاخوة وخاصيتها: تعاهد
حقها وإتيان ما يرضيه وترك ما يسخطه.
(149) وحال مراده (ع) انه إذا أتى أخوك بأسباب القطيعة، فقابلها
بموجبات الصلة حتى تغلبه، ولا ينبغي أن يكون أقدر على ما يوجب القطيعة
منك على ما يوجب الصلة، وهذا أبلغ قول في لزوم حفظ الصداقة.
320

أن الدهر ذو صروف فلا تكن ممن يشتد لائمته (150)
ويقل عند الناس عذره، ما أقبح الخضوع عند الحاجة،
والجفاء عند الغناء، وإنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك
فأنفق في حق ولا تكن خازنا لغيرك (151) وإن كنت
جازعا على ما يفلت من بين يديك فاجزع على ما لم يصل
إليك (152) واستدلل على ما لم يكن بما كان، فإنما [فإن
(ن)] لأمور أشباه، ولا تكفر ذا نعم [ولا تكفر نعمة (ب)]
(153) فإن كفر النعمة من ألام الكفر. واقبل العذر، ولا
تكونن ممن لا ينتفع من العظة إلا بما لزمه إزالته (154)

(150) وفى تحف العقول: (فلا تكونن ممن يشتد لائمته).
(151) وفى كنز العمال: (فانفق يسرك (كذا) ولا تكن خازنا لغيرك).
المثوى، المقام والرتبة أي نصيبك من الدنيا ما أصلحت به منزلتك ومرتبتك
من الكرامة في الدنيا والآخرة.
(152) وفى النهج: (وان جزعت على ما تفلت من يديك) الخ. وفى
نظم درر السمطين وتحف العقول: (وان كنت جازعا على ما تفلت من
يديك) الخ.
(153) في تحف العقول (ولا تكفرن ذا نعمة) الخ وفى معادن الحكمة:
(ولا تكفر ذا نعمة).
(154) كذا في النسخة، وفى تحف العقول ومعادن الحكمة بحذف لفظة
- ازالته -. وفى النهج: ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة الا إذا بالغت في
ايلامه) الخ.
321

فإن العاقل يتعظ بالأدب، والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب،
اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان أو وضيعا، واطرح
عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين (154)
من ترك القصد حاد (155) ونعم حظ المرء القنوع [القناعة
(ت)] ومن شر ما صحب المرء الحسد، وفى القنوط
التفريط، والشح يجلب الملامة، والصاحب مناسب (156)
والصديق من صدق غيبه، والهوى شريك العمى (157)
ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة، ونعم طارد الهموم

(154) العزائم: جمع العزيمة وهي ما جزمت بها وعقدت في قلبك الجرى
عليها.
(155) وفى تحف العقول ونهج البلاغة: (من ترك القصد جار). أقول:
القصد: الاعتدال والتوسط بين الافراط والتفريط.
(156) أي ينبغي أن يكون الصاحب كالنسيب المشفق ويراعي فيه ما
تجب رعايته في قرابة النسب.
(157) أي من قام بحق الاخوة وراعي شرائطه وهو غائب فهو الصديق
حقا. وشركة الهوى للعمى من أجل كون كل منهما موجبا للضلال وعدم حصول
ما ينبغي. وفى بعض نسخ تحف العقول ونهج البلاغة: (الهوى شريك العناء)
أي المشقة والتعب.
322

اليقين، وعاقبة الكذب الندم [الذم (ت)] وفى الصدق
السلامة، ورب بعيد أقرب من قريب [ورب قريب أبعد
من بعيد (ن)] والغريب من لم يكن له حبيب، لا يعدمك
من شفيق [من حبيب (ت)] سوء الظن ومن حم ظمأ (158)
ومن تعدى الحق ضاق مذهبه، ومن اقتصر على قدره كان
أبقى له، نعم الخلق التكرم، وألام اللؤم البغي عند
القدرة، (159) والحياء سبب إلى كل جميل، وأوثق
العرى التقوى، وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين

(158) كذا في النسخة، وفى معادن الحكمة: (ومن حمى ظمأ). وفى البحار: (ومن حمى (حم) طما) وفى تحف العقول: (ومن حمى طنى) أقول:
يقال: (حمى الشئ ايحميه حماية وحميا وحمى: منعه ودفع عنه. وحمى
القوم حماية: قام بنصرهم. وحمى المريض أي اجتنب ما يضره.
وطنى اللديغ: عوفي - واللديغ. من لدغته وضربته العقرب أو الحية -.
وطنى فلانا: عالجه. والمعنى: من منع نفسه عما يضره نال العافية، وفى بعض
نسخ تحف العقول: (من حمأ ظمأ).
(159) وبعده في نظم درر السمطين هكذا (وما أقرب النقمة من أهل
البغي، وأخلق بمن غدر ان لا يوفى له، والحياء سبب لكل جميل، أحسن
ان أحببت أن يحسن إليك، وعجل الخير فإنك لست كلما أردته قدرت عليه، و
أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته، ليس كل من طلب وجد، ولاكل من توقى
نجى).
323

الله (160) سرك من أعتبك (161) والافراط في الملامة
يشب نيران اللجاجة [اللجاج (ت)] كم من دنف (قد)
نجى، وصحيح قد هوى (164) وقد يكون اليأس إدراكا
إذا كان الطمع هلاكا، وليس كل عورة تظهر ولا [كل
(ت)] فريضة تصاب (163) وربما أخطأ البصير قصده
وأصاب الأعمى رشده، وليس كل من طلب وجد، ولا
كل من توقى نجى (164) أخر الشر فإنك إذا شئت

(160) وفى النهج بعد هذا (ومن لم يبالك فهو عدوك) يقال: باليته
وباليت به أي راعيته واعتنيت بأمره.
(161) وفى بعض نسخ تحف العقول: (منك من اعتبك). وقيل: معناه:
من عليك من استرضاك. من (أعتبه): إذا أعطاه العتبى وأرضاه أي ترك
ما كان يغضب عليه من أجله ورجع إلى ما أرضاه عنه بعد اسخاطه إياه عليه.
والهمزة فيه للسلب كما في أشكاه. والاسم: العتبى، وعنه: انصرف.
والمعنى: من عليك من استرضاك.
(162) الدنف - بفتح الأول والثاني -: المرض اللازم. والمريض الذي
لزمه المرض. بلفظ واحد مع الجميع يقال: رجل دنف وامرأة دنف وهما دنف
- مذكرا ومؤنثا - وهم دنف وهن دنف، لان الدنف مصدر وصف به. والدنف
- بكسر النون ككتف - من لزمه المرض، والجمع أدناف.
(163) كذا في النسخة، وفى معادن الحكمة (وليس كل عورة تصاب)
وفى النهج: (ولا كل فرصة تصاب) وهو الظاهر.
(164) لان لوجدان المطلوب والتخلص من المكروه أسباب وشرائط كثيرة،
وقد لا تكون حاصلة - ويظن الطالب حصولها - ولذا لا ينال ما قصده وطلبه
ولا ينجو مما فر منه وحذره.
324

تعجلته (165) وأحسن إن أحببت أن يحسن إليك
[و] احتمل أخاك على ما فيه، ولا تكثر العتاب فإنه
يورث الضغينة [ويجر إلى البغضة (ت)] (166) واستعتب
من رجوت عتباه (167) وقطيعة الجاهل تعدل صلة
العاقل، ومن الكرم منع الحزم (168) من كابر الزمان
عطب، ومن تنقم عليه غضب (169) ما أقرب النقمة
من أهل البغي وأخلق بمن غدر ألا يؤفى له (170) زلة

(165) قيل: لان فرص الشر لا تنقضي لكثرة طرقه، وطريق الخير واحد
وهو الحق وعلل انسداد الواحد وانعدام الفارد غزيرة.
(166) وفى نظم درر السمطين: (أحمل أخاك على ما فيه، ولا تكثر
العتاب فإنه يورث الضغينة، ويجر إلى البغيضة، أي بني من كابر الزمان
عطب، ومن ينقم عليه غضب، وليس مع (ظ) الاختلاف ائتلاف، ومن حسن
جورا فقد جار) الخ.
(167) وفى بعض النسخ من تحف العقول: (واستعتب من رجوت اعتابه).
(168) كذا في النسخة وتحف العقول. قال بعض الفضلاء: الحزم هنا
بمعنى الشدة والغلظة. أقول والأقرب عندي أن يكون بالراء المهملة لا بالزاء
المعجمة كما في وصيته إلى ابن الحنفية وكما في معادن الحكمة: (ومن الكرم
منع الحرم، ومن كاثر الزمان عطب).
(169) يقال: (عطب - الرجل - كفرح - عطبا): هلك.
(170) وفى بعض نسخ تحف العقول: (أن لا يعفى له). يقال فلان:
أخلق بكذا أي أولى وأجدر وأحرى. وفلان حقيق بكذا أي حري به. كما في
قوله تعالى: حقيق على أن لا أقول الا الحق الخ.
325

المتوقي أشد زلة، وعلة القبح أقبح علة، والفساد
يبير الكثير (171) والاقتصاد ينمي اليسير، والقلة ذلة،
وبر الوالدين من أكرم الطباع [من كرم الطبيعة (خ ل
ت)] (172) والمخافت شرا يخاف، والزلل مع العجل،
ولا خير في لذة تعقب ندما، العاقل من وعظته التجارب،
ورسولك ترجمان عقلك (173) والهدى يجلو العمى، وليس
مع الخلاف ائتلاف (174) من خبر خوانا فقد خان (175)
لن يهلك من اقتصد، ولن يفتقر من زهد، ينبئ عن
أمر دخيله (176) رب باحث عن حتفه، ولا تشوبن بثقة

(171) وفى بعض النسخ من تحف العقول: (يدبر الكثير). وفى بعضها:
(الفساد يبيد الكثير، والاقتصار يثمر اليسير) الخ.
(172) وفى معادن الحكمة: (وبر الوالدين من أكرم الطبائع).
(173) وفى بعض نسح تحف العقول: (رسلك ترجمان عقلك) وفى
بعضها: (لسانك ترجمان عقلك) وهو أظهر.
(174) وفى تحف العقول بعد هذا هكذا: (ومن حسن الجوار تفقد الجار).
(175) كذا في النسخة، ولعله بالياء المثناة التحتانية أظهر من (التخيير
والاختيار) أي من أختار لصداقته وبطانته خوانا فهو أيضا خائن.
(176) كذا في النسخة، وفي معادن الحكمة: (ينبئ عن امرئ دخيلة)
وفى بعض نسخ تحف العقول: (بين عن امرئ دخيله) وفى بعضها: (ينبئ
عن امرئ دخيله).
326

رجاء (177) وما كل ما يخشى يصير (178) ولرب هزل
قد عاد جدا، من أمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه
أهانه (179) ومن ترغم عليه أرغمه، ومن لجأ إليه
أسلمه، وليس كل من رمى أصاب (180) وإذا تغير السلطان
تغير الزمان، خير أهلك من كفاك، المزاح يورث
الضغائن، أعذر من اجتهد، وربما أكدى الحريص (181) رأس
الدين صحة اليقين، وتمام الاخلاص تجنب [تجنبك (ت)]

(177) كذا في النسخة، وفي بعض النسخ من تحف العقول: (لا تشترين
بثقة رجاء). ويقال: بحث في الأرض: حفرها. والحتف: الموت. وفى المثل
(كالباحث عن حتفه بظلفه) يضرب مثلا لمن يطلب ما يؤدي إلى تلف النفس.
(178) وفى تحف العقول: (وما كل ما يخشى يضر) وهو الظاهر. وفى
معادن الحكمة: (وما كل ما يخشى يضير).
(179) وفى النهج (ومن أعظمه أهانه) قيل: معناه: ان من هاب شيئا
سلطه على نفسه. وفيه تنبيه على وجوب الحذر من الزمان ودوام ملاحظة
تغيراته والاستعداد لحوادثه قبل نزولها. واستعار لفظ الخيانة باعتبار تغيره
عند الغفلة عنه والامن فيه فهو في ذلك كالصديق الخائن.
(180) وهذا تنبيه على ما ينبغي من ترك الأسف على ما يفوت من المطالب
والتسلي بمن أخطأ في طريقه، قال أبو الطيب:
ما كل من طلب المعالي نافذا * فيها ولا كل الرجال فحول
(181) يقال: (أكدى فلان) أي خان ولم يظفر بحاجته.
327

المعاصي، وخير المقال ما صدقه الفعال، السلامة
مع الاستقامة، والدعاء مفتاح الرحمة، سل عن الرفيق قبل
الطريق (182) وعن الجار قبل الدار، وكن من الدنيا
على قلعة، أجمل من أذل عليك (كذا) واقبل عذر من
اعتذر إليك، وخذ العفو من الناس، ولا تبلغ من أحد
مكروها (183) أطع أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك،
وعود نفسك السماح، وتخير لها من كل خلق أحسنه،
فإن الخير العادة (184) وإياك أن تكثر من الكلام هذرا
وأن تكون مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك (185)
وأنصف من نفسك [قبل أن ينتصف منك (ت)] (186).

(182) وفى نظم درر السمطين: (أي بني سل عن الرفيق قبل الطريق).
(183) وفى بعض المصادر: (ولا تبلغ من أحد مكروهه).
(184) وفى تحف العقول وبعض المصادر: (فان الخير عادة).
(185)
وفى النهج: (إياك ان تذكر من الكلام ما كان مضحكا) الخ. وفى
بعض نسخ تحف العقول: (وإياك أن تذكر من الكلام ما كان مضحكا) الخ. وفى
بعض نسخ تحف العقول: (وإياك أن تذكر من الكلام قذرا أو يكون مضحكا
وان حكيت ذلك عن غيرك) ومثله في نظم درر السمطين. والهذر في الكلام: الخلط:
والتكلم بما لا ينبغي، والقذر: الوسخ.
(186) أي انتصف للناس من نفسك قبل أن ينتصفوا منك بغيرك، أي
عاملهم معاملة لا تنجر إلى طلبهم الانتصاف والحق منك.
328

وإياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى الأفن (189)
وعزمهن إلى الوهن، واكفف عليهن من أبصارهن
بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب خير لك ولهن من
الارتياب (190) وليس خروجهن بأشد من دخول [من
إدخال (ن)] ما لا يوثق به عليهن، وإن استطعت أن لا
يعرفن غيرك من الرجال فافعل.
ولا تملك المرأة من الامر [من أمرها (ت د ن)]
ما جاوز نفسها (191) فإن ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها
وأدوم لجمالها فإن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة (192)
ولا تعد بكرامتها نفسها ولا تطمعها في أن تشفع لغيرها

(189) وفى النهج وتحف العقول: (إلى أفن) مجردا عن اللام - وكذلك
قوله (ع) (إلى وهن) الخ. والأفن - بالفتح والتحريك كفرس -: الضعف
والنقص.
(190) وقريب من هنا - أي قوله (ع): إياك ومشاورة الخ إلى قوله في
في آخر هذا الموضوع (فعجل النكير) - ذكره كنز الفوائد، 177 ط وفى بعض
نسخ تحف العقول: (واكفف عليهن من أبصارهن بحجبك إياهن فان شدة
الحجاب خير لك ولهن) الخ. وفى النهج: (فان شدة الحجاب أبقى عليهن) الخ. (191) أي لا تكرمها بكرامة تتعدى صلاحها. أو لا تجاوز باكرامها نفسها
فتكرم غيرها بشفاعتها.
(192) القهرمان: الذي يحكم في الأمور ويتصرف فيها بأمره. كذا قيل.
329

[بغيرها (ن)] (193) فيميل من شفعت له عليك معها،
ولا تطل الخلوة مع النساء، فيمللنك وتمللهن، واستبق
من نفسك بقية فإن إمساكك عنهن وهن يرين أنك ذو اقتدار
خير من أن يعرثن [يظهرن (د)] منك على انكسار [على
انتشار (خ ل ت)] وإياك والتغاير في غير موضع الغيرة
[غيرة) د ن ف)] فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم
[والبريئة إلى الريب (ن)] (194) ولكن احكم أمرهن،
فإن رأيت عيبا (ذنبا (ت د)) فعجل النكير على الكبير
والصغير، وإياك أن تعاقب فيعظم الذنب ويهون
العتب (195) ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا، وما
خير بخير لا ينال إلا بشر، ويسر لا ينال إلا بعسر،
وإياك أن توجف بك مطايا الطمع (فتوردك مناهل

(193) كذا في البحار، والنهج، وفى معادن الحكمة والنسخة التي بيدي
من كشف المحجة هكذا: (ولا تعاطيها في أن تشفع لغيرها) الخ. وفى تحف
العقول ونظم درر السمطين: (ولا تطمعها أن تشفع لغيرها فتميل مغضبة
عليك معها) الخ.
(194) التغاير: اظهار الغيرة على المرأة بسوء الظن في حالها بلا موجب،
(195) وفى بعض نسخ تحف العقول: (وإياك أن تعاقب فتعظم الذنب
وتهون العتب). ومثله في نظم درر السمطين.
330

الهلكة (ن)) وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله
ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك وآخذ سهمك وإن
اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من خلقه، وإن كان
كل منه، فإن نظرت - فلله المثل الاعلى - فيما تطلب
من الملوك ومن دونهم من السفلة، لعرفت أن لك في يسير
ما تطلب (تصيب (ب م)) من الملوك افتخارا، وأن عليك
في كثير ما تطلب من الدناة (ظ) عارا إنك ليس بائعا
شيئا من دينك وعرضك بثمن، والمغبون من غبن نفسه
من الله، فخذ من الدنيا ما أتاك، وتول مما تولى عنك
فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب، وإياك ومقاربة من
رهبته على دينك وعرضك، وباعد السلطان لتأمن خدع
الشيطان، وتقول ما ترى أنك ترغب، وهكذا هلك من كان
قبلك، إن أهل القبلة قد أيقنوا بالمعاد، فلو سمعت
بعضهم يبيع آخرته بالدنيا لم تطب بذلك نفسا (196)

(196) كذا في النسخة، وفى البحار ومعادن الحكمة: (وتقول: متى
أرى ما أنكر نزعت فإنه هكذا أهلك من كان قبلك). وهو الظاهر.
331

وقد يتحيل (يتخبله) الشيطان بخدعه ومكره حتى يورطه
في هلكة بعرض من الدنيا يسير حقير، وينقله من شئ
إلى شئ حتى يؤيسه من رحمة الله ويدخله في القنوط، فيجد
الراحة إلى ما خالف الاسلام وأحكامه.
فإن أبت نفسك إلا حب الدنيا وقرب السلطان
فخالفتك إلى ما نهيتك عنه مما فيه رشدك فاملك عليك
لسانك، فإنه لا ثقة للملوك عند الغضب، فلا تسأل عن
أخبارهم ولا تنطق بأسرارهم ولا تدخل فيما بينهم، وفي
الصمت السلامة من الندامة، وتلافيك ما فرط من صمتك
أيسر من إدراك ما فات من منطقك [فائدة ما فات من
منطقك]، وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء (197) وحفظ
ما في يديك أحب إليك (إلي (ن)) من طلب ما في يد
غيرك ولا نحدث الا عن ثقة فتكون كذابا، والكذب ذل،
وحسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الاسراف،

(197) وفي معادن الحكمة: (بستر (بشد (خ ل)) الوكاء) الخ.
332

وحسن اليأس خير من الطلب إلى الناس، والعفة مع الحرفة
خير من سرور مع فجور، والمرء أحفظ لسره، ورب ساع
فيما يضره، من أكثر أهجر، ومن تفكر أبصر، وأحسن
للمماليك الأدب (198) وأقلل الغضب، ولا تكثر العتب
في غير ذنب، فإذا استحق أحد منهم ذنبا فأحسن العفو
[فأحسن العدل (ت د)] فإن العفو مع العدل (199) أشد
من الضرب لمن كان له عقل، ولا تمسك من لا عقل له،
وخف القصاص، واجعل لكل امرء منهم عملا تأخذه به
فإنه أحرى أن لا يتواكلوا (200).
وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير،
وأصلك الذي إليه تصير [ويدك الذي بها تصول (ن)
وهم العدة عند الشدة (ت)] (201) أكرم كريمهم،

(198) وفى نظم درر السمطين: (وأحسن لمماليكك الأدب).
(199) وفى تحف العقول، ونظم درر السمطين: (فان العدل مع العفو
أشد من الضرب) الخ.
(200) وفى نهج البلاغة: (واجعل لكل انسان من خدمك عملا تأخذه به).
(201) هذا هو الظاهر - الموافق لما في تحف العقول، ونظم درر السمطين -
دون ما في كتاب كشف المحجة، ومعادن الحكمة.
333

وعد سقيمهم واشكرهم في أمورهم وتيسر عند معسورهم.
واستعن بالله على أمورك فإنه أكفى معين، وأستودع
الله دينك ودنياك وأسأله خير القضاء [لك في العاجلة
والآجلة (ن)] [و] في الدنيا والآخرة [والسلام عليك
ورحمة الله] [وبركاته (د)].
الفصل (154) من كتاب كشف المحجة للسيد ابن طاوس (ره) ص
170، ط النجف، ورواه عنه المجلسي (ره) في البحار: ج 17، ص
57 ط الكمباني وكذا رواه عنه في الفصل الأول من معادن الحكمة والجواهر،
ورواه قبله في تحف العقول، والمختار (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة،
ورواه أيضا في نظم درر السمطين ص 161، مع نظم أحسن من نظم غيره،
وروى فقرات منها في نزهة الناظر، ص 19، وكثير من جمله موجود في الباب
الأول من دستور معالم الحكم، ورواه أيضا مرسلا في الحديث (3528)
في كتاب المواعظ والرقائق والخطب والحكم من قسم الافعال من (كنز
العمال): ج 8 ص 210 ط الهند، عن وكيع، والعسكري في المواعظ.
334