الكتاب: الغدير
المؤلف: الشيخ الأميني
الجزء: ٩
الوفاة: ١٣٩٢
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: ١٣٩٧ - ١٩٧٧ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: عني بنشره الحاج حسن ايراني صاحب دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان

الغدير
في الكتاب والسنة والأدب
كتاب ديني. علمي. فني. تاريخي. أدبى. أخلاقي
مبتكر في موضوعه فريد في بابه يبحث فيه عن حديث الغدير كتابا وسنة وأدبا
ويتضمن تراجم أمة كبيرة من رجالات العلم والدين والأدب من الذين نظموا هذه الإثارة
من العلم وغيرهم
تأليف
الحبر العلم الحجة المجاهد شيخنا الأكبر الشيخ
عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
الجزء التاسع
عني بنشره الحاج حسن إيراني
صاحب
دار الكتاب العربي
بيروت لبنان
الطبعة الرابعة
1397 ه‍ 1977 م
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف
تعريف الكتاب 1

كلمة قدسية
تفضل بها سيدنا الحجة آية الله حسين الموسوي
الحمامي النجفي دام ظله الوارف، وقد شفعها بخطاب يبدي فيه
إعجابه بكتاب " الغدير " ويعرب عن نواياه الحسنة في تقدير آثار
الأمة ومآثرها، وإليك نص الخطاب مشفوعا بالشكر المتواصل
لسماحة السيد.
بسم الله الرحمن الرحيم
العلامة الحجة الأميني دام عزه وتأييده.
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أرسل كتابي إليكم مشفوعا بكلمتي عن
موسوعتكم " الغدير " وكنت قبل هذا من زمن ليس بالقريب أحاول القيام بغير هذا
فقط تجاه مقامك السامي ومنزلتك الرفيعة، تقديرا لخدمتك المشكورة ولكن: المرء
رهين المقدور. فما استطعت أن أمد باعي بما حاولت، وها أنا أبعث رسالتي إليك و
ملؤها الاعتذار لتقع منك موقع حسن القبول، والله من رواء القصد وهو يهدي السبيل
ونرجو من الله عز وجل أن يمد عنايته بكم ويرعاكم بألطافه لا زلتم مؤيدين.
الأحقر حسين الموسوي الحمامي
ودونك الكلمة نفسها:
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله كما هو أهل للحمد، والصلاة والسلام على أشرف خلقه وسيد رسله
محمد، وعلى آله أئمة الهدى ومصابيح الدجى، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين
إلى يوم الدين.
لا يخفي على من أجال النظر وأمعن التفكير في عالم التأليف والتصنيف وما يلاقيه
المقدمة 2

ذوو العلم من المجهود على اختلاف مواضيع ما يؤلف، وسعة معرفة المؤلف ونطاق
إحاطته بما أوتي من علم وفضل (يجد المنصف من نفسه) أن كتاب " الغدير " هو الجدير
بالذكر والإطراء، والتقريض والثناء، وإنه المفرد في بابه، والوحيد في موضوعه، فكم
من حقائق أسدل عليها ستار الشبه، وسترتها يد الأهواء، وأخفتها كف فطالما سترت الحق
طي أناملها، وزوته في بطون كتبها، فراح الحق رهين أهواء وسلطة، فجاء " الغدير "
من بعد حين يميط عنها غياهب الظلم، ويكشف دون وجهها حجاب التدجيل، فأسفر
الحق عن محضه، وأصحر النور لذي عينين كالشمس في رائعة النهار، فلله در كتاب
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأقول والحق يقال: إن من سبر هذا السفر
الميمون والكتاب الجليل وأحاط بما أودع فيه من غزارة العلم، ومتانة التعبير، وحسن
الأسلوب، ورصانة البيان، وسعة التنقيب، وطول الباع، وكثرة الاطلاع يكاد يذهب
إلى ما قاله البعض في حق الكتاب: إنه عمل ومجهود لا تقوم بأعباء ثقله إلا أمة
جماعة قد نهض به عالم وحده. والله يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد
أوتي خيرا كثيرا. ولا أسهب في القول إن وصفته بهذا فحسب، وأجدني غير موف
لحق المقام، غير أن الظروف لا تسع للإعراب عن كل ما يراد، وإن مؤلفنا الثقة فقيه
المؤرخين ومؤرخ الفقهاء العلامة " الأميني " دام عزه ومجده وتأييده وتسديده هو
من أولئك الذين وقفوا حياتهم الثمينة وأرخصوا أوقاتهم الغالية لتشييد الدين وإعلاء
كلمة الحق والجهاد في سبيل الشريعة المقدسة والصراط المستقيم والمنهج المهيع
" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ".
ونحن في الوقت الذي ندعو للمؤلف الأمين بالتأييد والتسديد نطلب من الله تعالى
شأنه من فضله وعنايته بهذه الأمة الإسلامية المحمدية والفرقة الناجية العلوية أن يكثر
فيها أمثاله من الأعلام وحملة العلم والأقلام ورجالات الفضيلة، وأن يتقبل هذا المجهود
العظيم منه بعين لطفه وأن يرعاه بالقبول، وأن يجمع به شمل الأمة وشتات الفرقة.
ومن أراد الحق وطلب سبيل الرشاد واستضاء بنور الهداية فلديه كتاب " الغدير "
كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون. وفق الله الجميع لمراضيه إنه ولي التوفيق،
والسلام على جميع المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
6 / 6 / 1370
الأحقر حسين الموسوي الحمامي
المقدمة 3

رسالة قيمة
أتتنا من العلوي الشريف العلامة السيد الموسوي
الهندي نزيل " خرنابات " مؤلف " الاسلام مبدأ وعقيدة "
أقدم له جزيل شكري معجبا بتأليفه القيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
فضيلة البحاثة المدقق والثبت المتتبع حجة الاسلام الأستاذ الكبير شيخنا
الشيخ عبد الحسين الأميني دامت بركاته.
سلام الله ورحمته وبركاته عليكم.
أبعث إليكم بعجز مرسلها ناطقة، وبعفوكم وقبولكم عارفة، وبفيض فضلكم
مغمورة، دمتم للمؤمنين ذخرا وللمسلمين فخرا، فأريج المسك يعبق من نفحات همتكم
الفياضة بالعمل النافع، وديم الفضل تغدق من سماء مجدكم الشامخ بالعلم الوفير، وضياء
بدر عزيمتكم يسطع من غرر أعمالكم الخالدة، وينير في جنبات العالم بأنوار تعاليمكم،
ونجوم مؤلفاتكم المتألقة في آفاق الدنيا المدلهمة، هي مما جاد به يراعكم وأفاض
به فكركم، كللتم تاج العصر الحاضر بما أتحفتموه من درر بيانكم وجواهر كلامكم
لا سيما في " الغدير " الذي أروى الغليل وأشفى العليل، فإنه آيات تنزل من وحي
الضمير الصادق على الصدر الرحيب، وبينات من الهدى والفرقان، مقتبسات من أحاديث
النبي الأمين، ومستقاة من نهج بلاغة أمير المؤمنين، وإنه آيات تصك المسامع بالحجج
وتأخذ بالمسلمين إلى الصراط السوي، وهي بنفسها حصون منيعة لسور الإيمان، وأسلاك
شائكة على حمى الولاية تمنع عنها العدوان وترد الأيدي الأثيمة، فكم للمسلمين من
ثغر سددتموه بمدادكم وحرستموه بعيون مؤلفاتكم؟.
فللغدير فصول من الثناء وللمحاسبات التاريخية فيه أبواب من المدح سجلها
لكم التاريخ بمداد البقاء على ألواح الخلود، وللردود بنود من الاطراء تتصل بالأجيال
اتصال معقب لما يكتب أو يقال، وإنه لعمر الحق موسوعة جامعة كشمس ذات إشعاع
المقدمة 4

متموج قرت فيها عيون، وأرمصت منها أخرى، أو هي كفواكه ذوات طعوم متنوعة و
روائح شتى مما لذ وطاب، وإنها لآية الابداع في العمل، ومعجزة الزمن الحاضر التي
رفعت كلمة المستحيل من قاموس العاملين، والتي لا يحلم بها مسلم عامل ولا يفكر
فيها مؤمن صفر الكف من وضر الدنيا والمساعدين، فأقدمتم والعزيمة يحفز همتكم و
التصميم يوكلكم، فكانت كأحسن ما تكون موسوعة اشتركت في مواضيعها جمعية
جزأتها حسب الاختصاص والكفاءات، وبرزت تبعث في القلوب بهجة وروعة، وترسل إلى
الأرواح متعا وغذاء، وتوصل النفوس من كشف الغيوب إلى عالم الشهادة والسعادة،
فحيا الله جدكم الذي لم يخر أمام مشاكل ملتوية، ومرحا لسعيكم المشكور الذي لم
يثنه شئ من مهمات الأمور، فأمد الله إلى قوتكم قوة، وأعانكم منه على عملكم
الدائب المستمر، وأخذ بناصركم إنه سميع مجيب، هذه تذكرة وذكرى، تذكرة
للعاملين وذكرى لمقامكم الرفيع وقوة جهادكم لمناصرة الدين.
فالحق على المؤمنين أن يفتخروا برجلهم الفذ، وواحدهم الذي غالب آحادا
ممن دوخوا التاريخ بالصيت وملؤا الكتب بالشهرة، والواجب عليهم أن يقرنوا الشكر
له بالدعاء في دوام البقاء، ويأخذوا بهدى آل البيت النبوي الطاهر من حامل علومهم
المناضل المجاهد العالم العامل، فهو ممن منحه الله ملكة الإيحاء إلى القلوب النقية
وأمكنه من إفهام الطبقات الراقية من أهل الثقافات العالية بما يزيل به عنهم درن صدورهم
ويزيح عنهم وساوس شكوكهم بالحقائق الراهنة والصراحة المحببة.
فيا أيها المولى الجليل! تحية المتفاني بالاخلاص إليكم، وسلام المغمور بفيض
فضلكم، وثناء المتربع على مائدة علمكم التي دعوتم إليها القريب والبعيد.
إني أجل مقامكم السامي عن المدح والثناء، لأني عي وحصور فلا أفي ببعض
الواجب، ولكني سايرت القلم الملهم من يراعكم لما رأيته يحنو لعظمتكم ويهمس من
هيبتكم، فليكن الرضا منكم شفيعا بالقبول، والصدر منكم رحيبا للتقصير أو القصور،
ولكم الفضل أولا ويعود إليكم آخرا كما كان بولائكم متصلا.
حسين الموسوي الهندي
" خرنابات " 28 محرم الحرام 1371
المقدمة 5

كتاب
أتانا من شيخنا العلم الأوحد حجة الاسلام مولانا الشيخ
حيدر قلي الشهير بسردار الكابلي قطين كرمانشاه صاحب التآليف
الضخمة الفخمة القيمة حياه الله وبقاه ذخرا للملأ العلمي، وشكرا.
له وألف شكر، وإليك نصه:
يتشرف بتقبيل أنامل العلم العلامة البحاثة الفهامة حجة
الاسلام والمسلمين عماد المؤمنين مولانا المبرء من كل شين الشيخ
عبد الحسين الأميني دامت بركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي وأسلم على سيد رسله وأشرف
أنبيائه، وعلى وصيه بالصدق وخليفته بالحق، الذي نصبه يوم الغدير علما لعباده ومنارا
في بلاده، وعلى بنيه الأئمة الهداة والأوصياء الولاة من بعده، لئلا يكون للناس على
الله حجة بعد الرسل وأوصيائهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة
صلى الله عليهم وسلم.
أما بعد: فقد أتاني رسول من عندك بغالية فيها حياة القلوب وشفاء النفوس، ألا
وهي كتاب " الغدير " فرأيته بحرا متلاطما تياره، متراكما زخاره، لولا أنه سفينة
مشحونة بجواهر الحقايق العوالي ولئالي الأسرار الغوالي، غير أنه شمس أشرقت
من أفق الغري فأضاءت الدنيا بنورها الأبهج، وأماطت غياهب الشبهات بضيائه الأبلج،
بيد أنه دائرة المعارف الإلهية وسفط من العلوم الربانية، لولا أنه روضة من رياض
القدس فيها ما تلذ به العين وتشتهيه النفس، فترى طيورها شادية علي أفنانها، وحمامها
مغردة على أغصانها بأنواع الألحان المطربة، فتجذب القلوب الصافية والنفوس الزاكية
المقدمة 6

المقنع، وبلاغته الواضحة، وحجته اللائحة، وديباجته المشرقة، وبراعته المعرقة، و
منطقه السديد، وبحثه المفيد، وتعبيره الرائق، وتجرده الصادق، وجهده الكبير،
وعناؤه الكثير!!.
فشكرا للعلامة " الأميني " وألف شكر. وثناء على جهده وجهاده وألف
ثناء.. ومرحى لآثاره العلمية النافعة، وجزاه الله عن الاسلام ونبيه وعترة نبيه
أحسن الجزاء.
وليأذن لي علامتنا " الأميني " أن أسجل لديه بهذه المناسبة شكرا خاصا لمن
شرفني بالتعرف على شخصية مؤلف " الغدير " الفذة، وإيمانه الراسخ، وعقيدته
الصافية، وأخلاقه السمحة، ومقاصده النبيلة، ونصرته للحق وأهله بروحه وماله، ولسانه
ويده، ونفسه ونفيسه، وعلمه وعمله، نسأل الله له التوفيق والتأييد والفلاح والنجاح.
وليعلم مولانا " الأميني " أني عامل على الاستقاء من آثاره لأنشرها، ومن
آدابه لأبثها، ومن معارفه لأذيعها في المدرسة تارة، وفي المجتمع طورا، ومن على
منبر الخطابة تارة أخرى. الخ.
المقدمة 7

كتاب بعد كتاب
أتيانا من الخطيب المفوه الأستاذ محمد نجيب زهر الدين العاملي مدرس العلوم
الدينية في الكلية العاملية ببيروت، بالغ بهما في الثناء على كتابنا " الغدير " ومما جاء
في كتابه الأول قوله: فإني من أشد المعجبين بفضلكم، المشيدين بآثاركم، ومآثركم،
وأبحاثكم الطريفة المفيدة، وفوائدكم التي ظهرت واضحة جلية، وبرزت ساطعة
قوية في كتابكم الجليل الخالد، ومؤلفكم العظيم النادر: " الغدير " السفر الذي
بز الأسفار، والذي كشفتم به النقاب عن وجه الحق المقنع، وجلوتم به الحقيقة
سافرة رقراقة، فحياكم الله وجزاكم عن صاحب يوم الغدير خير الجزاء على هذا المجهود
الجبار الذي سوف يبقى مدى الأجيال ذكرا مذكورا، وعملا مبرورا، وسعيا مشكورا.
إلى أن قال:
رأيت من الواجب علي أن أرد منهل مولانا العلامة " الأميني " هذا المنهل العذب،
وأروي ظمأ نفسي وعقلي من غديره الصافي، ثم أعود من هذا الورود وذلك الري
بمجموعة نفيسة وتحفة غالية من درر عالمنا " الأميني " ولئاليه فأنثرها على صهوات
المنابر ومواقف التدريس على عقول الجماهير وأفكار الناشئة حكما نافعة، وحججا
قاطعة، وشعلة وهاجة، وقبسا منيرا.
ومن فصول كتابه الثاني المؤرخ ب‍ 8 شوال سنة 1370 قوله:
و " الغدير " بعد سفر ضخم من أسفار الحقيقة والخلود، لأنه كتاب حق، و
صحيفة صدق، وديوان للعلم والحكمة والأدب والتاريخ، ومنهل عذب لرواد الحديث
ودرايته وفنونه، ومصدر لتتبع الحوادث الفذة واستقرائها، ومنبع فياض بالأدلة
الساطعة، والبراهين القاطعة الدالة على إمامة صاحب البيعة يوم الغدير سلام الله عليه،
والناطقة بفضله وفضل الأئمة من بنيه عليه وعليهم أطيب التحيات وأزكى الصلوات.
وما كان " الغدير " ليخرج للناس بهذه الحلة القشيبة والثوب النقي الفضفاض
لولا بيان " الأميني " الناصع، وعلمه الناجع، وأسلوبه الرائع، وأدبه الممتع، ودليله
المقدمة 8

إلى مقامات الصفاء ومنازل الأنس، غرستها يد الولاية الربانية العظمى والخلافة الإلهية
الكبرى، فيها زرافات من الأولياء وكبار الأمة، وثلة من العلماء الأبرار والفقهاء
الأخيار، وصنوف من العرفاء والحكماء، وصفوف من الأمراء والشعراء وعباقرة الأدب
واقفين على باب الحضرة العلوية على مشرفها الصلاة والسلام، والعلامة " الأميني "
ينزلهم في منازلهم المعلومة بأمر مولاه صلوات الله وسلامه عليه على حسب درجاتهم،
يتذاكرون الأحاديث النبوية على ضفة الغدير، وينشدون الأشعار الغديرية، فيطوف
عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين، يسقون من رحيق مختوم
ختامه مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، ثم يصلهم بمقامات الصلة ويخبرهم على،
حسب طبقاتهم وحسن طوياتهم وصفاء نياتهم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فهنيئا
لك أيها الأميني ولهم، وأذاقنا الله تعالى بفضله رشفة أو رشحة من ذلك الغدير العذب
إنه غفور رحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله.
مخلصكم في الوداد
حيدر قلي الكابلي عفي عنه
إنه لله وإنا إليه راجعون
فجعنا بفقد هذا العلم الشامخ، فقيد العلم والدين، صبيحة الثلاثاء رابع جمادى
الأولى سنة 1372 وفد إلى ربه الكريم بعد إقامة فريضة الصبح قدس الله سره، و
يوافيك تفصيل ترجمته في شعراء القرن الرابع عشر إنشاء الله تعالى.
المقدمة 9

كتاب ضاف
جاءنا من الأستاذ القدير سلمان عباس الدواح الزبيدي من ناحية
الكميت، يحتوي على معان فخمة يطري بها كتاب " الغدير " ويشكر
جهودنا في تأليفه، ويذكر موقف الملأ الديني تجاهه، ومن جمله
قوله:
فقد تصفحنا سفركم الغدير بأجزائه الثمانية فوجدناه سفرا جليلا ضم بين طياته
آيات الحق الواضحة والبراهين الساطعة التي أن دلت فإنما تدل على مدى حبكم
لآل البيت وتفانيكم في سبيل إظهار الحق ومحق الباطل.
سيدي؟ لقد أظهرتم ولست بمبالغ للملأ الاسلامي خاصة سفرا عجز عن
مثله السابقون وقد يعجز عنه اللاحقون، فما سعيكم طيلة حقب كثيرة مضت وما اجتيازكم
عقبات جمة صادفتموها أثناء التنقيب والتفتيش عن البراهين والحجج القوية التي تثبت
بدورها غايتكم التي تريدون إثباتها وإظهارها للملأ ما هو إلا أن تظهروا ذلك السفر
بمظهره اللائق به، وحقا فقد جاء كما أنشدكم.
" الغدير " يا سيدي هو ذلك الكتاب الزاخر باللئالئ الوضاءة التي تكشف
عن الحقائق المطمورة، وظهور تلك الحقايق بدوره يذهب كل باطل ظاهر، فكم ضال
اهتدى بنور ذلك السفر الجليل وآب إليه عقله، وكم من متحمس إلى إظهار لواء الحق
إلا وقد رفع رأسه عاليا بفضل هذا الكتاب الجليل. إلخ.
ناحية الكميت
سلمان عباس الدواح الزبيدي
10 رمضان 1370 ه‍
15 حزيران 1951 م
وهناك عدة كتب في تقريظ " الغدير " أتتنا من بعض الأعلام والأساتذة الأفذاذ
أرجأنا نشرها إلى آونة أخرى، نقدم للجميع شكرنا الجزيل المتواصل.
المقدمة 10

الجزء التاسع
يتضمن تراجم جمع من أعاظم
الصحابة رجال الدعوة الصالحة. والبحث
عما لفقته يد الافتعال من التاريخ المزور. وما
ألفته سماسرة الجهل والدجل من الكتب. والإعراب
عن صحيح ما في قصة قتيل الصحابة " عثمان "
وإخفاق ما هنالك من جلبة ولغط، أو مكاء
وتصدية. والله ولي التوفيق
1

بسم الله الرحمن الرحيم
سبحانك! ما كان لنا أن نتخذ من دونك من أولياء، فالحق والحق
أقول، حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق، من الناس من يجادل في
الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، ولدينا كتاب ينطق بالحق، كتاب
مصدق لسانا عربيا، إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم، وقل:
جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، ولقد وصلنا لهم القول
لعلهم يتذكرون، وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به،
فتخبت له قلوبهم، إنما قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم
بينهم أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
يا قوم! لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله، لا أسألكم عليه أجرا
إلا المودة في القربى، وما علينا إلا البلاغ المبين، إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون،
فالحمد لله وسلام على المرسلين.
الأميني
2

يتبع الجزء الثامن
- 41 -
الخليفة يخرج ابن مسعود من المسجد عنفا
أخرج البلاذري في الأنساب 5: 36 قال: حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن
أبي مخنف وعوانة في إسنادهما: إن عبد الله بن مسعود حين ألقى مفاتيح بيت المال إلى
الوليد بن عقبة قال: من غير غير الله ما به. ومن بدل أسخط الله عليه، وما أرى صاحبكم
إلا وقد غير وبدل، أيعزل مثل سعد بن أبي وقاص ويولى الوليد؟ وكان يتكلم بكلام
لا يدعه وهو:
إن أصدق القول كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (1)
فكتب الوليد إلى عثمان بذلك وقال: إن يعيبك ويطعن عليك، فكتب إليه عثمان
يأمره بإشخاصه فاجتمع الناس فقالوا: أقم ونحن نمنعك أن يصل إليك شئ تكرهه،
فقال: إن له علي حق الطاعة ولا أحب أن أكون أول من فتح باب الفتن. وفي لفظ
أبي عمر: إنها ستكون أمور وفتن لا أحب أن أكون أول من فتحها. فرد الناس وخرج
إليه (2).
قال البلاذري: وشيعه أهل الكوفة فأوصاهم بتقوى الله ولزوم القرآن فقالوا له:
جزيت خيرا فلقد علمت جاهلنا، وثبت عالمنا، وأقرأتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، فنعم
أخو الاسلام أنت ونعم الخليل، ثم ودعوه وانصرفوا، وقدم ابن مسعود المدينة وعثمان
يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: ألا إنه قد قدمت عليكم دويبة سوء
من يمشي على طعامه يقئ ويسلح، فقال ابن مسعود: لست كذلك ولكني صاحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ويوم بيعة الرضوان. ونادت عائشة: أي عثمان! أتقول هذا لصاحب

(1) هذه جملة من كلمة ابن مسعود وقد أخرجها برمتها أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 138 وهي
كلمة قيمة فيها فوائد جمة.
(2) الاستيعاب 1: 373.
3

رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم أمر عثمان به فأخرج من المسجد إخراجا عنيفا، وضرب به عبد الله
ابن زمعة الأرض، ويقال: بل احتمله " يحموم " غلام عثمان ورجلاه تختلفان على عنقه
حتى ضرب به الأرض فدق ضلعه، فقال علي: يا عثمان! أتفعل هذا بصاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم بقول الوليد بن عقبة؟ فقال: ما بقول الوليد فعلت هذا ولكن وجهت زبيد بن
الصلت الكندي إلى الكوفة فقال له ابن مسعود: إن دم عثمان حلال، فقال علي: أحلت
عن زبيد على غير ثقة.
وفي لفظ الواقدي: إن ابن مسعود لما استقدم المدينة دخلها ليلة جمعة فلما علم
عثمان بدخوله قال: يا أيها الناس إنه قد طرقكم الليلة دويبة، من يمشي على طعامه
يقئ ويسلح، فقال ابن مسعود: لست كذلك ولكنني صاحب رسول الله يوم بدر، و
صاحبه يوم بيعة الرضوان، وصاحبه يوم الخندق، وصاحبه يوم حنين. قال: وصاحت
عائشة: يا عثمان! أتقول هذا لصاحب رسول الله؟ فقال عثمان: اسكتي. ثم قال لعبد الله
ابن زمعة: أخرجه إخراجا عنيفا، فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتى جاء به باب المسجد
فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه، فقال ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر
بأمر عثمان.
قال البلاذري: وقام علي بأمر ابن مسعود حتى أتى به منزله، فأقام ابن مسعود
بالمدينة لا يأذن له عثمان في الخروج منها إلى ناحية من النواحي، وأراد حين برئ الغزو
فمنعه من ذلك وقال له مروان: إن ابن مسعود أفسد عليك العراق، أفتريد أن يفسد
عليك الشام؟ فلم يبرح المدينة حتى توفي قبل مقتل عثمان بسنتين، وكان مقيما بالمدينة
ثلاث سنين.
وقال قوم: إنه كان نازلا على سعد بن أبي وقاص، ولما مرض ابن مسعود مرضه
الذي مات فيه أتاه عثمان عائدا فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال:
رحمة ربي. قال: ألا أدعو لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضني. قال: أفلا آمر لك
بعطائك؟ (1) قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا مستغن عنه؟ قال: يكون
لولدك، قال: رزقهم على الله. قال: استغفر لي يا أبا عبد الرحمن، قال: أسأل الله أن

(1) قال ابن كثير في تاريخه 7: 163: كان قد تركه سنتين.
4

يأخذ لي منك بحقي، وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان فدفن بالبقيع وعثمان لا يعلم فلما
علم غضب، وقال: سبقتموني به؟ فقال له عمار بن ياسر: إنه أوصى أن لا تصلي عليه.
فقال ابن الزبير (1):
لأعرفنك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي
وفي لفظ ابن كثير في تاريخه 7: 163: جاءه عثمان في مرضه عائدا فقال له:
ما تشتكي؟ قال ذنوبي. قال فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي. قال: لا آمر لك بطبيب؟
قال: الطبيب أمرضني. قال: ألا آمر لك بعطائك؟ - وكان قد تركه سنتين - فقال:
لا حاجة لي. فقال: يكون لبناتك من بعدك، فقال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرت
بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ
الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا.
وقال البلاذري: كان الزبير وصي ابن مسعود في ماله وولده، وهو كلم عثمان في
عطائه بعد وفاته حتى أخرجه لولده، وأوصى ابن مسعود أن يصلي عليه عمار بن ياسر،
وقوم يزعمون أن عمارا كان وصيه ووصية الزبير أثبت.
وأخرج البلاذري من طريق أبي موسى القروي بإسناده: إنه دخل عثمان على
ابن مسعود في مرضه فاستغفر كل واحد منهما لصاحبه، فلما انصرف عثمان قال بعض
من حضر: إن دمه لحلال. فقال ابن مسعود: ما يسرني أنني سددت إليه سهما يخطئه
وأن لي مثل أحد ذهبا.
وقال الحاكم وأبو عمرو ابن كثير: أوصى ابن مسعود إلى الزبير بن العوام فيقال:
إنه هو الذي صلى عليه ودفنه بالبقيع ليلا بإيصائه بذلك إليه ولم يعلم عثمان بدفنه،
ثم عاتب عثمان الزبير على ذلك، وقيل: بل صلى عليه عثمان، وقيل: عمار (2).
وفي رواية توجد في شرح ابن أبي الحديد 1: 236: لما حضره الموت قال:
من يتقبل مني وصية أوصيه بها على ما فيها؟ فسكت القوم وعرفوا الذي يريد فأعادها
فقال عمار: أنا أقبلها، فقال ابن مسعود: أن لا يصلي علي عثمان. قال: ذلك لك، فيقال:

(1) كذا والصحيح كما في شرح ابن أبي الحديد 1: 236: فتمثل الزبير.
(2) المستدرك 3: 313، الاستيعاب 1: 373، تاريخ ابن كثير 7: 163.
5

إنه لما دفن جاء عثمان منكرا لذلك فقال له قائل: إن عمارا ولي الأمر. فقال لعمار:
ما حملك على أن لم تؤذني؟ فقال: عهد إلي أن لا أوذنك. إلخ. وذكر كل ما رويناه
عن البلاذري مع زيادة، فراجع.
وفي لفظ اليعقوبي: إعتل ابن مسعود فأتاه عثمان يعوده فقال له: ما كلام بلغني
عنك؟ قال: ذكرت الذي فعلته بي إنك أمرت بي فوطئ جوفي فلم أعقل صلاة الظهر
ولا العصر ومنعتني عطائي. قال: فإني أقيدك من نفسي فافعل بي مثل الذي فعل بك.
قال: ما كنت بالذي أفتح القصاص على الخلفاء. قال: فهذا عطاؤك فخذه، قال: منعتنيه
وأنا محتاج إليه. وتعطينيه وأنا غني عنه، لا حاجة لي به. فانصرف فأقام ابن مسعود مغاضبا
لعثمان حتى توفي. تاريخ اليعقوبي 2: 147.
وأخرج محمد بن إسحاق بن محمد بن كعب القرظي: إن عثمان ضرب ابن مسعود
أربعين سوطا في دفنه أبا ذر. شرح ابن أبي الحديد 1: 237.
وفي تاريخ الخميس 2: 268: حبس (عثمان) عبد الله بن مسعود وأبي ذر
عطاءهما وأخرج أبا ذر إلى الربذة وكان بها إلى أن مات. وأوصى (عبد الله) إلى الزبير
وأوصاه أن يصلي عليه ولا يستأذن عثمان لئلا يصلي عليه، فلما دفن وصل عثمان ورثته
بعطاء أبيهم خمس سنين. وأجاب بأن عثمان كان مجتهدا ولم يكن من قصده حرمانه،
إما التأخير إلى غاية أدبا، إما مع حصول تلك الغاية أو دونها وصل به ورثته ولعله كان
أنفع له.
وفي السيرة الحلبية 2: 87 من جملة ما انتقم به على عثمان: إنه حبس عبد الله
ابن مسعود وهجره، وحبس عطاء أبي بن كعب، وأشخص عبادة بن الصامت من الشام
لما شكاه معاوية، وضرب عمار بن ياسر وكعب بن عبدة ضربه عشرين سوطا ونفاه إلى
بعض الجبال، وقال لعبد الرحمن بن عوف: إنك منافق. الخ.
قال الأميني؟ لعلك لا تستكنه هذه الجرأة ولا تبلغ مداها حتى تعلم أن ابن
مسعود من هو، فهنالك تؤمن بأن ما فعل به حوب كبير لا يبرر من ارتكب به أي
عذر معقول فضلا عن التافهات.
1 - أخرج مسلم وابن ماجة من طريق سعد بن أبي وقاص قال نزل قوله تعالى:
6

ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من
شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين " الأنعام 52 " في
ستة نفر منهم عبد الله بن مسعود.
راجع تفسير الطبري 7: 128، المستدرك للحاكم 3: 319، تاريخ ابن عساكر
6: 100، تفسير القرطبي 16: 432، 433، تفسير ابن كثير 2: 135، تفسير ابن
جزي 2: 10، تفسير الدر المنثور 3: 13، تفسير الخازن 2: 18، تفسير الشربيني
1: 404، تفسير الشوكاني 2: 115.
2 - أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى 3: 108 ط ليدن من طريق عبد الله بن
مسعود نزول قوله تعالى: الذين استجابوا الله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين
أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم " آل ب‍ عمران 172 " في ثمانية عشر رجلا هو أحدهم.
وذكر ابن كثير والخازن في تفسيرهما: إن ابن مسعود ممن نزلت فيهم الآية
3 - ذكر الشربيني والخازن نزول قوله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل
ساجدا وقائما يحذر الآخرة. في ابن مسعود وعمار وسلمان. يأتي تفصيله بعيد هذا
في ترجمة عمار.
4 - عن علي عليه السلام مرفوعا: عبد الله يوم القيامة في الميزان أثقل من أحد.
وفي لفظ: والذي نفسي بيده لهما (يعني ساقي ابن مسعود) أثقل في الميزان
من أحد.
وفي لفظ: والذي نفسي بيده لساقا عبد الله يوم القيامة أشد وأعظم من أحد وحراء.
راجع مستدرك الحاكم 3: 317، حلية الأولياء 1: 127، الاستيعاب 1: 371،
صفة الصفوة 1: 157، تاريخ ابن كثير 7: 163، الإصابة 2: 370، مجمع الزوائد
للهيثمي 9: 289، وقال: أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجالهم رجال الصحيح
غير أم موسى وهي ثقة، ورواه من طريق البزار والطبراني فقال: رجالهما رجال
الصحيح. كنز العمال 6: 180، 181، ج 7: 55 نقلا عن الطبراني والضياء وابن
خزيمة وصححه.
5 - عن علقمة وعمر في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سره أن يقرأ القرآن
7

غضا. أو: رطبا، كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد.
أخرجه أبو عبيد في فضائله. أحمد. الترمذي. النسائي. البخاري في تاريخه.
ابن أبي خزيمة. ابن أبي داود. ابن الأنباري. عبد الرزاق. ابن حبان. الدارقطني
ابن عساكر. أبو نعيم. الضياء المقدسي. البزار. الطبراني. أبو يعلى. وغيرهم.
راجع سنن ابن ماجة 1: 63، حلية الأولياء 1: 124، مستدرك الحاكم 3:
318، الاستيعاب 1: 371، صفة الصفوة 1: 156، طرح التثريب 1: 85، الإصابة 2:
369، مجمع الزوائد 9: 287، كنز العمال 6: 181.
6 - عن أبي الدرداء مرفوعا في حديث: رضيت لأمتي ما رضي الله لها وابن أم
عبد، وسخطت لأمتي ما سخط الله لها وابن أم عبد.
أخرجه البزار والطبراني ورجال البزار ثقات كما قاله الهيثمي في مجمع الزوائد
9: 290، ورواه الحاكم في المستدرك 3: 317، 318 وأبو عمر في الاستيعاب 1: 371
ويوجد في كنز العمال 6: 181 و ج 7: 56.
7 - عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: آذنك على أن ترفع
الحجاب وتسمع سوادي (1) حتى أنهاك. قال ابن حجر: أخرجه أصحاب الصحاح.
مسند أحمد 1: 388، سنن ابن ماجة 1: 63، حلية الأولياء 1: 126،
الاستيعاب 1: 371، تاريخ ابن كثير 7: 162، الإصابة 2: 369.
8 - أخرج الترمذي من طريق عبد الله في حديث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تمسكوا بعهد ابن أم عبد.
وفي لفظ أحمد: تمسكوا بعهد عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه.
راجع مسند أحمد 5: 385، حلية الأولياء 1: 128، تاريخ ابن كثير 2: 162،
الإصابة 2: 369، كنز العمال 7: 55.
9 - سئل علي (أمير المؤمنين) عن ابن مسعود قال: علم القرآن وعلم السنة
ثم انتهى وكفى به علما.

(1) كذا في جميع المصادر والسواد بالكسر: السرار. يقال: ساودت الرجل أي ساورته.
وحسبه ناشر حلية الأولياء غلطا فجعله في المتن " سرارى " وقال في التعليق: في الأصلين: سوادي.
8

راجع حلية الأولياء لأبي نعيم 1: 129، المستدرك للحاكم 3: 318، الاستيعاب
1: 373، صفة الصفوة 1: 157.
10 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 315 من طريق حبة العرني قال: إن
ناسا أتوا عليا فأثنوا على عبد الله بن مسعود فقال: أقول فيه مثل ما قالوا وأفضل: من قرأ
القرآن وأحل حلاله، وحرم حرامه، فقيه في الدين، عالم بالسنة.
11 - أخرج الترمذي بإسناد رجاله ثقات من طريق حذيفة بن اليمان: إن أشبه
الناس هديا ودلا وسمتا بمحمد صلى الله عليه وسلم عبد الله.
وفي لفظ البخاري: ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا ودلا برسول الله صلى الله عليه وسلم من
ابن أم عبد، وزاد الترمذي: ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابن أم
عبد أقربهم إلى الله زلفى. وفي لفظ أبي نعيم: إنه من أقربهم وسيلة يوم القيمة. وفي
لفظ أبي عمر: سمع حذيفة يحلف بالله ما أعلم أحدا أشبه دلا وهديا برسول الله من حين
يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه من عبد الله بن مسعود، ولقد علم المحفوظون من
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه من أقربهم وسيلة إلى الله يوم القيامة.
وفي لفظ علقمة: كان يشبه بالنبي في هديه ودله وسمته.
راجع صحيح البخاري كتاب المناقب. مسند أحمد 5: 389، المستدرك 3:
315، 320 حلية الأولياء 1: 126، 127، الاستيعاب 1: 372، مصابيح السنة 2:
283، صفة الصفوة 1: 156، 158، تاريخ ابن كثير 2: 162، تيسير الوصول 3: 297
الإصابة 2: 369، كنز العمال 7: 55.
12 - أخرج الشيخان والترمذي عن أبي موسى قال: قدمت أنا وأخي من اليمن
وما نرى ابن مسعود إلا أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لما نرى من دخوله و
دخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم.
راجع المستدرك للحاكم 3: 314، مصابيح السنة: 2: 284، تيسير الوصول 3:
279 نقلا عن الشيخين والترمذي، تاريخ ابن كثير 7: 162، مرآة الجنان لليافعي
1: 87، الإصابة 8: 369 قال: عند البخاري في التاريخ بسند صحيح.
13 - أخرج أحمد في مسنده 4: 203 من طريق عمرو بن العاصي قال: مات
9

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحب عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 290 بلفظ: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
راض عنه. حكاه عن أحمد والطبراني فقال. رجال أحمد رجال الصحيح، وأخرجه ابن
عساكر من طريق عثمان بن أبي العاص الثقفي كما في كنز العمال: 7: 56.
14 - أخرج البخاري من طريق عبد الله بن مسعود قال: أخذت من في رسول
الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان. وفي لفظ: أحكمتها قبل
أن يسلم زيد بن ثابت وله ذؤابة يلعب مع الغلمان. وفي لفظ: ما ينازعني فيها أحد.
حلية الأولياء 1: 125، والاستيعاب 1: 373، تهذيب التهذيب 6: 28 وصححه
كنز العمال 7: 56 نقلا عن ابن أبي داود
15 - أخرج البغوي من طريق تميم بن حرام (1) قال: جالست أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت أحدا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أحب إلي أن أكون
في صلاحه من ابن مسعود، الإصابة لابن حجر 2: 370.
وأخرجه البخاري في تاريخه 1 قسم 2 ص 152 ولفظه: أدركت أبي بكر وعمر
وأصحاب محمد عليهم السلام فما رأيت أحدا. الخ.
16 - عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كان عبد الله صاحب سواد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعني سره.
وعن أبي الدرداء: ألم يكن فيكم صاحب السواد عبد الله؟.
وعن عبد الله بن شداد: إن عبد الله كان صاحب السواد والوساد والسواك
والنعلين (2)
راجع طبقات ابن سعد 3: 108، حلية الأولياء 1: 126، الاستيعاب 1: 371،
صفة الصفوة 1: 156، طرح التثريب 1: 75.
17 - عن أبي وائل قال ابن مسعود: إني لأعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم و

(1) في تاريخ البخاري: حذلم.
(2) كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وآله ويحمل نعليه. قاله ابن حجر في تهذيب التهذيب
6: 28.
10

ما في كتاب الله سورة ولا آية إلا وأنا أعلم فيم أنزلت ومتى نزلت. قال أبو وائل: فما
سمعت أحدا أنكر ذلك عليه.
أخرجه الشيخان والنسائي كما في تيسير الوصول 3: 279، وأبو عمر في الاستيعاب
1: 372، وذكره اليافعي في مرآته 1: 87.
هذا ابن مسعود
وهذا علمه وهديه وسمته وصلاحه وزلفته إلى نبي العظمة صلى الله عليه وآله، أضف إلى ذلك
كله سابقته في الاسلام وهو سادس ستة، وهجرته إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهوده
بدرا ومشاهد النبي صلى الله عليه وآله كلها، وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة كما في رواية أبي عمر
في الاستيعاب، ولعلك لا تشك بعد سيرك الحثيث في غضون السيرة والتاريخ في أنه
لم يكن له دؤب إلا على نشر علم القرآن وسنة الرسول وتعليم الجاهل، وتنبيه الغافل،
وتثبيت القلوب، وشد أزر الدين، في كل ذلك هو شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هديه و
سمته ودله، فلا تجد فيه مغمزا لغامز، ولا محلا للمز لامز، وقد بعثه عمر إلى الكوفة
ليعلمهم أمور دينهم، وبعث عمارا أميرا وكتب إليهم: إنهما من النجباء من أصحاب محمد
من أهل بدر، فاقتدوا بهما واسمعوا من قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على
نفسي (1) وقد سمعت ثناء أهل الكوفة عليه بقولهم: جزيت خيرا، فلقد علمت جاهلنا
وثبت عالمنا، وأقرأتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، فنعم أخو الاسلام أنت ونعم الخليل.
كان ابن مسعود أول من جهر بالقرآن بمكة، اجتمع يوما أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟
فقال عبد الله بن مسعود: أنا. قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة
يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإن الله سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود
حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام ثم قرأ: بسم الله
الرحمن الرحيم. رافعا بها صوته. الرحمن علم القرآن. قال: ثم استقبلها يقرؤها. قال:
وتأملوه، فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟ قال: ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء
به محمد صلى الله عليه وسلم فقاموا إليه، فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء

(1) الاستيعاب 1: 373، ج 2 436، الإصابة 2: 369.
11

الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا
عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن. ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا،
قالوا: لا، حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون (1).
وقد هذبته تلكم الأحوال وكهربته، فلم يسق لمغضبة على باطل، ولم يحده
طيش إلى غاية، فهو إن قال فعن هدى، وإن حدث فعن الصادع الكريم صدقا، وإن
جال ففي مستوى الحق، وإن صال فعلى الضلالة، وعرفه بذلك من عرفه من أول يومه،
وكان معظما مبجلا لدى الصحابة وكانوا يحذرون خلافه والرد عليه ويعدونه حوبا
قال أبو وائل: إن ابن مسعود رأى رجلا قد أسبل إزاره فقال: ارفع إزارك. فقال: و
أنت يا ابن مسعود! فارفع إزارك. فقال: إني لست مثلك إن بساقي حموشة وأنا آدم الناس
فبلغ ذلك عمر فضرب الرجل ويقول: أترد على ابن مسعود؟ (2).
وأخرج أبو عمر بن الاستيعاب 1: 372 بالإسناد عن علقمة قال: جاء رجل إلى
عمر وهو بعرفات فقال: جئتك من الكوفة وتركت بها رجلا يحكي المصحف عن ظهر
قلبه فغضب عمر غضبا شديدا وقال: ويحك ومن هو؟ قال عبد الله بن مسعود. قال: فذهب
عنه ذلك الغضب وسكن وعاد إلى حاله وقال: والله ما أعلم من الناس أحدا هو أحق
بذلك منه.
فلماذا يحرم هذا البدري العظيم عطاؤه سنين؟ ثم يأتيه من سامه سوء العذاب
وقد خالجه الندم ولات حين مندم متظاهرا بالصلة فلا يقبلها ابن مسعود وهو في منصرم
عمره، ويسأل ربه أن يأخذ له منه بحقه، ثم يتوجه إلى النعيم الخالد معرضا عن
الحطام الزائل، موصيا بأن لا يصلي عليه من نال منه ذلك النيل الفجيع.
لماذا فعل به هذا؟ ولماذا شتم على رؤس الاشهاد؟ ولماذا أخرج من مسجد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهانا عنفا، ولماذا ضرب به الأرض فدقت أضالعه؟ ولما بطشوا به
بطش الجبارين؟.
كل ذلك لأنه امتنع عن أن يبيح للوليد بن عقبة الخالع الماجن من بيت مال

(1) سيرة ابن هشام 1: 337.
(1) الإصابة 2: 370، كنز العمال: 55.
12

الكوفة يوم كان عليه ما أمر به، فألق مفاتيح بيت المال لما لم يجد من الكتاب والسنة
وهو العليم بهما مساغا لهاتيك الإباحة ولا لأثرة الآمر بها، وعلم أنها سوف تتبعها
من الأعطيات التي لا يقرها كتاب ولا سنة، فتسلل عن عمله وتنصل، وما راقه أن يبوء
بذلك الإثم، فلهج بما علم، وأبدى معاذيره في إلقاء المفاتيح، فغاض تلكم الأحوال
داعية الشهوات، وشاخص الهوى الوليد بن عقبة، فكتب في حقه ونم وسعي، فكان
من ولائد ذلك أن ارتكب من ابن مسعود ما عرفت، ولم تمنع عن ذلك سوابقه في الاسلام
وفضائله وفواضله وعلمه وهديه وورعه ومعاذيره وحججه، فضلا على أن يشكر على
ذلك كله، فأوجب نقمة الصحابة على من نال ذلك منه، وإنكار مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
وصيحة أم المؤمنين في خدرها، ولم تزل البغضاء محتدمة على هذه وأمثالها حتى كان
في مغبة الأمر ما لم يحمده خليفة الوقت وزبانيته الذين جروا إليه الويلات.
ولو ضرب المسيطر على الأمر صفحا عن الفظاظة في الانتقام، أو أعار لنصح
صلحاء الأمة أذنا واعية، أولم يستبدل بجراثيم الفتن عن محنكي الرجال، أولم ينبذ
كتاب الله وسنة نبيه وراء ظهره، لما استقبله ما جرى عليه وعلى من اكتنفه من الوأد
والهوان لكنه لم يفعل ففعلوا، ولمحكمة العدل الإلهي غدا حكمها البات.
ولابن مسعود عند القوم مظلمة أخرى وهي جلده أربعين سوطا في موقف آخر،
لماذا كان ذلك؟ لأنه دفن أبا ذر لما حضر موته في حجته. وجد بالربذة في ذلك
الوادي القفر الوعر ميتا كان في الغارب والسنام من العلم والإيمان.
وجد صحابيا عظيما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقربه ويدنيه قد فارق الدنيا.
وجد عالما من علماء المسلمين قد غادرته الحياة.
وجد مثالا للقداسة والتقوى، فتمثل أمام عينيه تلك الصورة المكبرة التي كان
يشاهدها على العهد النبوي.
وجد شبيه عيسى بن مريم في الأمة المرحومة هديا وسمتا ونسكا وزهدا
وخلقا، طرده خليفة الوقت عن عاصمة الاسلام.
وجد عزيزا من أعزاء الصحابة على الله ورسوله وعلى المؤمنين قد أودى على
مستوى الهوان في قاعة المنفى مظلوما مضطهدا.
13

وجد في قارعة الطريق جثمان طيب طاهر غريب وحيد نازح عن الأوطان تصهره
الشمس، وتسفي عليه الرياح، وذكر قول رسول الله: رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت
وحده، ويحشر وحده.
فلم يدع العلم والدين ابن مسعود ومن معه من المؤمنين أن يمروا على ذلك
المنظر الفجيع دون أن يمتثلوا حكم الشريعة بتعجيل دفن جثمان كل مسلم فضلا عن
أبي ذر الذي بشر بدفنه صلحاء المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنهضوا بالواجب فأودعوه
في مقره الأخير والعيون عبرى، والقلوب واجدة على ما ارتكب من هذا الانسان
المبجل، فلما هبطوا يثرب نقم على ابن مسعود من نقم على أبي ذر، فحسب ذلك
الواجب الذي ناء به ابن مسعود حوبا كبيرا، حتى صدر الأمر بجلده أربعين سوطا،
وذلك أمر لا يفعل بمن دفن زنديقا لطم جيفته فضلا عن مسلم لم يبلغ مبلغ أبي ذر
من العظمة والعلم والتقوى والزلفة، فكيف بمثل أبي ذر وعاء العلم، وموئل التقوى،
ومنبثق الإيمان، وللعداء مفعول قد يبلغ أكثر من هذا.
أي خليفة هذا لم يراع حرمة ولا كرامة لصلحاء الأمة وعظماء الصحابة من
البدريين الذين نزل فيهم القرآن، وأثنى عليهم النبي العظيم؟ وقد جاء في مجرم بدري
قوله صلى الله عليه وآله وسلم لما قال عمر: إئذن لي يا رسول الله فأضرب عنقه: مهلا يا ابن الخطاب
إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم
فإني غافر لكم (1) واختلق القوم حديثا لإدخال عثمان في زمرتهم لفضلهم المتسالم عليه
عند الأمة جمعاء، كأن الرجل آلى على نفسه أن يطل على الأمة الداعية إلى الخير،
الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، بالذل والهوان، ويسر بذلك سماسرة الأهواء
من بني أبيه، فطفق بمراده، والله من ورائهم حسيب.
والمدافع إن أعوزته المعاذير تشبث بالطحلب فقال: (2) حداه إلى ذلك الاجتهاد.
ذلك العذر العام المصحح للأباطيل، والمبرر للشنايع، والوسيلة المتخذة لإغراء

(1) أحكام القرآن 3: 535.
(2) راجع التمهيد للباقلاني ص 221، الرياض النضرة 26 145، الصواعق ص 68، تاريخ
الخميس 2: 268.
14

بسطاء الأمة، وذلك قولهم بأفواهم، وإن ربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون،
وإن الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
42 - مواقف الخليفة مع عمار
1 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 48 بالإسناد من طريق أبي مخنف قال:
كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلي به بعض
أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه فخطب
فقال: لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام: فقال له علي: إذا تمنع
من ذلك ويحال بينك وبينه. وقال عمار بن ياسر: أشهد الله إن أنفي أول راغم من
ذلك. فقال عثمان: أعلي يا ابن المتكاء (1) تجترئ؟ خذوه، فأخذ ودخل عثمان ودعا
به فضربه حتى غشي عليه ثم أخرج فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة زوج رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل الظهر والعصر والمغرب فلما أفاق توضأ وصلى وقال: الحمد لله ليس
هذا أول يوم أوذينا فيه في الله، وقام هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان عمار حليفا
لبني مخزوم فقال: يا عثمان أما علي فاتقيته وبني أبيه، وأما نحن فاجترأت علينا وضربت
أخانا حتى أشفيت به على التلف، أما والله لئن مات لأقتلن به رجلا من بني أمية عظيم
السرة، فقال عثمان: وإنك لهاهنا يا ابن القسرية؟ قال: فإنهما قسريتان وكانت أمه
وجدته قسريتين من بجيلة، فشتمه عثمان وأمر به فأخرج، فأتى أم سلمة فإذا هي قد
غضبت لعمار، وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت وأخرجت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه
ونعله لم يبل بعد. فغضب عثمان غضبا شديدا حتى ما درى ما يقول فالتج المسجد وقال
الناس: سبحان الله، سبحان الله. وكان عمرو بن العاص واجدا على عثمان لعزله إياه
عن مصر وتوليته إياها عبد الله بن سعد بن أبي سرح فجعل يكثر التعجب والتسبيح.
وبلغ عثمان مصير هشام بن الوليد ومن مشى معه من بني مخزوم إلى أم سلمة
وغضبها لعمار فأرسل إليها: ما هذا الجمع؟ فأرسلت إليه دع ذا عنك يا عثمان! ولا

(1) المتكاء: البظراء. المفضاة. التي لا تمسك البول. العظيمة البطن.
15

تحمل الناس في أمرك على ما يكرهون. واستقبح الناس فعله بعمار وشاع فيهم فاشتد
إنكارهم له.
وفي لفظ الزهري كما في أنساب البلاذري ص 88: كان في الخزائن سفط فيه
حلي وأخذ منه عثمان فحلى به بعض أهله فأظهروا عند ذلك الطعن عليه وبلغه ذلك فخطب
فقال: هذا مال الله أعطيه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم فقال عمار:
أنا والله أول من رغم أنفه من ذلك. فقال عثمان: لقد اجترأت علي يا ابن سمية؟! و
ضربه حتى غشي عليه فقال عمار: ما هذا بأول ما أوذيت في الله. وأطلعت عائشة شعرا
من رسول صلى الله عليه وسلم ونعله وثيابا من ثيابه - فيما يحسب وهب - ثم قالت: ما أسرع ما
تركتم سنة نبيكم. وقال عمرو بن العاص: هذا منبر نبيكم وهذه ثيابه وهذا شعره لم
يبل فيكم وقد بدلتم وغيرتم. فغضب عثمان حتى لم يدر ما يقول.
2 - قال البلاذري في الأنساب 5: 49 إن المقداد بن عمرو وعمار بن ياسر وطلحة
والزبير في عدة من أصحاب رسول الله صلى ا لله عليه وسلم كتبوا كتابا عددوا فيه أحداث عثمان و
خوفوه ربه وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع فأخذ عمار الكتاب وأتاه به فقرأ صدرا
منه فقال له عثمان: أعلي تقدم من بينهم؟ فقال عمار: لأني أنصحهم لك. فقال: كذبت
يا ابن سمية! فقال: أنا والله ابن سمية وابن ياسر. فأمر غلمانه فمدوا بيديه ورجليه
ثم ضربه عثمان برجليه وهي في الخفين على مذاكيره فأصابه الفتق، وكان ضعيفا كبيرا
فغشي عليه.
وذكره ابن أبي الحديد في الشرح 1: 239 نقلا عن الشريف المرتضى من دون
غمز فيه.
وقال أبو عمر في الاستيعاب 2: 422: وللحلف والولاء الذين بين بني مخزوم وبين
عمار وأبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا
من الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه ورغموا وكسروا ضلعا من أضلاعه، فاجتمعت بنو
مخزوم وقالوا: والله لئن مات لقتلنا به أحدا غير عثمان.
صورة مفصلة
قال ابن قتيبة: ذكروا إنه اجتمع ناس من أصحاب رسول الله عليه السلام كتبوا كتابا
16

ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة صاحبيه.
2 - وما كان من هبته خمس أفريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله، ومنهم
ذوو القربى واليتامى والمساكين.
3 - وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدوا سبع دور بناها بالمدينة دارا لنائلة
ودارا لعائشة وغيرهما من أهله وبناته.
4 - وبنيان مروان القصور بذي خشب وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب
لله ولرسوله.
5 - وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمه من بني أمية من
أحداث وغلمة لا صحبة لهم من الرسول ولا تجربة لهم بالأمور.
6 - وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلى بهم الصبح وهو أمير عليها
سكران أربعة ركعات ثم قال لهم: إن شئتم أن أزيدكم ركعة زدتكم.
7 - وتعطيله إقامة الحد عليه وتأخيره ذلك عنه.
8 - وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شئ ولا يستشيرهم واستغنى
برأيه عن رأيهم.
9 - وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة.
10 - وما كان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة ليست
لهم صحبة من النبي عليه السلام ثم لا يغزون ولا يذبون.
11 - وما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط، وإنه أول من ضرب بالسياط
ظهور الناس، وإنما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرة والخيزران.
ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان وكان ممن حضر الكتاب عمار بن
ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة، فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان والكتاب
في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده فمضى حتى جاء دار عثمان فاستأذن
عليه فأذن له في يوم شات فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية
فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم. قال: ومن كان
معك؟ قال: معي نفر تفرقوا فرقا منك. قال: ومن هم؟ قال: أخبرك بهم. قال: فلم
17

اجترأت علي من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين! إن هذا العبد الأسود (يعني
عمارا) قد جرأ عليك الناس وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه. قال عثمان:
اضربوه. فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه فجروه حتى طرحوه
على باب الدار، فأمرت به أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل منزلها وغضب فيه
بنو المغيرة وكان حليفهم، فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد
بن المغيرة فقال: أما والله لئن مات عمار من ضربه هذا لأقتلن به رجلا عظيما من بني
أمية فقال عثمان: لست هناك. قال: ثم خرج عثمان إلى المسجد فإذا هو بعلي وهو
شاك معصوب الرأس فقال عثمان: والله يا أبا الحسن! ما أدري أشتهي موتك أم أشتهي
حياتك؟ فوالله لئن مت ما أحب أن أبقى بعدك لغيرك، لأني لا أجد منك خلفا ولئن
بقيت لا أعدم طاغيا يتخذك سلما وعضدا ويعدك كهفا وملجأ، لا يمنعني منه إلا
مكانه منك ومكانك منه، فأنا منك كالابن العاق من أبيه إن مات فجعه وإن عاش عقه،
فإما سلم فنسالم وإما حرب فنحارب، فلا تجعلني بين السماء والأرض. فإنك والله إن
قتلتني لا تجد مني خلفا، ولئن قتلتك لا أجد منك خلفا، ولن يلي أمر هذه الأمة بادئ
فتنة. فقال علي: إن فيما تكلمت به لجوابا ولكني عن جوابك مشغول بوجعي فأنا
أقول كما قال العبد الصالح: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. قال مروان:
إنا والله إذا لنكسرن رماحنا ولنقطعن سيوفنا ولا يكون في هذا الأمر خير لمن بعدنا،
فقال له عثمان: اسكت، ما أنت وهذا؟. الإمامة والسياسة 1 ص 29.
وذكره مختصرا ابن عبد ربه في العقد الفريد 2: 272 نقلا عن أبي بكر بن أبي
شيبة من طريق الأعمش قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه في صحيفة
فقالوا: من يذهب بها إليه؟ قال عمار: أنا. فذهب بها إليه فلما قرأها قال: أرغم الله أنفك
قال: وبأنف أبي بكر وعمر قال: فقام إليه فوطئه حتى غشي عليه ثم ندم عثمان وبعث
إليه طلحة والزبير يقولان له: إختر إحدى ثلاث: إما أن تعفو، وإما أن تأخذ الأرش،
وإما أن تقتص، فقال: والله لا قبلت واحدة منها حتى ألقى الله.
3 - قال البلاذري في الأنساب 5: 54: وقد روي أيضا: إنه لما بلغ عثمان موت
أبي ذر بالربذة قال: رحمه الله. فقال عمار بن ياسر: نعم فرحمه الله من كل أنفسنا. فقال
18

عثمان: يا عاض أير أبيه أتراني ندمت على تسييره؟ وأمر فدفع في قفاه وقال: ألحق بمكانه
فلما تهيأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان فيه فقال له علي:
يا عثمان! إتق الله فإنك سيرت رجلا (1) صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك، ثم أنت
الآن تريد أن تنفي نظيره، وجرى بينهما كلام حتى قال عثمان: أنت أحق بالنفي منه
فقال علي: رم ذلك إن شئت. واجتمع المهاجرون فقالوا: إن كنت كلما كلمك رجل
سيرته ونفيته فإن هذا شئ لا يسوغ. فكف عن عمار.
وفي لفظ اليعقوبي: لما بلغ عثمان وفاة أبي ذر قال: رحم الله أبا ذر. قال عمار: نعم
رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا. فغلظ ذلك على عثمان وبلغ عثمان عن عمار كلام فأراد
أن يسيره أيضا، فاجتمعت بنو مخزوم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وسألوه إعانتهم فقال علي:
لا ندع عثمان ورأيه. فجلس عمار في بيته، وبلغ عثمان ما تكلمت بنو مخزوم فأمسك
عنه. تاريخ اليعقوبي 2: 150.
4 - قال البلاذري في الأنساب 5: 49: إن عثمان مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل:
قبر عبد الله بن مسعود فغضب على عمار لكتمانه إياه موته إذ كان المتولي للصلاة عليه
والقيام بشأنه فعندها وطئ عمارا حتى أصابه الفتق.
وذكره ابن أبي الحديد في شرحه 1: 239 نقلا عن الشريف المرتضى من دون
غمز فيه.
وفي لفظ اليعقوبي: توفي " ابن مسعود " وصلى عليه عمار بن ياسر وكان عثمان
غائبا فستر أمره فلما انصرف رأى عثمان القبر فقال: قبر من هذا؟ فقيل: قبر عبد الله
ابن مسعود، قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: ولي أمره عمار بن ياسر وذكر
أنه أوصى أن لا يخبر به ولم يلبث إلا يسيرا حتى مات المقداد (1) فصلى عليه عمار وكان
أوصى إليه ولم يؤذن عثمان به فاشتد غضب عثمان على عمار وقال: ويلي على ابن السوداء
أما لقد كنت به عليما. تاريخ اليعقوبي 2: 147.
وفي طبقات ابن سعد 3: 185 ط ليدن: إن عقبة بن عامر هو الذي قتل عمارا

(1) يعني سيدنا أبا ذر الغفاري.
(2) اتفقوا على أنه مات سنة ثلاث وثلاثين، وتوفي ابن مسعود قبله بسنة أو أقل أو أكثر.
19

وهو الذي كان ضربه حين أمره عثمان ابن عفان.
قال الأميني: هذه أفاعيل الخليفة في رجل نزل فيه القرآن شهيدا على طمأنينته
بالإيمان والرضا بقنوته آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة، في رجل هو أول مسلم
اتخذ مسجدا في بيته يتعبد فيه (1) في رجل تضافر الثناء عليه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
مشفوعا بالنهي المؤكد عن بغضه ومعاداته وسبه وتحقيره وانتقاصه بألفاظ ستقف عليها
إنشاء الله تعالى. وقد أكبرته الصحابة الأولون ونقمت على من آذاه وأغضبه وأبغضه،
وفعل به كل تلكم المناهي ولم يؤثر عن عمار إلا الرضا بما يرضي الله ورسوله والغضب
لهما والهتاف بالحق والتجهم أمام الباطل رضي الناس أم غضبوا، ولم يزل على ذلك
كله منذ بدء أمره الذي أوذي فيه هو وأبواه، فكان مرضيا عند الله إيمانهم وخضوعهم
وبعين الله ما قاسوه من المحن فعاد ذكرهم وردا لنبي الاسلام فلم يزل يلهج بهم ويدعو
لهم ويقول:
اصبروا آل ياسر! موعدكم الجنة. من طريق عثمان بن عفان (2).
ويقول: أبشروا آل ياسر! موعدكم الجنة. من طريق جابر (3).
ويقول: اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت. رواه عثمان أيضا (4).
وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار وبأبيه وأمه - وكانوا أهل بيت إسلام - إذا
حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: صبرا آل ياسر!
موعدكم الجنة. صبرا آل ياسر! فإن مصيركم إلى الجنة (5).
نعم: كان عمارا هكذا عند مفتتح حياته الدينية إلى منصرم عمره الذي قتلته فيه

(1) طبقات ابن سعد 3: 178 ط ليدن، وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 311.
(2) أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد 9: 293 فقال: رجاله ثقات، وأخرجه الطبراني عن
عمار، والبغوي وابن مندة والخطيب وأحمد وابن عساكر عن عثمان كما في كنز العمال 6: 185.
(3) مجمع الزوائد نقلا عن الطبراني 9: 293 فقال: رجاله رجال الصحيح غير إبراهيم وهو ثقة.
(4) مسند أحمد 1: 62، مجمع الزوائد 9: 293 فقال: رجاله رجال الصحيح. وأخرجه
البيهقي والبغوي والعقيلي والحاكم في الكنى وابن الجوزي وابن عساكر كما في كنز العمال 7: 72.
(5) سيرة ابن هشام 1: 342، حلية الأولياء 1: 140، طرح التثريب 1: 87، وأخرجه
الحارث والضياء والحاكم والطيالسي والبغوي وابن مندة وابن عساكر كما في كنز العمال 7: 72.
20

الفئة الباغية. وقد أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:
ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية.
وفي لفظ: تقتل عمار الفئة الباغية، وقاتله في النار.
وفي لفظ: ويح عمارا وويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية.
وفي لفظ معاوية: تقتل عمارا الفئة الباغية.
وفي لفظ عثمان: تقتلك الفئة الباغية، قاتل عمار في النار.
وفي لفظ: تقتل عمارا الفئة الباغية عن الطريق، وإن آخر رزقه من الدنيا ضياح
من لبن.
وفي لفظ عمار: أخبرني حبيبي صلى الله عليه وسلم إنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر زادي
مذقة من لبن.
وفي لفظ حذيفة: إنك لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية الناكبة عن الحق، يكون
آخر زادك من الدنيا شربة لبن.
وفي لفظ: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار.
وفي لفظ أنس: ابن سمية تقتله الفئة الباغية قاتله وسالبه في النار.
وفي لفظ عائشة: اللهم بارك في عمار، ويحك ابن سميه تقتلك الفئة الباغية، و
آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن.
وفي لفظ: ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك إنما تقتلك الفئة الباغية.
جاء هذا الحديث من طرق كثيرة تربو حد التواتر منها طريق عثمان بن عفان.
عمرو بن العاص. معاوية بن أبي سفيان. حذيفة بن اليمان. عبد الله بن عمر. خزيمة بن
ثابت. كعب بن مالك. جابر بن عبد الله. ابن عباس. أنس بن مالك. أبي هريرة الدوسي
عبد الله بن مسعود. أبي سعد. أبي أمامة. أبي رافع. أبي قتادة. زيد بن أبي أوفى. عمار
بن ياسر. عبد الله بن أبي هذيل. أبي اليسر. زياد بن الفرد. جابر بن سمرة. عبد الله
ابن عمرو بن العاص. أم سلمة. عائشة.
راجع طبقات ابن سعد 3: 180، سيرة ابن هشام 2: 114، مستدرك الحاكم
3: 386، 387، 391، الاستيعاب 2: 436 وقال: تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم
21

إنه قال: تقتل عمارا الفئة الباغية. وهذا من إخباره بالغيب وأعلام نبوته وهو من أصح
الأحاديث. طرح التثريب 1: 88 وصححه، تيسير الوصول 3: 278، شرح ابن أبي
الحديد 2: 274، تاريخ ابن كثير 7: 267، 270 مجمع الزوائد 9: 296 وصححه من
عدة طرق، تهذيب التهذيب 7: 409 وذكر تواتره، الإصابة 2: 512 وقال: تواترت
الأحاديث، كنز العمال 6: 184، ج 7، 73، 74، ونص على تواتره السيوطي في
الخصايص كما مر في الجزء الثالث 250 ط 2.
وأخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، والبزار، وعبد الرازق، والطبراني، و
الدارقطني، وأبو يعلى، وأبو عوانة، والإسماعيلي، والضياء المقدسي، وأبو نعيم، وتمام،
وابن قانع، وابن مندة، والبارودي، والبرقاني، وابن عساكر، والخطيب.
* (عمار في الذكر الحكيم) *
هذا عمار بين البدء والختام المحمودين وهو بينهما كما أثنى عليه الذكر الحكيم
بقوله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة (الزمر 9)
أخرج ابن سعد في الطبقات 3: 178 ط ليدن وابن مردويه وابن عساكر عن
ابن عباس: إنها نزلت في عمار بن ياسر.
وذكر الزمخشري في تفسيره 3: 22: إنها نزلت في عمار وأبي حذيفة بن المغيرة
المخزومي.
وذكر القرطبي في تفسير 15: 239 عن مقاتل: إن من هو قانت: عمار بن ياسر
وذكر الخازن في تفسيره 3: 53: إنها نزلت في ابن مسعود وعمار وسلمان. وذكره
الخطيب الشربيني في تفسيره 3: 410. وذكر الشوكاني في تفسيره 4: 442 حديث ابن
سعد وابن مردويه وابن عساكر. وزاد الآلوسي عليه في تفسيره 23: 247 قوله: و
أخرج جويبر عن ابن عباس إنها نزلت في عمار وابن مسعود وسالم مولي أبي حذيفة.
وعن عكرمة: الاقتصار على عمار. وعن مقاتل: المراد بمن هو قانت: عمار وصهيب و
ابن مسعود وأبو ذر. وجل ما ذكره الآلوسي مأخوذ من الدر المنثور 5: 323.
* (آية ثانية) * أخرج ابن ماجة في قوله تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم
بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ. الآية (الأنعام 52) إنها
22

نزلت في عمار وصهيب وبلال وخباب.
راجع تفسير الطبري 7: 127، 128، تفسير القرطبي 16: 432، تفسير البيضاوي
1: 380، تفسير الزمخشري 1: 453، تفسير الرازي 4: 50، تفسير ابن كثير 2: 134،
تفسير ابن جزي 2: 10، الدر المنثور 3: 14، تفسير الخازن 2: 18، تفسير الشربيني
1: 404، تفسير الشوكاني 2: 115.
* (آية ثالثة) * أخرج جمع من الحفاظ نزول قوله تعالى: إلا من أكره وقلبه
مطمأن بالإيمان (سورة النحل: 106) في عمار. وقال أبو عمر في الاستيعاب. هذا
مما اجتمع أهل التفسير عليه. وقال القرطبي: نزلت في عمار في قول أهل التفسير. وقال
ابن حجر في الإصابة: اتفقوا على أنه نزل في عمار.
قال ابن عباس (في لفظ الواحدي) نزلت في عمار بن ياسر وذلك أن المشركين
أخذوه وأباه ياسرا وأمه سمية وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما، فأما سمية فإنها ربطت
بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة، وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال. فقتلت، وقتل
زوجها ياسر، وهما أول قتيلين قتلا في الاسلام، وأما عمار فإنه أعطاهم ما
أرادوا بلسانه مكرها فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن عمارا كفر. فقال: كلا إن عمارا ملئ
إيمانا من قرنه إلى قدمه، وأخلط الإيمان بلحمه ودمه، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يبكي فجعل رسول الله عليه السلام يمسح عينيه وقال: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت.
فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخرج حديث نزولها في عمار، ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبري
عن ابن عباس. وعبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه
وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر من طريق أبي عبيدة بن محمد عمار عن أبيه. وابن
أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن أبي مالك.
راجع طبقات ابن سعد 3، 178، تفسير الطبري 14: 122، أسباب النزول
للواحدي ص 212، مستدرك الحاكم 2: 357، الاستيعاب 2: 435، تفسير القرطبي
10: 180، تفسير الزمخشري 2: 176، تفسير البيضاوي 1: 683، تفسير الرازي 5:
365، تفسير ابن جزي 2: 162، تفسير النيسابوري هامش الطبري 14: 122، بهجة
23

المحافل 1: 94، تفسير ابن كثير 2: 587، الدر المنثور 4: 132، تفسير الخازن
3: 143، الإصابة 2: 512، تفسير الشوكاني 3: 191، تفسير الآلوسي 14: 237.
(آية رابعة) ذكر الواحدي من طريق السدي أن قوله تعالى: أفمن وعدناه
وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين
(القصص: 61) نزل في عمار والوليد بن المغيرة.
راجع أسباب النزول للواحدي ص 255، تفسير القرطبي 13: 303، تفسير
الزمخشري 2: 386، تفسير الخازن 3: 43، تفسير الشربيني 3: 105.
(آية خامسة) أخرج أبو عمر من طريق ابن عباس في قوله تعالى: أو من كان
ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس (الأنعام: 122) إنه عمار بن ياسر.
وأخرج نزولها في عمار ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ
راجع الاستيعاب 2: 435، تفسير ابن جزي 2: 20، تفسير ابن كثير 2: 172
تفسير البيضاوي 1: 400، تفسير السيوطي 3: 43، تفسير الشربيني 1: 429، تفسير
الخازن 2: 32، تفسير الشوكاني 2: 152.
الثناء الجميل على عمار
أما الأحاديث الواردة في الثناء عليه فحدث عنها ولا حرج وإليك نزرا منها:
1 - عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث: إن عمارا ملئ إيمانه من
قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه.
راجع حلية الأولياء 1: 139، تفسير الزمخشري 2: 176، تفسير البيضاوي 1:
683، بهجة المحافل 1: 94، تفسير الرازي 5: 365، تفسير الخازن 3: 143، كنز
العمال 6: 184، و ج 7، 75، تفسير الآلوسي 14: 237.
2 - أخرج ابن عساكر من طريق علي: عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى
قدمه، وخلط الإيمان بلحمه ودمه، يزول مع الحق حيث زال، وليس ينبغي للنار أن
تأكل منه شيئا (كنز العمال 6: 183)
3 - أخرج البزار من طريق عائشة قالت: ما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا لو شئت لقلت فيه ما خلا عمارا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ملئ إيمانا
24

إلى مشاشه. وفي لفظ أبي عمر: ملئ عمار ايمانا إلى أخمص قدميه. وفي لفظ له: إن
عمار بن ياسر حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنيه إيمانا.
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 295 وقال: رجاله رجال الصحيح، وأخرجه
ابن ماجة من طريق علي كما في طرح التثريب 1: 87، وأخرجه ابن ديزيل والنسائي
من طريق عمرو بن شرحبيل عن رجل مرفوعا كما في تيسير الوصول 3: 279، والبداية
والنهاية 7: 311، ولفظه: لقد ملئ عمار إيمانا من قدمه إلى مشاشه. ورواه عبد الرزاق
والطبراني وابن جرير وابن عساكر كما في كنز العمال 6: 184. وأخرجه أبو عمر
بالألفاظ الثلاثة في الاستيعاب 2: 435.
4 - أخرج ابن ماجة وأبو نعيم من طريق هاني بن هاني قال: كنا عند علي فدخل
عليه عمار فقال: مرحبا بالطيب المطيب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عمار ملئ
إيمانا إلى مشاشه.
سنن ابن ماجة 1: 65، حلية الأولياء 1: 139، الإصابة 2: 512.
5 - أخرج ابن سعد في الطبقات 3: 187 ط ليدن مرفوعا: إن عمارا مع الحق
والحق معه، يدور عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار.
وأخرج الطبراني والبيهقي والحاكم من طريق ابن مسعود مرفوعا: إذا اختلف
الناس كان ابن سمية مع الحق.
ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 270، والسيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه
6: 184، وفي لفظ إبراهيم بن الحسين بن ديزيل في سيرة علي: جاء رجل إلى ابن
مسعود فقال: أرأيت إذا نزلت فتنة كيف أصنع؟ قال: عليك بكتاب الله. قال: أرأيت
إن جاء قوم كلهم يدعون إلى كتاب الله؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف
الناس كان ابن سمية مع الحق.
وأخرج أبو عمر في الاستيعاب 2: 436 من طريق حذيفة: عليكم بابن سمية
فإنه لن يفارق الحق حتى يموت. أو قال: فإنه يدور مع الحق حيث دار.
6 - أخرج ابن ماجة من طريق عطاء بن يسار عن عائشة مرفوعا: عمار ما عرض
عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما.
25

وفي لفظ أحمد من طريق ابن مسعود مرفوعا: ابن سمية ما عرض عليه أمران
قط إلا أخذ بالأرشد منهما. وفي لفظ آخر له من طريق عائشة: لا يخير بين أمرين
إلا اختار أرشدهما. وفي لفظ الترمذي: ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما.
راجع مسند أحمد 1: 389 و ج 6: 113، سنن ابن ماجة 1: 66، مصابيح
البغوي 2: 288، تفسير القرطبي 10: 181، تيسير الوصول 3: 279، شرح ابن أبي
الحديد 2: 274، كنز العمال 6: 184، الإصابة 2: 512.
7 - أخرج الترمذي من طريق علي قال: استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
إئذنوا له: مرحبا بالطيب المطيب. فقال: حسن صحيح.
وأخرجه الطبراني وابن أبي شيبة وأحمد في المسند 1: 100، 126، 138،
والبخاري في تاريخه 4: 229 من القسم الثاني، وابن جرير وصححه والحاكم والشاشي
وسعيد بن منصور وأبو نعيم في حلية الأولياء 1: 140، والبغوي في المصابيح 2: 288،
وأبو عمر في الاستيعاب 2: 435، وابن ماجة في السنن 1: 65، وابن كثير في البداية
7: 311، وابن الديبع في التيسير 3: 278، والعراقي في طرح التثريب 1: 87، و
السيوطي في الجامع الكبير 7: 71.
8 - عن أنس بن مالك مرفوعا: إن الجنة تشتاق إلى أربعة: علي بن أبي طالب،
وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، والمقداد.
وفي لفظ الترمذي والحاكم وابن عساكر: إشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان.
وفي لفظ لابن عساكر: إشتاقت الجنة إلى ثلاثة: إلى علي وعمار وبلال.
أخرجه أبو نعيم في الحلية 1: 142، والحاكم في المستدرك 3: 137، وصححه
هو والذهبي، والترمذي والطبراني كما في تفسير القرطبي 10: 181، وتاريخ ابن
كثير 7: 311، ومجمع الزوائد للهيثمي 9: 307، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه
3: 306 وفي ج 6: 198، 199، وأبو عمر في الاستيعاب 2: 435.
9 - أخرج البزار من طريق علي مرفوعا: دم عمار ولحمه حرام على النار
أن تطمعه. وفي لفظ ابن عساكر: دم عمار ولحمه حرام على النار أن تأكله أو تمسه.
26

مجمع الزوائد 9: 295، كنز العمال 6: 184، ج 7: 75.
10 - أخرج ابن هشام مرفوعا: ما لهم ولعمار؟ يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى
النار، إن عمارا جلدة ما بين عيني وأنفي، فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يستبق
فاجتنبوه.
سيرة ابن هشام 2: 115، العقد الفريد 2: 289، شرح ابن أبي الحديد 3: 274
ولفظه: ما لقريش ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قاتله وسالبه في النار،
وبهذا اللفظ ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 268.
11 - أخرج الطبراني وابن عساكر من طريق عائشة مرفوعا: كم من ذي طمرين
لا ثوب له لو أقسم على الله لأبره، منهم: عمار بن ياسر. (مجمع الزوائد 9: 294،
كنز العمال 6: 184).
12 - أخرج أحمد من طريق خالد بن الوليد مرفوعا: من عادى عمارا عاداه
الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله. صححه الحاكم والذهبي بطريقين، وصححه الهيثمي.
وفي لفظ: من يسب عمارا يسبه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله، ومن
يسفه عمارا يسفهه الله. صححه الحاكم والذهبي.
وفي لفظ: من يسب عمارا، يسبه الله ومن يعاد عمارا يعاده الله، صححه
الحاكم والذهبي.
وفي لفظ لأحمد: من يعاد عمارا يعاده الله عز وجل، ومن يبغضه يبغضه الله
عز وجل، ومن يسبه يسبه الله عز وجل.
وفي لفظ الحاكم: من يحقر عمارا يحقره الله ومن يسب عمارا يسبه الله،
ومن يبغض عمارا يبغضه الله.
وفي لفظ ابن النجار: من سب عمارا سبه الله، ومن حقر عمارا حقره الله،
ومن سفه عمارا سفهه الله.
وفي لفظ ابن عساكر: من يبغض عمارا يبغضه الله، ومن يلعن عمارا يلعنه الله.
وفي لفظ الطبراني: من يعادي عمارا يعاديه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله،
ومن يسب عمارا يسبه الله، ومن يسفه عمارا يسفهه الله، ومن يحقر عمارا يحقره الله
27

وفي لفظ الطبراني أيضا: من يحقر عمارا يحقره الله، ومن يسب عمارا يسبه
الله، ومن ينتقص عمارا ينتقصه الله، ومن يعاد عمارا يعاده الله. قال الهيثمي: رجاله
ثقات.
أخرج هذا الحديث على اختلاف ألفاظه جمع كثير من الحفاظ وأئمة الفن راجع
مسند أحمد 4: 89، مستدرك الحاكم 3: 390، 391، تاريخ الخطيب 1: 152،
الاستيعاب 2: 435، أسد الغابة 4: 45، طرح التثريب 1: 88، تاريخ ابن كثير 7:
311، الإصابة 2: 512، كنز العمال 6: 185، ج 7: 71 - 75.
13 - عن حذيفة أنه قيل له: إن عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال: ألزموا عمارا
قيل: إن عمارا لا يفارق عليا قال: إن الحسد هو أهلك للجسد، وإنما ينفركم من
عمار قربه من علي. فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن
عمارا من الأخيار. أخرجه ابن عساكر في كنز العمال 7: 73.
14 - عن عبد الله بن جعفر قال: ما رأيت مثل عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر
كانا لا يحبان أن يعصيا الله طرفة عين، ولا يخالفان الحق قيد شعرة. أخرجه الطبراني
كما في مجمع الزوائد 9: 292.
15 - ذكر الأبشيهي في المستطرف 1: 166 في حديث: هبط جبرئيل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد (وكان يسأل عن أصحابه) إلى أن قال: من هذا الذي بين
يديك يتقي عنك؟ قال: عمار بن ياسر. قال: بشره بالجنة حرمت النار علي عمار.
هذا عمار
إذا درست هذه كلها فهل تجد من الحق أن يعمل معه تلكم الفظاظات مرة
بعد أخرى؟ وهل تجد مبررا لشئ منها؟ فإن زعمت أنها تأديب من خليفة الوقت فإن
التأديب لا يسوغ إلا على إسائة في الأدب، وزور من القول، ومناقضة للحق، ومضادة
للشريعة، ويجل عمار عن كل ذلك، فلم يصدر منه غير دعاء إلى الحق، وأذان بالحقيقة،
وتضجر لمظلوم، وعمل بالوصية واجب، ورسالة عن أناس مؤمنين يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر، فهل حظر الاسلام شيئا من هذه فأراد الخليفة أن يعيد عمارا إلى
نصاب الحق؟ أو أن الخليفة مفوض في النفوس كما يرى أنه مفوض في الأموال
28

فيراغم فيها عامة المسلمين بإرضاء من يجب إرغامهم من أناس لا خلاق لهم؟ وكذلك
يفعل بالنفوس فعل المستبدين ولوازم الدكتاتورية ومقتضيات الملك العضوض.
ولو كان الخليفة ناصبا نفسه للتأديب فهل أدب أمثال عبيد الله بن عمر، والحكم
ابن أبي العاص، ومروان بن الحكم، والوليد بن عقبة، وسعيد بن العاص، ونظرائهم
من رجال العيث والفساد المستحقين للتأديب حينا بعد حين؟ وهو كان يرنو إلى أعمالهم
من كثب، لكنه لم يصدر منه إلا إرضائهم وتوفير العطاء لهم والدفاع عنهم، وتسليطهم
على النفوس والأموال حتى أوردوه مورد الهلكة، ولقد ادخر تأديبه كله لصلحاء الأمة
مثل عمار وأبي ذر وابن مسعود ومن حذا حذوهم، فإلى الله المشتكى.
وإنك لو أمعنت النظرة في أعماله وأفعاله لتجدنه لا يقيم وزنا لأي صالح من
الأمة، ولقد ترقى ذلك أو تسافل حتى أنه جابه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام غير مرة
بقوارص كلماته ومما قال له مما مر في صفحة " 18، 19 " قوله: أنت أحق بالنفي منه. وقوله:
لئن بقيت لا أعدم طاغيا يتخذك سلما وعضدا ويعدك كهفا وملجأ. يريد بالطاغي أبا ذر
وعمار وأمثالهما ويجعل الإمام عليه السلام سلما وعضدا وكهفا وملجأ لمن سماهم الطغاة.
كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
كأن الرجل لم يصاحب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، أولم يع إلى ما هتف به من فضائل
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام من أول يومه آناء الليل وأطراف النهار في حله ومرتحله،
في ظعنه وإقامته، عند أفراد من أصحابه أو في محتشد منهم، ولدى الحوادث والوقايع
وعند كل مناسبة، وفي حروبه ومغازيه.
وكأنه لم يشهد بلاء مولانا الإمام عليه السلام في مأزق الاسلام الحرجة، ولم يشهد
كراته وقد فر أصحابه، وتفانيه في سبيل الدعوة عند خذلان غيره، واقتحامه المهالك
لصالح الاسلام حيث ركنوا إلى دعة، وتقهقر بهم الفرق، وثبطهم الخول.
يزعم القوم أن الخليفة كان حافظا للقرآن وأنه كان يتلوه في ركعة في لياليه ولو
صح ما يقولون فهلا كان يمر بآية التطهير ومولانا الإمام عليه السلام أحد الخمسة الذين
أريدوا بها؟ وبآية المباهلة وهو نفس النبي فيها؟ إلى آيات أخرى نازلة فيها بالغة إلى
29

ثلاثمائة آية كما يقوله حبر الأمة عبد الله بن العباس (1) أو أنه كان يمر بها على حين غفلة
من مفادها؟ أو يمر بها وقد بلغ منه اللغوب من كثرة التلاوة فلا يلتفت إليها؟ أو أنه كان
يرتلها ملتفتا إلى مغازيها؟ ولكن....
أنا لا أدري بماذا يعلل قوارص الخليفة عليا عليه السلام ابنا حجر وكثير وأمثالهما
المعللون أقوال الخليفة وأفعاله في مثل أبي ذر وابن مسعود ومالك الأشتر، بأن مصلحة
بقائهم في الأوساط الإسلامية مع الحرية في المقال لا تكافئ المفسدة المترتبة عليه من
سقوط أبهة الخلافة. على أنه ما كان عند القوم إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فهل يجرهم الحب المعمي والمصم إلى أن يقولوا بمثل ذلك في حق عظيم الدنيا والدين
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام؟ فهل كانت مفسدة هنا لك مترتبة على مقام الإمام في المدينة
حتى يكون نفيه عنها أولى؟ وهل هو إلا الصلاح كله؟ وهل المصالح النوعية والفردية
يستقى من غيره؟ ولعمر الحق إن أبهة تسقط لمكان أمير المؤمنين عليه السلام وفضله ونزاهته
وعلمه وإصلاحه لحرية بالسقوط، وأيم الله لو وسع أولئك المدافعون عن تلكم
العظائم لدنسوا ساحة قدس الإمام بالفرية الشائنة، واتهموه بمثل ما اتهموا به
غيره من صلحاء الأمة وأعلام الصحابة والخيرة الآمرين بالمعروف والناهين عن
المنكر، ولكن....
ولو كان خليفة يعير لنصائح الإمام عليه السلام أذنا واعية لصانه عن المهالك، ولم
تزل الأبهة مصونة له، والعز والنجاح ذخرا له ولأهل الاسلام، وكان خيرا له من
ركوبه النهابير التي جرعته الغصص وأودت به وجرت الويلات على الأمة حتى
اليوم، ولكنه....
لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون، إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون
وراءهم يوما ثقيلا.
- 43 - تسيير الخليفة صلحاء الكوفة إلى الشام
روى البلاذري عن عباس بن هشام بن أبيه عن أبي مخنف في إسناده قال: لما

(1) راجع ما مر في الجزء الأول ص 334 ط 2.
30

عزل عثمان رضي الله عنه الوليد بن عقبة عن الكوفة ولاها سعيد بن العاص وأمره بمداراة
أهلها، فكان يجالس قراءها ووجوه أهلها ويسامرهم فيجتمع عنده منهم: مالك بن
الحارث الأشتر النخعي، وزيد وصعصعة ابنا صوحان العبديان، وحرقوص بن زهير
السعدي، وجندب بن زهير الأزدي، وشريح بن أوفى بن يزيد بن زاهر العبسي، وكعب
ابن عبدة النهدي، وكان يقال لعبدة بن سعد بن ذو الحبكة -، وكان كعب ناسكا وهو الذي
قتله بسر بن أرطاة بتثليث - وعدي بن حاتم الجواد الطائي ويكنى أبا طريف، وكدام بن
حضري بن عامر، ومالك بن حبيب بن خراش، وقيس بن عطارد بن حاجب، وزياد بن
خصفة بن ثقف، ويزيد بن قيس الأرحبي، وغيرهم فإنهم لعنده وقد صلوا العصر إذ تذاكروا
السواد والجبل ففضلوا السواد وقالوا: هو ينبت ما ينبت الجبل وله هذا النخل،
وكان حسان بن محدوج الذهلي الذي ابتدأ الكلام في ذلك فقال عبد الرحمن بن خنيس
الأسدي صاحب شرطة: لوددت أنه للأمير وأن لكم أفضل منه. فقال له الأشتر: تمن
للأمير أفضل منه ولا تمن له أموالنا. فقال عبد الرحمن: ما يضرك من تمني حتى تزوي
ما بين عينيك فوالله لو شاء كان له. فقال الأشتر: والله لو رام ذلك ما قدر عليه. فغضب
سعيد وقال: إنما السواد بستان لقريش. فقال الأشتر: أتجعل مراكز رماحنا وما أفاء
الله علينا بستانا لك ولقومك؟ والله لو رامه أحد لقرع قرعا يتصأصأ منه. ووثب بابن
خنيس فأخذته الأيدي.
فكتب سعيد بن العاص بذلك إلى عثمان وقال: إني لا أملك من الكوفة مع الأشتر
وأصحابه الذين يدعون القراء وهم السفهاء شيئا. فكتب إليه أن سيرهم إلى الشام.
وكتب إلى الأشتر: إني لأراك تضمر شيئا لو أظهرته لحل دمك وما أظنك منتهيا حتى
يصيبك قارعة لا بقيا بعدها، فإذا أتاك كتابي هذا فسر إلى الشام لإفسادك من قبلك
وإنك لا تألوهم خبالا. فسير سعيد الأشتر ومن كان وثب مع الأشتر وهم: زيد و
صعصعة ابنا صوحان، وعائذ من حملة الطهوي من بني تميم، وكميل بن زياد النخعي،
وجندب بن زهير الأزدي، والحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، ويزيد بن المكفف
النخعي، وثابت بن قيس بن المنقع النخعي، وأصعر (1) بن قيس بن الحارث الحارثي

(1) كذا في أنساب الأشراف بالعين المهملة وفي الإصابة بالمعجمة.
31

فخرج المسيرون من قراء أهل الكوفة فاجتمعوا بدمشق نزلوا مع عمرو بن
زرارة فبرهم معاوية وأكرمهم، ثم إنه جرى بينه وبين الأشتر قول حتى تغالظا فحبسه
معاوية فقام عمرو بن زرارة فقال: لئن حبسته لتجدن من يمنعه. فأمر بحبس عمرو فتكلم
سائر القوم فقالوا: أحسن جوارنا يا معاوية! ثم سكتوا فقال معاوية: مالكم لا تكلمون
فقال زيد بن صوحان: وما نصنع بالكلام؟ لئن كنا ظالمين فنحن نتوب إلى الله، وإن
كنا مظلومين فإنا نسأل الله العافية. فقال معاوية: يا أبا عائشة! أنت رجل صدق. وأذن
له في اللحاق بالكوفة، وكتب إلى سعد بن العاص: أما بعد: فإني قد أذنت لزيد بن
صوحان في المسير إلى منزله بالكوفة لما رأيت من فضله وقصده وحسن هديه فأحسن
جواره وكف الأذى عنه وأقبل إليه بوجهك وودك، فإنه قد أعطاني موثقا أن لا ترى
منه مكروها. فشكر زيد معاوية وسأله عند وداعه إخراج من حبس ففعل.
وبلغ معاوية أن قوما من أهل دمشق يجالسون الأشتر وأصحابه فكتب إلى عثمان:
إنك بعثت إلي قوما أفسدوا مصرهم وأنغلوه، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قبلي و
يعلموهم ما لا يحسنونه حتى تعود سلامتهم غائلة، واستقامتهم اعوجاجا.
فكتب إلى معاوية يأمره أن يسيرهم إلى حمص، ففعل وكان واليها عبد الرحمن بن
خالد بن الوليد بن المغيرة، ويقال: إن عثمان كتب في ردهم إلى الكوفة فضج منهم
سعيد ثانية فكتب في تسييرهم إلى حمص فنزلوا الساحل.
الأنساب 5: 39 - 43.
صورة مفصلة
إن عثمان أحدث أحداثا مشهورة نقمها الصحابة من تأمير بني أمية ولا سيما
الفساق منهم وأرباب السفه وقلة الدين، وإخراج مال الفئ إليهم وما جرى في أمر عمار
وأبي ذر وعبد الله بن مسعود وغير ذلك من الأمور التي جرت في أواخر خلافته، ثم اتفق
أن الوليد بن عقبة لما كان عاملا على الكوفة وشهد عليه بشرب الخمر صرفه، وولى
سعيد بن العاص مكانه فقدم سعيد الكوفة واستخلص من أهلها قوما يسمرون عنده فقال
سعيد يوما: إن السواد بستان لقريش وبني أمية، فقال الأشتر النخغي: وتزعم
إن السواد الذي أفاءه الله على المسلمين بأسيافنا بستان لك ولقومك؟ فقال صاحب
شرطته: أترد على الأمير مقالته؟ وأغلظ له، فقال الأشتر لمن حوله من النخع وغيرهم
- 2 -.
32

من أشراف الكوفة: ألا تسمعون؟ فوثبوا عليه بحضرة سعيد فوطؤه وطأ عنيفا وجروا
برجله، فغلظ ذلك على سعيد وأبعد سماره، فلم يأذن بعد لهم فجعلوا يشتمون سعيدا في
مجالسهم ثم تعدوا ذلك إلى شتم عثمان، واجتمع إليهم ناس كثيرا حتى غلظ أمرهم فكتب
سعيد إلى عثمان في أمرهم فكتب إليه أن يسيرهم إلى الشام لئلا يفسدوا أهل الكوفة
وكتب إلى معاوية وهو والي الشام: إن نفرا من أهل الكوفة قد هموا بإثارة الفتنة
وقد سيرتهم، إليك، فانههم فإن آنست منهم رشدا فأحسن إليهم وارددهم إلى بلادهم.
فلما قدموا على معاوية، وكانوا: الأشتر، ومالك بن كعب الأرحبي، والأسود بن
يزيد النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي، وصعصعة بن صوحان العبدي، وغيرهم جمعهم
يوما وقال لهم:
إنكم قوم من العرب ذووا أسنان وألسنة وقد أدركتم بالاسلام شرفا وغلبتم
الأمم وحويتم مواريثهم، وقد بلغني أنكم ذممتم قريشا، ونقمتم على الولاة منها، ولولا
قريش لكنتم أذلة إن أئمتكم لكم جنة فلا تفرقوا عن جنتكم، إن أئمتكم ليصبرون
على الجور ويحتملون فيكم العتاب، والله لتنتهين أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم الخسف
ولا يحمدكم على الصبر ثم تكون شركاؤهم فيما جررتم عليه الرعية في حياتكم وبعد
وفاتكم.
فقال له صعصعة بن صوحان: أما قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في
الجاهلية، وإن غيرها من العرب لأكثر منها وأمنع.
فقال معاوية: إنك لخطيب القوم ولا أرى لك عقلا وقد عرفتكم الآن، وعلمت
أن الذي أغراكم قلة العقول، أعظم عليكم أمر الاسلام فتذكروني الجاهلية، أخزى
الله قوما عظموا أمركم، إفقهوا عني ولا أظنكم تفقهون: إن قريشا لم تعز في جاهلية
ولا في الاسلام إلا بالله وحده، لم تكن بأكثر العرب ولا أشدها ولكنهم كانوا أكرمهم
أحسابا، وأمحضهم أنسابا، وأكملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس تأكل بعضهم
بعضا إلا بالله، فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم، هل تعرفون عربا أو عجما
أو سودا أو حمرا؟ إلا وقد أصابهم الدهر في بلدهم وحرمهم إلا ما كان من قريش، فإنه
لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل حتى أراد الله تعالى أن يستنقذ
33

من أكرمه باتباع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه،
ثم ارتضى له أصحابا، وكان خيارهم قريشا، ثم بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه
الخلافة فيهم فلا يصح الأمر إلا بهم، وقد كان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على
كفرهم، أفتراه لا يحوطهم وهم على دينه؟ أف لك ولأصحابك، أما أنت يا صعصعة!
فإن قريتك شر القرى، أنتنها نبتا، وأعمقها واديا، وألأمها جيرانا، وأعرفها بالشر، لم
يسكنها شريف قط، ولا وضيع إلا شب بها نزاع الأمم وعبيد فارس، وأنت شر قومك
أحين أبرزك الاسلام وخلطك بالناس أقبلت تبغي دين الله عوجا، وتنزع إلى الغواية؟ إنه
لن يضر ذلك قريشا ولا يضعهم ولا يمنعهم من تأدية ما عليهم، إن الشيطان عنكم لغير
غافل، قد عرفكم بالشر فأغراكم بالناس، وهو صارعكم وإنكم لا تدركون بالشر
أمرا إلا فتح عليكم شر منه وأخزى، قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم، لا ينفع الله
بكم أحدا أبدا ولا يضره، ولستم برجال منفعة ولا مضرة، فإن أردتم النجاة فالزموا
جماعتكم ولا نبطرنكم النعمة، فإن البطر لا يجر خيرا، اذهبوا حيث شئتم، فسأكتب
إلى أمير المؤمنين فيكم.
وكتب إلى عثمان: إنه قدم علي قوم ليست لهم عقول ولا أديان، أضجرهم العدل
لا يريدون الله بشئ، ولا يتكلمون بحجة، إنما هممهم الفتنة والله مبتليهم وفاضحهم
وليسوا بالذين نخاف نكايتهم، وليسوا الأكثر ممن له شعب ونكير. ثم أخرجهم
من الشام.
وروى الحسن المدائني: إنه كان لهم مع معاوية بالشام مجالس طالت فيها
المحاورات والمخاطبات بينهم، وإن معاوية قال لهم في جملة ما قاله: إن قريشا قد عرفت
إن أبا سفيان أكرمها وابن أكرمها إلا ما جعل الله لنبيه صلى الله عليه وآله فإنه انتجبه وأكرمه، و
لو أن أبا سفيان ولد الناس كلهم لكانوا حلماء.
فقال له صعصعة بن صوحان: كذبت، قد ولدهم خير من أبي سفيان، من
خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا له، فكان فيهم البر والفاجر
والكيس والأحمق.
قال: ومن المجالس التي دارت بينهم: إن معاوية قال لهم: أيها القوم ردوا خيرا
34

واسكنوا وتفكروا وانظروا فيما ينفعكم والمسلمين فاطلبوه وأطيعوني.
فقال له صعصعة: لست بأهل لذلك ولا كرامة لك أن تطاع في معصية الله.
فقال: إن أول كلام ابتدأت به أن أمرتكم بتقوى الله وطاعة رسوله وأن تعتصموا
بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
فقال صعصعة: بل أمرت بالفرقة وخلاف ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال: إن كنت فعلت فإني الآن أتوب وآمركم بتقوى الله وطاعته ولزوم الجماعة
وأن توقروا أئمتكم وتطيعوهم.
فقال صعصعة: إذا كنت تبت فإنا نأمرك أن تعتزل أمرك فإن في المسلمين من
هو أحق به منك ممن كان أبوه أحسن أثرا في الاسلام من أبيك، وهو أحسن قدما
في الاسلام منك.
فقال معاوية: إن لي في الاسلام لقدما وإن كان غيري أحسن قدما مني لكنه
ليس في زماني أحد أقوى على ما أنا فيه مني، ولقد رأى ذلك عمر بن الخطاب، فلو كان
غيري أقوى مني لم يكن عند عمر هوادة لي ولغيري، ولا حدث ما ينبغي له أن أعتزل
عملي، ولو رأى ذلك أمير المؤمنين لكتب إلي فاعتزلت عمله، ولو قضى الله أن يفعل ذلك
لرجوت أن لا يعزم له على ذلك إلا وهو خير، فمهلا فإن في دون ما أنتم فيه، ما
يأمر في الشيطان وينهى، ولعمري لو كانت الأمور تقضي على رأيكم وأهوائكم ما استقامت
الأمور لأهل الاسلام يوما وليلة، فعودوا الخير وقولوه. فقالوا: لست لذلك أهلا. فقال:
أما والله إن لله لسطوات ونقمات وإني لخائف عليكم أن تتبايعوا إلى مطاوعة الشيطان
ومعصية الرحمن فيحلكم ذلك دار الهوان في العاجل والآجل.
فوثبوا عليه فأخذوا برأسه ولحيته فقال: مه، إن هذه ليست بأرض الكوفة والله
لو رأى أهل الشام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم
فلعمري إن صنيعكم ليشبه بعضه بعضا، ثم قام من عندهم فقال: والله لا أدخل عليكم
مدخلا ما بقيت وكتب إلى عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان
أما بعد: يا أمير المؤمنين! فإنك بعثت إلي أقواما يتكلمون بألسنة الشياطين وما يملون
35

عليهم ويأتون الناس زعموا من قبل القرآن فيشبهون على الناس، وليس كل الناس يعلم
ما يريدون، وإنما يريدون فرقة، ويقربون فتنة، قد أثقلهم الاسلام وأضجرهم، و
تمكنت رقى الشيطان من قلوبهم، فقد أفسدوا كثيرا من الناس ممن كانوا بين ظهرانيهم
من أهل الكوفة، ولست آمن إن أقاموا وسط أهل الشام أن يغروهم بسحرهم و
فجورهم فارددهم إلى مصرهم، فلتكن دارهم في مصرهم الذي نجم فيه نفاقهم. والسلام.
فكتب إليه عثمان يأمره أن يردهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة فردهم إليه
فلم يكونوا إلا أطلق ألسنة منهم حين رجعوا، وكتب سعيد إلى عثمان بضج منهم،
فكتب عثمان إلى سعيد أن سيرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وكان أميرا على
حمص وهم: الأشتر، وثابت بن قيس الهمداني (1) وكميل بن زياد النخعي، وزيد بن
صوحان وأخوه صعصعة، وجندب بن زهير الغامدي، وحبيب بن كعب الأزدي، وعروة
ابن الجعد (2) وعمرو بن الحمق الخزاعي.
وكتب عثمان إلى الأشتر وأصحابه: أما بعد: فإني قد سيرتكم إلى حمص
فإذا أتاكم كتابي هذا فاخرجوا إليها فإنكم لستم تألون الاسلام وأهله شرا. والسلام.
فلما قرأ الأشتر الكتاب قال: اللهم أسوأنا نظرا للرعية، وأعملنا فيهم بالمعصية
فعجل له النقمة. فكتب بذلك سعيد إلى عثمان، وسار الأشتر وأصحابه إلى حمص
فأنزلهم عبد الرحمن بن خالد الساحل وأجرى عليهم رزقا.
وروى الواقدي: إن عبد الرحمن بن خالد جمعهم بعد أن أنزلهم أياما وفرض لهم
طعاما ثم قال لهم: يا بني الشيطان! لا مرحبا بكم ولا أهلا، قد رجع الشيطان محسورا
وأنتم بعد في بساط ضلالكم وغيكم، جزى الله عبد الرحمن إن لم يؤذكم، يا معشر من
لا أدري أعرب هم أم عجم، أتراكم تقولون لي ما قلتم لمعاوية؟ أنا ابن خالد بن الوليد،
أنا ابن من عجمته العاجمات، أنا ابن فاقئ عين الردة، والله يا ابن صوحان! لأطيرن
بك طيرة بعيدة المهوى إن بلغني أن أحدا ممن معي دق أنفك فاقتنعت رأسك، قال:
فأقاموا عنده شهرا كلما ركب أمشاهم معه ويقول لصعصعة: يا ابن الخطية! إن من لم

(1) في تاريخ الطبري: النخعي. بدل: الهمداني.
(2) في أسد الغابة 3: 403: كان ممن سيره عثمان رضي الله عنه إلى الشام من أهل الكوفة.
36

يصلحه الخير أصلحه الشر، مالك لا تقول كما كنت تقول لسعيد ومعاوية؟ فيقولون:
نتوب إلى الله، أقلنا أقالك الله، فما زال ذاك دأبه ودأبهم حتى قال: تاب الله عليكم. فكتب
إلى عثمان يسترضيه عنهم ويسأله فيهم فردهم إلى الكوفة.
تاريخ الطبري 5: 88 - 90، الكامل لابن الأثير 3: 57 - 60، شرح ابن أبي
الحديد 1: 158 - 160 ورأى هذه الصورة أصح ما ذكر في القضية، تاريخ ابن خلدون
2: 387 - 389، تاريخ أبي الفدا ج 1: 168 في حوادث سنة 33.
قال الأميني: كان في عظمة أكثر هؤلاء القوم وصلاحهم المتسالم عليه وتقواهم
المعترف بها مرتدع من أذاهم وإجفالهم عن مستوى عزهم وموطن إقامتهم وتسييرهم
من منفي إلى منفى، والإصاخة إلى سعاية ذلك الشاب المستهتر والله سبحانه يقول:
إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (1)
وكان على الخليفة أن يبعث إليه باللائمة بل يعاقبه على ما فرط في جنب أولياء الله
بتسميته إياهم السفهاء وهم قراء المصر، وزعماء الملأ، ونساك القطر، وفقهاء القارة، وهم
القدوة في التقوى والنسك، وبهم الأسوة في الفقه والأخلاق، ولم يكن عليهم إلا عدم
التنازل لميول ذلك الغلام الزائف، وعدم مماشاتهم إياه على شهواته ومزاعمه، وهلا أستشف
الخليفة حقيقة ما شجر بينه وبين القوم حتى يحكم فيه بالحق، لكنه بدل أن يتخذ تلكم
الطريقة المثلى في القضية استهواه ذلك الشاب المترف فمال إليه بكله، ونال من القوم
ما نال، وأوقع بهم ما حبذه له الحب والمعمي والمصم، لكن الدين وملأه أنكرا ذلك عليه
وحفظه التاريخ مما نقم به على عثمان.
كانت لائمة معاوية للقوم مزيجها الملاينة لاعن حلم، وخشونة لا يستمر عليها،
كل ذلك لم يكن لنصرة حق أو ابتغاء إصلاح، وإنما كان يكاشفهم جلبا لمرضاة الخليفة،
ويوادعهم لما كان يدور في خلده من هوى الخلافة غدا، وكان يعرف القوم بالشدة
والمتبوعية، فما كان يروقه قطع خط الرجعة بينه وبينهم متى تسنى له الحصول على
غايته المتوخاة، وكانت هذه الخواطر لا تبارحه، ولا يزال هو يعد الدقائق والثواني
للتوصل إليها، وكان أحب الأشياء إليه اكتساح العراقيل دونها، ولذلك أطلق سراح

(1) سورة الحجرات: 6.
37

القوم وتثبط عن النهضة لنصرة عثمان لما استنصره (كما سيأتي تفصيله) حتى قتل و
معاوية في الخاذلين له.
وأما ابن خالد فقد مجرى أبيه في الفظاظة والغلظة، فلم يعاملهم إلا بالرعونة
ولم يجاملهم إلا بالقسوة، وكل إناء بالذي فيه ينضح.
وهاهنا نوقفك على نبذ من أحوال من يهمك الوقوف على حياته الثمينة من
أولئك الرجال المنفيين الأبرار، حتى تعلم أن ما تقولوه فيهم وفعلوه بهم في منتأى
عنهم، وإنما كان ذلك ظلما وعدوانا، وتعلم أن ابن حجر مائن فيما يصف به الأشتر
من المروق (1) غير مصيب في قذفه، متجانف للإثم في الدفاع عن عثمان بقوله: إن
المجتهد لا يعترض عليه في أموره الاجتهادية، لكن أولئك الملاعين المعترضون لا فهم
لهم بل ولا عقل (2).
الأشتر
1 - مالك بن الحارث الأشتر، أدرك النبي الأعظم وقد أثنى عليه كل من
ذكره، ولم أجد أحدا يغمز فيه، وثقة العجلي وذكره ابن حبان في الثقات، ولا يحمل
عدم رواية أي إمام عنه على تضعيفه، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب 10: 12: قال
مهنا: سألت أحمد عن الأشتر يروي عنه الحديث؟ قال: لا. قال: ولم يرد أحمد بذلك
تضعيفه، وإنما نفى أن تكون له رواية. وكفاه فضلا ومنعة كلمات مولانا أمير المؤمنين
في الثناء عليه في حياته وبعد المنون، وإليك بعض ما جاء في ذلك البطل العظيم:
1 - من كتاب لمولانا أمير المؤمنين كتبه إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر:
أما بعد: فقد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن
الأعداء ساعات الروع، أشد على الفجار من حريق النار. و هو: مالك بن الحارث
أخو مذحج فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق، فإنه سيف من سيوف الله،
لا كليل الظبة (1) ولا نابي الضريبة، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن
تقيموا فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم، ولا يؤخر ولا يقدم إلا عن أمري، وقد

(1) راجع الصواعق ص 68.
(2) راجع الصواعق ص 68.
38

آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم، وشد شكيمته على عدوكم. إلخ.
تاريخ الطبري 9: 55، نهج البلاغة 2: 61، شرح ابن أبي الحديد 2: 30.
صورة أخرى
رواها الشعبي من طريق صعصعة بن صوحان.
أما بعد: فإني قد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل
عن الأعداء حذار الدوائر، لا نأكل من قدم، ولا واه في عزم، من أشد عباد الله بأسا،
وأكرمهم حسبا، أضر على الفجار من حريق النار، وأبعد الناس من دنس أو عار،
وهو: مالك بن الحرث الأشتر، حسام صارم، لا نابي الضريبة، ولا كليل الحد، حكيم
في السلم، رزين في الحرب، ذو رأي أصيل، وصبر جميل، فاسمعوا له وأطيعوا أمره،
فإن أمركم بالنفر فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم
إلا بأمري، وقد آثرتكم به نفسي نصيحة لكم، وشدة شكيمته على عدوكم. إلخ (2).
2 - من كتاب للمولى أمير المؤمنين كتبه إلى أميرين من أمراء جيشه.
وقد أمرت عليكما وعلى من في حيز كما مالك بن الحارث الأشتر، فاسمعا له
وأطيعا واجعلاه درعا ومجنا، فإنه ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا بطؤه عما
الاسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل.
قال ابن أبي الحديد في شرحه 3: 417: فأما ثناء أمير المؤمنين عليه السلام عليه في هذا
الفصل فقد بلغ مع اختصاره ما لا يبلغ بالكلام الطويل، ولعمري كان الأشتر أهلا
لذلك، كان شديد البأس جوادا رئيسا حليما فصيحا شاعرا، وكان يجمع بين اللين
والعنف، فيسطو في موضع السطوة، ويرفق في موضع الرفق، ومن كلام عمر: إن هذا
الأمر لا يصلح إلا لقوي في غير عنف، ولين في غير ضعف. ا ه‍.
3 - من كتاب كتبه مولانا أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر يذكر فيه الأشتر
فيقول:
إن الرجل الذي كنت وليته مصر كان لنا نصيحا، وعلى عدونا شديدا، وقد

(1) الظبة بتخفيف الموحدة: حد السيف.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 29، جمهرة الرسائل: 1: 549.
39

استكمل أيامه، ولاقى حمامه، ونحن عنه راضون، فرضي الله عنه، وضاعف له الثواب،
وأحسن له المآب.
تاريخ الطبري 6: 55، نهج البلاغة 2: 59، الكامل لابن الأثير 3: 153،
شرح ابن أبي الحديد 2: 30.
4 - لما بلغ عليا (أمير المؤمنين) موت الأشتر قال: إنا لله وإنا إليه راجعون
والحمد لله رب العالمين،. اللهم إني أحتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر. ثم
قال: رحم الله مالكا فقد كان وفى بعهده، وقضى نحبه، ولقي ربه، مع أنا قد وطنا
أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنها من أعظم المصائب، قال المغيرة الضبي: لم يزل أمر علي شديدا حتى مات الأشتر (1).
5 - عن جماعة من أشياخ النخع قالوا: دخلنا على علي أمير المؤمنين حين بلغه موت
الأشتر فوجدناه يتلهف و يتأسف عليه ثم قال: لله در مالك، وما مالك؟ لو كان من
جبل لكان فندا (2)، ولو كان من حجر لكان صلدا، أما والله ليهدن موتك عالما،
وليفرحن عالما، على مثل مالك فليبك البواكي، وهل موجود كما لك؟.
وقال علقمة بن قيس النخعي: فما زال على يتلهف ويتأسف حتى ظننا أنه المصاب
دوننا، وعرف ذلك في وجهه أياما.
وفي لفظ الشريف الرضي والزبيدي: لو كان جبلا لكان فندا، لا يرتقيه حافر،
ولا يوفى عليه الطائر.
نهج البلاغة 2: 239، شرح ابن أبي الحديد 2: 30، لسان العرب 4: 336،
الكامل لابن الأثير 3: 153، تاج العروس 2: 454.
6 - قال ابن أبي الحديد في شرحه 3: 416: كان فارسا شجاعا رئيسا من أكابر
الشيعة وعظمائها، شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين عليه السلام و نصره وقال فيه بعد موته: رحم
الله مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
7 - دس معاوية بن أبي سفيان للأشتر مولى عمر فسقاه شربة سويق فيها سم فمات

(1) شرح ابن أبي الحديد 2: 29.
(2) الفند بالكسر: القطعة العظيمة من الجبل.
40

فلما بلغ معاوية موته قام خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد: فإنه
كانت لعلي بن أبي طالب يدان يمينان قطعت إحداهما يوم صفين وهو عمار بن ياسر، و
قطعت الأخرى اليوم وهو مالك الأشتر. تاريخ الطبري 6: 255، الكامل لابن الأثير
3: 153، شرح ابن أبي الحديد 2: 29.
قال الأميني: ما أجرأ الطليق ابن الطليق الطاغية على السرور والتبهج بموت الأخيار
الأبرار بعد ما يقتلهم، ويقطع عن أديم الأرض أصول بركاتهم، ويبشر بذلك أمته
الفئة الباغية، ويأمرهم بالدعاء عليهم، أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة
هم الأخسرون، وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا؟.
8 - وقبل هذه كلها ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دفن أبي ذر سيد غفار
من قوله في لفظ الحاكم وأبي نعيم وأبي عمر: ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض يشهده
عصابة من المؤمنين. وفي لفظ البلاذري: يلي دفنه رهط صالحون. وقد دفنه مالك
الأشتر وأصحابه الكوفيون كما في أنساب البلاذري 5: 55، وحلية الأولياء لأبي نعيم
1: 17، والمستدرك للحاكم 3: 337، والاستيعاب لأبي عمر 1: 83، وشرح ابن
أبي الحديد، 3: 416 فقال: هذا الحديث يدل فضيلة عظيمة للأشتر رحمه الله وهي شهادة
قاطعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه مؤمن.
قال الأميني: ما أبعد المسافة بين هذه الشهادة وبين وصف ابن حجر إياه في
الصواعق ص 68 بالمروق وعدم الفهم والعقل، ولعنه إياه وأصحابه الصلحاء، وقد عزب
عنه أنه لا يلفظ من قول إلا ولديه رقيب عتيد.
نحن لسنا الآن في صدد التبسط في فضائل مالك وتحليل نفسياته الكريمة
ومآثره الجمة وإلا لأريناك منه كتابا ضخما، ولقد ناء بشطر مهم منها الفاضلان الشريفان
السيد محمد الرضا آل السيد جعفر الحكيم النجفي، وابن عمه السيد محمد التقي بن
السيد السعيد الحكيم النجفي في كتابيهما المطبوعين المخصوصين بمالك، وقد سبقهما
إلى ذلك بعض علمائنا السابقين، يوجد كتابه المخطوط في مكتبة مولانا الإمام الرضا عليه السلام
بخراسان المشرفة، حيا الله حملة العلم سلفا وخلفا.
2 - زيد بن صوحان العبدي الشهير بزيد الخير، أدرك النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وترجمه
41

أبو عمر وابن الأثير وابن حجر في معاجم الصحابة، قال أبو عمر: كان فاضلا دينا سيدا
في قومه.
أخرج أبو يعلى وابن مندة والخطيب وابن عساكر من طريق علي عليه السلام مرفوعا:
من سره أن ينظر إلى من يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان.
وفي حديث آخر: الأقطع الحبر زيد، زيد رجل من أمتي تدخل الجنة يده
قبل بدنه - قطعت يده يوم القادسية -.
وفي حديث أخرجه ابن مندة وأبو عمر وابن عساكر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد
وما زيد؟ يسبقه بعض جسده إلى الجنة ثم يتبعه سائر جسده إلى الجنة.
وأخرج ابن عساكر من طريق الحكم بن عيينة قال: لما أراد زيد أن يركب
دابته أمسك عمر بركابه ثم قال لمن حضره: هكذا فاصنعوا بزيد وإخوته وأصحابه.
تاريخ ابن عساكر 6: 11 - 13، تاريخ الخطيب 8: 440، الاستيعاب 1: 197،
أسد الغابة 3: 234، بهجة المحافل 2: 237، الإصابة 1: 582.
وفي الفائق للزمخشري 1: 35: قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: زيد الخير
الأجذم من الخيار الأبرار.
وفي معارف ابن قتيبة ص 176: كان من خيار الناس، وروي في الحديث أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: زيد الخير الأجذم، وجندب ما جندب؟ فقيل: يا رسول الله! أتذكر رجلين؟
فقال: أما أحدهما فسبقته يده إلى الجنة بثلاثين عاما، وأما الآخر فيضرب ضربة يفصل
بها بين الحق والباطل، فكان أحد الرجلين زيد بن صوحان شهد يوم جلولاء فقطعت
يده وشهد مع علي يوم الجمل فقال: يا أمير المؤمنين! ما أراني إلا مقتولا. قال: وما
علمك بهذا يا أبا سليمان؟ قال: رأيت يدي نزلت من السماء وهي تستشيلني. فقتله عمرو
ابن يثربي وقتل أخاه سليمان يوم الجمل.
وفي تاريخ الخطيب 8: 439: كان زيد يقوم الليل ويصوم النهار وإذا كانت ليلة
الجمعة أحياها، وقال: قتل يوم الجمل وقال: ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم. وفي رواية:
لا تغسلوا عني دما ولا تنزعوا عني ثوبا إلا الخفين، وارمسوني الأرض رمسا فإني
رجل محاج. زاد أبو نعيم: أحاج يوم القيامة.
42

وفي مرآة الجنان لليافعي 1: 99: كان زيد بن سادة التابعين صواما قواما و
في شذرات الذهب 1: 44: من خواص علي من الصلحاء الأتقياء.
وقال عقيل بن أبي طالب لمعاوية في حديث مروج الذهب 2: 75: أما زيد و
عبد الله (أخوه) فإنهما نهران جاريان يصب فيهما الخلجان، ويغاث بهما اللهفان،
رجلا جد لا لعب معه.
ووصفه أخوه صعصعة لابن عباس لما قال له: أين أخواك منك زيد وعبد الله؟ صفهما
فقال: كان " زيد " والله يا ابن عباس عظيم المروة، شريف الأخوة، جليل الخطر،
بعيد الأثر، كميش العروة، أليف البدوة، سليم جوانح الصدر، قليل وساوس الدهر،
ذاكر الله طرفي النهار وزلفا من الليل، الجوع والشبع عنده سيان، لا ينافس في الدنيا،
وأقل في أصحابه من ينافس فيها، يطيل السكوت، ويحفظ الكلام، وإن ينطق نطق بمقام
يهرب منه الدعار الأشرار، ويألفه الأحرار الأخيار. فقال ابن عباس: ما ظنك برجل
من أهل الجنة، رحم الله زيدا.
3 - صعصعة بن صوحان العبدي أخو زيد الخير المذكور، ذكر في معاجم الصحابة
قال أبو عمر: كان مسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلقه ولم يره. كان سيدا فصيحا
خطيبا دينا. قال الشعبي: كنت أتعلم منه الخطب، وقال عقيل بن علي بن أبي طالب
لمعاوية في حديث: أما صعصعة فعظيم الشأن، عضب اللسان، قائد فرسان، قاتل أقران،
يرتق ما فتق، ويفتق ما رتق، قليل النظير، وقال ابن الأثير: كان سيدا من سادات قومه
عبد القيس، وكان فصيحا خطيبا لسنا دينا فاضلا يعد في أصحاب علي رضي الله عنه.
له مع عثمان محاورة سيوافيك شئ منها، ومواقفه مع معاوية ذكرت جملة منها
في مروج الذهب 2: 76 - 83، وتاريخ ابن عساكر 6: 424 - 427، وثقه ابن سعد
والنسائي وابن حبان وابن عساكر وابن الأثير وابن حجر.
أخرج ابن شبة أن عمر بن الخطاب قسم المال الذي بعث إليه أبو موسى وكان
ألف ألف درهم وفضلت منه فضلة فاختلفوا عليه حيث يضعها فقام خطيبا فحمد الله وأثنى
عليه وقال: أيها الناس قد بقيت لكم فضلة بعد حقوق الناس فما تقولون فيها؟ فقام صعصعة
بن صوحان وهو غلام شاب فقال: يا أمير المؤمنين! إنما تشاور الناس لم ينزل الله
43

فيه قرآنا، أما ما أنزل الله به القرآن ووضعه مواضعه فضعه في مواضعه التي وضعه الله
تعالى فيها فقال: صدقت أنت مني وأنا منك. فقسمه بين المسلمين.
راجع طبقات ابن سعد، مروج الذهب، تاريخ ابن عساكر، الاستيعاب، أسد
الغابة، الإصابة، تهذيب التهذيب، خلاصة الجزري.
4 - جندب بن زهير الأزدي، صحابي مترجم له في الاستيعاب، وأسد الغابة،
والإصابة وله في يومي الجمل وصفين مواقف محمودة مع أمير المؤمنين عليه السلام.
5 - كعب بن عبدة، سمعت فيما مر عن البلاذري إنه كان ناسكا.
6 - عدي بن حاتم الطائي، صحابي عظيم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة 7 لم
يختلف اثنان في ثقته أخرج حديثه أئمة الصحاح الست، وقد أثنى عليه عمر بن الخطاب لما
قال له: يا أمير المؤمنين أتعرفني؟ فقال: نعم والله إني لأعرفك، أكرمك الله بأحسن
المعرفة، أعرفك والله آمنت إذ كفروا، وعرفت إذ أنكروا، ووفيت إذ غدروا، وأقبلت
إذ أدبروا، وإن أول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه صدقة طئ
جئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ يعتذر.
أخرجه أحمد في المسند 1: 45، وابن سعد في الطبقات، ومسلم في صحيحه،
وأبو عمر في الاستيعاب، والخطيب في تاريخه، وابن الأثير في أسد الغابة وفيه: إنه
كان منحرفا عن عثمان، وابن حجر في تهذيب التهذيب 7: 166.
وأعجب ما أجده من التحريف في تاريخ الخطيب ما أخرجه في ج 1: 191 بالإسناد
عن المغيرة قال: خرج عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله البجلي، وحنظلة الكاتب من
الكوفة فنزلوا قرقيساء وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان.
والصواب: يشتم فيه علي. فبدلت يد التحريف عليا بعثمان وذكره على علاته
ابن حجر في تهذيب التهذيب 7: 167.
توجد ترجمة عدي في الاستيعاب، تاريخ بغداد ج 1، أسد الغابة، الإصابة،
تهذيب التهذيب.
7 - مالك بن حبيب. له إدراك عد من الصحابة.
8 - يزيد بن قيس الأرحبي. له إدراك وكان رئيسا كبيرا عظيما عند الناس ولما
44

ثار أهل الكوفة على عثمان اجتمع قراء الكوفة وأمروه، وكان مع علي في حروبه و
ولاه شرطته ثم ولاه أصبهان والري وهمذان وهو المعني في قول ثمامة:
معاوي إن لا تسرع السير نحونا * فبايع عليا أو يزيد اليمانيا
وله يوم صفين مواقف وخطابات تعرب عن نفسياته الكريمة وملكاته الفاضلة،
تذكر وتشكر، ذكر جملة منها ابن مزاحم في كتاب صفين، والطبري في تاريخه، وابن
الأثير في الكامل، ومما ذكروه قوله:
إن المسلم السليم من سلم دينه ورأيه، إن هؤلاء القوم ما إن يقاتلونا على
إقامة دين رأونا ضيعناه، ولا إحياء عدل رأونا أمتناه، ولا يقاتلونا إلا على إقامة الدنيا،
ليكونوا جبابرة فيها ملوكا، فلو ظهروا عليكم - لا أراهم الله ظهورا ولا سرورا - إذا
ألزموكم مثل سعيد والوليد وعبيد الله بن عامر السفيه، يحدث أحدهم في مجلسه بذيت
وذيت، ويأخذ مال الله ويقول: هذا لي ولا إثم علي فيه، كأنما أعطي تراثه من أبيه،
وإنما هو مال الله أفاءه علينا بأسيافنا ورماحنا، قاتلوا، عباد الله! القوم الظالمين الحاكمين
بغير ما أنزل الله، ولا تأخذكم في جهادهم لومة لائم، إنهم إن يظهروا عليكم يفسدوا
دينكم ودنياكم، وهم من قد عرفتهم وجربتم، والله ما أرادوا إلى هذا إلا شرا، واستغفر الله
العظيم لي ولكم (1).
9 - عمرو بن الحمق (2) بن حبيب الخزاعي الكعبي. صحب النبي الأعظم وحفظ
عنه أحاديث، وحظي بدعائه صلى الله عليه وآله وسلم له لما سقاه لبنا وبقوله: اللهم أمتعه بشبابه فاستكمل
الثمانين من عمره ولم ير شعرة بيضاء (3) أخرج حديثه البخاري في التعاليق، وابن ماجة
والنسائي وغيرهم، وكان من أعوان حجر بن عدي سلام الله عليه وعليهم، ترجمه أبو عمر
في الاستيعاب، وابن الأثير في أسد الغابة، وابن حجر في الإصابة، ولم أجد كلمة
غمز لأي أحد فيه مع قولهم: كان ممن سار إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أحد

(1) كتاب صفين ص 279، تاريخ الطبري 6: 10، شرح ابن أبي الحديد 1:
485، الإصابة
3: 675.
(2) بفتح المهملة وكسر الميم.
(3) أسد الغابة 4: 100، الإصابة 2: 533.
45

الأربعة الذين دخلوا عليه الدار فيما ذكروا أو صار بذلك من شيعة علي. وقولهم:
إنه كان ممن قام على عثمان. وقولهم: كان أحد من ألب على عثمان.
وله يوم صفين مواقف مشكورة وكلم قيمة خالدة مع الأبد تعرب عن إيمانه
الخالص، وروحه النزحة الطاهرة، راجع كتاب صفين لابن مزاحم ص 115، 433،
454، 551.
قال ابن الأثير في أسد الغابة 4: 101: قبره مشهور بظاهر الموصل يزار، وعليه
مشهد كبير ابتدأ بعمارته أبو عبد الله سعيد بن حمدان - وهو ابن عم سيف الدولة وناصر
الدولة ابني حمدان - في شعبان من سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وجرى بين السنة
والشيعة فتنة بسبب عمارته.
10 - عروة بن الجعد، ويقال: أبي الجعد البارقي الأزدي، صحابي مرضي مترجم
له في معاجم الصحابة: الاستيعاب، أسد الغابة، الإصابة. روى حديث: الخيل معقود في
نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم. قال شيب بن غرفدة: رأيت في دار عروة
سبعين فرسا رغبة في رباط الخيل (1) أخرج حديثه أئمة الصحاح الست فيها.
11 - أصعر بن قيس بن الحارث الحارثي: له إدراك ذكره ابن حجر في الإصابة
1: 109.
12 - كميل بن زياد النخعي، كان شريفا في قومه قتله الحجاج سنة 42، وثقه
ابن سعد، وابن معين، والعجلي، وابن عمار، وذكره ابن حبان في الثقات (2).
13 - الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، من رواة الصحاح الأربعة من الستة
قال ابن معين: ثقة. وقال ابن أبي داود: كان أفقه الناس، وأحسب الناس، وأفرض
الناس، تعلم الفرائض من علي قال ابن أبي خيثمة: قيل ليحيى: يحتج بالحارث؟
فقال: ما زال المحدثون يقلبون حديثه. وقال أحمد بن صالح المصري: ثقة ما أحفظه وما
أحسن ما روى عن علي وأثنى عليه. ووثقه ابن سعد.
وهناك من كذبه والعمدة في ذلك الشعبي. قال ابن عبد البر في كتاب العلم:

(1) صحيح البخاري في المناقب باب قول الله تعالى: يعرفونه كما يعرفون أبنائهم.
(2) تهذيب التهذيب 8: 447.
46

أظن الشعبي عوقب بقوله في الحارث: كذاب، ولم يبن من الحارث كذبه، وإنما نقم عليه
إفراطه في حب علي.
وقال أحمد بن صالح: لم يكن الحارث يكذب في الحديث، إنما كان كذبه في رأيه
وقال الذهبي: والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به والجمهور على توهينه
مع روايتهم لحديثه في الأبواب.
(تهذيب التهذيب 2: 145، 147)
فمحصل القول في الهمداني: إنه لا مغمز فيه غير نزعته العلوية الممدوحة عند الله
وعند رسوله.
- 44 - تسيير الخليفة كعب بن عبدة وضربه
كتب جماعة من القراء إلى عثمان منهم معقل بن قيس الرياحي، وعبد الله بن
الطفيل العامري، ومالك بن حبيب التميمي، ويزيد بن قيس الأرحبي، وحجر بن عدي
الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وسليمان بن صرد الخزاعي ويكنى أبا مطرف،
والمسيب بن نجبة الفزاري، وزيد بن حصن الطائي، وكعب بن عبدة النهدي، وزياد
ابن النضر بن بشر بن مالك بن الديان الحارثي، ومسلمة بن عبد القاري من القارة من
بني الهون بن خزيمة بن مدركة.
إن سعيدا كثر على قوم من أهل الورع والفضل والعفاف فحملك في أمرهم على
ما لا يحل في دين ولا يحسن في سماع، وإنا نذكرك الله في أمة محمد، فقد خفنا أن
يكون فساد أمرهم على يديك، لأنك قد حملت بني أبيك على رقابهم، واعلم أن لك
ناصرا ظالما، وناقما عليك مظلوما، فمتى نصرك الظالم ونقم عليك الناقم تباين الفريقان
واختلفت الكلمة، ونحن نشهد عليك الله وكفى به شهيدا، فإنك أميرنا ما أطعت الله و
استقمت، ولن تجد دون الله ملتحدا ولا عنه منتقذا.
ولم يسم أحد منهم نفسه في الكتاب وبعثوا به مع رجل من عنزة يكنى أبا
ربيعة وكتب كعب بن عبدة كتابا من نفسه تسمى فيه ودفعه إلى أبي ربيعة، فلما قدم
أبو ربيعة على عثمان سأله عن أسماء الذين كتبوا الكتاب فلم يخبره فأراد ضربه و
حبسه فمنعه علي من ذلك وقال: إنما هو رسول أدى ما حمل، وكتب عثمان إلى
47

سعيد أن يضرب كعب بن عبدة عشرين سوطا، ويحول ديوانه إلى الري. ففعل ثم إن
عثمان تحوب وندم فكتب في إشخاصه إليه ففعل فلما ورد عليه قال له: إنه كانت مني
طيرة ثم نزع ثيابه وألقى إليه سوطا وقال: اقتص، فقال: قد عفوت يا أمير المؤمنين!.
ويقال: إن عثمان لما قرأ كتاب كعب كتب إلى سعيد في إشخاصه إليه فأشخصه
إليه مع رجل أعرابي من أعراب بني أسد فلما رأى الأعرابي صلاته وعرف نسكه
وفضله قال:
ليت حظي من مسيري بكعب * عفوه عني وغفران ذنبي
فلما قدم به على عثمان قال عثمان: لأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه وكان
شابا حديث السن نحيفا ثم أقبل عليه فقال: أأنت تعلمني الحق وقد قرأت كتاب الله
وأنت في صلب رجل مشرك؟ فقال له كعب: إن إمارة المؤمنين إنما كانت لك بما
أوجبته الشورى حين عاهدت الله على نفسك في (أن) تسيرن بسيرة نبيه، لا تقصر عنها
وإن يشاورونا فيك ثانية نقلناها عنك، يا عثمان! إن كتاب الله لمن بلغه وقرأه وقد
شركناك في قرائته، ومتى لم يعمل القارئ بما فيه كان حجة عليه. فقال عثمان: والله ما
أظنك تدري أين ربك؟ فقال: هو بالمرصاد. فقال مروان: حلمك أغرى مثل هذا بك
وجرأء عليك. فأمر عثمان بكعب فجرد وضرب عشرين سوطا، وسيره إلى دباوند (1)
ويقال: إلى جبل الدخان، فلما ورد على سعيد حمله مع بكير بن حمران الأحمري فقال:
الدهقان الذي ورد عليه: لم فعل بهذا الرجل ما أرى؟ قال بكير: لأنه شرير فقال:
إن قوما هذا من شرارهم لخيار.
ثم إن طلحة والزبير وبخا عثمان في أمر كعب وغيره وقال طلحة: عند غب الصدر
يحمد عاقبة الورد. فكتب في رد كعب رضي الله عنه وحمله إليه فلما قدم عليه نزع ثوبه
وقال: يا كعب! اقتص. فعفا رضي الله عنهم أجمعين (2)
وعد الحلبي في السيرة 2: 87 من جملة ما انتقم به على عثمان: إنه ضرب كعب

(1) بفتح المهملة وتضم ويقال: دنباوند، ودماوند بالميم بدل الموحدة: كورة من كورة الري
(2) أنساب البلاذري 5: 41 - 43، تاريخ الطبري 5: 137، الرياض النضرة 2: 140 -
149، شرح ابن أبي الحديد 1: 168، الصواعق ص 68، واللفظ للبلاذري.
48

ابن عبدة عشرين سوطا ونفاه إلى بعض الجبال.
قال الأميني: ألا تعجب في أمر هذا الخليفة أن مناوئيه كلهم في عاصمة الخلافة
وبقية الأوساط الإسلامية خيار البلاد وصلحاء الأمة؟ كما أن من اكتنف به وأغراه
بالأبرار هم المتهتكون في الدين، المفضوحون بالسمعة الشائنة، رواد الشره،
وسماسرة المطامع، من طغمة الأمويين ومن يقتص أثرهم، فلا ترى له سوط عذاب
يرفع إلا وكان مصبه أولئك الصالحون، كما أنك لا تجد جميلا له يسدى ولا يدا موفورة
إلا لأولئك الساقطين، فهل بعث الخليفة (وهو رحمة للعالمين) نقمة على المؤمنين؟
أم ماذا كانت حقيقة الأمر؟ أنا لا أدري لماذا أسخط الخليفة كتاب القوم فأراد بحامله
السوء من حبس وضرب بعد يأسه عن معرفة كاتبيه لولا أن عليا أمير المؤمنين حال بينه
وبين ما يشتهيه، وهل كان الرجل إلا وسيطا كلف بالرسالة فأداها؟ ولعله لم يكن يعلم
ما فيها، وليس في الكتاب إلا التذكير بالله، والتحذير عما يوجب تفريق الكلمة، وإقلاق
السلام، وإظهار الطاعة بشرط طاعة الله والاستقامة الذي هو مأخوذ في الخليفة قبل
كل شئ (وعليه جرى انتخاب يوم الشورى) وإيقافه على مكان سيعد الشاب الغر من
السعاية التي خافوا أن تكون، وبالا عليه، وبالأخير وقع ما خافوا منه وحذروا الخليفة
عنه، والشهادة لأولئك المنفيين بالبراءة مما نبزوا به وأنهم من أهل الورع والفضل
والعفاف، وإن تسييرهم لا يحل في دين الله، ويشوه سمعة الخليفة.
ولماذا أغضبه كتاب كعب؟ وهو بطبع الحال لدة ما كتبه القوم من النصح الجميل.
ولماذا أمر بإشخاصه إلى المدينة وضربه وجازاه على نصحه بجزاء سنمار؟
فهلا انبعث الخليفة إلى التفاهم مع القوم فيما أظهروا أنهم يتحرون ما فيه صلاحه
وصلاح الأمة؟ فإما أن يقنعهم بما عنده، أو يقتنع بما يبدونه، فيرتفع ذلك الحوار،
وتدفع عنه المثلات، لكنه أبى إلا أن يستمر على ما ارتآه وحبذه له المحتفون به
الذين اتخذوه قنطرة إلى شهواتهم، ولذلك لم يتفاهم مع كعب إلا بالغلظة فقال له:
أأنت تعلمني. الخ. أنا لا أدري موقع هذا الكلام التافه، هل الكون في صلب رجل
مشرك يحط من كرامة الانسان وقد آمن بالله ورسوله؟ إذن لتسرب النقص إلى الصحابة
الذين نقلوا من أصلاب المشركين وارتكضوا في أرحام المشركات، وكثير منهم أشركوا
49

بالله قبل إسلامهم، لكن الاسلام يجب ما قبله، وهل الأصلاب والأرحام إلا أوعية؟
ثم السبق إلى قراء الكتاب العزيز هل هو بمجرده يرفع من قدر الرجل حتى إذا
لم يعمل به كما أجاب به وفصله كعب؟
ولا أدري ما يريد الخليفة بقوله: والله ما أظنك تدري أين ربك. هل هو يريد
المكان؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وأي مسلم لا يعرف أن ربه لا يقله حيز، فإنه
حري بالسقوط، وما أحسن جواب كعب من قوله: هو بالمرصاد، فإن كان يريد مثل
ما قاله كعب فلماذا احتمل أن مثل كعب الموصوف بالفضيلة والتقوى لا يعرف ذلك؟
وهل يريد عندئذ إلا إهانة الرجل وهتكه؟
ثم ماذا كان في هذه المحاورة حتى عند مروان سكوت الخليفة عنه من الحلم وكلام
كعب من الجرأة وثور الخليفة على الرجل؟ وهنالك انفجر بركان غضبه فأمر به فجرد
وضرب وسير، وعوقب لنصحه وصلاحه، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
لقد أراد القوم أن يزحزحوا التبعة عن عثمان فاختلق كل شيئا من غير تواطؤ
بينهم حتى يفتعلوا أمرا واحدا، ففي ذيل هذه الرواية إن الخليفة ندم على ما فعل وتاب
بعد توبيخ طلحة والزبير إياه واستعفى الرجل فعفى عنه، ولم يعلم المتقول أن خليفة
لا يملك طيشه حيث لا موجب له لا يأتمن على دين ولا دنيا، فإن من الممكن عندئذ أن
يقتحم المهالك حيث لا موبخ فيستمر عليها فيهلك ويهلك، وإن مما قاله الخليفة نفسه
يوم الدار عن الثائرين عليه: إنهم يخيروني إحدى ثلاث: إما يقيدونني بكل رجل أصبته
خطأ أو صوابا غير متروك منه شئ، فقلت لهم: أما إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي
خلفاء تخطئ وتصيب فلم يستقد من أحد منهم. الخ. وهذه الكلمة تعطينا أنه ما كان
يتنازل للإقادة حتى في أحرج ساعاته المشارفة لقتله، فكيف بآونة السعة وساعة المقدرة؟
فما يزعمه هذا الناحت لذيل الرواية من أنه تنازل لكعب لأن يقيده بنفسه لا يكاد يلائم
مع هذه النفسية، ولو كان فعل شيئا من ذلك لتشبث به في ذلك المأزق الحرج.
وهناك رواية أخرى جاء، بها الطبري من طريق السري الكذاب المتروك عن
شعيب المجهول عن سيف الوضاع المرمي بالزندقة المتفق على ضعفه (1) عن محمد وطلحة

(1) راجع ما مر في ج 8: 84، 140، 141، 326 333 من كلمات الحفاظ حول
رجال الاسناد.
50

أن كعبا كان يعالج نيرنجا (1) فبلغ ذلك عثمان فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك
فإن أقر به فأوجعه فدعا به فسأله فقال: إنما هو رفق وأمر يعجب منه فأمر به فعزر
وأخبر الناس خبره وقرأ عليهم كتاب عثمان: إنه قد جد بكم فعليكم بالجد وإياكم
والهزال فكان الناس عليه وتعجبوا من وقوف عثمان على مثل خبره فغضب فنفر في
الذين نفروا فضرب معهم فكتب إلى عثمان فيه، فلما سير إلى الشام من سير سير
كعب بن ذي الحبكة ومالك بن عبد الله وكان دينه كدينه إلى دنباوند لأنها أرض
سحرة فقال في ذلك كعب بن ذي الحبكة للوليد.
لعمري لئن طردتني ما إلى التي * طمعت بها من سقطتي لسبيل
رجوت رجوعي يا ابن أروى ورجعتي * إلى الحق دهرا غال ذلك غول
وإن اغترابي في البلاد وجفوتي * وشتمي في ذات الإله قليل
وإن دعائي كل يوم وليلة * عليك بدنباوندكم لطويل
فلما ولى سعيد أقفله وأحسن إليه واستصلحه فكفره فلم يزدد إلا فسادا (2)
شوه الطبري صحيفة تاريخه بمكاتبات السري وقد أسلفنا في الجزء الثامن أنها موضوعة
كلها، اختلق الرجل في كل ما ينتقد به عثمان رواية تظهر فيها لوائح الكذب، يريد بها
رفاء لما هنالك من فتق، وهو الذي قذف أبا ذر ونظرائه من الصالحين، غير مكترث
لمغبة الكذب والافتراء، ومن ملامح الكذب في هذه الرواية أن تسيير من سير إلى
الشام من قراء الكوفة ونساكها وضرب كعب إنما هو على عهد سعيد بن العاص
لا الوليد بن عقبة كما زعمه مختلق الرواية.
وإن كتاب عثمان إلى الوليد لا يصلح ولم يؤثر في أي من مدونات التاريخ والسير
ولو كان تفرد به أناس يوثق بهم لكان مجالا للقبول، لكن الرواية كما قيل:
صحاحهم عن سجاح عن مسيلمة * عن ابن حيان والدوسي يمليه
وكلهم ينتهي إسناد باطله * إلى عزازيل منشيه ومنهيه (3)

(1) النيرج والنيرج: أخذ كالسحر وليس به.
(2) تاريخ الطبري 5: 137.
(3) البيتان من قصيدة للشريف ابن فلاح الكاظمي.
51

على أنه يقول فيها: إن وليدا قرأه على رؤس الاشهاد، كأنه يحاول معذرة عما
أرتكب من كعب، وإنه كان برضى من المسلمين، ولو صحت المزعمة لكانت مستفيضة إذ
الدواعي كانت متوفرة على نقلها، لكنهم لم يسمعوها فلم يرووها، مضافا إلى أن المعروف
من كعب بن عبدة أنه كان من نساك الكوفة وقرائها كما سمعته من كلام البلاذري
وغيره لا ممن يتلهى بالنيرنجات وأشباهها.
وإن تعجب فعجب ان صاحب النيرنج - لو صدقت الأحلام - يعزز ويعاقب،
ومعاقر الخمور وليد الفجور لا يحد لشربه الخمر إلا بعد نقمة الصحابة على
خليفة الوقت من جراء ذلك، ثم يكون مقيم الحد عليه غيره وهو مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
ولم يكن في أولئك المسيرين من يسمى مالك بن عبد الله وإنما كان فيهم
مالك بن الحارث الأشتر، ومالك بن حبيب الصحابيان كما تقدم ذكرهما.
وأبيات كعب تناسب أن يخاطب بها عثمان لا الوليد فإنه هو ابن أروى بنت كريز
وفيها صراحة بسبب اغتراب كعب وجفوته وشتمه، وإنها كانت في ذات الله، يقول ذلك
بملأ فمه ولا يرد عليه راد بأنها ليست في ذات الله وإنما هي لأنه كان يعالج نيرنجا.
هكذا لعبت بالتاريخ يد الأهواء والشهوات تزلفا إلى أناس وانحيازا عن
آخرين، فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون.
- 45 - تسيير الخليفة عامر بن عبد قيس التميمي البصري الزاهد الناسك إلى الشام.
أخرج الطبري من طريق العلاء بن عبد الله بن زيد العنبري إنه قال: اجتمع ناس
من المسلمين فتذاكروا أعمال عثمان وما صنع، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا
يكلمه ويخبره بأحداثه، فأرسلوا إليه عامر بن عبد الله التميمي ثم العنبري وهو الذي يدعى
عامر بن عبد قيس فأتاه فدخل عليه فقال له: إن ناسا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في
أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله عز وجل وتب إليه وانزع عنها.
قال له عثمان: انظر إلى هذا فإن الناس يزعمون أنه قارئ ثم هو يجئ فيكلمني في
المحقرات فوالله ما يدري أين الله. قال عامر: أنا لا أدري أين الله؟ قال نعم، والله ما تدري
أين الله. قال عامر: بلى والله إني لأدري إن الله بالمرصاد لك. فأرسل عثمان إلى
52

معاوية بن أبي سفيان، وإلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وإلى سعيد ابن العاص، وإلى
عمرو بن العاص، وإلى عبد الله بن عامر فجمعهم ليشاورهم في أمره وما طلب إليه وما
بلغ عنهم فلما اجتمعوا عنده قال لهم: إن لكل امرئ وزراء ونصحاء وإنكم وزرائي
ونصحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناس ما قد رأيتم، وطلبوا إلي أن أعزل عمالي وأن
أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون فاجتهدوا رأيكم وأشيروا علي.
فقال له عبد الله بن عامر: رأيي لك يا أمير المؤمنين! أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك
وأن تجمرهم في المغازي حتى يذلوا لك، فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه وما هو
فيه من دبرة دابته وقمل فروه.
ثم أقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال له: ما رأيك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن
كنت تريد رأينا فاحسم عنك الداء واقطع عنك الذي تخاف، واعمل برأيي تصب. قال:
وما هو؟ قال: إن لكل قوم قادة متى تهلك يتفرقوا ولا يجتمع لهم أمر. فقال عثمان:
إن هذا الرأي لولا ما فيه.
ثم أقبل على معاوية فقال: ما رأيك؟ قال: أرى لك يا أمير المؤمنين! أن ترد
عمالك على الكفاية لما قبلهم وأنا ضامن لك قبلي.
ثم أقبل على عبد الله بن سعد فقال: ما رأيك؟ قال: أرى يا أمير المؤمنين! إن
الناس أهل طمع فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم.
ثم أقبل على عمرو بن عاص فقال له: ما رأيك؟ قال: أرى إنك قد ركبت الناس
بما يكرهون فاعتزم أن تعتدل، فإن أبيت فاعتزم إن تعتزل، فإن أبيت فاعتزم عزما
وامض قدما.
فقال عثمان: مالك قمل فروك؟ أهذا الجد منك؟ فأسكت عنه دهرا حتى إذا
تفرق القوم قال عمرو: لا والله يا أمير المؤمنين! لأنت أعز علي من ذلك، ولكن: قد علمت
أن سيبلغ الناس قول كل رجل منا فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي فأقود إليك خيرا
أو أدفع عنك شرا.
فرد عثمان عماله على أعمالهم وأمرهم بالتضييق على من قبلهم وأمرهم بتجمير
53

الناس في البعوث، وعزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه ويحتاج إليه (1).
وقال البلاذري في الأنساب 5: 57: قال أبو مخنف لوط بن يحيى وغيره: كان عامر
ابن قيس التميمي ينكر على عثمان أمره وسيرته فكتب حمران بن أبان مولى عثمان إلى
عثمان بخبره فكتب عثمان إلى عبد الله بن عامر بن كريز في حمله فحمله فلما قدم عليه فرآه
وقد أعظم الناس إشخاصه وإزعاجه عن بلده لعبادته وزهده، ألطفه وأكرمه ورده
إلى البصرة.
وروى ابن المبارك في الزهد من طريق بلال بن سعد أن عامر بن عبد قيس
وشي به إلى عثمان، فأمر أن ينفى إلى الشام على قتب، فأنزله معاوية الخضراء وبعث
إليه بجارية وأمرها أن تعلمه ما حاله، فكان يقوم الليل كله ويخرج من السحر فلا يعود
إلا بعد العتمة، ولا يتناول من طعام معاوية شيئا، كان يجئ معه بكسر فيجعلها في ماء
فيأكلها ويشرب من ذلك الماء، فكتب معاوية إلى عثمان بحاله فأمره أن يصله ويدنيه
فقال: لا إرب لي في ذلك.
(الإصابة لابن حجر 3: 85)
وذكر ابن قتيبة في المعارف ص 84 و 194، وابن عبد ربه في العقد الفريد 2:
261، والراغب في المحاضرات 2: 212 جملة مما نقم به على عثمان وعدوا منه: إنه
سير عامر بن عبد قيس من البصرة إلى الشام، وقال ابن قتيبة: كان خيرا فاضلا.
قال الأميني: منظر غريب لعمرك في ذلك اليوم، أليس من المستغرب أن صلحاء
البلاد مضطهدون فيه على بكرة أبيهم؟ فمن راسف تحت نير الاضطهاد، ومن معتقل في
غيابة الجب، ومن مغترب يجفل به من منفى إلى منفى، ومن منقطع عن العطاء، ومن
ممقوت ينظر إليه شزرا، ومن مضروب تدق به أضالعه، إلى المشتوم يهتك به الملأ الديني
لماذا ذلك كله؟ لأنهم غضبوا للحق، وأنكروا المنكر، فهلا كان في وسع من يفعل
بهم ذلك إقناعهم بالإقلاع عما ينكرونه وفيه رضا الله قبل كل شئ، ومرضاة رسوله من
بعده، ومرضاة الأمة جمعاء، وبه كانت تدحر عنه المثلاث وتخمد الفتن، وكانت فيه
مجلبة للمودة، ومكتسح للقلاقل، وهو أدعى لجمام النفس، وسيادة الأمن، وإزاحة

(1) أنساب البلاذري 5: 43، تاريخ الطبري 5: 94، الكامل لابن الأثير 3: 62، تاريخ
ابن خلدون 2: 390.
54

الهرج، وكان خيرا له من ارتكاب العظائم بالنفي والضرب والشتم والازعاج والجفوة،
ولو كان الخليفة يرى خطأهم في إنكارهم عليه فإنه كان في وسعه أن يعقد لهم محتفلا
للتفاهم، فإما أن يتنازلوا عن بعض ما أرادوا، أو يتنازل هو عن بعض ما يبتغيه، أو يتكافئا
في التنازل فتقع خيرة الكل على أمر واحد، وكان عقد هذا المنتدى خيرا له مما عقده
للنظر في شأن عامر بن عبد قيس، وجمع خلقا من أصول الجور، وجذوم الفتن، وجراثيم
العيث والفساد، فروع الشجرة الملعونة، وهم الذين جروا إليه الويلات بجورهم وفجورهم
واستعبادهم الأمة وابتغائهم الغوائل، وهملجتهم وراء المطامع، فلم يسمع منهم في ذلك
المجتمع ولا في غيره إلا رأي مستغش، ونظرية خائن، أو أفيكة مائن، أو دسيسة لعين
بلسان النبي الأقدس مرة بعد أخرى، وهو مع ذلك يراهم وزراءه ونصحاءه وأهل ثقته
أولا تعجب من خلافة يكون هؤلاء وزرائها ونصحائها وأهل ثقة صاحبها؟
ثم انظر كيف كان التفاهم بين الرجلين: الخليفة وسفير المسلمين إليه، هذا
يذكره بالتقوى وبالتوبة إلى الله وينهاه عن ارتكاب العظائم التي استعظمها المسلمون العلماء
منهم والقراء والنساك وذووا الرأي والمسكة، والخليفة يعد ما استعظمته الأمة من
المحقرات، ثم يهزأ به ويقذفه بقلة المعرفة مشفوعا ذلك باليمين كما قذف به كعبا و
صعصعة بن صوحان وسمع منهما ما سمعه من عامر لأنهم حملة العلم، والعلم حرف
واحد كثره الجاهلون.
والأعجب كيف يعير الخليفة إلى سعاية حمران بن أبان أذنا واعية وقد رآه
على الفاحشة هو بنفسه وذلك أنه تزوج امرأة في العدة فضربه ونفاه إلى البصرة (1) و
أسر إليه سرا فأخبر به عبد الرحمن بن عوف، فغضب عليه عثمان ونفاه (2) وقال البلاذري
في الأنساب 5: 75: كان عثمان وجه حمران إلى الكوفة حين شكا الناس الوليد بن
عقبة ليأتيه بحقيقة خبره فرشاه الوليد فلما قدم على عثمان كذب عن الوليد وقرظه
ثم إنه لقي مروان فسأله عن الوليد فقال له: الأمر جليل فأخبر مروان عثمان بذلك
فغضب على حمران وغربه إلى البصرة لكذبه إياه وأقطعه دارا.

(1) تاريخ الطبري 5: 91، الكامل لابن الأثير 3: 60.
(2) تهذيب التهذيب 3: 24.
55

كيف وثق خليفة المسلمين بخبر إنسان هذا شأنه من الفسق والتهور والله جل
اسمه يقول: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا، أن تصيبوا قوما بجهالة. الآية؟
ثم أعجب أن حمران نفاه الخليفة على فسقه وأقطعه دارا لجمع شمله، والعبد
الصالح أبو ذر الغفاري الصادق المصدوق أجفل إلى الربذة، وترك في البر الأقفر لا
يأوي إلى مضرب، ولا يظله خباء، هذا من هوان الدنيا على الله.
وهل الخليفة عرف عامرا ومكانته في الأمة ومنزلته من الزهد والتقوى ومحله من التعبد والنزاهة، فأصاخ فيه إلى قول الوشاة وأشخصه إلى المدينة مرة وسيره إلى
الشام على القتب أخرى، وأزرى به وأهانه حين مثل بين يديه؟ أو أنه لم يعرفه ولا
شيئا من فضله، فوثق بما قالوه؟ وكان عليه أن يعرفه لما علم بسفارته من قبل وجهاء
البصرة وأهل الحريجة والتقوى، ذوي الحلوم الراجحة، والآراء الناضجة، فإنهم لا
يرسلون طبعا إلا من يرضونه في مكانته وعلمه وعقله وتقواه. وهل كان فيما يقوله مغضبة
أوانه ما كان يتحرى صالح الأمة وصلاح من يسوسها؟
إن من العصيب أن نعترف بأنه ما كان يعرف عامرا وصلاحه، فقد كان يسير بذكره
الركبان، وهبت بأريج فضله النسائم في الأجواء، والأرجاء، وفي طيات المعاجم والسير
اليوم نماذج من تلكم الشهرة الطائلة عن عامر بين العباد وفي البلاد يوم ألزم نفسه أن
يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة (1) فكانوا يعدونه من أولياء الله المقربين، وأول الزهاد
الثمانية، وذكروا له كرامات ومكرمات.
أفمن الممكن إذن أن لا يعرفه الخليفة؟ ولم يكن فيما ينكره إلا ما أصفقت على
إنكاره أهل الحل والعقد يومئذ من الصالح العام في الحواضر الإسلامية كلها، غير أنهم
لم يجدوا كما أن عامرا لم يجد أذنا مصغية لهتافهم، فتكافئ دؤب الخليفة على التصامم
ودؤب القوم على الإنكار حتى استفحل الخطب ودارت الدوائر.
وهلم معي ننظر إلى رواية الضعفاء رواية كذاب متروك عن مجهول منكر عن
وضاع متهم بالزندقة متفق على ضعفه: السري عن شعيب عن سيف بن عمر بن محمد و
طلحة: إن عثمان سير حمران بن أبان أن تزوج امرأة في عدتها وفرق بينهما وضربه و

(1) تاريخ ابن عساكر 7: 169، الإصابة 3: 85.
56

سيره إلى البصرة، فلما أتى عليه ما شاء الله وأتاه عنه الذي يحب، أذن له فقدم عليه
المدينة ومعه قوم سعوا بعامر أنه لا يرى التزويج، ولا يأكل اللحم، ولا يشهد الجمعة
فألحقه عثمان بمعاوية فلما قدم عليه رأى عنده ثريدا فأكل أكلا عربيا، فعرف أن
الرجل مكذوب عليه فعرفه معاوية سبب إخراجه فقال: أما الجمعة فإني أشهدها في
مؤخر المسجد ثم أرجع في أوائل الناس، وأما التزويج فإني خرجت وأنا يخطب
علي، وأما اللحم فقد رأيت (1).
أولا تعجب من الذين اتخذوا هذه الرواية مصدرا في تعذير عثمان عن نفي عامر
وإشخاصه وهم يبطلون الرواية في غير هذا المورد بوجود واحد من رجال هذا السند
الثلاثة، لكنهم يحتجون بروايتهم جميعا هاهنا، وفي كل ما نقم به على عثمان؟
ثم لننظر فيما وشى به على الرجل بعد الفراغ من النظرة في حال الواشي وهو
حمران المتقدم ذكره، هل يوجب شئ منها ذما أو تعزيرا تأديبا أو تغريبا؟ وهل هي
من المعاصي المسقطة لمحل الانسان؟ أما ترك التزويج فلم يثبت حرمته إن لم يكن من
باب التشريع وأخذه دينا، وإنما النكاح من المرغب فيه، على أنه كان لم يزل يخطب
لنفسه لكنه لا يجد من يلائمه في خفة المؤنة، أخرج أبو نعيم في الحلية 2: 90: إن عامر
بن عبد قيس بعث إليه أمير البصرة فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن أسألك مالك لا
تزوج النساء؟ قال: ما تركتهن وإني لدائب في الخطبة، قال: وما لك لا تأكل الجبن؟
قال: أنا بأرض فيها مجوس فما شهد شاهدان من المسلمين أن ليس فيه ميتة أكلته. قال:
وما يمنعك أن تأتي الأمراء؟ قال: إن لدى أبوابكم طلاب الحاجات فادعوهم واقضوا
حوائجهم، ودعوا من لا حاجة له إليكم.
وأخرج من طريق أحمد بن حنبل بإسناده عن الحسن قال: بعث معاوية إلى عبد الله
بن عامر أن انظر عامر بن عبد قيس فأحسن إذنه وأكرمه ومره أن يخطب إلى من شاء
وأمهر عنه من بيت المال، فأرسل إليه إن أمير المؤمنين قد كتب إلي وأمرني أن آمرك أن
تخطب إلى من شئت وأمهر عنك من بيت المال. قال: أنا في الخطبة دائب. قال: إلى

(1) تاريخ الطبري 5: 91، تاريخ ابن عساكر 7: 167، الكامل لابن الأثير 3: 60،
أسد الغابة، تاريخ ابن خلدون 2: 389.
57

من؟ قال: إلى من يقبل مني الفلقة والتمرة.
وهذان الحديثان يكذبان ما جاء به السري، ولو صح ذلك فما وجه هذه المسألة
في أيام معاوية عن تزويج عامر؟
وأما ترك اللحوم فليس من المحرم أيضا وقد جاءت السنة بتحليلها كلها من غير
إيجاب، نعم تركها النهائي مكروه إن لم يكن من باب التدين، وقد تستدعي المبالغة
في الزهادة الذهول عن شؤون الدنيا بأسرها فلا يلتفت صاحبها إلى الملاذ كلها، وكان مع
ذلك لعامر عذر، قال ابن قتيبة في المعارف ص 194: وكان سبب تسييره أن حمران بن
أبان كتب فيه: أنه لا يأكل اللحم، ولا يغشى النساء، ولا يقبل الأعمال، فعرض بأنه
خارجي، فكتب عثمان إلى ابن عامر: أن ادع عامرا فإن كانت فيه الخصال فسيره فسأله
فقال: أما اللحم فإني مررت بقصاب يذبح ولا يذكر اسم الله، فإذا اشتهيت اللحم اشتريت
شاة فذبحتها، وأما النساء فإن لي عنهن شغلا، وأما الأعمال فما أكثر من تجدونه سواي.
فقال له حمران: لا أكثر الله فينا أمثالك، فقال له عامر: بل أكثر الله فينا من أمثالك
كساحين حجامين.
وأما عدم الحضور للجمعة: فقد بين عامر نفسه حقيقته لمعاوية وهو الصادق الأمين
على أنه كان له أن لا يحضر الجمعة والجماعة إن لم ير لمقيمها أهلية للايتمام به، وليس
من المنكر ذلك في حق الولاة الأمويين يومئذ.
وعلى فرض صحة الرواية وكون كل مما نبز به حوبا كبيرا فكان من الميسور
تحقيق حال الرجل من قبل والي البصرة كما وقع ذلك فيما مر من رواية أبي نعيم
بالنسبة إلى التزويج وأكل الجبن وإتيان الأمراء. ولا أدري هل من الفرائض في الشريعة
السمحاء أكل الجبن بحيث يوجب تركه التجسس والتفتيش؟ وعلى كل فما الموجب
لإجفال الرجل العظيم من مستقر أمنه على قتب إلى الشام منفى الثائرين على الخليفة؟
وأي عقل يقبل تسييره وتعذيبه لتلك الأمور التافهة؟ نعم: الغريق يتشبث بكل حشيش.
- 46 - تسيير الخليفة عبد الرحمن بن حنبل الجمحي
عد ممن سيره الخليفة عبد الرحمن بن حنبل الجمحي. قال اليعقوبي: سير
58

عبد الرحمن صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى القموس (1) من خيبر، وكان سبب تسييره إياه
أنه بلغه كرهه مساوي ابنه وخاله وأنه هجاه.
وقال العلائي عن مصعب وأبو عمر في الاستيعاب إنه لما أعطى عثمان مروان خمس
مائة ألف من خمس أفريقية قال عبد الرحمن:
وأحلف بالله جهد اليمين * ما ترك الله أمرا سدى
ولكن جعلت لنا فتنة * لكي نبتلى بك أو تبتلى
دعوت الطريد فأدنيته * خلافا لما سنه المصطفى
ووليت قرباك أمر العباد * خلافا لسنة من قد مضى
وأعطيت مروان خمس الغنيمة * آثرته وحميت الحمى
ومالا أتاك به الأشعري * من الفئ أعطيته من دنا
فإن الأمينين قد بينا * منار الطريق عليه الهدى
فما أخذا درهما غيلة * ولا قسما درهما في هوى (2)
فأمر به فحبس بخيبر، وأنشد له المرزباني في معجم الشعراء أنه قال وهو في السجن:
إلى الله أشكو لا إلى الناس ما عدا * أبا حسن غلا شديدا أكابده
بخيبر في قعر الغموص كأنها * جوانب قبر أعمق اللحد لا حده
أإن قلت حقا أو نشدت أمانة * قتلت؟ فمن للحق إن مات ناشده؟
وكتب إلى علي وعمار من الحبس:
أبلغ عليا وعمارا فأنهما * بمنزل الرشد إن الرشد مبتدر
لا تتركا جاهلا حتى يوقره * دين الإله وإن هاجت به مرر
لم يبق لي منه إلا السيف إذ علقت * حبائل الموت فينا الصادق البرر
يعلم بأني مظلوم إذا ذكرت * وسط الندي حجاج القوم والعذر
فلم يزل علي يكلم عثمان حتى خلى سبيله على أنه لا يساكنه بالمدينة فسيره

(1) كذا في لفظ اليعقوبي. وفي الإصابة: الغموص كما في الأبيات. والصحيح: القموص
بالقاف المفتوحة وآخره صاد مهملة.
(2) قد تنسب هذه الأبيات إلى أسلم راجع 8: 254.
59

إلى خيبر فأنزله قلعة بها تسمى " القموص " فلم يزل بها حتى ناهض المسلمون عثمان و
ساروا إليه من كل بلد فقال عبد الرحمن:
لولا علي فإن الله أنقذني * على يديه من الأغلال والصفد
لما رجوت لدى شد بجامعة * يمنى يدي غياث الفوت من أحد
نفسي فداء على إذ يخلصني * من كافر بعد ما أغضى علي صمد
كان عبد الرحمن مع علي في صفين قال الطبري من طريق عوانة: إنه جعل ابن
حنبل يقول يومئذ:
إن تقتلوني فأنا ابن حنبل * أنا الذي قد قلت فيكم نعثل
راجع تاريخ الطبري 6: 25، تاريخ اليعقوبي 2: 150، الاستيعاب 2: 410، شرح
ابن أبي الحديد 1: 66، الإصابة 2: 395.
قال الأميني: هذا أحد المعذبين الذين أقلتهم غيابة الجب مصفدا بالحديد و
لم يجهز عليه إلا إنكاره المنكر، وجنوحه إلى الحق المعروف، والكلام فيه لدة ما كررناه
في غير واحد من زملائه الصالحين، وأحسن ما ينم عن سريرته شعره الطافح بالإيمان.
- 47 - تسيير الخليفة عليا أمير المؤمنين
لعل التبسط في البحث عما جرى بين عثمان أيام خلافته وبين علي أمير المؤمنين
يوجب خدش العواطف، وينتهي إلى ما يحمد عقباه، والتاريخ وإن لم يحفظ منه إلا
النزر اليسير غير أن في ذلك القليل غنى وكفاية وبه تعرف جلية الحال، ونحن نمر
به كراما، فلا نحوم حول البحث عن كلمه القوارص لعلي عليه السلام، البعيدة عن ساحة قدسه
النائية عن مكانته الراقية التي لا يدرك شأوها، ويقصر دون استكناهها البيان.
أيسع لمن أسلم وجهه لله وهو محسن وآمن بالكتاب وبما نزل من آية في سيد
العترة، وصدق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبما صدع به من فضائل علي عليه السلام، وجاوره مع ذلك
حقبا وأعواما بيت بيت، ووقف على نفسياته الكريمة وهو على ضمادة من أفعاله وتروكه
وشاهد مواقفه المبرورة ومساعيه المشكورة في تدعيم الدين الحنيف، أيسع لمسلم هذا
شأنه أن يخاطب أخا الرسول المطهر بلسان الله بقوله: لم لا يشتمك - مروان - إذا
60

شتمته فوالله ما أنت عندي بأفضل منه؟ (1) ومروان طريد رسول الله وابن طريده و
لعينه وابن لعينه.
أم بقوله له: والله يا أبا الحسن! ما أدري أشتهي موتك؟ أم أشتهي حياتك؟ فوالله
لئن مت ما أحب أن أبقى بعدك لغيرك لأني لا أجد منك خلفا، ولئن بقيت لا أعدم
طاغيا يتخذك سلما وعضدا، ويعدك كهفا وملجأ، لا يمنعني منه إلا مكانه منك ومكانك
منه، فأنا منك كالابن العاق من أبيه إن مات فجعه وإن عاش عقه. إلى آخر ما مر في
في ص 18؟.
أم بقوله له. ما أنت بأفضل من عمار، وما أنت أقل استحقاقا للنفي منه (2)؟
أم بقوله له: أنت أحق بالنفي من عمار؟ (3).
أم بقوله الغليظ الذي لا يحب المؤرخون ذكره ونحن سكتنا عن الإعراب
عنه (4).
وبعد هذه كلها يزحزحه عليه السلام عن مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ويقلقه من عقر داره و
ويخرجه إلى ينبع مرة بعد أخرى قائلا لابن عباس: قل له فليخرج إلى ماله بالينبع،
فلا أغتم به ولا يغتم بي.
ألا مسائل الرجل عما أوجب أولوية الإمام الطاهر المنزه عن الخطل، المعصوم
من الزلل بالنفي ممن نفاهم من الأمة الصالحة؟ أكان بزعمه علي عليه السلام شيوعيا اشتراكيا
شيخا كذابا كأبي ذر الصادق المصدق؟ أم كان عنده دويبة سوء كابن مسعود أشبه
الناس هديا ودلا وسمتا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
أم كان الرجل يراه ابن متكاء، عاضا أير أبيه، طاغيا كذابا يجترأ عليه ويجرأ
عليه الناس كعمار جلدة ما بين عيني النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
أم كان يحسبه معالجا نيرنجا ككعب بن عبدة الصالح الناسك؟

(1) راجع ج 8 ص 304 و 310.
(2) الفتنة الكبرى ص 165.
(3) راجع صفحة 19 من هذا الجزء.
راجع ج 8: 298، 299، 306، 323.
61

أم كان يراه تاركا الجبن واللحم والجمعة والتزويج كعامر بن عبد قيس القارئ
الزاهد المتعبد؟.
أم كان الإمام متكلما بألسنة الشياطين غير عاقل ولا دين كصلحاء الكوفة
المنفيين؟.
حاشا صنو النبي الأقدس عن أن يرمى بسقطة في القول أو في العمل بعد ما طهره
الجليل، واتخذه نفسا لنبيه، واختارهما من بين بريته نبيا ووصيا.
وحاشا أولئك المنفيون من الصحابة الأولين الأبرار والتابعين لهم بإحسان عن
تلكم الطامات والأفائك والنسب المفتعلة.
نعم كان يرى الرجل كلا من أولئك الصفوة البررة الآمرين بالمعروف والناهين
عن المنكر طاغيا اتخذ عليا عليه السلام سلما ويعده كهفا وملجأ يدافع عنهم بوادر غضب
الخليفة، ويحول بينهم وبين ما يرومه من عقوبة تلك الفئة الصالحة الناقمة عليه لما
ركبه من النهابير، فدفع هذا المانع الوحيد عن تحقق هواجس الرجل كان عنده أولى
بالنفي من أولئك الرجال المنفيين، ولولاه لكان يشفي عنهم غليله، ويتسنى له ما كان
يبتغيه من البغي عليهم، والله يدافع عن الذين آمنوا وإنه على نصرهم لقدير.
على أنه ليس من المعقول أن يكون من يأوي إلى مولانا أمير المؤمنين وآواه هو
طاغيا كما يحسبه هذا الخليفة، فإنه لا يأوي إلى مثله إلا الصالح الراشد من المظلومين
وهو عليه السلام لا يحمي إلا من هو كذلك، وهو ولي المؤمنين، وأمير البررة، وقائد الغر
المحجلين، وإمام المتقين، وسيد المسلمين، كل ذلك نصا من الرسول الصادق الأمين
وليتني أدري مم كان يغتم عثمان من مكان أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة؟ ووجوده
رحمة ولطف من الله سبحانه وتعالى على الأمة جمعاء لا سيما في البيئة التي تقله،
يكسح عن أهلها الفساد، ويكبح جماح المتغلبين، ويقف أمام نعرات المتهوسين، و
يسير بالناس على المنهج اللاحب سيرا سجحا.
نعم: يغتم به سماسرة النهمة والشره فيروقهم بعاده ليهملج كل منهم إلى غاياته
قلق الوضين. وما كان هتاف الناس به يومئذ إلا لأن يقيم أود الجامعة، ويعدل الخطة
العوجاء، ويقف بهم على المحجة الواضحة، غير أن ذلك الهتاف لا يروق من لا يروقه
62

ذلك كله، فالاغتمام به جناية على المجتمع الديني، ووقوف أمام سير الصالح العام.
ولعمر الله إن هذه القوارص هي التي فتحت باب الجرأة على أمير المؤمنين بمصراعيه
طيلة حياته، وهتكت منه حجاب حرمته وكرامته، وأطالت عليه ألسنة البذاءة والوقيعة
فيه، وعثمان هو الذي أزرى الإمام في الملأ الديني، وصغره في أعين الناس وجرأ
عليه طغام الأمويين وسفلة الأعراب، فباذأه أبناء أمية وهم على آسال خليفتهم اتخذوه
أسوة وقدوة في شتيمته وقذيعته وآذوا نبيهم في أخيه علم الهدى، إن الذين يؤذون
الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة، وأعدلهم عذابا مهينا، والذين يؤذون رسول الله
لهم عذاب أليم، والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا
بهتانا وإثما مبينا.
- 48 -
آية نازلة في الخليفة
أخرج الواحدي والثعلبي من طريق ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن
شريك قالوا: نزلت قوله تعالى في سورة النجم 33، 34، 35: أفرأيت الذي تولى، و
أعطى قليلا وأكدى (1)، أعنده علم الغيب فهو يرى: نزلت في عثمان رضي الله عنه كان
يتصدق وينفق في الخير فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح: ما هذا الذي
تصنع؟ يوشك أن لا يبقي لك شيئا. فقال عثمان: إن لي ذنوبا وخطايا وإني أطلب بما
أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه، فقال له عبد الله: أعطني ناقتك وبرحلها وأنا أتحمل
عنك ذنوبك كلها. فأعطاه وأشهد عليه وأمسك وعن بعض ما كان يصنع من الصدقة،
فأنزل الله تعالى: أفرأيت الذي تولى. الخ. فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله.
وذكره جمع من المفسرين وفي تفسير النيسابوري: معنى تولى: ترك المركز
يوم أحد.
راجع أسباب النزول للواحدي ص 298، تفسير القرطبي 17: 111، الكشاف
3: 146، تفسير النيسابوري هامش الطبري 27: 50 تفسير الشربيني 4: 128.

(1) قال ابن عباس ومجاهد وطاوس وقتادة والضحاك: أكدى: انقطع فلا يعطي شيئا. يقال
البئر أكدت.
63

قال الأميني: لا غرابة من ابن أبي سرح وقد تشاكلت أحواله يوم كفره وإسلامه
وردته وزلفته من عثمان على عهد خلافته إن لهج بهذه السخافة التي لا تلائم أيا من نواميس
العدل: ولكن إن تعجب فعجب قبول عثمان تلكم الخرافة منه، ومنحه إياه ناقته برحلها
على أن يحمل عنه ذنوبه (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وإشهاده عليه وإمساكه عن
الصدقات، وحسبانه أن ما قاله ذلك الساخر كائن لا محالة، كأن بيد ابن أبي سرح
أزمة الحساب، وعنده مقاليد يوم القيامة، وهو الخبير ما يكون فيه، فأنبأه بأن
ذنوبه محيت بتلك المبادلة، أو أن عثمان نفسه كان يعلم الغيب، فهو يرى أن ما يقوله
حميمه حق، وكأنه نسي قوله تعالى: وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا
ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ إنهم لكاذبون، وليحملن
أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون (1) وقوله تعالى: من
يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا (2) وقوله تعالى: فمن يعمل
مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (3) وقوله تعالى: كل نفس بما كسبت
رهينة (4) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه (5) اليوم تجزى كل نفس ما كسبت
لا ظلم اليوم (6) ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون (7) إلى آي كثيرة من أمثالها
وهي كلها تقرر حكم العقل بقبح أخذ أي أحد بجريمة غيره.
والعدل يحكم بأن ابن أبي سرح وهو مثال المئاثم والمخازي إن حمل إثما من
جراء قولته هذه فإنما هو جرأته علي الله تعالى وتصغيره عظمة نيران القسط الإلهي و
نهيه عن الصدقة لا ما سبق لعثمان اقترافه من السيئات، لكن هلم معي إلى ضئولة عقل
من يصدق تلكم المهزأة، ويرتب عليها آثارا عملية حتى ندد به الذكر الحكيم.

(1) سورة العنكبوت: 12، 13.
(2) سورة النساء: 123.
(3) سورة الزلزلة: 7، 8.
(4) سورة المدثر: 381.
(5) سورة النساء: 111.
(6) سورة غافر: 17.
(7) سورة الجاثية: 22.
64

وهب أنا غاضينا الراوي على عود الرجل إلى ما كان بعد نزول الآية الكريمة،
لكن ذلك لا يجديه نفعا يزيح عنه وصمة ضعف الرأي وقوة الرعونة فيه، نعم: كان
يجديه لو لم يعبأ بتلكم الضلالة، أوانه عدل عنها بقوة التفكير لا بتوبيخ الوحي الإلهي،
وليته لم يعدل فإنه عدل إلى ما عرفت من سيرته في الصدقات، وجاء يخضم مال الله
خضمة الإبل نبتة الربيع.
- 49 -
الخليفة لا يعرف المخلص من النار
أخرج ابن عساكر في تاريخه 2: 58 من طريق أحمد بن محمد أبي علي بن
مكحول البيروتي قال: مر عمر على عثمان بن عفان فسلم عليه فلم يرد عليه السلام فجاء عمر
إلى أبي بكر الصديق فقال: يا خليفة رسول الله! ألا أخبرك بمصيبة نزلت بنا من بعد
رسول الله؟ قال: وما هي؟ قال: مررت على عثمان فسلمت عليه فلم يرد علي السلام.
فقال أبو بكر: أو كان ذلك؟ قال: نعم. فأخذ بيده وجاء إلى عثمان فسلما عليه فرد
عليهما السلام. فقال أبو بكر: جاءك عمر فسلم عليك فلم ترد عليه؟ فقال: والله يا خليفة
رسول الله! ما رأيته. قال: وفي أي شئ كانت فكرتك؟ قال: كنت مفكرا في رسول
الله صلى الله عليه وسلم فارقناه ولم نسأله: كيف الخلاص والمخلص من النار؟ فقال أبو بكر: والله
لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرني فقال عثمان: ففرج عنا قال أبو بكر: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: تمسكوا بالعروة الوثقى قول لا إله إلا الله.
قال الأميني: أكان في أذن الرجل وقر على عهد النبوة عما كان يتهالك دونه
رسول الله صلى الله عليه وآله ويهتف به آناء الليل وأطراف النهار منذ بدء البعثة إلى أن لقي ربه
من الإشادة بكلمة التوحيد، وإن الاخلاص بها هو المنقذ الفذ، والسبب الوحيد
للنجاة من الهلكة التي من ورائها النار، وإن من يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك
بالعروة الوثقى (1) فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى (2)
والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة (3) وإنه من يشرك بالله فقد

(1) سورة لقمان: 22.
(2) سورة البقرة: 256.
(3) سورة البقرة: 82.
65

حرم الله عليه الجنة ومأواه النار (1).
ألم يك يسمع نداءه صلى الله عليه وآله: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا (2)؟.
وقوله: من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، حرم الله عليه النار.
وقوله: من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة.
وقوله: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، صدقا من قلبه
إلا حرمه الله على النار.
وقوله: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه فيموت على ذلك إلا حرم
على النار: لا إله إلا الله. إلى أحاديث كثيرة جمع جملة ضافية منها الحافظ المنذري
في الترغيب والترهيب 2: 160 - 164.
أو أن الرجل كان يسمع هذه الكلمات الذهبية، لكنه لا يعيرها أذنا واعية
فنسيها؟ فإن كان لم يع هذه وهي أساس الدعوة فما الذي وعاه؟ وما الذي تعقله من نبي
جاء وذهب ولم يعرف ما هو المخلص من النار؟ ولم يبعث إلا لانتشال أمته منها، وفي يده
كتابه الكريم فيه تبيان كل شئ، وأي نبي كان يحسبه عثمان، نبي العظمة؟ وعلى
أي أساس علا صروح إسلامه؟ وأي مسلم هذا يدرك أيام دعوة نبيه كلها ثم يدركه
صلى الله عليه وآله وسلم الموت ولم يعرف المسكين بعد ما ينجيه من النار؟ نعم: لم يأل نبي الاسلام
في تنوير سبل السلام، وإنقاذ البشر من النار، فماذا عليه؟ إن لم تصادفه نفس صاغية
إلى تعاليمه فلم تحفظها.
- 50 - ترك الخليفة التكبير في كل خفض ورفع
أخرج أحمد بالإسناد عن مطرف عن عمران بن حصين قال: صليت خلف علي
صلاة ذكرني صلاة صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين قال: فانطلقت فصليت معه
فإذا هو يكبر كلما سجد وكلما رفع رأسه من الركوع فقلت: يا أبا نجيد من أول من
تركه؟ قال: عثمان رضي الله عنه حين كبر وضعف صوته تركه (3).

(1). سورة المائدة 72.
(2) تاريخ البخاري ج 4 القسم الثاني ص 14.
(3) مسند أحمد 4: 428، 429، 432، 440، 444.
66

قال الأميني: سيوافيك البحث الضافي في الجزء العاشر إنشاء الله تعالى حول
التكبيرة في الصلاة عند كل رفع وخفض وأنها سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله تسالمت
عليها الأمة، وعمل بها الصحابة، واستقر عليها إجماع أئمة المذاهب، وهذا الحديث
يعطينا خبرا بأن أول من تركها هو عثمان وتبعه معاوية وبنو أمية، وما زال الناس
على هذا المزن وتمرنت عليه الأمة طوعا أو كرها حتى ضاعت السنة الثابتة ونسيت،
وكان من جاء بها يعد أحمقا كأنه ارتكب بأمر إمر شاذ عن الشرع المقدس، والتبعة
في ذلك كله على الخليفة البادي بترك سنة الله التي لا تبديل لها. قال الزرقاني في شرح
الموطأ 2: 145: ولأحمد عن عمران: أول من ترك التكبير عثمان حين كبر، وللطبري
عن أبي هريرة: أول من ترك معاوية، وأبي عبيد: أول من تركه زياد. ولا ينافي
ما قبله لأن زيادا تركه بترك معاوية، وكأنه تركه بترك عثمان وقد حمله جماعة من
العلماء على الاخفاء. ه‍.
وتبرير عمل عثمان بالحمل علي الاخفاء يأباه صريح لفظ ترك. وإنما يخبر ابن
حصين عن تكبير أمير المؤمنين في الهوي والانتصاب لا عن جهره به، والسائل إنما
يسأله عن أول من تركه لا عمن خافت به أولا، ويزيفه ما يأتي عن ابن حجر والشوكاني
وغيرهما من قولهم كما سمعت عن الزرقاني: كان معاوية تركه بترك عثمان. ولم يؤثر
عن معاوية غير الترك والتنقيص كما يأتي حديثه بلفظ نقص، وقد اتبع إثر عثمان في
أحدوثته فإلى الملتقى.
نتاج البحث
هذه نبذ قليلة نشرتها يد التاريخ الجانية بعد أن طوى كشحا عن ذكر مهمات
ما جرى في ذلك العهد المشحون بالقلاقل، الطافح بالفتن، المفعم بالهنابث، وقد عرفناه
جانيا بستر تلكم الحقايق، جنوحا إلى العاطفة، سايرا مع الميول، والتاريخ حر يجب
أن يمضي مع الواقع وأن لا يلويه مع القصد تعصب لأحد أو تحيز إلى فئة، لكن
القوم لم يسيروا في سرد التاريخ كما يجب عليهم، فطفقوا يحرفون الكلم عن مواضعه،
ويثبتون ما يوافق هواهم، ويدعون ما لا يروقهم.
قال الطبري في تاريخه 5: 108: إن الواقدي ذكر في سبب مسير المصريين إلى
الغدير (6)
67

عثمان ونزولهم ذا خشب أمورا كثيرة، منها ما تقدم ذكره، ومنها ما أعرضت عن ذكره
كراهة مني ذكره لبشاعته.
وقال في ج 5: 113: قد ذكرنا كثيرا من الأسباب التي ذكر قاتلوه إنهم جعلوها
ذريعة إلى قتله، فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الإعراض عنها.
وقال في ص 232: إن محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية لما ولي فذكر مكاتبات
جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يتحمل سماعها العامة.
ومر في ج 8: 305 في ذكر ما جرى بين علي عليه السلام وعثمان قول المسعودي:
فأجابه عثمان بجواب غليظ لا أحب ذكره وأجابه علي بمثله.
وقال ابن الأثير في الكامل 3: 70: قد تركنا كثيرا من الأسباب التي جعلها
الناس ذريعة إلى قتله لعلل دعت إلى ذلك.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية 7: 166: وفي هذه السنة (يعني 33) سير
عثمان بعض أهل البصرة منها إلى الشام وإلى مصر بأسباب مسوغة لما فعله رضي الله عنه
فكان هؤلاء ممن يؤلب عليه ويمالئ الأعداء في الحط والكلام فيه وهم الظالمون في
ذلك، وهو البار الراشد رضي الله عنه.
وقال في ص 177: جرت أمور سنورد منها ما تيسير وبالله المستعان. ثم ذكر
من الأمور ما راقه ويلائم ذوقه ولم يذكر إلا سلسلة أكاذيب لم يصح شئ منها.
وقال الدكتور أحمد فريد رفاعي في عصر المأمون 1: 5: أما نحن فلا يطلب منا
أن نبدي رأينا في عثمان، فهو صحابي عظيم وله أثره الخالد في جمع القرآن وغير القرآن
وله دينه السمح الذي لا تشوبه شائبة، وما كان الدين ليحتم على الناس جميعا أن يكون
نظرهم إلى الحياة الدنيا نظر التقشف والزهد، ولا يطلب منا أن نثبت ضعف الحكومة
العثمانية، وإنما يطلب منا أن نسرد الحوادث بإيجاز، ولنا في تسلسل هذه الحوادث و
دراستها وتقييد آثارها ما قد يسمح لنا بالتعرض له حين معالجتنا الكلام عن عصرنا فيما بعد. ه‍.
ثم ذكر ما جاء به اليعقوبي من الايعاز إلى بعض ما نقم به على عثمان فتخلص
عن البحث فيه بما أتى به ابن الأثير من رواية الطبري عن السري الكذاب عن شعيب
المجهول عن سيف المتروك الساقط المتهم بالزندقة أو عن أناس آخرين أمثال هؤلاء.
68

أضف إلى هذه كثيرا من كتب التاريخ المؤلفة قديما وحديثا فإنها ألفت بيد
أثيمة على ودايع العلم والدين، ولعل في المذكور في كتابنا هذا وهو قليل من كثير
مقنعا للحصول على العلم بنفسيات الخليفة من شتى نواحيه، ومبلغه من العلم، ومقداره
من التقوى، ومداه من الرأي، ومآثره من ناحية ملكاته، وقد عرف كل ذلك من عاصره
وعاشره، فكانت كلمتهم في حقه واحدة، ورأيهم فيه فذا، وأعمالهم معه كل يشبه الآخر،
ونحن نذكر لك نماذج مما لفظ به من قول وعمل به من فعل في ذلك الدور القاتم
بالفجايع والفظايع فدونكها:
1 - حديث أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب صلوات الله عليه
1 - من كلام له عليه السلام في معنى قتل عثمان: لو أمرت به لكنت قاتلا، أو نهيت
عنه لكنت ناصرا، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، و
من خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني، وأنا جامع لكم أمره: استأثر
فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، ولله حكم واقع في المستأثر والجازع (1)
قال ابن أبي الحديد في الشرح 1: 158: قوله: غير أن من نصره. معناه إن
خاذليه كانوا خيرا من ناصريه، لأن الذين نصروه كان أكثرهم فساقا كمروان بن الحكم
وأضرابه، وخذله المهاجرون والأنصار.
2 - من كلام له عليه السلام قاله لابن عباس وقد جاءه برسالة من عثمان وهو محصور
يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع فقال عليه السلام:
يا ابن عباس! ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالغرب (2) أقبل وأدبر
بعث إلي أن أخرج ثم بعث إلي أن أقدم، ثم هو الآن يبعث إلي أن أخرج، والله
لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما (3).
3 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 98 من طريق أبي حادة أنه سمع عليا
رضي الله عنه يقول وهو يخطب فذكر عثمان فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما قتلته، و

(1) نهج البلاغة 1: 76.
(2) الناضح: البعير يستقى عليه. الغرب: الدلو العظيمة.
(3) نهج البلاغة 1: 468.
69

لا ما لات على قتله، ولا ساءني.
4 أخرج ابن سعد من طريق عمار بن ياسر قال: رأيت عليا على منبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين قتل عثمان وهو يقول: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا
نهيت عنه. الأنساب للبلاذري 5: 101.
وأو عز شاعر أهل الشام كعب بن جعيل إلى قول الإمام عليه السلام بأبيات له ألا وهي:
وما في علي لمستعتب * مقال سوى ضمه المحدثينا
وإيثاره اليوم أهل الذنوب * ورفع القصاص عن القاتلينا
إذا سيل عنه حذا شبهة (1) * وعمى الجواب على السائلينا
فليس براض ولا ساخط * ولا في النهاة ولا الآمرينا
ولا هو ساء ولا سرة * ولا بد من بعض ذا أن يكونا (2)
قال ابن أبي الحديد بعد ذكر الأبيات: ما قال هذا الشعر إلا بعد أن نقل إلى
أهل الشام كلام كثير لأمير المؤمنين في عثمان يجري هذا المجرى نحو قوله: ما سرني
ولا ساءني، وقيل له: أرضيت بقتله؟ فقال: لم أرض، فقيل له: أسخطت قتله؟ فقال:
لم أسخط. وقوله تارة: الله قتله وأنا معه. وقوله تارة أخرى: ما قتلت عثمان ولا
مالأت في قتله. وقوله تارة أخرى: كنت رجلا من المسلمين أوردت إذا وردوا، و
أصدرت إذا صدروا. ولكل شئ من كلامه إذا صح عنه تأويل يعرفه أولو الألباب.
5 - أخرج أبو مخنف من طريق عبد الرحمن بن عبيد: إن معاوية بعث إلى علي
حبيب من مسلمة الفهري وشرحبيل بن سمط ومعن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه وأنا
عنده (إلى أن قال بعد كلام حبيب وشرحبيل وذكر جواب مولانا أمير المؤمنين): فقالا
أتشهد أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما؟ فقال لهما: لا أقول ذلك. قالا: فمن لم
يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن منه برءاء. ثم قاما فانصرفا فقال علي: إنك لا تسمع
الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم
إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون.

(1) في العقد الفريد: زوى وجهه.
(2) كتاب صفين لابن مزاحم ص 63، العقد الفريد 2: 267، شرح ابن أبي الحديد 1: 158
70

كتاب صفين لابن مزاحم ص 277 واللفظ له، تاريخ الطبري 6: 4، الكامل
لابن الأثير 3: 125.
6 - ذكر البلاذري في الأنساب 5: 44 في حديث قول علي عليه السلام لعثمان: يا
عثمان! إن الحق مرئ، وإن الباطل خفيف وبئ، وإنك متى تصدق تسخط
ومتى تكذب ترض.
7 - كان علي كلما اشتكى الناس إليه أمر عثمان أرسل ابنه الحسن إليه فلما أكثر
عليه قال له: إن أباك يرى أن أحدا لا يعلم ما يعلم، ونحن أعلم بما نفعل، فكف عنا، فلم
يبعث علي ابنه في شئ بعد ذلك، وذكروا أن عثمان صلى العصر ثم خرج إلى علي
يعوده في مرضه ومروان معه فرآه ثقيلا فقال: أما والله لولا ما أرى منك ما كنت أتكلم
بما أريد أن أتكلم به، والله ما أدري أي يوميك أحب إلي أو أبغض، أيوم حياتك؟ أو يوم
موتك؟ أما والله لئن بقيت لا أعدم شامتا يعدك كهفا، ويتخذك عضدا، ولئن مت
لأفجعن بك، فحظي منك حظ الوالد المشفق من الولد العاق، إن عاش عقه، وإن
مات فجعه فليتك جعلت لنا من أمرك لنا علما نقف عليه ونعرفه، إما صديق مسالم،
وإما عدو معاني، ولا تجعلني كالمختنق بين السماء والأرض، لا يرقى بيد ولا يهبط
برجل، أما والله لئن قتلتك لا أصيب منك خلفا، ولئن قتلتني لا تصيب مني خلفا، وما
أحب أن أبقى بعدك. قال مروان: إي والله، وأخرى أنه لا ينال ما وراء ظهورنا حتى
تكسر رماحنا، وتقطع سيوفنا، فما خير العيش بعد هذا؟ فضرب عثمان في صدره وقال:
ما يدخلك في كلامنا؟ فقال علي: إني والله في شغل عن جوابكما ولكني أقول كما قال
أبو يوسف: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
(العقد الفريد 2: 274، الإمامة والسياسة 1: 30).
8 - في كتاب لمولانا أمير المؤمنين يجيب به معاوية بن أبي سفيان قال: وذكرت
إبطائي عن الخلفاء وحسدي إياهم والبغي عليهم، فأما البغي فمعاذ الله أن يكون، وأما
الكراهة لهم فوالله ما اعتذر للناس من ذلك، وذكرت بغيي على عثمان وقطعي رحمه
فقد عمل عثمان بما قد علمت، وعمل به الناس ما قد بلغك، فقد علمت أني كنت من
أمره في عزلة إلا أن تجنى فتجن ما شئت، وأما ذكرك قتلة عثمان وما سألت من دفعهم
71

إليك فإني نظرت في هذا الأمر وضربت أنفه وعينه فلم يسعني دفعهم إليك ولا إلى
غيرك، وإن لم تنزع عن غيك لنعرفنك عما قليل يطلبونك ولا يكلفونك أن تطلبهم في
سهل ولا جبل ولا بر ولا بحر.
كتاب صفين لابن مزاحم ص 102، العقد الفريد 2: 286، نهج البلاغة 2: 10،
شرح ابن أبي الحديد 3: 409.
9 - أخرج الطبري من طريق إسماعيل بن محمد: إن عثمان صعد يوم الجمعة المنبر
فحمد الله وأثنى عليه فقام رجل فقال: أقم كتاب الله، فقال عثمان: اجلس فجلس حتى
قام ثلاثا فأمر به عثمان فتحاثوا بالحصباء حتى ما ترى السماء وسقط عن المنبر
وحمل فأدخل داره مغشيا عليه فخرج رجل من حجاب عثمان ومعه مصحف في يده وهو
ينادي: إن الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله.
ودخل علي بن أبي طالب على عثمان رضي الله عنهما وهو مغشي عليه وبنو أمية حوله،
فقال: مالك يا أمير المؤمنين؟ فأقبلت بنو أمية بمنطق واحد فقالوا: يا علي! أهلكتنا
وصنعت هذا الصنيع بأمير المؤمنين، أما والله لئن بلغت الذي تريد لتمرن عليك
الدنيا. فقام علي مغضبا.
تاريخ الطبري 5: 113، الكامل لابن الأثير 3: 67.
10 - ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 ص 42 في حديث مسائلة عمرو بن
العاص راكبا: فقال له عمرو: ما الخبر؟ قال: قتل عثمان، قال: فما فعل الناس؟ فقال:
بايعوا عليا. قال: فما فعل علي في قتلة عثمان؟ قال: دخل عليه وليد بن عقبة فسأله عن
قتله فقال: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرني ولا ساءني. قال: فما فعل بقتلة عثمان؟ فقال:
آوى ولم يرض، وقد قال له مروان: إن لا تكن أمرت فقد توليت الأمر، وإن لا تكن
قتلت فقد آويت القاتلين، فقال عمرو بن العاص: خلط والله أبو الحسن.
11 - روى الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت عليا
عليه السلام على منبر الكوفة وهو يقول: يا أبناء المهاجرين! انفروا إلى أئمة الكفر، وبقية
الأحزاب وأولياء الشيطان، انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا، فوالله الذي
72

فلق الحبة وبرأ النسمة إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقض من أوزارهم شيئا (1).
قال الأميني: طعن ابن أبي الحديد في هذا الحديث بمكان قيس (2) بن أبي حازم
وقال: هو الذي روى حديث إنكم لترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر
لا تضامون في رؤيته، وقد طعن مشايخنا المتكلمون فيه وقالوا: إنه فاسق ولا تقبل
روايته لأنه قال: إني سمعت عليا يخطب على منبر الكوفة ويقول: انفروا إلى بقية
الأحزاب. فأبغضته ودخل بغضه في قلبي ومن يبغض عليا عليه السلام لا تقبل روايته. ثم حمله
على فرض الصحة على إرادة معاوية من قوله: حمال الخطايا فقال: لأنهم يحامون عن
دمه، ومن حامى عن دم إنسان فقد قاتل عليه. ا ه‍.
ألا مسائل الرجل عن أن رواية حديث الرؤية أي منقصة وحزازة فيها وقد
أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد في مسنده؟ فهل طعن أحد في أولئك
الأئمة لروايتهم إياها؟
ثم لو كان من أبغض عليا عليه السلام فاسقا غير مقبول الرواية - كما هو الحق فما -
قيمة الصحاح عندئذ في سوق الاعتبار؟ وما أكثر فيها من الرواية عن مناوئي أمير المؤمنين
ومنهم نفس الرجل (قيس بن أبي حازم) فقد أخرج أئمة الصحاح أحاديث من طريقه و
هو من رجالهم.
على أن علماء الفن من القوم مع قولهم بأنه كان يحمل على علي نصوا على
ثقة الرجل وقالوا: متقن الرواية، والحديث عنه من أصح الاسناد، وقال ابن خراش:
كوفي جليل. وقال ابن معين: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر:
أجمعوا على الذهبي الاحتجاج به ومن تكلم فيه فقد آذى نفسه.
(راجع تهذيب التهذيب 8: 386)
وأما تأويل: (حمال الخطايا) بإرادة معاوية منه فمن التافه البعيد عن سياق
العربية نظير تأويل معاوية الحديث الوارد في عمار من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: تقتلك الفئة الباغية.
12 - كان مولانا أمير المؤمنين يخطب ويلوم الناس على تثبيطهم وتقاعدهم و

(1) شرح ابن أبي الحديد 1: 179.
(2) من رجال الصحيحين: البخاري ومسلم.
73

يستنفرهم إلى أهل الشام فقال له الأشعث بن قيس: هلا فعلت فعل ابن عفان؟ فقال له:
إن فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له ولا وثيقة معه، إن امرأ أمكن عدوه من
نفسه يهشم عظمه ويفري جلده لضعيف رأيه، مأفون عقله، أنت فكن ذاك، إن أحببت
فأما أنا فدون أن أعطي ذاك ضرب بالمشرفية الفصل (1).
13 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر:
من عبد الله علي أمير المؤمنين: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه
وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر، والمقيم والظاعن، فلا معروف
يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه (2).
قال ابن أبي الحديد في شرحه 3: 58: هذا الفصل يشكل علي تأويله لأن أهل
مصرهم الذين قتلوا عثمان، وإذا شهد أمير المؤمنين عليه السلام أنهم غضبوا لله حين عصي في
الأرض، فهذه شهادة قاطعة على عثمان بالعصيان وإتيان المنكر. ثم تأوله بما رآه
تعسفا، والتعسف لا يغني عن الحق شيئا ولا تتم به الحجة.
هب ابن أبي الحديد تعسف هاهنا وتأول فما يصنع ببقية كلمات مولانا أمير
المؤمنين وكلمات ساير الصحابة لدة هذه الكلمة وهي تربو على مئات؟ فهل يسعنا أن
نكون عسوفا في كل ذلك؟ سل عنه خبيرا.
14 - من كلام لأمير المؤمنين قاله لعثمان لما اجتمع الناس إليه وشكوا إليه
ما نقموه على عثمان فدخل عليه السلام عليه فقال:
إن الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك،
ما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى
شئ فنخبرك عنه، ولا خلو نا بشئ فنبلغكه وقد رأيت كما رأينا، وسمعت كما سمعنا
وصحبت رسول الله كما صحبنا، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى بعمل الحق
منك، وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشيجة رحم منهما، وقد نلت من صهره ما لم
ينالا، فالله الله في نفسك فإنك والله ما تبصر من عمى، ولا تعلم من جهل، وإن الطرق

(1) شرح ابن أبي الحديد 1: 178.
(2) تاريخ الطبري 6: 55، نهج البلاغة، 2: 63، شرح ابن أبي الحديد 2: 29.
74

لواضحة، وإن أعلام الدين لقائمة، فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، هدي وهدى،
فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة مجهولة، وإن السنن لنيرة لها أعلام، وإن البدع
لظاهرة لها أعلام، وأن شر الناس عند الله إمام جائر، ضل وضل به، فأمات سنة
مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة، وأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يؤتى يوم القيامة
بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في نار جهنم فيدور فيها كما تدور الرحى
ثم يرتبط في قعرها، وإني أنشدك الله أن تكون إمام هذه الأمة المقتول فإنه كان
يقال: يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، ويلبس
أمورها عليها، ويثبت الفتن فيها، فلا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجا،
ويمرجون فيها مرجا، فلا تكونن لمروان سيقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السن و
تقضي العمر، فقال له عثمان: كلم الناس في أن يؤجلوني حتى أخرج إليهم من مظالمهم
فقال عليه السلام: ما كان بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك إليه (1).
تاريخ الطبري 5: 96، الأنساب للبلاذري 5: 60، نهج البلاغة 1: 303، الكامل
لابن الأثير 3: 63، تاريخ ابن كثير 7: 168.
15 - أخرج ابن السمان من طريق عطاء إن عثمان دعا عليا فقال: يا أبا الحسن!
إنك لو شئت لاستقامت علي هذه الأمة فلم يخالفني واحد. فقال علي: لو كانت لي
أموال الدنيا وزخرفها ما استطعت أن أدفع عنك أكف الناس، ولكني سأدلك على أمر
هو أفضل مما سألتني: تعمل بعمل أخويك أبي بكر وعمر، وأنا لك بالناس لا يخالفك أحد
(الرياض النضرة 2: 129)
16 - من خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام الشقشقية قوله: إلى أن قام ثالث القوم
نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة
الربيع، إلى انكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكتب به بطنته.
مرت مصادر هذه الخطبة في الجزء السابع ص 82 - 85 ط 2.
17 - قال ابن عبد ربه في العقد الفريد 2: 267: قال حسان بن ثابت لعلي:
إنك تقول: ما قتلت عثمان ولكن خذلته، ولا آمر به ولكن لم أنه عنه، فالخاذل

(1) سيأتي تمام الحديث في صور توبة الخليفة وحنثه إياها مرة بعد أخرى.
75

شريك القاتل، والساكت شريك القاتل.
18 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 13 من طريق عبد الله بن عباس قال: إن
عثمان شكا عليا إلى العباس فقال له: يا خال؟ إن عليا قد قطع رحمي، وألب الناس
ابنك، والله لئن كنتم يا بني عبد المطلب! أقررتم هذا الأمر في أيدي بني تيم وعدي فبنو
عبد مناف أحق أن لا تنازعوهم فيه ولا تحسدوهم عليه. قال عبد الله بن العباس: فأطرق
أبي طويلا ثم قال: يا ابن أخت؟ لئن كنت لا تحمد عليا فما يحمدك له، وإن حقك في
القرابة والإمامة للحق الذي لا يدفع ولا يجحد، فلو رقيت فيما تطأطأ أو تطأطأت فيما رقى
تقاربتما، وكان ذلك أوصل وأجمل، قال: قد صيرت الأمر في ذلك إليك فقرب الأمر
بيننا. قال: فلما خرجنا من عنده دخل عليه مروان فأزاله عن رأيه، فما لبثنا أن جاء
أبي رسول عثمان بالرجوع إليه فلما رجع قال: يا خال! أحب أن تؤخر النظر في
الأمر الذي ألقيت إلي حتى أرى من رأيي، فخرج أبي من عنده ثم التفت إلي فقال:
يا بني ليس إلى هذا الرجل من أمره شئ، ثم قال: اللهم أسبق بي الفتن ولا تبقني
إلى ما لا خير لي في البقاء إليه. فما كانت جمعة حتى هلك.
19 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 14 من طريق صهيب مولى العباس: إن
العباس قال لعثمان: أذكرك الله في أمر ابن عمك وابن خالك وصهرك وصاحبك مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بلغني أنك تريد أن تقوم به وبأصحابه، فقال: أول ما أجيبك به
أني قد شفعتك، إن عليا لو شاء لم يكن أحد عندي إلا دونه ولكنه أبى إلا رأيه، ثم قال
لعلي مثل قوله لعثمان، فقال علي: لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت.
20 - من كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية: أما بعد: فوالله ما قتل ابن عمك
غيرك، وإني لأرجو أن ألحقك به على مثل ذنبه وأعظم من خطيئته.
(العقد الفريد 2: 223، وفي ط 285)
ولا تنس في الختام قول حسان بن ثابت:
صبرا جميلا بني الأحرار لا تهنوا * قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا
يا ليت شعري وليت الطير تخبرني * ما كان شأن علي وابن عفانا
76

لتسمعن وشيكا في دياركم * الله أكبر يا ثارات عثمانا (1)
قال الأميني: يعطينا الأخذ بمجامع هذه الأحاديث الإمام عليه السلام ما كان يرى
الخليفة إمام عدل يسوءه قتله، أو يهمه أمره يسخطه التجمهر عليه، بل كان يعتزل
عن أمره ويخشى أن يكون آثما إن دؤب على الدفاع عنه، ولا يرى الثائرين عليه متحوبين
في نهضتهم وإلا لساءه ذلك فضلا عن أن يسكت عنهم، أو يطريهم كما سمعته من كتابه
إلى أهل مصر، أو يرى الخاذلين له خيرا ممن نصره، ولو كان يراه إمام عدل فأقل
المراتب أن يقول: إن ناصره خير من خاذله. بل الشأن هذا في أفراد المسلمين العدول
من الرعية فضلا عن إمامها.
وحديث شكاية عثمان إلى عمه العباس المتوفى سنة 32 بعلمنا بأن الخلاف
والتشاجر بينهما كانا قبل تجمهر الثائرين عليه في أواسط أيام خلافته قبل وفاته بأعوام
وقول أمير المؤمنين له: لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت. فيه إيعاز إلى
أن إنكاره عليه السلام على الرجل لم يكن قط في الملك، وما كان يرضى بشق عصا المسلمين
بالخلاف عليه في أمره، وإنما كان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يك يرى
لنفسه بدا من ذلك.
ولو أمعنت النظر فيما سردناه من ألفاظه الدرية لا نفتح عليك أبواب من رأي
الإمام عليه السلام في الخليفة لم نوعز إليها، ويعرب عن رأيه فيه ما مر في ج 8 ص 287 ط 2
من خطبة له عليه السلام خطبها في اليوم الثاني من بيعته من قوله: ألا إن كل قطيعة أقطعها
عثمان. وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال. فلو كان الرجل إمام
عدل عند الإمام عليه السلام لكان أخذه ورده وقطعه وعطاءه حجة لا يتطرق إليها
الرد، ولكن....
1 حديث عائشة
بنت أبي بكر أم المؤمنين
1 - قال ابن سعد: لما حصر عثمان كان مروان يقاتل دونه أشد القتال، و
أرادت عائشة الحج وعثمان محصور فأتاها مروان وزيد بن ثابت و عبد الرحمن بن عتاب

(1) أنساب البلاذري 5: 104.
77

فقالوا: يا أم المؤمنين! لو أقمت فإن أمير المؤمنين على ما ترين محصور ومقامك مما
يدفع الله به عنه. فقالت: قد حلبت ظهري، وعريت غرائري، ولست أقدر على المقام
فأعادوا عليها الكلام فأعادت عليهم مثل ما قالت لهم، فقام مروان وهو يقول:
وحرق قيس علي البلا - د حتى إذا استعرت أجذما
فقالت عائشة: أيها المتمثل علي بالأشعار وددت والله إنك وصاحبك هذا الذي
يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وإنكما في البحر، وخرجت إلى مكة
وفي لفظ البلاذري: لما اشتد الأمر على عثمان أمر مروان بن الحكم وعبد
الرحمن ابن عتاب بن أسيد فأتيا عائشة وهي تريد الحج فقالا لها: لو أقمت فلعل الله
يدفع بك عن هذا الرجل. فقالت: قد قرنت ركابي وأوجبت على الحج نفسي، ووالله
لا أفعل. فنهض مروان وصاحبه ومروان يقول:
وحرق قيس علي البلا - د حتى إذا اضطرمت أجذما
فقالت عائشة: يا مروان! وودت والله أنه في غرارة (1) من غرائري هذه وأني
طوقت حمله حتى ألقيه في البحر.
2 - مر عبد الله بن عباس بعائشة وقد ولاه عثمان الموسم وهي بمنزل من منازل
طريقها فقالت: يا ابن عباس؟ إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس
عن هذا الطاغية. أخرجه البلاذري.
وفي لفظ الطبري: خرج ابن عباس فمر بعائشة في الصلصل (2) فقالت: يا ابن
عباس! أنشدك الله فإنك قد أعطيت لسانا إزعيلا أن تخذل عن هذا الرجل وأن تشكك
فيه الناس، فقد بانت لهم بصائرهم وانهجت ورفعت لهم المنار وتجلبوا من البلدان
لأمر قد جم، وقد رأيت طلحة بن عبد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن
مفاتيح، فإن يل يسير بسيرة ابن عمه أبي بكر رضي الله عنه. قال: قلت: يا أمه! لو حدث
بالرجل حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا. فقالت: أيها عنك إني لست أريد مكابرتك
ولا مجادلتك. وحكاه ابن أبي الحديد عن تاريخ الطبري في شرح النهج غير أن فيه:

(1) الغرارة بكسر المعجمة: الجوالق.
(2) صلصل بالضم والتكرير: موضع بنواحي المدينة على سبعة أميال منها.
78

فقالت يا ابن عباس! أنشدك الله فإنك قد أعطيت فهما ولسانا عقلا أن لا تخذل
الناس عن طلحة فقد بانت لهم بصائرهم في عثمان، واتهجت ورفعت لهم المنابر وتجلبوا
من البلدان لأمر عظيم قد حم، وإن طلحة قد اتخذ رجالا على بيوت الأموال، وأخذ
مفاتيح الخزائن، وأظنه يسير إنشاء الله بسيرة ابن عمه أبي بكر. الحديث.
3 - كانت عائشة وأم سلمة حجتا ذلك العام (عام قتل عثمان) وكانت عائشة
تؤلب على عثمان فلما بلغها أمره وهي بمكة أمرت بقبتها فضربت في المسجد الحرام
وقالت: إني أرى عثمان سيشأم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر. رواه البلاذري.
4 - أخرج عمر بن شبة من طريق عبيد بن عمرو القرشي قال: خرجت عائشة رضي
الله عنها وعثمان محصور فقدم عليها مكة رجل يقال له: أخضر، فقالت: ما صنع الناس؟
فقال: قتل عثمان المصريين. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أيقتل قوما جاؤوا يطلبون
الحق وينكرون الظلم؟ والله لا نرضى بهذا. ثم قدم آخر فقالت: ما صنع الناس؟
قال: قتل المصريون عثمان، قالت. العجب لأخضر زعم أن المقتول هو القاتل فكان
يضرب به المثل: أكذب من أخضر. وأخرجه الطبري.
5 - مر في الجزء الثامن صفحة 123 ط 2: أن الشهود على الوليد بن عقبة بشربه
الخمر استجاروا بعائشة وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة
فقال: أما تجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة. فسمعت فرفعت نعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: تركت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب هذا النعل. الحديث فراجع.
6 - أسلفنا في هذا الجزء صفحة 16 في مواقف عمار: إن عائشة لما بلغها ما
صنع عثمان بعمار فغضبت وأخرجت شعرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وثوبا من ثيابه ونعلا
من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد؟
فغضب عثمان غضبا شديد حتى ما درى ما يقول. الحديث.
وقال أبو الفدا: كانت عائشة تنكر على عثمان مع من ينكر عليه وكانت تخرج
قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره وتقول: هذا قميصه وشعره لم يبل وقد بلي دينه.
7 - وفي كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام كتبه لما قارب البصرة إلى طلحة والزبير و
عائشة: وأنت يا عائشة فإنك خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله تطلبين أمرا كان
79

عنك موضوعا، ثم تزعمين أنك تريدين الاصلاح بين المسلمين، فخبريني ما للنساء
وقود الجيوش والبروز للرجال، والوقوع بين أهل القبلة وسفك الدماء المحرمة؟ ثم
أنك طلبت على زعمك دم عثمان وما أنت وذاك؟ عثمان رجل من بني أمية وأنت من
تيم، ثم بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر،
ثم تطلبين اليوم بدمه؟ فاتقي الله وارجعي إلى بيتك، واسبلي عليك سترك، والسلام.
8 - أخرج الطبري وابن قتيبة: إن غلاما من جهينة أقبل على محمد بن طلحة
(يوم الجمل) وكان محمد رجلا عابدا فقال: أخبرني عن قتلة عثمان فقال: نعم دم عثمان
ثلاثة أثلاث: ثلت على صاحبة الهودج يعني عائشة، وثلث على صاحب الجمل الأحمر
يعني طلحة، وثلث على علي بن أبي طالب. وضحك الغلام وقال: ألا أراني على ضلال
ولحق بعلي وقال: في ذلك شعرا.
سألت ابن طلحة عن هالك * بجوف المدينة لم يقبر؟
فقال: ثلاثة رهط هم * أماتوا ابن عفان واستعبر
فثلث على تلك في خدرها * وثلث على راكب الأحمر
وثلث علي بن أبي طالب * ونحن بدوية قرقر
فقلت: صدقت على الأولين * وأخطأت في الثالث الأزهر
9 - أخرج الطبري من طريقين: إن عائشة رضي الله عنها لما انتهت إلى سرف (1)
راجعه في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى
أمه فقالت له: مهيم؟ قال: قتلوا عثمان رضي الله عنه فمكثوا ثمانيا. قالت: ثم صنعوا
ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، اجتمعوا
على علي بن أبي طالب. فقالت: والله ليت إن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر
لصاحبك ردوني ردوني. فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما،
والله لأطلبن بدمه. فقال لها ابن أم كلاب: ولم؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت
ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر (2). قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد

(1) سرف بالفتح ثم الكسر: موضع على ستة أميال من مكة.
(2) في لفظ ابن قتيبة: فجر.
80

قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول. فقال لها ابن أم كلاب (1).
منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا: إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرإ * يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر
فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت واجتمع إليها
الناس فقالت: يا أيها الناس! إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما ووالله لأطلبن بدمه
10 - قال أبو عمر صاحب الاستيعاب: إن الأحنف بن قيس كان عاقلا حليما ذا
دين وذكاء وفصاحة ودهاء، لما قدمت عائشة البصرة أرسلت إلى الأحنف بن قيس
فأبى أن يأتيها ثم أرسلت إليه فأتاها فقالت: ويحك يا أحنف! بم تعتذر إلى الله من ترك
جهاد قتلة أمير المؤمنين! عثمان رضي الله عنه؟ أمن قلة عدد؟ أو أنك لا تطاع في العشيرة؟
قال: يا أم المؤمنين! ما كبرت السن ولا طال العهد وإن عهدي بك عام أول تقولين فيه
وتنالين فيه. قالت: ويحك يا أحنف! إنهم ماصوه موص الإناء ثم قتلوه. قال: يا أم
المؤمنين! إني آخذ بأمرك وأنت راضية، وأدعه وأنت ساخطة.
11 - أخرج ابن عساكر من طريق أبي مسلم أنه قال لأهل الشام وهم ينالون
من عائشة في شأن عثمان، يا أهل الشام! أضرب لكم مثلكم ومثل أمكم هذه: مثلها و
مثلكم كمثل العين في الرأس تؤذي صاحبها ولا يستطيع أن يعاقبها إلا بالذي هو خير لها.
12 - قال ابن أبي الحديد: قال كل من صنف في السير والأخبار: إن عائشة
كانت من أشد الناس على عثمان حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله
فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يبل و
عثمان قد أبلى سنته. قالوا: أول من سمى عثمان نعثلا عائشة، وكانت تقول: اقتلوا
نعثلا قتل الله نعثلا.

(1) في لفظ ابن قتيبة: عذر والله ضعيف، يا أم المؤمنين. ثم ذكر الأبيات.
81

13 - روى المدائني في كتاب الجمل قال: لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة
وبلغ قتله إليها وهي بشراف فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر وقالت: بعدا
لنعثل وسحقا، إيه ذا الإصبع! ايه أبا شبل! ايه يا ابن عم! لكأني أنظر إلى إصبعه
وهو يبايع له، حثوا الإبل ودعدعوها. قال: قد كان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح
بيت المال وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره ثم فسد أمره فدفعها إلى علي بن أبي طالب.
14 - قال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه: إن عائشة لما بلغها قتل
عثمان وهي بمكة أقبلت مسرعة وهي تقول: إيه ذا الإصبع لله أبوك، أما إنهم وجدوا
طلحة لها كفوا، فلما انتهت إلى شراف (1) استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له:
ما عندك؟ قال: قتل عثمان. قالت: ثم ماذا؟ قال: ثم حارت بهم الأمور إلى خير
محار، بايعوا عليا. فقالت: لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن ثم هذا، ويحك
انظر ماذا تقول. قال: هو ما قلت لك يا أم المؤمنين! فولولت. فقال لها: ما شأنك
يا أم المؤمنين؟ والله ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحق، ولا أرى له نظيرا
في جميع حالاته، فلماذا تكرهين ولايته؟ قال: فما ردت عليه جوابا.
وقد روي من طرق مختلفة: أن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة قالت:
أبعده الله، ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد.
15 - قال: وقد روى قيس بن أبي حازم: إنه حج في العام الذي قتل فيه عثمان
وكان مع عائشة لما بلغها قتله فتحمل إلى المدينة قال: فسمعها تقول في بعض الطريق
إيه ذا الإصبع. وإذا ذكرت عثمان قالت: أبعده الله. حتى أتاها خبر بيعة علي فقالت:
لوددت أن هذه وقعت على هذه. ثم أمرت برد ركائبها إلى مكة فرددت معها ورأيتها
في سيرها إلى مكة تخاطب نفسها كأنها تخاطب أحدا: قتلوا ابن عفان مظلوما. فقلت
لها: يا أم المؤمنين! ألم أسمعك آنفا تقولين أبعده الله؟ وقد رأيتك قبل أشد الناس عليه
وأقبحهم فيه قولا، فقالت: لقد كان ذلك ولكني نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى
إذا تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه.
16 - قال: وروي من طرق أخرى: أنها قالت لما بلغها قتله: أبعده الله قتله ذنبه،

(1) راجع صفحة 236 من الجزء الثامن، وص 80 من هذا الجزء.
82

وأقاده الله بعمله، يا معشر قريش! لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه،
إن أحق الناس بهذا الأمر ذو الإصبع. فلما جاءت الأخبار ببيعة علي عليه السلام قالت:
تعسوا لا يردون الأمر في تيم أبدا. كتب طلحة والزبير إلى عائشة وهي بمكة كتبا
أن خذلي الناس عن بيعة علي، وأظهري الطلب بدم عثمان. وحملا الكتب مع ابن
أختها عبد الله بن الزبير، فلما قرأت الكتب كاشفت وأظهرت الطلب بدم عثمان، وكانت
أم سلمة رضي الله عنها بمكة في ذلك العام فلما رأت صنع عائشة قابلتها بنقيض ذلك
وأظهرت موالاة علي عليه السلام ونصرته على مقتضى العداوة المركوزة في طباع الضرتين.
17 - قال أبو محنف: جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم
عثمان فقالت لها: يا بنت أبي أمية أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله
وأنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم لنا من بيتك، وكان جبريل
أكثر ما يكون في منزلك. فقالت أم سلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة؟ فقالت عائشة:
إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام، وقد
عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح
هذا الأمر على أيدينا وبنا. قالت: أنا أم سلمة، إنك كنت بالأمس تحرضين على
عثمان وتقولين فيه أخبث القول، وما كان اسمه عندك إلا نعثلا، وإنك لتعرفين منزلة
علي بن أبي طالب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. الحديث (1).
18 - روى ابن عبد ربه عن العتبي قال: قال رجل من بني ليث: لقيت الزبير
قادما فقلت: يا أبا عبد الله ما بالك؟ قال: مطلوب مغلوب يغلبني ابني ويطلبني ذنبي،
قال: فقدمت المدينة فلقيت سعد بن أبي وقاص فقلت: أبا إسحاق! من قتل عثمان؟
قال: قتله سيف سلته عائشة، شحذه طلحة، وسمه علي. قلت: فما حال الزبير؟
قال: أشار بيده وصمت بلسانه.
وفي الإمامة والسياسة: كتب عمرو بن العاص إلى سعد بن أبي وقاص يسأله عن
قتل عثمان ومن قتله ومن تولى كبره، فكتب إليه سعد: إنك سألتني من قتل عثمان، وإني أخبرك إنه قتل بسيف سلته عائشة، وصقله طلحة، وسمه ابن أبي طالب، و

(1) فيه فوائد جمة لا تفوت الباحث وعليه به.
83

سكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعنا عنه، ولكن عثمان غير وتغير
وأحسن وأساء، فإن كنا أحسنا فقد أحسنا، وإن كنا أسأنا؟ فنستغفر الله، وأخبرك
أن الزبير مغلوب بغلبة أهله وبطلبه بذنبه، وطلحة لو يجد أن يشق بطنه من حب
الإمارة لشقه.
19 - وقال ابن عبد ربه: دخل المغيرة بن شعبة على عائشة فقالت: يا أبا عبد الله!
لو رأيتني يوم الجمل قد أنفذت النصل هودجي حتى وصل بعضها إلى جلدي. قال لها
المغيرة: وددت والله إن بعضها كان قتلك. قالت: يرحمك الله ولم تقول هذا؟ قال لعلها
تكون كفارة في سعيك على عثمان. قالت: أما والله لئن قلت ذلك لما علم الله إني
أردت قتله، ولكن علم الله إني أردت أن يقاتل فقوتلت، وأردت أن يرمى فرميت،
وأردت أن يعصى فعصيت، ولو علم مني أني أردت قتله لقتلت.
20 - وروى ابن عبد ربه عن أبي سعيد الخدري قال: إن ناسا كانوا عند فسطاط
عائشة وأنا معهم بمكة فمر بنا عثمان فما بقي أحد من القوم إلا لعنه غيري فكان فيهم
رجل من أهل الكوفة فكان عثمان على الكوفة أجرأ منه على غيره فقال: يا كوفي!
أتشتمني؟ فلما قدم المدينة كان يتهدده قال: فقيل له: عليك بطلحة، قال: فانطلق
معه حتى دخل على عثمان فقال عثمان: والله لأجلدنه مائة سوط. قال طلحة: والله
لا تجلده مائة إلا أن يكون زانيا. قال: والله لأحرمنه عطاءه. قال: الله يرزقه.
21 - قال ابن الأثير والفيروز آبادي وابن منظور والزبيدي: النعثل الشيخ الأحمق
ونعثل يهودي كان بالمدينة. قيل شبه به عثمان رضي الله عنه كما في التبصير، ونعثل
رجل من أهل مصر كان طويل اللحية، قال أبو عبيد: كان يشبه عثمان، وشاتموا عثمان
يسمونه نعثلا، وفي حديث عثمان إنه كان يخطب ذات يوم فقام رجل فنال منه فوذأه
ابن سلام فاتذأ فقال له رجل: لا يمنعنك مكان ابن سلام أن تسب نعثلا فإنه من شيعته،
وكان أعداء عثمان يسمونه نعثلا، وفي حديث عائشة: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا. تعني
عثمان، وكان هذا منها لما غاضبته وذهبت إلى مكة، وفي حياة الحيوان: النعثل كجعفر:
الذكر من الضباع وكان أعداء عثمان يسمونه نعثلا.
22 - روى البلاذري في الأنساب قال: خرجت عائشة رضي الله تعالى عنه باكية
84

تقول: قتل عثمان رحمه الله. فقال لها عمار بن ياسر: أنت بالأمس تحرضين عليه
ثم أنت اليوم تبكينه.
راجع طبقات ابن سعد 5: 25 ط ليدن، أنساب البلاذري 5: 70، 75، 91،
الإمامة والسياسة 1: 43، 46، 57، تاريخ الطبري 5: 140، 166، 172، 176،
العقد الفريد 2: 267، 272، تاريخ ابن عساكر 7: 319، الاستيعاب ترجمة الأحنف
صخر بن قيس، تاريخ أبي الفدا ج 1: 172، شرح ابن أبي الحديد 2: 77، 506،
تذكرة السبط ص 38، 40، نهاية ابن الأثير 4: 166، أسد الغابة 3: 15: الكامل
لابن الأثير 3: 87، القاموس 4: 59، حياة الحيوان 2: 359، السيرة الحلبية 3:
314، لسان العرب 14: 193، تاج العروس 8: 141.
قال الأميني: هذه الروايات تعطينا درسا ضافيا بنظرية عائشة في عثمان وإنها
لم تكن ترى له جدارة تسنم ذلك العرش، وبالغت في ذلك حتى ودت إزالته عن مستوى
الوجود. فأحبت له أن يلقى في البحر وبرجله رحى تجره إلى أعماقه، أو أنه يجعل
في غرارة من غرائرها وتشد عليه الحبال فيقذف في عباب اليم فيرسب فيه من غير خروج،
أو أن يودي به حراب المتجمهرين عليه فتكسح عن الملأ معرة أحدوثاته، ولذلك كانت
تثير الناس عليه بإخراج شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثوبه ونعله، ولم تبرح تؤلب الملأ
الديني عليه وتحثهم على مقته وتخذلهم عن نصرته في حضرها سفرها، وإنها لم تعدل
عن تلكم النظرية حتى بعد ما أجهز على عثمان إلا لما علمت من انفلات الأمر عن
طلحة الذي كانت عائشة تتهالك دون تأميره وتضمر تقديمه منذ كانت ترهج النقع على
عثمان، وتهيج الأمة على قتله، فكانت تروم أن تعيد الإمرة تيمية مرة أخرى، و
لعلها حجت لبث هاتيك الدعاية في طريقها وعند مجتمع الحجيج بمكة، فكان يسمع
منها قولها في طلحة: إيه ذا الإصبع! إيه أبا شبل! إيه يا ابن عم لكأني أنظر إلى إصبعه
وهو يبايع له، وقولها: إيه ذا الإصبع! لله أبوك، أما إنهم وجدوا طلحة لها كفوا.
وقولها في عثمان: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر وقولها لابن عباس: إياك أن
ترد الناس عن هذا الطاغية، وقولها بمكة: بعدا لنعثل وسحقا، وقولها لما بلغها قتله:
أبعده الله، ذلك ما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد.
85

لكنها لما علمت أن خلافة الله الكبرى عادت علوية واستقرت في مقرها الجدير
بها - ولم يكن لها مع أمير المؤمنين عليه السلام هوى - قلبت عليها ظهر المجن، فطفقت تقول:
لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا، وأظهرت الأسف على قتل عثمان
ورجعت إلى مكة بعد ما خرجت منها، ونهضت ثائرة تطلب بدم عثمان لعلها تجلب
الإمرة إلى طلحة من هذا الطريق، وإلا فما هي من أولياء ذلك الدم، وقد وضع عنها
قود العساكر ومباشرة الحروب، لأنها امرأة خلقها الله لخدرها، وقد نهيت كبقية نساء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة عن التبرج، وقد أنذرها رسول الله صلى الله عليه وآله وحذرها عن خصوص
واقعة الجمل، غير أنها أعرضت عن ذلك كله لما ترجح في نظرها من لزوم تأييد أمر طلحة،
وتصاممت عن نبح كلاب الحوأب، وقد ذكره لها الصادق الأمين عند الانذار والتحذير
، ولم تزل يقودها الأمل حتى قتل طلحة فألمت بها الخيبة، وغلب أمر الله وهي كارهة.
3 - حديث عبد الرحمن بن عوف
أحد العشرة المبشرة، شيخ الشورى، بدري.
1 - أخرج البلاذري عن سعد قال: لما توفي أبو ذر بالزبدة تذاكر علي و
عبد الرحمن بن عوف فعل عثمان فقال علي: هذا عملك. فقال عبد الرحمن: إذا شئت فخذ
سيفك وآخذ سيفي، إنه قد خالف ما أعطاني.
2 - قال أبو الفدا: لما أحدث عثمان رضي الله عنه ما أحدث من توليته الأمصار
للأحداث من أقاربه روي أنه قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كله فعلك. فقال: ما كنت
أظن هذا به، لكن لله علي أن لا أكلمه أبدا، ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان رضي
الله عنهما، ودخل عليه عثمان عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه.
3 - روى البلاذري من طريق عثمان بن الشريد قال: ذكر عثمان عند عبد الرحمن
ابن عوف في مرضه الذي مات فيه فقال عبد الرحمن: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه
فبلغ ذلك عثمان فبعث إلى بئر كان يسقى منها نعم عبد الرحمن بن عوف فمنعه إياها فقال
عبد الرحمن: اللهم اجعل ماءها غورا. فما وجدت فيها قطرة.
4 - عن عبد الله بن ثعلبة قال: إن عبد الرحمن بن عوف كان حلف ألا يكلم عثمان أبدا.
86

5 - عن سعد قال: إن عبد الرحمن أوصى أن لا يصلي عليه عثمان، فصلى عليه
الزبير أو سعد بن أبي وقاص، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين.
6 - قال ابن عبد ربه: لما أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل
بيته على الجلة من أصحاب محمد قيل لعبد الرحمن: هذا عملك. قال: ما ظننت هذا. ثم
مضى ودخل عليه وعاتبه وقال: إنما قدمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما
وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال: إن عمر كان يقطع قرابته في الله و
أنا أصل قرابتي في الله. قال عبد الرحمن: لله علي أن لا أكلمك أبدا. فلم يكلمه أبدا
حتى مات وهو مهاجر لعثمان، ودخل له عثمان عائدا له في مرضه فتحول عنه إلى
الحائط ولم يكلمه.
راجع أنساب البلاذري 5: 57، العقد الفريد 2: 258، 261، 272، تاريخ
أبي الفدا ج 1: 166.
7 - أخرج الطبري من طريق المسور بن المخرمة قال: قدمت إبل من إبل الصدقة
على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأرسل إلى المسور
بن المخرمة وإلى عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذاها فقسمها عبد الرحمن
في الناس وعثمان في الدار.
تاريخ الطبري 5: 113، الكامل لابن الأثير 3: 70، شرح ابن أبي الحديد
1: 165.
8 - قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل: استجيبت دعوة علي عليه السلام في
عثمان وعبد الرحمن فما ماتا إلا متهاجرين متعاديين، أرسل عبد الرحمن إلى عثمان يعاتبه
(إلى أن قال): لما بنى عثمان قصره طمار الزوراء وصنع طعاما كثيرا ودعا الناس إليه كان
فيهم عبد الرحمن فلما نظر إلى البناء والطعام قال: يا ابن عفان! لقد صدقنا عليك ما كنا
نكذب فيك، وإني أستعيذ بالله من بيعتك، فغضب عثمان وقال: أخرجه عني يا غلام!
فأخرجوه وأمر الناس أن لا يجالسوه، فلم يكن يأتيه أحد إلا ابن عباس كان يأتيه فيتعلم
منه القرآن والفرائض، ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان وكلمه فلم يكلمه حتى مات.
شرح ابن أبي الحديد 1: 65، 66.
87

قول العسكري: استجيبت دعوة علي. إشارة إلى ما ورد من قوله عليه السلام يوم
الشورى لعبد الرحمن بن عوف: والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من
صاحبه دق الله بينكما عطر منشم (1).
ومنشم امرأة عطارة من حمير، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا
من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثر القتلى فيما بينهم، فكان يقال: أشأم من عطر منشم
فصار مثلا.
وقول عبد الرحمن: لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك. إيعاز إلى قول مولانا
أمير المؤمنين يوم الشورى أيضا: أما إني أعلم أنهم سيولون عثمان، وليحدثن البدع و
الأحداث، ولئن بقي لأذكرنك، وإن قتل أو مات ليتداولونها بنو أمية بينهم،
وإن كنت حيا لتجدني حيث تكرهون (2).
قال الشيخ محمد عبدة في شرح نهج البلاغة 1: 35: لما حدث في عهد عثمان
ما حدث من قيام الأحداث من أقاربه على ولاية الأمصار، ووجد عليه كبار الصحابة
روي إنه قيل لعبد الرحمن: هذا عمل يديك. فقال: ما كنت أظن هذا به ولكن لله
علي أن لا أكلمه أبدا، ثم مات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان، حتى قيل: أن عثمان
دخل عليه في مرضه يعوده فتحول إلى الحائط لا يكلمه، والله أعلم والحكم لله يفعل
ما يشاء.
وقال ابن قتيبة في المعارف ص 239: كان عثمان بن عفان مهاجرا لعبد الرحمن
ابن عوف حتى ماتا.
قال الأميني، لا بد أن يسائل هؤلاء عن أشياء فيقال لهم: إن سيرة الشيخين التي
بويع عثمان عليها هل كانت تطابق سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو تخالفها؟ وعلى الأول
فشرطها مستدرك، ولا شرط للخلافة إلا مطابقة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولا نقمة
على تاركها إلا بترك السنة لا السيرة، فذكرها إلى جانب السنة الشريفة كضم
اللا حجة إلى الحجة، أو كوضع الحجر إلى جنب الانسان، وعلى الثاني فإن من

(1) شرح ابن أبي الحديد 1: 63.
(2) شرح ابن أبي الحديد 1: 64.
88

الواجب على كل مسلم مخالفتها بعد فرض إيمانه بالله وبكتابه ورسوله واليوم الآخر،
فكان من حق المقام أن ينكروا على عثمان مخالفة السنة فحسب. ولهذا لم يقبل مولانا
أمير المؤمنين لما ألقى إليه عبد الرحمن أمر البيعة على الشرط المذكور إلا مطابقة أمره
للسنة والاجتهاد فيها (1).
وليت شعري إنه لما شرط ابن عوف على عثمان ذلك هل كان يعلم بما قلناه
من الموافقة أو المخالفة أو لا؟ وعلى فرض علمه يتوجه عليه ما سطرناه على كل من
الفرضين، وعلى تقدير عدم علمه وهو أبعد شئ، يفرض فكيف شرط عليه ما لا يعلم
حقيقته، وكيف يناط أمر الدين وزعامته الكبرى بحقيقة مجهولة؟ وما الفائدة في
اشتراطه؟.
وللباقلاني في التمهيد ص 210 في بيان هذا الشرط وجه نجل عنه ساحة كل
متعلم فاهم فضلا عن عالم مثله.
ثم نأتي إلى عثمان فنحاسبه على قبوله لأول وهلة، هل كل يعلم شيئا مما
قدمناه من النسبة بين السنة والسيرة أولا؟ فهلا شرط الأمر على تقدير الموافقة؟ ورفضه
على فرض المخافة؟ وإن كان لا يعلم فكيف قبل شرطا لا يدري ما هو؟ ثم هل كان
يعلم يومئذ أنه يطيق على ذلك أو لا؟ أو كان يعلم أنه لا يطيقه؟ وعلى الأخير فكيف
قبل ما لا يطيقه؟ وعلى الثاني كيف أقدم على الخطر فيما لا يعلم أنه يتسنى له أن ينوء
به؟ وعلى الأول فلما ذا خالف ما أشترط عليه وقبله ووجدت البيعة عليه؟ وحصل القبول
والرضا من الأمة به؟ ثم جاء يعتذر لما أخذه ابن عوف بمخالفته إياها بأنه لا يطيق
ذلك فقال فيما أخرجه أحمد في مسنده 1: 68 من طريق شقيق: وأما قوله: ولم
أترك سنة عمر؟ فإني لا أطيقها ولا هو. وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 206.
وكيفما أجيب عن هذه المسائل فعبرتنا الآن بنظرية عبد الرحمن بن عوف
الأخيرة في الخليفة، وهي من أوضح الحقايق لمن استشف ما ذكرناه من قوله له: إني
أستعيذ بالله من بيعتك. وقوله لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إذا شئت فخذ سيفك وآخذ

(1) مسند أحمد 1: 75، تاريخ الطبري 5: 40، تمهيد الباقلاني ص 209، تاريخ ابن كثير
7: 146.
89

سيفي. إلخ. مستحلا قتاله، وقوله: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه. وقد بالغ في
الإنكار عليه ورأيه في سقوطه أنه لم يره أهلا للصلاة عليه وأوصى بذلك عند وفاته
فصلى عليه الزبير، وهجره وحلف أن لا يكلمه أبدا حتى أنه حول وجهه إلى الحائط
لما جاء عائدا، وإنه كان لا يرى لتصرفاته نفوذا ولذلك لما بلغه إعطاء عثمان إبل الصدقة
لبعض بني الحكم أرسل إليها المسور بن المخرمة وعبد الرحمن بن الأسود فأخذها
فقسمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار، ولهذه كلها كان يراه عثمان منافقا و
يقذفه بالنفاق كما ذكره ابن حجر في الصواعق ص 68 وأجاب عنه متسالما عليه بأنه
كان متوحشا منه لأنه كان يجيئه كثيرا. إقرأ واضحك. وذكره الحلبي في السيرة 2:
87 فقال: أجاب عنه ابن حجر ولم يذكر الجواب لعلمه بأنه أضحوكة.
ونسائل القوم بصورة أخرى مع قطع النظر عن جميع ما قلناه: إن ما اشترط
على عثمان وعقد عليه أمره هل كان واجب الوفاء؟ أو كان لعثمان منتدح عنه بتركه؟
وعلى الأول فما وجه مخالفة الخليفة له؟ ولماذا لم يقبله مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وهو
عيبة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعارف بأحكامه وسننه وبصلاح الأمة منذ بدء أمرها إلى
منصرمه، وهل يخلع الخليفة في صورة المخالفة؟ فلما ذا كان عثمان لا يروقه التنازل
عن أمره لما أرادت الصحابة خلعه للمخالفة؟ أو أنه لا يخلع؟ فلماذا تجمهروا عليه
فخلعوه وقتلوه؟ وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العدول كلهم في نظر القوم، وإن كان
لا يجب الوفاء به؟ فلماذا لم يبايعوا أمير المؤمنين عليه السلام لما جاء بعدم الالتزام بما لا يجب
الوفاء به؟ وما معنى اعتذار عبد الرحمن بن عوف في تقديمه عثمان على أمير المؤمنين عليه السلام
بأنه قبل متابعة سيرة الشيخين ولم يقبلها علي عليه السلام؟ ولماذا ألزموا عثمان به؟ ولماذا
التزم به عثمان؟ ولماذا تمت البيعة عليه؟ ولماذا تجمهروا عليه لما شاهدوا منه
المخالفة؟.
وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون
فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون
90

4 - حديث طلحة بن عبيد الله
أحد العشرة المبشرة، وأحد الستة أصحاب الشورى
1 - من كلام لمولانا أمير المؤمنين في طلحة: والله ما استعجل متجردا للطلب
بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدمه لأنه مظنته، ولم يكن في القوم أحرص
عليه منه، فأراد أن يغالط بما أجلب فيه ليلبس الأمر ويقع الشك، ووالله ما صنع في
أمر عثمان واحدة من ثلاث: لئن كان ابن عفان ظالما - كما كان يزعم - لقد كان
ينبغي له أن يوازر قاتليه أو ينابذ ناصريه. ولئن كان مظلوما لقد كان ينبغي له أن
يكون من المنهنهين عنه والمعذرين فيه. ولئن كان في شك من الخصلتين لقد كان
ينبغي له أن يعتزله ويركد جانبا ويدع الناس معه، فما فعل واحدة من الثلاث، وجاء
بأمر لم يعرف بابه، ولم تسلم معاذيره. (1).
قال ابن أبي الحديد في الشرح 2: 506: فإن قلت: يمكن أن يكون طلحة
إعتقد إباحة دم عثمان أولا ثم تبدل ذلك الاعتقاد بعد قتله فاعتقد أن قتله حرام وأنه
يجب أن يقتص من قاتليه. قلت: لو اعترف بذلك لم يقسم علي عليه السلام هذا التقسيم و
إنما قسمه لبقائه على اعتقاد واحد، وهذا التقسيم مع فرض بقائه على اعتقاد واحد
صحيح لا مطعن فيه، وكذا كان حال طلحة فإنه لم ينقل عنه إنه قال: ندمت على
ما فعلت بعثمان.
فإن قلت: كيف قال أمير المؤمنين: فما فعل واحدة من الثلاث؟ وقد فعل واحدة
منها لأنه وازر قاتليه حيث كان محصورا. قلت: مراده: إنه إن كان عثمان ظالما وجب
أن يوازر قاتليه بعد قتله يحامي عنهم ويمنعهم ممن يروم دماءهم، ومعلوم أنه لم يفعل
ذلك. وإنما وازرهم وعثمان حي وذلك غير داخل في التقسيم. ا ه‍.
2 - أخرج الطبري من طريق حكيم بن جابر قال: قال علي لطلحة - وعثمان
محصور -: أنشدك الله إلا رددت الناس عن عثمان قال: لا والله حتى تعطي بنو أمية
الحق من أنفسها.

(1) نهج البلاغة 1: 323.
91

تاريخ الطبري 5: 139، شرح ابن أبي الحديد 1: 168 فقال: فكان علي عليه السلام
يقول: لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل.
3 - أخرج الطبري من طريق بشر بن سعيد قال: حدثني عبد الله بن عباس بن
أبي ربيعة قال: دخلت على عثمان رضي الله عنه فتحدثت عنه ساعة فقال: يا ابن عباس! تعال
فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على باب عثمان فسمعنا كلاما، منهم من يقول: ما تنتظرون
به؟ ومنهم من يقول: انظروا عسى أن يراجع، فبينا أنا وهو واقفان إذ مر طلحة بن
عبيد الله فوقف فقال: أين ابن عديس؟ فقيل: هاهوذا. قال: فجاء ابن عديس فناجاه بشئ
ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحدا يدخل على هذا الرجل ولا يخرج
من عنده قال: فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله ثم قال عثمان: اللهم اكفني
طلحة بن عبيد الله فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم، والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا
وأن يسفك دمه، إنه انتهك مني ما لا يحل له، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل
دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه فيقتل، أو رجل زنى بعد
إحصانه فيرجم، أو رجل قتل نفسا بغير نفس. ففيم أقتل؟ قال: ثم رجع عثمان. قال
ابن عباس: فأردت أن أخرج فمنعوني حتى مر بي محمد بن أبي بكر فقال: خلوه.
فخلوني. تاريخ الطبري 5: 122، الكامل ابن الأثير 3: 73.
4 - أخرج الطبري من طريق الحسن البصري: إن طلحة بن عبيد الله باع أرضا له
من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة: إن رجلا تتسق هذه عنه (1) وفي بيته
لا يدري ما يطرقه من أمر الله عز وجل لغرير بالله سبحانه، فبات ورسوله يختلف بها في
سكك المدينة يقسمها حتى أصبح فأصبح وما عنده منها درهم. قال الحسن: وجاء
هاهنا يطلب الدينار والدرهم. أو قال: الصفراء والبيضاء.
تاريخ الطبري 5: 139، تاريخ ابن عساكر 7: 81.
5 - حكى ابن أبي الحديد عن الطبري: إن عثمان كان له على طلحة خمسون
ألفا فخرج عثمان يوما إلى المسجد فقال له طلحة: قد تهيأ مالك فاقبضه فقال: هو لك

(1) في شرح ابن أبي الحديد: عنده.
92

يا أبا محمد معونة لك على مروءتك. قال: فكان عثمان يقول وهو محصور جزاء سنمار (1).
وقال ابن أبي الحديد: كان طلحة من أشد الناس تحريضا عليه، وكان الزبير
دونه في ذلك. روي أن عثمان قال: ويلي على ابن الحضرمية - يعني طلحة - أعطيته كذا
وكذا بهار أذهبا وهو يروم دمي يحرض على نفسي، اللهم لا تمتعه به ولقه عواقب بغيه.
قال: وروى الناس الذين صنفوا في واقعة الدار: إن طلحة كان يوم قتل عثمان
مقنعا بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام، ورووا أيضا: إنه لما أمتنع
على الذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار لبعض الأنصار فأصعدهم
إلى سطحها وتسوروا منها على عثمان داره فقتلوه. شرح ابن أبي الحديد 2: 404.
6 - روى المدائني في كتاب مقتل عثمان: إن طلحة منع من دفنه ثلاثة أيام،
وإن عليا لم يبايع الناس إلا بعد قتل عثمان بخمسة أيام، وأن حكيم بن حزام أحد
بني أسد ابن عبد العزى وجبير بن مطعم بن الحرث بن نوفل استنجدا بعلي على دفنه
فأقعد طلحة لهم في الطريق ناسا بالحجارة فخرج به نفر يسير من أهله وهم يريدون به
حائطا بالمدينة يعرف بحش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلما صار هناك رجم
سريره وهموا بطرحه، فأرسل علي إلى الناس يعزم عليهم ليكفوا عنه، فكفوا فانطلقوا
به حتى دفنوه في حش كوكب.
وأخرج المدائني في الكتاب قال: دفن عثمان بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته
إلا مروان بن الحكم وابنة عثمان وثلاثة من مواليه فرفعت ابنته صوتها تندبه وقد جعل
طلحة ناسا هناك أكمنهم كمينا فأخذتهم الحجارة وصاحوا: نعثل نعثل، فقالوا: الحائط
الحائط. فدفن في حائط هناك.
7 - أخرج الواقدي قال: لما قتل عثمان تكلموا في دفنه فقال طلحة: يدفن
بدير سلع. يعني مقابر اليهود. ورواه طبري في تاريخه 5: 143 غير أن فيه مكان
طلحة: رجل.
8 - أخرج الطبري بالإسناد قال: حصر عثمان وعلي بخيبر فلما قدم أرسل إليه

(1) هذا الحديث أخرجه الطبري في تاريخه 5: 139 وليس فيه ما حكاه عنه ابن أبي الحديد
(فكان عثمان يقول وهو محصور: جزاء سنمار).
93

عثمان يدعوه فانطلق فقلت: لأنطلقن معه ولأسمعن مقالتهما، فلما دخل عليه كلمه عثمان
فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما بعد فإن لي عليك حقوقا حق الاسلام وحق الإخاء،
وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين آخى بين الصحابة آخى وبيني وبينك، وبين حق
القرابة والصهر وما جعلت لي في عنقك من العهد والميثاق، فوالله لو لم يكن من هذا شئ ثم
كنا إنما نحن في جاهلية لكان مبطا على بني عبد مناف أن يبتزهم أخو بني تيم
ملكهم. فتكلم علي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فكل ما ذكرت من حقك
علي على ما ذكرت، أما قولك: لو كنا في جاهلية لكان مبطا على بني عبد مناف
أن يبتزهم أخو بني تيم ملكهم، فصدقت وسيأتيك الخبر. ثم خرج فدخل المسجد
فرأى أسامة جالسا فدعاه فاعتمد على يده فخرج يمشي إلى طلحة وتبعته فدخلنا دار
طلحة بن عبيد الله وهي رجاس من الناس فقام إليه فقال: يا طلحة! ما هذا الأمر الذي
وقعت فيه؟ فقال: يا أبا حسن! بعد ما مس الحزام الطبيين (1) فانصرف علي ولم يحر
إليه شيئا حتى أتى بيت المال فقال: افتحوا هذا الباب. فلم يقدر على المفاتيح فقال:
اكسروه فكسر باب بيت المال فقال: أخرجوا المال. فجعل يعطي الناس فبلغ الذين
في دار طلحة الذي صنع علي فجعلوا يتسللون إليه حتى ترك طلحة وحده، وبلغ
الخبر عثمان فسر بذلك، ثم أقبل طلحة يمشي عائدا إلى دار عثمان فقلت: والله لأنظرن
ما يقول هذا فتتبعته فاستأذن على عثمان فلما دخل عليه قال: يا أمير المؤمنين! أستغفر
الله وأتوب إليه أردت أمرا فحال الله بيني وبينه، فقال عثمان: إنك والله ما جئت تائبا
ولكنك جئت مغلوبا، الله حسيبك يا طلحة. تاريخ الطبري 6: 154، كامل ابن الأثير
3: 70، شرح ابن أبي الحديد 1: 165!. تاريخ ابن خلدون 2: 397.
قال الأميني: هذا لفظ تاريخ الطبري المطبوع وقد لعبت به أيدي الهوى بالتحريف
وزادت فيه حديث الإخاء بين عثمان وعلي المتسالم على بطلانه بين فرق المسلمين، كأن
القوم آلوا على أنفسهم بأن لا يدعو حديثا إلا شوهوه بالاختلاق، وقد حكى ابن أبي الحديد
هذا الحديث عن تاريخ الطبري في شرحه 2: 506 ولا توجد فيه مسألة الإخاء وإليك لفظه:

(1) أي: اشتد الأمر وتفاقم. كتب عثمان إلى علي عليه السلام: قد بلغ السيل الزبا وجاوز
الحزام الطبيين. تاج العروس 1: 222.
94

روى الطبري في التاريخ: أن عثمان لما حصر كان علي عليه السلام بخيبر في أمواله
فلما قدم أرسل إليه يدعوه فلما دخل عليه قال له إن لي عليك حقوقا: حق الاسلام،
وحق النسب، وحق مالي عليك من العهد والميثاق، ووالله إن لو لم يكن من هذا كله
شئ وكنا في جاهلية لكان عارا علي بني عبد مناف أن يبتزهم أخو تيم ملكهم يعني
طلحة، فقال له عليه السلام: سيأتيك الخبر. إلى آخر الحديث باللفظ المذكور.
وقد أسلفنا في الجزء الثالث ص 104 - 116 حديث المواخاة بأوسع ما يسطر
وفيه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي واخى أمير المؤمنين عليه السلام لا غيره.
9 - ذكر البلاذري في حديث: إن طلحة قال لعثمان: إنك أحدثت أحداثا لم
يكن الناس يعهدونها، فقال عثمان: ما أحدثت أحداثا ولكنكم أظناء تفسدون علي
الناس وتؤلبوهم. الأنساب 5: 44.
10 - حكى البلاذري عن أبي مخنف وغيره: حرس القوم عثمان ومنعوا من أن
يدخل عليه، وأشار عليه سعيد بن العاص بأن يحرم ويلبي ويخرج فيأتي مكة فلا يقدم
عليه. فبلغهم قوله فقالوا: والله لئن خرج لا فارقناه حتى يحكم الله بيننا وبينه، واشتد
عليه طلحة بن عبيد الله في الحصار، ومنع من أن يدخل إليه الماء حتى غضب علي
ابن أبي طالب من ذلك، فأدخلت عليه روايا الماء. الأنساب 5: 71.
11 - في رواية للبلاذري ص 90: كان الزبير وطلحة قد استوليا على الأمر، و
منع طلحة عثمان من أن يدخل عليه الماء العذب فأرسل علي إلى طلحة وهو في أرض له
على ميل من المدينة: أن دع هذا الرجل فليشرب من مائة ومن بئره يعني بئر رومة، و
لا تقتلوه من العطش. فأبى فقال علي: لولا أني قد آليت يوم ذي خشب أنه إن لم
يعطني لا أرد عنه أحدا لا دخلت عليه الماء.
وفي الإمامة والسياسية 1: 34: أقام أهل الكوفة وأهل مصر بباب عثمان ليلا و
نهارا وطلحة يحرض الفريقين جميعا على عثمان، ثم إن طلحة قال لهم: إن عثمان لا يبالي
ما حضرتموه وهو يدخل إليه الطعام والشراب فامنعوه الماء أن يدخل عليه.
12 - قال البلاذري: قالوا: مر مجمع بن جارية الأنصاري بطلحة بن عبيد
الله فقال: يا مجمع ما فعل صاحبك؟ قال: أظنكم والله قاتليه. فقال طلحة: فإن قتل فلا
95

ملك مقرب ولا نبي مرسل. الأنساب 5: 74.
13 - وروى البلاذري في حديث: وسلم عثمان على جماعة فيهم طلحة فلم يردوا
عليه فقال: يا طلحة! من كنت أرى إنه أعيش إلى أن أسلم عليك فلا ترد علي السلام
الأنساب 5: 76.
كأن هذه القضية غير ما وقع في أيام الحصار الثاني مما ذكره الديار بكري في
تاريخ الخميس 2: 260 قال: أشرف عثمان عليهم ذات يوم وقال: السلام عليكم. فما سمع
أحدا من الناس يرد عليه إلا أن يرد في نفسه. وسيوافيك حديث جبلة بن عمرو الأنصاري
ونهيه الناس عن رد السلام على عثمان إذا سلمهم.
14 - أخرج البلاذري من طريق يحيى بن سعيد قال: كان طلحة قد استولى على
أمر الناس في الحصار، فبعث عثمان عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب
إلى علي بهذا البيت:
وإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي * وإلا فأدركني ولما أمزق (1)
وقال أبو مخنف: صلى علي بالناس يوم النحر وعثمان محصور فبعث إليه عثمان
ببيت الممزق، وكان رسوله به عبد الله بن الحارث ففرق علي الناس عن طلحة، فلما
رأى ذلك طلحة دخل على عثمان فاعتذر فقال له عثمان: يا ابن الحضرمية! ألبت علي
الناس ودعوتهم إلى قتلي حتى إذا فاتك ما تريد جئت معتذرا، لا قبل الله ممن قبل
عذرك. الأنساب 5: 77.
15 - روى البلاذري بإسناده من طريق ابن سيرين أنه قال: لم يكن من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم أشد على عثمان من طلحة. الأنساب 5: 81، وذكره ابن عبد ربه في
العقد الفريد 2: 269.
16 - أخرج ابن سعد وابن عساكر قال: كان طلحة يقول يوم الجمل: إنا داهنا
في أمر عثمان فلا نجد شيئا أمثل من أن نبذل دماءنا فيه، اللهم خذ لعثمان مني اليوم
حتى ترضى. طبقات ابن سعد، تاريخ ابن عساكر 7: 84، تذكرة السبط ص 44.
17 - أخرج ابن عساكر قال: كان مروان بن الحكم في الجيش يوم الجمل

(1) هذا البيت للممزق العبدي شاش بن لها بن الأسود. وبه سمي الممزق.
96

فقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم، فهو الذي رمى طلحة فقتله، ثم قال لأبان بن عثمان: قد
كفيتك بعض قتلة أبيك، وكان السهم قد وقع في عين ركبته، فكانوا إذا أمسكوها انتفخت
وإذا أرسلوها انبعثت فقال: دعوها فإنها سهم أرسله الله. تاريخ ابن عساكر 7: 84.
قال أبو عمر في الاستيعاب: لا يختلف العلماء الثقات في أن مروان قتل طلحة يومئذ
وكان في حزبه، روى عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال:
قال طلحة يوم الجمل:
ندمت ندامة الكسعي لما * شريت رضا بني جرم برغمي (1).
اللهم خذ مني لعثمان حتى يرضى.
" بيان " الكسع: حي من قيس عيلان، وقيل: هم حي من اليمن رماة، و
منهم الكسعي الذي يضرب به المثل في الندامة وهو رجل رام رمى بعد ما أسدف الليل
عيرا فأصابه وظن أنه أخطأه فكسر قوسه وقيل: وقطع إصبعه ثم ندم من الغد حين
نظر إلى العير مقتولا وسهمه فيه، فصار مثلا لكل نادم على فعل يفعله. وإياه عني
الفرزدق بقوله:
ندمت ندامة الكسعي لما * غدت مني مطلقة نوار
وقال آخر:
ندمت ندامة الكسعي لما * رأت عيناه ما فعلت يداه
وقيل: كان اسم الكسعي محارب بن قيس.
وأخرج أبو عمر بن طريق ابن أبي سبرة قال: نظر مروان إلى طلحة يوم الجمل
فقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم. فرماه بسهم فقتله.
وأخرج من طريق يحيى بن سعيد عن عمه أنه قال: رمى مروان طلحة بسهم ثم
التفت إلى أبان بن عثمان قال: قد كفينا بعض قتلة أبيك.
وأخرج من طريق قيس نقلا عن ابن أبي شيبة أن مروان قتل طلحة، ومن
طريق وكيع وأحمد بن زهير بإسنادهما عن قيس بن أبي حازم حديث: لا أطلب بثأري
.

(1) هذا البيت معه ثلاثة أبيات أخر ذكرها ابن الأثير في أسد الغابة 3: 104، وسبط ابن
الجوزي في التذكرة ص 44.
97

بعد اليوم. وزاد في " أسد الغابة " ما مر من قول مروان لأبان.
وقال ابن حجر في الإصابة 2: 230: روى ابن عساكر من طرق (1) متعددة:
أن مروان بن الحكم هو الذي رماه فقتله، منها: وأخرجه أبو القاسم البغوي بسند
صحيح عن الجارود بن أبي سبرة قال: لما كان يوم الجمل نظر مروان إلى طلحة فقال:
لا أطلب ثاري بعد اليوم فنزع له بسهم فقتله.
وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم أن مروان بن الحكم
رأى طلحة في الخيل فقال: هذا أعان على عثمان فرماه بسهم في ركبته، فما زال الدم
يسيح حتى مات. وأخرجه الحاكم في المستدرك 3: و 370.
أخرجه عبد الحميد بن صالح عن قيس، وأخرجه الطبراني من طريق يحيى بن
سليمان الجعفي عن وكيع بهذا السند قال: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة
يومئذ بسهم فوقع في عين ركبته، فما زال الدم يسيح إلى أن مات.
وأخرج الحاكم في المستدرك 3: 370 من طريق عكراش قال: كنا نقاتل عليا
مع طلحة ومعنا مروان قال: فانهزمنا فقال مروان: لا أدرك بثأري بعد اليوم من طلحة
فرماه بسهم فقتله.
وقال محب الدين الطبري في الرياض 2: 259: المشهور أن مروان بن الحكم
هو الذي قتله رماه بسهم وقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم. وذلك أن طلحة زعموا أنه
كان ممن حاصر عثمان واشتد عليه.
وأخرج البلاذري في " الأنساب " ص 135 في حديث عن روح بن زنباع: إنه
قال: رمى مروان طلحة فاستقاد منه لعثمان.
يوجد حديث قتل مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله أخذا بثار عثمان في مروج
الذهب 2: 11، القعد الفريد 2: 279، مستدرك الحاكم 3: 370، الكامل لابن الأثير
3، 104، صفة الصفوة لابن الجوزي 1: 132، أسد الغابة 3: 61، دول الاسلام للذهبي
.

(1) حذفتها يد الطبع الأمينة على ودايع العلم حيا الله الأمانة. لقد لعبت يد الشيخ عبد القادر بن
بدران بتاريخ ابن عساكر لما هذبه ورتبه على زعمه فأخرجه عما هو عليه، وجعله مسيخا مشوها بإدخال
آرائه الساقطة فيه، وأسقط منه أحاديث كثيرة متنا وإسنادا مما لا يروقه.
98

1، 18، تاريخ ابن كثير 7: 247، تذكرة السبط ص 44، مرآة الجنان لليافعي 1:
97، تهذيب التهذيب 5: 21، تاريخ ابن شحنة هامش الكامل 7: 189.
18 - أخرج ابن سعد بالإسناد عن شيخ من كلب قال: سمعت عبد الملك بن
مروان يقول: لولا أن أمير المؤمنين مروان أخبرني أنه قتل طلحة ما تركت أحدا من
ولد طلحة إلا قتلته بعثمان.
19 - أخرج الحميدي في النوادر من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن
مروان قال: دخل موسى بن طلحة على الوليد فقال له الوليد: ما دخلت علي قط إلا
هممت بقتلك لولا أن أبي أخبرني أن مروان قتل طلحة. تهذيب التهذيب 5: 22.
20 - أخرج الطبري في حديث: فقام طلحة والزبير خطيبين (يعني بالبصرة)
فقالا: يا أهل البصرة توبة بحوبة، إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان ولم نرد
قتله فغلب سفهاء الناس الحلماء حتى قتلوه. فقال الناس طلحة: يا أبا محمد قد كانت
كتبك تأتينا بغير هذا. تاريخ الطبري 5: 179.
21 - ذكر المسعودي في حديث وقعة الجمل: ثم نادى علي رضي الله عنه طلحة
حين رجع الزبير: يا أبا محمد! ما الذي أخرجك؟ قال: الطلب بدم عثمان. قال علي:
قتل الله أولانا بدم عثمان (1) مروج الذهب 2: 11.
22 - لما نزل طلحة والزبير السبخة (2) أتاهما عبد الله بن الحكيم التميمي لكتب
كانا كتباها إليه فقال لطلحة: يا أبا محمد! أما هذه كتبك إلينا؟ قال: بلي، قال: فكتبت
أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه، فلعمري ما هذا
رأيك، لا تريد إلا هذه الدنيا، مهلا إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من علي ما عرض
عليك من البيعة؟ فبايعته طائعا راضيا ثم نكثت بيعتك، ثم جئت لتدخلنا في فتنتك.
الحديث (3).
23 - قال ابن قتيبة: ذكروا أنه لما نزل طلحة والزبير وعائشة البصرة اصطف
.

(1) لقد استجاب الله تعالى دعاء الإمام عليه السلام فقتل طلحة في أسرع وقت.
(2) السبخة بالتحريك موضع بالبصرة.
(3) شرح ابن أبي الحديد 2: 500.
99

لها الناس في الطريق يقولون: يا أم المؤمنين! ما الذي أخرجك من بيتك؟ فلما
أكثروا عليها تكلمت بلسان طلق وكانت من أبلغ الناس فحمدت الله وأثنت عليه ثم
قالت: أيها الناس والله ما بلغ من ذنب عثمان أن يستحل دمه (1) ولقد قتل مظلوما،
غضبنا لكم من السوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل، وإن من الرأي أن تنظروا
إلى قتلة عثمان فيقتلوا به ثم يرد هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطاب. فمن
قائل يقول: صدقت. وآخر يقول: كذبت. فلم يبرح الناس يقولون ذلك حتى ضرب
بعضهم وجوه بعض فبينما هم كذلك أتاهم رجل من أشراف البصرة بكتاب كان كتبه طلحة في
التأليب على قتل عثمان. فقال لطلحة: هل تعرف هذا الكتاب؟ قال نعم. قال: فما ردك على
ما كنت عليه، وكنت أمس تكتب إلينا تؤلبنا على قتل عثمان وأنت اليوم تدعونا إلى
الطلب بدمه؟ وقد زعمتما أن عليا دعاكما إلى أن تكون البيعة لكما قبله إذ كنتما أسن
منه فأبيتما إلا أن تقد ماه لقرابته وسابقته فبايعتماه، فكيف تنكثان بيعتكما بعد الذي
عرض عليكما؟ قال طلحة: دعانا إلى البيعة بعد أن اغتصبها وبايعه الناس، فعلمنا حين
عرض علينا أنه غير فاعل ولو فعل أبى ذلك المهاجرون والأنصار، وخفنا أن نرد بيعته
فنقتل فبايعناه كارهين، قال: فما بدا لكما في عثمان؟ قال: ذكرنا ما كان من طعننا عليه و
خذلاننا إياه، فلم نجد من ذلك مخرجا إلا الطلب بدمه. قال: ما تأمراني به؟ قال:
بايعنا على قتال علي ونقض بيعته، قال: أرأيتما إن أتانا بعدكما من يدعونا إليه ما نصنع؟
قالا: لا تبايعه. قال ما أنصفتما أتأمراني أن أقاتل عليا وأنقض بيعته وهي في أعناقكما
وتنهاني عن بيعة من لا بيعة له عليكما؟ أما إننا قد بايعنا عليا، فإن شئتما بايعناكما
بيسار أيدينا. قال: ثم تفرق الناس فصارت فرقة مع عثمان بن حنيف، وفرقة مع
طلحة والزبير. ثم جاء جارية بن قدامة فقال: يا أم المؤمنين! لقتل عثمان كان أهون
علينا من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون، إنه كانت لك من الله حرمة و
ستر، فهتكت سترك، وأبحت حرمتك، إنه من رأى قتالك، فقد رأى قتلك، فإن
كنت يا أم المؤمنين! أتيتينا طائعة؟ فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتينا مستكرهة؟
فاستعتبي (2).

(1) أتى هذا المحال والتمحل من قوارصها التي مرت في ص 77 - 85.
(2) الإمامة والسياسية 1: 60.
100

24 - ذكر أبو مخنف من طريق مسافر بن عفيف من خطبة (1) لمولانا أمير المؤمنين
قوله: اللهم إن طلحة نكث بيعتي وألب على عثمان حتى قتله ثم عضهني به ورماني
اللهم فلا تمهله، اللهم إن الزبير قطع رحمي ونكث بيعتي وظاهر على عدوي فاكفنيه
اليوم بما شئت (2).
25 - أخرج الطبري في تاريخه 5: 183 من طريق علقمة بن وقاص الليثي قال:
لما خرج طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم رأيت طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها
وهو ضارب بلحيته على زوره (3) فقلت: يا أبا محمد! أرى أحب المجالس إليك أخلاها
وأنت ضارب بلحيتك على زورك، إن كرهت شيئا فاجلس. قال: فقال لي: يا علقمة بن
وقاص! بينا نحن يد واحدة على من سوانا إذا صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضا
إنه كان مني في عثمان شئ ليس توبتي إلا أن يسفك دمي في طلب دمه.
الوجه في هذه التوبة إن صحت وكان الموئود من النفوس المحترمة أن يسلم نفسه
لأولياء القتيل أو لإمام الوقت فيقيدوا منه، لا أن يلقح فتنة كبرى تراق فيها دماء بريئة
من دم عثمان، وتزهق أنفس لم تكن هنالك في حل ولا مرتحل، فيكون قد زاد
ضغثا على ابالة، وجاء بها حشفا وسوء كيلة.
5 - حديث الزبير بن العوام
أحد العشرة المبشرة، وأحد أصحاب الشورى الست.
1 - أخرج الطبري في حديث وقعة الجمل: خرج علي على فرسه فدعا الزبير
فتواقفا فقال علي للزبير: ما جاء بك؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى
به منا. فقال علي: لست (4) له أهلا بعد عثمان رضي الله عنه؟ قد كنا نعدك من بني
عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا وبينك. وعظم عليه أشياء فذكر أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر عليهما فقال لعلي: ما يقول ابن عمتك؟ ليقاتلنك وهو لك ظالم (5)

(1) ذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج 1: 101.
(2) يا لها من دعوة مستجابة أصابت الرجلين من دون مهلة.
(3) الزور: الصدر وقيل: وسط الصدر. وقيل: أعلى الصدر. وقيل: ملتقى أطراف عظام الصدر.
(4) في الكامل لابن الأثير: ألست.
(5) هذا الحديث أخرجه جمع من الحفاظ كما أسلفناه في الجزء الثالث ص 191 ط 2.
101

فانصرف عنه الزبير وقال: فإني لا أقاتلك، فرجع إلى ابنه عبد الله، فقال: ما لي في هذا
الحرب بصيرة. فقال له ابنه: إنك قد خرجت على بصيرة، ولكنك رأيت رايات ابن أبي
طالب وعرفت أن تحتها الموت فجبنت، فأحفظه حتى أرعد وغضب وقال: ويحك إني
قد حلفت له ألا أقاتله. فقال له ابنه: كفر عن يمينك بعتق غلامك (سرجيس) فأعتقه
وقام في الصف معهم، وكان علي قال الزبير: أطلب مني دم عثمان؟ وأنت قتلته، سلط
الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره (1).
وقول علي عليه السلام للزبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته. الخ. أخرجه أيضا
الحافظ العاصمي في زين الفتى. وفي لفظ المسعودي: قال علي: ويحك يا زبير! ما الذي
أخرجك؟ قال: دم عثمان. قال علي: قتل الله أولانا بدم عثمان.
قال الأميني: إنما حلف الزبير على ترك القتال لأنه وجده بعد تذكير الإمام
عليه السلام له الحديث النبوي، وبعد إتمام الحجة عليه بذلك محرما عليه في الدين، وإنه
من الظلم الفاحش الذي استقل العقل بتحريمه، فهل التكفير بعتق الغلام يبيح ذلك
المحرم بالعقل والشريعة؟ ويسوغ الخروج على الإمام المفترض طاعته؟ لا. لكن تسويل
عبد الله هو الذي فرق بين الزبير وبين آل عبد المطلب، وأباح له كل محظور، فقاتل
إمام الوقت ظالما كما ورد في النص النبوي، وصدق الخبر الخبر.
2 - ذكر المسعودي في حديث: إن مروان بن الحكم قال يوم الجمل: رجع
الزبير، يرجع طلحة، ما أبالي رميت ها هنا أم هاهنا، فرماه في أكحله فقتله.
(مروج الذهب 2: 11)
3 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 2: 404: كان طلحة من أشد الناس
تحريضا عليه، وكان الزبير دونه في ذلك، رووا أن الزبير كان يقول: أقتلوه فقد بدل
دينكم. فقالوا له: إن ابنك يحامي عنه بالباب. فقال: ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدئ
با بني، إن عثمان لجيفة على الصراط غدا.
4 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 76 من طريق أبي مخنف قال: جاء الزبير
إلى عثمان فقال له: إن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة يمنعون من ظلمك، ؤ يأخذونك

(1) تاريخ الطبري 5: 204، مروج الذهب 2: 10، الكامل لابن الأثير 3: 102.
102

بالحق، فأخرج فخاصم القوم إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج معه فوثب الناس عليه بالسلاح
فقال: يا زبير! ما أرى أحدا يأخذ بحق، ولا يمنع من ظلم، ودخل ومضى الزبير إلى منزله.
5 - قال البلاذري في الأنساب 5: 14: وجدت في كتاب لعبد الله عن الصالح
العجلي ذكروا: إن عثمان نازع الزبير فقال الزبير: إن شئت تقاذفنا؟ فقال عثمان: بما
ذا أيا لبعير يا أبا عبد الله؟ قال: لا والله ولكن بطبع خباب، وريش المقعد، وكان خباب
يطبع السيوف، وكان المقعد يريش النبل.
وقال ابن المغيرة بن الأخنس متغنيا على قعود له:
حكيم وعمار الشجا ومحمد * وأشتر والمكشوح جروا الدواهيا
وقد كان فيها للزبير عجاجة * وصاحبه الأدنى أشاب النواصيا (1)
6 - حديث طلحة والزبير
1 - من كلام لمولانا أمير المؤمنين في شأن الرجلين: والله ما أنكروا علي منكرا
ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا، وإنهم ليطلبون حقا هم تركوه، ودما هم سفكوه، فإن
كنت شريكهم فيه فإن لهم نصيبهم منه، وإن كانوا ولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم،
وإن أول عدلهم للحكم على أنفسهم، وإن معي لبصيرتي ما لبست ولا لبس علي،
وإنها للفئة الباغية فيها الحما والحمة (2).
(نهج البلاغة 1: 254)
وفي لفظ أبي عمر في " الاستيعاب " في ترجمة طلحة بن عبيد الله: إني منيت
بأربعة: أدهى الناس وأسخاهم طلحة، وأشجع الناس الزبير، وأطوع الناس في الناس
عائشة، وأسرع الناس إلى الفتنة يعلى بن منية، والله ما أنكروا علي شيئا منكرا، ولا
استأثرت بمال، ولا ملت بهوى، وإنهم ليطلبون حقا تركوه، ودما سفكوه، ولقد
ولوه دوني، وإن كنت شريكهم في الانكار لما أنكروه، وما تبعة عثمان إلا عندهم،
وإنهم لهم الفئة الباغية. إلى قوله عليه السلام: والله إن طلحة والزبير وعائشة ليعلمون أني على
الحق وأنهم مبطلون.

(1) كتاب صفين لابن مزاحم ط مصر ص 60، 66.
(2) قال ابن أبي الحديد: كنى علي عليه السلام عن الزوجة بالحمة. وهي: سم العقرب. والحما
يضرب مثلا لغير الطيب ولغير الصافي.
103

2 - من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة: أما
بعد: فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه، إن الناس طعنوا عليه
فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه، وأقل عتابه، وكان طلحة والزبير أهون
سيرهما فيه الوجيف، وأرفق حدائهما العنيف، وكان من عائشة فيه فلتة غضب، فأتيح له
قوم فقتلوه، وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخيرين.
(نهج البلاغة 2: 2، الإمامة والسياسة 1: 58)
قال ابن أبي الحديد في الشرح 3: 290: أما طلحة والزبير فكانا شديدين عليه
(على عثمان) والوجيف: سير سريع وهذا مثل يقال للمستمرين في الطعن عليه حتى
أن السير السريع أبطأ ما يسيران في أمره، والحداء العنيف أرفق ما يحرضان به عليه.
3 - قال البلاذري: حدثني المدائني عن ابن الجعدبة قال: مر علي بدار بعض
آل أبي سفيان فسمع بعض بناته تضرب بدف وتقول:
ظلامة عثمان عند الزبير * وأوتر منه لنا طلحه
هما سعراها بأجذالها * وكانا حقيقين بالفضحه
فقال علي: قاتلها الله، ما أعلمها بموضع ثأرها؟
الأنساب 5: 105
4 - أخرج الطبري من طريق ابن عباس قال: قدمت المدينة من مكة بعد قتل
عثمان رضي الله عنه بخمسة أيام فجئت عليا أدخل عليه فقيل لي: عنده المغيرة بن شعبة
فجلست بالباب ساعة فخرج المغيرة فسلم علي فقال: متي قدمت؟ فقلت: الساعة. فدخلت
على علي فسلمت عليه فقال لي: لقيت الزبير وطلحة؟ قال: قلت: لقيتهما بالنواصف.
قال: من معهما؟ قلت: أبو سعيد بن الحارث بن هشام في فئة من قريش. فقال علي:
أما إنهم لن يدعوا أن يخرجوا يقولون: نطلب بدم عثمان والله نعلم أنهم قتلة عثمان.
(تاريخ الطبري 5: 160)
5 - أخرج الطبري عن عمر بن شبه من طريق عتبة بن المغيرة بن الأخنس قال:
لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق فقال: أين تذهبون؟ و
ثأركم على أعجاز الإبل اقتلوهم (1) ثم ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم. قالوا:

(1) يعني طلحة والزبير وأصحابهما.
104

بل نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا. فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال: إن ظفرتما لمن
تجعلان الأمر؟ أصدقاني. قالا: لأحدنا أينا اختاره الناس. قال: بل اجعلوه لولد عثمان
فإنكم خرجتم تطلبون بدمه. قالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟ قال: أفلا
أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف؟ فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد فقال
المغيرة بن شعبة: الرأي ما رأى سعيد بن كان هاهنا من ثقيف فليرجع فرجع. الحديث
(تاريخ الطبري 5: 168)
6 - وفي كتاب كتبه ابن عباس إلى معاوية جوابا: وأما طلحة والزبير فإنهما
أجلبا عليه وضيقا خناقه، ثم خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك، فقاتلناهما على النكث
كما قاتلناك على البغي. كتاب نصر بن مزاحم ص 472، شرح ابن أبي الحديد 2: 289.
7 - قدم على حابس بن سعد سيد طي بالشام ابن عمه فأخبره أنه شهد قتل عثمان
بالمدينة المنورة وسار مع علي إلى الكوفة وكان له لسان وهيبة فغدا به حابس إلى
معاوية فقال: هذا ابن عمي قدم من الكوفة، وكان مع علي وشهد قتل عثمان بالمدينة
وهو ثقة فقال معاوية: حدثنا عن أمر عثمان. قال: نعم وليه محمد بن أبي بكر، وعمار
ابن ياسر، وتجرد في أمره ثلاث نفر: عدي بن حاتم، والأشتر النخعي، وعمرو بن الحمق، ودب (1) في أمره رجلان: طلحة والزبير، وأبرأ الناس منه علي بن أبي طالب ثم تهافت
الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش حتى ضلت (2) النعل، وسقط الرداء، ووطئ الشيخ
ولم يذكر عثمان ولم يذكروه. الخ.
(الإمامة والسياسة 1 ص 74، كتاب صفين لابن مزاحم ص 72، شرح ابن أبي
الحديد 1: 259).
8 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 118 بإسناده عن إسرائيل بن موسى أنه
قال: سمعت الحسن يقول: جاء طلحة والزبير إلى البصرة فقال لهم الناس: ما جاء بكم؟
قالوا: نطلب دم عثمان. قال الحسن: أيا سبحان الله! أفما كان للقوم عقول فيقولون:
والله ما قتل عثمان غيركم؟

(1) لفظ ابن مزاحم: وجد في أمره رجلان.
(2) وفي لفظ: ضاعت النعل.
105

9 - لما انتهت عائشة وطلحة والزبير إلى حفر أبي موسى (1) قريبا من البصرة
أرسل عثمان بن حنيف وهو يومئذ عامل علي على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي
فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها فقالت: أطلب بدم عثمان. قال: إنه ليس
بالبصرة من قتلة عثمان أحد، قالت. صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة
وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله، أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من
سيوفكم؟ فقال لها: ما أنت من السوط والسيف؟ إنما أنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرك
أن تقري في بيتك، وتتلي كتاب ربك، وليس على النساء قتال، ولا لهن الطلب بالدماء،
وإن عليا لأولى بعثمان منك وأمس رحما فإنهما ابنا عبد مناف. فقالت: لست بمنصرفة
حتى أمضي لما قدمت إليه، أفتظن يا أبا الأسود! أن أحدا يقدم على قتالي؟ قال: أما والله
لتقاتلن قتالا أهونه الشديد. ثم قام فأتى الزبير فقال: يا أبا عبد الله! عهد الناس بك و
أنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول: لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب
وأين هذا المقام من ذاك؟ فذكر له دم عثمان، قال: أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا. قال:
فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول. فذهب إلى طلحة فوجده سادرا في غيه مصرا على
الحرب والفتنة. الحديث.
الإمامة والسياسة 1 ص 57، العقد الفريد 2: 278، شرح ابن أبي الحديد 2: 81
10 - خرج عثمان بن الحنيف إلى طلحة والزبير في أصحابه فناشدهم الله والاسلام
وأذكرهما بيعتهما عليا فقالا: نطلب بدم عثمان. فقال لهما: وما أنتما وذاك؟ أين بنوه؟
أين بنو عمه الذين هم أحق به منكم؟ كلا والله، ولكنكما حسدتماه حيث اجتمع
الناس عليه، وكنتما ترجوان هذا الأمر وتعملان له، وهل كان أحد أشد على عثمان
قولا منكما؟ فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه. الحديث. شرح ابن أبي الحديد 2: 500.
11 - لما نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر أقبل عليهم سعيد
ابن العاصي على نجيب له فأشرف على الناس ومعه المغيرة بن شعبة فنزل وتوكأ على
قوس له سوداء فأتى عائشة فقال لها: أين تريدين يا أم المؤمنين؟ قالت: أريد البصرة.

(1) حفر ابن موسى هي ركايا احفرها أبو موسى الأشعري على جادة البصرة إلى مكة بينها و
بين البصرة خمس ليال.
106

قال: وما تصنعين بالبصرة؟ قالت: أطلب بدم عثمان. قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك، ثم
أقبل على مروان فقال له: أين تريد أيضا؟ قال: البصرة. قال: وما تصنع بها؟ قال:
أطلب قتلة عثمان. قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك؟ إن هذين الرجلين قتلا عثمان: طلحة
والزبير، وهما يريدان الأمر لأنفسهما فلما غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم والحوبة بالتوبة.
ثم قال المغيرة بن شعبة: أيها الناس إن كنتم إنما خرجتم مع أمكم؟ فارجعوا
بها خيرا لكم، وإن كنتم غضبتم لعثمان؟ فرؤساؤكم قتلوا عثمان، وإن كنتم نقمتم على
علي شيئا؟ فبينوا ما نقمتم عليه، أنشدكم الله، فتنتين في عام واحد؟ فأبوا إلا أن
يمضوا بالناس.
" الإمامة والسياسة 1: 55 "
12 - لما نزل طلحة والزبير البصرة قال عثمان بن حنيف: نعذر إليهما برجلين
فدعا عمران بن حصين صاحب رسول الله وأبا الأسود الدؤلي فأرسلهما إلى الرجلين
فذهبا إليهما فناديا: يا طلحة! فأجابهما فتكلم أبو الأسود الدؤلي فقال: يا محمد؟ إنكم
قتلتم عثمان غير مؤامرين لنا في قتله، وبايعتم عليا غير مؤامرين لنا في ييعته، فلم نغضب
لعثمان إذ قتل، ولم نغضب لعلي إذ بويع، ثم بدا لكم فأردتم خلع علي ونحن على
الأمر الأول، فعليكم المخرج مما دخلتم فيه. ثم تكلم عمران فقال: يا طلحة! إنكم
قتلتم عثمان ولم نغضب له إذ لم تغضبوا، ثم بايعتم عليا وبايعنا من بايعتم، فإن كان قتل
عثمان صوابا فمسيركم لماذا؟ وإن كان خطأ؟ فحظكم منه الأوفر، ونصيبكم منه
الأوفى، فقال طلحة: يا هذان إن صاحبكما لا يرى أن معه في هذا الأمر غيره وليس
على هذا بايعناه، وأيم الله ليسفكن دمه. فقال أبو الأسود: يا عمران! أما هذا فقد
صرح أنه إنما غضب للملك. ثم أتيا الزبير فقالا: يا أبا عبد الله! إنا أتينا طلحة. قال
الزبير: إن طلحة وإياي كروح في جسدين، وإنه والله يا هذان! قد كانت منا في
عثمان فلتات احتجنا فيها إلى المعاذير، ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرناه نصرناه
الحديث. " الإمامة والسياسة 1 ص 56 ".
13 - من خطبة لعمار بن ياسر خطبها بالكوفة فقال: يا أهل الكوفة! إن كان غاب
عنكم أنباؤنا فقد انتهت إليكم أمورنا، إن قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله إلى الناس
ولا ينكرون ذلك، وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجيهم فيه، أحيا الله من أحيا،
107

وأمات من أمات، وإن طلحة والزبير كانا أول من طعن وآخر من أمر، وكانا أول
من بايع عليا، فلما أخطأهما ما أملاه نكثا بيعتهما من غير حدث. الحديث.
" الإمامة والسياسة 1: 59 "
14 - روى البلاذري عن المدائني قال: ولى عبد الملك علقمة بن صفوان بن المحرث
مكة فشتم طلحة والزبير على المنبر فلما نزل قال لأبان بن عثمان: أرضيتك في المدهنين
في أمير المؤمنين عثمان؟ قال: لا والله، ولكن سؤتني، بحسبي بلية أن تكون شركا في
دمه. " الأنساب للبلاذري 5: 120 ".
15 - أخرج أبو الحسن علي بن محمد المدائني من طريق عبد الله بن جنادة خطبة
لمولانا أمير المؤمنين منها قوله: بايعني هذان الرجلان في أول من بايع، تعلمون ذلك
وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم، اللهم
فخذهما بما عملا أخذة واحدة رابية، ولا تنعش لهما صرعة، ولا تقل لهما عثرة، ولا
تمهلهما فواقا، فإنهما يطلبان حقا تركاه، ودما سفكاه، اللهم إني أقتضيك وعدك فإنك
قلت: وقولك الحق لمن بغي عليه لينصرنه الله، اللهم فانجز لي موعدك، ولا تكلني
إلى نفسي إنك على كل شئ قدير.
" شرح ابن أبي الحديد 1: 102 ".
16 - من خطبة لمولانا أمير المؤمنين ذكرها الكلبي كما في شرح ابن أبي الحديد
1: 102: فما بال طلحة والزبير؟ وليسا من هذا الأمر بسبيل، لم يصبرا علي حولا
ولا أشهرا حتى وثبا ومرقا، ونازعاني أمرا لم يجعل الله لهما إليه سبيلا بعد أن بايعا
طائعين غير مكرهين، يرتضعان أما قد فطمت، ويحييان بدعة قد أميتت، أدم عثمان
زعما؟ والله ما التبعة إلا عندهم وفيهم، وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم، وأنا راض بحجة
الله عليهم وعلمه فيهم. الحديث.
17 - من كلمة لمالك الأشتر: لعمري يا أمير المؤمنين! ما أمر طلحة والزبير و
عائشة علينا بمخيل، ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه وفارقا على غير حدث أحدثت
ولا جور صنعت، زعما أنهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما، فإنهما أول من
ألب عليه وأغرى الناس بدمه، وأشهد الله لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقنهما بعثمان
108

فإن سيوفنا في عواتقنا، وقلوبنا في صدورنا، ونحن اليوم كما كنا أمس.
" شرح ابن أبي الحديد 1: 103 ".
قال الأميني: إن الأخذ بمجامع هذه الأخبار البالغة خمسين حديثا يعطينا درسا
ضافيا بأن الرجلين هما أساس النهضة في قصة عثمان، وهما اللذان أسعرا عليه الفتنة،
وإنهما لم يريان حرجا في إراقة دمه، وقد استباحا عندئذ ما يحرم ارتكابه في المسلمين
إلا أن يكون مهدور الدم بسبب من الأسباب الموجبة لذلك، فلم يتركاه حتى أوديا به،
وكان لطلحة هنالك مواقف مشهودة، فمنع عنه الماء الذي هو شرع سواء بين المسلمين،
وإنه لم يرد على عثمان لما سلم عليه ومن الواجب رد السلام على كل مسلم، وقد
منع عن دفنه ثلاثا في مقابر المسلمين، وقد أوجبت الشريعة الإسلامية المبادرة إلى دفن
المسلم، وقد أمر برمي الجنازة ورمي من يتولى تجهيزها بالحجارة والمسلم حرمته
ميتا كحرمته حيا، فلم يرض طلحة بالأخير إلا دفنه في مقبرة اليهود " حش كوكب "
وهل لهذه الأعمال وجه بعد حفظ كرامة صحبتهما؟ والقول بعدالة الصحابة كلهم؟ و
قبول ما ورد في الرجلين إنهما من العشرة المبشرة؟ إلا أن يقال: إنهما كانا يريان
القتيل خارجا عن حوزة المسلمين، وإلا لردعتهما الصحبة والعدالة والبشارة عن ارتكاب
تلكم الأعمال في أي من ساقة المسلمين فضلا عن خليفتهم.
ونحن في هذا المقام نقف موقف المتحايد، ولسنا هاهنا إلا في صدد بيان آراء
الصحابة الأولين في عثمان، وما أفضناه من رأيهما كان معروفا عنهما في وقتهما، ولم
يزل كذلك في الأجيال المتأخرة عنهما حتى العصر الحاضر، إن كانت الآراء تؤخذ
من المصادر الوثيقة، وكانت حرة غير مشوبة بحكم العاطفة، نزهة عن الميول والشهوات
وأما ما أظهراه من التوبة بعد أن نكثا البيعة الصحيحة المشروعة فقد قدمنا
وجهها في ص 101 في طلحة ويشاركه في ذلك الزبير أيضا، فقد قفيا الحوبة بالحوبة لا
بالتوبة حسبا (إن كانا يصدقان) أنها تمحو السيئة، بل الحوبة الأخيرة أعظم عند الله، فقد
أراقا بها من الصفين في واقعة الجمل دماء تعد بالآلاف بريئة من دم عثمان.
وهتكا حرمة رسول الله بإخراج حشية من حشاياه من خدرها، وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم
نساءه عن ذلك، وأوقفاها في محتشد العساكر وجبهة القتال الدامي، وقصدا قتل إمام الوقت
109

المفترض طاعته الواجب حفظه، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، والله من ورائهم
محيط.
7 - حديث عبد الله بن مسعود
الصحابي البدري العظيم
مر في هذا الجزء ص 63 شطرا من أحاديثه المعربة عن رأيه السديد في عثمان
وعما كان حاملا بين جنبيه من الموجدة عليه، وإنه كان من الناقمين عليه يعيبه ويقدح فيه،
أفسد عليه العراق بذكر محدثاته، وأخذه عثمان بذلك أخذا شديدا وحبسه وهجره ومنعه
عطاءه سنين وأمر به وأخرج من مسجد رسول الله إخراجا عنيقا، وضرب به الأرض
فدق ضلعه وضربه أربعين سوطا.
وكان ابن مسعود على اعتقاده السئ في الرجل مغاضبا له حتى لفظ نفسه الأخير
وأوصى أن لا يصلي عليه، وفي الفتنة الكبرى ص 171: روي أن ابن مسعود كان يستحل
دم عثمان أيام كان في الكوفة، وهو كان يخطب الناس فيقول: إن شر الأمور محدثاتها،
وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (1) يعرض في ذلك بعثمان و
عامله الوليد. ا ه‍.
هذا رأي ذلك الصحابي العظيم في الرجل، فبأي تمحل يتأتى للباحث تقديس
عثمان بعد ما يستحل دمه أو يشدد النكير عليه ويراه صاحب محدثات وبدع مثل ابن
مسعود أشبه الناس هديا ودلا وسمتا بمحمد نبي العظمة صلى الله عليه وآله وسلم؟.
8 - حديث عمار بن ياسر
البدري العظيم الممدوح بالكتاب والسنة
1 من خطبة لعمار خطبها يوم صفين قال:
انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم ظالم إنما قتله الصالحون
المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم
دنياهم ولو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا لأحداثه، فقالوا: إنه لم يحدث

(1) راجع ص 3 من هذا الجزء.
110

شيئا، وذلك لأنه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها و يرعونها، ولا يبالون لو انهدمت
الجبال، والله ما أظنهم يطلبون بدم، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحلوها واستمرؤها
وعلموا: أن صاحب الحق لو وليهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون منها، إن القوم
لم يكن لهم سابقة في الاسلام يستحقون بها الطاعة والولاية، فخدعوا أتباعهم بأن
قالوا: قتل إمامنا مظلوما ليكونوا جبابرة وملوكا، تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون
ولولاها ما تابعهم من الناس رجل. إلخ.
وفي لفظ نصر بن مزاحم في كتاب صفين امضوا (معي) عباد الله إلى قوم يطلبون
فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله، إنما قتله
الصالحون المنكرون للعدوان. إلخ. وله لفظ آخر يأتي بعيد هذا.
وفي لفظ الطبري في تاريخه: أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم
ابن عفان ويزعمون أنه قتل مظلوما. إلخ.
راجع كتاب صفين لابن مزاحم ط مصر ص 361، 369، تاريخ الطبري 6: 21،
الكامل لابن الأثير 3: 123، شرح ابن أبي الحديد 1: 504، تاريخ ابن كثير 7:
266، جمهرة الخطب 1: 181.
2 - خطب معاوية يوم وفد إليه وفد (1) بعثه إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال:
أما بعد فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة، فأما الجماعة التي دعوتم إليها
فمعنا وهي، وأما الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها، إن صاحبكم قتل خليفتنا، وفرق
جماعتنا، وآوى ثأرنا وقتلنا، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله، فنحن لا نرد ذلك عليه،
أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به،
ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة.
فقال له شبث بن ربعي: أيسرك يا معاوية! إنك أمكنت من عمار تقتله؟ وفي
لفظ ابن كثير: لو تمكنت من عمار أكنت قاتله بعثمان؟ فقال معاوية: وما يمنعني من
ذلك؟ والله لو أمكنت (2) من ابن سمية ما قتلته بعثمان رضي الله عنه، ولكن

(1) كان فيه: عدي بن حاتم، يزيد بن قيس، شبث بن ربعي، زياد بن حفصة.
(2) في لفظ ابن مزاحم: لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية.
111

كنت قاتله بناتل مولى عثمان.
فقال شبث: وإله الأرض وإله السماء ما عدلت معتدلا، لا والذي لا إله إلا
هو، لا تصل إلى عمار حتى تندر الهام عن كواهل الأقوام، وتضيق الأرض الفضاء
عليك برحبها. إلخ.
كتاب صفين لابن مزاحم ص 223، تاريخ الطبري 6: 3، الكامل لابن الأثير
3: 124، شرح ابن أبي الحديد 1: 344، تاريخ ابن كثير 7: 257، جمهرة الخطب
1: 158.
3 - أرسل أمير المؤمنين ابنه الحسن وعمار بن ياسر إلى الكوفة فلما قدماها كان
أول من أتاهما مسروق بن الأجدع فسلم عليهما وأقبل على عمار فقال: يا أبا اليقظان!
علام قتلتم عثمان رضي الله عنه؟ قال: على شتم أعراضنا، وضرب أبشارنا (1). فقال: والله
ما عوقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لكان خيرا للصابرين.
فخرج أبو موسى فلقي الحسن فضمه إليه وأقبل على عمار فقال: يا أبا اليقظان!
أعدوت (2) فيمن عدا على أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع الفجار؟ قال: لم أفعل ولم
يسؤني، فقطع عليهما الحسن فأقبل على أبي موسى فقال: يا أبا موسى! لم تثبط الناس
عنا؟ فوالله ما أردنا إلا الاصلاح وما مثل أمير المؤمنين يخاف على شئ، فقال: صدقت
بأبي أنت وأمي، ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنها ستكون
فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير ما الماشي، والماشي خير من الراكب،
وقد جعلنا الله عز وجل إخوانا وحرم علينا أموالنا ودماءنا وقال: يا أيها الذين آمنوا
لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تقتلوا أنفسكم إن الله بكم رحيما. وقال عز وجل:
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جنهم. الآية فغضب عمار وساءه وقام وقال: يا أيها
الناس إنما قال رسول الله له خاصة: أنت فيها قاعدا خير منك قائما. وقام رجل من
بني تميم فقال لعمار: اسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا و

(1) أبشار جمع البشرة: أعلى جلدة الوجه والجسد من الانسان.
(2) شرح ابن أبي الحديد: غدوت فيما غدا.
112

ثار زيد بن صوحان. الحديث (1).
تاريخ الطبري 5: 187، شرح ابن أبي الحديد 3: 285، الكامل لابن الأثير
3: 97.
4 - قال الباقلاني في التمهيد ص 220: روي أن عمارا كان يقول: عثمان كافر.
وكان يقول بعد قتله: قتلنا عثمان يوم قتلناه كافرا. وهذا سرف عظيم من خرج إلى
ما هو دونه استحق الأدب من الإمام. فلعل عثمان انتهره وأد به لكثرة قوله: قد خلعت
عثمان وأنا بري منه، فأوى الأدب إلى فتق أمعائه، ولو أدى الأدب إلى تلف النفس
لم يكن بذلك مأثوما ولا مستحقا للخلع، فإما أن يكون ضربه باطلا وإما أن يكون
صحيحا فيكون ردعا وتأديبا ونهيا عن الاغراق والسرف، وذلك صواب من فعل عثمان،
وهفوة من عمار.
قال الأميني: هذه التمحلات تضاد ما صح وثبت عن النبي الأقدس في عمار،
ونحن لا يسعنا تكذيب النبي الصادق الأمين تحفظا على كرامة أي ابن أنثى فضلا عن
أن يكون من أبناء الشجرة المنعوتة في القرآن.
5 - روى أبو مخنف عن موسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: أقبلنا
مع الحسن وعمار بن ياسر من ذي قال حتى نزلنا القادسية فنزل الحسن وعمار ونزلنا
معهما، فاحتبى عمار بحمائل سيفه، ثم جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم،
ثم سمعته يقول: ما تركت في نفسي حزة أهم إلي من أن لا نكون نبشنا عثمان من قبره
ثم أحرقناه بالنار. " شرح ابن أبي الحديد 3: 292 ".
6 - جاء في محاورة وقعت بين عمار بن ياسر وعمرو بن العاص فيما أخرجه نصر في
كتابه: قال له عمرو: فما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كل سوء. قال عمرو:
فعلي قتله، قال عمار: بل الله رب علي قتله وعلي معه. قال عمرو: أكنت فيمن قتله؟ قال:
كنت مع من قتله وأنا اليوم أقاتل معهم. قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال عمار: أراد أن
يغير ديننا فقتلناه؟ فقال عمرو: ألا تسمعون؟ قد اعترف بقتل عثمان. قال عمار: وقد

(1) في هذا الحديث أشياء موضوعة حذف بعضها ابن الأثير في الكامل وزاد فيه أيضا، وهو من
مكاتبات السري وكلها باطل فيها دجل.
113

قالها فرعون قبلك لقومه: ألا تسمعون؟. الحديث.
كتاب صفين لا بن مزاحم ص 384، شرح ابن أبي الحديد 2: 273.
7 - إن عمار بن ياسر نادى يوم صفين (1): أين من يبغي رضوان ربه ولا يؤوب
إلى مال ولا ولد؟ قال: فأتته عصابة من الناس فقال: أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء
القوم الذين يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوما، والله إن كان إلا ظالما لنفسه
الحاكم بغير ما أنزل الله. " كتاب صفين ص 369 ".
وفي الفتنة الكبرى ص 171: فقد روي أن عمار بن ياسر كان يكفر عثمان و
يستحل دمه ويسميه نعثل.
قال الأميني: هذا الصحابي البطل الذي عرفته في صفحة 20 - 28 من هذا الجزء
عمار بن ياسر المعني في عدة آيات كريمة من الذكر الحكيم، ومصب الثناء البالغ المتكرر
المستفيض من صاحب الرسالة، من ذلك: أنه ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، وأنه
مع الحق والحق معه يدور معه أينما دار، وأنه ما عرض عليه أمران إلا أخذ بالأرشد
منهما، وأنه من نفر تشتاق إليهم الجنة، وإنه جلدة بين عينيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإنه تقتله
الفئة الباغية، فمعتقد هذا الرجل العظيم وهو متلفع بهاتيك الفضائل كلها في الخليفة ما
تراه يكرره من أنه كان ظالما لنفسه، حاكما بغير ما أنزل الله، مريدا تغيير دين الله تغييرا
أباح لهم قتله، وأنه قتله الصالحون، المنكرون للعدوان، الآمرون بالاحسان، إلى
ما لهذه من عقائد تركته جازما بما نطق به، مصرا على ما ارتكبه، معترفا بأنه كان مع
المجهزين عليه، متأسفا على ما فاته من نبش قبره وإحراقه بالنار، فلم يبرح كذلك حتى
أخذ يقاتل الطالبين بثاره مع قاتليه وخاذليه، مذعنا بأن الثائرين له مبطلون يجب
قتالهم فلم يفتأ على هذه المعتقد حتى قتلته الفئة الباغية. أصحاب معاوية، وقاتله وسالبه
وباغضه في النار نصا من النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم.
9 - حديث المقداد
ابن الأسود الكندي فارس يوم بدر.
قال اليعقوبي في تاريخه 2: 140 في بيعته عثمان واستخلافه: مال قوم مع علي

(1) في شرح ابن أبي الحديد 2: 269: ناداه في صفين قبل مقتله بيوم. أو يومين.
114

ابن أبي طالب، وتحاملوا في القول على عثمان، فروى بعضهم قال: دخلت مسجد رسول
الله فرأيت رجلا جاثيا على ركبتيه يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له فسلبها وهو
يقول: واعجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيهم، وفيهم أول المؤمنين،
وابن عم رسول الله، أعلم الناس وأفقههم في دين الله، وأعظمهم عناءا في الاسلام، وأبصرهم
بالطريق، وأهداهم للصراط المستقيم، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الظاهر النقي،
وما أرادوا إصلاحا للأمة، ولا صوابا في المذهب، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة،
فبعدا وسحقا للقوم الظالمين.
فدنوت منه فقلت: من أنت يرحمك الله ومن هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن
عمرو وهذا الرجل علي بن أبي طالب، قال فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر بهذا فأعينك عليه؟
فقال: يا ابن أخي! إن هذا الأمر لا يجزي فيه الرجل ولا الرجلان، ثم خرجت فلقيت
أبا ذر فذكرت له ذلك، فقال: صدق أخي المقداد، ثم أتيت عبد الله بن مسعود فذكرت
ذلك له، فقال لقد أخبرنا فلم نأل.
وذكر ابن عبد ربه في العقد 2: 260 في حديث بيعة عثمان: فقال عمار بن ياسر
(لعبد الرحمن): إن أردت أن لا يختلف المسلمون؟ فبايع عليا، فقال المقداد بن الأسود:
صدق عمار إن بايعت عليا قلنا: سمعنا وأطعنا. قال ابن أبي سرح: إن أردت أن لا تختلف
قريش؟ فبايع عثمان، إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا. فشتم عمار ابن أبي سرح وقال:
متى كنت تنصح المسلمين؟ فتكلم بنو هاشم وبنو أمية فقال عمار: أيها الناس إن الله أكرمنا
بنبينا وأعزنا بدينه، فأنى تصرفون هذا الأمر عن بيت نبيكم؟ فقال له رجل من
بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا بن سمية، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها؟ فقال سعد
بن أبي وقاص: أفزع قبل أن يفتتن الناس، فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلا.
ودعا عليا فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخليفتين
من بعده، قال: أعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ثم دعا عثمان فقال: عليك عهد الله وميثاقه
لتعملن بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخليفتين من بعده. فقال: نعم. فبايعه فقال علي
حبوته محاباة ليس ذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا، أما والله ما وليت عثمان إلا ليرد
الأمر إليك، والله كل يوم هو في شأن. فقال عبد الرحمن: يا علي لا تجعل على نفسك
115

سبيلا فإني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان أحدا، فخرج علي و
هو يقول: سيبلغ الكتاب أجله، قال المقداد: أما والله لقد تركته من الذين يقضون
بالحق وبه يعدلون، فقال: يا مقداد! والله لقد اجتهدت للمسلمين. قال: لئن كنت أردت
بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين. ثم قال المقداد: ما رأيت مثل ما أوتي أهل هذا
البيت بعد نبيهم، ولا أقضى منهم بالعدل، ولا أعرف بالحق، أما والله لو أجد أعوانا.
قال له عبد الرحمن: يا مقداد! اتق الله فإني أخشى عليك الفتنة. وأخرج الطبري نحوه
في تاريخه 5: 37، وذكره ابن الأثير في الكامل 3: 29، 30، وابن أبي الحديد في
شرح النهج 1: 65.
وفي لفظ المسعودي في المروج 1: 440: فقام عمار في المسجد فقال: يا معشر
قريش! أما إذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم ههنا مرة وههنا مرة فما أنا بآمن
أن ينزعه الله فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله، وقام المقداد
فقال: ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم. فقال له عبد الرحمن بن
عوف: وما أنت وذاك يا مقداد بن عمرو؟ فقال: إني والله لأحبهم بحب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وإن الحق معهم وفيهم يا عبد الرحمن! أعجب من قريش - وأنت تطولهم
على الناس أهل هذا البيت - قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده من
أيديهم، أما وأيم الله يا عبد الرحمن! لو أجد على قريش أنصار لقاتلتهم كقتالي إياهم مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر. وجرى بينهم من الكلام خطب طويل قد أتينا ذكره في
كتابنا أخبار الزمان في أخبار الشورى والدار.
ومر في هذا الجزء ص 17: أن المقداد أحد الجمع الذين كتبوا كتابا عددوا فيه
أحداث عثمان وخوفوه ربه وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع. راجع حديث البلاذري
المذكور.
قال الأميني: لعلك تعرف المقداد ومبلغه من العظمة، ومبوأه من الدين، ومثواه
من الفضيلة، قال أبو عمر: كان من الفضلاء النجباء الكبار الخيار هاجر الهجرتين وشهد
بدرا والمشاهد كلها، أول من حارب فارسا في الاسلام. كان فارسا يوم بدر، ولم يثبت
أنه كان فيها على فرس غيره، وهو عند القوم أحد السبعة الذين أظهروا الاسلام، وأحد
116

النجباء الأربعة عشر وزراء رسول الله ورفقائه (1) سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوابا كما في
حديث أخرجه أبو عمر في " الاستيعاب ".
وأنى يسع للباحث أن يستكنه ما لهذا الصحابي العظيم من الفضائل أو يدرك
شأوه وبين يديه قول رسول الله صلى الله عليه وآله في الثناء عليه: إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني
أنه يحبهم: علي. والمقداد. وأبو ذر. وسلمان؟ (2).
وقوله صلى الله عليه وآله: إن الجنة تشتاق إلى أربعة: علي. وعمار و سلمان. والمقداد
أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 142.
فهذا الرجل الديني الذي يحبه الله ويأمر نبيه صلى الله عليه وآله بحبه كان ناقما على الخليفة
واجدا على خلافته من أول يومه، متلهفا على استخلافه تلهف من كأن الدنيا كانت
له فسلبها، وكان يثبط الناس ويخذلهم عنه، ويرى امرأته إمرا من الأمر وإدا،
يعتقدها ظلما على أهل بيت العصمة، ويستنجد أعوانا يقاتل بهم مستخلفيه كقتاله إياهم
يوم بدر، هذا رأيه في عثمان من يوم الشورى قبل بوائقه، فكيف بعد ما شاهد منه من
هنات وهنات.
- 10 -
حديث حجر بن عدي
الكوفي سلام الله عليه وعلى أصحابه
إن معاوية بن أبي سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة 41 دعاه
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، وقد
قال المتلمس (3):
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علم الانسان إلا ليعلمها
وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا

(1) مستدرك الحاكم 3: 348، 349، الاستيعاب 1: 289، أسد الغابة 4: 410، الإصابة
3: 455.
(2) أخرجه الترمذي في جامعه، وأبو عمر بن الاستيعاب 1: 290، وذكره ابن الأثير في أسد
الغابة 4، 410، وابن حجر في الإصابة 3: 455.
(3) هو جرير بن عبد المسيح من بني ضبيعة، توجد ترجمته في (الشعر والشعراء) لابن قتيبة
ص 52، وفي (المؤتلف والمختلف) ص 71، 202، 207.
117

تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني، ويسعد سلطاني، ويصلح به رعيتي، ولست
تاركا إيصاءك بخصلة: لا تتحم عن شتم علي وذمه، والترحم على عثمان والاستغفار له
والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم وترك الاسماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان
رضوان الله عليه والإدناء لهم والاستماع منهم. فقال المغيرة: قد جربت وجربت و
عملت قبلك لغيرك فلم يذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع، فستبلو فتحمد أو تذم ثم قال:
بل نحمد إن شاء الله.
فأقام المغيرة بالكوفة عاملا لمعاوية سبع سنين وأشهرا لا يدع ذم علي والوقوع
فيه، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتذكية
لأصحابه، فكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك قال: بل إياكم فذمم الله ولعن. ثم قام
فقال: إن الله عز وجل يقول: كونوا قوامين بالقسط شهداء لله، وأنا أشهد أن من
تذمون وتعيرون لأحق بالفضل، وإن من تزكون وتطرون أولى بالذم. فيقول له
المغيرة: يا حجر! لقد رمي بسهمك إذ كنت أنا الوالي عليك، يا حجر! ويحك إتق
السلطان، إتق غضبه وسطوته، فإن غضبة السلطان أحيانا مما يهلك أمثالك كثيرا، ثم
يكف عنه ويصفح، فلم يزل حتى كان في آخر إمارته قام المغيرة فقال في علي وعثمان
كما كان يقول وكانت مقالته: اللهم أرحم عثمان بن عفان وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله
فإنه عمل بكتابك واتبع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم وجمع كلمتنا وحقن دمائنا وقتل مظلوما،
اللهم فارحم أنصاره وأولياءه ومحبيه والطالبين بدمه. ويدعو على قتلته فقام حجر بن
عدي فنعر نعرة بالمغيرة سمعها كل من كان في المسجد وخارجا منه وقال: إنك لا
تدري بمن تولع من هرمك أيها الانسان! مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنك قد حبستها
عنا وليس ذلك لك، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد أصبحت بذم أمير
المؤمنين وتقريظ المجرمين. قال: فقام معه كثر من ثلثي الناس يقولون: صدق والله
حجر وبر، مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا، فإنا لا ننتفع بقولك هذا، ولا يجدي علينا شيئا
وأكثروا في مثل هذا القول ونحوه.
إلى أن هلك المغيرة سنة 51 فجمعت الكوفة والبصرة لزياد بن أبي سفيان فأقبل
حتى دخل القصر بالكوفة ثم صعد المنبر فخطب ثم ذكر عثمان وأصحابه فقرظهم وذكر
118

قتلته ولعنهم، فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة.
قال محمد بن سيرين: خطب زياد يوما في الجمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة فقال
له حجر بن عدي: الصلاة. فمضى في خطبته ثم قال: الصلاة فمضى في خطبته، فلما خشي
حجر فوت الصلاة ضرب بيده إلى كف من الحصا وثار إلى الصلاة وثار الناس معه، فلما
رأى ذلك زياد نزل فصلى بالناس، فلما فرغ من صلاته كتب إلى معاوية في أمره وكثر
عليه فكتب إليه معاوية: أن شده في الحديد ثم احمله إلي. فلما أن جاء كتاب معاوية
أراد قوم حجر أن يمنعوه فقال: لا، ولكن سمع وطاعة، فشد في الحديد ثم حمل
إلى معاوية. ساروا به وبأصحابه وهم:
1 - الأرقم بن عبد الله الكندي من بني الأرقم.
2 - شريك بن شداد الحضرمي.
3 - صيفي بن فسيل الشيباني.
4 - قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي.
5 - كريم بن عفيف الخثعمي من بني عامر ثم من قحافة.
6 - عاصم بن عوف البجلي.
7 - ورقاء بن سمي البجلي.
8 - كدام بن حيان العنزي.
9 - عبد الرحمن بن حسان العنزي.
10 - محرز بن شهاب التميمي من بني منقر.
11 - عبد الله بن حوية السعدي من بني تميم.
وأتبعهم زياد برجلين وهما: عتبة بن الأخنس السعدي، وسعيد بن نمران
الهمداني، فمضوا بهم حتى انتهوا إلى مرج عذراء (بينها وبين دمشق اثنا عشر ميلا)
فحبسوا بها فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة وبقتل ثمانية، فقال لهم رسول معاوية:
إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فإن فعلتم تركناكم، وإن
أبيتم قتلناكم، وإن أمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت بشهادة أهل مصركم
عليكم غير أنه قد عفى عن ذلك، فابرؤا من هذا الرجل نخل سبيلكم قالوا: اللهم إنا
119

لسنا فاعلي ذلك. فأمر بقبورهم فحفرت وأدنيت أكفانهم، وقاموا الليل كله يصلون فلما
أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء! لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة وأحسنتم
الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق.
فقال أصحاب معاوية: أمير المؤمنين كان أعلم بكم. ثم قاموا إليهم فقالوا: تبرؤن من
هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه. فأخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله
وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة وهم.
1 - حجر 2 - شريك 3 - صيفي 4 - قبيصة 5 - محرز 6 - كدام.
أخذنا من القصة ما يهمنا ذكره راجع الأغاني لأبي الفرج 16: 2 - 11،
تاريخ الطبري 6: 141 - 160، تاريخ ابن عساكر 2: 370 - 381، الكامل لابن
الأثير 3: 202 - 210، تاريخ ابن كثير 7: 49 - 55.
قال الأميني: هذه نظرية الصحابي العظيم حجر وأصحابه العظماء الصلحاء
الأخيار في عثمان فكانوا يرونه أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق، وكان حجر
يراه من المجرمين فيما جابه به المغيرة بالكوفة، وقد بلغ هو وزملائه الأبرار من ذلك
حدا استساغوا القتل دون ما يرونه، وأبوا أن يتحولوا عن عقائدهم، وبرز الذين
كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، فاستمرؤا جرع الموت في سبيلها زعافا ممقرا.
- 11 - حديث عبد الرحمن
ابن حسان العنزي الكوفي
لما قتل حجر بن عدي سلام الله عليه وخمسة من أصحابه رضوان الله عليهم قال
عبد الرحمن بن حسان وكريم بن عفيف الخثعمي (وكانا من أصحاب حجر): ابعثوا
بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية فأخبروه
فبعث: إئتوني بهما فالتفتا إلى حجر فقال له العنزي: لا تبعد يا حجر! ولا يبعد مثواك فنعم
أخو الاسلام كنت. وقال الخثعمي نحوذ لك. ثم مضى بهما فالتفت العنزي فقال متمثلا:
كفى بشفاة القبر بعد الهالك * وبالموت قطاعا لحبل القرائن
120

فلما دخل عليه الخثعمي قال له: الله الله يا معاوية! إنك مقتول من هذه الدار
الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة، ومسؤول عم أردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا،
فقال: ما تقول في علي؟ قال: أقول فيه قولك، أتتبرأ من دين علي الذي كان يدين
الله به؟ وقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه، فقال: هو لك غير أني حابسه شهرا
فحبسه ثم أطلقه على أن لا يدخل الكوفة ما دام له سلطان، فنزل الموصل فكان ينتظر
موت معاوية ليعود إلى الكوفة فمات قبل معاوية بشهر.
وأقبل على عبد الرحمن بن حسان فقال له: يا أخا ربيعة! ما تقول في علي؟ قال:
أشهد أنه من الذاكرين الله كثيرا والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والعافين عن
الناس. قال: فما تقول في عثمان؟ قال: وأول من فتح أبواب الظلم، وارتج أبواب الحق
قال: قتلت نفسك. قال: بل إياك قتلت لا ربيعة بالوادي (يعني إنه ليس ثم أحد من
قومه فيتكلم فيه) فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه: إن هذا شر من بعثت به،
فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها، واقتله شر قتلة. فلما قدم به على زياد بعث به إلى قيس
الناطف فدفنه حيا.
الأغاني لأبي الفرج 16: 10، تاريخ الطبري 6: 155، تاريخ ابن عساكر 2:
379، الكامل لابن الأثير 3: 209.
قال الأميني: انظر إلى تصلب الرجل الديني في معتقده في حق الرجلين: على
أمير المؤمنين، وعثمان، وكيف بلغ من ذلك حدا استباح فيه أن يراق دمه دون أن
يعدل عما عقد عليه ضميره، وأخبتت إليه نفسه، وكان يرى من واجبه الإشادة بما ذكر
وإن أريق عليه دمه الطاهر، وأسبلت نفسه الزكية.
- 12 - حديث هاشم المرقال
خرج يوم صفين (من عسكر معاوية) فتى شاب وهو يقول:
أنا ابن أرباب الملوك غسان * والدائن اليوم بدين عثمان
أنبأنا أقوامنا بما كان: * إن عليا قتل ابن عفان
121

ثم شد فلا ينثني يضرب بسيفه، ثم جعل يلعن عليا ويشتمه ويسهب في ذمه،
فقال له هاشم بن عتبة: إن هذا الكلام بعده الخصام، وإن هذا القتال بعده الحساب
فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به، قال: فإني
أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي، وإنكم لا تصلون، وأقاتلكم إن صاحبكم
قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله. فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان؟ إنما قتله
أصحاب محمد وقراء الناس حين أحدث أحداثا وخالف حكم الكتاب، وأصحاب محمد هم
أصحاب الدين، وأولى بالنظر في أمور المسلمين، وما أظن أن أمر هذه الأمة ولا
أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط. قال الفتى: أجل أجل والله لا أكذب فإن الكذب
يضر ولا ينفع ويشين ولا يزين. فقال له هاشم: إن هذا الأمر لا علم لك به فخله وأهل
العلم به. قال: أظنك والله قد نصحتني. وقال له هاشم: وأما قولك: إن صاحبنا لا
يصلي. فهو أول من صلى مع رسول الله، وأفقهه في دين الله، وأولاه برسول الله،
وأما من ترى معه فكلهم قارئ الكتاب، لا ينامون الليل تهجدا، فلا يغررك عن دينك
الأشقياء المغرورون. قال الفتى: يا عبد الله! إني لأظنك امرءا صالحا، وأظنني مخطئا
آثما، أخبرني هل تجد لي من توبة؟ قال: نعم، تب إلى الله يتب عليك فإنه يقبل التوبة
عن عباده ويعفو عن السيئات ويحب التوابين ويحب المتطهرين. الحديث (1).
قال الأميني: هذا هاشم المرقال الصحابي المقدس، وبطل الدين العظيم، وهذا
رأيه في عثمان وهو يبوح به في موقف قتال حصل من جراء قتله، مبررا فيه عمل المجهزين
عليه، ويرى أنه خالف حكم الكتاب وأحدث أحداثا أباحت لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قتله
وأن من قتله هم أهل الدين والقرآن.
- 13 - حديث جهجاه بن سعيد
الغفاري ممن بايع تحت الشجرة (2)
ورد من طريق أبي حبيبة أنه قال: خطب عثمان الناس فقام إليه جهجاه الغفاري:

(1) كتاب صفين لابن مزاحم ط مصر ص 402، تاريخ الطبري 6: 23، شرح ابن أبي الحديد
2: 278، الكامل لابن الأثير 3: 135.
(2) الاستيعاب. أسد الغابة. الإصابة.
122

فصاح: يا عثمان! ألا إن هذه شارف قد جئنا بها عليها عباءة وجامعة فأنزل فلندرعك العباءة
ولنطرحك في الجامعة ولنحملك على الشارف ثم نطرحك في جبل الدخان. فقال عثمان:
قبحك الله وقبح ما جئت به. قال أبو حبيبة: ولم يكن ذلك منه إلا عن ملأ عن الناس،
وقام إلى عثمان خيرته وشيعته من بني أمية فحملوه فأدخلوه الدار.
وجاء من طريق عبد الرحمن بن حاطب قال: أنا أنظر إلى عثمان يخطب على عصا
النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عليها وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال له جهجاه: قم يا نعثل!
فأنزل عن هذا المنبر. وأخذ العصا فكسرها على ركبته اليمنى، فدخلت شظية منها فيها
فبقي الجرح حتى أصابته الأكلة فرأيتها تدود، فنزل عثمان وحملوه وأمر بالعصا فشدوها
فكانت مضببة، فما خرج بعد ذلك اليوم إلا خرجة أو خرجتين حتى حصر فقتل.
وفي لفظ البلاذري: خطب عثمان في بعض أيامه فقال له جهجاه بن سعيد الغفاري
يا عثمان! انزل ندرعك عباءة ونحملك على شارف من الإبل إلى جبل الدخان كما سيرت
خيار الناس، فقال له عثمان: قبحك الله وقبح ما جئت به. وكان جهجاه متغيظا على
عثمان، فلما كان يوم الدار ودخل عليه ومعه عصا كان النبي صلى الله عليه و سلم يتخصر بها فكسرها
على ركبته فوقعت فيها الأكلة.
راجع الأنساب للبلاذري 5: 47، تاريخ الطبري 5: 114، الاستيعاب في ترجمة
جهجاه، الكامل لابن الأثير 3: 70، شرح ابن أبي الحديد 1: 165، الرياض النضرة
2: 123، تاريخ ابن كثير 7: 175، الإصابة 1: 253، تاريخ الخميس 2: 260.
قال الأميني: الجهجاه من أهل بيعة الشجرة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه
بنص الذكر الحكيم وهو يستبيح خلع عثمان ونفيه وتشهيره ملفوفا بعباءة مكبلا
بالحديد إلى جبل الدخان، ولا يتحرج من هتكه وكسر مخصرته، وإنما قال ما قاله
وفعل ما فعل بمحضر من المهاجرين والأنصار، فلم يؤاخذه على ذلك أحد منهم ولا رد
عليه راد، فكأنه كان يخبر عن صميم أفئدتهم، وأظهر ما أضمروه، وجاء بما أحبوه
حتى قضى ما كان مقتضيا.
إن حدوث الجرح في ركبة جهجاه لولوج شئ من كسرات العصا فبها المتحول
أكلة إن صح فمن ولائد الاتفاق وليس بكرامة للقتيل، كما أن وقوع عبد الله بن
123

أبي ربيعة المخزومي والي عثمان على اليمن من مركبه وموته وقد جاء لنصر عثمان
لم يكن نقمة ولا نكبة له. قال أبو عمر وغيره: جاء عبد الله المخزومي لينصره لما
حصر فسقط عن راحلته بقرب مكة فمات (1).
وقال البلاذري في الأنساب 875: أقبل عبد الله المخزومي وكان عامله على
مخاليف الجند لينصره فلما انتهى إلى بطن نخلة سقط عن راحلته فانكسرت رجله فانصرف
إلى أهله.
14 - حديث سهل بن حنيف
أبي ثابت الأنصاري (يدري)
15 - رفاعة بن رافع بن مالك
أبي معاذ الأنصاري (بدري)
16 - الحجاج بن غزية الأنصاري
قال البلاذري في الأنساب 5: 78: قال أبو مخنف في روايته: إن زيد بن ثابت
الأنصاري قال: يا معشر الأنصار! إنكم نصرتم الله ونبيه فانصروا خليفته. فأجابه قوم
منهم فقال سهل بن حنيف: يا زيد! أشبعك عثمان بن عضدان المدينة - والعضيدة نخلة
قصيرة ينال حملها - فقال زيد: لا تقتلوا الشيخ ودعوه حتى يموت فما أقرب أجله. فقال
الحجاج بن غزية الأنصاري أحد بني النجار: والله لو لم يبق من عمره إلا بين الظهر
والعصر لتقربنا إلى الله بدمه.
وجاء رفاعة بن مالك الأنصاري ثم الزرقي بنار في حطب فأشعلها في أحد البابين
فاحترق وسقط، وفتح الناس الباب الآخر واقتحموا الدار.
وفي لفظ للبلاذري ص 90: قال زيد للأنصار: إنكم نصرتم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكنتم أنصار الله فانصروا خليفته تكونوا أنصارا لله مرتين. فقال: الحجاج بن غزية:
والله إن تدري هذه البقرة الصيحاء ما تقول، والله لو لم يبق من أجله إلا ما بين العصر إلى
الليل لتقربنا إلى الله بدمه.
وقال ابن حجر في الإصابة 1: 313: روى الحجاج بن غزية أصحاب السنن

(1) الاستيعاب 1: 351، أسد الغابة 3: 155، الإصابة 2: 305.
124

حديثا صرح بسماعه فيه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحج قال ابن المديني: هو الذي ضرب
مروان يوم الدار حتى سقط (1)
قال الأميني: نظرية هؤلاء الثلاثة ليست بأقل صراحة من نظريات إخوانهم
المهاجرين والأنصار في استباحة دم الخليفة وإزالته عن منصة الملك الاسلام الديني.
- 17 - حديث أبي أيوب الأنصاري
من السابقين من جلة الصحابة البدريين
قال في خطبة له: إن أمير المؤمنين - أكرمه - الله قد استمع من كانت له أذن
واعية وقلب حفيظ، إن الله قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها حق قبولها، حيث نزل
بين أظهركم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير المسلمين وأفضلهم وسيدهم بعده، يفقهكم
في الدين ويدعوكم إلى جهاد المحلين، فوالله لكأنكم صم لا تسمعون، وقلوبكم غلف
مطبوع عليها فلا تستجيبون، عباد الله! أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس؟
وقد شمل العباد، وشاع في الاسلام، فذو حق محروم مشتوم عرضه، ومضروب ظهره،
وملطوم وجهه، وموطوء بطنه، وملقى بالعراء، فلما جاءكم أمير المؤمنين صدع بالحق،
ونشر العدل، وعمل بالكتاب، فاشكروا نعمة الله عليكم ولا تتولوا مجرمين، ولا تكونوا
كالذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون، إشحذوا السيوف وجددوا آلة الحرب، واستعدوا
للجهاد، فإذا دعيتم فأجيبوا، وإذا أمرتم فأطيعوا تكونوا بذلك من الصادقين.
الإمامة والسياسة 1: 112 في طبع وفي آخر ص 128، جمهرة الخطب 1: 236
قال الأميني: هذا أبو أيوب الأنصاري عظيم الصحابة الذي اختار الله داره منزلا
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين الأنصار، وحسبه ذلك شرفا، وهو من البدريين، وشهد المغازي
كلها، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أخذ شيئا من كريمته الشريفة بقوله: لا يصيبك
السوء يا أبا أيوب! وهذا يعم الأسواء الظاهرة من قتل بهوان وأسر وسجن في مذلة
وأمراض مخزية من جذام وبرص غيرهما، واختلال في العقل، والأسواء المعنوية من
تزحزح عن الإيمان وتضعضع في العقيدة، وانحياز عن الدين، فهو رضوان الله عليه ملكوء

(1) سيوافيك حديث ضربه مروان.
125

عن هذه كلها بتلك الدعوة المجابة، وهو مع فضله هذا يعد عهد عثمان عهد جور و
عدوان، ويعدد ما حدث هنالك من البوائق النازلة على صلحاء الأمة كأبي ذر وعمار
وابن مسعود وغيرهم مما مر تفصيله، ولو لم يكن إلا شهادة أبي أيوب لكفت حجة
في كل مهمة، فكيف وقد صافقه على ما يقول سروات المهاجرين والأنصار؟
- 18 - حديث قيس بن سعد
ابن عبادة الأنصاري، سيد الخزرج " بدري "
1 - من خطبة له خطبها بمصر في أخذ البيعة لأمير المؤمنين علي صلوات الله عليه
قال: الحمد لله الذي جاء بالحق وأمات الباطل، وكبت الظالمين، أيها الناس إنا
قد بايعنا خير من نعلم بعد محمد نبينا صلى الله عليه وسلم فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
تاريخ الطبري 5: 228، الكامل لابن الأثير 3: 115، شرح ابن أبي الحديد
2: 23.
2 - من كتاب لمعاوية إلى قيس بن سعد قبل وقعة صفين: أما بعد: فإنكم إن
كنتم نقمتم على عثمان بن عفان رضي الله عنه في أثرة رأيتموها أو ضربة سوط ضربها،
أو شتيمة رجل، أو في تسييره آخر، أو في استعماله الفتي، فإنكم قد علمتم إن
كنتم تعلمون أن دمه لم يكن يحل لكم، فقد ركبتم عظيما من الأمر وجئتم شيئا إدا،
فتب إلى الله عز وجل يا قيس بن سعد! فإنك كنت في المجلبين على عثمان بن عفان
رضي الله عنه إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئا.
فأما صاحبك: فإنا استيقنا أنه الذي أغرى به الناس وحملهم على قتله حتى
قتلوه وإنه لم يسلم من دمه عظم قومك، فإن استطعت يا قيس! أن تكون ممن يطلب بدم
عثمان فافعل، تابعنا على أمرنا ولك سلطان العراقين إذا ظهرت ما بقيت، ولمن أحببت
من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان، وسلني غير هذا مما تحب فإنك لا
تسألني شيئا إلا أوتيته، واكتب إلي برأيك فيما كتبت به إليك. والسلام.
126

فكتب إليه قيس:
أما بعد: فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من قتل عثمان رضي الله عنه
وذلك أمر لم أقارفه ولم أطف به. وذكرت صاحبي هو أغرى الناس بعثمان ودسهم
إليه حتى قتلوه، وهذا لم أطلع عليه، وذكرت عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان
فأول الناس كان فيه قياما عشيرتي. إلخ.
وفي لفظ: فلعمري إن أولى الناس في أمره عشيرتي. فلعمري إن أول الناس
كان فيه قياما عشيرتي ولهم أسوة
تاريخ الطبري 5: 227، كامل ابن الأثير 3: 116، شرح ابن أبي الحديد 2:
23، النجوم الزاهرة 1: 99، جمهرة الرسائل 1: 524.
3 - تحاور قيس بن سعد والنعمان بن بشير بين الصفين بصفين فقال النعمان:
يا قيس بن سعد! أما أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنفسه؟ إنكم يا معشر الأنصار!
أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار، وقتلكم أنصاره يوم الجمل، وإقحامكم على أهل الشام
بصفين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا، كان هذا بهذا، ولكنكم خذلتم حقا، و
نصرتم باطلا، ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس، شعلتم الحرب، ودعوتم إلى البراز، فقد والله
وجدتم رجال الحرب من أهل الشام سراعا إلى برازكم غير أنكاس عن حربكم. الكلام.
فضحك قيس وقال: والله ما كنت أراك يا نعمان! تجترئ على هذا المقام، أما
المنصف المحق فلا ينصح أخاه من غش نفسه، وأنت والله الغاش لنفسه، المبطل فيما
نصح غيره.
أما ذكر عثمان فإن كان الايجاز يكفيك؟ فخذه. قتل عثمان من لست خيرا
منه، وخذله من هو خير منك، وأما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث، وأما معاوية
فلو اجتمعت العرب على بيعته لقاتلتهم الأنصار. وأما قولك: إنا لسنا كالناس فنحن في
هذه الحرب كما كنا مع رسول الله، نلقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا، حتى جاء
الحق وظهر أمر الله وهم كارهون. ولكن أنظر يا نعمان! هل ترى مع معاوية إلا طليقا أعرابيا
أو يمانيا مستدرجا؟ وانظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان، الذين رضي الله
127

عنهم ورضوا عنه؟ ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك؟ (1) ولستما والله بدريين
ولا عقبيين (2) ولا لكما سابقة في الاسلام ولا آية في القرآن.
كتاب صفين لابن مزاحم ص 511، الإمامة والسياسة 1: 94، وفي ط 83، شرح
ابن أبي الحديد 2: 298، جمهرة الخطب 1: 190.
4 - قدم المدينة قيس بن سعد فجاءه حسان بن ثابت شامتا به وكان حسان عثمانيا
فقال له: نزعك علي بن أبي طالب وقد قتلت عثمان، فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك
الشكر. فقال له قيس: يا أعمى القلب والبصر، والله لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حربا
لضربت عنقك، أخرج عني. تاريخ الطبري 5: 321، شرح ابن أبي الحديد 2: 25.
قال الأميني: إن فتى الأنصار وأمير الخزرج وابن أميرها قيس بن سعد الذي
تقدمت فضائله وفواضله في الجزء الثاني ص 69 - 110 ط 2 تراه يتبجح في كتابه إلى معاوية
بأن عشيرته الأنصار كانوا أول الناس قياما في دم عثمان، وفي خطبته ترى أن الحق
المحيى مع مولانا أمير المؤمنين، وإن الباطل الذي أميت كان في العهد البائد بقتل عثمان،
وأن المقتولين في واقعة الدار هم الظالمون، واعطف على هذه كلها محاورته مع النعمان
بن بشير بصفين، فالكل لهجة واحدة من رئي في الدين والدنيا واحد.
- 19 - حديث فروة بن عمرو
ابن ودقة البياضي الأنصاري (بدري)
أخرج مالك في الموطأ حديثه في باب (العمل في القراءة) وسكت عن اسمه ولم
يسمه، بل ذكره بلقبه " البياضي " وقال ابن وضاح (3) وابن مزين (4): إنما سكت مالك
عن اسمه، لأنه كان ممن أعان على قتل عثمان.
وعقبه أبو عمر في " الاستيعاب " فقال: هذا لا يعرف ولا وجه لما قالاه في ذلك و
لم يكن لقائل هذا علم بما كان من الأنصار يوم الدار.

(1) يعني به عمرو بن العاص.
(2) يعني ممن بايعوه صلى الله عليه وآله في العقبة.
(3) أبو عبد الله محمد بن الحسين بن علي بن الوضاح الأنباري المتوفى 345.
(4) كذا في الاستيعاب وأسد الغابة وشرح الموطأ للزرقاني، وفي الإصابة: ابن سيرين.
128

الاستيعاب ترجمة فروة، أسد الغابة 4: 179، الإصابة 3: 204، شرح الموطأ
للزرقاني 1: 152.
قال الأميني: الذي يشهد ببطلان ما قالاه أن ما حسبوه جريمة من فروة إن كان
مسقطا لعدالته؟ فالإخراج عنه باطل سماه أولم يسمه، وإن كان غير مسقط لها؟ فهو
مشمول لما عم الصحابة عند القوم من الفضل والعدالة، وإن روايته حجة يؤخذ بها
ولا يضره إذن إلغاء الاسم، ثم إن كانت هذه الجريمة مما يؤاخذ به صاحبه؟ فهي عامة
للأنصار كلهم كما أو عز إليه أبو عمر بقوله: لم يكن لقائل هذا علم بها كان من الأنصار
يوم الدار. فيجب إسقاط رواياتهم أو السكوت عن أسمائهم جمعاء. وبالجملة: إن هذا
الأنصاري البدري عد ممن أعان على قتل عثمان، ولم يشذ في رأيه عن الأنصار أو
عن بقية الصحابة أجمع.
- 20 - حديث محمد بن عمرو
ابن حزم أبي سليمان الأنصاري
أحد المحامدة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمدا. قال أبو عمر في " الاستيعاب "
في ترجمته: يقال: إنه كان أشد الناس على عثمان المحمدون: محمد بن أبي بكر. محمد
بن أبي حذيفة. محمد بن عمرو بن حزم.
- 21 - حديث جابر بن عبد الله
أبي عبد الله الأنصاري الصحابي العظيم وقوم آخرين من الصحابة
لما فرغ الصحابة من أمر ابن الزبير كنس المسجد الحرام من الحجارة والدم
وأتته ولاية مكة والمدينة، وكان عبد الملك حين بعثه لقتال عبد الله بن الزبير عقد له على
مكة ولكنه أحب تجديد ولايته إياها، فشخص الحجاج إلى المدينة، واستخلف على
مكة عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث الخزاعي، فلما قدم المدينة أقام بها شهرا أو
شهرين فأساء إلى أهلها واستخف بهم وقال: إنهم قتلة أمير المؤمنين عثمان، وختم يد
جابر بن عبد الله برصاص وأيدي قوم آخرين كما يفعل بالذمة، منهم: أنس بن مالك
129

ختم عنقه، وأرسل إلى سهل بن سعد فدعاه فقال: ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان
ابن عفان؟ قال: قد فعلت. قال: كذبت. ثم أمر به فختم في عنقه برصاص.
أنساب البلاذري 5: 373، تاريخ الطبري 7: 206، الكامل لابن الأثير 4: 149
قال الأميني: تعطي هذه الرواية أن مؤاخذة الحجاج لبقية الصحابة وفيهم
جابر صاحب الحلقة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤخذ منه العلم كما في الإصابة 1: 213
كانت لتدخلهم في واقعة عثمان بمباشرة أو تخذيل عنه أو بتقاعد عن نصرته، نحن لا
نقول بوثاقة الرجل فيها يرويه كما لا نقول بسداده فيما يرتأيه، غير أن الحالة تشهد
أن تلكم النسبة كانت مشهورة بين الملأ فاحتج بها الحجاج على ما ارتكبه من إهانتهم
ولم يظهر من القوم أي إنكار لما رموا به ردئا لعادية الطاغية، لكنهم صبروا على البلاء
وشدة المنازلة ثباتا منهم على ما ارتكبوه في واقعة الدار.
- 22 - حديث جبلة بن عمرو (1)
ابن ساعدة الساعدي الأنصاري (بدري)
أخرج الطبري من طريق عثمان بن الشريد قال: مر عثمان علي جبلة بن عمرو
الساعدي وهو بفناء داره ومعه جامعة فقال: يا نعثل؟ والله لأقتلنك ولأحملنك على
قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار، ثم جاءه مرة أخرى وعثمان على المنبر فأنزله عنه
وأخرج من طريق عامر بن سعد قال: كان أول من أجرأ على عثمان بالمنطق
السئ جبلة بن عمرو الساعدي، مر به عثمان وهو جالس في ندي قومه وفي يد جبلة بن
عمرو جامعة، فلما مر عثمان سلم فرد القوم فقال جبلة: لم تردون على رجل فعل
كذا وكذا؟ قال: ثم أقبل على عثمان فقال: والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو
لتتركن بطانتك هذه. قال عثمان: أي بطانة؟ فوالله إني لا أتخير الناس. فقال: مروان
تخيرته، ومعاوية تخيرته، وعبد الله بن عامر بن كريز تخيرته، وعبد الله بن سعد
تخيرته، منهم من نزل القرآن بذمه وأباح رسول الله دمه (2) قال: فانصرف عثمان فما

(1) قال البلاذري في الأنساب 5: 47: قال الكلبي: هو رخيلة بن ثعلبة البياضي، بدري.
(2) هو عبد الله بن سعد راجع ما أسلفناه في ج 8: 280 ط 2.
130

زال الناس مجترئين عليه إلى هذا اليوم.
تاريخ الطبري 5: 114، الكامل لابن الأثير 3: 70، تاريخ ابن كثير 7: 176،
شرح ابن أبي الحديد 1: 165.
وأخرج البلاذري في الأنساب 5: 47 الحديث الأول باللفظ المذكور فقال: ثم
أتاه وهو على المنبر فأنزله، وكان أول من اجترأ على عثمان وتجهمه بالمنطق الغليظ
وأتاه يوما بجامعة فقال: والله لأطرحنها في عنقك، أو لتتركن بطانتك هذه، أطعمت
الحارث بن الحكم السوق وفعلت وفعلت، وكان عثمان ولى الحارث السوق فكان يشتري
الجلب بحكمه ويبيعه بسومه، ويجبي مقاعد المتسوقين، ويصنع صنيعا منكرا، فكلم
في إخراج السوق من يده فلم يفعل، وقيل لجبلة في أمر عثمان وسئل الكف عنه فقال:
والله لا ألقى الله غدا فأقول: إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل.
وأخرج ابن شبه في أخبار المدينة من طريق عبد الرحمن بن الأزهر: إنهم لما
أرادوا دفن عثمان فانتهوا إلى البقيع من دفنه جبلة بن عمرو فانطلقوا إلى حش
كوكب فدفنوه فيه (1).
قال الأميني: إنك جد عليم بما في هذا المبجل البدري الذي أثنى
عليه أبو عمر في " الاستيعاب " بقوله: كان فاضلا من فقهاء الصحابة. وهو أحد الصحابة
العدول الذين يحتج بما رووه أو رأوه من شدة على عثمان وثباة عليها، حتى أنه يعد
المحايدة يومئذ من الضلال الذي يأمر به السادة والكبراء الضالون، ويهدد عثمان و
يرعد ويبرق وينهى عن رد السلام عليه الذي هو تحية المسلمين، ومن الواجب شرعا
ردها، وينزله عن منبر الخطابة إنزالا عنيفا بين الملأ، ثم لم يزل يستخف به ويهينه
ولا تأخذه فيه هوادة حتى منعه عن الدفن في البقيع، فدفن في حش كوكب مقابر اليهود
وكل هذه لا تلتئم مع حسن ظنه به فضلا عن حسن عقيدته.
نعم: إن جبلة فعل هذه الأفاعيل بين ظهراني الملأ الديني الصحابة العدول وهم
بين متجمهر معه، ومخذل عن الخليفة المقتول، ومتثبط عنه، وراض بما دارت
على الخليفة من دائرة سوء، ما خلا شذاذ من الأمويين الذين وصفهم جبلة في بيانه،

(1) الإصابة 1: 223.
131

وقدمنا نحن تفصيل ما نزل في القرآن فيهم في الجزء الثامن (1) ولم تقم الجامعة الدينية
لهم ولآرائهم وزنا.
- 23 - حديث محمد بن مسلمة
أبي عبد الرحمن الأنصاري (بدري)
أخرج الطبري من طريق محمد بن مسلمة قال: خرجت في نفر من قومي إلى المصريين
وكان رؤساءهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس البلوي، وسودان بن حمران المرادي،
وعمرو بن الحمق الخزاعي، وابن النباع (2) قال: فدخلت عليهم وهم في خباء لهم أربعتهم
ورأيت الناس لهم تبعا، قال: فعظمت حق عثمان، وما في رقابهم من البيعة، وخوفتهم
بالفتنة، وأعلمتهم أن في قتله اختلافا وأمرا عظيما، فلا تكونوا أول من فتحه وأنه
ينزع عن هذه الخصال التي نقمتم منها عليه وأنا ضامن لذلك. قال القوم: فإن لم ينزع
قال: قلت فأمركم إليكم. قال: فانصرف القوم وهم راضون فرجعت إلى عثمان فقلت:
اخلني. فأخلاني فقلت: الله الله يا عثمان! في نفسك، إن هؤلاء القوم إنما قدموا يريدون
دمك وأنت ترى خذلان أصحابك لك، لا، بل هم يقوون عدوك عليك، قال: فأعطاني
الرضا وجزاني خيرا قال: ثم خرجت من عنده فأقمت ما شاء الله أن أقيم، قال: وقد
تكلم عثمان برجوع المصريين وذكر أنهم جاءوا لأمر فبلغهم غيره فانصرفوا. فأردت
أن آتيه فأعنفه ثم سكت فإذا قائل يقول: قد قدم المصريون وهم بالسويداء (3) قال:
قلت: أحق ما تقول؟ قال: نعم، قال: فأرسل إلى عثمان، قال: وإذا الخبر قد جاءه و
قد نزل القوم من ساعتهم ذا خشب (4) فقال: يا أبا عبد الرحمن! هؤلاء القوم قد رجعوا
فما الرأي فيهم؟ قال قلت: والله ما أدري إلا إني أظن أنهم لم يرجعوا لخير قال:
فارجع إليهم فارددهم قال: قلت: لا والله ما أنا بفاعل، قال: ولم؟ قال: لأني ضمنت
لهم أمورا تنزع عنها، فلم تنزع عن حرف منها قال: فقال: الله المستعان قال: وخرجت

(1) راجع صفحة 247 - 249، 275، 218 ط 2.
(2) كذا في تاريخ الطبري وفيما حكي عنه والصحيح: ابن البياع وهو عروة بن شييم الليثي.
(3) السويداء: موضع على ليلتين من المدينة على طريق الشام.
(4) واد على مسيرة ليلة من المدينة.
132

وقدم القوم وحلوا بالأسواف وحصروا عثمان وجاءني عبد الرحمن ابن عديس ومعه
سودان بن حمران وصاحباه فقالوا: يا أبا عبد الرحمن ألم تعلم أنك كلمتنا ورددتنا
وزعمت أن صاحبنا نازع عما نكره؟ فقلت: بلى، فإذا هم يخرجون إلى صحيفة
صغيرة وإذا قصبة من رصاص فإذا هم يقولون: وجدنا جملا من إبل الصدقة عليه غلام
عثمان فأخذنا متاعه ففتشناه فوجدنا فيه هذا الكتاب. الحديث يأتي بتمامه.
تاريخ الطبري 5: 118، الكامل لابن الأثير 3: 70.
قال الأميني: إنك تجد محمد بن مسلمة هاهنا لا يشك في أن ما نقمه القوم على
الخليفة موبقات يستحل بها هتك الحرمات ممن ارتكبها، لكنه كره المناجزة وحاول
الاصلاح حذار الفتنة المستتبعة لطامات وهنابث، وسعى سعيه في رد القوم بضمانه عسى
أن ينزع الخليفة عما فرط في جنب الله، وأن يكون ذلك توبة نصوحا، فلعل الفورة
تهدأ، ولهيب الثورة يخبأ، لكنه لما شاهد الفشل في مسعاه، وأخفق ظنه بعثمان، و
رأى منه حنث الإل، وعدم النزوع عن أحداثه، تركه والقوم، فارتكبوا منه ما ارتكبوا
ولم يجبه حينما استنصره، ولم يقم لطلبته وزنا، ولم ير له حرمة يدافع بها عنه، و
لذلك خاشنه في القول، فكان ما كان مقضيا.
- 24 - حديث ابن عباس
حبر الأمة ابن عم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
1 - أخرج أبو عمر في " الاستيعاب " في ترجمة مولانا أمير المؤمنين علي صلوات الله
عليه من طريق طارق قال: جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا: جئناك نسألك فقال: سلوا
عما شئتم فقالوا: أي رجل كان أبو بكر؟ فقال: كان خيرا كله. أو قال: كالخير كله
على حدة كانت فيه. قالوا: فأي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطائر الحذر الذي يظن
أن له في كل طريق شركا. قالوا: فأي رجل كان عثمان؟ قال: رجل ألهته نومته عن
يقظته. قال: فأي رجل كان علي؟ قال: كان قد ملئ جوفه حكما وعلما وبأسا و
نجدة مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يظن أن لا يمد يده إلى شئ إلا ناله، فما
مد يده إلى شئ فناله.
133

2 - من كتاب لمعاوية إلى ابن عباس: لعمري لو قتلتك بعثمان رجوت أن يكون
ذلك لله رضا وأن يكون رأيا صوابا، فإنك من الساعين عليه، والخاذلين له، و
السافكين دمه، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك مني ولا بيدك أمان (1).
فكتب إليه ابن عباس جوابا طويلا يقول فيه: وأما قولك " إني من الساعين
على عثمان والخاذلين له، والسافكين له، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك مني "
فأقسم بالله لأنت المتربص بقتله، والمحب لهلاكه، والحابس الناس قبلك عنه على
بصيرة من أمره، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ فما حفلت به حتى
بعثت إليه معذرا بأجرة أنت تعلم أنهم لن يتركوه حتى يقتل، فقتل كما كنت أردت
ثم علمت عند ذلك أن الناس لن يعدلوا بيننا و بينك فطفقت تنعي عثمان وتلزمنا دمه،
وتقول قتل مظلوما، فإن يك قتل مظلوما فأنت أظلم الظالمين، ثم لم تزل مصوبا و
مصعدا وجاثما ورابضا تستغوي الجهال وتنازعنا حقنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت
وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.
قال الأميني: إن حبر الأمة وإن لم يكن له أي تدخل في واقعة الدار، وكان
أمير الحاج في سنته تلك، لكنك تراه لا يشذ عن الصحابة في الرأي حول الخليفة، ولا
يقيم له وزنا، ولا يرى له مكانة، ومن أجل ذلك أعطى المقام حقه في جواب السائل عن
الخلفاء، غير أنه لم يصف عثمان إلا بما ينبأ عن عدم كفائته برقدته الطويلة الغاشية
على يقظته، وسباته العميق الساتر لانتباهته، ومن جراء ذلك الاعتقاد تجده لم يهتم
بشئ من أمره لما جاءه نافع بن طريف بكتاب (2) من الخليفة يستنجد الحجيج و
يستغيث بهم، على حين أنه محصور، فقرأه نافع على الناس بينما كان ابن عباس يخطب
فلما نجزت قراءته أتم خطبته من حيث أفضت إليه، ولم يلو إلى أمر عثمان وحصاره،
ولم ينبس في أمره ببنت شفة، وكان في وسعه أن يستثيرهم لنصرته، وهل ذلك كله
لسوء رأي منه في الخليفة؟ أو لعدم الاهتمام في أمره؟ أو لحسن ظنه بالثائرين عليه؟
إختر ما شئت، ولعلك تختار تحقق الجميع لدى ابن عباس، وكأن عائشة شعرت منه

(1) شرح ابن أبي الحديد 4: 58. قال: كتبه إليه عند صلح الحسن عليه السلام يدعوه إلى بيعته
(2) يأتي تفصيله في هذا الجزء عند ذكر كتب عثمان إن شاء الله.
134

ذلك فقالت يوم مر بها ابن عباس في منزل من منازل الحج: يا ابن عباس! إن الله قد
أتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية. (1)
ومن جراء رأيه الذايع الشايع كان يحذر معاوية ويخاف بطشه، ولما قال له
أمير المؤمنين عليه السلام: إذهب أنت إلى الشام فقد وليتكها. قال: إني أخشى من معاوية أن
يقتلني بعثمان، أو يحبسني لقرابتي منك، ولكن اكتب معي إلى معاوية فمنه وعده.
الحديث (2)
وفي أثر ذلك الرأي كان يسكت عن لعن قتلة عثمان ولما كتب إليه معاوية:
أن اخرج إلى المسجد والعن قتلة عثمان. أجاب بقوله: لعثمان ولد وخاصة وقرابة
هم أحق بلعنهم مني، فإن شاءوا أن يلعنوا، وإن شاءوا أن يمسكوا فليمسكوا (3)
- 25 - حديث عمرو بن العاصي
الذي عرفناكه في ج 2 ص 120 - 176
أخرج الطبري من طريق أبي عون مولى المسور قال: كان عمرو بن العاصي على
مصر عاملا لعثمان فعزله عن الخراج واستعمله على الصلاة، استعمل عبد الله بن سعد
على الخراج، ثم جمعهما لعبد الله بن سعد، فلما قدم عمرو بن العاصي المدينة جعل يطعن
على عثمان، فأرسل إليه يوما عثمان خاليا به فقال: يا ابن النابغة ما أسرع ما قمل به
جربان جبتك؟ إنما عهدك بالعمل عاما أول، أتطعن علي، ويأتيني بوجه، وتذهب عني
بآخر؟ والله لولا أكلة ما فعلت ذلك. فقال عمرو: إن كثيرا مما يقول الناس وينقلون
إلى ولاتهم باطل، فاتق الله يا أمير المؤمنين! في رعيتك، فقال عثمان: والله لو استعملتك
على ظلعك وكثرة القالة فيك، فقال عمرو: قد كنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقني
وهو عني راض فقال عثمان: وأنا والله لو آخذتك بما آخذك به عمر لاستقمت ولكني
لنت عليك فاجترأت علي، أما والله لأنا أعز منك نفرا في الجاهلية وقبل أن ألي هذا

(1) راجع ما مر في هذا الجزء من حديث عائشة.
(2) تاريخ ابن كثير 7: 228، الكامل لابن الأثير 3: 83.
(3) الإمامة والسياسة قتيبة 1: 148.
135

السلطان، فقال عمرو: دع عنك هذا فالحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وهدانا به،
قد رأيت العاصي بن وائل ورأيت أباك عفان فوالله للعاصي كان أشرف من أبيك (1) فانكسر
عثمان وقال: ما لنا ولذكر الجاهلية، وخرج عمرو ودخل مروان فقال: يا أمير المؤمنين!
وقد بلغت مبلغا يذكر عمرو بن العاصي أباك، فقال عثمان: دع هذا عنك، من ذكر آباء
الرجال ذكروا أباه. قال فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي عليا مرة فيؤلبه
على عثمان، ويأتي الزبير مرة فيؤلبه على عثمان، ويأتي طلحة مرة فيؤلبه على عثمان
ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان، فلما كان حصر عثمان الأول خرج من المدينة
حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها: السبع، فنزل في قصر له يقال له: العجلان
وهو يقول: العجب ما يأتينا عن ابن عفان قال: فبينا هو جالس في قصره ذلك ومعه
إبناه محمد، وعبد الله، وسلامة بن روح الجذامي إذا مر بهم راكب فناداه عمرو: من
أين قدم الرجل؟ فقال: من المدينة، قال: ما فعل الرجل؟ يعني عثمان. قال: تركته
محصورا شديد الحصار قال عمرو: أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار
فلم يبرح مجلسه ذلك حتى مر به راكب آخر فناداه عمرو: ما فعل الرجل؟ يعني
عثمان. قال: قتل. قال: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، إن كنت لأحرض
عليه حتى إني لأحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل. فقال له سلامة بن روح:
يا معشر قريش! إنه كان بينكم وبين العرب باب وثيق فكسرتموه، فما حملكم على
ذلك؟ فقال: أردنا أن نخرج الحق من حافرة الباطل، وأن يكون الناس في الحق
شرعا سواء، وكانت عند عمرو أخت عثمان لأمه كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط
ففارقها حين عزله (2).
2 - لما ركب علي وركب معه ثلاثون رجلا من المهاجرين والأنصار إلى أهل
مصر في أول مجيئهم المدينة ناقمين على عثمان، وردهم عنه فانصرفوا راجعين ورجع

(1) ليت شعري ما مكانة عفان من الشرف إن كان يفضل عليه العاصي الساقط المشرف بقوله
تعالى: " إن شانئك هو الأبتر " كما مر تفصيله في الجزء الثاني ص 120 ط 2.
(2) تاريخ الطبري 5: 108، 203، الأنساب للبلاذري 5: 74، الإمامة والسياسة 1: 42،
الاستيعاب ترجمة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، شرح ابن أبي الحديد 1: 63، وأوعز إليه
ابن كثير في تاريخه 7: 170 بصورة مصغرة جريا على عادته فيما لا يروقه.
136

علي عليه السلام إلى عثمان وأخبره أنهم قد رجعوا، حتى إذا كان الغد جاء مروان عثمان فقال
له: تكلم وأعلم الناس أن أهل مصر قد رجعوا، وإن ما بلغهم عن إمامهم كان باطلا،
فإن خطبتك تسير في البلاد قبل أن يتحلب الناس عليك من أمصارهم فيأتيك من لا تستطيع
دفعه. فأبى عثمان أن يخرج، فلم يزل به مروان حتى خرج فجلس على المنبر فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر
فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم (1) فناداه عمرو بن العاصي من
ناحية المسجد: إتق الله يا عثمان! فإنك قد ركبت نهابير (2) وركبناها معك فتب إلى الله
نتب، فناداه عثمان: وإنك هناك يا ابن النابغة؟ قملت والله جبتك منذ تركتك من العمل،
فنودي من ناحية أخرى: تب إلى الله وأظهر التوبة يكف الناس عنك. فرفع عثمان
يديه مدا واستقبل القبلة فقال: اللهم إني أول تائب تاب إليك. ورجع إلى منزله،
وخرج عمرو بن العاصي حتى نزل منزله بفلسطين فكان يقول: والله إن كنت لألقى الراعي
فأحرضه عليه. وفي لفظ البلاذري: يا ابن النابغة! وإنك ممن تؤلب علي الطغام؟ وفي
لفظ: قال عمرو: يا عثمان! إنك قد ركبت بهذه الأمة نهاية من الأمر وزغت فزاغوا
فاعتدل أو اعتزل. وفي لفظ: ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمور فركبوها منك، وملت
بهم فمالوا بك، اعدل أو اعتزل.
تاريخ الطبري 5: 110، 114، أنساب البلاذري 5: 74، الاستيعاب ترجمة
عثمان، شرح ابن أبي الحديد 2: 113، الكامل لابن الأثير 3: 68، الفائق للزمخشري
2: 296، نهاية ابن الأثير 4: 196، تاريخ ابن كثير 7: 175، تاريخ ابن خلدون 2:
396، لسان العرب 7: 98، تاج العروس 3: 592.
3 - قال ابن قتيبة: ذكروا أن رجلا من همدان يقال له " برد " قدم على معاوية
فسمع عمرا يقع في علي فقال له: يا عمرو إن أشياخنا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من كنت مولاه فعلي مولاه. فحق ذلك أم باطل؟ فقال عمرو: حق وأنا أزيدك أنه ليس

(1) ما عذر الخليفة في هذا الكذب الفاحش على منبر النبي الأعظم وهو بين يدي قبره الشريف
لعله يعتذر بأن مروان حثه عليه ولم يكن له منتدح من قبول أمره، والملك عقيم.
(2) النهابير والنهابر: المهالك: الواحدة: نهبرة ونهبور.
137

أحد من صحابة رسول الله له مناقب مثل مناقب علي. ففزع الفتى فقال عمرو: إنه أفسدها
بأمره في عثمان فقال برد: هل أمر أو قتل؟ قال: لا، ولكنه آوى ومنع، قال: فهل
بايعه الناس عليها؟ قال: نعم. قال: فما أخرجك من بيعته؟ قال: اتهامي إياه في عثمان.
قال له: وأنت أيضا قد أتهمت. قال: صدقت فيها، خرجت إلى فلسطين. فرجع الفتى
إلى قومه فقال: إنا أتينا قوما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم، علي على الحق فاتبعوه.
" الإمامة والسياسة 1 ص 93 ".
4 - أخرج الطبري في تاريخه 5: 234 من طريق الواقدي قال: لما بلغ عمرا
قتل عثمان رضي الله عنه قال: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع، من يلي هذا الأمر
من بعده؟ إن يله طلحة فهو فتى العرب سيبا، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف
الحق، وهو أكره من يليه إلي.
5 - أسلفنا في حديث طويل في الجزء الثاني ص 133 - 136 ط 2 من قول الإمام
الحسن السبط الزكي لعمرو بن العاصي: وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت
عليه الدنيا نارا، ثم لحقت بفلسطين فلما أتاك قتله قلت: أنا أبو عبد الله إذا نكأت
" أي قشرت " قرحة أدميتها، ثم حبست نفسك إلى معاوية وبعت دينك بدنياه، فلسنا
نلومك على بغض، ولا نعاتبك على ود، وبالله ما نصرت عثمان حيا، ولا غضبت
له مقتولا.
قال أبو عمر في " الاستيعاب " في ترجمة عبد الله بن سعيد بن أبي سرح: كان عمرو
ابن العاصي يطعن على عثمان ويؤلب عليه ويسعى في إفساد أمره، فلما بلغه قتل عثمان
وكان معتزلا بفلسطين قال: إني إذا نكأت قرحة أدميتها أو نحو هذا.
وقال في ترجمة محمد بن أبي حذيفة: كان عمرو بن العاص مذ عزله عثمان عن مصر
يعمل حيلة في التأليب والطعن على عثمان.
وفي الإصابة 3: 381: إن عثمان لما عزل عمرو بن العاص عن مصر قدم المدينة
فجعل يطعن على عثمان، فبلغ عثمان فزجره، فخرج إلى أرض له بفلسطين فأقام بها.
قال الأميني: لعل مما يستغني عن الإفاضة فيه مناوءة ابن العاصي لعثمان ورأيه في
سقوطه، وتبجحه بالتأليب عليه، ومسرته على قتله، وقوله بملأ فمه: أنا أبو عبد الله قتلته
138

وأنا بوادي السباع. وقوله: إني إذا نكأت قرحة أدميتها. وهل الأحن بينهما استفحلت
فتأثرت بها نفسية ابن العاص حتى أنه اجتهد فأخطأ. أو أنه أصاب الحق، فكان
اجتهاده عن مقدمات صحيحة مقطوعة عن الضغائن الثائرة، معتضدة بآراء الصحابة، و
أياما كان فهو عند القوم من أعاظم الصحابة العدول يرى في الخليفة هذا الرأي.
- 26 - حديث عامر بن واثلة
أبي الطفيل الشيخ الكبير الصحابي
قدم أبو الطفيل الشام يزور ابن أخ له من رجال معاوية فأخبر معاوية بقدومه
فأرسل إليه فأتاه وهو شيخ كبير فلما دخل عليه قال له معاوية: أنت أبو الطفيل عامر
ابن واثلة؟ قال: نعم. قال معاوية: أكنت ممن قتل عثمان أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكن
ممن شهده فلم ينصره. قال: ولم؟ قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار، فقال معاوية
أما والله إن نصرته كانت عليهم وعليك حقا واجبا وفرضا لازما، فإذ ضيعتموه فقد فعل
والله بكم ما أنتم أهله وأصاركم إلى ما رأيتم. فقال أبو الطفيل: فما منعك يا أمير المؤمنين!
إذ تربصت به ريب المنون أن لا تنصره ومعك أهل الشام؟ قال معاوية: أو ما ترى طلبي
لدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل وقال بلى: ولكني وإياك (1) كما قال عبيد بن الأبرص:
لأعرفنك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي
فدخل مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحكم فلما جلسوا
نظر إليهم معاوية ثم قال: أتعرفرن هذا الشيخ؟ قالوا: لا. فقال معاوية: هذا خليل علي
بن أبي طالب، وفارس صفين وشاعر أهل العراق، هذا أبو الطفيل. قال سعيد بن
العاص: قد عرفناه يا أمير المؤمنين! فما يمنعك منه؟ وشتمه القوم فزجرهم معاوية قال:
فرب يوم ارتفع عن الأسباب قد ضقتم به ذرعا ثم قال: أتعرف هؤلاء يا أبا الطفيل؟ قال:
ما أنكرهم من سوء ولا أعرفهم بخير وأنشد شعرا:
فإن تكن العداوة وقد أكنت * فشر عدواة المرء السباب
فقال معاوية: يا أبا الطفيل! ما أبقى لك الدهر من حب علي؟ قال: حب أم

(1) كذا والصحيح كما في مروج الذهب. ولكنك وإياه.
139

موسى وأشكو إلى الله التقصير. فضحك معاوية وقال: ولكن والله هؤلاء الذين حولك
لو سألوا عني ما قالوا هذا. فقال مروان: أجل والله لا نقول الباطل.
الإمامة والسياسة 1: 158، مروج الذهب 2: 62، تاريخ ابن عساكر 7: 201،
الاستيعاب في الكنى، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 133.
قال الأميني: أترى هذا الشيخ الكبير الصالح كيف يعترف بخذلانه عثمان؟ و
يحكي مصافقته على ذلك عن المهاجرين والأنصار الصحابة العدول، غير متندم على ما
فرط هنالك، ولو كان يتحرج هو ومن نقل عنهم موافقتهم له لردعتهم الصحبة والعدالة
عما ارتكبوه من القتل والخذلان، ولو كان لحقه وإياهم شئ من الندم لباح به وباحوا،
لكنهم اعتقدوا وأمرا فمضوا على ضوئه، وإنهم كانوا على بصيرة من أمرهم، وما اعتراهم
الندم إلى آخر نفس لفظوه.
- 17 - حديث سعد بن أبي وقاص
أحد العشرة المبشرة، وأحد الستة أصحاب الشورى
1 - روى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 ص 43 قال: كتب عمرو بن العاص
إلى سعد بن أبي وقاص يسأله عن قتل عثمان ومن قتله ومن تولى كبره فكتب إليه سعد:
إنك سألتني من قتل عثمان وأني أخبرك أنه قتل بسيف سلته عائشة، وصقله طلحة،
وسمه ابن أبي طالب، وسكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه،
ولكن عثمان غير وتغير وأحسن وأساء، فإن كنا أحسنا فقد أحسنا، وإن كنا
أسأنا فنستغفر الله. الحديث مر بتمامه ص 83.
2 - عن أبي حبيبة قال: نظرت إلى سعد بن أبي وقاص يوم قتل عثمان دخل عليه
ثم خرج من عنده وهو يسترجع مما يرى على الباب فقال له مروان: الآن تندم؟ أنت
أشعرته. فأسمع سعدا يقول: استغفر الله لم أكن أظن الناس يجترؤن هذه الجرأة ولا
يطلبون دمه، وقد دخلت عليه الآن فتكلم بكلام لم تحضره أنت ولا أصحابك فنزع
عن كل ما كره منه وأعطى التوبة. وقال: لا أتمادى في الهلكة ان ما تمادى في الجور
كان أبعد من الطريق فأنا أتوب وأنزع. فقال مروان: إن كنت تريد أن تذب عنه فعليك
140

بابن أبي طالب فإنه متستر وهو لا يجبه. فخرج سعد حتى أتى عليا وهو بين القبر
والمنبر فقال: يا أبا الحسن! قم فداك أبي وأمي جئتك والله بخير ما جاء به أحد قط
إلى أحد، تصل رحم ابن عمك، وتأخذ بالفضل عليه، وتحقن دمه، ويرجع الأمر على
ما نحب. قد أعطى خليفتك من نفسه الرضى فقال علي: تقبل الله منه يا أبا إسحاق!
والله ما زلت أذب عنه حتى أني لأستحيي، ولكن مروان ومعاوية وعبد الله بن عامر
وسعيد بن العاص هم صنعوا به ما ترى، فإذا نصحته وأمرته أن تنحيهم استغشني حتى
جاء ما ترى. قال: فبينا هم كذلك جاء محمد بن أبي بكر فسار عليا فأخذ علي بيدي
ونهض علي وهو يقول: وأي خير توبته هذه؟ فوالله ما بلغت داري حتى سمعت الهائعة:
إن عثمان قد قتل. فلم نزل والله في شر إلى يومنا هذا. تاريخ الطبري 5: 121.
قال الأميني: يترأى للقارئ من هذه الجمل أن سعدا خذل الخليفة على حين
أنه مكثور لا يراد به إلا القتل وهو على علم منه أنه مقتول لا محالة لما كان يرى أنه
غير ومتغير، وغير عازب عن سعد حينئذ حكم الشريعة بوجوب كلاءة النفس المحترمة
للمتمكن منها وهو يقول: وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه. حتى أنه بعد هدوء
الثورة غير جازم بأنه ارتكب حوبا في خذلانه فيقول: إن كنا أحسنا فقد أحسنا،
وإن كنا أسأنا فنستغفر الله، وعلى تقدير كونه إساءة يراها من اللمم الممحو بالاستغفار،
ولعل الشق الأخير من كلمته مجاملة مع عمرو بن العاصي لئلا يلحقه الطلب بدم عثمان
ولذلك ألقى المسؤولية على أناس آخرين من علية الأمة ذكرهم في كتابه، وعليه
فصميم رأيه هو ما ارتكبه ساعة القتل من الخذلان.
- 27 - حديث مالك الأشتر
ابن الحارث المترجم له فيما مر ص 38 - 40
ذكر البلاذري في الأنساب 5: 46: إن عثمان كتب إلى الأشتر وأصحابه مع
عبد الرحمن بن أبي بكر، والمسور بن مخرمة يدعوهم إلى الطاعة ويعلمهم أنهم أول من
سن الفرقة، ويأمرهم بتقوى الله ومراجعة الحق، والكتاب إليه بالذي يحبون.
141

فكتب إليه الأشتر:
من مالك الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه، النابذ
لحكم القرآن وراء ظهره.
أما بعد: فقد قرأنا كتابك فإنه نفسك وعمالك عن الظلم والعدوان وتسيير
الصالحين نسمح له بطاعتنا، وزعمت أنا قد ظلمنا أنفسنا، وذلك ظنك الذي أرداك،
فأراك الجور عدلا، والباطل حقا، وأما محبتنا فإن تنزع تتوب وتستغفر الله من تجنيك
على خيارنا، وتسييرك صلحاءنا، وإخراجك إيانا من ديارنا، وتوليتك الأحداث علينا،
وأن تولي مصرنا عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعري وحذيفة فقد رضيناهما، واحبس
عنا وليدك وسعيدك ومن يدعوك إليه الهوى من أهل بيتك إن شاء الله والسلام.
وخرج بكتابهم يزيد بن قيس الأرحبي، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وعبد
الله بن أبي سبرة الجعفي، وعلقمة بن قيس أبو شبل النخعي، وخارجة بن الصلت البرجمي
في آخرين. فلما قرأ عثمان الكتاب قال: اللهم إني تائب وكتب إلى أبي موسى وحذيفة:
أنتما لأهل الكوفة رضى ولنا ثقة، فتوليا أمرهم وقوما به بالحق غفر الله ولكما.
فتولى أبو موسى وحذيفة الأمر، وسكن أبو موسى الناس وقال عتبة بن الوغل:
تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب * وأمر علينا الأشعري لياليا
فقال عثمان: نعم وشهورا إن بقيت.
قال الأميني: نظرية مالك الذي عرفته صحيفة 38 في عثمان صريحة واضحة
لا تحتاج إلى تحليل وتعليل، وإنما أعطى من نفسه الرضا في كتابه بشرط النزوع و
التوبة، لكنه لما لم يجد للشرط وفاءا بل وجد منه إصرارا على ما نقمه هو والصحابة
كلهم تنشط للمخالفة، وأجلب عليه خيلا ورجلا، ولم يزل مشتدا في ذلك حتى بلغ
ما أراد.
وسنوقفك على حقيقة أمر الخليفة من توبته بعد توبته في المستقبل القريب إن شاء
الله تعالى.
142

- 28 - حديث عبد الله بن عكيم
أخرج ابن سعد والبلاذري بإسنادهما عن عبد الله بن عكيم الجهني " الصحابي "
قال: لا أعين على دم خليفة أبدا بعد عثمان. فقيل له يا أبا معيد وأعنت على دمه؟ قال:
إني أعد ذكر مساويه إعانة على دمه.
طبقات ابن سعد 3: 56، الأنساب للبلاذري 5: 101.
قال الأميني: هذا الحديث صريح في أن الرجل كان يعتقد في عثمان مساوي
ومثالب، وقد اطمأن بثبوتها له، فتحدث بها في الأندية والمحاشد إعانة على دمه،
فكان ذلك من موجبات قتله، ولم يزل معترفا به بعد أن أسيلت نفسه وأريق دمه.
- 29 - حديث محمد بن أبي حذيفة
كان أبو القاسم محمد بن أبي حذيفة العبشمي من أشد الناس تأليبا على عثمان، و
ذكر البلاذري في الأنساب قال: كان محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة، ومحمد بن أبي حذيفة،
خرجا إلى مصر عام مخرج عبد الله بن سعد بن أبي سرح إليها، فأظهر محمد بن أبي حذيفة عيب
عثمان والطعن عليه وقال: استعمل عثمان رجلا أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح ونزل
القرآن بكفره حين قال: سأنزل مثل ما أنزل الله (1).
وكانت غزاة ذات الصوري في المحرم سنة أربع وثلاثين وعليها عبد بن سعد، فصلى
بالناس فكبر ابن أبي حذيفة تكبيرة أفزعه بها فقال: لولا إنك أحمق لقربت بين خطوك،
ولم يزل يبلغه عنه وعن ابن أبي بكر ما يكره، وجعل ابن أبي حذيفة يقول: يا أهل
مصر! إنا خلفنا الغزو وراءنا. يعني غزو عثمان.
إن محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر حين أكثر الناس في أمر عثمان قدما
مصر وعليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ووافقا بمصر محمد بن طلحة بن عبيد الله وهو مع
عبد الله بن سعد، وإن ابن أبي حذيفة شهد صلاة الصبح في صبيحة الليلة التي قدم

(1) يعني بذلك عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو صاحب يوم الفتح وفيه نزلت الآية كما مر
في ص 281 من ج 8 ط 2.
143

فيها ففاتته الصلاة فجهر بالقراءة فسمع ابن أبي سرح قراءته فسأل عنه، فقيل: رجل
أبيض وضئ الوجه. فأمر إذا صلى أن يؤتى به فلما رآه قال: ما جاء بك إلى بلدي؟
قال: جئت غازيا، قال: ومن معك؟ قال: محمد بن أبي بكر. فقال: والله ما جئتما إلا
لتفسدا الناس، وأمر بهما فسجنا، فأرسلا إلى محمد بن طلحة يسألانه أن يكلمه فيهما
لئلا يمنعهما من الغزو، فأطلقهما ابن أبي سرح وغزا ابن أبي سرح إفريقية فأعد لهما
سفينة مفردة لئلا يفسد عليه الناس، فمرض ابن أبي بكر فتخلف وتخلف معه ابن أبي
حذيفة، ثم إنهما خرجا في جماعة الناس فما رجعا من غزاتهما إلا وقد أوغرا صدور
الناس على عثمان فلما وافى ابن أبي سرح مصر وافاه كتاب عثمان بالمصير إليه، فشخص
إلى المدينة وخلف على مصر رجلا كان هواه مع ابن أبي بكر وابن أبي حذيفة، فكان
ممن شايعهم وشجعهم على المسير إلى عثمان.
قالوا: وبعث عثمان إلى ابن أبي حذيفة بثلاثين ألف درهم وبحمل عليه كسوة فأمر
فوضع في المسجد وقال: يا معشر المسلمين! ألا ترون إلى عثمان يخادعني عن ديني و
يرشوني عليه؟ فازداد أهل مصر عيبا لعثمان وطعنا عليه، واجتمعوا إلى ابن أبي حذيفة
فرأسوه عليهم، فلما بلغ عثمان ذلك دعا بعمار بن ياسر فاعتذر إليه مما فعل به واستغفر
الله منه وسأله أن لا يحقده عليه، وقال: بحسبك من سلامتي لك ثقتي بك، وسأله الشخوص
إلى مصر ليأتيه بصحة خبر ابن أبي حذيفة، وحق ما بلغه عنه من باطله، وأمره أن
يقوم بعذره، ويضمن عنه العتبي لمن قدم عليه، فلما ورد عمار مصر (1) حرض الناس
على عثمان ودهاهم إلى خلعه، وأشعلها عليه، وقوى رأي ابن أبي حذيفة وابن أبي بكر
وشجعهما على المسير إلى المدينة، فكتب ابن أبي سرح إلى عثمان يعلمه ما كان من
عمار، ويستأذنه في عقوبته، فكتب إليه: بئس الرأي رأيت يا ابن أبي سرح فأحسن
جهاز عمار واحمله إلي، فتحرك أهل مصر وقالوا: سير عمار، ودب فيهم ابن أبي حذيفة
ودعاهم إلى المسير فأجابوه (2).
وذكر أبو عمر الكندي في أمراء مصر: إن عبد الله بن سعد أمير مصر كان توجه

(1) سنوقفك على أن بعث عمار إلى مصر قط لا يصح.
(2) أنساب البلاذري 5: 49 - 51، تاريخ ابن كثير 7: 157.
144

إلى عثمان لما قام الناس عليه، فطلب أمراء الأمصار فتوجه إليه في رجب سنة 35
واستناب عقبة بن عامر فوثب محمد بن أبي حذيفة على عقبة وكان يوم ذاك بمصر
فأخرجه من مصر وغلب عليها، وذلك في شوال منها، ودعا إلى خلع عثمان، وأسعر
البلاد، وحرض على عثمان (1).
وأخرج من طريق الليث عن عبد الكريم الحضرمي كما في الإصابة 3: 373:
إن ابن أبي حذيفة كان يكتب الكتب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الطعن على عثمان كان
يأخذ الرواحل فيحصرها ثم يأخذ الرجال الذين يريد أن يبعث بذلك معهم فيجعلهم على
ظهور بيت في الحر، فيستقبلون بوجوههم الشمس ليلوحهم تلويح المسافر، ثم يأمرهم
أن يخرجوا إلى طريق المدينة، ثم يرسل رسلا يخبروا بقدومهم فيأمر بتلقيهم، فإذا
لقوا الناس قالوا لهم: ليس عندنا خبر، الخبر في الكتب، فيتلقاهم ابن أبي حذيفة و
معه الناس فيقول لهم الرسل: عليكم بالمسجد فيقرأ عليهم الكتب من أمهات المؤمنين:
إنا نشكوا إليكم يا أهل الاسلام كذا وكذا من الطعن على عثمان، فيضج أهل المسجد
بالبكاء والدعاء، فلما خرج المصريون ووجهوا نحو المدينة على عثمان شيعهم محمد
بن أبي حذيفة إلى عجرود ثم رجع.
قال الأميني: أترى هذا الصحابي العظيم كيف يجد ويجتهد في إطفاء هذه النائرة
ولا يخاف فيما يعتقدانه في الله لومة لائم، غير مكترث لما بهته به العثمانيون من اختلاق
الكتب على أمهات المؤمنين، وتسويد الوجوه بمواجهة الشمس، ولم يزل على دؤبه و
اجتهاده حتى قضي الأمر، وأزيحت المثلات، وما نبزوه به من الافتعال والتزوير هو
حرفة كل عاجز، ولعله دبر في الأزمنة الأخيرة كما دبرت أمثاله في كل من الثائرين
على عثمان سترا على الحقائق الراهنة.
وهل من المستبعد أن تكتب في التأليب على عثمان صاحبة قول: اقتلوا نعثلا
قتل الله نعثلا إنه قد كفر. وقائلة: وددت والله إنك " يا مروان " وصاحبك هذا الذي
يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وإنكما في البحر. وقائلة: بعدا لنعثل و

(1) تاريخ الطبري 5: 109، الاستيعاب 1: 233، الكامل لابن الأثير 3: 67، الإصابة
3: 373.
145

سحقا. وقائلة: أبعده الله، ذلك لما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد. وقائلة: يا ابن
عباس إن الله قد أتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية.
وهي كانت في الرعيل الأول من الثائرين على عثمان بشتى الحيل والطرق الثائرة:
هب أنهم بهتوا القوم بتلكم الأفائك لكن هل يسعهم إنكار تألبهم على الخليفة
يومئذ؟ وقد التزموا بعدالتهم، والصحاح والمسانيد مشحونة بالاحتجاج بهم والإخراج
عنهم، نعم غاية ما يمكنهم من التقول الحكم بالخطأ في الاجتهاد شأن كل متقابلين في
حكم شرعي، وليس تحكمهم هذا بأرجح من رأي من يرى أنهم أصابوا في الاجتهاد
وإجماع الصحابة يومئذ كان معاضد الهم، وهم يقولون: إن أمة محمد لا تجتمع على خطأ
- 30 - حديث عمرو بن زرارة
النخعي أدرك عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال البلاذري وغيره: إن أول من دعا إلى خلع عثمان والبيعة لعلي عمرو بن زرارة
ابن قيس النخعي، وكميل بن زياد بن نهيك النخعي، فقام عمرو بن زرارة فقال: أيها
الناس إن عثمان قد ترك الحق وهو يعرفه، وقد أغرى بصلحائكم يولي عليهم شراركم
فبلغ الوليد فكتب إلى عثمان بما كان من ابن زرارة، فكتب إليه عثمان: إن ابن زرارة
أعرابي جلف فسيره إلى الشام. وشيعه إلى الأشتر والأسود بن يزيد بن قيس وعلقمة بن
قيس بن يزيد وهو عم الأسود والأسود أكبر منه فقال قيس بن قهدان يومئذ:
أقسم بالله رب البيت مجتهدا * أرجو الثواب به سر أو إعلانا
لأخلعن أبا وهب وصاحبه * كهف الضلالة عثمان بن عفانا
وقال ابن الأثير: هو ممن سيره عثمان من أهل الكوفة إلى دمشق.
راجع الأنساب للبلاذري 5: 30، أسد الغابة 4: 104، الإصابة 1: 548، ج
2: 536.
قال الأميني: ليس على نظرية هذا الصحابي ستر يماط عنها، ولا أنه كان يلهج
بغير المكشوف حتى يسدل عليه شئ من التمويه، فإنك لا تجد رأيه إلا في عدد آراء
الصحابة جمعاء يومئذ.
146

- 31 - حديث صعصعة بن صوحان
سيد قومه عبد القيس
أخرج ابن عساكر في تاريخه 6: 424 من طريق حميد بن هلال العدوي قال:
قام صعصعة إلى عثمان بن عفان وهو على المنبر فقال: يا أمير المؤمنين! ملت فمالت أمتك،
اعتدل يا أمير المؤمنين! تعتدل أمتك.
قال: وتكلم صعصعة يوما فأكثر فقال عثمان: يا أيها الناس إن هذا البجباج، النفاج
ما يدري من الله ولا أين الله. فقال: أما قولك: ما أدري من الله. فإن الله ربنا و
رب آبائنا الأولين، وأما قولك: لا أدري أين الله. فإن الله لبالمرصاد، ثم قرأ: أذن
للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير (1). فقال عثمان: ما نزلت
هذه الآية إلا في وفي أصحابنا أخرجنا من مكة بغير حق.
وذكره الزمخشري في الفائق 1: 35 فقال: البجباج: الذي يهبر الكلام وليس
لكلامه جهة، وروي: الفجفاج. وهو الصياح المكثار. وقيل: المأفون المختال. و
النفاج: الشديد الصلف.
وأو عز إليه ابن منظور في لسان العرب 3: 32، وقال: البجباج من البجبجة التي
تفعل عند مناغاة الصبي، وبجباج فجفاج كثير الكلام، والبجباج: الأحمق، والنفاج:
المتكبر.
وكذا ذكره ابن الأثير في النهاية 1: 72، والزبيدي في تاج العروس 2: 6.
قال الأميني: هذا صعصعة الذي أسلفنا صفحة 43 من هذا الجزء ذكر عظمته و
فضله وبطولته وثقته في الدين والدنيا يرى أن الخليفة مال عن الحق فمالت أمته ولو
اعتدل اعتدلت، وفي تلاوته الآية الكريمة في محاورته إيذان بالحرب، وإنه ومن شاكله
مظلومون من ناحية عثمان منصورون بالله تعالى، فهو بذلك مستبيح لمنابذته ومناجزته،
لقد لهج صعصعة بهذه على رؤس الاشهاد والخليفة على المنبر يخطب، فلم يسمع إنكارا
أو دفاعا من أفاضل الصحابة العدول.

(1) سورة الحج الآية: 39.
147

- 32 - حديث حكيم بن جبلة
العبدي الشهيد يوم الجمل
كان هذا الرجل العظيم صالحا دينا مطاعا في قومه كما وصفه أبو عمر، وأثنى
عليه المسعودي بالسيادة والزهد والنسك. كان أحد زعماء الثائرين على عثمان من أهل
البصرة كما يأتي. وقال المسعودي: إن الناس لما نقموا على عثمان ما نقموا سار فيمن
سار إلى المدينة حكيم بن جبلة. وقال الذهبي: كان ممن ألب على عثمان رضي الله
عنه. وجاء في مقال خفاف الطائي في الحديث عن عثمان: حصره المكشوح، وحكم فيه
حكيم، ووليه محمد وعمار، وتجرد في أمره ثلاثة نفر: عدي بن حاتم. والأشتر النخعي.
وعمرو بن الحمق. وجد في أمره رجلان: طلحة والزبير. الحديث.
وقال أبو عمر: كان ممن يعيب عثمان من أجل عبد الله بن عامر وغيره من عماله.
قال أبو عبيد: قطعت رجل حكيم يوم الجمل فأخذها ثم زحف إلى الذي قطعها. فلم
يزل يضربه بها حتى قتله وقال:
يا نفس لن تراعي * دعاك خير داعي
إن قطعت كراعي * إن معي ذراعي (1)
فالباحث يجد لهذا البطل الصالح الدين الزاهد الناسك قدما أي قدم في التأليب
على الخليفة، وله خطواته الواسعة في استحلال دمه والتجمهر عليه، وهو مع ذلك كله
بعد صالح يذكر ويشكر ويثنى عليه، ما اسودت صحيفة تاريخه بمناجزته الخليفة
والوقيعة فيه ومقته والنقمة عليه، ولم يتضعضع بها أركان صلاحه، وما اختل بها نظام
نسكه، ولا شوهت سمعته الدينية، ولا دنست ساحة قدسه، وهذه كلها لا تلتئم مع
كون الخليفة إمام عدل.

(1) راجع كتاب صفين لابن مزاحم ص 82، مروج الذهب 2: 7، الاستيعاب 1: 121،
دول الاسلام للذهبي 1: 18، ابن أبي الحديد 1: 259.
148

- 23 - حديث هشام
ابن الوليد المخزومي أخي خالد
مر في ص 15 من هذا الجزء قول الرجل لعثمان لما ضرب عمارا حتى غشي
عليه: يا عثمان! أما علي فاتقيته وبني أبيه، وأما نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا
حتى أشفيت به على التلف، أما والله لئن مات لأقتلن به رجلا من بني أمية عظيم
السرة. فقال عثمان: وإنك لهاهنا يا ابن القسرية؟ قال: فإنهما قسريتان، وكانت
أمه وجدته قسريتين من بجيلة، فشتمه عثمان وأمر به فأخرج.
ولهشام أبيات في عثمان ذكرها المرزباني في معجم الشعراء كما قاله ابن حجر
في الإصابة 3: 606 وذكر منها قوله:
لساني طويل فاحترس من شدائه * عليك وسيفي من لساني أطول
لعل الباحث لا يعزب عنه رأي هذا الصحابي العادل في الخليفة، ولا يجده
شاذا عن بقية الصحابة في إصفاقهم على مقته بعد ما يراه كيف يجابه الرجل بفظاظة و
خشونة، ويقابله بالقول القارص، ويهدده بالهجاء والقتل، غير راع له أي حرمة
وكرامة، لا يحسب تلكم القوارص زورا من القول، وفندا من الكلام، بل يرى الخليفة
أهلا لكل ذلك، فهل يجتمع هذا مع كون الرجل إمام عدل عند المخزومي؟.
- 34 - حديث معاوية
ابن أبي سفيان الأموي
1 - من كتاب لأمير المؤمنين إلى معاوية: فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء
المبتدعة والحيرة المتبعة، مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق التي هي لله طلبة، وعلى
عباده حجة، فأما إكثارك الحجاج في عثمان وقتله فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان
النصر لك، وخذلته حيث كان النصر له (1).
2 - ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية: فوالله ما قتل ابن عمك غيرك.

(1) نهج البلاغة 2: 62.
149

راجع ما مر من حديث أمير المؤمنين.
3 - ومن كتاب له عليه السلام إلى الرجل: قد أسهبت في ذكر عثمان، ولعمري ما قتله
غيرك، ولا خذله سواك، ولقد تربصت به الدوائر، وتمنيت له الأماني، طمعا فيما
ظهر منك. ودل عليه فعلك. شرح ابن أبي الحديد 3: 411.
4 - من كتاب لابن عباس إلى معاوية: أما ما ذكرت من سرعتنا إليك بالمساءة إلى
أنصار ابن عفان، وكراهتنا لسلطان بني أمية، فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك
حين استنصرك فلم تنصره، حتى صرت إلى ما صرت إليه، وبيني وبينك في ذلك ابن
عمك وأخو عثمان: الوليد بن عقبة.
كتاب نصر 472، الإمامة والسياسة 1: 96، شرح ابن أبي الحديد 2: 289.
5 - من كتاب لابن عباس إلى معاوية: وأما قولك: إني من الساعين على عثمان
والخاذلين له والسافكين دمه، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك مني، فأقسم بالله لأنت
المتربص بقتله، والمحب لهلاكه، والحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره، ولقد
أتاك كتابه وصريخه يستغيث ويستصرخ، فما حفلت به حتى بعثت إليه معذرا بأجرة أنت
تعلم أنهم لن يتركوه حتى يقتل، فقتل كما كنت أردت، ثم علمت عند ذلك أن الناس
لن يعدلوا بيننا وبينك فطفقت تنعي عثمان وتلزمنا دمه وتقول: قتل مظلوما. فإن يك
قتل مظلوما فأنت أظلم الظالمين. مر تمام الكتاب في صفحة 134.
6 - روى البلاذري في الأنساب قال: لما أرسل عثمان إلى معاوية يستمده بعث
يزيد بن أسد القسري جد خالد بن عبد الله بن يزيد أمير العراق وقال له: إذا أتيت ذا
خشب فأقم بها ولا تتجاوزها ولا تقل: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فإنني أنا الشاهد
وأنت الغائب، قال: فأقام بذي خشب حتى قتل عثمان، فاستقدمه حينئذ معاوية فعاد إلى
الشام بالجيش الذي كان أرسل معه، وإنما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان فيدعوا إلى
نفسه. راجع شرح ابن أبي الحديد 4: 57.
7 - من خطبة لشبث بن ربعي يخاطب معاوية: إنه والله لا يخفى علينا ما تغزو و
ما تطلب، إنك لم تجد شيئا تستغوي به الناس، وتستميل به أهواءهم، وتستخلص به
طاعتهم، إلا قولك: " قتل إمامكم مظلوما، فنحن نطلب بدمه " فاستجاب له سفهاء طغام،
150

وقد علمنا قد أبطأت عنه بالنصر، وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب. الخ
كتاب صفين لابن مز ص 210، تاريخ الطبري 5: 243، الكامل لابن الأثير
3: 123، شرح ابن أبي الحديد 1: 342.
8 - من كتاب لأبي أيوب الأنصاري جوابا لمعاوية: فما نحن وقتلة عثمان إن
الذي تربص بعثمان وثبط أهل الشام عن نصرته لأنت، وإن الذين قتلوه غير الأنصار.
الإمامة والسياسة 1: 93 وفي ط 81، شرح ابن أبي الحديد 26 281.
9 - من كتاب لمحمد بن سلمة الأنصاري جوابا لمعاوية: ولئن كنت نصرت
عثمان ميتا لقد خذلته حيا، ونحن ومن قبلنا من المهاجرين والأنصار أولى بالصواب.
الإمامة والسياسة 1: 87، شرح ابن أبي الحديد 1: 260.
10 - في محاورة بين معاوية وأبي الطفيل الكناني: قال معاوية: أكنت فيمن حضر
قتل عثمان؟ قال: لا، ولكني فيمن حضر فلم ينصره، قال: فما منعك من ذلك وقد
كانت نصرته عليك واجبة؟ قال: منعني ما منعك إذ تربصت به ريب المنون وأنت بالشام،
قال: أو ما ترى طلبي بدمه نصرة له؟ قال: بلى ولكنك وإياه كما قال الجعدي:
لألقينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادا
راجع ما مر في هذا الجزء ص 139
11 - لما أتى معاوية نعي عثمان وبيعة الناس عليا عليه السلام ضاق صدرا بما أتاه و
تظاهر بالندم على خذلانه عثمان وقال كما في كتاب صفين ص 88:
أتاني أمر فيه للنفس غمة * وفيه بكاء للعيون طويل
وفيه فناء شامل وخزاية * وفيه اجتداع للأنوف أصيل
مصاب أمير المؤمنين وهذه * تكاد لها صم الجبال تزول
فلله عينا من رأى مثل هالك * أصيب بلا ذنب وذاك جليل
تداعت عليه بالمدينة عصبة * فريقان منها قاتل وخذول
دعاهم فصموا عنه عند جوابه * وذاكم على ما في النفوس دليل
ندمت على ما كان من تبعي الهوى * وقصري (1) فيه حسرة وعويل

(1) قصري: أي حسبي يقال: قصرك: أي حسبك وكفايتك. كما يقال: قصارك وقصاراك.
151

قال الأميني: إن زبدة مخض هذه الكلمات المعتضدة بعضها ببعض أن ابن هند
لم يشذ عن الصحابة في أمر عثمان، وإنما يفترق عنهم بأن أولئك كانوا مهاجمين عليه
أو خاذلين له، وأما معاوية فقد اختص بالخذلان والتخذيل اللذين كان يروقه نتاجهما
حتى وقع ما كان يحبه ويتحراه، وحتى حسب صفاء الجو ما كان يضمره من التشبث
بثارات عثمان، والظاهر بعد الأخذ بمجامع هذه النقول عن أعاظم الصحابة وبعد تصوير
الحادثة نفسها من شتى المصادر: أن لخذلان معاوية أتم مدخلية في انتهاء أمر الخليفة
إلى ما انتهي إليه، والخاذل غير بعيد عن المجهز، ومن هنا وهنا يقول له الإمام عليه السلام: فوالله
ما قتل ابن عمك غيرك. ويقول: ولعمري ما قتله غيرك، ولا خذله سواك، إلى كلمات
آخرين لا تخفى عليهم نوايا الرجل، فلو كان مستعجلا بكتائبه إلى دخول المدينة، غير
متربص قتل ابن عمه لحاموه ونصروه، وكان مبلغ أمره عندئذ إما إلى الفوز بهم، أو تراخي
الأمر إلى أن يبلغه بقية الأنصار من بلاد أخرى، فيكون النصر بهم جميعا، لكن
معاوية ما كان يريد ذلك وإنما كان مستبطئ أجل الرجل، طامعا في تقلده الخلافة من
بعده، فتركه والقوم فهو أظلم الظالمين إن كان قتل مظلوما كما قاله حبر الأمة، أو
أنه من الصحابة العدول كما يحسبه القوم وهذا رأيه في الخليفة المقتول.
- 35 - حديث عثمان نفسه
دخل المغيرة بن شعبة على عثمان رضي الله عنه وهو محصور فقال: يا أمير المؤمنين!
إن هؤلاء قد اجتمعوا عليك فإن أحببت فألحق بمكة؟ وإن أحببت أن نخرق لك بابا
من الدار فتلحق بالشام؟ ففيها معاوية وأنصارك من أهل الشام، وإن أبيت فاخرج ونخرج
وتحاكم القوم إلى الله فقال عثمان: أما ما ذكرت من الخروج إلى مكة فإني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب هذه الأمة من الإنس
والجن. فلن أكون ذلك الرجل إن شاء الله. الحديث.
وفي لفظ أحمد: يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم فلن
أكون أنا إياه.
152

وفي لفظ الخطيب: يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب الأمة فلن
أكونه.
وفي لفظ الحلبي: إن ابن الزبير لما قال لعثمان رضي الله عنه وهو محاصر: إن
عندي نجائب أعددتها لك فهل لك أن تنجو إلى مكة؟ فإنهم لا يستحلونك بها، قال له
عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد رجل في الحرم من قريش أو بمكة يكون
عليه نصف عذاب العالم فلن أكون أنا.
راجع مسند الحرم 1: 67، رجال إسناده كلهم ثقات، الإمامة والسياسة لابن قتيبة
ص 35، تاريخ الخطيب 14، 272، الرياض النضرة 2: 129، تاريخ ابن كثير 7: 210،
مجمع الزوائد 7: 230 قال: ورواه أحمد ورجاله ثقات وله طرق، الصواعق ص 66،
تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 109، السيرة الحلبية 1: 188، تاريخ الخميس 2: 263،
إزالة الخفا 2: 243.
* (الانسان على نفسه بصيرة) *
تعطينا هذه الرواية أن ثقة عثمان بانطباق ما ذكره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرجل
الملحد بمكة على نفسه من جراء ما علم أنه مرتكبه من الأعمال أشد وأكثر من ثقته
بإيمانه بما رووه له من البشارة بالجنة في العشرة المبشرة إلى فضايل أخرى صنعتها له
أيدي الولاء والمحبة، على أن هذه كلها نصوص فيه، وأما ما خشي انطباقه عليه فهو
وارد في رجل مجهول استقرب الخليفة أن يكونه هو، فامتنع عن الانفلات إلى مكة
وآثر عليه بقاءه في الحصار حتى أودي به، ولم يكن يعلم أنه يقتل بمكة لو خرج إليها،
وعلى فرض قتله بها فمن ذا الذي أخبره أنه يكون هو ذلك الرجل؟
كيف يخاف عثمان أن يكون هو ذلك الرجل وقد اشترى الجنة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم
مرتين بيع الحق: حيث حفر بير رومة، وحيث جهز جيش العسرة؟ (1)
كيف يخاف عثمان وقد عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه يقتل ويبعث يوم القيامة

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3: 107 وصححه غير ممعن نظره في إسناده وعقبه الذهبي
بتضعيف عيسى بن المسيب من رجال إسناده وقال: ضعفه أبو داود وغيره.
153

أميرا على كل مخذول، يغبطه أهل المشرق والمغرب، ويشفع في عدد ربيعة ومضر (1)
كيف يخاف عثمان وقد سمع وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمته به بقوله: عليكم
بالأمير وأصحابه. وأشار إلى عثمان؟.
كيف يخاف وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن شأنه في الجنة لما سئل: أفي الجنة
برق؟ فقال: نعم والذي نفسي بيده إن عثمان ليتحول من منزل إلى منزل فتبرق له
الجنة؟ (2).
كيف يخاف عثمان وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم بمشهد منه ومسمع: ليس من نبي إلا وله
رفيق من أمته معه في الجنة وإن عثمان رفيقي ومعي في الجنة؟ (3)
كيف يخاف عثمان وقد قال له صلى الله عليه وآله وسلم معتنقا إياه: أنت وليي في الدنيا والآخرة.
أو قال: هذا جليسي في الدنيا ووليي في الآخرة؟ (4).
كيف يخاف عثمان بعد ما جاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما صعد المنبر فنزل حتى
قال: عثمان في الجنة؟ (5).
نعم: للباحث أن يجيب بأن هذه كلها أباطيل وأكاذيب لا يصح شئ منها فما ذنب
عثمان؟ وكيف لا يخاف والانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره؟.
قريض يؤكد ما سبق
ذكر البلاذري في الأنساب 5: 105 للأعور الشني بشر بن منقذ يكنى أبا منقذ
أحد بني شن بن أقصى كان مع أمير المؤمنين يوم الجمل، ترجمه المرزباني في معجم الشعراء
ص 39 قوله:
بكت عين من يبكي ابن عفان بعد ما * نفى ورق الفرقان كل مكان
ثوى تاركا للحق متبع الهوى * وأورث حربا حشها بطعان
برئت إلى الرحمان من دين نعثل * ودين ابن صخر أيها الرجلان

(1) سيوافيك الحديث بإسناده ومتنه كملا.
(2) راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا ص 313 ط 2.
(3) سيأتيك الحديث بإسناده وأنه باطل.
(4) سنوقفك في هذا الجزء على أنه باطل لا يصح.
(5) من أكاذيب جاء بها محب الطبري في رياضه 2: 104.
154

ويقال: ابن الغريرة النهشلي، ويقال: الحباب بن يزيد المجاشعي (1):
وقال علي بن الغدير المضرس الغنوي، ويقال: إهاب بن همام بن صعصعة المجاشعي،
لعمر أبيك فلا تكذبي * لقد ذهب الخير إلا قليلا
لقد فتن الناس في دينهم * وخلى ابن عفان شرا طويلا
أعاذل كل امرئ هالك * فسيري إلى الله سيرا جميلا
راجع الأنساب 5: 104، تاريخ الطبري 5: 152، الاستيعاب: 2: 480، تفسير
ابن كثير 1: 143.
وأخرج نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 435 من رجز همام بن الأغفل يوم
صفين قوله:
قد قرت العين من الفساق * ومن رؤس الكفر والنفاق
إذ ظهرت كتائب العراق * نحن قتلنا صاحب المراق
وقائد البغاة والشقاق * عثمان يوم الدار والاحراق (2)
لما لففنا ساقهم بساق * بالطعن والضرب مع العناق
وقال محمد بن أبي سبرة بن أبي زهير القرشي كما في كتاب صفين ص 436.
نحن قتلنا نعثلا بالسيرة * إذ صد عن أعلامنا المنيرة
يحكم بالجور على العشيرة * نحن قتلنا قبله المغيرة (2)
نالته أرماح لنا موتوره * إنا أناس ثابتو البصيرة
وقال الفضل بن العباس مجيبا الوليد بن عقبة بن أبي معيط عن أبيات له:
أتطلب ثأرا لست منه ولا له * وأين ابن ذكوان الصفوري من عمرو؟
كما اتصلت بنت الحمار بأمها * وتنسى أباها إذ تسامي أولي الفخر
ألا إن خير الناس بعد محمد * وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر
وأول من صلى وصنو نبيه * وأول من أردى الغواة لدى بدر

(1) في تاريخ ابن عساكر 3. 258: الحتات بن يزيد.
(2) إشارة إلى إحراق باب دار عثمان كما مر حديثه ويأتي
(3) هو المغيرة بن الأخنس المقتول يوم الدار مع عثمان كما يأتي حديثه.
155

فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمكم * لكانوا له من ظلمه حاضري النصر
كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتله * وأن يسلموه للأحابيش من مصر
" تاريخ الطبري 5: 151 "
نادى عمرو بن العاص يوم صفين بأعلى صوته:
يا أيها الجند الصليب الإيمان * قوموا قياما واستعينوا الرحمن
إني أتاني خبر ذو ألوان (1) *: إن عليا قتل ابن عفان
ردا علينا شيخنا كما كان
فرد عليه أهل العراق وقالوا:
أبت سيوف مذحج وهمدان * بأن ترد نعثلا كما كان
خلقا جديدا مثل خلق الرحمن * ذلك شأن قد مضى وذا شان
ثم نادى عمرو بن العاص ثانية برفع صوته:
ردوا علينا شيخنا ثم بجل * أو لا تكونوا حرزا من الأسل (2)
فرد عليه أهل العراق:
كيف نرد نعثلا وقد قحل * نحن ضربنا رأسه حتى انجفل (3)
وأبدل الله به خير بدل * أعلم بالدين وأزكى بالعمل (4)
شد الأشتر مالك بن الحارث يوم صفين على محمد بن روضة وهو يقول:
لا يبعد الله سوى عثمانا * وأنزل الله بكم هوانا
ولا يسلي عنكم الأحزانا * مخالف قد خالف الرحمانا
نصرتموه عابدا شيطانا (5)

(1) في كتاب نصر: فأشجان.
(2) في كتاب صفيين: جزرا من الأسل. الجزر: قطع اللحم تأكله السباع. الأسل: الرماح
(3) قحل: يبس فهو قاحل. انجفل: انقلب وسقط.
(4) كتاب صفين ص 256، 257، 454، شرح ابن أبي الحديد 1: 482، لسان العرب
14: 70، تاج العروس 8: 77.
(5) كتاب صفين ص 199، شرح ابن أبي الحديد 1: 330. حذف منها الشطرين الأخيرين.
156

- 36 - حديث المهاجرين والأنصار
1 - من كتاب كتبه مولانا أمير المؤمنين إلى معاوية: زعمت أنك إنما أفسد
عليك بيعتي خفري بعثمان، ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا
وأصدرت كما أصدروا، وما كان الله ليجمعهم على ضلال، ولا ليضربهم بالعمى، وما أمرت
فلزمتني خطيئة الأمر، ولا قتلت فأخاف على نفسي قصاص القاتل (1).
2 - روى البلاذري عن المدائني عن عبد الله بن فائد إنه قال: نظر ثابت بن
عبد الله بن الزبير إلى أهل الشام فقال: إني لأبغضهم. فقال سعيد بن خالد بن عمرو بن
عثمان: تبغضهم لأنهم قتلوا أباك. قال: صدقت، قتل أبي علوج الشام وجفاته وقتل
جدك المهاجرون والأنصار. أنساب البلاذري 5: 195، 372.
3 - قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1: 92: ذكروا أن أبا هريرة وأبا الدرداء
قدما على معاوية من حمص وهو بصفين فوعظاه وقالا: يا معاوية! علام تقاتل عليا؟ وهو
أحق بهذا الأمر منك في الفضل والسابقة، لأنه رجل من المهاجرين الأولين السابقين
بالاحسان، وأنت طليق وأبوك من الأحزاب، أما والله ما نقول لك أن تكون العراق
أحب إلينا من الشام ولكن البقاء أحب إلينا من الفناء، والصلاح أحب إلينا من الفساد
فقال: لست أزعم إني أولى بهذا الأمر من علي ولكني أقاتله حتى يدفع إلي قتلة
عثمان فقالا: إذا دفعهم إليك ماذا يكون؟ قال: أكون رجلا من المسلمين: فأتيا عليا
فإن دفع إليكما قتلة عثمان جعلتها شورى. فقدما على عسكر علي فأتاهما الأشتر فقال
يا هذان! إنه لم ينزلكما الشام حب معاوية، وقد زعمتما أنه يطلب قتلة عثمان فعمن
أخذتما ذلك؟ فقبلتماه، أعمن قتله؟ فصدقتموهم على الذنب كما صدقتموهم على القتل.
أم عمن نصره؟ فلا شهادة لمن جر إلى نفسه، أم عمن اعتزل؟ إذ علموا ذنب عثمان
وقد علموا ما الحكم في قتله، أو عن معاوية؟ وقد زعم أن عليا قتله، اتقيا الله فإنا شهدنا
وغبتما، ونحن الحكام على من غاب. فانصرفا ذلك اليوم.

(1) الإمامة والسياسة 1: 87، العقد الفريد 2: 284، الكامل للمبرد 1: 157، شرح
ابن أبي الحديد 1: 252.
157

فلما أصبحا أتيا عليا فقالا له: إن لك فضلا لا يدفع، وقد سرت مسير فتى إلى
سفيه من السفهاء، ومعاوية يسألك أن تدفع إليه قتلة عثمان فإن فعلت ثم قاتلك كنا
معك قال علي: أتعرفانهم؟ قالا. نعم. قال: فخذ أهم فأتيا محمد بن أبي بكر وعمار بن
ياسر والأشتر فقالا: أنتم من قتلة عثمان وقد أمرنا بأخذكم. فخرج إليهما أكثر من
عشرة آلاف رجل فقالوا: نحن قتلنا عثمان. فقالا: نرى أمرا شديدا أليس عليا الرجل.
فانصرف أبو هريرة وأبو الدرداء إلى منزلهما بحمص فلما قدما حمص لقيهما عبد الرحمن
ابن عثمان وسأل عن مسيرهما فقصا عليه القصة فقال: العجب منكما إنكما من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما والله لئن كففتما أيديكما ما كففتما ألسنتكما، أتأتيان عليا و
تطلبان إليه قتلة عثمان؟ وقد علمتما أن المهاجرين والأنصار لو حرموا دم عثمان
نصروه، وبايعوا عليا على قتلته، فهل فعلوا؟ وأعجب من ذلك رغبتكما عما صنعوا، و
قولكما لعلي: إجعلها شورى واخلعها من عنقك، وإنكما لتعلمان أن من رضي بعلي
خير ممن كرهه، وإن من بايعه خير ممن لم يبايعه، ثم صرتما رسولي رجل من
الطلقاء لا تحل له الخلافة. ففشى قوله وقولهما فهم معاوية بقتله، ثم راقب فيه عشيرته.
وفي لفظ ابن مزاحم في كتاب صفين ص 213، خرج أبو أمامة الباهلي وأبو
الدرداء فدخلا على معاوية وكانا معه فقالا: يا معاوية! علام تقاتل هذا الرجل؟ فوالله
لهو أقدم منك سلما، وأحق بهذا الأمر منك، وأقرب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعلام تقاتله؟
فقال: أقاتله على دم عثمان، وأنه آوى قتلته فقولوا له: فليقدنا من قتلته فأنا أول من
بايعه من أهل الشام، فانطلقوا إلى علي فأخبروه بقول معاوية فقال: هم الذين ترون
فخرج عشرون ألفا أو أكثر مسربلين في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقالوا: كلنا
قتله فإن شاءوا فليروموا ذلك منا.
4 - مر في صفحة 139 من حديث أبي الطفيل قول معاوية له: أكنت ممن قتل
عثمان أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكن ممن شهده فلم ينصره، قال: ولم؟ قال: لم ينصره
المهاجرون والأنصار. الحديث فراجع.
5 - قال شعبة: ما رأيت رجلا أوقع في رجال أهل المدينة من القاضي أبي إسحاق
سعد " بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني الزهري المتوفى سنة 125 " ما كنت
158

أرفع له رجلا منهم إلا كذبه فقلت له في ذلك فقال: إن أهل المدينة قتلوا عثمان.
تاريخ ابن عساكر 6.
6 - ذكر ابن عساكر في تاريخه 7: 319 قال: كان أبو مسلم الخولاني التابعي
في المدينة فسمع مكفوفا يقول: اللهم العن عثمان وما ولد. فقال: يا مكفوف! ألعثمان
تقول هذا؟ يا أهل المدينة! كنتم بين قاتل وخاذل فكلا جزى الله شرا، يا أهل المدينة! لأنتم
شر من ثمود، إن ثمود قتلوا ناقة الله وأنتم قتلتم خليفة الله، وخليفة الله أكرم عليه من ناقته.
قال الأميني: غايتنا الوحيدة في نقل هذا الحديث إيقاف الباحث على موقف
الصحابة من أهل المدينة وأنهم كانوا بين قاتل وخاذل، وأما رأي أبي مسلم الخولاني
فيهم فتعرف جوابه من قول الأشتر قبيل هذا.
7 - قال الواقدي في إسناده: لما كانت سنة أربع وثلاثين كتب بعض أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله، وما الناس فيه من
عماله ويكثرون عليه ويسأل بعضهم أن يقدموا المدينة إن كانوا يريدون الجهاد، ولم
يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع عن عثمان ولا ينكر ما يقال فيه إلا زيد
ابن ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت الأنصاري، فاجتمع
المهاجرون وغيرهم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان ويعظه؟ فأتاه فقال له إن الناس
ورائي قد كلموني في أمرك، ووالله ما أدري ما أقول لك، ما أعرفك شيئا تجهله، ولا
أدلك على أمر لا تعرفه، وإنك لتعلم ما نعلم، وما سبقناك إلى شئ فنخبرك عنه، لقد
صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت ورأيت مثل ما سمعنا ورأينا، وما ابن أبي قحافة وابن
الخطاب بأولى بالحق منك، ولأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحما، ولقد نلت من
صهره ما لم ينالا، فالله الله في نفسك، فإنك لا تبصر من عمى، ولا تعلم من جهل،
فقال له عثمان: والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا أسلمتك ولا عتبت عليك إن وصلت
رحما (1) وسددت خلة، وآويت ضائعا، ووليت من كان عمر يوليه، نشدتك الله ألم

(1) انظر إلى الرجل يحسب كلمته هذه تبرر أعماله الشاذة عن الكتاب والسنة وتجعل أعطياته
لأبناء أمية من الغنائم والصدقات صلة للرحم، ودفعه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة إلى
رجال الفتن والثورات المدلهمة سدا للخلة، ورد الحكم وأبناؤه مطرودي النبي الأعظم إلى المدينة
إيواء للضايع، دع هو وحسبانه، لكن العجب كل العجب أنه يروم إفحام مثل أمير المؤمنين عليه
السلام بهذه الخزعبلات.
159

يول عمر المغيرة بن شعبة؟ وليس هناك. قال: نعم. قال: فلم تلومني إن وليت
ابن عامر في رحمه وقرابته؟ قال علي: سأخبرك أن عمر بن الخطاب كان كل من
ولى فإنما يطأ على صماخه، إن بلغه عنه حرف جلبه، ثم بلغ به أقصى الغاية، وأنت
لا تفعل، ضعفت ورفقت على أقربائك، قال عثمان: هم أقرباؤك أيضا. فقال علي:
لعمري إن رحمهم مني لقريبة ولكن الفضل في غيرهم. قال: أو لم يول عمر معاوية؟
فقال علي: إن معاوية كان أشد خوفا وطاعة لعمر من يرفاء وهو الآن يبتز الأمور
دونك وأنت تعلمها ويقول للناس: هذا أمر عثمان. ويبلغك فلا تغير على معاوية.
راجع الأنساب للبلاذري 5: 60، تاريخ الطبري 5: 97، الكامل لابن الأثير
3: 63، تاريخ أبي الفدا ج 1: 168، تاريخ ابن خلدون 2: 391.
8 - أخرج ابن سعد في طبقاته 3: 47 ط ليدن عن مجاهد قال: أشرف عثمان
على الذين حاصروه فقال: يا قوم! لا تقتلوني فإني وال وأخ مسلم - إلى أن قال -: فلما
أتوه قال: اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا، قال مجاهد: فقتل الله
منهم من قتل في الفتنة، وبعث يزيد إلى المدينة عشرين ألفا فأباحوا المدينة ثلاثا يصنعون
ما شاءوا لمداهنتهم.
وقال حسان بن ثابت فيمن تخلف عن عثمان وخذله عن الأنصار وغيرهم وأعانه
على قتله من أبيات له:
خذلته الأنصار إذ حضر الموت * وكانت ولاته الأنصار
من عذيري من الزبير ومن طلحة إذ جاء أمر له مقدار (1)
فتولى محمد بن أبي بكر * عيانا وخلفه عمار
وعلي في بيته يسأل الناس * ابتداء وعنده الأخبار
باسطا للذي يريد يديه * وعليه سكينة ووقار (2)
وقال حميد بن ثور أبو المثنى الهلالي في قتل عثمان كما في تاريخ ابن عساكر
4: 458.

(1) في العقد الفريد:
من عذيري من الزبير ومن طلحة هاجا أمرا له أعصار
(2) مروج الذهب 1: 442، العقد الفريد 2: 267.
160

إن الخلافة لما أظعنت ظعنت * من أهل يثرب إذ غير الهدى سلكوا
صارت إلى أهلها منهم ووارثها * لما رأى الله في عثمان ما انتهكوا
السافكي دمه ظلما ومعصية * أي دم لا هدوا من غيهم سفكوا
والهاتكي ستر ذي حق ومحرمة * فأي شر على أشياعهم هتكوا
والخيل عابسة نضج الدماء بها * تنعى ابن أروى على أبطالها الشكك
من كل أبيض هندي وسابغة * تغشى البنان لها من نسجها حبك
قد نال جلهم حصر بمحصرة * ونال فتاكهم فتك بما فتكوا
قرت بذاك عيون واشتفين به * وقد تقر بعين الثائر الدرك
37 كتاب أهل المدينة
إلى الصحابة في الثغور
أخرج الطبري من طريق عبد الرحمن بن يسار أنه قال: لما رأى الناس ما صنع
عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما بالآفاق منهم وكانوا قد
تفرقوا في الثغور:
إنكم إنما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عز وجل تطلبون دين محمد صلى الله عليه وسلم
فإن دين محمد قد أفسده من خلفكم وترك، فهلموا فأقيموا دين محمد صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ
ابن الأثير: فإن دين محمد قد أفسده خليفتكم فأقيموه. وفي لفظ ابن أبي الحديد: قد
أفسده خليفتكم فاخلعوه، فاختلفت عليه القلوب. فأقبلوا من كل أفق حتى قتلوه (1).
وأخرج من طريق محمد بن مسلمة قال: لما كانت سنة 34 كتب أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله ويسأل بعضهم
بعضا: أن أقدموا فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد، وكثر الناس على عثمان، ونالوا
منه أقبح ما نيل من أحد، وأصحاب رسول الله يرون ويسمعون ليس فيهم أحد بنهي ولا
يذب إلا نفير: زيد بن ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت،
فاجتمع المهاجرون وغيرهم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان ويعظه فأتاه فقال له: إن
الناس ورائي. إلى آخر ما مر في ص 74.

(1) تاريخ الطبري 5: 115، الكامل لابن الأثير 5: 70، شرح ابن أبي الحديد 1: 165.
161

- 38 - كتاب المهاجرين إلى مصر
بسم الله الرحمن الرحيم
من المهاجرين الأولين وبقية الشورى إلى من بمصر من الصحابة والتابعين.
أما بعد: أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها، فإن
كتاب الله قد بدل، وسنة رسول الله قد غيرت، وأحكام الخليفتين قد بدلت، فننشد
الله من قرأ كتابنا من بقية أصحاب رسول الله والتابعين بإحسان إلا أقبل إلينا وأخذ الحق
لنا وأعطاناه، فأقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وأقيموا الحق على المنهاج
الواضح الذي فارقتم عليه نبيكم وفارقكم عليه الخلفاء، غلبنا على حقنا، واستولى على
فيئنا، حيل بيننا وبين أمرنا، وكانت الخلافة بعد نبينا خلافة نبوة ورحمة وهي اليوم
ملك عضوض من غلب على شئ أكله (1).
- 39 - كتاب أهل المدينة إلى عثمان
أخرج الطبري في تاريخه 5: 116 من طريق عبد الله بن الزبير عن أبيه قال:
كتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ويحتجون ويقسمون له بالله لا يمسكون
عنه أبدا حتى يقتلوه، أو يعطيهم ما يلزمه من الله، فلما خاف القتل شاور نصحاءه و
أهل بيته. إلى آخر ما يأتي.

(1) الإمامة والسياسة 1: 32.
162

الإجماع والخليفة
تعلمنا هذه الأحاديث المتضافرة الواردة عن آحاد الصحابة من المهاجرين و
الأنصار أو عامة الفريقين، أو عن جامعة الصحابة البالغة مائتين حديثا أنه لم يشذ عن
النقمة على عثمان منهم أحد ما خلا أربعة وهم: زيد بن ثابت، وحسان بن ثابت، و
كعب بن مالك، وأسيد الساعدي. فمن مجهز عليه إلى محبذ لعمله، إلى محرض على
قتله، إلى ناشر لإحداثه، إلى مؤلب عليه يسعى في إفساد أمره، إلى متجاسر عليه
بالوقيعة فيه، إلى مناقد في فعاله يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، إلى خاذل له بترك
نصرته لا يرى هنالك في الناقمين الثائرين عليه منكرا ينهي عنه، أوفي جانب الخليفة
حقا يتحيز إليه، وهم كما مر في ص 157 عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: ما كان الله
ليجمعهم على ضلال، ولا ليضربهم بالعمى. فكان ذلك إجماعا منهم أثبت من إجماعهم على
نصب الخليفة في الصدر الأول، فإن كانت فيه حجة فهي في المقامين إن لم تكن في
المقام الثاني أولى بالاتباع.
ومن أمعن النظر فيما مر ويأتي من النصوص الواردة عن مولانا أمير المؤمنين و
2 - عائشة أم المؤمنين. و
3 - عبد الرحمن بن عوف. أحد العشرة المبشرة ورجالات الشورى. و
4 - طلحة بن عبد الله. أحد العشرة المبشرة. و
5 - الزبير بن العوام. أحد العشرة المبشرة. و
6 - عبد الله بن مسعود صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. " بدري " و
7 - عمار جلدة ما بين عيني النبي، النازل فيه القرآن " بدري " و
8 - المقداد بن أبي الأسود، الممدوح بلسان النبي الطاهر. " بدري " و
9 - حجر بن عدي الكوفي الصالح الناسك. و
10 - هاشم المرقال الذي كان من الفضلاء الخيار كما في " الاستيعاب ". و
11 - جهجاه بن سعيد الغفاري، من رجالات بيعة الشجرة. و
163

12 - سهل بن حنيف الأنصاري " بدري ". و
13 - رفاعة بن رافع الأنصاري " بدري " و
14 - حجاج بن غزية الأنصاري. و
15 - أبي أيوب الأنصاري صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " بدري ". و
16 - قيس بن سعد الأنصاري، أمير الخزرج الصالح " بدري ". و
17 - فروة بن عمرو البياضي الأنصاري " بدري ". و
18 - محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري " بدري ". و
19 - جابر بن عبد الله الأنصاري. و
20 - جبلة بن عمرو الساعدي الأنصاري " بدري ". و
21 - محمد بن مسلمة الأنصاري " بدري ". و
22 - عبد الله بن عباس حبر الأمة. و
23 - عمرو بن العاصي. و
24 - عامر بن واثلة أبي الطفيل الكناني الليثي. و
25 - سعد بن أبي وقاص. أحد العشرة المبشرة. و
26 - مالك بن الحارث الأشتر. وهل موجود كمالك؟ قاله أمير المؤمنين. و
27 - عبد الله بن عكيم. و
28 - محمد بن أبي حذيفة العبشمي. و
29 - عمرو بن زرارة بن قيس النخعي. و
30 - صعصعة بن صوحان، سيد عبد القيس. و
31 - حكيم بن جبلة العبدي الشهيد يوم الجمل. و
32 - هشام بن الوليد المخزومي. و
33 - معاوية بن أبي سفيان. و
34 - زيد بن صوحان، من الخيار الأبرار كما في الحديث. و
35 - عمرو بن الحمق الخزاعي المشرف بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم. و
36 - عدي بن حاتم الطائي الصحابي العظيم. و
164

37 - عروة بن السعد الصحابي. و
38 - عبد الرحمن بن حسان العنزي الكوفي. و
39 - محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة. الممدوح بلسان مولانا أمير المؤمنين. و
40 - كميل بن زياد النخعي. و
41 - عائذ بن حملة الطهوي التميمي. و
42 - جندب بن الزهير الأزدي. و
43 - الأرقم بن عبد الله الكندي. و
44 - شريك بن شداد الخضرمي. و
45 - قبيصة بن ضبيعة العبسي. و
46 - كريم بن عفيف الخثعمي العامري. و
47 - عاصم بن عوف البجلي. و
48 - ورقاء بن سمي البجلي. و
49 - كدام بن حيان العنزي. و
50 - صيفي بن فسيل الشيباني. و
51 - محزر بن شهاب التميمي المنقري.
52 - عبد الله بن حوية السعدي التميمي.
53 - عتبة بن الأخنس السعدي. و
54 - سعيد بن نمران الهمداني. و
55 - ثابت بن قيس النخعي. و
56 - أصعر بن قيس الحارثي. و
57 - يزيد بن المكفكف النخعي. و
58 - الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني. و
59 - الفضل بن العباس الهاشمي. و
60 - عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي. و
61 - زياد بن النضر الحارثي. و
165

62 - عبد الله الأصم العامري. و
63 - عمرو بن الأهتم نزيل الكوفة. و
64 - ذريح بن عباد العبدي. و
65 - بشر بن شريح القيسي. و
66 - سودان بن حمران السكوني. و
67 - عبد الرحمن بن عديس أبي محمد البلوي. و
68 - عروة بن شييم ابن البياع الكناني الليثي. و
69 - كنانة بن بشر السكوني التجيبي. و
70 - الغافقي بن حرب العكي. و
71 - كعب بن عبدة، الزاهد الناسك. و
72 - مثنى بن مخربة العبدي. و
73 - عامر بن بكير بن عبد ياليل الليثي الكناني " بدري ". و
74 - عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي. و
75 - عبد الرحمن بن عبد الله الجمحي. و
76 - مسلم بن كريب القابضي الهمداني. و
77 - عمرو بن عبيد الحارثي الهمداني. و
78 - عمرو بن حزم الأنصاري. و
79 - عمير بن ضابئ التميمي البرجمي. و
80 - أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي.
إلى نظرائهم ممن مر حديثه أو يأتي في هذا الجزء يزداد بصيرة في انعقاد هذا
الإجماع الذي لا محيد عن مؤداه، ولا منتدح عن الجري معه، ولا محيص عن أخذه
حجة قاطعة، وكيف لا؟ وفيهم عمد الصحابة ودعائمها، وعظماء الملة وأعضادها، وذوو
الرأي والتقوى والصلاح من البدريين وغيرهم، وفيهم: أم المؤمنين وغير واحد من
العشرة المبشرة، ورجال الشورى، فإذا لم يحتج بإجماع مثله لا يحتج بأي إجماع قط، و
لو جاءت عن أحد من هؤلاء كلمة واحدة في حق أي إنسان مدحا أو ذما لاتخذوه
166

حجة دامغة، فكيف بهم؟ وقد اجتمعوا على كلمة واحدة.
وبهذه كلها تظهر قيمة الكلم التافهة التي جاء بها القوم لإغراء الدهماء بالجهل
أمثال ما في تاريخ ابن كثير 8: 12 من قوله: قال أيوب والدار قطني: من قدم عليا
على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. وهذا الكلام حق وصدق وصحيح ومليح. ا ه‍.
إقرأ واضحك أو إبك. فمن قدم عثمان على أي موحد أسلم وجهه لله وهو مؤمن بعد
هذا الإجماع والمتسالم عليه فضلا عن مولى المؤمنين علي صلوات الله عليه فقد أزرى
بالمهاجرين والأنصار، والصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان.
لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين.
167

- 40 - قصة الحصار الأول
الاجتماع على عثمان من أهل الأمصار:
المدينة. الكوفة. البصرة. مصر
أخرج البلاذري وغيره بالإسناد: التقى أهل الأمصار الثلاثة: الكوفة والبصرة
ومصر في المسجد الحرام قبل مقتل عثمان بعام، وكان رئيس أهل الكوفة كعب بن عبدة،
ورئيس أهل البصرة المثنى بن مخربة العبدي، ورئيس أهل مصر كنانة بن بشر بن عتاب
ابن عوف السكوني ثم التجيبي، فتذاكروا سيرة عثمان وتبديله وتركه الوفاء بما أعطى
من نفسه وعاهد الله عليه، وقالوا: لا يسعنا الرضى بهذا، فاجتمع رأيهم على أن يرجع
كل واحد من هؤلاء الثلاثة إلى مصره فيكون رسول من شهد مكة من أهل الخلاف على
عثمان إلى من كان على مثل رأيهم من أهل بلده، وأن يوافوا عثمان في العام المقبل في
داره فيستمعوه، فإن أعتب، وإلا رأوا رأيهم فيه ففعلوا ذلك.
فلما حضر الوقت خرج الأشتر مع أهل الكوفة إلى المدينة في مائتين، وقال
ابن قتيبة: أقبل الأشتر من الكوفة في ألف رجل في أربع رفاق، وكان أمراؤهم هو
وزيد بن صوحان العبدي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم العامري، و
على الجميع عمرو بن الأهتم.
وخرج حكيم بن جبلة العبدي في مائة من أهل البصرة ولحق به بعد ذلك خمسون
فكان في مائة وخمسين وفيهم: ذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح القيسي، وابن
المحرش - ابن المحترش - وقال ابن خلدون: وكلهم في مثل عدد أهل مصر في
أربع رايات.
وجاء أهل مصر وهم أربع مائة، ويقال: خمس مائة، ويقال: سبع مائة، ويقال:
ست مائة، ويقال: ألف، وفي شرح ابن أبي الحديد: كانوا ألفين. وكان فيهم: محمد بن
أبي بكر، وسودان بن حمران السكوني، وميسرة - ويقال قتيرة - السكوني، وعمرو
168

ابن الحمق الخزاعي وكان من رؤسهم وعليهم أمراء أربعة:
1 - عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي. على ربع
2 - عبد الرحمن بن عديس أبو محمد البلوي. على ربع
3 - عروة بن شييم بن البياع الكناني الليثي. " "
4 - كنانة بن بشر السكوني التجيبي. " "
وعليهم جميعا: الغافقي بن حرب العكي، وكان يصلي بالناس في أيام الحصار،
قال الطبري: كان جماع أمرهم جميعا إلى عمرو بن بديل الخزاعي، وكان من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى عبد الرحمن بن عديس التجيبي.
فلما أتوا المدينة أتوا دار عثمان، ووثب معهم رجال من أهل المدينة من المهاجرين
والأنصار منهم: عمار بن ياسر العبسي وكان بدريا، ورفاعة بن رافع الأنصاري وكان
بدريا، والحجاج بن غزية وكانت له صحبة، وعامر بن بكير وكان بدريا أحد بني
كنانة.
وفي كتاب لنائلة امرأة عثمان إلى معاوية في رواية ابن عبد ربه: وأهل مصر قد
أسندوا أمرهم إلى علي ومحمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر وطلحة والزبير فأمروهم
بقتله، وكان معهم من القبائل خزاعة، وسعد بن بكر، وهذيل، وطوائف من جهينة و
مزينة وأنباط يثرب، وهؤلاء كانوا أشد الناس عليه.
وفي حديث سعيد بن المسيب في الأنساب والعقد الفريد وغيرهما: وقد كانت
من عثمان قبل هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر: فكان في قلوب
هذيل وبني زهرة وبني غفار وأحلافها من غضب لأبي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم
لحال عمار بن ياسر.
وفي لفظ المسعودي: وفي الناس بنو زهرة لأجل عبد الله بن مسعود، لأنه كان
من أحلافها، وهذيل لأنه كان منها، وبنو مخزوم وأحلافها لعمار، وغفار وأحلافها
لأجل أبي ذر، وتيم بن مرة مع محمد بن أبي بكر، وغير هؤلاء ممن لا يحمل ذكره
كتابنا. فحصروا عثمان الحصار الأول

(1) راجع طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 49، الأنساب للبلاذري 5: 6 2، 59، الإمامة و.
169

السياسة 1: 34، المعارف لابن قتيبة ص 84، تاريخ الطبري 5: 116، مروج الذهب 1:
441، العقد الفريد 2: 262، 269، الرياض النضرة 2: 123، 124، الكامل
لابن الأثير 3: 66، تاريخ ابن خلدون 2: 393، شرح ابن أبي الحديد 1: 102، تاريخ
ابن كثير 7: 170، 174، حياة الحيوان للدميري 1: 53، الإصابة 2: 411،
الصواعق ص 69، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 106، تاريخ الخميس 2: 259.
كتاب المصريين إلى عثمان
أخرج الطبري في تاريخه 5 ص 116 من طريق عبد الله بن الزبير عن أبيه قال:
كتب أهل مصر بالسقيا (1) أو بذي خشب (2) إلى عثمان بكتاب فجاء به رجل منهم،
حتى دخل به عليه فلم يرد عليه شيئا فأمر به فأخرج من الدار، وكان فيما كتبوا إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: فاعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالله الله ثم الله
الله، فإنك على دنيا فاستتم إليها معها آخرة، ولا تلبس (3) نصيبك من الآخرة فلا
تسوغ لك الدنيا، واعلم أنا والله لله نغضب وفي الله نرضي، وإنا لن نضع سيوفنا عن
عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصر أو ضلالة مجلحة مبلجة، فهذه مقالتنا لك وقضيتنا
إليك والله عذيرنا منك. والسلام.
عهد الخليفة على نفسه
أن يعمل بالكتاب والسنة وذلك في سنة 35 ه‍
أخرج البلاذري من رواية أبي مخنف في الأنساب 5: 62: إن المصريين وردوا
المدينة فأحاطوا وغيرهم بدار عثمان في المرة الأولى " إلى أن قال ": وأتى المغيرة بن
شعبة فقال له: دعني آت القوم فأنظر ما يريدون، فمضى نحوهم فلما دنا منهم صاحوا
به: يا أعور! وراءك، يا فاجر! وراءك، يا فاسق! وراءك. فرجع، ودعا عثمان عمرو بن العاص
فقال له: ائت القوم فادعهم إلى كتاب الله والعتبى مما ساءهم. فلما دنا منهم سلم فقالوا

(1) من أسافل أودية تهامة.
(2) واد على مسيرة ليلة من المدينة كما مر.
(3) كذا ولعله: لا تنس نصيبك، أخذا من القرآن الكريم.
170

لا سلم الله عليك، ارجع يا عدو الله! راجع يا ابن النابغة! فلست عندنا بأمين ولا مأمون
فقال له ابن عمر وغيره: ليس لهم إلا علي بن أبي طالب فلما أتاه قال: يا أبا الحسن! ائت
هؤلاء القوم فادعهم إلى كتاب الله وسنة نبيه. قال: نعم إن أعطيتني عهد الله وميثاقه على
إنك تفي لهم بكل ما أضمنه عنك، قال: نعم. فأخذ علي عليه عهد الله وميثاقه على أوكد
ما يكون وأغلظ وخرج إلى القوم فقالوا: وراءك، قال: لا، بل أمامي، تعطون كتاب
الله وتعتبون من كل ما سخطتم، فعرض عليهم ما بذل عثمان، فقالوا: أتضمن ذلك عنه؟
قال: نعم، قالوا: رضينا. وأقبل وجوههم وأشرافهم مع علي حتى دخلوا على عثمان و
عاتبوه فأعتبهم من كل شئ فقالوا: اكتب بهذا كتابا فكتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من عبد الله عثمان أمير المؤمنين لمن نقم عليه من المؤمنين والمسلمين
إن لكم أن أعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه، يعطى المحروم، ويؤمن الخائف،
ويرد المنفي، ولا تجمر (1) البعوث، ويوفر الفئ، وعلي بن أبي طالب ضمين المؤمنين
والمسلمين على عثمان بالوفاء في هذا الكتاب.
شهد الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله؟ وسعد بن مالك بن أبي وقاص، و
عبد الله بن عمرو، وزيد بن ثابت، وسهل بن خنيف، وأبو أيوب خالد بن زيد.
وكتب في ذي العقدة سنة خمس وثلاثين. فأخذ كل قوم كتابا فانصرفوا.
وقال علي بن أبي طالب لعثمان: أخرج فتكلم كلاما يسمعه الناس ويحملونه
عنك وأشهد الله ما في قلبك، فإن البلاد قد تمخضت عليك، ولا تأمن أن يأتي ركب
آخر من الكوفة أو من البصرة أو من مصر فتقول: يا علي اركب إليهم. فإن لم أفعل
قلت: قطع رحمي، واستخف بحقي، فخرج عثمان فخطب الناس فأقر بما فعل واستغفر
الله منه، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من زل فلينب. فأنا أول من اتعظ،
فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليردوني برأيهم، فوالله لو ردني إلى الحق عبد لاتبعته
وما عن الله مذهب إلا إليه، فسر الناس بخطبته واجتمعوا إلى بابه مبتهجين بما كان منه

(1) تجمر الجيش: تحبس في أرض العدو ولم يقفل.
171

فخرج إليهم مروان فزبرهم وقال: شاهت وجوهكم ما اجتماعكم؟ أمير المؤمنين مشغول
عنكم، فإن احتاج إلى أحد منكم فسيدعوه فانصرفوا، وبلغ عليا الخبر فأتى عثمان و
هو مغضب فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بإفساد دينك، وخديعتك
عن عقلك؟ وإني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك
وقالت له امرأته نائلة بنت الفرافصة: قد سمعت قول علي بن أبي طالب في مروان
وقد أخبرك أنه غير عائد إليك، وقد أطعت مروان ولا قدر له عند الناس ولا هيبة، فبعث
إلى علي فلم يأته.
وأخرج ابن سعد من طريق أبي عون قال: سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد
يغوث ذكر مروان فقال: قبحه الله خرج عثمان على الناس فأعطاهم الرضى وبكى على
المنبر حتى استهلت دموعه، فلم يزل مروان يفتله في الذروة والغارب (1) حتى لفته
عن رأيه، قال: وجئت إلى علي فأجده بين القبر والمنبر ومعه عمار بن ياسر ومحمد بن
أبي بكر وهما يقولون: صنع مروان بالناس؟ قلت: نعم (2).
صورة أخرى من توبة الخليفة
أخرج الطبري من طريق علي بن عمر بن أبيه قال: إن عليا جاء عثمان بعد انصراف
المصريين فقال له: تكلم كلاما يسمعه الناس منك، ويشهدون عليه ويشهد الله على ما
في قلبك من النزوع والإنابة، فإن البلاد قد تمخضت عليك فلا آمن ركبا آخرين يقدمون
من الكوفة فتقول: يا علي إركب إليهم. ولا أقدر أن أركب إليهم ولا أسمع عذرا.
ويقدم ركب آخرون من البصرة فتقول: يا علي إركب إليهم. فإن لم أفعل أيتني قد
قطعت رحمك واستخففت بحقك. قال: فخرج عثمان وخطب الخطبة التي نزع فيها و
أعطى الناس من نفسه التوبة فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:
أما بعد: أيها الناس فوالله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله، وما جئت شيئا
إلا وأنا أعرفه، ولكني منتني نفسي وكذبتني، وضل عني رشدي، ولقد سمعت رسول

(1) لم يزل يفتل في الذروة والغارب. مثل في المخادعة. أي يدور من وراء خديعته.
(2) وأخرج الطبري حديث ابن عون هذا وتبعه ابن الأثير وسيوافيك لفظه، وأوعز إليه
الدميري في حياة الحيوان 1: 53.
172

الله صلى الله عليه وسلم يقول: من زل فليتب (1) ومن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة، إن من
تمادى في الجور كان أبعد من الطريق، فأنا أول من اتعظ، أستغفر الله عما فعلت، و
أتوب إليه، فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم، فوالله لئن
ردني إلى الحق عبد لأستنن بسنة العبد، ولأذلن ذل العبد، ولأكونن كالمرقوق
إن ملك مصر، وإن عتق شكر، وما عن الله مذهب إلا إليه، فلا يعجزن عنكم خياركم
أن يدنوا إلي، لئن أبت يميني لتتابعني شمالي.
قال: فرق الناس له يومئذ وبكى من بكى منهم وقام إليه سعيد بن يزيد فقال:
يا أمير المؤمنين! ليس بواصل لك من ليس معك، الله الله في نفسك، فاتمم على ما قلت
فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان وسعيدا (2) ونفرا من بني أمية ولم يكونوا
شهدوا الخطبة فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين! أتكلم أم أصمت؟ فقالت نائلة
ابنة الفرافصة امرأة عثمان الكلبية: لا بل اصمت فإنهم والله قاتلوه ومؤتموه، إنه قد
قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها. فأقبل عليها مروان فقال: ما أنت وذاك؟ فوالله لقد
مات أبوك وما يحسن يتوضأ. فقالت له: مهلا يا مروان! عن ذكر الآباء تخبر عن أبي
وهو غائب تكذب عليه، وأن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه، أما والله لولا أنه عمه و
وأنه يناله غمه أخبرتك عنه ما لن أكذب عليه. قال: فأعرض عنها مروان ثم قال: يا
أمير المؤمنين! أتكلم أم أصمت؟ قال: بل تكلم. فقال مروان: بأبي أنت وأمي والله
لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممنع منيع فكنت أول من رضي بها وأعان عليها
لكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطبيين، وخلف السيل الزبى، وحين أعطى الخطة
الذليلة الذليل، والله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوف عليها،
وإنك إن شئت تقربت بالتوبة ولم تقرر بالخطيئة وقد اجتمع إليك على الباب مثل
الجبال من الناس. فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلمهم فإني أستحي أن أكلمهم، قال: فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم؟ كأنكم
قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه، كل إنسان آخذ بأذن صاحبه إلا من أريد (3) جئتم

(1) كذا في تاريخ الطبري والصحيح ما مر في رواية البلاذري: من زل فلينب.
(2) هو سعيد بن العاص.
(3) كذا في تاريخ الطبري وفي الكامل: شاهت الوجوه إلى من أريد.
173

تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا أخرجوا عنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم
منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم، ارجعوا إلى منازلكم، فإنا والله ما
نحن مغلوبين على ما في أيدينا، قال: فرجع الناس وخرج بعضهم حتى أتا عليا فأخبره
الخبر فجاء علي عليه السلام مغضبا حتى دخل على عثمان فقال: أما رضيت من مروان ولا
رضي منك إلا بتحرفك (1) عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار
به؟ والله ما مروان بذي رأي في دينه، ولا نفسه، وأيم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك،
وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك، وغلبت على أمرك.
فلما خرج علي دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأته فقالت: أتكلم أو أسكت؟
فقال: تكلمي. فقالت: قد سمعت قول علي لك وإنه ليس يعاودك؟ وقد أطعت مروان
يقودك حيت شاء قال: فما أصنع؟ قالت: تتقي الله وحده لا شريك له وتتبع سنة صاحبيك
من قبلك، فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة
ولا محبة، وإنما تركك الناس لمكان مروان، فأرسل إلى علي فاستصلحه فإن له
قرابة منك وهو لا يعصى. قال: فأرسل عثمان إلى علي فأبي أن يأتيه، وقال: قد أعلمته:
أني لست بعائد. فبلغ مروان مقالة نائلة فيه فجاء إلى عثمان فجلس بين يديه فقال: أتكلم
أو أسكت؟ فقال: تكلم. فقال: إن بنت الفرافصة. فقال عثمان: لا تذكرنها بحرف فأسوء
لك وجهك فهي والله أنصح لي منك. فكف مروان (2)
صورة أخرى من التوبة
من طريق أبي عون قال: سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد بن يغوث يذكر مروان
بن الحكم قال: قبح الله مروان، خرج عثمان إلى الناس فأعطاهم الرضا وبكى على المنبر
وبكى الناس حتى إلى لحية عثمان مخضلة من الدموع وهو يقول: اللهم إني
أتوب إليك، اللهم إني أتوب إليك، اللهم إني أتوب إليك، والله لئن ردني الحق إلى

(1) في لفظ البلاذري: إلا بإفساد دينك، وخديعتك عن عقلك. وفي لفظ ابن كثير:
إلا بتحويلك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به.
(2) الأنساب للبلاذري 5: 64، 65، تاريخ طبري 5: 111، الكامل لابن الأثير 3: 68، تاريخ ابن كثير 7: 172، شرح
ابن أبي الحديد 1، 163، 164، تاريخ ابن خلدون 2: 396، 397.
174

أن أكون عبدا قنا لأرضين به، إذا دخلت منزلي فادخلوا علي، فوالله لا أحتجب منكم
ولأعطينكم ولأزيدنكم على الرضا، ولأنحين مروان وذويه.
قال: فلما دخل أمر بالباب ففتح ودخل بيته ودخل عليه مروان فلم يزل يفتله في
الذروة والغارب حتى فتله عن رأيه وأزاله عما كان يريد، فلقد مكث عثمان ثلاثة أيام
ما خرج استحياء من الناس، وخرج مروان إلى الناس فقال: شاهت الوجوه إلا من أريد
ارجعوا إلى منازلكم، فإن يكن لأمير المؤمنين حاجة بأحد منكم يرسل إليه وإلا قر
في بيته. قال عبد الرحمن: فجئت إلى علي فأجده بين القبر والمنبر وأجد عنده عمار بن
ياسر ومحمد بن أبي بكر وهما يقولان: صنع مروان بالناس وصنع، قال: فأقبل علي
علي فقال: أحضرت خطبة عثمان؟ قلت: نعم. قال: أفحضرت مقالة مروان للناس؟ قلت
نعم. قال علي: عياذ الله يا للمسلمين، إني إن قعدت في بيتي قال لي: تركتني وقرابتي
وحقي، وإني إن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان فصار سيقة له يسوقه حيث شاء
بعد كبر السن وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الرحمن بن الأسود: فلم يزل حتى جاء رسول عثمان إئتني فقال علي بصوت
مرتفع عال مغضب: قل له: ما أنا بداخل عليك ولا عائد. قال: فانصرف الرسول فلقيت
عثمان بعد ذلك بليلتين جائيا فسألت ناتلا غلامه من أين جاء أمير المؤمنين؟ فقال: كان
عند علي، فقال عبد الرحمن بن الأسود فغدوت فجلست مع علي عليه السلام فقال لي: جاءني
عثمان بارحة فجعل يقول: إني غير عائد وإني فاعل، قال: فقلت له. بعد ما تكلمت به
على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطيت من نفسك، ثم دخلت بيتك، وخرج مروان إلى
الناس فشتمهم على بابك ويؤذيهم؟ قال: فرجع وهو يقول: قطعت رحمي وخذلني و
جرأت الناس علي فقلت: والله إني لأذب الناس عنك، ولكني كلما جئتك بهنة
أظنها لك رضى جاء بأخرى فسمعت قول مروان علي واستدخلت مروان. قال: ثم انصرف
إلى بيته أزل أرى عليا منكبا عنه لا يفعل ما كان يفعل. (1)
عهد آخر بعد حنث الأول
أخرج الطبري من طريق عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كتب أهل المدينة إلى

(1) تاريخ الطبري 5: 112، الكامل لابن الأثير 3: 96.
175

عثمان يدعونه إلى التوبة، ويحتجون ويقسمون لله بالله لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه
أو يعطيهم ما يلزمه من حق الله، فلما خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته فقال لهم: قد صنع القوم ما قد رأيتم فما المخرج؟ فأشاروا عليه أن يرسل إلى علي بن أبي طالب
فيطلب إليه أن يردهم عنه ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه أمداده فقال: إن
القوم لن يقبلوا التعليل وهي محملي وعهدا وقد كان مني في قدمتهم الأولى ما كان، فمتى أعطهم
ذلك يسألوني الوفاء به. فقال مروان بن الحكم: يا أمير المؤمنين! مقاربتهم حتى تقوى
أمثل من مكاثرتهم على القرب، فاعطهم ما سألوك، وطاولهم ما طاولوك، فإنما هم بغوا
عليك فلا عهد لهم، فأرسل إلى علي فدعاه فلما جاءه قال: يا أبا حسن! إنه قد كان من
الناس ما قد رأيت وكان مني ما قد علمت، ولست آمنهم على قتلي فأرددهم عني
فإن لهم الله عز وجل أن اعتبهم من كل ما يكرهون، وأن أعطيهم الحق من نفسي
ومن غيري وإن كان في ذلك سفك دمي، فقال له علي: الناس إلى عدلك أحوج منهم
إلى قتلك، وإني لأرى قوما لا يرضون إلا بالرضا وقد كنت أعطيهم في قدمتهم الأولى
عهدا من الله لترجعن عن جميع ما نقموا فرددتهم عنك، ثم لم تف لهم بشئ من ذلك
فلا تغرني هذه المرة من شئ، فإني معطيهم عليك الحق. قال: نعم فاعطهم فوالله
لأفين لهم. فخرج علي إلى الناس فقال: أيها الناس إنكم إنما طلبتم الحق فقد أعطيتموه
إن عثمان قد زعم أنه منصفكم من نفسه ومن غيره، وراجع عن جميع ما تكرهون،
فاقبلوا منه ووكدوا عليه. قال الناس: قد قبلنا فاستوثق منه لنا فإنا والله لا نرضى بقول
دون فعل. فقال لهم علي: ذلك لكم. ثم دخل عليه فأخبره الخبر، فقال عثمان: اضرب
بيني وبينهم أجلا يكون لي في مهلة، فإني لا أقدر على رد ما كرهوا في يوم واحد،
قال له علي: ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك، قال: نعم،
ولكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام. قال علي: نعم. فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك
وكتب بينهم وبين عثمان كتابا أجله فيه ثلاثا على أن يرد كل مظلمة، ويعزل كل عامل
كرهوه، ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق
وأشهد عليه ناسا من وجوه المهاجرين والأنصار، فكف المسلمون عنه ورجعوا إلى أن
يفي لهم بما أعطاهم من نفسه، فجعل يتأهب للقتال ويستعد بالسلاح، قد كان اتخذ
176

جندا عظيما من رقيق الخمس، فلما مضت الأيام الثلاثة وهو على حاله لم يغير شيئا
مما كرهوه، ولم يعزل عاملا، ثار به الناس، وخرج عمرو بن حزم الأنصاري حتى أتى
المصريين وهم بذي خشب فأخبرهم الخبر وسار معهم حتى قدموا المدينة فأرسلوا
إلى عثمان: ألم نفارقك على أنك زعمت أنك تائب من أحداثك، وراجع عما كرهنا منك
وأعطيتنا على ذلك عهد الله وميثاقه؟ قال: بلى أنا على ذلك. قال: فما هذا الكتاب الذي
وجدنا مع رسولك؟ الحديث. (1)
سياسة ضئيلة
لما تكلم علي مع المصريين ورجعهم إلى بلادهم ورجع هو إلى المدينة دخل
على عثمان وأخبره أنهم قد رجعوا فمكث عثمان ذلك اليوم حتى إذا كان الغد جاءه مروان
فقال له: تكلم واعلم الناس أن أهل مصر قد رجعوا، وأن ما بلغهم عن إمامهم كان
باطلا فإن خطبتك تسير في البلاد قبل أن يتحلب الناس عليك من أمصارهم فيأتيك من
لا تستطيع دفعه. فأبى عثمان أن يخرج. فلم يزل به مروان حتى خرج فجلس على المنبر
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن
إمامهم أمر فلما تيقنوا أنه باطل ما عنه رجعوا إلى بلادهم.
فناداه الناس من كل ناحية: اتق الله يا عثمان! وتب إلى الله. وكان أولهم عمرو
ابن العاصي. قال: إتق الله يا عثمان! فإنك قد ركبت نهابير وركبناها معك فتب إلى الله
نتب. إلى آخر ما مر في هذا الجزء صفحة 137.
قصة الحصار الثاني (2)

(1) تاريخ الطبري 5: 116، الكامل لابن الأثير 3: 71، 72، شرح ابن أبي الحديد: 1: 166.
(2) مصادرها: الأنساب 5: 26 - 69، 95 الإمامة والسياسة 1: 33 - 37، المعارف
لابن قتيبة ص 84، العقد الفريد 2: 263، تاريخ الطبري 5، 119، 120، الرياض النضرة
2: 123، 125، الكامل لا بن الأثير 3: 70، 71، شرح ابن أبي الحديد 1: 165، 166
تاريخ ابن خلدون 2: 397، تاريخ ابن كثير 7: 173، 174، 186، 189، حياة الحيوان
للدميري 1: 53، الصواعق ص 69، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 106، 107، السيرة الحلبية
2: 84، 86، 87، تاريخ الخميس 2: 259، واللفظ للبلاذري والطبري.
177

الذي كتبه عثمان فصاروا بأيلة (1) أو بمنزل قبلها رأوا راكبا خلفهم يريد مصر فقالوا له:
من أنت؟ فقال: رسول أمير المؤمنين إلى عبد الله بن سعد، وأنا غلام أمير المؤمنين. وكان
أسود فقال بعضهم لبعض: لو أنزلناه وفتشناه ألا يكون صاحبه قد كتب فينا بشئ،
ففعلوا فلم يجدوا معه شيئا، فقال بعضهم لبعض: خلوا سبيله فقال كنانة بن بشر: أما
والله دون أن أنظر في إداوته فلا. فقالوا: سبحان الله أيكون كتاب في ماء؟ فقال: إن
للناس حيلا. ثم حل الإداوة فإذا فيها قارورة مختومة، أو قال: مضمومة، في جوف
القارورة كتاب في أنبوب من رصاص فأخرجه فقرئ فإذا فيه:
أما بعد: فإذا قدم عليك عمرو بن بديل فاضرب عنقه، واقطع يدي ابن عديس
و كنانة، وعروة، ثم دعهم يتشحطون في دمائهم حتى يموتوا، ثم أوثقهم على جذوع
نخل.
فيقال: إن مروان كتب الكتاب بغير علم عثمان، فلما عرفوا ما في الكتاب،
قالوا: عثمان محل، ثم رجعوا عودهم على بدئهم حتى دخلوا المدينة فلقوا عليا بالكتاب
وكان خاتمه من رصاص، فدخل به علي على عثمان فحلف بالله ما هو كتابه ولا يعرفه
وقال: أما الخط فخط كاتبي، وأما الخاتم فعلى خاتمي، قال علي فمن تتهم؟ قال: أتهمك
وأتهم كاتبي. فخرج علي مغضبا وهو يقول: بل هو أمرك. قال أبو مخنف: وكان خاتم عثمان
بدء عند حمران بن أبان ثم أخذه مروان حين شخص حمران إلى البصرة فكان معه:
وفي لفظ جهيم الفهري قال: أنا حاضر أمر عثمان فذكر كلاما في أمر عمار.
فانصرف القوم راضين ثم وجدوا كتابا إلى عامله على مصر أن يضرب أعناق رؤساء
المصريين، فرجعوا ودفعوا الكتاب إلى علي فأتاه به فحلف له أنه لم يكتبه ولم يعلم به.
فقال له علي: فمن تتهم فيه؟ فقال: أتهم كاتبي وأتهمك يا علي! لأنك مطاع عند القوم
ولم تردهم عني.
وجاء المصريون إلى دار عثمان فأحدقوا بها وقالوا لعثمان وقد أشرف عليهم:
يا عثمان! أهذا كتابك؟ فجحد وحلف فقالوا: هذا شر، يكتب عنك بما لا تعلمه، ما مثلك

(1) أيلة بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام. وقيل: هي آخر الحجاز وأول
الشام.
178

يلي أمور المسلمين، فاختلع من الخلافة. فقال: ما كنت لأنزع قميصا قمصنيه الله، أو قال:
سربلنيه الله. وقالت بنو أمية: يا علي أفسدت علينا أمرنا ودسست وألبت، فقال: يا سفهاء!
إنكم لتعلمون أنه لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وإني رددت أهل مصر عن عثمان ثم
أصلحت أمره مرة بعد أخرى. فما حيلتي؟ وانصرف وهو يقول: اللهم إني برئ مما
يقولون ومن دمه إن حدث به حدث.
قال: وكتب عثمان حين حصروه كتابا قرأه ابن الزبير على الناس يقول فيه:
والله ما كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا علمت بقصته وأنتم معتبون من كل ما ساءكم،
فأمروا على مصركم من أحببتم، وهذه مفاتيح بيت مالكم فادفعوا إلى من شئتم
فقالوا: قد اتهمناك بالكتاب فاعتزلنا.
وأخرج ابن سعد من طريق جابر بن عبد الله الأنصاري قال: إن عثمان وجه
إلى المصريين لما أقبلوا يريدونه محمد بن مسلمة في خمسين من الأنصار أنا فيهم فأعطاهم
الرضى وانصرفوا فلما كانوا ببعض الطريق رأوا جملا عليه ميسم الصدقة فأخذوه فإذا
غلام لعثمان ففتشوه فإذا معه قصبة من رصاص في جوف إداوة فيها كتاب إلى عامل
مصر: أن أفعل بفلان كذا، وبفلان كذا، فرجع القوم إلى المدينة فأرسل إليهم عثمان
محمد بن مسلمة فلم يرجعوا وحصروه.
صورة أخرى
عن سعيد بن المسيب قال: إن عثمان لما ولي كره ولايته نفر من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عثمان كان يحب قومه، فولي الناس اثنتي عشرة سنة، وكان كثيرا
ما يولي بني أمية ممن لم يكن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة، وكان يجيئ من أمرائه
ما يكره أصحاب محمد، فكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما كان في الحجج الآخرة
استأثر ببني عمه فولاهم وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر، فمكث عليها سنين
فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وقد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله
ابن مسعود وأبي ذر عمار بن ياسر، فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار و
أحلافها من غضب لأبي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم لحال عمار بن ياسر، فلما جاء
أهل مصر يشكون ابن أبي سرح، كتب إليه كتاب يتهدده فيه، فأبى أن ينزع عما نهاه
179

عثمان عنه وضرب بعض من شكاه إلى عثمان من أهل مصر حتى قتله، فخرج من أهل
مصر سبع مائة رجل إلى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا ما صنع بهم ابن أبي سرح في
مواقيت الصلاة إلى أصحاب محمد، فقام طلحة إلى عثمان فكلمه بكلام شديد، وأرسلت
إليه عائشة رضي الله عنها تسأله أن ينصفهم من عامله، ودخل عليه علي بن أبي طالب
وكان متكلم القوم فقال له: إنما يسألك القوم رجلا مكان رجل، وقد ادعوا قبله
دما فاعزله واقض بينهم، فإن وجب عليه حق فانصفهم منه. فقال لهم: اختاروا
رجلا أوليه عليكم مكانه. فأشار الناس عليهم بمحمد بن أبي بكر الصديق فقالوا:
استعمل علينا محمد بن أبي بكر. فكتب عهده وولاه ووجه معهم عدة من المهاجرين
والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح، فشخص محمد بن أبي بكر وشخصوا جميعا
فلما كانوا على مسيرة ثلاث من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير وهو يخبط البعير
خبطا كأنه رجل يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمد بن أبي بكر: ما قصتك؟
وما شأنك؟ كأنك هارب أو طالب. فقال لهم مرة: أنا غلام أمير المؤمنين، وقال أخرى:
أنا غلام مروان، وجهني إلى عامل مصر برسالة، قالوا: فمعك كتاب؟ قال: لا. ففتشوه،
فلم يجدوا معه شيئا وكانت معه إداوة قد يبست فيها شئ يتقلقل فحركوه ليخرج فلم
يخرج فشقوا الإداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح.
فجمع محمد من كان معه المهاجرين والأنصار وغيرهم ثم الكتاب بمحضر
منهم فإذا فيه: إذا أتاك محمد بن أبي بكر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتاب محمد
وقر على عملك حتى يأتيك رأيي، واحبس من يجئ إلي متظلما منك إن شاء الله،
فلما قرأوا الكتاب فزعوا وغضبوا ورجعوا إلى المدينة وختم محمد بن أبي بكر الكتاب
بخواتيم نفر ممن كان معه، ودفعه إلى رجل منهم وقدموا المدينة، فجمعوا عليا وطلحة
والزبير وسعدا ومن كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم و
أخبروهم بقصة الغلام وأقرأوهم الكتاب، فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على
عثمان، وزاد ذلك من كان غضب لابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي ذر حنقا وغيظا،
وقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمنازلهم ما منهم أحد إلا وهو مغتم لما في الكتاب.
وحاصر الناس عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم وغيرهم، وأعانه على
180

ذلك طلحة بن عبيد الله، وكانت عائشة تقرصه كثيرا، ودخل علي وطلحة والزبير وسعد
وعمار في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم بدري على عثمان ومع علي الكتاب والغلام
والبعير فقال له علي: هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم، قال: والبعير بعيرك؟ قال: نعم. قال:
وأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحلف بالله: ما كتبت هذ الكتاب ولا أمرت به ولا
علمت شأنه فقال له علي: أفالخاتم خاتمك؟ قال: نعم. قال: فكيف يخرج غلامك ببعيرك
بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به؟ فحلف بالله: ما كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا وجهت
هذا الغلام إلى مصر قط. وعرفوا أن الخط خط مروان فسألوه أن يدفع إليهم مروان
فأبى، وكان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من عنده غضابا وعلموا
أنه لا يحلف بباطل إلا أن قوما قالوا: لن يبرأ عثمان في قلوبنا إلا أن يدفع إلينا مروان
حتى نبحثه عن الأمر ونعرف حال الكتاب، وكيف يؤمر بقتل رجال من أصحاب رسول
الله بغير حق؟ فإن يكن عثمان كتبه عزلناه، وإن يكن مروان كتبه عن لسان عثمان
نظرنا ما يكون منا في أمر مروان، فلزموا بيوتهم فأبى عثمان أن يخرج مروان.
فحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء فأشرف على الناس فقال: أفيكم علي؟ فقالوا:
لا. قال: أفيكم سعد؟ فقالوا: لا. فسكت، ثم قال ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ماء؟
فبلغ ذلك عليا فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل إليه وجرح بسببها
عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصلت.
لفظ الواقدي
من طريق محمد بن مسلمة وقد أسلفنا صدره في ص 132، 133، وإليك بقيته:
فوجدنا فيه هذا الكتاب فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فإذا قدم عليك عبد الرحمن بن عديس فاجلده
مائة، واحلق رأسه ولحيته، وأطل حبسه حتى أتيك أمري، وعمرو بن الحمق، فافعل
به مثل ذلك، وسودان بن حمران مثل ذلك، وعروة بن البياع الليثي مثل ذلك. قال:
فقلت: وما يدريكم أن عثمان كتب بهذا؟ قالوا: فيقتات مروان على عثمان بهذا فهذا شر،
فيخرج نفسه من هذا الأمر. ثم قالوا: انطلق معنا إليه فقد كلمنا عليا ووعدنا أن
يكلمه إذا صلى الظهر وجئنا سعد بن أبي وقاص فقال: لا أدخل في أمركم، وجئنا سعيد
181

بن زيد بن عمرو فقال مثل هذا، فقال محمد: فأين وعدكم علي؟ قالوا: وعدنا إذا صلى
الظهر أن يدخل عليه. قال محمد: فصليت مع علي، قال: ثم دخلت أنا وعلي عليه فقلنا:
إن هؤلاء المصريين بالباب فأذن لهم، قال: ومروان جالس فقال مروان: دعني جلعت
فداك أكلمهم. فقال عثمان: فض الله فاك اخرج عني، وما كلامك في هذا الأمر؟
فخرج مروان وأقبل علي عليه قال وقد أنهى المصريون إليه مثل الذي انهوا إلي فجعل
علي يخبره ما وجدوا في كتابهم، فجعل يقسم بالله ما كتب ولا علم ولا شور فيه،
فقال محمد بن مسلمة: والله إنه لصادق، ولكن هذا عمل مروان، فقال علي: فادخلهم
عليك فليسمعوا عذرك. قال: ثم أقبل عثمان على علي فقال: إن لي قرابة ورحما والله
لو كنت في هذه الحلقة لحللتها عنك، فأخرج إليهم فكلمهم فإنهم يسمعون منك. قال
علي: والله ما أنا بفاعل ولكن أدخلهم حتى تعتذر إليهم. قال: فادخلوا.
قال محمد بن مسلمة: فدخلوا يومئذ فما سلموا عليه بالخلافة فعرفت أنه الشر
بعينه قالوا: سلام عليكم، فقلنا: وعليكم السلام قال: فتكلم القوم وقد قدموا في
كلامهم ابن عديس، فذكر ما صنع ابن سعد بمصر وذكر تحاملا منه على المسلمين
وأهل الذمة وذكر استئثارا منه في غنائم المسلمين، فإذا قيل له في ذلك قال: هذا كتاب
أمير المؤمنين إلي، ثم ذكروا أشياء مما أحدث بالمدينة وما خالف به صاحبيه قال:
فرحلنا من مصر ونحن لا نريد إلا دمك أو تنزع، فردنا علي ومحمد بن مسلمة و
ضمن لنا محمد النزوع عن كل ما تكلمنا منه، ثم أقبلوا على محمد بن مسلمة قالوا:
هل قلت ذاك لنا؟ قال محمد: فقلت: نعم، ثم رجعنا إلى بلادنا نستظهر بالله عز وجل
عليك ويكون حجة لنا بعد حجة، حتى إذا كنا بالبويب (1) أخذنا غلامك فأخذنا
كتابك وخاتمك إلى عبد الله بن سعد تأمره فيه بجلد ظهورنا، والمثل بنا في أشعارنا،
وطول الحبس لنا، وهذا كتابك، قال: فحمد الله عثمان أثنى عليه ثم قال: والله ما
كتبت ولا أمرت ولا شورت ولا علمت قال: فقلت وعلي جميعا: قد صدق. قال: فاستراح
إليها عثمان فقال المصريون: فمن كتبه؟ قال: لا أدري. قال: أفيجترأ عليك فيبعث غلامك
وجمل من صدقات المسلمين، وينقش على خاتمك، ويكتب إلى عاملك بهذه الأمور

(1) البويب: مدخل أهل الحجاز بمصر.
182

العظام وأنت لا تعلم؟ قال: نعم، قالوا: فليس مثلك يلي، اخلع نفسك من هذا الأمر
كما خلعك الله منه قال: لا أنزع قميصا ألبسنيه الله عز وجل. قال: وكثرت الأصوات
واللغط فما كنت أظن أنهم يخرجون حتى يواثبوه قال: وقام علي فخرج فلما قام علي قمت
وقال المصريون: أخرجوا فخرجوا، ورجعت إلى منزلي ورجع علي إلى منزله فما برحوا
محاصرته حتى قتلوه.
وأخرج الطبري من طريق عبد الرحمن بن يسار: أن الذي كان معه هذه الرسالة
من جهة عثمان إلى مصر أبو الأعور السلمي (1) وهو الذي كان يدعو عليه أمير المؤمنين
عليه السلام في قنوته مع أناس كما مر حديثه في ج 2: 32 1 ط 2، وذكره ابن أبي الحديد في
شرحه 1: 165.
وأخرج من طريق عثمان بن محمد الأخنسي قال: كان حصر عثمان قبل قدوم أهل
مصر فقدم أهل مصر يوم الجمعة وقتلوه في الجمعة الأخرى. تاريخ الطبري 5: 132.
الخليفة تواب عواد
أخرج الطبري من طريق سفيان بن أبي العوجاء قال: قدم المصريون القدمة
الأولى فكلم عثمان محمد بن مسلمة فخرج في خمسين راكبا من الأنصار فأتوهم بذي
خشب فردهم ورجع القوم حتى إذا كانوا بالبويب وجدوا غلاما لعثمان معه كتاب
إلى عبد الله بن سعد فكروا وانتهوا إلى المدينة وقد تخلف بها من الناس الأشتر و
حكيم بن جبلة فأتوا بالكتاب فأنكر عثمان أن يكون كتبه وقال: هذا مفتعل. قالوا:
فالكتاب كتاب كاتبك؟ قال: أجل، ولكنه كتبه بغير أمري قالوا: فإن الرسول الذي
وجدنا معه الكتاب غلامك؟ قال: أجل، ولكنه خرج بغير إذني. قالوا: فالجمل جملك
قال: أجل، ولكنه أخذ بغير علمي. قالوا: ما أنت إلا صادق أو كاذب، فإن كنت
كاذبا فقد استحققت الخلع لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقها، وإن كنت صادقا
فقد استحققت أن تخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك، لأنه لا ينبغي لنا أن نترك
على رقابنا من يقتطع مثل الأمر دونه لضعفه وغفلته، وقالوا له: إنك ضربت رجالا
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحق عندما يستنكرون

(1) تاريخ الطبري 5: 115:
183

من أعمالك، فأقد من نفسك من ضربته وأنت له ظالم، فقال: الإمام يخطئ ويصيب
فلا أقيد من نفسي لأني لو أقدت كل من أصبته بخطأ أتى على نفسي قالوا: إنك قد أحدثت
أحداثا عظاما فاستحققت بها الخلع، فإذا كلمت فيها أعطيت التوبة ثم عدت إليها و
إلى مثلها ثم قدمنا عليك فأعطيتنا التوبة والرجوع إلى الحق ولامنا فيك محمد بن
مسلمة، وضمن لنا ما حدث من أمر، فأخفرته فتبرأ منك وقال: لا أدخل في أمره،
فرجعنا أول مرة لنقطع حجتك ونبلغ أقصى الأعذار إليك نستظهر بالله عز وجل عليك
فلحقنا كتاب منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب وزعمت أنه كتب
بغير علمك وهو مع غلامك وعلى جملك وبخط كاتبك عليه وخاتمك فقد وقعت عليك
بذلك التهمة القبيحة، مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في الحكم، والأثرة في
القسم، والعقوبة للأمر بالتبسط من الناس، والإظهار للتوبة ثم الرجوع إلى الخطيئة
ولقد رجعنا عنك وما كان لنا أن نرجع حتى نجعلك ونستبدل بك من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم من لم يحدث مثل ما جربنا منك، ولم يقع عليه من التهمة ما وقع عليك
فاردد خلافتنا واعتزل أمرنا، فإن ذلك أسلم لنا منك، فقال عثمان:
فرغتم من جميع ما تريدون؟ قالوا: نعم، قال:
الحمد لله وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين
كله ولو كره المشركون، أما بعد: فإنكم لم تعدلوا في المنطق ولم تنصفوا في القضاء
أما قولكم: تخلع نفسك. فلا أنزع قميصا قمصنيه الله عز وجل وأكرمني به وخصني به
على غيري ولكني أتوب وأنزع ولا أعود لشئ عابه المسلمون، فإني والله الفقير إلى
الله الخائف منه.
قالوا: إن هذا لو كان أول حدث أحدثته ثم تبت منه ولم نقم عليه لكان علينا
أن نقبل منك، وأن ننصرف عنك ولكنه: قد كان منك من الأحداث قبل هذا ما قد علمت
ولقد انصرفنا عنك في المرة الأولى وما نخشى أن تكتب فينا ولا من اعتللت به بما وجدنا في
كتابك مع غلامك، وكيف نقبل توبتك؟ وقد بلونا منك أنك لا تعطي من نفسك التوبة
من ذنب إلا عدت إليه، فلسنا منصرفين حتى نعزلك ونستبدل بك، فإن حال من معك
184

من قومك وذوي رحمك وأهل الانقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم حتى نخلص إليك
فنقتلك، أو تلحق أرواحنا بالله.
فقال عثمان: أما أن أتبرأ من الإمارة فإن تصلبوني أحب إلي من أن أتبرأ
من أمر الله عز وجل وخلافته وأما قولكم: تقاتلون من قاتل دوني. فإني لا آمر أحدا
بقتالكم (1) فمن قاتل دوني فإنما قتل بغير أمري، ولعمري لو كنت أريد قتالكم لقد
كنت كتبت إلى الأجناد (2) فقادوا الجنود وبعثوا الرجال أو لحقت ببعض أطرافي بمصر
أو عراق، فالله الله في أنفسكم فابقوا عليها إن لم تبقوا علي: فإنكم مجتلبون بهذا
الأمر إن قتلتموني دما. قال: ثم انصرفوا عنه وآذنوه بالحرب وأرسل إلى محمد بن
مسلمة فكلمه أن يردهم فقال: والله لا أكذب الله في سنة مرتين. تاريخ الطبري 5:
120، 121.
نظرة في أحاديث الحصارين
أول ما يقع عليه النظر من هذه الأحاديث المجهزين على عثمان هم المهاجرون
والأنصار من الصحابة ولم يشذ عنهم إلا أربعة أسلفنا ذكر في صفحة 195 وهم الذين
أصفقوا مع أهل مصر والكوفة والبصرة على مقت الخليفة وقتله بعد أن أعيتهم الحيل
وأعوزهم السعي في استتابته، وإكفائه من الأحداث، ونزوعه عما هو عليه من الجرائم
وإن في المقبلين من تلكم البلاد من عظماء الصحابة، ومن رجال الفضيلة والفقه والتقى
من التابعين جماعات لا يستهان بعدتهم، ولا يغمز في دينهم، وهم رؤساء هاتيك الجماهير
والمؤلبين لهم على عثمان، فمن الكوفيين:
2 - زيد الخير، له إدراك أثنى عليه النبي الأعظم، وأنه من الخيار الأبرار.
2 - مالك بن الحارث الأشتر، له إدراك، أوقفناك على عظمته وفضله وموقفه
من الإيمان، ومبلغه من الثقة والصلاح.
3 - كعب بن عبدة النهدي، وقد سمعت عن البلاذري أنه كان ناسكا.

(1) لم يكن معه هناك غير بني أبيه حتى يأمر أحدا بالقتال وهم ليسوا هناك وقد تحصنوا يوم
قتله بكندوج أم حبيبة كما يأتيك حديثه.
(2) كان يتأهب للقتال، ويستعد بالسلاح، ويكتب إلى الأجناد، ويجلب إلى المدينة الجنود
المجندة من الشام، وغيرها، غير أنه كان يغفل الناس بكلماته هذه وسنوافيك كتبه.
185

4 - زياد بن النضر الحارثي، له إدراك.
5 - عمرو بن الأهتم، صحابي خطيب بليغ شريف في قومه، ترجمه ابن عبد
البر في " الاستيعاب "، وابن الأثير في " أسد الغابة " وابن حجر في " الإصابة ".
* (وفي المصريين) *:
6 - عمرو بن الحمق الخزاعي، صحب النبي وحفظ عنه أحاديث، وحظي بدعائه
صلى الله عليه وآله وسلم له كما مر تفصيله ص 45.
7 - عمرو بن بديل الخزاعي، صحابي عادل مترجم في معاجم الصحابة.
8 - عبد الله بن بديل الخزاعي: قال أبو عمر: كان سيد خزاعة وخزاعة عيبة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد حنينا والطائف وتبوك، وكان له قدر وجلالة، وكان من
وجوه الصحابة. راجع الاستيعاب، وأسد الغابة، والإصابة.
9 - عبد الرحمن بن عديس أبو محمد البلوي، صحب النبي وسمع منه، وكان ممن
بايع تحت الشجرة من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
10 - محمد بن أبي بكر، وحسبك فيه ما في الاستيعاب والإصابة من أن عليا
" أمير المؤمنين " كان يثني عليه ويفضله وكانت له عبادة واجتهاد، وكان من أفضل
أهل زمانه.
(ورئيس البصريين):
11 - حكيم بن جبلة العبدي، قال أبو عمر في " الاستيعاب ": أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وكان رجلا صالحا له دين مطاعا في قومه. وقال المسعودي في المروج 2: 7: كان من
سادات عبد القيس وزهادها ونساكها. وأثنى عليه مولانا أمير المؤمنين بقوله كما في
الكامل 3: 96:
دعا حكيم دعوة سميعه * نال بها المنزلة الرفيعة
يا لهف ما نفسي على ربيعه * ربيعة السامعة المطيعه
قد سبقتني فيهم الوقيعة
وإن ما جرى في غضون تلكم المعامع، وتضاعيف ذلك الحوار من أخذ ورد
وهتاف وقول، كلها تنم عن صلاح القوم وتقواهم، وإنهم لم يغضبوا إلا لله، ولا دعوا
186

إلا إلى أمره، ولا نهضوا إلا لإقامة الأمت والعوج، وتقويم دين الله وتنزيهه عن المعرات
والأحداث، ولم يجلبهم إلى ذلك الموقف مطمع في إمارة، أو نزع إلى حكم أو هوى
في مال، ولذلك كان يرضيهم كلما يبديه الخليفة من النزول على رغباتهم، والنزوع عن
أحداثه، والإنابة إلى الله مما نقموا به عليه، غير أنه كان يثيرهم في الآونة بعد الأخرى
ما كانوا يشاهدونه من المقام على الهنات، ونقض العهد مرة بعد مرة حتى إذا اطمأنوا
إلى أن الرجل غير منكفئ عما كان يقترفه، ولا مطمئن عما كان يفعله، فاطمأنوا
إلى بقاء التكليف عليهم بالوثوب، فوقفوا لإزالة ما رأوه منكرا ذلك الموقف الشديد
حتى قضى من الأمر ما كان مقدورا.
ولو كان للقوم غاية غير ما وصفناه لما أثنى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام على المصريين
منهم بقوله من كتاب كتبه إلى أهل مصر: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في
أرضه، وذهب بحقه، إلى آخر ما مر في صفحة 74، ولما كانوا مذكورين في المعاجم
والكتب بالثناء الجميل عليهم بعد تلكم المواقف المشهودة، ولو صدر عن أي أحد أقل مما
صدر من أولئك الثائرين على عثمان في حق فرد من أفراد المسلمين فضلا عن الخليفة
لعد جناية لا تغفر، وذنبا لا يبرر، وسقط صاحبه إلى هوة الضعة، ولا تبقى له بعد
حرمة ولا كرامة، وغير أن...
الثاني من مواقع النظر في الأحاديث المذكورة: إن الخليفة كانت عنده جرائم
يستنكرها المسلمون وينكرونها عليه وهو يعترف بها فيتوب عنها، ثم يروغ عن التوبة
فيعود إليها، ولا أدري أنه في أي الحالين أصدق؟ أحين اعترف بالأحداث فتاب؟ أم حين
عبث به مروان فرقى المنبر وقال: إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم
أمر فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم؟
الثالث: أنه أعطى العهود والمواثيق المؤكدة على النزوع عما كان يرتكبه مما
ينقمونه عليه وسجل ذلك في صكوك يبثها في البلاد بأيدي الناهضين عليه، إذ كان على
علم بأن البلاد قد تمخضت عليه كما مر في كلام لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ثم لم يلبث
حتى نكثها بعد ما ضمن له بالعمل على ذلك الضمان مثل مولانا أمير المؤمنين ومحمد
ابن مسلمة ذلك الصحابي العظيم، وقد شهدت ذلك الضمان أمة كبيرة من الصحابة،
187

فكأنه ما كان يرى للعهد لزوما، ولا للضمان حرمة، ولا للضامنين مكانة، ولا لنكث
العهد معرة، ولعله كان يجد مبررا لتلكم الفجايع أو الفصايح، وعلى أي فالمسلمون
" ويقدمهم الصحابة العدول " لم يرقهم ذلك المبرر ولا اعترفوا به، فمضوا إلى ما فعلوه
قدما غير متحوبين ولا متأثمين.
الرابع: إن التزامه في كتاب عهده في الحصار الأول بالعمل بالكتاب والسنة
وهو في حيز النزوع عما كان يرتكبه قبل ذلك، وقد أعتب بذلك المتجمهرين عليه
المنكرين على أحداثه المنحازة عنهما، يرشدنا إلى أنه كان في أعماله قبل ذلك الالتزام
محيد عن الكتاب والسنة، وحسب أي إنسان من الضعة أن تكون أعماله منتئية عنهما
الخامس: إن الطريد بن الطريد، أو قل عن لسان النبي الأمين (1): الوزغ ابن
الوزع، اللعين ابن اللعين، مروان بن الحكم كان يؤثر في نفسيات الخليفة حتى يحوله
" كما قال مولانا أمير المؤمنين (2) " عن دينه وعقله، ويجعله مثل الظعينة يقاد حيث يسار به.
فلم يزل به حتى أربكه عند منتقض العهود ومنتكث المواثيق، فأورده مورد الهكة، وعجيب
من الخليفة أن يتأثر بتسويلات الرجل وهو يعلم محله من الدين وموقفه من الإيمان،
ومبوأه من الصدق والأمانة، وهو يعلم أنه هو وزبانيته هم الذين جروا عليه الويلات
وأركبوه النهابير، وأنهم سيوردونه ثم لا يصدرونه، يعلم ذلك كله وهو بين الناب
والمخلب وفي منصرم الحياة، ومع ذلك كله لا يزال مقيما على هاتيك الوساوس المروانية،
فيا للعجب.
وأعجب من ذلك أنه مع هذا التأثر يتخذ نصح الناصحين له كمولانا أمير المؤمنين
عليه السلام وكثير من الصحابة العدول باعتاب الناس ورفض تمويهات مروان الموبقة له ظهريا
فلا يعير لهم بعد تمام الحجة وقطع سبل المعاذير أذنا واعية، وهو يعلم أنهم لا يعدون
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدعونه إلى ما فيه نجاته ونجاح الأمة.
* (لفت نظر) * وقع في عد أيام حصار عثمان خلاف بين المؤرخين فقال الواقدي:
حاصروه تسعة وأربعين يوما. وقال الزبير: حاصروه شهرين وعشرين يوما. وفي رواية:

(1) راجع ما مر في الجزء الثامن ص 260 ط 2.
(2) راجع ما مضى في هذا الجزء صفحة 174.
188

إنهم حصروه أربعين ليلة. وقال ابن كثير: استمر الحصر أكثر من شهر وقيل: بضعا و
أربعين. وقال الشعبي: كانت مدته اثنتين وعشرين ليلة. وفي رواية للطبري: كان
الحصر. أربعين ليلة والنزول سبعين. وفي بعض الروايات: حصروه عشرين يوما بعد
قضية جهجاه المذكورة ص 124 إلى أقوال أخرى، ولعل كل منها ناظر إلى ناحية
من مدة أيام الحصارين أو مدة أحدهما، ومن مدة نزول المتجمرين حول داره، و
من أيام ضاق عليه الخناق، ومنع من إدخال الماء عليه، وحيل بينه وبين اختلاف
الناس إليه، ومن حصار الثائرين عليه من الأمصار، ومن إصفاق أهل المدينة معهم على
الحصار. إلى تأويلات أخرى يتأتى بها الجمع بين تلكم الأقوال.
كتب عثمان أيام الحصار (1)
أخرج الطبري في تاريخه من طريق ابن الكلبي قال: إنما رد أهل مصر إلى عثمان
بعد انصرافهم عنه أنه أدركهم غلام لعثمان على جمل له بصحيفة إلى أمير مصر أن يقتل
بعضهم وأن يصلب بعضهم فلما أتوا عثمان قالوا: هذا غلامك؟ قال: غلامي انطلق بغير
علمي، قالوا: جملك؟ قال: أخذه من الدار بغير أمري. قالوا: خاتمك؟ قال: نقش عليه
فقال عبد الرحمن بن عديس التجيبي حين أقبل أهل مصر.
أقبلن من بلبيس والصعيد (2) خوصا كأمثال القسي عود
مستحقبات حلق الحديد * يطلبن حق الله في الوليد
وعند عثمان وفي سعيد * يا رب فارجعنا بما نريد
فلما رأى عثمان ما قد نزل به وما قد انبعث عليه من الناس كتب إلى معاوية بن
أبي سفيان وهو بالشام:

(1) الإمامة والسياسة 2: 32 - 33، الأنساب 5: 71، 72، تاريخ الطبري 5: 105،
115، 116، 119، تاريخ اليعقوبي 2: 152، الكامل لابن الأثير 5. 67، 71، شرح ابن
أبي الحديد 1: 165، تاريخ ابن خلدون 2: 394، الفتنة الكبرى ص 226.
(2) بلبيس: بكسر الباءين وسكون اللام مدينة بينها وبين فسطاط مصر عشرة على طريق
الشام. الصعيد: بلاد واسعة كثيرة بمصر يقال: إنها تسعمائة وسبع خمسون قرية.
189

بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: فإن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة، فابعث
إلي من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كل صعب وذلول.
فلما جاء معاوية الكتاب تربص به وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد علم اجتماعهم، فلما أبطأ أمره على عثمان كتب إلى يزيد بن أسد بن كرز وإلى أهل
الشام يستنفرهم ويعظم حقه عليهم، ويذكر الخلفاء وما أمر الله عز وجل به من طاعتهم
ومناصحتهم ووعدهم أن يجندهم جند أو بطانة دون الناس، وذكرهم بلاءه عندهم وصنيعه
إليهم، فإن كان عندكم غياث فالعجل العجل فإن القوم معاجلي.
فلما قرئ كتابه عليهم قام يزيد بن أسد بن كرز البجلي ثم القسري فحمد الله و
أثنى عليه، ثم ذكر عثمان فعظم حقه، وحضهم على نصره، وأمرهم بالمسير إليه، فتابعه
ناس كثيرو وساروا معه حتى إذا كان بوادي القرى (1) بلغهم قتل عثمان رضي الله عنه
فرجعوا.
وأخرج البلاذري من طريق الشعبي قال: كتب عثمان إلى معاوية: أن أمدني،
فأمده بأربعة آلاف مع يزيد بن أسد بن كريز البجلي، فتلقاه الناس بمقتل عثمان
فرجع من الطريق وقال: لو دخلت المدينة وعثمان حي ما تركت بها محتلما إلا قتلته،
لأن الخاذل والقاتل سواء.
كتابه إلى أهل الشام
قال ابن قتيبة: وكتب إلى أهل الشام عامة وإلى معاوية وأهل دمشق خاصة:
أما بعد: فإني في قوم طال فيهم مقامي، واستعجلوا القدر في، وقد خيروني
بين أن يحملوني على شارف من الإبل الدحيل، وبين أن أنزع لهم رداء الله الذي كساني،
وبين أن اقيدهم ممن قتلت، ومن كان على السلطان يخطئ ويصيب، فيا غوثاه يا غوثاه،
ولا أمير عليكم دوني، فالعجل العجل يا معاوية! وأدرك ثم أدرك وما أراك تدرك.

(1) وادي القرى: واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة.
190

كتابه إلى أهل البصرة
وكتب إلى عبد الله بن عامر: أن أندب إلى أهل البصرة نسخة كتابه إلى أهل
الشام فجمع عبد الله بن عامر الناس فقرأ كتابه عليهم، فقامت خطباء من أهل البصرة
يحضونه على نصر عثمان والمسير إليه فيهم: مجاشع بن مسعود السلمي، وكان أول
من تكلم وهو يومئذ سيد قيس بالبصرة، وقام أيضا قيس بن الهيثم السلمي، فخطب
وحض الناس على نصر عثمان، فسارع الناس إلى ذلك، فاستعمل عليهم عبد الله بن
عامر مجاشع بن مسعود فسار بهم حتى إذا نزل الناس الربذة ونزلت مقدمته عند
صرار ناحية من المدينة أتاهم قتل عثمان.
وقال البلاذري: وكتب عثمان إلى عبد الله بن عامر بن كريز ومعاوية بن أبي
سفيان يعلمهما أن أهل البغي والعدوان من أهل العراق ومصر والمدينة قد أحاطوا بداره
فليس يرضيهم بزعمهم شئ دون قتله أو يخلع السربال الذي سربله الله إياه، ويأمرهما
بإغاثته برجال ذوي نجدة وبأس ورأي، لعل الله أن يدفع بهم عنه بأس يكيده و
يريده، وكان رسوله إلى ابن عامر جبير بن مطعم، وإلى معاوية المسور بن مخرمة
الزهري، فأما ابن عامر فوجه إليه مجاشع بن مسعود السلمي في خمس مائة أعطاهم
خمس مائة خمس مائة درهم، وكان فيمن ندب مع مجاشع زفر بن الحارث على مائة رجل،
وأما معاوية فبعث إليه حبيب بن مسلمة الفهري في ألف فارس، فقدم حبيب أمامه
يزيد بن أسد البجلي جد خالد بن عبد الله بن يزيد القسري من بجيلة، وبلغ أهل مصر
ومن معهم ممن حاصر عثمان ما كتب به إلى ابن عامر ومعاوية فزادهم ذلك شدة عليه
وجدا في حصاره وحرصا على معاجلته بالقتل.
كتابه إلى أهل الأمصار
أخرج الطبري وغيره وقالوا: كتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم:
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: فإن الله عز وجل بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا، فبلغ عن الله ما أمره
به ثم مضى وقد قضى الذي عليه وخلف فينا كتابه فيه حلاله وحرامه، وبيان الأمور
191

التي قدر فأمضاها على ما أحب العباد وكرهوا، فكان الخليفة أبو بكر رضي الله عنه
وعمر رضي الله عنه ثم أدخلت في الشورى عن غير علم ولا مسألة عن ملأ من الأمة،
ثم أجمع أهل الشورى عن ملأ منهم ومن الناس على غير طالب مني ولا محبة، فعملت
فيهم ما يعرفون ولا ينكرون، تابعا غير مستتبع، متبعا غير مبتدع، مقتديا غير متكلف،
فلما انتهت الأمور، وانتكث الشر بأهله، بدت ضغائن وأهواء على غير إجرام ولا ترة
فيما مضى إلا إمضاء الكتاب، فطلبوا أمرا وأعلنوا غيره بغير حجة ولا عذر، فعابوا علي
أشياء مما كانوا يرضون وأشياء عن ملأ من أهل المدينة لا يصلح غيرها، فصبرت لهم نفسي و
كففتها عنهم منذ سنين، وأنا أرى وأسمع، فازدادوا على الله عز وجل جرأة حتى أغاروا علينا
في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمه وأرض الهجرة، وثابت إليهم الأعراب، فهم كالأحزاب
أيام الأحزاب أو من غزانا بأحد إلا ما يظهرون، فمن قدر على اللحاق بنا فليلحق.
فأتى الكتاب أهل الأمصار فخرجوا على الصعبة والذلول، فبعث معاوية حبيب
ابن مسلمة الفهري، وبعث عبد الله بن سعد معاوية بن خديج السكوني، وخرج من أهل
الكوفة القعقاع بن عمرو. الحديث.
كتابه إلى أهل مكة
ومن حضر الموسم سنة 35
ذكر ابن قتيبة قال: كثب عثمان كتابا بعثه مع نافع طريف إلى أهل مكة و
من حضر الموسم يستغيثهم فوافى به نافع يوم عرفة بمكة وابن عباس يخطب وهو يومئذ
على الناس كان قد استعمله عثمان على الموسم فقام نافع ففتح الكتاب فقرأه فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى من حضر الحج من المسلمين. أما بعد: فإني
كتبت إليكم كتابي هذا وأنا محصور أشرب من بئر القصور، ولا آكل من الطعام ما يكفيني،
خيفة أن تنفد ذخيرتي فأموت جوعا أنا ومن معي، لا أدعى إلى توبة أقبلها، ولا تسمع
مني حجة أقولها، فأنشد الله رجلا من المسلمين بلغه كتابي إلا قدم علي فأخذ الحق
في ومنعني من الظلم والباطل.
192

قال: ثم ابن عباس فأتم خطبته ولم يعرض لشئ به شأنه.
قال الأميني: هذا ما يمكننا أن نؤمن به من كتاب عثمان إلى الحضور في الموسم
وهناك كتاب مفصل إلى الحاج ينسب إليه يتضمن آيا من الحكم والموعظة الحسنة
يطفح عن جوانبه الورع الشديد في دين الله، والأخذ بالكتاب والسنة، والاحتذاء
بسيرة الشيخين، يبعد جدا عن نفسيات عثمان وعما عرفته الأمة من تاريخ حياته،
والكتاب أخرجه الطبري في تاريخه 5 140 - 143 وراق الدكتور طه حسين ما وجد
فيه من المعاني الراقية والجمل الرائقة، والفصول القيمة فذكره في ملحق كتابه " الفتنة
الكبرى " ص 227 - 231 ذاهلا عن أن الكتاب لم يرو إلا من طريق ابن أبي سبرة
القرشي العامري المدني الوضاع الكذاب السابق ذكره في سلسلة الوضاعين في الجزء
الخامس، قال الواقدي: كان كثير الحديث وليس بحجة، وقال صالح بن أحمد عن
أبيه: كان يضع الحديث. قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس بشئ كان يضع الحديث
ويكذب، وعن ابن معين ليس حديثه بشئ، ضعيف الحديث، وقال ابن المديني: كان
ضعيفا في الحديث، وقال مرة: كان منكر الحديث. وقال الجوزجاني: يضعف حديثه.
وقال البخاري: ضعيف. وقال مرة: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ وهو في جملة من يضع الحديث. وقال ابن
حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به. وقال الحاكم أبو
عبد الله: يروي الموضوعات عن الاثبات (1).
نظرة في الكتب المذكورة
لقد تضمنت هذه الكتب أشياء هي كافية في إثارة عواطف المؤمنين على من كتبها
ولو لم يكن له سابقة سوء غيرها. منها:
قوله عن المهاجرين والأنصار وليس في المدينة غيرهم: إن أهل المدينة قد كفروا،
واخلفوا الطاعة، ونكثوا البيعة. وقوله: فهم كالأحزاب أيام الأحزاب أو من غزانا
بأحد. وهو يريد أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، المشهود لهم جمعاء بالعدالة عند قاطبة أهل السنة،
ولقد صعدوا وصوبوا في إثبات ذلك بما لا مزيد عليه عندهم، ولا يزالون يحتجون بأقوالهم

(1) راجع تاريخ الخطيب 14: 367 - 372، تهذيب التهذيب 12: 27.
193

وما يؤثر عنهم من قول أو عمل في أحكام الدين، كما يحتجون بما يؤثر عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم من السنة، ثقة بإيمانهم، وطمأنينة بعدالتهم، ويرون أنهم لا ينبسون ببنت شفة
ولا يخطون في أمر الدين خطوة إلا بأثر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسموع أن منقول:
أو مشاهدة عمل منه صلى الله عليه وآله وسلم يطابق ما يرتأونه أو يعملون به، فهل على مؤمن هذا شأنه
قذف أثقل عليه من هذا؟ أو تشويه أمس بكرامته من ذلك؟ ولعمر الحق أن من
يغض عن مثله فلا يستثيره خلو عن العاطفة الدينية، خلو عن الحماس الاسلامي،
خلو عن الشهامة المبدئية، خلو عن الغيرة على الحق، خلو وخلو. ولذلك اشتدت
الصحابة عليه بعد وقوفهم على هذا وأمثاله.
ثم إنه ليس لأحد طاعة مفترضة على أعناق المسلمين بعد الله ورسوله إلا إمام
حق يعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والمتجمهرون على عثمان وهم الصحابة
أجمع كانوا يرون أنه تخطاهما، وأن ما كان ينوء به من فعل أو قول قد عديا الحق
منهما، فأي طاعة واجبة والحال هذه وحسبان القوم كما ذكرناه حتى يؤاخذوا
على الخلف؟.
والبيعة إنما لزمت إن كان صاحبها باقيا على ما بويع عليه، والقوم إنما بايعوه
على متابعة الكتاب والسنة والمضي على سيرة الشيخين، وبطبع الحال أنها تنتكث
عند نكوص صاحبها عن الشروط، وهو الذي نقمه المسلمون على خليفتهم، فلا موجب
لمؤاخذتهم أو منابذتهم، وهاهنا رأى المسلمون أن الرجل زاد ضغثا على أبالة، فهو
على أحداثه الممقوتة طفق يستثير الجنود عليهم، ويعرضهم على القتل والنهب، فتداركوا
الأمر فأوردوه حياض المنية قبل أن يجلب إليهم البلية، وتلافوا الأمر قبل أن يمسهم
الشر، وما بالهم لا تستثيرهم تلكم القذائف؟ وهم يرون أنهم هم الذين آووا ونصروا
ولم يألوا جهدا في جهاد الكفار حتى ضرب الدين بجرانه، فمن العجيب والحالة هذه
أن يشبهوا بالأحزاب والكفرة يوم أحد.
* (ومنها) * تلونه في باب التوبة التي تظاهر بها على صهوة المنبر بملأ من
الصحابة، وسجل ذلك بكتاب شهد عليه عدة من أعيان الأمة وفي مقدمهم سيدنا
أمير المؤمنين علي عليه السلام، وكتب ذلك إلى الأمصار النائية كما تقدم في صفحة 171 و
194

هو في كل ذلك يعترف بالخطيئة ويلتزم بالإقلاع عنها، لكنه سرعان ما نكث التوبة
وأبطل المواثيق المؤكدة بكتبه هذه، إذ حسب أن من يكتب إليهم سينفرون إليه مقانب
وكتائب وهم أولياءه ومواليه، فنفى عنه المآثم التي شهد عليها أهل المدينة بل وأهل
الأمصار من خيرة الأمة، وهو يريد أن يقلب عليهم ظهر المجن، فيؤاخذ وينتقم وكأنه
نسي ذلك كله حتى قال: في كتابه إلى أهل مكة: لا أدعى إلى توبة أقبلها، ولا تسمع
مني حجة أقولها:
يقول له المحامي عن المدنيين: أو لم تدع أيها الخليفة إلى التوبة فتبت على
الأعواد وعلى رؤس الاشهاد مرة بعد أخرى؟ لكنهم وجدوك لا تقر على قرار، ولا
تستمر على مبدء، وشاهدوك تتلون تلون الحرباء (1) فجزموا بأن التوبة لا تردعك عن
الأحداث، وأن النزوع لا يزعك عن الخطايا، وجئت تماطل القوم بذلك كله حتى يوافيك
جيوشك فتهلك الحرث والنسل، وتمكن من أهل دار الهجرة مثل يزيد بن كرز الذي
يقول: لو دخلت المدينة وعثمان حي ما تركت بها محتلما إلا قتلته. الخ،
عرف القوم أيها الخليفة نواياك السيئة فيهم، وعرفوا انحرافك عن الطريقة المثلى
بإبعاد مروان إياك عنها كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وهو يخاطبك: أما رضيت
من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعن عقلك؟ وإن مثلك مثل الظعينة
يقاد حيث يسار به (2) فنهضوا للدفع عنهم وعن بيضة الاسلام من قبل أن يقعوا بين الناب
والمخلب، فوقع ما وقع وكان أمر الله قدرا مقدورا.
ولنا هاهنا مناقشة أخرى في حساب الخليفة فنقول له: ما بالك تكر رأيها الخليفة
قولك عن الخلافة: إنها رداء الله الذي كساني. أو إنها قميص سربلنيه الله. أو ما يماثل
ذلك؟ تطفح به كتبك أو يطفو على خطبتك، ويلوكها فمك بين كلمك، كأنك قد
حفظتها كلمة ناجعة لدينك ودنياك، واتخذتها وردا لك كأنك تحاذر في تركها النسيان
غير أنه عزب عنك محاسبة من تخاطبهم بها إياك، فما جواب قومك إن قالوا لك؟
متى سربلك الله بهذا القميص؟ وقد مات من سربلك، وانقلب عليك بعد قبل موته

(1) الحرباء: ضرب من الزحافات تتلون في الشمس ألوانا مختلفة، يضرب بها المثل في المنقلب
(2) راجع ما مر في صفحة 174، 175 من هذا الجزء.
195

وعددته لذلك منافقا، وأوصى أن لا تصلي عليه أنت، وكان يقول لعلي أمير المؤمنين
خذ سيفك وآخذ سيفي إنه قد خالف ما أعطاني، وكان يحث الناس عليك ويقول:
عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه، وحلف أن لا يكلمك أبدا، وقد دخلت عليه عائدا في مرضه
فتحول إلى الحائط ولم يكلمك (1) وهاجرك إلى آخر نفس لفظه. وتبعه على خلافك
الباقون من أهل الشورى.
وكلنا نحسب أن نصب الخليفة لا يجب على الله سبحانه إن كنا مقتفين أثر الشيخين
وإنما هو مفوض إلى الأمة تختار عليها من شاءت، وإن حدنا في ذلك من قول الله
تعالى: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة (2) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا
قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (3) وعن نصوص النبي الأعظم
وقد مر شطر منها في غضون أجزاء كتابنا هذا.
فهل ترى أيها الخليفة أنه كان يجب على الله سبحانه أن يمضي خيرة الأمة؟
أكان في رأي الجليل إعواز في تقييض الإمام بنفسه حتى ينتظر في ذلك مشتبك آراء
الأمة أو مرتبك أهوائهم فيمضي ما ارتأوه؟ وبهذه المناسبة تنسب ذلك السربال إليه،
لا أضنك أيها الخليفة يسعك أن تقرر ما استفهمناه، غير أن آخر دعواك بعد العجز
عن الجواب: لا أنزع قميصا ألبسنيه الله.
وعلى كل لقد أوقفنا موقف الحيرة في أمر هذا السريال ومن حاكه والنول
الذي حيك عليه، فقد وجدنا أول الخلفاء تسربله بانتخاب غير دستوري بانتخاب جر
الويلات على الأمة حتى اليوم، بانتخاب سود صحيفة التاريخ وشوه سمعة السلف،
وقد تقمصه ابن أبي قحافة وهو يعلم أن في الأمة من محله من الخلافة محل القطب
من الرحى، ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير، كما قاله مولانا أمير المؤمنين ثم
مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده، فيا عجبا يستقيلها في حياته إذ عقدها
لآخر بعد وفاته (4) فتقمصه الثاني بالنص ممن قبله وهو يعلم أن في الأمة من هو

(1) راجع ما مر في هذا الجزء من حديث عبد الرحمن بن عوف ص 86 - 91.
(2) سورة القصص: 67.
(3) سورة الأحزاب: 36.
(4) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع ص 81 ط 2.
196

أولى منه كما قال مولانا أمير المؤمنين (1) وسربلك إياه أيها الخليفة عبد الرحمن بن عوف
وفي لسانه قوله لعلي: بايع وإلا ضربت عنقك، ولم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره،
فخرج علي مغضبا فلحقه أصحاب الشورى قائلين: بايع وإلا جاهدناك (2). فأي من
هذه السرابيل منسوج بيد الحق حتى يصح عزوه إليه سبحانه؟ ولهذا البحث ذيول ضافية
حولها أبحاث مترامية الأطراف، حول خلافة الخلفاء من بني أمية وغيرهم يشبه بعضها
بعضا، ولعلك في غنى عن التبسط في ذلك والاسترسال حول توثبهم على عرش الإمامة.
نعم: الخلافة التي يصح فيها أن يقال: إنها سربال من الله سبحانه، هي التي قيض
صاحبها المولى جلت قدرته، وبلغ عنه نبيه الأمين صلى الله عليه وآله وسلم، هي التي أخبر به النبي
الأعظم به أول يومه فقال: إن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء (3) فهي إمرة إلهية
لا تتم إلا بالنص وليس لصاحبها أن ينزعها، هي التي قرنت بولاية الله ورسوله في قوله
تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا (4) وهي التي أكمل الله بها الدين وأتم
بها النعمة (5) وشتان بينها وبين رجال الانتخاب وإن كان دستوريا؟.
وأما ما ارتآه المتجمهرون وعبثت به الميول والشهوات، فهي سلطة عادية يفوز
بها المتغلبون، وبيد الأمة حلها وعقدها، والغاية منها عند من يحذو حذو الخليفة في
جملة من الصولات كلائة الثغور، واقتصاص القاتل، وقطع المتلصص، إلى آخر ما مر
تفصيله في الجزء السابع صفحة 131 - 151 ط 2 وليس في عهدة المتسلق على عرشه تبليغ
الأحكام، وترويض النفوس، وتهذيب الأخلاق، وتعليم الملكات الفاضلة، وتربية الملأ
في عالم النشو والارتقاء، فإن تلكم الغايات في تلكم السلطات تحصل بمن هو خلو
عن ذلك كله كما شوهد فيمن فاز بها عن غير نص إلهي.

(1) يأتي حديثه بلفظه.
(2) الأنساب للبلاذري 5: 22.
(3) مر حديثه في الجزء السابع ص 134 ط 2.
(4) راجع ما مضى في الجزء الثاني ص 47، والجزء الثالث ص 155 - 167 ط 2.
(5) راجع الجزء الأول من كتابنا هذا ص 230 - 239 ط 2.
197

يوم الدار والقتال فيها
أخرج ابن سعد في طبقاته 5: 25 ط ليدن من طريق أبي حفصة مولى مروان
قال: خرج مروان بن الحكم يومئذ يرتجز ويقول: من يبارز؟ فبرز إليه عروة بن شييم
بن البياع الليثي فضربه على قفاه بالسيف فخر لوجهه فقام إليه عبيد بن رفاعة بن رافع
الزرقي بسكين معه ليقطع رأسه فقامت إليه أمه التي أرضعته وهي فاطمة الثقفية وهي
جدة إبراهيم بن العربي صاحب اليمامة فقالت: إن كنت تريد قتله؟ فقد قتله، فما
تصنع بلحمه أن تبضعه؟ فاستحى عبيد بن رفاعة منها فتركه.
وروى عن عياش بن عباس قال: حدثني من حضر ابن البياع يومئذ يبارز مروان بن
الحكم: فكأني أنظر إلى قبائه قد أدخل طرفيه في منطقته وتحت القباء الدرع، فضرب
مروان على فقاه ضربة فقطع علابي رقبته ووقع لوجهه فأرادوا أن يذففوا عليه فقيل:
تبضعون اللحم؟ فترك.
وأخرج البلاذري من طريق خالد بن حرب قال: لجأ بنو أمية يوم قتل عثمان
إلى أم حبيبة (1) فجعلت آل العاص وآل أبي العاص وآل أسيد في كندوج (2) وجعلت
سائرهم في مكان آخر، ونظر معاوية يوما إلى عمرو بن سعيد يختال في مشيته فقال: بأبي
وأمي أم حبيبة، ما كان أعلمها بهذا الحي حين جعلتك في كندوج؟.
قال: ومشى الناس إلى عثمان وتسلقوا عليه من دار بني حزم الأنصاري، فقاتل
دونه ثلاثة من قريش: عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود (3). عبد الله بن عوف
ابن السباق (4). وعبد الله (5) بن عبد الرحمن بن العوام، وكان عبد الله بن عبد الرحمن

(1) زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله.
(2) كندوج: شبه المخزن في البيت.
(3) قال ابن الأثير في أسد الغابة 3: 273، قتل يوم الجمل أو يوم الدار وقال ابن حجر
في الإصابة 2: 381: قتل يوم الدار.
(4) هو عبد الله بن أبي مرة " أبي ميسرة " العبدري قتل مع عثمان كما في الاستيعاب 2: 3، و
الإصابة 2: 367.
(5) ذكر أبو عمر في الاستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة عبد الرحمن، وابن حجر
في الإصابة 2: 415: إنه ممن قتل يوم الدار.
198

ابن العوام يقول: يا عباد الله! بيننا وبينكم كتاب الله. فشد عليه عبد الرحمن بن عبد الله
الجمحي وهو يقول:
لأضربن اليوم بالقرضاب * بقية الكفار والأحزاب
ضرب امرئ ليس بذي ارتياب * أأنت تدعونا إلى الكتاب؟
نبذته في سائر الأحقاب
فقتله، وشد جماعة من الناس على عبد الله بن وهب بن زمعة، وعبد الله بن عوف
ابن السباق، فقتلوهما في جانب الدار.
جاء مالك الأشتر حتى انتهى إلى عثمان فلم ير عنده أحدا فرجع فقال له مسلم
بن كريب القابضي من همدان: أيا أشتر! دعوتنا إلى قتل رجل فأجبناك حتى إذا نظرت
إليه نكصت عنه على عقبيك. فقال له الأشتر: لله أبوك أما تراه ليس له مانع ولا عنه
وازع؟ فلما ذهب لينصرف قال ناتل مولى عثمان: واثكلاه هذا والله الأشتر الذي سعر
البلاد كلها على أمير المؤمنين، قتلني الله إن لم أقتله. فشد في أثره فصاح به عمرو بن
عبيد الحارثي من همدان: وراءك الرجل يا أشتر! فالتفت الأشتر إلى ناتل فضربه بالسيف
فأطار يده اليسرى ونادى الأشتر: يا عمرو بن عبيد إليك الرجل فاتبع عمرو ناتلا فقتله.
وقال مروان في يوم الدار:
وما قلت يوم الدار للقوم: حاجزوا * رويدا ولا اختاروا الحياة على القتل
ولكنني قد قلت للقوم: قاتلوا * بأسيافكم لا يوصلن إلى الكهل
وفي رواية أبي مخنف: تهيأ مروان وعدة معه للقتال فنهاهم عثمان فلم يقبلوا منه
وحملوا على من دخل الدار فأخرجوهم. ورمي عثمان بالحجارة من دار بني حزم بن
زيد الأنصاري ونادوا: لسنا نرميك، الله يرميك، فقال: لو رماني الله لم يخطأني، و
شد المغيرة بن الأخنس بالسيف وهو يقول:
قد علمت جارية عطبول * لها وشاح ولها جديل
أني لمن حاربت ذو تنكيل
فشد عليه رفاعة بن رافع وهو يقول:
قد علمت خود صحوب للذيل * ترخي قرونا مثل أذناب الخيل
199

أن لقرني في الوغى مني الويل
فضربه على رأسه بالسيف فقتله. ويقال: بل قتله رجل من عرض الناس، وخرج
مروان بن الحكم وهو يقول:
قد علمت ذات القرون الميل * والكف والأنامل الطفول
أني أروع أول الرعيل
ثم ضرب عن يمينه وشماله فحمل عليه الحجاج بن غزية وهو يقول:
قد علمت بيضاء حسناء الطلل * واضحة الليتين قعساء الكفل
أني غداة الروع مقدام بطل
فضربه على عنقه بالسيف فلم يقطع سيفه وخر مروان لوجهه وجاءت فاطمة بنت
شريك الأنصارية من بلي - وهي أم إبراهيم بن عربي الكناني الذي كان عبد الملك
ابن مروان ولاه اليمامة وهي التي كانت ربت مروان - فقامت على رأسه ثم أمرت به
فحمل، وادخل بيتا فيه كنه (1) وشد عامر بن بكير الكناني وهو بدري على سعيد بن
العاص بن سعيد بن العاص بن أمية فضربه بالسيف على رأسه، وقامت نائلة بنت الفرافصة
على رأسه ثم احتملته فأدخلته بيتا وأغلقت بابه (2).
وفي رواية الطبري من طريق أبي حفصة مولى مروان: لما حصر عثمان رضي الله
عنه شمرت معه بنو أمية، ودخل معه مروان الدار فكنت معه في الدار، فأنا والله
أنشبت القتال بين الناس رميت من فوق الدار رجلا من أسلم فقتلته وهو نيار الأسلمي
فنشب القتال، ثم نزلت فاقتتل الناس على الباب، فأرسلوا إلى عثمان أن أمكنا من قاتله
قال: والله ما أعرف له قاتلا فباتوا ينحرفون علينا ليلة الجمعة بمثل النيران، فلما أصبحوا
غدوا فأول من طلع علينا كنانة بن عتاب في يده شعلة من نار على ظهر سطوحنا قد فتح
له من دار آل حزم، ثم دخلت الشعل على أثره تنضح بالنفط فقاتلناهم ساعة على الخشب
وقد اضطرم الخشب، فأسمع عثمان يقول لأصحابه: ما بعد الحريق شئ قد احترق
الخشب واحترقت الأبواب ومن كانت لي عليه طاعة فليمسك داره، ثم قال لمروان:

(1) كنة بالضم: جناح يخرج من الحائط. والسقيفة تشرع فوق باب الدار: وقيل: هو مخدع
أو رف يشرع في البيت.
(2) الأنساب 5: 78 - 81.
200

اجلس فلا تخرج. فعصاه مروان فقال: والله لا تقتل ولا يخلص إليك وأنا أسمع الصوت
ثم خرج إلى الناس فقلت: ما لمولاي مترك. فخرجت معه أذب عنه ونحن قليل فأسمع
مروان يقول:
قد علمت ذات القرون الميل * والكف والأنامل الطفول
أني أروع أول الرعيل * بفاره مثل قطا الشليل
وقال أبو بكر بن الحارث: كأني أنظر إلى عبد الرحمن بن عديس البلوي وهو
مسند ظهره إلى مسجد نبي الله صلى الله عليه وسلم وعثمان محصور فخرج مروان فقال: من يبارز؟
فقال عبد الرحمن بن عديس لفلان بن عروة (1): قم إلى هذا الرجل. فقام إليه غلام شاب
طوال فأخذ رفيف الدرع فغرزه في منطقته فأعور له عن ساقه فأهوى له مروان وضربه
ابن عروة على عنقه، فكأني أنظر إليه حين استدار وقام إليه عبيد بن رفاعة الزرقي ليدفف
عليه (إلى آخر ما مر عن ابن سعد).
ومن طريق حسين بن عيسى عن أبيه قال: لما مضت أيام التشريق أطافوا بدار
عثمان رضي الله عنه، وأبى إلا الإقامة على أمره، وأرسل إلى حشمه وخاصته فجمعهم
فقام رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: نيار بن عياض وكان شيخا كبيرا فنادى: يا
عثمان! فأشرف عليه من أعلى داره فناشده الله وذكره الله لما اعتزلهم، فبينا هو يراجعه
الكلام إذا رماه رجل من أصحاب عثمان فقتله بسهم، وزعموا أن الذي رماه كثير بن
الصلت الكندي، فقالوا لعثمان عند ذلك: إدفع إلينا قاتل نيار بن عياض فلنقتله به. فقال:
لم أكن لأقتل رجلا نصرني وأنتم تريدون قتلي، فلما رأوا ذلك ثاروا إلى بابه فأحرقوه،
وخرج عليهم مروان بن الحكم من دار عثمان في عصابة، وخرج سعيد بن العاص في
عصابة، وخرج المغيرة بن الأخنس الثقفي في عصابة، فاقتتلوا قتالا شديدا، وكان الذي
حداهم على القتال أنه بلغهم أن مددا من أهل البصرة قد نزلوا صرارا وهي من المدينة
على ليلة، وأن أهل الشام قد توجهوا مقبلين فقاتلوهم قتالا شديدا على باب الدار فحمل
المغيرة بن الأخنس الثقفي على القوم وهو يقول مرتجزا:

(1) لعل الصحيح: عروة بن شييم البياع الليثي كما جاء في رواية الطبري في تاريخه 5، 133
ومر في ص 198 من رواية ابن سعد في طبقاته.
201

قد علمت جارية عطبول * لها وشاح ولها حجول
أني بنصل السيف خنشليل
فحمل عليه عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو يقول:
إن تك بالسيف كما تقول * فاثبت لقرن ماجد يصول
بمشرفي حده مصقول
فضربه عبد الله فقتله، وحمل رفاعة بن رافع الأنصاري ثم الزرقي على مروان
ابن الحكم فضربه فصرعه فنزع عنه وهو يرى أنه قد قتله، وجرح عبد الله بن الزبير جراحات
وانهزم القوم حتى لجأوا إلى القصر فاعتصموا ببابه فاقتلوا عليه قتالا شديدا فقتل في
المعركة على الباب زياد بن نعيم الفهري (1) في ناس من أصحاب عثمان فلم يزل الناس
يقتتلون حتى فتح عمرو بن حزم الأنصاري باب داره وهو إلى جنب دار عثمان بن
عفان ثم نادى الناس، فأقبلوا عليهم من داره فقاتلوهم في جوف الدار حتى انهزموا
وخلي لهم عن باب الدار فخرجوا هرابا في طريق المدينة، وبقي عثمان في أناس من
أهل بيته وأصحابه فقتلوا معه وقتل عثمان رضي الله عنه (2).
وفر خالد بن عقبة بن أبي معيط أخو الوليد يوم الدار، وإليه أشار عبد الرحمن
ابن سيحان (3) بقوله:
يلومونني إن جلت في الدار حاسرا * وقد مر منها خالد وهو دارع (4)
فإن كان نادى دعوة فسمعتها * فشلت يدي واستك مني المسامع
فقال خالد:
لعمري لقد أبصرتهم فتركتهم * بعينك إذ ممشاك في الدار واسع (5)
وقال أبو عمر: قتل المغيرة بن الأخنس يوم الدار مع عثمان رحمه الله وله يوم

(1) عده من قتلى يوم الدار أبو عمر في الاستيعاب وابن حجر في الإصابة.
(2) تاريخ الطبري 5: 122 - 125 الكامل لابن الأثير 3: 73، 74.
(3) كذا في الأنساب وفي الاستيعاب والإصابة: أزهر بن سحبان.
(4) في الأنساب للبلاذري:
يلومونني في الدار إن غبت عنهم * وقد فر عنهم خالد وهو دارع
(5) الأنساب 5: 117، الاستيعاب 1: 155، الإصابة 1: 103، 410.
202

الدار أخبار كثيرة، ومنها: إنه قال لعثمان حين أحرقوا بابه: والله لا قال الناس عنا إنا
خذلناك وخرج بسيفه وهو يقول:
لما تهدمت الأبواب واحترقت * يممت منهن بابا غير محترق
حقا أقول لعبد الله آمره * إن لم تقاتل لدى عثمان فانطلق
والله لا أتركه ما دام بي رمق * حتى يزايل بين الرأس والعنق
هو الإمام فلست اليوم خاذله * إن الفرار علي اليوم كالسرق
وحمل على الناس فضربه رجل على ساقه فقطعها ثم قتله. فقال رجل من بني
زهرة لطلحة بن عبيد الله: قتل المغيرة بن الأخنس فقال: قتل سيد حلفاء قريش. راجع
" الاستيعاب " ترجمة المغيرة.
وقال ابن كثير في تاريخه 7: 188: ومن أعيان من قتل من أصحاب عثمان زياد
ابن نعيم الفهري، والمغيرة بن الأخنس بن شريق، ونيار بن عبد الله الأسلمي، في أناس
وقت المعركة.
قال الأميني: لقد حدتني إلى سرد هذه الأحاديث الدلالة بها منضمة إلى ما
سبقها من الأخبار على أنه لم يكن مع عثمان من يدافع عنه غير الأمويين ومواليهم
وحثالة ممن كان ينسج على نولهم تجاه هياج المهاجرين والأنصار فقتل من أولئك من
قتل، وضم إليه كندوج أم حبيبة آخرين، وتفرق شذاذ منهم هاربين في أزقة المدينة،
فلم يبق إلا الرجل نفسه وأهله حتى انتهت إليه نوبة القتل من دون أي مدافع عنه،
فتحفظ على هذا فإنه سوف ينفعك فيما يأتي من البحث عن سلسلة الموضوعات.
(لفت نظر) عد نيار بن عبد الله بن أصحاب عثمان كما فعله ابن كثير غلط
فاحش دعاه إليه حبه إكثار عدد المدافعين عن الخليفة المقتولين دونه، وقد عرفت
أنه كان شيخا كبيرا حضر ذلك الموقف للنصيحة والموعظة الحسنة لعثمان فقتله مولى
مروان بسهم، فشب به القتال، وطولب عثمان بقاتله ليقتص منه وامتنع عن دفعه فهاج
بذلك غضب الأنصار عليه.
203

حديث مقتل عثمان
إنا لله وإنا إليه راجعون
أخرج الطبري في تاريخه وغيره من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام قال: أشرف
عثمان على الناس وهو محصور وقد أحاطوا بالدار من كل ناحية فقال: أنشدكم بالله
عز وجل هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي
الله عنه أن يخير لكم وأن يجمعكم على خيركم؟ فما ظنكم بالله؟ أتقولونه لم يستجب
لهم وهنتم على الله سبحانه؟ وأنتم يومئذ أهل حقه من خلقه، وجميع أموركم لم تتفرق.
أم تقولون: هان على الله دينه فلم يبال من ولاه؟ والدين يومئذ يعبد به الله ولم يتفرق
أهله فتوكلوا، أو تخذلوا وتعاقبوا، أم تقولون: لم يكن أخذ عن مشورة؟ وإنما كابرتم
مكابرة، فوكل الله الأمة إذا عصته، لم تشاوروا في الإمام، ولم يجتهدوا في موضع
كراهته، أم تقولون: لم يدر الله ما عاقبة أمري؟ فكنت في بعض أمري محسنا ولأهل
الدين رضى فما أحدثت بعد في أمري ما يسخط الله وتسخطون مما لم يعلم الله سبحانه
يوم اختارني وسربلني سربال كرامته، وأنشدكم بالله هل تعلمون لي من سابقة خير و
سلف خير قدمه الله لي، وأشهدنيه من حقه وجهاد عدوه؟ حق على كل من جاء من
بعدي أن يعرفوا لي فضلها، فمهلا لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد
إحصانه أو كفر بعد إسلامه، أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها، فإنكم إن قتلتموني وضعتم
السيف على رقابكم ثم لم يرفعه الله عنكم إلى يوم القيامة ولا تقتلوني فإنكم إن
قتلتموني لم تصلوا من بعدي جميعا أبدا، ولم تقتسموا بعدي فئ جميعا أبدا، ولن
يرفع الله عنكم الاختلاف أبدا.
قالوا له: أما ما ذكرت من استخارة الله عز وجل الناس بعد عمر رضي الله عنه
فيمن يولون عليهم ثم ولوك بعد استخارة الله، فإن كل ما صنع الله الخيرة، ولكن
الله سبحانه جعل أمرك بلية ابتلى بها عباده.
وأما ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك قد كنت ذا قدم
204

وسلف وكنت أهلا للولاية ولكن بدلت بعد ذلك وأحدثت ما قد علمت.
وأما ما ذكرت مما يصيبنا إن نحن قتلناك من البلاء فإنه لا ينبغي ترك إقامة
الحق عليك مخافة الفتنة عاما قابلا.
وأما قولك: إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة، فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة
الذين سميت: قتل من سعى في الأرض فسادا، وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه، و
قتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه، وقد بغيت، ومنعت
للحق وحلت دونه وكابرت عليه، تأبى أن تقيد من نفسك من ظلمت عمدا، وتمسكت
بالإمارة علينا، وقد جرت في حكمك وقسمك، فإن زعمت أنك لم تكابرنا عليه وأن
الذين قاموا دونك ومنعوك منا إنما يقاتلون بغير أمرك فإنما يقاتلون لتمسكك بالإمارة
فلو أنك خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال دونك.
قال البلاذري وغيره: لما بلغ أهل مصر ومن معهم ممن حاصر عثمان ما كتب به إلى
ابن عامر ومعاوية فزادهم ذلك شدة عليه وجدا في حصاره وحرصا على معاجلته بالقتل.
وكان طلحة قد استولى على أمر الناس في الحصار، وأمرهم بمنع من يدخل عليه
والخروج من عنده، وأن يدخل إليه الماء، وأتت أم حبيبة بنت أبي سفيان بادواة وقد
اشتد عليه الحصار فمنعوها من الدخول فقالت: إنه كان المتولي لوصايانا وأمر أيتامنا
وأنا أريد مناظرته في ذلك، فأذنوا لها فأعطته الأدواة.
وقال جبير بن مطعم: حصر عثمان حتى كان لا يشرب إلا من فقير في داره فدخلت
على علي فقلت: أرضيت بهذا أن يحصر ابن عمتك حتى والله ما يشرب إلا من فقير في
داره؟ فقال: سبحان الله أو قد بلغوا به هذه الحال؟ قلت: نعم، فعمد إلى روايا ماء فأدخلها
إليه فسقاه.
ولما وقعت الواقعة، وقام القتال، وقتل في المعركة زياد بن نعيم الفهري في ناس
من أصحاب عثمان، فلم يزل الناس يقتتلون حتى فتح عمرو بن حزم الأنصاري باب داره
وهو إلى جنب دار عثمان بن عفان ثم نادى الناس فأقبلوا عليهم من داره فقاتلوهم في
جوف الدار حتى انهزموا وخلي لهم عن باب الدار فخرجوا هرابا في طرق المدينة و
بقي عثمان في أناس من أهل بيته وأصحابه فقتلوا معه وقتل عثمان رضي الله عنه
205

أخرج ابن سعد والطبري من طريق عبد الرحمن بن محمد قال: إن محمد بن أبي
بكر تسور على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب، وسودان
ابن حمران، وعمرو بن الحمق، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف سورة
البقرة فتقدمهم محمد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال: قد أخزاك الله يا نعثل! فقال عثمان:
لست بنعثل، ولكن عبد الله وأمير المؤمنين. فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان و
فلان. فقال عثمان: يا ابن أخي! دع عنك لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه
فقال محمد: ما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك. فقال عثمان: أستنصر الله عليك و
أستعين به ثم طعن جبينه بمشقص (1) في يده.
وفي لفظ البلاذري: تناول عثمان المصحف ووضعه في حجره وقال: عباد الله! لكم
ما فيه، والعتبى مما تكرهون، اللهم اشهد، فقال محمد بن أبي بكر: الآن وقد عصيت
قبل وكنت من المفسدين، ثم رفع جماعة قداح كانت في يده فوجأ بها في خششائه
(2) حتى وقعت في أوداجه فحزت ولم تقطع، فقال: عباد الله! لا تقتلوني فتندموا و
تختلفوا.
وفي لفظ ابن كثير: جاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلا فأخذ بلحيته فعال
بها حتى سمعت وقع أضراسه فقال: ما أغنى عنك معاوية، وما أغنى عنك ابن عامر، و
ما أغنت عنك كتبك.
وفي لفظ ابن عساكر: قال محمد بن أبي بكر: على أي دين أنت يا نعثل؟ قال:
على دين الاسلام، ولست بنعثل ولكني أمير المؤمنين. قال: غيرت كتاب الله. فقال:
كتاب الله بيني وبينكم. فتقدم إليه وأخذ بلحيته وقال: إنا لا يقبل منا يوم القيامة
أن نقول: ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل، وشحطه بيده من البيت إلى
باب الدار وهو يقول: يا ابن أخي ما كان أبوك ليأخذ بلحيتي.
قال ابن سعد والطبري: ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في
أصل أذن عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه ثم علاه السيف حتى قتله.

(1) المشقص: نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض.
(2) الخششاء: العظم الدقيق العاري من الشعر الناتئ خلف الأذن.
206

وفي رواية ابن أبي عون: ضرب كنانة بن بشر التجيبي جبينه ومقدم رأسه بعمود
حديد فخر لجنبه، قال الوليد بن عقبة أو غيره:
علاه بالعمود أخو تجيب * فأوهى الرأس منه والجبينا (1)
وضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خر لجنبه فقتله، وأما عمرو بن الحمق
فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات، وقال: أما ثلاث منهن
فإني طعنتهن لله، وأما ست فإني طعنت إياهن لما كان في صدري عليه.
وأقبل عمير بن ضابئ عليه فكسر ضلعا من أضلاعه، وفي الإصابة: لما قتل عثمان
وثب عمير بن ضابئ عليه فكسر ضلعين من أضلاعه. وقال المسعودي: وكان فيمن مال عليه
عمير بن ضابئ البرجمي وخضخص بسيفه بطنه. وسيوافيك حديث آخر عنه لدة هذا.
وفي لفظ الطبري وابن عبد ربه وابن كثير: ضربوه على رأسه ثلاث ضربات، و
طعنوه في صدره ثلاث طعنات، وضربوه على مقدم العين فوق الأنف ضربة أسرعت في
العظم وقد أثخنوه وبه حياة وهم يريدون قطع رأسه فألقت نائلة وابنة شبيبة بن ربيعة
زوجتاه بنفسهما عليه، فقال ابن عديس: اتركوه. فتركوه ووطئتا وطئا شديدا. وفي
لفظ ابن كثير: في رواية: إن الغافقي بن حرب تقدم إليه بعد محمد بن أبي بكر فضربه
بحديدة في فيه.
وذكر البلاذري من طريق الحسن عن وثاب وكان مع عثمان يوم الدار وأصابته طعنتان
كأنهما كيتان قال: بعثني عثمان فدعوت الأشتر له فقال: يا أشتر! ما يريد الناس مني؟
قال: يخيرونك أن تخلع لهم أمرهم، أو تقص من نفسك وإلا فهم قاتلوك. قال: أما الخلع
فما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله، وأما القصاص فوالله لقد علمت أن صاحبي كانا
يعاقبان، وما يقوم بدني للقصاص، وأما قتلي فوالله لئن قتلتموني لا تتحابون بعدي أبدا
ولا تقاتلون عدوا جميعا أبدا.
وقال وثاب: أصابتني جراحة فأنا أنزف مرة وأقوم مرة، فقال لي عثمان: هل

(1) من المستغرب جدا أن أبا عمر ابن عبد البر ذكر هذا البيت في " الاستيعاب " في ترجمة مولانا
أمير المؤمنين بعد ذكر قتله وقال: قال شاعرهم:
علاه بالعمود أخو تجوب * فأوحى الرأس منه والجبينا.
207

عندك وضوء؟ قلت: نعم فتوضأ ثم أخذ المصحف فتحرم به من الفسقة فبينا هو كذلك
إذ جاء رويجل كأنه ذئب فاطلع ثم رجع، فقلنا لقد ردهم أمر ونهاهم، فدخل محمد
بن أبي بكر حتى جثى على ركبتيه، وكان عثمان حسن اللحية، فجعل يهزها حتى
سمع نقيض أضراسه ثم قال: ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك ابن عامر، فقال: يا ابن
أخي! مهلا فوالله ما كان أبوك ليجلس مني هذا المجلس، قال: فأشعره وتعاونوا عليه
فقتلوه.
وأخرج من طريق ابن سيرين قال: جاء ابن بديل إلى عثمان - وكان بينهما شحناء -
ومعه السيف وهو يقول: لأقتلنه، فقالت له جارية عثمان: لأنت أهون على الله من ذلك،
فدخل على عثمان فضربه ضربة لا أدري ما أخذت منه.
راجع طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 51، أنساب البلاذري 5: 72، 82، 83
92، 97، 98، الإمامة والسياسة 1: 39، تاريخ الطبري 5: 125، 131، 132،
العقد الفريد 2: 270، مروج الذهب 1، 442، الاستيعاب 2: 477، 478، تاريخ ابن
عساكر 4: 372، الكامل لابن الأثير 3: 72، 75، شرح ابن أبي الحديد 1: 166،
168، تاريخ ابن خلدون 2: 401، تاريخ أبي الفدا ج 1: 170، تاريخ ابن كثير 7،
184، 185، 187، 188، حياة الحيوان للدميري 1: 54، مجمع الزوائد 7: 232،
تاريخ الخميس 2: 263، السيرة الحلبية 2، 85، الإصابة 2: 215، إزالة الخفاء 2:
239 - 242.
تجهيز الخليفة ودفنه
أخرج الطبري من طريق أبي بشير العابدي قال: نبذ عثمان رضي الله عنه ثلاثة أيام
لا يدفن، ثم أن حكيم بن حزام القرشي ثم أحد بني أسد بن عبد العزى، وجبير
ابن مطعم كلما عليا في دفنه وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك، ففعل وأذن لهم علي،
فلما سمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله وهم
يريدون به حائطا بالمدينة يقال له: حش كوكب (1) كانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلما
خرج به على الناس رجموا سريره وهموا بطرحه، فبلغ ذلك عليا، فأرسل إليهم يعزم

(1) قال أبو عمر في " الاستيعاب " وياقوت في " المعجم " والمحب الطبري في " الرياض ":
كوكب رجل من الأنصار، والحش: البستان.
208

عليهم ليكفن عنه، ففعلوا فانطلق به حتى دفن رضي الله عنه في حش كوكب، فلما
ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع،
فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين.
ومن طريق أبي كرب - وكان عاملا على بيت مال عثمان - قال: دفن عثمان
رضي الله عنه بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم وثلاثة من
مواليه وابنته الخامسة فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه، وأخذ الناس الحجارة وقالوا:
نعثل نعثل، وكادت ترجم، فقالوا: الحائط الحائط، فدفن في حائط خارجا.
ومن طريق عبد الله بن ساعدة قال: لبث عثمان بعد ما قاتل ليلتين لا يستطيعون
دفنه ثم حمله أربعة: حكيم بن حزام، وجبير بن مطعم، ونيار بن مكرم، وأبو جهم
ابن حذيفة. فلما وضع ليصلى عليه جاء نفر من الصحابة يمنعونهم الصلاة عليه فيهم:
أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي، وأبو حية المازني في عدة ومنعوهم أن يدفن بالبقيع
فقال أبو جهم: ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته، فقالوا: لا والله لا يدفن في مقابر
المسلمين أبدا، فدفنوه في حش كوكب، فلما ملكت بنو أمية أدخلوا ذلك الحش
في البقيع، فهو اليوم مقبرة بني أمية.
ومن طريق عبد الله بن موسى المخزومي قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه
أرادوا حز رأسه فوقعت عليه نائلة وأم البنين فمنعهم وصحن وضربن الوجوه وخرقن
ثيابهن، فقال ابن عديس: اتركوه، فأخرج عثمان ولم يغسل إلى البقيع، وأرادوا
أن يصلوا عليه في موضع الجنائز فأبت الأنصار، وأقبل عمير بن ضابئ وعثمان موضوع
على باب فنزا عليه فكسر ضلعا من أضلاعه وقال: سجنت ضابئا حتى مات في السجن.
وأخرج ابن سعد والطبري من طريق مالك بن أبي عامر قال: كنت أحد حملة
عثمان رضي الله عنه حين قتل، حملناه على باب وأن رأسه لتقرع الباب لإسراعنا به،
وإن بنا من الخوف لأمرا عظيما حتى واريناه في قبره في حش كوكب.
وأخرج البلاذري من رواية أبي مخنف: إن عثمان رضي الله عنه قتل يوم الجمعة
فترك في داره قتيلا، فجاء جبير بن مطعم، وعبد الرحمن بن أبي بكر، ومسور بن مخرمة
الزهري، وأبو الجهم بن حذيفة العدوي ليصلوا عليه ويجنوه، فجاء رجال من الأنصار
209

فقالوا: لا ندعكم تصلون عليه، فقال أبو الجهم: ألا تدعونا نصلي عليه؟ فقد صلت عليه
الملائكة، فقال الحجاج بن غزية: إن كنت كاذب فأدخلك الله مدخله، قال: نعم حشرني
الله معه، قال ابن غزية: إن الله حاشرك معه ومع الشيطان، والله إن ترك إلحاقك،
به لخطأ وعجز. فسكت أبو الجهم، ثم إن القوم أغفلوا أمر عثمان وشغلوا عنه، فعاد
هؤلاء النفر فصلوا عليه ودفنوه، وأمهم جبير بن مطعم وحملت أم البنين بنت عيينة بن
حصن امرأة عثمان لهم السراج، وحمل على باب صغير من جريد قد خرجت عنه رجلاه
وأخرج حديث منع الصلاة عليه أبو عمر في " الاستيعاب " من طريق هشام بن عروة
عن أبيه.
وقال: إنه لقيهم قوم من الأنصار فقاتلوهم حتى طرحوه، ثم توطأ عمير بن
ضابئ بن الحارث بن أرطاة التميمي ثم البرجمي بطنه، وجعل يقول: ما رأيت كافرا
ألين بطنا منه، وكان أشد الناس على عثمان، فكان يقول يومئذ: أرني ضابئا، أحي لي
ضابئا ليرى ما عليه عثمان من الحال. وقال ابن قتيبة في الشعر والشعراء ص 128: جاء
عمير بن ضابئ حتى رفسه برجله.
قال البلاذري: ودفن عثمان في حش كوكب وهو نخل لرجل قديم يقال له:
كوكب، ثم أقبل الناس حين دفن إلى علي فبايعوه وأرادوا دفن عثمان بالبقيع فمنعهم
من ذلك قوم فيهم أسلم بن بجرة الساعدي، ويقال: جبلة بن عمرو الساعدي، وقال ابن
دأب: صلى عليه مسور بن مخرمة.
وقال المدائني عن الوقاضي عن الزهري: امتنعوا من دفن عثمان فوقفت أم حبيبة
بباب المسجد ثم قالت: لتخلن بيننا وبين دفن هذا الرجل أو لأكشفن ستر رسول الله
فخلوا بينهم وبين دفنه.
وأخرج من طريق أبي الزناد قال: خرجت نائلة امرأة عثمان ليلة دفن ومعها
سراج وقد شقت جيبها وهي تصيح: واعثماناه، وأمير المؤمنيناه، فقال لها جبير بن
مطعم: أطفئي السراج فقد ترين من الباب، فأطفأت السراج وانتهوا إلى البقيع، فصلى
عليه جبير وخلفه حكيم بن حزام، وأبو جهم، ونيار بن مكرم، ونائلة وأم البنين امرأتاه
ونزل في حفرته نيار وأبو جهم وجبير، وكان حكيم والامرأتان يدلونه على الرجال
210

حتى قبر وبني عليه وغموا قبره وتفرقوا. وفي لفظ أبي عمر: فلما دفنوه غيبوا قبره، وذكره
السمهودي في وفاء الوفاء 2: 99 من طريق ابن شبة عن الزهري.
وأخرج ابن الجوزي والمحب الطبري والهيثمي من طريق عبد الله بن فروخ قال:
شهدت عثمان بن عفان دفن في ثيابه بدمائه ولم يغسل. وقال المحب: خرجه البخاري
والبغوي في معجمه. وذكر ابن الأثير في " الكامل " وابن أبي الحديد في الشرح أنه لم
يغسل وكفن في ثيابه.
وأخرج أبو عمر في " الاستيعاب " من طريق مالك قال: لما قتل عثمان رضي الله
عنه ألقي على المزبلة ثلاثة أيام فلما كان من الليل أتاه اثنا عشر رجلا (1) فيهم حويطب
ابن عبد العزى، وحكيم بن حزام، وعبد الله بن الزبير فاحتملوه فلما صاروا به إلى المقبرة
ليدفنوه ناداهم قوم من بني مازن: والله لئن دفنتموه ههنا لنخبرن الناس غدا. فاحتملوه
وكان على باب وأن رأسه على الباب ليقول: طق طق، حتى صاروا به إلى حش كوكب
فاحتفروا له وكانت عائشة بنت عثمان رضي الله عنهما معها مصباح في جرة، فلما أخرجوه
ليدفنوه صاحت فقال لها ابن الزبير: والله لئن لم تسكتي لأضربن الذي في عيناك. فسكتت
فدفن.
وذكره المحب الطبري في " الرياض " نقلا عن القلعي، وذكر عن الخجندي أنه
أقام في حش كوكب ثلاثا مطروحا لا يصلى عليه.
وذكر الصفدي في تمام المتون ص 79 عن مالك أن عثمان ألقي على المزبلة ثلاثة
أيام.
وقال اليعقوبي: أقام ثلاثا لم يدفن وحضر دفنه حكيم، وجبير، وحويطب، و
عمرو بن عثمان ابنه، ودفن ليلا في موضع يعرف بحش كوكب، وصلى عليه هؤلاء
الأربعة وقيل: لم يصل عليه، وقيل: أحد الأربعة صلى عليه، فدفن بغير صلاة.
وقال ابن قتيبة: ذكروا أن عبد الرحمن بن الأزهر قال: لم أكن دخلت في شئ
من أمر عثمان لا عليه ولا له، فإني مجالس بفناء داري ليلا بعد ما قتل عثمان بليلة إذ

(1) أحاديث الباب مطلقة على أن الذين تولوا اجنانه كانوا أربعة. وقال المحب الطبري
وقد قيل: إن الذين تولوا تجهيزه كانوا خمسة أو ستة. أربعة رجال وامرأتان نائلة وأم البنين.
211

جاءني المنذر بن الزبير فقال إن أخي يدعوك فقمت إليه فقال لي: إنا أردنا أن ندفن
عثمان فهل لك؟ قلت: والله ما دخلت في شئ من شأنه وما أريد ذلك، فانصرفت عنه
ثم اتبعته، فإذا هو في نفر فيهم جبير بن مطعم، وأبو الجهم، والمسور، وعبد الرحمن
بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير فاحتملوه على باب وأن رأسه ليقول: طق طق، فوضعوه
في موضع الجنائز فقام إليهم رجال من الأنصار فقالوا لهم: لا والله لا تصلون عليه، فقال
أبو الجهم: ألا تدعون نصلي عليه؟ فقد صلى الله تعالى عليه وملائكته. فقال له رجل
منهم: إن كنت كاذبا فأدخلك الله مدخله، فقال له: حشرني الله معه فقال له: إن الله
حاشرك مع الشياطين، والله إن تركناكم به لعجز منا. فقال القوم لأبي الجهم: اسكت
عنهم وكف فسكت، فاحتملوه ثم انطلقوا مسرعين كأني اسمع وقع رأسه على اللوح
حتى وضعوه في أدنى البقيع فأتاهم جبلة بن عمرو الساعدي من الأنصار فقال: لا والله
لا تدفنوه في بقيع رسول الله ولا نترككم تصلون عليه، فقال أبو الجهم: انطلقوا بنا إن
لم نصل عليه فقد صلى الله عليه، فخرجوا ومعهم عائشة بنت عثمان معها مصباح في حق
حتى إذا أتوا به جسر (1) كوكب حفروا له حفرة ثم قاموا يصلون عليه وأمهم جبير
بن مطعم، ثم دلوه في حفرته فلما رأته ابنته صاحت فقال ابن الزبير: والله لئن لم تسكتي
لأضربن الذي في عينيك فدفنوه، ولم يلحدوه بلبن وحثوا عليه التراب حثوا.
وقال ياقوت الحموي: لما قتل عثمان ألقي في حش كوكب ثم دفن في جنبه.
وذكر ابن كثير بعض ما أسلفناه نقلا عن البلاذري فقال: ثم أخرجوا بعبدي
عثمان اللذين قتلا في الدار وهما: صبيح ونجيح رضي الله عنهما فدفنا إلى جانبه بحش
كوكب، وقيل: إن الخوارج لم يمكنوا من دفنهما، بل جروهما بأرجلهما حتى ألقوهما
بالبلاط (2) فأكلتهما الكلاب، وقد اعتنى معاوية في أيام إمارته بقبر عثمان، ورفع الجدار
بينه وبين البقيع وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله.
وذكر الحلبي في السيرة عن ابن ماجشون عن مالك: إن عثمان بعد قتله ألقي

(1) كذا في النسخة، والصحيح: حش.
(2) البلاط من الأرض: وجهها، أو منتهى الصلب منها. وفي لفظ الحلبي كما يأتي: التلال
ولعله الصحيح.
212

على المزبلة ثلاثة أيام، وقيل، أغلق عليه بابه بعد قتله ثلاثة أيام، لا يستطيع أحد
أن يدفنه (إلى آخر ما مر من حديث مالك) ولما دفنوه عفوا قبره خوفا عليه أن
ينبش، وأما غلاماه اللذان قتلا معه فجروهما برجليها وألقوهما على التلال فأكلتهما
الكلاب.
وذكر ابن أبي الحديد وابن الأثير والدميري أنه أقام ثلاثة أيام لم يدفن ولم
يصل عليه، وقيل لم يغسل ولم يكفن، وقيل: صلى عليه جبير بن مطعم ودفن ليلا.
وذكر السمهودي في وفاء الوفا عن عثمان بن محمد الأخنسي عن أم حكيمة
قالت: كنت مع الأربعة الذين دفنوا عثمان بن عفان: جبير، حكيم، أبو جهم، نيار
الأسلمي وحملوه على باب اسمع قرع رأسه على الباب كأنه دباة ويقول: دب دب.
حتى جاؤوا به حش كوكب فدفن به ثم هدم عليه الجدار وصلي عليه هناك.
طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 55: أنساب البلاذري 83، 86، 99، الإمامة والسياسة 1:
40، تاريخ الطبري 5: 143، 144، تاريخ اليعقوبي 2: 153، الاستيعاب 2: 478، 479
صفة الصفوة 1: 117، الكامل لابن الأثير 3: 76، الرياض النضرة 2: 131، 132، معجم
البلدان 3: 281، شرح ابن أبي الحديد 1: 168، تاريخ ابن كثير 7: 190، 191، حياة
الحيوان للدميري 1: 54، وفاء الوفا للسمهودي 2: 99، السيرة الحلبية 2: 85، تاريخ
الخميس 2: 265.
وقال الشاعر المفلق أحمد شوقي بك في دول العرب ص 49.
من لقتيل بالسفا (1) مكفن * مرت به ثلاثة لم يدفن
تعرضه نوادبا أرامله * ويشفق النعش ويأبى حامله
قد حيل بين الأرض وابن آدما * ونوزعت دار البقاء قادما
قال الأميني: إن هاهنا صحيفة غامضة أقف تجاهها موقف السادر لا تطاوعني النفس
على الركون إلى أي من شقي الاحتمال الذين يخالجان في الصدر، وذلك أن ما
ارتكب من الخليفة في التضييق عليه وقتله بتلكم الصور المشددة، ثم ما نيل منه بعد
القتل من المنع عن تجهيزه وتغسيله ودفنه والصلاة عليه والوقيعة فيه بالسباب المقذع
وتحقيره برمي جنازته بالحجارة وكسر بعض أضلاعه، يستدعي إما فسق الصحابة أجمع

(1) السفا: الغبار.
213

فإنهم كانوا بين مباشر لهاتيك الأحوال، وبين خاذل للمودى به، وبين مؤلب عليه،
إلى مثبط عنه، إلى راض بما فعلوا، إلى محبذ لتلكم الأهوال، وكان يرن في مسامعهم
قوله تعالى: لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق. وقوله تعالى: من قتل نفسا بغير
نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا. وقوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا
فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.
وما جاء في ذلك من السنة أكثر، وما يؤثر عن نبي العظمة صلى الله عليه وآله وسلم من وجوب
دفن موتى المؤمنين وتغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم، وإن حرمة المؤمن ميتا
كحرمته حيا، فالقوم إن كانوا متعمدين في مخالفة هذه النصوص؟ فهم فساق إن لم
نقل إنهم مراق عن الدين بخروجهم على الإمام المفترض طاعته.
أو أن هذه الأحوال تستدعي انحراف الخليفة عن الطريقة المثلى؟ وأن القوم
اعتقدوا بخروجه عن مصاديق تلكم الأوامر والمناهي المؤكدة التي تطابق عليها الكتاب
والسنة. وليس من السهل الهين البخوع إلى أي من طرفي الترديد؟ أما الصحابة فكلهم
عدول عند القوم يركن إليهم ويحتج بأقوالهم وأفعالهم ويوثق بإيمانهم، وقد كهربتهم
صحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأخرج درن نفوسهم، وكان في المعمعة منهم بقايا العشرة المبشرة
كطلحة والزبير، ولطلحة خاصة فظاظات حول ذلك الجلاد، إلى أناس آخرين من ذوي
المآثر نظراء عمار بن ياسر، ومالك الأشتر، وعبد الله بن بديل، وكان بين ظهرانيهم
إمام المسلمين أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو المرموق يومئذ للخلافة، وقد انثنت إليه
الخناصر، والأمة أطوع له من الظل لذيه. أفتراه والحالة هذه سكت عن تلكم الفظايع
وهو مطل عليها من كثب وهو أعلم الناس بنواميس الشريعة، وأهداهم إلى طريقها
المهيع، وهو يعلم أن من المحظور ارتكابها؟ لا ها الله.
أو أنه عليه السلام أخذ الحياد في ذلك المأزق الحرج وهو مستبيح للحياد أو لما
يعملون به؟ أنا لا أدري.
وليس من المستطاع القول بأن معظم الصحابة ما كانوا عالمين بتلكم الوقايع، أو
أنهم ما كانوا يحسبون أن الأمر يبلغ ذلك المبلغ، أو أنهم كانوا غير راضين بهاتيك
الأحدوثة، فإن الواقعة ما كانت مباغتة ولا غيلة حتى يعزب عن أحد علمها، فإن
214

الحوار استدام أكثر من شهرين، وطيلة هذه المدة لم يكن للمتجمهرين طلبة من الخليفة
إلا الاقلاع عن أحداثه، أو التنازل عن عرش الخلافة، وكانوا يهددونه بالقتل إن لم
يخضع لإحدى الطلبتين، وكانت نعرات القوم في ذلك تتموج بها الفضاء، وعقيرة عثمان
في التوبة تارة وعدم التنازل أخرى وتخويفهم بمغبات القتل ثالثة تتسرب في فجوات
الجو، فلو كان معظم الصحابة منحازين عن ذلك الرأي لكان في وسعهم تفريق الجمع
بالقهر أو الموعظة، لكن بالرغم عما يزعم عليهم لم يؤثر عن أحد منهم ما يثبت ذلك أو
يقربه، وما أسلفناه من الأحاديث الجمة النامة عن معتقدات الصحابة في الخليفة وفي
التوثب عليه تفند هذه المزعمة الفارغة، إن لم نقل أنها تثبت ما يعلمه الكل من الإجماع
على مقت الخليفة والتصافق على ما نقموا عليه والرضا بما نيل منه، حتى أن أحدا لم يرو عنه
أنه ساءه نداء قاتله حين طاف بالمدينة ثلاثا قائلا: أنا قاتل نعثل (1).
وأما ثاني الاحتمالين فمن المستعصب أن يبلغ سوء الظن بالخليفة هذا المدى،
وإن كانت الصحابة جزموا بذلك، والشاهد يرى ما لا يراه الغايب، وقد أوقفناك على
قول السيدة عائشة: اقتلوا نعثلا قتله الله وقد كفر.
وقولها لمروان: وددت والله أنه في غرارة من غرائري هذه وأني طوقت حمله
حتى ألقيه في البحر.
وقولها لابن عباس: إياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية.
وقول عبد الرحمن بن عوف للإمام أمير المؤمنين عليه السلام: إذا شئت فخذ سيفك وآخذ
سيفي، إنه قد خالف ما أعطاني.
وقوله: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه.
وقوله له: لله علي أن لا أكلمك أبدا.
وقول طلحة لمجمع بن جارية لما قال له: أظنكم والله قاتليه: (فإن قتل فلا
ملك مقرب ولا نبي مرسل).
وقد مر أن طلحة كان أشد الناس على عثمان في قتله يوم الدار، وقتل دون دمه
وقول الزبير: اقتلوه فقد بدل دينكم.

(1) الاستيعاب 2: 478.
215

وقوله: إن عثمان لجيفة على الصراط غدا.
وقول عمار يوم صفين: امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم
الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله.
وقوله: ما تركت في نفسي حزة أهم إلي من أن لا نكون نبشنا عثمان من قبره
ثم أحرقناه بالنار.
وقوله: أراد أن يغير ديننا فقتلناه.
وقوله: والله إن كان إلا ظالما لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله.
وقوله: إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالاحسان.
وقول حجر بن عدي وأصحابه: هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق.
وقول عبد الرحمن العنزي: هو أول من فتح أبواب الظلم، وارتج أبواب الحق.
وقول هاشم المرقال: إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس حين أحدث أحداثا و
خالف حكم الكتاب، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين، وأولى بالنظر في أمور المسلمين
وقول عمرو بن العاص: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، إن كنت
لأحرض عليه حتى إني لأحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل.
وقوله له: ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمور فركبوها منك، وملت بهم فمالوا
بك، اعدل أو اعتزل.
وقوله: أنا عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع.
وقول سعد بن أبي وقاص: إنه قتل بسيف سلته عائشة، وصقله طلحة، وسمه
ابن أبي طالب، وسكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه. إلخ.
وقول جهجاه الغفاري: قم يا نعثل! فأنزل عن هذا المنبر، ندرعك عباءة،
ولنطرحك في الجامعة، ولنحملك على شارف من الإبل ثم نطرحك في جبل الدخان.
وقول مالك الأشتر: إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه، النابذ
لحكم القرآن وراء ظهره.
وقول عمرو بن زرارة: إن عثمان قد ترك الحق وهو يعرفه. الخ.
وقول الحجاج بن غزية الأنصاري: والله لو لم يبق من عمره إلا بين الظهر والعصر
216

لتقربنا إلى الله بدمه.
وقول قيس بن سعد الأنصاري: أول الناس كان فيه " قتل عثمان " قياما عشيرتي
ولهم أسوة.
وقول جبلة بن عمرو الأنصاري: يا نعثل! والله لأقتلنك ولأحملنك على قلوص
جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار.
وقوله وقد سئل الكف عن عثمان: والله لا ألقى الله غدا فأقول: إنا أطعنا سادتنا
وكبراءنا فأضلونا السبيل.
وقول محمد بن أبي بكر له: على أي دين أنت يا نعثل؟ غيرت كتاب الله. وقوله
له: الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين.
وقول الصحابة مجيبين لقوله: لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: إنا نجد في
كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت، قتل من سعى في الأرض فسادا، وقتل من
بغى ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دون وكابر
عليه، وقد بغيت، ومنعت الحق، وحلت دونه وكابرت عليه. الخ.
وقول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث من أبيات مرت ج 8: 288.
وشبهته كسرى وقد كان مثله * شبيها بكسرى هديه وضرائبه
إلى كلمات آخرين محكمات وأخر متشابهات، يشبه بعضها بعضا.
إن في هذا المأزق الحرج لا بد لنا من ركوب إحدى الصعبتين، والحكم هي
الفطرة السليمة مهما دار الأمر بين تخطئة إنسان واحد محتف بالأحداث، وبين تضليل
آلاف مؤلفة فيهم الأئمة والعلماء والحكماء والصالحون وقد ورد في فضلهم ما ورد
كما نرتأيه نحن، أو أن كلهم عدول يحتج بأقوالهم وأفعالهم كما يحبسه أهل السنة،
وإن كان في البين اجتهاد كما يحسبونه في أمثال المقام فهو في الطرفين، والتحكم
بإصابة إنسان واحد وخطأ تلك الأمة الكبيرة في اجتهادها، تهور بحت، وتمحل
لا يصار إليه، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، إن الله يحب المقسطين.
217

سلسلة الموضوعات
في قصة الدار وتبرير الخليفة والنظر فيها
1 - قال الطبري في تاريخه 5: 98: فيما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف
عن عطية عن يزيد الفقعسي قال: كان عبد الله بن سبا يهوديا من أهل صنعاء أمه سوداء
فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم
البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه
حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول: لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع
ويكذب بأن محمدا يرجع وقد قال الله عز وجل: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك
إلى معاد. فمحمد أحق بالرجوع من عيسى: قال: فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة
فتكلموا فيها، ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصي
محمد. ثم قال: محمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء. ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن
لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة
ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا
في هذا الأمر فحركوه وابدأوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر، فبث دعاته وكاتب من كان
استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم
ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يضعون
فيقرأ أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا
الأرض ازاعة، وهم يريدون غير ما يظهرون، ويسرون غير ما يبدون، فيقول أهل
كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلى به هؤلاء إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن
جميع الأمصار فقالوا: إنا لفي عافية مما فيه الناس، وجامعه محمد وطلحة من هذا
المكان قالوا: فأتوا عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين! أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ قال: لا
والله ما جاءني إلا السلامة. قالوا: فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم، قال: فأنتم
218

شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي، قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم
إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم، فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة،
وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد الله
ابن عمر إلى الشام، وفرق رجالا سواهم فرجعوا جميعا قبل عمار فقالوا: أيها الناس
ما أنكرنا شيئا ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم، قالوا جميعا: الأمر أمر المسلمين
إلا أن أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم، واستبطأ الناس عمارا حتى ظنوا أنه
قد اغتيل فلم يفجأهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عمارا
قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه منهم: عبد الله بن السوداء، وخالد بن ملجم،
وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر.
قال الأميني: لو كان ابن سبا بلغ هذا المبلغ من إلقاح الفتن، وشق عصا المسلمين
وقد علم به وبعيثه أمراء الأمة وساستها في البلاد، وانتهى أمره إلى خليفة الوقت،
فلماذا لم يقع عليه الطلب؟ ولم يبلغه القبض عليه، والأخذ بتلكم الجنايات الخطرة،
والتأديب بالضرب والإهانة، والزج إلى أعماق السجون؟ ولا آل أمره إلى الإعدام
المريح للأمة من شره وفساده، كما وقع ذلك كله على الصلحاء الأبرار الآمرين
بالمعروف والناهين عن المنكر، وهتاف القرآن الكريم يرن في مسامع الملأ الديني:
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا
أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا
ولهم في الآخرة عذاب عظيم
" المائدة: 33 ".
فهلا اجتاح الخليفة جرثومة تلكم القلاقل بقتله؟ وهل كان تجهمه وغلظته قصرا
على الأبرار من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ ففعل بهم ما فعل مما أسلفنا بعضه في هذا الجزء
والجزء الثامن.
هب أن ابن سبا هو الذي أمال الأمصار على مناوءة الخليفة فهل كان هو مختلقا
تلكم الأنباء من دون انطباقها على شئ من أعمال عثمان وولاته؟ فنهضت الأمة وفيهم
وجوه المهاجرين والأنصار على لا شئ؟ أو أن ما كان يقوله قد انطبق على ما كانوا يأتون
به من الجرائم والمآثم، فكانت نهضة الأمة لاكتساحها نهضة دينية يخضع لها كل مسلم
219

وإن كان ابن اليهودية خلط نفسه بالناهضين لأي غاية راقته، وما أكثر الأخلاط في
الحركات الصحيحة من غير أن يمس كونهم مع الهايجين بشئ من كرامتهم.
ولو كان ما أنهاه إليهم ابن سبأ عزوا مختلقا فهلا - لما قدمت وفود الأمصار المدينة -
قال لهم المدنيون: إن الرجل برئ من هذه القذائف والهنات وهو بين ظهرانيهم يرون
ما يفعل، ويسمعون ما يقول؟ لكنهم بدلا عن ذلك أصفقوا مع القادمين، بل صاروا هم
القدوة والأسوة في تلك النهضة، وكانوا قبل مقدمهم ناقمين عليه.
ونحن والدكتور طه حسين نصافق عند رأيه هاهنا حيث قال في كتابه " الفتنة
الكبرى ص 134: وأكبر الظن أن عبد الله بن سبأ هذا - إن كان كل ما يروى عنه صحيحا -
إنما قال ما قال ودعا إلى ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة وعظم الخلاف فهو قد استغل
الفتنة ولم يثرها، وأكبر الظن كذلك أن خصوم الشيعة أيام الأمويين والعباسيين
قد بالغوا في أمر عبد الله بن سبأ هذا، ليشككوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى
عثمان وولاته من ناحية، وليشنعوا على علي وشيعته من ناحية أخرى، فيردوا بعض
أمور الشيعة إلى يهودي أسلم كيدا للمسلمين، وما أكثر ما شنع خصوم الشيعة على
الشيعة؟ وما أكثر ما شنع الشيعة على خصومهم في أمر عثمان وفي غير أمر عثمان؟
فلنقف من هذا كله موقف التحفظ والتحرج والاحتياط، ولنكبر المسلمين
في صدر الاسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء
وكان أبوه يهوديا وكانت أمه سوداء، وكان هو يهوديا ثم أسلم لا رغبا ولا رهبا ولكن
مكرا وكيدا وخداعا، ثم أتيح له من النجح ما كان يبتغي، فحرض المسلمين على خليفتهم
حتى قتلوه، وفرقهم بعد ذلك أو قبل ذلك شيعا وأحزابا.
هذه كلها أمور لا تستقيم للعقل، ولا تثبت للنقد، ولا ينبغي أن تقام عليها أمور
التاريخ، وإنما الشئ الواضح الذي ليس فيه شك هو أن ظروف الحياة الإسلامية في
ذلك الوقت كانت بطبعها تدفع إلى اختلاف الرأي وافتراق الأهواء ونشأة المذاهب
السياسية المتباينة، فالمستمسكون بنصوص القرآن وسنة النبي وسيرة صاحبيه كانوا
يرون أمورا تطرأ ينكرونها ولا يعرفونها، ويريدون أن تواجه كما كان عمر يواجهها
في حزم وشدة وضبط للنفس وضبط للرعية، والشباب الناشئون في قريش وغير قريش
220

من أحياء العرب كانوا يستقبلون هذه الأمور الجديدة بنفوس جديدة، فيها الطمع،
وفيها الطموح، وفيها الأثرة، وفيها الأمل البعيد، وفيها الهم الذي لا يعرف حدا يقف
عنده، وفيها من أجل هذا كله التنافس والتزاحم لا على المناصب وحدها بل عليها و
على كل شئ من حولها. وهذه الأمور الجديدة نفسها كانت خليقة أن تدفع الشيوخ
والشباب إلى ما دفعوا إليه، فهذه أقطار واسعة من الأرض تفتح عليهم، وهذه أموال
لا تحصى تجبى لهم من هذه الأقطار، فأي غرابة في أن يتنافسوا في إدارة هذه الأقطار
المفتوحة والانتفاع بهذه الأموال المجموعة؟ وهذه بلاد أخرى لم تفتح وكل شئ
يدعوهم إلى أن يفتحوها كما فتحوا غيرها، فما لهم لا يستبقون إلى الفتح؟ وما لهم لا
يتنافسون فيما يكسبه الفاتحون من المجد والغنيمة إن كانوا من طلاب الدنيا، ومن
الأجر والمثوبة إن كانوا من طلاب الآخرة ثم ما لهم جميعا لا يختلفون في سياسة هذا
الملك الضخم وهذا الثراء العريض؟ وأي غرابة في أن يندفع الطامعون الطامحون من
شباب قريش هذه الأبواب التي فتحت لهم ليلجوا منها إلى المجد والسلطان والثراء؟
وأي غرابة في أن يهم بمنافستهم في ذلك شباب الأنصار وشباب الأحياء الأخرى من
العرب؟ وفي أن يمتلئ قلوبهم موجدة وحفيظة وغيظا إذا رأوا الخليفة يحول بينهم وبين
هذه المنافسة، ويؤثر قريشا بعظائم الأمور، ويؤثر بني أمية بأعظم هذه العظائم من
الأمور خطرا وأجلها شأنا.
والشئ الذي ليس فيه شك هو أن عثمان قد ولى الوليد وسعيدا على الكوفة
بعد أن عزل سعدا، وولى عبد الله بن عامر على البصرة بعد أن عزل أبا موسى. وجمع
الشام كلها لمعاوية وبسط سلطانه عليها إلى أبعد حد ممكن بعد أن كانت الشام ولايات
تشارك في إدارتها قريش وغيرها من أحياء العرب، وولى عبد الله بن أبي سرح مصر
بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص، وكل هؤلاء الولاة من ذوي قرابة عثمان، منهم أخوه
لأمه، ومنهم أخوه في الرضاعة، ومنهم خاله، ومنهم من يجتمع معه في نسبه الأدنى
إلى أمية بن عبد شمس.
كل هذه حقائق لا سبيل إلى إنكارها، وما نعلم أن ابن سبأ قد أغرى عثمان بتولية
من ولى وعزل من عزل، وقد أنكر الناس في جميع العصور على الملوك والقياصرة
221

والولاة والأمراء إيثار ذوي قرابتهم بشؤون الحكم، وليس المسلمون الذين كانوا رعية
لعثمان بدعا من الناس، فهم قد أنكروا وعرفوا ما ينكر الناس ويعرفون في جميع
العصور. إنتهى حرفيا.
على أن ما تضمنته هذه الرواية من بعث عمار إلى مصر وغيره إلى بقية البلاد مما
لا يكاد أن يذعن به، أو أن يكون له مقيل من الصحة، ولم يذكر في غير هذه الرواية
الموضوعة المكذوبة على ألسنة رواتها المتراوحين بين زندقة وكذب وجهالة، فإن
ما يعطيه النظر في مجموع ما روي حول مشكلة عثمان أن عمارا ومحمد بن مسلمة لم يفارقا
المدينة طيلة أيامها ومنذ مبادئها إلى غايتها المفضية إلى مقتل عثمان، وعمار هو الذي
كان في مقدم الثائرين عليه من أول يومه الناقمين على أعماله، وقد أراد نفيه إلى الربذة
منفى أبي ذر بعد وفاته فيه رضوان الله عليهما فمنعته المهاجرون والأنصار كما مر
حديثه، وكم وقع عليه في تضاعيف تلكم الأحوال تعذيب وضرب وتعنيف، وكان عثمان
يعلم بكراهة عمار إياه منذ يومه الأول، فمتى كان يستنصح عمارا حتى يبعثه إلى
البلاد فيحكي عمار له أخبارها، أو يستميله ابن سبأ وأصحابه؟ وهذا مما لا يعزب علمه عن
أي باحث كما تنبه له الدكتور طه حسين في " الفتنة الكبرى " ص 128 حيث قال:
أكاد أقطع بأن عمارا لم يرسل إلى مصر ولم يشارك هذين الفتيين (1) فيما كانا بسبيله
من التحريض وإنما هي قصة اخترعها العاذرون لعثمان فيما كان بينه وبين عمار قبل
ذلك أو بعده مما سنراه بعد حين. ا ه‍.
2 - قال الطبري ص 99: كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
وعطية قالوا: كتب عثمان إلى أهل الأمصار:
أما بعد فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم، وقد سلطت الأمة منذ وليت
على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يرفع علي شئ ولا على أحد من عمالي
إلا أعطيته، وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم، وقد رفع إلى أهل المدينة
أن أقواما يشتمون، وآخرون يضربون، فيا من ضرب سرا وشتم سرا، من ادعى
شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا

(1) يعني بهما: محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة.
222

فإن الله يجزي المتصدقين.
فلما قرئ في الأمصار أبكي الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إن الأمة لتمخض
بشر، وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه عبد الله بن عامر، ومعاوية، وعبد الله
ابن سعد، وادخل معهم في المشورة سعيدا وعمرا فقال: ويحكم ما هذه الشكاية وما
هذه الإذاعة؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم وما يعصب هذا إلا بي،
فقالوا له: ألم تبعث؟ ألم نرجع إليك الخبر عن القوم ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد
بشئ؟ لا والله ما صدقوا ولا بروا ولا نعلم لهذا الأمر أصلا، ولا كنت لتأخذ به أحدا
فيقيمك على شئ، وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها ولا الانتهاء إليها. قال: فأشيروا
علي. فقال سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة
فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم، قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم ثم
قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم. وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي
عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم. قال معاوية: قد وليتني فوليت
قوما لا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتيهما. قال: فما الرأي؟ قال: حسن
الأدب. قال: فما ترى يا عمرو؟ قال: أرى أنك قد لنت لهم، وتراخيت عنهم، و
زدتهم على ما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة
وتلين في موضع اللين، إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شرا، واللين لمن يخلف
الناس بالنصح، وقد فرشتهما جميعا اللين، وقام عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال: كل
ما أشرتم به علي قد سمعت، ولكل أمر باب يؤتى منه، إن هذا الأمر الذي يخاف
على هذه الأمة كائن، وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاناة والمتابعة
إلا في حدود الله تعالى ذكره التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها، فإن سده
شئ فرفق فذاك والله ليفتحن وليست لأحد علي حجة حق، وقد علم الله أني لم آل
الناس وخيرا ولا نفسي، ووالله إن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها
كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم، وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا
فيها. فلما نفر عثمان أشخص معاوية و عبد الله بن سعد إلى المدينة، ورجع ابن عامر
وسعيد معه. ولما استقل عثمان رجز الحادي:
223

قد علمت ضوامر المطي * وضمرات عوج القسي
إن الأمير بعده علي * وفي الزبير خلف رضي
وطلحة الحامي لها ولي
فقال كعب وهو يسير خلف عثمان: الأمير بعده صاحب البغلة، وأشار إلى معاوية
3 - * (وأخرج ص 101 بالإسناد الشعيبي المذكور) *
كان معاوية قد قال لعثمان غداة ودعه وخرج: يا أمير المؤمنين! انطلق معي
إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فإن أهل الشام على الأمر لم يزالوا
فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ وإن كان فيه قطع خيط عنقي. قال: فأبعث
إليك جندا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياك. قال:
أنا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند مساكنهم وأضيق على أهل دار
الهجرة والنصرة؟ قال: والله يا أمير المؤمنين! لتغتالن ولتغزين. قال: حسبي الله ونعم
الوكيل. وقال معاوية: يا أيسار! الجزور، وأين أيسار الجزور. الحديث بطوله.
4 - * (وأخرج ص 103 بالإسناد الشعيبي) *
لما كان في شوال سنة 35 خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء المقل
يقول: ستمائة. والمكثر يقول: ألف. على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي. و
كنانة بن بشر الليثي. وسودان بن حمران السكوني. وقتيرة بن فلان السكوني.
وعلى القوم جميعا الغافقي بن حرب العكي. ولم يجترؤا أن يعلموا الناس بخروجهم
إلى الحرب، وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم ابن السوداء. وخرج أهل الكوفة في
أربع رفاق، وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضرة
الحارثي، وعبد الله بن الأصم، أحد بني عامر بن صعصعة، وعددهم كعدد أهل مصر
وعليهم جميعا عمرو بن الأصم، وخرج أهل البصرة في أربع رفاق وعلى الرفاق حكيم
ابن جبلة العبدي، وذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي،
وابن المحرش ابن عبد عمرو الحنفي، وعددهم كعدد أهل مصر، وأميرهم جميعا حرقوص
ابن زهير السعدي، سوى من تلاحق بهم من الناس، فأما أهل مصر فإنهم كانوا
يشتهون عليا، وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة، وأما أهل الكوفة كانوا
224

يشتهون الزبير، فخرجوا وهم على الخروج جميع وفي الناس شتى لا يشك كل فرقة إلا
أن الفلج معها، وأمرها سيتم دون الأخريين، فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة
على ثلاث تقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب، وناس من أهل الكوفة فنزلوا
الأعوص (1) وجاءهم ناس من أهل مصر وتركوا عامتهم بذي المروة، ومشى فيما بين
أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعبد الله بن الأصم وقالا: لا تعجلوا ولا تعجلونا
حتى ندخل لكم المدينة ونرتاد، فإنه بلغنا أنهم قد عسكروا لنا فوالله إن كان أهل المدينة
قد خافونا واستحلوا قتالنا ولم يعلموا علمنا فهم إذا علموا علمنا أشد وإن أمرنا هذا
لباطل، وإن لم يستحلوا قتالنا ووجدنا الذي بلغنا باطلا لنرجعن إليكم بالخبر، قالوا:
إذهبا. فدخل الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعليا وطلحة والزبير (2) وقالا: إنما
نأتم هذا البيت ونستعفي هذا الوالي من بعض عمالنا، ما جئنا إلا لذلك واستأذنا للناس
بالدخول، فكلهم أبى ونهى وقال: بيض ما يفرخن. فرجعا إليهم فاجتمع من أهل مصر
نفر فأتوا عليا، ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير
وقال كل فريق منهم: إن بايعوا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم ثم كررنا حتى
نبغتهم. فأتى المصريون عليا وهو في عسكر عند أحجار الزيت (3) عليه حلة أفواف
معتم بشقيقة حمراء يمانية متقلد السيف ليس عليه قميص، وقد سرح الحسن إلى عثمان
فيمن اجتمع إليه، فالحسن جالس عند عثمان وعلي عند أحجار الزيت فسلم عليه
المصريون وعرضوا له فصاح بهم وأطردهم وقال: لقد علم الصالحون أن جيش ذي
المروة وذي خشب ملعونون على لسان ومحمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا لا صحبكم الله (4) قالوا:
نعم. فانصرفوا من عنده على ذلك. وأتى البصريون طلحة وهو في جماعة أخرى إلى
جنب علي وقد أرسل ابنيه إلى عثمان فسلم البصريون عليه وعرضوا له فصاح بهم و
أطردهم وقال: لقد علم المؤمنون إن جيش ذي المروة في ذي خشب والأعوص ملعونون

(1) الأعوص: موضع على أميال من المدينة يسيرة.
(2) لا تنس هاهنا ما أسلفنا لك في هذا الجزء من حديث أم المؤمنين وعلي أمير المؤمنين و
طلحة والزبير.
(3) أحجار الزيت: موضع بالمدينة داخلها قريب من الزوراء.
(4) راجع ما مضى من حديث على أمير المؤمنين تعرف جلية الحال.
225

على لسان محمد صلى الله عليه وسلم (1) وأتى الكوفيون الزبير وهو في جماعة أخرى وقد سرح
ابنه عبد الله إلى عثمان فسلموا عليه وعرضوا له فصاح بهم وأطردهم وقال: لقد علم
المسلمون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم (2).
فخرج القوم وأروهم أنهم يرجعون فانفشوا عن ذي خشب والأعوص حتى
انتهوا إلى عساكرهم وهي ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة ثم يكروا راجعين فافترق
أهل المدينة لخروجهم، فلما بلغ القوم عساكرهم كروا بهم فبغتوهم، فلم يفجأ أهل
المدينة إلا والتكبير في نواحي المدينة، فنزلوا في مواضع عساكرهم، وأحاطوا بعثمان
وقالوا: من كف يده فهو آمن. وصلى عثمان بالناس أياما ولزم بيوتهم ولهم يمنعوا أحدا
من كلام، فأتاهم الناس فكلموهم وفيهم علي فقال: ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم
عن رأيكم؟ قالوا: أخذنا مع بريد كتابا بقتلنا، وأتاهم طلحة فقال البصريون مثل ذلك
وأتاهم الزبير فقال الكوفيون والبصريون: فنحن ننصر إخواننا ونمنعهم جميعا. كأنما
كانوا على ميعاد فقال لهم علي: كيف علمتم يا أهل الكوفة! ويا أهل البصرة! بما لقي
أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا، هذا والله أمر أبرم بالمدينة قالوا:
فضعوه علي ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا وهو في ذلك يصلي بهم وهم
يصلون خلفه ويغشى من شاء عثمان وهم في عينه أدق من التراب، وكانوا لا يمنعون
أحدا من الكلام وكانوا زمرا بالمدينة يمنعون الناس من الاجتماع. إلخ.
قال الأميني: تعطي هذه الرواية أن الذي رد الكتائب المقبلة من مصر والبصرة
والكوفة هو زعماء جيش أحجار الزيت: أمير المؤمنين علي وطلحة والزبير يوم صاحوا
بهم وطردوهم ورووا رواية اللعن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم البدريون وغيرهم من أصحاب
محمد العدول، فما تمكنت الكتائب من دخول المدينة وقد أسلفنا إصفاق المؤرخين
على أنهم دخلوها وحاصروا الدار مع المدنيين أربعين يوما أو أكثر أو أقل حتى توسل
عثمان بعلي أمير المؤمنين عليه السلام، فكان هو الوسيط بينه وبين القوم، وجرى هنالك ما مر
تفصيله من توبة عثمان على صهوة المنبر، ومن كتاب عهده إلى البلاد على ذلك، فانكفأت

(1) راجع ما مر من حديث طلحة وصولته وجولته في تلك الثورة تعلم صدق الخبر.
(2) راجع ما أسلفنا من حديث الزبير حتى يتبين لك الرشد من الغي.
226

عنه الجماهير الثائرة بعد ضمان علي عليه السلام ومحمد بن مسلمة بما عهد عثمان على نفسه،
لكنهم ارتجعوا إليه بعد ما وقفوا على نكوصه وكتابه المتضمن بقتل من شخص إليه
من مصر فوقع الحصار الثاني المفضي إلى الإجهاز عليه، وأنت إذا عطفت النظرة إلى
ما سبق من أخبار الحصارين وأعمال طلحة والزبير فيهما وقبلهما وبعدهما نظرة ممعنة
لا تكاد أن تستصح دفاعهما عنه في هذ الموقف، وكان طلحة أشد الناس عليه، حتى
منع من إيصال الماء إليه، ومن دفنه في مقابر المسلمين، لكن رواة السوء المتسلسة
في هذه الأحاديث راقهم إخفاء مناوئة القوم لعثمان فاختلقوا له هذه وأمثالها.
5 - * (وأخرج ص 126 بالإسناد الشعيبي) *
آخر خطبة خطبها عثمان رضي الله عنه في جماعة: إن الله عز وجل إنما أعطاكم
الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى،
فلا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، فآثروا ما بقي على ما يفنى، فإن الدنيا
منقطعة، وإن المصير إلى الله، اتقوا الله عز وجل فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة
عنده، واحذروا من الله الغير، وألزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا، واذكروا نعمة
الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا.
قالوا: لما قضى عثمان في ذلك المجلس حاجاته، وعزم له المسلمون على الصبر
والامتناع عليهم بسلطان الله قال: أخرجوا رحمكم الله فكونوا بالباب وليجامعكم هؤلاء
الذين حبسوا عني، وأرسل إلى طلحة والزبير وعلي وعدة أن ادنوا فاجتمعوا فأشرف
عليهم، فقال: يا أيها الناس! اجلسوا فجلسوا جميعا المحارب الطارئ، والمسالم المقيم
فقال: يا أهل المدينة! إني استودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي،
إني والله لا أدخل على أحد يومي هذا حتى يقضي الله في قضاه، ولأدعن هؤلاء
وراء بابي غير معطيهم شيئا يتخذونه عليكم دخلا في دين الله أو دنيا حتى يكون الله
عز وجل الصانع في ذلك ما أحب، وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم فرجعوا
إلا الحسن ومحمد وابن الزبير وأشباها لهم فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم، وثاب إليهم
ناس كثير ولزم عثمان الدار
227

6 - * (وروى ص 126 بالإسناد الشعيبي) *
قالوا: كان الحصر أربعين ليلة والنزول سبعين فلما مضت من الأربعين ثماني
عشرة قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق حبيب من الشام،
ومعاوية من مصر، والقعقاع من الكوفة، ومجاشع من البصرة، فعندها حالوا بين الناس
وبين عثمان ومنعوه كل شئ حتى الماء، وقد كان يدخل علي بالشئ مما يريد، وطلبوا
العلل فلم تطلع عليهم علة، فعثروا في داره بالحجارة ليرموا فيقولوا: قوتلنا وذلك ليلا
فناداهم: ألا تتقون الله؟ ألا تعلمون أن في الدار غيري؟ قالوا: لا والله ما رميناك قال:
فمن رمانا؟ قالوا: الله. قال: كذبتم إن الله عز وجل لو رمانا لم يخطئنا وأنتم تخطؤننا،
وأشرف عثمان على آل حزم وهم جيرانه فسرح ابنا لعمرو إلى علي بأنهم قد منعونا
الماء فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من الماء فافعلوا وإلى طلحة والزبير وإلى عائشة
رضي الله عنها وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكان أولهم إنجادا له علي وأم حبيبة، جاء علي
في الغلس فقال: يا أيها الناس إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين،
لا تقطعوا عن هذا الرجل المادة فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي، وما تعرض
لكم هذا الرجل، فبم تستحلون حصره وقتله؟ قالوا: لا والله ولا نعمة عين، لا نتركه
يأكل ولا يشرب، فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت فيما أنهضتني. فرجع وجاءت
أم حبيبة على بغلة لها برحالة مشتملة على إداوة فقيل: أم المؤمنين أم حبيبة، فضربوا
وجه بغلتها فقالت: إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل فأحببت أن ألقاه فأسأله عن
ذلك كيلا تهلك أموال أيتام وأرامل. قالوا: كاذبة وأهووا لها وقطعوا حبل البغلة بالسيف
فندت بأم حبيبة فتلقاها الناس وقد مالت رحالتها فتعلقوا بها وأخذوها وقد كادت تقتل
فذهبوا بها إلى بيتها، وتجهزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة، واستتبعت أخاها فأبى
فقالت: أم والله لئن استطعت أن يحرمهم الله ما يحاولون لأفعلن. وجاء حنظلة الكاتب
حتى قام على محمد بن أبي بكر فقال: يا محمد! تستتبعك أم المؤمنين فلا تتبعها وتدعوك
ذؤبان العرب إلى ما لا يحل فتتبعهم؟ فقال: ما أنت وذاك يا ابن التميمية؟ فقال: يا ابن
الخثعمية! إن هذا الأمر إن صار إلى التغالب غلبتك عليه بنو عبد مناف. وانصرف وهو
يقول:
228

عجب لما يخوض الناس فيه * يرومون الخلافة أن تزولا
ولو زالت لزال الخير عنهم * ولاقوا بعدها ذلا ذليلا
وكانوا كاليهود أو النصارى * سواء كلهم ضلوا السبيلا
ولحق بالكوفة وخرجت عائشة وهي ممتلئة غيظا على أهل مصر، وجاءها مروان بن
الحكم فقال: يا أم المؤمنين! لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل. فقالت:
أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة، ثم لا أجد من يمنعني، لا والله ولا أعير ولا
أدري إلى ما يسلم أمر هؤلاء، وبلغ طلحة والزبير ما لقي علي وأم حبيبة فلزموا بيوتهم،
وبقي عثمان يسقيه آل حزم في الفضلات عليهم الرقباء، فأشرف عثمان على الناس فقال:
يا عبد الله بن عباس! فدعى له فقال: إذهب فأنت على الموسم. وكان ممن لزم الباب
فقال: والله يا أمير المؤمنين! لجهاد هؤلاء أحب إلي من الحج، فأقسم عليه لينطلقن فانطلق
ابن عباس على الموسم تلك السنة، ورمى عثمان إلى الزبير بوصيته فانصرف بها، وفي
الزبير اختلاف أأدرك مقتله أو خرج قبله؟ وقال عثمان: يا قوم! لا يجرمنكم شقاقي
أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح. الآية. اللهم حل بين الأحزاب وبين ما يأملون كما
فعل بأشياعهم من قبل.
قال الأميني: هذه الرواية مفتعلة من شيعة عثمان المصطفين في إسنادها تجاه
ما ثبت عن عائشة وطلحة والزبير وغيرهم من جهودهم المتواصلة في التضييق على الرجل،
وإسعار نار الحرب والإجهاز عليه بما أسلفناه في هذا الجزء لكن أكدى الظن، وأخفق
الأمل أن هاتيك الروايات أخرجها الاثبات من حملة التاريخ، وأصفق عليها المؤرخون
وهذه تفرد بها هؤلاء الوضاعون، ومن ذا الذي يعير سمعا لها بعد الاخبات إلى التاريخ
الصحيح؟ وملأ أذنه هتاف عائشة: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر. إلى كلمات أخرى لها
مر مجملها في هذا الجزء ص 215 وفصلنا ها في ص 77 - 86.
وإن تهالك طلحة دون التشديد عليه وقتله بكل ما تسنى له مما لا يجهله
ملم بالحديث والتاريخ، وكان يوم الدار مقنعا بثوب يرميها بالسهام، وهو الذي منع
منه الماء، وهو الذي حمل الناس إلى سطح دار ابن حزام فتسوروا منها دار عثمان، وهو
الذي منعه من أن يدفن في مقابر المسلمين، وهو الذي أقعد لمجهزيه في الطريق ناسا
229

يرمونهم بالحجارة، وهو الذي قتله مروان ثم قال: لأبان بن عثمان: قد كفيتك بعض
قتلة أبيك، وهو الذي قال فيه وفي صاحبه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: كان طلحة والزبير
أهون سيرهما فيه الوجيف، وأرفق حدائهما العنيف.
ولو كان طلحة كما زعمه الوضاعون فما معنى هتاف عثمان: اللهم اكفني طلحة
ابن عبيد الله فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم. وقوله: ويلي على ابن الحضرمية - يعني
طلحة - أعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا وهو يروم دمي يحرض على نفسي، اللهم لا تمتعه
به ولقه عواقب بغيه. وإلى الآن يرن في الاسماع قول الزبير يومئذ: اقتلوه فقد بدل دينكم. وقوله:
ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدئ بابني، إن عثمان لجيفة على صراط غدا. وقوله
لعثمان: إن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة يمنعون من ظلمك، ويأخذونك بالحق. إلخ.
وإلى الآن في صفحات التاريخ قول سعد بن أبي وقاص: قتله سيف سلته عائشة
وشحذه طلحة، وسمه علي، قيل: فما حال الزبير؟ قال: أشار بيده وصمت بلسانه.
إلى كلمات آخرين مرت في هذا الجزء.
ولو كان ابن عباس كما اختلق عليه هؤلاء فلماذا لم يكترث بكتاب عثمان و
استغاثته به لما ألقي على الحجيج وهو أميرهم وهو على منصة الخطابة، فمضى في
خطبته من حيث انقطعت، ولم يتعرض لذلك بشئ، ولا اعتد بخطابه حتى جرى
المقدور المحتم؟ ولماذا كان يحاذر بطش معاوية به على مقتل عثمان لما أراد أمير المؤمنين
عليه السلام أن يرسله إلى الشام؟.
راجع مصادر هذه كلها فيما مر من صفحات هذا الجزء.
7 - * (وأخرج ص 128 بالإسناد الشعيبي) *
قالوا: فلما بويع الناس السابقة فقدم بالسلامة فأخبرهم من الموسم أنهم
يريدون جميعا المصريين وأشياعهم، وأنهم يريدون أن يجمعوا ذلك إلى حجهم، فلما
أتاهم ذلك مع ما بلغهم من نفور أهل الأمصار أعلقهم الشيطان وقالوا: لا يخرجنا مما
وقعنا فيه إلا قتل هذا الرجل، فيشتغل بذلك الناس عنا، ولم يبق خصلة يرجون بها
النجاة إلا قتله، فراموا الباب فمنعهم من ذلك الحسن وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان
230

ابن الحكم وسعيد بن العاص ومن كان من أبناء الصحابة أقام معهم واجتلدوا فناداهم
عثمان: الله الله أنتم في حل من نصرتي. فأبوا ففتح الباب وخرج ومعه الترس والسيف
لينهنههم فلما رأوه أدبر البصريون وركبهم هؤلاء ونهنههم فتراجعوا وعظم على الفريقين
وأقسم على الصحابة ليدخلن، فأبوا أن ينصرفوا فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين،
وقد كان المغيرة بن الأخنس بن شريق فيمن حج ثم تعجل في نفر حجوا معه، فأدرك
عثمان قبل أن يقتل وشهد المناوشة ودخل الدار فيمن دخل وجلس على الباب من
داخل، وقال: ما عذرنا عند الله إن تركناك ونحن نستطيع ألا ندعهم حتى نموت؟
فاتخذ عثمان تلك الأيام القرآن نحبا يصلي وعنده المصحف فإذا أعيا جلس فقرأ فيه،
وكانوا يرون القراءة في المصحف من العبادة، وكان القوم الذين كفكفهم بينه وبين
الباب، فلما بقي المصريون لا يمنعهم أحد من الباب ولا يقدرون على الدخول جاؤوا
بنار فأحرقوا الباب والسقيفة، فتأجج الباب والسقيفة حتى إذا احترق الخشب خرت
السقيفة على الباب، فثار على أهل الدار وعثمان يصلي حتى منعوهم الدخول، وكان
أول من برز لهم المغيرة بن الأخنس وهو يرتجز:
قد علمت جارية عطبول * ذات وشاح ولها جديل
أني بنصل السيف خنشليل * لأمنعن منكم خليلي
بصارم ليس بذي فلول
وخرج الحسن بن علي وهو يقول:
لا دينهم ديني ولا أنا منهم * حتى أسير إلى طمار شمام
وخرج محمد بن طلحة وهو يقول:
أنا ابن من حامى عليه بأحد * ورد أحزابا على رغم معد
وخرج سعيد بن العاص وهو يقول:
صبرنا غداة الدار والموت واقب * بأسيافنا دون ابن أروى نضارب
وكنا غداة الروع في الدار نصرة * نشافههم بالضرب والموت ثاقب
فكان آخر من خرج عبد الله بن الزبير أمره عثمان أن يصير إلى أبيه في وصية
بما أراد وأمره أن يأتي أهل الدار فيأمرهم بالانصراف إلى منازلهم فخرج عبد الله بن
231

الزبير آخرهم فما زال يدعي بها ويحدث الناس عن عثمان بآخر ما مات عليه
8 * (وأخرج ص 129 بالإسناد الشعيبي) *
قالوا: وأحرقوا الباب وعثمان في الصلاة وقد افتتح " طه ما أنزلنا عليك القرآن
لتشقى " وكان سريع القراءة فما كرثه ما سمع وما يخطئ وما يتتعتع حتى أتى عليها
قبل أن يصلوا إليه، ثم عاد فجلس إلى عند المصحف وقرأ: الذين قال لهم الناس قد
جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. وارتجز المغيرة بن
الأخنس وهو دون الدار في أصحابه:
قد علمت ذات القرون الميل * والحلي والأنامل الطفول
لتصدقن بيعتي خليلي * بصارم ذي رونق مصقول
لا أستقيل إن أقلت قيلي
وأقبل أبو هريرة والناس محجمون عن الدار إلا أولئك العصبة فدسروا فاستقبلوا
فقام معهم وقال: أنا أسوتكم. وقال: هذا يوم طاب امضرب - يعني إنه من القتال و
طاب وهذه لغة حمير - ونادى: يا قوم! مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار،
وبادر مروان يومئذ ونادى: رجل رجل. فبرز له رجل من بني ليث يدعى النباع (1)
فاختلفا ضربتين فضربه مروان أسفل رجليه وضربه الآخر على أصل العنق فقلبه فانكب
مروان واستلقى فاجتر هذا أصحابه، واجتر الآخر أصحابة، فقال المصريون: أما والله
لا أن تكونوا حجة علينا في الأمة لقد قتلناكم بعد تحذير فقال المغيرة: من بارز؟
فبرز له رجل فاجتلدوا وهو يقول:
أضربهم باليابس * ضرب غلام بائس * من الحياة آيس
فأجابه صاحبه... وقال الناس: قتل المغيرة بن الأخنس فقال الذي قتله: إنا لله
فقال له عبد الرحمن بن عديس: ما لك؟ قال: إني أتيت فيما يرى النائم فقيل لي: بشر
قاتل المغيرة بن الأخنس بالنار. فابتليت به، وقتل قباث الكناني نيار بن عبد الله الأسلمي،
واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملؤها، ولا يشعر الذين بالباب، وأقبلت
القبائل على أبنائهم فذهبوا بهم إذ غلبوا على أميرهم وندبوا رجلا لقتله، فانتدب له

(1) كذا والصحيح: البياع، وهو عروة بن شييم الليثي كما مر.
232

رجل فدخل عليه البيت فقال: اخلعها وندعك. فقال: ويحك والله ما كشفت امرأة
في جاهلية ولا إسلام ولا تغنيت ولا تمنيت ولا وضعت يميني على عورتي مذ بايعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولست خالعا قميصا كسانيه الله عز وجل وأنا على مكاني حتى يكرم
الله أهل السعادة ويهين أهل الشقاء. فخرج وقالوا: ما صنعت؟ فقال: علقنا والله، والله
ما ينجينا من الناس إلا قتله وما يحل لنا قتله، فأدخلوا عليه رجلا من بني ليث فقال:
ممن الرجل؟ فقال: ليثي. فقال: لست بصاحبي قال: وكيف؟ فقال: ألست الذي دعا
لك النبي صلى الله عليه وسلم في نفر أن تحفظوا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى. قال: فلن تضيع.
فرجع وفارق القوم، فأدخلوا عليه رجلا من قريش فقال: يا عثمان! إني قاتلك. قال:
كلا يا فلان! لا تقتلني. قال: وكيف؟ قال: إن رسول الله استغفر لك يوم كذا وكذا
فلن تقارف دما حراما، فاستغفر ورجع وفارق أصحابه، فأقبل عبد الله بن سلام حتى
قام على باب الدار ينهاهم عن قتله، وقال: يا قوم! لا تسلوا سيف الله عليكم فوالله إن
سللتموه ولا تغمدوه، ويلكم إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة فإن قتلتموه لا يقيم إلا
بالسيف، ويلكم إن مدينتكم محفوفة بملائكة الله والله لئن قتلتموه لتتركنها، فقالوا:
يا ابن اليهودية! وما أنت وهذا؟ فرجع عنهم. قالوا: وكان آخر من دخل عليه ممن
رجع إلى القوم محمد بن أبي أبكر فقال له عثمان: ويلك أعلى الله تغضب؟ هل لي إليك
جرم إلا حقه أخذته منك فنكل ورجع. قالوا: فلما خرج محمد بن أبي بكر وعرفوا
انكساره ثار قتيرة وسودان بن حمران السكونيان والغافقي فضربه الغافقي بحديدة معه
وضرب المصحف برجله فاستدار المصحف فاستقر بين يديه وسالت عليه الدماء، وجاء
سودان بن حمران ليضربه فانكبت عليه نائلة ابنة الفرافصة واتقت السيف بيدها
فتعمدها ونفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت فغمز أوراكها، وقال: إنها لكبيرة
العجيزة وضرب عثمان فقتله، ودخل غلمة لعثمان مع القوم لينصروه، وقد كان عثمان
أعتق من كف منهم فلما رأوا سودان قد ضربه أهوى له بعضهم فضرب عنقه فقتله، ووثب
قتيرة على الغلام فقتله، وانتهبوا ما في البيت وأخرجوا من فيه ثم أغلقوه على ثلاثة
قتلى فلما خرجوا إلى الدار وثب غلام لعثمان آخر على قتيرة فقتله، ودار القوم فأخذوا
ما وجدوا حتى تناولوا ما على النساء، وأخذ رجل ملاءة نائلة والرجل يدعى كلثوم
233

ابن تجيب فتنحت نائلة فقال: ويح أمك من عجيزة ما أنمك، وبصر به غلام لعثمان
فقتله وقتل وتنادى القوم أبصر رجل من صاحبه، وتنادوا في الدار: أدركوا
بيت المال لا تسبقوا إليه، وسمع أصحاب بيت المال أصواتهم وليس فيه إلا غرارتان (1)
فقالوا: النجاء فإن القوم إنما يحاولون الدنيا، فهربوا وأتوا بيت المال فانتهبوه، وماج
الناس فيه، فالتانئ يسترجع ويبكي، والطارئ يفرح، وندم القوم وكان الزبير قد
خرج من المدينة فأقام على طريق مكة لئلا يشهد مقتله، فلما أتاه الخبر بمقتل عثمان
وهو بحيث هو قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحم الله عثمان وانتصر له. وقيل: إن
القوم نادمون. فقال: دبروا دبروا، وحيل بينهم وبين ما يشتهون. الآية. وأتى الخبر
طلحة فقال: رحم الله عثمان وانتصر له وللاسلام وقيل له: إن القوم نادمون. فقال:
تبا لهم وقرأ: فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون. وأتى علي فقيل: قتل
عثمان: فقال رحم الله عثمان وخلف علينا بخير. وقيل: ندم القوم. فقرأ: كمثل الشيطان
إذ قال للانسان اكفر. الآية. وطلب سعد فإذا هو في حائطه وقد قال: لا أشهد قتله.
فلما جاءه قتله قال: فررنا إلى المدينة فدنينا وقرأ: الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا
وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، اللهم أندمهم ثم خذهم.
9 - * (وأخرج ص 131 بالإسناد الشعيبي) *
قال المغيرة بن شعبة لعلي: إن هذا الرجل مقتول وإنه إن قتل وأنت بالمدينة
اتخذوا فيك فاخرج فكن بمكان كذا وكذا، فإنك إن فعلت وكنت في غار باليمن
طلبك الناس. فأبى وحصر عثمان اثنتي وعشرين يوما ثم أحرقوا الباب وفي الدار أناس
كثير فيهم عبد الله بن الزبير ومروان فقالوا: إئذن لنا. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد
إلي عهدا فأنا صابر عليه، وإن القوم لم يحرقوا باب الدار إلا وهم يطلبون ما
هو أعظم منه، فأحرج على رجل يستقتل ويقاتل، وخرج الناس كلهم ودعا بالمصحف
يقرأ فيه والحسن عنده فقال: إن أباك الآن لفي أمر عظيم، فأقسمت عليك لما خرجت.
وأمر عثمان أبا كرب رجلا من همدان وآخر من الأنصار أن يقوما على باب بيت المال

(1) ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 189 وحرفه وبدله بقوله: فأخذوا بيت المال وكان فيه
شئ كثير جدا.
234

وليس فيه إلا غرارتان من ورق، فلما أطفئت النار بعد ما ناوشهم ابن الزبير ومروان
وتوعد محمد بن أبي بكر ابن الزبير ومروان، فلما دخل على عثمان هربا، ودخل محمد
ابن أبي بكر على عثمان فأخذ بلحيته فقال: أرسل لحيتي فلم يكن أبوك ليتناولها،
فأرسلها ودخلوا عليه فمنهم من يجئه بنعل سيفه وآخر يلكزه وجاءه رجل بمشاقص
معه فوجأه في ترقوته، فسال الدم على المصحف وهم في ذلك يهابون في قتله، وكان
كبيرا وغشي عليه ودخل آخرون، فلما رأوه مغشيا عليه جروا برجله، فصاحت نائلة
وبناته، وجاء التجيبي مخترطا سيفه ليضعه في بطنه فوقته نائلة فقطع يدها، واتكأ
بالسيف عليه في صدره، وقتل عثمان رضي الله عنه قبل غروب الشمس ونادى مناد: ما
يحل دمه ويحرج ماله؟ فانتهبوا كل شئ، ثم تبادروا بيت المال فألقى الرجلان المفاتيح
ونجوا وقالوا: الهرب الهرب، هذا ما طلب القوم.
10 - * (وأخرج ص 135 بالإسناد الشعيبي) *
لما حدثت الأحداث بالمدينة خرج منها رجال إلى الأمصار مجاهدين وليدنوا
من العرب فمنهم من أتى البصرة، ومنهم من أتى الكوفة، ومنهم من أتى الشام. فهجموا
جميعا من أبناء المهاجرين بالامصار على مثل ما حدث في أبناء المدينة، إلا ما كان من
أبناء الشام فرجعوا جميعا إلى المدينة إلا من كان بالشام فأخبروا عثمان بخبرهم فقام
عثمان في الناس خطيبا فقال:
يا أهل المدينة! أنتم أصل الاسلام وإنما يفسد الناس بفسادكم، ويصلحون
بصلاحكم، والله والله والله لا يبلغني عن أحد منكم حدث أحدثه إلا سيرته، ألا فلا
أعرفن أحدا عرض دون أولئك بكلام ولا طلب، فإن من كان قبلكم كانت تقطع
أعضاؤهم دون أن يتكلم أحد منهم بما عليه ولا له. وجعل عثمان لا يأخذ أحدا منهم
على شر أو شهر سلاح عصا فما فوقها إلا سيره. فضج آبائهم من ذلك حتى بلغه أنهم
يقولون: ما أحدث التسيير ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سير الحكم بن أبي العاص فقال:
إن الحكم كان مكيا فسيره رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إلى الطائف، ثم رده إلى بلده فرسول
الله صلى الله عليه وسلم سيره بذنبه ورسول الله صلى الله عليه وسلم رده بعفوه، وقد سيره الخليفة من بعده
وعمر رضي الله عنه من بعد الخليفة، وأيم الله لآخذن العفو من أخلاقكم، ولأبذلنه
235

لكم من خلقي، وقد دنت أمور ولا أحب أن تحل بنا وبكم وأنا على وجل وحذر
فاحذروا واعتبروا.
قال الأميني: هذه سلسلة بلاء وحلقة أكاذيب جاء بها أبو جعفر الطبري في تاريخه
بإسناد واحد أبطلناه وزيفناه وأوقفناك عليه وعلى ترجمة رجاله في الجزء الثامن ص 84،
140، 141، 333، أضف إليها ما ذكره المحب الطبري مما أسلفنا صدره في هذا الجزء
صفحة 179 من طريق سعيد بن المسيب مما اتفق الرواة والحفاظ والمؤرخون على
نقله وجاء بعض بزيادة مفتعلة وتبعه المحب الطبري وإليك نصها:
ثم بلغ عليا أنهم يريدون قتل عثمان فقال: إنما أردنا منه مروان فأما قتل
عثمان فلا، وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا
أحدا يصل إليه، وبعث الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان ويسألونه إخراج مروان، فلما رأى الناس
ذلك رموا باب عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بن علي بدمائه وأصاب مروان سهم وهو
في الدار وكذلك محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي، ثم إن بعض من حصر عثمان
خشي أن يغضب بنو هاشم لأجل الحسن والحسين فتنتشر الفتنة، فأخذ بيد رجلين فقال:
لهما: إن جاء بنو هاشم فرأوا الدم على وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما
تريدون، ولكن اذهبوا بنا نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم أحد، فتسوروا
من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على عثمان، وما يعلم أحد ممن كان معه، لأن
كل من كان معه كان فوق البيت ولم يكن معه إلا امرأته فقتلوه وخرجوا هاربين من
حيث دخلوا، وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها من الجلبة، فصعدت إلى الناس فقالت:
إن أمير المؤمنين قتل. فدخل عليه الحسن والحسين ومن كان معهما فوجدوا عثمان
مذبوحا فانكبوا عليه يبكون، ودخل الناس فوجدوا عثمان مقتولا فبلغ عليا وطلحة
والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم حتى دخلوا على عثمان
فوجدوه مقتولا فاسترجعوا وقال علي لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟
ورفع يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة. ولعن عبد الله بن
الزبير، وخرج علي وهو غضبان فلقيه طلحة فقال: مالك يا أبا الحسن؟! ضربت الحسن
236

والحسين؟ وكان يرى أنه أعان على قتل عثمان. فقال: عليك كذا وكذا رجل من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدري لم تقم عليه بينة ولا حجة. فقال طلحة: لو دفع مروان
لم يقتل. فقال علي: لو أخرج إليكم مروان لقتل قبل أن تثبت عليه حكومة. وخرج
علي فأتى منزله وجاء الناس كلهم إلى علي ليبايعوه، فقال لهم: ليس هذا إليكم
إنما هو إلى أهل بدر فمن رضي به أهل بدر فهو الخليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا
قال: ما نرى أحق لها منك، فلما رأى علي ذلك جاء المسجد فصعد المنبر وكان أول
من صعد إليه وبايعه طلحة والزبير وسعد وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وطلب مروان فهرب
وطلب نفرا من ولد مروان بني أبي معيط فهربوا (1).
وفي لفظ المسعودي في مروج الذهب 1: 441: لما بلغ عليا أنهم يريدون
قتله بعث بابنيه الحسن والحسين ومواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته، وأمرهم أن يمنعوه
منهم، وبعث الزبير ابنه عبد الله، وبعث طلحة ابنه محمدا وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم
آباؤهم اقتداء بمن ذكرنا فصدوهم عن الدار، فرمي من وصفنا بالسهام واشتبك القوم
وجرح الحسن وشج قنبر وجرح محمد بن طلحة، فخشي القوم أن يتعصب بنو هاشم و
بنو أمية فتركوا القوم في القتال على الباب ومضى نفر منهم إلى دار قوم من الأنصار
فتسوروا عليها وكان ممن وصل إليه محمد بن أبي بكر ورجلان آخران وعند عثمان
زوجته، وأهله ومواليه مشاغيل بالقتال، فأخذ محمد بن أبي بكر بلحيته فقال: يا محمد! والله
لو رآك أبوك لساءه مكانك. فتراخت يده وخرج عنه إلى الدار، ودخل رجلان فوجداه
فقتلاه، وكان المصحف بين يديه يقرأ فيه فصعدت امرأته فصرخت وقالت: قد قتل
أمير المؤمنين.
فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما من بني أمية فوجدوه وقد فاضت
نفسه رضي الله عنه فبكوا فبلغ ذلك عليا وطلحة والزبير وسعدا وغيرهم من المهاجرين
والأنصار فاسترجع القوم ودخل علي الدار وهو كالواله الحزين فقال لابنيه: كيف
قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ ولطم الحسن وضرب الحسين وشتم محمد بن طلحة

(1) الرياض النضرة 2: 125 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 108، نقلا عن ابن عساكر، تاريخ
الخميس 2: 261، 262، نقلا عن الرياض.
237

ولعن عبد الله بن الزبير فقال له طلحة: لا تضرب يا أبا الحسن! ولا تشتم ولا تلعن، ولو
دفع مروان ما قتل، وهرب مروان وغيره من بني أمية وطلبوا ليقتلوا فلم يوجدوا،
وقال علي لزوجته نائلة بنت الفرافصة: من قتله؟ وأنت كنت معه. فقالت: دخل إليه
رجلان وقصت خبر محمد بن أبي بكر، فلم ينكر ما قالت، وقال: والله لقد دخلت وأنا أريد
قتله فلما خاطبني بما قال خرجت ولا أعلم بتخلف الرجلين عني، ولله ما كان لي في قتله
سبب، ولقد قتل وأنا لا أعلم بقتله.
وروى ابن الجوزي في التبصرة (1) من طريق ابن عمر قال: جاء علي إلى عثمان
رضي الله عنهما يوم الدار وقد أغلق الباب ومعه الحسن بن علي وعليه سلاحه فقال
للحسن: ادخل إلى أمير المؤمنين فاقرأه السلام وقل له: إنما جئت لنصرتك فمرني
بأمرك. فدخل الحسن ثم خرج فقال لأبيه: إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول
لك: لا حاجة لي بقتال وإهراق الدماء قال: فنزع علي عمامة سوداء ورمي بها بين
يدي الباب وجعل ينادي: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وإن الله لا يهدي كيد
الخائنين.
وعن شداد بن أوس نزيل الشام والمتوفى بها عهد معاوية أنه قال: لما
اشتد الحصار بعثمان رضي الله عنه يوم الدار رأيت عليا خارجا من منزله معتما بعمامة
رسول الله متقلدا سيفه وأمامة ابنه الحسن والحسين وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم في
نفر من المهاجرين والأنصار فحملوا على الناس وفرقوهم ثم دخلوا على عثمان فقال علي:
السلام عليك يا أمير المؤمنين! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحق هذا الأمر حتى ضرب
بالمقبل المدبر، وإني والله لا أرى القوم إلا قاتلوك فمرنا فلنقاتل. فقال عثمان: انشد
الله رجلا رأى لله عز وجل عليه حقا وأقر أن لي عليه حقا أن يهريق في سببي ملء
محجمة من دم أو يهريق دمه في. فأعاد علي رضي الله عنه القول فأجاب عثمان بمثل ما
أجاب، فرأيت عليا خارجا من الباب وهو يقول: اللهم إنك تعلم أنا قد بذلنا المجهود
ثم دخل المسجد وحضرت الصلاة فقالوا له: يا أبا الحسن! تقدم فصل بالناس، فقال:
لا أصلي بكم والإمام محصور ولكن أصلي وحدي، فصلى وحده وانصرف إلى منزله

(1) راجع تلخيصه قرة العيون المبصرة 1: 180.
238

فلحقه ابنه وقال: والله يا أبت! قد اقتحموا عليه الدار قال: إنا لله وإنا إليه راجعون،
هم والله قاتلوه، قالوا: أين هو يا أبا الحسن؟! قال: في الجنة والله زلفى، قالوا: وأين
هم يا أبا الحسن؟! قال: في النار والله. ثلاثا.
الرياض النضرة 2: 127، تاريخ الخميس 2: 262.
ومن طريق محمد بن طلحة عن كناسة (1) مولي صفية: شهدت مقتل عثمان
فاخرج من الدار أمامي أربعة من شباب قريش مضرجين بالدم محمولين كانوا يدرؤن
عن عثمان وهم: الحسن بن علي و عبد الله بن الزبير ومحمد بن حاطب ومروان فقلت له:
هل تدري محمد بن أبي بكر بشئ من دونه؟ قال: معاذ الله دخل عليه فقال له عثمان:
يا ابن أخي! لست بصاحبي وكلمه بكلام فخرج (2)
في الاسناد كنانة ذكره الأزدي في الضعفاء، وقال: لا يقوم إسناد حديثه وقال
الترمذي: ليس إسناده بذاك. وقال أيضا: ليس إسناده بمعروف (3)
وروى البخاري في تاريخه 4 قسم 1 ص 237 من طريق كنانة مولى صفية قال:
كنت أقود بصفية لترد عن عثمان فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتى قالت: ردوني
ولا يفضحني هذا الكلب. وكنت فيمن حمل الحسن جريحا، ورأيت قاتل عثمان من أهل
مصر يقال له: جبلة.
وقال سعيد المقبري عن أبي هريرة: كنت محصورا مع عثمان في الدار فرمي رجل
منا، فقلت: يا أمير المؤمنين! الآن طاب الضراب قتلوا رجلا منا. قال: عزمت عليك
يا أبا هريرة! إلا رميت بسيفك، فإنما تراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي اليوم، قال
أبو هريرة: فرميت بسيفي فلا أدري أين هو حتى الساعة (4)
لم أقف علي رجال إسناد هذه الأسطورة غير سعيد المقبري، وهو سعيد بن أبي
سعيد أبو سعد المدني، والمقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاورا لها. قال يعقوب
ابن شيبة والواقدي وابن حبان: إنه تغير وكبر واختلط قبل موته بأربع سنين. راجع

(1) كذا في بعض النسخ والصحيح: كنانة.
(2) الاستيعاب 2، 478، تهذيب التهذيب 7: 141، تاريخ الخميس 2: 264.
(3) تهذيب التهذيب 8: 450.
(4) الاستيعاب 2: 478، تهذيب التهذيب 7: 142، تاريخ الخميس 2: 263.
239

تهذيب التهذيب 4: 38، ومتن الرواية أقوى شاهد على اختلاط الرجل، فإن أول
من رمى يوم الدار هو رجل من أصحاب عثمان رمى نيار بن عياض الأسلمي وكان شيخا
كبيرا فقتله الرجل كما مر في ص 201 ومضى في ص 200: إن أبا حفصة مولى مروان
هو الذي أنشب القتال ورمى نيار الأسلمي، ولعلك تعرف أبا هريرة ومبلغه من الصدق
والأمانة على ودايع العلم والدين، وإن كنت في جهل من هذا فراجع كتاب أبي هريرة
لسيدنا الحجة شرف الدين العاملي حياه الله وبياه، ولعل تقاعد أبي هريرة عن
نصرة الإمام أمير المؤمنين علي على السلام في حروبه الدامية كان لأنه لم يك يدري أين سيفه.
وعن أشعب بن حنين مولى عثمان: إنه كان مع عثمان في الدار فلما حصر
جر مماليكه السيوف فقال لهم عثمان: من أغمد سيفه فهو حر. فلما وقعت في أذني
كنت والله أول من أغمد سيفه، فأعتقت.
قال الذهبي: هذا الخبر باطل لأنه يقتضي أن لأشعب صحبة وليس كذلك
لسان الميزان 4:، 12.
صورة مفصلة
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: كنا مع عثمان رضي الله عنه وهو محصور
في الدار فقال: وبم يقتلونني؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ
مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلام، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفسا بغير
حق فيقتل بها، فوالله ما أحببت لديني بدلا منذ هداني الله تعالى، ولا زنيت في جاهلية
ولا إسلام، ولا قتلت نفسا بغير حق، فبم يقتلونني؟ فلما اشتد عطشه أشرف على الناس
فقال: أفيكم علي؟ فقالوا: لا. فقال: أفيكم سعد؟ فقالوا: لا. فسكت ثم قال: ألا أحد
يبلغ عليا فيسقينا ماء؟ فبلغ ذلك عليا فبعث إليه بثلاث قرب مملؤة ماء فما وصل إليه
حتى جرح بسببها عدة من بني هاشم وبني أمية، فلما بلغ عليا أن عثمان محاصر يراد
قتله قام خارجا من منزله معتما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه وأمامه ابنه الحسن
وعبد الله بن عمر في نفر من الصحابة والمهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، ودخلوا على
عثمان وهو محصور فقال له علي كرم الله وجهه: السلام عليك يا أمير المؤمنين! إنك
إمام العامة وقد نزل بك ما ترى، وإني أعرض عليك خصالا ثلاثا إختر إحداهن:
240

إما أن تخرج فتقاتلهم ونحن معك وأنت على الحق وهم على الباطل، وإما أن تخرق
بابا سوى الباب الذي هم عليه فتركب رواحلك وتلحق بمكة فإنهم لن يستحلوك وأنت
بها، وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية. فقال عثمان: أما أن أخرج
إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه
نصف عذاب العالم. فلن أكون أنا. وأما أن ألحق بالشام فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة
رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأذن لنا أن نقاتلهم ونكشفهم عنك، قال: فلا أكون أول من
يأذن في محاربة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فخرج علي وهو يسترجع وقال للحسن والحسين:
إذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل إليه، وبعث الزبير ابنه،
وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من أصحاب محمد أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على
عثمان ويسألونه إخراج مروان، فلما رأى ذلك محمد بن أبي بكر وقد رمى الناس
عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بالدماء على بابه وغيره، فخشي محمد بن أبي بكر
أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن ويكشفوا الناس عن عثمان فأخذ بيد رجلين من أهل
مصر فدخلوا من بيت كان بجواره، لأن كان من كان مع عثمان كانوا فوق البيوت ولم
يكن في الدار عند عثمان إلا امرأته، فنقبوا الحائط فدخل عليه محمد بن أبي بكر فوجده
يتلو القرآن فأخذ بلحيته فقال له عثمان: والله لو رآك أبوك لساءه فعلك. فتراخت يده
ودخل الرجلان عليه فقتلاه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا، قيل: جلس عمرو بن
الحمق على صدره ضربه حتى مات، ووطأ عمير بن ضابئ على بطنه فكسر له ضلعين
من أضلاعه، وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها لما كان حول الدار من الناس وصعدت
امرأته فقالت: إن أمير المؤمنين قد قتل فدخل الناس فوجدوه مذبوحا وانتشر الدم
على المصحف على قوله تعالى: " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم "، وبلغ الخبر
عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر الذي
أتاهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا، وقال علي لابنيه: كيف قتل
أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ ورفع يده فلطم الحسن، وضرب على صدر الحسين،
وشتم محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير، وخرج وهو غضبان حتى أتى منزله، وجاء
الناس يهرعون إليه فقالوا له: نبايعك فمد يدك فلا بد لنا من أمير. فقال علي: والله أني
241

لأستحي أن أبايع قوما قتلوا عثمان، وإني لأستحي من الله تعالى أن أبايع وعثمان
لم يدفن بعد، فافترقوا ثم رجعوا فسألوه البيعة فقال: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه
فقال لهم: ليس ذلك إليكم إنما ذلك لأهل بدر فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة،
فلم يبق أحد من أهل بدر حتى أتى عليا فقالوا: ما نرى أحدا أحق بها منك، مد يدك
نبايعك. فبايعوه، فهرب مروان وولده، وجاء علي وسأل امرأة عثمان فقال لها: من
قتل عثمان؟ قالت: لا أدري دخل عليه محمد بن أبي بكر ومعه رجلان لا أعرفهما، فدعا
محمدا فسأله عما ذكرت امرأة عثمان فقال محمد: لم تكذب والله دخلت عليه وأنا أريد
قتله فذكر لي أبي فقمت عنه وأنا تائب إلى الله تعالى، والله ما قتلته ولا أمسكته. فقالت
امرأته: صدق ولكنه أدخلهما عليه.
راجع أخبار الدول للقرماني هامش الكامل لابن الأثير 1: 210 - 213.
نظرة في الموضوعات
هذه الموضوعات اختلقت تجاه التاريخ الصحيح المتسالم عليه المأخوذ من مئات
الآثار الثابتة المعتضد بعضها ببعض، فيضادها ما أسلفناه في البحث عن آراء أعاظم الصحابة
في عثمان وما جرى بينهم وبينه من سئ القول والفعل، وفيهم بقية أصحاب الشورى
وغير واحد من العشرة المبشرة وعدة من البدريين، وقد جاء فيه ما يربو على مائة
وخمسين حديثا راجع ص 69 - 157 من هذا الجزء.
وتكذبها أحاديث جمة مما قد منا ذكرها ص 157 - 163 من حديث المهاجرين
والأنصار وأنهم هم قتلة عثمان.
ومن حديث كتاب أهل المدينة إلى الصحابة في الثغور من أن الرجل أفسد دين
محمد فهلموا وأقيموا دين محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن حديث كتاب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ويقسمون له بالله
أنهم لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من الله.
ومن حديث كتاب المهاجرين إلى مصر أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول
الله قبل أن يسلبها أهلها، فإن كتاب الله قد بدل، وسنة رسوله قد غيرت. إلى آخر
ما مر في ص 161، 162.
242

ومن حديث الحصار الأول المذكور في صفحة 168 - 177.
ومن حديث كتاب المصريين إلى عثمان إنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى
تأتينا منك توبة مصرحة، أو ضلالة مجلحة مبلجة. إلى آخر مر ص 170.
ومن حديث عهد الخليفة على نفسه أن يعمل بالكتاب والسنة سنة 35 كما مر
ص 170 - 172.
ومن حديث توبته مرة بعد أخرى كما فصلناه ص 172 - 178.
ومن حديث الحصار الثاني الذي أسلفناه ص 177 - 189.
ومن حديث كتاب عثمان إلى معاوية في أن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا
الطاعة. إلى آخر ما سبق في صفحة 190.
ومن حديث كتابه إلى الشام عامة: إني في قوم طال فيهم مقامي واستعجلوا القدر
في. وخيروني بين أن يحملوني على شارف من الإبل الدحيل، وبين أن أنزع لهم رداء
الله. إلى آخر ما مر ص 190.
ومن حديث كتابه أهل البصرة المذكور صفحة 191.
ومن حديث كتابه إلى أهل الأمصار مستنجدا يدعوهم إلى الجهاد مع أهل
المدينة واللحوق به لنصره كما مر ص 191.
ومن حديث كتابه إلى أهل مكة ومن حضر الموسم ينشد الله رجلا من المسلمين
بلغه كتابه إلا قدم عليه. إلخ.
ومن حديث يوم الدار والقتال فيه، وحديث من قتل في ذلك المعترك مما مضى
في ص 198 - 204.
ومن حديث مقتل عثمان وتجهيزه ودفنه بحش كوكب بدير سلع مقابر اليهود
المذكور ص 204 - 217.
ومما ثبت من أحوال هؤلاء الذين زعموا أنهم بعثوا أبنائهم للدفاع عن عثمان،
وأنهم لم يفتأوا مناوئين له إلى أن قتل وبعد مقتله إلى أن قبر في أشنع الحالات، أما
علي أمير المؤمنين فمن المتسالم عليه أنه لم يحضر مقتل الرجل في المدينة فضلا عن
دخوله عليه قبيل ذلك واستيذانه منه للذب عنه وبعد مقتله وبكاءه عليه وصفعه ودفعه وسبه
243

ولعنه وحواره حول الواقعة، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 230 ردا علي حديث:
الظاهر أن هذا ضعيف لأن عليا لم يكن بالمدينة حين حصر عثمان ولا شهد قتله.
وقد سأله عثمان أن يخرج إلى ماله بينبع ليقل هتف الناس باسمه للخلافة، و
كان ذلك مرة بعد أخرى وفي إحداهما قال لابن عباس: قل له فليخرج إلى ماله بينبع
فلا أغتم به ولا يغتم بي. فأتى ابن عباس عليا فأخبره فقال عليه السلام: يا ابن عباس! ما يريد
عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالغرب أقبل وأدبر، بعث إلي أن أخرج، ثم بعث
إلي أن أقدم، ثم هو الآن يبعث إلي أن أخرج.
وعلي عليه السلام هو الذي مر حديث رأيه في عثمان فراجع حتى يأتيك اليقين بأنه
صلوات الله عليه لم يكن كالواله الحزين، ولم يكن ذاهبا عقله يوم الدار، ولا يقذفه
بهذه الفرية الشائنة إلا من ذهبت به الخيلاء، وتخبطه الشيطان من المس، وخبل حب
آل أمية قلبه واختبله، فلا يبالي بما يقول، ولا يكترث لما يتقول.
وأما طلحة فحدث عنه ولا حرج، كان أشد الناس على عثمان نقمة، وله أيام
الحصارين وفي يومي الدار والتجهيز خطوات واسعة ومواقف هائلة خطرة ثائرة على
الرجل كما مر تفصيل ذلك كله، وإن كنت في ريب من ذلك فاسأل عنه مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام لتسمع منه قوله: والله ما استعجل متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفا
من أن يطالب بدمه لأنه مظنته، ولم يكن في القوم أحرص عليه منه، فأراد أن يغالط
مما أجلب فيه ليلبس الأمر ويقع الشك. وقوله: لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما
أعطاه وفعل به ما فعل. إلى أقواله الأخرى التي أوقفناك عليها.
وسل عنه عثمان نفسه وقد مرت فيه كلماته المعربة عن جلية الحال، وسل عنه
مروان لماذا قتله؟ وما معنى قوله حين قتله لأبان عثمان: قد كفيتك بعض قتلة أبيك؟
وسل عنه سعدا ومحمد بن طلحة وغيرهما ممن مر حديثهم.
وأما الزبير فإن سألت عنه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فعلى الخبير سقطت قال عليه السلام
له: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته؟ سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره، وقال
فيه وفي طلحة: إنهم يطلبون حقا هم تركوه، ودما هم سفكوه، فإن كنت شريكهم
فيه فإن لهم نصيبهم منه، وإن كان ولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم. إلى آخر ما
244

أسلفناه من كلماته عليه السلام.
وقد مر قول ابن عباس: أما طلحة والزبير فإنهما أجلبا عليه وضيقا خناقه. و
قول عمار بن ياسر في خطبة له: إن طلحة والزبير كانا أول من طعن وآخر من أمر.
وقول سعيد بن العاص لمروان: هؤلاء قتلة عثمان معك إن هذين الرجلين قتلا عثمان:
طلحة والزبير، وهما يريدان الأمر لأنفسهما، فلما غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم
والحوبة بالحوبة.
وأما سعد بن أبي وقاص فهو القائل كما مر حديثه: وأمسكنا نحن ولو شئنا
دفعنا عنه ولكن عثمان غير وتغير، وأحسن وأساء، فإن كنا أحسنا فقد أحسنا،
وإن كنا أسأنا فنستغفر الله.
وأعطف على هؤلاء بقية الصحابة الذين حسب واضعوا هذه الروايات أنهم بعثوا
أبناءهم للدفاع عن عثمان، وقد أسلفنا إجماعهم عدا ثلاثة رجال منهم على مقته المفضي
إلى قتله، وهل ترى من المعقول أن يمقته الآباء إلى هذا الحد الموصوف ثم يبعثوا
أبنائهم للمجالدة عنه؟ إن هذا إلا اختلاق.
وهل من المعقول أن القوم كانوا يمحضون له الولاء، وحضروا للمناضلة عنه،
فباغتهم الرجلان اللذين أجهزا عليه وفرا ولم يعلم بهما أحد إلى أن أخبرتهم بهما
الفرافصة ولم تعرفهما هي أيضا، وكانت إلى جنب القتيل تراهما وتبصر ما ما ارتكباه منه؟.
وهل عرف مختلق الرواية التهافت الشائن بين طرفي ما وضعه من تحريه تقليل
عدد المناوئين لعثمان المجهزين عليه حتى كاد أن يخرج الصحابة الآباء منهم والأبناء عن
ذلك الجمهور، ومما عزاه إلى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام من قوله لما انثال إليه القوم
ليبايعوه: والله إني لأستحي أن أبايع قوما قتلوا عثمان. الخ؟ وهو نص على أن مبايعيه
أولئك هم كانوا قتلوا عثمان وهم هم المهاجرون والأنصار الصحابة الأولون الذين
جاء عنهم يوم صفين لما طلب معاوية من الإمام عليه السلام قتلة عثمان وأمر عليه السلام بتبرزهم فنهض
أكثر من عشرة آلاف قائلين: نحن قتلته، يقدمهم عمار بن ياسر، ومالك الأشتر، و
محمد بن أبي بكر، وفيهم البدريون، فهل الكلمة المعزوة إلى الإمام عليه السلام لمبايعيه عبارة
أخرى عن الرجلين المجهولين اللذين فرا ولم يعرف أحد خبرهما؟ أو هما وأخلاط من
245

الناس الذين كانت الصحابة تضادهم في المرمى؟ وهل في المعقول أن يلهج بهذا إلا معتوه؟
وهل نحت هذا الانسان الوضاع إن صدق في أحلامه عذرا مقبولا لأولئك
الصحابة العدول الذابين عن عثمان بأنفسهم وأبنائهم الناقمين على من ناوئه في تأخيرهم
دفنه ثلاثا وقد ألقي في المزبلة حتى زج بجثمانه إلى حش كوكب، دير سلع، مقبرة
اليهود، ورمي بالحجارة، وشيع بالمهانة، وكسر ضلع من أضلاعه، وأودع الجدث
بأثيابه من غير غسل ولا كفن، ولم يشيعه إلا أربعة، ولم يمكنهم الصلاة عليه؟ فهل كل
هذا مشروع في الاسلام، والصحابة العدول يرونه ويعتقدون بأنه خليفة المسلمين،
وأن من قتله ظالم، ولا ينبسون فيه ببنت شفة، ولا يجرون فيه أحكام الاسلام؟ أو
أنهم ارتكبوا ذلك الحوب الكبير وهم لا يتحوبون متعمدين؟ معاذ الله من أن يقال
ذلك. أو أن هذا الانسان زحزحته بوادره عن مجاري تلكم الأحكام، وحالت شوارده
بينه وبين حرمات الله، وشرشرت منه جلباب الحرمة والكرامة ومزقته تمزيقا، حتى
وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة؟
ومن الكذب الصريح في هذه الروايات عد سعد بن أبي وقاص في الرعيل الأول
ممن بايع عليا عليه السلام وهو من المتقاعدين عن بيعته إلى آخر نفس لفظه وهذا هو المعروف
منه والمتسالم عليه عند رواة الحديث ورجال التاريخ، وقد نحتت يد الافتعال في ذلك
له عذرا أشنع من العمل، راجع مستدرك الحاكم 3: 116.
ومن المضحك جدا ما حكاه البلاذري في الأنساب 5: 93 عن ابن سيرين من
قوله: لقد قتل عثمان وإن في الدار لسبعمائة منهم الحسن وابن الزبير فلو أذن لهم
لأخرجوهم من أقطار المدينة.
وعن الحسن البصري (1) قال: أتت الأنصار عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين! ننصر
الله مرتين نصرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وننصرك. قال: لا حاجة لي في ذلك ارجعوا. قال
الحسن: والله لو أرادوا أن يمنعوه بأرديتهم لمنعوه.
أي عذر معقول أو مشروع هذا؟ يقتل خليفة المسلمين في عقر داره بين ظهراني
سبعمائة صحابي عادل وهم ينظرون إليه، ومحمد بن أبي بكر قابض على لحيته عال بها

(1) راجع إزالة الخفاء 2: 242
246

حتى سمع وقع أضراسه، وشحطه من البيت إلى باب داره، وعمرو بن الحمق يثب
ويجلس علي صدره، وعمير بن ضابئ يكسر أضلاعه، وجبينه موجوء بمشقص كنانة بن
بشر، ورأسه مضروس بعمود التجيبي، والغافقي يضرب فمه بحديد، ترد عليه طعنة
بعد أخرى حتى أثخنته الجراح وبه حياة فأرادوا قطع رأسه فألقت زوجتاه بنفسهما
عليه، كل هذه بين يدي أولئك المئات العدول أنصار الخليفة غير أنهم ينتظرون حتى
اليوم إلى إذن القتيل وإلا كانوا أخرجوهم من أقطار المدينة، ولو أرادوا أن يمنعوه
بأرديتهم لمنعوه. أين هذه الأضحوكة من الاسلام والكتاب والسنة والعقل والعاطفة
والمنطق والاجماع والتاريخ الصحيح؟!.
نظرة في المؤلفات
إن ما سطرناه في عثمان إلى هذا الحد أساس ما علوا عليه بنيان فضله، وتبرير
ساحته عن لوت أفعاله وتروكه، وتعذيره في النهابير التي ركبها والدفاع عنه، وقد
أوقفناك على الصحيح الثابت مما جاء فيه، وعلى المزيف الباطل مما وضع له، ومن
جنايات المؤرخين ضربهم الصفح عن الأول، وركونهم إلى الفريق الثاني من الروايات
فبنوا ما شادوه على شفا جرف هار، فلم يأت بغيرها أي عثماني في العقيدة، أموي في
النزعة، ضع يدك على أي كتاب لأحدهم في التاريخ والحديث مثل تاريخ الأمم والملوك
للطبري، والتمهيد للباقلاني، والكامل لابن الأثير، والرياض النضرة للمحب الطبري،
وتاريخ أبي الفدا، وتاريخ ابن خلدون، والبداية والنهاية لابن كثير، والصواعق لابن
حجر، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، وروضة المناظر لابن الشحنة الحنفي، وتاريخ أخبار
الدول للقرماني، وتاريخ الخميس للديار بكري، ونزهة المجالس للصفوري، ونور
الأبصار للشبلنجي، تجده مشحونا بتلكم الموضوعات المسلسلة، أتوا بها مرسلين إياها
إرسال المسلم، وشوهوا بها صحيفة التاريخ بعد ما سودوا صحائفهم، وموهوا بها
على الحقائق الراهنة.
وجاء بعد هؤلاء المحدثون المتسرعون وهم يحسبون أنهم يمحصون التاريخ
والحديث تمحيصا، ويحللون القضايا والحوادث تحليلا صحيحا متجردين عن الأهواء
والنزعات غير متحيزين إلى فئة، ولا جانحين إلى مذهب، لكنهم بالرغم من هاتيك الدعوى
247

وقعوا في ذلك وهم لا يشعرون، فحملوا إلينا كل تلكم الدسائس في صور مبهرجة رجاء أن
تنطلي عند الرجرجة الدهماء، لكن قلم التنقيب أماط الستار عن تمويههم، وعرف الملأ
الباحث أنهم إنما ردوا ما هنالك من بوائق ومخازي.
كما ردها يوما بسوءته عمرو
وأثبتوا فضائل بنيت على أساس منهدم، وربطوها بعرى متفككة، فهلم معي
نقرأ صحيفة من " الفتوحات الإسلامية " تأليف مفتي مكة السيد أحمد زيني دحلان
مما ذكره في الجزء الثاني من سيرة الخلفاء الأربعة ص 354 - 517 قال في ص 492
تحت عنوان: ذكر ما كان لسيدنا عثمان من الاقتصاد في الدنيا وحسن السيرة: كان عثمان
رضي الله عنه زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة، عادلا في بيت المال (1) لا يأخذ لنفسه منه
شيئا (2) لأنه كان غنيا، وغناه كان مشهورا من حياة النبي صلى الله وعليه وسلم وبعد وفاته، وكان
كثير الانفاق في نهاية الجود والسماحة والبذل في القريب والبعيد (3) وأنزل الله فيه: الذين
ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم
ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (4) وقوله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا و
قائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه (5). وقوله تعالى: رجال صدقوا ما عاهدوا
الله عليه (6).
وكان يخطب الناس وعليه إزار غليظ عدني ثمنه أربعة دراهم (7) وكان يطعم
الناس طعام الأمارة ويدخل بيته يأكل الخل والزيت، قال الحسن البصري: دخلت
المسجد فإذا أنا بعثمان متكئا على ردائه فأتاه سقا آن يختصمان إليه فقضى بينهما،

(1) فلماذا نقم عليه الصحابة أجمع؟ ولماذا قتلوا ذلك الزاهد الراغب العادل؟
(2) راجع الجزء الثامن ص 288، 289 ط 2.
(3) إلا من كان يمت بالبيت الهاشمي ويحمل ولاء العترة كأبي ذر وعمار وابن مسعود ونظرائهم
(4) مر في الجزء الثامن ص 57 ط 2 بطلان هذا التقول على الله.
(5) أسلفنا في هذا الجزء في ترجمة عمار القول الصحيح في نزول الآية.
(6) مر في الجزء الثاني ص 51 ط 2 نزولها في علي وحمزة وعبيدة بن الحرث. وأخرج البخاري في
صحيحه في التفسير ج 7: 91 نزولها في أنس بن النضر وذكر ابن حجر نزولها في جماعة ولم
يذكر فيهم عثمان، راجع فتح الباري 8: 420.
(7) راجع ما رويناه في الجزء الثامن ص 291 ط 2.
248

وعن عبد الله بن شداد قال: رأيت عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة وهو يومئذ أمير المؤمنين
وعليه ثوب قيمته أربعة دراهم. وسئل الحسن البصري ما كان رداء عثمان؟ قال: كان
قطري. قالوا: كم ثمنه؟ قال: ثمانية دراهم. وكان رضي الله عنه شديد المتواضع، قال
الحسن البصري: رأيت عثمان وهو أمير المؤمنين نائما في المسجد ورداؤه تحت رأسه
فيجئ الرجل فيجلس إليه، ثم يجئ الرجل فيجلس إليه، فيجلس هو كأنه أحدهم
وروى خيثمة قال: رأيت عثمان نائما في المسجد في ملحفة ليس حوله أحد وهو أمير
المؤمنين، وفي رواية أخرى لخيثمة أيضا: رأيت عثمان يقيل في المسجد ويقوم وأثر
الحصاة في جنبه فيقول الناس: يا أمير المؤمنين! وكان يلي وضوءه في الليل بنفسه فقيل
له: لو أمرت بعض الخدم لكفوك، قال: لا، الليل لهم يستريحون فيه، وكان رضي الله
عنه يعتق في كل جمعة رقبة منذ أسلم إلا أن لا يجد ذلك تلك الجمعة فيجمعها في
الجمعة الأخرى. قال العلامة ابن حجر في الصواعق: إن جملة ما أعتقه عثمان رضي الله
عنه ألفان وأربعمائة. ومن تواضعه: أنه كان يردف غلامه خلفه أيام خلافته ولا يعيب
ذلك. وكان يصوم النهار ويقول الليل إلا هجعة من أوله. وكان يختم القرآن كل ليلة
في صلاته. وكان كثيرا ما يختمه في ركعة، وكان إذا مر على المقبرة يبكي حتى تبتل
لحيته، وكان من العشرة المبشرين بالجنة. ومن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم
راض، وكان من السابقين للاسلام، فإنه أسلم بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة، و
شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة والزهد في الدنيا، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: رحمك الله
يا عثمان! ما أصبت من الدنيا ولا أصابت منك (1) وكثرت الفتوحات في زمن خلافته
فقد فتح في زمنه أفريقية وسواحل الأردن وسواحل الروم واصطخر وفارس وطبرستان
وسجستان وغير ذلك، وكثرت أموال الصحابة في خلافته حتى بيعت جارية بوزنها،
وفرس بمائة ألف، ونخلة بألف، وعن الحسن البصري قال: كانت الأرزاق في زمن عثمان
وافرة وكان الخير كثيرا، وأصاب الناس مجاعة في غزوة تبوك فاشترى طعاما يصلح العسكر
وأخرج أبو يعلى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عثمان في الجنة وقال: لكل نبي خليل

(1) هل تؤيد هذه الصحيحة المزعومة وما قبلها سيرة الرجل؟ ما لهم بذلك من علم إن هم
إلا يخرصون.
249

في الجنة وإن خليلي عثمان بن عفان. وفي رواية: لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي
فيها عثمان بن عفان. وقال صلى الله عليه وسلم: ليدخلن بشفاعة عثمان سبعون ألف كلهم استحقوا
النار الجنة بغير حساب. وأخرج أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه: أول من هاجر إلى
الحبشة بأهله عثمان بن عفان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صحبهما الله إن عثمان لأول من
هاجر إلى الله تعالى بأهله بعد لوفى، ولما زوج النبي صلى الله عليه وسلم بنته أم كلثوم لعثمان قال
لها: إن بعلك لأشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد صلى الله عليه وسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: أشد
أمتي حياء عثمان بن عفان. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إلي أن أزوج كريمتي يعني
رقية وأم كلثوم من عثمان. وقال صلى الله عليه وسلم: إن عثمان حيي تستحي منه الملائكة، و
قال صلى الله عليه وسلم: إنما يشبه عثمان بأبينا إبراهيم. وقال صلى الله عليه وسلم: ما زوجت عثمان بأم كلثوم
إلا بوحي من السماء. وقال صلى الله عليه وسلم لعثمان: يا عثمان! هذا جبريل يخبرني إن الله زوجك
أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها، وأخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب
قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله!
علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال عثمان: يا
رسول الله! علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يقول: ما على عثمان ما فعل بعد اليوم. وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى
النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثره في حجره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقلبها ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم. وفي رواية عن حذيفة: إنها عشرة آلاف
دينار فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول: غفر الله لك يا عثمان! ما أسررت وما أعلنت
وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي عثمان ما عمل بعدها، وأخرج الواحدي: إن
الله أنزل بسبب ذلك في حق عثمان: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون
ما انفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وعن أبي
سعيد الخدري قال: ارتقبت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من أول الليل إلى أن طلع الفجر يدعو لعثمان
بن عفان يقول: اللهم عثمان بن عفان رضيت عنه فارض عنه، فما زال رافعا يديه حتى طلع
الفجر. وعن جابر بن عطية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا عثمان! ما قدمت وما
أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما أبديت وما هو كائن إلى يوم القيامة. الخ.
250

هذه بلايا تمنتها يد الغلو في الفضائل، منيت بها الأمة، وطمست تحت أطباقها
حقايق العلم والدين، وانطمست بها أنوار الهداية، وستعرف أنها روايات مختلقة زيفتها
نظارة التنقيب ولا يصح منها شئ، غير أن المفتي دحلان على مطمار قومه أرسلها
إرسال المسلم، وموهها على أغرار الملأ الديني، ولا يجد عن سردها منتدحا، ذلك
مبلغهم من العلم إن هم إلا يظنون، ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر
والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا.
* (الفتنة الكبرى) *
واقرأ صحيفة من " الفتنة الكبرى " للدكتور طه حسين قال في بدء كتابه. هذا
حديث أريد أن أخلصه للحق ما وسعني إخلاصه للحق وحده، وأن أتحرى فيه الصواب
ما استطعت إلى تحري الصواب سبيلا، وأن أحمل نفسي فيه على الانصاف لا أحيد عنه
ولا أمالئ فيه حزبا من أحزاب المسلمين على حزب، ولا أشايع فيه فريقا من الذين
اختصموا في قضية عثمان دون فريق، فلست عثماني الهوى، ولست شيعة لعلي، و
لست أفكر في هذه القضية كما كان يفكر فيها الذين حاصروا عثمان واحتملوا معه
ثقلها وجنوا معه أو بعده نتائجها.
وأنا أعلم أن الناس ما زالوا ينقسمون في أمر هذه القضية إلى الآن كما كانوا
ينقسمون فيها أيام عثمان رحمه الله، فمنهم العثماني الذي لا يعدل بعثمان أحدا من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم بعد الشيخين، ومنهم الشيعي الذي لا يعدل بعلي رحمه الله بعد النبي أحدا
لا يستثني الشيخين ولا يكاد يرجو لمكانهما وقارا، ومنهم من يتردد بين هذا وذاك
يقتصد في عثمانيته شيئا، أو يقتصد في تشيعه لعلي شيئا، فيعرف لأصحاب النبي مكانتهم
ويعرف لأصحاب السابقة منهم سابقتهم، ثم لا يفضل بعد ذلك أحدا منهم على الآخر
يرى أنهم جميعا قد اجتهدوا ونصحوا لله ولرسوله وللمسلمين، فأخطأ منهم من أخطأ
وأصاب منهم من أصاب، ولأولئك وهؤلاء أجرهم لأنهم لم يتعمدوا خطيئة ولم يقصدوا
إلى إساءة، وكل هؤلاء إنما يرون آراءهم هذه يستمسكون بها ويذودون عنها و
يتفانون في سبيلها، لأنهم يفكرون في هذه القضية تفكيرا دينيا، يصدرون فيه عن
الإيمان، ويبتغون به ما يبتغي المؤمن من المحافظة على دينه والاستمساك بيقينه وابتغاء
251

رضوان الله بكل ما يعمل في ذلك أو يقول.
وأنا أريد أن أنظر إلى هذه القضية نظرة خالصة مجردة لا تصدر عن عاطفة ولا
هوى، ولا تتأثر بالإيمان ولا بالدين، وإنما هي نظرة المؤرخ الذي يجرد نفسه تجريدا
كاملا من النزعات والعواطف والأهواء مهما تختلف مظاهرها ومصادرها وغاياتها الخ.
هكذا يحسب الدكتور ويبدي أنه لا يروقه النزول على حكم العاطفة ولا التحيز
إلى فئة أو جنوح إلى مذهب، وقد تجرد فيما كتب عن كل ذلك حتى عن الإيمان
والدين، وزعم أنه قصر نظرته في قضايا عثمان على البساطة ليتسنى له الحكم الطبيعي،
والقول في تلكم الحوادث على الحقائق المحضة، هكذا يحسب الدكتور، لكنه سرعان
ما انقلب على عقبيه كرا على ما فر منه، فلم يسعه إلا الركون إلى العواطف ومتابعة
النزعات، فلم يرتد إلا تلكم السفاسف التي اختلقتها سماسرة العثمانيين، ولم يسرح
في مسيره إلا مقيدا بسلاسل أساطير الأولين التي سردها الطبري ومن شايعه أو سبقه
بتلك الأسانيد الواهية والمتون المزيفة التي أوقفناك عليها في هذا الجزء وفيما سبقه
من الأجزاء، فلم نجد مائزا بين هذا الكتاب وبين غيره من الكتب التي حسب الدكتور
أن مؤلفيها حدت بهم الميول والنزعات، فما هو إلا فتنة كبرى كما سماه هو بذلك.
ترى الدكتور يحايد حذرا من أن يحيد عن مهيع الحق ويجور في الحكم، و
زعم الحياد أسلم في اليوم الحاضر كما كان في الأمس الدابر، فذهب مذهب سعد بن
أبي وقاص الحايد في القضية واتبع أثره، قال في ديباجة كتابه: عاش قوم من أصحاب
النبي حين حدثت هذه القضية وحين اختصم المسلمون حولها أعنف خصومة عرفها
تاريخهم فلم يشاركوا فيها ولم يحتملوا من أعبائها قليلا ولا كثيرا، وإنما اعتزلوا
المختصمين وفروا بدينهم إلى الله، وقال قائلهم سعد بن أبي وقاص رحمه الله: لا أقاتل
حتى تأتوني بسيف يعقل ويبصر وينطق فيقول: أصاب هذا وأخطأ ذاك.
فأنا أريد أن أذهب مذهب سعد وأصحابه رحمهم الله، لا أجادل عن أولئك ولا
عن هؤلاء، وإنما أحاول أن أتبين لنفسي وأبين للناس الظروف التي دفعت أولئك
وهؤلاء إلى الفتنة، وما استتبعت من الخصومة العنيفة التي فرقتهم وما زالت تفرقهم
إلى الآن، وستظل تفرقهم في أكبر الظن إلى آخر الدهر، وسيرى الذين يقرأون
252

هذا الحديث أن الأمر كان أجل من عثمان وعلي وممن شايعهما وقام من دونهما،
وأن غير عثمان لو ولي خلافة المسلمين في تلك الظروف التي وليها لتعرض لمثل ما
تعرض له من ضروب المحن والفتن، ومن اختصام الناس حوله واقتتالهم بعد ذلك فيه. ا ه‍.
هاهنا نجد الدكتور جاريا على ما عهد إلى نفسه تجرد عن العواطف، وجانب
المبادئ الدينية، وحايد الدين الحنيف حقا، ونظر إلى القضية بالحرية المحضة،
وحسبها فتنة يحق للعاقل أن يكون فيها كابن لبون لا ظهر له فيركب ولا ضرع فيحلب،
ونعم الرأي هذا لولا الاسلام المقدس، لولا ما جاء به نبي العظمة، لولا ما نطق به
كتاب الله العزيز، لولا ما تقتضيه فروض الانسانية والعواطف البشرية القاضية بخلاف
ما ذهب إليه الدكتور، وإني لست أقضي العجب منه، ولست أدري كيف يقدس
مذهب ابن أبي وقاص، أيسوغ للباحث المسلم أن يصفح في تلكم القضايا عن حكم
الدين المقدس، ويشذ عما قرره نبي الاسلام، ويسحق العواطف كلها حتى ما يستدعيه
الطبع الانساني والغريزة العادلة في كسح الفساد والتفاني دون صالح المجتمع العام؟
ألم يكن هنالك كتاب ناطق أو سنة محكمة أو شريعة حاكمة أو عقل سليم يبعث
الملأ الديني إلى الدفاع عن كل مسلم مدت إليه يد الظلم والجور فضلا عن خليفة
الوقت الواجب طاعته؟
ما الذي أحوج المتمسك بعرى الدين الحنيف إلى سيف يعقل ويبصر وينطق
والله يقول: فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم
الآخر؟ أو لم يكفهم إنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟ وما أنزلنا عليك الكتاب
إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه.
ما الذي أذهل الدكتور عن قول الصحابي العظيم حذيفة اليماني: لا تضرك الفتنة
ما عرفت دينك إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل؟ وكيف يشتبه الحكم في
القضية على المسلم النابه وهي لا تخلو عن وجهين، فإن عثمان إن كان إماما عادلا قائما
بالقسط عاملا بالكتاب والسنة مرضيا عند الله؟ فالخروج عليه معلوم الحكم عند جميع
فرق المسلمين لا يختلف فيه اثنان، ولا تشذ فئة عن فئة، وإن لم يكن كذلك وكان
كما حسبه أولئك العدول من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومرت آرائهم ومعتقداتهم فيه؟
253

فالحكم أيضا بين مبرهن بالكتاب العزيز كما استدل بذلك الثائرون عليه لما قال
لهم: لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه. أو كفر بعد إسلامه،
أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها. فقالوا: إنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين
سميت: قتل من سعى في الأرض فسادا، وقتل من بغى، ثم قاتل على بغيه، وقتل من
حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه، وقد بغيت، ومنعت الحق،
وحلت دونه وكابرت عليه. الحديث " راجع ص 205 "
فنحن لا نعرف وجها للحياد كما ذهب إليه ابن أبي وقاص في القضية وفي المواقف
الهائلة بعدها، فالحياد - وإن راق الدكتور - تقاعد عن حكم الله، وتقاعس عن الواجب
الديني، وخروج عما قررته الحنيفية البيضاء، نعم: الحياد حيلة أولئك المتشاغبين
المتقاعدين عن بيعة إمام المتقين أمير المؤمنين، المتقاعسين عن نصرته، المتحايدين عن
حكم الكتاب والسنة في حروبه ومغازيه، عذر تترس به سعد بن أبي وقاص وعبد الله
ابن عمر وأبو هريرة وأبو موسى الأشعري ومحمد بن مسلمة السابقون الأولون من رجال
الحياد الزائف، والانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
كتاب عثمان بن عفان
وأعطف على كتاب عثمان بن عفان للمدرس في كلية اللغة العربية بمصر الأستاذ
صادق إبراهيم عرجون نظرة ممعنة حيث يقول في فاتحته: فهذا طراز من البحث في سيرة
ثالث الراشدين " عثمان " رضي الله عنه، صورت به حياته صورة لا أعيذها من إجمال غير
مجحف بحق، ولا أعضها تفصيل يظهر حجة أو يدفع شبهة.
وقد احتفلت فيه بتحقيق ما احتف بهذه السيرة الأسيفة من عوامل اجتماعية و
سياسية، دفعت المجتمع الاسلامي دفعا عاصفا إلى أخطر انقلاب عرفه التاريخ في الاسلام
وسيرة عثمان رضي الله عنه حرية بالبحث الممحص الهادئ، ليكشف منها ما
سترته الأقاصيص العابثة من فضائل، وما شوهته الروايات الغالطة من محاسن، ويصحح
ما غالطت بينها من حقائق، ويزيف ما بهرجه المتقولون من أكاذيب مزورة وحكايات
باطلة.
254

وقد حاولت جهدي أن أتتبع الخطوط الأصيلة في حياة عثمان رضي الله عنه،
فلائمت بينها حتى ارتسمت منها هذه الصورة التي أرجو أن تكون لبنة بين لبنات متساندة
في دراسة حياة رجالات الاسلام، وسير أبطاله الغر الميامين، تبصرة وذكرى للمؤمنين.
والله ولي التوفيق. ا ه‍.
ثم ألق نظرة أخرى على مواضيع كتابه تجدها غير منطبقة على ما يقول في شئ
منها، وإنما هي نعرات طائفية ممقوتة، وفضائل مفتعلة دستها يد الغلو فيها، وسفاسف
موضوعة حبذت الشهوات اختلاقها، كلل أساطير السلف بزخرف القول، وزخرف أباطيل
الأولين بالبيان المزور، لم نجد له فحصا عن حال الأسانيد، وتهافت المتون، وفقه
الحديث، وطرق مواضيع مهمة من فقه عثمان وأغاليطه وأحداثه وهو يروقه التفصي
عنها فلم يتفص إلا بالتافهات لا سيما في المسائل الفقهية التي هو بمجنب عنها، فنحت
لها أعذارا باردة، أو أنها أعظم من تلكم المآثم، فلنمر عليها كراما.
وما ظنك بكتاب يكون من مصادره كتاب فجر الاسلام، لأحمد أمين ذلك المتحذلق
المختلق، وكتاب الخضري ذلك الأموي المباهت، ومحاضرات كرد علي العثماني الشامي
المناوئ لأهل بيت الوحي، وأمثال هذه من كتب السلف والخلف مما لا يعرج عليه؟
وفيه الخلط والخبط، وضوضاء الدجالين، ولغط المستأجرين.
ومن أعجب ما رأيت قوله ص 41 من الكتاب تحت عنوان " الكذب على ذلك
رسول الله ": وفي هذه المرحلة من تاريخ الاسلام بدئت أكاذيب الفرق والأحزاب
فيما يكيد به بعضها لبعض، حتى أخذت تلك الأكاذيب صورة الحجاج بأحاديث يتقولها
زعماء الفرق ورؤساء الأحزاب على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كثر من هذه الأكاذيب
ما زعموه كان في حق الأئمة والخلفاء، وقالت كل شيعة فيمن شايعته وفي منافسيه
عندها ما شاء لها الهوى، وتجاذب هذا النوع طرفي الافراط والتفريط مدحا وذما، و
اختلاقا وتقولا، حتى غشى سير هؤلاء الأجلاء بغشاء من الغموض حجب الحقايق عن
كثير من الناظرين.
وليس بأقل خطرا من ذلك ما افترقوه في جنب القرآن الكريم من تأويلات
محرفة لآيات الله تعالى عن مواضعها، ومن هنا وهناك تألفت سلسلة الموضوعات
255

والخرافات والأساطير التي ابتلي بها المسلمون، وانتشرت بينهم التلبيسات الملتوية
والشبه الغامضة، فشوهت جمال الشريعة المطهرة، وحشي بها كثير من كتب المؤلفين
المتقدمين والمتأخرين، حتى أصبحت وبالا على الدين، وشرا على المسلمين، وحائلا
دون نهضتهم وتقدمهم، وسلاحا في أيدي خصوم الاسلام، وعائقا عن الوصول إلى كثير
من الحقايق التاريخية والعلمية والدينية، ولولا توفيق الله تعالى رحمة بهذه الأمة،
ورعاية لهذا الدين الكريم، لطائفة من أئمة المسلمين المصطفين الأخيار، انتهضوا
لنقد الأسانيد وتنقيح الروايات، وبهرجة الزائف منها، وحظر الرواية عن كل صاحب
بدعة في الاسلام، لما بقيت للاسلام صورته النيرة التي جاء بها القرآن الحكيم، وأداها
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه نقية صافية. ا ه‍.
هذه نفثات الأستاذ الصادق، وهذه حسراته وزفراته المتصاعدة وراء ضياع التاريخ
الاسلامي، وراء طمس الحقايق تحت أطباق الظلمات، وراء تشويه الأساطير والمخاريق
والأباطيل جمال الشريعة المطهرة، ولعمر الحق لقد أحسن وأجاد، والرايد لا يكذب،
غير أن المسكين هو من أسراء تلكم السلاسل المتسلسة من الموضوعات والخرافات
التي ابتلي بها المسلمون، وعاقته الأغشية المدلهمة عن الوصول إلى الحقايق التاريخية
والعلمية والدينية، وثبطته التلبيسات الملتوية عن نيل الصحيح الناصع من التاريخ
والحديث، فما أصاب من الحق نيلا، وما أسعفته فكرته هذه على الطامات ولا قدر
شعرة، وما أوضحت له سبل النجاح، وما هدته إلى المهيع اللايح، فليته ثم ليته كان
يأخذ بأقوال أولئك الأئمة المصطفين الأخيار في نقد الأسانيد في الجرح والتعديل،
وكان يعمل بها ويتخذها دستورا لنفسه، مقياسا فيما سطره من الأكاذيب والأفائك،
وليته كان يرحم هذه الأمة، ويرعى هذا الدين الكريم مثلما هم رحموا ورعوا، وما
زرف في تأليفه، وما أعاد لأساطير الأولين الخلقة جدتها بعد ألف وثلاثمائة عاما من عمرها.
وهل هو بعد ما وقف على هذا الجزء ووجد كتابه مؤلفا من سلسلة بلايا وحلقة
أباطيل زيفها أولئك الأئمة الذين هو اصطفاهم واختارهم وأثنى عليهم يقرع سن الندم
ويتبع سنن الحق اللاحب؟ أو أنه يلج فيما سود به صحائف كتابه أو صحيفة تاريخه
ويتمادى في غيه وليه؟ وما التوفيق إلا بالله.
256

كتاب إنصاف عثمان
تأليف الأستاذ محمد أحمد جاد المولى بك
هذا الكتاب أخدع من السراب، صفر من شواهد الانصاف، شرجه الأستاذ من
سلسلة أخبار مدسوسة وروايات مختلقة، وإن درس هو بزعمه تاريخ عثمان دراسة الحذر
منها فقال في ديباجته ص 4: درسنا تاريخ عثمان وعصره والثورة عليه دراسة الحذر من
الأخبار المدسوسة، اليقظ لمواطن العبرة، المرجع كل حدث إلى بواعثه الأصلية
وإن رانت عليها الشبهات.
ولم نكتف بما قال المؤرخون، بل مددنا بصرنا إلى أبعد من ذلك، فحللنا
شخصيته، وبينا ما لها من صلة بالثورة عليه، ودرسنا حال المسلمين وقد نعموا بالراحة
والثراء وانساحوا في الأصقاع يخالطون الأعاجم ويصهرون إليهم ويتخلقون بعاداتهم،
وحال قريش وما انتابها من تفرق وتنازع على الرياسة، وبينا صلة ذلك بالتجني على
الخليفة، وجلونا الفتنة التي أرثها في الأمصار أعداء عثمان وأعداء الاسلام، ونخلنا ذلك
كله وصفيناه، واستخلصنا منه الأسباب الصريحة للفتنة.
ولم نغفل أن نعرض لما أخذ على عثمان، ولا أن ننتصف له حيث يستحق الإنصاف.
ومن حق عثمان أن تخصص لدراسته ودراسة عصره عشرات الكتب، فإنه
الخليفة المهضوم الحق، المظلوم في الحكم عليه، على ما له من سابقة وفضل وإصلاحات،
وعصره عصر انتقال واضطراب وثورات سياسية واجتماعية.
ونحن وإن بالغنا في الإحاطة وتوفي الزلل عرضة للتقصير، ولكنا اجتهدنا
رأينا، فنرجوا أن نكون قد وفقنا لإبراز صورة واضحة لهذه الحقبة من تاريخ المسلمين
ففيها عظات وعبر. والله المستعان. ا ه‍.
هذه لفاظته، وهذا حسن طويته وحرصه على النجاح، غير أنك تجده في جمعه
وتأليفه كحاطب ليل رزم في حزمته كل رطب ويابس، وجاء يخبط خبط عشواء من
دون أي فحص وتنقيب، لا يفقه ولا ينقه، لا يستصحب دراية في الحديث توقفه على
الصحيح الثابت، وتعرفه الزائف البهرج، ولا بصيرة تميز له الحو من اللو، ولا علما
257

ناجعا يجعجعه ويهديه إلى الفوز والنجاح، ولا فقها ينجيه من غمرات تلكم المعارك
الوبيلة، ولا تثبتا يرشده إلى ما ينقذه من تلكم التلبيسات الملتوية، جول في مضمار
تلكم الطامات التي جاء بها الطبري وغيره وحسبها أصولا مسلمة، وأسند في آرائه إلى
فضائل مفتعلة نتاج أيدي الأمويين نسبا ونزعة، ومن المأسوف عليه جدا أنه أكدى
وإن اجتهد رأيه، ولم يظفر بأمله وإن بالغ في الإحاطة بزعمه، وأبرز لهذه الحقبة من
تاريخ المسلمين صورة معقدة معضلة تخلو عن كل عظة وعبرة.
بسط القول في عبد الله بن سبأ وعزا إليه كل تلكم المعامع الثورات، وحسبه
مادة الفكرة الناقمة على الخليفة وأساسها الوحيد في البلاد، ورأى معظم الصحابة أتباع
نعرات ذلك المبتدع الغاشم، وطوع تلبيس ذلك اليهودي المهتوك، وقال في ص 42:
عند ذلك يجد ابن سبأ منفذا إلى هذا الشيخ الزاهد (يعني أبا ذر) في عرض الدنيا
فينشر آراءه في مجلسه ويغريه بالحكومة ويحرضه على الأغنياء، وصار يقول له: يا
أبا ذر! ألا تعجب لمعاوية يقول: المال مال الله، ألا كل شئ لله؟ كأنه يريد أن يحتجنه
دون المسلمين ويمحو اسم المسلمين. ظل أبو ذر يدعو إلى الاشتراكية المتطرفة
بإرغام الأغنياء أن يساعدوا الفقراء ويتركوا أموالهم لهم، واتخذ بر الاسلام بالفقراء
سبيلا إلى ذهاب المال من أربابه، وما قصد الاسلام هذا بل كما قال الله تعالى: والذين
في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم زيادة على الزكاة الشرعية. الخ.
وقال في ص 61: أما عمار فقد توجه إلى مصر وكان حاكمها مبغضا من
المصريين لا يجدون حرجا في رميه بكل نقيصة، واستطاع أتباع ابن سبأ بحذقهم و
مهارتهم في ذلك المكفهر أن يخدعوه بزخرف القول وزوره، وكان مع هذا في نفس
عمار شئ من عثمان لأنه نفذ فيه حكم الله لما تقاذف هو والعباس بن عتبة بن أبي لهب،
ولهذا لم يعد إلى الخليفة، ولم يطلعه على شئ مما رأى، ومال إلى اتباع ابن سبأ. ا ه‍.
هذه صفحة من تلك الصورة الواضحة التي وفق الأستاذ لإبرازها، هذه هي
الغاية المتوخاة التي بزعمه فيها عظات وعبر، هل يدري القارئ عن أي أبي ذر و
عمار يحدث هذا الثرثار المجازف؟ حتى لا يبالي بما يقول ولا يكترث لما أسرف فيهما
من القول، ولست أدري لماذا اقتحم الرجل في هذه الأبحاث الغامضة الخطرة التي يتيه
258

فيها الناقد البصير؟ لماذا اقتحم فيها مع ضؤولة رأيه وجهله بأحوال الرجال ومقادير
أفذاذ الأمة، وعدم عرفانه نفسيات خيرة البشر وصلحاء الصحابة ومبلغهم من الدين؟
لماذا اقتحم فيها مع بعده عن دراية الحديث، وعلم الدين، وفقه التاريخ؟
تراه تشزر وتعبأ للدفاع عمن شغفه حبه بكل ما تيسر له ولو بالوقيعة في
عدول الصحابة أو في الصحابة العدول، وقد بينا في الجزء الثامن ص 349 ط 2 حديث
الرجل في أبي ذر وأنه موضوع عنعنه أناس لا يعول عليهم عند مهرة الفن، وفصلنا
القول في هذا الجزء في حديث عمار وأنه قط لم يتوجه إلى مصر، وأن ما ركن إليه
الأستاذ لا يصح إسناده، ونحاشي عمارا عن أن يحمل ضغينة على أحد لإنفاذه حكم
الله فيه، وهل الأستاذ طبق المفصل في رأيه هذا وبين يديه الذكر الحكيم والآية
النازلة في عمار؟ وفي صفحات الكتب قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ملئ عمار إيمانا إلى أخمص
قدميه. وقوله: إن عمارا مع الحق والحق معه، يدور عمار مع الحق أينما دار. و
قوله: ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما. إلى أحاديث أخرى مرت في هذا
الجزء ص 20 - 28 تضاد تلكم الخزعبلات.
وللأستاذ في تبرير الخليفة كلمات ضخمة موجزة في طيها دسائس مطمورة،
وتمويه على الحقائق التاريخية، يتلقاها الدهماء بالقبول ولا يرى عن الصفح عنها
مندوحة قال في ص 35: من المسلم به أن الوليد هذا عين سنة 25 هجرية وهي
السنة الأولى من حكم عثمان، وقد أجمع الناقدون والمؤرخون على أنه لم يقع منه
خلال ست السنوات الأولى ما يسوغ توجيه النقد إليه، إذ كانوا يرون رائده تحري
المصلحة العامة، وإسناد المناصب إلى الجديرين بها لا فرق بين قريب وبعيد. ا ه‍.
دعوى الإجماع والاتفاق والاصفاق المكذوبة سيرة مطردة عند القوم جيلا
بعد جيل سلفا وخلفا، وكتب الفقه والكلام والحديث والتاريخ مشحونة بهذه السيرة
الممقوتة ومن أمعن النظر في كتاب المحلى لابن حزم، وكتابه الفصل في الملل والنحل،
ومنهاج السنة لابن تيمية، والبداية والنهاية لابن كثير، يجد مئاة من الإجماعات المدعاة
المشمرجة، والأستاذ اقتفى إثر أولئك الأمناء على ودائع العلم والدين وحذا حذوهم،
كأنه لم يك يحسب أن يأتي عليه يوم يناقشه قلم التنقيب الحساب، أو أنه غير مكترث
259

لأي تبعة ومغبة.
أنى من المتسالم عليه تولية الوليد سنة 25 وإن هو إلا قول سيف بن عمر كما
نص عليه الطبري في تاريخه 7: 47 وزيفه، وعزاه ابن الأثير في الكامل إلى البعض،
وقد عرفناك سيفا في الجزء الثامن ص 84 ط 2 وأنه: ضعيف متروك، ساقط، وضاع،
اتهم بالزندقة. فالمعتمد عند المؤرخين أن تولية الوليد كانت سنة 26.
ثم أنى يصح كون السنة ال‍ 25 هي السنة الأولى من حكم عثمان، وإنما
توفي عمر في أواخر ذي الحجة سنة 23 وبويع عثمان بعد ثلاثة أيام من موت عمر،
فالسنة الأولى من حكم عثمان هي 24.
وأين وأنى يسع لناقد أو مؤرخ فضلا عن إجماع الناقدين والمؤرخين أن
يحسب صفو الجو من بوائق عثمان وبوادره ونوادره خلال ست السنوات الأولى، وهذه
صفحات تاريخه في تلكم السنين مسودة بهنات وهنات، بل التاريخ سجل له من أول
يوم تسنم عرش الخلافة، وقام نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، صرعة وعثرة لا تستقال،
منها:
1 - أبطل القصاص لما استخلف ولم يقد عبيد الله بن عمر وقد أتى عظيما وقتل
الهرمزان والجفينة وابنة أبي لؤلؤة، وأجمع رأي المهاجرين والأنصار على كلمة واحدة
يشجعون عثمان على قتل ابن عمر أخذا بالكتاب والسنة، غير أن عمرو بن العاص فلته
عن رأيه، فذهب دم أولئك الأبرياء هدرا. وكانت أول قارورة كسرت في الاسلام بيد
عثمان يوم ولي الأمر.
2 - لما استخلف صعد المنبر وجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجلس أبو بكر وعمر فيه، جلس أبو بكر دونه بمرقاة، وجلس عمر دون
أبي بكر بمرقاة، فتكلم الناس في ذلك فقال بعضهم: اليوم ولد الشر (1).
3 - رد الحكم بن أبي العاص طريد النبي الأقدس ولعينه إلى المدينة لما ولي
الخلافة، وبقي فيها حتى لعق لسانه، وهذا الإيواء مما نقم به على عثمان كما مر
حديثه في ج 8: 242، 254، 258 ط 2.

(1) تاريخ اليعقوبي 2: 140، تاريخ ابن كثير 7: 148.
260

4 - ولى الوليد بن عقبة سنة 26، 25 وعزل سعد بن أبي وقاص أحد العشرة
المبشرة، وكان هذا في طليعة ما نقموا على عثمان (1) ثم وقع ما وقع من الوليد من
شرب الخمر وتقاعد الخليفة عن حده. راجع الجزء الثامن ص 120 - 125 ط 2.
5 - هبته الوليد ما استقرض عبد الله بن مسعود من مال المسلمين لما قدم الوليد
الكوفة وكان ابن مسعود على بيت المال، حتى نقم الخليفة على ابن مسعود وعزله و
حبس عطاءه أربع سنين إلى أن مات سنة 32 وجرى بينه وبين الخليفة ما مر حديثه في
هذا الجزء، وهذا مما أخذت الأمة خليفتهم به.
6 - زاد الأذان الثالث في أوليات خلافته كما في تاريخ ابن كثير، وقد فصلنا
القول في أحدوثته هذه في الجزء الثامن ص 125 - 129 ط 2.
7 - وسع المسجد الحرام سنة 26 وابتاع من قوم منازلهم، وأبوا آخرون فهدم
عليهم ودفع الأثمان في بيت المال فصاحوا بعثمان فأمر بهم للحبس وقال: ما جرأكم
علي إلا حلمي. راجع الجزء الثامن ص 129 ط 2.
8 - أعطى خمس الغنائم في غزوة أفريقية الثانية مروان بن الحكم وهو من
عمدة مآثم الخليفة، وكان ذلك سنة 27 من الهجرة الشريفة. راجع ج 8 ص 275 -
260 ط 2.
9 - حج سنة 29 وأتم الصلاة في مكان القصر في عامه هذا كما في تاريخ ابن
كثير 7: 154، وهذه الأحدوثة مرت على تفصيلها في ج 8 ص 98 - 119.
10 - أعطى خمس أفريقية عبد الله بن سعد أبي سرح في غزوتها الأولى. راجع
الجزء الثامن ص 279 ط 2.
إلى بوادر وعثرات أخرى صدرت من الخليفة خلال ست السنوات الأولى كل
منها يسوغ توجيه النقد إليه، وكان من أول يومه مهما قرع سمعه نقد ناقد أو نصح
ناصح لا يصيخ إليه، بل كان يؤاخذ من أغمز فيه، ويسومه سوء العذاب، وكان يلقي
العرى إلى بني أمية في البلاد، ويفوض إليهم مقاليد الأمور، ويحسبه العلاج الوحيد
في حل تلكم المشاكل، وتقصير خطي أولئك الناقدين الآمرين بالمعروف والناهين

(1) دول الاسلام 1: 9، البداية والنهاية 7: 151.
261

عن المنكر، حتى تمخضت عليه البلاد ووعرت القلوب، واتسع الخرق على الراقع.
وفي ظني الغالب أن تقدم ثقافة مصر اليوم هو الذي بعث أساتذتها إلى الاكثار
في التأليف حول عثمان وتدعيم فضائله وفواضله، وشططوا في إطرائه وبالغوا في الذب
عنه بتلفيق الكلام وتزويره، وتسطير الحدد من القول، وسرد المبوق البهرج، وذلك
روما لتقديس ساحتهم عما اقترفته أيدي سلفهم الثائر المتجمهر على الخليفة، إذ حسبوه
وصمة شوهت سمة الخلف منهم والسلف، وسودت صحيفة تاريخ مصر والمصريين،
فهل يتأتى أمل الخلف بهذه الكتيبات المزخرفة؟ لعله يتأتى مثلما رام السلف تحقق
توبتهم بالحوبة، لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون.
نظرة في كتب أخرى
وقس على هذه الكتب كتاب تاريخ الخلفاء تأليف الأستاذ عبد الوهاب النجار
المشحونة صفحاته بمرمعات الرواية وسقطات التاريخ. وكتاب عثمان للأستاذ عمر أبي
نصر، ليس فيه إلا أنه أعاد له سبق إليه الشيخ محمد الخضري من نفسياته الأموية
جدتها، فما ينقمه الباحث من مواضيع جار فيما بهرجه اللاحق في كتابه.
وكتاب تاريخ الخلفاء الراشدين للأستاذ السيد علي فكري وهو الجزء الثالث
من كتابه " أحسن القصص " وهذا أهدأ ما ألف في الموضوع، ينم عن سلامة نفس
المؤلف ونزاهة قلمه، وهو وإن ألفه من تلكم السلاسل الوبيلة من الموضوعات، غير أنه
لا يتطرق إلى الأبحاث الخطرة، ولا يقتحم المعارك المدلهمة، مما نقم به على الخليفة
من الطامات والأحداث، وما قيل في براءته عن لوثها، وكأنه ترجم لخليفة خضعت
الرقاب لعظمته، وتسالمت الأمة عليه من جميع نواحيه، ولم يطرق سمعه ما هنالك من
حوار وأخذ ورد، ونقد ودفاع، وكأن ما سطره في فضل الخليفة، وكرم طباعه،
وسلامة نفسه، أصول موضوعة لا يتوجه إليها غمز ولا انتقاد، وستعرف حالها ومحلها
من الاعتبار، فلا تعجل بالقران من قبل أن يقضي إليك وحيه.
ذكر السيد الأستاذ ما جاء في مناقب عثمان من الحديث المختلق من دون أي
بحث وتنقيب، من دون أي نقض وإبرام، إلى أن تخلص من البحث عنه بقوله في ص 163:
262

بعد أن فتح المسلمون تلك الأقاليم واطمأنوا وكثرت عندهم الخيرات والأموال، أخذوا
ينقمون على الخليفة حيث رأى من الصالح للأمة عزل بعض الولاة فعزلهم، وولى من
فيه الكفاية من أقاربه وذوي رحمه، فظن الناس به ظنونا هو برئ منها، وفشت الفتنة
واستفحل أمرها، حتى حضرت وفود من الكوفة والبصرة ومصر في وقت واحد طالبين
تولية غير عثمان، أو عزل من ولاهم على الأمصار.
وأخيرا استقر الحال على إجابتهم لما طلبوا من عزل بعض العمال، وعلى ذلك
اختار أهل مصر أن يولى عليهم محمد بن أبي بكر الصديق، فكتب عثمان لهم بذلك
عهدا ورحلوا من المدينة مع واليهم الجديد، وبينما هم ذاهبون رأوا عبدا من عبيد
الخليفة على راحلة من إبله يستحثها فأوقفوه وفتشوه، فوجدوا معه كتابا مختوما بختم
الخليفة لعبد الله بن أبي سرح مضمونة:
إذا قدم عليك ابن أبي بكر ومن معه فاحتل في قتلهم.
فأخذوا الكتاب ورجعوا إلى المدينة، وأطلعوا الخليفة عليه فأقسم لهم أنه ما
فعل ولا أمر ولا علم فقالوا: هذا أشد، يؤخذ خاتمك، وبعير من إبلك، وعبد من عبيدك
وأنت لا تعلم، ما أنت إلا مغلوب على أمرك فطلبوا منه الاعتزال، أو تسليم الكاتب
فأبى، فأجمعوا على محاصرته، فحاصروه في داره ومنعوا عنه الزاد والماء أياما عديدة:
وهاجت الثوار، وكثر القيل والقال، فطلب منه بعض الصحابة الإذن بالمدافعة عنه فلم
يقبل، ولم يأذن لأحد حتى أنه قال لعبيده الذين هبوا للدفاع عنه: من أغمد منكم
سيفه فهو حر. استسلاما للقضاء، فتسلق بعض الأشرار الدار، ودخلوا عليه وقتلوه،
والمصحف بين يديه يتلوه فيه سورة البقرة فنزلت قطرة من دمه على: فسيكفيكهم الله
وكان يومئذ صائما. ا ه‍.
ولعل الأستاذ بعد الوقوف على هذا الجزء من كتابنا ينتبه لمواقع النظر في تأليفه
فيميز الحي من اللي، ويعرف الصحيح من المعلول، ويتبع الحق والحق أحق أن
يتبع.
وفي مقدم هؤلاء الأساتذة أستاذ تاريخ الأمم الإسلامية بالجامعة المصرية
ووكيل مدرسة القضاء الشرعي الشيخ محمد الخضري صاحب المحاضرات، وقد قدمنا في
263

الجزء الثالث ص 249 - 265 ط 2 شيئا مما يرجع إليه وإلى كتابه، وعرفناك موقفه من
الدجل والجناية على التاريخ الصحيح، وبعده عن أدب الدين، عن أدب العلم، عن أدب
الانسانية، وإن كتابه علبة السفاسف، وعيبة السقطات، وصحائفه مشحونة بالأكاذيب
والأفائك والنسب المفتعلة، والآراء الساقطة، فإن كان الاسلام هذا تاريخه فعلى
الاسلام السلام.
عهد النبي الأقدس
صلى الله عليه وآله وسلم إلى عثمان
1 - أخرج إمام الحنابلة أحمد في المسند 6: 86، 149 قال: حدثنا أبو المغيرة
" الحمصي " حدثنا الوليد بن سليمان " الدمشقي " حدثني ربيعة بن يزيد " الدمشقي "
عن عبد الله بن عامر " الدمشقي " عن النعمان بن بشير " قاضي دمشق " عن عائشة رضي
الله عنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما رأينا إقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان! أقبلت إحدانا على الأخرى فكان من آخر
كلمته أن ضرب منكبه وقال: يا عثمان! إن الله عسى أن يلبسك قميصا فإن أرادك المنافقون
على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني. ثلاثا. فقلت لها: يا أم المؤمنين؟ فأين كان هذا
عنك؟ قالت: نسيته والله، ما ذكرته. قال: فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرض
بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين: أن اكتبي إلي به، فكتبت إليه به كتابا،
رجال الاسناد كلهم شاميون عثمانيون وفي مقدمهم النعمان بن بشير الخارج
على إمام زمانه ومحاربه تحت راية الفئة الباغية، وجاء فيه عن قيس بن سعد الأنصاري
الصحابي العظيم: إنه ضال مضل. ومتن الرواية كما يأتي بيانه يكذب نفسها.
2 - أخرج أحمد في المسند 6: 114 من طريق محمد بن كناسة الأسدي أبي يحيى
عن إسحاق بن سعيد الأموي حفيد العاص عن أبيه سعيد ابن عم عثمان الذي كان بدمشق
قال: بلغني أن عائشة قالت: ما أسمعت رسول الله إلا مرة فإن عثمان جاءه في نحر
الظهيرة فظننت أنه جاءه في أمر النساء، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه فسمعته
يقول: إن الله ملبسك قميصا تريدك أمتي على خلعه فلا تخلعه. فلما رأيت عثمان
يبذل لهم ما سألوه إلا خلعه علمت أنه عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عهد إليه.
264

عمد رجال الاسناد أمويون أبناء بيت عثمان بني أبيه ينتهي إلى عائشة وقد أوقفناك
على حديثها في هذا الجزء، وهو مع ذلك مرسل لا يعلم من بلغه سعيد بن العاص ولعله
أحد الكذابين الوضاعين.
3 - أخرج الطبراني عن مطلب بن شعيب الأزدي عن عبد الله بن صالح عن الليث
عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن سيف قال: كنا عند شفى الأصبحي
فقال: حدثنا عبد الله بن عمر قال: التفت رسول الله فقال: يا عثمان! إن الله كساك قميصا
فأرادك الناس على خلعه فلا تخلعه، فوالله لئن خلعته لا ترى الجنة حتى يلج الجمل
في سم الخياط.
ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 208 فقال: وقد رواه أبو يعلى من طريق عبد الله
ابن عمر عن أخته حفصة أم المؤمنين. وفي سياق متنه غرابة والله أعلم.
رجال الاسناد:
1 - عبد الله بن صالح أبو صالح المصري كاتب الليث، قال أحمد: كان أول أمره
متماسكا ثم فسد بآخره وليس هو بشئ. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي ذكره
يوما فذمه وكرهه. وقال صالح بن محمد: كان ابن معين يوثقه وعندي أنه كان يكذب
في الحديث. وقال ابن المديني: ضربت على حديثه وما أروي عنه شيئا. وقال أحمد بن
صالح: متهم ليس بشئ. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو زرعة: كذاب. وقال
أبو حاتم: الأحاديث التي أخرجها أبو صالح في آخره عمره فأنكروها عليه أرى أن هذا
مما افتعل خالد بن نجيح وكان أبو صالح يصحبه. إلخ. وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب
الحديث. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا يروي عن الاثبات ما ليس من حديث
الثقات، وكان صدوقا في نفسه وإنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له كان يضع
الحديث على شيخ عبد الله بن صالح ويكتب بخط يشبه خط عبد الله ويرميه في داره بين
كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به
تهذيب التهذيب 5: 256 - 260
2 - سعيد بن أبي هلال المصري قال أحمد: ما أدري أي شئ يخلط في الأحاديث
وقال ابن حزم: ليس بالقوي. وقال ابن حجر: لعله اعتمد على قول الإمام أحمد فيه.
تهذيب التهذيب 4: 95.
265

3 - ربيعة بن سيف الإسكندراني. قال ابن حبان: يخطئ كثيرا. وقال ابن
يونس: في حديثه مناكير. وقال البخاري: روى أحاديث لا يتابع عليها. وقال النسائي:
ضعيف. تهذيب التهذيب 3: 256.
4 - أخرج أحمد من طريق سنان بن هارون عن كليب بن وائل عن ابن عمر قال.
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال: يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما فنظرت فإذا هو
عثمان بن عفان. تاريخ ابن كثير 7: 208.
سنان بن هارون كوفي، قال النسائي: ضعيف. وقال الساجي: ضعيف منكر
الأحاديث. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا يروي المناكير عن المشاهير (1) و
كليب بن وائل ضعفه أبو زرعة كما في تهذيب التهذيب 8: 447.
5 - أخرج أحمد في المسند 2: 345 من طريق موسى بن عقبة قال: حدثني
جدي أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة
يستأذن عثمان في الكلام فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم: يقول إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافا - أو قال: اختلافا وفتنة - فقال له
قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالأمين وأصحابه. وهو يشير إلى
عثمان بذلك. وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 209 فقال: تفرد به أحمد وإسناده جيد
حسن ولم يخرجوه من هذا الوجه.
نحن لا نعرف جودة هذا الاسناد وحسنه وفيه جد أم موسى وهو نكرة لا يعرف
ولا يوجد له قط ذكر في المعاجم. وهل من المعقول عزو هذه الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وهو جد عليم بأن أصحاب عثمان هم: مروان ومن يشاكله في العيث والفساد حشوة
بني أمية، حثالة أمته صلى الله عليه وآله وسلم؟ أفمن الجائز أن يوصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته با تباع
أولئك الخابلين خلاف وجوه صحابته وعدولهم المتجمهرين على عثمان؟ حاشا نبي
العظمة عن هذه الأفائك.
6 - أخرج الترمذي عن طريق سعيد الجريري (2) عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله

(1) تهذيب التهذيب 4: 243.
(2) زاد ابن كثير هاهنا في الاسناد: عبد الله بن سفيان.
266

بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنت وفتنة تكون في أقطار الأرض؟ قلت:
ما خار الله لي ورسوله. قال: اتبع هذا الرجل فإنه يومئذ ومن اتبعه على الحق قال: فاتبعته
فأخذت بمنكبه ففتلته فقلت: هذا يا رسول الله؟ فقال: نعم. فإذا هو عثمان بن عفان.
وأخرجه أحمد في المسند 4: 109 من طريق سعيد الجريري بالإسناد المذكور
ولفظه: كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الأرض كأنها صياصي بقر؟ قلت: لا أدري
ما خار الله لي ورسوله، قال: وكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كان الأولى فيها
انتفاحة أرنب؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال: اتبعوا هذا. قال: ورجل
مقفى حينئذ قال: فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبيه فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت: هذا؟ قال: نعم. قال: وإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قال الأميني، ستوافيك ترجمة سعيد الجريري في حديث 25 من مناقب عثمان
وإن روايته لا تصح لاختلاله ثلاث سنين. وأما عبد الله بن شقيق المنتهى إليه أسانيد
الرواية فهو من تابعي أهل البصرة قال ابن سعد في الطبقات: كان عثمانيا وكان ثقة.
وقال يحيي بن سعيد: كان سليمان التميمي سئ الرأي في عبد الله. وقال أحمد بن حنبل
ثقة وكان يحمل على علي. وقال ابن معين: ثقة من خيار المسلمين، وقال ابن خراش:
كان ثقة وكان عثمانيا يبغض عليا (1).
ألا تعجب من توثيق الحفاظ هذا الرجل المتحامل على علي أمير المؤمنين ومبغضه
وعده من خيار المسلمين وبين أيدينا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيح الثابت: لا يحب
عليا منافق ولا يبغضه مؤمن، ولا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وقول علي
أمير المؤمنين الوارد في الصحيح: والذي فلق الحبة وبرء النسمة إنه لعهد النبي الأمي
إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. وقوله: لو ضربت خيشوم المؤمن
بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن
يحبني ما أحبني. الحديث. وثبت عن غير واحد من الصحابة قولهم: ما كنا نعرف
المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب (2).

(1) تهذيب التهذيب 5: 254.
(2) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 182 - 187 ط 2.
267

وجاء في الصحيح مرفوعا: لو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم
لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار (1).
وفي حديث: لو أن عبدا عبد الله سبعة آلاف سنة ثم أتى الله عز وجل ببغض
علي جاحدا لحقه ناكثا لولايته لأتعس الله خيره وجدع أنفه.
وفي حديث: لو أن عبدا عبد الله عز وجل مثل ما قام نوح في قومه وكان له
مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ومد في عمره حتى حج ألف عام على قدميه ثم
قتل بين الصفا والمروة مظلوما ثم لم يوالك يا علي! لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها.
وفي حديث: لو أن عبدا من عباد الله عز وجل عبد الله ألف عام بين الركن
والمقام ثم لقي الله عز وجل مبغضا لعلي وعترتي أكبه الله على منخره يوم القيامة في
نار جهنم.
وفي حديث: يا علي! لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا وصلوا حتى
يكونوا كالأوتار ثم أبغضوك لأكبهم الله في النار (2).
وفي الصحيح على شرط الشيخين مرفوعا: من أحب عليا فقد أحبني ومن
أبغض عليا فقد أبغضني (3).
وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم 3: 135 مرفوعا: يا علي طوبى لمن
أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك.
وفي حديث مرفوعا أرسل رسول الله الأنصار فأتوه فقال لهم: يا معشر الأنصار
ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال:
هذا علي فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي، فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم من
الله عز وجل (4).
وفي حديث مرفوعا: إن عليا راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني،

(1) راجع ما مر في الجزء الثاني 301 ط 2.
(2) مرت هذه الأحاديث بمصادرها في الجزء الثاني ص 301، 302 ط 2.
(3) المستدرك للحاكم 3: 130.
(4) حلية الأولياء لأبي نعيم 1: 63.
268

وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني (1)
وفي مرفوع: ألا من أبغض هذا (يعني عليا) فقد أبغض الله ورسوله، ومن
أحب هذا فقد أحب الله ورسوله.
وفي حديث مرفوعا: هذا جبريل يخبرني: إن السعيد حق السعيد من أحب
عليا في حياته وبعد موته، وإن الشقي كل الشقي من أبغض عليا في حياته وبعد موته.
إلى أحاديث مرت في الجزء الثالث ص 26 ط 2.
وقبل هذه كلها قوله تعالى: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى. و
قوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا. قوله: إن الذين
آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية. راجع الجزء الثاني فيما ورد في هذه
الآيات الكريمة.
ولا تنس دعاء النبي الأعظم يوم الغدير في ذلك المحتشد الرحيب بقوله: اللهم
وال من والاه، وعاد من عاداه، اللهم من أحبه من الناس فكن له حبيبا، ومن أبغضه
فكن له مبغضا.
وفي لفظ: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأعن من
أعانه، وأحب من أحبه.
وفي لفظ: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض
من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
وفي لفظ: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من
أبغضه، وانصر من نصره، وأعز من أعزه، وأعن من أعانه.
وهناك ألفاظ أخرى مرت في الجزء الأول من كتابنا هذا.
فعبد الله بن شقيق أخذا بمجامع تلكم النصوص شهادة الله ورسوله، منافق شقي
عدو لله ولرسوله يبغضه المولى سبحانه، لا خير فيه ولا في حديثه، لا يقبل ولا يصدق
في روايته، أتعس الله خيره وجدع أنفه، وأكبه على منخره يوم القيامة في نار جهنم.
دع الحفاظ يقولون: ثقة من خيار المسلمين.

(1) حلية الأولياء 1: 67.
269

7 - أخرج أحمد في المسند 5: 33، 35 من طريق عبد الله بن شقيق البصري
قال: حدثني هرم بن الحارث وأسامة بن خزيم عن مرة البهزي قال: بينما نحن مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق المدينة فقال: كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار
الأرض كأنها صياصي بقر؟ قالوا: نصنع ماذا يا رسول الله؟ قال: عليكم هذا وأصحابه
- أو: اتبعوا هذا وأصحابه - قال: فأسرعت حتى عييت فأدركت الرجل فقلت: هذا
يا رسول الله؟ قال: هذا. فإذا هو عثمان بن عفان. فقال: هذا وأصحابه.
عرفت عبد الله بن شقيق وإنه منافق لا يؤخذ بحديثه ولا يعول عليه إن صدقنا
النبي الأقدس فيما جاء به.
8 - أخرج أحمد في المسند 6: 75 من طريق فرج بن فضالة بإسناده عن عائشة
قالت: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة! لو كان عندنا من يحدثنا. قالت قلت:
يا رسول الله؟ ألا أبعث إلى أبي بكر؟ فسكت. ثم قال: لو كان عندنا من يحدثنا.
فقلت: ألا أبعث إلى عمر. فسكت. قالت: ثم دعا وصيفا بين يديه فساره فذهب قالت:
فإذا عثمان يستأذن فأذن له فدخل فناجاه النبي صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال: يا عثمان! إن
الله عز وجل مقمصك قميصا فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة
يقولها له مرتين أو ثلاثا. وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 100 من طريق فرج بن
فضالة وقال: هذا حديث صحيح عالي الاسناد ولم يخرجاه. وعقبه الذهبي في تلخيصه
فقال: أنى له الصحة ومداره على فرج بن فضالة؟.
أقول: فرج بن فضالة متفق على ضعفه وعدم الاحتجاج به وستوافيك ترجمته في
الحديث ال‍ 17 من مناقب عثمان في هذا الجزء إنشاء الله.
وأخرج أحمد في مسنده 6: 52 من طريق قيس بن أبي حازم عن أبي سهلة مولى
عثمان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي بعض أصحابي. قلت: أبو بكر؟
قال: لا. قلت: عمر. قال: لا. قلت: ابن عمك علي؟ قال: لا. قلت: عثمان! قال: نعم
فلما جاء قال: تنحي. جعل يساره ولون عثمان يتغير فلما كان يوم الدار وحصر فيها
قلنا: يا أمير المؤمنين! ألا تقاتل؟ قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا وإني صابر
نفسي عليه.
270

وأخرجه أبو نعيم في الحلية 1: 58، والحاكم في المستدرك 3: 99، وأبو عمر
في الاستيعاب 2، 477، وذكره ابن كثير في تاريخه 6: 205 نقلا عن أحمد والأسانيد
كلها تنتهي إلى قيس بن أبي حازم قالوا: كان يحمل على علي عليه السلام، وقال ابن حجر:
والمشهور عنه أنه كان يقدم عثمان ولذلك تجنب كثير من قدماء الكوفيين الرواية
عنه، وكبر قيس حتى جاوز المائة بسنين كثيرة حتى خرف وذهب عقله.
تهذيب التهذيب 8: 388
لنا أن نصافق الكوفيين على تجنب الرواية عن قيس المتحامل على مولانا أمير
المؤمنين إن اتبعنا الرسول الأمين في النصوص المذكورة قبيل هذا ص 267 - 269
ولا يسوغ لأي باحث أن يعول على رواية منافق شقي خرف وذهب عقله، وقد مر عن
ابن أبي الحديد في صفحة 73 من هذا الجزء قوله: وقد طعن مشايخنا المتكلمون في
قيس وقالوا: إنه فاسق ولا تقبل روايته. الخ.
9 - أخرج ابن عدي عن أبي يعلى عن المقدمي محمد بن أبي بكر عن أبي معشر
يوسف بن يزيد البراء البصري عن إبراهيم بن عمر بن أبان بن عثمان عن أبيه عثمان:
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسر إليه أنه يقتل ظلما (1).
زيفه ابن عدي كما في الميزان وعده من أحاديث عمر بن أبان التي كلها غير
محفوظة وأبان بن عثمان لم يسمع من أبيه كما قاله أحمد بن حنبل فكيف بعمر بن
أبان، وسنوقفك على ترجمة أبي معشر وإبراهيم بن عمر في المنقبة الثالثة من مناقب
عثمان وأنهما لا يعول عليهما ولا يصح حديثهما.
10 - ذكر الذهبي في الميزان 1: 300 من طريق أنس مرفوعا: يا عثمان! إنك
ستلي الخلافة من بعدي وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها، وصم ذلك اليوم
تفطر عندي.
قال الذهبي: في سنده خالد بن أبي الرحال الأنصاري عنده عجائب، قال ابن
حبان: لا يجوز الاحتجاج به. وفي لسان الميزان 6: 794 قال: أبو حاتم: ليس
بالقوي.

(1) لسان الميزان 4: 282.
271

نظرة في أحاديث العهد
هذه سلسلة روايات أصفق على وضعها دجالون تتراوح أسانيدها بين أموي و
شامي وبصري، وبين عثماني متحامل على سيد العترة، وبين أناس آخرين من ضعيف
إلى كذاب إلى متروك إلى ساقط. على أن متونها أكثر عللا من أسانيدها فإن الخضوع
لصحتها يستدعي الوقيعة في الصحابة كلهم لأن المنصوص عليه في غير واحد منها: إن
الذين أجلبوا على عثمان وأرادوا خلعه أناس منافقون، وفي بعضها: فإن عثمان يومئذ
وأصحابه على الحق، وعليكم بالأمين وأصحابه. وقد علمت أن المتجمهرين عليه هم
الصحابة كلهم المهاجرون منهم والأنصار ما خلا ثلاثة: زيد بن ثابت، حسان بن ثابت،
أسيد الساعدي. أو: هم وكعب بن مالك. وأناس من زعانفة الأمويين، وأين هذا
من الاعتقاد بعدالتهم جمعاء كما عند القوم؟ ومن الخضوع لجلالة كثيرين منهم الذين
علمت منهم نواياهم الصالحة، وأعمالهم البارة، والنصوص النبوية الصادرة فيهم، وثناء
الله تعالى عليهم في كتابه الكريم كما عند الأمة أجمع؟.
ثم إن عثمان وإن كان يتظاهر بامتثال الأمر الموجود في الروايات وغيرها
بالصبر وعدم القتال غير أن عمله كان مباينا لذلك لمكاتبته إلى الأوساط الإسلامية
يستجلب منها الجيوش لمقاتلة أهل المدينة، ويرى قتالهم قتال الأحزاب يوم بدر، و
ينص على أن القوم قد كفروا، فلو اتصلت به كتائب الأمداد يومئذ لألقحها حربا
زبونا وفتنة عمياء، وإنما كان ينكص عن النضال لإعواز الناصر لإصفاق الصحابة عليه
عدا أولئك الثلاثة وما كانوا يغنون عنه شيئا، ولا سيما حسان بن ثابت الذي لم يكن
يجسر أن يأخذ سلب القتيل الذي قتلته امرأة (1).
على أنه لم يتقاعد عن المقاتلة أيضا بمن كان معه من حثالة بني أمية فقد بذلوا
كل ما حووه من بسالة وشجاعة، غير أن القضاء الحاتم أخزاهم وحال بينهم وبين النجاح
إلى أن لجأوا إلى أم حبيبة فجعلتهم في كندوج ثم خرجوا من المدينة هاربين.
ثم هب أن عائشة كانت نسيت ما روته حين ألبت الجماهير على عثمان وأمرت

(1) راجع الجزء الثاني من كتابنا هذا ص 64 ط 2.
272

بقتله وسمته نعثلا كافرا فهل بقية الرواة وهم: عبد الله بن عمر وأبو هريرة ومرة
البهزي وعبد الله بن حوالة وأبو سهلة وأنس أصفقوا معها على النسيان؟ أو أنهم ما كانوا
يروونها يومئذ ثم اقتضت الظروف أن يرووها؟ أو أنها اختلقت بعدهم على ألسنتهم؟
ولو كان لهذه الكلمات المعزوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - من قوله: عليكم بالأمين
وأصحابه، وقوله: اتبعوا هذا وأصحابه، وقوله: اتبع هذا الرجل فإنه يومئذ ومن
اتبعه على الحق - مقيلا من الصحة لا ستدعى أن يفيضها على الصحابة كلهم لأن
قضيتها أن تلك الفتنة الموعود بها من الفتن المضلة، وإن عثمان عندئذ في جانب
الحق، وما كان رسول صلى الله عليه وآله وسلم بالذي يشح على أمته بالارشاد إلى ما فيه هدايتهم و
صلاحهم الديني، وهو مقيض لذلك ومبعوث لأجله، فلماذا لم يروها غير هؤلاء؟ و
لا عرفها غيرهم ولو بوساطتهم؟ وكان إلقائها عليهم مسارة لا يطلع عليها أحد؟ ولماذا ترك
هؤلاء الاحتجاج بها يوم الدار؟ وفي القوم وهم الأكثرون من إن يسمع بها لا يتباطأ عن
الخضوع للأمر النبوي المطاع، أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين؟
إن هذا إلا اختلاق.
نظرة في مناقب عثمان
الواردة في الصحاح والمسانيد
إلى هنا سبرنا صحيفة من حياة عثمان ولا أدري أهي بيضاء أم غيرها؟! لكن
الباحث الممعن فيها يوقفه التنقيب على نفسياته ومقداره، والغاية من هذا الاسهاب
أن نجعل نتيجة هذا الخوض والبحث مقياسا في أمره نرد إليه كل ما يؤثر في حقه
فإن ساوى المقياس أثبتناه، وإن طاله أو قصر عنه عرفنا أنه من الغلو في الفضائل.
وما سردنا إلى هنا من دعارة في الخلق، وعرامة في الطباع، وعرارة في الشكيمة
وشرة في الغرائز، وفظاظة في الأعمال، وتعسف في الحكم، واتباع للشهوات، وميل
عن الحق، ودناءة في النفس، وسقطة في الرأي، وسرف في القول، إلى الكثير المتوفر
من أمثال هذه مما لا تحمد فعليته ولا عقباه، لا يدع الباحث أن يخضع لشئ مما قيل أو
تقول فيه من الفضل قويت أسانيده أو وهنت.
273

كما أن آراء الصحابة الأولين التي زففناها إلى مناظرك في هذا الجزء من
صفحة 69 - 168 لا تدع مجالا للبحث عن صحة تلكم المفتعلات فضلا عن إثباتها، وأنك
تجد في مرسليها أو مسنديها لفائف من زبانية الميول والأهواء من بصري أو شامي أنهوا
أسانيدهم في الغالب إلى موالي عثمان أو إلى رجال بيته الساقط، وذلك مما يعطي
أنها من صنايع معاوية للخليفة المقتول الذي اتخذ أمره سلما إلى ما كان يبتغيه من
المرتقى، وكان معاوية يهب القناطير المقنطرة لوضع الأحاديث في فضائل أبناء بيته
الشجرة المنعوتة في القرآن، من بني أمية عامة، ومن آل أبي العاص خاصة، أضف
إلى ذلك ما يكتنف أغلب تلك المتون من الموهنات التي لا يقاومها أي تمحل في
تصحيحها، وإليك نبذة من تلكم الموضوعات:
1 - أخرج مسلم وأحمد من طريق عقيل الأموي عن الليث العثماني عن يحيى
ابن سعيد الأموي عن سعيد بن العاص ابن عم عثمان عن عائشة وعثمان قالا: إن أبا
بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن
لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك
الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة:
إجمعي عليك ثيابك. فقضيت إليه حاجتي. ثم انصرف، فقالت عائشة: يا رسول الله؟ ما لي
لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن عثمان رجل حيي (1) وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في
حاجته (2).
2 - أخرج مسلم غيره من طريق عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا
في بيتي كاشفا عن فخذيه وساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث
ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسوى ثيابه، فلما خرج قالت عائشة رضي الله عنها: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم
تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلس وسويت ثيابك؟

(1) حيي كغني: ذو حياء. وفي شرح مسلم: أي كثير الحياء.
(2) صحيح مسلم 7: 117، مسند أحمد 1: 71 و ج 6: 155، 167.
274

فقال: ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة (1).
وأخرج البخاري في مناقب عثمان حديثا وقال في ذيله: زاد عاصم إن النبي صلى الله عليه وسلم
كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها. قال
ابن حجر في فتح الباري 7: 43: قال ابن التين: أنكر الداودي هذه الرواية وقال:
هذه الرواية ليست من هذا الحديث بل دخل لرواتها حديث في حديث، وإنما ذلك
الحديث: إن أبا بكر أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته قد انكشف فخذه فجلس أبو بكر
ثم دخل عمر ثم دخل عثمان فغطاها. الحديث.
قال الأميني: الحياء هو انقباض النفس عما لا يلائم خطة الشرف من الناحية
الدينية أو الانسانية، وأصله فطري للانسان، وكماله اكتسابي يتأتى بالإيمان، فهو
يتدرج في الرقي بتدرج الإيمان والمعرفة، فتنتهي إلى ملكة راسخة تأبى لصاحبهما
التورط في المخازي كلها، فيكون بها الانسان محدودا في أفعاله وتروكه وشهواته
وميوله وتنبسط تلكم الحدود على الأعضاء والجوارح وعلى النفس والعقل، فلا يسع
أيا منها الخروج عن حده، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الاستحياء من الله حق الحياء أن
تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى (2) فكل عمل خارج
عن حدود الدين والانسانية مناف للحياء، وهو الرادع الوحيد عن الفحشاء والمنكر،
وعن كل ما يلوث ذيل الانسانية والعفة والإيمان من صغيرة أو كبيرة، ومن لم يستح
فله أن يفعل ما يشاء، وجاء في النبوي على المحدث به وآله السلام: إذا لم تستح
فاصنع - فافعل - ما شئت (3).
وعلى هذا فكل من الفحش والبذاء والكذب والخيانة والغدر والمكر ونقض
العهد التخلع والمجون وما يجري مجراها أضداد للحياء، وقد وقع التقابل بينها وبينه
في لسان المشرع الأعظم منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة،

(1) مسند أحمد 6: 62، صحيح مسلم 7: 116، مصابيح السنة 2: 273، الرياض النضرة
2: 88، تاريخ ابن كثير 7: 202.
(2) أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح، والمنذري في الترغيب والترهيب 3: 166.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأدب من صحيحه.
275

والبذاء من الجفاء والجفاء في النار (1).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: الحياء والعي من الإيمان وهما يقربان من الجنة ويباعدان من
النار، والفحش والبذاء من الشيطان وهما يقربان من النار ويباعدان من الجنة.
أخرجه الطبراني كما في الترغيب والترهيب 3: 165.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عائشة! لو كان الحياء رجلا كان رجلا صالحا، ولو كان الفحش
رجلا كان رجل سوء. رواه الطبراني وأبو الشيخ كما في الترغيب والترهيب 3: 166.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ما كان الفحش في شئ إلا شانه، وما كان الحياء في شئ إلا زانه
أخرجه ابن ماجة في سننه 2: 546، والترمذي في الصحيح.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء، فإذا
نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا، فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة،
فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه
الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعنا، فإذا لم تلقه إلا رجيما ملعنا
نزعت منه ربقة الاسلام.
أخرجه ابن ماجة كما في الترغيب والترهيب 2: 167.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: الحياء لا يأتي إلا بخير (2) وقال المناوي في شرحه في فيض القدير
3: 427: لأن من استحيا من الناس أن يروه يأتي بقبيح دعاه ذلك إلى أن يكون
حياؤه من ربه أشد فلا يضيع فريضة، ولا يرتكب خطيئة، قال ابن عربي: الحياء أن
لا يفعل الانسان ما يخجله إذا عرف منه أنه عرف منه أنه فعله، والمؤمن يعلم بأن الله
يرى كل ما يفعله، فيلزمه الحياء منه لعلمه بذلك، وبأنه لا بد أن يقرره يوم القيامة
على ما عمله فيخجل فيؤديه إلى ترك ما يخجل منه، وذلك هو الحياء فمن ثم لا يأتي إلا بخير.
وقال: حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق
الغير، وقال بعض الحكماء: من كسا (3) الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.

(1) قال المنذري في الترغيب والترهيب 3: 165: أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح،
والترمذي، وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2) أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة والمنذري.
(3) لعل الصحيح: من كساه الحياء ثوبه.
276

إذن هلم معي لنسبر حياة الخليفة - عثمان - علنا نجد فيها ما يصح للبرهنة على
ثبوت هذه الملكة له إن لم يكفأنا الإياس منها بخفي حنين، فارجع البصر كرتين فيما
سردناه من أفعال الخليفة وتروكه ومحاوراته وأقواله، ثم انظر هل تجد في شئ منها
ما يدعم هذه الدعوى له فضلا عن أن يكون أحيأ الناس، أو أشد الأمة حياء، أو
تستحيي منه الملائكة؟
أيصلح شاهدا لذلك قوله لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام: والله ما أنت عندي
أفضل من مروان؟ هلا كان يعلم أن الله عد عليا في كتابه نفس النبي الأقدس وقد
طهره بنص الذكر الحكيم، ومروان طريد ابن طريد، وزغ ابن وزغ، لعين ابن لعين؟
راجع الجزء الثامن ص 260 ط 2.
أو اتهامه ذلك الإمام الطاهر سيد العترة بكتاب كتبه هو في قتل محمد بن أبي بكر
وأصحابه وتعذيبهم وتنكيلهم، فينكر ما كتب ويقول له عليه السلام: اتهمك واتهم كاتبي
مروان؟
أو قوله للإمام عليه السلام: لئن بقيت لا أعدم طاغيا يتخذك سلما وعضدا ويعدك
كهفا وملجأ؟ أو قوله له عليه السلام لما كلمه في أمر عمار ونفيه إياه: أنت أحق بالنفي منه؟
أو قوله لأصحابه مروان ومن كان على شاكلته يستشيرهم في أمر أبي ذر: أشيروا
علي في هذا الشيخ الكذاب إما أن أضربه أو أحبسه أو أقتله؟ وملأ مسامع الصحابة
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أظلت الخضراء، وما أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. إلى
كلمات أخرى له صلى الله عليه وآله وسلم في الثناء عليه، راجع الجزء الثامن ص 312 ط 2.
أو قوله لعمار لما سمع منه - رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا -: يا عاض أير أبيه
أتراني ندمت على تسييره؟ وأمر فدفع في قفاه، وعمار كما عرفته في هذا الجزء ص 20
إلى 28 جلدة ما بين عيني رسول الله وأنفه، وهو الطيب المطيب، ملئ إيمانا من قرنه
إلى قدمه، اختلط الإيمان بلحمه ودمه، يدور مع الحق حيث دار، وقد جاء الثناء
عليه في الذكر الحكيم.
إذا كان حقا ما يدعيه عثمان لنفسه (1) من أنه لم يمس فرجه بيمينه منذ بايع

(1) يأتي حديثه بتمامه.
277

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشريفا ليد النبي الكريمة؟ فليت شعري لماذا طفق يلوك بلسانه اسم
أير ياسر أبي عمار؟ وطالما لهج بأحاديث النبوة به، ورتل كتاب الله ترتيلا، أما كان عليه
أن يكف لسانه عن البذاءة كرامة للكتاب والسنة، كما ادعى كلاءة نفسه عن مس
فرجه كرامة ليد النبوة؟ إن لم يداحمنا هنالك من ينكر دعواه في اليد قياسا على ما
شوهد منه في اللسان مرة بعد أخرى.
أيصلح شاهدا لذلك قوله على صهوة المنبر بين ملأ المسلمين في ابن مسعود لما
قدم المدينة: ألا إنه قد قدمت عليكم دويبة سوء من يمشي على طعامه يقئ ويسلح؟
وابن مسعود أحد الذين أطراهم الكتاب العزيز، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
هديا ودلا وسمتا. راجع ما مر في هذا الجزء ص 6 - 11.
أو قوله لعبد الرحمن بن عوف: إنك منافق (1)؟ وهو أحد العشرة المبشرة فيما
يحسبون.
أو قوله لصعصعة بن صوحان: البجباج النفاج؟ وهو ذلك السيد الخطيب الفصيح
الدين كما مر في ص 42 من هذا الجزء.
أو شتمه المغيرة بن الوليد المخزومي لما دافع عن عمار حينما ضربه عثمان حتى
غشي عليه؟
أو قوله في كتابه إلى معاوية: إن أهل المدينة قد كفروا؟ أو قوله في كتاب
آخر له: فهم كالأحزاب أيام الأحزاب أو من غزانا بأحد؟ وهو يريد الأنصار الذين
آووا ونصروا، والمهاجرين الذين صدقوا واتبعوا، وهم الذين يحسب أتباع الخليفة
أن كلهم عدول، ولم يكن بينهم متخلف عن النقمة عليه إلا ثلاثة أو أربعة حفظ التاريخ
ترجمة حياتهم الموصومة.
أو قوله في كتابه إلى الأشتر وأصحابه: إني قد سيرتكم إلى حمص، فإنكم
لستم تألون الاسلام وأهله شرا.
أو قوله المائن على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان
بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم؟ يقول ذلك

(1) السيرة الحلبية 2: 87، الصواعق ص 8.
278

بعد ما عهد على نفسه أن يعمل بالكتاب والسنة، وكتب بهذا كتابا وشهد عليه أمة
من الصحابة بعد ما اعترف بهناته بين الملأ وأظهر الندامة منها وتاب عنها ولذلك كله
رجع المصريون وغيرهم من الثائرين عليه إلى بلادهم، وكان يحنث عهده وينقض
توبته بتلبيس أبالسته مروان ونظرائه، فهل يفعل مثل هذا من تردى بأبراد الحياء؟
أو مقارفته ليلة وفاة أم كلثوم النبي الاقدس؟ وكان ذلك ممقوتا جدا
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه ألمح إليه بقوله: هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟ فمنعه
بذلك عن دفن حبيبته، وألصق به هوان الأبد.
أو تربعه على صهوة منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما استخلف؟ وكان أبو بكر يجلس
دون مقامه صلى الله عليه وآله وسلم بمرقاة ثم عمر دونه بمرقاة، وكان من حق عثمان الذي كان أشد
حياء من صاحبيه أن لا يطأ ذلك المرتقى، وأن يتبع ولا أقل سيرة الشيخين في الحياء
والأدب، لكنه.....
أو مخالفته الكتاب والسنة؟ كما كتب المهاجرون الأولون وبقية الشورى إلى
من بمصر من الصحابة والتابعين: أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن
يسلبها أهلها فإن كتاب الله قد بدل، وسنة رسوله قد غيرت (1). وكتبوا إلى الصحابة
في الثغور: إن دين محمد قد أفسده من خلفكم وترك، فهلموا فأقيموا دين محمد صلى الله عليه وسلم
ورفعت عائشة نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تقول: تركت سنة رسول الله صاحب هذا
النعل. وتقول: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد.
وتقول: عثمان قد أبلى سنة رسول الله. وتقول: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا إنه قد كفر.
إلى كلمات أخرى لها ولغيرها في مخالفة الرجل الكتاب والسنة.
أو إعرابه عن تلكم الآراء الشاذة عن الكتاب والسنة في الصلاة والصلاة و
الصدقات والأخماس والزكوات والحج والنكاح والحدود والديات بلهجة شديدة بمثل
قوله: هذا رأي رأيته. وقوله: لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام
هذا مال الله أعطيه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم. فقال له علي
إذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه. وقال عمار: أشهد الله إن أنفي أول راغم من
.

(1) راجع ما مر ص 162 من هذا الجزء.
279

ذلك. أو قال: أنا والله أول من رغم أنفه من ذلك. راجع صفحة 15 من هذا الجزء.
أو حثه الناس على الأخذ بتلكم الآراء المنتئية عن ناموس الإسلام المقدس
حتى قال له أمير المؤمنين لما قال له عثمان: لا تراني أنهى الناس عن شئ وتفعله أنت؟
لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس؟ أو قال له: لم أكن لأدع
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك. وكاد أمير المؤمنين يقتل من جراء تلك الأحدوثة، مر
حديثه في ج 6: 219 و ج 8: 130 ط 2.
وقد فتح بذلك باب الجرأة على الله والتقول عليه بمصراعيه فجاء بعده معاوية
ومروان وأبناء أبيه الآخرون يلعبون بدين الله لعبة الصبيان بالدوامة (1).
أو إيواءه عبيد الله بن عمر لما قتل نفوسا أبرياء ولم يقتص منه ونقم عليه بذلك
جل الصحابة - لو لم نقل كلهم - ممن يأبه به وبرأيه؟!
أو تعطيله الحد على الوليد بن عقبة لرحمه وقرابته منه وقد شرب الخمر وقاء في
محراب المسجد الأعظم بالكوفة، حتى وقع التحاور والتحارش بين المسلمين، واحتدم
الحوار والمكالمة وتضاربوا بالنعال؟ مر في الجزء الثامن ص 120 - 125.
أو تسليطه بني أمية رجال العيث والفساد أبناء الشجرة الملعونة في القرآن على
رقاب الناس ونواميس الاسلام المقدسة وتوطيده لهم الملك العضوض؟ وتأسيسه بهم
حكومة أموية غاشمة في الحواضر الإسلامية؟ كما فصلنا القول فيه في الجزء الثامن
ص 288 - 292 ط 2.
أورده إلى المدينة وإيواءه عمه وأبناؤه وكان قد طردهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
تنزيها لتلك الأرض المقدسة من أولئك الأدناس الأرجاس؟.
أو تفويضه الصالح العام إلى مروان المهتوك؟ وتطوره في سياسة العباد بتقلباته؟
كأن بيده مقاليد أمور الأمة حتى قال له مولانا أمير المؤمنين: أما رضيت من مروان
ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به؟
وقال: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بإفساد دينك وخديعتك عن عقلك، وإني

(1) لعبة من خشب يلف الصبي عليها خيطا ثم ينقضه بسرعة فتدوم أي تدور على الأرض. و
في اللغة الدارجة: مرصع. وشاخة.
280

لأراه سيوردك ثم لا يصدرك.
أو كتابه إلى ولاته في قتل صلحاء الأمة وحبسهم وتنكيلهم وتعذيبهم؟.
أو تسييره عباد الله الصالحين من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان من معتقل
إلى معتقل، ونفيهم عن عقر دورهم من المدينة والبصرة والكوفة، وإيذائهم بكل ما
يمكنه من ضرب ووقيعة وتنكيل؟
مشردين نفوا عن عقر دارهم * كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر
حتى هلك في تسييره سيد غفار أبو ذر الصديق المصدق بعد ما تسلخ لحوم
أفخاذه من الجهد في تسييره.
هذه نبذ يسيرة قرأناها في صحيفة حياء الخليفة ليعطي الباحث الممعن فيها للنصفة
حقها، فيصدق السائل في جوابه، فهل يجد في شئ منها دلالة على تلفع الرجل بشئ
من أبراد الحياء؟ أو يجدها أدلة واضحة على فقده لهاتيك الملكة الفاضلة؟ ويجده
مترديا بضد هذه الغريزة في كل تلكم الأحوال؟ وعلى هذه فقس ما سواها.
على أن أبا بكر كان أولى بالاستحياء منه إن صح ما مر في الجزء السابع ص
248 من رواية استحياء الله منه، وتكذيبه نبيه استحياء من أبي بكر (1)؟ فكيف لم
يهتش صلى الله عليه وآله وسلم له ولم يبال به ويهتش لعثمان.
لنا كرة ثانية لرواية الحياء من ناحية أخرى فإن مختلق هذه الأفيكة أعشاه
الحب المعمي والمصم حيث أراد إثبات فضيلة رابية للخليفة ذاهلا أو متذاهلا عن أن
لازم ذلك سلب تلك الفضيلة عن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم - والعياذ بالله - حيث نسب إليه
صلى الله عليه وآله وسلم الكشف عن أفخاده بمنتدى من صحابته غير مكترث لحضورهم حتى إذا جاء
الذي تستحي منه الملائكة فاستحى منه وسترها، ونحن نقول أولا: إن هذا الفعل مما
لا يرتكبه عظماء الناس ورجالات الأمم وإنما تجئ بمثله الطبقات الواطئة من أذناب
الأعراب، فنبي العظمة الذي يهزأ بالطود في وقاره، ويزري بالبحر في معارفه، وكان
كما وصفه أبو سعيد الخدري، أشد حياء من العذراء في خدرها (2) وكان إذا كره شيئا

(1) من المخازي المفتعلة كما مر تفصيله.
(2) أخرجه الشيخان البخاري في صحيحه باب صفة النبي ج 5: 203 ومسلم في صحيحه 7: 78
281

عرفناه في وجهه. وقد أدبه الله تعالى فلم يدع فيه من شائنة وهذبه حتى استعظم خلقه
الكريم بقوله تعالى: " إنك لعلى خلق عظيم " لا يستسيغ ذو لب مؤمن به وبفضله
أن يعزو إليه مثل هذا التخلع الشائن.
على أن الشريعة التي صدع بها جعلت الأفخاذ عورة وأمرت بسترها، أخرج
أحمد إمام الحنابلة في مسنده 5: 290 بالإسناد عن محمد بن جحش ختن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر على معمر بفناء المسجد محتبيا كاشفا عن طرف فخذه فقال له
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: خمر فخذك يا معمر! فإن الفخذ عورة.
وفي لفظ بإسناد آخر من طريق ابن جحش قال: مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه على
معمر وفخذاه مكشوفان فقال: يا معمر! غط فخذيك فإن الفخذ عورة.
وأخرجه البخاري بهذا الطريق وطريقي ابن عباس وجرهد في صحيحه باب
ما يذكر في الفخذ 1: 138 ثم ذكر من طريقي أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حسر عن فخذه
فقال: حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط وأخرجه من طريق ابن جحش
في تاريخه 1 " قسم " 1: 12: وأخرجه البيهقي في سننه 2: 228، والحاكم في
المستدرك 4: 180
قال ابن حجر في الإصابة 3: 448 أخرجه أحمد والحاكم وصححه، وأخرجه
ابن قانع من وجه آخر عن الأعرج عن معمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر به وهو كاشف عن
فخذه. الحديث.
وقال العسقلاني في فتح الباري 1: 380: رجاله رجال الصحيح غير أبي كثير فقد
روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحا بتعديل، وقد أخرج ابن قانع هذا الحديث
من طريقه أيضا. ووقع لي حديث محمد بن جحش مسلسلا بالمحمدين من ابتدائه إلى
انتهائه وقد أمليته في الأربعين المتباينة.
وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 2: 52 عن أحمد والطبراني في الكبير
فقال: رجال أحمد ثقات.
2 - عن علي رضي الله عنه مرفوعا: لا تبرز فخذك - فخذيك - ولا تنظر إلى
فخذ حي ولا ميت أخرجه البيهقي في سننه 2: 228 والحاكم في المستدرك 4. 180
282

والبزار كما في نيل الأوطار 2: 48.
3 - عن جرهد الأسلمي قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بردة وقد انكشفت
فخذي وقال: غط فخذك فإن الفخذ عورة.
أخرجه البخاري في صحيحه كما سمعت تعليقا، ورواه مالك في الموطأ وأبو داود
وأحمد والترمذي وقال: حسن. وذكره القسطلاني في إرشاد الساري عن مالك
والترمذي فقال: وصححه ابن حبان، وذكر الشوكاني في نيل الأوطار 2: 50 تصحيح
ابن حبان إياه، وأخرجه البيهقي في سننه 2: 228 من طريقين، والحاكم في المستدرك
4: 180
4 - عن ابن عباس: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وفخذه خارجة. فقال: غط
فخذيك، فإن فخذ الرجل من عورته.
أخرجه البخاري تعليقا كما مر، ورواه الترمذي وأحمد في مسنده 1: 275،
والبيهقي في سننه 2: 228 فقال: قال الشيخ: وهذه (1) أسانيد صحيحة يحتج بها، و
أخرجه الحاكم في المستدرك 4: 181.
5 - أخرج الدارقطني في سننه من طريق عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
مرو صبيانكم بالصلاة في سبع سنين واضربوهم عليها في عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع،
وإذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة، فإن
ما تحت السرة إلى الركبة من العورة.
وأخرجه أحمد في مسنده 2: 187 ولفظه: فلا ينظرن إلى شئ من عورته فإنما
أسفل من سرته إلى ركبتيه من عورته. وذكره الزيلعي في نصب الراية 1: 296 نقلا
عن الدارقطني وأبي داود وأحمد والعقيلي فقال: وله طريق آخر عند ابن عدي في
الكامل. وأخرجه البيهقي في سننه 2: 229 من أربعة طرق، وذكره القسطلاني في
إرشاد الساري 1: 389.
6 - أخرج الدارقطني في سننه ص 85، والبيهقي في سننه 2: 229 من طريق
أبي أيوب مرفوعا: ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل من السرة من العورة.

(1) يعني أسانيد حديث ابن جحش وجرهد وابن عباس.
283

وذكره الزيلعي في نصب الراية 1: 297.
هذه الأحاديث أخذها الأعلام أئمة الفقه والفتيا وذهبوا إلى أن الفخذ عورة
وهو رأي أكثر العلماء كما قال النووي (1) والجمهور كما قاله القسطلاني والشوكاني (2) قال
ابن رشد في بداية المجتهد 1: 111: ذهب مالك والشافعي إلى أن حد العورة من
الرجل ما بين السرة إلى الركبة وكذلك قال أبو حنيفة. وقال قوم: العورة هما السوءتان
فقط من الرجل، وسبب الخلاف في ذلك أثران متعارضان كلاهما ثابت، أحدهما حديث
جرهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفخذ عورة. والثاني: حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم
حسر عن فخذه وهو جالس مع أصحابه. ثم ذكر قول البخاري المذكور.
وقال القسطلاني في إرشاد الساري 1: 389: قال الجمهور من التابعين وأبو حنيفة
ومالك في أصح أقواله، والشافعي وأحمد في أصح روايتيه، وأبو يوسف ومحمد: الفخذ
عورة. وذهب ابن أبي ذئب وداود وأحمد في إحدى روايتيه والاصطخري من الشافعية
وابن حزم إلى أنه ليس بعورة.
وفي الفقه على المذاهب الأربعة 1: 142: أما عورة الرجل خارج الصلاة
فهي ما بين سرته وركبته فيحل النظر إلى ما عدا ذلك من بدنه مطلقا عند أمن الفتنة.
وفيه: قال المالكية والشافعية: إن عورة الرجل خارج الصلاة تختلف باختلاف الناظر
إليه فبالنسبة للمحارم والرجال هي ما بين سرته وركبته وبالنسبة للأجنبية منه هي
جميع بدنه إلا أن المالكية استثنوا الوجه والأطراف وهي الرأس واليدان والرجلان
فيجوز للأجنبية النظر إليها عند أمن التلذذ، وإلا منع خلافا للشافعية فإنهم قالوا:
يحرم النظر إلى ذلك مطلقا.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار 2: 49 بعد ذكر حديث علي أمير المؤمنين
المذكور مرفوعا والحديث يدل على أن الفخذ عورة وقد ذهب إلى ذاك العترة
والشافعي وأبو خنيفة، قال النووي، ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة وعن أحمد
ومالك في رواية: العورة القبل والدبر فقط " إلى أن قال: " والحق أن الفخذ من

(1) فتح الباري 1: 382: نيل الأوطار 2: 49.
(2) إرشاد الساري 1: 389، نيل الأوطار 2: 50.
284

العورة، وحديث علي هذا وإن كان غير منتهض على الاستقلال ففي الباب من الأحاديث
ما يصلح للاحتجاج به على المطلوب. وقال بعد ذكر حديث جرهد: الحديث من أدلة
القائلين بأن الفخذ عورة وهم الجمهور. ا ه‍.
هب أن النهي عن كشف الأفخاذ تنزيهي إلا أنه لا شك في أن سترها أدب
من آداب الشريعة، ومن لوازم الوقار ومقارنات الأبهة: ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى
برعاية هذا الأدب الذي صدع به هو، قال ابن رشد في تمهيدات المدونة الكبرى 1:
110: والذي أقول به إن ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في الفخذ ليس باختلاف
تعارض ومعناه أنه ليس بعورة يجب سترها فرضا كالقبل والدبر وأنه عورة يجب سترها
في مكارم الأخلاق ومحاسنها، فلا ينبغي التهاون بذلك في المحافل والجماعات ولا عند
ذوي الأقدار والهيئات، فعلى هذا تستعمل الآثار كلها واستعمالها كلها أولى من اطراح
بعضها. ا ه‍.
فعلى كلا التقديرين نحاشي نبي العظمة والجلال أن يكشف عن فخذيه في الملأ
غير مكترث للحضور - وهو أشد حياء من العذراء - ولا يأبه بهم حتى أن يأتي رضيع
ثدي الحياء، وربيب بين القداسة وليد آل أمية، أشد الأمة حياء، وقد قتلته أفعاله
النائية عن تلك الملكة الفاضلة.
ولا يهولنك وجود الرواية في الصحيحين فإنهما كما قلنا عنهما علبتا السفاسف
وعيبتا السقطات وفيهما من المخازي والمخاريق ما شوه سمعة التأليف، وفت في عضد
علم الحديث، ولعلنا سوف ندعم ما ادعيناه بالبرهنة الصادقة إنشاء الله تعالى: وليتهما
اقتصرا من الخزاية على رواية كشف الفخذ فحسب ولم يخرجا تعريه صلى الله عليه وآله وسلم بين الناس،
أخرج البخاري في صحيحه باب بنيان الكعبة ج 6: 13، ومسلم في صحيحه ج 1: 184
من طريق جابر بن عبد الله قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان
حجارة، فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على عاتقك يقيك من الحجارة.
ففعل، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال: إزاري إزاري فشد
عليه إزاره.
وفي لفظ لمسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه
285

إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي! لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون
الحجارة قال: فحله فجعله على منكبيه فسقط مغشيا عليه قال: فما رؤي بعد ذلك
اليوم عريانا.
وفي قصة لابن هشام في السيرة 1: 197 قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر
لي، يحدث عما كان يحفظه به في صغره وأمر جاهليته أنه قال: لقد رأيتني في غلمان
قريش تنقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان، كلنا قد تعرى وأخذ إزاره فجعله على
رقبته يحمل عليه الحجارة، فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر، إذ لكمني لاكم ما أراه
لكمة وجيعة ثم قال: شد عليك إزارك قال: فأخذته وشددته علي، ثم جعلت أحمل
الحجارة على رقبتي، وإزاري علي من بين أصحابي.
هلموا معي أيها المسلمون جميعا نسائل هذين الرجلين - صاحبي الصحيحين -
أهذا جزاء نبي العظمة على جهوده؟ وحق شكره على إصلاحه؟ أهذا من إكباره وتعظيمه؟ أصحيح أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان يمشي بين ملأ العمال عاريا قد نضا عنه ثيابه
وألقى عنه إزاره، غير ساتر عن الحضور عورته؟ وكان عمره صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ خمسا وثلاثين
سنة كما قال ابن إسحاق (1).
هب أن رواة السوء أخرجوه لغاية مستهدفة لكن ما المبرر للرجلين أن يستصحاه
ويثبتاه في صحيحهما كأثر ثابت؟ أيحسبان أن هذا العمل الفاضح من مصاديق ما أثبتاه
له صلى الله عليه وآله وسلم - وهو الصحيح الثابت - من أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان أشد حياء من العذراء؟ (2)
وهل تجد في العذراء من يستبيح هذه الخلاعة؟ لاها الله، لاها الله.
أو يحسبان صاحب هذا المجون غير نبي الاسلام الذي نهى جرهدا. ومعمرا عن
كشف فخذيهما لأنهما عورة؟ أو ينهي صلى الله عليه وآله وسلم عن كشف الفخذ يوما ويكشف هو عما
فوقها يوما آخر؟ أو من الهين أن نعتقد أن الفخذ عورة لكن ما يعلوها من السوءة
ليس بعورة؟.

(1) راجع سيرة ابن هشام 1: 209، الروض الأنف 1: 127، عيون الأثر 1: 51، وما
في فتح الباري 7: 5 نقلا عن ابن إسحاق أن عمره كان خمسا وعشرين سنة فغير صحيح والذي صح
عنه خمس وثلاثون.
(2) راجع ما مر في هذا الجزء صفحة 281.
286

هلم معي نعطف النظرة بين ما أثبته الصحيحان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين ما جاء
به أحمد في مسنده 1: 74 عن الحسن البصري أنه ذكر عثمان وشدة حياءه فقال: إن
كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء يمنعه الحياء
أن يقيم صلبه (1) انظر إلى حياء نبي العصمة والقداسة، وحياء وليد الشجرة المنعوتة
في القرآن، وشتان بينهما؟.
أوليس هذا النبي الأعظم هو الذي سأله معاوية بن حيدة فقال له: يا رسول الله
عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: إحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت
يمينك. قال: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يراها أحد فلا
يرينها. قال: فإذا كان أحدنا خاليا؟
قال فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه (2).
لقد أغرق صلى الله عليه وآله وسلم نزعا في ستر العورة حتى أنه لم يرض بكشفها والمرأ خال
حياء من الله تعالى، واستدل به من قال: إن التعري في الخلاء غير جائز مطلقا (3)
لكن من عذيري من صاحبي الصحيحين حيث يحسبان أنه صلى الله عليه وآله وسلم كشفها بملأ من
الأشهاد؟ والله من فوقهم رقيب. وعلى فرضه - وهو فرض محال - فأين الحياء المربي
على حياء العذراء؟ وأين الحياء من الله؟ غفرانك اللهم هذا بهتان عظيم.
هل يحسب الشيخان أن ذلك الحياء فاجأه صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذه الوقايع أو الفظايع،
وما كان غريزة فيه منذ صيغ في بوتقة القداسة؟ إن كانا يزعمان ذلك؟ فبئس ما زعما،
وإن الحق الثابت أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان نبيا وآدم بين الروح والجسد (4) وقد اكتنفته
الغرائز الكريمة كلها منذ ذلك العهد المتقادم، شرع سواء في ذلك وهو في عالم الأنوار:
أو: في عالم الأجنة، وفي أدوار كونه رضيعا وطفلا ويافعا وغلاما وكهلا وشيخا، صلى الله عليه وآله وسلم

(1) وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة 1: 117، والمحب الطبري في الرياض 2: 88.
(2) قال ابن تيمية في المنتقى: رواه الخمسة إلا النسائي. نيل الأوطار 2: 47.
(3) راجع نيل الأوطار 2: 47.
(4) لهذا الحديث عدة ألفاظ من طريق ميسرة وأبي هريرة وابن سارية وابن عباس وأبي
الجدعاء، وأخرجه ابن سعد، وأحمد بن حنبل، والبخاري في التاريخ، والبغوي، وابن السكن،
والطبراني، وأبو نعيم في الحلية والدلائل، وصححه الحاكم، والترمذي حسنه وصححه، وابن
حبان في صحيحه، وابن عساكر، وابن قانع، والدارمي في السنن، راجع كشف الخفا للعجلوني
2: 129، والجامع الكبير كما في ترتيبه ج 6.
287

يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.
أوليس مسلم هو الذي يروي من طريق المسور بن مخرمة أنه قال: أقبلت
بحجر ثقيل أحمله وعلي إزار خفيف فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أمنعه
حتى بلغت به إلى موضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إرجع إلى إزارك فخذه ولا تمشوا
عراة (1).
أفمن المستطاع أن يقال: إنه صلى الله عليه وآله وسلم ينهى مسورا عن المشي عاريا ويزجره عن
حمل الحجر كذلك ويرتكب هو ما نهى عنه؟ إن هذا لشئ عجاب.
وأعجب منه إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى أن المشرك إذا شاهد الناظر المحترم لم يكشف
عن عورته فكيف هو بنفسه، جاء في السير في قصة الغار، أن رجلا كشف عن فرجه
وجلس يبول فقال أبو بكر: قد رآنا يا رسول الله! قال: لو رآنا لم يكشف عن فرجه.
فتح الباري 7: 9.
وأعجب من الكل إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى لعورة الصغير حرمة كما جاء في صحيح
أخرجه الحاكم في المستدرك 3: 257 من طريق محمد بن عياض قال: رفعت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم في صغري وعلي خرقة وقد كشفت عورتي فقال: غطوا حرمة عورته فإن
حرمة عورة الصغير كحرمة عورة الكبير، ولا ينظر الله إلى كاشف عورة.
وأنى يصح حديث الشيخين إن صح ما مر عن ابن هشام ص 286 من قصة
لعبه صلى الله عليه وآله وسلم مع الغلمان في صغره وقد حل إزاره وجعله على رقبته، إذ لكمه لاكم
فأورعه، وهتف بقوله: شد عليك إزارك؟ أبعد تلكم اللكمة وذلك الهتاف عاد صلى الله عليه وآله وسلم
إلى ما نهي عنه لما كبر وبلغ مبلغ الرجال؟
وكيف يتفق حديث الشيخين مع ما أخرجه البزار من طريق ابن عباس قال:
كان صلى الله عليه وسلم يغتسل وراء الحجرات وما رأى أحد عورته قط. وقال: إسناده حسن (2).
وأبلغ من ذلك ما رواه القاضي عياض في الشفا 1: 91 عن عائشة رضي الله عنها
قالت: ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط.

(1) صحيح مسلم 1: 105: وفي ط مشكول 1: 174.
(2) راجع فتح الباري 6: 450، شرح المواهب للزرقاني 4: 284.
288

كوني أنت يا أم المؤمنين حكما عدلا بيننا وبين رواة السفاسف، واحكمي
قسطا فيمن يعزو إلى بعلك المقدس مما يربي بنفسه عنه كل سافل ساقط، ويقولون:
إن رجلا لم ير عورته قط أحد حتى حليلته، وأنت من اطلع الناس على خلواته وسرياته
كان يحمل الحجر بين العمال عاريا وقد حل إزاره وجعله على منكبيه.
أيهما صحيح عنك يا أم المؤمنين مما أسندوه إليك؟ أحديثك هذا؟ أم ما حدثت
به - إن كنت حدثت به - من حديث عثمان مشفوعا بما ثبت عن بعلك صلى الله عليه وسلم من
أن الفخذ عورة؟.
وكأني بأم المؤمنين تقول: حسبك أيها السائل لقد منيت بالكذابة كما مني بها
بعلي صلى الله عليه وآله وسلم قبلي، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا.
وسيعلم المبطلون غب ما فرطوا في جنب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلوا في فضائل أناس
آخرين، ونعم الحكم الله غدا والخصيم محمد صلى الله عليه وآله.
ليت شعري هل كانت عائشة تعتقد باستقرار ملكة الحياء في عثمان في كل تلك
المدة التي روت عن أولياتها حديث الفخذين، وطفقت في أخرياتها تثير الناس على عثمان
وتقول فيه تلكم الكلم القارصة الفظة التي أسلفناها في الجزء صفحة 77 - 86 ولم
تفتأ حتى أوردته حياض المنية، وهل كانت ترى استمرار حياء الملائكة منه طيلة ما بين
الحدين؟! أو أنها ترتأي انفصام عراه بتقطع حلقات ما أثبتت له من ملكة الحياء؟
ولذلك قلبت عليه ظهر المجن، فإن كان الأول فما المبرر للهجاته الأخيرة؟ وإن
كان غيره؟ فالحديث باطل أيضا لأن تبجيل عالم الملكوت لا يكون إلا على حقيقة
مستوعبة لمدة حياة الانسان كلها، والتظاهر بالفضل المنصرم لا حقيقة له تكبرها الملائكة
وتستحي من جهتها، هذا إن لم تعد أم المؤمنين علينا جوابها الأول مرة أخرى من
أنها منيت بالكذابة كما أنه جوابها المطرد في كل ما يروى عنها من فضل عثمان
وإن كلها من ولائد عهد معاوية المحشو بالأكاذيب والمفتريات طمعا في رضائخه.
3 - أخرج الطبراني من حديث أبي معشر البراء البصري عن إبراهيم بن عمر بن أبان
بن عثمان عن أبيه عمر بن أبان عن أبيه أبان بن عثمان بن عفان قال: سمعت عبد الله بن عمر
يقول: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعائشة وراءه إذ استأذن أبو بكر فدخل، ثم استأذن
289

عمر فدخل، ثم استأذن سعد بن مالك فدخل، ثم استأذن عثمان بن عفان فدخل و
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث كاشفا عن ركبته فرد ثوبه على ركبته حين استأذن عثمان و
قال لامرأته: استأخري فتحدثوا ساعة ثم خرجوا فقالت عائشة: يا نبي الله دخل أبي
وأصحابه فلم تصلح ثوبك على ركبتك ولم تؤخرني عنك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا
أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ والذي نفسي بيده إن الملائكة لتستحي من
عثمان كما تستحي من الله ورسوله، ولو دخل وأنت قريب مني لم يتحدث، ولم يرفع
رأسه حتى يخرج.
ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 203 فقال: هذا حديث غريب وفي سنده ضعف.
وأوعز الذهبي إليه في الميزان 2: 250 فقال: قال البخاري: في حديث عمر بن أبان نظر.
قال الأميني: هذه الرواية لدة ما أسلفناه من مسلم وأحمد مشفوعا بتفنيده و
إبطاله ونزيدك هاهنا: إن البراء أبا معشر البصري ضعفه ابن معين، وقال أبو داود:
ليس بذاك (1) وفيها إبراهيم بن عمر بصري أموي حفيد الممدوح قال أبو حاتم: ضعيف
الحديث. وقال ابن أبي حاتم: ترك أبو زرعة حديثه فلم يقرأه علينا. وقال ابن حبان:
لا يحتج بخبره إذا انفرد (2) وقال ابن عدي: حدثنا أبو يعلى عن المقدمي عن أبي معشر عن
إبراهيم بن عمر بن أبان بأحاديث كلها غير محفوظة منها: إن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إلى
عثمان أنه يقتل ظلما (3).
4 - أخرج الطبراني من طريق أبي مروان محمد بن عثمان الأموي العثماني عن
أبيه عثمان بن خالد حفيد عثمان بن عفان عن مالك عن أبي الزناد (مولى بنت عثمان)
عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عثمان حيي تستحي منه الملائكة (4)
قال الأميني: في الاسناد أبو مروان محمد قال صالح الأسدي: يروي عن أبيه
المناكير، وقال ابن حبان: يخطئ ويخالف (5).

(1) تهذيب التهذيب 11: 430.
(2) ميزان الاعتدال 1: 24، لسان الميزان 1: 86.
(3) لسان الميزان 4: 282.
(4) تاريخ ابن كثير 7: 203.
(5) تهذيب التهذيب 9: 336.
290

وفيه عثمان بن خالد قال البخاري: عنده مناكير. وقال النسائي: ليس بثقة. و
قال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم. وقال أبو أحمد: منكر الحديث: وقال ابن
عدي: أحاديثه كلها غير محفوظة. وقال الساجي: عنده مناكير غير معروفة. وقال الحاكم
وأبو نعيم: حدث عن مالك وغيره بأحاديث موضوعة (1) وقال ابن حبان: يروي
المقلوبات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به (2)، وقال السندي في شرح سنن ابن ماجة
1: 53 في حديث يأتي: إسناده ضعيف فيه عثمان بن خالد وهو ضعيف باتفاقهم.
وقد فصلنا القول قبيل هذا في حياء الرجل بما لا مزيد عليه وبذلك تعلم أن
الحديث باطل وإن صح إسناده فكيف به وإسناده أوهن من متنه.
5 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 56 من طريق هشيم أبي نصر التمار عن
الكوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد أمتي حياء
عثمان بن عفان.
قال الأميني: تغمرني الحيرة في حياء أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومبلغها منه بعد أن كان
عثمان أشدها حياء وبين يديك أفعاله وتروكه، فعلى الأمة العفا إن صدقت الأحلام.
نعم: هذا لا يكون، ونبي العظمة لا يسرف في القول، ولا يجازف في الاطراء، والإسناد
باطل لا يعول عليه لمكان كوثر بن حكيم قال أبو زرعة: ضعيف. وقال يحيى بن معين:
ليس بشئ. وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه بواطيل ليس بشئ. وقال الدارقطني وغيره:
مجهول. وقال أبو طالب: سألت أحمد عنه فقال: ليس هو من عيالنا، وكان أحمد إذ
لم يروعن رجل قال: ليس هو من عيالنا متروك الحديث وقال: ضعيف منكر الحديث.
وقال الجوزجاني: لا يحل كتابة حديثه عندي لأنه متروك. وقال ابن عدي: عامة ما
يرويه غير محفوظة. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ضعيف الحديث. قلت: هو متروك؟
قال: لا، ولا أعلم له حديثا مستقيما وهو ليس بشئ. وقال ابن أبي شيبة: منكر الحديث.
وقال أبو الفتح والساجي: ضعيف. وقال البرقاني والدار قطني: متروك الحديث. وذكره
العقيلي والدولابي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء. ميزان الاعتدال 2: 359،

(1) روايته هذه عن مالك من تلكم الموضوعات.
(2) تهذيب التهذيب 7: 114.
291

لسان الميزان 4: 491.
6 - أخرج أبو نعيم في الحلية 1: 56 من طريق زكريا بن يحيى المقري (1) عن
ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عثمان أحيا أمتي وأكرمها.
قال الأميني: ما خطر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إن كان أحياها وأكرمها قتيل الصحابة
العدول إثر هناته وموبقاته، وليد الشجرة الملعونة في القرآن، وليد أبي العاص وقد
صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم في ولده قوله: إذا بلغوا ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا، وعباده
خولا، ودينه دخلا. وقد كان بلاغهم ثلاثين يوم عثمان وهو أحدهم ورأسهم، وأسلفنا
في ذلك قول أبي ذر الناظر إليه وإليهم من كثب. فهل يثمر الشوك العنب؟ لاها الله.
أيحسب الباحث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسر بهذه المنقبة الرابية إلى ابن عمر فحسب
من بين الصحابة؟ أم أعلن بها في ملأ من أصحابه وكان في الآذان وقر؟ أم سمعوها
ونسوها من يومهم الأول؟ أم حفظوها ونبذوها وراء ظهورهم يوم تركوا جثمان أحيا
الأمة وأكرمها منبوذا ثلاثة أيام في مزبلة من غير دفن؟ ثم دفنها عدة أناس ليلا وما
أمكنهم تغسيله وتكفينه وتجهيزه والصلاة عليه، دفن في مقبرة اليهود بعد ما رجم سريره
وكسر ضلع من أضلاعه، وعفي قبره خوفا عليه من النبش.
على أن الاسناد لا يصح لمكان زكريا بن يحيى وهو ضعيف وشيخه يخطئ في
الاسناد والمتن وقد أخطأ في أحاديث كثيرة، وغرائب حديثه وما ينفرد به كثير. راجع
تاريخ الخطيب البغدادي وميزان الاعتدال ولسانه.
7 - أخرج ابن عساكر في ترجمة عثمان من طريق أبي هريرة مرفوعا: الحياء من
الإيمان وأحيى أمتي عثمان.
ضعفه السيوطي في الجامع الصغير وأقره المناوي راجع فيض القدير 3: 429
* (لفت نظر) * يعطينا سبر التاريخ والحديث خبرا بأن السيرة المطردة
لرجال الوضع والاختلاق في شنشنة التقول والافتعال في الفضائل هي العناية الخاصة
بالملكات التي كان يفقدها الممدوح رأسا. والمبالغة والاكثار في كل غريزة ثبت
خلافها مما علم من تاريخ حياة الرجل ومن سيرته الثابتة المشهورة، فنجدهم يبالغون

(1) في النسخة: المنقري.
292

في شجاعة أبي بكر بما لا مزيد عليه حتى حسبوه أشجع الصحابة، وقد شهد مشاهد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها وما سل فيها سيفا، ولا نزل في معترك قتال، ولا تقدم لبراز أي
مجالد، وما رئي قط مناضلا، وما شوهد يوما في ميادين الحراب منازلا، فأكثروا القول
فيها وجاؤا بأحاديث خرافة في شجاعته رجاء أن يثبت له منها شئ تجاه تلك الدراية
الثابتة بالمحسوس المشاهد (1).
ويبالغون في زهده وتقواه وجعلوا كبده مشويا من خوف الله والدخان يتصاعد من
فمه إلى السماء مهما تنفس، ولم يثبت له ميز في العبادة ولم يرو عنه الاكثار من
الصوم والصلاة ومن كل ما يقربه إلى الله زلفى (2).
ويبالغون في علم عمر وجعلوه أعلم الصحابة في يومه على الإطلاق وأفقههم في دين
الله، وحابوه تسعة أعشار العلم، راجحا علمه علم أهل الأرض، علم أحياء العرب في
كفة الميزان، وجاؤا فيه بكثير لدة هذه الخرافات (3) والرجل قد ألهاه الصفق
بالأسواق عن علم الكتاب والسنة، وكل الناس أفقه منه حتى ربات الحجال أخذا
بقوله وهو الصادق المصدق فيه (4).
ويبالغون في إنكاره الباطل وبغضه الغناء ونكيره الشديد عليه، وقد ثبت من
شكيمته أنه كان يتعاطاه ويجوزه (5).
ولما وجدوا أن التاريخ الصحيح وما ثبت من سيرة عثمان ينفي عنه ملكة الحياء
ويمثله للمجتمع بما يضادها، نسجوا له النسج المبرم، وأتوا بالمخازي ووضعت
يد الافتعال فيها ما سمعت من الأفائك، حتى جعلوه أشد أمة محمد حياء وأحياها و
أكرمها، حييا تستحي منه الملائكة. فحياء عثمان كشجاعة أبي بكر وعلم عمر سالبة بانتفاء
موضوعاتها، وهي فيهم تضاهي أمانة معاوية وعلمه الواردين فيما يعزى إليه صلى الله عليه وآله وسلم
من قوله: كاد أن يبعث معاوية نبيا من كثرة علمه وائتمانه على كلام ربي. وقوله:

(1) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع ص 200 - 215 ط 2.
(2) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع ص 219 - 222 ط 2.
(3) راجع ما مر في الجزء السادس ص 82، 331، والجزء الثامن ص 62، 63 ط 2.
(4) راجع ما أسلفناه في الجزء السادس من " نوادر الأثر في علم عمر ".
(5) راجع ما مر في الجزء الثامن ص 64 - 81، 86، 94 - 96 ط 2.
293

الأمناء سبعة: اللوح والقلم وإسرافيل وميكائيل وجبريل ومحمد ومعاوية (1).
ويعرب عن أمانة معاوية ومبلغه من هذه الملكة الفاضلة ما رواه أبو بكر الهذلي
قال: إن أبا الأسود الدؤلي كان يحدث معاوية يوما فتحرك فضرط فقال لمعاوية:
استرها علي. فقال: نعم. فلما خرج حدث بها معاوية عمرو بن العاص ومروان بن
الحكم، فلما غدا عليه أبو الأسود قال عمرو: ما فعلت ضرطتك يا أبا الأسود بالأمس؟
قال: ذهبت كما تذهب الريح مقبلة ومدبرة من شيخ ألان الدهر أعصابه ولحمه عن
إمساكها، وكل أجوف ضروط. ثم أقبل على معاوية فقال: إن امرء ضعفت أمانته و
مروأته عن كتمان ضرطة لحقيق بأن لا يؤمن على أمور المسلمين.
الأغاني 11: 113، حياة الحيوان للدميري 1: 351. محاضرات الراغب 2: 125.
8 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 102 من طريق الدارمي عن سعيد بن عبد
الله الجرجسي عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عمرو بن أبان بن عثمان
(الممدوح) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أري الليلة
رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر.
فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله، وأما ما ذكر
من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الحاكم: قال الدارمي: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن حرب يسند هذا
الحديث والناس يحدثون به عن الزهري مرسلا إنما هو عمرو بن أبان ولم يكن لأبان
ابن عثمان ابن يقال له عمرو.
قال الأميني: ألا تعجب من رؤيا رئاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحدث بها في ملأ الصحابة
ولم يسمعها منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا جابر بن عبد الله وهو لم يرتب عليها أي أثر عملي، ولم يروها
عنه إلا حفيد عثمان عمرو بن أبان الذي لم يكن له وجود، أو اختلف في أنه كان أو لم
يكن؟ نعم: ينبغي حقا أن يكون مستدرك الصحيحين أمثال هذه التافهات.
9 - أخرج ابن ماجة في سننه 1: 53 عن أبي مروان محمد بن عثمان الأموي
العثماني عن أبيه عثمان بن خالد حفيد عثمان بن عفان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن

(1) راجع الجزء الخامس من الغدير ص 308 ط 2.
294

أبيه (مولى عائشة بنت عثمان) عن الأعرج عن أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان بن عفان.
رجال الاسناد:
1 - أبو مروان مر الايعاز إليه ص 290.
2 - عثمان بن خالد، أسلفنا في هذا الجزء ص 291 كلمات الحفاظ فيه وأنه
ليس بثقة، وأحاديثه كلها غير محفوظة، وحدث بأحاديث موضوعة لا يجوز الاحتجاج
به. ورواه الترمذي من طريق طلحة بن عبيد الله وقال: غريب ليس إسناده بالقوي
وهو منقطع.
3 - عبد الرحمن بن أبي الزناد، قال يحيى بن معين: ليس ممن يحتج به أصحاب
الحديث ليس بشئ. وقال ابن صالح وغيره عن ابن معين: ضعيف. وقال الدوري عن
ابن معين: لا يحتج بحديثه. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: مضطرب الحديث. وعن
ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفا. وقال النسائي: لا يحتج بحديثه. وقال ابن سعد:
كان كثير الحديث وكان يضعف لروايته عن أبيه.
(تهذيب التهذيب 6: 171)
وبعد ذلك كله فإني أستغرب هذه الرفاقة وإن الرجل بماذا اختص بها وحصل
عليها من دون الصحابة المقدمين ذوي الفضائل والمآثر، وفي مقدمهم صنوه صلى الله عليه وآله وسلم
أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه وهو نفسه في الذكر الحكيم، وأخوه المخصوص به
في حديث المواخاة المعربة عن المجانسة بينهما في النفسيات، وهو الذاب الوحيد عنه في
حروبه ومغازيه، ومثله الأعلى في العصمة والقداسة بصريح آية التطهير، وباب مدينة
علمه في الحديث المتواتر.
فبماذا اختص عثمان بهذه الرفاقة دون علي أمير المؤمنين؟ ألمشاكلته مع صاحب
الرسالة العظمى في النسب أو الحسب في العلم والتقوى والملكات الفاضلة؟ أو لاتباعه ما جاء
به صلى الله عليه وآله وسلم من كتاب أو سنة؟ وأنت متى استشففت ما تلوناه في هذا الكتاب من موارد
الخليفة ومصادره، وأخذه ورده، وأفعاله وتروكه، تعلم مبوأه من كل هاتيك الفضائل
وتجد من المستحيل ما أثبتته له هذه الرواية الواهية بإسنادها الساقط، تعالى نبي العظمة
عن ذلك علوا كبيرا.
295

ولست أدري لماذا رد الله دعاء نبيه الأعظم في أبي بكر الوارد فيما أخرجه ابن
عدي من طريق الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنك جعلت أبا بكر
رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة (1)
نعم: هذا كحديث ابن ماجة هما سواسية في البطلان، في إسناده محمد بن الوليد
القلانسي البغدادي. كذاب يضع الحديث كما مر في سلسلة الكذابين ج 5: 265 ط 2،
ومصعب بن سعيد يحدث عن الثقات بالمناكير ويصحف، وكان مدلسا لا يدري ما يقول
وستوافيك ترجمته، وعيسى بن يونس مجهول لا يعرف.
10 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 97 من طريق عبيد الله بن عمرو القواريري
البصري عن القاسم بن الحكم بن أوس الأنصاري عن أبي عبادة الزرقي عن زيد بن أسلم
عن أبيه قال: شهدت عثمان يوم حصر في موضع الجنائز فقال: أنشدك الله يا طلحة! أتذكر
يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكان كذا وكذا وليس معه من أصحابه غيري
وغيرك فقال لك: يا طلحة! إنه ليس من نبي إلا وله رفيق من أمته معه في الجنة
وإن عثمان رفيقي ومعي في الجنة؟ فقال طلحة: اللهم نعم. قال: ثم انصرف طلحة.
وفي لفظ أحمد في مسنده 1: 74 بالإسناد نفسه عن أسلم قال: شهدت عثمان
رضي الله عنه حوصر في موضع الجنائز ولو القي حجر لم يقع إلا على رأس رجل
فرأيت عثمان رضي الله عنه أشرف من الخوخة التي تلي مقام جبريل عليه السلام فقال: أيها الناس
أفيكم طلحة؟ فسكتوا. ثم قال: أيها الناس أفيكم طلحة؟ فسكتوا. ثم قال: يا أيها
الناس أفيكم طلحة؟ فقام طلحة بن عبيد الله فقال له عثمان رضي الله عنه: ألا أراك ههنا
ما كنت أرى أنك تكون في جماعة تسمع ندائي آخر ثلاث مرات ثم لا تجيبني أنشدك
الله يا طلحة! تذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع كذا كذا ليس
معه أحد من أصحابه غيري وغيرك؟ قال: نعم. فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا طلحة!
إنه ليس من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق من أمته معه في الجنة، وإن عثمان
ابن عفان رضي الله عنه هذا يعنيني رفيقي معي في الجنة؟ قال: طلحة: اللهم نعم. ثم
انصرف.

(1) لسان الميزان 5: 418.
296

صححه الحاكم وعقبه الذهبي فقال: قلت قاسم هذا قال البخاري: لا يصح
حديثه. وقال أبو حاتم: مجهول. وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 8: 312 وحكى
عن البخاري وأبي حاتم ما ذكره الذهبي.
وفي الاسناد عبيد الله القواريري روى عنه البخاري خمسة أحاديث فحسب، و
مسلم أربعين حديثا (1) وقد سمع منه أحمد بن يحيى مائة ألف حديث (2) فما حكم ذلك
الحوش الحائش مما جاء به القواريري بعد ما لم يأخذ البخاري ومسلم منه إلا عدة أحاديث
وضربا عن كل ذلك صفحا؟ ومن المستبعد جدا عدم وقوفهما عليها.
وفيه: أبو عبادة الزرقي عيسى بن عبد الرحمن الأنصاري قال أبو زرعة: ليس
بالقوي. وقال أبو حاتم: منكر الحديث ضعيف الحديث شبيه بالمتروك لا أعلمه روى
عن الزهري حديثا صحيحا. وقال البخاري والنسائي: منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك. وقال العقيلي: مضطرب الحديث. وقال
الأزدي: منكر الحديث مجهول. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال
ابن حبان أيضا: لا ينبغي أن يحتج بما انفرد به (3).
قال الأميني: ولا يكاد يصح انصراف طلحة مع إصراره الثابت في التشديد على
عثمان إلى آخر نفس لفظه الرجل، ولم يقنعه الإجهاز عليه حتى أنه منعه عن الدفن
في مقابر المسلمين، وجعل ناسا هناك أكمنهم كمينا ورموا حملة جنازته بالحجارة و
صاحوا: نعثل نعثل. وقال طلحة: يدفن بدير " سلع " يعني مقابر اليهود، ولذلك قال
مروان لما قتل طلحة لأبان بن عثمان: قد كفيتك بعض قتلة أبيك، ومروان كان شاهدا
عليه من كثب (4).
ومن العجيب أن هذه المناشدة كانت في ذلك المحتشد الرحيب بمسمع من
أولئك الجم الغفير وكان لو ألقي الحجر لم يقع إلا على رأس رجل لكنها لم تكفئ
أحدا منهم، فهل كانوا معترفين بها معرضين عنها؟ فأين العدالة المزعومة فيهم؟ أو أنهم

(1) ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 7: 41.
(2) تهذيب التهذيب 7: 41.
(3) تهذيب التهذيب 8: 218، لسان الميزان 4: 400.
(4) راجع ما مر في هذا الجزء ص 91 - 101.
297

عرفوا بطلانها وما صدقوا الرجلين في دعواهما فتركوها في مدحرة الإعراض؟ أو لم
تكن هنالك مناشدة قط؟ وهو أقرب الوجوه إلى الحق.
ولو فرضنا أنها أكفأت طلحة كما يحسبه مختلق هذه الرواية فإنه لم يكن إلا
إكفاء وقتيا ثم راجع طلحة رشده فعرف أنها حجة داحضة فاستمر على ما ثار له،
وثبت عنه من الثبات على عمله وتضييقه.
هذه غاية ما يمكن أن يقال متى تجشمنا لوضع هذه المزعمة في بقعة الامكان،
ومن المستصحب ذلك أو المتعذر، وقد أسلفنا أن الرفاقة المزعومة ليس من السهل
تصديقها لعدم المجانسة بين الرفيقين قط ولو كان من جهة.
والرفاقة كالأخوة والصحبة - المنبعثة ثلاثتها عن التجانس في الخلل والمزايا -
تخص بعلي أمير المؤمنين عليه السلام كما جاء مرفوعا: يا علي أنت أخي وصاحبي ورفيقي في
الجنة (2) وهذا التخصص تعاضده البرهنة الثابتة، ويؤيد بالاعتبار.
11 - أخرج أبو يعلى وأبو نعيم وابن عساكر في تاريخه 7: 65، والحاكم في
المستدرك 3: 97 من طريق شيبان بن فروخ عن طلحة بن زيد الدمشقي عن عبيدة (3)
ابن حسان عن عطاء الكيخاراني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بينما نحن في
بيت ابن حشفة في نفر من المهاجرين فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير
وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينهض
كل رجل منكم إلى كفؤه فنهض النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عثمان فاعتنقه وقال: أنت وليي في
الدنيا والآخرة.
صححه الحاكم وعقبه الذهبي في تلخيصه وقال: قلت: بل ضعيف فيه طلحة
ابن زيد وهو واه عن عبيدة بن حسان شويخ مقل عن عطاء. وقال السيوطي في اللئالي
1: 317: موضوع، طلحة لا يحتج به، وعبيدة يروي الموضوعات عن الثقات. ا ه‍.
وذكره المحب الطبري في رياضه النضرة 2: 101، وابن كثير في تاريخه 7: 212
ساكتين عما في إسناده من الغمز شأنهما في فضائل من يحبانه ويواليانه، ولا يخفى

(1) تاريخ الخطيب 12: 268.
(2) في النسخة هاهنا وفيما يأتي: عبيد. والصحيح ما ذكرناه.
298

عليهما قول أحمد: طلحة بن زيد ليس بذاك قد حدث بأحاديث مناكير. وقوله: ليس
بشئ كان يضع الحديث لا يعجبني حديثه. وقول البخاري والنسائي: منكر الحديث.
وقول النسائي أيضا: ليس بثقة متروك. وقول صالح بن محمد: لا يكتب حديثه. وقول
ابن حبان: منكر الحديث لا يحل الاحتجاج بخبره. وقول الدارقطني والبرقاني:
ضعيف. وقول أبي نعيم: حدث بالمناكير لا شئ. وقول الآجري عن أبي داود: يضع
الحديث. ونسبة ابن المدايني إياه إلى وضع الحديث. وقول الساجي: منكر الحديث (1)
كما لا يخفى على الرجلين رأي الحفاظ في عبيدة بن حسان قال أبو حاتم: منكر
الحديث. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وقال الدارقطني: ضعيف.
لسان الميزان 4: 125.
والغرابة في هذه المماثلة والولاية المنبعثة عنها في الدنيا والآخرة، وهي ليست
بأقل من الرفاقة التي أسلفنا القول فيها قبيل هذا، وإن من المؤسف جدا المقارنة
بين رسول العظمة وبين من لم يقم الصحابة الأولون - العدول كلهم فيما يرتأون - له
وزنا، ولا رأوا لحياته قيمة، ولا حسبوا لتسنمه عرش الخلافة مؤهلا، فلم يزل ممقوتا
عندهم حتى كبت به بطنته، وأجهز عليه عمله، كما قاله مولانا أمير المؤمنين (2) ولم يفتأ
الصحابة مصرين على مقته حتى أوردوه حياض المنية، ولم تبرح أعماله مؤكدة لعقائد
الملأ الديني في همزه ولمزه حتى وقع من الأمر ما وقع.
ولا يسع قط لعارف عرفان وجه المكافأة بين نبي العظمة وبين عثمان، فإنها إن
كانت من ناحية النسب؟ فأنى هي؟ هذا من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء،
وذلك من شجرة ملعونة في القرآن.
وإن كانت من حيث الحسب؟ ففرق بينهما فيه بعد المشرقين ولا حرج، هذا
حسيب. وذلك مقشب الحسب؟ وإن كانت من جهة الملكات الفاضلة والنفسيات
الكريمة فالمشاكلة منتفية وهما طرفا نقيض، هذا ناصح الجيب، واري الزند (3) لعلى

(1) تاريخ ابن عساكر 7: 65، تهذيب التهذيب 4: 16، اللئالي المصنوعة 1: 81، 317.
(2) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع 82 ط 2.
(3) رجل ناصح الجيب أي صادق أمين، نقي القلب لا غش فيه. ويقال: واري الزند. في
المبالغة في الكرم والخصال المحمودة.
299

خلق عظيم، والآخر يحمل منها بين جنبيه ما عرفناك حديثه.
ونحن إن أخذنا ما جاء به القوم من قضايا الملكات فالبون بينهما شاسع أيضا،
فالنبي الأقدس مثلا عندهم كما مر كان يكشف في الملأ عن ركبتيه وعن فخذيه و
عما هو بينهما وبين سرته ولم يكن يبالي. وعثمان إن كان ليكون في البيت والباب
عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه، كما مر
في حديث الحسن ص 287.
وإن فرضت المشاكلة من جانب الأخذ بالدين والعمل بما فيه من أفعال أو تروك؟
قالتباين بينهما ظاهر وأي تباين، ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون، ورجلا
سلما لرجل هل يستويان مثلا؟ (1) هذا رسول التوحيد أسلم وجهه لله وهو محسن،
يعبد ربه مخلصا له الدين تحت راية لا إله إلا الله، وقرط أذنه قوله تعالى: قل الله
ثم ذرهم، وورد لسانه: وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت. وأما عثمان فهو أسير هوى
مروان ومعاوية وسعيد ومن شاكلهم من أبناء بيته، يسير مع ميولهم وشهواتهم، حتى
قال مولانا أمير المؤمنين: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك
وعقلك، وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به (2) قدم ربه وقد خلط عملا
صالحا وآخر سيئا، كسب سيئة وأحاطت به خطيئته.
إيه إيه يا نبي العظمة أنزلك الدهر ثم أنزلك حتى جعلك كفو عثمان بعد ما
اختارك ربك واصطفاك من بريته وجعلك لسان صدق نبيا، هذا جزاءك من أمتك
جزاء سنمار، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
* (لفت نظر) *
وضعت يد الأمانة الخائنة على ودائع الاسلام المقدس هذه الرواية تجاه ما صح
عن النبي الأقدس في صنوه الطاهر أمير المؤمنين في حديث طويل عن ابن عباس من
قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أنت وليي في الدنيا والآخرة.
أخرجه أحمد في مسنده 1: 331 بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات كما مر الايعاز

(1) سورة الزمر: 28.
(2) راجع ما مر في هذا الجزء ص 174.
300

إليه في الجزء الأول ص 50، وفي الجزء الثالث ص 195 ط 2، رجاله:
1 - يحيى بن حماد أبو بكر البصري، أحد رجال الصحيحين، وثقه ابن سعد و
أبو حاتم وابن حبان والعجلي.
2 - أبو عوانة الوضاح اليشكري، من رجال الصحيحين وثقه أبو زرعة وأبو
حاتم وأحمد وابن حبان وابن سعد والعجلي وابن شاهين. وقال ابن عبد البر: أجمعوا
على أنه ثقة ثبت حجة.
3 - أبو بلج يحيى بن سليم الواسطي. وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي و
الدارقطني وابن حبان وأبو الفتح الأزدي.
4 - عمرو بن ميمون أبو عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية ولم يلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وثقه العجلي وابن معين والنسائي وغيرهم. عن ابن عباس.
وأخرجه جمع من الحفاظ وذكره غير واحد من المؤلفين ومنهم.
1 - الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي المتوفى 303 في الخصائص ص 7.
2 - " " القاسم الطبراني " 360 كما في الفرايد والمجمع وغيرهما
3 - " " يعلى النيسابوري " 374 كما في البداية والنهاية.
4 - " " عبد الله الحاكم " 405 في المستدرك 3: 132 وصححه
5 - " " بكر البيهقي " 458 كما في المناقب للخوارزمي.
6 - أخطب خوارزم أبو المؤيد " 568 في المناقب ص 75.
7 - الحافظ أبو القاسم ابن عساكر " 571 في الأربعين الطوال والموافقات
8 - " أبو عبد الله الكنجي " 658 في كفاية الطالب ص 115.
9 - " المحب الطبري " 694 في الرياض النضرة 2: 203،
ذخائر العقبى ص 87.
10 - شيخ الاسلام الحموئي " 722 في فرائد السمطين.
11 - الحافظ ابن كثير الدمشقي " 774 في البداية والنهاية 7: 337.
12 - " أبو الحسن الهيثمي " 807 في مجمع الزوائد 9: 108
وصححه من طريق أحمد.
301

13 - الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى 852 في الإصابة 2: 509.
14 - أبو حامد محمود الصالحاني كما في (توضيح الدلائل) لشهاب الدين أحمد.
15 - السيد شهاب الدين أحمد في (توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل)
16 - الشيخ أحمد بن الفضل باكثير المتوفى 1042 في وسيلة المآل.
17 - ميرزا محمد البدخشاني المتوفى 1123 في نزل الأبرار ص 16 ومفتاح النجا
18 - شاه ولي الله الهندي المتوفى 1126 في إزالة الخفا 2: 261.
19 - الأمير محمد بن إسماعيل اليمني الصنعاني في الروضة الندية.
20 - المولوي ولي الله الهند المتوفى 1270 في مرآة المؤمنين. وغيرهم
هذا ما صح عن النبي الأعظم من قوله: أنت وليي في الدنيا والآخرة. فبدل
الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم.
12 - أخرج البزار من طريق خارجة بن مصعب عن عبد الله بن عبيد الحميري
البصري عن أبيه قال: كنت عند عثمان حين حصر فقال: هاهنا طلحة؟ فقال طلحة: نعم.
فقال: أنشدتك الله أما علمت أنا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليأخذ كل رجل منكم
بيد جليسه فأخذت بيد فلان، وأخذ فلان بيد فلان، حتى أخذ كل رجل بيد صاحبه
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وقال: هذا جليسي في الدنيا ووليي في الآخرة؟ قال:
اللهم نعم.
وذكره ابن حجر في فتح الباري 5. 315 عن ابن منده من طريق عبيد الحميري
المذكور ساكتا عما في إسناده من العلة، كأنه ليس هو الذي حكى تلكم الآراء الواردة
في جرح خارجة بن مصعب عن الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل قال في تهذيب التهذيب
3: 78 قال الأثرم عن أحمد: لا يكتب حديثه. وقال عبد الله بن أحمد: نهاني أبي أن
أكتب عنه شيئا من الحديث. وقال الدوري ومعاوية وعباس عن ابن نمير: ليس بثقة،
ليس بشئ، كذاب، ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشئ. وقال يحيى بن يحيى: يدلس
وقال النسائي: متروك الأحاديث، ليس بثقة، ضعيف. وقال ابن سعد: إتقى الناس
حديثه فتركوه. وقال ابن خراش وأبو أحمد: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف.
وقال يعقوب: ضعيف الحديث عند جميع أصحابنا. وقال ابن المديني: هو عندنا ضعيف.
302

وقال أبو داود: ضعيف ليس بشئ. وقال ابن حبان: وقع في حديثه الموضوعات عن
الاثبات لا يجوز الاحتجاج بخبره. وذكره ابن الجارود والعقيلي وابن السكن وأبو زرعة
وأبو العرب وغيرهم في الضعفاء.
وقال السيوطي في اللئالي 1: 317: قال ابن حبان: خارجة يدلس عن الكذابين
ووقع في حديثه الموضوعات.
ولعلنا أوقفناك على مقياس صحيح في أمثال هذه الرواية في ذيل الروايتين اللتين
تشبهانها قبيل هذا، فإنك إذن لا تجد مقيلا لها من الصحة والاعتبار نظرا إلى متنها
قبل أن تقف على ضعف إسنادها، فدعها ومر بها كريما، وذر الوضاعين في غلوائهم
يرمون القول على عواهنه
ولو كان طلحة سمع هذه المزعمة منه صلى الله عليه وآله وسلم واعتراف بها يوم الحصار في ملأ
الصحابة لما كان يأخذ بخناق الرجل ويشدد عليه، وما كان يثير عليه نقع الفتن حتى
يورده مورد المنية، ولم يك يمنع عنه إيصال الماء إليه، ولم يرض بإنهاء أمره إلى القتل
الذريع، ولم يرضه دفنه في مقابر اليهود.
لو كان طلحة يعرف شيئا من هذه الرواية لما استسهل ركوب ذلك المركب
الصعب الجموح وهو صحابي عادل أحد العشرة المبشرة كما يحسبون.
13 - أخرج ابن ماجة في سننه 1: 53 عن أبي مروان محمد بن عثمان الأموي
العثماني عن أبيه عثمان بن خالد حفيد عثمان بن عفان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد
عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقي عثمان عند باب المسجد فقال:
يا عثمان! هذا جبريل أخبرني إن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل
صحبتها. ورواه ابن عساكر كما في تاريخ ابن كثير 7: 211.
قال الأميني: أسلفنا فيما مر صفحة 290 أن محمد بن عثمان يخطئ ويخالف و
يروي عن أبيه مناكير، وإن أباه ليس بثقة وأحاديثه غير محفوظة، وأنه حدث بأحاديث
موضوعة لا يجوز الاحتجاج به، ومر في صفحة 295 أن عبد الرحمن بن أبي الزناد:
ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث وأنه ضعيف مضطرب الحديث لا يحتج بحديثه
وعليك بمراجعة ما فصلناه في الجزء الثامن ص 231 - 234 ط 2.
303

14 - أخرج ابن عدي قال: حدثنا محمد بن داود بن دينار حدثنا أحمد بن محمد
ابن حباب البصري حدثنا عمرو بن فائد البصري عن موسى بن سيار البصري عن الحسن
البصري عن أنس مرفوعا: إن لله تعالى سيفا مغمودا في غمده ما دام عثمان بن عفان
حيا، فإذا قتل جرد ذلك السيف فلم يغمد إلى يوم القيامة. ورواه ابن عساكر
بالإسناد.
قال السيوطي في اللئالي 1: 316: موضوع آفته عمرو بن فائد وشيخه كذاب أيضا.
قال الأميني: ألا تعجب من السيوطي؟ يحكم هاهنا على الرواية بالوضع ويكذب
راويه ويذكرها في تاريخ الخلفاء ص 110 في عد فضائل عثمان ويقتصر على قوله: تفرد
به عمرو بن فائد وله مناكير. نعم هكذا يموهون على الحقايق ويغرون الناس بالجهل،
كان على الرجل أن يلغيها عن سياق عد الفضائل - التي من طبعها أن يحتج بها - بعد ما
رآها موضوعة رواها كذاب عن كذاب، غير أنه لو اقتصر على ما يحتج به في باب
الفضائل، وألغى ما لا يصح منها سندا أو متنا، لما يجد هو وغيره فضيلة قط لعثمان،
وهذا مما لا يروقه هو ولا يحبذه قومه.
وللدار قطني، وابن المديني، والعقيلي، وابن عدي، والنسائي، والذهبي،
كلمات في جرح عمرو بن فائد وبطلان حديثه. راجع لسان الميزان 4: 372.
وليحيى القطان، وأبي حاتم، وابن عدي، وابن معين، والذهبي، أقوال في تفنيد
موسى ابن سيار البصري وتكذيبه وبطلان حديثه. راجع ميزان الاعتدال 3: 211،
ولسان الميزان 6: 120.
وفي الاسناد محمد بن داود الفارسي، قال الذهبي في الميزان 3: 54: من شيوخ ابن
عدي ذكره فقال: كان يكذب. وذكرا بن حجر في اللسان 5: 161 حديثا في فضل
علي أمير المؤمنين فقال: هو من وضع محمد بن داود بن دينار.
هذا شأن هذه المكذوبة غير أن أناسا من الغالين في الفضائل كالسيوطي و
القرماني (1) وأحمد زيني دحلان (2) اتخذوها حجة عند ذكرهم فضائل عثمان مرسلين

(1) في أخبار الدول هامش الكامل لابن أثير 1: 214
(2) في الفتوحات الإسلامية 2: 498.
304

إياها إرسال المسلم شأنهم في الموضوعات المفتعلة في الثناء على رجالاتهم
15 - وأخرج الحاكم في المستدرك 3: 103 من طريق أحمد بن كامل القاضي
عن أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي عن الفضل بن جبير الوراق عن خالد بن
عبد الله الطحان المزني عن عطاء بن السائب عن سعد بن جبير عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما
دنا منه قال: يا عثمان! تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة فتقع قطرة من دمك على " فسيكفيكهم
الله وهو السميع العليم " وتبعث يوم القيامة أميرا على كل مخذول يغبطك أهل الشرق
والغرب، وتشفع في عدد ربيعة ومضر.
قال الأميني: سكت الحاكم عن صحة الحديث وأنصف الذهبي فقال في تلخيصه:
كذب بحت، وفي الاسناد أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي وهو المتهم به. ا ه‍.
وشيخ الجعفي أيضا لا يتابع على حديثه كما قاله العقيلي وحكاه عنه الذهبي في
الميزان وابن حجر في لسانه 4: 438.
إن مما يقضى منه العجب أن أحدا من الصحابة العدول لم يسمع هذا الحديث
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كأن المجلس الذي ألقى صلى الله عليه وآله وسلم فيه هذه الكلمة كان خلوا عنهم جميعا
ومن العجيب أيضا أنه لم يروه أحد منهم لصاحبه - إن كان سمعه أحد - حتى تتداوله
الألسن فعسى أن يكون رادعا عن التجمهر على عثمان والاتفاق على نبذه والجرأة
على قتله، نعم: لم يسمعه أحد منه صلى الله عليه وآله وسلم عدا ابن عباس الذي كان صبيا في عهد النبوة
لم يبلغ الحلم وقد توفي صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس ابن ثلاثة عشر سنة كما قاله الواقدي و
الزبير وصححه أبو عمر في " الاستيعاب " أو عشر سنين كما روي عن ابن عباس نفسه
من وجوه (1) أو أكثر منها، وربما يشك في أنه هل كان يحسن التحمل عندئذ أو لا؟
ولعله هو أيضا كان شاكا في تحمله هذا الحديث حيث جاءته استغاثة عثمان (2) وهو
يخطب الحاج يوم عرفة فتلاها نافع بن طريف فلما أتمها مضى ابن عباس في خطبته غير مكترث
لاستغاثة الخليفة وهو بين الناب والمخلب، على حين أنه كان منصوبا من قبله لإمارة

(1) راجع مسند أحمد 1: 253، الاستيعاب 1: 372.
(2) راجع ما مضى في هذا الجزء صفحة 134، 192.
305

الحاج، فلم يعرض لشئ من شأنه ولا للزوم الدفاع عنه، وما ذلك إلا لاصفاقه مع
المجهزين عليه في الرأي وإلا لكان من واجبه الحث على الذب عنه، وبيان وجوب
إغاثته، وملأ سمعه هذا الحديث الذي عزي إليه وملأ فيه روايته - وحاشاه عن راويته -
وكأن الحضرة النبوية نصب عينيه يتلقى فيه الرواية، وهو الذي يقتضيه عدله وتقواه.
وهناك شاهد آخر لعدم إخباته إلى مضمون هذه الرواية وهو إنه لما بعثه عثمان
أميرا على الحاج لقيته عائشة في بعض المنازل فقالت له: يا ابن عباس! إن الله قد آتاك
عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية (1) تعني عثمان، فلم يبد ابن
عباس لها تجاه تلك الشدة تجهما ولا قولا لينا كمن يوافقها على النزعة، كما رد
عليها في حثها على عدم التخذيل عن طلحة وجنوحها إلى توليه الأمر، فلو كان ابن
عباس يعرف في شأن عثمان شيئا من هذه الرواية لرواه لها واتخذه مستندا في الدفاع
عنه، فجامع القول إن الحبر لم يسمع مما تقول عليه شيئا، وإنما هو من مواليد
العهد الأموي بعد عهد ابن عباس.
وليس من المستسهل الكشف عن إمارة المخذولين يوم القيامة، كما أن من
المستصعب جدا عرفان أعيانهم وأشخاصهم، أفيهم أولئك الصفوة الأبرار من الصحابة
والتابعين أمثال أبي ذر وعمار وابن مسعود ومالك الأشتر وزيد وصعصعة ابني صوحان
وكعب بن عبدة وعامر بن قيس وآخرين من صلحاء المدينة والكوفة والبصرة الذين
خذلهم عثمان وأبناء بيته؟.
ولعل في المخذولين الحكم ومروان وآلهما وعبد الله بن أبي سرح وأبا سفيان
وولده وأضرابهم الذين خذلهم الاسلام وآواهم عثمان وعزرهم وسلطهم على صلحاء
الأمة من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان.
ونحن على يقين من أن الشفاعة المزعومة التي لا تصدقها سيرة عثمان ولا تساعدها
البرهنة ويضادها نداء الكتاب الكريم إن حققت تدنس ساحة الجنة المقدسة بإدخال
عثمان أرجاس آل أمية فيها كما يعرب عنه قوله الثابت المذكور في الجزء الثامن ص 291
ط 2: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم.

(1) راجع ما مر في هذا الجزء صفحة 78.
306

16 - أخرج الحاكم المستدرك 3: 103 عن عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم
العدل (1) عن يحيى بن أبي طالب عن بشار بن موسى الخفاف البصري عن الحاطبي عبد
الرحمن (2) بن محمد عن أبيه عن جده قال: لما كان يوم الجمل خرجت أنظر في القتلى
قال: فقام علي والحسن بن علي وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وزيد بن صوحان
يدورون في القتلى قال: فأبصر الحسن بن علي قتيلا مكبوبا على وجهه فقلبه على قفاه
ثم صرخ ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون فرخ قريش والله. فقال أبوه: من هو يا بني
قال: محمد بن طلحة بن عبيد الله. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أما والله لقد كان
شابا صالحا ثم قعد كئيبا حزينا فقال له الحسن: يا أبت! قد كنت أنهاك عن هذا المسير
فغلبك على رأيك فلان وفلان. قال: قد كان ذاك يا بني! ولوددت أني مت قبل هذا
بعشرين سنة. قال محمد بن حاطب: فقمت فقلت: يا أمير المؤمنين! إنا قادمون المدينة
والناس سائلونا عن عثمان فإذا نقول فيه؟ قال: فتكلم عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر
فقاما وقالا فقال لهما علي: يا عمار ويا محمد! تقولان: إن عثمان استأثر وأساء الأثرة وعاقبتم
والله فأسأتم العقوبة، وستقدمون على حكم عدل يحكم بينكم ثم قال: يا محمد بن
حاطب! إذا قدمت المدينة وسئلت عن عثمان فقل: كان والله من الذين آمنوا وعملوا
الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين وعلى الله فليتوكل
المؤمنون.
قال الأميني: سكت الحاكم عما في إسناد هذه الأكذوبة من العلل ولم يصححه
ولم ينبس فيه بكلمة غمز ولا تصحيح، واكتفى الذهبي فيه بقوله: بشار بن موسى واه:
ونحن نقول:
عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم. قال الدارقطني فيه لين، وذكره بذلك الخطيب
البغدادي في تاريخه 9: 414.
ويحيى بن أبي طالب قال فيه موسى بن هارون: أشهد أنه يكذب عني. وقال
مسلمة بن قاسم: تكلم فيه الناس. " لسان الميزان 6: 262 ".
.

(1) كذا في النسخ والصحيح: المعدل.
(2) كذا في النسخ والصحيح: عبد الرحمن بن عثمان بن محمد.
307

وبشار بن موسى البصري، قال ابن معين: ليس بثقة. وقال: إنه من الدجالين.
وقال أبو حفص: ضعيف الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث وقد رأيته وكتبت
عنه وتركت حديثه. وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو زرعة:
ضعيف. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وذكر عند الفضل بن سهل فأساء
القول فيه (1).
وعبد الرحمن الحاطبي ضعفه أبو حاتم الرازي كما في ميزان الاعتدال للذهبي.
ووالده عثمان لم أقف على ثناء عليه في معاجم التراجم.
فأي عبرة بما يرويه أو يرتأيه أمثال هؤلاء الدجالين؟ على أن مولانا أمير المؤمنين
عليه السلام كان على بصيرة من مسيره إلى حروبه كلها ومنقلبه عنها وفي جميع ما ارتكبه فيها
أو تركه، وكل ذلك كان بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهد منه إليه عليه السلام، وقد عد ذلك
من فضائله، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحث أصحابه على مناصرته يومئذ كما مر تفصيله في الجزء
الثالث ص 188 - 195 ط 2 وكان صلى الله عليه وآله ويلم يقول: سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا على الله
جهادهم فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء
ذلك بشئ (2). وكان أبو أيوب الأنصاري وغيره من الصحابة يقول: عهد إلينا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أن نقاتل مع علي الناكثين (3).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحذر أم المؤمنين عايشة عن ذلك التبرج تبرج الجاهلية
الأولى ويقول لها: يا حميراء! كأني بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليا وأنت له
ظالمة (4) وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم كما مر في ج 3 ص 191 ط 2 قوله للزبير: إنك تقاتل عليا
وأنت ظالم له.
فكان مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه مندفعا إلى ما ناء به من أعباء تلكم
الحروب بالأمر النبوي، ولم يكن قط قد غلب على رأيه فلان وفلان، ولم يكن الإمام
المجتبى المعصوم عن كل زلة وهفوة بالذي ينهى أباه عما أمر به جده الذي لا ينطق

(1) تاريخ الخطيب 7: 119، تهذيب التهذيب 1: 144.
(2) راجع الجزء الثالث ص 190 ط 2.
(3) راجع الجزء الثالث ص 192، 95 1 ط 2.
(4) راجع الجزء الثالث ص 189 ط 2.
308

عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولا أمير المؤمنين عليه السلام بالذي يندم على ما نهض به
من قم جذور الفساد وقلع جذومه، ولو سوغنا عليه الندم في هذه لسوغنا عليه فيما
قتله في مغازي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أشياع الكفر وزبانية الشرك والالحاد، فإذ كان سلام
الله عليه في المقامين جميعا منبعثا بباعث إلهي ومصلحة دينية من استئصال شأفة العيث
وقطع جراثيم الالحاد، فلا يطرق ساحته المقدسة الندم في أي من الحالين.
وأي صلاح في محمد بن طلحة؟ وقد شهر سيفه يحارب إمام المسلمين وقد أمر
بنصرته والجهاد معه، فحاله حال أبيه في الزيغ والنكوص عن السنن اللاحب. هذه
حقيقة الأمر لكن مهملجة الخلاف الوضاعين شاءوا أن يختلقوا ما يبرر أعمال الواثبين
مع الهودج فقالوا، ولكن أين؟ وأني؟...
وكيف يصح عن مولانا أمير المؤمنين ما اختلقوا عليه من قوله لمحمد بن حاطب؟
وقد صدر عنه من فعل وقول قبل هذا الموقف وبعده ما يعرب عن رأيه في عثمان، ولا يصدق
الخبر الخبر، راجع ما مر في هذا الجزء ص 69 - 77، وفي الجزء الثامن ص 287، 298،
300، 301 ط 2، وفي الجزء السابع ص 81 ط 2.
وهل تساعد سيرة الرجل أن يراه أمير المؤمنين من الذين آمنوا وعملوا الصالحات
ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا. الآية. وهي التي أركبته النهابير، وسقته كأس
المنية، وكانت تخالف الكتاب والسنة، والصحابة الأولون وفي مقدمهم سيدنا الإمام
عليه السلام كانوا مطبقين عن النكير والنقمة عليها، ولأجلها تمخضت البلاد عليه، وهي التي
أقعدت الصحابة عن نصرته والذب عنه، وهي التي زحزحت الأمة الصالحة عن تجهيزه
وتكفينه والصلاة عليه، وهي التي دفنته في مقابر اليهود بعد ما بقي جثمانه في مزبلة
أياما وليالي تمر به عواصف الذل والهوان والملا الديني ينظر إليه من كثب، والناس
قد بايع أمير المؤمنين عليا عليه السلام وبيده مقاليد الأمور يسمع قوله ويطاع، وهو الذي
يتحمس لأمر ما، يراه الناس هينا وهو عنده عظيم، فيعاتب أصحابه ويقول في خطبته
له: لقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع
حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها (1) ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ثم انصرفوا

(1) القلب: السوار. الرعاث جمع رعثة بالفتح: القرط.
309

وافرين، ما نال رجلا منهم كلهم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرء مسلما مات من بعد
هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا (1) هذا أمير المؤمنين وهذا مبلغ غيرته
على الاسلام وأهله ولكن:
وابن عفان حوله لم يجهز - ه ولا كف عنه كف أذاها
لست أدري أكان ذلك مقتا * من علي؟ أم عفة ونزاها؟
فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. ولئن اتبعت
أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق.
17 - أخرج ابن أبي الدنيا من طريق فرج بن فضالة الدمشقي عن مروان بن أبي
أمية عن عبد الله بن سلام قال: أتيت عثمان لأسلم عليه وهو محصور فدخلت عليه فقال:
مرحبا بأخي، مرحبا بأخي، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في هذه الخوخة - قال: و
خوخة في البيت - فقال: يا عثمان! حصروك؟ قلت: نعم. قال: عطشوك؟ قلت: نعم،
فأدلى دلوا فيه ماء فشربت حتى رويت حتى أني لأجد برده بين ثديي وبين كتفي وقال
لي: إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا، فاخترت أن أفطر عنده، فقتل
ذلك اليوم (2).
قال الأميني: هذه السفسطة من آفات فرج بن فضالة الدمشقي قال أحمد: يحدث
عن الثقات أحاديث مناكير. وقال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال ابن المديني:
ضعيف لا أحدث عنه. وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف
وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم. وقال الدارقطني:
ضعيف الحديث. وذكر البرقاني حديثا للدار قطني من طريق فرج بن فضالة فقال:
الدارقطني: هذا باطل. فقال البرقاني: من جهة الفرج؟ قال: نعم. وقال عبد الرحمن
ابن مهدي: حدث بأحاديث منكرة مقلوبة. وقال الساجي: ضعيف الحديث. وقال
الخطيب: لا يغتر أحد بالحكاية المروية في توثيقه عن ابن مهدي فإنها من رواية
سليمان بن أحمد وهو الواسطي وهو كذاب، وقد قال البخاري: تركه ابن مهدي. و

(1) نهج البلاغة 1: 69.
(2) الأنساب للبلاذري 5: 82، تاريخ ابن كثير 7: 182، الرياض النضرة 2: 127.
310

قال ابن حبان: فرج بن فضالة يقلب الأسانيد ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة
لا يحل الاحتجاج به. وقال الحاكم: هو ممن لا يحتج به (1).
هذا فرج بن فضالة وأما شيخه مروان فلست أدري أي هي بن بي هو (2) لم
أقف في المعاجم على ترجمته ولم أجد له ذكرا لا في مشايخ ابن فضالة ولا فيمن يروي
عن ابن سلام، ولعله لم يولد بعدوكم في سلسلة أسانيد الفضائل أمثاله من أناس لا تعرفهم
أم الدنيا، وما صورهم فلم التصوير، وإنما اختلق أسمائهم الغلو في الفضائل.
ولست أدري هل أسر عثمان بهذه المكرمة إلى ابن سلام فحسب؟ أو أخبر بها
هو أو ابن سلام جمهور الصحابة فوجدوها رؤيا لا تنهض للحجة، أو بلغتهم حينما مس
الحزام الطبيين، وبلغ السيل الزبى، واتسع الخرق على الراقع، حينما فاتت الخليفة
نهزة الحجاج، وتمت عليه الحجة وأصبح محجوجا، والأمة مجتمعة على مقته، و
قطع أصول حياته وهي لا تجتمع على خطأ.
وفي الرواية موقع نظر أيضا من ناحية صوم عثمان عند من أرخ قتله بثاني أيام
التشريق - كما في رواية أبي عثمان النهدي في أنساب البلاذري 5: 86، وقد رواه
الواقدي أيضا، واختاره المبرد في " الكامل " 2: 241، وذكره أبو عمر في " الاستيعاب "
2: 477، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1: 117، وابن حجر الهيثمي في الصواعق
ص 66، والعسقلاني في تهذيب التهذيب 7: 141، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 109
والديار بكري في تاريخ الخميس 2: 258، 264، ومن مؤلفي اليوم الأستاذ علي فكري
في أحسن القصص 3: 164 وذلك أن الصوم في أيام التشريق محظور عند القوم، و
هو قول أبي حنيفة والشافعي وعند مالك لغير المتمتع (3) وقال ابن العماد الحنبلي في
الشذرات 1: 41: قوله: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: وتفطر عندنا. معناه أول شئ تستعمله
على الريق يكون عندنا لا أنه فطر صائم إذ لم يكن يومئذ صائما، فإن يوم قتله كان
ثاني أيام التشريق ولا يجوز صومه. ا ه‍.

(1) تهذيب التهذيب 8: 260 - 262.
(2) يقال: هي بن بي. أو: هيان بن بيان. أي مجهول لا يعرف هو ولا أبوه.
(3) المحلى لابن حزم 7: 28، نيل الأوطار 4: 353.
311

وهذا التأويل يخالف ما أثنى به المؤرخون على عثمان من إنه كان يوم قتله
صائما، وهو من المتسالم عليه عند القوم سلفا وخلفا حتى اليوم كما ذكره الأستاذ علي
فكري في أحسن القصص 3: 164. ويضاد أيضا صريح ما أخرجه ابن كثير في تاريخه
7: 182 من طريق ابن عمر عن عثمان قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا عثمان!
أفطر عندنا. فأصبح صائما وقتل من يومه.
وكذلك لا يلتئم هو وما أخرجه الهيثم بن كليب بالإسناد عن نائلة بنت الفرافصة
" امرأة عثمان " قالت: لما حصر عثمان ظل اليوم الذي كان فيه قتله صائما، فلما كان
عند إفطاره سألهم الماء العذب فأبوا عليه، وقالوا: دونك ذلك الركي - وركي في الدار
الذي يلقى فيه النتن - قالت: فلم يفطر فرأيت جارا على أحاجير متواصلة - وذلك في
السحر - فسألت الماء العذب. فأعطوني كوزا من ماء فأتيته فقلت: هذا ماء عذب أتيتك
به، قالت: فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال: إني أصبحت صائما، قالت فقلت: ومن أين
ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع علي من
هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: اشرب يا عثمان! فشربت حتى رويت ثم قال: ازدد
فشربت حتى نهلت، ثم قال: أما إن القوم سينكرون عليك فإن قاتلتهم ظفرت، وإن
تركتهم أفطرت عندنا. قالت: فدخلوا عليه من يومه فقتلوه (1).
نعم: إن الحديثين لا يعول عليهما أيضا لما في إسنادهما من داعية إلى الأرجاء
يبغض أهل بيت نبيه، ومن مجهول منكر لا يعرف، ومن متحامل على أمير المؤمنين من
الفئة الباغية، فالحديثان كرواية ابن أبي الدنيا باطلان، وما ذهب إليه القوم من أن
الرجل كان يوم قتله صائما منقبة مفتعلة لا تصح لاستنادهم فيها إلى تلكم الأباطيل التي
اختلقتها يد الغلو في الفضائل.
18 - أخرج الحاكم وابن عساكر وغيرهما من طريق محمد بن يونس الكديمي
أبي العباس البصري، عن هارون بن إسماعيل الخزاز أبي الحسن البصري، عن قرة
ابن خالد السدوسي البصري، قال: سمع الحسن البصري عن قيس بن عباد البصري قال:
شهدت عليا رضي الله عنه يوم الجمل يقول كذا: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان،

(1) تاريخ ابن كثير البداية والنهاية 7: 183.
312

ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان وأنكرت نفسي وأرادوني على البيعة فقلت: والله إني
لأستحيي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أستحيي ممن
تستحيي منه الملائكة. وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم
يدفن بعد، فانصرفوا فلما دفن رجع الناس إلي فسألوني البيعة فقلت: اللهم إني
مشفق لما أقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين! فكأنما صدع
قلبي، فقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى. وفي لفظ ابن كثير: فلما قالوا:
أمير المؤمنين. كان صدع قلبي وأمسكت (1).
قال الأميني: ألا تعجب من الحاكم يذكر مثل هذه الأضحوكة ويعدها مما
استدرك به على الصحيحين ويمر بما فيها من اللغو كريما، ولعل الذهبي عرف
بطلانها غير أنه لما وجدها في منقبة عثمان سكت عنها نهائيا ولم يلخصها ولم ينبس
فيها ببنت شفة، ويدخر ما في علبة علمه أو في كنانة جهله إلى تزييف حديث " أنا مدينة
العلم وعلي بابها " وأمثاله من الصحيح الوارد في فضائل مولانا أمير المؤمنين فيجابهها
بكل جلبة ولغط، ولا تقصر عن أشواطهما خطى ابن كثير في تاريخه فيستند إليها مستدلا
على ما يرومه من دحض الحق وترصيف الباطل، ونحن أسلفنا في الجزء الخامس ص 266 ط 2
في سلسلة الكذابين والوضاعين نزرا من أقوال الحافظ في جرح محمد بن يونس الكديمي
وأنه كان يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وضع أكثر من ألف حديث وهاهنا نبسط
القول فيها:
قال الآجري: سمعت أبا داود ابن الأشعث يتكلم في محمد بن سنان وفي محمد بن
يونس يطلق فيهما الكذب. وقال ابن التمار: ما أظهر أبو داود السجستاني تكذيب أحد
إلا في رجلين: الكديمي وغلام خليل. وقال أبو سهل القطان: كان موسى بن هارون
ينهي الناس عن السماع من الكديمي ويقول: قد تقرب إلي بأني كتبت عن أبيك في
مجلس محمد بن القاسم الأسدي وما حدث أبي قط عن محمد بن القاسم الأسدي. و
عن موسى بن هارون أنه كان يقول وهو متعلق بأستار الكعبة -: اللهم إني أشهدك
أن الكديمي كذاب يضع الحديث. وقال الشاذ كوني: الكديمي وأخو الكديمي وابن

(1) مستدرك الحاكم 3: 103، تاريخ ابن كثير 7: 193.
313

الكديمي بيت الكذب. وقال أبو بكر الهاشمي: كنا يوما عند القاسم المطرز وكان
يقرأ علينا مسند أبي هريرة فمر في كتابه حديث عن الكديمي فامتنع عن قراءته فقام
إليه محمد بن عبد الجبار - وكان قد أكثر عن الكديمي - فقال: أيها الشيخ أحب
أن تقرأه فأبى وقال: أنا أحاسبه بين يدي الله يوم القيامة وأقول: إن هذا كان يكذب
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى العلماء. وقال الدارقطني: الكديمي يتهم بوضع الحديث
وقال: ما أحسن القول فيه إلا من لم يخبر حاله. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث
لعله قد وضع على الثقات أكثر من ألف حديث. وقال ابن عدي: قد اتهم بالوضع
وادعى الرواية عمن لم يرهم، ترك عامة مشايخنا الرواية عنه، ومن حدث عنه نسبه
إلى جده لئلا يعرف (1) وقال ابن عدي أيضا: روى الكديمي عن أبي هريرة عن ابن
عون عن نافع عن ابن عمر حديثا باطلا، وكان مع وضعه الحديث وادعائه ما لم يسمع
علق لنفسه شيوخا. وكان ابن صاعد وعبد الله بن محمد لا يمتنعان من الرواية عن كل
ضعيف كتبا عنه إلا عن الكديمي فإنهما كانا لا يرويان عنه لكثرة مناكيره، ولو ذكرت كلما
أنكر عليه وادعائه ووضعه لطال ذلك. وقال الحاكم أبو أحمد: الكديمي ذاهب الحديث
تركه ابن صاعد وابن عقدة وسمع منه خزيمة ولم يحدث عنه، وقد حفظ فيه سوء القول
عن غير واحد من أئمة الحديث (2).
وذكر السيوطي في اللئالي المصنوعة عدة أحاديث في شتى الأبحاث من طريق
الكديمي فحكى فيها عن الحفاظ الحكم بوضعها وقولهم: إن آفتها الكديمي وإنه
كذاب وضاع. وكأنه نسي كل ما ذكر هنالك فأورد هذه الأكذوبة في تاريخ
الخلفاء ص 110 محذوفة الاسناد وقال: أخرجه الحاكم وصححه. ألم تكن تلك الأقوال
الجارحة في الكديمي نصب عينه عند عد فضائل عثمان؟ أم أن فضائل الرجل لها حساب
آخر يسوغ الغلو فيها كل كذب واختلاق؟ على أن الحاكم سكت عن هذه الأكذوبة
ولم يصححها فنسبة التصحيح إليه لمحض إخراجه إياها في مستدرك الصحيحين وإلا
فلا صراحة فيه بالتصحيح.

(1) كما أن الحاكم يعرفه بالقرشي ولم يذكر نسبته إلى الكديم لئلا يعرف.
(2) راجع تهذيب التهذيب 9: 539، والمصادر التي مرت في ج 5: 266 ط 2.
314

وبعد هذه كلها فإن المعلوم من نظرية مولانا أمير المؤمنين في عثمان كآراء بقية
الصحابة فيه يفند نسبة هذه الأقاويل المختلقة إليه، أليس من المضحك ما ينسب إليه
صلوات الله عليه من قول: ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان.. الخ؟ ليته عليه السلام بدل هذه
الكلمة كان يخطو خطوة في التحفظ على حرمة الرجل وكرامته، ويأمر ولده وذويه
بتجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، وليته كان يقيم له مأتما ويأبنه
ويذكره بالخير بعد ما تسنم منصة الخلافة، أو كان يحضر عند تربته ويقوم على قبره
ويقرأ له الفاتحة ويأتي بسنة الله التي جاءت في زيارة قبور المسلمين، وأي مسلم لم تكن
له معاظم واجبة المراعاة (1).
وليته كان يسكت عنه يوم قام به وقعد (2) وقال على رؤس الاشهاد: قام ثالث القوم
نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة
الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته.
وقال في اليوم الثاني من بيعته في خطبة له: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان،
وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ
ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته إلى حاله. الخ.
وليته كان لم يجابهه بقوله: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك
عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل الظعينة سار حيث سار به.
وليته كان لم يكتب إلى المصريين بقوله: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي
في أرضه وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر، والمقيم الظاعن،
فلا معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه.
وليته كان لم يقل: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه. أو
كان لم يقل: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرني ولا ساءني.
وليته كان لم يخطب بقوله: من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه،
ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني.

(1) بقال له: معاظم واجبة المراعاة. أي حقوقا مستعظمة.
(2) يقال: قام به وقعد: أي نشر عنه أخبار السوء.
315

وليته كان لم ينفر أصحابه إلى قتال طالبي دم عثمان بقوله على صهوة المنبر: يا أبناء
المهاجرين انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا. الخ.
وليته لما قال له حبيب وشرحبيل: أتشهد أن عثمان قتل مظلوما. كان لم يجب
بقوله: لا أقول بذلك (1) وليته وليته..
والعجب كل العجب من قول علي صلوات الله عليه " فلما قالوا: أمير المؤمنين
صدع قلبي " لماذا صدع قلبه صلوات الله عليه ولم تكن لهذه التسمية جدة؟ وإنما سماه
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وحكاه عن الله تعالى وعن جبرئيل عليه السلام وما صدع قلبه يوم ذاك،
فعلي من أول يومه هو أمير المؤمنين بنص من الصادع الأمين، وما أنزل الله آية فيها
يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها (2).
19 - أخرج ابن سعد في الطبقات 3: 47 ط ليدن عن محمد بن عمر عن عمرو بن
عبد الله بن عنبسة بن عمرو بن عثمان عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن لبيبة
قال: إن عثمان بن عفان لما حصر أشرف عليهم من كوة في الطمار فقال: أفيكم
طلحة؟ قالوا: نعم. قال: أنشدك الله هل تعلم أنه لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين نفسه؟ فقال طلحة: اللهم نعم. فقيل لطلحة في ذلك
فقال: نشدني وأمر رأيته ألا أشهد به؟
رجال الاسناد:
1 - محمد بن عمر. هو الواقدي، راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 3: 110.
2 - عمرو بن عبد الله الأموي حفيد عثمان، لم أجد له ذكرا في المعاجم، ولعل
فيه تدليس.
3 - محمد بن عبد الله الأموي حفيد عثمان، قال البخاري: عنده عجائب، وقال
ابن الجارود: لا يكاد يتابع على حديثه. وقال النسائي مرة: ثقة. وأخرى: ليس
بالقوي. راجع تهذيب التهذيب 9: 268.
4 - ابن لبيبة ويقال: ابن أبي لبيبة محمد بن عبد الرحمن. قال ابن معين: ليس

(1) راجع ما مر في ج 7: 81، و ج 8: 287، و ج 9: 69، 70، 72، 74، 172، 174.
(2) راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 87، 89 ط 2.
316

حديثه بشئ. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال آخر ليس: بالقوي (1) على أن ابن لبيبة
لم يشهد حصر عثمان ولم يرو عن صحابي فحديثه عن عثمان وعلي وسعد مرسل، يروي
عن سعيد بن المسيب وعبد الله بن عمرو بن عثمان وطبقتهما، فالرواية مرسلة، وابن
سعد جد عليم بأن مثل هذه المفتعلة لا يخفى بطلانه على أي أحد سواء أرسله أو أسنده.
وهلا يعلم مفتعل هذه الأضحوكة أن أئمة الحديث وحفاظه ورجال التاريخ
أصفقت على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتخذ لنفسه أخا يوم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
إلا ابن عمه علي بن أبي طالب؟ وهذا الذي يقتضيه الاعتبار بعد ما نص الكتاب العزيز
على أن عليا سلام الله عليه نفس النبي الأقدس. وإنهما من أهل بيت أذهب الله عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا، وإن ولاية علي مقرونة بولاية الله ورسوله (2).
وبعد ما ثبت أنه سلام الله عليه صنو النبي الأعظم في الفضائل، وشاكلته في
النفسيات، ورديفه في الملكات الفاضلة، ونظيره من أمته كما جاء عنه صلى الله عليه وآله سلم (3) وهو
منه صلى الله عليه وآله بمنزله رأسه من بدنه نصا منه صلى الله عليه وآله وسلم (4) وهو منه صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلته من ربه
كما ورد عن أبي بكر مرفوعا (5) وهما من شجرة واحدة وساير الناس من شجر شتى
كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم (6) وهو الذي ثبت فيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت مني وأنا منك (7) وهو
الذي أنزله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه بمنزلة هارون من موسى ولم يستثن له مما اختصه الله
به إلا النبوة (8).

(1) ميزان الاعتدال 3: 89، تهذيب التهذيب 9: 301.
(2) راجع ما مر في ج 2: 47، و ج 3: 156 167 ط 2.
(3) الرياض النضرة 2: 164.
(4) تاريخ الخطيب البغدادي 7: 12، الرياض النضرة 2: 162، مصباح الظلام للدمياطي
2: 56.
(5) الرياض النضرة 2: 163.
(6) سيوافيك حديثه إنشاء الله تعالى بألفاظه ومصادره.
(7) صحيح البخاري كتاب المناقب 5: 219، مسند أحمد 5: 204، 356، صحيح الترمذي
في المناقب 2، 213، خصائص النسائي ص 20، 24، 36، تاريخ الخطيب 4: 140، و
راجع ما مضى في الجزء السادس 338 - 350 ط 2.
(8) حديث المنزلة أخرجه أئمة الحديث بطرق صحيحة في الصحاح والمسانيد.
317

لقد أدينا البحث عن حديث المؤاخاة حقه في الجزء الثالث ص 112 - 125 وذكرنا
هنالك خمسين حديثا مما وقفنا عليه من أحاديث الإخاء الثابت بين النبي الأعظم و
أخيه أمير المؤمنين، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: أنت أخي في الدنيا والآخرة. من طريق
عمر وأنس وابن أبي أو في وابن عباس ومحدوج بن زيد الذهلي وجابر بن عبد الله و
عامر بن ربيعة وأبي ذر وغيرهم.
إنما فدحت هذه المأثرة أهل الأهواء كبقية مآثر الإمام صلوات الله عليه فوضعوا
تجاها أكذوبة في أبي بكر وأنه هو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) وأخرى في عثمان و
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بينه وبين نفسه. وثالثة في علي عليه السلام إن النبي صلى الله عليه وسلم آخى
بينه وبين عثمان (2) ورواة السوء يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين أبي بكر و
بين عمر في المؤاخاة الأولى بمكة (3) وبينه وبين خارجة بن زيد الأنصاري في المؤاخاة
بين المهاجرين والأنصار بالمدينة (4) وآخر بين عثمان وبين عبد الرحمن بن عوف في
المؤاخاة بمكة (5) وبينه وبين أوس بن ثابت يوم المؤاخاة بالمدينة. (6)
فعثمان قط لا ينشد بالمكذوب، وطلحة لا يدعي رؤية ما لم يره، ولا يشهد
بخلاف ما شاهده وعاينه، إن كانا من عدول الصحابة صدقا، ومن المبشرين بالجنة
حقا، وأنت تعرف حكم هذه الدعاوي من الصحيح الثابت عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
أنه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها أحد غيري إلا كذاب. قال ابن كثير
في تاريخه 7: 335: وقد جاء من غير وجه. وقال ابن حجر: رويناه من وجوه (7) و

(1) راجع ج 3 من كتابنا هذا ص 111، والإصابة 1: 35 وضعفه.
(2) الرياض النضرة 1: 17.
(3) راجع تاريخ ابن عساكر 6: 90، أسد الغابة 2: 221، عيون الأثر 1: 199،
الرياض النضرة 1: 15، 17، فتح الباري 7: 217.
(4) راجع سيرة ابن هشام 2: 124، تاريخ ابن كثير 3: 226، عيون الأثر 1: 201،
الرياض النضرة 1: 16، فتح الباري 7: 216، 218.
(5) راجع تاريخ ابن عساكر 6: 90، عيون الأثر 1: 199، الرياض النضرة 1: 15، 17،
فتح الباري 7: 218.
(6) راجع سيرة ابن هشام 2: 125، تاريخ ابن كثير 3: 227، عيون الأثر 1: 201، الرياض النضرة 1: 61.
(7) تهذيب التهذيب 7: 337، وراجع ج 3 من كتابنا هذا ص 121.
318

كان قول أمير المؤمنين هذا أخذا بما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: أنت أخي وأنا
أخوك فإن ناكرك أحد - وفي لفظ فإن حاجك - أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول
الله لا يدعيها بعدك إلا كذاب (1).
وأول من فتح باب التجري بمصراعيه على هذه الفضيلة الرابية هو عمر بن الخطاب
يوم قادوا صاحب الفضيلة إلى البيعة كما يقاد الجمل المخشوش، وقال: إن أنا لم أفعل
فمه؟ قالوا: إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. قال: إذن تقتلون عبد الله وأخا
رسوله. قال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخو رسوله فلا (2).
أنا لست أخدش العواطف بالأعراب عن حكم إنكار عمر الأخوة الثابتة بتلكم
النصوص الصريحة الأكيدة وقد سمعها هو من الصادع الكريم في ذلك اليوم المشهود
غير أني جد عليم بأن حجاج مولانا أمير المؤمنين كان أخذا بما مر قبيل هذا عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: فإن ناكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله. وهل قرع هذا
سمع عمر أيضا وجابهه مع ذلك بالشدة في النكير عليه؟ أنا لا أدري، فإن جاءوك فاحكم
بينهم أو أعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا، وإن حكمت فاحكم بينهم
بالقسط إن الله يحب المقسطين " المائدة 42 ".
20 - أخرج ابن عدي من طريق مصعب بن سعيد المصيصي عن عيسى بن يونس
عن وائل بن داود عن البهي عن الزبير رضي الله عنه مرفوعا: لا يقتل قرشي بعد اليوم
صبرا إلا قاتل عثمان فإن لم يفعلوا فأبشروا بذبح مثل ذبح الشاة.
قال الأميني: ذكره الذهبي في الميزان 3: 173 مع حديثين من طريق مصعب
ابن سعيد فقال: ما هذه إلا مناكير وبلايا.
وقال ابن عدي: يحدث مصعب عن الثقات بالمناكير ويصحف وهو حراني (3)
نزل المعصيصة (4) وله غير ما ذكر والضعف على رواياته بين. وقال ابن حبان: كان

(1) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 115 ط 2.
(2) راجع ما مضى في الجزء السابع ص 78.
(3) حران: قرية من قرى حلب.
(4) مدينة على شاطئ جيحان من تغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم.
319

مدلسا. وقال صالح بن جزرة: شيخ ضرير لا يدري ما يقول (1).
وفي الاسناد عيسى بن يونس قال الدارقطني: مجهول. والبهي هو عبد الله أبو محمد
مولى مصعب بن الزبير ولا يصح روايته عن الزبير بل يروي عن عبد الله بن الزبير، وقال
أبو حاتم في العلل: لا يحتج بالبهي وهو مضطرب الحديث.
21 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 57 من طريق حامد بن آدم المروزي
عن عبد الله بن المبارك عن سفيان عن عثمان بن غياث البصري عن أبي عثمان النهدي
عن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من تلك الحوائط
إذ جاء رجل فاستفتح الباب فقال: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه. فإذا هو
عثمان فأخبرته فقال: الله المستعان.
قال الأميني: هلا يعرف أبو نعيم مفتعل هذه الأكذوبة حامد بن آدم؟ أو يعرفه
بعجره وبجره غير أن الغلو في الفضائل يسوغ له ولقومه رواية كل كذب مختلق في
فضائل المستخلفين بالانتخاب الدستوري الذي لم تره عين الدنيا صحيحا قط.
أنى يخفى على مثل أبي نعيم أن حامد بن آدم كذبه الجوزجاني وابن عدي، وعده
أحمد بن علي السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث. وقال أبو داود السبخي: قلت لابن
معين: عندنا شيخ يقال له: حامد بن آدم. الخ. فقال: هذا كذاب لعنه الله (2).
على أن عثمان لو كان مبشرا بالجنة ومصدقا بوعد النبي الأقدس لما كان في
نفسه خيفة من أن يكون هو ذلك الملحد بمكة الذي أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بأن عليه عذاب نصف
أهل الأرض كما مر فصحيحة أحمد. وأعجب من هذا مهزأة جاء بها الخطيب ألا وهي:
22 - أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 8: 157 من طريق الحسين بن حميد
ابن موسى العكي قال: حدثنا حماد بن المبارك البغدادي قال: حدثنا إسماعيل بن أمية
عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: ما صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر قط إلا قال: عثمان
في الجنة. قال: قال الدارقطني: كذا قال حماد بن المبارك عن عبد الله بن ميمون عن
إسماعيل بن أمية عن ابن جريج، وهذا الحديث إنما يعرف من رواية إسماعيل بن

(1) لسان الميزان 6: 43.
(2) ميزان الاعتدال 1: 208، لسان الميزان 2: 163.
320

يحيى بن عبيد الله التيمي عن ابن جريج والله أعلم. وقال الذهبي في الميزان 1: 281:
خبر غير صحيح. راجع لسان الميزان 2: 353.
قال الأميني: لا تعجب من الخطيب يذكر مثل هذه السفسطة بهذا الاسناد الوعر
ولم ينبس ببنت شفة، ولم يعرب عن حال رجاله عادته في فضائل كل من أعماه حبه
وأصمه، وأنت تجد نقضه وإبرامه، وجرحه وتعديله، وتصويبه وتصعيده في مناقب آل
الله صلوات الله عليهم.
أيخفى على مثل الخطيب قول مسلمة بن قاسم في الحسين العكي: إنه مجهول؟
أم لا يهمه وجود حماد بن المبارك في الاسناد؟ وهو المجهول الذي لا يعرف (1) أم عزب
عنه قول البخاري في عبد الله بن ميمون: إنه ذاهب الحديث؟ وقول أبي زرعة: إنه
واهي الحديث؟ وقول أبي حاتم والترمذي: إنه منكر الحديث؟ وقول ابن عدي: إن
عامة ما يرويه لا يتابع عليه؟ وقول النسائي: إنه ضعيف؟ وقول أبي حاتم أيضا: يروي
عن الاثبات الملزقات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد؟ وقول الحاكم: إنه يروي
أحاديث موضوعة؟ وقول أبي نعيم: إنه روى المناكير؟ (2)
أم لا يروق الخطيب الجرح في إسماعيل بن أمية العبشمي الأموي وهو ابن عم
عثمان وقد جاء بالرواية مختلقة في ابن عمه الخليفة؟ أم لا ينبهه ما حكاه عن الدارقطني
إلى أن إسماعيل لا يروي عن ابن جريج؟ وإنما الراوي إسماعيل بن يحيى التيمي.
أم أراد حفظ سمعة الصديق أبي بكر في حفيده إسماعيل بن يحيى التيمي (3) والستر
على قول صالح بن جزرة فيه: إنه كان يضع الحديث. وقول الأزدي: إنه ركن من
أركان الكذب لا تحل الرواية عنه. وقول أبي علي النيسابوري والدار قطني والحاكم
إنه كذاب. وقول الحاكم: روى أحاديث موضوعة. وقول الدارقطني: إنه كان يكذب
على مالك والثوري وغيرهما. وقول ابن حبان: إنه كان يروي الموضوعات عن الثقات
لا تحل الرواية عنه بحال؟ (4)

(1) ميزان الاعتدال 1: 281، لسان الميزان 2: 353.
(2) تهذيب التهذيب 6: 49.
(3) إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة.
(4) ميزان الاعتدال 1: 117، لسان الميزان 1: 442.
321

نعم: هذه كلها بين يدي الخطيب غير أن الغلو في الفضائل أبكمه فبكم (1)
وذكر الذهبي هذه الرواية في " ميزان الاعتدال " في ترجمة حماد بن المبارك، وقال:
خبر غير صحيح.
ولو كان لهذا الخيال مقيل من الصحة لاستدعى أن يكون ما اختلق فيه من
كون عثمان في الجنة أهم ما صدع به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المعارف والأحكام والحكم
فإنا لم نجد ولا وجد واجد شيئا منها يهتم صلى الله عليه وآله وسلم له هذا الاهتمام ويصدع به على كل
منبر صعده، نعم كان يكرر بعض ما يصدع به في عدة مقامات للكشف عن أهميته غير
أنها مما تعده الأنامل، حتى أن الصلاة التي هي عماد الدين لم يكررها هذا
التكرار الممل.
وليت شعري هل كون عثمان في الجنة من أصول الدين وأسس الاسلام
التي لا تتم الشريعة إلا بها فطفق صلى الله عليه وآله وسلم يبالغ في تبليغه هذه المبالغة في كل حين؟
فهل هو حكم شرعي؟ أو حكمة بالغة؟ أو ملكة فاضلة؟ أو ناموس إلهي يستحق هذا
التأكيد والاصرار؟
ثم لو كان عثمان من المؤمنين لكفاه تبشير الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة
الجمة لهم بالجنة، فما الحاجة إلى هذا التهالك في تخصيصه بالذكر تهالكا لم يشاهد
له نظير في شئ مما بلغه صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه؟
على أنه لو كان صلى الله عليه وآله وسلم مرتكبا ذلك لوجب أن يسمعه منه جميع الصحابة حتى من حظي
بالإصاخة إلى قيله ولو مرة واحدة طليلة حياته، ووجب أن يتواتر الحديث منه صلى الله عليه وآله وسلم
فلا يختص بعزوه المختلق جابر، ولم يك يسنده عنه أناس دجالون، وإن من أهم
تلكم المنابر منبر يوم الغدير وقد حضره مائة ألف أو يزيدون، فهل سمع أحد من
أحدهم من الأعالي والساقة يحدث أنه صلى الله عليه وآله وسلم هتف عليه بأن عثمان في الجنة؟ و
هذه خطب النبي الأعظم هل تجد في شئ منها عما تقولوه حسيسا أو تسمع منه
ركزا؟ وهل هؤلاء الصحابة البالغون مئات الألوف الذين سمعوا هذا المقال ووعوه تركوه

(1) بكم بكامة: سكت تعمدا.
322

وراء ظهورهم يوم الدار؟ يوم قالوا له: والله أحل الله دمك (1) يوم كتبوا إليه يدعونه إلى
التوبة وحاجوه وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه (2) يوم سلم
عليهم فما سمع أحدا من الناس يرد عليه، وكان فيهم من عمد الصحابة من فيهم (3) يوم
رفعت أمهم عقيرتها وهي تقول: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر، إلى أيام قصصنا عليك
حوادثها، أو أنهم كلهم نسوه فنالوا من الرجل ما نالوا؟ وهل حصل لهم مذكر من عند
أنفسهم فلم يوافقوه على السماع؟ أو لم يعيروا له أذنا مصغية؟ هذا وهم عدول، وإن
ممن سمع بطبع الحال هاتيك الكلمة نفس عثمان فلماذا كان يخاف من القفول إلى مكة
حذار أن يكون هو الذي سمع فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما مر من أنه يلحد بمكة
رجل عليه عذاب نصف أهل الأرض؟
23 - ذكر ابن كثير في تاريخه عند عد مناقب عثمان عن إسماعيل بن عبد الملك
عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه حتى
يبدو ضبعيه إلا لعثمان بن عفان إذا دعا له.
قال الأميني: حذف ابن كثير وغيره ممن ذكر هذه المهزأة إسنادها وأرسلوها
إرسال المسلم ذاهلين عن أن في ذكر إسماعيل بن عبد الملك كفاية من عرفان بقية رجاله
قال ابن عمار وأبو داود: ضعيف. وقال ابن الجارود وابن معين والنسائي وأبو حاتم:
ليس بالقوي. وقال عبد الرحمن بن مهدي: أضرب على حديثه. وقال الفلاس وأبو موسى:
كان عبد الرحمن ويحيى لا يحدثان عنه. وقال ابن حبان: كان يقلب ما يروي (4)
وأنا لا أدري أن عائشة متى روت هذه الرواية، قبل تكفيرها الرجل وتأليب الناس
عليه، ثم نسيتها؟ وسرعان ما تنسى أم المؤمنين ما حفظته كما نسيت أقوال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم لها في مناوئة أمير المؤمنين علي عليه السلام وعن كلاب الحوأب ونباحها، أم أنها روتها
حين كانت تثير العواطف على عثمان وترهج عليه نقع الحروب حتى أوردته موارد

(1) تاريخ الخميس 2: 260.
(2) راجع ما مر في هذا الجزء ص 162.
(3) راجع ما أسلفنا في حديث طلحة بن عبيد الله ص 96.
(4) تهذيب التهذيب 1: 316.
323

الهلكة فاعجب إذن بالمناقضة بين روايتها وعملها دواليك وهي صحابية عادلة أم
الصحابة العدول كما يزعمون.
أم أنها أسندتها بعد تلكم المعامع؟ بعد أن سول لها الناكثان النهضة للطلب
بثاراته. فخرجا يجران حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين
بها إلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن خدرها (1)
فثارت لتتدارك ذلك الحوب بما هو أكبر منه، فخالفت القرآن الكريم فيما خص
زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "
فكان من استقرارها في بيتها أن ركبت الجمل وقادت العساكر، وباشرت الحرب بنفسها،
وعاشرت الرجال الأجانب، ونبذت الكتاب وراء ظهرها، ولم ترع لبعلها حرمة ولا كرامة.
وخالفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نواهيه المتعاقبة عن خصوص موقف الجمل كما
مرت في الجزء الثالث ص 188 - 191 ط 2، وعن مطلق مناوءة أمير المؤمنين عليه السلام ومحاربته
فيما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم مستفيضا كما أسلفنا نزرا منه في ج 1: 336، 337 و ج 2: 300
- 303، و ج 3: 26، 182 - 188 و ج 4: 322 - 325 ط 2.
نعم خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصاياه المؤكدة بوصيه الطاهر حتى جاء في
حديث معمر: عائشة كانت لا تطيب نفسا لعلي بخير. وفي حديث آخر: لكنها لا تقدر
على أن تذكره بخير (2).
والحديث صحيح رجاله كلهم ثقات أخرجه أحمد في مسنده 6: 228 من طريق
معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة أن عائشة أخبرته قالت: أول ما اشتكى رسول
الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها فأذن له قالت: فخرج
ويد له على الفضل بن عباس، ويد على رجل آخر، وهو يخط برجليه في الأرض.
قال عبيد الله فحدثت به ابن عباس فقال: أتدرون من الرجل الآخر الذي لم تسم
عائشة؟ هو علي، ولكن عائشة لا تطيب له نفسا.
وأخرجه البخاري في صحيحه في باب حد المريض أن يشهد الجماعة، غير أنه

(1) راجع ما مضى في هذا الجزء ص 106.
(2) فتح الباري 2: 123.
324

حذف منه قول ابن عباس: " ولكن عائشة لا تطيب له نفسا " وهذا شأن البخاري في
كل ما لا يروقه.
نعم عائشة لا تقدر أن تسمي عليا وتذكره بخير، غير أنها كانت تصيخ إلى من
نال من علي عليه السلام وتأنس بالوقيعة فيه ولا تنهى عنها كما في صحيحة رجالها كلهم ثقات
أخرجها أحمد في مسنده 6: 113 من طريق عطاء بن يسار قال: جاء رجل فوقع في
علي وفي عمار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة فقالت: أما علي فلست قائلة لك فيه
شيئا، وأما عمار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخير بين أمرين إلا اختار
أرشدهما.
لم يا أماه لست قائلة شيئا في علي؟ أما سمعت أذناك من بعلك حديثا واحدا
في فضله مثل ما سمعت في عمار؟ أما تجدين في كتاب الله مما نزل في علي ما يعادل
حديثك في عمار؟ وفضل علي عليه السلام على عمار كما قال حذيفة اليماني: فوالله لعلي أفضل
من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عمارا من الأخيار (1).
لم يا أماه لا تكرهين أن يقذع عندك علي عليه السلام، وأنت التي كنت كارهة
أن يسب عندك حسان بن ثابت؟ وقد أخبر بذلك عروة قال: كانت عائشة تكره أن
يسب عندها حسان وتقول: إنه الذي قال:
فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء (1)
أما كانت عندك لمواقف علي المشكورة في مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولمبيته
على فراشه ليلة هجرته من مكة وقد باهى الله به ملائكته، قيمة وكرامة مقدار بيت
شعر لحسان؟ وحسان أنت أدرى به مني. إي يا أماه؟ شنشنة أعرفها من أخزم.
ومن رشحات ما كانت تحمله أم المؤمنين بين جنبيها من الضغينة على أول
المسلمين وأولاهم لهم بهم من أنفسهم قولها يوم سمعت بيعة الناس له: لوددت أن السماء
انطبقت على الأرض إن تم هذا.
وخالفت العقيدة الراسخة من حرمة قتال خليفة الوقت، وليتني علمت ماذا يكون

(1) أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال 7: 73.
(2) راجع مسند أحمد 6: 197
325

جواب أم المؤمنين لو أحفيت السؤال عن خطيئتها أيهما أعظم؟ إجهازها على عثمان
أم محاربتها الإمام أمير المؤمنين عليا عليه السلام؟ غير أنها اليوم وقد كشف عنها الغطاء تجيب
بأن الخطيئة كانت واحدة مرتكزة على سنام الجمل وتحت أستار الهودج، وهل كانت
روايتها هذه لتبرير عملها الأخير؟ وقد جعلتها معذرة لها في ثورتها أو أنها اختلقت عليها
فأخرجتها رواة السفاسف أو حملة الأضغان على البيت النبوي الطاهر، أو سماسرة
البيت الأموي الذين حاولوا نشر الفضيلة لهم ولو بالأفائك؟
وكانت أم المؤمنين عالمة جدا بأن قتل عثمان كان هينا عند الله ورسوله في
جنب خروجها من عقر دارها كما قال لها جارية بن قدامة السعدي الصحابي: يا أم
المؤمنين؟ والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل
الملعون عرضة للسلاح، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك، وأبحت
حرمتك، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك، إن كنت أتيتينا طائعة؟ فارجعي إلى
منزلك، وإن كنت أتيتينا مستكرهة؟ فاستعيني بالناس (1)
ثم هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لعثمان بالثبات على الحق من اتباع الكتاب
والسنة؟ فلماذا لم يستجب ذلك الدعاء فخالفهما؟ وظهر ذلك منه حتى عرفته عامة
الصحابة فأنكروه عليه حتى قتلوه.
أو أنه كان يدعو له بالتوفيق للتوبة؟ فلماذا لم يوفق؟ فكلما تاب رجع، وكلما
عهد حنث، حتى عرف ذلك الثائرون عليه فلم يجدوا بدا من إعدامه.
أو أنه كان يدعو له بالمغفرة وإن لم تكن توبته نصوحا؟ فذلك إغراء بالجهل،
وترخيص في المعصية، وهو محال على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أو أنه كان يدعو له بدفع عادية الناس عنه على ما هو عليه من طاعة أو معصية؟
فهبني قلت: إنه جائز لكن الدعاء لم يستجب، وما غناء بقاء رجل هو هكذا سالما؟
وهو لا يقتص أثره في صلاح، ولا يقتفى في طاعة، ولا يتبع في خير، وإنما تورث
سلامته تجريا على المعاصي وولعا بالميول والشهوات
أو أنه كان يدعو له باليسار والثروة ليرغد عيشه ويرغد عيش من لف لفه و

(1) تاريخ الطبري 5: 176، الكامل لابن الأثير 3: 90.
326

احتف به ولو كان بالأثرة لنفسه وذويه على المسلمين عامة متعديا حدود الله المأثورة
في الأموال والصدقات؟ فهل الدعاء لمثل هذا جائز في الشريعة؟ وهل يستسيغ العقل
السليم الدعاء للحصول على المآثم؟
أو أنه كان يدعو له بنيل الخلافة؟ وهذا إن صح فقد استجيب غير أن النبي
الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان بواسع علم النبوة بصيرا بما يؤل إليه أمر الرجل وينوء به مما
لا تحمده شريعة أو عقيدة، ولا يستتبع خلافته إلا وهنا في الدين، وذهابا لأبهة
الإمامة وقلقا في مستوى الاسلام وعاصمة النبوة، وتعكيرا لصفو الألفة بين أفراد
المسلمين، وفتا في عضدهم، وهوانا على صلحاء الأمة في الحواضر الإسلامية، وتعطيلا
للأحكام، وتعديا للحدود، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، وكل هذه
مما عرفته منه الصحابة فتألبوا عليه، فما كان حاجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خليفة هو هكذا؟.
هذه محتملات الدعاء المزعوم، ولنا ها هنا مسائلة أخرى عن السبب الموجب
لهذا الدعاء أولا وعن ظرفه ثانيا، أهل كان الموجب له أعماله السابقة على الدعاء؟ أو
ما ارتكبه في أخريات أيامه؟ فجر على نفسه ومن اكتنفه الويلات من جرائه، أما
الأخيرة فقد عرفت أنها لا تنهض موجبا لذلك، وأما سوابقه فسل عنه يوم بدر وتخلفه
عنه وكان يعير بذلك طيلة حياته، ووقع فيه عبد الرحمن بن عوف لذلك في أخريات
خلافته بملأ من الناس فأنهى إليه ذلك الوليد بن عقبة السكير الفاسق بلسان الوحي
المبين (1) هنالك نحت له عذرا من تمريض رقية بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) لكن الصحابة
ما كانوا يعرفون ذلك العذر المفتعل حتى أولى الناس به أخوه بالمؤاخاة بمكة عبد الرحمن
بن عوف، ولو كان ما يقوله صحيحا لعرفوه وهو بين ظهرانيهم غير منتأى عنهم.
وسل عنه يوم أحد وفراره من الزحف وقد نزل فيه وفيمن فر قوله تعالى " في
سورة آل عمران آية: 155 ": إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم
الشيطان ببعض ما كسبوا. الآية (3).

(1) مر تفصيل ذلك في ج 8: 274 - 276 ط.
(2) راجع مسند أحمد 1: 68، 75، الرياض النضرة 2: 97، تاريخ ابن كثير 7: 206.
(3) راجع مسند أحمد، 1، 68، تفسير القرطبي 4. 245، تفسير ابن كثير 1: 419، الرياض
النضرة 2: 97، تفسير الخازن 1: 307.
327

وسل عنه ليلة وفاة أم كلثوم واقترافه الذنب فيها، وهتك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمته
في صبيحتها بملأ من الصحابة بحرمانه من دفنها وهي زوجته وهو أحق الناس بدفنها،
راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 231 ط 2.
وسل عنه إيواءه عبد الله بن أبي سرح وقد ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين
فأهدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دمه يوم الفتح وأمر بقتله ولو وجد تحت أستار الكعبة، لكنه
فر إلى أخيه من الرضاعة " عثمان " فآواه وغيبه، وكان من واجبه قتله أينما وجده،
لكنه بدلا عن ذلك أتى به إلى رسول الله فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طويلا
رجاء أن يقتله أحد من الحضور لأنه ما كان يروقه صلى الله عليه وآله وسلم إسعافه ولا يرى لحياة ابن
أبي سرح قيمة. راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 280 ط 2.
وسل عنه إيواءه ابن عمه المشرك معاوية بن المغيرة بن أبي العاص يوم حمراء الأسد
لما ظفر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خروجه منها فأمر بضرب عنقه صبرا فلجأ إلى عثمان
فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمنه على أنه إن وجد بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث و
توارى فبعث صلى الله عليه وآله وسلم عمار بن ياسر وزيد بن حارثة وقال: إنكما ستجدانه بموضع
كذا وكذا فوجداه فقتلاه (1).
وما أشبه فعلته هذه بإيوائه الحكم وابنه مروان في خلافته وهما طريدا رسول الله
ولعيناه؟ (2) فأمره سواسية في المبدأ والمنتهى.
هذا كل ما علمناه من سوابق الرجل ولواحقه، وشئ منها لا يصلح أن يكون
باعثا للحب والدعاء
كما أن شيئا منها لا يترك للدعاء المزعوم ظرفا يستساغ له الدعاء
فيه، فزبدة المخض أنه من مختلق الدور الأموي الذي لم يأل العبشميون فيه
جهدا في وضع الفضائل أو الرذائل.
نعم ذكروا له صلى الله عليه وآله وسلم دعوات عديدة لعثمان عند تجهيزه جيش العسرة، ولعل
المتهالك في حب عثمان ينحته موجبا لتلكم الدعوات، والباحث جد خبير بأنه لا

(1) سيرة ابن هشام 3:، تاريخ ابن كثير 4: 51، عيون الأثر لابن سيد الناس 2: 37،
38، شرح الأشخر على بهجة المحافل 1: 213.
(2) راجع ترجمة الحكم وابنه مروان في الجزء الثامن من كتابنا هذا.
328

يعدو شيئا منها وهن في الاسناد لضعف في رجاله أو إرسال فيه، على اضطراب الروايات في
كيفية التجهيز وكمية ما أنفقته يده فيه، اضطرابا لا يعدوه الحكم بالبطلان في جميعها:
قال ابن هشام في السيرة 4: 172: أنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم
ينفق أحد مثلها. حدثني من أثق به أن عثمان بن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة
تبوك ألف دينار. إلى آخر ما يأتي من حديثه.
وأخذ الطبري الجملة الأولى من قول ابن هشام وترك حديثه.
وعند الكلبي مرسلا كما في أسباب النزول للواحدي 61 جهز بألف بعير بأقتابها
وأحلاسها.
وعند قتادة مرسلا: حمل على ألف بعير وسبعين فرسا.
وعند البلاذري بإسناد ضعيف مرسل: جهزهم بسبعين ألفا.
وعند الطبراني بإسناد ضعيف: مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها ومائتا أوقية من الذهب.
وعند أبي يعلى بسند ضعيف: جاء بسبعمائة أوقية ذهب.
وعند أبي ابن عدي بسند واه ضعيف جدا: جاء بعشرة آلاف دينار.
وعند أبي نعيم بإسنادين باطلين: جاء بألف دينار.
وعند أحمد وأبي نعيم بإسناد معلول: ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها.
وعند ابن عساكر مرسلا: جهز ثلث ذلك الجيش مؤنتهم.
وعند ابن الأثير ما ذكره الطبري وزاد عليه: قيل كانت ثلاثمائة بعير وألف دينار.
وعند عماد الدين العامري دعوى مجردة: أنفق ألف دينار، وحمل على تسعمائة
وخمسين بعيرا وخمسين فرسا.
وعند الحلبي صاحب السيرة قولا بلا دليل: جهز عشرة آلاف دينار غير الإبل و
الخيل وهي تسعمائة بعير ومائة فرس والزاد وما يتعلق بذلك حتى ما تربط به الأسقية.
وعند بعض كما في السيرة الحلبية: أعطى ثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها و
خمسين فرسا.
وفي رواية عند الحلبي: جاء بعشرة آلاف دينار إلى رسول الله فصبت بين يديه.
فقال: لعل هذه العشرة آلاف غير الذي جهز بها العشرة آلاف إنسان.
329

فترى كل واحد يكل ويزن ما أنفقه الرجل في جيش العسرة بكيلة مروءته و
ميزان كرامته، وما تستدعيه سعة صدره، ورحب ذات يده.
على أن هناك أناسا آخرين شاركوا من جهز الجيش وأربوا، فلا أدري ما
الموجب لاختصاص عثمان بتلكم الأدعية دونهم؟ فمن أولئك المجهزين العباس بن
عبد المطلب فإنه حمل مالا يقال إنه تسعون ألفا (1) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: العباس عم نبيكم
أجود قريش كفا وأحناه عليها. وفي حديث: أوصلها لها " مستدرك الحاكم 3: 328 "
وأول من حمل ماله كله هو أبو بكر على زعم القوم فإنه جاء بماله كله فقال له رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: هل أبقيت شيئا؟ قال: الله ورسوله (2).
وهب أن ما حمله أبو بكر كان نزرا يسيرا لكنه أنفق بكل ماله إن صدق الحديث
وكمال الجود بذل الموجود. فما الذي أرجأه من الحظوة بالدعاء له ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
يراه أمن الناس عليه بماله؟ وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أحمد في مسنده 1: 270
قوله: ليس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة.
على أن طبع الحال يستدعي أن يكون هناك منفقون آخرون لأن عدد الجيش
كان ثلاثين ألفا وعشرة آلاف فرس واثنا عشر ألف بعير عند كثير من المؤرخين، وعند
أبي زرعة كانوا سبعين ألفا، وفي رواية أربعين ألفا (3) وما ذكروه من النفقات لعثمان
وغيره لا تفي بتجهيز هذا الجيش اللجب، فلماذا حرم أولئك كلهم من الدعاء وحظي
به عثمان فحسب؟ أنا أنبئك لماذا، وجد عثمان بعد ما خذل وقتل أنصارا ينحتون
له الفضائل، وتصرمت أيام أولئك من غير نصير مفتعل.
وإليك جملة مما روي في الباب وافية للنهوض بإثبات بطلان ما يهتف به من
المبالغة في أمر التجهيز المذكور، منها:
24 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 59 من طريق حبيب بن أبي حبيب أبي

(1) إمتاع المقريزي ص 446.
(2) تاريخ ابن عساكر 1: 110، شرح المواهب للزرقاني 3: 64، السيرة الحلبية: 145.
(3) طبقات ابن سعد رقم التسلسل 683، تاريخ ابن عساكر 1: 111، إمتاع المقريزي
ص 650، فتح الباري 8: 93، المواهب اللدنية 1: 173، إرشاد الساري 6: 438، شرح
بهجة المحافل 2: 30.
330

محمد البصري - كاتب مالك - عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لما جهز النبي صلى الله عليه وسلم
جيش العسرة جاء عثمان بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
اللهم لا تنس لعثمان، ما على عثمان ما عمل بعد هذا.
قال الأميني: أتخفى على مثل الحافظ أبي نعيم أقوال أئمة الفن من قومه في
حبيب كاتب مالك؟ قال عبد الله بن أحمد - إمام الحنابلة - عن أبيه أنه قال: حبيب
ليس بثقة قدم علينا رجل أحسبه قال من خراسان كتب عنه كتابا. إلى أن قال: قال
أبي: كان يكذب، ولم يكن أبي يوثقه ولا يرضاه وأثنى عليه شرا وسوء.
وقال أبو داود: كان من أكذب الناس كان يضع الحديث. وقال أبو حاتم: متروك
الحديث روى عن ابن أخي الزهري أحاديث موضوعة. وقال النسائي والأزدي، متروك
الحديث. وقال ابن حبان: كان يدخل على الشيوخ الثقات ما ليس من حديثهم. و
قال: أحاديثه كلها موضوعة وذكر له عدة أحاديث عن هشام بن سعد وغيره وقال:
كلها موضوعة، وعامة حديثه موضوع المتن، مقلوب الاسناد، ولا يحتشم حبيب في
وضع الحديث على الثقات، وأمره بين في الكذب. وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب
الحديث. وقال سهل بن عسكر: كتبنا عنه عشرين حديثا وعرضناها على ابن المديني فقال:
هذا كله كذب، وقال النسائي: متروك أحاديثه كلها موضوعة عن مالك وغيره (1).
وأخرجه أحمد من طريق ضمرة بن ربيعة الدمشقي الرملي، قال الساجي: صدوق
يهم عنده مناكير، وجاء ضمرة عن الثوري عن ابن دينار عن ابن عمر بحديث فأنكره
أحمد ورده ردا شديدا، وقال: لو قال رجل إن هذا كذب لما كان مخطئا.
وأخرجه الترمذي وقال: لا يتابع ضمرة عليه وهو خطأ عند أهل الحديث راجع
تهذيب التهذيب 4: 461. (ومنها):
25 - أخرج أحمد في مسنده 1: 74 من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي
البصري عن محمد بن عبد الله الأنصاري البصري عن هلال بن حق البصري عن سعيد

(1) راجع ميزان الاعتدال 1: 210، تذكرة الموضوعات للمقدسي ص 90، مجمع الزوائد
للهيثمي 9: 74، تهذيب التهذيب 2: 181، اللئالي المصنوعة 1: 8، 230، خلاصة الكمال
ص 60، أسنى المطالب ص 216.
331

الجريري (1) البصري عن ثمامة القشيري قال: شهدت الدار يوم أصيب عثمان رضي الله
عنه فطلع عليهم إطلاعة فقال: ادعوا لي صاحبيكم اللذين (2) ألباكم علي فدعيا له فقال:
نشدتكما الله أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ضاق المسجد بأهله فقال:
من يشتري هذه البقعة من خالص ماله؟ فيكون فيها كالمسلمين وله خير منها في الجنة.
فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين؟ وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين.
ثم قال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر
يستعذب منه إلا رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه
فيها كدلى المسلمين؟ وله خير منها في الجنة. فاشتريتها من خالص مالي؟ فأنتم تمنعوني
أن أشرب منها. ثم قال هل تعلمون أني صاحب جيش العسرة؟ قالوا: اللهم نعم.
وذكره البلاذري في الأنساب 5: 5، 6 من طريق يحيى بن أبي الحجاج البصري
عن سعيد الجريري وزاد: فأنشدكما الله هل تعلمان أني جهزت جيش العسرة من مالي؟
قالا: اللهم نعم. قال: أنشدكما الله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بثبير، أو قال:
بحراء. فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته إلى الحضيض فركضه برجله فقال: أسكن
فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالا: اللهم نعم.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 168 من طريق يحيى بن أبي الحجاج
عن الجريري عن ثمامة.
* (رجال الاسناد) *
1 - محمد بن عبد الله الأنصاري: قال العقيلي: منكر الحديث. وقال أبو أحمد
الحاكم: روى يحيى بن خذام عنه عن مالك بن دينار أحاديث منكرة والله أعلم الحمل
فيه عليه أو على يحيى. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا يروي عن الثقات ما ليس
من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به وقال: ابن طاهر: كذاب. وقال الحاكم النيسابوري:
يروي أحاديث موضوعة. وقال أبو الفضل الهروي: ضعيف. وقال الأزدي: منكر الحديث
جدا روى عن مالك بن دينار أحاديث معاضيل: تهذيب التهذيب 9: 256.

(1) الجريري بضم الجيم وفتح الراء نسبة إلى جرير بن عباد.
(2) يعني طلحة والزبير، ووقعت التسمية في غير واحد من أحاديث المناشدة وكلها أكاذيب.
332

لا يحسب الباحث أن محمد بن عبد الله الأنصاري هذا هو عبد الله البصري محمد
ابن عبد الله بن المثنى فإنه يروي عن سعيد الجريري بلا واسطة كما في تهذيب التهذيب
4: 6 و ج 9: 274 والذي يروي عنه بالواسطة هو هذا الأنصاري المترجم له.
2 - سعيد أبو مسعود الجريري وهو وإن كان ثقة في نفسه لكنه لا تصح روايته
لاختلاطه ثلاث سنين من عمره، قال أبو حاتم: تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديما
فهو صالح. وقال يزيد بن هارون ربما ابتلانا الجريري وكان قد أنكر. وقال ابن معين
عن ابن عدي: لا نكذب الله سمعنا من الجريري وهو مختلط. وقال ابن حبان: اختلط
قبل أن يموت بثلاث سنين. وقال يحيى بن سعيد لعيسى بن يونس: أسمعت من الجريري؟
قال: نعم. قال: لا ترو عنه، يعني لأنه سمع منه بعد اختلاطه. وقال ابن سعد: كان
ثقة إن شاء الله إلا أنه اختلط آخر عمره " تهذيب التهذيب 4: 6 ".
3 - يحيى بن أبي الحجاج البصري في طريق البلاذري. قال النسائي وابن معين:
ابن أبي الحجاج ليس بشئ. وقال أبوح أتم: ليس بالقوي.
ونحن لو غاضينا العثمانيين على صحة هذه الرواية وأمثالها فإنها تعود وبالا
على عثمان أكثر منها منقبة فإن في صريحها أن الرجلين وهما من العشرة المبشرة
ومن الستة أصحاب الشورى وفي الجبهة والسنام من الصحابة العدول " عند القوم "
إعترفا له بما استنشدهما لكنهما لم يأبها بما حاوله عثمان من مفاد الرواية فاستمرا
على التأليب عليه والضغط والتشديد، فهل هو مجابهة منهما لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟
" ويرده عدلهما وكونهما من العشرة " أو أنهما علما أن الشئ حدث بعده شئ أزاح
موضوعه؟ وإنما كان قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرحلة الاقتضاء من آثار تلكم الأعمال
الطبيعية إذا استمر صاحبها على ما هو عليه في هاتيك الأحوال، ولم يحدث موانع
فإنهما كانا يرتئيان حدوث موانع هنالك سالبة لأثر الاقتضاء. وبهذا الاعتقاد مضيا
مصرين على ما ارتكباه من أمر الخليفة، وهما يريانه حائدا عن الصراط السوي.
ولعل عثمان نفسه ما كان جازما ببقاء تلكم الآثار التي كان نوه بها النبي
الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم نظرا منه لما أحدث بعد ذلك من الحوادث، ولذلك كان يحاذر أن
يكون هو الرجل الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنه يلحد بمكة رجل عليه
333

نصف عذاب أهل الأرض كما مر حديثه الصحيح في ص 152 من هذا الجزء.
ويشبه طلحة والزبير بل وعثمان نفسه بقية الصحابة المجهزين عليه فيما بيناه
من الاعتقاد في حق الرجل. فراجع ما قدمناه من أقوالهم وأعمالهم المذكورة في الجزء
الثامن وفي هذا الجزء ص 69 - 163، ولا تنس قولهم له في مناشدته المذكورة في ص
204: وأما ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله فإنك قد كنت ذا قدم وسلف
وكنت أهلا للولاية، ولكن: بدلت بعد ذلك وأحدثت ما قد علمت.
وقولهم له: وأما قولك: إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة فإنا نجد في كتاب الله قتل
غير الثلاثة الذين سميت: قتل من سعى في الأرض فسادا، وقتل من بغى ثم قاتل
على بغيه، وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه، وقد
بغيت، ومنعت الحق، وحلت دونه، وكابرت عليه. الخ.
ونظير هذه الأقوال الكثير المعرب عن آراء الصحابة فيه وفي أحداثه، وكلها
تكذب القول بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمي الرجل شهيدا. نعوذ بالله من الاختلاق
بلا تدبر (ومنها):
26 - أخرج سيف بن عمر في الفتوح من طريق صعصعة بن معاوية التيمي قال:
أرسل عثمان وهو محصور إلى علي وطلحة والزبير وغيرهم. فقال: احضروا غدا فأشرف
عليهم وقال: أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر رومة فله الجنة. فحفرتها؟ ألستم تعلمون أنه قال: من جهز
جيش العسرة فله الجنة. فجهزته؟ قال: فصدقوه بما قال.
ذكره ابن حجر في فتح الباري 5: 314 وقال: وللنسائي من طريق الأحنف بن
قيس إن الذين صدقوه بذلك هم: علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص.
ترى ابن حجر هاهنا ساكتا عن الغمز في هذه الرواية وهو الذي جمع أقوال
الحفاظ في سيف بن عمر من أنه ضعيف، متروك، ساقط، وضاع، عامة حديثه
منكر، يروي الموضوعات عن الاثبات، كان يضع الحديث، واتهم بالزندقة " راجع ج
8: ص 84، 333 من كتابنا هذا "
وكأنه أراد من عد من صدق عثمان في دعواه إثبات فضيلة له ذاهلا عن أن كثرة
334

المصدقين في المقامين على تقدير صحة الخبر - وأنى هي؟ - تزيد عارا وشنارا على
الرجل، وتعود وبالا عليه أكثر منها منقبة كما مر بيانه، وإني لا أشك في أن
الباحث بعد هذا البيان الضافي لا يقيم لهذه المناشدة وزنا وإن خرجه البخاري في
صحيحه في كتاب الوصايا باب إذا وقف أرضا أو بئرا ج 4 ص 236 (1) وما أكثر بين دفتي
هذا الصحيح من سقيم يجب أن يضرب به عرض الحائط كما هو الظاهر لدى من يراجع
كتاب " أبو هريرة " لسيدنا الآية شرف الدين وغيره من تآليفه، وسنوقفك على جلية
الحال في الأجزاء الآتية إن شاء الله تعالى. (ومنها):
27 - أخرج أسد بن موسى في فضائل الصحابة عن قتادة البصري قال؟ حمل عثمان
على ألف بعير وسبعين فرسا في العسرة.
ذكره ابن حجر في فتح الباري 5: 315 وقال: مرسل. ولم يسم ابن حجر رجال
الاسناد بين أسد بن موسى وبين قتادة وكذلك من قتادة إلى منتهى السند، فالرواية
مرسلة من الطرفين، ولعل في مرحلتي السند أناس من الوضاعين المفضوحين ستر
عليهم أسد بني مروان بذيل أمانته، وراقه الابقاء على كرامة الحديث بإسقاطهم، وأسد
ابن موسى هو حفيد الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي قال النسائي مع توثيقه:
لو لم يصنف كان خيرا له. وقال ابن يونس: حدث بأحاديث منكرة وأحسب الآفة من
غيره. وقال ابن حزم: منكر الحديث ضعيف. وقال عبد الحق: لا يحتج به عندهم (2)
* (ومنها) *
28 - أخرج أبو يعلى من وجه آخر فيه قال: فجاء عثمان بسبعمائة أوقية ذهب.
ذكره ابن حجر في الفتح 5: 315 وقال: ضعيف. وليته كان يذكره بإسناده حتى
كنا نوقف الباحث على ترجمة رجاله الكذابين. (ومنها):
29 - أخرج ابن عدي من طريق عمار بن هارون (3) أبي ياسر المستملي عن إسحاق
ابن إبراهيم المستملي عن أبي وائل عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان

(1) أخرجه من طريق أبي إسحاق السبيعي الشيعي المدلس وقد مرت ترجمته في ج 7: 276
وإنه ضعيف جدا لا يحتج بحديثه، عن أبي عبد الرحمن العثماني.
(2) ميزان الاعتدال 1: 97، تهذيب التهذيب 1: 260.
(3) في تاريخ ابن كثير: عمار بن ياسر المستملي. والصحيح ما ذكرناه.
335

يستعينه في غزاة غزاها فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار فوضعها بين يديه فجعل يقلبها
بين يديه ويدعو له: غفر الله لك يا عثمان! ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو
كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها.
ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 212 ساكتا عما في إسناده من العلل عاداته في
فضائل من غمره حبه، وأورده ابن حجر في فتح الباري 5: 315 فقال: سند ضعيف
جدا. وقال في ج 7 ص 43: سنده واه. وذكره القسطلاني في المواهب اللدنية 1:
172 ساكتا عن علله وعقبه الزرقاني بقول ابن حجر راجع شرح المواهب 3: 65، و
ستوافيك ترجمة بعض رجال الاسناد الضعفاء في هذا الجزء.
وذكر ابن كثير في تاريخه 7: 212 وقال: روى الحسن بن عرفة عن محمد بن
القاسم الأسدي الشامي عن الأوزاعي الشامي عن حسان بن عطية الدمشقي عن النبي
صلى الله عليه وسلم مرسلا أنه قال لعثمان: غفر الله لك ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت
وما كان منك وما هو كائن إلى يوم القيامة.
قال الأميني: لو لم يكن في إسناد هذه الأكذوبة المرسلة إلا محمد بن القاسم
الذي كان عثمانيا كما قاله العجلي لكفاه وهنا، أيخفى على ابن كثير المحتج بها قول
النسائي في محمد بن القاسم: إنه ليس بثقة كذبه أحمد؟ أم قول الترمذي: تكلم فيه
أحمد وضعفه؟ أم قول أبي حاتم: ليس بقوي لا يعجبني حديثه؟ أم قول أبي داود:
إنه غير ثقة ولا مأمون أحاديثه موضوعة؟ أم قول ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع
عليه؟ أم قول البراء: حدث بأحاديث لم يتابع عليها؟ أم قول الدارقطني: كذاب؟ أم
قول ابن القاسم: أحاديثه موضوعة ليس بشئ؟ أم قول البخاري عن أحمد: رمينا حديثه؟
أم قوله في موضع آخر: كذبه أحمد؟ أم قول ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس
من أحاديثهم لا يجوز الاحتجاج به؟ أم قول العقيلي: يعرف وينكر، تركه أحمد و
قال: أحاديثه أحاديث سوء؟ أم قول أبي أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم؟ أم قول
البغوي: ضعيف الحديث؟ أم قول الأزدي: متروك (1).
وهذا كاف في وهن السند وبطلانه، وإن غضضنا الطرف عن بقية ما فيه من

(1) ميزان الاعتدال 3: 122، تهذيب التهذيب 9: 407.
336

الشاميين أعداء الحق وأضداد العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، وما فيه من الإرسال
الموهن للرواية، ودع عنك ما في متنه مما يضاد الأصول المسلمة من الترخيص في
المعصية مما هو كائن إلى يوم القيامة، فهو يوجب التجري على المعاصي فيما يستقبل
الرجل من الأيام، وأي إنسان غير معصوم يقال له: إن كل ما سوف ترتكبه من المآتم
مغفور لك. فلا تحدوه شهواته إلى توهين اقترافها، واستسهال ركوبها؟ والشهوة غريزة
في الانسان تقوده إلى مهاوي الهلكة كل حين، والمعصوم من عصمه الله تعالى.
نعم حقا يقال: إن سيرة عثمان تصدق هذه الرواية فإنها لا تشبه إلا سيرة من
رخص بالمآثم، وأذن لاقتحام الطامات والموبقات، وبشر بغفران هناته وعثراته،
فكان غير مكترث لمغبة فعاله، ولا مبال بمعرة مقاله.
وهب إن الحسنات يذهبن السيئات من غير حقوق الناس والكبائر المخرجة
عن الدين التي سلفت من الانسان، ولكن أي عمل بار في الشريعة " ولا أقول من أعمال
عثمان فحسب ". يبيح للمكلف السيئات فيما يأتي من عمره إلى يوم القيامة ويبشره
بالمغفرة فيها جمعاء؟ وليس في ميزان الأعمال ما هو أرجح من الإيمان ومع ذلك فهو غير
ممتاز عما سواه بمغفرة ما يأتي به صاحبه في المستقبل، وإنما يجب ما قبله، والذين
آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم
سيئاتهم وأصلح بالهم (1)، وإلا لبطلت المواعيد والعقوبات المتوجه خطابها إلى المؤمنين
أجمع.
وإنا لم نجد في أعمال عثمان عملا بارا يستدعي هذه المغالاة الخارجة عن أصول
الاسلام، غير ما أنفقه على جيش العسرة إن صح من ذلك شئ، وما خسره على بئر
رومة، وقد علمت أن جيش العسرة أنفق عليه غيره ما هو أكثر مما أنفقه هو، وما
أكثر من حفر الآبار وكرى الأنهار وسبل مياهها للمسلمين، فلو كان عمل عثمان هذا
يستدعي المغفرة إلى يوم القيامة لوجب أن يغفر لأولئك الأقوام والأمم ذنوبهم إلى
ما بعد القيامة بفئام، لكن الحظوظ ساعدت عثمان ولم تساعدهم. فتبصر واعجب.
وهل علمت الصحابة بهذا الغفران ثم نقموا عليه ما كان ينجم منه من هنات بعد

(1) سورة محمد: آية 2.
337

هنات فلم يغفروها له مخالفين لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهم عدول؟ أو أنهم سمعوا هذه
الأفيكة ثم أودعوها في محفظة الأباطيل؟ غير أن ظني بها أن ميلادها بعد واقعة الدار
وأنها كانت في أصلاب الوضاعين عند الحصارين، وفي حش كوكب، وفي مقبرة اليهود،
ولم تلدها بعد أمها العاقر، حتى فسح المجال لاستيلادها على أيدي قوابل عهد معاوية
فما بعد.
30 - أخرج أحمد في مسنده 1: 70 عن بهز أبي الأسود البصري عن أبي عوانة
الوضاح البصري عن حصين عن عمرو بن جاوان البصري عن الأحنف بن قيس البصري
قال: انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة فبينما نحن في منزلنا إذ جاءنا آت فقال: الناس
من فزع في المسجد. فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد
قال: فتخللتهم حتى قمت عليهم فإذا علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي
وقاص قال: فلم يكن ذلك بأسرع من أن جاء عثمان يمشي فقال: أهاهنا علي؟ قالوا:
نعم. قال أهناهنا طلحة؟ قالوا: نعم. قال: أهاهنا سعد؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم بالله
الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان غفر الله
له فابتعته فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعته. فقال: اجعله في مسجدنا وأجره
لك؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من يبتاع بئر رومة. فابتعتها بكذا وكذا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعتها
يعني بئر رومة فقال: إجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم
بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر في وجوه القوم يوم جيش
العسرة فقال: من يجهز هؤلاء غفر الله له فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا؟
قالوا: اللهم نعم. قال اللهم اشهد. اللهم اشهد. اللهم اشهد. ثم انصرف. وأخرجه
البيهقي في السنن الكبرى 6: 167 بالإسناد المذكور.
قال الأميني: زعم البصريون جند المرأة أنهم يسعهم تدارك تجمهر صلحاء البصرة
على عثمان بتسطير أمثال هذه الأفائك المفتعلة، وحسبوا أنهم يبررون ساحة الرجل
من تلكم الهنات الموبقة التي سجلها له التاريخ، ذاهلين عن أن صحة هذه الأساطير
تزيد عليه وبالا، فبعد ما سمع أعاظم الصحابة حجاجه هذه، وقرعت سمعهم تلكم
338

المناشدات وما أصاخوا إليها، وما زحزحوا عما كانوا عليه من خذلانه إلى التأليب عليه
إلى الوقيعة فيه بكل ما يوهنه ويزريه إلى قتله إلى كسر أضالعه إلى رمي جنازته إلى
دفنه في مقابر اليهود، وبعد ما أصرت الأمة على مقته مجمعة على النقمة عليه وهي لا
تجتمع على الخطأ كما يحسبون، لم يبق للرجل أي قيمة في سوق الاعتبار وإن اختلقت
يد الافتعال له ألف أسطورة.
وتحصل مما قدمناه أن الأجور المذكورة على تقدير الصحة كانت مرتبة على
الأعمال ولم تكن حقوقا ثابتة للرجال فهي تدور مع الأعمال إن لم يبطلها ما هو أقوى
منها كما هو الحال في المقتضيات المقارنة بالموانع، وكان معتقد القوم فيما استنشدهم
عثمان أنها مقرونة بها، فلذلك لم يقيموا لكل ما استنشدهم فيه وزنا إن كانت للمزاعم
حقيقة.
* (ومنها) *:
31 - أخرج البيهقي في السنن الكبرى 6: 167 من طريق أبي إسحاق السبيعي
عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: لما حصر عثمان بن عفان رضي الله عنه وأحيط
بداره أشرف على الناس فقال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على
جبل حراء فقال: أسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالوا: اللهم
نعم. قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة العسرة: من
ينفق نفقة متقبلة. والناس يومئذ معسرون مجهودون فجهزت ذلك الجيش من مالي؟
قالوا: اللهم نعم. ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها
أحد إلا بثمن فابتعتها بمالي فجعلها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: اللهم نعم. في
أشياء عددها.
في الاسناد أبو إسحاق السبيعي وقد مر في الجزء السابع ص 276: إنه مدلس
أفسد حديث أهل الكوفة، ضعيف جدا لا يحتج بحديثه. وأما أبو عبد الرحمن فهو
عثماني لا يعول عليه ولا يركن إلى حديثه.
32 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 10 عن المدائني عن عباد بن راشد
البصري عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يجهز هذا الجيش بشفاعة
339

متقبلة؟ فقال عثمان: يا رسول الله بشفاعة متقبلة؟ قال: نعم على الله ورسوله. قال:
أنا أجهزهم بسبعين ألفا.
قال الأميني: هذا الجيش جهزه الحسن البصري بعد سنين من وفاة النبي الأقدس
وقد ولد الرجل بسنتين بقيتا من خلافة عمر، ولعله نظر إلى ذلك الموقف واسترق
السمع من وراء ستر رقيق في صلب أبيه، أو أوعز بإرسال الرواية إلى بطلانها، وغير
بعيد أن يكون عباد بن راشد هو الذي تقول بها على الحسن وهو برئ منها. قال
الدوري عن ابن معين: حديث عباد ليس بالقوي ولكن يكتب (يعني للاعتبار)
وقال الدورقي عن ابن معين: ضعيف: وقال البخاري والأزدي: تركه يحيى القطان
وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن المديني: لا أعرف
حاله. وقال ابن البرقي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان كان ممن يأتي بالمناكير عن
المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المعتمد فبطل الاحتجاج به، روى عن الحسن
حديثا طويلا أكثره موضوع (1). * (ومنها) *
33 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1. 58 من طريق إبراهيم بن سعدان عن
بكر بن بكار البصري عن عيسى بن المسيب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: اشترى
عثمان بن عفان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين بيع الخلق: حين حفر بئر رومة،
وحين جهز جيش العسرة.
* (رجال الاسناد) *
1 - بكر بن بكار أبو عمرو البصري قال ابن أبي حاتم: ضعيف الحديث سيئ
الحفظ له تخليط. وقال ابن معين: ليس بشئ. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال
أيضا: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وذكره العقيلي وابن الجارود والساجي
في الضعفاء (2).
2 - عيسى بن المسيب. قال يحيى والنسائي والدار قطني: ضعيف - وقال أبو حاتم
وأبو زرعة: ليس بالقوي. وتكلم فيه ابن حبان وغيره. وقال أبو داود: ضعيف. وقال

(1) تهذيب التهذيب 5: 92.
(2) ميزان الاعتدال 1: 160. تهذيب التهذيب 1: 48، لسان الميزان 2: 48.
340

يحيى بن معين أيضا: ليس بشئ. وقال ابن حبان: يقلب الأخبار ولا يفهم ويخطئ
حتى خرج عن حد الاحتجاج به.
(لسان الميزان 4: 405)
والباحث جد عليم بأن الصحابة لم تكن على يقين من هذا البيع المزعوم وإلا
لما تجمهروا على مقت الرجل وخذلانه، ولم يكن عثمان نفسه على ثقة بذلك أيضا و
إلا لما كان حذيرا من أن يكون هو الملحد بمكة الذي عليه نصف عذاب أهل الأرض
كما مر حديثه في هذا الجزء ص 153. * (ومنها) *:
34 - أخرج أحمد في المسند 4: 75، وأبو نعيم في الحلية 1: 58 من طريقين
أحدهما عن عبد الله بن جعفر عن يونس بن حبيب عن أبي داود. والآخر: عن فاروق
ابن الخطابي عن أبي مسلم الكجي عن حجاج بن نصر (1) " أبي محمد البصري " قالا ثنا
سكن بن المغيرة الأموي (البصري مولى آل عثمان) عن الوليد بن أبي هشام البصري
عن فرقد بن أبي طلحة عن عبد الرحمن بن أبي خباب (2) السلمي البصري قال: خطب
النبي صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان: علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها.
قال: ثم حث فقال عثمان: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها قال: ثم حث فقال
عثمان: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها. فرأيت النبي صلى الله وعليه وسلم يقول بيده يحركها
ما على عثمان ما عمل بعد هذا.
قال الأميني: هلا مخبر يخبرني عن هذا الصحابي البصري الذي لا يعرف إلا
بحديثه هذا؟ ولا يعلم من تاريخ حياته شئ غير اختلاقه هذه الرواية، ولا يروي عن
النبي الأعظم إلا هذه الخطبة المزعومة كما صرح به ابن عبد البر في " الاستيعاب " و
ابن حجر في " الإصابة "، ولم يسمعها صحابي قط غيره منه صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم يخبرني ذلك المخبر عمن انتهى إليه الاسناد أن فرقد بن طلحة، من هو؟ ومتى
ولد؟ وأين وأنى كان؟ وما المعروف من ترجمته؟ فكأني به وهو يجيبني بما قاله علي
بن المديني: لا أعرفه (3).

(1) كذا في النسخ والصحيح: نصير بضم النون مصغرا.
(2) كذا في النسخ والصحيح: عبد الرحمن بن خباب.
(3) تهذيب التهذيب 7: 264.
341

وهل تخفى على إمام أو حافظ في الحديث آراء رجال الجرح والتعديل في حجاج
ابن نصير؟ وقد ورد فيه قول ابن معين: ضعيف. وقول علي بن المديني: ذهب حديثه
كان الناس لا يحدثون عنه، وقول النسائي: ضعيف. وقوله أيضا: ليس بثقة ولا يكتب
حديثه. وقول ابن حبان: يخطئ ويهم. وقول العجلي: كان معروفا بالحديث ولكنه
أفسده أهل الحديث بالتلقين كان يلقن وأدخل في حديثه ما ليس منه فترك. وقول ابن سعد
كان ضعيفا. وقول الدارقطني والأزدي: ضعيف: وقول أبي أحمد الحاكم: ليس
بالقوي عندهم. وقول الآجري عن أبي داود: تركوا حديثه. وقول ابن قانع: ضعيف
لين الحديث (2)
وإني أحسب أن الآفة من سكن بن المغيرة وأنه أدى حقوق آل عثمان - وهو
مولاهم - باختلاق هذه المنقبة لعثمان، ولا ينافي ذلك كونه صالحا إمام جمعة وجماعة،
وكم وكم صلحاء وضاعين، ومن أئمة كذابين؟ راجع الجزء الخامس من كتابنا
هذا سلسلة الكذابين والوضاعين. * (ومنها) *:
35 - أخرج أبو نعيم في الحلية 1: 59 من طريق عمر بن هارون البلخي عن عبد الله
بن شوذب البصري ثم المقدسي عن عبد الله بن القاسم عن كثير بن أبي كثير البصري مولى
سمرة (2) عن عبد الله بن سمرة عامل معاوية بن أبي سفيان على البصرة قال: كنت مع
رسول الله صلى الله وعليه وسلم في جيش العسرة فجاء عثمان بألف دينار فنثرها بين يدي رسول الله صلى الله وعليه وسلم
ثم ولى قال: فسمعت رسول الله صلى الله وعليه وسلم وهو يقلب الدنانير وهو يقول: ما يضر عثمان ما
فعل بعد هذا اليوم.
وفي لفظ أحمد في المسند 5: 63: ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم. يرددها مرارا.
وذكره ابن الجوزي في التبصرة كما في تلخيصها قرة العيون المبصرة 1: 179
قال الأميني: ألا تعجب من حفاظ يروون عن كذاب خبيث مرسلين روايته
إرسال المسلم يمرون بها كراما؟ أي قيمة في سوق الاعتبار لرواية جاء بها عمر بن
هارون؟ وقد جاء فيه قول ابن سعيد: كتب الناس عنه كتابا كبيرا وتركوا حديثه وقول

(1) تهذيب التهذيب 2: 209.
(2) وفي مسند أحمد: مولى عبد الرحمن بن سمرة عن عبد الرحمن بن سمرة.
342

البخاري: تكلم فيه يحيى بن معين وقال: عمر بن هارون كذاب قدم مكة وقد مات
جعفر بن محمد فحدث عنه. وقول ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: تكلم فيه ابن
المبارك فذهب حديثه، قلت لأبي: إن الأشج حدثنا عنه فقال: هو ضعيف الحديث نخسه
ابن المبارك نخسة. وقول قتيبة: قلت لجرير: إن عمر بن هارون حدثنا عن القاسم بن مبرور
قال: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كاتبك هذا أمين (يعني معاوية) فقال جرير
اذهب إليه فقل له: كذبت. رواها العقيلي. وعن أحمد إنه قال: لا أروي عنه شيئا
وقد أكثرت عنه. وقول ابن مهدي: لم يكن له عندي قيمة حدثني بأحاديث فلما قدم
مرة أخرى حدث بها عن ابن عباس عن أولئك فتركت حديثه. وقول أبي زكريا:
عمر بن هارون: كذاب خبيث ليس حديثه بشئ، قد كتبت عنه وبت على بابه وذهبنا
معه إلى النهروان، ثم تبين لنا أمره فحرقت حديثه ما عندي عنه كلمة. وقول ابن محرز
عن ابن معين: ليس هو بثقة وبنحوه قال الغلابي عنه. وقال عنه مرة: ضعيف. وقول
أبي داود عنه: غير ثقة. وقول ابن أبي خيثمة وغيره عن ابن معين: ليس بشئ: وقول جعفر
الطيالسي عن ابن معين: يكذب. وقول عبد الله بن علي بن المديني: سألت أبي عنه فضعفه
جدا. وقول إبراهيم بن موسى: الناس تركوا حديثه. وقول الجوزجاني: لم يقنع الناس
بحديثه. وقول النسائي وصالح بن محمد وأبي علي الحافظ: متروك الحديث. وقول الساجي
فيه ضعف وقول الدارقطني: ضعيف. وقول أبي نعيم: حدث بالمناكير لا شئ (1) و
قول العجلي: ضعيف. وقول ابن حبان: يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخا
لم يرهم (2).
وفي الاسناد: كثير بن أبي كثير ذكر العقيلي في الضعفاء، وقال ابن حزم وعبد الحق
: إنه مجهول، ولو كان لتوثيق العجلي الرجل وزن لما جهله الحافظان ولم يضعفه
العقيلي، وأي قيمة لثقة العجلي وهو يوثق عمر بن سعد قاتل الإمام السبط الشهيد و
نظرائه من المهتوكين المفضوحين؟

(1) ليت أبي نعيم كان على ذكر من رأيه هذا في الرجل حين أخرج من طريقه هذه المنقبة
المزيفة.
(2) تهذيب التهذيب 7: 502 - 505
343

وفي طريق أحمد مضافا إلى كثير ضمرة بن ربيعة وقد مر فيه قول الساجي:
صدوق يهم، عنده مناكير. وروى ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر حديثا
أنكره أحمد ورده ردا شديد. وقال: لو قال رجل: إن هذا كذب لما كان مخطئا
وأخرجه الترمذي وقال: لا يتابع ضمرة عليه وهو خطأ عند أهل الحديث.
فهذه مكانة الرجل من الرواية وإن كان ثقة مأمونا، وأكبر الظن أن الآفة في
هذه الرواية من ابن سمرة وأنه اختلقها تقربا إلى أعطيات معاوية وهباته التي كانت
تصل من دون وزن وكيل إلى وضاعي الأحاديث ورجال الاختلاق الذين لا خلاق لهم.
* (ومنها) *.
36 - عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أول
الليل إلى أن طلع الفجر رافعا يديه لعثمان يقول: اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه.
ذكره ابن الجوزي في كتابه (التبصرة) كما في تلخيصه (1) 1: 179 مرسلا إياه
إرسال المسلم، وهو أول حديث ذكره في فضائل عثمان، وذكره الواحدي في أسباب
النزول مرسلا ص 61 فزاد: فأنزل الله تعالى فيه: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله (2)
وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 212 ولم يذكر من رجال إسناده إلا الثلاثة المذكورة
ولعل هو ومن رواه مرسلا وجدوا في سلسلة السند أناسا ساقطين لا يعبأ بهم ولا يحتج
بحديثهم، وما راقهم إبطال هذه المنقبة بإبداء علله بذكر أولئك الرجال.
ومن العجب العجاب هذا الدؤب منه صلى الله عليه وآله وسلم من أول الليل إلى منتهى الفجر على
الدعاء لعثمان الذي فوت عليه مرغباته وفرائضه، فإن صلاة الليل والوتر كانت فريضة
عليه صلى الله عليه وآله وسلم دون الأمة (3) ولا أدري هل نزل عليه صلى الله عليه وسلم وحي جديد يأمره باستبدال
نوافله وفرائضه في تلك الليلة بدعاء عثمان؟ أو ماذا كان فيها؟ نعم: الذي يظهر من
السيوطي في الخصائص الكبرى 2: 164 - 170، إن ذلك الوحي لم ينزل، وإن الدعاء
لعثمان لم يكن فضلا عن استيعابه الليل كله فإنه ذكر فيها كل من دعى له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

(1) الموسوم بقرة العيون المبصرة تأليف الشيخ أبي بكر ابن الشيخ محمد الملا الحنفي.
(2) سورة البقرة: 262.
(3) راجع الخصائص الكبرى 2: 229.
344

وسماهم حتى يهوديا سمت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعد منهم عثمان.
ولو كان إنفاق عثمان في جيش العسرة موجبا للدعاء المستوعب ليله صلى الله عليه وآله وسلم كما
يظهر من رواية الواحدي، فإنفاق أبي بكر الذي أنفق كل ما كان يملكه ذات يده -
كما يحسبه القوم - وكان يراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمن الناس عليه بماله (1) يستوجب دعاء
مستغرقا ليله ونهاره، فأين؟ وأني؟ ولو كان كل إنفاق في مهمة يستدعي دعاء الليل
فكان عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقضي حياته ليلا ونهارا بالدعاء للمنفقين، وما أكثرهم؟ ولو كان
صلى الله عليه وآله وسلم رافعا يديه لعثمان فعليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يديم رفعهما في الدعاء لأبي بكر ولرجال
الأنصار المكثرين من الانفاق في السلم الحرب ولغيرهم من أهل اليسار الذين بذلوا
كنوزا عامرة من الدرهم والدينار في مهام الاسلام المقدس والدعوة إليه والذب عنه.
وأما زيادة الواحدي من نزول الآية الكريمة في عثمان فقد فصلنا القول فيه و
إنه لا يصح في الجزء الثامن ص 57 * (بقية مناقب عثمان) *
37 - قال ابن كثير في تاريخه 7: 212: قال ليث بن أبي سليم (ابن زنيم القرشي
مولاهم): أول من خبص الخبيص عثمان خلط بين العسل والنقى ثم بعث به إلى رسول
الله صلى الله وعليه وسلم إلى منزل أم سلمة فلم يصادفه فلما جاء وضعوه بين يديه فقال: من بعث هذا؟
قالوا: عثمان. قالت: فرفع يديه إلى السماء فقال: اللهم إن عثمان نترضاك فارض عنه.
وذكره السيوطي في مسامرة الأوائل ص 87 نقلا عن البيهقي وابن عساكر من
طريق ليث.
قال الأميني: خبص ابن زنيم هذا الخبيص لعثمان بعد لأي من وفاة رسول الله
صلى الله وعليه وآله وسلم وقد مات الرجل بعد المائة والأربعين من الهجرة، ولم يدرك النبي صلى الله وعليه وآله وسلم،
ولم نعرف الذي أخذ الرواية منه ممن شهد قصعة الخبيص وحضر مشهد الدعاء كما
لا يعرف أحد من بقية رجال الاسناد، فالرواية مرسلة من الطرفين.
وأما ابن زنيم فقد جاء فيه عن عبد الله بن أحمد قال: ما رأيت يحيى بن سعيد
أسوأ رأيا منه في ليث وابن إسحاق وهمام، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم. وقال ابن
أبي شيبة وأبو حاتم والجوزجاني: كان ضعيف الحديث. وضعفه ابن سعد وابن معين

(1) راجع ما مضى في ج 7: 307 و ج 8: 33، 58 ط 2.
345

وابن عيينة. وقال أحمد وأبو حاتم أيضا وأبو زرعة: مضطرب الحديث لا تقوم به الحجة
عند أهل العلم بالحديث. وقال يحيى: عامة شيوخه لا يعرفون. وقال ابن حبان:
اختلط في آخر عمره فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسل، ويأتي عن الثقات بما ليس
من حديثهم، تركه القطان وابن مهدي ابن معين وأحمد. وقال أبو أحمد الحاكم ليس
بالقوي عندهم. وقال أبو عبد الله الحاكم: مجمع على سوء حفظه (1)
ألا تعجب من حافظ كابن كثير يذكر رواية هذا شأنها وهذه عللها وذلك متنها
المعلول ويرسلها إرسال المسلم في مقام الحجاج ويعدها من فضائل عثمان، ويأتي إلى
حديث المؤاخاة الصحيح الثبت المتواتر الوارد من طرق مسندة معنعنة في الصحاح
ويتخلص منه بقوله (2): أسانيدها كلها ضعيفة لا يقوم بشئ منها حجة. والله أعلم (3)
ويروي في تاريخه 7: 357 نزول آية الولاية في علي عليه السلام فقال: هذا لا يصح بوجه
من الوجوه لضعف أسانيده، ولم ينزل في علي شئ من القرآن بخصوصيته (4) حيا
الله الأمانة، وقاتل الله الحب المعمي والمصم.
ولو كان صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه لكل هدية ولو كانت لقمة خبيص؟ للزمه أن لا ينزلهما
في أغلب أوقاته لكثرة الهدايا إليه وكثرة مهديها، ولم تكن لعثمان ولخبيصه خاصة
توجب أداء حقها دون المؤمنين عامة وهداياهم.
38 - أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 6: 321 من طريق عبد الله بن الحسن
بن أحمد عن يزيد بن مروان الخلال عن إسحاق بن نجيح الملطي عن عطاء عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي خليلا من أمته وإن خليلي عثمان بن عفان.
قال الأميني: حسبك من عرفان رجال الاسناد كذابان: الخلال والملطي،
أما الخلال فقال يحيى بن معين: الخلال كذاب. وقال الدارمي: وقد أدركته وهو

(1) تهذيب التهذيب 8: 468.
(2) راجع تاريخ ابن كثير البداية والنهاية 7: 335.
(3) مر حديث المؤاخاة بطرقها المفصلة في ج 3: 112 - 125 ط 2 ومر الايعاز إليه في هذا
الجزء صفحة 317.
(4) أسلفنا في ج 3: 156، 167 ط 2 تفصيل القول في نزول الآية في علي عليه السلام،
وصحة روايته، وإطباق الفقهاء والمتكلمين والمحدثين والمفسرين على ذلك.
346

ضعيف قريب مما قال يحيى: وقال أبو داود. ضعيف. وقال الدارقطني: ضعيف جدا (1).
هذا مجمل القول في الخلال وأما الملطي فقال أحمد: إسحاق من أكذب الناس
وقال ابن معين: كذاب عدو الله رجل سوء خبيث. وقال ابن أبي شيبة عنه: كان ببغداد
قوم يضعون الحديث منهم إسحاق بن نجيح. وقال ابن أبي مريم: إنه من المعروفين
بالكذب ووضع الحديث. وقال عمرو بن علي: كذاب كان يضع الحديث وقال
الجوزجاني: غير ثقة ولا من أوعية الأمانة. وقال ابن عدي: أحاديثه موضوعات وضعها
هو وعامة ما أتى عن ابن جريح بكل منكر ووضعه عليه، وهو بين الأمر في الضعفاء
وهو ممن يضع الحديث. وقال النسائي: كذاب. وقال ابن حبان: دجال من
الدجاجلة يضع الحديث صراحا. وقال البرقاني: نسب إلى الكذب. وقال الجوزقاني
كذاب وضاع لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه ويجب بيان أمره. وقال أبو
سعيد: مشهور بوضع الحديث. وقال ابن طاهر. دجال كذاب. وقال ابن الجوزي:
أجمعوا على أنه كان يضع الحديث (2).
ومن العجب سكوت الخطيب عن هذه الرواية وعما في إسنادها من العلل وقد
ذكر هو كثير من آراء الحفاظ المذكورة في ترجمة إسحاق ولعله اكتفى بذكرها
عن تفنيد الرواية صريحا، وكان مفتعلها لم يقف على المفتعلة الأخرى المرفوعة: لكل
نبي خليل وخليلي سعد بن معاذ (3) ويضاد كلاهما ما جاء به البخاري في صحيحه
5: 243 من القول المعزو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت
أبا بكر. وقد قدمنا الكلام حول ذلك في الأجزاء الماضية وأنه موضوع مختلق أيضا.
39 - روى ابن أبي الدنيا بسنده عن فاطمة بنت عبد الملك قالت انتبه عمر " ابن
عبد العزيز " ذات ليلة وهو يقول: لقد رأيت الليلة رؤيا عجيبة. فقلت: أخبرني بها
فقال: حتى نصبح. فلما صلى بالمسلمين دخل فسألته فقال: رأيت كأني دفعت إلى
أرض خضراء واسعة كأنها بساط أخضر وإذا فيها قصر كأنه الفضة فخرج منه خارج

(1) ميزان الاعتدال 3: 318، لسان الميزان 6، 293.
(2) تاريخ الخطيب 6: 321 - 324، تهذيب التهذيب 1: 252
(3) كنز العمال 6: 183، منتخب الكنز هامش مسند أحمد 5: 231.
347

فنادى: أين محمد بن عبد الله؟ أين رسول الله؟ إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل
ذلك القصر، ثم خرج آخر فنادى: أين أبو بكر الصديق؟ فأقبل فدخل، ثم خرج
آخر فنادى: أين عمر بن الخطاب؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى: أين عثمان بن
عفان؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى: أين علي بن أبي طالب؟ فأقبل فدخل،
ثم خرج آخر فنادى: أين عمر بن عبد العزيز؟ فقمت فدخلت فجلست إلى جانب أبي (1)
عمر بن الخطاب وهو عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن يمينه وبينه وبين رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجل فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا عيسى بن مريم، ثم سمعت هاتفا
يهتف بيني وبينه نور لا أراه، وهو يقول: يا عمر بن عبد العزيز! تمسك بما أنت عليه
وأثبت على ما أنت عليه، ثم كأنه أذن لي في الخروج فخرجت فالتفت فإذا عثمان
ابن عفان وهو خارج من القصر وهو يقول: الحمد لله الذي نصرني ربي. وإذا علي
في أثره وهو يقول: الحمد لله الذي غفر لي ربي. وذكره ابن كثير في تاريخه 9: 206.
قال الأميني: أنا لا أزال أرحب بقوم يحاولون إثبات الحقايق بالأطياف، و
يجابهون ما ثبت في الخارج بالخيال، فتصور لهم ريشة الأوهام عثمان منزها عن كل
وصمة عرفتها فيه الصحابة العدول من أمة محمد الناظرين إليه من كثب والمشاهدين
أعماله الناقمين عليه بها، وقد أهدروا دمه من جرائها، وهم الذين يقتدى بهم وبأقوالهم
وأفعالهم عند القوم ويحتذى مثالهم، وبأمثال هذه السفاسف يجرؤن البسطاء على
التورط في المآثم بالنظر إلى هذا الانسان المغمور فيها في نظارة مكبرة تريه منزها
عن دنس كل حوب، منصورا من الله بعد أن خذلته الصحابة جمعاء.
ولهم هناك نظارة أخرى تصغر المنظور إليه من إمام المسلمين وسيد الخلفاء
خير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام إلى حد أثبتوا له ذنبا
مغفورا له.
ألا من مسائل إياهم عن أنه متى صدر هذا الذنب عن إمام المسلمين؟ أحين
عده النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه كما في الذكر الحكيم؟ أم حين طهره الجليل بقوله تعالى: " إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " أم حين قرن ولايته بولايته

(1) عمر بن الخطاب جد عمر عبد العزيز من أمه أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب
348

وولاية نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله سبحانه: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (1)؟ أم حين أكمل بولايته الدين وأتم نعمته
على المسلمين بقوله عز من قائل: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي و
رضيت لكم الاسلام دنيا (2)؟.
أم حين جعله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالناس من أنفسهم كما هو أولى بهم من أنفسهم
فرشحه للخلافة الكبرى في حديث الغدير المتواتر المقطوع بصدوره؟ أم حين جعله
عدل القرآن في حديث الثقلين الثابت المتواتر؟ أم حين أنزله من نفسه بمنزلة هارون
من موسى، وفصل بينه وبين نفسه بالنبوة فحسب فقال: إلا أنه لا نبي بعدي؟ (3)
أم أم إلى ألف أم.
على أنه سلام الله عليه كان حلس بيته والناس متجمهرون على عثمان لا يشاركهم
في شئ من أمره، ولعل في الفئة المهملجة من يعد ما كان ينوء به الإمام عليه السلام من
نهي عثمان عما نقم عليه به من هنات وعثرات وأمره إياه بالمعروف والعمل بالكتاب
والسنة فلا يجد منه أذنا مصيخة حتى قال: ما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك،
أذهبت شرفك وغلبت على أمرك (4) - ذنبا مغفورا له، ويعده تقوية لجانب الثائرين
على الرجل، وما هو من ذلك بشئ، وإنما أراد عليه السلام كشف المثلات عنه بإقلاعه عما
كان يرتكبه من الموبقات ولكن على حد قول الشاعر:
أمرتكم أمري بمنعرج اللوا * فلم تستبين النصح إلا ضحى الغد
أو على حد قوله:
وكم سقت في آثاركم من نصيحة * وقد يستفيد الظنة المتنصح
فزه زه بهذه المعرفة وحيا الله العلم الناجع الذي يرى صاحبه الواجب ذنبا و
المذنب منصورا.
وأحسب أن الذي افتعل هذه الأكذوبة الخيالية رجل من بسطاء الأكراد

(1) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 156 - 167 ط 2.
(2) راجع ما أسلفناه في الجزء الأول ص 231 - 239 ط 2.
(3) راجع ما مر في الجزء الثالث ص 199 - 202 ط 2.
(4) راجع ما مر في هذا الجزء ص 172 - 175.
349

أو الاعجام البعداء عن العربية وإلا فالعربي الصميم لا يقول: الحمد لله الذي نصرني
ربي، والحمد لله الذي غفر لي ربي.
ولعمر بن عبد العزيز منام أشنع من هذه المهزأة يحوي فصل الخصومات الواقعة
بين الإمام أمير المؤمنين ومعاوية بن هند، أخرجه أبو بكر بن أبي الدنيا أيضا بالإسناد
عن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأبو بكر وعمر جالسان عنده
فسلمت عليه وجلست، فبينما أنا جالس إذا أتي بعلي ومعاوية، فأدخلا بيتا وأجيف
الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع من أن خرج علي وهو يقول: قضي لي ورب الكعبة
ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول: غفر لي ورب الكعبة (1)
ويظهر من الجمع بين المنامين أن موقف أمير المؤمنين علي من عثمان كان كموقف
معاوية من علي صلوات الله عليه، موقف الخروج على إمام الوقت، موقف البغي والجور،
لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون، والله هو الحكم العدل يوم لا ينفع طيف ولا خيال.
40 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 3 من طريق سعيد بن خالد عن صالح بن
كيسان " أموي النزعة مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز " عن سعيد بن المسيب قال: نظر
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان فقال: هذا التقي المؤمن الشهيد شبيه إبراهيم.
قال الأميني: كأن سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي أو سعيد
ابن خالد الخزاعي المدني المجمع على ضعفه لم يجد في صحابة النبي الأقدس من
يتحمل عبء هذا السرف من القول والغلو في الفضيلة فتركه مرسلا مقطوعة العرى بين
سعيد بن المسيب المولود بعد سنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لعل الباحث بعد قراءة ما سردناه من سيرة الممدوح وآراء الصحابة فيه وإصفاق
الأمة على النقمة عليه بأفعاله وتروكه الشاذة عن التقوى لا يخفى عليه أن تشبيه الرجل
بإبراهيم النبي عليه السلام جناية على المعصومين وسفه من القول وتره، نعوذ بالله من
التقول بلا تعقل.
ولو كان التشبيه بمن كان من الأنبياء مقتولا لأمكن أن يتصور له وجه شبيه ولو مع ألف
فارق. غير أن نوبة الظلم عند وضع هذا الحديث كانت قد انتهت إلى خليل الله سلام الله عليه.

(1) تاريخ ابن كثير 8: 130.
350

وإني أحسب أن مصحصح هذه المهزأة قرع سمعه حديث التشبيه الوارد في مولانا
أمير المؤمنين المذكور في الجزء الثالث ص 355 - 360 ط وراقه من ذلك تشبيهه بخليل
الرحمن فحابى الرجل بذلك وقد أعماه الحب عن عدم وجود وجه شبه ولو من جهة
واحدة مع التمحل بين نبي معصوم خص بفضيلة الخلة من المولى سبحانه وبين من
قتل دون هناته وسقطاته
أنا لا أدري أن هتاف النبي صلى الله وعليه وآله وسلم هذا الذي سمعه سعيد بن المسيب المولود
بعده هل سمعته عائشة ومع ذلك كانت تهتف بقولها: اقتلوا نعثلا قتله الله فإنه قد كفر.
وبقولها لابن عباس: يا ابن عباس! إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس
عن هذا الطاغية. وبقولها: وددت والله إنه في غرارة من غرائري هذه وإني طوقت
حمله حتى ألقيه في البحر، وبقولها لمروان: وددت والله إنك وصاحبك هذا الذي يعنيك
أمره في رجل كل واحد منكما رحا وإنكما في البحر. وبقولها للداخلين إليها: هذا
ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبل عثمان قد أبلى سنته. وبقولها لما بلغها نعيه: أبعده الله
ذلك بما قدمت يداه وما هو بظلام للعبيد. وبقولها: أبعده الله قتله ذنبه. وأقاده الله
بعمله. يا معشر قريش! لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه (1).
وهل سمع حديث التشبيه في عثمان أولئك الصحابة الذين سمعت أقوالهم و
أفعالهم حول الرجل؟ أو أن الحديث كان باطلا فلم يسمعه أحد منهم؟ الحكم في ذلك
أنت أيها القارئ الكريم.
وأخرج رواة السوء من طريق عائشة في التشبيه ما هو أعظم من هذا وأهتك
لناموس الاسلام ونبيه الأقدس وإليك نصه:
عن المسيب بن واضح السلمي الحمصي، عن خالد بن عمرو بن أبي الأخيل
السلفي الحمصي، عن عمرو بن الأزهر العتكي البصري قاضي جرجان، عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم كلثوم قال لأم
أيمن خذي بنتي وزفيها إلى عثمان واخفقي بالدف. ففعلت فجاءها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد
ثالثة فقال: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير رجل. قال: أما إنه أشبه الناس بجدك

(1) راجع ما مضى في هذا الجزء من حديث عائشة ص 77 - 86.
351

إبراهيم وأبيك محمد (1).
ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة عمرو بن الأزهر فقال: هذا موضوع.
ونحن نقول: رجال الاسناد:
1 - المسيب بن واضح، قال أبو حاتم: صدوق يخطئ كثيرا فإذا قيل له لم يقبل
وقال الدارقطني: ضعيف. وقال الساجي: تكلموا فيه في أحاديث كثيرة. وقال عبدان
هو وعبد الوهاب بن الضحاك كلاهما سواء (2) وعبد الوهاب كما مر في الجزء الخامس
ص 242 ط 2: كذاب يضع الحديث متروك كثير الخطأ والوهم وكان معروفا بالكذب
في الرواية.
2 - خالد بن عمرو، كذبه الفريابي، ووهاه ابن عدي وغيره، وقال الدارقطني:
ضعيف. وقال ابن عدي: له أحاديث مناكير. وذكر الذهبي حديثا من طريقه فقال:
باطل ومن بلايا الأخيل حديث كذب في مشيخة ابن شاذان (3).
3 - عمرو بن الأزهر العتكي، قال أبو سعيد الحداد: كان يكذب مجاوبة، وعن
ابن معين إنه ليس بثقة ضعيف، وقال البخاري: يرمى بالكذب. وقال النسائي وغيره
متروك، وقال أحمد: كان يضع الحديث. وقال عباس الدوري عن يحيى: كان كذابا
ضعيفا. وقال الدولابي: متروك الحديث. وقال الجوزجاني: غير ثقة. ميزان الاعتدال
2: 281، لسان الميزان 4: 353.
وأعطف إلى هذه المكذوبة ما أخرجه ابن عدي من طريق زيد بن الحريش عن
عمرو بن صالح قاضي رامهرمز عن العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا:
إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم.
قال الذهبي: منكر جدا، وقال ابن عدي في ذكر عمرو بن صالح بعد هذا الحديث
وله غير هذا مما لا يتابع عليه.
41 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 7 عن الحسين بن علي بن الأسود عن

(1) ميزان الاعتدال 2: 281، لسان الميزان 4: 353.
(2) ميزان الاعتدال 3: 171 لسان الميزان 6: 41.
(3) ميزان الاعتدال 1: 299، تهذيب التهذيب 3: 110.
352

عبد الرحمن قال: قمت في الحجر فقلت: لا يغلبني عليه أحد الليلة فجاء رجل من خلفي
فغمزني فأبيت أن التفت، ثم غمزني فأبيت أن ألتفت، ثم غمزني الثالثة فالتفت فإذا عثمان
فتأخرت عن الحجر فقرأ القرآن في ركعة ثم انصرف.
وأخرجه أبو نعيم بالإسناد في حلية الأولياء 1: 56، 57 ولفظه: قال عبد الرحمن:
لأغلبن الليلة على المقام، فلما صليت العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه قال:
فبينا أنا قائم إذا رجل وضع يده بين كتفي فإذا هو عثمان بن عفان. قال: فبدأ بأم
القرآن فقرأ حتى ختم القرآن فركع وسجد، ثم أخذ نعليه فلا أدري أصلى قبل ذلك
شيئا أم لا؟.
قال الأميني: سل عن راوي هذه الفضيلة الحافظ ابن عدي أنه قال: الحسين بن
علي كان يسرق الحديث، وأحاديثه لا يتابع عليها. وسل عنه الأزدي فإنه قال: إنه
ضعيف جدا يتكلمون في حديثه. وسل عنه أحمد إمام الحنابلة فإنك تسمع منه ما
سمعه أبو بكر المروزي لما سأله عنه من قوله: لا أعرفه (1).
ثم هلم معي نسائل عبد الرحمن التيمي هلا كان من واجبه أن يخبر ابن عمه
طلحة بن عبيد الله التيمي بهذه السيرة الصالحة يوم ضيق على صاحبها الخناق، وضاقت
عليه الأرض بما رحبت، يوم هتك حرمته، وأباح دمه، وأورده المنية، ومنع جنازته
عن أن تدفن في مقابر المسلمين؟.
ولنا أن نسائل الممدوح " عثمان " ألم يكن في الحجر مكانا يسعه إلا موقف
عبد الرحمن؟ وهل كان له أن يغمز الرجل مرة بعد أخرى وهو في محراب الطاعة؟
أو أن يزيحه عن مكانه والوقف لمن سبق؟ وقد جاء في السنة الشريفة من طريق جابر
مرفوعا: لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن
يقول: افسحوا " صحيح مسلم 7: 10 ".
ومن طريق ابن عمر مرفوعا: لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ثم يجلس فيه
ولكن تفسحوا وتوسعوا. وزاد في حديث ابن جريج قلت: في يوم الجمعة؟ قال: في
الجمعة وغيرها. صحيح مسلم 7: 10، مسند أحمد 2: 22، صحيح البخار ي 2: 94.

(1) راجع تهذيب التهذيب 2: 243.
353

وفي لفظ لمسلم: لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه. وفي لفظ
له أيضا: لا يقيمن أحدكم أخاه ثم يجلس في مجلسه.
قال النووي في شرح مسلم هامش إرشاد الساري 8: 479: هذا النهي للتحريم
فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غير ها فهو
أحق به، ويحرم على غيره إقامته منه لهذا الحديث
وقال القسطلاني في إرشاد الساري 2: 169: ظاهر النهي التحريم فلا يصرف
عنه إلا بدليل، فلا يجوز أن يقيم أحدا من مكانه ويجلس فيه، لأن من سبق إلى مباح
فهو أحق به، ولأحمد (1) حديث إن الذي يتخطى رقاب الناس أو يفرق بين اثنين بعد
خروج الإمام كالجار قصبه (2) في النار، والتفرقة صادقة بأن يزحزح رجلين عن مكانهما
ويجلس بينهما.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار 3: 306. من سبق إلى موضع مباح سواء كان
مسجدا أو غيره في يوم الجمعة أو غيرها لصلاة أو لغيرها من الطاعات فهو أحق به، و
يحرم على غيره إقامته منه والقعود فيه.
فإقامة عثمان عبد الرحمن من مكانه الذي كان هو أحق به وغمزه إياه مرة بعد
أخرى محظور محرم شاذ عن السنة الثابتة.
ثم هل تسع الليلة لقراءة القرآن ختمة واحدة؟ ولعلها تسع بالتمحل من كون
الليلة من ليالي الشتاء الطويلة، ومن قدوم عثمان الحجر بعد فريضة العشاء بلا فصل،
وإنه كان طلق اللسان خفيفه، وإن كنا لا نعلم شيئا من ذلك.
أليس عثمان هذا هو الذي صعد المنبر وأرتج عليه وقام مليا لا يتكلم فقال: إن
أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وإني لم أزور له خطبة ولا أعددت له كلاما
وسنعود فنقول؟ (3) أي خطيب يعوزه الكلام ويفتقر إلى تزوير مقال وفي ذاكرته كلام
الله المجيد؟ وفيه بلغة وكفاية عن كل تلفيق وترميق وترميغ.

(1) أخرجه أحمد في مسنده 3: 417.
(2) القصب بضم القاف: الظهر. المعي. ج: أقصاب.
(3) راجع الجزء الثامن ص 163، 164 ط 2.
354

وهلا كان على الرجل أن يعمل بالقرآن الذي كان يختمه في صلاته؟ ألم يك
في قرآنه قوله تعالى: الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا
بهتانا وإثما مبينا "؟ (1) أو لم يكن أبو ذر وعمار وابن مسعود والأمة الصالحة أمثالهم
من المؤمنين؟ وقد آذاهم بالنفي والضرب والتنكيل وبكل ما كان يمكنه.
أما كان فيه قوله تعالى: " الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم "؟ وقد آذى
الرسول في كريمته أم كلثوم باقترافه ليلة وفاتها. وبإيواء من طرده ولعنه. وبإزراء
صحابته الأكرمين وفي مقدمهم ابن عمه الطاهر. وبتبديل سنته والحياد عن محجته.
أما كان فيه قوله تعالى: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "؟
وقد خالف الله ورسوله ولم يطعهما ونبذ الكتاب والسنة وراء ظهره في غير موضع من
الأموال والصدقات والزكاة والصلاة والصلاة والقطايع والأوقاف والحج والنكاح
والحدود والديات (2).
أما كان فيه ذكر لحدود الله؟ أو لم يكن فيه قوله سبحانه: " ومن يتعد حدود
الله فأولئك هم الظالمون "؟ وقد تعدى الحدود، ونسي العهود، ونقض التوبة، وحنث
الإل، وجاء بما لا يحمد عقباه، وأتى بنهابير أوردته القتل الذريع، وجرت عليه
الويلات كما جرتها على الأمة حتى اليوم.
أما كانت في قرآنه آية المباهلة أو آية التطهير؟ والله يعد في الأولى عليا نفس
النبي الأعظم، ويطهره من الرجس بالثانية كما طهر نبيه. وكان عثمان يرى مروان
لعين رسول الله وطريده أفضل منه عليه السلام (3).
وليت الرجل ترك تلك التلاوة المتعبة والتزم بالعمل بالقرآن الكريم وأقام
حدوده واقتصر من التلاوة على ما تيسر.
42 - أخرج البلاذري في " الأنساب " 5: 7 عن خلف البزار عن عبد الوهاب
ابن عطاء (4) الخفاف البصري عن سعيد بن أبي عروبة أبي النضر البصري عن ابن

(1) سورة الأحزاب: آية 58.
(2) فصلنا القول في ذلك كله في الجزء الثامن.
(3) مضى حديثه في الجزء الثامن ص 297 ط 2.
(4) في النسخة: عبد الوهاب عن عطاء والصحيح ما ذكرناه.
355

أخي (1) مطرف بن عبد الله بن الشخير عن مطرف البصري قال: لقيت عليا يوم الجمل
فأسرع إلي بدابته فقلت: أنا أحق أن أسرع إليك فقال: أحسب عثمان منعك من إتياننا
فأقبلت أعتذر إليه فقال: لئن أحببته لقد كان أبرنا وأوصلنا.
* (رجال الاسناد) *
1 - خلف البزار، الثقة الأمين السكير. راجع من الجزء الخامس ص 295 ط 2
2 - عبد الوهاب بن عطاء: قال المروزي: قلت لأحمد: عبد الوهاب ثقة؟ فقال:
ما تقول: إنما الثقة يحيى القطان. وقال الساجي: صدوق ليس بالقوي عندهم وقال
البخاري: ليس بالقوي عندهم وهو يحتمل. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو
حاتم: ليس عندهم بقوي في الحديث. وقال ابن أبي شيبة: ليس بكذاب ولكن ليس
هو ممن يتكل عليه. وقال الميموني عن أحمد بن حنبل: ضعيف الحديث. وقال البزار:
ليس بالقوي وقد احتمل أهل العلم حديثه (2) تهذيب التهذيب 6: 451.
3 - سعيد بن أبي عروبة. قال أبو حاتم: هو قبل أن يختلط ثقة. وقال دحيم:
اختلط. وقال الأزدي: اختلط اختلاطا قبيحا. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث
ثم اختلط في آخر عمره. وقال ابن حبان: بقي في اختلاطه خمس سنين ولا يحتج
إلا بما روى عنه القدماء مثل يزيد بن زريع وابن المبارك، وقال عبد الوهاب (الراوي
عنه): خولط سعيد سنة 47 وعاش بعد ما خولط تسع سنين. وقال النسائي: من سمع
منه بعد الاختلاط فليس بشئ. وقال ابن عدي: من سمع منه قبل الاختلاط فإن
ذلك صحيح حجة ومن سمع منه بعد الاختلاط لا يعتمد عليه. وقال أبو بكر البزار:
ابتدأ به الاختلاط سنة 133 (3).
فعلى الأخذ بقول أبي بكر البزار في ابتداء اختلاطه وقول ابن حبان من أنه
مات سنة 155 تربو أعوام اختلاطه على اثنتين وعشرين سنة. هذا أكثر ما قيل في مدة
اختلاطه وأقله خمس سنين وبينهما أقوال أخر.

(1) هو عبد الله بن هاني بن عبد الله بن الشخير البصري.
(2) احتمال الحديث إنما هو للاعتبار كما جاء مصرحا به في كثير من الضعفاء.
(3) تهذيب التهذيب 4: 63 - 66.
356

هذه علل الرواية إسنادا، وأما هي من ناحية المتن فسل عنها مولانا أمير المؤمنين
ورأيه المدعوم في عثمان وقد أسلفناه في هذا الجزء ص 69 - 77: أتراه صلوات الله عليه
يرى الرجل أبرهم وأوصلهم ثم يرفع عقيرته على صهوة الخطابة بمثل قوله فيه: قام
ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة
الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته (1).
وقوله فيه: إن بني أمية ليفوقونني تراث محمد صلى الله عليه وآله وسلم تفويقا (2).
وقوله في أقطاعه وأعطياته: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه
من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ، ولو وجدته
قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان لرددته إلى حاله. راجع ج 8: 287 ط 2.
أنى كانت صلات عثمان مشروعة مرضية عند أمير المؤمنين حتى يثني بها عليه
ويراه أبرهم وأوصلهم، وقد أوقفناك في الجزء الثامن على شطر مهم من هباته ومدرها
فاقرأ وتبصر.
43 - أخرج ابن عساكر عن يزيد بن أبي حبيب كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي
ص 110، أنه قال: بلغني أن عامة الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جنوا. و
في لفظ القرماني في أخبار الدول هامش الكامل لابن الأثير 1: 213: إن عامة من
أشار إلى قتل عثمان جنوا.
قال الأميني: أليست هذه المهزأة من فنون الجنون؟ انظر إلى عقل من جاء بها
أولا: (يزيد بن أبي حبيب) ثم أرجع البصر كرتين إلى عقل أولئك الحفاظ الذين
عدوا مثل هذا التره التافه من فضائل عثمان وكراماته، وإني أحسب أن في قول
ابن سعد في ترجمة يزيد بن أبي حبيب: " إنه كان حليما عاقلا " دفعا لما يدخل
هاجسة القاري من روايته هذه، لكنه لا يثبت له العقل بعد ما حفظها له التاريخ، كيف
يصدق ذو مسكة هذه السفسطة والركب السائرون إلى عثمان تعد بالآلاف من رجال
الحواضر الإسلامية وهم معروفون مشهورون ولم يعرف أحد منهم بما قذفهم ابن

(1) راجع الجزء السابع ص 81.
(2) راجع الجزء الثامن ص 287 ط 2.
357

حبيب؟ وما الذي أخفى ما عرف منهم الرجل على كل الصحابة والتابعين في الأوساط
ولم يعلم به إلا هو فحسب؟
على أنا نعرف جماهير من القوم لا نشك ولا يشك عاقل في ثبوت كمال العقل لهم
إلى أن ماتوا أو قتلوا كسيدنا عمار بن باسر ومالك الأشتر، وكعب بن عبدة، وزيد بن
صوحان، وصعصعة بن صوحان، وعمرو بن بديل الورقاء، ومحمد بن أبي بكر، وعمرو بن
الحمق، إلى نظرائهم الكثيرين وجلهم من رجال الصحاح والمسانيد أخرج أئمة الحديث
من طرقهم أحاديث جمة وصححوها، ولم يتوقف أحد منهم في شئ منها للجهل بصدورها
قبل جنونهم أو بعده
ولو أخذنا بلفظ القرماني فلا يشذ من الجنون جل الصحابة من المهاجرين والأنصار
إن لم نقل كلهم لإطباقهم على قتل الرجل وفي مقدمهم طلحة والزبير وعمرو بن العاص
والسيدة عائشة أم المؤمنين.
ولعمر الحق أن المعتوه من شوه صحيفة التاريخ بهذه الخزايات غلوا منه في فضائل
أناس من الشجرة المنعوتة في القرآن. والله هو الحكم العدل.
44 - أخرج الواحدي في أسباب النزول ص 210 قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن
محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو بكر الأنباري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال:
حدثنا عفان. قال: حدثنا وهيب. قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إبراهيم
عن عكرمة عن ابن عباس قال: نزلت: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ (1)
في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سرا وجهرا ومولاه أبو الخوراء الذي كان ينهاه
فنزلت. وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ (2) فالأبكم منهما الكل
على مولاه هذا السيد أسد بن أبي العيص. ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو
عثمان بن عفان رضي الله عنه. وبهذا الاسناد أخرجه البلاذري في الأنساب 5: 3.
وذكر ابن سعد في طبقاته 3: 41 مرسلا عن عكرمة عن ابن عباس نزول: هل

(1) سورة النحل: 75 وتمام الآية: ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل
يستون الحمد لله بل لأكثرهم لا يعلمون.
(2) وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط
مستقيم. تمام الآية. سورة النحل: 76.
358

يستوي هو ومن يأمر بالعدل. الآية. في عثمان. وكذلك المحب الطبري في الرياض
النضرة 2: 103.
قال الأميني: لعل الباحث لا يطالبنا البحث عن إسناد هذه الأكذوبة التي حرفوا
بها الكلم عن مواضعها ويراها شاهد صدق علي قول سعيد بن المسيب لبرد مولاه: يا برد!
إياك وأن تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس (3).
ولك أن ترجع البصر كرتين، وتمعن النظر دواليك في صحيفة تاريخ عثمان، في
أي يوميه تجد منه ما يعاضد هذه الأسطورة؟ ومتى كان يأمر بالعدل وهو على صراط
مستقيم؟ أما أيامه مع النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فحسبك منها ما ذكرناه في الجزء الثامن
ص 231، 280، وفي هذا الجزء ص 327 وأما أيام خلافته فحدث عنها ولا حرج و
قد سجل التاريخ له فيها هنات لا تغفر وعثرات لا تقال. وقد وصف مولانا أمير المؤمنين
عليه السلام تلكم الأيام في كتابه إلى أهل مصر بقوله: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي
في أرضه، وذهب بحقه، فذهب الجور سرادقه على البر والفاجر، والمقيم والظاعن،
فلا معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه. راجع ص 74 من هذا الجزء.
ووصفها أبو أيوب الأنصاري بقوله: عباد الله أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان
أمس؟ وقد شمل العباد، وشاع في الاسلام، فذو حق محروم مشتوم عرضه، و
مضروب ظهره، وملطوم وجهه، وموطوء بطنه، وملقى بالعراء. إلى آخر ما مر في
هذا الجزء ص 125.
أكان من العدل وعلى الصراط المستقيم إيواءه طريد رسول الله ولعينه؟ أم خضمه
مع أبناء بيته مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع؟ أم أياديه عند أهل العيث والفساد و
أعطياته من مال المسلمين أبناء بيته الساقط من فاسق مستهتر إلى لعين طريد إلى شاب
مترف إلى أغيلمة سفهاء، وتسليطهم على ناموس الاسلام ورقاب المسلمين بتوليهم الأمر
في البلاد وبين يديه قوله صلى الله عليه وآله وسلم من تولى من أمر المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا
وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله فقد خان الله

(3) معارف ابن قتيبة ص 194.
359

ورسوله وجميع المؤمنين؟ (1) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في صحيحة الحاكم من طريق ابن عباس:
من استعمل رجلا من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان
رسوله وخان المؤمنين. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في صحيحة أخرى من طريق أبي بكر: من ولي
من أمر المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاماة فعليه لعنة الله: لا يقبل الله منه صرفا ولا
عدلا حتى يدخله جهنم.
" إزالة الخفا 1: 16 "
أكان من العدل وعلى الصراط المستقيم إزرائه صلحاء الأمة وعظماء الصحابة و
إيذائهم بغير ما اكتسبوا وقد احتمل بهتانا وإثما مبينا، وهم بين مسيرها لك في تسييره،
ومعذب في قعر السجون وظلم المطامير، ومشتوم مهان ينادى عليه بذل الاستخفاف،
ومضروب قد دقت بالضرب أضلاعه، وآخرا عذر متنه وفتق بطنه، ومحروم عن مال الله
لأمره بالمعروف وإنكاره المنكر؟ أم سبه الصحابة - العدول - وتكفيره إياهم بكتابه
وخطابه؟ أم مجابهته صنو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونفسه بتلكم القوارص؟ أم عده مروان الوزغ
الطريد اللعين أفضل من سيد العترة؟ أم رأيه فيه سلام الله عليه بأنه أولى الناس بالنفي
من جوار النبي الأقدس؟ أم إبعاده إياه، عن المدينة مرة بعد أخرى؟ أم نقضه العهود و
المواثيق المؤكدة؟ أم نبذه كتاب الله وراء ظهره، وشذوذه عن السنة الشريفة في صلاته
وصلاته وحجه وزكاته وإدخال آرائه الشاذة في جميع ذلك؟ أم أم إلى ما شاء الله.
هلا عرفت الصحابة عدل هذا الانسان وكونه على الصراط المستقيم يوم حسبوه
جائرا في الحكم، حائدا عن العدل، متنكبا عن الصراط، باغيا ساعيا في الأرض فسادا
ولم يبرحوا ناقمين مؤلبين عليه إلبا واحدا حتى تمخضت عليه البلاد، وأسعرت وراءه
نارا، ولم تنطفئ إلا باختلاسه وإخماد أنفاسه؟ أو أنهم عرفوا ذلك غير أن الضغائن
حدتهم إلى ما ارتكبوا منه؟ فأين إذن عدالة الصحابة؟.
وإن كان الرجل آمرا بالعدل وهو على صراط مستقيم فعهده على نفسه سنة 35
بأن يعمل بالكتاب والسنة لماذا؟ وتوبته مرة بعد أخرى على صهوات المنابر عماذا؟
والتزامه بالإقلاع عما هو عليه وتغيير خطته لماذا؟ وما تلكم الأقوال من الصحابة
الواقفين عليه وعلى أعماله من كثب؟ مثل قول علي أمير المؤمنين له: ما رضيت من

(1) مجمع الزوائد 5: 211.
360

مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث
يسار به. وقوله: أذهبت شرفك وغلبت على أمرك. وقول عمار: امضوا معي عباد الله
إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله.
وقول عمرو بن العاص لعثمان: ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمور فركبوها منك
وملت بهم فمالوا بك، اعدل أو اعتزل.
وقول سعد بن أبي وقاص: لكن عثمان غير وتغير، وأحسن وأساء.
وقول مالك الأشتر: الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه، النابذ
لحكم القرآن وراء ظهره.
وقول صعصعة بن صوحان له: ملت فمالت أمتك، اعتدل يا أمير المؤمنين! تعتدل
أمتك.
وقول هاشم المرقال: إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس حين أحدث أحداثا
وخالف حكم الكتاب.
وقول عبد الرحمن العنزي: هو أول من فتح أبواب الظلم، وارتج أبواب الحق.
وقول أصحاب حجر بن عدي: هو أول من جار في الحكم، وعمل بغير الحق.
وقول الصحابة له: بلونا منك من الجور في الحكم، والأثرة في القسم، والعقوبة
للأمر بالتبسط من الناس.
وقول نائلة بنت الفرافصة زوجته له: إتق الله وحده لا شريك له، واتبع سنة
صاحبيك من قبلك.
إلى كلمات كثيرة لأمة كبيرة من الصحابة مرت في هذا الجزء، فنزول الآية
الكريمة في عثمان لا تساعده تلكم الأقوال، وتضاده سيرته المعروفة، هكذا يحرفون
الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به.
45 - أخرج ابن عساكر كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 110 عن ابن عباس
أنه قال: لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء. وذكره القرماني
في أخبار الدول هامش الكامل 1: 214.
قال الأميني: للباحث أن يسائل راوي هذه المزعمة المرسلة المعزوة إلى حبر
361

الأمة عن أن الطلب بدم عثمان هل كان أمرا مشروعا يرتضيه الله ورسوله؟ أو كان غير
ذلك؟ فإن كان الأول؟ فلماذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعهد إلى علي أمير المؤمنين أن
يقاتل الناكثين والقاسطين الطالبين بدم عثمان؟ ويحث عيون أصحابه على مناصرته عليه السلام
متى واثبه القوم؟ ويحذر مناوئيه في المقامين وينهاهم عن قتاله عليه السلام، ويصفهم بالظلم إن
فعلوا؟ راجع الجزء الثالث ص 188 - 195 ط 2.
ولماذا كان مولانا أمير المؤمنين يناضلهم، فضلا عن اشتراكه معهم في الطلب؟ ولا
يسلم إليهم قتلة عثمان وآواهم؟ وهو الذي يدور الحق معه حيثما دار، وهو مع القرآن
والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا على النبي الحوض (1).
وكيف كانت الصحابة العدول يقاتلون معه عليه السلام الثائرين بدم عثمان؟ وفي يوم
الجمل تحت رايته عيون الصحابة ووجهاء الأمة، وفي صفين شهد معه الإمامان السبطان
الحسنان وممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة مائتان وخمسون كما في مستدرك
الحاكم 3: 104 ويقال: ثمانمائة نفس فقتل منهم ثلاثمائة وستون نفسا (3) وكان معه
ثمانون بدريا على رواية ابن ديزيل والحاكم (3) وجاء في خطبة سعيد بن قيس: سبعون
بدريا (4) وفي كلام لمالك الأشتر: قريب من مائة بدري (5) ومن أولئك الصحابة وفي
مقدمهم البدريون:
1 - أسيد بن ثعلبة الأنصاري. بدري.
2 - ثابت بن عبيد الأنصاري. بدري قتل بصفين.
3 - ثعلبة بن قيظي بن صخر الأنصاري. بدري.
4 - جبر بن أنس بن أبي زريق. بدري.
5 - جبلة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي. بدري.
6 - الحارث بن حاطب بن عمرو الأنصاري الأوسي. بدري.

(1) راجع ما ذكرناه في الجزء الثالث ص 176 - 180 ط 2.
(2) الاستيعاب في ترجمة عمار، الإصابة 2: 389.
(3) مستدرك الحاكم 3 ص 104، تاريخ ابن كثير 7: 254.
(4) كتاب صفين لابن مزاحم ص 266، شرح ابن أبي الحديد 1: 483.
(5) كتاب صفين لابن مزاحم ص 268، شرح ابن أبي الحديد 1: 484.
362

7 - الحارث بن النعمان بن أمية الأنصاري الأوسي. بدري.
8 - حصين بن الحارث بن المطلب القرشي. بدري.
9 - خالد بن زيد بن كليب أبو أيوب الأنصاري. بدري.
10 - خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الأنصاري الأوسي. بدري قتل بصفين.
11 - خليفة - ويقال: عليفة - بن عدي بن عمرو البياضي. بدري.
12 - خويلد بن عمرو الأنصاري السلمي. بدري.
13 - ربعي بن عمرو الأنصاري. بدري.
14 - رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري الخزرجي. بدري.
15 - زيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدي البلوي. بدري.
16 - جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري السلمي. بدري.
17 - خباب بن الأرت أبو عبد الله التميمي. بدري.
18 - سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي. بدري.
19 - سماك بن - أوس بن - خرشة الأنصاري الخزرجي. بدري.
20 - صالح الأنصاري. بدري.
21 - عبد الله بن عتيك الأنصاري. بدري.
22 - عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود الأنصاري. بدري.
23 - عمار بن ياسر المطيب الطيب الشهيد بصفين. بدري.
24 - عمرو بن أنس الأنصاري الخزرجي. بدري.
25 - عمرو بن الحمق الخزاعي الكعبي. بدري.
26 - قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي. بدري.
27 - كعب بن عامر السعدي. بدري.
28 - مسعود بن أوس بن أصرم الأنصاري. بدري.
29 - أبو الهيثم مالك بن التيهان البلوي المستشهد بصفين. بدري.
30 - أبو حبة عمرو بن غزية. بدري.
31 - أبو عمرة بشر بن عمرو بن محصن الأنصاري المستشهد بصفين. بدري
363

32 - أبو فضالة الأنصاري استشهد بصفين. بدري.
33 - أبو محمد الأنصاري. بدري.
34 - أبو بردة هاني بن نيار - ويقال: نمر - بدري.
35 - أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد الأنصاري السلمي. بدري.
36 - أسود بن عيسى بن أسماء التميمي.
37 - أشعث بن قيس الكندي كان أميرا على الميمنة يوم صفين.
38 - أنس بن مدرك أبو سفيان الخثعمي.
39 - الأحنف بن قيس أبو بحر التميمي السعدي.
40 - أعين بن ضبيعة الحنظلي. أحد الأمراء بصفين.
41 - بريد الأسلمي. قتل بصفين وفيه يقول أمير المؤمنين:
جزى الله خيرا عصبة أسلمية * حسان الوجوه صرعوا حول هاشم.
بريد وعبد الله منهم ومنقذ * وعروة ابنا مالك في الأكارم.
42 - البراء بن عازب الأنصاري الخزرجي.
43 - بشر - بشير - بن أبي زيد الأنصاري.
44 - بشير بن أبي مسعود الأنصاري.
45 - ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري.
46 - جارية بن زيد المستشهد بصفين
47 - جارية بن قدامة بن مالك التميمي السعدي.
48 - جبلة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري.
49 - جبير بن الحباب بن المنذر الأنصاري.
50 - جندب بن زهير الأزدي الغامدي كان من أمراء الجيش بصفين.
51 - جندب بن كعب العبدي أبو عبد الله الأزدي الغامدي.
52 - الحارث بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي.
53 - حازم بن أبي حازم الأحمسي المستشهد بصفين.
54 - الحبشي بن جنادة نصر السلولي.
364

55 - الحجاج بن عمرو بن عزية الأنصاري.
56 - حجر بن عدي الكندي المعروف بحجر الخير، كان من الأمراء يوم صفين
57 - حجر بن يزيد بن مسلمة الكندي.
58 - حنظلة بن النعمان الأنصاري.
59 - حيان بن أبجر الكناني.
60 - خالد بن أبي خالد الأنصاري.
61 - خالد بن أبي دجانة الأنصاري.
62 - خالد بن المعمر بن سليمان السدوسي كان من أمراء علي يوم صفين.
63 - خالد بن الوليد الأنصاري، كان ممن أبلى بصفين.
64 - خرشة بن مالك بن جرير الأودي.
65 - رافع بن خديج بن رافع الأنصاري الخزرجي الحارثي.
66 - ربيعة بن قيس العدواني.
67 - ربيعة بن مالك بن وهيل النخعي.
68 - زبيد بن عبد الخولاني شهد صفين مع معاوية وكانت معه الراية فلما
قتل عمار تحول إلى عسكر علي عليه السلام أخذا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: عمار تقتله الفئة الباغية.
69 - زيد بن أرقم بن زيد بن قيس الكعبي الخزرجي.
70 - زيد بن جارية الأنصاري.
71 - زيد بن حيلة - بالمهملة والياء ويقال: بالمعجمة والموحدة -.
72 - زياد بن حنظلة التميمي.
73 - سعد بن الحارث بن الصمة الأنصاري استشهد يوم صفين.
74 - سعد بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي.
75 - سعد بن مسعود الثقفي عم المختار بن أبي عبيد.
76 - سليمان بن صرد بن أبي الجون أبو المطرف الخزاعي، كان أميرا على رجالة
الميمنة يوم صفين.
77 - سهيل بن عمرو الأنصاري، قتل بصفين مع علي عليه السلام.
365

78 - شبث بن ربعي التميمي اليربوعي أبو عبد القدوس.
79 - شبيب بن عبد الله بن شكل المذحجي.
80 - شريح بن هاني بن يزيد بن نهيك أبو المقدام الحارثي.
81 - شيبان بن محرث.
82 - صدى بن عجلان بن الحارث أبو أمامة الباهلي.
83 - صعصعة بن صوحان العبدي.
84 - صفر بن عمرو بن محصن. وقتل بصفين.
85 - صيفي بن ربعي بن أوس.
86 - عائذ بن سعيد بن زيد بن جندب المحاربي الجسري. المستشهد بصفين.
87 - عائذ بن عمرو الأنصاري.
88 - عامر بن واثلة بن عبد الله أبو الطفيل الليثي.
89 - عبد الله الأسلمي ممن استشهد بصفين وأثنى عليه مولانا أمير المؤمنين كما
مر ص 364.
90 - عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. قتل بصفين.
91 - عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم. كان على الميسرة يوم صفين.
92 - عبد الله بن خراش أبو يعلى الأنصاري.
93 - عبد الله بن خليفة البولاني الطائي.
94 - عبد الله بن ذباب بن الحارث المذحجي.
95 - عبد الله بن الطفيل بن ثور بن معاوية البكائي.
96 - عبد الله بن كعب المرادي، قتل يوم صفين وكان من أعيان أصحاب
أمير المؤمنين.
97 - عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري الأوسي.
98 - عبد الرحمن بن بديل بن ورقاء الخزاعي، من شهداء يوم صفين.
99 - عبد الرحمن بن حسل الجمحي. قتل بصفين.
100 - عبيد بن خالد السلمي.
366

101 - عبيد الله بن سهيل الأنصاري.
102 - عبيد بن عازب أخو البراء بن عازب.
103 - عبيد بن عمرو السلماني أبو عمرو صاحب ابن مسعود.
104 - عبد خير بن يزيد بن محمد الهمداني. من كبار أصحاب الإمام عليه السلام.
105 - عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي.
106 - عروة بن زيد الخيل الطائي.
107 - عروة بن مالك الأسلمي قتل بصفين وأثنى عليه الإمام عليه السلام كما مر ص 364.
108 - عقبة بن عامر السلمي.
109 - العلاء بن عمرو الأنصاري.
110 - عليم بن سلمة الفهمي.
111 - عمرو بن بلال كان من المهاجرين.
112 - عمير بن حارثة الليثي.
113 - عمير بن قرة السلمي.
114 - عمار بن أبي سلامة بن عبد الله بن عمران.
115 - عوف بن عبد الله بن الأحمر الأزدي.
116 - الفاكه بن سعد بن جبير الأنصاري الأوسي الخطمي. قتل بصفين.
117 - قيس بن أبي قيس الأنصاري.
118 - قيس بن المكشوح أبو شداد المرادي. من شهداء صفين.
119 - قرظة بن كعب بن ثعلبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي.
120 - كرامة بن ثابت الأنصاري.
121 - كعب بن عمر أبو زعنة.
122 - كميل بن زياد النخعي، يقال: أدرك من الحياة النبوية ثماني عشرة سنة
وكان شريفا مطاعا ثقة. الإصابة 3: 318.
123 - مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الأشتر.
124 - مالك بن عامر بن هاني بن خفاف الأشعري.
367

125 - محمد بن بديل بن ورقاء الخزاعي، من شهداء صفين.
126 - محمد بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي يقال: قتل بصفين.
127 - مخنف بن سليم بن الحرث بن عوف بن ثعلبة الأزدي الغامدي، كان على
راية الأزد بصفين.
128 - معقل بن قيس الرياحي التميمي اليربوعي.
129 - المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي.
130 - منقذ بن مالك الأسلمي أخو عروة بن مالك ممن استشهد بصفين كما مر
في شعر مولانا أمير المؤمنين ص 364.
131 - المهاجر بن خالد بن المخزومي. استشهد بصفين.
132 - نضلة بن عبيد الأسلمي أبو بريزة.
133 - النعمان بن عجلان بن النعمان الأنصاري الزرقي.
134 - هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال. كان صاحب الراية واستشهد بصفين
135 - هبيرة بن النعمان بن قيس بن مالك بن معاوية الجعفي. كان من أمراء علي عليه السلام.
136 - وداعة بن أبي زيد الأنصاري.
137 - يزيد بن الحويرث الأنصاري 138 - يزيد بن طعمة بن جارية بن لوذان الأنصاري الخطمي.
139 - يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام بن الحرث التميمي الحنظلي. يقال:
إنه قتل بصفين.
140 - يعلى بن عمير بن يعمر بن حارثة بن العبيد النهدي.
141 - أبو شمر بن أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح الحميري ثم الأبرهي
قتل مع علي عليه السلام بصفين.
142 - أبو ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن.
143 - أبو جحيفة السوائي.
144 - أبو عثمان الأنصاري.
145 - أبو الورد بن قيس بن فهر الأنصاري.
368

والإمام أمير المؤمنين قد أتم الحجة يوم الجمل على طلحة بما أسلفناه في الجزء الأول
ص 186، 187 ط 2، وعلى الزبير بما مر في ج 3 ص 191 ط 2 وما قاتلهما إلا بعد إقامة الحجة
عليهما، ودحض أعذارهما المفتعلة، فما وجدهما مخبتين إلى الحق مصيخين إلى ما اعترفا
به من قول رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم وكان موقفهما موقف المستهزء اللاعب بالدين الحنيف، جاء
رجل إلى طلحة والزبير وهما في المسجد بالبصرة فقال: نشدتكما بالله في مسيركما أعهد
إليكما فيه رسول الله شيئا؟ فقام طلحة ولم يجبه، فناشد الزبير فقال: لا، ولكن بلغنا
أن عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها (1).
ولما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة قال الزبير: ألا ألف فارس أسير بهم إلى
علي فإما بيته وإما صبحته لعلي أقتله قبل أن يصل إلينا؟ فلم يجبه أحد. فقال: إن
هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها. فقال له مولاه: أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟ قال:
ويحك إنا نبصر ولا نبصر، ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر
فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر. (2)
وقد تحقق يوم ذاك ما كان يحذر منه عمر بن الخطاب وصدق الخبر الخبر، قال
عبد الله بن عمر: جاء الزبير إلى عمر فقال لعمر: إئذن لي أخرج فأقاتل في سبيل الله.
قال: حسبك قد قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الزبير وهو يتذمر فقال عمر:
من يعذرني من أصحاب محمد صلى الله وعليه وسلم؟ لولا أني أمسك بفم هذا الشغب لأهلك أمة
محمد صلى الله عليه وسلم (3)
اللهم ما كان ذنب حكيم بن جبلة وسبعين أبرياء آخرين من عبد القيس قتلهم
طلحة والزبير قبل وقوع الواقعة بعد ما نادى مناديهما بالبصرة: ألا من كان فيهم من
قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأت بهم فجئ بهم كما يجاء بالكلاب فقتلوا. قال: حكيم
بن جبلة لقد أصبحتم وإن دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا، أما تخافون الله
عز وجل؟ بما تستحلون سفك الدماء؟ قال ابن الزبير: بدم عثمان بن عفان رضي الله عنه،
قال: فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان؟ أما تخافون مقت الله؟ فقال له عبد الله بن الزبير:

(1) تاريخ الطبري 5: 183.
(2) تاريخ الطبري 5: 183.
(3) تاريخ بغداد 7: 453.
369

لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليا فقتل
حكيم بن جبلة وسبعون رجلا من عبد القيس. (1)
فعلى الرجلين وأمهما دم ستة آلاف أو يزيدون قتلى تلك الحرب الدامية، ومن
يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها. ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض
فكأنما قتل الناس جميعا. ولنعم ما قال فتى بني سعد يوم ذاك:
صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الانصاف
أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالايجاف
غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والأسياف
هتكت بطلحة والزبير ستورها * هذا المخبر عنهم والكافي (2)
ولم يكن حول الجمل إلا حثالة من ذنابا الناس أهل الشره والتره - من ضبة
والأزد - الذين كانوا يلتقطون بعر الجمل ويفتونها ويشمونها ويقولون: بعر جمل أمنا
ريحه ريح المسك. يأتي حديثه في مستقبل الأجزاء إنشاء الله. كما لم يكن في جيش
معاوية إلا ساقة الناس ورعائهم الذين وصفهم مولانا أمير المؤمنين بقوله يوم ذاك: انفروا
إلى بقية الأحزاب، انفروا بنا إلى ما قال الله ورسوله إنا نقول: صدق الله ورسوله. و
يقولون: كذب الله ورسوله (3):
وقال سيدنا قيس بن سعد في كلام له: هل ترى مع معاوية إلا طليقا أعرابيا
أو يمانيا مستدرجا؟ (4).
وفي كلام لسيدنا عمار بن ياسر: إن مراكزنا على مراكز رايات رسول الله يوم
بدر ويوم أحد ويوم حنين، وإن هؤلاء مراكز رايات المشركين من الأحزاب (5)
وفي مقال لسيدنا مالك الأشتر: أكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله، و
مع معاوية رايات قد كانت مع المشركين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما يشك في قتال

(1) تاريخ الطبري 5: 180، 182، 183.
(2) تاريخ الطبري 5: 176:
(3) أخرجه البزار بإسنادين كما في مجمع الزوايد للحافظ الهيثمي 7: 239.
(4) استدرجه: خدعه وأدناه.
(5) كتاب صفين لابن مزاحم ص 363، شرح ابن أبي الحديد 1: 506.
370

هؤلاء إلا ميت القلب.
(1) ولم تكن الغايات في حرب معاوية تخفى على أي أحد حتى على النساء في
خدورهن فهي كما قالت أم الخير بنت الحريش: إنها إحن بدرية، وأحقاد جاهلية، و
ضغائن أحدية، وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك ثارات بني عبد شمس، قاتلوا أئمة
الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون (2).
وكيف يكون هذا الطلب مشروعا والذين وتروا عثمان هم الصحابة العدول كلهم
حتى أن طلحة كان أشد الناس عليه، وحسب مروان أنه أخذ منه ثاره برمية منه
جرعته المنية. وقد تثبط معاوية عن نصرته حتى قتلوه؟.
وإن كانت النهضة بثارات عثمان غير مشروعة يمقتها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم - كما
هو المتسالم عليه عند وجوه السلف - فكيف يدرأ بها العذاب عمن قام بها؟
ولو صدقت الأحلام لوجب أن يكون أصحاب الجمل مكلوئين عن كل سوء لكن
عوضا عن ذلك وافاهم العذاب من شتى النواحي وقتلوا تقتيلا، وقطع الله أيدي الذين
أخذوا بزمام الجمل حتى وردوا الهلكة صاغرين.
وأما معاوية فسل عنه ليلة الهرير ويومه فقد قتل فيهما سبعون ألف قتيل 45
ألفا من أهل الشام و 25 ألفا من أهل العراق (3) وهل استمر على الطلب بالثار لما تمهد
له عرش الملك؟ أو أنه اقتنع بالحصول على سلطة غاشمة وملك عضوض؟.
نعم: حصر هو تعقيبه بالأبرياء شيعة أمير المؤمنين عليه السلام فقتلهم أينما ثقفهم تحت
كل حجر وشجر، وأما ثار عثمان فلم ينبس عنه بعد ببنت شفة فضلا عن أن يثأر له
ولم يرم بالحجارة، فدونك تاريخ معاوية، فاقرأ واحكم.
46 - أخرج الخطيب في تاريخه 12: 364 من طريق أحمد بن محمد بن المغلس
الحماني عن أبي سهل الفضل بن أبي طالب عن عبد الكريم بن روح البزاز عن أبيه روح

(1) كتاب صفين لابن مزاحم ص 268، شرح ابن أبي الحديد 1: 484.
(2) بلاغات النساء ص 36، العقد الفريد 1: 132، نهاية الأرب 7: 241، صبح الأعشى
1: 248.
(3) كتاب صفين لابن مزاحم ص 543، تاريخ ابن كثير 7: 274، 312، فتح الباري
13: 73.
371

ابن عنبسة بن سعيد بن أبي عياش الأموي مولاهم البصري عن أبيه عنبسة (1) عن جدته
" لأبيه " أم عياش وكانت أمة لرقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: ما زوجت عثمان أم كلثوم إلا بوحي من السماء
قال الأميني: لا تعجب من إخراج الخطيب هذا الحديث المرمع وسكوته عن
علله فإنه أسير صبابته إلى هوى آل أمية، وقد أعمته عن آراء رجال الجرح والتعديل
في أحمد بن محمد، وأنسته ما ذكره هو في ترجمة الرجل، قال ابن عدي: ما رأيت في
الكذابين أقل حياء منه. وقال ابن قانع: ليس بثقة. وقال ابن أبي الفوارس، كان
يضع الحديث وقال ابن حبان: راودني أصحابنا على أن أذهب إليه فأسمع منه،
فأخذت جزءا لأنتخب فيه فرأيته حدث عن يحيى.. إلخ. وعن هناد. إلخ فعلمت أنه
يضع الحديث. وقال الدارقطني: كان يضع الحديث. وقال الحاكم: روى عن القعنبي
ومسدد وابن أبي أويس وبشر بن الوليد أحاديث وضعها. وقد وضع أيضا المتون مع
كذبه في لقى هؤلاء. وقال الخطيب نفسه: حدث عن أبي نعيم وغيره بأحاديث أكثرها
باطلة هو وضعها. وحكى عن بشر بن الحارث ويحيى بن معين وعلي بن معين وعلي
ابن المديني أخبارا جمعها بعد أن وضعها في مناقب أبي حنيفة. وقال الدارقطني أيضا:
مناقب أبي حنيفة موضوعة كلها وضعها أحمد بن المغلس الحماني قرأته غير مرة. إلى كلمات
آخرين (2).
وفي الاسناد: عبد الكريم بن روح أبو سعيد البصري، قال أبو حاتم: مجهول.
وقال عمرو بن رافع: دخلت عليه ولم أسمع منه ويقال: إنه متروك الحديث. وقال
ابن حبان: يخطئ ويخالف. وضعفه ابن أبي عاصم والدار قطني (3) أضف إليه في
الجهالة أباه وجده وجدته، راجع ميزان الاعتدال للذهبي والخلاصة لابن الجزري.
أخرجه ابن عدي من طريق عمير بن عمران الحنفي وعده من بواطيله وأقره
الذهبي وابن حجر، وقال ابن عدي: والضعف على روايته بين، وقال العقيلي: في
حديثه وهم غلط. " لسان الميزان 4: 380 ".

(1) في النسخة: عن أبيه عن عنبسة. والصحيح ما ذكرناه.
(2) راجع المصادر المذكورة في الجزء الخامس ص 216 ط 2.
(3) تهذيب التهذيب 6: 372.
372

نعم: أنا لا أشك في أن كل ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لهج به إنما هو عن وحي
منزل من السماء فإنه لا ينطق على الهوى إن هو إلا وحي يوحى، غير أن المصلحة
في الإيحاء تخلف باختلاف الموارد، فليس كل صلة منه صلى الله عليه وآله وسلم أو بر تدل على فضيلة
في المبرور فإنها قد تكون لإتمام الحجة عليه، كما أنها في المقام لإيقاف الملأ الديني
على أن العداء المحتدم في صدور العبشميين على بني هاشم لا يزيحه أي عطف وصلة
فإنه لا بر أوصل من المصاهرة ولا سيما ببضعة النبوة، لكن: هل قدر ذلك زوج
أم كلثوم؟ أو إنه اقترف ليلة وفاتها (1) ولم يكترث للانقطاع عن شرف النبوة، حتى
أهانه رسول العظمة بملأ من الأشهاد، وحرم عليه الدخول في قبرها وهو في الظاهر
أولى الناس بها بعد أبيها؟
ولعل كل صهر أو مواصلة وقع بين بني هاشم والأمويين كان من هذا الباب،
حاول الهاشميون وفي مقدمهم مشرفهم صلى الله عليه وآله وسلم تخفيض نائرة الإحن وتصفية القلوب
من الضغائن، لكن هل حصلوا على الغاية المتوخاة؟ أو انكفؤا على حد قول القائل:
لقد نفخت في جذى مشبوبة * وقد ضربت في حديد بارد؟
ولولا هذه المصاهرة وأمثالها لطالت الألسنة على الهاشميين لسبق، المهاجرة
والقطيعة بين الفريقين، وحملوا كل ما وقع بينهما على تلكم السوابق، لكن الفئة الصالحة
رواد إصلاح درأوا عن أنفسهم هاتيك الشبه بضرائب هذه المواصلات، وعرفوا الناس
إن العقارب لسب من ذاتها، فلا يجدي معها أي لين وزلفة.
ولعلك هاهنا تجد الميزة بين الصهرين مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وصاحب سيدتنا
أم كلثوم، وتعليم سيرة الإمام مع الصديقة الطاهرة حتى قضت نحبها وهي عنه راضية،
كما أنه فارقها وهو عنها راض، وغادر رسول الله صلى الله عليه وآله الدنيا وسلم وهو راض عنهما.
وانظر إلى آخر يوميهما هذا يقترف ليلة وفاة أم كلثوم ما لا يرضي الله ورسوله
ولا يهمه فراقها ولا يشغله الهم بالمصيبة وانقطاع صهره من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المقارفة،
وذلك يندب الصديقة الطاهرة ويطيل بكاءه عليها وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله!
عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك، قل يا رسول الله! عن

(1) مر حديثه في الجزء الثامن ص 213 - 234 ط 2
373

صفيتك صبري، ورق عنها تجلدي، إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك
موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك،
فإنا لله وإنا إليه راجعون، فقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، أما حزني
فسرمد، وأما ليلي فمسهد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبئك
ابنتك بتضافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال، واستخبرها الحال هذا، ولم يطل
العهد، ولم يخلق منك الذكر، والسلام عليكما، سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن
أنصرف فلا عن ملامة وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين. ثم تمثل
عند قبرها فقال:
لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الممات قليل
وإن افتقادي واحدا بعد واحد (1) * دليل على أن لا يدوم خليل (2)
47 - أخرج الأزدي عن عبد الواحد بن عثمان بن دينار الموصلي عن المعافي بن
عمران الثوري عن ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان: أنت من أصهاري وأنصاري، وعهد عهده إلي ربي إنك معي في الجنة
قال الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الواحد 2: 158: خبر باطل ذكره الأزدي.
48 - أخرج الطبراني قال: حدثنا بكر بن سهل قال: ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان
الخراساني عن عبد الله بن يحيى الإسكندراني ثنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري
عن سالم عن أبيه قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته فقالت:
يا أبت! إن الناس يقولون: إن هؤلاء القوم الذين جعلتهم في الشورى ليسوا برضي.
فقال: أسندوني. فأسندوه فقال: عسى أن تقولوا في عثمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يموت عثمان يصلي عليه ملائكة السماء. قلت: لعثمان خاصة أو للناس عامة؟ قال: بل لعثمان خاصة. الحديث بطوله لكل واحد من الستة أصحاب الشورى منقبة (3).
قال الذهبي في الميزان: حديث موضوع. وقال ابن حجر في اللسان: الوضع
عليه ظاهر.

(1) وفي لفظ: وإن افتقادي فاطما بعد أحمد.
(2) راجع أعلام النساء 3: 1222.
(3) لسان الميزان 5، 226.
374

قال الأميني: بكر بن سهل الدمياطي ضعفه النسائي، كما ذكره الذهبي، و
في لسان الميزان: ومن وضعه قوله: بكرت يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثمان ختمات.
ثم قال: فاسمع إلى هذا وتعجب. وقال مسلمة بن قاسم: تكلم الناس فيه ووضعوه
من أجل الحديث الذي حدث به عن سعيد بن كثير (1) وفي الاسناد محمد بن عبد الله
مجهول لا يعرف.
49 - أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 11: 169 من طريق عيسى بن محمد بن
منصور الإسكافي عن شعيب بن حرب المدائني عن محمد الهمداني قال حدثنا شيخ في
هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - عن النعمان بن بشير قال: كنا عند علي بن أبي
طالب فذكروا عثمان فقال على: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون.
هم عثمان وأصحاب عثمان، وأنا من أصحاب عثمان.
قال الأميني: لنا أن نسائل الخطيب عن عيسى بن محمد بن منصور الإسكافي من
هو؟ وما محله من الإعراب؟ وهو الذي ترجمه هو ولا يعرف منه إلا اسمه، ونسائله عن
محمد الهمداني وعن شيخه الذي لم يسمه هو ولا غيره كأنه لم يكن ولم يولد، وعن
النعمان بن بشير، من هو؟ وما خطره؟ وما قيمة روايته؟ وهو الخارج على إمامه يوم
صفين ومحاربه في صف الطغام الطغاة، وهو الذي عرفه قيس بن سعد الأنصاري يوم ذاك
بقوله له: وأنت والله الغاش الضال المضل، وهو القائل لقيس: لو كنتم إذ خذلتم عثمان
خذلتم عليا لكانت واحدة بواحدة، لكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا.
وهلا علي هذا هو الذي سأله عثمان أيام حوصر أن يخرج إلى ينبع حتى لا يغتم
به ولا يغتم به علي؟ وهلا هو ذلك القائل: والله الذي لا إله إلا هو ما قتلته، ولا مالأت
على قتله ولا ساءني؟ والقائل: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه،
ولا سرني ولا ساءني؟.
والقائل لأصحابه يوم صفين: انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا،
فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقص أوزارهم
شيئا؟.

(1) ميزان الاعتدال 3، 84، لسان الميزان 2، 52، و ج 5: 226
375

وهلا هو الكاتب إلى أهل مصر بقوله: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في
أرضه، وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر. الخ؟.
وهلا هو ذلك الذي لم يشهد لعثمان أنه قتل مظلوما؟ كما مر حديثه (1).
وهلا هو ذلك الخطيب القائل في خطبته الشقشقية: إلى أن قام ثالث القوم نافجا
حضنيه بين نثيله ومعتلفه؟ إلى آخر ما مر ج 7: 81.
وما شأن أصحاب عثمان وفيهم مثل علي - أخذا بهذه الرواية - لا يوجد له منهم
ناصر؟ ولا يسمع من أحدهم فأمره ركز؟ ولا ينبس أي منهم في الدفاع عنه ببنت
شفة؟ والرجل قتل بين ظهرانيهم جهرا، وألقيت جثته في المزبلة ثلاثة أيام تجري
عليه العواصف، ثم دفن بأثوابه في مقابر اليهود، ينادى عليه بذل الاستخفاف، وقد
أخذت الحجارة مجهزيه، وطموا جثمانه خائفين مترقبين، فمن أظلم ممن افترى على
الله كذبا ليضل الناس بغير علم، والله يعلم أنهم لكاذبون.
50 - إن عثمان بن عفان رأى درع علي رضي الله عنه يباع بأربع مائة درهم
ليلة عرسه على فاطمة رضي الله عنها فقال عثمان: هذا درع علي فارس الاسلام لا يباع
أبدا فدفع لغلام علي أربعمائة درهم وأقسم أن لا يخبره بذلك ورد الدرع معه، فلما
أصبح عثمان وجد في داره أربعمائة كيس في كل كيس أربعمائة درهم مكتوب على
كل درهم: هذا درهم ضرب الرحمن لعثمان بن عفان. فأخبر جبريل النبي صلى الله وعليه وسلم بذلك
فقال: هنيئا لك يا عثمان!.
قال الأميني: ذكر الحلبي في سيرته 2: 228 عن فتاوى جلال الدين السيوطي
أنه سئل عن صحة هذه الرواية فأجاب بأنها لم تصح. فقال أي وهي تصدق بأن ذلك
لم يرد فهو من الكذب الموضوع. ه‍. ومر في الجزء الخامس في سلسلة الموضوعات
ص 322 ط 2 قول ابن درويش الحوت: إنه كذب شنيع.
* (ختام المناقب) * قال الجرداني في مصباح الظلام 2: 29: فائدة: من كتب
هذه الأسماء وغسل بها وجهه فإنه لا يعمى: ومن كتبها وشربها على الريق لا ينسى،
ومن كتبها وشربها لا يعجز عن النساء وهم عثمان بن عفان. معاذ بن جبل. عبد

(1) تجد هذه الأحاديث في خذا الجزء 69 - 77.
376

الرحمن بن عوف. زيد بن ثابت. أبي بن كعب. طلحة بن عبد الرحمن. تميم الداري
رضي الله عنهم.
قال الأميني: فليمتحن من لا يخاف عن العمى والنسيان والعنن. أضف إلى هذه
الأساطير أو المخازي ما مر في الجزء الخامس من المناقب الموضوعة لعثمان خاصة
ص 313، 324، 329 ط 2.
منتهى القول
إلى هنا ننهي القول عن فضائل عثمان التي اختلقتها وثابة الشره ومهملجة المطامع
والشهوات في العصور الأموية طمعا في رضائخ أولئك المقعين على أنقاض عرش الخلافة
وأكثر هؤلاء شاميون أو بصريون الذين جبلوا بحب العبشميين، ومناوءة سروات المجد
من العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، فليس وضع تلكم الروايات عنهم ببعيد، ولعل
هناك من ضرائب ما ذكرناه أشياء لكن سبيلها سبيل هذه الطامات في الأسانيد والمتون
ومنشأ الكل هو المغالاة في الفضائل من غير تفهم ولا روية.
ولعل القوم في عذر مما هم عليه من عدم الأخذ بآراء الحفاظ وأئمة الفن
الواردة في باب الجرح والتعديل، وعدم إجرائها في رجال تلكم المسانيد سلسلة البلايا
والطامات التي اتخذوها حجة في الفضائل، وعلوا عليها الدعوة إلى أناس والتخذيل
عن آخرين، ولا مندوحة لأولئك من رواية مرمعات الحديث، الأخذ بالموضوع
المختلق، لأنهم إن جنحوا في باب الفضائل إلى الصحيح الثابت في التاريخ والحديث
فحسب، واقتصروا على ما صح منها، وصفحوا عن الباطل المزيف، وتركوا كل تلكم
التلفيقات المخزية، لتبقى تلكم الصحائف السوادء بيضاء خالية فارغة عن كل مأثرة و
فضيلة وهذا عزيز عليهم جدا لا يحبذه الحب الدفين، ولا تسوغه العصبية، وإذ
زين لهم الشيطان أعمالهم فقد جاءوا ظلما وزورا، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق،
ويحسون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون، انظر كيف نبين لهم الآيات أنى
يؤفكون.
377

المغالاة في فضائل الخلفاء الثلاثة
أبي بكر. عمر. عثمان
لقد أوقفناك على شئ من الغلو الفاحش في كل فرد من هؤلاء، وعرفناك أن كل
ما لفقه القوم ورمقه من الفضائل إنما هي من مرمعات الحديث لا يساعدها المعروف
من نفسياتهم وملكاتهم ولا يتفق معها ما سجل لهم التاريخ من أفعال وتروك، وهلم
الآن إلى لون آخر مما تمنته يد الافتعال يشملهم كلهم، ولا نكترث من ذلك إلا لما
جاء بصورة الرواية دون الأقوال والكلمات، فإن رمي القول على عواهنه مما لا نهاية
له، وما حدت إليه الأهواء والشهوات لا تقف على حد، فنمر بما جاء به أمثال أبناء حزم
وتيمية والجوزي والجوزية وكثير وحجر ومن لف لفهم من السلف والخلف كراما،
فأنى يسع لنا التبسط تجاه مزعمة نظراء التفتازاني وأمثاله قال في شرح المقاصد 2:
279: احتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالاجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان
رضي الله عنهم مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم وإن كانوا معصومين بمعنى أنهم
منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها.
وقال أبو الثناء شمس الدين محمود الأصبهاني المتكلم الشهير في " مطالع الأنظار "
470: ولا يشترط فيه العصمة خلافا للإسماعيلية والاثنا عشرية. لنا: إمامة أبي بكر
والأمة اجتمعت على كونه غير واجب العصمة لا أقول إنه غير معصوم. ه. وأقر عصمة
عثمان الحافظ نور محمد الأفغاني في كتابه " تاريخ مزار شريف " ص 4.
ونحن وضعنا أمامك صحائف من كتب أعمال هؤلاء المعصومين التي قضوا أكثرها
على العادات الجاهلية، وأوقفناك على أن ما طابق منها عهد الاسلام مما لا يمكن أن
يكون صاحبه عادلا فضلا عن أن يعد معصوما، وهاهنا لا نحاول أكثر من لفت نظر
القارئ إلى تلكم الصحائف من غير توسع نكرره، ففيما سبق في الجزء السادس والسابع
والثامن من الطامات والجنايات والأحداث والشنايع والفظايع ومما لا تقرره طقوس
الاسلام ويشذ عن سنن الكتاب والسنة غنى وكفاية.
وأما ما استنتجه التفتازاني من الإجماعين فمن أفحش أغلاطه. أما أولا فلمنع
378

الإجماع في كل من الثلاثة فإن خلافة أبي بكر إنما تمت بعد وصمات سودت صحيفة
تاريخه، وأبقت على الأمة عارا إلى منصرم الدنيا، لا تنسى قط بمر الجديدين وكر
الملوين، إنما تمت ببيعة رجل أو رجلين أو خمسة، ومن هنا حسبوا أن الخلافة تنعقد
برجل أو رجلين أو خمسة (1) مع تقاعد جمع كثير عنها من عمد الصحابة وأعيانهم كما
فصلناه في الجزء السابع ص 93 ثم لم يجمعهم مع القوم إلا الترعيد والترعيب ومحاشد
الرجال وبروق الصوارم وكان من حشدهم اللهام رجال من الجن رموا سعد بن عبادة
أمير الخزرج.
وأما خلافة عمر فكانت بالنص من أبي بكر مع إنكار الصحابة عليه ونقدهم إياه
بذلك. وكم أناس كانوا يشاركون طلحة في قوله لأبي بكر: ما تقول لربك وقد وليت
علينا فظا غليظا (2).
وأما عثمان فنصبته الشورى على هنات بين رجال الشورى عقد له عبد الرحمن بن
عوف ولم يشترطوا كما قال الأيجي (3) إجماع من في المدينة فضلا عن إجماع الأمة
نعم: عقد عبد الرحمن البيعة لصاحبه وسيفه مسلول على رأس الإمام علي بن أبي طالب
قائلا له: بايع وإلا ضربت عنقك. ولحقه أصحاب الشورى قائلين بايع وإلا جاهدناك.
أنساب البلاذري 5: 22.
والتمحل بحصول الإجماع بعد ذلك تدريجا لا يجديهم نفعا، فإن الخلافة قد
ثبتت عندهم بالبيعة الأولى فجاء متمموا الإجماع بعد ذلك على أساس موطد.
وأما ثانيا فإن من الممكن على فرض التنازل مع التفتازاني أن يكون إجماعهم
على خلافة الثلاثة لكونهم معصومين كما ينص به هو، وأما الإجماع المنقول عنهم
بعدم وجوب العصمة فمما لا طريق إلى تحصيله من آراء الصحابة، فمتى سبر التفتازاني
نظريات السلف وهم معدودون بمئات الألوف فعلم من نفسياتهم أنهم لا يرون وجوب
العصمة في خلفائهم وهم رهائل أطباق الثرى؟ ومن ذا الذي كان يسعه أن يعلمها فينهيها إلى
التفتازاني وهلم جرا إلى دور الصحابة؟ ومتى كانوا يتعاطون المسائل الكلامية ويتفاوضون

(1) راجع ما مر في الجزء السابع ص 141 - 143 ط 2
(2) مرت كلمته في ج 7: 152. وراجع الرياض النضرة 1: 181 كنز العمال 6: 324
(3) مرت كلمته في الجزء السابع ص 141 ط 2.
379

عليها فيحفي هذا خبر ذاك ثم ينقله إلى ثالث إلى أن يتسلسل النقل فيشيع؟ والسابر لصحائف
دور الخلافة الأولى منذ يوم السقيفة إلى يوم الشورى لا يجد لأمر العصمة في منتديات القوم
ذكرا ولا يسمع منه ركزا، وإنما اتخذوا أمر الخلافة كملوكية يتسنى لهم بها الحصول
على أمن البلاد وحفظ الثغور وقطع السارق والاقتصاص من القاتل وما إلى هذه من لداتها
كما فصلنا القول فيه تفصيلا ج 7 ص 136 وعلى ذلك جرى العلماء والمتكلمون فليس
لهم في الشروط النفسانية من العلم والتقوى والقداسة أخذ ولا رد إلا كلمات سلبية
حول اشتراطها، ومتى كانت الخلافة عند السلف إمرة دينية حتى يبحثوا عن حدودها؟
ولم تكن إلا سياسة وقتية مدبرة بليل.
وأما ثالثا: فإنا لا نحتج بالاجماع إلا بعد ثبوت حجيته، فإذا ثبتت فإنها لا
تختص بمورد دون آخر فيجب أن يكون حجة في الخلافتين معا من أبي بكر وعثمان
ذلك على نصبه، وهذا على استباحة قتله، والنقض بخروج ثلاثة أو أربعة من ساقة
الأمويين أو ممن يمت بهم ويحمل بين جنبيه نزعتهم في الإجماع على عثمان مقابل
بخروج أمة صالحة عن الإجماع الأول من أعيان الصحابة وفي طليعتهم سيد العترة
وإمام الأمة أمير المؤمنين علي عليه السلام والإمامان الحسنان والصديقة الطاهرة أصحاب
الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، إلى غيرهم من بني هاشم والعمد
والدعائم من المهاجرين والأنصار، ووفاقهم الأخير مشفوعا بالترهيب لا يعد وفاقا
ولا يكون متمما للاجماع، فإنهم كانوا مستمرين على آرائهم وإن ألجأتهم الظروف
وحذار وقوع الفرقة إن شهروا سيفا وباشروا نضالا إلى المغاضاة عن حقهم الواضح
والمماشاة مع القوم كيفما حلوا وربطوا، فهذا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يقول بعد منصرم
أيام الثلاثة في رحبة الكوفة: أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن
محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلى الطير، فسدلت
دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على
طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى
ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى:
أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده. ثم تمثل
380

بقول الأعشى:
شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر
فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطر أضرعيها،
فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها،
فصاحبها كراكب الصعبة، إن أشنق لها خرم: وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس لعمر
الله بخبط وشماس، وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة
حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى، متى اعترض
الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر، لكني أسففت إذا سفوا
وطرت إذا طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن
إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله
خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته. (1)
تعرب هذه الخطبة الشريفة عن رأيه عليه السلام في الخلافة، وكل جملة منها تشهد
على عدم العصمة المزعومة، أو تمثل أولئك المعصومين للملأ بعجزهم وبجرهم،
أضف إليها قوله عليه السلام من كتاب له إلى معاوية، ذكرت إبطائي عن الخلفاء، وحسدي
إياهم، والبغي عليهم، فأما البغي فمعاذ الله أن يكون، وأما الكراهة لهم فوالله ما اعتذر
للناس من ذلك، وذكرت بغيي على عثمان وقطعي رحمه فقد عمل عثمان بما قد علمت و
عمل به الناس ما قد بلغك. (2)
وقوله عليه السلام من خطبة له لما أراد المسير إلى البصرة: إن الله لما قبض نبيه
صلى الله وعليه وآله وسلم استأثرت علينا قريش بالأمر ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة،
فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم، والناس
حديثو عهد بالاسلام، والدين يمخض مخض الوطب. يفسده أدنى وهن، ويعكسه
أقل خلق، فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهادا، ثم انتقلوا إلى دار الجزاء و
الله ولي تمحيص سيآتهم والعفو عن هفواتهم. (3).

(1) راجع الجزء السابع ص 81 - 85.
(2) العقد الفريد 2: 286.
(3) شرح ابن أبي الحديد 1: 102.
381

وقوله عليه السلام إن النبي صلى الله وعليه وآله وسلم قبض وما أرى أحد أحق بهذا الأمر مني، فبايع
الناس أبا بكر فبايعت كما بايعوا، ثم أن أبا بكر هلك وما أرى أحد أحق بهذا الأمر
مني فبايع الناس عمر بن الخطاب فبايعت كما بايعوا، ثم إن عمر هلك وما أرى أحدا
أحق بهذا الأمر مني فجعلني من ستة أسهم فبايع الناس عثمان. (1).
وقوله عليه السلام يوم قال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: إذهب فادع لي عليا. فذهب
إلى علي فقال: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله. فقال علي: لسريع ما كذبتم
على رسول الله. فرجع فأبلغ الرسالة ثم قال أبو بكر: عد إليه فقل له: أمير المؤمنين
يدعوك لتبايع. فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به فرفع علي صوته فقال: سبحان الله لقد ادعى
ما ليس له. الحديث. الإمامة والسياسة 1: 13.
إلى كلمات أخرى توقف الباحث على جلية الحال.
فأين العصمة المزعومة؟ ثم أين الإجماع المدعى عليها؟ وأنى كان الإجماع
على الخلافة؟ ومتى تحقق؟ وإن تم الإجماع فيجب أن يحتج به في الخلافتين وصاحبيهما
وإن أبطلناه ففيهما معا.
ونحن لو اندفعنا إلى تفنيد أمثال هذه السفاسف المنبعثة عن الغلو في الفضائل
لضاق بنا المجال عن السير في مواضيع الكتاب على أنها غير مبتنية على أسس رصينة
تستحق أخذا بها أو ردا عليها، وإنما ذكرنا هذه الأسطورة فحسب لأن نعطيك شيئا
من نماذج تلكم الأقاويل المسطرة بلا أي تعقل وتدبر، فدونك شيئا مما عزوه
إلى الروايات من فضايل الثلاثة.
1 - أخرج الإمام الفقيه المحدث الثقة (2) أبو الحسين محمد بن أحمد الملطي
الشافعي المتوفى 377 في كتابه " التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع " ص 23 قال:
قال محمد بن عكاشة رحمه الله أخبرني معاوية بن حماد الكرماني عن الزهري قال: من
اغتسل ليلة الجمعة وصلى ركعتين يقرأ فيهما (قل هو الله أحد) ألف مره رأى النبي
صلى الله وعليه وسلم في منامه. قال محمد بن عكاشة: فدمت عليه كل ليلة جمعة أصلي الركعتين أقرأ

(1) تاريخ الطبري 5، 171.
(2) كذا وصفوه وأنت تعرف صدق وصفه من حديثه.
382

فيهما (قل هو الله أحد) ألف مرة طمعا أن أرى النبي صلى الله وعليه وسلم في منامي فأعرض عليه
هذه الأصول فأتت علي ليلة باردة فاغتسلت وصليت ركعتين ثم أخذت مضجعي فأصابني
حلم، فقمت ثانية فاغتسلت وصليت ركعتين، وفرغت منهما قريبا من الفجر فاستندت
إلى الحائط ووجهي إلى القبلة إذ دخل علي النبي صلى الله وعليه وسلم ووجهه كالقمر ليلة البدر
وعنقه كإبريق فضة فيه قضبان الذهب على النعت والصفة، وعليه بردتان من هذه اليمانية
قد إتزر بواحدة وارتدى بأخرى، فجاء واستوفز على رجله اليمنى وأقام اليسرى
فأردت أن أقول: حياك الله فبادرني وقال: حياك الله وكنت أحب أن أرى رباعيته
المكسورة فتبسم فنظرت إلى رباعيته فقلت: يا رسول الله! إن الفقهاء والعلماء قد
اختلفوا علي وعندي أصول من السنة أعرضها عليك فقال: نعم فقلت:
الرضا بقضاء الله: والتسليم لأمر الله والصبر على حكم الله: والأخذ بما أمر
الله، والنهي عما نهى الله عنه، والاخلاص بالعمل لله، والإيمان بالقدر خيره وشره من
الله، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين، والمسح على الخفين، والجهاد مع
أهل القبلة، والصلاة على من مات من أهل القبلة سنة، والإيمان يزيد وينقص، قول
وعمل، والقرآن كلام الله، والصبر تحت لواء السلطان على ما كان فيه من جور وعدل
ولا يخرج على الآمر بالسيف وإن جاروا، ولا ينزل أحد من أهل التوحيد جنه ولا
نار، ولا يكفر أحد من أهل التوحيد بذنب وإن عملوا الكبائر، والكف عن أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم - فلما أتيت: والكف عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بكى حتى علا صوته - و
أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. قال محمد بن عكاشة:
فقلت في نفسي في علي: ابن عمه وختنه. فتبسم عليه السلام كأنه قد علم ما في نفسي. قال
محمد: فدمت ثلاث ليال متواليات أعرض عليه هذه الأصول كل ذلك أقف عند عثمان
وعلي فيقول لي عليه السلام: ثم عثمان ثم علي. ثم عثمان ثم علي: ثلاث مرات. قال: وكنت
أعرض عليه هذه الأصول وعيناه تهملان بالدموع قال: فوجدت حلاوة في قلبي وفمي
فمكثت ثمانية أيام لا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى ضعفت عن صلاة الفريضة فلما
أكلت ذهبت تلك الحلاوة واللذة والله شاهد علي وكفى بالله شهيدا.
وقال أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله لأحمد بن حنبل رضي الله عنه: يا أحمد!
383

إني أريد أن أجعلك بيني وبين الله حجة فأظهرني على السنة والجماعة وما كتبته عن أصحابك
عما كتبوه عن التابعين مما كتبوه عن أصحاب رسول الله. فحدثه بهذا الحديث.
قال الأميني: نحن نجد الباحث في غنى عن البحث عن هذه الأسطورة وما فيها
من مضحكات الثكلى، ونجل أحمد عن أن يتخذها حجة بينه وبين الله فيلقنها
خليفة وقته، ونربي به عن تصديق مثل محمد بن عكاشة الذي جاء فيه قول ابن عساكر
بعد روايته هذه الرؤيا: قال سعيد بن عمرو البردعي: قلت لأبي زرعة: محمد بن عكاشة
الكرماني. فحرك رأسه فقال: رأيته وكتبت عنه وكان كذابا. قلت: كتبت عنه الرؤيا
التي كان يحكيها؟ قال: نعم كتبت عنه فزعم أنه عرض على شبابة: الإيمان قول وعمل
ويزيد وينقص فيه أي به، وأنه عرض على أبي نعيم: علي ثم عثمان فقال به وهو
كذوب ولا يحسن أنه يكتب أيضا، يعني إن شبابة لا يقول بذلك وكذا أبو نعيم قلت:
أين رأيته؟ قال، قدم هنا مع محمد بن رافع وكان رفيقه كنت أرى له سمتا ولقيني محمد
ابن رافع فكره أن يقول فيه شيئا وقال لي: لا يخفى عليك أمره إذا فاتحته فقلت: إن
رأيت أن تفيدني شيئا قال: نعم. ثم كاد يصعق واضطرب بطنه فهالني ذلك ثم أقبل
علي فقال: إن أول ما أملى علي أن كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى علي وعلى
ابن عباس. الخ (1).
وذكره الحاكم في الضعفاء فقال: منهم جماعة وضعوا كما زعموا يدعون الناس
إلى فضائل الأعمال مثل أبي عصمة ومحمد بن عكاشة الكرماني ثم نقل عن سهل بن السري
الحافظ أنه كان يقول: وضع أحمد الجويباري ومحمد بن تميم ومحمد بن عكاشة على
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من عشرة آلاف حديث. راجع ما أسلفناه في سلسلة الكذابين ج
5: 261 ط 2، ولسان الميزان 5. 286 - 289.
فرجل هذا حاله وتلك صفته وذلك حديثه ليس بالمستطاع تصديقه علي دعاويه
المجردة في المبادئ والمعتقدات، العجب كل العجب من الفقيه الثقة الذي يعتمد
على مثلها من خزاية، قاتل الله الحب المعمي والمصم هو الذي حدى القوم إلى تفتين
بسطاء الأمة بمثل هذه الخزعبلات والله يعلم أنهم لكاذبون.

(1) لسان الميزان 5: 287.
384

2 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 5 عن خلف البزار عن أبي شهاب الحناط (1)
عن خالد الحذاء البصري عن أبي قلابة البصري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أرحمكم أبو بكر، وأشدكم في الدين عمر، وأقرؤكم أبي، وأصدقكم حياء عثمان،
وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضكم زيد بن ثابت، وإن لكل أمة
أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة الجراح.
وأخرجه ابن عساكر في تاريخه 1: 325 محذوف الاسناد بلفظ: أرحم أمتي
أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء، عثمان، وأفرضهم زيد، وأقرأهم
أبي بن كعب. إلخ.
ورواه في ج 6: 199 من طريق أبي سعيد الخدري وعقبه: قال العقيلي: أسانيد
هذه الأحاديث غير محفوظة والمتون معروفة.
قال الأميني: ألا تعجب من أسطورة جاء بها خلف البزار الثقة الأمين العابد
الفاضل السكير. قال أبو جعفر النفيلي: كان من أصحاب السنة لولا بلية كانت فيه:
شرب النبيذ.
وذكر خلف عند أحمد - إمام الحنابلة - فقيل: يا أبا عبد الله! إنه يشرب. فقال:
قد انتهى إلينا علم هذا عنه، ولكن هو والله عندنا الثقة الأمين شرب أو لم يشرب (2)
والرواية نفسها شاهد صدق على ما انتهى إلى إمام الحنابلة علمه من خلف البزار
والذين أخذوها منه ورووها عنه إنما أقحمتم فيها سكرة الهوى لا نشوة السلافة.
ولتقديس ذيل هذا الثقة الأمين عن رجاسة النبيذ جاء الخطيب البغدادي بما
رواه عن محمد بن أحمد بن رزق عن محمد بن الحسن بن زياد النقاش قال: سمعت إدريس
ابن عبد الكريم الحداد يقول: خلف بن هشام يشرب من الشراب على التأويل فكان ابن
أخته يوما يقرأ عليه سورة الأنفال حتى بلغ - ليميز الله الخبيث من الطيب - فقال
يا خال! إذا ميز الله الخبيث أين يكون الشراب؟ قال: فنكس رأسه طويلا ثم قال:
مع الخبيث. قال: فترضى أن تكون مع أصحاب الخبيث؟ قال: يا بني امض إلى المنزل

(1) عبد ربه بن نافع السكناني، ثقة ليس بالقوي يهم في حديثه ويخطئ.
(2) إقرأ واحكم.
385

فأصبت كل شئ فيه، وتركه، فأعقبه الله الصوم، فكان يصوم الدهر إلى أن مات.
حبذا هذا التنزيه لو صدقت الأحلام، وهو وإن كان معقولا أحسن من رأي
الإمام أحمد من أنه الثقة الأمين شرب أو لم يشرب. فإنه رأي تافه لا تساعده البرهنة
ولا يوافقه الشرع والعقل والمنطق، والله يقول: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق
بنبأ فتبينوا (1) غير أن من المأسوف عليه جدا بطلان إسناده لمكان محمد بن الحسن
النقاش فإنه كذبه طلحة بن محمد، ووهاه الدارقطني، ودلسه أبو بكر، وقال البرقاني:
كل حديثه منكر، وذكر عنده تفسير وفقال: ليس فيه حديث صحيح. وكل هذه ذكره
الخطيب نفسه فبماذا ينزه الرجل؟ وأنى يتأتى له أمله؟
وإني أشكر من انتهى إليه وضع هذه الأكذوبة على أنه لم يذكر مع القوم
مولانا أمير المؤمنين عليا عليه السلام الذي هو أربى من كلهم في جميع الصفات المذكورة
فإنه يرفع عن أن يذكر في عداده أي أحد، كما أن فضائله أربى من أن تذكر معها
فضيلة.
وهاهنا لا نناقش متن الرواية في الأوصاف التي حابت القوم بها، فلعل فيها ما هو
مدعوم بالبرهنة، فيشهد على كون أبي بكر أرحم الأمة إحراقه الفجاءة، وغضه
الطرف عن وقيعة خالد بن الوليد في بني حنيفة وخزايته مع مالك بن نويرة وزوجته (2)
وعدم اكتراثه لأمر الصديقة فاطمة في دعواها، وكانت له مندوحة عن مجابهتها باسترضاء
المسلمين واستنزال كل منهم عن حصته من فدك إن غاضينا القوم على الفتوى الباطلة
والرواية المكذوبة في انقطاع إرث النبوة خلافا لآيات المواريث المطلقة وإرث الأنبياء
خاصة، على أن فاطمة سلام الله عليها وابن عمها ما كانا يجهلان بما تفرد بنقله أبو بكر
وصافقته على قوله سماسرته من الساسة لأمر دبر بليل، وأمير المؤمنين عليه السلام أقضى
الأمة وباب مدينة علم النبي، والصديقة فاطمة بضعته وما كان يشح صلى الله عليه وآله وسلم عليها من
إفاضة العلم ولا سيما علم الأحكام وعلى الأخص ما يتعلق بها، وهو صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أنها
سوف تقيم الدعوى على صحابته المتغلبين على فدك وأنها ستمنع عنها ويحتدم بينها و

(1) سورة الحجرات: 6.
(2) راجع الجزء السابع ص 156، 157، 158، 168 ط 2.
386

بينهم الشجار، ويستتبع ذلك انشقاقا بين الأمة إلى يوم القيامة، فمن مزدلفة إلى بضعة
النبوة، ومن جانحة إلى من منعها عن حقها، فكان من الواجب أن يسبق صلى الله عليه وآله وسلم إلى
ابنته بتفصيل حكم هذا شأنه قبل أبي بكر.
ألم تكن لأبي بكر مندوحة تصحح إقطاع فاطمة فدكا وردها إليها حتى لا يفتح
باب السوءة على الأمة كما ردها عمر إلى ورثة النبي الأقدس، وأقطعهما عثمان مروان
وأقطعها معاوية مروان وعمر وبن عثمان ويزيد بن معاوية على الأثلاث، إلى ما رأى فيها
الخلفاء بعدهم من التصرف كتصرف الملاك في أملاكهم (1)
سل عن صفة أبي بكر هذه فاطمة وهي صديقة يوم خرجت عن خدرها وهي
تبكي وتنادي بأعلى صوتها: يا أبت! يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن
أبي قحافة (2).
وسلها عنها يوم لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة
من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله حتى دخلت على
أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثم أنت
أنة أجهش لها القوم بالبكاء، وارتج المجلس (3)
وسلها عنها يوم قالت لأبي بكر: والله لأدعون عليك بعد كل صلاة أصليها.
وسلها عنها يوم ماتت وهي واجدة على أبي بكر، وهي التي طهرها الجليل بآية
التطهير، وصح عن أبيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني، يؤذيني
ما آذاها، ويغضبني ما أغضبها (4)
وقوله: فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني (5)
وقوله: إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها (6).

(1) راجع ج 7 ص 195 ط 2.
(2) راجع ج 7 ص 77.
(3) راجع ج 7 ص 192 ط 2.
(4) راجع ج 7 ص 231 - 235 ط 2.
(5) راجع ج 7 ص 20.
(6) راجع ج 7 ص 235 ط 2.
387

وسل عنها أمير المؤمنين وهو الصديق الأكبر يوم قادوه، كما يقاد الجمل المخشوش
إلى بيعة عمت شومها الاسلام، وزرعت في قلوب أهلها الآثام، وعنفت سلمانها، وطردت
مقدادها، ونفت جندبها، وفتقت بطن عمارها، وحرفت القرآن، وبدلت الأحكام، و
غيرت المقام، وأباحت الخمس للطلقاء، وسلطت أولاد اللعناء على الفروج والدماء، و
خلطت الحلال بالحرام، واستخفت بالإيمان والاسلام، وهدمت الكعبة، و
أغارت على دار الهجرة يوم الحرة وأبرزت بنات المهاجرين والأنصار للنكال والسوءة، وألبستهن ثوب العار والفضيحة، ورخصت لأهل الشبهة في قتل أهل بيت الصفوة وإبادة
نسله، واستيصال شأفته، وسبي حرمه وقتل أنصاره: وكسر منبره، وإخفاء دينه، و
قطع ذكره. إنا لله وإنا إليه راجعون.
وسل عنها أمير المؤمنين يوم لاذ بقبر أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبكي ويقول:
يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (1).
إلى غير هذه من دلائل كون أبي بكر أرحم الأمة.
وأما كون عمر أشدهم في الدين فمن جلية الواضحات إن الشدة في الدين ليست
هي الفظاظة والغلظة فحسب وإنما هي التهالك في التمسك بعروتي الكتاب والسنة و
العمل بهما والأخذ والقيام بما جاء فيهما من الحدود، وما أكثر ما خالفهما الرجل ونبذهما
وراء ظهره واتخذ برأيه الشاذ عنهما؟ ودع عنك ما جهله منهما. وما قيمة شدة بلا علم؟
وما مقدار شدة مع التنكب عن أساسيات الدين؟ مع الخروج عن طقوس الاسلام، مع
التمسك بالأهواء والشهوات؟ راجع نوادر الأثر في علم عمر من الجزء السادس ص 83 -
333 ط 2 فإنك تجد هنالك شواهد قوية على إثبات هذه الصفة فاقرأها وتبصر.
وأما كون عثمان أصدقهم حياء فيكفي دلالة عليه الجزء الثامن والتاسع من هذا
الكتاب وكل صحيفة منهما آية من آيات صفته تلك، مضافا إلى ما سردناه في هذا
الجزء ص 274 - 289 من البحث الخاص في حيائه.
وأما الثلاثة الباقون فلا نطيل البحث عن إثبات ما ذكر لهم، ففيه تضييع للوقت
وشغل عما هواهم من ذلك، ومن سبر كتابنا هذا عرف أعلم الأمة وأفرضها وأمينها

(1) راجع الجزء السابع ص 78.
388

وعلم أنه غيرهم، فلا يدلس ساحة الأمة بأمثال المذكورين، ولا يخاف عليه مما كان
يخاف النبي الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم على أمته كما جاء عنه: أخاف على أمتي من بعدي ضلالة
الأهواء، واتباع الشهوات، والغفلة بعد المعرفة. " أسد الغابة 1: 108 ".
3 - في كتاب المناقب من صحيح البخاري 5: 249 عن محمد بن الحنفية قال: قلت
لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم
عمر. وخشيت أن يقول: ثم عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.
وفي لفظ الخطيب في تاريخه 13: 432: قال قلت: يا أبت! من خير الناس بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: يا بني أو ما تعلم؟ قال: قلت: لا. قال: أبو بكر. قال: قلت:
ثم من؟ قال: يا بني؟ أو ما تعلم؟ قال: قلت: لا. قال ثم عمر. قال: ثم بدرته فقلت:
يا أبت! ثم أنت الثالث. قال: فقال لي: يا بني أبوك رجل من المسلمين له ما لهم و
عليه ما عليهم.
قال الأميني: ليست هذه أول سقطة من سقطات البخاري، ومن عرف معتقد
أمير المؤمنين علي عليه السلام في الذين تقدموه وما استمر عليه دؤبه من التصريح بذلك المعتقد
تارة والتلويح إليه أخرى لا يشك في أن ما عزي إليه بهتان عظيم.
وليس ابن الحنفية ذلك الذي لا يعرف أباه ولا نظريته في القوم بعد اللتيا والتي
حتى يسأله عن أولئك الرجال ثم يخاف عن أن يقول في المرة الثالثة عثمان وهو يعرفه
بعجره وبجره لا محالة، ويعلم أنه هو أحد الثلاثين من بني أبي العاص الذين صح
فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا، وعباده
خولا، ودينه دخلا (1)
لماذا كتم أمير المؤمنين عليه السلام من ابن الحنفية رأيه هذا يوم مقتل عثمان لما
أراد الإمام عليه السلام أن يأتي الرجل وينصره فأخذ ابن الحنفية بضبعيه أو بكفيه أو بحقويه
يمنعه من ذلك (2)
حاشا ابن الحنفية من الجهل بما جاء في أبيه الطاهر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من

(1) راجع ما مر في الجزء الثامن ص 250، 251، 305 ط 2
(2) الأنساب 5: 94.
389

قوله: إنه خير البرية، وإنه خير البشر، وإنه خير من أتركه بعدي، وإنه خير
الناس، وإنه خير الرجال، وإنه أحد الخيرتين (1) ومحمد بن الحنفية هو الذي كان ينشد
شاعره كثير عزة بين يديه قوله:
أنت ابن خير الناس من بعد النبي * يا بن علي سر ومن مثل علي؟ (2)
وأنى تصح نسبة هذه المزعمة إلى علي عليه السلام وقد جاء عنه من عدة طرق إنه قال:
حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مسنده إلى صدري فقال: أي علي؟ ألم تسمع قوله الله تعالى
" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية "؟ أنت وشيعتك. وورد عن جابر:
إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البرية. راجع ما أسلفناه
في ج 2: 52. أخرجه مضافا إلى ما ذكرناه هنالك من المصادر ابن أبي حاتم في تفسيره،
قال السيوطي في لئاليه 1: 12: التزم ابن أبي حاتم أن يخرج في تفسيره أصح ما ورد ولم
يخرج حديثا موضوعا البتة. ه‍.
ولو كان يرى أمير المؤمنين أن أبا بكر خير الناس فلماذا تقاعد عن بيعته إلى أن
توفيت سيدة النساء فاطمة؟ وكان له وجه عند الناس أيام حياتها كما أخرجه البخاري
نفسه، وصافقه على ذلك بنو هاشم ومن وافقهم من غيرهم من وجوه الأمة وأعيان
الصحابة، أو لم يكن فيهم من يعرف منزلة الصديق هذه؟ وما بال علي أمير المؤمنين
عليه السلام كان يحمل الصديقة الطاهرة على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة
على خير البشر؟ (3) ولماذا لم يكن في مقال الدعاة إلى أبي بكر أيضا يوم السقيفة و
بعده ما يومي إلى أنه خير البشر؟ بل كان رطب ألسنتهم: إنه السباق المسن وثاني اثنين إذ
هما في الغار (4) مشفوعا كل ذلك بالإرهاب والترعيد. أفلم يدبروا القول، أم جاءهم
ما لم يأت آباءهم الأولين؟.
هب أن الصحابة يوم ذاك ما كانوا يعرفون منزلة الرجل، فهلا نبههم عليه أمير
المؤمنين وأمرهم باتباع خير الناس وفيهم من كان أطوع له من الظل لديه، فقم بذلك

(1) راجع ما مضى في الجزء الثاني ص 57، و ج 3: 22، 24 ط 2.
(2) طبقات ابن سعد 5: 79.
(3) الإمامة والسياسة 1: 12.
(4) راجع الجزء السابع ص 91 ط 2.
390

جذوم الفتنة، واستأصل جذورها، وكسح الخلاف من بين المسلمين، فلم يتركها فتنة
عمياء تحتدم عليها الإحن، وتتعاقب المحن؟ حاشا مولانا أمير المؤمنين من كل هذه،
لكنه لم يعرف ما عزي إليه من حديث خير الناس ولا اعترف بمفاده طرفة عين، بل
كان صلوات الله عليه يرفع عقيرته بما يضاد هذه المزعمة في صهوات المنابر بين الملأ
الديني، وقد مر شطر من تلكم الكلم في هذا الجزء.
نحن هاهنا لسنا في مقام إثبات أن عليا خير البشر بعد صنوه الطاهر صلى الله
عليهما وآلهما. كلا ثم كلا.
ولسنا في صراط بيان المفاضلة بينه سلام الله عليه وبين خلفاء الانتخاب الدستوري،
حاشا ثم حاشا.
وإنما يروقنا جدا أن نمركز لهذا الانسان الكامل في الملأ الديني مكانة فرد
من آحاد المسلمين، ونجعلها كلمة سواء بيننا وبين القوم، ونتصافق على هذا فحسب.
اللهم غفرانك وإليك المصير
يا حبذا بعد ما صدق القوم ما عزي إليه صلوات الله عليه من قول: ما أنا إلا
رجل من المسلمين أو قوله لا بنه: يا بني أبوك رجل من المسلمين له ما لهم وعليه
ما عليهم. كانوا يعدونه رجلا منهم وأجروا عليه أحكام من آمن بالله وأسلم، وكان له
ما لهم وعليه ما عليهم. بل ليتهم كانوا اتبعوا رأي عثمان فيه ويرون مروان بن الحكم
اللعين ابن اللعين بلسان النبي الأقدس أفضل منه. وليتهم ساووا بينه وبين سفلة
الأعراب، والطبقة الواطئة الساقطة من الصحابة، لكن: أنى؟ ثم أنى؟.
قل لي بربك أي مسلم شريف أو وضيع لعن غيره في ثمانية عشر ألف منبر،
ولم ينبس ابن أنثى ببنت شفة في الدفاع عنه؟.
قل لي بربك أي مسلم سائد أو سوقة غير سيد العترة سن سبه في الجمعة و
الجماعة في الحواضر الإسلامية جمعاء، وتختم بلعنه أندية الوعظ والخطابة، ومن
نهى عن ذلك ينفى عن عقر داره؟ قال الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو: أتيت من
حوران إلى دمشق لآخذ عطائي فصليت الجمعة ثم خرجت من باب الدرج فإذا عليه
شيخ يقال له: أبو شيبة القاص، يقص على الناس فرغب فرغبنا، وخوف فبكينا، فلما
391

انقضى حديثه قال: اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب، فلعنوا أبا تراب عليه السلام، فالتفت إلى من على يميني فقلت له: فمن أبو تراب؟ فقال: علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله
وزوج ابنته، وأول الناس إسلاما، وأبو الحسن والحسين. إلى آخر ما في تاريخ ابن
عساكر 3: 407. وفيه أن الجنيد استنكر الأمر ولطم وجه الرجل فشكى إلى هشام
ابن عبد الملك فنفى الجنيد إلى السند فلم يزل بها إلى أن مات.
قل لي بربك أي عزيز تحت ظل النبوة غير عزيزنا المفدى، أضهده نير المذلة،
وأصبح ضهدة لكل أحد، جرعته يد الإحن كاسات المحن، حتى سئم من حياته،
وصبر وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، يرى تراثه نهبا؟.
قل لي بربك أي صحابي غير علي عليه السلام لا يستقيم الأمر لأمة محمد إلا بسبه؟
يقال لمروان: مالكم تسبونه على المنابر؟ فيقول بملء فمه. إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا
بذلك (1).
قل لي بربك أي موحد إسلامي في الملأ الديني يتبرأ منه في بيعة خليفة
المسلمين بيع الله ورسوله سوى علي عليه السلام؟ وقد اشترط معاوية البراءة منه عليه السلام في
بيعته (2).
قل لي بربك أي إنسان ثقل اسمه على الناس غير علي صلوات الله عليه؟ هذه
عائشة لم تسمه ولا تقدر على أن تذكره بخير، ولا تطيب له نفسا (3) وكان معاوية أو
عبد الملك بن مروان أو هما معا يأمران ابن عباس أن يغير اسم ولده علي وكنيته (4)
وكان علي بن الجهم السلمي يلعن أباه لأنه سماه عليا (5).
قل لي بربك أي رجل أسلم وجهه لله وهو محسن غير أول المسلمين يرى

(1) الصواعق لابن حجر ص 33.
(2) البيان والتبيين للجاحظ 2. 85.
(3) مر الحديث بإسناد صحيح في هذا الجزء صفحة 325.
(4) تاريخ الطبري 8: 230، حلية الأولياء 3: 207، الكامل للمبرد 2: 157، العقد
الفريد 3: 286، الكامل لابن الأثير 5: 78، تاريخ ابن خلكان 1: 350، تهذيب التهذيب
7: 358، شذرات الذهب 1: 148.
(5) لسان الميزان 4: 210.
392

لاعنوه وشاتموه ومعاندوه وقاتلوه وخاذلوه متأولين مجتهدين لا يستحقون مقتا ولا
أخذا ولا هوانا ولا عقابا؟
قل لي بربك أي ابن أنثى من أبناء الاسلام عدا وليد الكعبة ابن فاطمة استحق
شيعته ومحبوه وأهله وذووه في المجتمع السب واللعن والقتل والسبي والازراء و
الضرب والنكال والسوءة والحبس في ظلم المطامير وقعر السجون، وضاقت عليهم
الأرض بما رحبت؟
الهضيمة كل الهضيمة دفاع ابن حجر عن مثل حكم بن أبي العاص طريد النبي
ولعينه وعن الوقيعة فيه بما تحقق منه وعلم من الفاحشة، وذبه عنه لمكان كونه
صحابيا (1).
الهضيمة كل الهضيمة ذب ابن حزم عن عبد الرحمن بن ملجم قاتل أمير المؤمنين
وعدم تجويزه لعنه وتبريره عمله بأنه مجتهد مخطئ (2)
الهضيمة كل الهضيمة نصرة القاضي حسين الشافعي عمران بن حطان مادح ابن
ملجم قاتل الإمام الطاهر بقوله:
يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا
يحكم بعدم جواز لعنه زعما بكونه صحابيا (3) ذاهلا عن أن ابن حطان لم
يكن صحابيا وإنما هو من رؤس الخوارج الملعونين بلسان النبي الأقدس، ولد
الرجل بعده صلى الله عليه وآله وسلم بمدة.
الهضيمة كل الهضيمة تبرير ساحة معاوية الربا والخمور من دنس طاماته و
موبقاته وجناياته الكبيرة على الاسلام والمسلمين وقتله آلافا من صلحاء أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
بكلمة واحدة موجزة، بأنه كان مجتهدا متأولا مخطئا. (4)
الهضيمة كل الهضيمة الاعتذار عما اقترفه يزيد الخمور والفجور: وتنزيه ساحته

(1) راجع ما مضى في الجزء الثامن ص 251 ط 2.
(2) راجع ما أسلفناه في الجزء الأول ص 323 ط 2.
(3) الصابة 3: 179.
(4) الفصل لابن حزم 4: 89، تاريخ ابن كثير 7: 279.
393

من أرجاسه المكفرة والنهي عن لعنه وذكره بالسؤ بأنه مسلم لم يثبت كفره وأنه
إمام مجتهد (1).
إلى مناصرات ومدافعات عن أمثال هؤلاء بشروى تلكم الكلم الفارغة، وأما
سيدنا المفدى حبيب الله وحبيب رسوله فلسنا مغاليا إن قلنا: إن الأمة كانت مصرة
على مقته، مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده إلا القليل ممن وفا لرعاية الحق فيه،
فليت القوم أخذوا من بخاريهم وخطيبهم هذه الكلمة المعزوة إلى أمير المؤمينن
" ما أنا إلا رجل من المسلمين " - وإن كانت مختلقة - وأجروا عليه حكمها. لكن.
لكن...
ثم كيف تعزى إليه سلام الله عليه هذه المفاضلة وقد جاء عن النبي الأقدس
قوله لفاطمة الصديقة: زوجتك خير أمتي، أعلمهم علما، وأفضلهم حلما، وأولهم
سلما؟ مر في ج 3: 95 ط 2.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: علي خير من أتركه بعدي.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: خير رجالكم علي بن أبي طالب، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: علي خير البشر فمن أبى فقد كفر.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من لم يقل علي خير الناس فقد كفر.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لفاطمة سلام عليها: إن الله اطلع على أهل الأرض فاختار
منه أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار بعلك.
وقوله لها: إن الله اختار من أهل الأرض رجلين أحدهما أبوك والآخر زوجك (2)
وليت شعري كيف تصح عنه هذه المفاضلة وقد اتخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له نفسا
كما جاء في الذكر الحكيم، وطهره الجليل بآية التطهير، وقرن بين ولايته وولاية
رسوله وبين ولاية علي في نص الكتاب الكريم، وأنزله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه منزلة هارون
من موسى، ولم يستثن لنفسه إلا النبوة، واتخذه صلى الله عليه وآله وسلم أخا لنفسه يوم المؤاخاة
المبتنية على أساس المشاكلة في الملكات والنفسيات، فكيف تتم هذه كلها وفي

(1) تاريخ أين كثير 8: 223 ج 13: 9.
(2) راجع ما مر في ج 3: 20 - 23 ط 2.
394

الأمة من هو أولى منه؟
ولست أدري كيف كان علي أمير المؤمنين أحب الخلق إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم
وفي الأمة من هو خير منه، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله في حديث الطير المشوي الآتي
ذكره إنشاء الله. اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي. فأتاه علي عليه السلام
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة: إن عليا أحب الرجال إلي وأكرمهم علي فاعرفي له
حقه وأكرمي مثواه.
وقوله: أحب الناس إلى من الرجال علي.
وقوله: علي أحبهم إلي وأحبهم إلى الله
ولا تنس ها هنا قول عايشة: والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول الله من علي. ولا
قول بريدة وأبي: أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النساء فاطمة ومن الرجال
علي (1).
ثم ما بال الصديقة فاطمة تموت وهي واجدة على أبي بكر وعمر وهما خيرا
البشر؟ ما بالها وندائها بعد في آذان الأمة المرحومة وهي باكية لاذت بقبر أبيها و
تقول: يا أبت يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟
ما بالها وقولها للخيرين: إني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما
أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه؟ وحديث أنينها بعد دائر سائر
بين حملة التاريخ.
ما بالها وهي توصي بأن تدفن ليلا ولا يصلي عليها أبو بكر، ولا يحضر الخيران
تجهيزها وتشييعها؟ وهذا النبأ العظيم بعد يدور في أندية الرجال. (2)
نعم: السر في ذلك كله أن الصديقة كابن عمها أمير المؤمنين لا تعرف شيئا من.
قول الزور، ولعل الواقف على الجزء السادس والسابع من هذا الكتاب يطل على
كون الرجلين خير البشر بأقرب من هذا.
ونحن على يقين من أن الباحث النابه الحر بعد الوقوف على ما في غضون الأجزاء

(1) راجع ما مر في ج 3: 21 - 23 ط 2.
(2) راجع ما مر في ج 7: 227.
395

الخمسة الأخيرة من العشرة الأولى من أجزاء كتابنا هذا لا يبقي له قط ريب في أن
رواة هذه الأساطير المختلقة والقائلين بمغزاها والمخبتين إليها صما وعميانا هم الغلاة في
الفضائل حقا، فقد جاءوا ظلما وزورا وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون
فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم، فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق
إذ جاءه فصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
إنتهى الجزء التاسع
من كتاب " الغدير " ويتلوه العاشر إن شاء الله
يبدأ فيه ببقية مناقب الخلفاء الثلاثة
لفت نظر
كل فصل وكلمة وجملة توجد في المتن أو التعليق مرموزة ب‍ م في
هذا الجزء وبقية أجزاء الكتاب فهي من ملحقات الطبعة الثانية
وزياداتها، تبدأ ب‍ م وتنتهي بقويس تتلوها.
396

كتب أتتنا من عفك
أتانا كتاب من الشاعر الشريف السيد نعمة السيد حسون البعاج المحترم،
صدره بجمل الثناء الضافية على كتابنا " الغدير " وشفعها بقوله:
فأي غدير جاء والبحر دونه؟ * غديرك بحر لا يساجله البحر
فإن قلت إن البحر باهى بدره * ففيه عقود لا يماثلها الدر
ثم ختمه بأبيات راجيا أن تنشر في هذا الجزء ألا وهي:
كتاب " الغدير " جليل خطير * وفيه لعمري بلوغ الأرب
ذكاء وسرنا على ضوئها * لقصد إليه الورى تقترب
أ عبد الحسين! ويا حاويا * جماع الكمال وعقد الأدب
فكيف أحبر فيك الثنا * وأنت تجدد مجد العرب
أ عبد الحسين! بمجد الحسين * حباك المهيمن أسمى الرتب
" فيا أيها السيد الفاضل الشريف الفعال المنيف الحسب "
هلال الكمال بأفق العراق * توارى زمانا وعنا احتجب
ومذ جاءنا بالغدير البشير * بدى مشرقا بعد ما قد غرب
فقأت عيونا غداة به * أعدت لقوم ليالي الطرب
فهذا " الغدير " لنا منهل * لصادي الفواد شراب عذب
وهذا " الغدير " ورب الغدير * يفوق النضار وما من عجب
فأين الجواهر منه تكون؟ * وأين اللجين وأين الذهب؟
فسفر هدى فاق أضرابه * هو الرأس حقا وهن الذنب
وجدنا " الغدير " لنا شافيا * يزيل العناء وينفي النصب
وفيه الكفاية عن غيره * ولا فقر بعد إلى من كتب
فإن كنت تنوي به قربة * هنيئا فهذي أجل القرب
وإن كنت تنوي به غاية * فقد نلت فيه لذاك الطلب
397

وله كتاب آخر إلينا ختمه بقوله: دع المجدب الظامي يموت بدائه * ويجرع من كأس الندامة صابا
أيصدر عن روض " الغدير " ومائه * ويتبع وهما نائيا وسرابا؟
ويحسب أن يروي غليل فؤاده * ولما يجد غير " الغدير " شرابا؟
فدعه يلاقي حتفه هو صاديا * ودعه يرى ما يرتضيه يبابا
* (كتاب آخر) *
تلقيناه من الشاعر العلوي النبيل السيد يحيى السيد داود الشرع صدره
بقوله:
الحق أبلج وضاح لطالبه * كالشمس بادية في الأفق للنظر
والفضل يرجع في العصر الحديث لمن * بسفره قد أتى عن محكم السور
ذاك (الأميني) قد لاحت معاجزه * فكان نور هدى في عالم البشر
وقفاها بفصول الاطراء وختمه بأرجوزة تربو على أربعين بيتا يذكر فيها كتاب
الغدير " وبعض مصادره، أرجأنا نشرها إلى آونة أخرى.
* (كتاب ثالث) *
أخذناه من الشاعر المبدع يحيى صالح الحلي افتتح كتابه بقوله:
أنرت بسفرك هذا الجليل * طريق الهداية للمجحف
وأوضحت أكذوبة الجاحدين * فلاح لنا منه سر خفي
ثم سبك عقود القريظ، وسرد كلما منثورة في إطراء " الغدير " وتخلص منها بأبيات
على بحر رجز. فله وللشريفين الشكر المتواصل منا غير مجذوذ.
م * (كتاب رابع) *
أتانا من الخطيب الشاعر الشيخ كاظم آل حسن الجنابي بعفك وإليك نصه نظما
ونثرا:
سماحة العلامة الأكبر، شيخنا المعظم الشيخ عبد الحسين الأميني المحترم
بعد تقبيل أناملكم والسلام عليكم والدعاء لكم بالخير أقدم إليكم أبياتا نظمتها
398

بدافع ديني لا أريد أن أقرظ بها كتاب (الغدير) الأغر الذي عجز عن تقريظه
وإطرائه أعلام الفقه والفضيلة، وفطاحل العلماء ولم يحط بوصفه عباقرة الكلام وصيارفة
الأدب، وكيف يطيق شاعر مفلق أو ذو يراع ملهم أن يحد نعته ويحيط بكنهه، وهو
نسيج وحده نسجته يد القدرة، وصاغته كف العناية، وصفحته عين اللطف؟ فجاء بحمد
الله فريدا في بابه، بليغا في خطابه، أصاب قلب الغرض، وكشف وجه الحقيقة وأماط
عنها دياجير الظلم، وغياهب الإجحاف، فليس باستطاعتي والحالة هذه تقريظ مثل هذا
الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن أنا وما قدر
إمكاني يا سيدي! حتى أتصدى لمدح (الغدير) الذي نبت عن وصفه قرائح الشعراء
وأقلام الكتاب؟
ولكني إنما أردت بأبياتي هذه إن راقت سيدنا (الأميني) أن يتفضل بنشرها
لتكون لي ذكرى خالدة بخلود غديرنا الصافي.
سألوني عن " الغدير " أناس * أين كان " الغدير " قبل الأميني؟
قلت: كان الغدير في سجن غي * صفدته قيود إفك ومين
وغدا في السجون من يوم خم * يوم قال الإله: أكملت ديني
قد أتاه " الأميني " لما دعاه * مستعينا فياله من معين
فجزاه الإله خير جزاء * أوضح الحق في كتاب مبين
وإذا بالغدير بين يدينا * فيه تبيان كل شئ دفين
فيه ما تشتهي النفوس وفيه * ما تلذ العيون رأي العيون
فرحة الصادقين فيه وفيه * ترحة الكاذبين حق اليقين
يا كتاب " الغدير " أبهجت منا * مذ تلوناك كل قلب حزين
سوف تبقي بغرة الدهر نورا * خالدا في الوجود طول السنين
وسلام على مؤلف سفر * فاق فضلا رجال كل القرون
[الشيخ كاظم آل حسن الجنابي]
399