الكتاب: نهج السعادة
المؤلف: الشيخ المحمودي
الجزء: ٣
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٩٧ - ١٩٧٧ م
المطبعة:
الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

نهج السعادة
في
مستدرك نهج البلاغة
1

نهج السعادة
في
مستدرك نهج البلاغة
الجز الثالث - باب الخطب
تأليف
الشيخ محمد باقر المحمودي
دار التعارف للمطبوعات
بيروت - لبنان
3

الطبعة الأولى
1977 م - 1397 ه‍
حقوق الطبع محفوظة
دار التعارف للمطبوعات
شارع سوريا - بناية درويش - الطابق الثالث
تلفن - 247280 - البريد 643 - بيروت لبنان
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد فهذا هو القسم الثاني من باب خطب أمير المؤمنين عليه السلام
وما يجري مجراها من كتاب نهج السعادة تأليف الشيخ محمد باقر المحمودي.
وقد ذكرنا في مقدمة الكتاب في ج 1، ص 15 - 16، أن باب الخطب
من كتابنا هذا رتبناه على قسمين: قسم يستفاد من سند الكلام أو من متنه أو من
القرينة الخارجية زمان صدور الكلام عنه عليه السلام - ولو بحسب التقريب غير
البعيد عن التحقيق - وهو القسم الأول وقد تقدم ذكره.
وقسم لا يعلم من سند الكلام أو من متنه أو من القرينة الخارجية زمان
صدور الكلام عنه عليه السلام لا تحقيقا ولا بالتقريب الغير البعيد عنه،
وهو القسم الثاني وقد حان أو ان التمتع من شميم رياضه واغتراف ماء
الحياة من حياضه:
5

- 1 -
ومن خطبة له عليه السلام
خطبها في يوم الجمعة، وهي من جلائل خطبه عليه السلام مشتملة
على كثير من مباحث التوحيد وصفات الجلال والجمال
الشيخ أبو علي ابن شيخ الطائفة قدس الله نفسهما قال: حدثنا أبي،
قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد
ابن سعيد بن عبد الرحمان الحافظ، قال: حدثني محمد بن عيسى بن هارون
ابن سلام الضرير أبو بكر، قال: حدثنا محمد بن زكريا المكي (1) قال
حدثني كثير بن طارق، قال: سمعت زيد بن علي - مصلوب الظالمين -
يقول: حدثني أبي علي بن الحسين بن علي [عليه السلام] (2) قال: خطب
علي بن أبي طالب عليه السلام بهذه الخطبة في يوم الجمعة فقال:
الحمد لله المتوحد بالقدم والأولية (3) الذي ليس

(1) كذا في نسخة الأمالي والمصادر الحاكية عنه، ولعل الصواب:
(المالكي) كما في ترجمة كثير بن طارق من فهرست النجاشي ص 244.
(2) ما بين المعقوفين كان في الأصل هكذا: (ع)
(3) أي انه تعالى هو المتفرد بالقدم الحقيقي والمتوحد بالأولية الحقيقة
غير المسبوقة بالعدم فله الحمد لعز جلاله وشموخ كبريائه.
6

له غاية في دوامه ولاله أولية (4) أنشأ صنوف البرية
لا من أصول كانت بدية (5) وارتفع عن مشاركة
الأنداد (6) وتعالى عن اتخاذ صاحبة وأولاد، هو الباقي
بغير مدة (7) والمنشئ لا بأعوان ولا بآلة، فطر لا
بجوارح صرف‍ [ها في] ما خلق (8) لا يحتاج إلى محاولة
التفكير ولا مزاولة مثال ولا تقدير، أحدثهم على
صنوف من التخطيط والتصوير، لا بروية ولا ضمير!!!

(4) كذا في الأصل فان صح ولم يكن فيه تصحيف فمعناه أنه تعالى
لا نهاية لوجوده أولية لكينونته.
(5) كذا في الأصل.
(6) هذا هو الظاهر الموافق لما في البحار، وفي الأصل: (فارتفع)
أي أنه تعالى أجل وأعلى عن أن يشركه في إنشاء البرية أو كبريائه ند،
إذ لا ند له تعالى إذ جميع الأشياء داخل تحت مقولة الامكان المساوق للاحتياج
والافتقار والمخلوقية والصغار.
(7) أي إن بقاءه تعالى غير محدود بمدة.
(8) هذا هو الظاهر. وما بين المعقوفين لم يكن في الأصل، وفيه:
(فطر ولا بجوارح ما خلق). وفي البحار: (فطن ولا بجوارح).
7

سبق علمه في كل الأمور (9) ونفذت مشيئته في كل
ما يريد في الأزمنة والدهور (10) إنفرد بصنعة الأشياء
فأتقنها بلطائف التدبير (11) سبحانه من لطيف خبير
ليس كمثله شي وهو السميع البصير.
الحديث الأول من المجلس: (41) من الجزء الثاني من أمالي الشيخ -
المعروف بأمالي ابن الشيخ - ص 79 ط طهران، ورواه عنه في الحديث
44 وهو الحديث ما قبل الاخر بواحد من الباب: (4) وهو باب جوامع التوحيد
من بحار الأنوار: ج 2 ص 204 في السطر 4 عكسا ط الكمباني، وفي ط الحديثة:
ج 4 ص 319، ورواه أيضا في الحديث: (178) من كلمه عليه السلام
في البحار ج: 17، ص 126 ط الكمباني كما رواه أيضا بأدنى اختلاف في
بعض الألفاظ في كتاب تنبيه الخواطر ص 393.

(9) أي إن علمه تعالى بالأمور سابق ومتحقق قبل كونها وتحققها
في عالم الخارج.
(10) وفي البحار: (في كل ما يرد من الأزمنة والدهور).
(11) وفي البحار: (انفرد بصنعه الأشياء).
8

- 2 -
ومن خطبة له عليه السلام
في عظمة شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجلالة مقام أوصيائه
والأئمة من ولده وفي أن الله تعالى خلق العوالم من أجلهم وانهم علل
غائية لايجاد العوالم والأكوان!!! (1)
علي بن الحسين بن علي المسعودي - صاحب مروج الذهب - عن
الإمام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن
الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام أنه قال:
ان الله حين شاء تقدير الخليقة، وذرأ البرية (2)
وابداع المبدعات، نصب الخلق في صور كالهباء

(1) وهذه الخطبة يجب أن تكتب بالنور على قلة الطور لتستضئ بها
العوالم وتتلألأ بها الجنان وتشرق الحور والقصور...
(2) تقدير الخلقية: تكونيها وتكثيرها. و (ذرأ البرية): ايجادها
واختراعها. والبرية: الخليقة. والجمع: برايا.
9

قبل دحو الأرض ورفع السماء (3). وهو في انفراد
ملكوته وتوحد جبروته، فأتاح نورا من نوره فلمع،
ونزع قبسا من ظيائه فسطع (4) ثم اجتمع النور في
وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم (5) فقال الله عز من قائل: أنت
المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز

(3) الهباء: الغبار. دقائق التراب ساطعة ومنشورة في الجو أو الأرض.
و (دحو الأرض): بسطها.
وفي تذكرة الخواص: (لما أراد الله أن ينشئ المخلوقات ويبدع
الموجودات أقام الخلائق في صورة واحدة قبل خلق [دحو (خ)] الأرض
ورفع السماوات...).
(4) وفي هامش مروج الذهب المطبوع بمصر هكذا: في [ط] 1:
(فأساح). أقول: وفي تذكرة الخواص: (ثم أفاض نورا من نوره...).
و (أتاح نورا) هيأه وقدره. (ونزع قبسا) - من باب ضرب -:
جذبه. قلعه. ومن باب منع: استخرجه. والقبس - محركا -: الشعلة
من النار تؤخذ من معظمها.
(5) وفي تذكرة الخواص: (ثم اجتمع [النور] في تلك الصورة
وفيها صورة رسول الله صلى الله عليه وآله...).
10

هدايتي من أجلك أسطح البطحاء وأمرج الماء (6) وأرفع
السماء، وأجعل الثواب والعقاب، والجنة والنار!!!
وأنصب أهل بيتك [علما] للهداية، وأوتيهم من مكنون
علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي (7)
وأجعلهم حجتي على بريتي، والمنبهين على قدرتي
ووحدانيتي!!!

(6) أسطح: أبسط واستوسع. والبطحاء: المسيل فيه الرمل ودقاق
الحصى. وأمرج الماء: أرسله وأطلقه.
وفي تذكرة الخواص: (من أجلك أضع البطحاء وأرفع السماء
وأجري الماء).
(7) لا يعييهم خفي أي لا يكون علم شي من الأشياء الغامضة المتعبة
للناس متعبا لهم بل يكون عندهم من البديهيات من قولهم: (أعياه الامر
إعياء): أتعبه وجعله كليلا، وهو دون العجز. وهذا من خصائص أوصياء
رسول الله وخلفائه في أمته المهيمنين على كتاب الله وحجج الله على خلفه
وشهدائه في عباده وبلاده، وبه وبأمثاله يتمسك شيعة أهل البيت ويعتقد أن
الأئمة وأوصيا رسول الله يعلمون الغيب وجميع ما يحتاج إليه البشر في
الحياة الدنيا، وأن من لا يعلم الغيب بمعزل عن خلافة رسول الله ومقام
وصايته، وأن الأئمة أخذوا جميع المعلومات عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وهو آخذ عن الله تعالى إما بالوحي أو بالالهام!!! ويشهد بذلك
قوله تعالى في الآية: (26) من سورة الجن: 72: (عالم الغيب فلا يظهر
على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن
خلفه رصدا).
وقوله تعالى في الآية: (179) من سورة آل عمران: (وما كان
الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشأ).
11

ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية، والاخلاص
بالوحدانية (8) فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر
الخلق انتخاب محمد وآله (9) وأراهم أن الهداية معه
والنور له والإمامة في آله تقديما لسنة العدل، وليكون
الاعذار متقدما (10).
ثم أخفى الله الخليقة في غيبه وغيبها في مكنون
علمه، ثم نصب العوالم وبسط الزمان، ومرج الماء

(8) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (ثم أخذ الله... بالربوبية
والاخلاص وبالوحدانية).
(9) يقال: (شاب فلان الشئ بكذا - من باب قال - شوبا وشيابا):
خلطه. والبصائر: جمع البصيرة: العقل. الفطنة.
(10) قوله: (تقديما... وليكون) تعليلان لقوله: (شاب ببصائر
الخلق).
12

وأثار الزبد وأهاج الدخان، فطفا عرشه على الماء (11)
فسطح الأرض على ظهر الماء، وأخرج من الماء دخانا
فجعله السماء، ثم استجلبهما إلى الطاعة، فأذعنتا
بالاستجابة (12).
ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها وأرواح

(11) نصب العوالم - من باب ضرب ونصر -: رفعها. أقامها.
و (مرج الماء - من باب نصر - مرجا): أطلقه وأرسله. و (أثار الزبد
وأهاج الدخان).: جعلهما ذا ثوران وهياج وتحرك وانبعاث و (طفا عرشه
على الماء) من باب دعا -: علا فوق الماء ولم يرسب فيه.
(12) الظاهر أن المراد من الدخان هو البخار، وقوله (ثم استجلبهما):
دعاهما وسقاهما سوقا حثيثا. والمراد منه الدعوة والسوق التكوينيان.
والكلام مقتبس معنى من قوله تعالى في الآية: (9) وتواليها من سورة فصلت:
(قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا،
وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام
سواء للسائلين، ثم استوى إلى السماء وهي دخال فقال لها وللأرض ائتيا
طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى
في كل سماء أمرها...)
وفي المختار الأول من نهج البلاغة شواهد لما ذكره عليه السلام ها هنا.
13

اخترعها، وقرن بتوحيده نبوة محمد صلى الله عليه
وسلم فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض (13).
فلما خلق الله آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم
ما خصه به من سابق العلم من حيث عرفه عند استنبائه
إياه أسماء الأشياء (14) فجعل الله آدم محرابا

(13) وفي تذكرة الخواص: (ثم أنشأ الملائكة من أنوار أبدعها وأنواع
اخترعها [ثم خلق المخلوقات فأكملها (خ)] ثم خلق الأرض وما فيها
ثم قرن بتوحيده نبوة نبيه وصفيه محمد [ظ] فشهدت السماوات والأرض
والملائكة والعرش والكرسي والشمس والقمر والنجوم وما في الأرض له
بالنبوة).
(14) إشارة إلى ما قص الله تعالى في الآية: (29) وتواليها من سورة
البقرة: (وإذ قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة قالوا:
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك.
قال: إني أعلم ما لا تعلمون، وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على
الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا: سبحانك
لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم: قال: يا آدم أنبئهم
بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال: ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات
والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون).
14

وكعبة، وبابا وقبلة، أسجد إليها الأبرار، والروحانيين
الأنوار. (15)
ثم نبه آدم على مستودعه، وكشف له (عن)
خطر ما إئتمنه عليه، بعد ما سماه إماما عند الملائكة،
وكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا (16)
ولم يزل لله تعالى يخبأ النور تحت الزمان إلى أن
فضل محمدا صلى الله عليه وسلم في ظاهر الفترات (17)
فدعا الناس ظاهر وباطنا، وندبهم سرا وإعلانا،

(15) ظاهر هذا الكلام أن الملائكة أمروا بالسجود لله تعالى وأن يجعلوا
آدم قبلة ومحرابا في سجودهم كما عبدنا الله تعالى بالسجود له متوجها
إلى الكعبة وقبلها كان أمرنا بالسجود له متوجها إلى بيت المقدس.
(16) ولله العظمة والمقدرة والحكمة والخيرة ما أعظم عنايته لأوليائه؟
وما أفخم مكرمته لرسول الله وأهل بيته حيث وهب الله لهم ما لا يحيط به
البيان ولا يقدر على وصفه لسان!!!
(17) يخبأ - من باب منع -: يستر ويخفي و (الفترات): جمع
الفترة: الضعف والانكسار. والظاهر أن المراد منها - ها هنا - هو الضعف
العارض لأهل الديانة فيما بين الشريعة السالفة واللاحقة.
15

واستدعى عليه السلام (18) التنبيه على العهد الذي
قدمه إلى الذر قبل النسل، فمن وافقه وقبس من مصباح
لنور المقدم اهتدى إلى سره، واستبان واضح امره،
أو من أبلسته الغفلة استحق السخط.
ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمتنا فنحن
أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاة، ومنا مكنون

(18) كذا في النسخة، والظاهر أن كلمتا: (عليه السلام) زائدتان
وأن في الكلام سقطا وتصحيفا؟ وفي تذكرة الخواص هكذا: (ثم بين
لادم حقيقة ذلك النور، ومكنون ذلك السر، فلما حانت أيامه أودعه شيثا،
ولم يزل ينتقل من الأصلاب الفاخرة إلى الأرحام الطاهرة إلى أن وصل إلى
عبد المطلب ثم إلى عبد الله [ثم صانه الله عن الخثعمية حتى وصل إلى آمنة
(خ)] ثم إلى نبيه [صلى الله عليه وآله وسلم] فدعا الناس ظاهرا وباطنا
وندبهم سرا وعلانية، واستدعى الفهوم إلى القيام بحقوق ذلك السر اللطيف،
وندب العقول إلى الإجابة لذلك المعنى المودع في الذر قبل النسل فمن وافقه
قبس من لمحات ذلك النور غشي بصر قلبه عن ادراكه وانتهى إلى العهد
المودع في باطن الامر وغامص العلم، ومن غمرته الغفلة، وشغلته المحنة
استحق البعد.
ثم لم يزل ذلك النور ينتقل فينا ويتشعشع في غرائزنا...).
16

العلم، والينا مصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج،
خاتم الأئمة، ومنقذ الأمة، وغاية النور، ومصدر
الأمور.
فنحن أفضل المخلوقين، وأشرف الموحدين وحجج
رب العالمين (19) فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا،
وقبض على عروتنا (20).
مروج الذهب: ج 1، ص 32 ط مصر، وفي ط ص 17، وفي
طبعة بيروت ج 1 ص 42، في ابتداء الباب الثالث عند ذكر المبدء وشأن
الخليفة.
وقريب منه جدا في المختار (6) من الباب السادس من كتاب تذكرة
الخواص لسبط ابن الجوزي ص 138، ورواه عنه في البحار: ج 17،
ص 82 ط الكمباني.

(19) والى الخطبة هذه وأمثالها تستند الامامية في اعتقادهم في أئمة
أهل البيت عليهم السلام، ومن أبحر ما بينوه يغترفون ومن مشربهم الصافي
يستقون!!!
(20) فليهنأ - من باب منع وعلم - فليفرح.
(نهج السعادة ج 3) (م 2)
17

- 3 -
ومن كلام له عليه السلام
في مدحه ومدح أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين وحث
الناس على اتباعهم وأخذ العلوم عنهم
قال محمد بن إبراهيم النعماني رحمه الله: قال أمير المؤمنين عليه السلام
في خطبته التي رواها الموافق والمخالف:
الا ان العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى
الأرض، وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين،
في عترة خاتم النبيين فأين يتاه بكم (1)؟ بل أين
تذهبون؟

(1) أي فأين يذهب بكم الضلال تائهين متحيرين وبينكم عترة نبيكم
وهم أعلام الحق وألسنة الصدق ومعادن العلم والحكمة وخزنة الوحي؟!!
يقال: (تاه زيد - من باب منع - تيها وتيهانا): ضل. ذهب متحيرا فهو
تياه وتيهان.
18

يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة هذا مثلها
فيكم (2) فكما نجا في هاتيك من نجا، فكذلك ينجو
في هذه من ينجو (3) ويل لمن تخلف عنهم.
[قال النعماني] وقال عليه السلام في هذه الخطبة:
ان مثلنا فيكم كمثل الكهف لأصحاب الكهف،
وكباب حطة وهو باب السلم فادخلوا في السلم كافة (4).

(2) ومثله في كتاب الارشاد، الا أن الذيل فيه هكذا: (فهذه مثلها
فيكم فاركبوها، فكما نجا في هاتيك من نجا، كذلك ينجو في هذى من دخلها).
والمراد من النسخ - هنا -: الانتقال من صلب إلى صلب نظير نسخ
الكتاب فإنه عبارة عن نقل المطالب وانتقالها من نسخة إلى نسخة أخرى.
(3) وفي المسترشد: (يا معشر من نجا من [أصلاب] أصحاب السفينة
هذا مثلها فيكم [و] كما نجا في هاتيك من نجا، فكذلك ينجو في هذه منكم
من ينجو) وقد تقدم قريب منه في المختار: (152) من القسم الأول في ج 1
ص 532 فراجع.
(4) الكلام إشارة إلى ما ذكره الله تعالى في الآية: (15) من سورة
الكهف: (وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون الا الله فأووا إلى الكهف ينشر
لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا). وإشارة إلى ما بينه الله تعالى
في الآية: (57) من سورة البقرة: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها
حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم
وسنزيد المحسنين، فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على
الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون) وفي معناها الآية: (160 -
161) من سورة الأعراف. وإشارة أيضا إلى ما أمر الله به في الآية: (207)
من سورة البقرة: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات
الشيطان انه لكم عدو مبين، فان زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا
أن الله عزيز حكيم). وبالتدبر في ذيل الآيات الكريمات ينكشف
سر عجيب.
19

وأيضا قال عليه السلام في خطبته هذه:
ولقد علم المستحفظون (5) من أصحاب محمد
[صلى الله عليه وآله وسلم] أنه قال: اني وأهل
بيتي مطهرون فلا تسبقوهم فتضلوا، ولا تخلفوا عنهم
فتزلوا، ولا تخالفوهم فتجهلوا. ولا تعلموهم فإنهم
أعلم منكم، هم أعلم الناس صغارا وأعلم الناس كبارا (6)

(5) أي الذين يطلب منهم حفظ الاسرار، والتحفظ على الودائع والأمانات
وهو بفتح الفاء اسم مفعول.
(6) وقد تقدم في تعليق المختار الأول من القسم الأول: ج 1 ص 18،
وفي المختار: (52) ص 182، شواهد لما ها هنا.
20

فاتبعوا الحق وأهله حيثما كان، وزائلو الباطل وأهله
حيث ما كان.
أواسط الباب الثاني من كتاب الغيبة - للشيخ الأجل النعماني رحمه الله -
ص 18، وقد بتر الخطبة - ولم يذكر تمامها - وذكر منها ما يناسب مدعاه
في الباب المذكور.
ورواه أيضا الطبري في المسترشد، ص 76 بزيادات كثيرة، والمستفاد
منه أنه من خطبة خطبها عليه السلام في أوائل ما ولي الأمر بعد قتل عثمان.
21

- 4 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تحميد الله تعالى على ما من به عليه من الهداية والنجابة واستجابة
الدعوة والشفاعة وفي الحث على أخذ العلم منه (1)
الحمد لله الذي هدانا من الضلالة، وبصرنا من
العمى ومن علينا بالاسلام، وجعل فينا النبوة،
وجعلنا النجباء، وجعل أفراطنا أفراط الأنبياء (2)

(1) قال الراوي وهو الشيخ المفيد رحمه الله: وقد تركنا صدرها.
(2) الافراط جمع الفرط - كفرس - وهو العلم المستقيم يهتدي به.
وغير المدرك من الولد الذي يدركه الموت. والذي يتقدم الواردة ليهيأ لهم ما
يحتاجون إليه. أي الحمد لله الذي جعل أولادنا أولاد الأنبياء، أي نحن وأولادنا
أولاد الأنبياء، أو المراد أن الهادي أي الامام منا أمام للأنبياء وقدوة لهم أيضا
كذا أفاده المجلسي الوجيه (ره).
أقول: وروي ابن عساكر في الحديث: (1190) من ترجمته عليه السلام من
تاريخ دمشق: ج 3 ص 144، ط 1، أنه قال: (نحن النجباء، وافراطنا افراط الأنبياء،
وحزبنا حزب الله، والفئة الباغية حزب الشيطان، ومن سوى بيننا وبين عدونا فليس
منا) ورواه أيضا في الحديث (41) من الجز العاشر، من أمالي الطوسي ص 170
ط 1، ورواه أيضا أحمد بن حنبل في الحديث: (282) من كتاب الفضائل ورواه
عنه في الباب (58) من كتاب ينابيع المودة ص 101، ط 1، ورواه أيضا في الباب (67)
من المقصد الثاني من غاية المرام ص 575، ورواه جماعة آخرون كثيرون
ذكرناهم في تعليق الحديث المذكور من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ
دمشق: ج 3 ص 144، ط 1.
22

وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، نأمر بالمعروف وننهى
عن المنكر (3) ونعبد الله ولا نشرك به شيئا، ولا نتخذ
من دونه وليا، فنحن شهداء الله، والرسول شهيد علينا (4)
نشفع فنشفع فيمن شفعنا له، وندعو فيستجاب
دعاؤنا، ويغفر لمن ندعو له ذنوبه، أخلصنا لله فلم
ندع من دونه وليا (5).

(3) إشارة - أو اقتباس - إلى الآية (110) من سورة آل عمران: 3.
(4) هذا مقتبس من قوله تعالى في الآية: (143) من سورة البقرة:
(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول
عليكم شهيدا).
(5) هذا الذيل تعليل لقوله: (نشفع فنشفع... وندعو فيستجاب دعاؤنا)
إذ مقتضى عناية الله لمن أخلص له عمله ودعاءه أن يكون عنده وجيها يشفعه
فيمن شفع له، ويستجيب دعاءه فيمن دعا له فيغفر ذنوبه، وهذا باجماله
مما قامت عليه السنن القطعية الواردة عن أهل بيت الوحي وتدل عليه أيضا
الآية: (64) من سورة النساء: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك
فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما). والأول -
أي الشفاعة - أيضا مما أطبقت عليه السنن المتواترة بين المسلمين وآيات كثيرة
من القرآن الكريم، ولم يناقش فيها الا بعض المستأجرين التابعين لسياسة أمراء
عصرهم كيفما كانت!!! أما الآثار الواردة عن الرسول الأكرم وأهل
بيته في أصل الشفاعة فهي غير محصورة ويكفي في ذلك المراجعة إلى بحار الأنوار
من كتب الشيعة، ومسند أحمد بن حنبل من كتب أهل السنة.
وأما آيات الذكر الحكيم فيكفي المسلم منها الآية: (255) من سورة
البقرة والآية (3) من سورة يونس، والآية: (28) من سورة الأنبياء،
والآية: (87) من سورة مريم، والآية: (110) من سورة طه، والآية
(23) من سورة السبأ، والآية: (26) من سورة النجم.
وللعلامة الطباطبائي مد ظله تحقيقات ذكرهما في تفسير الآية: (48) من
سورة البقرة من تفسير الميزان: ج 1، ص 156 - 188 فليراجعها من أراد
التعمق حول الشفاعة فإنها نافعة جدا.
23

أيها الناس (تعاونوا على البر والتقوى ولا
تعاونوا على الاثم والعدوان، واتقوا الله ان الله شديد
العقاب) (6).
أيها الناس اني ابن عم نبيكم وأولاكم بالله ورسوله

(6) ما بين القوسين مقتبس من الآية الثانية من سورة المائدة: 5.
24

فاسألوني ثم اسألوني وكأنكم بالعلم قد نفد، وانه
لا يهلك عالم الا يهلك بعض علمه (7) وأنما العلماء
في الناس كالبدر في السماء يضئ نوره على سائر
الكواكب.
خذوا من العلم ما بدا لكم، وأياكم أن تطلبوه
لخصال أربع: لتباهوا به العلماء، أو تماروا به
السفهاء، أو تراؤا به في المجالس، أو تصرفوا وجوه
الناس إليكم للترؤس، لا يستوي عند الله في العقوبة
الذين يعلمون والذين لا يعلمون، نفعنا الله وإياكم
بما علمنا وجعله لوجهه خالصا، انه سميع مجيب.
الفصل الثالث مما اختار من كلامه عليه السلام في كتاب الارشاد، ص 122.
ورواه عنه في الحديث (17) من الباب التاسع من البحار: ج 1، ص 78،
في السطر 9 عكسا ط الكمباني.

(7) أي مما لم يأخذ منه أحد ممن يبقى بعده أو مما لم تتح الفرصة له أن
يعلمه الناس ويودعه عند أهله.
25

- 5 -
ومن كلام له عليه السلام
في تقسيم المقتبسين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
إلى أربعة طبقات وانه ليس عند أحد منهم علم صحيح غير ما عنده عليه السلام
قال التوحيدي: وحكى لنا ابن رباط الكوفي (1) - وكان رئيس الشيعة
ببغداد، ولم أر أنطق منه - قال: قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام: من أين جاء اختلاف الناس في الحديث؟ فقال:
الناس أربعة: رجل منافق كذب على رسول الله
صلى الله عليه [وآله] وسلم متعمدا فلو علم الناس أنه منافق
ما صدق ولا أخذ عنه. ورجل سمع رسول الله صلى

(1) ولعله من ذكره النجاشي رحمه الله تحت الرقم (134) من كتاب
فهرست مصنفي الشيعة ط طهران ص 307 قال: محمد بن محمد بن أحمد
ابن إسحاق بن رباط الكوفي البجلي، سكن بغداد وعظمت منزلته بها، وكان
ثقة فقيها صحيح العقيدة، له كتاب الفرائض وكتاب الطلاق، وكانت له
رئاسة في الكرخ وتقدم الجماعة، وأضر [في آخر عمره] وخرج [من بغداد
إلى] الكوفة وجاور [بها] إلى أن مات هناك.
26

الله عله [وآله] وسلم يقول قولا أو رآه فعل [ظ]
فعلا ثم غاب ونسخ ذلك من قوله أو فعله، فلو
علم أنه نسخ ما حدث ولا عمل به، ولو علم الناس
أنه نسخ ما قبلوا منه ولا أخذوا عنه.
ورجل سمع رسول الله صلى الله عليه [وآله]
وسلم يقول قولا فوهم فيه (2) فلو علم أنه وهم [فيه]
ما حدث ولا عمل به.
ورجل لم يكذب ولم يهم وشهد ولم يغب (3).

(2) يقال: (وهم في الشئ - من باب وعد - وهما): ذهب إليه
وهمه وهو يريد غيره. و (وهم الشئ وهما): تمثله وتصوره وتخليه.
و (وهم في الشئ) - من باب وجل - غلط فيه وسهاه.
(3) قال التوحيدي: قال [ابن رباط]: وإنما دل بهذا على نفسه،
ولهذا قال عليه السلام (كنت إذا سألت أجبت، وإذا سكت ابتدئت).
أقول: والحديث طرق كثيرة ومصادر جمة فقد رواه في الحديث: (222)
من كتاب الفضائل تأليف أحمد بن حنبل الحديث (26) من ترجمته عليه
السلام من أنساب الأشراف: ج 2 ص 98 ط 1، ورواه أيضا ابن عساكر
في تبيين كذب المفتري ص 80 وفي الحديث: (978) من ترجمة أمير
المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 2 ص 454 ط 1، وقد ذكرناه في تعليقه عن
مصادر جمة.
27

كتاب الامتاع والمؤنسة - لأبي حيان التوحيدي - ج 3 ص 197
وللكلام صور تفصيليه ومصادر، وذكره أيضا في المختار (205) من
نهج البلاغة، وفي المسترشد - للطبري الامامي - ص 30.
- 6 -
ومن كلام له عليه السلام
في الحث على العمل بالعلم وتحصيل الفقه واليقين، والردع
عن الشك والريب والكفر والفسوق
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه، عن عدة من
أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه رفعه قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام - في كلام له خطب [به] على المنبر -:
أيها الناس إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم
تهتدون، فان العالم العامل بغيره (1) كالجاهل الحائر

(1) هذا هو الظاهر جليا من السياق، وفي النسخة: (ان العالم).
والضمير في قوله: (بغيره) عائد إلى العلم المدلول عليه لما تقدمه.
28

الذي لا يستفيق عن جهله بل قد رأيت أن الحجة
عليه أعظم، والحسرة [له] أدوم (2) على هذا العالم
المنسلخ من علمه، منها على هذا الجاهل المتحير
في جهله، وكلاهما حائر، بائر (3).
لا ترتابوا فتشكوا (4) ولا تشكوا فتكفروا، ولا
ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا (5) ولا تدهنوا في الحق
فتخسروا.
وان من الحق أن تتفقهوا (6) ومن الفقه أن لا تغتروا،

(2) كذا في الأصل، وفي ذيل المختار: (106) من نهج البلاغة:
(والحسرة له ألزم، وهو عند الله ألوم). وقريب منه في خطبة الديباج الآتية.
(3) قوله: (على هذا العالم المنسلخ من علمه) بدل من قوله المتقدم:
(عليه). وحائر متحير، وبائر: معطل. باطل، يقال: فلان حائر بائر
أي لا يتوجه إلى صلاح ولا يسمع النصح من مرشد وهاد.
(4) ومن هنا إلى آخر الكلام مذكور أيضا في خطبة الديباج الآتية.
(5) يقال: (دهنه - من باب نصر - دهنا وأدهنه وداهنه: خدعه.
(6) هذا هو الظاهر الموافق للأمالي - غير أن فيه: (وان من الحزم) -
وفي نسخة الكافي (أن تفقهوا).
29

وان أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه، و [ان] أغشكم
لنفسه أعصاكم لربه، ومن يطع الله يامن ويستبشر (7)
ومن يعص الله يخب ويندم.
[اسألوا الله اليقين، وارغبوا إليه في العافية،
وخير ما دار في القلب اليقين (8). أيها الناس إياكم
والكذب فان كل راج طالب، وكل خائف هارب].
الحديث: (6) من الباب: (13) من كتاب فضل العلم من أصول
الكافي: ج 1 ص 45، ومن قوله: (لا ترتابوا) إلى آخر الكلام رواه في
الحديث: (37) من المجلس: (23) من أمالي الشيخ المفيد، ص 128،
عن أحمد بن محمد، عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد القمي، عن محمد ابن
الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، قال: أخبرني ابن
إسحاق الخراساني صاحب كان لنا، قال: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام يقول: لا ترتابوا فتشكوا...
ثم إن ما وضعناه يبن المعقوفين غير موجود في رواية الكليني في الكافي،
بل هو من رواية الشيخ المفيد في أماليه.

(7) وفي رواية الشيخ المفيد: (ومن يطع الله يأمن ويرشد).
(8) كذا في النسخة، ولعل الأصل: (فان خير ما دار في القلب
اليقين). وفي خطبة الديباج: (واعلموا أن خبر ما لزم القلب اليقين).
30

- 7 -
ومن كلام له عليه السلام
في سمة العاقل ورزانة الحكيم والحث على التكلم في العلم وأن قدر
كل شخص بقدر علمه
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني الرازي رحمة الله، عن الحسين بن
الحسن، عن محمد بن زكريا الغلابي (1) عن ابن عائشة البصري رفعه [قال]:
أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في بعض خطبه:
أيها الناس اعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج من
قول الزور فيه (2) ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل
عليه، الناس أبناء ما يحسنون (3) وقدر كل امرئ ما

(1) وهو أبو جعفر البصري الأخباري الراوي عن محمد بن عائشة
وغيره المترجم في باب محمد تحت الرقم: (571) من لسان الميزان:
ج 5 ص 168.
(2) الانزعاج: الانقلاع والقلق والتغيظ والخروج عن الحالة العادية.
(3) ما يحسنون - من باب أفعل -: ما يعلمون. وهذه القطعة متواترة
عنه عليه السلام.
31

يحسن، فتكلموا في العلم تبين أقداركم (4).
الحديث (14) من الباب (15) من كتاب فضل العلم من أصول الكافي
ج 1 ص 50، ورواه عنه الشيخ المفيد (ره) في الحديث الأول من كتاب
الاختصاص، قال: حدثني أبو غالب أحمد بن محمد الرازي، وجعفر بن
محمد بن قولويه، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن الحسن...
ورواه أيضا في المختار: (60) من قصار كلام أمير المؤمنين
عليه السلام من كتاب تحف العقول ص 208.

(4) يقال: (بان الشئ - من باب باع - بيانا وتبيانا، وبين الشئ
تبيينا وأبان الشئ إبانة واستبان وتبين): اتضح. والاقدار: جمع القدر:
المقام والمنزلة.
32

- 8 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تحميد الله تعالى على ما تفرد به من صفات الجلال والجمال، وبيان
بعض الصفات الثبوتية والسلبية
قال السيد أبو طالب: أخبرنا محمد بن علي العبدكي قال: حدثنا محمد
ابن يزداد، قال: حدثنا يعقوب بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي
قال: حدثنا أبو زهير عبد الرحمن بن معزي الدوسي (1) قال: حدثنا عوانة
ابن الحكم قال:
حدثنا من حضر خطبة علي عليه السلام التي تسمى الغراء [و] خطب بها
في مسجد الكوفة (2) فكان مما حفظ منها بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو
أهله وصلى على رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم (3) أن قال:

(1) رسم الخط في هاتين الكلمتين غير واضح، ويحتمل في الثانية أن
يقرأ (الدويسي).
(2) وعلى هذا كان علينا أن نذكر الخطبة الشريفة، في أواسط القسم
الأول من باب الخطب من كتابنا هذا، ولما غفلنا عن ايرادها في موضعها
من أجل تفرق مخطوطاتنا وتشتت شملنا أوردناها هنا.
(3) المستفاد من هذا الكلام أن أمير المؤمنين عليه السلام، كان صدر
هذه الخطبة بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على رسول الله صلى
الله عليه وآله ولكن هذا الراوي لم يحفظ تمام الخطبة، أو انه حينما ذكرها
لعوانة بن الحكم لم يكن في مقام بيان الخطبة حرفية.
(نهج السعادة ج 3) (م 3)
33

الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد (4) ولا تحوزه
المشاهد (5) ولا تراه النواظر (6) ولا تحجبه السواتر (7)
الذي علا بكل مكرومة، وبان بكل فضيلة، وجل عن شبه
الخليقة، وتنزه عن الافعال القبيحة، وصدق في ميعاده،
وارتفع عن ظلم عباده، وقام بالقسط في خلقه، وعدله
عليهم في حكمه (8) وأحسن إليهم في قسمه، ولا

(4) قال في ذيل الخطبة من كتاب تيسير المطالب: قال السيد أبو
طالب الحسني: معنى قوله عليه السلام: (لا تدركه الشواهد) انه تعالى
لا يدرك من طريق المشاهدة. وأصل الشاهد بالحقوق مأخوذ من المشاهدة،
ولهذا يقال: عرفت هذا الامر من شاهد الحال.
(5) وفي المختار: (180) من نهج البلاغة: (لا تحويه المشاهد).
والحيازة والحواية بمعنى واحد.
(6) النواظر: جمع الناظرة - مونث الناظر -: العين.
(7) وبعده في المختار المتقدم الذكر من نهج البلاغة هكذا: (الدال
على قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه على وجوده، وباشتباههم على أن
لا شبه له، الذي صدق في ميعاده...).
(8) كذا في الأصل، وفي النهج: (وعدل عليهم في حكمه،
مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته، وبما وسمها به من العجز على قدرته
وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه.
واحد لا بعدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد، تتلقاه الأذهان
لا بمشاعرة، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة...).
34

اله الا هو الواحد القهار، العزيز الجبار الذي لم
يتناه في الأوهام بتحديد (9) ولم يتمثل في العقول
بتصوير، ولم تنله مقائيس المقدرين (10) ولا استخرجته
نتائج الأوهام، ولا أدركته تصاريف الاعتبار فأوجدته
سبحانه محدودا، أو شخصا مشهودا (11) ولا وقتته الأوقات
فتجري عليه الأزمنة والغايات، ولم يسبقه حال فيجري
عليه الزوال.

(9) هذا هو الظاهر. وفي الأصل - ها هنا -: (لم يتناها). قال
السيد أبو طالب في ذيل الخطبة: قولة: (لم يناها (كذا) في الأوهام بتحديد)
معناه: أن ما يقع في الأوهام من صفة المحدودين فالله مخالف له ومنفي
عنه، لأنه ليس بمحدود.
(10) قال السيد أبو طالب: معناه: ان تقدير من يقدر فيه بقياسه
انه مشبه بخلقه وموصوف بالتحديد والتمثيل، فقياسه فاسد باطل لا يثبت به
ما قدره.
(11) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (فأوجدته سبحانه لا محدودا
ولا شخصا مشهودا). قال السيد أبو طالب: وقوله عليه السلام: (ولا
أدركته تصاريف الاعتبار فأوجدته سبحانه) معناه: أن من يعتبر صفاته
[تعالى] بصفات المخلوقين فاعتباره فاسد، لأن الاعتبار الصحيح لا يثبته
محدودا مشبها بخلقه، بل شواهده تقضي بخلافه كما قال عليه السلام.
35

فسبحانه من عظيم عظم أمره، ومن كبير كبر قدره،
ليس بذي كبر امتدت إليه النهايات فكبرته تجسيدا (12)
ولا بذي عظم ألحقت به الغايات فعظمته تجسيما، علا
عن التجسيم والتجسيد والتصوير والتحديد علوا كبيرا،
شواهده بذلك قائلة، وأحكامه فيه فاصلة، قد [أ] جمعت
العقول عليها بدلالتها، فظهر لديها تبيان حكمتها، حتى
جلت عن المرتابين البهم (13) وكشفت عنهم الظلم.
الحديث: (20) من الباب: (14) من تيسير المطالب المخطوط ص 129،
وفي ط 1، ص 192، وقريبا منه رواه السيد الرضي رحمه الله في صدر
المختار: (185) من نهج البلاغة.

(12) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (ليس بذي كبير). وفي
نهج البلاغة: (لم تحط به الأوهام بل تجلى لها بها، وبها امتنع منها، واليها
حاكمها، ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيما، ولا بذي
عظم تناهت به الغايات فعظمته تجسيدا، بل كبر شأنا وعظم سلطانا).
(13) جلت - من باب دعا -: ظهرت ووضحت. و (جلا زيد
الشبهة جلا وجلوا): كشفها وأذهبها وأزالها. و (جلى زيد عن فلان
الهم): أزاله وأذهبه عنه. والبهم - بضم ففتح -: مشكلات الأمور.
36

- 9 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعمت الربوبية وسمة الألوهية
قال السيد أبو طالب: أخبرنا محمد بن علي العبدكي قال: حدثنا محمد
ابن يزداد، قال: حدثنا علي بن الحسين الوراق البغدادي قال: حدثنا أحمد
ابن عبد الله، قال: حدثنا ابن سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة [قال]:
ان رجلا قام إلى علي عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين كيف كان
ربنا؟ فقال علي [عليه السلام]:
ربنا لم يزل تبارك وتعالى (1) وإنما يقال لشي
لم يكن: (كيف كان) فاما ربنا فهو قبل القبل وقبل
كل غاية، انقطعت الغايات عنده، فهو غاية كل غاية.
فقال [الرجل]: كيف عرفته [يا أمير المؤمنين؟] قال:
عرفته بما عرفت به نفسه (2) (لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد) [3 - 4 الاخلاص].

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (كيف لم يكن وربنا...)
(2) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (أعرفه بما عرف به نفسه).
37

لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، متدان في
علوه، عال في دنوه!!! (ما يكون من نجوى ثلاثة الا
هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك
ولا أكثر الا هو معهم أين ما كانوا) (3).
قريب غير ملتصق، وبعيد غير متقص (4)
يعرف بالعلامات، ويثبت بالآيات، يوحد ولا
يبعض [و] يحقق ولا يمثل لا إله إلا هو الكبير المتعال.
الحديث (14) من الباب (14) من تيسير المطالب ص 126، من النسخة
المخطوطة، وفي ط 1، ص 188. وقريبا منه رواه في منتخب كنز العمال
المطبوع بهامش مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 117، ط 1.

(3) اقتباس من الآية السابعة من سورة المجادلة، واليك تتمة الآية
الكريمة: (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ان الله بكل شي عليم).
(4) أي غير بالغ أقصى البعد، لأنه تعالى بالقيومية والتدبير والعلم
أقرب إلى كل شخص من حبل وريده، ومن جهة الجلالة والعظمة وارتفاع
الشأن وعدم المحدودية أبعد من كل شي.
38

- 10 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان ما لله تعالى من صفات الجلال والجمال، ومرتبة معرفة
الله وتوحيده واخلاص التوحيد له تعالى
ان أول الديانة معرفة الله، وكمال معرفته توحيده،
وكمال توحيده الاخلاص له، و [كمال] الاخلاص
[له] نفى الصفات عنه (1) بشهدة كل صفة أنها غير
الموصوف، وشهادة الموصوف أنه غير الصفة،
وشهادتهما جميعا بالتنبيه على أنفسهما بالحدث الممتنع

(1) المراد من المعرفة هنا هي التي تحمل النفوس العادية غير المكابرة
والمعاندة إلى عقد القلب بها، والتصديق اللساني لمدلولها في حلال الاختيار،
وهذه قد تكون مجرد عقد القلب وتصديق اللسان بأن الله تعالى موجود،
وقد تكون باذعان الجوانح والجوارح بأن الله متفرد بالألوهية والوحدانية
الخالصة عن شوب التركيب وزيادة الصفات على الذات ومغايرتها معها،
فالأول معرفة ناقصة، والثاني كاملة، وإنما عد معرفة الله أول الديانة، إذ
من لا يعرف الله لادين له.
وفي المختار الأول من نهج البلاغة: (أول الدين معرفته، وكمال معرفته
التصديق به، وكمال التصديق به توحيده...).
39

من الأزل (2)
فمن وصف الله عز وجل فقد حده، ومن حده فقد
عده ومن عده فقد أبطل أزله (3).
ومن قال: كيف فقد استوصفه، ومن قال: فيم
فقد ضمنه، ومن قال: علام فقد أخلى منه، ومن قال:
أين فقد نعته، ومن قال إلى [م] فقد عداه (4).
عالم إذ لا معلوم وقادر إذ لا مقدور، ورب إذ
لا مربوب، ومصور إذ لا مصور، فكذلك ربنا تبارك
وتعالى وفوق ما يصفه الواصفون.
المختار: (22) من الباب السابع من دستور معالم الحكم ص 153،
ط مصر. وللكلام شواهد كثيرة عقيلة ونقلية تجد بعضها في نهج البلاغة.

(2) إذ على فرض زيادة الصفات على الذات يلزم احتياج كل واحد
منهما إلى الاخر، والمحتاج لا يكون واجب الوجود والغني المطلق، بل هو
مخلوق ممكن محدث مسبوق بالعدم، والحدث والسبق بالعدم يخالف القدم
ويمتنع على الأزلي.
(3) وفي المختار الأول من النهج: (فمن وصف الله سبحانه فقد
قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله،
ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده...).
(4) كذا في الأصل، وفي أوائل المختار: (12) الآتي: (فمن قال:
أين فقد بوأه ومن قال: فيم فقد ضمنه، ومن قال: إلى م فقد نهاه...).
40

- 11 -
ومن كلام له عليه السلام
في مثل ما تقدم من توحيد الله عز وجل
ان الله جل ثناؤه واحد بغير تشبيه (1) ودائم بغير
تكوين (2) [و] خالق بغير كلفة، [و] قائم بغير
منصبة (3) موصوف بغير غاية، معروف بغير محدودية
باق بغير تسوية، عزيز لم يزل قديم في القدم، زاغت
القلوب لمهابته، وذهلت الألباب لعزته، وخضعت

(1) أي ان وحدته تعالى حقيقية غير شبيهة بوحدة المكنات، حيث إن
وحدتهم عددية وبمعنى أن لها ثان وثالث من جنسها.
(2) أي ان دوامه تعالى ليس كدوام المخلوقين، حيث إن دوامهم
يكون آنا بعد آن ويفاض إليهم من المبدء الفياض.
(3) المنصبة - بفتح الصاد -: التعب، والعناء. والكلفة والتعب من لوازم
الممكنات، فهما أي الكلفة والمنصبة منفيتان عنه تعالى.
وفي المختار: (180) من نهج البلاغة: (الحمد لله المعروف من
غير رؤية، والخالق من غير منصبة).
41

الرقاب لقدرته، لا يخطر على القلوب له مبلغ كنه،
ولا يعتقد ضمير التسكين من التوهم في امضاء مشيئته،
لا تبلغه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكر بتدبير
أمورها بأكثر مما وصف عز وجل به نفسه.
المختار: (23) من الباب السابع من دستور معالم الحكم ص 153،
ط مصر.
42

- 12 -
ومن خطبة له عليه السلام
في الاخلاص التوحيد لله تعالى وبيان صفات الجلال والجمال
وفيها من أصول علم المعارف والعقائد ما يعز وجوده في غيرها
ان أول عبادة الله معرفته (1)، وأصل معرفته توحيده (2)
ونظام توحيده نفي الصفات عنه (3) لشهادة العقول أن
كل صفة وموصوف مخلوق (4) وشهادة كل مخلوق

(1) أي ان معرفة الله أول عبادته زمانا ورتبة، لان المعرفة واجبة
قبل كل شي، ثم هي شرط لقبول الطاعات وصحة العبادات أيضا.
(2) إذ مع اثبات الشريك، أو القول بتركيب الذات، أو زيادة
الصفات يلزم القول بالامكان، فالمشرك لم يعرف الله، ولم يثبته، فمن لم
يوحد الله لم ينل معرفته.
(3) إذ أول التوحيد نفي الشريك، تم نفي التركيب، ثم نفي الصفات
الزائدة، فهذا كماله ونظامه.
(4) استدل عليه السلام على نفي زيادة الصفات بأن العقول تشهد بأن كل
صفة محتاجة إلى الموصوف لقيامها به، والموصوف كذلك لتوقف كماله بالصفة.
فهو في كماله محتاج إليها، وكل محتاج ممكن فلا يكون شي منهما واجبا
ولا المركب منهما، فيحتاجان إلى علة ثالثة ليست بموصوف ولا صفة.
43

أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل
صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من حدثه
[الحدث (خ ل)].
فليس الله عرف من عرف ذاته (5) ولا له وحد
من نهاه (6) ولا به صدق من مثله (7) ولا حقيقته
أصاب من شبهه، ولا إياه أراد من توهمه، ولا له
وحد من اكتنهه (8) ولا به آمن من جعل له نهاية،

(5) المراد منه التعريف بالكنه والحقيقة المستلزم للتحديد.
(6) أي من جعل لله حدا ونهاية فلم يوحده.
وقريب منه ومما بعده ذكره في المختار: (181) من نهج البلاغة.
(7) أي من جعل له شخصا ومثالا في ذهنه وجعل الصورة الذهنية مثالا
له فهو غير مصدق بوجوده، وما أصاب أيضا حقيقته، لان كلما توهمه
المتوهم فهو مخلوقه ومصنوعه.
(8) أي بين كنه ذاته، أو طلب الوصول إلى كنهه، إذ لو كان له كنه
لكان شريكا مع الممكنات في التركيب والصفات الامكانية، وهو بنا في التوحيد.
44

ولا صمده من أشار إليه (9) ولا إياه عنى من حده،
ولا له تذلل من بعضه (10)
كل قائم بغيره مصنوع، وكل موجود في سواه
معلول (11).
بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته،
وبالفكرة تثبت حجته (12) وبآياته احتج على خلقه،

(9) أي ما قصد نحوه من أشار إليه بإشارة حسية أو وهمية أو عقلية، لان
المشار إليه لابد أن يكون محدودا، والله تعالى منزه عن المحدودية.
(10) أي من حكم بأن له أبعاضا وأجزاء.
(11) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (كل قائم بنفسه مصنوع). وفي
المختار: (181) من النهج: (كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم
سواه معلول). أي كل ما كان نفسه معروفا بالكنه ومن جميع الجهات
فهو مصنوع صنعه غيره، وكل ما كان قيامه بغيره وفي سواه فهو معلول
أوجده علة، وجهة المصنوعية والمعلولية في كلا المعنيين هو الافتقار والاحتجاج
لان معرفة الكنه إنما هي بمعرفة الاجزاء فمعروف الكنه مركب والمركب محتاج
إلى أجزائه ومعلول لمن ركبه، وهكذا الكلام فيما كان قيامه في غيره، فإنه محتاج
إلى ما يقوم به، ومعلول لمن أوجده كذلك.
(12) وفي بعض النسخ: (وبالفطرة تثبت حجته).
45

خلق الله الخلق فعلق حجابا بينه وبينهم (13) فمباينته
إياهم مفارقته إنيتهم (14) وإيداؤه (15) إياهم شاهد على
أ [ن] لا أداة فيه، لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين، وابتداؤه
إياهم دليل على أن لا ابتداء له، لعجز كل مبتدء
عن ابداء غيره.
أسماؤه تعبير (16) وأفعاله تفهيم (17) وذاته

(13) لان الخلقة صفة كمال للخالق، ونقص للمخلوق، فالخلقة التي
هي من صفة كماله تعالى، ونقص مخلوقه حجاب بينه وبينهم.
(14) الآنية: الحقيقة والهوية، أي ان المباينة بين الخالق الواجب،
والممكن المخلوق بحسب الذات والحقيقة، فالله تعالى بذاته منزه عن مجانسة
مخلوقاته. وفي بعض النسخ: (مفارقته أينيتهم...).
وحكي عن المجلسي العظيم رحمه الله أنه قال في معناه: (ان مباينته
تعالى الممكنات ليست بحسب المكان حتى يكون هو في مكان، وغيره في مكان
آخر، بل إنما هي بأن فارق أينيتهم، فليس له أين ومكان، وهم محبوسون في
مطمورة المكان. أو المعنى ان مباينته لمخلوقه في الصفات صارت سببا لان ليس
له مكان).
(15) أي جعلهم ذا أدوات واعطائه إياها لهم وخلقها فيهم شاهد وبرهان
على أنه تعالى منزه عن كونه ذي أداة، والدليل ما ذكره عليه السلام.
(16) أي ليست عين ذاته وصفاته، بل هي معبرات تشهد عنها.
(17) أي يفهم منها وجوده وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته، وغير ذلك.
46

حقيقة (18) وكنهه تفرقة بينه وبين خلقه (19).
قد جهل الله من استوصفه، وتعداه من مثله،
وأخطأه من اكتنهه (20) فمن قال: أين فقد بوأه،
ومن قال: فيم فقد ضمنه، ومن قال: إلى م فقد نهاه،
ومن قال: لم فقد علله، ومن قال: كيف فقد شبهه،
ومن قال: إذ فقد وقته، ومن قال: حتى فقد غياه (21)
ومن غياه فقد جزأه، ومن جزأه فقد وصفه، ومن
وصفه فقد ألحد فيه، ومن بعضه فقد عدل عنه،
لا يتغير الله بتغيير المخلوق، كما لا يتحدد
بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد (22) صمد

(18) أي حقيقة مكونة عالية لا تصل إليها عقول الخلق، بأن كان التنوين
للتعظيم، أو خليقة بأن تتصف بالكمالات دون غيرها، أو ثابتة واجبة لا
يعتريها التغيير والزوال.
(19) لعدم اشتراكه مع الخلق في شئ، ولازمه عدم معرفته كنهه.
(20) أي من توهم أنه أصحاب كنهه تعالى فقد أخطأه ولم يصبه.
(21) أي جعل له غاية ونهاية، وهذا كقوله عليه السلام سابقا: (ومن
قال إلى م فقد نهاه).
(22) بأن يكون معه ثان من جنسه، أو بأن يكون واحدا مشتملا على
أعداد.
47

لا بتبعيض بدد (23) باطن لا بمداخلة، ظاهر لا
بمزايلة (24) متجل لا باشتمال رؤية، لطيف لا
بتجسم (25)، فاعل لا باضطراب حركة (26) مقدر
لا بجول فكرة، مدبر لا بحركة، سميع لا بآلة،
بصير لا بأداة، قريب لا بمدانات، بعيد لا بمسافة،
موجود لا بعد عدم.

(23) الصمد: السيد المقصود إليه في الحوائج، وله معان آخر جلها
يناسب المقام. والبدد والبدة - كعدد وهرة -: الطاقة. الحاجة. فعلى هذا
يكون المعنى: أنه هو السيد المصمود أي المقصود إليه في الحوائج، من دون
تبعيض الحاجة.
(24) أي كونه تعالى باطنا وظاهرا ليس عبارة عن دخوله في بواطنهم
حتى يعرفوها، أو بانتقاله من مكان إلى مكان، بل لخفاء كنهه عن عقولهم وعلمه
ببواطنهم وأسرارهم.
(25) أي أن تجليه تعالى وظهوره ليس من جهة الرؤية، بل لصنعه، وكذا
كونه تعالى لطيفا ليس لكونه جسما له قوام رقيق، أو حجم صغير، أو تركيب
غريب وصنع عجيب، بل لعلمه بدقائق الأمور وخلقه لها.
(26) وفي النهج: (فاعل لا باضطراب آلة). أي لا بتحريك الآلات
والأدوات.
48

لا تصحبه الأوقات، ولا تتضمنه الأماكن (27)
ولا تأخذه السنات (28) ولا تحده الصفات، ولا تقيده
الأدوات.
سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله.
بتشعيره المشاعر علم أن لا مشعر له (29)، وبتجهيره
الجواهر علم أن لا جوهر له (30) وبانشائه البرايا علم
أن لا منشأ له، وبمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد
له (31) وبمقارنته بين الأشياء علم أن لا قرين له (32)

(27) لحدوث الزمان والمكان وقدمه تعالى. ولتنزيهه عنهما.
(28) السنات جمع السنة - بالكسر - وهي النعاس وأول النوم.
وأكثر ما ها هنا موجود في المختار: (181) من نهج البلاغة، وفيه (ولا ترفده الأدوات).
(29) يعني بخلقه تعالى المشاعر الادراكية، وإفاضتها على الخلق، عرف أن لا مشعر له،
اما لأنه تعالى لا يتصف بخلقه، واما للزوم الاحتياج والافتقار المنافي لوجوب الوجود والاستغناء،
واما لحكم العقل بالمباينة بين الخالق والمخلوق. أو لأجل أن المشاعر وهي الحواس عبارة عن آلات
انفعالية عما يمر عليها أو يقارنها أو يتجه إليها فهي متزلزلة دائما متغيرة أبدية، والله تعالى منزه
عن التغير والتزلزل. ثم إنها من لوازم الاحتياج والله منزه عنه.
(30) أي بتحقيق حقائق الجواهر وايجاد ماهياتها عرف انها ممكنة، وكل ممكن محتاج
إلى مبدء، فمبدئ المبادئ لا يكون حقيقة من هذه الحقائق.
(31) أي عقدة التضاد بين الأشياء دليل على استواء نسبتها إليه تعالى فلا ضد له، إذ لو كانت
له طبيعة تضاد شيئا لاختص ايجاده بما يلائمها لاما يضادها، فلم تكن له أضداد.
(32) قيل: المراد من المقارنة هنا المشابهة أي ان المشابهة بين الأشياء في نظام الخلقة
دليل على وحدة صانعها، إذ لو كان له شريك لخالفه في النظام الايجادي!!!
(نهج السعادة ج 3) (م 4)
49

ضاد النور بالظلمة، والصرد بالحرور (33) مؤلفا
بين متعادياتها، مقاربا بين متبائناتها، دالة بتفريقها
على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها، جعلها سبحانه دلائل
على ربوبيته، وشواهد على غيبته، ونواطق عن حكمته،
إذ ينطق تكونهن على حدثهن، ويخبرن بوجودهن عن
عدمهن، وينبئن بتنقلهن عن زوالهن، ويعلن بأفولهن
أن لا أفول لخالقهن. وذلك قوله جل ثناؤه: (ومن
كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) (34).
ففرق بين هاتين: قبل وبعد، ليعلم أن لاقبل [له]

(33) الصرد: البرد، قيل هو فارسي فعرب.
وفي المختار: (181) من نهج البلاغة: (ضاد النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة، والجمود
بالبلل، والحرور بالرصاد. مؤلف بين متعادياتها، مقارن بين متبايناتها، مقرب بين متباعداتها،
مفرق بين متدانياتها. لا يشمل بحد ولا يحسب بعد، وإنما تحد الأدوات أنفسها وتشير [الآلات]
إلى نظائرها؟!!).
(34) الآية (49) من سورة (الذاريات) قيل: الاستشهاد بالآية يحتمل أن يكون إشارة
إلى أن التأليف والتفريق والتضاد بين الأشياء واتصافها بصفة التركيب والزوجية والتضايف كلها
دلائل على ربوبيته تعالى. وعلى أن خالقها واحد لا يوصف بصفاتها لدلالة خلق الزوجين على
المفرق والمؤلف لأنه خلق الزوجين من واحد بالنوع، فيحتاج إلى مفرق يجعلهما مفرقين، أو
يجعلهما مزاوجين مؤتلفين ألفة لخصوصهما فيحتاج إلى مؤلف يجعلهما مؤتلفين.
50

ولابعد، شاهد بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، دالة
بتفاوتها أن لا تفاوت في مفاوتها (35) مخبرة بتوقيتها
أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن
لا حجاب بينه وبينها.
ثبت له معنى الربوبية إذ لا مربوب، وحقيقة
الألوهية ولا مألوه (36) وتأويل السمع ولا مسموع (37)
ومعنى العلم ولا معلوم، ووجوب القدرة ولا مقدور عليه.
ليس مذ خلق الخلق استحق اسم الخالق، ولا باحداثه
البرايا استحق اسم البارئ، فرقها لامن شئ وألفها لا
بشئ، وقدرها لا باهتمام.
لا تقع الأوهام على كنهه، ولا تحيط الافهام
بذاته، ولا يوقته (متى) (38) ولا تدنيه (قد)
ولا تحجبه (لعل) ولا تقارنه (مع) ولا تشتمله

(35) الغرائز: الطبائع، والمغرز: موجد الغرائز ومفيضها. والمفاوت - على صيغة اسم
الفاعل - من جعل بينها التفاوت.
(36) وفي بعض النسخ: (إذ لا مألوه) أي كان مستحقا للعبودية إذ لا عابد.
(37) وإنما قال عليه السلام: (تأويل السمع) لأنه ليس له تعالى سمع حقيقة، بل سمعه
تعالى عبارة عن علمه بالمسموعات.
(38) أي ليس له وقت محدود بأول حتى يقال: متى وجد، أو متى علم، أو متى قدر.
51

(هو) (39).
إنما تحد الأدوات أنفسها (40) وتشير الآلة إلى
نظائرها، وفي الأشياء توجد أفعالها، وعن الفاقة تخبر
الأدوات، وعن الضد يخبر التضاد، والى شبهه يول
الشبيه، ومع الاحداث أوقاتها (41) وبالأسماء تفترق
صفاتها، ومنها فصلت قرائنها، واليها آلت أحداثها (42)
منعتها (مذ) القدمة، وحمتها (قد) الأزلية،
ونفت عنها (لولا) الجبرية (43).

(39) (ولا تدنيه قد) يعني لما لم يكن زمانيا لا تدنيه كلمة (قد) التي هي لتقريب الماضي
إلى الحال. أوليس في علمه شدة وضعف حتى تقربه كلمة (قد) التي للتحقيق إلى العلم بحصول
شي. ولا تحجبه كلمة (لعل) التي هي لترجى أمر في المستقبل أي لا يخفى عليه الأمور المستقبلة،
أوليس له شك في أمر حتى يمكن أن يقول (لعل) ولا تقارنه (مع) أي بأن يقال: كان
شي معه أزلا، أو مطلق المعية بناءا على نفي الزمان، أو الأعم من المعية الزمانية أيضا. ولا
تشتمله (هو) ولعل اللفظ مصحف والصواب: (لا يشمله حين) أو (لا يشمل بحد)؟.
(40) وفي نهج البلاغة: (وتشير الآلات). والمراد بالأدوات هنا: آلات الادراك التي
هي حادثة وناقصة. وكيف يمكن لها أن تحد الأزلي المتعالي عن النهاية في الكمال والجلال.
(41) قوله عليه السلام (وعن الفاقة تخبر الأدوات) أي يكشف بالآلات والأدوات عن
احتياج الممكنات، وبالضد عن التضاد، وبالتشبيه عن شبه الممكنات بعضها من بعض، وبالحدثية
يكشف عن توقيتها.
(42) القرائن جمع القرينة: المقرونة بآخر. التي تصاحبك وتعاشرك.
(43) وفي نهج البلاغة: (منعتها منذ القدمية، وحمتها قد الأزلية، وجنبتها لولا التكملة).
(مذ) و (قد) و (لولا) كلها مرفوعة محلا على الفاعلية للأفعال المتقدمة عليها، (مذ) و (قد)
للابتداء والتقريب، ولا تكونان الا في الزمان المتناهي، وهذا مانع للقدم والأزلية، وكلمة لولا
مركب من (لو) بمعنى الشرط و (لا) بمعنى النفي، ويستفاد منها التعليق، وهو ينافي الجبرية.
هكذا أفاده بعض الأفاضل.
52

افترقت فدلت على مفرقها، وتباينت فأعربت عن
مباينها، بها تجلى صانعها للعقول (44)، وبها احتجب
عن الرؤية (45)، واليها تحاكم الأوهام، وفيها أثبتت
العبرة، ومنها أنيط الدليل (46) [و] بالعقول يعتقد
التصديق بالله، وبالاقرار يكون الايمان.
لادين الا بمعرفة، ولا معرفة الا بتصديق، ولا تصديق
الا بتجريد التوحيد، ولا توحيد الا بالاخلاص، ولا اخلاص
مع التشبيه، ولا نفي مع إثبات الصفات، ولا تجريد الا
باستقصاء النفي كله. اثبات بعض التشبيه يوجب

(44) أي بهذه الآلات والأدوات التي هي حواسنا ومشاعرنا وبخلقه إياها، وتصويره لنا
تجلى للعقول وعرف، ولو لم يخلقها لم يعرف.
(45) أي بها استنبطنا استحالة كونه تعالى مرئيا بالعيون، لان بالمشاعر والحواس كملت
العقول، وبالعقول استفدنا على أنه تعالى لا تصح رؤيته، فاذن بخلقه الآلات والأدوات لنا عرفناه
عقلا.
وفي المختار: (181) من النهج: (وبها امتنع عن نظر العيون...)
(46) وفي المحكى عن بعض النسخ: (ومنها انبط الدليل).
53

الكل ولا يستوجب كل التوحيد ببعض النفي دون الكل.
والاقرار نفي الانكار، ولا ينال الاخلاص بشئ
من الانكار، كل موجود في الخلق لا يوجد في خالقه،
وكل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه، لا تجري عليه
الحركة، ولا يمكن فيه التجزأة ولا الاتصال، وكيف
يجري عليه ما هو أجراه؟ ويعود عليه ما هو ابتداه؟
ويحدث فيه ما هو أحدثه؟ إذا لتفاوتت ذاته، ولتجزأ
كنهه، ولامتنع من الأزل معناه (47) ولما كان للأزل
معنى الا معنى الحدث، ولا للبارئ [معنى] الا معنى
المبروء (48).
لو كان له وراء لكان له أمام (49) ولا التمس

(47) قوله عليه السلام: وإذا لتفاوت ذاته) أي لاختلف ذاته باختلاف الاعراض ولتجزأت
حقيقته.
وقوله: (لامتنع من الأزل معناه) أي لو كان قابلا للحركة والسكون لكان جسما ممكنا
لذاته، فكان موصوفا بالحدوث الذاتي، ولم يكن موصوفا ومستحقا للأزلية بذاته، فيبطل من
الأزلية معناه، وهذا وما بعده كالتعليل لما سبق.
(48) المبرؤ: المخلوق. المستحدث.
(49) وفي المختار: (181) من النهج: (ولكان له وراء إذ وجد له أمام). وهو أظهر
مما ها هنا، وتكون الجملة معطوفة على ما قبلها غير مستأنفة.
54

التمام إذ لزمه النقصان!!! وكيف يستحق اسم الأزل
من لا يمتنع من الحدث؟ وكيف يستأهل الدوام من
تنقله الأحوال والأعوام؟ وكيف ينشئ الأشياء من
لا يمتنع من الأشياء؟ (50) إذا لقامت فيه آلة
المصنوع (51) ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا
عليه، ولاقترنت صفاته بصفات ما دونه، ليس في
محال القول حجة، ولا في المسألة عنها جواب (52).
المختار الأول من مختار كلام أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب تحف
العقول، ص 61 ط إيران، وفي ط ص 43، قال صاحب تحف العقول في
ختام الخطبة: [و] هذا مختصر منها.
أقول ورواها أيضا السيد الرضي رحمه الله في المختار: (181) من نهج
البلاغة بمغايرة قليلة في بعض الألفاظ، وزيادات كثيرة في آخرها عزيزة
الوجود في غيرها من سائر خطبه عليه السلام.

(50) وفي المحكي عن بعض النسخ: (من لا يمتنع من الانشاء).
(51) يعني لو كان فيه تلك الحوادث والتغيرات لقامت فيه علامة المصنوع، وكان دليلا
على وجود صانع آخر غيره، ولاشترك مع غيره في الصفات، فليس في هذا القول المحال حجة،
ولا في السؤال عنه جواب، لظهور خطائه لأنه إذا يكون ممكنا كسائر الممكنات، وليس بواجب
الوجود.
(52) المحال - بضم الميم -: المعوج. غير الممكن. الباطل. ما اقتضى الفساد من كل وجه
55

- 13 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان ما وهب الله تعالى له من الوصول إلى حقائق الايمان،
وتعداد شي من جلال الله وكبريائه جلت عظمته
قال سبط ابن الجوزي: روي عطية العوفي، عن ابن عباس قال:
سأل رجل أمير المؤمنين [عليه السلام]: هل رأيت ربك؟ فقال [عليه السلام]
أنا أعبد ولا أرى!!!
وفي رواية [أنه قال]:
ما كنت لأعبد ربا لم أراه!!!
فقال [السائل]: وكيف رأيته؟ - أو كيف تراه؟ - فقال:
لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، وإنما تدركه
القلوب بحقائق الايمان، قريب من الأشياء غير ملامس
بعيد منها غير مبائن، متكلم بغير روية (1) مريد لا بهمة،

(1) أي بغير ترو وتفكر فيما يتكلم به، كما هو الشأن في المخلوقين فإنهم يتفكرون أولا
ثم يتكلمون.
56

صانع لا بجارحة (2) لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير
لا ينعت بالجفاء (3) بصير لا [يوصف] بحاسة،
رحيم لا [يوصف] بالرقة (4) تعنو الوجوه لعظمته،
وتوجل القلوب من مخافته (5).
أواخر الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص ص 166. ورواه
أيضا السيد الرضي رحمه الله في المختار: (174) من نهج البلاغة. وتقدم
أيضا بزيادات كثيرة في المختار (142) من القسم الأول: ج 1، ص 474 ط 1.

(2) الهمة: العزيمة واخطار المطلب بالقلب واحضاره فيه ثم عقد القلب على تحصيله أو
الوصول إليه، هذا في المخلوقين الملازمين للجهل والغفلة والسهو والنسيان، واما الخالق فمبرء
عن الجهل، وعلمه محيط بجميع الأشياء فلا يوصف بالهمة والتفكير والتصوير. والجارحة: العضو
كاليد والرجل وغيرها.
(3) الخفاء كون الشئ خفيا عسر الادراك. والجفاء: الغلظة.
(4) كذا في المختار: (179) من نهج البلاغة، وفي الأصل: (رحيم لا برأفة أو برقة)
(5) وفي النهج: (وتجب القلوب من مخافته). وتعنو: تخضع وتذل. وتجب - من باب
وعد - تخفق وتضطرب.
57

- 14 -
ومن كلام له عليه السلام
في شهادة المصنوعات على كمال صانعها وتجلي الباري
- جلت عظمته - على خلقه من عجائب آثار قدرته
وبدائع أنوار تدبيره وحكمته
قال في جواهر المطالب: ومن بديع كلامه عليه السلام في تفسير قوله
تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) [21 / الذاريات: 51] قوله:
أشهد أن السماوات والأرض آيات دالات عليك،
تشهد لك بما وصفت به نفسك، وتؤدي عنك حجتك،
وتقر لك بالربوبية آثار قدرتك، ومعالم تدبيرك الذي
تجليت به لخلقك، فوسمت من معرفتك القلوب بما
آنسها من وحشة الفكر، وكفاها رجم الاحتجاج (1)
فهي على اعترافها بك شاهد [ة على] أنك لا تحيط

(1) هذا هو الظاهر الموافق لما ذكرناه في المختار: (10) من باب الدعاء من كتابنا هذا،
والرجم: التكلم بالظن، ورجم الاحتجاج: الاحتجاج الخيالي والاستدلال الظني. وفي الأصل:
(رحم الاحتجاب).
58

بك الصفات، ولا تدركك الأوهام، وأن حظ الفكر
منك الاعتراف بك والتوحيد [لك].
الباب: (66) من كتاب جواهر المطالب الورق 110.
أقول: وذكرنا نظيره في المختار: (10، و 62) من باب الدعاء من
هذا الكتاب ص 42 وص 274 ط 1.
- 15 -
ومن كلام له عليه السلام
في تقدم خلقة الجن على الانس
قال المسعودي: وسئل علي أمير المؤمنين عليه السلام، هل كان في الأرض
خلق من خلق الله تعالى قبل آدم يعبدون الله تعالى؟ فقال [عليه السلام]: نعم
خلق الله تعالى الأرض، وخلق فيها أمما من الجن
يسبحونه ويقدسونه لا يفترون (1) وكانوا يطيرون إلى
السماء ويلقون الملائكة ويسلمون عليهم ويتعلمون منهم
الخير، ويعلمون منهم بخبر ما يجري في السماء.

(1) أي كانوا غير مقصرين في التسبيح والتقديس. أو كانوا مداومين عليهما غير ساكنين
عن حدتهم وجهدهم عليهما. والمعنى. واحد. والفعل من باب نصر وضرب.
59

ثم إن طائفة من الجن تمردوا وعتوا عن أمر الله
عز وجل، وبغوا في الأرض بغير الحق، وعلا بعضهم
على بعض حتى سفكوا الدماء، وأظهروا الفساد، وجحدوا
الربوبية، وأقام الآخرون المطيعون، على دينهم وعبادتهم
وباينوا الذين عتوا عن أمر الله، وكان يصعد إلى السماوات
عنها للطاعة (2).
كتاب أخبار الزمان - للمسعودي - ص 11.

(2) وبعده في المصدر هكذا: (وخلق الملائكة - كما قدمنا ذكره - روحانيين ذوي أجنحة
يطيرون بها حيث صيرهم الله تعالى واسكنهم ما بين أطباق السماوات يسبحونه ويقدسونه لا
يفترون، حتى اصطفى الله منهم ملائكة [ظ] فكان أقربهم إسرافيل، ثم ميكائيل، ثم جبرائيل
صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين).
أقول: والظاهر أنه خلط كلام أمير المؤمنين عليه السلام بكلامه، كما أن الظاهر أن الضمير
في قوله: (عنها) راجع وعائد إلى الأرض.
60

- 16 -
ومن كلام له عليه السلام
في ذكر عناق بنت آدم وأنها كانت أول بغي في الأرض
من نسل آدم عليه السلام
قال المسعودي: ولدت عناق بنت آدم مفردة بغير أخ [ذكر (خ ل)]
وكانت مشوهة الخلق، لها رأسان!!! وكان لها في كل يد عشر أصابع، لكل إصبع
ظفران كالمنجلين الحادين!!! [وهي التي] ذكرها [أمير المؤمنين] علي بن
أبي طالب عليه السلام فقال:
هي أول بغي بغى في الأرض، وعمل الفجور
وجاهر بالمعاصي، واستخدم الشياطين، وصرفهم في
وجوه السحر.
وكان الله عز وجل أنزل على آدم عليه السلام أسماء
تطيعها الشياطين، وأمره أن يدفعها إلى حواء فتعلقها
على نفسها فتكون حرزا لها ففعل ذلك، وكانت حواء
تصونها وتحتفظ بها، فاغتفلتها عناق (1) وهي نائمة

(1) أي ترصدت وانتظرت غفلتها كي تختلسها منها.
61

فأخذتها واستجلبت الشياطين بتلك الأسماء، وعملت
السحر، وتكلمت بشئ من الكهانة، وجاهرت بالمعاصي،
وأضلت خلقا كثيرا من ولد آدم عليه السلام، فدعا
عليها آدم عليه السلام وأمنت حواء، فأرسل الله إليها
في طريقها أسد أعظم من الفيل، فهجم عليها في بعض
المغاور (2) فقتلها ومزق أعضاءها وأراح الله آدم
وحواء منها.
كتاب أخبار الزمان - للمسعودي - ص 92.

(2) المغاور والمغاورات: جمع المغار - بضم الميم وفتحها - والمغارة - بضم الأول وفتحها
-: الكهف. وقد تقدم في المختار: (53) وتاليه من القسم الأول ج 1، ص 184، وتواليها
تفضيل قتل عناق.
62

- 17 -
ومن خطبة له عليه السلام
في بيان عظمة الله تعالى وما له من صفات الجمال والجلال،
وما من به على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكمال عنايته به وبشجرته الطيبة
قال المسعودي: وخطب أمير المؤمنين عليه السلام، خطبة في انتقال
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من آدم [إلى الطيبين من أجداده]
إلى أن ولد، فقال:
الحمد لله الذي توحد بصنع الأشياء، وفطر أجناس
البرايا على غير مثال سبقه في انشائها، ولا إعانة معين
على ابتداعها، بل ابتدعها بلطف قدرته، فامتثلت
خاضعة لمشيئته (1) مستحدثة لامره، [فهو] الواحد
الأحد الدائم بغير حد ولا أمد ولا زوال ولا نفاد (2)
وكذلك لم يزل ولا يزال.

(1) هذا هو الظاهر من السياق، وفي النسخة: (فامتثلت لمشيئته خاضعة...). وفي المختار
(12) من خطب مستدرك النهج للشيخ هادي رحمه الله: (بل ابتدعها بلطف قدرته، خاضعة لمشيئته).
(2) كذا في النسخة، عدا أن ما وضعناه بين المعقوفين مأخوذ من المستدرك، وفيه هكذا: (فهو
الواحد بغير حد ولا زوال، والدائم بغير آمد ولا نفاد).
63

لا تغيره الأزمنة، ولا تحيط به الأمكنة، ولا تبلغ
صفاته الألسنة (3) ولا تأخذه نوم ولا سنة (4).
لم تره العيون فتخبر عنه برؤيته، ولم تهجم
عليه العقول فيتوهم كنه صفته (5) ولم تدر (6)
كيف هو الا بما أخبر عن نفسه، ليس لقضائه مرد
ولا لقوله مكذب (7).
ابتدع الأشياء بغير تفكير، وخلقها بلا ظهير
ولا وزير، فطرها بقدرته وصيرها بمشيئته (8)
وصاغ أشباحها وبرأ أرواحها واستنبط أجناسها خلقا

(3) وفي نسخة: (ولا تبلغ مقامه الألسنة).
(4) هذا هو الظاهر الموافق لما في المستدرك، وفي النسخة: (ولا تأخذه سنة ولا نوم).
والسنة - بكسر السين - هو الفتور.
(5) هذا هو الظاهر الموافق لما في المستدرك، وفي النسخة: (ولم تهجم عنه العقول).
(6) أي ولم تدر العقول كيفيته تعالى الا بما أرشدها الله تعالى إليه، وأخبره به عن نفسه.
(7) الظاهر أن الثاني أيضا بمعنى الأول وان المراد من القول هو التكويني، وان المراد من
عدم المكذب لقوله، هو الحالة التي عليها الأشياء من مطاوعتها لامره وتلونها بلون الانقياد، وقبول
أمره التكويني كما هو المراد من قوله تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون).
(8) وفي نسخة: (وصيرها إلى مشيئته).
64

مبروءا مذروءا (9) في أقطار السماوات والأرضين،
لم يأت بشئ على غير ما أراد أن يأتي عليه (10)
ليري عباده آيات جلاله وآلائه، فسبحانه لا إله إلا هو الواحد القهار، وصلى الله على محمد وآله
وسلم تسليما.
اللهم فمن جهل فضل محمد [صلى الله عليه وآله
وسلم] فاني مقر بأنك ما سطحت أرضا ولا برأت
خلقا حتى أحكمت خلقه وأتقنته من نور سبقت به
السلالة، وأنشأت آدم له جرما (11) فأودعته منه
قرارا مكينا، ومستودعا مأمونا، وأعذته من الشيطان،
وحجبته عن الزيادة والنقصان، وجعلت له الشرف
الذي به تسامى عبادك (12) فأي بشر كان مثل آدم

(9) صاغ أشباحها: صور أشباحها. وأراد بالأشباح الأجساد في قبال الأرواح. واستنبط
أجناسها: اخترعها وأظهرها بعد خفائها في عالم العدم. ومبروءا: مخلوقا غير مسبوق بالمثل.
ومذروءا: متشتتا متفرقا.
(10) كذا في الأصل، وكأنه إشارة إلى خضوع الممكنات تحت قدرته القاهرة ومشيئته
الماضية، وعدم امكان ابائها عنها.
(11) الجرم: الجسم، وجمعه الاجرام على زنة الأجسام. أي ان النبي صلى الله عليه وآله،
كان هو اللب والروح، وآدم عليه السلام كان كالقشر والجسم له!!!
(12) أي علاهم وفاقهم أو باراهم وفاخرهم بما أودعت فيه من نور النبي صلى الله عليه
وآله وسلم
(نهج السعادة ج 3) (م ه)
65

- فيما سقت الأحبار (13) وعرفتنا كتبك - في عطاياك؟
أسجدت له ملائكتك وعرفته ما حجبت عنهم من
علمك إذ تناهت به قدرتك وتمت فيه مشيتك (14)
دعاك بما أكننت فيه فأجبته إجابة القبول (15).
فلما أذنت - اللهم - في انتقال محمد صلى الله
عليه وآله وسلم من صلب آدم، ألفت بينه وبين
زوج خلقتها له سكنا (16) ووصلت لهما به سببا
فنقلته من بينهما إلى (شيث) اختيارا له بعلمك،
فأي بشر كان اختصاصه برسالتك.
ثم نقلته إلى (أنوش) (17) فكان خلف أبيه في قبول
كرامتك واحتمال رسالتك.

(13) كذا في الأصل.
(14) من جعله خليفة في الأرض ومستودعا لنور النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(15) أي دعاك بالذي أضمرت فيه واستودعته وجعلته كالوعاء والغلاف له. والظاهر أنه
إشارة إلى ما رواه في الدر المنثور، في تفسير قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه)
[37 / البقرة] من أنه سأله بحق محمد وآل محمد فأجابه الله تعالى وقبل توبته.
ورواه أيضا في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 1، ص 419 ورواه أيضا في الباب (23)
من كفاية الطالب والباب (107) من غاية المرام ص 393 ورواه أيضا في الغدير: ج 7 ص 300 ط 2.
(16) أي لأجل أن يسكن ويطمئن إليها ويستريح بها.
(17) قال في مادة: (أوش) من تاج العروس: ومما يستدرك على المصنف (انوش)
- كصبور - ابن شيث بن آدم، وهو أبو قينان، وقد ذكره المصنف في مادة (قين) ومعناه
الصادق. ويقال: يانش كصاحب وآدم. ويقال: أنوش - بكسر الهمزة - بمعنى انسان.
66

ثم قدرت نقل النور إلى (قينان) (18) وألحقته في
الحظوة بالسابقين، وفي المنحة بالباقين (19).
ثم جعلت (مهلائيل) رابع أجرامه قدرت [أن]
تودعها من خلقك في من له سهم النبوة وشرف الأبوة (20)
حتى تناهى تدبيرك إلى (أخنوخ) (21) فكان أول من

(18) قال في مادة: (قان) من تاج العروس: قينان - بلا لام - [هو] قينان بن أنوش
ابن شيث بن آدم عليه السلام وهو الجد السابع والأربعون لسيدنا رسول الله صلى الله عليه ومعناه
المسوي...
(19) التقدير - في أمثال المقام - عبارة عن التدبير وجعل الأسباب على وجه معين وتهيئة العلل
على أسلوب خاص يتولد منها المعلول والمسبب على وفق ما أراده المدبر، وفي المقام لما كان
(قينان) مرضيا عند الله وأراد الله أن يشرفه لأجل قيامه بوظائف العبودية وخضوعه وانقياده
لمقام الربوبية جعل الله تعالى وضع التناسل والتوالد على كيفية ينتقل نور النبي صلى الله عليه وآله
وسلم من (أنوش) إلى (قينان) لا إلى غيره.
والحظوة - بضم الأول وكسره: المكانة المنزلة. والمحنة - بكسر الميم -: العطية،
واجمع المنح.
(20) الظاهر أن هذا هو الصواب، وفي الأصل: (وقدرة تودعها من خلقك في من لهم
سهم النبوة وشرف الأبوة...)
(21) قال في التاج - مزجا بكلام القاموس -: خنوخ - كصبور - أو هو أخنوخ -
بالفتح. كما في النسخ، وضبطه شيخنا بالضم أجراءا له على أوزان العرب وإن كان أعجميا -
اسم سيدنا إدريس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. والذي صدر به المصنف هو القول المشهور
وعليه الأكثر، كما أشار إليه ابن حجر، ومن لغاته أخنخ بضم الهمزة وحذف الواو، وأهنوخ
وأهنخ وأهنوح.
وذكره أيضا في مادة: (درس) وقال - بتخليص منا -، إدريس النبي ليس مشتقا من
الدراسة لأنه أعجمي واسمه خنوح كصبور. وقيل: بفتح النون. وقيل: بل الأولى مهملة...
ولد قبل موت آدم بمأة سنة، وهو الجد الرابع والأربعون لسيدنا رسول الله صلى الله عليه...
67

جعلت من الاجرام ناقلا للرسالة وحاملا لأعباء النبوة (22).
فتعاليت يا رب، لقد لطف علمك وجلت قدرتك
عن التفسير الا بما دعوت إليه من الاقرار بربوبيتك.
وأشهد أن الأعين لا تدركك، والأوهام لا تلحقك،
والعقول لا تصفك، والمكان لا يسعك، وكيف يسع
المكان من خلقه وكان قبله؟ أم كيف تدركه الأوهام
ولا نهاية له ولا غاية؟!! وكيف يكون له نهاية وغاية
وهو الذي ابتدأ الغايات والنهايات؟ أم كيف تدركه
العقول ولم يجعل لها سبيلا إلى ادراكه، وكيف
يكون لها سبيل إلى ادراكه وقد لطف عن المحاسة
والمجاسة (23) وكيف لا يلطف عنهما من لا ينتقل
عن حال إلى حال وقد جعل الانتقال نقصا وزوالا.

(22) الأعباء: جمع العبء - بكسر العين -: الثقل، وأيضا يجي الأعباء جمعا للعب -
بفتح العين -: المثل والنظير.
(23) المحاسة كأنها مأخوذة من قولهم: (محس الدباغ الجلد - من باب منع - محسا):
دلكه ليلين ودبغه. والمجاسة: المس أو تحديد النظر إلى الشئ كي يتبينه. فالكلام مسوق لتنزيهه
تعالى عن كونه جسما وعن مشابهة الأجسام والجسمانيات.
68

فسبحانك ملأت كل شي، وباينت كل شي
فأنت الذي لا يفقدك شي، وأنت الفعال لما تشأ
تباركت [وتعاليت] (24).
يا من كل مدرك من خلقه (25) وكل محدود من
صنعه، أنت الذي لا تستغني عنك المكان والزمان،
ولا نعرفك الا بانفرادك بالوحدانية والقدرة.
سبحانك (26) ما أبين اصطفاؤك لإدريس على
سائر خلقك من العالمين، لقد جعلت له دليلا من
كتابك إذ سميته (صديقا نبيا، ورفعته مكانا عليا) (27)
وأنعمت عليه نعمة حرمتها على خلقك - الا من نقلت
إليه نور الهاشميين - وجعلته أول منذر من أنبيائك.

(24) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (تبارك). وما بين المعقوفين أيضا زيادة تقتضيها
السياق، وقوله: (لا يفقدك شي) - من باب ضرب -: لا يغيب عنك شي، أو لا يعدمك شي.
أو من باب افعال يقال: أفقده الشئ: أعدمه إياه.
(25) كل مدرك: كل ما يدرك ويشاهد. وكل محدود: كل مخلوق أو كل موجود.
(26) وفي النسخة: (وسبحانك) والظاهر أن الواو زائدة.
(27) إشارة إلى قوله تعالى في الآية: (55 - 57) من سورة مريم: (واذكر في الكتاب
إدريس انه كان صديقا نبيا، ورفعناه مكانا عليا).
69

ثم أذنت في انتقال نور محمد - [صلى الله عليه
وآله وسلم] من القابلين له (متوشلخ) و (لمك)
المفيضين به (28) - إلى نوح، فأي آلائك يا رب
لم توله، وأي خواص كرامتك لم تعطه.
ثم أذنت في ايداعه (ساما) دون (حام) و (يافث)
فضربت لهما بسهم الذلة، وجعلت ما أخرجت بينهما
لنسل (سام) خولا (29).
ثم تتابع عليه القابلون - من حامل إلى حامل ومستودع
إلى مستودع من عترته (30) في فترات الدهور، حتى
قبله (تارخ) أطهر الأجسام وأشرف الاجرام، ونقلته
منه إلى إبراهيم (31) فأسعدت بذلك جده وأعظمت به
مجده وقدسته في الأصفياء، وسميته دون رسلك خليلا.

(28) وفي نسخة: (المفضين به).
(29) الخول - على زنة الجبل -: الخدم. العبيد والإماء.
(30) الضمير راجع إلى نوح أو إلى سام عليهما السلام.
(31) هذا أحد الشواهد لما ندعيه نحن معاشر الامامية من أن آباء الأنبياء موحدون وأن آزر
لم يكن أبا خليل الله إبراهيم عليه السلام وإنما كان عمه واطلاق الأب على العم شائع في اللغة العربية.
70

ثم خصصت به إسماعيل دون [سائر] ولد إبراهيم (32)
فأنطقت لسانه بالعربية التي فضلتها على سائر اللغات،
فلم تزل تنقله [محظورا عن الانتقال في كل مقذوف] (33)
من أب إلى أب حتى قبله (كنانة) عن (مدركة)
فأخذت له مجامع الكرامة (34) ومواطن السلامة،
وأحللت له البلدة التي قضيت فيها مخرجه.
فسبحانك لا إله إلا أنت، أي صبب أسكنته فيه
لم ترفع ذكره (35) وأي نبي بشر به فلم تتقدم في
الأسماء اسمه، وأي ساحة من الأرض سلكت به لم يظهر
بها قدسه، حتى الكعبة التي جعلت منها مخرجه، غرست
أساسها بياقوتة من جنات عدن، وأمرت الملكين
المطهرين: جبرئيل وميكائيل، فتوسطا بها أرضك،
وسميتها بيتك، واتخذتها معبدا لنبيك وحرمت وحشها

(32) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.
(33) ما بين المعقوفين غير موجود في ط النجف من كتاب أثبات الوصية، وإنما هو مأخوذ من ط إيران.
(34) كذا في الأصل، وفي المستدرك: (تأخذ له بمجامع الكرامة).
(35) وفي ط النجف: (ولم ترفع ذكره).
71

وشجرها، وقدست حجرها ومدرها!!! وجعلتها مسلكا
لوحيك (36) ومنسكا لخلقك ومأمن المأكولات (37)
وحجابا للآكلات العاديات تحرم على أنفسها اذعار من
أجرت (38).
ثم أذنت للنظر في قبوله وايداعه مالكا، ثم من
بعد مالك فهرا، ثم خصصت من ولد فهر غالبا،
وجعلت كل من تنقله [إليه] أمينا لحرمك (39) حتى إذا
قبله لؤي بن غالب آن له حركة تقديس، فلم تودعه
من بعده صلبا الا جللته نورا تأنس به الابصار (40)
وتطمئن إليه القلوب.

(36) وفي نسخة: (لوجهك).
(37) المأكولات: ما من شأنها أن يكسر ويؤكل، ويراد بها - هنا - المستضعف من الحيوان
سوأ كان ناطقا أم صامتا.
(38) كذا في النسخة، والاذعار: الافزاع والإخافة. و (من أجرت) أي من جعلته
أجيرا لك وضمنت له ايفاء حقه وأن لا يهضم. وفي نسخة بدلها هكذا: (إذا هاد من أجرت).
والظاهر أن (عاد) مصحف (عاذ) أي إذا عاذ ببيتك من أجرته وأمنته، فعياذه بالبيت حجاب
بينه وبين من يريد التوثب عليه وهضمه وأكله.
(39) الطاهر أن المراد به هو حرم مكة المكرمة.
(40) أي تسكن إليه وتألف به فلا ترفع عنه كلما وقعت عليه. والفعل من باب علم وضرب
وشرف.
72

فأنا يا الهي وسيدي ومولاي المقر لك بأنك الفرد
الذي لا ينازع ولا يغالب ولا يجادل ولا يشارك،
سبحانك سبحانك لا إله إلا أنت.
ما لعقل مولود وفهم معقود - مدحو من ظهر مزيج
بمحيض لحم وعلق در إلى فضالة الحيض (41)
وعلالات الطعم وشاركته الأسقام والتحفت عليه
الآلام، [و] لا يمتنع من قيل (42) ولا يقدر على
فعل، ضعيف التركيب والبنية ماله - والاقتحام على
قدرتك؟ والهجوم على ارادتك؟ وتفتيش ما لا يعلمه
غيرك؟!!
سبحانك أي عين تصب نورك وترقى إلى ضيأ

(41) قوله: (ما لعقل) مبتد، وقوله - الآتي -: (ماله) بدل له، وقوله: (والاقتحام
خبر. و (مدحو): مدفوع. أو منبسط من قولهم: (دحا المطر الحصى - من باب دعا - دحوا)
دفعها. أو (ادحوى ادحواء): انبسط. والمزيج: الممزوج. والعلق - كفلك -: الدم -.
والواحدة: علقة. و (فضالة الحيض): بقيته.
وفي بعض النسخ هكذا: (ما لعقل مولود، وفهم مفقود [كذا] مدحو من ظهر مريج
نبع من غير شبح بمحيض لحم وعلق در إلى فضالة الحيض...).
(42) لعله أراد منه الفتور والضعف العارض عليه قهرا من قولهم: (قال زيد - من باب
باع - قيلا وقائلة وقيلولة ومقالا ومقيلا): نام في القائلة أي منتصف النهار كي يدفع عنه أو يخفف
عنه الفتور العارض.
73

قدرتك؟ (43) وأي فهم يفهم ما دون ذلك؟ الا بصائر
كشفت عنها الأغطية، وهتكت عنها الحجب العمية،
وفرقت أرواحها إلى أطراف أجنحة الأرواح (44) فتأملوا
أنوار بهائك، ونظروا من مرتقى التربة إلى مستوى كبريائك (45)
فسماهم أهل الملكوت زوارا، ودعاهم أهل الجبروت
أغمارا!!! (46).
فسبحانك يامن ليس في البحار قطرات - ولا في متون
الأرض جنات، ولا في رتاج الرياح حركات، ولا في قلوب
العباد خطرات، ولا في الابصار لمحات (47) ولا على متون

(43) وفي بعض النسخ: (أي عين تقوم قصب بها نورك.
(44) كذا في الأصل، فان صح فمعناه: فزعت والتجأت. ويمكن أن يكون الأصل:
(فرقت) أي صعدت وارتفعت. وعليه فالفاء ليست جزا للكلمة، والواو أيضا من زيادات
الكتاب سهوا أو غفلة.
(45) مرتقى التربة: موضع الارتقاء منها. ومستوى الكبرياء. مركز آيات العظمة ومجمع
تجلي الكبرياء والجلالة.
(46) أهل الملكوت: الملا الاعلى. وأهل الجبروت هم الذين ركنوا إلى عالم الطبيعة، ولم
يرتقوا من أفق الجهل إلى فضاء العلم. والاغمار: جمع الغمر - بتثليث الأول وسكون الميم -:
الجاهل. غير المجرب للأمور.
(47) كأن المراد من (رتاج الرياح) هيجانها أو دوامها واطباقها. و (لمحات): جمع
لمحة: النظرة.
74

السحاب نفحات - الا وهي قي قدرتك متحيرات!!! أما
السماء فتخبر عن عجائبك، وأما الأرض فتدل على
مدائحك، وأما الرياح فتنشر فوائدك، وأما السحاب
فتهطل مواهبك (48) وكل ذلك يحدث بتحننك،
ويخبر أفهام العارفين بشفقتك؟!!
وأنا المقر بما أنزلت على ألسن أصفيائك.
وان أبانا آدم [عليه السلام] (49) عند اعتدال
نفسه وفراغك من خلقه رفع وجهه فواجهه من عرشك
رسم (50) فيه: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله). فقال:
الهي من المقرون باسمك؟ فقلت: [هو] محمد خير
من أخرجته من صلبك واصطفيته بعدك من ولدك، ولولاه
ما خلقتك!!!

(48) يقال: (هطل المطر - من باب ضرب - هطلا وهطلانا وتهطالا): نزل متتابعا
متفرقا عظيم القطر. والمواهب العطايا.
(49) هذا ما صوبناه بعد التروي في السياق، وفي الأصل هكذا: (أو أبان آدم (ع)
عند اعتدال نفسه...).
(50) الرسم: الأثر. الخط. الكتاب.
75

فسبحانك لك العلم النافذ، والقدر الغالب، لم تزل
الآباء تحمله والأصلاب تنقله، كلما أنزلته ساحة صلب
جعلت له فيها صنعا يحث العقول على طاعته، ويدعوها
إلى متابعته (51) حتى نقلته إلى هاشم خير آبائه بعد
إسماعيل، فأي أب وجد ووالد أسرة ومجتمع عترة (52)
ومخرج طهر ومرجع فخر جعلت - يا رب - هاشما،
لقد أقمته لدن بيتك وجعلت له المشاعر والمتاجر (53).
ثم نقلته من هاشم إلى عبد المطلب، فأنهجته
سبيل إبراهيم، وألهمته رشد التأويل وتفصيل الحق،
ووهبت له عبد الله وأبا طالب وحمزة، وفديت في القربان
بعبد الله كسمتك (54) في إبراهيم بإسماعيل، ووسمت
في بأبي طالب في ولده (55) كسمتك في إسحاق،

(51) هذا هو الصواب، وفي الأصل تصحيف فاحش.
(52) كذا في نسختين من الأصل، ولا يبعد أن الأصل كان هكذا: (ومجمع عترة) فصحف.
(53) كذا في الأصل.
(54) السمت - كفلس -: الطريق والمنهاج.
(55) كذا في الأصل، ولعل الصواب: (وسمت في)؟
76

لتقديسك عليهم وتقديم صفوة لهم فلقد بلغت -
يا الهي - ببني طالب الدرجة التي رفعت إليها فضلهم
في الشرف الذي مددت به أعناقهم، والذكر الذي حليت
به أسماءهم وجعلتهم معدن النور وجنته، وصفوة الدين
وذروته، وفريضة الوحي وسنته (56).
ثم أذنت لعبد الله في نبذه (57) عند ميقات تطهير
أرضك من كفار الأمم: الذين نسوا عبادتك وجهلوا
معرفتك واتخذوا [لك] أندادا، وجحدوا ربوبيتك
وأنكروا وحدانيتك، وجعلوا لك شركا وأولادا، وصبوا
إلى عبادة الأوثان (58) وطاعة الشيطان، فدعاك نبينا
صلوات الله عليه لنصرته، فنصرته بي وبجعفر وحمزة،

(56) الجنة - بفتح الجيم -: الفردوس. الحديقة. وبكسر الجيم: زهر النبات ونوره
ومن الشاب أوله. والذروة - بكسر الذال -: العلو والرفعة.
(57) كذا في الأصل، فإن لم يك مصفحا فمعناه: ثم أذنت لعبد الله أبي النبي في توليده
ونقله من صلبه إلى مستقره ثم إلى الخارج.
ويتحمل أيضا أن يكون من باب قوله تعالى: (واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سوأ).
يقال: (نبذ إلى العدو - من باب ضرب - نبذا): رمى إليه بالعهد، وجاهره بالحرب.
(58) أي مالوا إلى عبادة الأوثان، يقال: (صبا الرجل - من باب دعا - صبوا وصبوا).
مال إلى الصبوة أي غمرة الصبيان فهو صاب.
77

فنحن الذين اخترتنا له، وسميتنا في دينك - لدعوتك -
أنصارا لنبيك قائدنا إلى الجنة [و] خيرتك وشاهدنا.
أنت - رب السماوات والأرضين - جعلتنا ثلاثة
ما نصب له عزيز الا أذللته بنا، ولا ملك الا طحطحته
بنا (59) (أشداء على الكفار رحما بينهم تراهم ركعا
سجدا) (60) وصفتنا يا ربنا بذلك، وأنزلت فينا قرآنا،
جليت به عن وجوهنا الظلم، وأرهبت بصولتنا الأمم.
إذا جاهد محمد رسولك عدوا لدينك تلوذ به أسرته،
وتحف به عترته كأنهم النجوم الزاهرة إذا توسطهم
القمر المنير ليلة تمه!!! فصلواتك على محمد عبدك
ونبيك وصفيك وخيرتك وآله الطاهرين، أي منيعة لم

(59) كذا في النسخة، يقال: (طحطح زيد عدوه). كسره. وطحطح القوم وبالقوم:
بددهم وأهلكهم.
وفي المختار: (36) من باب الوصايا من كتابنا هذا: ج 7 ص 319: (اللهم انك شهيد
- وكفى بك شهيدا - أني بايعت رسولك وحجتك في أرضك محمد [صلى الله عليه وسلم] أنا
وثلاثة من أهل بيتي على أن لا ندع لله أمرا الا عملناه، ولا ندع له نهيا الا رفضناه، ولا وليا الا
أحببناه، ولا عدوا الا عاديناه، ولا نولي ظهورنا عدوا، ولا نمل عن فريضة ولا نزداد لله ولرسوله
الانصحية).
(60) اقتباس من الآية (29) من سورة الفتح.
78

تهدمها دعوته؟ وأي فضيلة لم تنلها عترته؟ جعلتهم
خير أئمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر، ويجاهدون في سبيلك ويتواصون بدينك (61)
تشهد لهم وملائكتك أنهم باعوك أنفسهم وابتذلوا من
هيبتك أبدانهم [كذا] شعثة رؤسهم، تربة وجوههم،
تكاد الأرض من طهارتهم أن تقبضهم إليها!!! ومن فضلهم
أن تميد بمن عليها (62) رفعت شأنهم بتحريم أنجاس
المطاعم والمشارب، فأي شرف يا رب جعلته في محمد
وعترته؟!! فوالله لأقولن قولا لا يطيق أن يقوله أحد من
خلقك:
أنا علم الهدى، وكهف التقى، ومحل السخاء،
وبحر الندى وطود النهى، ومعدن العلم، والنور في
ظلم الدجى، وخير من أمر واتقى، وأكمل من تقمص

(61) كذا في مستدرك النهج - للشيخ هادي رحمه الله - والأصل المأخوذ منه ها هنا مشوش اللفظ هكذا:
(ويتواصلون بدينك، طهرتهم بتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل ونسك به لغير الله).
(62) يقال: (مادت الأرض بالخلق - من باب باع - ميدا وميدانا): دارت وتحركت.
79

وارتدى، وأفضل من شهد النجوى بعد النبي المصطفى (63)
وما أزكي نفسي، ولكن أحدث بنعمة ربي.
أنا صاحب القبلتين، وحامل الرايتين فهل يوازي
بي أحد؟ (64) وأنا أبو السبطين فهل يساوي بي بشر؟
وأنا زوج خير النسوان فهل يفوقني رجل؟.
أنا القمر الزاهر - بالعلم الذي علمني ربي - والفرات
الزاخر، أشبهت من القمر نوره وبهاءه، ومن الفرات
بذله وسخاءه.
أيها الناس بنا أنار الله السبل، وأقام الميل (65)
و عبد الله في أرضه، وتناهت إليه معرفة خلقه (66)
وقدس الله جل وتعالى بابلاغنا الألسن (67) وابتهلت

(63) أي أنا بعد النبي المصطفى علم الهدى وكذا وكذا...
(64) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (فهل يوازي في أحد).
(65) الميل: الاعوجاج والانحراف.
(66) يقال: (تناهى الشئ تناهيا): بلغ نهايته. و (تناهى الماء: وقف وسكن.
و (تناهى الخبر): بلغ.
(67) أي أن الألسن نطقت بتقديس الله تعالى بتبليغنا وبياننا لها تقديس الله جل وعلا.
وابتهلت: تضرعت وخشعت...
80

بدعوتنا الأذهان.
فتوفى الله محمدا صلى الله عليه وآله سعيدا شهيدا
هاديا مهديا، قائما بما استكفاه، حافظا لما استرعاه،
تمم به الدين، وأوضح به اليقين، وأقرت العقول
بدلالته، وأبان [به] حجج أنبيائه، فاندمغ الباطل
زاهقا (68) ووضح العدل ناطقا، وعطل مظان الشيطان (69)
وأوضح الحق والبرهان (70).
اللهم فاجعل فواضل صلواتك ونوامي بركاتك
ورأفتك ورحمتك على محمد نبي الرحمة، وعلى أهل
بيته الطاهرين.
اثبات الوصية، ص 100 - 105، ط 1 النجف، وقريبا منه ذكره
الشيخ هادي رحمه الله في المختار (12) من باب خطب مستدرك النهج ص 33.

(68) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (وأبانت حجج أنبيائه واندمغ الباطل زاهقا).
و (اندمغ الباطل زاهقا): انكسر مضمحلا غير باق، يقال: (دمغ الحق الباطل - من باب نصر
ومنع - دمغا): قهره. أبطله ومحقه.
(69) مظان الشئ: المحل الذي يظن وجوده فيه.
(70) كذا في النسخة، ولعل الأظهر: (وأوضح الحق بالبرهان).
(نهج السعادة ج 3) (م 6)
81

- 18 -
ومن خطبة له عليه السلام
في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة عليه
قال سبط ابن الجوزي: أخبرنا عبد الله بن أبي المجد الحربي، أخبرنا
عبد الوهاب بن المبارك أخبرنا أبو الفتح أحمد بن محمد الحداد، أخبرنا
أبو بكر بن أحمد [بن] علي بن إبراهيم ابن منحويه، أخبرنا محمد بن إسحاق،
أخبرنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عباد
ابن الحبيب بن المهلب بن أبي صفرة، عن مجالد:
عن سعيد بن عمير، قال: خطب أمير المؤمنين [عليه السلام] يوما
فقال:
الحمد لله داحي المدحوات، وداعم المسموكات (1)
وجابل القلوب على فطرتها (2) شقيها وسعيدها، وغويها
ورشيدها.

(1) الداحي: الباسط. والمدحوات: المبسوطات كالأرض والجبال وغيرهما من الاجرام
المنبسطة. وداعم المسموكات أي حافظها عن الميل وجعلها ذات عماد كي لا تزول عن محالها
ومجاريها، والمسموكات: الاجرام العلوية المرفوعة.
(2) جابل القلوب على فطرتها: خالقها على طبيعتها الساذجة الخالية عن كل نقش. وقوله:
(شقيها وسعيدها...) بدل عن القلوب.
82

اللهم واجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك (3)
على سيدنا محمد عبدك ورسولك وحبيبك، الخاتم
لما سبق، والفاتح لما انغلق (4) المعلن [الحق]
بالحق، الناطق بالصدق، الدافع جيشات الأباطيل (5)
والدامغ هيشات الأضاليل (6) فاضطلع قائما بأمرك
مستوفزا في مرضاتك (7) غير نأكل في قدم ولا وان في
عزم (8) مراعيا لعهدك محافظا لودك (9) حتى أورى
قبس القابس، وأضاء الطريق للخابط (10) وهدي به

(3) أي صلواتك الشريفة السامية، وبركاتك النامية الزاكية. والشرائف: جمع الشريفة.
والنوامي: جمع النامية.
(4) أي الخاتم لما سبقه من الشرائع والنبوات، والفاتح لما أغلقه المبطلون من أبواب السعادات
أو القلوب المقفلة بغلق التلبيسات والشبهات.
(5) جيشات: جمع جيشة - بفتح فسكون - من قولهم: (جاشت القدر): ارتفع
غليانها. والأباطيل: جمع باطل على غير قياس.
(6) كذا في الأصل، وفي النهج: (والدامغ صولات الأضاليل).
(7) فاضطلع: نهض قويا. و (مستوفزا): مسارعا مستعجلا.
(8) الناكل: الناكص والمتأخر.
وفي النهج: (غير نأكل عن قدم...).
(9) وفي النهج: (واعيا لوحيك حافظا على عهدك، ماضيا على نفاذ أمرك حتى أورى...).
(10) أورى: استخرج وأظهر. والقبس: شعلة النار. والقابس: طالب النار. والخابط:
الذي يسير ليلا على غير جادة. والكلام كناية وتمثيل لما مهده رسول الله صلى الله عليه وآله من
مشعل الهداية والمحجة الواضحة للسالكين.
83

الناس بعد خوض الفتن والآثام، والخطب في عشو [أ]
الظلام (11). وأنارت نيرات الاحكام ارتفاع الاعلام (12)
فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك
يوم الدين، وحجتك على العالمين، وبعيثك بالحق (13)
ورسولك إلى الخلق.
اللهم فافسح له مفسحا في ظلك (14)، واجزه
بمضاعفات الخير من فضلك (15).
اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش، وقرار النعمة،

(11) (والحبط في عشو الظلام): السير في الظلمات على غير جادة بضعف بصر وعلى
غير بصيرة. وفي نهج البلاغة: (وهديت به القلوب بعد خوضات الفتن، وأقام موضحات
الاعلام، ونيرات الاحكام).
(12) كذا في الأصل، فان صح ولم يكن مصحفا فمعناه: أي وهدي به الناس بعد ما أنارت
نيرات أحكام الله الدنيا، وتمركزت وارتفع ضوؤها كارتفاع الجبال الراسية المرتفعة إلى أعنان السماء.
(13) شهيد - ها هنا - بمعنى شاهد. وبعيث بمعنى مبعوث، ومجئ فعيل بمعنى فاعل تازة
وبمعنى مفعول أخرى أمر شائع في العربية.
(14) أي فأوسع له مكانه في دار كرامتك ومنزلتك في جنب منزلة خيرتك سعة تسعها
عنايتك به وألطافك عليه. والظل - هنا - كناية عن اللطف والمرحمة والاحسان والتكرمة.
(15) وبعده في نهج البلاغة هكذا: (اللهم أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم لديك
منزلته وأتمم له نوره وأجزه من ابتعائك له مقبول الشهادة، ومرضي المقالة، ذا منطق عدل
وخطة فصل.
84

ومنتهى الرغبة، ومستقر اللذة، ومنتهى الطمأنينة،
وأرجاء الدعة، وأفناء الكرامة (16).
المختار الرابع من كلامه عليه السلام في الفصل السادس، من كتاب تذكرة
الخواص ص 136. ورواه أيضا السيد الرضي رحمه الله في المختار: (69) من
نهج البلاغة، وقطعة منه رواها في ذيل المختار: (102) منه. ورواه أيضا
إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله في الحديث: (85) من الغارات ج 1،
ص 158، عن أبي سلام الكندي قال: كان علي عليه السلام يعلمنا الصلاة
على النبي صلى الله عليه وآله وسلم [و] يقول قولوا: اللهم داحي المدحوات.

(16) كذا في الأصل، وفي النهج: (اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيسش، وقرار النعمة
ومني الشهوات وأهواء اللذات، ورخاء الدعة، ومنتهى الطمأنينة وتحف الكرامة). أقول: برد
العيش كناية عن حلاوته الملازمة للسكون والهدوء ووفور النعمة. وقرار النعمة: دوامها. وأرجأ
الدعة: نواحبها. وهو جمع الرجاء - مقصورا أو ممدودا - وأفناء الكرامة: ساحاتها ومحالها.
وكأنه جمع فنأ - بكسر الفاء -: الساحة أمام المسكن.
85

- 19 -
ومن كلام له عليه السلام
في تصويره عليه السلام الدنيا بصورة مثالية في صورة عجوز شوهاء
مطلقة بثلاث تطليقات وابلاسها من الوصال والرجوع إليها
جمال المفسرين الشيخ أبو الفتوح الرازي الخزاعي رحمه الله قال: أتى ضرار
ابن عبد الله الضبي (1) - بعد وفات أمير المؤمنين عليه السلام - معاوية، فقال
له: يا ضرار ما فعل أبو تراب؟ قال: كان عبدا لله فدعاه فأجابه!!!
فقال يا ضرار صف لي بعض أخلاقه. قال: اعفني عن ذلك!!! قال:
لابد من ذلك. قال ضرار: إذا فاسمع:
كان والله أول من لبى وكبر، وأفضل من تقمص واعتجز (2) وأكرم
من ناجى ربه وسهر، وأعلم من قرب ونحر، وأجود من تصدق بأبيض
وأصفر، وخير من أقبل وأدبر بعد محمد سيد البشر!!!
قال معاوية: زدني يا ضرار. فقال ضرار:

(1) كذا في الأصل، وفي المختار: (77) من الباب الثالث من نهج البلاغة (ضرار بن
حمزة الضبائي). وفي الاستيعاب: (ضرار الصدائي).
وفي عنوان: (قطعة من الاخبار المروية في ايجاب ولاء أمير المؤمنين وشي من أخبار زهده...)
من كتاب الخصائص - للسيد الرضي - ص 40 ط 2: ذكروا أن ضرار بن ضمرة الضبابي دخل
على معاوية بن أبي سفيان وهو بالموسم فقال له: صف [لي] عليا...
(2) تقمص: لبس القميص. واعتجز: لبس المعجر - كمنبر -: العمامة.
86

كان والله شديد القوى، بعيد المدى يقول فصلا (3) ويحكم عدلا،
تنفجر الحكمة من جوانبه، وينطلق العلم من نواحيه!!! لا يطمع القوي
في باطله ولا يؤيس الضعيف من عدله (4)، وكان والله يجيبنا إذا سألنا [ه]
ويبدينا إذا أتينا [ه] ويلبينا إذا دعوناه!!! وكان فينا كأحدنا!!!
وكان مع قربه بنا وتقربه الينا لا نكلمه هيبة ولا نبتديه جلالة!!! وأشهد
بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله (5) قابضا على لحيته
يتململ تململ السليم (6) ويبكي بكاء الحزين يناجي ربه ويعاتب نفسه ويقول:
يا دنيا [يا دنيا إليك عني] أبي تعرضت؟ (7)
أم بي تشوفت؟ (8) هيهات هيهات لا حان حينك (9)

(3) المدى - بفتح الميم -: المنتهى والغاية أي كان عليه السلام في منتهى الكمال وغاية العظمة
والجلال لا يجاريه فيها أحد. و (يقول فصلا) أي يقول قولا يفصل بين الحق والباطل أو
يفصل كل واحد من المتخاصمين عن الاخر بحل عويصتهم وتنجيز القضاء بينهم.
(4) أي كان عليه السلام لا يسلس قياده للقوي المائل بقوته إلى الزور والباطل كي يطمع في
باطله ويتمادى في غيه لهظم حقوق الضعفاء. وكان عليه السلام باقباله على سماع حجة الضعيف
وخفض جناحه له واهتمامه باحقاق حقه لا يؤيسه من عدله.
(5) سدول الليل: حجب ظلامه.
(6) يتململ: يضطرب ويتقلب من غم أو مرض. والسليل - كعليل - الملدوغ من حية
أو نحوها.
(7) ما بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة. و (إليك عني): بعد نفسك مني ووار
شخصك عني. (أبي تعرضت): أتصديت لي؟ وطلبت وصلي؟
(8) كذا في ترجمة ضرار من تاريخ دمشق، وفي رواية أخرى منها وكذا في جل الطرق
والمصادر: (ألي تشوقت؟) بالقاف. وفي النسخة الموجودة عندي من روض الجنان (أم بي
تسوفت) بالسين المهملة والفاء، ولم يحضرني للكلمة معنى يلائم السياق، وكأنها مصحفة. والتشوف
- بالشين المعجمة ثم الواو ثم الفاء -: التزين والتصقيل والتجلية. والتشوق - بالقاف -: اظهار
الحنان والشوق الشديد.
87

غري غيري [لا حاجة لي فيك] قد أبنتك ثلاثا لا رجعة
لي إليك!!! (10) فعمرك قصير، وعيشك حقير وخطرك
يسير.
ثم غلب البكاء عليه فبكى فقال معاوية: كان والله كما ذكر [ت]
فكيف كان حبك له؟ قال ضرار: كحب أم موسى [له] وأعتذر إلى الله
من التقصير!!! قال معاوية: وكيف حزنك عليه؟ قال: حزن والدة ذبح واحدها
في حجرها لا يرقأ دمعها (11) ولا يذهب حزنها إلى يوم القيامة!!!
تفسير الآية: (60) من سورة المائدة، من تفسير روض الجنان: ج 4
ص 238. ورواه أيضا في المختار: (77) من الباب الثالث من نهج البلاغة،
وللكلام مصادر كثيرة، وأصل القصة لعلها متواترة معنى. ورواه أيضا أبو عمر
في أواسط ترجمة أمير المؤمنين من كتاب الاستيعاب بهامش الإصابة: ج 3
ص 43 قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا يحي بن مالك

(9) أي بعيد أن تنالين ما تصديت له، ومستحيل أن تدركين ما أظهرت وجدك إليه، أو من
عرضت نفسك مزينة عليه، فارجعي خائبة فليس الان آن وصولك إلى مبتغاك، وليس لك حظ فيمن
تصديت لوصله في زينتك أو في نغمتك الخارجة عن شغاف قلبك!!!
(10) وفي نهج البلاغة: (قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير وخطرك يسير وأملك
حقير). وما بين المعقوفين أيضا منه (قد أبنتك ثلاثا) قد قطعتك عني وفصلتك مني بالطلاق
الثلاث. وفي غير واحد من الطرق: (قد بتتك ثلاثا). وهو أيضا - من باب أفعل وفعل ومد وفر -
بمعنى القطع. وامضاء الامر وانجازه.
(11) يقال: (رقع الدمع أو الدم - من باب منع - رقأ ورقؤ): جف وانقطع.
88

ابن عائذ، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن سلمة البغدادي بمصر، قال:
حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، قال: قال أخبرنا العكلي عن
الحرمازي - رجل من همدان - قال: قال معاوية لضرار الصدائي:
يا ضرار صف لي عليا...
ورواه عنه في كتاب (مدينة العلم) من عبقات الأنوار: ج 2 ص 446.
- 20 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان استقامته على محور القسط ومركز العدالة، وبراءة ساحته
عن الظلم والقساوة
قال سبط ابن الجوزي: وروى مجاهد، عن ابن عباس قال: سمعت
أمير المؤمنين عليه السلام يوما قال:
والله لان أبيت على حسك السعدان مسهدا أو أجر في
الاغلال مصفدا (1) أحب إلي من أن القى الله تعالى ظالما
لبعض العباد، وغاصبا لشئ من حطام الدنيا، وكيف

(1) حسك السعدان: شوكه. والسعدان: نبت ترعاه الإبل وله شوك تشبه به حلمة الثدي.
ومسهدا: مؤرقا أي الاصباح من غير نوم لعدم إيناس العين بالنوم لأجل الهم أو الخوف أو الألم
مما يطرد النوم عن العين. والاغلال: جمع الغل. ومصدفا: مقيدا.
89

أظلم أحدا لنفس تسرع إلى البلى فقولها، ويطول في
الثرى حلولها!!! (2).
والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها
على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته!!!
وأن دنياكم عندي لاهون من ورقة في فم جرادة [تقضمها]!!! (3).
أواخر الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص ص 165، ورواه السيد
الرضي رحمه الله في المختار: (219) من نهج البلاغة بزيادات كثيرة.

(2) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (219) من نهج البلاغة وفي الأصل: (
والنفس...) والبلى: الوهن والرثاثة. و (قفولها): رجوعها. والثري التراب...
ثم إن في النهج بعد هذه الفقرة زيادات كثيرة في قصة عقيل واستماحه من أمير المؤمنين عليه
السلام، وقصة الحديدة المحماة لم يذكرها سبط ابن الجوزي ها هنا.
(3) ما بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة وفيه بعده هكذا: (ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة
لا تبقى تعود بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين).
أقول: و (جلب شعيرة) بكسر الجيم -: قشرتها. و (تقضهما) من باب علم -:
تكسرها بأطراف أسنانها و (سبات العقل) - بضم السين -: نومة. و (الزلل): العثرة
والسقوط في الخطأ.
90

- 21 -
ومن خطبة له عليه السلام
في أنه وأهل بيته مراكز العلم والسعادة، وان المعرضين عنهم
منابع الجهل والغوابة
الحمد لله، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله.
أما بعد فذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم (1)
أنه لا يهيج على التقوى زرع قوم ولا يظمأ عنه سنخ
أصل (2) وان الخير كله فيمن عرف قدره، وكفى بالمر

(1) الذمة: العهد. الأمان. الضمان. الحرمة. الحق. و (هينة): مرهونة. و (زعيم)
كفيل. ضامن، أي حرمتي أو ضماني أو عهدي عند الله مرهونة لحقيقة ما أقول وأنا بذلك كافل
وضامن. وقال في النهاية: وفي حديث علي: (ذمتي رهينة وأنا به زعيم). أي ضماني وعهدي
رهن في الوفاء به.
(2) وفي النهج: (ولا يظمأ عليها...). يقال: (هاج النبت - من باب باع - والمصدر كبيع وكتاب
ورمضان هيجا وهياجا وهيجانا): يبس. وهاجت الإبل: عطشت. وهاجت الأرض: أخذ
نباتها في اليبس واصفرت. قال في النهاية: ومنه حديث علي عليه السلام: (لا يهيج على التقوى
زرع قوم). أراد من عمل لله لم يفسد عمله ولا يبطل، كما يهيج الزرع فيهلك. و (لا يظمأ) -
من باب علم -: لا يعطش شديدا. قال في النهاية: وفي حديث علي عليه السلام: (ولا يضمأ
على التقوى سنخ أصل). أصل السنخ والأصل واحد، فلما اختلف اللفظان أضاف أحدهما إلى
الاخر. وقال المجلسي رحمه الله: ويحتمل أن يكون المراد بهما عدم فوت المنافع الدنيوية أيضا بالتوى
ويحتمل أن يراد بإحداهما أحداهما، وبالأخرى الأخرى.
91

جهلا أن لا يعرف قدره، وان أبعض الخلق إلى الله تعالى رجل
وكله [الله] إلى نفسه، جائز عن قصد السبيل (3) مشغوف
بكلام بدعة، قد لهج فيها بالصوم والصلاة (4) فهو
فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدى من كان قبله، مضل
لمن اقتدى به، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته (5)
قد قمش جهلا في جهال غشوه (6) غار بأغباش الفتنة (7)
عمي عن الهدى قد سماه أشباه الناس عالما ولم يغن فيه
يوما سالما (8) بكر فاستكثر مما قل منه خير مما

(3) وفي البحار: (وان أبغض الخلق عند الله رجل وكله إلى نفسه) أي لا يلاحظه بسوء
عمله بلحاظ المرحمة، ولا يراقبه مراقبة الحبيب لحبيبه أو الوالد لولده. و (جائر) ضال
منحرف. و (قصد السبيل): استقامته ووسطه.
(4) مشغوف بكلام بدعة. أي ان حب البدعة والتكلم فيها قد بلغ شغاف قلبه. و (لهج
بالشئ - من باب فرح - لهجا). أولع به. والضمير في (فيها) راجع إلى البدعة، أي هو
حريص في مبتدعات الصلاة والصوم.
(5) وفي البحار: (رهين بخطيئته). أي هو مرهون ومأخوذ بها.
(6) يقال: (قمش القماش - من باب ضرب ونصر - قمشا): جمعه من هنا وهنا، أي
من نواحي متفرقة. و (غشوه): أحاطوا به.
(7) غار: مغتر. و (الأغباش): جمع الغبش - كسبب -: الظلمة. الخدعة.
(8) أي ولم يقم في تحصيل العلم يوما كاملا سالما من النقص. ورواه في النهاية: (يوما تاما).
92

كثر (9) حتى إذا ارتوى من آجن، واستكثر من غير
طائل (10) جلس للناس قاضيا ضامنا لتخليص ما
التبس على غيره، ان خالف من سبقه لم يأمن من
نقص حكمه من يأتي بعده، كفعله بمن كان قبله
وان نزلت به احدى المهمات هيأ لها حشوا من رأيه (11)
ثم قطع عليه، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل
العنكبوت (12) لا يدري أصاب أم أخطأ [فان أصاب
خاف أن يكون قد أخطأ، وأن أخطأ رجا أن يكون قد

(9) أي خرج في الطلب في أول اليوم أو في بد العمر، فاستكثر - أي حاز كثيرا - من المطالب
التي قليلها خير من كثيرها. هذا بناء على كون (ما) موصولة، وأما بناء على مصدريتها فالمعنى
حاز كثيرا من شي قلته خير من كثرته.
(10) ارتوى: شرب حتى شبع وحصل له الري. و (الآجن): الماء المتغير المتعفن.
واستاره عليه السلام ها هنا للمقدمات الفاسدة التي يأخذها المبطلون من أشباههم من الضلال والجهال.
و (من غير طائل): من غير فائدة.
(11) ومثله في تاريخ ابن عساكر، وفي أمالي الشيخ: (فان نزلت به - وفي الكافي:
وان نزلت به احدى المبهمات) أي التي تحتاج في تبيينها إلى نظر صائب وعلم ثاقب. والحشو من
الرأي: رذاله وفضوله.
(12) ومثله في الكافي، وفي تاريخ ابن عساكر: (فهو من قطع المشبهات في مثل نسج -
قال وقال ابن زيدويه مكان نسج غزل - العنكبوت). أقول: وكلاهما بمعنى واحد، والكلام بيان
لغاية ضعف مقدمات هذا المبطل ونهاية وهيها.
93

أصاب (13)] ولا يرى أن [من (خ)] وراء ما بلغ
مذهبا [لغيره] ان قاس شيئا بشئ لم يكذب رأيه،
وان أظلم عليه أمر اكتتم به - لما يعلم من نفسه من
الجهل والنقص والضرورة (14) - كيلا يقال: إنه
لا يعلم، ثم أقدم بغير علم، فهو خائض عشوات (15)
ركاب شبهات، خباط جهالات (16) لا يعتذر مما لا
يعلم فيسلم، ولا يعض في العلم بضرس قاطع
فيغنم (17) يذري الروايات ذرو الريح الهشيم (18)

(13) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار (17) من نهج البلاغة، وهذا بيان وتفصيل لقوله:
(لا يدري أصاب أم أخطأ).
(14) أي لاضطراره إلى جواب السائل، وحل المشكلة المرجوعة إليه.
(15) أي يخوض ويدخل في المسائل العلمية من غير بصيرة كالإبل التي تجول في الأرض
ولا تبصر أمامها، فما أحرى بها اما أن تقع في بئر أو بركة أو تسقط من جبل أو أكمة، أو تغرق
في بحر أو تثب عليه السباع فتمزقوها اربا اربا.
(16) أي انه كثير الارتكاب لشبهات - فهيهات له من اجتناب المحرمات - وكثير الخبط
في الجهالات - والخبط: السير في الظلمة بلا دليل - فهيهات له من تحصيل طريق النجاة.
(17) اي لم يحكم القوانين العلمية، ولم يحتفظ على مقدماتها عن خبرة وبصيرة. وهذا مثل،
وأصله: ان الرماة كانوا إذ أرادوا أن يتخذوا من عود سهما كانوا يعضونه بأسنانهم كي يعلموا أنه
صلب أو لين، وكانوا إذا أرادوا أن يخبروا بصلابته وأن جودته مختبرة يقولون عض بضرس
قاطع، وإذا أرادوا أن يخبروا أنه مجهول الحال قالوا: لم يعض بضرس قاطع. فصار مثلا.
(18) يقال: (ذرت الريح التراب - من باب دعا - ذروا، وأذرته وذرته) من باب
أفعل وفعل -: أطارته وأذهبته. والهشيم - فعيل بمعنى مفعول -: النبت اليابس المتكسر.
قال في النهاية: ذرته الريح وأذرته تذروه وتذريه [يعنى من باب دعا، وأفعل]: أطارته.
ومنه حديث علي عليه السلام: (يذرو الرواية ذرو الريح الهشيم). أي يسرد الرواية كما تنسف
الريح هشيم النبت.
94

تبكي منه المواريث وتصرخ منه الدماء (19) ويستحل
بقضائه الفرج الحرام، ويحرم به الحلال، لا يسلم
باصدار ما عليه ورد، ولا يندم على ما منه فرط (20).
أيها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعذرون
بجهالته (21) فان العلم الذي هبط به آدم [عليه
السلام] وجميع ما فضلت به النبيون - إلى محمد خاتم
النبيين - في عترة [نبيكم] محمد صلى الله عليه
وآله، فأين يتاه بكم؟ بل أين تذهبون؟ (22).

(19) وفي المختار: (16) من نهج البلاغة: (تصرخ من جور قضائه الدماء وتعج منه المواريث).
(20) إلى هنا رواه في مادة (ذمم) من كتاب الفائق بنحو الارسال واختلاف قليل في بعض الألفاظ،
وفيه: (لا ملئ والله باصدار ما ورد عليه، ولا أهل لما قرظ به). ومثله في جل المصادر
فان صح ما هنا ولم يكن تصحيفا فلعله بمعنى فرغ يقال: (سلم الدلو - من باب ضرب - سلما):
فرغ من عملها وأحكمها. ويقال (فرط من زيد شي - من باب نصر - فرطا): ذهب وفات.
(21) أي عليكم بطاعة من لا تعذرون من معصيته، وعليكم بمعرفة من لا تعذرون بعدم
عرفانه وبجهالته وهم عترة النبي وأعدال القرآن، وسفن النجاة.
(22) فأين يتاه بكم - من باب باع -: أين يضل بكم؟ أين تذهبون متحيرين؟
95

يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة (23)
هذه فيكم فاركبوها، فكما نجا في هاتيك من نجى،
فكذلك ينجو في هذه من دخلها، أنا رهين بذلك قسما
حقا وما أنا من المتكلفين (24) الويل لمن تخلف
[عنهم] ثم الويل لمن تخلف، أما بلغكم ما قال فيهم
نبيكم صلى الله عليه وآله، حيث يقول في حجة
الوداع: (أني تارك فيكم الثقلين: ما ان تمسكتم
بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي،
وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف
تخلفوني فيهما).
الا هذا عذب فرات فاشربوا (25) وهذا ملح أجاج
فاجتنبوا.

(23) نسخ من أصلاب أصحاب السفينة: نقل منها وأخذ عنها.
(24) أنا رهين لذلك أي ضامن له مأخوذ به، كما يؤخذ الرهن لو تخلف المديون عن أداء الدين.
وما أنا من المتكلفين أي ممن تجشم ذلك من قبل نفسه وتعسف في ادعائه...
(25) فرات: كثير العذوبة منته فيها. و (أجاج): شديد الملوحة أو مر. والمشار إليه
في الفقرتين هو معنى الكلام والمحصل منه أي التمسك بهم والاعراض عنهم.
96

الفصل الخامس من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الارشاد، ص 123.
وقريبا منه جدا رواه اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 187، ولنصدر
مصادر كثيرة وأسانيد، وللذيل شواهد جمة، ورواه نقلا عن الارشاد، مشروحا
في الحديث: (58) من الباب (15) من بحار الأنوار: ج 1، ص 95 ط الكمباني.
وفي ط الحديثة: ج 2 ص 99، وذيلي الكلام - من قوله: (ان العلم
الذي هبط به آدم)) إلى آخره - رواه النعماني بمغايرة طفيفة في الباب الثاني
من كتاب الغيبة ص 18، وحكم بمشهوريتها وانها رواها الموافق والمخالف.
وقد تقدم في المختار: (3) ص 18. وكثيرا من فقراتها رواه الطبري في المسترشد،
ص 76. وقريبا منه جدا رواه في الاحتجاج: ج 1، ص 39، ونقله عنه في
الحديث الثاني من الباب (34) من البحار: ج 1، ص 157، ط الكمباني.
وقريبا منها رواه ابن عساكر في الحديث: (1280) من ترجمة أمير
المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 221 ط 1، ورواه أيضا في الحديث
(3) من الباب (14) من تيسير المطالب ص 179، ط 1.
(نهج السعادة ج 3) (م 7)
97

- 22 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان أن الله تعالى أتم نعمته على العالمين ببعث رسول الله وانزال
القرآن عليه، حينما كانوا مغرقين في العناء والشقاء!!!
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه عن محمد بن يحي،
عن بعض أصحابه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
أيها الناس ان الله تبارك وتعالى أرسل إليكم الرسول
صلى الله عليه وآله، وأنزل إليه الكتاب بالحق، وأنتم
أميون عن الكتاب ومن أنزله، وعن الرسول ومن أرسله،
على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم (1)

(1) من قوله: (أرسله على حين فترة - إلى قوله: (ودثارها السيف) - ذكره في المختار:
(87) من خطب نهج البلاغة، مع ذيل غير مذكور هنا.
وقوله: (على حين فترة من الرسل) متعلق بقوله (أرسل إليكم الرسول وأنزل إليه).
وفترة من الرسل: هو انقطاع الوحي والرسالة. والهجعة - بفتح الهاء وسكون الجيم، والهجوع
والتهجاع - بفتح التاء - النومة ليلا. ولعل التعبير بالهجعة للإشارة إلى أن الأمم كانوا مستغرقين
في بحار الغفلة والأجواء المظلمة، لا ذاكر يوقظهم عن غلفتهم، ولا نبي ولا وصي كي ينورا
بتمهيد القوانين الإلهية آفاقهم وأقطارهم المدلهمة.
98

وانبساط من الجهل، واعتراض من الفتنة، وانتقاض
من المبرم، وعمي من الحق، واعتساف من الجور،
وامتحاق من الدين، وتلظ من الحروب (2) على حين
اصفرار من رياض جنات الدنيا، ويبس من أغصانها،
وانتشار من ورقها، ويأس من ثمرها واغورار (3) من
مائها قد درست أعلام الهدى فظهرت أعلام الردى، فالدنيا
متهجمة [متهجمة (خ)] في وجوه أهلها، مكفهرة (4)
مدبرة غير مقبلة، ثمرتها الفتنة، وطعامها الجيفة،
وشعارها الخوف، ودثارها السيف (5) مزقتم كل ممزق،

(2) واعتراض من الفتنة: حيلولة من الفتنة بين الناس وبين الهدوء والامن. وفي النهج:
(واعتزام من الفتن وانتشار من الأمور). والاعتساف: ارتكاب الشئ بلا تدبر. والامتحاق:
الانمحاء والاضمحلال. والتلظى: التلهب.
(3) وفي النهج: (والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها،
واياس من ثمرها، واغورار من مائها، قد درست منار الهدى وظهرت أعلام الردى فهي متجهمة
لأهلها عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة...).
(4) واغورار الماء: ذهابه. ومتهجمة: متكلفة للهجوم عليهم غفلة والورود عليهم بغتة
لتصيبهم بما يكرهون. ويقال: (جهمه - من باب علم ومنع - جهما وتجهمه تجهما): استقبله
بوجه عبوس كريه. وتجهمه أمله: لم ينله. و (كهر زيد فلانا - من باب منع - كهرا):
استقبله بوجه عبوس تهاونا به. انتهره. قهره.
(5) إشارة إلى ما كان دائرا بين العرب من اضطراب ومن اضطهاد بعضهم بعضا وإغارة
كل على آخرين واستباحتهم اهراق الدماء، وأكل مال الغير، واستباحة الحريم، وأكلهم الميتة
والحيف المنتنة.
والشعار من الثياب: ما يلي البدن ويتصل بشعر الانسان. والدثار: ما يلبس فوق الشعار.
وما أحسن التعبير عن الخوف بالشعار، وعن السيف بالدثار حيث أن الخوف سابق والسيف
لاحق، والأول باطن والثاني ظاهر.
99

وقد أعمت عيون أهلها، وأظلمت عليها أيامها، وقد
قطعوا أرحامهم وسفكوا دماءهم ودفنوا في التراب الموؤودة
بينهم من أولادهم!!! (6) يختار دونهم طيب العيش
ورفاهية خفوض الدنيا (7) لا يرجون من الله ثوابا،
ولا يخافون - والله - منه عقابا، حيهم أعمى نجس!!!
وميتهم في النار مبلس (8) فجاءهم بنسخة ما في الصحف

(6) يقال: (وأد زيد بنته - من باب وعد يعد - وأدا): دفنها في التراب وهي حية،
فالابنة وئيد ووئيدة وموؤودة.
(7) وفي بعض النسخ: (طلب العيش). وفي أكثر النسخ: (يجتاز) من الاجتياز
بمعني المرور. وفي بعض النسخ (يحتاز) بالحاء المهملة والراء المعجمة من الحيازة، وفي بعضها
بالخاء المعجمة والراء المهملة أي كان من يختار طيب العيش والرفاهية يجتنبهم ولا يجاورهم. وقيل:
يعني اختاروا وأرادوا بدفن البنات طيب العيش. والرفاهية - بفتح الراء -: لين العيش وطيبه.
التنفس. التخفيف، إزالة الضيق والتعب. التوسعة. والخفوض: جمع الخفض. سعة العيش
وسهولته وهناؤه.
(8) قال المجلسي رحمه الله: وفي بعض النسخ: (نحس) من النحوسة. والمبلس: الآيس من
رحمة الله تعالى.
100

الأولى، وتصديق الذي بين يديه (9) وتفصيل الحلال
من ريب الحرام، ذلك القرآن، فاستنطقوه - ولن
ينطق لكم - [ولكن] أخبركم عنه [الا] ان فيه علم ما
مضى وعلم ما يأتي يوم القيامة (10) وحكم ما بينكم
وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه
لعلمتكم (11).
الحديث السابع من الباب (19) من كتاب فضل العلم من الكافي ج 1

(9) ولعل المراد من الصحف الأولى هو خصوص ما نزل على الأنبياء السلف قبل موسى
وعيسى، والمراد من (الذي بين يديه) هو التوراة والإنجيل وإنما عبر عنهما بأنهما بين يديه لقربهما
نسيبا بعصر رسول لله عليه وسلم. أو أن المراد من الصحف جميع الصحف السماوية
النازلة على الأنبياء حتى التوراة والإنجيل، والمراد مما بين يديه هو ما يأتي في المستقبل من البعث
والنشور والحساب والجزاء مما يقع في عالم الآخرة.
(10) ما بين المعقوفات مأخوذ من المختار: (153) من النهج وفيه هكذا: (أرسله على حين
فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم، وانتقاض من المبرم، فجاءهم بتصديق الذي بين يديه
والنور المقتدي به!!! ذلك القرآن فاستنطقوه - ولن ينطق!!! - ولكن أخبركم عنه الا
ان فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ودواء دائكم ونظم ما بينكم).
(11) هذا كتاب الاسلام وهذا امامه وعالمه، وهذا الثقل الأكبر. وذاك الثقل الأصغر
الذين خلفهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمته وقال لهم: ان تمسكتم بهما لن تضلوا
أبدا. ولكن أسفي على المسلمين حيث ضيعوا الأول ولم يتفقهوا فيه ولن يطبقوا معاليه، واستضعفوا
الثاني وأخروه عن مقامه وجلسوا فيه، ثم وثبوا عليه وعلى من شايعه وبنيه فشردوهم تشريدا
وقتلوهم تقتيلا!!!
101

ص 60 وفي طبع ص 15 ورواه عنه في الحديث: (5) من الباب (4) من
مقدمة تفسير البرهان: ج 1، ص 14، ط 2، ورواه أيضا علي بن إبراهيم
رحمه الله في مقدمة تفسيره: ج 1، ص 2.
وقريبا من صدر الكلام إلى قوله (ودثارها السيف) رواه في المختار:
(87) من نهج البلاغة والذيل أيضا رواه في صدر المختار: (153) من النهج.
- 23 -
ومن كلام له عليه السلام
في توصية العلماء وحملة القرآن بالعمل به
الحافظ الكبير ابن عساكر، قال: أخبرنا أبو السعادات أحمد بن أحمد
ابن عبد الواحد، أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة الملاء، أنبأنا أبو عبد الله الحسين
ابن محمد الفراء [ظ] أنبأنا الحسين ابن أيوب الهاشمي أنبأنا صلاح بن عمران،
أنبأنا الحسن بن بشر، حدثني بشر بن سالم، عن سفيان الثوري عن
يونس بن أبي فاختة، عن يحي بن جعدة، قال: قال: علي بن أبي طالب
[عليه السلام]:
يا حملة القرآن اعملوا به، فان العالم من علم
ثم عمل بما علم، ووافق عمله علمه [ظ] وسيكون
أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف سريرتهم
102

علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم، يجلسون حلقا
فيباهي بعضهم بعضا، حتى أن الرجل يغضب على جليسه
أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم
في مجالسهم تلك إلى الله!!! (1).
الحديث (1284) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق
ج 3 ص 228 من الطبعة الأولى، وفي نسخة العلامة الأميني ج 38 ص 83
وفي النسخة المرسلة الورق: 99 / أو 137.
ورواه أيضا عنه عليه السلام في كتاب الصواعق.

(1) إذ ليس عملهم مما يرفع إلى الله تعالى، إذ المرفوع إلى الله تشريفا هو الكلم الطيب والعمل
الصالح، كما قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه) وجلوسهم حلقا
ومباهات بعضهم بعضا، أو غضبهم على جليسهم لأجل جلوسه إلى غيره ليس منهما حتى يشرف
بالرفع إلى الله.
103

- 24 -
ومن كلام له عليه السلام
في تعيير أهل الحل والعقد من الأمة بما فعلوا، وانهم لو قدموا من قدمه الله
وأخروا من أخره الله لاستقامت أمور المسلمين علما وعملا وسعادة وسيادة
الكليني طيب الله رمسه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحسن التيمي
عن محمد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله [الإمام جعفر
ابن محمد الصادق] عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
الحمد لله الذي لا مقدم لما أخر، ولا مؤخر لما
قدم.
ثم ضرب [عليه السلام] بإحدى يديه على الأخرى ثم قال:
أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها لو كنتم قدمتم من
قدم الله، وأخرتم من أخر الله، وجعلتم الولاية والوراثة
حيث جعلها الله، ما عال ولي الله، ولا عال سهم من
فرائض الله!!! (1) ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولا

(1) الأول مأخوذ من (العيل) بمعنى الافتقار والاحتياج، يقال: (عال يعيل عيلا وعيلة
وعيولا - كباع يبيع بيعا وبيعة وبيوعا - أي افتقر، فهو عائل، والمؤنث عائلة، والاسم العيلة
- كضربة -.
والثاني مشتق من العول، يقال: (عال فلان في حكمه - من باب قال. - عولا): جار في
حكمه ومال عن الحق. و (عال يعول عولا) في الميزان: نقص. وبهذا المعنى جاء من باب (باع)
أيضا، وسميت فريضة الوارث عولا وعائلة لميلها عن أهلها بالجور ونقصان سهامهم. ويقال: (عالت
الناقة ذنبها عولا): رفعته، وسميت الفرائض بهذا المعنى أيضا عولا لأجل ارتفاعها على أصلها بزيادة
السهام. ويقال: (عال الرجل عولا): كثر عياله. وإنما سميت الفريضة عائلة بهذا المعنى لكثرة السهام
فيها. ويقال: (عال صبره عولا) غلب. وعال الرجل: افتقر. وبهذين المعنيين جاء من باب
(باع) أيضا، وعلى هذين المعنيين سميت الفريضة عولا وعائلة، لغلبة الفريضة ومغلوبية أهل السهام
بورود النقص عليهم.
ومحصل مراده عليه السلام من هذا الكلام انه لو قدمتم من قدمه الله وجعله خليفة على البرية،
وأعرضتم عن الجهال الذين انحط قدرهم عن شامخ مقام الولاية، وأخرتهم حكمة الباري عن سمو
الخلافة والإمامة، لنلتم غاية الأمنية من سعادة الدنيا والآخرة، وما افتقر فيكم أولياء الله، وما ظلم
أحد بنقصان حظه، وعدم اعطاء سهمه، من أجل جهالة الحكام والقضاة أو انحرافهما ولعشتم حميدا ومتم
سعيدا لوصول كل ذي حق إلى حقه، لحكم الوالي عن علم وعدل واتفاق الأمة على اتباع حكمه
وامتثال أمره، ولكن قدمتم من أخره الله وأخرتم من قدمه الله فحرمتم خير الدنيا والآخرة.
104

تنازعت الأمة في شئ من أمر الله، الا وعندنا علمه
من كتاب الله، فذوقوا وبال أمركم وما فرطتم في ما
قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد، وسيعلم الذين
ظلموا أي منقلب ينقلبون.
الحديث الثاني من الباب السادس من كتاب المواريث من الكافي: ج 7 ص 78.
105

- 25 -
ومن كلام له عليه السلام
في الاخبار عن مغلوبية المسلمين عن الجهاد في سبيل الله يدا ثم لسانا ثم قلبا
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد البغدادي قال:
أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر، قال: حدثني أحمد بن
يزيد الكوفي قال: حدثنا الحسن بن حماد، قال: حدثنا أبو سفيان وكيع
ابن الجراح، قال: حدثنا سفيان بن سعيد الثوري عن زيد بن الحرث، عن
الشعبي عن أبي جحيفة، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
ان أول ما تغلبون عليه من دينكم الجهاد بأيديكم (1)
ثم الجهاد بألسنتكم ثم الجهاد بقلوبكم!!! فإذا لم
يعرف القلب المعروف ولم ينكر المنكر نكس [فجعل] (2)
أعلاه أسفله كالجراب يؤخذ بأسفله فيخرج ما فيه!!!

(1) وقد وقع الخبر على طبق ما أخبر به عليه السلام حتى آل الامر في عصرنا إلى نكس قلوب
جل شباب المسلمين وفراغها عما هو المعروف في الاسلام، وملائها بأباطيل الزنادقة والكفار.
(2) وفي كتاب الفتن: (فأي قلب لم يعرف المعروف...). وفي الطريق الثاني منه:
(إذا كان القلب لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا نكس...).
106

هكذا رواه عنه في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وهو الباب:
(28) - من تيسير المطالب في ترتيب أمالي السيد أبي طالب ص 159، من
المخطوطة، وفي ط 1، ص 295. ورواه أيضا في المختار: (375) من
الباب الثالث من نهج البلاغة.
ورواه أيضا - إلى قوله: (أعلاه أسفله) - نعيم بن حماد، في
الحديث: (133) من الجزء الأول من كتاب الفتن الورق 14 / ب / عن
أبي معاوية، عن الأعمش، عن قيس بن راشد، عن أبي جحيفة، عن أمير
المؤمنين عليه السلام... ثم روى الذيل فقط عن ابن مهدي عن زبيد،
عن الشعبي عن أبي جحيفة عنه عليه السلام.
107

- 26 -
ومن كلام له عليه السلام
في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الأمم السالفة
إنما هلكوا لركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن زيد الحسني قال:
حدثنا الناصر للحق الحسن بن علي قال: أخبرنا محمد بن علي بن خلف، عن
حسن بن صالح قال: حدثنا خالد بن مختار، عن أبي حمزة الثمالي (1) قال:
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:
إنما هلك من كان قبلكم بارتكابهم المعاصي ثم
لم ينههم الربانيون والأحبار، فلما فعلوا أنزلت بهم
العقوبات (2).
الا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل
بكم ما نزل بهم!!! [فان] الامر بالمعروف والنهي عن

(1) والظاهر أنه يرويه عن الإمام الباقر عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه السلام،
ويحتمل روايته عن غيره أيضا فانظر المختار التالي.
(2) كذا في الأصل.
108

المنكر لا يقدم [أجلا] ولا يدفع رزقا (3).
هكذا رواه عنه في آخر الباب: (28) وهو باب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر من كتاب تيسير المطالب في ترتيب أمالي السيد أبي طالب
ص 197، من المخطوطة، وفي ط 1، ص 299. ورواه أيضا بسند آخر مع
زيادات كثيرة في صدره وذيله في الباب: (45) وهو باب ذم الدنيا، من
الكتاب ص 242. وفي ط 1، ص 299.
ومثل ذيله رواه ابن دأب في كتابه الذي نقله عنه الشيخ المفيد رحمه الله
وأدرجه في كتاب الاختصاص ص 159، ط 2، غير أنه قال: وخطب عليه
السلام وقال: أيها الناس مروا بالمعروف..
وللكلام أسانيد جمة، ومصادر كثيرة، وصور عديدة، يمر عليك
بعضها فيما سيأتي.

(3) وفي رواية ابن دأب: (فان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرب أجلا ولا
يؤخر رزقا).
109

- 27 -
ومن خطبة له عليه السلام
في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر،
وان الأمم الهالكة إنما هلكت لتوغلهم في المعاصي ولم ينههم الربانيون
عن ذلك، وفي أن المؤمن الراضي بقضاء الله لا يخلو من احدى الحسنيين
الحسين بن سعيد الأهوازي رضوان الله عليه، عن علي بن النعمان، عن
ابن مسكان، عن أبي حمزة، عن يحي بن عقيل، عن حبشي (1) قال:
خطب أمير المؤمنين عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ابن عمه محمد
صلى الله عليه وآله فصلى عليه ثم قال:
أما بعد فإنه إنما هلك من كان قبلكم بحسب ما
عملوا (2) من المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار
عن ذلك، فإنهم لما تمادوا في المعاصي نزلت بهم
العقوبات.
فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر (3) واعلموا

(1) كذا في الطبعة الحديثة من البحار نقلا عن كتاب الزهد، وفي النسخة المخطوطة بخط الشيخ
شير محمد الهمداني رحمه الله، وط الكمباني من البحار: (حدس)...
(2) كذا في الأصل وفي رواية الثقفي: (بحيث ما أتوا) وفي رواية الكافي الآتية:
(حيث ما عملوا)...
(3) وفي المخطوطة المتقدمة الذكر: (فأمروا بالمعروف...).
110

ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان أجلا
ولا يقطعان رزقا، فان الامر ينزل من السماء إلى الأرض
كقطر المطر إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة
ونقصان، فان أصابت أحدكم مصيبة في أهل ومال ونفس
ورأي عند أخيه عفوة (4) فلا يكونن عليه فتنة [فان
المرء المسلم ما لم يغش دناءة تظهر - ويخشع لها إذا
ذكرت، ويغرى بها لئام الناس - كان كالياسر الفالج
الذي ينتظر احدى فوزة من قداحه توجب له المغنم،
ويدفع عنه بها المغرم، كذلك المرء المسلم البرئ
من الخيانة] (5) ينتظر احدى الحسنيين اما داع إلى
الله فما عند الله خير له (6) واما رزق من الله فإذا هو ذو
أهل ومال وبنين، فحرث الدنيا [المال والبنون]

(4) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (عقوبة). والعفوة - بكسر العين وفتحها -:
خيار الشئ وصفوته.
(5) ما بين المعقوفين كان ساقطا من النسخة، وأثبتناه على وفق تفسير علي بن إبراهيم لحكم
المجلسي رحمه الله بالمماثلة بينهما.
(6) وفي تفسير القمي: (اما داعيا من الله فما عند الله خير له، واما رزقا من الله فهو ذو
أهل ومال، ومعه دينه وحسبه، المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة،
وقد يجمعهما الله لأقوام).
111

و [أما] العمل الصالح فحرث الآخرة (7) وقد يجمعهما
الله لأقوام.
الحديث الأخير من كتاب الزهد (8) للحسين بن سعيد الأهوازي رحمه الله
ص 82 ونقله عنه في الحديث (11) من باب الأمر بالمعروف من البحار:
ج 21 ط الكمباني ص 111، وفي ط الحديث ج 100، ص 74، وذكر
قبله مثله عن الإمام الصادق عليه السلام عن تفسير علي بن إبراهيم القمي.

(7) ما بين المعقوفين زيادة منا لاصلاح ما صحف من النسخة، فان ما فيها هكذا: لحزب
الدنيا، والعمل الصالح لخربت الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام)!!!
(8) ولا يزال هذا الكتاب مخطوط، ونرجو من الله أن يبعث بعض أهل الخير لاحيائه وطبعه.
112

- 28 -
ومن كلام له عليه السلام
في حكمة تشريع القوانين الإلهية
قال الطبرسي - رحمه الله -: روي أنه اتصل بأمير المؤمنين عليه
السلام أن قوما من أصحابه خاضوا في التعديل والتجريح (1) فخرج حتى
صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
ان الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا
على آداب رفيعة، وأخلاق شريفة، فعلم أنهم لم
يكونوا كذلك الا بأن يعرفهم ما لهم وما عليهم،
والتعريف لا يكون الا بالأمر والنهي، والأمر والنهي لا
يجتمعان الا بالوعد والوعيد، والوعد لا يكون الا
بالترغيب، والوعيد لا يكون الا بالترهيب، والترغيب لا
يكون الا بما تشتهيه أنفسهم وتلذ [به] أعينهم والترهيب
لا يكون الا بضد ذلك!!!

(1) الظاهر أن المراد من الخوض في التعديل والترجيح هو خوضهم في أسبابهما.
(نهج السعادة ج 3) (م 8)
113

ثم خلقهم في دار وأراهم طرفا من اللذات ليستدلوا
به على ما ورأهم من اللذات الخالصة التي لا يشوبها
ألم - ألا وهي الجنة - وأراهم طرفا من الآلام ليستدلوا
به على ما ورأهم من الآلام الخالصة التي لا يشوبها
لذة - ألا وهي النار - فمن أجل ذلك ترون نعيم الدنيا
مخلوطا بمحنها، وسرورها ممزوجا بكدرها وهمومها (2).
أواخر احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الاحتجاج:
ج 1، ص 309 ط النجف.

(2) قيل: فحدث الجاحظ بهذا الحديث فقال: هو جماع الكلام الذي دونه الناس في كتبهم
وتحاوروه بينهم.
قيل: فسمع أبو علي الجبائي بذلك فقال: صدق الجاحظ، هذا ما لا يحتمله الزيادة والنقصان.
114

- 29 -
ومن خطبة له عليه السلام
كان يلقيها إذا ما أراد أن يخطب أو يزوج
محمد بن يعقوب الكليني طيب الله رمسه، عن أحمد بن محمد، عن ابن
العزرمي عن أبيه، كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أراد أن يزوج قال:
الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكل
عليه، وأشهد أن لا اله الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وصلى الله على
محمد وآله، والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أوصيكم عباد الله بتقوى الله ولي النعمة والرحمة، خالق
الأنام، ومدبر الأمور فيها بالقوة عليها والاتقان لها.
فان الله (1) - له الحمد على غابر ما يكون
وماضيه (2) وله الحمد مفردا، والثناء مخلصا، بما منه كانت

1 - كذا في النسخة، والسياق في غاية الاحتياج إلى كلمتي (اما بعد) ولعلها مقدرتان.
(2) أي على مستقبل ما يكون وماضي ما كان. والغابر ها هنا - بقرينة المقابلة - بمعنى
الآتي والباقي.
115

لنا نعمة مونقة، وعلينا مجللة، والينا متزينة (3) -
خالق ما أعوز (4) ومذل [ومدرك (خ)] ما استصعب،
ومسهل ما استوعر (5) ومحصل ما استيسر - مبتدئ الخلق
بدا أولا يوم ابتدع السماء وهي دخان (فقال لها وللأرض
ائتيا طوعا أو كرها. قالتا أتينا طائعين، فقضاهن سبع
سماوات في يومين) (6) - لا يعوره [يعوزه (خ)] شديد (7)
ولا يسبقه هارب، ولا يفوته مزائل، يوم توفى كل
نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
ثم إن فلان بن فلان (8).
الحديث الرابع من باب خطب النكاح وهو الباب: (44) من كتاب النكاح
من فروع الكافي ج 5 ص 371، الطبعة الثانية التي قام بنشرها الآخوندي.

(3) من قوله عليه السلام: (له الحمد) إلى هنا جمل اعتراضية. ومونقة: معجبة.
ومجللة: عامة شاملة.
(4) أي خالق ما يتعذر على غيره، يقال: (أعوز الشئ اعوازا): تعذر. و (أعوزه
الشئ اعوازا): أعجزه وصعب عليه نيله. و (عوز الامر - من باب علم - عوزا): اشتد.
(5) أي ما يكون عويصا ويعده الناس صعبا ويكون عليهم وعرا أي عسرا وصلبا شديدا.
(6) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (11) من سورة (فصلت): 41.
(7) قوله عليه السلام: (لا يعوره) خبر (ان) في قوله المتقدم: (فان الله) وقوله:
(خالق ما أعوز) وما عطف عليه، صفة لاسم الجلالة. ولله دره من بيان عاوي ما أشتد تناسبه بباب
النكاح. و (لا يعوره شديد) - بالراء المهملة -: لا يصرفه ولا يرده أي صعوبة خلق الشئ
أو تنفيذه أو شدتهما على المخلوقين لا توجب أن تصرف الله عن خلقه أو تنفيذه كما هو الشأن في
المخلوقين - إذ لا صعب في جنب قدرته القاهرة ولا راد لقضائه النافذ. ويقال: (أعوزه
المطلوب اعوازا): أعجزه وصار صعبا عليه.
(8) كذا في الأصل، وواضح أن للكلام تتمة، وليكن إلى الان لم أطلع على بقية الكلام.
116

- 30 -
ومن خطبة له عليه السلام
في التحذير عن الركون إلى رأي النساء والانقياد لهن
الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه رحمه الله قال: حدثنا علي بن
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رحمه الله، قال: حدثني
أبي عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن
غير واحد [من أصحابنا] عن [الامام] الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه
عن آبائه عليهم السلام قال: شكى رجل من أصحاب أمير المؤمنين [عليه
السلام إليه] نسأه فقام [أمير المؤمنين] عليه السلام خطيبا فقال:
معاشر الناس لا تطيعوا النساء على حال!!! ولا تأمنوهن
على مال، ولا تذروهن أمر العيال، فإنهن ان تركن وما
أردن، أوردن المهالك!!! وعدون أمر المالك (1) فانا
وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن!!! ولا صبر لهن
عند شهوتهن!!! البذخ لهن لازم وان كبرن (2)

(1) وفي كتاب علل الشرائع: (وعصين أمر المالك). يقال: (عدا زيد الامر، وعن
الامر - من باب دعا - عدوا وعدا وعدوا وعدوانا). ترك. تجاوز عنه.
(2) البذخ - كفرس -: التكبر، يقال: (بذخ فلان بذخا - من باب فرح - وبذخ
بذخا - من باب منع - وبذخ بذاخة - كشرف آفة - شر وتبذخ): ارتفع. تكبر. عظم شأنه
فهو باذخ.
117

والعجب بهن لاحق عجزن (3) لا يشكرون الكثير
إذا منعن القليل!!! ينسين الخير، ويحفظن الشر!!!
يتهافتن بالبهتان، ويتمادين بالطغيان (4) ويتصدين
للشيطان، فداروهن على كل حال، وأحسنوا لهن المقال
لعلهن يحسن الفعال.
الحديث السادس من المجلس (37) من أمالي الشيخ الصدوق رفع الله
مقامه، ص 100، وفي ط ص 103، ورواه أيضا بالسند المذكور في الباب (288)
من كتاب علل الشرائع ص 512 ط النجف، ورواه عنه في باب فصل
حب النساء من البحار: ج 23 ص 52، وذكره مرسلا في الرسالة الأخيرة
من كنز الفوائد، ص 177، كما نقله أيضا بنحو الارسال في الفصل التاسع
من كتاب مكارم الأخلاق، ص 264.

(3) وفي كتاب علل الشرائع: (والعجب لهن لاحق وان عجزن، يكون رضاهن في فروجهن...).
و (كبرن) أي صرن عجوزا، وهو من باب (علم) ومصدره على زنة عنب ومجلس. و (العجب) -
كقفل: الزهو. الكبر.
(4) وفي كتاب علل الشرائع: (ويذكرون الشر، يتهافتن بالبهتان، ويتمادين في الطغيان) أي
يسرعن إلى البهتان، ويتساقطن فيه كتساقط الفراش وتطايره إلى النار، ويبلغن في الطغيان غايته
ويدمن عليه.
118

- 31 -
ومن كلام له عليه السلام
في التوصية بتقوى الله الذي أحاط علمه بالمقولات والمضمرات،
والظواهر والخفيات، وفي الحث على التزود للموت الذي لابد منه
قال أبو العباس المبرد: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خطبة له:
أيها الناس اتقوا الله الذي ان قلتم سمع، وان أضمرتم
علم، وبادروا الموت الذي ان هربتم منه أدرككم،
وان أقمتم أخذكم (1).
الكامل للمبرد: ج 1، ص 380، ورواه أيضا في المختار (8) من
كلمه عليه السلام من كتاب نزهة الناظر، عن ابن عباس، عنه عليه السلام، قال:
قال ابن عباس في وصفه - لما سمعه -: فكأنه قرآن نزل من السماء!!!
ورواه عنه في آخر كتاب معالم العبر وهو المستدرك للسابع عشر من البحار، ص 423.
ورواه أيضا في الباب (59) من جواهر المطالب ص 108، ثم قال:
قال ابن عباس: سبحان الله لكأن هذا الكلام ينزل من السماء؟!!
ورواه أيضا الشريف الرضي في آخر كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه
السلام، ص 90 ط النجف، ورواه أيضا في المختار: (203) من الباب الثالث
من نهج البلاغة.

(1) ومثله في المختار: (203) من قصار نهج البلاغة، وزاد بعده: (وان نسيتموه ذكركم).
وفي كتاب نزهة الناظر: (وبادروا الموت الذي ان هربتم أدرككم، وان وقفتم أخذكم، وان
نسيتموه ذكركم).
119

- 32 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تذكير الناس بالموت وتحذيرهم عما يتعقبه من سوء العاقبة والشقاوة
وفي حثهم على الاستعداد لما بعده من السعادة
الحافظ الشهير ابن عساكر علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي الدمشقي قال:
أخبرنا أبو بكر محمد بن شجاع، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم
ابن محمد، وأبو الخير محمد بن أحمد بن محمد بن هارون، وأبو الحسين سهل
ابن عبد الله بن علي القارئ، وأبو الحسين أحمد بن عبد الرحمان بن محمد
الذكواني وأبو نصر أحمد بن عبد الله بن سمير، ومحمد بن علي بن أحمد
السكري.
وأخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل، أنبأنا أحمد بن عبد
الرحمان.
وأخبرنا أبو محمد ابن طاووس المقرئ، أنبأنا سليمان بن إبراهيم.
وأخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن مهران، أنبأنا سهل بن عبد
الله، قالوا: أنبأنا محمد بن إبراهيم بن جعفر اليزدي املاءا، أنبأنا أبو علي
الحسين بن علي الوراق، أنبأنا محمد بن زكريا الغلابي أنبأنا العباس بن بكار،
أنبأنا عبد الله بن سليمان المزني عن ليث بن أبي سليم:
120

عن مجاهد [قال]: حدثني من سمع (1) علي بن أبي طالب [عليه
السلام] يخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
عباد الله الموت ليس منه فوت، ان أقمتم له أخذكم
وان فررتم منه أدرككم (2) الموت معقود بنواصيكم
فالنجا النجا والوحا الوحا (3) وراءكم طالب حثيث (4)
القبر احذروا ضنكه وظلمته وضيقه.
ألا [و] ان القبر حفره من حفر جهنم أو روضة،
من رياض الجنة.
ألا وانه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول:
أنا بيت الوحشة، أنا بيت الظلمة، أنا بيت الدود.

(1) لعل المراد منه هو الأصبغ بن نباتة، بقرينة ما رواه عنه ابن عساكر في الحديث: (1270)
من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 211 وسنذكره حرفيا، ويحتمل أيضا
أن مجاهدا سمع من غيره إذ ما تقدم احتمالي وليس بقطعي.
(2) قال ابن عساكر: وفي حديث إسماعيل: (وان فررتم أدرككم).
(3) أي الاسراع الاسراع والبدار البدار إلى المخلص والمنجا. يقال: النجاك النجاك -
مقصورا - والنجاءك النجاءك - ممدودا - وهو من باب الاغراء منصوب بفعل محذوف تقديره:
الزم النجاء. والكاف حرف خطاب. والوحي - كعصى -: العجلة يقال: الوحي الوحي والوحاك
والوحاك أي استعجل استعجل.
(4) قال ابن عساكر: وقال إسماعيل: (فان وراءكم). أقول: وهو أظهر.
121

ألا وان وراء ذلك اليوم أشد من ذلك اليوم نار،
حرها شديد، وقعرها عميق وحبلها حديد (5) ليس
لله فيها رحمة،
قال: فبكى المسلمون حوله بكاءا شديدا!!! فقال:
وان وراء ذلك (6) جنة، عرضها السماوات والأرض
أعدت للمتقين، أجارنا الله وإياكم من العذاب الأليم (7).
الحديث: (1270) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3
ص 212 ط 1، وفي المخطوطة الموجودة بالظاهرية: ج 11 / الورق 193 / ب.

(5) كذا في النسخة ها هنا، وفي الرواية الآتية عن ابن عساكر: (وحليها حديد). وفي
رواية السيد أبي طالب: (وحلية أهلها فيها حديد).
(6) قال ابن عساكر: وقال إسماعيل: (وان من وراء ذلك...).
(7) أقول: وفي رواية أخرى رواها ابن عساكر بسند آخر هكذا: (وان وراء ذلك جنة
عرضها السماوات... أعدت للمتقين، جعلنا الله وأياكم من المثقين، وأجارنا...).
122

- 33 -
ومن كلام له عليه السلام
في التوصية بحسن الرأي بالمؤمنين الذين عرفوا بجميل السيرة، أو تحلوا
بالظواهر المرضية، والتحذير عن تصديق ما قيل فيهم وعليهم
أيها الناس من علم من أخيه مروءة جميلة فلا يسمعن
فيه الأقاويل، ومن حسنت علانيته فنحن لسريرته أرجى.
ألا لا يزيدن أحدكم نفسه شكا، فان من علم من
أخيه مروءة جميلة فسمع فيه الأقاويل فقد شكك نفسه!!
ألا وان الرامي قد يرمي وقد تخطئ السهام. وباطل
ذلك يبور.
ألا وان بين الحق والباطل أربع أصابع - وأشار
[عليه السلام] بأصابعه الأربع فوضعها بين العين والاذن -
فالحق أن تقول: رأيته بعيني والباطل أن تقول سمعته
بأذني.
123

المختار (13) من الباب: (7) من دستور معالم الحكم ص 139، ط
مصر، وقريبا منه رواه السيد الرضي رحمه الله تحت الرقم: (137) من
نهج البلاغة.
ورواه أيضا أبو الحسن علي بن هذيل في كتاب: (عين الأدب والسياسة)
ص 215 وهو ألصق بنهج البلاغة مما ها هنا. ولذيل الكلام مصادر.
وقريبا من الذيل رواه ابن أبي الدنيا في آخر كتاب اليقين الورق 157 /
ب / عن الإمام الحسن عليه السلام، قال: حدثني محمد بن عباد بن موسى
عن محمد بن مسعر اليربوعي قال: قال علي بن أبي طالب للحسن بن علي
عليهما السلام: كم بين الايمان واليقين؟ قال: أربع أصابع...
ورواه أيضا في عنوان: (نتف من الاخبار) من كتاب الزبرجدة
الثانية في طبائع الانسان... من العقد الفريد: ج 6 ص 268 ط 2 عن الأصمعي
قال: سأل علي بن أبي طالب الحسن ابنه رضوان الله عليهم: كم بين الايمان
واليقين؟ قال: أربع...
124

- 34 -
ومن خطبة له عليه السلام
في وجوب الرضا بقضاء الله تعالى والاجتناب عن سوء الظن بالله،
والحسد للمؤمنين وأن المؤمن الراضي الخالي من الدناءة دائما لا يخلو
من احدى الموهبتين اما الكرامة في الدنيا، واما السعادة في الآخرة!!!
وأن الله تعالى قد يجمعهما لبعض المؤمنين
قال اليعقوبي: وخطب أمير المؤمنين عليه السلام خطبة فتلا قول الله عز وجل:
(انا نحن نحيي الموتى، ونكتب ما قدموا وآثارهم،
وكل شئ أحصيناه في امام مبين) [11 / ياسين: 36]
ثم قال [عليه السلام]:
أن هذا الامر ينزل من السماء كقطر المطر إلى كل
نفس بما كتب الله لها من [زيادة أو] نقصان
في نفس أو أهل أو مال (1) فمن أصابه نقص في أهله
[أ] وماله ورآى عند أخيه عفوة (2) فلا يكونن ذلك عليه

(1) وفي المختار: (23) من نهج البلاغة: (أما بعد فان الامر ينزل من السماء إلى
الأرض كقطرات المطر إلى كل نفس بما قسم لها من زيادة ونقصان...).
(2) ومثله في كتاب الغارات، ومثله ورد أيضا عن الإمام الصادق عليه السلام على ما في
المطبوع بالنجف من تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 36، وعفوة الشئ: صفوته وخياره.
وفي النهج - وقريب منه في الكافي -: (فإذا رأى أحدكم لأخيه غفيرة) أي زيادة وكثرة في الأهل والمال.
125

فتنة، فان المرء المسلم ما لم يأت دناءة (3) - يخشع لها
وتذله إذا ذكرت، وتغرى بها (4) لئام الناس - كالياسر
الفالج الذي ينتظر أول فوزه من قداحه يوجب له المغنم،
ويدفع عنه المغرم (5) [و] كذلك المرء [المسلم]
البرئ من الخيانة والكذب، يترقب كل يوم وليلة (6)
احدى الحسنيين: اما داعي الله، فما عند الله خير له،
واما فتحا من الله (7) فإذا هو ذو أهل ومال ومعه حسبه

(3) هذا هو الظاهر الذي يدل عليه الضمائر الثلاثة الراجعة إليها، ويدل عليه أيضا ما رواه
في الكافي والغارات والنهج وتفسير القمي وتاريخ دمشق، وظاهر قرب الإسناد، وتاج العروس
والنهاية، وفي النسخة: (ما لم يأت دنياه) والظاهر أنها من تصحيف الناسخين.
(4) كذا في كتاب الغارات وتفسير القمي، والكافي، واحدى روايتي ابن عساكر، وفي
النسخة المطبوعة من تاريخ اليعقوبي والطريق الثاني من روايتي ابن عساكر: (وتغرى به).
(5) كذا في الأصل بإضافة لفظة: (فوز) إلى هاء الضمير، وفي جل المصادر:
(فوزة) بالتاء المثناة الفوقانية. وقوله: (كالياسر الفالج) خبر (فان) والياسر: المقامر أي
الذي يلعب بالمسير - وهو القمار - يقال: (يسر زيد - من باب ضرب - يسرا): لعب بالمسير.
والفالج: الغالب. والقداح: جمع القدح - كحبر -: سهم المسير، كانوا ينحرون الجزور
ويقسمونها عشرة أقسام أو ثمانية وعشرين قسما ثم يضربون بالقدح وفيها الرابح والغفل، فمن
خرج له قدح رابح فاز وأخذ نصيبه من الجزور، ومن خرج له الغفل غرم ثمنها. والمغنم: إصابة
المال واستفادته. والمغرم الخسارة.
(6) وفي النهج: (وكذلك المرء المسلم البرئ من الخيانة ينتظر من الله احدى...).
(7) وفي النهج: (واما رزق الله فإذا هو ذو أهل ومال ومعه دينه...).
126

ودينه، المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث
الآخرة (8) وقد يجمعهما الله لأقوام.
تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 196، ط النجف، وقريبا منه رواه في
الحديث: (3544) من كنز العمال ج 8 ص 320.
ومن قوله عليه السلام: (ان هذا الامر ينزل من السماء) إلى آخر
الخطبة، له مدارك جمة أشرنا إليها في التعليقات.

(8) كذا في جميع المصادر التي عثرنا عليها، وفي تاريخ اليعقوبي: (المال والبنون حزب
الدنيا، والعمل الصالح حزب الآخرة...). والظاهر أنه من خطأ الكتاب.
127

- 35 -
ومن كلام له عليه السلام
في التحذير عن طول الامل واتباع الهوى وفي التنبيه على عظمة نعمة الصحة
والأمان، وشدة عناية الباري جل وعلا بمن آثر رضي الله تعالى على هواه
قال اليعقوبي رحمه الله: وخطب [أمير المؤمنين] عليه السلام فقال:
ان من أخوف ما أخاف عليكم خصلتين: اتباع
الهوى وطول الامل، فأما طول الامل فينسي الآخرة،
وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.
من أصبح آمنا في سربه (1) معافا في بدنه له قوت
يومه فكأنما حيزت له الدنيا!!! (2) ان الله تعالى يقول
وعزتي وجلالي وجمالي وبهائي وعلوي وارتفاعي في مكاني
لا يؤثر عبد هواي على هواه الا جعلت همه في الآخرة
وغناه في قلبه، وضمنت السماوات والأرض رزقه وأتته
الدنيا وهي راغمة،
تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 198، ط 4، وذيل الكلام رواه المبرد،
في كتاب الكامل: ج 1 ص 158، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

(1) السرب - كحرب ودرب -: الطريق. الوجهة، بيقال: (فلان مخلى السرب). أي
غير مضيق عليه و (خل له سربه) أي طريقته.
(2) أي صارت الدنيا في حيازته وصارت ملكا له وفي قبضته.
128

- 36 -
ومن كلام له عليه السلام
في التوصية بالتقوى وبيان ثمراتها الطيبة وآثارها الحبيبة
أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فان تقوى الله منجاة
من كل هلكة، وعصمة من كل ضلالة، وبتقوى الله
فار الفائزون، وظفر الراغبون، ونجا الهاربون، وأدرك
الطالبون، وبتركها خسر المبطلون (ان الله مع الذين
اتقوا والذين هم محسنون) [128 / النحل].
الله الله عباد الله قبل جفوف الأقلام، وتصرم الأيام
ولزوم الآثام (1) وقبل الدعوة بالحسرة، والويل والشقوة
ونزول عذاب الله بغتة أو جهرة.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال

(1) لزوم الآثام كناية عن الموت، إذ به تجف أقلام الحفظة عن كتابة الاعمال، وبه
تنقضي أيام العمل واتخاذ الزاد، وبه تلزم الآثام وتبقي غير قابلة للانمحاء والإزالة، لسد باب التوبة
وتدارك ما سلف.
(نهج السعادة ج 3) (م 9)
129

ووقت لكم الآجال، وفتق لكم أسماعا لتعي ما عناها (2)
وأبصارا لتجلو عن عشاها، وأفئدة لتفهم ما دهاها (3)
لم يخلقكم عبثا ولم يمهلكم سدى ولم يضرب عنكم
الذكر صفحا (4) بل أكرمكم بالنعم السوابغ، وقطع
عذركم بالحج البوالغ، ورفدكم بأحسن الروافد،
وأم الزوائد (5) وأحاط بكم الاحصاء (6) وأرصد لكم

(2) فتق - من باب ضرب ونصر وفعل -: شق. والاسماع: جمع السمع: الاذن.
لقوة السامعة. لتعي - من باب وقى -: لتسمع. لتحفظ. لتتدبر. و (ما عناها) - من باب
دعا - ما أهمها.
(3) يقال: (جلا الامر - من باب دعا - جلوا وجلاءا): كشفه. وجلا عنه الهم:
أذهبه وأزاله. والعشي والعشاوة - كعصى وسحابة -: العماء. سوء البصر. (وما دهاها):
ما يجعلها داهية أي جيد الرأي حاذق الوعي.
(4) سدى: مهملا غير مكلف، ومنه قوله تعالى في الآية: ((36) من سورة القيامة:
(أيحسب الانسان أن يترك سدى). وقوله: (ولم يضرب عنكم الذكر صفحا) مقتبس من الآية:
- 5 - من سورة الزخرف: (أفتضرب عنكم الذكر صفحا). والصفح بمعنى الاعراض - وهو
مفعول له في الموردين - أو بمعنى الجانب أي ان الله تعالى لم يصرف ذكره عنكم إلى جانب آخر،
أو أن الله تعالى لم يصرف ذكره عنكم اعراضا منكم أي انه لم يعرض عنكم فلم يصرف الدكر
منكم.
أقول: ولي قصة في الاستخارة بالقرآن الكريم ومجئ الآية الكريمة في جوابي - لما أردت
الذهاب إلى النجف الأشرف لتحصيل العم - ذكرتها في رسالة: (السير إلى الله).
(5) والسوابغ: جمع السابغة: الواسعة. التامة. الكافية. والبوالغ: جمع البالغة: الكافية.
الواصلة. النافذة. ورفدكم - من باب ضرب -: أعطاكم وأعانكم. والروافد: العطايا. والزوائد
جمع الزائدة، وأعم الزوائد: أشملها.
(6) أي وأحاط بكم احصاده وفي المختار: (81) من نهج البلاغة: (وأحاطكم بالاحصاء.
130

الجزاء في السراء والضراء فاتقوا الله عباد الله، وجدوا في
الطلب، وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل [و] اقطعوا
النهمات (6) واحذروا هادم اللذات.
المختار ما قبل الأخير، من الباب الرابع من دستور معالم الحكم ص 94
ط مصر.
وقريبا منه مع زيادات كثيرة رواه في المختار: (83) من نهج البلاغة،
ويأتي أيضا قريب منه في المختار: (50 و 80) ص 186، و 290 مع
زيادات جيدة وصدر مغاير لما ها هنا.
.

(6) هذا هو الصواب، وهو جمع النهمة: الشره. الحرص. فرط الشهوة في الشئ.
وفي الأصل: (التهمات)
131

- 37 -
ومن كلام له عليه السلام
قال ابن عبد ربه: وخطب [أمير المؤمنين] عليه السلام فقال:
أيها الناس احفظوا عني خمسا، فلو شددتم إليها
المطايا حتى تنضوها (1) لم تظفروا بمثلها!!!
ألا لا يرجون أحدكم الا ربه، ولا يخافن الا ذنبه،
ولا يستحيي أحدكم إذا لم يعلم أن يتعلم، وإذا سئل
عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم.
ألا وان الخامسة الصبر، فان الصبر، فان الصبر من الايمان بمنزلة
الرأس من الجسد، من لا صبر له لا ايمان له!!! ومن
لا رأس له لا جسد له (2).

(1) شددتم إليها المطايا - من باب مد -: دفعتم إليها المطايا وحركتموها وحثثتموها على
السير إليها. و (تنضوها) - من باب أفعل -: تهزلوها أي لو دفعتم مراكبكم ودوابكم
وتحملوها على سرعة السير واستمراره حتى تذوب لحمها من سرعة سيرها وكثرته في أقطار الأرض
في طلب النفائس لم تظفروا بمثل هذه الخمسة!!!
(2) كذا في الأصل، والمعروف بطرق كثيرة: فلا خير في ايمان لا صبر معه كما لا
خير في جسد لا رأس له.
132

ولا خير في قراءة الا بتدبر، ولا في عبادة الا بتفكر
ولا في حلم الا بعلم (2).
ألا أنبئكم بالعالم كل العالم؟ من لم يزين لعباد
الله معاصي الله، ولم يؤمنهم مكر الله ولم يؤيسهم من
روحه (3).
لا تنزلوا المطيعين الجنة، ولا المذنبين الموحدين
النار حتى يقضي الله فيهم بأمره، ولا تأمنوا على خير
هذه الأمة عذاب الله، فإنه يقول: (فلا يأمن مكر الله الا
القوم الخاسرون) [99 الأعراف: 7] ولا تقنطوا شر
هذه الأمة من رحمة الله فإنه يقول: ([انه] لا ييأس
من روح الله الا القوم الكافرون) [87 يوسف 12].
العقد الفريد: ج 4 ص 146، ط مصر، والقطعة الأولى من الكلام
متواتر عنه عليه السلام، والقطعة الثانية أيضا لها مصادر كثيرة.

(2) كذا في النسخة، والمحفوظ: (ولا في علم الا بحلم).
(3) أي من رحمة الله، وبها فسرت كلمة: (روح) في الآية الكريمة التالية.
133

- 38 -
ومن خطبة له عليه السلام
في الحث على التقوى والردع عن التنافس في الدنيا
قال ابن عبد ربه: وخطب [أمير المؤمنين علي بن أبي طالب] عليه
السلام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أوصيكم عباد الله - ونفسي - بتقوى الله ولزوم
طاعته، وتقديم العمل وترك الامل (1)، فإنه من فرط
في عمله لم ينفع بشئ من أمله.
أين التعب بالليل والنهار؟ المقتحم للجج البحار،
ومفاوز القفار (2) يسير من وراء الجبال وعالج الرمال (3)

(1) الظاهر أن المراد من الامل - ها هنا - هو أمل الخيرات - لا مطلق الامل - فيقول عليه
السلام: عليكم بمباشرة الخيرات وإياكم والاتكال على تمنيها وأملها. وعلى هذا مساق قوله عليه
السلام ها هنا، مساق قوله الاخر المعروف: إياكم والمنى فإنها بضائع النوكى.
(2) التعب: من أعيا وكل من طول الحركة والجولان وراء العمل. و (لجج البحار):
الموضع الكثير الماء منها. وهي جمع لجة - بضم اللام -: معظم الماء.
والمفاوز: جمع المفازة: الفلاة لا ماء فيها. وكأنها مأخوذة من قولهم: (فوز فلان)
- من باب فعل -: مات. إذا المفازة من أجل خلوها عن الماء مظنة الموت. و (القفار)
بكسر القاف: جمع القفر - بفتحها - وهي الأرض التي لا ماء فيها ولا كلاء ولا ناس.
(3) (عالج الرمال) أي المتراكم منها الداخل بعضها في بعض. وهذا من قبيل إضافة
الصفة إلى الموصوف أي الرمال العالجة.
134

يصل الغدو بالرواح (4) والمساء بالصباح، في طلب
محقرات الأرباح!!! هجمت عليه منيته فعظمت بنفسه
رزيته، فصار ما جمع بورا وما اكتسب غرورا، ووافى
القيامة محسورا!!! (5)
أيها اللاهي بنفسه كأني بك وقد أتاك رسول ربك
لا يقرع لك بابا ولا يهاب بك حجابا، ولا يقبل منك
بديلا، ولا يأخذ منك كفيلا، ولا يرحم لك صغيرا
ولا يوقر فيك كبيرا، حتى يؤديك إلى قعر [ملحودة] مظلمة،
أرجاؤها، موحشة أطلالها، كفعله بالأمم الخالية (6)

(4) الرواح - بفتح الراء -: العشي أو من الزوال إلى الليل. ويقابله الصباح.
(5) المنية: الموت. والرزية والرزيئة: المصيبة العظيمة، والجمع رزايا. و (بورا)
بضم الباء -: فاسدا. هالكا بلا خير وعائدة. و (محسورا) أي منقطعا عما جمعه واكتسبه.
أو ذا حسرة على ذهاب ماله عن يده. ومنه قوله تعالى في الآية: (29) من سورة الإسراء:
(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا).
(6) كذا في جواهر المطالب، عدا ما بين المعقوفين فإنه زيادة منا يستدعيها السياق،
وفي العقد الفريد هكذا: (إلى قعر منظلمة موحشة أرجاؤها)...
والأرجاء: جمع الرجاء، والرجاء مقصورا وممدودا -: الناحية. والأطلال: جمع
الطلل - كجبل -: الموضع المرتفع. الشاخص من الآثار. والخالية بمعنى الماضية أي القرون
الراحلة عن الدنيا والبائدة من عرصة الوجود.
135

والقرون الماضية!!!
أين من سعى واجتهد؟ وجمع وعدد؟ وبنى وشيد؟
وزخرف ونجد؟ و [أين من] بالقليل لم يقنع؟ وبالكثير
لم يمتع (7).
أين من قاد الجنود؟ ونشر البنود؟ (8).
أضحوا رفاتا تحت الثرى أمواتا (9) وأنتم بكأسهم شاربون
ولسبيلهم سالكون!!!
عباد الله فاتقوا الله وراقبوه، واعملوا لليوم الذي تسير
فيه الجبال، وتشقق السماء بالغمام، وتطاير الكتب
عن الايمان والشمائل (10) فأي رجل يؤمئذ تراك؟!

(7) يقال: (عدد المال): جعله عدة لنوائب الدهر. و (شيد البناء): رفعه وطوله
أو بناه بالشيد - بكسر الشين - وهو ما يطلى به الحائط من جص وغيره. و (زخرف البيت):
حسنه وزينه. و (نجد الدار): زينها. و (لم يمتع): لم يلتذ. لم ينتفع.
(8) البنود: جمع البند - كفلس -: العلم الكبير.
(9) كذا في النسخة، ولعل الأصل كان هكذا: (أضحوا أمواتا وتحت الثرى رفاتا)
فالتقديم والتأخير اما من الرواة أو من الكتاب. و (أضحوا) صاروا. و (رفاتا): متكسرا
باليا. و (الثرى): التراب الندي.
(10) أي وتتطاير الكتب... والكلام مقتبس معنى من آيات كثيرة من القرآن الكريم
منها الآية: (10) من سورة الطور: (يوم تمور السماء مورا، وتسير الجبال سيرا). ومنها
الآية: (25) من سورة الفرقان: (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا). أي
اذكروا يوم تتشقق السماء - أي تنصدع وتنفصل أجزاؤها - بالغمام أي السحاب - قيل الباء
في قوله: (بالغمام) للحال كما يقال: ركب الأمير بسلاحه أي وعليه سلاحه. وقيل: الباء
هنا للمجاوزة أي بمعنى عن.
136

أقائل، هاؤم اقرؤا كتابيه؟ أم [قائل]: يا ليتني
لم أوت كتابيه (11):
نسأل من وعدنا - بإقامة الشرائع - جنته أن يقينا
سخطه.
ان أحسن الحديث، وأبلغ الموعظة كتاب الله الذي
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من
حكيم حميد (12).
كتاب فرش الخطب من العقد الفريد: ج 4 ص 134.
والخطبة رواها أيضا في أواسط الباب (49) وأواخره، من كتاب
جواهر المطالب، ص 59 و 70.

(11) إشارة إلى قوله تعالى في الآية: (19) وتواليها من سورة الحاقة: (فأما من أوتي
كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه. وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت
كتابيه...).
(12) إشارة إلى قوله تعالى في الآية: (40 و 41) من سورة السجدة: فصلت: (وانه
لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد).
137

- 39 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تحميد الله تعالى وتوصية الناس بالتقوى
الحمد لله الذي استخلص الحمد لنفسه، واستوجبه
على جميع خلقه (1) الذي ناصية كل شئ بيده،
ومصير كل شئ إليه، القوي في سلطانه، اللطيف في
جبروته، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، خالق
الخلائق بقدرته، ومسخرهم بمشيئته، وفي العهد، صادق
الوعد، شديد العقاب، جزيل التواب.
أحمده وأستعينه على ما أنعم به مما لا يعرف كنهه
غيره، وأتوكل عليه توكل المتسلم لقدرته، المتبرئ

(1) استخلصه لنفسه أي استخصه وجعله خالصا لنفسه، فقال عز وجل: (الحمد لله رب
العالمين). ومنه قوله تعالى في الآية (54) من سورة يوسف: (وقال الملك ائتوني به استخلصه
لنفسي). واستوجبه: عده واجبا لازما. استحقه.
138

من الحول والقوة إليه (2).
وأشهد شهادة لا يشوبها شك، أنه لا إله إلا هو وحده
لا شريك له، الها واحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا،
ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل
وكبره تكبيرا، وهو على كل شي قدير، قطع ادعاء
المدعي (3) بقوله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس
الا ليعبدون) [56 الذاريات: 51]
وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم صفوته من
خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله بالمعروف آمرا، وعن
المنكر ناهيا، والى الحق داعيا، على حين فترة من الرسل
وضلالة من الناس، واختلاف من الأمور، وتنازع من
الألسن (4) حتى تمم به الوحي وأنذر به أهل الأرض.

(2) المتسلم والمستسلم: المنقاد. (المتبرئ من الحول والقوة إليه) أي المتخلص الممتنع
من الاتكال إلى حولي وقوتي!!! وإنما قال عليه السلام ذلك لضعف قوته وحوله بالنسبة إلى
عظمة حول الله وقوته القاهرة!!! أو لضعف حوله وقوته عليه السلام لما قام به من أعياه الإمامة
وصعوبة القيام بلوازمها في زمان تفرق آراء أهل الوجاهة والشوكة من المسلمين.
(3) كأن المراد ادعاء من يدعي القربة إلى الله وكونه محبوبا له تعالى من غير قيامه بجهات
القرب ولوازم المحبوبية، كما حكاه الله تعالى عن اليهود والنصارى بقوله في الآية: (18) من
سورة المائدة: (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه. قل: فلم يعذبكم بذنوبكم).
(4) فترة من الرسل: انقطاع منهم وفتور وسكون من بعث الأنبياء. و (تنازع من
الألسن) كأن المراد منه تنازع ألسنة الدعاة إلى الدين والشريعة.
139

أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإنها العصمة من كل
ضلالة، والسبيل إلى كل نجاة، فكأنكم بالجثث قد
زايلتها أرواحها وتضمنتها أجداثها (5). فلن يستقبل
معمر منكم يوما من عمره الا بانتقاص [يوم] آخر
من أجله، وإنما دنياكم كفئ الظل (6) أو زاد الراكب!!!
وأحذركم دعاء العزيز الجبار عبده يوم تعفى آثاره
وتوحش منه دياره وييتم صغاره (7) ثم يصير إلى حفير
من الأرض متعفرا على خده غير موسد ولا ممهد (8).
أسأل الله - الذي وعدنا على طاعته - جنته أن
يقينا سخطه، ويجنبنا نقمته ويهب لنا رحمته.

(5) الجثث: جمع الجثة - بضم الجيم فيهما -: الهيكل والبدن. والأجداث: جمع الجدث
- كفرس -: القبر.
(6) أي كرجوع الظل وتحوله من سمت إلى سمت آخر.
(7) المراد من دعاء العزيز الجبار عبده هو أمره بقبض روحه واظعانه من عالم الاحياء إلى
عالم الأموات. (وتعفى آثاره): تبلى آثاره. تمحى وتهلك. و (ييتم صغاره) - من باب ضرب
وعلم وشرف -: صاروا يتيما أي فقدوا آباءهم أي مات أباهم وهم صغار.
(8) متعفرا: متمرغا خده في التراب. و (غير موسد): بلا وسادة ومخدة. و (غير ممهد):
غير مفروش أو غير مبسوط فيه الفرش.
140

ان أبلغ الحديث كتاب الله (9).
كتاب فرش الخطب من العقد الفريد: ج 4 ص 135.
ومثله روى الخطبة الشريفة، في أواخر الباب (49) من جواهر
المطالب ص 60.

(9) إلى هنا أتم الكلام في النسخة، في كلا المصدرين، ومعلوم أن للكلام بقية وانه عليه
السلام، ذكر هذا الذيل ليفرع عليه غيره كما يستعلم ذلك ويستأنس به من ملاحظة أشباهه ونظائره
من خطبه عليه السلام.
141

- 40 -
ومن خطبة له عليه السلام
في الحث على الزهد، وان الدنيا محله تنغيص وسريعة الزوال
الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رحمه الله قال: أخبرني أبو
عبد الله محمد بن عمران المرزباني، قال: أخبرني أحمد بن محمد المكي، قال:
حدثنا أبو العيناء، عن محمد بن الحكم، عن لوط بن يحيى، عن الحرث
ابن كعب:
عن مجاهد، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
ازهدوا في هذه الدنيا التي لم يتمتع بها أحد كان
قبلكم ولا تبقى لاحد من بعدكم، سبيلكم فيها سبيل
الماضين، قد تصرمت وآذنت بانقضاء، وتنكر معروفها
فهي تخبر أهلها بالفناء، وسكانها بالموت، وقد أمر منها ما
كان حلوا، وكدر منها ما كان صفوا، فلم تبق منها الا سملة
كسملة الإداوة، وجرعة كجرعة الاناء لو تمززها العطشان
142

لم ينقع بها!!! (1) فآذنوا بالرحيل من هذه الدار المقدر (2)
على أهلها الزوال، الممنوع أهلها من [دوام] الحيات،
المذللة فيها أنفسهم بالموت!!! فلا حي يطمع في البقاء،
ولا نفس الا مذعنة بالمنون، فلا يعللكم الامل، ولا
يطول عليكم الأمد (3) ولا تغتروا منها بالآمال.
و [الله] لو حننتم حنين الوله العجال، ودعوتم مثل
حنين الحمام، وجأرتم جأر متبتل الرهبان (4) وخرجتم

(1) كدر - مثلث الدال -: ضد صفى. وسملة وسملة - كغرفة وشجرة -: الماء القليل
والجمع: سمل وأسمال وسمال وسمول. والإداوة: اناء صغير كانوا يصنعونها في القديم من الجلد.
والجرعة - بتثليث الجيم -: البلعة من الماء. وتمززها: مصها. والمزة: المصة: يقال: ما
بقي في الاناء الا مزة أي قليل. و (لم ينقع بها) من باب منع -: لم يرو منها.
(2) وفي المختار: (52) من نهج البلاغة، والمختار: (150) من القسم الأول من
كتابنا هذا: ج 1، ص 518: (فأزمعوا) أي فاعزموا على الرحيل... وأما ماهنا
فمعناه: أعلموا أنفسكم باليقين بالرحيل. أو فأيقنوا بالرحيل... والمعنى الأول على
قراءة (فآذنوا) من الائذان، والمعنى الثاني بناءا على كون اللفظ مأخوذا من (أذن) كعلم لفظا
ومعنى. والوجهان جاريان في قوله تعالى في الآية: (279) من سورة البقرة: (فأذنوا بحرب
من الله ورسوله).
(3) (فلا يعللكم الامل): فلا يشغلكم ولا يلهاكم. و (الأمد) أجل الشئ ووقته.
(4) الحنين هو الصوت عن حزن، وقد يكون عن طرب. والوله - على زنة الركع والسجد -:
جمع الواله: الذي له حزن شديد كاد أن يذهب بعقله. والعجال كأنها بمعنى المعجال: الامرأة
التي تضع ولدها قبل أوانه. ويحتمل أيضا أن يكون اللفظة مصحفة عن المعجال. و (جارتم) - من
باب منع -: تضرعتم. رفعتم صوتكم بالدعاء. والمتبتل: المنقطع عن الدنيا. والرهبان: جمع
الراهب: العابد من عباد النصارى الذي يترك الناس ويلجأ إلى دير للعبادة.
143

إلى الله تعالى من الأموال والأولاد، التماس القربة إليه
في ارتفاع درجة [ظ] عنده، أو غفران سيئة
أحصتها كتبته وحفظة ملائكته، لكان قليلا فيما
أرجوا لكم من ثوابه، وأتخوف عليكم من عقابه!!!
جعلنا الله وإياكم من التائبين العابدين.
الحديث الثاني من المجلس العشرين من أمالي الشيخ المفيد، ص 102،
ونقله عنه في الحديث (119) من الباب (22) من القسم الثالث من المجلد
الخامس عشر، من بحار الأنوار، ص 94 في السطر: 13، وفي ط الجديد:
ج 73 ص 107، ورواه أيضا عنه في مستدرك المجلد السابع عشر من البحار،
ص 307 في السطر 8 عكسا.
وقريبا منه جدا رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار: (52) من
نهج البلاغة، وتقدم أيضا في ضمن خطبة عيد الأضحى تحت الرقم: (150)
من القسم الأول من هذا الباب: ج 1، ص 516.
وقطعة من آخرها ذكرها في آخر الباب: (48) من جواهر المطالب
ص 48 قال: قال بكر بن خليفة: قال علي بن أبي طالب: (أيها الناس
انكم والله لو حننتم حنين الواله العجلان)...
144

- 41 -
ومن كلام له عليه السلام
في الحث على صلة الرحم واستجلاب مودة الأقرباء والأحبة
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه، عن محمد بن يحيى،
عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى، عن يحيى، عن أبي
عبد الله [الإمام الصادق] عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
لن يرغب المرء (1) عن عشيرته وإن كان ذا مال
وولد، وعن مودتهم وكرامتهم ودفاعهم بأيديهم
وألسنتهم، هم أشد الناس حيطة من ورائه (2) وأعطفهم
عليه وألمهم لشعثه (3) ان أصابته مصيبة أو نزل به
بعض مكاره الأمور.
ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم

(1) نهي في صورة النفي، وإنما أتى به في صورة النفي وأكده ب‍ (لن) إرادة للتأكيد.
وعشيرة الرجل: قبيلته، أي لا يعرضن الشخص بوجدانه المال والولد عن عشيرته وبني أبيه وأمه
فإنهما لا يغنيانه عن العشيرة.
(2) أي محافظة وحماية وذبا عنه ودفاعا منه.
(3) اللم: الجمع، والشعث: التفرقة، أي العشيرة أجمع الناس لتفرقة ذويها وقرابتها.
(نهج السعادة ج 3) (م 10)
145

يدا واحدة (4) ويقبض عنه منهم أيد كثيرة!!!
ومن يلن حاشيته يعرف صديقه منه المودة (5)
ومن بسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف الله له ما
أنفق في دنياه ويضاعف له في آخرته.
ولسان الصدق في المرء يجعله الله في الناس خير
[له] من المال يأكله ويورثه (6).

(4) قال أبو الشيخ: [و] عن علي [عليه السلام] أنه خطب فقال: عشيرة الجرل للرجل
خير من الرجل لعشيرته، أنه ان كف يده عنهم كف يدا واحدة، وكفوا عنه أيد كثيرة، مع
مودتهم وحفاظهم ونصرتهم حتى لربما غضب الرجل للرجل وما يعرفه الا بحسبه، وسأتلو عليكم
بذلك آيات من كتاب الله. فتلا هذه الآية: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) [80 /
هود: 11] والركن الشديد: العشيرة، فلم يكن للوط عشيرة، فوالذي لا إله إلا هو ما بعث
الله نبيا بعد لوط الا في ثروة من قومه، وتلا هذه الآية في شعيب: (وانا لنراك فينا ضعيفا -
قال: كان مكفوفا فنسبوه إلى الضعف - ولولا رهطك لرجمناك) [91 / هود: 11] فوالله
الذي لا اله غيره ما هابوا جلال ربهم [ما هابوا] الا العشيرة.
رواه عنه في تفسير سورة يونس من منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 1، ص 451 ط 1.
ورواه أيضا في عنوان: (فضل العشيرة) من كتاب الياقوتة في العلم والأدب من العقد
الفريد: ج 2 ص 366 ط القاهرة 2، وفيه: (والله ما هابوا الا عشيرته).
وفي المختار: (23) من نهج البلاغة: (ومن يقبض يده عن عشيرته، فإنما تقبض منه عنهم
يد واحدة، وتقبض منهم عنه أيد كثيرة!!! ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة).
(5) الحاشية - هنا -: الجناب. أهل الرجل وخاصته. ويعرف - من باب ضرب -
كأنها ها هنا بمعنى يجازي.
(6) وفي المختار: (23) من نهج البلاغة: (ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس
خير له من المال يورثه غيره). وفي المختار: (116) من نهج البلاغة أيضا: (ألا وان اللسان
الصالح يجعله الله للمرء في الناس خير له من المال يورثه من لا يحمده!!!).
أقول: لسان الصدق: هو الذكر الجميل وتسمية الشخص مقرونا بالتمجيد والتعظيم،
ومنه قوله تعالى في الآية: (84) من سورة الشعراء حكاية عن إبراهيم عليه السلام (واجعل لي
لسان صدق في الآخرين).
146

لا يزدادن أحدكم كبرا وعظما في نفسه ونأيا عن
عشيرته (7) إن كان موسرا في المال.
ولا يزدادن أحدكم في أخيه زهدا ولا منه بعدا إذا
لم ير منه مروءة وكان معوزا في المال (8).
لا يغفل أحدكم عن القرابة بها الخصاصة (9) أن يسدها
بما لا ينفعه ان أمسكه، ولا يضره أن استهلكه!!! (10).
الحديث (19) من الباب (68) وهو باب صلة الرحم من كتاب الايمان
والكفر من أصول الكافي: ج 2 ص 154.
ولفقرات الكلام مصادر آخر، أشرنا إلى بعضها في التعليقات.

(7) يقال: (نآ زيد عن البلد - من باب منع - نأيا): بعد.
(8) يقال: (أعوز الرجل اعوازا): افتقر وساءت حاله فهو معوز ومعوز.
(9) الخصاصة: الفقر وسوء الحال، يقال: سددت خصاصة فلان أي جبرت فقره.
ومنه قوله تعالى في شأن أهل البيت عليهم السلام: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).
(10) وفي المختار: (23) من النهج: (ألا لا يعدلن أحدكم عن القرابة يرى بها
الخصاصة أن يسدها بالذي لا يزيده ان أمسكه، ولا ينقصه ان أهلكه!!!).
147

- 42 -
ومن كلام له عليه السلام
في التزهيد عن الدنيا، والتحذير عن الاغترار بها
أيها الناس ان الدنيا ليست لكم بدار قرار، وأنما
أنتم فيها كركب عرسوا فأناخوا، ثم استقلوا فغدوا
[وراحوا!!! دخلوا] خفافا وراحوا خفافا (1) لم يجدوا عن
مضي نزوعا (2) ولا إلى ما تركوا رجوعا، جد بهم فجدوا
وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا حتى أخذوا [ظ] بكظمهم (3).
فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنما أنتم سفر [فيها]
حلول، والموت بكم نزول ينتضل فيكم مناياه،

(1) ما بين المعقوفين مأخوذ من الكافي. والركب: جمع الراكب. والتعربس: نزول
المسافر في آخر الليل للاستراحة. وأناخوا: أقاموا. واستقلوا: مضوا وارتحلوا. والخفاف
- بكسر الخاء -: جمع الخفيف: السريع.
(2) والنزوع - بضم النون -: الحيلة. العلاج. الكف.
(3) الكظم - ككرم -: مخرج النفس. والجمع كظام وأكظام.
148

ويمضي بأخباركم مطاياه (4) إلى دار الثواب والعقاب
والجزاء والحساب.
فرحم الله امرءا راقب ربه وخاف ذنبه، وكابر
هواه وكذب مناه.
ورحم الله امرءا زم نفسه من التقوى بزمام، وألجمها
من خشية ربها بلجام، فقادها إلى الطاعة بزمامها،
وردعها عن المعصية بلجامها (5) رافعا إلى المعاد طرفه،
متوقعا في كل أوان حتفه، دائم الفكر، طويل السهر،
عزوفا عن الدنيا، كدوحا لامر آخرته (6) جعل
الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة وفاته، فاعتبر وقاس،
وترك الدنيا والناس.

(4) سفر - كركب -: جمع سافر: مسافر. وحلول: حال ونازل. وينتضل:
يترامى. والمنايا: جمع منية: الموت.
(5) زم نفسه - من باب مد -: ربطها وشدها. والزام - بكسر الزاء -: المقود،
والجمع الأزمة. وألجمها: يجعلها ذات لجام، وهو بكسر اللام: ما يجعل في فم الفرس - ونحوه -
من الحديد، مع الحكمتين والعذارين والسير، ويعبر عنه أهل بلادنا ب‍ (دهنه) محركة. وقدعها
- من باب منع -: زجرها. جذبها.
(6) هذا هو الظاهر الموافق للرواية الآتية عن الكليني رحمه الله، وفي الأصل: (عزوف...
كدوح) والعزوف: الملول. الزاهد. والكدوح: كثير الجهد.
149

أيها الناس أحذركم الدنيا والاغترار بها فكأن قد
زالت عن قليل عنكم كما زالت عمن كان قبلكم،
فاجعلوا اجتهادكم فيها التزود من يومها القصير،
ليوم الآخرة الطويل، فإنها دار عمل، والآخرة دار
القرار والجزاء.
تنبيه الخواطر، ص 459 ط 1. وقريبا منه رواه في أول الباب: (49)
من جواهر المطالب ص 48 ورواه أيضا في مطالب السؤال ص 147.
وقريبا منه رواه أيضا في المختار الثامن من خطب مستدرك نهج البلاغة،
للشيخ هادي رحمه الله.
150

- 43 -
ومن كلام له عليه السلام
في الحض على التزود من الدنيا واتخاذ ذخائر أخروية من زخارفها
الشيخ الصدوق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي القاسم الأسترآبادي
رضي الله عنه (1) قال: حدثنا أحمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي
عن أبيه، عن محمد بن علي، عن أبيه الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر،
عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين،
عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين [عليه
السلام] في بعض خطبه:
أيها الناس ان الدنيا دار فناء، والآخرة دار بقاء (2)
فخذوا من ممركم لمقركم ولا تهتكوا أستاركم عند
من لا يخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم
من قبل أن تخرج منها أبدانكم ففي الدنيا حييتم

(1) كون هذا السند سندا للمختار المذكور ها هنا على ما هو الظاهر من سياق كلام الصدوق
رحمه الله حيث ذكر هذا السند أولا ثم ذكر له عليه السلام حكمتين من قصار كلامه ثم قال:
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه...
(2) وفي المختار: (198) من نهج البلاغة: (إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار،
فخذوا من ممركم لمقركم ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم...).
151

[حبستم (خ ل)] وللآخرة خلقتم (3) إنما الدنيا كالسم
يأكله من لا يعرفه.
ان العبد إذا مات قالت الملائكة: ما قدم؟!! وقال: الناس:
ما أخر؟! فقدموا فضلا يكن لكم ولا تؤخروا كلا يكن
عليكم (4) فان المحروم من حرم خير ماله، والمغبوط
من ثقل بالصدقات والخيرات موازينه، وأحسن في الجنة
بها مهاده، وطيب على الصراط بها مسلكه.
الحديث (10)، من المجلس (23) من أمالي الشيخ الصدوق رضوان
الله عليه، ص 58 (5).
ورواه عنه في الحديث (64) من الباب (23) من القسم الثالث من المجلد
الخامس عشر من البحار، ص 90 ط الكمباني. وفي ط الحديث: ج 70 ص 100.

(3) وفي النهج: (ففيها اختبرتم ولغيرها خلقتم...).
(4) وفي المختار (198) من النهج: (ان المرء إذا هلك قال الناس: ما ترك؟ وقالت
الملائكة: ما قدم؟ لله آباؤكم فقدموا بعضا يكن لكم ولا تخلفوا كلا يكن عليكم).
(5) وقريبا منه جدا رواه في المختار: (198) من نهج البلاغة ص 209 وقطعة من صدره
رواها في أواسط الباب: (49) من جواهر المطالب ص 50.
152

- 44 -
ومن خطبة له عليه السلام
في يوم الجمعة
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني أعلى الله مقامه، عن علي بن إبراهيم
عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان وغيره. عن أبي عبد
الله [الإمام الصادق] عليه السلام، انه ذكر هذه الخطبة لأمير المؤمنين عليه
السلام يوم الجمعة.
الحمد لله أهل الحمد ووليه، ومنتهى الحمد ومحله،
البدئ البديع، الأجل الأعظم الأعز الأكرم، المتوحد
بالكبرياء، والمتفرد بالآلاء، القاهر بعزه، والمسلط
بقهره، الممتنع بقوته، المهيمن بقدرته، والمتعالي
فوق كل شئ بجبروته، المحمود بامتنانه وباحسانه،
المتفضل بعطائه وجزيل فوائده، الموسع برزقه المسبغ
بنعمه،
نحمده على آلائه وتظاهر نعمائه، حمدا يزن عظمة
جلاله، ويملأ قدر آلائه وكبريائه.
153

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي
كان في أوليته متقادما، وفي ديموميته متسيطرا،
خضع الخلائق لوحدانيته وربوبيته وقديم أزليته،
ودانوا لدوام أبديته (1).
وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله
وخيرته من خلقه، اختاره بعلمه واصطفاه لوحيه،
وائتمنه على سره، وارتضاه لخلقه، وانتدبه لعظيم
أمره (2) وإمضاء معالم دينه (3) ومناهج سبيله
ومفتاح وحيه، و [جعله] سببا لباب رحمته (4).
ابتعثه على حين فترة من الرسل، وهدأة من العلم (5)
واختلاف من الملل، وضلال عن الحق وجهالة بالرب
وكفر بالبعث والوعد.

(1) أي أقروا وأذعنوا بدوام أبديته، أو خضعوا وذلوا له لكونه دائم الأبدية.
(2) يقال: (ندب زيد فلانا للامر أو إلى الامر - من باب نصر - ندبا): دعاه ورشحه
للقيام به وحثه عليه. وانتدبه لامر: دعاه فانتدب هو أي فأجاب.
(3) هذا هو الظاهر من السياق، أي انتدبه لانفاذ معالم دينه... وهذا مثل قوله في أول
المختار (81) من نهج البلاغة: (أرسله لانفاذ أمره وانهاء عذره وتقديم نذره). وفي الأصل:
(ولضياء معالم دينه).
(4) أي وارتضاه سببا لباب رحمته. وما بين المعقوفين زيادة توضيحية منا، واحتمال
سقوطه من الأصل قوي جدا.
(5) فترة من الرسل: انقطاع من بعثهم. وهدأة من العلم: سكون وموتة منه.
154

أرسله إلى الناس أجمعين رحمة للعالمين، بكتاب
كريم، قد فضله وفصله وبينه وأوضحه وأعزه، وحفظه
من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، تنزيل،
من حكيم حميد، ضرب للناس فيه الأمثال، وصرف
فيه الآيات لعلهم يعقلون، أحل فيه الحلال، وحرم فيه
الحرام، وشرع فيه الدين لعباده عذرا ونذرا، لئلا يكون
للناس على الله حجة بعد الرسل، ويكون بلاغا لقوم
عابدين، فبلغ رسالاته، وجاهد في سبيله، وعبده حتى
أتاه اليقين (6)، صلى الله عليه وآله وسلم تسليما
كثيرا.
أوصيكم عباد الله، وأوصي نفسي بتقوى الله الذي
ابتدء الأمور بعلمه، واليه يصير غدا ميعادها، وبيده
فناؤها وفناؤكم، وتصرم أيامكم، وفناء آجالكم وانقطاع
مدتكم، فكأن قد زالت عن قليل عنا وعنكم كما زالت
عمن كان قبلكم!!!

(6) المراد من اليقين ها هنا هو الموت.
155

فاجعلوا عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا التزود من
يومها القصير ليوم الآخرة الطويل، فإنها دار عمل،
والآخرة دار القرار والجزاء، فتجافوا عنها (7) فان
المغتر من اغتر بها.
لن تعدو الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة
فيها - المحبين لها المطمئنين إليها المفتونين بها - أن
تكون كما قال الله عز وجل: [إنما مثل الحياة الدنيا]
كماء أنزلناه من السماء، فاختلط به نبات الأرض مما
يأكل الناس والانعام) [24 يونس].
مع أنه لم يصب امرؤ منكم في هذه الدنيا حبرة
الا أورثته عبرة!!! ولا يصبح فيها في جناح أمن الا وهو
يخاف فيها نزول جائحة (8) أو تغير نعمة أو زوال
عافية!!! مع أن الموت من وراء ذلك وهول المطلع
والوقوف بين يدي الحكم العدل [يوم] تجزى كل

(7) أي فتنحوا عنها ولا تطمئنوا إليها.
(8) الحبرة - كحربة - السرور. كل نعمة حسنة. والعبرة - بالفتح فسكون -: الحزن.
الدمعة. والجمع: عبر وعبرات. والجائحة: الهلاك والاستئصال، يقال: (جاح الله فلانا - من
باب باع - جيحا وجائحة): أهلكه واستأصله.
156

نفس بما عملت (ليجزي الذين أساؤا بما عملوا
ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) (9).
فاتقوا الله عز ذكره، وسارعوا إلى رضوان الله، والعمل
بطاعته والتقرب إليه بكل ما فيه الرضا فإنه قريب،
مجيب.
جعلنا الله وإياكم ممن يعمل بمحابه ويجتنب سخطه.
ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكر
كتاب الله عز وجل، قال الله عز وجل: (وإذا قرئ
القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) [204
الأعراف: 7] أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله
الرحمن الرحيم، والعصر ان الانسان لفي خسر، الا الذين
آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا
بالصبر). [سورة العصر: 103].

(9) ما بين المعقوفين قد سقط من الأصل، ولابد منه أو مما هو في معناه، وما بين القوسين
اقتباس من الآية: (31) من سوره النجم: 53.
157

(ان الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين
آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) [56 الأحزاب]:
اللهم صل على محمد وآل محمد، وبارك على
محمد وآل محمد، وتحنن على محمد وآل محمد،
وسلم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت
وترحمت وتحننت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم
انك حميد مجيد.
اللهم أعط محمدا الوسيلة والشرف والفضيلة
والمنزلة الكريمة.
اللهم أجعل محمدا وآل محمد أعظم الخلائق كلهم
شرفا يوم القيامة، وأقربهم منك مقعدا، وأوجههم
عندك يوم القيامة جاها وأفضلهم عندك منزلة ونصيبا.
اللهم أعط محمدا أشرف المقام، وحباء السلام (10)
وشفاعة الاسلام.

(10) الحباء بكسر الحاء: الحبوة - مثلث الأول -: العطية أي أعطه عطية سلامتك بحفظه عن
جميع ما يوجب النقص.
158

اللهم وألحقنا به غير خزايا ولا ناكبين (11)
[ولا ناكثين (خ ل)] ولا نادمين، ولا مبدلين اله الحق
آمين.
ثم جلس [عليه السلام] قليلا ثم قام فقال:
الحمد لله أحق من خشي وحمد، وأفضل من اتقي
وعبد، وأولى من عظم ومجد.
نحمده لعظيم غنائه وجزيل عطائه وتظاهر نعمائه
وحسن بلائه، ونؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه. ولا
يهدأ سناؤه (12) ولا يوهن عراه، ونعود بالله من سوء
كل الريب، وظلم الفتن، ونستغفره من مكاسب الذنوب
ونستعصمه من مساوي الاعمال، ومكاره الآمال، والهجوم

(11) غير خزايا): غير فضحين وموهونين. ولا ناكبين أي غير عادلين عن طريقته.
ولا ناكثين: أي غير ناقضين لعهده ولا نابذين لدينه.
(12) هذا هو الظاهر، والفعل من باب منع أي ولا يسكن ولا يطفأ سناؤه - بفتح السين
- أي ضياؤه ورفعته وبهاؤه، وفي النسخة: (ولا يتمهد). والغناء - بفتح الغين المعجمة -: الوفر
وكثرة المال.
159

في الأهوال، ومشاركة أهل الريب، والرضا بما يعمل
الفجار في الأرض بغير الحق.
اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم
والأموات، الذين توفيتهم على دينك وملة نبيك صلى الله
عليه وآله.
اللهم تقبل حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم وأدخل
عليهم الرحمة والمغفرة والرضوان.
واغفر للاحياء من المؤمنين والمؤمنات الذين وحدوك
وصدقوا رسولك، وتمسكوا بدينك وعملوا بفرائضك،
واقتدوا بنبيك، وسنوا سنتك وأحلوا حلالك وحرموا حرامك،
وخافوا عقابك ورجوا ثوابك، ووالوا أولياءك وعادوا أعداءك.
اللهم اقبل حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم وأدخلهم
برحمتك في عبادك الصالحين، اله الحق آمين.
الحديث (194) من روضة الكافي ص 173، وفي ط ص 204. وهذه
الخطبة مشتملة على المختار التاسع من خطب مستدرك نهج البلاغة - للشيخ
هادي رحمه الله - ص 29.
160

- 45 -
ومن خطبة له عليه السلام
في عيد الفطر وفيها تبشير للمحسنين، وتخويف للمبطلين، وتذكير الناس بيوم
يعرضون على الله تعالى في موقف القيامة، واعلام الصائمين والصائمات
بمالهم عند الله من الرحمة والمغفرة.
الشيخ الصدوق قدس الله نفسه قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق
(رضي الله عنه) قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: أخبرنا المنذر
ابن محمد، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله الكوفي، عن أبيه، عن عبد
الله بن الفضل الهاشمي، عن [الامام] الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه،
عن جده عيهم السلام قال خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
الناس يوم الفطر، فقال:
أيها الناس أن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون،
ويخسر فيه المبطلون (1) وهو أشبه يوم بيوم قيامكم
[قيامتكم (خ ل)] فاذكروا بخروجكم من منازلكم

(1) وروى السيد الرضي - رضوان الله عليه - تحت الرقم: (428) من الباب الثالث من
نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في بعض الأعياد: (إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه
وشكر قيامه!!! وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد!!!).
(نهج السعادة ج 3) (م 11)
161

إلى مصلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربكم (2) واذكروا
بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا
برجوعكم إلى منازلكم، رجوعكم إلى منازلكم في الجنة
أو النار!!!
واعلموا عباد الله أن أدنى ما للصائمين والصائمات أن
يناديهم ملك - في آخر يوم من شهر رمضان -: أبشروا
عباد الله فقد غفر [الله] لكم ما سلف من ذنوبكم فانظروا
كيف تكونون فيما تستأنفون؟!!
الحديث: (10) - وهو قبل الحديث الأخير - من المجلس: (21)
من أمالي الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه ص 54 وفي ط ص 51.
ورواه أيضا الشيخ الزاهد ورام بن أبي فراس رحمه الله في كتاب تنبيه
الخواطر المعروف بمجموعة ورام ص 467.

(2) الأجداث: جمع الجدث - محركا على زنة الحدث -: القبر.
162

- 46 -
ومن كلام له عليه السلام
خاطب به الموتى لما أشرف على القبور
ومعه كميل بن زياد رضوان الله عليه
الحافظ الكبير ابن عساكر قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم (1)
أنبأنا رشاء بن نظيف، أنبأنا الحسن بن إسماعيل، أنبأنا أحمد بن مروان،
حدثنا محمد بن علي بن خلف السبزواري (2) - سنة ثمان وسبعين - حدثنا
عمرو بن عبد الغفار، عن الحسن بن عمرو الفقيمي [ظ] عن رشيد بن
أبي راشد:
عن كميل بن زياد، قال: خرجت مع [أمير المؤمنين] علي بن أبي
طالب [عليه السلام] فما أن اشرف على الجبان (3) التفت إلى المقبرة فقال:
يا أهل القبور، يا أهل البلاء (4) يا أهل الوحشة!!!
ما الخبر عندكم؟ فان الخبر عندنا [أنه] قد قسمت

(1) هذا هو الصواب الموافق لكثير من موارد النقل عنه، وفي الأصل ها هنا: (أبو الغنم).
(2) كذا في الأصل، والظاهر أنه مصحف، والصواب: (الشيرازي).
(3) الجبان والجبانة - كسجاد وسجادة -: الصحراء. المقبرة. والجمع جبابين.
(4) البلاء - بفتح الباء ممدودا - والبلى - بكسر الباء مقصورا -: الرثوئة وكون الشئ باليا.
163

الأموال وأيتمت الأولاد (5) واستبدل بالأزواج!!!
فهذا الخبر عندنا فما الخبر عندكم؟ (6)
[قال كميل]: ثم التفت [أمير المؤمنين عليه السلام] إلي فقال:
يا كميل لو أذن لهم في الجواب لقالوا: ان خير
الزاد التقوى.
ثم بكي [عليه السلام] وقال لي:
يا كميل القبر صندوق العمل وعند الموت يأتيك
الخبر!!!
ترجمة كميل بن زياد من تاريخ دمشق: ج 46 ص 1588.
وقريبا منه رواه الشيخ الصدوق رفع الله مقامه في الحديث الأول من
المجلس: (23) من أماليه ص 57، وقريبا منه رواه أيضا السيد الرضي
رحمه الله في المختار: (130) من الباب الثالث من نهج البلاغة.

(5) أي فقدوا آباءهم وصاروا يتامى وهم صغار شديد الحاجة إلى من يكفلهم ويدير شؤونهم.
(6) وفي المختار: (130) من قصار نهج البلاغة: (هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟).
164

- 47 -
ومن كلام له عليه السلام
في التوصية بالتقوى وسياق النفوس إلى الله تعالى وتزهيدهم عن الدنيا
أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فان التقوى أفضل كنز
واحرز حرز، وأعز عز، فيه نجاة كل هارب، ودرك
كل طالب وظفر كل غالب (1).
وأحثكم على طاعة الله، فإنها كهف العابدين، وفوز
الفائزين، وأمان المتقين.
واعلموا أيها الناس أنكم سيارة!!! وقد حدا بكم
[الحادي] وحدا بخراب الدنيا حاد (2) وناداكم للموت
[مناد] فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.

(1) الدرك - محركا كسمك ومخففا كترك وبرق -: ادراك الحاجة ونيل المطلوب.
(2) يقال: (حدا الراعي الإبل وبالإبل - من باب دعا - حدوا وحداءا وحداء): ساقها
وغنى لها أي رفع صوته لها بالحداء، فهو حاد والجمع حداة. وحد الريح السحاب: ساقته.
وحداه على كذا: بعثه وساقه عليه.
165

ألا وان الدنيا دار غرارة خداعة!!! تنكح كل يوم
بعلا وتقتل في كل يوم أهلا، وتفرق في كل ساعة
شملا!!! فكم بمن متنافس فيها وراكن إليها من الأمم
السالفة وقد قذفتهم في الهاوية، ودمرتهم تدميرا،
وتبرتهم تتبيرا (3).
أين من جمع فأوعى؟ وشد فأوكى، ومنع فأكدى؟!
بل أين من عسكر العساكر؟ ودسكر الدساكر (4) وركب
المنابر؟!!
أين من بنى الدور؟ وشرف القصور؟ وجهز الألوف؟
قد تداولتم أيامها، وابتلعتهم أعوامها!!! فصاروا أمواتا

(3) متنافس فيها: راغب فيها غاية الرغبة. وراكن إليها: مطمئن إليها معتمد عليها. قد
قذفتهم في الهاوية: ألقتهم في الجحيم. ودمرتهم: أدخل عليهم الشر فأهلكتهم. وتبرتهم: كسرتهم
وأهلكتهم.
(4) فأوعي: جعله في الوعاء أي الظرف وبخل من انفاقه. (فأوكى): فشح من صرفه في
سبيل الله (فأكدى): بالغ في المنع وجعل نفسه عند سؤال السائلين وأرباب الحوائج كالكدية
أي الصخرة العظيمة الشديدة أو الأرض الصلبة الغليظة التي لم يؤثر فيها شئ. و (عسكر العساكر)
جمع الجنود وجعلها عسكرا. و (الدساكر): جمع دسكرة: القرية العظيمة. المدينة. و (دسكر
الدساكر): بنى القرى وجعلها مدينة.
166

[و] في القبور رفاتا (5) قد يئسوا عما خلفوا، ووقفوا
على ما أسلفوا (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق، الا له
الحكم وهو أسرع الحاسبين) (6).
وكفى بالموت لللهو قامعا، وللذات قاطعا، ولخفض
العيش مانعا (7)
وكأني بها وقد أشرفت بطلائعها، وعسكرت
بفظائعها (8) فأصبح المرء بعد صحته مريضا،
وبعد سلامته نقيصا، يعالج كربا، ويقاسي تعبا،

(5) شرف القصور: جعلها ذات شرفات. و (جهز الألوف): جعلها مجهزة
وذات عدة لكسر أقرانه أو الدفاع عن شأنه. وفي كتاب الأمالي: (وجمهر الألوف) أي جعل
الألوف من جنده وعسكره جمهورا أي جمعا كثيرا. (تداولتهم أيامها) أي حولتهم أيام الدنيا
من حال العزة إلى الذلة، وصرفتهم من الحيات إلى الممات. و (ابتلغتهم أعوامها) أي ان صروف
أيام الدنيا وكرور أيامها ولياليها بلعتهم وجذبتهم من ظهرها إلى بطنها. و (رفاتا): رميما
مفتتا.
(6) ما بين القوسين اقتباس من الآية: (62) من سورة الأنعام.
(7) قامعا: صارفا ومانعا. و (خفض العيش): سعته وسهولته وهناءته. وهذه الجمل
الثلاث غير موجودة في النسخة المطبوعة من كتاب الأمالي.
(8) الضمير في (بها) راجع إلى الآخرة المدلول عليها من سياق الكلام. (وقد أشرفت
بطلائعها): قد علتكم وأتتكم بطلائعها من فوقكم. والطلائع: جمع الطليعة: من يبعث قدام
الجيش كي يحافظ على مصلحة الجيش ويستعلم مأمونية ممر الجيش عن مكائد العدو.
167

في حشرجة السياق وتتابع الفراق (9) وتردد الأنين،
والذهول عن البنات والبنين، والمرء قد اشتمل عليه
شغل شاغل، وهول هائل، قد اعتقل منه اللسان، وتردد
منه البيان، فأجاب مكروها، وفارق الدنيا مسلوبا!!!
لا يملكون له نفعا، ولا لما حل به دفعا!!! يقول الله عز وجل:
(فلولا ان كنتم غير مدينين، ترجعونها ان كنتم صادقين
[86 الواقعة: 56].
ثم من دون ذلك أهوال [يوم] القيامة، ويوم
الحسرة والندامة، يوم ينصب فيه الموازين، وتنشر [فيه]
الدواوين، لاحصاء كل صغيرة، واعلان كل كبيرة،
يقول الله في كتابه: (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم
ربك أحدا [49 / الكهف: 18].
أيها الناس الان الان، من قبل الندم، ومن قبل أن

(9) يعالج: يباشر ويزاول ويمارس. و (يقاسي): يكابد ويتحمل. و (الحشرجة):
تردد النفس والغر غرة عند الموت. و (السياق): اجراء الشئ وحمله على السير من ورائه.
و (الفراق): المفارقة.
168

تقول نفس: (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وان كنت
لمن الساخرين، أو تقول: لو أن الله هداني لكنت من المتقين،
أو تقول حين ترى العذاب: لو أن لي كرة فأكون من
المحسنين) (10) فيرد [عليه] الجليل جل جلاله:
(بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت
من الكافرين) [59 الزمر: 39] فوالله ما يسأل الرجوع
الا ليعمل صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (11).
أيها الناس الان، ما دام الوثاق مطلقا والسراج
منيرا وباب التوبة مفتوحا، من قبل أن يجف القلم
وتطوى الصحف (12) فلا رزق ينزل، ولا عمل يصعد.

(10) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (56 - 58) من سوره الزمر: 39.
(11) كما قال الله تعالى في الآية: (100) من سورة المؤمنين: (حتى إذا جاء أحدهم الموت
قال: رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت. كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى
يوم يبعثون).
(12) الوثاق - بفتح الواو وكسرها -: ما يشد به من قيد أو حبل ونحوهما. والمراد من
اطلاق الوثاق - هنا - هو كون الشخص مطلقا سراحه، مخلى عنه الوثاق ذا حرية في حركاته وسكناته،
وذا مكنة من عمل الخير.
والمراد من قوله: (والسراج منيرا) هو كون الشخص في كمال من عقله واجتماع من حواسه.
والمراد من جفاف القلم هو قلم كتبة أعمال الشخص من الملائكة البررة، فان قلمهم يجف ولا
يتحرك عند موت المكلف. والمراد من الصحف - وهو جمع الصحيفة - هو الصحائف التي تدرج
فيها ما يعمله المكلف، فإنها تطوى بموت المكلف ولا يكتب فيها شئ بعد مماته.
169

المضمار اليوم والسباق غدا (13) وانكم لا تدرون إلى
جنة أو إلى نار!!! [و] استغفر الله لي ولكم.
كتاب تنبيه الخواطر - المعروف بمجموعة الشيخ ورام - ص 393،
ورواه أيضا - مع صدر لطيف غير مذكور في هذه الرواية - في الحديث (8)
من المجلس (28) من أمالي الشيخ: ج 2 ص 69.

(13) المضمار يقال لمكان الاضمار ولزمانه، وتضمير الخيل - أي احداث الضمور والهزال
فيها - عبارة عن أن تربط ويكثر لها الماء والعلف حتى تسمن، ثم يقلل علفها وماؤها وتجرى في الميدان
حتى تهزل، وحقيقة التضمير هو العمل الثاني أي اجراؤها في الميدان، لأنه هو الموجب الاحداث
الضمور أي الخفة وقلة اللحم في الخيل، واطلاقه على الأول من باب انه مقدمة للتضمير. والغرض
من اضمار الخيل حصول الخفة فيها كي يسبق على أقرانها ويكون لها الجعل المقرر بين المتسابقين،
كما أن المقصود من تطبيق القوانين الشرعية هو الفوز على ثمراتها الطيبة وبركاتها.
170

- 48 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تحميد الله تعالى على ماله من الكبرياء والعظمة، واللطف والمرحمة،
ثم الشهادة على رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ثم التوصية بتقوى الله ورفض العلائق عن الدنيا
الشيخ أبو علي ابن شيخ الطائفة، عن أبيه محمد بن الحسن الطوسي رحمه
الله، قال: أخبرنا أبو الحسن [محمد بن أحمد بن شاذان] عن علي بن
الحسين بن علي بن الحسن أبي الحسن النحوي الرازي، قال: أخبرني الحسن
ابن علي الرمزني (1) قال: حدثني العباس بن بكار الضبي، قال: حدثني
أبو بكر الهذلي، عن عكرمة:
عن ابن عباس قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال:
الحمد لله الذي لا يحويه مكان ولا يحده زمان (2)
علا بطوله ودنا بحوله (3) سائق كل غنيمة وفضل

(1) كذا في نسخة الأمالي من طبعة النجف، ويحتمله أيضا رسم الخط من ط إيران، كما
أن رسم الخط من الثاني يحتمل أيضا: (الزفري).
(2) لان الله تعالى منزه عن المحدودية، والزمان والمكان محدودان، فلا يمكن للمحدود أن
يحوي على غير المحدود أو يحده. وقريبا منه رواه عنه عليه السلام في المختار: (173) من نهج البلاغة.
(3) كذا في الأصل، وفي المختار: (80) من نهج البلاغة: (الحمد لله الذي علا بحوله ودنا
بطوله).
171

وكاشف كل عظيمة وأزل (4) أحمده على جود [ه]
[و] كرمه وسبوغ نعمه (5) وأستعينه على بلوغ رضاه،
والرضا بما قضاه، وأومن به ايمانا، وأتوكل عليه
ايقانا.
وأشهد أن لا إله إلا الله، رفع السماء فبناها،
وسطح الأرض فطحاها، وأخرج منها ماءها ومرعاها،
والجبال أرساها (6) لا يؤده خلق (7) وهو العلي العظيم.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى
المشهور، والكتاب المسطور، والدين المأثور، ابلاءا

(4) هذا هو الصواب، أي هو السائق إلى المخلوقين كل غنيمة وفضل ليس لغيره فيهما صنع.
والسائق هو الذي يحمل الشئ على السير من ورائه. وفي النسخة (سابق) بالباء الموحدة.
وفي النهج: (مانح كل غنيمة وفضل) والمانح: الواهب: والأزل - كفلس -: الضيق
والشدة.
(5) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.
(6) سطح الأرض - من باب منع -: بسطها. و (طحا الشئ - من باب دعا - طحوا):
بسطه ومده. ومثله (طحى الشئ طحيا) من باب رمى. و (الجبال أرساها) - من باب أفعل -:
أثبتها في الأرض كالوتد. والكلام مقتبس معنى من الآية: (29) وما بعدها من سورة النازعات: 79
(7) لا يؤده - من باب قال: لا يصعب عليه ولا يثقله.
172

لعذره وانهاءا لامره (8) فبلغ الرسالة وهدى من الضلالة،
وعبد ربه حتى أتاه اليقين (9) فصلى الله عليه وآله
وسلم كثيرا.
أوصيكم [عباد الله] بتقوى الله، فان التقوى أفضل
كنز وأحرز حرز وأعز عز، فيه نجاة كل هارب ودرك
كل طالب (10) وظفر كل غالب، وأحثكم على طاعة
الله، فإنها كهف العابدين، وفوز الفائزين، وأمان المتقين.
وأعلموا أيها الناس أنكم سيارة [و] قد حدا بكم
الحادي وحدا لخراب الدنيا حاد (11) وناداكم للموت

(8) وقريبا منه رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار الثاني من نهج البلاغة.
والمشهور: المعروف والمسطور: المكتوب. والمأثور: المنقول. و (ابلاءا لعذره)
أي تبليغا لعذره وتبيينا لحكمة ما يفعله بالمطيعين والعاصين من التكريم والتنكيل، لكيلا يكون للناس
على الله حجة. و (انهاءا لامره) أي ابلاغا لما طلبه وأراده من المكلفين.
(9) والمراد باليقين - هنا -: الموت. ومثله قوله تعالى في الآية: (99) من سورة الحجر:
(واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
(10) الدرك والدرك - كالبرق والفرس -: ادراك الحاجة وبلوغها، أي وفي التقوى
يدرك كل طالب حاجته.
(11) هذا هو الظاهر الموافق لما في تنبيه الخواطر، وفي الأصل: (وحدي لخراب الدنيا
حادي وناداكم للموت منادي).
يقال: (حدا زيد الإبل أو بالإبل - من باب دعا - حدوا وحداءا وحداءا): ساقها وغنى
لها، فهو حاد والجمع حداة. و (حدا الريح السحاب): ساقته وحداه على كذا: بعثه وساقه.
173

مناد!!! فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله
الغرور.
ألا وان الدنيا دار غرارة خداعة، تنكح في كل يوم
بعلا، وتقتل في كل ليلة أهلا، وتفرق في كل ساعة شملا!!!
فكم من منافس فيها، وراكن إليها (12) من الأمم
السالفة وقد قذفتهم في الهاوية!!! ودمرتهم تدميرا،
وتبرتهم تتبيرا، وأصلتهم سعيرا (13).
أين من جمع فأوعى؟ وشد فأوكى؟ ومنع
فأكدى (14) بل أين من عسكر العساكر؟ ودسكر
الدساكر (15) وركب المنابر؟

(12) وفيه تنبيه الخواطر: (فكم من متنافس فيها...). يقال: (نافس فلان في الامر نفاسا
ومنافسة، وتنافس القوم في الامر تنافسا): رغبوا فبه. وراكن إليها: ساكن إليها وواثق بها.
(13) قذفتهم في الهاوية: ألقتهم في جهنم. ودمرتهم: أهلكتهم. وتبرتهم أهلكتهم.
وأصلتهم سعيرا: أدخلتهم النار الموقدة، من قولهم: (صلى فلانا النار من باب رمى -: أدخله
إياها وأثواه فيها.
(14) يقال: (أوعى الشئ ايعاعا): جعله في الوعاء أي الظرف. وأوعى الرجل المال وعليه:
شح وبخل عله. و (أوكى الرجل ايكاء): بخل. سعى شديدا. والقربة: شدها بالوكاء. و (أكدى
زيد اكداء): بخل في العطاء. و (سألت زيدا فأكدى) أي فوجدته مثل الكدية أي الأرض
الصلبة الغليظة التي لا يمكن حفرها. أو الصفاة العظيمة الشديدة التي لا يمكن كسرها. و (أكدى
فلانا عن حاجته). رده عنها ومنعها منه.
(15) (دسكر الدساكر): بناها وجعلها دسكرة أي قرية عظيمة ومدينة.
174

أين من بنى الدور؟ وشرف القصور؟ وجمهر
الألوف؟ (16) قد تداولتهم أيامها، وابتلعتهم أعوامها
فصاروا أمواتا، وفي القبور رفاتا (17) قد يئسوا عما
خلفوا (18) ووقفوا على ما أسلفوا، (ثم ردوا إلى الله
مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين
[62 الانعام: 6]
وكأني بها وقد أشرفت بطلائعها وعسكرت بفظائعها
فأصبح المرء بعد صحته مريضا، وبعد سلامته نقيصا،
يعالج كربا ويقاسي تعبا، في حشرجة السباق وتتابع الفراق (19)

(16) شرف القصور - من باب نصر - شرفا وشرفها تشريفا): جعل لها الشرفة - كغرفة
- وهي ما أشرف من بنائها. أو الشرفة - محركة - وهي مثلثات أو مربعات أو نحوها تبني في
أعلى القصور. و (جمهر الألوف): جمعه. جعله جمهورا أي عددا كثيرا وجما غفيرا. وفي
تنبيه الخواطر: (وجهز الألوف).
(17) (تداولتهم أيامها) أي حولتهم أيام الدنيا من العزة إلى الذلة، وصرفتهم من الحياة إلى
الممات. وابتلعتهم أعوامها: نقلتهم من ظهر الأرض وأنزلتهم منه إلى جوفها. ورفاتا - مضم
الراء -: رميما.
(18) هذا هو الظاهر الموافق لما في تنبيه الخواطر، وفي النسخة الموجودة عندي من الأمالي:
(قد نسوا).
(19) وفي تنبيه الخواطر: (في حشرجة السياق) بالياء المثنات التحتانية. يقال: (قاسى ؤ
زيد التعب مقاساة): كابده وذاقه. و (حشرج المحتضر حشرجة)) من باب فعلل -: غرغر عند الموت
وتردد نفسه. والسباق) - بالباء الموحدة -: الاجراء في مضمار المسابقة. و (السياق) - بليا
المثناة التحتانية -: اجراء الشئ وحمله على السير من وراءه. والفراق - بالكسر مصدر لفاعل -:
المارقة أي الانفصال والانقطاع. ولعل المراد منه توالي فراق الروح فإنها تخرج عن الأعضاء
تدريجا. أو المراد من تتابع الفراق هو فراق الأهل والأولاد والأموال والأقرباء والأحبة.
175

وتردد الأنين، والذهول عن البنات والبنين!!! والمرء
قد اشتمل عليه شغل شاغل وهول هائل، قد اعتقل منه
اللسان، وتردد منه البنان فأصاب مكروها (20) وفارق
الدنيا مسلوبا، لا يملكون له نفعا، ولا لما حل به
دفعا، يقول الله عز وجل: (فلولا أن كنتم غير
مدينين (21) ترجعونها ان كنتم صادقين) [86 الواقعة: 56].
ثم من دون ذلك أهوال يوم القيامة، ويوم الحسرة
والندامة، يوم تنصب [فيه] الموازين، وتنشر [فيه]
الدواوين، باحصاء كل صغيرة، واعلان كل كبيرة،
يقول الله في كتابه: (ووجدوا ما عملوا حاضرا، ولا
يظلم ربك أحدا) [49 الكهف: 18].
ثم قال [عليه السلام]:
أيها الناس الان الان، من قبل الندم، ومن قبل
(أن تقول نفس: يا حسرتي على ما فرطت في جنب

(20) كذا في الأصل بالنون، وفي تنبيه الخواطر: (وتردد منه البيان فأجاب مكروها).
(21) أي غير مجزيين بأعمالكم أو غير ذليلين ومستعبدين أو غير مؤجلين بأجل معلوم.
176

الله وان كنت من قبله لمن الساخرين، أو تقول: لو
أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول - حين ترى
العذاب -: لو أن لي كرة فأكون من المحسنين [56
- 58 / الزمر 39] فيرد [عليه] الجليل جل ثناؤه
(بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت
من الكافرين) [59 / الزمر: 39] فوالله ما سأل الرجوع
الا ليعمل صالحا (22) ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.
ثم قال [عليه السلام]:
أيها الناس الان الان، ما دام الوثاق مطلقا والسراج
منيرا، وباب التوبة مفتوحا، ومن قبل أن يجف القلم
وتطوى الصحيفة، فلا رزق ينزل، ولا عمل يصعد (23)،

(22) وفي تنبيه الخواطر: (فوالله ما يسأل الرجوع).
وما ذكره عليه السلام ها هنا مقتبس من الآية: (100) من سورة المؤمنون): (حتى إذا
جاء أحدهم الموت قال: رب ارجعوني لعلى أعمل صالحا فيما تركت، كلا انها كلمة هو قائلها
ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون).
وقال تعالى في آخر سورة الكهف: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك
بعبادة ربه أحدا).
(23) لعل المراد من الوثاق - بكسر الواو مصدر واثق - هو المعاهدة أي اغتنموا الفرصة
ما دام باب المعاهدة مع الله - بأن تطيعوه ولا تعصوه - مفتوحا.
والظاهر أن المراد من السراج المنير هو اجتماع الحواس وكمال العقل والادراك، وما ذكره في
التوالي كناية عن الموت، فان بموت المكلف ينسد باب توبته ويجف قلم حفظته وتطوى صحيفة أعماله
وتنفد رزقه فلا ينزل، وتنتهي دار العمل فلا عمل حتى يصعد.
(نهج السعادة ج 3) (م 12)
177

المضمار اليوم والسباق غدا (24) فإنكم لا تدرون إلى
جنة أو نار، وأستغفر الله لي ولكم.
الحديث الثامن، من المجلس: (38) - وهو مجلس يوم الجمعة:
(14) شعبان من سنه 457 - من أمالي الشيخ الطوسي ج 2 ص 69.
ورواه عنه في الحديث: (33) من الباب: (14) من المجلد السابع عشر
من بحار الأنوار، ص 98 في السطر 7 ط الكمباني.
ورواه أيضا الشيخ الزاهد ورام بن أبي فراس المتوفى سنة 605 في كتاب
تنبيه الخواطر، ص 393.

(24) وفي المختار: (27) من نهج البلاغة: (ألا وان اليوم المضمار، وغدا السباق،
والسبقة الجنة والغاية النار!!!). والمضمار يقال للمحل الذي يضمر فيه الخيل، وللزمان الذي
تضمر فيه أيضا، يقال: (ضمر الفرس تضميرا، وأضمره اضمارا): جعله ضامرا أي قليل اللحم دقيقا
كي يغلب على رقيبه ويسبقه عند المسابقة ويأخذ الجعل. وكيفية التضمير عند العرب انهم كانوا
يربطون الخيل المقصود مجارتها ويكثرون علفها وماءها حتى تسمن، ثم يقللون علفها وماءها
ويجرونها في الميدان حتى تهزل. وحقيقة التضمير هو العمل الثاني لأنه هو المحدث لضمور الخيل
أي هزالها وخفة لحمها، وقد يطلقونه أيضا على العمل الأول. والسباق: اجراء الخيل في ميدان
المسابقة.
178

- 49 -
ومن خطبة له عليه السلام
في التنبيه على تقلب الدنيا والتحذير عن الاغترار بها والركون إليها
والخطبة معروفة وموسومة بالخطبة البالغة (1)
الموفق بن أحمد الخوارزمي قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو الحسن
علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي، أخبرني القاضي الامام شيخ القضاة إسماعيل
ابن أحمد الواعظ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي،
أخبرنا أبو الحسين ابن بشران الورك [كذا] ببغداد، أخبرنا الحسين بن صفوان،
حدثنا عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، حدثنا علي بن الحسين بن عبد الله،
عن عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي [عن أبيه قال]: أخبرنا رجل من بني
شيبان (2) أن علي بن أبي طالب عليه السلام، خطب فقال:
الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكل
عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن

(1) كما ذكرها في تذكرة الخواص، ص 131، ط الغري.
(2) كذا في الأصل، وفي تاريخ دمشق: (عن عبد الله بن صالح العجلي عن أبيه قال: خطب
علي بن أبي طالب يوما فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم تم قال...
179

محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليزيح
به علتكم (3) ويوقظ به غفلتكم.
واعلموا [عباد الله] أنكم ميتون ومبعوثون من
بعد الموت، وموقوفون على أعمالكم ومجزيون بها،
فلا تغرنكم الحياة الدنيا، فإنها دار بالبلاء محفوفة،
وبالفناء معروفة، وبالغدر موصوفة (4) وكل ما فيها
إلى زوال، وهي بين أهلها دول وسجال!!! (5) لا تدوم
أحوالها، ولن يسلم من شرها نزالها (6) بينا أهلها منها
في رخاء وسرور، إذ هم منها في بلاء وغرور!!! أحوال
مختلفة وتارات متصرفة (7) العيش فيها مذموم!! والرخاء

(3) يقال: أزاح الله العلل إزاحة): أزالها. و (أزحت علته فيما احتاج إليه): قضيت
حاجته. و (زاحت العلة - من باب قال - والمصدر كالقول والسحاب - زواحا وزوحا):
زالت.
(4) وفي النهج: (وبالغدر معروفة).
(5) الدول - بضم الدال وكسرها -: جمع الدولة: ما يتداول ويتناوب فيه بين الناس
فيكون مرة لهذا ومرة لذلك. والسجال بكسر السين - جمع السجل - بفتح أوله -: ما يتعارض
فيه ويتسابق إليه فيكون تارة نصيب هذا، وأخرى لذاك.
(6) النزال: جمع نازل كركاب وزارع في جمع راكب وزارع.
(7) أي أحيان ومرات منقلبة غير ثابتة. وهي جمع التأرة مهموزة.
180

فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة،
ترميهم بسهامها، وتقصمهم بحمامها (8) وكل حتفه
فيها مقدور، وحظه منها موفور (9).
واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا
على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا
وأشد منكم بطشا، وأعمر ديارا وأبعد آثارا (10)
فأصبحت أصواتهم هامدة من بعد طول تعليها (11)
وأجسادهم بالية، وديارهم خالية وآثارهم عافية!!! (12)
واستبدلوا بالقصور المشيدة، والسرر المنضدة،

(8) كذا في الأصل بالصاد المهملة أي تكسرهم وتهلكهم بالحمام - بكسر الحاء المهملة - وهي
الموت. وفي تاريخ دمشق: (تقضمهم) - بالضاد المعجمة - أي تكسرهم بأطراف أسنانها
وتأكلهم. وفي النهج: (وتفنيهم بحمامها).
(9) الحتف - كفلس -: الموت، والجمع الحتوف كفلوس.
(10) أي أشد بعدا - أي عرضها وطولا - وأدوم بقاءا.
(11) كذا في الأصل، وفي النهج: (أصبحت أصواتهم هامدة ورياحهم راكدة وأجسادهم
بالية). وفي تاريخ دمشق: (فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلبها...). والهامدة
والخامدة الساكنة: (والتعلي: الارتفاع في تمهل. والتقلب: الدوران والجريان على جهات مختلفة.
وعلى كلا التقديرين الكلام كناية عن أن أيام مسرتهم وشوكتهم كانت طويلة.
(12) عافية: مندرسة، من قولهم: (عفت الريح الأثر - من باب دعا - عفوا): محته.
(عفا المنزل عفوا وعفاءا.): بلي ودرس
181

والنمارق الممهدة الصخور والأحجار المسندة (13) في
القبور اللاطئة الملحدة (14) التي قد بني على
الخراب فناؤها، وشيد بالتراب بناؤها، فمحلها مقترب
وساكنها مغترب، بين أهل عمارة موحشين، وأهل
محلة متشاغلين، لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون
تواصل الجيران والاخوان، على ما بينهم من قرب الجوار
ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل؟ وقد طحنهم
بكلكله البلى وأكلتهم الجنادل والثرى (15) فأصبحوا
بعد الحياة أمواتا، وبعد غضارة العيش رفاتا (16) فجع

(13) الصخور والأحجار مفعول لقوله: (استبدلوا). والنمارق: جمع النمرقة والنمرق
- بتثليث النون فيها -: الوسادة الصغيرة أو البساط.
(14) وفي النهج: (فاستبدلوا بالقصور المشيدة، والنمارق الممهدة الصخور والأحجار
المسندة والقبور اللاطئة الملحدة). واللاطئة: اللاصقة. يقال: (لطأ زيد بالأرض لطأ) من
باب منع وفرح - لصق. والملحدة: المشقوقة من قولهم: (الحد زيد القبر). جعل له شقا
في وسطه أو جانبه.
(15) طحنهم البلى - من باب منع - طحنا): جعلهم طحينا أي دقيقا أي كسرهم وغير
صورتهم الشخصية والنوعية معا. أهلكم. والبلى - بكسر الباء -: الدروس والرثاثة. و (
الكلكل) - كجعفر - الصدر. وفي الكلام تشبيه بديع حيث شبه عليه السلام البلى والرثوثة العارضة
على الشئ الراجعة إلى الفناء والعدم بجمل برك على انسان وأوقع ثقله عليه وضغطه بصدره إلى أن أهلكه.
والجنادل جمع الجندل: الصخر العظيم. والثرى: التراب الندي أي المرطوب. الندى والرطوبة.
(16) غضارة العيش طيبه. و (رفاقا): محطوما منكسرا مدقوقا.
182

بهم الأحباب، وسكنوا [التراب وظعنوا] فليس لهم
اياب (17) هيهات هيهات (كلا انها كلمة هو قائلها
ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) (18) فكأن قد صرتم
إلى ما صاروا إليه من الوحدة والبلى، في دار الموتى (19)
وارتهنتم في ذلك المضجع، وضمكم ذلك المستودع
فكيف بكم لو قد تناهت الأمور، وبعثرت القبور (20)
وحصل ما في الصدور، وهتكت عنكم الحجب والاستار،
وظهرت منكم العيوب والاسرار ووقفتم للتحصيل بين
يدي الملك الجليل (21) هنالك تجزى كل نفس بما

(17) ما بين المعقوفين مأخوذ من تاريخ دمشق. و (فجع بهم) الأحباب - من باب منع -:
توجع الأحباب بفقدهم وتألموا بسبب موتهم.
(18) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (100) من سورة (المؤمنون): 23.
(19) هذا هو الظاهر الموافق لما في تاريخ دمشق، وفي الأصل، (من البلى والوحدة في دار
النوى). والنوى - بفتح النون -: البعد. الوجه الذي يتوجه إليه المسافر.
(20) وفي النهج: (فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور؟ وبعثرت القبور؟ هنا لك تبلو كل
نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون) [30 يونس: 10].
يقال تناهى به الأمر: وصل إلى غايته. وبعثرت القبور: قلب ثراها وأخرج ما فيها.
(21) وفي تاريخ دمشق: (فكيف بكم لو قد تناهت الأمور؟ وبعثرت القبور، وحصل
ما في الصدور؟ وأوقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب
وهتكت عنكم الحجب والاستار، وظهرت منكم العيوب والاسرار (هنالك تجزى كل نفس بما
كسبت ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ووضع الكتاب فترى المجرمين
مشفقين مما فيه، ويقولون: يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها؟
ووجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا).
183

كسبت، أن الله عز وجل يقول: (ليجزي الذين
أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)
[31 - النجم: 53]. وقال: (ووضع الكتاب
فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون: يا ويلتنا
ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها
ووجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا)
[49 - الكهف: 18].
جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه، متبعين لأوليائه
حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله، أنه حميد
مجيد.
الحديث (13) من الفصل: (24) - وهو باب جوامع كلم أمير المؤمنين
عليه السلام - من كتاب المناقب للخوارزمي ص 267 ط النجف.
وقد ظفرنا به أخيرا في الحديث: (182) من كتاب ذم الدنيا لعبد الله
ابن أبي الدنيا...
والخطبة من مشاهير خطبه عليه السلام، وقد رواها جماعة كثيرة من
أعلام الخاصة والعامة مسندة ومرسلة، وقد رواها في الحديث الثاني من الباب
(6) من تذكرة الخواص، ص 131، عن عمر بن معمر الدارقزي، عن
أحمد بن محمد المداري، عن الحسن بن أحمد البناء، عن علي بن محمد بن
بشران، عن الحسين بن صفوان - إلى آخر ما مر عن الخوارزمي - الا انه
184

لم يذكر صدر الخطبة، وممن رواها مع الصدر، علي بن محمد الواسطي في
كتاب عيون الحكم والمواعظ. كما نقلها عنه في الحديث: (109) من باب
(122) - وهو باب حب الدنيا وذمها - من القسم الثالث من البحار: ج
15، ص 96 ط الكمباني. وفي ط الجديد: ج 73 ص 117.
وكذلك رواها مرسلة ومع الصدر، في أواسط الباب: (49) من جواهر
المطالب ص 51، ورواها أيضا بنحو الارسال في دستور معالم الحكم ص
36، ورواها أيضا ابن عساكر، في الحديث: (1280) من ترجمة أمير
المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 216 ط 1، قال:
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم. أنبأنا رشا [ء] بن نظيف، أنبأنا الحسن
ابن إسماعيل، أنبأنا أحمد بن مروان، أنبأنا أبو قبيصة، أنبأنا سعيد الجرمي
عن عبد الله بن صالح العجلي عن أبيه قال...
ورواها أيضا مرسلة في الحديث: (3537) من كنز العمال: ج 8
ص 219 ط 1، ط الهند، عن الدينوري في كتاب (كر).
ورواها أيضا السيد الرضي رضوان الله عليه، في المختار: (223) من
نهج البلاغة.
185

- 50 -
ومن خطبة له عليه السلام
في التوصية بتقوى الله والتذكير بآلاء الله، والتنبيه
على عظيم الأهوال والقيام بين يدي الله تعالى
قال صاحب جواهر المطالب: قال الحسن بن علي شيع علي [عليه السلام]
جنازة فلما وضعت في لحدها ضج أهلها بالبكاء، فقال [علي عليه السلام]
مم يبكون؟ أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم لأذهلتهم معاينتهم عن ميتهم
وان لهم فيه (1) لعودة ثم عودة حتى لا يبقى منهم أحد [ثم قام عليه السلام
خطيبا فيهم] (2) وقال:
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب [لكم]
الأمثال ووقت لكم الآجال (3) وجعل لكم أسماعا تعي ما

(1) كذا في النسخة، وفي حلية الأولياء: ج 1 ص 77، وتذكرة الخواص، ص 140:
(أما والله أن له إليهم لعودة ثم عودة...)
(2) ما بين المعقوفين زيادة توضيحية منا.
(3) وقريب منه جدا في المختار (81) من نهج البلاغة وكلمة: (لكم) الموضوعة بين
المعقوفين مأخوذة من الحلية والتذكرة. وأنما عد عليه السلام ضرب الأمثال وتوقيت الآجال من
جملة نعماء الله التي لأجلها يجب على العبد أن يتقي الله، إذ ضرب الأمثال في كلام الله إنما هو
لتقرير الحقائق في أذهان المكلفين واهتدائهم به، فهو نعمة لهم يجب عليهم شكرها وكذا جعل
الآجال موقتة لا يشوبها تقديم ولا تأخير سبب لانتهازهم الفرص وتزودهم من أموالهم وامكانياتهم
في أيام فراغهم وصحتهم وشبابهم وقدرتهم، فتوقيت الآجال أيضا من النعم التي يجب عليهم أن
يشكروها ويتقوا الله من أجلها.
186

عناها، وأبصارا لتجلي عن عشاها (4) وأفئدة تفهم ما
دهاها، فان الله لم يخلقكم عبثا، ولم يضرب عنكم
الذكر صفحا (5) بل أمدكم بالنعم السوابغ، ورزقكم
بأرفد الروافد (6) وأرصد لكم الجزاء (7) في السراء
والضراء.
فاتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب، وبادروا في
العمل [قبل قدوم] هادم اللذات [ومفرق الجماعات] (8)

(4) هذا هو الظاهر، وفي النسخة (ينجلى) وفي دستور معالم الحكم ونهج البلاغة: (وابصارا
لتجلو عن عشاها). يقال عني الامر لفلان - من باب رمى - عنيا: نزل وحدث به. ويقال (عنا
الامر فلانا عناية وعنيا) شغله وأهمه و (عنى بالامر - على بناء المفعول - عناية وعنيا): اشتغل
وأهم به وأصابته العناء. ويقال: (جلاء زيد الامر - من باب دعا - جلوا وجلاء): كشفه.
و (جلا عنه الهم وأجلاه عنه أجلاء): كشفه عنه و (انجلى عنه الهم) انكشف. والعشا والعشاوة
- بفتح الأول فيهما -: سوء البصر وضعفه: وقوله: (ما دهاها): ما تنوبها وتعرضها. أو
ما يحذفها ويجودها.
(5) وفي الآية: (5) من سورة (المؤمنون): (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لا
ترجعون). وفي الآية (5) من سورة (الزخرف): (أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين).
(6) وفي دستور معالم الحكم: (ورفدكم بأحسن الروافد). والسوابغ جمع السابغة: الواسعة.
(7) هذا هو الظاهر، ولفظة: (الجزاء) كان في الأصل بنحو الاهمال. وفي تذكرة الخواص
(بل أكرمكم بالنعم السوابغ، والآلاء السوائغ، فاتقوا الله عباد الله، وحثوا في المطلب،
وبادروا بالعمل قبل الندم [و] قبل هادم اللذات).
وفي المختار: (81) من النهج: (أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب [لكم] الأمثال
ووقت لكم الآجال وألبسكم الرياش وأرفغ لكم المعاش وأحاطكم بالاحصاء، وأرصد لكم الجزاء
وآثركم بالنعم السوابغ، والرفد الروافغ وأنذركم بالحجج البوالغ).
(8) ما بين المعقوفين مأخوذ من تذكرة الخواص.
187

فان الدنيا لا يدوم نعيمها، ولا يؤمن فجائعها،
غرور حائل وسناد رابل؟!! (9).
فاتقوا [الله] عباد الله فاعتبروا بالآيات والنذر،
وانتفعوا بالمواعظ (10) وكأن قد علقتكم مخالب المنية،
وضمكم بيت التراب، ودهمتكم معضلات الأمور
بنفخة الصور، وبعثرة القبور، وسياقة المحشر (11)

(9) كذا في النسخة، والظاهر أن اللفظة مصحفة وأن الصواب: (سناد مائل). وفي
تذكرة الخواص: (غرور حائل، وسناد مائل ونعيم زائل وجيد عاطل!!! فاتعظوا عباد الله
بالعبر، وازدجروا بالنذر، فكأن قد علقتكم مخالب المنية، وأحاطت بكم البلية).
وفي المختار: (81) من نهج البلاغة: (فاتعظوا عباد الله بالعبر النوافع، واعتبروا بالآي
السواطع، وازدجروا بالنذر البوالغ، وانتفعوا بالذكر والمواعظ).
(10) والنذر جمع النذير: المنذر. الرسول. اسم بمعنى الانذار. مصدر غير قياسية لأنذر
يقال: (أنذره من معصية الله انذارا ونذرا - بالفتح فالسكون - ونذرا بضمتين أو بضمة فسكون
- ونذيرا): أعلمه وحذره من عواقبها.
(11) وفي النهج: (فكأن قد علقتكم مخالب المنية، وانقطعت منكر علائق الأمنية، ودهمتكم
مفظعات الأمور، والسياقة إلى الورد المورود...).
قد علقتكم - من باب علم -: تعلقت بكم ونشب فيكم. والمخاطب: الأظفار، وهي جمع
المخلب - بكسر الميم - بمعنى الخلب - بالكسر فالسكون -: الظفر. المنجل. والجمع الأخلاب:
الأظفار. ويعبر المرودشتيون عن المخالب ب‍ (جنكال) وتعبيرهم أشمل. والمنية: الموت.
ودهمتكم - من باب علم ومنع -: غشيتكم وأصابتكم. ومعضلات الأمور ومفظعاتها: مشكلاتها
وشدائدها. وبعثرة القبور: تقلبها. والسياق والسياقة: السوق.
وفي المختار: (199) من نهج البلاغة: (وكأنكم بمخالبها وقد نشبت فيكم وقد دهمتكم فيها
مفظعات الأمور، ومعضلات المحذور...).
188

وموقف الحساب بإحاطة قدرة الجبار، وكل نفس معها
سائق وشهيدا [سائق يسوقها إلى محشرها، وشهيد]
يشهد عليها بعملها (12) (وأشرقت الأرض بنور ربها
ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء، وقضي بينهم
بالقسط وهم لا يظلمون) (13) فارتجت لذلك اليوم
البلاد!!! [وخشع العباد] وناد [ى] المناد [ي] وكان
يوم التلاق، وكشف عن ساق!!! (14) وكسفت الشمس
وحشرت الوحوش!! وبدت الاسرار، وهلكت الأشرار،
وبرزت الجحيم [و] لها كلب ولجب (15) وقصيف!!!

(12) هذا هو الصواب الموافق لما في نهج البلاغة - وما بين المعقوفين أيضا مأخوذ منه - وفي
الأصل: (بعلمها).
(13) اقتباس من الآية: (69) من سورة الزمر: 39.
(14) ما بين المعقوفين مأخوذ من تذكرة الخواص، وهذا الكلام وما بعده مأخوذ معنى من
آيات كثيرة من القرآن الكريم منها الآية: (13) وما بعده من سورة المؤمن، ومنها الآية:
(42) وما بعدها من سورة القلم: 68.
(15) هذا هو الصواب، وفي الأصل (وبذت) بالذال المعجمة. و (لحب) بالحاء المهملة.
و (بدت) ظهرت وفشت و (برزت الجحيم): أظهرت وأخرجت إلى الفضاء الخالي بحيث يراها
جميع أهل الموقف. و (لها كلب) أي لها نباح كالكلب العقور المستعد للعض والاخذ بشدة وحرص!!!
و (لجب) - كفرس -: الصهيل والصياح والهيجان والاضطراب.
189

[و] رعد وتغيظ وزفير (16) وبرزت الجحيم وغلا حميمها
وتوقد سمومها، فلا تنفس عن ساكنها [ظ] ولا ينقطع
[عنهم] حسراتها ولا تفصم [منهم] كبولها (17) معهم
ملائكة يبشرونهم بنزل من حميم وتصلية حجيم [و] هم
عن ربهم [يومئذ] محجوبون، ولأوليائه مفارقون، والى
النار منطلقون.
فاتقوا الله عباد الله اتقاء من كبع فحسر (18) ووجل

(16) هذا هو الظاهر الموافق للآية: (12) من سورة الفرقان: (إذ رأتهم من مكان بعيد
سمعوا لها تغيظا وزفيرا). وفي الأصل: (ووعيد). ويقال: (قصف الرعد - من باب نصر
- قصفا وقصيفا): اشتد صوته. (وقصف البعير): صرف أنيابه وهدر في الشقشقة.
والرعد - هنا - - التهديد والايعاد، أو الاضطراب والاهتزاز والتمايل من جانب إلى آخر.
والتغيظ: شدة الغضب. والزفير: صوت توقد النار.
(17) وفي تذكرة الخواص: (وبرزت الجحيم قد تأجج جحيمها وغلا حميمها). والحميم:
الماء الحار. وتوقد - على بناء المعلوم -: اشتعل وتلألأ. وعلى بناء المجهول: أوقد وأشعل.
و (فلا تنفس عن ساكنها): لا تفرج الغموم عنهم ولا تزيل الهموم منهم. وقصم الشئ - من
باب ضرب - قصما): قطعة. والكبول - كفلوس -: جمع الكبل - كفلس - القيد أو
العظيم منه.
(18) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (وقال: عباد الله اتقوا الله...).
وفي تذكرة الخواص: (فاتقوا الله عباد الله تقية من وجل وحذر، وأبصر وازدجر...).
ثم إن لفظة: (كبع) كانت في الأصل غير منقوطة، ورسم الخط - كالمعنى - يساعد على أن
تقر (كبع) بالباء الموحدة، وبالنون أيضا، يقال: (كبع زيد آماله - من باب منع -
كبعا): قطعها. و (كبع زيد نفسه): منعها. و (كبع كبوعا): خضع وذل.
ويقال: (كنع زيد عن هواه - من باب منع - كنوعا). جبن وهرب عن اطاعته.
وقوله: (فحسر لعله من قولهم: (حسر فلان البيت - من باب نصر - حسرا): كنسه.
190

فحذر، وأبصر فازدجر [فاحتث] طلبا ونجا هربا (19)
وقدم للمعاد، واستظهر بالزاد، وكفى بالله منتقما
ونصيرا، وكفى بالكتاب خصيما وحجيجا (20) وكفى
بالجنة ثوابا، وبالنار وبالا وعقابا، وأستغفر الله لي ولكم.
الباب (49) من كتاب جواهر المطالب ص 47، وقد تقدم أيضا في
المختار: (36) ص 129، بصدر مغاير لما ها هنا، عن مصدر آخر.
ورواها أيضا سبط ابن الجوزي في الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص،
ص 131، أو 140، نقلا عن حلية الأولياء، كما رواها أيضا في
المختار (11) من مستدرك نهج البلاغة للشيخ هادي رحمه الله.
ورواها قبلهم جميعا أبو نعيم الأصبهاني في ترجمة أمير المؤمنين عليه
السلام من كتاب حلية الأولياء: ج 1، ص 77 قال: حدثنا أبي، حدثنا
إبراهيم بن محمد بن الحسن، قال: كتب إلي أحمد بن إبراهيم بن هشام
الدمشقي حدثنا أبو صفوان القاسم بن يزيد بن عوانة، عن ابن حرث، عن
ابن عجلان، عن [الامام] جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده أن عليا [أمير
المؤمنين عليه السلام] شيع جنازة...
أقول: وفي المختار: (83) من نهج البلاغة أيضا شواهد لهذا الكلام
الشريف.

(19) ما بين المعقوفين مأخوذ من حلية الأولياء، وتذكرة الخواص ومستدرك النهج
- للشيخ هادي رحمه الله - وها هنا في نسخة جواهر المطالب تصحيف.
وفي تيسير المطالب المخطوط ص 130: (فاجتنب هائبا [ظ] ونجا هاربا).
(20) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (83) من نهج البلاغة.
وفي الأصل: (وكفى بالله منتقما وبصيرا، وكفى بالكتاب خصما وحجيجا).
191

- 51 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تحميد الله تعالى وتزهيد الناس عن التعلق بالدنيا
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني تغمده الله برحمته، عن علي بن
الحسين المؤدب وغيره، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن
مهران، عن عبد الله بن أبي الحارث الهمداني، عن جابر، عن أبي جعفر
[الإمام محمد الباقر] عليه السلام، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام
فقال:
الحمد لله الخافض الرافع، الضار النافع (1)
الجواد الواسع، الجليل ثناؤه، الصادقة أسماؤه، المحيط
بالغيوب، وما يخطر على القلوب (2) الذي جعل
الموت بين خلقه عدلا (3) وأنعم بالحياة عليهم فضلا

(1) الخافض للمتكبرين والعالين، والرافع للمتواضعين والمستضعفين، والضار للملحدين
والمتمردين بأنواع النكال والنقمة، والنافع للمؤمنين والمنقادين بأنواع ما يتنعمون به وتشتهي
أنفسهم.
(2) هذا وأمثاله من ضروريات الشرع، وأقوال أمير المؤمنين عليه السلام بانفراده متواترة
على ذلك، وبه يعرف ضلالة من أنكر علمه تعالى بالجزئيات، أو قبل وجود الممكنات.
(3) لعل عدلية الموت بلحاظ أن به يصل إلى كل ذي حق حقه.
192

فأحيا وأمات، وقدر الأقوات، أحكمها بعلمه تقديرا،
وأتقنها بحكمته تدبيرا (4) انه كان خبيرا بصيرا.
هو الدائم بلا فناء، والباقي إلى غير منتهى (5)
يعلم ما في الأرض وما في السماء، وما بينهما وما تحت
الثرى.
أحمده بخالص حمده المخزون (6) بما حمده به
الملائكة والنبيون، حمدا لا يحصى له عدد، ولا يتقدمه
أمد (7) ولا يأتي بمثله أحد، أو من به وأتوكل عليه،
وأستهديه وأستكفيه، وأستقصيه بخير وأسترضيه (8).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره
على الدين كله ولو كره المشركون. صلى الله عليه
وآله.

(4) الظاهر أن الضمير في قوله: (أحكمها... وأتقنها) راجع إلى الأقوات.
(5) أي ان بقاءه تعالى لا انتهاء له.
(6) أي المحفوظ عن شوب الرياء وتشريك غيره فيه.
(7) الأمد: الأجل والمدة المعينة.
(8) أستقصيه بخير: أسأله وأطلب منه نهاية الخير.
(نهج السعادة ج 3) (م 13)
193

أيها الناس ان الدنيا ليست لكم بدار ولا [محل]
قرار [و] إنما أنتم [فيها] كركب عرسوا فأناخوا،
ثم استقلوا فغدوا وراحوا (9) دخلوا خفافا وراحوا خفافا (10)
لم يجدوا عن مضي نزوعا، ولا إلى ما تركوا رجوعا (11)
جد بهم فجدوا وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا حتى إذا
أخذوا بكظمهم (12) وخلصوا إلى دار قوم جفت أقلامهم (13)
[و] لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر، قل في الدنيا لبثهم
وعجل إلى الآخرة بعثهم، فأصبحتم حلولا في ديارهم
ظاعنين على آثارهم، والمطايا بكم تسير سيرا!!! ما
فيه أين ولا تفتير (14) نهاركم بأنفسكم دوب،

(9) الركب: جمع الراكب. (عرسوا): نزلوا في آخر الليل للاستراحة والنوم. (فأناخوا)
أبركوا واستناخوا رواحلهم لوضع الأثقال عنها للاستراحة. (استقلوا) رفعوا رؤسهم من
المنام وقاموا فحملوا أثقالهم. (فغدوا): ذهبوا غدوة وانطلقوا في أول النهار.
(10) والخفاف - بكسر أوله -: جمع الخفيف: السريع. أي دخلوا في المعرس سريعا
ثم ارتحلوا عنه وذهبوا سريعا!!!
(11) النزوع - بضم النون -: الكف والاقلاع.
(12) الكظم - بالتحريك -: مخرج النفس، والجمع كظام وأكظام. والاخذ بالكظم كناية
عن الهلاك والاستيصال، وإنما عبر بالكظم الجل أن العصاة يقبضون وهم حابسون أنفسهم على
كرب ما عملوا وغم ما فعلوا!!!
(13) جف الأقلام كناية عن اخماد شوكتهم وانطفاء آثار مكنتهم وسلطتهم. أو أنه
كناية عن جفاف أقلام حفظة أعمالهم وقاسمي أرزاقهم.
(14) الأين - بفتح الهمزة وسكون الياء -: التعب والاعياء. والتفتير - كالفتور -:
السكون بعد الحدة، واللين بعد الشدة.
194

وليلكم بأرواحكم ذهوب (15) فأصبحتم تحكون من
حالهم حالا، وتحتذون من مسلكهم مثالا!!! (16) فلا
تغرنكم الحياة الدنيا فأنما أنتم فيها سفر حلول [و] الموت
بكم نزول، تنتضل فيكم مناياه، وتمضي بأخباركم
مطاياه (17) إلى دار الثواب والعقاب، والجزاء والحساب.
فرحم الله امرءا راقب ربه وتنكب ذنبه (18) وكابر
هواه وكذب مناه، [ورحم الله] امرءا زم نفسه من
التقوي بزمام، وألجمها من خشية ربها بلجام، فقادها
إلى الطاعة بزمامها، وقدعها [وقرعها (خ)] عن المعصية

(15) يقال: (دأب زيد في العمل - من باب منع - دأبا ودأبا ودؤبا): جد وتعب،
فهو دائب ودؤب. و (دأب الدابة): ساقها شديدا.
ويقال: (ذهب عمرو بالشئ - من باب منع - ذهابا وذهوبا ومذهبا): استصحبه وذهب
به معه. أزاله من مكانه. وأذهبه وأذهب به: أزاله من مكانه. والذهوب - كصبور -: الذاهب.
(16) تحتذون: تقطعون وتسلكون. و (مثالا) مسلكا أي أنتم سائرون على منهاجهم إلى من
له الخلق والامر.
(17) السفر: جمع السافر. وحلول: نازلون. ونزول: واردن. وتنتضل: تترامى.
والمنايا: جمع المنية. والمطايا: جمع المطية.
(18) تنكب ذنبه: عدل عنه وولاه منكبه وأقبل نحو غيره. اجتنبه واعتزله.
195

بلجامها (19) رافعا إلى المعاد طرفه، متوقعا في كل
أوان حتفه، دائم الفكر، طويل السهر، عزوفا عن الدنيا
سأما، كدوحا لاخرته متحافظا (20).
[ورحم الله] امرء جعل الصبر مطية نجاته، والتقوى
عدة وفاته ودواء أجوائه (21) فاعتبر وقاس، وترك
الدنيا والناس [وهو] يتعلم للتفقه والسداد، وقد وقر
قلبه ذكر المعاد (22) وطوى مهاده وهجر وساده،

(19) يقال: (زم زيد الدابة - من باب مد - زما): ربطها وشدها. و (زم الجمال):
خطمها - و (الزمام) - بكسر أوله -: ما يشد به. المقود. والجمع الأزمة. و (اللجام)
بكسر اللام -: سمة للإبل. ما يجعل في فم الفرس من الحديد مع الحكمتين والعذارين والسير، ويعبر
عنه أهل بلادنا من المرودشتيين ب‍ (دهنه) محركة.
و (قدعها) من باب منع -: دفعها. زجرها. ويقال: (قدع زيد فرسه باللجام قدعا):
جذبه به لتقف ولا تجري.
(20) الطرف: العين والحتف - كحرف -: الموت. و (عزوفا): ملولا. زاهدا غير
راغب. و (سأما): كسلا.
ويقال: (كدح زيد في العمل - من باب منع - كدحا) جهد نفسه فيه وكد حتى أثر فيها.
(21) عدة الوفاة: ما يعد ويهيأ من الخيرات. والأجواء: جمع الجوى: الداء وتطاول
المرض. الحرقة وشدة الوجد من عشق أو خوف.
(22) أي جعل ذكر المعاد قبله رزينا ذا وقار، ثابتا على المكارم غير متمايل إلى السفاسف. هذا
بناءا على كون (وقر) من باب شرف، وإن كان من باب التفعيل فمعناه: ان ذكر المعاد جعل
قلبه ساكنا مطمئنا إلى كريم وعد الله.
196

منتصبا على أطرافه، داخلا في أعطافه (23) خاشعا لله
عز وجل، يراوح بين الوجه والكفين، خشوع في السر
لربه، لدمعه صبيب، ولقلبه وجيب!!! شديدة أسباله،
ترتعد من خوف الله عز وجل أوصاله (24) قد عظمت
فيما عند الله رغبته، واشتدت منه رهبته، راضيا
بالكفاف من أمره [وان أحسن طول عمره] (25) يظهر
دون ما يكتم، ويكتفي بأقل مما يعلم، أولئك ودائع
الله في بلاده، المدفوع بهم عن عباده!!! لو أقسم أحدهم
على الله جل ذكره لأبره (26) أو دعا على أحد نصره الله،
يسمع [الله مناجاته] إذا ناجاه، ويستجيب له إذا

(23) المهاد: الفراش. والوساد والوسادة - بتثليث الواو فيهما -: المخدة والمتكأ.
و (منتصبا على أطرافه): حاملا ثقله على قدميه وكفيه وجبهته يناجى الله تعالى قائما وراكعا وساجدا.
و (الاعطاف): جمع العطف - كحبر - الإبط. الجانب.
(24) يقال: رواح بين العملين: اشتغل بهذا مرة وبهذا أخرى. ورواح بين رجليه: قام على
كل منهما مرة. و (صبيب): تصبب وانسكاب. و (وجيب): خفقان واضطراب. و (أسباله):
دموعه السائلة. و (أوصله): أعضاؤه.
(25) ما بين المعقوفين مأخوذ من كتاب الوافي. والكفاف - بفتح الكاف -: ما يبلغ
الانسان إلى حاجته ويغنيه عن الناس.
(26) أي لوفى به وأمضاه وصدقه، يعني يعمل بما حلف وأقسم به.
197

دعاه، جعل الله العاقبة للتقوى، والجنة لأهلها مأوى
دعاؤهم فيها أحسن الدعاء: (سبحانك اللهم) دعاؤهم
المولى على ما آتاهم: (وآخر دعواهم أن الحمد لله
رب العالمين) (27).
الحديث (193) من روضة الكافي، ص 170، ورواه عنه في كتاب
الوافي: ج 3 ص 100. وقريبا منه رواه أيضا الشيخ ورام ابن أبي فراس
رضوان الله عليه في كتاب تنبيه الخواطر، ص 459، وقد تقدم ها هنا،
في المختار: (42) ص 148. وكذلك رواه في أول الباب: (49) من
جواهر المطالب ص 48 غير أن فيه لم يذكر من أول الخطبة ولامن آخرها.
وقريبا منه رواه أيضا في المختار الثامن من خطب مستدرك نهج البلاغة
للشيخ هادي رحمه الله.

(27) اقتباس من الآية: (10) من سورة يونس 10. واليك تمام الآية الكريمة والتي قبلها:
(ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم،
دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين).
198

- 52 -
ومن كلام له عليه السلام
في تمثيله صورة الدنيا واستحضارها عنده ومخاطبته إياها
بأنه طلقها ثلاثا وقطع علاقتها قطعا لا وصل بعده أبدا
الحافظ الكبير ابن عساكر قال: أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم
الحافظ، أنبأنا سليمان بن أحمد، أنبأنا محمد بن زكريا الغلابي أنبأنا العباس
ابن بكار الضبي أنبأنا عبد الواحد بن أبي عمر الأسدي عن محمد بن السائب
الكلبي:
عن أبي صالح، قال: دخل ضرار بن ضمرة الكتاني (1) على معاوية
فقال له: صف لي عليا. فقال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك!
قال له [و] إذ لابد [منه] فإنه:
والله كان [علي] بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا، ويحكم عدلا
ينفجر العلم من جوانبه!!! يستوحش من الدنيا وزهرتها [و] يستأنس بالليل
وظلمته!!!
كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه ويخاطب نفسه،
ويعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب!!!
كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه!!! ويجيبنا إذا سألناه.

(1) كذا ذكره بالمثناة الفوقانية في هذا الموضع من الأصل، وذكره في ابتداء الترجمة من
النسخة هكذا (اللساني)؟
199

وكان مع تقربه الينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له!!! فان تبسم فعن مثل
اللؤلؤ المنظوم.
[كان] يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا
ييأس الضعيف من عدله!!! (2).
فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه - وقد أرخى الليل سدوله وغارت
نجومه (3) - يتمثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم (4)
ويبكي بكاء الحزين!!! فكأني أسمعه الان وهو يقول:
يا ربنا يا ربنا - يتضرع إليه -
ويقول للدنيا: أبي تعرضت؟ ألي تشوفت؟ (5)
هيهات هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثا!!! (6)

(2) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (ولا يأنس).
(3) أرخى: أرسل وجعله رخوا. والسدول: الاستار، وهو جمع السدل - كقفل -:
الستر، ويجمع أيضا على أسدال وأسدل. وغارت نجومه: غابت.
(4) يتململ: يضطرب ويتقلب. والسليم: الملدوغ من حية ونحوها مما إذا لدغ الانسان وأفرغ
سمومه في بنه يوجعه ويقلبه يمينا وشمالا.
(5) كذا في الأصل، يقال: (شاف فلان المرآة - من باب قال - شوفا): صقلها وجلالها.
و (شيفت الجارية): زينت. و (تشوفت الجارية تشوفا): تزينت. و (شوف العروس
تشويفا): زينه.
وفي جل الطرق والمصادر: (ألي تشوقت) بالقاف، والتشوق: اظهار الشوق الشديد إلى الشئ.
(6) يقال: (أبت زيد الامر ابتاتا - وبتته تبتينا وبته - من باب مد وفر - بتا): قطعه.
أمضاه وأكد انجازه.
وفي المختار: (77) من الباب الثالث من نهج البلاغة: (غري غيري لا حاجة لي فيك قد طلقتك
ثلاثا لا رجعة فيها!!! فعيشك قصير وخطرك يسر، وأملك حقير...).
200

فعمرك قصير، وعيشك حقير (7) وخطرك يسير!!!.
آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق!!! (8).
فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق
القوم بالبكاء!!! (9) فقال: هكذا كان أبو الحسن رحمه الله!! فكيف
وجدك عليه يا ضرار؟! قال: وجد من ذبح واحد [ها] في حجرها لا يرقأ
دمعتها ولا يسكن حرها!!! (10) ثم قام فخرج.
ترجمة ضرار بن ضمرة من تاريخ دمشق: ج 25 ص 346، وقد
رواه عن طريق آخر سيأتي نقله.
وقد تقدم أيضا في المختار: (19) من هذا القسم ص 100، عن مصدر
آخر، وله أساتيد ومصادر كثيرة، أشرنا إلى بعضها فيما تقدم.

(7) هذا هو الصواب وفي الأصل: (فعمري قصير ومحلسك حقير).
(8) وفي النهج: (آه من قلة الزاد، وطول السفر، وبعد الرطيق وعظيم المورد!!!).
(9) وكف - كوعدت -: سالت قليلا قليلا. و (نشفت زيد الماء - من باب نصر -
نشفا، ونشفه تنشيفا): مسحه عن جسده بخرقة أو نحوها. واختنق القوم بالبكاء: غصوا
بالبكاء حتى كأن الدموع أخذت بمخنفقهم.
(10) لا يرقأ - من باب منع -: لا يجف ولا ينقطع.
201

- 53 -
ومن كلام له عليه السلام
في التحذير عن الدنيا، وانها غير خليقة للتعلق بها والاطمئنان إليها!!!
قال ابن مسكويه رحمه الله: وخطب [أمير المؤمنين] عليه السلام فقال:
احذروا الدنيا فإنها عدوة أولياء الله وعدوة أعدائه!!!
أما أولياؤه فغمتهم!!! وأما أعداؤه فغرتهم!!! (1)
الحكمة الخالدة - أو جاويدان خرد - ص 111، ط مصر، 1.

(1) وفي المختار: (400) من الباب الثالث من نهج البلاغة: (ان الدنيا تغر وتضر
وتمر!!! ان الله سبحانه لم يرضها ثوابا لأوليائه ولا عقابا لأعدائه).
202

- 54 -
ومن كلام له عليه السلام
في أن أفعال الله تعالى معللة بحكم ومصالح، وأنه تعالى لا يأمر الا بالحسن،
ولا ينهي الا عن القبيح وأنه تعالى منزه عن ظلم عباده
قال ابن مسكويه رضوان الله عليه: وقال [أمير المؤمنين] عليه السلام
في خطبة له:
ان الله لا يأمر الا بالحسنى [بالحسن (خ)]
ولا ينهى الا عن القبيح (1) فلا تخافوا ظلم ربكم
و [لكن (خ)] خافوا ظلم أنفسكم.
الحكمة الخالدة - أو جاويدان خرد - ص 113، ط 1 بمصر.

(1) وكان في الأصل هكذا: (أحسن الأمور عند الله أحسنها عند الناس، لان الله لا يأمر
الا...) وبما أن صدر الكلام لا يلائم النزعة العلوية الإلهية الا على توجيه بعيد، ولم يقم دليل
على صدور الكلام عنه عليه السلام واحتمال السقط والصحيف فيه قائم لم نذكره في المتن.
203

- 55 -
ومن كلام له عليه السلام
في تأكد وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله، قال: حدثني محمد بن هشام المرادي
قال: أخبرنا أبو مالك عمر بن هشام، قال: حدثنا ثابت أبو حمزة [الثمالي]
عن موسى، عن شهر بن حوشب أن عليا [أمير المؤمنين عليه السلام]
قال لهم:
انه لم يهلك من كان قبلكم من الأمم الا بحيث
ما أتوا من المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار!!!
فلما تمادوا في المعاصي (1) ولم ينههم الربانيون والأحبار
عمهم الله بعقوبة!!!
فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل
بكم مثل الذي نزل بهم!!!
واعلموا أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا
يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق، فان الامر ينزل

(1) أي تجاذبوها وتواغلوا فيها. والربانيون: المنسوبون إلى الرب أي الذين لهم علم وعمل
بشؤون الرب ولشؤونه. والأحبار: جمع الحبر - كفلس -: العالم الصالح.
204

من السماء إلى الأرض - كقطر المطر إلى كل نفس بما قدر
الله لها من زيادة أو نقصان!!! في نفس أو أهل أو مال،
فإذا كان لأحدكم نقصان في ذلك ورآى لأخيه عفوة (2)
فلا تكون له فتنة، فان المرء المسلم ما لم يغش دناءة -
يخشع لها إذا ذكرت ويغرى بها لئام الناس - كان كالياسر
الفالج (3) ينتظر أول فوزة من قداحه يوجب له بها
المغنم، ويذهب عنه بها المغرم (4) فكذلك المرء المسلم
البرئ من الخيانة ينتظر [من الله] احدى الحسنيين:
اما داعي الله فما عند الله خير له، واما رزق من الله واسع
فإذا هو ذو أهل ومال ومعه [دينه] وحسبه (5) المال

(2) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (يواري لأخيه عفوه). والعفو - كفلس - والعفوة
- كحبرة وابرة -: الخيار من الشئ وصفوته.
(3) ومثله في الكلمتين - في روايتي ابن عساكر، وقرب الإسناد وتفسير القمي، وتاريخ
اليعقوبي والمختار: (8) من باب غريب كلامه عليه السلام من الباب الثالث من نهج البلاغة.
والياسر المقامر. والفالج: الغالب.
(4) هذا هو الصواب، وفي النسخة في الموردين ذكر (المغنم).
(5) ومثله في النهج والكافي، وتفسير القمي، وقرب الإسناد وتاريخ اليعقوبي والحديث
الثاني من روايتي ابن عساكر، وسقط من البحار لفظ: (دينه) ولذا وضعناه ما بين المعقوفين،
ولم يكن عندي حين تحقيق هذا المورد كتاب الغارات.
205

والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة
وقد يجمعهما الله لأقوام (6).
الحديث: (40) من كتاب الغارات. ص 78 ط 1. ورواه عنه في
الحديث: (76) من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من البحار
ج 21 ص 115، ط الكمباني، نقلا عن كتاب الغارات، وفي الطبعة
الحديثة: ج 100، ص 90.

(6) هذا هو الظاهر الموافق لأغلب مصادر الكلام، وفي النسخة: (وقد جمعها الله لأقوام).
206

- 56 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تحميد الله تعالى والشهادة على الوحدانية والرسالة، ثم بيان ما
أجرى الله تعالى على أيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قطع
جزور الكفر والفساد، ومن إنارة المحجة للسالكين ثم نعت الاسلام
محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه، عن أحمد، عن إسماعيل بن
مهران، قال: حدثنا عبد الملك بن أبي الحارث، عن جابر، عن أبي جعفر
عليه السلام، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الخطبة فقال:
الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه،
وأومن به وأتوكل عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله
عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله، دليلا عليه وداعيا إليه، فهدم أركان
الكفر، وأنار مصابيح الايمان، من يطع الله ورسوله
يكن سبيل الرشاد سبيله، ونور التقوى دليله، ومن
يعص الله ورسوله يخطئ السداد كله، ولن يضر الا نفسه.
207

أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وصية من ناصح،
وموعظة من أبلغ واجتهد.
أما بعد فان الله عز وجل جعل الاسلام صراطا منير
الاعلام، مشرق المنار، فيه تأتلف القلوب، وعليه
تأخى الاخوان، والذي بيننا وبينكم من ذلك ثابت وده،
وقديم عهده، معرفة من كل لكل، لجمع الذي نحن
عليه، يغفر الله لنا ولكم والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
الحديث الثالث من الباب (44) من كتاب النكاح من الكافي ج 5 ص 37.
208

- 56 -
ومن خطبة له عليه السلام
المعروفة بالديباج
وفيها من فضيلة الايمان بالله وبما جاءت به رسله والحث على المكارم
العميلة والمصالح الاجتماعية ما تقر به عيون المؤمنين!!!
الحمد لله فاطر الخلق، وفالق الاصباح (1) ومنشر
الموتى وباعث من في القبور.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان
محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله.
عباد الله أن أفضل ما توسل به المتوسلون (2) إلى

(1) هذا هو الصواب وهكذا ذكره ابن كثير في البداية والنهاية: ج 7 ص 10، عن
كتاب الهيثم بن عدي - وفيه أيضا: (وناشر الموتى) -. وفي النسخة الموجودة عندي من تحف
العقول: (خالق الاصباح).
(2) من قوله: (ان أفضل) إلى قوله -: مصارع السوء) رواه في الحديث (4) من
الباب الثاني من كتاب الزهد، للحسين بن سعيد الأهوازي رحمه الله، وفي الحديث الأول من
الباب: (182) من علل الشرائع، وفي آخر كتاب مصابيح الظلم من محاسن البرقي وفي الحديث (30)
من الجزء (8) من أمالي الطوسي والمختار (108) من خطب نهج البلاغة، ورواه في
الحديث (30) من الباب الأول من الوسائل: ج 1، ص 16، عن كتاب الزهد، وعن
كتاب: (من لا يحضره الفقيه) باختلاف لفظي يسير وزيادة ألفاظ.
(نهج السعادة ج 3) (م 14)
209

الله جل ذكره، الايمان بالله وبرسله وما جاءت به من
عند الله (3) والجهاد في سبيله فإنه ذروة الاسلام،
وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة، وإقامة الصلاة، فإنها
الملة (4) وايتاء الزكاة فإنها فريضة وصوم شهر رمضان
فإنه جنة حصينة، وحج البيت والعمرة (5) فإنهما
ينفيان الفقر، ويكفران الذنب، ويوجبان الجنة، وصلة
الرحم فإنها ثروة في المال ومنسأة في الأجل وتكثير
للعدد (6) والصدقة في السر فإنها تكفر الخطاء (7)
وتطفئ غضب الرب تبارك وتعالى، والصدقة في
العلانية، فإنها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف
فإنها تقي مصارع السوء (8).

(3) وفي النهج: (أن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه، الايمان به وبرسوله).
(4) وفي النهج: (وأقام الصلاة).
(5) وفي النهج: (وحج البيت واعتماره فإنهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب).
(6) وفي النهج: (وصلة الرحم فإنها مثراة في المال، ومنسأة في الأجل).
(7) وفي النهج: (وصدقة السر، فإنها تكفر الخطيئة).
(8) وفي النهج: (فإنها تقي مصارع الهوان).
210

وأفيضوا في ذكر الله - جل ذكره - فإنه أحسن
الذكر (9) وهو أمان من النفاق وبراءة من النار، وتذكير
لصاحبه عند كل خير يقسمه الله - عز وجل - وله دوي
تحت العرش.
وارغبوا فيما وعد [به] المتقون، فان وعد الله
أصدق الوعد، وكلما وعد فهو آت كما وعد.
واقتدوا (10) بهدي رسول الله - صلى الله عليه وآله -
فإنه أفضل الهدي، واستنوا بسنته فإنها أشرف السنن (11)
وتعلموا كتاب الله تبارك وتعالى فإنه أحسن الحديث،
وأبلغ الموعظة (12) وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب،
واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور، وأحسنوا

(9) وفي المختار: (108) من نهج البلاغة: (أفيضوا في ذكر الله فإنه أحسن الذكر،
وارغبوا فيما وعد [الله] المتقين فإنه أصدق الوعد، واقتدوا بهدي نبيكم...).
(10) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (فاقتدوا).
(11) وفي النهج: (واستنوا بسنته فإنه أهدى السنن).
(12) وفي النهج: (وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب...).
211

تلاوته فإنه أحسن القصص (13) وإذا قرء عليكم القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (14) وإذا هديتم
لعلمه فاعملوا بما علمتم منه لعلكم تفلحون.
فاعلموا عباد الله أن العالم العامل بغير علمه كالجاهل
الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم،
وهو عند الله ألوم، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ
من علمه منها على هذا الجاهل المتحير في جهله (15)
وكلاهما حائر بائر، مضل مفتون، مبتور ما هم فيه (16)
وباطل ما كانوا يعملون.
عباد الله لا ترتابوا فتشكوا (17) ولا تشكوا

(13) وفي النهج: (وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص، فان العالم العامل بغير علمه كالجاهل
الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، والحسرة له ألزم، وهو عند الله ألوم).
(14) الكلام مقتبس من الآية: (203) من سورة الأعراف: 7: (وإذا قرء
القرآن فاستمعوا له وأنصتوا...).
(15) هذا هو الظاهر الموافق لرواية الكليني المتقدمة تحت الرقم: (6) من هذا الجزء،
ص 28. وفي الأصل هكذا: (على هذا العالم المنسلخ من علمه مثل ما على هذا الجاهل...).
(16) البائر: المعطل. الباطل، يقال: فلان حائر بائر أي لا يتجه إلى صلاح ولا
يطيع لهاد.
(17) لعل المعنى: لا تسيئوا الظن بالله فتؤل إساءة الظن به إلى الشك في الله أو في عدالته:.
أولا تتهموا الله في قضائه فيسوقكم إلى الشك في ذاته أو في قضائه.
ثم إن جل ما ذكرها هنا في المختار: (6) عن أصول أخر.
212

فتكفروا (18) ولا تكفروا فتندموا، ولا ترخصوا لأنفسكم
فتدهنوا وتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة فتهلكوا،
ولا تداهنوا في الحق (19) إذا ورد عليكم وعرفتموه
فتخسروا خسرانا مبينا.
عباد الله ان من الحزم أن تتقوا الله (20) وان من
العصمة أن لا تغتروا بالله.
عباد الله ان أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه،
و [ان] أغشهم لنفسه أعصاهم له...
عباد الله ان من يطع الله يأمن ويستبشر، ومن يعصه
يخب ويندم ولا يسلم.

(18) إذا الايمان عبارة عن عقد القلب وتصديقه بوجود المبدء المنزه عن النقائص الباعث
للرسل والمحيي للأموات للمجازاة، والفكر عبارة عن عدم هذه العقيدة سواء شك فيها أو اعتقد
عدمها.
(19) فتدهنوا - من باب أفعل -: فتخدعوا أنفسكم بالترخيص في ترك الواجب وفعل
الحرام. والرخص: جمع الرخصة: إجازة فعل شئ أو تركه. ولا تداهنوا: لا تساهلوا
ولا تسامحوا.
(20) الحزم: ضبط الامر واحكامه ولاخذ فيه بالثقة.
213

عباد الله سلوا الله اليقين فان اليقين رأس الدين،
وارغبوا إليه في العافية، فان أعظم النعمة العافية،
فاغتنموها للدنيا والآخرة، وارغبوا إليه في التوفيق، فإنه
أس وثيق (21) واعلموا أن خير ما لزم القلب اليقين،
وأحسن اليقين التقى، وأفضل أمور الحق عزائمها،
وشرها محدثاتها، وكل محدثة بدعة (22) وكل بدعة
ضلالة،، وبالبدع هدم السنن.
المغبون من غبن دينه، والمغبوط من سلم له
دينه (23) وحسن يقينه، والسعيد من وعظ بغيره،
والشقي من انخدع لهواه.

(21) الاس - بتثليث الأول -: أصل الشئ وقاعدته.
(22) عزائم أمور الحق هي التي ثبتت في الشريعة إرادة الشارع فعلها أو تركها من المكلفين.
(وشرها محدثاتها) أي شر أمور القائلين بالحق محدثاتها، أي التي أحدثوها ولم يكن منها في
الكتاب والسنة وسيرة الشارع عين ولا أثر، وليست لها سابقة ولا قدم عهد عند المتشرعة.
و (البدعة): ما تخالف السنة التي ثبتت من تقرير الشارع أو بيانه نصا أو عموما أو اطلاقا،
فالبدعة - بالمعنى المذكور - مساوقة للضلالة وهادمة للسنن.
(23) هذا هو الصواب الموافق لما في ذيل المختار: (82) من نهج البلاغة، وفي الأصل
في كلتا الفقرتين ذكر (مغبون). والمغبون: المخدوع في المعاملة. والمغبوط: الحسن الحال
الذي يتمنى غيره مثل حسن حاله.
214

عباد الله اعلموا أن يسير الرياء شرك (24) وأن
اخلاص العمل اليقين، والهوى يقود إلى النار، ومجالسة
أهل اللهو تنسي القرآن، وتحضر الشيطان (25) والنسئ
زيادة في الكفر (26) وأعمال العصاة تدعو إلى سخط
الرحمان [وسخط الرحمان] يدعو إلى النار، ومحادثة
النساء تدعو إلى البلاء، وتزيغ القلوب، والرمق لهن
يخطف نور أبصار القلوب [و] لمح العيون [إليهن]

(24) هذا وكثير مما بعده مذكور في المختار: (82) من النهج، والرياء هو اتيان العمل
بمرأى ومسمع من الناس ليراه أو يسمع من يتوقع منه غرض دنيوي كي يوصله إلى غرضه سواء
كان رؤية الشخص أو سماعه تمام المحرك إلى العمل أو جزء منه، فإذا انضم إلى العمل العبادي
المقصود اتيانه بقصد القربة شئ غير قصد القربة ولو كان يسيرا فالعمل يصير ريائيا قد أشرك
فيه غير الله.
(25) (تنسي) من النسيان أي تذهب القرآن عن الخواطر وتشغل اللب باللهو. أو أنها
من النسئ بمعنى التأخير أي ان مجالسة أهل اللهو تؤخر التحفظ على القرآن أو العمل به وتقدم الشيطان
وتحضره للعمل برأيه.
(26) النسي: التأخير، والكلام مقتبس من قوله تعالى في الآية: (37) من سورة
التوبة: (إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما...).
وكان أهل الجاهلية يحللون أشهر الحرم لحاجتهم إلى الحرب والإغارة ويحرمون بدلها أشهر الحل.
ولعل الاقتباس من الآية الكريمة هنا للإشارة إلى أن أهل اللهو يطلبون ممن جالسهم تأخير العمل
بالقرآن عن مجلس لهوهم، وأنه ان أراد وأحب العمل به أن يتداركه في غيره.
215

مصائد الشيطان (27) ومجالسة السلطان يهيج النيران.
عباد الله اصدقوا فان الله مع الصادقين، وجانبوا
الكذب فإنه مجانب للايمان، وان الصادق على شرف
منجاة وكرامة، والكاذب على شفا مهواة وهلكة (28)
وقولوا الحق تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله،
وأدوا الأمانة إلى من أئتمنكم عليها، وصلوا أرحام من
قطعكم، وعودوا بالفضل على من حرمكم، وإذا عاقدتم
فأوفوا، وإذا حكمتم فاعدلوا، وإذا ظلمتم فاصبروا، وإذا
أسئ إليكم فاعفوا واصفحوا كما تحبون أن يعفى عنكم،
ولا تفاخروا بالاباء (ولا تنابزوا بالألقاب (29) بئس

(27) يقال: (رمق زيد عمرا - من باب نصر - رمقا): لحظه لحظا خفيفا. أطال
النظر إليه. و (خطف الشئ - من باب علم - خطفا): استلبه بسرعة. و (لمح زيد الشئ
والى الشئ - من باب منع - لمحا): أبصره بنظر خفيف أو اختلس النظر إليه. ولمح الشئ بالبصر:
صوب بصره إليه. والمصائد: جمع المصيد - كمنبر ومنبرة ومحبرة ومعيشة -: ما يصاد به.
(28) على شرف منجاة: على علو نجاة ورفعته. و (شفا مهوات) أي على طرف مهلكة
وحافة مسقط. وشفا - بفتح الشين -: حد الشئ وطرفه -. مهوات ومهوى: ما بين الجبلين
أو الجدارين ونحوهما من المواضع العميقة.
(29) ما بين القوسين هنا - وما يأتي بعيد - مقتبس من الآية: (10) وما بعدها من سورة
الحجرات: 49. ومعنى قوله: (ولا تنابزوا بالألقاب) أي لا يلقب بعضكم بعضا بالألقاب
القبيحة تعييرا وحطا للمقام والمنزلة.
216

الاسم الفسوق بعد الايمان) ولا تمازحوا ولا تغاضبوا
ولا تباذخوا (30) (ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب
أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا). ولا تحاسدوا فان
الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب، ولا تباغضوا
فإنها الحالقة (31) وأفشوا السلام في العالم، ورودا التحية
على أهلها بأحسن منها، وارحموا الأرملة واليتيم، وأعينوا
الضعيف والمظلوم والغارمين، وفي سبيل الله وابن السبيل،
والسائلين وفي الرقاب والمكاتب والمساكين، وانصروا
المظلوم، وأعطوا الفروض (32) وجاهدوا أنفسكم في الله
حق جهاده فإنه شديد العقاب، وجاهدوا في سبيل الله،
واقروا الضيف (33) وأحسنوا الوضوء وحافظوا على الصلوات
الخمس في أوقاتها فإنها من الله عز وجل بمكان (34)

(30) ولا تباذخوا: لا يتفاخر بعضكم على بعض تكبيرا وترفعا.
(31) أي فان المباغضة حالقة لدينكم أو لما فعلتم من الحسنات كحلق الموسى الشعر.
(32) كذا في الأصل، والفروض جمع الفرض وهو الواجب.
(33) يقال: (قرى زيد الضيف - من باب رمى - قرى وقراء): أضافة.
(34) أي بمكان من العظمة والأهمية.
217

ومن تطوع خيرا فان الله شاكر عليم (35) (وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) واتقوا
الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون) [2 / المائدة،
و 102 آل عمران].
واعلموا عباد الله أن الامل يذهب العقل، ويكذب الوعد
ويحث على الغفلة، ويورث الحسرة، فاكذبوا الامل فإنه
غرور، وان صاحبه مأزور (36).
فاعملوا في الرغبة والرهبة (37) فان نزلت بكم رهبة
فاشكروا واجمعوا معها رغبة، فان الله قد تأذن للمسلمين
بالحسنى ولمن شكر بالزيادة (38) فاني لم أر مثل الجنة

(35) اقتباس من الآية (158) من سورة البقرة، وفي النسخة: (ومن تطوع خيرا
فهو خير له، فان الله شاكر عليم). والظاهر أن جملة: (فهو خير له) من زيادات الناسخين
زادوه لانس ذهنهم بقوله تعالى - في الآية (184) من سورة البقرة أيضا -: (فمن تطوع
خيرا فهو خير له، وأن تصوموا خير لكم أن كنتم تعلمون).
(36) (غرور) أي يوجب انخداع صاحبه. (مأزور) أي مأثوم ذو وزر وذنب.
(37) كذا في الأصل، وفي المختار: (27) من نهج البلاغة: (ألا فاعملوا في الرغبة
كما تعملون في الرهبة، الا وأني لم أر كالجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها). ومثله
في الحديث: (1271) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 213 ط 1.
(38) كذا في الأصل، ولعله إشارة إلى الآية: (7) من سورة إبراهيم: (وإذ تأذن
ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد) أو إشارة إلى الآية: (25) من
سورة يونس: 10: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة).
218

نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها؟!! ولا أكثر مكتسبا
ممن كسبه ليوم تذخر فيه الذخائر، وتبلى فيه السرائر.
[ألا] وان من لا ينفعه الحق يضره الباطل، ومن
لا يستقيم به الهدى تضره الضلالة (39) ومن لا ينفعه
اليقين يضره الشك.
[ألا] وانكم قد أمرتم بالظعن (40) ودللتم على
الزاد.
ألا [و] ان أخوف ما أتخوف عليكم اثنان: طول
الامل واتباع الهوى (41).
ألا وان الدنيا قد أدبرت وآذنت بانقلاع (42)

(39) وفي تاريخ دمشق: (ألا وانه من لم ينفعه الحق ضره الباطل، ومن لم يستقم به
الهدى حاربه الضلال). وفي النهج: (ومن لم يستقم به الهدى يجر به الضلال إلى الردى).
وما بن المعقوفات مأخوذ منه ومن تاريخ دمشق والحكمة الخالدة ص 144.
(40) الظعن - كفلس وفرس -: الرحيل.
(41) وفي المختار: (28) من نهج البلاغة والحديث: (1271) من ترجمة أمير
المؤمنين من تاريخ دمشق: (وان أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل).
(42) وفي النهج وتاريخ دمشق: (وآذنت بوداع، وان الآخرة قد أشرفت باطلاع) -
وفي تاريخ دمشق: (قد أقبلت وأشرفت باطلاع).
219

ألا وان الآخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع.
ألا وان المضمار اليوم، والسباق غدا (43).
ألا وان السبقة الجنة والغاية النار (44).
ألا وانكم في أيام مهل من ورائه أجل، يحثه
العجل (45) فمن أخلص لله عمله في أيام [مهله] (46)
قبل حضور أجله نفعه عمله ولم يضره أجله، ومن لم
يعمل في أيام مهله ضره أجله ولم ينفعه عمله (47).

(43) المضمار: الزمان - أو المكان - الذي تضمر فيه الخيل، وكانت العرب تربطون
الخيل وتكثرون ماءها وعلفها حتى تسمن، ثم تقللون علفها وماءها وتجرونها في الميدان حتى
تهزل. وحقيقة التضمير هو العم الثاني لان به يحصل الضمور أي الهزال وخفة اللحم، وقد
يطلق على العمل الأول أيضا.
(44) السبقة - بالتحريك -: الرهن والجعل الذي يجعله المتسابقون للسابق أي الذي
يتقدم ويسبق عند المسابقة وجري الخيل. والغاية: آخر السير ومنتهى المسى سواء انتهى السائر
إليه بالمسرة وطيب النفس أو بالكراهة والمساءة.
قال السيد الرضي رضوان الله عليه، في ذيل المختار: (28) من النهج: ولم يقل [عليه
السلام] السبقة النار كما قال: (السبقة الجنة)، لان الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب وغرض
مطلوب وهذه صفة الجنة دون النار، بل قال: (الغاية النار) لان الغاية قد ينتهي إليها من لا
يسره الانتهاء إليها ومن يسره ذلك، فهي في هذا الموضع كالمصير والمال، قال الله تعالى (قل
تمتعوا فان مصيركم إلى النار) ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال: (سبقتكم إلى النار!!!
فتأمل ذلك فباطنه عجيب.
أقول: هذا ملخص كلامه زيد في علو مقامه.
(45) كذا في الأصل، ومثله في البداية والنهاية غير أنه قال: (من ورائها). والمهل والمهل
- كالأهل والأمل -: الرفق. الامهال أي اعطاء الوقت والمدة.
(46) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (في أيامه...).
(47) كذا في الأصل، ولعل الصواب: (ولم ينفعه أمله؟).
220

عباد الله افزعوا إلى قوام دينكم بإقام الصلاة لوقتها
وايتاء الزكاة في حينها والتضرع والخشوع، وصلة الرحم،
وخوف المعاد، واعطاء السائل، واكرام الضعيفة والضعيف
[كذا] وتعلم القرآن والعمل به، وصدق الحديث،
والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة إذا ائتمنتم.
وارغبوا في ثواب الله وارهبوا عذابه، وجاهدوا في سبيل
الله بأموالكم وأنفسكم، وتزودوا من الدنيا ما تحرزون به
أنفسكم (48) واعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز
بالخير من قدم الخير، أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.
المختار (7) من كلمه عليه السلام من كتاب تحف العقول ص 99 ط
النجف وفي ط ص 149. ومن قوله: (ان أفضل ما توسل به المتوسلون
إلى قوله -: وهو عند الله ألوم) ذكره في المختار (107) من نهج البلاغة،
وأيضا كثيرا من أواخر الكلام ذكره في المختار: (28) من النهج، وفي الحديث
(1271) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 213 ط 1،
ونقله عنه في الحديث (3538) من كنز العمال: ج 8 ص 219 ط الهند.
وكثيرا منها رواه أيضا في الباب (49) من جواهر المطالب ص 60، ورواه
أيضا ابن مسكويه في الحكمة الخالدة ص 144، ط مصر.
وقد ذكرناه أيضا في المختار: ص (282) من القسم الأول: ج 2 ص 422
نقلا عن البداية والنهاية: ج 7 ص 307 نقلا عن الهيثم بن عدي.

(48) يقال: (حرز فلان ماله - من باب نصر - حرزا، وأحرزه احرازا):
صانه وحفظه.
221

- 58 -
ومن كلام له عليه السلام
في الوصية بالتقوى واغتنام أيام الفرصة للمسابقة إلى السعادة والسيادة،
وقطع العلائق عن الدنيا، والانتهاء عن المساوئ والاتصاف بالمحاسن
أوصيكم عباد الله بتقوى الله، والتنافس في الحظ النفيس
والاشفاق من اليوم العبوس، والجد في خلاص النفوس،
والسعي في فكاكها قبل هلاكها، والاخذ لها قبل الاخذ
منها.
اغتنموا أيام الصحة قبل السقم، والشبيبة قبل
الهرم، وبادروا بالتوبة قبل الندم، ولا تحملنكم
المهلة على طول الغفلة، فان الأجل يهدم الامل، والأيام
موكلة بتنقيص المدة، وتفريق الأحبة.
فبادروا رحمكم الله بالتوبة قبل حضور النوبة (1)

(1) أي قبل حضور نوبة فراقك عن أحبتك.
222

وبرزوا للغيبة التي لا تنتظر معها الأوبة (2) واستعينوا
على بعد المسافة بطور المخافة، فكم من غافل وثق
بغفلته وتعلل بمهلته؟! فأمل بعيدا وبنى مشيدا، فنغص
بقرب أجله بعد أمله وفاجأه منيته بانقطاع أمنيته (3)
فصار بعد العز والمنعة، والشرف والرفعة، مرتهنا بموبقات
عمله، قد غاب فما رجع، وندم فما انتفع؟! وشقي
بما جمع في يومه، وسعد به غيره في غده!!! وبقي
مرتهنا بكسب يده، ذاهلا عن أهله وولده، لا يغني
ما ترك فتيلا (4) ولا يجد إلى مناص سبيلا.
فعلام - عباد الله - المنعرج والمدلج؟ (5) والى أين

(2) (وبرزوا للغيبة) أي انصبوا أنفسكم وانشروها وهيئوها للغيبة التي لا تنتظر معها
الأوبة أي الرجعة إلى الدنيا. أو انها من (برز الفرس): سبق الخيل في الميدان. أو من (أبرز
الرجل): عزم على السفر.
(3) أي فصار بعد أمله مكدرا بقرب أجله، وحال قرب الأجل بينه وبين الوصول إلى
المأمول، فلم يتم مراده. والمنية الموت. والأمنية: البغية وما يتمنى.
(4) الفتيل: المفتول فعيل بمعنى المفعول من الفتل وهو اللي. ما فتلته بين أصابعك من
الوسخ. ما يكون في شق النواة. وقيل: هوما في بطن النواة. يقال: ما أغني عنك فتيلا أي شيئا
بقدر الفتيل.
(5) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (المنعرج والدلج) والمنعرج: المنعطف والمرجع.
والمدلج: المأوى يستكن فيها ويلجأ إليها من الحر والبرد وما لا يلائم.
223

المفر والمهرب؟!! وهذا الموت في الطلب، يخترم
الأول فالأول، لا يتحنن على ضعيف، ولا يعرج على
شريف!!! (6) والجديدان يحثان الأجل تحثيثا، ويسوقانه
سوقا حثيثا (7) وكل ما هو آت فقريب، ومن وراء
ذلك العجب العجيب؟!! فأعدوا الجواب ليوم الحساب
وأكثروا الزاد ليوم المعاد.
عصمنا الله وإياكم بطاعته، وأعاننا وإياكم على
ما يقرب إليه ويزلف لديه، فإنما نحن به وله.
المختار: (10) من الباب: (1) من دستور معالم الحكم ص 92 ط مصر.

(6) يخترم: يأخذ. يهلك. ولا يعرج: لا يفق ولا يلبث.
(7) الجديدان: الليل والنهار، و (يحثان الأجل) يحرضانه وينشطانه. و (الحثيث):
السريع.
224

- 59 -
ومن كلام له عليه السلام
في التحذير عن مصادقة الأحمق ومصاحبته،
ووجوب الاستعانة بالله تعالى والانتصاب للقيام بالحق، والفرار من الباطل
وعدم الاتكال على المخلوقين في أمر المعيشة
السيد أبو طالب قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن زيد الحسني قال:
أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي قال: حدثني أخي الحسين بن علي قال:
حدثني محمد بن الوليد بن [ظ] القاسم مولى بني هاشم، قال: حدثني سلمة
ابن كهيل الحضرمي عن الأصبغ بن نباته، قال: سمعت علي بن أبي طالب
عليه السلام يعظ رجلا كان كثير الغزو معه وهو يقول:
يا فلان ما العدو إلى عدوه أسوأ تضييعا من الأحمق
إلى نفسه!!! (1) احذر الأحمق فان الأحمق يرى نفسه محسنا
وإن كان مسيئا؟!! ويرى عجزه كيسا وشره خيرا!!!

(1) الظاهر أن هذا هو الصواب، و (أسوأ تضييعا) أي أشد اهلاكا وافسادا، من قولهم:
(أضاعه وضيعه): أهلكه. وفي الأصل: (تصنيعا) فان صح فالتصنيع بمعنى الصنع والفعل،
أو انه بمعنى التزيين على نفسه وتحسينه عندها.
(نهج السعادة) (م 15)
225

ان استغنى بطر، وان افتقر قنط، وان ضحك شهق،
و [ان] بكى خار؟! وان نصحك أخجلك (2) وان اعتز لك
شتمك، وإن كان فوقك حقرك، وإن كان دونك
همزك!!! (3).
فاستعن بالله، وعليك بالأخلاق الصالحة [ف‍] ان
كنت غنيا فأحسن، وان كنت فقيرا فاصبر. وضع
نفسك للحق وفر بها من الباطل، ولا تتكل في معيشتك
على كسب غيرك!! وتنتظر متى يتصدق عليك.
هكذا رواه عنه في باب التحذير من صاحب السوء - وهو الباب (55) -
من تيسير المطالب في ترتيب أمالي السيد أبي طالب ص 266 من النسخة
المخطوطة، وفي ط 1 ص 419.

(2) الظاهر أن هذا هو الصواب، وفي النسخة: (أعجلك).
(3) يقال: (حقر زيد فلانا - من باب ضرب - حقرا): أذنه. استصغره وعده
حقيرا. ومثله أحقره وحقره واحتقره واستحقره. وهمزك - من باب ضرب -: عابك طعن
فيك. اغتابك في غيبتك.
226

- 60 -
ومن كلام له عليه السلام
بين فيه كيفية الوصية لمن أحس بالموت
قال [عليه السلام] ينبغي لمن أحس بالموت أن يعهد عهده ويجدد وصيته.
قيل: وكيف يوصي يا أمير المؤمنين؟ قال: يقول:
بسم الله الرحمن الرحيم، شهادة من الله (1).
شهد بها فلان ابن فلان (شهد الله أنه لا إله إلا هو
والملائكة وأولوا العلم، قائما بالقسط، لا إله إلا هو
العزيز الحكيم) (2).
اللهم من عندك واليك وفي قبضتك ومنتهى قدرتك،
يداك مبسوطتان تنفق كيف تشاء، وأنت اللطيف الخبير.
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به فلان
ابن فلان، أوصى أنه يشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا

(1) كذا في الأصل.
(2) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (18) من سورة آل عمران: 3.
227

شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى
ودين الحق (لينذر من كان حيا ويحق القول على
الكافرين) (1).
اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا، وأشهد حملة
عرشك وأهل سماواتك وأهل أرضك، ومن ذرأت وفطرت
وأنبت وأبريت، بأنك أنت الله الذي (2) لا إله إلا أنت
وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك،
وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في
القبور، وأن الجنة حق وأن النار حق، أقول قولي هذا
مع من يقوله، واكفيه من أبي ولا حول ولا قوة الا
بالله العلي العظيم.
اللهم من شهد بما شهدت به فاكتب شهادته مع
شهادتي ومن أبي فاكتب شهادتي مكان شهادته، واجعل
لي بها عندك عهدا توفنيه يوم ألقاك فردا، أنك لا

(1) ما بين القوسين اقتباس من الآية: (70) من سورة ياسين: 36.
(2) هذا هو الظاهر، أي وما أبرأت أي خلقت من العدم. وفي الأصل: (أجريت).
وقوله: (بأنك) متعلق بقوله: (أشهدك).
228

تخلف الميعاد.
ثم يفرش فراشه مما يلي القبلة ثم يقول:
على ملة رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]
حنيفا وما أنا من المشركين (3).
ويوصي كما أمر رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم].
الحديث (1295) من المجلد الثاني من دعائم الاسلام ج 1، ص 344
ط مصر.

(3) ما بين المعقوفات كان في الأصل هكذا (صلع).
229

- 61 -
ومن خطبة له عليه السلام
في الاستسقاء
الحمد لله سابغ النعم، ومفرج الهم، وبارئ النسم (1)
الذي جعل السماوات لكرسيه عمادا (1) والجبال للأرض
أوتادا، والأرض للعباد مهادا (2) وملائكته على
أرجائها، وحملة عرشه على أمطائها (3) وأقام بعزته

(1) سابغ النعم: واسعها. بارئ النسم: خالقها. والنس - محركة -: الروح.
الانسان. الحيوان.
وما ألطف هذا الصدر وما أشد ملائمته لما يقصد ويطلب من الاستسقاء؟!!
(2) وفي البحار: (الذي جعل السماوات المرساة عمادا). والمرساة: المثبتات.
وهي [أي السماوات] عماد لما فوقها من العرش والكرسي.
قال المجلسي رحمه الله: وفي التهذيب والفقيه وغيرهما: (جعل السماوات لكرسيه
عمادا) فلعله لكونها تحته فكأنها بمنزلة العماد له.
أقول: والكرسي قيل هو العرش. وقيل: هو سرير دون العرش. وقيل غيرهما. والعماد
ما يتكأ ويعتمد عليه. والأوتاد: جمع الوتد - كحبل وجبل -: ما يثبت ويرز في الأرض
كالمسمار والخشب. والمهاد: ما يمهد ويوطا للاستراحة كالمهد للطبي.
(3) قال المجلس الثاني. وفي أكثر نسخ المباح: (وحمل عرضه على أمطائها) فالضمير
راجع إلى الملائكة. أقول: والأرجاء جمع الرجاء -: الأطراف. والأمطاء: جمع المطا - كعصا
-: الظهر. ومدلول الكلام قريب جدا لمدلول الآية: (17) من سورة الحاقة.
230

أركان العرش، وأشرق بضوئه شعاع الشمس. وأطفأ
بشعاعه ظلمة الغطش (4) وفجر الأرض عيونا والقمر نورا،
والنجوم بهورا (5) ثم علا فتمكن (6) وخلق فأتقن،
وأقام فتهيمن (7) فخضعت له نخوة المستكبر،
وطلبت إليه خلقة المتمسكن (8).
اللهم فبدرجتك الرفيعة، ومحلتك المنيعة، وفضلك
البالغ، وسيبك الواسع (9) أسألك أن تصلي على
محمد وآل محمد، كما دان لك ودعا إلى عبادتك،
وأوفى بعهودك وأنفذ أحكامك، واتبع أعلامك (10)

(4) الغطش - كفلس - الظلمة. والغطش في العين - كعطش -: شبه العمش: ضعف بصرها.
(5) أي مضيئة، من قولهم: (بهرت الشمس - من باب منع - بهرا وبهورا): أضأت.
(6) أي فتمكن في العلو والرفعة.
(7) أي وأقام لهم ما يسد خلتهم ويدفع علتهم ثم راقبهم على أعمالهم وحافظ على ما يصدر
منهم.
(8) كذا في الأصل، والنخوة - بالفتح فسكون -: الحماسة. العظمة. الفخر. والخلة
- بالفتح -: الفقر والحاجة. والمتمسكن: الذي صار مسكينا أي ذليلا ذا فقر وحاجة.
قال المجلسي الأول قدس سره: وفي بعض النسخ: (خله المتمكن) أي في الفقر والحاجة.
(9) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: وسبيلك الواسع). والسيب: العطاء.
(10) دان لك: خضع وانقاد لك. ويقال: (أو في فلان بالعهود إيفاءا - ووفي بها - من باب
وقي - وفاءا): حافظ عليها. أتمها. و (الاعلام): جمع العلم: ما ينصب للاهتداء. والمراد
منها - ها هنا - القوانين الدينية التي أسسها الله تعالى لصلاح عباده وكمالهم، ونصبها لرشدهم واهتدائهم.
231

عبدك ونبيك وأمينك على عهدك إلى عبادك، القائم
بأحكامك، ومؤيد من أطاعك وقاطع عذر من عصاك.
اللهم فاجعل محمدا صلى الله عليه وآله أجزل من
جعلت له نصيبا من رحمتك، وأنضر من أشرق وجهه
بسجال عطيتك، وأقرب الأنبياء زلفة يوم القيامة
عندك (11) وأوفرهم حظا من رضوانك، وأكثرهم
صفوف أمة في جنانك، كما لم يسجد للأحجار، ولم يعتكف
للأشجار، ولم يستحل السباء ولم يشرب الدماء (12).
اللهم خرجنا إليك حين فاجأتنا المضائق الوعرة،
وألجأتنا المحابس العسرة (13) وعضتنا علائق الشين (14).

(11) (بسجال عطيتك) أي بعظام عطاياك وملاء دلاء بركاتك وضروع خيراتك. والسجال
- بكسر السين - جمع السجل - بفتحها -: العطاء. ملؤ الدلو من الماء. النصيب. الضرع
العظيم والزلفة: القربة وزنا ومعنى. المنزلة. الدرجة.
(12) الكاف في قوله: (كما) تعليلية. والسباء - بكسر السين كالسبئية بفتحها -: الخمر.
وجميع ما نزه عنه ساحة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أهل الجاهلية يرتكبونه.
(13) فاجأتنا: ألم بنا ونزل علينا بغتة، والمستفاد من شرح المجلسي الثاني أن رواية الصدوق
في الفقيه: (أجأتنا): ألجأتنا. ولكن المستفاد من شرح المجلسي الأول انه ورد أيضا في بعض النسخ
(فاجأتنا. والمضائق: جمع المضيقة: ما ضاق من الأمور أو الأماكن. والوعرة: الصعبة.
و (ألجأتنا) أي جعلتنا مضطرين و (المحابس): جمع المحبس - بكسر الباء - أو المحبسة - يفتحها
-: مكان الحبس.
(14) أي أضرتنا واشتدت علينا علائق قبح السمعة وسوء الحال، من قلة الأغذية وغلائها وموت
المواشي ويبس النباتات والأشجار. والكلام على الاستعارة.
232

وتأثلت علينا لواحق المين (15) واعتكرت علينا
حدابير السنين (16) وأخلفتنا مخائل الجود (17)
واستظمأنا لصوارخ القود (18) فكنت رجاء المبتئس،
والثقة للملتمس (19) ندعوك حين قنط الأنام، ومنع

(15) تأثلت: تجمعت. استحكمت واستعظمت ولواحق الشئ: ما يلحقه ويتبعه. والمين:
الكذب. أي عظم واستحكم علينا غضبك اللاحق علينا بكذبنا.
(16) اعتكرت: حملت وكرت. وحدابير السنين: المجدبة منها. والحدابير: جمع حدبار،
وهي الناقة أنضاها السير أو الجوع أو العطش فبدا عظم ظهرها من الهزال.
(17) وأخلفتنا: جعلت موعدها لنا في خلف ولم تف به، يقال: (أخلف الغيث):
أطمع في النزول ثم نكص عنه. ومخايل الجود مظانه ومحال خياله وحسبانه. والجود - كقول -:
المطر، ومظانه السحابة المخيلة - بضم الميم وفتحها ثم كسر الحاء وسكون الياء، والمخيلة بضم
الميم وفتح الخاء وكسر الياء. والمختالة. - والمخيلة أي التي تنذر بالمطر وتحسبها ماطرة. وقال في
المصباح: (أخالت السحابة) إذا رأيتها وقد ظهرت فيها دلائل المطر فحسبتها ماطرة فهي مخيلة...
(18) قال المجلسي الثاني: وفي بعض النسخ: (العود). والقود - بالفتح -: الخيل.
و (العود) بفتح العين المهملة: المسن من الإبل والشاء والأخير أنسب. ثم قال: وقال الوالد: أي صرنا
عطاشا لصراختها أو صرنا طالبين للعطش أي رضينا بالعطش مع زوال عطشهم. ويحتمل أن
يكون الاستفعال للإزالة أي صرنا طالبين لإزالة العطش لصوارخها. ثم قال: ويحتمل أن يكون من
(ظمأ إليه) أي اشتقنا إلى المطر لها... أقول: وفي بعض المصادر: (واستظمأنا الصوارخ
القود) أي الصوارخ التي تقاد. وهي جمع صارخة - فان صح فلعل المراد منها ها هنا -: السحابة
التي تقودها الرياح ولها رعد وصياح وولولة.
(19) وفي المختار: (111) من نهج البلاغة: (فكنت الرجاء للمبتئس والبلاغ للملتمس):
والمبتئس: الذي أصابه البؤس ومسه الفقر والشدائد.
233

الغمام، وهلك السوام (20) يا حي يا قيوم، عدد
الشجر والنجوم، والملائكة الصفوف، والعنان المكفوف (21)
أن لا تردنا خائبين، ولا تؤاخذنا بأعمالنا، ولا تحاصنا
بذنوبنا (22)
وأنشر علينا رحمتك بالسحاب المتئق (23) والنبات

(20) قنط - من باب نصر ومنع -: يئس. والأنام الخلق. والغمام السحاب. والسوام:
البهائم الراتغة والانعام الراعية التي تطلق لتمشي إلى المرعى.
أي ندعوك حين يئس الخلق من نزول بركات السماء، وحصول خيرات الأرض وحين منع
السحاب وبخل من الترشح بما فيه من الماء، وحين هلك الانعام الراتعة والبهائم الراعية. وقوله
(عدد الشجر...) قائم مقام المفعول المطلق لقوله: (ندعوك).
(21) وعنان السماء: ما ارتفع منها، وما بدا لك منها إذا نظرت إليها والعنان: السحاب.
والنجوم: جمع النجم: ما نجم - أي طلع - من الأرض من النبات بغير ساق كما أن هذا المعنى هو
المراد من قوله تعالى في الآية (6) من سورة الرحمان: (والنجم والشجر يسجدان). ويحتمل
أيضا أن يراد منه الكواكب.
(22) كأنه من قولهم: (حاصه الغرماء محاصة، أو تحاص القوم الشئ): اقتسموه بينهم
حصصا. والمراد المقاسمة بالاعمال بأن يسقط حصة من الثواب لأجل الذنوب، أو يجعل لكل ذنب
حصة من العقاب.
(23) كذا في الأصل، وفي بعض المصادر: (المنساق) وكأنه مصحف (المتآق) من قولهم:
(تئق الاناء - من باب علم - تأقا): امتلأ فهو تئق ومتآق. والمتئق - على بناء اسم الفاعل من
باب الافعال - أي الذي يملا الغدران والجباب والعيون. ويمكن أن يقرأ على بناء اسم المفعول أو
اسم الفاعل من باب الافتعال أي الممتلئ ماءا. قال الجزري: يقال: أتأقت الاناء: ملأته. ومنه
حديث علي عليه السلام: (أتأق الحياض بمواتحه). وفي النهج: (وانشر علينا رحمتك بالسحاب
المنبعق، والربيع المغدق، والنبات المونق سحا وابلا، تحيي به ما قد مات، وترد به ما قد
فات...).
والمنبعق: المنفرج عن المطر. والمغدق: المتسع المخصب. والمونق: المعجب المفرح. وسحا:
صابا صبا غزيرا، متتابعا. وابلا: مطرا شديدا.
234

المونق وامنن على عبادك بتنويع الثمرة، وأحي بلادك
ببلوغ الزهرة (24) وأشهد ملائكتك الكرام السفرة،
سقيا منك نافعة [مباركا] غزرها، واسعا درها (25)
سحابا وابلا سريعا عاجلا، تحيي به ما قد مات، وترد
به ما قد فات، وتخرج به ما هو آت.
اللهم اسقنا غيثا ممرعا طبقا مجلجلا (26)
متتابعا خفوقه، منبجسة بروقه مرتجسة هموعه (27)

(24) تنويع الثمرة وبلوغ الزهرة: كنايتان عن عموم الخصب. ووفور البركة في جميع
النواحي لأجل نزول المطر النافع فيها: والزهرة إما أن يقرأ بكسر الزاء، فيراد منها حاجة العباد
ووطرهم وإما أن يقرأ بفتح الزاء، فيراد منها نور النباتات والأشجار، ويراد من بلوغه ما يراد
من بلوغ الانسان، وهو وصولها إلى حد الكمال بحيث يترتب عليه جميع آثار النباتية على نحو الأتم.
(25) السفرة: جمع السافر: الكاتب ويراد منها هنا حفظة العباد وكتبة أعمالهم. والغزر
والغزارة: الكثرة والدر: الخير الكثير.
(26) ممرعا: مخصبا. طبقا: عاما. مجلجلا: سائدا على الارجاء مطبقا.
(27) متتابعا خفوقه أي متواليا هيجان بروقه أو أصوات رعوده. والخفوق: صوت الشئ ودويه.
اضطراب الراية. و (منبجسة بروقه) أي يفجر الماء من بروقه، يقال: بجس زيد الماء من باب
ضرب ونصر بجسا، وبجسه تبجيسا) فجره. و (تبجس وانبجس الماء): انفجر.
والبروق: جمع البرق. و (مرتجسة هموعه) أي صائتا سيلانه، ويكون إذا صوت ورعد جريانه،
يقال: (ارتجست السماء ورجست - من باب نصر - رجسا): رعدت رعدا شديدا. وسحاب
همع ككتف: ماطر.
235

وسيبه مستدر، وصوبه مسبطر (28) لا تجعل ظله
علينا سموعا، وبرده علينا حسوما، وضوءه علينا رجوما،
وماءه أجاجا، ونباته رمادا رمددا (29).
اللهم إنا نعوذ بك من الشرك وهواديه، والظلم
ودواهيه، والفقر ودواعيه (30).

(28) السيب: العطاء. و (مستدر): كثير السيلان. مستمر و (الصوب): الانصباب
والنزول.
و (مسبطر): ممتد. سريع. قال في القاموس: اسبطر: امتد. واسبطرت الإبل: أسرعت.
قال المجلسي في البحار: وفي بعض نسخ الفقيه والتهذيب: (مستطر) - بفتح الطاء وتخفيف
الراء -: مكتوب مقدر عندك نزوله. ولعله تصحيف.
(29) سموما - بالفتح -: حارا محرقا. وبالضم -: قاتلا. و (حسوما): شوما حاسما
للخيرات. والرجوم: جمع الرجم: ما يرجم ويرامى به والظاهر أن المراد منه ها هنا هو
الصاعقة. و (أجاجا): مرا مالحا أو ضارا غير نافع. و (رمادا رمددا - وفي بعض النسخ:
- رمدادا): هالكا فاسدا. و (رمدد) بكسر الراء وسكون الميم وكسر الدال وفتحها معا.
قال الفيروزآبادي: الرمد داء - بالكسر - والارمداء - كالأربعاء -: الرماد: ورماد
أرمد ورمدد - كزبرج ودرهم - ورمديد: كثير دقيق جدا. أو هالك.
(30) هوادي الشرك: مقدماته وأوائله من الرياء والسمعة وغيرهما من المعاصي قال
في القاموس: الهادي: المتقدم والعنق، والجمع: الهوادي يقال: أقبلت هوادي الخيل إذا
بدت أعناقها. ودواهي الظلم: ما يلزمه من النوائب والشداد من مصيبات الدنيا وعقوبات
الآخرة، وهي جمع الداهية: المصيبة. الامر العظيم. الامر المنكر.
ودواعي الفقر: علله وأسبابه، وهي جمع الداعية: السبب والعلة.
236

يا معطي الخيرات من أماكنها ومرسل البركات من
معادنها، منك الغيث المغيث، وأنت الغياث المستغاث (31)
ونحن الخاطئون وأهل الذنوب، وأنت المستغفر الغفار،
نستغفرك للجهالات من ذنوبنا، ونتوب إليك من عوام
خطايانا (32).
اللهم فأرسل علينا ديمة مدرارا، واسقنا الغيث واكفا
مغزارا (33) غيثا واسعا، وبركة من الوايل نافعة (34)

(31) (من أماكنها) أي من محالها التي قررتها فيها كما قررت محال المطر من السماء. والبركات: هي
زيادات الخيرات. و (معادنها): محالها التي هي مظنة حصولها منها. و (الغيث الغيث): المطر
العام. و (الغياث) الاسم من الإغاثة. والمستغاث: الذي يستغاث به أي يفزع إليه في الشدائد.
(32) المستغفر - بفتح الفاء -: المطلوب منه المغفرة. والغفار: كثير المغفرة والغفران.
و (من) في قوله: (للجهالات من ذنوبنا) للبيان فان كل ذنب تلزمه جهالة بعظمة الرب سبحانه
وتعالى وشدائد عقوبات الآخرة، كما حمل عليه قوله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء
بجهالة) [17 / النساء].
قال المجلسي الثاني وفي أكثر نسخ الفقيه: (للجمات من ذنوبنا) أي الكثيرات [منها].
وعوام خطايانا جميعها.
(33) الديمة - بكسر الدال - أي مطرا دائما بلا رعد وبرق. و (مدرارا): كثير السيلان
أو النفع. و (واكفا): متقاطرا منهلا شديدا انصبابه. و (مغزارا): كثيرا.
(34) أي نموا وزيادة من المطر الشديد. الوايل: المطر الشديد الضخم القطر. وقال المجلسي
الوجيه: (وفي بعض النسخ بالقاف أي منتقعة ثابتة في الأرض ينتفع بها طول السنة. أو من قولهم
نقع الماء العطش نقعا ونقوعا: سكنه.
237

يدافع الودق [منها] الودق دفاعا (35) ويتلو القطر
منه القطر، غير خلب برقه (36) ولا مكذب رعده، ولا
عاصفة جنائبه (37) بل ريا بغص بالري ربابه وفاض (38)

(35) هذا هو الظاهر من سياق ما بعده من الكلام الموافق لما في نهج البلاغة والبحار، وفي
الأصل: (وتدافع). وقال في البحار: وفي بعض النسخ (تدافع) - كما في التهذيب والفقيه -
والودق: المطر: أي تكثر المطر: بحيث تتلاقى القطرات في الهواء [و] يدفع بعضها بعضا.
ويحتمل أن يكون ضمير الفاعل راجعا إلى البركة. وفي بعضها: (يدافع) بالياء، فان قرئ على بناه
المجهول يرجع [الضمير] إلى الأول، وان قر على بناء الفاعل فالضمير راجع إلى الله، أو إلى
الوابل أو الغيث. وفي الجميع تكلف. وفي النهج: (يدافع الودق منها الودق) وهو أظهر.
(36) البرق الخلب الخادع أي ما يطمع الناس في المطر ولا مطر معه.
(37) أي لا يكون رياح جنوبه مهلكة شديدة الهبوب. والجنائب: جمع الجنوب -: الرياح
التي تهب من ناحية الجنوب.
(38) كذا في الأصل، ولعل الصواب: (ففاض) تشبيها بالأودية تمتلئ بالماء ثم تفيض
به. والري - بالكسر -: الارتواء من الماء والغص: الامتلاء والغصة: ما اعترض في الحلق.
ويقال: (روي زيد من الماء - من باب رضي - ريا - بكسر الراء وفتحها - وروى): شرب
وشبع فهو ريان. و (غص زيد - من باب برود - بالماء غصصا): اعترض في حلقه شئ منه
فمنعه التنفس فهو غاص وغصان. و (غض بهم المكان): امتلأ وضاق عليهم. والرباب - كشباب
-: السحاب الأبيض أو السحاب الذي تراه كأنه دون السحاب، قد يكون أبيض وقد يكون أسود.
والكلام محمول على المبالغة أي يكون غيثا مرويا يمتلئ سحابه بالري كأنه لكثرته اعتراض في حلقه.
ويكمن أن يكون التخصيص بالسحاب الأبيض أو الرقيق - ان أريد هنا خصوصه - المبالغة أي
يكون سحابه الرقيق والأبيض كذلك فكيف أسوده!!! فان الغالب في السحاب الأبيض ولا رقيق
قلة الماء. ويحتمل أن يراد به هنا مطلق السحاب.
ويقال: (فاض الوادي بالماء - من باب باع - فيضا وفيضا وفيضانا): سال وجرى به.
238

فانصاع به سحابه (39) وجرى [من] آثار هيدبه
جنابه (40).
سقيا منك محيية مروية محفلة مفضلة (41) زاكيا

(39) (فانصاع به سحابه): فانفجر به سحابه.
وقال المجلسي الأول - قدس سره -: أي انفتل ورجع سحابه بالفيضان.
وقال ولده الفائض بأنوار أهل البيت: [معنى قوله]: (وفاض فانصاع به سحابه) أي
يكون غيثا يفيض ويجري منه الماء كثيرا ثم يرجع سحابه مسرعا بالفيضان، فالضمير في قوله: (به)
راجع إلى الفيضان المفهوم من قوله (فاض).
(40) ما بين المعقوفين زيادة منا يقتضيها السياق.
وقال في البحار: وفي بعض نسخ التهذيب: (جبابه،) بالبائين الموحدتين [بعد الجيم]
وهو بالكسر: جمع الجب [بضم الجيم]: البئر التي لم تطو. والهيدب السحاب المتدلي أو
ذيله. وفي الصحاح: هيدب السحاب: ما تهدب منه إذا أراد الودق كأنه خيوط. والجناب الفناء
والناحية، والمراد [منه] هنا الأرض التي يقع الغيث عليها فالكلام يحتمل وجوها:
الأول أن يكون نسبة الجريان إلى الجناب - أو الجباب - على المجاز كقولهم: (جرى
النهر) - أي يجري الماء في الأرض أو آبارها عقيب إرادة سحابه الأمطار.
الثاني أن يكون قوله: (آثار) منصوبا بنزع الخفاض أي جرى الماء في جنابه لاثار هيدبه أي
سحابه المتدلي.
الثالث أن يقرأ: (آثار) بالرفع، و (جنابه) بالنصب على الظرفية أي جرى آثار سحاب
المطر - وهي الماء - في جنابه. ويمكن [أيضا] أن يقرأ (هيدبة) بالتاء مضافة إلى (جنابه)
لكنه أبعد.
الرابع أن يقرأ (جرى) عل بناء التفعيل أي جرى الغيث آثار سحابه في جنابه. والكل
بعيد. أقول: وعلى ما ذكرناه من سقوط كلمة: (من) عن النسخ معنى الكلام جلي ولكن بقي.
الكلام في أنه هل يصح أن يكون الأصل: (وجرى [من] آثار هيدبه حبابه) بفتح الحاء المهملة
ثم بائين - أي فقاقيعه وهي النفاخات التي تعلوا الماء عند جريان المطر، ويسميها أهل بلادنا
(كلندروك) على زنة (سمندر) بزيادة واو وكاف في آخره.
(41) محفلة: مالئة للأودية من قولهم: (حفل الماء - من باب ضرب - حفلا وحفولا
وحفيلا): اجتمع بكثرة. والوادي بالسيل: جاء بملاء جنبيه. وحفلت السماء اشتد مطرها.
قال المجلسي الأول: وفي بعض النسخ: (مخضلة) [من قولهم]: أخضلة: بله ونداه. أقول
ومثله خضله من باب التفعيل. قال: ثومفضلة من الافضال، وفي بعض النسخ: (متصلة).
239

نبتها، ناميا زرعها، ناضرا عودها ممرعة آثارها،
جارية بالخصب (42) والخير على أهلها، تنعش بها
الضعيف من عبادك (43) وتحيي بها الميت من بلادك،
وتنعم بها المبسوط من رزقك (44) وتخرج بها المخزون
من رحمتك، وتعم بها من نآى من خلقك (45) حتى

(42) (ناضرا) من النضارة وهي الحسن وشدة خضرة النبات والشجر لاشباعهما من
الماء وكونهما ريانا. و (ممرعة آثارها) منقولهم: (مرع رأسه - من باب منع - مرعا،
وأمرعه بالدهن امراعا): مسحه به وأكثر منه. أو من قولهم: (مرع شعره مرعا): سرحه
أي سقيا تكون آثارها من شدة اسباغها وامتصاصها الماء مدهونة أي يترشح منها الدهن من شدة
سمنها. (والخصب) كحبر.: كثرة الخير ووفور النعمة.
(43) تنعش بها - من باب منع -: تجبرهم بها بعد فقرهم وتقيمهم بعد لصوقهم بالأرض
من شدة الضعف، وترفعهم بعد ضعتهم من الفاقة.
(44) تنعم بها - من باب أفعل -: تجعل بها مبسوط رزقك ناعما طيبا ذا لين ورغد.
(45) (من نآى) من بعد منا أي تكون السقيا عامة ولا تكون مخصوصة بنا وبمن يلينا.
والفعل أي (نآى) من باب منع، ومصدره: النأي - كالمنع: البعد. وقال المجلسي الأول قدس
سره: وفي بعض النسخ: (من نأ) أي [من] نهض بجهد ومشقة.
أقول: والفعل من باب (قال) ومن معانيه: السقوط، ويقال أيضا: (ناء به الحمل):
أثقله وأماله. و (ناء بالحمل) نهض به مثقلا.
240

حتى يخصب لامراعها المجدبون (46) ويحيا
ببركتها المسنتون (47) وتترع بالقيعان غدرانها (48)
وتورق ذرى الآكام زهراتها (49) ويدهام بذرى الآكام

(46) أي حتى يطيب من أجل امراع السقيا - أي انهائها النباتات وايصالها إياها إلى
أعلى حد كمالاتها - عيسش المجدبين يعنى المبتلين بالقحط، وحتى يتوفر بها خيراتهم.
قال المجلسي العظيم قدس سره: يكن أن يقرأ (يخصب) على بناء المجرد - [من باب ضرب
وعلم] - والافعال، والمضبوط في أكثر النسخ الثاني وكذا (امراعها) يحتمل فتح الهمزة
[على أن تكون جمع المريع بمعنى الخصيب، أو جمع المرع - كفلس - بمعنى الكاء].
و [يحتمل أيضا] كسرها، والمضبوط الثاني فيكون مصدرا.
(47) المسنتون: المجدبون أي المبتلون بالقحط. قال الجوهري: أسنت القوم: أجدبوا
وأصله من السنة [بمعنى القحط] قلبوا الواو تاءا ليفرقوا بينه وبين قولهم: أسنى القوم إذا
قاموا سنة في موضع. وقال الفراء: توهموا أن الهاء أصلية إذ وجدوها ثالثة فقلبوها تاء.
(48) يقال: (ترع الحوض - من باب منع - ترعا): امتلأ. و (اترع الاناء - من
باب افتعل - اتراعا): امتلأ فهو ترع، وأترعت الاناء: ملأته. والقيعان: جمع القاع:
الأرض السهلة المطمئنة التي انفرجت عنها الجبال والآكام. والغدران - بالضم -: جمع الغدير.
(49) قال المجلسي الأول وفي بعض النسخ: (الأكمام) أي تصير زهراتها وأنوارها ذات
أوراق في أعالي أتلالها أو في أعالي غلف أزهارها وأغطية أنوارها. قال: وفي بعض النسخ:
(رجوانها) قال: [وهي] تثنية رجا بمعنى الناحية أي طرفيها؟
يقال: أورق الشجر: خرج ورقة وصار ذا ورق. والذرى - بضم الذال وكسرها -:
جمع الذروة - بكسرها -: أعلى الشئ. والآكام: التلال، وهي جمع الأكمة - محركة - أو
جمع جمعها، وهي التل أو الموضع الذي يكون أكثر ارتفاعا مما حوله. و (الأكمام): جمع
الكم - بكسر الكاف -: الغلاف الذي يحيط بالزهر - أو التمر أو الطلع - فيستره ثم ينشق عنه.
وفي كتاب التهذيب: (وتورق ذرى الآكام رجواتها) وهي جمع الرجاء بمعنى الناحية.
و (ذرى الآكام) منصوبة على الظرفية أي تصير رجوات السقيا ونواحيها التي تقع عليها ذات
ورق ونبات في ذرى الآكام أيضا مع بعدها عن الماء. ويحتمل أن يكون الايراق بمعنى التزيين
والروقة مجازا. أقول: هكذا أفاده المجلسي الثاني رفع الله مقامه.
(نهج السعادة ج 3) (م 16)
241

شجرها وتستحق بعد اليأس شكرا، منة من مننك مجللة (50)
ونعمة من نعمك مفضلة، على بريتك المؤملة (51) وبلادك
المغربة، وبهائمك المعملة، ووحشك المهملة (52).
اللهم منك ارتجاؤنا واليك مآبنا، فلا تحبسه لتبطنك
سرائرنا (53) ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، فإنك
تنزل الغيث من بعد ما قنطوا وتنشر رحمتك، وأنت الولي
الحميد.

(50) الدهمة: السواد، ويدهام: يشتد سواده أي خضرته لاشباعه من الري. ومجللة
- بكسر اللام -: عامة. ويقال للسحاب الذي يعم الأرض بالمطر المجلل.
(51) كذا في مسودتي التي كتبتها بيدي. و (المفضلة) من الافضال أو التفضيل، بالفتح
والكسر. والمؤملة: الذين تعلقت آمالهم بذيل عناية الله، ومدوا أعينهم إلى أبواب رحمة الله
ولطفه وكرمه. وفي المختار: (113) من نهج البلاغة: (على بريتك المرملة). والمرملة على صيغة
الفاعل -: الفقيرة اللاصقة بالرمل.
(52) (المغربة): المبعدة عن الزاد، يقال: دراهم غاربة أي بعيدة. وربما يقرأ
بالغين والراء والنون أي اليابسة. وبالعين المهملة والرأي والباء أي البعيدة عن المرعى.
هكذا أفاده المجلسي الأول قدس سره، وقال ولده وفرعه الزاكي المجلسي الثاني رفع الله مقامه:
في أكثر نسخ التهذيب والفقيه وبعض نسخ المتهجد: (المعرنة:) بالعين والراء المهملتين
والنون - بفتح الراء أو كسرها - بمعنى البعيدة، يقال دراهم عارنة: بعيدة. وفي بعض النسخ بالعين
المهملة والرأي والباء الموحدة فهو أيضا يحتمل الفتح والكسر والمعنى قريب مما مر، وفي القاموس:
أعزب: بعد وأبعد. والعازب: الكلاء البعيد. وفي بعضها بالغين المعجمة والراء المهملة من الغروب
بمعنى البعد والغيبة والمعان متقاربة. والمعملة اسم مفعول من الاعمال لان الناس يستعملونها في أعمالهم
ويقابله المهملة [أي] التي أهملوها وتركوها وحشية في البراري ولا راعي لها ولامن يكفلها.
(53) يقال: رجيته وترجيته وارتجيته: رجوته. والمآب: المرجع. (لتبطنك سرائرنا)
أي لعلمك ببواطننا وما نسره ونضمره فيها.
242

ثم بكى عليه السلام فقال:
سيدي صاخت جبالنا واغبرت أرضنا وهامت دوابنا (54)
وقنط ناس منا (55) وتاهت البهائم، وتحيرت في
مراتعها، وعجت عجيج الثكلى على أولادها، وملت
الدوران في مراتعها حين حبست عنها قطر السماء، فرق
لذلك عظمها، وذهب لحمها، وذاب شحمها، وانقطع
درها.
اللهم ارحم أنين الآنة، وحنين الحانة، ارحم
تحيرها في مراتعها، وأنينها في مرابضها (56) يا كريم.

(54) قال المجلسي الأول في شرح كتاب الفقيه: (ساخت أو صاخت جبالنا): غاصت في
الأرض. واستوت معها لعدم النبات... وقرء (صاحت) من الصياح أي خلت من النبات.
وقال المجلسي الثاني: (صاحت جبالنا): جفت ويبست. وفي بعض النسخ بالضاد المعجمة
[بمعنى] خلت. وفي بعضها بالصاد المهملة والخاء المعجمة أي انخسفت ورسبت في الأرض.
وفي الفقيه بالسين المهملة والخاء المعجمة بهذا المعنى ومرجعه إلى أنه كناية عن فقد الشجر والنبات
عليها. فكأنها غير محسوسة [و] غائرة في الأرض.
و (هامت دوابنا): عطشت. أو ذهبت على وجوهما لشدة المحل من (هام على وجهه - من
باب باع - هيما وهيمانا): ذهبت من العشق وغيره.
(55) وبعده في النسخة هكذا: (أو من قنط منهم). أقول والظاهر أن الترديد من الراوي
أي اما قال: قنط ناس منا، أو قال: وقنط من قنط من الناس. أقول: وفي المقام يحتمل وجوه
أخر مذكورة في شرح الخطبة من بحار الأنوار.
(56) الأنين: صوت المريض وشكواه من الوصب. والآنة: الشاة. والحنين: صوت
المتألم. والحانة: الناقة. والمراتع: جمع مرتع: محال الكلاء والنبات والرعي. والمرابض:
جمع مربض: مأوى الدواب ومحل استراحتها.
243

الحديث الأول من باب صلاة الاستسقاء من كتاب (من لا يحضره الفقيه):
ج 1، ص 337، ط الغري وتهذيب الاحكام: ج 3 ص 151، ط النجف
والخطبة رواها أيضا في كتاب مصباح المتهجد، ص 367 ط إيران.
كما رواها أيضا عنهم مشروحة وفي الحديث الثاني من باب صلاة
الاستسقاء من بحار الأنوار: ج 18، ص 100، ط 1. وفي ط الحديث:
ج 91 ص 293.
ورواها أيضا في باب صلاة الاستسقاء من ترتيب التهذيب: ج 3 ص 43.
ونقلها الكفعمي رحمه الله في الدعاء الثالث من الباب (49) من كتاب
المصباح ص 222، المخطوط ورواها أيضا في الصحيفة العلوية للسماهيجي
ص 188، ونقلها أيضا في الحديث الرابع من باب صلاة الاستسقاء من كتاب
مستدرك الوسائل: ج 1، ص 442 ط 1، وذكرها أيضا، في المختار: (59)
من مستدرك نهج البلاغة للشيخ هادي رحمه الله - ص 74، وقطعة منها
ذكرها في آخر الباب: (66) من جواهر المطالب ص 110.
وقطعا من أواخرها رواها السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار:
(113) من نهج البلاغة.
244

- 63 -
ومن كلام له عليه السلام
روي أنه عليه السلام خطب في يوم جمعة خطبة بليغة فقال: في آخرها:
أيها الناس سبع مصائب عظام - ونعوذ بالله منها
-: عالم زل، وعابد مل، ومؤمن خل، ومؤتمن غل (1)
وغني، أقل وفقير اعتل.
فقام إليه رجل فقال: صدقت يا أمير المؤمنين، أنت القبلة إذا ما
ضللنا، والنور إذا ما أظلمنا (2) ولكن نسألك عن قول الله تعالى:
(أدعوني استجب لكم) [60 غافر 40] فما بالنا ندعو فلايجاب
[لنا دعاؤنا]!؟ قال [أمير المؤمنين عليه السلام]:
ان قلوبكم جاءت بثمان خصال: أولها أنكم عرفتم
الله فلم تؤدوا حقه كما أوجب عليكم فما أغنت عنكم
معرفتكم شيئا!!! والثانية أنكم آمنتم برسوله ثم خالفتم

(1) خل: احتاج وافتقر. وغل زيد - من باب مد - غلولا): افتقر.
(2) أي إذا وقعنا في الظلام أو أرخى علينا الظلام سدوله.
245

سنته وأمتم شريعته، فأين ثمرة ايمانكم؟! والثالثة
أنكم قرأتم كتابه المنزل عليكم فلم تعملوا به، وقلتم:
سمعنا وأطعنا ثم خالفتم!!! والرابعة أنكم قلتم:
انكم تخافون من النار وأنتم في كل وقت تقدمون عليها
بمعاصيكم فأين خوفكم؟! والخامسة أنكم قلتم:
أنكم ترغبون في الجنة وأنتم في كل وقت تفعلون ما
يباعدكم منها فأين رغبتكم؟! فيها والسادسة أنكم
أكلتم نعم الله ولم تشكروه عليها. والسابعة أن الله
أمركم بعداوة الشيطان وقال: (ان الشيطان لكم عدو
فاتخذوه عدوا [6 فاطر: 35] فعاديتموه بالقول
وواليتموه بالمخالفة (3).
والثامنة أنكم جعلتم عيوب الناس نصب أعينكم،
وعيوبكم وراء ظهوركم!!! تلومون من أنتم أحق باللوم
منه، فأي دعاة يستجاب مع هذا؟ وقد سددتم أبوابها

(3) أي بمخالفة أمر الله تعالى باتخاذ الشيطان عدوا!!!
والظاهر أن هذا هو الصواب، وفي الأصل: (فعاديتموه بلا قول، وواليتموه بلا مخالفة).
246

وطرقه!!! فاتقوا الله وأصلحوا أعمالكم وأخلصوا سرائركم
وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فيستجيب الله لكم
دعاءكم.
كتاب دعائم الدين نقلا عن كتاب التنبيه، كما في الحديث: (17)
من الباب: (24) من القسم الثاني من المجلد التاسع عشر، من البحار، ص
58 في السطر، 13، وفي الطبع الحديث: ج 93 ص 376 ورواه عنه
المحدث القمي رحمه الله في ترجمة إبراهيم بن أدهم من كتاب الكنى والألقاب
ورواه أيضا في الحديث الثالث: الباب (59) من كتاب الصلاة من مستدرك
الوسائل: ج 1، ص 378، نقلا عن كتاب التنبيه.
247

- 62 -
ومن كلام له عليه السلام
في تقسيم الذنوب إلى مرجو الغفران والمغفور وغير المغفور
قال أحمد بن محمد بن خالد البرقي رحمه الله: [حدثني أبي ورفع الحديث] (1)
قال: أن أمير المؤمنين عليه السلام صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
يا أيها الناس أن الذنوب ثلاثة.
ثم سكت [وأمسك عن الكلام] فقال له حبة العرني: يا أمير المؤمنين
فسرها. فقال عليه السلام: ما ذكرتها الا وأنا أريد أن أفسرها، ولكنه
عرض لي بهر (2) حال بيني وبين الكلام، نعم:
الذنوب ثلاثة: فذنب مغفور، وذنب غير مغفور،
وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه.
قيل: يا أمير المؤمنين فبينها لنا. قال: نعم.
أما الذنب المغفور: فعبد عاقبه الله تعالى على ذنبه

(1) ما بين المعقوفين زيادة توضيحية منا.
(2) البهر - كقفل -: ما يعرض الانسان عند العدو، والسعي الشديد من تتابع النفس.
248

في الدنيا، فالله أحكم وأكرم [من] أن يعاقب عبده
مرتين.
وأما الذنب الذي لا يغفر، فظلم العباد بعضهم
لبعض (3) ان الله تبارك وتعالى إذا برز لخلقه أقسم
قسما على نفسه فقال (4): (وعزتي وجلالي لا يجوزني
ظلم ظالم ولو كف بكف ولو مسحة بكف ونطحة ما
بين الشاة القرناء إلى الشاة الجماء (5)) فيقتص الله
للعباد بعضهم من بعض حتى لا يبقى لاحد عند أحد
مظلمة، ثم يبعثهم الله إلى الحساب [كذا] (6).

(3) وفي المختار: (173) من نهج البلاغة: (ألا وان الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم
لا يترك وظلم مغفور لا يطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، قال الله: (ان الله لا يغفر
أن يشرك به) [ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء] / 116 / النساء / وأما الظلم الذي يغفر فظلم
العبد نفسه عند بعض الهنات، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص هناك
شديد، ليس هو جرحا بالمدى ولا ضربا بالسياط ولكنه ما يستصغر ذلك معه...).
(4) أي يقسم قسما على نفسه، وإنما عبر بالماضي لتحقق وقوعه.
(5) القرناء - مؤنث الأقرن -: ماله قرنان من البهائم والجماء: ما لا قرن لها.
(6) وقريبا منه رواه المجلسي رحمه الله في الحديث: (14، 67) من الباب: 79)
من بحار الأنوار: ج 75 ط 2 مشروحا عن الإمام الباقر عليه السلام.
249

واما الذنب الثالث فذنب ستره الله على عبده
ورزقه التوبة، فأصبح خاشعا من ذنبه، راجيا لربه
فنحن له كما هو لنفسه، نرجو له الرحمة، ونخاف
عليه العقاب.
الحديث (10) من كتاب مصابيح الظلم من المحاسن - البرقي - ص 7
ورواه عنه في الحديث (29) من الباب (79) من القسم الأول من البحار:
ج 16، ص 203 في السطر 17، ط الكمباني، نقلا عن محاسن البرقي، وفي
ط الحديث: ج 75 ص 214.
ورواه أيضا في الباب (195) من كتاب الايمان والكفر - وهو باب
ان الذنوب ثلاثة - من أصول الكافي: ج 2 ص 443 بسند آخر، وفيه
أيضا رفع، وقد ذكرناه في المختار: (147) من القسم الأول: ج 1، ص
488 ط بيروت.
250

- 64 -
ومن خطبة له عليه السلام
في التنبيه على سرعة مضي الدنيا واقبال الآخرة
والترغيب في اغتنام الفرصة، وتحصيل الزاد للآخرة
قال ابن مسكويه رحمه الله: وخطب أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال:
أما بعد فان الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وان
الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع ألا وأن المضمار
اليوم وغدا السباق.
ألا وانكم في أيام أمل من ورائه أجل (1) فمن قصر في
أيام عمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله.
ألا فاعملوا [عباد الله] في الرغبة كما تعملون في الرهبة.
ألا واني لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار
نام هاربها.

(1) كذا في الأصل.
251

ألا وان من لم ينفعه الحق ضره الباطل، ومن
لم يستقم به الهدى جار به الضلال.
ألا وانكم قد أمرتم بالظعن، ودللتم على الزاد
وان أخوف ما أخاف [عليكم] اتباع الهوى وطول الامل.
جاويدان خرد، أو الحكمة الخالدة ص 144.
ورواه أيضا السيد الرضي رحمه الله في المختار: (28) من نهج البلاغة.
ومر بزيادات كثيرة في ضمن خطبة الديباج. ورواه أيضا ابن عساكر في
الحديث: (1271) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص
213 ط 1، ورواه عنه في الحديث: (3538) من كنز العمال: ج 8 ص
219 ط 1. ورواه أيضا في الباب: (49) من جواهر المطالب ص 60.
252

- 65 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت الزهاد وتقريضهم وانه لا يستجاب دعاء
من اشتغلت ذمته بمظلمة الناس أو كان عريفا أو شرطيا أو صاحب
كوبة أو عرطبة أي العود والطبل أو الطنبور والطبل!!!
قال السيد أبو طالب: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني املاءا
قال: أخبرنا عبد الرحمان بن أبي حاتم، قال: حدثنا سليمان بن داود الثقفي
قال: أخبرنا أبو داوود - يعني الطيالسي - عن سهل بن شعيب، عن عبد
الاعلى:
عن نوف [البكالي] قال: بايت أمير المؤمنين عليه السلام ليلة (1)
فجعل يكثر الخروج والنظر إلى السماء، ثم قال: يا نوف أنائم أنت؟ قلت:
لا بل أرمقك (2) بعيني يا أمير المؤمنين. فقال:
يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا، والراغبين في
الآخرة، أولئك الذين اتخذوا أرض الله بساطا وترابها
فراشا وماءها طهورا، وجعلوا القرآن شعارا والدعاء دثارا،

(1) أي نزلت على أمير المؤمنين ليلة أو أقمت عنده ليلة أو أحييت معه ليلة بالعبادة.
(2) يقال: (رمق زيد فلانا - من باب نصر - رمقا): أطال النظر إليه.
253

وقرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح صلى الله عليه.
أن الله أوحى إلى عبده المسيح أن قل لبني إسرائيل
[أن] لا يدخلوا بيتا من بيوتي الا بقلوب طاهرة، وأبصار
خاشعة، وأيد نقية، وأخبرهم أني لا أقبل منهم دعوة
ولاحد من خلقي قبله مظلمة!!!
يا نوف لا تكونن شرطيا أو عريفا أو صاحب كوبة
أو صاحب عرطبة، فان نبي الله داود عليه السلام خرج
ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال،: ان هذه لساعة لا يدعو
الله فيها أحد الا استجابه الا أن يكون شرطيا أو عريفا
أو صاحب كوبة أو صاحب عرطبة!!!
الحديث الثاني من باب الزهد - وهو الباب: (43) - من كتاب تيسير
المطالب ص 237 من النسخة المخطوطة، وفي ط 1، ص 365.
وللكلام مصادر كثيرة جدا، وقد مر عن مصدر آخر تحت الرقم:
(135) من المجلد الأول ص 436.

(3) قرضوا الدنيا - من باب ضرب -: قطعوها وجازوها. عدلوا عنها.
254

- 66 -
ومن كلام له عليه السلام
في الحث على اغتنام الفرصة، والمبادرة إلى العمل في أول وقت امكانه
والتحذير عن التسويف وتأخير العمل عن وقته وانتظار المستقبل
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه، عن علي بن إبراهيم
عن أبيه. وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، جميعا عن الحسن بن
محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما
السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول:
إنما الدهر ثلاثة أيام - أنت فيما بينهن -: مضى
أمس بما فيه فلا يرجع أبدا، فان كنت عملت فيه خيرا
لم تحزن لذهابه، وفرحت بما أسلفته فيه (1) وان
كنت قد فرطت فيه فحسرتك شديدة لذهابه وتفريطك فيه.
وأنت في يومك الذي أصبحت فيه من غد في غرة!!!
ولا تدري [و] لعلك لا تبلغه؟ وان بلغته لعل حظك
فيه في التفريط مثل حظك في الأمس الماضي عنك!!!

(1) هذا هو الظاهر الموافق للمحكي عن بعض النسخ، وفي النسخة: (وفرحت بما استقبلته منه)
255

فيوم من الثلاثة قد مضى [و] أنت فيه مفرط،
ويوم تنتظره [و] لست أنت منه على يقين من ترك
التفريط، وإنما [لك من الثلاثة] هو يومك الذي
أصبحت فيه.
وقد كان ينبغي لك - ان عقلت وفكرت - فيما
فرطت في الأمس الماضي مما فاتك فيه من حسنات
أ [ن] لا تكون اكتسبتها ومن سيئات لا تكون أقصرت
عنها (2) وأنت مع هذا من استقبال غد على غير ثقة
من أن تبلغه وعلى غير يقين من اكتساب حسنة، أو
ارتداع (3) عن سيئة محبطة.
فأنت من يومك الذي تستقبل على مثل يومك الذي
استدبرت!!! فاعمل عمل رجل ليس يأمل من الأيام
الا يومه الذي أصبح فيه وليلته (4).

(2) هذا هو الظاهر، وفي الأصل في الموردين: (ألا تكون).
(3) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (أو مرتدع عن سبئة محبطة).
(4) وبعده في الأصل هكذا: (فاعمل أودع والله المعين على ذلك).
أقول: ومن هنا اقتبس السيد فضل الله الراوندي رحمه الله ما نظمه وقال:
هل لك يا مغرور من زاجر
أو حاجز من جهلك الغامر
أمس تقضى وغدا لم يجئ
واليوم يمضى لمحة الباصر
فذلك العمر كذا ينقضي
ما أشبه الماضي بالغابر
وأقول أيضا: والى هذا الحديث وأشباهه استند الشيخ سعدى حيث قال:
ما فات مضى وما سيأتيك فأين
قم فاغتنم الفرصة بين العدمين
(نهج السعادة ج 3) (م 17)
256

الحديث الأول من باب محاسبة العمل من كتاب الايمان والكفر من أصول
الكافي: ج 2 ص 453 ط الآخوندي ورواه عنه في البحار: القسم الأول من
ج 16 ص 58 ط الكمباني.
وأرى الحديث معنى الكلام الإمام عليه السلام وليس ينص ألفاظه، ولذا
تراه خاليا من المحسنات اللفظية، وعليك بالبحث والتفتيش فلعلك تظفر
على ألفاظه عليه السلام بعينها.
257

- 67 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعمت الدنيا أجاب به من سأله من أن يصف له الدنيا وينعتها
السيد أبو طالب يحيي بن الحسين بن هارون الحسني الهاروني قال:
أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو القاسم حمزة بن القاسم العلوي العباسي قال:
أخبرنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا الحسن بن هشيم (1) قال: حدثنا
عباد بن يعقوب، عن عتبة العابد (2) عن الحسين بن علوان، عن سعد بن
طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب عليه
السلام فقال: صف لي الدنيا يا أمير المؤمنين. فقال:
ما أصف من دار أولها عناء وآخرها فناء [في] حلالها
حساب و [في] حرامها عقاب، من صح فيها مرض (3)
ومن استغنى فيها فتن (4) ومن افتقر فيها حزن (5).

(1) وأيضا يحتمل رسم الخط أن يقرأ (هيثم).
(2) كذا في الأصل، ولعل الصواب: (عن عنبسة العابد).
(3) ما بين المعقوفات مأخوذ من نهج البلاغة، والجملة الأخيرة غير موجودة فيه. وفي
تحف العقول: (من صح فيها أمن، ومن مرض فيها ندم).
(4) هذا هو الظاهر الموافق لما في نهج البلاغة، وفي الأصل: (ومن امتعنا فني؟).
(5) وبعده في نهج البلاغة هكذا: (ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها واتته، ومن أبصر
بها بصرته، ومن أبصر إليها أعمته!!!). أي من سابق الدنيا وجاري معها في الطلب فاتته أي
سبقته فإنه كلما نال مطلوبا تجره الآمال والحاجات إلى آمال وحوائج كثيرة عسيرة الحصول أو متعذر
الوجود، فلا يكاد يصل إليها، ومن قعد عن مجارات الدنيا فلم يطلب فوق الكفاف وما لابد منه
واتته الدنيا أي طاوعته وانقادت له ويئست من اتعابه وجره إلى ويلاتها!!! ومن أبصر بالدنيا
أي جعلها مرآتا وقنطرة ورأي بها ما وراءها وعبر عنها طالبا لما بعدها بصرته أي جعلته بصيرا،
ومن أبصر إليها وغفل عما وراءها فطلبها لنفسها واشتغل بها فإنها تعميه عن كل خير وتجر إليه كل
ويل!!! قال الشريف الرضي رحمه الله: وإذا تأمل المتأمل قوله عليه السلام: (من أبصر
بها بصرته) وجد تحته من المعنى العجيب والغرض البعيد ما لا تبلغ غايته ولا يدرك غوره!!!
ولا سيما إذا قرن إليه قوله: (وما أبصر إليها أعمته) فإنه يجد الفرق بين (أبصر بها) و (أبصر
إليها) واضحا نيرا وعجيبا باهرا.
أقول: ويشرحه أيضا قوله عليه السلام في المختار: (130) من النهج. (وإنما الدنيا منتهى
بصر الأعمى لا يبصر مما وراءها شيئا!!! والصير ينفذها بصره ويعلم أن الدار وراءها، فالبصير
منها شاخص، والأعمى إليها شاخص، والبصير منها متزود، والأعمى لها متزود!!!).
258

الحديث (1) من باب ذم الدنيا - وهو الباب: (45) - من كتاب تيسير المطالب
ص 241 من النسخة المخطوطة، وفي ط 1، ص 372. ورواه أيضا
ابن أبي الدنيا بسندين آخرين - باختصار في المتن - في الحديث: (17،
و 18) من كتاب ذم الدنيا الورق 3 ب. ورواه أيضا في أول الباب: (49)
من كتاب جواهر المطالب ص 49 ولكن بنحو الارسال.
ورواه أيضا في المختار: (79) من نهج البلاغة، ورواه أيضا في المختار:
(5) من قصار كلمه عليه السلام في كتاب تحف العقول ص 201.
259

- 68 -
ومن كلام له عليه السلام
في التنبيه على ادبار الدنيا واقبال الآخرة، والحث على الزهد
في الأولى والرغبة في الثانية وبيان حال الزهاد
ألا ان الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وان الآخرة قد
دنت مقبلة، ولهذه أبناء ولهذه أبناء، فكونوا من أبناء
الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا.
ألا وكونوا من الزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة،
ان الزهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطا والتراب
فراشا، والماء طيبا!!! وقوضوا الدنيا تقويضا (1).
ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات (2)

(1) وهذا الصدر قد تكرر ذكره في كلمه عليه السلام، وقوضوا الدنيا: هدموها. وفرقوا
متاعها على المحتاجين ولم يدخروها.
(2) هذا اخبار يردا منه الانشاء والطلب. وسلى عن الشهوات: ذهل عنها وهجرها، يقال:
(سلا زيد الشئ وعن الشئ - من باب دعا - سلوا وسلوا وسلوانا، وسلي عنه - من باب علم -
سليا): نسيه وطابت نفسه عن فواته وذهل عن ذكره وهجره، و (أشفق من النار): خاف منها.
260

ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في
الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن راقب الآخرة سارع
في الخيرات.
ألا وأن لله عبادا كأنهم يرون أهل الجنة في الجنة
منعمين مخلدين!!! ويرون أهل النار في النار معذبين.
قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة [و] أنفسهم عفيفة.
وحاجتهم خفيفة، صبروا أياما قليلة فصارت لهم العقبى
راحة طويلة (3).
أما الليل فصافوا أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم
يجأرون إلى ربهم في فكاك رقابهم (4).
وأما النهار فعلماء حلماء بررة أتقياء كأنهم القداح
براهم الخوف والعبادة (5) ينظر إليهم الناظر فيقول:

(3) وفي المختار: (190) من نهج البلاغة: (وحاجاتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة، صبروا
أياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة...). وفي الكافي: (أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة،
صيروا أياما قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة).
(4) يجأرون: يتضرعون ويلجأون.
(5) القدح: جمع القدح - كحبر -: السهم قبل أن ينصل ويراش. وبراهم:
نحتهم وأذاب شحومهم ولحومهم أي ان مخافة الله وتعب اشتغالهم بطاعة الله وواجباتهم أهزلهم
وجعلهم كالسهم.
261

مرضى؟ - وما بالقوم من مرض - أم خولطوا؟ فقد
خالطهم أمر عظيم من ذكر النار ومن فيها!!!
آخر ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب مروج الذهب ج 2
ص 432 طبع 3 ورواه أيضا في الحديث (15) من باب ذم الدنيا من أصول
الكافي ج 2 ص 132، معنعنا عن سيد الساجدين الإمام علي بن الحسين عليه
السلام، وتقدم أيضا في ضمن المختار (139، و 140) من ج 1، ص 457
و 466 وكذلك رواه أيضا في المختار: (190) من نهج البلاغة.
262

- 69 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله لمولاه نوف البكالي وقد بين وشرح له صفة الزهاد كي يقتدي
بهم وكشف له عن مذموم الصفاة والمكاسب المكروهة كي ينزجر
عنها ويتجنبها.
قال القضاعي: أخبرني أبو عبد الله محمد بن منصور التستري فيما أجازه
لي، قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن سعيد بن حمدان، قال: حدثنا أحمد
ابن محمد بن الفضل النحوي، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن قريش الحكيمي
قال: حدثنا عبد العزيز بن أبان، قال: حدثنا سهل بن شعيب النهمي (1)
عن عبد الاعلى:
عن نوف البكالي قال: رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام ليلة النصف
من شعبان، فأكثر الخروج والنظر إلى السماء، فقال: أنائم أنت يا نوف؟
قلت: بل رامق أرماق أمير المؤمنين بعيني (2) فقال:
يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا، والراغبين في

(1) ومثله في ترجمة نوف من تاريخ دمشق: ج. 6 ص 6، وفي ترجمة جعفر بن مبشر
من تاريخ بغداد: ج 7 ص 162: السهمي.
(2) يقال: (رمق زيد عمرا - من باب نصر - رمقا): لحظه لحظا خفيفا. أطال إليه
النظر. ورامقه مرامقة: تتبعه بنظره وراقبه.
263

الآخرة، فان أولئك قوم (3) اتخذوا أرض الله بساطا
وترابها فراشا، وماء ها طيبا، والقرآن شعارا والدعاء
دثارا (4) ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح بن
مريم (5) فان الله عز وجل أوحى إلى عبده المسيح
ابن مريم أن مر بني إسرائيل أن لا يدخلوا بيتا من بيوتي
الا بقلوب طاهرة وأبصار خاشعة وأيد نقية، فاني لا
أستجيب لاحد منهم دعوة [و] لاحد من خلقي قبله
مظلمة.
يا نوف لا تكونن شاعرا ولا عشارا ولا شرطيا ولا
صاحب كوبة ولا صاحب عرطبة (6) فان نبي الله داود

(3) وفي أمالي الشيخ المفيد، ونهج البلاغة وتاريخ بغداد: (طوبى للزاهدين في الدنيا.
الراغبين في الآخرة، أولئك قوم...).
(4) الشعار: الثوب الملاصق لشعر البدن. والدثار: ما يكون فوق الشعار.
وقريبا منه ذكره عليه السلام في كلام آخر له، في صفة المؤمنين كما في دستور معالم الحكم
أيضا، ص 148.
(5) يقال: (قرض الوادي - من باب ضرب - قرضا): جازه. والمكان: عدل عنه.
(6) وفسر العرطبة في الرواية الثانية لابن عساكر، بالعود. والكوبة بالطبل. وفي رواية
السيد الرضي في المختار: (104) من قصار النهج - فسر العرطبة بالطنبور. والكوبة بالطبل
وظاهرهما أن التفسير من أمير المؤمنين عليه السلام.
264

عليه السلام خرج في مثل هذه الليلة، فقال: ما من عبد
يدعو الله عز وجل الا استجاب دعوته في هذه الساعة (7)
الا أن يكون شاعرا أو عشارا أو شرطيا أو عريفا أو صاحب
كوبة أو صاحب عرطبة.
المختار: (9) من الباب الرابع من دستور معالم الحكم ط مصر، ص
91، ورواه في آخر الباب الستة - وهو آخر المجلد الأول - من كتاب
الخصال ص 337 بسند آخر ينتهي إلى عبد الاعلى، عن نوف عن أمير
المؤمنين عليه السلام وقد تقدم في المختار: (135) وتاليه من المجلد الأول
ص 436 بأسانيد، وتقدم ها هنا أيضا تحت الرقم: (65) ص 253 عن مصدر
آخر. وله أسانيد ومصادر أخر أيضا.

(7) وفي النهج (: يا نوف ان داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال:
انها ساعة لا يدعو فيها عبد الا استجيب له الا أن يكون...).
265

- 70 -
ومن كلام له عليه السلام
قال في بعض خطبه موصيا أصحابه بالمجاملة مع الناس ومداراتهم
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو الحسن علي بن مهدي [الطبري]
قال: أخبرنا محمد بن علي بن هاشم، قال: أخبرنا ابن أبي الدنيا، قال:
حدثنا عبد الرحمان بن صالح، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، قال:
خطب أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه فقال:
كونوا [في الناس] كالنحلة في الطير، انه ليس
شئ من الطير الا [وهو] يستضعفها ولو يعلم ما في
أجوافها [من البركة] لم يفعل [ذلك بها] (1) خالقوا
الناس بأخلاقهم وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم (2) فان
لكل امرئ ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب (3).

(1) ما بين المعقوفات مأخوذ من رواية ابن عساكر، وفي الأصل: (وكونوا كالنحلة
في الطير فإنه ليس في الطير شئ...). وفي رواية ابن عساكر: (لم يفعلوا ذلك بها).
ويستأنس من لفظ الأصل أن الكلام كان في ضمن خطبة لم يحفظ الراوي تمامها أو لم يكن في
مقام بيانها ولعل الله أن يمن علينا بالظفر على تمام الخطبة انه ولي التوفيق.
(2) وفي رواية ابن عساكر: (خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم وزايلوهم...
فان للمرء...).
(3) ولهذا الذيل شواهد كثيرة ومصادر، وقد تقدم في ذيل المختار: (352) من
القسم الأول في ج 2 ص 671 بسند آخر.
266

الحديث (10) من الباب: (14) من تيسير المطالب ص 125، وفي
ط 1: ص 183، ورواه أيضا ابن عساكر في الحديث: (1282) من
ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 227، ط 1، قال:
أخبرنا أبو الفضل محمد بن إسماعيل، وأبو المحاسن أسعد بن علي وأبو
بكر أحمد بن يحي وأبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب، قالوا:
أنبأنا أبو الحسن؟ عبد الرحمان بن محمد بن المظفر، أنبأنا أبو محمد السرخسي
أنبأنا أبو عمران السمرقندي أنبأنا أبو محمد الدارمي أنبأنا محمد بن الصلت، أنبأنا
منصور بن أبي الأسود، عن الحرث بن حصيرة، عن أبي صادق الأزدي
عن ربيعة بن ناجذ قال: قال علي: كونوا...
267

- 71 -
ومن كلام له عليه السلام
في التحذير عن مواخاة من لا مبالاة له، والأحمق والكذاب
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه، عن عدة من أصحابنا
عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن سالم الكندي
عمن حدثه عن أبي عبد الله [الإمام الصادق] عليه السلام قال:
كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه إذا اصعد المنبر يقول (1):
ينبغي للمسلم أن يجتنب مواخاة ثلاثة: الماجن (2)
والأحمق والكذاب.
فأما المجان فيزين لك فعله ويحب أن تكون مثله
ولا يعينك على أمر دينك ومعادك، ومقارنته جفاء وقسوة،
ومدخله ومخرجه عليك عار.

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (قال...). والمستفاد من هذا التعبير انه عليه
السلام كان يداوم على القاء هذا المعنى على المستمعين.
(2) الماجن: القليل الحياء الصلب الوجه الذي لا يبالي بما يقول ويفعل، ولا يما يفعل به
ويقال له.
268

وأما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير!!! ولا يرجى
لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه، وربما أراد منفعتك
فضرك!!! فموته خير من حياته، وسكوته خير من نطقه، وبعده
خير من قربه.
وأما الكذاب فإنه لا يهنؤك معه عيش ينقل حديثك
وينقل إليك الحديث!!! كلما أفنى أحدوثة مطها (3)
بأخرى حتى أنه يحدث بالصدق فما يصدق ويغري بين
الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور (4) فاتقوا
الله وانظروا لأنفسكم.
الحديث: (6) من الباب: (163) من كتاب الايمان والكفر من أصول
الكافي: ج 2 ص 376 ورواه أيضا في أول الباب الرابع من كتاب العشرة
من المجلد المذكور، ص 638.
ورواه عنه في الحديث (43) من الباب: (14) من كتاب العشرة من
بحار الأنوار: ج 16، ص 100، وفي ط الحديث: ج 74 ص 205.

(3) الأحدوثة: ما يتحدث به. و (مطها) من باب مد - لفظا ومعنى أي كلما تم حديث
من أحاديثه أضاف إليه حديثا آخر من أباطيله.
(4) يغري: يحرش بعضهم على بعض ويزرع في قلوبهم العداوة والبغضاء. والسخائم:
جمع السخيمة: الضغينة.
269

- 72 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تحميد الله تعالى ثم الشهادة بوحدانيته ثم الشهادة برسالة محمد
صلى الله عليه وآله وسلم ثم الوصية بتقوى الله عز وجل
إبراهيم بن محمد الثقفي رضوان الله عليه، عن أبي زكريا الحريري، عن
أصحابه قال: [هذه] خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام:
الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له،
ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله، انتجبه بالولاية، واختصه
بالاكرام وبعثه بالرسالة، أحب خلقه إليه وأكرمهم
عليه، فبلغ رسالات ربه ونصح لامته وقضى الذي
عليه.
أوصيكم بتقوى الله، فان تقوى الله خير ما تواصت
270

به العباد، وأقربه من رضوان الله، وخيره في عواقب
الأمور، فبتقوى الله أمرتم، ولها خلقتم (1) فاخشوا
الله خشية ليست بسمعة ولا تعذير (2)، فإنه لم يخلقكم
عبثا، وليس بتارككم سدى (3)، قد أحصى أعمالكم
وسمى آجالكم وكتب آثاركم، فلا تغرنكم الدنيا
فإنها غرارة، مغرور من اغتر بها، والى فناء ما [فيها].
نسأل الله ربنا وربكم أن يرزقنا وإياكم خشية السعداء
ومنازل الشهداء، ومرافقة الأنبياء، فإنما نحن به وله.
الحديث (82) من كتاب الغارات، ص 155، ط 1، ورواه
عنه المجلسي في الحديث: (49) من الباب: (15) من كلم أمير المؤمنين
من البحار: ج 17، ص 11، وفي ط تبريز، ص 160، وفي ط الحديث:
ج 78 ص 1 نقلا عن إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات.
والخطبة قريبة جدا لخطبة الجمعة المتقدمة تحت الرقم: (131) من
القسم الأول: ج 1، ص 127، ط 1.

(1) وفي خطبة الجمعة المتقدمة في ج 1، ص 127: (وبتقوى الله أمرتم وللاحسان والطاعة
خلقتم). وهو الظاهر.
(2) أي اتقوا الله خشية حقيقية غير مشوبة بسمعة - بأن يجتنب عن المحارم كي يسمع
الناس ويشيع ذكره وصيته في الناس فيقع عندهم موقع القبول. وقوله: (ولا تعذير): أي لا يدلي
بالعذر وإقامة العلة عند المولى لأجل دفع مؤاخذة المولى ولومه إياه أو للتوقي عن عذابه وعقابه.
(3) سدى: مهملا. وهذا المعنى مقتبس من الآية: (115) من سورة (المؤمنون):
(أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لا ترجعون). ومن الآية: (36) من سورة القيامة
(أيحسب الانسان أن يترك سدى).
271

- 73 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تحميد الله تعالى وتمجيده ثم الاستعاذة به، ثم الاستغفار والاستعفاء من
الذنوب ثم الشهادة برسالة النبي صلوات الله عليه وعظمته منن الله على عباده ببعث
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم
إبراهيم بن محمد الثقفي رضوان الله عليه، عن أبي زكريا الحريري، عن
أصحابه قال: [هذه أيضا] خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام:
الحمد لله، أحمده تسبيحا (1) ونمجده تمجيدا،
نكبر عظمته لعز جلاله، ونهلله تهليلا موحدا مخلصا
ونشكره في مصانعة الحسنى أهل الحمد والثناء الاعلى (2)
ونستغفره للحت من الخطايا، ونستعفيه من ملح ذنوب
البلايا (3) ونؤمن بالله يقينا في أمره، ونستهدي بالهدى
العاصم المنقذ العازم بعزمات خير قدر موجب فصل
عدل؟ قضاء نافذا نفوذ سابق بسعادة في كريم مكنون؟

(1) كذا.
(2) خبر لمبتدأ محذوف أي هو أهل الحمد...
(3) وفي ط الحديث من البحار: (من متح ذنوب البلايا).
272

ونعوذ بالله من مضيق مضائق السبل على أهلها بعد
اتساع مناهج الحق لطمس آيات منير الهدى [و]
تلبس ثيابه مضلات العمل؟ ونشهد - غير ارتياب حال
دون يقين مخلص - بأن الله واحد موحد، وفي وعده، وثيق
عقده، صادق قوله، لا شريك له في الامر، ولا ولي له
من الذل [و] نكبره تكبيرا، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
ونشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بعيث
الله بوحيه (4) ونبيه بعينه، ورسوله بنوره، أرسله
مجيبا؟ مذكرا مؤديا متقيا، مصابيح شهب ضياء مبصر؟
وماحيا ماحقا مزهقا رسوم أباطيل خوض الخائضين، بدار
اشتباك ظلمة كفر دامس (5) فجلا غواشي الاظلام بلجي
راكد (6) من بعد توصيل قوله وفصل فيه القول للذاكرين

(4) فعيل - ها هنا - بمعنى مفعول أي هو مبعوث الله تعالى بوحيه.
(5) دامس: شديد السواد والظلمة.
(6) كذا في الأصل يقال: (جلا الامر - من باب دعا - جلوا وجلاء): كشفه.
و (جل فلانا وعن فلان الامر تجلية): كشفه عنه. و (جلى الامر): أظهره. والغواشي:
جمع الغاشية: الغطاء.
(نهج السعادة ج 3) (م 18)
273

بمحكمات منه بينات [و] متشابهات يتبعها الزائغ قلبه
ابتغاء التأويل [و] تعرضا للفتن (7) والفتن محيطة
بأهلها. والحق نهج مستنير، من يطع الرسول يطع
الله، ومن يطع الله يستحق الشكر من الله بحسن الجزاء،
ومن يعص الله ورسوله يعاين عسر الحساب لدى اللقاء (8)
قضاءا بالعدل عند القصاص بالحق، يوم افضاء الخلق
إلى الخالق (9).
أما بعد فمنصت سامع لواعظ نفعه انصاته (10)
وصامت ذو لب شغل قلبه بالفكر في أمر الله حتى أبصر
فعرف فضل طاعته على معصيته، وشرف نهج ثوابه

(7) الكلام مقتبس من قوله تعالى في الآية: (7) من سورة آل عمران: (هو الذي أنزل
عليك الكتاب منه آيات محكمات - هن أم الكتاب - وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم
زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله...). وكان في الأصل: (مشتبهات)
فأرجعناه إلى لفظ الآية الكريمة.
(8) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: (له اللقاء...).
(9) كذا في الأصل المطبوع، وفي البحار: (اقضاء الخلق).
(10) اخبار في معنى الانشاء أي فلينصت سامع...
274

على احتلال من عقابه (11) ومصير النائل رضاه على
المستوجبين (12) غضبه عند تزايل الحساب (13)
وشتان بين الخصلتين (14) وبعيد تقارب ما بينهما.
أوصيكم بتقوى الله بارئ الأرواح، وفالق الاصباح.
الحديث: (48) من كتاب الغارات: ج 1، ص 158، ط 1.
ورواه عنه في الحديث: (50) من الباب: (15) من باب كلم
أمير المؤمنين عليه السلام من بحار الأنوار: ج 17، ص 115، في السطر 14،
الكمباني وفي ط تبريز، ص 160، وفي ط الحديث: ج 78 ص 2.

(11) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: (على اختلال).
وشرف: فضل. والنهج: الطريق الواضح. والاحتلال: الحلول.
(12) لعل هذا هو الصواب أي وشرف مصير النائل رضاه الله على مصير المستوجبين لغضب
الله، وفي الأصل: (ومحير النائل رضاه عند المستوجبين). ويحتمل أيضا أن يكون الصواب
(ومحبر النائل). وحبر بمعنى الحبر أي وشرف حبور النائل رضاء الله وسروره على مساءة
المستوجبين لغضبه.
(13) كذا في الأصل.
(14) هذا هو الصواب، وفي الأصل: (وشتى بين...).
275

- 74 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت الدنيا وانها مسجد أحباء الله ومتجر أوليائه!!!
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو الحسين علي بن إسماعيل الفقيه،
قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي، قال أخبرنا محمد بن علي بن خلف،
قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن ربيعة القرشي [ظ] عن يحي بن
عبد الله بن الحسن بن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده عن أبيه أن عليا
عليه السلام سمع رجلا يذم الدنيا فأطنب في ذمها فصرخ به علي عليه
السلام فقال [إلي] أيها الذام للدنيا. فما أتاه قال له علي عليه السلام:
أيها الذام للدنيا ويحك لم تذمها؟ [ء] أنت
المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك؟ (1) فقال: بل
أنا المتجرم عليها يا أمير المؤمنين. قال: ويحك فبما
تذمها؟ أليست منزل صدق لمن صدقها ودار غنى لمن
تزود منها (2) ودار عافية لمن فهم عنها، مسجد أحباء

(1) المتجرمة - ها هنا -: المجرمة والمذنبة أي أأنت أذنبت على الدنيا وأجرمت إليها؟
أم هي المذنبة إليك الظالمة عليك؟
(2) هذا هو الصواب الموافق لما في المختار: (131) من الباب الثالث من نهج البلاغة
وكثير من المصادر، وفي الأصل: (لمن ترود فيها).
276

الله عز وجل ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته وتجر أوليائه،
اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة (3) فمن ذا
يذمها وقد آذنت ببينها (4) ونادت بانقطاعها ومثلت
ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى السرور (5) راحت
بفجيعة، وابتكرت بعافية، بتحذير وترغيب وتخويف (6)
فذمها رجال - غداة الندامة - حدثتهم فلم يصدقوا وذكرتهم
فلم يذكروا!!! وحمدها آخرون ذكرتهم فذكروا وحدثتهم
فصدقوا فأيها الذام للدنيا المغتر بتغريرها متى استذمت
إليك؟ بل متى غرتك؟ أبمضاجع آبائك من البلاء؟ أم
بمصارع أمهاتك تحت الثرا [ء] (7) كم عللت بيديك (8)

(3) هذا هو الظاهر - وفي الأصل: وأربحوا...). - أي ان أولياء الله تاجروا
الله بالأعمال الصالحة فنمت تجارتهم فارتفع رأس مالهم فاتفادوا الجنة.
(4) آذنت ببينها: أعلمت ببعدها وفراقها عن أهلها.
(5) هذا هو الصواب، وفي الأصل: (بشرورها...).
(6) وفي نهج البلاغة: (راحت بعافية وابتكرت بفجيعة ترغيبا وترهيبا وتخويفا وتحذيرا)
أي انها تمسي أهلها بعافية وتصبحهم بمصيبة فجيعة كي يرغبهم في رغائب الآخرة، ويرهبهم
ويخوفهم عن مكارهها!!!
(7) كذا في الأصل، والمضاجع: موضع الجنب على الأرض. والمصارع جمع
المصرع: محل سقوط البدن على الأرض، والبلى والبلاء - بكسر الباء في الأول وفتحه في الثاني -
كون الشئ رثا وباليا وفانيا بالتحليل. والثراء - ممدودا -: التراب الندي. ومقصورا: الندى
والجمع فيهما أثراء.
(8) هذا هو الظاهر الموافق للسياق ولما في غيره من المصادر وفي الأصل: (بيدك).
277

ومرضت بكفيك تلتمس له الشفاء وتستوصف له الأطباء
لم تنفعه شفاعتك ولم تغن عنه طلبتك (9) مثلت لك
- ويحك - الدنيا بمصرعه مضجعك حين لا يغني بكاؤك
ولا ينفع أحباؤك (10).
الحديث (3) من باب ذم الدنيا - وهو الباب: (45) - من تيسير
المطالب ص 242 وفي ط 1: ص 373. وللكلام مصادر كثيرة وأسانيد
منها ما تلاحظه في أول المختار التالي.

(9) كذا في الأصل، و (لم تغن عنه) من باب أفعل -: لم تجدي عنه ولم تنفعه. و (الطلبة)
- على زنة الكلمة -: ما يطلب.
(10) ويساعد رسم الخط على أن يقرأ: (أحبابك).
278

- 75 -
ومن خطبة له عليه السلام
في التزهيد في الدنيا والترغيب في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
وبيان أن هلاك الأمم السالفة إنما هو لتوغلهم في المعاصي وتركهم
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
السيد أبو طالب قال: [و] حدثنا أبو أحمد علي بن محمد العبدكي
قال: حدثنا أبو بكر محمد بن يزداد، قال: حدثنا محمد بن أبي سهل
ويعقوب بن إسحاق، قالا: حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا
الحرث، عن علي بن هاشم عن أبيه، عن علي بن ثابت عن أبيه
قال:
سمع علي عليه السلام رجلا يذم الدنيا مطنبا [فأجابه] (1)
ثم التفت [أمير المؤمنين عليه السلام] إلى أصحابه فقال:
عباد الله انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها (2)

(1) وبعده في الأصل هكذا وذكر الحديث [أي الكلام المتقدم بسند آخر في المختار السالف]
إلى الموضع الذي انتهت إليه رواية الناصر للحق [الحسن بن علي] حتى نسق حديثه لم يخالف
الا في أحرف يسيرة، وزاد فيها: [قال]: ثم التفت إلى أصحابه فقال: عباد الله...
(2) وزاد في المختار (100) من نهج البلاغة: (الصادفين عنها). والصادفين:
المعرضين.
279

فإنها والله عن قليل تزيل الثاوي الساكن (3) وتفجع
المترف الامن (4) لا يرجع ما تولى منها فأدبر، ولا
يدرى ما هو آت منها فينتظر، سرورها مشوب بالحزن!!!
وآخر الحيات فيها إلى الضعف والوهن (5) فلا يغرنكم
كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها.
رحم الله عبدا تفكر فاعتبر، وأبصر فازدجر (6)
وعاين ادبار ما أدبر وحضور ما حضر، فكأن ما هو
كائن من الدنيا عن قليل لم يكن، وكأن ما هو كائن
من الآخرة [عما قليل] لم يزل (7) وكل ما هو آت
آت (8).

(3) الثاوى: المقيم، من قولهم: (ثوى المكان - من باب ضرب - ثواء وثويا):
أقام فيه.
(4) المترف: المتنعم الذي يتمكن من اتيان ما يشاء وفعل ما يريد من شهواته.
(5) وفي المختار: (100) من نهج البلاغة: (وجلد الرجال فيها إلى الضعف والوهن).
والجلد - محركا كبلد -: القوة والصلابة.
(6) وفي النهج: (رحم الله امر تفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر).
(7) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (100) من نهج البلاغة.
(8) وفي النهج بعد قوله: (لم يزل) هكذا: (وكل معدود منقض وكل متوقع آت،
وكل آت قريب دان).
280

واعلموا أنه إنما أهلك من كان قبلكم حيث أعمالهم (9)
لما لم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك. فأمروا بالمعروف
وانهوا عن المنكر، فان ذلك لا يقدم أجلا (10) ولا
يؤخر رزقا.
[ان الامر ينزل من السماء إلى الأرض كقطرات
المطر إلى كل نفس بما قسم لها من زيادة أو نقصان] (11)
فإذا رآى أحدكم نقصا في نفس أو أهل أو مال ورآى
لأخيه صفوة (12) فلا يكونن ذلك فتنة له (13) فان
[المرئ] المسلم البرئ من الخيانة [ما] لم يغش (14)

(9) كذا في الأصل غير أن كلمة: (واعلموا) كانت فيه بنحو الافراد. وفي رواية
الكافي الآتية: (حيث ما عملوا).
(10) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (لم يقدم).
(11) ما بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة، وقد سقط من الأصل ولا بد منه كما
يظهر من التأمل في السياق وملاحظة رواية الكافي الآتية وغيرها مما ورد في المقام.
(12) كذا في الأصل، فان صح فالمراد منه صفو العيش ولباب التمول والثروة، وفي
غير واحد من الطرق والمصادر: (غفيرة) وهي كثرة المال وزيادته. وفي رواية ابن أبي
الحديد، ومصادر أخر: (عفوة) وهي بكسر العين صفوة المال وخياره أو ما زاد منه عن
حاجة صاحبه.
(13) المراد من الفتنة ها هنا: اعمال الحسد والاضرار بصاحب النعمة.
(14) أي ما لم يرتكب دناءة ولم يباشر أمرا قبيحا. والفعل من باب رضي.
281

دناءة - يخشع لها إذا ذكرت ويغرى بها لئام الناس (15)
- كان كالفالج الذي ينتظر أول فوزة من قداحه (16)
تذهب عنه المغرم وتوجب له المغنم (17) وكذلك
المرء المسلم [البرئ من الخيانة إنما] ينتظر احدى
الحسنيين: اما رزقا من الله فإذا هو ذو أهل ومال وصحة
[من] دينه وحسبه، واما داعي الله فما عند الله خير
للأبرار، المال والبنون زينة الحيات الدنيا، والعمل
الصالح [حرث الآخرة] (18) وقد يجمعهما الله لأقوام.
الحديث الرابع من الباب: (45) - وهو باب ذم الدنيا - من كتاب
تيسير المطالب ص 242 من النسخة المخطوطة، وفي ط 1: ص 374 وللكلام
مصادر وأسانيد أخر.

(15) يخشع - من باب منع -: يخضع ويذل حياء وخجلا. و (يغرى بها): يهيج
ويثور الناس عليه كي يوبخوه على دناءته فيكسروه ويخجلوه.
(16) وفي النهج: (كالياسر الفالج). والياسر: المقامر أي الذي يلعب بقداح الميسر.
والقداح: جمع القدح - كحبر -: سهم المقامر، كانوا ينحرون الجزور ويقسمونها على
ثمانية وعشرين قسما أو عشرة أقسام ثم يضربون بالقداح وفيها الرابح والغفل، فمن خرج له
قدح رابح فاز وأخذ نصيبه من الجزور، ومن خرج له الغفل غرم ثمنها.
(17) وفي الكافي ونهج البلاغة: (توجب له المغنم، ويدفع بها عنه المغرم).
(18) ما بين المعقوفين مأخوذ من الكافي ونهج البلاغة.
282

- 76 -
ومن خطبة له عليه السلام
في التحذير عن الدنيا والتنبيه على تقلبها بأهلها وكون أهلها هدفا
للمصائب والمحن!!!
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن
الوليد، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم،
عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده [قال]:
أن عليا عليه السلام خطب فقال بعد حمد الله تعالى والثناء [عليه]:
أيها الناس إنما أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل
فيكم المنايا (1) وما لكم فيها نهب للحتوف والمصائب (2)
مع كل جرعة منها شرق!!! وفي كل أكلة منها

(1) وفي المختار: (191) من الباب الثالث من نهج البلاغة: (إنما المرء في الدنيا غرض
تنتضل فيه المنايا، ونهب تبادره المصائب، ومع كل جرعة...).
والغرض - محركا - الهدف. وتنتضل: تترامى. والمنايا: جمع المنية: الموت. (2) كلمة: (ومالكم) عطف على (أنتم) وهي اما مضاف ومضاف إليه، أو ان لفظة
ما) موصولة و (لكم) جار ومجرور. و (نهب): منهوب أي يؤخذ بالقهر والغلبة ويعبر
عنه في ألسنة العراقيين ب‍ (فرهود) وفي ألسنة الإيرانيين ب‍ (تاراج). والحتوف: جمع الحتف -
كقتل -: الموت.
283

غصص!!! (3) لا تنالون منها نعمة الا بفراق أخرى!!
ولا يعمر معمر منكم (4) في عمره يوما الا بهدم آخر
من أجله!!! ولا تتجدد له زيادة في أكله الا بنفاد
ما قبله من رزقه!!! ولا يحي له اثر الا مات له أثر (5)
وقد مضت أصول نحن فروعها فما بقاء فرع اجتث
أصله؟! (6).
إني أحذركم الدنيا فإنها غرارة، لا تعدو إذا هي تناهت
إلى أمنية أهلها (7) ما قال الله عز وجل: (واضرب

(3) هذا هو الصواب الموافق لما في المختار: (145) من نهج البلاغة، وفي الأصل:
(وفي كل كلمة). والجرعة - بتثليث الجيم فالسكون: البلعة من الماء. و (الشرق): احتباس
الماء أو الريق في الحلق المانع من التنفس. و (الغصص) - كفرس: نشوب شئ من الغذاء
في الحلق واعتراضه فيه المانع من جذب الهواء إلى الجوف.
(4) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (145) من نهج البلاغة، وفي الأصل:
(وما يعمر من يعمر في عمره يوما...) الا أن كلمة (يعمر) الثانية كانت، في الأصل مكتوبة
فوق الأولى بخط مغائر لخط الأصل، وكتب بعدها: (من أصل).
(5) وبعده في المختار: (145) من نهج البلاغة هكذا: (ولا يتجدد له جديد الا بعد
أن يخلق له جديد!!! ولا تقوم له نابتة الا وتسقط منه محصودة!!! وقد مضت أصول نحن
فروعها فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله؟!!).
(6) هذا هو الظاهر، وفي الأصلي: (فما بقي...). وأجتث: انقلع.
(7) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (إلى أمنيتها...). وفي المختار: (111)
من نهج البلاغة: (لا تعدو إذا [هي] تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضاء بها أن تكون
كما قال الله تعالى سبحانه: كمأ أنزلناه من السماء...).
(لا تعدو): لا تتعدى ولا تتجاوز. و (تناهت إلى أمنيته أهلها): بلغت إلى نهاية أمنيتهم.
والأمنية: الامل والبغية، والجمع: الأماني.
284

لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط
به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح (8) وكان
الله على كل شئ مقتدرا) [45 - الكهف] مع أن
كل من نال منها حبرة أعقبته عبرة (9) ولم يلق [أحد]
من سرائها بطنا الا منحته من ضرائها ظهرا (10).
غرارة غرور ما فيها. لا خير في شئ من زادها الا
التقوى. من قلل منها استكثر مما يؤمنه!!! ومن
استكثر منها لم تدم له ولم يدم لها (11).

(8) هشيما: مهشوما محطوما. و (تذروه الرياح): تفرقه الرياح.
(9) الحبرة - بالفتح: فالسكون -: السرور والنعمة. - بالفتح فالسكون -:
الدمعة.
(10) وفي النهج: (لم يكن امرؤ منها في حبرة الا أعقبته بعدها عبرة، ولم يلق في سرائها
بطنا الا منحته من ضرائها ظهرا...). أقول: البطن والظهر هنا كناية عن الاقبال والادبار.
(11) وفي نهج البلاغة: (من أقل منها استكثر مما يؤمنه!! ومن استكثر منها استكثر
مما يوبقه وزال عما قليل عنه!!!).
285

كم [من] واثق بها ومطمئن إليها قد خدعته، وذي
تيه منها (12) قد أكبته لليدين وللفم!!!
سلطانها دول، وصفوها كدر وحيها بعرض موت،
وآمنها (13) بعرض خوف، وملكها مسلوب وجارها
محزون!!! (14).
ومن وراء ذلك سكرة الموت وزفرته وهول المطلع [و]
الوقوف بين يدي الحكم العدل فهناك (تبلو كل نفس ما
أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا
يفترون). فيجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين

(12) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: (وذي تاح)؟. وفي نهج البلاغة: (كم
واثق بها قد فجعته وذي طمأنينة إليها قد صرعته وذي أبهة قد جعلته حقيرا، وذي نخوة قد ردته
ذليلا). والتيه: الصلف والكبر.
(13) الظاهر أن هذا هو الصواب، ويتحمل رسم الخط أيضا أن يقرأ: (وطامنها) أي
الذي اطمئن إليها والامن لها. وفي الأصل: (واكامنها)؟.
(14) كذا في الأصل، ولكن كتب فيه فوق لفظ: (محزون) هكذا: (محروم (غ)
والظاهر أن (غ) مصحف عن (خ) ويراد منه: ان في نسخة ورد لفظ (محروم) بدلا عن لفظ:
(محزون). وفي نهج البلاغة: (ملكها مسلوب، وعزيزها مغلوب، وموفورها منكوب
وجارها محروب). و (محروب) من قولهم: (حربه ما له - من باب نصر - حربا):
سلبه ماله وتركه بلا شئ.
286

أحسنوا بالحسنى (15).
ألستم ترون وتعلمون أنكم في منازل من كان قبلكم
[ممن] كانوا أطول منكم أعمارا، وأشهر منكم آثارا،
وأكثر منكم جنودا وأشد منكم عمودا؟!
تعبدوا للدنيا أي تعبد (16) ونزلوا بها أي نزول
وآثروها أي ايثار (17).
فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم؟ بل أهلكتهم
بالخطوب، ودهمتهم بالقوارع!!! (18) وهل صحبتهم

(15) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (30) من سورة يونس، وفيها: (هنالك
تبلو). وما بعد القوسين مقتبس من الآية: (31) من سورة النجم وفيها: (ليجزي الذين
أساؤا...).
(16) أي تذللوا لها وجعلوا أنفسهم كالعبيد لها بالتفاني في شهواتها والانهماك في التفرد
بزخارفها.
(17) وبعده في نهج البلاغة هكذا: (ثم ظعنوا عنها بغير زاد مبلغ ولا ظهر قاطع) أي
بلا زاد يبلغهم إلى الجنة، وبلا ظهر راحلة يركبونها فيقطعون بها طريق القيامة، ويصلون إلى
دار السلام.
(18) سمحت لهم: جادت لهم. والخطوب: جمع الخطب - كحرب -: الحوادث
المؤلمة، والنوازل المدهشة. و (دهمتهم) من باب علم ومنع -: غشيتهم. والقوارع: النكبات
المهلكة، والشدائد الكاسرة للظهور. وهي جمع القارعة مؤنث القارع.
287

الا بالتعسف؟ وهل أعقبتهم الا النار؟ (19).
[أ] فهذه تؤثرون؟ أو فيها ترغبون؟ والله تبارك
وتعالى يقول: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها
نوف إليهم أعمالهم وهم فيها لا يبخسون، أولئك
الذين ليس لهم في الآخرة الا النار وحبط ما صنعوا فيها
وباطل ما كانوا يعملون) [16 - هود].
بئست الدار لمن لم يتهمها (20) ولم يكن فيها
على وجل!!!
اعلموا - وأنتم تعلمون - أنكم لابد تاركوها [و]
أنها لعب ولهو كما قال [الله] عز وجل (21): (اعلموا
أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر

(19) التعسف - ها هنا - يراد منه العدول عن أداء حق الصحبة والعدوان على الصاحب. ثم إن
في المختار: (111) من نهج البلاغة ها هنا زيادات بديعة.
(20) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (111) من نهج البلاغة، وفي الأصل:
(لمن لا ينهنها).
(21) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (انها كما قال عز وجل: لعب ولهو...).
وفي نهج البلاغة: (فاعلموا - وأنتم تعلمون - بأنكم تاركوها وظاعنون عنها!!! واتعظوا
فيها بالذين قالوا: (من أشد منا قوة، حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا...).
288

في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم
يهيج فتراه مصفرا ثم يكن حطاما (22) وفي الآخرة
عذاب شديد) [20 - الحديد: 57].
فاعتبروا بمن قد رأيتم من اخوانكم صاروا في التراب
رميما، لا يرجى نفعهم ولا يخشى ضرهم وهم كمن لم
يكن!!! وكما قال الله عز وجل: (فتلك مساكنهم
لم تسكن من بعدهم الا قليلا) [58 - القصص 28]
استبدلوا بظهر الأرض بطنا، وبالأنس غربة، وبالأهل
وحدة، غير أن ظعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة [أو]
الشقوة اللازمة.
فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون [عمره]
عليه حجة، أو أن يؤديه أيامه إلى شقوة (23).

(22) الكفار: جمع الكافر، وهو - ها هنا - كالزارع في جمع الزارع لفظا ومعنى. و (يهيج
- من باب باع -: ييبس بعاهة - و (حطاما): محطوما مكسرا مفتتا.
(23) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (64) من نهج البلاغة، وفيه أيضا:
(وأن تؤديه أيامه إلى الشقوة).
(نهج السعادة ج 3) (م 19)
289

جعلنا الله وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا يعظم (24)
به عن طاعة غاية، ولا تحل به شقوة، فإنه لطيف لما يشاء،
بيده الخير وهو على كل شي قدير.
وصلى الله وسلم على محمد وآله وعلى أنبيائه [ط]
وعلى جميع أهل بيته الأخيار الذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا.
الحديث: (6) من الباب: (14) من تيسير المطالب ص 122، من
النسخة المخطوطة، وفي ط 1: ص 183.
وقد تبين من التعليقات أن الخطبة تشترك في كثير من جملها مع المختار:
(111، و 145) من نهج البلاغة.

(24) (لا تبطره النعمة): لا تطغيه ولا تسكره. وفي المختار: (64) من نهج البلاغة:
(نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية، ولا تحل
به بعد الموت ندامة ولا كآبة).
290

- 77 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله في بعض خطبه حثا على اتباع القرآن وملازمة الحق. وردعا عن
موافقة الشيطان وعصيان الرب
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد البغدادي قال:
حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر الزيدي قال: حدثني محمد بن الحسين
قال: حدثنا أحمد بن عمر، قال: حدثنا محمد بن كثير الكوفي عن أبي
خالد عمرو بن خالد، عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عليهم السلام قال:
خطب علي عليه السلام الناس فقال في خطبته:
الحق طريق الجنة، والباطل طريق النار، وعلى كل
طريق داع يدعوا إلى طريقه، فمن أجاب داعي الحق
أداه إلى الجنة، ومن أجاب داعي الباطل ساقه إلى النار!!!
ألا وان داعي الحق كتاب الله عز وجل، فيه نبأ
ما قبلكم وخبر ما بعدكم، من عمل به آجر، ومن خالفه
دحر (1).

(1) أي طرد عن الخير ودفع عنه ودفع عنه وأبعد منه، يقال: (دحر زيد فلانا - من باب منع -
دحرا ودحورا ومحدرة).: طرده. أبعده. دفعه.
وقد تقدم في المختار: (118) وتعليقه من الجزء الأول ص 380 ما ينفع المقام، وكذلك
في المختار: (352) في الجز الثاني ص 674.
291

ألا وان الداعي إلى الباطل عدوكم الذي (أخرج
أبويكم من الجنة، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما
انه يراكم هو وقبيلة من حيث لا ترونهم) (2).
ألا فاعصوا عدوكم وأطيعوا ربكم ومن أحق بكم
من الله؟ خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم.
ألا وانه عز وجل قال: (ان الله لا يغير ما بقوم حتى
يغيروا ما بأنفسهم) [11 - الرعد: 13].
عباد الله (فلا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا. وهم لا
يسمعون) (3) ألا فإن لم تفعلوا فقد سلكتم سبيل
من قد هلك.
الحديث: (7) من الباب: (14) من تيسير المطالب ص 123، من
النسخة المخطوطة، وفي ط 1: ص 184.

(2) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (27) من سورة الأعراف: (يا بني آدم لا
يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة...).
(3) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (21) من سورة الأنفال: 21.
292

- 87 -
ومن خطبة له عليه السلام
في وجوب التوقي عن كيد المبطلين، والتنبيه على أنهم دائما يلبسون
الحق بالباطل، ويمزجون المقدمات الحقة مع المقدمات الباطلة، للتوصل
إلى منوياتهم السيئة، وأمنياتهم الكاذبة!!!
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد البغدادي قال:
أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق، قال: حدثني أحمد بن الحسين
الحربي قال: حدثنا محمد بن الأزهر الطائي الكوفي قال: حدثنا سلمة بن
عامر، عن أبي إسحاق السبيعي عن الحرث، عن أمير المؤمنين علي عليه
السلام أنه خطب فقال:
ألا ان الحق لو أخلص لم يخف على ذي حجى!!!
ألا وان الباطل لو أخلص لم يخف على ذي حجى (1)
ولكنه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث (2) فيمتزجان

(1) كذا في الأصل، و (أخلص الشئ): أتى به خالصا. و (ذي حجى): ذي عقل
أي أن المبطلين لو كانوا يأتون بالمقدمات الحقة خالصة عن شوب الباطل، ويقدمون المقدمات
الباطلة مفردة عن مزج المقدمات الحقة، لم يكن محل لخفاء الحق والباطل على ذوي العقول، ولكنهم
يخلطونهما...
(2) الضغث - كضرس -: الحزمة من الحشيش المختلط رطبها بيابسها، ومنه قوله تعالى
في الآية: (44) من سورة (ص): (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث).
293

فحينئذ يستولي الشيطان على حزبه، وينجو حزب الله
الذين سبقت لهم [من الله] الحسنى (3).
ألا وان الباطل خيل شمس ركبها أهلها (4) وأرسلوا
أزمتها فسارت [بهم] حتى انتهت بهم إلى نار وقودها
الناس والحجارة.
ألا وان الحق مطايا ذلل ركبها أهلها وأعطوا أزمتها
فسارت بهم الهوينا حتى أتت ظلا ظليلا (5).
فعليكم بالحق فاسلكوا سبيله واعملوا به تكونوا
من أهله.

(3) هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: (استولى الشيطان على حزبه، ونجا حزب
الله الذين سبقت لهم منا الحسنى) وفي المختار: (50) من نهج البلاغة: (ولكن يؤخذ من هذا
ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من
الله الحسنى). أقول: ذيل الكلام مقتبس من قوله تعالى في الآية: (101) من سورة الأنبياء:
(ان الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون).
(4) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (للشمس راكبها). والشمس - على زنة قفل وعنق -:
جمع الشموس - كعبوس -: الحيوان الذي لا يمكن أحدا من ركوبه أو وضع شئ عليه، ولا
يستقر من شدة نشاطه. ولازمة: جمع الزمام: المقود. والوقود: ما وقد به النار.
(5): المطايا: جمع المطية: المركوب من الحيوان. وذلل: جمع ذلول: المنقاد.
والأزمة: جمع الزمام.: ما يشد به. و (الهوينا): الرفق. وهي تصغير الهونى وهي تأنيث
الأهون. وظلا ظليلا: ظلا دائما ويعني به - هنا - الجنة.
294

ألا ومن خاف حذر، ومن حذر جانب السيئات.
ألا وانه من جانب السيئات، أدلج إلى الخيرات في
السرا [ء] (6) ومن أراد سفرا أعد له زادا، فأعدوا الزاد
ليوم المعاد، واعملوا [فان] الجزا [ء] باق، فاني والله لم
أر كالجنة نام طالبها!!! ولم أر كالنار نام هاربها!!! (7).
الحديث: (16) من الباب: (14) من تيسير المطالب ص 127، من
النسخة المخطوطة، وفي ط 1: ص 189.
وقد تقدم في المختار: (65) من القسم الأول: ج 1، ص 224،
وكذلك في المختار: 238 من ج 2 ص 301 شواهد لصدر الكلام، وكذلك
في المختار: (50) من نهج البلاغة.

(6) الظاهر أن هذا هو الصواب أي ان من شأن مجانب السيئات أن يسارع في حال مسرته
ورخاء عيشه إلى الخيرات، ويغتنم القيام بها في حالة غفلة الناس عنها واعتيادهم باللذات الحيوانية وإراحة
الجسم. والادلاج: السير في الليل كله أو في آخره. ثم إن في الأصل هكذا: (أدلح إلى الخيرات
في السرا).
(7) وقريب منه في المختار: (28) من نهج البلاغة.
295

- 79 -
ومن خطبة له عليه السلام
في التذكير بالموت والتحذير عما بعده من المحاسبة والمجازات،
والتبشير بالجنة وما أعده الله تعالى للمتقين
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبي رحمه الله قال: أخبرنا عبد الله بن
أحمد بن سلام، قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا إبراهيم بن سليمان [ظ]
قال: حدثنا أحمد بن صبيح، قال: حدثنا حسين بن علوان الليثي (1) عن
سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: خطب أمير المؤمنين علي
عليه السلام فقال:
عباد الله الموت ليس منه فوت، ان أقمتم أخذكم
وان فررتم أدرككم الموت معقود بنواصيكم!!! الاسراع
الاسراع الوحا الوحا النجاء النجاء (2) [فان] وراءكم
طلب حثيث (3) القبر فاذكروا ضيقه وضنكه وظلمته.

(1) هذه الكلمة رسم خطها غير واضح، ويحتمل بعيدا أن يقرأ (الكلبي).
(2) الوحا الوحا: المسارعة المسارعة. والنجاء النجاء: الاستعجال الاستعجال. والأسماء
منصوبة بفعل محذوف على الاغراء.
(3) كذا في الأصل، وفي رواية ابن عساكر الآتية: (وراءكم طالب حثيث). وفي
رواية أخرى له عن شيخه إسماعيل: (فان وراءكم طالب حثيث...).
296

ألا وان القبر روضة من رياض الجنة، أو حفره من
حفر النيران.
ألا وان من وراء ذلك يوما (تذهل فيه كل مرضعة
عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس
سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) (4).
ألا وان من وراء ذلك اليوم نار حرها شديد وقعرها
عميق، وحلية أهلها فيها حديد (5) [دار] ليس لله
فيها رحمة.
قال: فبكى المسلمون حول المنبر حتى اشتد بكاؤهم فقال:
ألا ومن وراء ذلك جنة عرضها [عرض] السماوات
والأرض.
أعاذنا الله وإياكم من العذاب الأليم، ورحمنا وإياكم
من العذاب المهين.
ثم نزل [عليه السلام عن المنبر].
الحديث: (9) من الباب: (14) من تيسير المطالب ص 124، من النسخة
المخطوطة، وفي المطبوعة ص 185.

(4) ما بين القوسين مقتبس من الآية الثانية من سورة الحج.
(5) وفي رواية ابن عساكر الآتية: (وحليها حديد).
297

- 80 -
ومن خطبة له عليه السلام
في الاخبار عما يقع بعده من حكومة الظالين، واستيلاء أعدائه على
شيعته وأوليائه وتنكيلهم بمحبيه ومتبعيه، ثم انتقام الله تعالى
من الظالمين واستئصالهم!!!
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد البغدادي قال:
أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق الكوفي قال: حدثنا أحمد بن عبد
الجبار، قال: حدثنا خلف بن عبد الحميد، قال: حدثنا سلام بن سلمة،
عن أبي هاشم عن زاذان، عن علي عليه أفضل الصلاة والسلام أنه خطب فقال:
الحمد لله، وصلى الله على نبيه.
أيها الناس انه لابد من رحا ضلالة تطحن!!! ألا
وان لطحنها دقا، ألا وان على الله فلها (1).
ألا وانه لا يزال البلاء بكم من بعدي حتى يكون

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (بطحنها). والرحي: آلة الطحن وهي الطاحون.
و (تطحن) تعمل وتدور وتنتج الطحين أي الدقيق. والدق بفتح الدال: الكسر. وبكسر الدال:
الدقيق. و (فلها): كسرها. والضمير راجع إلى (رحا).
298

المحب لي والمتبع أذل في أهل زمانه من فرخ الأمة!!! (2)
قالوا: ولم ذلك؟ [قال] ذلك بما كسبت أيديكم!!!
برضاكم بالدنية في الدين!!!
فلو أن أحدكم إذا ظهر الجور من أئمة الجور باع
نفسه من ربه وأخذ حقه من الجهاد لقام دين الله على
قطبه وهنأتكم الدنيا الفانية، ولرضيتم ربكم (3)
فنصركم على عدوكم!!!
ثم تلا [عليه السلام] هذه الآية:
(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا
ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى
سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله
لا يحب الفساد (4) [وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة
.

(2) كذا في الأصل، و (فرخ الأمة): ولدها.
(3) لعل هذا هو الصواب، أي صارت الدنيا هنيئة وسائغة لكم ولتوخيتم رضا ربكم عنكم
وأعطيتموه ما يرضى به عنكم... وفي الأصل: (وهنتكم الدنيا الفانية ولرضيتم من ربكم).
(4) ما بين المعقوفين التاليين تفصيل لما أجمله المصنف أو الراوي من كلام أمير المؤمنين
عليه السلام من ذكر الآية الكريمة، وكان في الأصل بعد كلمة: (الفساد) هكذا: إلى قوله:
(والله رؤوف بالعباد)
299

بالاثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد، ومن الناس من
يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد].
الحديث: (12) من الباب: (14) من تيسير المطالب ص 125، من
النسخة المخطوطة، وفي المطبوعة ص 186.
300

- 81 -
ومن كلام له عليه السلام
في تحميد الله تعالى ثم الشهادة على وحدانيته ورسالة رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ثم التوصية بالتقوى وقطع العلائق عن الدنيا
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبي رحمه الله قال: أخبرنا عبد الله بن
أحمد بن سلام، قال: أخبرنا أبي قال: حدثني جعفر بن عبد الله المحمدي
قال: أخبرنا فرج بن فروة (1) عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد
عن أبيه عن جده عليهم السلام [قال]:
ان أمير المؤمنين عليه السلام شيع جنازة فلما وضع الميت في لحده عج
أهله وبكوا، فقام أمير المؤمنين عليه السلام فقال - وهو قائم على قدميه -:
على من تبكون؟ أ [ما] والله لو عاينتم ما عاين ميتكم لأذهلتكم معاينتكم عن
البكاء!!! ثم قال [عليه السلام]:
الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه،
وأستهدي الله الهدى وأعوذ به من الضلالة والردى من
يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

(1) هذا هو الصواب، وفي الأصل: (فرح بن فرده).
301

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال
ووقت لكم الآجال (2) وجعل لكم أسماعا لتعي ما عناها
وأبصارا لتجلو عن عشاها، وأفئدة لتفهم ما دهاها (3)
في تركيب صورها ومدد عمرها (4) فان الله لم يخلقكم
عبثا، ولم يمهلكم سدى ولم يضرب عنكم الذكر صفحا (5)

(2) هذا هو الظاهر المستفاد من السياق، الموافق لما في حلية الأولياء وتذكرة الخواص
والمختار: (81) من نهج البلاغة، وفي الأصل: (الأجل). أي قرر لكم آجالا محدودة موقتة.
(3) لتعي - من باب وقى -: لتحفظ. و (ما عناها) - من باب دعا -: ما أهمها.
(لتجلو عن عشاها) لتكشف عن عدم اهتدائها في مقاصدها ومسيرها إلى ما يهمها في ظلمة الدنيا.
والعشا - مقصورا -: ضعف البصر وعدم ابصاره ليلا. و (ما دهاها): ما يجعلها ذا داهية
وجودة رأي وحذق في الأمور.
(4) وفي المختار: (81) من نهج البلاغة: (جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها وأبصارا
لتجلو عن عشاها، وأشلاء جامعة لأعضائها ملائمة لأحنائها في تركيب صورها، ومدد عمرها بأبدان
قائمة بأرفاقها، وقلوب رائدة لأرزاقها).
(5) هذا هو الظاهر الموافق لما مر في المختار (34) نقلا عن المختار الأخير من الباب: (4)
من دستور معالم الحكم، وفي الأصل: (ولم يهملكم). و (سدا): مهملا. والجمل الثلاثة مقتبسة
من الآية: (115) من سورة المؤمنون: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لا ترجعون).
ومن الآية (36) من سورة القيامة: (أيحسب الانسان أن يترك سدى). ومن الآية (5) من
سورة الزخرف: (أفنضرب عنكم الذكر صفحا).
302

بل أكرمكم بالنعم السوابغ وأرفدكم بالرفد الروافد (6)
وأحاط بكم [با] لاحصاء، وأرصد لكم الجزاء، في السراء
والضراء (7).
فاتقوا الله (8) عباد الله، وجدوا في الطلب ونجاة
المهرب، وبادروا بالعمل قبل مقطع النهمات، و [قدوم]
هادم اللذات (9) فان الدنيا لا يدوم نعيمها، ولا يؤمن
فجعاتها، ولا يتوقى سوأتها، غرور حائل وشجا قاتل (10)

(6) وفي جواهر المطالب: (بل أمدكم بالنعم السوابغ ورزقكم بأرفد الروافد). وفي
دستور معالم الحكم: (بل أكرمكم بالنعم السوابغ، وقطع عذركم بالحجج البوالغ، ورفدكم بأحسن
الروافد واعم الزوائد).
(7) أي وأحاط احصاؤه بكم فلا يغيب عن علمه شئ من حالاتكم. وفي المختار: (81)
من النهج: (وأحاطكم بالاحصاء، وأرصد لكم الجزء، وآثركم بالنعم السوابغ، والرفد الروفغ
وأنذركم بالحج البوالغ).
(8) هذا هو الصواب، وفي الأصل: (فالتوا الله).
(9) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: (قبل منقطع المهندات وهادم اللذات). والمقطع:
القطع والإبانة. والنهمات: جمع النهمة كشهوة لفظا ومعنى. الحاجة. بلوغ الهمة في الشئ. وفي
دستور معالم الحكم: (واقطعوا النهمات واحذروا هادم اللذات).
(10) وفي الباب: (49) من جواهر المطالب: (ولا يؤمن فجائعها). والفجائع: جمع
الفجيعة: الرزية والبلية. والسوآت: ما يسوء الانسان ويغمه ويحزنه. والغرور كصبور -:
ما يوجب الانخداع. والحائل: المتغير المتقلب من حال إلى حال. والشجا كعصا -: ما يعترض
في الحلق. والسناد: كون الشئ سندا ودعامة لغيره.
303

وسناد مائل، تضني مستطرفها وتردي مستزيدها وتحفل
مصرعها (11) وتصرم حبالها.
فاتعظوا عباد الله بالعبر، واعتبروا بالأثر، وازدجروا
بالنذر [وكأن قد علقتكم] مخالب المنية، وضمنتم
بين التراب، ودهمتكم الساعة (12) بنفخة الصور،
وبعثرة القبور، وسياقة المحشر إلى الحساب بإحاطة [قدرة]
الجبار، وكل نفس معها سائق وشهيد [سائق] يسوقها
[إلى] المحشر، وشهيد يشهد عليها بعملها (13) وأشرقت
الأرض بنور ربها، ووضع الكتاب وجي بالنبيين والشهداء

(11) تضني: تثقل. و (مستطرفها): مستفيدها. و (تردي): تهلك. و (تحفل):
تزين لأهلها مصارعهم ومهالكهم. و (تصرم حبالها). تقطع علاقات المتعلقين بها والمنقطعين
إليها. ثم إن رسم الخط من الأصل في قوله: (تضعي) وما بعدها غامض لا سيما في قوله: (تحفل)
فإنه يساعد على أن يقرأ (تختل). ولا يبعد أن يكون الصواب: (وتقتل مصارعها) أي من صارع
معها تقتله ولا تكتفي بضربه واسقاطه على الأرض كما هو شأن المتصارعين.
(12) هذا هو الظاهر، ودهمتكم - من باب علم ومنع: غشيتكم. ثم إن رسم الخط في
قوله: (مخالب المنية. وضمنتم) لم يكن واضحا، وكان في الأصل هكذا (بل طالب المنية وضمتم
بين التراب ودهمتم الساعة). وما وضعناه في المتن بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (81) من نهج
البلاغة وتذكرة الخواص.
(13) هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: (وشاهد يشهد عليها بعملها)
304

وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون) (14) فارتجت الأرض
لنداء المنادي وكشفت عن ساق، وكان يوم الطلاق، وكورت
الشمس، وحشرت الوحوش، وارتجت الأفئدة، ونزل بأهل
النار من الله سطوة، فجثوا حول [جهنم] و [لها] زفير
[و] وعيد، تأجج جحيمها (15) وغلا حميمها، وتوقد
سمومها، لا يهرم خالدها، ولا يظعن مقيمها، ولا تفصم
كبولها، معهم ملائكة الزجر يبشرونهم بنزل من حميم (16)
وتصلية جحيم، [و] هم عن الله محجوبون (17) ولأوليائه
مفارقون، والى النار منطلقون، حتى إذا أتوا جهنم قالوا:
(مالنا من شافعين، ولا صديق حميم، فلو أن لنا

(14) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (69) من سورة الزمر.
(15) لعل هذا هو الصواب مما صحف في الأصل، واليك صورة ما في الأصل: (فجثاحه
وزفير وعيد تأجج؟...) ولعل الله ان يمن علينا بالعثور على نسخة صحيحة أو مصادر أخر
للكلام فنحققه على القطع واليقين.
(16) هذا هو الظاهر الموافق لما تقدم عن جواهر المطالب، وفي الأصل: (بنزول).
والكلام مقتبس من الآية: (94) من سورة الواقعة. والنزل كقفل وكسبل -: ما يقدم للضيف
قبل الطعام.
(17) الكلام مقتبس معنا عن الآية: (15) من سورة المطففين: 83: (كلا أنهم عن ربهم
يومئذ لمحجوبون).
(نهج السعادة ج 3) (م 20)
305

كرة فنكون من المؤمنين) (18) [ف‍] قيل (وقفوهم
انهم مسؤولون) [24 / الصافات] وجهنم تناديهم
- وهي مشرفة عليهم - إلي بأهلي؟ وعزة ربي لانتقمن
اليوم من أعدائه!!! ثم يناديهم ملك من الزبانية، ثم
يسحبهم حتى يلقيهم في النار على وجوههم ثم يقول
[لهم]: ذوقوا عذاب الحريق.
ثم أزلفت الجنة للمتقين مخضرة محضرة للناظرين (19)
فيها درجات، لا يبيد نعيمها ولا يأسى ساكنها (20)
أمنوا الموت فصفا لهم ما فيها [و] (فيها أنهار من
ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من

(18) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (100 - 101) من سورة الشعراء وفيها:
(فما لنا...).
(19) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: (مخضرة محضا...؟).
(20) لعل هذا هو الصواب وهو من قولهم: (أسي زيد - من باب رضي - أسى): حزن
فهو آس واسيان وفي الأصل هكذا: (بوسى). ويحتمل أيضا أن يكون صوابه: (ولا يبئس
ساكنها) من قولهم: (أبأس زيد): حلت به الشدائد. أو من قولهم: (بئس زيد - من باب
علم - بؤسا: افتقر.
306

خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى) (21) مع
أزواج مطهرة وحور عين كأنهن الياقوت والمرجان (22)
[ويطوف عليهم ولدان] بحلية وآنية من فضة (23)
ولباس السندس الأخضر، والفواكه الدائمة، وتدخل
عليهم الملائكة فتقول: (سلام عليكم [بما] صبرتم
فنعم عقبى الدار) (24) فلا تزال الكرامة لهم حين
وفدوا إلى خالقهم وقعدوا في داره، ونالهم (سلام قولا من
رب رحيم) (25) فأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من
أهل الجنة، الذين خلقوا لها، وخلقت لهم.
عباد الله اتقوا الله تقية من كنع فخنع، فوجل فرجل

(21) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (15) من سورة محمد صلى الله عليه وآله.
(22) الكلام مقتبس معنى من الآية: (56 و 57) من سورة الرحمان.
(23) ما بين المعقوفين زيادة منا مأخوذة من الآية (17) من سورة الواقعة زدناها احتمالا
لاصلاح المتن وليست ارادتها وكونها من كلام أمير المؤمنين قطعية، ولذا وضعناها بين المعقوفين
وطولنا الكلام حوله في هذا التعليق، وكان في الأصل هكذا: (كأنهن الياقوت والمرجان حلينه
وابنه من فضة...؟).
(24) اقتباس من الآية: (24) من سورة الرعد: 13.
(25) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (38) من سورة ياسين.
307

فحذر (26) فاجتنب هائبا، ونجا هاربا (27) وأفاد
ذخيرة وأطاب سريرة، وقدم للمعاد واستظهر بالزاد.
وكفى بالله منتقما وخصيما، وكفى بالجنة ثوابا
ونوالا، وكفى بالنار عقابا ونكالا (28).
الحديث: (21) من الباب: (14) من كتاب تيسير المطالب ص 130،
من النسخة المخطوطة، وفي المطبوعة ص 193.
ورواه أيضا أبو نعيم الأصبهاني في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من
كتاب حلية الأولياء: ج 1 ص 77 بسند آخر، عن الإمام الصادق عليه السلام
عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه السلام بنقص عما ها هنا في أواخره.
ورواه أيضا سبط ابن الجوزي في الباب (6) من كتاب تذكرة الخواص،
ص 130، نقلا عن أبي نعيم.
وقد تقدم أيضا في المختار: (50) نقلا عن الباب: (49) من جواهر
المطالب ص 47،.
وأيضا قد تقدم في المختار: (36) شواهد لكثير من فقرات الكلام،
كما أن في المختار: (81) من نهج البلاغة أيضا شواهد للكلام، فخذها وكن
من الشاكرين.

(26) كنع زيد - كمنع - كنوعا): تقبض وانضم. جبن وهرب، وكنع إليه خضع ولان.
وكنع عمرو من باب علم - كنعا): يبس وتشنج، ويقال: (خنع عمرو لله والى الله - من
باب منع - خنوعا): خضع وذل له وتضرع إليه.
ويقال (رجل زيد - من باب علم - رجلا): سار على رجليه.
(27) كلمة: (هائبا) رسم خطها غير واضح، وفي جواهر المطالب: (طلبا ونجا هربا).
(28) وفي المختار: (83) من نهج البلاغة: (فكفى بالجنة ثوابا ونوالا، وكفى بالنار
عقابا ووبالا، وكفى بالله منتقما ونصيرا، وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما).
308

- 82 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت أولياء الله الخاملي الذكر عند أهل الدنيا المنهمكين في لذاتها
قال الحافظ الكبير ابن عساكر: أخبرنا أبو غالب وأبو عبد الله ابنا البناء،
قالا: أنبأنا أبو الحسين ابن الأبنوسي أنبأنا أبو الطيب عثمان بن عمرو بن
محمد بن المنتاب، أنبأنا يحي بن محمد بن صاعد، أنبأنا الحسين بن الحسن
ابن حرب، أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم، أنبأنا ليث عن الحسن قال: قال
علي بن أبي طالب [عليه السلام]:
طوبى لكل عبد نومة (1) عرف الناس ولم يعرفه
الناس، وعرفه الله منه برضوانه، أولئك مصابيح الهدى
يخلى عنهم كل فتنة مظلمة (2) [أولئك] يدخلهم
[الله] في رحمته (3) ليس أولئك بالمذاييع البذر (4)

(1) النومة - كهمزة ولمزة -: الخامل الذكر الفاقد الصيت.
(2) وفي المختار: (101) من نهج البلاغة: (أولئك يفتح الله لهم أبواب رحمته ويكشف
عنهم ضراء نقمته). وفي حلية الأولياء: (يكشف الله عنهم كل فتنة.
(3) هذا هو الظاهر الموافق لما في حلية الأولياء، وفي النسخة الظاهرية: (تدخلهم في رحمته)
(4) المذاييع: جمع المذياع وهو الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها ونوه بها. والبذر:
جمع بذور: الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه. والجفات: جمع الجافي: غليظ العشرة خشن العادة.
والمرائين جمع المرائي الذي يأتي بالصالحات ليراه الناس ويحظو عندهم.
309

ولا بالجفاة المرائين.
الحديث: (1264) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
دمشق ج 3 ص 207 ط 1، وفي مخطوطة الظاهرية: ج 11 - الورق 191 / أ /
ثم روى قريبا منه مع زيادات كثيرة، وقد ذكرناه تحت الرقم: (140)
من ج 1 ص 565 ط 1.
ورواه أيضا أبو نعيم في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام من حلية الأولياء: ج 1، ص 76 بسند آخر عن عبد الله بن محمد.
عن أبي يحي الرازي عن هناد، عن ابن فضيل، عن ليث عن الحسن عليه السلام.
310

- 83 -
ومن خطبة له عليه السلام
في التحذير عن متابعة الهوى، وطول الامل، والتحريض على العمل الصالح
الحافظ الكبير ابن عساكر الدمشقي قال: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي
أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمان بن أحمد بن علي الزجاجي أنبأنا أبو أحمد عبيد
الله بن محمد بن أحمد بن أبي مسلم الفرضي حدثني أبو عبد الله علي بن سليمان
صاحب الحكمي أنبأنا علي بن حرب.
وأخبرنا أبو القاسم الشحامي أنبأنا أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو عبد الله
الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله علي بن عبد الله العطار ببغداد، أنبأنا علي بن حرب
الموصلي سنة ست وستين ومأتين بالموصل.
وأخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم،
أنبأنا أبو بكر ابن خلف، أنبأنا الحاكم أبو عبد الله قال: سمعت أبا عبد الله
علي بن عبد الله العطار صاحب الحكم ببغداد يقول: حدثنا علي بن حرب الموصلي
أنبأنا وكيع عن سفيان:
عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمان السلمي قال: خطب علي
ابن أبي طالب على منبر الكوفة - وقال الشحامي: بالكوفة - فحمد الله
وأثنى عليه وقال:
أيها الناس ان أخوف ما أخاف عليكم طول الامل
واتباع الهوى فأما طول الامل فينسي الآخرة، وأما
311

اتباع الهوى فيصد عن الحق.
ألا ان الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة [قد أشرفت]
مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء
الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فان اليوم عمل ولا
حساب، وغدا حساب ولا عمل.
الحديث: (1270) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 3 ص 209 ط 1، وفي النسخة المخطوطة بالظاهرية: ج 11 - الورق
191 / ب.
312

- 84 -
ومن كلام له عليه السلام
في معنى ما تقدم في المختار السالف من أن أخوف ما يضل الناس ويزلهم
عن الاستقامة على صراط الحق والحقيقة، هو طول الامل واتباع الهوى
قال الحافظ الكبير علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي الدمشقي:
أخبرنا أبو بكر محمد بن شجاع، أنبأنا أبو الفضل العباس بن محمد بن
عبد الواحد الرازي وسليمان بن إبراهيم بن محمد، ومحمد بن أحمد بن محمد
ابن هارون، وأحمد بن عبد الرحمان بن محمد الذكواني وسهل بن عبد الله
ابن علي و عبد الرزاق بن عبد الكريم بن عبد الواحد.
وأخبرنا أبو محمد ابن طاووس، أنبأنا سليمان بن إبراهيم قالوا: أنبأنا
محمد بن إبراهيم بن جعفر املاءا، أنبأنا محمد بن الحسين بن الحسن، أنبأنا
علي بن الحسن الدرابجردي [ظ] أنبأنا عبيد الله بن موسى أنبأنا إسماعيل
[ابن أبي خالد] عن زبيد [اليامي] (1) قال: قال علي [عليه السلام]:
إنما أخاف عليكم خصلتين: طول الامل واتباع
الهوى فأما طول الامل فينسى الآخرة، وأما اتباع الهوى

(1) ما بين المعقوفات مأخوذ من الحديث: (1267) من ترجمة، وقد ذكرناه في
المختار:
(144) من ج 1، ص 480 ط 1، وفيه: (عن رجل من بني عامر، قال: قال علي...).
313

فيصد عن الحق.
[ألا] وان الدنيا قد ترحلت مدبرة، وان الآخرة قد
قربت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من
أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فان اليوم
عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.
الحديث: (1271) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 3 ص 211 ط 1، وفي النسخة المخطوطة بالظاهرية: ج 11 /
الورق 192 / أ.
314

- 85 -
ومن خطبة له عليه السلام
في الحث على استعداد للموت، بالسعي وراء صالح الاعمال، والتجنب
عن المساوئ ومكاره العادات، وفيها التحذير عن مخاوف القيامة
وأهوال القبر، والتشويق إلى رغائب الجنة
قال ابن عساكر: كتب إلي أبو بكر عبد الغفار بن محمد [بن الحسين
الشيروي] (1) - وحدثني أبو المحاسن الطبسي عنه - أنبأنا أبو بكر الحيري.
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل، أنبأنا أبو عثمان الصابوني أنبأنا
أبو محمد عبد الرحمان احمد المقرئ قالا: أنبأنا أبو العباس محمد بن
يعقوب بن يوسف، أنبأنا عبد الله بن أحمد - يعني ابن المستورد - زاد
المقرئ: الأشجعي - وقالا: - الكوفي أنبأنا أحمد بن صبيح الأسد
حدثني حسين بن علوان، عن سعد بن طريف:
عن الأصبغ بن نباتة، قال: صعد [أمير المؤمنين] علي [عليه السلام]
ذات يوم المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر الموت فقال:
عباد الله الموت ليس منه فوت، أن أقمتم له أخذكم،
وان فررتم منه أدرككم!!! فالنجا النجا والوحا الوحا

(1) ما بين المعقوفين مأخوذ من موارد نقل الحافظ ابن عساكر عن الرجل، منها في تبيين كذب
المفتري ص 47 و 50.
315

[فان] وراءكم طالب حثيث (2) القبر فاحذروا ضغطته
وظلمته ووحشته.
ألا وان القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض
الجنة.
ألا وأنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول:
أنا بيت الظلمة، أنا بيت الدود، أنا بيت الوحشة!!!
ألا وان وراء ذلك يوم يشيب فيه الصغير!!! ويسكر
فيه الكبير، وتضع كل ذات حمل حملها!!! وترى الناس
سكارى وما هم بسكارى (3) ولكن عذاب الله شديد!!!
ألا وان وراء ذلك ما هو أشد منه، نار حرها شديد،

(2) وهذا الصدر مع كثير مما بعده مذكور في كتابه عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر رحمه
الله، فانظر المختار: (51) من باب الكتب من كتابنا هذا: ج 4 ص 143، وقوله: (فالنجا
النجا والوحا الوحا) منصوب على الاغراء أي الزم الاسراع الزم الاسراع، ولازم البدار لازم
البدار. وحثيث: مجد. سريع.
(3) قال ابن عساكر: (وقال الشيروي [يعني عبد الغفار]: سكرى وما هم بسكري)
أقول: وكلام أمير المؤمنين هذا مقتبس من الآية الثانية من سورة الحج: 22.
316

وقعرها بعيد، وحليها حديد، وخازنها ملك ليس لله فيه
رحمة (4).
وان وراء ذلك جنة عرضها السماوات والأرض (5)
أعدت للمتقين، جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأجارنا
وإياكم من العذاب الأليم.
الحديث: (1271) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 3 ص 211 ط 1.
وقد تقدم أيضا في المختار: (79) ص 278 برواية السيد أبي طالب.

(4) قال ابن عساكر: وفي حديث الحيري: ([ليس لله] فيها رحمة). أقول:
فعلى رواية الحيري لابد من تقدير وصف مناسب للمقام لقوله: (ملك) ثم جملة: (ليس لله فيها
رحمة) اما نعت لقوله: (نار) أو انها نعت لمنعوت مقدر، ويشهد للثاني ما رواه في المختار:
(27) من الباب الثاني من نهج البلاغة: (فاحذروا نارا قعرها بعيد، وحرها شديد، وعذابها جديد!!!
دار ليس فيها رحمة ولا تسمع فيها دعوة ولا تفرج فيها كربة...). وكذا ما في المختار: (51)
من باب الكتب من كتابنا هذا: ج 4 ص 117: (دار ليس فيها رحمة ولا يسمع لأهلها دعوة).
(5) وساق ابن عساكر الكلام بعد قوله: (وفي حديث الحيري: فيها رحمة) هكذا: قال
ثم بكى وبكي المسلمون حوله ثم قال: وان وراء ذلك جنة عرضها السماوات والأرض - وفي حديث
الحيري: عرضها كعرض السماء والأرض - أعدت للمتقين، جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأجارنا وإياكم
من العذاب الأليم.
317

- 86 -
ومن كلام له عليه السلام
في أن الدنيا عند أهل البصر والبصيرة دار صدق ونجاة، ومعرض غنى وثراء!!!
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم العلوي أنبأنا رشاء بن نظيف،
أنبأنا الحسن بن إسماعيل قال: أنبأنا أحمد بن مروان، أنبأنا محمد بن عبد
العزيز، أنبأنا الفضل بن موفق، أنبأنا السري بن القاسم، عن حبيب بن
أبي ثابت:
عن عاصم بن ضمرة، قال: ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب فقال علي
[عليه السلام]:
الدنيا دار صدق لمن صدقها!!! ودار نجاة لمن فهم
عنها، ودار غني لمن تزود منها.
مهبط وحي، الله ومصلى ملائكته ومسجد أنبيائه، ومتجر
أوليائه!!! ربحوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة.
فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها؟! ونادت بفراقها
وشبهت بسرورها السرور (1) وببلائها إليه [البلاء]

(1) هذا هو الظاهر الموافق لما ورد في كثير من المصادر، وفي الأصل: (وشبهت بشرور
السرور). وفي المختار: (131) من قصار نهج البلاغة: (وشوقتهم بسرورها إلى السرور).
وهو أظهر. وفي المختار: (117) من القسم الأول من كتابنا هذا: ج 1، ص 353: (ومثلت
ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى السرور.
318

ترهيبا وترغيبا (2).
فيا أيها الذام للدنيا المعلل نفسه (3) متى خدعتك
الدنيا؟ أو متى استذمت إليك (4) أبمصارع آبائك
في البلى؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى (5) كم
مرضت بيديك؟ وعللت بكفيك؟ تطلب لها الشفاء (6)

(2) أي إنما صنعت الدنيا ما صنعت من أجل ترهيب الناس وتخويفهم من عذاب الله، ولأجل
ترغيب الناس وتشويقهم إلى ما أعد الله للصالحين.
(3) يقال: عللت زيدا بالعلم تعليلا: شغلته به ولهوته به.
(4) أي متى فعلت بك صنعا تذم عليه. يقال استذم زيد إلى فلان: فعل ما يذمه عليه.
(5) المصارع: جمع المصرع: موضع سقوط الانسان على الأرض. و (البلى) - مقصورا -:
الرث الخلق البالي من قدم الزمان، وتوارد الحرارة والبرودة عليه. والمضاجع: جمع مضجع:
محل وضع الجنب على الأرض. والثرى والثراء - مقصورا وممدودا -: الندى والرطوبة.
التراب المرطوب، ومنه قوله تعالى في الآية: (6) من سورة (طه): (له ما في السماوات وما
في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى).
(6) كذا في الأصل، ومقتضى السياق أن يقال: (لهم) كما في المختار (131) من قصار
النهج و (117) من كتابنا، أو يقال: (له) كما في الفقرة التالية ها هنا. و (مرضت بيديك):
داويت المريض وقلبته بيديك واعتنيت به في مرضه. و (عللت بكفيك): عالجته في علته بكفيك
(تستوصف له الأطباء): سألتهم أن يصفوا لك ما تداوي به مريضك.
319

وتستوصف له الأطباء، لا يغني عنك دواؤك، ولا ينفعك
بكاؤك؟!!
الحديث: (1272) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3
ص 214، وفي مخطوطة الظاهرية ج 11 / الورق 192 / ب / وفي النسخة
المرسلة ص 133، وقد ذكره بعده بطرق.
وللحديث طرق كثيرة ومصادر عديدة، وقد ذكره أيضا ابن أبي الإصبع
المصري في باب التغاير من كتاب تحرير التحبير: ج 1، ص 277 ط مصر.
320

- 87 -
ومن كلام له عليه السلام
في الحث على الرضا بقضاء الله، وترك اعمال الحسد، وأن المؤمن
البري من الخيانة والدناءة، دائما محظوظ بإحدى النعمتين: اما الحياة
مع الشهامة والمسرة بالأهل والمال، واما الوفاة والفوز بلقاء
الصديقين، ومصاحبة الشهداء والصالحين، وقد يجمعهما الله لبعض المؤمنين
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو محمد: هبة الله بن أحمد بن عبد الله،
أنبأنا عاصم بن الحسن بن محمد، أنبأنا محمود بن عمر بن جعفر بن إسحاق،
أنبأنا علي بن الفرج بن علي بن أبي روح، أنبأنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا،
أنبأنا إسحاق بن إسماعيل، أنبأنا سفيان بن عيينة، عن أبي حمزة، عين يحي
ابن عقيل، عن يحي بن يعمر، قال: قال علي [عليه السلام]:
ان الامر ينزل من السماء كقطر المطر لكل نفس
بما (1) كتب الله [عز وجل] لها من زيادة أو نقصان في نفس
أو أهل أو مال، فمن رأى نقصا في أهله أو نفسه أو ماله
ورأي لغيره [عفوة فلا] يكونن ذلك له فتنة (2) فان المسلم

(1) كذا في كتاب القناعة والتعفف، وفي تاريخ دمشق ها هنا تصحيف.
(2) كذا في كتاب القناعة والتعفف. وعفو الشئ: صفوه. وزيادته. والعفوة - بتثليث
العين -: خيار الشئ وصفوته ولبابه.
(نهج السعادة ج 3) (م 21)
321

ما لم يغش (3) دناءة - يظهر تخشعا لها إذا ذكرت [و]
تغرى بها لئام الناس (4) - [كان] كالياسر الفالج
ينتظر أول فوزة من قداحه يوجب له المغنم ويدفع عنه
المغرم (5).
فكذلك المرء المسلم البرئ من الخيانة (6) بين
احدى الحسنيين اما داعي الله [عز وجل] - فما عند
الله خير له - واما أن يرزقه الله عز وجل مالا فإذا هو ذو
أهل ومال، ومعه حسبه ودينه، الحرث حرثان: فحرث
الدنيا المال والبنون (7). وحرث الآخرة الباقيات

(3) هذا هو الصواب أي ما لم يرتكب دناءة ولم يفعل قبيحا ولم يتلبس بخسيسة. وفي تاريخ
دمشق: (ما لم يعش).
(4) تخشعا: تذللا وانفعالا. وتغرى: تحرش ونهيج. واللئام: جمع لئيم: دنئ السيرة
خسيس الطبيعة.
(5) كذا في تاريخ دمشق، غير أن لفظة: (فوزة) ذكر ما بالهاء لا بالتاء، وفي كتاب القناعة
والتعفف - لابن أبي الدنيا -: (ينتظر أول فوزة من قداحه توجب له المغنم وتدفع عنه المغرم).
ومثله في نهج البلاغة الا أنه قال في ذيله: (ويرع بها عنه المغرم). أقول: والياسر: اللاعب بالقمار
والفالج: الغالب. والقداح: جمع القدح - كحبر - من سهام القمار. والمغنم: الغنيمة. والمغرم:
الغرامة.
(6) وفي كتاب القناعة والتعفف ونهج البلاغة: (وكذلك المرئ المسلم...).
(7) والحديث رواه ابن عساكر بسند آخر تحت الرقم: (1276) من الترجمة وفيه: (المال
والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعها الله لأقوام).
322

الصالحات، وقد يجمعهما الله عز وجل لأقوام.
قال سفيان: ومن يحسن أن يتكلم بهذا الكلام الاعلي؟!!
الحديث: (1280) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 3 ص 219 ط 1، وفي النسخة الظاهرية ج 11 / الورق 194 / أ /
أقول: ووجدنا الحديث أخيرا تحت الرقم: (93) من كتاب القناعة
والتعفف لأبي بكر ابن أبي الدنيا، من مخطوطات الظاهرية الورق 112 / ب /
وكان في نسخة ابن عساكر من تاريخ دمشق تصحيفات وحذف أصلحناها عليه.
323

- 88 -
ومن كلام له عليه السلام
وقد شيع يوما جنازة فسمع رجلا يضحك!!! فقال عليه السلام:
كأن الموت فيها على غيرنا كتب؟!! وكأن الحق
فيها على غيرنا وجب (1) وكأن الذي نشيع من الأموات
سفر عما قليل الينا راجعون؟! (2) ننزلهم أجداثهم (3)
ونأكل تراثهم كأنا مخلدون بعدهم!!! قد نسينا كل
واعظة، وأمنا كل جائحة (4).
أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس (5)

(1) الضمير في كلمة: (فيها) في الموردين راجع إلى الدنيا.
(2) هذا هو الظاهر الموفق لرواية ابن عساكر، وفي النسخة: (نسمع). والسفر - كفلس
-: المسافرون. وهو جمع السافر - كصحب وصاحب - ويستوي فيه المفرد والجمع. والمذكر
والمؤنث، يقال: رجل سفر: مسافر. وقوم سفر: مسافرون. وناقة سفر: مسافرة.
(3) الأجداث القبور، والتراث: ما يتركه الميت وهو الميراث. وفي رواية ابن عساكر:
(نبؤهم احداثهم).
(4) هذا هو الظاهر الموافق لرواية ابن عساكر، وفي النسخة: (ورمينا بكل جائحة).
والجائحة: الآفة المهلكة للأصل والفرع.
(5) هذه الفقرة - مع فقرات من آخر هذا الكلام - مذكورة في آخر المختار: (175)
من نهج البلاغة.
324

وتواضع من غير منقصة، وجالس أهل الفقه [التفقه
(خ ل)] والحكمة، وخالط أهل الذل [الذكر (خ ل)]
المسكنة (6) وأنفق مالا جمعه في غير معصية (7).
أيها الناس طوبى لمن ذل في نفسه (8) وطاب كسبه
وصلحت سريرته، وحسنت خليقته. وأنفق الفضل
من ماله، وأمسك الفضل من كلامه، وعدل عن الناس
شره (9) [و] وسعته السنة، ولم يتعد إلى البدعة (10).
أيها الناس طوبى لمن لزم بيته وأكل كسرته (11)

(6) هذا هو الظاهر الموفق لرواية ابن عساكر، - غير أن فيها: أهل الذلة - وفي الأصل:
(وجالس أهل الفقه والرحمة، وجالس أهل الذل).
(7) وفي رواية ابن عساكر: (أنفق مالا اكتسبه من غير معصية).
(8) وفي رواية ابن عساكر: (طوبى لمن ذلت نفسه وحسنت خليقته وطابت سريرته وعزل
عن الناس شره). وخليقته: طبيعته وسجيته.
(9) يقال: (عدل فلان عن الطريق - من باب ضرب - عدلا وعدولا): حاد. وفي نهج البلاغة:
(وعزل عن الناس شره). وهو أظهر.
(10) وفي رواية ابن عساكر: (طوبى لمن أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله،
ووسعته السنة، ولم تستهوه البدعة).
(11) الكسرة - بكسر الكاف والجمع كسر وكسرات - بسكون السين وفتحها -: القطعة
من الشئ المكسور. ويراد مها ها هنا القطعة من الخبز اليابس. وفي آخر المختار: (173) من
النهج: (طوبى لمن لزم بيته وأكل قوته، واشتغل بطاعة ربه...).
325

وبكى على خطيئته. وكان من نفسه في تعب [في شغل
(خ ل)] والناس منه في راحة.
تفسير الآية (35) من سورة الأنبياء: (21) من تفسير علي بن إبراهيم
القمي رفع الله مقامه: ج 2 ص 70 ط النجف، ونقله عنه في البحار: ج 17،
ص 104 - في السطر 7 عكسا، ط الكمباني. وفي ط ص 145، وقريبا منه
رواه في المختار (122) وتاليه من قصار نهج البلاغة، ثم قال: ومن الناس من
ينسب هذا الكلام والذي قبله [يعني المختار: (120، و 121، من النهج]
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أقول: ورواه أيضا تحت الرقم (45) من كتاب جمهرة الخطب: ج 1،
ص 52 عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقريبا منه رواه في تحف العقول
ص 29 عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ورواه أيضا الحافظ الكبير ابن عساكر، تحت الرقم: (1300) من
كتاب معجم الشيوخ في ترجمة محمد بن محمود، بسنده عن أنس بن مالك عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانه خطبهم بها على ناقته الجدعاء فقال...
الا أنه لا يوجد فيها ما ذكرها هنا في ذيل الكلام من قوله: (أيها الناس
طوبى لمن لزم بيته...).
326

- 89 -
ومن كلام له عليه السلام
خاطب به الدنيا مجاهرا لها بقطع وصلها وأنها عنده بمنزلة عجوز
قد طلقها ثلاثا!!!
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسين عبد الرحمان بن عبد الله بن
الحسن بن أحمد الخطيب، أنبأنا جدي أبو عبد الله، أخبرنا أبو المعمر
المسد بن علي بن عبد الله بن أبي السحس (1) أخبرنا أبو بكر محمد
ابن سليمان بن يوسف الربعي أخبرنا أبو محمد عبد الله بن ثابت بن يعقوب
ابن قيس بن إبراهيم العبقسي النجراني القاضي أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة
النمري، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المدائني:
عن محمد بن غسان الكندي قال: دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على
معاوية، فقال له معاوية: صف لي عليا يا ضرار. قال: أو تعفيني من ذلك
يا أمير المؤمنين؟ قال: أقسمت عليك لتفعلن. قال: أما إذ أبيت فنعم:
كان والله بعيد المدى شديد القوى يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة
على لسانه!!! يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته!!!
[و] كان طويل الفكرة، غزيرة الدمعة، يقلب كفه ويخاطب نفسه.
وكان فينا كأحدنا يقربنا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا دعوناه، ونحن مع قربه منا

(1) ويحتمل رسم الخط بعيدا أن يقرأ: (أبي إسحاق)؟.
327

وتقريبه إيانا لا نبتديه لعظمته، ولا نكلمه لهيبته!!! فان تبسم فعن مثل
اللؤلؤ المنظوم. لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله!!!
فاقسم بالله لرأيته في بعض أحواله وقد أرخى الليل سدوله وغارت
نجومه (2) وهو يقول:
يا دنيا يا دنيا [إليك عني] ألي تعرضت؟ أم بي تشوقت؟ (3)
هيهات هيهات، لا حان حينك قد بتتتك ثلاثا لا رجعة لي
فيك!!! [فان] عيشك حقير وخطرك يسير وعمرك قصير!!!
آه من بعد الدار، وقلة الزاد ووحشة الطريق!!!
قال: فانهلت دموع معاوية على خديه حتى كفكفها بكمه!!!
واختنق القوم جميعا بالبكاء!!! (4) فقال معاوية: رحم الله أبا الحسن فلقد
كان كذلك!!! فكيف جزعك عليه يا ضرار؟ قال: جزع من ذبح
ولدها في حجرها فما تسكن حرارتها ولا يرقى دمعتها!!!
قال: فقال معاوية: لكن أصحابي لو سئلوا عني بعد موتي ما أخبروا
بشئ مثل هذا!!!
ترجمة ضرار من تاريخ دمشق: ج 25 ص 346.
وقد رواه أيضا بسند آخر تقدم في المختار: (52) ص 199.
ورواه أيضا المسعودي في آخر ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من
كتاب مروج الذهب.

(2) سدوله: أستاره.
(3) ويحتمل رسم الخط أيضا أن يقرأ: (أم لي تشوقت). وما بين المعقوفين مأخوذ من
نهج البلاغة.
(4) (فانهلت): اشتد انصبابه. و (كفكفها): مسحها مرة بعد مرة. و (اختنق
القوم): غصوا بالبكاء حتى كأن الدموع أخذت بمخنقهم.
328

- 90 -
ومن كلام له عليه السلام
في الحث على قطع العلائق عن الدنيا والتأسي بسفراء الله في ميدان العلم والعمل
احذروا هذه الدنيا الخداعة الغدارة التي قد تزينت بحليها
وفتنت بغرورها وغرت بآمالها، وتشوفت لخطابها
فأصبحت كالعروس المجلوة، والعيون إليها ناظرة،
والنفوس بها مشغوفة، والقلوب إليها تائقة (1) وهي
لأزواجها كلها قاتلة!!!
فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الاخر بسوء أثرها على
الأول مزدجر، ولا اللبيب فيها بالتجارب منتفع، أبت
القلوب لها الا حبا، والنفوس لها الا صبا، والناس لها
طالبان: طالب ظفر بها فاغتر فيها، ونسي التزود منها

(1) يقال: (شافه - من باب قال - شوفا): صقله وجلاه. و (شيفت) الجارية: زينت
و (شوف زيد جاريته): زينها. و (تشوفت الجارية تشوفا): تزين. و (تائقة): شائقة.
329

للضعن (2) فقل فيها لبثه حتى خلت منها يده، وزلت
عنها قدمه، وجاءته أسر ما كان بها منيته، فعظمت ندامته
وكثرت حسرته وجلت مصيبته، فاجتمعت عليه سكرات
الموت، فغير موصوف ما نزل به!!!
وآخر اختلج عنها قبل أن يظفر بحاجته [منها]
ففارقها بغرته وأسفه (3) ولم يدرك ما طلب منها، ولم
يظفر بمارجا فيها!! فارتحلا جميعا من الدنيا بغير زاد،
وقدما على غير مهاد!!!
فاحذروا الدنيا الحذر كله، وضعوا عنكم ثقل
همومها لما تيقنتم لو شك زوالها، وكونوا أسر ما تكونون
فيها أحذر ما تكونون لها، فان طالبها كلما اطمئن

(2) يقال: (صب - من باب منع - صبا وصبابة) إليه: كلف به وعشقه، فهو صب:
عاشق ذو ولع شديد. والجمع: صبون. والمؤنث: صبة، والجمع صبات. (والظعن) - كفلس
وفرس -: الارتحال والسير عن المنزل ومحل الإقامة.
(3) يقال: (اختلج - على بناء المجهول - من بينهم): مات. ويقال: (خلجه خلجا)
- من باب ضرب ونصر -: نزعه. فاختلج: انتفض.
330

منها إلى سرور أشخصته عنها إلى مكروه (4) وكلما
اغتبط منها باقبال تغصه عنها ادبار، وكلما ثنت عليه
رجلا طوت عنه كشحا!!! فالسار فيها غار (5) والنافع
فيها ضار. وصل رخاؤها بالبلاء، وجعل بقاؤها إلى
الفناء!!!
فرحها مشوب بالحزن!!! وآخر همومها إلى الوهن
[كذا] فانظروا إليها بعين الزاهد المفارق، ولا تنظروا
إليها بعين الصاحب الوامق (6).
[و] اعلم - يا هذا - أنها تشخص الوادع الساكن،
وتفجع المغتبط الامن (7)، لا يرجع منها ما تولى فأدبر،

(4) وفي المختار: (68) من باب الكتب من نهج البلاغة، والمختار: (2) من
باب الكتب من كتابنا هذا: (فان صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته عنه إلى محذور).
وأشخصته: أذهبته.
(5) اغتبط - على بناء المعلوم والمجهول -: فرح وسر. و (تغصه): تحزنه وتوقعه
في الغصة. و (ثنت) - من باب رمى -: عطفت. و (طوت عنه كشحا): أعرضت عنه بودها.
والسار: المسرور. والغار: المغرور.
(6) الوامق: المحب. يقال: (ومقه يمقه مقة وومقا - كعدة ووعدا -: أحبه. و (
وامقه وماقا وموامقة): أحب كلاهما الاخر (توامق الرجلان): تحابا. و (تومقه) تودده.
(7) تشخص: تزعج وتقلق. والوادع: المطمئن. يقال: (ودع - من باب شرف - وداعة
الرجل) سكن واطمئن، فهو وديع ووادع. والمصدر كسحابة. و (تفجع) - من باب منع وفعل
وأفعل -: توجع. وتوقع في الألم والمقاسات.
331

ولا يدري ما هو آت فيحذر، أمانيها كاذبة، وآمالها
باطلة!!! صفوها كدر، وابن آدم فيها على خطر،
اما نعمة زائلة، واما بلية نازلة، واما معظمة جائحة،
واما منية قاضية!!! (8).
فلقد كدرت عليه العيشة ان عقل، وأخبرته عن
نفسها ان وعى، ولو كان خالقها عز وجل لم يخبر عنها
خبرا، ولم يضرب لها مثلا، ولم يأمر بالزهد فيها
والرغبة عنها، لكانت وقائعها وفجائعها قد أنبهت النائم،
ووعظت الظالم، وبصرت العالم، كيف وقد جاء عنها من الله
تعالى زاجر، وأتت منه البينات والبصائر، فما لها عند
الله عز وجل قدر ولا وزن، ولا خلق فيما بلغنا - خلقا
أبغض إليه منها، ولانظر إليها مذ خلقها!!! ولقد
عرض على نبينا [صلى الله عليه وآله وسلم] بمفاتيحها
وخزائنها لا ينقصه ذلك من حظه من الآخرة، فأبى أن
يقبلها!!! لعلمه أن الله عز وجل أبغض شيئا فأبغضه، وصغر

(8) المعظمة: النازلة الشديدة. والجائحة التهلكة. الداهية العظيمة. البلية.
332

شيئا فصغره، وأن لا يرفع (9) ما وضعه الله جل شأنه،
وأن لا يكثر ما أقل الله عز وجل، ولو لم يخبرك عن
صغرها عند الله الا أن الله عز وجل صغرها عن أن يجعل
خيرها ثوابا للمطيعين، وأن يجعل عقوبتها عقابا للعاصين
[لكان كافيا لصغرها].
ومما يدلك على دناءة الدنيا أن الله جل ثناؤه زواها
عن أوليائه وأحبائه نظرا لهم واختيارا (10) وبسطها
لأعدائه فتنة واختبارا، فأكرم عنها نبيه صلى الله عليه
وآله حين عصب على بطنه من الجوع!!! وحماها عن موسى
نجيه المكلم، وكانت ترى خضرة البقل من صفاق
بطنه من الهزال!!! وما سأل الله عز وجل يوم آوى إلى
الظل الا طعاما يأكله لما جهده من الجوع (11).

(9) (وأن لا يرفع) عطف على قوله: (لعلمه) أي ولان لا يرفع ما وضعه الله.
(10) نظرا: رأفة واشفاقا - عليهم واختيارا أي اختيارا لهم واصطفاء لما هو اللائق بحالهم
وهو الآخرة، دون الدنيا الحقيرة الخسيسة.
(11) وفي المختار (160): من نهج البلاغة: (وان شئت ثنيت بموسى كليم الله صلى
الله عليه وسلم إذ يقول: (رب اني لما أنزلت إلى من خير فقير) [24 / القصص] والله ما سأله الا
خبزا يأكله!!! لأنه كان يأكل بقلة الأرض. ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق
بطنه لهزاله وتشذب لحمه!!!).
333

وصاحب الروح والكلمة عيسى بن مريم [عليه
السلام] إذ قال: (ادامي الجوع، وشعاري الخوف
ولباسي الصوف، ودابتي رجلاي، وسراجي بالليل القمر،
وصلاي في الشتاء مشارق الشمس (12) وفاكهتي ما أنبتت
الأرض للانعام، أبيت وليس لي شئ، وليس أحد أغنى
مني!!!).
وسليمان بن داود وما أوتي من الملك، إذ كان
يأكل خبز الشعير، ويطعم أمه الحنطة، وإذا جنه الليل
لبس المسوح وغل يده إلى عنقه وبات باكيا حتى يصبح
ويكثر أن يقول: (رب اني ظلمت نفسي فإن لم تغفر
لي وترحمني لأكونن من الخاسرين، لا إله إلا أنت
سبحانك اني كنت من الظالمين).
فهؤلاء أنبياء الله وأصفياؤه، تنزهوا عن الدنيا،
وزهدوا فيما زهدهم الله جل ثناؤه فيه منها، وأبغضوا
ما أبغض [الله] وصغروا ما صغر [ه الله]. ثم اقتص

(12) الصلا والصلى - كعشاء وعصا -: النار. وقودها.
334

الصالحون آثارهم، وسلكوا منهاجهم، وألطفوا الفكر (13)
وانتفعوا بالعبر، وصبروا في هذا العمر القصير، من
متاع الغرور الذي يعود إلى الفناء، ويصير إلى الحساب.
نظروا بعقولهم إلى آخر الدنيا ولم ينظروا إلى أولها،
والى باطن الدنيا ولم ينظروا إلى ظاهرها، وفكروا في
مرارة عاقبتها فلم يستمرئهم (14) حلاوة عاجلها، ثم
ألزموا أنفسهم الصبر، وأنزلوا الدنيا من أنفسهم كالميتة
التي لا يحل لاحد أن يشبع منها الا في حال الضرورة
إليها!!! وأكلوا منها بقدر ما أبقى لهم النفس
وأمسك الروح، وجعلوها بمنزلة الجيفة التي اشتد نتنها
فكل من مر بها أمسك على فيه!!! فهم يبتلغون بأدنى
البلاغ، ولا ينتهون إلى الشبع من النتن، ويتعجبون
من الممتلئ منها شبعا، والراضي بها نصيبا!!!.

(13) أي أحسنوا الفكر، وتأملوا بدقة وتلطف فانتفعوا بعبر الدنيا.
(14) يقال: (استمرأ الطعام): استطيبه وعده - أو وجده - مريئا.
335

كتاب الزواجر والمواعظ للشيخ علي بن محمد بن شاكر المؤدب الليثي
للواسطي رضوان الله عليه.
كما رواه عنه في الحديث (12) من الباب (122) وهو باب حب الدنيا
وذمها من البحار: القسم الثالث من ج 15، ص 94 في السطر 20 وفي ط
الحديث ج 73 ص 108، ورواه عنه أيضا في مستدرك السابع عشر من البحار،
ص 308 في السطر 1.
وقريبا منه رواه مع ذيل طويل في المختار العاشر، من الباب الثاني من
دستور معالم الحكم ص 38 ط مصر.
وقريبا منه رواه أيضا السيد الرضي رضوان الله عليه في المختار (160)
من خطب نهج البلاغة.
336

- 91 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تأكد وجوب القيام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الأمم
المدمرة إنما هلكوا لتوغلهم في المعاصي ومداهنة علمائهم معهم وأن المؤمن
دائما محظوظ بالحسنى وأنه لا ينبغي لمؤمن - ولا يكون من شأته -
أن يأتي بالعمل العبادي رياءا وسمعة!!!
ثقة الاسلام: محمد بن يعقوب الكليني الرازي قدس الله نفسه، عن عدة
من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمان بن أبي نجران، عن
عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن يحي بن عقيل، عن حسن (1)،
قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وقال:
أما بعد فإنه إنما هلك من كان قبلكم حيث ما عملوا
من المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك،
وانهم لم تمادوا في المعاصي (2) ولم ينههم الربانيون
والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات.

(1) كذا في الأصل، وتقدم في المختار: (27) من هذا القسم أي القسم الثاني من باب
الخطب من كتابنا هذا 110، ما ينفع المقام.
(2) الربانيون: المنسوبون علما وعملا إلى الرب وهو الله المستجمع لجميع الكمالات، المنزه
عن جميع النقائص. والأحبار: جمع الحبر - كفلس -: العالم الحسن السمت. وتمادوا في
المعاصي: بلغوا فيها المدى وأداموا فعلها.
(نهج السعادة ج 3) (م 22)
337

فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واعلموا أن
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقربا أجلا ولم
يقطعا رزقا، ان الامر (3) ينزل من السماء إلى الأرض
كقطر المطر إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة أو
نقصان، فان أصاب أحدكم مصيبة في أهل أو مال أو
نفس ورآى عند أخيه غفيرة في أهل أو مال أو نفس (4)
فلا تكونن عليه فتنة، فان المرء المسلم البرئ من
الخيانة - ما لم يغش دناءة تظهر فيخشع لها (5) إذا
ذكرت ويغرى بها لئام الناس - كان كالفالج الياسر
الذي ينتظر أول فوزة من قداحه توجب له المغنم،
ويدفع بها عنه المغرم (6) وكذلك المرء المسلم البرئ

(3) الظاهر من سياق ما بعده أن المراد من الامر هو أمر الرزق والتمتع بالثروة والمال.
(4) الغفيرة: الزيادة والكثرة. والمراد من الفتنة ها هنا هو اعمال الحسد.
(5) ما لم يغش - من باب رضي ودعا -: ما لم يأت وما لم يرتكب. (فيخشع) من باب
منع -: فينكسر ويخضع ويذل حياءا وخجلا.
(6) ومثله في المختار: (22) من نهج البلاغة وكثير من مصادر الكلام، وفي رواية
الثقفي المتقدمة وبعض طرق ابن عساكر: (كالياسر الفالج). والفالج: الغالب الظافر بمأموله.
والياسر: الذي يلعب بقداح الميسر أي المقامر.
338

من الخيانة، ينتظر من الله تعالى احدى الحسنيين: اما
داعي الله، فما عند الله خير له، واما رزق الله فإذا هو
ذو أهل ومال ومعه دينة وحسبة.
ان المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث
الآخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام.
فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه، واخشوه خشية
ليست بتعذير (7) واعملوا في غير رياء ولا سمعة،
فإنه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له [ومن
عمل لله مخلصا تولى الله ثوابه] (8).
نسأل الله منازل الشهداء، ومعايشة السعداء، ومرافقة
الأنبياء.

(7) أي بذات تعذير أي تقصير، أي خشية لا يكون فيها تقصير يتعذر معه الاعتذار.
(8) ومن قوله: (فاحذروا من الله - إلى قوله - مرافقة الأنبياء) تقدم بسند آخر - مع
زيادات غير موجودة هنا - في المختار (131) من ج 1، ص 428، وما بين المعقوفين
أيضا مأخوذ منه، وفيه أيضا: (فإنه من عمل لغير الله وكله الله...). وهو أظهر. والرياء:
ايتان العمل بمرأى من الناس ليحصل منهم ما يهمه والسمعة: اتيانه بمسمع من الناس كي ينال
منهم مقصوده.
339

الحديث السادس من الباب (28) من كتاب الجهاد من الكافي: ج 5
ص 57. ومن قوله: (واعملوا في غير رياء) إلى آخر الكلام، رواه
أيضا في الحديث (17) من الباب (116) من أصول الكافي: ج 2 ص 217
ورواه أيضا السيد الرضي رضوان الله عليه في المختار (22) من الباب
الأول من نهج البلاغة، ومع ذيل غير موجود في رواية الكافي كما أن صدر
ما هنا غير موجود في رواية السيد. وقطعة منه رواها أيضا في المختار (154)
من الباب الثالث منه.
340

- 92 -
ومن كلام له عليه السلام
في الحث على اتباع القرآن العظيم، والقانون السرمد الإلهي الكافل
للسعادة والسيادة!!!
قال السيد التوبلي رضوان الله عليه: وعن مسعدة بن صدقة، عن أبي
عبد الله [الإمام الصادق] عليه السلام، عن أبيه عن جده عليه السلام،
قال: خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام خطبة فقال فيها:
[و] نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بكتاب فصله وأحكمه
وأعزه، حفظه بعلمه (1) وأحكمه بنوره، وأيده بسلطانه
وكلاه من أن يبتره هوى (2) أو يميل به شهوة (لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، تنزيل من

(1) كذا في الأصل، ولعل المعنى: أنه تعالى حفظ القرآن بين الناس محفوظا عن الزيادة
والنقصان لعلمه تعالى باحتياج الناس إلى القرآن وكونه بمتناولهم.
(2) كلاه - من باب منع -: حرسه وحفظه. و (يبتره) من باب نصر -: يقطعه ويسلب
عنه الخير.
341

حكيم حميد) (3) لا يخلقه طول الرد (4) ولا يفنى
عجائبه.
من قال به صدق، ومن عمل به آجر، ومن خاصم به
فلج، ومن قاتل به نصر، ومن قام به هدي إلى صراط
مستقيم (5).
[فعليكم بكتاب الله ففيه] نبأ من كان قبلكم
وحكم ما بينكم وخبر ما بعدكم (6) أنزله بعلمه
وأشهد الملائكة بتصديقه، قال الله جل وجهه: (لكن

(3) ما بين القوسين اقتباس من الآية: (42) من سورة فصلت: 41. وفي الأصل:
(ان يأتيه الباطل...). والظاهر أنه من تصحيف النساخ، وان صح فلفظة (ان) نافية بمعنى
(لا) ويكون أيضا اقتباسا معنويا.
(4) أي لا يجعله طول ترداده ودوام قراءته خلقا باليا غير مرغوب فيه، بل هو دائما غض
طري تهوي إليه الأعين، وتلذ به الاسماع. وفي المختار: (151، و 118) من نهج البلاغة ونهج
السعادة: (كثرة الرد). ومثلهما في عيون الأخبار: ج 2 ص 133، والعقد الفريد: ج 1،
ص 209 ط بولاق ومروج الذهب وغيرها.
(5) ومثله تقدم في المختار: (118) من ج 1، ص 381، ط 1، وذكرنا في تعليقه
له مصادر كثيرة، و (فلج) - من باب ضرب ونصر. - فاز. غلب. ظفر.
(6) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (151، و 313) من الباب الأول والثالث
من نهج البلاغة، والمختار (118) من نهج السعادة ج 1، ص 379، وفي الأصل: (فيه نبأ
من كان قبلكم والحكم فيما بينكم وخيرة معادكم) والظاهر أنه مصحف.
342

الله يشهد بما أنزل إليك، أنزله بعلمه، والملائكة،
يشهدون وكفى بالله شهيدا) [166 / النساء: 4] فجعله
نور الهدى التي هي أقوم [فقال: ان هذا القرآن
يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون
الصالحات أن لهم أجرا كبيرا)] 9 / الاسراء: 17] (7)
وقال: (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) [18 القيامة: 75]
وقال: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من
دونه أولياء قليلا ما تذكرون) [3 الأعراف: 7].
وقال: (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا
انه بما تعملون بصير) [112 / هود: 11]. ففي اتباع
ما جاءكم من الله الفوز العظيم، وفي تركه الخطأ المبين،
وقال: (اما يأتينكم مني هدي فمن اتبع هداي فلا
يضل ولا يشقى) [123 طه: 20]. فجعل في اتباعه
كل خير يرجى في الدنيا والآخرة.

(7) ما وضعناه بين المعقوفين قد سقط من الأصل، ولابد منه على حسب نظرنا واجتهادنا.
343

فالقرآن آمر وزاجر، حد [الله] فيه الحدود، وسن
فيه السنن، وضرب فيه الأمثال، وشرع فيه الدين، اعدله
أمر نفسه وحجته على خلقه (8) أخذ على ذلك ميثاقهم
وارتهن عليه أنفسهم (9) ليبين لهم ما يأتون وما يتقون،
ليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حي عن بينة، وان الله
سميع عليم.
الحديث: (15) من الباب (2) من تفسير البرهان: ج 1، ص 8 ط 2.

(8) كذا.
(9) أي جعل نفوسهم رهنا على العمل بالقرآن والوفاء بميثاقه. وقريبا منه جدا رواه في
المختار: (178 - أو - 183) من نهج البلاغة.
344

- 93 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جسما وجسدا
وبحسب المفاصل الأوصال البدنية
قال أبو علي القالي -: حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة
النحوي - رحمه الله - [قال:] حدثنا محمد بن عبد الملك، قال: حدثنا
يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع
ابن جبير بن مطعم، عن أبيه (1) عن علي رضي الله تعالى عنه، قال: نعت
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فقال:
كان رسول الله صلى الله عليه ضخم الهامة، كثير
شعر الرأس، رجلا أبيض مشربا حمرة، طويل المسربة
شثن الكفين والقدمين، طويل أصابعها (2) ضخم الكراديس

(1) وبعده في النسخة: (هكذا قال يزيد بن هارون: هكذا الحديث).
(2) قال أبو عبيدة: والشثن: الخشن الغليظ، وهذا من صفة النبي صلى الله عليه وسلم
التمام، وانه ليس هناك استرخاء.
وضخم الكراديس: غليظ العظام. والكردوس [كبرغوث]: كل عظم عليه لحمه. قال
أبو علي: يتكفأ: يتمايل في مشيته، وهذا مدح في المشي لأنه لا يكون الا عن تؤدة وحسن مشي
والصبب: الحدور. والماشي يترفق في الحدور.
345

يتكفأ في مشيته كأنما يمشي في صبب، لا طويلا ولا
قصيرا، لم أر مثله قبله ولا بعده صلى الله عليه وسلم.
قال أبو علي: الرجل: استرسال الشعر كأنه مسرح، وهو ضد الجعودة
يقال: رجل رجل الشعر. والمسربة: الشعر المستدق من الصدر إلى
السرة. وأنشدني أبو بكر ابن دريد للحارث بن وعلة:
الان لما ابيض مسربتي
وعضضت من نابي على جذم (3)
أمالي الشيخ أبي علي القالي: ج 2 ص 69، ط مصر.
وللكلام صور تفصيلية ومصادر وأسانيد، وقد تقدم صورة منه في
المختار الرابع، وصورة أخرى منه في المختار: (17) من القسم الأول:
ج 1 ص 29 و 74.

(3) يريد كبرت حتى أكلت على جذم نابي. ورواه أيضا في لسان العرب وذكر بعده
هذين البيتين:
وحلبت هذا الدهر أشطره
وأتيت ما آتى على علم
ترجوا الأعادي أن ألين لها
هذا تخيل صاحب الحلم
ثم قال: قال ابن بري: هذا الشعر ظنه قوم للحارث بن وعلة الجرمي، وهو غلط وإنما
هو للذهلي.
346

- 94 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحسب الخلقة البشرية الناسوتية
شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي قال: أخبرنا محمد بن محمد بن
النعمان، قال: أخبرنا ابن الصلت، قال: أخبرنا ابن عقدة، قال: أخبرنا
أحمد بن محمد بن عبد الرحمان بن قسي قراءة [كذا] قال حدثنا محمد بن عيسى
المعبدي (1) قال: حدثنا مولى [الامام] علي بن موسى [الرضا عليه السلام]
عنه، عن أبيه [الامام] موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده عن [أمير
المؤمنين] علي [عليهم السلام] أنهم قالوا [له]: يا علي صف لنا نبينا
[صلى الله عليه وآله وسلم] كأننا نراه فإننا مشتاقون إليه. [ف‍] قال [أمير
المؤمنين عليه السلام]:
كان نبي الله [صلى الله عليه وآله وسلم] (2)
أبيض اللون، مشربا حمرة، أدعج العين، سبط الشعر،

(1) كذا في النسخة، وفي البحار: (العبدي). واحتمل بعضهم أنه مصحف والصواب:
العبيدي وهو محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين العبيدي اليقطيني الأسدي.
(2) هذا كان في نسخة الأمالي هكذا: (كان نبي الله (ص) أبيض...). وأما ما عداه
مما وضعناه بين المعقفتين فهو مما ردناه توضيحا وتزيينا.
347

كث اللحية ذا وفرة (3) دقيق المسربة (4) كأنما
عنقه إبريق فضة (5) يجري في تراقيه الذهب، له شعر من
لبته إلى سرته (6) كقضيب خيط إلى السرة، وليس في بطنه
ولا صدره شعر غيره، شثن الكفين والقدمين (7) شثن
الكعبين، إذا مشى كأنما ينقلع من صخر [و] إذا أقبل
كأنما ينحدر من صبب (8) إذا التفت التفت جميعا

(3) مشربا حمرة: علاه الحمرة، والاشراب خلط لون بلون آخر كأن أحدهما سقي
الاخر. و (أدعج العين): أسود العين. والدعج - بالتحيك -: شدة سواد العين مع سعتها.
وقيل: هو شدة سواد العين في شدة بياضها. والسبط - كضرب - من الشعر: المنبسط المسترسل.
والوفرة: شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن.
(4) المسربة - بفتح الميم وسكون السين وفتح الراء وضمها - والمربة - كتربة -:
الشعر وسط الصدر إلى البطن.
(5) كذا في الأصل، وفي رواية ابن عساكر، وعلي بن إبراهيم: (كأن الذهب يجري في
تراقيه). والتراقي: جمع الترقوة: أعلى الصدر. والكلام كأنه كناية عن حمرة ترقوته صلى
الله عليه وآله وسلم أو سطوع النور منها!!!
(6) اللبة - كحبة -: أعلى الصدر.
(7) قال في النهاية: يعني أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر. وقيل: هو الذي في أنامله غلظ
بلا قصر.
(8) وفي الرواية المتقدمة عن ابن عساكر - ومثلها في البحار -: (يتقلع). قال في مادة:
(قلع) من النهاية: في صفته عليه السلام: (وإذا مشى تقلع) أراد قوة مشيه كأنه يرفع رجليه
رفعا قويا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطاه... والصبب - كسبب -: المنحدر من الأرض، قال في
مادة (قلع) من النهاية: وهو كما جاء في حديث آخر: (كأنما ينحط من صبب) والانحدار من
الصبب والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض، أراد أنه كان يستعمل التثبيت ولا يبين منه في
هذه الحالة استعجال ومبادرة شديدة.
348

بأجمعه كله، ليس بالقصير المتردد (9) ولا بالطويل
المتمغط (10) وكان في وجهه تداوير (11) إذا كان
في الناس غمرهم (12) كأنما عرقه في وجهه اللؤلؤ.
عرقة أطيب من ريح المسك!!! ليس بالعاجز ولا باللئيم،
أكرم الناس عشرة وألينهم عريكة (13) وأجودهم كفا
من خالطه بمعرفة أحبه، ومن رآه بديهة هابه (14)
عزه بين عينيه (15) يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده

(9) أي المتناهي في القصر كأنه تردد بعض خلقه في بعض وتداخلت أجزاؤه.
(10) قال ابن الأثير في النهاية: في صفته صلى الله عليه وآله وسلم: (لم يكن بالطويل
الممغط) هو بتشديد الميم الثانية: المتناهي في الطول. وامغط النهار: امتد. ومغطت الحبل - وغيره -:
مددته. وأصله: (منمغت) والنون للمطاوعة فقلبت ميما وأدغمت في الميم. ويقال بالعين المهملة بمعناه.
(11) التداوير:
(12) قال ابن الأثير في النهاية: أي كان فوق كل من كان معه.
(13) العشرة - بالكسر فسكون -: المخالطة والمصاحبة. والعريكة: الطبيعة.
(14) أي من رآه مفاجأة وبغتة قبل الاختلاط به هابه لوقاره وسكونه وإذا جالسه وخالطه
بأن له حسن خلقه.
(15) أي يظهر العز في وجهه أولا قبل أن يعرف. قال المجلسي العظيم: [هذا] تأكيد
للسابق ويفسره اللاحق. ثم قال: [قوله]: (يقول باغته): بالباء الموحدة والغين المعجمة أي
من رآه بغته. وفي بعض النسخ: (غرة) بالغين المعجمة والراء المهملة ولعله من الغر - بالفتح -
بمعنى حد السيف فيرجع إلى الأول. أو هو بالضم بمعنى الغرة وهي البياض في الجبهة. وفي بعض
النسخ: (ناعته) بالنون والعين المهملة ولا يخفي توجيهه.
349

مثله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما (16).
الحديث: (33) من الجزء (12) من أمالي الشيخ الطوسي رحمه الله
ص 217، ط 1، ورواه عنه مشروحا في الحديث (3) من الباب 8 من
البحار: ج 6 ص 134، وفي ط 2 ج 16 ص 147. وقريبا منه رواه
إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله في الحديث: (86) من كتاب الغارات
ص 161، ط 1. وذكره أيضا في المختار (14) من المستدرك للشيخ هادي
رحمه الله، وذكر قطعة منه في كتاب أخلاق النبوة من كتاب المحجة البيضاء:
ج 4 ص 149، نقلا عن كتاب الشمائل للترمذي ص 1، عنه عليه السلام.
وتقدم أيضا بسند آخر تحت الرقم: (4) من ج 1، ص 29، وبسند
آخر تحت الرقم: (17) ص 74.
ورواه ابن عساكر بطرق كثيرة في تاريخ دمشق: ج 1 ص 98 ط دمشق.
ورواه أيضا في ترجمة الربيع بن عمرو بن الربيع من تاريخ دمشق ج 17،
ص 113 قال:

(16) ورواه أيضا في الحديث (14) من الباب الأول من أبواب التاريخ من كتاب الحجة
من الكافي: ج 1، ص 443 عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد، عن علي بن سيف، عن عمرو
ابن شمر، عن جابر قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: صف لي نبي الله عليه السلام قال: كان
نبي الله عليه السلام أبيض مشرب بحمرة، أدعج العينين، مقرون الحاجبين شثن الأطراف، كأن الذهب
أفرغ على براثنه، عظيم مشاشة المنكبين، إذا التفت يلتفت جميعا من شدة استر سأله، سربته سائلة من
لبته إلى سرته كأنها وسط الفضة المصفاة، وكأن عنقه إلى كاهله إبريق فضة، يكاد أنفه إذا شرب أن
يرد الماء، وإذا مشى تكفاء كأنه يزل في صبب، لم ير مثل نبي الله صلى الله عليه وآله قبله ولا
بعده صلى الله عليه وآله.
350

أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد، أخبرنا نصر بن إبراهيم، أخبرنا
أبو سعيد عبد الكريم بن علي بن أبي نصر القزويني قراءة عليه [ظ] أخبرنا أبو
بكر محمد بن الحربي. بن الحسين الحمصي أخبرنا أبو القاسم الربيع بن عمرو
الحمصي قراءة عليه، أخبرنا أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري
حدثني أحمد بن محمد التميمي حدثنا عبد الوارث بن الحسن بن عمر القرشي
البيساني (17) حدثنا آدم بن أبي أياس، حدثنا ابن أبي ذيب [عن نافع] (18)
عن عبد الله بن عمر قال:
أقبل قوم من اليهود فأتوا عليا رضي الله عنه فقالوا: يا أبا الحسن صف
لنا ابن عمك - يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال علي [عليه السلام]...
أقول: متن كلامه عليه السلام هذا ونصه قد ذكرناه في المختار: (17)
من القسم الأول من كتابنا هذا: ج 1، ص 74 ط 1، وإنما كان المقصود
ها هنا هو الارشاد إلى سند آخر للحديث، وتعيين موضع آخر له من تاريخ
دمشق غير ما تقدم، والتحفظ عل متفردات السند من هذا الطريق، وجعلها
بمتناول عموم الباحثين.

(17) كذا في النسخة.
(18) ما بين المعقوفين مأخوذ مما تقدم في المختار (17) من ج 1، ص 74 برواية
ابن عساكر.
351

- 95 -
ومن خطبة له عليه السلام
في بيان ما لله تعالى من صفات الربوبية، ونعوت الجلال والجمال، والكبرياء والعظمة
أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله، قال: حدثنا إبراهيم بن
إسماعيل اليشكري - وكان ثقة - أن [أمير المؤمنين] عليا عليه السلام سئل
عن صفة الرب [تبارك وتعالى] فقال:
الحمد لله [الواحد] الأحد الصمد الفرد (1) المتفرد
الذي لامن شئ كان، ولا من شئ خلق ما كان (2)
قدرة بان من الأشياء، وبانت الأشياء منه (3) فليس له
صفة تنال، ولاحد يضرب له فيه الأمثال، كل دون صفاته
تحبير اللغات (4) وضل هنا لك تصاريف الصفات (5)

(1) ما بين المعقوفين مأخوذ من كتاب الكافي، وكلمة: (الفرد) غير موجود في روايته.
(2) أي انه تعالى متفرد بالغنى المطلق والقدرة القاهرة التي أنشأ بها الموجودات من كتم
العدم فوجوده تعالى غير مسبوق بالعدم ولا بمادة ولا بمدة، كما أن مخلوقاته غير مسبوقة بالمادة والمدة
بل كانت عدما صرفا فأوجدها.
(3) أي هو عين القدرة. أو أن له قدرة. وفي كتاب التوحيد: (قدرته).
(4) أي اختل ووهن قبل الوصول إلى صفاته الألفاظ المزينة بحسن التعبير، وجميل التنسيق
والتأدية.
(5) أي لم يهتد إليه وصف الواصفين بأنحاء تصاريفهم الصفات.
352

وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير (6) وانقطع
دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير (7) وحال دون
غيبه المكنون حجب من الغيوب (8) وتاهت في [أدنى]
أدانيها طامحات العقول (9).
فتبارك [الله] الذي لا يدركه بعد الهمم (10)
ولا يناله غوص الفتن (11) وتعالى الذي ليس لصفته
نعت موجود، ولا وصف محدود، ولا أجل ممدود (12)

(6) أي تحير في ادراك حقائق ملكوته وخواصها وأثارها وكيفية نظامها وصدورها عنه
تعالى الأفكار العميقة الواقعة في مذاهب التفكير العميقة.
(7) الرسوخ: كون الشئ نافذا في شئ بثبات واستقرار. وجوامع التفسير: التفسيرات
الجامعة التي بالغ مفسروها أن لا يشذ منها شاذ ولا يدخل فيها ناء ولا باد.
(8) أي ان حجب غيوبه تعالى حائلة بين غيبه المكنون ووصول الخلق إليه.
(9) وزاد في رواية الكافي: (في لطيفات الأمور). وما بين المعقوفين أيضا مأخوذ
منه. و (تاهت): تحيرت. والضمير في (أدانيها) راجع إلى (الحجب). (طامحات) مرتفعات.
و (طامحات العقول): العقول الراقية الطائرة من مضيق جوها إلى عالم الجبروت.
(10) أي لا تبلغه النفوس ذوات الهمم البعيدة وان أمعنت في الطلب. والهمم: جمع
الهمة: العزم الجازم. وبعدها: تعلقها بالأمور العلية.
(11) قال المحقق الفيض رحمه الله: [إنما] قدم الصفة للعناية بها، واستعار وصف
الغوص لتعمق الافهام الثاقبة في مجاري صفات جلاله التي لاقرار لها ولا غاية، واعتبار نعوت
كماله التي لا تقف عند حد ونهاية.
(12) وفي الكافي: (وتعالى الذي ليس له وقت معدود، ولا أجل ممدود، ولا نعت محدود).
(نهج السعادة ج 3) (م 23)
353

وسبحان الذي ليس له أول مبتدأ، ولا غاية منتهى ولا
آخر يفنى.
فسبحانه [هو] كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون
نعته.
حد الأشياء [كلها] عند خلقه إياها إبانة له من
شبهها، وإبانة لها من شبهه (13) لم يحلل فيها فيقال
هو فيها كائن (14) ولم يبن منها فيقال: هو عنها
بائن (15) ولم ينأ منها فيقال له أين (16) ولكنه
أحاط بها علمه، وأتقنها صنعه، وذللها أمره وأحصاها حفظه

(13) عند خلقه إياها: عند انشائه وايجاده إياها. والجملة الأولى من هذه الفقرة، ذكرها
في المختار: (161) من نهج البلاغة.
(14) هذا هو الظاهر الموافق لما في الكافي والمختار: (65) من نهج البلاغة، وفي الأصل:
(فلم يحلل).
(15) يقال: (بان الملك عن ملكه - من باب باع - بينا وبيونا وبينونة): فارقه وانقطع
منه فهو بائن عنه أي منقطع مفارق.
وفي الكافي: (لم يحلل فيها فيقال: هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال: هو منها بائن،
ولم يخل منها فيقال له: أين...).
(16) لم ينأ منها: لم يبعد منها، يقال: (نأى زيد وطنه وعن وطنه - من باب منع -
نأيا).: بعد عنه، فهو ناء.
354

فلم يغرب عنه خفيات غيوب المدى (17) ولا غامض
سرائر مكنون الدجى (18) ولا ما في السماوات العلى ولا
الأرضين السفلى (19) لكل شئ منها حافظ ورقيب.
وكل شئ منها بشئ محيط، والمحيط بما أحاط به
منها (20) [هو] الله الواحد الصمد المبدئ لها لا من
شئ، والمنشئ لها لا من شئ، ابتدعها خلقا مبتدئا يجعل
لها خلقا آخر بفناء (21).
ولم يزل هو كائن تبارك وتعالى لا تغيره صروف

(17) كذا في الأصل، والظاهر أنه مصحف، وفي الكافي: (لم يعزب عنه خفيات غيوب
الهواء، ولا غوامض مكنون ظلم الدجى). فلم يعزب عنه: لم يخف ولم يغب عنه.
(18) وفي الكافي: (ولا غوامض مكنون ظلم الدجى). وهو أظهر، والغوامض: جمع
غامض: المبهم الذي لم يتبين عمقه وغوره. والسرائر: جمع السريرة: ما يسره الانسان في
نفسه ولا يظهره، والمكنون: المستور. والدجى: جمع الدجية: الظلمة وزنا ومعنى.
(19) وفي الكافي: (إلى الأرضين السفلى). وفي المختار: (161) من نهج البلاغة:
(وعلمه بما في السماوات العلى كعلمه بما في الأرضين السفلى).
(20) كلمة: (به) غير موجودة في الكافي وفيه: (والمحيط بما أحاط منها [هو] الواحد
الأحد الصمد الذي لا يغيره صروف الأزمان، ولا يتكأده صنع شئ كان، إنما قال - لما شاء -:
(كن) فكان.
(21) الظاهر أن الضمير في قوله: لها) راجع إلى السماوات والأرضين أي عند فناء خلقهما
يجعل ويخلق لهما خلقا آخر.
355

سوالف الأزمان (22) ولم يتكاده صنع شي كان (23)
إنما قال لما يشاء [أن يكون]: (كن) فكان (24)
بلا ظهير عليه ولا أعوان. فابتدع ما خلق على غير مثال
سبق، ولا تعب ولا نصب.
وكل صانع شئ فمن شئ صنع، والله لا من شئ
خلق ما صنع (25).
وكل عالم فمن بعد جهل تعلم. والله لم يجهل
ولم يتعلم.
أحاط بالأشياء علما [قبل كونها] فلم يزدد بتكوينه

(22) الصروف: جمع صرف: تغير الشئ وتبدلها ذاتا أو صفة. والسوالف: جمع
السالفة: الماضية.
(23) لم يتكأده - من باب التفعل -: لم يجهده ولم يتعبه. والصنع: الخلق. وفي المختار
(65) من نهج البلاغة: (لم يؤده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ما ذرأ، ولا وقف به عجر عما
خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيما قضى وقدر).
(24) وهذا مقتبس من آيات كثيرة من القرآن الكريم منها الآية: (41) من سورة النحل:
(إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له: كن فيكون). ومنها الآية: (82) من سورة ياسين:
(إنما أمره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون).
(25) وفي الكافي: (والله لا من شئ صنع ما خلق).
356

إياها خبرا (26) علمه بها قبل أن يكونها كعلمه بها
بعد تكوينها.
لم يكونها لتشديد سلطان، ولا لتخوف زوال ولا
نقصان (27) ولا استعانة على ند مكابر ولا ضد مثاور (28)
ولا شريك مكاثر [و] لكن خلائق مربوبون، وعباد
داخرون (29).
فسبحان من لا يؤده خلف ما ابتدأ، ولا تدبير ما برأ،
ولا من عجر ولا فتور بما خلق اكتفى (30)

(26) هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: (بتجربته بها...). وفي الكافي:
(أحاط بالأشياء علما قبل كونها فلم يزدد بكونها علما، علمه بها...).
(27) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (ولا لتخويف زال...). وفي الكافي:
(ولا خوف من زوال ولا نقصان...). وفي المختار: (65) من نهج البلاغة: (ولا
تخوف من عواقب زمان...).
(28) وفي الكافي: (ولا استعانة على ضد مناوء، ولا ند مكاثر، ولا شريك مكابر).
(29) مربوبون: المدبرون أي ان لهم سيد ورب يدبرهم. و (داخرون): صاغرون.
(30) وفي الكافي: (فسبحان الذي لا يؤده... ولا فترة...).
وفي المختار: (65) من نهج البلاغة: (لم يؤده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ما ذرأ، ولا
وقف به عجر عما خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيما قضى وقدر).
لا يؤده - من باب قال -: لا يثقله ولا يتعبه. ويقال: (برء الله العالم - من باب منع -
برءا وبروءا): خلقه من العدم. و (ذر الله البرايا - كمنع - ذرءا): خلقهم.
357

خلق ما علم، وعلم ما أراد (31) لا بتفكير [في]
حادث علم أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما
أراد (32) ولكن قضاء متقن وعلم محكم.
توحد بالوحدانية، وخص نفسه بالربوبية (33) فحوى
الإلهية والربوبية، ولبس العز والكبرياء (34) واستخلص
الحمد والثناء، واستكمل المجد والسناء.
تفرد بالتوحيد، وتوحد بالتمجيد، وتكرم بالتحميد،
وعظم عن الشبهة (35) وجل سبحانه عن اتخاذ الأبناء،
وتطهر وتقدس سبحانه عن ملامسة النساء، وعز وجل سبحانه

(31) أي ان ما خلقه الله تعالى وأوجده هو عين ما تعلق به علمه قبل خلقة إياه، وما علمه
بأن سيخلقه هو عين ما خلقه بعد، أو عين ما أراد أن يخلقه بعد فخلقه.
(32) وفي الكافي: (علم ما خلق، وخلق ما علم، لا بالتفكير في علم حادث أصاب ما خلق،
ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق، لكن قضاء مبرم وعلم محكم وأمر متقن).
(33) هذا هو الظاهر الموافق للكافي غير أن فيه عكس ما ها هنا، وفي النسخة: (ولكن
قضاء متقن وعلم محكم توحد فيه، وخص نفسه بالربوبية...).
(34) وهاتان الجملتان غير موجدتان في الكافي وإليك لفظه: (توحد بالربوبية،
وخص نفسه بالوحدانية، واستخلص بالمجد والثناء وتفرد بالتوحيد والمجد والثناء، وتوحد
بالتحميد، وتمجد بالتمجيد وعلا عن اتخاذ الأبناء...).
(35) كذا في الأصل، والظاهر أن الكلمة مصحفة عن (الشبيه).
358

عن مجاورة الشركاء، فليس له فيما خلق ضد، ولا [له]
فيما ملك ند، ولم يشركه في ملكه أحد، كذلك الله الواحد
الأحد الصمد المبيد للأمد، والوارث للأبد (36) الذي لا يبيد
ولا ينفد (37).
فتعالى الله العلي الاعلى عالم كل خفية (38) وشاهد
كل نجوى لا كمشاهدة شي من الأشياء، علا السماوات
العلى [إلى] الأرضين السفلى (39) وأحاط بجميع

(36) المبيد: المهلك والمفني. و (الأمد): أجل الشئ ومنتهاه.
وفي الكافي: (المبيد للأبد). و (الأبد): الدهر. الدوام. وفي بعض النسخ منه: (المؤبد
للأبد) أي الله تعالى دائم أبدي لا نهاية لدوامه.
(37) وبعده في الكافي هكذا: بذلك أصف ربي فلا إله إلا الله من عظيم ما أعظمه؟! ومن
جليل ما أجله؟! ومن عزيز ما أعزه؟! وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا).
و (لا يبيد) - من باب باع -: لا يهلك ولا يفنى.
(38) ومن قوله: (فتعالى الله...) إلى آخر الكلام رواه حرفيا في باب جوامع التوحيد
من بحار الأنوار، وأما الذي قبلها فلم يذكره بالنص بل ذكر رواية الصدوق رحمه الله أولا
ثم قال:
ورواه إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات بإسناده عن إبراهيم بن إسماعيل اليشكري
- قال: وكان ثقة - ان عليا عليه السلام سئل عن صفة الرب سبحانه وتعالى فقال... - وذكر
نحو ما مر بأدنى تغيير إلى قوله - كذلك الله الواحد الأحد الصمد المبيد للأمد والوارث للأبد الذي
لا يبيد ولا ينفد، فتعالى الله العلي الاعلى...
(39) كذا في الأصل، وفي البحار: (ملا السماوات العلى إلى الأرضين السفلى...).
359

الأشياء علما فعلى الذي دنا، ودنا الذي علا [و] له
المثل الاعلى والأسماء الحسنى تبارك وتعالى.
الحديث: (87) من كتاب الغارات ج 1، ص 170، ط 1.
و رواه عنه المجلسي العظيم في ذيل الحديث: (15) من الباب الرابع
- وهو باب جوامع التوحيد - من بحار الأنوار: ج 4 ص 273 ط الجديد.
وقريبا منه جدا رواه ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه
- في الحديث الأول من (باب جوامع التوحيد) من كتاب التوحيد، من
أصول الكافي: ج 1، ص 134، ط 2 عن محمد بن أبي عبد الله، ومحمد بن
يحيى جميعا رفعاه إلى [الامام] أبي عبد الله [جعفر بن محمد الصادق] عليه
السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام استنهض الناس في حرب معاوية في المرة
الثانية فلما حشد الناس قام خطيبا فقال...
وقد تقدم في المختار: (256) من القسم الأول من كتابنا هذا: ج 2
ص 346 ط 1.
ووراه أيضا الشيخ الصدوق قدس الله نفسه - في الباب (1) من كتاب
التوحيد بسندين آخرين متصلين بأمير المؤمنين عليه السلام
360

- 96 -
ومن كلام له عليه السلام
في تحميد الله تعالى على كل حال، وعلى أتم بيان ومقال، ثم التوصية بخصال
عليها بني صلاح الخلق معاشا ومعادا
قال ابن مسكويه رحمه الله وقال [أمير المؤمنين]: عليه السلام في خطبة
له أخرى (1):
اللهم لك الحمد على ما تأخذ وتعطي ولك الحمد على
ما تبلي وتبتلي (2) حمدا يكون أرضى الحمد لك، وأحب
الحمد إليك، وأفضل الحمد عندك (3) حمدا يبلغ ما
أردت، وحمدا لا يحجب عنك ولا يقصر دونك ويبلغ
فضل رضاك.
قال ثم قال [عليه السلام]:

(1) كان رحمه الله قبل هذا الكلام قد ذكر وروى عن أمير المؤمنين كلاما آخر - قد أدر جناه
في موضع آخر من كتابنا هذا - ثم قال: وقال عليه السلام في خطبة أخرى له.
(2) وفي نهج البلاغة: (وعلى ما تعافي وتبتلي).
(3) وبعده في نهج البلاغة هكذا: (حمدا يملأ ما خلقت ويبلغ ما أردت. حمدا لا يحجب
عنك ولا يقصر دونك، حمدا لا ينقطع عدده ولا يفنى مدده...).
361

أوصيكم بخصال لو ضربتم إليها آباظ الإبل كن
أهلا لها (4): لا يرجون أحد الا ربه. ولا يخافن الا
ذنبه، ولا يستحيين إذا سئل عما لا يعلم أن يقول:
لا أعلم. ولا يستحيين إذا لم يعلم الشئ أن يتعلمه (5).
الحكمة الخالدة ص 113، ط 1، بمصر، وصدر الكلام رواه أيضا السيد
الرضي رحمه الله في صدر المختار: (160) من نهج البلاغة، وأما الذيل
فرواه تحت الرقم (82) من الباب الثالث منه.

(4) وفي كثير من الأسانيد والمصادر: (أوصيكم بخمس...). والآباط: جمع الإبط
- كحبر -: باطن الكتف. أقول: وهو عند أهل اللسان أعرف من مؤدى هذا التعبير. وضرب
الإبط - هنا - كناية عن غاية الاهتمام وشدة العناية بالمبادرة والمسارعة نحوها وذلك لان راكب
الإبل وغيرها من الدواب لا يضربون آباطها الا عند ولعهم بالاستعجال نحو المطلوب وأهميتهم به.
(5) وبعده في المختار: (82) من الباب الثالث من نهج البلاغة هكذا: (وعليكم بالصبر
فان الصبر من الايمان كالرأس من الجسد!!! ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في ايمان
لا صبر معه.
362

- 97 -
ومن كلام له عليه السلام
في تفسير الاستطاعة، وكون العباد مختارا في أعمالهم الإرادية
قال القضاعي: وسأل رجل [أمير المؤمنين عليه السلام] (1) عن تفسير
(لا حول ولا قوة الا بالله) فقال عليه السلام:
تفسيرها: أنا لا نملك مع الله شيئا، ولا نملك من
دونه شيئا، ولا نملك الا ما ملكنا، مما هو أملك به
[منا] فمتى ملكنا ما هو أملك به كلفنا، ومتى أخذ منا
وضع عنا ما كلفنا.
ان الله عز اسمه أمرنا تخييرا (2) ونهانا تحذيرا،
وأعطانا على قليل كثيرا، لن يطاع ربنا مكرها، ولن
يعصى مغلوبا (3).

(1) وكان في الأصل: (وسأله...) وإنما غيرنا اللفظ توضيحا.
(2) وفي نسخة: (أمرنا مختبرا) أي أمر عباده مختبرا لهم هل يطيعون أمره أم يعصونه.
(3) وفي المختار: (78) من باب القصار من نهج البلاغة: (ان الله سبحانه أمر عباده
تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلف يسيرا، ولم يكلف عسيرا، وأعطى على القليل كثيرا،
ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها، ولم يرسل الأنبياء لعبا، ولم ينزل الكتاب للعباد عبثا، ولا خلق
السماوات والأرض وما بينهما باطلا (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار)!!!
363

المختار الثامن من الباب الخامس من دستور معالم الحكم ص 110، ط مصر.
وصدر الكلام رواه السيد الرضي - رحمه الله - في المختار: (404)
من الباب الثالث من نهج البلاغة، والذيل أيضا رواه مع زيادات بديعة في
ذيل المختار: (78) منه
364

- 98 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان قواعد الاسلام، ثم حد الاستغفار وما اعتبر في حقيقة التوبة
قال كميل بن زياد النخعي رضوان الله عليه: سألت أمير المؤمنين عليه
السلام، عن قواعد الاسلام ما هي؟ فقال عليه السلام:
قواعد الاسلام سبعة: أولها العقل وعليه بني الصبر.
والثاني صون العرض وصدق اللهجة، والثالثة تلاوة
القرآن على جهته. والرابعة الحب في الله والبغض في الله،
والخامسة حق آل محمد ومعرفة ولايتهم، والسادسة
حق الاخوان والمحاماة عنهم، والسابعة مجاورة الناس
بالحسنى.
[قال كميل:] قلت: يا أمير المؤمنين العبد يصيب الذنب فيستغفر
الله منه، فما حد الاستغفار؟
قال عليه السلام: يا ابن زياد [حد الاستغفار] التوبة. قلت:
بس (1) قال: لا. قلت: فكيف؟ قال عليه السلام:

(1) الكلمة فارسية واللفظ المؤدي لمعناها في اللسان العربي هو لفظ: (فقط) أو (فحسب).
365

ان العبد إذا أصاب ذنبا يقول: أستغفر الله بالتحريك.
قلت: وما التحريك؟ قال الشفتان واللسان يريد أن
يتبع ذلك بالحقيقة. قلت: وما الحقيقة؟ قال: تصديق
في القلب، واضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر
منه. قال كميل [قلت] فكيف ذاك؟ قال: انك لم تبلغ
إلى الأصل بعد. قال كميل: [قلت]: فأصل الاستغفار
ما هو؟ قال [عليه السلام] الرجوع إلى التوبة من الذنب
الذي استغفرت منه - وهي أول درجة العابدين - وترك
الذنب.
والاستغفار اسم واقع لمعان ست (2): أولها الندم
على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود [إليه]
أبدا، والثالث أن تؤدي حقوق المخلوقين التي بينك
وبينهم (3) والرابع أن تؤدي حق الله في كل فرض (4)

(2) وفي المختار: (417) من الباب الثالث من نهج البلاغة: (والاستغفار درجة العليين
وهو اسم واقع على ستة معان...).
(3) وفي النهج: (والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس
عليك تبعة...).
(4) وفي النهج: (والرابع أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها...).
366

والخامس أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت والحرام (5)
حتى يرجع الجلد إلى عظمه ثم تنشى فيما بينهما لحما
جديدا، والسادس أن تذيق البدن ألم الطاعات كما
أذقته لذات المعاصي (6).
المختار (23) من كلمه عليه السلام من كتاب تحف العقول، ص 133.
ورواه عنه في الحديث (28) من الباب (10) من القسم الأول من المجلد
الخامس عشر، من البحار، ص 208 في السطر 15، عكسا ط الكمباني،
ورواه عنه أيضا في مستدرك السابع عشر، من البحار، ص 410، في السطر 21.
وقريبا من ذيل الكلام رواه السيد الرضي - رضوان الله عليه - في
المختار: (417) من الباب الثالث من نهج البلاغة.

(5) وفي النهج: (والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى
تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد...).
(6) وفي النهج: (والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك
تقول: استغفر الله).
367

- 99 -
ومن كلام له عليه السلام
في الحث على الاعتصام بالدين، وشريعة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني قدس الله نفسه، عن علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن الريان بن الصلت رفعه (1) عن أبي عبد الله
[الإمام الصادق جعفر بن محمد] عليه السلام قال:
كان أمير المؤمنين [علي بن أبي طالب] عليه السلام كثيرا ما (2)
يقول في خطبه (3):
أيها الناس دينكم دينكم (4) فان السيئة فيه خير
من الحسنة في غيره (5) والسيئة فيه تغفر، والحسنة في

(1) والكلام رواه الشيخ الصدوق رضوان الله عليه بسند آخر متصل عن أمير المؤمنين عليه
السلام، وسيمر عليك نص السند في ذيل المختار التالي.
(2) كلمة: (ما) ها هنا لتأكيد معنى الكثرة أي في أوقات كثيرة.
(3) هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: (في خطبته).
(4) لفظا: (دينكم دينكم) منصوبان على الاغراء أي الزموا دينكم أو احفظوا دينكم
أو أكملوا دينكم، ونحوها.
(5) المراد من السيئة - هنا - المغفورة، والفقرة التالية كالتفسير لهذه الفقرة.
368

غيره لاتقبل (6)
الحديث الأخير من كتاب الايمان والكفر من أصول الكافي: ج 2
ص 464، ط 2.

(6) وهذا مما يدل عليه أيضا قوله تعالى في الآية: (85) من سورة آل عمران: (ومن
يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
قال العلامة الطباطبائي مد ظله: المراد بعدم قبول الحسنة في غيره عدم الثواب بإزائه في الآخرة،
أو عدم الأثر الجميل المحمود عند الله في الدنيا بسعادة الحياة وفي الآخرة بنعيم الجنة، فلا ينافي ما
ورد أن الكفار يوجرون في مقابل حسناتهم بشئ من حسنات الدنيا، قال تعالى: (فمن يعمل مثقال
ذرة خيرا يره) [7 / الزلزال].
(نهج السعادة 3) (م 24)
369

- 100 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت الاسلام ونسبته
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله، عن عدة من
أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا رفعه (1)
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
لأنسبن الاسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي (2) ولا

(1) والحديث رواه الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين رحمة الله تعالى عليه من غير رفع.
(2) هذا هو الظاهر الموافق لرواية الصدوق ونهج البلاغة، وفي النسخة (لا ينسبه). وفي نزهة
الناظر: (لأنسبن الاسلام صفة لم ينسبها أحد قبلي [كذا]. وفي النهج: (لأنسبن الاسلام نسبة
لم ينسبها أحد قبلي، الاسلام هو التسليم...). يقال: (نسب زيد فلانا - من باب ضرب ونصر -
نسبا ونسبة): وصفه وذكر نسبه. وقال العلامة الطباطبائي: المراد بالنسبة التعريف كما سميت
سورة التوحيد في الاخبار بنسبة الرب، والذي عرف به [أمير المؤمنين] تعريف باللازم في
غير الأول أعني قوله: (الاسلام هو التسليم): فإنه تعريف لفظي عرف فيه اللفظ بلفظ آخر
أوضح منه. ويمكن أن يراد بالاسلام المعنى الاصطلاحي له وهو هذا الدين الذي أتى به محمد [رسول
الله] صلى الله عليه وآله وسلم إشارة إلى قوله: (أن الدين عند الله الاسلام) [9 / آل عمران: 3]
و [يراد] بالتسليم الخضوع والانقياد ذاتا وفعلا فيعود الجميع إلى التعريف باللازم، والمعنى
ان هذا الدين المسمى بالاسلام يستتبع خضوع الانسان لله سبحانه ذاتا وفعلا ووضعه نفسه وأعماله
تحت أمره وارادته وهو التسليم، والتسليم لله يستتبع أو يلزم اليقين بالله وارتفاع الريب فيه،
واليقين يستتبع التصديق واظهار صدق الدين، والتصديق يستتبع الاقرار وهو الاذعان بقراره
وكونه ثابتا لا يتزلزل في مقره ولا يزول عن مكانه، واقراره يستتبع أداء وأداؤه يستتبع العمل.
370

ينسبه أحد بعدي (3) الاسلام هو التسليم (4) والتسليم
هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الاقرار
والاقرار هو العمل، والعمل هو الأداء (5).
ان المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه، ولكن أتاه من ربه
فأخذه (6) ان المؤمن يرى يقينه في عمله، و [ان]
الكافر يرى انكاره في علمه!!! فوالذي نفسي بيده ما عرفوا
أمرهم [كذا] فاعتبروا انكار الكافرين والمنافقين
بأعمالهم الخبيثة.

(3) هذا هو الظاهر الموافق لرواية الصدوق رحمه الله، وفي رواية الكليني: (لأنسبن
الاسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي الا بمثل ذلك؟). والظاهر أن الزيادة من
سهو الرواي.
(4) هذا هو الظاهر الموافق لرواية الصدوق والسيد الرضي، ونزهة الناظر. وفي النسخة:
(ان الاسلام هو التسليم...).
(5) إلى هنا رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار (125) من قصار النهج، وفي نزهة
الناظر هكذا: (والاقرار هو الأداء، والأداء هو العمل، وقد يكون الرجل مسلما، ولا يكون
مؤمنا حتى يكون مسلما [كذا] والايمان اقرار باللسان وعقد بالقلب وعمل بالجوارح.
(6) وفي رواية الصدوق رحمه الله: (ان المؤمن أخذ دينه عن ربه ولم يأخذه عن رأيه).
وهو أظهر من رواية الكليني. وفي ذيل رواية الصدوق هكذا:
أيها الناس دينكم دينكم تمسكوا به لا يزيلكم أحد عنه، لان السيئة فيه خير من الحسنة في
غيره!!! لان السيئة فيه تغفر، والحسنة في غيره لاتقبل!!!
371

الحديث الأول من الباب: (22) - وهو باب: نسبة الاسلام - من
كتاب الكفر والايمان من أصول الكافي: ج 2 ص 45.
ورواه أيضا الشيخ الصدوق - رفع الله مقامه - في الحديث الثاني من
المجلس (56) من أماليه ص 172، وفي ط 333، عن محمد بن علي
ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمد بن أبي القاسم،
عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه عن أحمد بن محمد بن يحي عن غياث
ابن إبراهيم، عن [الامام] الصادق جعفر بن محمد، عنه أبيه عن آبائه عليهم
السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام.
ورواه عنه المجلسي العظيم في الحديث الثاني من الباب: (25) من بحار الأنوار
: القسم الأول من ج 15، ص 187، في السطر 13، عكسا ط الكمباني
وفي ط الحديث: ج 68 ص 309.
ورواه إلى قوله: (العمل هو الأداء) في المختار: (125) من الباب
الثالث من نهج البلاغة. ورواه أيضا بمغايرة طفيفة في المختار: (34) من
كلمه عليه السلام من كتاب نزهة الناظر. ورواه أيضا الحافظ السروي في
مناقب آل أبي طالب. ورواه في تفسير الميزان: ج 3 ص 333 وفي ط
بيروت ص 126، نقلا عن ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب.
372

- 101 -
ومن كلام له عليه السلام
في دعائم الايمان وشعبه
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه، عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه. و [عن] محمد بن يحي عن أحمد بن محمد بن عيسى.
وعن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد، جميعا عن الحسن
ابن محبوب، عن يعقوب السراج، عن جابر، عن أبي جعفر [الإمام محمد
ابن علي بن الحسين] عليه السلام قال:
سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الايمان فقال:
الايمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين
والعدل والجهاد.
فالصبر من ذلك على أربع شعب: على الشوق
والاشفاق (1) والزهد والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة
سلا عن الشهوات (2) ومن أشفق من النار رجع عن

(1) وفي كثير من طرق الحديث: (والشفقة) وهما بمعنى الخوف.
(2) يقال: (سلا زيد الشئ وعن الشئ - من باب دعا - سلوا وسلوا وسلوانا): نسيه.
طابت نفسه عن ذكره وذهل عنه وهجره. ومثله: (سيلي زيد الشئ وعنه - من باب علم - سليا).
373

المحرمات [الحرمات (خ)] ومن زهد في الدنيا هانت
عليه المصيبات، ومن راقب الموت سارع إلى الخيرات.
واليقين على أربع شعب: تبصرة الفطنة (3)
وتأول الحكمة (4) ومعرفة العبرة (5) وسنة الأولين،
فمن أبصر الفطنة عرف الحكمة، ومن تأول الحكمة
عرف العبرة، ومن عرف العبرة عرف السنة، ومن عرف
السنة فكأنما كان مع الأولين، واهتدى إلى التي هي
أقوم، ونظر إلى من نجا بما نجا، ومن هلك بما هلك،
وإنما أهلك الله من أهلك بمعصيته، وأنجا من أنجا بطاعته.
والعدل على أربع شعب: غامض الفهم، وغمر
العلم، وزهرة الحكم، وروضه الحلم، فمن فهم
فسر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن
حلم لم يفرط في أمره وعاش في الناس حميدا.

(3) أي الفطنة التي تجعل الشخص بصيرا بالأشياء.
(4) أي تأويلها وجعلها مكشوفة بالتدبر فيها.
(5) أي معرفة أن يعتبر من الشئ وينتقل منه إلى ما يناسبه.
374

والجهاد على أربع شعب: على الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن
الفاسقين (6).
فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن
المنكر أرغم أنف المنافق وأمن كيده، ومن صدق في
المواطن قضى الذي عليه، ومن شنأ الفاسقين غضب
لله، ومن غضب لله غضب الله له، فذلك الايمان
ودعائمه وشعبه.
باب صفة الايمان - وهو الباب: (25) - من كتاب الايمان والكفر،
من الكافي ج 2 ص 50 ورواه أيضا في أوائل كتاب سليم بن قيس ص 88.
ورواه عنه في الحديث (17) من الباب: (27) - وهو باب دعائم الايمان -
من بحار الأنوار: القسم الأول من ج 15، ص 199، وفي ط 2: ج 68 ص 310.
وتقدم أيضا بسند آخر في المختار: (163) من القسم الأول في ج 2 ص 20.

(6) الشنآن - كرمضان -: البغض.
375

- 102 -
ومن كلام له عليه السلام
في المعنى المتقدم
قال أبو علي القالي: حدثنا أبو جعفر محمد بن عثمان، قال: حدثنا
منجاب بن الحارث، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن محمد بن سوقة:
[عن العلا بن عبد الرحمن] (1) قال: أتى عليا - رضي الله عنه -
رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما الايمان؟ - أو كيف الايمان؟ - فقال:
الايمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين والعدل
والجهاد، والصبر على أربع شعب: على الشوق والشفق
والزهادة والترقب.
فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق
من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا
تهاون بالمصيبات.
واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة،

(1) ما وضعناه بين المعقوفين قد سقط عن النسخة المطبوعة من كتاب أمالي القالي، وإنما
أخذناه من رواية ابن أبي الدنيا، وموفق بن أحمد الخوارزمي الآتيتان.
376

وتأويل الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين.
فمن تبصر الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة
عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.
والعدل على أربع شعب: على غامض الفهم،
وزهرة الحلم، وروضة العلم، وشرائع الحكم.
فمن فهم فسر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع
الحكم ومن حلم لم يفرط [في] أمره وعاش في الناس
[حميدا] (2).
والجهاد على أربع شعب: على الامر بالمعروف،
والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن
الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن
نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، ومن صدق في
المواطن فقد قضي الذي عليه، ومن شنئ الفاسقين فقد
غضب الله، ومن غضب لله غضب الله له.

(2) كذا في غير واحد من الطرق، والسياق أيضا يستدعيه وفي مسيس حاجة إليه، وقد سقط
من نسخة الأمالي ما وضعناه بين المعقوفات.
377

قال: فقام الرجل [إليه] فقبل رأسه فقال علي كرم الله وجهه:
أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك
يوما ما، وأبغض بغضيك هونا ما، عسى أن يكون
حبيبك يوما ما.
كتاب النوادر من أمالي الشيخ أبي علي القالي: ج 3 ص 171.
ومن قوله: (اليقين على أربع شعب - إلى قوله - فكأنما كان في الأولين)
رواه ابن أبي الدنيا في الحديث: (10) من كتاب اليقين، قال: حدثنا عبد
الرحمان بن صالح، قال: حدثنا عبد الرحمان أبو مالك الجنبي عن صباح المزني
عن محمد بن سوقة، عن العلا بن عبد الرحمان، قال: حدثني الذي سمع
علي بن أبي طالب عليه السلام يقول...
ومن قوله: (الجهاد على أربع شعب...) رواه أيضا في الحديث:
(16) من كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: حدثنا عبد الرحمان
ابن صالح، حدثنا عمرو بن هاشم، عن صباح المزني عن محمد بن سوقة...
378

- 103 -
ومن كلام له عليه السلام
في دعائم الايمان وشعبها برواية أخرى
قال الخوارزمي -: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد
العاصمي الخوارزمي، أخبرني القاضي الامام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد
الواعظ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرنا
أبو زكريا أبن أبي إسحاق، حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني، حدثني
عبد الله بن مسلم بن عتام بن حفص بن غياث، حدثني سفيان بن وكيع (1)
حدثني سفيان بن عيينة، عن محمد بن سوقة، عن العلا بن عبد الرحمان،
قال: قام رجل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين
ما الايمان؟ فقال:
الايمان على أربع دعائم: على الصبر والعدل واليقين
والجهاد، والصبر من ذلك على أربع شعب: على الشوق
والشفق والزهد والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن

(1) كذا في الأصل، ورواه أيضا البيهقي في أوائل كتاب شعب الايمان الورق: 1، وفيه: (حدثنا
عبد الله بن غنام [ظ] بن حفص بن غياث، حدثنا سفيان، عن وكيع...) وساق الكلام إلى
قوله: (والجهاد) ثم قال البيهقي: ثم ذكر تقسيم كل واحدة من هذه الدعائم، وقد روينا [ه]
من أوجه أخر عن علي [عليه السلام]
379

الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات (2)
ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ترقب
الموت سارع إلى الخيرات.
والعدل على أربع شعب: تبصرة الفطنة، وتأويل
الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين، فمن تبصر
في الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة،
ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.
واليقين على أربع شعب: غائص الفهم، وغرر
العلم، وزهرة الحكم، وروضة الحلم، فمن فهم عليم
غرر العلم، ومن عرف غرر العلم صدر عن شرائع الحكم،
ومن عرف شرائع الحكم حلم وعاش في الناس ولم يفرط.
والجهاد على أربع شعب. الامر بالمعروف، والنهي
عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن
أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر

(2) سلا عن الشهوات - من باب دعا -: هجرها. نسيها وطابت نفسه عنها وذهل عن
ذكرها. والشفق - محركا -: الخوف والوجل.
380

أرغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن فقد قضى
ما عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله [كذا] غضب
الله له، وما اكتحل رجل بمثل ميل الحزن (3).
[قال] فقام الرجل إلى رأس علي عليه السلام فقبله.
الحديث: (14) من الفصل: (24) - وهو باب جوامع كلم أمير المؤمنين
عليه السلام - من مناقب الخوارزمي ص 268 ط 2. وقريبا منه جدا رواه
الثقفي رحمه الله بسنده عن محمد بن سوقة، في الحديث: (79) من كتاب
الغارات ج 1، ص 134، ط 1.
ومن قوله: (اليقين على أربع شعب - إلى قوله - وعاش في الناس
حميدا) رواه أيضا ابن أبي الدنيا في الحديث الرابع من كتاب اليقين، عن
سفيان بن وكيع، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن سوقة، عن العلا بن
عبد الرحمان قال...
أقول وللكلام مصادر كثيرة كاد أن يكون متوترا.

(3) قوله: (وما اكتحل رجل بمثل ميل الحزن) من متفردات هذه الرواية.
381

- 104 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت الاسلام وشعبه من طريق آخر.
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن سهل بن عمر، وأبو القاسم
تميم بن أبي سعيد ابن أبي العباس، قالا: أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمان،
أنبأنا أبو أحمد محمد بن محمد بن الحافظ، أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق
ابن إبراهيم الثقفي السراج، أنبأنا محمد بن الصباح، أنبأنا سليمان بن الحكم
ابن عوانة - ودلني عليه محمد بن يزيد الواسطي - عن عتبة بن حميد:
عن قبيصة بن جابر الأسدي (1) قال: قام رجل إلى علي بن أبي طالب
فقال: يا أمير المؤمنين ما الايمان؟ قال:
الايمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين
والعدل والجهاد.

(1) قال سبط ابن الجوزي في آخر حوادث سنة: (70) من كتاب مرآة الزمان، ص 163:
قبيصة بن جابر بن وهب بن مالك أبو العلا الأسدي، من الطبقة الأولى من التابعين من أهل
الكوفة، وكان رضيع معاوية بن أبي سفيان، أضعته أمه هند. وكان كاتب سعد بن أبي وقاص
بالكوفة، وكان أميرا على بني أسد. و [كان] يوم الجمل مع علي رضوان الله عليه. وكان ثقة
له أحاديث. روى عن عمر، وعلي وابن عوف، وابن مسعود، ومعاوية، وعمرو بن العاص
والمغيرة بن شعبة. روى عن الشعبي وغيره. [و] توفي سنة: (69).
أقول: وقد بلى بلاء حسنا في يوم صفين كما في كتاب صفين لنصر بن مزاحم ص 311.
382

فالصبر منها على أربع شعب: على الشوق والشفقة
والزهادة والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات!!!
ومن أشفق من النار (2) رجع عن المحرمات، ومن زهد
في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع
إلى الخيرات.
واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة،
وتأويل الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين، فمن
تبصر الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف
العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.
والعدل منها على أربع شعب: على غامض الفهم (3)
[وزهرة الحلم، وروضة العلم، وشرائع الحكم، فمن
فهم فسر جميع العلم، ومن علم عرف] شرائع

(2) يقال: (سلا الشئ وعنه - من باب دعا - سلوا وسلوا): نسيه. طابت نفسه عنه
وذهل عن ذكره وهجره. ومثله (سلاه سيلاه سليا) من باب علم والمصدر كالهوي. و (أشفق
من النار): خاف منها.
(3) ومثله في أمالي القالي، وأصول الكافي وقد تقدم ذكرهما، وفي رواية الخوارزمي
المتقدمة ومثله في رواية تحف العقول الآتية: (على غائص الفهم...). وهو أظهر.
383

الحكم، ومن حلم لم يفرط أمره وعاش في الناس
جميلا (4).
والجهاد على أربع شعب: على أمر بالمعروف
ونهي عن المنكر (5) والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين (6)
فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر
رغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن فقد قضى ما عليه،
ومن شنأ الفاسقين وغضب [لله] غضب الله له (7).
قال: فقام إليه السائل فقبل رأسه.
الحديث: (1295) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق
ج 3 ص 235 ط 1، وفي مخطوطة الظاهرية: ج 11 / الورق 197 / ب / وفي
نسخة العلامة الأميني: ج 38 ص 86، وفي النسخة المرسلة ص 138.

(4) كذا في الأصل وفي كثير من الطرق: (وعاش في الناس حميدا).
ثم إن ما وضعناه بين المعقوفين أخذناه من امالي القالي لأنه قد سقط عن نسخة ابن عساكر،
وفيه هكذا: (والعدل منها على أربع شعب: غامض يعني الفهم وشرائع الحكم، ومن حلم لم
يفرط أمره وعاش في الناس جميلا [كذا].
(5) وفي الطرق المتقدمة: (على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر...). وما فيها أظهر
مما في هذه الرواية.
(6) شنان - كرمضان -: البغض والعداوة.
(7) ما بين المعقوفين مأخوذ من الطرق المتقدمة.
384

ورواه أيضا الشيخ المفيد رفع الله مقامه في الحديث الثالث من المجلس (33)
من أماليه ص 170، بسند آخر ينتهي إلى قبيصة، بصدر جيد غير مذكور هنا،
وباختصار في آخره، ومثله رواه أيضا في كتاب سليم بن قيس ص 90 ط النجف
ومثلهما رواه في المختار: (104) من خطب نهج البلاغة، ولكن له ذيل
طويل غير مذكور في غيره من رواية سليم بن قيس والشيخ المفيد، وابن
عساكر.
ومن قوله: (الصبر على أربع شعب - إلى قوله - إلى الخيرات) رواه
ابن أبي الدنيا، في الحديث (9) من كتاب الصبر الورق 2 / قال:
حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا سليمان بن الحكم بن عوانة، حدثنا
عتبة بن حميد، عن من حدثه عن قبيصة بن جابر، قال: قال علي...
وبهذا السند روي أيضا قوله: ([و] من زهد في الدنيا هانت عليه
المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات) في الحديث: (77 و 240)
من كتاب ذم الدنيا الورق 11 / أ / و 32 / أ / غير أنه قال في الموضع الثاني:
(تهاون بالمصيبات... إلى الخيرات).
(نهج السعادة) (م 25)
385

- 105 -
ومن كلام له عليه السلام
في دعائم النفاق والكفر وشعبها
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله، عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن عمر بن
أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين
صلوات الله عليه [انه] قال:
بني الكفر على أربع دعائم: الفسق والغلو والشك
والشبهة (1).
والفسق على أربع شعب: على الجفاء والعمى والغفلة
والعتو، فمن جفا احتقر الحق [الخلق (خ)] ومقت
الفقهاء، وأصر على الحنث العظيم (2) ومن عمى

(1) الفسق: الخروج عن طاعة الله. والغلو: الافراط ومجاوزة الحد في الدين. والشك:
التردد. والشبهة: تصوير غير الواقع بصورة الواقع بمزج الحق والباطل، ولذلك سميت شبهة لكونها
تشبه الحق.
(2) الجفاء: الغلظة في الطبع الموجبة للفظاظة، وخرق الصلة والرفق. والعمى: عدم البصيرة.
والغفلة: الذهول. والعتو: الاستكبار. (مقت الفقهاء - من باب نصر -: أبغضهم أشد
البغض. و (الحنث) كحبر -: الاثم.
386

نسي الذكر، واتبع الظن وبارز خالقه (3) وألح عليه
الشيطان، وطلب المغفرة بلا توبة ولا استكانة ولا
غفلة (4) ومن غفل جنى على نفسه وانقلب على ظهره (5)
وحسب غيه رشدا!!! وغرته الأماني، وأخذته الحسرة
والندامة إذا قضي الامر، وانكشف عنه الغطاء، وبدا له
ما لم يكن يحتسب.
ومن عتا عن أمر الله شك، ومن شك تعالى الله عليه
فأذله بسلطانه وصغره بجلاله، كما أغتر بربه الكريم،
وفرط في أمره (6).

(3) أي حارب خالقه في اتباع الظن المنهي عنه.
(4) كذا في النسخة، والظاهر أن لفظة: (غفلة) مصحفة. وفي الخصال: (ومن عمى
نسي الذكر، واتبع الظن وألح عليه الشيطان).
(5) هذا مثل قوله تعالى - في الآية: (11) من سورة الحج -: (وان أصابته فتنة القلب
على وجهه). وقوله - في الآية: (48) من الأنفال -: فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه)
والكل كناية عن الرجوع إلى الضلال بعد الهدى والرشاد.
وفي الخصال: (ومن غفل غرته الأماني، وأخذته الحسرة إذا انكشف الغطاء، وبدا له من
الله ما لم يكن يحتسب). والأماني: جمع الأمنية: ما يتمنى ويؤمل.
(6) وفي الخصال: (ومن عتا عن أمر الله، تعالى الله عليه ثم أذله بسلطانه وصغره بجلاله،
كما فرط في جنبه وعتا عن أمر ربه الكريم).
387

والغلو على أربع شعب: على التعمق بالرأي والتنازع
فيه، والزيغ والشقاق.
فمن تعمق لم ينب [لم يتب (خ)] إلى الحق
ولم يزدد الا غرقا في الغمرات (7) ولم ينحسر عنه فتنة
الا غشيته أخرى وانخرق دينه فهو يهوي في أمر مريج (8).
ومن نازع في الرأي وخاصم شهر بالعثل من طول
اللجاج (9).
ومن زاغ قبحت عنده الحسنة، وحسنت عنده
السيئة.
ومن شاق أعورت [أوعرت (خ)] عليه طرقه (10)

(7) أي في شدة من الجهل وفيضان من الباطل، وهي جمع غمرة - كضربة -: شدة الشئ ومزدحمة.
(8) لم ينحسر: لم ينكشف. وأمر مريح): مضطرب ومختلط.
وفي النهج: (فمن تعمق لم ينب إلى الحق، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماء عن الحق، ومن
زاغ ساءت عنده الحسنة، وحسنت عنده السيئة، وسكر سكر الضلالة. ومن شاق وعرت عليه طرقه،
وأعضل عليه أمره وضاق عليه مخرجه).
(9) والعثل - كفلس وفرس -: الجفاء والغلظة. وقال في هامش الكافي: وفي أكثر النسخ:
(بالفشل) وهو الضعف والجبن. وفسر (العثل) بالحمق.
(10) (ومن شاق) أي نازع الحق وكان منه في شقاق. و (أعورت عليه): صارت أعور
لا بصيرة لها كي تهدي سالكها. و (أوعرت): صعبت. وفي النهج: (ومن شاق وعرت عليه
طرقه وأعضل عليه أمره وضاق عليه مخرجه).
388

واعترض عليه أمره فضاق عليه مخرجه، إذ لم يتبع
سبيل المؤمنين.
والشك على أربع شعب: على المرية والهوى
والتردد والاستسلام (11) وهو قول الله عز وجل:
(فبأي آلا ربك تتمارى) [55 - النجم: 53].
فمن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه (12).
ومن امترى في الدين تردد في الريب (13) وسبقه

(11) والمرية - بالكسر والضم -: الجدل. الشك. والمماراة والتماري والامتراء: الشك.
والمراد من التردد هنا هو التردد بين الحق والباطل. والاستسلام، الانقياد للجهل.
وها هنا الرواية مضطربة صدرا وذيلا، وحق المقام أن يكون بعد قوله: (والاستسلام).
هكذا - كما جاء كذلك في بعض نسخ الخصال -: (فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح ليله، فبأي
آلا ربك تتمارى [كذا].
وقال الكليني: وفي رواية أخرى: (على المرية والهول من الحق والتردد والاستسلام للجهل
وأهله).
وفي نهج البلاغة: (والشك على أربع شعب: على التماري والهول والتردد، والاستسلام. فمن
جعل المرية ديدنا لم يصبح ليله. ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه، ومن تردد في الريب.
وطئته سنابك الشياطين. ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما).
(12) ومقتضى الترتيب أن يؤخر هذا عن التالي كما في تحف العقول: (والشك على أربع شعب:
على المرية والهول والتردد والاستسلام فبأي آلا ربك تتمارى المتمارون. ومن هاله...).
نعم بناء على رواية الخصال حيث قدم الهول على الريب - أو المرية - هو في محله.
(13) كذا في النسخة، والصواب: تقديم هذا على ما سبقه، وفيه أيضا اخلال آخر، وهو ان هذا
إن كان بيانا للشعبة الأولى تبقى الشعبة الثالثة بلا بيان، وإن كان بيانا للثالثة فأين البيان للأولى؟
ثم ما معنى قوله: (ومن امترى في الدين...). مع كونه في مقام بيان الثالثة؟ ويمكن أن
يقال: إنه بيان للأولى والثالثة معا لكون الثالثة مرتبة على الأولى وملازمة
لها في الوجود، وهذا هو السبب لتأخير الأولى عن الثانية، ولكن على هذا ينبغي أن تكون العبارة
هكذا: (ومن امترى في الدين تردد في الريب، ومن تردد في الريب سبقه الأولون...).
وهكذا تكون في كتاب الخصال غير أن ليس فيه قوله: (ومن امترى في الدين).
389

الأولون من المؤمنين، وأدركه الآخرون، ووطئته
سنابك الشيطان (14).
ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة، هلك فيما بينهما،
ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين، ولم يخلق الله
خلقا أقل من اليقين.
والشبهة على أربع شعب: اعجاب - بالزنية، وتسويل
النفس، وتأول العوج (15) ولبس الحق
بالباطل، وذلك بأن الزينة تصدف عن البينة (16)
وأن تسويل النفس تقحم على الشهوات، وأن العوج

(14) وفي الخصال: (وقطعته سنابك الشياطين). والسنابك: جمع سنبك - كقنفذ -
وهو طرف الحافر. والكلام كناية عن هلاك الممتري والمتردد بيد الشيطان وجنوده بأقبح هلاك
كالمقتول تحت حوافر الدواب.
(15) التأول - هنا - بمعنى التأويل أي تأويل العوج وتغييره بوجه يخفى عوجه ويبرز
استقامته فيظن أنه مستقيم.
(16) المراد من البينة - هنا - الحجة والشريعة، أي ان زينة الحياة الدنيا تصد المعجب
بها عن الشريعة وتحمله على الاعراض عن الحجة.
390

يميل بصاحبه ميلا عظيما، وأن اللبس ظلمات بعضها
فوق بعض.
فذلك الكفر ودعائمه وشعبه.
والنفاق على أربع دعائم: على الهوى والهوينا
والحفيظة والطمع (17).
فالهوى على أربع شعب: على البغي والعدوان والشهوة
والطغيان، فمن بغى كثرت غوائله وتخلى عنه وقصر
عليه (18). ومن اعتدى لم يؤمن بوائقه، ولم يسلم
قلبه ولم يملك نفسه عن الشهوات، ومن لم يعدل
نفسه في الشهوات خاض في الخبيثات. ومن طغى ضل
على عمد بلا حجة.
والهوينا على أربع شعب: على الغرة والأمل والهيبة

(17) الهوينا - تصغير الهونى: مؤنث الأهون - من الهون: كون الشئ لينا وعده هينا،
والمراد - هنا -: التهاون في أمر الدين وترك الاهتمام به. والحفيظة: الحمية، الغضب.
(18) كذا في النسخة، وفي الخصال: (فمن بغى كثرت غوائله وعلاته، ومن اعتدى لم
تؤمن بوائقه ولم يسلم قلبه، ومن لم يعزل نفسه عن الشهوات خاص في الخبيثات، ومن طغى ضل
على غير يقين ولا حجة له).
391

والمماطلة، وذلك بأن الهيبة ترد عن الحق، والمماطلة
تفرط في العمل حتى يقدم عليه الأجل، ولولا الامل
علم الانسان حسب ما فيه (19) ولو علم حسب ما هو
فيه مات خفاتا من الهول والوجل (20) والغرة تقصر بالمرء
عن العمل.
والحفيظة على أربع شعب: على الكبر والفخر
والحمية والعصبية (21) فمن استكبر أدبر عن الحق،
ومن فخر فجر، ومن حمي أصر على الذنوب. ومن
أخذته العصبية جار، فبئس الامر أمر، بين ادبار وفجور
واصرار وجور على الصراط (22).
والطمع على أربع شعب: [على] الفرح والمرح

(19) الحسب - كالفرس -: القدر. العدد. وفي تحف العقول: (ولولا الامل علم
الانسان حساب ما هو فيه، ولو علم حساب ما هو فيه مات خفاتا...).
(20) أي مات بغتة، والخفات - كغراب -: الموت فجأة.
(21) الحمية: اشتداد القوة الغضبية وثورانها. والعصبية: الأقارب من جهة الأب.
الحماية والذب عنهم. والتعصب: المحاماة والمدافعة، وهي والحمية من توابع الكبر، وكأن الفرق
بينهما: أن الحمية للنفس، والعصبية للأقارب، أو الحمية للأهل والعصبية للأقارب.
(22) كذا في الأصل، وكلمة: (على) بمعنى (عن) أو مصحفة منها.
392

واللجاجة والتكاثر (23) فالفرح مكروه عند الله (24)
والمرح خيلاء (25) واللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى
حمل الآثام (26) والتكاثر لهو ولعب وشغل واستبدال
الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فذلك النفاق ودعائمه وشعبه.
والله قاهر فوق عباده، تعالى ذكره وجل وجهه
وأحسن كل شي خلقه، وانبسطت يداه ووسعت كل
شي رحمته، وظهر أمره وأشرق نوره، وفاضت بركته
واستضاءت حكمته، وهيمن كتابه وفلجت حجته (27)
وخلص دينه واستظهر سلطانه، وحقت كلمته، وأقسطت
موازينه، وبلغت رسله.

(23) وفي رواية تحف العقول الآتية: (والتكبر).
(24) كما قال الله تعالى في الآية: (76) من سورة القصص: (ان الله لا يحب الفرحين).
(25) الخيلاء - كأمراء، وبكسر الخاء وفتح الياء -: العجب والكبر.
(26) ومثله في رواية تحف العقول الآتية في المختار: (106).
(27) هيمن كتابه: صار مراقبا ومواضبا وميزانا يوزن به الحقائق، ويعرف به حدها
ومرتبتها، وصدقها وكذبها. و (فلجت): غلبت.
393

فجعل السيئة ذنبا، والذنب فتنة والفتنة دنسا، وجعل
الحسنى غنما (28) والعتبى توبة والتوبة طهورا.
فمن تاب اهتدى ومن افتتن غوى ما لم يتب إلى الله
ويعترف بذنبه، ولا يهلك على الله الا هالك.
الله الله عباد الله، فما أوسع مالديه من التوبة والرحمة
والبشرى والحلم العظيم؟ وما أنكل ما عنده من الانكال
والجحيم، والبطش الشديد. فمن ظفر بطاعته اجتلب
كرامته (29) ومن دخل في معصيته ذاق وبال نقمته
وعما قليل ليصبحن نادمين.
باب دعائم الكفر وشعبه - وهو الباب: (167) من كتاب الايمان
والكفر من أصول الكافي: ج 2 ص 391.
ورواه أيضا الشيخ الصدوق رحمه الله في الحديث: (74) من باب الأربعة

(28) هذا هو الظاهر الموافق لما يأتي في المختار (106). وفي نسخة الكافي: (وجعل
الحسنى عتبى).
(29) هذا هو الظاهر الموافق لما رواه في كنز العمال، وفي نسخة الكافي الموجودة عندي
ها هنا تصحيف.
وفي تحف العقول: (فمن ظفر بطاعة اختار كرامته، ومن لم يزل في معصية الله ذاق وبيل
نقمته [و] هنالك عقبى الدار).
394

من كتاب الخصال ص 231 مع صدر مشتمل على نعت الايمان ودعائمه، وقد
تقدم ذكره في المختار: (163) في القسم الأول من كتابنا هذا: ج 2 ص 20
ط 1.
ورواه أيضا قبلهما إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله في الحديث: (80)
من كتاب الغارات ص 142، ط 1، ولكن ما في آخر رواية الكليني من قوله:
(والله قاهر...) إلى آخره غير موجود في رواية الشيخ الصدوق والثقفي.
ورواه أيضا في كتاب تحف العقول ص 113، وقطعة منه رواها السيد
الرضي رحمه الله في المختار: (30 و 31) من الباب الثالث من نهج البلاغة.
395

- 106 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت الايمان
ان الله ابتدء الأمور فاصطفى لنفسه منها ما شاء،
واستخلص منها ما أحب، فكان مما أحب أنه ارتضى الايمان
فاشتقه من اسمه فنحله من أحب من خلقه، ثم بينه فسهل
شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه على من جانبه، وجعله
عزا لمن والاه، وأمنا لمن دخله، وهدى لمن أئتم به،
وزينة لمن تحلى به، ودينا لمن انتحل به، وعصمة
لمن اعتصم به، وحبلا لمن استمسك به، وبرهانا لمن
تكلم به، وشرفا لمن عرفه، وحكمة لمن نطق به،
ونورا لمن استضاء به، وحجة لمن خاصم به، وفلجا
حاج به، وعلما لمن وعى وحديثا لمن روى، وحكما
لمن قضى، وحلما لمن حدث، ولبا لمن تدبر، وفهما
لمن تفكر، ويقينا لمن عقل، وبصيرة لمن عزم،
396

وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن آمن
به، ومودة من الله لمن صلح، وزلفى لمن ارتقب، وثقة
لمن توكل، وراحة لمن فوض، وسبقة لمن أحسن (1)
وخيرا لمن سارع، وجنة لمن صبر، ولباسا لمن اتقى
وتطهيرا لمن رشد، وأمنة لمن أسلم (2) وروحا للصادقين.
فالايمان أصل الحق، سبيله الهدى وصفته الحسنى
ومأثرته المجد فهو أبلج المنهاج (3) مشرق المنار
مضئ المصابيح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع
الحلبة (4) متنافس السبقة، قديم العدة، كريم الفرسان.
الصالحات مناره، والعفة مصابيحه، والموت غايته،
والدنيا مضماره، والقيامة حلبته، والجنة سبقته، والنار
نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه.

(1) السبقة - كغرفة -: ما يتراهن عليه المتسابقون
(2) الأمنة - على زنة عرفة محركة -: الاطمئنان وسكون القلب.
(3) المأثرة - على زنة المرحمة والمأدبة -: الفعل الحميد. المكرمة المتوارثة، والجمع:
المآثر. والأبلج: المشرق والمضئ. من قولهم: بلج - من باب نصر - وأبلج وتبلج وانبلج
وابتلج الصبح: أضاء.
(4) يسير المضمار أي ان مضماره سهل لين لا عسر فيه. والحلبة - على زنة ضربة -:
الخيل المجموعة للسابق، والجمع: الحلبات والحلائب.
397

فبالايمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات
يعمر الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا
وبالدنيا تحرز الآخرة (5) وبالقيامة تزلف الجنة، والجنة
حسرة أهل النار، والنار موعظة التقوى (6) والتقوى
سنخ الاحسان، والتقوى غاية لا يهلك من اتبعها ولا
يندم من يعمل بها، لان بالتقوى فاز الفائزون، وبالمعصية
خسر الخاسرون، فليزدجر أولوا النهى وليتذكر أهل
التقوى.
فالايمان على أربع دعائم على الصبر واليقين والعدل
والجهاد.
فالصبر على أربع شعب: على الشوق والشفق والزهد
والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات (7)
ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في

(5) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (تحدر).
(6) أي لمن أراد التقوى ولان يكون متقيا.
(7) أي تخلى عنها، وسلى نفسه عن تركها.
398

الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع
إلى الخيرات.
واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة،
وتأول الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين.
فمن تبصر الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول
الحكمة، عرف العبرة، ومن عرف العبرة عرف السنة،
ومن عرف السنة فكأنما عاش في الأولين.
والعدل على أربع شعب: على غائص الفهم وغمرة
العلم، وزهرة الحكم، وروضة الحلم، فمن فهم فسر
جميع العلم، ومن عرف الحكم لم يضل، ومن حلم
لم يفرط [في] أمره وعاش به في الناس حميدا.
والجهاد على أربع شعب: على الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر، والصدق عند المواطن، وشنآن الفاسقين
فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمنين، ومن نهى عن المنكر
أرغم أنف الكافرين، ومن صدق في المواطن قضى ما
399

عليه، ومن شنأ الفاسقين غضب لله، ومن غضب لله
غضب الله له.
فذلك الايمان ودعائمه وشعبه.
والكفر على أربع دعائم: على الفسق والغلو والشك
والشبهة.
فالفسق من ذلك على أربع شعب: الجفاء والعمى
والغفلة والعتو. فمن جفا حقر المؤمن ومقت الفقهاء،
وأصر على الحنث، ومن عمي نسي الذكر [وموعظة من]
خلقه (8) وبارز خالقه وألح عليه الشيطان، ومن
غفل جنى على نفسه وانقلب على ظهره، وحسب غيه
رشدا، وغرته الأماني، وأخذته الحسرة إذا انقضى الامر،

(8) ما بين المعقوفين زيادة ظنية وليست بقطعية ولم يكن الأصل المأخوذ منه موجودا عندي
حين الطبع وكانت في مسودتي هكذا: (نسي الذكر خلقه). ولكن كان بين كلمتا: (الذكر - و -
خلقه) بياضا بقدر ما وضعناه بين المعقوفين. وعلى بعد يحتمل أن يكون خلقه بدلا عن الذكر،
وأخل الكتاب عن نصب القرينة على كونه بدلا.
ثم إن هذا الكلام قد تقدم في المختار: (105) ص 387 برواية الكافي والخصال هكذا:
(ومن عمى نسي الذكر واتبع الظن وبارز خالقه...).
400

وانكشف عنه الغطاء، وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب.
ومن عتا عن أمر الله شك ومن شك تعالى الله عليه، ثم
أذله بسلطانه وصغره بجلاله، كما فرط في حياته واغتر
بربه الكريم (9).
والغلو على أربع شعب: على التعمق والتنازع
والزيغ والشقاق. فمن تعمق لم ينته إلى الحق، ولم
يزده الا غرقا في الغمرات (10) لا تنحسر عنه فتنة الا
غشيته أخرى فهو يهوي في أمر مريج (11) ومن نازع
وخاصم قطع بينهم الفشل (12) وبلي أمرهم من طول
اللجاج. ومن زاغ ساءت عنده الحسنة، وحسنت عنده
السيئة، وسكر سكر الضلال. ومن شاق أعورت عليه
طرقه، واعترض عليه أمره وضاق مخرجه، وحرام أن ينزع

(9) وفي المختار: (105) المتقدم ص 387: (كما اغتر بربه الكريم، وفرط في أمره...).
وفي رواية الشيخ الصدوق في كتاب الخصال: (كما فرط في جنبه وعتا عن أمر ربه الكريم).
(10) أي غرقا في الشبهات التي تغمر عقله وتستولي عليه.
(11) لا تنحسر: لا تنكشف. وغشيته: ركبته. ويهوي يسقط. ومريج: مختلط.
(12) وفي المختار: (105) المتقدم المنقول عن الكليني رحمه الله: (ومن نازع في الرأي وخاصم
شهر بالعثل [بالفشل (خ)] من طول اللجاج).
(نهج السعادة ج 3) (م 26)
401

من دينه من اتبع غير سبيل المؤمنين (13).
والشك على أربع شعب: على المرية والهول والتردد
والاستسلام. فبأي آلا ربك يتمارى المتمارون (14)
ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه (15) ومن تردد
في دينه سبقه الأولون، وأدركه الآخرون، ووطئته سنابك
الشياطين (16) ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة، هلك
فيهما، ومن نجا من ذلك فبفضل اليقين.
والشبهة على أربع شعب: على اعجاب بالزينة،
وتسويل النفس. وتأول العوج ولبس الحق بالباطل.
وذلك أن الزينة تصدف عن البينة (17) وتسويل النفس

(13) وفي رواية الكليني: (ومن شاق أعورت [أوعرت (خ)] عليه طرقه، واعترض
عليه أمره فضاق عليه مخرجه إذ لم يتبع سبيل المؤمنين). وفي المختار: (163) المتقدم في القسم
الأول من هذا الباب في ج 2 ص 25: (وحري أن يرجع من دينه ويتبع غير سبيل المؤمنين).
وهو الظاهر.
(14) التماري: التردد والارتياب.
(15) هاله: أفزعه وجعله في هول ووجل. ونكص: رجع.
(16) أي سنابك خيول الشياطين. وهي جمع سنبك - كقنفذ -: طرف الحافر.
(17) تصدف: تصرف. والبينة: الحجة. وتقحم: تدفع وتلقي بدفع وقوة حتى
يدخله فيها.
402

تقحم على الشهوة، والعوج يميل بصاحبه ميلا عظيما،
واللبس ظلمات بعضها فوق بعض.
فذلك الكفر ودعائمه وشعبه.
والنفاق على أربع دعائم على الهوى والهوينا والحفيظة
والطمع، والهوى من ذلك على أربع شعب: على البغي
والعدوان والشهوة والطغيان. فمن بغى كثرت غوائله (18)
وتخلى عنه ونصر عليه (19) ومن اعتدى لم تؤمن
بوائقه (20) ومن لم يعزل نفسه عن الشهوات خاض
في الحسرات وسيح فيها (21) ومن طغى ضل عمدا بلا
عذر ولا حجة (22).

(18) غوائل: جمع غائلة: الشر. الفساد. الداهية. المهلكة.
(19) كذا في الأصل، وفي المختار: (105) المتقدم عن ثقة الاسلام الكليني رحمه الله:
(ومن بغى كثرت غوائله وتخلى عنه وقصر عليه).
(20) بوائق: جمع بائقة: الشر والداهية.
(21) كذا في الأصل، وفي المختار المتقدم تحت الرقم: (163) من القسم الأول:
ج 2 ص 28: (ومن لم يعزل نفسه عن الشهوات خاض في الخبيثات).
(22) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (ومن عصى).
403

وأما شعب الهوينا فالهيبة والغرة والمماطلة والأمل.
وذلك أن الهيبة ترد عن الحق، والاغترار بالعاجل تفريط
[في] الأجل. وتفريط المماطلة مورط في العمى (23)
ولولا الامل علم الانسان حساب ما هو فيه، ولو علم
حساب ما هو فيه مات خفاتا من الهول والوجل (24).
وأما شعب الحفيظة فالكبر والفخر والحمية والعصبية،
فمن استكبر أدبر. ومن فخر فجر. ومن حمي أصر.
ومن أخذته العصبية جار، فبئس الامر [أمر] بين ادبار
وفجور، واصرار [وجور] (25).
وشعب الطمع: الفرح والمرح واللجاجة والتكبر (26)
فالفرح مكروه عند الله. والمرح خيلاء (27) واللجاجة

(23) أي ملق وموقع في العمى. والتوريط: الالقاء في المهلكة وما لاخلاص منه.
(24) أي مات فجأة وبغتة من الهول والخوف.
(25) ما بين المعقوفين مأخوذ من رواية الكليني المتقدمة تحت الرقم: (105).
(26) وفي رواية الصدوق رحمه الله المتقدمة تحت الرقم: (163) من القسم الأول من
ج 2 ص 29: (والتكاثر). ومثله في رواية الكليني قدس الله نفسه - المتقدمة آنفا تحت الرقم:
(105) من هذا القسم.
(27) الخيلاء بضم الخاء وكسرها - وفتح الياء -: الكبر. والعجب.
404

بلا لمن اضطرته إلى حمل الآثام (28) والتكبر لهو ولعب
وشغل، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فذلك النفاق ودعائمه وشعبه، والله قاهر فوق عباده،
تعالى ذكره واستوت به مرته (29) واشتدت قوته وفاضت
بركته واستضأت حكمته وفلجت حجته، وخلص دينه،
وحقت كلمته وسبقت حسناته وصفت نسبته، وأقسطت
موازينه، وبلغت رسله، وحضرت حفظته.
ثم جعل السيئة ذنبا والذنب فتنة والفتنة دنسا. وجعل
الحسنى غنما والعتبى توبة والتوبة طهورا، فمن تاب
اهتدى ومن افتتن غوى ما لم يتب إلى الله ويعترف
بذنبه ويصدق بالحسنى، ولا يهلك على الله الا هالك.
فالله الله ما أوسع مالديه من التوبة والرحمة، والبشرى
والحلم العظيم، وما أنكل ما لديه من الانكال والجحيم (30)

(28) ومثله في رواية الكليني المتقدمة آنفا، وفي رواية الصدوق رفع الله مقامه: (لمن)
اضطرته إلى حبائل الآثام).
(29) هذه الفقرة وبعض الفقرات التالية غير موجودة في رواية الكليني المتقدمة.
(30) هذا هو الظاهر الموافق لما في الرواية المتقدمة عن الكليني، وفي الأصل: (وما أنكر).
405

والعزة والقدرة والبطش الشديد، فمن ظفر بطاعة الله
اختار كرامته، ومن لم يزل في معصيته الله ذاق وبيل نقمته،
هنا لك عقبى الدار.
المختار (11) مما اختار من كلمه عليه السلام في كتاب تحف العقول ص 113،
وقد تقدم فقرات كثيرة من صدره في المختار: (118) من القسم الأول من
الكتاب: ج 1، ص 366 ط 1. وكذا القسم الأول من ج 15، من بحار الأنوار
، ص 208 ط 1، وكذلك معالم العبر الموسوم بمستدرك السابع عشر
من البحار، ص 409.
406

- 107 -
ومن كلام له عليه السلام
في صفة المؤمنين وتقريض المتقين
قال سبط ابن الجوزي: وفي رواية مجاهد، عن ابن عباس: قال:
سمعت أمير المؤمنين [عليه السلام] يقول:
أما بعد فان الله خلق الخلائق حين خلقهم وهو غني
عن طاعتهم لا يتضرر بمعصيتهم لأنه لا تضره معصية من
عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه واتقاه.
فالمتقون في هذه الدار هم أهل الفضائل منطقهم الصواب
وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع (1).
غضوا أبصارهم عن المحارم، ووقفوا أسماعهم
على العلم النافع، ولولا الرجاء لم تستقر أرواحهم في
أجسادهم طرفة عين!!! شوقا إلى جزيل الثواب وخوفا من

(1) هذا هو الظاهر الموافق لغير واحد من المصادر، وفي الأصل: (وعيشهم التواضع).
407

وبيل العقاب. عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه
في أعينهم. وفهم والجنة كمن قد رآها [فهم فيها] منعمون و [هم] والنار كمن قد رآها [فهم فيها]
معذبون (2)
قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة، أجسادهم نحيفة
وحاجاتهم خفيفة، صبروا أياما [يسيرة] قصيرة،
فأعقبهم راحة طويلة (3).
أما الليل فصافون أقدامهم تالين أغر الكلام، وأحسن
النظام (4) يحبرونه تحبيرا، ويرتلونه ترتيلا، فإذا
مروا باية فيها ذكر تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلعت
[إليها] نفوسهم شوقا وهلعا!!! وإذا مروا بآية فيها
تخويف أصغوا إليها بمسامع قلوبهم ومثلوا زفير جهنم
في آذانهم فهم مفترشون جباههم وركبهم وأطراف أقدامهم

(2) هذا هو الصواب. وفي نسخة: (وعظما الخالق - إلى أن قال: - فهم في الجنة
كمن قد رآها منعمون، وفي النار كمن رآها معذبون).
(3) كذا في النسخة، فالضمير في قوله: (فأعقبهم) راجع إلى الصبر المدلول عليه بقوله:
(صبروا). وفي رواية غيره: (فأعقبتهم).
(4) كذا في الأصل، وفي غيره من الأصول: (تالين لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا...
408

يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم!!!
وأما النهار فعلماء حلماء بررة أتقياء، قد براهم
الخوف بري القدح (5) ينظر إليهم الناظر فيحسبهم
مرضى!!! - وما بالقوم [من] مرض - ويقول: قد خولطوا؟!! ولقد خالطهم أمر عظيم!!!
لا يرضون بأعمالهم بالقليل، ولا يستكثرون الكثير (6)
فهم لأنفسهم يمهدون (7) - أو متهمون - ومن أعمالهم
مشفقون، إذا زكي أحدهم خاف أشد الخوف [و] يقول:
أنا أعلم بنفسي من غيري [وربي أعلم مني بنفسي]
اللهم فلا توآخذني بما يقولون!!! واجعلني أفضل مما
يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون (8).

(5) براهم - من باب ضرب -: نحتهم وأذاب لحومهم وضعفهم. والقداح.: جمع
قدح - كحبر -: السهم قبل أن ينصل ويراش. والكلام تمثيل لضمور المتقين وهزالهم لأجل
قلة أكلهم أو كثرة سعيهم في الاعمال الحسبية المقربة إلى الله، الموجبة لإذابة شحومهم ولحومهم!!!
(6) وفي المختار: (190) من نهج البلاغة: (لا يرضون من أعمالهم القليل...)
(7) كذا في هذا الطريق، والمعروف في غيره من المصادر والطرق هو الفقرة الثانية.
(8) ما بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة.
409

ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وورعا
في يقين، وحزما في علم، وعزما في حكم (9) وقصدا
في غناء، وخشوعا في عبادة، وتحملا في فاقة (10) وصبرا
في شدة، وطلبا للحلال، وتحرجا عن الطمع، يعمل
الأعمال الصالحة على وجل!!! ويجتهد في اصلاح ذات
البين، يمسي وهمته الشكر، ويصبح وشغله الفكر (11)
الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يعفو عمن ظلمه،
ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه!!! في الزلازل صبور، وفي
المكاره وقور، وفي الرخاء شكور، لا ينابز بالألقاب،
ولا يعرف بألعاب (12) ولا يؤذي الجار، ولا يشمت

(9) كذا في الأصل.
(10) ومثله في رواية سليم بن قيس، وفي كنز الفوائد: (وتجملا في فاقه) ولعله أظهر.
(11) هذا هو الظاهر الموافق لغير واحد من المصادر، وفي الأصل: (يمشي وهمته).
(12) لعل هذا هو الصواب، وهو جمع اللعب أي ان المؤمنين لا يلعبون في أمورهم حتى
يعرفون به. أو الصواب: (ولا يعرف بالعاب) والعاب: العيب.
وفي الأصل: (ولا يعرف العاب). وهذه الفقرة لم أتذكر وجودها في غير تذكرة الخواص.
والمنابزة بالألقاب في الفقرة السالفة: الرمي بها ونسبة الأشخاص إليها، والمراد منها الألقاب
الدالة على الذم والقدح والدناءة التي تأنف النفوس من التلقب بها، ومنه قوله تعالى في سورة الحجرات
(ولا تنابزوا بالألقاب).
410

بالمصاب (13) ولا يدخل في الباطل، ولا يخرج من
الحق، ان بغي عليه صبر ليكون الله سبحانه هو المنتقم له،
نفسه منه في عناء والناس منه في راحة!!! أتعب نفسه
لاخرته، ويزهد في الدنيا شوقا إلى مولاه.
أواسط الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص، ص 148. ط
النجف. وللكلام مصادر وأسانيد، وقد تقدم بسند آخر في المختار (139)
من القسم الأول: ج 1، ص 453 ط بيروت.

(13) أي لا يفرح ببلية من أصيب بالمصائب والبليات، فمن لا يحبه ولا يكون بينه (وبينها
صلة. ولا يشمت: على زنة (لا يفرح) لفظا ومعنى عدا أن الشتماتة - مصدر يشمت - تختص بالفرح بالبلية.
411

- 108 -
ومن كلام له عليه السلام
في صفة شيعته المخلصين
الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله، قال: روى نقلة الآثار
أنه عليه السلام خرج ذات ليلة من المسجد، وكانت ليلة قمراء، فأم الجبانة (1)
فلحقه جماعة يقفون أثره، فوقف عليه السلام ثم قال: من أنتم؟ قالوا:
نحن شيعتك يا أمير المؤمنين. فتفرس في وجوههم ثم قال: ما لي لا أرى
عليكم سيماء الشيعة؟ قالوا: وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه
السلام:
صفر الوجوه من السهر، عمشق العيون من البكاء
حدب الظهور من القيام، خمص البطون من الصيام،
ذبل الشفاة من الدعاء (2) عليهم غبرة الخاشعين!!!

(1) الجبان والجبانة: الصحراء. المقبرة.
(2) وفي ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: (خمص البطون من الطوى يبس الشفاه
من الظماء، عمش العيون من البكاء)).
412

الفصل الحادي عشر مما اختار من كلمه عليه السلام في كتاب الارشاد
ص 127، وقريبا منه رواه في آخر أحواله عليه السلام من تاريخ الكامل لابن الأثير.
وقريبا منه رواه ابن عساكر، في قصة أخرى بسنده عن المدائني عنه
عليه السلام، كما في الحديث: (1261) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام
من تاريخ دمشق ج 3 ص 206 ط 1، وفي النسخة الظاهرية: ج 11 / الورق
191 / أ / وفي النسخة المرسلة ص 130.
413

- 109 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت شيعته وسمة أحبته المعترفين بولايته والمتبعين لطريقته
شيعتنا المتباذلون في ولايتنا المتحابون في مودتنا
المتوازرون في أمرنا [هم] الذين ان غضبوا لم يظلموا
وان رضوا لم يسرفوا. بركة على من جاوروه، سلم لمن
خالطوه، أولئك هم الاسئحون الناحلون الذابلون (1)
ذابلة شفاههم، خمصة بطونهم (2) متغيرة ألوانهم،
مصفرة وجوههم كثير بكاؤهم جارية دموعهم!!! يفرح

(1) السائحون: الجارون أو السائرون في الأرض في أداء واجبهم من تبليغ أحكام أو
اصلاح بين المجتمع أو عيادة مريض أو قضاء حاجة. أو أن السائحون بمعني الصائمون. وهذا
المعنى ألصق بما بعده من المعنى الأول. والناحلون: دقيقوا الأبدان، هزيلوا الأجسام،
ضامروا الأوساط. والذابلون: (أي الذين جفت ألسنتهم وشفاههم، وذهبت نضارة وجوههم
من الصيام والقيام بالواجب.
(2) كذا في الأصل، يقال: (خمص الجوع فلانا - من باب نصر - خمصا وخموصا
ومخمصة): جعله خميص البطن. و (خمص البطن - من باب شرف - خمصا وخموصا ومخمصة.
وخمص - من باب فرح - خميصا): فرغ وضمر.
414

الناس و [هم] يحزنون!!! وينام الناس [وهم] يسهرون!!!
قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأنفسهم عفيفة
وحوائجهم خفيفة!!!
ذبل الشفاه من العطش، خمص البطون من الجوع،
عمش العيون من السهر، الرهبانية عليهم لائحة [و]
الخشية لهم لازمة (3) كلما ذهب منهم سلف خلف في
موضعه خلف، أولئك الذين يردون القيامة ووجوههم
كالقمر ليلة البدر!!! يغبطهم الأولون والآخرون!!!
أولئك لا خوف عليهم ولاهم يحزنون.
الحديث الثالث من النوع الثالث من كتاب مطالب السئول ص 153.

(3) الرهبانية - بفتح الراء وضمها - من الرهبة: الخوف أي ان خوفهم من الله متجل
عليهم مبين في وجناتهم، بارز في أعمالهم وحالاتهم.
415

- 110 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت الكملين من شيعته والمنتجبين من أهل ولايته
الشيخ أبو علي ابن الشيخ الطوسي - رضوان الله عليهما - عن أبيه، قال:
أخبرنا جماعة عن أبي المفضل، قال: حدثنا أبو الطيب: محمد بن الحسين
[بن] الحميد بن الربيع اللخمي الكوفي ببغداد، قال: حدثنا أبو عبد الله
جعفر بن عبد الله بن جعفر العلوي المحمدي قال: حدثنا منصور بن أبي نوبرة (1)
قال: حدثني نوح بن دراج القاضي، عن ثابت ابن أبي صفية، قال: حدثني
يحي ابن أم الطويل انه أخبره عن نوف بن عبد الله البكالي (2)، قال: قال لي
علي عليه السلام:
يا نوف [انا] خلقنا من طينة طيبة، وخلق شيعتنا
من طينتنا، فإذا كان يوم القيامة ألحقوا بنا.
قال نوف: فقلت [له]: صف لي شيعتك يا أمير المؤمنين. فبكى
عليه السلام لذكر شيعته!!! وقال:

(1) كذا فيما عندي من نسخة الأمالي، وفي البحار، نقلا عن الأمالي: (منصور بن
أبي بريرة...).
(2) ومثله في اسم أبيه رواه ابن عساكر في ترجمة نوف من تاريخ دمشق: ج 60 ص 8
عن أبي حاتم الرازي. ولكن في جل طرقه: نوف بن فضالة.
416

يا نوف شيعتي والله الحكماء العلماء بالله ودينه،
العاملون بطاعته وأمره، المهتدون بحبه، أنضاء عبادة،
أحلاس زهادة (3) صفر الوجوه من التهجد، عمش
العيون من البكاء، ذبل الشفاه من الذكر، خمص البطون
من الطوى (4) تعرف الربانية في وجوههم، والرهبانية في
سمتهم (5) مصابيح كل ظلمة، وريحان كل قبيل، لا
يشنؤن من المسلمين سلفا ولا يقفون لهم خلفا (6)
شرورهم مكنونة (7) وقلوبهم محزونة وأنفسهم عفيفة

(3) أنضاء عبادة: مهزولون من أجل العبادة، وهو جمع (نضو) - كحبر - وهو
من الحيوان: المهزول. ومن الثياب: البالي. ومن السهام: الفاسد لكثرة الرمي به. و (أحلاس
زهادة): ملازموها. أي انهم معرضون وراغبون عن متاع الحياة الدنيا، وملازمون لزهادة
لا يبرحون عنها.
(4) عمش - كقفل -: جمع أعمش، وهو من كان بصره ضعيفا مع سيلان دمعه في أكثر
الأوقات. وذبل - كعنق - جمع الذابل، وهو الذي جف لسانه وشفتاه. و (خمص) - كقفل
كأنه جمع خميص، وهو ظامر البطن، وفارغ البطن من الطعام. والطوى - على زنة العصى -:
الجوع يقال: طوى الرجل: تعمد الجوع وقصده.
(5) الرهبانية - بفتح الراء وضمها -: خوف الله. والسمت - كفلس -: الهيئة والطريقة.
(6) هذا هو الظاهر من السياق، وهنا في نسخة البحار تصحيف، أي لا يبغضون اسلاف
المؤمنين الذين سبقوا بالايمان واستقاموا عليه. والفعل من باب (منع وعلم).
(7) وفي نسخة البحار: (فشرورهم مكنونة) والمراد بمكنونية الشرور، هو عدم صدورها
منهم فبقيت في أنفسهم.
(نهج السعادة ج 3) (م 27)
417

وحوائجهم خفيفة، أنفسهم منهم في عناء والناس منهم
في راحة، فهم الكاسة الألباء، والخالصة النجباء، فهم
الرواغون فرارا بدينهم (8) ان شهدوا لم يعرفوا، وان
غابوا لم يفتقدوا، أولئك شيعتي الأطيبون، واخواني
الأكرمون ألاهاه شوقا إليهم.
الحديث الثالث من المجلس: (22) من الجز الثاني من أمالي الشيخ
الطوسي ص 17، ورواه عنه في الحديث: (35) من الباب: (100) من
القسم الأول من المجلد (15) من البحار، ص 149، في السطر 11، عكسا
مشروحا. وقريبا منه رواه الشيخ ورام في تنبيه الخواطر، ص 328 و 374.
وقريبا منه رواه أيضا ابن عساكر في ترجمة نوف من تاريخ دمشق: ج 60 ص
507. وقد تقدم في المختار: (138) وتاليه من القسم الأول: ج 1، ص
449 ما يناسب المقام فراجع.

(8) الكاسة لعله جمع الكائس - كقادة جمع قائد - أو جمع الكيس: الظريف. الفطن.
الحسن الفهم والأدب. والرواغون: الذين يذهبون في جوانب مختلفة تخلصا عن المكروه.
418

- 111 -
ومن كلام له عليه السلام
أجاب به من سأله عن نفسه وعن خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو الحسن علي بن مهدي [ظ] قال أخبرنا
محمد بن علي بن هاشم، قال: حدثنا محمد بن عيسى ابن أبي شيبة، قال:
حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، قال: أخبرنا علي بن عباس، عن إسماعيل
ابن أبي خالد، ذكره مرة عن قيس (1) ومرة عن الشعبي قال:
سئل أمير المؤمنين عن ابن مسعود فقال: قرأ القرآن
ووقف عنده وأحل حلاله وحرم حرامه. وسئل عن حذيفة
فقال: أسر إليه علم [أسماء] المنافقين، طلب علما
فأدركه (2).
وسئل عن أبي ذر فقال: وعاء ملئ علما وقد ضيعه
الناس!!!

(1) ولعله هو قيس بن سكن الموثق الواقع في سلسلة سند المختار (276) من القسم الأول
المذكور في ج 2 ص 437.
(2) كذا في الأصل.
419

وسئل عن عمار فقال: مؤمن ينسى فإذا ذكر تذكر
[و] قد ملئ ايمانا ما بين قرنه إلى قدمه!!!
وسئل عن سلمان فقال: أدرك العلم الأول و [العلم]
الاخر، وهو بحر لا ينزح!!! وهو منا أهل البيت.
وسئل عنه نفسه [فقال]: إياه أردتم!!! كنت
إذا سكت ابتديت، وإذا سألت أعطيت، وان ما بين
هاتين الدفتين - يعني الجنبين - لعلما جما (3).
الحديث: (65) من الباب: (3) من تيسير المطالب ص 49 من النسخة المخطوطة،
وفي المطبوعة ص 76. وقريبا منه رواه ابن عساكر في كتاب تبيين كذب
المفترى ص 80 وقريب مه جدا - مع زيادات كثيرة في ذيله - تقدم في
المختار: (342) من القسم الأول في ج 2 ص 630.

(3) الجم: الكثير الواسع. ولهذه القطعة من كلامه عليه السلام شواهد كثيرة أشرنا إلى مظانها
في تعليق المختار: (5) من هذا القسم: ج 3 ص 26.
420

- 112 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان بعض خصائصهم عليهم السلام وأنه يسقي أولياءه من الحوض
الكوثر، ويذود ويطرد عنه أعداءه، وأن لهم الشفاعة، وأن النجاة في
التمسك بهم، والهلاك في العدول عنهم، وأن محبيهم سابحون في رحمة الله
ورضوانه، ومبغضيهم مغرقون في عذاب الله وغضبه!!!
فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، عن عبيد بن كثير العامري الكوفي
باسناده عن [أمير المؤمنين] علي عليه السلام [انه] قال:
أنا ورسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] على
الحوض ومعنا عترتنا (1) فمن أرادنا فليأخذ بقولنا
وليعمل بأعمالنا، فانا أهل البيت لنا الشفاعة، فتنافسوا
في لقائنا على الحوض، فانا نذود عنه أعداءنا (2)

(1) أي أنا ورسول الله على الحوض الكوثر... وعترة الرجل - على زنة الفطرة -:
ولده وذريته.
ثم ليعلم أن ما بين المعقوفين كان في الأصل هكذا: (ص).
(2) روي ابن أبي الحديد - وجماعة كثيرة من متقدمي أهل السنة ومتأخريهم - عن المدائني
- وغيره - عن أبي الطفيل، قال. قال [الامام] الحسن عليه السلام لمولى له: أتعرف معاوية
ابن خديج؟ قال: نعم. قال إذا رأيته فأعلمني. فرآه خارجا من دار عمرو بن حريث، فقال:
هو هذا. فدعاه فقال له: أنت الشاتم عليا عند ابن آكلة الأكباد، أما والله لئن وردت الحوض
- ولم ترده - لترينه مشمرا عن ساقيه، حاسرا عن ذراعيه يذود عنه المنافقين.
قال أبو الحسن [المدائني]: وروي هذا الخبر أيضا قيس بن الربيع، عن بدر [زيد (خ ل)]
ابن الخليل، عن مولى الحسن عليه السلام.
شرح المختار (31) من كتب نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 16، ص 18
أقول: ورواه أيضا ابن عساكر في ترجمة معاوية بن خديج من تاريخ دمشق: ج 56 ص 919
بطرق أربعة كما رواه أيضا الزرندي في نظم درر السمطين ص 108، ورواه قبلهم ابن سعد
الطبراني بطرق جمة في ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1 / الورق 131.
ورواه أيضا البلاذري في الحديث: (9) من ترجمة الإمام الحسن من أنساب الأشراف:
ج 3 ص 10، ط 1، وذكرناه في تعليقه عن مصادر. وانظر أيضا الحديث (753) وما علقناه
عليه من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 2 ص 243 ط 1.
421

ونسقي منه أولياءنا، ومن شرب منه لم يظمأ أبدا،
وحوضنا مترع فيه مثعبان (3) ينصبان [فيه] من
الجنة، أحدهما تسنيم [من تسنيم (خ)] والاخر
معين [من معين (خ)] على حافيته الزعفران، وحصباه
الدر والياقوت.
وان الأمور إلى الله وليست إلى العباد، ولو كانت إلى
العباد ما اختاروا منا أحدا، ولكنه يختص برحمته من
يشاء من عباده (4) فاحمدوا الله على ما اختصكم به من
النعم، بارئ النعم، وهو طيب المولد (5) فان ذكرنا

(3) مترع - من باب افتعل -: مملوء. و (مثعبان) مجريان ومسيلان. وفي نسخة: (حوضنا
مشرع فيه مثعبان):. و (ينصبان فيه): ينسكبان وينحدر ان فيه.
(4) هذا هو الصواب، وفي النسخة هاهنا تصحيف، والكلام إشارة إلى قوله تعالى في الآية (68)
من سورة القصص: (28): (وربك يخلق ما يشأ ويختار ما كان لهم الخيرة).
(5) وانظر الحديث (45) من الباب العاشر من كتاب (اثبات الهداة) ج 4 ص 279.
422

أهل البيت شفاء من الوعك والأسقام ووسواس الريب (6)
وان حبنا رضا الرب، والاخذ بأمرنا وطريقنا معنا
غدا في حظيرة القدس، والمنتظر لامرنا كالمتشحط
بدمه في سبيل الله!!! ومن سمع واعيتنا فلم ينصرنا
أكبه الله على منخريه في النار (7).
نحن الباب إذا تعبثوا فضاقت بهم المذاهب (8)
[و] نحن باب حطة: وهو باب الاسلام، من دخله نجا،
ومن تخلف عنه هوى (9).
بنا فتح الله وبنا يختم، وبنا يمحو الله ما يشاء
ويثبت، وبنا ينزل الغيث (10) فلا يغرنكم بالله الغرور.

(6) الوعك - كفلس - الألم والمرض. والأسقام: جمع السقم - كفرس وقفل -: المرض
ولعل المراد من وسواس الريب هو الوسوسة والارتياب في الشرعيات.
(7) ونظيرها ذكرناه في كتاب (عبرات المصطفين) عن الإمام الحسين عليه السلام.
(8) أي نحن باب النجاة والخلاص إذا تعبث الناس وضاقت بهم المذاهب.
(9) وبهذا المعنى وردت أخبار في تفسير قوله تعالى: (وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم)
ويعاضده أيضا حديث الثقلين المتواتر بين المسلمين.
(10) وبهذا المعنى وردت أخبار كثيرة.
423

لو تعلمون ما لكم في الغناء بين أعدائكم (11)
وصبركم على الأذى لقرت أعينكم، ولو فقدتموني
لرأيتم أمورا يتمنى أحدكم الموت مما يرى من الجور
والعدوان، والاثرة والاستخفاف - بحق الله - والخوف،
فإذا كان كذلك فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا
وعليكم بالصبر والصلاة والتقية (12) واعلموا أن
الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلون (13) فلا
تزولوا عن الحق وولاية أهل الحق، فإنه من استبدل
بنا هلك، ومن اتبع أثرنا لحق، ومن سلك غير طريقنا
غرق، وان لمحبينا أفواجا من رحمة الله، وان لمبغضينا
أفواجا من عذاب الله، طريقنا القصد (14) وفي أمرنا
الرشد، أهل الجنة ينظرون إلى منازل شيعتنا، كما

(11) كذا في الأصل، والغناء - بفتح الغين المعجمة ممدودا -: الاكتفاء واليسار. ويحتمل
أن يكون اللفظ مصحفا عن (الغنى) بكسر الغين مقصورا، بمعنى الإقامة والمكث.
(12) التقية: امتثال أوامر الله واتيان المأمور به في ستار عن أعداء الله أو الجهال
بالحقائق.
(13) المتلون: الذي لا يتقيد بشئ ويسمع عن كل ناعق، ويميل مع كل ريح ويتبع كل
شيطان مارد تصدر وساد، ويعبر عن المتلون بابن الوقت أيضا.
(14) أي لا افراط فيه ولا تفريط، بل هو وسط حقيقي وفي حاق الاستقامة والعدالة.
424

يرى الكوكب الدري في السماء [كذا] لا يضل من
اتبعنا، ولا يهتدي من أنكرنا، ولا ينجو من أعان
علينا [عدونا] ولايعان من أسلمنا، فلا تخلفوا عنا
لطمع دنيا وحطام (15) زائل عنكم [وأنتم] تزولون
عنه، فإنه من آثر الدنيا علينا عظمت حسرته، قال الله
تعالى (16): (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله
[56 - الزمر].
سراج المؤمن معرفة حقنا، وأشد العمى من عمي
عن فضلنا، وناصبنا العداوة بلا ذنب الا أن دعوناه إلى
الحق، ودعاه غيرنا إلى الفتنة فأثرها علينا!!!
لنا راية من استظل بها كنته (17) ومن سبق إليها
فاز، ومن تخلف عنها هلك، ومن تمسك بها نجا،
أنتم عمار الأرض [الذين] استخلفكم فيها، لينظر
كيف تعملون، فراقبوا الله فيما يرى منكم، وعليكم
بالمحجة العظمى فاسلكوها، لا ستبدل بكم غيركم

(15) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (بحطام).
(16) أي كما قال الله تعالى حاكيا عن لسان من آثر الدنيا على الدين...
(17) أي وقته وحفظته من الهلاك.
425

(سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات
والأرض، أعدت للمتقين) [21 / الحديد] واعلموا
أئنكم لن تنالوها الا بالتقوى.
ومن ترك الاخذ عمن أمر الله بطاعته (قيض الله له
شيطانا فهو له قرين) (18).
ما بالكم قد ركنتم إلى الدنيا؟ ورضيتم بالضيم
وفرطتم فيما فيه عزكم وسعادتكم، وقوتكم على من
بغى عليكم؟! لامن ربكم تستحيون، ولا لأنفسكم
تنظرون؟! وأنتم في كل يوم تضامون ولا تنتبهون من
رقدتكم، ولا تنقضي فترتكم!!! أما ترون إلى دينكم يبلى
وأنتم في غفلة الدنيا؟! قال الله عز ذكره: (ولا تركنوا
إلى الذين ظلموا فتمسكم النار، وما لكم من دون الله
من أولياء ثم لا تنصرون) [113 / هود].
الحديث: (433) من تفسير فرات بن إبراهيم ص 137، ونقله عن في
الحديث: (113) من الباب (15) وهو باب فضائل الشيعة، من القسم الأول
من البحار: ج 15 ص 118، ط 1، وفي ط الحديث ج 68 ص 61.

(17) ما بين القوسين اقتباس من الآية: (36) من سورة الزخرف (ومن يعش عن ذكر
الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين). قيض الله: قدر الله وسبب الله وأتاح له شيطانا.
426

- 113 -
ومن كلام له عليه السلام
قال لأبي عمر: زادان في افترق الأمة الاسلامية على ثلاث وسبعين
فرقة، وانها كلها هالكة الا فرقة واحدة!!!
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو محمد طاهر بن سهل، أنبأنا أبو القاسم
الحسين بن محمد بن إبراهيم، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمان بن عثمان بن
القاسم بن معروف بن حبيب بن أبان التميمي قراءة عليه، أنبأنا أبو الحسن
خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي قراءة عليه، أنبأنا أبو جعفر محمد بن
الحسين بن موسى الحسيني [ظ] أنبأنا أبو عسار (1) حدثني عطاء بن
مسلم الحفاف، عن علاء بن المسيب، عن شريك البرجمي:
عن أبي عمر، قال: قال [لي] علي [عليه السلام]:
يا [أ] با عمر تدري على كم افترقت النصارى؟
قال: قلت: الله أعلم. قال: على ثنتين وسبعين
فرقة كلها في الهاوية الا واحدة في الناحية (2).

(1) كذا في الأصل.
(2) أي في ناحيتنا وهي ناحية أصحاب اليمين المقربين عند الله تعالى.
وهذا المعنى قد ورد أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحديث - عدا بسض خصوصياته -
مما يمكن أثبات تواتره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المسلمين، وقد عد من معجزات
نبينا صلوات الله وسلامه عليه، قال في شرح المواقف، ص 246 ط الهند، عند قول الماتن: (تذييل
في ذكر الفرق التي أشار إليها الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (ستفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة
كلها في النار الا واحدة وهي ما أنا عليه وأصحابي). قال: وكان من معجزاته حيث وقع ما أخبر به.
أقول: الظاهر أنه قد سقط من الحديث ذكر اليهود وافتراقهم على احدى وسبعين فرقة. كما أن ذيل
خبر المواقف - لو ثبت من طريق معتمد - لا يضرنا لأنه لم يرد به الاستغراق والا لدخل في العموم
ابن أبي وأمثاله من المنافقين.
ومما يلائم القام جدا، ما ذكره الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي على العطار: الحسن بن سعيد
من تاريخ دمشق: ج 12، ص 124، قال: أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد، أنبأنا نصر بن
إبراهيم المقدسي أنبأنا أبو علي الحسن بن سعيد بن محمد الدمشقي أنبأنا أبو الحسن ابن أحمد بن محمد
العتيقي أنبأنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين، أنبأنا عبد الله بن محمد، أنبأنا خلاد بن أسلم
المحاربي عن عبد الرحمان بن زياد الإفريقي عن عبد الله بن زيد:
عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل
مثلا بمثل حذو النعل بالنعل!!! وانهم تفرقوا على ثنتين وسبعين ملة، وستفترق أمتي
على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار غير واحدة!!! فقيل: وما تلك الواحدة؟ قال: هو ما
نحن عليه اليوم وأصحابي.
[قال ابن عساكر:] والصواب: عبد الله بن يزيد [بدل عبد بن زيد] وهو أبو عبد
الرحمان الجلي.
وأخبرناه عاليا على الصواب، أبو بكر محمد بن الحسين، أنبأنا أبو الحسن [ابن أحمد بن
محمد العتيقي أنبأنا] أبو الحسين ابن المهتدي [ظ] أنبأنا أبو حفص ابن شاهين إملاءا [ظ]
أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي أنبأنا خلاد بن أسلم، أنبأنا عبد الرحمان بن محمد المحاربي عن
عبد الرحمان بن زياد بن أنعم [ظ] الإفريقي عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو،
قال: قال رسول الله. فذكر نحوه.
أقول: وهذا الحديث أيضا قد سقط فيه ذكر اليهود.
427

[أ] تدري على كم افترقت هذه الأمة؟ (3) قال [زادان]:
قلت: الله أعلم. قال: تفترق على ثلاث وسبعين
فرقة كلها في الهاوية الا واحدة في الناحية!!!
[ثم] قال: وتفترق في اثنا عشر فرقة!!!

(3) كذا في الأصل، وحق المقام أن يقال: (تفترق) كما في الفقرة التالية، فإن لم
يكن تصحيفا من الكتاب فلعله عليه السلام نزل المضارع المحقق الوقوع بمنزلة الماضي ثم عبر به.
428

قال: قلت: وأنت تفترق فيك؟ قال: نعم يا
[أ] با عمر، وتفترق في اثنا عشر فرقة كلها في الهاوية
الا واحدة في الناحية، وأنك من تلك الواحدة وتلك
الواحدة (4).
ترجمة زادان من تاريخ دمشق: ج 18، ص 4، وقد ذكرناه أيضا في
كتاب الفوائد، ص 209.

(4) كذا في النسخة.
429

- 114 -
ومن كلام له عليه السلام
في الموضوع المتقدم برواية أخرى
شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي رفع الله مقامه قال: أخبرنا جماعة
عن أبي المفضل، قال: حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب (1) أبو محمد
البيهقي الشعراني بجرجان. قال: حدثنا هارون بن عمرو بن عبد العزيز
ابن محمد أبو موسى المجاشعي، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد عليهم
السلام، قال: حدثنا [أبي] أبو عبد الله [الإمام الصادق عليه السلام، عن
آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام] (2).
قال المجاشعي: وحدثنا الرضا علي بن موسى [عليهما السلام] عن أبيه
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن آبائه [عن الحسين بن علي عليه السلام] (3)
قال: سمعت عليا صلوات الله عليه وآله يقول لرأس اليهود: على كم افترقتم؟
فقال: علي كذا وكذا فرقة. فقال علي عليه السلام: كذبت يا أخا اليهود
ثم أقبل على الناس فقال:

(1) المتوفي سنة: (282) ولفضل بن محمد هذا ترجمة قصيرة في حرف الفاء من تاريخ
دمشق: ج 45 ص 1232.
(2) ما بين المعقوفين زيادة مستفادة من سياق الكلام.
(3) ما بين المعقوفين مما يستدعيه السياق، إذا الشيخ رحمه الله ذكر هذا السند أولا ثم
ساق به ثمانية متون وأحاديث. ثم قال: (وباسناده قال: سمعت عليا صلوت الله عليه وآله
يقول لرأس اليهود:...).
430

والله لو ثنيت لي الوسادة (4) لقضيت بين أهل
التوراة بتوارتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين
أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل القرآن بقرآنهم.
أيها الناس افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة،
سبعون منها في النار!!! وواحدة ناجية في الجنة، وهي
التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام.
وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة احدى
وسبعين [منها] في النار، وواحدة في الجنة، وهي
التي اتبعت شمعون وصي عيسى عليه السلام.

(4) ثني الوسادة: تمهيدها وتسطيحها بحيث بتمكن من الجلوس عليها أو الاتكاء عليها. والكلام
كناية عن تمكنه عن بث العلم أو اقتداره عن حيازة مقامه وجلوسه على مسند الخلافة وقيادة المجتمع.
وهذا المعنى قد ورد عنه عليه السلام عن طرق ومصادر، وقد تقدم في المختار: (119)
من القسم الأول: ج 1، ص 392 عن مصدر آخر، وبعض شواهده مذكورة في المختار (340)
وما حوله من ج 2 ص 624 وما حولها.
وروى المدائني في كتاب صفين أن عليا عليه السلام خطب فقال: لو كسرت لي الوسادة
لحكمت بين أهل التوراة بتوارتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم.
وما من آية في كتاب الله أنزلت في سهل أو جبل الا وأنا عالم متى أنزلت. هكذا
رواه عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (70) من نهج البلاغة: ج 2 ص 50 ط 1،
بمصر. وقريبا منه رواه أيضا في الباب (63) في الحديث: (272 و 274) من فرائد السمطين.
431

وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنان
وسبعون فرقة [منها] في النار!!! وفرقة في الجنة،
وهي التي اتبعت وصي محمد صلى الله عليه وآله - فضرب
بيده على صدره ثم قال: -: [و] ثلاث عشر فرقة
من الثلاث والسبعين كلها تنتحل مودتي وحبي وواحدة منها
في الجنة - وهم النمط الأوسط - واثنا عشر [منها] في
النار!!!
آخر الجزء (18) من أمالي الشيخ: ج 1 ص 333 ط إيران، ورواه
أيضا في كتاب سليم بن قيس ص 190، وقطعة منه ذكرها في آخر
الصفحة 84 منه. وذكره باختصار جدا، في آخر باب: (نوادر ما وقع في
أيام أمير المؤمنين عليه السلام) من البحار: ج 8 ص 740 في السطر 9 عكسا
نقلا عن كتاب الغارات عن أبي عقيل عنه عليه السلام.
وقد ألف بعض السادة المعاصرين رحمه الله كتابا سماه (الفرقة الناجية)
وبحث عن الحديث سندا ومتنا، وهو فريد في بابه وليراجع إليه البتة.
432

- 115 -
ومن كلام له عليه السلام
في الاخبار عن عمارة بغداد بيد بني العباس واتخاذهم إياه دار الملك
وموطن الاتراف والاسراف
ثم كثرة الجور والفجور فيه ثم انقراضهم بيد الترك
الزوراء وما أدراك ما الزوراء، أرض ذات أثل (1)
يشيد فيها البنيان، وتكثر فيها السكان، ويكون فيها
مخازن وخزان (2) يتخذها والد العباس موطنا، ولزخرفهم
مسكنا، تكون لهم دار لهو ولعب، يكون بها الجور الجائر
والخوف المخيف، والأئمة الفجرة (3) والقواد الفسقة،
والوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس والروم،

(1) الزوراء - هذه -: مدينة بغداد. والأثل - كفلس -: الطرفاء، ويعبر عنه في
لسان الفرس ب‍ (شورة كز).
(2) هذا هو الظاهر، وهو جمع مخزن: محل ادخار الثروة والبضاعة. وفي الأصل: (محارم
وخزان). ويحتمل بعيدا صحته وانه جمع المحرم: الحرام أو المحرمة: ما لا يحل انتهاكه.
ويراد منه هنا ما حماه بنو العباس لأنفسهم وحرموه على غيرهم.
(3) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (الأئمة العجزة).
(نهج السعادة ج 3) (م 28)
433

لا يأمرون بمعروف إذا عرفوه، ولا ينهون عن منكر إذا
نكروه (4).
وتكتفي الرجال منهم بالرجال!!! والنساء بالنساء!!!
فعند ذلك الغم الغميم، والبكاء الطويل، والويل
والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك، وما هم الترك؟
قوم صغار الحدق، وجوههم كالمجان المطرقة (5) لباسهم
الحديد، جرد مرد (6).
يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم جهوري
الصوت، قوي الصولة، عالي الهمة، لا يمر بمدينة

(4) أي إذا وجدوه منكرا قبيحا غير مرضي في الشريعة. وهذا نظير ما في الآية: (70)
من سورة هود: (فلما رآى أيديهم لا تصل إليه نكرهم). قال في مجمع البيان.: ويقال: نكرته
وأنكرته بمعنى واحد، ونكرته أشد مبالغة وهي لغة هذيل والحجاز، وأنكرته لغة تميم.
(5) وفي المختار: (124) من نهج البلاغة: (كأني أراهم قوما كأن وجوههم المجان
المطرقة. يلبسون السرق والديباج، ويعتقبون الخيل العتاق).
أقول: الحدق: جمع الحدقة - محركة -: سواد العين. والمجان - بفتح الميم -: جمع
المجن والمجنة - بكسر الميم فيهما - وهي الترس. كل ما وقي من السلاح. والمطرقة - بفتح
الراء -: التي أطراق بعضها إلى بعض.
(6) والجرد - بضم فسكون -: جمع الأجرد: من لا شعر عليه. والمرد - كقفل -:
جمع الأمرد: الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته.
434

الا فتحها، ولا ترفع له راية الا نكسها (7) الويل الويل
لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر (8).
كتاب كشف اليقين - للعلامة الحلي رحمه الله - ص 10 ورواه أيضا
في المطلب الثالث من المبحث الخامس، من كتاب كشف الحق ونهج الصدق،
ورواه أيضا - لكن باختصار - في الأمر الخامس من المنهج الرابع من كتاب
منهاج الكرامة ص 10 كما في المنهاج ج 4 ص 177 ط 1، ورواه أيضا في
الحديث (350) من الباب الحادي عشر من كتاب إثبات الهداة: ج 5 ص 27،
نقلا عن كشف اليقين، ورواه أيضا في ترجمة ابن أبي العز من الكنى والألقاب.
وفي مادة الزوراء من سفينة البحار: ج 1 ص 567، وتجده، أيضا في
إحقاق الحق، ولسان الصدق: ج 2 ص 343، إلا أن في غير كشف
اليقين لم يذكر تمام الخبر، بل ذكر ذيله فقط.
وقريبا منه معنى رواه مسندا وباختصار في الحديث الرابع من باب علامات
الظهور، من كتاب الغيبة - للنعماني رحمه الله ص 133.

(7) يقدمهم - من باب نصر -: يمشي أمامهم ويسبقهم، وهذا من لوازم الحراة والجلادة،
وهذا نظير قوله تعالى في الآية: (98) من سورة هود: " يقدم قومه يوم القيامة "، و " بدا
ملكهم ": ظهر، و " الجهوري الصوت ": عالي الصوت، و " نكسها ": قلبها.
(8) قال العلامة رفع الله مقامه: وأخبر (أمير المؤمنين عليه السلام) بعمارة بغداد
وملك بني العباس وأحوالهم وأخذ المغول الملك منهم!!! وبواسطة هذا الخبر سلمت الحلة والكوفة
والمشهدان من القتل في وقعة هلاكو!!! لأنه لما ورد بغداد، كاتبه والدي والسيد ابن طاووس
والفقيه ابن أبي العز، وسألوا (منه) الأمان قبل فتح بغداد، فطلبهم فخافوا فمضى والدي إليه
خاصة فقال: كيف أقدمت على المكاتبة قبل الظفر؟ فقال له والدي: لان أمير المؤمنين عليه
السلام أخبر بك وقال:
إنه يرد الترك على الأخير من بني العباس يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم جهوري الصوت
لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية إلا انكسها، الويل الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر!!!
435

- 116 -
ومن كلام له عليه السلام
في الانباء عن فتن آخر الزمان، وإقبال الناس على مصالحهم الشخصية
وتكالبهم على الملاذ النفسانية، ورفضهم المعوية والمعالي الدينية!!!
قال السيد أبو طالب: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني قال:
أخبرنا أبو العباس أحمد بن (محمد بن) سعيد بن عقدة إجازة قال: حدثنا
أحمد بن الحسن بن بزيع (ظ) عن القاسم بن إسحاق، عن عبد الله العبدي عن
أبيه عن عبد الرحيم بن نصر البارقي عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عليهم
السلام قال: قال: أمير المؤمنين علي عليه السلام:
إذا كان زعيم القوم فاسقهم وأكرم الرجل اتقاء
شره، وعظم أرباب الدنيا، واستخف بحملة القرآن،
وكانت تجارتهم الرباء ومأكلهم أموال اليتامى وعطلت
المساجد، وأكرم الرجل صديقه وعق أباه، وتواصلوا
بالباطل، وقطعوا الأرحام، واتخذوا كتاب الله مزامير، وتفقه
(الناس) لغير الدين، وأكل الرجل أمانته، (و) أوتمن
الخونة، وخون الامناء، واستعمل (ظ) السفهاء، ورفعت
الأصوات في المساجد، واتخذت طاعة الله بضاعة، وكثر
436

القراءة وقل الفقهاء، فعند ذلك توقعوا ثلاثا: توقعوا
ريحا حمراء (1) وخسفا وزلازل وأمورا عظاما!!!
قال السيد أبو طالب: وروينا (ه أيضا) من طريق الحسن بن سفيان،
أخبرنا به محمد بن بندار، عن عثمان، عن أبي توبة، عن الفرج بن فضالة،
عن يحي بن سعيد، عن محمد بن علي عن أبيه عن علي عليه السلام مرفوعا
إلى النبي (فذكر مثله) إلا في ألفاظ يسيرة.
(قال) وكان علي بن الحسين عليه السلام إذا ذكر هذا الحديث بكى
بكاءا شديدا ويقول: قد رأيت أسباب ذلك (2).
الباب: (30) من كتاب تيسير المطالب ص 302 ط 1.

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: " فعند ذلك توقعوا ذلك توقعوا ريح حمراء... ".
(2) قال المحمودي: ونحن رأينا المسببات، ولمسنا جل المحذورات المذكورة في هذا الحديث
ويوما فيوما تزيد في بوق السفلة والمبطلين نغمات مستحدثة، ولنزعاتهم مستحدثة، ولنزعاتهم نزوات مستنكرة
وإلى الله المشتكي.
437

- 117 -
ومن كلام له عليه السلام
في الحث على السؤال عنه، ثم إخباره عن ظهور الدجال وما يقع
قبله من العلامات
سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين كتفي علما جما (1)
خبرني به حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
فقام إليه صعصعة بن صوحان، فقال له: يا أمير
المؤمنين متى يخرج الدجال؟ فقال له: اقعد يا صعصعة،
فقد علم الله جل ثناؤه (ما أردت، وسمع) مقالك (3)
ولكن له علامات وهنات (4) وأشياء يتلوا بعضها بعضا

(1) قال في هامش دستور معالم الحكم: ويروي: " فإن بين جنبي... "، والجم
الكثير الواسع.
(2) كذا في الأصل، وقد استقر عمل القوم - إلا من عصمه الله منهم وقليل ما هم - على حذف
كلمة " آل " من الروايات.
(3) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: " فقد علم الله جل ثناؤه مقامك ".
(4) كذا في النسخة، ولعل الأصل: " إن له علامات وهناك ". والهنات - كفتات:
الشر والداهية، والجمع هنوات.
438

حذو النعل (بالنعل) تكون في حول واحد، فإن شئت
نبأتك بعلاماته؟
فقال (صعصعة): عن ذلك سألتك يا أمير المؤمنين.
فقال له: اعقد بيدك، يا صعصعة إذا أمات الناس
الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا الكذب، وأكلوا
الربا، وأخذوا الرشا وشيدوا البناء، واتبعوا الأهواء
وباعوا الدين بالدنيا، واستخفوا بالدماء، وكان الحلم
ضعفا (5) والظلم فخرا (6) والامراء فجرة، ووزراؤهم
وأمناؤهم خونة، وقراؤهم فسقة، ويظهر الجور (7)
ويكثر الطلاق وموت الفجأة، وحليت المصاحف
وزخرفت المساجد، وطولت المنابر، وخربت القلوب

(1) أي لا يحلم أحد إلا إذا كان غير قادر على الانتقام. أو المعني: يعد حلم الحليم وعدم
تسرعه إلى شفاء غيظه ضعفا وعجزا.
(6) أي يفتخر الظالم يظلمه ليصفه الناس بالشجاعة وشدة البأس، فلا يستطيع غيره أن يهضم
جانبه.
(7) كذا في الأصل، وفي رواية الشيخ الصدوق رحمه الله: " وظهرت شهادة الزور... "
وهو الظاهر.
439

ونقضت العهود واستعملت المعازف (8) وشربت الخمور،
وفشا الزنا وأوتمن الخائن، وخون الأمين، وشاركت
المرأة زوجها في التجارة حرصا على الدنيا، وركب
ذوات الفروج السروج، (يكون) السلام للمعرفة (9)
و (يشهد) الشاهد من غير أن يستشهد (10) ولبسوا
جلود الضأن على قلوب الذئاب (11) قلوبهم يومئذ أمر
من الصبر (12) وأنتن من الجيفة، فالنجاء النجاء والوحا
الوحا، والجد الجد (13) نعم المسكن يومئذ بيت
المقدس.

(8) المعازف: جمع المعزف والمعزفة - بكسر الميم فيهما -: آلات الطرب كالعود
والطنبور ونحوهما.
(9) ما بين المعقوفين قد سقط من الأصل ولا بد منه أو ما هو بمعناه.
(10) ما بين المعقوفين قد سقط من الأصل، وأخذناه من رواية من رواية الشيخ الصدوق رفع الله
مقامه.
(11) يعني يتظاهرون باللطف والحنان، ويبطنون التعدي والطغيان.
(12) الصبر - ككتف - عصارة نبات مر متناهي في المرارة.
(13) أي الزم خلاصك الزم خلاصك، يقال: النجاك النجاك - مقصورا - والنجاءك
والنجاءك، وهو من باب الاغراء منصوب بفعل محذوف، والكاف حرف خطاب والوحي - كعصى -:
العجلة يقال: الوحي الوحي والوحاك الوحاك: استعجل استعجل
440

فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال: يا أمير المؤمنين: وما الدجال؟
فقال له:
يا أصبغ ألا إن الدجال صيفي بن عائد (14) الشقي
من صدقة، والسعيد من كذبه، يقتل على عقبة بالشام
يقال لها: عقبة فيق في الساعة الثالثة من النهار على
يدي المسيح عيسى بن مريم عليه السلام (15).
ألا ومن بعد ذلك الطامة الكبرى: طلوع الشمس
من المغرب تطلع مكورة (16) " فيومئذ لا ينفع نفسا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها
خيرا " (17) فيؤمئذ لا توبة تقبل، ولا عمل يصعد، ولا
رزق ينزل!!!

(14) وفي رواية الشيخ الصدوق رضوان الله عليه: " صائد بن الصيد ".
(15) - كذا في الأصل، وفي رواية الشيخ الصدوق رفع الله مقامه: " يقتله الله عز وجل
بالشام على عقبة أفيق، لثلاث ساعات من يوم الجمعة على يدي من يصلي المسيح عيسى بن مريم عليه
السلام خلفه... ".
(16) الطامة: تفاقم الامر، الداهية العظيمة، القيامة، " مكورة " مجموع الضوء، وملفوف
الضياء. أو مضمحل الضوء متعدم الضوء منعدم النور. أو لفت هي بعينها فرفعت. والمعنى الأول هاهنا ألصق
(17) ما بين القوسين اقتباس من الآية: (158) من سورة الأنعام: 6، وإليك صدر
الآية الكريمة: " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة، أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك، يوم
يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها...
441

ثم قال [عليه السلام:]
عهد إلي حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن لا أخبر بما يكون بعد ذلك.
المختار الخامس من الباب الخامس من دستور معالم الحكم ط مصر،
ص 104.
ورواه أيضا الشيخ الصدوق رفع الله مقامه، بزيادات كثيرة في الباب
(47) من كتاب اكمال الدين ص 525 قال:
حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحي
الجلودي بالبصرة. قال: حدثنا الحسن بن معاذ، قال: حدثنا قيس بن حفص
قال: حدثنا يونس بن أرقم، عن أبي سيار الشيباني عن الضحاك بن مزاحم
عن النزال بن سبرة، قال:
خطبنا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني سلوني قبل أن تفقدوني سلوني
قبل أن تفقدوني.
فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين...
ورواه أيضا الشيخ حسن بن سليمان الحلي رحمه الله في أواسط باب
الكرات من مجموعته التي طبع باسم منتخب البصائر، ص 30 قال:
فمما أجاز لي الشيخ السعيد الشهيد أبو عبد الله محمد مكي الشامي
442

روايته عن شيخه السعيد عميد الدين عبد المطلب بن الأعرج الحسيني عن
[العلامة] الحسن بن يوسف بن مطهر، عن أبيه، عن السيد فخار بن معد
الموسوي عن شاذان بن جبرئيل، عن العماد الطبري عن أبي علي ابن الشيخ
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن أبيه، عن محمد بن محمد بن النعمان،
عن محمد بن علي بن بابويه [الشيخ الصدوق رحمه الله] قال: حدثنا محمد
ابن إبراهيم بن إسحاق...
443

- 118 -
ومن كلام له عليه السلام
في أن علم الشريعة لا ينقطع عن الناس بالكلية، وأن الله تعالى لا يخلي
الأرض من حجته على الناس اما ظاهرا مشهورا، أو خائفا مغمورا
وفي نعت أولياء الله.
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله، عن علي بن محمد،
عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن أبي أسامة، عن هشام بن سالم،
عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق، قال: حدثني الثقة من أصحاب أمير
المؤمنين عليه السلام أنهم سمعوا أمير المؤمنين عليه السلام، يقول في خطبة له (1):
اللهم واني لأم أن العلم لا يأرز كله (2) ولا
ينقطع مواده، وأنك لا تخلي أرضك من حجة لك على
خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور كيلا
تبطل حججك [حجتك (خ ل)] ولا يضل أولياؤك

(1) لولا هذا التعبير، لقلنا هذا الكلام عين وصيته عليه السلام المشهورة - إلى كميل،
ذكرها الراوي بالمعنى.
(2) لا يأرز - من باب نصر ومنع - لا ينقبض ولا يذهب به.
444

بعد إذا هديتهم، بل أين هم وكم [هم؟] (3) أولئك الأقلون
عددا، والأعظمون عند الله جل ذكره قدرا، المتبعون
لقادة الدين: الأئمة الهادين. الذين (4) يتأدبون
بآدابهم وينهجون نهجهم، فعند ذلك يهجم بهم العلم
على حقيقة الايمان، فتستجيب أرواحهم لقادة العلم،
ويستلينون من حديثهم ما استوعر على غيرهم (5) ويأنسون
بما استوحش منه المكذبون وأباه المسرفون، أولئك
أتباع العلماء [الذين] صحبوا أهل الدنيا بطاعة الله تبارك
وتعالى وأوليائه ودانوا بالتقية عن دينهم (6) والخوف
من عدوهم فأرواحهم معلقة بالمحل الاعلى فعلماؤهم
وأباعهم خرس صمت (7) في دولة الباطل، منتظرون

(3) كذا في الأصل غير ما بين المعقوفين فإنه زيادة منا. والكلام إشارة إلى مغمورية أمكنتهم
ومأواهم، وقلة عدتهم وأعدادهم.
(4) كلمة (المتبعون) - ومثلها كلمة: (الذين) - خبر بعد خبر لقوله: (أولئك).
(5) وفي بعض السنخ: (ويستأنسون من حديثهم). و (يستلينون): يعدونه لينا سهل
التناول. و (ما استوعر): ما صار صعبا على غيرهم وعده غيرهم عسر التناول.
(6) أي خضعوا لأهل الدنيا بسبب تقيتهم في دينهم ومن أجل خوفهم من عدوهم.
(7) خرس: جمع الخرس: من كان في لسانه تعقد لا يقدر معه على الكلام. والصمت
- كفلس -: السكوت.
445

لدولة الحق، وسيحق الله الحق بكلماته ويمحق الباطل (8)
هاها طوبى لهم على صبرهم على دينهم في حال هدنتهم،
ويا شوقاه إلى رؤيتهم في حال ظهور دولتهم، وسيجمعنا
الله وإياهم في جنات عدن، ومن صلح من آبائهم
وأزواجهم وذرياتهم.
الحديث الأخير من الباب: (88) من كتاب الحجة من أصول الكافي
ج 1، ص 335، والكلام كأنه نقل بالمعنى عن وصيته عليه السلام المشهورة إلى
كميل رحمه الله، ولكن رواه النعماني رحمه الله في الباب الثامن، من كتاب
الغيبة ص 68 بأسانيد عن ابن عقدة والكليني وقال: انه عليه السلام خطب
به على منبر الكوفة. وتقدم أيضا في صدر الرواية قوله: (يقول في خطبة
له) الظاهر في أنه عليه السلام واجه بهذا الكلام جماعة لا الكميل وحده،
وعلى هذا فهو غير وصيته إلى كميل رضوان الله عليه. وقد ذكرنا رواية
النعماني بأسانيده في المختار: (362) من القسم الأول في ج 2 ص 691 ط 1،
فراجع.

(8) سيحق الله الحق: يجعله ثابتا رصين القواعد، مستقر الأصول والفروع. ويمحق الباطل
يمحوه ويهلكه.
446

- 119 -
ومن كلام له عليه السلام
قال في بعض خطبه مخبرا عن بعض الملاحم (1) والفتن المستحدثة
في آخر الزمان
قال المدائني: وخطب علي عليه السلام فذكر [بعض] الملاحم فقال:
سلوني قبل أن تفقدوني أما والله لتسعرن الفتنة
الصماء برجلها (2)، وتطأ [ن] في خطامها (3).
يا لها من فتنة شبت نارها بالحطب الجزل (4)

(1) الملاحم: جمع الملحمة - بفتح الميم فيهما كمراحم ومرحمة -: الوقعة العظيمة
الكثيرة الجرحى والقتلى من قولهم. التحم الشئ وتلاحم: التصق بعضه ببعض ونشب بعضه في
بعض. أو من قولهم: استلحم الزرع: التف. واستحلم الخطب فلانا: نشب فيه.
(2) كأنه من قولهم: سعرناهم بالنبل - من باب منع -: أحرقناهم وأمضضناهم. أو
من قولهم: سعر فلان الليل بالمطي: قطعه أو من قولهم: سعر فلان القوم شرا: أوسعهم. أو
سعر الرجل - مجهولا -: ضربه السموم.
(3) كذا في الأصل، غير أن ما بين المعقوفين زيادة ظنية منا. والخطام - بكسر الخاء
المعجمة - وتر القوس. ما وضع في أنف البعير ليقاد به، والجمع: خطم بضم الخاء والطاء.
(4) شبت نارها: اتقدت. والجزل: الغليظ. العظيم.
447

مقبلة من شرق الأرض رافعة ذيلها، داعية ويلها بدجلة
أو حولها. ذاك ذا استدار الفلك، وقلتم مات أو هلك
بأي واد سلك (5).
كتاب صفين للمدائني كما في شرح المختار: (69) من نهج البلاغة
من شرح ابن أبي الحديد: ج 2 ص 50 ط 1، من ط مصر.

(5) كذا في الأصل، والظاهر أنه كناية عن قطع أملهم عمن كانوا يتوقعون منه إصلاح
شؤونهم والتصدي لقيادتهم وتمشية أمورهم.
448

- 120 -
ومن كلام له عليه السلام
قال المدائني في كتاب صفين: وخطب علي عليه السلام بعد انقضاء أمر
النهروان (1) فذكر طرفا من الملاحم [و] قال:
إذا كثرت فيكم الاخلاط، واستولت الأنباط، دنا
خراب العراق (2) وذاك إذا بنيت مدينة ذات أثل
وأنهار (3) فإذا غلت فيها الأسعار (4) وشيد فيها
البنيان، وحكم فيها الفساق (5) واشتد البلا، وتفاخر

(1) وعلى هذا كان علينا أن نذكر هذا الكلام في أواخر القسم الأول من هذا الباب - أعني في
القسم المعلوم التاريخ من باب الخطب من كتابنا هذا - ولكن من أجل انقطاعنا عن ذخائرنا وتشتت
مخطوطاتنا غفلنا عن ذكره في محله فأوردناه هنا بمناسبة أخرى غير خفية.
(2) الاخلاط: جمع خلط - بكسر فسكون -: ما مزج بغير جنسه وضم إلى غير صنفه.
أولاد الزنا. الأوباش. ولعل المراد هاهنا هو اختلاط غير المسلمين بهم. والأنباط: جمع
النبطي - محركا -: قوم من العجم كانوا ينزلون بين العراقين. أخلاط الناس.
(3) كذا في الأصل، والأثل - كفلس -: الطرفاء.
(4) كذا في الأصل.
(5) الظاهر أن المدينة الموصوفة بهذه الأوصاف هي مدينة بغداد.
(نهج السعادة ج 3) (م 29)
449

الغوغاء (6) دنا خسوف البيداء (7) وطاب الهرب
والجلا.
وستكون قبل الجلاء أمور يشيب منها الصغير
ويعطب [منها] الكبير. ويخرس الفصيح ويبهت
اللبيب!!! يعاجلون بالسيف صلتا، وقد كانوا قبل
ذلك في غضارة من عيشهم يمرحون (8).
فيالها من مصيبة حينئذ من البلا العقيم، والبكاء
الطويل، والويل والعويل، وشدة الصريخ وفناء مريح (9)
ذلك أمر الله وهو كائن.
فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر البشير بنصر قريب
من رب رحيم.
ألا فويل للمتكبرين عند حصاد الحاصدين. وقتل

(6) الغوغاء: أوباش الناس الذين يجتمعون من كل أوب ولا ينتسبون إلى أصل معروف.
(7) والظاهر أنها إشارة إلى خسوف البيداء بالجيش السفياني.
(8) كذا في الأصل.
(9) هذا هو الصواب الموافق لما في الأخبار الواردة في الموضوع، وفي النسخة المطبوعة
بمصر، سنة: (1329): (فيا ابن خيرة الاباء).
450

الفاسقين عصاة ذي العرش العظيم.
فبأبي وأمي من عدة قليلة أسماؤهم [في السماء
معروفة، و] في الأرض مجهولة (10) قد دان حينئذ
ظهورهم.
ولو شئت لأخبرتكم بما يأتي ويكون من حوادث
دهركم ونوائب زمانكم وبلايا أممكم وغمرات ساعاتكم
[لفعلت] (11) ولكنه أفضيه إلى من أفضيه إليه
مخافة عليكم. ونظرا لكم (12) علما مني بما هو

(10) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (185) من نهج البلاغة، واليك نص
كلامه: (ألا بأبي وأمي هم من عدة أسماؤهم في السماء معروفة وفي الأرض مجهولة. ألا فتوقعوا
ما يكون من ادبار أموركم وانقطاع وصلكم واستعمال صغاركم!!! ذاك حيث تكون ضربة
السيف على المؤمن أهون من الدرهم من حله...).
(11) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (173) من نهج البلاغة، وهذا لفظه: (والله
لو شئت أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت!!! ولكن أخاف أن
تكفروا في برسول صلى الله عليه وآله!!! ألا واني مفضيه إلى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه.
والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ما أنطق الا صادقا، وقد عهد إلي بذلك كله، وبمهلك
من يهلك ونجى من ينجو ومآل هذا الامر، وما أبقى شيئا يمر على رأسي الا أفرغه في أذني
وأفضى به إلي!!!).
(12) نظرا لكم: تأنيا بكم وامهالا لكم ولطفا ورحمة بكم وشفقة عليكم. والذي
كان عليه السلام يخاف عليهم من بث علومه الغيبية في جمهورهم وبذله إياها لعمومهم هو الذي
صرح به عليه السلام - على ما تقدم آنفا من رواية نهج البلاغة - من كفرهم فيه برسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم اما بعقيدة الألوهية فيه كالغلاة، وهذه كفر برسول الله وانكار لما جاء به
بالضرورة من دينه، من تفرد الله تعالى بالألوهية، وتقدسه عن صفاة المخلوقين، وعما كان علي
متصفا به من كونه مسبوقا وملحوقا بالعدم، وقويا بعد الضعف، وضعيفا بعد القوة، وكونه
محلا للعوارض من التعب والكسل والسامة والملل وأضدادها، واحتياجه إلى الأكل والشرب واللباس
والنكاح والمنام وغير ذلك من لوازم الحياة والمخلوقية، أو أن خوفه عليه السلام من بث المغيبات
في عامة الناس إنما كان من أجل اعتقاد ضعفاء العقول وقاصري الحظوظ فيه أو لوبته من رسول
الله بالرسالة، أو كونه شريكا لرسول الله في الرسالة والسفارة من الله إلى الناس.
451

كائن وما تلقون من البلاء الشامل.
ذلك [إنما يكون] عند تمرد الأشرار، وطاعة أولي
الخسار. [و] ذاك [عند] أوان الحتف والدمار، ذاك عند
ادبار أمركم (13) وانقطاع أصلكم وتشتت أنفسكم (14).
وإنما يكون ذلك عند ظهور العصيان، وانتشار
الفسوق!!! حيث يكون الضرب بالسيف أهون على
المؤمن من اكتساب درهم حلال!!! (15).

(13) ما بين المعقوفات كلها زيادات توضيحية منا، والمشار إليه في قوله عليه السلام:
(ذلك) وما بعده، هو ما يبتلي به المؤمنون من البلاء الشامل والدواهي العامة، والرزايا المستوعبة.
(14) كذا في الأصل، فان صح ولم يكن مصحفا عما في نهج البلاغة: (وانقطاع وصلكم)
فالمراد: انقطاعكم عن أصلكم أي عن امامكم.
(15) وبعده في نهج البلاغة هكذا: (ذاك حيث يكون المعطى أعظم أجرا من المعطي،
ذاك حيث تسكرون من غير شراب، بل من النعمة والنعيم، وتحلفون من غير اضطرار، وتكذبون
من غير احراج. ذلك إذا عضكم البلاء كما يعض القتب غارب البعير!!! ما أطول هذا العناء
وأبعد هذا الرجاء؟).
452

[وإنما يكون ذلك] حين لا تنال المعيشة الا
بمعصية الله في سمائه.
حين تسكرون من غير شراب، وتحلفون من غير
اضطرار، وتظلمون من غير منفعة، وتكذبون من غير
احراج (16).
[وإنما يكون ذلك حين] تتفكهون بالفسوق،
وتبادرون بالمعصية.
[حين يكون] قولكم البهتان، وحديثكم الزور
وأعمالكم الغرور.
فعند ذلك لا تأمنون البيات!!! فيا له من بيات
ما أشد ظلمته؟ ومن صائح ما أفظع صوته؟! ذلك
بيات لا يتمنى صباحه صاحبه (17).
فعند ذلك تقتلون، وبأنواع البلاء تضربون،

(16) أي بلا ضرورة داعية إلى الكذب كالوقوع في الاحراج أي الحرج والضنك الشديد،
والضيق العسير.
(17) كذا في الأصل. والبيات: اللبث والبيتوتة في الليل. الهجوم على العدو ليلا.
453

وبالسيف تحصدون، والى النار تصيرون!!! ويعضكم
البلا كما يعض الغارب القتب (18). يا عجبا - كل العجب بين جمادى ورجب؟!! (19)
- من جمع أشتات وحصد نبات، ومن أصوات بعدها
أصوات!!! (20).
ثم قال [عليه السلام]: سبق القضاء سبق القضاء.
شرح المختار: (69) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد:
ج 2 ص 49 ط القديم بمصر.

(18) يعض - كيمنع -: يشتد. يستمسك. يلزم. والغارب: الكاهل. أو بين
الظهر والعنق. أو بين السنام والعنق. والقتب - كحبر وفرس -: الرحل، والجمع: أقتاب،
يقال: فلان قتب يلح بالغارب: أي هو يلح كثيرا.
(19) وهذا الحديث من الأحاديث المعروفة بين المسلمين من قديم الأيام، قال البلاذري
في الحديث: (105) من ترجمة الإمام الحسن وأولاده في ترجمة النفس الزكية محمد بن عبد الله
المحض من كتاب أنساب الأشراف: ج 1 ص 459 من النسخة المخطوطة:
وسارع أهل المدينة إلى بيعة محمد، وقالوا: هذا الذي كنا نسمع به: (العجب كل العجب
بين جمادى ورجب).
(20) جمع أشتات: ضم المتفرقات بعضها إلى بعض. والظاهر أن المراد منه احتشاد
أصحاب المهدي صلوات الله وسلامه عليه، من القبائل المختلفة، والأماكن المتباعدة. وقوله:
(وحصد نبات) المراد منه اجتثاث أعداء الله عن وجه الأرض. وقوله: (ومن أصوات بعدها
أصوات) المراد منه ما يسمع الناس من أصوات دجال، ثم النداء باسم السفياني ثم البشارة بالمهدي
والدعوة إليه والتعريف به عجل الله تعالى فرجه.
اللهم فانا نرغب إلى دولته الكريمة التي تعز بها الاسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله.
اللهم فانا نسألك أن تجعلنا فيها من دعاة دينك وقادة سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة
آمين يا رب العالمين.
454

- 121 -
ومن كلام له عليه السلام
يصف فيه بعض حالات ولده الإمام الثاني عشر صلوات الله عليه ويحكي فيه دعاءه
والتجاءه إلى الله تعالى وتضرعه إليه في أن يعجل فرجه وينجز له ما وعده
وأن يملا به الأرض قسطا وعدلا
كأني بالقائم عليه السلام قد عبر من وادي السلام (1)
إلى مسيل السهلة على فرس محجل، له شمراخ يزهر (2)
يدعو ويقول في دعائه:
لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله ايمانا وصدقا،
لا إله إلا الله تعبدا ورقا.
اللهم معز كل مؤمن، ومذل كل جبار عنيد، أنت
كهفي حين تعييني المذاهب، وتضيق علي الأرض
بما رحبت (3).

(1) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (من وادي سلام).
(2) المحجل: الفرس الذي في قوائمه بياض. المشهور. والشمراخ: رأس الخيل. أعالي
السحاب، عذق النخل أو العنب. و (يزهر) - من باب منع -: يضئ ويتلألؤ.
(3) تعييني - من باب رمي -: تشغلني وتهمني - تتعبني وتجهدني. والمذاهب: جمع المذهب
السير والذهاب. محل الذهاب والاياب والمضي في الأمور. و (بما رحبت): بما وسعت أي مع
سعتها.
455

اللهم خلقتني وكنت غنيا عن خلقي، ولولا نصرك
إياي لكنت من المغلوبين.
يا منشر الرحمة من مواضعها، ومخرج البركات
من معادنها. ويا من خص نفسه بشموخ الرفعة،
وأولياؤه بعز [ه] يتعززون.
يا من وضعت له الملوك نير المذلة على أعناقها (4)
فهم من سطوته خائفون، أسألك باسمك الذي فطرت
به خلقك فكل له مذعنون، أسألك أن تصلي على
محمد وآل محمد، وأن تنجز لي أمري وتعجل لي في
الفرج، وتكفيني وتعافيني، وتقضي حوائجي الساعة
الساعة، الليلة الليلة، أنك على كل شي قدير.
الحديث: (214) من الباب (27) من المجلد الثاني عشر من البحار،
وفي ط الحديث: ج 52 ص 391 نقلا عن كتاب العدد القوية. ونقله أيضا في
البحار القسم الثاني من ج 19، ص 171، ط الكمباني وفي ط الحديث:
ج 94 ص 365، ولكن نسبه في ط الكمباني إلى مهج الدعوات، ولعله من
خطأ النساخ أو المطابع.

(4) النير - بكسر فسكون -: الخشبة المعترضة في عنق الثورين بأداتها عند الحرث بهما.
456

قال المؤلف الشيخ محمد باقر المحمودي: هذا تمام باب خطب أمير
المؤمنين صلوات الله عليه من كتاب نهج، السعادة، ويليه باب كتبه عليه السلام.
وقد ذكرنا وجمعنا في هذا الباب من الكتاب، من كلمه عليه السلام ما
ينيف على: (500) كلمة، من خطب وكلام طويل يجري مجرى الخطب (1)
أو كلام قصير ذكره عليه السلام في ضمن بعض خطبه ولكن لم يصل الينا تلك
الخطبة المشتملة على ذلك الكلام القصير، أو وصل الينا الخطبة كاملة، ولكن
كان في افراد ذلك الكلام القصير واستقلاله بالذكر أهمية أخرى.
وقد اقتطفنا ما اشتمل عليه كتابنا هذا من كلمه عليه السلام في الأبواب
الستة (2) من ألوف من المصادر المخطوطة والمطبوعة المشهورة بين المسلمين،
في مدة لا تتجاوز عن خمس وعشرين عاما، ولا تقصر عن اثنين وعشرين
حولا، وقد هجرنا في سبيل اقتطافه من الأصول، وترتيبه في سلك
الانتظام، الملاذ والمنام، وانقطعنا عن الخواص والعوام، فانقطع عنا وعن
أهلنا ما يكون للحياة قوام وللعيش نظام، واكتفينا بالقدر الذي وقانا عن
الانهدام، مما ساقه الله تعالى الينا من غير تسبيب منا وبلا سعي لتحصيله وبلا
اتصال بالكرام، وذوي النعمة والاحسان، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا
لنهتدي لولا أن هدانا الله.
فإليكم أيها المتمسكون بالحقائق، والمستدلون بالبينات والوثائق
بموسوعة حوت كثيرا من الحقائق العلوية. وانطوت على فنون من البينات

(1) ولنا أيضا في هذا الباب مجموعة أخرى مشتملة على كثير من خطبه عليه السلام وما
يجري مجراها، ولكن لم تكن حاضرة عندي حين تحقيق هذا الكتاب وطبعه كي الاحظ النسبة بينها
وبين هذا الكتاب، وأشير إلى كمية ما في المجموعة من كلمه عليه السلام.
(2) وليراجع إلى ما ذكرناه في مقدمة هذا الكتاب: ج 3، ص 13.
457

المرتضوية، فاجعلوها محور علمكم وعملكم ودعائم سعادتكم وسيادتكم (3)
وأسس دعايتكم وارشادكم الناس وهدايتكم إياهم إلى المنهاج الحق، والى
طريق مستقيم.
واليكم أيها الطالبون للعلوم الإلهية بمجموعة لم تجدوا مثيلها!!!
واليكم أيها المتعطشون إلى المناهل المرتضوية، بعيون زخارة منها لم
تعهدوا نظيرها!!!
واليكم أيها المقتبسون من باب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بأبواب من علومه لم تجدوها مفتوحة عليكم في غيرها، ولم تظفروا بها مجتمعة
الأطراف في سواها.
واليكم أيها السائرون على المنهاج العلوي والسالكون لمسالكه، بنموذجة
وضاحة وأطراف لماعة متشعشعة من سيرته السامية، فاسلكوها كي تفوزوا
وتسودوا في الدنيا والآخرة.
واليكم أيها المتشوقون إلى صفو العيون وشافيها، بعيون شافية تشفيكم
عن مزمن الداء، وتقيكم عن حدوث الأمراض والأدواء، وترويكم
بماء لا تظمأون بعده أبدا!!!
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(3) مع تطبيق الموازين العلمية على محتويات الكتاب، وأخذ ما تمت حجيته من الجهات
الأربع: الصدور من المعصوم، وجهة الصدور، ووضوح المنطوق والمداول، وعدم المعارض له.
دون ما لم يشتمل على شرائط القبول، وقد أشرنا في هامش مقدمة الكتاب في الجزء الأول ص 14
أنا أدرجنا مقدارا من الكلم التي هي من سنخ كلمه عليه السلام ونسبه في بعض المصادر إليه، ولكن
شرائط القبول غير موجودة فيه، وإنما ذكرناه كي يكون بمتناول الناس لعلنا نظفر بعد ذلك
أو يظفر غيري - على شواهد صدقه وصدوره عنه عليه السلام.
458