الكتاب: إفحام الأعداء والخصوم
المؤلف: السيد ناصر حسين الهندي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: تقديم : الدكتور محمد هادي الأميني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مكتبة نينوى الحديثة - طهران
ردمك:
ملاحظات:

إفحام الأعداء والخصوم
بتكذيب ما افتروه على سيدتنا أم كلثوم
عليها سلام الحي القيوم
تأليف
العلامة الكبير المجاهد شمس العلماء
السيد ناصر حسين الموسوي الهندي ج 1
إصدار
مكتبة نينوى الحديثة
تقديم
الدكتور
محمد هادي الأميني
طهران ناصر خسرو - مروي
إفحام
الأعداء والخصوم
بتكذيب ما افتروه على سيدتنا أم كلثوم
عليها سلام الملك الحي القيوم
تأليف
العلامة الكبير المجاهد شمس العلماء
السيد ناصر حسين الموسوي الهندي
الجزء الأول
تقديم وتحقيق وتعليق
الدكتور محمد هادي الأميني
إصدار
مكتبة نينوى الحديثة
طهران ناصر خسرو - مروي
1

بسم الله الرحمن الرحيم
إلهي.. لم يزل برك علي أيام حياتي.. فلا
تقطع برك عني في مماتي..
إلهي.. كيف آيس من حسن نظرك لي بعد
مماتي، وأنت لم تولني إلا الجميل في حياتي..
إلهي.. هب لي قلبا يدنيه منك تشوقه، ولسانا
يرفع إليك صدقة، ونظرا يقربه منك حقه..
إلهي إن من تعرف بك غير مجهول، ومن
لاذ بك غير مخذول، ومن أقبلت عليه غير
مملوك..
إلهي.. إن كانت الخطايا قد سقتني لديك،
فاصفح عني بحسن توكلي عليك.
3

شمس العلماء السيد ناصر حسين بن السيد حامد حسين
الموسوي..
إمام في الرجال والحديث، واسع التتبع، كثير الاطلاع،
قوي الحافظة، لا يكاد يسأله أحد عن مطلب إلا ويحيله إلى
مظانه من الكتب، مع الإشارة إلى عدد الصفحات، وكان
أحد الأساطين والمراجع بالهند، وله وقار وهيبة في قلوب
العامة، واستبداد في الرأي، ومواظبة على العبادة، وهو
معروف بالأدب والعربية، معدود من أساتذتها، وإليه
يرجع في مشكلاتها، وخطبه مشتملة على عبارات جزلة،
وألفاظ متطرفة، وله شعر جيد.
أعيان الشيعة 19: 107
5

السيد ناصر حسين.. الملقب ب‍ - شمس العلماء - ابن
صاحب العبقات السيد مير حامد حسين المتقدم الذكر
والمتوفى 1306، عالم متبحر فقيه أصولي محدث رجالي
واسع التتبع، وافر الاطلاع، دائم المطالعة، من كبار علماء
الإمامية في الهند، والمفتي والمرجع في تكلم الديار، تتلمذ على
والده والسيد محمد عباس، وورث عن أبيه كافة الفضائل
الإنسانية والقيم الأخلاقية، فكان نعم الخلف لذلك
السلف الطاهر، رجل الفضل ومنبع الشرف.
ريحانة الأدب 6: 97
7

المير السيد ناصر حسين.. نجل ذلك العملاق، الذي
أوتي كافة الكمالات والمثل المستجمعة في أبيه.. وأصبح
بحرا زاخرا كوالده، وكان كما قال الشاعر:
إن السرى إذا سرى فبنفسه *
وابن السري إذا سرى أسراهما
لم يترك جهاد والده الفكري أن يذهب سدى، فقد شمر
الساعد وسعى في تتميم كتابه العبقات وقد طبعت منه عدة
مجلدات، أدام الباري بركات وجوده الشريف، وأعانه على
نصرة الدين الحنيف.
هدية الأحباب: 177
9

المقدمة:
في طوايا التاريخ على امتداده، يجد الباحث والمتتبع، رجالا وعباقرة غيروا
مسير التاريخ بعلمهم، وفنهم، واقتادوا الشعوب إلى شواطئ المجد والخلود،
وجداول الحق والواقع، وأوقفوهم على المهيع القويم، والسراط المستقيم.
نستوقف على نفر من الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه، ولا يخشون أحد
إلا الله وكفى بالله حسيبا (1) ويدفعون الأمة إلى قمة الإنسانية، والتكامل، وفي
أيديهم قبس من تلك الحرائق التي يشعلها الأنبياء، أضواء هداية على الطرق،
وزيتها من دمهم الذي يتوهج زيتا، لا أكرم في الزيوت ولا أضوأ في الإنارة،
ويقودون الأشرعة التائهة في اليم.. والقافلة الضالة الحائرة في البيداء.. إلى
موانئ السلامة، وسواء السبيل والهداية.
يجد الباحث ببطن التاريخ صور الذين كانوا على امتداد التاريخ في الشموخ
مشاعل وهاجة، ومنارات شاهقة، حادوا قافلة الجهاد الفكري، في ظروف
قاسية.. في الأسار، وقبضة الارهاب والبطش التي كانت تلاحق كل من همس
بإيمانه، ناهيك عن الهتاف بعقيدته، وإعلانها على رؤوس الأشهاد.
في ظروف حالكة وعهود قاتمة.. والسلطة الحاكمة فيها قيد في الأيدي،
وعلى الأفواه والسجون والمنافي جعلت بيوتا ومأوى للفقهاء والعلماء والشعراء،
برغم هذا التعسف كله تعمل نفر منهم جاهدة لإبادة الجهل والكفر والباطل،

(1) سورة الأحزاب: 39
11

وإزاحة الكابوس اللاعقائدي الذي يهدف بمساندة أذنابه وعملائه إغراء الشعب،
ودفعه إلى أحضان الجهل والفساد، وتفريق صفوفه، وتمزيق شمله، وفساد نظام
مجتمعه، وفصم عرى الأخوة الإسلامية، وإثارة الأحقاد الخامدة، وحش نيران
الضغاين في نفوس الشعب الإسلامي، ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين
فرق المسلمين، يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور.
أجل لم تثن السجون والشهادة والتشريد وضرب السياط.. عزائم قادة
الدين الصحيح.. ولم تردعهم عن رسالتهم الصادقة.. وإنما شقوا عباب
تلكم الظروف القاسية، بالمثابرة والصبر والنضال والمقاومة، والبذل
والمفاداة.. وحملوا راية المقاومة على جبهة الفكر الكريمة، وحملوها عالية، وإن
سقطت واستشهدت دونها العشرات الفطاحل، أمثال الفقيه أبي علي محمد بن
الحسن بن علي بن أحمد بن علي القتال النيسابوري.
وأمين الإسلام الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي.
والفقيه شهاب الدين الحسين بن محمد بن علي الميكالي.
وعلم الإسلام شمس الملة والدين محمد بن مكي بن محمد بن حامد بن أحمد
العاملي.
وشرف الإسلام زين الدين بن الشيخ نور الدين علي بن أحمد العاملي الجبعي
الشامي. والمولى الفقيه شهاب الدين عبد الله بن محمود بن السعيد التستري
الخراساني. والأمام القاضي نور الله بن السيد شريف بن نور الله المرعشي
التستري. (1).
إلى الكثيرين من أمثالهم، وهو بين فقيه، ومجتهد، وعالم، ومؤلف،
وأديب، وشاعر، فبلغوا وأدوا رسالاتهم، وحكوا كل شئ بمن ألقى السمع وهو
شهيد.
.

(1) راجع شهداء الفضيلة
12

لقد استحوذ الحق. وتغلب الواقع على هؤلاء العباقرة منذ نعومة
أظفارهم.. وحلت الهداية الآلهية في قلوبهم.. فرأوا أزهار الجهل والفساد
التي كانت تنبت بكل مكان تتحول إلى أظافر وأنياب في لحومهم، وفي جسم
الشريعة الإسلامية. فثاروا في سبيل الحق، ونهضوا في الذب عن الحقيقية،
والواقع إن الشعوب مدينة لهؤلاء المجاهدين المبدعين والأعلام النابهين الذين كانوا
في كل دور وعهد، مصدر المعرفة الإنسانية في آفاقها، التي لا تحد.
(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا
تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) (1).
* * *
يمكن القول هنا بصراحة إن السيد ناصر حسين، يعتبر في الطليعة
والمجاهدين الذين حفظوا التراث الإسلامي والسنة النبوية.. وخالطت آثاره من
النثر والنظم حياة الأمة.. وكانت كالنقش على حجر.. وظلت في أعماق
روحها كما يتذكر الإنسان حبه الطفلي الأول كان أسمه وأثره دائما في قلوبنا رمزا لهذا
النوع المتميز من البشر، الذين استطاعوا أن يجسدوا في كلام موجز، وبحث
قليل، أجمل وأنبل ما يمكن أن تجود به النفس الإنسانية من مشاعر في حب الحق،
والدفاع عنه، والدعوة إليه.
وقد كان هذا ديدنه في كافة مراحل حياته الدراسية والعلمية، في النثر.
والنظم، والخطابة والإنشاء، وكلها جاءت بعبارة جزلة، وبيان صافي،
وتحقيق دقيق، وبأسلوب يحيط بالبحث والتتبع بأوجز عبارة، حتى ليقرأها المتعلم
المثقف وغير المثقف، فلا يجهد نفسه في تفهم شئ من معانيها، وكلما خطرت له
خاطرة أو بدت نظرية، أو انتهى به المطاف إلى مناقشة صورها وكتبها بأسلوبه
الممتع، وأشركه معه في متعته ولذته.

(1) سورة فصلت: 30.
13

حقا أن شمس العلماء.. في أسلوبه وبيانه الممتنع الجزل المفيد الوجيز،
ليعكس في أذهاننا جميع عباراته، ببراعة الخالد الذي لا ينسى وقعه ولا يمحى
أثره.
والغريب الذي لمسته في شخصيته الفكرية خلال اشتغالي بتحقيق كتابه
هذا.. وفور معلوماته وكثرة محفوظاته، وعلمه بكافة التصانيف، وحفظه بما في
الكتب من البحوث وكأن الله سبحانه.. أودع في ذاكرته خلاصة مكتبات،
وخميرة آلاف التصانيف، فلا غرابة بعد هذا إذا قال عنه السيد الأمين: إمام في
الرجال، والحديث، واسع التتبع، كثير الاطلاع، قوي الحافظة، لا يكاد يسأله
أحد عن مطلب إلا ويحيله إلى مظانه من الكتب، مع الإشارة إلى عدد الصفحات،
وكان أحد الأساطين والمراجع في الهند (1).
هذا بالإضافة إلى حيوية أسلوبه، وبيانه الذي لا يزال رطبا غضا، كأنه لم
يكتبه قبل نصف قرن أو أكثر.. بل كأنه كتبه في هذه الأيام والساعات، لأنه لا
يزال قرعة للأسماع شديدا، ووقعه في النفوس بليغا، مع أنه مضى على أكثر من
ستين عاما، سلفت فيها أمم، وتعاقبت شعوب ودول، وتغيرت ظروف
وأحوال، ولكن أسلوبه الرصين الخالد الذي استعمله لخدمة دينه، وأمته،
وعقيدته، وشريعته، وبني قومه، لم يتبدل ولم يتغير لأنه استمده من روحه
وقلبه، ومن فكره وإخلاصه، وعقله المستخمر بحب الإمام أمير المؤمنين (ع)
والأئمة الهداة من ولده.
ويجب أن يكون هكذا.. ولا غرابة إذا كان هكذا.. لأنه من ذرية علي
(ع) والصديقة الكبرى فاطمة (ع) درس وتخرج على مدرسة الإمام أمير المؤمنين
(ع) النجف الأشرف، وقد قلت في فصول كتاب صدر لي:
لأبناء فاطمة الزهراء.. وذريتها المتفرعة من تلك الشجرة الطيبة الواردة في
القرآن الكريم.. والتي أصلها ثابت وفرعها في السماء.. روح وثابة إلى الحق

(1) أعيان الشيعة 49: 107.
14

والخير.. المتطلعة إلى العدالة والإنسانية.. التواقة إلى القيم العالية وإعلاء
كلمة التوحيد.. وتوحيد الكلمة، إلى جانب العلم والشجاعة والصبر
والتضحية والإيثار، وهذا المثل فيهم ذاتية فطموا عليها.. فهم منذ الطفولة
تراهم في جهاد متواصل في سبيل الله.. ونضال مستمر ديني.. ودعوة
صادقة للدين الذي ارتضاه الله لنفسه.. بشتى العوامل ومختلف الأساليب
والصور.
إن تلك الروح على ما هي عليها من قيم لم تكن إلا نتيجة الوراثة والتربية،
تقوم على أسس قويمة وأهداف سامية لها كل الارتباط بالحق والعقيدة، فيستمدون
منها السند والعون في حركاتهم وثوراتهم لا يعرف الناس عنها إلا نتائجها الحسنة
في أكثر الأحيان (1).
هذا وخشية الابتعاد عن صميم الدراسة، نعود إلى ما كنا نتحدث عنه،
وهو الوقوف على حياة المؤلف العظيم كرم الله وجهه.. فحمل قلم الجهاد،
ودخل معترك النضال، وشق عبابه بيقضة وانطلاق، وجعل الطريق أمام الأجيال
مستقيمة، واضحة بعيدة، من كل تسيب واعوجاج، وحيرة، وتخبط وتغلب
على العراقيل وإزاحة ما يمنع مسير المجتمع الإسلامي الحثيث، لأن الجهل والباطل
وزبانيتهما كانوا في الواقع يشكلون خطرا على الحق، ويهدد الواقع.
وما أعظم هذا الإيثار والتفاني والجهاد، بصور المختلفة الرائعة ذات معنى
واحد في سبيل الحق المغتصب - الخلافة الآلهية.. والفئ المهتضم حقوق العترة
الطاهرة وفي مقدمتها فدك.. فكانت شهامة وتضحية في أسمى صورها التي
يتصورها البشر، وتهتز لها قلبه هزا، وتدفع به إلى ساحات النضال، والكفاح في
ساحات الحق والعدل، والدعوة إلى الله بجلال الإيمان، وحرارة الإخلاص.
إن أبا محمد سعيد.. بهذا الواجب والشعور، والفتوة والمناعة وضع
مؤلفاته وبحوثه.. لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله
.

(1) بطل فخ: 36
15

ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك في قلوبهم
الإيمان وأيديهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها
رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون (2).
نسبه:
السيد ناصر حسين - شمس العلماء - بن السيد مير حامد حسين بن المفتي
السيد محمد قلى بن السيد محمد حسين المعروف بالسيد الله كرم ابن السيد حامد
حسين بن السيد زين العابدين بن السيد محمد المشهور بالسيد البولاقي بن السيد
محمد المعروف بالسيد مدا بن السيد حسين المشهور بالسيد ميتم ابن السيد حسين
بن السيد جعفر بن السيد علي بن السيد بن السيد كبير الدين بن السيد شمس
الدين بن السيد جمال الدين بن السيد شهاب الدين أبي المظفر حسين الملقب بسيد
السادات والمعروف بالسيد علاء الدين أعلى بزرك بن السيد محمد المعروف بالسيد
عز الدين بن السيد شرف الدين أبي طالب المشهور بالسيد الأشرف بن السيد محمد
الملقب بالمهدي المعروف بالسيد محمد المحروق بن حمزة بن علي بن أبي محمد بن
جعفر بن مهدي بن أبي طالب بن علي بن حمزة بن أبي القاسم حمزة ابن الإمام أبي
إبراهيم موسى الكاظم بن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق بن الإمام أبي جعفر
محمد الباقر ابن الإمام أبي محمد علي زين العابدين ابن السبط الشهيد الإمام الحسين
بن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (1)
الموسوي النيتاموري الكنتوري الهندي.
مشاهير هذه الأسرة في التاريخ:
حين نتصفح التاريخ نجد هذه الأسرة في طليعة البيوتات العريقة التي أسبغ
الله سبحانه.. عليهم نعمه ظاهرة وباطنة.. فتركت مآثر وأيادي موفقة،
وناجحة في التراث الفكري الإسلامي، وخدموه من كل الجوانب، وجاهدوا في

(1) المجادلة: 22.
(2) تكملة نجوم السماء 2: 25. عبقات الأنوار - حديث الثقلين - 1: 22 - المقدمة.
16

خلوده، وحيويته، وحفظه، ولذلك نجد المؤرخين وأحباء التحقيق يتلقون هذه
الأسرة بالتعظيم والتجليل، ويذكرون رجالاتها بالتكريم والثناء البالغ، لأن
عبقرية وبطولة البيت الكريم هذا لم تقتصر بزمن خاص، وأنما كانت قديمة كقدم
نسبهم، فيقول صاحب الذريعة بهذا الصدد ما نصه.
- إن هذا البيت الجليل، من البيوت التي غمرها الله برحمته، فقد صب
سبحانه وتعالى على أعلامه المواهب، وأمطر عليهم المؤهلات، وأسدل عليهم
القابليات، وغطاهم بالإلهام، وأحاطهم بالتوفيق، فقد عرفوا قدر نعم الله
عليهم، فلم يضيعوها، بل كرسوا حياتهم وبذلوا جهودهم وأثنوا أعمارهم في
الذب عن حياض الدين، وسعوا سعيا حثيثا في تشييد دعائم المذهب
الجعفري، فخدماتهم للشرع الشريف، وتفانيهم دون إعلان كلمة الحق، غير
قابلة للحد والاحصاء، ولذا وجب حقهم على جميع الشيعة الإمامية، ممن عرف
قدر نفسه واهتم لدينه ومذهبه (2) -.
ويطول بنا المقام لو بسطنا الحديث عن مشاهير هذه الأسرة الكريمة، ولذلك
نقتصر على ذكر أسماءهم مع بيان موجز عن مكانتهم العلمية، وفي الأخير مصادر
حياتهم:
1 - المفتي السيد محمد علي قلي بن السيد محمد حسين بن حامد حسين بن
زين العابدين الموسوي النيشابوري الكنتوري الهندي المتوفى 1260.
كان متكلما بارعا في علم المعقول، حسن المناظرة، جيد التحرير، واسع
التتبع، تلمذ على السيد ولداد علي، وأشتغل في الرد على المخالفين، فقام به
أحسن قيام، وله ما يربو على 15 كتابا في الفقه، والصرف، والإمامة، والسيرة،
والسنة، ومنه الكتاب العظيم، تشييد المطاعن طبع عام 1283 في الهند، وأعيد
في إيران سنة 1401 هج‍ (3)

(1) أعلام الشيعة - القرن الرابع عشر - 2: 148.
(2) أعيان الشيعة 46: 161. لماذا اخترت مذهب أهل البيت: 1303 ختران تانباك: 387. طبقات أعلام
(3) الشيعة ت 948 - قرن الثالث عشر. ريحانة الأدب 5: 356. كتابهاي جابي فارسي 1: 1355
17

2 - السيد إعجاز حسين بن المفتي السيد محمد علي قلي الكنتوري المتوفى
1286. عالم جليل خبير محقق عارف بالعلوم والأخبار، ومن كبار رجالات
الشيعة في الهند ومن أعاظم علمائهم، ولع بالوراثة عن آبائه بالتتبع والتنقيب،
والبحث، والتحقيق، سيما فيما يعود إلى مسائل الخلاف بين الجمهورين الشيعة
الإمامية، والسنة، وكان من جلالة القدر وعظيم الشأن بمكان، له تصانيف
كثيرة، وأشهرها كتاب - كشف الحجب والأستار عن وجه الكتب والأسفار - وهو
عمل فهرسي قدير، ذكر ما للشيعة من مؤلفات في خزانة كتبهم طبع عام 1333
ويعتبر من المطبوعات النادرة (1).
3 - السيد حامد حسين بن السيد محمد قلي المتوفى 1306.
كان من أكابر المتكلمين والباحثين عن أسرار الديانة، والذابين عن بغية
الشريعة، وحوزة الدين الحنيف، علامة نحريرا ماهرا بصناعة الكلام والجدل،
محيطا بالأخبار والآثار، واسع الاطلاع، كثير التتبع، دائم المطالعة لم ير مثله في
صناعة الكلام، والإحاطة بالأخبار والآثار في عصره بل وقبل عصره بزمان طويل،
وبعد عصره حتى اليوم.
ولو قلنا: أنه لم ينبغ مثله في ذلك بين الإمامية بعد عصر المفيد والمرتضى لم
نكن مبالغين، يعلم ذلك من مطالعة كتابه - العبقات - وساعده على ذلك ما في
بلاده من حرية الفكر، والقول والتأليف والنشر، وطار صيته في الشرق والغرب،
وأذعن لفضله عظماء العلماء.
وكان جامعا لكثير من فنون العلم متكلما، محدثا، رجاليا، أديبا، قضى
عمره في الدرس والتصنيف والتأليف والمطالعة (2).

(1) ريحانة الأدب 5: 356. الذريعة 18: 27. أعلام الشيعة 1: 302. معجم المؤلفين 2: 303 أعيان
الشيعة 12: 279. الأعلام 1: 338. بروكلمان 11: 855. أحسن الوديعة 1: 107. كتابهاي
جابي عربي: 838.
(2) أعيان الشيعة 18: 371.
18

وفي معاجم السير والتاريخ الكثير من كلمات الثناء، والإكبار في حقه،
وجاء: أنه صرح بعض الأكابر ببلوغ مألفاته المأتين مجلدا (1) وبيد أنه اشتهر
وعرف بكتابه - عبقات الأنوار - ويحدثنا الحجة شيخنا الأكبر الأميني.. رضي
الله عنه.. عن هذا الكتاب فيقول:.
- السيد مير حامد حسين بن السيد محمد تلي الموسوي الهندي اللكهنوي
المتوفى 1304 عن 30 سنة. ذكر حديث الغدير، وطرقه، وتواتره، ومفاده، في
مجلدين ضخمين، في ألف وثمان صحايف، وهما من مجلدات كتابه الكبير -
العبقات - وهذا السيد الطاهر العظيم كوالده المقدس، سيف من سيوف الله
المشهورة على أعدائه، وراية ظفر الحق والدين، وآية كبرى من آيات الله
سبحانه، قد أتم به الحجة، وأوضح المحجة، وأما كتابه - العبقات - فقد فاح
أريجه بين لايتي؟؟؟ العالم، وطبق حديثه المشرق والمغرب، وقد عرف من وقف عليه
أنه ذلك الكتاب المعجز المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد
استفدنا كثيرا من علومه المودعة في هذا السفر القيم، فله ولوالده الطاهر منا الشكر
المتواصل، ومن الله تعالى لهما أجزل الأجور (2).
وقد نقلت وترجمت تصانيفه إلى سائر اللغات، توفي في 18 صفر 1306
ودفن في حسينيته الخاصة (3).
4 - السيد سراج حسين بن المفتي السيد محمد قلي المتوفى 1286.
عالم كبير، وحكيم فاضل، حكيم عصره وفيلسوف دهره، له تصانيف
وكتابات غير أن لم تكن له شهرة كسائر مشاهير، ورجالات هذه الأسرة (3).

(1) ريحانة الأدب 3: 379.
(2) الغدير 1: 156.
(3) أعيان الشيعة 18: 371. ريحانة الأدب 3: 377. الغدير: 156. اختران تابناك: 138 أعلام
الشيعة 1: 348. مصفى المقال: 149. هدية الأحباب: 177. الفوائد الرضوية 91. الذريعة
15: 214. المآثر والاثاء؟؟؟: 168. تكملة نجوم السماء 2: 24. معجم المؤلفين 3: 178. إيضاح
المكنون 2: 92. هدية العارفين 1: 162. علماء معاصرين: 30.
(4) أعلام الشيعة - ترجمة: 1072
19

5 - السيد ذاكر حسين بن السيد حامد حسين المتوفى..
من كبار العلماء البارزين في الهند، وكان أديبا شاعرا له تصانيف منها:
الأدعية المأثورة - ديوان شعر بالفارسية والعربية. حواشي على عبقات والده (7).
مولده ونشأته:
أنا لا أريد أن يقتصر القارئ على هذا المقدار من المعرفة بالمؤلف.. كرم
الله وجهه، كما لا أستسيغ أن يكتفي بطائر أسمه، وسعت شهرته في العالم
الإسلامي، وذيوع براعته وتفوقه في التراث الفكري، وإنما أرغب أن يتجاوز
القارئ هذا الحد من المعرفة، ويتطلع إلى شئ من حياته، وبيسير من ظروفه
التي هيأت له هذه الحياة، ومراحلها الثقافية.
ولد السيد ناصر حسين.. في لكهنو 19 جمادي الثانية عام 1284 ه‍ من
أبوين جليلين كريمين عريقين، وترعرع ودرج في بيت أذن الله أن ترفع
وتقلد الزعامة الدينية، وقامت دعائمه على العلم، والتقوى، والزهد،
والصلاح، والرئاسة، والرفعة فكانت طبيعة الإرث الأثيل، تدفعه للقيام من
جهة بمسؤولية الرسالة الكبرى.. الزعامة الفكرية.. ودواعي الحياة وبواعثها
تشحذ ثباته وتصقل مواهبه من جهة أخرى.
درج الشبل.. في مراتع العلم والأخلاق، وتوقل في مدارج الفضيلة
والكرامة، حتى إذا ما انتهى إلى مدارج الشباب الفض تراكمت واصطلحت عليه
بواعث الخير والمجد، وجعلت منه صورة حية للفضيلة، صورة متكاملة
ومستجمعة، ومنتزعة من بيته، وبيئته، وتربيته وفطرته الصحيحة السليمة،
فكانت لهذه العناصر الأربعة المقدسة، أثرها المشرق الواضح في نشأته العلمية،
ومكانته الدينية بعدها، فلم يكد يجتاز الشوط الأول في حياته الثقافية، حتى دلت
عليه قابليته وكفايته، فولى وجهه شطر باب مدينة علم النبي الأقدس (ص)
النجف الأشرف.. وكان لا بد له من إتيانه بعد أن قرأ قوله (ص): أنا مدينة

(1) أعلام الشيعة 2: 714. الذريعة 1: 399.
20

العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها.
وفي الجامعة الكبرى.. بدأ يلتمع نجمه.. ويتبع إشراقة
كوكبه.. وأصبح له صوت يدوي، وشخص يشار إليه بالبنان، وتتلمذ على
الفحول من أساتذة الفقه والأصول، وشيوخ العلم والأدب وأعلام الدين دائمة
العلم.
لم يكتف المترجم له.. من معهده بتلقي الدروس، واكتناز المعارف
فحسب، وأنما دفعته ملكاته القوية، وسليقته المطبوعة على البحث والتتبع
والمطالعة، وانتهى به المطاف أن وفق بين العلم والفن، والجمع بينهما بصورة
مدهشة، وبعد سنين مضت عاد إلى وطنه وقد استوفى حظه السعيد، من الثقافة
الإسلامية العالية ترتسم عليها قوة البيان، وسعة الذهن وذرابة اللسان، والميزة
الفطرية في ناحيتي العقل والفكر.
عاد إلى وطنه، وأمته وبيئته على يقين صادق، أنه زعيمها وقائدها الذي
ترجوه لدينها ودنياها معا، وراح يعمل حسب رسالته آمرا بالمعروف وناهيا عن
المنكر، ويرتقي أعواد المنابر ويلقي على القلوب إرشاداته البارعة، وعلى النفوس
مواعظه النابهة. وعلى العقول كلماته الموقظة، وكان لها الأثر البالغ في تحقيق
إصلاحه المنشود، لأن خطاباته ومحاضراته كتصانيفه وكتاباته تستمد من منبع واحد
من ثقافته كلها، وتنحدر كالسيف من مهب معرفته، ومعلوماته الواسعة، فإذا
سمعته أو قرأته وجدت مصادرها واحدة، ومنابعها متحدة ومتوافقة.
حياته العلمية:
لا أحسب في خلال عمر السيد ناصر حسين.. رضي الله عنه.. توجد
لحظة أو فترة ذهبت سدى، أو راحت ولم يترك فيها أثرا فكريا، أو خطوة علمية،
لذلك لو عددنا أوراق تآليفه وتتبعنا صفحات مصنفاته، وجدناها تربو بكثير على
أيام عمره وساعاته الحافلة بالجهاد العلمي الذي ترتسم على كل أفق من آفاق هذا
العالم الإسلامي.. فكان من الرجال المعدودين الذين امتازوا في التاريخ
الإسلامي بمواهب وعبقريات دفعتهم إلى الأوج الأعلى والقمة الشاهقة من
21

آفاقهم، فإذا أسماؤهم ومآثرهم كالشهب الوهاجة.. تتلألأ في كبد السماء ما
دامت الحياة.
وقليل.. وقيل الذين ترتسم أسماؤهم في كل أفق من تلكم الآفاق،
وتستنير مآثرهم مدى الحياة.. إلا أولئك الأفذاذ الذين ارتفعت بهم الطبيعة،
فكان لهم من نبوغهم النادر، وشأنهم العظيم ما يجعلهم أفذاذا في دنيا الفكر
الإسلامي كلها، ومنهم السيد المؤلف.. فقد شاءت المنحة الآلهية، والإرادة
العليا أن تبارك علمه، ويراعه، وبيانه، فتخرج منهم للأجيال والشعوب نتاجا
فكريا من أفضل النتاج، وغذاء معنويا تتغلب به على التيارات السامة الوافدة
عليها من خارج الوطن الإسلامي، وما تحيكه أذناب الجهل والعمالة، داخل
الوطن من انحراف مسير المسلمين واتجاهاتهم البناءة الهادفة إلى توحيد الكلمة،
وكلمة التوحيد..
وقد لا أكون مبالغا ولا متعصبا ولا منحازا حين أطلق العنان للقلم فيسجل
: أن السيد المؤلف يتقدم بما أنتجه وكتبه وصنفه إلى الطليعة من علماء الشيعة
ورجالاتها الذين كرسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب والحق
والواقع، والإسلام الصحيح المتمثل في التشيع وبهذا أستحق أن يتصدر مجلس
الخاصة في العالم الإسلامي الحاضر وحتى في عصوره المقبلة.
هذا وكان من المتوقع أن المشاكل الاجتماعية والمذهبية والسياسية المتراكمة من
حوله، والمهددة لحياته بالويل والثبور، أن تصرفه عن النظر في حياته العلمية،
وتزحزحه عن عمله الفني.. وأقول الفني.. لأن البحوث والقضايا التي
تطرقها كانت مبتكرة وخاصة به.. والواقع أن رجلا يمنى بما مني به - سيدنا -
ينصرف عادة عما خلق له من علم وتأليف، فإن ما يحيط به من الصعاب، يضيق
بالنظر في أمر المكتبة والعود إلى الكتابة، لولا بركة وقته، وسعة نفسه، وقدرة
ذهنه، ورحابة صدره، وتوكله واتجاهه التام وتسليمه إلى خالقه وبارئه ومصوره.
أن جهاده العلمي وانهماكه الفكري لم تستسيغ له الحضور في الأندية
22

والمحافل والاجتماع بالشخصيات والرجال مع حرصهم البالغ في الاجتماع به
والتحدث معه، لأن القضايا هذه كانت في مفهومه لا تسمن ولا تغني من
جوع.. فابتعد من ملابسات الحياة العامة والتي كانت ولم تزل تزدحم على
أبواب المراجع والمسؤولين، فكان يضع لوقته وعمله حسابا ويستخرج منه نفعا،
ويقدر له قيمة وفائدة وينظر إليه نظرة اعتبار، ليجمع بين العلم والعمل،
والنظرية والتطبيق، والجوهر والعرض، وأخيرا فرض بطولته على الأحداث
والملابسات والمتطلبات التي كانت تولدها ظروف حياته الفردية.
وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن - سيدنا - كان قد منح لكل لحظة من
لحظات حياته حسابا خاصا، ومسؤولية هامة يتسائل عنها ويحاسب عليها، فبنى
حياته على قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: والفرصة تمر مر
السحاب فانتهزوا فرص الخير، ومنه أخذ ابن المقفع عبد الله فقال: انتهز الفرصة
في إحراز المآثر، واغتنم الإمكان باصطناع الخير ولا تنتظر ما يعامل فتجازى عنه
مثله، فإنك إن عوملت بمكروه واشتغلت ترصد أو أن المكافأة عنه قصر العمر بك
عن اكتساب فائدة، واقتناء منقبة، وتصرمت أيامك بين تعد عليك وانتظار للظفر
بإدراك الثار من خصمك، ولا عيشة في الحياة أكثر من ذلك (1).
هنا حدثنا التاريخ بخبر من أخبار - سيدنا - الوافرة على سبيل المثال،
فنقرأ: إن عثمان علي خان أحد ملوك حيدر آباد ومؤسسي الجامعة العثمانية عام
1919 م رغب في مقابلة المؤلف ومشاهدته من كثب، وبالغ وألح في رغبته
الشديدة، مدة من الزمن، حتى حظي بالموافقة والتشرف بالمقابلة، فتوجه من
عاصمة قطره نحو مقر السير في - لكنهو - فلما انتهى نظام حيدر آباد إلى مقر
السيد، واقترب من داره أطل السيد من شرفة مكتبته، وقال: السلام
عليكم.. لقد كنت ترغب بمشاهدتي والنظر إلي فانظر.. وبعد لحظات
دخل المؤلف مكتبته وأغلق النافذة وواصل مطالعته وكتابته.. وانصرف الملك

(1) شرح ابن الحديد 4: 252.
23

من هناك، وهو جد فخور برؤية السيد، ومتبجح بها.
ثم أن أبناء المؤلف سألوه عن بواعث عدم الجلوس، والتحدث مع الملك،
أجابهم: إنه رجل عمل، ولا فراغ له، وإنه مسؤول عن كل لحظة عمره.
فهو بهذا استطاع أن يوفي حق علمه، فيبلغ من المرتبة نصيبه وحظه الوافر
الذي تحتاجه حياته العلمية، وتفتقر إليه بيئته الدينية، وهو منذ ترك النجف
الأشرف.. ومغادرة الجامعة الكبرى التي وضع لبنتها الأولى الإمام أمير المؤمنين
عليه السلام.. منذ أن ثوى في تلك التربة المقدسة.. على اتصال مستمر
بالبحث، ومثابرة متواصلة بالكتابة والتأليف والمناظرة، يقضي طوال نهاره وشطرا
من لياليه في مكتبته، تاركا وراءه حياة مرهقة لاغبة.
تآليفه:
قد لا يكون مقياسا أول على انتاجه الفكري، من مؤلفاته الثرية النبيلة
الغزيرة، وهي دلالة واضحة وشهادة ناطقة بأنه كان من صميم الحياة العلمية،
مؤلفاته من الناحية الكيفية لا الكمية، فأن المعيار الكيفية لما فيها من الاستيعاب
والدقة والعمق والأصالة، وبعبارة أخرى فهي بما فيها من تفكير ونحت ومتانة وغور
وتتبع وحيوية، دال على اتصاله الواقع العميق بحياته العلمية من جهة، وأدل على
خصوبة سليقته ووفور فضله، وغزارة بيانه من جهة أخرى.
وبهذا المعيار نتوصل إلى علم الرجل وفضله، وخصائص ما كتب وامتياز ما
صنف، وهو امتياز قليل النظير لا يلاحظ في عامة التصانيف، ولذلك كثيرا ما
تظهر السطحية على مؤلفات المؤلفين الكثرين الذين لم يكتبوا ولم يصنفوا إلا
لارتفاع وتزايد أعداد كتبهم ومؤلفاتهم، وتصاعد أرقام تصانيفهم، فتمتاز حينئذ
بالسطحية والحشو.
وما أكثر أمثال هذه التآليف الضحلة، المبتذلة السطحية، والرخيصة
السوقية التي لا تنبأ ولا تكشف إلا عن جهل كاتبها، وهزل مؤلفها، وابتعاد
24

مصنفها عن العلم وشواطئ الفضيلة، وجداول الحق، وخمائل الواقع، وبعده
التام عن التاريخ والعلوم ألا إسلامية، وقد طبعت مطابع الكويت وإيران في الآونة
الأخيرة كتبا لم يجد فيها القارئ غير الدس الرخيص، والشتم المقذع، والتطاول
الهزيل، تحمل على صفحاتها نظريات لا عقائدية، وآراء بشعة، وأفكار
مشوهة، ومعتقدات فاسدة، تهدف الإطاحة بصرح الحق والحقيقة، وترمي
الانهدام بمفاهيم الإسلام الصحيح، وأهدافه وشخصيته.
وهنا ينبغي القول بصراحة إن هذه الكتب والوديعات، لا تمثل وجهة النظر
الشيعي، ولا تمت للشيعة بصلة، وإن الشيعة براء منها براءة الذئب من دم
يوسف.
إن المقاييس والمفاهيم العلمية، والأدبية، والاجتماعية أبيدت بصورة
نهائية، وفقدت بكاملها وأصبح كل جاهل ومتذبذب يطلق على نفسه كلمة -
المؤلف - ويحمل اليراع، ويسود الصحائف بمداد جهله ومخازيه، من دون مراعاة
لمفاهيم التأليف والفكر، والحق، والنقل، والأمانة، والبحث والتتبع،
والكرامة، والإنسانية:
فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص *
ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل *
وقال السهى: للشمس أنت ضئيلة *
وقال الدجى: يا صبح لونك حائل *
وطاولت الأرض السماء سفاهة *
وفاخرت الشهب الحصى والجنادل *
فيا موت زر إن الحياة ذميمة *
ويا نفس جدي إن دهرك هازل *
أما مؤلفات المترجم له.. رضي الله عنه.. نجدها رفيعة عميقة، أنيقة
رقيقة، عذبة سامية، تجمع بين سمو الفكر، وترف اللفظ والأسلوب، وهو ما
قلنا عنه في صدر بحثنا من كونه حريصا على المزاولة بين علمه وفنه، وفضله
وأبداعه، فإذا ما قرأت بحثا علميا بحتا مهما كان موضوعه، خلت أنك تقرأ بحثا
أدبيا جامعا، لقوة أسلوبه ومتانته ونصاعته، يعجبك بيانه المستجمع لكل
العناصر الأدبية، مع لطف مواقعه من القلوب، وسرعة تأثيره في النفوس.
25

وبعد اجتياز هذه المرحلة، فمؤلفاته كثيرة أيضا من حيث الكمية، وهذا إن
دل علي شئ فإنما يدل على ملكة خصية أصيلة، ومناعة حية قويمة، تثبت لأبي
محمد سعيد.. عمالقة علم، وبطولة فكر، وجهابذة أدب.
وإليك ثبتا بتصانيف هذا العملاق حسب الحروف..
مآثره الفكرية:
1 - إثبات رد الشمس:
لأمير المؤمنين (ع) ورفع ما أورد عليه من الشبهات، ويعرف أيضا بإثبات
حديث رد الشمس، وحديث الشمس هذا أخرجه جمع من الحفاظ الأثبات بأسانيد
جمة صحح جمع من مهرة الفن بعضها، وحكم آخرون بحسن آخر، وشدد جمع
منهم النكير على من غمز فيه وضعفه، ومنهم من أفرد فيه كتابا خاصا جمع فيه طرقه
وأسانيده (1).
2 - إسباغ النائل بتحقيق المسائل:.
فقه عملي من فتاوى المترجم له في كافة أبواب الفقه من الطهارة - إلى -
الحدود والديات - يقع في ثمانية أجزاء، طبع بالهند (2).
3 - إفحام الأعداء والخصوم:
في نفي ما افتروه على سيدتنا أم كلثوم... في مجلدين وهو الكتاب الذي
بين يديك وقد جلبت نسخته من مكتبة المؤلف رحمة الله وبركاته عليه.. بعد
تصويرها من الهند وتعتبر من نفائس مخطوطات مكتبة المرجع الديني الأعلى فقيه
المحققين.. ومحقق الفقهاء.. آية الله العظمى السيد شهاب الدين النجفي
المرعشي.. بارك الله في عمره، في مدينة قم..
أما ما جاء في الذريعة 2: 257، من إن كتاب إفحام الأعداء والخصوم،

(1) * الذريعة 1 / 95. الغدير 3: 126.
26

مطبوع في لكهنو - الهند - فغير صحيح ولا أصل له.
ومن المؤسف إن العلامة السيد علي الحسيني الميلاني.. نسي أو تناسى ذكر
هذا الكتاب في ترجمته للسيد المؤلف.. عند بيان مؤلفاته في مقدمة تعريبه
لكتاب - عبقات الأنوار - حديث الثقلين - (1) وقد كان موفقا في تعريبه وكتابته
المقدمة.
4 - الإنشاءات الفارسية:
يحتوي على خطب ومقالات باللغة الفارسية (2).
5 - الخطب.
للجمعات والأعياد، ويضم جلائل الخطب، التي ألقاها من على المنبر
بجامع لكهنو الذي يقال له: جامع الكوفة لأجل المشابهة، وتقع في عدة
مجلدات، ويعرف أيضا بديوان الخط (3).
6 - ديوان شعر:
جمع شعره وما جادت به قريحته الفياضة من شعر وخطب، ويقع في مجلد
واحد كبير موجود في مكتبته الخاصة (4).
7 - عبقات الأنوار:
بعد وفاة الإمام الحافظ السيد حامد حسين في عام 1306 بقي هذا المشروع
الإسلامي الخصب ناقصا إذ لم يمهله الأجل لإكمال سائر الأحاديث، أخذ المترجم
له مسؤولية إكمال هذا المنهج متبعا أسلوب والده وخطته المألوفة فكتب:
أ - حديث الطير، سندا ودلالة.
.

(1) طبع في مجلدين عام 1398 مطبعة مهر - قم.
(2) الذريعة 2: 395.
(3) الذريعة 7: 286.
(4) الذريعة 9 / 7445
27

ب - حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، سندا ودلالة.
ج - حديث الثقلين، ومعه حديث السفينة، سندا ودلالة. وقد طبعت
المجلدات هذه للمرة الأولى في الهند (1) وفي إيران للمرة الثانية، وكذا حديث
الثقلين في ستة أجزاء مع فهارس وغيرها في أصفهان عام 1380 ه‍ - 1379 ه‍
باعتناء الحجة المحقق السيد محمد علي روضاتي.
والجدير بالذكر، إن السيد ناصر حسين قد جعل ما ألفه وأكمله من -
العبقات - باسم والده السيد حامد حسين تجليلا له، وإكبارا لجهاده العلمي،
ولأنه رحمة الله عليه، قد رسم الخطوط لجميع هذه الأحاديث الاثني عشر، وفهرس
رؤوس أقلامها وأمهات مطالبها، وأشار على المصادر الموجودة لديه في أوائلها
تسهيلا لإخراج ما يريد منها (2).
8 - ما ظهر لأمير المؤمنين (ع) من الفضائل يوم خيبر:
مجلد كبير مخطوط في مكتبته بلكهنو (3).
9 - مسند فاطمة بنت الحسين (ع):
جمع فيه الأحاديث الواردة عن ابنة السبط الشهيد (ع) فاطمة، وهو لم يزل
مخطوطا في مكتبته الخاصة (4).
10 - المواعظ:
يحتوي على أحاديث ونصائح (5).
11 - نفحات الأزهار في فضائل الأئمة الأطهار.
.

(1) فهرست كتابهاي بابي فارسي 3: 3491.
(2) عبقات الأنوار - حديث الثقلين - 1: 20 - المقدمة.
(3) الذريعة 19: 22
(4) الذريعة 21: 28.
(5) الذريعة 23: 225
28

جاء إنه يقع في 16 مجلدا ضخما كلها من طرق العامة، مع ذكر أسانيدها
ومصادرها بصورة وافية مع ترجمة لرجال السند (5).
12 - نفحات الأنس:
بحث قيم في وجوب قراءة السورة في الصلاة (6).
وللمؤلف رضي الله تعالى عنه.. غير هذه الروائع الخالدة بحوث
ودراسات أخرى تحتفظها خزانة كتبه العامرة وكلها تعتبر من كنوز الفكر والعقل،
وتمتاز جميعها بأمانة النقل، وترابط الكلام، وشدة الصقل، وإشراقة البيان،
وصحة الاستنباط، وسعة التتبع وشمول الاستقصاء، ودقة الملاحظة، وإيفاء
البحث حقه من شتى جوانبه.
شاعريته:
على الرغم من مناعة المؤلف، كرم الله وجهه.. في البيان، وحيويته في
البحث والتتبع وإحاطته الكاملة بالسنة النبوية، ومعاجم السير، والحديث،
والتاريخ، والرجال، فقد كان في بعض الأحايين يخوض عباب الشعر ويتغلب
على أمواجه، كأنه ابن الشعر ونسيجه وصنيعه، مارس الشعر منذ نعومة أظفاره،
ودرس على مدارسه، ولا عجب لأن في طبع الإنسان كما قيل، نزوعا إلى الترنم
محاكاة للطيور في أوكارها فهو إن قطع مسافة أو جهد في عمل نزع إلى التشاغل من
متاعب جسده بشغل فمه، والترنم يستدعي كلاما تسبح به العواطف وتستلذه
الأذن، فوجد الشعر بهذه الدواعي، ولا حاجة للقول بأنه كان على غاية البساطة
خاليا من ديباجته الحالية، ومناسبا لسذاجة الإنسان الأولية، ثم أخذ يتطور
ويتهذب على حسب ترقي الإنسان وطوره، حتى انتهى إلى الدرجة التي تشاهده
عليها.
.

(6) الذريعة 24: 247
29

ولا أريد في هذا البحث أن أطيل الكلام على شعر المؤلف.. وشاعريته
الجياشة وقريحته الخصبة، والتحدث عن بعض خصائصه ونزعاته، ولكني أريد
في هذا المقام، الإلمام والإشارة إلى الساعات خاطره وسرعة نظمه للشعر، فلا يعسر
عليه قول الشعر في أية ساعة من الساعات، وفي أي حال من الأحوال يدعو الشعر
فيجيئه في أقرب من لمح البصر وهذا دليل على أن جهاده في سبيل العلم والحق لم
يصرفه عن العناية بالأدب، وحسبه ديوانه الخالد على وجه الدهر..
قال السيد الأمين: أمام في الرجال والحديث: واسع التتبع، كثير
الاطلاع قوي الحافظة، لا يكاد يسأله أحد عن مطلب إلا ويحيله إلى مضانه من
الكتب مع الإشارة إلى عدد الصفحات، وكان أحد الأساطين والمراجع في الهند،
وله وقار وهيبة في قلوب العامة واستبداد في الرأي، ومواظبة على العادات، وهو
معروف بالأدب والعربية معدود من أساتذتهما وإليه يرجع في مشكلاتهم، وخطبة
مشتملة على عبارات جزلة وألفاظ مستطرفة، وله شعر جيد ومنه:
إن كنت من شيعة الهادي أبي حسن *
حقا فأعدد لريب الدهر تجنافا *
إن البلاء نصيب كل شيعته *
فاصبر ولا تك عند الهم منصافا (1) *
وهذا المعنى مأخوذ من قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: من أحبنا أهل
البيت فليستعد للبلاء، وفي رواية فليستعد للفقر جلبابا - وقد ثبت إن النبي
(ص) قال لعلي عليه السلام: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق (2) - وقد
ثبت إن النبي (ص) قال: إن البلوى أسرع إلى المؤمن من الماء إلى الحدود (3).
وقال الحجة الثبت شيخنا الأكبر العلامة الأميني قدس الله روحه:
بهجة الأدب ومهجة الأدب، مجموعة شعرية أدبية في مجلدين، تحتوي على قصائد
جمع من أعلام هند الفطاحل، ورجالها الأفذاذ، أنشدت في الحفلات الدينية
.

(1) أعيان الشيعة 49: 108.
(2) الغدير 3: 183.
(3) ابن أبي الحديد 4: 289
30

المنعقدة عام 1308 هج‍ المجلد الأول 476 ص كلها في مناقب الإمام أمير المؤمنين
(ع)، والمجلد الثاني 270 ص جلها في رثاء السبط الشهيد، والمجموعة مكتوبة
عام 1313 بقلم السيد محمد عوض آله آبادي، وفي المجلد الأول منها شعر للسيد
ناصر حسين (1).
وقد تعجب معي لهذا الشعر الرصين يخطر في ألفاظه البديعة السهلة القوية،
ويميس بقوافيه الهادئة الوادعة في أبيات وقصائد أخرى، كما تستغرب لهذه المعاني
الواضحة الصريحة، والألفاظ الجميلة المتناسقة، لكنه ولعمري أنها ملكة الشاعر
وعبقريته الفياضة التي تتصرف بها تصرف العارف بالفن، الواثق من عبقريته
وإلهامه الرائع.
لقد نظم - سيدنا - فكان أحسن الشعراء، ونحا فيه منحى المتقدمين، من
حيث الجزالة والمتانة والأسلوب والإبداع والبراعة.
إجازاته للرواية:
بعد أن أجتاز السيد ناصر حسين كرم الله وجهه.. مراحل الدراسة
العالية، وبلغ القمة من الفقه والأصول، والذروة من البحث والتحقيق.
منحت له فقهاء الأمة ورجالاتها وشيوخها بالعلوم الإسلامية، إجازات
وشهادات مباركة.. وهو وأن لم يكن مفتقرا إليها بيد أن المنهج العلمي الرزين
المتبع في الجامعة الكبرى النجف الأشرف.. يحتم منح أمثال المترجم له أوسمة
علمية.. وامتيازات تقديرية. ثبت إن حاملها أجتاز المراحل الدراسية وبلغ
الذروة، وقمة الاجتهاد.. ويستسيغ له رواية ما يروونه عن شيوخهم، وهي
في الواقع رمز علمي لا يناله إلا ذو حظ عظيم..
بالإضافة إلى إن الشهادات هذه تثبت توثيقه، وصدقه، وتضلعه وتبحره،
ومهارته، في العلوم النقلية، وأخيرا إن حاملها ثبت حجة، حافظ ثقة، متقن

(1) ثمرات الأسفار إلى الأقطار - مخطوط - المجلد الأول.
31

صدوق، جيد الحديث وصالحه، وحسنه.
ومن المعلوم إن شخصية كالمؤلف رضي الله عنه.. الذي يعتبر بصرا لا
نظير له، وكنزا هو الملجأ إذا نزل المعضلة وإماما في الكلام والإمامة، وفقيها
للعصر معنى ولفظا، ورجلا عملاقا في كل سبيل، كأن الله سبحانه جمع الأمة في
صعيد واحد، أو في بطل فذ، نجد الفقهاء يرغبون في الحصول على إجازة رواية
من أمثال المترجم له، لتكون أواصر العلم بينهم أقوى، ووشائج الفكر فيهم أوثق
وأمتن، وحين عاد المؤلف.. إلى وطنه - لكهنو - تسلم مع اشتغاله العلمي
رسائل تطلب أصحابها منحهم إجازة الرواية، موشحة بتوقيعه الكريم، وكان من
بينهم فقيه المحققين.. ومحقق الفقهاء.. وسيد الطائفة.. المرجع
الديني الأعلى للشيعة الإمامية.. آية الله العظمى السيد شهاب الدين الحسيني
المرعشي النجفي.. بارك الله في عمره.. وبعد إيام تلقى من المؤلف الإجازة
التالية ونصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أحلى حديث تستطيبه الأرواح، ويشتاءه القلم، وأحنى خبر تستعز به
النفوس ويصبه المرقم على متون القراطيس، حيثما رقم، حمد الله المتفضل على
عباده بالآية، المستفيضة وجلائل النعم، المتكرم على عبيده بنعمائه الوافرة،
وعقائل القسم، سبحانه من عطوف أحمى عليهم مسلسلات شآبيب الدعم،
وأفاض عليهم مرسلات أهاضيب الكرم، والصلاة والسلام على رسوله المعتام،
المصطفى المنتجب المنتخب المبعوث من من سرة البطحاء لهداية الأمم، المرفوع
المتصل ذكره الحسن فيا لعرب والعجم، المجيز وفوده بمتواتر الكرم، العارج من
معارج العلي إلى أعلى القمم، المحكم حبال العهود وأواصر الأمم، وعلى آله
مصابيح الظلم، الدارئين غياهب الغمم، المزيحين بأنوارهم الزاهرة حوالك
البهم، الكاشفين بأضوائهم اللامعة الباهرة حنادس الليل الأليل إذا جن وادلهم،
لا سيما ابن عمه وصهره الهزبر الباسل القسم، والسيد الماجد الخضم، الواضع
32

لعلو إسناده على ظهر النبي القدم، الشافي بكلامه المعجز كل مرض وسقم، مطهر،
بيت الله عن كل وثن وصنم، مفجر ينابيع الحكم، ممضي عزائم الهمم، محيي
دوارس الرمم، صلاة دائمة باقية ما ظهرت أسرار الوجود عن خبايا العدم،
متلاحقة متتالية لا تكتمل بالعمم.
أما بعد فإن أحق الفضائل وأولاها، وأزهر العقائل وأسناها هو العلم الذي
يتضاءل عنده رأس كل عز وفخر، ويتطأطأ عند عظمته تليع عنق الدهر،
ويضمحل في حذائه كل نور وينكسف، وينمحي في أزائه كل ضياء وينخسف،
فلا مجد إلا وهو ذروته وسنامه، ولا شرف إلا وهو يمينه وحسامه، ماقرطا؟؟؟ مادية
بأعلى منه وأغلى، ولا المسك الأذفر والعنبر الأشهب بأطيب منه وأذكى، بيد أن له
أفانين وفنون، وعساليج (1) وغصون، وإن من أجل العلوم شأنا، وأعلاها
مكانا، وأرجحها ميزانا، وأكملها تبيانا، علم الحديث، فله من بينها الرتبة
الأعلى، والمنزلة القصوى، وكفى له علوا وامتيازا، وسمو واعتزازا، أنه يرى
منازل كانت مهبط جبرئيل، ويعرض وجوها نطق في ثنائهم الكتاب الجميل،
ويوصل إلى مربع محفوف بالتقديس والتهليل، وينظم في عقد منظوم من جواهر
معادن الوحي والتنزيل، ويشد بجبل ممدود يصل إلى الله الجليل.
ولهذا أهتم بشأنه العلماء وأتعبوا أبدانهم، وأسهروا أجفانهم، وتجرعوا
لنيله غصص النوى، وباتوا وفي أحشائهم تتقدنا الجوى، وخاضوا لأجله لجج
الدأماء، وجزعوا المنفق البيداء حتى فازوا بالمراد، وأصبحوا زعماء البلاد،
ومناهج الرشاد، وهداة العباد، ومنهم العالم الثقة الجليل، والكامل البارع
النبيل محرز خصل السبق في مضمار التحقيق، وحائز قصب السبق في سباق
التدقيق، مطلع نيري الفروع والأصول، وملتقى بحري المعقول والمنقول،
السيد النبيه أبو المعالي شهاب الدين بن محمود الحسيني المرعشي النجفي، وفقه الله
لمراضيه، وجعل مستقبله خيرا من ماضيه، فإنه دام علاه، استجازني طلبا
.

(1) عساليج: ما لان من قضبان الشجر
33

للسعادة، وإدراكا لشرف الاتصال بأهل بيت العصمة والسيادة، فأجزت له أن
يروي عني كل ما صحت لي روايته عن مشايخي العظام عن مشائخهم إلى أن ينتهي
الأمر إلى الأئمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، أو إلى أرباب الكتب المؤلفة في
الفنون والعلوم من التفسير والحديث الفقه والأصول والكلام والعربية وغيرها، لا
سيما نهج البلاغة، والصحيفة السجادية، والكتب الأربعة التي عليها المدار (1) في
الأعصار والأمصار، والجوامع الثلاثة المتأخرة التي بلغت في الوضوح حد الشمس
في رابعة النهار (2).
ولي طريقان: الأول أن أروي عن حجة الإسلام وآية الله في الأنام الوالد
الماجد العلام أعني العلامة السيد حامد حسين.. أعطاه الله من الأجر كفلين.
وآخر روايتي عن الأستاذ العلامة، والحبر الفهامة، قدوة المجتهدين، ومنتجع
العلماء الربانيين، أروع الناس، مولانا المفتي السيد محمد عباس، أعلى الله
مقامه، وأجزل في الخلد إكرامه، وكل منهما يروي عن آية الله في العالمين، وحجته
على الجاحدين، سيد العلماء مولانا السيد حسين.. سقى الله ثراه، وجعل
الجنة مثواه، يحسن مشائخ الأعلام، أحلهم الله دار السلام، على ما هو مذكور
في تقريض روائح القرآن في فضائل أمناء الرحمن (3) وأرجو منه دام علاه أن يراعي في
الرواية مسلك الاحتياط، بعد الدراية، وأن لا ينساني في مضان استجابة الدعوات
الصالحات، لا سيما في زاويات الخلوات، وأعقاب الصلوات. والحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
.

(1) الكتب الأربعة هي: الكافي التهذيب. من لا يحضره الفقيه. الاستبصار.
(2) الجوامع الثلاثة: بحار الأنوار. وسائل الشيعة. الوافي.
(3) للسيد المفتي السيد محمد عباس التستري الهندي المتوفى 1306 طبع في الهند مع فهرسته الموسوم - قبة
العجلان - جمع فيه مائة وإحدى وثلاثون آية من القرآن في فضائل أمير المؤمنين - ع - وأولاده الأئمة - ع - وفرغ
من تأليفه 1271، وقيل فيه:
هذا صحيفة محض الدين والعمل
حضت بحب أمير المؤمنين علي
نور لكل ذكي منصف فطن
نار لكل غوي ناصب جدل
الذريعة 11 / 255
34

وكان ذلك في السابع من شهر جمادي الآخرة سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة بعد
الألف - 1352 - من الهجرة النبوية، على صاحبها آلاف السلام والتحية.
كتبه العبد المذنب ناصر حسين الموسوي جعله الله من أصحاب الصراط
السوي.
وفاته. عقبة: قضى السيد ناصر حسين.. عمره في جهاد علمي، ونشاط فكري، ترك
للأجيال ثروة فكرية حية، وتراثا علميا منيعا، جزاه الله عن المسلمين أفضل
الجزاء، وجعل منزلته من الجنان موفر الأجزاء، لقد توفي في الخامس والعشرين
من ذي الحجة 1361، وقيل في اليوم الثاني والعشرين (1) - ودفن في حسينيته
الخاصة الواقعة إلى جنب قبر والده في أكبر آباد، أحد حواظر القطر الهندي، ويليه
مثوى السيد الإمام ضياء الدين القاضي الشهيد نور الله المرعشي المستشهد سنة
1019.
وتبارى الشعراء إلى رثائه والبكاء عليه، وأقيمت المآتم في أكثر الأقطار
.

(1) اختران تابناك: 528
35

المعمورة، وأرخ الشعراء تاريخ وفاته، فمنهم من جاء تاريخه:
ناصر الحفاظ 1361
ومنهم من قال:
قضى نحبه ناصر آل طه 1361 (2)
وخلف ولداه:
أ - السيد محمد نصير ولد 1311، وكان مجتهدا جليلا، ومن أساتذة
الكلام والتفسير والأدب عمل في الحقل السياسي، وبرع فيه وجاهد في استقلال
بلاده لأنه كان يؤمن إيمانا صادقا من أن الحق لا بد منتصر بحكم القانون
الطبيعي، كما تنبت سنابل الربيع ويهب الريح، دخل المجلس النيابي منتخبا من
قبل الطائفة الشيعية الإمامية. إلى أن توفي في - لكهنو - وحمل نعشه إلى العراق
ودفن في كربلاء في الصحن الشريف بمقبرة المجاهد الميرزا محمد تقي الشيرازي،
ومن مؤلفاته: ترجمة وجوب السورة في الصلاة، تأليف والده، إلى الأوردية.
التطهير.
ديوان شعر.
مجمع الآداب (2) ب - السيد محمد سعيد المتوفى 1387.
عالم مجتهد، فاضل، متكلم، محقق مؤلف، درس في النجف الأشرف،
وتخرج على كبار العلماء، ونال الدرجات العالية، وعاد إلى وطنه لكهنو حيث
تولى شؤون الرياسة العلمية والدينية هناك بجدارة كافية، وقابلية تامة مع هيبة في

(1) ريحانة الأدب 6: 98.
(2) معجم رجال الفكر والأدب: 390.
36

قلوب العامة، ومكانة سامية لدى جميع الطبقات، وكان على جانب عظيم من
الأخلاق الكريمة والسجايا الحسنة.
وزار العراق مرات عديدة، وكان موضع الإكبار والتقدير، ومن
مؤلفاته:
الإمام الثاني عشر، ألفه خلال إقامته في النجف الأشرف وطبع في النجف
عام 1355 ويقع في 74 ص (1) آية الولاية.
آية التطهير.
الإيمان الصحيح على ضوء القرآن.
مدينة العلم.
مسانيد الأئمة (ع)
عبقات الأنوار - حديث المناصبة.
عبقات الأنوار حديث خيبر - القسم الثاني (2) توفي بالهند عام 1387 ودفن إلى جنب والده، في صحن مرقد القاضي
الشهيد نور الله المرعشي التستري.
أعقب الخطيب الفاضل السيد علي ناصر.. وكان قد درس في النجف
الأشرف، وبعد اجتيازه بعض المراحل الدراسية عاد إلى وطنه.
المكتبة الناصرية:
المكتبة مشجب الفقيه، والعالم، والباحث، والمحقق، وصومعة

(1) معجم المطبوعات النجفية: 94.
(2) معجم رجال الفكر: 390. الذريعة 2: 514 و 20: 251 مؤلفين كتب جابي فارسي 3: 221. مقدمة
حديث الثقلين من العبقات 1: 20 و 38. المقدمة.
37

الشاعر، والأديب، ولا يمكن لواحد من هؤلاء الحياة بدونها، لأن الكتاب ذريعة
كل فاضل وسلاح كل مجاهد ومتكلم، وقد عرف الإنسان الكتاب منذ القدم،
واتجه وسعى إليه للحصول على معارف ومعلومات شتى، وأدرك أن المعلومات
الإنسانية والمدركات العلمية كلها مستمدة من الأشياء الخارجية التي تحيط
بالانسانية، فكلما زاد احتكاك الإنسان بهذه العوامل الخارجية، وكثر اطلاعه
عليها كلما زاد علمه وكثرت معارفه، ولذلك فأن الرجل الذي عاش بين
الكتب، ويعيش معها ويعود إليها بالبحث والمطالعة يكون أكثر علما وفهما،
وأوسع اطلاعا ومعرفة من رجل لم يزايل المطالعة، ولم يتعد نطر حدود العلم
الذي حصل عليه، في كلية أو جامعة عالمية، لأنه ظل محصورا في دائرتها الضيقة
وما أجتاز محيطها.
إن المسلمين ما تكونت لهم دولة في قرنهم الأول، حتى هب قادة أفكارهم
إلى جمع الكتب على ندارتها يوم ذاك، لأن الدين الإسلامي يعتبر المبدء الفذ الذي
يدعو إلى العلم والحكمة والتحرر من كابوس الجهل، وجعل العلم بمعناه الأعم
الوسيلة الوحيدة للخروج من ظلمات الشرك والإلحاد والجهالة، إلى مهيع العقائد
الحقة، والحياة الإنسانية الراقية.
إن الإسلام جعل العلم محك النظر في التمييز بين الحق والباطل، في كافة
القضايا العقائدية والسياسية والاجتماعية، ولذلك صرخ القرآن ودعا الإنسان في
آيات مبرمة محكمة إلى العلم وأصبح من أقوى العوامل على نشر المعرفة بين
المسلمين، فهبوا هبة رجل واحد يطلبون العلم من مضانه، فجابوا الأقطار
وتعرضوا للأخطار، وقطعوا القارات والبحار، وسكنوا الأمم الأجنبية في
بلادها، ولم يدعوا وسيلة من الوسائل التي توصلهم إلى زيادة معارفهم إلا
تذرعوا بها فجمعوا في القرن الأول من ظهور الإسلام بين علوم القدماء
والمعاصرين لهم من الفرس، والهنود، والرومانيين، واليونانيين، وقاموا بترجمة ما
وقع بأيديهم من التراث الفكري الأجنبي، وتنافس الخلفاء والأمراء في ذلك
السبيل حتى حصلوا عليه ثروة طائلة وكمية كبيرة من المؤلفات التي لم يتسن لغيرهم
38

من الشعوب السالفة.
وتطور نطاق هذا الجهاد الفكري، واتسعت دائرة متطلبات الإنسان
واحتياجه إلى الكتاب، فأنشأت في كل مصر وبلد وناحية المكتبات، وفتحت
أبوابها وتطورت بصورة محسوسة، وبلغت إلى ما تشاهده اليوم والحمد الله وحده
.. من وجود المكتبات، وهذه الظاهرة العلمية إن دلت على شئ فإنما تدل على
تفوق الحضارة الفكرية، وتطور التراث العلمي الإسلامي، وعلى أثر تقدم وإنشاء
خزائن الكتب، اتسع نطاق الإنتاج واتسعت دائرة التأليف والبحث.
ومن هنا نجد قادة هذه الأسرة العلمية الخالدة - أسرة آل عبقات - تبذل
النفس والنفيس دون تشييد مكتبة ضخمة في لكهنو - وقد كانت مساعيهم موفقة
ومثمرة جمعت فيها نوادر المخطوطات ونفائس المطبوعات في مختلف المواضيع وشتى
اللغات، ونواة هذه المكتبة وضعت بجهود المغفور له السيد حامد حسين - صاحب
عبقات الأنوار - وسعى نجله السيد المؤلف في تطويرها وتوسعتها، وجعلها عامة
يفد عليها من كل صوب وحدب، وتقصد من الأقطار والعواصم الإسلامية
الأخرى.
لذلك سميت واشتهرت بالمكتبة الناصرية.. وكانت على عهد المحدث
الميرزا حسين النوري المتوفى عام 1320 تحتوي على ثلاثين ألف كتاب.
مصادر ترجمة المؤلف:
لقد ترجم الكثيرون من الباحثين والمتتبعين للمؤلف الكريم، وأفرغوا عليه
لتحليل، وإليك هذا الثبت الموجز الذي يضم المراجع المترجمة له:
(له أحسن الوديعة السيد محمد مهدي الأصفهاني القاضي.
أختران تابناك الشيخ ذبيح الله المحلاتي ص 528
أعيان الشيعة السيد الأمين العاملي 49 / 107
بهجت الأدب ومهجة الأدب محمد عوض آله آمادي - خ -
39

التجليات السيد محمد عباس 2: 300
تذكرة علماء هند السيد حسين سنبهلي
تذكرة علماء هند رحمن علي حنفي: 232
ثمرات الأسفار إلى الأقطار الشيخ عبد الحسين الأمين 1 - 2 - خ -
الحصون المنيعة الشيخ علي بن محمد رضا كاشف الغطاء - خ -
الذريعة الشيخ آغا بزرك الطهراني 1: 095 و 2: 395
و 7: 286 و 9: 7445 و 19: 22،
و 21: 28 و 23: 225 و 24: 246
و 24: 247.
رتب العرب - شعر - السيد محمد عباس التستري
ريحانة الأدب الشيخ محمد علي المدرس 6: 98.
سبيكة اللجين في مناقب السيد ناصر حسين
تأليف أحد تلاميذه ط الهند
الطليعة في شعراء الشيعة الشيخ محمد السماوي - خ -
عبقات الأنوار - الثقلين - المقدمة 1: 20.
علماء معاصرين ملا علي واعظ خياباني: 34
الفوائد الرضوية الشيخ عباس القمي: 92
فهرست كتابهاي جابي فارسي خانبابا مشار 3: 1491
فهرست كتاب خانة فيضية قم الشيخ مجتبى عراقي 1: 379
مصفى المقال الشيخ آغا بزرك: 164
معجم رجال الفكر والأدب الشيخ محمد هادي الأميني: 390
معجم مطبوعات - قم - الشيخ محمد هادي الأميني - خ -
مؤلفين كتب خانبابا مشار
نجوم السماء ميرزا غلام، رسول لكهنوي
هدية الأحباب الشيخ عباس القمي: 177
40

إفحام الأعداء والخصوم:
بتكذيب ما افتروه على سيدتنا أم كلثوم عليها سلام الملك الحي القيوم.
يعتبر هذا السفر القيم من البحوث الهامة التي تناولها المؤلف.. بالدراسة
والتحقيق والتمحيص والتدقيق، ودرس رجال السند والرواية على ضوء الجرح
والتعديل، والكتاب في الوقت نفسه يعرب عن تقدم مؤلفه في الحديث والرجال،
وعن علمه الجم، وفضله الكثار، وغيرته وحرصه على السنة النبوية، وتهذيب
الحديث عما يعيبه ويشينه ليبقى طيبا صحيحا مدى الحياة بعيدا عن الاختلاق
والدس والتلاعب.
أجل كان المؤلف حريصا على الحديث النبوي، لأن هناك فئات مبثوثة في
الملا كلها لا تأتي مأربهم من زبرج الدنيا إلا بزخرف القول وكذب الحديث،
وتعمية الأميين من الناس وسوقهم إلى معاسف السبل ومعاميها، ولولا تهديد
المولى سبحانه عباده بقوله: ما يلفظ من قول إلا لدية رقيب عتيد (1) ولولا الإنذار
النازل في كتاب الله على كل كذاب أفاك أثيم لما كان يسمع لأحد من هؤلاء
الكذابين الدجالين إن يكذب أكثر مما كذب، أو يأتي بأمر لم يأت به، فكل منهم
أكذب من خرافة ومجيبة (2).
ولعل القارئ يستكثره أو يستعظمه ذاهلا عن أن وضع الحديث والكذب
على النبي الأعظم وعلى الثقات من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان لا ينافي
عند كثير من القوم الزهد والورع واتصاف الرجل بالتقوى، بل هو شعار الصالحين
ويتقربون به إلى المولى سبحانه، ومن هناك قال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيت
الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث (3)، وعنه: ما رأيت الكذب في
أحد أكثر منه في من ينسب إلى الخير والزهد (4)
* (هامش) (1) سورة ق: 50
(2) الغدير 5: 209.
(3) تاريخ بغداد 2: 98.
(4) اللئالي المصنوعة 2: 470.
41

ومهما يكن من أمر فقد تناول المؤلف السيد ناصر حسين، رضي الله عنه
.. هذه الفرية والأسطورة بالتمحيص والنقد من شتى الجوانب العلمية
والأدبية، وتوجد منه عدة نسخ خطية في خزائن الكتب العامة في العراق والهند
وإيران.
ولجلالة الموضوع، ومتانة البحث، ورصانة الدراسة، طلب إلي تفضلا
بعض العلماء والأساتذة والعاملين في حقلي التنقيب والتحقيق، تصحيح الكتاب
وتطبيق ومقابلة نصوصه مع المراجع التي أعتمد عليه المؤلف كتابه هذا متنا ولفظا
. ووضع فهارس فنية وعلمية له إلى جانب ترجمة الرواة والأعلام لأن الطريقة
هذه لا شك تعين القارئ على الوصول إلى النتيجة بسهولة.. وتكرر طلبهم
الكريم، وزادت رغبتهم ثقة منهم بحيث لم أتمكن من التخلص.. رغم
المعاذير الأدبية وتراكم مشاغلي الفكرية، وأخيرا بتوفيق من الله العلي القدير.
وتسديد منه سبحانه وتعالى. انصرفت إلى تحقيق رغباتهم، وتصحيح الكتاب
بالنهج المطلوب، والشكل المقصود.
هذا مع الاعتراف أنني لم أحرز الكمال في إقامة النص، وأن في تحقيقي هذا من
العثرات والتقصير والهفوات ما لا تخفى على القارئ، لأن الكمال لله وحده..
غير أنني بذلت طاقتي وصرفت كفايتي، والذي أعانني في تصحيح الكتاب،
وسهل لي المشاق وقرب لي الطريق أن في الكتاب هذا، كسائر مؤلفات السيد..
حسنة تذكر لمؤلفه الكريم، وذلك أنه على عادة المؤلفين القدماء والباحثين، لا يذكر
حديثا ولا نظرية، ولا قوله ولا جمله إلا عراه وأسنده إلى صاحبه، فكنت
أرجع إلى نصوص الكتاب وأقابلها مع بقية المراجع، وإن كان في هذا كثير من
الأحايين مهمة صعبة، لعدم وفور المراجع والمصادر العربية في مكتبات طهران.
ومهما يكن من أمر، ومع وجود العوائق تمكنت في تطبيق الكثير من نصوص
الكتاب، ووضعت في الهامش مواطن الاقتباس والمراجع التي وقعت لي، كما
رجعت بأبيات الشعر الواردة فيه إلى الكتب الأدبية، وهكذا عملي بالآيات القرآنية
والأحاديث النبوية ففد عدت إلي مضانها في المصحف وكتب الأحاديث، وأنهيته
42

بفهارس شتى ليزداد قيمة ويقرب منالا.
ولا أنسى لطف الأخ الوجيه الأستاذ علي نجل الخطيب المبجل الشيخ موسى
الدبستاني النجفي صاحب مؤسسة مكتبة - نينوى - في طهران -، إذ كان له الفضل
في ظهور الكتاب إلى حيز الوجود والمطالعة، بالشكل الذي تراه، فقد بادر إلى
تلقف الكتاب بأيمان وإخلاص ليدفع به إلى المطبعة، فأسدى بذلك إلى السنة
النبوية برا عاجلا.. وللعقيدة يدا مشكورة.. فله مني ومن المكتبة
العربية، والتراث الإسلامي بالغ الشكر وعظيم الامتنان.
هذا وشكري الجزيل وتقديري المتواصل لإدارة مكتبة آية الله العظمى السيد
النجفي المرعشي - دام الله ظله الوارف.. العامة في قيم سيما العلامة
السيد محمود المرعشي النجفي والأستاذ حيدر الواعظي الحائري، فقد وفروا
لي الكثير من المصادر التي رجعت إليها في تحقيق الكتب، وسمحت لي
بالمطالعة والبحث في أي ساعة من غير شرط وقيد.
وأخيرا وفي الوقت الذي أقدم هذا الجهد.. أرجو أن أكون قد أصبت
من النجح في تحقيق الكتاب ما يرضي الله ورسوله (ص) والله أسأل أن يرزقني
الإخلاص والسداد في القول والفكر والعمل.. وأن يتقبل هذا لوجهه خالصا
.. وأن يوفقنا لما فيه الخير.. وسبحانه الموفق إلى السراط المستقيم..
أبو علي
محمد هادي الأميني
عفى الله عنه وعن والديه
43

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نصر أوليائه، وقهر أعدائه، وأعز أحبائه، وأخزى
خصمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة عبد موقن طيب بها حياته، وبقائه،
وصفا بها إخلاصه، ووفائه، وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد، الذي
أعطاه الله مجده، وبهائه حتى فاق رسله، وأنبيائه وعلى آله الطيبين الطاهرين،
الذين جعلهم الله أمنائه، ونجبائه، وصيرهم أودائه، وأصفيائه.
أما بعد.. فقد سألت أيدك الله الجليل، بلطفه الجميل، أن أبين لك
عوار (1) ما لهج به غواة المتشبثين بالأعاليل، المحتالين بالأضاليل، في أمر زواج
سيدتنا أم كلثوم عليها آلاف السلام، من الحي القيوم، وأفصل لك بعض ما
عندي من الحقائق المذخورة، في معادن العلوم المبطلة، لدعاوي الأعداء
والخصوم، وأنا مجيبك فيما سألت مراعيا للإيجاز والاختصار، معرضا عن الأطناب
الممل، ذوي البصائر والأبصار، ومن الله أستمد في هذا الباب مستميحا لكرمه
وفضله، إنه هو المنعم الوهاب.
ولنقدم قبل الكلام على روايات المخالفين وأخبارهم، في هذا الباب،
وتهالكهم على الافتراء، والبهت والكذب.

(1) العواد: العيب. الخرق والشق في الثوب.
45

مقدمة
فيها بيان بعض الأدلة الدالة على بطلان دعوى وقوع هذا العقد، حتى
يكون الناظر على بصيرة ويقين، وينكشف له جلية الحال في هوان كل خبر
ويستبين.
فنقول: إن من الأدلة الدالة على عدم وقوع هذا العقد قوله تعالى: ولكم
في رسول الله أسوة حسنة (1) وبيان ذلك أن رسول الله (ص) رد أبا بكر،
وعمر، حين خطب كل واحد منها فاطمة الزهراء (ع)، فالواجب على علي (ع)
أن لا يزوج عمر بنته، ويرد من رده رسول الله (ص) اقتفاءا لأثره، واتباعا
لسنته.
أما رد رسول الله (ص) أبا بكر، وعمر، خطبتهما فلا يخفى على المتتبع
الخبير، ولكن نذكر همسنا طرف من عبارات كتب القوم، ففي الطبقات لابن
سعد البصري (2): وأخبرنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا المنذر بن ثعلبة، عن علباء
بن أحمر اليشكري، أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي (ص) فقال: يا أبا بكر
انتظر بها القضاء، فذكر ذلك أبو بكر، لعمر فقال له عمر: ردك يا أبا بكر، ثم
إن أبا بكر قال لعمر: أخطب فاطمة إلى النبي (ص) فخطبها. فقال له مثل ما

(1) سورة الأعراب: 21
(2) أبو عبد الله محمد بن سعد الزهري كاتب الواقدي وصاحب الطبقات المتوفى 230، كان كثير العلم
غزير الحديث والروية. الكنى والألقاب 1: 306. معجم المؤلفين 10: 21 الوافي بالوفيات 3: 88.
شذرات الذهب 2: 69.
46

قال لأبي بكر، انتظر بها القضاء فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره فقال له: ردك يا
عمر ثم إن أهل علي قالوا لعلي اخطب فاطمة إلى رسول الله (ص) فقال: بعد
أبي بكر وعمر فذكروا له قرابته من رسول الله (ص)، فخطبها فزوجه النبي
(ص) فباع علي بعيرا له وبعض متاعه، فبلغ أربعمائة وثمانون، فقال له النبي
(ص) اجعل ثلاثين في الطيب، وثلثا في المتاع (1).
وفي مسند أحمد بن حنبل الشيباني (2) على ما نقل عنه حدثنا عبد الله بن
حنبل، قال: حدثنا أبو عمر محمد بن محمود الأصفهاني قال: حدثنا خشرم قال:
حدثنا الفضل ابن موسى الشيباني عن الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة،
عن أبيه، أن أبا بكر، وعمر خطبا إلى النبي (ص) فاطمة فقال: أنها صغيرة،
فخطبها علي فزوجها منه (2).
وقال ابن الأثير الجزري (4) في أسد الغابة، في ترجمة فاطمة (ع) أخبرنا أبو
أحمد عبد الوهاب بن علي الصوفي أخبرنا أبو الفضل بن ناصر، أخبرنا الخطيب ابن
أبي الصقر الأنباري، أخبرنا أبو البركات أحمد بن عبد الوهاب أحمد بن يحيى الصوفي، أخبرنا
إسماعيل بن أبان، أخبرنا أبو مريم، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي،
قال: خطب أبو بكر وعمر يعني فاطمة إلى رسول الله (ص) فأبى رسول الله
(ص) عليهما، فقال عمر أئت لها يا علي فقلت: ما لي من شئ إلا درعي
أرهنها، فزوجه رسول الله (ص) فاطمة فلما بلغ ذلك فاطمة بكت، قال،
فدخل عليها رسول الله (ص) فقال: ما لك تبكين يا فاطمة فوالله لقد أنكحتك

(1) الطبقات الكبرى 8: 19.
(2) أبو عبد الله أحمد بن محمد حنبل الشيباني المرزوي البغدادي المتوفى 241، وأربع الأئمة الأربعة السنية.
معجم المؤلفين 2: 96.
(3) مسند أحمد 5: 359.
(4) عز الدين علي بن أبي الكرم محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير المتوفى. 63.
البداية 13: 139. الطبقات الشافعية 5: 127 مرآة الجنان 4: 70 هدية هدية العارفين 1: 706.
تذكرة الحفاظ 4: 185.
47

أكثرهم علما وأفضلهم حلما، وأولهم سلما (1)
وقال المحب الطبري (2) في الرياض النضرة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال جاء أبو بكر إلى النبي (ص) فقعد بين يديه فقال يا رسول الله قد
علمت منا صحبتي وقدمي في الإسلام، وأني وأني قال وما ذاك قال: تزوجني
فاطمة فسكت عنه قال: فرجع أبو بكر إلى عمر فقال: هلكت وأهلكت قال:
وما ذاك؟ قال: خطبت فاطمة إلى النبي (ص) فأعرض عني، قال، مكانك
حتى أتى النبي (ص) فأطلب مثل الذي طلبت فأتى عمر النبي (ص) فقعد بين
يديه، فقال: يا رسول الله (ص) قد علمت منا صحبتي وقدمي في الإسلام وإني
وإني.. قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة، فسكت عنه فرجع إلى أبي
بكر فقال: إنه ينتظر أمر الله بها، قم بنا إلى علي حتى نأمره يطلب مثل الذي
طلبنا (3) إلى آخر الحديث.
وقال: بعد سياق الحديث بتمامه، أخرجه حاتم.
وقال المحب الطبري أيضا في الرياض النضرة: وعن بريدة - 24 - رضي الله
عنه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله (ص) إنها صغيرة،
فخطبها علي فزوجها منه، أخرجه أبو حاتم والنسائي (4).
وقال المحب الطبري أيضا، في الرياض النضرة: عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال: خطب أبو بكر إلى النبي (ص) ابنته فاطمة، فقال (ص): يا أبا
بكر لم ينزل القضاء بعد، ثم خطبها عمر مع عدة من قريش كلهم يقول لهم مثل
قوله، لأبي بكر. إلى آخر الحديث، وقال بعد سياق الحديث بتمامه: أخرجه أبو

(1) أسد الغابة 5: 520.
(2) محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري المكي الشافعي المتوفى 649. الشذرات 5: النجوم
الزاهرة 8: 74. تذكرة الحفاظ 4: 255. طبقات الشافعية 5: 8.
(3) الرياض النضرة 2: 183. ذخائر العقبى: 29. فضائل الخمسة 2: 133.
(4) الرياض النضرة: 180.
48

الخير القزويني الحاكمي (1).
وقال المحب الطبري: في ذخائر العقبى، وعن أنس رضي الله عنه قال:
جاء أبو بكر رضي الله عنه، ثم عمر رضي الله عنه، يخطبان فاطمة (ع).
فسكت ولم يرجع إليهما شيئا، فانطلقا إلى علي رضي الله عنه، يأمرانه بذلك، إلى
آخر الحديث، وقال بعد سياق الحديث بتمامه: أخرجه أبو حاتم (2).
وقال المحب الطبري أيضا في ذخائر العقبى: عن أنس بن مالك، قال:
خطب أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي (ص) أبنته فاطمة فقال (ص): يا أبا بكر
لم ينزل القضاء بعد، ثم خطبها عمر مع عدة من قريش كلهم يقول له مثل قوله
لأبي بكر، إلى آخر الحديث (3).
وقال محب الدين الخطيب، في المشكاة: عن بريدة قال: خطب أبو بكر
وعمر فاطمة فقال رسول الله (ص): أنها صغيرة ثم خطبها علي فزوجها منه،
رواه النسائي (4).
وقال نور الدين السمهودي (5) في جواهر النقدين، في الذكر الثامن من القسم
الثاني، عند ذكر حديث تزويج النبي (ص) عليا بفاطمة (ع): وأورده أبو داود
السجستاني، بسنده من طريق قتادة، عن الحسن، عن أنس، قال: أتى أبو
بكر رضي الله عنه، النبي (ص) فجلس بين يديه فقال: يا رسول الله (ص) قد
علمت نصيحتي وقدومي في الإسلام وأني وأني.. قال: وما ذاك قال: تزوجني
عمر فقال: هلكت وأهلكت قال: وما ذاك؟ قال: خطبت
فاطمة إلى النبي (ص) فأعرض عني قال: فانتظر حتى آتيه، فأسأل مثل ما
* (هامش) (1) الرياض النضرة 2:
(2) ذخائر العقبى: 29.
(3) ذخائر العقبى: 30
(4) كفاية الطالب: 298.
(5) نور الدين علي بن عبد الله بن أحمد الحسيني الشافعي القاهري نزيل المدينة والمتوفى 911. كان محمد المدينة
ومؤرخها. الضوء اللامع 5: 245. البدر الطالع 1: 470. هدية العارفين 1: 470 كشف الظنون:
194 210، 614، 758، 1046، 1119، 1151، 1896، 2016، 2017.
49

سألت، فأتى عمر رضي الله عنه النبي (ص) فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله
(ص) قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وأني وأني، قال: وما ذاك؟
قال: تزوجني فاطمة فسكت عنه، فرجع إلى أبي بكر فقال: أنه ينتظر أمر الله
بها، قم بنا إلى علي حتى نأمره يطلب مثل الذي طلبنا، قال علي (ع):
فأتياني وأنا أعالج فسيلا (1) لي، فقالا: إنا جئناك من عند ابن عمك بخطبة، قال
علي (ع): فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي حتى أتيت النبي (ص) فقعدت بين
يديه فقلت: يا رسول الله (ص) قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وأني
وأني.. قال: وما ذاك؟ قلت: تزوجني فاطمة، قال: وما عندك؟ قلت:.
فرسي وبزتي (2) قال: أما فرسك فلا بد لك منها، وأما بزتك فبعها، قال فبعتها
بأربعمائة وثمانين، قال: فجئت بها حتى وضعتها في حجر رسول الله (ص)
فقبض منها قبضة فقال: أي بلال أبغنا بها طيبا وأمرهم أن يجهزوها، فحمل لها
سريرا مشرطا بالشرائط، ووسادة من أدم حشوها ليف، وقال لعلي (ع) إذا أتتك
فلا تحدث شيئا حتى آتيك، فجاءت مع أم اليمن حتى قعدت في جانب البيت وأنا
في جانب، وجاء رسول الله (ص) فقال: هاهنا أخي؟ قالت أم اليمن أخوك
وقد زوجته أبنتك؟ قال: نعم: ودخل رسول الله (ص) البيت فقال لفاطمة:
أئتني بماء فقامت إلى قعب في البيت فأتت به بماء فأخذه النبي (ص) مج فيه ثم
قال: تقدمي فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال: اللهم إني أعيذها بك
وذريتها من الشيطان الرجيم، ثم قال لها: أدبري فأدبرت فصب بين كتفيها
وقال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، ثم قال رسول الله
(ص) ائتوني بماء، قال علي: فعلمت الذي يريد فقمت فملأت القعب ماء
وأتيته به فأخذه ومج فيه، ثم قال لي: تقدم فصب على رأسي وبين ثديي وقال:
اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم، ثم قال: أدبر فأدبرت فصب
بين كتفي، وقال: اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ثم قال
* (هامش) (1) الفسيل: النخل الصغير وكل عود يطع من شجرته.
(2) وفي رواية: ما عندي إلا درعي الحطيمة.
50

لعلي: أدخل بأهلك بسم الله والبركة (1).
وقال ابن حجر أيضا (2) في الصواعق، في هذا الباب تحت ذكر الآية الثانية
عشر، وأخرج أبو داود السجستاني، إن أبا بكر خطبها فأعرض عنه (ص) ثم
عمر فأعرض عنه فأتيا عليا فنبهاه إلى خطابتها فجاء فخطبها فقال (ص): ما
معك؟ فقال: فرسي وبدني، قال: أما فرسك فلا بد لك منه، وأما بدنك فبعها
وائتني بها فباعها بأربعمائة وثمانين ثم وضعها في حجره فقبض منها قبضة وأمر بلالا
أن يشتري بها طيبا ثم أمرهم أن يجهزوها، فعمل لها سرير مشروط ووسادة من أدم
حشوها ليف، وملأ البيت كثيبا يعني رملا، وأمر أم اليمن أن تنطلق إلى أبنته،
وقال لعلي: لا تعجل حتى آتيك، ثم أتاهم (ص) فقال لأم أيمن: ههنا أخي؟
قالت: أخوك: وتزوجه ابنتك؟ قال: نعم، فدخل على فاطمة ودعا بها فأتته بقدح
فيه ماء فمج فيه ثم نضح على رأسها وبين ثدييها وقال:: اللهم إني أعيذها بك
وذريتها من الشيطان الرجيم، ثم قال لعلي: أئتني بماء فعلمت ما يريد فملأت
القعب فأتيته به فنضح منه علي رأسي وبين كتفي وقال: اللهم أعيذه بك وذريته من
الشيطان الرجيم، ثم قال: أدخل بأهلك على أسم الله تعالى وبركته (3)
وأخرج أحمد وأبو حاتم نحوه.
وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي (4) في أشعة اللمعات: وعن بريدة،
روايت است از بريدة أسلمي قال، كفت: خطب أبو بكر وعمر فاطمة رضي الله
عنهم، خطبة كردند، وخواستكاري نموند أبو بكر وعمر فاطمة را، فقال

(1) الرياض النضرة 2: 181.
(2) ذخائر العقبى: 29.
(3) ذخائر العقبى: 30.
(4) كفاية الطالب: 298.
51

رسول الله (ص): أنها صغيرة، بس إن حضرة عذر آورده وكفت: وي
صغير است، فخطبها علي فزوجها منه بس خواستكاري اورا علي نمود يس نكاح
كرد أو را به علي رضي الله عنه، رواه النسائي (5).
وقال علي القارئ (6) في المرقاة: وعن بريدة قال: خطب أبو بكر وعمر
فاطمة فقال رسول الله (ص) إنها صغيرة،. في رواية، فسكت ولعلها محمولة
على مرة أخرى، ثم خطبها علي فزوجها منه (7).
وقال علي القارئ في المرقاة أيضا: وأخرج أبو الخير القزويني عن أنس بن
مالك، قال: خطب أبو بكر النبي (ص) أبنته فاطمة فقال (ص) يا أبا بكر
لم ينزل القضاء، ثم خطبها عمر مع عدة من قريش كلهم يقول له مثل قوله لأبي
بكر - الخ - (8).

(1) أشعة اللمعات 4: 670 ط الهند 1220.
(2) نور الدين علي بن سلطان محمد الهزوي القاري الحنفي المتوفى 1014 عالم مشارك في أنواع من العلوم.
خلاصة الأثر 3: 185. البدر الطالع 1: 445. معجم المؤلفين 7: 100.
(3) مرقاة المفاتيح 5: 574.
(4) نفس المصدر.
52

فصل
ومما يدل على كذب دعوى هذا العقد الموهوم، إن عمر بن الحطاب كان
ساقط النسب وسافل الحسب جدا، حتى إن ذكر نسبه المدخول وحسبه المرذول مما
تمجه الطباع وتنفر عنه الأسماع، فكيف يتوهم أحد من ذوي الألباب والعقول إن
سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (ع) يزوجه أبنته الطاهرة، وهي بنت الطاهرة البتول
سلام الله عليها وعلى ذريتها الطيبين المطهرين بالفروع والأصول.
أما بيان نسب عمر ورذالته فسقوطه وذكر حسبه ونزوله عن درجة الشرف
وهبوطه غير محتاج إليه لظهوره على كل صغير وكبير، لكن نذكرها هنا اضطرارا
بعض ما ذكره المخالفون، وأثبته المؤلفون ليعتبر به المناظر اللبيب اعتبارا.
فأعلم أولا أنه قد ذكر السهيلي (1) في كتابه الروض الأنف (2): إن جدة عمر
الحيداء بنت خالد الفحمية زوجة جده نفيل قد نكحها عمرو بن نفيل فولدت له
زيد، وزيد هو هذا والد سعيد الذي هو عند السنية من العشرة المبشرة، وهذا
نكاح قال الله تعالى فيه: إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا (3) ولقد استوعب الكلام

(1) أبو القاسم عبد الرحمن بن الخطيب أبي محمد عبد الله بن أحمد السهلي الأندلسي المالقي النحوي المتوفى 581.
للمحدث المفسر اللغوي. أنباه الرواة (2): 162. بغية الوعاة: 298. مرآة الجنان 2: 422. ومنات
الحنات 5: 44. وفيات الأعيان 3: 143
(2) المعارف: 78.
(3) سورة النساء: 22
53

في هذا المقام، مصنف كتاب - استقصاء الإفحام (1) أحلة دار السلام في المجلد
الثالث منه.
وقال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكاتب الدنيوري في كتابه
المسمى - بالمعارف - تحت ترجمة تسمية من خلف على امرأة أبيه بعده وهذا لفظه.
امرأة من فهم: كانت تحت نفيل بن عبد العزي جد عمر بن الخطاب رضي
الله تعالى عنه فتزوجها عمرو بن نفيل بعد أبيه فولدت له زيدا فأمه أم الخطاب،
وزيد هذا هو أبو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل (2).
وقال ابن قتيبة الدينوري أيضا: في كتابه - المعارف - تحت ترجمة عمر بن
الخطاب، وكان الخطاب بن نفيل من رجال قريش وأمه امرأة من فهم وكانت تحت
نفيل فتزوجها عمرو بن نفيل بعد أبيه فولدت له زيدا وأمه أم الخطاب وزيد هو أبو
سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل أحد العشرة المبشرة الذين بشرهم رسول الله (ص)
بالجنة فولد الخطاب، زيد ابن الخطاب وعمر بن الخطاب (3).
وقال ابن قتبة الدينوري، في كتابه - المعارف - أيضا تحت ترجمة سعيد بن
زيد: هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن قرط بن رياح بن عبد
الله بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن
كنانة، وعمر بن الخطاب ابن عم أبيه، وكان نفيل ولد عمرو بن نفيل والخطاب
بن نفيل، وأم الخطاب امرأة من فهم فتزوج عمرو بن نفيل امرأة أبيه بعد أبيه فولد

(1) استقصاء الإفحام واستيفاء الانتقام في رد منتهى الكلام للسيد مير حامد حسين الكهنوي في عشر مجلدات وقد
طبع بعض أجزائه في مطبعة مجمع البحرين في ثلاث مجلدات سنة 1315، واستقصى المؤلف فيه البحث في
المسألة المشهورة بتحريف الكتاب، وفي أثبات وجود الحجة المهدي - ع - وشرح فيه أحوال كثير من علماء أهل
السنة، وتكلم في كثير من رجاله، وفي بعض الأصول الدينية والفروع العلمية المختلفة فيها أقوال الفريقين
وأثبت ما هو الحق منها في جميع ذلك. الذريعة 2: 31.
(2) المعارف: 51.
(3) المعارف: 77.
54

عمرو زيد بن عمرو وأمه أم الخطاب (1).
وقال ابن كثير الدمشقي (2) في تاريخه: ذكر زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله
عنه.. هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قريط
بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي، وكان الخطاب والد عمر بن
الخطاب عمه وأخاه لأمه، وذلك لأن عمرو بن نفيل كان قد خلف على امرأة أبيه
بعد أبيه، وكان لها من نفيل أخوه الخطاب قاله الزبير بن بكار، ومحمد بن
إسحاق (3) انتهى.
لقد ذكر علامة علم النسب هشام بن محمد الكلبي (3) في كتاب المثالب،
على ما نقل عنه في عداد من الولد من سفاح نقلا عن أبيه قال: كان صهاك أمة
حبشية لهاشم بن عبد مناف فوقع عليها فقتله بن هاشم، ثم وقع عليها عبد العزى
بن رياح، فجاءت بنفيل جد عمر بن الخطاب. انتهى.
وقال ابن أبي الحديد (4) في شرح نهج البلاغة، في شرح قول علي (ع) في وصف
الرسول (ص): لم يسهم فيه عاهر، ولا ضرب فيه فاجر، في الكلام رمز إلى
جماعة من الصحابة في أنسابهم طعن، إلى أن قال نقلا عن كتاب مفاخرات
قريش، قال أبو عثمان: بلغ عمر بن الخطاب أن أناسا من رواة الأشعار وحملة
الآثار يعيبون الناس ويسلبونهم في أسلافهم فقام على المنبر وقال: إياكم وذكر

(1) المعارف: 107.
2 عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري الفقيه الشافعي المتوفي 774. الدرر الكامنة 1:
373. الدارسي 1: 36. البدر الطالع 1: 153. مفتاح السعادة 1: 204. الشذرات 6: 231.
(3) البداية والنهاية 7: 133.
(4) أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب بن بشير الكلبي المتوفى 204 / 206 كان عالما بأخبار العرب وأيامها
ومثالها ووقائعها. وفيات الأعيان 6: 82. معجم الأدباء 19: 287. رجال النجاشي: 305. مصفى
المقال 493. لسان الميزان 6: 196.
(5) عز الدين عبد الحميد بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد المدائني المعتزلي المتوفى 355. الأديب
المؤرخ الحكيم الشاعر فوات الوفيات 1: 248. البداية 13: 199. السلوك 1: 407. كشف الظنون:
799، 977، 1273 الغدير 4: 187.
55

العيوب والبحث عن الأصول، فلو قلت: لا يخرج اليوم من هذه الأبواب إلا من
لا وصمة فيه لم يخرج منكم أحد، فقام رجل من قريش نكره أن نذكره فقال: إذا
كنت أنا وأنت يا أمير المؤمنين نخرج فقال: كذبت بل كان يقال لك يا قين بن قين
أقعد. قلت: الرجل الذي قام هو المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي
كان عمر يبغضه ببغضه أباه خالدا، ولأن المهاجر كان علوي الرأي جدا، وكان
أخوه عبد الرحمان بخلافه، شهد المهاجر صفين مع علي (ع) وشهدها عبد الرحمان
مع معاوية، وكان المهاجر مع علي (ع) في يوم الجمل وفقأت ذلك اليوم عينه ولأن
الكلام الذي بلغ عمر بلغه عن المهاجر، وكان الوليد بن المغيرة مع جلالته في
قريش وكونه يسمى ريحانة قريش، ويسمى العدل، ويسمى الوحيد حدادا يصنع
الدروع وغيرها بيده، ذكر ذلك عنه عبد الله بن قتيبة في كتاب المعارف.
وروى أبو الحسن المدائني هذا الخبر في كتاب - أمهات الخلفاء - وقال: إنه
روى عند جعفر بن محمد عليه السلام بالمدينة فقال: لا تلمه يا ابن أخي أنه أشفق
أن يخدج بقضية نفيل بن عبد العزى، وصهاك أمة الزبير بن عبد المطلب، ثم
قال: رحم الله عمر فإنه لم يعد السنة وتلا: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في
الذين آمنوا لهم عذاب أليم (2).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام (3) في كتاب الشهاب على ما نقل عنه في تسمية
من قطع من قريش في الجاهلية في السرق ما هذا لفظه: والخطاب بن نفيل بن عبد
العزى ابن رياح بن قرط بن عبد الله بن رياح بن عدي بن كعب أبو عمر بن
الخطاب، قطعت يده في سرق قدر وشئ ذكره ومحاه ولاية عمر ورضى الناس عنه
انتهى.

(2) ابن أبي الحديد 3: 24.
(3) أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى 222 / 223 / 224 المحدث الفقيه الحافظ المقري. له تصانيف معجم الأدباء
19: 254. تاريخ بغداد 12: 403. طبقات القراء 2: 17 الشذرات 2: 54. تذكرة الحفاظ 2: 5.
56

وقال مجد الدين الفيروزآبادي (4) في القاموس: المبرطش، الدلال أو
الساعي بين البائع والمشتري وكان عمر رضي الله عنه في الجاهلية مبرطشا (5).
وقال الزبيدي (6) في تاج العروس في شرح القاموس: المبرطش، أهمله
الجوهري والصاغات وصاحب اللسان، وهو الدلال أو الساعي بين البائع
والمشتري، وفي الحديث كان عمر رضي الله تعالى عنه في الجاهلية مبرطشا، أي
كان يكتري للناس الإبل والحمير ويأخذ عليه جعلا (7) إنتهى.
ومما يدل على مهانة نسب عمرو ودنائة أصل أمه ما جرى بين خالد بن الوليد
وبين عمر في قصة قتل خالد، مالك بن نويرة، وهذه قصة طريفة تبدي عورات
الأصحاب المبجلين بين السنة حيث أن المقام لا يسع ذكرها برمتها فلنقتصر على ذكر
بعض ما يتعلق بها.
قال الطبري (1) في تاريخه عند قصة قتل خالد، مالك بن نويرة وأصحابه،
فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال: عدو الله عدا
على امرئ مسلم فقتله ثم نزى على امرأته وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتى دخل
المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما،
فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ثم قال:
اربأ، قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك، ولا
يكلمه خالد بن الوليد، ولا يظن إلا أن رأى أبي بكر على مثل رأي عمر فيه حتى
دخل علي فلما دخل عليه أخبره الخبر وأعتذر إليه فعذره أبو بكر وتجاوز عنه وعن

(4) قاضي القضاة أبو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الصديقي الشافعي الشيرازي المتوفى 819 / 817.
روضات الجنان 8: 101 مفتاح السعادة 1: 103. المؤلفين 12: 118.
(5) القاموس.
(6) أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد الله الأشبيلي القرطبي المتوفى 379 كان أوحد عمره في علم النحو وحفظ اللغة،
وأخبر أهل زمانه بالأعراب والمعاني والنوادر له كتب. بغية الوعاة 34 معجم الأدباء 18: 179. هدية العارفين
2: 51. وفيات الأعين 4: 372.
(7) تاج العروس 4: 281
57

ما كان في حربه تلك.
قال: فخرج خالدا حين رضي عنه أبو بكر وعمر جالس في المسجد فقال:
هلم ألي يا ابن أم شملة قال: فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه ودخل
بيته، انتهى (2).
فقال أبو المظفر يوسف بن قزا وغلي المعروف بسبط ابن الجوزي (3) في كتابه
المسمى - مرآة الزمان في تاريخ الأعيان -، في قصة قتل خالد، مالك بن نويرة: ولما
بلغ عمر بن الخطاب خبر خالد وقتله مالكا وأخذه لامرأته قال: أي عباد الله قتل
عدو الله امرءا مسلما ثم وثب على امرأته والله لنرجمنه بالحجارة، فلما قدم خالد
المدينة ودخل المسجد وعليه ثياب عليها سدء الحديد، معتجرا بعمامة قد غرز
فيها ثلاثة أسهم فيها أثر الدم، فوثب إليه عمر فأخذ السهم من رأسه فحطمها
وقال: يا عدو الله عدوت على امرئ مسلم فقتلته ثم نزوت على امرأته، والله
لنرجمنك بأحجارك وخالد لا يرجع عليه بلا ولا نعم، وهو يظن أن رأي أبي بكر
فيه كرأي عمر فدخل خالد على أبي بكر وعمر في المسجد فذكر لأبي بكر عذره
ببعض الذي ذكر له فتجاوز عنه، ورأى، أنها الحرب وفيها فرضي عنه فخرج
خالد من عنده وعمر في المسجد فقال له خالد: هلم يا ابن حنتمة إلي يريد أن
يشاتمه، فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فقام فدخل بيته (4) انتهى.
ولا يخفى على المتتبع بأخبار الصحابة إن خالدا لم يكتف على ذكر أم عمر
وتوهينه مرة واحدة بل ذكر أمه مرارا عديدة، بل كان دأبه الاستخفاف به وإطراح
جانبه، وما كان يسميه إلا باسم أمه وبالأعيسر.

(1) أبو جعفر محمد بن يزيد الطبري المتوفى 310 المحدث الفقيه المؤرخ علامة وقته ووحيد زمانه طبقات القراء 2:
106 طبقات المفربي: 30. تنقيح المقال 2: 90. الفوائد الرهنوية: 446. وحنات الحباث 7: 292
معجم الأدباء 14: 94. المنتظم 6: 170
2 تاريخ الطبري 3: 243. الغدير 7: 158.
(3) أبو المضفلأ يوسف بن قزا وغلي البغدادي المتوفى 954654 عالم فاضل مؤرخ كامل معجم المؤلفين 13
(4) مرآة الزمان
58

قال الطبري أيضا في تاريخه: في ذكر فتح العراق، فكتب أبو بكر إلى خالد
وهو بالحيرة أن يمد أهل الشام بمن معه من أهل القوة ويخرج فيهم، ويستخلف على
ضعفة الناس رجلا منهم فلما أتى خالد كتاب أبي بكر بذلك قال: هكذا عمل
الأعيسر ابن أم شملة، يعني عمر بن الخطاب، حسدني أن يكون فتح العراق على
يدي فسار خالد بأهل القوة من الناس ورد الضعفاء والنساء إلى المدينة، مدينة
رسول الله (ص) وأمر عليهم عمير بن سعد الأنصاري (1).
وقال الطبري في تاريخه في حوادث سنة ثلاث عشر من الهجرة في خبر
اليرموك: كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان البناني عن أبيه
قال: قال عكرمة بن أبي جميل يوم إذ قاتلت رسول الله (ص) في كل موطن،
وأفر منكم اليوم، ثم نادى من يبايع على الموت فبايعه الحارث بن هشام، وضرار
بن الأزود في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد
حتى أثبتوا جراحا وقتلوا إلا من برأ منهم ضرار بن الأزود، وقال وأتى خالد بعدما
أصبحوا بعكرمة جريحا، فوضع رأسه على فخذه وبعمرو بن عكرمة فوضع رأسه
على ساقه وجعل يمسح عن وجوههما ويقطر في حلوقهما الماء ويقول: كلا زعم ابن
الحنتمة لا نستشهد (2).
وقال سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان: لم يزل عمر ساخطا على خالد مدة
خلافته أبي بكر لكلام كان يبلغه عنه من الاستخفاف به، واطراح جانبه، وما كان
يسميه إلا باسم أمه وبالأعيسر، وكان أكبر ذنوبه - خالد - عنده قتل مالك بن نويرة
بعد إسلامه وأخذه لامرأته، ودخوله المسجد وعلى رأسه السهام فيها دم، وكان
يحث أبا بكر على عزله، ويحرضه على قتله بسبب قتله لمالك، وكان أبو بكر
يتوقف فلما مات أبو بكر، وولي عمر قال: والله لا يلي لي خالد عملا أبدا.

(1) تاريخ الطبري 4: 44.
(2) تاريخ الطبري 4: 36
59

وقال ابن سيرين (1) قال عمر بن الخطاب: والله لأعزلن خالدا عن الشام،
ومثنى بن سنان عن العراق حتى علما أن الله ينصر هذا الدين، ولسنا ناصريه.
قال سيف: فكتب عمر إلى أبي عبيدة:
سلام عليك أما بعد.. فإني عزلت خالدا عن جند الشام ووليتك أمرهم
فقم به والسلام.
فوصل الكتاب إلى أبي عبيدة فكتم الحال حياء من خالد، وخوفا من
اضطراب الأمور ولم يوقفه على الكتاب حتى فتحت دمشق، وكان خالد على
عادته في الأمرة، وأبو عبيده يصلي خلفه (2) انتهى.
وقال سبط ابن الجوزي أيضا في مرآة الزمان، في وقائع السنة الثالثة عشرة:
وكتب عمر إلى أبي عبيدة:
أما بعد.. فإن أكذب خالد نفسه فهو أبين على من معه، وإن لم يكذب
نفسه فأنت الأمير على ما هو عليه، ثم أنزع عمامته عن رأسه وقاسمه ما له
نصفين.
وبلغ خالدا فقال: فعلها الأعيسر، ابن حنتمة لا يزال كذا، ودخل على
أخته فاطمة بنت الوليد وكانت عند الحرث بن هشام فقال: ما ترين في كذا وكذا
فقالت: والله لا يحبك عمر أبدا، وما يريد إلا أن تكذب نفسك، فيعزلك،
فقبل رأسها، وأرسل إلى أبي عبيدة وقال: لا أكذب نفسي أبدا، فقال:
فقاسمني ما لي، فقاسمه حتى أخذ بغلا وأعطاه بغلا، فتكلم الناس في عمر
وقالوا: هذه والله العداوة.
ولم يعجب الصحابة ما فعل بخالد، وقد روي إن خالدا أمتنع من ذلك

(1) أبو بكر محمد بن سيرين البصري المتوفى 110. تهذيب الأسماء واللغات 1: 83. تاريخ الإسلام 4:
192. الأعلام 7: 25. ومنات الجنات 7: 249.
(2) مرآة الزمان
60

فقام إليه بلال ابن حمامة المؤذن ليعقله بعمامته فقال له: أيها ما تريد؟ ونال منه، ثم
قال لبلال: إفعل ما تريد، فيقال أنه عقله بعمامته، إنتهى (1).
ومما يدل على خساسة نسب عمر وسوء حال أمه تعبير عمرو بن العاص عن
عمر بقوله ابن حنتمة.
قال ابن الأثير الجزري، في النهاية، في لغة - بعج -: ومنه حديث عمرو
بن العاص في صفة عمر إن ابن حنتمة بعجت له الدنيا معاها، أي كشفت لها
كنوزها بالغنى والغنائم، وحنتمة أمه (2).
وقال أيضا في لغة - حنتم - ومنه حديث ابن العاص، إن ابن حنتمة بعجت
له الدنيا معاها، حنتمة أم عمر بن الخطاب وهي بنت هشام بن المغيرة، ابنة عم
أبي جهل (3).
وقال ابن منضور الأفريقي (4) في لسان العرب، في لغة - بعج -: وفي حديث
عمرو ووصف عمر رضي الله عنه، فقال: إن ابن حنتمة بعجت له الدنيا
معاها، هذا مثل ضربه أراد أنها كشفت له عما كان فيها من الكنوز والأموال
والغنى، وحنتمة أمه (5).
وقال أيضا في لسان العرب: في لغة حنتمة، وفي حديث ابن العاص، إن
ابن حنتمة بعجت له الدنيا معاها، حنتمة أم عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
وهي بنت هشام بن المغيرة (6).

(1) مرآة الزمان
(2) النهاية 1: 139
(3) النهاية 1: 448.
(4) أبو الفضل محرم بن مكرم بن علي الأنصاري الأفريقي المصري المتوفى 711. الدور الكامنة 4: 262. حسن
المحاضرة 1: 219. روضاة الجنات 8. 86. مصفى المقال: 425. الأعلام 7: 329 - الشذرات
6: 26.
(5) لسان العرب 2: 214.
(6) لسان العرب 12: 162.
61

وقال محمد مرتضى الزبيدي، في تاج العروس، في لغة - بعج - وفي حديث
عمرو وصف عمر رضي الله عنه فقال: إن ابن حنتمة بعجب له الدنيا معاها،
هذا مثل ضربه أراد إنها كشفت له عما كان فيها من الكنوز والأموال والغنى،
وحنتمة أمه (1).
وقال أيضا في تاج العروس: في لغة حنتم في ذكر حنتمة وهي أم أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ومنه حديث عمرو بن العاص، أن ابن
حنتمة بعجت له الدنيا معاها (2) ولقد جرت بين عمر بن الخطاب، وبين عمرو بن
العاص منازعة عجيبة ظهرت فيها دنائة حسب عمر وأبيه بنحو عجيب، وها نحن
ننقل خبر هذه المنازعة برمته ليظهر منها هبوط درجة أمثال هؤلاء الأصحاب عن
الأدب الشرعي والتهذيب الخلقي، وارتكابهم ما لا يجوز عقلا ولا شرعا.
قال شهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي القرطبي
المالكي (3) في كتابه العقد الفريد: وكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص،
وكان عامله على مصر،
من عبد الله بن الخطاب إلى عمرو بن العاص:
سلام عليك، فإنه بلغني أنه فشت لك فاشية من خيل، وإبل، وغنم،
وبقر، وعبيد وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك، فأكتب إلي من أين أصل هذا
المال ولا تكتمه (4).
فكتب إليه عمرو بن العاص: لعبد الله عمر أمير المؤمنين: سلام عليك، والله إني لا أعرف الخطاب يحمل

(1) تاج العروس 2: 9.
(2) تاج العروس 8: 264.
(3) أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن حدير بن سالم القرطبي المالكي المرواني المتوفي 328. معجم
الأدباء 4: 211، جذوة المقتبس: 94. نفح الطيب 4: 217. مرآة الجنان 2: 295. أبو الفداء 2:
92.
(4) العقد الفريد (1): 16. صبح الأعشى 6: 386. جمهرة رسائل العرب 1: 201
62

فوق رأسه حزمة من الحطب، وعلى أذنه مثلها، وما منهما إلا في عزة لا تبلغ من
سعيه، والله ما كان العاص بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزورا بالذهب.
قال له محمد: اسكت، والله عمر خير منك، وأما أبوك وأبوه ففي النار،
والله لولا الزمان الذي سبقه فيه لا ألفيت معقل شاة يسرك غزوها، ويسرك
بكاؤها، فقال عمرو: هي عندك بأمانة الله فلم يخبر بها عمر (1).
وهذه المنازعة العجيبة، والمشاجرة الغريبة قد ذكرها ابن أبي الحديد
المدائني، في شرح نهج البلاغة أيضا وتلك ألفاظه.
وكتب عمر إلى عمرو بن العاص وهو عامل في مصر:
أما بعد: فقد بلغني إنه قد ظهر لك مال من إبل وغنم وخدم وغلمان، ولم
يكن لك قبله مال، ولا ذلك من رزقك، فأنى لك هذا، ولقد كان لي من
السابقين الأولين من هو خير منك، ولكني استعملتك لغنائك، فإذا كان عملك
لك وعلينا فبما نؤثرك على أنفسنا؟ فاكتب إلي من أين مالك، وعجل
والسلام (2).
فكتب إليه عمرو بن العاص:
قرأت كتاب أمير المؤمنين ولقد صدق، فأما ما ذكره من مالي فإني قدمت بلدة
الأسعار فيها رخيصة، والغزو فيها كثير، فجعلت فضول ما حصل لي من ذلك فيما
ذكره أمير المؤمنين، والله يا أمير المؤمنين لو كانت خيانتك لنا حلالا ما خناك
ائتمنتنا، فاقصر عنا عناك، فإن لنا أحسابا إذا رجعنا إليها أعنتنا عن العمل لك،
وأما من كان لك من السابقين الأولين فهلا استعملتهم، فوالله ما دققت لك
بابا -.

(1) ابن أبي الحديد (1) 57.
(2) جمهرة رسائل العرب (1): 204.
63

فكتب إليه عمر:
أما بعد: فأني لست من تسطيرك وتشقيقك الكلام في شئ، إنكم معشر
الأمراء، أكلتم الأموال، وأخلدتم إلى الأعذار، فإنما تأكلون النار، وتورثون
العار، وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة ليشاطرك ما في يديك، والسلام (1).
فلما قدم إليه محمد أتخذ له طعاما وقدمه إليه فأبى أن يأكل فقال: ما لك
لا تأكل طعامنا؟ قال: إنك نزلت لي طعاما هو تقدمة للشر، ولو كنت عملت لي
طعام الضيف لأكلته فأبعد عني طعامك وأحضر لي مالك، فلما كان الغد وأحضر
ماله جعل محمد يأخذ شطرا ويعطي عمرو أشطرا، فلما رأى عمرو ما حاز محمد من
المال قال: يا محمد أقول، قال: قل ما تشاء، قال لعن الله يوما كنت فيه واليا
لابن خطاب، والله لقد رأيته ورأيت أباه وإن على كل واحد منهما عباءة قطوانية
مؤتزرا بها ما تبلغ ما بغى ركبته وعلى عنق كل واحد منهما حزمة من حطب، وأن
العاص بن وائل لغة مزررات الديباج، فقال محمد: إيها يا عمر، فعمر والله
خير منك، وأما أبوك وأبوه ففي النار، ووالله لولا ما دخلت فيه من الإسلام
لألغيت معتلف شاة يسرك غزوها ويسوءك بكوها قال: صدقت فاكتم علي قال:
أفعل (2).
ومن الدلائل على كون عمر بن الخطاب ولد الزناء، ومحمولا في الحيض،
وكون أم عمر أمة زانية حملت به في بقية أيام حيضها ما قاله عمرو بن العاص في حق
نفسه تعريضا لعمر.
قال الزمخشري (3) في كتابه المسمى - بالفائق - ما لفظه: عمر، وقال لعمر

(1) ابن أبي الحديد 3: 104. جهرة رسائل العرب 1: 204.
(2) المصدر السابق.
(3) أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي المعتزلي المتوفى 538 الحافظ المضر المحديث الشاعر. معجم
المؤلفين 12: 186. روضات الجنات 8: 118. ماضي النجف وحاضرها 1: 101. جولة في دور
الكتب: 73. معجم الأدباء 19: 126.
64

رضي الله عنه: إني والله ما تأبطتني الإماء، ولا حملتني البغايا في غبرات المآلي،
أي لم يحضنني البغايا جمع بغي، فعول بمعنى فاعلة من البغاء - الغبرات - جمع غبر
جمع غابر، فهو البقية - المآلي - جمع مئلات، وهي خرقة الحائض هاهنا، وخرقة
النائحة في قوله: وأنواحا عليهن المآلي.. ويقال: ألت المرأة إيلاء، إذ اتخذت
مئلات، ويقولون: المتألية، المتآلية نفى عن نفسه الجمع بين سبتين أحداهما
أن يكون لغية، والثانية أن يكون محمولا في بقية حيضه.
وأضاف الغبرات إلى المآلي لملابستها لها (1).
وقال ابن الأثير الجزري في النهاية: في لغة أبط، ما لفظه، ومنه حديث
عمرو بن العاص إنه قال لعمر: إني والله ما تأبطتني الإماء، أي لم يحضنني
ويتولين تربيتي (2).
وقال ابن الأثير في النهاية في لغة غبر وهذا لفظه: ومنه حديث عمرو بن
العاص، ولا حملتني البغايا في غبرات المآلي، أراد أنه لم يتول الإماء تربيته، والمآلي
فرق الحيض، أي في بقاياها (3) إنتهى.
وهذه الذي ذكره ابن الأثير في معنى كلام ابن العاص لا يخلو عن تفريط
وتضجيع، وتقصير وتقليل، والذي ذكره الزمخشري في بيان معنى كلام ابن
العاص هو الصدق الصريح البين الذي لا يلط بالتسويف.
ولقد أعترف ابن الأثير بالحق الصريح في معنى كلام ابن العاص في كتابه
هذا، أعني نهاية في لغة مأل كما قال مال في حديث، عمرو بن العاص، أني
والله ما تأبطتني الإماء، ولا حملتني البغايا في غبرات المالي، المآلي جمع مئلات بوزن
سعلات، وهي هاهنا فرقة الحائض وهي خرقة النائحة أيضا، يقال: آلت المرأة
إيلاء، إذ أتخذت مئلات، وميمها زائدة نفي عن نفسه الجمع بين السبتين أن يكون

(1) الفائق:
(2) النهاية 1: 15.
(3) النهاية 3: 338.
65

لزينة، وأن يكون محولا في بقية حيضة، انتهى.
وأعلم إن هذه المكالمة الفضيحة التي جرت بين عمر بن الخطاب، وعمرو
بن العاص، قد ذكرها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة مع مزيد توضيح
وتشريح يشتمل على ذكر صهاك وهذه ألفاظه:
قدم عمرو بن العاص على عمر وكان واليا لمصر فقال له: في كم سرت
قال: في عشرين قال عمر: لقد سرت سير عاشق، فقال عمرو: إني والله ما
تأبطتني الإماء ولا حملتني في غبرات المآلي فقال عمر: والله ما هذا الجواب عن
الكلام الذي سألتك عنه، وأن الدجاجة لتفحص في الرماد، فتضع لغير الفحل،
وأنما تنسب البيضة إلى طرتها فقام عمرو مربد الوجه.
قلت: المآلي خرق سود يحملها النوائح ويشرف بها بأيديهن عند اللطم،
وأراد خرق الحيض هاهنا، وشبهها بتلك، وأنكر عمر فخره بالأمهات وقال: إن
الفخر للأب الذي إليه النسب.
وسألت النقيب أبا جعفر عن هذا الحديث في عمر فقال: إن عمرا فخر على
عمر لأن أمه الخطاب زنجية تعرف بباطحلى تسمى صهاك فقلت له: وأم عمرو النابغة
أمة من سبايا العرب فقال: أمه عربية من عترة سبت في بعض الغارات، فليس
يلحقها من النقص عندهم ما يلحق الإماء الزنجيات، فقلت له: أكان عمرو
يقدم على عمر بمثل هذا القول، قال: قد يكون بلغه عنه قول قدح في نفسه فلم
يحتمله له، ونفث بما في صدره منه وإن لم يكون جوابا مطابقا للسؤال، وقد كان
عمر مع خشونته يحتمل نحو هذا فقد جبهه الزبير مرة وجعل يحكي كلامه يمططه
وجبهه سعد بن أبي وقاص أيضا فأغضي عنه.
ومر يوما في السوق على ناقة له فوثب غلام من بني ضبة فإذا هو خلفه فالتفت
إليه فقال: ممن أنت؟ قال: ضبي قال: جسور والله، فقال الغلام على العدو،
فقال عمر وعلى الصديق أيضا ما حاجتك فقضى حاجته، ثم قال: دع الآن لنا
66

ظهر راحلتنا (1).
ومن الدلائل الواضحة الباهرة على مهانة نسب عمرو ورذالة أمه الفاجرة
العاهرة ما جرى بين عمر وابن العباس رضوان الله له، في أمر قطاع البحرين،
قال علي المتقي (2) في كنز العمال، في فضائل عمر من قسم فعال ما لفظه:
أنبأنا ابن عينية، أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، أن العباس ابن
عبد المطلب، قال لعمر بن الخطاب: إن رسول الله (ص) أقطع لي البحرين
فقال له عمر: من شهودك؟ قال: المغيرة بن شعبة قال: ومن معه؟ قال: ليس
معه أحد قال عمر: فلا أذن فأبى عمر أن يأخذ باليمين مع الشاهد، فقال له
العباس: أعضك الله بنظر أمك فقال عمر لابن عباس: يا عبد الله خذ بيد أبيك
فأقمه عنا (3).
ولقد حكى عمر بنفسه خساسة حسبه ودناءة نفسه بحيث يقضي منه
العجب، قال أبو إسحاق إبراهيم بن علي المعروف بالحصيري القيرواني
المالكي (4) في زهر الآداب وثمر الآداب: وروى إن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه، حج فلما كان بضجنان قال: لا إله إلا الله العلي العظيم، المعطي من شاء،
ما شاء، كنت في هذا الوادي في مدرعة صوف أرعى إبل الخطاب وكان قطا يتبعني
إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وقد أمسيت الليلة ليس بيني وبين الله
أحد (5).

(1) ابن أبي الحديد 3: 102.
(2) علاء لدين علي بن حسام الدين بن عبد الملك الجونبوري الهندي المتوفى 975. فقيه محدث واعظ مشارك في
بعض العلوم له تصانيف. كشف الظنون: 561، 597، 675، 1989. هدية العارضين 1: 746.
النور السافر. النور السافر: 314.
(3) كنز العمال 4: 426 - هامش المسند -
(4) المتوفى 413.
(5) زهر الآداب وثمر الآداب 1: 36.
67

وقال ولي الله (1) في قرة العينين: وروى، الحمد لله ولا إله إلا الله يعطي من
شاء ما يشاء، لقد كنت بهذه الوادي يعني ضجنان أرعى إبلا للخطاب وكان فضا
غليظا يتعبني إذا عملت ويضربني إذا قصرت، وقد أصبحت وأمسيت وليس بيني
وبين الله أحد أخشاه (2).

(1) ولي الله بن عبد الرحيم العمري الدهلوي المتوفى 1176 محدث مفسر فقيه أصولي له آثار: هدية العارضين 2:
500. معجم المؤلفين 13: 169.
(2) قرة العينين: 98 ط الهند. 131 حجر.
68

فصل
مبحث عدم الكفاءة
ومما يدل على بطلان هذا العقد الموهوم مسألة الكفاءة، فإن مراعاة الكفاءة
واجبة في عقد النكاح، وعمر بن الخطاب لم يكن كفوءا لسيدتنا أم كلثوم سلام الله
عليها بوجه من الوجوه، وهذا ظاهر كل الظهور، ولذلك ترى علماء العامة يأتون
في دفع هذا الإشكال بكلمات متهافتة متناقضة تستوقف العجلان، وتضحك
الثكلى،
قال أبو بكر بن شهاب الدين العلوي الحسيني الشافعي الحضرمي (1) في كتابه
المسمى - رشفة الصادي - ما نصه:
فائدة، عد صاحب التلخيص (ص) انتساب أولاد فاطمة إليه، واطراد
الحكم بذلك الانتساب في الكفاءة وغيرها، وعده الشيخان في الروضة وأصلها
من الخصائص أيضا تبعا لهم وأنكر ذلك القفال، قالوا: وإنكار القفال ذلك مردود
بما مر من الأحاديث وقد صرحوا بأن من القواعد الانتساب إليه (ص) أن يطلق
عليه أنه أب لهم، وأنهم بنوه كما في آية المباهلة (2) وغيرها من الأحاديث، حتى يعتبر
هذا في الأحكام، كالوقف والوصية، والكفاءة أيضا فلا يكافئ غير المنسوب إليه
(ص) المنسوبة إليه لكونها من ذريته، وأما قولهم: إن بني هاشم وبني المطلب

(1) كان حيا قبل 1303. إيضاح المكنون 1: 522، 575.
(2) فإن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم نقل تعالوا ندعو أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم
نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. آل عمران: 61.
69

أكفاء محله في غير هذه الصورة.
قال العلامة ابن ظهيرة (1): بنو هاشم وبنو المطلب أكفاء بعضهم لبعض
وليس واحد منهم كفوا للشريفة من أولاد الحسن والحسين رضي الله عنهما، لأن
المقصود من الكفاءة الاستواء في القرب إليه (ص) وليسوا بمنسوبين فيها، فهذه
خصلة خصوا بها لا توجد في غيرهم من بنات قريش، ولهذا يقال: كان علي بن أبي
طالب كفوءا لفاطمة رضي الله عنها.
فهذه دقيقة مستثناة من أطلاق المصنفين في عامة كتبهم وأنهم أكفاء، وليس
لذلك وهو مفهوم لمن تأمله وتدبره، وقواعد الشرع تقبله، وهذا هو الحق فليتنبهوا له
فإنه مهم. انتهى (2).
وقد ذكر العلامة ابن حجر في فتاواه، نحوا من هذا، ويؤيد قول ابن حجر
في فتاواه كلامه في الصواعق حيث قال فيه بعد ذكر آية المباهلة وما يتعلق بها:
خاتمة.. علم من الأحاديث السابقة اتجاه قول صاحب التلخيص من
أصحابنا، من خصائصه (ص) إن أولاد بناته ينسبون إليه (ص) وأولاد بنات
غيره لا ينسبون إلى جدهم من الكفاءة وغيرها.
وأنكر ذلك القفال وقال: لا خصوصية بل كل أحد ينسب إليه أولاد بناته،
ويرده الخبر السابق، كل بني أم ينتمون إلى عصبة، إلى آخره، ثم معنى الانتساب
إليه (ص) الذي هو من خصوصياته أنه يطلق عليه أنه أب لهم وإنهم بنوه، حتى
يعتبر ذلك في الكفاءة، فلا يكافي شريفة هاشمي غير شريف.
وقولهم: أن بني هاشم والمطلب أكفاء، محله فيما عدا هذه السورة كما بينته
بما فيه في أفتاء هو بل مشعر في الفتاوى، وحتى يدخلون في الوقف على أولاده
والوصية بهم.

(1) جمال الدين محمد بن أمين المكي الحنفي كان حيا. 96. الكنى والألقاب 1: 345. شذرات الذهب 8:
243. كشف الظنون: 3، 577.
(2) وشفة الصادي: 40.
70

وأما أولاد بنات غيره فلا يجري فيهم مع جدهم لأمهم هذه الأحكام، نعم
يستوي الجد للأب والأم في الانتساب إليهما من حيث تطلق الذرية والنسل والعقب
عليهم، فأراد صاحب التلخيص بالخصوصية بأمر، وأراد القفال بعدمها، وهذا
وحينئذ فلا خلاف بينهما في الحقيقة وأتى بما ليس عليه مزيد فراجعه.
وقال العلامة محمد بن أبي بكر الأشخر (1) في فتاويه: فإن قلت يؤيد ما دل
عليه إطلاقهم إن نحو الهاشمي يكافئ من إنتسب إلى البضعة الكريمة فاطمة
الزهراء رضي الله عنها، تزويج علي رضي الله عنه أبنته أم كلثوم وأمها فاطمة، من
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأنه إذا كافأها من ليس هاشميا ولا مطلبيا فمن
ثم يزوجه جبرا، لأنها كانت صغيرة جدا إذ ذاك، فلأن يكافئها هاشمي ومطلبي
من باب أولى.
قلت: لا دليل في هذه القضية على ما ذكر إذ لا تصريح بأن عمر رضي الله
عنه كفو لها حتى يستدل على أولوية مكافأة من مر، وغاية ما فيه وقوع عقدها
بالإجبار فلعلهما كانا يريان صحة العقد ثم تخير إذا بلغت كما هو أحد قولي
الشافعي، وإن كان الأظهر خلافه، وقد سمعت بعض مشايخنا، أجاب بأن عمر -
(رض) لما كان أفضل منها ومن أبيها على المذهب السني أقتضى كمال حالها أن لا
ينظر فضيلة الانتماء إليه (ص) المحض، وهذا لا يأتي على قاعدة المذهب أن
بعض الخصال لا تقابل ببعض والله أعلم (2).

(1) جمال الدين محمد بن أبي بكر الأشخر الزبيدي اليمني الشافعي المتوفى 991 فقيه أصولي، نحوي، نسابة،
ناظم، مشارك في علوم. النور السافر: 390. الشذرات 8: 425. البدر الطالع 2: 146 إيضاح
المكنون 36302. الأعلام 6: 285. هدية العارفين 2: 257.
(2) اتفقت كلمة النبي الأعظم (ص) وكلمات الصحابة والتابعين على أن أفضل الأمة بعد الرسول الأقدس (ص)
هو أمير المؤمنين عليه السلام بلا منازع، وقد روى الهيثمي عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نتحدث أن أفضل
أهل المدينة علي بن أبي طالب. مجمع الزوائد 9: 116 / الرياض النضرة 2: 209.
وقول ابن عباس بعدما سأله معاوية عن علي بن أبي طالب: رحم الله أبا الحسن كان والله علم الهدى، وكهف
التقى، ومحل الحجى، وطور البها، ونور السرى.. وأفضل من حج وسعى. الاستيعاب 2: 456.
فضائل الخمسة 2: 246.
71

أقول: هذا الكلام فيه من الهفوات والسقطات ما لا يخفى على صغار الطلبة
فضلا عن العلماء الأعلام منها، نفي كفاءة مولانا أمير المؤمنين (ع) لسيدة نساء
العالمين فاطمة الزهراء (ع) فإنه جرأة عظيمة، وجسارة جسيمة، يا لله وللعجب
كيف يجترأ مسلم على أن ينسب إلى رسول الله (ص) تزويج أبنته فاطمة
الزهراء سلام الله عليها برجل ليس لها بكفؤ.
فهذه من المنكرات التي لا يجوز نسبتها إلى رجل عامي من عوام المسلمين
فضلا عن سيد المرسلين (ص).
ومنها: نسبة الإجبار إلى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه آلاف السلام ما
أختلف الليل والنهار، باطلة لأن أبنته سيدتنا أم كلثوم (ع) ولو فرض صغر سنها
لا يتصور معها الإجبار، نعم لا شك في تحقيق ولايته عليها (ع) ولكن ولاية
الولي تسقط عند التزويج بغير الكفؤ قطعا، فكيف يصدق مسلم عاقل أن ينسب
إلى مثل أمير المؤمنين (ع) هذا الظلم الصريح، والجور الفضيح.
ومنها: إن احتمال كون علي (ع) يرى صحة العقد ثم تخير إذا بلغت احتمال
باطل، لا دليل عليه أصلا، وهو شئ عجاب يؤذن أن قائله ممنو بالتهافت
والاضطراب وكيف يصح في ذهن أحد من العقلاء بعد ملاحظة حال مولانا أمير
المؤمنين (ع) أن يجوز لهذا الإمام المعصوم أن يعقد عقدا لابنته مع غير الكفؤ لا
يصح في حال من الأحوال، أو عقدا متزلزلا يفقد فيه الكفاءة، ويبطل في زمن
الاستقبال.
ومنها: احتمال كون عمر بن الخطاب، يرى جواز عقد يفقد فيه الكفاءة،
ويثبت فيه التخيير للزوجة بعد البلوغ، لأن هذا إقدام على المنكر الفضيح،
وتجاسر على الظلم القبيح لا يتأتي نسبة إلى عمر من سني ولو كان جاهلا فضلا ممن
يدعي العلم.
ومنها قول بعض المشايخ الذي تفوه فيه، بأن عمر لما كان أفضل من
سيدتنا أم كلثوم (ع) بل ومن أبيها عليه آلاف التحية والثناء، على المذهب
72

السني أقتضى كمال حالهما أن لا ينظر إلى فضيلة الانتماء إليه (ص) المحض، فإن
في هذا التفوه الباطل الفاسد، والقطع المبهرج الكاسد، ظلمات بعضها فوق
بعض، وكيف يجترأ عاقل متدين أن يتقول هذه الأباطيل في هذا المقام، وأن
يتجاهر بهاتيك الخزعبلات والطوام، ويوهن بمثلها فضيلة البضعة النبوية عليها
وعلى أبيها وجدها آلاف السلام والتحية.
ولقد ظهر بطلان هذا الكلام بالقول المذكور في آخره واتضح أن هذا
التلبيس الصادر من بعض المشايخ باطل لأن هذا لا يأتي على قاعدة المذهب والحمد
لله أولا وآخرا.
73

فصل
ومن العجائب إن الكفائة وجوبها بلغ مبلغا عظيما في الإسلام بحيث إن
عمر بن الخطاب شدد في أمرها تشديدا كبيرا، وقال فيها قولا ذكره علماء السنة في
كتبهم، وبأسفارهم محتجين به، قال شمس الدين السرخسي (1) في كتابه المبسوط
في كتاب النكاح، قال: وبلغنا عن عمر (رض) أنه قال: لأمنعن النساء
خروجهن إلا من الأكفاء، وفي هذا دليل على إن للسلطان يدا في الأنكحة فقد
أضاف المنع إلى نفسه وذلك يكون بولاية السلطنة.
وفيه دليل إن الكفائة في النكاح معتبرة، وإن المرأة غير ممنوعة من أن تزوج
نفسها ممن يكافئها، وإن النكاح ينعقد بعبارتها (2).
فصل: قال أبو بكر بن شهاب الدين العلوي الحسيني الشافعي الحضرمي
في كتابه، رشفة الصادي، أيضا في ضمن فائدة ذكر فيها كلام العلماء على أولاد
بنات رسول الله (ص) غير الحسن والحسين (ع) بوجوه:
منها، أنهم لا يكافئون أولاد الحسن والحسين فالزبيني مثلا ليس كفوا
للحسنية، ولا للحسينية، انتهى، فلينظر العاقل الذي أوتي حظا من الأنصاف
أنه إذا كان أمر الكفائة عند العلماء بالغا إلى حد يمنع كون الزبيني كفوا للحسينية

(1) شمس الديلأن محمد بن أحمد بن أبي سهر السهرخسي الحنفي المتوفى حدود 483. متكلم أصولي مجتهد سجن
مدة طويلة وكتب المبسوط في السجن. معجم المؤلفين 8: 239.
(2) المبسوط 5: 23.
74

والحسينية فكيف يمكن أن يجتري ذو فهم ودين على أن يجعل عمر بن الخطاب وهو
بعيد عن الرسول (ص) في النسب بمراحل شاسعة، وفيافي نازحة، كفوا لأم
كلثوم (ع) وهي بنته (ص) بلا شك ولا ارتياب، إن هذا إلا زعم أهل التيار
والتبات، وقول المستهترين باللغو والكذاب
فصل، لقد أتى العلامة أبو بكر بن شهاب الدين الشافعي الحضرمي بكلام
مبرم في تأييد عمل السادة العلويين الحسنيين قديما وحديثا، وفي عدم تزويج
بناتهم إلا من شريف صحيح النسب حيث قال: في كتابه شرفة الصادي ما نصه:
تتمة، جرى عمل سادتنا العلويين الحسينيين رضوان الله عليهم، قديما
وحديثا أنهم لا يزوجون بناتهم إلا من شريف صحيح النسب، غيرة منهم على
هذا النسب العظيم، ولا يجيزون تزويجها بغير شريف وإن رضيت ورضي وليها
مثلا لأنهم يرون أن الحق في هذا النسب الطاهر، راجع لكل من انتسب إلى
الحسنين رضي الله عنهما لا للمرأة ووليها فقط، ورضاء جميع أولاد الحسنين بذلك
متعذر.
وعلى هذا العمل إلى الآن وهم نعم القدوة والأسوة، إذ فيهم من الفقهاء
والصلحاء والأقطاب، والأولياء، من لا ينبغي لنا أن نخالفهم فيما أسسوه،
ودرجوا عليه، لا يسعنا غير السير بسيرتهم، والاقتداء بهم، ولهم اختيارات
وأنظار لا مطمع للفقيه في إدراك أسرارها، ويؤيد هذا الاختيار أيضا قول سيدنا
عمر بن الخطاب (رض): لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء، والله
أعلم (1) انتهى.
وأنت إذا أحطت خبرا بهذا الكلام استبان لك إن السادات الكرام قديما
وحديثا لا يعتقدون صحة تزويج سيدتنا أم كلثوم (ع) لعمر بن الخطاب، إذ لو
كان عندهم خبر يوثق به في هذا الباب لما وسعهم الاتفاق على العمل بخلاف عمل

(1) رشفة الصادي
75

جدهم المعصوم الذي يدور الحق معه حيث ما دار (1) عليه آلاف سلام الله الملك
الغفار، وهذا واضح عند أولي الأحلام والأبصار، كالشمس في رابعة النهار.
فصل: إذ من العجائب الآيات القائدة إلى الحق، أن القاضي شهاب
الدين بن شمس الدين الدولت آبادي الحنفي الملقب بملك العلماء الذي هو من كبار
علماء أهل السنة، قد شدد في عدم جواز تزويج العلويات بغير العلويين بأتم
التشديد، وأتى في ذلك بكلام متين، وقول سديد، حيث قال في كتابه المسمى -
هداية السعداء - في الهداية الحادية عشر في الجلوة الرابعة ما هذا لفظه:
وتصحيح نسب واجب أسست تا كسي خود را بدروغ علوي نكو ياند،
ودختران رسول الله (ص) باغير كفو نكاح نشوند، ودر نسب رسول الله (ص)
اختلاق واستحقاق روي نيارد، ومردمان أزين قول كافر نشوند، ودر دعوى
حرامزادكي نه افتند، وتبره كار نشوند، ودين بباد ندهند، واگر باد شاه در هر
قصبة سيد أجل نصب نكند هرجه أزين فساد وتسلسل ضلاله روي نمايد وذمة
بادشاه باشد، فرداي قيامت مصطفى (ص) خصم أو كردد وسيد أجل را بايد
كه دختر سيد غير كفورا دادن، واكرداده باشد فسخ نكاح وخلع كنا ند،
انتهى.
وفي هذه العبارة الرشيقة فوائد عديدة وحقائق سديده:
منها أن تزويج العلوية بغير علوي تزويج بغير كفو ولو كان مدعيا كونه
علوي النسب.
منها أن تزويج العلوية بغير علوي يوجب اختلاط النسب رسول الله (ص)
ويورث استحقاقه.
ومنه أن هذا التزويج يوجب الكفر.
ومنها إن هذا التزويج يورث دعوى التولد من الحرام.

(1) الغدير 3: 177.
76

ومنها إن هذا التزويج يورث الإثم.
ومنها إن هذا التزويج تضييع للدين.
ومنها إن هذا التزويج يوجب الفساد وتسلسل الضلال.
ومنها إن هذا التزويج يوجب أن يكون الرسول (ص) خصما للمزوج يوم
القيامة.
ومنها أن سيدنا الأجل الذي هو نقيب الأشراف لا يجوز له الرضا بهذا
التزويج لأنه تزويج بغير كفو.
ومنها إن هذا التزويج لو وقع، فعلى السيد الأجل أن يفسخ هذا العقد،
ويحكم بالخلع، وإذا أحطت خبرا بما ذكره الحبر الجليل ظهر لك أن تزويج
العلوية بغير العلوي قد كان موروثا بهذه المفاسد الجمة، كيف يجوز مسلم عاقل
تزويج سيدتنا أم كلثوم (ع) بعمر بن الخطاب، فإنه يستجمع تمام هذه
المفاسد بألف أولوية والله العاصم عن التعصب والتعسف وأنه شر بلية.
فصل، قد أورد علي المتخلص بازاد البلجرامي (1) الذي هو من كبار
علماء الهند في التخلص عن أعضاء عدم كفاءة عمر بن الخطاب لسيدتنا أم كلثوم
(ع) أضعف من التمام وأتى بقول أوهن من بيت العنكبوت عند ذوي
الأحلام، حيث قال في كتابه المسمى - سند السعادات في حسن خاتمة السادات،
ما لفظه:
در روايت صحيحة آمده از عمر بن الخطاب إنه خطب أم كلثوم من علي
فاعتل بصغرها، وبأنه أعدها لابن أخيه جعفر فقال له: ما أردت الباه ولكن
سمعت رسول الله (ص) يقول: كل سبب ونسب يتقطع يوم القيامة ما خلا
سببي ونسبي، وكل نبي عصبتهم لأبيه ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم

(1) غلام آزاد بن نوح الحسيني الواسطي المتوفى 1194. فقيه مؤرخ عالم بالأدب له مؤلفات. الأعلام 5:
314. معجم المؤلفين 8: 41. كتابهاي جابي فارسي 3. 71. 3
77

وعصبتهم، يعني خطبة كرد عمر أم كلثوم را از علي بس عذر آورد بصغر سن أم
كلثوم، وبانيكه نكاهداشته است اورا برأي يسر برادر خود جعفر طيار، بس عمر
كفت: كه اراده نكرده أم باه راو لكن شندم رسول خداكه ميفر مود: هر سببي
ونسبي كه هست منقطع ميشور در روز قيامت سواي سبب ونسب من، وهمة
فرزندان دختري عصبه اشيان بدران ايشان باشند جز فرزندان فاطمة بس بدر
ستيكه من بدر ايشان وعصبة ايشانم.
صاحب صواعق محرقة كويد حاصل كلامش اينكه انتسابيكه از خصايص
حضرت در أين حديث وأمثال آن مفهوم ميشود اينست كه حضرت را بدر بني
فاطمة توان كفت، وبني فاطمة رابسران آن حضرت، وجون بني فاطمة را
باخبان نبوت نسبت ابوت ونبوت بهم رسيد أين نسيت را در كفائف اعتبار خواهد
بود، بس هاشمي غير شريف كفو نمي شود شريفه را، وقول علماء كه بني هاشم
وبني عبد المطلب أكفائند محل ان در ما عداي أين صورة است، واكر كسي
وصيت كرد كه مال مرابس از من بفرزندان حضرت بد هند وصي راميبا يدكه به
بني فاطمة بدهد واكرهم جنين كسي وقف كند بر فرزندان حضرت مصرف ان
بني فاطمة خواهد بود، وأين حكم در أولاد دختري ع = غير حضرت (ص) جاري
نشود، مثلا اكر كسي وصين كنند كه مال مرابر فرزندان زيد تقسيم كنند أولاد
دختر زيد راهيج نمي رسد.
راقك الحروف كويد: در أين مقام شبه وارد من شودكه هركاه از حديث
مفهوم شد كه غير شريف كفائت ندارد با شريف بس علي (ع) جرا خطبة عمر را
أجابت كرد، وجوابش اينكه أين معنى بنابر ضرورت بود جه درآن وقت عنفوان
نشو تنماى شجرة سيادت بود، وشريفي كه با شريفة نسبت كفائتي داشته باد وهم
شرعا بأهم ما كحت أو جائز بود باشد أصلا بعرصة وجود نيا مد. انتهى (1).
78

وفي هذا الكلام الجالب لضروب التعنيف والملام علل واسقام، منها:
ادعاء البلجرامي صحة رواية أوردها والحال ان كل ما روى في هذا الباب أعني
تزويج علي (ع) ابنته بعمر من أبين البهت والكذاب، وان ادعى أحد من
المتجاسرين، صحة رواية في هذا الشأن، فعليه الإتيان بالبيان وعلينا دمغ رأسه
بمقمعة الحجة والسلطان وكسر ظهره بضرب البينة والبرهان. ومنها، ان
الجواب عن الإعضال الوارد على اعتلال علي (ع) بصغرها، فأية ضرورة تفرض
في هذا الحال إلى تزويجها من شيخ فإن ليس لها بكفو في حال من الأحوال،
ولعمري إن فرض الضرورة ليس له صورة في هذا العقد لا من الخاطب ولا من
المزوج.
ومنها: ادعائه أن في ذلك الزمان لم يكن لسيدتنا أم كلثوم كفو، قول
فاسد، لأن الخبر الذي ذكره مشتمل على أن عليا (ع) اعتل عند خطبة عمر بأنه
أعدها لابن أخيه جعفر، فهل يجتري مسلم على أن يقول: إن إعداد علي (ع)
سيدتنا أم كلثوم لابن أخيه جعفر كان إعداد لغير كفو، ما هذا إلا تقول باطل،
وزعم عن حلية الصدق عاطل.
79

فصل
مبحث عدم مناسبة السن
ومهما يبطل دعوى هذا العقد أن يستلزم كون عمر من الذين قال الله
تعالى: وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (1) وبيان ذلك أن عمر قال للناس:
لينكح الرجل لمته.
قال الفيروزآبادي في القاموس، في لغة اللؤم: وقول عمر (رض) لينكح
الرجل لمته بالضم أي شكله ومثله (2) والهاء عوض عن الهمزة الذاهبة انتهى،
فلينظر العاقل هذا الكلام الصادر عن عمر بن الخطاب، وليتأمل هل كانت سيدتنا
أم كلثوم (ع) وهي ابنة الرسول (ص) شكلا ومثلا له..

(1) سورة البقرة: 744.
(2) القاموس
80

فصل
مبحث عدم جواز الجمع بين بنت رسول الله (ص)
وبين بنات أعداء الله
ومن الأدلة الواضحة على بطلان هذا الأفك أنه يستلزم اجتماع بنت رسول
الله (ص) مع بنات أعداء الله، والحال إن اجتماع بنت رسول الله (ص) مع بنت
واحد لعدو الله لا يحل فكيف إذا اجتمعت مع عدة بنات لأعداء الله وبيان ذلك.
أن البخاري ومسلم (2) وغيرهما من أسلاف السنية يروون في قصة خطبة بنت
أبي جهل التي وضعوها لعداوة أمير المؤمنين (ع) أن رسول الله (ص) خطب
فقال في خطبته: والله لا يجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد،
ولا يخفى على أهل العلم بالأخبار أن عمر بن الخطاب كانت عنده عدة أزواج كلهن
من بنات أعداء الله، كما لا يخفى على من طالع كتاب الطبقات لابن سعد
البصري، وتاريخ الرسل والملوك لابن جرير الطبري، وكتاب العارف لابن قتيبة
الدينوري، وكتاب الرياض النضرة لمحب الدين الطبري، والرياض المستطابة
للعامري، وغيرها من أسفار السنية، فكيف جاز وساغ لعمر بن الخطاب الأقدام
على التزوج بسيدتنا أم كلثوم (ع) وهي بنت رسول الله (ص) بلا شك ولا
ارتياب، والجمع بينها وبين بنات أعداء الله الضائرين إلى المتاد والرقاب، ومن هنا
ظهر أن هؤلاء النوكي لا يدرون في أي سبيل مهانات يسعون ويجرون.
فصل.. يظهر من إفادات بعض أسلاف السنة أن اجتماع أية امرأة كانت

(1) جاء في هامش المخطوطة: طالع باب ذكر أصهار النبي (ص) من صحيح البخاري، وباب فضائل فاطمة من
صحيح مسلم.
81

مع بنت من بنات رسول الله (ص) لا يحوز، لأنه يوجب تأذي الزهراء (ع)
وإذا كان الأمر كذلك ظهر أن حديث تزوج عمر بسيدتنا أم كلثوم (ع) باطل لأنه
كانت عند عمر عدة أزواج بعضهن من بنات الكفار، وبعضهن من بنات
المسلمين، واجتماع ضرة واحدة من تلك النسوة مع بنت رسول الله (ص) يوجب
تأذي الزهراء (ع) فكيف إذا جمعت مع عدة ضرائر، فكيف جائز لعمر الإقدام
على ذلك، فإنه من أدهى الطوام وأم المهالك.
قال المحب الطبري في ذخائر العقبى: وعلى المسور بن مخرمة، إنه بعث إليه
حسن ابن حسن يخطب ابنته فقال له: فلتأتني في العتمة فلقيه، فحمد المسور الله
عز وجل وأثنى عليه وقال: أما بعد فما من نسب وسبب ولا صهر أحب إلي من
نسبكم وصهركم ولكن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني يقبضني ما
يقبضها. ويبسطني ما يبسطها، وأن الأنساب يوم القيامة تنقطع إلا نسبي وسببي
وصهري، وعندك ابنته ولو زوجتك لقبضها ذلك فانطلق عاذرا له.
أخرجه أحمد في المناقب، وفيه دليل على أن الميت يراعي منه كما يراعي من
الحي، وقد ذكر الشيخ أبو علي السبخي، في شرح التلخيص: إنه يحرم التزويج
على بنات النبي (ص) ولعله يريد من ينتسب إليه بالنبوة ويكون هذا دليله (1).
وقال السمهودي في جواهر العقدين: يروي الإمام عن المسور بن مخرمة،
أن حسن ابن حسن بعث إليه يخطب ابنته قال له: فليأتني في العتمة فلقيه، فحمد
المسور الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فما من نسب ولا سبب ولا صهر أحب إلي من
نسبكم وصهركم، ولكن رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة مني يقبضني ما
يقبضها، ويبسطني ما يبسطها، وأن الأنساب تنقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي
وصهري وعندك ابنتها، ولو زوجتك لقبضها ذلك (2) فانطلق عاذرا.
وقوله: وعندك ابنتها وهي فاطمة ابنة الحسين وذلك لعهد وفاة فاطمة

(1) ذخائر العقبى: 38.
(2) جواهر العقدين: نسخة مخطوطة في مكتبة العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي.
82

الكبرى ومع ذلك راعى غضبها من أجل بنت، وعلم به أن الإنسان وإن توفي
يراعي غضبه وسخطه في بنيه لا سيما فاطمة رضي الله عنها.
وقال شيخ بن عبد الله العبدوس اليمني (1) في كتابه المسمى - العقد
النبوي - في ذكر فاطمة (ع): فكل من يشاهد اليوم من ولدها بضعة من تلك
البضعة، وإن تعددت الوسائط كما سبقت الإشارة إليه، فمن تأمل ذلك كيف لا
يبعث من قبله داعي الإجلال والتعظيم بهم ويجتنب بعضهم على أي حالة كانوا
عليها. ولذا روى الإمام أحمد عن المسور بن مخرمة، إن حسن بن حسن بن حسن
بعث إليه يخطب ابنته قال: فليأتني في العتمة فلقيه فحمد السمور الله عز وجل
وأثنى عليه وقال: أما بعد فما من سبب ولا نسب ولا صهر أحب إلي من نسبكم
وصهركم ولكن رسول الله (ص) قال: فاطمة (رض) بضعة مني يقبضني ما
يقبضها ويبسطني ما يبسطها، وأن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير سببي ونسبي
وصهري، وعندك ابنتها ولو زوجتك لقبضها ذلك، فانطلق عاذرا له.
وقوله: عندك ابنتها يريد ابنة ابنها وهي فاطمة ابنة الحسين، وذلك بعد
وفاة فاطمة الكبرى، ومع ذلك راعى غضبها من أجل بنت ابنها، وعلم به إن
الإنسان وإن توفي يراعى غضبه وسخطه في بنيه لا سيما فاطمة رضي الله عنها لما
سبق.
ولما أخرجه أبو سعيد، في شرف النبوة، وابن المثنى، في معجمه، عن علي
رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ص): إن الله يغضب لغضبك، ويرضى
لرضاك، من آذى شخصا من ولد فاطمة وأبغضه فقد جعل نفسه عرضة لهذا
الخطر العظيم، وبضله من تعرض لطلب مرضاتها في حبهم وإكرامهم بالشفاعة في
القيامة (2)

(1) شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروسي اليمني الشافعي المتوفى 99. النور السافر: 372.
الشذرات 8: 423. إيضاح المكنون 1: 258، 520، ج 2: 7، 111، 212، 664.
(2) العقد النبوي، الغدير 3: 20، وج 7: 174، 231.
83

وقال علي القاري، في المرقاة في شرح حديث، فاطمة بضعة مني ما لفظه:
وعن المسور بن مخرمة، أنه بعث إليه حسن بن الحسن يخطب ابنته فقال: فليأتني
في العتمة فلقيه، فحمد المسور الله عز وجل وأثنى عليه وقال: أما بعد فما من
نسب ولا سبب ولا صهر أحب إلي من نسبكم وصهركم ولكن رسول الله (ص)
قال: فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها، وإن الأنساب
يوم القيامة تنقطع إلا نسبي وسببي، وصهري، وعندك ابنته ولو زوجتك لقبضها
ذلك فانطلق عاذرا إليه.
أخرجه أحمد، وفيه دليل على أن الميت يراعى منه ما يراعى في الحي، وقد
ذكره الشيخ أبو علي السبخي في شرح التلخيض، إنه يحرم التزويج على بنات النبي
(ص) ولعله يريد من ينتسب إليه بالنبوة ويكون هذا دليله (1).

(1) مرقاة المفاتيح نقلا عن. مستدرك الصحيحين 3: 158. مسند أحمد بن حنبل 4: 323. سنن البيهقي
7: 64.
84

فصل
مبحث ظلم عمر على السيدة فاطمة سلام الله عليها
من الدلائل على بطلان دعوى هذا العقد أن عمر بن الخطاب كان من
أعداء سيدة نساء العالمين سلام الله عليها، وقد بدا منه من الظلم والعدوان على
هذه السيدة المغضوبة ما تقشعر منه الجلود، وتتفتت منه الكبود، فكيف يمكن أن
ينسى أمير المؤمنين (ع) هذه المظالم الصادرة من عمر على هذه المظلومة المهضومة
ويزوج ابنتها وبضعتها وفلذة كبدها من هذا.. ولا يلتفت إلى أن هذا التزويج
يؤذي روح أمها (ع) كلا إن هذا إلا محال بين السفاسف، وباطل لا يخفى على
من أوتي حظا من القسط والإنصاف.
ولنذكرها هنا طرفا يسيرا من الوقائع التي تدل على مظالم عمر وجوره على
بضعة الرسول (ص) وتأذيها من ظلم هذا المظلوم المجهول مقتصرين في ذكرها
على ما أوردته العامة في كتبهم دون ما روته الخاصة في أسفارهم.
قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري في كتاب، الإمامة
والسياسة، ما لفظه: إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي
كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن
يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من
فيها. فقيل له يا أبا حفص: أن فيها فاطمة، فقال: وإن، فخرجوا وبايعوا إلا
عليا فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع
القرآن، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا
أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (ص) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم
85

بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردوا لنا حقا،
فأتى عمر إلى أبي بكر فقال له: إلا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال
أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: أذهب فدع لي عليا، قال: فذهب إلى علي فقال له:
ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على
رسول الله، فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلا، فقال عمر
الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر رضي الله عنه لقنفذ:
عد إليه فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به،
فرفع علي صوته فقال: سبحان الله، لقد أدعى ما ليس له، فرجع قنفذ، فأبلغ
الرسالة، فبكى أبو بكر طويلا ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب
فاطمة، فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبة.. يا
يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة.
فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع،
وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا عليا فمضوا به إلى أبي بكر،
فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو
نضرب عنقك، فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال عمر: أما عبد الله
فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر
فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه.
فلحق علي بقبر رسول الله (ص) يصيح ويبكي وينادي: يا ابن أم إن
القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، فقال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: أنطلق
بنا إلى فاطمة فإنا قد أغضبناها فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما،
فأتيا عليا فكلماه فأدخلهما علي عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط،
فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام.
فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله، والله أن قرابة رسول الله أحب
إلي من قرابتي، وأنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني
86

مت، ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنع حقك
وميراثك من رسول الله، إلا أني سمعت أباك رسول الله (ص) يقول: لا
نورث، ما تركناه صدقة، فقالت: أرأيتكما أن حدثتكما حديثا عن رسول الله
(ص) تعرفانه وتفعلان به، قالا: نعم، فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا
رسول الله يقول: رضى فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن
أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط
فاطمة فقد أسخطني، قالا: نعم سمعناه من رسول الله (ص)، قالت: فإني
أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما
إليه.
فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم
انتحب أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعون
الله عليك في كل صلاة أصليها، ثم خرج باكيا (1).
وهذه العبارة وإن كانت كافية لإثبات صدور أنواع عديدة من الظلم والجور
على بضعة الرسول سلام الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، ولكن نذكر في هذا
المقام شطرا من عبارات كتب المخالفين التي تتضمن بيان ما صدر من عمر في توهين
بيت سيدتنا سيدة نساء العالمين (ع) وذكر ما أرتكبه من الطامات الموبقة التي أتى
بها في قضية التهديد لسكان بيت الزهراء (ع) والملتجين المستذرين بالبيت
النبوي الذي لا يقصر في الحرمة والعظمة عن بيت الله تبارك وتعالى، عليك أن تنظر
بعين التثبت والاعتبار إلى ما ننقله عنه، إن عمر جاء إلى علي في عصابة فيهم،
أسيد بن الحصين، وسلمة بن أسلم الأشهلي، فقال: أخرجوا أو لنحرقها
عليكم (2).

(1) الإمامة والسياسة 1: 19 - 20.
(2) الإمامة والسياسة 1: 18.
87

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري (3) في كتاب السقيفة، على ما نقل
عنه: لما جلس أبو بكر على المنبر كان علي والزبير وناس من بني هاشم في بيت
فاطمة، فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن
البيت عليكم، فخرج الزبير مصلتا سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار، وزياد بن
لبيد فدق به فدر السيف فصاح به أبو بكر وهو على المنبر: أضرب به الحجر، قال
أبو عمرو بن خماش: فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة، ويقال: هذه ضربة
سيف الزبير (4).
وقال أبو بكر الجوهري أيضا في كتاب السقيفة: على ما نقل عنه، وقد روى
في رواية أخرى إن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة، والمقداد بن
الأسود أيضا وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا (ع) فأتاهم عمر ليحرق عليه
البيت فخرج إليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة (ع) تبكي وتصيح (5).
وقال أبو بكر الجوهري أيضا في كتاب السقيفة: على ما نقل عنه عن
الشعبي، قال سأل أبو بكر فقال: أين الزبير فقيل: عند علي وقد تقلد سيفه
فقال: قم يا عمر، قم يا خالد بن الوليد، انطلقا حتى تأتياني بهما فانطلقا فدخل
عمر وقام خالد على باب البيت من خارج فقال عمر للزبير: ما هذا السيف فقال:
نبايع عليا فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره. ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم
دفعه وقال: يا خالد: إياك فامسكه، ثم قال لعلي: قم فبايع لأبي بكر، فلم يقم
وجلس فأخذه بيده وقال: قم فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه
من البيت فأخذت فاطمة تصيح ففاضت على باب الحجرة وقالت: يا أبا بكر ما
أسرع ما أغرتم على بيت رسول الله (ص) والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله (6).

(1) عالم فقيه محدث كثير الأدب ثقة ورع أثنى عليه المحدثون، وردوا عنه مصنفاته. فهرست الطوسي: 3 -
الكنى والألقاب 2: 163 معالم العلماء: 18. جامع الرواة 1: 52.
(2) الإمامة والسياسة 1: 18. الرياض النضرة 1: 167. تاريخ الطبري 3: 199. الغدير 7: 77.
(3) الغدير 7: 77 الإمام علي 1: 225. ابن أبي الحديد 1: 134 وج 2: 19.
(4) شرح ابن أبي الحديد 1: 134. الغدير 7: 78.
88

وقال بكر الجوهري أيضا في كتاب السقيفة، على ما نقل عنه، لما بويع
لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي (ع) وهو في بيت
فاطمة، فيتشاورون، ويتراجعون أمورهم، فخرج عمر حتى دخل على فاطمة
وقال: يا بنت رسول الله (ص) ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما
من أحد إلينا منك بعد أبيك، وأيم الله ما ذاك بما نعي إن أجتمع هؤلاء النفر عندك
أن أمر بتحريق البيت عليهم (1).
وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي (2) في المصنف، ما
لفظه: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا زيد بن أسلم، عن
أبيه أسلم، إنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله (ص) كان علي والزبير
يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (ص) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما
بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله
(ص) والله ما من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك
منك، وأيم الله ما ذاك بما نعي أن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق
عليهم البيت.
قال: فلما خرج عمر جاؤوها فقالت: تعلمون أن عمر قد جائني وقد حلف
بالله لأن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين ما حلف عليهم فانصرفوا
راشدين، فروا رأيكم ولا ترجعوا ألي فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا
لأبي بكر (3).
وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه: ما لفظه، حدثنا ابن حميد
قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب منزل

(1) ابن أبي الحديد 6: 11.
(2) أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة الكوفي المتوفى 235 / 234 فقيه محدث حافظ مؤرخ
مفسر. تذكرة الحافظ 2: 18. تاريخ بغداد 10: 66. البداية والنهاية 10: 315. النجوم الزاهرة 2:
282.
(3) المصنف 5: 442
89

علي وفيه طلحة والزبير، ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقن عليهم أو
لتخرجن إلى البيعة، فخرج عليه الزبير عليه مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف من
يده، فوثب عليه فأخذه (1).
وقال ابن عبد ربه القرطبي في كتابه المسمى - العقد الفريد -: الذين تخلفوا
عن بيعة أبي بكر، علي والعباس والزبير، وسعد بن عبادة، فأما علي والعباس
والزبير فقعدوا في بيت فاطمة، فبعث إليهم أبو بكر، عمر بن الخطاب ليخرجهم
من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم
عليهم الدار فلقيته فاطمة، فقالت: يا ابن الخطاب أجئتنا لتحرق دارنا؟ قال:
نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة (2).
وقال أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الحسن
بن الفرات المصري المعروف بابن خنزابه (3) في كتاب - الغرر - على ما نقل عنه
قال: زيد بن أسلم كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين أمتنع علي
وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا فقال عمر: لفاطمة أخرجي من البيت وإلا أحرقته
ومن فيه، وقال: وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب
النبي فقالت فاطمة: تحرق على ولدي؟ قال: أي والله أو ليخرجن وليبايعن (4).
وقال أبو الفداء الأيوبي في تاريخه (5) المسمى بالمختصر ما لفظه: ثم أن أبا
بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجه من بيت فاطمة رضي الله
عنها وقال: إن أبو عليك فقاتلهم فأقبل عمر بشئ من نار على أن يضرم الدار،

(1) تاريخ الطبري 3: 199.
(2) العقد الفريد 2: 25.
(3) وزير بني الأخشيد مات 391. أعيان الشيعة 16: 88. إيضاح المكنون 2: 481. معجم المؤلفين 3:
142.
(4) - سليم بن قيس: 83. تاريخ الطبري 3، 198.
(5) أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمود الشافعي الحموي المتوفى 732 الملك المؤيد صاحب حماة وقد تمكن من
الفقه والتاريخ والطب والهيئة. الكنى والألقاب 1: 136. الدرر الكامنة 1: 371. طبقات الشافعية 6:
84. فوات الوفيات 1: 16. الشذرات 6: 98. إيضاح المكنون 1: 2: 382.
90

فلقيته فاطمة رضي الله عنها، وقالت: إلى أين يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق
دارنا؟ قال: نعم أو يدخلوا فيما دخل فيه الأمة، فخرج علي حتى أتى أبا بكر
فبايعه، كذا نقله القاضي جمال الدين بن واصل وأسنده إلى ابن عبد ربه
المغربي (1).
وقال السيوطي (2) في كتابه، جمع الجوامع، عن أسلم أنه حين بويع لأبي بكر
بعد رسول الله (ص) كان علي والزبير يدخلون على فاطمة بنت رسول الله،
ويشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل
على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله والله ما من الخلق أحد أحب إلي من أبيك،
وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بما نعي أن أجتمع هؤلاء
النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب (3).
وقال علي المتقي في كتابه، كنز العمال: عن أسلم أنه حين بويع لأبي بكر
بعد رسول الله (ص) كان علي والزبير يدخلون على فاطمة بنت رسول الله
(ص) ويشاورونها ويرجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج
حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، ما من الخلق أحد أحب إلي من
أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بما نعي أن أجتمع
هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرق عليهم الباب (4).
وقال ولي الله، في إزالة الخفاء، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: حين بويع
لأبي بكر بعد رسول الله (ص) كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول
الله (ص) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب
خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، والله ما من الخلق أحد

(1) المختصر في أخبار البشر 1: 156.
(2) جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن ناصر الدين محمد السيوطي الشافعي مات. 91 من كبار الحفاظ
والمفسرين والمحدثين ومن المؤلفين المكثرين قيل إن تصانيفه تزيد على خمسمائة مصنف. معجم المؤلفين 5:
128 - 131.
(3) جمع الجوماع.
(4) كنز العمال 5: 449.
91

أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بما
نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلما
خرج عمر جاؤوها فقالت: تعلمون إن عمر قد جائني وقد حلف بالله لئن عدتم
ليحرقن عليكم البيت (1).
وقال ولي الله أيضا في إزالة الخفي، في ما أبو بكر عن أسلم بإسناد صحيح
على شرط الشيخين، إنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله (ص) كان علي
والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (ص) فيشاورونها ويرتجعون في
أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب، خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا
بنت رسول الله (ص)، والله ما من الخلق أحد أحب إلينا من أبيك، وما من
أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله فإن ذلك لم يكن بما نعي أن اجتمعا
هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت (2).
وقد ذكر ولي الله هذه الرواية في قرة العينين أيضا قال: وعن أسلم أنه حين
بويع لأبي بكر بعد رسول الله (ص) كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت
رسول الله (ص) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن
الخطاب، خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، والله ما من
الخلق أحب إلينا من أبيك ومنك، وأيم الله ما ذاك بما نعي إن أجتمع هؤلاء النفر
عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلما خرج عمر، جاؤوها فقالت:
تعلمون أن عمر قد جائني وقد حلف بالله إن عدتم ليحرقن عليكم البيت (3) الخ.
وقد نقل السيد الأجل علم الهدى (4) طاب ثراه، خبر هذا الظلم العظيم في

(1) إزالة الخلفاء، الاستيعاب 2: 254 - هامش الإصابة -
(2) إزالة الخلفاء
(3) قرة العينين: 78.
(4) الشريف علم الهدى المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام
موسى الكاظم - (ع) مات 436 سيد علماء الأمة ومحيي آثار الأئمة ومجددي مذهب الإمامية في رأس المائة
الرابعة
92

كتابه - الشافي - عن بعض كبار العامة حيث قال: قد روى البلاذري عن المدائني
عن مسلم بن محارب عن سليمان التيمي، عن ابن عون: إن أبا بكر أرسل إلى
علي يريده على البيعة فلم يبايع فجاء عمر ومعه قبس فلقيته فاطمة على الباب
فقالت: يا ابن الخطاب أتراك محرقا علي بابي؟ فقال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء
به أبوك، وجاء علي فبايع، وهذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة، وإنما
الطريق أن ترويه شيوخ محدثي العامة (1).
ومن الفجائع التي تبكي له عيون الإسلام والدين، والوقائع التي أحرقت
قلوب المؤمنين والموقنين ما ارتكبه عمر بن الخطاب من الظلم العظيم الذي أوجب
سقوط المحسن من بطن سيدتنا فاطمة الزهراء (ع)، وهذه الواقعة الهائلة قد بلغ
حد التواتر واليقين عند أهل الحق المبين، ولكن من عجائب براهين علو كلمة
الحق، وسمو مرتبة الصدق، إن إبراهيم بن سيار بن هاني البصري المعروف
بالنظام (2)، الذي هو من كبار علماء المعتزلة وأجلة كبراء المخالفين قد أعترف بوقوع
هذه الواقعة الهائلة بكمال الإبانة والصراحة ولم يقدر على كتمانه أو إنكاره كما فعله
بعض أرباب الصفاقة والوقاحة.
قال أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (3) في كتاب الملل والنحل،
في ذكر مقالات النظام ما لفظه: إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت
الجنين من بطنها، وكان يصيح أحرقوها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة
والحسن والحسين (4).

(1) الشافي.
(2) أحد فرسان أهل النظر والكلام على مذهب المعتزلة وله في ذلك تصانيف مات 231. لسان الميزان 1: 67.
معجم المصنفين 3: 158 / تاريخ بغداد 6. 97. فهرست ابن النديم: 186.
(3) أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني مات 548. المتكلم الأشعري، ط طبقات الشافعية 4:
578 تذكرة الحفاظ 4: 104. مرآة الجنان 3: 289. الأعلام 7: 83 مفتاح السعادة 1: 264.
الشذرات 4: 149.
(4) الملل والنحل 1: 57.
93

وقال صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (1) في الوافي بالوفيات، في ترجمة
نظام، في ذكر أقواله: وقال، إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت
المحسن من بطنها (2) انتهى.
وعليك أن تغتنم اعتراف هذا الرجل الذي هو من كبار العامة بوقوع هذه
الواقعة العظمى وتلك الطامة، ولا تغتر ولا تلتفت إلى نكير الشهرستاني وتغرير
الصفدي، فإنهما بمعزل عن قبول الحق والإذعان.
ومن عجائب آيات علو الحق، أن أبا بكر أحمد بن محمد بن السري التميمي
الكوفي المعروف بابن أبي دارم، الذي أبان جلالته الذهبي (3) في تذكرة الحفاظ حيث
أثبت كونه حافظا مسندا، ومحدث الكوفة، وذكر أنه سمع إبراهيم بن عبد الله
الغفار، وأحمد ابن موسى الحماد، وموسى بن هارون، ومطينا، وعدة، وذكر
أيضا أنه روى عنه الحاكم وأبو بكر بن مردويه وأبو الحسن الحمامي، ويحيى بن
إبراهيم المزكي وأبو بكر الحبري، والقاضي، وآخرون كما لا يخفى علم ناظم
تذكرة الحفاظ للذهبي، قد كشف الحجاب وإذ عن الحق والصواب حيث قرر
رواية صدور هذا الظلم العظيم والحرم الكبير من عمر بن الخطاب.
قال الذهبي في الميزان، في ترجمة ابن أبي دارم: وقال محمد بن أحمد بن حماد
الكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته: كان مستقيم الأمر عامة دهره، ثم في آخر أيام
كان يكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: إن عمر رفس فاطمة
حتى أسقط محسن (4) انتهى.
ولا يخفى على ذوي الألباب والأذهان، إن نسبة التشيع والرفض إلى ابن أبي

(1) صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الشافعي المتوفى 764 المؤرخ الأديب معجم المؤلفين 4:
114.
(2) الوافي بالوفيات 5: 347 / 39 / خ.
(3) شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز الذهبي الدمشقي الشافعي مات 748، حافظ محدث عين أستاذا
للحديث يرحل إليه من سائر البلدان، معجم المؤلفين 8: 289. الكنى والألقاب 2: 266.
(4) ميزان الاعتدال 1: 139.
94

دارم كما يظهر من كلام الذهبي في التذكرة والميزان، اجتراء فاسد، وافتراء
كاسد، ومعلوم لكل من تتبع أقوال المخالفين إنهم إذ رأوا رجلا فهم قد اعترف
بالحق والصواب يرمونه تارة بالتشيع والرفض، ومرة بالبهت والكذاب، ولكن
الحق حتى لا يغري أهل شك ولا ارتياب.
ومن الخطوات التي أتت على سيدتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها، رد
فدك وهو من الوقائع التي تورب العجب العجاب فتحير عقول أولي الألباب.
وقال العلامة سبط ابن الجوزي الحنفي في كتابه المسمى - مرآة الزمان - في
الباب العاشر في طلب آل رسول الله الميراث من أبواب مرض رسول الله (ص) في
وقائع السنة الحادية عشر ما لفظه:
وقال علي ابن الحسين رضي الله عنهما: جاءت فاطمة بنت رسول الله
(ص) إلى أبي بكر وهو على المنبر فقالت: يا أبا بكر أفي كتاب الله أن ترث ابنتك
ولا أرث أبي، فاستعبر أبو بكر باكيا، ثم قال: بأبي أبوك، وبأبي أنت، ثم
نزل فكتب لها بفدك، ودخل عليه عمر فقال: ما هذا فقال: كتاب كتبته لفاطمة
ميراثها من أبيها، قال: فماذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى،
ثم أخذ عمر رضي الله عنه، الكتاب فشقه (1).
وقال نور الدين الحلبي (2) في إنسان العيون، في المجلد الثالث منه عند
ذكره دعوى فاطمة (ع) في أمر فدك ما لفظه:
وفي كلام سبط ابن الجوزي رحمه الله، أنه رضي الله عنه كتب لها بفدك
ودخل عليه عمر رضي الله عنه فقال: ما هذا فقال: كتاب كتبته لفاطمة بميراثها
من أبيها، فقال: ماذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى، ثم أخذ
عمر الكتاب فشقه (3).

(1) مرآة الزمان.
(2) نور الدين علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي المتوفى 1044. كان واسع العلم غاية في التحقيق، عاد
الفهم، قوي الفكرة متحريا في الفتوى. خلاصة الأثر 3: 122. هدية العارفين 1: 755. إيضاح المكنون
2: 497.
(3) السيرة الحلبية (2): 485 ط 1349
95

فصل
مبحث كان عمر كاذبا، آثما غادرا، خائنا
فصل ومما يدل على استحالة وقوع هذا العقد أن مولانا أمير المؤمنين (ع)
كان يعتقد أن عمر بن الخطاب كان كاذبا آثما غادرا خائنا، ومن كانت هذه صفاته
محال أن يزوجه مولانا (ع) ابنته الكريمة، وذلك لا يستريب فيه عاقل دين له أدنى
مسكة من الإنصاف.
أما اعتقاد أمير المؤمنين (ع) في حق عمر بكونه كاذبا غادرا خائنا فقد صح
كالشمس في رابعة النهار، لأن مسلم بن الحجاج (1) القشيري صاحب الصحيح قد
أخرج في صحيحه في كتاب الجهاد حديثا طويلا عن مالك بن أوس وفيه عن عمر
إنه قال: في خطاب أمير المؤمنين (ع) والعباس، فلما توفي رسول الله (ص) قال
أبو بكر أنا ولي رسول الله (ص) فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب
هذا الميراث امرأته من أبيها فقال: أبو بكر: قال رسول الله (ص) ما نورث ما
تركنا صدقة، فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم أنه لصادق بار راشد تابع
للحق، ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله (ص) وولي أبو بكر فرأيتماني كاذبا
آثما غادرا خائنا، والله يعلم أني لصادق بار راشد تابع للحق (2).
فصل.. ومن الدلائل الواضحة على بطلان دعوى هذا العقد أن عمر بن

(1) أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد العثيري النيسابوري مات 261، محدث حافظ، من تآليفه
الجامع الصحيح، التمييز في الحديث. سير النبلاء 8. 275 تاريخ بغداد 13: 100. طبقات
الحنابلة: 246. المنتظم، 32 ابن الأثير 7: 95.
(2) صحيح مسلم 2: 53.
96

الخطاب كان فضا غليظا بل أفظ وأغلظ، وقد ورث الفظاظة والغلظة عن أبيه الفظ
الغليظ، وأحوال سوء عشيرته مع النساء خاصة تدهش الناظر، فكيف جاز له
أن يخطب إلى أمير المؤمنين (ع) ابنته، وهي ريحانة من رياحين الرسول (ص)،
وكيف جاز لأمير المؤمنين (ع) أن يزوجها منه مع علمه بسوء خلقه وغلظته
وفظاظته، هل هذا إلا ظلم قبيح، وجور فضيح قد عصم الله أمير المؤمنين (ع)
من الركون إليه، فضلا عن الأقدام عليه، والأخبار التي تتعلق ببيان هذه الخصلة
الذميمة التي شاعت وذاعت عن عمر كثيرة جدا، لكننا نقتصر في هذا المقام على
نبذة يسيرة منها.
ذكر كونه وارثا للفضاضة والغلظة.. عن أبيه الخطاب..
قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا يزيد بن هارون، وعفان بن مسلم،
وعارم بن الفضل، قالوا: حدثنا حماد بن زيد، قال يزيد بن حازم، عن سليمان
ابن يسار، قال: مر عمر بن الخطاب بضجنان فقال: لقد رأيتني، إني لأرعى على
الخطاب في هذه المكان، وكان والله ما علمت فظا غليظا، ثم أصبح إلى أمر أمة
محمد (ص) ثم قال متمثلا:
لا شئ فيما ترى إلا بشاشته
يبقى الإله ويؤدي المال والولد
ثم قال: لبعيره، حوب (1).
أخبرنا سعيد بن عامر وعبد الوهاب بن عطاء قالا: أخبرنا محمد بن عمرو
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: أقبلنا مع عمر بن الخطاب قافلين
من مكة حتى إذا كنا بشعاب ضجنان وقف الناس فكان محمد يقول: مكانا كثير
الشجر والأشب، قال فقال: لقد رأيتني في هذا المكان وأنا في إبل الخطاب،
وكان فظا غليظا، أحتطب عليها مرة، وأختبط عليها أخرى، ثم أصبحت اليوم
يضرب الناس بجنابتي ليس فوقي أحد، قال ثم مثل بهذا البيت:

(1) الطبقات الكبرى 3: 266.
97

لا شئ فيما ترى إلا بشاشته
يبقى الإله ويودي المال والولد (1)
قال محمد بن جرير الطبري في تاريخه: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا
علي بن محمد، عن ابن جعدة، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن سعيد بن
المسيب، قال: حج عمر فلما كان بضجنان قال: لا إله إلا الله العلي
العظيم، المعطي ما شاء من شاء كنت أرعى إبل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة
صوف، وكان فظا يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وقد أمسيت وليس
بيني وبين الله أحد (2).
وقال ابن عبد بر القرطبي، في الاستيعاب: وروي عن عمر رضي الله
عنه، أنه قال في انصرافه من حجته التي لم يحج بعدها: الحمد لله ولا إله إلا الله
يعطي من يشاء ما يشاء لقد كنت بهذا الوادي - يعني ضجنان - أرعى إبلا للخطاب
وكان فظا غليظا يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وقد أصبحت
وأمسيت وليس بيني وبين الله أحد أخشاه (3).
وقال ولي الله الدهلوي في إزالة الخفاء: روي عن عمر أنه قال في انصرافه
من حجة لم يحج بعدها: الحمد لله ولا إله إلا الله يعطي من يشاء ما يشاء، لقد
كنت بهذا الوادي يعني ضجنان أرعى إبلا للخطاب، وكان فظا غليظا يتعبني إذا
عملت ويضربني إذا قصرت، وقد أصبحت وليس بيني وبين الله أحد أخشاه (4).
ذكر كون عمر فظا غليظا بنص أصحاب رسول الله (ص)
قال أبو يوسف يعقوب ابن إبراهيم البغدادي (5) صاحب أبي حنيفة في كتاب
الخراج الذي صنفه للرشيد العباسي ما لفظه:

(1) الطبقات 3: 266.
(2) تاريخ الطبري 5: 29.
(3) الاستيعاب - هامش الإصابة - 2: 472.
(4) إزالة الخفاء.
(5) أبو يوسف يعقوب ابن إبراهيم بن حبيب الأنصاري البغدادي مات 182 فقيه أصولي مجتهد محدث حافظ عالم
بالتغيير والمغازي وأيام العرب. تاريخ بغداد 14: 242. الكامل لابن الأثير 6: 53 تذكرة الحافظ 1:
269. البداية 10: 180 تاج التراجم: 60. مفتاح السعادة: 100.
98

حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد بن الحارث، عن ابن سابط،
قال: لما حضره الوفاة أبا بكر (رض) أرسل إلى عمر يستخلفه، فقال الناس:
أتستخلف علينا فظا غليظا، لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ، فماذا تقول لربك إذا
لقيته وقد استخلفت علينا عمر، قال: أتخوفونني ربي، أقول: اللهم أمرت
عليهم خير أهلك (1).
وقال محمد بن سعد البصري في كتاب الطبقات في ترجمة أبي بكر في قصة
استخلاف أبي بكر لعمر ما لفظه: وسمع بعض أصحاب النبي (ص) بدخول
عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل
منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر، لعمر علينا وقد ترى
غلظته، فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تخوفوني؟ خاب من تزود من أمركم
بظلم، أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك (2).
وقال أبو بكر عبد الله بن محمد العبسي المعروف بابن أبي شيبة في كتابه
المصنف: حدثنا وكيع، وابن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زبيد بن
الحرث، أن أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس:
تستخلف علينا فظا غليضا، ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ، فما تقول لربك إذا لقيته
وقد استخلفت علينا عمر (3)، الخ.
وقال محمد بن جرير الطبري في تاريخه ما لفظه، لما نزل بأبي بكر رحمه الله
الوفاة دعا عبد الرحمن ابن عوف فقال: أخبرني عن عمر فقال: يا خليفة رسول
الله (ص) هو والله أفضل من رأيت فيه من رجل ولكن فيه غلظة (2)، الخ.
وقال محب الدين الطبري في الرياض النضرة: وعن محمد بن سعيد بإسناده
إن جماعة من الصحابة دخلوا على أبي بكر لما عزم على استخلاف عمر فقال له

(1) الخراج: 11.
(2) الطبقات الكبرى 3: 199.
(3) المصنف 5: 449.
99

قائلون منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى
غلظته (1)، الخ.
وقال ابن تيمية، في منهاج السنة، في ضمن كلام له يذكر فيه عمر ما
لفظه: ولهذا لما استخلفه أبو بكر كره خلافته طائفة حتى قال له طلحة: ماذا تقول
لربك إذا وليت علينا فظا غليظا، فقال: أبا لله تخوفوني، أقول: وليت عليهم
خير أهلك (2).
وقال ابن حجر المكي في الصواعق، في ذكر استخلاف أبي بكر لعمر ما
لفظه: ودخل عليه بعض الصحابة فقال قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك
عن تولية عمر وقد ترى غلظته، فقال أبو بكر: بالله تخوفوني أقول: اللهم إني
استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت من ورائك (3).
وقال علي المتقي، في كنز العمال في كتاب الخلافة، في ذكر خلافة عمر في
ضمن خبر ما لفظه: وسمع بعض أصحاب النبي (ص) بدخول عبد الرحمن
وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم: ما
أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته، فقال أبو
بكر: أجلسوني بالله تخوفونني، خاب من تزود من أمركم بظلم أقول: اللهم
استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت لك من ورائك، ثم اضطجع (4).
وقال علي المتقي أيضا في كنز العمال، في ذكر خلافة عمر، عن زيد بن
الحارث: أن أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس:
تستخلف علينا عمر فظا غليظا فلو قد ولينا كان أفظ وأغلظ فما تقول لربك إذا
لقيته، قد استخلفت علينا عمر، فقال أبو بكر: أبربي تخوفونني، أقول: اللهم

(1) تاريخ الطبري 4: 51.
(2) الرياض النضرة 1: 237.
(3) منهاج السنة 2: 170 ط بولاق.
(4) الصواعق الحرقة 53 ط بولاق 1324.
(5) كنز العمال 5: 449. الطبقات 3: 199. 274 عن عائشة.
100

استخلفت عليهم خير أهلك (1).
ورواه ابن جرير عن أسماء بنت عميس، وكان عثمان بن عبيد الله بن عبد
الله بن عمر ابن الخطاب: قال، لما حضر أبا بكر الصديق الوفاة، دعا عثمان بن
عفان فأملى عليه عهده، ثم أغمي على أبي بكر قبل أن يملي أحدا فكتب عثمان عمر بن الخطاب، فأفاق أبو بكر فقال لعثمان كتبت أحدا فقال: ظننتك لما بك وخشيت
الفرقة، فكتبت عمر بن الخطاب، فقال: يرحمك الله أما كتبت نفسك لكنت لها
أهلا، فدخل عليه طلحة بن عبيد الله، وقال: أنا رسول من روائي إليك
يقولون: قد علمت غلظة عمر علينا في حياتك فكيف بعد وفاتك إذا أفضيت إليه
أمورنا والله يسألك عنه، فانظر ما أنت قائل، فقال: أجلسوني، أبالله
تخوفونني، قد خاب امرئ ظن من أمركم وهما، إذا سألني الله قلت: استخلفت
على أهلك خيرهم لهم، فأبلغهم هذا عني (2).
وقال إبراهيم بن عبد الله الوصابي اليمني الشافعي في كتاب الاكتفاء، في
فضل الأربعة الخلفاء في ضمن رواية مشتملة على حال استخلاف أبي بكر لعمر ما
لفظه: وسمع بعض أصحاب النبي (ص) بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي
بكر وخلوتهما به فدخلوا على أبي بكر فقالوا له: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن
استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله
تخوفونني، خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول اللهم استخلفت عليهم خير
أهلك أبلغ عني ما قلت لك من ورائك ثم اضطجع (3).
وقال الوصابي أيضا في كتاب الاكتفاء: وعن عثمان بن عبد الله بن الخطاب
قال: لما حضر أبا بكر الصديق الوفاة دعا عثمان بن عفان فأملى عليه عهده ثم أغمي
على أبي بكر، قبل أن يسمي أحدا فكتب عثمان عمر بن الخطاب، فأفاق أبو بكر.

(1) المصدر السابق.
(2) تاريخ الطبري 4: 54.
(3) الاكتفاء.
101

فقال لعثمان: كتب أحدا فقال: ظننتك لما بك فخشيت الفرقة فكتبت عمر بن
الخطاب: فقال: يرحمك الله أما والله لو كتبت نفسك كنت لها أهلا، فدخل عليه
طلحة بن عبد الله فقال: أنا رسول من ورائي إليك يقولون: قد علمت غلظة
عمر علينا في حياتك فكيف بعد وفاتك إذا أفضت إليه أمورنا، والله سائلك عنه
فأنظر ما أنت قائل له، قال: أجلسوني، بالله تخوفوني قد خاب امرئ يظن من
أمركم وهما، إذا سألني الله قلت: استخلفت على أهلك خير لهم، فأبلغهم هذا
عني، أخرجه اللالكائي في السنة (1).
وقال الوصابي أيضا كتاب الاكتفاء: عن زبيد بن الحارث، أن أبا بكر
حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخله فقال الناس: تستخلف علينا عمر قال
أبو بكر: أبربي تخوفوني أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك، أخرجه عبد
الرحمن بن سعد في الطبقات، وأخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار عن أسماء بنت
عميس.
وقال حسين بن أحمد الديار بكري (2) في كتابه المسمى بالخميس، في قصة
استخلاف أبي بكر لعمر ما لفظه: فقال طلحة والزبير: ما كنت قائلا لربك إذا
وليته مع غلظته، وفي رواية قال طلحة: أتولي علينا فظا غليضا ما تقول لربك إذا
لقيته (3) إلى آخره.
وقال ولي الله الدهلوي في إزالة الخفاء، في المقصد الأول في الفصل
الرابع: وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحارث، أن أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس: تستخلف علينا فظا غليظا ولو قد
ولينا كان أفظ وأغلظ فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت عليهم خير
هلك (4) الحديث انتهى

(1) الاكتفاء.
(2) حسين بن محمد بن الحسن المالكي القاضي مات 982 الكنى والألقاب 2: 236. تاريخ آداب اللغة
العربية 3: 308 كشف الظنون 203. 725.
(3) تاريخ الخميس 2: 241.
(4) إزالة الخفاء.
102

وقد ذكر ولي الله الدهلوي في إزالة الخفاء، في المقصد الأول أيضا في بيان
أفضلية المشايخ الثلاثة هذا الخبر في المقصد الثاني أيضا هذا الخبر في مآثر أبي
بكر (1).
وذكر ولي الله الدهلوي، في قرة العينين أيضا هذا الخبر في: إن أبا بكر
حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس: تستخلف علينا فظا
غليظا ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ فما تقول إلى ربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر
قال أبو بكر: أبربي تخوفوني أقول: اللهم استخلفت عليهم خير خلقك، ثم
أرسل إلى عمر فقال: إني موصيك بوصية الحديث (2) أخرجه ابن أبي شيبة.
ذكر اعتراف عمر
بكونه غليظا وشديدا
قال ابن سعد في الطبقات في ترجمة عمر ما لفظه: أخبرنا وهب بن جرير
قال: أخبرنا شعبة عن جامع بن سداد عن ذي قرابة له قال: سمعت عمر بن
الخطاب يقول: ثلاث كلمات إذا قلتها فهيمنوا عليها، اللهم إني ضعيف
فقوني، اللهم إني غليظ فليني، اللهم إني بخيل فسخني.
وقال ابن سعد أيضا في الطبقات: أخبرنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش
عن جامع بن شداد عن أبيه قال: كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر أن
قال: اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف فقوني، وإني بخيل فسخني (3).
وقال ابن الجوزي (4) في كتاب سيرة عمر ما لفظه: عن جامع بن شداد عن

(1) نفس المصدر.
(2) الطبقات 3: 274.
(3) المصدر السابق.
(4) أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد البكري الحنبلي المتوفى 597 كان له يد طولى في التفسير والحديث والصناعة
الوعظ في كل العلوم. تذكرة الحفاظ 4: 131. النجوم الزاهرة 6: 174. طبقات المفسرين 17 مرآة
الجنان 3: 489. مفتاح السعادة 1: 207 روضات الجنات 5: 35. الغدير 1: 117
103

أبيه، قال: كان أول ما تكلم به عمر حين صعد إلى المنبر، اللهم إني شديد
فليني، وأني ضعيف فقوني، وأني بخيل فسخني (1).
وقال علي المتقي في كنز العمال: عن جامع بن شداد عن أبيه قال: كان أول
كلام تكلم به عمر بن الخطاب حين صعد المنبر قال: اللهم إني غليظ فليني، وأني
ضعيف فقوني، وأني بخيل فسخني (2).
وقال حسين بن محمد بن الحسن الديار بكري في تاريخه المسمى بالخميس،
وعن جامع بن شداد عن أبيه قال: كان أول من تكلم به عمر حين صعد المنبر أن
قال: اللهم إني شديد فليني، وأني ضعيف فقوني وأني بخيل فسخني (3).
ذكر كون عمر
أفظ وأغلظ بنص أزواج النبي (ص)
قال محمد بن سعد البصري في كتابه الطبقات: أخبرنا محمد بن عمر،
حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عبد الحميد بن عبد
الرحمن بن زيد بن الخطاب،، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال: استأذن عمر
بن الخطاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية
أصواتهن، فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب فدخل عمر ورسول الله يضحك
فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال رسول الله: ضحكت من
هؤلاء اللائي كن عندي، فلما سمعن صوتك بادرن الحجاب، فقال عمر: يا
عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله، قلن: ألست أغلظ وأفظ، فقال
رسول الله: والذي نفسي بيده ما لقيت الشيطان قط سالكا فجاء إلا سلك فجا غير
فجك (4).

(1) سيرة عمر: 178. ابن أبي الحديد 3: 100.
(2) كنز العمال 4: 423.
(3) تاريخ الخميس 2: 241.
(4) الطبقات 8: 181 الغدير 8: 94 نقلا عن البخاري.
104

وقال مسلم في صحيحه في كتاب المناقب: حدثنا منصور بن أبي مزاحم
حدثنا إبراهيم يعني ابن سعد، وحدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد قال عبد:
أخبرني وقال حسن حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح
عن ابن شهاب أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد أن محمد بن سعد بن
أبي وقاص أخبر أن أباه سعد قال: استأذن عمر على رسول الله (ص) وعنده نساء
من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن
الحجاب، فأذن له رسول الله (ص) ورسول الله (ص) يضحك، فقال عمر:
أضحك الله سنك يا رسول الله (ص) فقال رسول الله (ص) عجبت من هؤلاء
اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب قال عمر: فأنت يا رسول
الله أحق أن يهبن، ثم قال عمر: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله
(ص)؟ قلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله (ص)، قال رسول الله
(ص): والذي نفسي بيده ما لقيت الشيطان قط لك فجا إلا سلك فجا غير
فجك (1).
أخبرنا محمد بن عمر قال: وحدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد
بن أبي وقاص بن أبيه عن جده قال: كن عنده نساء النبي (ص) يستكسينه
فدخل عمر على ذلك فذكر كذلك (2).
وقال أحمد بن حنبل الشيباني في سنده: حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن
صالح قال: ابن شهاب أخبرني عن عبد الحميد بن عبد الرحمان بن محمد بن زيد، أن
محمد بن سعيد بن أبي وقاص، أخبرنا أن أباه سعد بن أبي وقاص قال: أستأذن
عمر على رسول الله (ص) وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية
أصواتهن فلما استأذن قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله (ص) يعني فدخل
برسول الله (ص) يضحك فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله (ص)

(1) صحيح مسلم 2: 233.
(2) الطبقات 8: 181.
105

قال رسول الله (ص) عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك
ابتدرن بالحجاب قال عمر: فأنت يا رسول الله أحق أن يهبن ثم قال عمر: أي
عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله (ص) قلن: نعم أنت أفظ وأغلظ
من رسول الله (ص) قال رسول الله (ص) والذي نفسي بيده ما لقيت
الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك (1).
وقال أحمد في مسنده أيضا: حدثنا زيد أنبأنا إبراهيم بن سعد وهاشم في
حديثه، قال حدثني صالح بن كيسان، وقال يزيد: عن صالح الزهري عن عبد
الحميد بن عبد الرحمان، عن محمد بن سعد عن أبيه قال: دخل عمر بن الخطاب
رضي الله عنه على رسول الله (ص) وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرن
رافعات أصواتهن فلما سمعن صوت عمر انقمعن وسكتن فضحك رسول الله
(ص) فقال عمر: يا عدوات أنفسهن تهبنني ولا تهبن رسول الله (ص) فقلن:
أنك أفظ وأغلظ، فقال رسول الله (ص) ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا
سلك فجا غير فجك (2).
وقال البخاري (3): في مناقب عمر بن الخطاب حدثنا عبد العزيز بن عبد
الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، وحدثنا علي بن عبد الله، حدثنا يعقوب بن
إبراهيم، حدثنا أبي صالح عن ابن شهاب، أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمان
بن زيد أن محمد بن سعيد بن أبي وقاص أخبره أن أباه قال: استأذن عمر على
رسول الله (ص) وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن فلما
استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله (ص) ورسول الله (ص)
يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، قال: عجبت من هؤلاء

(1) مسند أحمد 1: 171.
(2) مسند ابن حنبل 1: 171.
(3) أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن بردزية البخاري المتوفى 256. أوثق المحدثين وأقدمهم
رتبة عند علماء الجمهوري. الغدير 1: 93. الكنى والألقاب 2: 71. وفيات 4: 189. معجم البلدان
1: 355.
106

اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب قال عمر: فأنت يا رسول
الله كنت أحق أن يهبن ثم قال عمر: إي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول
الله (ص) قلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله (ص) قال رسول الله
(ص): والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير
فجك (1).
وقال البخاري في صحيحه أيضا في باب التبسم والضحك: حدثنا
إسماعيل قال: حدثنا إبراهيم عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عبد
الحميد بن عبد الرحمان بن زيد بن الخطاب عن محمد بن سعيد عن أبيه قال:
استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله (ص) وعنده نسوة من قريش يسألنه
ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما أستأذن عمر تبادرن الحجاب فأذن له
النبي (ص) فدخل والنبي (ص) يضحك، فقال: أضحك الله سنك يا رسول
الله، بأبي أنت وأمي فقال: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي لما سمعن صوتك
تبادرن الحجاب فقال: أنت أحق أن يهبن يا رسول الله، ثم أقبل عليهن فقال:
يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله (ص) فقلن: أنت أفظ وأغلظ من
رسول الله (ص) قال رسول الله (ص) أيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما
لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك (2).
ذكر شدة عمر
على باكيات أبي بكر
قال محمد بن سعد بن منيع البصري في كتابه الطبقات في ترجمة أبي بكر
أخبرنا عثمان بن عمر قال: أنبأنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب
قال: لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فبلغ عمر فجاء فنهاهن عن النوح
علي أبي بكر، فأبين أن ينتهين، فال لهشام بن الوليد: أخرج إلي ابنة أبي

(1) صحيح البخاري مناقب عمر: 256. وباب صفة إبليس 5: 89.
(2) صحيح البخاري: 382 ط الهند 1272.
107

قحافة، فعلاها بالدرة ضربات فتفرق النوائح حين سمعن ذلك، وقال: تردن أن
يعذب أبي بكر ببكائكن، أن رسول الله (ص) قال: إن الميت يعذب ببكاء
أهله عليه (1).
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا مالك بن أبي الرجال عن أبيه عن
عائشة قالت: توفي أبو بكر بين المغرب والعشاء فأصبحنا فاجتمع نساء المهاجرين
والأنصار وأقاموا النوح، وأبو بكر يغسل ويكفن، فأمر عمر بن الخطاب بالنوح
ففرق، فوالله على ذلك إن كن ليفرقن ويجتمعن (2).
وقال عز الدين ابن الأثير الجزري، في تاريخه المسمى الكامل: في ذكر وفاة
أبي بكر، وأقامت عليه عائشة النوح فنهاهن عن البكاء عمر فأبين فقال لهشام بن
الوليد أدخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة فأخرج إليه أم فروة ابنة أبي قحافة فعلاها
بالدرة ضربات فتفرق النوح حين سمعن ذلك (3).
شدة عمر
على ابنته حفصة
قد سمعت آنفا ما تجرأ به عمر على نساء الرسول (ص) بمحضر منه،
ولنذكر وقائع أخرى حرية بالسمع والتدبير واقعة ضرب عمر زوجته وذكر ذلك عند
رسول الله (ص).
قال محمد بن سعيد البصري في كتاب الطبقات أخبرنا محمد بن عمر حدثنا
جارية بن أبي عمران قالت: سمعت أبا سلمة الحضرمي يقول: جلست مع أبي
سعيد الخدري وجابر بن عبد الله، وهما يحدثان وقد ذهب بصر، فجاء رجل
فسلم ثم جلس فقال يا أبا عبد الله: أرسلني إليك عروة بن الزبير أسألك فيم هجر
رسول الله (ص) نسائه، فقال جابر: تركنا رسول الله (ص) يوما وليلة لم

(1) (2) الطبقات 3: 208 - 209.
(3) الكامل في التاريخ 2: 419. تاريخ الطبري 4: 49.
108

يخرج إلى الصلاة فأخذنا ما تقدم فاجتمعنا ببابه نتكلم ليسمع كلامنا ويعلم
مكاننا، فأطلنا الوقوف فلم يأذن لنا الوقوف ولم يخرج إلينا، قال: فقلنا قد علم رسول
الله، مكانكم ولو أراد أن يأذن لكم لأذن، فتفرقوا لا تؤذوه، فتفرق الناس غير
عمر بن الخطاب يتنحنح ويتكلم ويستأذن حتى أذن له رسول الله (ص) قال
عمر: فدخلت عليه وهو واضع يده على خده أعرف به الكآبة، فقلت: أي نبي
الله بأبي أنت وأمي ما الذي رابك وما لقي الناس بعدك من فقدهم لرؤيتك فقال:
يا عمر يسألنني أولا ما ليس عندي، يعني نساءه، فذاك الذي بلغ مني ما ترى.
فقلت: يا نبي الله قد صككت جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها
بالأرض، لأنها سألتني ما لا أقدر عليه، وأنت يا رسول الله (ص) على موعد من
ربك وهو جاعل بعد العسر يسرا قال: فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله
(ص) قد تحلل عنه بعض ذلك (1).
وقال أحمد بن حنبل الشيباني في المسند: حدثنا عبد الملك بن عمر وأبو
عامر، قال: حدثنا زكريا يعني ابن إسحاق عن أبي الزبير عن جابر قال: أقبل أبو
بكر يستأذن على رسول الله (ص) والنساء ببابه جلوس فلم يؤذن له ثم أقبل عمر
فأستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي (ص) جالس وحوله
نسائه وهو ساكت فقال عمر رضي الله عنه: لأكلمن النبي (ص) لعل. يضحك
فقال عمر: يا رسول الله، لو رأيت بنت زيد امرأة عمر فسألتني النفقة آنفا
فوجأت عنقها، فضحك النبي (ص) حتى بدا نواجذه قال: هن حولي كما ترى
يسألنني النفقة، فقام أبو بكر رضي الله عنه، إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى
حفصة كذلك وكلاهما يقولان: تسألان رسول الله (ص) ما ليس عنده فنهاهما
رسول الله (ص) فقلن نسائه: والله لا نسأل رسول الله (ص) بعد هذا المجلس
ما ليس عنده (2)

(1) الطبقات 8: 179.
(2) مسند أحمد بن حنبل 3: 328
109

وقال أيضا: حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير، سمع جابر بن
عبد الله أنه قال: إن أزواج رسول الله (ص) سألته النفقة فلم يوافق عنده شئ
حتى أحرجنه فأتاه أبو بكر فأستأذن عليه فلم يؤذن له، ثم أتاه عمر فأستأذن عليه
فلم يؤذن له، ثم استأذنا بعد ذلك فأذن لهما ووجداه بينهن، فقال له عمر: يا
رسول الله إن ابنة زيد سألتني النفقة فوجأتها أو نحو ذلك، وأراد بذلك أن
يضحكه فضحك حتى بدت نواجذه، وقال: والذي نفسي بيده ما حبسني غير
ذلك، فقاما إلى ابنتيهما فأخذا بأيديهما، فقالا: أتسألان رسول الله (ص) بما
ليس عنده فنهاهما رسول الله (ص) عنهما فقالتا: لا نعود فعند ذلك التخيير (1).
وقال مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه حدثنا زهير حرب حدثنا
روح بن عبادة، حدثنا زكريا بن إسحاق حدثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله،
قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله (ص) فوجد الناس جلوسا به لم يؤذن
لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فأستأذن فأذن له فوجد
النبي (ص) جالسا حوله نسائه واجما ساكتا قال: فقال: لأقولن شيئا أضحك
النبي (ص) فقال: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة، سألتني النفقة فقمت
إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله (ص)، وقال: هن حولي كما ترى
يسألنني النفقة يجأ عنقها كلامها يقول: تسألن رسول الله (ص) ما ليس عنده
قلن: والله لا نسأل رسول الله شيئا أبدا ليس عنده (2).
وقال الطبري في تفسيره: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية
عن أيوب عن أبي الزبير، إن رسول الله (ص) لم يخرج صلاة فقالوا: ما شأنه
فقال عمر: إن شئتم لأعلمن منكم شأنه فأتى النبي (ص) فجعل يتكلم ويرفع
صوته حتى أذن له قال: فجعلت أقول في نفسي أي شئ أكلم به رسول الله
(ص) لعله وكلمة نحوها فقلت يا رسول الله: لو رأيت فلانة، فأتى حفصة

(1) نفس المصدر.
(2) صحيح مسلم 2: 233 ط مصر. 129.
110

فقال لا تسألي رسول الله (ص) شيئا ما كانت لك من حاجة فلي، ثم تتبع نساء
النبي (ص) فجعل يكلمهن فقال لعائشة: أيضرك إنك امرأة حسناء، وأن
زوجك يحبك لتنتهين أو لينزلن فيك القرآن؟ قال: فقالت أم سلمة يا ابن
الخطاب أو ما بقي لك إلا أن تتدخل بين رسول الله (ص) وبين نسائه، ولن تسأل
المرأة إلا لزوجها، قال: ونزل القرآن: يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن
الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا، وإن كنتن تردن الله
ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما (1).
قال محيي السنة البغوي في تفسيره المسمى - معالم التنزيل -: أخبرنا
إسماعيل بن عبد القاهر أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى
الجلودي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، أخبرنا مسلم بن الحجاج أخبرنا
زهير بن حرب أخبرنا زوج بن عبادة أخبرنا زكريا بن إسحاق أخبرنا أبو الزبير عن
جابر بن عبد الله، قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله (ص) فوجد
الناس جلوسا ببابه، ولم يؤذن لأحد منهم قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل
عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبي (ص) فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت
خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله (ص):
وقال: وهن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يجاء عنقها،
وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول تسألن رسول الله (ص) ما ليس
عنده؟ قلن: والله لا نسأل رسول الله (ص) شيئا أبدا ليس عنده (2)
وقال علاء الدين علي بن محمد الخازن البغدادي (3) في تفسيره المسمى - لباب
التأويل -: عن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله
(ص) فوجد الناس جلوسا لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر فدخل، ثم

(1) سورة الأحزاب: 28 - 29. تفسير الطبري 21: 99.
(2) معالم التنزيل 5: 210. - هامش تفسير الخازن -.
(3) علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي الصوفي مات 741. الدرر الكامنة 3: 97. الشذرات 6:
131. أيضا ح المكنون 1: 591. كشف الظنون: 1540. هدية العارفين 1: 718.
111

أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد رسول الله (ص) جالسا وحوله نسائه واجما ساكتا
فقال: لأقولن شيئا أضحك النبي (ص) فقلت: يا رسول الله، لقد رأيت بنت
خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي (ص) فقال: هن
حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة فوجأ عنقها، وقام عمر إلى
حفصة فوجأ عنقها كلاهما يقول: تسألن رسول الله (ص) ما ليس عنده؟
قلن: والله لا نسأل رسول الله (ص) شيئا أبدا ليس عنده (1).
وقال عماد الدين ابن كثير الدمشقي في تفسيره: وقال الإمام أحمد حدثنا أبو
عامر عبد الملك بن عمر، وحدثنا زكريا بن إسحاق عن أبي الزبير عن جابر رضي
الله عنه، قال: أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله (ص)
والناس ببابه جلوس، والنبي (ص) جالس، فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر رضي
الله عنه، فأستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فدخلا
والنبي (ص) جالس وحوله نسائه وهو (ص) ساكت فقال عمر (رض) لأكلمن
النبي (ص) لعله يضحك فقال عمر (رض) يا رسول الله: لو رأيت ابنة زيد
امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها فضحك النبي (ص) حتى بدت
نواجذه وقال: هن حولي يسألنني النفقة فقام أبو بكر (رض) إلى عائشة
ليضربها، وقام عمر (رض) إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألن النبي (ص) ما
ليس عنده، فنهاهما رسول الله (ص) فقلن نسائه: والله لا نسأل رسول الله
(ص) بعد هذا المجلس ما ليس عنده (2).
وقال جلال الدين السيوطي في الدر المنثور: أخرج أحمد ومسلم والنسائي
وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر قال: أقبل أبو بكر (رض) يستأذن على
رسول الله (ص) والناس ببابه جلوس والنبي (ص) جالس فلم يؤذن له ثم أذن
لأبي بكر وعمر (رض) فدخلا والنبي (ص) جالس وحوله نساؤه وهو ساكت

(1) تفسير الخازن 5: 211.
(2) تفسير ابن كثير 8: 68 - بهامش تفسير فتح البيان -
112

فقال عمر (رض) لأكلمن رسول الله (ص) لعله يضحك فقال عمر (رض)
يا رسول الله (ص) لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها
فضحك النبي (ص) حتى بدا ناجذه وقال: هن حولي يسألنني النفقة فقام أبو
بكر (رض) إلى عائشة (رض) ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان:
تسألان النبي (ص) ما ليس عنده فنهاهما رسول الله (ص) عن هذا، فقلن
نساؤه: والله لا نسأل رسول الله (ص) بعد هذا المجلس ما ليس عنده (1).
وقال محمد علي بن محمد الشوكاني (2) في تفسيره المسمى - فتح القدير - وقد
أخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن مردويه من طريق ابن الزبير عن جابر قال: أقبل
أبو بكر يستأذن على رسول الله (ص) والناس ببابه جلوس، والنبي (ص)
جالس فلم يؤذن له. ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي (ص) جالس وحوله
نساؤه وهو ساكت فقال عمر: لأكلمن رسول الله (ص) لعله يضحك، فقال
عمر: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها
فضحك النبي (ص) حتى بدا ناجذه وقال: هن حولي يسألنني النفقة، فقام أبو
بكر إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى حفصة يقولان: يقولن: تسألان النبي (ص)
ما ليس عنده فنهاهما رسول الله (ص) عن هذا فقلن نساؤه: والله لا نسأل
رسول الله (ص) بعد هذا المجلس ما ليس عنده (3).
وقال صديق حسن خان الفتوحي (4) في تفسيره المسمى بفتح البيان: وقد
أخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن مردويه، عن جابر قال: أقبل أبو بكر يستأذن

(1) الدر المنثور 4: 194.
(2) محمد بن علي بن محمد بن عبد الله اليمني الصنعائي المتوفى 1250 عالم، مفسر، مدرس، محدث فقيه
أصولي، مؤرخ، حكيم، متكلم، نحوي، منطقي، البدر الطالع 2: 214. نيل الوطر 2: 279.
معجم المطبوعات: 1160. مصفى المقال: 441. المنى والألقاب 2: 371.
(3) فتح القدير 4: 272.
(4) أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي مات 1307 مؤلف،
وزير، مفسر، عالم له تصانيف بالعربية والفارسية والهندية. حلية البشر 2: 738. أبجد العلوم:
939. جلاء العينين: 30. تاريخ آداب اللغة 4: 264. إيضاح المكنون 1: 1. الأعلام 7: 36.
113

على رسول الله (ص) والناس ببابه جلوس والنبي (ص) جالس فلم يؤذن له،
ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي (ص) جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال
عمر. لأكلمن رسول الله (ص) لعله يضحك، فقال عمر: يا رسول الله لو
رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها فضحك النبي (ص)
حتى بدا ناجذه وقال: هن حولي يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها،
وقام إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان النبي (ص) ما ليس عنده، فنهاهما
رسول الله عن هذا، فقلن نساؤه: والله لا نسأل رسول الله (ص) بعد
هذا المجلس ما ليس عنده (1).
ذكر شدة عمر
على النساء الباكيات في عهد رسول الله (ص)
قال أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني في المسند: حدثنا يزيد أخبرنا حماد بن
سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: لما مات عثمان بن
مظعون (2) قالت امرأته: هنيئا لك الجنة يا عثمان بن مظعون، فنظر رسول الله
(ص) إليها نظر غضبان فقال: وما يدريك قالت: يا رسول الله، فارسك
وصاحبك، فقال رسول الله (ص): والله إني رسول الله وما أدري ما يفعل بي
فأشفق الناس على عثمان، فلما ماتت زينب (3) ابنة رسول الله (ص) قال رسول
الله (ص) ألحقوها بسلفنا الخير عثمان بن مظعون، فبكت النساء، فجعل عمر
يضربهن بصوته فأخذ رسول الله (ص) يده وقال: مهلا يا عمر دعهن يبكين،
وإياكن ونعيق الشيطان فإنه مهما يكن من العين والقلب فمن الله عز وجل، ومن

(1) فتح البيان 7: 270.
(2) أبو السائب عثمان بن مضعون بن حبيب بن وهب بن حذافة المتوفى 2 ه‍ الزاهد العابد كان ممن حرم الخمر على
نفسه في الجاهلية، وهو من الصحابة. تنقيح المقال 2: 249. جامع الرواة 1: 536.
(3) توقيت زينب سنة ثمان من الهجرة فخزن عليها رسول الله (ص) حزنا عظيما.
114

الرحمة، وما يكون من اللسان واليد فمن الشيطان (1).
وفي مسند أحمد أيضا: حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الصمد وحسن
بن موسى قالا حدثنا حماد عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس
قال: لما مات عثمان بن مضعون قالت امرأته: هنيئا لك يا ابن مضعون بالجنة
قال: فنظر إليها رسول الله (ص) نظرة غضب فقال لها: ما يدريك فوالله إني
لرسول الله ما أدري ما يفعل بي قال عفان: ولا بد قالت: يا رسول الله فارسك
وصاحبك فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله (ص) حين قال ذلك لعثمان وكان
من خيارهم.
حتى ماتت رقية بنت رسول الله (ص) فقال: ألحقوها بسلفنا الخير عثمان
بن مظعون قال: وبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فقال النبي (ص) لعمر: دعهن يبكين، وإياكن ونعيق الشيطان، ثم قال رسول الله (ص): مهما
يكون من القلب والعين فمن الله والرحمة وما كان من اليد واللسان فمن
الشيطان، وقعد رسول الله (ص) على شفير القبر وفاطمة إلى جنبه تبكي فجعل
النبي (ص) يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها (2)، وسيأتي خبر هذه الواقعة فيما بعد
إنشاء الله تعالى من كتاب الطبقات لابن سعد البصري، وكتاب الإصابة لابن
حجر العسقلاني أيضا.
ذكر كراهة أم أبان لعمر
وإبائها عن زوجيته ولسوء عشرته
قال الطبري في تاريخه في ذكر أسماء ولد عمر ونساءه: قال المدائني،
وخطب أم أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت: يغلق بابه، ويمنع خيره،
ويدخل عابسا، ويخرج عابسا، (3).

(1) مسند أحمد 1: 237. مستدرك الحاكم 3: 191. مسند أبي داود الطيالسي: 351. مجمع الزوائد 3:
17. الغدير 6: 159.
(2) مسند أحمد 1: 335.
(3) تاريخ الطبري 5: 17.
115

وقال ابن الأثير الجزري في تاريخه - الكامل - في ذكر أسماء ولد عمر
ونسائه: وخطب أم أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت: يغلق بابه ويمنع
خيره، ويدخل عابسا ويخرج عابسا (1).
وأنت إذا أحطت خبرا بهذه الواقعات التي تشهد بغلظة عمر وفظاظته وشدة
ظلمه وسوء خلقه مع النساء خاصة لا تستغرب في بطلان دعوى عقد سيدتنا أم
كلثوم (ع) مع عمر.. ومن العجائب أن ثقات العلماء من العامة يروون أن
عمر لما أراد أن يتزوج أم كلثوم بنت أبي بكر وخطبها إلى عائشة، استنكفت وأبت
أم كلثوم وقالت: إنه خشن العيش، شديد على النساء (2).
وقالت أيضا: تزوجيني عمر وقد عرفت غيرته وخشونة عيشه.
وقالت أيضا لعائشة: والله لئن فعلت لأخرجن إلى قبر رسول الله (ص)
ولأصيحن به.
ويروون أيضا أن عمرو بن العاص الذي كان من مشاهير الصحابة جاء إلى
عمر وقال له: بلغني خبر أعيذك منه بالله قال عمر: وما هو قال: خطبت أم كلثوم
بنت أبي بكر قال عمر: نعم فقال عمرو بن العاص: إن أم كلثوم بنت أبي بكر
حدثة نشأت تحت كنف أم المؤمنين في لين ورفق، وفيك غلظة ونحن نهابك، وما
نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك فكيف بها إن خالفتك في شئ سطوت بها كنت
قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك قال عمر: فكيف بعائشة وقد
كلمتها، قال عمرو بن العاص: أنا لك بها (3).
ويروون أيضا: إن عمر بن الخطاب لما سمع هذا الكلام من عمرو بن
العاص ترك أم كلثوم بنت أبي بكر.
وهذا الذي ذكرنا في هذا المقام لا يخفى على من راجع تاريخ الطبري،

(1) الكامل 3: 55.
(2) الكامل 3: 55.
(3) الكامل 3: 55.
116

والاستيعاب لابن عبد البر القرطبي وغيرهما من كتب أعلام القوم، وتأتي عبارات
هذه الكتب فيم بعد إنشاء الله تعالى، وما جرى في هذه القصية يدلك على أمور
عديدة فيها عبرة لألي الأبصار.
منه: إن سوء خلق عمر بلغ من الاشتهار إلى حد التواتر حتى علمته
واستيقنته ذوات الخدور من الأبكار.
ومنها: إن سوء خلق عمر كان معلوما لعائشة بنت أبي بكر.
ومنها: إن سوء خلق عمر كان محققا عند عمرو بن العاص.
ومنها: إن سوء خلق عمر كان معلوما لعمر نفسه حتى أنه لم يقدر على رد
كلام عمرو ابن العاص، في هذا الباب ولذا ترك أم كلثوم أبو بكر ولم يعد إلى
خطبتها على زعم هذا القول.
ومنها: إن مراعاة حق أبي بكر على عمر أوجبت عليه أن لا يتزوج بنت
أبي بكر لأجل غلظته وفظاظته وخشونته وسوء خلقه، وإذا دريت هذا انكشفت لك
واستبان إن الذين يدعون إن عمر تزوج سيدتنا أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب
(ع) يثبتون اجتراء عمر بن الخطاب على أمر عظيم، وخطب جسيم، وهو
مراعاة حق أبي بكر، وترك مراعاة حق رسول الله (ص) وحق علي (ع) وحق
الزهراء (ع) وحق الحسنين (ع) ومن هنا ينكشف لك أنما ذكره بعض الرواة
إن عمر ترك بعد كلام ابن العاص السابق ذكره، أم كلثوم بنت أبي بكر
وخطب أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بمشورة عمرو بن العاص، من أبني
الكذب والمحال، ويسوق إليهما شديد الوزور والوبال، ويوجب عليهما أليم
العقاب والنكال.
ذكر شرب عمر الشراب في عهد
رسول الله (ص)
فصل ومن الدلائل البينة الظاهرة على بطلان دعوى هذا العقد إن عمر بن
117

الخطاب كان مدمنا للخمر منهمكا في الشراب وأخباره في هذا الباب لا تخفى على
أولي الألباب، فكيف يزعم إن أمير المؤمنين (ع) يزوج ابنته الطاهرة (ع) بمثل
هذا.. ومن المعلوم أن أهل الإسلام ولو كانوا من الفاغة والعوام والهمج والرعاع
والطغام يستنكفون أن يزوجوا بناتهم من الشراب، ويعدون ذلك مستوجبا لأشد
العذاب، فكيف يقدم على ذلك أمير المؤمنين (ع) إن هذا من مفتريات المولعين
بالبهت واللهو والكذاب.
قال الزمخشري، في كتابه ربيع الأبرار في الباب السادس والسبعين: أنزل
الله سبحانه وتعالى في الخمر ثلاث آيات أولها قوله تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر
قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس، الآية (1) فكان من المسلمين من شارب وتارك إلى
إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر فنزل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا
تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولوا) (2) فشربها من شربها من
المسلمين وتركها من تركها حتى شربها عمر (رض) فأخذ بلحي بعير وشج به رأس
عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر من شعر الأسود بن يعفر (3) الذي
يقول:
كأين بالقليب قليب بدر *
من الفتيا والعرب الكرام
كأين بالقليب قليب بدر *
من الشيزي المكلل بالسنام
أيوعدني ابن كبشة إن سنحيى *
وكيف حياة أصداء وهام
أيعجز أن يرد الموت عني *
وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلغ الرحمان عني *
بأني تارك شهر الصيام
فقل لله: يمنعني شرابي *
وقل لله: يمنعني طعامي
فبلغ ذلك رسول الله (ص) فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا كان في يده

(1) سورة البقرة 219.
(2) سورة النساء: 43.
(3) أبو نهشل الأسود بن يعفر الدارمي التميمي.. شاعر جاهلي من سادات تميم من أهل العراق كان فصيحا
جواد. الشعر والشعراء: 78. طبقات ابن سلام 32. خزانة الأدب 1: 195. الموشح 81.
118

فضربه به فقال: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله تعالى (أنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم غن ذكر الله
وعن الصلاة فهل أنتم منتهون (1)) فقال عمر (رض) انتهينا انتهينا (2).
وقال الشيخ شهاب الدين محمد بن أحمد الخطيب الأشبهي (3) في كتابه
- المستطرف - الباب الرابع والسبعون، في تحريم الخمر وذمها والنهي عنها:
قد أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات، الأولى قوله تعالى: (يسألونك
عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس)، الآية فكان من المسلمين من
شارب ومن تارك إلى أن شرب رجل فدخل إلى الصلاة فهجر فنزل قوله تعالى: (يا
أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)، فشربها
من شربها من المسلمين وتركها من تركها حتى شربها عمر (رض) فأخذ بلحي
بعير وشج به رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بشعر الأسود ابن
يعفر يقول:
وكائن بالقليب قليب بدر
من الفتيان والعرب الكرام
أيوعدني ابن كبشة أن سنحيى
وكيف حياة أصداء وهام
أيعجز أن يرد الموت عني
وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلغ الرحمن عني
بأني تارك شهر الصيام
فقل لله يمنعني شرابي
وقل لله يمنعني طعامي
فيبلغ ذلك رسول الله (ص) فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا كان في يده

(1) سورة المائدة: 91.
(2) الغدير 6: 251 نقلا عن ربيع الأبرار. تفسير الطبري 2: 203. مسند أحمد 1: 53. سنن النسائي 8:
287. تاريخ الطبري 7: 22. سنن البيهقي 8: 285. أحكام القرآن 2: 245. المستدرك 2:
278. تفسير القرطبي 5: 200. تفسير الخازن 1: 513. فتح الباري 8: 225. الدر المنثور 1:
252.
(3) شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي المتوفى 850 أديب متتبع دخل القاهرة. الضوء اللامع 7: 109.
كشف الظنون: 1673. معجم المطبوعات: 22
119

فضربه به فقال: أعوذ بالله من غضبه ومن غضب رسوله، فأنزل الله تعالى:
(إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم
عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون، فقال عمر (رض) انتهينا
انتهينا (1).
وقال ابن الأثير الجزري في النهاية، في لغة الخمر: ومنه حديث عمر أنه شرب
شرابا فيه حمازة، أي لدغ وحدة أو حموضة (2).
وقال محمد بن محمود الخوارزمي (3) في كتابه المسمى - جامع مسانيد أبي
حنيفة، عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب، أتى بأعرابي قد سكر فطلب
له عذر فلما أعياه قال: احبسوه فإن صحى فاجلدوه، ودعا عمر بفضله ودعا بماء
فصبه عليه فكسره ثم شرب وسقى أصحابه، ثم قال: هكذا فاكسروه بالماء إذا
غلبكم شيطانه، قال: وكان يحب الشراب الشديد (4).
أخرجه الحافظ الحسين بن محمد بن خسرو في مسنده، عن أبي القاسم بن
أحمد بالأسناد السابق إلى أبي حنيفة، وأخرجه الإمام محمد بن الحسن في
الأثارة (5) فرواه عن أبي حنيفة رضي الله عنه (6).
وقال أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي في كتابه المسمى - المبسوط -:
وعن محمد بن الزبير رضي الله عنه قال: استشار الناس عمر (رض) في شراب
مرقق، فقال رجل من النصارى: إنا نصنع شرابا في صومنا فقال عمر (رض)
ائتني بشئ منه، قال: فأتاه بشئ منه، قال: ما أشبه هذا بطلاء الإبل، كيف

(1) المستطرف 2: 229.
(2) النهاية 1: 44.
(3) أبو المؤيد محمد بن محمود بن محمد بن حسن الخوارزمي الحنفي المتوفى 655 فقيه خطيب محدث. تاج التراجم:
49. كشف الظنون 2: 168. الأعلام 7: 308.
(4) جامع المسانيد أبي حنيفة 2: 192.
(5) الآثار: 226.
(6) السنن للنسائي 8: 326. أحكام القرآن 2: 565.
120

تصنعونه؟ قال: نطبخ العصير حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، فصب عليه عمر -
(رض) ماء وشرب منه ثم ناوله عبادة، ما أرى النار تحل شيئا فقال عمر: يا أحمق
أليس يكون خمرا ثم يصير خلا فتأكله (1).
وقال السرخسي أيضا في المبسوط: وعن عمر (رض) أنه أتى بنبيذ الزبيب
فدعا بماء وصبه عليه وشرب، وقال: أن لنبيذ زبيب الطائف غراما (2).
قال علي المتقي في كنز العمال: عن عتبة بن فرقد قال: قدمت على عمر
بسلال خبيص فقال: ما هذا فقلت طعام أتيتك به لأنك تقضي في حاجات الناس
أول النهار، فأحببت إذا رجعت أن ترجع طعام فتصيب منه فقواك فكشف عن
سلة منها، فقال عزمت عليك يا عتبة أرزقت كل رجل من المسلمين سلة؟ فقلت يا
أمير المؤمنين لو أنفقت مال قيس كلها ما وسعت ذلك، قال: فلا حاجة لي فيه،
ثم دعا بقصعة ثريد خبزا خشنا ولحما غليظا وهو يأكل معي أكلا شهيا، فجعلت
أهوى إلى البضعة البيضاء أحسبها سناما، فإذا هي عصبة.
والبضعة من اللحم أمضغها فلا أسيغها فإذا غفل عني جعلتها بين الخوان
والقصعة، ثم دعا بعس من نبيذ قد كاد أن يكون خلا فقال: أشرب فأخذته وما
أكاد أسيغه ثم أخذ فشرب ثم قال: اسمع يا عتبة أنا نخر كل يوم جزورا فأما ودكها
وأطائبها فلمن حضرنا من أفاق المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر يأكل هذا اللحم
الغليظ، ونشرب هذا النبيذ الشديد، ويقطع في بطوننا أن يؤذينا (3).
وقال علي المتقي في كنز العمال: عن أبي وائل قال: غزوت مع عمر الشام
فنزلنا منزلا فجاء دهقان يستدل على أمير المؤمنين حتى أتاه فلما رأى الدهقان عمر
سجد فقال عمر: ما هذا السجود فقال: هكذا نفعل بالملوك فقال عمر: اسجد

(1) المبسوط 24: 7.
(2) المصدر السابق 24: 8.
(3) كنز العمال 2: 109 نقلا عن ابن أبي شيبة، محاضرات الراغب 1: 319 السنن الكبرى 8: 299.
الغدير 6: 257.
121

لربك الذي خلقك فقال: يا أمير المؤمنين إني قد صنعت لك طعاما فأتني فقال
عمر: هل في بيتك من تصاوير العجم قال: نعم قال: لا حاجة لي في بيتك ولكن
أنطلق فابعث لنا بلون من الطعام ولا تزدنا عليه فانطلق فبعث إليه بطعام فأكل
منه، ثم قال عمر لغلامه: هل في أدواتك شئ من ذلك النبيذ قال: نعم فأتاه
فصبه في إناء ثم شمه فوجده منكر الريح فصب عليه ماء ثم شربه، ثم قال: إذا
رابكم من شرابكم شئ فافعلوا به هكذا ثم قال: سمعت رسول الله (ص)
يقول: لا تلبسوا الديباج والحرير، ولا تشربوا في آنية الفضة والذهب، فإنها لهم
في الدنيا ولنا في الآخرة (1).
وفي الموطأ لمالك ما صورته: مالك عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن
القاسم أن أسلم مولى عمر بن الخطاب أخبره، أنه زار عبد الله بن عياش
المخزومي، فرأى عنده نبيذا وهو بطريق مكة، فقال له أسلم أن هذا الشراب
يحبه عمر بن الخطاب، فحمل عبد الله بن عياش قدحا عظيما، فجاء به إلى عمر
بن الخطاب فوضعه في يده، فقربه عمر إلى فيه ثم رفع رأسه، فقال عمر: أن
هذا الشراب طيب فشرب منه، ثم ناوله رجلا عن يمينه فلما أدبر عبد الله ناداه عمر
فقال: أأنت القائل لمكة خير من المدينة؟ فقال عبد الله: فقلت: هي
حرم الله وأمنه وفيها بيته، فقال عمر: لا أقول في بيت الله ولا في حرمه شيئا، ثم
قال عمر أأنت القائل لمكة خير من المدينة فقلت هي حرم الله وأمنه وفيها
بيته، فقال عمر: لا أقول في حرم الله ولا في بيته شيئا، ثم أنصرف (2).
وقال ولي الله في إزالة الخفاء: مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن
القاسم، أن أسلم مولى عمر بن الخطاب أخبره، أنه زار عبد الله بن عياش
المخزومي، فرأى عنده نبيذا وهو بطريق مكة، فقال له أسلم: إن هذا الشراب
يحبه عمر بن الخطاب، فحمل عبد الله ابن عياش المخزومي قدحا عظيما فجاء به

(1) الطبقات الكبرى 6: 97. كنز العمال.
(2) الموطأ 2: 894، كتاب الجامع
122

إلى عمر بن الخطاب فوضعه في يده فقربه إلى فيه ثم رفع رأسه فقال عمر: أن هذا
الشراب طيب فشرب منه ثم ناوله رجلا عن يمينه (1) إلى آخر الحديث.
وأورد محمد بن سعد البصري في كتاب الطبقات في ترجمة عمر خبرا يشتمل
على قتل عمر وفيه، فقال له الناس ليس عليك بأس فدعا بنبيذ فشربه فخرج من
جرحه، ثم دعا بلبن فشربه فخرج من جرحه (2).
وذكر ابن سعد في الطبقات خبرا آخر وفيه: فحمل عمر إلى منزله فأتى
الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك قال: النبيذ قال: فدعا بنبيذ فشرب منه
فخرج من إحدى طعناته، فقالوا: إنما هذا الصديد صديد الدم قال: فدعي بلبن
فشربه منه فخرج فقال: أوصي بما كنت موصيا فوالله ما أراك تمسي (3).
وذكر ابن سعد في الطبقات خبر آخر في قتل عمر وفيه: فاحتمل عمر فدخل
الناس عليهم، فقال: يا عبد الله بن عباس، أخرج فنادي في الناس: أيها الناس
إن أمير المؤمنين يقول: أعن ملأ منكم هذا؟ فقالوا: معاذ الله ما علمنا ولا
اطلعنا، فقال: أدعو لي طبيبا، فدعى له الطبيب فقال: أي شراب أحب
إليك؟ قال: نبيذ، فسقي نبيذا فخرج من بعض طعناته فقال الناس: هذا
صديد، أسقوه لبنا، فسقي لبنا فخرج فقال الطبيب ما أرى أن تمسي كما كنت
فاعلا فافعل (4).
وذكر ابن سعد في الطبقات خبر آخرا في مقتل عمر وفيه سالم: فسمعت
عبد الله بن عمر يقول: قال عمر أرسلوا إلي طبيبا ينظر إلى جرحي هذا، قال:
فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسقي عمر نبيذا فشبه النبيذ بالدم حين خرج من
الطعنة التي تحت السرة (5).

(1) إزالة الخفاء.
(2) الطبقات الكبرى 3: 255.
(3) الطبقات 3: 346، 354.
(4) الطبقات 3: 341 عن عمرو بن ميمون.
(5) الطبقات 3: 346.
123

وذكر ابن سعد في الطبقات خبرا آخر وفيه: ودعي له طبيب فسقاه نبيذا
فخرج مشاكلا للدم، فسقاه لبنا فخرج أبيض (1).
وذكر ابن سعد في الطبقات خبرا آخر وفيه: فقالت له امرأة: سقاه الطبيب
نبيذا فخرج وسقاه لبنا فخرج، فقال: لا أرى تمسي، فما كنت فاعلا فافعل (2).
وذكر ابن سعد في الطبقات خبرا آخر وفيه: إن عمر بن الخطاب قال:
أسقوني نبيذا وكان من أحب الشراب إليه، قال: فخرج النبيذ من جرحه مع
صديد الدم فلم يتبين لهم ذلك أنه شرابه الذي شرب، فقالوا: لو شربت لبنا فأتى
به فلما شرب اللبن خرج من جرحه فلما رأى بياضه بكى وأبكى من حوله من
أصحابه فقال: هذا حين لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديب به من هول
المطلع (3).
وذكر ابن سعد في الطبقات في ترجمة عمر خبرا آخر وفيه قال: أتى عمر بن
الخطاب بشراب حين طعن فخرج من جراحته فقال صهيب: واعمراه، واأخاه
من لنا بعدك فقال له عمر: مه يا أخي أما شعرت أنه من يعول عليك يعذب (4).
وقال ابن قتيبة الدنيوري في الإمامة والسياسة، في ذكر مقتل عمر: فقال:
يا ابن عباس، أخرج فناد في الناس أعن ملأ ورضا منهم كان هذا فخرج فنادى،
فقال: معاذ الله ما علمنا ولا اطلعنا قال: فأتاه الطبيب فقال: أي الشراب أحب
إليك؟ قال: النبيذ فسقوه نبيذا، فخرج من بعض طعناته، فقال الناس:
صديدا، أسقوه لبنا، فخرج اللبن، فقال الطبيب: لا أرى أن تمسي فما كنت
فاعلا فافعل (5).

(1) الطبقات 3: 351 عن المسور بن مخرمة.
(2) الطبقات 3: 352 عن عبد الله بن عباس.
(3) الطبقات 3: 354، عن عبد الله بن عبيد بن عمير.
(4) الطبقات 3: 362، عن محمد بن سيرين.
(5) الإمامة والسياسة 1: عن عمرو بن ميمون.
124

وقال الطبري في تاريخه، في ذكر مقتل عمر قال: فجعل يدخل عليه
المهاجرون والأنصار، فيسلموا عليه ويقول: أعن ملأ منكم كان هذا؟
فيقولون: معاذ الله، قال ودخل في الناس كعب فلما نظر إليه عمر أنشأ يقول:
فأودعني كعب ثلاثا أعدها *
ولا شك أن القول ما قال لي كعب
وما بي حذار الموت أني لميت *
ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب
قال: فقيل له يا أمير المؤمنين، أدعوت الطبيب قال: فدعى طبيب
بني الحارث بن كعب، فسقاه نبيذا فخرج النبيذ مشكلا، قال فاسقوه لبنا
قال: فخرج اللبن أبيض، فقيل له: يا أمير المؤمنين أعهد قال: قد فرغت (1).
وقال ابن عبد البر القرطبي في الاستيعاب، في ترجمة عمر في ذكر مقتله:
قال ادعوا لي الطبيب، فدعى الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك؟ قال:
النبيذ، فسقي نبيذا فخرج من بعض طعناته، فقال الناس: هذا دم صديد قال:
أسقوني لبنا فسقي لبنا فخرج من الطعنة فقال له الطبيب: لا أرى أن تمسي فما
كنت فاعلا فافعل (2).
وقال ابن الأثير الجزري في أسد الغابة في ترجمة عمر في ذكر مقتله، فأتى
نبيذه فشربه فخرج من جوفه، ثم أتى بلبن فشربه فخرج من جوفه فعرفوا أنه
ميت (3).
وقال في أسد الغابة أيضا: في خبر عن ابن عباس (رض) قال: كنت مع
علي فسمعنا الصيحة على عمر قال: فقام وقمت معه حتى دخلنا عليه البيت الذي
هو فيه، فقال: ما هذا الصوت؟ فقالت له امرأة: سقاه الطبيب نبيذا فخرج
وسقاه لبنا فخرج وقال: لا أرى أن تمسي فما كنت فاعلا فافعل (4).

(1) تاريخ الطبري 5: 13.
(2) الاستيعاب 2: 269 - هامش الإصابة -.
(3) أسد الغابة 4: 75.
(4) المصدر السابق 4: 76.
125

قال ابن الأثير الجزري في تاريخه المسمى - الكامل - في ذكر مقتل عمر:
ودعى له طبيب من بني الحارث بن كعب، فسقاه نبيذا فخرج غير متغير فسقاه لبنا
فخرج كذلك أيضا فقال له: أعهد يا أمير المؤمنين قال: قد فرغت (1).
وقال المحب الطبري في - الرياض النظرة - في ذكر كيفية قتل عمر: فأتى
بنبيذ فشربه فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جوفه فعرفوا أنه
ميت (2).
وقال المحب الطبري أيضا في الرياض النضرة: في ذكر سبب قتل عمر،
فدعا عمر بشراب لينظر ما قدر جرحه، فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه، فلم
يدر أنبيذ هو أم دم، فدعى بلبن فشربه فخرج من جرحه، فقالوا: لا بأس عليك
يا أمير المؤمنين قال: أن يكن القتل بأسا فقد قتلت (3).
وقال المحب الطبري أيضا في الرياض النضرة في ذكر أن قتل عمر كان قبل
الدخول في الصلاة، وقال: أدعو لي الطبيب، فدعوا الطبيب فقال: أي
الشراب أحب إليك قال: النبيذ، فسقي نبيذا فخرج من بعض طعناته، فقال
الناس: هذا دم، هذا صديد فقال: اسقوني لبنا فخرج من الطعنة، فقال له
الطبيب: لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلا فافعل (4).
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء: وأتى عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه
فلم يتبين، فسقوه لبنا فخرج من جرحه فقال: لا بأس عليك فقال: إن يكن
بالقتل بأس فقد قتلت (5).
وقال الديار بكري في تاريخه المسمى - الخميس - في ذكر مقتل عمر: فقيل له

(1) الكامل في التاريخ 3: 51.
(2) الرياض النضرة 2: 91.
(3) الرياض النضرة 2: 93.
(4) الرياض النضرة 2: 95.
(5) تاريخ الخلفاء: 134
126

لو دعوت الطبيب، فدعي له الطبيب من بني الحارث بن كعب فسقاه نبيذا فخرج
من جوفه مشكلا، فقال: أسقوه لبنا فخرج من جوفه أبيض فعرفوا أنه ميت فقال
له الطبيب لا أرى أن تمسي فما كنت فاعلا فافعل (1).
إساءة أدب المغيرة
فصل ومن الدلائل على بطلان دعوى هذا العقد إن المغيرة بن شعبة
الصحابي المعروف الذي كامن أخلاء عمر وأخصائه وقصة زنائه بأم جميل معروفة
مشهورة، ومحاماة عمر إياه في هذا الباب لا يخفى على أحد فقد أساء الأدب في حق
سيدتنا أم كلثوم (ع) تقشعر منه الجسوم وترتعد منها القلوب، ومن الظاهر البين
إن سيدتنا أم كلثوم (ع) لو كانت زوجة عمر لما تجاسر المغيرة على كلامه الباطل
المشتمل على سوء الأدب الجار إياه إلى النار ذات اللهب لكنه لما رأى أن عليا (ع)
كان مع الحق والحق معه.. ولذا لم يرض بمحاماة عمر في بابه إذ زاد ضغنا على
ضغن وحقدا على حقد، وعبر عن أم جميل التي زنى معها بأنها أم كلثوم بنت علي
(ع).
وإن كنت في ريب مما ذكرنا فانظر مما ذكره قاضي القضاة شمس الدين أحمد
بن محمد بن إبراهيم البرمكي الأربلي الفقيه الشافعي المعروف بابن خلكان في كتابه
المسمى - وفيات الأعيان - في ترجمة يزيد بن زياد ربيعة مفرغ الحميري:
وأما حديث المغيرة بن شعبة الثقفي والشهادة عليه، فإن عمر بن الخطاب
(رض) كان قد رتب المغيرة أميرا على البصرة، وكان يخرج من دار الإمارة نصف
النهار، وكان أبوه بكرة يلقاه فيقول: أين يذهب الأمير؟ فيقول: في حاجة،
فيقول: إن الأمير يزار ولا يزور.
قالوا: وكان يذهب إلى امرأة يقال لها أم جميل بنت عمرو، وزوجها الحجاج
بن عتيك بن الحارث بن وهب الجشمي، وقال ابن الكلبي في كتاب - جمهرة

(1) تاريخ الخميس 2: 249.
127

النسب - هي أم جميل بنت الأفقم ابن محجن بن أبي عمرو بن شعيثة ابن الهزم،
وعدادهم في الأنصار، وزاد غير ابن الكلبي فقال: الهزم بن رؤيبة بن عبد الله بن
هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، والله أعلم.
قال الراوي: فبينما أبو بكيرة في غرفة مع أخوته، وهم نافع وزياد وشبل بن
معبد والجميع أولاد سمية فهم أخوة لأم، وكانت أم جميل المذكورة في غرفة أخرى
قبالة هذه الغرفة، فضربت الريح باب غرفة أم جميل ففتحته، ونظر القوم وإذا هم
بالمغيرة مع المرأة على هيئة الجماع فقال أبو بكرة: هذه بلية قد ابتليتم بها فانظروا،
فنظروا حتى أثبتوا فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة
فقال له: أنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا قال: وذهب المغيرة ليصلي
بالناس الظهر، ومضى أبو بكرة فقال: لا ولله لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت،
فقال الناس: دعوه فليصل فإنه الأمير، واكتبوا بذلك إلى عمر (رض) فكتبوا إليه
فأمرهم أن يقدموا عليه جميعا المغيرة والشهود، فلما قدموا عليه جلس عمر (رض)
فدعا بالشهود والمغيرة، فتقدم أبو بكرة فقال له: رأيته بين فخذيها، قال: نعم
والله لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها، فقال له المغيرة: قد ألطفت في
النظر، فقال أبو بكرة: لم آل أن أثبت ما يخزيك الله به.
فقال عمر (رض): لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيها ولوج المردود في
المكحلة فقال: نعم، أشهد على ذلك فقال: فاذهب عنك مغيرة ذهب ربعك،
ثم دعا نافعا فقال له: علام تشهد قال: على مثل شهادة أبي بكر قال: لا، حتى
تشهد أنه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة قال: نعم حتى بلغ قذذه - قلت:
القذذ، بالقاف المضمومة وبعدها ذالان معجمتان وهي ريش السهم - قال
الراوي: فقال له عمر (رض) اذهب مغيرة، ذهب نصفك، ثم دعا الثالث فقال
له: على ما تشهد؟ فقال: على مثل شهادة صاحبي، فقال له عمر (رض)
اذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك.
ثم كتب إلى زياد وكان غائبا فقدم فلما رآه جلس له في المسجد وأجتمع عنده
رؤوس المهاجرين والأنصار، فلما رآه مقبلا قال: إني أرى رجلا لا يخزي الله على
128

لسانه رجلا من المهاجرين، ثم إن عمر (رض) رفع رأسه إليه فقال: ما عندك يا
سلح الحباري، فقيل إن المغيرة قام إلى زياد فقال: لا مخبأ لعطر بعد عروس -
قلت: وهذا مثل للعرب لا حاجة إلى الكلام عليه (1) فقد طالت هذه الترجمة كثيرا -
قال الرواي: فقال له المغيرة: يا زياد، اذكر الله تعالى واذكر موقف يوم القيامة،
فإن الله تعالى وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي، إلا أن تتجاوز إلى ما لم
تر مما رأيت، فلا يحملنك سوء منظر رأيته على أن تتجاوز إلى ما لم تر، فوالله لو
كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أن يسلك ذكري فيها، قال: فدمعت عينا زياد
وأحمر وجهه وقال: يا أمير المؤمنين، أما أن أحق ماحق القوم فليس عندي، ولكن
رأيت مجلسا وسمعت نفسا حثيثا وانتهازا ورأيته مستبطنها، فقال عمر (رض):
رأيته يدخل كالميل في المكحلة فقال: لا.
وقيل قال زياد: رأيته رافعا رجليها فرأيت خصييه تتردد إلى بين فخذيها،
ورأيت حفزا شديدا وسمعت نفسا عالية فقال عمر (رض) رأيت يدخله ويخرجه
كالميل في المكحلة؟ فقال لا، فقال عمر (رض): الله أكبر قم إليهم
فاضربهم، فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين، وأعجبه قول زياد،
ودر الحد عن المغيرة. فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: أشهد أن المغيرة فعل كذا
وكذا، فهم عمر (رض) أن يضربه حدا ثانيا، فقال له علي بن أبي طالب
(رض): إن ضربته فارجم صاحبك، فتركه، واستتاب عمر أبا بكرة فقال: إنما
تستثيبني لتقبل شهادتي فقال: أجل فقال: لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا،
فلما ضربوا الحد قال المغيرة: الله أكبر، الحمد لله الذي أخزاكم فقال عمر
(رض): بل أخزى الله مكانا رأوك فيه.
وذكر عمر بن شبة (2) في كتاب - أخبار البصرة إن أبا بكرة لما جلد أمرت

(1) مجمع الأمثال (2) 211.
(2) أبو زيد عمر بن شبة بن عبيدة بن ريطة النميري البصري المتوفى 262 شاعر، راوية، مؤرخ، حافظ
للحديث من أهل البصرة له تصانيف. إرشاد الأريب 6: 48. تهذيب التهذيب 7: 460. بغية الوعاة:
361. الأعلام 5: 206.
129

أمه بشاة فذبحت وجعلت جلدها على ظهره، فكان يقال: ما ذاك إلا من ضرب
شديد، وحكى عبد الرحمان بن أبي بكرة: إن أباه حلف أن لا يكلم زيادا ما
عاش، فلما مات أبو بكرة كان قد أوصى أن لا يصلي عليه زياد، وأن لا يصلي عليه
أبو برزة الأسلمي، وكان النبي (ص) آخى بينهما، وبلغ ذلك زيادا فخرج إلى
الكوفة وحافظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد وشكره.
ثم أن أم جميل وافقت عمر بن الخطاب (رض) بالموسم، والمغيرة هناك
فقال له عمر: أتعرف هذه المرأة يا مغيرة؟ قال: نعم هذه أم كلثوم بنت علي،
فقال عمر: أتتجاهل علي؟ والله ما أظن أبا بكرة كذب عليك وما رأيتك إلا خفت
أن أرمى بحجارة من السماء (1).
إذا فرغنا بحمد الله والمنة له من ذكر نبذة من الأدلة القاطعة والبراهين
الساطعة، المدحضة لدعوى تزويج عمر لسيدتنا أم كلثوم سلام الله عليها،
أجمالا فالحري بنا أن نتكلم على ما ذكره كبار علماء العامة في هذه القضية الموهومة
تفصيلا، ومرسل على هفواتهم وطاماتهم وسقطاتهم وخزعبلاتهم عذابا واصبا،
والله أشد بأسا وأشد تنكيلا (2).

(1) وفيات الأعيان 6: 364 - 366. السنن الكبرى 8: 235. الأغاني 14: 146. تاريخ الطبري 4:
207. فتوح البلدان: 352. ابن الأثير 2: البداية والنهاية 7: 81. ابن أبي الحديد 3: 161. عهدة
(2) سورة النساء: 84.
130

باب
رد كلام ابن سعد صاحب الطبقات
باب رد ما ذكره محمد بن سعد بن منيع الزهري البصري المتوفى سنة 230
ثلاثين ومائتين في كتابه المعروف ب‍ - الطبقات الكبرى (1) وهو أقدم كتاب رأينا فيه
هذ الأفك والبهتان قال فيه ما نصه:
أم كلثوم، بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
بن قصي، وأمها فاطمة بنت رسول الله وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد
العزي بن قصي، تزوجها عمر بن الخطاب وهي جارية لو تبلغ فلم تزل عنده إلى
أن قتل وولدت له زيد بن عمر، ورقية بنت عمر، ثم خلف على أم كلثوم بعد
عمر عون بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب فتوفي عنها، ثم خلف عليها
أخوه محمد بن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي طالب،
فقالت أم كلثوم: إني لأستحي من أسماء بنت عميس، إن أبيهما ماتا عندي وإني
لأتخوف على هذا الثالث فهلكت عنده ولم تلد لأحد منهم شيئا.
أخبرنا أنس بن عياض الليثي عن جعفر بن محمد عن أبيه، إن عمر بن
الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم فقال علي: إنما حبست بناتي
على بني جعفر، فقال عمر: أنكحنيها يا علي فوالله يا علي ما على ظهر الأرض رجل يرصد
من حسن صحبتها ما أرصد، فقال علي: قد فعلت، فجاء عمر إلى مجلس

(1) طبع في مصر للمرة الأولى 1 - 4 عام 1358. وأعيد ثانية في بيروت 1 - 9 بإشراف الدكتور إحسان عباس سنه
1388، 1968.
131

المهاجرين بين القبر والمنبر، وكانوا يجلسون ثم علي وعثمان والزبير وطلحة وعبد
الرحمن بن عوف، فإذا كان الشئ يأتي من الآفاق جاءهم فأخبرهم ذلك
واستشارهم فيه، فجاء عمر فقال: رفئوني، فرفئوه وقالوا: بمن يا أمير المؤمنين
قال: بابنة علي بن أبي طالب، ثم أنشأ يخبرهم فقال: إن النبي (ص) قال: كل
نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسسببي وكنت قد صحبته فأحببت أن
يكون هذا أيضا.
أخبرنا وكيع بن الجراح، عن هشام بن سعد عن عطاء الخراساني: إن عمر
أمهر أم كلثوم بنت علي أربعين ألفا، قال محمد بن عمر وغيره: لما خطب عمر بن
الخطاب إلى علي ابنته أم كلثوم قال: يا أمير المؤمنين إنها صبية فقال: أنك والله ما
بك ذلك ولكن قد علمنا ما بك، فأمر علي بها فصنعت ثم أمر ببرد فطواه وقال:
انطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين فقولي: أرسلني أبي يقرئك السلام ويقول إن
رضيت البرد فأمسكه، وإن سخطته فرده، فلما أتت عمر قال بارك الله فيك وفي
أبيك وقد رضينا، قال: فرجعت إلى أبيها فقالت: ما نشر البرد ولا نظر إلا إلي،
فزوجها إياه فولدت له غلاما يقال له زيد (1) انتهى.
وكل ما ذكره ابن سعد في هذه العبارة باطل فاسد كما لا يخفى على أهل
البصائر، أما قوله: تزوجها عمر إلى قوله ولم تلد لأحد منهم شيئا فهو مما لم يذكر
له سند ولو واهيا فكيف يلتفت إليه أهل التحقيق، ومع ذلك فيدل على بطلان
تزوج عمر لها ما سبق من الدلائل الساطعة والبراهين القاطعة، وإذا ظهر بطلان
التزوج بان لك أن ولادة زيد ورقية منها أبين فسادا وأوضح بطلانها.
ثم ما ذكره ابن سعد من تزوج عون بن جعفر ومحمد بن جعفر لها بعد عمر
أظهر ما يكون من الأكاذيب والأباطيل لأن عونا ومحمد قد قتلا في حرب تستر،

الطبقات الكبرى 8: 463 - 464.
132

وحرب تستر كانت في عهد عمر كما لا يخفى على أهل النظر في كتب التاريخ
والرجال (1).
قال الحافظ ابن عبد البر المغربي القرطبي في كتاب الاستيعاب: عون بن
جعفر بن أبي طالب، ولد على عهد رسول الله (ص) أمه وأم أخويه عبد الله
ومحمد بن جعفر بن أبي طالب أسماء بنت عميس الخثعمية، وأستشهد عون بن
جعفر وأخوه محمد بن جعفر بتستر ولا عقب (2).
وقال عز الدين ابن الأثير الجزري في كتابه - أسد الغابة -: عون بن جعفر
بن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي والده جعفر هو ذو
الجناحين ولد على عهد رسول الله (ص)، أمه وأم أخويه عبد الله ومحمد أسماء
بنت عميس الخثعمية، أستشهد بتستر ولا عقب له، روى عبد الله بن جعفر إن
النبي (ص) قال لعون: أشبهت خلقي وخلقي، وهذا إنما قاله رسول الله
(ص) لأبيه جعفر بن أبي طالب، أخرجه الثلاثة (3).
وقال ابن حجر العسقلاني في كتابه - الإصابة -: عون بن جعفر بن أبي
طالب الهاشمي ابن عم النبي (ص) ولد بأرض الحبشة وقدم به أبوه في غزوة
خيبر، وأخرج النسائي وغيره من طريق محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد
عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: لما قتل جعفر بن أبي طالب قال رسول
الله (ص) أدعو إلى بني أخي فجيئ بنا كأنا أفراخ فقال: ادعوا إلى الحلاق فأمره
فحلق رؤوسنا ثم قال: أما محمد فشبيهه عمنا أبي طالب، وأما عون فشبيهه خلقي
وخلقي، ثم أخذ بيدي فأمالها، فقال: أخلف جعفر في أهله وبارك لعبد الله في
صفقة يمينه.

(1) حرب تستر كانت سنة 16 / 17 / 19 ومقتل عمر حدث عام 23. تاريخ الطبري 4: 213. معجم البلدان
2: 29. الكامل في التاريخ 2: 546. البداية والنهاية 7: 83.
(2) الاستيعاب 3: 161، هامش الإصابة.
(3) أسد الغابة 4: 157.
133

وهذا سند صحيح أورده ابن منده من هذا الوجه مختصرا مقتصرا على قوله
إن النبي (ص) قال: لعون أشبهت خلقي وخلقي، ولما أورده ابن الأثير في
ترجمته قال: هذا إنما قاله النبي (ص) لأبيه جعفر فأومأ إلى إنه وهم وليس كما ظنوا
بل الحديثان صحيحان، وكل منهما معدود فيمن كان أشبهه بالنبي (ص) واختلف
في أي ولدي جعفر، محمد وعون كان أسن، فأما عبد الله فكان أسن منهما، وذكر
موسى بن عقبة، إن عبد الله ولد سنة اثنتين وقيل غير ذلك كما سبق في ترجمته،
وقال أبو عمر: أستشهد عون بن جعفر في تستر وذلك في خلافة عمر وما له
عقب (1).
ثم ما ذكره ابن سعد من تزوج عبد الله بن جعفر لسيدتنا أم كلثوم بعد أخويه
عون ومحمد أبين جعفر أبني فسادا وأوضح بطلانا من أن ينبهه عليها، لأن كثيرا من
علماء أهل السنة وأخبارهم يذكرون في كتبهم وأسفارهم أن أم كلثوم (ع) لما ماتت
شهد الصلاة عليها الحسن والحسين (ع) وذلك لا يكون إلا أن يقع موتها في عهد
معاوية وحياة الحسن والحسين (ع) وقد أجتمع علماء الأخبار وجميع المؤرخين أن
أختها سيدتنا زينب (ع) قد بقيت إلى عهد يزيد وشهدت وقعة الطف وأسرت
حتى بلغت الشام وخاطبت يزيد بكلام بليغ نقله الثقات من أصحاب التاريخ،
فكيف يصح دعوى ابن سعد أن عبد الله بن جعفر زوج زينب (ع) تزوج أم
كلثوم بعد موت أختها زينب (ع) وكيف يمكن تصحيح هذه الدعوى، إلا
بأن يقال بأن سيدتنا أم كلثوم بعد موتها في عهد معاوية وحضور الحسن والحسين
(ع) الصلاة عليها عادت حية وبقيت حتى ماتت أختها (ع) وتزوجها
عبد الله بن جعفر زوج أختها (ع) وإذا عرفت هذا بان لك بطلان ما نسب
إليها ابن سعد إنها قالت: إني لأستحيي من أسماء بنت عميس إن ابنيها ماتا عندي
وإني لأتخوف على هذا الثالث، فإنه من أبين الكذب والمحال.
ومن العجائب التي يتحير لها الناظر اللبيب، إن موت أم كلثوم (ع) في

(1) الإصابة 3: 44.
134

عهد معاوية يتحقق ما ذكره هذا الرجل بنفسه - أعني ابن سعد في كتابه هذا أعني
الطبقات - قال: ابن سعد في الطبقات، في ترجمة أم كلثوم ما نصه:
أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي حصين عن عامر عن
ابن عمر: إنه صلى على أم كلثوم بنت علي وابنها زيد وجعله مما يليه وكبر عليها
أربعا.
أخبرنا وكيع بن الجراح عن زيد بن حبيب عن الشعبي بمثله، وزاد فيه:
وخلفه الحسن والحسين أبنا علي، ومحمد بن الحنفية، وعبد الله بن عباس، وعبد
الله بن جعفر (1).
ولا أدري بما يتخلص هذا الرجل عن ورطة هذا الأشكال والله العاصم من
خدع الغرور المحتال.
أما ما ذكره ابن سعد بقوله: أخبرنا أنس بن عياض الليثي عن جعفر بن
محمد، عن أبيه أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم
فقال علي: إنما حبست بناتي على بني جعفر فقال عمر: أنكحنيها يا علي فوالله ما
على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحابتها ما أرصد فقال علي: قد فعلت
فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر وكانوا يجلسون ثم علي وعثمان
والزبير وطلحة وعبد الرحمان بن عوف فإذا كان الشئ يأتي عمر من الآفاق
جائهم فأخبرهم ذلك واستشارهم فيه، فجاء عمر فقال: رفئوني فرفئوه، وقالوا
بمن يا أمير المؤمنين؟ قال: بابنة علي بن أبي طالب ثم أنشأ يخبرهم فقال: إن النبي
(ص) قال: كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وكنت قد
صحبته فأحببت أن يكون هذا أيضا (2) انتهى.
فمردود بأن أنس بن عياض الليثي، مطعون مقدوح، وممن قدح فيه أمام

(1) الطبقات 8: 464.
(2) الطبقات الكبرى 8: 463
135

أهل السنة مالك بن أنس صاحب المذهب المشهور، قال ابن حجر في تهذيب
التهذيب في ترجمة الليثي هذا، قال الآجري: عن أبي داود عن أحمد بن صالح
قال: ذكر أبو ضمرة عند مالك فقال: لم أر عند المحدثين غيره ولكنه أحمق يدفع
كتبه إلى هؤلاء العراقيين (1).
وقد تكلم فيه غير مالك أيضا، قال ابن حجر في التهذيب في ترجمة الليثي
هذا، قال أبو داود: وحدثنا محمود حدثنا مروان وذكر أبا ضمرة فقال: كانت فيه
غفلة الشاميين، ووثقه ولكنه كان يعرض كتبه على الناس، قال أبو داود وسمعت
الأشج يقول: سألت أبا ضمرة عن شئ فقال: شئ في هذا البيت عرض يعني
أحاديثه (2) إنتهى.
ومن العجائب إن ابن سعد بنفسه قد قدح في ترجمة أنس بن عياض قال ابن
سعد: كان ثقة كثير الخطأ (3) انتهى.
ومن حياء هذا الليثي إنه روى هذا الخبر المكذوب عن الإمام المعصوم
جعفر بن محمد الصادق (ع) عن أبيه المعصوم محمد الباقر (ع) وقد نزهه الله هذين
السيدين المعصومين عن أن يرويا هذ الكذب الصريح، والأفك الفضيح،
والغالب إنه أراد أن يخدع العامة بإسناد هذا الخبر الباطل إلى هذين الإمامين
الهمامين (ع) حتى يظنوا أن هذا الخبر المشتمل على عقد سيدتنا أم كلثوم (ع) مع
عمر قد جاء برواية أئمة أهل البيت (ع) وهذا الخدع الباطل مما لا يخدع به إلا
العامة الجهال والله العاصم عن مكائد أهل الضلال.
ومن عجائب التعصبات التي تتقطع لها قلوب المؤمنين، وتنشرح بها صدور
الشياطين، إن ابن سعد هذا كان سئ الاعتقاد وعظيم الإلحاد في شأن الإمام جعفر
بن محمد الصادق عليهم السلام ما لفظه (4).

(1) تهذيب التهذيب 1: 376.
(2) المصدر السابق.
(3) التهذيب 1: 376.
(4) سقط في الأصل.
136

قلت: وابن سعد كان كثير الحديث ولا يحتج به وسيضعف، سأل مرة
سمعت هذه الأحاديث من أبيك فقال: نعم. وسأل مرة فقال: إنما وجدها في
كتبه، انتهى، وإذا كان هذا زعم ابن سعد عليه ما يستحقه من الملام، في حق
هذا الإمام الهادي للأنام صلوات الله عليه وعلى آبائه الكرام، فكيف جاز له أن
يروي عنه (ع) هذا الخبر الباطل مستندا إلى أبيه (ع).
ومما يورث العجب العجاب، إن متن هذا الخبر قد اشتمل على إن عليا
(ع) قال لعمر حين خطب إليه ابنته: إنما حبست بناتي على بني جعفر، وهذا
عذر واضح شرعي فكيف لم يقبله عمر، وظاهر كل الظهور إن بني جعفر (ع)
كانوا أكفاء لبنات علي (ع) وعمر لم يكن كفوا لواحدة من الهاشميات فضل إن
يكون كفوا لبنات علي (ع) فكيف أقدم على خطبة واحدة منهن مع ظهور هذا
المانع القوي وكيف لم يقبل ما أعتذر به علي (ع) بقوله: إنما حبست بناتي على
بني جعفر مع إن هذا عذر شرعي واجب القبول، وقد وجب على عمر قبوله بها
شيده بقوله: لأمنعن تزوج ذوات الأحساب من النساء إلا من الأكفاء، كما سبق
بيانه فيما تقدم من الدلائل على فساد دعوى هذا العقد.
أما قول عمر: أنكحنيها يا علي فوالله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من
حسن صحابتها ما أرصد، فلو سلم صدور هذا القول من عمر فهو من تقولاته
الكاذبة، لأن من ضيع حرمة سيدة نساء العالمين فاطمة (ع) وبضعة الرسول
(ص) وأغضبها وآذاها بأقواله الفضيعة، وأفعاله الشنيعة، كيف يصدق في قوله
هذا، ولو كان مقرونا بألف قسم، وهل يصدق أحد هذا المدعي الكاذب المضيع
لحرمة الزهراء البتول، إنه يرصد من حسن صحابتها ابنتها أم كلثوم (ع) ما لا
يرصده على ظهر الأرض، ما هذا إلا وقاحة ظاهرة لا تخفى على أهل البصائر،
المميزين بين صلاح السرائر، وفساد الضمائر.
ومن العجائب التي اشتمل عليه هذا الخبر المختلف أنه يلقي في قلب الناظر
إن حديث الخطبة، والاعتذار، والإصرار والتزويج قد وقع في زمان واحد،
137

وساعة واحدة، ولم يكن هناك محضر شهود بل يذكر فيه إنه شهد ما جرى بين
عمر وعلي (ع) شاهد أصلا، ولم يطلع أصحاب رسول الله (ص) على هذا
العقد حتى جاء إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر، فأخبرهم بهذا العقد،
وهذا أمر منكر جدا، لأن عمر شديد الإنكار على نكاح السر، وكان لا يجوز
النكاح إلا بولي وشاهدين كما لا يخفي على ناظر كتب الحديث والفقه (1) فكيف جوز
أن يقع نكاحه هذا في محل لم يحضره أحد غير عمر وعلي (ع).
وكان ينبغي أن يدعو جمعا من أصحاب النبي (ص) ونفرا من بني هاشم
فيكون بمحضر منهم على سبيل الإعلان، ولا يحتاج عمر إلى إتيان مجلس المهاجرين
من أصحاب رسول الله (ص) وأخبارهم بعقده هذا الذي لم يشهدوه، ولعل
واضح هذ الخبر المكذوب كان جاهلا بسيرة عمر فوضعه على خلاف ما كان شهودا
مشهودا من عمر عند الناس.
فإن قلت: لعل الباعث على ترك عمر دعوة الناس لأجل شهود هذا العقد
كان هو التوقي عن لزوم الوليمة والاطعام، ولم يمكنه ذلك في هذا الوقت بضيق
ذات اليد.
قلت: هذا عذر بارد لأن النبي (ص) قال لبعض أصحابه: أو لم ولو على
رجل شاة (2) ومع صرف النظر عن ذلك فهلا أغتنم حضور المسلمين يوم الجمعة في
المسجد فإنهم كانوا مجتمعون فيه من غير دعوة، فلم لا أنتظر يوم الجمعة واجتماع
الناس في المسجد حتى يكون العقد واقعا بمحضر منهم ويتم هذا العقد على وجه
الشياع وشهادة الأصحاب ولا يحتاج ابن الخطاب إلى أخبار جمع من المهاجرين
الذين كانوا من الغياب ولم يسمعوا بهذا العقد حتى أخبرهم عمر بنفسه أولا على
وجه الأجمال بقوله: رفئوني، ثم على وجه البين بعد سؤالهم عنه بقولهم بمن؟.

(1) مالك بن أنس عن أبي الزبير المكي أن عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة، فقال: هذا
نكاح السر ولا أجيزه، ول كنت تقدمت فيه لرجمت. الموطأ 2: 535. بداية المجتهد 2: 19.
(2) الطبقات الكبرى 3: 126، 523. الموطأ 2: 545 صحيح البخاري كتاب النكاح: 54
138

فإن قلت: لعل وجه هذا التعجيل في العقد ووقوعه في الخلوة من غير
حضور الأشهاد أن عمر خاف بعد خطبته وإجباره وإلجائه عليا (ع) على قوله أن
بتغيير رأيه بعد هذا الوقت فلا يزوج ابنته لابن الخطاب، فلهذا سارع في وقوع
العقد كيف ما كان.
قلت: هب إن الأمر كان كذلك ولكن لم ترك تجديد العقد يوم الجمعة
بحضور من الناس، وهب أنه كره تجديد العقد بمحضر المسلمين يوم الجمعة، لكنه
لم ترك أخبار الناس الحاضرين يوم الجمعة بوقوع هذا العقد.
ولم ترك الترفيه عنهم وخفى بذلك نفرا من المهاجرين الذين كانوا يجلسون
بين القبر والمنبر على وجه بديع يؤذن بوقوع هذا العقد على وجه السر والكتمان
وجهلهم عن وقوعه على سبيل الشهرة والإعلان، ولقد اشتمل هذا الخبر المكذوب
على أمر عجيب وهو قول عمر لأصحاب رسول الله (ص) رفئوني وأنهم رفئوه،
فإن هذا كان من رسوم الجاهلية، وقد نهى عنه رسول الله (ص) فكيف اجترى
هذا الرجل على طلب الترفيه عنها، وكيف أقدم أصحاب الرسول على هذه الخطبة
الشنيعة.
قال محمد بن أحمد بن حنبل الشيباني في المسند: حدثنا الحكم بن نافع،
حدثنا إسماعيل بن عباس، عن سالم بن عبد الله بن محمد بن عقيل
قال: تزوج عقيل بن أبي طالب فخرج علينا فقلنا بالرفاء والبنين فقال: مه لا
تقولوا ذلك فإن النبي (ص) قد نهانا عن ذلك وقال: قولوا، بارك الله فيك،
وبارك لك فيها (1).
وقال أيضا: حدثنا إسماعيل وهو ابن عليه أنبأنا يونس عن الحسن أن
عقيل بن أبي طالب (رض) تزوج امرأة من بني جشم فدخل عليه القوم فقالوا:
بالرفاء والبنين فقال: لا تفعلوا ذلك، قالوا: فما نقول؟ يا أبا زبيدة وقال: قولوا

(1) مسند أحمد: 201
139

بارك الله لكم، وبارك عليكم، أنا كذلك كنا نؤمر (1).
قال ابن منضور الأفريقي في لسان العرب: ومنه بالرفاء والبنين، ورفاه ترفية
وترفيا دعا له فقال: بالرفاء والبنين، وفي حديث النبي (ص) إنه نهى أن يقال:
بالرفاء والبنين، الرفاء الأيتام، والاتفاق والبرمكة والبشام، وإنما نهى عنه كراهية،
لأنه كان من عادتهم، ولهذا سن فيه غيره (2) انتهى.
وقال محمد طاهر الكجراتي: (3) في مجمع البحار أي قال الطيبي في شرح
المشكاة -: الترفيه، قوله: بالرفاء والبنين، ويدل له الشارع بما ذكره لأنه لا
يفيد، ولما فيه من التفسير عن البنات. انتهى.
وقال محمد طاهر الكجراتي أيضا في تكملة مجمع البحار، رفأ فيه نهى أن
يقال: بالرفاء ولقد استبان بما سمعت إن واضع هذا الخبر قد نسب إلى عمر شيئا
منكرا كان من رسوم الجاهلية، وعادات الكفار والله العاصم عن حب باطل يعمي
القلوب والأبصار.
وأما ما وقع في هذا الخبر المكذوب أن عمر قال للأصحاب: إن رسول الله
(ص) قال: كن نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي، وكنت قد
صحبته فأحببت أن يكون هذا أيضا.
فمردود لأن اتصال السبب من رسول الله
(ص) لعمر بعد الصحبة كان حاصلا بلا شبهة عند أهل السنة من جهة أبنته
حفصة: فإنها كانت من أزواج رسول الله (ص)، وهذا الاتصال يكفي له أن
كان عمر بن الخطاب مؤمنا مصدقا لقوله، وإن لم يكن مؤمنا مصدقا للرسول
(ص) فما يزيده هذا الاتصال الذي طلبه من علي (ع) وهو محرم عليه بوجوه
عديدة غير تقصير وتخسير كما لا يخفى على من له حظ من الإيمان، ونصيب.

(1) مسند ابن حنبل 1: 201.
(2) لسان العرب.
(3) ملك المحدثين محمد طاهر الغثني الكجراتي الهندي الصديقي مات 986 محدث، مفسر، لغوي، صرفي،
عارف بالرجال له: مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل. شذرات الذهب 8: 41. هدية العارفين 2:
255. كشف الظنون 2: 1599. الأعلام 7: 42.
140

وأما ما ذكره ابن سعد بقوله: أخبرنا وكيع بن الجراح عن هشام بن سعد عن
عطاء الخراساني، أن عمر أمهر أم كلثوم بنت علي، أربعين ألفا (1)، فمردود، لأن
وكيع بن الجراح مقدوح مجروح وسيأتي بيان ذلك إنشاء الله تعالى مفصلا فيما
بعد.
وهشام بن سعد أيضا مطعون مرهون قدح فيه أكابر الناقدين من أهل السنة
قال الذهبي في الميزان، في ترجمته: قال أحمد: لم يكن بالحافظ، وكان يحيى
القطان لا يحدث عنه، وقال أحمد أيضا: لم يكون يحكم الحديث، وقال ابن
معين: ليس بذاك القوي، وقال النسائي: ضعيف، وقال: مرة ليس بالقوي،
وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه.
ومن مناكيره ما ساق الترمذي له عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن
سيف عن عبد الله بن عمر رفعه: من مات يوم الجمعة أو ليلتها غفر له.
أو كما قال ابن أبي فديك حدثنا هشام بن سعد، عن ابن شهاب، عن أبي
سلمة، عن أبي هريرة، جاء رجل أفطر في رمضان فذكره. وفيه: فأتى بعرق
فقال: كله أنت وأهلك، وصم يوما، واستغفر الله (2).
وقال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب في ترجمة هشام بن سعد: قال
أبو حاتم: عن أحمد لم يكن هشام بالحافظ. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه،
هشام بن سعد كذا وكذا، كان يحيى بن سعيد لا يروي عنه، وقال أبو طالب:
عن أحمد ليس هو محكم الحديث، وقال حرب: لم يرضه أحمد، وقال الدوري
عن ابن معين، ضعيف وداود بن قيس أحب إلي منه.
وقال معاوية بن صالح: عن ابن معين ليس بذاك القوي، وقال ابن أبي
مريم عن ابن معين: ليس بشئ كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه. وقال أبو

(1) الطبقات الكبرى 8: 463.
(2) (ميزان الاعتدال 4: 298
141

حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، هو محمد بن إسحاق عندي واحد. وقال
النسائي: ضعيف وقال مرة: ليس بالقوي، وروى له ابن عدي أحاديث منها
حديثه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، جاء رجل إلى النبي (ص) وقد
أفطر في رمضان، فقال له: أعتق رقبة، الحديث وقال مرة: عن الزهري عن
أنس قال: والروايتان جميعا خطأ وإنما رواه الثقات عن الزهري عن حميد عن أبي
هريرة وهشام خالف فيه الناس وله غير ما ذكرت ومع ضعفه يكتب حديثه.
وقال ابن أبي شيبة عن علي المدني: صالح وليس بالقوي (1).
وذكره ابن عبد البر في باب من نسب إلى الضعف ممن يكتب حديثه قال:
وقال لي ابن معين: ضعيف حديثه مختلط، وقال الخليلي: أنكر الحفاظ حديثه في
المواقع في رمضان من حديث الزهري عن أبي سلمة. قالوا وإنما رواه الزهري عن
حميد، قال: ورواه وكيع عن هشام بن سعد عن الزهري عن أبي هريرة منقطعا،
قال أبو زرعة الرازي أراد وكيع الستر على هشام بإسقاط أبي سلمة، وذكره يعقوب
بن سفيان في الضعفاء (2) انتهى.
ومن العجائب إن ابن سعد نفسه قد طعن في هشام هذا قال ابن حجر في
تهذيب التهذيب في ترجمة هشام بن سعد ما لفظه: قال ابن سعد كان كثير الحديث
يستضعف وكان متشيعا (3).
فما أدري أي شئ حمل ابن سعد على إخراج حديثه مع علمه واعترافه كونه
مقدوحا مجروحا، عل هذا إلا حب الباطل والسفساف وقلة الحياء، وكثرة
الاعتداء، ومجانبة الأنصاف، وفي مسند هذا الخبر عطاء الخراساني.. وهو
أيضا من المقدوحين المجروحين الذين لا يوثق بخبرهم ولا يعتمد على حديثهم.
قال البخاري في كتاب الضعفاء: عطاء بن عبد الله، وهو ابن أبي مسلم

(1) تهذيب التهذيب 11: 39.
(2) تهذيب التهذيب 11: 40 - 41.
(3) تهذيب التهذيب 11: 40
142

البلخي مولى المهلب بن أبي صفرة سألت عبد الله بن عثمان عن عطاء قال: سكن
الشام سمع سعيد بن المسيب روي عنه مالك ومعمر قال الحسن عن ضمرة عن ابن
عطاء، مات سنة خمس وثلاثين ومائة - 135 - وولد سنة خمسين، قال سليمان بن
حرب: حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب حدثني القاسم بن عاصم قال: قلت
لسعيد بن المسيب، أن عطاء الخراساني حدثني عنك أن النبي (ص) قال له:
تصدق انتهى (1).
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال، في ترجمة عطاء: وذكره العقيلي في
الضعفاء متشبثا بهذه الحكاية التي رواها حماد بن زيد عن أيوب: حدثني القاسم
بن عاصم قلت لسعيد بن المسيب: أن عطاء الخراساني حدثني عنك إن النبي
(ص) أمر الذي واقع أهله في رمضان بكفارة الظهار، فقال: كذبت، ما
حدثته، إنما بلغني أن النبي (ص) قال له: تصدق تصدق.
وقد ذكر البخاري، عطاء الخراساني في الضعفاء، فروى له هذا عن سليمان
حرب، عن حماد.
أحمد بن حنبل، حدثنا عفان، حدثنا همام أخبرنا قتادة، إن محمدا دعونا
حدثاه إنهما قالا لسعيد: إن عطاء الخراساني حدثنا عنك في الذي وقع بأهله في
رمضان، فأمره النبي (ص) أن يعتق رقبة فقال: كذب عطاء، أنما قال له:
تصدق تصدق.
وقال ابن حبان في الضعفاء: أصله من بلخ وعداده في البصريين، وأنما
قيل له الخراساني لأنه دخل خراسان وأقام بها مدة طويلة ثم رجع إلى العراق فنسب
إلى خراسان، وكان من خيار عباد الله غير أنه كان ردئ الحفض كثير الوهم يخطئ
ولا يعلم، فيحمل عنه، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به، فهذا القول
من ابن حبان فيه نظر ولا سيما قوله: وإنما قيل له الخراساني، فيا هذا أي حاجة

(1) الضعفاء: 89
143

بك إلى هذه الدودة، أليست بلخ من أمهات مدن خراسان بلا خلاف؟.
وقال حجاج بن محمد: حدثنا شعبة، حدثنا عطاء الخراساني، وكان
نسيا. وقال الترمذي في كتاب العلل: قال محمد يعني النجادي ما أعرف لمالك
رجلا يروي عنه يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني.
قلت: ما شأنه؟ قال: عامة أحاديثه مقلوبة (1).
وقال الذهبي في كتابه المغني، في ترجمة عطاء: وذكره العقيلي في
الضعفاء، وقال ابن حبان: ردئ الحفظ مخطئ فبطل الاحتجاج به، وقال
الترمذي في كتاب العلل قال محمد: ما أعرف لمالك رجلا يروي عنه مالك،
ويستحق أن يترك حديثه عن عطاء الخراساني، قلت: ما شأنه قال: عامة أحاديثه
مقلوبة.
وقال الذهبي أيضا: وقال البيهقي وعطاء الخراساني غير قوي قال في
الوصايا (2).
وقال ابن حجر في التهذيب، في ترجمة عطاء: وقال حجاج بن محمد عن
شعبة حدثنا عطاء الخراساني وكان نسيا.
وقال ابن حجر أيضا: وقال ابن حبان كان ردئ اللحظ يخطئ ولا يعلم
فبطل الاحتجاج به، (3).
ولا يخفى على أهل النقد والاختبار الماهرين في تمييز الصحيح والسقيم من
الأحاديث والآثار أن في سند هذا الخبر المطعون انقطاعا لأن عطاء لم يكن ولد على
عهد عمر ولم يقع عقد عمر بمحضر منه فكيف يقبل خبره هذا.
قال البخاري في كتاب الضعفاء كما سمع آنفا: قال الحسن ضمرة عن

(1) ميزان الاعتدال 3: 74.
(2) ميزان الاعتدال 3: 75.
(3) تهذيب التهذيب 7: 214.
144

ابن عطاء مات سنة خمس وثلاثين ومائة - 135 - وولد سنة خمسين (1).
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال، في ترجمة عطاء: ولد سنة خمسين ومات
سنة ثلاث وثلاثين ومائة (2).
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب: قال ابنه عثمان بن عطاء: مات سنة
خمس وثلاثين ومائة، وقال أبو نعيم الحافظ كان مولده سنة خمسين (3) انتهى.
فالعجب كل العجب كيف أقدم ابن سعد على إيراد هذا الخبر المنقطع
المقدوح المجروح بوجوه عديدة، وفي هذا الخبر شئ آخر، وبيانه أن عمر كان
شديد النهي عن المغالاة في المهر حتى أنه نهى الناس عن تلك المغالاة على المنبر
وجرى له مع امرأة حاضرة ما جرى (4) فكيف أقدم على مغالاة المهر في هذا العقد من
قبل نفسه، أو رضي تلك المغالاة من ولي زوجته، وكيف خالف سنة رسول الله
(ص) في مهور أزواجه وبناته حسب ما تدعيه أهل السنة.
وها هنا شئ آخر يتعجب منه وبيان ذلك أن أولياء عمر قد اعترفوا في بيان
زهده وإظهار قلة أصابته من الدنيا بمبالغات واعترافات معروفة لا تغرب عن أبصار
الناظرين فكيف أمكن له مع ذلك أن يمهر أربعين ألفا ولو فرضنا تمكنه من هذا
المبلغ الخطير كيف جاز له مع ما يدعيه أهل السنة من شدة عمله بالسنة النبوية،
ومصابرته على التعلل والقناعة في المأكل والمشرب والملبس أن يبذل في المهر أربعين
ألفا عند عقده على بنت من هو أوحد الزهاء ومن طلق الدنيا ثلاثا (1)، أترى عمر
قد طلب بسوق هذا المهر الغالي ميل علي (ع) إلى الدنيا، وجوز إقدامه على هذا
العقد المحرم طمعا في المال الفاني، ولعمري أن واضع هذا الخبر الموضوع قد بلغ
من الجهل والرقاعة مبلغا يستنكف عنه أهل المجون والخلاعة.

(1) الضعفاء: 89.
(2) ميزان الاعتدال 3: 74.
(3) تهذيب التهذيب 7: 213.
(4) إشارة إلى قوم الإمام أمير المؤمنين (ع): يا دنيا يا دنيا إليك عني، أبي تعرضت أم ألي تشوقت، لا حان
حنيك، هيهات غري غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثا لأربعة فيها. نهج البلاغة 4: 16.
145

وأما ذكره ابن سعد بقوله: قال: محمد بن عمر وغيره، لما خطب عمر بن
الخطاب إلى علي ابنته أم كلثوم قال: يا أمير المؤمنين إنها صبية فقال: أنك والله ما
بك ذلك ولكن قد علمنا ما بك، فأمر علي بها فصنعت ثم أمر ببرد فطواه وقال:
انطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين فقولي: أرسلني أبي يقرئك السلام ويقول: إن
رضيت البرد فامسكه وإن سخطته فرده فلما أتت عمر قال: بارك الله فيك وفي أبيك
قد رضينا قال: فرجعت إلى أبيها فقالت: ما نشر البرد ولا نظر إلا إلي، فزوجها
إياه فولدت له غلاما يقال زيد (1).
فمردود ساقط عن درجة الاعتماد لا يركن إليه أحد من أهل الخبرة والانتقاد لأن
محمد بن عمير صاحب هذه الحكاية الشنيعة هو الواقدي وهي شيخ ابن سعد هذا،
وابن سعد هذا كان تلميذه وكاتبه ولذا يقال له كاتب الواقدي.
والواقدي هذا مقدوح بقوادح عديدة، ومجروح بمطاعن شديدة، فما ذكره
مع كونه عاريا عن الأسناد ليس له حظ من الاعتماد حتى الماهرين النقاد، وحيث أن
قوادح الواقدي ومطاعنه متجاوزة عن حد الحصر نكتفي هاهنا بذكر نبذة منها،
ومن أراد التفصيل فعليه الرجوع إلى مجلد حديث الغدير من كتاب العبقات (2).
وقال الخطيب البغدادي في تاريخه في ترجمة الواقدي: وكان الواقدي (3) مع
ما ذكرناه من سعة علمه وكثرة حفظه لا يحفظ القرآن، أنبأنا الحسين بن محمد بن
جعفر الرافعي، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل، قال حدثني محمد بن موسى
البربري قال: قال المأمون للواقدي: أريد أن تصلي الجمعة غدا بالناس، قال:
فامتنع قال: لا بد من ذلك فقال: لا ولله يا أمير المؤمنين، ما أحفظ سورة الجمعة
قال: فأنا أحفظك، قال فافعل، فجعل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى يبلغ

(1) الطبقات الكبرى 8: 464.
(2) مجلدين طبع في الهند عام 1263 ه‍، وأعيد طبعها في طهران.
(3) أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد المدني الواقدي المتوفى 207 / 209. تاريخ بغداد 3: 3. ابن النديم 1:
98. معجم الأدباء 18: 277 مرآة الجنان 2: 36. الشذرات 2: 18. البداية 10: 261 وفيات
الأعيان 4: 7348
146

النصف منها، فإذا حفظه ابتدأ في النصف الثاني، فإذا حفظ النصف الثاني نسي
الأول، فأتعب المأمون ونعس، فقال لعلي بن صالح: يا علي حفظه أنت، قال
علي: ففعلت ونام المأمون، فجعلت أحفظه النصف الأول فيحفظه، فإذا حفظته
النصف الثاني نسي الأول، وإذا حفظته النصف الأول نسي الثاني، وإذا حفظته
الثاني نسي الأول، فاستيقظ المأمون فقال لي: ما فعلت؟ فأخبرته فقال: هذا
رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل، اذهب فصلي بهم واقرأ أي سورة شئت (1).
وقال الخطيب أيضا في تاريخه: أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن علي بن
المهتدي بالله الهاشمي، أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل بن المأمون، حدثنا أبو
بكر محمد بن القاسم الأنباري، حدثني محمد بن المرزبان، حدثنا أبو بكر
القريشي حدثنا المفضل بن غسان عن أبيه قال: صليت خلف الواقدي صلاة
الجمعة فقرأ: أن هذا لفي الصحف الأولى صحف عيسى وموسى (2).
وقال الخطيب أيضا في تاريخ بغداد: أخبرني عبد الباقي بن عبد الكريم بن
عمر المؤدب، أخبرنا عبد الرحمان بن عمر الخلال، حدثنا محمد بن أحمد بن
يعقوب، حدثنا جدي قال: سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل قال: كنت عند ابن
المبارك وعنده أبو بدر فذكروا فوت الصلاتين بعرفة، فقال أبو بكر: يا أبا عبد
الرحمان في هذا حديث عن ابن عباس والمسور بن مخرمة، فقال: عن فقال: ابن
واقد، قال: فسكت ابن المبارك وطأطأ رأسه، أو قال نصت ولم يقل شيئا.
وقال جدي حدثني من سأل يحيى بن معين عن الواقدي، وأبي البختري،
فقال: الواقدي أجودهما حديثا.
وقال جدي: حدثني عبد الرحمن محمد قال: قال لي علي بن المدني قال لي
أحمد بن حنبل: أعطني ما كتب عن ابن أبي يحيى قال: قلت وما تصنع به،
قال: أنظر فيها أعتبرها قال: ففتحها ثم قال: أقرأها علي قال: قلت وما تصنع

(1) تاريخ بغداد 3: 7.
(2) تاريخ بغداد 3: 7
147

به؟ قال: أنظر فيها قال: قلت له: أنا أحدث عن ابن أبي يحيى قال لي: وما
عليك أنا أريد أن أعرفها وأعتبر بها، قال: فقال لي بعد ذلك أحمد: رأيت عند
الواقدي أحاديث قد رواها عن قوم من حديث ابن أبي يحيى قلبها عليهم، وما كان
عند علي شئ يحتج به في الواقدي غير هذا وقد كنت سألت عليا
عن الواقدي فما كان عنده شئ أكثر من هذا.
أخبرني أبو القاسم الأزهري، حدثنا عبد الله بن عثمان الصفار، أخبرنا
محمد بن عمران ابن موسى الصيرفي، حدثنا عبد الله بن علي المديني قال: سمعت
أبي يقول: محمد بن عمر الواقدي ليس بموضع للرواية ولا يروى عنه، وضعفه.
حدثنا الأزهري، حدثنا عبد الله بن عثمان بن يحيى، حدثنا أبو علي
الهروي، قال: سمعت الحسن بن محمد المؤدب يقول: سمعت أبا الهيثم يقول:
قال يحيى بن معين: أغرب الواقدي على رسول الله (ص) عشرين ألف
حديث (1).
أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدثنا موسى بن إبراهيم بن النظر العطار، حدثنا
محمد بن عثمان ابن أبي شيبة قال: سمعت عليا يعني ابن المديني يقول: إبراهيم
بن أبي يحيى كذاب، فأخبرني علي بن محمد بن الحسن المالكي أخبرنا عبد الله بن
عثمان الصفار، وأخبرنا محمد بن عمران بن موسى، حدثنا عبد الله بن علي
المديني قال: سمعت أبي يقول: كتب الواقدي عن ابن أبي يحيى كتبه، قال:
وسمعت أبي يقول: فسألني أحمد أن أحدثه عن إبراهيم بن أبي يحيى فلم
أحدثه، قال: وسمعت أبي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الواقدي
يركب الأسانيد، وسمعت يحيى بن معين يقول: الواقدي يحدث عن عاتكة ابنة
عبد المطلب، وعن حمزة بن عبد المطلب من مركب.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي قال: سمعت أبا

(1) في الغديرة 5: 29، محمد بن عمر الواقدي روى بما لا أصل له.... 3
148

العباس محمد بن يعقوب الأصم يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري
يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: والواقدي ليس بشئ، أخبرنا يوسف بن
رباح البصري، أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس بمصر، أخبرنا أبو بشر
الدولابي، حدثنا معاوية بن صالح: أبو عبد الله الواقدي، ضعيف، قلت:
ليحيى بن معين: لما لم تعلم عليه حيث كان الكتاب عندك قال: أستحي من
ابنه وهو صديق لي، قلت: فما ذا تقول فيه قال: كان يقلب أحاديث يونس
فيصيرها عن معمر ليس بثقة، قال أبو عبد الله وقال لي أحمد بن حنبل: هو
كذاب، قال عبيد الله عن يحيى في موضع آخر: محمد بن عمر بن واقد ليس
بشئ.
أخبرني أحمد بن أبي جعفر القطيعي أخبرنا علي بن عبد العزيز البرذعي،
حدثنا عبد الرحمن ابن أبي حاتم عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي:
كتب الواقدي كذب، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن أبي شريح
قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: الواقدي وصل حديثين - يعني لا
يوصلان -.
أخبرنا علي بن أبي علي البصري، حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد الدوري
الوراق حدثنا محمد بن عبد الله المستعين، حدثنا عبد الله بن علي بن المديني،
حدثني أبي قال: جعل إنسان يحدث ابن المبارك عن الواقدي، فقال: صرنا إلى
بحر الواقدي.
حدثنا أبو بكر البرقاني، أخبرنا أبو أحمد الحسين بن علي التميمي، حدثنا
أبو عوانة يعقوب ابن إسحاق الأسفراييني، حدثنا أبو بكر المروزي قال:
سمعته - يعني أحمد بن حنبل - يسأل عن الواقدي، فقيل له قال: ابن المبارك
دعونا من بحر الواقدي، فقال: شهدت وكيعا وقد سألوه عن حديث في مسح
الخفين فقال: لو كنت عند الواقدي لحدثك، هكذا قرأت على علي محمد بن علي
المعدل عن يوسف بن إبراهيم الجراجني قال: أخبرنا نعيم بن عدي قال: سمعت
149

إسحاق بن أبي عمران قال: سمعت بندار بن بشار يقول: ما رأيت أكذب
شفتين من الواقدي.
أخبرنا علي بن محمد الدقاق قال: قرأنا على الحسين بن هارون عن أبي
سعيد قال: حدثني محمد بن عبد الله بن سليمان قال: سمعت ابن نمير - وذكر
حديثا - فقلت له: يا أبا عبد الرحمن تملي هذا؟ قال: هو عن الواقدي ولست
أحب أن أحدث عنه، فقلت: نحن نعرفه، فقال: أكتبه على جهة المعرفة ثم
أملاه علي.
أخبرنا ابن الفضل القطان، أخبرنا علي بن إبراهيم المستملي، أخبرنا محمد
بن إبراهيم بن شعيب الغازي قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول:
محمد بن عمر الواقدي قاضي بغداد متروك الحديث.
أخبرنا أبو بكر البرقاني، حدثنا يعقوب بن موسى الأردبيلي، حدثنا أحمد بن
طاهر ابن النجم الميانجي، حدثنا سعيد بن عمر والبرذعي قال: وسأل أبو ذرعة -
يعني الرازي - عن الواقدي، فقال: ترك الناس حديثه.
وأخبرنا البرقاني أخبرنا أحمد بن سعيد - وكيل دعلج - حدثنا عبد الكريم بن
أحمد بن شعيب النسائي، حدثنا أبي قال: محمد بن عمر الواقدي، متروك
الحديث.
حدثنا عبد العزيز بن أحمد بن علي الكتاني لفظا بدمشق، حدثنا عبد
الوهاب بن جعفر الميداني، حدثنا أبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد السلمي،
حدثنا القاسم بن عيسى القصار، حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال:
جعلت كتبه ظهائر للكتب منذ حين، أو قال: منذ زمان.
أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي، أخبرنا محمد بن عدي البصري في
كتابه، حدثنا أبو عبيد محمد بن علي الآجري، قال: سئل أبو داود سليمان بن
الأشعث عن الواقدي، فقال: لا أكتب حديثه، ما أشك أنه كان ينقل الحديث،
150

ليس ينظر الواقدي في كتاب إلا يبين فيه أمره، روى في فتح اليمن وخبر العنسي
أحاديث عن الزهري ليست من حديث الزهري، وكان أحمد ابن حنبل لا يذكر عنه
كلمة (1).
وقال الخطيب أيضا في تاريخ بغداد: حدثت عن دعلج بن أحمد قال
سمعت: أبا محمد عبد الله بن علي الجارود يقول: سمعت إسحاق الكوسج
يقول: قال أحمد بن حنبل: كان الواقدي محمد بن عمر يقلب الأحاديث، كأنه
يجعل ما لعمر عن ابن أخي الزهري، وما لابن أخي الزهري لمعمر، قال إسحاق
بن راهويه: كان عندي ممن يضع.
أخبرنا العتيقي أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا
أحمد بن ملاعب، حدثنا محمد بن علي المديني قال: سمعت أبي يقول: سمعت
أحمد بن حنبل يقول: الواقدي يركب الأسانيد.
أخبرني البرقاني حدثني محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك الأدمي، عن
علي بن أبي داود، حدثنا زكريا الساجي قال: محمد بن عمر بن واقد الأسلمي
قاضي بغداد متهم (2).
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: محمد بن عمر بن واقد الأسلمي،
مولاهم الواقدي المدني القاضي صاحب التصانيف، وأحد أوعية العلم على
ضعفه.
قال ابن ماجة: حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا شيخ لنا، حدثنا عبد الحميد
بن جعفر، فذكر حديثنا في اللباس يوم الجمعة وحسبك إن ابن ماجة لا يجسر أن
يسميه وهو الواقدي قاضي بغداد.
قال أحمد بن حنبل: هو كذاب، يقلب الأحاديث، يلقي حديث ابن أخي

(1) تاريخ بغداد 3: 12 / 15.
(2) تاريخ بغداد 3: 16
151

الزهري على معمر ونحو ذا.
وقال ابن معين: ليس بثقة وقال مرة: لا يكتب حديثه. وقال البخاري
وأبو حاتم: متروك. وقال أبو حاتم أيضا والنسائي: يضع الحديث، وقال
الدارقطني: فيه ضعف، وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه.
وقال ابن الجوزي وغيره: هو محمد بن أبي شملة، ولسه؟؟؟ بعضهم، وأما
البخاري فذكر ابن أبي شملة بعد الواقدي.
وقال أبو غالب ابن بنت معاوية بن عمرو: سمعت ابن المديني يقول:
الواقدي يضع الحديث.
وقال أبو داود: بلغني أن علي بن المديني قال: كان الواقدي يروي ثلاثين
ألف حديث غريب.
وقال المغيرة بن محمد المهلبي: سمعت ابن المديني يقول: الهيثم بن عدي
أوثق عندي من الواقدي، لا أرضاه في الحديث، ولا في الأنساب، ولا في شئ.
وقال إسحاق بن الطباع: رأيت الواقدي في طريق مكة يسئ الصلاة.
وقال الذهبي أيضا في الميزان: قال البخاري: سكتوا عنه، ما عندي له
حرف.
وقال ابن راهويه: هو عندي ممن يضع الحديث.
قلت: وقد سقت جملة من أخبار الواقدي وجوده وغير ذلك في تاريخي
الكبير، ومات وهو على القضاء سنة سبع ومائتين في ذي الحجة، وأستقر الإجماع
على وهن الواقدي (1).
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب، في ترجمة الواقدي ما لفظه: قال

(1) ميزان الاعتدال 3: 646 - 666.
152

البخاري متروك الحديث، تركه جماعة، وقال ابن معين: ضعيف وقال مرة:
ليس بشئ، وقال مرة: كان يقلب حديث يونس بغيره عن معمر ليس بثقة، وقال
ابن المديني الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي ولا أرضاه في الحديث، وقال
أبو داود السجستاني: أخبرني من سمع علي بن المديني يقول: روى الواقدي
ثلاثين ألف حديث غريب، وقال النسائي: ليس بثقة (1).
وقال الذهبي في كتابه المغني: محمد بن عمر بن واقد الأسلمي
مولاهم الواقدي، صاحب التصانيف مجمع على تركه، وقال ابن عدي: يروي
أحاديث غير محفوظة والبلاء منه، وقال النسائي: كان يضع الحديث، وقال ابن
ماجة: حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا شيخ حدثنا عبد الحميد بن جعفر، فذكر حديثا
في لباس الجمعة بمن لا يجبر ابن ماجة (2).
وقال الذهبي أيضا في كتابه العبر: في ذكر الواقدي، منفعة الجماعة (3).
وقال الذهبي أيضا، في كتابه الكاشف: في ترجمة الواقدي ما لفظه: قال
البخاري وغيره: متروك (4).
أما نسبة هذه القصة الموضوعة إلى غير الواقدي كما قاله ابن سعد لا يطور به
أحد فإنه نسبة إلى قائل مجهول لم يجترئ ابن سعد على تسميته، فهو أما مثل
الواقدي في كونه مقدوحا مجروحا أو أسوأ حالا منه غير قابل للذكر والتسمية.
أما ما أشتمل عليه هذه القصة المكذوبة فهو أظهر فسارا وأوضح بطلانا من
أن يتكلم بنبذ عليه لأنها أولا اشتملت على اجتراء عظيم وأقدام مليم، وهو تكذيب
عمر، عليا (ع) في اعتذاره وصغر سن أم كلثوم (ع) وعدم تصديقه (ع) مع

(1) تهذيب التهذيب 9: 366.
(2) المغني 2: 619.
(3) العبر 1: 353.
(4) الكاشف.
153

إنه (ع) هو الصديق الأكبر بنص النبي (ص) (1)، وعلى كونه (ع) مع الحق
والحق معه، ودوران الحق معه حيث ما دار، وهذا مما يخرج عمر عن دائرة الإسلام
ويولجه في ذرافة الكفرة اللئام.
ولقد حق في حق ابن سعد ومن تبعه في تصديق هذه الحكاية الفضيعة التي
أورثت تخجيلا وتشهيرا قوله تعالى: فليضحكوا قليلا، وليبكوا كثيرا (2)، ومن
أعجب العجائب إن هذه الحكاية الموضوعة اشتملت على رد اعتذار علي (ع)
بكلامه القبيح وأتى فيه في الأقسام الكاذبة واليمين الفاجرة المشتملة على لفظ الجلالة
قائلا: إنك والله ما بك ذلك، وهذه جرأة عظيمة، وجسارة فخيمة، وجريرة
مزهمة، وكبيرة موبقة، وأشد من من ذلك إن عمر بعد تكذيبه لعلي (ع) بهذا
القول الشنيع زاد جرأة على جرأة فقال: ولكن علمنا ما بك، وهذا القول الشنيع
عن قبول خطبة عمر، والباعث على رده خائبا خاسرا كان غير ما أظهر علي (ع)،
وأن عمرا طلع على ما أضمره علي (ع) في نفسه، وفي هذا القول أيضا تكذيب
الإمام المعصوم، أدعى علم الغيب المحجوب والاطلاع على ما في النفوس
والقلوب، وهو في هذا الخبر المكذوب من أكبر النقائص والعيوب.
ومما يورث العجب عن عمر يخبر عليا (ع) بما أخفاه هو في قلبه خوفا من
عمر وعلمه عمر بصفاء ضميره وكشفه، فليته بين الأمر المخفي في قلب علي عليه
حتى يمكن لأوليائه وأعدائه يتميز الحق من الباطل ولا يبقى محل لتعارض الظنون
من تعارك الأوهام.
ومن أعجب العجائب إن هذه القصة المكذوبة قد اشتملت على أمر فضيع
بالغ من الفضاعة إلى أقصى الحدود وهو أمر علي (ع) بتزيين أم كلثوم (ع)
وإرسالها مع بردها إلى عمر، إلى آخر الحكاية الشنيعة التي حاكها الواقدي على هذا
منوال النصب والعدوان، فإن مضمونها مشحون بأنواع الأكاذيب المختلقات،

(1) الغدير 2: 312. الصواعق المحرقة: 74. كفاية الطالب: 123. فضائل الخمسة 2: 87 - 9.
(2) سورة التوبة.
154

وأصناف الأباطيل والترهات.
وهذه القصة الشنعاء، والفرية النكراء لو سمعها واحد من عوام الإسلام
حتى أهل الحياكة وأمثالهم من الطغام لنفر عنها ومجها مسمعه، ولو يقبلها لنفسه
فضلا عن أمير المؤمنين (ع) ولو كلف رجل من سفلة الناس ورعاعهم أن يزوج
ابنته على هذا الأسلوب المنكر الشنيع لأبى ولم يرضى بهذه الدنية.
ولعل واضع هذه القصة القبيحة أراد دفع العار وميط السنار عن إمامه أبي
بكر فإنه قد أتى بابنته عائشة إلى النبي (ص) بعد وفاة خديجة (ع) ليتزوج بها
النبي (ص) وجرى له مع النبي (ص) في هذا الباب ما يورث العجب
العجاب، وظهر من قلة حياء هذه التي بنته ما يخجل بذكره أولو الآداب.
قال ولي الله الدهلوي، في إزالة الخفاء: في مآثر أبي بكر، إز نحمله أن
است كه جون حضرت خديجة رضي الله عنها، متوفى شد حضرت صديق
حضرة عائشة رادر عقل آن حضرت (ص) آورد ودرآن باب أدبي كه بهتر ازآن
صورت نه بندد رعايت نود، حبيب مولى عروة قال: ماتت خديجة حزن
عليها النبي (ص) فأتاه أبو بكر بعائشة فقال يا رسول الله (ص) هذه تذهب
ببعض حزنك، وأن في هذه خلفا من خديجة ثم ردها، فكان رسول الله (ص)
يختلف إلى أبي بكر، الحديث أخرجه الحاكم.
وعن عائشة: قدمنا المدينة، فذكرت القصة إلى أن قالت: قال أبو بكر ما
يمنعك أن تبني بأهلك فقال رسول الله (ص) الصداق، فأعطاه أبو بكر أثني عشر
أوقية ونشا، فبعث بها رسول الله (ص) إلينا وبنى لي رسول الله (ص) في بيتي
هذا الذي أنا فيه، أخرجه الحاكم، وأبو عمر في الاستيعاب مثله، إنتهى ما نقلناه
عن إزالة الخفاء (1).
وفيه من الشنائع والفضائع ما لا يخفي على أهل الجلف والجفاء.

(1) إزالة الخفاء:
155

وأما ما ذكره وضع قصة تزوج عمر بأم كلثوم (ع) في آخر كلامه بقوله:
فولدت له غلاما يقال له زيد، فهو فرية بلا مرية، وقد سبق من الأدلة الواضحة
والبراهين اللائحة ما يدل على فساده وبطلانه وسيأتي في ما بعد إن شاء الله، من
الحقائق المبينة، والمعارف الجلية ما يزيد في ظهور كساده وهوانه.
رد كلام الزبير بن بكار الأسدي
باب، في بيان بطلان ما أورده الزبير بن بكار الأسدي المتوفى 256 سنة مائتين وست وخمسين، في كتاب النسب، من الأفك والزور على سيدتنا أم كلثوم
(ع) وقد كفانا مؤنة ردة وأبطاله شيخنا الثقة الجليل وجه العصابة الإمامية،
وعين الفرقة الحقة الشيخ المفيد (1) طاب ثراه، وجعل الجنة مثواه، حيث قال في
جواب بعض المسائل السردية (2): أن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين علي (ع)
ابنته من عمر، غير ثابت وطريقه من الزبير بن بكار، ولم يكن موثوقا به في
النقل، وكان متهما فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين (ع) وغير مأمون فيما يدعيه
على بني هاشم.
وإنما الحديث أثبت ذكره أبي محمد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذكر في
كتابه فظن كثير من الناس أنه حق لرواية رجل علوي له، وإنما رواه عن الزبير بن
بكار ونفسه مختلفا فتارة يروي أن أمير المؤمنين (ع) تولى العقد له على ابنته، وتارة
يروي عن العباس أنه تولى ذلك عنه، وتارة يروي أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد
وتهديد لبني هاشم، وتارة يروي أنه كان عن اختيار وإيثار.
ثم بعض الرواة يذكر أن عمر أولدها ولد أسماه زيد، وبعضهم يقول: أن
لزيد بن عمر عقبا، ومنهم من يقول: أنه وأمه قتلا، ومنهم من يقول: أنه بقيت

(1) أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي المتوفى 413. شيخ الطائفة ورئيس رؤوساء
الملة، فخر الشيعة ومحيي الشريعة انتهت إليه الرئاسة واتفق الكل على علمه وفضله وفقهه وعدالته وثقته
وجلالته.
(2) من تصانيف الشيخ كما جاء في معالم العلماء: 101. هدية العارفين 2: 62. تبويب الذريعة 1: 260.
156

عنده، ومنهم من يقول: أن عمر أمهر أم كلثوم أربعين إلف درهم، ومنهم من
يقول: أمهرها أربعة آلاف درهم، ومنهم من يقول: كان مهرها خمسمائة درهم
وبدون كثرة هذا الاختلاف يبطل هذا الحديث ولا يكون له تأثير على حال. انتهى
كلام الشيخ المفيد، وهو بلا شك ولا ريب عند أهل التحقيق قول سديد (1).
وها نحن نذكر بعض ما يؤيد كلام هذا الحبر الجليل خصه الله في غرفات
الجنان بتحف الإكرام والتبجيل، فنقول: أن الزبير بن بكار قد قدح فيه الحافظ
الكبير، والناقد النحرير أبو الفضل أحمد بن علي بن عمرو بن أحمد بن إبراهيم بن
يوسف بن عنبر السليماني (2) وذكره في كتاب الضعفاء كما أعترف به ابن حجر
العسقلاني في تهذيب التهذيب، حيث قال في ترجمة الزبير بن بكار:
وقال أحمد ابن علي السليماني في كتاب الضعفاء له كان منكر الحديث، وهذا
جرح مردود ولعله استنكر إكثاره عن الضعفاء مثل محمد بن الحسن بن زبالة،
وعمر بن أبي بكر المؤملي، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم، فإن في كتاب
النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة، انتهى كلام العسقلاني (3).
ولا يخفى على الناظر اللبيب الناقد الأديب، إن كلام العسقلاني في حماية
الزبير بن بكار ساقط عن درجة الاعتبار لوجهين:
1 - إن الحافظ السليماني أقدم عهدا وأجل قدرا من العسقلاني بمرات كثيرة
ودرجات رفيعة، فكيف جاز للعسقلاني أن يرد كلامه من غير دليل، إن هذا إلا
تسويل بين التضليل.
2 - إن العسقلاني قد أقر بسوء صنيع الزبير بين بكار واجترائه على الرواية عن
الضعفاء بالإكثار والإصرار، وهذا قدح بين قد تبين من كلام العسقلاني بأصرح

(1) المسائل السروية: 266.
(2) البيكندي البخاري المتوفى 404، محدث له أكثر من أربعمائة مصنف. طبقات الشافعية 3: 17. تذكرة
الحفاظ 3: 224. اللباب 1: 163، 557.
(3) تهذيب التهذيب 3: 313.
157

الاعتراف والإقرار ولله الحمد حيث أجرى الحق على لسانه، وأظهر الواقع ببيان.
وها نحن نذكر بعض عبارات كتب القوم التي تكشف عن جلالة قدر الحافظ
السليماني ليتبين لك أن قدح السليماني في الزبير بن بكار حقيق بالإذعان والقبول،
ولا يمكن أهل الأنصاف عنه بانحراف ولا عدول.
قال السمعاني (1) في الأنساب: السليماني بضم السين وفتح اللام وسكون
الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى سليمان وهو اسم
لبعض أجداد المنتسب، منهم أبو الفضل أحمد بن علي بن عمرو بن أحمد بن
إبراهيم بن يوسف بن عنبر السليماني الحافظ البيكندي من أهل بيكند، وإنما قيل له
السليماني انتسابا إلى جد أبي أمه أبي حامد أحمد بن سليمان البيكندي، كانت له
رحلة إلى الآفاق والكثرة والحفظ والإتقان، ولم يكن له نظير في زمانه إسنادا وحفظا
ورواية بالحديث وضبطا وأتقانا، سمع محمد بن صابر بن كاتب، وأبا نصر محمد
بن حمدويه بن سهل المروزي، وأبا الحسين علي بن إسحاق بن البحري المادراني
البصري، وأبا العباس محمد بن يعقوب الأصم، وأبا محمد عبد الله بن جعفر بن
أحمد بن فارس الأصبهاني، وجماعة كثيرة من هذه الطبقة.
صنف التصانيف الكثيرة الكبيرة والصغيرة، وكان يصنف كل أسبوع شيئا
ويحمله إلى جامع بخارا من بيكند (2) ويحدث به، روى عنه أبو العباس جعفر بن
المعين النسفي، وأبنه أبو ذر محمد بن جعفر وغيرهما، ولد سنة إحدى عشرة
وثلاثمائة - 311 - ومات في ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة - 404 (3).
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: السليماني الحافظ المحدث المعمر أبو الفضل

(1) أبو سعد عبد الكريم بن الحافظ أبي بكر محمد بن أبي المظفر المنصور بن أبي بكر محمد بن عبد الجبار التميمي
المروزي الشافعي المتوفى 562. المنتظم 10: 224. تذكرة الحفاظ 4: 107. روضات 5: 100،
وفيات 3: 209.
(2) معجم البلدان 1: 533.
158

أحمد بن علي بن عمرو البيكندي البخاري شيخ ما وراء النهر ولد سنة 411 سمع
محمد بن حمدويه المروزي، فكان آخر من روى في الدنيا عنه وعن غيره.
وسمع من علي بن سجنونة، وعلي بن إبراهيم بن معاوية، وأبي العباس
الأصم النيسابوريين، ومحمود بن إسحاق الخزاعي، وصالح بن زهير، ومحمد بن
صابر بن كاتب البخاريين، وعلي بن إسحاق المادراي البصري، وعبد الله بن
جعفر بن فارس الأصبهاني والكبار، وصنف وجمع وتقدم في الحديث، ذكره ابن
السمعاني في الأنساب.
قال السليماني نسبة إلى جده لأمه أحمد بن سليمان البيكندي، له التصانيف
الكبار، وكان يصنف في كل جمعة شيئا ثم يدخل من قرية بيكند إلى بخارا يحدث بما
صنف، روى عنه الحافظ جعفر بن محمد المستغفري، وولده أبو ذر محمد بن
جعفر، وجماعة بتلك الديار، إلى أن قال: وتوفي في ذي القعدة سنة أربع
وأربعمائة - 404 - وله ثلاث وتسعون سنة وقفت له على تأليف في أسماء الرجال،
وعلقت منه (1).
وقال الذهبي في كتابه المسمى - العبر - سنة 404 توفي أبو الفضل السليماني
الحافظ وهو أحمد بن علي بن عمر البيكندي البخاري، محدث تلك الديار طوف
وسمع الكثير، وحدث عن علي بن إسحاق الماداري، والأصم وطبقتهما، وجمع
وصنف، وتوفي في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة، انتهى (2).
ومن فوادح الزبير بن بكار من أتباع ظلمة بني العباس وقضاتهم،
وعداوتهم وشحناؤهم لبني هاشم أظهر من الشمس، وأبين من الأمس، وكون
الزبير بن بكار مغمورا بأموالهم وصلاتهم وجوائزهم وعطاياهم أمر معروف مشهور
لا ينكره منكر، ذكر الحديث في تاريخ بغداد في ترجمة، الزبير بن بكار بالمسند إلى
حجظة قال: كنت بحضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر فأستأذن عليه للزبير

(1) تذكرة الحفاظ 3: 1036.
(2) العبر 3: 87.
159

بن بكار حين قدم من الحجاز، فلما دخل عليه أكرمه وعظمه وقال له: لئن باعدت
بيننا الأنساب لقد قربت بيننا الآداب، وأن أمير المؤمنين ذكرك فاختارك لتأديب
ولده، وأمر بعشرة آلاف درهم، وعشرة تخوت من الثياب، وعشرة أبغل
تحمل عليها رحلك إلى حضرته بسر من رأى، فشكره على ذلك وقبله (1).
وقال ياقوت الحموي (2) في معجم الأدباء: في ترجمة الزبير بن بكار، حدث
موسى بن هارون قال: كنت بحضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر، فأستأذن
عليه الزبير بين بكار فلما دخل عليه أكرمه وعظمه وقال له: إن باعدت بيننا
الأنساب فقد قربت بيننا الآداب، وأن أمير المؤمنين أمرني أن أدعوك وأقلدك
القضاء، فقال له الزبير بن بكار: أبعد ما بلغت هذه السن ورويت أن من ولي
القضاء فقد ذبح بغير سكين أتولى القضاء؟ فقال له: فتلحق بأمير المؤمنين بسر من
رأى، فقال له: أفعل فأمر له بعشرة آلاف درهم،، وعشرة تخوت ثياب، وظهر
يحمله ويحمل ثقله إلى حضرة سر من رأى، فلما أراد الانصراف قال له: إن رأيت
يا أبا عبد الله أن تفيدنا شيئا نرويه عنك ونذكرك به، إلى أن قال الحموي: ثم ولي
الزبير بن بكار قضاء مكة ومات بها وهو قاض عليها ليلة الأحد لسبع بقين من ذي
القعدة سنة 256 (3).
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة الزبير بن بكار، قال
جحظة: كنت بحضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر، فأستأذن الزبير بن بكار
حين جاء من الحجاز، فدخل فأكرمه وعظمه وقال له: إن باعدت بيننا الأنساب
لقد قربت بيننا الآداب، وإن أمير المؤمنين أختارك لتأديب ولده وأمر لك بعشرة
آلاف درهم وعشرة تخوت ثياب، وعشرة أبغل تحمل عليها رحلك إلى حضرة سر

(1) تاريخ بغداد 8: 469.
(2) ياقوت بن عبد الله الرومي البغدادي مات 622. الغدير 1: 119. مرآة الجنان 4: 59. هدية العارفين
2: 513. مقدمة معجم الأدباء 1: 18. النجوم الزاهرة 8: 187. الشذرات 5: 121. المؤلفين
13. 178.
(3) معجم الأدباء 11: 162.
160

من رأى، فشكر ذلك وقبله.
إلى أن قال ابن خلكان: وتوفي بمكة وهو قاض عليها ليلة الأحد لسبع وقيل
لتسع ليالي بقين من ذي القعدة سنة 256، انتهى (1).
ومما يدل على قلة ضبط الزبير بن بكار وكثرة خطبه أنه أضطرب في ضبط
بعض الوقائع المهمة اضطرابا شديدا أسقط قوله عن درجة الالتفات والاعتبار،
وأعترف من أهل السنة بعض الأحبار الكبار، قال الحافظ بن عبد البر القرطبي في
كتابه المسمى بالاستيعاب، وفي ترجمة فاطمة الزهراء (ع) وقد أضطرب مصعب
والزبير في بنات النبي (ص) أيتهن أكبر وأصغر اضطرابا يوجب أن لا يلتفت إليها
في ذلك، والذي تسكن إليه النفس على ما تواترت به الأخبار ترتيب بنات رسول
الله (ص): أن زينب الأولى، ثم الثانية رقية، ثم الثالثة أم كلثوم، ثم الرابعة
فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنهن (2).
وإذا دريت ذلك أيقنت بأن ما أتى به الزبير بكار في خبر تزويج سيدتنا أم
كلثوم (ع) من كثير الاختلاف، وشديد الاضطراب، ليس ببعيد عن هذا
المستهتر باللهو والكذاب.
رد كلام ابن قتيبة الدينوري
باب في رد ما كتبه عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة ست
وسبعين ومائتين في كتاب المعارف، قال: في ذكر ولد عمر بن الخطاب، وفاطمة
وزيدا وأمهما أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بن فاطمة بنت رسول الله (ص)،
ويقال: إن اسم بنت أم كلثوم من عمر رقية وأن عمر زوجها إبراهيم بن نعيم
النجام فماتت عنده ولم تترك ولدا (3) انتهى.

(1) وفيات الأعيان 2: 311.
(2) الاستيعاب هامش الإصابة - 4: 373.
(3) المعارف: 79.
161

وهذا الذي ذكره ابن قتيبة مردود بوجوه عديدة:
الأول: إن ابن قتيبة لم يذكر له سندا فكيف يوثق به، وأنت تعلم أن كثيرا
من علماء السنة يردون ما تنقله الشيعة من كتاب العامة بكونه غير مستند كما لا
يخفى على ناظر منهاج السنة لابن تيمية وغيره من الكتب والأسفار.
الثاني: أن ما ذكره ابن قتيبة من تولد زيد وأخته من بطن أم كلثوم (ع)
موقوف على ثبوت عقدها مع عمر وقد عرفت بطلان دعوى هذا العقد بأدلة قاطعة
وبراهين ساطعة كما تقدم بيانها.
والثالث: أن بعض علماء العامة مع قولهم بهذا العقد الموهم قد اعترف
بموت أم كلثوم عند عمر وهي صغيرة لم تلد له ولدا ذكرا كان أو أنثى كما ستعرف فيما
بعد إنشاء الله تعالى من كتاب شرح الزرقاني لمواهب القسطلاني وغيره، فكيف
يصدق بولادة الأولاد منها.
الرابع: إن ما ذكره ابن قتيبة في كلامه في تسمية البنت المتولدة من بطن أم
كلثوم (ع) وصلب عمر من الاختلاف دليل بين على الكذب، والاختلاف عند
أهل الأنصاف دليل على كذب الحديث.
الخامس: إن ما ذكره ابن قتيبة من تزويج عمر ابنته المتولدة من بطن أم
كلثوم (ع) بإبراهيم بن نعيم النجار من الأكاذيب العجيبة التي تذكر قوله تعالى:
ظلمات بعضها فوق بعض (1) لأن تزويج عمر بأم كلثوم (ع) كذب صريح، ثم
تولد بنت لعمر من بطن أم كلثوم (ع) زور فضيح، ثم تزويج عمر هذه البنت
الموهوبة بإبراهيم بهت كاسد، وبناء فاسد على فاسد على فاسد.
فصل. وقال ابن قتيبة أيضا في كتابه المعارف في ذكر بنات علي ابن أبي
طالب (ع) ما لفظه: وأما أم كلثوم الكبري وهي بنت فاطمة فكانت عند عمر بن
الخطاب وولدت له ولدا قد ذكرناه، فلما قتل عمر تزوجها محمد بن جعفر بن أبي

(1) سورة النور: 40.
162

طالب فمات عنها، ثم تزوجها عون ابن جعفر ابن أبي طالب فماتت
عنده (1). انتهى
وهذا الكلام منقوض باطل بوجوه:
الأول: إن كون أم كلثوم (ع) عند عمر وقد سبق بيان بطلانه وفساده
بحجج مبنية، فثبت إن هذا الادعاء عين البهت والافتراء.
الثاني: إن دعوى تولد أولاد عمر منها من الأكاذيب الفاضحة وقد أشرنا إلى
ذلك آنفا، وكفى بذلك ما ذكره شارح المواهب وغيره، وسيأتي بيانه فيما بعد
بالتفصيل الجميل إنشاء الله الجليل.
الثالث: إن دعوى تزوج محمد بن جعفر لسيدتنا أم كلثوم (ع) بعد قتل
عمر من الأباطيل الواضحة لأن محمد بن جعفر قد قتل في حرب تستر وكانت حرب
تستر على عهد عمر كما لا يخفي على ناظر فتوح البلدان للبلاذري، ومعجم البلدان
لياقوت الحموي (2) فكيف يصح دعوى هذا، أعني كتاب المعارف، إن محمد بن
جعفر وعون بن جعفر قد قتلا في حرب تستر.
قال ابن قتيبة في ترجمة محمد بن جعفر ما لفظه: واستشهد محمد بن جعفر
بتستر (3).
وقال ابن قتيبة في ترجمة عون بن جعفر ما لفظه: وأما عون بن جعفر فقتل
بتستر أيضا ولا عقب له (4).
الرابع: أن ادعاء ابن قتيبة تزوج عون بن جعفر بعد موت محمد بن جعفر
مع بطلانه وهو إنه مناقض لكلام محمد بن سعد البصري صاحب الطبقات، فإنه
قال في الطبقات: في ترجمة أم كلثوم (ع) كما سمعت سابقا ما تلفظه: ثم خلف

(1) المعارف: 92.
(2) معجم البلدان 2: 29.
(3) المعارف: 89.
163

على أم كلثوم بعد عمر عون ابن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب فتوفي عنها،
ثم خلف عليها أخوه محمد بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب فتوفي عنها (1).
فهذا اختلاف بين وتناقض واضح يسقط معه كلام كل واحد من هذين
الكاذبين عن درجات الالتفات، ومما يستغرب ويستعجب إن ابن قتيبة لم يتجاسر أن
يذكر لسيدتنا أم كلثوم زوجا رابعا كما ذكره ابن سعد في الطبقات وهو عبد الله بن
جعفر كما سمعت سابقا مع بيان بطلانه وفساده فيما سبق عند ردنا لكلام ابن سعد،
ولعل ابن قتيبة عرف أن ذكر هذا الزوج الرابع مطلقا، وخاصة على نهج ذكره ابن
سعد من الأكاذيب الواضحة ولا تصح عند العوام فضلا عن الخواص، ويقول:
قائل هذا القول الباطل إلى التورط في شديد الاشكال والالتباس.
رد كلام ابن عبد البر القرطبي
باب: إبطال ما ذكره ابن عبد البر القرطبي في كتابه المسمى بالاستيعاب.
وهذه ألفاظه: أم كلثوم: بنت علي بنت أبي طالب رضي الله عنها، ولدت قبل
وفاة رسول الله (ص) أمها فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص)، خطبها عمر
ابن الخطاب إلى علي بن أبي طالب فقال: إنها صغيرة فقال له عمر زوجنيها يا أبا
الحسن فأني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد، فقال له علي رضي الله عنه: أنا
أبعثها إليك فأن رضيتها فقد زوجتكما فبعثها إليه ببرد وقال لها: قولي له هذا البرد
الذي قلت لك فقالت: ذلك لعمر فقال: قولي له قد رضيت رضي الله عنك
ووضع يده على ساقها فكشفها فقالت: أتفعل هذا لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت
أنفك.
ثم خرجت حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء
فقال: يا بنية أنه زوجك، فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين في الروضة وكان يجلس
فيها المهاجرون الأولون فجلس إليهم، فقال لهم: زفوني فقالوا: بما يا أمير

(1) الطبقات 8: 463.
164

المؤمنين؟ قال: تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، سمعت رسول الله
(ص) يقول: كل نسب وسبب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي
وصهري فكان لي به (ع) النسب والسبب فأردت أن أجمع إليه الصهر فرفئوه.
حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا الخشني حدثنا ابن أبي عمر حدثنا
سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي، إن عمر بن الخطاب خطب إلى علي
ابنته أم كلثوم فذكر له صغرها، فقيل أنه ردك فعاوده فقال له علي: أبعث بها
إليك فإن رضيت فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عن ساقها فقالت: مه
والله لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك.
وذكر ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده، إن عمر
بن الخطاب تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب على مهر أربعين ألفا.
قال أبو عمر: ولدت أم كلثوم بنت علي لعمر بن الخطاب زيد بن عمر الأكبر
ورقية بنت عمر وتوفيت أم كلثوم وأبنها زيد في وقت واحد، وقد كان زيد أصيب
في حرب كانت بين بني عدي ليلا كان قد خرج ليصلح بينهم فضربه رجل منهم في
الظلمة فشرجه وصرعه، فعاش أياما ثم مات هو وأمه في وقت واحد، وصلى
عليهما ابن عمر قدمه حسن بن علي، وكانت فيهما سنتان فيما ذكروا ولم يورث واحد
منهما من صاحبه لأنه لم يعرف أولهما موتا، وقدم زيد قبل أمه بما يلي الإمام (1) انتهى
كلام ابن عبد البر.
وفي هذا الكلام أكاذيب كثيرة لا تخفى على أولي البصيرة،
قوله: خطبها عمر بن الخطاب إلى قوله، فرفئوه، كذب صريح فيه
طامات وهفوات وخرافات وسقطات، قد عرفت بطلانها وهو إنها بما أسلفناه في
باب رد كلام ابن سعد البصري، ولا يخفى على أهل النقد والاختبار أن هذا
السياق المكذوب الواضح سقوطه لأهل الأبصار اختلاق، أنس بن عياض الليثي

(1) الاستيعاب - هامش الإصابة - 4: 490 - 492.
165

المقدوح عند كبار الأخبار، وقد زاد فيه ابن عبد البر أو غيره من أسلافه الكذابين
زيادات غريبة في هذا الباب لا يخفى فسادها على أولي الألباب، قوله: ووضع يده
على ساقها، فإنه كذب بين لا يمترى في فساده أحد من المسلمين، لأن وضع اليد
على الساق يأنف منه كل عاهي ولو كان من الفجار والفساق، فكيف جوز واضع
هذا الأفك البين نسبته إلى عمر وهو عنده خليفة المسلمين.
ومن العجائب إن واضع هذا الكذب المهين، قد نسب إلى سيدتنا أم كلثوم
(ع) إنها مع صغرها شعرت بقبح هذا الفعل الشنيع وأنكرته على عمر فقالت:
أتفعل هذا وهددته بكسر أنفه، ثم خرجت حتى جاءت أباها وأخبرته الخبر
وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء.
ولا يخفى على أولي الأحلام إن واضع هذا الأفك الجالب للملام قد فضح
أمامه بين الأنام بافترائه عليه، ووصمه بهذا الإجرام الموبق عند الخواص والعوام
الذي لا تجترئ عليه الغاغة (1) المحتقبون لشنائع الآثام.
ومن آيات علو الحق على الباطل، إن بعض الأعلام من علماء أهل السنة قد
أعترف بفساد هذا الأفك البين، قال العلامة سبط ابن الجوزي في كتابه - تذكرة
خواص الأمة - في ذكر سيدتنا أم كلثوم (ع) ما لفظه: وذكر جدي في كتابه -
المنتظم -: إن عليا بعثها إلى عمر لينظرها وإن عمر كشف ساقها ولمسها بيده.
قلت: وهذا قبيح والله لو كانت أمة لما فعل بها هذا، ثم بإجماع المسلمين لا
يجوز لمس الأجنبية فكيف ينسب عمر إلى هذا، انتهى (2).
ولقد حق بعد مطالعة هذا الكلام المظهر للكذب الصراح والبهت البواح،
أن يقال: أطف المصباح فقد طلع الصباح، أما ما ذكره ابن عبد البر بقوله:
حدثنا عبد الوارث.. إلى آخره فواضح البطلان، وظاهر الهوان، لأن هذا الخبر

(1) الغاغة: الكثير المختلط من الناس.
(2) تذكرة خواص الأمة: 321.
166

المجعول في سنده من الرجال غير واحد مجهول فكيف يحتفل به.
وفي سنده سفيان وهو ابن عيينة بقرنية روايته عن عمرو بن دينار، وسفيان
هذا قد تكلم بعض أعلام الجرح والتعديل بما يسقط خبره عن درجة الاعتماد، قال
ابن حجر في التهذيب، في ترجمة سفيان: وقال ابن عمار: سمعت يحيى بن سعيد
القطان يقول: أشهدوا إن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومائة، فمن
سمع منه في هذه السنة وبعدها فسماعه لا شئ، قلت: قرأت بخط الذهبي أنا
أستبعد هذا القول وأجده غلطا من ابن عمار فأن القطان مات أول سنة 98 عند
رجوع الحجاج وتحدثهم بأخبار الحجاز، فمتى تمكن من سماع هذا حتى يتهيأ له إن
يشهد به، ثم قال: فعله بلغه ذلك في وسط السنة، انتهى.
وهذا الذي لا يتجه غيره لأن ابن عمار من الإثبات المتقين، وما المانع أن
يكون يحيى ابن سعيد سمعه من جماعة ممن حج في تلك السنة وأعتمد قولهم وكانوا
كثيرا فشهد على استفاضتهم، وقد وجدت عن يحيى بن سعيد شيئا يصلح أن
يكون سببا لما نقله عنه ابن عمار في حق ابن عيينة وذلك ما أورده أبو سعد بن
السمعاني في ترجمة إسماعيل ابن أبي صالح المؤذن من ذيل تاريخ بغداد بسند له
قوي إلى عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قلت
لابن عينية: كنت تكتب الحديث وتحدث اليوم وتزيد في أسناده أو تنقص منه
فقال: عليك بالسماع الأول فإني قد سمنت، وقد ذكر أبو معين الرازي في زيادة
كتاب الإيمان لأحمد، أن هارون بن معروف قال له إن ابن عيينة تغير أمره بآخره،
وإن سليمان بن حرب قال له إن ابن عيينة أخطأ في عامة حديثه عن أيوب (1).
وفي سند ابن عبد البر هذا، عمرو بن دينا، أيضا مقدوح مجروح مهتوك
مقبوح، قال الذهبي، في الميزان في ترجمة عمرو بن دينار: قال أحمد ضعيف،
وقال البخاري: فيه نظر، وقال ابن معين ذاهب، وقال أبو داود في حديثه ليس

(1) تهذيب التهذيب 4: 120.
167

بشئ، وقال الترمذي: ليس بالقوي، وقال النسائي: ضعيف (1).
وقد بسط القول في قدح عمرو بن دينار، ابن حجر العسقلاني في التهذيب
حيث قال في ترجمته: قال زياد بن أيوب عن ابن علية كان لا يحفظ الحديث، وقال
الميموني عن أحمد: ضعيف منكر الحديث، وقال إسحاق بن منصور عن ابن
معين: لا شئ، وقال يعقوب بن شيبة عن ابن معين: ذاهب الحديث، وقال
عمرو بن علي: ضعيف الحديث روى عن سالم عن ابن عمر عن النبي (ص)
أحاديث منكرة، وقال أبو حاتم مثله وزاد وعامة حديثه منكر، قال أبو زرعة:
واهي الحديث وقال البخاري: فيه نظر، وقال أبو داود: في حديث ليس
بشئ، وقال الترمذي: ليس بالقوي، وقال النسائي: ليس بثقة روى عن سالم
أحاديث منكرة، وقال: مرة ضعيف، كذا قال الجوزجاني والدار قطني، وقال
علي بن الجنيد: شبه المتروك وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا على جهة
التعجب كان يتفرد بالموضوعات عن الأثبات، قلت: قال البخاري في الأوسط:
لا يتابع على حديثه، وقال ابن عمار الموصلي: ضعيف، وقال العجلي: يكتب
حديثه وليس بالقوي، وقال الحاكم أبو أحمد ليس بالقوي عندهم، وقال الساجي
ضعيف يحدث عن سالم المناكير (2) انتهى.
ومن العجائب أن واضع هذ الخبر لقلة حيائه قد افترى أن سياقه المنكر أن
عمر بن الخطاب معاذ الله قد كشف ساق سيدتنا أم كلثوم (ع) وهذا كذب
عظيم، وبهتان جسيم، تقشعر منه الجلود، وتنفر عنه كل قلب ولو كان
الجلمود، ولعمري إن هذا المفتري الكذاب قد فاق في الفرية والفضيحة وبالجرأة
والجسارة على مختلق السياق السابق الذي أورده ابن عبد البر، أولا بغير سند،
فإن ذلك المختلق المدحور قد ذكر في سياق المذكور وضع اليد على الساق..
ومن البين أن وضع اليد على الساق وإن كان منكرا قبيحا جدا، ولكن هذا

(1) ميزان الاعتدال 3: 259.
(2) تهذيب التهذيب 8: 31.
168

الخبيث الذي يقول: فكشف عن ساقها، يظهر خبثه صراحة، ويأتي شيئا إدا،
ولقد ذهب به الشيطان إلى مهمة العمى وسبسب الضلال، وأراده في هوة الذل
والصغار، والوبال، والنكال، فسحقا له سحقا حيث افترى على إمامه الداعي
إلى النار من ارتكاب العار، واحتقاب الشنار، ما يسوقه إلى جهنم، ويدخله في
أسفل درك من دار البوار.
ومما يضحك الثكلى أن وضاع هذا السياق السائق إلى الجحيم قد نسب إلى
سيدتنا أم كلثوم سلام الله عليها أنها لما أحست بقبح عمر بن الخطاب، أقسمت
بالله وهددته بلطم عين إمامه.
ومما يدل على قلة حياء هؤلاء الكذابين أنهم ينسبون إلى سيدتنا أم كلثوم
(ع) أنها وصفت عمر بن الخطاب بأمير المؤمنين ولا يشعرون أن السيدة التي
ولدت في بيت النبوة وترعرعت من جرثومة الرسالة كيف تخاطب رجلا وضع يداه
على ساقها، أو كشف ساقاها، واستحق عنده أن يكسر أنفه أو يلطم عينيه بهذا
الخطاب الجليل (1).
ولعمري أن الواضع للسياق الأول أحق بالتعسير والتنديد، حيث أورد في
سياقه بعد ذكر التشوير والتهديد، أنها لما جاءت أباها أخبرته الخبر، وقال:
بعثتني إلى شيخ سوء، أفيكون هذا الشيخ الذي أسوأ المجسم مستحقا للوصف
بأمرة المؤمنين؟ حاشا وكلا إن هذا لاختلاق واضح والله لا يهدي كيد الخائنين.
أما ما ذكره ابن عبد البر في أمر المهر وأن عمر تزوج سيدتنا أم كلثوم (ع)
على مهر أربعين ألفا، فهو باطل صريح لا يميل إليه إلا أرعن فضيح وذلك بوجوه:
أ - أن عبد البر ذكره عن ابن وهب، ولم يذكر سنده إلى ابن وهب فلا يلتفت
إليه ذو بصيرة.

(1) كلمة أمير المؤمنين لقب خاص منحه النبي (ص) علي (ع) ولا ينبغي إطلاقه ومنحه لغير الإمام علي بن أبي
طالب (ع) حتى إلى سائر الأئمة عليه السلام. فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله
سميع عليم - البقرة - 181.
169

ب - أن ابن وهب مقدوح مجروح كما ستقف عليه فيما بعد أن شاء الله
تعالى.
ج - إن ابن وهب رواه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعبد الرحمان هذا
مطعون موهون جدا قدحتك ستره كبار انقاد الرجال.
قال الذهبي في ميزان الاعتدال. عبد الرحمن بن زيد - ت ق - بن أسلم
العمري، مولاهم المدني أخو عبد الله وأسامة.
قال أبو يعلي الموصلي: سمعت يحيى بن معين يقول: بنو زيد بن أسلم
ليسوا بشئ.
وروى عثمان الدارمي، عن يحيى: ضعيف، وقال البخاري: عبد
الرحمن ضعفه علي جدا، وقال النسائي: ضعيف، وقال أحمد: عبد الله ثقة،
والآخران ضعيفان (1).
وقال العسقلاني في التهذيب، في ترجمة عبد الله بن زيد: قال أبو طالب
عن أحمد سألت أحمد ولد زيد، فقال: ثلاثتهم حديثهم ليس بشئ ضعفاء،
وقال الآجري: عن أبي داود: أنا لا أكتب حديثه وعبد الله أمثل منه، وقال أبو
حاتم: سألت أحمد عن أولاد زيد أيهم أحب إليك؟ قال: أسامة قلت: ثم
من؟ قال: عبد الله ثم ذكر عبد الرحمن، وضجع في عبد الرحمن، قلت: فعبد
الرحمن قال: كذا ليس مثله وضعف أمره قليلا.
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يضعف عبد الرحمن، وقال: روى
حديثا منكرا أحلت لنا ميتتان ودمان، وقال عمرو بن علي: لم أسمع عبد الرحمن
يحدث عنه، وقال الدوري عن ابن معين: ليس حديثه بشئ، وقال البخاري
وأبو حاتم: ضعفه علي بن المديني جدا، وقال أبو داود: أولاد زيد بن أسلم:
كلهم ضعيف وأمثلهم عبد الله، وقال أيضا: أنا لا أحدث عن عبد الرحمن وعبد

(1) ميزان الاعتدال 2: 564.
170

الله أمثل منه، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عبد الحكم سمعت الشافعي
يقول: ذكر رجل لمالك حديثا منقطعا فقال اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك
عن أبيه عن نوح، وقال خالد بن خداش: قال لي الداروردي ومعن وعامله أهل
المدينة لا ترو عن عبد الرحمن إنه كان لا يدرك ما يقول، ولكن عليك بعبد الله.
وقال أبو ذرعة: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث كان في
نفسه صالحا وفي الحديث واهيا، وقال في موضع آخر: هو أحب إلي من ابن أبي
الرجال، وقال ابن عدي: له أحاديث حسان وهو ممن أحتمله الناس وصدقه
بعضهم، وهو ممن يكتب حديثه، قال البخاري: قال لي إبراهيم بن حمزة مات
ستة اثنتين وثمانين ومائة - 182 - قلت: وقال ابن حبان: كان يقلب الأخبار وهو
لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك.
وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ضعيفا جدا، وقال ابن خزيمة: ليس
هو ممن يحتج أهل العلم بحديثه لسوء حفظه، وهو رجل صناعته العبادة والتقشف
ليس من أحلاس الحديث، وقال الساجي حدثنا الربيع حدثنا الشافعي قال: قيل
لعبد الرحمن بن زيد حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله (ص) قال: إن سفينة
نوح طافت بالبيت وصلت خلف المقام ركعتين قال: نعم - قال الساجي: وهو
منكر بالحديث، وقال الطحاوي حديثه عن أهل العلم بالحديث في النهاية من
الضعف، وقال الحربي غير أوثق منه، وقال الجوزجاني: أولاد زيد ضعفاء،
وقال الحاكم وأبو نعيم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة، وقال ابن الجوزي:
أجمعوا على ضعفه (1).
د - أن عبد الرحمن بن زيد روى هذا الخبر الكذب عن أبيه زيد، وزيد هذا
لا يخلو عن قدح فقد ذكره ابن عدي في الكامل، وعده من الضعفاء، وروى عن
حماد بن زياد قال: قدمت المدينة وهم يتكلمون في زيد بن أسلم فقال لي عبد الله

(1) تهذيب التهذيب 6: 178.
171

بن عمر: ما نعلم به بأسا إلا أنه يفسر برأيه ويكثر منه، وقال الساجي: حدثنا
المميطي قال ابن عيينة: كان زيد بن أسلم رجلا صالحا وكان في حفظه شئ.
انتهى.
وقال ابن حجر العسقلاني أيضا في التهذيب، في ترجمة زيد بن أسلم:
وذكر ابن عبد البر في مقدمة التمهيد ما يدل على أنه كان يدلس. انتهى (1).
ه‍ - إن منتهى الإسناد في هذا الخبر الواضح الفساد هو أسلم ويكفي في
قدحه واتهامه كونه مولى عمر بن الخطاب كما لا يخفى على أولي الألباب، ولقد
ظهر من هذا البيان النسير البرهان أن أسناد هذا الخبر المشتمل على الكذب والبهتان
مع كونه مخروما من أوله بادي الوهن والهوان، وفيه ظلمات بعضها فوق بعض كما
لا يخفى على ذوي الأبصار والأعيان، وهذا الكلام كله في سند هذا الخبر المفتري
المكذوب، أما المتن المعيوب المثلوب فقد ذكرنا في رد كلام ابن سعد البصري
صاحب الطبقات ما فيه عبرة لذوي البصائر والقلوب.
أما ما ذكره أبو عمر بقوله: ولدت أم كلثوم بنت علي لعمر بن الخطاب زيد
بن عمر الأكبر ورقية بنت عمر فباطل واضح، وكذب لائح، ولذلك لوجهين:
الأول: أنه قول بلا أسناد فلا يليق بالاعتناء والاعتماد، وقد مر فيما مضى أن
كبار علماء السنة يطعنون في كثير من المرويات في مقام التحقيق والالزام، لفقدان
الأسناد، ويذكرون هذا الانتقاد في معرض الاختبار والانتقاد، فكيف يقبل ما
ذكره ابن عبد البر ها هنا من أمر تولد الأولاد.
الثاني: أنما ذكره ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي في - هداية
السعداء - والعلامة الزرقاني في شرح المواهب، من موت أم كلثوم (ع) في
صغر سنها يكذب هذه الدعوى الفاسدة كما سيأتي فيما بعد إنشاء الله تعالى،
فكيف يقبلها بالتصديق أحد من ذوي التحقيق.

(1) تهذيب التهذيب 3: 397.
172

أما ما ذكره ابن عبد البر في آخر كلامه بقوله: وتوفيت أم كلثوم وأبنها زيد في
وقت واحد، إلى قوله: وقدم زيد قبل أمه مما يلي (1)، فنقف على بطلانه ونستيقن
واضح أنه بما نذكره مفصلا في باب مستقل من هذا الكتاب، فيما بعد إنشاء الله
الوهاب..
في إبطال ما ذكره ابن الأثير الجزري
المتوفى سنة ثلاثين وستمائة في كتاب أسد الغابة في ترجمة سيدتنا أم كلثوم
(ع) من الأكاذيب الواضحة والعضيهات الفاضحة وهذه ألفاظه:
أم كلثوم: بنت علي بن أبي طالب، أمها فاطمة بنت رسول الله (ص)،
ولدت قبل وفاة رسول الله (ص) خطبها عمر بن الخطاب إلى أبيها علي بن أبي
طالب فقال: أنها صغيرة فقال عمر: زوجنيها يا أبا الحسن فأني أرصد من كرامتها
ما لا يرصده أحد فقال علي: أنا أبعثها إليك فإن رضيتها فقد زوجتكها فبعثها إليه
ببرد فقال لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك، فقالت ذلك لعمر فقال: قولي له قد رضيت رضي الله عنك ووضع يده عليها فقالت أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير
المؤمنين لكسرت أنفك، ثم جاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت له: بعثتني إلى شيخ
سوء قال: يا بنية أنه زوجك، فجاء عمر إلى المهاجرين في الروضة، وكان يجلس
فيها المهاجرون، الأولون، فقال: رفئوني، فقالوا: بماذا يا أمير المؤمنين؟
قال تزوجت أم كلثوم بنت علي سمعت رسول الله (ص) يقول: كل سبب
ونسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري، وكان لي به عليه
الصلاة والنسب والسبب فأردت أن أجمع إليه الصهر، فرفئوه فتزوجها على مهر
أربعين ألفا فولدت له زيد بن عمر الأكبر، ورقية، وتوفيت أم كلثوم وابنها زيد في
وقت واحد، وكان زيد قد أصيب في حرب كانت بين بني عدي، خرج ليصلح بينهم فضربه رجل منهم في الظلمة فشجه وصرعه، فعاش أياما ثم مات هو
وأمه، وصلى عليهما عبد الله بن عمر قدمه حسن ابن علي، ولما قتل عنها عمر
تزوجها عون بن جعفر.
173

أخبرنا عبد الوهاب بن علي بن علي الأمين، أخبرنا أبو الفضل محمد بن
ناصر أخبرنا الخطيب أبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر أخبركم أبو البركات
أحمد بن عبد الواحد بن الفضل بن نظيف بن عبد الله الفراء، قالت له أخبركم
أبو محمد الحسن ابن رشيق فقال: نعم، أخبرنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد
الدولابي، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار، أخبرنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن،
حسن بن حسن بن علي ابن أبي طالب قال: لما تأيمت أم كلثوم بنت علي بن أبي
طالب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليها الحسن والحسين أخواها
فقالا لها: إنك ممن قد عرفت سيدة نساء المسلمين وبنت سيدتهن، وإنك والله إن
أمكنت عليا من رمتك لينكحك بعض أيتامه، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالا
عظيما لتصيبنه، فوالله ما قاما حتى طلع علي يتكئ على عصاءه فجلس، فحمد الله
وأثنى عليه وذكر منزلتهم من رسول الله (ص) وقال: قد عرفتم منزلتكم عندي يا
بني فاطمة، وآثرتكم على سائر ولدي لمكانكم من رسول الله (ص)، وقرابتكم
منه فقالوا: صدقت رحمك الله فجزاك الله عنا خيرا، فقال: أي بنية إن الله عز
وجل قد جعل أمرك بيدك فأنا أحب أن تجعليه بيدي فقالت: أي أبة إني امرأة
أرغب فيما يرغب فيه النساء، وأحب أن أصيب مما تصيب النساء، من الدنيا، وأنا
أريد أن أنظر في أمر نفسي فقال: لا ولله يا بنية ما هذا من رأيك ما هو إلا رأي
هذين، ثم قام فقال: والله لا أكلم رجلا منهما أو تفعلين فأخذا بثيابه فقالا:
اجلس يا أبة فوالله ما على هجرتك من صبر اجعلي أمرك بيده فقالت: قد فعلت
قال: فإني قد زوجتك من عون بن جعفر، وإنه لغلام وبعث لها بأربعة ألف درهم وأدخلها عليه، أخرجها أبو عمر (1).
انتهى كلام ابن الأثير، ولا يخفى وهنه وهوانه على الناقد البصير.
أما ما ذكره بقوله، خطبها عمر بن الخطاب إلى أبيها، إلى قوله: فرفئوه،

(1) أسد الغابة 5: 614. مهزلة غريبة. ويل لك أفاك أثيم يسمع بآيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم
يسمعها فبشره بعذاب أليم. الجاثية: 7، 8.
174

فهو تلخيص لكلام ابن عبد البر الذي ساقه بلا إسناد في الاستيعاب، وقد علمت
بطلانه آنفا ببيان، فيظهر منه كل عر وعار وذم وعاب، ويسوق لصاحبه أوهى
التبار، والتبار، ولقد حرف فيه ابن الأثير تحريفا بينا كتمانا لبعض عيب إمامه،
وذلك أن عبد البر أورد في سياقه أن عمر، والعياذ بالله قد ضوع يده على ساقها،
وابن الأثير أستحي أن يذكره بهذه الصراحة فبدلها بقوله، ووضع يده عليها،
ولكن هذا التغيير والتبديل لا يستر شناعة فعل إمامه الضليل، بل يجعل كيد
الكائدين في تضليل.
وهذا الكلام منا على سبيل الالزام والافحام، وإلا فقد علمت بما ذكرنا مرة
بعد مرة، أن كل ما ذكروه بهذا الباب بهت وكذاب، ومعاذ الله أن يصححه ذو
مسكة من ذوي الألباب.
ومن العجائب أن ابن الأثير قد ذكر في آخر هذا السياق الذي أخذه من كتاب
الاستيعاب أن عمر طلب الترفيه من المهاجرين الذين كانوا يجلسون في الروضة
فرفئوه، وهذا من أنكر الشنائع، والطوام التي لا تخفي شناعتها على الخواص
والعوام، قد سبق في باب إبطال كلام ابن سعد البصري صاحب الطبقات ما
يدلك على أن هذا الترفيه كانت من رسوم الجاهلية، وقد نهى عنها رسول الله
(ص)، فكيف ساغ لابن الأثير أن ينسب طلبها إلى أمامه ابن الخطاب ويذكر
صدورها من كبار المهاجرين من الأصحاب.
ومن أعجب العجائب إن ابن الأثير قد روى بنفسه حديث النهي عن
الترفيه، في كتابه هذا أعني - أسد الغابة - حيث قال في ترجمة عقيل بن أبي طالب
(ع) ما نصه: أخبرنا عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبة، بإسناده عن عبد الله
بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش،
عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: تزوج عقيل بن أبي
طالب فخرج علينا فقلنا له بالرفاه والبنين فقال: مه لا تقولوا ذلك، فإن النبي
(ص) نهى عن ذلك وقال: قولوا بارك الله لك وبارك عليك، وبارك الله لك
175

غيها (1) انتهى.
وهذه غفلة شديدة من ابن الأثير يتعجب منها كل ناقد بالتعجب الكثير،
ولقد صدق العلي الخبير حيث يقول: قل لا يستوي الأعمى والبصير (2) ثم لا يخفى
عليك إن عبد البر كما رأيته عن قريب قد أورد في كلامه خبرا مسندا في أمر التزويج
يظهر منه خزي ابن الخطاب على الوجه الأتم، ويبين من اجتراء هؤلاء المفترين ما
هو أدهى وأطم، ولعل ابن الأثير استحيى أن يورد هذا الخبر المجعول الموضوع،
ومنه اشتمال سنده المطعون على المقدوحين أن يأتي به على وجه ذكره ابن عبد البر
المغفل المخدوع.
أما ما ذكره ابن الأثير بقوله: فتزوجها على مهر أربعين ألف، فهو اغترار
وانخداع بما ذكره صاحب الاستيعاب، بسند مشتمل على العيوب البادية لأولي
الألباب، وليت ابن الأثير نظر إلى بعض معائب هذا السند المطعون الموهون،
ولكنه مع كونه ذا دراية وبصارة غض البصر عن تلك المعائب الواضحة الظاهرة
لأهل الأبصار والعيون، وأني لأتعجب منه كيف عمي عليه عند نظره سند ابن
عبد البر كون ابن وهب مقدوحا مجروحا مهجورا مثبورا، وكيف غاب عنه أن
رواية ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده سلسلة
الكذاب ولكن كان ذلك في الكتاب مسطورا.
وإذا كانت تعامي ابن الأثير بهذه المنزلة عن عيوب سنده ابن عبد البر فكيف
يشتكي منه عدم الالتفات إلى ما في متن خبره من الضر والضر، وقد أشبعنا الكلام
في رد خبر المهر سندا أو متنا فيما مضى حيث أبطلبنا كلام ابن سعد البصري صاحب
الطبقات، ويستبين للشائن مطالعة كلامنا هنالك.
إن هذا الأفك المجعول، والكذاب المنحول، وإن كان في كتب القدماء لا
يوجد إلا بسند ساقط عن درجة الاعتبار والقبول، فكيف يلتفت إليه أحد من

(1) أسد الغابة 3: 424.
176

أرباب الألباب والعقول.
أما قول ابن الأثير: فولدت له زيد بن عمر الأكبر ورقية فبطلانه أظهر من
أن ينبه عليه، وقد ذكرنا مراد أما يبطله ويفسده، ويرده ويدفعه بأدلة قاهرة،
وحجج باهرة، ويكفي في هذا الباب ما مر عليك قريبا في أبطال كلام صاحب
الاستيعاب.
وقول ابن الأثير: وتوفيت أم كلثوم وأبنها زيد في وقت واحد، إلى قوله:
وصلى عليها عبد الله بن عمر قدمه الحسن بن علي فتقف على بطلانه وفساده وانداره
إنشاء الله تعالى في باب خاص، ببيان مبسوط متين متراص، وتعلم هناك مفصلا
ما اختلقه الكذابون المتهالكون على الافتراء والاختراص، وتستيقن أن الروايات
المفتعلة في هذا الباب من أفضح ما تتخرصه أوقح السوقيين من القصاص.
أما قول ابن الأثير ولما قتل عنها عمر تزوجها عون بن جعفر، فبطلانه
أظهر من الشمس، وأبين من الأمس وذلك لأن كبار العلماء من العامة وذكروا في
كتبهم إن عون بن جعفر قد استشهد في حرب تستر، وقد سمعت مرارا إن حرب
تستر كانت في خلافة عمر.
ومن العجائب التي يتحير لها الناظر البصير الممعن الخبير إن ابن الأثير بنفسه
في كتابه أعني أسد الغابة ذكر في ترجمة عون بن جعفر إنه أستشهد بتستر ولا عقب
له وهذه عيون ألفاظه.
عون، آخره نون هو عون بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب القرشي
الهاشمي والده جعفر هو ذو الجناحين ولد على عهد رسول (ص) أمه وأم
أخويه عبد الله ومحمد أسماء بنت عميس الخثعمية، أستشهد بتستر ولا عقب له،
روى عبد الله بن جعفر إن النبي (ص) قال لعون: أشبهت خلقي وخلقي،
وهذا إنما قال رسول الله (ص) لأبيه جعفر بن أبي طالب، أخرجه
الثلاثة (1) انتهى.

(1) أسد الغابة 4: 157.
177

وأنت إذا نظرت إلى تصريح ابن الأثير بشهادة عون في حرب تستر في ترجمة
من هذا الكتاب علمت إنه لم يكن له إن كان عاقلا غير مغفل أن يقول في ترجمة أم
كلثوم (ع): ولما قتل عنها عمر تزوجها عون بن جعفر لأن هذا تناقض لا
يتأتى إلا من أعفك سفيه لا يدري ما يخرج من فيه.
أما ذكره ابن الأثير في هذا الباب في قصة طويلة أن بعد تأيم أم كلثوم (ع)
من عمر جاء الحسن والحسين (ع) إليها وقالا لها كذا وكذا.. وجرى لها مع
أبيها (ع) كذا وكذا.. فهو من الأقاصيص الباطلة التي لا يشك في بطلانها وهو
أنها، أحد من العقلاء الذين لهم أيسر وقوف على سيرة أهل البيت (ع) في تأدب
صغارهم مع كبارهم وزهدهم جميعا في الدنيا ومتاعها وزخرفها، ولو شئنا لأتينا
بدلائل لا تحصى على فساد هذه القصة الفضيعة، الفرية الموضوعة الشنيعة عقلا
ونقلا وسندا ومتنا.
ولكن يكفيك في ظهور بطلانها ووضوح هوانها، أن عون بن جعفر قد
أستشهد في حرب تستر كما أقر به ابن الأثير بنفسه وحرب تستر كانت في عهد عمر
فكيف يصح عوده حيا بعد مقتل عمر حتى يمكن أرصد قال: قد فعلت فجاء عمر
إلى المهاجرين فقال: زفوني فزفوه فقالوا: بمن تزوجت قال: بنت علي، أن النبي
(ص) قال: كل نسب وسبب سيقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي، وكنت قد
صاهرت فأحببت هذا أيضا، ومن طريق عطاء الخراساني: أن عمر أمهرها أربعين
ألفا
وأفرج بسند صحيح أن ابن عمر صلى على أم كلثوم وأبنها زيد فجعله مما يليه
وكبر أربعا، وساق بسند آخر أن سعيد بن العاص هو الذي أتهم عليه (1) انتهى.
وفي كلام ابن حجر من الأكاذيب لا تخفي على أصحاب النظر وأرباب
البصر، وأما ما ذكر بقوله: وقال ابن أبي عمر المقدسي.. إلى آخره فهو ظاهر
البطلان والفساد عند الحرة النقاد، لأنه خبر مقدوح سندا ومتنا، ولقد تكلمنا عنه

(1) الإصابة 4: 492. ذخائر العقبى 170.
178

آنفا في رد كلام ابن عبد البر صاحب الاستيعاب، وبينا هناك أن رواية سفيان بن
عنية مطعون بالاختلاط والتغير، وكان يحدث بالحديث فيزيد في الأسناد أو
ينقص، وأنه أخطأ في عامة حديثه عن أيوب.
ومن العجائب أن هذا كله مذكور في كتاب التهذيب لابن حجر
العسقلاني، وأيضا في سند هذا الخبز البين البطلان عمر وبن دينار، الموهون
المهان، وقد سبق قدحه على لسان الأكابر والأعيان مثل، أحمد بن حنبل،
والبخاري، وابن معين، والنسائي، وابن عليه، وعمر بن علي، وأبي حاتم،
وأبي زرعة، وأبي داود، والترمذي، والجوزاني، والدار قطني، وعلي بن
الجنيد، وابن حبان، وابن عمار الموصلي، والعجلي، والحاكم أبي أحمد،
والساجي.
وقد ذكر أقوال هؤلاء الأعلام في قدح عمرو بن دينار، ابن حجر
العسقلاني، بكتابه تهذيب التهذيب، وهذا مما يحير العاقل اللبيب، وأني
لأتعجب كثيرا كيف بدأ ابن حجر العسقلاني في إثبات عقد سيدتنا أم كلثوم (ع)
مع الثاني بخبر في سنده مثل هذا المقدوح المجروح المهتوك المفضوح الذي قدح فيه
أعلام علماء الرجال، ونقل أقوالهم المبنية لقدحه ابن حجر بنفسه في كتاب
التهذيب بتفصيل الكلام وبسط المقال دون الإقلال والإجمال، وذلك كله يتعلق
بسند هذا الخبر المكذوب.
وأما المتن فقد سبق الكلام عليه، وما فيه من النقائص والعيوب، ويكفيك
منها أنه مشتمل على أكبر الأكاذيب وأطمها، وأعظم النقائص وأهمها وهو قضية
كشف الساق الذي لا يقدم عليه أحد من الفجار والفساق فضلا عمن يدعي إمامته
وخلافته أهل الخلاف والشقاق.
أما ما ذكره ابن حجر من حديث المهر فهو اتباع لصاحب الاستيعاب، لكنه
يورث العجب العجاب لأن ابن حجر معرفته بالرجال مسلمة عند المخالفين بلا
كلام فكيف خفى علمه ما في سند ابن عبد البر من الآهات والسقام، أو لم يعلم
179

ابن حجر إن سند ابن زواجه بأم كلثوم سلام الله عليها، إن هذا إلا اختلاق ممن
ليس له حظ من العقل، والدين، والأخلاق.
إبطال ما ذكره ابن حجر العسقلاني
المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة - 852 - في كتابه الإصابة، في حق
سيدتنا أم كلثوم (ع) وهذه ألفاظه:
أم كلثوم.. بنت علي بن أبي طالب الهاشمية أمها فاطمة بنت النبي
(ص)، ولدت في النبي (ص) قال أبو عمرة ولدت قبل وفاة النبي (ص)،
وقال ابن أبي عمر المقدسي: حدثني سفيان عن عمرو بن محمد بن علي: إن
عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم، فذكر له صغرها فقيل له إنه ردك فما رده فقال له
علي: أبعث بها إليك فأن رضيت فهي امرأتك فأرسل بها إليه فكشف عن ساقها
فقالت: مه لولا أنك أمير المؤمنين لطمت عينيك.
وقال ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده: تزوج
عمر أم كلثوم على مهر أربعين ألفا.
وقال الزبير: ولدت لعمر ابنته رقية وزيدا، وماتت أم كلثوم وولدها في يوم
واحد أصيب زيد في حرب كانت بين بني عدي فخرج ليصلح بينهم فشجه رجل
وهو لا يعرفه في الظلمة فعاش أياما، وكانت أمه مريضة فماتا في يوم واحد. وذكر
أبو بشر الدولابي: في الذريعة الطاهرة من طريق أبي إسحاق عن الحسن بن الحسن
بن علي قال: لما تأيمت أم كلثوم بنت علي عن عمر فدخل عليها أخواها الحسن
والحسين فقالا لها: إن أردت أن تصيبي بنفسك مالا عظيما لتصيبن، فدخل
علي، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أي بنية إن الله قد جعل أمرك بيدك فأن أحببت
إن تجعليه بيدك فقالت: يا أبة إني امرأة أرغب فيما ترغب فيه النساء، وأحب أن
أصيب من الدنيا، فقال: هذا من عمل هذين، ثم قام يقول: والله لا أكلم
واحدا منهما أو تفعلين فأخذ ثيابه وسألاها ففعلت فزوجها عون بن جعفر بن أبي
طالب.
180

وذكر الدارقطني في كتابه الأخوة، إن عونا مات عنها فتزوجها أخوه محمد،
ثم مات عنها فتزوجها أخوه عبد الله بن جعفر فماتت عنده، وذكر ابن سعد نحوه،
وقال في آخره، فكانت تقول: إني لأستحي من أسماء بنت عميس ماتا ولداها
عندي فأتخوف على الثالث، قال: فهلكت عنده ولم تلد لأحد منهم، وذكر ابن
سعد عن أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر خطب أم كلثوم إلى
عمر فقال: إنها حبست بناتي على بني جعفر فقال: زوجنيها فوالله ما على ظهر
الأرض رجل يرصد من كرامتها ما عبد البر هذا منخرم من أوله لكون ابن عبد البر
متأخر جدا عن ابن وهب؟.
أولم يعلم ابن حجر أن ابن وهب مقدوح مجروح قد تكلم فيه ابن معين كما
لا يخفي على ناظر كتاب الكامل في الضعفاء لابن عدي، والميزان للذهبي.
ومن العجائب، إن ابن حجر بنفسه نقل في التهذيب بعض قوادح ابن
وهب عن كبار العلماء حيث قال في ترجمته: وقال أحمد بن حنبل في حديث ابن وهب
عن ابن جريح شئ، قال أبو عوانة صدق لأنه يأتي عنه بأشياء لا يأتي بها غيره.
وقال ابن حجر في التهذيب أيضا، وقال: بن سعد، عبد الله بن وهب
كان كثير العلم ثقة فيما قال حدثنا وكان يدلس، وقال ابن حجر أيضا في التهذيب:
وقال النسائي: كان يتساهل في الأخذ ولا بأس به (1). انتهى.
أول يعرف ابن حجر، أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم مقدوح مجروح
جدا قد قدح فيه أعلام علماء الرجال وأكثروا في الكلام والمقال، كيف لا وقد
نقل ابن حجر قدح عبد الرحمن بنفسه في التهذيب عن أحمد بن حنبل، وابن
معين، والبخاري، وأبي حاتم، وعلي بن المديني، وأبي داود، والنسائي،
والدراوردي، وأبي زرعة، وابن حبان، وابن سعد، وابن خزيمة، والساجي،
والطحاوي، والحربي، والجوزجاني، والحاكم، وأبي نعيم، وابن الجوزي،

(1) تهذيب التهذيب 6: 74873.
181

وهؤلاء العلماء الكبار لو نفرد بعضهم بالقدح في عبد الرحمن لكفى في وهن خبره
البطلان، فكيف إذا أجمعوا على توهين هذا الساقط في هوة الهوان.
أولا يعرف ابن حجر، أن عبد الرحمن روى هذا الخبر عن أبيه زيد بن
أسلم، وزيد بن أسلم قد ذكره ابن عدي في كتاب الكامل في الضعفاء، ونقل أن
أهل المدينة كانوا يتكلمون فيه:
ونقل أن عمر كان ينسب إلى التفسير بالرأي، وهذه مثلبة مليمة،
وجرحه عظيمة وقد ذكرها ابن حجر بنفسه في التهذيب، قدح زيد عن ابن عبد
البر، فيا للعجب من ابن حجر كيف غض البصر عن عيوب هذا الخبر أعني خبر
المهر والصداق، وغفل عن ما في سنده ومتنه من المعائب القاصمة للظهر،
والكاسرة للأعناق.
أما ما ذكره ابن حجر بقوله وقال الزبير: ولد يعمر ابنيه زيدا ورقية،
فمردود باطل لأن الزبير بن بكار من النواصب الأشرار، وهو مقدوح بغير هذا
المطعن العظيم أيضا كما سبق بيانه مفصلا في باب مفرد من هذا الكتاب، وقد
ذكرنا مرادا أن بعض الأعلام من السنية مع قولهم بوقوع هذا النكاح المزعوم
معترفون بأن أم كلثوم (ع) ماتت صغيرة ولم تلد ولدا أصلا لا ذكرا ولا أنثى،
فكيف يقبل عاقل قول الزبير بن بكار في هذا الباب، والله العاصم عن كيد
الناصبين الداعين إلى التبار والتبات.
أما قول ابن حجر: وماتت أم كلثوم وولدها.. إلى قوله: فماتا في يوم
واحد، فبطلانه أوضح من الشمس في رابعة النهار، وسيأتي بيان فساده وكساده
وإيضاح سقوطه وانهداده في باب مفرد بالتفصيل الجميل بعون الله الجليل، فكن
من المنتظرين حتى يأتيك اليقين.
أما ما ذكره ابن حجر من تأيم أم كلثوم في رد ابن الأثير، وظهر بطلان هذه
القصة المجعولة التي يشهد بكذبها كل ناقد بصير، وقد أسقط ابن حجر منها بعض
182

الجملات الفضيعة، والكلمات الشنيعة، من البين كما لا يخفى على من طابق بين
الكتابين، ويكفي في ظهور بطلان هذا الأفك المبين للناظرين المستبصرين، إن
عون بن جعفر استشهد في حرب تستر، وذلك في عهد عمر ولم يكن باقيا بعد
عمر، فكيف يمكن تزويجه بأم كلثوم (ع) بعد موت عمر، إن هذا الاختلاف ممن
لا يخاف من ربه يوم التلاق.
ومن العجائب التي تشهد بظهور الحق، وسفور الصدق، وبطلان الباطل
وهون العاطل، إن ابن حجر بنفسه ذكر في كتابه هذا أعني الإصابة في ترجمة عون
بن جعفر إنه استشهد في تستر في خلافة عمر وهذه ألفاظه: عون بن جعفر بن
أبي طالب الهاشمي ابن عم النبي (ص) ولد بأرض الحبشة وقدم به أبوه في غزوة خيبر
، وأخرج النسائي وغيره من طريق محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد، عن
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: لما قتل جعفر بن أبي طالب قال رسول الله
(ص) ادعوا إلى بني أخي فجيئ بنا كأنا أفراخ فقال: أدعو إلى الحلاق فأمره
فحلق رؤوسنا ثم قال: أما محمد فشبيه عمنا أبو طالب، وأما عون فشبيه خلقي
وخلقي ثم أخذ بيدي فأمالها فقال: اللهم اخلف جعفر في أهله وبارك لعبد الله في
صفقة يمينه.
وهذا سند صحيح أورده ابن مندة من هذا الوجه مختصر مقتصرا على قوله:
إن النبي (ص) قال لعون: أشبهت خلقي وخلقي، ولما أورده ابن الأثير في
ترجمته قال: هذا إنما قاله النبي (ص) لأبيه جعفر، فأومأ إلي أنه وهم وليس كما
يظن بل الحديثان صحيحان وكل منهما معدود فيمن كان أشبه بالنبي (ص)،
واختلف في أي ولد جعفر، محمد وعون كان أسن فأما عبد الله فكان أسن
منهما، وذكر موسى بن عقبة، إن عبد الله ولد سنة اثنتين وقيل غير ذلك، كما سبق
في ترجمته، وقال أبو عمر: استشهد عون بن جعفر في تستر وذلك في خلافة عمر
وما له عقب (1).

(1) الإصابة 3: 44.
183

انتهى كلام ابن حجر ولله الحمد على إفحام الكاذب المائن بإلقام الحجر.
أما ما ذكره بقوله: وذكر الدارقطني في كتاب الأخوة إن عونا مات منها،
وتزوجها أخوه محمد ثم مات عنها فتزوجها أخوه عبد الله بن جعفر فماتت عنده
فليته لم يذكره لأنه مفضح له ولإمامه الدارقطني، وذلك لأن محمد أخا عون أيضا
استشهد بتستر على عهد عمر ولم يكن باقيا بعد عمر وبعد عون حتى يتزوج بأم
كلثوم (ع).
قال ابن قتيبة في كتاب المعارف: في ترجمة عون بن جعفر ما نصه، وأما
محمد بن جعفر فقتل بتستر أيضا (1).
وقال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب: عون بن جعفر بن أبي
طالب، ولد على عهد رسول الله (ص) أمه وأم أخوته عبد الله ومحمد بن حعفر بن
أبي طالب أسماء بنت عميس الخثعمية، واستشهد عون بن جعفر وأخوه محمد بن
جعفر بتستر ولا عقب له (2). انتهى.
أما قضية تزوج عبد الله بن جعفر بسيدتنا أم كلثوم (ع) التي ذكرها ابن
حجر نقل عن الدارقطني فهي أبين فسادا وأوضح بطلانا من أن ينبه عليها، وقد
ذكرنا في باب رد كلام ابن سعد ما يستأصل شأنه هذا الكذب المبين ببيان واضح
متين.
ومن العجائب إنا ذكرنا هناك ما يبطل تزوج عبد الله بن جعفر لسيدتنا أم
كلثوم - (ع) بما ذكره ابن سعد بتفصيل في قضية موتها، وأنت إذا راجعته يستبين
لك وقاعة ابن حجر وغفلته الشديدة حيث لم يتنبه ببطلان كلام ابن سعد وفساده
في هذا الباب، ونقل عنه في هذا المقام ما نقل ميلا إلى البهت والكذاب.
أما ما ذكره ابن حجر بقوله: وذكر ابن سعد عن أنس بن عياض.. إلى

(1) المعارف: 89.
(2) الإصابة 3:
184

آخره فهو من الأكاذيب الواضحة والبهتانات الفاضحة وقد تكلمنا عليه في باب رد
كلام ابن سعد بالتفصيل الجميل وأظهرنا ما في سند هذا الخبر السقيم العليل،
ومتنه المهين الضئيل، وجعلنا كيدا الكائدين في تضليل.
ومما يتعجب منه كل ناقد ذي بصر أن ابن حجر عمي عن كون أنسي بن
عياض مقدوحا مجروحا مطعونا مفضوحا، وقد ذكر ابن حجر بنفسه في التهذيب
قدح أنس بن عياض عن مالك بن أنس صاحب المذهب المشهور، وأيضا نقل
قدحه عن أبي داود الحافظ المزيل بن المقبول والمهجور.
وأعجب من ذلك كله، أن ابن حجر قد ذكر في التهذيب: إن ابن سعد
الراوي لهذا الخبر الموضوع عن أنس بن عياض، قد قدح بنفسه في أنس بن عياض
هذا، وقال فيه: إنه كان كثير الخظأ فما أدري كيف أجرئ ابن سعد أن يذكر هذا
الكذب عن هذا الرجل الكثير الخطأ، وكيف استحل ابن حجر أن يذكر هذا البهت
الذي رواه ابن سعد عن هذا الخاطئ الذي هو أقر بكونه كثير الخطأ، وكيف ساغ
له أن يذكر هذا الخبر المصنوع، والإفك الموضوع الذي اختلقه أنس بن عياض،
وينقله عن ابن سعد، ويكفي أن ابن سعد قد قدح فيه بنفسه، وذكر ابن حجر
هذا القدح في التهذيب بنفسه مع قدح غيره من الأكابر في أنس بن عياض، هل
هذا إلا صنيع من دخل في غمار الجهل وخاض.
وإن أردت أن تقف على ما في متن هذا الخبر الموهون من المعائب والطعون
فليرجع إلى ما ذكرنا في رد كلام ابن سعد من هذا الكتاب، والله الهادي إلى منهج
الرشاد، ومهيع الصواب.
أما ما ذكره ابن حجر من خبر المهر المنقول عن عطاء الخراساني، فهو أيضا
من الأكاذيب التي نسبوها إلى الثاني، وقد ذكرنا بطلانه سندا ومتنافي رد كلام ابن
سعد في الباب المشار إليه آنفا.
ومما يعجب كل خبير ذي نظر إن ابن حجر غض بصره عن سند هذا الخبر،
لأنه رواه ابن سعد في الطبقات عن وكيع بن الجراح عن هشام بن سعد عن عطاء
185

الخراساني، وكل من هؤلاء الثلاثة مطعون، مجروح، مثلوب، مقدوح، وقد
ذكر قوادح كل منهم ابن حجر نفسه في التهذيب، وذلك منه أمر عجيب، وقد
تكلمنا عن هذا الخبر المكذوب سندا ومتنافي رد كلام ابن سعد بما فيه عبرة لأولي
الألباب، فراجعه بعون الملك الوهاب.
أما ما نقل ابن حجر في آخر كلامه عن ابن سعد من الخبرين في الصلاة على
أم كلثوم (ع) نستقف على بطلانهما في باب مستقل عما قريب إنشاء الله تعالى،
وتعلم فيه إن ما رواه ابن سعد في أمر الصلاة، من الأخبار المختلفة المختلقة لا
تصح منها خبر أصلا وكلها مقدوحة مجروحة وفيها من التناقض والتهافت ما لا
يخفى على الناقد الخبير والمتأمل البصير، وفي هذين الخبرين الذين نقلهما ابن حجر
عن ابن سعد، تضار واضح واختلاف لائح لا يخفى على اللبيب، والله العاصم
عن خدع المستهزئين بالمخروصات والأكاذيب.
وليكن هذا آخر الكلام على ما نسجه العسقلاني من الأباطيل المنحلة
النظام، ولقد استبان منه على أرباب البصر وأصحاب النظر سقوط ما بناه ابن
حجر، وما أوجب الهدم إلا تحت الحجز.
توقيف وتنبيه لكل عاقل متنبه، أنت إذا أحطت خبر بما بينا لك في هذه
الأبواب من الرد على كبار علماء العامة، تقدر على تكذيب كل ما أورده غيرهم من
حشوية النواصب ولم نر إطالة الكلام بذكر هفواتهم، وبيان سقطاتهم، وكل من
طالع ما ذكرناه من التحقيقات القادمات لزناد الحق، والتدقيقات الموريات لشهب
الصدق، يعلم إن المتعصبين المشار إليهم لكاذبون، فيما ذكروا، وغادرون،
وكلما لفقوه من الأباطيل إنا على ذهاب به لقادرون (1).

(1) إن ابن حجر ومن لف لفهم من القابعين على موائد الأمويين والعباسيين، بذكرهم هذه الأساطير الهزيلة،
يكشفون عن جهلهم المطبق، وبغضهم الدفين للحق والحقيقة المتمثل في بيت العترة الطاهرة (ع) وشيعتهم
الميامين الذين ساروا منذ اللحظة الأولى من وفاة النبي الأعظم (ص) على هدي إمامهم أمير المؤمنين عليه
السلام، ونهج أبنائه الذين سلم من صدقهم، وهدي من أعتصم بهم، ومن اتبعهم فالجنة مأواه، ومن
خالفهم فالنار مثواه، ومن جحدهم كافر، ومن حاربهم مشرك، ومن رد عليهم فهو في أسفل درك من
الجحيم
186