الكتاب: نظرة إلى الغدير
المؤلف: المروج الخراساني
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شوال المكرم ١٤١٦
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

نظرة إلى الغدير
يحتوي على أربعمائة وألف بيت لأربعين من رجالات العلم والدين
والأدب من الذين نظموا هذه الأثارة من العلم
ويتلوه فهرس مفصل لمواضيع موسوعة (الغدير)
لمؤلفه الحجة العلامة
الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
إعداد وتنسيق
علي أصغر المروج الخراساني
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

نظرة إلى الغدير
إعداد وتنسيق الشيخ علي أصغر المروج الخراساني
الموضوع الإمامة والتاريخ
طبع ونشر: مؤسسة النشر الاسلامي
عدد الأجزاء جزء واحد
الطبعة: الأولى
التاريخ: شوال المكرم 1416
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على إتمام هدايته وإكمال شريعته، والصلاة السلام على نبراس
الهدى ومصباح التقى أبي القاسم المصطفى، وعلى آله أولوا الحجى والعروة
الوثقى سيما ركن الإيمان وعز الاسلام، الحصن الحصين أمير المؤمنين وسيد
الوصيين، صاحب السوابق والمناقب ومبيد الكتائب، أسد الله الغالب الإمام علي
ابن أبي طالب، واللعنة الدائمة الوبيلة على أعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم
من الله والملائكة والناس أجمعين إلى قيام يوم الدين.
وبعد فإن الحديث عن واقعة الغدير حديث عن أهم منعطف تأريخي مرت به
المسيرة الإسلامية، حيث أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم زمام الأمور في الدين والدنيا إلى
وصيه المرتضى، وذلك بعد أن جمع الناس في حر الهجير وأشهدهم على أنفسهم
بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح لأمته، فأقروا بذلك، ثم نادى فيهم بصرخة
الحق والهدى (من كنت مولاه فعلي مولاه) تلك الصرخة التي لا يزال دويها يرن
في أسماع أهل الحق، وسيبقى حتى الورود عليه في الحوض، فيفوز الفائزون
بولايته ويخسر هنالك المبطلون الذين لووا أعناقهم عن نصرة الحق ولم يحفظوا
وصية النبي بأهل بيته وباعوا حظهم بالثمن الأوكس، ولم يكتفوا بذلك بل سلكوا
في الاتجاه المعاكس فسخروا الأقلام الرخيصة واستخدموا وعاظ السلاطين
وأصحاب النفوس الضغيفة في تزييف الحقائق وتشويه المعالم وتحريف الوقائع،
3

وبذلك جروا الأمة في واد سحيق بعيد كل البعد عن ينابيع العلم ومعادن الحكمة
صلوات الله عليهم أجمعين، وأشغلوهم بالحروب والخلافات وبثوا في أوساطهم
الفرقة والحزازات.
ولا تزال الأمة تعاني من تبعات تلك الخيانات ونقض العهود. وتتجرع الغصص
والأحزان، الأمر الذي دعا بالأحرار وأباة الضيم من هذه الأمة منذ الزمن الأول
وإلى يومنا هذا بالتصدي للدفاع عن الحق الذي يدور مع علي عليه السلام حيثما دار،
فخاضوا اللجج وأرخصوا اللجج الطاهرة وبذلوا في نصرة راية الحق كل
غال ونفيس.
ويعد المجاهد الأكبر والفقيه العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني قدس الله
نفسه القدسية النموذج الأعلى والمثال الصادق لأولئك الأبرار، فقد حاول ومن
خلال موسوعته (الغدير) الشهيرة أن يجمع شمل الأمة المتشتت ويرأب صدعها
ويقيم أمتها ويصحح مسيرتها، فشكر الله سعيه وأجزل ثوابه.
والكتاب الماثل بين يديك - عزيزنا القارئ - هو عطاء ثان جادت به أنامل فضيلة
الشيخ الحاج علي أصغر المروج الخراساني - بلغه الله في الدارين الأماني - بعد
كتابه الأول (في رحاب الغدير) حيث وضع بين يدي المراجعين لموسوعة
(الغدير) الشريفة المفتاح الذي يسهل عليهم الورود إلى خزائن كنوزها
وجواهرها ملخصا بذلك أغلب مطالبها ومباحثها، وختم ذلك بفهرست ترتيبي
لجميع موضوعات مجلداتها، فجزاه الله عن صاحب الغدير خير الجزاء. ورأت مؤسستنا هذا الكتاب النافع ونشره نصرة للحق وخدمة لتراث الإمامية
الخالد، سائلين العلي القدير أن يتغمد الماضين من علمائنا بالرحمة الرضوان
ويحيط الباقين منهم بالبركة والإحسان إنه موفق ومنان.
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم
4

الإهداء
إلى: رمز العبقرية ومثال الجهاد
إلى من كرس حياته الغالية في خدمة العلم وإعلاء كلمة وبث
روح التوحيد
إلى: من تفقه في التأريخ الإسلامي وأنصفه ونشر حقائقه بعيدة عن
التعصب والعاطفة
إلى من حمل لواء (الغدير) وبلغ رسالته العظمى
إلى: نابغة الاسلام وحجته الدامغة العلامة فقيد الأمة الشيخ
عبد الحسين الأميني النجفي تغمده الله برحمته، وأسبل عليه
شآبيب فضله.
إليه أهدي مجهودي الضئيل تقديرا لجهاده المقدس في سبيل (إحقاق
الحق) في موسوعته الخالدة (الغدير).
5

البلاغ المبين
بلسان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
(عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب). (1)
(من سره أن يحيي حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن
غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من
بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهما وعلما، وويل
للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله
شفاعتي) (2).

(1) أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي في تأريخه: ج 4 ص 410 (غ 1 / ط).
(2) أخرجه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: ج 1 ص 86 (غ 1 / ط).
6

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم يا ذا المنن السابغة! على ما أنعمت به علينا من ولايتك، وولاية
محمد سيد رسلك، وعترته الأطهار ولاة أمرك، وأصلي على رسول الله، إمام
الرحمة، وهادي الأمة، وناموس السعادة، والمنقذ من الضلالة، وأسلم على علي
ابن أبي طالب، وصيه وخليفته وشاهد رسالته وناصر دعوته، وعلى عترته
الطاهرة، الأئمة الهادية، أمناء الله في بلاده وحججه على عباده، لا سيما صاحب
العصر والزمان، الإمام الحجة بن الحسن المهدي القائم أرواح من سواهم فداهم.
أما بعد، فإني نظرت ذات يوم نظرة إلى (الغدير) وأخذته وتصفحته وقرأت
بعض أجزائه فرأيته كما قال مقرظوه:
7

1 - شاعر الأهرام المفلق، الأستاذ الكبير محمد عبد الغني حسن المصري:
... موسوعة كبيرة تدور حول الكلمات الطاهرة التي نطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم
لإمام علي كرم الله وجهه، فأثبت [العلامة الأميني] الشعراء الذين ذكروا الغدير
في قصيدهم، وعطروا بذكره أنفاس أشعارهم، وصاحبهم المؤلف الدؤوب في
موكب رائع الجلال من عهد النبي صلوات الله عليه إلى القرون الإسلامية قرنا
فقرنا، فهو يذكر في كل قرن شعراء الغدير فيه ويذكر غديرياتهم، ولا يكتفي بذلك
كله، بل يترجم لهؤلاء الشعراء تراجم لا يستغني عنها مؤرخ أو باحث أو أديب،
ثم لا يكتفي بذلك، بل يذكر المصادر الكثيرة المورعة لهؤلاء الشعراء، فيقع
القارئ من هذه المصادر على ذخيرة من المعرفة بالكتب قل أن تتاح لباحث من
باحثي زماننا هذا... (1).
2 - الأستاذ الفذ الشيخ محمد سعيد دحدوح الحلبي:
... هو موسوعة تذكر كلام المادح والقادح والمحكم والمتشابه، ثم يدحض
كل حديث مفترى، وقول مشين واعتقاد فاسد ولفظ دخيل وجملة نكراء أريد بها
إلصاق تهم باطلة، وآراء فاسدة بالمرتضى علي عليه السلام وبوالده شيخ الأبطح أبي
طالب وأهله وذويه وأبنائه وأحفاده وذريته وعترته وأشياعه وأتباعه الأموات
والأحياء ما هم برءاء منها، وبين ما للإمام علي عليه السلام من خصائص وما للأوصياء
من مزايا وفضائل بكلام سهب، وسياق رصين... (2).
... نعم، وقفت أمام ثبج (الغدير) وخضت غماره، وسبحت فيه، فإذا أمامي
مشاهد التأريخ، وأفلام الزمان، وأقلام المؤلفين، وفصول الكتب، ونشيد الشعر،

(1) اقتباس من مقالة المطبوع في الغدير: ج 1 ص (ب - و).
(2) اقتباس من كتابه المطبوع في الغدير: ج 2 ص (ب - د).
8

وأريج الحديث، كلها تدلني على أن الغدير حق ليس بمختلق، وأن الناس يقولون
ما لا يعلمون، إما ابتغاء للفتنة، أو تقربا للملوك الظالمين، أو جبنا عن النطق
بالصواب والواقع... (1).
3 - العلامة الحجة الشيخ ميرزا محمد علي الأوردبادي:
... إن السامع به يحسب لأول وهلة أنه مقصور على موضوعه، لكنه عند
ورود منهله العذب يجد فيه البحث والتنقيب حول كثير من براهين الإمامة،
والاكتساح لطوائف من الأشواك المتكدسة أمام سير السالكين، ودحض ما هنالك
من قوارص تشق العصا، وتفرق الكلمة، والكشف عما وراء الأكمة من نوايا سيئة
ومعادل هدامة والتنزيه لأمته عما ألصقت بها أقلام مستأجرة من شية العار،
وشوهت سمعتها سماسرة الأهواء بأساطيرهم المائنة، وهنالك مسائل جمة من
فقه وكلام وتفسير وحديث وتاريخ كشف عنها الغطاء بعد تمويه متطاول،
وإصفاق عليه متواصل، بعد ما تصادمت عليه نزعات وأهواء، واحتدمت إحن
وشحناء... (2).
4 - الدكتور عبد الرحمن الكيالي الحلبي:
... إن كتاب (الغدير) وما فيه من سنة، وأدب، وعلم، وفن، وتاريخ،
وأخلاق، وحقائق، وتتبعات، وأقوال، لجدير بالاطلاع عليه والإحاطة به،
وخليق بكل مسلم اقتناؤه، فيعلم كيف قصر المؤرخون، وأين هي الحقيقة، وبذلك
تتفادى نتائج التقصير والإهمال، وننال الأجر والثواب في إقرار الحقائق واتباع

(1) اقتباس من كتابه المطبوع في الغدير: ج 8 ص (ي - يب
(2) اقتباس من كلمته المطبوعة في الغدير: ج 3 ص (ط - ك).
9

الأوامر، وجمع الكلمة، وتوحيد العقائد والمذاهب، وإجماع الرأي، لعلنا ننهض
وينهض من آلمهم ما وصل إليه المسلمون، ويستيقظ الجميع وقد عاد إليهم
رشدهم وعزهم وقوتهم وما ذلك على الله بعزيز... (2).
5 - الشريف الأجل آية الله السيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي:
... إن الكتاب القيم - الغدير - الذي جاء به القائد الديني الفذ، والمصلح
الكبير، والمعلم الأخلاقي الأوحد، حجة الإسلام الأميني النجفي، من أجل ما
تتباهى به مدرسة الإسلام الكبرى (النجف الأشرف)، كما أنه من مفاخر
المسلمين أجمع، فإنه أكبر موسوعة يضم إلى أجزائه علما جما، وأدبا كثيرا،
وإحاطة واسعة، وجهودا جبارة، وحقائق ناصعة، وقد أنهى فيه إلى الملأ من قومه
ما في وسع رجالات العلم والدين من الفضل الكثار، والمقدرة التامة على التنقيب
والبحث، والهمة القعساء لإرشاد الجامعة وهداية الأمة، وقد يفتقر مثل هذا
التأليف الحافل المتنوع إلى لجنة تجمع رجالا من أساتذة العلوم الدينية، ولو لم
يكن مؤلفه العلامة الأميني بين ظهرانينا، ولم نر أنه بمفرده قام بهذا العبء الفادح
لكان مجالا لحسبان أن الكتاب أثر جمعية تصدى كل من رجالها لناحية من
نواحيه.
... ولا بدع إن جاء الكتاب نسيج وحده فإن مؤلفه ذلك العلم المفرد الذي
تقصر عن مجاراته الأقران، فإليك من الكتاب سلسلة حقائق ودقائق من الدين
والمذهب تنضوي إليها طرف جمة من العلم والأدب.
ولأن وقفت على هذه الموسوعة الكريمة تجد نفسك على ساحل عباب
متدفق لا ينزف، ولا تنكفئ عنها إلا وملء ذاكرتك معارف إلهية، وحشو فاكرتك

(1) اقتباس من مقاله المطبوع في الغدير: ج 4 ص (ج - و).
10

تعاليم قدسية، وبين عينيك مجالي قوله تعالى: الذين جاهدوا فينا لنهدينهم
سبلنا (1).
ولعمر الحق إن في الكتاب دروسا ضافية لكيفية البحث والنقد والإتقان فيهما
والمحاكمة التأريخية بين القضايا، وتمييز الصحيح من السقيم في الفقه والتفسير
والحديث والرجال، فلا أحسب من المغالاة لو قلت: إنه الحجر الأساسي لهاتيك
المعالم كلها، أو أنه المدخل الواسع إلى مدينة العلم والعمل... (2).
6 - الأستاذ الفذ السيد محمد علي نقي الحيدري الكاظمي:
... ويعلم الله أنني كلما أكرر مطالعتي له أزداد إعجابا بجهود المؤلف الجبارة
في إخراج هذا الأثر النفيس.
وإن القارئ ليستغرب أشد الاستغراب حينما يقلب صحائفه ويتعمق في
مطالعته، فهو - في أول نظرة - لا يعرف عن الكتاب إلا أنه مؤلف يبحث عن

(1) سورة العنكبوت (29): 69.
(2) اقتباس من خطابه المطبوع في الغدير: ج 5 ص (د - ه‍).
11

حديث الغدير كتابا وسنة وأدبا، ولكن سرعان ما تتغير نظرته للكتاب عندما
يجول بين فصوله ومواضيعه فلا يخرج منه إلا وهو قد حصل على قسط وافر من
العلم والدين والأدب والأخلاق. وإذا به ليس في الغدير فحسب بل هو موسوعة
علمية كبرى، ودائرة معارف واسعة حافلة بالتحليل الدقيق، والاستنتاج الصحيح،
والتحقيقات الثمينة حول يوم (الغدير) الخالد وغيره من الحقائق التي شاءت
الظروف أن تخفيها عن الملأ والتي كانت ولا تزال خلف الستار لا تدركها الأبصار.
فهو - إذا - ليس في موضوع خاص بل فيه كل ما يهم الأمة الإسلامية من
إحياء تراثها القديم والإشادة بمجدها الغابر وإعلاء كلمة الحق ونشر راية القرآن
والتنقيب عما سجل التاريخ لهذه الأمة من مفاخر ومآثر كان لها أطيب الأثر في
تقدم الأمم وتهذيب العقول.
وحقا إنه - كما قلت: - (كتاب علمي، فني، تاريخي، أدبي، أخلاقي، مبتكر
في موضوعه، فريد في بابه، يبحث عن حديث الغدير كتابا وسنة وأدبا ويتضمن
تراجم أمة كبيرة من رجالات العلم والدين والأدب من الذين نظموا هذه الإثارة
من العلم وغيرهم).
وإني أزيد على ما تقول: بأنه خير كتاب أخرجته يد النجف الأشرف منذ
حين من الدهر مع كثرة ما أخرجته من المؤلفات الثمينة في مختلف المواضيع.
وإن القارئ ليجد نفسه - عند مطالعته - في حديقة زاهرة فيها من كل الثمرات
وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين... (1).
7 - الشريف المصلح الأكبر آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي:
... موسوعتك (الغدير) في ميزان النقد وحكم الأدب عمل ضخم دون ريب،
فهي موسوعة لو اصطلح على إبداعها عدة من العلماء وتوافروا على إتقانها بمثل

(1) اقتباس من كتابه المطبوع في الغدير: ج 5 ص (ز - ح).
12

هذه الإجادة لكان عملهم مجتمعين فيها كبيرا حقا.
ولكني ما سقت كلمتي لأقول هذا، وإنما سقتها لأشير إلى هذه الناحية
الخطيرة من حياتنا المفككة داعيا إلى التشدد، والالتفات حول الحفنة الباقية من
رجال الفكر الإسلامي ممن يجيلون أقلامهم في علومنا وآثارنا بفقه وحب.
فليس شئ عندي أخطر على هذا الفكر الولود من التفرق عن رجاله، لأن
التفرق عنهم نذير بعقم نتاجه، وقطع حلقاته، فالتفرق عنهم بمعناه تفريق للحواضر
والبواعث التي تتصل بها حياة الحق في طبائع الأشياء وظواهر السنن.
وليس أفجع لحضارة الشرق بل لحضارة الانسان من عقم هذا النتاج وقطع
هذه الحلقات.
فإذا دعونا إلى موازرتك والوقوف إلى جانبك في شق الطريق بين يدي
(غديرك) فإننا ندعو في واقع الأمر إلى خدمة فكرة كلية ترتفع بها شخصية الأمة
كاملة، آملين أن يرى المفكرون بك مثلا يشجعهم بحياة الأمة حولك، وحسن
تقديرها لك، أن يخدموا الحق الذي خدمته لوجه الحق خالص النية.
أقف هنا لأقول: إن قمة (الهرم) في عملك الجاهد القيم إنما هي حبك له حبا
يدفعك فيه إلى الأمام في زحمة من العوائق والمثبطات، وهي خصلة في هذا
العمل الكبير تعيد إلى الذهن دأب أبطالنا من خدام أهل البيت وناشري علومهم
وآثارهم، ذلك الدأب الذي أمتع الحياة بأفضل مبادئ الانسانية من معارفهم
النيرة... (1).
8 - سيدنا الشريف المبجل آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم:
... إن من أعظم ما أنعم به الله جل وعز على هذه الفرقة المحقة والطائفة الحقة
أن أتاح لها في كل عصر منها رجالا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن الجهاد في سبيلها
والقيام بحقها، والعمل على إعلاء كلمتها، ورفع مقامها، فحققوا حقائقها، وبلغوا
رسالتها، وأقاموا الحجة لها على غيرها، كل ذلك بالرغم مما منيت به من أشياء
من شأنها أن تحول بينهم وبين ذلك كله لولا العناية الربانية.
وإن من فحول هذه الزمرة المجاهدة مؤلف كتاب (الغدير) المحقق الفذ
العلامة الأوحد الأميني دام تأييده وتسديده، وقد سرحت النظر في أجزائه
المتتابعة فوجدته كما ينبغي أن يصدر من مؤلفه المعظم، وألفيته كتابا لا يأتيه

(1) اقتباس من كتابه المطبوع في الغدير: ج 7 ص (ه‍ - و).
13

الباطل من بين يديه ولا من خلفه بتوفيق من عزيز عليم. ولقد توفق كل التوفيق
في قوة حجته، وشدة عارضته، وروعة أسلوبه، وجمال محاورته، وقد ضم إلى
حصافة الرأي جودة السرد، وإلى بداعة المعاني قوة المباني، وتفنن في المواضيع
المختلفة فوردها سديدا وصدر عنها قويما.
فجدير بالمسلم المثقف الذي يرتاد الحقيقة ويتطلب الأمر الواقع أن يقرأه
ويستنير بضوئه... (1).
9 - شيخنا الأكبر آية الله سماحة الشيخ محمد الرضا آل ياسين الكاظمي النجفي:
... سبرت كتاب (الغدير) ذلك الكتاب المبين الذي لا ريب فيه هدى للمتقين،
فوجدت شأوا له بعيدا لا يلحقه البيان، وللقول فيه متسعا تنبو عنه جمل الإطراء،
فمهما تشدق القائل فيه وأطنب فهو دون حقيقته، وإن في السكوت عن تقريظ
كتاب مثله - يرشد الجاهل، وينبه الغافل، ويهدي الضال، ويميط عن الحقائق
الدينية أسدال الشبه، ويوقف الباحث على جلية الحق الواضح - تثبطا عن نصرة
الحق، وقعودا عن الواجب، فتصفحته وقرأته فامتلأت نفسي إعجابا وإكبارا له
حين ألفيت فيه تلك الضالة المنشودة التي كان قد استأثر بها عالم الغيب طوال هذه
الحقب المتمادية فلم يخرجها إلى عالم الشهادة حتى تبرز بها هذا الحبر الأمين،
المأمون على الدنيا والدين، الذي جمع الله له إلى قوة الإيمان قوة العلم وقوة
البيان، فكان له من تظافر هذه القوى الثلاث قوة لا تثبت أمامها قوة، لشد ما شد
بها على أباطيل فصرعها، وعلى أضاليل فقمعها، وعلى مخاريق فمزقها وصدعها.
تلك لعمر الله موهبة عظمي لا ينالها إلا ذو حظ عظيم، ومن أجدر بهذه
الموهبة من هذا المجاهد الأكبر الذي وقف نفسه لمناصرة الحق ومناجزة الباطل؟

(1) اقتباس من خطابه المطبوع في الغدير: ج 7 ص (ز).
14

فما فتئ دائبا ليله ونهاره، مكدودا في سره وجهره حرصا على العمل بواجبه،
فبارك الله له وفيه كما بارك في جهوده ومساعيه، وحسبه من الكرامة على الله جل
شأنه أن ادخر له هذه المكرمة ليفيضها عليه ويجريها على يديه كما تجري
المعاجز على أيدي الأنبياء. والسلام عليه أولا وأخيرا ورحمة الله وبركاته (1).
10 - سيدنا الشريف الأجل العلم الحجة آية الله سماحة الحاج السيد صدر الدين الصدر:
... كتاب (الغدير) جمع بين التتبع الوافي، والضبط والتثبت في النقل، وحسن
النقد، وأصالة الرأي، وقل ما اجتمعت هذه الخلال في كتاب، وإن أضفت إليها
خامسة وهي جودة السرد وحسن البيان رأيته بين أترابه كأنه علم في رأسه نار.
كتاب (الغدير) دائرة معارف إسلامية تجد فيها أنواعا من الفضائل والمعارف
مما خلت عنه زبر الأولين، ولا غرو فإن مؤلفه الإمام العلامة أحد مفاخر الطائفة،
وحسنة من حسنات عاصمة العلم والدين (النجف الأشرف).
النجف الأشرف، وما أدراك ما النجف الأشرف؟ مدرسة جامعة كبرى في
دنيا الإسلام منذ ألف سنة تقريبا لصاحبها وحامي حماها مولانا أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام باب مدينة العلم الإلهي، ومولانا المؤلف من أعلام
متخرجيها، فلا بدع إن قلت: إن كتاب (الغدير) هو الرسالة النهائية التي يكتبها
التلميذ عند انتهاء دراسته، أو أطروحة نال بها صاحبها الشهادة العالية بين
خريجها، وبالنظر إلى من أسست تحت عنايته هذه الكلية الكبرى عليه أفضل
الصلاة والسلام، جعل المؤلف موضوع كتابه المقدس (حديث الغدير) على قائله
والمقول فيه أزكى الصلوات والتسليمات ما كر الجديدان واختلف الملوان.
وفق الله مؤلفه وإيانا لخير الدارين وسعادة النشأتين والسلام عليه ورحمة الله

(1) اقتباس من كتابه المطبوع في الغدير: ج 8 ص (ب - ج).
15

وبركاته (1).
11 - شاعر أهل البيت المكثر الشيخ محمد رضا الخالصي الكاظمي:
أيها المرتقى سنام الفخار! * أنت مولاي آية الجبار
أغديرا أريتنا؟ أم محيطا * ليس فيه لسائر من فرار؟
أم رياضا تزهو بزهر نضير؟ * أم سماء تشع فيها الدراري؟
أم جنانا أشجارها مثقلات * بثمار من أطيب الأثمار؟
أنت في الكون قد نشرت علوما * كن قبل (الغدير) تحت ستار
أنت مهدت للأنام سبيلا * مهيعا يستنير بالأنوار
أنت ألبستنا ملابس عز * ووقار وسؤدد وافتخار
أنت أودعت في غديرك درا * حسنه يزدري لئالي البحار
أنت أحرى بأن تنادي بصوت * تسمع العالمين في الأمصار
[تلك آثارنا تدل علينا * فانظروا بعدنا إلى الآثار]
دم لك الخير بالغدير مهنأ * وسيجزيك حيدر الكرار (2)
12 - الفاضل البارع الحاج الشيخ محمد باقر الهجري:
فكر من الحق المبين أضاءا * زانت به دنيا العلوم رواءا
وزها به جو الحقيقة والهدى * مذ شع في أفق الجلال ضياءا
منحته أوسمة الخلود عقيدة * وضعته في لوح العلا طغراءا
إيه أمين الحق خلفك أمة * ترنو إليك تحاول الإصغاءا

(1) اقتباس من كتابه المطبوع في الغدير: ج 10 ص (ب - ج).
(2) الغدير: ج 5 ص 458.
16

هذا (غديرك) والصواب ممازج * لنميره يشفي الصدور ظماءا
يا صاحب القلم الذي بسموه * زاد البيان مكانة وعلاءا
صور من الأوهام ضاق بها الفضا * زيفتها فجعلتهن جفاءا
وكشفت عن وجه الحقائق أسدلا * بصحائف التاريخ كن سناءا
وبعيني التنقيب ثم غشاوة * فكشفت عنها بالحجاج غشاءا
خلدت في صحف الزمان مآثرا * تبقى على مر العصور ثناءا
يا صاحب القلم الذي ببيانه * قد أعجب البلغاء والفصحاء
أبرزتها لهبا يجول فيرتمي * حرقا على قلب العتي عناءا
وجلوتها دررا يروق سناءها * ونظمتها فكرا يشع بهاءا
ونثرتها وتروم أنت بنثرها * جمع القلوب تآخيا وصفاءا
فسموت عن مدح القصائد رفعة * وفم الزمان يثيبك الإطراءا (1)
... وكم وكم للسادة المقرظين من كلمات قيمة حول تلك الموسوعة
الكريمة... (2) غير أن هذه الموسوعة لما كان من العسير أن يقتنيها ويطالعها كل
أحد، وبخاصة عامة الناس، لهذا كان من المحبذ أن يقتبس منها بعض المواضيع
ليتسنى لمحبي الحقيقة وطلابها الذين لا تسمح لهم الإمكانيات والظروف باقتناء
الموسوعة أو مطالعتها على عظمتها وسعة أبحاثها، أن يقفوا على عصارات مفيدة
في هذا المجال، في عصر سلبت السرعة فيه من الانسان كل الفرص وتركته
حائرا لا يدري كيف يلاحق عجلة الزمن المسرعة.
والكتاب الذي بين يديك (نظرة إلى الغدير) اقتباسات من موسوعة (الغدير)
لمؤلفه المحقق الفذ، والعلامة الأوحد، البحاثة الكبير، والمتتبع القدير، صاحب

(1) الغدير: ج 8 ص 390.
(2) وقد طبع بعضها في مجلدات الغدير.
17

الفضيلة، ومفخرة الطائفة، فقيه المؤرخين ومؤرخ الفقهاء، سماحة آية الله الشيخ
عبد الحسين أحمد الأميني النجفي تغمده الله برحمته وأسبل عليه شآبيب فضله.
وهذا يتضمن بابين:
الباب الأول: نظرة إلى الغدير في الكتاب والسنة والأدب. ويحتوي على
خمسة فصول:
الفصل الأول: (الشعر والشعراء) يتناول البحث حول الشعر والشعراء، الشعر
والشعراء في الكتاب والسنة، الهواتف بالشعر، موكب الشعراء، الشعر والشعراء
عند الأئمة وعند أعلام الدين.
الفصل الثاني: (واقعة الغدير).
الفصل الثالث: (العناية بحديث الغدير) ويبحث فيه - موجزا - عن عناية الله
سبحانه وعناية النبي الأعظم وأئمة الدين صلوات الله عليهم أجمعين وعناية
الإمامية والعامة بحديث الغدير على قائله والمقول فيه صلوات الله القدير.
الفصل الرابع: (مفاد حديث الغدير) ويتضمن - بالإيجاز - دلالة حديث
الغدير على إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
الفصل الخامس: (شعراء الغدير) ويحتوي على أربعمائة وألف بيت لأربعين
من رجالات العلم والدين والأدب من الذين نظموا هذه الأثارة من العلم، مع
الإيعاز إلى تراجمهم.
وقد اقتبست كل هذه الفصول الخمسة من موسوعة (الغدير) - ط 2 - بعضها
بالتلخيص والإيجاز وبعضها بالنص الكامل، مع ذكر المصادر نقلا عن ذلك
الكتاب القيم (1).

(1) نرمز إليه في كتابنا هذا - عند النقل عنه - في الحواشي ب‍ (غ). وهذا (غ 2 / 5) مثلا، يعني:
نقلناه عن الغدير: المجلد الثاني، الصفحة الخامسة.
18

والباب الثاني: فهرس ترتيبي مفصل لمواضيع موسوعة (الغدير) حتى يكون
وسيلة لمعرفة إجمالية لتلك الموسوعة القيمة، فإن كتاب (الغدير) دائرة معارف
كبرى، دائرة معارف دينية، وعلمية، وتاريخية، وأدبية، وأخلاقية، تتضمن
معلومات زاخرة في جميع هذه النواحي وهي إلى جانب ذلك تشكل أوسع مرشد
للمؤلفات والكتب في هذه المجالات.
وها أنا بعد إعدادي وتنسيقي هذا الكتاب - بمناسبة مرور أربعمائة وألف عام
على (واقعة الغدير) - أقدمه إلى المجتمع الإسلامي الكبير، وأسأل الله أن يجعل
من هذا الغدير الصافي صفاءا لما بين فرق المسلمين من أخوة إسلامية يتجهون بها
في كتلة واحدة وبناء مرصوص إلى الحياة الحرة الكريمة التي يعتز بها الإسلام،
ويعلو له بها في العالم مقام، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين.
قم المشرفة - الحوزة العلمية
علي أصغر المروج الخراساني
19

الباب الأول
نظرة إلى الغدير
في الكتاب والسنة والأدب
21

الفصل الأول
الشعر والشعراء
نحن لا نرى شعر السلف الصالح مجرد ألفاظ مسبوكة في بوتقة النظم، أو
كلمات منضدة على أسلاك القريض فحسب، بل نحن نتلقاه بما هناك من الأبحاث
الراقية في المعارف من علمي الكتاب والسنة، إلى دروس عالية من الفلسفة
والعبر والموعظة الحسنة والأخلاق، أضف إليها ما فيه من فنون الأدب، ومواد
اللغة، ومباني التاريخ. فالشعر الحافل لهذه النواحي بغية العالم، ومقصد الحكيم،
ومأرب الأخلاقي، وطلبة الأديب، وأمنية المؤرخ وقل: مرمى المجتمع البشري
أجمع.
وهناك للشعر المذهبي مآرب أخرى هي من أهم ما نجده في شعر السلف،
23

ألا! وهي الحجاج في المذهب، والدعوة إلى الحق، وبث فضائل آل الله، ونشر
روحيات العترة الطاهرة في المجتمع، بصورة خلابة، وأسلوب بديع، يمازج
الأرواح، ويخالط الأدمغة، فيبلغ هتافه القاصي والداني، وتلوكه أشداق الموالي
والمناوئ مهما علت في الكون عقيرته، ودوخت الأرجاء شهرته، وشاع وذاع
وطار صيته في الأقطار، وقرطت به الأذان.
مهما صار أحدوة تحدو بها الحداة، وأغاني تغني بها الجواري في أندية
الملوك والخلفاء والأمراء، وتناغي بها الأمهات الرضع في المهود، ويرقصنها بها
بعد الفطام في الحجور، ويلقنها الآباء أولادهم على حين نعومة الأظفار، فينمو
ويشب وفي صفحة قلبه أسطر نورية من الولاء المحض بسبب تلك الأهازيج،
وهذه الناحية - الفارغة اليوم - لا تسدها خطابة أي مفوه لسن، ولا تلحقه دعاية
أي متكلم، كما يقصر دون إدراكها السيف والقلم.
وأنت تجد تأثير الشعر الرائق في نفسيتك فوق أي دعاية وتبليغ، فأي أحد
يتلو ميمية الفرزدق فلا يكاد أن يطير شوقا إلى الممدوح وحبا له؟ أو ينشد
هاشميات الكميت فلا يمتلئ حجاجا للحق؟ أو يترنم بعينية الحميري فلا يعلم
أن الحق يدور على الممدوح بها؟ أو تلقى عليه تائية دعبل فلا يستاء لاضطهاد
أهل الحق؟ أو تصك سمعه ميمية الأمير أبي فراس فلا تقف شعرات جلدته؟ ثم
لا يجد كل عضو منه يخاطب القوم بقوله:
يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم * لعصبة بيعهم يوم الهياج دم
وكم وكم لهذه من أشباه ونظائر في شعراء أكابر الشيعة (1)....
وبهذه الغاية المهمة كان الشعر في القرون الأولى مدحا وهجاءا ورثاءا

(1) راجع - للوقوف عليها - أجزاء موسوعة (الغدير).
24

كالصارم المسلول بيد موالي أئمة الدين، وسهما مغرقا في أكباد أعداء الله، ومجلة
دعاية إلى ولاء آل الله في كل صقع وناحية. وكانوا صلوات الله عليهم يضحون
دونه ثروة طائلة، ويبذلون من مال الله للشعراء ما يغنيهم عن التكسب والاشتغال
بغير هذه المهمة، وكانوا يوجهون الشعراء إلى هذه الناحية، ويحتفظون بها بكل
حول وطول، ويحرضون الناس عليها، ويبشرونهم عن الله و (هم أمناء وحيه)
بمثل قولهم:
(من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتا في الجنة).
ويحثونهم على تعلم ما قيل فيهم وحفظه بمثل قول الصادق الأمين عليه السلام:
(علموا أولادكم شعر العبدي) (1).
وقوله:
(ما قال فينا قائل بيت شعر حتى يؤيد بروح القدس) (2).
وروى الكشي في رجاله عن أبي طالب القمي قال: كتبت إلى أبي جعفر
بأبيات شعر وذكرت فيها أباه وسألته أن يأذن لي في أن أقول فيه، فقطع الشعر
وحبسه وكتب في صدر ما بقي من القرطاس: (قد أحسنت فجزاك الله خيرا).
وعنه في لفظ آخر: فأذن لي أن أرثي أبا الحسن - أعني أباه - وكتب إلي: (أن
اندبه واندب لي) (3).
الشعر والشعراء في الكتاب والسنة
كل ما ذكرنا عنهم صلوات الله عليهم كان تأسيا بقدوتهم النبي الطاهر صلى الله عليه وسلم،

(1) رجال الكشي: ص 254 (غ 2 / 295).
(2) عيون أخبار الرضا (ع) ورجال الكشي: ص 254 (غ 2 / 3).
(3) رجال الكشي: ص 160 (غ 2 / 3).
25

فإنه أول فاتح لهذا الباب بمصراعيه مدحا وهجاءا بإصاخته للشعراء المادحين له
ولأسرته الكريمة، وكان ينشد الشعر ويستنشده ويجيز عليه ويرتاح له ويكرم
الشاعر مهما وجد في شعره هذه الغاية الوحيدة كارتياحه لشعر عمه شيخ الأباطح
أبي طالب سلام الله عليه لما استسقى فسقي قال: (لله در أبي طالب، لو كان حيا
لقرت عيناه، من ينشدنا قوله؟) فقام عمر بن الخطاب فقال: عسى أردت يا
رسول الله:
وما حملت من ناقة فوق ظهرها * أبر وأوفى ذمة من محمد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس هذا من قول أبي طالب، هذا من قول حسان
ابن ثابت). فقام علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: كأنك أردت يا رسول الله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للأرامل
تلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
فقال رسول الله: (أجل). فقام رجل من بني كنانة فقال:
لك الحمد والحمد ممن شكر * سقينا بوجه النبي المطر
دعا الله خالقه دعوة * وأشخص منه إليه البصر
فلم يك إلا كإلقا الردا * وأسرع حتى أتانا الدرر
دفاق العزالي جم البعاق (1) * أغاث به الله عليا مضر
فكان كما قاله عمه * أبو طالب ذا رواء غزر
به الله يسقي صيوب الغمام * فهذا العيان وذاك الخبر
فقال رسول الله: (يا كناني! بوأك الله بكل بيت قلته بيتا في الجنة). (2)

(1) العزالي جمع العزلاء: مصب الماء. والبعاق بالضم: السحاب الممطر بشدة (غ).
(2) أمالي شيخ الطائفة: ص 46 (غ 2 / 4).
26

ولما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر إلى القتلى مصرعين، قال لأبي بكر: (لو
أن أبا طالب حي لعلم أن أسيافنا أخذت بالأماثل). وذلك لقول أبي طالب:
وإنا لعمر الله إن جد ما أرى * لتلتبسن أسيافنا بالأماثل (1)
وكارتياحه صلى الله عليه وسلم لشعر عمه العباس بن عبد المطلب لما قال: يا رسول الله!
أريد أن أمتدحك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(قل، لا يفضض الله فاك!) فأنشأ يقول:
من قبلها طبت في الظلال وفي * مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر * أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد * ألجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم * إذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من * خندف علياء تحتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض * وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي * النور وسبل الرشاد نخترق (2)
وكارتياحه صلى الله عليه وسلم لشعر عمرو بن سالم وقوله له: (نصرت يا عمرو بن
سالم!) لما قدمه وأنشده أبياتا أولها:
لا هم! إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الأتلدا
كنت لنا أبا وكنا ولدا * ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر رسول الله نصرا عتدا * وادع عباد الله يأتوا مددا... (3)
وكارتياحه صلى الله عليه وسلم لشعر النابغة الجعدي ودعائه له بقوله: (لا يفضض الله

(1) الأغاني: ج 17 ص 28 وطلبة الطالب: ص 38 نقلا عن دلائل الإعجاز - واللفظ فيهما:
(كذبتم وبيت الله إن جد ما أرى...) (غ 7 / 377 و 339).
(2) مستدرك الحاكم: ج 3 ص 327 وأسد الغابة: ج 1 ص 119 (غ 2 / 5).
(3) تاريخ الطبري: ج 3 ص 111 وأسد الغابة: ج 4 ص 104 (غ 2 / 5).
27

فاك لما أنشده أبياتا من قصيدته مائتي بيت أولها:
خليلي غضا ساعة وتهجرا * ولو ما على ما أحدث الدهر أو ذرا
ومما أنشده رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى * ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
وجاهدت حتى ما أحس ومن معي * سهيلا إذا ما لاح ثم تحورا
أقيم على التقوى وأرضى بفعلها * وكنت من النار المخوفة أحذرا
ولما بلغ إلى قوله:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أين المظهر يا أبا ليلى؟) قال: الجنة. قال: (أجل، إن
شاء الله تعالى). ثم قال:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له * بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجدت لا يفضض الله فاك؟) - مرتين -
فكانت أسنانه كالبرد المنهل ما انفصمت له سن ولا انفلتت وكان معمرا (1)
وكارتياحه صلى الله عليه وسلم لشعر كعب بن زهير لما أنشده في مسجده الشريف لاميته
التي أولها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم أثرها لم يفد مكبول
فكساه النبي صلى الله عليه وسلم بردة، اشتراها معاوية بعد ذلك بعشرين ألف درهم،
وهي التي يلبسها الخلفاء في العيدين (2).

(1) الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 96، الاستيعاب: ج 1 ص 311 والإصابة: ج 3 ص 9 53
(غ 2 / 6).
(2) الشعر والشعراء لابن قتبة: ص 62، الأمتاع للمقريزي: ص 494 والإصابة: ج 5 ص 296
(غ 2 / 6).
28

وفي مستدرك الحاكم (1): لما أنشد قصيدته هذه رسول الله وبلغ قوله:
إن الرسول لسيف يستضاء به * وصارم من سيوف الله مسلول
أشار صلى الله عليه وسلم بكمه إلى الخلق ليسمعوا منه.
ويروى أن كعبا أنشد (من سيوف الهند) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سيوف
الله) (2).
وكارتياحه صلى الله عليه وسلم لشعر عبد الله بن رواحة. قال البراء بن عازب: رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم ينقل من تراب الخندق حتى وارى التراب جلد بطنه وهو يرتجز
بكلمة عبد الله بن رواحة:
لا هم! لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا
إن أولاء قد بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا (3)
ويظهر من رواية ابن سعد في طبقاته وابن الأثير أن الأبيات لعامر بن الأكوع.
روى الثاني في أسد الغابة (4): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعامر في مسيره إلى خيبر:
(انزل يا بن الأكوع واحد لنا من هناتك. (5) قال: نزل يرتجز رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا هم! لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا...
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرحمك ربك!) وفي لفظ: (رحمك الله!) وفي الطبقات لابن سعد (6): غفر لك ربك!)
وكارتياحه صلى الله عليه وسلم لشعر حسان بن ثابت يوم غدير ودعائه له بقوله:

(1) ج 3 ص 582 (غ 2 / 6).
(2) شرح قصيدة (بانت سعاد) لجمال الدين الأنصاري: ص 98 (غ 2 / 6).
(3) مسند أحمد: ج 4 ص 302 (غ 2 / 6).
(4) ج 3 ص 72 (غ 2 / 6).
(5) أي كلماتك وأراجيزك. وفي رواية: (هنيأتك) على التصغير، وفي أخرى هنيهاتك) (غ).
(6) ج 3 ص 619 (غ 2 / 7
29

الطبقات لابن سعد (1): (غفر لك ربك!)
وكارتياحه صلى الله عليه وسلم لشعر حسان بن ثابت يوم غدير خم ودعائه له بقوله
(لا تزال يا حسان! مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك). وكان صلى الله عليه وسلم يضع
لحسان منبرا في مسجده الشريف يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله، ويقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول
الله. (2)
وكارتياحه لشعر أبي كبير الهذلي. قالت عايشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
نورا. قالت: فبهت فنظر إلي فقال: (مالك بهت؟) فقلت: يا رسول الله! نظرت
إليك فجعل جبينك يعرق وعرقك يتولد نورا، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك
أحق بشعره، قال: (وما يقول أبو كبير؟) قلت: يقول:
ومبرئ من كل غبر حيضة * وفساد مرضعة وداء معضل
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه * برقت كبرق العارض المتهلل
قالت: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان بيده وقام وقبل ما بين عيني وقال:
(جزاك الله خيرا يا عايشة! ما سررت مني كسروري منك. (3)
وكان صلى الله عليه وسلم يحث الشعراء إلى هذه الناحية، ويأمرهم بالاحتفاظ بها،
ويرشدهم إلى أخذ حديث المخالفين له وأحسابهم وتأريخ نشئاتهم ممن يعرفها
وهجاءهم كما كان يأمرهم بتعلم القرآن العزيز، وكان يراه نصرة للإسلام، وجهادا
دون الدين الحنيف، وكان يصور للشاعر جهاده وينص به ويقول:

(1) ج 3 ص 619 (غ 2 / 7)
(2) مستدرك الحاكم: ج 3 ص 477 وصححه هو والذهبي في تلخيصه (غ 2 / 7).
(3) حلية الأولياء لأبي نعيم: ج 2 ص 45 وتاريخ الخطيب البغدادي: ج 13 ص 253 (غ 2 / 7
30

(اهجوا بالشعر، إن المؤمن يجاهد بنفسه وماله، والذي نفس محمد بيده كأنما
تنضحونهم بالنبل). وفي لفظ آخر: (فكأن ما ترمونهم به نضح النبل). وفي ثالث:
(والذي نفس محمد بيده فكأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر. (1)
وكان صلى الله عليه وسلم يثور شعراءه إلى الجدال بنبال النظم وحسام القريض،
ويحرضهم إلى الحماسة في مجابهة الكفار في قولهم المضاد لمبدئه القدسي،
ويبث فيهم روحا دينيا قويا، ويؤكد فيهم حمية تجاه الحمية الجاهلية، وكان
يوجد فيهم هياجا ونشاطا في النشر والدعاية، وشوقا مؤكدا إلى الدفاع عن
حامية الإسلام المقدس، ورغبة في المجاهدة بالنظم بمثل قوله صلى الله عليه وسلم للشاعر:
(أهج المشركين، فإن روح القدس معك ما هاجيتهم (2).
وقوله: (اهجهم، فإن جبريل معك (3).
قال البراء بن عازب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: إن أبا سفيان بن الحارث
ابن عبد المطلب يهجوك، فقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله! ائذن لي فيه،
فقال: (أنت الذي تقول: ثبت الله؟) قال: نعم، قلت يا رسول الله!:
فثبت الله ما أعطاك من حسن * تثبيت موسى ونصرا مثل ما نصروا
قال صلى الله عليه وسلم: (وأنت يفعل الله بك خيرا مثل ذلك). قال: ثم وثب كعب فقال:
يا رسول الله! ائذن لي فيه، قال: (أنت الذي تقول: همت؟) قال: نعم، قلت يا
رسول الله!:
همت سخينة أن تغالب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم ينس ذلك لك). قال: ثم قام حسان فقال: يا رسول

(1) مسند أحمد: ج 3 ص 460، 456 و: ج 6 ص 387 (غ 2 / 7).
(2) مسند أحمد: ج 4 ص 298 ومستدرك الحاكم: ج 3 ص 487 (غ 2 / 8) (3) مسند أحمد: ج 4 ص 299، 302 و 303 (غ 2 / 8).
31

الله! ائذن لي فيه، وأخرج لسانا له أسود، فقال: يا رسول الله! ائذن لي إن شئت
أفريت به المزاد (1). فقال: (اذهب إلى أبي بكر ليحدثك حديث القوم وأيامهم
وأحسابهم ثم اهجهم وجبريل معك (2).
وهذه الطائفة من الشعراء هم المعنيون بقوله تعالى: إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا (3) وهم المستثنون في
صريح القرآن من قوله تعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون... (4) ولما نزلت هذه
الآية جاء عدة من الشعراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون قائلين: إنا شعراء
والله أنزل هذه الآية! فتلا النبي صلى الله عليه وسلم: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)
قال: (أنتم) (5).
وإن كعب بن مالك - أحد شعراء النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم - حين أنزل الله تبارك
وتعالى في الشعر ما أنزل، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تبارك وتعالى قد أنزل
في الشعر ما قد علمت وكيف ترى فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن يجاهد
بسيفه ولسانه (6).
على أن في وسع الباحث أن يقول: إن المراد بالشعراء في الآية الكريمة كل
من يأتي بكلام شعري منظوما أو منثورا، فتكون مصاديقها أحزاب الباطل وقوالة

(1) أي شققته. كناية عن إسقاطه بالفضيحة (غ)
(2) مستدرك الحاكم: ج 3 ص 488 (غ 2 / 8).
(3) سورة الشعراء (26): 227.
(4) سورة الشعراء (26): 224.
(5) تفسير ابن كثير: ج 3 ص 354 (غ 2 / 9).
(6) مسند أحمد: ج 3 ص 456 (غ 2 / 9).
32

الزور. فعن مولانا الصادق عليه السلام: (إنهم القصاصون (1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم (2) أنه قال: (نزلت في الذين غيروا دين الله
وخالفوا أمر الله. هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد؟ إنما عني بذلك الذين وضعوا
دينا بآرائهم فتبعهم على ذلك الناس). ويؤكد ذلك قوله: ألم تر أنهم في كل واد
يهيمون (3) يعني، يناظرون بالأباطيل ويجادلون بالحجج وفي كل مذهب
يذهبون.
وفي تفسير العياشي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (هم قوم تعلموا وتفقهوا
بغير علم فضلوا وأضلوا).
فليس في الآية حط لمقام الشعر بما هو شعر وإنما الحط على الباطل منه ومن
المنثور. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم عند فريقي الإسلام قوله:
(إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا (5).
الهواتف بالشعر
وهناك هتافات غيبية شعرية في الدعاية الدينية، خوطب بها أناس في بدء

(1) رواه شيخنا الصدوق في عقائده (غ 2 / 9).
(2) ص 474 (غ 2 / 9).
(3) سورة الشعراء (26): 225.
(4) تفسير العياشي (غ 2 / 9).
(5) مسند أحمد: ج 1 ص 269، 273، 303 و 332، سنن الدارمي: ج 2 ص 296، صحيح
البخاري، كتاب الطب، باب: إن من البيان سحرا، المجني لابن دريد: ص 22، تاريخ بغداد
للخطيب: ج 3 ص 98 و 258 و ج 4 ص 254 و ج 8 ص 18 و 314، البيان والتبيين
للجاحظ: ج 1 ص 212 و 275، رسائل الجاحظ: ص 235، مصابيح السنة للبغوي: ج 2
ص 149، الروض الأنف: ج 2 ص 337، تاريخ ابن كثير ج 9 ص 45، تاريخ ابن عساكر:
ج 1 ص 348 و ج 6 ص 423، الإصابة ج 1 ص 453 و ج 4 ص 183 وتهذيب التهذيب: ج
9 ص 453 (غ 2 / 9).
33

الإسلام فاهتدوا بها، وهي معدودة من معاجز النبي صلى الله عليه وسلم وتنم عن أهمية الشعر
في باب الألقاء والحجاج وإفهام المستمع، وإن أخذه بمجامع القلوب والأفئدة
آكد من الكلام المنثور، فليتخذ دستورا في إصلاح المجتمع، وبث الدعاية
الروحية، ومنها:
1 - سمعت آمنة بنت وهب في ولادة النبي صلى الله عليه وسلم هاتفا يقول:
صلى الإله وكل عبد صالح * والطيبون على السراج الواضح
المصطفى خير الأنام محمد * الطاهر العلم الضياء اللائح
زين الأنام المصطفى علم الهدى * الصادق البر التقي الناصح
صلى عليه الله ما هبت الصبا * وتجاوبت ورق الحمام النائح (1)
2 - هتف هاتف من صنم بصوت جهير ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرت فيها
الأصنام وهو يقول:
تردى لمولود أنارت بنوره * جميع فجاج الأرض بالشرق والغرب
وخرت له الأوثان طرا وأرعدت * قلوب ملوك الأرض طرا من الرعب
ونار جميع الفرس بأخت وأظلمت * وقد بات شاه الفرس في أعظم الكرب
وصدت عن الكهان بالغيب جنها * فلا مخبر منهم بحق ولا كذب
فيالقصي ارجعوا عن ضلالكم * وهبوا إلى الإسلام والمنزل الرحب (2)
3 - قال ورقة: بت ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم عند صنم لنا إذ سمعت من جوفه
هاتفا يقول:
ولد النبي فذلت الأملاك * ونأى الضلال وأدبر الأشراك

(1) بحار الأنوار: ج 6 ص 73 (غ 2 / 10).
(2) تاريخ ابن كثير ج 2 ص 341 والخصائص الكبرى للسيوطي: ج 1 ص 52 (غ 2 / 10).
34

ثم انتكس الصنم على رأسه (1).
4 - قال العوام بن جهيل (مصغرا) الهمداني سادن (يغوث): بت ليلا في بيت
الصنم وسمعت هاتفا من الصنم يقول: يا بن جهيل! حل بالأصنام الويل، هذا نور
سطع من الأرض الحرام، فودع يغوث بالسلام. فكلمت قومي ما سمعت فإذا
هاتف يقول:
هل تسمعن القول يا عوام؟ * أم أنت ذو وقر عن الكلام؟
قد كشفت دياجر الظلام * وأصفق الناس على الإسلام
فقلت:
يا أيها الهاتف بالعوام * لست بذي وقر عن الكلام
فبينن عن سنة الإسلام
قال: وما كنت والله عرفت الإسلام قبل ذلك، فأجابني يقول:
ارحل على اسم الله والتوفيق * رحلة لا وان ولا مشيق
إلى فريق خير ما فريق * إلى النبي الصادق المصدوق
فرميت الصنم وخرجت أريد النبي صلى الله عليه وسلم: فصادفت وفد همدان يدور
بالنبي، فدخلت عليه وأخبرته خبري، فسر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: (أخبر
المسلمين). وأمرني بكسر الأصنام، فرجعت إلى اليمن وقد امتحن الله قلبي
بالإسلام، وقلت في ذلك:
من مبلغ عنا شآم قومنا * ومن حل بالأجواف سرا وجهرا
بأنا هدانا الله للحق بعد ما * تهود منا حائر وتنصرا
وإنا سرينا من يغوث وقربه * يعوق وتابعناك يا خير الورى (2)

(1) الخصائص الكبرى: ج 1 ص 52 (غ 2 / 10).
(2) أسد الغابة: ج 4 ص 153 والإصابة ج 3 ص 41 (غ 2 / 11).
35

5 - أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة (1) عن العباس بن مرداس السلمي قال:
دخلت على وثن يقال له (الضمار) فكنست ما حوله ومسحته وقبلته فإذا بصائح
يصيح: يا عباس بن مرداس!
قل للقبائل من سليم كلها * هلك الأنيس وفاز أهل المسجد
أودى (ضمار) وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى النبي محمد
إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد
فخرج العباس في ثلاثمائة راكب من قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم
تبسم، ثم قال: (يا عباس بن مرداس! كيف كان إسلامك؟) فقص عليه القصة،
فقال: (صدقت). وسر بذلك (2).
6 - أخرج أبو نعيم في دلائله (3) عن رجل خثعمي، قال: إن قوما من خثعم
كانوا مجتمعين عند صنم لهم إذ سمعوا بهاتف يهتف:
يا أيها الناس ذووا الأجسام * ومسندوا الحكم إلى الأصنام
ما أنتم وطائش الأحلام * هذا نبي سيد الأنام
أعدل ذي حكم من الحكام * يصدع بالنور وبالاسلام
ويردع الناس عن الآثام * مستعلن في البلد الحرام
وأخرج أبو نعيم عن عمر، قال: سمعت هاتفا يهتف ويقول:
يا أيها الناس ذووا الأجسام * ومسندوا الحكم إلى الأصنام
ما أنتم وطائش الأحلام * فكلكم أوره كالنعام (4)

(1) ج 1 ص 34 غ 2 / 11).
(2) ابن شهرآشوب في المناقب: ج 1 ص 61 وتاريخ ابن كثير ج 2 ص 341 (غ 2 / (12)
(2) ج 1 ص 33 (غ 2 / 12).
(3) في البحار: ج 6 ص 319: (فكلكم أوره كالكهام). وره فهو أوره. أي حمق. لكهام:
الكليل، البطئ، المسمن (غ 2 / 12).
36

أما ترون ما أرى أمامي؟ * قد لاح للناظر من تهام
أكرم به لله من إمام * قد جاء بعد الكفر بالإسلام
والبر والصلات للأرحام (1)
الكليل، البطئ، المسن (غ 2 / 12).
ورواه الخرائطي - كما في تاريخ ابن كثير (2) - بإسناده، واللفظ فيه:
يا أيها الناس ذووا الأجسام * من بين أشياخ إلى غلام
ما أنتم وطائش الأحلام * ومسندوا الحكم إلى الأصنام
أكلكم في حير النيام؟ * أم لا ترون ما الذي أمامي؟
من ساطع يجلو دجى الظلام * قد لاح للناظر من تهام
ذاك نبي سيد الأنام * قد جاء بعد الكفر بالإسلام
أكرمه الرحمن من إمام * ومن رسول صادق الكلام
أعدل ذي حكم من الحكام * يأمر بالصلاة والصيام
والبر والصلات للأرحام * ويزجر الناس عن الآثام
والرجس والأوثان والحرام * من هاشم في ذروة السنام
مستعلنا في البلد الحرام
7 - أخرج أبو نعيم عن يعقوب بن يزيد بن طلحة التيمي، عن رجل قال: كنا
بقفرة من الأرض إذا هاتف من خلفنا يقول:
قد لاح نجم فأضاء مشرقه * يخرج من ظلماء عسوف موبقه
ذاك رسول مفلح من صدقه * الله أعلى أمره وحققه (3)

(1) الخصائص الكبرى: ج 1 ص 133 (غ 2 / 12.
(2) ج 2 ص 343 (غ 2 / 12).
(2) الخصائص الكبرى: ج 1 ص 104 (غ 2 / 13).
37

8 - أخرج البيهقي وابن عساكر عن ابن عباس، إن رجلا قال: يا رسول الله!
خرجت في الجاهلية أطلب بعيرا شرد فهتف بي هاتف في الصبح يقول:
يا أيها الراقد في الليل الأجم * قد بعث الله نبيا في الحرم
من هاشم أهل الوفاء والكرم * يجلو دجنات الدياجي والظلم
فأدرت طرفي فما رأيت له شخصا، فقلت:
يا أيها الهاتف في داجي الظلم * أهلا وسهلا بك من طيف ألم
بين هداك الله في لحن الكلم * ما ذا الذي يدعو إليه؟ يغتنم
فإذا أنا بنحنحة وقائل يقول: (ظهر النور، وبطل الزور، وبعث الله محمدا
بالخيور). ثم أنشأ يقول:
الحمد لله الذي * لم يخلق الخلق عبث
أرسل فينا أحمدا * خير نبي قد بعث
صلى عليه الله ما * حج له ركب وحث (1)
9 - أخرج أبو سعد في (شرف المصطفى) عن الجعد بن قيس المرادي، قال:
خرجنا أربعة أنفس نريد الحج في الجاهلية فمررنا بواد من أودية اليمن إذا بهاتف
يقول:
ألا أيها الركب المعرس بلغوا * إذا ما وقفتم بالحطيم وزمزما
محمدا المبعوث منا تحية * تشيعه من حيث سار ويمما
وقولوا له: إنا لدينك شيعة * بذلك أوصانا المسيح بن مريما (2)
10 - أخرج الحاكم في المستدرك (3) عن عيش بن جبر، قال: سمعت قريش

(1) الخصائص الكبرى: ج 1 ص 109 (غ 2 / 13).
(2) الخصائص الكبرى: ج 1 ص 109 (غ 2 / 14).
(3) ج 3 ص 253 (غ 2 / 14).
38

في ليلة قائلا يقول على أبي قبيس:
فإن يسلم السعدان يصبح محمد * بمكة لا يخشى خلاف مخالف
فظنت قريش أنهما سعد تميم، وسعد هذيم. فلما كانت الليلة الثانية
سمعوه يقول:
أيا سعد سعد الأوس! كن أنت ناصرا * ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف!
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا * على الله في الفردوس منية عارف
فإن ثواب الله يا طالب الهدى! * جنان من الفردوس ذات رفارف
فلما أصبحوا، قال أبو سفيان: هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة (1).
11 - روى ابن سعد في طبقاته الكبرى (2) ما ملخصه: لما هاجر رسول
الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ومر هو ومن معه بخيمة أم معبد الخزاعية وهي
قاعدة بفناء الخيمة، فسألوها تمرا أو لحما يشترون، فلم يصيبوا عندها شيئا من
ذلك، وإذا القوم مرملون (3) مسنتون (4)، فقالت: والله لو كان عندنا شي ما أعوزكم
القرى، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: (ما هذه الشاة يا
أم معبد؟) قالت: هذه شاة خلفها الجهد عن الغنم، فقال: (هل بها من لبن؟) قالت:
هي أجهد من ذلك، قال: (أتأذنين لي أن أحلبها؟) قالت: نعم، بأبي أنت وأمي!
إن رأيت بها حلبا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها وذكر اسم الله
وقال: (اللهم! بارك لها في شاتها). قال: فتفاجت (5) ودرت واجترت (6)، فدعا

(1) ورواه ابن شهرآشوب في المناقب: ج 1 ص 59 (غ 2 / 14).
(2) ج 1 ص 215 - 219 (غ 2 / 14).
(3) نفد زادهم وافتقروا (غ).
(4) مجدبون (غ)
(5) من التفاج، هو المبالغة في تفريج ما بين الرجلين، وهو من الفج أي الطريق (غ).
(6) من الجرة وهي ما يخرجه البعير من بطنه فيمضغه ثانيا (غ).
39

بإناء لها يربض (1) الرهط، فحلب فيه ثجا (2) حتى غلبه الثمال (3)، فسقاها فشربت
حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب صلى الله عليه وسلم آخرهم وقال: (ساقي
القوم آخرهم). فشربوا جميعا عللا بعد نهل (4) حتى أراضوا (5)، ثم حلب فيه ثانيا
عودا على بدء فغادره عندها ثم ارتحلوا عنها... الحديث. وأصبح صوت بمكة
عاليا بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرون من يقول وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه * رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به * فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم * به من فعال لا يجازى وسؤدد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها * فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت * له بصريح ضرة الشاة مزبد (6)
فغادره رهنا لديها لحالب * تدر بها في مصدر ثم مورد (7)
12 - أخرج ابن الأثير في أسد الغابة (8) عن أبي ذؤيب الهذلي الشاعر أنه
سمع ليلة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هاتفا يقول:
خطب أجل أناخ بالإسلام * بين النخيل ومعقد الأطام (9)

(1) أي يرويهم حتى يناموا ويأخذوا راحتهم (غ).
(2) ثج الماء ثجوجا: سال (غ).
(3) الثمال بضم الثاء واحده الثمالة: الرغوة وما بقي في الإناء من ماء غيره (غ).
(4) عللا، بالتحريك: شربا بعد شرب. نهل بالتحريك: أول الشرب (غ).
(5) من أراض إراضة: روى (غ).
(6) الصريح: الخالص. الضرة: أصل الثدي. المزبد: القاذف بالزبد (غ).
(7) ورواها أبو نعيم في دلائل النبوة: ج 2 ص 118 (غ 2 / 15).
(8) ج 5 ص 188 (غ 2 / 15).
(9) واحده الأطم بالضم: الأبنية المرتفعة كالحصون (غ).
40

قبض النبي محمدا فعيوننا * تذري الدموع عليه بالتسجام
وهناك هواتف في شؤون العترة النبوية، منها:
13 - أخرج الحافظ الكنجي في كفايته (1): لما ولد في الكعبة علي
(أمير المؤمنين) دخل أبو طالب الكعبة وهو يقول:
يا رب هذا الغسق الدجي * والقمر المنبلج المضي
بين لنا من أمرك الخفي * ماذا ترى في اسم ذا الصبي؟
قال: فسمع صوت هاتف وهو يقول:
يا أهل بيت المصطفى النبي * خصصتم بالولد الزكي
إن اسمه من شامخ العلي * علي اشتق من العلي
ثم قال: هذا حديث تفرد به مسلم بن خالد الزنجي وهو شيخ الشافعي.
14 - ذكر الشبلنجي في نور الأبصار (2): إن عليا (أمير المؤمنين) كان يزور
قبر فاطمة في كل يوم فأقبل ذات يوم فانكب على القبر وبكى وأنشأ يقول:
مالي مررت على القبور مسلما * قبر الحبيب فلا يرد جوابي
يا قبر مالك لا تجيب مناديا؟ * أمللت بعدي خلة الأحباب؟
فأجابه هاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو يقول:
قال الحبيب: وكيف لي بجوابكم * وأنا رهين جنادل وتراب؟
أكل التراب محاسني فنسيتكم * وحجبت عن أهلي وعن أترابي
فعليكم مني السلام تقطعت * مني ومنكم خلة الأحباب
15 - روى ابن عساكر في تاريخه (3)، والكنجي في الكفاية عن أم سلمة،

(1) ص 261 (غ 2 / 15).
(2) ص 47 (غ 2 / 16).
(3) ج 4 ص 341 (غ 2 / 16).
41

قالت: لما كانت ليلة قتل الحسين (الإمام السبط) سمعت قائلا يقول:
أيها القاتلون جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم * من نبي ومرسل وقبيل
قد لعنتم على لسان بن داود * وموسى وحامل الإنجيل (1)
موكب الشعراء
فمن هنا وهنا جاء بيمن السنة والكتاب من الصحابة الواكبين على الشعر
مواكب بعين سيدهم نبي العظمة كالأسود الضارية تفترس أعراض الشرك
والضلال، وصقور جارحة تصطاد الأفئدة والمسامع، وتلك المواكب كانت ملتفة
حوله في حضره، وتسري معه في سفره، ورجالها فرسان الهيجاء ومعهم حسام
الشعر ونبل القريض، يجادلون دون مبدأ الإسلام المقدس، ويجاهدون بألسنتهم
في سبيل الله، وفيهم نظراء:
1 - العباس عم النبي 2 - كعب بن مالك 3 - عبد الله بن رواحة 4 - حسان بن
ثابت 5 - النابغة الجعدي 6 - ضرار الأسدي 7 - ضرار القرشي 8 - كعب بن زهير 9 -
قيس بن صرمة 10 - أمية بن الصلت 11 - نعمان بن عجلان 12 - العباس بن
مرداس 13 - طفيل الغنوي 14 - كعب بن نمط 15 - مالك بن عوف 16 - صرمة بن
أبي أنس 17 - قيس بن بحر 18 - عبد الله بن حرب 19 - بحير بن أبي سلمى 20 -
سراقة بن مالك
وقد أخذت هذه الروح الدينية بمجامع قلوب أفراد المجتمع، ودبت في

(1) ذكر ابن حجر منها بيتين، ورواها شيخنا ابن قولويه المتوفى 367 / 8 في كامله: ص 30 (غ 2 / 16).
42

النفوس ودبجتها، وخالطت الأرواح، حتى مازجت نفوس المسلمات، فأصبحت
تغار على الدين وتكلأه، وهن ربات الحجال تذب عن نبي الأمة ببديع النظم
وجيد الشعر نظيرات:
1 - أم المؤمنين (الملكة) خديجة بنت خويلد زوج النبي الطاهر صلى الله عليه وسلم،
وكانت رقيقة الشعر جدا. ومن شعرها - في تمريغ البعير وجهه على قدمي النبي
ونطقه بفضله كرامة له صلى الله عليه وسلم - قولها:
نطق البعير بفضل أحمد مخبرا * هذا الذي شرفت به أم القرى
هذا محمد خير مبعوث أتى * فهو الشفيع وخير من وطأ الثرى
يا حاسديه تمزقوا من غيضكم * فهو الحبيب ولا سواه في الورى (1)
2 - سعدى بنت كريز خالة عثمان بن عفان، ومن شعرها في الدعاية الدينية:
عثمان، يا عثمان يا عثمان! * لك الجمال ولك الشأن
هذا نبي معه البرهان * أرسله بحقه الديان
وجاءه التنزيل والبرهان * فاتبعه لا تغيا بك الأوثان
فقالت: إن محمد بن عبد الله رسول الله، جاء إليه جبريل يدعوه إلى الله.
مصباحه مصباح وقوله صلاح * ودينه فلاح وأمره نجاح
لقرنه نطاح ذلت له البطاح * ما ينفع الصياح لو وقع الرماح
وسلت الصفاح * ومدت الرماح
وتقول في إسلام عثمان:
هدى الله عثمان الصفي بقوله * فأرشده والله يهدي إلى الحق
فتابع بالرأي السديد محمدا * وكان ابن أروى لا يصد عن الحق

(1) بحار الأنوار: ج 6 ص 103 (غ 2 / 17).
43

وأنكحه المبعوث إحدى بناته * فكان كبدر مازج الشمس في الأفق
فداءك يا بن الهاشميين! مهجتي * فأنت أمين الله أرسلت في الخلق (1)
3 - الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت النبي الأقدس من الرضاعة، تقول
في النبي صلى الله عليه وسلم:
يا ربنا! أبق لنا محمدا * حتى أراه يافعا وأمردا
ثم أراه سيدا مسددا * واكبت أعاديه معا والحسدا
وأعطه عزا يدوم أبدا (2)
4 - هند بنت أبان (3) بن عباد بن المطلب، لها عدة قواف في النبي
الطاهر صلى الله عليه وسلم توجد في الطبقات الكبرى لابن سعد (4). وهي تجابه هند بنت عتبة
في وقعة أحد في قولها تفتخر بقتل حمزة ومن أصيب من المسلمين:
نحن جزيناكم بيوم بدر * والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر * أبي وعمي وشقيق بكري
شفيت وحشي! غليل صدري * شفيت نفسي وقضيت نذري
فأجابتها هند بنت أبان بقولها:
جزيت في بدر وغير بدر * يا بنت وقاع عظيم الكفر
صبحك الله غداة الفجر * بالهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع حسام يفري حمزة ليثي وعلي صقري (5)
5 - خنساء بنت عمرو حفيدة امرؤ القيس، وقد أكثرت من الشعر، وأجمع

(1) الإصابة ج 4 ص 372 و 328 (غ 2 / 18).
(2) الإصابة ج 4 ص 344 (غ 2 / 18).
(3) في الطبقات الكبرى لابن سعد وأسد الغابة: أثاثة بن عباد (غ 2 / 18).
(4) ج 4 ص 148 (غ 2 / 18).
(5) أسد الغابة: ج 5 ص 559 والإصابة ج 4 ص 421 (غ 2 / 18.
44

أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه شعرها ويستنشده (1)
6 - رقيقة (بقافين مصغرة) بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد المطلب ابن
هاشم، هي التي أخبرت رسول الله بأن قريشا قد اجتمعت تريد شأنك الليلة.
فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فراشه وبات فيه علي أمير المؤمنين (2). لها شعر
جيد، منها قولها في استسقاء عبد المطلب لقريش ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يافعا
أوله:
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا * وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر (3)
7 - أروى بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبة الاحتجاج
المشهور على معاوية (4). ولها شعر في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم، منه أبيات أولها:
ألا يا عين ويحك أسعديني * بدمعك ما بقيت وطاوعيني
ومنها أبيات مستهلها:
ألا يا رسول الله! كنت رجاءنا * وكنت بنا برا ولم تك جافيا
وتقول فيها:
أفاطم! صلى الله رب محمد * على جدث أمسى بيثرب ثاويا
أبا حسن! فارقته وتركته * فبك بحزن آخر الدهر شاجيا (5)
8 - عاتكة بنت عبد المطلب.
9 - صفية بنت عبد المطلب.
10 - هند بنت الحارث.

(1) الاستيعاب (هامش الإصابة): ج 1 ص 295 و 296 وأسد الغابة: ج 5 ص 441 (غ 2 / 19).
(2) الإصابة ج 4 ص 303 (غ 2 / 19).
(3) أسد الغابة: ج 5 ص 455 والخصائص الكبرى: ج 1 ص 80 (غ 2 / 19).
(4) راجع الغدير: ج 2 ص 121.
(1) توجد بقية الأبيات في الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 4 ص 142 و 143 (غ 2 / 19)
45

11 - زوج النبي أم سلمة.
12 - عاتكة بنت زيد بن عمرو.
13 - خادمة النبي أم أيمن (1).
وكانت عايشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحفظ الشعر الكثير، وكانت تقول: (أرويت للبيد اثني عشر ألف بيت (2). وكان صلى الله عليه وسلم يستنشدها الشعر ويقول:
(أبياتك!) ومما أنشدت:
إذا ما التبر حك على محك * تبين غشه من غير شك
وبان الزيف والذهب المصفى * (علي) بيننا شبه المحك (3)
الشعر والشعراء عند الأئمة عليهم السلام
هذه الدعاية الروحية، والنصرة الدينية، المرغب فيها بالكتاب والسنة،
والمجاهدة دون المذهب بالشعر ونظم القريض، كانت قائمة على ساقها في عهد
أئمة العترة الطاهرة تأسيا منهم بالنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وكانت قلوب أفراد المجتمع
تلين لشعراء أهل البيت فتتأثر بأهازيجهم حتى تعود مزيجة نفسياتهم.
وكان الشعراء يقصدون أئمة العترة من البلاد القاصية بقصائدهم المذهبية،
وهم صلوات الله عليهم يحسنون نزل الشاعر وقراه، ويرحبون به بكل حفاوة
وتبجيل، ويحتفلون بشعره ويدعون له، ويزودونه بكل صلة وكرامة، ويرشدونه
إلى صواب القول إن كان هناك خلل في النظم. ومن هنا أخذ الأدب في تلك
القرون في التطور والتوسع حتى بلغ إلى حد يقصر دونه كثير من العلوم والفنون
الاجتماعية.

(1) تجد شعر هؤلاء في طبقات ابن سعد: ج 4 ص 144 - 148، مناقب ابن شهرآشوب: ج 1
ص 169 وغيرهما (غ 2 / 19).
(2) الاستيعاب (هامش الإصابة): ج 3 ص 328 (غ 2 / 20).
(3) الكنز المدفون للسيوطي: ص 236 (غ 2 / 20).
46

وقد يكسب الشعر بناحيته هذه أهمية كبرى عند حماة الدين أهل بيت الوحي
حتى يعد الاحتفال به، والإصغاء إليه، وصرف الوقت النفيس دون سماعه
واستماعه من أعظم القربات وأولى الطاعات، وقد يقدم على العبادة والدعاء في
أشرف الأوقات وأعظم المواقف، كما يستفاد من قول الإمام الصادق عليه السلام وفعله
بهاشميات الكميت لما دخل عليه في أيام التشريق بمنى فقال له: جعلت فداك ألا
أنشدك؟ قال: (إنها أيام عظام)، قال: إنها فيكم، فلما سمع الإمام عليه السلام مقاله بعث
إلى ذويه فقربهم إليه وقال: (هات!) فأنشده لاميته من الهاشميات، فحظي
بدعائه عليه السلام له وألف دينار وكسوة (1).
ونظرا إلى الغايات الاجتماعية كان أئمة الدين يغضون البصر من شخصيات
الشاعر المذهبي وأفعاله، ويضربون عنها صفحا إن كان هناك عمل غير صالح
يسوءهم مهما وجدوه وراء صالح الأمة، وفي الخير له قدم، وصرح به الحق عن
محضه، وصرح المحض عن الزبد، وصار الأمر عليه لزام (2) وكانوا يستغفرون له
ربه في سوء صنعه، ويجلبون له عواطف الملأ الديني بمثل قولهم: (لا يكبر على
الله أن يغفر الذنوب لمحبنا ومادحنا). وقولهم: (أيعز على الله أن يغفر الذنوب
لمحب علي؟!) و (إن محب علي لا تزل له قدم إلا تثبت له أخرى (3). وفي تلك
القدم الثابتة صلاح المجتمع، وعليها نموت ونحيا.
وهناك لأئمة الدين صلوات الله عليهم فكرة صالحة صرفت في هذه الناحية،

(1) للوقوف على تفصيل هذا الأجمال راجع ترجمة الكميت والحميري ودعبل في المجلد
الثاني من (الغدير).
(2) كل من هذه الجمل مثل يضرب. لزام بكسر الميم مثل حذام، أي صار هذا الأمر
لازما له (غ 2 / 21).
(3) توجد هذه الأحاديث في ترجمة أبي هريرة الشاعر والسيد الحميري وغيرهما
(غ 2 / 21).
47

وهي كدستور فيها تعاليم وإرشادات إلى مناهج الخدمة للمجتمع، وتنوير أفكار
المثقفين وتوجيهها إلى طرق النشر والدعاية، ودروس في توطيد أسس المذهب،
وكيفية احتلال روحيات البلاد وقلوب العباد، وبرنامج في صرف مال الله،
وتلويح إلى أهم موارده.
تعرب عن هذه الفكرة المشكورة إيصاء الإمام الباقر ابنه الإمام
الصادق عليهما السلام بقوله: (يا جعفر! أوقف لي من مالي كذا وكذا للنوادب تندبني عشر
سنين بمنى أيام منى (1). وفي تعيينه عليه السلام ظرف الندبة من الزمان والمكان لأنهما
المجتمع الوحيد لزرافات المسلمين من أدنى البلاد وأقاصيها من كل فج عميق،
وليس لهم مجتمع يضاهيه في الكثرة، دلالة واضحة على أن الغاية من ذلك إسماع
الملأ الديني مآثر الفقيد (فقيد بيت الوحي) ومزاياه، حتى تنعطف عليه القلوب،
وتحن إليه الأفئدة، ويكونوا على أمم من أمره، وبمقربة من اعتناق مذهبه،
فيحدوهم ذلك بتكرار الندبة في كل سنة إلى الالتحاق به، والبخوع لحقه، والقول
بإمامته، والتحلي بمكارم أخلاقه، والأخذ بتعاليمه المنجية. وعلى هذا الأساس
الديني القويم أسست المآتم والمواكب الحسينية ليس إلا.
ونظرا إلى المغازي الكريمة المتوخاة من الشعر كان شعراء أهل البيت
ممقوتين ثقيلين جدا على مناوئيهم، وكانت العداء عليهم محتدمة، والشحناء لهم
متشزنة، وكان حامل ألوية هذه الناحية من الشعر لم يزل خائفا يترقب، آئسا من
حياته مستميتا مستقتلا، لا يقر له قرار، ولا يأواه منزل، وكان طيلة حياته يكابد
المشاق، ويقاسي الشدائد من شنق وقتل وحرق وقطع لسان وحبس وعذاب
وتنكيل وضرب وهتك حرمة وإقصاء من الأهل والوطن إلى شدائد أخرى سجلها

(1) رواه بطريق صحيح رجاله ثقات شيخنا الكليني في الكافي: ج 1 ص 360 (غ 2 / 21)
48

لهم التاريخ في صحائفه.
الشعر والشعراء عند أعلام الدين
اقتفى أثر الأئمة الطاهرين فقهاء الأمة، وزعماء المذهب، وقاموا لخدمة
الدين الحنيف بحفظ هذه الناحية من الشعر كلاءة لناموس المذهب، وحرصا لبقاء
مآثر آل الله، وتخليدا لذكرهم في الملأ، وكانوا يتبعون منهاج أئمتهم في الاحتفاء
بشاعرهم وتقديره، والإثابة على عمله والشكر له بكل قول وكرامة، وكانوا
يحتفظون بهذه المغازي بالتأليف في الشعر وفنونه، ويعدونه من واجبهم كما كانوا
يؤلفون في الفقه وسائر العلوم الدينية، مهما كان كل منهم للغايات حفيا.
هذا، شيخنا الأكبر الكليني الذي قضى من عمره عشرين سنة في تأليف
(الكافي) - أحد الكتب الأربعة مراجع الإمامية - له كتاب (ما قيل من الشعر في
أهل البيت). والعياشي الذي ألف كتبا كثيرة في الفقه الإمامي لا يستهان بعدتها، له
كتاب (معاريض الشعر). وشيخنا الأعظم الصدوق الذي بذل النفس والنفيس
دون التأليف والنشر في الفقه والحديث، له كتاب (الشعر). وشيخ الشيعة بالبصرة
الجلودي تلك الشخصية البارزة في العلم وفنونه، له كتاب (ما قيل في علي عليه السلام
من الشعر). وشيخ الإمامية بالجزيرة أبو الحسن الشمشاطي مؤلف (مختصر فقه
أهل البيت)، له كتب قيمة في فنون الشعر. ومعلم الأمة شيخنا المفيد الذي لا تخفى
على أي أحد أشواطه البعيدة في خدمة الدين، وإحياء الأمة، وإصلاح الفاسد، له
كتاب (مسائل النظم). وسيد الطائفة المرتضى علم الهدى، له ديوان، وتآليف في
فنون الشعر... إلى زرافات آخرين من حملة الفقه وأعضاد العلم الإلهي من الطبقة
العليا.
ولم يزالوا يعقدون الحفلات والأندية في الأعياد المذهبية من مواليد أئمة
الدين عليهم السلام ويوم العيد الأكبر (الغدير) ومجالس تعقد في وفياتهم، فتأتي إليها
49

الشعراء شرعا فيلقون ولائد أفكارهم من مدائح وتهاني وتأبينات ومراثي فيها
إحياء أمرهم، فتثبت لها القلوب، وتشتد بها العلائق الودية بين أفراد المجتمع
ومواليهم عليهم السلام، ويتبعها الحفاوة والتكريم والإثابة والتعظيم لمنضدي تلك العقود
وجامعي أوابدها. هذا وما عند الله خير وأبقى... (1).

(1) نقلنا هذا الفصل كله مع الحواشي عن موسوعة الغدير: ج 2 ص 2 - 23.
50

الفصل الثاني
واقعة الغدير
أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى الحج في سنة عشر من مهاجره، وأذن
في الناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به في حجته تلك التي يقال عليها
(حجة الوداع)، و (حجة الإسلام)، و (حجة البلاغ)، و (حجة الكمال)، و (حجة
التمام) (1) ولم يحج غيرها منذ هاجر إلى أن توفاه الله، فخرج صلى الله عليه وسلم من المدينة
مغتسلا متدهنا مترجلا متجردا في ثوبين صحاريين إزار ورداء، وذلك يوم
السبت لخمس ليال أو ست بقين من ذي القعدة، وأخرج معه نساءه كلهن في
الهوادج، وسار معه أهل بيته، وعامة المهاجرين والأنصار، ومن شاء الله من

(1) قال العلامة: الذي نظنه (وظن الألمعي يقين) إن الوجه في تسمية حجة الوداع بالبلاغ هو
نزول قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك...) كما أن الوجه في تسميتها
بالتمام والكمال هو نزول قوله سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي...)
(غ 1 / 9).
51

قبائل العرب وأفناء الناس (1).
وعند خروجه صلى الله عليه وسلم أصاب الناس بالمدينة جدري (بضم الجيم وفتح الدال
وبفتحهما) أو حصبة منعت كثيرا من الناس من الحج معه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان
معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى، وقد يقال: خرج معه تسعون ألفا، ويقال: مائة
ألف وأربعة عشر ألفا، وقيل مائة ألف وعشرون ألفا، وقيل: مائة ألف وأربعة
وعشرون ألفا، ويقال: أكثر من ذلك. وهذه عدة من خرج معه، وأما الذين حجوا
معه فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع علي (أمير المؤمنين)
وأبي موسى (2).
أصبح صلى الله عليه وسلم يوم الأحد بيلملم، ثم راح فتعشى بشرف السيالة، وصلى
هناك المغرب والعشاء، ثم صلى الصبح بعرق الظبية، ثم نزل الروحاء، ثم سار من
الروحاء فصلى العصر بالمنصرف، وصلى المغرب والعشاء بالمتعشى وتعشى به،
وصلى الصبح بالإثابة، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج واحتجم بلحى جمل (وهو
عقبة الجحفة) ونزل السقياء يوم الأربعاء، وأصبح بالأبواء، وصلى هناك ثم راح
من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجحفة، ومنها إلى قديد وسبت فيه، وكان يوم الأحد
بعسفان، ثم سار فلما كان بالغميم اعترض المشاة فصفوا صفوفا فشكوا إليه
المشي، فقال: (استعينوا بالنسلان) (مشي سريع دون العدو) ففعلوا فوجدوا لذلك
راحة، وكان يوم الاثنين بمر الظهران فلم يبرح حتى أمسى وغربت له الشمس

(1) الطبقات لابن سعد ج 3 ص 225، إمتاع المقريزي: ص 510، إرشاد الساري: ج 6
ص 429 (غ 1 / 9).
(2) السيرة الحلبية: ج 3 ص 283، سيرة أحمد زيني دحلان: ج 3 ص 3، تاريخ الخلفاء لابن
الجوزي في الجزء الرابع، تذكرة خواص الأمة: ص 18 ودائرة المعارف لفريد وجدي: ج 3
ص 542 (غ 1 / 9).
52

بسرف فلم يصل المغرب حتى دخل مكة، ولما انتهى إلى الثنيتين بات بينهما،
فدخل مكة نهار الثلاثاء (1).
فلما قضى مناسكه وانصرف راجعا إلى المدينة ومعه من كان من الجموع
المذكورات ووصل إلى (غدير خم) من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين
والمصريين والعراقيين، وذلك يوم الخميس (2) الثامن عشر من ذي الحجة، نزل
إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من
ربك (3)... - الآية، وأمره أن يقيم عليا علما للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية
وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة، فأمر رسول الله
أن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات
خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن أحد حتى إذا أخذ القوم
منازلهم فقم ما تحتهن حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن فصلى
بالناس تحتهن، وكان يوما هاجرا يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه
تحت قدميه من شدة الرمضاء، وظلل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من
الشمس، فلما انصرف صلى الله عليه وسلم من صلاته قام خطيبا وسط القوم (4) على أقتاب
الإبل (5) وأسمع الجميع رافعا عقيرته فقال:
(الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،

(1) الأمتاع للمقريزي: ص 513 - 517 (غ 1 / 10).
(2) قال العلامة: (هو المنصوص عليه في لفظ البراء بن عازب وبعض آخر من رواة حديث
الغدير وسيوافيك كلامنا فيه ص 41) - راجع الغدير: ج 1 ص 10 و 41.
(3) سورة المائدة (5): 67 وتجد تفصيل الكلام - حول نزول هذه الشريفة يوم الغدير - في
موسوعة الغدير: ج 1 ص 214 - 229.
(4) جاء في لفظ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 9 ص 156 وغيره (غ 1 / 10).
(5) ثمار القلوب: ص 511 ومصادر أخر (غ 1 / 10)
53

ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا
إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد، أيها الناس! قد نبأني اللطيف الخبير
أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجبت، وإني
مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟)
قالوا: (نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا).
قال: (ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته
حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من
في القبور؟)
قالوا: (بلى، نشهد بذلك).
قال: (اللهم اشهد). ثم قال: (أيها الناس! ألا تسمعون؟)
قالوا: (نعم).
قال: (فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون على الحوض، وإن عرضه ما
بين صنعاء وبصرى (1)، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني
في الثقلين (2)).
فنادى مناد: (وما الثقلان يا رسول الله؟)
قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا
به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا
حتى يردا علي الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا،
ولا تقصروا عنهما فتهلكوا).
ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون،

(1) الصنعاء: عاصمة اليمن اليوم. وبصرى: قصبة كورة حوران من أعمال دمشق (غ 1 11).
(4) الثقل، بفتح المثلثة والمثناة: كل شئ خطير نفيس (غ 1 / 11)
54

فقال: (أيها الناس! من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟)
قالوا: (الله ورسوله أعلم).
قال: (إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت
مولاه فعلي مولاه). - يقولها ثلاث مرات وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع
مرات. - ثم قال: (اللهم! وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه،
وأبغض من أبغضه وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار،
ألا! فليبلغ الشاهد الغائب).
ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي... (1) - الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أكبر على
إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي).
ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وممن هنأه في مقدم
الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر كل يقول: (بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت
وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة). وقال ابن عباس: (وجبت والله في
أعناق القوم). فقال حسان: (ائذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتا
تسمعهن). فقال: (قل على بركة الله). فقام حسان فقال: (يا معشر مشيخة
قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية). ثم
قال:
يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم فأسمع بالرسول مناديا (2)

(1) سورة المائدة (5): 3 وتجد تفصيل الكلام - حول نزول هذه الكريمة يوم الغدير - في
موسوعة الغدير: ج 1 ص 230 - 238.
(2) إلى آخر الأبيات الآتية في الفصل الخامس.
55

هذا مجمل القول في (واقعة الغدير) (1) وقد أصفقت الأمة على هذا، وليست
في العالم كله وعلى مستوى البسيط واقعة إسلامية غديرية غيره، ولو أطلق يومه
فلا ينصرف إلا إليه، وإن قيل محله فهو هذا المحل المعروف على أمم من الجحفة،
ولم يعرف أحد من البحاثة والمنقبين سواه... (2).

(1) ويوجد تفصيل ألفاظها ومصادرها الكثيرة في تضاعيف المجلد الأول من موسوعة
(الغدير).
(2) نقلنا هذا الفصل كله مع حواشيه المرموزة عن موسوعة الغدير: ج 1 ص 9 - 12. وأضاف
العلامة في آخر كلامه هذا: نعم، شذ عنهم = (الدكتور ملحم إبراهيم الأسود) في تعليقه
على ديوان (أبي تمام) فإنه قال: (هي واقعة حرب معروفة) ولنا حول ذلك بحث ضاف
تجده في ترجمة أبي تمام من الجزء الثاني إن شاء الله. - راجع الغدير: ج 2 ص
331 - 333.
56

الفصل الثالث
العناية بحديث الغدير
كان للمولى سبحانه مزيد عناية بإشهار هذا الحديث، لتتداوله الألسن وتلوكه
أشداق الرواة، حتى يكون حجة قائمة لحامية دينه الإمام المقتدى صلوات الله
عليه، ولذلك أنجز الأمر بالتبليغ في حين مزدحم الجماهير عند منصرف
نبيه صلى الله عليه وسلم من الحج الأكبر، فنهض بالدعوة وكراديس الناس وزرافاتهم من
مختلف الديار محتفة به، فرد المتقدم، وجعجع بالمتأخر، وأسمع الجميع (1) وأمر
بتبليغ الشاهد الغائب ليكونوا كلهم رواة هذا الحديث، وهم يربون على مائة ألف.

(1) روى النسائي في إحدى طرق حديث الغدير عن زيد بن أرقم في الخصائص: ص 21
وفيه: قال أبو الطفيل: سمعته من رسول الله (ص)؟ فقال: وإنه ما كان في الدوحات أحد إلا
رآه بعينيه وسمعه بأذنيه. وصححه الذهبي كما في تاريخ ابن كثير الشامي: ج 5 ص 208،
وفي مناقب الخوارزمي في أحد أحاديث الغدير ص 94: ينادي رسول الله بأعلى صوته،
وقال ابن الجوزي في المناقب: كان معه صلى الله عليه وسلم من الصحابة ومن الأعراب وممن يسكن
حول مكة والمدينة مائة وعشرون ألفا وهم الذين شهدوا معه حجة الوداع وسمعوا منه هذه
المقالة (غ 1 / 12).
59

ولم يكتف سبحانه بذلك كله حتى أنزل في أمره الآيات الكريمة (1) تتلا مع مر
الجديدين بكرة وعشيا، ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين،
وليعرفوا رشدهم، والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم.
ولم يزل مثل هذه العناية لنبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم حيث استنفر أمم الناس للحج
في سنته تلك، فالتحقوا به ثبا ثبا، وكراديس كراديس، وهو صلى الله عليه وسلم يعلم أنه
سوف يبلغهم في منتهى سفره نبأ عظيما، يقام به صرح الدين، ويشاد علاليه،
وتسود به أمته الأمم، ويدب ملكها بين المشرق والمغرب، لو عقلت صالحها،
وأبصرت طريق رشدها (2)، ولكن...

(1) أي: (آية التبليغ) - سورة المائدة (5): 67 -، (المائدة (5): 3 -،
و (آية سأل سائل) - سورة المعارج (70): 1 - 3. عقد العلامة بابا بعنوان (الغدير في
الكتاب العزيز) وبحث فيه بحثا ضافيا حول الآيات الكريمة - راجع الغدير: ج 1 ص
214 - 266.
(2) أخرج أحمد في مسنده: ج 1 ص 109 عن زيد بن يثيع عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في
حديث: (وإن تؤمروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق
المستقيم).
وروى الخطيب البغدادي في تاريخه: ج 1 ص 47 بإسناده عن حذيفة في حديث
(حرف صدره وزيد عليه) عن النبي: (وإن وليتموها (الخلافة) عليا وجدتموه هاديا مهديا
يسلك بكم على الطريق المستقيم). وفي رواية أبي داود: (إن تستخلفوه (عليا) ولن تفعلوا
ذلك يسلك بكم الطريق وتجدوه هاديا مهديا).
وفي حديث أبي نعيم في الحلية: ج 1 ص 64 عن حذيفة قال: قالوا: يا رسول الله!
ألا تستخلف عليا؟ قال: (إن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم).
وفي لفظ آخر: (وإن تؤمروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق
المستقيم).
وفي كنز العمال: ج 6 ص 160 عن فضائل الصحابة لأبي نعيم، وفي حليته: ج 1 ص
64: (إن تستخلفوا عليا تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة
البيضاء) وأخرجه الحافظ الكنجي الشافعي في الكفاية: ص 67 بهذا اللفظ وبلفظ أبي
نعيم الأول. وفي الكنز: ج 6 = = ص 160 عن الطبراني وفي المستدرك للحاكم: (إن
وليتموها عليا فهاد مهدي يقيمكم على طريق مستقيم).
وروى الخطيب الخوارزمي في المناقب: ص 68 مسندا عن عبد الله بن مسعود قال:
كنت مع رسول الله وقد أصحر فتنفس الصعداء، فقلت: يا رسول الله مالك تتنفس؟ قال:
يا بن مسعود نعيت إلي نفسي، فقلت: يا رسول الله استخلف، قال: من؟ قلت: أبا بكر،
فسكت، ثم تنفس، فقلت: مالي أراك تتنفس؟ قال: نعيت إلي نفسي، فقلت: استخلف يا
رسول الله، قال: من؟ قلت: عمر بن الخطاب، فسكت، ثم تنفس، قال: فقلت: ما شأنك يا
رسول الله؟ قال: نعيت إلي نفسي، فقلت: يا رسول الله استخلف، قال: من؟ قلت: علي بن
أبي طالب، قال: (أوه ولن تفعلوا إذا أبدا، والله لئن فعلتموه ليدخلنكم الجنة). ورواه ابن
كثير في البداية: ج 7 ص 360 عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوري، عن أبي عبد الله محمد بن
علي الأدمى، عن إسحاق الصنعاني، عن عبد الرزاق، عن أبيه عن ابن ميناء، عن عبد الله بن
مسعود (غ 1 / 12 - 13).
60

ولهذه الغاية بعينها لم يبرح أئمة الدين سلام الله عليهم يهتفون بهذه الواقعة،
ويحتجون بها لإمامة سلفهم الطاهر، كما لم يفتأ أمير المؤمنين صلوات الله عليه
بنفسه يحتج بها طيلة حياته الكريمة، ويستنشد السامعين لها من الصحابة الحضور
في حجة الوداع في المنتديات ومجتمعات لفائف الناس (1). كل ذلك لتبقى غضة
طرية، بالرغم من تعاور الحقب والأعوام. ولذلك أمروا شيعتهم بالتعيد في (يوم
الغدير) والاجتماع وتبادل التهاني والبشائر، إعادة لجدة هاتيك الواقعة
العظيمة (2).
وللإمامية مجتمع باهر (يوم الغدير) عند المرقد العلوي الأقدس، يضم إليه
رجالات القبائل ووجوه البلاد من الدانين والقاصين، إشادة بهذا الذكر الكريم،
ويروون عن أئمة دينهم ألفاظ زيارة مطنبة فيها تعداد أعلام الإمامة، وحجج

(1) عقد العلامة بابا للمناشدات والاحتجاجات بحديث الغدير الشريف - راجع الغدير: ج 1
ص 159 - 213.
(2) راجع باب (عيد الغدير في الإسلام) وباب (التتويج يوم الغدير) من موسوعة الغدير: ج 1
ص 267 - 293.
61

الخلافة الدامغة من كتاب وسنة، وتبسط في رواية حديث الغدير، فترى كل فرد
من أفراد تلكم الآلاف المؤلفة يلهج بها، رافعا عقيرته، مبتهجا بما اختصه الله من
منحة الولاية والهداية إلى صراطه المستقيم، ويرى نفسه راويا لتلك الفضيلة،
مثبتا لها، يدين الله بمفادها، ومن لم يتح له الحظوة بالمثول في ذلك المشعر
المقدس فإنه يتلوها في نائية البلاد، ويومي إليه من مستقره. وليوم الغدير وظائف
من صوم وصلاة ودعاء (1) فيها هتاف بذكره، تقوم بها الشيعة في أمصارها،
وحواضرها، وأوساطها، والقرى، والرساتيق. فهناك تجد ما يعدون بالملايين،
أو يقدرون بثلث المسلمين أو نصفهم رواتا للحديث، مخبتين إليه معتنقين له
دينا ونحلة.
وأما كتب الإمامية في الحديث والتفسير والتاريخ وعلم الكلام فضع يدك
على أي منها تجده مفعما بإثبات قصة الغدير والاحتجاج بمؤداها، فمن مسانيد
عنعنتها الرواة إلى منبثق أنوار النبوة، ومراسيل أرسلها المؤلفون إرسال المسلم،
حذفوا أسانيدها لتسالم فرق المسلمين عليها.
ولا أحسب أن أهل السنة يتأخرون بكثير من الإمامية في إثبات هذا
الحديث، والبخوع لصحته، والركون إليه، والتصحيح له، والاذعان بتواتره،
اللهم إلا شذاذ تنكبت عن الطريقة، وحدت بهم العصبية العمياء إلى رمي
القول على عواهنه، وهؤلاء لا يمثلون من جامعة العلماء إلا أنفسهم، فإن المثبتين
المحققين للشأن المتولعين في الفن لا تخالجهم أية شبهة في اعتبار أسانيدهم
التي أنهوها متعاضدة متظافرة بل متواترة (2) إلى جماهير من الصحابة

(1) راجع باب (القربات يوم الغدير) من كتاب الغدير: ج 1 ص 401 - 411.
(2) رواه أحمد بن حنبل من أربعين طريقا، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقا،
والجزري المقري من ثمانين طريقا، وابن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو سعيد
السجستاني من مائة وعشرين طريقا، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقا،
وفي تعليق هداية العقول = ص 30 عن الأمير محمد اليمني (أحد شعراء الغدير في القرن
الثاني عشر): إن له مائة وخمسين طريقا (غ 1 / 14).
62

والتابعين (1).... (2)

(1) نقلنا هذا الفصل كله مع حواشيه المرموزة عن موسوعة الغدير: ج 1 ص 12 - 14.
(2) تجد في موسوعة الغدير أبحاثا ضافية وافية بالمقصود، في أبواب بهذه العناوين:
ألف - (رواة حديث الغدير من الصحابة) وفيه أسماء مائة وعشرة من الصحابة، ورواياتهم
لحديث الغدير مسندة مع بيان مصادرها تفصيلا - راجع الغدير: ج 1 ص 14 - 61.
ب - (رواة حديث الغدير من التابعين) وفيه أسماء أربعة وثمانين من ثقات التابعين وأحاديثهم
المسندة مع بيان مصادرها وتوثيقاتهم - راجع الغدير: ج 1 ص 62 - 72.
ج - (طبقات الرواة من العلماء على ترتيب الوفيات) من القرن الثاني إلى القرن الرابع عشر،
وفيه أسماء ثلاثمائة وستين من الحفاظ والأعلام، الذين كانوا يروون هذه الإثارة من علم
الدين، متلقين عن سلفهم، ويلقونها إلى الخلف، شأن ما يتحقق عندهم، ويخضعون لصحته
من الأحاديث، مع بيان أخبارهم وطرقهم وتوثيقاتهم ومصادرها تفصيلا - راجع الغدير: ج
1 ص 73 - 151.
د - (المؤلفون في حديث الغدير) وفيه أسماء ستة وعشرين من العلماء الذين بلغ اهتمامهم بهذا
الحديث إلى غاية غير قريبة، فلم يقنعهم إخراجه بأسانيد مبثوثة خلال الكتب حتى أفردوه
بالتأليف، فدونوا ما انتهى إليهم من أسانيده، وضبطوا ما صح لديهم من طريقه - راجع الغدير
ج 1 ص 152 - 158.
ه‍ - (المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير الشريف) وفيه ثلاث وعشرون مناشدة واحتجاجا
بحديث الغدير من الصحابة وغيرهم - راجع الغدير: ج 1 ص 159 - 213.
و - (الغدير في الكتاب العزيز) وفيه بحث واف عن نزول الآيات الثلاث حول حديث
الغدير نقلا عن مصادرها الكثيرة - راجع الغدير: ج 1 ص 214 - 266.
ز - (عيد الغدير في الإسلام) وفيه بحث حول اتخاذ الرسول الأكرم يوم الغدير عيدا،
وبحث حول حديث تهنئة الشيخين (أبي بكر وعمر) عليا أمير المؤمنين نقلا عن ستين
مصدرا... - راجع الغدير: ج 1 ص 267 - 289.
ح - (التتويج يوم الغدير) وفيه بحث حول تتويج الرسول الأقدس صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام يوم الغدير -
راجع الغدير: ج 1 ص 290 - 293.
ط - (كلمات حول سند الحديث للحفاظ الاثبات والأعلام الفطاحل) وفيه كلمات ثلاثة
وأربعين نسمة من الحفاظ الأعلام حول تواتر حديث الغدير وصحته - راجع الغدير: ج 1
ص 294 - 313.
ى - (محاكمة حول سند الحديث) وفيه بحث ضاف حول تواتر حديث الغدير، ورد على ابن
حزم الأندلسي، وإيعاز إلى كلمات رؤساء الجمهور حول أنه: (إن لم يكن معلوما فما في
الدين علوم)، (تلقته الأمة بالقبول وهو موافق بالأصول)، (أجمع الجمهور على متنه)،
(اتفق عليه جمهور أهل السنة)، (حديث صحيح مشهور ولم يتكلم في صحته إلا متعصب
جاحد لا اعتبار بقوله)، (حديث صحيح قد أخطأ من تكلم في صحته)، (حديث مشهور
كثير الطرق جدا)، (حديث صحيح لا مرية فيه)، (إنه متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ومتواتر عن
أمير المؤمنين أيضا)، (رواه الجم الغفير ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا
العلم)، (إنه متواتر لا يلتفت إلى من قدح في صحته) و (صح عن جماعة ممن يحصل القطع
بخبرهم)... إلى كلمات أخرى - راجع الغدير: ج 1 ص 314 - 322.
63

الفصل الرابع
مفاد حديث الغدير
الفصل الرابع
لعل إلى هنا لم يبق مسلك للشك في صدور الحديث عن المصدر النبوي
المقدس (1). وأما دلالته على إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، فإنا مهما شككنا
في شئ فلا نشك في أن لفظة (المولى) سواء كانت نصا في المعنى الذي نحاوله
بالوضع اللغوي أو مجملة في مفادها لاشتراكها بين معان جمة، وسواء كانت عرية
عن القرائن لإثبات ما ندعيه من معنى الإمامة أو محتفة بها، فإنها في المقام لا تدل
إلا على ذلك لفهم من وعاه من الحضور في ذلك المحتشد العظيم، ومن بلغه النبأ
بعد حين ممن يحتج بقوله في اللغة من غير نكير بينهم، وتتابع هذا الفهم فيمن
بعدهم من الشعراء ورجالات الأدب حتى عصرنا الحاضر. وذلك حجة قاطعة في
المعنى المراد. وفي الطليعة من هؤلاء مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، حيث كتب إلى
معاوية في جواب كتاب له من أبيات ستسمعها ما نصه:
وأوجب لي ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم
ومنهم: حسان بن ثابت الحاضر مشهد الغدير وقد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) خصوصا مع ملاحظة الحواشي الآنفة.
65

أن ينظم الحديث في أبيات، منها قوله:
فقال له: قم يا علي! فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا
ومن أولئك: الصحابي العظيم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الذي يقول:
وعلي إمامنا وإمام * لسوانا أتى به التنزيل
يوم قال النبي: من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل
ومن القوم: محمد بن عبد الله الحميري القائل:
تناسوا نصبه في يوم خم * من الباري ومن خير الأنام
ومنهم: عمرو بن العاص الصحابي القائل:
وكم قد سمعنا من المصطفى * وصايا مخصصة في علي
وفي يوم خم رقى منبرا * وبلغ والصحب لم ترحل
فأمنحه إمرة المؤمنين * من الله مستخلف المنحل
وفي كفه كفه معلنا * ينادي بأمر العزيز العلي
وقال: فمن كنت مولى له * على له اليوم نعم الولي
ومن أولئك: كميت بن زيد الأسدي الشهيد 126 حيث يقول:
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا
ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطرا مبيعا
ومنهم: السيد إسماعيل الحميري المتوفى 179 في شعره الكثير ومنه:
لذلك ما اختاره ربه * لخير الأنام وصيا ظهيرا
فقام بخم بحيث الغدير * وحط الرحال وعاف المسيرا
وقم له الدوح ثم ارتقى * على منبر كان رحلا وكورا
ونادى ضحى باجتماع الحجيج * فجاءوا إليه صغيرا كبيرا
فقال وفي كفه حيدر * يليح إليه مبينا مشيرا
66

ألا! إن من أنا مولى له * فمولاه هذا قضا لن يجورا
فهل أنا بلغت؟ قالوا: نعم * فقال: اشهدوا غيبا أو حضورا
يبلغ حاضركم غائبا * وأشهد ربي السميع البصيرا
فقوموا بأمر مليك السما * يبايعه كل عليه أميرا
فقاموا لبيعته صافقين * أكفا فأوجس منهم نكيرا
فقال: إلهي! وال الولي * وعاد العدو له والكفورا
وكن خاذلا للأولى يخذلون * وكن للأولى ينصرون نصيرا
فكيف ترى دعوة المصطفى * مجابا بها أم هباءا نثيرا؟
أحبك يا ثاني المصطفى * ومن أشهد الناس فيه الغديرا
ومنهم: العبدي الكوفي من شعراء القرن الثاني في بائيته الكبيرة بقوله:
وكان عنها لهم في خم مزدجر * لما رقى أحمد الهادي على قتب
وقال والناس من دان إليه ومن * ثاو لديه ومن مصغ ومرتقب:
قم يا علي! فإني قد أمرت بأن * أبلغ الناس والتبليغ أجدر بي
إني نصبت عليا هاديا علما * بعدي وإن عليا خير منتصب
فبايعوك وكل باسط يده * إليك من فوق قلب عنك منقلب
ومنهم: شيخ العربية والأدب أبو تمام المتوفى 231 في رائيته بقوله:
ويوم الغدير استوضح الحق أهله * بضحياء لا فيها حجاب ولا ستر
أقام رسول الله يدعوهم بها * ليقربهم عرف وينآهم نكر
يمد بضبعيه ويعلم: أنه * ولي ومولاكم فهل لكم خبر؟
يروح ويغدو بالبيان لمشعر * يروح بهم غمر ويغدو بهم غمر
فكان لهم جهر بإثبات حقه * وكان لهم في بزهم حقه جهر
وتبع هؤلاء جماعة من بواقع العلم والعربية الذين لا يعدون مواقع اللغة،
67

ولا يجهلون وضع الألفاظ، ولا يتحرون إلا الصحة في تراكيبهم وشعرهم، كدعبل
الخزاعي، والحماني الكوفي، والأمير أبي فراس، وعلم الهدى المرتضى، والسيد
الشريف الرضي، والحسين بن الحجاج، وابن الرومي، وكشاجم، والصنوبري،
والمفجع، والصاحب بن عباد، والناشي الصغير، والتنوخي، والزاهي، وأبي العلا
السروي، والجوهري، وابن علوية، وابن حماد، وابن طباطبا، وأبي الفرج،
والمهيار، والصولي النيلي، والفنجكردي، إلى غيرهم من أساطين الأدب وأعلام
اللغة (1)، ولم يزل أثرهم مقتصا في القرون المتتابعة إلى يومنا هذا، وليس في وسع
الباحث أن يحكم بخطأ هؤلاء جميعا وهم مصادره في اللغة ومراجع الأمة في
الأدب.
وهنالك زرافات من الناس فهموا من اللفظ هذا المعنى وإن ولم يعربوا عنه
بقريض لكنهم أبدوه في صريح كلماتهم، أو أنه ظهر من لوائح خطابهم، ومن
أولئك: الشيخان وقد أتيا أمير المؤمنين عليه السلام مهنئين ومبايعين وهما يقولان:
(أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة). (2) فليت شعري أي معنى من
معاني المولى الممكنة تطبيقه على مولانا لم يكن قبل ذلك اليوم حتى تجدد به
فأتيا يهنئانه لأجله ويصارحانه بأنه أصبح متلفعا به يوم ذاك؟ أهو معنى النصرة أو
المحبة اللتين لم يزل أمير المؤمنين عليه السلام متصفا بهما منذ رضع ثدي الإيمان مع

(1) توجد أشعارهم وغديرياتهم وتراجمهم مع مصادرها جميعا على ترتيب التاريخ في
مجلدات موسوعة الغدير. ونحن نقلنا عشرا من الغديريات (من: 1 - أمير المؤمنين عليه السلام 2 -
حسان بن ثابت 3 - قيس الأنصاري 4 - عمرو بن العاص 5 - محمد الحميري 6 - أبو
المستهل الكميت 7 - السيد الحميري 8 - العبدي الكوفي 9 - أبي تمام الطائي 10 - دعبل
الخزاعي) في الفصل الرابع عشر من كتابنا (في رحاب الغدير).
(2) تجد الكلام - حول حديث التهنئة بأسانيده وتفاصيله نقلا عن مصادره الكثيرة - في
الغدير: ج 1 ص 270 - 283.
68

صنوه المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ أم غيرهما مما لا يمكن أن يراد في خصوص المقام؟
لاها الله لا ذلك ولا هذا، وإنما أرادا معنى فهمه كل الحضور من أنه أولى بهما
وبالمسلمين أجمع من أنفسهم، وعلى ذلك بايعاه وهنئاه.
ومن أولئك: الحارث بن النعمان الفهري (أو: جابر) المنتقم منه بعاجل
العقوبة يوم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (يا محمد! أمرتنا بالشهادتين
والصلاة والزكاة والحج ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته
علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه (1)...!) فهل المعنى الملازم للتفضيل الذي
استعظمه هذا الكافر الحاسد، وطفق يشكك أنه من الله أم أنه محاباة من الرسول،
يمكن أن يراد به أحد ذينك المعنيين أو غيرهما؟ أحسب أن ضميرك الحر
لا يستبيح لك ذلك، ويقول لك بكل صراحة: إنه هو تلك الولاية المطلقة التي لم
يؤمن بها طواغيت قريش في رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد قهر من آيات باهرة،
وبراهين دامغة، وحروب طاحنة، حتى جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس
يدخلون في دين الله أفواجا، فكانت هي في أمير المؤمنين أثقل عليهم وأعظم،
وقد جاهر بما أضمره غيره الحارث بن النعمان فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر.
ومن أولئك: النفر الذين وافوا أمير المؤمنين عليه السلام في رحبة الكوفة قائلين:
(السلام عليك يا مولانا). فاستوضح الإمام عليه السلام الحالة لإيقاف السامعين على
المعنى الصحيح وقال: (كيف أكون مولاكم وأنتم رهط من العرب؟) فأجابوه: (إنا
سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه) (2).
عرف القارئ الكريم أن المولوية المستعظمة عند العرب الذين لم يكونوا

(1) للوقوف على تفصيله راجع الغدير: ج 1 ص 239 - 266.
(2) للوقوف على أسانيد هذا الحديث ومتنه راجع الغدير: ج 1 ص 187 - 191.
69

يتنازلون بالخضوع لكل أحد ليست هي المحبة والنصرة ولا شئ من معاني
الكلمة، وإنما هي الرئاسة الكبرى التي كانوا يستصعبون حمل نيرها إلا بموجب
يخضعهم لها وهي التي استوضحها أمير المؤمنين عليه السلام للملأ باستفهام، فكان من
جواب القوم: أنهم فهموها من نص رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا المعنى غير خاف حتى على المخدرات في الحجال فعن الزمخشري في
ربيع الأبرار (1)، عن الدارمية الحجونية التي سألها معاوية عن سبب حبها
لأمير المؤمنين عليه السلام وبغضها له، فاحتجت عليه بأشياء منها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبه
بالأمر منه وطلب ما ليس له. ولم ينكره عليها معاوية.
وقبل هذه كلها مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام واحتجاجه به يوم الرحبة (2)، وكان
ذلك لما نوزع في خلافته وبلغه اتهام الناس له فيما كان يرويه من تفضيل رسول
الله صلى الله عليه وسلم له وتقديمه إياه على غيره (3). وقال برهان الدين الحلبي في سيرته (4):
(احتج به بعد أن آلت إليه الخلافة ردا على من نازعه فيها). أفترى والحالة هذه
معنى معقولا للمولى غير ما نرتأيه وفهمه هو عليه السلام ومن شهد له من الصحابة ومن
كتم الشهادة إخفاءا لفضله حتى رمي بفاضح من البلاء (5)، ومن نازعه حتى أفحم

(1) في الباب الحادي والأربعين (غ 1 / 208 و 344.
(2) يوجد الكلام - حول المناشدة وتفصيل أسانيدها وطرقها الصحيحة المتواترة - في الغدير:
ج 1 ص 166 - 185.
(3) راجع الغدير: ج 1 ص 183، 300، 301، 304 و 309.
(4) ج 3 ص 303 (غ 1 / 344).
(5) للوقوف على (من أصابته الدعوة بإخفاء حديث الغدير) راجع الغدير: ج 1 ص 191 -
195.
70

وهما يعمان سائر المسلمين؟ إلا أن يكونا على الحد الذي هو معنى الأولوية
المطلوبة (1).
والواقف على موارد الحجاج بين أفراد الأمة وفي مجتمعاتها، وفي تضاعيف
الكتب منذ ذلك العهد المتقادم إلى عصورنا هذه جد عليم بأن القوم لم يفهموا من
الحديث إلا المعنى الذي يحتج به للإمامة المطلقة وهو الأولوية من كل أحد بنفسه
وماله في دينه ودنياه الثابت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللخلفاء المنصوصين عليهم
من بعده، نحيل الوقوف على ذلك على حيطة الباحث وطول باع المتتبع، فلا نطيل
بإحصائها المقام (2)... (3).

(1) للوقوف على تفصيله راجع الغدير: ج 1 ص 365 - 366.
(2) نقلنا هذا الفصل كله عن موسوعة الغدير: ج 1 ص 340 - 344.
(3) من أراد الوقوف على تفصيل الكلام فليراجع الغدير: ج 1 ص 344 - 401، فإن هناك
أبحاثا مفيدة جدا ضافية وافية، نشير هنا إلى عناوينها:
ألف - مجيئ (مفعل) بمعنى (أفعل)، نقلا عن اثنين وأربعين مصدرا
ب - مجيئ (مفعل) بمعنى (فعيل)
ج - نظرة في معاني المولى، وهي سبعة وعشرون معنى
د - المعاني التي يمكن إرادتها من الحديث
ه‍ - الحقيقة من معاني المولى ليس إلا الأولى بالشئ
و - القرائن المعينة لمعنى الحديث (متصلة ومنفصلة) وهي عشرون قرينة
ز - الأحاديث المفسرة لمعنى المولى والولاية
ح - كلمات حول مفاد حديث الغدير للأعلام الأئمة في تآليفهم وهي أربع عشرة كلمة
ط - توضيح للواضح في ظرف مفاد حديث الغدير
71

الفصل الخامس
شعراء الغدير
نجز المطلوب (ولله الحمد) من هذا الكتاب بعد أن المسك باليد حقيقة ناصعة
هي من أجلى الحقائق الدينية. ألا! وهي: مغزى نص الغدير ومفاده، ذلك النص
الجلي على إمامة مولانا أمير المؤمنين، بحيث لم يدع لقائل كلمة، ولا لمجادل
شبهة في تلك الدلالة. وقد أوعزنا في تضاعيف ذلك البحث الضافي إلى أن هذا
المعنى من الحديث هو الذي عرفته منه العرب منذ عهد الصحابة الوعاة له وفي
الأجيال من بعدهم وإلى عصرنا الحاضر، فهو معنى اللفظ اللغوي المراد لا محالة
قبل القرائن المؤكدة له وبعدها، وقد أسلفنا نزرا من شواهد هذا المدعى، غير أنه
يروقنا هاهنا التبسط في ذلك بإيراد الشعر المقول فيه، مع يسير من مكانة الشاعر
وتوغله في العربية، ليزداد القارئ بصيرة على بصيرته.
ألا! إن كلا من أولئك الشعراء الفطاحل (وقل في أكثرهم: العلماء) معدود من
رواة هذا الحديث، فإن نظمهم إياه في شعرهم القصصي ليس من الصور الخيالية
الفارغة، كما هو المطرد في كثير من المعاني الشعرية، ولدى سواد عظيم من
الشعراء، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون؟ لكن هؤلاء نظموا قصة لها خارج،
وأفرغوا ما فيها كلم منثورة أو معان مقصودة، من غير أي تدخل للخيال فيه،
72

فجاء قولهم كأحد الأحاديث المأثورة، فتكون تلكم القوافي المنضدة في عقودها
الذهبية من جملة المؤكدات لتواتر الحديث (1).
1 - أمير المؤمنين عليه السلام
نتيمن في البدء بذكر سيدنا أمير المؤمنين علي خليفة النبي المصطفى صلى الله
عليهما وآلهما، فإنه أفصح عربي، وأعرف الناس بمعاريض كلام العرب بعد صنوه
النبي الأعظم، عرف من لفظ (المولى) في قوله صلى الله عليه وسلم: (من كنت مولاه فعلي
مولاه). معنى (الإمامة المطلقة)، وفرض الطاعة التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقال عليه السلام:
محمد النبي أخي وصنوي (2) * وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يضحي ويمسي * يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكني وعرسي * منوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها * فأيكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طرا * على ما كان من فهمي وعلمي (3)
فأوجب لي ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم (4)

(1) راجع الغدير: ج 2 ص 1. وليعلم القارئ الكريم أن العلامة (رحمه الله) أورد في
موسوعته القيمة (الغدير) شعرا كثيرا جدا من شعراء الغدير الكثيرين على ترتيب وفياتهم
ونحن اقتطفنا منها أربعمائة وألف بيت لأربعين من الشعراء فحسب.
(2) في غير واحد من المصادر: صهري (غ 2 / 25).
(3) في رواية: (غلاما ما بلغت أوان حلمي) وفي رواية: (صغيرا ما بلغت أوان حلمي) وفي
رواية بعد هذا البيت:
وصليت الصلاة وكنت طفلا * مقرا بالنبي في بطن أمي
(غ 2 / 25)
(4) وذكر الدكتور أحمد رفاعي في تعليقه على مجمع الأدباء: ج 14 ص 48:
وأوصاني النبي على اختيار * ببيعته غداة غد برحم
وهناك في هذا البيت تصحيف (غ 2 / 25) للوقوف على تفصيله راجع الغدير: ج 2 ص
30 - 31.
73

فويل ثم ويل ثم ويل * لمن يلقى الإله غدا بظلمي (1)
ما يتبع الشعر
هذه الأبيات كتبها الإمام عليه السلام إلى معاوية لما كتب معاوية إليه: إن لي فضائل
كان أبي سيدا في الجاهلية، وصرت ملكا في الإسلام، وأنا صهر رسول الله،
وخال المؤمنين، وكاتب الوحي، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أبالفضائل
يبغي علي ابن آكلة الأكباد!؟ اكتب يا غلام!:
محمد النبي أخي وصنوي... إلى آخر الأبيات المذكورة.
فلما قرأ معاوية الكتاب، قال: أخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلوا
إلى ابن أبي طالب (2).
الشاعر
أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين،
وأول القوم إيمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأعظمهم مزية، وأقومهم بأمر الله، وأعلمهم
بالقضية، وراية الهدى، ومنار الإيمان، وباب الحكمة، والممسوس في ذات الله،
خليفة النبي الأقدس (3)، صلى الله عليهما وآلهما علي بن أبي طالب الهاشمي

(1) نقلنا هذا الأبيات عن موسوعة الغدير: ج 2 ص 25 ولأمير المؤمنين عليه السلام شعر آخر بلفظ
يقرب من هذا، يوجد في الغدير: ج 2 ص 32.
(2) الغدير: ج 2 ص 26. وللوقوف على رواة هذه الأبيات من أعلام الفريقين راجع الغدير: ج 2
ص 26 - 30.
(3) كل من هذه الجمل الخمس عشرة كلمة قدسية نبوية أخرجها الحفاظ. راجع مسند أحمد:
ج 1 ص 331، و ج 5 ص 182 و 189، وحلية الأولياء ج 1 ص 63 - 68 (غ 2 / 33).
74

الطاهر، وليد الكعبة المشرفة، ومطهرها من كل صنم ووثن، الشهيد في البيت
الإلهي (جامع الكوفة) في محرابه حال صلاته سنة 40، وقد اتصل هاهنا المنتهى
بالمبدأ، فوليد البيت فاض شهيدا في بيت هو من أعظم بيوت الله، وبين الحدين لم
تزل عرى حياته متواصلة بالمبدأ الأعلى سبحانه (1).
2 - حسان بن ثابت
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالنبي مناديا
وقد جاءه جبريل عن أمر ربه * بأنك معصوم فلا تك وانيا
وبلغهم ما أنزل الله ربهم إليك * ولا تخش هناك الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافع كفه * بكف علي معلن الصوت عاليا
فقال: فمن مولاكم ووليكم؟ * فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميا:
إلهك مولانا وأنت ولينا * ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا علي! فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم! وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا
فيا رب! انصر ناصريه لنصرهم * إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا (2)
ما يتبع الشعر

(1) الغدير: ج 2 ص 33.
(2) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير: ج 2 ص 39. ولحسان شعر آخر لحسان بلفظ
يقرب من هذا، يوجد في الغدير: ج 2 ص 34. وللوقوف على رواة شعر حسان من أعلام
الفريقين راجع الغدير: ج 2 = ص 34 - 39.
75

هذا أول ما عرف من الشعر القصصي في رواية هذا النبأ العظيم، وقد ألقاه في
ذاك المحتشد الرهيب، الحافل بمائة ألف أو يزيدون، وفيهم البلغاء، ومداره
الخطابة، وصاغة القريض، ومشيخة قريش العارفون بلحن القول، ومعارض
الكلام، بمسمع من أفصح من نطق بالضاد (النبي الأعظم) وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم
على ما فهمه من مغزى كلامه، وقرظه بقوله: (لا تزال يا حسان! مؤيدا بروح
القدس ما نصرتنا بلسانك (1)).
الشاعر
أبو. الوليد حسان بن ثابت بن المنذر... (توفي - على قول - سنة 55). عن أبي
عبيدة: أن العرب قد اجتمعت على أن حسان أشعر أهل المدن وأنه أفضل الشعراء
بثلاث: كان شاعر الأنصار، وشاعر النبي في أيامه صلى الله عليه وسلم، وشاعر اليمن كلها في
الإسلام... (2).
3 - الحماني الأفوه:
قالوا: أبو بكر له فضله * قلنا لهم: هنأه الله
نسيتم خطبة (خم) وهل * يشبه العبد بمولاه؟!
إن (عليا) كان مولى لمن * كان (رسول الله) مولاه (3)
الشاعر

(1) هذا من أعلام النبوة ومن مغيبات رسول الله فقد علم أنه سوف ينحرف عن إمام الهدى
صلوات الله عليه في أخريات أيامه، فعلق دعاءه على ظرف استمراره في نصرتهم
(غ 2 / 34).
(2) الغدير: ج 2 ص 62، 63 و 65. وتجد تفصيل القول - حول ترجمة حسان وشعره وديوانه
- في الغدير: ج 2 ص 34 - 65.
(3) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير: ج 3 ص 57.
76

أبو الحسين علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن محمد بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام الكوفي الحماني المعروف بالأفوه
(المتوفى 301).
هو في الرعيل الأول من فقهاء العترة ومدرسيهم في عاصمة التشيع بالعراق
في القرون الأولى (الكوفة) وفي السنام الأعلى من خطباء بني هاشم وشعرائهم
المفلقين، وقد سار بذكره وبشعره الركبان، وعرفه القريب والبعيد بحسن الصياغة
وجودة السرد، أضف إلى ذلك علمه الغزير، ومجده الأثيل، وسؤدده الباهر،
ونسبه العلوي الميمون، وحسبه الوضاح إلى فضائل جمة تسنمت به إلى ذروة
الخطر المنيع... (1).
4 - أبو القاسم الزاهي:
لا يهتدي إلى الرشاد من فحص * إلا إذا والى عليا وخلص
ولا يذوق شربة من حوضه * من غمس الولا عليه وغمص
ولا يشم الروح من جنانه * من قال فيه من عداه وانتقص
نفس النبي المصطفى والصنو * والخليفة الوارث للعلم بنص
من قد أجاب سابقا دعوته * وهو غلام وإلى الله شخص
ما عرف اللات ولا العزى ولا * انثنى إليهما ولا حب ونص
من ارتقى متن النبي صاعدا * وكسر الأوثان في أولى الفرص
وطهر الكعبة من رجس بها * ثم هوى للأرض عنها وقمص
من قد فدا بنفسه محمدا * ولم يكن بنفسه عنه حرص
وبات من فوق الفراش دونه * وجاد فيما قد غلا وما رخص

(1) الغدير: ج 3 ص 57 - 58. وتجد تفصيل الكلام - حول ترجمة الحماني وشعره - في
الغدير: ج 3 ص 57 - 69.
77

من كان في بدر ويوم أحد * قط من الأعناق ما شاء وقص
فقال جبريل ونادى: لا فتى * إلا علي عم في القول وخص
من قد عمرو العامري سيفه * فخر كالفيل هوى وما فحص
وراء ما صاح: ألا مبارز * فالتوت الأعناق تشكو من وقص (1)
من أعطي الراية يوم خيبر * من بعد ما بها أخو الدعوى نكص
وراح فيها مبصرا مستبصرا * وكان أرمدا بعينيه الرمص
فاقتلع الباب ونال فتحه * ودك طود مرحب لما قعص (2)
من كسح البصرة من ناكثها * وقص رجل عسكر بما رقص
وفرق المال وقال: خمسة * لواحد. فساوت الجند الحصص
وقال في ذي اليوم يأتي مدد * وعده فلم يزد وما نقص
ومن بصفين نضا حسامه * ففلق الهام وفرق القصص (3)
وصد عن عمرو وبسر كرما * إذ لقيا بالسوأتين من شخص (4)
ومن أسال النهروان بالدما * وقطع العرق الذي بها رهص
وكذب القائل أن قد عبروا * وعد من يحصد منهم ويحص (5)
ذاك الذي قد جمع القرآن في * أحكامه للواجبات والرخص
ذاك الذي آثر في طعامه * على صيامه وجاد بالقرص
فأنزل الله تعالى هل أتى * وذكر الجزاء في ذاك وقص (6)

(1) وقص العنق: كسرها ودقها (غ).
(2) قعصه وأقصعه: قتله مكانه، أجهز عليه (غ).
(3) القصص: الصدر أو عظمه (غ).
(4) للوقوف على قصته عليه السلام مع عمرو وبسر راجع موسوعة الغدير: ج 2 ص 158 و 165.
(5) حص الشئ: قطع عنه (غ).
(6) للوقوف على لفظ حديث (نزول هل أتى في العترة الطاهرة وسيدهم) نقلا عن مصادره
الكثيرة، راجع موسوعة الغدير: ج 3 ص 107 - 111.
78

ذاك الذي استوحش منه أنس * أن يشهد الحق فشاهد البرص (1)
إذ قال: من يشهد بالغدير لي * فبادر السامع وهو قد نكص
فقال: أنسيت. فقال: كاذب * سوف ترى ما لا تواريه القمص
يا بن أبي طالب! يا من هو من * خاتم الأنبياء في الحكمة فص
فضلك لا ينكر لكن الولا * قد ساغه بعض وبعض فيه غص
فذكره عند مواليك شفا * وذكره عند معاديك غصص
كالطير بعض في رياض أزهرت * وابتسم الورد وبعض في قفص (2)
الشاعر
أبو القاسم علي بن إسحاق بن خلف القطان البغدادي النازل بالكرخ في قطيعة
الربيع الشهير بالزاهي (المتولد 318 والمتوفى 352 أو بعد 360).
هو شاعر عبقري تحيز في شعره إلى أهل بيت الوحي، ودان بمذهبهم، وأدى
بمودتهم أجر الرسالة، فكان أكثر شعره الواقع في أربعة أجزاء فيهم مدحا ورثاءا
بحيث عد في (معالم العلماء) في طبقة المجاهدين من شعرائهم وصافا، فلم يزل
فيه يكافح عنهم ويناطح، وينازل ويناضل، ولذلك لم يلف نشورا بين من كان
يناوئهم أو لا يقول بأمرهم، فحسبوه مقلا من الشعر - كما في (تاريخ بغداد)
وغيره -، غير أن جزالة شعره، وجودة تشبيهه، وحسن تصويره، لم يدع لأرباب
المعاجم منتدحا من إطراءه.
وفي فهم المعنى الذي لا يبارح الخلافة والإمامة من لفظ (المولى) من مثل
الزاهي العارف بمعاريض الكلام، والمتسالم على تضلعه في اللغة والأدب العربي،
وبثه في نظمه لحجة قوية على الصواب الذي ترتأيه الشيعة في الاستدلال بحديث

(1) يوجد تفصيل قصة أنس في موسوعة الغدير: ج 1 ص 191 - 192.
(2) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير: ج 3 ص 388 - 389.
79

الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام... (1).
5 - الأمير أبو فراس الحمداني:
الحق مهتضم والدين مخترم * وفئ آل رسول الله مقتسم
والناس عندك لا ناس فيحفظهم * سوم الرعاة، لا شاء ولا نعم
إني أبيت قليل النوم أرقني * قلب تصارع فيه الهم والهمم
وعزمة لا ينام الليل صاحبها * إلا على ظفر في طية كرم
يصان مهري لأمر لا أبوح به * والدرع والرمح والصمصامة الحذم (2)
وكل مائرة (3) الضبعين (4) مسرحها * رمث (5) الجزيرة والخذراف (6) والعنم (7)
وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا * وليس رأيهم رأيا إذا عزموا
يا للرجال أما لله منتصر * من الطغاة؟ أما لله منتقم؟
بنو علي رعايا في ديارهم * والأمر تملكه النسوان والخدم
محلئون (8) فأصفى شربهم وشل (9) * عند الورود وأوفى ودهم لمم (10)
فالأرض إلا على ملاكها سعة * والمال إلا على أربابه ديم
فما السعيد بها إلا الذي ظلموا * وما الشقي بها إلا الذي ظلموا

(1) الغدير: ج 3 ص 391. وتجد تفصيل الكلام - حول ترجمة الزاهي، وشعره في المذهب،
وغديرياته الأخرى - في موسوعة الغدير: ج 3 ص 388 - 398.
(2) الحذم من السيوف بالحاء المهملة: القاطع (غ).
(3) مار: تحرك (غ).
(4) الضبع: العضد كناية عن السمن (غ).
(5) الرمث بكسر المهملة: خشب يضم بعضه إلى بعض ويسمى: الطوف (غ).
(6) الخذراف بكسر الخاء ثم الذال المعجمتين: نبات إذا أحس بالصيف يبس (غ).
(7) العنم بفتح المهملة: نبات له ثمرة حمراء يشبه به البنان المخضوب (غ).
(8) حلاه عن الماء: طرده (غ).
(9) الوشل: الماء القليل (غ).
(10) لمم: أي غب (غ).
80

للمتقين من الدنيا عواقبها * وإن تعجل منها الظالم الإثم
أتفخرون عليهم لا أبا لكم * حتى كأن رسول الله جدكم؟!
ولا توازن فيما بينكم شرف * ولا تساوت لكم في موطن قدم
ولا لكم مثلهم في المجد متصل * ولا لجدكم معشار جدهم
ولا لعرقكم من عرقهم شبه * ولا نثيلتكم (10) من أمهم أمم (11)
قام النبي بها (يوم الغدير) لهم * والله يشهد والأملاك والأمم
حتى إذا أصبحت في غير صاحبها * باتت تنازعها الذؤبان والرخم
وصيروا أمرهم شورى كأنهم * لا يعرفون ولاة الحق أيهم
تالله ما جهل الأقوام موضعها * لكنهم ستروا وجه الذي علموا
ثم ادعاها بنو العباس ملكهم * ولا لهم قدم فيها ولا قدم
لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا * ولا يحكم في أمر لهم حكم
ولا رآهم أبو بكر وصاحبه * أهلا لما طلبوا منها وما زعموا
فهل هم مدعوها غير واجبة؟ * أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا؟
أما علي فأدنى من قرابتكم * عند الولاية إن لم تكفر النعم
أينكر الحبر عبد الله نعمته؟ * أبوكم أم عبيد الله أم قثم؟!؟!
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن * أباهم العلم الهادي وأمهم
لا بيعة ردعتكم عن دمائهم * ولا يمين ولا قربى ولا ذمم
هلا صفحتم عن الأسرى بلا سبب * للصافحين ببدر عن أسيركم؟!
هلا كففتم عن الديباج (3) سوطكم * وعن بنات رسول الله شتمكم (4)؟

(1) نثيلة هي أم العباس بن عبد المطلب (غ).
(2) الأمم: القرب (غ).
(3) الديباج هو محمد بن عبد الله العثماني أخو بني حسن لأمهم فاطمة بنت الحسين السبط،
ضربه المنصور مأتين وخمسين سوطا (غ).
(4) لعله أشار إلى قول منصور لمحمد الديباج: يا بن اللخناء. فقال محمد: بأي أمهاتي تعيرني؟!
أبفاطمة بنت الحسين؟! أم بفاطمة الزهراء؟! أم برقية؟! (غ).
81

ما نزهت لرسول الله مهجته * عن السياط فهلا نزه الحرم؟
ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت * تلك الجرائر إلا دون نيلكم
كم غدرة لكم في الدين واضحة * وكم دم لرسول الله عندكم
أنتم له شيعة فيما ترون وفي * أظفاركم من بنيه الطاهرين دم
هيهات لا قربت قربى ولا رحم * يوما إذا أقصت الأخلاق والشيم
كانت مودة سلمان له رحما * ولم يكن بين نوح وابنه رحم
يا جاهدا في مساويهم يكتمها * غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم (1)؟
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا * مأمونكم كالرضا لو أنصف الحكم
ذاق الزبيري غب الحنث وانكشفت * عن ابن فاطمة الأقوال والتهم (2)
باؤا بقتل الرضا من بعد بيعته * وأبصروا بعض يوم رشدهم وعموا
يا عصبة شقيت من بعد ما سعدت * ومعشرا هلكوا من بعد ما سلموا
لبئسما لقيت منهم وإن بليت * بجانب الطف تلك الأعظم الرمم (1)
لا عن أبي مسلم في نصحه صفحوا (2) * ولا الهبيري نجا الحلف والقسم (3)
ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا * فيه الوفاء ولا عن غيهم حلموا (4)

(1) أشار إلى غدر الرشيد بيحيى بن عبد الله بن الحسن الخارج ببلاد الديلم سنة 176 فإنه أمنه
ثم غدره وحبسه ومات في حبسه (غ).
(2) الزبيري هو عبد الله بن مصعب بن الزبير باهله يحيى بن عبد الله بن حسن فتفرقا فما وصل
الزبيري إلى داره حتى جعل يصيح: بطني بطني. ومات (غ).
(3) أشار إلى ما فعله المتوكل بقبر الإمام الشهيد (غ).
(4) أبو مسلم هو الخراساني مؤسس دولة بني العباس، قتله المنصور (غ).
(5) الهبيري هو يزيد بن عمر بن هبيرة أحد ولاة بني أمية حاربه بنو العباس أيام السفاح فاح ثم
أمنوه فخرج إلى المنصور بعد المواثيق والأيمان فغدروا به وقتلوه سنة 132 (غ).
(6) استعمل السفاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل فأمنهم ونادى: من دخل الجامع فهو
آمن. وأقام الرجال على أبواب الجامع فقتلوا الناس قتلا ذريعا. قيل: إنه قتل فيه أحد عشر
ألفا ممن له خاتم، وخلقا كثيرا ممن ليس له خاتم، وأمر بقتل النساء والصبيان ثلاثة أيام.
وذلك في سنة 132 (غ).
82

أبلغ لديك بني العباس مالكة * لا يدعوا ملكها ملاكها العجم
أي المفاخر أمست في منازلكم * وغيركم آمر فيها ومحتكم؟
أنى يزيدكم في مفخر علم؟ * وفي الخلاف عليكم يخفق العلم
يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم * لمعشر بيعهم يوم الهياج دم
خلوا الفخار لعلامين إن سئلوا * يوم السؤال وعمالين إن عملوا
لا يغضبون لغير الله إن غضبوا * ولا يضيعون حكم الله إن حكموا
تنشى التلاوة في أبياتهم سحرا * وفي بيوتكم الأوتار والنغم
منكم علية أم منهم (1)؟ وكان لكم * شيخ المغنين إبراهيم أم لهم (2)؟
إذا تلوا سورة غنى إمامكم * قف بالطلول التي لم يعفها القدم
ما في بيوتهم للخمر معتصر * ولا بيوتكم للسوء معتصم
ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم (3) * ولا يرى لهم قرد ولا حشم (4)
الركن والبيت والأستار منزلهم * وزمزم والصفى والحجر والحرم
وليس من قسم في الذكر نعرفه * إلا وهم غير شك ذلك القسم (1)
ما يتبع الشعر
قال العلامة: توجد هذه القصيدة كما رسمناها 58 بيتا في ديوانه المخطوط

(1) علية: بنت المهدي بن المنصور كانت عوادة. وإبراهيم: أخوها كان مغنيا وعوادا (غ).
(2) علية: بنت المهدي بن المنصور كانت عوادة. وإبراهيم: أخوها كان مغنيا وعوادا (غ).
(3) الخنثى: هو عبادة نديم المتوكل (غ).
(4) القرد كان لزبيدة (غ).
(5) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير: ج 3 ص 399 - 402.
83

المشفوع بشرحه لابن خالويه النحوي المعاصر له المتوفى بحلب في خدمة بني
حمدان سنة 370. وخمس منها العلامة الشيخ إبراهيم يحيى العاملي 54 بيتا... (1).
هذه القصيدة تعرف ب‍ (الشافية) وهي من القصائد الخالدة التي تصافقت
المصادر على ذكرها أو ذكر بعضها أو الايعاز إليها، مطردة متداولة بين الأدباء،
محفوظة عند الشيعة وقسمائهم منذ عهد نظمها ناظمها أمير السيف والقلم وإلى
الآن، وستبقى خالدة مع الدهر، وذلك لما عليها من مسحة البلاغة، ورونق
الجزالة، وجودة السرد، وقوة الحجة، وفخامة المعنى، وسلاسة اللفظ... (2)
الشاعر
أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي (المولود
320 / 321 والمتوفى 357).
ربما يرتج القول في المترجم وأمثاله، فلا يدري القائل ماذا يصف، أيطريه
عند صياغة القول؟ أو يصفه عند قيادة العسكر؟ وهل هو عند ذلك أبرع؟ أم عند
هذا أشجع؟ وهل هو لجمل القوافي أسبك؟ أم لأزمة الجيوش أملك؟ والخلاصة
أن الرجل بارع في الصفتين، ومتقدم في المقامين، جمع بين هيبة الملوك،
وظروف الأدباء، وضم إلى جلالة الأمراء لطف مفاكهة الشعراء، وجمع له بين
السيف والقلم، فهو حين ما ينطق بفم كما هو عند ثباته على قدم، فلا الحرب
تروعه، ولا القافية تعصيه، ولا الروع يهزمه، ولا روعة البيان تعدوه، فلقد كان

(1) راجع الغدير: ج 3 ص 402 - 403.
(2) راجع الغدير: ج 3 ص 403 - 405.
84

المقدم بين شعراء عصره كما أنه كان المتقدم على أمرائه... (1).
6 - الناشي الصغير:
يا آل ياسين من يحبكم * بغير شك لنفسه نصحا
أنتم رشاد من الضلال كما * كل فساد بحبكم صلحا
وكل مستحسن لغيركم * إن قيس يوما بفضلكم قبحا
ما محيت آية النهار لنا * وآية الليل ذو الجلال محا
وكيف تمحى أنوار رشدكم * وأنتم في دجى الظلام ضحى
أبوكم أحمد وصاحبه * الممنوح من علم ربه منحا
ذاك علي الذي تفرده * في يوم (خم) بفضله اتضحا
إذ قال بين الورى وقام به * معتضدا في القيام مكتشحا
من كنت مولاه فالوصي له * مولى بوحي من الإله وحا
فبخبخوا ثم بايعوه ومن * يبايع الله مخلصا ربحا
ذاك علي الذي يقول له * جبريل يوم النزال ممتدحا
لا سيف إلا سيف الوصي ولا * فتى سواه إن حادث فدحا
لو وزنوا ضربه لعمرو وأعمال * البرايا لضربه رجحا
ذاك علي الذي تراجع عن * فتح سواه وسار فافتتحا
في يوم حض اليهود حين * أقل الباب من حصنهم وحين دحا
لم يشهد المسلمون قط رحى * حرب وألفوا سواه قطب رحى
صلى عليه الإله تزكية * ووفق العبد ينشئ المدحا (2)

(1) الغدير: ج 3 ص 405. وتجد تفصيل القول - حول ترجمة أبي فراس وشعره - في
موسوعة الغدير: ج 3 ص 399 - 416.
(2) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير: ج 4 ص 24.
85

الشاعر
أبو الحسن (1) علي بن عبد الله بن الوصيف الناشي (الصغير) الأصغر البغدادي
من باب الطاق، نزيل مصر، المعروف بالحلاء (المولود 271 والمتوفى 365).
كان أحد من تضلع في النظر في علم الكلام، وبرع في الفقه، ونبغ في
الحديث، وتقدم في الأدب، وظهر أمره في نظم القريض، فهو جماع الفضائل،
وسمط جمال العلوم، وفي الطليعة من علماء الشيعة ومتكلميها، ومحدثيها،
وفقهائها، وشعرائها... (2).
7 - الصاحب بن عباد:
قالت: فمن صاحب الدين الحنيف أجب؟ * فقلت: أحمد خير السادة الرسل
قالت: فمن بعده تصفي الولاء له؟ * قلت: الوصي الذي أربى على زحل
قالت: فمن بات من فوق الفراش فدى؟ * فقلت: أثبت خلق الله في الوهل
قالت: فمن ذا الذي آخاه عن مقة؟ * فقلت: من حاز رد الشمس في الطفل
قالت: فمن زوج الزهراء فاطمة؟ * فقلت: أفضل من حاف ومنتعل
قالت: فمن والد السبطين إذ فرعا؟ * فقلت: سابق أهل السبق في مهل
قالت: فمن فاز في بدر بمعجزها؟ * فقلت: أضرب خلق الله في القلل
قالت: فمن أسد الأحزاب يفرسها؟ * فقلت: قاتل عمرو الضيغم البطل
قالت: فيوم حنين من فرا وبرا؟ * فقلت: حاصد أهل الشرك في عجل
قالت: فمن ذا دعي للطير يأكله؟ * فقلت: أقرب مرضي ومنتحل

(1) في فهرست الشيخ ورجال أبي داود: أبو الحسين (غ).
(2) الغدير: ج 4 ص 28. وتجد تفصيل الكلام - حول ترجمة الناشي الصغير وشعره - في
موسوعة الغدير: ج 4 ص 24 - 33.
86

قالت: فمن تلوه يوم الكساء أجب؟ * فقلت: أفضل مكسو ومشتمل
قالت: فمن ساد في يوم (الغدير) أبن؟ * فقلت: من كان للإسلام خير ولي
قالت: ففي من أتى في (هل أتى) شرف؟ * فقلت: أبذل أهل الأرض للنفل
قالت: فمن راكع زكى بخاتمه؟ * فقلت: أطعنهم مذ كان بالأسل
قالت: فمن ذا قسيم النار يسهمها؟ * فقلت: من رأيه أذكى من الشعل
قالت: فمن باهل الطهر النبي به؟ * فقلت: تاليه في حل ومرتحل
قالت: فمن شبه هارون لنعرفه؟ * فقلت: من لم يحل يوما ولم يزل
قالت: فمن ذا غدا باب المدينة قل؟ * فقلت: من سألوه وهو لم يسل
قالت: فمن قاتل الأقوام إذ نكثوا؟ * فقلت: تفسيره في وقعة الجمل
قالت: فمن حارب الأرجاس إذ قسطوا؟ * فقلت: صفين تبدي صفحة العمل
قالت: فمن قارع الأنجاس إذ مرقوا؟ * فقلت: معناه يوم النهروان جلي
قالت: فمن صاحب الحوض الشريف غدا؟ * فقلت: من بيته في أشرف الحلل
قالت: فمن ذا لواء الحمد يحمله؟ * فقلت: من لم يكن في الروع بالوجل
قالت: أكل الذي قد قلت في رجل؟ * فقلت: كل الذي قد قلت في رجل
قالت: فمن هو هذا الفرد سمه لنا؟ * فقلت: ذاك أمير المؤمنين علي (1)
وله من قصيدة:
يا كفو بنت محمد لولاك ما * زفت إلى بشر مدى الأحقاب
يا أصل عترة أحمد لولاك لم * يك أحمد المبعوث ذا أعقاب
كان النبي مدينة العلم التي * حوت الكمال وكنت أفضل باب
ردت عليك الشمس وهي فضيلة * بهرت فلم تستر بلف نقاب
لم أحك إلا ما روته نواصب * عادتك فهي مباحة الأسلاب

(1) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير: ج 4 ص 40 - 41.
87

لم تعلموا أن الوصي هو الذي * آتي الزكاة وكان في المحراب
لم تعلموا أن الوصي هو الذي * حكم (الغدير) له على الأصحاب (1)
وله قوله:
وقالوا: علي علا. قلت: لا * فإن العلا بعلي علا
ولكن أقول كقول النبي * وقد جمع الخلق كل الملا
ألا! إن من كنت مولى له * يوالي عليا وإلا فلا (2)
الشاعر
الصاحب كافي الكفاة أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس
الطالقاني (المولود 326 والمتوفى 385).
قد يرتج القول على صاحبه بالرغم من بلوغه الغاية القصوى من القدرة في
تحليل شخصيات كبيرة أتتهم الفضائل من شتى النواحي، واكتنفتهم المزايا
الفاضلة من جهات متفرقة، ومن هاتيك النفسيات الكبيرة التي أعيت البليغ
حدودها نفسية (الصاحب) فهي تستدعي الإفاضة في تحليلها من ناحية العلم
طورا، ومن ناحية الأدب تارة، كما تسترسل القول من وجهة السياسة مرة، ومن
وجهة العظمة أخرى، إلى جود هامر، وفضل وافر، وشرف صميم، ومذهب قويم،
وفضائل لا تحصى. ومهما هتف المعاجم بشئ من ذلك فإنه بعض الحقيقة،
ولعل في شهرته بهاتيك المآثر جمعاء غنى عن الأطناب في وصفه، وإنك لا تجد
شيئا من كتب التراجم إلا وفيه لمع من محامده... (3).

(1) الغدير: ج 4 ص 41.
(2) المصدر السابق.
(3) الغدير: ج 4 ص 42. وتجد مستوفى الكلام - حول ترجمة الصاحب بن عباد وشعره - في موسوعة الغدير: ج 4 ص 40 - 81.
88

8 - ابن الحجاج البغدادي:
يا صاحب القبة البيضاء في النجف! * من زار قبرك واستشفى لديك شفي
زوروا لمن أبا الحسن الهادي لعلكم * تحظون بالأجر والإقبال والزلف
زورا لمن لم تسمع النجوى لديه فمن * يزره بالقبر ملهوفا لديه كفي
إذا وصلت فأحرم قبل تدخله * ملبيا واسع سعيا حوله وطف
حتى إذا طفت سبعا حول قبته * تأمل الباب تلقا وجهه فقف
وقل: سلام من الله السلام على * أهل السلام وأهل العلم والشرف
إني أتيتك يا مولاي من بلدي * مستمسكا من حبال الحق بالطرف
راج بأنك يا مولاي تشفع لي * وتسقني من رحيق شافي اللهف
لأنك العروة الوثقى فمن علقت * بها يداه فلن يشقى ولم يخف
وإن أسماءك الحسنى إذا تليت * على مريض شفي من سقمه الدنف
لأن شأنك شأن غير منتقص * وأن نورك نور غير منكسف
وإنك الآية الكبرى التي ظهرت * للعارفين بأنواع من الطرف
هذي ملائكة الرحمن دائمة * يهبطن نحوك بالألطاف والتحف
كالسطل والجام والمنديل جاء به * جبريل لا أحد فيه بمختلف
كان النبي إذا استكفاك معضلة * من الأمور وقد أعيت لديه كفي
وقصة الطائر المشوي عن أنس * تخبر بما نصه المختار من شرف
والحب والقضب والزيتون حين أتوا * ذتكرما من إله العرش ذي اللطف
89

والخيل راكعة في النقع ساجدة * والمشرفيات قد ضجت على الحجف (1)
بعثت أغصان بان في جموعهم * فأصبحوا كرماد غير منتسف
لو شئت مسخهم في دورهم مسخوا * أو شئت قلت لهم: يا أرض انخسفي
والموت طوعك والأرواح تملكها * وقد حكمت فلم تظلم ولم تجف
لا قدس الله قوما قال قائلهم: * بخ بخ لك من فضل ومن شرف
وبايعوك بخم ثم أكدها * محمد بمقال منه غير خفي
عاقوك واطرحوا قول النبي ولم * يمنعهم قوله: هذا أخي خلفي
هذا وليكم بعدي فمن علقت * به يداه فلن يخشى ولم يخف (2)
ما يتبع الشعر
قال العلامة: القصيدة تناهز 64 بيتا ولها قصة. وهي أن السلطان مسعود بن
بابويه (3) لما بنى سور المشهد الشريف ودخل الحضرة الشريفة وقبل أعتابها
وأحسن الأدب فوقف أبو عبد الله (الشاعر) بين يديه وأنشد قصيدته الفائية (التي
ذكرناها) فلما وصل منها إلى الهجاء أغلظ له الشريف سيدنا المرتضى ونهاه أن
ينشد ذلك في باب حضرة الإمام عليه السلام فقطع عليه فانقطع، ولما جن عليه الليل
رأى ابن الحجاج الإمام عليا عليه السلام في المنام وهو يقول: (لا ينكسر خاطرك، فقد
بعثنا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك فلا تخرج إليه حتى يأتيك). ثم رأى
الشريف المرتضى في تلك الليلة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم والأئمة صلوات الله عليهم
حوله جلوس، فوقف بين أيديهم وسلم عليهم فحس منهم عدم إقبالهم عليه فعظم ذلك عنده وكبر لديه فقال: يا موالي! أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فبم استحققت

(1) الحجف محركة: التروس من جلود بلا خشب ولا عقب، والصدور. واحدتها: الحجفة (غ).
(2) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير ج 4 ص 88 - 89.
(3) قال العلامة: كذا في النسخة وأحسبه: عضد الدولة بن بويه (غ 4 / 97).
90

هذا منكم؟ فقالوا: (بما كسرت خاطر شاعرنا أبي عبد الله ابن الحجاج فعليك أن
تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه
وتعرفه عنايتنا فيه وشفقتنا عليه.) فقام السيد من ساعته ومضى إلى أبي عبد الله
فقرع عليه الباب فقال ابن الحجاج: سيدي الذي بعثك إلي أمرني أن لا أخرج
إليك، وقال: إنه سيأتيك. فقال: نعم سمعا وطاعة لهم. ودخل عليه واعتذر إليه
ومضى به إلى السلطان وقصا القصة عليه كما رأياها فأكرمه وأنعم عليه وخصه
بالرتب الجليلة وأمر بإنشاد قصيدته (1).
الشاعر
أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج النيلي
البغدادي (المتوفى 391).
هو أحد العمد والأعيان من علماء الطائفة، وعبقري من عباقرة حملة العلم
والأدب. ينم عن مقامه الرفيع في العلوم الدينية وتضلعه فيها وشهرته في عصره
بها توليه الحسبة مرة بعد أخرى في عاصمة العالم في ذلك اليوم (بغداد) وهي من
المناصب الرفيعة العلمية التي كانت تخص توليها في العصور المتقادمة بأئمة
الدين، وزعماء الإسلام، وكبراء الأمة. فالشعر كان أحد فنونه، كما أن الكتابة
إحدى محاسنه الجمة، وله في العلم قنن راسية، وقدم راسخة، غير أن انتشار أدبه
الفائق، ومقاماته البديعة فيه، وتعريف الأدباء إياه بأدبه الباهر، وقريضه
الخسرواني، والثناء عليه بأنه ثاني معلميه - كما في (نسمة السحر) - أخفى صيت
علمه الغزير، وغطى ذكره العلمي... (2).

(1) الغدير ج 4 ص 89 و 97 - 98.
(2) نقلا بالتلخيص عن الغدير ج 4 ص 90 - 92. وتجد تفصيل القول - حول ترجمة ابن
الحجاج وشعره - في موسوعة الغدير ج 4 ص 88 - 100.
91

9 - أبو العلا السروي:
علي إمامي بعد الرسول * سيشفع في عرصة الحق لي
ولا أدعي لعلي سوى * فضائل في العقل لم يشكل
ولا أدعي إنه مرسل * ولكن إمام بنص جلي
وقول الرسول له إذ أتى * له شبه الفاضل المفضل
ألا! إن من كنت مولى له * فمولاه من غير شك علي (1)
الشاعر
أبو العلا محمد بن إبراهيم السروي. هو شاعر طبرستان الأوحد، وعلم
الفضيلة المفرد (وله مساجلات ومكاتبات مع أبي الفضل ابن العميد المتوفى سنة
360). وله كتب وشعر رائع وملح كثيرة... (2).
10 - ابن حماد العبدي:
يا عيد يوم الغدير * عد بالهنا والسرور
ففيك أضحى علي * أمير كل أمير
غداة جبريل وافى * من السميع البصير
وقال: يا أحمد انزل * بجنب هذا الغدير
بلغ وإلا فما كنت * قائما بالأمور

(1) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير ج 4 ص 118.
(2) الغدير ج 4 ص 118. والكلام - حول ترجمته وشعره - في موسوعة الغدير ج 4 ص 18 1
- 123.
92

فأنزل الجمع كلا * ثم اعتلى فوق كور
وقال: قد جاء أمر * من اللطيف الخبير
بأن أقيم عليا * خليفة في مسيري
فبايعوه فما في * الورى له من نظير
إمام كل إمام * مولى لكل كبير
باب إلى كل رشد * نور علا كل نور
وحجة الله بعدي * على الجهود الكفور
وبعده الغر منه * فهم كعد الشهور
أسماؤهم في المثاني * كثيرة للذكور
في صحف موسى وعيسى * مكتوبة والزبور
ما زال في اللوح سطرا * يلوح بين السطور
تزور أملاك ربي * منه لخير مزور
وأشهد الله فيما * أبدى وكل الحضور
فقام من حل خما * من بين جم غفير
وبايعوه بأيد * مخالفات الضمير
والله يعلم ماذا * أخفوا بذات الصدور (1)
وله يمدح أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
ما لعلي سوى أخيه * محمد في الورى نظير (2)

(1) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير ج 4 ص 146 - 147.
(2) أشار به إلى ما أخرجه الحافظ محب الدين الطبري في رياضه ج 2 ص 164 عن أنس بن
مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي إلا وله نظير من أمته وعلي نظيري.) ورواه غيره من
الحفاظ (غ 4 / 147).
93

فداه إذ أقبلت قريش * إليه في الفرش تستطير
وكان في الطائف انتجاه * فقال أصحابه الحضور
أطلت نجواك من علي * فقال ما ليس فيه زور
ما أنا ناجيته ولكن * ناجاه ذو العزة الخبير
وقال في (خم): إن عليا * خليفة بعده أمير
وكان قد سد باب كل * سواه فاستغرت الصدور
وأكثروا القول في علي * بذا ودبت له الشرور
فقال: ما تبتغون منه؟! * وهو سميع لهم بصير
ما أنا أو صدتها ولكن * أوصدها الأمر القدير
يا قوم إني امتثلت أمرا * أوحاه لي الراحم الغفور
فكان هذا له دليلا * بأنه وحده الظهير (1)
الشاعر
ابن عبيد الله بن حماد العدوي العبدي البصري (المولود في أوائل القرن الرابع
والمتوفى في أواخره).
هو علم من أعلام الشيعة، وفذ من علمائها، ومن صدور شعرائها، ومن حفظة
الحديث المعاصرين للشيخ الصدوق ونظرائه. وجل شعره يشف عن تقدمه الظاهر
في الأدب، وأشواطه البعيدة في فنون الشعر، وخطواته الواسعة في صياغة
القريض، كما أنه ينم عن علمه المتدفق، وتضلعه في الحديث، وبذل كله في بث
فضائل آل الله، وجمع شوارد الحقائق الراهنة في المذهب الحق، ونشر ما ورد
منها في الكتاب والسنة، وإقامة الدعوة إلى سنن الهدى، فشعره بعيد عن الصور

(1) الغدير ج 4 ص 147 - 148.
94

الخيالية بل هو لسان حجاج وبرهنة، ونظم بينات ودلائل، وبيان قيم لمذهبه
العلوي... (1).
11 - أبو الفرج الرازي:
تجلى الهدى يوم (الغدير) على الشبه * وبرز إبريز البيان عن الشبه
وأكمل رب العرش للناس دينهم * كما نزل القرآن فيه فأعربه
وقام رسول الله في الجمع رافعا * بضبع علي ذي التعالي من الشبه
وقال: ألا! من كنت مولى لنفسه * فهذا له مولى فيالك منقبه (2)
الشاعر
أبو الفرج محمد بن هندو الرازي (القرن الرابع).
(آل هندو) من أسر الإمامية الناهضين بنشر العلم والأدب، وفيهم جمع ممن
تحلوا بفنون الفضائل، ولهم في الكتابة والقريض قدم وقدم، طفحت بذكرهم
المعاجم، منهم: أبو الفرج محمد بن هندو مؤسس شرف بيتهم. عده ابن
شهرآشوب في (معالم العلماء) من شعراء أهل البيت عليهم السلام المتقين... (2).

(1) نقلا بالتلخيص عن الغدير ج 4 ص 153 - 154. ويوجد التفصيل - حول ترجمة ابن حماد
العبدي وشعره وغديرياته الكثيرة - في موسوعة الغدير ج 4 ص 141 - 171.
(2) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير ج 4 ص 141 - 171.
(3) راجع الغدير ج 4 ص 172 - 174.
95

12 - أبو محمد الصوري
ولاؤك خير ما تحت الضمير * وأنفس ما تمكن في الصدور
وها أنا بت أحسس منه نارا * أمت بحرها نار السعير
أبا حسن تبين غدر قوم * لعهد الله من عهد (الغدير)
وقد قام النبي بهم خطيبا * فدل المؤمنين على الأمير
أشار إليه فيه بكل معنى * بنوه على مخالفة المشير
فكم من حاضر فيهم بقلب * يخالفه على ذاك الحضور
طوى يوم (الغدير) لهم حقودا * أنال بنشرها يوم (الغدير)
فيا لك منه يوما جر قوما * إلى يوم عبوس قمطرير
لأمر سولته لهم نفوس * وغرتهم به دار الغرور
ولست من الكثير فيطمئنوا * بأن الله يعفو عن كثير (1)
الشاعر
أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد الصوري (المولود ح 339
والمتوفى 419).
هو من حسنات القرن الرابع ونوابغ رجالاته، وقد مد له البقاء إلى أوليات
القرن الخامس، جمع شعره بين جزالة اللفظ وفخامة المعنى، كما أنه لا تعدوه رقة
الغزل وشدة الجدل.
فهو عند الحجاج يدلي بحجته القويمة، وعند الوصف لا يأتي إلا بصورة

(1) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير ج 4 ص 222.
96

كريمة، وعده ابن شهرآشوب من شعراء أهل البيت المجاهرين فيهم... (1).
13 - مهيار الديلمي:
هل بعد مفترق الأظعان مجتمع؟! * أم هل زمان بهم قد فات يرتجع؟!
تحملوا تسع البيداء ركبهم * ويحمل القلب فيهم فوق ما يسع
مغربين هم والشمس قد ألفوا * ألا تغيب مغيبا حيثما طلعوا؟!
شاكين للبين أجفانا وأفئدة * مفجعين به أمثال ما فجعوا
تخطو بهم فاترات في أزمتها * أعناقها تحت إكراه النوى خضع
تشتاق نعمان لا ترضى بروضته * دارا ولو طاب مصطاف ومرتبع
فداء وافين تمشي الوافيات بهم * دمع دم وحشا في إثرهم قطع
الليل بعدهم كالفجر متصل * ما شاء والنوم مثل الوصل منقطع
ليت الذين أصاخوا يوم صاح بهم * داعي النوى: ثوروا صموا كما سمعوا
أوليت ما أخذ التوديع من جسدي * قضى علي فللتعذيب ما يدع
وعاذل لج أعصيه ويأمرني * فيهم وأهرب منه وهو يتبع
يقول: نفسك فاحفظها فإن لها * حقا وإن علاقات الهوى خدع
روح حشاك ببرد اليأس تسل به * ما قيل في الحب إلا أنه طمع
والدهر لونان والدنيا مقلبة * الآن يعلم قلب كيف يرتدع
هذي قضايا رسول الله مهملة * غدرا وشمل رسول الله منصدع
والناس للعهد ما لاقوا وما قربوا * وللخيانة ما غابوا وما شسعوا
وآله وهم آل الإله وهم * رعاة ذا الدين ضيموا بعده ورعوا

(1) الغدير ج 4 ص 225. وتجد التفصيل - حول ترجمة أبي محمد الصور ي وشعره
وغديرياته الأخرى - في موسوعة الغدير ج 4 ص 222 - 231.
97

ميثاقه فيهم ملقى وأمته * مع من بغاهم وعاداهم له شيع
تضاع بيعته يوم (الغدير) لهم * بعد الرضا وتحاط الروم والبيع
مقسمين بأيمان هم جذبوا * بيوعها وبأسياف هم طبعوا
ما بين ناشر حبل أمس أبرمه * تعد مسنونة من بعده البدع
وبين مقتنص بالمكر يخدعه * عن آجل عاجل حلو فينخدع
وقائل لي: علي كان وارثه * بالنص منه فهل أعطوه؟! أم منعوا؟!
فقلت: كانت هنات لست أذكرها * يجزي بها الله أقواما بما صنعوا
أبلغ رجالا إذا سميتهم عرفوا * لهم وجوه من الشحناء تمتقع
توافقوا وقناة الدين مائلة * فحين قامت تلاحوا فيه واقترعوا
أطاع أولهم في الغدر ثانيهم * وجاء ثالثهم يقفو ويتبع
قفوا على نظر في الحق نفرضه * والعقل يفصل والمحجوج ينقطع
بأي حكم بنوه يتبعونكم * وفخركم أنكم صحب له تبع؟!
وكيف ضاقت على الأهلين تربته * وللأجانب من جنبيه مضطجع؟!
وفيم صيرتم الإجماع حجتكم * والناس ما اتفقوا طوعا ولا اجتمعوا؟!
أمر (علي) بعيد عن مشورته * مستكره فيه و (العباس) يمتنع
وتدعيه قريش بالقرابة * والأنصار لا رفع فيه ولا وضع
فأي خلف كخلف كان بينكم * لولا تلفق أخبار وتصطنع؟!
واسألهم يوم (خم) بعد ما عقدوا * له الولاية لم خانوا ولم خلعوا؟!
قول صحيح ونيات بها نغل (1) * لا ينفع السيف صقل تحته طبع (2)

(1) النغل: الضغن وسوء النية (غ).
(2) الطبع: الصدأ (غ).
98

إنكارهم يا أمير المؤمنين لها * بعد اعترافهم عار به ادرعوا
ونكثهم بك ميلا عن وصيتهم * شرع لعمرك ثان بعده شرعوا
تركت أمرا ولو طالبته لدرت * معاطس راغمته كيف تجتدع
صبرت تحفظ أمر الله ما اطرحوا * ذبا عن الدين فاستيقظت إذ هجعوا
ليشرقن بحلو اليوم مر غد * إذا حصدت لهم في الحشر ما زرعوا
جاهدت فيك بقولي يوم تختصم * الأبطال إذ فات سيفي يوم تمتصع (1)
إن اللسان لو صال إلى طرق * في القلب لا تهتديها الذبل الشرع
آباي في فارس والدين دينكم * حقا لقد طاب لي أس ومرتبع
ما زلت مذ يفعت سني ألوذ بكم * - حتى محا حقكم شكي - وأنتجع
وقد مضت فرطات إن كفلت بكم * فرقت عن صحفي البأس الذي جمعوا
(سلمان) فيها شفيعي وهو منك إذا * الآباء عندك في أبنائهم شفعوا
فكن بها منقذا من هول مطلعي * غدا وأنت من الأعراف مطلع
سولت نفسي غرورا إن ضمنت لها * أنى بذخر سوى حبيك أنتفع (2)
وله قصيدة يرثي بها أهل البيت عليهم السلام ويذكر البركة بولائهم فيما صار إليه:
في الظباء الغادين أمس غزال * قال عنه ما لا يقول الخيال
طارق يزعم الفراق عتابا * ويرينا أن الملال دلال
لم يزل يخدع البصيرة حتى * سرنا ما يقول وهو محال
لا عدمت الأعلام كم نولتني * من منيع صعب عليه النوال
لم تنغص وعدا بمطل، ولم * يوجب له منة علي الوصال

(1) تمتصع: تقاتل بالسيف (غ).
(2) نقلنا هذه الأبيات عن موسوعة الغدير ج 4 ص 232 - 234.
99

فلليلي الطويل شكري، ودين * العشق أن تكره الليالي الطوال
لمن الظعن غاصبتنا جمالا؟! * حبذا ما مشت به الأجمال!
كاتفات بيضاء دل عليها * أنها الشمس أنها لا تنال
جمح الشوق بالخليع فأهلا * بحليم له السلو عقال
كنت منه أيام مرتع لذاتي * خصيب وماء عيشي زلال
حيث ضلعي مع الشباب وسمعي * غرض لا تصيبه العذال
يا نديمي كنتما فافترقنا * فاسلواني، لكل شئ زوال
لي في الشيب صارف ومن * الحزن على آل أحمد إشغال
معشر الرشد والهدى حكم البغي * عليهم سفاهة والضلال
ودعاة الله استجابت رجال * لهم ثم بدلوا فاستحالوا
حملوها يوم (السقيفة) أوزارا * تخف الجبال وهي ثقال
ثم جاءوا من بعدها يستقيلون * وهيهات عثرة لا تقال
يا لها سوءة إذا أحمد قام * غدا بينهم فقال وقالوا!
ربع همي عليهم طلل باق * وتبلى الهموم والأطلال
يا لقوم إذ يقتلون عليا * وهو للمحل (1) فيهم قتال
ويسرون بغضه وهو لا * تقبل إلا بحبه الأعمال
وتحال الأخبار والله يدري * كيف كانت يوم (الغدير) الحال (2)
ولسبطين تابعيه فمسموم * عليه ثرى البقيع يهال
درسوا قبره ليخفى عن الزوار * هيهات! كيف يخفى الهلال؟!

(1) المحل: الجدب (غ).
(2) قال العلامة: كذا في ديوانه المخطوط وفي المطبوع: تحال (غ 4 / 235).
100

وشهيد بالطف أبكى السماوات * وكادت له تزول الجبال
يا غليلي له وقد حرم الماء * عليه وهو الشراب الحلال
قطعت وصلة النبي بأن * تقطع من آل بيته الأوصال
لم تنج الكهول سن ولا الشبان * زهد ولا نجا الأطفال
لهف نفسي يا آل طه عليكم * لهفة كسبها جوى وخبال
وقليل لكم ضلوعي تهتز * مع الوجد أو دموعي تذال
كان هذا كذا وودي لكم حسب * وما لي في الدين بعد اتصال
وطروسي سود فكيف بي الآن * ومنكم بياضها والصقال
حبكم كان فك أسري من الشرك * وفي منكبي له أغلال
كم تزملت بالمذلة حتى * قمت في ثوب عزكم أختال
بركات لكم محت من فؤادي * ما أمل الضلال عم وخال
ولقد كنت عالما أن إقبالي * بمدحي عليكم إقبال (1)
الشاعر
أبو الحسن (2) مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي نزيل درب رياح بالكرخ
(المتوفى 428).
هو أرفع راية للأدب العربي منشورة بين المشرق والمغرب، وأنفس كنز من
كنوز الفضيلة، وفي الرعيل الأول من ناشري لغة الضاد، وموطدي أسسها،
ورافعي علاليها، ويده الواجبة على اللغة الكريمة ومن يمت بها وينتمي إليها لا
تزال مذكورة مشكورة يشكرها الشعر والأدب، تشكرها الفضيلة والحسب،

(1) نقلنا هذه القصيدة عن موسوعة الغدير ج 4 ص 234 - 236.
(2) وفي بعض المصادر القديمة: أبو الحسين (غ).
101

تشكرها العروبة والعرب، وأكبر برهنة على هذه كلها ديوانه الضخم الفخم في
أجزائه الأربعة الطافح بأفانين الشعر وفنونه وضروب التصوير وأنواعه، فهو يكاد
في قريضه يلمسك حقيقة راهنة مما ينضده، ويدر المعنى المنظوم كأنه تجاه
حاستك الباصرة، ولا يأتي إلا بكل أسلوب رصين، أو رأي صحيف، أو وصف
بديع، أو قصد مبتكر، فكان مقدما على أهل عصره مع كثرة فحولة الأدب فيه،
وكان يحضر جامع المنصور في أيام الجمعات ويقرأ على الناس ديوان شعره (1).
... ولعمر الحق إن من المعاجز أن فارسيا في العنصر يحاول قرض الشعر
العربي فيفوق أقرانه ولا يتأتى لهم قرانه، ويقتدى به عند الورد والصدر، ولا بدع
أن يكون من تخرج على أئمة العربية من بيت النبوة وعاصرهم وآثر ولاءهم
واقتص أثرهم كالعلمين الشريفين المرتضى والرضي وشيخهما شيخ الأمة جمعاء
(المفيد) ونظرائهم أن يكون هكذا... (2).
14 - سيدنا الشريف المرتضى:
لو لم يعاجله النوى لتحيرا * وقصاره وقد انتأوا أن يقصرا
أفكلما راع الخليط تصوبت * عبرات عين لم تقل فتكثرا
قد أوقدت حرى الفراق صبابة * لم تستعر ومرين دمعا ما جرى
شغف يكتمه الحياء ولوعة * خفيت وحق لمثلها أن تظهرا
أين الركائب؟! لم يكن ما علنه * صبرا ولكن كان ذاك تصبرا
لبين داعية النوى فأريننا * بين القباب البيض موتا أحمرا

(1) تاريخ الخطيب البغدادي ج 13 ص 276 (غ 4 / 238).
(2) نقلا بالتلخيص عن الغدير ج 4 ص 238 - 239. وتجد تفصيل القول - حول ترجمة مهيار
الديلمي وشعره الكثير وما يتبع غديرياته - في موسوعة الغدير ج 4 ص 232 - 261.
102

وبعدن بالبين المشتت ساعة * فكأنهن بعدن عنا أشهرا
عاجوا على ثمد البطاح وحبهم * أجرى العيون غداة بانوا أبحرا
وتنكبوا وعر الطريق وخلفوا * ما في الجوانح من هواهم أو عرا
أما السلو فإنه لا يهتدي * قصد القلوب وقد حشين تذكرا
قد رمت ذاك فلم أجده وحق من * فقد السبيل إلى الهدى أن يعذرا
أهلا بطيف خيال مانعة لنا * يقظى ومفضلة علينا في الكرى
ما كان أنعمنا بها من زورة * لو باعدت وقت الورود المصدرا
جزعت لو خطات المشيب وإنما * بلغ الشباب مدى الكمال فنورا
والشيب إن أنكرت فيه موردا * لا بد يورده الفتى إن عمرا
يبيض بعد سواده الشعر الذي * إن لم يزره الشيب واراه الثرى
زمن الشبيبة لأعدتك تحية * وسقاك منهمر الحيا ما استغزرا
فلطالما أضحى ردائي ساحبا * في ظلك الوافي وعودي أخضرا
أيام يرمقني الغزال إذا رنا * شغفا ويطرقني الخيال إذا سرى
ومرنح في الكور تحسب أنه * اصطبح العقار وإنما اغتبق السرى
بطل صفاه للخداع مزلة * فإذا مشى فيه الزماع تغشمرا
أما سألت به فلا تسأل به * نأيا يناغي في البطالة مزمرا
واسأل به الجرد العتاق مغيرة * يخبطن هاما أو يطأن سنورا
يحملن كل مدجج يقري الظبا * علقا وأنفاس السوافي عثيرا
قومي الذين وقد دجت سبل الهدى * تركوا طريق الدين فينا مقمرا
غلبوا على الشرف التليد وجاوزوا * ذاك التليد تطرفا وتخيرا
كم فيهم من قسور متخمط * يردي إذا شاء الهزبر القسورا
متنمر والحرب إن هتفت به * أدته بسام المحيا مسفرا
103

وملوم في بذله ولطالما * أضحى جديرا في العلا أن يشكرا
ومرفع فوق الرجال تخاله * يوم الخطابة قد تسنم منبرا
جمعوا الجميل إلى الجمال وإنما * ضموا إلى المرأى الممدح مخبرا
سائل بهم بدرا واحدا والتي * ردت جبين بني الضلال معفرا
لله در فوارس في خبير * حملوا عن الإسلام يوما منكرا
عصفوا لسلطان اليهود وأولجوا * تلك الجوانح لوعة وتحسرا
واستلحموا أبطالهم واستخرجوا * الأزلام من أيديهم والميسرا
وبمرحب ألوى فتى ذو جمرة * لا تصطلي وبسالة لا تقترى (1)
إن حزحز مطبقا أو قال قال * مصدقا أو رام رام مظهرا
فثناه مصفر البنان كأنما * لطخ الحمام عليه صبغا أصفرا
شهق العقاب بشلوه ولقد هفت * زمنا به شم الذوائب والذرى
أما الرسول فقد أبان ولاءه * لو كان ينفع حائرا أو ينذرا
أمضى مقالا لم يقله معرضا * وأشاد ذكرا لم يشده معذرا
وثنى إليه رقابهم وأقامه * علما على باب النجاة مشهرا
ولقد شفى يوم (الغدير) معاشرا * ثلجت نفوسهم وأودى معشرا
قلعت به أحقادهم فمرجع * نفسا ومانع أنة أن تجهرا
يا راكبا رقصت به مهرية * أشبت لساحته الهموم فأصحرا
عج بالغري فإن فيه ثاويا * جبلا تطأطأ فاطمأن به الثرى
وأقر السلام عليه من كلف به * كشفت له حجب الصباح فأبصرا

(1) لا تقترى: لا تقدر ولا تخمن (غ).
104

ولو استطعت جعلت دار إقامتي * تلك القبور الزهر حتى أقبرا (1)
الشاعر
السيد المرتضى علم الهدى ذو المجدين أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى
ابن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام، (المولود 355
والمتوفى 436).
لا عتب على اليراع إذا وقف عن تحديد عظمة الشريف المبجل، كما أنه لا
لوم على المدرة اللسن إذا تلجلج في الإفاضة عن رفعة مقامه، فإن نواحي فضله
لا تنحصر بواحدة، ولا أن مآثره معدودة يحاولها البليغ المفوه، ويتحرى الإبانة
عنها الكاتب المتشدق، أو يلقى عنها الخطيب المفصح، فإلى أي منصة من الفضيلة
نحوت فله فيها الموقف الأسمى، وإلى أي صهوة وقع خيالك فله هنالك مرتبع
ممنع، فهو إمام الفقه، ومؤسس أصوله، وأستاذ الكلام، ونابغة الشعر، وراوية
الحديث، وبطل المناظرة، والقدوة في اللغة، وبه الأسوة في العلوم العربية كلها،
وهو المرجع في تفسير كتاب الله العزيز، وجماع القول إنك لا تجد فضيلة إلا وهو
ابن بجدتها.
أضف إلى ذلك كله نسبه الوضاح، وحسبه المتألق، وأواصره النبوية الشذية،
ومآثره العلوية الوضيئة إلى أياديه الواجبة في تشييد المذهب، ومساعيه
المشكورة عند الإمامية جمعاء، وهي التي خلدت له الذكر الحميد، والعظمة
الخالدة، ومن هذه الفضائل ما خطه مزبره القويم من كتب ورسائل استفاد بها

(1) نقلنا هذه القصيدة عن موسوعة الغدير ج 4 ص 262 - 264. وقد أخذها العلامة من الجزء
الأول من ديوان ناظمها وهي مفتتح ديوانه والديوان مرتب على السنين في ستة أجزاء
توجد منه نسخة مقروة على نفس السيد الشريف علم الهدى (غ).
105

أعلام الدين في أجيالهم وأدوارهم... (1).
15 - الجبري المصري:
يا دار! غادرني جديد بلاك * رث الجديد فهل رثيت لذاك؟!
أم أنت عما أشتكيه من الهوى * عجماء مذ عجم البلى مغناك؟!
ضفناك نستقري الرسوم فلم نجد * إلا تباريح الهموم قراك
ورسيس شوق تمتري زفراته * عبراتنا حتى تبل ثراك
ما بال ربعك لا يبل؟ كأنما * يشكو الذي أنا من نحولي شاك
طلت طلولك دمع عيني مثلما * سفكت دمي يوم الرحيل دماك
وأرى قتيلك لأيديه قاتل * وفتور ألحاظ الظباء ظباك
هيجت لي إذ عجت ساكن لوعة * بالساكنيك تشبها ذكراك
لما وقنت مسلما وكأنما * ريا الأحبة سقت من رياك
وكفت عليك سماء عيني صيبا * لو كف صوب المزن عنك كفاك
سقيا لعهدي والهوى مقضية * أوطاره قبل احتكام نواك
والعيش غض والشباب مطية * للهو غير بطيئة الإدراك
أيام لا واش يطاع ولا هوى * يعصى فنقصى عنك إذ زرناك
وشفيعنا شرخ الشبيبة كلما * رمنا القصاص من اقتناص مهاك
ولئن أصارتك الخطوب إلى بلى * ولحاك ريب صروفها فمحاك
فلطالما قضيت فيك مآربي * وأبحت ريعان الشباب حماك
ما بين حور كالنجوم تزينت * منها القلائد للبدور حواكي

(1) الغدير ج 4 ص 264. ويوجد تفصيل الكلام - حول ترجمة السيد الشريف المرتضى
وشعره و... - في موسوعة الغدير ج 4 ص 262 - 299.
106

هيف الحصور من القصور بدت لنا * منها الأهلة لا من الأفلاك
يجمعن من مرح الشبيبة خفة * المتغزلين وعفة النساك
ويصدن صادية القلوب بأعين * نجل كصيد الطير بالأشراك
من كل مخطفة الحشا تحكي الرشا * جيدا وغصن البان لين حراك
هيفاء ناطقة النطاق تشكيا * من ظلم صامتة البرين ضناك (1)
وكأنما من ثغرها من نحرها * در تباكره بعود أراك
عذب الرضاب كأن حشو لثاتها * مسكا يعل به ذرى المسواك
تلك التي ملكت علي بدلها * قلبي فكانت أعنف الملاك
إن الصبا يا نفس عز طلابه * ونهتك عنه واعظات نهاك
والشيب ضيف لا محالة مؤذن * برداك فاتبعي سبيل هداك
وتزودي من حب آل محمد * زادا متى أخلصته نجاك
فلنعم زاد للمعاد وعدة * للحشر إن علقت يداك بذاك (2)
وإلي الوصي مهم أمرك فوضي * تصلي بذاك إلى قصي مناك
وبه ادرئي في نحر كل ملمة * وإليه فيها فاجعلي شكواك
وبحبه فتمسكي أن تسلكي * بالزيغ عنه مسالك الهلاك
لا تجهلي وهواه دأبك فاجعلي * أبدا وهجر عداه هجر قلاك
فسواء انحرف امرؤ عن حبه * أو بات منطويا على الأشراك
وخذي البراءة من لظى ببراءة * من شانئيه وامحضيه هواك
وتجنبي إن شئت أن لا تعطبي * رأي ابن سلمى فيه وابن صهاك

(1) البرين بالضم جمع بره: الخلخال (غ).
(2) (للحشر إن ظفرت بذاك يداك) - كذا في نسخة (غ).
107

وإذا تشابهت الأمور فعولي * في كشف مشكلها على مولاك
خير الرجال وخير بعل نسائها * والأصل والفرع التقي الزاكي
وتعوذي بالزهر من أولاده * من شر كل مضلل أفاك
لا تعد لي عنهم ولا تستبدلي * بهم فتحظى بالخسار هناك
فهم مصابيح الدجى لذوي الحجى * والعروة الوثقى لذي استمساك
وهم الأدلة كالأهلة نورها * يجلو عمى المتحير الشكاك
وهم الصراط المستقيم فأرغمي * بهواهم أنف الذي يلحاك
وهم الأئمة لا إمام سواهم * فدعي لتيم وغيرها دعواك
يا أمة ضلت سبيل رشادها * إن الذي استرشدته أغواك
لئن ائتمنت على البرية خائنا * للنفس ضيعها غداة رعاك
أعطاك إذ وطاك عشوة رأيه * خدعا بحبل غرورها دلاك
فتبعته وسخيف دينك بعته * مغترة بالنزر من دنياك
لقد اشتريت به الضلالة بالهدى * لما دعاك بمكره فدهاك
وأطعته وعصيت قول محمد * فيما بأمر وصيه وصاك
خلفت واستخلفت من لم يرضه * للدين تابعة هوى هواك
خلت اجتهادك للصواب مؤديا * هيهات ما أداك بل أرداك
لقد اجتريت على اجتراح عظيمة * جعلت جهنم في غد مثواك
ولقد شققت عصا النبي محمد * وعققت من بعد النبي أباك
وغدرت بالعهد المؤكد عقده * يوم (الغدير) له فما عذراك
فلتعلمن وقد رجعت به على * الأعقاب ناكصة به على عقباك
أعن الوصي عدلت عادلة به * من لا يساوي منه شسع شراك؟!
108

ولتسألن عن الولاء لحيدر * وهو النعيم شقاك عنه ثناك (1)
قست المحيط بكل علم مشكل * وعر مسالكه على السلاك
بالمعتريه - كما حكي - شيطانه * وكفاه عنه بنفسه من حاكي
والضارب الهامات في يوم الوغى * ضربا يقد به إلى الأوراك
إذ صاح جبريل به متعجبا * من بأسه وحسامه البتاك
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي فاتك الفتاك
بالهارب الفرار من أقرانه * والحرب يذكيها قنا ومذاكي
والقاطع الليل البهيم تهجدا * بفؤاد ذي روع وطرف باكي
بالتارك الصلوات كفرانا بها * لولا الرياء لطال ما راباك
أبعد بهذا من قياس فاسد * لم تأت فيه أمة مأتاك
أو ما شهدت له مواقف أذهبت * عنك اعتراك الشك حين عراك؟!
من معجزات لا يقوم بمثلها * إلا نبي أو وصي زاكي
كالشمس إذ ردت عليه ببابل * لقضاء فرض فائت الإدراك
والريح إذ مرت فقال لها: احملي * طوعا ولي الله فوق قواك
فجرت رجاء بالبساط مطيعة * أمر الإله حثيثة الايشاك (2)
حتى إذا وافى الرقيم بصحبة * ليزيل عنه مرية الشكاك
قال: السلام عليكم فتبادروا * بالرد بعد الصمت والإمساك
عن غيره فبدت ضغائن صدر ذي * حنق لستر نفاقه هتاك

(1) (ثناك عنه شقاك) - كذا في نسخة (غ).
(2) وفي نسخة:
فغدت رخاء بالبساط مطيعة أمر الإله حثيثة الإدراك
(غ)
109

والميت حين دعا به من صرصر * فأجابه وأبيت حين دعاك
لا تدعي ما ليس فيك فتندمي * عند امتحان الصدق من دعواك
والخف والثعبان فيه آية * فتيقظي ياويك من عمياك
والسطل والمنديل حين أتى به * جبريل حسبك خدمة الأملاك
ودفاع أعظم ما عراك بسيفه * في يوم كل كريهة وعراك
ومقامه - ثبت الجنان - بخيبر * والخوف إذ وليت حشو حشاك
والباب حين دحى به عن حصنهم * سبعين باعا في فضا دكداك
والطائر المشوي نص ظاهر * لولا جحودك ما رأت عيناك
والصخرة الصما وقد شف الظما * منها النفوس دحى بها فسقاك
والماء حين طغى الفرات فأقبلوا * ما بين باكية إليه وباكي
قالوا: أغثنا يا بن عم محمد * فالماء يؤذننا بوشك هلاك
فأتى الفرات فقال: يا أرض ابلعي * طوعا بأمر الله طاغي ماك
فأغاضه حتى بدت حصباؤه * من فوق راسخة من الأسماك
ثم استعادوه فعاد بأمره * يجري على قدر، ففيم مراك؟!
مولاك راضية وغضبى فاعلمي * سيان سخطك عنده ورضاك
يا تيم تيمك الهوى فأطعته * وعن البصيرة يا عدي عداك
ومنعت إرث المصطفى وتراثه * ووليته ظلما، فمن ولاك؟!
وبسطت أيدي عبد شمس فاغتدت * بالظلم جارية على مغناك
لا تحسبيك بريئة مما جرى * والله ما قتل الحسين سواك
يا آل أحمد كم يكابد فيكم * كبدي خطوبا للقلوب نواكي
كبدي بكم مقروحة ومدامعي * مسفوحة وجوى فؤادي ذاكي
وإذا ذكرت مصابكم قال الأسى * لجفوني: اجتنبي لذيذ كراك
110

وابكي قتيلا بالطفوف لأجله * بكت السماء دما فحق بكاك
إن تبكهم في اليوم تلقاهم غدا * عيني بوجه مسفر ضحاك
يا رب فاجعل حبهم لي جنة * من موبقات الظلم والأشراك
واجبر بها (الجبري) رب وبره * من ظالم لدمائهم سفاك
وبهم - إذا أعداء آل محمد * غلقت رهونهم - فجد بفكاك (1)
الشاعر
ابن جبر المصري أحد شعراء مصر على عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله
المولود سنة 420 والمتوفى 487... (2).
16 - أبو الحسن الفنجكردي:
لا تنكرن (غدير خم) إنه * كالشمس في إشراقها بل أظهر
ما كان معروفا بإسناد إلى * خير البرايا أحمد لا ينكر
فيه إمامة (حيدر) وكماله * وجلاله حتى القيامة يذكر
أولى الأنام بأن يوالي (المرتضى) * من يأخذ الأحكام منه ويأثر (3)
وله قوله:
(يوم الغدير) سوى العيدين لي عيد * يوم يسر به السادات والصيد
نال الإمامة فيه (المرتضى) وله * فيه من الله تشريف وتمجيد

(1) نقلتها عن موسوعة الغدير ج 4 ص 313 - 317 وقد أخذها العلامة من نسخة عتيقة
جدا مكتوبة في القرون الوسطى وتوجد ناقصة منها تسعة أبيات في أعيان الشيعة ج
5 ص 263 (غ).
(2) راجع الغدير ج 4 ص 317.
(3) نقلت هذه الأبيات عن موسوعة الغدير ج 4 ص 319.
111

يقول (أحمد) خير المرسلين ضحى * في مجمع حضرته البيض والسود
والحمد لله حمدا لا انقضاء له * له الصنائع والألطاف والجود (1)
ما يتبع الشعر
إن الشاعر - كما سيوافيك في الترجمة - من أئمة اللغة الواقفين على حقائق
معاني الألفاظ وتصاريفها، ومن المطلعين على معاريض الكلام ولحن القول
وفحوى التعابير، وقد استفاد من لفظ (المولى) معنى الإمامة والمرجعية في
أحكام الدين، فنظم ذلك في شعره الدري، فهو من الحجج لما نتحراه في معنى
الحديث الشريف (2).
الشاعر
الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد الفنجكردي النيسابوري (المولود 433
والمتوفى 513).
هو من أساتذة الأدب المحنكين المتقدمين فيه بالإمامة والتضلع، وهو مع
ذلك معدود من أعاظم حملة العلم ومشيخة الحديث البارعين. ففي (الأنساب)
للسمعاني: أبو الحسن الفنجكردي علي بن أحمد الأديب البارع، صاحب النظم
والنثر الجاريين في سلك السلاسة، الباقيين معه على هرمه وطعنه في السن، قرأ
أصول اللغة على يعقوب بن أحمد الأديب وغيره وكان عفيفا خفيفا، ظريف
المجاورة، قاضيا للحقوق، محمود الأحوال... (3).

(1) الغدير ج 4 ص 319.
(2) الغدير ج 4 ص 319 - 320.
(3) الغدير ج 4 ص 320. والتفصيل - حول ترجمته وما يتبع شعره - في موسوعة الغدير ج 4
ص 319 - 325.
112

17 - القاضي ابن قادوس:
يا سيد الخلفاء طرا * بدوهم والحضر
إن عظموا ساقي الحجيج * فأنت ساقي الكوثر
أنت الإمام المرتضى * وشفيعنا في المحشر
وولي خيرة (أحمد) * وأبو شبير وشبر
والحائز القصبات في * يوم (الغدير) الأزهر
والمطفئ الغوغا ببدر * والنضير وخيبر (1)
الشاعر
القاضي جلال الدين أبو الفتح محمود بن القاضي إسماعيل بن حميد الشهير
بابن قادوس الدمياطي المصري (المتوفى 551).
هو أحد عباقرة الأدب، وفذ من صيارفة البيان، مقدم في حلبة القريض،
كاتب الانشاء بالديار المصرية للعلويين، وتصدر بالقضاء، جمع بين فضيلتي
العلم والأدب، فعد من أئمة البيان الرائع الذين جعلوا من رسائلهم الخلافية
والديوانية نماذج من الفصاحة الباهرة... (2).
18 - ابن العودي النيلي:
متى يشتفي من لاعج القلب مغرم * وقد لج في الهجران من ليس يرحم؟!
إذا هم أن يسلو أبي عن سلوه * فؤاد بنيران الأسى يتضرم

(1) أخذت هذه الأبيات من موسوعة الغدير ج 4 ص 338.
(2) الغدير ج 4 ص 338. وتفصيل القول - حول ترجمته وشعره - يوجد في موسوعة الغدير
ج 4 ص 338 - 340.
113

ويثنيه عن سلوانه لفضيلة * عهود التصابي والهوى المتقدم
رمته بلحظ لا يكاد سليمه * من الخبل والوجد المبرح يسلم
إذا ما تلظت في الحشا منه لوعة * طفتها دموع من أماقيه تسجم
مقيم على أسر الهوى وفؤاده * تغور به أيدي الهموم وقتهم
يجن الهوى عن عاذليه تجلدا * فيبدي جواه ما يجن ويكتم
يعلل نفسا بالأماني سقيمة * وحسبك من داء يصح ويسقم
وقد غفلت عنا الليالي وأصبحت * عيون العدى عن وصلنا وهي نوم
فكم من غصون قد ضممت ثديها * إلي وأفواه بها كنت ألثم
أجيل ذراعي لاهيا فوق منكب * وخصرا غدا من ثقله يتظلم
وأمتاح راحا من شنيب كأنه * من الدر والياقوت في السلك ينظم
فلما علاني الشيب وابيض عارضي * وبان الصبا وأعوج مني المقوم
وأضحى مشيبي للعذار ملثما * به ولرأسي بالبياض يعمم
وأمسيت من وصل الغواني ممنعا * كأني من شيبي لديهن مجرم
بكيت على ما فات مني ندامة * كأني خنس في البكا أو متمم
وأصفيت مدحي للنبي وصنوه * وللنفر البيض الذين هم هم
هم التين والزيتون آل محمد * هم شجر الطوبى لمن يتفهم
هم جنة المأوى هم الحوض في غد * هم اللوح والسقف الرفيع المعظم
هم آل عمران هم الحج والنسا * هم سبأ والذاريات ومريم
هم آل ياسين وطأها وهل أتى * هم النحل والأنفال إن كنت تعلم
هم الآية الكبرى هم الركن والصفا * هم الحج والبيت العتيق المكرم
هم في غد سفن النجاة لمن وعى * هم العروة الوثقى التي ليس تفصم
هم الجنب جنب الله في البيت والورى * هم العين عين الله في الناس تعلم
114

هم الآل فينا والمعالي هم العلى * ينمم في منهاجهم حيث يمموا
هم الغاية القصوى هم منتهى العلى * سل النص في القرآن ينبئك عنهم
هم في غد للقادمين سقاتهم * إذا وردوا والحوض بالماء مفعم
فلو لا هم لم يخلق الله خلقه * ولا هبطا للنسل حوا وآدم
هم باهلوا نجران من داخل العبا * فعاد المناوي فيهم وهو مفحم
وأقبل جبريل يقول مفاخرا * لميكال: من مثلي وقد صرت منهم؟!
فمن مثلهم في العالمين وقد غدا * لهم سيد الأملاك جبريل يخدم؟!
ومن ذا يساويهم بفضل ونعمة * من الناس والقرآن يؤخذ عنهم؟!
أبوهم أمير المؤمنين وجدهم * أبو القاسم الهادي النبي المكرم
هم شرعوا الدين الحنيفي والتقى * وقاموا بحكم الله من حيث يحكم
وخالهم إبراهيم والأم فاطم * وعمهم الطيار في الخلد ينعم
إلى الله أبرأ من رجال تتابعوا * على قتلهم يا للورى كيف أقدموا؟!
حموهم لذيذ الماء والورد مفعم * وأسقوهم كأس الردى وهو علقم
وعاثوا بآل المصطفى بعد موته * بما قتل الكرار بالأمس منهم
وثاروا عليه ثورة جاهلية * على أنه ما كان في القوم مسلم
وألقوهم في الغاضريات صرعا * كأنهم قف (1) على الأرض جثم (2)
تحاماهم وحش الفلا وتنوشهم * بأرياشها طير الفلا وهي حوم (3)
بأسيافهم أردوهم ولدينهم * أريق بأطراف القنا منهم الدم
وما قدمت يوم الطفوف أمية * على السبط إلا بالذين تقدموا

(1) القف: ما يبس من أحرار البقول وذكورها (غ).
(2) جثم جمع جاثم من جثم جثما: تلبد بالأرض، ولزم مكانه فلم يبرح (غ).
(3) حوم جمع حائم من حام على الشئ وحوله: دار به، وحام الرجل: عطش (غ).
115

وأنى لهم أن يبرأوا من دمائهم * وقد أسرجوها للخصام وألجموا
وقد علموا أن الولاء لحيدر * ولكنه ما زال يؤذى ويظلم
تعدوا عليه واستبدوا بظلمه * وأخر وهو السيد المتقدم
وقد زعموها فلتة كان بدؤها * وقال: اقتلوا من كان في ذاك يخصم
وأفضوا إلى الشورى بها بين ستة * وكان ابن عوف منهم المتوسم
وما قصدوا إلا ليقتل بينهم * علي وكان الله للطهر يعصم
وإلا فليث لا يقاس بأضبع * وأين من الشمس المنيرة أنجم؟!
فواعجبا من أين كانوا نظائرا؟! * وهل غيره طب من الغي فيهم؟!
ولكن أمور قدرت لضلالهم * ولله صنع في الإرادة محكم
عصوا ربهم فيه ضلالا فأهلكوا * كما هلكت من قبل عاد وجرهم
فما عذرهم للمصطفى في معادهم * إذا قال: لم خنتم عليا وجرتم؟!
وما عذرهم إن قال: ماذا صنعتم * بصنوي من بعدي؟! وماذا فعلتم؟!
عهدت إليكم بالقبول لأمره * فلم حلتم عن عهده وغدرتم؟!
نبذتم كتاب الله خلف ظهوركم * وخالفتموه بئس ما قد صنعتم
وخلفت فيكم عترتي لهداكم * فكم قمتم في ظلهم وقعدتم؟!
قلبتم لهم ظهر المجن وجرتم * عليهم وإحساني إليكم كفرتم
وما زلتم بالقتل تطغون فيهم * إلى أن بلغتم فيهم ما أردتم
كأنهم كانوا من الروم فالتقت * سراياكم صلبانهم وظفرتم
ولكن أخذتم من بني بثأركم * فحسبكم خزيا على ما اجترأتم
منعتم تراثي ابنتي لا أبا لكم * فلم أنتم آباءكم قد ورثتم؟!
وقلتم: نبي لا تراث لولده * الأجنبي الإرث فيما زعتم؟!
فهذا سليمان لداود وارث * ويحيى لزكريا فلم ذا منعتم؟!
116

فإن كان منه للنبوة وارثا * كما قد حكمتم في الفتاوى وقلتم
فقد ينبغي نسل النبيين كلهم * ومن جاء منهم بالنبوة يوسم
وقلتم: حرام متعة الحج والنسا * أعن ربكم؟! أم عنكم ما شرعتم؟!
زناتكم تعفون عنهم ومن أتى * إليكم من المستمتعين قتلتم
ألم يأت: ما استمتعتم من حليلة * فآتوا لها من أجرها ما فرضتم؟!
فهل نسخ القرآن ما كان قد أتى * بتحليله؟! أم أنتم قد نسختم؟!
وكل نبي جاء قبل وصيه * مطاع وأنتم للوصي عصيتم
ففعلكم في الدين أضحى منافيا * لفعلي وأمري غير ما قد أمرتم
وقلتم: مضى عنا بغير وصية * ألم يوص لو طاوعتم وامتثلتم؟!
وقد قال: من لم يوص من قبل موته * يمت جاهلا. بل أنتم قد جهلتم
نصبت لكم بعدي إماما يدلكم * على الله فاستكبرتم وظلمتم
وقد قلت في تقديمه وولائه * عليكم بما شاهدتم وسمعتم
علي غدا مني محلا وقربة * كهارون من موسى فلم عنه حلتم؟!
شقيتم به شقوى ثمود بصالح * وكل امرئ يبقى له ما يقدم
وملتم إلى الدنيا فضلت عقولكم * ألا كل مغرور بدنياه يندم
لحى الله قوما أجلبوا وتعاونوا * على (حيدر) فيما أساؤا وأجرموا
زووا عن أمير النحل بالظلم حقه * عنادا له والطهر يغضي ويكظم
وقد نصها يوم (الغدير) محمد * وقال: ألا يا أيها الناس فاعلموا
لقد جاءني في النص: بلغ رسالتي * وها أنا في تبليغها المتكلم
علي وصيي فاتبعوه فإنه * إمامكم بعدي إذا غبت عنكم
فقالوا: رضيناه إماما وحاكما * علينا ومولى وهو فينا المحكم
رأوا رشدهم في ذلك اليوم وحده * ولكنهم عن رشدهم في غد عموا
117

فلما توفي المصطفى قال بعضهم: * أيحكم فينا؟ لا، وباللات نقسم
ونازعه فيها رجال ولم يكن * لهم قدم فيها ولا متقدم
وظلوا عليها عاكفين كأنهم * على غرة كل لها يتوسم
يقيم حدود الله في غير حقها * ويفتي إذا استفتي بما ليس يعلم
يكفر هذا رأي هذا بقوله * وينقض هذا ماله ذاك يبرم
وقالوا: اختلاف الناس في الفقه رحمة * فلم يك من هذا يحل ويحرم
أربان للانسان؟! أم كان دينهم * على النقص من دون الكمال فتمموا؟!
أم الله لا يرضى بشرع نبيه * فعادوا وهم في ذاك بالشرع أقوم؟!
أم المصطفى قد كان في وحي ربه * ينقص في تبليغه ويجمجم؟!
أم القوم كانوا أنبياءا صوامتا * فلما مضى المبعوث عنهم تكلموا؟!
أم الشرع فيه كان زيغ عن الهدى * فسووه من بعد النبي وقوموا؟!
أم الدين لم يكمل على عهد أحمد * فعادوا عليه بالكمال وأحكموا؟!
أما قال: إني اليوم أكملت دينكم * وأتممت بالنعماء مني عليكم؟!
وقال: أطيعوا الله ثم رسوله * تفوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم
فلم حرموا ما كان حلا؟! وحللوا * بفتواهم ما جاز وهو محرم؟!
ترى الله فيما قال قد زل؟! أم هذا * نبي الهدى؟! أم كان جبريل يوهم؟!
لقد أبدعوا مما نووا من خلافهم * وقال: اقبلوا مما يقول وسلموا
وإلا تركتم إن أبيتم رماحنا * وأسيافنا فيكم تسدي وتلحم
وما مات حتى أكمل الله دينه * ولم يبق أمر بعد ذلك مبهم
ولكن حقود أظهرت وضغائن * وبغي وجور بين الظلم منهم
يقرب مفضول ويبعد فاضل * ويسكت منطيق وينطق أبكم
وما أخروا فيها عليا لموجب * ولكن تعد منهم وتظلم
118

وكم شرعوا في نقض ما شاد أحمد * ولكن دين الله لا يتهدم
وحاشى لدين شيد الحق ركنه * بسيف علي يعتريه التهدم
فحسبهم في ظلم (آل محمد) * من الله في العقبى عقاب ومأثم
فإن غصبوهم أمر دنيا دنية * فما لهم في الحشر أبقى وأدوم
فهل عظمت في الدهر قط مصيبة * على الناس إلا وهي في الدين أعظم؟!
تولى بإجماع على الناس أول * ونص على الثاني بها وهو مغرم
وقال: أقيلوني فلست بخيركم * فلم نصها لو صح ما كان يزعم؟!
وأثبتها في جوره بعد موته * صهاكية خشناء للخصم تكلم
ولو أدرك الثاني لمولى حذيفة * لولاه دون الغير والأنف يرغم
وقد نالها شورى من القوم ثالث * وجرد سيف للوصي ولهذم
أشورى؟ وإجماع؟ ونص؟ خلافة * تعالوا على الإسلام نبكي ونلطم
وصاحبها المنصوص عنها بمعزل * يديم تلاوات الكتاب ويختم
ولو أنه كان المولى عليهم * إذن لهداهم فهو بالأمر أعلم
هو العالم الحبر الذي ليس مثله * هو البطل القرم الهزبر الغشمشم
وما زال في بدر واحد وخيبر * يفل جيوش المشركين ويحطم
يكر ويعلوهم بقائم سيفه * إلى أن أطاعوا مكرهين وأسلموا
وما دخلوا الإسلام دينا وإنما * منافقة كي يرفع السيف عنهم
وقالوا: علي كان في الحكم ظالما * ليكثر بالدعوى عليه التظلم
وقالوا: دماء المسلمين أراقها * وقد كان في القتلى برئ ومجرم
فقلت لهم: مهلا عدمتم صوابكم * وصي النبي المصطفى كيف يظلم
أراق دماء المسلمين؟! فوالذي * هدانا به ما كان في القوم مسلم
ولكنه للناكثين بعهده * وممن تعدى منهم كان ينقم
119

أما قال: (أقضاكم علي) محمد * كذا قد رواه الناقد المتقدم
فإن جار ظلما في القضايا بزعمكم * علي فمن زكاه لا شك أظلم
فيا ليتني قد كنت بالأمس حاضرا * فأشركه في قتلهم واصمم
وألقى إلهي دونهم بدمائهم * فننظر عند الله من يتندم
فمن كعلي عند كل ملمة * إذا ما التقى الجمعان والنقع مفعم؟؟
ومن ذا يساميه بعلم ولم يزل * يقول: سلوني ما يحل ويحرم؟!
سلوني ففي جنبي علم ورثته * عن المصطفى ما فاه مني به الفم
سلوني عن طرق السماوات إنني * بها من سلوك الأرض والطرق أعلم
ولو كشف الله الغطا لم أزد به * يقينا على ما كنت أدري وأعلم
وكأين له من آية وفضيلة * ومن مكرمات ما تعم وتكتم
فمن ختمت أعماله عند موته * بخير فأعمالي بحبيه تختم
فيا رب! بالأشباح (آل محمد) * نجوم الهدى للناس والأفق مظلم
وبالقائم المهدي من (آل محمد) * وآبائه الهادين والحق معهم
تفضل على (العودي) منك برحمة * فأنت إذا استرحمت تعفو وترحم
تجاوز بحسن العفو عن سيئاته * إذا ما تلظت في المعاد جهنم
ومن عليه من لدنك برأفة * فإنك أنت المنعم المتكرم
فإن كان لي ذنب عظيم جنيته * فعفوك والغفران لي منه أعظم
وإن كنت بالتشبيب في الشعر أبتدي * فإني بمدح الصفوة الزهر أختم (1)
الشاعر
الربيب أبو المعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بابن العودي
هو من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلت أخبار سيرهم، فهو كوكب من

(1) أخذت هذه القصيدة من موسوعة الغدير ج 4 ص 372 - 378.
120

كواكب الأدب، ومشاهد نوره مجهولة حقيقته أو حقائق أوصافه، وكان في الأيام
التي جمع فيها عماد الدين الأصفهاني (أخبار الشعراء)، ولذلك قال في نعته:
شاب شبت له نار الذكاء وشاب لنظمه صرف الصهباء بصافي الماء، ودر من فيه
شؤبوب الفصاحة يسقي من ينشده شعره راح الراحة... (1).
19 - ابن مكي النيلي:
ألم تعلموا أن النبي (محمدا) * بحيدرة أوصى ولم يسكن الرمسا؟!
وقال لهم والقوم في (خم) حضر * ويتلو الذي فيه وقد همسوا همسا
علي كزري من قميصي وإنه * نصيري ومني مثل هارون من موسى
ألم تبصروا الثعبان مستشفعا به * إلى الله والمعصوم يلحسه لحسا؟!
فعاد كطاووس يطير كأنه * تغشرم في الأملاك فاستوجب الحبسا
أما رد كف العبد بعد انقطاعها؟! * أما رد عينا بعد ما طمست طمسا؟! (2)
الشاعر
سعيد (3) بن أحمد بن مكي النيلي المؤدب (المتوفى 565).
هو من أعلام الشيعة وشعرائها المجيدين المتفانين في حب العترة الطاهرة
وولائها، المتصلبين في اعتناق مذهبهم الحق، ولقد أكثر فيهم وأجاد وجاهر
بمديحهم ونشر مآثرهم حتى نسبه القاصرون إلي الغلو، لكن الرجل موال مقتصد
قد أغرق نزعا في اقتفاء أثر القوم والاستضائة بنورهم الأبلج وقد عده ابن شهر

(1) نقلا بالتلخيص عن موسوعة الغدير ج 4 ص 379. وتجد التفصيل - حول ترجمته وشعره
وغديريته الأخرى - في الغدير ج 4 ص 372 - 383.
(2) أخذت الأبيات من موسوعة الغدير ج 4 ص 392.
(3) في معجم الأدباء وفوات الوفيات (سعد) وهو تصحيف (غ).
121

آشوب في معالمه من المتقين من شعراء أهل البيت عليهم السلام... (1).
20 - قطب الدين الراوندي:
لآل المصطفى شرف محيط * تضايق عن مراميه البسيط
إذا كثر البلايا في البرايا * فكل منهم جاش ربيط
إذا ما قام قائمهم بوعظ * فإن كلامه در لقيط
أو امتلأت بعدلهم ديار * تقاعس دونه الدهر القسوط
هم العلماء إن جهل البرايا * هم الموفون إن خان الخليط
بنو أعمامهم جاروا عليهم * ومال الدهر إذ مال الغبيط
لهم في كل يوم مستجد * لدى أعدائهم دم عبيط
تناسوا ما مضى بغدير خم * فأدركهم لشقوتهم هبوط
ألا لعنت أمية قد أضاعوا * (الحسين) كأنه فرخ سميط (2)
على آل الرسول صلاة ربي * طوال الدهر ما طلع الشميط (3) (4)
الشاعر
قطب الدين أبو الحسين سعد (5) بن هبة الله بن الحسن بن عيسى الراوندي
(المتوفى 573).
هو إمام من أئمة المذهب، وعين من عيون الطائفة، وأوحدي من أساتذة

(1) الغدير ج 4 ص 392. والتفصيل - حول ترجمة ابن مكي النيلي - في موسوعة الغدير ج 4
ص 392 - 396.
(2) السميط: الخفيف الحال (غ).
(3) الشمط: الخلط. ويقال للصبح: الشميط لاختلاطه باقي ظلمة الليل (غ).
(4) أخذت هذه الأبيات من موسوعة الغدير ج 5 ص 379.
(5) في غير واحد من المصادر الوثيقة: سعيد (غ).
122

الفقه والحديث، وعبقري من رجالات العلم والأدب، لا يلحق شأوه في مآثره
الجمة، ولا يشق له غبار في فضائله ومساعيه المشكورة، وخدماته الدينية،
وأعماله البارة، وكتبه القيمة... ().
21 - مجد الدين ابن جميل:
ألمت وهي حاسرة لثاما * وقد ملأت ذوائبها الظلاما
وأجرت أدمعا كالطل هبت * له ريح الصبا فجرى تواما
وقالت: أقصدتك يد الليالي * وكنت لخائف منها عصاما
وأعوزك اليسير وكنت فينا * ثمالا للأرامل واليتاما
فقلت لها: كذاك الدهر يجني * فقري وارقبي الشهر الحراما
فإني سوف أدعو الله فيه * وأجعل مدح (حيدرة) إماما
وأبعثها إليه منقحات * يفوح المسك منها والخزامي
تزور فتى كأن أبا قبيس * تسنم منكبيه أو شماما
أغر له إذا ذكرت أياد * عطاء وابل يشفي الأواما
وأبلج لو ألم به ابن هند * لأوسعه حباءا وابتساما
ولو رمق السماء وليس فيها * حيا لاستمطرت غيثا ركاما
وتلثم من تراب أبي تراب * ترابا يبرئ الداء العقاما
فتحظى عنده وتؤب عنه * وقد فازت وأدركت المراما
بقصد أخي النبي ومن حباه * بأوصاف يفوق بها الأناما
ومن أعطاه يوم (غدير خم) * صريح المجد والشرف القدامى

(1) الغدير ج 5 ص 380. وتجد تفصيل القول - حول ترجمة قطب الدين الراوندي - في
موسوعة الغدير ج 5 ص 379 - 384.
123

ومن ردت ذكاء له فصلى * أداءا بعد ما ثنت اللثاما (1)
وآثر بالطعام وقد توالت * ثلاث لم يذق فيها طعاما
بقرص من شعير، ليس يرضى * سوى الملح الجريش له إداما
فرد عليه ذاك القرص قرصا * وزاد عليه ذاك القرص جاما
أبا حسن وأنت فتى إذا ما * دعاه المستجير حمى وحاما
أزرتك يقظة غرر القوافي * فزرني يا بن فاطمة مناما
وبشرني بأنك لي مجير * وأنك مانعي من أن أضاما
فكيف يخاف حادثة الليالي * فتى يعطيه (حيدرة) ذماما؟
سقتك سحائب الرضوان سحا * كفيض يديك ينسجم انسجاما
وزار ضريحك الأملاك صفا * على مغناك تزدحم ازدحاما
ولا زالت روايا المزن تهدي * إلى النجف التحية والسلاما (2)
ما يتبع الشعر
قال العلامة: وقفت في غير واحد من المجاميع العتيقة المخطوطة على أن
مجد الدين ابن جميل كان صاحب المخزن في زمن الناصر، فنقم عليه وأودعه
السجن، فسأله رجال الدولة من الأكابر فلم يقبل فيه شفاعة أحد، وتركه في
الحجرة مدة عشرين سنة، فخطر على قلبه أن يمدح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فمدحه بهذه الأبيات ونام فرآه في ما يراه النائم وهو يقول (الساعة تخرج.) فانتبه
فرحا وجعل يجمع رحله، فقال له الحاضرون: ما الخبر؟ فقال لهم: الساعة أخرج.
فجعل أهل السجن يتغامزون ويقولون: تغير عقله، وأما الناصر فإنه أيضا رأى

(1) (أداء بعد ما كست الظلاما) - كذا في بعض النسخ (غ).
(2) أخذت هذه الأبيات من موسوعة الغدير ج 5 ص 401 - 402.
124

أمير المؤمنين في الطيف فقال له عليه السلام: (أخرج ابن جميل هذه الساعة!) فانتبه
مذعورا وتعوذ من الشيطان ونام فأتاه عليه السلام ثانيا وقال له مثل الأول فقال: ما هذا
الوسواس؟! فأتاه ثالثة وأمره بإخراجه، فانتبه وأنفذ في الحال من يطلقه، فلما
طرق الباب قال: والله وذا أنا متهيئ، فلما مثل بين يدي الناصر عرفوه أنهم
وجدوه متهيئا للخروج، فقال له: بلغني أنك كنت متهيئا للخروج، فمماذا؟ قال:
إنه جاء إلي من جاءك قبل أن يجئ إليك. قال: فبماذا؟ قال: عملت فيه قصيدة، فقال الناصر: أنشدنيها فأنشد القصيدة (1).
الشاعر
مجد الدين أبو عبد الله محمد بن منصور بن جميل الجبائي ويقال: الجبي،
المعروف بابن جميل الفزاري (المتوفى 616).
هو كاتب شاعر، وأديب متضلع، له في النحو واللغة والأدب وقرض الشعر
خطوات واسعة، وفي (معجم الأدباء) صحيفة بيضاء، وفي (طبقات النحاة)
ذكرى خالدة... وصفه ياقوت الحموي بأنه نحوي لغوي أديب من أفاضل
العصر. قال: وكان بليغا مليح الخط غزير الفضل متواضعا مليح الصورة طيب
الأخلاق... (2).
22 - الشواء الكوفي الحلبي:
ضمنت لمن يخاف من العقاب * إذا والى الوصي أبا تراب
يرى في حشره ربا غفورا * ومولى شافعا يوم الحساب

(1) الغدير ج 5 ص 402.
(2) نقلا بالتلخيص عن موسوعة الغدير ج 5 ص 402 - 403. وتجد تفصيل الكلام - حول
ترجمة مجد الدين ابن جميل وشعره وأدبه - في الغدير ج 5 ص 401 - 408.
(3) أخذت الأبيات من موسوعة الغدير ج 5 ص 409.
125

فتى فاق الورى كرما وبأسا * عزيز الجار مخضر الجناب
يرى في السلم منه غيث جود * وفي يوم الكريهة ليث غاب
إذا ما سل صارمه لحرب * أراك البرق في متن السحاب
وصي المصطفى وأبو بنيه * وزوج الطهر من بين الصحاب
أخو النص الجلي بيوم خم * وذو الفضل المرتل في الكتاب (1)
الشاعر
أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن علي المعروف بالشواء الملقب بشهاب
الدين الكوفي الحلبي (المولود 562 تقريبا والمتوفى 635).
هو من بواقع الشعر والأدب، ولقد أتته الفضيلة من هنا وهناك، فرأي مسدد،
وهوى محبوب، ونزعة شريفة، وقريض رائق، وأدب فائق، وقواف ذهبية،
وعروض متقن، فأي أخي فضل يتسنم ذروة مجده؟ وتلك نزعته وهذه
صنعته... (2).
23 - أبو محمد المنصور بالله:
الحمد للمهيمن الجبار * مكور الليل على النهار
ومنشئ الغمام والأمطار * على جميع النعم الغزار
ثم صلاة الله خصت أحمدا * أبا البتول وأخاه السيدا
وفاطما وابنيهما سم العدى * وآلهم سفن النجاة والهدى
يا سائلي عمن له الإمامه * بعد رسول الله والزعامة
ومن أقام بعده مقامه * ومن له الأمر إلى القيامة

(1) أخذت هذه الأبيات من موسوعة الغدير ج 5 ص 409.
(2) الغدير ج 5 ص 409. والتفصيل - حول ترجمته - يوجد في الغدير ج 5 ص 409 - 412.
126

خذ نفثاتي عن فؤاد منصدع * يكاد من بث وحزن ينقطع
لحادث بعد النبي متسع * شتت شمل المسلمين المجتمع
الأمر من بعد النبي المرسل * من غير فصل لابن عمه علي
كان بنص الواحد الفرد العلي * وحكمه على العدو والولي
والأمر فيه ظاهر مشهور * في الناس لا ملغى ولا مستور
وكيف يخفى من صباح نور؟ * لكن يزل الخطل المحسور
ويقول فيها:
وكان في البيت العتيق مولده * وأمه إذ دخلت لا تقصده
وإنما إلهه مؤيده * فمن تلاه فالجحيم موعده
ثم أبوه كافل الرسول * ومؤمن بالله والتنزيل
في قول أهل العلم والتحصيل * فهات في آبائهم كقيلي
وأمه ربت أخاه أحمدا * واتبعته إذ دعا إلى الهدى
فكم دعاها أمه عند الندا * وقام في جهازها ممجدا
ألبسها قميصه إكراما * ونام في حفيرها إعظاما
ومد للملائك القياما * حتى قضوا صلاتها تماما
وهو الذي كان أخا للمصطفى * بحكم رب العالمين وكفى
واقتسما نورهما المشرفا * فاعدد لهم كمثل هذا شرفا
وزوجه سيدة النساء * خامسة الخمسة في الكساء
أنكحها الصديق في السماء * فهل لهم كهذه العلياء؟
الله في إنكاحها هو الولي * وجبرئيل مستناب عن علي
والشهداء حاملوا العرش العلي * فهل لهم كمثل ذا فاقصصه لي؟
حورية إنسية سياحه * خلقها الله من التفاحة
127

وأكرم الأصل بها لقاحه * فهل ترى إنكاحهم إنكاحه؟
وابناه منها سيدا الشباب * وابنا رسول الله عن صواب
مرتضعا السنة والكتاب * فهل لهم كهذه الأسباب؟
هما إمامان بنص أحمدا * إذ قال: قاما هكذا أو قعدا
وخص في نسلهما أهل الهدى * أئمة الحق إلى يوم الندا
ثم أخوه جعفر الطيار * إخوانه الملائك الأبرار
وعمه المرابط الصبار * حمزة سيف الملة البتار
وربنا شق اسمه من اسمه * فمن له سهم كمثل سهمه؟
وهو اختيار الله دون خصمه * وهو أذان ربنا في حكمه
بلغ عن رب السما براءه * واختير للتبليغ والقراءه
وكان للإسلام كالمراءه * فاجعل هديت خصمه وراءه
اختار ذو العرش عليا نفسه * جهرا وخلى جنه وإنسه
فرفضوا اختياره لالبسه * وبدلوه باختيار خمسه
وهو الولي أيهذا السامع * مؤتي الزكاة المرء وهو راكع
والشاهد التالي فأين الجامع * للقوم؟ هل ثم دليل قاطع؟
وهو ولي الحل والإبرام * والأمر والنهي على الأنام
بحكم ذي الجلال والإكرام * وما قضاه في أولي الأرحام
وآية قاضية بالطاعة * لله والرسول ذي الشفاعة
ثم (أولي الأمر) من الجماعة * فهي له قد فاز من أطاعه
والمصطفى المنذر وهو الهادي * وهو له الفادي ونعم الفادي
في ليلة الغار من الأعادي * تحت ظلال القضب الحداد
يرمونه في الليل بالحجارة * لعلها تبدو لهم إماره
128

فاتخذ الصبر لها دثاره * والموت إذ ذاك يشب ناره
حتى بدا وجه الصباح طالعا * وقام فيهم ضيغما مسارعا
فانهزموا يمعر (1) كل راجعا * فاستقبل الأزواج والودائعا
فأنزل الرحمن يشري نفسه * لما ابتغى رضاءه وقدسه
أما يزيل مثل هذا لبسه؟ * وقد أراه جنه وإنسه
ويقول فيها:
ألم يقل فيه النبي المنتجب * قولا صريحا: (أنت فارس العرب)؟
وكم وكم جلا به الله الكرب! * فاعجب ومهما عشت عاينت العجب
واسمع أحاديث بلفظ الباب * في العلم والحكمة والصواب
ولا تلمني بعد في الأطناب * في حب مولاي أبي تراب
وقال أيضا فيه: (أقضاكم علي) * ومثله: (أعلمكم عن النبي)
ومثله: (عيبة علمي والملي) * أنى يكون هكذا غير الوصي؟
ألم يكن فوق الرجال حجه * نيرة واضحة المحجة؟
وعلمهم في علمه كالمجه * فما تكون مجة في لجه؟
أحاط بالتوراة والأنجيل * وبالزبور يا ذوي التفضيل
علما وبالقرآن ذي التنزيل * في قوله المصدق المقبول
بل أيهم قال له: الحق معه * وهو مع الحق الذي قد شرعه؟
هل جمع القوم الذي قد جمعه * من علمه؟ بخ له ما أوسعه!
وهل علمت مثله خطيبا؟ * أو ناثرا أو ناظما غريبا؟
أو باديا في العلم أو مجيبا؟ * أو واعظا عن خشية منيبا؟

(1) تمعر وجه: تغير وعلته صفرة. الممعور: المقطب غضبا (غ).
129

وهو يقول: علم التنزيلا * مني وفيما نزلت نزولا
آياته إذ فصلت تفصيلا * يا حبذا سبيله سبيلا!
وعلم المجمل والمفصلا * ومحكم الآيات حيث نزلا
وما تشابه وكيف أولا * وناسخا منها ومنسوخا خلى
وهو الذي نأمن منه الباطنا * فما يعد في الأمور خائنا
وغيره لا نأمن البواطنا * منه بحال فانظر التباينا
ويقول فيها:
وفيه أوحى ذو الجلال (هل أتى) * وزوجه إذ نذرا فأخبتا
فأطعما وأوفيا ما أثبتا * يا حبذا هما وعودا أثبتا!
وفيه جاءت آية الانفاق * في الليل والنهار عن إطلاق
سرا وإعلانا من الخلاق * حيث ابتغى تجارة في الباقي
وآية القنوت في السجود * في الليل والقيام للمعبود
في حذر العقاب والوقود * وفي رجاء ربه الحميد
وهو المناجي بعد دفع الصدقة * ثم غدت أبوابها مغلقه
فكانت التوبة عنهم ملحقه * فأيهم كان على الحق ثقة؟
وحسبنا الله فتلك فيه * وآية الإيمان والتنزيه
والفسق للوليد ذي التمويه * فأي ذم بعد ذا يأتيه؟
وآية الوقوف للسؤال * في المرتضى حقا أبي الأشبال
وهو لسان الصدق شيخ الآل * كم فيه من آيات ذي الجلال!
وقيل: جاءت آية الإيذاء * فيه بلا شك ولا امتراء
ولم يعاتب أبدا في الآي * لا، بل له التشريف في البداء
وقيل: جاءت آية السقاية * وآية الإيمان والهداية
130

فيه فأكرم ببداه آية * ليس له في الفضل من نهاية
وآية واردة في الأذن * فإنها في السيد المؤتمن
قولا أتى من صادق لم يمن * حكما من الله الحميد المحسن
وكم وكم من آية منزله * فيه من الله أتت مفصله!
شاهدة على الورى بالفضل له * فليعل من قدمه وفضله
كآية الود من الرحمن * وهكذا كرائم القرآن
فيه كما قد جاء في البيان * عن أحمد عن ربه المنان
وآية التطهير في الجماعة * أهل الكساء المرتدين الطاعة
الآمنين من خطوب الساعة * يا حبذا حبهم بضاعه!
والأمر بالصلاة فيهم نزلا * خير البريات الأولى حازوا العلا
سفن النجاة الشهداء في الملا * بورك علما علمهم مفصلا
وقيل: هم في الذكر أهل الذكر * نزل فيهم (فاسألوا) هل تدري؟
نعم أناسا أهل بيت الطهر * أهل المقامات وأهل الفخر
وفيهم الدعاء للمباهلة * حيث أتى الكفار للمجادلة
أكرم بهم من دعوة مقابله * بالنصر لكن هربوا معاجله
هذا علي هاهنا نفس النبي * وولداه ابنا الرسول اليثربي
يا حبذا من شرف مستعجب! * يضئ في المجد ضياء الكوكب
ويقول فيها:
وقال فيه المصطفى: (أنت الولي) * ومثله: (أنت الوزير والوصي)
وكم وكم قال له: (أنت أخي)! * فأيهم قال له مثل علي؟
وهل سمعت بحديث مولى * يوم (الغدير)؟ والصحيح أولى
ألم يقل فيه الرسول قولا * لم يبق للمخالفين حولا؟
131

وهل سمعت بحديث المنزلة؟ * يجعل هارون النبي مثله
وثبت الطهر له ما كان له * من صنوه موسى فصار مدخله
من حيث لو لم يذكر النبوة * كانت له من بعده مرجوه
فاستثنيت ونال ذو الفتوه * عموم ما للمصطفى من قوه
إلى أن قال:
إن الكتاب للوصي قد حكم * بأنه الإمام في خير الأمم
فمن يكن مخالفا فقد ظلم * وقد أساء الفعل حقا واجترم
قال: فلي دلائل في الآثار * تواترت وانتشرت في الأقطار
على إمامة الرجال الأخيار * فأي قول بعد تلك الأخبار؟
فقلت: إن كان حديث المنزلة * فيها وأخبار (الغدير) مدخله
فإنها معلومة مفصله * أو لا فدعها لعلي فهي له
لا تجعلن خبرا عن واحد * أو قول كل كاذب معاند
مثل أحاديث الإمام الماجد * يوم (الغدير) في ذوي المشاهد
تلك التي تواترت في الخلق * وانتشرت أخبارها عن صدق
ونطقت في الناس أي نطق * إن عليا لأمام الحق (1)
الشاعر
أبو محمد المنصور بالله الإمام الحسن بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى
ابن يحيى الهادي إلى الحق اليمني (المولود 596 والمتوفى 670).
هو أحد أئمة الزيدية في الديار اليمنية، وأوحدي من أعلامها الفطاحل، له

(1) نقلتها عن موسوعة الغدير ج 5 ص 418 - 423 وقال العلامة: أخذناها من أرجوزة
لشاعرنا المنصور في الإمامة وهي قيمة جدا تشتمل على 708 أبيات.
(2) راجع الغدير ج 5 ص 423 - 424.
132

في علم الحديث وفنونه أشواط بعيدة، وفي الأدب وقرض الشعر خطوات واسعة،
وفي قوة العارضة جانب هام، وفي الحجاج والمناظرة يد غير قصيرة، يعرب عن
هذه كلها كتابه الضخم الفخم (أنوار اليقين) في شرح أرجوزته الغراء المذكورة في
الإمامة، وهي آية محكمة تدل على فضله الكثار وعلمه المتدفق، كما أنها برهنة
واضحة عن تضلعه في الأدب وتقدمه في صناعة القريض... (1).
24 - القاضي نظام الدين:
لله دركم يا آل ياسينا * يا أنجم الحق أعلام الهدى فينا
لا يقبل الله إلا في محبتكم * أعمال عبد ولا يرضى له دينا
أرجو النجاة بكم يوم المعاد وإن * جنت يداي من الذنب الأفانينا
بلى أخفف أعباء الذنوب بكم * بلى أثقل في الحشر الموازينا
من لا يواليكم في الله لم ير من * قيح اللظى وعذاب القبر تسكينا
لأجل جدكم الأفلاك قد خلقت * لولاه ما اقتضت الأقدار تكوينا (2)
من ذا كمثل علي في ولايته؟ * ما المبغضين له إلا مجانينا
اسم على العرش مكتوب كما نقلوا * من يستطيع له محوا وترقينا؟
من حجة الله والحبل المتين ومن * خير الورى وولاه الحشر يغنينا؟
من المبارز في وصف الجلال ومن * أقام حقا على القطع البراهينا؟
من مثله كان ذا جفر وجامعة * له يدون سر الغيب تدوينا؟

(1) راجع الغدير ج 5 ص 423 - 424.
(2) أشار إلى ما أخرجه الحاكم وصححه في المستدرك ج 2 ص 615 عن ابن عباس رضي الله
عنهما، قال: (أوحى الله إلى عيسى (ع): يا عيسى! آمن بمحمد وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلو لا
محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا
إله إلا الله، محمد رسول الله، فسكن.) (غ 5 / 435).
133

ومن كهارون من موسى أخوته * للخلق بين خير الرسل تبيينا؟
مهما تمسك بالأخبار طائفة * فقوله (وال من والاه) يكفينا
(يوم الغدير) جرى الوادي فطم على * قوي قوم هم كانوا المعادينا
شبلاه ريحانتا روض الجنان فقل: * في طيب أرض نمت تلك الرياحينا (1)
الشاعر
نظام الدين محمد ابن قاضي القضاة إسحاق بن المظهر الأصبهاني (المتوفى
678).
هو أحد أعيان أدباء الطائفة، وأوحديها في الفنون والفضائل، قاضي القضاة
في الأقطار العراقية، مخالطا مع خواجة شمس الدين محمد الجويني الملقب
بصاحب الديوان المتوفى 683... (2).
25 - شمس الدين محفوظ:
راق الصبوح ورقت الصهباء * وسرى النسيم وغنت الورقاء
وكسا الربيع الأرض كل مدبج * ليست تجيد مثاله صنعاء
فالأرض بعد العري إما روضة * غناء أو ديباجة خضراء
والطير مختلف اللحان فنائح * ومطرب مالت به الأهواء
والماء بين مدرج ومجدول * ومسلسل جادت به الأنواء
وسرى النسيم على الرياض فضمخت * أثوابه عطرية نكباء
كمديح آل محمد سفن النجا * فبنظمه تتعطر الشعراء

(1) الغدير ج 5 ص 435. والتفصيل - حول ترجمة القاضي نظام الدين وما يتبع شعره - - في
موسوعة الغدير ج 5 ص 434 - 437.
134

الطيبون الطاهرون الراكعون * الساجدون السادة النجباء
منهم علي الأبطحي الهاشمي * اللوذعي إذا بدت ضوضاء
ذاك الأمير لدى (الغدير) أخو * البشير المستنير ومن له الأنباء
طهرت له الأصلاب من آبائه * وكذاك قد طهرت له الأبناء
أفهل يحيط الواصفون بمدحه * والذكر فيه مدائح وثناء؟
ذو زوجة قد أزهرت أنوارها * فلأجل ذلكم اسمها الزهراء
وأئمة من ولدها سادت بها * المتأخرون وشرف القدماء
مبداهم الحسن الزكي ومن إلى * أنسابه تتفاخر الكرماء
والطاهر المولى الحسين ومن له * رفعت إلى درجاتها الشهداء
والندب زين العابدين الماجد * الندب الأمين الساجد البكاء
والباقر العلم الشريف محمد * مولى جميع فعاله آلاء
والصادق المولى المعظم جعفر * حبر مواليه هم السعداء
وإمامنا موسى بن جعفر سيد * بضريحه تتشرف الزوراء
ثم الرضا علم الهدى كنز التقى * باب الرجا محيي الدجى الجلاء
ثم الجواد مع ابنه الهادي الذي * تهدي الورى آياته الغراء
والعسكري إمامنا الحسن الذي * يغشاه من نور الجلال ضياء
والطاهر ابن الطاهرين ومن له * في الخافقين من البهاء لواء
من يصلح الأرضين بعد فسادها * حتى يصاحب ذيبهن الشاء
أنا يا بن عم محمد أهواكم * وتطيب مني فيكم الأهواء
وأكفر الغالين فيك وألعن * القالين إنهم لدي سواء (1)

(1) أخذت الأبيات من موسوعة الغدير ج 5 ص 438 - 439.
135

الشاعر
الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد أبو محمد الحلي الأسدي
(المتوفى ح 690).
هو قطب من أقطاب الفقاهة، وطود رأس للعلم والأدب، كان متكئا على
أريكة الزعامة الدينية، ومرجعا في الفتوى، ومنتجعا لحل المشكلات، وكهفا
تأوي إليه العفاة، والحكم الفاصل للدعاوي، ومن مشايخ الإجازة الراوين عن
الشيخ نجم الدين المحقق الحلي المتوفى 667، ويروي عنه الحافظ المحقق كمال
الدين علي بن الشيخ شرف الدين الحسين بن حماد الليثي الواسطي... (1).
26 - أبو محمد ابن داود الحلي:
وإذا نظرت إلى خطاب (محمد) * يوم (الغدير) إذا استقر المنزل
من كنت مولاه فهذا (حيدر) * مولاه لا يرتاب فيه محصل
لعرفت نص المصطفى بخلافة * من بعده غراء لا يتأول (2)
الشاعر
تقي الدين أبو محمد الحسن بن علي بن داود الحلي (المولود 647 والمتوفى
بعد 741).
هو نابغة في الفقه والحديث والرجال والعربية وفي علوم شتى، ولم يختلف

(1) الغدير ج 5 ص 439. وتجد تفصيل الكلام - حول ترجمة شمس الدين محفوظ وشعره -
في موسوعة الغدير ج 5 ص 438 - 443.
(2) أخذت الأبيات من موسوعة الغدير ج 6 ص 3.
136

اثنان في أنه من أوحديي هذه الفرقة الناجية، ومن علمائها الأعلام، وأطراه
العلماء في المعاجم والإجازات بكل جميل... وأما الشعر فقد كان تحدوه إلى نظمه غايات كريمة حينا بعد حين... (1).
27 - جمال الدين الخلعي:
حبذا يوم الغدير * يوم عيد وسرور
إذ أقام المصطفى * من بعده خير أمير
قائلا: هذا وصيي * في مغيبي وحضوري
وظهيري ونصيري * ووزيري ونظيري
وهو الحاكم بعدي * بالكتاب المستنير
والذي أظهره الله * على علم الدهور
والذي طاعته فرض * على أهل العصور
فأطيعوه تنالوا * القصد من خير ذخير
فأجابوه وقد أخفوا * له عل الصدور
بقبول القول منه * والتهاني والحبور
يا أمير النحل يا من * حبه عقد ضميري
والذي ينقذني من * حر نيران السعير
والذي مدحته ما عشت * أنسي وسميري
والذي يجعل في الحشر * إلى الخلد مصيري
لك أخلصت الولا يا * صاحب العلم الغزير

(1) راجع الغدير ج 6 ص 6 و 8. والتفصيل في ترجمته وشطر مهم من أرجوزته الطويلة في الإمامة يوجد في موسوعة الغدير ج 6 ص 3 - 8.
137

ولمن عاداك مني كلما يخزيه * من شتم ولعن ودحور
نال مولاك (الخليعي) * الهنا يوم النشور
بتبريه إلى الرحمن * من كل كفور (1)
الشاعر
أبو الحسن جمال الدين علي بن عبد العزيز بن أبي محمد الخلعي (الخليعي)
الموصلي الحلي، شاعر أهل البيت عليهم السلام المفلق، نظم فيهم فأكثر، ومدحهم فأبلغ،
ومجموع شعره الموجود ليس فيه إلا مدحهم ورثاؤهم. كان فاضلا مشاركا في
الفنون، قوي العارضة، رقيق الشعر سهله، وقد سكن الحلة إلى أن مات في حدود
سنة 750 ودفن بها وله هناك قبر معروف... (2).
28 - السريجي الأوالي:
إن لم أفض في المغاني ماء أجفاني * فما أفظ إذن قلبي وأجفاني؟
وكيف لا يهمل الدمع الهتون فتى * أمسى أسير صبابات وأحزان؟
يا ربة السجف هلا كنت قاضية * دينا وأقلعت عن مطل وليان؟
لو كنت في عصر بلقيس لما خلبت * بلقيس قلب ابن داود سليمان
يا قلب كم بالحسان البيض تجعلني * مستهترا؟ والنهى عن ذاك ينهاني
ولي بود أمير النحل (حيدرة) * شغل عن اللهو والأطراب ألهاني
هات الحديث سميري عن مناقبه * ودع حديث ربى نجد ونعمان
مردي الكماة وفتاك العتاة * وهطال الهبات وأمن الخائف الجاني

(1) أخذت الأبيات من موسوعة الغدير ج 6 ص 10 - 11.
(2) الغدير ج 6 ص 12. وتجد التفصيل - حول ترجمة جمال الدين الخليعي وغديرياته
الأخرى وفهرست قصائده - في موسوعة الغدير ج 6 ص 9 - 19.
138

بنى بصارمه الإسلام إذ هدم * الأصنام أكرم به من هادم بان!
سائل به يوم أحد والقليب وفي * بدر وخيبر يا من فيه يلحاني
ويوم صفين والألباب طائشة * وفي حنين إذا التف الفريقان
ويوم عمرو بن ود حين جلله * عضبا به قربت آجال أقران
وفي (الغدير) وقد أبدى النبي له * مناقبا أرغمت ذا البغضة الشاني
إذ قال: من كنت مولاه فأنت له * مولى به الله يهدي كل حيران
أنزلت مني كما هارون أنزل من * موسى ولم يك بعدي مرسل ثاني
وآية الشمس إذ ردت مبادرة * غراء أقصر عنها كل إنسان
وإن في قصة الأفعى ومكمنه * في الخف هديا لذي بغض وإرعان
وقصة الطائر المشوي بينة * لكل من حاد عن عمد وشنآن
واسأل به يوم وافى ظهر منبره * والناس قد فزعوا من شخص ثعبان
فقال: خلوا له نهجا ولا تجدوا * بأسا بتمكينه قصدي وإتياني
فجاء حتى رقى أعواد منبره * مهمهما بلسان الخاضع الجاني
من غيره بطن العلم الخفي؟ ومن * سواه قال: (اسألوني قبل فقداني)؟
ومن وقت نفسه نفس الرسول وقد * وافى الفراش ذوو كفر وطغيان؟
ومن تصدق في حال الركوع ولم * يسجد كما سجدت قوم لأوثان؟
من كان في حرم الرحمن مولده * وحاطه الله من بأس وعدوان (1)؟

(1) أراد شاعرنا بقوله في هذا البيت قصة ولادة مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في
الكعبة المعظمة، وقد انشق جدار البيت لأمه فاطمة بنت أسد فدخلته ثم التأمت الفتحة، فلم
تزل في البيت العتيق حتى ولدت مشرف البيت بذلك الهبوط الميمون، وأكلت من ثمار
الجنة، ولم ينفلق صدف الكعبة عن دره الدري إلا وأضاء الكون بنور محياه الأبلج، وفاح
في الأجواء شذى عنصره الأقدس، وهذه حقيقة ناصعة أصفق على إثباتها الفريقان،
وتضافرت بها الأحاديث، وطفحت بها الكتب... - للوقوف عليها راجع موسوعة الغدير ج 6
ص 21 - 38.
139

من غيره خاطب الرحمن واعتضدت * به النبوة في سر وإعلان؟
من أعطي الراية الغراء إذ ربدت * نار الوغا فتحاماها الخميسان؟
من ردت الكف إذ بانت بدعوته؟ * والعين بعد ذهاب المنظر الفاني؟
من أنزل الوحي في أن لا يسد له * باب وقد سد أبواب لأخوان؟
ومن به بلغت من بعد أوبتها * براءة لأولي شرك وكفران؟
ومن تظلم طفلا وارتقى كتف * المختار خير ذوي شيب وشبان؟
ومن يقول: (خذي يا نار ذا وذري * هذا) وبالكأس يسقي كل ظمآن؟
من غسل المصطفى؟ من سال في يده * أجل نفس نأت عن خير جثمان؟
ومن تورك متن الريح طائعة * تجري بأمر مليك الخلق رحمان؟
حتى أتى فتية الكهف الذين جرت * على مراقدهم أعصار أزمان
فاستيقظوا ثم قالوا بعد يقظتهم: * أنت الوصي على علم وإيقان (1)
الشاعر
السيد عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن أبي نصر الحسيني السريجي
الأوالي. ترجمه العلامة السماوي في (الطليعة من شعراء الشيعة) فقال: كان
فاضلا أديبا جامعا، وشاعرا ظريفا بارعا، توفي في البصرة سنة 750 تقريبا (2).
29 - ابن العرندس الحلي:

(1) أخذت هذه القصيدة من موسوعة الغدير ج 6 ص 20 - 21 وفيها إشارة إلى لمة من فضائل
مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وتجد بسط القول في جملة مهمة منها في أجزاء
موسوعة الغدير.
(2) الغدير ج 6 ص 38.
140

أضحى يميس كغصن بان في حلى * قمر إذا ما مر في قلبي حلا
سلب العقول بناظر في فترة * فيها حرام السحر بان محللا
وانحل شد عزائمي لما غدا * عن خصره بند القباء محللا
وزهى بها كافور سالف خده * لما بريحان العذار تسلسلا
وتسلسلت عبثا سلاسل صدغه * فلذاك بت مقيدا ومسلسلا
قمر قويم قوامه كقناته * ولحاظه في القتل تحكي المنصلا
وجناته جورية وعيونه * حورية تسبي الغزال الأكحلا
أهوى فواترها المراض إذا رنت * وأحب جفنيها المراض الغزلا
جارت وما صفحت على عشاقه * فتكا وعامل قده ما أعدلا
ملكت محاسنه ملوكا طالما * أضحى لها الملك العزيز مذللا
كسرى بعينيه الصحاح وخده * النعمان بالخال النجاشي خولا
كتب العلي على صحائف خده * نوني قسي الحاجبين ومثلا
فرمى بها في عين غنج عيونه * سهم السهام أصاب مني المقتلا
فأعجب لعين عبير عنبر خاله * في جيم جمرة خده لن تشعلا
وسلا الفؤاد بحر نيران الجوى * مني فذاب وعن هواه ما سلا
فمتى بشير الوصل يأتي منجحا * وأبيت مسرورا سعيدا مقبلا
ولقد برى مني السقام وبت في * لجج الغرام معالجا كرب البلا
وجرت سحائب عبرتي في وجنتي * كدم الحسين على أراضي كربلا
الصائم القوام والمتصدق الطعام * أفرس من على فرس علا
رجل بصيوان الغمامة جده * المختار في حر الهجير تظللا
وأبوه حيدرة الذي بعلومه * وبفضله شرح الكتاب تفصلا
والأم فاطمة المطهرة التي * بالمجد تاج فخارها قد كللا
141

نسب كمنبلج الصباح يزينه * حسب شبيه الشمس زاهي المجتلى
السيد السند السعيد الساجد * السبط الشهيد المستظام المبتلى
قمر بكت عين السماء لأجله * أسفا وقلب الدهر بات مقلقلا
تالله لا أنساه فردا ظاميا * والماء ينهل منه ذيبان الفلا
والسيد العباس قد سلب العدى * عنه اللباس وصيروه مجدلا
والطفل (1) شمس حياته قد أصبحت * بالخسف في طفل وجل مؤثلا (2)
وبنو أمية في جسوم صحابه * قد حطموا السمر اللدان الذبلا
شربوا بكاسات القنا خمر الفنا * مزج البلاء به فأمسوا في البلا
وتقاطعت أرحامهم وجسومهم * كرما وأوصلت الرؤوس الأرجلا
وتوارثوا من بعد سلب نفوسهم * دار المقامة في القيامة موئلا
والسبط شاك ماله من ناصر * شاك إلى رب السماوات العلى
ظام إلى ماء الفرات فإن يرم * نهلا يرى البيض الصوارم منهلا
والقوم محدقة عليه بجحفل * كالبحر آخره يحاكي الأولا
متلاطم سغبت (3) به أسيافهم * فغدا لهم لحم الفوارس مأكلا
ومن العجائب أنه يشكو الظما * وأبوه يسقي في المعاد السلسلا
حامت عليه للحمام كواسر (4) * ظمئت فأشربت الحمام دم الطلا (5)
أمست به سمر الرماح وزرقها * حمرا وشهب (6) الخيل دهما (7) جفلا (8)

(1) الطفل من طفلت الشمس: دنت للغروب (غ).
(2) المؤثل: الدائم (غ).
(3) السغوب والسغب: الجوع (غ).
(4) الكواسر جمع الكاسرة مؤنث الكاسر: العقاب (غ).
(5) الطلا: ولد الظبي ساعة يولد. الصغير من كل شئ (غ).
(6) الشهب والشهباء: بياض يتخلله سواد (غ).
(7) الدهمة: السواد (غ).
(8) الجفل من جفل الشعر: شعث وثار (غ).
142

هاتيك بالدم قد صبغن وهذه * صبغت بنقع صبغة لن تنصلا
عقدت سنابك (1) صافنات (2) خيوله * من فوق هامات الفوارس قسطلا (3)
ودجت عجاجته ومد سواده * حتى أعاد الصبح ليلا أليلا
وكأنما لمع الصوارم تحته * برق تألق في غمام فانجلى
جيش ملا فوه الفلا وأتى فلا * أمست سنابك خيله تفلي الفلا
أبناء من جحد الوصي وكذب * الهادي النبي وكان حقا مرسلا
بذلوا النفوس وبدلوا من جهلهم * ما ليس في الإسلام كان مبدلا
فمحلل قد صيروه محرما * ومحرم قد غادروه محللا
وتعمدوا قتل الوصي وحرفوا * ما كان أحمد في الكتاب له تلا
وأتوا إلى قتل الحسين وأججوا * نارا لهيب ضرامها لن يصطلى
فسطا عليهم بالنزال بعزمة * تذر الحسام المشرفي مفللا
من فوق طرف (4) أعوجي سابح (5) * كالبرق يسبق في سراه الشمألا (6)
فرس حوافره بغير جماجم * الفرسان في يوم الوغى لن تنعلا
أضحى بمبيض الصباح مجللا * وغدا بمسود الظلام مسربلا
وبكفه سيف جراز (7) باتر (8) * عضب (9) يضم الغمد منه جدولا

(1) السنبك: طرف الحافر، ج السنابك (غ).
(2) الصافنات جمع الصافن من الخيل: القائم على ثلاث قوائم مطرفا حافر الرابعة (غ).
(3) القسطل: المنية، الغبار الساطع في الحرب (غ).
(4) الطرف من الخيل: الكريم الطرفين (غ).
(5) السابح من سبح في الماء: عام وانبسط فيه. ويستعار لمر النجوم وجري الفرس (غ).
(6) الشمأل: ريح الشمال (غ).
(7) الجراز بضم المعجمة: السيف القطاع (غ).
(8) الباتر: السيف القاطع، ج بواتر (غ).
(9) العضب: السيف القاطع (غ).
143

فقر (1) الجماجم والطلا (2) بغراره (3) * من كل كفار وأبرى المفصلا
فكأنه وجواده وحسامه * يا صاحبي لمن أراد تأملا
شمس على الفلك المدار بكفه * قمر منازله الجماجم والطلا
والخيل محدقة بجيم جماله * وقلوبهم في الغلي تحكي المرجلا (4)
والسبط يخترق المواكب حاملا * بعزيمة تردي الخميس الجحفلا
فبسين سمر الخط يطعن أنجلا (5) * وبباء بيض الهند يضرب أهدلا (6)
فتخال طاء الطعن أنى أعجمت * نقطا وضاد الضرب كيف تشكلا
حتى إذا ما السبط آن مماته * وعليه سلطان الحمام توكلا
داروا به النفر الطغاة بنو الزناة * العاهرات وطبقوا رحب الفلا
ورماه بعض المارقين بعيطل * سهما فخر على الصعيد مجدلا
وأتى بغي بني ضباب صائلا * بالقس تغميض القطامي الأجدلا
وجثى على صدر الحسين وقلبه * حقدا وعدوانا عليه قد امتلا
فبرى بسيف البغي رأسا طالما * لثم النبي ثنيتيه وقبلا
واسود قرص الشمس ساعة قتله * أسفا وشهب الفلك أمست أفلا
ونعاه جبريل وميكال وإسرافيل * والعرش المجيد تزلزلا
والطير في الأغصان ناح مغردا * والوحش في القيعان ناح وأعولا
وأتى الجواد ولا جواد فوقه * متوجعا متفجعا متوجلا
عالي الصهيل بمقلة إنسانها * باك يسح الدمع نقطا مهملا
فسمعن نسوان الحسين صهيله * فبرزن من خلل المضارب ثكلا

(1) الفقر: الحز (غ).
(2) الطلا بضم المهملة وكسرها: قشرة الدم (غ).
(2) الغرار: حد السيف (غ).
(4) المرجل: القدر (غ).
(5) الأنجل من نجل الرجل نجلا: وسعت عينه وحسنت (غ).
(6) الأهدل: المسترخى المشفر أو الشفة (غ).
144

ينثون (1) من جون (2) العيون مدامعا * حمرا على بيض السوالف (3) هطلا (4)
حتى إذا قتل الحسين وأصبحت * من بعده غر المدارس عطلا
ومنازل التنزيل حل بها العزا * ومن الجليس أنيس مربعها خلا
بغت البغاة جهالة سبي النسا * وبغت وحق لمن بغى أن يجهلا
نصبوا بمرفوع القناة كريمه (5) * جهرا وجروا للمعاصي أذيلا
وسروا بنسوته السراة بلا ملا * حسرى يلاحظهن ألحاظ الملا
وغدوا بزين العابدين الساجد * الحبر الأمين مقيدا ومغللا
وسكينة أمست وساكن قلبها * متحرك فيه الأسى لن يرحلا
وبدال دمع العين منها غرقت * صاد الصعيد وأنبتت كاف الكلأ
وديارهن الآنسات بلاقع * أقوت (6) وكن بها الأحبة نزلا
والصبر عني ضاعن مترحل * لما شددن على المطي الأرحلا
ومدامعي فوق الخدود نوازل * لما زممن (7) جمالهن البزلا (8)
تسري بهن إلى الشئام عصابة * أموية تبغي العطاء الأجزلا
ترضي يزيد لكي يزيد لها العطا * جهلا ويتحفها السؤال معجلا
فلألعنن بني أمية ما حدا * الحادي وما سرت الركائب قفلا
ولألعنن زيادها ويزيدها * ويزيدها ربي عذابا منزلا
تبا لهم فعلوا بآل محمد * ما ليس تفعله الجبابرة الأولى

(1) ينثون من نثى نثوا: فرق ونشر (غ).
(2) الجون: الأبيض، الأسود (غ).
(3) السوالف جمع السالفة: صفحة العنق، وسالفة الفرس: ما تقدم من عنقه (غ).
(4) هطل المطر: نزل متتابعا متفرقا عظيم القطر فهو هاطل والجمع هطل (غ).
(5) الكريمة: كل جارحة شريفة (غ).
(6) أقوت الدار: خلت من ساكنيها (غ).
(7) زمم الجمال: خطمها (غ).
(8) بزل البعير: انشق نابه، فهو بازل، ج بوازل وبزل (غ).
145

ولأبكين على الحسين بمدمع * قان أبل به الصعيد الممحلا
يا طف طاف على ثراك من الحيا (1) * هام (2) تسير به السحائب جفلا (3)
ذو هيدب (4) متراكب متلاحم (5) * عالي البروق يسح دمعا مسبلا
يشفيك إذ يسقيك منه بوابل (6) * عذب له أرج (7) يحاكي المندلا (8)
ثم السلام من السلام على الذي * نصبت له في (خم) رايات الولا
تالي كتاب الله أكرم من تلا * وأجل من للمصطفى الهادي تلا
زوج البتول أخ الرسول مطلق * الدنيا وقاليها بنيران القلا
رجل تسربل بالعفاف وحبذا * رجل بأثواب العفاف تسربلا
تلقاه يوم السلم غيثا مسبلا * وتراه يوم الحرب ليثا مشبلا
ذو الراحة اليمنى التي حسناتها * مدت على كيوان (9) باعا (10) أطولا
والمعجزات الباهرات النيرات * المشرقات المعذرات لمن غلا
منها رجوع الشمس بعد غروبها (11) * نبأ تصير له البصائر ذهلا
ولسيره فوق البساط فضيلة (12) * أوصافها تعيي الفصيح المقولا

(1) الحيا: المطر (غ).
(2) هام فاعل من همي يهمى هميا أي سال لا يثنيه شئ (غ).
(3) جفلا: أي أسرع، والجفيل: الكثير (غ).
(4) الهيدب من السحاب: المتدلي الذي يدنو من الأرض (غ).
(5) المتلاحم: المتلاصق والمتلائم (غ).
(6) الوابل: المطر الشديد (غ).
(7) الأرج: الرائحة الطيبة (غ).
(8) المندل بفتح الميم: العود الطيب الرائحة (غ).
(9) كيوان: زحل تحيط به منطقة نيرة يضرب به المثل في العلو والبعد (غ).
(10) الباع: قدر مد اليدين (غ).
(11) للوقوف على حديث رد الشمس ومصادره الكثيرة راجع موسوعة الغدير ج 3 ص 126 - 141.
(12) أخرجها الثعلبي والفقيه المغازلي والقزويني عن ابن عباس وأنس بن مالك (غ / 8).
146

وخطاب أهل الكهف منقبة غلت * وعلت فجاوزت السماك الأعزلا
وصعود غارب أحمد فضل له * دون القرابة والصحابة أفضلا (1)
هذا الذي حاز العلوم بأسرها * ما كان منها مجملا ومفصلا
هذا الذي بصلاته وصلاته * للدين والدنيا أتم وأكملا
هذا الذي بحسامه وقناته * في خيبر صعب الفتوح تسهلا
وأباد مرحب في النزال بضربة * ألقت على الكفار عبئا مثقلا
وكتائب الأحزاب صير عمروها * بدمائه فوق الرمال مرملا
وتبوك نازل شوسها فأبادهم * ضربا بصارم عزمة لن يفللا
وبه توسل آدم لما عصى * حتى اجتباه ربنا وتقبلا
وبه دعا نوح فسارت فلكه * والأرض بالطوفان مفعمة ملا
وبه الخليل دعا فأضحت ناره * بردا وقد أذكت حريقا مشع لا
وبه دعا موسى تلقفت العصا * حيات سحر كن قدما أحبلا
وبه دعا عيسى المسيح فأنطق * الميت الدفين به وقام من البلا
وبخم وأخاه النبي محمد * حقا وذلك في الكتاب تنزلا
عذل النواصب في هواه وعنفوا * فعصيتهم وأطعت فيه من غلا
ومدحته رغما على آنافهم * مدحا به ربي صدا قلبي جلا
وتراب نعل أبي تراب كلما * مس القذا عيني يكون لها جلا
فعليه أضعاف التحية ما سرى * سار وما سح السحاب وأهملا
سمعا أمير المؤمنين قصائدا * تزداد ما مر الزمان تجملا
عربية نشأت بحلة بابل * فغدت تخجل بالفصاحة جرولا
سادت فشادت للعرندس صالح * مجدا على هام النجوم مؤثلا

(1) للوقوف على حديث كسر الأصنام ومصادره الكثيرة راجع موسوعة الغدير ج 7 ص 9 - 13.
147

وسمت قلوب حواسدي وسمت على * (نم العذار بعارضيه وسلسلا) (1)
وعلت بمدحك يا علي ووازنت * (لم أبك ربعا للأحبة قد خلا (2) (3)
الشاعر:
الشيخ صالح بن عبد الوهاب بن العرندس الحلي الشهير بابن العرندس
(المتوفى حدود 840). هو أحد أعلام الشيعة ومن مؤلفي علمائها في الفقه
والأصول. وله مدائح ومراثي لأئمة أهل البيت عليهم السلام تنم عن تفانيه في ولائهم
ومناوءته لأعدائهم... وكان ابن العرندس يحاول في شعره كثيرا الجناس على
نمط الشيخ علاء الدين الشفهيني (المترجم في الغدير ج 6 ص 356) وتعلوه القوة
والمتانة، ويعرب عن تضلعه من العربية واللغة، ولولا تهالكه على ما تجده في
شعره من الجناس الكثير لكان ما ينظمه أبلغ وأبرع مما هو الآن... (1).
30 - ابن داغر الحلي:
حيا الإله كتيبة مرتادها * يطوى له سهل الفلا ووهادها
قصدت أمير المؤمنين بقبة * يبنى على هام السماك عمادها
وفدت على خير الأنام بحضرة * عند الإله مكرم وفادها
فيها الفتى وابن الفتى وأخو الفتى * أهل الفتوة ربها مقتادها

(1) مطلع قصيدة للشيخ علاء الدين الحلي المذكورة في موسوعة الغدير ج 6 ص 383 (غ).
(2) هي قصيدة جمال الدين الخلعي المترجم في موسوعة الغدير ج 6 ص 12 - 19 والقصيدة
في الإمام السبط الشهيد تقدر ب‍ 75 بيتا كما في الغدير ج 6 ص 18 (غ).
(3) أخذت هذه الغديرية من موسوعة الغدير ج 7 ص 3 - 9 وذكر شاعرنا ابن العرندس في
قصيدته هذه جملة من مناقب مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وتجد تفصيلها في أجزاء
موسوعة الغدير.
(4) الغدير ج 7 ص 13 - 14. ويوجد تفصيل القول - في ترجمته ونماذج من شعره - في
موسوعة الغدير ج 7 ص 3 - 23.
148

فله الفخار قديمه وحديثه * والفاضلات طريفها (1) وتلادها (2)
مولى البرية بعد فقد نبيها * وإمامها وهمامها وجوادها
وإذا القروم تصادمت في معرك * والخيل قد نسج القتام طرادها
وترى القبائل عند مختلف القنا * منه يحذر جمعها آحادها
والشوس (3) تعثر (4) في المجال (5) * وتحتها جرد (6) تجذ (7) إلى القتال جيادها (8)
فكأن منتشر الرعال لدى الوغا * زجل تنشر في البلاد جرادها
ورماحهم قد شظيت (9) عيدانها (10) * وسيوفهم قد كسرت أغمادها
والشهب (11) تغمد في الرؤوس نصولها (12) * والسمر (13) تصعد في النفوس صعادها (14)
فترى هناك أخا النبي محمد * وعليه إن جهد البلاء جلادها
مترديا عند اللقا بحسامه * متصديا لكماتها يصطادها
عضد النبي الهاشمي بسيفه * حتى تقطع في الوغا أعضادها

(1) الطريف: المكتسب حديثا (غ).
(2) التلاد والتليد: ما كان من قديم (غ).
(3) الشوس ج أشوس: الشديد الجرئ في القتال (غ).
(4) تعثر يقال: عثر الرجل عثورا إذا هجم على أمر لم يهجم عليه غيره (غ).
(5) المجال: محل الجولان أي الميدان (غ).
(6) جرد جمع الأجرد: السباق من الخيل (غ).
(7) تجذ من جذ في سيره: أسرع (غ).
(8) الجياد ج الجواد: السريع من الفرس (غ).
(9) شظى تشظيه: فرق، تشظى العود: تطاير شظايا (غ).
(10) عيدان وأعود وأعواد ج العود: الخشب (غ).
(11) الشهب ج الشهاب: السنان سمى به لما فيه من بريق (غ) أ
(12) نصول ج النصل: حديدة الرمح والسهم (غ).
(13) السمر: الرمح (غ).
(14) صعاد ج الصعدة: القناة المستوية (غ).
149

وأخاه دونهم وسد دوينه * أبوابهم فتاحها سدادها
وحباه في (يوم الغدير) ولاية * عام الوداع وكلهم أشهادها
فغدا به (يوم الغدير) مفضلا * بركاته ما تنتهي أعدادها
قبلت وصية أحمد وبصدرها * تخفى لآل محمد أحقادها
حتى إذا مات النبي فأظهرت * أضغانها في ظلمها أجنادها
منعوا خلافة ربها ووليها * ببصائر عميت وضل رشادها
واعصو صبوا (1) في منع فاطم حقها * فقضت وقد شاب (2) الحياة نكادها (3)
وتوفيت غصصا وبعد وفاتها * قتل الحسين وذبحت أولادها
وغدا يسب على المنابر بعلها * في أمة ضلت وطال فسادها
ولقد وقفت على مقالة حاذق * في السالفين فراق لي إنشادها
(أعلى المنابر تعلنون بسبه؟! * وبسيفه نصبت لكم أعوادها) (4)
يا آل بيت محمد يا سادة * ساد البرية فضلها وسدادها
أنتم مصابيح الظلام وأنتم * خير الأنام وأنتم أمجادها
فضلاؤها، علماؤها، حلماؤها * حكماؤها، عبادها، زهادها
أما العباد فأنتم ساداتها * أما الحروب فأنتم آسادها
تلك المساعي للبرية أوضحت * نهج الهدى ومشت به عبادها
وإليكم من شاردات (مغامس) * بكرا يقر بفضلها حسادها
كملت بوزن كمالكم وتزينت * بمحاسن من حسنكم تزدادها

(1) اعصوصبوا: اجتمعوا وصاروا عصائب (غ).
(2) شاب: خلط وغش (غ).
(3) النكاد: الكدر (غ).
(4) هذا البيت من قصيدة لأبي محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي (رحمه الله)
المتوفى 466 (غ).
150

ناديتها صوتا فمذ أسمعتها * لبت ولم يصلد علي زنادها
نفقت لدي لأنها في مدحكم * فلذاك لا يخشى علي كسادها
رحم الإله ممدها أقلامه * ورجاؤه أن لا يخيب مدادها
فتشفعوا لكبائر أسلفتها * قلقت لها نفسي وقل رقادها
جرما لو أن الراسيات حملنه * دكت وذاب صخورها وصلادها
هيهات تمنع عن شفاعة جدكم * نفس وحب أبي تراب زادها
صلى الإله عليكم ما أرعدت * سحب وأسبل ممطرا أرعادها (1)
الشاعر
الشيخ مغامس بن داغر الحلي (المتوفى في أواسط القرن التاسع).
هو من شعراء أهل البيت عليهم السلام المكثرين المتفانين في حبهم وولائهم،
وتضمن غير واحد من المجاميع قريظة المتدفق بمدح أهل بيت الوحي أئمة الهدى
ورثائهم صلوات الله عليهم حتى جمع منها الشيخ السماوي ديوانا باسم المترجم
يربو على ألف وثلاثمائة وخمسين بيتا ولعل التالف منها أكثر وأكثر... (2).
31 - الحافظ البرسي الحلي:
هو الشمس؟ أم نور الضريح يلوح؟ * هو المسك؟ أم طيب الوصي يفوح؟
وبحر ندا؟ أم روضة حوت الهدى * وآدم؟ أم سر المهيمن نوح؟
وداود هذا؟ أم سليمان بعده؟ * وهارون؟ أم موسى العصا ومسيح؟
وأحمد هذا المصطفى؟ أم وصيه * علي؟ نماه هاشم وذبيح

(1) أخذت هذه القصيدة من موسوعة الغدير ج 7 ص 24 - 26.
(2) نقلا بالتلخيص عن موسوعة الغدير ج 7 ص 27 - 28. وتجد تفصيل الكلام - حول ترجمة
ابن داغر الحلي وغديريته الأخرى وفهرست قصائده ونماذج من شعره - في الغدير ج 7 ص
24 - 32.
151

محيط سماء المجد بدر دجنة * وفلك جمال للأنام ويوح (1)
حبيب حبيب الله بل سر سره * وجثمان أمر للخلائق روح
له النص في (يوم الغدير) ومدحه * من الله في الذكر المبين صريح
إمام إذا ما المرء جاء بحبه * فميزانه يوم المعاد رجيح
له شيعة مثل النجوم زواهر * لها بين كل العالمين وضوح
إذا قاولت فالحق فيما تقوله * به النور باد واللسان فصيح
وإن جاولت أو جادلت عن مرامها * تولى العدو الجلد وهو طريح
عليك سلام الله يا راية الهدى * سلام سليم يغتدي ويروح (2)
الشاعر
الحافظ الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي (لعله
توفي حدود 813).
هو من عرفاء علماء الإمامية وفقهائها المشاركين في العلوم، على فضله
الواضح في فن الحديث، وتقدمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته، وتضلعه من
علم الحروف وأسرارها واستخراج فوائدها، وبذلك كله تجد كتبه طافحة
بالتحقيق ودقة النظر... (3).
32 - بهاء الملة والدين:

(1) يوح: الشمس (غ).
(2) أخذت هذه الأبيات من موسوعة الغدير ج 7 ص 33.
(3) الغدير ج 7 ص 33 - 34 و 68. وتجد تفصيل القول - حول ترجمة الحافظ البرسي وشعره
الرائق - في موسوعة الغدير ج 7 ص 33 - 68.
152

رعى الله ليلة بتنا سهارى (1) * خلعنا بحب العذارى العذارا
ولما سرى النجم والبدر حارا * أماطت ذات الخمار الخمارا
وصيرت الليل منها النهارا
وكنا بجنح الدجى أدعج * وبعض إلى بعضنا ملتجي
فقامت لساق لها مدلج * وجاءت تشمر من أبلج
كما طلع البدر حين استنارا
تبدت بنور لها لائح * ووجه لبدر الدجا فاضح
وخد بماء الحيا ناضح * وتبسم عن أشنب واضح
كزهر الأقاح إذا ما استنارا
شربنا لداء الهموم الدوا * وشبنا نسيم الهوى بالهوى
حللنا على النيرين السوى * وقد حلك الليل عنا انطوى
ونور الصباح لدينا استنارا
هوينا رداحا حجازية * فبحنا ضمائر مخفية
فمدت إلينا سراحية * تناول صهباء قانية
كأنا نقابل منها شرارا
سقينا مداما مجوسية * كما التبر حمراء مصرية
قديمة عهد رمانية * مشعشة أرجوانية
تدب النفوس إليها افتقارا
فقم إنما الديك قد نبها * إلى خمرة فاز من حبها جلت
حين ساقي الهوى صبها * كأن النديم إذا عبها

(1) قال العلامة: توجد القصيدة وتخميسها في مجموعة العلامة الأوحد شيخنا المرحوم
الشيخ علي الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطا، الأصل لشيخنا البهائي والتخميس للشيخ
علي المقري (غ 11 / 244).
153

يقبل في طخية الليل نارا
وبي غارة رنحت قدها * حميا الصبا وألفت ضدها
وقد جعلت مقلتي خدها * ولم أنس مجلسنا عندها
جلسنا صحاوى وقمنا سكارى
نعمنا أخلاء دون الأنام * بتلك الربوع وتلك الخيام
ألم ترنا إذ هجرنا المنام * تميل بنا عذبات المدام
ونحن نميس كلانا حيارى؟
فلله مجلسنا باللوى * لكل المنى والهنا قد حوى
إذا نزعت من نزيل الجوى * فقامت وقد عاث فيها الهوى
تستر بالغيم الجلنارا
لها وجه سعد يزيل الشقا * وقد حكى غصنا مورقا
وتشفي عليل الهوى منطقا * تريع كما ريع ظبي النقا
توجهه خيفة واستنارا
هلال السما من سناها يغيب * ومن قدها الغصن مضنى كئيب
ألا إن هذا لشئ عجيب * إذ البدر أبصرها والقضيب
تلبس هذا وهذا توارى
أضاء الدجا نورها حين لاح * بوجه سبى حسن كل الملاح
أزلنا الهموم بذات الوضاح * سقتنا إلى حين بان الصباح
وفر الدجا من ضياها فرارا
فيا ظبية طال يا للرجال! * نقمنا بها في لذيذ الوصال
ففر وقد صح فيه المثال * كما فر جيش العدا بالنزال
عن الطهر حيدرة حين غارا
إمام البرية أصل الأصول * شفيع الأنام بيوم مهول
فتى حبه الله ثم الرسول * وصي النبي وزوج البتول
154

حوى في الزمان الندى والفخارا
فيا ويح من لم ينل مرة * لمن فاق بدر السما غرة
فطوبى لمن زاره مرة * فيا راكبا يمتطي حرة
تبيد السهول وتفري القفارا
إذا شئت ترضي إله السما * وتهدى إلى الرشد بعد العمى
وتسقى من الحوض يوم الظما * إذا ما انتهى السير نحو الحمى
وجئت من البعد تلك الديارا
وقابلت مثوى علي الولي * وأظهرت حب الصراط السوي
وشاهدت حبل الإله القوي * وواجهت بعد سراك الغري
فلا تذق النوم إلا غرارا
فحط الرحال بذاك المحل * وعن أرضه قدما لا تزل
وكن لسما قبره مستهل * وقف وقفة البائس المستذل
وسر في الغمار وشم الغبارا
فإن طعت رب السما فارضه * فحب الأئمة من فرضه
وضاعف ثوابك من فرضه * وعفر خدودك في أرضه
وقل: يا رعى الله مغناك دارا
إذا جئت ذاك الحمى * سلما وكن والها بالفنا مغرما
وزر قبر من بالمعالي سما * فثم ترى النور ملؤ السما
يعم الشعاع ويغشى الديارا
إذا لم تكن حاضرا عصره * فكن بالبكا مدركا نصره
فقف عنده وامتثل أمره * وقل سائلا: كيف يا قبره!
حويت الزمان وحزت الفخارا؟
وقف والها وابر من ضده * وبث إليه الهوى وابده
ولا تبرح الأرض من عنده * وأبلغه يا صاح! من عبده
155

سلام محب تنائا ديارا
ألا! زره ثم احظ في قربه * لتكسب أجرا وتنجو به
وقم والتثم ترب أعتابه * وأظهر عناك بأبوابه
معفر خديك فيه احتقارا
ويا من أتى بعد قطع الفلا * إمام الهدى وشفيع الملا
تمسك به فهو عقد الولا * فمن كان مستأثرا في البلا
سوى حيدر لا يفك الأسارى
وكثر بكاك بذاك المكان * وقل: يا قسيم اللظى والجنان
عبيدك يرجو لديك الأمان * دعاه البلا وجفاه الزمان
وفيك من الحادثات استجارا
مواليك مستأثر في يديك * ولم يكل الفك إلا عليك
أتاك من الذنب يشكو إليك * أبت نفسه الذل إلا لديك
وبعد المهيمن فيك استجارا
إليك التجى يا سفين النجاة! * وعن حبكم ما له في الحياة
فقه محنة القبر عند المماة * فأنت وإن حلت النازلات
فتى لا يضيم له الدهر جارا
إمام له خص رب السما * وفي يده الحوض يوم الظما
ومأوى الطريد وحامي الحما * أبى أن يباح حماه كما
أبى أن يرى في الحروب الضرارا
إمام تحن المطايا إليه * وتزوى ذنوب البرايا لديه
غدا أرتجي شربة من يديه * وليس المعول إلا عليه
ولا غيره كان لي مستجارا
فما خاب من يشتكي حاله * لمن في الوصية أوحى له
إله السما وارتضى ماله * فإن الذي ناط أثقاله
156

به كلها ووقاه العثارا
إمام به الشرك عني خفى * وللظلم والفسق عنا نفى
وواخاه واختاره المصطفى * خلاصة أهل التقى والوفا
وركن الهدى ودليل الحيارى
لنا أظهر الدين لما خفي * ومن ذكره كم عليل شفي!
ولي الإلهقي الوفي * علي الذي شهد الله في
فضيلته وارتضاه جهارا
فكم في الوغى بطلا قد أذل * وآوى كريما وكهفا أظل
نعم، هو رب العطاء الأجل * يحل الندي به حيث حل
ويرحل في إثره حيث سارا
به انتصر الدين لما فشا * وأخضبت الأرض لما مشى
له مفخر في البرايا فشى * فتى قل بتعظيمه ما تشا
سوى ما ادعته بعيسى النصارى
إمام لدى الحوض يسقي العطاش * بيوم ترى الخلق مثل الفراش
علي الذي قدره لا يناش * فدى أحمدا بمبيت الفراش
وصاحبه حيث جاء المغارا
علي أميري ونعم الأمير * مجيري غدا من لهيب السعير
وكان لأحمد نعم النصير * وواخاه أمرا غداة (الغدير)
من الله نصا به واختيارا
علي إمامي وإلا فلا * ومن خصه الله رب العلا
توليته وهو عقد الولا * أعز الورى وأجل الملا
محلا وأزكى قريش نجارا
هدى الخلق في دينه المستقيم * كما انتصروا فيه أهل الرقيم
ونال الرضا من إله كريم * ويا فلك نوح ونار الكليم!
157

وسر البساط الذي فيه سارا
أيا سيدي! يا أخا المصطفى! * ومن لك بعد النبي الصفا!
عليك سلامي لوقت الوفا * متى ما أضا بارق واختفى
بليل وما حادي العيس سارا (1)
الشاعر
الشيخ محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي الجبعي (المولود
953 والمتوفى 1031).
هو شيخ الإسلام، بهاء الملة والدين، وأستاذ الأساتذة والمجتهدين، وفي
شهرته الطائلة، وصيته الطائر، في التضلع من العلوم، ومكانته الراسية من الفضل
والدين، غنى عن تسطير ألفاظ الثناء عليه، وسرد جمل الإطراء له، فقد عرفه من
عرفه، ذلك الفقيه المحقق، والحكيم المتأله، والعارف البارع، والمؤلف المبدع،
والبحاثة المكثر المجيد، والأديب الشاعر والضليع من الفنون بأسرها، فهو أحد
نوابغ الأمة الإسلامية، والأوحدي من عباقرتها الأماثل، بطل العلم والدين الفذ...
ينتهي نسبه إلى التابعي العلوي - مذهبا - الكبير الحارث الهمداني... (2).
33 - الحرفوشي العاملي:
يا وردة من فوق بأنه * سر المحبة من أبانه!
أخفيته جهدي وقد * غلغلت في قلبي مكانه
وكتمت أمر صبابتي * وسدلت أستار الصيانة
ما كنت أحسب أن يكون * الدمع يوما ترجمانه
لولا وضوح الأمر ما * أغرى بنا الواشي لسانه

(1) أخذت القصيدة من موسوعة الغدير ج 11 ص 244 - 249.
(2) نقلا بالتلخيص عن الغدير ج 11 ص 249. ويوجد التفصيل - حول ترجمة الشيخ البهائي
وأدبه الرائق وتآليفه القيمة - في موسوعة الغدير ج 11 ص 244 - 284.
158

ولوى عنانك عن شج * شوقا إليك لوى عنانه
يا ظبية البان التي * عند القلوب لها مكانه!
قد أسكرتني مقلتاك * كأن في الأجفان حانه (1)
وكرعت في ماء الصبا * ففضحت لين الخيزرانه
أجريت ذكرك في الحمى * وقد اجتلى طرفي جنانه
فلوى القضيب معاطفا * نظم الندى فيها جمانه (2)
واحمر خد شقيقها * وافتر ثغر الأقحوانه (3)
فكأنني أجريت ذكر * (المرتضى) لذوي الديانة
غيث الإله وغوثه * حيث الزمان يرى الزمانه (4)
كم أودع اللاجي إليه * من مخاوفه أمانه!
وأسال فوق المرتجي * سيل الحيا الساري بنانه!
أعطاه باريه التقرب * منه زلفى والمكانه
فغدا القسيم بأمره * يعطى الورى كلا وشأنه
يوري معاديه لظى * ويرى مواليه جنانه
سل عنه إن حمي الوطيس * وأصعد الحامي دخانه
من يلتوي قرضابه (5) * فيه التواء الأفعوانه؟
حتى يرويه ويروي * من دم الجاني سنانه
وينكص الرايات تعثر * بالجماجم من جبانة
واسأل بخم كم له * المختار من فضل أبانه!

(1) ألحان والحانة: موضع بيع الخمر (غ).
(2) الجمان: اللؤلؤ، والواحدة: جمانة (غ).
(3) الأقحوان: نبات أوراق زهره، واحدته: أقحوانة (غ).
(4) الزمانة: العاهة، تعطيل القوى (غ).
(5) قرضاب: السيف القطاع (غ).
159

واها له لو أطلقت * أعداؤه شوطا عنانه (1)
الشاعر
الشيخ محمد بن علي بن أحمد الحرفوشي الحريري الشامي العاملي
(المتوفى 1059).
هو عبقري مقدم من عباقرة العلم والأدب، وأوحدي من أساطين الفضيلة، لم
يتحل بمأثرة إلا وأتبعها بالنزوع إلى مثلها، وما اختص باكرومة إلا وراقه أن يتطلع
إلى ما هو أرفع منها، حتى عادت الفضائل والأحساب عنده كأسنان المشط، أو
خطوط الدائرة المنتهية إلى مركزها... (2).
34 - ابن أبي الحسن العاملي:
علي تعالى بالمكارم والفضل * وأصحابكم قدما عكوف على العجل
أباه ذوو الشورى لما في صدورهم * تغلغل من حقد عليه ومن غل
وماذا عسى يا مرو أن ينفع الإبا؟! * وقد قال فيه المصطفى خاتم الرسل
ونص عليه في (الغدير) بأنه * إمام الورى بالمنطق الصادع الفصل
فأودعتموها غير أهل بظلمكم * وأبعدتموها أي بعد عن الأهل
فآذوا رسول الله في منع بنته * تراثا لها يا ساء ذلك من فعل
وكم ركبوا غيا وجاؤا بمنكر! * وكم عدلوا عن جانب الرشد والعدل!
مثالب لا تحصى عدادا وكثرة * أبى عدها عن أن يحيط به مثلي
كفرتم ولفقتم أحاديث جمة * بمدح أناس ساقطين ذوي جهل
ولم يكفكم حتى وضعتم مثالبا * لصنو رسول الله والمرتضى العدل

(1) أخذت هذه الأبيات من موسوعة الغدير ج 11 ص 285 - 286.
(2) الغدير ج 11 ص 286. والتفصيل - حول ترجمته وشعره - يوجد في الغدير ج 11 ص
285 - 290.
160

فقلتم ضلالا: ساء حيدر أحمدا * بخطبته بنت اللعين أبي جهل (1)
على أنه لو كان حقا وثابتا * فحاشاه أن يأبى ويغضب من حل
نسبتم إلى الهادي متابعة الهوى * وكذبتم فيه الإله بذا النقل (2)
الشاعر
السيد نور الدين علي (الثاني) بن السيد نور الدين علي (الكبير) بن الحسين
ابن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي (المتوفى 1068).
هو من أعيان الطائفة ووجوه أعلامها، وفي الطليعة من عباقرتها، جمع بين
العلم والأدب، وتحلى بأبراد الزهد والورع، كما كان أبوه أوحديا من أعلام بيت
الوحي وفذا من أفذاد العلم والفضيلة، وعلما من تلامذة شيخنا الشهيد
الثاني... (3).
35 - القاضي شرف الدين:
لو كان يعلم أنها الأحداق * يوم النقا ما خاطر المشتاق
جهل الهوى حتى غدا في أسره * والحب ما لأسيره إطلاق
يا صاحبي وما الرفيق بصاحب * إن لم يكن من دأبه الإشفاق
هذا النقا حيث النفوس تباح * والألباب تشرق والدماء تراق
حيث الظباء لهن شوق في الهوى * فيه لأرباب العقول نفاق
وحذار من تلك الظباء فما لها * في الحب لا عهد ولا ميثاق
كالبدر إلا أنه في تمه * لا يختشى أن يعتريه محاق
كالغصن لكن حسنه في ذاته * والغصن زانت قده الأوراق

(1) حديث هذه الخطبة يوجد في صحاح القوم ومسانيدهم (غ).
(2) أخذت هذه الأبيات من موسوعة الغدير ج 11 ص 291.
(3) الغدير ج 11 ص 291 - 292. وتجد التفصيل - حول ترجمته وشعره - في الغدير ج 11
ص 291 - 298.
161

مهما شكوت له الجفاء يقول لي: * ما الحب إلا جفوة وفراق
أو أشتكي سهري عليه يقل: * متى نامت لمن حمل الهوى آماق؟
أو قلت: قد أشرقتني بدامعي * قال: الأهلة شأنها الإشراق
كنت الخلي فعرضتني للهوى * يوم النوى الوجنات والأحداق
إلى أن قال:
ولقد أقول لعصبة زيدية * وخدت بهم نحو العراق نياق
بأبي وبي وبطارفي وبتالدي * من يمموه ومن إليه تساق
هل منة في حمل جسم حل في * أرض الغري فؤاده الخفاق؟
أسمعتهم ذكر الغري وقد سرت * بعقولهم خمر السري فأفاقوا
حبا لمن يسقي الأنام غدا ومن * تشفى بترب نعاله الأحداق
لمن استقامت علة الباري به * وعلت وقامت للعلا أسواق
ولمن إليه حديث كل فضيلة * من بعد خير المرسلين يساق
لمحطم اللدن الرماح وقد غدا * للنقع من فوق الرماح رواق
لفتى تحيته لعظم جلاله * من زائريه الصمت والاطراق
صنو النبي وصهره يا حبذا * الصنوان قد وشجتهما الأعراق
وأبو الأولى فاقوا وراقوا والأولى * بمديحهم تتزين الأوراق
انظر إلى غايات كل فضيلة * أسواه كان جوادها السباق؟
وامدحه لا متحرجا في مدحه * إذ لا مبالغة ولا إغراق
ولاه أحمد في (الغدير) ولاية * أضحت مطوقة بها الأعناق
حتى إذا أجرى إليها طرفه * حادوه عن سنن الطريق وعاقوا
ما كان أسرع ما تناسوا عهده * ظلما وحلت تلكم الأطواق!
شهدوا بها يوم (الغدير) لحيدر * إذ عم من أنوارها الإشراق (1)

(1) أخذت هذه الأبيات من موسوعة الغدير ج 11 ص 303 - 304.
162

الشاعر
القاضي شرف الدين الحسن بن القاضي جمال الدين علي الهبلي الخولاني
اليمني الصنعاني (المتوفى 1079).
هو أحد أعلام اليمن وأعيانها الأدباء، كان عالما كاتبا شاعرا، له ديوان
تسمى بقلائد الجواهر... (1).
36 - المولى محمد طاهر القمي:
سلامة القلب نحتني عن الزلل * وشعلة العلم دلتني على العمل
طهارة الأصل قادتني إلى كرم * كرامتي ثبتت في اللوح في الأزل
قلبي يحب (عليا) ذا العلى فلذا * أدعو لأمي في الأبكار والأصل
محبة (المرتضى) نور لصاحبها * يمشي بها آمنا من آفة الزلل
لزمت حب (علي) لا أفارقه * وداده من جناني قط لم يزل
أخو النبي (2) إمامي قوله سندي * لقوله تابع ما كان من عملي
أطعت حيدرة ذا كل مكرمة * إمام كل تقي قاصر الأمل
صرفت في حب آل المصطفى عمري * من مال عنهم إليه قط لم أمل
باب المدينة (3) منجانا وملجأنا * ما انحل مشكلنا إلا بحل علي
لولا محبة طه للوصي لما * أتى يشاركه في طيب الأكل (4)
ولاية المرتضى في (خم) قد ثبتت * بنص أفضل خلق الله والرسل

(1) راجع الغدير ج 11 ص 304 - 305.
(2) للوقوف على تفصيل الكلام حول (حديث المؤاخاة) راجع الغدير ج 3 ص 112 - 125.
(3) أشار إلى حديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وتجد تفصيل القول حوله في الغدير ج 6 ص
61 - 81.
(4) أشار إلى حديث الطائر المشوي الثابت المتسالم عليه (غ).
163

نص النبي عليه فوق منبره * عليه أشهد أهل الدين والدول
قد نص في الدار عند الأقربين على * خلافة (المرتضى) جدا بلا هزل (1)
إن الإمامة عهد لم تنل أحدا * سوى المصون من الزلات والخطل
أطعت من ثبتت في الكون عصمته * وعفت كل جهول سئ العمل
قد ردت الشمس للمولى أبي حسن (2) * روحي فدا المرتضى ذي المعجز الجلل
طوبى له كان بيت الله مولده (3) * كمثل مولده ما كان للرسل (4)
الشاعر
المولى محمد طاهر بن محمد حسين الشيرازي ثم النجفي ثم القمي
(المتوفى 1098).
هو أحد الأوحديين المشاركين في العلوم، وفذ من مشايخ الإجازات الذين
اتصلت بهم حلقات الأسانيد، ضم إلى فقهه المتدفق فلسفة صحيحة عالية، وإلى
حديثه الموثوق به أدبه الجم، وفضله الكثار، إلى عظات بالغة، ونصائح كافية،
وحكم راقية، وشعر كثير يزري بعقود الدرر ومنتثر الدراري...
(5).

(1) راجع في قصة الدار واستخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام يوم ذاك، موسوعة الغدير ج 2
ص 278 - 289.
(2) راجع موسوعة الغدير ج 3 ص 126 - 141.
(3) راجع موسوعة الغدير ج 6 ص 21 - 38.
(4) أخذت الأبيات من موسوعة الغدير ج 11 ص 319 - 320.
(5) الغدير ج 11 ص 320. وتجد التفصيل - حول ترجمة المولى محمد طاهر القمي ونماذج
من شعره الفارسي - في موسوعة الغدير ج 11 ص 320 - 324.
164

37 - شيخنا الحر العاملي:
كيف تحظا بمجدك الأوصياء؟ * وبه قد توسل الأنبياء
ما لخلق سوى النبي وسبطيه * السعيدين هذه العلياء
فبكم آدم استغاث وقد * مسته بعد المسرة الضراء
يوم أمسى في الأرض فردا غريبا * ونأت عنه عرسه حواء
وبكا نادما على ما بدا منه * وجهد الصب الكئيب البكاء
فتلقى من ربه كلمات (1) * شرفتها من ذكركم أسماء
فاستجيب الدعاء منه ولولا * ذكركم ما استجيب منه الدعاء
ثم يعقوب قد دعا مستجيرا * من بلاء بكم فزال البلاء
وأتاه بكم قميص يوسف وارتد * بصيرا وتمت النعماء
وبكم كان للخليل ابتهال * ودعاء لربه واشتكاء
حين ألقاه عصبة الكفر في النار * فما ضر جسمه الألقاء
أيضام الخليل من بعد ما كان * إليكم له هوى التجاء؟
وبكم يونس استغاث ونوح * إذ طغا الماء واستجد العناء
وبأسمائكم توسل أيوب * فزالت عنه بها الأسواء
يا له سؤددا منيعا رفيعا * قد رواه الأعداء والأولياء
لعلي مجد غدا دون أدناه * الثريا في البعد والجوزاء
هو فضل وعصمة ووفاء * وكمال ورأفة وحياء
ولكم بان سؤددا لم يبن كنه * علاه الانشاد والانشاء

(1) إشارة إلى ما جاء في قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) - سورة
البقرة (2): 37 - من أن الكلمات المتلقاة هي أسماء الأشباح الخمسة. - راجع الغدير ج 7
ص 299 - 300.
165

والحروف التي تركبت العليا * منها عين ولام وياء
كان نورا محمد وعلي * في سنا آدم له لألاء
أخذ الله كل عهد وميثاق * له إذ بدا سنا وسناء
أي فخر كفخره والنبيون * عليهم عهد له وولاء؟
وبه يعرف المنافق إذ كانت * له في فؤاده بغضاء
ولعمري من أول الأمر لا تخفى * على ذي البصيرة السعداء
ولدته منزها أمه ما * شانه في الولادة الأقذاء
داخل الكعبة الشريفة لم يدن * إليها من الأنام النساء
لاح منه نور فأشرقت الأرض * وأرجاؤها به والسماء
كان للدين في ولادته مثل * أخيه مسرة وازدهاء
يا له مولدا سعيدا تجلت * عن محياه بهجة غراء
فهنيئا به لفاطمة السعد * الذي ما له مدى وانتهاء
بل لدين الإسلام من غير شك * وارتياب قد كان ذاك الهناء
إلى أن قال:
وأتت منه في علي نصوص * لم يحم حول ربعها الاحصاء
قال فيه: (هذا وليي وصيي * وارثي) هكذا روى العلماء
وزعمتم بأن كل نبي * لم يرث منه ماله الأقرباء
هو مولى من كان مولاه نصا * منه فليترك الهوى والمراء
ودعا بعدها دعاء مجابا * وبه قد تواتر الأنباء
ويقول فيها:
للمعالي بين الورى يا علي بن * أبي طالب إليك انتهاء
وكذا للكمال منك وللسؤدد * والمجد والفخار ابتداء
للورى لو درى الورى بك من * بعد أخيك الطهر الأمين اهتداء
واجب بالنصوص منه عن الله * وأين المصغي بك الاقتداء
166

ثم يوم (الغدير) هل كان إلا * لك دون الأنام ذاك الولاء؟
يوم مات النبي كنت إماما * في العلا لم يساوك النظراء (1)
الشاعر
الشيخ محمد بن الحسن بن علي الحر العاملي (المولود 1033
والمتوفى 1104).
... ينتهي نسبه إلى الحر الرياحي المستشهد أمام الإمام السبط الشهيد يوم
الطف (سلام الله عليه وعلى أصحابه). هذا الحر الشهيد في الطف يوم الإمام
السبط الطاهر هو مؤسس الشرف الباذخ لآله الأكارم، الذين فيهم أعلام الدين، و
أساطين المذهب، وصيارفة الكلام، وقادة الفكر، ونوابغ الخطابة والكتابة،
ومهرة الفقه، وأئمة الحديث، وحملة الفضل والأدب، وصاغة القريض، وأشهرهم
في تلكم الفضائل كلها شيخنا المترجم له الذي لا تنسى مآثره، ولا يأتي الزمان
على حلقات فضله الكثار، فلا تزال متواصلة العرى ما دام لأياديه المشكورة عند
الأمة جمعاء أثر خالد، وإن من أعظمها كتاب (وسائل الشيعة) في مجلداتها
الضخمة التي تدور عليها رحى الشريعة... فشيخنا المترجم له درة على تاج
الزمن، وغرة على جبهة الفضيلة، متى استكنهته تجد له في كل قدر مغرفة، وبكل
فن معرفة، ولقد تقاصرت عنه جمل المدح، وزمر الثناء، فكأنه عاد جثمان العلم،
وهيكل الأدب، وشخصية الكمال البارزة. وإن من آثاره أو من مآثره تدوينه
لأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام في مجلدات كثيرة، وتأليفه لهم بإثبات إمامتهم،
ونشر فضائلهم، والإشادة بذكرهم، وجمع شتات أحكامهم وحكمهم، ونظم عقود
القريض في إطرائهم، وإفراغ سبائك المدح في بوتقة الثناء عليهم، ولقد أبقت له
الذكر الخالد كتبه القيمة... (2).

(1) أخذت هذه الأبيات من موسوعة الغدير ج 11 ص 332 - 334، والقصيدة 453 بيتا.
(2) الغدير ج 11 ص 335 - 336. وتجد التفصيل - حول ترجمة شيخنا الحر العاملي وكتبه
القيمة وشعره الرائق - في موسوعة الغدير ج 11 ص 332 - 340.
167

38 - السيد علي خان المدني:
أمير المؤمنين! فدتك نفسي * لنا من شأنك العجب العجاب
تولاك الأولى سعدوا ففازوا * وناواك الذين شقوا فخابوا
ولو علم الورى ما أنت أضحوا * لوجهك ساجدين ولم يحابوا
يمين الله لو كشف المغطى * ووجه الله لو رفع الحجاب
خفيت عن العيون وأنت شمس * سمت عن أن يجللها سحاب
وليس على الصباح إذا تجلى * ولم يبصره أعمى العين عاب
لسر ما دعاك أبا تراب * محمد ن النبي المستطاب
فكان لكل من هو من تراب * إليك وأنت علته انتساب
فلو لا أنت لم يخلق سماء * ولولا أنت لم يخلق تراب
وفيك وفي ولائك يوم حشر * يعاقب من يعاقب أو يثاب
بفضلك أفصحت توراة موسى * وإنجيل بن مريم والكتاب
فيا عجبا لمن ناواك قدما * ومن قوم لدعوتهم أجابوا
أزاغوا عن صراط الحق عمدا * فضلوا عنك أم خفي الصواب؟
أم ارتابوا بما لا ريب فيه * وهل في الحق إذ صدع ارتياب؟
وهل لسواك بعد (غدير خم) * نصيب في الخلافة أو نصاب؟
ألم يجعلك مولاهم؟ فذلت * على رغم هناك لك الرقاب
فلم يطمح إليها هاشمي * وإن أضحى له الحسب اللباب
فمن تيم بن مرة أو عدي؟ * وهم سيان إذا حضروا وغابوا
لئن جحدوك حقك عن شقاء * فبالأشقين ما حل العقاب
168

فكم سفهت عليك حلوم قوم * فكنت البدر تنبحه الكلاب (1)
الشاعر
صدر الدين السيد علي خان المدني الشيرازي ابن نظام الدين أحمد بن
محمد معصوم (المولود 1052 والمتوفى 1120).
... ينتهي نسبه إلى زيد الشهيد ابن الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام.
هو من أسرة كريمة طنب سرادقها بالعلم والشرف والسودد، ومن شجرة طيبة
أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين، اعترقت شجونها في أقطار
الدنيا من الحجاز إلى العراق إلى إيران، وهي مثمرة يانعة حتى اليوم، يستبهج
الناظر إليها بثمرها وينعه.
... وشاعرنا صدر الدين من ذخائر الدهر، وحسنات العالم كله، ومن عباقرة
الدنيا، فني كل فن، والعلم الهادي لكل فضيلة، يحق للأمة جمعاء أن تتباهى بمثله
ويخص الشيعة الابتهاج بفضله الباهر، وسؤدده الطاهر، وشرفه المعلى، ومجده
الأثيل، والواقف على آيات براعته، وسور نبوغه - ألا وهو كل كتاب خطه قلمه،
أو قريض نطق به فمه - لا يجد ملتحدا عن الاذعان بإمامته في كل تلكم
المناحي... (2).
39 - المولى مسيحا الفسوي:
ما ارتحت مذ ركبت للبين جيراني * يا صاحبي! باتلافي أجيراني
يقول فيها:
فضلي ومجدي وإتقاني ومعرفتي * عادت بأجمعها أسباب حرماني
لو قلب الدهر أوراقي لصادفها * آيات لقمان في أشعار حسان

(1) أخذت الأبيات من موسوعة الغدير ج 11 ص 346.
(2) اقتباس من الغدير ج 11 ص 346 - 347. وتجد تفصيل الكلام - حول ترجمة السيد علي
خان المدني وتآليفه الثمينة وغرر شعره - في موسوعة الغدير ج 11 ص 344 - 353.
169

دنياي قد ثكلتني فهي باكية * نجومها الدمع والعينان عيناني
وأسوء بسط يد غلت إلى عنقي * حتى بدى المزن بالأمطار باراني
وقوست ألفي كالنون من نصب * فكاد ينقلب إيران نيراني
فيما ارتقا بي سحبا غير ماطرة؟ * إلى م أرضى بأرض ليس ترعاني؟!
من لي بعاصف شملال يبلغني * إلى الغري فيلقيني وينساني؟!
إلى الذي فرض الرحمان طاعته * على البرية من جن وإنسان
علي المرتضى الحاوي مدائحه * أسفار توراة بل آيات فرقان
ما أستعين بشملال ولا قدم * من ترب ساحته طوبى لأجفاني
تنزه الرب عن مثل يخبرنا * بأنه ورسول الله سيان
كأن رحمته في طي سطوته * آرام وجرة في آساد خفان
عم الورى كرما فاق الذرى شمما * روى الثرى عنما من نحر فرسان
فالدين منتظم والشمل ملتئم * والكفر منهدم من سيفه ألقاني
كالبرق في بسم والنار في ضرم * والماء في سجم من نهر أفنان
فقاره وهي في غمد تجللها * آي الوعيد حواها جلد قرآن
قد اقتدى برسول الله في ظلم * والناس طرا عكوف عند أوثان
تعسا لهم كيف ضلوا بعد ما ظهرت * لهم بوارق آيات وبرهان؟!
فهل أريد سواه حيث قيل لهم *: (هذا علي فمن والاه والاني)؟
هل ردت الشمس يوما لابن حنتمة؟ * أو هل هوى كوكب في بيت عثمان؟
هل جاد يوما أبو بكر بخاتمه * مناجيا بين تحريم وأركان؟
وهل تظن تعالوا ندع أنفسنا * في غيره نزلت؟ عن ذاك حاشاني
أخص بالسطل والمنديل واحدهم؟ * أم استحبوا بتفاح ورمان؟
أم ريثما صال عمرو بين أظهرهم * سواه صبغ منه السيف بالقاني؟
أم خيبر كان وافى قبله بطلا؟ * سل المصاريع من مرصوص بنيان
أشالها لجميع الجند قنطرة * يجيزها الكل من رجل وركبان؟
170

أم ريثما انهزم الأصحاب في أحد * وظل خير الورى فردا بلا ثان
من عصبة الشرك صفت حوله فئة * ذات المخالب في أرياش عقبان
سواه حامى رسول الله يطعنهم * بسمهري يحاكي لدغ ثعبان؟
بالسيف والرمح والأنصال دافعهم * عن الرسول بإخلاص وإيقان
حتى تبدد أهل الشرك وانهزموا * شبه الحنادس إذ تمحى بنيران
والقوم بشرهم إبليس من كذب * بقتل (أحمد) مصروعا بميدان
فارتاح أنفسهم سرا وقد ستروا * أسرارهم خوف أبصار وآذان
وهل تصدق للنجوى سواه فتى * وقد مضى قبل نسخ الحكم يومان؟
هل في فراش رسول الله بات فتى * سواه إذ حف من نصل بنيران؟
لولاه لم يجدوا كفوا لفاطمة * لولاه لم يفهموا أسرار فرقان
لولاه كان رسول الله ذا عقم * لولاه ما اتقدت مشكاة إيمان
لولاه لم يك سقف الدين ذا عمد * لولاه لانهدمت أركانه الواني (1)
لولاه ما خلقت أرض ولا فلك * لولاه لم يقترن بالأول الثاني
هو الذي كان بيت الله مولده * فطهر البيت من أرجاس أوثان
هو الذي من رسول الله كان له * مقام هارون من موسى بن عمران
هو الذي صار عرش الرب ذا شنف * إذ صار قرطيه إبناه الكريمان
أقدامه مسحت ظهرا به مسحت * يد الإله لتبريد وإحسان
يا واضعا قدميه حيثما وضعت * يد الإله عليه عز من شان
رحب الأكف إذا فاضت أنامله * لو لم يقل: (حسب) ثنى يوم طوفان
لو ظل تحت لواه في الوغا علم * تراه ترتج حنوا نحو ميدان
ما تستقر الرواسي تحت صارمه * كالطود تندك من أس وبينان
لولا الوصية فالشيخان أربعة * يوم السقيفة بل عثمان اثنان

(1) الواني: الضعيف البدن، يقال: نسيم وان: ضعيف الهبوب (غ).
171

فيا عجيبا من الدنيا وعادتها * أن لا يساعد غير الوغد والداني
من كان نص رسول الله عينه * لأمرة الشرع تبليغا بإعلان
يوم الجماهير في بيداء قد ملأت * بكل من كان من أعقاب عدنان
وقال صحب رسول الله قاطبة *: بخ لذاك وكان الأول الثاني (2)
من بعد ما شدد الرحمان إمرته * على الرسول بإحكام وإتقان
فقال: بلغ وإلا فادر أنك ما * بلغت حق رسالاتي وتبياني
تقدمته أناس ليس عينهم * نص الإله ولا منطوق برهان
لا أضحك الله سن الدهر إن له * قواعد عدلت عن كل ميزان
بصفو حبك قد أحييت مهتديا * فدتك نفسي يا ديني وإيماني
ودر فيضك ما دار السما وجرى * ودام ظلك ما كر الجديدان (1)
الشاعر
المولى محمد مسيح الشهير بمسيحا ابن المولى إسماعيل فد شكوئي الفسوي
المتخلص بمعنى في شعره الفارسي وبمسيح في العربي منه (المولود 1037
والمتوفى 1127).
هو عالم فيلسوف، وحكيم بارع، وفقيه متضلع، وأديب شاعر، وخطيب
كاتب، أخذ العلم عن أستاذ الكل آقا حسين الخوانساري وأخذ عنه كثيرون من
العلماء، تقلد شيخوخة الإسلام بشيراز على عهد السلطان شاه سليمان، وشاه
السلطان حسين وخلف آثارا قيمة لا يستهان بها... (3).

(1) كان أول من خاطب الإمام عليه السلام يوم غدير خم مبخبخا عمر بن الخطاب وهو ثاني من
تقمص الخلافة (غ).
(2) أخذت الأبيات من موسوعة الغدير ج 11 ص 369 - 371. وتجد الكلام حول القصيدة
وتخميسها في الغدير ج 11 ص 371 - 372، والقصيدة 91 بيتا.
(3) راجع الغدير ج 11 ص 372.
172

40 - الشيخ إبراهيم البلادي:
بدأت بحمد من خلق الأناما * وأشكره على النعما دواما
هو الموجود خالقنا وجوبا * ولم أثبت لموجدنا انعداما
لقد خلق الورى إظهار كنز * تستر فاستفض له الختاما (1)
أصول خمسة للدين منها * له العدل الذي في الحكم داما
وثاني الخمسة التوحيد فيه * ونفي شريكه أبدا دواما
وثالثها النبوة وهي لطف * عظيم دائم عم الأناما
ورابعها الإمامة وهي لطف * من الباري به الدين استقاما
وخامسها المعاد لكل جسم * وروح والدليل عليه قاما
وإن إلهنا في الحكم عدل * يخاصم كل من ظلم الأناما
وإن النار والجنات حق * على رغم الذي جحد القياما
وإن المؤمنين لهم جنان * ونار الكافرين علت ضراما
وإن الرسل أولهم أبوهم * وذلك آدم خصوا السلاما
وأفضلهم أولوا العزم الأجلا * ومن عرفوا لربهم المقاما
وهم نوح وإبراهيم موسى * وعيسى والأمين أتى ختاما
محمدهم وأحمدهم تعالا * وأعلاهم وقارا واحتشاما
فأشهد مخلصا أن لا إله * سوا الله الذي خلق الأناما
وأن محمدا للناس منه * نبي مرسل بالأمر قاما
وأشهد أنه ولى عليا * ولي الله للدين اهتماما
وصيره الخليفة يوم (خم) * بأمر الله عهدا والتزاما

(1) إشارة إلى الحديث القدسي الدائر على الألسن: (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف
فخلقت الخلق لكي أعرف) (غ).
173

ونص على الأئمة من بنيه * هناك على المنابر حين قاما
فواخاه النبي وفي البرايا * بحكم الله صيره إماما
وعظمه ولقبه بوحي * (أمير المؤمنين) فلن يراما
وزوجه البتول لها سلام * من الله الوصول ولا انصراما
فكان لها الفتى كفوا كريما * فأولدها أئمتنا الكراما (1)
الشاعر
أبو الرياض الشيخ إبراهيم بن الشيخ علي بن الشيخ الحسن البلادي البحراني
(القرن الثاني عشر)
هو أحد أعلام البحرين وفضلائها، كان موصوفا بالأدب وصياغة الشعر. له
(منظومة الاقتباس والتضمين من كتاب الله المبين في إثبات عقائد الدين)،
استدلاليا، و (جامع الرياض) يمدح فيه كلا من المعصومين عليهم السلام بروضة، ومن
هنا يكنى بأبي الرياض... (2).

(1) أخذت الأبيات من موسوعة الغدير ج 11 ص 383 - 384.
(2) راجع الغدير ج 11 ص 384 - 385.
174