الكتاب: رسائل في دراية الحديث
المؤلف: أبو الفضل حافظيان البابلي
الجزء: ٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٥ - ١٣٨٣ش
المطبعة: دار الحديث
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
ردمك: ٩٦٤-٧٤٨٩-٦٢-٥
ملاحظات: ايران : قم المقدسة ، شارع معلم ، رقم ١٢٥ ، هاتف : ٠٢٥١٧٧٤٠٥٤٥ - ٠٢٥١٧٧٤٠٥٢٣ / لبنان : بيروت ، حارة حريك ، شارع دكاش ، هاتف : ٠٣٥٥٣٨٩٢ - ٠١٢٧٢٦٦٤ / عنوان الاينترنت : www.hadith.net البريد الالكتروني : hadith@hadith.net

بسم الله الرحمن الرحيم
1

مركز تحقيقات دار الحديث: 76
رسائل في دراية الحديث / إعداد أبو الفضل حافظيان بابلى. - قم: دار الحديث، 1424 ق = 1382.
2 ج. - (مركز تحقيقات دار الحديث؛ 1 / 59)
4000 تومان ISBN: 964 - 7489 - 62 - 5
كتابنامه.
مندرجات: بخش. ج. 1. مصنفات الشيعة في الدراية والبداية في علم الدراية ووصول الأخيار والرعاية في شرح البداية والوجيزة. - ج. 2. المقنعة الأنيسة والمغنية النفيسة والفن الثاني من القواميس ورسالة في علم الدراية والجوهرة العزيزة في شرح الوجيزة وموجز المقال في نظم الوجيزة والوجيزة في علم دراية الحديث.
1. حديث - علم الدراية - مجموعه ها. الف. حافظيان، أبو الفضل، 1348 -، گردآورنده. ب. عنوان. ج. عنوان: مصنفات الشيعة في الدراية. د. عنوان: البداعة في علم الدراية. ه‍. عنوان: وصول الأخيار. و. عنوان: الرعاية في شرح البداية. ز. عنوان: الوجيزة.. ح. عنوان: المقنعة الأنيسة. ط. عنوان: والمغنية النفيسة. ي. عنوان: الفن الثاني من القواميس. ك. عنوان: رسالة في علم الدراية. ل. عنوان: الجوهرة العزيزة في شرح الوجيزة. م. عنوان: موجز المقال في نظم الوجيزة. ن. عنوان: الوجيزة في علم دراية الحديث
264 / 297
5 ر 2 ح / 109 BP
2

رسائل في دراية الحديث
1. المقنعة الأنيسة والمغنية النفيسة
2. الفن الثاني من القواميس
3. رسالة في علم الدراية
4. الجوهرة العزيزة في شرح الوجيزة
5. موجز المقال في نظم الوجيزة
6. الوجيزة في علم دراية الحديث
الجزء الثاني
الإعداد
أبو الفضل حافظيان البابلي
3

رسائل في دراية الحديث (2)
إعداد: أبو الفضل حافظيان البابلي
المساعدان: علي أوسط الناطقي ومحمد حسين الدرايتي
الفهارس العامة: حميد أحمدي
مقابلة النص: محمود سپاسي، مصطفى أوجي، محمد محمودي، مهدي جوهرچي
نضد الحروف والإخراج: فخر الدين جليلوند
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
الطبعة: الأولى، 1425 ق / 1383 ش
المطبعة: دار الحديث
الكمية: 500 نسخة
الثمن: 4000 تومان
دار الحديث للطباعة والنشر
مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية
hadith @ hadith. net
http: / / www. hadith. net
إيران: قم المقدسة، شارع معلم، رقم 125؛ هاتف: 7740545 - 7740523 0251
لبنان: بيروت، حارة حريك، شارع دكاش؛ هاتف: 559892 / 03 - 272664 / 01
4

الفهرس الإجمالي
1. المقنعة الأنيسة والمغنية النفيسة... 7
تأليف: مهذب الدين أحمد بن عبد الرضا البصري (بعد 1085 ق)
تحقيق: علي رضا هزار
2. الفن الثاني من القواميس... 67
تأليف: ملا آقا فاضل دربندي (1285 ق)
تحقيق: محمد كاظم رحمان ستايش
3. رسالة في علم الدراية... 207
تأليف: مولى رفيع بن علي الرشتي (1292 ق)
تحقيق: السيد حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي
4. الجوهرة العزيزة في شرح الوجيزة... 349
تأليف: السيد علي محمد النصير آبادي النقوي الهندي (1312 ق)
تحقيق: محمد البركة ونعمة الله الجليلي
5

5. موجز المقال في نظم الوجيزة... 479
ناظم: الشيخ عبد الرحيم الإصبهاني الحائري (1367 ق)
تحقيق: السيد حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي
6. الوجيزة في علم دراية الحديث... 513
تأليف: ملا عبد الرزاق الحائري الإصبهاني الهمداني (1383 ق)
تحقيق: رضا قبادلو
الفهارس العامة... 581
6

(1)
المقنعة الأنيسة والمغنية النفيسة
تأليف:
مهذب الدين أحمد بن عبد الرضا البصري
1020 - بعد 1085 ه‍
تحقيق:
علي رضا هزار
7

بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة المؤلف (1):
الشيخ الأجل الحافظ مهذب الدين أحمد بن عبد الرضا البصري، ولد في سنة
(1020 ق) وتوفي سنة (1085 ق).
كان فقيها، أصوليا، محدثا، متقنا لعلمي المعاني والبيان والفلكيات. أقام في
خراسان من سنة (1068 ق) إلى سنة (1080 ق)، ويرجح أنه أقام في حيدرآباد سنة
(1081 ق) في دهلي وسنة (1085).
كان معاصرا لصاحب الوسائل محمد بن الحسن بن الحر العاملي، ومن أجلة
تلاميذه وكان يحفظ اثني عشر ألف حديث بلا إسناد، وألفا ومائتي حديث مع
الإسناد.
مؤلفاته:
وله مؤلفات كثيرة منها:
1. كتاب تحفة ذخائر كنوز الأخيار في بيان ما لعله يحتاج إلى التوضيح من الأخبار (2)، في
مجلدين، ينقل عنه في دانشوران ناصري.
2. آداب المناظرة، ألفه في حيدرآباد الدكن سنة (1081 ق)، وهو مختصر يذكر

1. راجع: أعيان الشيعة 2: 624.
2. أنظر: فهرست نسخه هاى خطى كتابخانه مجلس شوراى اسلامى 26: 8 رقم 7503؛ الذريعة 3: 433.
9

بعد الآداب من باب المثال، مسألة حدوث العالم واحتياجه إلى المؤثر، ويذكر كيفية
المناظرة فيها؛ وهو ضمن مجموعة لطيفة من رسائل المصنف ألفها بين سنة
(1077 ق) وسنة (1085 ق) توجد في بعض خزائن الكتب في النجف.
3. عمدة الاعتماد في كيفية الاجتهاد ألفه في كابل سنة (1080 ق).
4. العبرة الشافية والفكرة الوافية في الكلمات الحكمية والنكات الأخلاقية.
5. التحفة الصفوية في الأنباء النبوية، ذكر فيه أنه ألفه بقندهار، بالتماس بعض
علمائها، ذكر فيه الأحاديث المختصرة المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) على ترتيب حروف
المعجم، فرغ منه سنة (1079 ق).
6. التحفة العلوية في الأحاديث النبوية.
7. الزبدة في المعاني والبيان والبديع.
8. خلاصة الزبدة.
9. فائق المقال في علم الحديث والرجال، فرغ منه سنة (1085 ق) بحيدر آباد،
طبع في مؤسسة دار الحديث - قم.
10. المقنعة الأنيسة والمغنية النفيسة في الدراية، وهو كتابنا هذا.
11. غوث العالم في حدوث العالم ورد القائلين بالقدم.
12. رسالة في القيافة.
13. رسالة في التجويد.
14. رسالة في الأخلاق.
15. الرسالة الفلكية في الهيئة، ألفها بقرية أدكان من قرى خراسان سنة (1077 ق).
16. الرسالة الاعتقادية، كتبها في إحدى القرى الواقعة قرب مشهد الرضا (عليه السلام)، وهي
موجودة في مكتبة الشيخ هادي كاشف الغطاء في النجف الأشرف.
17. المنهج القويم في تفضيل الصراط المستقيم علي (عليه السلام) على سائر الأنبياء والمرسلين. و
هو الآن تحت الطبع في مؤسسة دار الحديث - قم.
10

18. الدرة النجفية في الأصول، وعليها تقريظ لأستاذه محمد بن الحسن الحر
صاحب الوسائل بتاريخ (1075 ق) وهي موجودة في مكتبة الشيخ هادي كاشف
الغطاء في النجف أيضا.
19. كليات الطب فرغ منه سنة (1081 ق).
20. رسالة الحساب.
21. رسالة رسم الخط.
22. رسالة حساب العقود.
23. جوابات المسائل.
24. رسالة الحد.
25. رسالة في القراءة. (1)
ونقلت عنه عدة إجازات لبعض تلاميذه، ونذكر الآن إجازته للشيخ أحمد بن
الشيخ جعفر چلپي الذي التمس من مهذب الدين أحمد بن عبد الرضا البصري (رحمه الله)
الإجازة له في نقل الخبر والحديث؛ توجد هذه الإجازة في المجموعة التي من ضمنها
رسالتنا هذه " المقنعة الأنيسة... ". (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك يا من أجاز لنا نقل أخباره عن الأبرار إلى الأخيار أولي الأبصار، وأوجب

1. أنظر: مستدركات أعيان الشيعة 5: 88؛ الذريعة 23: 197، و ج 16: 91.
2. وفي مخطوطة مكتبة ملك المرقمة 3572 توجد فيها عدة كتب أخرى للمؤلف وهي:
أ - فائق المقال في علم الحديث والرجال.
ب - المقنعة الأنيسة والمغنية النفيسة.
ج - التحفة العزيزة في أصول الفقه.
د - حساب الأنامل.
ه‍ - إجازة للشيخ أحمد بن جعفر چلپي.
11

علينا رواية حديث معرفته وعدله وإحسانه، ودراية أثر حكمته وفضله وامتنانه؛ و
أصلي على نبيك وحبيبك وصفيك، محمد الذي أفضل من قامت به الشريعة و
استقامت به الذريعة.
وبعد: فلا يخفى على أهل الحال، أن أعلى مراتب الكمال، وأجلى مناصب
الجمال، وأحلى مواهب ذي الجلال، الترقي عن حضيض المقلدين والجهال، و
التعلي عن حضيض المترددين والغفال، والتجلي بالعلوم الدينية والمعارف اليقينية،
والتحلي بالمعاني الباقية والأمور الواقعة، والفوز بالعبادة المؤدية إلى السعادة. وقد
وفق الله - جل جلاله وعم نواله - من اختاره واجتباه، وأحبه وحباه لتحقيق ذلك المرام
الرفيع المقام، حتى سهلوا سلوك المسالك ويسروا ما به مداخل تلك الممالك، فبذلوا
جهدهم في التقرير والبيان والتحرير، ووجهوا كدهم إلى التحقيق والتبيان والتدقيق،
وحفظوا شوارد المعارف والعلوم، وحرسوا دين الملك الحي القيوم، وذلك كله من
المعلوم.
وكان أقصى مرادهم التمسك بالملك العلام، والنبي خير الأنام، وآله مصابيح
الظلام، ودعائم الإسلام - صلوات الله عليه وآله أكرم الخلق لديه - فوصلوا بعلو الهمة،
وسلموا بذلك من كل شبهة ووصمة، فصاروا به من خيار الأمة.
وكان ممن صرف في ذلك أوقاته وأيامه وساعاته، ووقف عليه عمره وهمه و
أمره، وبذل في تحصيله مهجته المحروسة، وأذال في تفصيله نفسه النفيسة، وتوجه
إليه بجملته وتصدى إليه بكليته، المولى الجليل، الفاضل النبيل، المحقق المدقق،
الألمعي اللوذعي، جامع المعقول والمنقول، شافع الفروع بالأصول، المرتقى أعلى
مراتب الكمال، المتجلي بأجلى مناصب الجمال، الأرشد الأسعد الشيخ أحمد بن
الشيخ المبرور جعفر چلپى - حرس الله أفضاله ومجده وكماله، وكثر الله في العلماء
أمثاله -. وقد التمس من هذا العبد الذليل الفاني الكليل، الإجازة له في نقل الخبر و
الحديث والأثر، والعلوم الدينية والأحكام الإلهية، وقد دبر وحصل وتدبر و
توصل، وأحسن وأجاد وأفاد أكثر مما استفاد؛ وظهر لي أنه من أصحاب النقل و
12

الرواية، واتضح لي أنه من أرباب العقل والدراية، ولاح نور الصلاح في بهجة جبهته،
وفاح ريح الفلاح من جبهة بهجته، فبادرت إلى امتثال ما وجب من إجابته، حذرا من
الدخول في حيز مخالفته، إذ كان مطلبه الأقصى التبرك باتصال سلسلة الخطاب، الذي
هو أشرف الروابط والانتساب، ومقصده الأعلى العلم والعمل، - بلغه الله منهما غاية
الأمل - وقد أجزت له بعد أن عرفت فرعه وأصله، أن يروي جميع ما للرواية فيه
مدخل، والدراية من كتب الحديث الأربعة المشهورة وغيرها من الدفاتر المبرورة
عني، عن الشيخ الجليل، الفاضل النبيل، والنحرير الأثيل، الشيخ محمد بن الشيخ
حسن الحر العاملي - أعلى الله مقامه وزاد في دار الكرامة إكرامه - عن الشيخ العالم
الفاضل أبي عبد الله الحسين بن الحسن بن يونس بن يوسف بن ظهير الدين العاملي
- قدس الله روحه ونور ضريحه - عن الشيخ الأجل الأفضل الشيخ نجيب الدين علي
بن محمد بن مكي العاملي - أطاب الله ثراه وجعل رضوانه مأواه - عن الشيخ المحقق
المدقق، الفاضل الكامل الأوحد الأمجد، بهاء الملة والدين محمد بن الشيخ النبيل
الأثيل الحسين بن عبد الصمد العاملي - قدس الله سره وفي حضيرة القدس سره - و
الشيخ الفاضل الورع الكامل، الشيخ حسن بن الشيخ الأعلم الأعمل الأفضل الأكمل،
الشهيد السعيد الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد العاملي، والسيد الجليل الحسيب
النسيب النقيب، السيد محمد بن السيد علي بن أبي الحسن الحسيني الموسوي - روح
الله تعالى أرواحهم وأصبح في داره مصابحهم - بأسانيدهم المقررة وطرقهم
المحررة، في عدة جليلة من تصانيفهم وجملة جميلة من تآليفهم، ككتاب الأربعين
للشيخ بهاء الدين، وكتاب المنتقى الجليل وكتاب الإجازة المكملة للشيخ حسن بن
الشيخ الشهيد الثاني، المشتملة على الطرق المفصلة والأسانيد المتصلة، بمصابيح
الدجى وحجج الملك الأعلى، أئمة الحق والهدى، عن النبي سيد المرسلين وخاتم
النبيين - صلوات الله عليه وعليهم وحشرنا لديه ولديهم -، وقد تشارك السيد محمد
صاحب المدارك والشيخ حسن - قدس الله سرهما - في جميع الطرق المحبورة و
الروايات المذكورة، في الإجازة وغيرها، فليرو ذلك عني عنهم لمن أحب، مراعيا من
13

الشرائط ما قد وجب، ملازما للورع والتقوى، متمسكا بالحبل الأقوى، عاملا
بالاحتياط في العمل والفتوى - وفقه الله لذوق حلاوة أعلى مراتب الأعمال، وجنبه
عن مرارة ملاعب مهاوي البطالة والإهمال - راجيا منه الدعاء في حياتي، والترحم
علي بعد مماتي.
حرره العبد الجاني الراجي عفو ربه العفو والرضى، المشتهر بمهذب الدين
أحمد بن عبد الرضا سنة خمس وثمانين بعد الألف من الهجرة النبوية - على مهاجرها
أفضل الصلاة وأكمل التحية -.
طريقة المؤلف في كتابه المقنعة...:
انتهج مهذب الدين أسلوب الإيجاز في كتابة المقنعة الأنيسة والمغنية النفيسة، كما
هو منهج الشيخ البهائي في الوجيزة التي تعتبر من كتب الدراية المهمة رغم صغر
حجمها.
عملنا في التحقيق:
اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على النسخة الوحيدة التي كانت في مخطوطة
مكتبة ملك المرقمة 2 / 3572 (ذكرت في فهرسها 6: 495) وإني بعد الاستنساخ
حاولت تخريج الأقوال والأحاديث الواردة في المتن، وتوضيح بعض الكلمات و
الجمل التي تسبب الوهم.
وأشرت في الهامش إلى بيان بعض الآراء المطابقة أو المخالفة لآراء المؤلف،
لكي تتضح القيمة العلمية لآرائه بالمقابلة.
وأضفت بعض ما رأيته مناسبا من العناوين ووضعتها بين معقوفين [] لضبط
الجانب الفني من الكتاب، وإخراجه بالمظهر اللائق به ولتوضيح المطالب أكثر.
14

كلمة الشكر:
بعد شكري وثنائي لله تعالى، أتقدم بالشكر الجزيل إلى الأستاذ المحقق الشيخ
مهدي المهريزي الذي اقترح علي تحقيق هذا الكتاب، والشيخ المحقق علي الناطقي
والأخ الفاضل المحقق الشيخ أبو الفضل حافظيان البابلي، فإنهم - دامت تأييداتهم -
ساعدوني في تحقيق الكتاب وتفضلوا علي بإرشادات قيمة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين
الطاهرين.
قم المقدسة
11 جمادي الأولى 1420 ق
علي رضا هزار
15

المقنعة الأنيسة والمغنية النفيسة
17

بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم لتواتر نعمائك، وأشكرك اللهم لتظاهر آلائك، وأصلي على
حبيبك أفضل أنبيائك وآله خلفائه أصفيائك.
أما بعد، فيقول الجاني الراجي عفو ربه العفو والرضى أحوج خليقته إليه المشتهر
ب‍ " المهذب أحمد بن عبد الرضا " - وفقه الله لطاعاته قبل انقضاء عمره وأوقاته -: هذه
" المقنعة الأنيسة والمغنية النفيسة " التي على حقيقة هذا العلم الشريف احتوت وعلى
سائر أصوله وفصوله انطوت.
خطرت بالبال الأسير حال ألم غير يسير، راجيا بها الغفران من الغفار، ليوم
تشخص فيه سائر الأبصار وتمتاز الأبرار من الفجار، مرتبة على اثني عشر منهجا و
خاتمة. وما توفيقي إلا بالله.
منهج [1]
[موضوع علم الدراية]
علم الدراية (1): علم يبحث فيه عن متن الحديث وكيفية تحمله وآداب نقله و
طرقه، من صحيحها وعليلها.
والحديث: كلام يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره.
وإطلاقه على ما ورد عن غير المعصوم مجاز. ويرد على عكسه، النقض

1. الدراية في اللغة هو: العلم، كما صرح به كثير من أهل اللغة.
راجع: القاموس 4: 327؛ المصباح المنير 1: 263؛ لسان العرب 14: 255؛ وغيرها.
19

بالمسموع من معصوم، غير محكي عن آخر.
والأولى انضمام القول إلى التعريف بأن يقال:
إنه قول المعصوم أو حكاية قوله أو فعله أو تقريره.
ويرد عليه انتقاض عكسه بالحديث المنقول بالمعنى فقط، وطرده بكثير من
عبارات الفقهاء في كتب الفروع.
ويمكن الجواب عن الأول، بإمكان إرادة العموم بالحكاية.
وعن الثاني، بإمكان اعتبار الحيثية فيها.
والخبر: تارة يطلق على ما يقابل الإنشاء؛ وأخرى: ما ورد عن غير المعصوم من
الصحابي والتابعي ونحوهما. وثالثا: ما يرادف الحديث، وهو الأكثر. وتعريفه
حينئذ ب‍ " كلام يكون لنسبته خارج في أحد الأزمنة الثلاثة ". (1)
ولا يخفى أن هذا التعريف إنما ينطبق على الخبر المقابل للإنشاء، لانتقاضه طردا
بنحو " زيد إنسان "، وعكسا بنحو قوله (صلى الله عليه وآله): " صلوا كما رأيتموني أصلي ". (2)
وربما يجاب عن الأول: بالإضافة إلى التعريف قولنا " يحكي الخ ". (3)
وعن الثاني: بجعل قول الراوي، " قال النبي (صلى الله عليه وآله) " جزءا من الحديث. (4)
والأثر: أعم منهما مطلقا.
وقيل ما يرادف الخبر وهو أعم منهما. (5)
والسنة: طريقة النبي (صلى الله عليه وآله) قولا أو فعلا أو تقريرا؛ أصالة منه أو نيابة عنه (6)؛ وهي

1. البداية: 5. [البقال 1: 49].
2. بحار الأنوار 85: 279.
3. ليتم الطرد.
4. ليتم العكس.
5. ذكره الزبيدي في تاج العروس ونسبه إلى البعض، تاج العروس 3: 166 مادة (أثر).
قال الشيخ المقامقاني (رحمه الله) في مقباس الهداية 1: 65: " وأشبه الأقوال هو القول الأول، لأصالة عدم النقل ".
6. عرفها والد الشيخ البهائي - رحمهما الله - بأنها: " طريقة النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام المحكية عنه، فالنبي بالأصالة و
الإمام بالنيابة. وهي قول، وفعل وتقرير ". وصول الأخيار إلى أصول الأخبار: ص 88.
قال الشيخ المامقاني (رحمه الله) في مقباس الهداية 1: 69:
" والأجود، تعريف السنة بأنه: قول من لا يجوز عليه الكذب والخطأ وفعله وتقريره، غير قرآن ولا
عادي ".
20

أعم من الحديث ونحوه؛ لصدقها على ذلك كله واختصاصه بالقول لا غير، إذ لا يطلق
نفس العمل والتقرير على غيرها. (1)
والحديث القدسي: ما يحكي كلامه تعالى. ولم يتحد بشيء منه، كقوله تعالى:
" ليحزن عبدي المؤمن إذا قترت عليه وذلك أقرب له مني، ويفرح عبدي المؤمن إذا
وسعت عليه وذلك أبعد له مني ". (2)
وجواز مسه، وتغيير لفظه، وعدم الإعجاز فيه، هي الفارقة بينه وبين القرآن المجيد.
ومتن الحديث: لفظه الذي يتقوم به معناه.
وسنده: طريق المتن، أعني الجملة من رواته.
وقيل: هو الإخبار عن طريقه وليس بشيء. (3)
وإسناده: رفعه إلى قائله من معصوم وغيره.
منهج [2]
[أقسام الخبر]
[الخبر المتواتر (4):]
[أ]: ما استنبط معناه من عدة أخبار تشترك في معناه: فمتواتر معنى؛ كوجوب

1. الوجيزة: ص 4؛ مقباس الهداية 1: 69.
2. الجواهر السنية: 286.
3. البداية: 7 [البقال 1: 53]؛ قواعد التحديث: 201.
4. المتواترة هي المتابعة، قيل ولا تكون المتواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينها فترة، وإلا فهي مداركة و
مواصلة.
راجع: النهاية 5: 147؛ معجم مقاييس اللغة 6: 84؛ مجمع البحرين 3: 508.
21

الصلاة اليومية.
[ب]: أو بلغت سلسلة رواته إلى المعصوم حدا يؤمن معه تواطؤهم على الكذب
في جميع الطبقات، فمتواتر لفظا، كحديث: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار " كما قيل. (1)
ويرسم بأنه خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه. (2)
والأول في أخبارنا كثير جدا بخلاف الثاني.
[خبر الواحد:]
و (3) إلا فخبر آحاد، وهو ما لا يفيد بنفسه إلا ظنا.
[أقسام خبر الآحاد:]
[1] فإن علم سلسلة بأجمعها فمسند. (4)
[2] أو سقط من أولها واحد فصاعدا فمعلق.
[3] أو [سقط] من آخرها - كذلك - أو جميعا، فمرسل.

1. قاله الشهيد الثاني (رحمه الله) في: الدراية: 14 - 15.
قال السيد المرتضى (رحمه الله) في التباينات:
" ليس كل ما رواه أصحابنا من الأخبار وأودعوه في كتبهم وإن كان مستندا إلى رواة معدودين من الآحاد،
معدودا في الحكم من أخبار الآحاد، بل أكثر هذه الأخبار متواتر موجب العلم ".
راجع: رسائل الشريف المرتضى - المجموعة الأولى - إعداد السيد مهدى رجائي: 26 وناقشه الشهيد
الثاني (رحمه الله) في كتابه: الرعاية في علم الدراية: 68.
2. البداية: 12، [البقال 1: 62]؛ وصول الأخيار إلى أصول الأخبار: 92؛ الوجيزة: 6؛ جامع المقال للطريحي: 3؛ مقباس
الهداية 1: 89؛ نهاية الدراية: 97.
3. أي: إذا لم ينته الحديث إلى حد التواتر أو التظافر والتسامع.
راجع: نهاية الدراية: 102.
4. ويقال له: الموصول والمتصل.
22

وهو وما قبله من الصحيح مع العلم بوثاقة المحذوف. (1)
[4 و 5] أو [سقط] من وسطها واحد، فمنقطع؛ أو أكثر، فمعضل.
[6] أو نقله أكثر من ثلاثة في كل مرتبة، فمستفيض؛
[7] أو انفرد بها، واحد في أحدها، (2) فغريب؛
[8] أو شاع نقله مطلقا، أو عند المحدثين خاصة، فمشهور.
[9] أو روي بلفظ " عن " مكررة، فمعنعن.
[10] أو طوي فيه ذكر المعصوم، فمضمر. (3)

1. قد وقع الخلاف في حجية المراسيل على قولين:
أحدهما: الحجية والقبول مطلقا، إذا كان المرسل ثقة، سواء كان صحابيا أم لا، جليلا أم لا، أسقط واحدا
أو أكثر، وهو المحكي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ووالده من أصحابنا، وجمع من العامة منهم
الآمدي، ومالك، وأبو هاشم، وأتباعه من المعتزلة.
ثانيهما: عدم الحجية، وهو خيرة جمع كثير من أصحابنا، منهم: الشيخ، والفاضلان، والشهيدان، و
سائر من تأخر عنهم، وآخرين من العامة كالحاجبي، والعضدي، والبيضاوي، والرازي... وغيرهم.
راجع مقباس الهداية 1: 338 - 348؛ نهاية الدراية: 193 - 195.
2. أي: انفرد بالرواية راو واحد، في أي موضع وقع التفرد من مواضع السند، ولو في أحد المراتب
والطبقات، فغريب.
3. الإضمار لغة: الإخفاء. فيقال: أضمر الضمير في نفسه إذا أخفاه، وأضمرت الأرض الرجل إذا غيبته.
لاحظ: معجم مقاييس اللغة 3: 371؛ النهاية 3: 99؛ تاج العروس 3: 352؛ القاموس المحيط 2: 76؛ لسان العرب 4:
493؛ مجمع البحرين 3: 374.
وهذا النوع من الحديث غير معروف عند الجمهور، واستعمله أصحابنا للتقية. ومنشأ الإضمار في كثير
من الأخبار، هو أن أصحاب الأصول، لما كان من عادتهم، أن يقول أحدهم في أول الكلام: سألت فلانا،
ويسمي الإمام الذي روى عنه، ثم يقول: وسألته، أو نحو ذلك، حتى ينهي الأخبار التي رواها؛ كما يشهد
به ملاحظة بعض الأصول الموجودة، لكتاب " علي بن جعفر "، وكتاب قرب الإسناد، وغيرهما، وكان ما
رواه عن ذلك الإمام أحكاما مختلفة، والمشايخ الثلاثة y عندما بوبوا الأخبار ورتبوها اقتطعوا كل حكم
من تلك الأحكام، ووضعوه في بابه بصورة ما هو مذكور في الأصل المنتزع فيه؛ ومنه وقع الاشتباه على
الناظر الغير الخبير.
راجع: مقباس الهداية 1: 332 - 335؛ نهاية الدراية: 207.
23

[11] أو اشترك كله أو بعضه بأمر خاص، كالاسم والأولية (1) والمصافحة ونحو
ذلك، (2) فمسلسل.
[12] أو أدرج فيه كلام بعض الرواة، فيظن أنه منه، فمدرج.
[13] أو خالف المشهور، فشاذ. (3)
[14] أو يشتبه تصحيفا، فمصحف؛ وهو إما في الراوي ك‍ " بريد ويزيد وجرير و
حريز ". أو في المتن كحديث " من صام رمضان واتبعه ستا من شوال " (4) فإنه صحف
بالشين المعجمة، أو في المعنى كما نقل عن أبي موسى بن المثنى العنزي، أنه قال:
" نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة (5)، صلى إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ". (6)
وذلك روي أنه (صلى الله عليه وآله) صلى إلى عنزة وهي عصاة في رأسها حديدة نصبت بين يديه،
فتوهم أنه (صلى الله عليه وآله) صلى إلى قبيلتهم: بني عنزة.
[15] أو قلت الواسطة فيه مع اتصاله، فعال: لبعده عن الخطأ؛ لأن ما قرب إلى
المعصوم أعلى مما بعد عنه؛ وكذا ما قرب من أئمة الحديث، فهو أعلى مما بعد
عنهم. (7)

1. وهو: أول ما يسمعه كل واحد منهم من شيخه من الأحاديث.
2. كالتلقيم، كقول كل واحد: (لقمني فلان بيده لقمة لقمة).
قال السيد حسن الصدر (رحمه الله) في نهاية الدراية: 215:
رأيت السيد حسين بن سيد حيدر الكركي العاملي في إجازة المبسوط، يذكر أنه قرأ على الشيخ بهاء
الدين، الحديث المسلسل، بألقمني الخبز والجبن، وألقمني لقمة منها.
3. هو ما رواه الثقة، مخالفا لما رواه جماعة.
4. هذا أصل الحديث، ولكن صحف ب‍ " من صام رمضان واتبعه شيئا من شوال... ". والرواية أصلها في:
صحيح المسلم 1: 822.
5. العنزة - بفتح النون -: أصول من العصا وأقصر من الرمح. معجم مقاييس اللغة 4: 154؛ مجمع البحرين 4: 27.
6. صحيح البخاري، صلاة الخوف، باب 14؛ مسند أحمد بن حنبل 2: 98 و 106.
" يريد بذلك ما روى أنه صلى إلى عنزة، وهي حربة تنصب بين يديه سترة، فيتوهم أنه (صلى الله عليه وآله) صلى إلى
قبيلتهم بني عنزة، وهو تصحيف معنوي عجيب ". البداية: 35 [البقال، 1: 111]
7. والعلو أقسام خمسة:
الأول: القرب في الاسناد إلى المعصوم (عليه السلام).
فإن كان الإسناد صحيحا مع قرب الإسناد، فهو الأعلى والأشرف، ك‍ " ثلاثيات الكليني " عندنا، و " ثلاثيات
البخاري " عند العامة، وإلا فهو العلو المطلق.
الثاني: القرب إلى إمام من أئمة الحديث.
وهو أن يسمع شخصان من شيخ، وسماع أحدهما أقدم، فهو أعلى، وإن تساوى العدد الواقع في
الإسناد، أو إنهما اتفقا في عدم الواسطة، إلا أن زمان سماع أحدهما متقدم على الآخر، فأولهما سماعا
أعلى من الآخر، بقرب زمانه من المعصوم (عليه السلام) بالنسبة إلى الآخر.
الثالث: العلو بتقدم السماع.
الرابع: العلو بتقدم وفاة. فما يرويه عمن تقدمت وفاته، فإنه أعلى من إسناد آخر يساويه في العدد مع
تأخر وفاة من هو في طبقته عنه.
الخامس: العلو بالنسبة إلى رواية أحد المجاميع الأربعة الكبار أو غيرها من الأصول المعتبرة عندنا.
راجع: نهاية الدراية: 209 و 210.
24

[16] أو زاد على غيره، مما هو مروي بمعناه. بالإسناد أو المتن، فمزيد. (1)
[17] أو تلقي بالقبول والعمل بمضمونه وإن ضعف فمقبول كحديث: " عمر بن
حنظلة " (2) في المتخاصمين.
[18] أو تضاد في المعنى مع آخر، فمختلف ظاهرا أو باطنا. (3)
[19] أو اشتمل على أسباب خفية غير ظاهرة، قادحة فيه سندا أو متنا، فمعلل.
[20] أو دل على رفع حكم شرعي سابق عليه، فناسخ.
[21] أو رفع حكمه الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه، فمنسوخ.

1. الزيادة في المتن بأن يروي فيه كلمة زائدة، تتضمن معنى لا يستفاد من غيره؛ وفي الإسناد، كأن يرويه
بعضهم بإسناد مشتمل على ثلاثة رجال معينين مثلا، فيرويه المزيد بأربعة.
راجع: البداية: 40 [البقال 1: 121]؛ قوانين الأصول: 487؛ مقباس الهداية 1: 264.
2. الكافي 1: 67، ح 10؛ وسائل الشيعة 18: 98.
3. والمختلفان في اصطلاح الدراية، هما المتعارضان في اصطلاح الأصوليين، والمتوافقان خلافه؛ وأن
الجمع بين المتعارضين من أهم فنون علم الحديث وأصعبها.
إن أول من صنف في الجمع بين الأخبار، من أصحابنا y الشيخ أبو جعفر الطوسي، التهذيب والاستبصار
فيما اختلف فيه من الأخبار ومن العامة الشافعي اختلاف الحديث، ثم ابن قتيبة تأويل مختلف الحديث.
راجع: البداية: 42 [البقال 1: 127]؛ مقباس الهداية 1: 267 - 275؛ نهاية الدراية: 167 - 170.
25

ومن طرق معرفتهما: النص والإجماع والتأريخ. (1)
[22] أو اختلف رواية في روايته. بأن يرويه مرة هكذا ومرة بخلافه، فمضطرب.
ويقع في السند بأن يرويه تارة: " عن أبيه عن جده " بلا واسطة وتارة: عن
غيرهما. (2)
وفي المتن كخبر اعتبار الدم عند اشتباهه بالقرحة. حيث رواه في الكافي والشيخ
في التهذيب وأكثر نسخه ب‍ " أن الخارج من الجانب الأيمن يكون حيضا " (3) وفي بعض
نسخه الأخرى بالعكس. (4)
[23] أو أوهم السماع ممن لم يسمع منه، أو تفرد بإيراد ما لم يشتهر بلقائه، (5)
فمدلس؛ لعدم تصريحه به.
[24] أو ورد بطريق يروى بغيره سهوا أو (للرواج أو الكساد)، فمقلوب.
[25] أو اختلق ووضع لمعنى لمصلحة فموضوع.
[26 و 27] وإن وافق الراوي في اسمه واسم أبيه آخر لفظا، فمتفق ومفترق. (6)
أو خطا فقط، فمختلف ومؤتلف.
[28] أو [وافق] في اسمه فقط والأبوان مؤتلفان، فمتشابه.

1. فإن المتأخر منهما يكون ناسخا للمتقدم.
قال فخر المحققين محمد بن حسن بن يوسف بن علي المطهر الحلي (رحمه الله) على ما حكى عنه في الرواشح
السماوية: 168؛ وجامع المقال: 5: " لا يوجد من هذا النوع في أحاديثنا ".
2. ومثل لذلك في البداية برواية أمر النبي (صلى الله عليه وآله) ب‍: الخط للمصلي سترة حيث لا يجد العصا.
3. البداية: 53 [البقال 1: 150]؛ وصول الأخيار إلى أصول الأخبار: 112؛ الرواشح السماوية: 190؛ قوانين الأصول:
488؛ جامع المقال: 5؛ مقباس الهداية 1: 387؛ نهاية الدراية: 66.
4. الكافي، 3: 94، ح 3، كتاب الحيض.
5. بأن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه، ولكن لا يحب معرفة ذلك الشيخ لغرض من الأغراض، فيسميه
أو يكنيه باسم أو كنية غير معروف به، أو ينسبه إلى بلد أو قبيلة غير معروف بهما، أو يصفه بما لا يعرف به
كي لا يعرف.
6. ويتميز عند الإطلاق بقرائن الزمان ومعرفة الطبقة.
26

[29] أو [وافق] المروي عنه في السن أو الأخذ عن الشيخ، فرواية الأقران. (1)
[30] أو حصول تقدم عليه في أحدهما، فرواية الأكابر عن الأصاغر. (2)
[أقسام الحديث باعتبار أحوال رواته]
[1] ثم سلسلة السند إما إماميون ممدوحون بالتوثيق في كل طبقة، فصحيح وإن
اعتراه شذوذ.
[2] أو إماميون ممدوحون بدونه كلا أو بعضا مع توثيق الباقي، فحسن.
[3] أو مسكوت من مدحهم وذمهم - كذلك - فقوي.
[4] أو غير إماميين كلا أو بعضا. مع توثيق الجميع، فموثق. (3) وقوي أيضا.
[5] وما سوى هذه الأربعة فضعيف، مقبول إن اشتهر العمل بمضمونه، وإلا فغير
مقبول.
وقد يطلق الضعيف على القوي بمعنييه.
وقد ينتظم المرسل في الصحيح كمراسيل محمد بن أبي عمير وإن روى عن غير
ثقة، لأنه قد ذكروا أنه لا يرسل إلا عن ثقة، لا أنه لا يروي إلا عن ثقة. فروايته أحيانا عن
غير ثقة لا يقدح في ذلك مطلقا كما توهم. (4)
وهذا كله على الاصطلاح الجديد من المتأخرين - رضوان الله عليهم - إذ لم يكن
ذلك معروفا بين المتقدمين - قدس الله أرواحهم - بل كان المتعارف بينهم إطلاق
الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه، أو اقترن بما يوجب
الوثوق به والعمل بمضمونه وإن كان ضعيفا؛ والضعيف بخلافه وإن كان صحيحا. و
سيأتي الكلام عن ذلك إن شاء الله تعالى.

1. لأنه حينئذ يكون راويا عن قرينه، وذلك كالشيخ أبي جعفر الطوسي وعلم الهدى - رحمهما الله - فإنهما
أقران في طلب العلم والقراءة على الشيخ المفيد (رحمه الله).
2. كرواية الصحابي عن التابعي، والتابعي عن تابعي التابعي.
3. وهذا النوع من خواص الإمامية، لأن العامة يدخلونه في قسم الصحيح.
4. ذكرى الشيعة: 4؛ البداية: 49 [البقال 1: 142]؛ مقباس الهداية 1: 351.
27

منهج [3]
[في حجية الأخبار]
المتواترات قطعية الصدق والقبول في العلم والعمل، والمنازع مكابر. (1)
والآحاد الصحاح مظنون؛ وقد عمل بها المتأخرون رضوان الله عليهم. وردها
السيد المرتضى وابن زهرة وابن البراج وابن إدريس، بل أكثر المتقدمين - قدس الله
أرواحهم -؛ (2) ولعل العمل أحسن، ومع القرينة المفيدة للقطع بذلك فكالمتواترات، و
المنازع مكابر كمدعي القطع مع عدمها.
والشيخ على أن غير المتواتر إن اعتضد بقرينة ألحق بالمتواتر في إيجاب العلم و
وجوب العمل؛ وإلا فنسميه خبر آحاد، فنجيز العمل به تارة، ونمنعه أخرى، على
تفصيل ذكره في الاستبصار. (3)
والصحاح لا شبهة في العمل بها.
والحسان كالصحاح عند قوم، (4) وعند آخرين (5) بشرط الانجبار باشتهار عمل
الأصحاب بها، كما في الموثقات وغيرها.
[التسامح في أدلة السنن:]
وأما الضعاف فقد شاع عمل الأصحاب بها في السنن. وإن اشتد ضعفها إلى
النهاية، إذ العمل عندنا ليس بها في الحقيقة، بل بالحسنة المشهورة - الملتقاة بالقبول (6) -

1. وهم البراهمة والسمنية. راجع: الوجيزة: 12؛ نهاية الدراية: 93.
2. قال السيد حسن الصدر: وقول المصنف: " أكثر قدمائنا "، غريب؛ لعدم معرفة من ردها سوى هؤلاء
المصرح بأسمائهم ". نهاية الدراية: 94.
3. الاستبصار 1: 3.
4. نسبه الشهيد الثاني (رحمه الله) إلى شيخ الطوسي (رحمه الله). البداية: 26.
5. نسب الشهيد الثاني (رحمه الله) ذلك إلى المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى. البداية: 26.
6. الوجيزة: 14.
28

المروية عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)، وهي: " من سمع شيئا من
الثواب على شيء فصنعه كان له أجره وإن لم يكن على ما بلغه ". (1)
وقد تأيدت بعدة أخبار:
منها: ما رواه الشيخ الجليل في الكافي: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن
الحسين، عن محمد بن سنان، عن عمران الزعفراني، عن محمد بن مروان قال:
سمعت أبا جعفر محمد الباقر (عليه السلام) يقول: " من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك
العمل التماس ذلك الثواب، أوتيه، وإن لم يكن الحديث كما بلغه ". (2)
وما رواه الشيخ الصدوق محمد بن بابويه في كتاب ثواب الأعمال عن أبيه علي بن
بابويه عن علي بن موسى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن هشام بن صفوان
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمله كان له أجر ذلك وإن كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقله. " (3)
وما رواه أحمد بن أبي عبد الله البرقي في المحاسن عن علي بن الحكم عن هشام
ابن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " من بلغه عن النبي (صلى الله عليه وآله) شيء من الثواب فعمله كان أجر
ذلك له وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقله ". (4)
وما رواه عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من بلغه عن الله فضيلة فأخذ بها وعمل بما فيها، إيمانا
بالله ورجاء ثوابه، أعطاه الله تعالى ذلك وإن لم يكن كذلك ". (5)
ولا يثبت بها شيء من الأحكام الخمسة الشرعية سوى الاستحباب لاستناده إلى

1. الكافي 2: 87 و 293؛ وسائل الشيعة 1: 81، باب استحباب الإتيان بكل عمل مشروع.
2. الكافي 2: 87، ح 2، باب من بلغه ثواب من الله على عمل؛ وسائل الشيعة 1: 82، باب استحباب الاتيان بكل
عمل مشروع.
3. الكافي 2: 88؛ وسائل الشيعة 1: 81؛ باب استحباب الاتيان بكل عمل مشروع.
4. وسائل الشيعة 1: 81؛ بحار الأنوار 2: 256.
5. عدة الداعي 1: 13، نقله عن طريق العامة.
29

هذا الحديث مع مؤيداته كما عرفت.
وذهب بعض المتأخرين إلى العمل بجميع ما ورد في الكتب المشهورة مطلقا؛
مدعيا حصول العلم العادي، حيث قال:
" إنا نعلم عادة أن الإمام ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، وسيدنا
الأجل المرتضى، وشيخنا الصدوق ورئيس الطائفة - قدس الله أرواحهم -
لم يفتروا في أخبارهم، " بأن أحاديث كتبنا صحيحة " أو " بأنها مأخوذة من
الأصول المجمع عليها "، ومن المعلوم أن هذا القدر من القطع العادي كاف
في جواز العمل بتلك الأحاديث (1) انتهى كلامه.
ولا يخفى ضعفه، لأن الشيخ (رحمه الله) لم يصرح بصحة الأحاديث كلها، بل ادعى الإجماع
على جواز العمل بها، وأنت خبير بما في الإجماع الذي يدعيه (رحمه الله) من الخلل البين.
وأن السيد (رضي الله عنه) قد صرح بأن أكثر كتبنا المروية عن الأئمة (عليهم السلام) معلومة مقطوع في
صحتها، (2) لا أنه ادعى صحة جميعها.
وأن محمد بن يعقوب (3) - نور الله مرقده - لم يكن كلامه بذلك الصريح، فلو كان
فمن باب الترغيب والاستدعاء إلى الأخذ بما ألفه.
نعم، الصدوق (رحمه الله) صرح في ذلك تصريحا، (4) لكن بناء على ما أدى إليه رأيه و
اعتقاده الصحة بزعمه، فلا ينهض حجة على غيره.
منهج [4]
[في دواعي وضع الاصطلاح عند المتأخرين]
الذي بعث المتأخرين - قدس الله أرواحهم - على العدول عما كان عليه القدماء

1. العدة في أصول الفقه 2: 76.
2. الذريعة 2: 73.
3. الكافي 1: 11.
4. من لا يحضره الفقيه 4: 20.
30

- نور الله مراقدهم - ووضع ذلك الاصطلاح الجديد - على ما وجهه بعض الأعلام
الفضلاء الكرام - هو: " أنه لما طالت الأزمنة بين من تأخر وبين الصدر السابق، وآل
الحال إلى اندراس بعض كتب الأصول المعتمدة بتسلط حكام الجور والضلال و
الخوف من إظهارها وانتساخها، وانضم إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب
الأصول في الأصول المشهورة في هذا الزمان، فالتبست الأحاديث المأخوذة من
الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة، واشتبهت المتكررة في كتب الأصول
بغير المتكررة.
وخفى عليهم - قدس الله أرواحهم - كثير من تلك الأمور التي كانت سبب وثوق
القدماء بكثير من الأحاديث، ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه،
مما لا يركن إليه. فاحتاجوا إلى قانون تتميز به الأحاديث المعتبرة من غيرها، والوثوق
بها عما سواها، فقرروا لنا - شكر الله سعيهم - ذلك الاصطلاح الجديد، وقربوا إلينا
البعيد. ووضعوا الأحاديث الواردة في كتبهم الاستدلالية. بما اقتضاه ذلك الاصطلاح،
من الصحة والحسن والتوثيق " (1) انتهى كلامه.
ولا يخفى أن هذا كله، دعوى محتملة مظنونة. غير معلومة الثبوت، وفيها مناقشة
ظاهرة، لطيفة التعليل، ولم يسعني ذكر شيء منها مخافة التطويل.
واعلم أن الأمور التي كانت تقتضي اعتماد القدماء - قدس الله أرواحهم - عليها في
إطلاق الصحيح على الحديث وسبب وثوقهم فيه، خمسة:
أحدها: وروده في كثير من الأصول الأربعمائة المشهورة المتداولة المتصلة
بأصحاب العصمة صلوات الله عليهم.
ثانيها: تكرره في أصل منها، فأكثر بطرق مختلفة، وأسانيد معتبرة.
ثالثها: وروده من أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة، ومحمد
ابن مسلم، والفضيل بن يسار؛ أو على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى، و

1. لاحظ: جامع المقال: 36.
31

يونس بن عبد الرحمن، وأحمد بن محمد بن أبي نصر؛ أو على العمل بروايتهم كعمار
الساباطي وأضرابه على ما ذكره الشيخ.
رابعها: وروده في أحد الكتب المعروضة على أحد الأئمة (عليهم السلام) التي أثنوا على
مؤلفها، ككتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان، المعروضين على
العسكري (عليه السلام)، فصححهما واستحسنهما وأثنى عليهما؛ وكتاب عبيد الله الحلبي،
المعروض على الصادق (عليه السلام)، فصحح واستحسن وأثنى [عليه].
خامسها: أخذها من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم العمل والاعتماد عليها،
سواء كان مؤلفها من الفرقة المحقة، ككتاب حريز بن عبد الله، وكتب ابني سعيد وهي
خمسون كتابا على ما نقله علماء الرجال، وكتاب الرحمة لسعيد بن عبد الله، وكتاب
المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي، وكتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى
ابن عمران الأشعري، وكتاب النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى؛ أو من غيرهم ككتاب
حفص بن غياث القاضي، وكتب الحسين بن عبيد الله السعدي، وكتب علي بن الحسين
الطاطري وأمثالهم ". (1)
وعلى هذا الاصطلاح جرى دأب المحمدين الثلاثة، حتى أن الشيخ (رحمه الله) جعل في
العدة من جملة القرائن المفيدة لصحة الأخبار أربعة:
" أولها: موافقتها لأدلة العقل وما اقتضاه.
ثانيها: مطابقة الخبر لنص الكتاب، إما خصوصه أو عمومه أو دليله أو فحواه.
ثالثها: موافقة الخبر للسنة المقطوع بها من جهة التواتر.
رابعها: كون الخبر موافقا لما اجتمعت [عليه] الفرقة الناجية الإمامية عليه.
إلى أن قال: فهذه القرائن كلها تدل على صحة مضمون أخبار الآحاد. ولا تدل على
صحتها أنفسها، لجواز أن تكون مصنوعة ". (2) انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

1. الوافي، المقدمة الثانية، 1: 22.
2. العدة في أصول الفقه 1: 143 - 145.
32

وبذلك الاصطلاح كانوا يعرفون إلى حصول نوبة شيخنا العلامة جمال الحق و
الدين الحسن بن مطهر الحلي - قدس الله روحه -، فوضع ذلك الاصطلاح الجديد،
فهو أول من سلك ذلك الطريق من علمائنا المتأخرين رضوان الله عليهم.
منهج [5]
[في الشروط المعتبرة في الراوي]
يشترط للراوي في الرواية من الرواة أمور خمسة:
[1 و 2] التكليف، والإسلام، إجماعا. (1)
[3 و 4] الإيمان، والعدالة، على المشهور فيما بين الأصحاب، (2) وقد دلت عليه آية
التثبت.
والعدالة: هي تعديل القوى النفسانية وتقويم أفعالها، بحيث لا يغلب بعضها
على بعض. أو ملكة نفسانية يصدر عنها المساواة في الأمور الصادرة عن صاحبها.
وعرفت شرعا بالملكة النفسانية الباعثة على ملازمة التقوى والمروءة. (3)
[و] الشيخ قائل بقبول الرواية من فاسد المذهب؛ فإنه اكتفى في الرواية بكون
الراوي ثقة متحرزا عن الكذب، وإن كان فاسقا في الجوارح، محتجا بعمل الطائفة
برواية من هذه صفته. (4)
ولا يخفى أنه ليس على إطلاقه.
[5] والضبط: أعني كون الراوي حافظا فطنا واعيا متحرزا عن التحريف والغلط،

1. البداية: 64 [البقال 2: 30]؛ وصول الأخيار إلى أصول الأخبار: 183؛ جامع المقال: 19؛ مقباس الهداية 2: 14.
2. لاحظ: معارج الأصول: 149؛ تهذيب الوصول إلى علم الأصول: 78؛ مبادي الوصول إلى علم الأصول: 206؛ معالم
الأصول: 427؛ زبدة الوصول: 70.
3. جواهر الكلام 13: 275 و 32: 102.
4. العدة في أصول الفقه: 148 - 152.
33

فإن من لا ضبط له قد يغلب عليه السهو في كيفية النقل ونحوها.
وقيل: " المراد بالضابط من لا يكون سهوه أكثر من ذكره ". (1)
وهذا القيد - أعني الضبط - لم يذكره المتأخرون - قدس الله أرواحهم -. واعتذر
الشهيد الثاني - نور الله مرقده - عن عدم تعرضهم لذكره، بأن قيد العدالة مغن عنه، لأنها
تمنعه أن يروي من الأحاديث ما ليس مضبوطا عنده على الوجه المعتبر. (2)
واعترض عليه: " بأن العدالة إنما تمنع من تعمد نقل غير المضبوط عنده: لا من
نقل ما يسهو عن كونه مضبوطا فيظنه مضبوطا ". (3)
والحق أن العدالة لا تغني عن الضبط؛ لأن من كثر سهوه فربما يسهو عن أنه كثير
السهو، فيشكل الأمر.
وما أحسن ما قال العلامة - أعلى الله مقامه - في النهاية:
" إن الضبط من أعظم الشرائط في الرواية؛ فإن من لا ضبط له قد يسهو
عن بعض الحديث أو يكون مما تتم به فائدته ويختلف الحكم به؛ أو
يسهو فيزيد في الحديث ما يضطرب به معناه؛ أو يبدل لفظا بآخر؛ أو
يروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) ويسهو عن الواسطة؛ أو يروي عن شخص فيسهو عنه و
يروي عن آخر ". (4)
انتهى كلامه.
وأما الندرة من السهو فلا بأس، لعدم السلامة منه إلا للمعصوم. فالتكليف بزواله
عن غيره أصلا تكليف بالمحال.
ولا يشترط فيه غير ما ذكر من الأوصاف الخمسة: من الحرية، والذكورة، و

1. قوانين الأصول: 462.
2. البداية: 66 [البقال 2: 37].
3. مشرق الشمسين: 270.
4. نهاية الوصول إلى علم الأصول: 482.
34

الفقه، ونحوها. (1) لأن الغرض منه الرواية لا المعرفة والدراية، وهي تتحقق بها.
نعم، ينبغي له المعرفة بالعربية حذرا من اللحن والتصحيف بل الأولى الوجوب،
لما ورد عنهم (عليهم السلام) من قولهم: " أعربوا أحاديثنا فإنا قوم فصحاء " (2) وهو يشمل القلم و
اللسان كما ترى.
منهج [6]
[في أن شرائط الراوي معتبرة حين الأداء، لا حال التحمل]
المعتبر بحال الراوي وقت أداء الرواية، لا وقت تحملها.
فلو تحملها غير متصف بشرائط القبول، ثم أداها في وقت يظن اتصافه و
استجماعه لها قبلت منه.
أما لو جهل حاله أو كان في وقت غير إمامي، أو فاسقا، ثم تاب؛ ولم يعلم أن
الرواية عنه هل وقعت قبل التوبة أو بعدها؟ لم تقبل ما يظهر وقوعها بعدها.
فإن قلت: إن أجل الأصحاب يعتمدون في الرواية على مثل هؤلاء، ويثقون بالخبر
الوارد عنهم، ويقبلونه منهم من غير فرق بينهم وبين ثقات الإمامية الذين لم يزالوا على
الحق، كقبولهم، رواية " محمد بن علي بن رياح وعلي بن أبي حمزة وإسحاق بن جرير "
الذين هم رؤساء الواقفية وأعيانهم؛ ورواية " علي بن أسباط والحسين بن يسار " مع أن
تاريخ الرواية عنهم غير مضبوط، ليعلم هل كانت بعد الرجوع إلى الحق أم قبله.
قلت: قبول الأصحاب - رضوان الله عليهم - الرواية عمن هذا حاله، لابد من ابتنائه

1. كالبصر، فتقبل رواية الأعمى إذا جمع الشرائط.
وعدم القرابة، فيجوز رواية الولد عن والده وبالعكس.
والقدرة على الكتابة، فتقبل رواية الأمي إذا جمع الشرائط بلا خلاف ولا إشكال.
ومعروفية النسب، فلو لم يعرف نسبه، وحصلت الشرائط قبلت روايته.
واستفدنا هذا كله من مقباس الهداية 2: 49 - 56.
2. الكافي 1: 52؛ وسائل الشيعة 18: 58.
35

على وجه صحيح معتبر، وذلك كأن يكون السماع منه قبل عدوله عن الحق أو بعد
رجوعه إليه، أو أن النقل من أصله الذي ألفه واشتهر عنه قبل الوقف؛ أو من كتاب
كذلك بعد الوقف ولكنه أخذ ذلك الكتاب عن شيوخ أصحابنا الموثوق بهم.
كما قيل في " علي بن الحسين الطاطري " الذي هو من أشد الواقفة عنادا
للإمامية y: أنه روى كتبه عن رجال موثوق بهم وبروايتهم، حتى أن الشيخ شهد له في
الفهرست (1) بذلك، إلى غير ذلك من المحامل الصحيحة والتوجيهات المليحة.
وإلا فكيف ينسب إلى قدماء الإمامية - رضوان الله عليهم - الاعتماد على مثل
هؤلاء في الرواية خصوصا الواقفية، فإن الإمامية - رضوان الله عليهم - كانوا في غاية
الاجتناب لهم والتباعد عنهم والاحتراز عن مجالستهم والتكلم معهم، فضلا عن أخذ
الحديث عنهم حتى أنهم كانوا يسمونهم " بالممطورة " أي الكلاب التي أصابها المطر.
فقبولهم لرواياتهم وعملهم بها، كاشف عن استجماعهم شرائط القبول وقت
الأداء؛ فلا يتطرق به القدح عليهم ولا على الثقة الراوي.
منهج [7]
[في كيفية ثبوت عدالة الراوي]
الطرق الموصلة إلى معرفة العدالة:
[1] المعاشرة الباطنة، والمعاملة المطلعة على الأحوال الخفية.
[2] والاستفاضة والاشتهار بين أهل العلم، كمشايخنا السالفين.
[3] واشتهارهم بالتقوى والتوثيق والعدالة والضبط.
[4] وشهادة عدلين فيها، (2) بل العدل الواحد في ثبوت عدالة الراوي عند الأكثر،
كما يأتي.

1. الفهرست: 118.
2. بأن يقولا: هو ثقة أو عدل أو مقبول الرواية.
36

والحالتان الأولتان هما أحوط الطرق في معرفتها.
ويثبت تعديل الراوي وجرحه بقول الواحد العدل عند أكثر الأصحاب. ومع
اجتماع المعدل والجارح، فالمشهور بينهم تقديم الجارح، وإن تعدد المعدل دونه؛
بناء على أن إخبار المعدل عما ظهر من الحال، والجارح على ما لم يطلع عليه المعدل. (1)
ولم أره على إطلاقه، والأولى التعويل على ما يثمر عليه الظن كالأكثر عددا و
ورعا وضبطا وممارسة واطلاعا؛ والتوقف مع التكافؤ.
[أ:] وألفاظ التعديل:
[1] ثقة.
[2] حجة.
[3] صحيح الحديث.
[4] متقن.
[5] ثبت.
[6] حافظ.
[7] ضابط.
[8] صدوق.
[9] مستقيم.
[10] قريب الأمر.
[11] صالح الحديث.
[12] يحتج بحديثه.
[13] أو يكتب [حديثه].

1. قال الشهيد (قدس سره) في البداية: 73 [البقال 2: 58] إنه القول الصحيح؛ وهو مختار الشيخ عبد الصمد (رحمه الله) في وصول
الأخيار إلى أصول الاخبار: 184.
37

[14] أو ينظر فيه.
[15] مسكون إلى روايته.
[16] لا بأس به.
[17] شيخ.
[18] جليل.
[19] مشكور.
[20] زاهد.
[21] خير.
[22] عالم.
[23] فاضل.
[24] ممدوح. ونحو ذلك فيفيد المدح المطلق.
[ب:] وألفاظ الجرح:
[1] كذاب.
[2] وضاع.
[3] ضعيف.
[4] غال.
[5] مضطرب الحديث.
[6] مرتفع القول.
[7] متروك في نفسه.
[8] ساقط.
[9] متهم.
[10] واه.
38

[11] ليس بشيء.
وما شاكل ذلك.
منهج [8]
[في طرق تحمل الحديث]
أنحاء تحمل الحديث سبعة:
أولها: السماع من الشيخ؛ إما بقراءة من كتابه أو بإملاء من حفظه. وهي أعلى
مراتب التحمل اتفاقا. فيقول المتحمل: " سمعت فلانا؛ أو حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا ".
ثانيها: القراءة عليه. وهي التي عليها المدار في زماننا هذا؛ وتسمى " العرض ".
وشرطه: حفظ الشيخ أو كون الأصل المصحح بيده أو بيد ثقة، فيقول الراوي:
" قرأت على فلان " أو " قري عليه وأنا أسمع ". مع كون الأمر كذلك فأقر ولم ينكر. وله
أن يقول: " حدثنا أو أخبرنا " مقيدين بالقراءة على قول، أو مطلقين على آخر، أو
بالتفصيل وهو المشهور.
ثالثها: الإجازة؛ وهي إخبار مجمل بشيء معلوم مأمون عليه من الغلط و
التصحيف، وهي مقبولة عند الأكثر؛ وتجوز مشافهة وكتابة ولغير المميز.
وهي إما: لمعين بمعين، أو لمعين بغيره، أو لغير معين بمعين، أو بغيره.
فهذه أربعة، أولها أعلاها: وأما الثلاثة فلم تعتبر عند بعضهم، بل منعها الأكثر.
فيقول الشيخ: " أجزت لك كلما اتضح عندك من مسموعاتي " ويقول المجاز
له: " أجازني فلان رواية كذا " أو: إحدى تلك العبارات مقيدة بالإجازة على قول،
ومطلقة على آخر.
وللمجاز له أن يجيز غيره على الأقوى، فيقول: " أجزت لك ما أجيز لي روايته " أو
نحو ذلك.
39

رابعها: المناولة؛ وهي أن يعطي الشيخ أصله قائلا للمعطى: " هذا سماعي من
فلان " مقتصرا عليه أو مكملا له ب‍ " اروه عني " أو " أجزت لك روايته " ونحو ذلك.
وفي قبولها خلاف، ولعل القبول مقبول مع قيام القرينة على قصد الإجازة.
فيقول المتناول: " حدثنا " أو " أخبرنا مناولة ".
والمقترنة منها بها أعلى أنواعها اتفاقا.
خامسها: الكتابة؛ وهي أن يكتب الشيخ له مرويه بخطه أو يأمر بها له، غائبا كان
أم حاضرا، مقتصرا على ذلك أو مكملا له ب‍ " أجزت لك ما كتبت به إليك " ونحوه.
فيقول الراوي: " كتب إلي فلان " أو " حدثنا مكاتبة " على قول.
سادسها: الإعلام؛ وهو أن يعلم الشيخ بأن هذا الكتاب روايته أو سماعه من
شيخه، مقتصرا عليه من دون مناولة أو إجازة.
وفي جواز الرواية به أقول، ثالثها الجواز، وهو جيد، فيقول الراوي " أعلمنا " ونحوه.
سابعها: الوجادة بالكسر، وهي أن يجد المروي مكتوبا بخط معروف، من غير
اتصال بأحد الأنحاء السابقة.
واختلف في جواز العمل بها كما اتفق على منع الرواية بها. ولعل الجواز أقرب.
فيقول الواجد: " وجدت بخط فلان كذا " أو ما أدى معناه. (1)
منهج [9]
[في آداب الكتابة، والدراسة والقراءة]
[أ: آداب كتابة الحديث]
ينبغي لمن يكتب الحديث:

1. راجع للنظر في طرق تحمل الحديث: البداية: 90 - 104؛ وصول الأخيار إلى أصول الأخبار: 110 - 154؛
الوجيزة: 19 - 23؛ توضيح المقال: 40 - 52؛ جامع المقال: 57 - 50؛ الكفاية: 480 - 492؛ مقباس الهداية 3: 80 -
187؛ نهاية الدراية: 185 - 140.
40

[1] تبيينه وعدم إدماج بعض في بعض.
[2] وإعراب ما يخفى وجهه، حذرا من اللحن والغلط.
[3] وعدم الإخلال بالصلاة والسلام بعد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) أو أحد الأئمة (عليهم السلام)، صريحا
لا رمزا. (1)
[4] ومد اللام فيما لو كان المستتر في " قال " أو " يقول " ضمير عائد إلى
المعصوم (عليه السلام).
[5] وجعل فاصلا بين الحديثين - كالدائرة الصغيرة - مغايرا للون الأصل.
[6] وكتابة " حاء " مهملة عند تحويل السند، كما في الخبر المروي بطرق متعددة،
لتكون فاصلة بين المحول والمحول إليه.
[7] ومع اتفاق سقط، فإن كان دون السطر كتب على نسق السطور، أو سطرا
واحدا فإلى أعلى الصفحة يمينا أو شمالا، أو أكثر فإلى أسفلها يمينا وأعلاها شمالا.
[8] ومع اتفاق زيادة، فإن كانت يسيرة فالحك إن أمن الخرق، وإلا فالضرب عليها
ضربا جليا واضحا؛ ولا تكفي كتابة حرف " لا " أو " الزاي " على أولها أو " إلى " في
آخرها؛ فإنه لا يكاد يخفى على الناسخ.
[9] ومع اتفاق التكرار فالحك أو الضرب، للثاني، ما لم يكن أجلى خطا، أو في
أول السطر.
[ب: آداب دراسة الحديث]
وينبغي لمن يدرس الحديث أن يذكر فيها أحكاما خمسة كما قيل:

1. قال الشيخ عبد الله المامقاني - قدس سره - في مقباس الهداية 3: 207: وكره أيضا جمع الرمز إلى الصلاة و
السلام بحرف أو حرفين، ك‍ (صلعم) أو (ص) ويقال: إن أول من رمز بصلعم قطعت يده. ولكني لم أفهم
لهذه الكراهة وجها، لأن هذه الخطوط للكشف عن المرادات، فإذا كان (ص) أو (صلعم) دالا على
المراد، ينطق به القاري تماما دون الحرف، فما معنى الكراهة؟ إلا أن يستأنس لذلك بكشف الرمز التثاقل
من كتابة التمام وعدم الاهتمام بالصلاة والسلام. فتأمل
41

أولها: السند.
ثانيها: بيان اللغة.
ثالثها: التصريف.
رابعها: الإعراب.
خامسها: الدلالة.
فإن وجد الكل من الكل واضحا، نبه على وضوحه، وإن كان خفيا أو البعض، بين
خفاءه؛ ويلزمه الاستمرار على هذه الكيفية الحسنة، فإن بها تظهر ثمرة الحديث و
يكثر حصول فائدته وتحل منفعته ويتحصل المطلوب منه.
[ج: آداب قراءة الحديث]
و [ينبغي] لمن يقرأ: التدبر، والتصحيح، والممارسة، [و] المطالعة، والمذاكرة،
مع التدقيق.
منهج [10]
[طرق المحدثين في الإسناد]
للمحدثين - رضوان الله عليهم - في الإسناد، أمور خمسة مصطلحة:
أحدها: أن يذكر الراوي شيخه بما يميزه من الوصف أو النسب أو غيرهما في أول
ما يرويه. ثم إن شاء ذكره كذلك أو اقتصر على الأول، كأن يقول: " محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه القمي " مثلا، ثم يقول: " محمد عن فلان إلى الآخر ".
ثانيها: الحديث المروي عن اثنين فصاعدا، متفقين في الرواية معنى، جمعه
بإسناد واحد مع الإعلام جائز. كأن يقول الراوي: " أخبرني فلان وفلان واللفظ لفلان
قال: كذا، الحديث.
42

ثالثها: إذا تعددت أحاديث الباب بإسناد متحد، كان للراوي الخيار بين الاقتصار
على السند السابق محيلا عليه - فيقول: " وبهذا الإسناد " (1) ونحوه - وبين تكرار السند
مع كل حديث.
رابعها: عدم زيادة الراوي على كلام صدر عمن نقل عنه، وإن اقتضاه الواقع؛ نعم، له
ذلك مع التمييز كرواية الشيخ الطوسي عن أحمد بن محمد وليس له أن يقول: عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، وإن كان في الحقيقة هو؛ بل يميزه بقوله: " أعني ابن عيسى ".
خامسها: إذا ذكر الشيخ كلا من الحديث والإسناد، ثم ذكر بعد الآخر لفظ مثله،
لم يكن للراوي إبدال المثلية بمتن ذلك الإسناد المتقدم، لاحتمال المغايرة.
وقيل: بالجواز مع العلم بالقصد؛ (2) وهو قوي.
منهج [11]
[في تدوين جوامع الحديث]
تنتهي جميع أحاديثنا وآثارنا إلى أئمتنا وشفعائنا الأئمة الاثني عشر، صلوات الله
عليهم أجمعين، إلا ما ندر منها وشذ.
ومصابيح الدجى (عليهم السلام) ينتهون فيها إلى أفضل الخلق نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)؛ لاقتباس
أنوارهم من تلك المشكاة.
والذي تتبع أحاديث الفريقين وتصفحها ظهر له أن أحاديثنا - الفرقة الناجية -
المروية عنهم - عليهم صلوات الله - تفوق على ما في الصحاح الستة للعامة وتزيد عليها
بكثير. فقد شاع وذاع أنه روى راو واحد - وهو أبان بن تغلب - عن إمام واحد - أعني
الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) - ثلاثين ألف حديث. (3)

1. وقد وقع في الكافي وكتابي الشيخ مكررا.
2. لاحظ: جامع المقال: 44؛ توضيح المقال: 36؛ مقباس الهداية 3: 263 - 270.
3. رجال النجاشي: 7 - 9 ترجمة أبان بن تغلب.
43

وكان ما وصل إلى قدماء محدثينا - رضوان الله عليهم - من أحاديث أئمتنا صلوات
الله عليهم أجمعين قد جمعوه في أربعمائة كتاب تسمى: الأصول، وقد تواتر أمرها في
الأعصار كالشمس في رابعة النهار.
ثم توفق جماعة من المتأخرين - أعلى الله مقامهم وأجزل إكرامهم - بالتصدي
لجمع تلك الكتب الشريفة وترتيبها على الوجوه اللطيفة. فألفوا منها كتبا مبسوطة
جليلة وأصولا مضبوطة جميلة، محيطة على ما به المراد والكفاية، مشتملة على
الأسانيد المتصلة بأصحاب الهداية - عليهم السلام والتحية البالغة والإكرام -، ككتاب
الكافي وكتاب من لا يحضره الفقيه وكتاب التهذيب وكتاب الاستبصار. وهذه الأصول
الأربع التي عليها المدار في هذه الأزمنة والأعصار. وكتاب مدينة العلم (1) والخصال و
الأمالي وعيون الأخبار وغيرها من الكتب المعتبرة.
أما الكافي: فهو تأليف ثقة الإسلام وقدوة الأعلام، أبي جعفر محمد بن يعقوب
الكليني الرازي - قدس الله روحه ونور ضريحه -، وكانت مدة تأليفه له عشرين سنة،
توفي ببغداد سنة ثمان - أو تسع - وعشرين وثلاثمائة. (2)
وأما من لا يحضره الفقيه، فهو تأليف رئيس المحدثين وحجة المسلمين أبي جعفر
محمد بن [علي بن] بابويه القمي أعلى الله مكانه وأفاض عليه إحسانه، وله مؤلفات
تقارب ثلاثمائة كتاب. (3) توفي بالري سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. (4)

1. وحولها أقوال مختلفة؛ لاحظ: " آينه پژوهش، ش 48، ص 9، در جستجوى مدينة العلم، كريمي،
حسين ".
2. رجال النجاشي: 266 ترجمة محمد بن يعقوب الكليني.
وفي جامع المقال: 193: وأما الكافي، فجميع أحاديثه حصرت في ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة و
تسعين حديثا؛ الصحيح باصطلاح من تأخر خمسة آلاف واثنان وسبعون حديثا، والموثق ألف ومائة و
ثمانية عشر حديثا، والقوي منها اثنان وثلاثمائة، والضعيف منها أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة و
ثمانون حديثا، والله أعلم.
3. الفهرست: 156.
4. رجال النجاشي: 276 - 279 ترجمة محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الشيخ الصدوق.
44

وأما التهذيب والاستبصار فهما تأليف شيخ الطائفة ورئيسها أبي جعفر محمد بن
الحسن الطوسي - أطاب الله ثراه وأعلى محله ومأواه - وله مؤلفات أخرى في التفسير
والأصول والفروع، لا يحضرني كميتها. توفي بالمشهد الغروي - على ساكنه صلوات
الله - سنة ستين وأربعمائة. (1)
فهؤلاء المحمدون الثلاثة - سقى الله تربتهم وأعلى في الكرامة رتبتهم - أئمة
المحدثين من أعلام المتأخرين، من علماء الفرقة المحقة الناجية الإمامية الاثني
عشرية رضوان الله عليهم أجمعين.
منهج [12]
[في كيفية الإسناد في الكتب الأربعة]
دأب ثقة الإسلام أبي جعفر الكليني - قدس الله روحه - في كتاب الكافي أن يأتي في
كل حديث بجميع سلسلة السند إلى المعصوم غالبا أو البعض. وأما الباقي فيحيل فيه
على ما سبق. مثاله: " عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه... عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " ويذكر الحديث، ثم يقول بعده: " وبهذا الإسناد عن أبيه " والضمير
عائد على " أحمد بن محمد البرقي "؛ فيكون في الحقيقة كالمذكور.
ودأب رئيس المحدثين أبي جعفر محمد بن بابويه القمي - نور الله مرقده - في
كتاب من لا يحضره الفقيه، أن يترك أكثر السند غالبا من أوله؛ ويكتفي بذكر الراوي الذي
أخذ عن المعصوم (عليه السلام) فقط؛ ثم يذكر الطرق المتروكة في آخر الكتاب مفصلة متصلة. و
لم يخل بذلك إلا نادرا. مثاله: " سأل عمار الساباطي أبا عبد الله (عليه السلام) عن كذا " ويذكر
الحديث، ثم يقول في آخر الكتاب: " كل ما كان في هذا الكتاب عن عمار بن موسى
الساباطي، فقد رويته عن أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضي الله عنهما -
عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد

1. خلاصة الأقوال: 149 الفصل 23، ت 46.
45

المدائني عن مصدق بن صدقة (1) عن عمار الساباطي " وهذا في الحقيقة أيضا كالمذكور.
ودأب شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - أعلى الله مقامه - في
كتابي التهذيب والاستبصار أن يذكر جميع السند حقيقة أو حكما. وقد يقتصر على
البعض فيذكر أواخر السند ويترك أوائله لمراعاة الاختصار. ثم يذكر في آخر الكتابين
بعض الطرق الموصلة إلى تلك الأبعاض لتخريج الروايات، عن حد المراسيل و
تدخل في المسندات، وأحال الباقي على فهرسته.
مثاله: " أحمد بن محمد بن عيسى عن فلان إلى آخر السند " ثم يقول بعد الآخر:
" وما ذكرته عن أحمد بن محمد بن عيسى، فقد رويته عن الحسين بن عبيد الله، عن
أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه محمد بن يحيى عن محمد بن علي بن
محبوب عن أحمد بن محمد بن عيسى " وهكذا في بواقي الطرق.
منهج [13]
[في معرفة الصحابي والتابعي]
الصحابي هو على الأصح: من أدرك صحبة النبي (صلى الله عليه وآله) مؤمنا ومات على ذلك. و
طريق معرفته التواتر ثم الشهرة والاستفاضة وإخبار الثقة. ولا حصر لهم.
ونقل أنه توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبهج نهج الدين بنور جماله عن مائة وأربعة عشر
ألف صحابي. (2)
والتابعي هو من أدرك الصحابي ولم يدرك النبي (صلى الله عليه وآله). وعد منهم النجاشي ملك

1. في النسخة " حصر بن صدقة " وثبت هو الصحيح. راجع: معجم رجال الحديث 18: 169.
2. وفي هامش مقباس الهداية 3: 310: إن إحصاء الصحابة أو عدهم أمر متعذر آنذاك، فضلا عن يومنا هذا،
لتفرقهم في البلاد وتشتتهم، وكل ما ذكر في الباب مقربات، كما في نصوص الغدير وحجة الوداع وأن
من حضرها مائة وعشرون ألف حاجا، وعلى كل لا يخلو قول الرازي - وهو قائل بأنه: مات رسول
الله (صلى الله عليه وآله) عن مائة وأربعة عشر ألف صحابي - عن تأمل، علما بأن المسألة تختلف وتتخلف بحسب تعريف
الصحابي وحده، فتدبر.
46

الحبشة، وسويد بن غفلة (1) صاحب أمير المؤمنين عليه صلوات الله، وربيعة بن زرارة و
الأحنف بن قيس، وأبو مسلم الخولاني، ونحوهم ممن أدرك زمن الجاهلية والإسلام من
دون لقائه (صلى الله عليه وآله)؛ وقد يعبر عنهم بالمخضرمين: أي المقطوعين، لقطعهم عن نظرائهم الذين
أدركوا صحبة النبي (صلى الله عليه وآله)، وذلك من قولهم: " ناقة مخضرمة " للتي قطع ذنبها. (2)
منهج [14]
[في كنى وألقاب المعصومين (عليهم السلام)]
" أبو القاسم " كنية مشتركة بين الرسول (صلى الله عليه وآله) وبين الحجة القائم المهدي الإمام
محمد بن الحسن (عليهما السلام).
و " الغائب " في الأخبار استعماله في القائم (عليه السلام).
" أبو الحسين " كنية مختصة بالإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام).
" أبو محمد " كنية مشتركة بين الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليهما السلام)،
وبين الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام)، وبين الإمام الحسن بن علي
العسكري (عليهما السلام)، والغالب في الأخبار استعماله في العسكري (عليه السلام).
" أبو عبد الله " كنية مشتركة بين الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، وبين
الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)؛ والغالب عند الإطلاق في الأخبار هو الصادق (عليه السلام) و
كذا " أبو إسحاق " كنية مختصة به (عليه السلام)، لترجمة " إبراهيم بن عبد الحميد ". (3)
" أبو إبراهيم " كنية مختصة بالإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام).
" أبو جعفر " كنية مشتركة بين الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام)، وبين الإمام محمد
ابن علي الجواد (عليهما السلام)؛ والغالب في الأخبار مع الإطلاق هو الباقر (عليه السلام)، وإذا قيد " بالأول "

1. في النسخة " سويد بن عطية " والصحيح ما أثبتناه، كما في مقباس الهداية 3: 315.
2. راجع: صحاح الجوهري 5: 1914؛ تاج العروس 8: 308؛ لسان العرب 12: 185.
3. راجع: معجم رجال الحديث 1: 241.
47

فهو (عليه السلام) أيضا، أو " بالثاني " فالجواد (عليه السلام).
" أبو الحسن " كنية مشتركة بين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبين الإمام علي بن
الحسين (عليهما السلام)، وبين الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام)، وبين الإمام علي بن موسى
الرضا (عليهما السلام)، وبين الإمام علي بن محمد الهادي (عليهما السلام)؛ والغالب في الأخبار مع الإطلاق هو
الكاظم (عليه السلام)، وإذا قيد " بالأول " فهو (عليه السلام) أيضا، أو " بالثاني " فهو الرضا (عليه السلام)، أو " بالثالث " فهو
الهادي (عليه السلام)؛ والقرينة قد تحقق المطلق بأحدهم (عليهم السلام).
وأما " العالم " و " الفقيه " و " الشيخ " (1) و " العبد الصالح " فالإمام الكاظم (عليه السلام).
و " الحسنان " فالحسن والحسين ابنا الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
و " الهادي " و " النقي " بالنون و " الرجل " و " الماضي " فالإمام علي بن محمد (عليهما السلام).
و " الزكي " و " العسكري " و " الطيب " و " الفقيه " و " الأخير " و " الماضي " فالإمام
الحسن بن علي (عليهما السلام).
و " الصاحب " و " صاحب الزمان " و " صاحب الدار " و " الغريم " و " الحجة " و
" المنتظر " و " المهدي " و " الهادي " فالإمام محمد بن الحسن (عليهما السلام).
و " صاحب الناحية " فالإمام الهادي (عليه السلام)، أو " الزكي " أو " القائم " أيضا. ويختص
بالقرينة المخصصة.
و " الباقران " فالإمام محمد بن علي الباقر والإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام)،
تغليبا.
و " الصادقان " فهما (عليهما السلام). أيضا كذلك وب‍ " أحدهما " أحدهما (عليهما السلام).
و " الكاظمان " فالإمام موسى بن جعفر الكاظم والإمام محمد بن علي الجواد (عليهم السلام).
و " العسكريان " فالإمام علي بن محمد الهادي والإمام الحسن بن علي
العسكري (عليهم السلام).

1. وربما أطلق (الشيخ) على الصادق (عليه السلام)، كما في رواية زرارة ومحمد بن مسلم: بعث إلينا الشيخ ونحن
بالمدينة، والمراد به هو (عليه السلام)، كما في بعض الأخبار.
48

وقد يطلق " الشيخ " و " الفقيه " على الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام).
و " الأصل " على الإمام (عليه السلام).
منهج [15]
[في معرفة أصحاب الإجماع]
اجتمعت العصابة على تصديق ثمانية عشر رجلا على ما حكاه الكشي، (1) ستة من
أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الباقر وأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام)، و
هم:
[1] زرارة.
[2] ومعروف بن خربوذ.
[3] وبريد العجلي.
[4] وأبو بصير الأسدي.
[5] والفضيل بن يسار.
[6] ومحمد بن مسلم.
وقيل: " أبو بصير ليث المرادي " مكان " أبي بصير الأسدي ".
وستة من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) خاصة: وهم:
[7] جميل بن دراج.

1. إختيار معرفة الرجال 1: 206؛ وأيضا لاحظ العدة في أصول الفقه 1: 380؛ منتقى الجمان، 1: 13؛ الرواشح
السماوية: 47. وفي المراد بهذه العبارة: (اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه) احتمالات وقد
تلخص من ذلك كله أن المعتمد في تفسير العبارة هو: تصحيح رواية من قيل في حقه ذلك، بحيث لو
صحت من أول السند إليه عدت صحيحة، من غير اعتبار ملاحظة أحواله وأحوال من يروي عنه إلى
المعصوم (عليه السلام)، فلا فرق حينئذ بين مسانيدهم ومراسيلهم ومرافيعهم.
راجع: تعليقة الوحيد البهبهاني (رحمه الله) في مقدمة منهج المقال: 6؛ الرواشح السماوية: 47؛ منتهى المقال: 9؛ مقباس الهداية
2: 177.
49

[8] وعبد الله بن مسكان.
[9] وعبد الله بن بكير.
[10] وحماد بن عثمان.
[11] وأبان بن عثمان.
[12] [وحماد بن عيسى].
وأفقههم " جميل بن دراج " على قول.
وستة من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن (عليهما السلام)، وهم:
[13] يونس بن عبد الرحمن.
[14] صفوان بن يحيى بياع السابري.
[15] ومحمد بن أبي عمير.
[16] وعبد الله بن المغيرة.
[17] والحسن بن محبوب.
[18] وأحمد بن محمد بن أبي نصر.
وقيل: " فضالة بن أيوب " (1) مكان " الحسن "؛ وقيل: " عثمان بن عيسى " (2) مكان " فضالة ".
وأفقههم " يونس بن عبد الرحمن " و " صفوان بن يحيى ".
منهج [16]
[في من كثرت عنهم الرواية]
جماعة من الرجال كثرت الرواية عنهم، مع أنه لا ذكر لهم في كتب الجرح و
التعديل أصلا.

1. لاحظ معجم رجال الحديث 13: 271.
2. لاحظ معجم رجال الحديث 11: 117.
50

[1] منهم " أبو الحسين علي بن أبي الجيد " الذي كثرت رواية الشيخ (رحمه الله) منه. وقد
آثرها عنه غالبا على الرواية عن الشيخ المفيد، لإدراكه " محمد بن الحسن بن الوليد " و
روايته عنه. بغير واسطة، بخلافه فإنه لا يروي عنه إلا بالواسطة، فطريقه أعلى من
طريق المفيد الباعث على الإيثار.
[2] ومنهم " أحمد بن محمد بن يحيى العطار " شيخ الصدوق (رحمه الله) وهو ممن يروي
عنه كثيرا بواسطة " سعد بن عبد الله بن أبي خلف ".
[3] ومنهم " محمد بن علي بن ماجيلويه " الذي أكثر رواية الصدوق (رحمه الله) عنه.
[4] ومنهم " أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد " الذي كثرت رواية الشيخ (رحمه الله) عن
الشيخ المفيد عنه.
[5] ومنهم " الحسين بن الحسن بن أبان " شيخ " محمد بن الحسن بن الوليد " الذي
كثرت الرواية عنه أيضا.
فهؤلاء المشايخ وأضرابهم - رحمهم الله تعالى - ممن يقوى الظن بصدقهم و
قبولهم ونقلهم وروايتهم لعدلهم وضبطهم، لاعتناء أعاظم مشايخنا - أعلى الله
مقامهم وأجزل في دار السلام إكرامهم - بشأنهم وأخذ الرواية عنهم، كما ترى.
منهج [17]
[في الجماعة الذين استثناهم ابن الوليد]
أستثنيت جماعة من الرواة على ما حكاه النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن
يحيى الأشعري، حيث قال:
وكان محمد بن الحسن يستثنى من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن
محمد بن موسى الهمداني، وما رواه عن " رجل "، أو يقول: " بعض أصحابنا "، أو
عن محمد بن يحيى المعاذي، أو عن " أبي عبد الله الرازي الجاموراني "، [أو] عن
" أبي عبد [الله] السياري "، أو عن " يوسف بن السخت "، أو عن " وهب بن منبه "،
51

أو عن " أبي علي النيسابوري "، أو عن " أبي يحيى الواسطي "، أو عن " محمد بن
علي بن أبي سمينة "، أو يقول: " في حديث أو كتاب ولم أره "، أو عن " سهل بن زياد
الآدمي "، أو عن " محمد بن عيسى بن عبيد " بإسناد منقطع. أو عن " أحمد بن هلال "، أو
عن " محمد بن علي الهمداني "، أو عن " عبد الله بن محمد الشامي "، أو عن " عبد الله بن
أحمد الرازي "، أو عن " أحمد بن الحسين بن سعيد "، أو عن " أحمد بن بشير البرقي "،
أو عن " محمد بن هارون "، أو عن " ميمونة بن معروف "، أو عن " محمد بن عبد الله بن
مهران "، أو ما ينفرد به " الحسن بن الحسين اللؤلؤي "، وما يرويه عن " جعفر بن محمد
ابن مالك "، أو عن " يوسف بن الحرث "، أو عن " عبد الله بن محمد الدمشقي ".
قال أبو العباس بن نوح: " وقد أصاب شيخنا أبو [جعفر] محمد بن الحسن بن
الوليد في ذلك كله، وتبعه أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله) على ذلك إلا في " محمد بن
عيسى بن عبيد " فلا أدري ما رأيه فيه، لأنه كان ظاهر العدالة والثقة ". (1) انتهى كلام
النجاشي (رحمه الله).
وزاد محمد بن الحسين فيما استثناه هو مع الجماعة المذكورين: الهيثم بن علي
ابن عدي، وجعفر بن محمد الكوفي؛ (2) وقال الشيخ (رحمه الله): إنهما ممن يرو [ي] عنهما
أحمد بن محمد بن يحيى؛ (3) والله أعلم بحقيقة الحال كالعاقبة والمآل.
منهج [18]
[في العدد الواردة في أول الأسانيد]
[1] منها: عدة أحمد بن محمد بن عيسى، وهم: محمد بن يحيى، وعلي بن
موسى الكمنداني، وداوود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعلي بن إبراهيم بن هاشم.

1. رجال النجاشي 1: 117، ترجمة: أحمد بن محمد بن يحيى الأشعري.
2. من لا يحضره الفقيه 4: 228.
3. الفهرست: 623. في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري.
52

[2] ومنها: عدة أحمد بن محمد بن خالد البرقي وهم: علي بن إبراهيم وعلي بن
محمد بن عبد الله بن أذنية، وأحمد بن عبد الله بن أمية، وعلي بن الحسين.
[3] ومنها: عدة الحسين بن عبيد الله، وهم: أبو غالب أحمد بن محمد
الزراري، وأبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وأبو محمد هارون بن موسى
التلعكبري، وأبو عبد الله بن أبي رافع الصيمري، وأبو المفضل الشيباني، ومحمد بن
عبد الله بن محمد.
[4] ومنها: عدة سهل بن زياد، وهم: علي بن محمد بن علان، ومحمد بن أبي
عبد الله، ومحمد بن الحسن، ومحمد بن عقيل الكليني.
فهذه أربع عدد، فالثلاث صحاح؛ لاشتمالها على من يوثق به من الرواة. و
الأخيرة فيها محمد بن أبي عبد الله، فإن كان هو محمد بن جعفر بن عون الأسدي الثقة،
على ما نبه عليه بعض أصحابنا عن النجاشي، فهي كذلك أيضا، وإلا فلا. والله أعلم
بالخفيات والسرائر والبواطن والضمائر.
منهج [19]
[في معرفة الطبقة، والموالي]
الطبقة عندهم عبارة عن جماعة من الرواة اشتركوا في السن، ولقاء المشايخ.
وطريق معرفتها: تكرار النظر، ومراجعة الأسانيد والطرق المذكورة في كتب
الأصحاب، والممارسة.
ومما يعين على رفع الالتباس بين كثير من الرواة معرفة الموالي؛ وهو يطلق على
معان: (1)
منها: الأولى بالأمر.
ومنها: المعتق بالكسر، فإنه مولى لعتيقه.

1. عدها العلامة الأميني - قدس الله روحه - في الغدير 1: 363، سبعة وعشرين معنى.
53

ومنها: المعتق بالفتح، فإنه مولى من جهة السفل.
ومنها: ابن العم.
ومنها: الحليف، ومنه قوله: " موالي حلف لا موالي قرابة ".
والحلف بالكسر: عبارة عن التحالف والتعاقد على التعاضد والتساعد و
الاتفاق، فكل من المتحالفين مولى لصاحبه من جهة الحلف.
ومنها: الناصر.
ومنها: الجار.
ومنها: الملازم، يقال: " فلان مولى لفلان " إذا لازمه.
ومنها: غير العربي الصريح، كما يقال: " فلان عربي صريح وفلان مولى " أي ليس
كذلك.
ومنها: من يسلم على يديك، فإنك تكون مولاه بالإسلام.
والقرينة هي المميزة بين هذه المعاني لرفع الالتباس بين الرواة.
وقيل: " إن أكثر ما يراد به في هذا الباب، الغير العربي الصريح " (1) والله أعلم.
منهج [20]
[في معرفة فرق الشيعة]
الشيعة على أقسام: منهم:
[1] الزيدية: (2) وهم القائلون بالإمامة إلى الإمام زين العابدين علي بن
الحسين (عليهما السلام)، ثم من بعده ابنه زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام).

1. لاحظ: البداية: 135؛ رجال الخاقاني: 44؛ جامع المقال: 173؛ مقباس الهداية 3: 10.
2. انظر حول الزيدية: الملل والنحل 1: 154؛ فرق الشيعة: 46؛ مقالات الإسلاميين، 1: 129؛ كشاف الاصطلاحات
1: 614؛ الفرق بين الفرق: 40؛ نفايس الفنون 2: 275.
54

وقيل: ينقسمون إلى ثلاثة: الجارودية، والسليمانية، والبترية.
أما الجارودية: (1) فهم المنسوبون إلى زياد بن المنذر بن الجارود الهمداني، وهم
القائلون بالنص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكفر من أنكره؛ وكل من
خرج من أولاد فاطمة (عليها السلام) وكان شجاعا فهو الإمام بالحق.
وأما السليمانية: فهم المنسوبون إلى سليمان بن جرير، (2) القائلون بإمامة الشيخين
وكفر عثمان. (3)
وأما البترية؛ (4) فهم المنسوبون إلى كثير النواء، كالسليمانية اعتقادا إلا في كفر
عثمان.
[2] ومنهم الفطحية: وهم القائلون بالإمامة إلى جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)، ثم
من بعده ابنه عبد الله الأفطح فوقفوا عليه.
قيل: كان أفطح الرأس. (5) وقيل: أفطح الرجلين. (6) وقيل: إنما نسبوا إلى رئيس لهم
يقال له عبد الله بن فطيح الكوفي. (7)
وروي أن مشايخ العصابة وفقهاءها قالوا بإمامته، حيث حكي عنهم أنهم قالوا:
" الإمامة في الأكبر من ولد الإمام "، فمنهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنوه
بمسائل من الحلال والحرام ولم تكن له قدرة على الجواب، ولما ظهر منه ما لا ينبغي

1. ويقال لهم: السرحوبية أيضا. بحار الأنوار 37: 32؛ مجمع البحرين 3: 24 مادة " جرد ". جامع المقال: 191.
2. قال العلامة المجلسي (رحمه الله) هو: سليمان بن حريز.
3. ومن عقائدهم أنه تصح إمامة المفضول مع وجود الأفضل. وأبو بكر وعمر إمامان وإن أخطأت الأمة في
البيعة لهما مع وجود علي (عليه السلام)، لكنه خطأ لم ينته إلى درجة الفسق.
انظر: الملل والنحل 1: 159؛ الفرق بين الفرق: 16؛ مقالات الاسلاميين 1: 135.
4. عن أبي عمر سعد الجلاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لو أن البترية صف واحد ما بين المشرق والمغرب،
ما أعز الله لهم دينا. رجال الكشي: 202؛ بحار الأنوار 72: 180.
5. راجع جامع المقال: 191.
6. راجع: بحار الأنوار 37: 11.
7. راجع: مقباس الهداية 2: 323.
55

أن يظهر مثله من الإمام. ثم إن عبد الله بقي بعد أبيه سبعين يوما، فمات ورجع الباقون
بموته - إلا شرذمة قليلة منهم - عن القول بإمامته إلى القول بإمامة الإمام موسى بن جعفر
الكاظم (عليه السلام). (1) وتدبر.
والخبر المروي من أن الإمامة لا تكون في الأخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) و
غيره من الأخبار الدالة على الإمام وعلاماته. (2)
[3] ومنهم الواقفية: وهم القائلون بالإمامة إلى الإمام موسى بن جعفر
الكاظم (عليهما السلام)، فوقفوا عليه (عليه السلام).
[4] ومنهم الكيسانية: (3) وهم القائلون بإمامة علي أمير المؤمنين والحسن و
الحسين [(عليهم السلام)]، ومحمد الحنفية، وزعموا أنه حي سيظهر.
[5] ومنهم الناووسية: وهم القائلون بإمامة الإمام علي (عليه السلام) إلى الإمام جعفر بن
محمد الصادق (عليهما السلام)، فوقفوا عليه (عليه السلام) وقالوا: إن الصادق (عليه السلام) حي لا يموت حتى يظهر،
فيظهر أمره وهو القائم المهدي.
قيل: سموا بذلك لانتسابهم إلى رجل يقال له: الناووس. وقيل: بل نسبة إلى قرية
تسمى ناووسا. (4)
[6] ومنهم الإسماعيلية: وهم القائلون بالإمامة إلى الإمام جعفر بن محمد
الصادق (عليهما السلام)، ثم ابنه إسماعيل فوقفوا عليه.
[7] ومنهم الإمامية الاثني عشرية:
أعني الفرقة المحقة الناجية، وهم القائلون بإمامة جميع الأئمة إلى القائم الهادي
المهدي صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

1. إلى هنا ما نقله الكشي (رحمه الله) في رجاله ج 2: 525.
2. انظر الكافي 1: 286 باب: إثبات الإمامة في الأعقاب.
3. وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) (وهم أول من شذ عن الحق) الفصول المختارة 2: 81. وحكاه المجلسي (رحمه الله) في بحار
الأنوار 37: 1.
4. رجال الكشي 2: 659؛ لاحظ حول الناووسية: فرق الشيعة: 69؛ ريحانة الأدب 4: 161؛ نفايس الفنون 2: 276.
56

وأما باقي الفرق [1] ك‍ " المفوضة " المعتقدين أن الله تعالى خلق محمدا (صلى الله عليه وآله)، و
فوض إليه خلق الدنيا، فهو الخالق لما فيها!! وقيل: فوض ذلك إلى علي (عليه السلام)!
[2] و " المرجئة " المعتقدين أنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر
طاعة. وإنما سموا بذلك لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصي، أي
أخره عنهم. (1)
[3] و " الغلاة " المعتقدين أن عليا - صلوات الله عليه - هو إله الخلق كافة.
[4] و " المجسمة " من الغلاة المعتقدين أن سلمان الفارسي وأبا ذر والمقداد و
عمار بن ياسر وعمرو بن أمية الضمري، هم الموكلون بمصالح العالم من جهة علي
صلوات الله عليه، وهو الرب؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
[5] و " البترية " بضم الباء، المنسوبين إلى كثير النواء من الزيدية، الأبتر اليد. وجاء
عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام): أن جماعة دخلوا عليه وعنده أخوه زيد بن علي (عليه السلام)،
فقالوا لأبي جعفر (عليه السلام): نتولى عليا وحسنا وحسينا ونتبرأ من أعدائهم. [قال: نعم.
قالوا: نتولى أبا بكر وعمر ونتبرأ من أعدائهم]، (2) قال فالتفت إليهم زيد بن علي (عليه السلام)،
فقال لهم: " أتتبرؤون من فاطمة، بترتم أمرنا، بتركم الله تعالى ". فسموا بالبترية. (3)
وجاء عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) " لو أن البترية صف واحد بين
المشرق والمغرب، ما أعز الله بهم دينا ". (4)

1. قيل هم فرقة من المسلمين يقولون الإيمان قول بلا عمل.
وقيل هم فرقة من المسلمين يقولون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
وقيل: هم الفرقة الجبرية الذين يقولون إن العبد لا فعل له، وإضافة الفعل إليه بمنزلة إضافته إلى
المجازات، كجرى النهر ودارت الرحى.
انظر حول المرجئة؛ الملل والنحل 1: 43؛ فرق الشيعة: 18؛ كشاف اصطلاحات الفنون 2: 54؛ توضيح المقال:
45؛ مقباس الهداية 2: 370. وأيضا الروايات الواردة فيهم: الكافي 1: 53، ح 2؛ وسايل الشيعة 18: 201، ح
2.
2. سقط في الأصل وأضفناه من المصادر.
3. رجال الكشي 2: 154؛ بحار الأنوار 72: 178.
4. رجال الكشي 2: 202؛ بحار الأنوار 72: 180.
57

فهذه الفرق الخمسة ونحوها، ليسوا من فرق الشيعة في شيء بل الشيعة براء
منهم، لعنهم الله تعالى.
الخاتمة
في علل اختلاف الحديث
وأما الخاتمة:
فقد روى ثقة الإسلام - قدس الله روحه - في الكافي في باب اختلاف الحديث ما
هذا لفظه:
عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر
اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي قال: قلت لأمير
المؤمنين (عليه السلام): إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن و
أحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت
منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن
نبي الله (صلى الله عليه وآله) أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل؛ افترى الناس يكذبون
على رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمدين، ويفسرون القرآن بآرائهم؟
قال: فأقبل علي (عليه السلام) فقال: " قد سألت فافهم الجواب:
إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وعاما و
خاصا، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عهده
حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس قد كثرت علي الكذابة. فمن كذب علي متعمدا
فليتبوأ مقعده من النار.
ثم كذب عليه من بعده، وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:
رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمدا؛ فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، و
58

لكنهم قالوا: هذا قد صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورآه وسمع منه، فأخذوا منه وهم
لا يعرفون حاله. وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين بما أخبره، ووصفهم بما وصفهم،
فقال عز وجل: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم) (1) ثم بقوا بعده
فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال،
وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من
عصمه الله سبحانه؛ فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا، لم يحمله على وجهه، ووهم فيه، ولم يتعمد
كذبا، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه، ويقول: أنا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه، ولو علم هو أنه وهم لرفضه.
ورجل ثالث: سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا أمر به، ثم نهى عنه، وهو لا يعلم، أو
سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به، وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، فلو
علم أنه منسوخ لرفضه. ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لم ينسه، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع، لم يزد فيه ولم
ينقص منه. وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ. فإن أمر
النبي (صلى الله عليه وآله) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه. وقد كان
يكون من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكلام له وجهان: كلام عام وكلام خاص مثل القرآن، وقال الله
عز وجل في كتابه (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (2) فيشتبه على من
لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وليس كل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان
يسأله عن شيء فيفهم، وكان منهم [من] (3) يسأله ولا يستفهمه حتى أن كانوا ليحبون أن
يجيئ الأعرابي والطارئ، فيسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يسمعوا.

1. المنافقون: 63 / 4.
2. الحشر: 59 / 7.
3. الزيادة من المصادر.
59

وقد كنت أدخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة، فيخليني فيها،
أدور معه حيث دار؛ وقد علم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس
غيري، فربما كان [في بيتي] يأتيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر ذلك في بيتي، وكنت إذا دخلت
عليه ببعض منازله أخلاني. وأقام عني نساءه، فلا يبقي عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة
معي في منزلي، لم تقم عني فاطمة (عليها السلام) ولا أحد من بني، وكنت إذا سألته أجابني وإذا
سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني؛ فما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية من القرآن، إلا
أقرأنيها وأملاها علي، فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها و
منسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها و
حفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علي وكتبته، منذ دعا [الله] لي بما
دعا، وما ترك شيئا علمه الله من حلال و [لا] حرام، ولا أمر، ولا نهي كان أو يكون؛ و
لا كتابا منزلا (1) على أحد قبله من طاعة أو معصية، إلا علمنيه وحفظته فلم أنس حرفا
واحدا، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علما وفهما وحكما و
نورا. فقلت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم
يفتني شيء ولم أكتبه أفتتخوف علي النسيان فيما بعد؟ فقال: لا لست أتخوف عليك
النسيان والجهل ". (2)
ولا يخفى ما في هذا الحديث من مجامع الكمال، ومن الدلالة على عدم الإقدام
على العمل بظواهر الأحاديث الواردة عنه (صلى الله عليه وآله) ما لم يعلم حالها، من كونها ناسخة أم
منسوخة، مقيدة أم مطلقة، ظاهرة أم مؤولة، مكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم غير
مكذوبة، إلى غير ذلك؛ بخلاف الأحاديث المروية عن الأئمة صلوات الله عليهم
أجمعين. فإنها لانسخ فيها لكونها حاكية ومبنية وكاشفة ومفسرة عن ما أخبر به (صلى الله عليه وآله) من
الأحكام الشرعية وغيرها، وقد أمروا - صلوات الله عليهم - بالأخذ بها والتحديث فيها
والكتابة لها، إلى غير ذلك مما عرفت.

1. في المطبوع " كتاب منزل " ولكن في النسخة منصوب ولعله صحيح لكون عطفا ب‍ " وما ترك شيئا ".
2. الكافي 1: 62، باب اختلاف الحديث، ح 1.
60

وأما ما خالطها مما لا يوثق بوروده عنهم - صلوات الله عليهم - فبالعلامات و
القرائن المجوزة عند الأكابر الأخيار والأعيان الأبرار، المرضية المقررة المضبوطة،
يمكن التوصل إلى التفصي منه، بصدقه وكذبه وصحيحه وعليله، فيؤخذ الصواب و
ينزل ما عداه.
[بحث في الأحاديث الموضوعات]
ثم إنه قد دل الحديث صريحا على أنه كذب عليه (صلى الله عليه وآله) بل قوله (صلى الله عليه وآله) " قد كثرت على
الكذابة "، تصريح بوقوعه مطلقا، غير مرة كما لا يخفى.
قال شيخ المسلمين بهاء الملة والدين في كتاب الأربعين - بعد أن فسر هذا
الحديث الشريف والخبر المنيف -:
" لا ريب في أنه قد كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) للتوصل إلى الأغراض الفاسدة و
المقاصد الباطلة من التقرب إلى الملوك وترويج الآراء الزائفة وغير ذلك؛ ودعوى
صرف القلوب عن ذلك ظاهرة البطلان، وما تضمنه هذا الحديث من قوله (صلى الله عليه وآله): " قد
كثرت علي الكذابة " دليل على وقوعه، لأن هذا القول إما أن يكون قد صدر عنه (صلى الله عليه وآله) أو
لا، والمطلوب على التقديرين حاصل كما لا يخفى. ولوجود الأحاديث المتنافية التي
لا يمكن الجمع بينها وليس بعضها، ناسخا لبعض قطعا.
وما ذكره (عليه السلام) من وضع الحديث للتقرب إلى الملوك قد وقع كثيرا، فقد حكي أن
غياث بن إبراهيم دخل على المهدي العباسي وكان يحب المسابقة بالحمام، فروى
عن النبي أنه قال: " لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل أو جناح " فأمر له المهدي بعشرة
آلاف درهم، فلما خرج قال المهدي: أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله). ما قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) " أو جناح " ولكن هذا أراد أن يتقرب إلينا. وأمر بذبح الحمام، وقال: أنا
حملته على ذلك.
وقد وضع الزنادقة - خذلهم الله - كثيرا من الأحاديث وكذلك الغلاة والخوارج. و
61

يحكى أن بعضهم كان يقول - بعد ما رجع عن ضلالته -: أنظروا إلى هذه الأحاديث
عمن تأخذونها، فإنا كنا إذا رأينا رأيا وضعنا له حديثا.
وقد صنف جماعة من العلماء كالصنعاني وغيره كتبا في بيان الأحاديث
الموضوعة، وعدوا من تلك الأحاديث:
[1] " السعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه ".
[2] " الجنة دار الأسخياء ".
[3] " طاعة النساء ندامة ".
[4] " دفن البنات من المكرمات ".
[5] " أطلبوا الخير عند حسان الوجوه ".
[6] " لا هم إلا هم الدين ولا وجع إلا وجع العين ".
[7] " الموت كفارة لكل مسلم ".
[8] " التجار هم الفجار ".
[9] قال الصنعاني في كتاب الدر الملتقط: ومن الموضوعات ما زعموا أن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: " إن الله يتجلى للخلائق يوم القيامة عامة ويتجلى لك يا أبا بكر خاصة ".
[10] وأنه قال: " حدثني جبرئيل (عليه السلام) أن الله تعالى لما خلق الأرواح اختار روح أبي
بكر من بين الأرواح ".
وأمثال ذلك كثير. ثم قال الصنعاني: وأنا أنتسب إلى عمر وأقول فيه الحق لقول
النبي (صلى الله عليه وآله): " قولوا الحق ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ". فمن الموضوعات ما
روي:
[11] " إن أول ما يعطى كتابه بيمينه عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس "
قيل: فأين أبو بكر؟ فقال: " سرقته الملائكة ". ومنها.
[12] " من سب أبا بكر وعمر قتل، ومن سب عثمان وعليا جلد الجلدة ".
إلى غير ذلك من الأحاديث المختلقة.
62

ومن الموضوعات:
[13] " زر غبا تزدد حبا ".
[14] " النظر إلى الخضرة يزيد في البصر ".
[15] " من قاد أعمى أربعين خطوة غفر الله له ".
[16] " العلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان ".
انتهى كلام الصنعاني منقحا. (1)
وقد ظهر في الهند بعد الستمائة من الهجرة شخص اسمه " بابا رتن " ادعى أنه من
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنه عمر إلى ذلك الوقت، وصدقه جماعة، واختلق أحاديث
كثيرة، زعم أنه سمعها من النبي (صلى الله عليه وآله).
قال صاحب القاموس: سمعنا تلك الأحاديث من أصحاب أصحابه، وقد صنف
الذهبي كتابا في تبيين كذب ذلك اللعين سماه كسر وثن بابا رتن والأحاديث الموضوعة
أكثر من أن تحصى. (2) انتهى.
فعليك بمعرفة الأحاديث وأحوالها وأسانيدها ورجالها مع الفكر العميق و
التأمل الدقيق، بالدرك الوقاد والذهن النقاد، وملازمة الورع والتقوى والتمسك
بالحبل الأقوى، في العمل والفتوى، لتفوز بالرضوان وثواب المنان ونعيم الجنان.
وإلى هنا كلفت القلم بالتسطير والحمد لله على التيسير.
اتفق الفراغ من تنهيجها ليلة الأسبوع ونصف الميقات من الشهر الخامس من
السنة التاسعة من العشر الثامن، بعد رمي رأس الغل من الهجرة النبوية - على مهاجرها
وآله أفضل الصلوات وأتم التحيات - في البلدة المعروفة بهرات حفت بساير
الخيرات، والحمد لله وحده.

1. في المصدر: منتخبا.
2. كتاب الأربعين، للشيخ البهائي: 136، الحديث الحادي والعشرون.
63

فهرس مصادر التحقيق
1. أعيان الشيعة، للسيد محسن الأمين، تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف، بيروت، 11
مجلدات.
2. الأنساب، للسمعاني، تحقيق: عبد الرحمان بن يحيى المعلمي اليماني، الطبعة الثانية،
بيروت، 1980 م، 12 مجلدات.
3. بحار الأنوار، للعلامة محمد باقر المجلسي، دار الكتب الإسلامية، طهران، 110 مجلدات.
4. بصائر الدرجات، لمحمد بن الحسن الصفار القمي، تصحيح: محسن كوچه باغي، الطبعة
الثانية، مكتبة آية الله المرعشي، قم.
5. تعليقات على منهج المقال، لمحمد باقر الوحيد البهبهاني، الطبعة الحجرية.
6. تهذيب الأحكام، للشيخ الطوسي، تحقيق: السيد حسن الموسوي الخراساني، الطبعة
الرابعة، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365 ش، 10 مجلدات.
7. جامع المقال فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال، للشيخ فخر الدين الطريحي، تحقيق:
كاظم الطريحي، مكتبة الجعفري، طهران.
8. خلاصة الأقوال (= رجال العلامة الحلي)، للعلامة حسن بن يوسف بن المطهر الحلي،
تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، الطبعة الثانية، مكتبة الرضي، قم.
9. الدراية في علم مصطلح الحديث، للشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي، مطبعة
النعمان، النجف الأشرف.
10. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني، الطبعة الثالثة، دار الأضواء،
بيروت، 25 مجلدات.
11. الرجال، لابن داود الحلي، جامعة طهران، طهران.
12. رجال النجاشي، للشيخ أحمد النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، مؤسسة
النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، قم.
13. رسائل الشريف المرتضى، لأبي القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف
المرتضى، الطبعة الأولى، دار القرآن الكريم، قم، 1405 ه‍، 4 مجلدات.
64

14. الرعاية في علم الدراية، للشهيد الثاني، تحقيق: عبد الحسين محمد علي البقال، الطبعة
الأولى، مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1408 ق.
15. الرواشح السماوية، للمير داماد محمد باقر الحسيني الأسترآبادي، الطبعة الحجرية، قم.
16. روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، للسيد محمد باقر الموسوي الخوانساري،
مكتبة اسماعيليان، قم، 7 مجلدات.
17. رياض العلماء وحياض الفضلاء، للشيخ عبد الله الأفندي، تحقيق: أحمد الحسيني، مكتبة
آية الله المرعشي، قم، 7 مجلدات.
18. طبقات أعلام الشيعة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني، الطبعة الثانية، مكتبة اسماعيليان، قم، 5
مجلدات.
19. عدة الأصول، للشيخ الطوسي، تحقيق: محمد مهدي نجف، الطبعة الأولى، مؤسسة آل
البيت (عليهم السلام)، 1983 م.
20. عيون الأخبار، لابن البطريق، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1407 ه‍.
21. عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، للشيخ الصدوق، تصحيح: الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة
الأعلمي، بيروت، 1984 م، مجلدان.
22. الفهرست، للشيخ الطوسي، تصحيح: محمد صادق آل بحر العلوم، مكتبة الشريف
الرضي، قم.
23. قواعد الحديث، للسيد محيي الدين الغريفي، الطبعة الأولى، مكتبة المفيد، قم.
24. الكافي، لأبي جعفر ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، تحقيق: علي أكبر الغفاري،
الطبعة الأولى، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1363 ش، 8 مجلدات.
25. كشف الظنون، للحاجي خليفة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 6 مجلدات (مع إيضاح
المكنون وهدية العارفين).
26. الكنى والألقاب، للشيخ عباس القمي، الطبعة الخامسة، مكتبة الصدر، طهران، 1368 ه‍، 3
مجلدات.
27. معجم رجال الحديث، للسيد أبو القاسم الخوئي، الطبعة الرابعة، دار الزهراء، بيروت،
1989 م، 23 مجلدات.
65

28. مقباس الهداية في علم الدراية، للشيخ عبد الله المامقاني، تحقيق: محمد رضا المامقاني،
الطبعة الأولى، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، قم، 1411 ه‍، 7 مجلدات.
29. منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، للشيخ حسن بن زين الدين العاملي العاملي،
تحقيق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الأولى، جامعة المدرسين، قم، 1362 ش، 3
مجلدات.
30. نهاية الدراية (= شرح الوجيزة للشيخ البهائي)، للسيد حسن الصدر العاملي الكاظمي،
تحقيق: ماجد الغرباوي، الطبعة الأولى، نشر المشعر، قم.
31. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق:
عبد الرحيم الرباني الشيرازي، الطبعة الخامسة، دار إحياء التراث العربي، بيروت،
1983 م. 20 مجلدات.
32. وصول الأخيار إلى أصول الأخبار، للشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي، تحقيق: عبد
اللطيف الكوهكمري، مجمع الذخائر الإسلامية، قم.
66

(2)
الفن الثاني من القواميس
تأليف:
ملا آقا فاضل دربندي
1208 - 1285 ه‍
تحقيق:
محمد كاظم رحمان ستايش
67

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
إن لتقييم الحديث دورا أساسيا في استعماله والاستدلال به في العلوم المختلفة
الإسلامية، وقد تصدى الأعلام منذ أقدم عصور الثقافة الإسلامية لوضع قواعد التقييم
من جوانب مختلفة للحديث. فقد بحثوا عن كل راو وقع في سند الحديث في علم
الرجال، وله قواعد خاصة وكتبوا حولها عدة كتب ضخمة، وبحثوا عن سند الحديث
الذي يركب عن الرجال الرواة أيضا في علم الدراية، وهذا العلم يعد الباحث عن
أصول الحديث وشرائط قبوله أو رده، وفيه قواعد وأصول للبحث عن سند الحديث
ومتنه وكيفية تحمله وآداب نقله. وقد كتبوا عدة كتب ورسائل في قواعد هذا العلم.
لكن من المؤسف جدا أن الجهود العلمية في هذا المجال قد تباعد عن صنعة
الطبع والنشر والتحقيق ولذا ترى عشرات من الكتب القيمة في مجال قواعد الرجال
والدراية لم يطبع قط.
ومن أبرز المؤلفات في هذين الحقلين كتاب القواميس الذي ألف في علمي رجال
الحديث والدراية، فقد تم تحقيق قسم الدراية منه في مجموعة خاصة بكتب دراية
الحديث وسوف يتم تحقيق قسم الرجال منه في مجال آخر إن شاء الله.
مؤلفه:
هو المولى آقا بن عابد بن رمضان بن زاهد الشيرواني، الدربندي، الحائري
المعروف بالفاضل الدربندي ولد حدود سنة 1208 ه‍ في دربند وهو قرية بنواحي
69

طهران، ويسمى بباب الأبواب، ونسب إلى شيروان وهو مدينة من بلاد تركستان التي
أخذتها روسيا من دولة إيران.
درس المقدمات عند علماء مولده ثم هاجر إلى قزوين واستفاد مباحث من الفقه
والأصول والحديث والحكمة من أعلام هناك وهم:
1. المولى الشيخ محمد صالح البرغاني الحائري، المتوفى 1271 ه‍
2. المولى الشيخ محمد تقي البرغاني، الشهيد الثالث، المقتول سنة 1263 ه‍
3. المولى آقا الحكمي القزويني، أستاذه في الحكمة والفلسفة.
واشترك في الجهاد ضد الروسيا - الذين غزو بلاد إيران عام 1240 ه‍ - مع العلماء
بزعامة السيد محمد المجاهد الطباطبائي الحائري -، وقد توفي بعد رجوعه عن
الحرب في قزوين سنة 1242 ه‍ وشيخنا المترجم له كان ملازما بجثمانه عندما نقل إلى
كربلاء، فاستقر هناك واستفاد من دروس المولى الشيخ محمد المازندراني الشهير
بشريف العلماء، في الأصول. وبعد وفاة أستاذه في سنة 1246 ه‍ هاجر إلى النجف
الأشرف.
وكان تتلمذ في النجف الأشرف على الشيخ علي بن جعفر كاشف الغطاء المتوفى
1253 ه‍ في الفقه. ثم رجع إلى كربلاء وتصدى للتدريس وطال مكثه هناك فكان من
أجلاء علمائها. وناصب البابية أيام ظهورهم في كربلاء وحاولوا اغتياله في داره فدافع
عن نفسه إلى أن هرب، لكنه جرح جراحا بالغة في وجهه فخرج إلى طهران، وقام بها
مدة ثم عاد إلى كربلاء وأقام بها إلى أن انتقل في آخر عمره إلى طهران واحتل بها مقاما
ساميا وكان مقدما عند ناصر الدين شاه القاجار وعند الناس كافة.
أحواله:
كل من ترجمه وصفه ب‍: عالم متبحر، فقيه أصولي فاضل، حكيم بارع، رجالي
محدث، محقق مدقق، جامع المعقول والمنقول.
70

كان (قدس سره) كثير الجدل وكان معروفا بذلك فكان يعترض أستاذه في مجلس درسه.
وكان يولي كتب الحديث تعظيما بالغا، بحيث كان إذا أخذ بيده كتاب التهذيب
للشيخ الطوسي قبله ووضعه على رأسه كما يفعل بالقرآن الكريم ويقول: إن كتب
الحديث لها عظمة القرآن. (1)
وكان آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم فكان نموذجا
فريدا من الحكماء الإلهيين حيث كان يعارض علانية وبدون هوادة كل رأي ينافي
أصول العقيدة وكان يبدين عداءه للصوفية وينظر إلى الشيخية وعقائدهم بسخط و
يرمي عقائد الأخبارية بالبطلان. (2)
وكان خشن الكلام في المذاكرة حتى نفر الطلاب منه.
وكان يعظ في طهران ويرقي المنبر في العاشوراء ويذكر خبر مقتل الحسين و
يبكي ويلطم على رأسه ويظهر أشد الجزع ويبكي الناس لبكائه. (3)
مؤلفاته:
قد ذكر شيخنا المحقق الطهراني تأليفاته وهذه قائمتها:
1. أسرار الشهادة، اسمه إكسير العبادات في أسرار الشهادات.
وهو مرتب على أربعة وأربعين مجلسا وألفه مدة ثمانية عشر شهرا وفرغ منه
صبيحة يوم الجمعة منتصف ذي قعدة سنة 1372 ه‍.
قال الطهراني: ومن شدة خلوصه وصفاء نفسه نقل في هذا الكتاب أمورا لا
توجد في الكتب المعتبرة وإنما أخذها عن بعض المجاميع المجهولة، إتكالا على
قاعدة التسامح في أدلة السنن، مع أنه لا يصدق البلوغ عنه بمجرد الوجادة بخط مجهول،

1. الفوائد الرضوية: 54.
2. مذاهب وفلسفه در آسياى وسطى: 91 - 94.
3. أعيان الشيعة 2: 88.
71

وقد تعرض شيخنا في اللؤلؤ والمرجان إلى بعض تلك الأمور فلا نطيل بذكرها. (1)
وقال المحدث القمي: وأسرار الشهادة مشتمل على مطالب لا يمكن الاعتماد
عليها. (2)
وقد طبع هذا الكتاب مكررا والطبع الأخير منه وقع في ثلاثة مجلدات.
2. جواهر الإيقان
هو مقتل فارسي مطبوع وهو غير سعادات ناصري الذي هو ترجمة قسم من أسرار
الشهادة. (3)
3. الجوهرة في الأسطرلاب، والسيد الأمين ذكر أن اسمه جوهر الصناعة في
الأسطرلاب. (4)
ألفه للميرزا رضي خان الملقب بميرزا على جاه بهادر خان، بعد قراءته عليه
شطرا من العلوم، وفرغ منه في السبت الثالث من ذي الحجة في 1273 ه‍.
وهو كتاب لم يكتب مثله في بابه من حيث البسط والتحقيق، فلله در مؤلفه. وقد
رتبه على مقدمة في فهرس أبوابه الخمسة والعشرين وخاتمة، وطبع بلكهنو في
1280 ه‍ ومعه إجازته لتلميذه السيد ميرزا رضي خان الموسوي الهندي وذكر فيها
بعض تصانيفه. (5)
4. حجية الأصول المثبتة بأقسامها (6)
وقد رد عليه الميرزا محمود شيخ الإسلام برسالة إثبات عدم حجية الأصول المثبتة.
5. خزائن الأحكام

1. الذريعة 2: 279.
2. الفوائد الرضوية: 54.
3. الذريعة 5: 264.
4. أعيان الشيعة 2: 88.
5. الذريعة 5: 291.
6. الذريعة 6: 271.
72

وهو شرح للدرة النجفية وهي منظومة السيد بحر العلوم في الفقه، وقد وصفه
الدربندي في إجازته لميرزا رضي خان المذكور آنفا أنه قريب من مئة ألف بيت، وهو
مطبوع في مجلد. (1)
6. خزائن الأصول
قال في إجازته السابقة الذكر: إن خزائن الأصول في فنون الأدلة العقلية والعقائد
الدينية من المبدأ والمعاد من ثمانين ألف بيت.
يبدأ الجزء الأول بمباحث الحسن والقبح وينتهى بآخر البراءة. وكان الفراغ منه
يوم الأربعاء التاسع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 1258 ه‍.
ويبدأ الجزء الثاني بالاستصحاب إلى آخر بحث تبدل الموضوع، ثم يبدأ بمقدمة
كتاب آخر وهو كتاب مسائل التمرينيات كما يأتي.
طبع في طهران في 1267 ه‍ في مجلدين: أولهما في أصول الفقه، وثانيهما في
أصول العقائد والدراية والرجال وغيرها. (2)
7. الرسالة العملية
فارسية قرب سبع آلاف بيت في مسائل التقليد والطهارة والصلاة. ذكرها في
إجازته الآنفة الذكر. (3)
8. سعادات ناصري
مقتل فارسي وترجمة إكسير العبادة في أسرار الشهادة، لكن ليس ترجمة جميعه بل
هو مستخرج منه وترجمه بالفارسية من مبحث مقام الحسين ووقعة الطف من ذلك
الكتاب. وقد ترجمه للسلطان ناصر الدين شاه وجعله في ثلاثة عشر بابا، كل باب ذات
مجالس. وطبع بإيران 1287 ه‍. (4)

1. الذريعة 7: 152.
2. الذريعة 7: 153.
3. الذريعة 7: 153.
4. الذريعة 11: 213.
73

9. عناوين الأدلة في الأصول
وهو مختصر كتابه خزائن الأصول وطبع معه.
10. المسائل التمرينية أو فن التمرينات
فقد اخترع علما خاصا سماه بتمرينيات وقال عنه:
إن فن التمرينيات الذي اخترعته فهو مجمع بحري القواعد الأصولية والقوانين
الفقهية وإتقان القواعد الأصولية واستحداث الأصول الفقهية واستحكامها، وهو في
الحقيقة علم جديد وفن مخترع، لم يحم حوله السابقون.
11. القواميس أو قواميس القواعد
رتبه على عشرة فصول، أولها في طبقات الرواة الخمسة عشر، وثانيهما في تمييز
المشتركات إلى آخر الفصول. وفي إجازته الآنفة الذكر قال: إنه أربعة عشر ألف بيت. (1)
والكتاب كان في علم الرجال أولا، ثم أضاف إليه مباحث الدراية، قال:
إني لما فرغت من تصنيف هذا الكتاب في فن الرجال، ألحقت به بعد مدة فن
الدراية؛ لأني رأيت أن تركه وطي الكشح عنه يفضي إلى عدم تمامية علم الإسناد وعلم
أصول الحديث. (2)
وقد ذكره الشيخ الطهراني بعنوان طبقات الرواة أيضا وذكر أن اسمه القواميس (3) و
ذكر أن له رسالة في معرفة الأسانيد أيضا وتعرض فيها لكثير من اصطلاحات العامة نقل
عنها السيد حسن صدر الدين في نهاية الدراية في شرح الوجيزة للبهائي. (4)
والسيد الأمين عنونه بكتاب في الدراية، واستظهر كونه نفس رسالة معرفة الأسانيد. (5)
والظاهر أن تعدد العنوان لأجزاء كتاب القواميس نشأ عن تخلل مدة بين تأليف

1. الذريعة 17: 199.
2. القواميس، قسم الرجال، الورقة 2.
3. الذريعة 15: 148.
4. الذريعة 21: 247.
5. أعيان الشيعة 2: 88.
74

قسمي الرجال والدراية منه، كما أن النسخ الموجودة منه أيضا تكون منفصلة ولم
توجد نسخة كاملة تشتمل على كلا القسمين.
وفاته:
توفي - أعلى الله مقامه - سنة 1285 ه‍، كما أرخه الشاعر المؤرخ الشيخ محمد بن
داوود الهمداني " إمام الحرمين " الكاظمي، في المقطوعة التالية، قال: ومن جيد
التواريخ قولنا في وفاة المولى آقا بن عابد بن رمضان الدربندي:
حل بنا البلاء لا حول ولا * وما البلاء ينزل إلا بالولاء
يموت مفرد غدا في جمعه * العلوم طرا علما مرتجلا
فاضل دربند ومن في عصره * قد كان كهفا للورى وموئلا
فانقصمت عرى الهدى بفقده * وانقصمت ظهور من قال بلى
ومذ أتانا نعيه أرخته * (قد طار روحه إلى عرش العلا) (1)
لكن العلامة شيخنا الطهراني أرخ وفاته بسنة 1286 ه‍، وذكر أنها كانت في
طهران، وقال: فأودع جسده الشريف هناك، فلما كشف عنه وجد على طراوته،
فحمل إلى كربلا ودفن في الصحن الصغير في حجرة دفن بها جمع من فحول الطائفة
وأبطال العلم، كمؤلف الفصول والضوابط. (2)
والسيد الأمين تردد بين التأريخين وذكر أن مدفنه يتصل بقبر السيد محمد مهدى
ابن صاحب الرياض، وأنه لم يخلف إلا بنتا (3). (4)

1. فصوص اليواقيت في نصوص المواقيت: 9 - 10.
2. الكرام البررة 1: 153 بتصرف.
3. أعيان الشيعة 2: 88.
4. مصادر الترجمة: الأعلام 1: 17؛ أعيان الشيعة 2: 87؛ الذريعة 2: 46، 279 و 1: 59؛ ريحانة الأدب 2: 216؛
الكنى والألقاب 2: 228؛ لغت نامه دهخدا " فاضل ": 26؛ معجم المؤلفين 2: 304 و 309؛ مقدمة المنتقى النفيس من
درر القواميس (تراثنا عدد 24): 157 - 172.
75

منهج التحقيق:
قد اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على نسختين:
1. نسخة كاملة استنسخها محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الكرمانشاهي
القرمسيني في سنة 1280 ه‍ وقعت في 75 صفحة.
كتب الناسخ في نهاية هذه النسخة ما نصه:
" إلى هنا نهاية خط المصنف الأستاذ العلامة دام ظله وقد فرغت وأنا العبد
الآثم الخاطئ الجاني محمد بن إسماعيل القرمسيني موطنا ومولدا في يوم
الأربعاء رابع شهر ذي الحجة الحرام في سنة ثمانين بعد مئتين بعد الألف من
الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء والتحية من تسويد هذه الأوراق ".
كانت النسخة موجودة في مجموعة توجد مصورتها في مركز احياء التراث
الإسلامي برقم 1516 من قسم المصورات. ورمزناها ب‍ " ألف ".
2. نسخة كاملة أخرى المودعة في مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة
بقم برقم 9580 وقعت في 123 صفحة، 15 س، 5 / 22 × 15 سم، أولها نقش خاتم
" سلطان العلماء جعفر بن محمد " وآخرها خاتم " مكتبة محمد أمين الخويي النجفي ".
قد وقع السقط والتصحيف فيها كثيرا. ورمزناها ب‍ " ب ".
وفي الختام لابد أن نقدم جزيل الشكر إلى الأخ الفاضل الشيخ فيض پور حيث
استنسخ الكتاب وقابله بالنسختين.
محمد كاظم رحمان ستايش
1 ربيع الأول 1422 ه‍
76

تصوير المخطوطة
77

الفن الثاني من القواميس
79

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد المرسلين وخاتم النبيين، وعلى
أهل بيته القديسين المعصومين الأكرمين الأطيبين الأطهرين.
أما بعد
فيقول: العبد الأحقر اللائذ بأذيال ألطاف ربه الكريم، المشتهر بآقا بن عابد بن
رمضان بن زاهد الشيرواني الدربندي - أعطاهم الله تعالى طروسهم (1) بأيمانهم يوم
الحساب -:
الفن الثاني من فني علم الأسناد: علم الدراية، وهو علم يقتدر به على معرفة
أحوال الأسانيد والمتون للأحاديث والأخبار وصفات تحمل الحديث وأدائه وما
يتعلق بذلك.
فنقول في تعريف علم الرجال: إنه علم يقتدر به على معرفة أحوال الرواة من
حيث أنهم رواة - أي من حيث اتصافهم بالعدل أو الموثقية أو المدح وحسن الحال أو
الضعف والذم والقدح ونحو ذلك - وأيضا على معرفة الأصول الكلية والضوابط
التامة التي بها يعرف تمييز المشتركات وخلو الأسانيد عن وقوع الغلط ونحوه فيها أو
اشتمالها عليه وما يتعلق بذلك.
ووجه تسمية ذلك بعلم الرجال - مع أن الرواة كما قد يكونوا رجالا فكذا قد
تكون (2) جماعة منهم نساء وبنات، وهكذا أطفالا مميزين - هو أن الأوائل كانوا

1. الطروس: جمع طرس، وهو الورق. ويريد هنا كتبهم يوم القيامة.
2. ليس في " ب " قوله: " بعلم الرجال... قد تكون ".
81

يصدرون كلامهم بمقالة أن فلانا وفلانا وفلانا من أصحاب الباقر (عليه السلام)، وأن الفلاني و
الفلاني من أصحاب الصادق (عليه السلام) وهكذا، ونظائر ذلك غير عزيزة.
أما ترى أن العلماء قد سموا علم العقائد وأصول الدين بعلم الكلام؛ لأن الأوائل
كانوا يصدرون مقالاتهم ومباحثهم بأن الكلام في كذا والكلام في كذا، وأنهم كانوا
يبحثون كثيرا في مسألة كلام الله تعالى.
وكيف كان فإنه قد يستفاد من كلام جمع أن علمي الرجال والدراية يطلق عليهما
علم أصول الحديث وهكذا علم الإسناد.
قد يعرف علم الإسناد في كلام بعضهم بأنه: علم يبحث فيه عن صحة الحديث أو
ضعفه؛ ليعمل به أو يترك من حيث صفات الرجال وحال التحمل وصيغ الأداء. و
المتراءى من ذلك - كخلط جمع من علماء العامة بين مسائل علمي الدراية والرجال -
هو أنهما فن واحد، وأنت خبير بأن كلا منهما فن مستقل وعلم على حدة.
نعم يمكن أن يقال: إنه إذا لم يلاحظ في البين الأصول الكلية التامة الكافية والضوابط
النافعة الشافية في علم الرجال، كما أن كتب المعظم - لو لم نقل كتب الكل - خالية عن
الإشارة إليها، لا يستبعد حينئذ عد علم الرجال قسما من أقسام علم الإسناد وبابا من أبوابه.
وبالجملة: فإنا نخص علم الإسناد، وهكذا علم أصول الحديث، بعلم الدراية أو
نقول: أن علم الإسناد وهكذا أصول الحديث وإن كانا أعم إطلاقا (1) بمعنى أن كل واحد
منهما يطلق على كلا العلمين - أي علمي الرجال والدراية - إلا أنا نقول: إن كل واحد من
علمي الرجال والدراية يغاير الآخر فيكون كل واحد منهما علما مستقلا وفنا على حدة.
فإذا عرفت هذا المقدمة فاعرف مقدمة أخرى، وبيانها: أن علم الدراية مثل علم
الرجال في كون معرفته من الأمور اللازمة للمجتهد وكونه شرطا من شرائط الاجتهاد،
فكما أن الاجتهاد يتوقف تحققه على معرفة علم الرجال فكذا يتوقف على معرفة
الدراية، فوجد عدم إشارة جمع إلى لزوم معرفته ممن أشاروا إلى لزوم معرفة علم

1. أثبتناه من نسخة " الف ".
82

الرجال، وهو أن ما يجب معرفته من علم الدراية مما توجد الإشارة إليها في جملة
كثيرة من كتب الأصول، ويمكن إبداء وجه آخر كما لا يخفى على الفطن.
ثم الكلام المشبع في هذا المقام إنما يطلب من كتبنا الأصولية.
ثم لا يخفى عليك أن السنة في اصطلاح علماء الأصول وهكذا عند أهل الحديث
هي: قول المعصوم (عليه السلام) أو فعله أو تقريره، والحديث عندهم: ما يحكي قول
المعصوم (عليه السلام) أو فعله أو تقريره، والخبر يرادف الحديث عند الكل أو المعظم.
وقد ذكر بعض فضلاء العامة أنه قيل: الحديث ما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله)، والخبر ما
جاء عن غيره، ومن ثمة قيل لمن يشتغل بالتواريخ وما شاكلها: " الأخباري " ولمن
يشتغل بالسنة النبوية: " المحدث "، وقيل: بينهما عموم وخصوص مطلق. فكل
حديث خبر من [غير] عكس. (1)
هذا، وقد تجيء منا الإشارة في بعض مباحث هذا الفن إلى أنه قد اصطلح فقهاء
الشافعية على إطلاق الأثر على ما كان موقوفا على الصحابي فمن بعده، والخبر على ما
كان مأثورا عن النبي (صلى الله عليه وآله).
ثم لا يخفى عليك أن المحدث أعم إطلاقا من الأخباري وإن قلنا بأن الخبر يرادف
الحديث؛ فإن كل أخباري محدث من غير عكس؛ فإن المحدث كما يطلق على
الأخباري المخالف للمجتهد - في جملة مهمة كثيرة من المسائل والمباحث - فكذا
يطلق على المجتهد الحاذق الكامل في فنون الأحاديث.
ثم لا يخفى عليك أن الخبر إما أن يكون له طرق بلا حصر عدد معين، بل تكون
العادة قد أحالت تواطئهم على الكذب، وكذا وقوعه منهم اتفاقا من غير قصد، أو مع
حصر بما فوق الاثنين - أي بثلاثة فصاعدا - ما لم تجتمع فيه شروط المتواتر، أو باثنين
بمعنى أن لا يرويه أقل من اثنين عن اثنين، أو كان مما تفرد بروايته شخص واحد في
أي موضع وقع التفرد من السند.

1. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 37 وأثبتنا لفظ " غير " من المصدر.
83

فالأول المتواتر وهو المفيد للعلم اليقيني بشروطه المقررة في الكتب الأصولية.
والثاني: - وهو أول أقسام الآحاد - هو المشهور، وقد يقال له المستفيض أيضا.
وقد يفرق بينهما بأن المستفيض ما يكون في ابتدائه وانتهائه سواء في عدد
الرواة، والمشهور أعم من ذلك.
وقيل: يطلق المشهور على ما حرر هنا وعلى ما اشتهر في الألسنة، وإن كان له
إسناد واحد أو لا إسناد له أصلا.
والثالث: هو العزيز.
والرابع: هو الغريب.
ثم إن المتسامع وهكذا المتظافر يشاركان المتواتر في باب إفادته العلم، و
يفترقان عنه من بعض الوجوه، والكلام المفصل المشبع في كل ذلك إنما يطلب من
كتبنا الأصولية.
فإذا عرفت هذا، فاعلم أن المتواتر والمتسامع والمتظافر ليست من مباحث علم
الإسناد وعلم أصول الحديث؛ لأنها مما لا يبحث عن رجالها أصلا ومطلقا، بل إنها مما
يجب العمل به من غير بحث ولا تأمل.
ثم لا يخفى عليك أني ما راعيت في مباحث هذا الفن حسن الترتيب، وما
لاحظت في مسائل هذا العلم شدة الالتصاق بين السابق واللاحق، بل لم يتجل في
نظري عند الكتابة إلا تحقيق الحال في كل مسألة من المسائل، وتبيين المقال في كل
مبحث من المباحث كيف ما اتفق الوضع والترتيب، بمعنى أن وضع المباحث - وإن
كان كالدرر المنثورة - لا ينجلي له عند الأنظار لا حسن ولا وجه لنكتة من النكات.
واعتذر عن ذلك بأن كتابة المباحث قد جرت على نمط ما وقع عليه التفكر و
التدبر تقديما وتأخيرا، على أن النطس الندس من أصحاب الأذهان الثاقية والأفكار
الصائبة يقدر على أن يخرج لذلك وجهة مقبولة ونكتة معقولة، فها أنا أشرع الآن فيما
يكون بمنزلة الفهرست لمطالب هذا الفن.
ومباحث هذا العلم تذكر في ضمن فصول:
84

الفصل الأول
في بيان الأقسام الكثيرة والضروب الوفيرة للحديث
وذلك من العالي في الإسناد، ومن النازل فيه، ومن المضطرب، ومن المختلف،
ومن الموقوف، ومن المسند، ومن المتصل، ومن المرفوع، ومن المعنعن، ومن
المؤنن، ومن المعلق، ومن المرسل، ومن المقطوع، ومن المعضل، ومن المصحف
ومن المحرف، ومن الفارد، ومن المقلوب، ومن المنقلب، ومن المركب، ومن
المدرج، ومن الغريب، ومن العزيز، ومن الغريب لفظا، ومن الشاذ، ومن المنكر، و
من المكاتبة، ومن المضمر، ومن المقبول، ومن المعلل، ومن المقطوع في الوقف،
ومن المزيد، ومن المسلسل، ومن رواية الأقران، ومن المدبج، ومن المفارضة، و
من المدلس، ومن المعتبر، ومن المتابعات والشواهد، ومن الناسخ والمنسوخ.
واعلم أن جملة كثيرة من هذه الأقسام هي ذات ضروب عديدة وشقوق كثيرة وأقسام
وفيرة، وأن بيان الحال في جملة وفيرة منها قد اشتمل على مباحث أنيقة ومسائل رشيقة.
الفصل الثاني
في ذكر جملة من الفوائد المتفرقة التي كل واحدة منها
بمنزلة أصل وقاعدة من أصول هذا الشأن
الفائدة الأولى: فيها بيان حقيقة السند، وهكذا حقيقة المتن.
الفائدة الثانية: فيها بيان حكم كتابة الحديث، واختلاف السلف في ذلك.
الفائدة الثالثة: في بيان أهل الحديث من الطالب والشيخ والحافظ والحجة و
الحاكم، وفيها الإشارة أيضا إلى حال البخاري وحال كتابه من بعض الوجوه، وإلى
جملة أخرى من الأمور.
الفائدة الرابعة: فيها الإشارة إلى جملة من أحوال كتب أصحابنا المتقدمين و
85

المتأخرين، وإلى أن أحاديثنا تزيد على ما في الصحاح الستة للعامة بكثير، وإلى جملة
من صفات الصحاح الستة، وأحوال جملة من غير الصحاح الستة من كتب الأحاديث
للعامة، وإلى عدد الأحاديث التي في صحيح البخاري وهكذا إلى عدد ما في صحيح
مسلم، وفيها أيضا تذييل متضمن لجملة من المطالب مثل: بيان أن الصحيح عند العامة
على أقسام، وبيان أن الحاذق المتتبع للأحاديث المروية عن طرق العامة تنكشف
عنده جملة كثيرة من المطالب الملزمة للعامة، والتمثيل لذلك بجملة من الأمثلة.
الفائدة الخامسة: فيها الإشارة إلى عدد أحاديث الكتب الأربعة، وإلى جملة
أخرى من المطالب.
الفائدة السادسة: فيها الإشارة إلى أن أقسام الحديث من الخمسة الأصلية و
الفرعية المتفرع عليها مما لا يحصى ولا يستقصى، والإشارة إلى بيان ذلك.
الفائدة السابعة: فيها الإشارة إلى حال المتفق والمفترق، وهكذا المؤتلف و
المختلف، وهكذا المتشابه، والأنواع المتصورة في ذلك المقام بذكر الأمثلة و
الإشارة أيضا إلى معنى الطبقات على مذاق العامة.
الفائدة الثامنة: فيها الإشارة إلى جملة من الأمور وذلك مثل: معرفة كنى
المسمين ممن اشتهر باسمه وله كنية، ومعرفة من نسب إلى غير أبيه ومن نسب إلى
جده، ومعرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده، وإلى معرفة الأسماء المجردة، وهكذا
الأسماء المفردة، وإلى معرفة الألقاب والأنساب، وإلى نبذة من آداب الشيخ و
الطالب، وإلى معرفة سنن التحمل والأداء.
الفصل الثالث
هو أيضا متضمن لفوائد:
الفائدة الأولى: فيها الإشارة إلى حد الصحيح وإطلاقاته، وإلى حد الحسن و
الموثق والقوي والضعيف، وإلى أن مقتضى التحقيق هو تخميس الأقسام لا تربيعها.
86

وفيها أيضا تذييل مشير إلى بعض الأمور المهمة وذلك مثل: الإشارة إلى مذاق
العامة في حد الصحيح، وإلى تحقيق الحال في العزيز، وإلى أن العامة جعلوا الأقسام
في القسمة الأولية ثلاثة، وإلى تعريف الحسن على مذاقهم، وإلى أقوالهم المختلفة
في ذلك، وإلى أن جمعا منهم يجعلون الأقسام في القسمة الأولية أربعة.
وفيها أيضا تذنيب مشير إلى جملة من الأمور المهمة، وذلك من الإشارة إلى أن
مقتضى الحق هو ما عليه الخاصة في تعريف الصحيح لا ما عليه العامة، وإلى أن بعضا
من علمائنا قال: إنهم يتوسعون في العدل بحيث يشمل المخالف فلذلك اتسعت
عندهم دائرة الصحة، وإلى أخذ مجامع كلمات العامة فيما يضر بالراوي وما لا يضر
به، والإشارة أيضا إلى أن أحاديثنا ليست على مذهب العامة إلا من قبيل الأحاديث
الموقوفة، والإشارة إلى تزييف ما ذكره البعض من أن دائرة الصحة متسعة عندهم.
الفائدة الثانية: في بيان طرق تحمل الحديث ومجامعها سبعة أقسام أو ثمانية:
الطريق الأول: السماع من الشيخ.
والثاني: القراءة عليه، ويسمى عرضا.
والثالث: الإجازة، وأقسامها ثمانية.
والرابع: المناولة، وهي قسمان.
والخامس: المكاتبة، وهي أيضا ضربان.
والسادس: الإعلام.
والسابع: الوصية بالكتاب.
والثامن: الوجادة. وقد أخذنا الكلام في بيان كل واحد منها بمجامعه.
وفيها أيضا تذنيب مشير إلى جملة من الأمور، وذلك من الإشارة إلى كيفية الأداء
إذا وجد حديثا في تصنيف شيخ، (1) وإلى تحقيق الحال وكيفية النقل من تصنيف وما
يتعلق بذلك، والإشارة أيضا إلى أن العمل بالوجادة هل يجوز أم لا؟ والإشارة أيضا

1. في " الف ": " شخص ".
87

إلى تزييف كلام جمع من العامة من أنه لا يتجه في هذه الأزمان غير العمل بالوجادة.
وفيها تذييل مشير إلى جملة من المسائل المهمة، وذلك مثل: الإشارة إلى أهلية
التحمل والخلاف الواقع في ذلك واعتبار التمييز في الصغير المتحمل، وإلى قضية
صغير حمل إلى المأمون وقضية محمود بن الربيع، وإلى أنه ينبغي أن يتبادر بإحضار
الصغار والأطفال في مجلس التحديث والاستخارة لهم.
الفائدة الثالثة: في بيان ألفاظ الجرح والتعديل على النمط المتداول بين علماء
العامة.
الفصل الرابع
هو أيضا متضمن لجملة أخرى من الفوائد، لكن ما في تلك الفوائد من المسائل و
المباحث ليس كما تضمنته فوائد الفصول السابقة - أي في شدة مس الحاجة إليها - إلا
أنها مع ذلك مما تزيد به البصيرة والحذاقة في هذا الفن.
الفائدة الأولى: في الإشارة إلى معرفة سبب الحديث وأنها من الأمور المهمة
فهذا شأن جليل وأمر عظيم، وإلى أن الإخلال بذلك - أي أن ترك الأسباب في الذكر -
تفوت به مقاصد عظيمة والتمثيل لذلك بالحديث القدسي وفيه " يا محمد (صلى الله عليه وآله) أنت مني
حيث شئت أنا، وعلي منك حيث أنت مني، ومحبو علي مني حيث علي منك " (1)، و
الإشارة إلى أن حمل ما في هذا الحديث على الأكامل من الشيعة يستلزم التخصيص
الموردي، وإلى أن أكثر كتب القدماء من الإمامية قد ذكرت فيه الأحاديث ذوات
الأسباب بأسبابها، وأن العامة قد طرحوا في جملة كثيرة من المقامات أسباب
الأحاديث ذوات الأسباب وذلك لأغراض فاسدة منهم، وإلى أن بعض العامة قد
صنف في هذا الشأن كتابا.
الفائدة الثانية: في بيان آداب كتابة الحديث. وفيها أيضا إشارة إلى ما لا ينبغي ترك

1. مائة منقبة للقمي: 43؛ الجواهر السنية: 303.
88

كتابته بعد ذكر اسم الله تعالى، وهكذا بعد ذكر النبي وآله المعصومين وأوصيائه
الطاهرين - صلوات الله عليه وعليهم أجمعين -، وهكذا بعد ذكر الأصحاب الأخيار و
العلماء الأبرار، والإشارة أيضا إلى أن صلاة العامة وتسليمهم على النبي (صلى الله عليه وآله) من قبيل
الصلوات والتسليمات البتراء، والإشارة إلى ما يكتب عند تحويل السند، وبيان حال
الضرب أو الحك أو المحو إذا وقع في الكتاب ما ليس منه، وحال المكرر، وحال
تخريج الساقط والتصحيح والتضبيب والتمريض، والإشارة أيضا إلى ما يكتب في
حواشي نسخ الكتب الأربعة من الحروف والرموز المشيرة إلى حال السند.
الفائدة الثالثة: في بيان أنه قد غلب على كتاب الأحاديث للعامة الاقتصار على
الرمز في حدثنا وأخبرنا، وفيها الإشارة أيضا إلى أن معرفة صفة عرض الكتاب من
الأمور المهمة، والمراد من ذلك مقابلته مع الشيخ المسمع أو ثقة أو نفسه شيئا فشيئا،
وهكذا معرفة صفة سماعه أو صفة إسماعه وهكذا إلى ما يتعلق بذلك.
وفيها أيضا تذييل مشير إلى ما يكتب في الكتب المقروءة على الشيوخ، وإلى ما
يجب على كاتب السماع من التحري، وبيان السامع والمسمع والمسموع، وإلى ما
يشبه ذلك من المسائل.
وفيها أيضا تذنيب مشير إلى جملة من الأمور، وذلك مثل الإشارة إلى الخلاف
الواقع في باب الرواية والإفراط والتفريط الواقعين في ذلك؛ حيث إن قوما يحكمون
بأنه لا حجة إلا فيما رواه من حفظه، وطائفة يجوزون الرواية من نسخ غير مقابلة
بأصولهم؛ وإلى تحقيق الحال فيما إذا أراد الرواية من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي
مقابلة به لكن سمعت على شيخه أو فيها سماع شيخه أو كتبت عن شيخه وسكنت
نفسه إليها، وإلى ما يشبه ذلك من المسائل.
الفائدة الرابعة: في بيان مسائل متفرقة مما ينبغي للراوي تركه وما ينبغي له فعله،
وذلك كالاجتناب عن الرواية بقراءة لحان أو مصحف، أو كتعلمه جملة من العلوم وأن
طريق السلامة هو الأخذ من أفواه أهل المعرفة، وبيان الحال فيما إذا وقع في روايته
لحن أو تحريف وما يتعلق بذلك، وأن من ليس عالما بالألفاظ ومقاصدها لا يجوز له
89

الرواية بالمعنى وما يتعلق بذلك.
وبيان أن الحديث إذا كان عن اثنين أو أكثر واتفقا في المعنى دون اللفظ فله
جمعهما في الإسناد، وما يتعلق بذلك من المسائل.
وبيان أنه إذا كان في سماعه بعض الوهن فعليه بيان حال الرواية، وحال ما إذا
حدثه من حفظه في المذاكرة، وحال الحديث الذي يكون عن ثقة ومجروح، وما
يتعلق بذلك من المسائل.
وبيان أنه إذا اختلفت الأحاديث فلا يجوز خلط شيء منها في شيء.
الفائدة الخامسة: فيها الإشارة إلى بيان الحال في رواية بعض الحديث الواحد
دون بعض، وإلى حال تقطيع المصنف الحديث في الأبواب، وحال تقديم المتن و
هكذا تقديم بعض السند، وإلى حال أن روى حديثا بإسناد ثم أتبعه إسنادا، وإلى حال
ما يتعلق بهذه المسائل، والإشارة أيضا إلى أنه يجوز تغيير " قال النبي (صلى الله عليه وآله) " إلى " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) " وهكذا عكسه.
الفائدة السادسة: فيها الإشارة إلى أنه ليس له أن يزيد في نسب غير شيخه أو صفته
إلا أن يميزه، وإلى حال الكتب والأجزاء المشتملة على أحاديث بإسناد واحد، وإلى
حال حذف لفظة " قال " ونحوه بين رجال الأسناد في الخط وما يتعلق بذلك.
الفائدة السابعة: فيها الإشارة إلى أن علم الحديث يناسب مكارم الأخلاق و
محاسن الشيم وهو من علوم الآخرة.
وفيها الإشارة أيضا إلى جملة من آداب الطالب وجملة من آداب الشيخ
المحدث، والإشارة إلى حال الإستكثار من الشيوخ وإلى أن فوائد ذلك كثيرة حتى في
أمثال الإجازات العامة، وإلى أنه ينبغي الإتقان والإحكام فيما يتعلق بالصحة و
الضعف وفقه الأحاديث ومعانيها ولغتها وإعرابها ومطلق دقائق المعارف ودقائق
الحكم في الأخبار المتعلقة بأصول العقائد والحكمة النظرية والعملية، معينا بضبط
المشكلات والمعضلات في كل باب حفظا وكتابة، مقدما كتب المحمدين الثلاثة و
90

من يحذو حذوهم، وإلى أن في تتبع كتب الأحاديث من العامة فوائد كثيرة وعوائد
وفيرة، وإلى جملة من الأمور المتعلقة بذلك.
الخاتمة:
في الإشارة إلى جملة من الأمور، وذلك من أن للعلماء العامة جملة أخرى من
المطالب والمسائل في هذا الفن قد جعلوا لكل واحد من تلك المسائل عنوانا مستقلا
وساقوا على طرزه كلاما، وفيها الإشارة إلى تلك العناوين، وهي نيف وعشرة.
وفيها الإشارة أيضا إلى أن أكثر تلك العناوين غير مندرج تحت علوم الحديث و
علم الإسناد، وأن جملة منها قد وقعت في كتبهم في علم الإسناد وعلى نهج التنبيه و
نمط الإرشاد، وأن جملة منها مما يندرج تحت علم الإسناد وعلوم الحديث إلا أنها
مما لا يثمر بالنسبة إلى أحاديثنا المروية عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
وفيها أيضا إشارة إلى جملة من المواعظ والنصائح، فهذا ما أردنا من فهرست فن
الدراية.
فها أنا الآن أشرع - بعون الله تعالى - وحسن توفيقه في ذكر المطالب فأقول: إن
مطالب هذا الفن تذكر في ضمن فصول:
الفصل الأول
في بيان الأقسام الكثيرة والضروب الوفيرة للحديث
فمنها: العالي الإسناد، وقيل: الإسناد خصيصة لهذه الأمة وسنة بالغة، وطلب
العلو فيه سنة أخرى، ولهذا استحبت الرحلة لطلب الأحاديث. (1)
هذا، فالعالي الإسناد بالقرب من المعصوم (عليه السلام) وقلة الوسائط أفضل أنحاء علو

1. التقريب: 75.
91

الإسناد، فهذا هو العلو المطلق، فإن اتفق أن يكون سنده صحيحا كان الغاية القصوى و
إلا فصورة العلو موجودة ما لم يكن موضوعا.
فمن هذا القسم ثلاثيات الكليني (رحمه الله) عند الخاصة، والبخاري عند العامة.
وبعد هذه المرتبة قرب الإسناد إلى أحد أئمة الحديث وجهابذة المشيخة في أي طبقة
كان، وهذا هو العلو النسبي والإضافي، وهو ما يقل العدد فيه إلى ذلك الشخص، وإنما كان
العلو مرغوبا فيه لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ؛ لأنه ما من راو من رجال الإسناد إلا و
الخطأ جائز عليه، فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان التجويز وكلما قلت قلت.
فإن كان في النزول مزية ليست في العلو كأن يكون رجاله أوثق منه أو أحفظ أو
أفقه و (1) الاتصال فيه أظهر فلا ريب في أن النزول حينئذ أولى.
وأما من رجح النزول مطلقا واحتج بأن كثرة البحث تقتضي المشقة، وذلك مفتاح
تزايد الفيض وتضاعف الأجر، فقد رجح بأمر وحشي وأجنبي عما يتعلق بهذا الفن.
ثم إن من العلو النسبي العلو بالنسبة إلى رواية أحاديث أحد الأصول المعتبرة و
الكتب المعتمدة مثل كتب الكليني (رحمه الله) والصدوق (رحمه الله) والشيخ ونحوهم، وهذا في كتب
العامة مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم وموطأ مالك وصحيحي أبي عيسى الترمذي و
أبي عبد الرحمن النسائي وسنن أبي داود السجستاني ومستدرك أبي عبد الله الحاكم وجامع
الأصول لابن الأثير ونحو ذلك. وهذا النحو من العلو مما كثر اعتناء المتأخرين به من
الموافقة والأبدال والمساواة والمصافحة.
فالموافقة، هي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين عن غير طريقه.
والإبدال، وقد يقال له البدل، وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك.
والمساواة، وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد
المصنفين، وذلك الأخير كأن يروي الراوي - مثلا - حديثا يقع بينه وبين المعصوم (عليه السلام)
أحد عشر نفسا فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر إلى المعصوم (عليه السلام) يقع بيننا فيه و

1. في " الف ": " أو " والصحيح ما أثبتناه.
92

بين المعصوم (عليه السلام) أحد عشر نفسا. فالتساوي من حيث العدد مع قطع النظر عن ملاحظة
ذلك الإسناد الخاص - يعني وإن كان إسناد النائي البعيد أصح لأوثقية رجال إسناده مثلا
فإن ذلك لا يقدح في هذه المساواة لقطعنا النظر عن ذلك.
وأما المصافحة، فهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف على الوجه المذكور
آنفا، وإنما سميت مصافحة لأن العادة جرت في الغالب بالمصافحة بين من يلاقينا، و
نحن في هذه الصورة كأنا لقينا النائي - أي المصنف - فكأنا صافحناه.
وكيف كان فإنه يقابل العلو بأقسامه المذكورة النزول؛ فيكون كل قسم من أقسام
العلو يقابله قسم من أقسام النزول خلافا لمن زعم أن العلو قد يقع غير تابع لنزوله.
ثم لا يخفى أن من جملة العلو ما هو أدنى رتبة مما تقدم، فهذا قسمان:
أحدهما: تتقدم وفاة من في طبقة في أحد الإسنادين المتساويين بالعدد بالنسبة
إلى من في طبقة مثلها في الإسناد الآخر.
والآخر: يتقدم السماع في أحدهما مع اتفاقهما في وقت الوفاة.
وقد مثل جمع من العامة للأول بأن ما أرويه عن ثلاثة عن البيهقي عن الحاكم
أعلى مما أرويه عن ثلاثة عن ابن خلف عن الحاكم؛ لتقدم وفاة البيهقي على ابن خلف (1)
وأما علوه بتقدم وفاة شيخك فقد حده البعض بمضي خمسين سنة من وفاة الشيخ، و
الآخر بمضي ثلاثين سنة (2) وقالوا في بيان الثاني: ويدخل كثير منه فيما قبله، ويمتاز
بأن يسمع شخصان من شيخ وسماع أحدهما من ستين سنة والآخر من أربعين و
تساوي العدد إليهما فالأول أعلى. (3)
فمنها: المضطرب، وهو الذي يروى على أوجه مختلفة متفاوتة.
والاضطراب يقع في الإسناد غالبا، وقد يقع في المتن وفيهما من راو أو جماعة،

1. مقدمة ابن الصلاح: 159.
2. نفس المصدر.
3. مقدمة ابن الصلاح: 160.
93

لكن قل أن يحكم المحدث على الحديث بالاضطراب بالنسبة إلى الاختلاف في المتن
دون الإسناد.
ومما مثل به جمع من فضلاء العامة للاضطراب في السند رواية النبي (صلى الله عليه وآله) في
المصلي " إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فلينخط خطا " (1) فإن في أسانيده من يرويه
تارة عن أبيه عن جده، وتارة ثانية عن جده بلا واسطة، وتارة ثالثة عن ثالث غيرهما. (2)
وقال بعض أجلة المحققين المدققين منا: " والتحقيق عندي أن ذلك يلحق بباب
المزيد في الإسناد وبباب التعدد في بعض السند وهو قسم من عالي الإسناد، وليس
هو من الاضطراب في شيء إلا أن يعلم وقوعه منه على الاستبدال، فالحكم على تلك
الرواية بالاضطراب ليس بمجرد هذه الجهة، إلا أن يخالف في الترتيب، كأن يرويه
تارة - مثلا - عن أبي بصير عن زرارة عن الصادق (عليه السلام)، وأخرى بعكس ذلك فيرويه عن
زرارة عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) ". (3)
هذا، وأنت خبير بأن ما ذكره إلى قوله: " إلا أن يخالف الترتيب " في غاية الجودة و
المتانة، لكن ما استثناه وما مثل به مما لا يخلو عن ركاكة؛ لأن رواية الراوي مثلا تارة
عن أبي بصير وأخرى عن زرارة عن أبي بصير لا يدل على الاضطراب؛ إذ لعل ذلك من
باب المقارضة. وقد عرفت الكلام المشبع فيها في الأصول الرجالية فتأمل جيدا.
وأما الاضطراب في المتن فقد مثل له جمع من العامة (4) برواية فاطمة بنت قيس
أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " إن في المال لحقا سوى الزكاة " (5) وفي رواية أخرى عنها أن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: " ليس في المال حق سوى الزكاة " الحديث. (6)
ولا يخفى عليك أن المثال لذلك في أخبارنا غير عزيز، فمن ذلك ما في مرفوعة

1. مسند أحمد 2: 249 و 255 و 266؛ سنن ابن ماجة 1: 303، ح 943 باب الإقامة.
2. مقدمة ابن الصلاح: 74.
3. الرواشح السماوية: 190 و 191 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
4. تدريب الراوي: 237.
5. سنن الترمذي 2: 85، ح 654 باب (27) باب ما جاء أن في المال....
6. سنن ابن ماجة 1: 570، ح 1789 باب (3) ما أدى زكاته ليس بكنز.
94

في باب اعتبار الدم عند اشتباهه بالقرحة بخروجه من الجانب الأيمن فيكون حيضا أو
بالعكس، (1) كما لا يخفى ذلك على من تتبع نسخ الكافي والتهذيب.
ثم إن الاضطراب في المتن قد يكون من راو واحد كما في تلك المرفوعة
المضطربة، وقد يكون من رواة يروي كل واحد منهم على خلاف ما يرويه الآخر، و
ذلك كثير في تضاعيف أحاديثنا.
وبالجملة: فإنما يحكم بالاضطراب مع تساوي الروايتين المختلفتين في درجة
الصحة أو الحسن أو الأوثقية أو القوة أو الضعف، وكذلك في درجة علو الإسناد أو
التسلسل أو القبول أو الإرسال أو القطع أو التفضيل أو غيرهما.
وبالجملة: مع تساويهما في جميع الوجوه والاعتبارات يحسب درجات أقسام
الحديث الأصلية والفرعية، إلا في نحوي الروايتين المختلفتين اللتين بحسبهما
نحكم بوصف الاضطراب بحيث لا ترجح إحداهما على الأخرى ببعض المرجحات؛
أما لو ترجحت إحداهما على الأخرى بكون راويها أحفظ أو أضبط أو أكثر صحبة
للمروي عنه ونحو ذلك فالحكم للراجح وليس هناك مضطرب؛ فتأمل.
ومنها: المختلف، قيل: هذا من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء
من الطوائف، وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرا فيوفق بينهما أو يرجح
أحدهما، وإنما يتكفل بهذا الشأن جهابذة قروم العلماء الجامعون بين الحديث والفقه
والأصولين الغواصون على المعاني.
وصنف فيه الشافعي ولم يقصد استيفاءه، (2) ثم صنف فيه ابن قتيبة (3) فأتى بأشياء
حسنة وأشياء غير حسنة وترك معظم المختلف.
وقد حكى بعض فضلاء العامة عن بعضهم أني لا أعرف حديثين صحيحين

1. روى في الكافي 3: 94، ح 3 الأصل، وفي تهذيب الأحكام 1: 385، ح 1185 باب الزيادات، العكس.
2. طبع باسم " مختلف الحديث "
3. طبع باسم " تأويل مختلف الحديث ".
95

$ $ $ $ $ $ $ $ $ $ $ $
متضادين فمن كان عنده فليأتني لأؤلف بينهما. (1)
هذا، ثم مثل له جمع منهم بحديث " لا عدوى ولا طيرة " (2) مع حديث " فر من
المجذوم فرارك من الأسد " (3) وكلاهما في الصحيح.
وأنت خبير بما فيه؛ فإن ظاهر عبارتهم أنهما حديثان، وليس كذلك؛ لأنهما في
حديث واحد في صحيح البخاري.
وقال بعضهم في مقام الإتيان بالمثال: وذلك كحديث " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة و
لأصفر " فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها
البعير الأجرب فيجربها؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " فمن أعدى الأول؟! " مع حديث " لا يورد
ممرض على مصحح " وفي رواية " لا يوردن ذو عاهة على مصح " الحديث. (4)
قيل في وجه الجمع بينهما: " إن هذه الأمراض لا تعدى بطبعها، لكن الله تعالى
جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا أعدائه مرضه. ثم قد يتخلف ذلك عن سببه
كما في غيره من الأسباب " (5) هذا.
وقيل أيضا: " والأولى في الجمع بينهما أن يقال: إن نفيه (صلى الله عليه وآله) العدوي باق على
عمومه، وقد صح قوله (صلى الله عليه وآله): " لا يعدي شيء شيئا " وقوله (صلى الله عليه وآله) لمن عارضه بأن البعير
الأجرب يكون في الإبل الصحيحة فيخالطها فيجرب، حيث رد عليه بقوله: " فمن
أعدى الأول؟! " يعني: أن الله تعالى ابتدأ بذلك في الثاني كما ابتدأه في الأول.
وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرايع والوسائل؛ لئلا يتفق
للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء إلا بالعدوى المنفية،

1. حكي ذلك عن محمد بن إسحاق بن خزيمة كما في مقدمة ابن الصلاح: 173 والباعث الحثيث 2: 482.
2. صحيح البخاري 7: 17 ب 19 و 43 و 44 و 45 و 54؛ صحيح مسلم 7: 31 و 32 و 33 و 34؛ سنن أبي داود 2:
231، ح 3911؛ سنن ابن ماجة 1: 34، ح 86 و ج 2: 1170، ح 3536؛ مسند أحمد 1: 174 و 180.
3. صحيح البخاري 7: 17؛ مسند 2: 443؛ الفقيه 3: 557، ح 4914.
4. غريب الحديث للهروي 2: 221؛ تأويل مختلف الحديث 1: 97.
5. مقدمة ابن الصلاح: 173.
96

فيظن أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوي فيقع في الحرج، فأمر بتجنبه
حسما للمادة ". (1)
هذا، وأنت خبير بما فيه من عدم الاستقامة، لأن احتجاجه على مطلبه بقوله:
" وقد صح قوله (صلى الله عليه وآله) " لا يعدي شيء شيئا " " من جملة المصادرات؛ إذ ما في هذا الحديث
أيضا يحتمل أن يكون المراد منه عدم العدوي بالطبع.
ثم إن ما ذكره في قضية الأمر بالفرار من المجذوم. فهو أيضا مما ركاكته ظاهرة؛
لأنه لا يكون حينئذ وجه لتخصيص المجذوم بالذكر في الحديث.
وكيف كان، فإن مقتضى التحقيق أن العدوي المنفية هي عدوى الطبع. أي ما كان
يعتقده الجاهل من أن ذلك يتعدى من فعل الطبيعة من غير استناد إلى إذن الله تعالى و
أمره وسلطانه جل سلطانه - فلذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " فمن أعدى الأول؟! "
ثم لا يخفى عليك أنه إذا لم يتيسر الجمع فإن علمنا أحدهما ناسخا قدمناه، وإلا
رجعنا إلى الأصول والقواعد المقررة في علم الأصول.
ومنها: الموقوف، قيل: هو المروي عن الصحابة قولا لهم أو فعلا أو نحوه متصلا
كان أو منقطعا، ويستعمل في غيرهم مقيدا، فيقال: وقفه فلان على الزهري ونحوه.
وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر والمرفوع بالخبر، وعند المحدثين
كله يسمى أثرا. (2)
ثم إن منه ما يتصل إسناده إلى الصحابي فيكون موقوفا موصولا، ومنه ما لا يتصل،
فيكون من الموقوف غير الموصول.
هذا، وقال بعض أجلة علمائنا: " هو في شائع الاصطلاح قسمان: مطلق ومقيد.
فالموقوف على الإطلاق، هو ما روي عن الصحابي أو عمن في حكمه وهو من
بالنسبة إلى الإمام (عليه السلام) في معنى الصحابة بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) - من قول أو فعل أو نحو

1. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 73 و 74.
2. التقريب: 27.
97

ذلك متصلا كان سنده أو منقطعا. والموقوف المقيد لا يستعمل إلا بالتقييد ".
" والبعض يسمى الموقوف بالأثر إذا كان الموقوف عليه صحابيا، والمرفوع
بالخبر وأما أهل الحديث فيطلقون الأثر عليهما ويجعلونه أعم من الخبر مطلقا.
وربما يخص بالمرفوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، والأثر بالمرفوع إلى الأئمة (عليهم السلام)، وكثيرا ما
يسلك المحقق الحلي في كتبه هذا المسلك ". (1)
تذنيب فيه فروع:
منها: أن قول الصحابي: كنا نفعل أو نقول كذا مثلا، إن أطلقه أو قيده ولكن لم
يضفه إلى زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فموقوف على الأصح، وقيل: مرفوع وهو بعيد. (2)
ومنها: أنه إن قيده وأضافه إلى زمنه (صلى الله عليه وآله) فإن ذكر اطلاعه (عليه السلام) فمرفوع إجماعا وإلا
فوجهان، فالأصح أنه أيضا مرفوع.
ومنها: أن قول بعض الصحابة: " كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) يقرعونه بابه بالأظافير " (3)
مرفوع، والقول بالوقف غير مستقيم.
ومنها: أن تفسير الصحابي إن تعلق بسبب نزول آية فمرفوع وما لم يكن كذلك
فمعدود من الوقف إجماعا.
ومنها: أن الموقوف وإن اتصل وصح سنده فليس بحجة عند الأكثر، وطائفة على
حجيته؛ لأن الظاهر أن قوله مستند إلى الأخذ عن المعصوم (عليه السلام) وفيه ما لا يخفى. ويمكن
التفصيل بالقول بالحجية في موقوفات ابن أبي عمير ونحوه دون غيرهم؛ فتأمل.
ومنها: المسند، وهو ما اتصل سنده من راويه متصاعدا إلى منتهاه إلى

1. الرواشح السماوية: 180 بتفاوت يسير.
2. مقدمة ابن الصلاح: 44.
3. أخرجه البخاري في الأدب المفرد 2: 515، والحاكم النيشابوري في معرفة علوم الحديث: 19.
98

المعصوم (عليه السلام)، فخرج باتصال السند المرسل، والمقطوع والمعضل والمعلق، و
بالغاية الموقوف بسند متصل.
وقال بعض فضلاء العامة: " وأكثر ما يستعمل فيما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) دون غيره و
قال ابن عبد البر: هو ما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) متصلا كان أو غيره، وقال الحاكم وغيره:
لا يستعمل إلا في المرفوع المتصل " (1) فالمسند ينقسم إلى ضعيف وغيره.
ومنها: المتصل ويقال له: الموصول، وهو ما اتصل إسناده، وكان كل من
طبقات الرواة قد سمعه ممن فوقه سماعا حقيقيا أو في معناه، كالإجازة والمناولة؛
سواء كان مرفوعا في التصاعد إلى المعصوم (عليه السلام) أو موقوفا على غيره.
ومنها: المرفوع، وهو ما أضيف إلى المعصوم (عليه السلام) من قول أو فعل أو تقرير متصلا
كان، أو منقطعا باسقاط بعض الأوساط أو إبهامه أو رواية بعض السند عمن لم يلقه، وهو
يفارق المتصل في المنقطع ويفارقه المتصل في الموقوف، ويجتمعان في المتصل غير
الموقوف وهو المسند، فبينهما عموم من وجه، وهما أعم مطلقا من المسند.
ومنها: المعنعن، وهو ما يقال في سنده: " فلان عن فلان " من غير ذكر
التحديث والإخبار والسماع، والعنعنة بحسب مفاد اللفظ أعم من الاتصال، فإذا
أمكن اللقاء وصحت البراءة من التدليس تعين أنه متصل.
وأما القول بأنه مرسل مطلقا، كالقول بأنه متصل بشرط ثبوت اللقاء وطول الصحبة و
معرفته بالرواية عنه، والقول باشتراطه بالأول أو الثاني أو الثالث (2) فمما لا وجه له.
وقال بعض فضلاء العامة: " وكثر في هذه الأعصار استعمال " عن " في الإجازة فإذا

1. مقدمة ابن الصلاح: 41 بتفاوت الألفاظ.
2. تدريب الراوي 1: 190 - 188.
99

قال أحدهم: قرأت على فلان عن فلان، فمراده أنه رواه عنه بالإجازة. " (1)
وقال بعض أجلة من فضلائنا بعد نقل هذا الكلام عنه: " وأما عندنا وفي أعصارنا
وفي استعمالات أصحابنا، فأكثر ما يراد بالعنعنة الاتصال.
هذا، وأنت خبير بما فيه من الركاكة؛ فتأمل.
ثم اعلم أنه إذا قيل: فلان عن رجل أو عن بعض أصحابه أو عمن سماه عن فلان،
فبعض الأصوليين سماه مرسلا، واستمر عليه ديدن الشيخ في الاستبصار أكثريا (2) وفي
التهذيب تارات، (3) وليس في حيز الاستقامة.
وقال الحاكم من العامة: لا يسمى مرسلا بل منقطعا. (4) وهذا أيضا خارج عن سبيل
الاستواء.
والصواب عندي أن يصطلح عليه بالإبهام والاستبهام ". (5)
ومنها: المعلق، وهو ما حذف من مبدأ إسناده واحد فأكثر، فهذا مأخوذ من
تعليق الجدار والطلاق؛ لاشتراكهما في قطع الاتصال، واستعمله بعضهم في حذف
كل الإسناد.
والظاهر أنهم لم يستعملوا التعليق فيما سقط وسط إسناده أو آخره؛ لتسميتهما
بالمنقطع والمرسل، ولا في غير صيغة الجزم، ك‍ " يروي عن فلان كذا " و " يقال عنه " و
" يذكر " و " يحكى " وشبهها، بل خصوا به صيغة الجزم ك‍ " قال " و " فعل " و " أمر " و " نهى "
و " ذكر " و " حكى " ونحو ذلك.
ولا يخفى عليك أن الشيخ الطوسي (رحمه الله) قد أكثر من التعليق في كتابيه فيترك الأقل أو

1. مقدمة ابن الصلاح: 54.
2. انظر الاستبصار 1: 7 و 11 و 40 و...
3. انظر تهذيب الأحكام 1: 35 و 43 و 109 و...
4. معرفة علوم الحديث: 28.
5. الرواشح السماوية: 128.
100

الأكثر ثم يذكر الإسناد إلى آخر السند، والصدوق (رحمه الله) كثيرا ما يتعلق إلى آخر السند.
فيقول مثلا: روى زرارة عن الباقر (عليه السلام) ونحو ذلك.
والبخاري من العامة قد آثر الإكثار من التعليق في صحيحه، وهو قليل جدا في
صحيح مسلم. قيل: فقد يفعل البخاري ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات
عمن علقه عنه، أو لكونه ذكره متصلا في موضع آخر من كتابه، أو بسبب آخر لا
يصحبه خلل الانقطاع. (1)
ومنهما: المرسل، وهو ما رواه عن المعصوم (عليه السلام) من لم يدركه في الرواية بإسقاط
طبقة أو طبقات من البين، والأشهر لدى الأكثر تخصيص الإرسال بإسناد التابعي إلى
النبي (صلى الله عليه وآله).
قال بعض فضلاء العامة: " اتفق علماء الطوائف أن قول التابعي الكبير: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذا أو فعله يسمى مرسلا فإن انقطع قبل التابعي واحد أو أكثر قال الحاكم
وغيره من المحدثين: لا يسمى مرسلا بل يختص المرسل بالتابعي عن النبي (صلى الله عليه وآله) فإن
سقط قبله واحد فهو منقطع، وإن كان أكثر فمعضل ومنقطع، والمشهور في الفقه و
الأصول أن الكل مرسل. وأما إذا قال: فلان عن رجل عن فلان، فقال الحاكم: منقطع
ليس مرسلا، وقال غيره: مرسل ". (2)
هذا: وقال بعض الأجلة من علمائنا: " إن في حكم الإرسال ابهام الواسطة ك‍ " عن
رجل " و " عن بعض أصحابه " ونحو ذلك، فأما " عن بعض أصحابنا " مثلا، فالتحقيق أنه
ليس كذلك؛ لأن هذه اللفظة تتضمن الحكم له بصحة المذهب واستقامة العقيدة، بل
إنها في قوة المدح له ". (3)
هذا وأنت خبير بأنه مما في محله؛ فتأمل.

1. الرواشح السماوية: 129؛ فتح الباري 10: 45؛ مقدمة ابن الصلاح: 57.
2. مقدمة ابن الصلاح: 48 - 49.
3. الرواشح السماوية: 171.
101

ومنها: المقطوع، ويقال له أيضا: المنقطع، فهذا قسم من المرسل، وهو ما يكون
الإرسال فيه بإسقاط طبقة واحدة فقط من الإسناد، سواء كان من أوله أو من وسطه أو
من آخره، إلا أن أكثر ما يوصف بالانقطاع في غالب الاستعمال رواية من دون التابعي
عن الصحابي في حديث النبي (صلى الله عليه وآله) أو رواية من دون من هو في منزلة التابعي عمن هو
في منزلة الصحابي في أحد من الأئمة (عليهم السلام).
ويعرف الانقطاع بمجيئه من وجه آخر بزيادة طبقة أخرى في الإسناد، وصورته
أن يكون حديث له إسنادان في أحدهما زيادة رجل، فإن كان ذلك الحديث لا يتم
إسناده إلا مع تلك الزيادة ولا يصح من دونها فالإسناد الناقص مقطوع، وإلا كان الأمر
من باب المزيد على ما في معناه بحسب الإسناد.
ومنهما: المعضل، و " هو قسم آخر خاص أيضا من المرسل، وهو ما سقط من
سنده أكثر من واحد، اثنان فصاعدا. قيل: ويغلب استعماله فيما يكون ذلك السقوط
في وسط السند حتى إذا كان في أحد الطرفين كان قسما من أقسام المرسل لا مقطوعا و
لا معضلا ". (1)
هذا، وقال بعض العامة: وإن كان السقط باثنين فصاعدا مع التوالي فهو المعضل،
وإلا بأن كان السقط اثنين غير متواليين في موضعين مثلا فهو المنقطع، وكذا إن سقط
واحد فقط أو أكثر من اثنين لكن يشرط عدم التوالي.
ثم إن السقط من الإسناد قد يكون واضحا يحصل الاشتراك بين الخواص والعوام
من المحدثين في معرفته؛ لكون الراوي مثلا لم يعاصر من روى عنه، أو يكون خفيا
فلا يدركه إلا الأئمة الحذاق المطلعون على طرق الحديث وعلل الأسانيد. فالأول
يدرك بعدم التلاقي بين الراوي وشيخه بكونه لم يدرك عصره أو أدركه لكن لم يجتمعا
وليست له منه إجازة ولا وجادة.

1. الرواشح السماوية: 172.
102

ومن ثم، احتيج إلى التاريخ لتضمنه تحرير مواليد الرواة ووفياتهم وأوقات طلبهم و
ارتحالهم. وقد افتضح أقوام ادعوا الرواية من شيوخ ظهر بالتأريخ كذب دعواهم. (1)
وقال بعض آخر منهم: " المعضل لقب لنوع خاص من المنقطع؛ إذ كل معضل
منقطع وليس كل منقطع معضلا. " (2)
وهو من أقسام الضعيف.
وقال بعضهم: " المعضل هو بفتح الضاد. يقولون: أعضله فهو معضل، وهو ما
سقط من إسناده اثنان فأكثر ويسمى مرسلا عند الفقهاء وغيرهم.
وقيل: إن قول الراوي: " بلغني " كقول مالك: " بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: للمملوك طعامه وكسوته " (3) يسمى معضلا عند أصحاب الحديث. وإذا روى تابع
التابعي حديثا وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل ". (4)
وأنت خبير بأن بعضهم قد بين المرام فيما تضمنه هذا الكلام قائلا: " وإذا روى
التابع عن التابعي حديثا موقوفا عليه. وهو المتصل الإسناد إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقد جعله
الحاكم نوعا من المعضل.
مثاله: رواية الأعمش عن الشعبي " يقال: للرجل يوم القيامة عمل كذا وكذا
فيقول: ما عملته فيختم على فيه " الحديث. (5) أعضله الأعمش وهو عند الشعبي عن
أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) كان متصلا، ومسندا فاسقط منه اثنين الصحابي والنبي (صلى الله عليه وآله) ". (6)
ومنها: المصحف: قالوا: معرفة المصحف " فن جليل عظيم الحظر. إنما ينهض

1. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 81 و 80 بتفاوت يسير.
2. مقدمة ابن الصلاح: 51.
3. مسند أحمد 2: 247 و 342، صحيح مسلم 5: 94.
4. التقريب: 30.
5. صحيح مسلم 8: 216 كتاب الزهد.
6. مقدمة ابن الصلاح: 53.
103

بحمل أعبائه الحذاق من العلماء الحفاظ في فنون الأحاديث ". (1)
وهو إما محسوس لفظي، وإما معقول معنوي، ومن اللفظي إما من تصحيف
البصر أو من تصحيف السمع في مواد الألفاظ وجواهر الحروف أو في صورتها
الوزنية وكيفيتها الإعرابية وحركاتها اللازمة. وكل منها في الإسناد أو في المتن.
فمن هنا بان أن ما عن بعض العامة في المقام من أن المخالفة إن كانت بتغيير حرف
أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط
فالمصحف، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرف، (2) هذا ليس بتام وواف في المقام.
ولا يخفى عليك أن جمعا من فضلاء العامة قد ذكروا أن الدارقطني قد ألف في
هذا الفن كتابا (3) وكذلك الخطابي وابن الجوزي.
أقول: إن شعلة الذكاء ووارث محاسن الفقهاء والحكماء، ثالث المعلمين السيد
الأنبل الأجل السيد الداماد (رحمه الله) قد استوفى الكلام في هذا المقام بإكثار الأمثلة، كثيرة
الفوائد ووفيرة العوائد، فمن أراد تحقيق الحال في ذلك فليراجع إلى كتابه المسمى
بالرواشح السماوية. (4)
ومنها: المحرف، وهو ما وقع فيه تحريف من جهل المحرفين وسفههم، إما
بزيادة، أو نقيصة، أو بتبديل حرف مكان حرف ليست هي على صورتها، وهو إما في
السند وإما في المتن.
ومنها: الفارد، ويقال له المفرد، وهو على قسمين: فرد ينفرد به راويه عن جميع
الرواة، وذلك الانفراد المطلق، وربما ألحقه بعضهم بالشاذ؛ وفرد مضاف بالنسبة إلى

1. المصدر السابق: 168.
2. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 94.
3. المصدر السابق وتدريب الراوي: 473.
4. الرواشح السماوية: 134 - 157.
104

جهة معينة كما تفرد به أهل مكة أو الشام أو الكوفة أو البصرة، وتفرد به واحد معين من
أهل مكة - مثلا - بالنسبة إلى غيره من المحدثين من أهلها.
ومنها: المقلوب، وهو أن يكون حديث مشهور عن راو فيجعله عن راو آخر
ليرغب فيه لغرابته أو لغير ذلك، وقال بعض فضلاء العامة: قال الحافظ أبو عمرو:
فهذا نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليصير مرغوبا فيه. (1)
هذا، ثم إن القلب قد يقع في المتن، قيل: وذلك كحديث أبي هريرة عند مسلم
في السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه وفيه: " ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى
لا يعلم يمينه ما تنفق شماله. " فهذا مما انقلب على أحد الرواة وإنما هو: " حتى لاتعلم
شماله ما تنفق يمينه " (2) كما في الصحيحين. (3)
هذا، ولا يخفى عليك أن إيقاع القلب عمدا مطلقا - أي سواء كان في المتن أو
السند - إنما هو من شغل الوضاعين العصاة الفجرة. نعم كثيرا ما يقع القلب والتحريف
والتصحيف سهوا وغفلة في السند أو المتن. وقد أشرنا إلى جملة كثيرة لأمثلة ذلك
بالنسبة إلى السند في أوائل الكتاب. (4)
ومنها: المركب، وهو الذي ركب متنه لإسناد آخر لم يكن له، فمن ذلك القبيل ما
في قضية البخاري فهي من الأمور العجيبة، وقد أشار إليه جمع من علمائهم؛ وذلك أن
البخاري لما قدم بغداد امتحنه محدثوها، ووضعوا له مائة حديث مركبة الأسانيد كل
سند بمتن آخر وجعلت عشرة عشرة مع كل محدث، وحضروا مجلسه، فأورد كل
حديثا من العشرة بالإسناد المركب حتى تمت المائة، وهو يجيب في كل حديث: " لا

1. مقدمة ابن الصلاح: 81.
2. صحيح البخاري 1: 161 باب فضل التهجد و 2: 116 باب الصدقة قبل الرد؛ وصحيح مسلم 2: 93.
3. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 92.
4. أي في الفن الأول من الكتاب في علم الرجال.
105

أعلمه " حتى التفت إلى الأول فقال: " حديثك الأول أوردته كذا وإنما هو كذا " حتى أتى
على المائة فرد كل سند إلى متنه، فاذعنوا له بالفضل. (1)
وقال بعضهم: " إنه حكى لي شيخنا ابن كثير قال: أتى صاحب الحافظ محمد بن
عبد الهادي إلى شيخنا الحافظ المزي، فقال له: انتخبت من روايتك أربعين حديثا أريد
قراءتها عليك، فقرأ الحديث الأول، وكان الشيخ متكئا فجلس، فلما أتى على الثاني
تبسم الشيخ وقال: ما هو أنا، ذلك البخاري. قال لي شيخنا: وكان هذا عندنا أحسن من
رد كل حديث إلى سنده وقد جعلوا هذا النوع من المقلوب وعندي بالمركب أشبه، و
لا مشاحة في اصطلاح. (2)
أقول: ان جما غفيرا من أهل هذه الصناعة لم يذكروا المركب أصلا، وإن الأجلة
منا قد عد ما في قضية البخاري من باب المقلوب. (3)
ومنها: المنقلب، وهو الذي يكون على وجه فينقلب بعض لفظه على الراوي
فيتغير معناه وربما العكس، كالحديث الذي رواه البخاري في آخر كتابه " اختصمت
الجنة والنار إلى ربهما " الحديث. (4)
وفيه: وأنه ينشئ للنار خلقا (5) انقلب على بعض الرواة وصوابه - كما رواه
في مواضع أخرى -: " وأما الجنة فينشئ الله لها خلقا " فسبق لفظ الراوي من الجنة
إلى النار.
ومنه حديث: " إن ابن مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال " (6)

1. مقدمة ابن الصلاح: 81، تدريب الراوي: 260.
2. لم نعثر على قائله.
3. الرعاية في علم الدراية: 150.
4. صحيح البخاري 8: 186 باب ما جاء في دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) أمته إلى توحيد الله.
5. نفس المصدر.
6. لم يوجد حديث بهذا المضمون في جوامع العامة بل هو موجود في جوامع الشيعة الإمامية. انظر: الفقيه
1: 297، ح 906 باب الأذان والإقامة؛ وسائل الشيعة 5: 389، ح 6878 و 10: 112، ح 12989.
106

انقلب على بعض الرواة وصوابه: " أن بلالا يؤذن بليل. " (1) الحديث متفق عليه.
ومنه حديث: " أسهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) للراجل سهما وللفارس سهمين " (2) انقلب على
بعض الرواة، وصوابه: " وللفارس سهمين ".
هذا، وقد ذكروا له أمثلة أخرى وأنت خبير بأن المنقلب مما يمكن إدراجه فيما
سبق ولأجل ذلك ما ذكره إلا جمع قليل؛ فتأمل.
ومنها: المدرج، والتدريج إما في الإسناد وإما في المتن. والأول على أقسام:
الأول: أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة، فيرويه منهم راو فيجمع الكل
على إسناد واحد من تلك الأسانيد ولا يبين الاختلاف.
الثاني: أن يكون المتن عند راو إلا طرفا منه فإنه عنده بإسناد آخر، فيرويه راو عنه
تاما بالإسناد الأول.
الثالث: أن يسمع الحديث من شيخه إلا طرفا منه فيسمعه من شيخه بواسطة،
فيرويه راو عنه تاما بحذف الواسطة.
الرابع: أن يكون عند الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين، فيرويهما راو
عنه مقتصرا على أحد الإسنادين.
الخامس: أن يروي أحد الحديثين بإسناده الخاص به، لكن يزيد فيه من المتن
الآخر ما ليس في الأول.
السادس: أن يسوق الإسناد فيعرض له عارض فيقول كلاما من قبل نفسه، فيظن
بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد فيرويه عنه كذلك.
وأما الثاني: أي المدرج المتن، فهو أن يقع في المتن كلام ليس منه، فتارة يكون

1. صحيح البخاري 3: 67 باب قول النبي لا يمنعنكم الخ و 1: 255 باب الأذان قبل الفجر؛ سنن النسائي 2: 10
باب المؤذنان للمسجد الواحد.
2. سنن الدارقطني 4: 59 و 60؛ نصب الراية 4: 279 و 280.
107

في أوله وتارة في أثنائه وتارة في آخره وهو الأكثر؛ لأنه يقع بعطف جملة على جملة،
أو بدمج موقوف من كلام الراوي بمرفوع من كلام النبي (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة (عليهم السلام) من غير فصل.
ويدرك الإدراج بورود رواية مفصلة للقدر المدرج مما أدرج فيه، أو بالتنصيص
على ذلك من الراوي أو من بعض الحذقة المطلعين، أو باستحالة كون النبي (صلى الله عليه وآله) أو
الأئمة (عليهم السلام) أن يقولوا ذلك.
إذا عرفت هذا، فاعلم أن المثال للمدرج المتن ما في طرق العامة عن أبي هريرة
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار " الحديث؛ (1) فإن هذا
التدريج قد علم بما جرح به البخاري، وذلك حيث روي عن أبي هريرة " قال: أسبغوا،
فإن أبا القاسم (صلى الله عليه وآله) قال: ويل للأعقاب من النار ". (2)
ومن المثال لذلك أيضا ما عن سعيد بن أبي مريم، عن مالك، عن الزهري، عن
أنس، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا "
الحديث، (3) فقوله: " لا تنافسوا " أدرجه ابن مريم من متن حديث آخر رواه مالك، عن
أبي زياد، عن الأعرج، عن أبي هريرة وفيه: " لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا و
لا تحاسدوا. " (4)
هذا، وأنت خبير بأن كلا الحديثين متفق عليه عند العامة وقد صنف جمع من
علماء العامة كتبا في المدرج فقيل: في شأن ما كتبه الخطيب أنه شفى وكفى. (5)
ومنها: الغريب والعزيز.
فاعلم أنه قد قرر عند حذقة هذه الصناعة أن العدل الضابط ممن يجمع حديثه و

1. قد رواه عن عبد الله بن عمرو مسند أحمد 2: 164 و 19.
2. صحيح مسلم 1: 148؛ سنن الدارمي 1: 179 باب ويل للأعقاب من النار.
3. مسند أحمد 2: 393؛ صحيح مسلم 8: 8.
4. صحيح مسلم 8: 10.
5. فقد سماه " الفصل للوصل المدرج في النقل ". مقدمة ابن الصلاح: 77.
108

يقبل لعدالته وضبطه إذا انفرد بحديث سمي غريبا، وإن رواه عنه اثنان أو ثلاثة فهو
المسمى عزيزا، وإن رواه عنه جماعة كان من الذي يسمى مشهورا.
وينقسم الغريب مطلقا إلى صحيح وغيره، وهذا هو الغالب في الغرائب،
وإليها أشار أحمد من العامة بقوله: " لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير
وعامتها من الضعفاء ". (1)
وينقسم أيضا إلى غريب متنا وإسنادا. فهذا متن غير معروف إلا عن واحد تفرد
بروايته، وإلى غريب إسنادا لا متنا، كحديث معروف المتن عن جماعة من الصحابة أو
من في حكمهم إذا انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر مثلا غيرهم، ويعبر عنهم بأنه
غريب من هذا الوجه. ومنه غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة غير الشواذ.
وقد يطلق الغريب. فيقال: هذا حديث غريب، ويراد منه ما غرابته من حيث
التمام والكمال في بابه، أو غرابة أمره في الدقة والمتانة واللطافة والنفاسة، ولا سيما
إذا ما قيل: حسن غريب.
ثم إن بعض العامة قد ذكر أنه لا يوجد غريب متنا لا إسنادا من جهة واحدة بل
بالنسبة إلى جهتين، وذلك مثل حديث " إنما الأعمال بالنيات " (2) فإنه غريب في أوله
مشهور في آخره. (3)
هذا، ولا يخفى عليك أن هذا الحديث قد عده كثير من العلماء - مما ذكره هذا
البعض - وقيل: إنه رواه عن يحيى بن سعيد أكثر من مائتي راو، ويحكى عن
أبي إسماعيل الهروي أنه كتبه من سبعمائة طريق عن يحيى بن سعيد. (4) وقد ذكر جمع
أنه قد رووه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن جمع من الصحابة كأنس وأبي سعيد الخدري

1. مقدمة ابن الصلاح: 163.
2. صحيح البخاري 1: 2؛ سنن ابن ماجة 2: 1413؛ سنن أبي داوود 1: 490، ح 2201.
3. مقدمة ابن الصلاح: 163.
4. ليس في " ب " من " أكثر من مئتي - يحيى بن سعيد ".
109

وابن الصهاك الحبشية، (1) فحينئذ لا يدخل في حد الغرابة أصلا.
ومنها: غريب الحديث - أي الغريب لفظا أو فقها، لا متنا وإسنادا - فهو ما اشتمل
متنه على لفظه غامضة بعيدة عن الفهم لقلة شيوعه في الاستعمال، فهذا فن مهم شريف
خطير والخوض فيه صعب، فيجب أن يكون الخائض عزيز البضاعة، عريض التتبع
في فنون الأخبار وغيرها، وكان السلف يتثبتون فيه أشد تثبت، ولأجل ذلك قد أكثر
العلماء التصنيف فيه.
قيل: أول من صنف فيه النضر بن شميل، وقيل: أبو عبيدة معمر بن المثنى (2) تلميذ
أبان بن عثمان من أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام)، وقد صنف بعدهما أبو عبيدة
فاستقصى وأجاد، ثم ابن قتيبة ما فات أبا عبيد، ثم الخطابي ما فاتهما، فهذه أمهاته ثم
بعدها كتب كثيرة فيها زوائد وفوائد كثيرة، ولا يقلد منها إلا ما كان مصنفوها حذقة
أجلة، وأجود تفسيره ما جاء في رواية، وممن تصدى لذلك ابن الأثير في النهاية، و
الزمخشري في الفائق، والهروي في غريبي القرآن والحديث.
وكيف كان فإن ذلك كما يوجد في الأدعية والخطب وأحاديث الاعتقادات و
نحو ذلك. فكذا يوجد في الأخبار المتضمنة للأحكام الفرعية.
وبالجملة: فإن التحري والتثبت مما يجب على الخائض فيه، ولو كان شعلة
الذكاء ووارث محاسن العلماء.
قيل: سئل أحمد بن حنبل عن حرف من غريب الحديث، قال: " سلوا أصحاب
الغريب؛ فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالظن ". (3)
ومنها: الشاذ.

1. دعائم الإسلام 1: 156؛ الرواشح السماوية 132.
2. مقدمة ابن الصلاح: 164.
3. مقدمة ابن الصلاح: 164.
110

وتعريفه عند الأكثر ما رواه الثقة مخالفا للناس، أي لها رواه جملة من الناس. وقد
ينسب هذا التعريف إلى الشافعي وجماعة من علماء الحجاز وهذا معنى قول
الشافعي: " ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي
الثقة حديثا يخالف ما روى الناس ". (1)
وقيل: هو عند حفاظ الحديث عبارة عما ليس له إلا إسناد واحد، شذ به شيخ من
شيوخ الحديث، ثقة أو غير ثقة، فما كان من غير ثقة فمتروك. وقد يقال له الحديث
المنكر وغير المعروف أيضا، وقد يحكى عن الحاكم أنه عبارة عما انفرد به ثقة وليس
له أصل بمتابع. (2)
وما ذكره مشكل بإفراد العدل الضابط كحديث " إنما الأعمال... " (3) و " النهي عن
بيع الولاء " (4) وغير ذلك مما في الصحيح.
وبالجملة: فإن ما عن الثقة فمما اختلف فيه، فمنهم من يرده أيضا مطلقا، نظرا
إلى شذوذه، ومنهم من يقبله مطلقا تعويلا على عدالة راويه، ومنهم من يفصل القول
فيه بأنه إن كان مفرده مخالفا لمن أحفظ منه وأوثق وأضبط كان شاذا مردودا؛ وإن لم
يخالف فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان مفرده صحيحا، وإن لم يوثق بضبطه و
لم يبعد عن درجة الضابط كان حسنا، وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا.
وبعبارة أخرى: أن الشاذ المردود هو الفرد المخالف، والفرد الذي ليس في راويه
من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده. (5)
ومنها: المنكر.

1. مقدمة ابن الصلاح: 61.
2. نفس المصدر: 62.
3. قد مر تخريجه آنفا.
4. الموطأ 2: 782؛ مسند أحمد 2: 9؛ صحيح البخاري 3: 120؛ صحيح مسلم 4: 216؛ سنن النسائي 7: 306؛ سنن
الدارمي 2: 256.
5. مقدمة ابن الصلاح: 63.
111

قيل: هو الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه، وكذا أطلقه كثيرون، والصواب
فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ، فإنه بمعناه. (1)
ولا يخفى عليك أن بعض فضلاء العامة قال في مقام ذكر المنكر: هذا مثل
حديث عن أبي هريرة " كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فجاء رجل أحسبه من قريش قال: يا رسول
الله، العن حميراء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رحم الله حميراء، أفواههم سلام، وأيديهم
طعام، وهم أهل أمن وإيمان " رواه الترمذي وقال: حديث منكر وفي سنده مبناء مولى
عبد الرحمن يروي أحاديث مناكيره. (2)
ومن هذا القبيل أيضا، ما " عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث، عن ابن عباس
عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحج وصام وقرى الضيف دخل
الجنة " قال أبو حاتم: هو منكر؛ لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفا وهو
المعروف ". (3)
وقال بعض فضلاء العامة بعد ذكر هذا المثال أنه " عرف بهذا أن بين الشاذ والمنكر
عموما وخصوصا من وجه؛ لأن بينهما اجتماعا في اشتراط المخالفة وافتراقا في أن
الشاذ راويه ثقة أو صدوق، والمنكر راويه ضعيف، وقد غفل من سوى بينهما. " (4) هذا.
وأنت خبير بأن هذا الاشتراط في المنكر - أي كون راويه ضعيفا - هو المستفاد من
كلام من تعرض لذكر المنكر أما ترى أن بعضهم قال: " المنكر. هو ما تفرد به من ليس
بثقة ولا ضابطا ". (5)
ومنها: رواية المكاتبة.
وهي أن يروي آخر طبقات الإسناد الحديث عن توقيع المعصوم (عليه السلام) مكتوبا بخطه

1. التقريب: 34.
2. سنن الترمذي 5: 385، ح 4032 باب فضل اليمن.
3. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 70.
4. نفس المصدر.
5. الباعث الحثيث 1: 183.
112

عنده جزما.
وربما تكون المكاتبة في بعض أوساط الإسناد بين الطبقات بعض عن بعض دون
الطبقة الأخيرة عن المعصوم (عليه السلام).
فهذا النهج الذي ذكرنا في المكاتبة مما لا يتمشى عند العامة، والوجه ظاهر،
فالمكاتبة عندهم هي أن يكتب الراوي مسموعه لغائب أو حاضر بخطه أو بأمره وهي
ضربان: مجردة عن الإجازة، ومقرونة ب‍ " أجزتك ما كتبت لك. " أو " إليك " أو " به إليك "
ونحوه من عبارة الإجازة، وهذه في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة.
وأما المجردة فمنع الرواية بها قوم وأجازه أكثر المتقدمين والمتأخرين و
أصحاب الأصول، وهو الصحيح المشهور بين أهل الحديث، وهذا في الحقيقة
معدود في الموصول لإشعاره بمعنى الإجازة، فمعرفة خط الكاتب تكفي واشتراط
البينة ضعيف.
ومنها: المضمر.
وهو أن يكون تعبير آخر الطبقات عن المعصوم (عليه السلام) بإضمار عنه (عليه السلام) وربما تكون
في قوة المصرح إذا كانت دلالة القرآن الناطقة بالكناية عن المعصوم (عليه السلام) قوية.
ومنها: المقبول.
وهو الذي تلقوه بالقبول وصاروا على العمل بمضمونه من غير الثقات إلى صحة
الطريق وعدمها صحيحا كان أو حسنا أو موثقا أو قويا أو ضعيفا.
ومقبولات أصحابنا كثيرة منها: مقبولة عمر بن حنظلة، (1) وهي الأصل في باب
استنباط الاجتهاد وكون المجتهد منصوبا من قبلهم (عليهم السلام).

1. الكافي 1: 4، ح 10 باب اختلاف الحديث؛ التهذيب 6: 301 باب الزيادات في القضاء، ح 845؛ الفقيه 3: 5،
ح 2 باب الاتفاق على عدلين؛ وسائل الشيعة 27: 106، ح 1 باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة.
113

ثم العجب من بعض العامة حيث قال: " المقبول ينقسم أيضا إلى معمول به وغير
معمول به؛ لأنه إن سلم من المعارضة فهو المحكم، وإن عورض فلا يخلو إما أن يكون
معارضه مقبولا مثله أو يكون مردودا. فالثاني لا أثر له؛ لأن القوي لا يؤثر فيه مخالفة
الضعيف، وإن كانت المعارضة بمثله فلا يخلو إما أن يمكن الجمع بين مدلوليهما بغير
تعسف أو لا، فإن أمكن الجمع فهو النوع المسمى بمختلف الحديث ". (1)
ووجه الغرابة ظاهر، اللهم إلا أن يكون هذا اصطلاحا منهم فهذا أيضا كما ترى؛
لأنه لم يعهد من أحد غيره منهم أن يصرح بذلك مع أنه قد قدم في كلامه أن المقبول مما
يجب العمل به، فتأمل.
ومنها: المعلل.
ويسمونه المعلول أيضا وهو لحن، وقد أذعن جماعة بأن هذا من أغمض أنواع
علوم الحديث وأدقها، ولا يقوم به ولا يتمكن منه إلا أهل الحفظ والخبرة والفهم
الثاقب ومن له معرفة تامة بمعرفة مراتب الرواة وطبقاتهم وملكة قوية بالأسانيد و
المتون، ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن. (2)
وقال البعض: " إن هذا أجل علوم الحديث وأشرفها وأدقها، بل كاد أن يكون
علمنا بذلك كهانة عند غيرنا "، وقيل: " إن منفعة هذا الفن كمنفعة سوفسطيقا في علم
البرهان و [في] طريق الجدل ". (3)
وكيف كان؛ فإن العلة عبارة عن سبب خفي غامض قادح مع أن الظاهر السلامة
منه، فالحديث المعلل هو الذي قد اطلع فيه على ما يقدح في صحته وجواز العمل به
مع أن ظاهره السلامة عن ذلك.
والعلة قد تكون في السند وقد تكون في المتن، فالتي في السند هي ما يتطرق إلى

1. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 73.
2. نفس المصدر: 89.
3. الرواشح السماوية: 183.
114

الإسناد الجامع لشروط الصحة ظاهرا، ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي ومخالفة
غيره له، مع قرائن تنبه العارف على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو
دخول حديث في حديث، أو وهم واهم، أو غير ذلك بحيث يغلب على الظن ذلك أو
لا يبلغ حد الجزم، وإلا يخرج عن هذا القسم.
وذكر بعض فضلاء العامة: أنه قد تطلق العلة على غير مقتضاه الذي قدمنا،
ككذب الراوي وغفلته وسوء حفظه ونحوها من أسباب ضعف الحديث وقد سمى
الترمذي النسخ علة، وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح كإرسال ما وصله الثقة
الضابط حتى قال: من الصحيح صحيح معلل كما قيل: منه صحيح شاذ. (1)
وقد قال بعض أجلة المحققين المدققين منا: إن أصحابنا ليسوا يشترطون في
الصحة السلامة من العلة. فالصحيح عندنا ينقسم إلى معلل وسليم، وإن كان المعلل
الصحيح قد يرد كما يرد الصحيح الشاذ. (2)
هذا، فإذا عرفت ذلك، فاعلم أن طريق معرفة هذه العلة عند أهل هذه الصناعة أن
تجمع طرقه وأسانيده فينظر في اختلاف رواته وضبطهم وإتقانهم، فإذا لم يفعل ذلك
لم يتبين الخطأ، فينبغي أن يجتهد غاية الاجتهاد في التحرز عن اقتحام مواقع الاشتباه و
الالتباس حتى لا يتورط في جعل ما ليس بعلة علة.
وقال جمع من العامة: " وتقع العلة في الإسناد وهو الأكثر، وقد تقع في المتن، و
ما وقع في الإسناد قد يقدح فيه وفي المتن كالإرسال والوقف، وقد يقدح في الإسناد
خاصة ويكون المتن معروفا صحيحا كحديث يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن
دينار حديث " البيعان بالخيار " (3) غلط، يعلى إنما هو عبد الله بن دينار ". (4)

1. مقدمة ابن الصلاح: 73.
2. الرواشح السماوية: 185.
3. صحيح البخاري 3: 10 و 17 و 18؛ صحيح مسلم 5: 10؛ سنن أبي داود 2: 136، ح 3457؛ سنن الترمذي 2: 358
باب 26؛ سنن النسائي 7: 245 و 248 و 251؛ سنن ابن ماجة 2: 736؛ مسند أحمد 2: 4 و 9 و 73 و ج 3: 402 و
403 و ج 4: 425.
4. مقدمة ابن الصلاح: 72.
115

هذا، وقال بعض الأجلة منا: إن " العلة في السند قد تقدح في المتن أيضا كالتعليل
بالاضطراب أو الوقف أو الإرسال أو التباس الثقة بغير الثقة من جهة اشتراك الاسم أو
الكنية أو اللقب، وتعارض القرائن والأمارات الدالة على التعيين.
وقد لا تقدح إلا في الإسناد خاصة كالتعليل في الإسناد عن أحمد بن محمد بن
عيسى بأن الصحيح: أحمد بن محمد بن خالد البرقي وهما ثقتان، وكذلك في الإسناد
عن علي بن رئاب بأن الصحيح: عن علي بن ريان ". (1)
وفي الإسناد عن الوشا أبي محمد البجلي جعفر بن بشير المعروف بالفقه والعلم
بأن الصحيح: عن الوشا أبي محمد البجلي الحسن بن علي بن زياد، وكلاهما ثقتان. (2)
وأنت خبير بما في هذه الأمثلة من الركاكة وعدم الاستقامة؛ إذ هذا النمط من
الإطلاق مما يكذبه الحس والعيان؛ نظرا إلى أن مقتضاه عدم وجود ابن ابن عيسى و
هكذا ابن رئاب وهكذا ابن بشير في سند من الأسانيد، والظاهر من السياق أن السهو و
الغلط ليس من الناسخ بل من نفس هذا الأنبل الأجل (قدس سره).
وكيف كان، فإن العلة في المتن قد مثلوا لها بما في طريقتهم مما انفرد مسلم
بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، (3)
فعللوه بأن نفي مسلم البسملة صريحا إنما نشأ من قوله: " كانوا يفتتحون بالحمد لله
رب العالمين " فذهب مسلم إلى المفهوم وأخطأ، وإنما معنى الحديث: أنهم كانوا
يفتتحون بسورة الحمد لله رب العالمين.
وقال بعض العامة في مقام ذكر المثال للعلة في المتن: هي ما رواه مسلم في
صحيحه عن الوليد بن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن
أنس بن مالك أنه حدثه قال: " صليت خلف النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر وعثمان وكانوا

1. الرواشح السماوية: 184.
2. الرواشح السماوية: 184.
3. صحيح البخاري 1: 181؛ صحيح مسلم 2: 12 و 54 و 99؛ سنن النسائي 2: 133؛ مسند أحمد 3: 101 و 114 و
183؛ سنن الدارمي 1: 283.
116

يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة و
لا في آخرها " (1) وقد أعل الشافعي وغيره هذه الزيادة التي فيها عدم البسملة بأن جماعة
مثل سفيان بن عيينة والسبيعي وغيرهم - سبعة أو ثمانية - خالفوا في ذلك، واتفقوا
على استفتاح بالحمد لله رب العالمين ولم يذكروا البسملة قال: والعدد الكثير أولى
بالحفظ من واحد. (2) انتهى كلامه.
وأما المثال لذلك من طريقتنا فهو ما ورد في مضمرة علي بن الحسين بن عبد ربه
الدالة على كراهة الاستنجاء ولو باليد اليسرى إذا كان فيها خاتم أو فص من حجر
زمزم، (3) فالصحيح كما قال الشهيد (رحمه الله) (4) وفي نسخة من الكافي إيراد هذه الرواية بلفظ: من
حجارة زمرد. (5) قال: وسمعناه مذاكرة. (6)
ثم إن من ضروب العلة في المتن فقط كون الحديث مضطرب المتن دون الإسناد.
ثم إن الندس النطس والحاذق المتحدس المتتبع يجد العلة في أخبار كتابي
التهذيب والاستبصار متنا وإسنادا غير نادرة.
ومنها: المقطوع في الوقف.
وهو ما جاء عن التابعي للصحابي أو عمن في معناه - أي من هو لصاحب أحد من
الأئمة (عليهم السلام) في معنى التابعي لصحابي رسول الله (صلى الله عليه وآله) - من قوله أو فعله أو نحو ذلك
موقوفا عليه.
ويقال له المنقطع أيضا في الوقف، وهو مباين للموقوف على الإطلاق أو أخص

1. مسند أحمد 3: 224؛ صحيح مسلم 2: 12.
2. السنن الكبرى 2: 52.
3. الرواشح السماوية: 184.
4. الذكرى: 20.
5. الكافي 3: 17 باب القول عند دخول الخلاء.
6. الكافي 3: 17 باب القول عند دخول الخلاء.
117

من الموقوف بالتقييد؛ لأن ذلك يشمل التابعي ومن في حكمه وغيرهما أيضا، وهذا
يختص بهما فقط. ولا يقع على سائر الطبقات، وكذلك هو مباين للمنقطع بالإرسال.
فهذا أولى بعدم الحجية من الموقوف المطلق؛ لأن قول الصحابي من حيث هو
صحابي أجدر بالقبول من قول التابعي من حيث هو تابعي. وقيد الحيثية احتراز عما إذا كان الصحابي والتابعي كلاهما معصومين، ولوحظ
قولهما من حيث هما معصومان.
ومنها: المزيد، على ما في معناه.
قيل: زيادات الثقات فن ظريف تتعين العناية به، وقد كان جمع من حذقة الحفاظ
مذكورين بمعرفة الزيادات الفقهية في الأحاديث. (1)
ثم إن الزيادة في المتن بأن تروى فيه كلمة أو كلمات زائدة تفيد معنى زائدا غير
مستفاد من الناقص المروي في معناه على أقسام:
أحدها: زيادة تخالف من رواه الثقات، فهذا مردود قولا واحدا.
الثاني: أن لا تكون الزيادة مخالفة لما رواه غيره من الثقات، فهذا مقبول اتفاقا من
العلماء قولا واحدا.
الثالث: زيادة لفظ في حديث لم يذكرها سائر من رواه وقد يعبر عن هذا القسم
بمخالفة كانت على مرتبة بين المرتبتين، بأن يكون التخالف بينهما نوعا من الاختلاف
كمجرد مخالفة العموم والخصوص بأن يكون المروي لغير (2) الزيادة عاما بدونها
فيصير بها خاصا أو بالعكس.
فمذهب أكثر علماء الأصول وأهل الحديث من الخاصة والعامة أنها مقبولة
معمول بها مطلقا، سواء كانت من شخص واحد بأن رواه مرة على النقصان وأخرى

1. مقدمة ابن الصلاح: 66.
2. في الف " لخبر " بدلا عن " لغير ".
118

بالزيادة، أم كانت من غير من رواه ناقصا، وذلك كحديث: " جعلت لنا الأرض مسجدا
وجعلت تربتها لنا طهورا. " (1) فهذه الزيادة قد تفرد بها بعض الرواة، وهو أبو مالك
سعيد بن طارق الأشجعي وسائر الرواة رووه: " جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا " (2)
فما رواه الجماعة عام يتناول أصناف الأرض من التراب والرمل والحجر، ومروي
أبي مالك مختص بالتراب.
وفريق من علماء علم الحديث يردها مطلقا. وطائفة تردها إذا كانت ممن قد كان
رواها ناقصا وتقبلها من غيره.
وقال بعض فضلاء العامة: " واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقا
من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشرطون في الصحيح و
الحسن أن لا يكون شاذا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه.
والعجب ممن أغفل ذلك منهم مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد
الحديث الصحيح أو الحسن ". (3)
هذا وأنت خبير بأن هذا إنما نشأ منه عن غفلة محضة، لأنه لم يعهد عن أحد أن
يقول بقبول الزيادة مطلقا. أي حتى إذا كانت منافية لمروي سائر الثقات جميعا منافية
صرفة، فلفظة " مطلقا " في كلام جمع إنما هي في القسم الثاني، أي في صورة عدم
المنافاة، فيكون المقصود أنه لا يفرق حينئذ بين الصور المحتملة من كون من ذكر
الزيادة أوثق ممن لم يذكرها أو مساويا له أو بالعكس، أو يكون المقصود سواء كان
ذلك من شخص واحد بأن رواه مرة ناقصة ومرة بتلك الزيادة، أو كانت الزيادة من غير
من رواه ناقصا؛ فتأمل.
ثم إن الزيادة قد تكون في الطريق بأن يرويه بعضهم بإسناد ذي طبقات ثلاث من
رجال ثلاثة مثلا، فيزيد آخر في الإسناد طبقة أخرى، ويضيف إليهم رابعا ويرويه

1. صحيح مسلم 2: 64 و 63.
2. صحيح البخاري 1: 86 باب التيمم.
3. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 66.
119

بإسناد مشتمل على طبقات أربع. فهذا هو المزيد في الإسناد.
تذييل
قيل: إذا أسنده وأرسلوه، أو وصلوه وقطعوه، أو رفعه ووقفوه فهو كالزيادة، و
مقبول كما يقبل المزيد في المتن زيادة غير منافية، وذلك لجامع عدم المنافاة؛ إذ
يجوز أن يكون المسند أو الواصل أو الرافع قد اطلع على ما لم يطلع عليه المرسل و
القاطع والواقف فيقبل منه. (1)
هذا، واعترض عليه بأن الناقص يكون موجودا في المزيد مع الزيادة، والمروي
بالزيادة والمروي بالنقصان يكون كلاهما مقبولين لعدم التقابل بينهما، ولا كذلك
الإرسال بالقياس إلى الرفع لكونهما من المتقابلين تحققا. وأيضا المزيد في الإسناد
إنما يكون بزيادة عدد الطبقات في السند، ولا يتصحح ذلك باشتماله على جميع
طبقات الناقص وزيادة. وأيضا القطع في المقطوع بإزاء طبقة الموصول.
فحينئذ الصحيح أن يقال: إن الإسناد مقبول من المسند وكذلك الوصل من
الواصل والرفع من الرافع، لا أنها كالزيادة في السند بالقياس إلى الإرسال والقطع و
الوقف؛ فتأمل.
تذنيب
في بيان المطلب: اعلم أنه إذا تعارض إرسال وإسناد، أو قطع ووصل، أو وقف و
رفع في حديث بعينه من شخصين أو شخص واحد في وقتين، فالذي هو الحق وعليه
الأكثر ترجيح الإسناد والوصل والرفع.
وقد يقال: الإرسال نوع قدح في رواية المسند، والقطع في رواية الواصل، و
الوقف في رواية الرافع، فمن يذهب إلى تقديم الجرح على التعديل يلزمه هاهنا أيضا

1. الرواشح السماوية: 162.
120

تقديم المرسل على المسند، والمقطوع على الموصول، والموقوف على المرفوع.
وأجيب بمنع الملازمة مع تحقق الفارق بل بإبطالها؛ لأن الجرح إنما يقدم لما فيه
من زيادة العلم، والزيادة هنا مع من أسند أو وصل ورفع، على أن تقديم الجرح مطلقا
ليس بصحيح، فتأمل.
ومنها: المسلسل، وهو ما تتابع فيه رجال الإسناد عند روايته على قول،
كسمعت فلانا يقول: سمعت فلانا إلى ساقة السند؛ أو أخبرنا فلان والله، قال: أخبرنا
فلان والله، إلى آخر الإسناد.
ومنه: المسلسل بقراءة سورة الصف (1)، أو على فعل كحديث التشبيك، يقول
الصحابي: سمعت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحديث " وقد شبك أصابعه " (2) وكذا التابعي،
يقول: سمعت عن الصحابي " وقد شبك أصابعه "، (3) وكذلك يقول من بعد التابعي إلى
الطرف الأول من الإسناد.
ومنه: العد باليد في حديث تعليم الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)، (4) أو على حال كالقيام في
الراوي والاتكاء حال الرواية من مبدأ السند إلى منتهاه، أو على قول وفعل جميعا
كالمسلسل بالمصافحة المتضمن لفعل المصافحة من كل واحد من رجال الإسناد، (5) و
قول كل واحد منهم: " صافحني بالكف التي صافح بها فلانا، لما مسست خزا ولا
حريرا ألين من كفه ".
ومنه: المسلسل بالتلقيم؛ لتضمنه فعل التلقيم، وقول كل واحد: " لقمني فلان
بيده لقمة ".

1. مسند أحمد 5: 452.
2. معرفة علوم الحديث: 33 - 34.
3. سنن ابن ماجة 1: 310، ح 967.
4. نظم أجود الأحاديث المسلسلة: 7.
5. تدريب الراوي: 476.
121

وبالجملة: فإن التسلسل في الحقيقة من صفات الإسناد، فهو - كما عرفت - اتفاق
الرواة في إسناد من الأسانيد في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات. وصيغ الأداء على
ثمان مراتب: الأولى: " سمعت وحدثني "، ثم: " أخبرني "، و " قرأت عليه "، ثم " قرئ
عليه وأنا أسمع "، ثم " أنبأني "، ثم " ناولني "، ثم " شافهني بالإجازة "، ثم " كتب إلي
الإجازة "، ثم " عن " ونحوها من الصيغ المحتملة للسماع والإجازة ولعدم السماع
أيضا. وهذا مثل: " قال " و " ذكر " و " روى ".
ثم إنه قد خص باسم المسلسل في سند الرواية الحديث المتسلسل باتفاق أسماء
الرواة أو بأسماء أبنائهم أو كناهم أو أنسابهم أو بلدانهم، وهكذا الحديث المتسلسل
برواية الأبناء عن الآباء وهذا كحديث عبد الله التميمي. يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقول: " ما اجتمع قوم على ذكر الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة "، (1) وحديث
أكنيه، قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد سئل عن الحنان المنان،
فقال: " الحنان هو الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان هو الذي يبدأ بالنوافل قبل
السؤال " الحديث. (2)
فالأول متسلسل باثنتي عشرة طبقة، والثاني بتسع طبقات.
ومن المسلسل برجال الطريق: المسلسل باتفاق الصفة كحديث الفقهاء أي فقيه
عن فقيه إلى منتهى السند، وذلك كما في حديث " المتبايعان بالخيار "، (3) وكما في
الحديث القدسي المتسلسل برواية عالم عن عالم مسندا عن أبي ذر وفيه " يا عبادي،
كلكم ضالون إلا من هديته ". (4)
وقد يتسلسل السند باتفاق الآباء وباتفاق الصفة جميعا.
ثم اعلم أنه قد ذكر جمع من علماء هذه الصناعة: وأفضله ما دل على الاتصال، و

1. مسند أبي يعلي 2: 445، ح 1252؛ فيض القدير 1: 567.
2. مقدمة ابن الصلاح: 186.
3. صحيح البخاري 3: 18؛ صحيح مسلم 5: 10؛ سنن أبي داود 2: 135، ح 3456.
4. صحيح مسلم 8: 17.
122

من فوائده زيادة الضبط، وقلما يسلم عن خلل في التسلسل. (1)
هذا، ولا يخفى عليك أن المقصود من ذلك أن التسلسل ليس مما له مدخل في
قبول الرواية وعدمه، وإنما هو فن من فنون الضبط وضرب من ضروب المحافظة،
ففيه فضل الحديث من حيث الاشتمال عن مزيد ضبط للرواة، وأفضل ذلك ما فيه
دلالة على اتصال الأسماء.
ثم المسلسلات قل ما يسلم منها ممن طعن في وصف تسلسله لا في أصل متنه أو
في رجال طريقه.
ثم اعلم أنه قيل: وقد يقع التسلسل في معظم الإسناد كالحديث المسلسل
بالأولية فإن السلسلة تنتهى فيه إلى سفيان بن عيينة فقط، ومن رواه مسلسلا إلى منتهاه
فقد وهم. وقيل: أيضا وقد ينقطع تسلسله في وسط كمسلسل أول حديث سمعته
على ما هو الصحيح فيه، وقيل: أيضا وقد ينقطع التسلسل في آخره كالمسلسل
بالأولية على الصواب؛ فإنه منقطع التسلسل عن سفيان بن عيينة، ومن رفع تسلسله
بعد فقد غلط، وقيل: بأول حديث سمعته منقطع وصف التسلسل في الوسط فإنه
ينتهي إلى سفيان بن عيينة ولا يتعداه وغلط من رواه مسلسلا إلى منتهاه.
ولا يخفى عليك أن قول سفيان: " حدثني شيخي، وهو أول حديث سمعته منه "
إلى قول: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الراحمون يرحمهم الرحمن؛ وبعده عن عمرو بن دينار،
عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو بن العاص، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " الراحمون يرحمهم الرحمن " (2). (3)
وقال بعض الأجلة منا - في مقام تصحيح هذا الغلط أي في مقام عده من
المستقبحات وإخراجه عن تحت الأغلاط والأوهام -: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس هو
منتهى الإسناد بمعنى الطبقة الأخيرة من السند حتى لا يصح ما قاله ذلك البعض، بل

1. مقدمة ابن الصلاح: 166.
2. سنن أبي داود 2: 464؛ سنن الترمذي 3: 217؛ المستدرك 4: 159.
3. تدريب الراوي: 469.
123

بمعنى من إليه ينتهي إسناد المتن مبتدأ روايته في آخر الإسناد وإنما آخر السند هو
الصحابي لا غير، نعم لو كان المتن في مثل ذلك المسلسل حديثا قدسيا اتجه ما قالوا و
اتضح الوهم. (1) هذا، فتأمل جيدا.
ومنها: رواية الأقران، فهذا بأن تشارك الراوي ومن روى عنه في أمر من الأمور
المتعلقة بالرواية في السن والإسناد واللقاء، وهو الأخذ عن المشايخ الذين هم في
طبقة واحدة.
ومنها: المدبج، وهو أن يروي كل واحد منهما - أي من القرينين - عن الآخر و
هو أخص من السابق، فكل مدبج أقران وليس كل أقران مدبجا.
قيل: قد صنف الدارقطني في ذلك، (2) وصنف أبو الشيخ الأصفهاني في الأقران. (3)
وقد يقال: للتدبيج المقارضة أيضا، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في مقام ذكر
الأصول والقواعد المتقنة في علم الرجال.
قيل: وإذا روى الشيخ عن تلميذه صدق أن كلا منهما يروي عن الآخرة فهل يسمى
مدبجا؟ فيه بحث، والظاهر لا؛ لأنه من رواية الأكابر عن الأصاغر، والتدبيج مأخوذ من
ديباجتي الوجه، فيستضئ من هذا أن يكون ذلك مستويا من الجانبين، فلا يجيء فيه.
هذا، وأنت خبير بما فيه من التعسف، والحق تمشية المقارضة والتدبيج في هذه
الصورة أيضا.
قال بعض فضلاء العامة: المدبج وهو الحديث الذي يروي القرين عن مثله، و
يكون ذلك المروي عنه قد روى ذلك عن القرين. (4)

1. الرواشح السماوية: 160.
2. أي في المدبج. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 116.
3. المصدر السابق.
4. معرفة علوم الحديث: 215.
124

وقال الحافظ أبو عمرو: " المدبج من رواية الأقران بعضهم عن بعض وهم
المتقاربون في السن والإسناد. وربما اكتفى الحاكم أبو عبد الله فيه بالتقارب في
الإسناد وإن لم يوجد [التقارب] في السن ".
قال: ورواية القرين عن مثله تنقسم أقساما: فمنها: المدبج، وهو أن يروي
القرينان كل واحد منهما عن الآخر. مثاله في الصحابة: عائشة وأبو هريرة، وفي
التابعين: الزهري وعمر بن عبد العزيز، وفي أتباع التابعين: مالك والأوزاعي. (1)
هذا، وأنت خبير بأن مقتضى التحقيق الصرف هو أن النسبة بين رواية الأقران و
بين المقارضة والتدبيج نسبة الأعم من وجه، فلا يشترط في التدبيج القرينية فيما
مرت إليه الإشارة فخذ الكلام بمجامعه وتأمل.
ومنها: المدلس - أي بفتح اللام المشددة - من التدليس أي إخفاء العيب وكتمانه،
وأصله من الدلس - بالتحريك - بمعنى الظلمة أو اختلاط الظلام.
ثم إن التدليس مما يختص بالإسناد، وإطلاق المدلس على الحديث على سبيل
التجوز، ولذلك إذا قيل: حديث مدلس، فلا يعنى به إلا القسم الأول من التدليس، و
هو تدليس الإسناد بأن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه، قائلا: " قال
فلان " أو " عن فلان " ونحوه، وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره ضعيفا أو صغيرا
تحسينا للحديث.
قال بعض الأجلة: " ومن حق من يدلس حتى يكون مدلسا لا كذابا أن لا يقول في
ذلك: " حدثنا " ولا " أخبرنا " ونحو ذلك بل يقول: " عن فلان "، أو " قال فلان " ونحو
ذلك ك‍ " حدث " أو " أخبر فلان " من غير أن يلحق به ضمير المتكلم؛ ليوهم أنه حدثه أو
أخبره، والعبارة أعم من ذلك لاحتمالها الواسطة بينهما فلا يصير بذلك كذابا.
وربما لم يكن تدليسه في صدر السند - وهو شيخه الذي أخبره - بل في الطبقة

1. مقدمة ابن الصلاح: 183 و 182.
125

التي تلي مبدأ الإسناد ". (1)
القسم الثاني: تدليس الشيوخ، أي ما يقع في الشيوخ لا في الإسناد، وهو أن
يروي عن شيخ حديثا سمعه منه ولكن لا يحب أن يعرف فيسميه باسم أو يكنيه بكنية
هو غير معروف بهما، أو ينسبه إلى بلد أو حي لا يعرف انتسابه إليهما، أو يصفه بما
لا يعرف به كي لا يعرف.
القسم الثالث: ما يقع في مكان الرواية، مثل: " سمعت فلانا وراء النهر " أو " حدثنا
بما وراء النهر " موهما أنه يريد بالنهر مثلا جيحان أو جيحون وإنما يريد بذلك نهرا
آخر.
فهذا القسم من التدليس أخف ضررا من القسمين الأولين، ثم الثاني منهما أخف
من الأول، [وهو] مكروه جدا، وذمه أكثر العلماء، وكان شعبة في علماء العامة من
أشدهم ذما له.
قال بعض العامة بعد حصره التدليس في القسمين الأولين: " أما الأول فمكروه
جدا ذمه أكثر العلماء " ثم قال فريق منهم: من عرف به صار مجروحا مردود الرواية و
إن بين السماع والصحيح التفصيل، فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فمرسل،
وما بينه فيه ك‍ " سمعت " و " حدثنا " و " أخبرنا " وشبهها فمقبول محتج به. وفي
الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير، كقتادة، والسفيانين، وغيرهم.
وهذا الحكم جار فيمن دلس مرة، وما كان في الصحيحين وشبههما عن
المدلسين ب‍ " عن " محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى.
وأما الثاني فكراهته وسببها توعير طريق معرفته، ويختلف الحال في كراهته
بحسب غرضه ككون مغير السمة ضعيفا، أو صغيرا، أو متأخر الوفاة، أو سمع منه
كثيرا فامتنع من تكراره على صورة، وتسمح الخطيب وغيره بهذا ". (2)

1. الرواشح السماوية: 186 بتفاوت في بعض الألفاظ.
2. التقريب: 33 و 32.
126

وبعض آخر من فضلاء العامة بعد أن عنون المدلس والمعنعن والمؤنن عنوانا
واحدا قال: " إن تدليس الإسناد مما يضعف به الحديث إجماعا. والصحيح أن حكمه
حكم المرسل.
وأما الحديث المعنعن، وهو الذي وقع في الإسناد، " حدثنا فلان عن فلان " فقد
جعله بعض الناس مرسلا.
والصواب التفصيل، فمتى أمكن اللقاء وبرئا من التدليس كان متصلا، وقد وقع
منه في الصحيحين كثير، فلذلك يكون ما روي به على سبيل الإجازة عند من يصحح
الرواية بالإجازة متصلا.
وأما المؤنن وقد يقال: المؤنان، وهو ما كان في إسناده " حدثنا فلان، أن فلانا
قال "، والجمهور على أنه مثل المعنعن " (1) انتهى كلامه.
فإن قلت: ما تقول فيما ذكره البعض في المقام قائلا: " إن الفرق بين المدلس و
المرسل الخفي دقيق يحصل تحريره بما ذكر هاهنا، وهو أن التدليس يختص بمن
روى عمن عرف لقاؤه إياه، فأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي. و
من أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير لقاء لزمه دخول المرسل الخفي في
تعريفه، والصواب: التفرقة بينهما.
ويدل على أن اعتبار اللقاء في التدليس دون المعاصرة وحدها لابد منه إطباق أهل
العلم بالحديث على أن رواية المخضرمين كأبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم
عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس، ولو كان مجرد المعاصرة يكتفى به
في التدليس لكان هؤلاء مدلسين؛ لأنهم عاصروا النبي (صلى الله عليه وآله) قطعا ولكن لم يعرف هل
لقوه أم لا؟ وممن قال باشتراط اللقاء في التدليس الشافعي وأبو بكر البزاز، وكلام
الخطيب في الكفاية يقتضيه وهو المعتمد. " (2)

1. لم نظفر على قائله.
2. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 83 و 82.
127

قلت: إنك إذا تأملت تجد هذا الكلام مشتملا على أمور مدخولة؛ فإن المخضرمين
- على ما ذكره غير واحد من أهل العلم والفضل - هم الذين أدركوا الجاهلية وزمن النبي (صلى الله عليه وآله)
وأسلموا ولم يروه، وعدهم مسلم في صحيحه عشرين نفسا. (1)
نعم، قال بعضهم معترضا على مسلم: وهم زادوا ممن لم يذكره مسلم، أبا مسلم
الخولاني والأحنف. وكيف كان فلا وجه لتردده في ذلك بقوله: " ولكن لم يعرف هل
لقوه أم لا؟ " (2)
ومن هنا بان عدم استقامة كلامه: " ولو كان مجرد المعاصرة يكتفى به في التدليس
لكان هؤلاء مدلسين ".
وبيان ذلك أن هذا إنما يلزم لو أوهموا السماع ولم يتحقق هذا قطعا للجزم بعدم
لقائهم النبي (صلى الله عليه وآله).
فإن قلت: إن هذا القدر من الكلام غير كاف في المقام، فما تقول بين المرسل
الخفي وبين المدلس، وما الحيلة في دوران الأمر بينهما؟
قلت: بعد حمل المرسل هاهنا على مطلق الانقطاع؛ نظرا إلى أن المرسل
المصطلح عند أكثر العامة هو ما سقط منه الصحابي، نقول: إن جملة من الأصول وإن
عورضت بمثلها في المقام إلا أن مقتضى قاعدة حمل فعل المسلم وقوله على الصحة
تقضي بالحكم بالإرسال الخفي دون التدليس.
وبالجملة: فإن هذا يجري في مقام احتمال الأمرين، سواء قلنا: بدخول الإرسال
الخفي في حد التدليس أم لا. فخذ الكلام بمجامعه ولا تغفل.
تذييل: في بيان جملة من الأمور
فاعلم أنهم اختلفوا في أن التدليس هل هو جرح، بمعنى أنه هل تقبل الرواية

1. معرفة علوم الحديث: 44.
2. الباعث الحثيث 2: 526؛ الرواشح السماوية: 185.
128

المدلسة؟ وهل تقبل رواية من عرف بالتدليس في غير ما دلس به؟ على أقوال:
فقيل: هو مانع من قبول الرواية مطلقا.
وقيل: لا يمنع من ذلك على الإطلاق بل ما علم تدليسه فيه يرد وما لا فلا؛ إذ
المفروض أن المدلس ثقة، والتدليس ليس بكذب بل تمويه.
وقيل: التدليس بالمعاريض ليس بجرح؛ لأن قصده التوهيم غير واضح.
وقيل: إن صرح بما يقتضي الاتصال ك‍ " حدثنا " و " أخبرنا " و " سمعته " فمقبول
محتج به، وإن أتى بما يحتمل الأمرين ك‍ " عن " و " قال ": فحكمه حكم المرسل و
أنواعه.
وقيل: يفرق بين " حدثني " و " أخبرني " فيجعل الأول كالسماع، والثاني مترددا
بين المشافهة والإجازة والكتابة والوجادة.
هذا، والحق أن التدليس غير قادح في العدالة، ولكن تحصل به الريبة في إسناده
فلا يحكم باتصال سنده إلا مع إتيانه بلفظ لا يحتمل التدليس، بخلاف غير المدلس فإنه
يحكم لإسناده بالاتصال حيث لا معارض له.
ثم اعلم أن عدم اللقاء يوجب التدليس، ويعرف عدم الملاقاة بإخبار المدلس عن
نفسه، أو بجزم حاذق كامل من أهل الصناعة بذلك، ولا يكفي أن يقع في بعض الطرق
زيادة راو بينهما؛ لاحتمال أن يكون من المزيد ولا يحكم في هذه الصورة بحكم كلي
لتعارض احتمال الاتصال والانقطاع.
هذا وقيل: إن الخطيب قد صنف فيه كتاب " التفصيل لمبهم المراسيل "، وكتاب
" المزيد في متصل الأسانيد ". (1)
ومنها: المعتبر
اعلم إن كون الحديث معتبرا إما لأجل كون سنده من الصحاح أو من الحسان أو

1. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 84.
129

من الموثقات، وإما لأجل كونه مما في الأصول المعتمدة والكتب المعتبرة مما ادعي
الاجماع على اعتبارها، أو أقر مصنفوها الثقات الأثبات بعملهم بما فيها، وقد يكون
الاعتبار بملاحظة جهات أخرى أيضا.
وقد أشبعنا الكلام في كل ذلك في فن القواعد الرجالية والأصول المحكمة في
تلك الصناعة.
ولعلماء العامة عنوان: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد قالوا: " هذه أمور
يتعرفون بها حال الحديث: فمثال الاعتبار: أن يروي حماد مثلا حديثا لا يتابع عليه،
عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله). فينظر هل رواه ثقة غير أيوب
عن ابن سيرين، فإن لم يوجد فثقة غير ابن سيرين عن أبي هريرة، وإلا فصحابي غير
أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فأي ذلك وجد علم أن له أصلا يرجع إليه وإلا فلا.
والمتابعة أن يرويه عن أيوب غير حماد، وهي المتابعة التامة، أو عن ابن سيرين
غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي (صلى الله عليه وآله) صحابي آخر، فكل هذا
يسمى متابعة، وتقصر عن الأولى بحسب بعدها منها، وتسمى المتابعة شاهدا.
والشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه ولا يسمى هذا متابعة.
وإذا قالوا في مثله: تفرد به أبو هريرة أو ابن سيرين أو أيوب أو حماد كان مشعرا
بانتفاء المتابعات، وإذا انتفت مع الشواهد فحكمه ما سبق في الشاذ.
ويدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج به ولا يصلح لذلك كل ضعيف ". (1)
هذا " وقد يقال: إن المتابعة على مراتب، فإن حصلت للراوي نفسه فهي التامة، و
إن حصلت لشيخه فمن فوقه فهي القاصرة، ويستفاد منها التقوية.
وقد خص قوم المتابعة بما حصل للفظ سواء كان من رواية ذلك الصحابي أم لا،
والشاهد بما حصل بالمعنى كذلك. وقد تطلق المتابعة على الشاهد وبالعكس.
ثم إن تتبع الطرق عن الجوامع أي الكتب التي جمع فيها الأحاديث على ترتيب

1. التقريب: 35 و 34.
130

أبواب الفقه؛ ومن المسانيد، أي الكتب التي جمع فيها سند كل صحابي على حدة؛ و
من الأجزاء - أي ما دون فيه حديث شخص واحد؛ أي تتبع هذه الأمور لذلك الحديث
الذي يظن أنه فرد ليعلم هل له متابع أم لا، هو الاعتبار.
هذا، ولا يخفى عليك أن ما في هذا الكلام ينافي من وجه ما نقلناه عن جمع من
فضلاء العامة؛ فإن كلامهم كان ظاهرا بل صريحا في أن الاعتبار قسيم للمتابعات و
الشواهد، وهذا يعطي أن الأمر ليس كذلك بل أن الاعتبار هو هيئة التوصل إلى
المتابعات والشواهد "؛ (1) فتأمل.
ومنها: الناسخ والمنسوخ
فاعلم أنه كما في القرآن ناسخ ومنسوخ كذلك في الأحاديث. فالحديث الناسخ
حديث دل على نهاية استمرار حكم شرعي ثابت بدليل سمعي سابق، والمنسوخ منه
حديث قطع استمرار حكمه الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه. وقد صرح كثير من فضلاء
العامة بأن هذا فن صعب مهم جليل. (2) وقد أدخل بعض أهل الحديث ما ليس منه لخفاء
معناه لتخصيص العام وتقييد المطلق والزيادة على النص، وقد حكي عن الزهري أنه أعني
الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) من منسوخه. (3)
هذا، وقد ذكر جمع من فضلاء العامة [أنه] كان للشافعي فيه يد طولي وسابقة
أولى. (4)
وقد ألف العلماء في هذا الفن كتبا كثيرة كأبي داود (5) وابن الجوزي (6) وأبي بكر

1. نهاية الدراية: 175.
2. مقدمة ابن الصلاح: 166.
3. نفس المصدر.
4. التقريب: 78؛ تدريب الراوي: 470.
5. له كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن ولم نعثر على كتاب له في نسخ الحديث.
6. ألف عبد الرحمن بن علي بن الجوزي كتابين في هذا الفن أحدهما بعنوان: إخبار أهل الرسوخ في الفقه و
الحديث بمقدار المنسوخ من الحديث والآخر بعنوان: إعلام العالم بعد رسوخه بحقائق الحديث ومنسوخه.
131

الحازمي. (1)
وكيف كان، فإن طرق معرفته أمور أربعة:
الأول: نص النبي (صلى الله عليه وآله) وتصريحه بذلك، وذلك كما في قوله (صلى الله عليه وآله) " كنت نهيتكم عن
زيارة القبور فزوروها ". (2)
الثاني: ما عرف بقول الصحابي ونقله، وذلك مثل نقله أنه " كان آخر الأمرين من
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترك الوضوء مما مسه النار ". (3)
الثالث: ما عرف بالتأريخ؛ لما روي عن الصحابة: كنا نعمل بالأحدث
فالأحدث، (4) وذلك كما في حديث شداد بن أوس وغيره " أفطر الحاجم والمحجوم " (5)
وحديث ابن عباس " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) احتجم وهو صائم " (6) فبين الشافعي أن الثاني
ناسخ؛ لأن الأول كان سنة ثمان وشداد معه في زمن الفتح. رأى رجلا يحتجم في
رمضان، والثاني كان في حجة الوداع سنة عشر. (7)
الرابع: ما عرف بدلالة الإجماع، كحديث قتل شارب الخمر في الرابعة، فعرف
نسخه بانعقاد الإجماع على ترك العمل به. (8)
ثم اعلم أن الاجماع لا ينسخ ولا ينسخ بنفسه، وإنما يدل على وجود ناسخ.
ثم إن إشباع الكلام في الناسخ والمنسوخ وأخذ مجامعه مما لا ينسب وضع

1. ألف كتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ في هذا الفن.
2. مسند أحمد 1: 145 و 452 و 5: 355 و 361؛ سنن النسائي 8: 310؛ المستدرك 1: 376.
3. سنن النسائي 1: 108.
4. صحيح مسلم 3: 141؛ سنن الدارمي 2: 9.
5. مسند أحمد 2: 364 و 3: 465 و 4: 123 و 5: 210 و 6: 258؛ سنن الدارمي 2: 15 باب الحجامة، صحيح
البخاري 2: 237؛ سنن ابن ماجة 1: 537 باب ما جاء في الحجامة للصائم
6. مسند أحمد 4: 124 و 125؛ صحيح البخاري 2: 237 و 7: 14؛ سنن ابن ماجة 1: 537 باب ما جاء في الحجامة
للصائم.
7. اختلاف الحديث: 530.
8. مقدمة ابن الصلاح: 168.
132

الكتاب، فمن أراد ذلك فليرجع إلى كتبنا الأصولية.
ثم إن من جملة الأقسام ما هو وإن كان خارجا عن جنس الحديث المصطلح و
غير داخل تحت أقسامه قطعا إلا أن عدهم إياه في عداد الأقسام إنما هو من قبيل
التسامح. وكيف كان، فإنا قد أسلفنا جملة من الكلام مما يتعلق به في الفن الأول من
هذا الكتاب.
الفصل الثاني
في ذكر جملة من الفوائد المتفرقة التي كل واحدة منها
بمنزلة أصل وقاعدة من أصول هذا الشأن
الفائدة الأولى: السند، هو الإخبار عن طريق متن الحديث وهو مأخوذ إما من
قولهم: " فلان سند أي معتمد، فسمي الإخبار عن طريق المتن سندا لاعتماد أهل هذه
الصناعة في صحة الحديث وضعفه عليه، أو من السند وهو ما ارتفع وعلا من سفح
الجبل؛ لأن المسند يرفعه إلى قائله، فالإسناد هو رفع الحديث إلى قائله لكن
المحدثين يستعملون السند والإسناد بمعنى واحد. أي الطرق الموصلة إلى المتن فهو
عبارة عن الرواة وقد يكون بمعنى حكاية طريق المتن.
وأما المتن، فهو عبارة عن غاية ينتهي إليها الإسناد من الكلام، وفي التسمية بذلك
وجوه من أنه مأخوذ من المتانة أي المباعدة في الغاية، أو من " متنت الكبش " إذا شققت
جلد بيضته واستخرجتها، أو من المتن وهو ما صلب من الأرض، أو من متن الشيء
- بالضم - متانة أي قوي، أو أنه منقول من متن الظهر وهما مكتنفا الصلب عن يمين و
شمال من عصب ولحم.
وبالجملة: فإن متن كل شيء ما يقوم به ذلك الشيء، فمتن الحديث ألفاظه التي
تقوم بها المعاني.
133

الفائدة الثانية: ذكر بعض فضلاء العامة أن السلف اختلفوا في كتابة الحديث،
فكرهتها طائفة منهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبو سعيد الخدري، و
أباحتها طائفة أخرى كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وابنه الحسن (عليه السلام)، وعبد الله
بن عمرو بن العاص. (1)
ثم أجمع أهل العصر الثاني على جوازه، ثم انتشر تدوين الحديث وجمعه، و
أجمع عليه الأئمة المقتدى بهم، وظهرت فوائد ذلك ونفعه.
أقول: إن ما كان عليه ابن ضحاك الحبشية وحزبه مما على خلافه العقل والنقل
الساطع من الكتاب والسنة والإجماع والضرورة. فإن ما صدر (2) منه لإضمحلال آثار الشريعة
واندراس ما ظهر منها، ومن قصده إطفاء نور الله تعالى، ونحو ذلك من مثالبه ومعايبه.
وبالجملة: فإنه لا ريب في كون كتابة الأحاديث من المندوبات العينية و
الواجبات الكفائية، بل قد تجب على جمع فرضا عينا، والأمر بذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وأوصيائه من آله المعصومين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين مما قد بلغ حد
التسامح والتظافر، وقد أشرنا إلى جملة من ذلك في فن الأصول الرجالية.
الفائدة الثالثة: قيل: أهل الحديث خمسة:
الطالب: وهو من ابتدأ في تعلم علم الحديث.
والشيخ: وهو الأستاد المعلم للحديث.
والحافظ: وهو من كان تحت ضبطه مائة ألف حديث متنا وإسنادا.
والحجة: وهو ما كان تحت ضبطه ثلاث مائة ألف حديث متنا وإسنادا.
والحاكم: وهو من أحاط علمه بجميع الأحاديث.
أقول: إن ضابط مائة ألف حديث ضبطا بالمعنى الأخص بأن يكون عن ظهر
الخاطر لا عن وجه الصحف والدفاتر. قلما يوجد بين المحدثين من الإمامية بل

1. مقدمة ابن الصلاح: 119.
2. في " الف " هكذا زيادة: " عنه ما كان إلا منبعثا عن النكراء والدهاء والشيطنة وعزما ".
134

لم يعهد أن ينسب هذا إلى واحد منهم.
نعم إن المعروف بين أصحابنا أن ابن عقدة الحافظ من الزيدية الجارودية كان
ضابط مائة ألف حديث إسنادا ومتنا ومذاكرا في مائتي ألف حديث عن وجه الكتب. (1)
والموسوم بلفظ الحفاظ من محدثي العامة في غاية الكثرة. وقد عدوا من الحفاظ
البخاري أيضا. وذكر جمع أن البخاري قال: " أحفظ مائة ألف حديث صحيح عن
النبي (صلى الله عليه وآله) ومائتي ألف حديث غير صحيح " (2) وذكروا أنه يريد تعداد الطرق والأسانيد و
آثار الصحابة والتابعين، فسمى الجميع حديثا.
وقد قيل: إن البخاري مؤلف من ألف ألف حديث. وقيل: إن مسلما من سبعمائة
ألف وشئ. وروينا عن البخاري أنه قال: أخرجت هذا الكتاب من زهاء ستمائة ألف
حديث وصنفته في ستة عشر سنة، وجعلته حجة بيني وبين الله، وما وضعت فيه
حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين. (3)
أقول: يظهر من نفحات كلامهم أن البخاري ممن يطلق عليه الحجة أيضا لكونه
محيطا بثلاثمائة ألف حديث إحاطة على نمط الحفظ والضبط بالمعنى الأخص كما نقل عنه. (4)
هذا وأنت خبير بأن كل ذلك من الأمور الصادرة على نمط الإغراق والمبالغة، و
الظاهر أن المحكوم بالحاكمية عندهم وهو الحاكم صاحب المستدرك، والعجب منهم
كيف يتفوهون بأمثال هذه الكلمات وهي في باب صدور النص الجلي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في أمر الإمامة والخلافة كما تعرفهم، أي من إنكار ذلك النص؟! فافهم التقريب ولا تغفل.
ومن أعجب الأمور وأغربها ما ذكر بعض فضلاء العامة من أن أبا بكر محمد بن
عمر الجعابي الحافظ كان يقول: أحفظ أربعمائة ألف حديث وأذاكر بستمائة ألف. و

1. حكي عنه: " أحفظ مائة ألف حديث بأسانيدها، وأجيب في ثلاثمائة ألف حديث " طبقات الحفاظ: 366.
2. تذكرة الحفاظ 2: 556.
3. طبقات الحفاظ: 272.
4. تذكرة الحفاظ 2: 556.
135

توفي سنة 355. وذكر أيضا (1) أن أبا مسعود الرازي وصاحب المسند والتفسير أحد
الأعلام كتب ألف ألف وخمسمائة ألف حديث. (2)
وكيف كان؛ فإن المتصف بالحاكمية أو الحجية لم يوجد بين محدثينا الإمامية،
نعم قيل: إن علوم الأئمة (عليهم السلام) أو أخبارهم قد انتهت إلى أربعة، ومنهم: السيد إسماعيل
الحميري، ويونس بن عبد الرحمن. وقد قيل أيضا: إن يونس بن عبد الرحمن قد
ألف ألف مؤلف في رد المخالفين. (3)
الفائدة الرابعة: اعلم أن الكتاب الجامع للأحاديث في جميع فنون أصول العقائد
والأخلاق والآداب والفقه من أوله إلى آخره مما لم يوجد في كتب أحاديث العامة، و
أنى لهم بمثل الكافي في جميع فنون الأحاديث وقاطبة أقسام العلوم الإلهية الخارجة
من بيت العصمة ودار الرحمة، وأنى لهم بمثل التهذيب في أبواب الفقه، وأنى لهم
بمثل كتب الصدوق (رحمه الله) في كل فن من فنون الأحاديث، وهكذا كتب سائر أصحابنا
الإمامية - رضوان الله عليهم - من الطبقات التي فوق طبقة الكليني (رحمه الله) أو دونها.
ومن تتبع جملة من كتب متأخري المتأخرين من أصحابنا الإمامية كبحار الأنوار
للعلامة المجلسي (رحمه الله)، والوسائل للشيخ الأجل الحر العاملي، والوافي للفاضل
الكاشاني، اعلم أن العلماء العامة قد جعلوا أنفسهم محرومين عن الوصول إلى
الحقائق الحقانية، حيث صاروا صفر اليدين من العلوم الربانية، وخالية القلوب عن
الأنوار الإلهية القدسية.
وبالجملة: فإن جميع أحاديثنا إلا ما ندر ينتهي إلى الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) وهم (عليهم السلام)
ينتهون فيها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن علومهم (عليهم السلام) علومه (صلى الله عليه وآله) وهم أوصياؤه (صلى الله عليه وآله) وشركاؤه
في العلم والفهم.
وكيف كان؛ فإن ما تضمنته كتب الخاصة من الأحاديث المروية عنهم (عليهم السلام) يزيد

1. طبقات الحفاظ: 393.
2. طبقات الحفاظ: 264.
3. رجال الكشي: 485 رقم 917.
136

على ما في الصحاح الست للعامة بكثير.
ثم اعلم أن علماء العامة قد ذكروا أن " أول مصنف في الصحيح المجرد صحيح
البخاري ثم [صحيح] مسلم. وقول الشافعي: ما أعلم كتابا بعد كتاب الله تعالى أصح من
موطأ مالك؛ كان قبل وجود الكتابين، ثم البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد.
قال النسائي: ما في هذه الكتب أجود من كتاب البخاري ورجح بعض أئمة
المغاربة كتاب مسلم.
وقال الحافظ أبو علي النيشابوري أستاد الحاكم: ما تحت أديم السماء كتاب أصح
من كتاب مسلم ". (1) وكأنهم يريدون تجرده عما سوى الحديث. ومما رجح به البخاري
أن المعنعن عنده ليس له حكم الموصول واكتفى مسلم بثبوت المعاصرة.
هذا، وقد صرح بعضهم بأنه: " قد صرح الجمهور بتقديم صحيح البخاري في
الصحة، ولم يوجد عن أحد التصريح بنقيضه. وأما ما نقل عن أبي علي النيشابوري أنه
قال: " ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم "، فلم يصرح بكونه أصح من صحيح
البخاري؛ لأنه إنما نفى وجود كتاب أصح من كتاب مسلم؛ إذ المنفي إنما هو ما تقتضيه
صيغة " أفعل " من زيادة صحة في كتاب شارك كتاب مسلم في الصحة يمتاز بتلك
الزيادة عليه ولم ينف المساواة.
وكذلك ما نقل عن بعض المغاربة أنه فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري
فذلك في ما يرجع إلى حسن السياق وجودة الوضع والترتيب، ولم يفصح أحد منهم
بأن ذلك راجع إلى الأصحية، ولو أفصحوا به رده عليهم شاهد الوجود.
فالصفات التي تدور عليها الصحة في كتاب البخاري أتم منها في كتاب مسلم و
أشد وشرطه فيها أقوى وأسد " (2) من كل الجهات من جهة رجحانه من حيث عدم
الشذوذ والإعلال " فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقل عددا مما انتقد على

1. مقدمة فتح الباري: 8؛ مقدمة ابن الصلاح: 20؛ غرر الفوائد المجموعة: 328.
2. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 59.
137

مسلم. هذا مع اتفاق العلماء على أن البخاري كان أجل من مسلم في العلوم وأعرف
منه بصناعة الحديث، وأن مسلما تلميذه وخريجه ولم يزل يستفيد منه ويتبع آثاره،
حتى قال الدارقطني: " لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء ". (1)
هذا، وأنت خبير بأن مقصودهم مما انتقد على البخاري ومسلم هو ما ضعف من
الأحاديث التي في كتابيهما، قيل: إن الأحاديث التي انتقدت عليهما بلغت مائتي
حديث وعشرة أحاديث، اختص البخاري منها بثمانية وسبعين حديثا، واثنان و
سبعون مشترك، والباقي من ذلك مختص بمسلم. (2)
ثم اعلم أنهم قد ذكروا أيضا أن مسلما اختص بجمع طرق الحديث في مكان، و
لم يستوعبا الصحيح ولا التزماه، قيل: ولم يفتهما منه إلا قليل، وأنكر هذا.
والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير، أعني الصحيحين، وسنن
أبي داود والترمذي والنسائي.
وجملة ما في البخاري سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالمكررة،
وبحذف المكرر أربعة آلاف، ومسلم بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف. ثم إن الزيادة
في الصحيح تعرف من السنن المعتمدة كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن
خزيمة، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وغيرها ولا يكفي وجوده [فيها إلا في كتاب
من شرط الاقتصار على الصحيح واعتنى الحاكم بضبط] (3) الزائد عليهما وهو متساهل،
فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحا ولا تضعيفا حكمنا بأنه حسن
إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه، ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان ". (4)
وقيل أيضا: إنه قال البخاري: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من
الصحاح بحال الطول، وقال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا - يعني

1. نفس المصدر: 60.
2. تدريب الراوي: 85.
3. أثبتناه من المصدر.
4. التقريب: 23 و 22.
138

في كتابه الصحيح - إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه أي لم يضع في كتابه إلا
الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها
في بعضها عند بعضهم. (1)
وقل ما يفوت البخاري ومسلما مما يثبت من الحديث في كتابيهما. هذا، وقد
تنظر فيه البعض قائلا: " إن ذلك ليس بالقليل؛ فإن المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي
عبد الله كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شيء كثير، وإن يكن عليه في بعضه مقال
فإنه يصفو له منه صحيح كثير ". (2)
وقيل: إن في المستدرك أحاديث ضعيفة كثيرة وأخرج الحافظ الذهبي منه أحاديث
موضوعة نحو مائة حديث. (3) وقد أحسن الذهبي في اختصاره وتمييز أحاديثه.
نعم، صحيح ابن خزيمة وابن حبان أحسن من كتاب الحاكم بكثير.
والزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقى من باقي الكتب الستة، وهي السنن
الأربعة من كتاب السنن لأبي داود السجستاني، والجامع للترمذي، والصغرى للنسائي، و
سنن ابن ماجة، وكذلك من مسند أحمد، ومن السنن الكبرى للنسائي، ومعجمي الطبراني
الكبير والأوسط، ومن مسند البزار، وسنن الدارقطني، والسنن الكبرى لأبي بكر البيهقي.
ولقد أحسن الحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه (4) فاستوعب
فيه الصحيح والحسن والصالح وجميع ما يحتج به، ورتبه على حروف المعجم في
الصحابة، ومات ولم يكمله وكمله الحافظ الكبير محمد بن عبد الله بن المحب.
ثم اعلم أنهم قالوا: " إن الكتب المخرجة على الصحيحين لم يلتزم فيها موافقتها
في الألفاظ، فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى، وكذا ما رواه البيهقي والبغوي و
نحوهما قائلين: " رواه البخاري " أو " مسلم " وقع في بعضه تفاوت في المعنى،

1. مقدمة ابن الصلاح: 22.
2. مقدمة ابن الصلاح: 23 و 22.
3. قاله الذهبي في المستدرك على المستدرك كما حكاه عنه كشف الظنون 2: 1671.
4. سماه " المختارة في الحديث ".
139

فمرادهم أنهما رويا أصله، فلا يجوز أن تنقل منها حديثا. وتقول: هو هكذا فيهما إلا أن
تقابله بهما، أو يقول المصنف أخرجاه بلفظه، بخلاف المختصرات من الصحيحين
فإنهم نقلوا فيها ألفاظهما.
وللكتب المخرجة عليهما فائدتان: علو الإسناد، وزيادة الصحيح؛ فإن تلك
الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما ". (1)
وقال الحافظ أبو عمرو: " ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم المستقلة كالسنن الكبير
للبيهقي، وشرح السنة لأبي محمد البغوي وغيرهما مما قالوا فيه: " أخرجه البخاري أو
مسلم " فلا يفيد ذلك أكثر من أن البخاري أو مسلما أخرج أصل ذلك الحديث مع احتمال
أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ وربما كان التفاوت في بعض المعنى ". (2)
وأما الكتب المختصرة منهما فينبغي أن ينقل فيها لفظاهما، وما وقع في مصابيح
البغوي ومشارق الصنعاني من مخالفة اللفظ فليس بسديد.
تذييل: في بيان جملة من المطالب
فاعلم أنهم ذكروا: " أن الصحيح أقسام: أعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم
ما انفرد به البخاري، ثم مسلم، ثم ما على شرطهما، ثم ما على شرط البخاري، ثم
مسلم، ثم ما صححه غيرهما من حذقة الحديث فهذه سبعة أقسام، أعلاها الأول، وهو
الذي يقول فيه أهل الحديث: " متفق عليه ". (3)
وقيل: إن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه، و
خالفه المحققون والأكثرون فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر. (4)
وقيل: إن الحاكم قد قسم في مدخله الصحيح عشرة أقسام: خمسة متفق عليها و

1. التقريب: 23 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
2. مقدمة ابن الصلاح: 26 - 25.
3. مقدمة ابن الصلاح: 30 و 29.
4. التقريب: 24.
140

خمسة مختلف فيها.
وقالوا أيضا في مقام ذكر الصحيح: " إنه ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير
شذوذ ولا علة، وإذا قيل: " صحيح " فهذا معناه؛ لا أنه مقطوع به، وإذا قيل: " غير
صحيح " فمعناه لم يصح إسناده.
والمختار أنه لا يجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقا، وقيل: أصحها الزهري
عن سالم عن أبيه.
وقيل: ابن سيرين عن عبيدة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقيل:
الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود. وقيل: الزهري عن علي بن
الحسين (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). وقيل: مالك عن نافع
عن ابن عمر. فعلى هذا قيل: الشافعي، عن مالك عن نافع عن ابن عمر. وقال
البخاري: مالك، عن نافع، عن ابن عمر ". (1)
وقيل: أبو الزياد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. وقيل: يحيى بن كثير، عن
أبي سلمة، عن أبي هريرة.
وقال بعضهم: " الصحيح ما يجب العمل به، وغيره ما لا تكليف علينا في العمل به ". (2)
هذا، فإذا كنت على خبر مما نقلنا فاعلم أن وجه إسهابنا الكلام في النقل عن العامة في
هذه الفائدة وما يتعلق بها من التذييل هو الإرشاد والهداية إلى جملة مهمة من المطالب.
فمن جملتها أنه يتمكن كل طالب حتى إذا كان حاذقا ومتتبعا في أحاديث العامة و
ما هو حجة عندهم بالاتفاق من استنهاض الحجج الكثيرة من كتب أئمتهم وحذقة
أهل الحديث منهم من أحاديثهم المتفق عليها وما هي حجة عندهم على بطلان ما هم
عليه وعلى إثبات حقية مذهب الإمامية.
أما ترى أن أئمتهم اتفقوا على صحة حديث: فاطمة بضعة مني، من آذاها أو

1. التقريب: 22 و 21.
2. لم نظفر على قائله.
141

أغضبها فقد آذاني وأغضبني، ومن آذاني وأغضبني فقد آذى الله. (1)
وقد اتفقوا أيضا على ذكر الحديث الذي أسنده البخاري إلى عروة بن الزبير إلى
خالته عائشة أنها قالت: أتت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر فجرت بينهما
قضية فدك إلى أن قال. أبو بكر: قد صرفت مال فدك في الكراع والسلاح، قال عائشة:
قامت فاطمة غضبانة وهاجرته حتى ماتت. (2)
فإذا تأملت في ذلك وأضفت إليه قوله تعالى في محكم آياته: (إن الذين يؤذون
الله ورسوله لعنهم الله...) (3) تجد النتيجة حاصلة من الشكل الأول من الضرب الأول -
أي مما أشرنا إليه - وليت شعري: ما يقولون في ذلك؟!
ومن الحديث المتفق عليه عندهم قول النبي (صلى الله عليه وآله): " يحشر الناس حفاة عراة عزلا
وأول من يكسى إبراهيم فيجاء برهط من أمتي تسحبهم الملائكة إلى النار وأقول:
ملائكة ربي قفوهم، أنهم أصحابي أصحابي، فيوحي الله تعالى إلي: يا أحمد، أما
تدري ما أحدثوا بعدك فإنهم قد ارتدوا ورجعوا عن دينهم القهقرى من بعد أن
توفيت " الحديث. (4)
فقد رووه بأسانيد صحيحة وطرق متظافرة ومتون متقاربة متعانقة، فمن أراد
أن يأخذ بمجامع المطالب المهمة في أمثال ذلك فليراجع إلى كتبنا مثل الفن
الأعلى من الخزائن.
ثم إنك إن تأملت فيما نقلنا عنهم في هذه الفائدة وتذييلها تهتدي إلى أمور
أخرى أيضا مما لم نشر إليه.

1. ما نقله مجموع مما روي في فضلها في أحاديث مختلفة منها ما رواه: فضائل الصحابة: 78؛ مسند أحمد 4: 5؛
صحيح مسلم 7: 141؛ سنن الترمذي 5: 360.
2. نقل البخاري قصة فدك ولم يذكر قول أبي بكر هذا في جوابه الفاطمة (عليها السلام) فراجع: صحيح البخاري 5: 25 و
8: 3.
3. الأحزاب (33): 53.
4. مضمون بعض الأخبار يوجد في: مسند أحمد 3: 449 و 5: 48 و 393 و 400؛ وصحيح البخاري 4: 110؛
صحيح مسلم 7: 68 و....
142

الفائدة الخامسة:
اعلم أن عدد أحاديث الكافي لثقة الإسلام الكليني على ما ببالي الآن ستة عشر ألف
حديث وشئ، ويقرب من ذلك أحاديث تهذيب الشيخ، وما في الفقيه سبعة آلاف و
شيء، وينقص عنه ما في الاستبصار.
ولا يخفى عليك، أن ضعاف ما في هذه الكتب على اصطلاح المتأخرين وإن
كانت في غاية الكثرة إلا أن جملة من القواعد التي أسلفناها في تضاعيف فن الأصول و
القواعد الرجالية قد وسعت الدائرة من وجوه كثيرة.
بل إن الأمر قد آل إلى أن ما في الكتب الأربعة من جملة الأخبار المعتبرة الكائنة
من الصحاح والحسان والموثقات أو في حكمها - أي في صحة الاعتماد والتعويل
عليها - إلا ما ضعفه مصنفوها.
بل أن من أمعن النظر فيما أسلفنا من الأصول والقواعد علم أن معظم أخبار بحار
الأنوار للعلامة المجلسي (قدس سره) وهكذا معظم أخبار كتاب الوسائل للشيخ الأجل الحر
العاملي (قدس سره) من الأخبار المعتبرة الواجدة وصف الصحة أو الموثقية والحسن أو
حكمها؛ لأن كل ذلك قد أخذ من الأصول المعتمدة والكتب المعتبرة التي ادعى الشيخ
إجماع الطائفة المحقة على العمل بها، وإن كان جمع من الجامعين المؤلفين لجملة
منها على خلاف الحق في العقيدة.
الفائدة السادسة:
إعلم أن بعض الأجلة المدققين قال - بعد ذكر جملة كثيرة من أقسام الحديث -:
" فهذه أحد وعشرون ضربا من أقسام الحديث الفرعية تجري في كل من أقسامه
الخمسة الأصلية وهناك ضروب أخر فرعية، يقال في الأشهر: إنها لا تصح في
الصحيح على المعنى المعقود عليه الاصطلاح بالحقيقة، بل لا تتصحح إلا في
الضعيف ولكن بالمعنى الأعم لا بالمعنى الحقيقي في المصطلح الذي هو أحد الأقسام
143

الخمسة الأصلية، هي هذه " (1) ثم ذكر بعد قوله: " هي هذه " المرسل والمقطوع و
المعضل والموقوف والمقطوع في الوقف والمدلس والمضطرب والمقلوب و
الموضوع.
هذا، وأنت خبير بأن أقسام الحديث من الخمسة الأصلية والفرعية المتفرع عليها
والمنشعب منها مما لا يحصى ولا يستقصى عدها وحصرها، وذلك إذا لوحظت
الأقسام الفرعية بعضها مع البعض من الوحدة والتركيب الثنائي والثلاثي والرباعي و
هكذا مما يسعه مقام كل واحد منها لذلك بحسب شأنه وحقيقته القابلة.
أما ترى أن الضعيف الذي تتفاوت درجاته بحسب بعده من شروط الصحة، وقد
يقال لأعلاها أيضا تترقى أقسامه إلى قريب من خمسين قسما بل أزيد، فكلها داخل
تحت الضوابط المذكورة.
فإن أردت أن تهتدي إلى معرفة ذلك في الضعيف - مثلا - فاعلم أن طريق بسط
أقسامه أن يجعل ما عدمت فيه صفة معينة قسما، وما عدمت فيه هي وأخرى قسما
ثانيا، وما عدمتا فيه وثالثة قسما ثالثا، ثم كذلك إلى آخرها، ثم تعين صفة من الصفات
التي قرنها مع الأولى فيجعل ما عدمت فيه وحدها قسما وما عدمت فيه هي وأخرى
تعينها غير الأولى قسما، ثم كذلك على ما تقدم. مثاله: المنقطع الشاذ المرسل
المضطرب قسم رابع، ثم كذلك إلى آخر الصفات، ثم تعود وتقول: الشاذ فقط قسم
خامس مثلا، الشاذ المرسل قسم سادس، الشاذ المرسل المضطرب قسم سابع، ثم
تقول: المرسل فقط قسم ثامن، المرسل المضطرب قسم تاسع، المرسل المضطرب
المعضل قسم عاشر، وكذلك إلى آخرها. فإذا أضفت إلى تلك الأقسام المتصورة و
التراكيب المعقولة للصحيح، ولا سيما بعد ملاحظة درجات الصحيح وأخذها من
الفوق إلى التحت وما بينهما من المراتب الكثيرة.
وهكذا الحال في الموثق والحسن والقوي، وبعد ملاحظة أمر آخر أيضا، و

1. الرواشح السماوية: 170.
144

ذلك من جريان التدليس والاضطراب والقلب وتمشيتها في الصحيح والحسن و
الموثق والقوي أيضا تجد ما أشرنا إليه من دعوى خروج الصور والأقسام عن حد
الاحصاء والاستقصاء من الدعاوى الصادقة.
فإتقان الأمر واستحكامه في ذلك بضبط الأقسام والصور والضروب والأنواع
مما له منفعة عظيمة وفائدة كثيرة في باب التعارض والترجيح. فهذا كله لمن أراد
التمهر والحذاقة في هذه الصناعة.
الفائدة السابعة:
الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعدا واختلفت أشخاصهم، سواء اتفق
في ذلك اثنان منهم أو أكثر، وكذلك إذا اتفق اثنان فصاعدا في الكنية والنسبة، فهذا النوع
الذي بنى له المتفق والمفترق وفائدة معرفته خشية أن يظن الشخصان شخصا واحدا. وقد
كتب في هذا الفن جمع من علماء العامة وبالغ جمع في مدح كتاب الخطيب. (1)
ثم إن اتفقت الأسماء خطا واختلفت نطقا سواء كان مرجع الاختلاف النقط أو
الشكل فهو المؤتلف والمختلف، ومعرفته من مهمات هذا الفن حتى قيل: أشد
التصحيف ما يقع في الأسماء، ووجهه بعضهم بأنه شيء لا يدخله القياس، ولا قبله
شيء يدل عليه ولا بعده؛ ولأجل هذا قيل: إن هذا فن يقبح جهله بأهل العلم و
خصوصا بالمحدثين، وقد كتبوا فيه أيضا كتبا كثيرة.
ثم إن اتفقت الأسماء خطا ونطقا واختلفت الآباء نطقا مع ائتلافها خطا
كمحمد بن عقيل بفتح العين ومحمد بن عقيل بضمها أو بالعكس، كأن تختلف
الأسماء نطقا وتأتلف خطا ويتفق الآباء خطا ونطقا كشريح بن النعمان وسريج بن
النعمان. الأول: بالشين المعجمة والحاء المهملة، وهو تابعي يروي في كتب العامة
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. والثاني: بالسين المهملة والجيم، وهو من

1. مقدمة ابن الصلاح: 206.
145

شيوخ البخاري. فهذا النوع هو الذي يقال له: المتشابه. وقد صنف فيه أيضا الخطيب
كتابا جليلا سماه تلخيص المتشابه.
ثم إنه يتركب من هذا القسم ومما قبله أنواع.
منها: أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه في الاسم واسم الأب - مثلا - إلا في حرف أو
حرفين فأكثر من أحدهما أو منهما، وهو على قسمين:
إما أن يكون الاختلاف بالتبديل بالحروف مع أن عدد الحروف ثابتة في الطرفين
أو يكون الاختلاف بالنقصان في الحروف مع نقصان بعض الأسماء عن بعض.
فمن أمثلة الأول: محمد بن سنان بكسر السين المهملة ونونين بينهما ألف، و
محمد بن سيار بفتح المهملة وتشديد الياء التحتانية وبعد الألف راء.
ومنها: محمد بن حنين بضم الحاء المهملة ونونين بينهما ياء تحتانية.
ومنها: معرف بن واصل ومطرف بن واصل بالطاء بدل العين.
ومن أمثلة الثاني: عبد الله بن زيد وعبد الله بن يزيد بزيادة ياء أول اسم الأب.
ومنها: عبد الله بن يحيى وعبد الله بن نجي بضم النون وفتح الجيم وتشديد الياء،
أو يحصل الاتفاق في الخط والنطق لكن يحصل الاختلاف أو الاشتباه بالتقديم و
التأخير إما في الاسمين جملة أو نحو ذلك، كأن يقع التقديم والتأخير في الاسم الواحد
في بعض حروفه بالنسبة إلى ما يشتبه به.
مثال الأول: الأسود بن يزيد ويزيد بن الأسود، ومنه عبد الله بن يزيد ويزيد بن
عبد الله.
مثال الثاني: أيوب بن سيار وأيوب بن يسار.
هذا، ولا يخفى عليك أن جمعا من فضلاء العامة قد جعلوا معرفة ما في هذه
الفائدة من الأمور المهمة، وجعلوا أهمية ذلك كأهمية معرفة طبقات الرواة؛ نظرا إلى
أن فائدة معرفة الطبقات هي الأمن من تداخل المشتبهين وإمكان الاطلاع على تبيين
التدليس، والوقوف على حقيقة المراد من المعنعنة من السماع أو اللقاء أو الإجازة أو
146

نحوها؛ فإن المعنعنة تحتملها. هكذا معرفة مواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأوطانهم. (1)
ثم إن جمعا منهم قد عرفوا الطبقة قائلين: " إن الطبقة في اصطلاحهم عبارة عن
جماعة اشتركوا في السن ولقاء المشايخ. وقد يكون الشخص الواحد من طبقتين
باعتبارين كأنس بن مالك؛ فإنه من حيث ثبوت صحبته للنبي (صلى الله عليه وآله) يعد في طبقة العشرة
المبشرة، ومن حيث صغر السن يعد في طبقة بعدهم.
فمن نظر إلى الصحابة باعتبار الصحبة جعل الجميع طبقة واحدة كما صنع ابن
حبان وغيره، ومن نظر إليهم باعتبار قدر زائد كالسبق إلى الإسلام أو شهود المشاهد
الفاضلة جعلهم طبقات. وإلى ذلك جنح صاحب الطبقات أو عبد الله محمد بن سعد
البغدادي، وكتابه أجمع ما جمع في ذلك.
وكذلك من جاء بعد الصحابة وهم التابعون، فمن نظر إليهم باعتبار الأخذ عن
بعض الصحابة فقط جعل الجميع طبقة واحدة كما صنع ابن حبان أيضا، ومن نظر
إليهم باعتبار اللقاء قسمهم كما فعل محمد بن سعد ولكل منهما وجه ". (2)
هذا، وأنت خبير بأن ما ذكروه في أمر الطبقات مما لا يثمر كثير فائدة و وفير ثمرة
بالنسبة إلى كتبنا وأخبارنا المروية عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، على أن ما ذكروه أولا
في تعريف الطبقات مما لا يخلو عن مدخولية جدا.
فالكلام المشبع في أمر الطبقات وما ينفعنا اليوم بالنسبة إلى أخبارنا هو ما أسلفناه
في فن الأصول والقواعد الرجالية من هذا الكلام. والظاهر أنه لا يزاد عليه شيء لما فيه
من التدقيقات الرقيقة والتحقيقات الرشيقة.
الفائدة الثامنة:
في أخذ مجامع ما ذكره جمع من علماء العامة في جملة من الأمور.

1. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 131.
2. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 132 و 131.
147

فقالوا: " من المهم في هذا الفن معرفة كنى المسمين ممن اشتهر باسمه وله كنية
لا يؤمن أن يأتي في بعض الروايات مكنيا لئلا يظن أنه آخر. ومعرفة أسماء المكنين، و
هو عكس الذي قبله. ومعرفة من اسمه كنيته، وهو قليل. ومعرفة من اختلف في
كنيته وهم كثير، ومعرفة من كثرت كناه أو كثرت نعوته وألقابه.
ومعرفة من وافقت كنيته اسم أبيه كأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق المدني أحد
أتباع التابعين، وفائدة معرفته نفي الغلط عمن نسبه إلى أبيه فقال: حدثنا ابن إسحاق
فينسب إلى التصحيف وأن الصواب حدثنا أبو إسحاق، أو بالعكس كإسحاق بن
أبي إسحاق السبيعي، أو وافقت كنيته كنية زوجته كأبي أيوب الأنصاري وأم أيوب
صحابيان مشهوران، أو وافق اسم شيخه اسم أبيه كالربيع بن أنس عن أنس، هكذا يأتي
في الروايات فيظن أنه يروي عن أبيه كما وقع في الصحيح عن عامر بن سعد عن سعد
وهو أبوه، وليس أنس شيخ الربيع والده، بل أبوه بكري وشيخه أنصاري، وهو أنس
ابن مالك الصحابي المشهور، وليس الربيع المذكور [من أولاده]. " (1)
وهكذا من المهم معرفة من نسب إلى غير أبيه كالمقداد بن الأسود نسب إلى
الأسود الزهري؛ لأنه تبناه وإنما هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي، أو نسب إلى
غير ما سبق إلى الفهم كالحذاء، ظاهره أنه منسوب إلى صناعتها أو بيعها، وليس كذلك
وإنما كان يجالسهم فنسب إليهم، وكسليمان التميمي لم يكن من بنى تميم ولكن نزل
فيهم؛ وكذا من نسب إلى جده فلا يؤمن التباسه بمن وافق اسمه اسمه واسم أبيه الجد
المذكور.
وهكذا معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده كالحسن بن الحسن بن الحسن
السبط الإمام المظلوم ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). وقد يقع أكثر من ذلك و
هو من فروع المسلسل.
وقد يتفق الاسم واسم الأب مع اسم الجد واسم أبيه فصاعدا كأبي اليمن الكندي

1. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 138 و 137 بتفاوت يسير.
148

وهو زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن.
أو اتفق اسم الراوي [مع] اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعدا كعمران عن عمران عن
عمران، الأول: يعرف بالقصير والثاني: أبو رجاء العطاردي. والثالث: ابن حصين
الصحابي. وقد يقع ذلك للراوي وشيخه معا كأبي العلاء الهمداني العطار مشهور
بالرواية عن أبي علي الأصفهاني الحداد، وكل منهما اسمه الحسن بن أحمد بن
الحسن بن أحمد فاتفقا في ذلك وافترقا في الكنية والنسبة إلى البلاد والصناعة.
وهكذا معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه، وهذا نوع لطيف، وفائدته رفع
اللبس عمن يظن أن فيه تكرارا أو انقلابا، فمن أمثلته البخاري روي عن مسلم وروى
عنه مسلم، فشيخه مسلم بن إبراهيم الفراديسي البصري والراوي عنه مسلم بن
الحجاج القشيري صاحب الصحيح، وكذا وقع ذلك لعبيد بن حميد أيضا روى عن
مسلم بن إبراهيم وروى عنه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديثا بهذه الترجمة. و
بالجملة: فإن أمثلته كثيرة.
ومن المهم أيضا في هذا الفن معرفة الأسماء المجردة، أي أسماء استعملت مجردة
من النسب والكنى غالبا. وقد تعرض للتأليف في هذا الشأن جمع منهم، فبعضهم قد
جمعها بغير قيد، وبعضهم من أفرد الثقات، ومنهم من أفرد المجروحين، ومنهم من
تقيد بكتاب مخصوص كرجال البخاري لأبي نصر الكلابادي، ورجال مسلم لأبي بكر بن
منجويه، ورجالهما معا لأبي الفضل بن طاهر، ورجال أبي داود لأبي علي الجباني، و
كذا رجال الترمذي ورجال النسائي لجماعة من المغاربة، ورجال الستة: الصحيحين و
أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة لعبد الغني المقدسي في كتاب الكمال، ثم
هذبه المزي في تهذيب الكمال، وغير ذلك من المؤلفات كتهذيب التهذيب لابن حجر.
ومن المهم أيضا معرفة الأسماء المفردة، أي الأسماء التي لا تكون مشتركة بين
اثنين فصاعدا بل يكون كل اسم منها مختصا بواحد. ولجماعة منهم في هذا الشأن
أيضا مؤلفات ورسائل. وكذا معرفة الكنى المجردة والمفردة، وكذا معرفة الألقاب و
هي تارة بلفظ الاسم وتارة بلفظ الكنية وتقع سبب عاهة أو حرفه. وكذا معرفة
149

الأنساب وهي تارة تقع إلى القبائل وهو في المتقدمين أكثر، وتارة إلى الأوطان وهذا
في المتأخرين أكثر، والنسبة إلى الوطن أعم من أن يكون بلادا أو ضياعا أو ملكا أو
مجاورة، وقد تقع إلى الصنائع كالخياط والحرف كالبزاز ويقع فيها الاشتباه كالأسماء
وقد تقع الأنساب ألقابا.
ومن المهم أيضا معرفة أسباب تلك الألقاب التي باطنها على خلاف ظاهرها، و
هكذا معرفة الموالي أي من المعتق الأعلى ومن المعتق الأسفل بالرق أو بالحلف أو
بالإسلام؛ لأن كل ذلك يطلق عليه مولى ولا يعرف تميز ذلك إلا بالتنصيص عليه.
ومعرفة الإخوة والأخوات. وقد صنف فيه أيضا بعضهم من القدماء كعلي بن
المديني. (1)
ومن المهم أيضا معرفة أدب الشيخ والطالب، ويشتركان في تصحيح النية، و
التطهر من أغراض الدنيا، وتحسين الحال.
ويتفرد الشيخ بأن يسمع إذا احتيج إليه، ولا يحدث ببلد فيه أولى منه بل يرشد
إليه، ولا يترك إسماع أحد لنية فاسدة، وأن يتطهر، ويجلس بوقار، ولا يحدث قائما،
ولا عجلا، ولا في الطريق إلا إن اضطر إلى ذلك، وأن يمسك عن التحديث إذا خشي
التغير أو النسيان لمرض أو هرم، وإذا اتخذ مجلس الإملاء أن يكون له مستمل يقظ.
ويتفرد الطالب بأن يوقر الشيخ ولا يضجره، ويرشد غيره لما سمعه، ولا يدع
الاستفادة لحياء أو تكبر، ويكتب ما سمعه تاما، ويعتني بالتقييد والضبط، ويذاكر
بمحفوظه ليرسخ في ذهنه.
ومن المهم أيضا معرفة سن التحمل والأداء، والأصح اعتبار سن التحمل
بالتميز، هذا في السماع.
وقد جرت عادة المحدثين بإحضارهم الأطفال في مجالس الحديث ويكتبون
لهم أنهم حضروا، ولا بد في مثل ذلك من إجازة المسمع. والأصح في سن الطلب

1. مقدمة ابن الصلاح: 183.
150

بنفسه أن يتأهل لذلك.
ويصح تحمل الكافر أيضا إذا أداه بعد إسلامه، وكذا الفاسق من باب الأولى إذا أداه
بعد توبته، وثبوت العدالة. وأما الأداء فقد تقدم أنه لا اختصاص له زمن معين بل بعد
الاحتياج والتأهل لذلك، وهو مختلف باختلاف الأشخاص. وقيل: إذا بلغ خمسين و
لا ينكر عند الأربعين، وهذا غير جيد. وستجئ الإشارة أيضا إلى جملة أخرى من الآداب.
الفصل الثالث
متضمن لفوائد
الفائدة الأولى: الصحيح: هو ما اتصل سنده بنقل عدل إمامي من مثله في الطبقات
بأسرها إلى المعصوم (عليه السلام) وقد يطلق صحيح على سليم الطريق من الطعن بما يقدح في
الوصفين، وإن اعتراه في بعض الطبقات إرسال أو قطع، ومن هناك يحكم مثلا على
رواية ابن أبي عمير مطلقا بالصحة أو تعد مراسيله على الإطلاق صحاحا.
ثم الحسن: هو متصل السند إلى المعصوم (عليه السلام) بإمامي ممدوح في كل طبقة غير
منصوص على عدالته بالتوثيق ولو في طبقة ما فقط.
وقد يطلق الحسن أيضا على السالم مما ينافي الأمرين في سائر الطبقات، وإن
اعترى اتصاله في طبقة ما قطع، ومن ثم عد جماعة من الفقهاء مقطوعة زرارة مثلا - في
مفسد الحج إذا قضاه أن الأولى حجة الإسلام (1) - من الحسن. (2)
ثم الموثق، وهو ما دخل في طريقه فاسد العقيدة المنصوص على توثيقه مع
انحفاظ التنصيص من الأصحاب على التوثيق أو المدح والسلامة عن الطعن بما
ينافيها جميعا في سائر الطبقات.
ثم القوي، وهو مروي الإمامي في جميع الطبقات الداخل في طريقه - ولو في

1. وسائل الشيعة 13: 112 أبواب كفارات الاستمتاع باب 3، ح 9.
2. الرواشح السماوية: 41.
151

طبقة ما - من ليس بممدوح ولا مذموم مع سلامته عن فساد العقيدة.
وكثيرا ما يطلق القوي على الموثق لكن هذا الاسم بهذا القسم أجدر وهو به
أحق، فلولا ذلك بأن بنى الأمر على الاصطلاح الأشهر لزم إما إهمال هذا القسم أو
تجشم احتمال مستغنى عنه في التسمية بإحداث اسم آخر يوضع له غير تلك الأسماء؛
فإنه قسم آخر برأسه مباين لتلك الأقسام، فلا يصح إدراجه في أحدها ولا هو بشاذ
الحصول نادر التحقيق حتى يسقط من الاعتبار رأسا، بل إنه متكرر الوجود متكثر
الوقوع جدا، وذلك مثل السمان، ونوح بن دراج، وناجية بن عمارة الصيداوي، و
أحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، وأضرابهم وأترابهم وهم كثيرون.
ثم إن بعض الأجلة قد ذكر أن الشهيد في الذكرى بعد إيراد الموثق وذكر إطلاق
اسم القوي عليه قال: " وقد يراد بالقوي مروي الإمامي غير المذموم ولا الممدوح، أو
مروي المشهور في التقدم غير الموثق، يعنى به المشهور التقدم غير الموثق ولا
الإمامي، فيكون هذا القسم بالنسبة إلى الموثق كالحسن بالنسبة إلى الصحيح. وفي
عدة نسخ معول على صحتها مكان " غير الموثق " " عن الموثق " وعلى هذه النسخة
فالمشهور بالتقدم يعنى به الإمامي المشهور تقدما.
قلت: إن كان المشهور في التقدم ممن نقل أحد من أئمة التوثيق والتوهين إجماع
العصابة على تصحيح ما يصح عنه، فمرويه عن الموثق مندرج في الصحيح وإلا فذلك
يندرج في الموثق، وإن كان هو عدلا إماميا والطريق إليه صحيحا، فلم يحصل قسم
آخر خارج عن الأقسام الثلاثة السابقة إلا مروي الإمامي غير المذموم ولا الممدوح
فهو الأجدر باسم القوي لاغير " (1) هذا كلامه فخذه بمجامعه ولا تغفل.
ثم القسم الخامس: الضعيف فهو ما لا يستجمع فيه شروط أحد الأربعة المتقدمة
بأن يشتمل طريقه على مجروح بالفسق أو بالكذب أو بالحكم عليه بالجهالة أو بأنه
وضاع أو بشيء من أشباه ذلك فهو مقابل الصحيح والحسن والموثق والقوي جميعا.

1. الرواشح السماوية: 43 و 42 بتفاوت يسير.
152

وربما يقال: إنه يقابل الموثق والقوي كليهما فقط.
وبالجملة: فإن القول بتربيع الأقسام بإسقاط القسم الرابع من البين كالقول بإدراجه
تحت الحسن؛ نظرا إلى أن عدم الذم مرتبة ما من مراتب المدح، مما ليس في محله.
نعم، يمكن أن يقال: إن ديدن علماء الرجال في الإهمال ليس على نمط واحد؛
فإن إهمال النجاشي (رحمه الله) مما يفيد المدح فكأن ذلك قد صار كالعادة منه، فهذا مما لا يخفى
على الآخذ بمجامع كلماته؛ فتأمل.
تذييل: في الإشارة إلى بعض الأمور المهمة.
فاعلم أن علماء العامة قد اعتبروا في حد الصحيح سلامته عن الشذوذ والعلة، و
كونه مروي من يكون مع العدالة ضابطا. وبالجملة: فإن حده عندهم كما مرت إليه
الإشارة - هو ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة.
وقد عبر بعضهم بما يقرب من ذلك، وهو أن خبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط
متصل السند غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته.
وقال بعد ذكر العزيز - وهو أن لا يرويه أقل من اثنين عن اثنين سمي بذلك إما لقلة
وجوده وإما لكونه عز أي قوي بمجيئه من طريق أخرى -: إن ذلك ليس شرطا
للصحيح خلافا لمن زعمه، وهو أبو علي الجبائي من المعتزلة، وإليه مال كلام الحاكم
أبي عبد الله في كتابه المسمى بعلوم الحديث حيث قال، الصحيح أن يرويه الصحابي
الزائل عنه اسم الجهالة بأن يكون له راويان، ممن يتداوله أهل الحديث إلى وقتنا
كالشهادة على الشهادة ". (1)
وصرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح البخاري بأن ذلك شرط البخاري (2) و
اعترض على ذلك بأن رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي مما لا يوجد أصلا.

1. معرفة علوم الحديث: 62 بتفاوت يسير.
2. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 45 و 44.
153

وأجيب بأنه إن أريد أن رواية اثنين فقط عن اثنين فقط لا توجد أصلا فيمكن أن
يسلم. وأما صورة العزيز التي حررت فموجودة بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من
اثنين، فمثاله: ما رواه الشيخان من حديث أنس، والبخاري من حديث أبي هريرة " أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده " الحديث. (1) و
رواه عن أنس قتادة وعبد العزيز بن صهيب، ورواه عن قتادة شعبة وسعيد، ورواه عن
عبد العزيز إسماعيل بن علية وعبد الوارث. (2)
ثم لا يخفى عليك أن أقوالهم كما أنها متقاربة ومتعانقة في حد الصحيح وشروطه
إلا ما شذ منها، فكذا أنها متقاربة ومتعانقة في تثليث الحديث أي في جعلهم الحديث
في القسمة الأولية على ثلاثة أقسام: الصحيح والحسن والضعيف.
نعم، إن بعضهم قال: الحديث ينقسم إلى صحيح وضعيف. وقيل أيضا الضعيف
نوعان: أحدهما حسن يحتج به، والآخر ما لا يحتج به.
وقد تنظر فيه بعضهم قائلا: " إن الذي أقوله: إن الحديث ينقسم إلى محتج به و
غير محتج به، وكل منهما يكون مجمعا عليه ومختلفا فيه، وبهذا الاعتبار بلغت أنواع
الحديث عندنا خمسة وأربعين نوعا وهي: المتواتر، والآحاد، والمشهور، و
الصحيح، والحسن، والصالح، والضعيف، والمضعف، والغريب، والعزيز، و
المسند، والمتصل، والمرفوع، والموقوف، والمقطوع، والمرسل، والمدلس، و
المعنعن، والمؤنن، والمنقطع، والمعضل، والمعلق، والشاذ، والمنكر، والمفرد، و
المعلل، والمدرج، والمضطرب، والمقلوب، والمركب، والمنقلب، والمصحف،
والموضوع، والمسلسل، والعالي، والنازل، والناسخ، والمنسوخ، والمختلف، و
المدبج، وزيادات الثقات، والاعتبار والشواهد والمتابعات، وغريب الحديث ". (3)

1. مسند أحمد 3: 177 و 275؛ صحيح البخاري 1: 9؛ صحيح مسلم 1: 49؛ سنن الدارمي 2: 307؛ مقدمة فتح الباري:
466.
2. نزهة الناظر في توضيح نخبة الفكر: 46.
3. لم نعثر عليه.
154

هذا، وأنت خبير بأن هذا الطرز من هذا البعض خروج منه عما كان الكلام فيه أي
في القسمة الأولية خبر الآحاد.
ثم إنهم قد اختلفوا في تعريف الحديث الحسن، وقال الترمذي: يراد بالحسن ما
لا يكون بإسناده متهم ولا يكون شاذا، ويروى من غير وجه نحوه. (1)
وقال الخطابي في تعريف الحسن: " هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله - قال: - و
عليه مدار أكثر الحديث ". (2)
وقال بعضهم في تعريفه: " هو الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل ويصلح
للعمل به ". (3)
وقال بعض المتأخرين منهم: إنه رواية من قل ضبطه مع حيازتها بقية الشروط
المتقدمة في حد الصحيح، ثم قال: إن هذا هو الحسن لذاته لا لشيء خارج، والحسن لشيء
خارج هو الذي يكون حسنه بسبب الاعتضاد نحو الحديث المستور إذا تعددت طرقه. (4)
هذا، وأنت خبير بأن هذا كله مما لا يخلو عن ركاكة ومدخولية من عدم الاطراد،
أو عدم الانعكاس، أو استلزامه الدور، أو المصادرة، أو نحو ذلك؛ فتأمل.
ثم لا يخفى عليك أن أكثر علماء العامة وإن كانوا لا يذكرون بعد الصحيح إلا
الحسن، ويصرحون بحصر الأقسام في الثلاثة بالنظر إلى القسمة الأولية إلا أن جمعا
منهم يقولون بتربيع الأقسام، فالقسم الثالث عندهم هو الحديث الصالح الذي يصلح
للاستدلال، وقد يعبر عنه بأنه الحديث الذي في سنده المتصل مستور، وهو خال عن
علة قادحة، وقد يقال: إنه ما لم يصل إلى درجة الصحة وجاوز أن يكون ضعيفا
بضعف موهن. وكيف كان فإن هذا عند أكثر علماء العامة ملحق بالصحيح ومن جملة

1. العلل الصغير (شرح علل الترمذي 1: 340).
2. معالم السنن 1: 6.
3. مقدمة ابن الصلاح: 32 فقد حكاه عن بعض المتأخرين، والظاهر أن المراد به أبو الفرج بن الجوزي كما في
تدريب الراوي 1: 125.
4. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 62.
155

الحسن، غير أنه لا يحتاج أن يكون له شاهد (1)؛ فتأمل.
تذنيب:
إن بعض الأجلة قد نقل عن العامة أولا حد الصحيح من سلامته عن الشذوذ و
العلة، وكونه مروي من يكون مع العدالة ضابطا، ثم قال: " إن أصحابنا - رضوان الله
تعالى عليهم - أسقطوا ذلك عن درجة الاعتبار وهو الحق؛ لأنهم يفسرون الشذوذ
بكون الذي يرويه الثقة مخالفا لمروي الناس، وذلك حال المتن بحسب نفسه، وقد
علمت أن موضع البحث هاهنا حاله بحسب طريقه لا بحسب نفسه. ويفسرون العلة
بأسباب خفية غامضة قادحة يستخرجها الماهر في الفن، وهي أيضا إن كانت متعلقة
بنفس جوهر المتن فخارجة عن الموضوع، وإن كانت متعلقة بالسند كالإرسال أو
القطع مثلا في ما ظاهره الاتصال، أو الجرح في من ظاهر الأمر فيه التعديل، من دون أن
يكون الاستخراج منتهيا إلى حد معرفة جازمة عن حجة قاطعة، بل بالاستناد إلى قرائن
ينبعث عنها ظن أو يترتب عليها تردد وشك، فإن كان قوية يتقوى بها ظن القدح فقيد
الاتصال مجديان في الاحتراز عنهما وإلا فليست بضائرة في الصحة المستندة إلى
أسبابها الحاصلة.
وأما الضبط، وهو كون الراوي متحفظا، متيقظا، غير مغفل، ولا ساه، ولا شاك
في حالتي التحمل، والأداء، فمضمن في الثقة. وهم يتوسعون في العدل بحيث
يشمل المخالف ما لم يبلغ خلافه حد الكفر، والمبتدع ما لم يكن يروي ما يقوي
بدعته. ويكتفون في العدالة بعدم ظهور الفسق، والبناء على ظاهر حال المسلم،
فلذلك اتسعت عندهم دائرة الصحة، وصارت الحسان والموثقات والقويات عندنا
صحاحا عندهم مع اعتبار القيود الثلاثة المذكورة " (2) هذا كلامه ((قدس سره)).
فلا يخفى عليك أن هذا السيد الأجل الأنبل، وإن كان شعلة الذكاء ووارث

1. تدريب الراوي: 136.
2. الرواشح السماوية: 43.
156

محاسن الحكماء والفقهاء، ومع هذا صاحب اليد الطولى والباع القصوى في تتبع
كتب الأحاديث، وصناعتي الرجال والدراية من الخاصة والعامة، إلا أن تحقيق الحال
في المقام مما يحتاج إلى أخذنا مجامع كلمات علماء العامة بالنسبة إلى هذا المقام.
فأقول: إن كلمات جمع ممن ظفرت بكلامهم بالنسبة إلى هذا المقام وما يتعلق به
متقاربة ومتعانقة، فننقل عنهم هاهنا ما هم عليه من الكلمات المتقاربة المتعانقة،
فنقول:
إنهم قالوا: " أجمع الجماهير من أئمة الحديث والفقه أنه يشترط في الراوي أن
يكون عدلا ضابطا بأن يكون مسلما بالغا عاقلا سليما من أسباب الفسق وخوارم
المروءة متيقظا حافظا - إن حدث من حفظه - ضابطا لكتابه - إن حدث منه - عالما بما
يحيل المعنى، إن روى به.
ثم إن العدالة تثبت بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته
بين أهل العلم وشاع الثناء عليه بها كفى فيها كمالك والسفيانين [والأوزاعي] (1) و
الشافعي وأحمد وأشباههم.
وتوسع ابن عبد البر فيه فقال: كل حامل علم معروف العناية به محمول أبدا على
العدالة حتى يتبين جرحه وقوله هذا غير مرضي.
ثم إن الضبط يعرف بموافقته الثقات المتقنين غالبا ولا تضر مخالفته النادرة.
ثم إنه يقبل التعديل من غير ذكر سببه على الصحيح المشهور، ولا يقبل الجرح إلا
مبين السبب. وأما كتب الجرح والتعديل التي لا يذكر فيها سبب الجرح ففائدتها
التوقف فيمن جرحوه؛ فإن بحثنا عن حاله وانزاحت عنه الريبة وحصلت الثقة به قبلنا
حديثه كجماعة في الصحيحين بهذه المثابة.
ثم الحق أن الجرح والتعديل يثبتان بواحد، وقيل: لابد من اثنين ". (2)

1. أثبتناه من المصدر.
2. التقريب: 40 و 41.
157

" وعمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكما بصحته، ولا مخالفته
قدح في صحته ولا في رواته.
ثم إن رواية مجهول العدالة ظاهرا وباطنا لاتقبل عند الجماهير، ورواية المستور
وهو عدل الظاهر خفي الباطن يحتج به بعض من يرد الأول، ويشبه أن يكون العمل
على هذا في كثير من كتب الحديث في جماعة من الرواة تقادم العهد بهم وتعذرت
خبرتهم باطنا.
وأما مجهول العين فقد لا يقبله بعض من يقبل مجهول العدالة. قال الخطيب:
المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء، ولا يعرف حديثه إلا من جهة واحد،
وأقل ما يرفع الجهالة، رواية اثنين مشهورين.
ونقل ابن عبد البر عن أهل الحديث نحوه. وقيل ردا على الخطيب: قد روى
البخاري عن مرداس الأسلمي ومسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي، ولم يرو عنهما
غير واحد.
وأجيب بأن الصحيح هو نقل الخطيب فلا يصح الرد عليه بمرداس وربيعة فإنهما
صحابيان مشهوران والصحابة كلهم عدول ". (1)
ثم إن من كفر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق. ومن لم يكفر، قيل: لا يحتج به مطلقا،
وقيل: يحتج به إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه، و
قيل: يحتج به إن لم يكن داعية إلى بدعته ولا يحتج به إن كان داعية، وهذا هو الأظهر
الأعدل، وقول الكثير أو الأكثر.
وضعف الأول باحتجاج صاحبي الصحيحين وغيرهما بكثير من المبتدعة غير
الدعاة. (2)
" ثم إن من أخذ على التحديث أجرا لاتقبل روايته عند الأكثر، وقيل بجوازها لمن

1. التقريب: 41.
2. التقريب: 42.
158

امتنع عليه الكسب لعياله بسبب التحديث ". (1)
" ثم إنه لاتقبل رواية من عرف بالتساهل في سماعه وإسماعه، كمن لا يبالي بالنوم
عند السماع، أو يحدث لا من أصل مصحح، أو عرف بقبول التلقين في الحديث، أو
كثر السهو في روايته إذا لم يحدث من أصل، أو كثرت الشواذ والمناكير في حديثه ". (2)
" ثم إنه قد أعرض الناس في هذه الأزمان عن اعتبار جميع الشروط المذكورة؛
لكون المقصود صار إبقاء سلسلة الإسناد المختص به بالأمة فليعتبر ما يليق بالمقصود،
وهو كون الشيخ مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بفسق أو سخف، وفي ضبطه بوجود
سماعه مثبتا بخط غير متهم، وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه ". (3)
وقد يقرر أيضا مطلبهم في باب قضية المبتدع بأنه تقبل روايته إذا لم يكن داعية
إلى بدعته؛ لأن تزيين بدعته قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما
يقتضيه مذهبه في الأصح. وقد أغرب ابن حبان فادعى الاتفاق على قبول غير الداعية
من غير تفصيل. نعم الأكثرون على قبول غير الداعي إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد
على الأصح كما صرح به الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ
أبي داود والنسائي في كتابه في معرفة الرجال. (4)
هذا ما أردنا من أخذ مجامع كلماتهم بالنسبة إلى هذا المقام، فإذا كنت على خبر
من ذلك علمت أن ما عليه السيد الأنبل الأجل من نسبته اتساع الدائرة إلى العامة في
باب الصحة، وإن كان مما يتجلى عند الأنظار الجلية إلا أنه مما ليس في محله عند النظر
الدقيق؛ لأنك إذا تأملت في ما في هذه الفائدة وما يتعلق بها من التذنيب والتذييل وما
قبلها من ذكر أقسام الخبر الضعيف وغير ذلك، تجد أن أحاديثنا المروية عن أئمتنا
المعصومين حجج الله وخلفائه - صلوات الله عليهم أجمعين - ليست على مذهب

1. التقريب: 44 و 43 بتفاوت يسير.
2. التقريب: 44.
3. نفس المصدر.
4. تدريب الراوي: 285.
159

العامة إلا من قبيل الأحاديث الموقوفة.
فإن قلت: لعل مقصود السيد الأجل أن الموثقات والحسان والقويات التي في
كتبهم وهي متصفة بهذه الصفات عندنا من الصحاح عندهم.
قلت: إن هذا مما لا سبيل إلى أن يصار إليه جدا؛ لأنه لا يوجد في كتبهم سند من
الأسانيد متصف بإحدى هذه الصفات عندنا، والوجه ظاهر.
فهذا كله بعد الإغضاء والإغماض عن شيء آخر، وإلا فالأمر أوضح. وبيان
ذلك: أنهم وإن وسعوا الدائرة في باب الصحيح من وجه إلا أنهم قد ضيقوها من وجه
آخر، أما ترى أنهم قد أخذوا في حد الصحيح خلوه عن الشذوذ والعلة. وقد اعترف
بذلك السيد الأجل، فمع هذا كيف تكون دائرة الصحة متسعة عندهم؟
نعم يمكن حمل كلامه على الفرض والتقدير بمعنى أنهم لو عدوا أحاديثنا
المروية عن حجج الله الطاهرين (عليهم السلام) من المسانيد المتصلات ولم يقولوا بأنها من
الموقوفات؛ لكانت الموثقات والحسان والقويات المذكورة في كتب أحاديثنا من
الصحاح عند العامة.
هذا، وأنت خبير بأن هذا مما لا فائدة فيه، على أنه مما لا يدفع الضيم من قضية
اعتبارهم في حد الصحيح الخلو من الشذوذ والعلة.
ثم أقول: نعم ما قيل في المقام من أن الخلاف في مجرد الاصطلاح، وإلا فقد تقبل
العامة الخبر الشاذ والمعلل، ونحن لا نقبلهما وإن دخلا في الصحيح بحسب العوارض.
الفائدة الثانية:
في بيان أقسام طرق تحمل الحديث، ومجامعها سبعة أقسام، وقيل: ثمانية على
اختلاف في بعضها.
الطريق الأول: السماع من لفظ الشيخ سواء كان إملاء أو تحديثا من غير إملاء، وسواء
كان من حفظه أو من كتاب.
160

فهذا أعلى الطرق وأشرف الأقسام وأرفعها عند المحققين. فيقول السامع
المتحمل إذا روى: " سمعت " و " حدثني " و " أخبرني " و " أنبأني " فإن أتى بصيغة الجمع
كأن يقول: " حدثنا فلان " أو " أخبرنا " أو " أنبأنا " أو " سمعنا فلانا يقول ". فهو دليل على أنه
سمعه مع غيره وقد تكون النون للتعظيم لكن بقلة.
وأرفع هذه الصيغ وأصرحها " سمعت "؛ لأن هذا لا يحتمل الواسطة، ولأن
" حدثني " قد يطلق في الإجازة تدليسا. وأشرف الصيغ شأنا وأرفعها مقدارا ما وقع في
الإملاء؛ لما فيه من التثبت والتحفظ.
وقد يقال: إن " حدثنا " و " أخبرنا " أرفع من " سمعت " من جهة؛ إذ ليس في
" سمعت " دلالة على أن الشيخ رواه إياه بخلافهما، (1) وفيه نظر جلي؛ فتأمل.
وقيل: " الإنباء من حيث اللغة واصطلاح المتقدمين بمعنى الإخبار، إلا في عرف
المتأخرين فهو للإجازة ك‍ " عن ".
وعنعنة المعاصر محمولة على السماع، بخلاف غير المعاصر فإنها تكون مرسلة
أو منقطعة، فشرط حملها على السماع ثبوت المعاصرة إلا من المدلس ".
وقد يقال: " إنه يشترط في حمل عنعنة المعاصر على السماع ثبوت لقائهما ولو
مرة واحدة، ليحصل الأمن في باقي مروياته بالعنعنة عن كونه من المرسل الخفي ". (2)
هذا، وأنت خبير بما فيه من الركاكة، فتأمل.
وأما " قال لنا فلان " أو " ذكر لنا " فهذا من قبيل " حدثنا "، لكنه بما سمع في المذاكرة
والمناظرة أشبه وأليق من " حدثنا ".
وكيف كان؛ فإن أوضح العبارات " قال فلان " من غير أن يقول " لي " أو " لنا "، ومع
ذلك فهو محمول على السماع إذا عرف اللقاء. وأما ما عن البعض من أن حمل ذلك
على السماع إنما هو ممن عرف منه ذلك، فمن الدعاوي الجزافية، فتأمل.

1. مقدمة ابن الصلاح: 98.
2. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 124 و 123.
161

الطريق الثاني: القراءة على الشيخ، ويسميها أكثر قدماء المحدثين عرضا؛ لأن
القارئ يعرضه على الشيخ، سواء قرأ هو أو قرأ غيره وهو يسمع، وسواء قرأ من كتاب
أو حفظ، وسواء كان الشيخ يحفظ أم لا، إذا أمسك أصله هو أو ثقة غيره، فهذه رواية
صحيحة بالاتفاق خلافا لمن لا يعتد به، وهو أبو عاصم النبيل من علماء العامة، وقد
اشتدوا [في] الإنكار عليه حتى بالغ بعضهم فرجحها على السماع من لفظ الشيخ. (1)
وذهب جم منهم البخاري - وحكاه في أوائل صحيحه عن جماعة من الأئمة - إلى
أن السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه - يعنى في الصحة والقوة - سواء.
وبالجملة: فإنه قد نقل التساوي عن مالك وأشياخه وأصحابه ومعظم علماء
الحجاز والكوفة والبخاري وغيرهم. ونقل ترجيح الأول عن جمهور علماء
المشرق، ونقل ترجيح الثاني عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما. (2)
وكيف كان؛ فإن السامع إذا روى بهذه الطريقة فله عبارات مثل أن يقول: " قرأت
على فلان " أو " قرئ وأنا أسمع فأقر به " ويلي ذلك عبارات السماع من لفظ الشيخ
مقيدة بالقراءة عليه ك‍ " حدثنا " أو " أخبرنا " أو " أنبأنا قراءة عليه ".
وفي إطلاق هذه العبارات أقوال:
فمنعه جماعة منهم أحمد والنسائي، وجوزه معظم الحجازيين والكوفيين و
البخاري وغيرهم، وثالث الأقوال جواز " أخبرنا " دون " حدثنا " وهو مذهب الشافعي
وأصحابه ومسلم وجمهور المشارقة وغيرهم، بل قيل: إن هذا هو الشائع الغالب
اليوم عند المحدثين. وقد يقال: إن من الأقوال قول من أجاز فيها " سمعت " فقط. (3)
وكيف كان؛ فإن في حكم القراءة عليه السماع حال قراءة الغير كما عرفت ذلك،
فيقول: " قرئ عليه وأنا أسمع فأقر به " أو إحدى تلك العبارات أي " حدثنا " و " أخبرنا " و
نحوهما، والخلاف في إطلاقها وتقييدها كما عرفت.

1. كأبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما. تدريب الراوي: 315.
2. التقريب: 47.
3. تدريب الراوي: 317 - 316.
162

فينبغي التنبيه هاهنا إلى أمور:
فاعلم أن أصل الشيخ وكتابه إذا كان في حال القراءة بيد موثوق به أهل له ومراع
لما يقرأ، فإن حفظ الشيخ ما يقرأ فهو كإمساكه أصله بيده بل أولى، وإن لم يحفظ فقيل:
لا يصح السماع.
والصحيح المختار الذي عليه العمل أنه صحيح، فإن كان بيد القارئ الموثوق
بدينه ومعرفته فأولى بالتصحيح. ومتى كان الأصل بيد غير موثوق به لم يصح السماع
إن لم يحفظه الشيخ.
ثم إنه إذا قرئ على الشيخ قائلا: " أخبرك فلان " أو نحوه والشيخ مصغ إليه مفتهم
له غير منكر له، صح السماع وجازت الرواية به، ولا يشترط نطق الشيخ على
الصحيح، بل قيل: إن هذا مما قطع به جماهير أصحاب الفنون، فما عن جمع من
اشتراط ذلك ليس بجيد.
ويمكن أن يقال: إن ما عليه البعض (1) من أنه ليس له أن يقول: " حدثني " وله أن
يعمل به وأن يرويه قائلا: " قرئ عليه وهو يسمع " مما لا يخلو عن حسن وجودة؛
فتأمل.
ثم إن بعضهم قال: الذي اختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن
يقول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ: " حدثني " ومع غيره " حدثنا " وما قرئ عليه
" أخبرني " وما قرئ بحضرته " أخبرنا " فإن شك فالأظهر أن يقول: " حدثني " أو يقول:
" أخبرني " لا " حدثنا " و " أخبرنا ". (2)
هذا، وأنت خبير بما فيه. فنعم ما قيل في المقام من أن كل ذلك مستحب باتفاق
العلماء. (3)

1. وهو ابن الصباغ الشافعي على ما في تدريب الراوي: 320.
2. التقريب: 48 بتفاوت يسير.
3. المصدر السابق.
163

ثم إنه لا يجوز إبدال " حدثنا " ب‍ " أخبرنا " أو عكسه في الكتب المؤلفة، فأما ما سمعته
من لفظ المحدث فهو على الخلاف في الرواية بالمعنى؛ فتأمل.
ثم إنه إذا نسخ السامع أو المسموع حال القراءة، فهل يصح السماع أي الرواية أم
لا؟ فقيل: نعم، وقيل: لا. وقيل: يقول: " حضرت " ولا يقول: " أخبرنا "، وقيل:
الصحيح هو التفصيل، فإن فهم المقروء صح وإلا فلا.
ويجري هذا الخلاف فيما إذا تحدث الشيخ أو السامع، أو أفرط القارئ في
الإسراع، أو بعد بحيث لا يفهم، أو حضوره بمسمع منه إن قرئ عليه. ويكفي في
المعرفة خبر ثقة.
ثم إنه إذا قال المسموع منه بعد السماع: " لا ترو عني " أو " رجعت عن إخبارك " و
نحو ذلك غير مسند ذلك إلى خطأ أو شك ونحوه لم تمنع روايته، ولو خص بالسماع
قوما فسمع غيرهم بغير علمه جاز لهم الرواية عنه، ولو قال: " أخبركم ولا أخبر فلانا "
لم يضر.
الطريق الثالث: الإجازة، وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها مجوزا، وكذا
المكاتبة في الإجازة المكتوب بها، قيل: هذا موجود في عبارة كثير من المتأخرين
بخلاف المتقدمين؛ فإنهم إنما يطلقونها في ما كتبه الشيخ من الحديث إلى الطالب
سواء أذن له في روايته أم لا، لا فيما إذا كتب إليه بالإجازة فقط.
هذا، وكيف كان فإن الأكثر من الخاصة والعامة على قبولها، بل يمكن ادعاء
السيرة القطعية على ذلك قديما وحديثا، جيلا بعد جيل، وعصرا بعد عصر في
الجملة، بمعنى أن السيرة القطعية متحققة في ذلك.
ولو كانت بالنسبة إلى أول نوع من أنواعها فهي على أنواع:
النوع الأول: وهو أعلاها إجازة معين لمعين، نحو: " أجزتك رواية الكتب
الأربعة، مثلا أو أجزت فلانا ما اشتمل عليه فهرستي " ونحو ذلك.
164

وأما الخلاف في ذلك بأنها لا تجوز الرواية بها والعمل بها - كما عن جمع ومنهم:
الشافعي في أحد قوليه (1) - فإنه وإن كان على طبق بعض الأصول الأولية إلا أنه مردود بما
مرت إليه الإشارة من قضية السيرة القطعية المسددة بجملة من الأصول والمؤيدة
بالاعتبار الصحيح من أنها إخبار بمروياته جملة، فيصح كما إذا أخبر بها تفصيلا، و
الإخبار لا يفتقر إلى النطق صحيحا كالقراءة عليه.
النوع الثاني: إجازة لمعين في غير معين كقوله: " أجزتك مسموعاتي " أو
" مروياتي " فالخلاف فيه أقوى وأكثر. والجمهور من الطوائف جوزوا الرواية و
أوجبوا العمل بها، فكل ما مرت إليه الإشارة يتمشى هاهنا أيضا إلا دعوى السيرة
القطعية، ومع ذلك لا يستبعد جريانها هاهنا أيضا؛ فتأمل.
النوع الثالث: إجازة العموم بمعنى أنه يجيز غير معين بوصف العموم كقوله:
" أجزت المسلمين " أو " لمن أدرك زماني " أو " لمن في عصري " وما أشبه ذلك.
فمن منع ما تقدم فهذا أولى، ومن جوزه اختلفوا في هذه فجوزها جمع مطلقا، فإن
قيدت بوصف حاصر خاص فأولى بالجواز.
وجوز بعضهم الإجازة لجميع المسلمين الموجودين عندها، (2) وبعضهم لمن
دخل في طلب الحديث من طلبة العلم. (3)
وقد نقل عن بعضهم أنه قال: " لم يسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه
الإجازة فروى بها " وفي أصل الإجازة ضعف، فازداد بهذا ضعفا لا ينبغي إحتماله. (4)
هذا، فقد تنظر فيه جمع قائلين: " إنها قد أجازها خلق واستعملها جماعات من
الأئمة المقتدى بهم والحفاظ الأثبات.
وقد قيل: إنه لما قدم الشيخ صدر الدين أبو المجامع إبراهيم بن محمد بن المؤيد

1. مقدمة ابن الصلاح: 106
2. التقريب: 50.
3. وهو أبو محمد بن سعيد أحد الجلة من شيوخ الأندلس. مقدمة ابن الصلاح: 107.
4. مقدمة ابن الصلاح: 107 بتفاوت يسير.
165

الحموي الشام بعيد السبعمائة، اجتمع إليه الحفاظ والمحدثون وسمعوا منه بالإجازة
العامة من أبي جعفر الصيدلاني.
أقول: إن الاعتماد والتعويل على هذه الإجازة في غاية الإشكال؛ فتأمل.
النوع الرابع: إجازة مجهول أو في حكم مجهول. كقوله: " أجزت محمد بن أحمد
الدمشقي " وهناك جماعة مشتركون في هذا الاسم ولم يعين المراد منهم، أو يقول:
" أجزتك " أو " أجزت فلانا كتاب السنن " وهو يروي عدة كتب تعرف بالسنن و
لم يعين.
فهذه إجازة باطلة لا فائدة فيها، فإن أجاز لجماعة مسمين في الاستجازة أو غيرها،
ولم يعرفهم بأعيانهم ولا أنسابهم ولا عددهم ولا تصفحهم، صحت الإجازة
كسماعهم منه في مجلسه في هذه الحال.
النوع الخامس: الإجازة المعلقة مثل: " أجزت لمن شاء فلان " أو " إذا شاء زيد
إجازة أحد " فعلى الأشهر الأظهر أنها لا تصح. ولو قال: " أجزت لمن يشاء الإجازة " فهو
ك‍ " أجزت لمن يشاء فلان " وأكثر جهالة. فلو قال: " أجزت لمن يشاء الرواية عني "
فأولى بالجواز؛ لأنه تصريح بمقتضى الحال لا تعليق. ولو قال: " أجزت لفلان كذا إن
شاء روايته عني " أو " لك إن شئت " أو " أحببت " أو " أردت " أو نحو ذلك، فالأظهر
جوازه.
وقال بعضهم: كان شيخنا الحافظ أبو بكر بن المحب يقول: " أذنت لكم أن تكتبوا
بالإجازة عني لمن يريدها. فقلت له: أو يصح ذلك؟ فقال: يصح. (1)
النوع السادس: الإجازة للمعدوم كقوله: " أجزت لمن يولد لفلان " فاختلفوا في
صحتها. ولعل دليل المانعين هو بعض الأصول الأولية، مضافا إلى أنه إخبار ولا يصح
إخبار المعدوم. ودليل المجوزين أنها إذن فيصح أن يأذن المعدوم كما يأذن الموجود.
هذا، وأنت خبير بما في كل ذلك؛ فتأمل.

1. لم نعثر عليه.
166

ثم إن عطفه على موجود مثل: " أجزت لفلان ومن يولد له " أو " لك ولعقبك ما
تناسلوا " فهو أولى بالجواز من المعدوم المجرد عند من أجازه.
وأما الإجازة للطفل الذي لا يميز فصحيحة على الأصح. وقال بعضهم: وعليه
عهدنا شيوخنا يجيزون الأطفال الغيب ولا يسألون عن أسنانهم (1)، ولأنها إباحة
للرواية، والإباحة تصح للعاقل ولغير العاقل؛ فتأمل.
النوع السابع: إجازة ما لم يتحمله المجيز بوجه ليرويه المجاز إذا تحمله المجيز،
فالمنع في هذا النوع هو الأشهر الأظهر الأصح.
قيل: " وعلى هذا يتعين على من أراد أن يروي عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته
أن يبحث حتى يعلم أن هذا مما تحمله شيخه قبل الإجازة ". (2)
وكذا قوله: " أجزتك ما ألفته ونظمته "، بمعنى أنه لا يدخل تحت الإجازة إلا ما كان
له قبل ذلك.
وليس قوله: " أجزت لك ما صح " أو " يصح عندك من مسموعاتي " أو " مروياتي " من
هذا القبيل، فيجوز له الرواية بما تحمله قبل الإجازة. وقد فعل ذلك الدارقطني وغيره. (3)
النوع الثامن: إجازة المجاز، وذلك مثل قوله: " أجزتك مجازاتي " فمنعه بعض
من لا يعتد به منهم، فما هو الأظهر الأصح وعليه الأكثر هو جوازه.
وقد حكي أن بعضا من فضلاء العامة كان يروي بالإجازة عن الإجازة وربما والى
بين ثلاث إجازات. (4) وينبغي للراوي بها تأملها بأن يتأمل في كيفية إجازة شيخ شيخه
كي لا يروي ما لم يندرج تحتها حتى لو كانت صورتها " أجزت له ما صح عنده من
مسموعاتي " فليس له أن يروي سماع شيخ شيخه حتى يتبين له أنه صح عند شيخه أنه
من سماع شيخه المجيز.

1. مقدمة ابن الصلاح: 109.
2. مقدمة ابن الصلاح: 110.
3. مقدمة ابن الصلاح: 110.
4. حكاه ابن الصلاح عن نصر بن إبراهيم المقدسي. مقدمة ابن الصلاح: 110.
167

ثم اعلم أنه ينبغي التنبيه على أمور هاهنا.
فنقول: الإجازة مأخوذة من جواز الماء الذي تسقاه الماشية والزرع، يقال:
استجزته فأجازني: إذا أسقاك ماءا لماشيتك وأرضك. فكذا طالب العلم يستجيز العالم
علمه فيجيزه، فعلى هذا يجوز أن يقال: " أجزت فلانا مسموعاتي ".
ومن جعل الإجازة إذنا - وهو المعروف - يقول: " أجزت له رواية مسموعاتي " و
متى قال: " أجزت له مسموعاتي " فعلى الحذف، أي حذف المضاف كما في نظائره.
ثم إنهم قالوا: إنما تستحسن الإجازة إذا علم المجيز ما يجيزه وكان المجاز من
أهل العلم حتى أن بعضهم قد اشترط ذلك، وقيل: إنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة في
معين لا يشكل إسناده.
ثم إنه ينبغي للمجيز بالكتابة أن يتلفظ بها، فإن اقتصر على الكتابة مع قصد
الإجازة صحت، كما أن سكوته عند القراءة عليه إخبار وإن لم يتلفظ لكنها دون
الملفوظ بها.
ثم إنه قد جرت عادة الشيوخ في إجازاتهم أن يكتبوا " أجزت لفلان مثلا - رواية
كذا بشرطه المعتبر عند أهله " أو " عند أهل النقل " أو " أهل الرواية " أو نحو ذلك. و
بعضهم يكتب " بشرط المعتبر " وبعضهم يكتب " بشرطه " ولا يزيد على ذلك.
وقد يفسر ذلك بكونها من معين لمعين أو كونها غير مجهولة، وقيل: بشرط
صحة ما هو من رواياتي وروايات شيوخي عنده، أو بشرط تصحيح الأصول عند
الرواية. ولكن مقتضى الحق والتحقيق أن المراد من ذلك اشتراط الأهلية؛ إذ هو
المعتبر عند المحققين (1) كما تقدم.
ثم إنه قد جرت العادة عند أهل هذا الشأن أن يكتبوا استدعاءات للإجازة.
فصورتها بعد البسملة والحمدلة والتصلية المسؤول من قروم (2) العلماء، وجهابذة

1. نهاية الدراية: 463.
2. القرم من الرجال: السيد المعظم (لسان العرب (قرم) 12: 473).
168

إيمان الفضلاء، مشايخ الحديث والأخبار، ونقلة العلوم والآثار، أن يتعمل بالإجازة
لفلان بن فلان وفلان بن فلان فيذكرون أنفسهم وأولادهم وأولاد العلماء والطلبة، و
يبالغون في كثرة من يكتبونه في هذه الإستدعاءات بحسب اجتهادهم في كثرة النفع.
ثم إنه قد يقع في إجازات الشيوخ الأثبات وغيرهم: " وأجزت له - مثلا - رواية ما
يجوز لي وعني روايته ". والظاهر أن المراد بقولهم: " يجوز لي " مروياتهم وبقولهم:
" عني " مصنفاتهم ونحوها. والله تعالى أعلم.
الطريق الرابع: المناولة
وهي ضربان: مقرونة بالإجازة، ومجردة. فالمقرونة أعلى أنواع الإجازة مطلقا،
ومن صورها أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو مقابلا به ويقول: " هذا
سماعي " أو " روايتي عن فلان فاروه " أو " أجزت لك روايته عني "، ثم يبقيه معه تمليكا
أو لينسخه أو نحوه.
ومنها: أن يدفع إليه الطالب سماعه فيتأمله، وهو عارف متيقظ، ثم يعيده إليه و
يقول: " هو حديثي " أو " روايتي فاروه عني " أو " أجزت لك روايته " وهذا مما سماه غير
واحد من حذقة أهل الحديث عرضا.
وقد تقدم أن القراءة عليه تسمي عرضا فليسم هذا عرض المناولة، وذلك عرض
القراءة، فهذه المناولة كالسماع في القوة عندهم، والأظهر والأقوى كما عليه المعظم
أن درجتها منحطة عن درجة السماع أو القراءة.
ومن صورها أيضا أن يناول الشيخ الطالب سماعه ويجيزه له، ثم يمسكه الشيخ.
فهذا دون ما سبق، وتجوز روايته إذا وجد الكتاب أو مقابلا به موثوقا بموافقته ما
تناولته الإجازة بما يعتبر في الإجازة المجردة.
ولا تظهر في هذه المناولة كثير مزية على الإجازة المجردة في معين حتى أن
جمعا يقولون: لا فائدة فيها، ولكن شيوخ الحديث يرون لها مزية معتبرة.
169

ومن صورها أيضا أن يأتيه الطالب بكتاب، ويقول: " هذا روايتك فناولنيه " و
" أجز لي روايته " فيجيبه إليه من غير نظر فيه وتحقيق لروايته، فهذا باطل جدا؛ فإن
وثق بخبر الطالب ومعرفته اعتمده وصحت الإجازة كما يعتمده في القراءة ولو قال:
" حدث عني بما فيه إن كان حديثي مع براءتي من الغلط " كان جائزا حسنا.
الضرب الثاني: المناولة المجردة بأن يناوله مقتصرا على " هذا سماعي " فلا يجوز
الرواية بها على الصحيح الذي قال الفقهاء وأصحاب الأصول، وعابوا المحدثين
المجوزين.
أقول: قد تقدمت القرائن الحالية المفيدة تحقق الإجازة، وقصدها في هذه
الصورة وإن لم يتلفظ بها، فحينئذ تجوز الرواية بها جدا. والوجه غير خفي على
المتأمل.
ثم إن جمعا قد جوزوا إطلاق " حدثنا " و " أخبرنا " في الرواية بالمناولة، وهو
مقتضى قول من جعله سماعا. (1)
وقد حكي عن جمع جوازه في الإجازة المجردة، وما عليه المعظم وأهل
التحقيق المنع، وتخصيصها بعبارة مشعرة بها ك‍ " حدثنا إجازة " أو " مناولة وإجازة " أو
" إذنا " أو " في إذنه " أو " في ما أذن لي فيه " أو " في ما أطلق لي روايته " أو " أجازني " أو
" ناولني " أو شبه ذلك. وعن بعضهم تخصيصها ب‍ (خبرنا) والقراءة ب‍ " أخبرنا ". (2)
وقيل: إنه اصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق " أنبأنا " في الإجازة، وكان
البيهقي يقول: " أنبأني إجازة ". (3)
وقال بعض المحققين منهم: " الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة
عصري أن يقول فيما عرض عن المحدث إجازة شفاها: " أنبأني " وفي ما كتب إليه:

1. تدريب الراوي: 347 - 346 حكاه عن الزهري وما لك وغيرهما.
2. التقريب: 55.
3. التقريب: 55
170

" كتب إلي ". (1)
وقال بعضهم: إن كل قول للبخاري: " قال لي " فهو عرض ومناولة. (2)
وقد عبر بعضهم عن الإجازة ب‍ " أخبرنا فلان أن فلانا حدثه " أو " أخبره " واستعمل
جمع في الإجازة التي فوق الشيخ " عن " فنقول: " قرأت على فلان عن فلان " وبعبارة
واضحة أنهم يستعملون في الإجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ حرف " عن "
فيقول: من سمع شيخا بإجازته عن شيخ: " قرأت على فلان عن فلان ". (3)
ثم إن جمعا قد صرحوا بأن المنع من إطلاق " حدثنا " و " أخبرنا " لا يزول بإباحة
المجيز ذلك. (4)
الطريق الخامس: المكاتبة
وهي أن يكتب مسموعه لغائب أو حاضر بخطه أو بأمره وإذنه. وهي أيضا بانت
مقرونة بالإجازة ومجردة عنها. فالمقرونة بالإجازة في الصحة والقوة مثل المناولة المقرونة
بها. وأما المجردة فمنع الرواية بها جمع، ولكن ما عليه الأكثر وما هو الأصح عندهم هو
جواز الرواية بها، فهذا عندهم معمول به معدود في الموصول، حتى أن جمعا قد صرحوا
بأنها أقوى من الإجازة، وكأنهم قد اكتفوا في ذلك بالقرينة التي هي الإرسال. (5)
ثم تكفي معرفة خط الكاتب. ومنهم من شرط البينة وهو ضعيف.
ثم الصحيح أنه يقول في الرواية بها: " كتب إلي فلان " أو " أخبرني فلان مكاتبة " أو
" كتابة " ونحو ذلك، ولا يجوز إطلاق " حدثنا " و " أخبرنا " وقد نسب جواز ذلك إلى
جمع من المحدثين وكبارهم. (6)

1. معرفة علوم الحديث: 260
2. قاله أبو جعفر بن حمدان النيشابوري. التقريب: 55.
3. تدريب الراوي: 349.
4. تدريب الراوي: 349.
5. التقريب: 56
6. كالليث بن سعد ومنصور وغيرهما. تدريب الراوي: 352.
171

الطريق السادس: الإعلام
وهو أن يعلم الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو الكتاب روايته أو سماعه مقتصرا
على ذلك، فجوز به الرواية على ما حكاه جماعة أكثر أصحاب الحديث والفقه و
الأصول.
وقد صرح جمع من المتأخرين من فضلاء العامة بأن الصحيح ما قاله غير واحد
من المحدثين وغيرهم أنه لا تجوز الرواية به، لكن يجب العمل به إن صح سنده. (1)
وقال بعضهم في المقام: " الإعلام هو أن يعلم الشيخ أحد الطلبة ب‍ (إنني أروى
الكتاب الفلاني عن فلان) فإن كان له منه إجازة اعتبر وإلا فلا عبرة بذلك ". (2)
أقول: إن الإعلام هاهنا كإرسال الكتابة في السابق، بمعنى أن الإعلام كالإرسال من
القرائن الدالة على وقوع الإجازة من الشيخ وقصده إياها وإن لم يتلفظ بها حين
الإعلام، فتأمل.
الطريق السابع: الوصية بالكتاب
وهي أن يوصي عند موته أو سفره لشخص معين بأصله أو بأصوله أو كتبه. فقال
جمع: إن ذلك مما جوزه بعض السلف. (3)
وقد يقال: إن هذا مما قال به قوم من الحذاق والمتقدمين، لكن الجمهور قد أبوا
ذلك إلا إن كان له منه إجازة. (4)
أقول: يمكن أن يقال هاهنا أيضا، إن نفس الوصية من جملة القرائن الدالة على
تحقق الإذن والإجازة من الشيخ؛ فتأمل.

1. مقدمة ابن الصلاح: 116؛ تدريب الراوي: 353.
2. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 125.
3. التقريب: 57.
4. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 125.
172

الطريق الثامن: الوجادة
وهي مصدر لوجد يجد، مولد غير مسموع من العرب، وهي أن يقف على
أحاديث بخط راويها ولم يسمعها منه الواجد ولا له منه إجازة أو نحوها. فله أن يقول:
" وجدت " أو " قرأت بخط فلان ". فهذا الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا، وهو
من باب المنقطع، وفيه شوب اتصال.
وربما دلس بعضهم فذكر الذي وجد بخطه وقال فيه: " عن فلان " أو " قال فلان " و
هو قبيح إن أوهم سماعه. وقد جازف بعضهم فأطلق في الوجادة " حدثنا " و " أخبرنا " و
أنكر عليه ذلك؛ لأنه أقبح تدليس قادح في الرواية.
وبالجملة: فإن الوجادة هي أن يجد بخط يعرف كاتبه فيقول: " وجدت بخط
فلان " ولا يسوغ فيه إطلاق " أخبرني " بمجرد ذلك إلا إن كان له منه إذن بالرواية عنه بأن
يقول له: " متى وجدت حديثا أو كتابا بخطي فاروه عني ".
تذنيب: في بيان أمور:
فاعلم إنه إذا وجد حديثا في تأليف شخص وقال: " ذكر فلان " أو قال: " أخبرنا
فلان " فهذا منقطع. وهذا كله إذا وثق بأنه خطه أو كتابه وإلا فليقل: " بلغني عن فلان " أو
" وجدت عنه " أو نحوه أو " قرأت في كتاب أخبرني فلان أنه بخط فلان " أو " ظننت أنه
خط فلان " أو " ذكر كاتبه أنه فلان " أو " تصنيف فلان " أو قيل: " بخط أو تصنيف فلان " و
إذا نقل من تصنيف فلا يقل: " قال فلان " إلا إذا وثق بصحة النسخة بمقابلته أو ثقة لها،
فإن لم يوجد هذا ولا نحوه فليقل: " بلغني عن فلان " أو " وجدت في نسخة من كتابه " و
نحوه. وأما إطلاق اللفظ الجازم كما يعتمده أكثر الناس في جملة من الأعصار والأزمنة
فتسامح.
وقد يقال: إن كان المطالع عالما متقنا لا يخفى عليه الساقط والمغير رجونا جواز
الجزم له، فبهذا استروح كثير من المصنفين، وأما ما يوجد على حواشي بعض الكتب،
فإن كان بخط معروف فلا بأس بنقله ونسبته إلى من هو له، وإلا فلا يجوز اعتماده إلا
173

للعالم الحاذق المتقن؛ فتأمل.
ثم إن العمل بالوجادة قد نقل عن معظم المحدثين والفقهاء المالكين أنه يجوز، وعن
الشافعي ونظار أصحابه جوازه، وقطع بعض الشافعية بوجوب العمل بها عند حصول
الثقة، واستحسنه جمع قائلين: " هذا هو الصحيح، بل لا يتجه في هذه الأزمان غيره ". (1)
هذا، وأنت خبير بما فيه؛ لأنه يمكن أن يقال: إن خلو علماء هذه الأزمان عن طرق
تحمل الحديث وأدائه غير طريق الوجادة محل نظر، بل لا شك في أن هذه الدعوى
من المجازفات الصرفة والتخمينيات المحضة.
وكيف لا؟! فإن طريق الإجازة من الأمور السهلة الجارية الموجودة في جميع
الأزمنة، ولا سيما إذا لوحظ فيها القسم الأعم الأشمل الأسهل، على أنه فرق واضح
بين كون المعتبرة كالكتب الأربعة - مثلا - عند الخاصة، والصحاح الست - مثلا - عند
العامة، من مصنفيها وجامعيها من الأمور القطعية الحاصلة بالتسامع والتظافر، وكذا
كون وجوب العمل بها من هذا الوجه وذلك اللحاظ، وبين كونها من قبيل الوجادة
المصطلحة، ووجوب العمل بها لأجل حصول الثقة بها.
هذا، اللهم إلا أن يقال: إن المراد من حصول الثقة هو ما أشرنا إليه. ومع هذا كله
نقول: إن إطلاق الوجادة على مثل ذلك كما ترى، اللهم إلا أن يبنى الأمر على التسامح:
فتأمل.
ثم إن جمعا قالوا: إن فائدة ذكر الوجادة زيادة القوة في الخبر، فإذا وجد حديثا في
مسند أحمد - مثلا - وهو بخطه فقوله: " وجدت بخط أحمد كذا " أقوى من قوله: " قال
أحمد " لأن القول ربما يقبل الزيادة والنقص والتغير - ولا سيما عند من يجيز النقل
بالمعنى - وذلك بخلاف الخط.
تذييل: في أهلية التحمل
يصح التحمل قبل الإسلام بلا خلاف، وهكذا قبل البلوغ على الأصح الأشهر. و

1. التقريب: 58.
174

قال جمع من فضلاء العامة: إنه قد خالف في هذا وهو خطأ. للإجماع على قبول رواية
الحسن والحسين (عليهما السلام). وابن عباس وابن الزبير وغيرهم، ولم يزل الناس يسمعون
الصبيان. (1)
ثم إن جماعة من علماء العامة قالوا: " يستحب أن يبتدئ سماع الحديث بعد
ثلاثين سنة، وقيل: بعد عشرين سنة، وقال جمع: والصواب في هذه الأزمان التبكير
به من حين يصح سماعه ويكتبه ويقيده حين يتأهل له، ويختلف باختلاف
الأشخاص.
ونقل القاضي عياض أن أهل هذه الصنعة حددوا أول زمن السماع بخمس سنين.
وقال بعضهم: " وعلى هذا استقر العمل، والصواب اعتبار التمييز فإن فهم الخطاب و
رد الجواب كان مميزا صحيح السماع وإلا فلا ". (2)
وقال بعض فضلائهم: " والذي استقر عليه عمل أصحابنا المتأخرين أن يكتبوا
لابن خمس سمع، ولمن دونه حضر أو أحضر. ولا يتحاشون من كتابه الحضور لمن
حضر من الصغار ولو كان ابن يوم أو ابن سنة أو أكثر حتى يبلغ سن السماع ". (3)
وقال بعضهم: يعتبر كل صغير بحاله، فمتى كان فهيما للخطاب ورد الجواب
صححنا سماعه، وإن كان له دون خمس، وإن لم يكن كذلك لم يصح سماعه وإن كان
ابن خمس، وهذا هو الأصح. (4)
وقد ذكر بعض المؤرخين أن صبيا ابن أربع سنين حمل إلى المأمون وقد قرأ
القرآن ونظر في الرأي غير أنه إذا جاع يبكي. (5)
وأما حديث محمود فيدل على سنة لمن هو مثله لا على نفيه عمن دونه مع جودة

1. مقدمة ابن الصلاح: 96.
2. التقريب: 46 و 45 بتفاوت يسير.
3. الباعث الحثيث 1: 242.
4. مقدمة ابن الصلاح: 97.
5. حكي عن إبراهيم بن سعيد الجوهري كما في مقدمة ابن الصلاح: 97.
175

التميز أو ثبوته لمن هو في سنه ولم يميز تميزه. (1)
هذا، ولا يخفى عليك أن حديث محمود إشارة إلى قضية محمود بن الربيع الذي
ترجم البخاري فيه باب يصح سماع الصغير. قيل: كان ابن خمس أو أربع سنين. (2)
وكيف كان؛ فإن المعتبر في التميز والفهم القوة لا الفعل.
وقد ذكر بعضهم من المتأخرين قال علماؤنا: ينبغي في هذه الأزمان أن يبكر
بإسماع الصغير من أول زمان يصح فيه سماعه؛ لأن الملحوظ إبقاء سلسلة الإسناد
فكذلك يتبادر بإحضار الصغار والأطفال (3)، ويسرع بالاستجازة لهم فلا يتكاسل في
ذلك فإنه تفوت الفرصة، ولا ينفع الندم على الظفر بذلك.
الفائدة الثالثة: ألفاظ الجرح والتعديل
إعلم أنا قد أشبعنا الكلام في الفن الأول في ألفاظ الجرح والتعديل، فالمقصود
هاهنا إيرادها على النمط المتداول بين علماء العامة، حتى يكون الناظر في هذا الكتاب
والآخذ بمجامع ما فيه على بصيرة تامة في كل باب، ومستغنيا عن الرجوع إلى كتاب
من كتب العامة والخاصة.
فاعلم أن بعض أفاضل علمائهم قد رتب تلك الألفاظ على نمط قد استحسنه جم
ممن تأخر عنه (4) فقال:
فألفاظ التعديل مراتب:
أعلاها: ثقة، أو متقن، أو ثبت، أو حجة، أو عدل حافظ، أو ضابط.
الثانية: صدوق، أو محله الصدق، أو كان مأمونا أو خيرا، أو لا بأس به، أو هو ممن

1. مقدمة ابن الصلاح: 98.
2. وهو ما رواه البخاري في صحيحه 1: 27 باب متى يصح سماع الصغير باسناده عن محمود بن الربيع قال:
" عقلت من النبي (صلى الله عليه وآله) مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو ".
3. مقدمة ابن الصلاح: 97.
4. كابن الصلاح في مقدمته: 94 وتدريب الراوي: 298.
176

يكتب حديثه. وينظر فيه المرتبة الثانية؛ فإن هذه العبارات لا تشعر بالضبط لكن يعتبر
حديثه. وعن بعضهم أنك إذا قلت: لا بأس به فهو ثقة.
الثالثة: شيخ فيكتب حديثه وينظر فيه.
الرابعة: صالح الحديث يكتب للاعتبار. (1)
هذا، وقال بعض محققيهم من المتأخرين: " مراتب التعديل أرفعها الوصف بما
دل على المبالغة، وأصرح ذلك التعبير بأفعل كأوثق الناس، أو أثبت الناس، أو إليه
المنتهى في التثبت - أي في الرواية والضبط والحفظ -، ثم ما تأكد بصفة من الصفات
الدالة على التعديل أو صفتين كثقة ثقة، أو ثبت ثبت، أو ثقة حافظ، أو عدل ضابط، أو
نحو ذلك. وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ، ويروى حديثه، ويعتبر
به ونحو ذلك. وبين ذلك مراتب لا تخفى ". (2)
وأما ألفاظ الجرح فمراتب أيضا:
الأول: أدناها لين الحديث، فهذا يكتب حديثه وينظر للاعتبار. وقال بعضهم:
إذا قلت: لين الحديث، لم يكن ساقطا ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة، و
مثله مقارب الحديث.
وثانيهما: ليس بقوي، يكتب حديثه، ومثله ليس بذاك القوي، فهذا كله كالأول
لكنه دونه.
وثالثها: ضعيف الحديث، أو ضعيف حديثه، أو ضعيف مضطرب الحديث، أو
لا يحتج به. فهذا كله دون الثاني بمعنى أنه لا يطرح رأسا بل يعتبر به.
ورابعها: متروك الحديث، أو ذاهب الحديث، أو منكر الحديث، أو ساقط
لا يكتب حديثه. ثم كذاب ووضاع ودجال فلا يكتب عنهم. (3)

1. الجرح والتعديل 2: 37.
2. التقريب: 134.
3. التقريب: 45.
177

وقد قال بعضهم: " إن للجرح مراتب أسوؤها الوصف بما دل على المبالغة فيه، و
أصرح ذلك التعبير بأفعل كأكذب الناس، وكذا قولهم: إليه المنتهى في الوضع، وهو
ركن الكذب، ونحو ذلك. ثم دجال أو وضاع أو كذاب؛ لأنها وإن كان فيها نوع مبالغة
لكنها دون التي قبلها. وأسهلها لين أو سئ الحفظ أو فيه أدنى مقال.
وبين أسوأ الجرح وأسهله مراتب لا تخفى. فقولهم: متروك أو ساقط أو فاحش
الغلط أو منكر الحديث أشد من قولهم: ضعيف أوليس بقوي أو فيه مقال ". (1)
الفصل الرابع
متضمن لجملة من الفوائد
فهي وإن لم تكن بمثابة ما مرت إليه الإشارة من الفوائد المتقدمة في شدة الحاجة
إليها إلا أنها مع ذلك مما تزيد به البصيرة والحذاقة، على أن خلو الكتاب عن كل ذلك
خلو الصناعة من جملة من الأمور التي عنون لها جمع من العلماء، وإن كانوا بأجمعهم
أو معظمهم من العامة.
وبالجملة: فإن مقصودنا أن يكون هذا الكتاب في هذين الفنين وما يتعلق بهما
كتابا شافيا كافيا، ويستغنى به عن الرجوع إلى سائر الكتب في هاتين الصناعتين.
الفائدة الأولى: في الإشارة إلى معرفة سبب الحديث:
فاعلم أن معرفة هذا من الأمور المهمة، فهذا شأن جليل وأمر عظيم كثير الفوائد،
أما ترى أنه قد ينقل في جملة من الكتب جملة من الأحاديث ذوات الأسباب فلا يذكر
فيها أسبابها فيختل بذلك الأمر بالنسبة إلى جملة من المقامات؟! بل قد تفوت بذلك
جملة من المقاصد.
فلنمثل لك في هذا الباب مثالا حتى يتبين لك الأمر، فنقول: قد ورد في الحديث

1. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 134 و 133.
178

القدسي المروي في كلتا الطريقتين أي العامة والخاصة: " يا محمد، أنت مني حيث
شئت أنا، وعلي منك حيث أنت مني، ومحبو علي مني حيث علي منك " (1) الحديث.
فإذا نظر الناظر في هذا الحديث وأمعن النظر فيه، وعلم أن مراتب محبي
أمير المؤمنين (عليه السلام) ودرجاتهم وقربهم المعنوي الحقاني إلى الحق الأول سبحانه بحيث
لا يدرك كنهها، وما هي عليه في نفس الأول غير ذات الحق الأول جل جلاله، حمل ما
في الحديث على الأكامل من الشيعة كسلمان وأبي ذر ومقداد ومن حذا حذوهم
استبعادا منه تمشية ذلك في غير هؤلاء الأكامل، ولكن الحديث إذا أخذ بمجامعه و
السبب الذي ورد هذا الحديث القدسي لأجله علم أن هذا الحمل وذلك الاختصاص
مما ليس في محله.
وبيان ذلك: أن صدر الحديث كذا ورد، يعنى " أنه جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)! ما ينفعني حب علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ويحك
من أحب عليا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب الله لم يعذبه ".
فقال الأعرابي: زدني يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال (صلى الله عليه وآله): " أسأل جبرئيل عن ذلك " فنزل
جبرئيل فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قاله الأعرابي؟ فقال جبرئيل (عليه السلام): " أسأل إسرافيل (عليه السلام) عن
ذلك، فصعد فسأل إسرافيل (عليه السلام) عن ذلك. فقال إسرافيل (عليه السلام): سأسأل رب العزة عن
ذلك، فأوحى الله تعالى إليه يا إسرافيل، قل لجبرائيل يقل لمحمد (صلى الله عليه وآله): أنت مني حيث
شئت أنا، وعلي منك حيث أنت مني، ومحبو علي مني حيث علي منك (2) " الحديث.
فلا يخفى عليك أن حمل ما في الحديث على الأكامل من الشيعة يستلزم
التخصيص الموردي، وهو غير جائز عند الأصوليين قطعا، والتقريب ظاهر؛ لأن
الأعرابي السائل ما كان شأنه مثل شأن سلمان وأترابه.
وقد فسر هذا الحديث في حديث آخر على نمط صريح في الشمول والتعميم، و

1. مائة منقبة للقمي: 43؛ الجواهر السنية: 303.
2. نفس المصدر.
179

فيه " يا محمد، حيث تكن أنت يكن علي فيه، وحيث يكن علي فيه يكن محبو علي فيه
وإن اجترحوا " (1) الحديث.
ولا يخفى عليك أن نظائر هذا في غاية الكثرة.
نعم، إن أكثر كتب القدماء في الأحاديث من أصحابنا الإمامية قد ذكرت فيها
الأحاديث ذوات الأسباب بأسبابها، ومن تتبع أحاديث العامة يجد أن جملة كثيرة من
الأحاديث ذوات الأسباب قد طرحوا أسبابها وذكروها بلا أسباب، فليس هذا منهم إلا
لأغراض فاسدة من كتم فضائل أهل بيت العصمة ومناقب آل الرحمة، ومن ستر
عيوب ومثالب أعدائهم ونحو ذلك.
وبالجملة: فإن معرفة هذا الشأن من الأصول المهمة في فنون الأحاديث.
وقال بعض علماء العامة: إنه " قد صنف فيه بعض شيوخ أبي يعلى الفراء الحنبلي
وهو أبو حفص العكبري، وقد ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أن بعض أهل
عصره شرع في جمع ذلك، وكأنه ما رأى تصنيف العكبري المذكور ". (2)
الفائدة الثانية: في بيان آداب كتابة الحديث:
وقد ذكر بعض فضلائنا، وجم غفير من علماء العامة، أن معرفة ذلك من الأمور
المهمة.
فينبغي تبيين الخط، وعدم إدماج بعضه في البعض، وإعراب ما يخفى وجهه. وبعبارة
أخرى أن يكتب مبينا مفسرا، ويشكل المشكل منه أو ينقطه، وهذا كله لإزالة اللبس.
وقد ذكر بعضهم: أنه قد نقل عن أهل العلم كراهة الإعجام والإعراب إلا في
الملتبس، وقيل: يشكل الجميع. (3)

1. الطرائف: 156؛ الجواهر السنية: 311؛ بحار الأنوار 39: 294.
2. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: 144.
3. التقريب: 58.
180

ثم إنه ينبغي أن يكون اعتناؤه بضبط الملتبس من الأسماء أكثر، ويستحب ضبط
المشكل في نفس الكتاب، وكتبه مضبوطا واضحا في الحاشية قبالته.
وهكذا ينبغي الاعتناء بضبط ما اختلف فيه من أسماء الرواة أو من كلمات متن
الحديث مطلقا أي على أي نحو كان هذا الاختلاف، وبضبط مختلف الروايات و
تمييزها فيجعل كتابه على رواية، ثم ما كان في غيرها من زيادة ألحقها في الحاشية، أو
نقص أعلم عليه، أو خلاف كتبه معينا في كل ذلك من رواه بتمام اسمه لا رامزا.
ثم إنه ينبغي أيضا أن يجعل بين كل حديثين دائرة صغيرة من غير لون الأصل.
وقال جمع منهم: " إن التفصيل بين كل حديثين بدائرة قد نقل عن جماعات من
المتقدمين. وقال بعضهم: يستحب أن تكون غفلا فإذا قابل نقط وسطها، وذكر جمع
منهم أنه يكره في مثل عبد الله وعبد الرحمن بن فلان كتابة عبد آخر السطر واسم الله
مع ابن فلان أول [السطر] الآخر، وكذا يكره " رسول " آخره و " الله (صلى الله عليه وآله) " أوله وكذا ما
أشبهه (1) ".
ثم إنه ينبغي أن لا يخل بالصلاة والسلام بعد اسم النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) و
فاطمة (عليها السلام) وسائر الأئمة المعصومين (عليهم السلام). وليكن ذلك كله صريحا من غير رمز، و
لا يسأم من تكرره ولو في سطر واحد، ومن أغفله حرم حظا عظيما.
والظاهر أن ذلك مما كانت عليه سيرة الأقدمين والأواسط من أهل الحديث. وقد
ورد عن طريق العامة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة
يصلون عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب (2) ".
ولا يخفى عليك أن تلك السيرة جارية في اسم الله تعالى أيضا بمعنى أنه إذا كتب
اسم الله تعالى اتبعه التعظيم ك‍ " عز وجل " ونحوه. وهذا مما يساعده العقل أيضا، و
دون ما ذكر في المرتبة الترضي والترحم على الصحابة الأخيار والعلماء الأبرار.

1. التقريب: 59.
2. المعجم الأوسط 2: 232؛ كشف الخفاء 2: 257، ح 2518.
181

وقد يستفاد من كلام جمع منهم أن كل ذلك في مرتبة واحدة سواء، (1) وهذا كما ترى.
وقال بعضهم: ويكره الرمز بالصلاة والترضي في الكتابة كما يفعله غير أهل
الحديث. وقد صرح جمع منهم بأنه يكره الاقتصار على الصلاة دون التسليم. وقد
حكي عن بعض حفاظهم أنه قال، كنت أكتب الحديث واكتفي بالصلاة على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرأيته في المنام فقال: " ما لك لا تتم الصلاة علي؟ " فما كتبت [بعد] ذلك
الصلاة إلا مع التسليم. (2)
أقول: إن تصلية العامة وتسليمهم على النبي (صلى الله عليه وآله) من قبيل الصلوات والتسليمات
البتراء، لأنهم لا يذكرون أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا فائدة في مثل ذلك و " قال
الصادق (عليه السلام): سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول: اللهم صل على محمد. فقال له
أبي: لا تبتر يا عبد الله، لا تظلمنا حقنا. قل: اللهم صلى على محمد وأهل بيته " (3)
الحديث.
ثم لا يخفى عليك أنه تكتب عند تحويل السند حاء بين المحول والمحول إليه و
إذا كان المستتر في " قال " أو " يقول " عائدا إلى المعصوم (عليه السلام) فليمد اللام، بل يضاف إلى
ذلك رمز التصلية والتسليم.
ثم إنه إذا وقع في الكتاب ما ليس منه نفي بالضرب أو الحك أو المحو أو غيرها، و
أولاها الضرب ضربا ظاهرا لا بكتابة " لا " أو حرف الزاء على أولها و " إلى " على آخرها؛
إذ ربما يخفى ذلك على الناسخ. ولجمع منهم هاهنا أمور أخر لا فائدة في ذكرها.
وأما الضرب على المكرر فقيل: يبقي أحسنهما صورة وأبينها، وقيل: إن كان أول
سطر ضرب على الثاني، (4) أو آخره. فعلى الأول، أو أول سطر أو آخر آخر فعلى آخر

1. تدريب الراوي 2: 71.
2. مقدمة ابن الصلاح: 125.
3. الكافي 2: 495 باب الصلاة على النبي محمد وأهل بيته (عليهم السلام).
4. في الف هكذا " وقيل: يبقي أحسنهما صورة وأبينهما وقيل: إن كان أول سطر ضرب على الثاني " ليس
في " ب ".
182

السطر. فإن تكرر المضاف والمضاف إليه أو الموصوف والصفة ونحوه روعي
اتصالهما.
وأما الحك والكشط والمحو، فقد ذكر جمع منهم أنها كرهها أهل العلم؛ لأن
الحك والكشط مما يحتمل التغير، وربما أفسد الورقة وما ينفذ إليه، والمحو مسود
للقرطاس، ولبعضهم تفصيل لا فائدة في ذكره.
وأما الساقط فإن كان يسيرا كتب على سمط السطر، أو كثيرا فإلى أعلى الصفحة يمنيا
أو يسارا إن كان سطرا واحدا، وإلى أسفلها إن كان يمينا، وأعلاها يسارا إن كان أكثر.
وقد يقال: إن الساقط يكتب في الحاشية اليمنى ما دامت في السطر بقية، وإن لم
تكن بقية بأن خرج من أواسطه لا من آخره ففي اليسرى.
وقد ذكر جمع منهم في تخريج الساقط وهو اللحق - بفتح اللام والحاء - أن يخط
من موضع سقوطه في السطر خطا صاعدا قليلا معطوفا بين السطرين عطفة يسيرة إلى
جهة اللحق. وقيل: يمد العطفة إلى أول اللحق ثم يكتب اللحق قبالة العطفة في
الحاشية اليمنى إن اتسعت، إلا أن يسقط في آخر السطر فيخرجه إلى الشمال وليكتبه
صاعدا إلى أعلى الورقة لا نازلا إلى أسفل؛ لاحتمال تخريج آخر بعده. ولتكن رؤس
حرف اللحق إلى جهة اليمين، فإن زاد اللحق على سطر ابتدأ سطوره من أعلى إلى
أسفل، فإن كان في يمين الورقة انتهت إلى باطنها، وإن كان في الشمال فإلى طرفها. ثم
يكتب في انتهاء اللحق " صح "، وقيل: يكتب مع صح " رجع " وقيل: يكتب الكلمة
المتصلة به داخل الكتاب. وليس بمرضي؛ لأنه تطويل موهم.
وأما الحواشي من غير الأصل كشرح وبيان غلط أو اختلاف رواية أو نسخة و
نحوه فقال بعضهم: لا يخرج لذلك خط وحكم بعضهم باستحباب التخريج له من
وسط الكلمة المخرج لأجلها. (1)
ثم لا يخفى عليك أنهم قد ذكروا أن التصحيح والتضبيب والتمريض من شأن

1. التقريب: 61 و 60.
183

المتقنين، فالتصحيح كتابة لفظة " صح " على كلام صح رواية ومعنى ولكنه عرضة
للشك أو الخلاف.
والتضبيب - ويسمى التمريض - أن يمد خط أوله كرأس الضاد ولا يلزق بالممدود
عليه، يمد على ثابت نقلا فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو ناقص، ومن الناقص موضع
الإرسال أو الانقطاع. وربما افتقر بعضهم على الصاد في علامة صحيح فأشبهت الضبة.
ويوجد في بعض الأصول القديمة في الإسناد الجامع جماعة معطوفا بعضهم
على بعض علامة تشبه الضبة بين أسمائهم وليست ضبة وكأنها علامة اتصال. (1)
هذا، وأنت خبير بأن ما ذكروه في هذا المقام لم يتداول في كتب أصحابنا.
نعم، الموجود في جملة كثيرة منها ولا سيما في الكافي والتهذيب والاستبصار و
الفقيه الايماء والرمز إلى حال السند فيشار إلى الصحيح بحرف الصاد الشبيهة بلفظة
" صح " هكذا، وإلى الحسن بالحاء هكذا " ح "، وإلى الحسن كالصحيح هكذا " ح
كصح "، وإلى الموثق بالقاف هكذا " ق "، وإلى المرسل باللام هكذا " ل "، وإلى المرفوع
بالعين هكذا " ع "، وإلى ما فيه مجهول أو مهمل بالميم هكذا " م "، وإلى ما فيه من نص
بضعفه بالضاد هكذا " ض "، وقد يجمع بين حرفين أو ثلاثة للإيماء إلى أحوال عديدة.
الفائدة الثالثة: قد ذكر جم غفير منهم أنه قد غلب على كتاب الأحاديث الاقتصار على
الرمز في " حدثنا " و " أخبرنا " وشاع بحيث لا يخفى على أحد منهم فيكتبون من حدثنا
" ثنا " أو " نا " أو " دنا "، ومن أخبرنا " انا " أو " أنبأ " أو " رنا ". (2)
وأما كتابة " ح " في حدثنا و " أخ " في أخبرنا فمما أحدثه بعض العجم وليس من
اصطلاح أهل الحديث.
وأنت خبير بأن من تتبع صحاحهم الست وهكذا غيرها من النسخ المقروءة على

1. التقريب: 61.
2. التقريب: 62.
184

المشايخ وجد الأمر كما ذكروه، وليس الأمر في كتبنا على نمط ما ذكروه، إلا في بعض
النسخ القديمة على ما ببالي.
ثم ذكروا أنه إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد
" ح " ولم يعرف بيانها عمن تقدم.
وكتب جماعة من الحفاظ موضعها " صح " فيشعر بأنها رمز " صح " وقيل: هي من
التحول من إسناد إلى إسناد، وقيل: لأنها تحول بين الإسنادين فلا تكون من الحديث
فلا يلفظ عندها بشيء، وقيل: هي رمز إلى قولنا: " الحديث ". (1)
وكيف كان؛ فإن من الأمور المهمة أيضا معرفة صفة عرض الكتاب وهو
مقابلته مع الشيخ المسمع أو مع ثقة أو مع نفسه شيئا فشيئا، وهكذا صفة سماعه بأن
لا يتشاغل بما ينحل به من نسخ أو حديث أو نعاس أو نحو ذلك وصفة إسماعه كذلك،
وأن تكون من أصله الذي سمع فيه أو من فرع قوبل على أصله، فإن تعذر فليجبره
بالإجازة لما خالف ما حفظه.
وقد يقرر مطلب المقابلة في كلام جمع هكذا: " عليه مقابلة كتابة بأصل شيخه " و
إن كان إجازة، وأفضلها أن يمسك هو وشيخه كتابيهما حال السماع، ويستحب أن
ينظر فيه معه من لا نسخة معه، لا سيما إن أراد النقل من نسخته. وقيل: لا يجوز أن
يروي من غير أصل الشيخ إلا أن ينظر فيه بنفسه حال السماع.
والصواب الذي قاله الجماهير أنه لا يشترط نظره ولا مقابلته بنفسه، بل يكفي
مقابلة ثقة أي وقت كان، وتكفي مقابلته بفرع قوبل بأصل الشيخ، ومقابلته بأصل أصل
الشيخ المقابل به أصل الشيخ.
فإن لم يقابل أصلا فقد أجاز الرواية منه جمع إن كان الناقل صحيح الثقل قليل
السقط، (2) ونقل من الأصل وبين حال الرواية أنه لم يقابل، ويراعي في كتاب شيخه مع

1. التقريب: 63 و 62.
2. كأيوب السختياني ومحمد بن بكر البرساني، كما في التقريب: 65.
185

من فرقه ما ذكرنا في كتابه، ولا يروي كتابا سمعه من أي نسخة اتفقت.
ثم إنه إذا وجد في كتابة كلمة مهملة وأشكلت عليه جاز أن يعتمد في ضبطها و
رواياتها على خبر أهل العلم بها، فإن كانت فيها لغات أو روايات بين الحال واحترز
عند الرواية.
تذييل: إعلم أن جما غفيرا قد صرحوا بأنه ينبغي أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ
ونسبه وكنيته ثم يسوق ما سمعه منه، ويكتب فوق البسملة إسماع السامعين وتاريخ
السماع أو يكتبه في حاشية أول ورقة أواخر الكتاب أو حيث لا يخفى منه. وينبغي أن
يكون بخط ثقة معروف الخط ولا بأس عند هذا بأن لا يصحح الشيخ عليه، ولا بأس أن
يكتب سماعه بخط نفسه إذا كان ثقة كما فعله الثقات.
وعلى كاتب السماع التحري وبيان السامع والمسمع والمسموع بلفظ غير
محتمل، ومجانبة التساهل فيما يثبته، والحذر من إسقاط بعض السامعين لغرض
فاسد. وإذا لم يحضر مجلسا فله أن يعتمد في حضورهم خبر الشيخ أو خبر ثقة حضر.
ومن ثبت سماع غيره في كتابه فقبيح به كتمانه ومنعه نقل سماعه أو نسخ الكتاب،
فإن كان سماعه مثبتا برضى صاحب الكتاب لزمه إعادته ولا يبطئ عليه، وإلا فلا يلزمه
كذلك. هكذا ذكر حذقة الفن وخالف فيه بعضهم. والصواب هو الأول؛ لأن ذلك
كشهادة تعينت له عنده، فعليه أداؤها كما يلزم متحمل الشهادة أداؤها وبذل نفسه
للمشي إلى مجلس الحكم.
ثم إنه إذا نسخ الكتاب فلا ينقل سماعه إلا بعد المقابلة المرضية بالمسموع، إلا أن
يبين عند النقل كون النسخة غير مقابلة أو ينبه على كيفية الحال. وإذا قابل كتابة علم
على مواضع وقوفه. وإذا وقع في نسخته خلل فلا يتعداه حتى يصلحه أو ينبه عليه إن
كان كثيرا، أو ضاق المجلس فيصلحه (1) بعد الفراغ.

1. ليس في الف من " فلا يتعداه - فيصلحه ".
186

تذنيب: فاعلم أنه قد شدد قوم في الرواية فأفرطوا وتساهل آخرون ففرطوا.
فمن المشددين من قال: لا حجة إلا فيما رواه من حفظه، ومنهم من جوزها من كتابه
إلا إذا خرج من يده.
وقال بعض المتساهلين: يجوز من نسخ غير مقابلة بأصولهم. والصواب ما عليه
الأكثر من أنه إذا قام في التحمل والمقابلة بما تقدم جازت الرواية منه وإن غاب، إذا كان
الغالب سلامته من التغيير، لا سيما إن كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالبا. (1)
ثم إنه إذا أراد الرواية من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي مقابلة به لكن سمعت
على شيخه أو فيها سماع شيخه أو كتبت عن شيخه وسكنت نفسه إليها لم تجز الرواية
منها عند عامة المحدثين من العامة، فهذا كما ترى مما تدفعه السيرة مضافة إلى أنه
يحصر الأمر على القراءة على الشيخ أو السماع منه، وقد عرفت أن هذا خلاف التحقيق
وما عليه الأكثر.
وقد تنبه لبعض ما قلنا جمع منهم فقالوا: إنه متى عرف أن هذه الأحاديث هي التي
سمعها من الشيخ جاز أن يرويها إذا سكنت نفسه إلى صحتها وسلامتها. هذا إذا لم تكن
إجازة عامة لمروياته أو لهذا الكتاب، فإن كانت جازت الرواية منها فله أن يقول:
" حدثنا " و " أخبرنا " من غير بيان الإجازة. والأمر في ذلك قريب يقع مثله في محل
التسامح، ولا غنى في كل سماع من الإجازة لينفع ما يسقط من الكلمات سهوا أو غيره
مرويا بالإجازة وإن لم يكن لفظها، فهذا تيسير حسن لمس الحاجة إليه في أكثر
الأزمنة.
وإن كان في النسخة سماع شيخ شيخه أو كانت مسموعة عليه فيحتاج ذلك إلى أن
يكون له إجازة شاملة من شيخه ولشيخه مثلها من شيخه.
ثم إنه إذا وجد في كتابه خلاف حفظه فإن كان حفظ منه رجع إليه، وإن كان حفظ
من فم الشيخ اعتمد حفظه إن لم يشك، وحسن أن يجمعها فيقول: " حفظي كذا " و " في

1. التقريب: 64.
187

كتابي كذا " وإن خالفه غيره. قال: " حفظي كذا وقال فيه غيري أو فلان كذا ".
وإذا وجد سماعه في كتابه ولم يذكره فعن جمع أنه لا تجوز روايته، والصواب
هو الجواز، وشرطه أن يكون السماع بخطه أو خط من يثق به، والكتاب مصون يغلب
على الظن سلامته من التغيير وتسكن إليه نفسه، فإن شك لم يجز. (1)
الفائدة الرابعة: ينبغي أن لا يروي بقراءة لحان أو مصحف، وعلى طالب الحديث أن يتعلم
من اللغة والنحو والصرف ما يسلم به من اللحن والتصحيف، وطريق السلامة من
التصحيف الأخذ من أفواه أهل المعرفة والتحقيق. وإذا وقع في روايته لحن أو تحريف
فقال جمع: يرويه كما سمعه (2)، والتحقيق كما عليه الأكثر روايته على الصواب.
وأما إصلاحه في الكتاب فجوزه بعضهم، وقيل: الصواب تقريره في الأصل على
حاله مع التضبيب عليه، وبيان الصواب في الحاشية.
ثم الأولى عند السماع أن يقرأه على الصواب، ثم يقول في روايتنا أو عند شيخنا
أو من طريق فلان كذا، وله أن يقرأ ما في الأصل ثم يذكر الصواب.
وأحسن الإصلاح بما جاء في رواية أو حديث آخر، فإن كان الإصلاح بزيادة
ساقط فإن لم يغاير معنى الأصل فهو على ما سبق، وإن غاير تأكد الحكم بذكر الأصل
مقرونا بالبيان، فإن علم أن بعض الرواة أسقطه وحده فله أيضا أن يلحقه في نفس
الكتاب مع كلمة " يعني هذا " إذا علم أن شيخه رواه على الخطأ.
فأما إن رآه في كتاب نفسه وغلب على ظنه أنه من كتابه لا من شيخه فيتجه
إصلاحه في كتابه وروايته، كما إذا درس من كتابه بعض الإسناد أو المتن فإنه يجوز
استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط، و
على ذلك قامت السيرة فلا وجه لمنع بعضهم ذلك، وقيل: إن بيانه حال الرواية أولى.

1. التقريب: 65 ملخصا.
2. كابن سيرين وابن سخبرة كما في التقريب: 67.
188

وهكذا الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره أو حفظه، فإذا وجد
كلمة من غريب العربية أو غيرها وهي غير مضبوطة وأشكلت عليه جاز أن يسأل عنها
أهل العلم بها، ويرويها على ما يخبرونه.
ثم إن من ليس عالما بالألفاظ ومقاصدها خبيرا بمعانيها لا تجوز له الرواية بالمعنى
إجماعا بكل طرقه، ولم يعهد في ذلك خلاف من أحد، بل يتعين اللفظ الذي سمعه، فإن
كان عالما بذلك قالت طائفة: لا يجوز إلا بلفظه، وجوزوه في غير حديث النبي (صلى الله عليه وآله). (1)
وما عليه أهل التحقيق من العامة والخاصة هو الجواز مطلقا إذا قطع بأداء المعنى،
بل هذا مما دلت عليه جملة من النصوص (2)، وقد قدمنا ما يدل على ذلك.
وقال جمع من العامة: " وهذا كله في غير المصنفات، وأما المصنف فلا يجوز
تغيير لفظه أصلا وإن كان بمعناه ". (3)
وأنت خبير بما فيه؛ إذ الأصل يقتضي الجواز ولا معارض له؛ فتأمل.
ثم اعلم أن الحديث إذا كان عن اثنين أو أكثر واتفقا في المعنى دون اللفظ، فله
جمعهما في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما فيقول: " أخبرنا فلان وفلان
واللفظ فلان " أو " هذا لفظ فلان: قال أو قالا: أخبرنا فلان " ونحوه من العبارات.
قال جمع منهم: و " لمسلم في هذا الباب عبارة حسنة كقوله: " حدثنا أبو بكر و
أبو سعيد كلاهما عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد عن الأعمش " فظاهره أن
اللفظ لأبي بكر فإن لم يخص فقال: " أخبرنا فلان وفلان وتقاربا في اللفظ قالا: حدثنا
فلان " جاز على جواز الرواية بالمعنى، فإن لم يقل: " تقاربا " فلا بأس به على جواز
الرواية بالمعنى، وإن كان هذا قد عيب به جمع منهم.
وإذا سمع من جماعة مصنفا فقابل نسخته بأصل بعضهم ثم رواه عنهم وقال:

1. نقل في تدريب الراوي: 387 - 386 هذا الرأي عن ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي.
2. نفس المصدر.
3. التقريب: 66.
189

" اللفظ لفلان " احتمل جوازه واحتمل منعه ". (1)
وأنت خبير بأن جماعة منهم هكذا ذكروا، ولكن مقتضى التحقيق هو الجواز.
وقيل: " يحتمل تفصيل آخر وهو النظر إلى الطرق، فإن كانت متباينة بأحاديث
مستقلة لم يجز، وإن كان تفاوتهما في ألفاظ ولغات وفي اختلاف ضبط جاز ". (2)
وأنت خبير بأن صورة المباينة خارجة عن محل النزاع، على أن عدم جواز ذلك
أيضا أول الكلام، فتأمل.
ثم لا يخفى عليك أنه إذا كان في سماعه بعض الوهن فعليه بيانه حال الرواية، و
منه ما إذا أحدثه من حفظه في المذاكرة، فليقل: " حدثنا مذاكرة ". ومنع جماعة الحمل
عنهم حالة المذاكرة، وهو غير جيد.
وإذا كان الحديث عن ثقة ومجروح أو ثقتين فالأولى أن يذكرهما لاحتمال انفراد
أحدهما بشيء، فإن اقتصر على ثقة واحد في الصورتين جاز.
ثم إذا سمع بعض حديث من شيخه وبعضه من آخر فخلطه ورواه جملته عنهما
وبين أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر جاز، كما فعله الزهري في حديث
الإفك، فإنه رواه عن ابن المسيب وعروة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعلقمة بن
وقاص عن عائشة وقال: وكل حدثني طائفة من الحديث قالوا: قالت: عائشة، وساق (3)
الحديث إلى آخره.
ثم ما من شيء من ذلك الحديث لا يحتمل روايته عن كل واحد منهما وحده حتى
لو كان أحدهما مجروحا لم يجز الاحتجاج بشيء منه ما لم يبين أنه عن الثقة، و
لا يجوز بعد الاختلاط أن يسقط أحد الراويين بل يجب ذكرهما مبينا أن بعضه عن
أحدهما وبعضه عن الآخر.

1. التقريب: 68.
2. نقله في تدريب الراوي: 399 عن البدر بن جماعة في المنهل الروي.
3. صحيح البخاري 3: 221 و 5: 20 و 216 و 6: 5 و 7: 225؛ سنن أبي داود 2: 421.
190

وهذا كله في ما كان من حكاية واحدة أو حديث واحد، وأما إذا اختلفت
الأحاديث والأخبار فلا يجوز خلط شيء منها في شيء من غير تميز؛ فتأمل.
الفائدة الخامسة: اختلف في رواية بعض الحديث لواحد دون بعض، فمنعه بعضهم
مطلقا بناءا على منع الرواية بالمعنى، ومنع بعضهم تجويزها بالمعنى إذا لم يكن رواه
هو أو غيره بتمامه قبل هذا، وجوزه بعضهم مطلقا.
والصواب التفصيل وجوازه من العارف إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث
لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة بتركه، وسواء جوزناها بالمعنى أم لا، رواه قبل تاما
أم لا.
وقد يقال: إن هذا إن ارتفعت منزلته عن التهمة، فأما من رواه تاما فخاف إن رواه
ناقصا ثانيا أن يتهم بزيادة أولا، أو نسيان لغفلة وقلة ضبط ثانيا، فلا يجوز له النقصان
ثانيا ولا ابتداء إن تعين عليه أدائه. (1)
هذا، وأنت خبير بما فيه: فتأمل.
وأما تقطيع المصنف الحديث في الأبواب فهو جائز قطعا، بل مما قامت عليه
السيرة بين الخاصة والعامة. نعم إن بعض العامة قد كرهه. (2) وهو مردود بما أشرنا إليه،
مضافا إلى الأصل وعدم الدليل عليه.
ثم اعلم أنه إذا قدم المتن كقال النبي (صلى الله عليه وآله) كذا، أو قدم بعض السند كقال أبو ذر، عن
سلمان، عن النبي (صلى الله عليه وآله) كذا، ثم يقول: أخبرنا به فلان عن فلان حتى يتصل صح وكان
متصلا. فلو قدم سامعه جميع السند على المتن جاز جدا. وما عن بعض العامة ينبغي
فيه الخلاف وهو مبني على الرواية بالمعنى (3)، مما ليس في محله.

1. التقريب: 66.
2. مقدمة ابن الصلاح: 137.
3. مقدمة ابن الصلاح: 143.
191

ولو روى حديثا بإسناد ثم أتبعه إسنادا وقال في آخره: " مثله " فأراد سامعه رواية
المتن بالإسناد الثاني فالأظهر جوازه. وقد منعه جمع منهم، واشترط بعضهم الجواز
بكون السامع متحفظا مميزا بين الألفاظ. وقيل: إن جماعة منهم من العلماء إذا روى
أحدهم مثل هذا ذكر الإسناد ثم قال: مثل حديث قبله متنه كذا. (1)
ثم الظاهر أنه لا فرق بين لفظة " مثله " ولفظة " نحوه " في هذا الباب، ولا سيما إذا
لوحظ جواز الرواية بالمعنى.
وقال بعضهم: يلزم المحدث المتقن أن يفرق بين " مثله " و " نحوه " فلا يجوز أن
يقول مثله إلا إذا اتفقا في اللفظ، ويجوز " نحوه " إذا كان بمعناه. (2)
هذا، وأنت خبير بما فيه؛ فتأمل.
قيل: إذا ذكر الإسناد بعض المتن، ثم قال: " وذكر الحديث " فأراد السامع روايته
بكماله فهو أولى بالمنع من " مثله " و " نحوه " (3)، وأجازه البعض إذا عرف المحدث و
السامع ذلك الحديث.
ولا يخفى عليك أن هذا إنما يتجه على تقدير شموله بالإجازة، ويكون على
مذهب من أجاز في القول المجاز " أخبرنا " و " حدثنا ".
والاحتياط أن يقتصر على المذكور ثم يقول: " قال " و " ذكر الحديث وهو كذا " و
يسوقه بكماله.
وإذا قلنا بجوازه فهو على التحقيق بطريق الإجازة القوية في ما لم يذكره الشيخ، و
لا يفتقر إلى إفراده بالإجازة.
ثم لا يخفى عليك أن بعض العامة. قال: لا يجوز تغيير قال النبي (صلى الله عليه وآله) إلى قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا عكسه. (4) وقال بعضهم: يجوز تغيير النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)

1. الكفاية في علم الرواية: 212.
2. قاله الحاكم النيشابوري على ما في التقريب: 70.
3. منعه أبو إسحاق الإسفرايني على ما في تدريب الراوي: 405.
4. مقدمة ابن الصلاح: 145.
192

ولا يجوز عكسه؛ لأن في الرسول معنى زائدا على النبي (صلى الله عليه وآله) وهو الرسالة؛ فإن كل
رسول نبي ولا ينعكس. (1)
وأنت خبير بأن كل ذلك مما ليس في محله. والوجه ظاهر حتى في قولهم كل
رسول نبي ولا ينعكس؛ إذ مثل هذا كلام من لا تحقيق عنده؛ فإن جبرئيل (عليه السلام) وغيره من
الملائكة المكرمين بالرسالة رسول لا نبي.
وكيف كان؛ فإن مقتضى التحقيق في المقام هو الجواز؛ لأنه لا يختلف به هنا معنى.
الفائدة السادسة: ليس له أن يزيد في نسب غير شيخه أو صفته إلا أن يميزه، فيقول: " هو
ابن فلان " أو " الفلاني " أو " يعني ابن فلان " ونحوه. وهذا في الصحيحين وغيرهما كثير.
فإن ذكر شيخه نسب شيخه في أول حديث، واقتصر في باقي أحاديث الكتاب
على اسمه أو بعض نسبه، فإن أراد السامع رواية تلك الأحاديث مفصولة عن الأول
فهل يستوفي فيها نسب شيخ شيخه؟ حكى البعض عن أكثر العلماء جوازه (2)، وعن
بعضهم أن الأولى أن يقول: " يعني ابن فلان " (3)، وعن جمع أنه يقول: " حدثني شيخي أن
فلان بن فلان حدثه " (4) وعن بعضهم " أخبرنا فلان هو ابن فلان " واستحبه البعض.
وكله جائز وأولاه هو " ابن فلان " أو " يعني ابن فلان "، ثم قوله: " إن فلان بن فلان "
ثم أن يذكره بكماله من غير فصل. (5)
وقالوا أيضا: الكتب والأجزاء المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام
عن أبي هريرة وعمر بن شعيب، منهم من يجدد السند في أول كل حديث وهو

1. نقل عن النووي والبلقيني والبدرين جماعة كما في تدريب الراوي: 405 و 406.
2. الكفاية في علم الرواية: 215.
3. نقل عن أحمد بن حنبل في الكفاية في علم الرواية: 215
4. نقل عن علي بن المديني وشيخه أبى بكر الإصبهاني الحافظ في الكفاية في علم الرواية: 216 و 215؛
تدريب الراوي: 399.
5. تدريب الراوي: 400.
193

أحوط، ومنهم من يكتفي به في أول حديث أو أول كل مجلس ويدرج الباقي عليه
قائلا في كل حديث: " وبالإسناد " أو " وبه " وهو الأغلب.
فمن سمع هكذا فأراد رواية غير الأول جاز له عند الأكثرين (1)، ومنعه جماعة. (2)
فعلى هذا طريقه أن يبين كقول مسلم: حدثنا محمد بن رافع، قال: حدثنا عبد الرزاق،
قال: أخبرنا معمر عن همام، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، وذكر أحاديث وكذا فعله
كثير من المؤلفين.
وأما إعادة بعضهم الإسناد في آخر الكتاب فلا يرفع هذا الخلاف، إلا أنه يفيد إجازة
قوية بالغة واحتياطا. وأما إذا كان الجزء أو الكتاب إسناده إلى المؤلف واحدا، ومن
المؤلف إلى فوق بأسانيد مختلفة وعطف عليه بقوله: " وبه "، قال: " حدثنا " في أول كل
حديث ثم أراد رواية حديث منه؛ فإنه يجوز له رواية غير الأول بإسناده قطعا. وأما إعادة
الإسناد في آخر الكتاب فلا نعلمه إلا لأجل أن يسمعه من لعله حضر في أثناء الكتاب.
ثم اعلم أنه قد جرت العادة عند العامة بحذف " قال " ونحوه بين رجال الإسناد في
الخط ولكن ينبغي للقارئ التلفظ بها، وإذا كان فيه " قرئ على فلان " أو " أخبرك فلان "
أو " قرئ على فلان حدثنا فلان " فليقل القاري في الأول قيل له: " أخبرك فلان " وفي
الثاني: " قال: حدثنا فلان ". وإذا تكرر قال كقوله: " حدثنا فلان قال: قال فلان " فإنهم
يحذفون أحدهما خطا فليتلفظ بهما القاري ولو ترك القاري " قال " في هذا كله فقد
أخطأ، والظاهر صحة السماع.
الفائدة السابعة: في الإشارة إلى معرفة جملة من الأمور.
فاعلم: أن علم الحديث علم شريف به هو أشرف العلوم بعد علم القران، وأن
تمامية علم القرآن لنا لا تكون إلا بعلم الحديث. وبالجملة: فإنه يناسب مكارم

1. منهم وكيع، وابن معين، والإسماعيلي على ما في تدريب الراوي: 401.
2. منهم أبو إسحاق الإسفرايني على ما في تدريب الراوي: 402.
194

الأخلاق ومحاسن الشيم، وهو من علوم الآخرة فمن حرمه - استجير بالله تعالى من
ذلك - فقد حرم خيرا عظيما، ومن رزقه بشروطه فقد نال فضلا جزيلا وأجرا كبيرا و
فاز فوزا عظيما.
وليسأل الله تعالى حامل الأحاديث التوفيق والتسديد والتيسير، وليستعمل
الأخلاق الجميلة والآداب المرضية والشيم الحميدة والأطوار الحسنة. ثم ليفرغ
جهده في تحصيله ويغتنم إمكانه.
ومن جملة الآداب أن يبدأ من أرجح شيوخ بلده عقلا وورعا وزهدا وعلما و
دينا وعملا فإذا فرغ من مهماتهم فليرحل على عادة المحدثين المبرزين من الحفاظ و
غيرهم، ولا يحملنه الإعجاب بما عنده على التساهل في التحمل والإتقان والإكمال
فيخل بشيء من شروطه.
وينبغي بل قد يجب أن يستعمل ما يسمعه من أحاديث الاعتقادات والعبادات و
الآداب ومكارم الأخلاق، ولا سيما الأحاديث المتظافرة المتسامعة الواردة في فضائل
آل الرسول (صلى الله عليه وآله) أهل بيت العصمة والرحمة ومناقبهم، وهكذا ما ورد في ذم أعدائهم و
كفر وزندقة مخالفيهم ومبغضيهم.
وبالجملة: فإن ذلك الاستعمال من قبيل الألطاف المؤكدة المسددة للتكاليف
المستقل فيها العقل وزكاة الحديث، ومما يوجب حفظه.
ثم إن من جملة الآداب المرضية والأمور المرعية أن يعظم أهل العلم والحديث،
ولا سيما شيوخه ومن يسمع منهم فذلك في الحقيقة من إجلال العلم وأسباب
الانتفاع، ويعتقد جلالة شيوخه، ويتحرى رضاهم، ولا يطول عليهم بحيث
يضجرهم وليستشرهم في أموره، وما يشتغل فيه وكيفية اشتغاله.
وينبغي له إذا ظفر بسماع أن يرشد إليه غيره؛ فإن كتمانه من الأمور القبيحة عقلا و
شرعا بل إنه يخاف على كاتمه عدم الانتفاع؛ فإن من بركة الحديث إفادته وبنشره
ينمى.
195

وليحذر كل الحذر من أن يمنعه الحياء والعجب والكبر من السعي التام في
التحصيل، وأخذ العلم ممن دونه في نسب أو سن أو غير ذلك؛ فإن الحكمة ضالة
المؤمن كلما وجدها أخذها.
ثم ليصبر على جفاء شيخه من شتمه إياه والإعراض عنه وطرده، وليكثر من
الشيوخ كما كانت عليه عادة السلف؛ فإن فوائد الاستكثار كثيرة وبركاته وفيرة حتى
في أمثال الإجازات العامة والمكاتبات والمناولات، ولكن ينبغي أن يكون الملحوظ
من الاستكثار الفوائد والأغراض الصحيحة لا مجرد اسم الكثرة.
ومن أعجب الأمور وأغربها ما ذكر بعض فضلاء العامة من أن أبا سعيد إسماعيل
ابن علي السماك الرازي الحافظ الكبير الرجالي صاحب التصانيف قيل: إنه سمع من
ثلاثة آلاف شيخ لم ير مثل نفسه، وهو القائل: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر
بحلاوة الإسلام. (1) توفي سنة 444 ه‍.
ثم ليكتب وليسمع ما يقع له من كتاب أو جزء بكماله ولا ينتخب، فإن احتاج إليه
تولاه بنفسه فإن قصر عنه استعاره بحافظ ثقة ونحوه.
ولا ينبغي أن يقتصر على سماعه وكتبه دون معرفته وفهمه فليتعرف صحته و
ضعفه وفقهه ومعانيه ولغته وإعرابه مطلقا ودقائق المعارف ورقائق الحكم في
الأخبار المتعلقة بأصول العقائد والحكمة النظرية والعملية وما يتعلق بأسماء رجاله
محققا كل ذلك معتنيا بإتقان المشكلات والمعضلات في كل باب حفظا وكتابة،
مقدما كتب المحمدين الثلاثة ثقة الإسلام الكليني والصدوق وشيخ الطائفة ومن
يحذو حذوهم - رضي الله عنهم - ثم ما تمس إليه الحاجة من أي عالم ومحدث كان من
علمائنا ومحدثينا.
ثم إن في تتبع كتب الأحاديث من العامة فوائد كثيرة وعوائد وفيرة من إلزامهم و
إفحامهم وزيادة البصيرة في أمر السلف ونحو ذلك، ولم يذق حلاوة ذلك إلا النطس

1. العبر في خبر من غبر 3: 211.
196

الندس ذو تتبع عريض، وهم في هذا الباب يقدمون الصحيحين للبخاري ومسلم، ثم
سنن أبي داود والترمذي والنسائي، ثم السنن الكبيرة ويحثون ويحرصون عليه، ويقولون:
لم يصنف مثله.
ثم من المسانيد: مسند أحمد بن حنبل وغيره. ثم من العلل: كتابه، وكتاب
الدارقطني. ومن الأسماء: تاريخ البخاري، وابن أبي خيثمة، وكتاب ابن أبي حاتم. ومن
ضبط الأسماء: كتاب ابن ماكولا. وليعتن بكتب غريب الحديث وشرحه، وليكن
الإتقان من شأنه، وليذاكر بمحفوظه، ويباحث أهل المعرفة والفطانة وأصحاب
الأذهان الثاقبة والأفكار الصائبة.
خاتمة
في الإشارة إلى جملة من الأمور
اعلم أن لعلماء العامة جملة أخرى من المطالب والمسائل في هذا الفن قد جعلوا
لكل واحدة من تلك المسائل عنوانا مستقلا وساقوا على طرزه كلاما؛ فإني أرى أن
إسهاب الكلام فيها وفي أمثالها مما يوجب تضييع الأوقات ومع ذلك أشير إليها إشارة
إجمالية.
فمن ذلك عنوانهم رواية الأكابر عن الأصاغر، قالوا: فائدته أن لا يتوهم أن
المروي عنه أكبر وأفضل لكونه الأغلب، ومن ذلك معرفة الإخوة في الصحابة و
التابعين حتى أن بعضهم أفرد بالتصنيف في ذلك.
ومن ذلك رواية الآباء عن الأبناء كرواية العباس عن ابنه الفضل، ومن ذلك رواية
الأبناء عن الآباء وهو نوعان: أحدهما: عن أبيه فقط، والثاني: عن أبيه عن جده.
ومن اشترك في الرواية عنه اثنان تباعد ما بين وفاتيهما. وقالوا: للخطيب فيه
كتاب حسن. (1) ومن فوائد حلاوة علو الإسناد مثاله: محمد بن إسحاق السراج روى عنه

1. سماه " كتاب السابق واللاحق " مقدمة ابن الصلاح: 187.
197

البخاري والخفاف، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر، والزهري و
زكريا بن دريد عن مالك وبينهما كذلك.
ومن ذلك [من] لم يرو عنه إلا واحد، ولمسلم فيه كتاب. (1)
ومن ذلك معرفة من ذكر أسماء أو صفات مختلفة قالوا: هذا فن عويص تمس
الحاجة إليه لمعرفة التدليس. وقد صنف فيه جماعة. (2)
ومن ذلك معرفة المفردات قالوا: " إن هذا فن حسن يوجد في أواخر الباب وأفرد
بالتصنيف، وهو أقسام:
الأول: في الأسماء مثاله: أجمد - بالجيم - بن عجبان كسفيان، وقيل: كعليان.
القسم الثاني: الكنى، أبو السعيدين (3) - بالتثنية والتصغير - اسمه معاوية بن سيرة.
القسم الثالث: الألقاب، سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) اسمه مهران وقيل: غيره.
ومن ذلك معرفة الصحابة قالوا: هذا علم كبير عظيم الفائدة وبه يعرف المتصل
من المرسل وفيه كتب كثيرة، من أحسنها وأكثرها فوائد الإستيعاب لابن عبد البر.
وقد اختلفوا في حد الصحابي، فالمعروف عن المحدثين: أنه كل مسلم رأى
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعن أصحاب الأصول: أنه من طالب مجالسته على طريق التبع. وقيل: إنه
لا يعد صحابيا إلا من أقام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنة أو سنتين وغزى معه غزوة أو غزوتين.
ومن ذلك الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم.
ومن ذلك أن رسول الله قبض عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى
عنه وسمع منه (4)، واختلف في عدد طبقاتهم وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة. (5)

1. مقدمة ابن الصلاح: 187 صرح بأنه لم يره.
2. منهم: عبد الغنى بن سعيد الحافظ المصري وصنف بعده الخطيب البغدادي في هذا الفن سماه " موضع
أوهام الجمع والتفريق ".
3. في الف " أبو العبيدين ".
4. مقدمة ابن الصلاح: 178.
5. معرفة علوم الحديث: 24 - 22.
198

ومن ذلك كلامهم في من هو أفضل الصحابة، وهكذا فيمن هو أول القوم إسلاما.
ومن ذلك أنه لا يعرف أب وابنه شهدا بدرا إلا مرثد وأبوه، ولا سبعة إخوة
صحابة مهاجرون إلا بنو مقرن.
من ذلك معرفة التابعين واحدهم تابعي وتابع. قيل: هو من صحب صحابيا و
قيل: من لقيه، وهو الأظهر. قال الحاكم: هم خمس عشرة طبقة. (1)
ومن ذلك معرفة المبهمات وقد صنف فيه جمع منهم وهو أقسام: أبهمها رجل
أو امرأة، الثاني: الابن والبنت، الثالث: العم والعمة، الرابع: الزوج والزوجة.
ومن ذلك التواريخ والوفيات قالوا: هذا فن مهم به يعرف اتصال الحديث و
انقطاعه، وقد ادعى قوم الرواية من قوم فنظر في التاريخ فظهر أنهم زعموا الرواية
عنهم بعد وفياتهم بسنين.
ومن ذلك معرفة سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجمع من الصحابة.
ومن ذلك معرفة من خلط من الثقات، هذا فن مهم لا يعرف فيه تصنيف وهو
حقيق به.
فمنهم من خلط لخرفه أو لذهاب بصره أو لغيره، فيقبل ما روى عنهم قبل
الأخلاط، ولا يقبل ما بعده أو شك فيه.
ومن ذلك معرفة الثقات والضعفاء وقالوا: هذا النوع من أعظم أنواع علوم
الحديث وأنفعها وأهمها وأجلها؛ إذ به يعرف الصحيح والضعيف، وفيه تصانيف
كثيرة، منها: ما أفرد للضعفاء ككتاب البخاري والنسائي وغيرهم، ومنها: ما هو في
الثقات ككتاب العجلي وابن حبان وابن أبي حاتم، ومنها: ما جمع بين الثقات و
الضعفاء كتاريخ البخاري وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وتاريخ أبي بكر الخطيب
ببغداد وتاريخ دمشق لابن عساكر إلى غير ذلك من الكتب الكثيرة.
ومن ذلك وفيات أصحاب المذاهب.

1. نفس المصدر: 42.
199

ومن ذلك وفيات أئمة القراءة.
ومن ذلك وفيات أصحاب الصحاح الستة.
ومن ذلك وفيات العلماء المعتمد عليهم المشهورين في الحديث وسائر العلوم.
هذا، وأنت خبير بأن أكثر هذه العناوين مما لا أرى له وجها في إدراجه تحت علوم
الحديث وعلم الإسناد، وأن جملة منها قد وقعت في كتبهم في علم الإسناد على نهج التنبيه
والإرشاد؛ حيث لم يستوفوا فيها الكلام بحيث يستغنى بالمراجعة فيها إلى كتب علم
الإسناد عن المراجعة إلى سائر الكتب في فن الرجال وفن السير والتواريخ ونحو ذلك.
فما في هذه الجملة ليس إلا من قبيل الإشارات والإرشادات إلى كتب غير علم
الإسناد، وأن جملة منها مما يمكن إدراجه تحت علوم الحديث وعلم الإسناد وذلك
مثل عنوان معرفة المبهمات وعنوان من خلط من الثقات، بل إن معرفة هذين
العنوانين مما له ثمرة عظيمة في هذا الفن لكنهم لم يذكروا فيهما إلا أمثلة قليلة فهي مما
لا يسمن ولا يغني، على أن معرفة تلك الأمثلة ونظائرها مما لا يثمر بالنسبة إلى
أحاديثنا المروية عن الأئمة المعصومين - صلوات الله عليهم أجمعين -.
ثم أوصيكم أيها الأخلاء الروحانية بالعدل والسداد والتقى والإنصاف كما
أوصي نفسي بذلك، ويا أيها الأصدقاء النورانية ناشدتكم بالله تعالى وبحبيبه
محمد (صلى الله عليه وآله) سيد المرسلين وبآله المعصومين الأطهرين الأطيبين القديسين خلفاء
الرحمن وشركاء القرآن - صلوات الله عليهم - أن لا تنسوني من الدعاء وطلب المغفرة
لي من الله الكريم حين استفادتكم من مطالب هذه القواميس وهكذا في سائر أوقات
عبادتكم، واشتغالكم بالدعاء والاستغفار لشيعة أهل بيت العصمة والرحمة.
وأن تمنعوا من ديدنهم كديدن الجهال من السرقة والانتحال من مطالب هذا
الكتاب بأن يسنبوا جملة من مطالبه إلى أنفسهم.
والحمد لله والشكر له على توفيقه للإتمام وصلى الله على محمد وآله
المعصومين.
200

فهرس مصادر التحقيق
1. اختلاف الحديث، لمحمد بن إدريس الشافعي (م 204 ه‍).
2. طبقات الحفاظ، لجلال الدين عبد الرحمان السيوطي (م 911 ه‍)، تحقيق على محمد عمر.
الطبعة الأولى، مكتبة الثقافة الدينية، رياض، 1417 ه‍.
3. تذكرة الحفاظ، لأبي عبد الله شمس الدين الذهبي (م 748 ه‍) مكتبة الحرم المكي، 4 ج.
4. اختيار معرفة الرجال، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (م 460 ه‍) تحقيق حسن
المصطفوي، الطبعة الأولى، جامعة مشهد، 1348 ه‍ ش.
5. غرر الفوائد المجموعة، ليحيى بن علي بن عبد الله القرشي المعروف برشيد الدين العطار (م
662 ه‍) تحقيق محمد خرشافي، الطبعة الأولى، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة،
1417 ه‍.
6. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة البغدادي (م 1067 ه‍) دار احياء
التراث العربي، بيروت، 2 ج.
7. فضائل الصحابة، لأحمد بن محمد بن حنبل (م 241 ه‍) تحقيق وصى الله بن محمد عباس.
الطبعة الأولى، جامعة أم القرى، مكة، 1403 ه‍.
8. شرح العلل الصغير، لعبد الرحمان بن أحمد بن رجب الحنبلي (م 795 ه‍) تحقيق نور الدين
عتر. الطبعة الأولى، بيروت، دار الملاح للطباعة والنشر، 1398 ه‍. 2 ج.
9. معالم السنن، لمحمد بن محمد الخطابي البستي (م 388 ه‍) تحقيق عبد السلام عبد الشافي
محمد. الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ه‍. 2 ج.
10. لسان العرب، لعلامة ابن منظور (م 711 ه‍) الطبعة الأولى، دار احياء التراث العربي،
بيروت، 1405 ه‍. 15 ج.
11. دعائم الإسلام. لنعمان بن محمد التميمي المغربي، قاضى نعمان (م 363 ه‍) تحقيق آصف
بن علي أصغر فيضي. دار المعارف، 1383 ه‍. 2 ج.
12. الموطأ. لمالك بن أنس (م 179 ه‍) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. الطبعة الأولى، دار احياء
التراث العربي، بيروت، 1406 ه‍. 2 ج.
201

13. سنن الدارمي. لعبد الله بن بهرام الدارمي (م 255 ه‍). مطبعة الاعتدال، دمشق، 2 ج.
14. السنن الكبرى. لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي (م 458 ه‍) دار الفكر، بيروت، 10 ج.
15. ذكرى الشيعة. لمحمد بن مكي العاملي المعروف بالشهيد الأول (م 786 ه‍) الطبعة
الحجرية، خط كرماني 1272 ه‍.
16. نظم أجود الأحاديث المسلسلة. لأحمد بن يحيى بن محمد. الطبعة الأولى، مطبعة وزارة
المعارف الجليلة المتوكلية، صنعاء، 1363 ه‍.
17. مسند أبى يعلى الموصلي. لأحمد بن علي بن المثنى التميمي (م 307 ه‍) تحقيق حسين
سليم أسد. دار المأمون للتراث. 13 ج.
18. فيض القدير شرح الجامع الصغير. لمحمد عبد الرؤف المناوي (م 1331 ه‍) تحقيق احمد
عبد السلام الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 1415 ه‍. 6 ج.
19. المستدرك على الصحيحين. لمحمد بن محمد الحاكم النيسابوري (م 405 ه‍) تحقيق:
دكتور يوسف المرعشلي. الطبعة الأولى، دار المعرفة، بيروت، 1406 ه‍. 4 ج.
20. نهاية الدراية. لسيد حسن الصدر (م 1354 ه‍. ش) تحقيق ماجد الغرباوي. الطبعة الأولى،
نشر المشعر، قم.
21. تدريب الراوي، لجلال الدين السيوطي (م 911 ه‍) تحقيق ونشر: دار احياء التراث العربي،
الطبعة الأولى، بيروت، 1421 ه‍.
22. الكافي، لمحمد بن يعقوب الكليني الرازي (م 329 ه‍) تحقيق على أكبر الغفاري. الطبعة
الثالثة، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1388 ه‍. 8 ج.
23. تهذيب الأحكام، لمحمد بن الحسن الطوسي (م 460 ه‍) تحقيق السيد حسن الخرسان، و
تصحيح الشيخ محمد الآخوندي. الطبعة الرابعة، دار الكتب الإسلامية، 1365 ه‍. ش.
10 ج.
24. الباعث الحثيث، لابن كثير (م 774 ه‍) شرح احمد محمد شاكر، تعليق ناصر الدين الألباني.
الطبعة الأولى المملكة العربية السعودية، دار العاصمة، 1415 ه‍. 2 ج.
25. صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه‍) أوفست عن دار الطباعة العامرة
بالإستانبول دار الفكر، بيروت، 1401 ه‍. 8 ج.
202

26. صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج النيسابوري (م 261 ه‍) دار الفكر، بيروت. 8 ج.
27. السنن، لأبى داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275 ه‍) تحقيق: سعيد محمد
اللحام. الطبعة الأولى، دار الفكر، 1410 ه‍، 2 ج.
28. من لا يحضره الفقيه، لمحمد بن علي بن الحسين بن بابويه، المعروف بالشيخ الصدوق (م
381 ه‍) تحقيق على أكبر الغفاري. الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرسين بقم، 1404 ه‍. 4 ج.
29. تأويل مختلف الحديث. لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (م 376 ه‍) تحقيق: إسماعيل
الأسعردي الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت.
30. الأدب المفرد. لمحمد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه‍) تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
الطبعة الثالثة مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1409 ه‍.
31. معرفة علوم الحديث. لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري (م 405 ه‍) تحقيق
لجنة احياء التراث العربي، الطبعة الرابعة، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1400 ه‍.
32. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار. لمحمد بن الحسن الطوسي (م 460 ه‍) تحقيق السيد
حسن الخرسان، تصحيح الشيخ محمد الآخوندي. الطبعة الرابعة، دار الكتب
الإسلامية، 1363 ه‍. ش، 4 ج.
33. فتح الباري شرح صحيح البخاري. لابن حجر العسقلاني (م 852 ه‍). الطبعة الثانية، دار
المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، 13 ج.
34. الرعاية في علم الدراية. لزين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي (م 965 ه‍) تحقيق
عبد الحسين محمد على البقال. الطبعة الأولى، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي،
قم، 1408 ه‍.
35. وسائل الشيعة. لمحمد بن الحسن حر العاملي (م 1104 ه‍) تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)
لإحياء التراث - قم المشرفة. الطبعة الثانية، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم،
1414 ه‍. 30 ج.
36. السنن، لأحمد بن شعيب النسائي (م 303 ه‍). الطبعة الأولى، دار الفكر، بيروت،
1348 ه‍، 8 ج.
37. السنن. لعلي بن عمر الدارقطني (م 385 ه‍) تحقيق: مجدي بن منصور بن سيد الشورى.
الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417 ه‍. 4 ج.
203

38. نصب الراية لأحاديث الهداية. لجمال الدين الزيلعي (م 762 ه‍). تحقيق أيمن صالح
شعباني. الطبعة الأولى، دار الحديث، قاهره، 1415 ه‍، 6 ج.
39. الفوائد الرضوية، للشيخ عباس القمي (م 1359 ه‍).
40. أعيان الشيعة، لسيد محسن الأمين العاملي (م 1371 ه‍) دار التعارف للمطبوعات، بيروت.
10 ج.
41. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني (م 1389 ه‍) الطبعة الثالثة، دار
الأضواء، بيروت، 1403 ه‍. 26 ج.
42. طبقات اعلام الشيعة، قرن الثالث بعد العشرة (الكرام البررة)، لشيخ آقا بزرگ الطهراني (م
1389 ه‍) تحقيق على نقى المنزوي. الطبعة الأولى، مطبعة جامعة طهران. 4 ج.
43. الأعلام، قاموس تراجم. لخير الدين الزركلي (م 1410 ه‍) الطبعة الخامسة، دار العلم
للملايين، بيروت. 8 ج.
44. ريحانة الأدب. لمحمد على المدرس التبريزي (م 1373 ه‍). الطبعة الثالثة، مطبعة شفق،
تبريز. 8 ج.
45. الكنى والألقاب. للشيخ عباس القمي (م 1359 ه‍) تقديم محمد هادي الأميني. 3 ج.
46. لغت نامه، لعلى أكبر دهخدا (م 1374 ه‍)، اشراف محمد معين. الطبعة الأولى، منظمة لغت
نامه، طهران. 1325 ه‍. ش.
47. معجم المؤلفين، تراجم مصنفي الكتب العربية. لدكتور عمر رضا كحالة. المطبعة الأولى،
مكتبة المثنى، بيروت، 13 ج.
48. المنتقى النفيس من درر القواميس. للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي. مجلة تراثنا، العدد
24، السنة السادسة، رجب 1411 ه‍.
49. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر. لأحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (م
852 ه‍). تحقيق نور الدين عتر. الطبعة الثانية، دمشق، دار الخير، 1414 ه‍.
50. مئة منقبة من مناقب أمير المؤمنين. لمحمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان القمي (كان حيا
في 412 ه‍) تحقيق مدرسة الإمام المهدى (ع) بقم المشرفة. الطبعة الأولى، حسينية
عمادزاده أصفهان، 1407 ه‍.
204

51. التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير. ليحيى بن شرف الدين النووي (م 676 ه‍)
تحقيق عبد الله عمر البارودي. الطبعة الأولى، بيروت، دار الجنان، 1406 ه‍.
52. مقدمة ابن الصلاح. أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمان بن صلاح الشهرزوري (م 643 ه‍)
تحقيق أبو عبد الرحمان صلاح بن محمد بن عويذة. الطبعة الأولى، دارا لكتب العلمية،
بيروت، 1416 ه‍.
53. المسند، لأحمد بن حنبل الشيباني. الطبعة الأولى، دار صادر، بيروت، 6 ج.
54. السنن، لمحمد بن يزيد، ابن ماجة القزويني (م 275 ه‍) تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
دار الفكر، بيروت، 2 ج.
55. الرواشح السماوية في شرح الأحاديث الامامية. لمير محمد باقر الحسيني المعروف
بميرداماد (م 1041 ه‍) قم، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1405 ه‍.
56. الجرح والتعديل. لابن أبي حاتم الرازي (م 327 ه‍) تحقيق دائرة المعارف العثمانية - هند،
الطبعة الأولى، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1371 ه‍. 9 ج.
57. الطرائف. للسيد ابن طاووس الحسنى (م 664 ه‍) الطبعة الأولى، مطبعة الخيام، قم.
1371 ه‍.
58. بحار الأنوار الجامعة لدرر اخبار الأئمة الأطهار. لمحمد باقر المجلسي (م 1110 ه‍) الطبعة
الثانية، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403 ه‍. 110 ج.
59. المعجم الأوسط، لسليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني (م 360 ه‍) تحقيق إبراهيم
الحسيني دار الحرمين، 9 ج.
60. كشف الخفاء ومزيل الالباس. لإسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (م 1162 ه‍) الطبعة
الثانية، دار الكتب العلمية، 1408 ه‍. 2 ج.
61. الكفاية في علم الرواية. للخطيب البغدادي (م 463 ه‍). تحقيق احمد عمر هاشم. الطبعة
الأولى، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405 ه‍.
62. العبر في خبر من غبر. لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (م 748 ه‍) تحقيق
مكتب البحوث والدراسات. الطبعة الأولى، دار الفكر، بيروت، 1418 ه‍.
205

(3)
رسالة في علم الدراية
تأليف
المولى رفيع بن علي الجيلاني الرشتي
الشهير ب‍ " شريعتمدار "
1211 - 1292 ه‍
تحقيق:
السيد حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي
207

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد الشاكرين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين،
ورضي الله سبحانه وتعالى عن رواتنا الراشدين، نقلة الأحاديث عن السادة الهادين.
وبعد: فإن شرف علمي الدراية والرجال لا يكاد يخفى على أهل التحصيل
والكمال، إذ هما من العلوم المتوقف عليها الفقه والاجتهاد.
وقد ألف في ذلك علماؤنا الأبرار الكتب الكبار والرسائل الصغار، وكان ممن
أسهم في هذا المضمار العلامة المحقق والفهامة المدقق الشيخ المولى رفيع بن علي
الجيلاني الرشتي الشهير ب‍ (شريعتمدار) حيث صنف رسالة ماتعة في علم الدراية.
وفي هذه السطور نستعرض جانبا من حياته - رحمه الله - مع تعريف موجز
بمؤلفه هذا الذي اختير من قبل قسم إحياء التراث في دار الحديث العامرة بقم؛
للتحقيق والطبع، والله ولي التوفيق.
1. ولادته: ولد المؤلف رحمه الله تعالى في سنة (1211) هجرية المطابقة للفظة
(تأريخ) و (خيرات) وهي السنة التي قتل فيها آغا محمد خان القاجار مؤسس الدولة
القاجارية.
2. دراسته: تخرج - رحمه الله - على جملة من كبار علماء عصره، فقد حضر عند
شريف العلماء المازندراني - رحمه الله - في الأصول، كما تشرف بحضور درس السيد
محمد باقر الرشتي الشفتي الإصفهاني الشهير بحجة الإسلام صاحب كتاب مطالع
الأنوار وغيرهما من العلماء.
وقد بلغ - رحمه الله - في الفقه والأصول والرجال درجة سامية ومقاما رفيعا
بحيث كان يعد من أجلاء الفقهاء وأفاضل المجتهدين، وكان إلى جانب ذلك من أورع
209

أهل عصره وأتقاهم، وأشدهم خشية من الله، ومراقبة للنفس.
ولمكانته العلمية المرموقة أجازه أستاذه حجة الإسلام السيد الرشتي - رحمه الله -
بإجازتين إحداهما عربية كبيرة، وأخرى فارسية صغيرة يوجد نصهما في (مجموعة
إجازات حجة الإسلام الرشتي).
كما يروي عنه بالإجازة العلامة الشهير الشيخ عبد الحسين الطهراني الشهير بشيخ
العراقين، قال العلامة الشيخ آغا بزرگ الطهراني رحمه الله في الكرام البررة 2: 581: وقد
رأيت الإجازة بخط المجيز على ظهر نسخة من من لا يحضره الفقيه ولا تأريخ للإجازة.
3. نشاطه الاجتماعي: لقد حظي المؤلف - رحمه الله - بشهرة واسعة في بلاد
إيران، فقد كان من أعاظم رجال الدين فيها، وأكابر المراجع الذين تفرض آراؤهم
وأوامرهم في الدولة والملة.
وكان ملاكا كبيرا وصاحب ثروة طائلة بحيث قل من كان يملك مثل ثروته في
مملكة (جيلان) وله آثار خيرية كثيرة، وصدقات جارية، ومآثر مهمة؛ منها: جسر (سياه
رود) و (منجيل) وطريق (جهنم دره) وما يضاهيها من الخدمات العامة.
وقد فسح الله تعالى له في الأجل، فعمر في طاعة الله، ورأس قرب أربعين سنة رئاسة
عامة، وكان مطاعا نافذ الأمر طوال تلك المدة، ولم يأل جهدا - خلالها - في خدمة الشرع
الشريف وترويج المذهب ونشر الأحكام إلى أن انتقل إلى رحمة ربه تعالى.
4. نشاطه العلمي: وإلى جانب نشاطه الاجتماعي فإنه - رحمه الله - لم يتوان عن
التدريس والإفادة والتصنيف، وكان من حصيلة ذلك مصنفات في الفقه والأصول
والرجال - كما في ترجمته في المآثر والآثار: 151، من ذلك:
1. رسالة في بطلان الوقف المشروط، كما في صفحة (68 - ألف) من مخطوطة رسالة
الدراية.
2. رسالة في أن الجنون الطارئ بعد العقد والدخول إذا كان عارضا للزوج يوجب خيار
المرأة في فسخ النكاح، كما في صفحة (85 - ب) من مخطوطة رسالة الدراية.
3. رسالة في علم الدراية - وهي التي بين يديك - وسيأتي التعريف بها إن شاء الله تعالى.
210

كما أنه - رحمه الله - قام في إصفهان بمقابلة فهرست كتاب بحار الأنوار وتصحيحه
على نسخة الأصل التي كانت بخط شيخ الإسلام المجلسي - رحمه الله -، ذكر ذلك في
هذه الرسالة في صفحة (84 - ألف) من المخطوطة.
5. وفاته رحمه الله: وفي سنة (1292) هجرية انتقل المولى رفيع الجيلاني
- رحمه الله تعالى إلى رحمة ربه -، وقد أرخ وفاته تلميذه العلامة إمام الحرمين الميرزا
محمد بن عبد الوهاب الهمداني بقوله في آخر أبيات - كما في كتاب فصوص اليواقيت
في نصوص المواقيت صفحة: 15:
فجعت أمة النبي به * وبه الدين والهدى فجعا
وبحزن نادى مؤرخه: * (فإلى العرش روحه رفعا)
وأرخ بعضهم وفاته بالفارسية بقوله: (همنشين با محمد عربي است).
وخلف - رحمه الله - ولدين عالمين جليلين هما: الحاج محمد إبراهيم الشهير
بحاج مجتهد، وكانت له شهرة وافرة ومنزلة عالية في (جيلان) والحاج ميرزا محمد
مهدي الشهير ببحر العلوم، وكان في عداد أجلة فضلاء عصره.
مصادر الترجمة:
ألف - الكرام البررة للعلامة الشيخ آغا بزرگ الطهراني 2: 580 - 581.
ب - المآثر والآثار: 151 - طبعة حجرية.
6. مع الرسالة: وهي مجموعة دروس في علم الرجال والدراية كان المؤلف
- رحمه الله - ألقاها في شهر رمضان الفضيل؛ على ثلة من تلامذته، حيث تعطل
الدروس الرسمية للحوزات العلمية، كما صرح بذلك في المقدمة والخاتمة.
وقد رتب مباحث رسالته هذه على غرار مباحث كتاب لب اللباب للمولى المحقق
الشيخ محمد جعفر الأسترآبادي - رحمه الله - المطبوع في مجموعة ميراث حديث شيعه
(الدفتر الثاني) لكن مع بسط وتفصيل، فكان هذا المؤلف بمنزلة الشرح لذلك الكتاب.
وقد تعرض في القسم الأول منه لتفنيد آراء الأخباريين ومناقشة أقوال رؤسائهم
وكبرائهم مناقشة علمية دقيقة كشفت عن طول باعه في العلم والتحقيق.
211

توجد نسخة من هذه الرسالة في مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم برقم (11550)
كما في فهرس مخطوطاتها (29: 224) وهي نسخة تقع في (113) صفحة بخط النستعليق،
لكن فيها سقط كثيرو أغلاط إملائية وفيرة، لأن ناسخها - وهو جواد بن عبد الله الحسني
الرشتي - كان قد استنسخها في حال الاستعجال، كما قد اعتذر هو عن ذلك - باللغة الفارسية -
في آخر الرسالة، ومن ثم اضطررنا إلى تدارك الساقط وجعله بين معقوفين [] مستمدين في
ذلك من كتب الفن والمصادر الأصلية، مضافا إلى إثبات ما كان يقتضيه السياق.
هذا إلى جانب ضعف الصياغة في بعض العبارات، وعدم التناسب والتناسق بين
الجمل والكلمات، واختلال التركيب؛ مما ألجأنا إلى التصرف اليسير في بعض
العبارات وإبدالها بما هي أحسن منها، مع المحافظة على أصل المعنى.
ولا بدع، فإن المصنف - رحمه الله - لم يكن من أهل اللسان العربي، وليس عليه في
ذلك حرج، وقد يلمس القارئ الكريم ذلك من بعض العبارات التي لم نتصرف فيها،
والله الموفق والمستعان.
7. ثناء وتقدير: وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى فضيلة
حجة الإسلام والمسلمين الشيخ أبو الفضل حافظيان البابلي - حفظه الله تعالى وسلمه -
الذي هيأ مخطوطة هذه الرسالة، ولا زال دؤوبا في إحياء تراث سلفنا الأمجاد، ومن
ذلك قيامه بجمع مجموعة طيبة من مؤلفات علمائنا الكرام في علم دراية الحديث
- ومنها هذه الرسالة والوجيزة وموجز المقال التي قمت بتصحيحها والتقديم لها بطلب
منه - فحياه الله وبياه، وبلغه ما يرجوه ويتمناه.
والحمد لله أولا وآخرا، وباطنا وظاهرا، وصلى الله وسلم على محمد وعترته الطاهرة.
وكتب
الحسن بن صادق الحسيني آل المجدد الشيرازي
عفا الله تعالى عنه وغفر له ورحمه
أصيل يوم الجمعة 1 / 5 / 1423 ه‍
قم المشرفة
212

تصوير المخطوطة
213

رسالة في علم الدراية
215

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي سمى الرجال في كتابه الكريم بالقوامين، وخلق طينتهم من فاضل طينة
الطيبين، وجعل عرفان أحوالهم في أسانيد أخبار ولاة الدين محتاجا إليه لاستنباط أحكام
سيد المرسلين وأوصيائه المنتجبين، والصلاة والسلام عليه وعليهم أجمعين أبد الآبدين.
(وبعد): فيقول العبد الجاني، رفيع بن علي الجيلاني: هذه كلمات ألفتها في حال
الاستعجال، وتفرق الأحوال، حين المباحثة لجماعة الطالبين للعلم والافضال.
وأرجو من الله القادر المتعال أن يوفقني للإتمام، سيما هذه الأيام من [شهر]
الصيام، وعليه التوكل و [به] الاعتصام.
ورتبتها على مقدمة، وأبواب، وخاتمة.
أما المقدمة؛ ففيها أمور ثلاثة: من التعريف، (1) وبيان الموضوع، والحاجة إليه.
[و] أما الأبواب فثمانية:
الأول: في تعريف الخبر.
والثاني: في تقسيمه.
والثالث: في أنحاء تحمل الخبر، و [هي] سبعة: من السماع، والقراءة، والإجازة،
والمناولة، والإعلام، والكتابة، والوجادة - بالكسر -.
والرابع: [في] التزكية، هل هي من باب الشهادة، أو من باب الخبر، أو [من باب]
الظنون الاجتهادية؟

1. أي: تعريف علم الرجال.
217

والخامس: في ألفاظ الجرح والتعديل؛ من كونه (1) ثقة، عدلا، خيرا، فاضلا، أو
كذابا، أو واهيا، أو طاطريا، أو ناووسيا، أو فطحيا، أو نحوهما مما يدل على المدح أو
القدح، مطابقة أو التزاما.
والسادس: في بيان لزوم ذكر أسباب الجرح والعدالة - كما ذكرناها - أو [أنه]
لا يلزم ذكرها.
والسابع: في كيفية الأمر (2) عند تعارض الجرح والتعديل.
والثامن: في كيفية الرجوع إلى علم الرجال، والتمييز بين المشتركات.
والخاتمة: في بيان مشايخ هذا العلم، وأرباب الفن، ورجحان قول بعضهم على
بعض عند التعارض في الجرح والتعديل.
أما الأمر الأول من [الأمور] الثلاثة؛ [ف‍] في المقدمة
فاعلم: أن " علم الرجال علم يقتدر [به] على معرفة أحوال خبر الواحد - صحة
وضعفا، وما في حكمهما - بمعرفة سنده، وسلسلة رواته؛ ذاتا ووصفا، مدحا وقدحا،
و [ما] في معناهما ".
فالعلم؛ بمنزلة الجنس، يدخل فيه معرفة علم الصرف وسائر العلوم.
وبقولنا: " يقتدر به على معرفة أحوال خبر الواحد " تخرج منه سائر العلوم من
النحو والصرف والكلام والنجوم وغيرها مما لا يبحث [عن] أحوال الرواة؛ إلا علم
الدراية، فلا بد حينئذ من إقامة البرهان على خروج غير علم الدراية، وعلى دخوله.
أما الدليل على خروج غيره من سائر العلوم؛ فواضح.
[و] أما دخوله؛ فلأنه - على ما عرفه شيخنا الشهيد الثاني (3) - علم يبحث فيه عن

1. أي: الراوي.
2. يعني: العلاج.
3. انظر: شرح البداية في علم الدراية: 5.
218

سند الحديث، ومتنه، وكيفية نقله، وطرقه من حيث الصحة وعدمها.
فيصدق على علم الدراية أنه [علم] يبحث فيه عن أحوال الخبر.
وبقولنا: " صحة وضعفا " يصير علم الدراية خارجا عن المحدود - وهو علم
الرجال - وإن [كان] يبحث في علم الدراية عن سند الحديث من حيث الصحة أيضا، إلا
أن البحث في علم الدراية بحسب الكلية والنوع، بمعنى أن الحديث الصحيح - عند
أصحاب الدراية (1) - عبارة عما اتصل سنده إلى المعصوم (عليه السلام) بنقل عدل، إمامي، ضابط
- مثلا -.
فيستفاد من تعريف علم الدراية أن الخبر الصحيح عندهم كذا وكذا - على سبيل
الكلية - من غير أن يستفاد منه صحة خبر خاص في واقعة خاصة، نحو غسل زيارة
الجامعة في يوم كذا.
بخلاف صحة الخبر المستفاد من علم الرجال، فإن شأن أصحاب علم الرجال أن
يبحثوا فيه عن أحوال الخبر الخاص من الراوي الخاص، أعني زرارة ومحمد بن مسلم
- مثلا - فيستفاد منه صحة هذا الخبر، وضعف ذاك الخبر الفلاني المذكور في باب
وجوب غسل الجمعة - لو استفاد من علم الرجال أنه صحيح - [و] يسمى هذا العلم
بعلم الرجال.
ولو قيل: إن الخبر الصحيح ما هو؟
فجوابه: أن الصحيح من الأخبار ما كان راويه إماميا، عدلا، ضابطا، [و] يسمى ذلك
الجواب علم الدراية.
فيتضح الفرق بينهما وضوحا بينا.
ومعنى قولنا: " وما في حكمهما " أن حالة الحسن والموثقية في حكم الصحة،
بمعنى أن كل واحد من الوصفين يصير محلا للاعتماد على خبر الواحد الواجد لأحد
الوصفين.

1. البداية في علم الدراية: 23.
219

وما في حكم الضعف - وهو أحد الفردين من التثنية في " حكمهما " - كقصور
السند ناشئا عن الإرسال، أو الجهل، أو الإهمال؛ بمعنى أن كل واحد من هذه الأوصاف
في حكم الضعف؛ يصير مناطا لعدم الاعتماد على الخبر الموصوف بواحدة منها.
وبقولنا: " بمعرفة سنده " خرج صحة الخبر التي استفيدت من الخارج؛ كإخبار
مخبر صادق، أو علم صحته بالإجماع [من] الخارج، أو بحديث آخر كقول الصادق (عليه السلام)
لمسلم (1) بن [أبي] حية قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) في خدمته، فلما أردت أن أفارقه
ودعته وقلت: أحب أن تزودني، قال: " ائت أبان بن تغلب، فإنه قد سمع مني حديثا
كثيرا، فما روى لك عني فارو عني " (2)، أي: لا تحتاج أن تقول: روى أبان عن الصادق (عليه السلام)،
بل [قل] روى الصادق (عليه السلام)، (3) [وهذا] دليل - كأمثاله - على حجية خبر الواحد، كما ذكر
في ذيل الرواية مما ذيله شيخنا محمد التقي المجلسي في شرح مشيخة الفقيه. (4)
فلا يقال في حق من علم بصحة حديث أبان - بهذا النحو الذي ذكره الإمام (عليه السلام) -: إنه
عالم بعلم الرجال، فإن العلم بالصحة لا يعد من علم الرجال، إلا أن يكون مسببا
ومعلوما عن معرفة السند؛ لا عن الخارج، وما يستفاد من الاعتماد على قول أبان
يحصل من الخارج، وهو قوله (عليه السلام): " فما روى لك عني فاروه عني " فتدبر.
وقولنا: " ذاتا " أن شأن هذا العلم أن يتميز به كل واحد من الرواة عن الآخر بحسب
الاسم والوصف.
[وقولنا]: " مدحا وقدحا " أي: يتميز من حيث الذوات والصفات، والمراد بالمدح
الصفات الحسنة، و [المراد بالقدح] الصفات الذميمة، جنانا كان أم أركانا. (5)

1. هكذا عند الكشي، وعند النجاشي: سليم.
2. مجمع الرجال 1: 17 - 1: 23، وفي رواية النجاشي: فاروه.
3. أي: عن أبيه، أو عن آبائه (عليهم السلام)، أو قال الصادق (عليه السلام) من دون ذكر الواسطة.
4. روضة المتقين في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه 14: 22.
5. وأوضح من هذه العبارة عبارة الأستر آبادي في لب اللباب حيث قال: ودخل بقيد المدح أقسامه المتعلق
بعضها بالجنان والأركان، سواء بلغ إلى حد الوثاقة - كما في صورة صحة الخبر - أم لا - كما في صورة
حسنه - وبعضها بالأركان فقط كذلك كما في الموثق والقوي بالمعنى العام.
220

والأول؛ إن بلغ إلى حد الوثاقة؛ يكون الخبر صحيحا، وإن لم يبلغ يسمى حسنا.
وكذا الثاني؛ إن بلغ إلى حد الموثقية يصير الخبر موثقا، وإن لم يبلغ يكون قويا.
والمقصود من قولنا: " وما في معناهما " أي: معنى المدح والقدح، ومعنى المدح ما
تعلق بالمخبر - أولا وبالذات - وبالرواية والخبر - ثانيا وبالعرض - كما في قولهم:
" أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه " - للإجماع الذي ادعاه الكشي في حق
جماعة كثيرة كحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وعبد الله بن مسكان، وأبان بن
عثمان، ومعروف بن خربوذ، وأمثالهم من عشرين رجلا (1) - [للاتفاق] على كون هذه
العبارة مفيدة للمدح بالنسبة إلى من قيلت في حقه - كما يأتي تحقيقه مفصلا -.
والمراد بما في حكم القدح والذم؛ سوء الفهم، وكثرة البلادة، وقلة الحافظة،
وأمثالها مما تقدم ذكره، فلا حاجة إلى الإظهار بعد التعمق في مثل معنى " الإهمال " و
" الإرسال ".
وأما الأمر الثاني: ففي موضوع هذا العلم
اعلم أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، أي: يبحث فيه عن
المحمولات العارضة لموضوع العلم.
وموضوع هذا العلم: هو الشخص الراوي للأخبار عن الرسول المختار، وعن
الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
ويبحث فيه عن العوارض الذاتية للرواة؛ من الوثاقة ونحوها من أسباب المدح
والقدح.
[و] اعلم أن جماعة من المحققين قد صرحوا بأن المراد من العرض الذاتي هو
المحمول على الموضوع، الخارج عنه، الذي يلحقه لذاته أو لأمر يساويه؛ بأن لا يحتاج
عروضه للشيء إلى واسطة أمر للعروض، سواء تحققت واسطة للثبوت أم لا.

1. انظر: مجمع الرجال 1: 248 - 287.
221

فما يعرض على الشيء بواسطة أمر مبائن، أو جزئه الأخص، أو الأعم؛ يعد
غريبا، (1) كالحركة للإنسان بواسطة الحيوان، وكالنطق للحيوان بواسطة الإنسان.
وما يعرض للعارض - أولا وبالذات - عبارة عن العروض، وما يعرضه - ثانيا
وبالعرض - هو الثبوت، كالحركة العارضة للجالس في السفينة؛ تلحقها بالذات لعدم
الواسطة للعروض، وتلحق الجالس بواسطة السفينة فيعد غريبا.
فعلى هذا يلزم أن يكون البناء العارض للكلمة بواسطة الفعل الأخص منها،
والإعراب العارض لها بواسطة الاسم الأخص منها؛ عرضا غريبا.
وكذا يلزم أن يكون الراوي - الموضوع لعلم الرجال - إما عادلا دائما، أو فاسقا
دائما؛ بعد القول بكون الوثاقة أو عدمها من عوارض ذات الراوي، مع أن الواقع خلاف
ذلك، لإمكان التخلف؛ بأن يصير العادل فاسقا، أو العكس - كما نراه كثيرا -.
وجواب هذا التوهم: أنه لو كانت الوثاقة وعدمها من لوازم ذات الرواة للزم المحال
المذكور، ولكن العرض الذاتي لا ينحصر في أن يعرض للذات بلا واسطة عروض
- كما في المقام - بل لو عرض بواسطة أمر يساويها أيضا يسمى بالعرض الذاتي.
ولا شك ولا شبهة ولا ريب أن العوارض الذاتية للرواة؛ من الوثاقة ونحوها مما
يعرض للذات بواسطة القوة العقلية، أو الشهوية، أو الغضبية، فتصير من الصفات
الذاتية للرواة، فيلاحظ من تعديل القوة العاقلة فضيلة العلم والحكمة، ومن تعديل
القوة الغضبية [فضيلة] الحلم والشجاعة، ومن تعديل القوة الشهوية فضيلة العفة.
ومن اعتدال الثلاث تحدث ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى والمروءة؛
ويعبرون عنها بالوثاقة والعدالة، فتلازم ذات الراوي العادل بعد حصول هذه القوى
الثلاث إذا صارت ملكة نفسانية، فإذا زالت إحداها - كما إذا غلبت الغضبية، أو الشهوية،
أو اضمحلت القوة العاقلة، أو أن لا يحصل حد الملكة النفسانية المسمى بالعمل؛
كالأحوال المنقلبة بسرعة كحمرة الخجل، وصفرة الوجل - لا يلزم المحال، لما عرفت

1. أي: عرضا غريبا.
222

من كون القوى الثلاث واسطة للثبوت، ولم يكن الانفكاك مستحيلا، فتتخلف الوثاقة
وعدمها عن ذات الراوي، ولا ضير فيه.
أما الأمر الثالث: ففي بيان الحاجة إلى علم الرجال
وفيه مقامان:
الأول: في إثبات الحاجة إليه في الجملة في مقابل من ادعى السلب الكلي، كما
ذهب إليه جماعة من الأخباريين؛ ومنهم مولانا محمد أمين الأستر آبادي - وهو رئيس
المنكرين - زعما منه أن الأخبار المودعة في الكتب الأربعة من المحمدين الثلاثة
- أعني الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار وما تولد منها كالوافي والوسائل والبحار - كلها
قطعية الصدور؛ على ما صرح به جماعة من أكابر الأخباريين كسيدنا السيد نعمة الله
الجزائري التستري في مقدمات المجلد الأول من مجلدات كتاب غاية المرام في شرح
كتاب تهذيب الأحكام لشيخ الطائفة، وشيخنا الحر العاملي في أواخر المجلد الأخير من
كتاب وسائل الشيعة (1) والشيخ الأمجد الأوحد الشيخ يوسف البحراني في مقدمات كتاب
الطهارة [من] الحدائق (2) واستدلوا بالوجوه المفصلة المرقومة فيها؛ من جانب الفاضل
المشكك المستدل.
منها: أن العلم بأحوال الرجال غير محتاج إليه، لأن أحاديثنا كلها قطعية الصدور
عن المعصوم (عليه السلام) فلا يحتاج إلى ملاحظة سندها، لأن أحاديثنا محفوفة بالقرائن الحالية
المفيدة للقطع بصدورها عن المعصوم (عليه السلام).
فمن جملة القرائن أنه كثيرا ما نقطع - بالقرائن الحالية أو المقالية - بأن الراوي كان
ثقة في الرواية، لم يرض بالافتراء ولا برواية ما لم يكن واضحا عنده - وإن كان فاسد
المذهب، أو فاسقا بجوارحه - وهذا النوع من القرنية وافر في أحاديث كتب أصحابنا. (3)

1. وسائل الشيعة 30: 251 - 265، الفائدة التاسعة.
2. الحدائق الناضرة 1: 14 - 24.
3. انظر: الفوائد المدنية:؟؟؟؟ 40 - 53 - 56، الدرة النجفية: 168.
223

[و] منها: تمسكه بأحاديث الجماعة التي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح
عنهم. (1)
ومنها: أن تكون الرواية عن الجماعة الذين ورد في شأنهم عن بعض الأئمة (عليهم السلام)
أنهم ثقات مأمونون، خذوا عنهم معالم دينكم، وأن هؤلاء أمناء الله في أرضه.
ومنها: نقل الثقة العالم الورع في كتابه الذي ألفه لهداية الناس.
ومنها: وجودها في أحد كتابي الشيخ، (2) والكافي ومن لا يحضره الفقيه لاجتماع
شهاداتهم على صحة أحاديث كتبهم، وأنها مأخوذة من الأصول المجمع على صحتها.
وذكروا في بيان شهاداتهم ما ذكره الصدوق في أول الفقيه وثقة الإسلام في أول
الكافي ونقلوا عن الشيخ أنه ذكر في العدة أن ما عملت به من الأخبار فهو صحيح.
وكذا غير هذا الفاضل من علمائنا الأخباريين حكموا بقطعية أحاديثنا - كما ذكره
هذا الفاضل، وهو منهم -.
فأقول: هذه شكوك واهية، ومجرد دعوى بلا بينة، لأن حصول القطع من القرائن
بأن الراوي ثقة؛ ممنوع، وهي دعوى محضة [و] مصادرة، وعلى المدعي بيان محل
تلك القرائن حتى إذا وجدها المنكر سكت، وأين موضعها حتى ينظر فيه الخصم
المنازع؟
فسلسلة الأسانيد خالية من مثل هذه القرينة، وما في بعض الروايات: فلان عند
فلان ثقة؛ في غاية الندرة، مضافا إلى أنه بالنسبة إلى بعض السلسلة.
ومع ذلك؛ فإن عدم قطعيته قطعي بلا ريبة، فتكون القرينة من خارج الرواية،
فيحتاج إلى البحث والفحص من علم الرجال، فكيف قال: لا حاجة إلى العلم بأحوال
الرواة؟!
فلو قيل: إن اعتماد المشايخ يصير قرينة ظنية على نفس الوثاقة.

1. انظر: وسائل الشيعة 30: 256.
2. يعني: التهذيب والاستبصار.
224

نقول: إن اعتمادهم لا يعرف كونه من جهة الوثاقة إلا بعد معرفة مذهبهم، وهي
تحصل من علم الرجال، بل لعل التصريح بالاعتماد لأجل التيمن والتبرك، أو غير
ذلك.
ولقد أجاد المحقق البهبهاني - طيب الله ثراه، وجعل الجنة مثواه - حيث قال في
بعض رسائله: هاهنا شكوك قال بها محمد أمين الأسترآبادي.
كما صرح بأشد من ذلك المحقق الطريحي في جامع المقال (1) [فقال] كناية عن
الفاضل المذكور:
الخامسة: ذهب فرد من المتأخرين إلى العمل بجميع ما ورد في الكتب المشهورة
من أخبارنا، من غير فرق بين صحيحها [وعليلها] وضعيفها، وسقيمها؛ مدعيا حصول
العلم العادي بذلك حيث قال: إنا نعلم عادة أن الإمام ثقة الإسلام محمد بن يعقوب
الكليني، وسيدنا الأجل المرتضى، وشيخنا الصدوق، ورئيس الطائفة - قدس الله
أرواحهم - لم يفتروا في إخبارهم بأن أحاديث كتبنا صحيحة [و] بأنها مأخوذة من
الأصول المجمع عليها، ومن المعلوم أن هذا القدر من القطع كاف في جواز العمل
بتلك الأحاديث، انتهى.
وأنت خبير بأن الإمام ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني ليس كلامه بذلك
الصريح بأن أحاديثه مأخوذة من الأصول المعتمدة المجمع على صحتها، بل الذي
يتبين من حاله خلاف ذلك حيث اعترف بكثرة الأخبار واختلافها والتباسها، ثم ذكر ما
هو المختار الصحيح عنده بواسطة الأمارات والقرائن، ومن هذا شأنه كيف يحكم عليه
بهذا الحكم؟!
سلمنا ظهور ذلك منه في بادئ الرأي، لكن ربما كان عنده بمعونة القرائن، فلا يتم
الاحتجاج به.
وأما السيد المرتضى؛ فإنه صرح بأن أكثر كتبنا المروية عن الأئمة معلومة،

1. جامع المقال: 15.
225

ومقطوع على صحتها، ولم يدع صحة جميعها والأخذ به، ونحن نعترف بذلك، فلا
ينهض حجة لهذا القائل.
وأما الشيخ؛ فلم يصرح بصحة الأحاديث، وإنما ادعى الإجماع على جواز العمل
بها - بناءا على ما ادعاه واختاره - وناهيك ما في الإجماع الذي يدعيه من القصور - كما
هو غير خفي على من تتبع ذلك - حتى إنه ليدعي الإجماع في مسألة، ويدعي إجماعا
آخر - على خلافه - فيها، وهو كثير، ومن هذا طريقه في دعوى الإجماع؛ كيف يتم
الاعتماد عليه، والوثوق بنقله؟! على أنه صرح في كتابه الكبير (1) بكثرة الأخبار واختلافها
والتباسها، حيث قال: إنه لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا
وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا.
ثم قال: حتى دخل على جماعة - ممن ليس لهم قوة في العلم، ولا بصيرة بوجوه
النظر، ومعاني الألفاظ - شبهة، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحق.
ثم ذكر عن شيخه (2) أبي الحسن (3) الهاروني العلوي أنه كان يعتقد الحق، ويدين
بالإمامة، فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث، وترك المذهب.
وهذا الكلام يقرب مما ذكرناه عن ابن يعقوب في الاعتراف بكثرة الاختلاف في
الأخبار والتباسها، وأن الظاهر مما ذكراه من صحة الأخبار راجع إلى الاختيار
والترجيح بالأمارات والقرائن، والشاهد على ذلك ما نراه كثيرا من كلام الشيخ في رد
الخبر بالضعف، وفساد المذهب، ومخالفة الإجماع - مع ما قرره في كتبه من القرائن
المفيدة لصحته - ومن هذا شأنه كيف يحكم عليه بهذا الحكم؟!
نعم، كلام الصدوق في الفقيه صريح في ذلك، إلا أنه - أيضا - فيما اعتقد صحته
- بزعمه - واقتصر عليه في الاختيار من الأحاديث المدونة، فلا ينهض حجة على غيره،

1. تهذيب الأحكام 1: 1.
2. هذا سهو من المصنف رحمه الله، والصواب ما في تهذيب الأحكام (1: 1) قال: سمعت شيخنا أبا عبد الله
[المفيد] أيده الله تعالى يذكر أن أبا الحسين الهاروني العلوي....
3. كذا، وفي التهذيب: الحسين.
226

والشاهد على ذلك قوله: " لم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل
قصدت إلى جمع (1) ما أفتي به وأحكم بصحته " (2) حيث لم يقل: جميع (3) ما أفتي به وأحكم
بصحته.
ثم لا يخفى ما فيه من الدلالة - أيضا - على عدم صحة جميع ما في الكتب المؤلفة
التي منها كتاب الكافي لابن يعقوب، إذ لو كانت [كما] يدعيه هذا القائل لوجب عليه
العمل بها، والاعتماد عليها، ولم يجز له العدول منها إلى ما يخالفها، ولا فوات شيء
منها، لأنه بفوات ذلك الشيء يفوت الثابت في الذمة [وهو] غير جائز.
هذا، والذي يخطر بالبال هو أن أمر الأئمة (عليهم السلام) بتمييز الروايات بعضها عن بعض؛
بما قرروه من وجوه الترجيح - وهو: العرض على كتاب الله، والترك لما وافق القوم،
والأمر بالأخذ بقول العدل والثقة، والمجمع عليه، ونحو ذلك من وجوه التمييز - دليل
على [أن] الأخبار الواصلة إلينا غير سليمة من المفسدة، فيحتاج في تمييز بعضها عن
بعض إلى القرائن المفيدة للصحة، وهي تختلف باختلاف آراء المحدثين، فمدعي
القطع بصحتها يجوز عليه الخطأ في تلك الدعوى، والطريق الذي حصل له القطع به
ربما كان ضعيفا لو اطلعنا عليه.
ومما يشهد لذلك أنا نجد من يذهب إلى القطع بصحة بعض الأخبار التي
لا يحصل للناظر فيها ظن، فضلا عن غيره، ولذا نجد أن بعض أصحابنا السالفين
مختلفين باختلاف الأخبار - فيما مضى، وغيره من الأعصار - وما ذلك إلا لأن كل من
عمل بخبر فهو عنده صحيح دون غيره، وهكذا غيره بالنسبة إليه، وهو دليل فساد أحد
الخبرين، وكل مكلف بما علم صحته، إذ لو صحا عنده لعمل بمضمونها - ولو
بالتوزيع - أو توقف، وإذا كانت قرائن أحدهما المفيدة لصحة أخباره لم تفد صاحبه
صحة في أخبارهم - مع اطلاعهم على ما لم نطلع عليه - فنحن أولى.

1. كذا، وفي الفقيه: بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به....
2. كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 2 - 3.
3. انظر: الهامش رقم (1).
227

وحينئذ فالقول بصحة جميع الأخبار غير وجيه عند من أنصف، وفيما ذكرناه كفاية.
ومنه - أيضا - يتبين ضعف الاعتماد في تصحيح الحديث وتضعيفه على توثيق
الكشي والنجاشي والشيخ ونحوهم، لأن صحة الحديث وضعفه - إذ ذاك - مبنيان على
تصديقهم بصحة الطرق المقتضية لذلك، ونحن نجوز الخطأ عليهم في ذلك - كما
جوزه بعضهم على بعض - لعدم علمنا بالقطع، إلا الظن بالطرق التي استفادوا منها
الصحة والفساد.
وإذا كان ذلك كذلك؛ رجع الأمر في صحة الأخبار وضعفها إلى القرائن والأمارات
المفيدة لذلك، وكذا عدالة الرواة وعدمها، فتكون لكثرة النظر والتطلع على الأخبار،
والخوض في كتب الجرح والتعديل؛ زيادة مزية لبلوغ [أحاديث] الإمامية، والله يهدي
من يشاء إلى صراط مستقيم.
إذا أحطت خبرا بما حكينا؛ عرفت أن ما اختاره الأسترآبادي وأصر عليه من
الوجوه؛ شكوك واهية، وما نسبه إلى المشايخ العظام فرية بينة، ولو لم يكن ما ذكرناه
في جوابه كافيا؛ فسنذكره بما لا مزيد عليه مشروحا في المقام الثاني، وحاصل أجوبة ما
ذكره الأسترآبادي وبعض الأدلة التي يعدها الحر العاملي من الوجوه التي سنذكرها عنه
قريبا.
والجواب مفصلا: أن القرائن التي يدعى منها صدوره (1) - بشهادة المشايخ الذين
صنفوا الأصول والكتب الأربعة - على وثاقة الرواة في سلسلة الأحاديث؛ لم تبلغ إلى
حد البداهة العقلية، والضرورة العلمية، بحيث يلزم من تصور اسم راو من أسامي
الرواة - يلزم من تصور الموضوع - العلم بوثاقته وعدالته، من غير أن يرجع إلى خارج
نفس الخبر، وكيفية أحوال المخبر مدحا وقدحا، أو [ما] في معناهما.
ولا شك أن تلك الملازمة وهاتيك الوثاقة غير ملازمة لذات الرواة - أي الأسماء -
وإن صرح مصرح بكونه موثقا.

1. أي: الخبر.
228

مضافا إلى ما أشرنا إليه سابقا [من] أنا لم نجد راويا جليل القدر خاليا عن طعن، إلا
من كانت عدالته من الضروريات؛ كسلمان ومن يحذو حذوه، ولا يوجد في جميع
سلسلة سند حديث [أن] يكون الراوي في جميع السلسة مثله رضي الله عنه.
ومع ذلك - بعد ملاحظة تصريحات أركان الدين بوجود الكاذبين في جملة
أصحابهم؛ بقولهم (عليهم السلام): " ما من رجل منا [إلا] كان له رجل يكذب عليه " وكذا قوله (عليه السلام) في
قريب معناه: في أخبارنا كاذب، فيسقط صدقنا عند الناس بكذبه، (1) وقول أبي عبد الله (عليه السلام)
في رواية هشام بن الحكم: " فلان - يعني المغيرة بن سعيد - دس على أبي " (2) وقول أبي
الحسن الرضا (عليه السلام) في محمد بن مقلاس (أو مقلاص؛ على الخلاف، وهو أبو زينب،
ويكنى بأبي الخطاب أيضا): يدس على أبينا، وأمثال ذلك من الأخبار كثير - فحينئذ
نقول:
هذه [الأخبار] - على مقالة الفاضل - تكون قطعية، فيلزم من اعتبارها عدم اعتبار
سائر الأخبار، لاشتباه الموضوع فيها، فإن كان صدورها [قطعيا] فهو مخالف لما كان
مبنى قوله، فتدبر.
على أن جل الأصحاب - لو لم نقل كلهم - أعرضوا عن الطريقة المزبورة التي
تمسك بها الأخباري.
فبعد ملاحظة إعراض الأصحاب يصير ما ذكره من الاقتضاء بدويا، كما ذكر أستاذ
الكل في شرح الدروس: أنه كلما دلت الأدلة الدالة على وجوب عين صلاة الجمعة
يحصل لنا كون التخيير راجحا، لأن عدالتهم تمنع من الإفتاء بغير مدرك وارد على عين
صلاة الجمعة.
فاللازم على العامل أن يعمل بسند الحديث، بأن يلاحظ سلوك المتقدمين،

1. عن الصادق (عليه السلام) قال: إنا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند
الناس - انظر: رجال الكشي: 305 - الرقم (549).
2. عن الصادق (عليه السلام): إن المغيرة بن سعيد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله
ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا - انظر: الحدائق الناضرة 1: 88 المقدمة السادسة.
229

والمشايخ المصاحبين المخالطين المعاشرين لمن وقع في سند الرواية، وأن يلاحظ
تصانيف العلماء المتقدمين والمتأخرين، وأن يلاحظ تصريحاتهم لمعرفة الراوي
مدحا وقدحا، ولو من جهة قرب عهدهم، واقتران روايتهم بالقرائن ولو حالية.
ولا شك ولا شبهة ولا ريب أن تلك المرجحات الحاصلة من هاتيك الملاحظات
قد فقدت في هذه الأزمنة المتأخرة، لفقدان القرائن الحالية، فدعوى حصول القطع بها
في جميع سلسلة السند أمر عجيب.
وأعجب منه دعوى وفور هذا النوع في أحاديث الأئمة (عليهم السلام) وقد عرفت أن غاية ما
حصل [من] القطع بوثاقة الراوي؛ أن لا يفعل ما ينافي عدالته، أعني التعمد للكذب
والافتراء.
وأما القول بأن كل ما صدر منه يكون مشروعا في الواقع ونفس الأمر؛ فلا، ومن
الجائز أن يروي ما يكون - باعتقاده - صحيحا صادرا عنهم (عليهم السلام) وفي الواقع اشتبه الأمر
عليه، فما قصده لم يقع، وما وقع لم يقصد [ه] ولا نسلم أن كل ما رواه يكون مطابقا
للواقع.
ونحن - معاشر الأصوليين - بعد المشقة الزائدة على الوسع والطاقة أثبتنا - عقلا
ونقلا - انسداد باب العلم - كما سيجيئ تقريره من قريب إن شاء الله تعالى - وأما انسداد
باب السهو والخبط والغلط، وباب اعوجاج السليقة، وباب عدم استقامة القوة حقها؛
فلا، وكونه ثقة لا يلزم [منه] العصمة.
إذا عرفت بيان بعض الشكوك وجوابه إجمالا؛ فلنرجع إلى ما كنا فيه
فاعلم أن الاحتياج إلى علم الرجال في المقام الأول ثابت بالعقل والنقل.
أما العقل؛ فبوجوه:
الأول: فنقول: قد أثبتنا في الأصول لزوم العمل - في غالب الأحكام الفقهية من
أول الطهارة إلى آخر الديات - بخبر الواحد العاري عن قرينة دالة على صدق صدوره
ومضمونه.
230

بيان ذلك: أن الأصول من الاستصحاب والبراءة الأصلية والأصول العدمية لا تفيد
العلم، لأنها ساكتة عن الواقع، فانحصر أن تستفاد مرادات الشارع في الأربعة. (1)
أما الكتاب: - [ف‍] مع كونه ظني الدلالة، لاشتماله على الخاص والعام، والمطلق
والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والحقيقة والمجاز، وأمثال ذلك - فغير ناطق في هذا
الباب، إلا خمسمائة آية على سبيل الإجمال - ولو في الإجماعيات والضروريات -.
وأما الإجماع: فليست كل المسائل إجماعية، وإن تحقق - وهو المنقول - بالخبر.
وأما العقل:
فأولا: إدراكه محل كلام.
وثانيا: حجيته فيما يستقل به من المدح أو الذم، فليس كافيا.
وأما الأخبار: فالمتواتر اللفظي، أو المعنوي، أو هما معا، والخبر المحفوف بقرينة
صدق الصدور، أو المضمون، أو هما معا؛ فوجود تلك الأقسام الستة في الشريعة
كالكبريت الأحمر.
فانحصر الأمر في خبر الواحد العاري عن القرينتين، أعني الصدورية والمضمونية،
والأخبار المودعة في الكتب الأربعة جلها - لو لم نقل كلها - من هذا القبيل.
ولا شك أن الخبر الذي لا محيص عن العمل به - من حيث هو خبر - مما يحتمل
الصدق والكذب - كما هو المقرر - فترجيح أحد الاحتمالين على الآخر والحكم به
موقوف على مرجح، لقبح الترجيح بلا مرجح عقلا، وهو في المقام إما علمي أو ظني،
وكل منهما إما داخلي أو خارجي.
فالأول من الأول كالخبر المتواتر، والثاني منه كالخبر المحفوف بالقرينة القطعية،
والأول من الثاني كوثاقة الراوي، والثاني منه كاحتفافه بالقرينة الظنية؛ كاعتضاد بعض
الخبر ببعض آخر، وكاعتضاده بالشهرة أو السيرة [و] كموافقته للكتاب، ومخالفة
العامة [وغيرها] من الأمور التي سنذكر بعضها في المقامات الآتية.

1. أي: الأدلة الأربعة.
231

فمع وجود هذه المرجحات يحكم العقل بترجيح صدق خبر الواحد الذي وجد
فيه إحدى المرجحات، بل وتقديمه على خبر الواحد الفاقد لها.
فإن قلت: بعد فرض وجود المرجح العلمي بكلا قسميه؛ لا يجوز الاعتماد
والرجوع إلى الثاني بكلا فرديه، للزوم ترجيح المرجوح على الراجح، وكذا لو عمل
بالأول من الثاني لا حاجة إلى الثاني من الثاني، بل ما يلزم - فيما لو اكتفى بالأول من
الأول - يلزم على العمل بالثاني من الثاني لو اكتفى بالأول من الثاني.
قلت: نعم، لكن المرجح العلمي في سلسلة الأخبار - بكلا قسميه - قليل غاية
القلة، وكذا الظني، والقرائن علمية كانت - كما في الثاني من الأول - أو ظنية - كما في
الثاني من الثاني - أيضا قليلة، فعدم الكفاية الجأنا إلى إعمال جميع المرجحات بإعمال
القواعد الرجالية، بل انحصرت القرينة في زماننا هذا بالظنون الحاصلة من المرجحات
الداخلية والخارجية، [و] بعد الرجوع إلى علم الرجال يحصل الاطلاع عليها.
فإن قلت: إذا عرفنا شخص الراوي وعينا ذات المخبر بالاسم - كما مرت الإشارة
إليه في مقام التعريف - ذاتا أو صفاتا؛ فلا يحتاج إلى علم الرجال.
قلت: معرفة الراوي إما بالمعاشرة التامة، والمخالطة والمصاحبة الموثوقة، وذلك
لا يحصل إلا بالملاقاة المخصوصة، وإما بالإخبار [وهو] إما بالتسامع والتظافر، أو
غيره.
أما الأول؛ فلا شك أن ذلك منتف بالنسبة إلينا، لعدم معاشرتنا - ولو ناقصة - لواحد
من المشايخ الذين قد جمعوا أسانيد الرواة وأصحابهم [ف‍] كيف بمعاشرتنا [لهم]
بالمصاحبة، فلا بد أن يكون الاطلاع على أحوالهم وأوصافهم؛ من الوثاقة وعدمها،
وأسباب الصدق والكذب - مدحا وقدحا - إما بالإخبار على نحو التواتر والتظافر
[وهو] قليل غاية القلة مثل عدالة سلمان - رضي الله عنه - وأمثاله كأبي ذر والمقداد من
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأحاديث المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) [فإنها] قليلة في الأبواب،
[ف‍] كيف بإخبار هؤلاء المحصورين في واقعة من الوقائع، كقوله (صلى الله عليه وآله): " على اليد ما
أخذت [حتى تؤدي] " وأمثاله، بحيث صار من القواعد المسلمة [التي] لا يحتاج في
232

بيانها إلى رمز قوله (صلى الله عليه وآله).
فانحصر الأمر في الأول - أي الإخبار - وهو إما شفاهي ملفوظي، أو مكتوبي.
فالأول؛ للعلة المتقدمة - وهي وجود المخبر، [وهو] غير موجود - منتف،
فانحصر في الثاني، ومحله في علم الرجال.
والوجه الثاني: [أن] أكثر أخبارنا متعارضة، والعمل بأحدها وتعيينه دون الآخر
بلا مرجح قبيح عقلا، والتسوية بينهما - مع العلم بالراجح في الواقع - أيضا قبيحة،
فلا بد من تحصيل العلم بالمرجح، ويحصل ذلك من الرجال، فلا بد من تحصيل علم
الرجال، وهو المطلوب.
والقول بأن العمل بالظن أيضا قبيح؛ لعدم كونه مأمونا من الخطأ كنفس أحد
الخبرين لاشتراكهما في عدم استلزام إصابة الواقع، وبعد عدم إمكان الجمع وطرحهما
فالحكم التخيير.
فيه أولا: [أنا] نمنع قبح العمل بالظن مطلقا - كما أثبتنا في الأصول مفصلا -.
وثانيا: التخيير بين الخبرين المتعارضين تترتب عليه مفاسد كثيرة سيما في
المعاملات - كما حققناه في الأصول أيضا -.
هذا على تقدير تسليم عدم وجود المرجح، مع أن المفروض وجود العلمي.
الوجه الثالث: أن حجية خبر الواحد إما من باب التعبد والآية، أو من باب حصول
الوصف والمظنة، وعلى التقديرين مرجعهما إلى علم الرجال.
أما الأول؛ فواضح، لاشتراط التبين - في خبر الفاسق - عن صدقه وكذبه في
موضوع المنطوق، واشتراط العدالة لتحقق الموضوع في المفهوم، ومحل امتياز
الموضوعين فيهما علم الرجال، وإن ذكر في الأصول باعتبار المنطوق والمفهوم،
بحسب دلالة المطابقة منطوقا، والالتزام مفهوما.
وأما الثاني؛ فلا شك أن حصول الوصف من الخبر بعد الاطلاع على وثاقة المخبر
وعدالته، وكذلك غيرها من أسباب المدح الموجب لحصول الظن بصدقه، إذا الخبر
233

- على ما عرفوه - بذاته محتمل للصدق والكذب، فحصول الظن وإيراثه - من بعد
ملاحظة القرائن الداخلية والخارجية؛ من كون الراوي ثقة، أو كاذبا، أو غير ذلك - من
الأمور المذكورة في أحوال المخبر، الخارجة عن نفس الخبر.
فالعقل السليم حاكم بوجوب المراجعة إلى علم يتكفل بأحوال الرواة، وهو ليس
إلا علم الرجال.
والرابع: قد ثبت بالتسامع والتظافر أن من الرواة من هو كذاب ووضاع - كما
سيجيئ بيانه مستوفى - فقبل معرفة حال السند - هل أنه ثقة حتى تطمئن النفس بخبره،
أم غير ثقة حتى لا يعتمد عليه - يتزلزل في صدوره عن المعصوم (عليه السلام) قبل الفحص
والبحث عن حال المخبر، ومع حصول التزلزل فنسبة الخبر إلى المعصوم (عليه السلام) قبيحة،
والعمل به كذلك، لعدم الاطمئنان الموجب لتحقق المعرفة، فلا بد من العلم أو الظن
بمعرفة وثاقة المخبر وعدمها، وهو لا يعلم إلا بعلم الرجال.
والخامس: أن الخروج من التكليف لا يتحقق إلا أن يأخذه بالمدارك، بعد
الفحص عن سند الحديث ومتنه ودلالته، ومحل الفحص عن الأولين لا يكون إلا في
علم الرجال، وبيانه واضح.
والسادس: أن بناء العلماء الأعلام، والأكابر والأعيان [على] اهتمامهم بشأن
الرجال وأحوالهم، حتى جعلوه فنا برأسه، وصنفوا فيه مصنفات عديدة، ومؤلفات
كثيرة، فلو لم يكن علم الرجال محتاجا إليه للزم كون مشاقهم لغوا، وسعيهم عبثا، لكن
اللازم باطل فالملزوم مثله.
فإن قلت: لو كان التمييز بين الصحيح والضعيف من الأخبار لازما؛ للزم التجسس
والتفتيش عن سيرة المسلمين، مع ورود النهي عنهما، بل اللازم من القاعدة
المستحسنة ستر ما يوجب التفضيح والفضاحة - في الأغلب - بلا شبهة.
قلت:
أولا: القاعدة المذكورة وإن اقتضت ستر العيوب، إلا أن الإجماع القطعي صار
234

مخصصا للقاعدة، ألا ترى أن العلماء الأخيار - مع كمال ورعهم وتقواهم في أمثال
المقامات - تعرضوا لأحوال الرجال مدحا وقدحا، وصنفوا في معرفة أحوال أسانيد
الأخبار مصنفات ومؤلفات مشحونة بتمييز حال الرواة، وإن أفضى إلى مقام الفضاحة،
والمخصص في العمومات ليس بعادم النظير.
وثانيا: [أن] بناء العقلاء والقوة العاقلة - بعد ملاحظة لابدية العمل بأخبار الآحاد -
على لزوم الفحص والتفتيش في أحوال الرواة، والتمييز بين الصادقة والكاذبة من
الأخبار.
وثالثا: بعد تجويز الفحص عن حال الشاهد من المسلمين في مقام المرافعات في
الأمور الدنيوية الغير خطيرة؛ يلزم تجويزه في أحكام الشريعة فيما يتعلق بأمر الدين،
فضلا عن المقام الذي يكون عليه قوام شريعة سيد المرسلين وحفظها، وهو ظاهر لا
لبس فيه.
ورابعا: لو كان التجسس المزبور محرما؛ لزم أن يكون جل المشايخ - عياذا بالله -
فاسقين، فاللازم باطل والمقدم مثله.
[ف‍] كيف يدعي الخصم حصول القطع بصدور الأخبار المودعة في كتب هؤلاء
المشايخ، مع أن عمدتهم شيخ الطائفة وكلماته في كتاب رجاله وفهرسته مشحونة بذكر
أحوال رجال أسانيد الأخبار المودعة في التهذيب والاستبصار مدحا وقدحا.
وعنه في كتاب العدة: من شرط العمل بخبر الواحد؛ العدالة - بلا خلاف - نقله
المحقق البهبهاني في أول حاشيته على رجال الميرزا محمد.
والسابع: أن الاتكاء والاتكال على ما يحتمل الخطأ خطأ وقبيح في نظر العقل -
مع إمكان تحصيل ما لا يحتمل الخطأ، أو ما هو أقل خطأ - فلا بد من تحصيل ما يرفع
الخطأ أو يقلله - سندا - ليزول التزلزل، ويحصل السكون.
أما النقل: فأخبار كثيرة:
الأول: الرواية المروية في الكتب الثلاثة عن أبي عبد الله (عليه السلام) - وهي ما ورد في
235

علاج التعارض بين الأخبار - قال: " الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما
في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر ". (1)
وجه الدلالة واضح، إذ الأخذ بقول الأعدل موقوف على معرفة عدالتهما، أو
أعدلية أحدهما، ولا يحصل ذلك إلا بعلم الرجال، ووروده في الحكم غير قادح؛ لكفاية
الإيجاب الجزئي، فيتم في غيره بالإجماع المركب.
[و] الثاني: ما رواه زرارة عن الباقر (عليه السلام) حيث [قال]: سألت [الباقر (عليه السلام)] فقلت:
جعلت فداك، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان، فبأيهما آخذ؟ فقال (عليه السلام): " يا
زرارة، خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذ النادر " فقلت: يا سيدي، إنهما معا
مشهوران مرويان مأثوران عنكم، فقال (عليه السلام): " خذ بقول أعدلهما عندك، وأوثقهما في
نفسك " (2) الحديث.
ووجه دلالة هذه أيضا ظاهر - كما عرفت - وتوهم الاختصاص هنا مدفوع بمثل ما
مر.
والثالث: ما روي عن الصادق (عليه السلام): " لكل رجل منا رجل يكذب عليه " (3) ومثله عن
النبي (صلى الله عليه وآله).
ووجه الدلالة [أن] مقتضى ذلك الحديث عدم الاعتماد على كل حديث روي
عنهم (عليهم السلام) بل اللازم على العامل أن يميز بين الموثوق به وغيره.
والرابع: أيضا عنه (عليه السلام): " نحن أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا،
فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ". (4)
وجه الدلالة واضح كسابقه.
والخامس: ما رواه هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث قال: سمعت أبا

1. وسائل الشيعة 27: 106، ح 33334.
2. مستدرك الوسائل 17: 303، ح 21413.
3. انظر: المعتبر في شرح المختصر 1: 29.
4. رجال الكشي: 305، الرقم 549.
236

عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهدا
من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي
أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) ووجدت
أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم، وعرضتها من بعد
على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث
أبي عبد الله (عليه السلام) وقال لي: " إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله (عليه السلام) لعن الله أبا الخطاب،
وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون في هذه الأحاديث إلى يومنا في كتب أصحاب
أبي عبد الله (عليه السلام) فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن " (1) الحديث.
وجه الدلالة: [أن الحديث] ظاهر في دس الكاذبين من المعلومين والمجهولين
في أخبار الأئمة الطاهرين، وخلط السقيم بالصحيح، فلا بد من معرفة علم شأنه التكفل
لقوانين التمييز بين الحق والباطل، وامتياز الصادق عن الكاذب، ولا يحصل ذلك - غالبا -
إلا بالرجوع إلى ما هو مذكور في علم الرجال من بيان أحوال الرواة.
فإن قلت: إذا كان التكليف الأخذ بما وافق الكتاب؛ فيكفي في العمل مجرد
الموافقة، فلا حاجة إلى ملاحظة السند حتى يلزم المراجعة إلى علم الرجال في
تحصيل وثاقة الراوي.
قلت: لو بنينا الأمر على تحصيل مجرد موافقة مضمون القرآن؛ ففي ما لم يتعرض
لحكمه في القرآن - موافقا أم مخالفا، بأن لا يكون في القرآن مضمونه أصلا - فالتكليف
ماذا؟
بل المقصود من علاج أخبار الكذب، (2) وإلا فالقرآن غير كاف في أحكام جملة
الشريعة، بل المرجع في جلها إلى الأخبار والآثار الصادرة عن أمناء الله تعالى.

1. مجمع الرجال 6: 118، ترجمة المغيرة بن سعيد.
2. كذا في المخطوطة، وفي العبارة سقط.
237

والفائدة في بعث الرسل والنبيين المبشرين والمنذرين أنهم يأمرونهم بالطاعة،
وينهونهم عن المعصية، ويعرفونهم ما جهلوه من خالقهم ودينهم، وليحل لهم
الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويدلهم على مصالحهم - دينا ودنيا - فلا يكفيهم
ظاهر القرآن في بيان تكاليفهم جملة.
وكذا المناقشة في سند الأدلة النقلية؛ بأنها أخبار آحاد لا يجوز الاعتماد عليها في
إثبات المسائل الأصولية، أو قصور دلالتها.
وفيها: أن الدلالة واضحة لا ينبغي التشكيك [فيها].
وأما السند؛ فبناءا على الإلزام والمشي على مذاق الخصم - إذ مذهب الأخباري
قطعية صدور الأخبار جميعا - يلزم عليه - بمقتضى هذه الأخبار - أن لا يعمل بواحد
منها إلا أن يعرف عدالة كل واحد منهما، ثم يعلم أعدلية أحدهما حتى يأخذ بما هو
الأعدل منهما، كما هو ظاهر علاج التعارض المقرر بين الأخبار الصادرة عن صادق
آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أنها معاضدة بمضمون مقبولة عمر بن حنظلة - على ما سيجيئ
الاستدلال بالمقبولة - وتسميته بالمقبولة كاف، خصوصا على مذاق الخصم.
حجة النافين وجوه:
(منها): ما ذكره مولانا محمد أمين الأسترآبادي، وهو ستة وجوه:
منها: ما ذكره شيخنا الحر العاملي، وهو اثنان وعشرون وجها. (1)
ومنها: ما ذكره صاحب الحدائق، وهو - أيضا - وجوه.
أما الوجوه التي تمسك بها الأسترآبادي؛ فتقريرها: أن أحاديثنا كلها قطعية
الصدور، ومعلومة الصحة، فلا حاجة إلى ملاحظة السند حتى تلزم المراجعة إلى علم
يتكفل بأحوال السند من حيث وثاقة راويه، وهو علم الرجال.
أما الكبرى؛ فظاهرة.
وأما الصغرى؛ فلاقترانها بالقرائن المفيدة للوثوق بالصدور، وهي كثيرة:

1. وهي مذكورة في الفائدة التاسعة من فوائد خاتمة وسائل الشيعة.
238

منها: أنه يحصل كثيرا العلم والقطع - بالقرائن الحالية أو المقالية - بأن الراوي كان
ثقة في الرواية، لم يرض بالافتراء، أو برواية ما لم يكن واضحا وبينا عنده - وإن كان
مذهبه فاسدا، أو فاسقا بجوارحه -.
وفيه أولا: أن دعوى حصول القطع - بالاحتفاف والاقتران - في حيز المنع، بل
مجرد دعوى محضة.
وثانيا: وفور هذا النوع وكثرة القرائن محل المنع.
وثالثا: محض عدم رضا الافتراء لا يلزم [منه] أن يكون جملة ما صدر عن الثقة
مطابقا [للواقع] على نحو الكلية، فرب خبر صادر عنه يكون غير مطابق للواقع.
ورابعا: التمييز بكونه ثقة إما [أن] ينشأ من ملاحظة الكتب الرجالية، أو من الخارج
والتتبع في رواياته وملاحظة غاية احتياطه.
فإن كان الأول؛ فهو عين المدعى.
وإن كان الثاني؛ فيمنع بأنه مجرد فرض لم يفد العلم بالوثاقة في وقت التحمل
للرواية، فبقاؤه إلى زمن الأداء من أين؟ وأنت - أيها المستدل - عليك الإثبات.
ولو سلمنا جميع ذلك؛ فحصول العلم بالمراتب بالنسبة إلى جميع الروايات
الصادرة من جميع سلسلة الرواة؛ من دون مسيس الحاجة إلى علم الرجال؛ غير مسلم.
وخامسا: الوثاقة لا تلازم العصمة، فلا يبعد صدور السهو والنسيان اللذين [هما]
الطبيعة الثانية للإنسان غير المعصوم.
وسادسا: حصول العلم لشخص لا يستلزم حصوله لغيره - لا عقلا ولا عادة -
لإمكان تصور الانفكاك، بل ليس الانفكاك مستحيلا كما في الإجماع المنقول بالنسبة
إلى الناقل والمنقول له، خصوصا بعد جواز النقل بالمعنى، وخصوصا من حيث إمكان
الخطأ في المراد، وخصوصا مع احتمال أن يكون العلم - واقعا - جهلا مركبا، وهذه
الاحتمالات غير بعيدة جدا.
[و] منها: [أن] تعاضد بعض الأخبار ببعض لا يوجب قطعيتها.
239

وفيه أولا: مجرد التعاضد لا يوجب القطع بصدور كل واحد من المتعاضدين.
وثانيا: قطعية الصدور إما قبل التعاضد، أو القطعية منوطة بوصف التعاضد، [ف‍] إن
كان الأول؛ فحصول قطعيتها إن كان بسبب القرائن فإن الثاني يرجع إلى الأول، وإن لم
تكن القطعية حاصلة من القرائن فعليك بيان الموجب، [و] إذ ليس فليس.
وإن كان الثاني؛ فالدليل - مع كونه ممنوعا - أخص من المدعى، لأن الأخباريين
ذهبوا إلى قطعية جميع الأخبار المودعة في الكتب الأربعة، لا دعوى قطعية خصوص
الأخبار المتعاضدة فقط، فتأمل جيدا.
[و] منها: نقل الثقة العالم الورع في كتابه الذي ألفه لهداية الناس، لا يروي فيه أي
رواية مجهولة، بل لا يصير مرجعا للشيعة إلا أن يتمسك فيه بروايات صحيحة.
وفيه أولا: لا بدية أن يكون الناقل عالما بجميع ما صدر منه، وقاطعا بصدور جميع
ما صدر منه أول الدعوى، فعليك بإثباته.
وثانيا: [كون] مجرد نقل الثقة العالم الورع قرينة على كونه قاطعا بما نقله؛ موقوف
على العلم بالموضوع - أعني العلم بكون الناقل ثقة - ومن البين والواضح عدم حصول
العلم غالبا إلا بالمراجعة إلى علم الرجال.
وثالثا: لو سلمنا ذلك؛ [ف‍] بقاؤه على صفة الوثاقة في وقت النقل في الجملة
ممنوع فضلا عن الكلية.
ورابعا: على فرض تسليم إمكان تحصيل العلم في الجملة؛ يمكن منع حصول
العلم بالنظر إلى جميع الجزئيات، وهو ظاهر لا لبس فيه.
وخامسا: يرد عليه ما ورد على الأول (1) خامسا وسادسا.
وسادسا: يرد عليه ما ورد عليه (2) سادسا.

1. أي: على الوجه الأول الذي تمسك به الأسترآبادي، وهو: أنه يحصل كثيرا العلم والقطع... إلى آخره - كما
تقدم -.
2. أي: على الوجه الأول من الوجوه التي تمسك بها الأسترآبادي.
240

[و] منها: رواية واحد من الجماعة التي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم.
ومنها: أن تكون الرواية من الجماعة التي ورد في شأنهم عن بعض الأئمة (عليهم السلام) أنهم
ثقات مأمونون، و " خذوا عنهم معالم دينكم " أو " هؤلاء أمناء الله في أرضه " ونحو ذلك
من المضامين.
وفيهما أولا: أن كون واحد من سلسلة الرواة ممن كان [من] أهل الإجماع، أو
واحدا من الأمناء؛ لا يلزم أن يكون كل رواتها كذلك.
وثانيا: صدور الرواية في حالة كونه (1) مجمعا عليه (2) أو حالة الوثاقة؛ من أين؟
[ف‍] لعل صدورها كان قبل ذلك، وقبل صدور الأمر بأخذ معالم الدين منهم، فهو غير
معلوم، ومن المحتمل صدور الرواية عنهم قبل ذلك، فتكون الرواية المخصوصة
الصادرة منه قبل ورود الأمر بالأخذ، فيسري عدم القطع إلى الجميع.
وثالثا: قد عرفت أن الوثاقة غير العصمة، ولا يبعد الخطأ من غير المعصوم،
ولا يدفع السهو والنسيان.
ورابعا: سيجيئ الجواب عن أهل الإجماع مفصلا؛ من أن الدليل لا يستفاد منه
الكلية المدعاة، وهي: قطعية صدور عموم أخبار الكتب الأربعة - عندهم - عن أهل
الإجماع، وعن (3) كون فلان - الواقع في سلسلة السند - هو الذي ورد في شأنه كذا وكذا؛
[بأنه] لم يثبت غالبا إلا بالمراجعة إلى الكتب الرجالية، مع كونه غير لازم؛ لوثاقة جميع
سلسلة [أسانيد] جميع الأخبار.
[و] منها: وجود الأخبار في الكتب الأربعة، وشهادة المحمدين الثلاثة على صحة
أحاديث كتبهم، وأنها مأخوذة من الأصول المجمع على صحتها.
وذلك لأن الصدوق - عليه الرحمة - قال في أول الفقيه (4): إني لا أروي في هذا

1. أي: الراوي.
2. يعني: كونه ممن أجمع على تصحيح ما يصح عنه.
3. عطف على قوله: سيجيئ الجواب عن أهل الإجماع.
4. انظر: كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 3.
241

الكتاب إلا ما أفتي به، وأحكم بصحته، وهو حجة بيني وبين ربي.
وقال ثقة الإسلام الكليني في أول الكافي (1) ما قال، وحاصله: أن الغرض من التأليف
إنما هو هداية الناس، ورفع التحير عن السائل، ولا يكون [ذلك] إلا بالروايات
المقطوعة. (2)
وكذا شيخ الطائفة قال في العدة: إن ما عملت به [من] الأخبار فهو صحيح.
وفيه: مضافا إلى ما سيجيئ [في] الجواب عن هذا الوجه السادس - وهو عمدة
الوجوه التي ذكرها الحر العاملي والشيخ يوسف البحراني - من [أن ما] أفتوا به من
صحة الأخبار غير شهادتهم بصحتها؛ أنها شكوك محضة، وشبهات في مقابلة البداهة،
يلزم من صحتها عدم صحتها، كما في مقبولة عمر بن حنظلة التي رواها المشايخ الثلاثة
في كتبهم الأربعة، وهي تدل - بظاهرها - على أن الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما
وأورعهما وأصدقهما.
فالأخباريون إما يقولون بقطعية هذه المقبولة، أو بظنيتها، فإن قالوا بالأول؛ فهو
عين اعترافهم بلزوم الاحتياج إلى معرفة هذه الأوصاف، سواء كان من كتاب النجاشي
أو الكشي أو غيرهما، فثبت كون علم الرجال مما يحتاج إليه في معرفة أحوال الرواة.
وإن قالوا بالثاني؛ فهو عدول عما بنوا الأمر عليه من قطعية الأخبار، وعدم الحاجة
إلى علم الرجال.
على أن مقابل قول الأصدق منهما قول الصادق، والصدق معناه: ما هو مطابق
للواقع، فإذا كان قول أحد المتعارضين مطابقا للواقع - وبعد فرض اعتبار قوله قطعيا
لا يبقى للعامل تكليف حتى في مقابل قوله - لزم اختيار قول الأصدق، وكذا الكلام في
العادل والأعدل، فتبصر.
فلازم القول بقطعية صدور المقبولة [أنه] لا معنى لترجيح الأصدق بعد وجود

1. الكافي 1: 9.
2. يعني: المقطوع بصحتها وصدورها عن المعصوم (عليه السلام).
242

خبر الصادق المطابق للواقع، بل لم يبق - بعد اختيار العمل بما قاله الصادق - تكليف
أصلا، إلا أن يقولوا بظنية صدور المقبولة، وهو عدول عما بني الأمر عليه من مذهبهم،
وهو قطعية عموم الأخبار.
فإن قلت: لعل الأخباري يقول بقطعية الأخبار في الجملة.
قلت:
أولا: هذا خلاف ظاهر كلام طائفة منهم، حيث ادعوا القطعية بالنظر إلى تمام
الأخبار.
وثانيا: جهالة الأخبار المقطوع بها نافية للقطعية، لعدم تشخيص ما هو قطعي مما
هو ظني، فكيف يدعي أن المقبولة من أي طائفة منهما؟
وأما ما ذكره شيخنا الحر؛ فهو أن أحاديث الكتب التي نقلنا منها هذا الكتاب (1) صحيحة
ثابتة، وإذا كان الأمر كذلك فلا يحتاج إلى ملاحظة السند، ومنه يظهر ضعف الاصطلاح
الجديد على تقسيم الحديث إلى صحيح، وحسن، وموثق، وضعيف، الذي تجدد في زمن
العلامة، وشيخه أحمد بن طاوس عليه الرحمة، والذي يدل على ذلك وجوه:
الأول: أنا قد علمنا - علما قطعيا، بالتواتر، والأخبار المحفوفة بالقرائن - أنه كان
دأب قدمائنا وأئمتنا (عليهم السلام) في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة؛ ضبط الأحاديث، وتدوينها في
مجالس الأئمة، وغيرها.
وكانت همة علمائنا مصروفة - في تلك المدة الطويلة - في تأليف ما يحتاج إليه من
أحكام الدين، لتعمل بها الشيعة، وقد بذلوا أعمارهم في تصحيحها، وضبطها، وعرضها
على أهل العصمة، واستمر ذلك إلى زمان الأئمة الثلاثة - أصحاب الكتب الأربعة -
وبقيت تلك المؤلفات بعدهم - أيضا - مدة، وأنهم نقلوا كتبهم من تلك الكتب
المعلومة، المجمع على ثبوتها، وكثير من تلك الكتب وصلت إلينا، وقد اعترف بهذا
جمع من الأصوليين أيضا.

1. يعني: كتاب وسائل الشيعة.
243

الثاني: أنا قد علمنا بوجود أصول صحيحة، ثابتة، كانت مرجع الطائفة المحقة،
يعملون بها بأمر الأئمة (عليهم السلام) وأن أصحاب الكتب الأربعة وأمثالها كانوا متمكنين من
تمييز الصحيح عن غيره غاية التمكن، وأنها كانت متميزة غير مشتبهة، وأنهم كانوا
يعلمون أنه مع التمكن من تحصيل الأحكام الشرعية بالقطع واليقين لا يجوز العمل
بغيره.
وقد علمنا أنهم لم يقصروا في ذلك، ولو قصروا لم يشهدوا بصحة تلك
الأحاديث، بل المعلوم من حال أرباب السير والتواريخ أنهم لا ينقلون من كتاب غير
معتمد مع تمكنهم من النقل من كتاب معتمد، فما الظن برئيس المحدثين، وثقة
الإسلام، ورئيس الطائفة المحقة؟
ثم لو نقلوا من غير الكتب المعتمدة، كيف يجوز - عادة - أن يشهدوا بصحة تلك
الأحاديث، ويقولوا: إنها حجة بينهم وبين الله، ومع ذلك تكون شهاداتهم باطلة،
ولا ينافي ذلك ثقتهم وجلالتهم؟ هذا عجيب ممن يظنه بهم.
الثالث: أن مقتضى الحكمة الربانية، وشفقة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) بالشيعة؛ أن
لا يضيع من في أصلاب الرجال منهم، وأن تمهد لهم أصول معتمدة يعملون بها زمن
الغيبة.
ومصداق ذلك هو ثبوت الكتب المشار إليها، وجواز العمل بها.
الرابع: الأحاديث الكثيرة الدالة على أنهم أمروا أصحابهم بكتابة ما يسمعونه
منهم، وتأليفه، والعمل به في زمان الحضور والغيبة، وأنه سيأتي زمان لا يأنسون فيه إلا
بكتبهم.
وما قد علم - بما تقدم - من نقل ما في الكتب إلى هذه الكتب المشهورة.
مع أن كثيرا من الكتب التي ألفها ثقات الإمامية في زمان الأئمة (عليهم السلام) موجودة الآن،
موافقة لما ألفوه في زمان الغيبة.
الخامس: الأحاديث الكثيرة الدالة على صحة تلك الكتب، والأمر بالعمل بها، وما
244

تضمن من أنها عرضت على الأئمة (عليهم السلام) وسئلوا عن حالها عموما وخصوصا، وقد تقدم
بعضها.
وقد صرح المحقق - فيما تقدم (1) - أن كتاب يونس بن عبد الرحمن، وكتاب الفضل بن
شاذان؛ كانا عنده، ونقل منهما الأحاديث، وذكر علماء الرجال أنهما عرضا على
الأئمة (عليهم السلام) كما مر، فما الظن بالأئمة الثلاثة - أصحاب الكتب الأربعة -؟
وقد صرح الصدوق - في مواضع - أن كتاب محمد بن الحسن الصفار - المشتمل على
مسائله وجوابات العسكري (عليه السلام) - كان عنده بخط المعصوم (عليه السلام).
وكذلك كتاب عبيد الله بن علي الحلبي المعروض على الصادق (عليه السلام) وغير ذلك.
[ثم إنك] تراهم كثيرا ما يرجحون حديثا مرويا في غير الكتاب المعروض؛ على
الحديث المروي فيه، وهل لذلك وجه غير جزمهم بثبوت أحاديث الكتب المعتمدة،
ووجوب العمل بأحاديث الثقات؟ (2)
السادس: أن أكثر أحاديثنا كان موجودا في كتب الجماعة الذين أجمعوا على
تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم بالفقه، وأمر الأئمة (عليهم السلام) بالرجوع إليهم، والعمل
بحديثهم، ونصوا على توثيقهم - كما مر - والقرائن على ذلك كثيرة، ظاهرة، يعرفها
المحدث الماهر.
السابع: أنه لو لم تكن أحاديث كتبنا مأخوذة من الأصول المجمع على صحتها،
والكتب التي أمر الأئمة (عليهم السلام) بالعمل بها؛ لزم أن يكون أكثر أحاديثنا غير صالح للاعتماد
عليها.
والعادة قاضية ببطلانه، وأن الأئمة (عليهم السلام) وعلماء الفرقة الناجية لم يتسامحوا،
ولم يتساهلوا في الدين إلى هذه الغاية، ولم يرضوا بضلال الشيعة إلى يوم القيامة.

1. يعني: في الفائدة السادسة من فوائد خاتمة وسائل الشيعة انظر: الوسائل 30: 209.
2. والعبارة في خاتمة الوسائل 30: 254 هكذا: وهل لذلك وجه غير جزمهم بثبوت أحاديث الكتابين، وأنهما
من الأصول المعتمدة؟
245

الثامن: أن رئيس الطائفة في كتابي الأخبار، وغيره من علمائنا؛ إلى وقت حدوث
الاصطلاح الجديد، بل بعده، كثيرا ما يطرحون الأحاديث الصحيحة عند المتأخرين،
ويعملون بأحاديث ضعيفة على اصطلاحهم، فلولا ما ذكرناه لما صدر ذلك منهم عادة.
وكثيرا ما يعتمدون على طرق [ضعيفة، مع تمكنهم من طرق] أخرى صحيحة،
كما صرح به صاحب المنتقى وغيره، وذلك ظاهر في صحة [تلك] الأحاديث بوجوه
أخر من [غير] اعتبار الأسانيد، ودال على خلاف الاصطلاح الجديد.
وقد قال السيد محمد في المدارك (1) - في بحث الاعتماد على أذان الثقة -: نعم، لو
فرض إفادته العلم بدخول الوقت - كما قد يتفق كثيرا في أذان الثقة الضابط الذي يعلم
منه الاستظهار في الوقت، إذا لم يكن هناك مانع من العلم - جاز التعويل عليه قطعا،
انتهى.
وصرح بمثله كثير من علمائنا في مواضع كثيرة.
التاسع: ما تقدم من شهادة الشيخ والصدوق والكليني وغيرهم من علمائنا؛ بصحة
هذه الكتب، والأحاديث، وبكونها منقولة من الأصول، والكتب المعتمدة.
ونحن نقطع - قطعا عاديا لا شك فيه - أنهم لم يكذبوا، وانعقاد الإجماع على ذلك
إلى زمان العلامة.
والعجب أن هؤلاء المتقدمين، بل من تأخر عنهم - كالمحقق والعلامة والشهيدين
وغيرهم - إذا نقل واحد منهم قولا عن أبي حنيفة أو غيره من علماء العامة أو الخاصة،
أو نقل كلاما من كتاب معين، ورجعنا إلى وجداننا؛ نرى أنه قد حصل لنا العلم بصدق
دعواه، وصحة نقله، لا الظن، وذلك علم عادي، كما نعلم أن الجبل لم ينقلب ذهبا،
والبحر لم ينقلب دما، فكيف يحصل العلم من نقله عن [غير] المعصوم، [ولا يحصل
من نقله عن المعصوم] غير الظن؟
مع أنه لا يتسامح ولا يتساهل من له أدنى ورع وصلاح في القسم الثاني، وربما

1. مدارك الأحكام 3: 98.
246

يتساهل في الأول.
والطرق إلى العلم واليقين كانت كثيرة، بل بقي منها طرق متعددة - كما عرفت -
وكل ذلك واضح لولا الشبهة والتقليد، فكيف إذا نقل جماعة كثيرة، واتفقت شهادتهم
على النقل والثبوت والصحة.
وقد وجدت هذا المضمون في بعض تحقيقات الشيخ [محمد بن] الشيخ حسن
ابن الشهيد الثاني؛ بخطه.
العاشر: أنا كثيرا ما نقطع في حق كثير من الرواة أنهم لم يرضوا بالافتراء في رواية
الحديث، والذي لم يعلم ذلك منه [يعلم] أنه طريق إلى رواية أصل الثقة الذي نقل
الحديث منه، والفائدة في ذكره مجرد التبرك باتصال سلسلة المخاطبة اللسانية، ودفع
تعيير العامة الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة، بل منقولة من أصول قدمائهم.
الحادي عشر: أن طريقة القدماء موجبة للعلم، مأخوذة عن أهل العصمة، لأنهم قد
أمروا باتباعها، وقرروا العمل بها، فلم ينكروه، وعمل بها الإمامية في مدة تقارب
سبعمائة سنة، [منها] - في زمان ظهور الأئمة (عليهم السلام) - قريب من ثلاثمائة سنة.
والاصطلاح الجديد ليس كذلك قطعا، فتعين العمل بطريقة القدماء.
الثاني عشر: أن طريقة المتقدمين مباينة لطريقة العامة، والاصطلاح الجديد
موافق لاعتقاد العامة واصطلاحهم، بل هو مأخوذ من كتبهم، كما هو ظاهر بالتتبع، وكما
يفهم من كلام الشيخ حسن وغيره، وقد أمرنا الأئمة (عليهم السلام) باجتناب طريقة العامة.
الثالث عشر: أن الاصطلاح الجديد يستلزم تخطئة جميع الطائفة المحقة في زمن
الأئمة (عليهم السلام) وفي زمن الغيبة، كما ذكره المحقق في أصوله حيث قال: أفرط قوم في العمل
بخبر الواحد.
إلى أن قال: واقتصر بعض عن هذا الإفراط، فقالوا: كل سليم السند يعمل به.
وما علم أن الكاذب قد يصدق، (1) ولم يتفطن أن ذلك طعن في علماء الشيعة، وقدح

1. وفي المعتبر: أن الكاذب قد يلصق، والفاسق قد يصدق.
247

في المذهب، إذ لا مصنف إلا وهو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل (1)،
انتهى.
ونحوه كلام الشيخ وغيره في عدة مواضع.
الرابع عشر: أنه يستلزم ضعف أكثر الأحاديث التي قد علم نقلها من الأصول
المجمع عليها؛ لأجل ضعف بعض رواتها، أو جهالتهم، أو عدم توثيقهم، فيكون
تدوينها عبثا، بل محرما، وشهادتهم بصحتها زورا وبهتانا.
ويلزم بطلان الإجماع الذي علم دخول المعصوم فيه - أيضا - كما تقدم، واللوازم
باطلة وكذا الملزوم.
بل يستلزم ضعف الأحاديث كلها عند التحقيق، لأن الصحيح - عندهم - ما رواه
العدل الإمامي الضابط؛ في جميع الطبقات.
ولم ينصوا على عدالة أحد من الرواة إلا نادرا، وإنما نصوا على التوثيق، وهو
لا يستلزم العدالة قطعا، بل بينهما عموم من وجه، كما صرح به الشهيد الثاني وغيره.
ودعوى بعض المتأخرين (2): أن " الثقة " بمعنى " العدل الضابط " ممنوعة، وهو
مطالب بدليلها.
[كيف؟ وهم] مصرحون بخلافها، حيث يوثقون من يعتقدون فسقه، وكفره،
وفساد مذهبه.
وإنما المراد بالثقة: من يوثق بخبره، ويؤمن منه الكذب عادة، والتتبع شاهد به،
وقد صرح بذلك جماعة من المتقدمين والمتأخرين.
ومن المعلوم - الذي لا ريب فيه عند منصف - أن الثقة تجامع الفسق، بل الكفر،
وأصحاب الاصطلاح الجديد قد اشترطوا في الراوي العدالة، فيلزم من ذلك ضعف

1. انظر: المعتبر في شرح المختصر: 6. وفيه: كما يعمل بخبر الواحد المعدل.
2. في هامش النسخة: أي الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشهيد الثاني - على ما نسبه [إليه] المحقق
البهبهاني في التعليقة -.
وهو أيضا رأي الشيخ البهائي - رحمه الله تعالى - انظر: مشرق الشمسين: 4.
248

جميع أحاديثنا، لعدم العلم بعدالة أحد منهم إلا نادرا، ففي [إحداث] هذا الاصطلاح
غفلة من جهات متعددة - كما ترى -.
وكذلك كون الراوي ضعيفا في الحديث لا يستلزم الفسق، بل يجتمع مع العدالة،
فإن العدل الكثير السهو ضعيف في الحديث، والثقة والضعف غاية ما يمكن معرفته
من أحوال الرواة.
[و] من هنا يظهر فساد خيال من ظن أن آية (إن جاءكم فاسق بنبإ) تشعر بصحة
الاصطلاح الجديد، مضافا إلى كون دلالتها بالمفهوم الضعيف المختلف فيه.
ويبقى خبر مجهول الفسق، فإن أجابوا بأصالة العدالة؛ أجبنا: بأنه خلاف مذهبهم،
ولم يذهب إليه منهم إلا القليل.
ومع ذلك يلزمهم الحكم بعدالة المجهولين والمهملين، وهم لا يقولون به، ويبقى
اشتراط العدالة بغير فائدة.
الخامس عشر: أنه لو لم يجز لنا قبول شهادتهم في صحة أحاديث كتبهم،
وثبوتها، ونقلها من الأصول الصحيحة، والكتب المعتمدة، وقيام القرائن على ثبوتها؛
لما جاز لنا قبول شهادتهم في مدح الرواة وتوثيقهم، فلا يبقى حديث صحيح،
ولا حسن، ولا موثق، بل يبقى جميع أحاديث كتب الشيعة ضعيفة، واللازم باطل فكذا
الملزوم، والملازمة ظاهرة، وكذا بطلان اللازم.
بل الإخبار بالعدالة أعظم وأشكل وأولى بالاهتمام من الإخبار بنقل الحديث من
الكتب المعتمدة، فإن ذلك أمر محسوس ظاهر، والعدالة عندهم أمر خفي، عقلي،
يتعسر الاطلاع عليه، وهذا إلزام لا مفر لهم عنه عند الإنصاف.
السادس عشر: أن هذا الاصطلاح مستحدث في زمان العلامة، أو شيخه أحمد بن
طاوس - كما هو معلوم - وهم معترفون به، وهو اجتهاد وظن منهما، فيرد عليه جميع ما
مر في أحاديث الاستنباط والظن في كتاب القضاء (1) وغيره.

1. يعني: في كتاب القضاء من كتابه وسائل الشيعة.
249

وهي مسألة أصولية لا يجوز التقليد فيها، ولا العمل بدليل ظني؛ اتفاقا من الجميع،
وليس لهم هنا دليل قطعي، فلا يجوز العمل به.
وما يتخيل من الاستدلال به لهم ظني السند، أو الدلالة، أو كليهما، فكيف يجوز
الاستدلال بظن على ظن، وهو دوري؟ مع قولهم (عليهم السلام): شر الأمور محدثاتها (1)،
وقولهم (عليهم السلام): عليكم بالتلاد. (2)
السابع عشر: أنهم اتفقوا على [أن] مورد التقسيم هو خبر الواحد الخالي عن
القرينة، وقد عرفت أن أخبار كتبنا المشهورة محفوفة بالقرائن، وقد اعترف بذلك
أصحاب الاصطلاح الجديد في عدة مواضع قد نقلنا بعضها، فظهر ضعف التقسيم
المذكور، وعدم وجود موضوعه في الكتب المعتمدة.
وقد ذكر صاحب المنتقى (3): أن أكثر أنواع الحديث المذكورة في دراية الحديث بين
المتأخرين من مستخرجات العامة بعد وقوع معانيها في أحاديثهم، وأنه لا وجود
لأكثرها في أحاديثنا.
وإذا تأملت وجدت التقسيم المذكور من هذا القبيل.
الثامن عشر: إجماع الطائفة المحقة - الذي نقله الشيخ والمحقق وغيرهما - على
نقيض هذا الاصطلاح، واستمر عملهم بخلافه من زمن الأئمة (عليهم السلام) إلى زمن العلامة في
مدة تقارب سبعمائة سنة، وقد علم دخول المعصوم في ذلك الإجماع - كما عرفت -.
التاسع عشر: أن علماءنا الأجلاء الثقات إذا نقلوا أحاديث وشهدوا بثبوتها
وصحتها - كما في أحاديث الكتب المذكورة سابقا - لم يبق عند التحقيق فرق - في
الاعتماد، ووجوب العمل - بين ذلك وبين أن يدعوا أنهم سمعوها من إمام زمانهم،
لظهور علمهم، وصدقهم، وجلالتهم، وكثرة الأصول المتواترة المجمع عليها في
زمانهم، وكثرة طرق تحصيل اليقين والعلم عندهم، وعلمهم بأنه - مع إمكان العلم -

1. الفقيه 4: 403، ح 5871.
2. الكافي 2: 639 - كتاب العشرة، باب من تجب مصادقته ومصاحبته، وفيه: عليك بالتلاد.
3. منتقى الجمان 1: 10.
250

لا يجوز العمل بغيره، وليس هذا بقياس، بل عمل بعموم النص وإطلاقه.
وقد وردت الأحاديث الكثيرة - جدا - في الأمر بالرجوع إلى روايات الثقات
مطلقا - كما عرفت - فدخلت روايتهم عن المعصوم وروايتهم عن كتاب معتمد.
المتمم العشرين: أن نقول: هذه الأحاديث الموجودة في الكتب المعتمدة - التي
هي باصطلاح المتأخرين صحيحة لا نزاع فيها، والتي هي باصطلاحهم غير صحيحة -
إما أن تكون موافقة للأصل، أو مخالفة له.
فإن كانت موافقة له؛ فهم يعملون بالأصل الذي لم تثبت حجيته، [بل ثبت عدمها،
ويعملون] بها لموافقتها له، ولا يتوقفون فيها، ونحن نعمل بهذه الأحاديث التي أمرنا
بالعمل بها، ومآل الأمرين واحد [هنا].
وإن كانت مخالفة للأصل؛ فهي موافقة للاحتياط، ونحن مأمورون بالعمل به - كما
عرفت في القضاء وغيره - ولم يخالف أحد من العقلاء في جواز العمل به، سواء قالوا
بحجية الأصل، أم لا.
ولا يرد: أنه يلزم جواز العمل بأحاديث العامة، والكتب التي ليست بمعتمدة.
لأنا نجيب بالنص المتواتر في النهي عن العمل بذلك القسم، فإن لم يكن هناك
نص؛ كان عملنا بأحاديثنا الواردة في الاحتياط.
الحادي والعشرون: أن أصحاب الكتب الأربعة وأمثالهم قد شهدوا بصحة
أحاديث كتبهم، وثبوتها، ونقلها من الأصول المجمع عليها.
فإن كانوا ثقاتا؛ تعين قبول قولهم، وروايتهم، ونقلهم، لأنه شهادة بمحسوس.
وإن كانوا غير ثقات؛ صارت أحاديث كتبهم - كلها - ضعيفة، لضعف مؤلفيها،
وعدم ثبوت كونهم ثقاتا، بل ظهور تسامحهم وتساهلهم في الدين، وكذبهم في
الشريعة، واللازم باطل فالملزوم مثله.
الثاني والعشرون: أن من تتبع كتب الاستدلال علم - قطعا - أنهم لا يردون حديثا
لضعفه - باصطلاحهم الجديد - ويعملون بما هو أوثق منه، ولا مثله، بل يضطرون إلى
251

العمل بما هو أضعف منه، هذا إذا لم يكن له معارض من الحديث، ومعلوم أن ترجيح
الأضعف على الأقوى غير جائز.
وقد ذكر أكثر هذه الوجوه بعض المحققين من المتأخرين، وإن كان بعضها يمكن
المناقشة فيه فمجموعها لا يمكن رده عند الإنصاف.
ومن تأمل وتتبع علم أن مجموع هذه الوجوه، بل كل واحد منها أقوى وأوثق من
أكثر أدلة الأصول، وناهيك بذلك برهانا، فكيف إذا انضم إليها الأحاديث المتواترة
السابقة في كتاب القضاء.
وعلى كل حال، فكونها أقوى - بمراتب - من دليل الاصطلاح الجديد؛ لا ينبغي أن
يرتاب فيه منصف، والله الهادي. (1)
أقول: الجواب [عن] هذه [الوجوه أنها] شكوك وشبهات لا يحتاج ردها إلى
تجشم البراهين والدلائل، وجملة جواب ما ذكره هذا الفاضل إما بطريق الإجمال أو
التفصيل.
أما الجواب الإجمالي:
فأولا: أن تلك الوجوه لو سلمنا أن مقتضاها الحكم بصحة الأخبار المودعة في
الكتب الأربعة ظاهرا، إلا أن ذلك الاقتضاء أمر بدوي، وحصول الظن منها ظاهري؛ بعد
ملاحظة ذهاب الطائفة إلى خلافها، وإعراضهم - قاطبة - عن العمل بمقتضاها البدوي،
[ف‍] يزول الظن المزبور بالكلية.
وثانيا: يلزم - على مقالة الفاضل ومن قال بمقالته كمولانا الأسترآبادي، وسيدنا
التستري، وصاحب الحدائق على ما مرت إليه الإشارة، وسيجيئ الكلام فيه مستوفى -
عدم قطعية تلك الأخبار، إذ القول بصحة الأخبار المودعة وقطعيتها بالكلية؛ يلزم [منه]
القول بعدم صحتها، وعدم قطعيتها، وما يستلزم وجوده عدمه فهو باطل، فبطلان التالي
لا يحتاج إلى البيان.

1. خاتمة وسائل الشيعة 30: 251 - 265، الفائدة التاسعة.
252

وأما بطلان المقدم؛ فلما مرت إليه الإشارة من الإخبار بالغرائب من الأحاديث
المكذوبة، كأحاديث الكفر والزندقة الصادرة عن المغيرة بن سعيد، وأبي الخطاب
- أعني محمد بن مقلاس، المكنى بأبي زينب - وأمثالهما من الملاعين [الذين]
يتعمدون الكذب على الأئمة سلام الله عليهم، ويأخذون كتب أصحابهم (عليهم السلام).
وكان أصحاب هؤلاء الملاعين المستترون بأصحابهم (عليهم السلام) يأخذون الكتب من
أصحابهم فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدس فيها الكفر والزندقة، ويسندها إلى
أبي عبد الله (عليه السلام) - مثلا -.
كما روى يونس بن عبد الرحمن عن هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
" كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه
المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة،
وكان يدس فيها الكفر [والزندقة] ويسندها إلى أبي (عليه السلام) ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم
أن يثبتوها في الشيعة، فكل ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسه
المغيرة بن سعيد في كتبهم ". (1)
وبإسناده (2) عن حماد، عن حريز، [عن زرارة قال] قال: - يعني أبا عبد الله (عليه السلام) - " إن
أهل الكوفة قد نزل فيهم كذاب - المغيرة - فإنه يكذب على أبي " يعني: أبا جعفر (عليه السلام) قال:
" حدثني أن نساء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا حضن قضين الصلاة، وكذب والله - عليه لعنة الله - ما
كان من ذلك شيء، ولا حدثه، وأما أبو الخطاب فكذب علي وقال: إني أمرته أن لا يصلي
- هو وأصحابه - المغرب حتى يروا كوكب [كذا] ". (3)
وقال يونس بن عبد الرحمن عن هشام بن الحكم - أيضا -: أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: " لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهدا من

1. مجمع الرجال 6: 119.
2. يعني: الكشي.
3. مجمع الرجال 6: 121؛ وفي الوسائل 4: 193، ح 23: حتى يروا كواكب كذا يقال له: القيداني، والله إن ذلك
الكواكب ما أعرفه.
253

أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم
يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ".
قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر (عليهما السلام) ووجدت
أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) متوافرين، فسمعت منهم، وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد
على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي
عبد الله (عليه السلام).
وقال [لي]: " إن أبا الخطاب... وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه
الأحاديث إلى يومنا في كتب أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن " (1)
الحديث.
وكذا قوله (عليه السلام): " إنا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا، ويسقط
صدقنا بكذبه علينا عند الناس ". (2)
وكذا قوله (عليه السلام): " إن لكل رجل منا رجلا يكذب عليه ".
وكذا قوله (عليه السلام): " قد كثرت علينا الكذابة ".
وكذا الأخبار المتعارضة، والأخبار العلاجية، كل ذلك مروي في تلك الكتب، فلو
كان كلها قطعي الصدور؛ لزم من وجودها عدمها.
فالعجب كل العجب من صاحب الحدائق حيث جعل حديث يونس دليلا على
صدق صدور تلك الأخبار بقوله:
أقول: فانظر - أيدك الله - إلى ما دل عليه هذا الحديث من توقف يونس في
الأحاديث واحتياطه فيها، وهذا [شأن غيره أيضا] فهل يجوز في العقول السليمة
والطباع المستقيمة أن مثل هؤلاء الثقات العدول إذا سمعوا من أئمتهم (عليهم السلام) مثل هذا
الكلام أن يستحلوا - بعد ذلك - نقل ما لا يثقون بصحته، ولا يعتمدون على حقيقته؟

1. مجمع الرجال 6: 118.
2. مجمع الرجال 5: 113 - ترجمة أبي الخطاب محمد بن مقلاس.
254

بل المقطوع والمعلوم عادة من أمثالهم أنهم لا يذكرون ولا يروون في مصنفاتهم
إلا ما اتضح لهم فيه الحال، وأنه في الصدق والاشتهار كالشمس في رابعة النهار. (1)
أقول: نستجير بالله، واعجبا ثم واعجبا من هذه الاستحسانات، وإعمال السجع
والقوافي في العبارات، مثل قوله - فيما بعد -: " ولعمري، إن الأنصاف يقتضي الجزم "
تمسكا بما لا يقتضي الدلالة - ولو بالإيماء والإشارة - بدعوى أن كلامه نفيس، يستحق
أن يكتب بالنور على وجنات الحور، ويجب أن يسطر ولو بالخناجر على الحناجر.
مع أن كل واحد من مشايخ الرواة؛ كالكليني والصدوق وشيخ الطائفة لم يصرحوا
في كتبهم الأربعة - سيما في الديباجة - بقطعية صدور جميع الأخبار المودعة فيها،
كيف؟ ودعوى قطعية جميع أخبار الكتب الأربعة ليست إلا عن غرض ولجاج، أو
غباوة، أو غفلة.
وقول الصدوق - عليه الرحمة - في ديباجة من لا يحضره الفقيه (2): بأن جميع ما فيه
مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول، وإليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبد الله...
إلى آخره، وإن دل على أن أحاديث ذلك الكتاب - جميعا - مأخوذة منها، ولكن لا يدعي
- طاب ثراه - قطعية صدور تلك الأصول - كما هو مقصود صاحب الحدائق -.
بل الأخذ منها على سبيل الكلية ممنوع - أولا - ولو سلمنا الأخذ [ف‍] قطعية الكل
ممنوعة - ثانيا - سيما كلام الشيخ، خصوصا في أول الاستبصار (3) مما هو صريح في
خلافه، حيث فسر القرائن المفيدة؛ بما لا يوجب القطع، مثل: الموافقة لظاهر الكتاب
والسنة.
على أن الصدوق - مع أن كلامه أظهر دلالة على مرادهم - لا يدعي قطعية الصدور
بالكلية، بل غرضه بيان ما أفتى به، وكونه حجة بينه وبين ربه.
وقوله: " بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به، وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة

1. الحدائق الناضرة 1: 10.
2. كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 3 - 4.
3. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار 1: 3 - 4.
255

فيما بيني وبين ربي - تقدس ذكره، وتعالت قدرته - وجميع ما فيه مستخرج من كتب
مشهورة عليها المعول، وإليها المرجع " (1) فيكون مراده بالصحة؛ بمعنى المعتمد
والمعول [عليه] - كما [هو] مذهب القدماء - فلذا فسره بالمعول [عليه].
فالصدوق عليه الرحمة لا يدعي قطعية الصدور أصلا، بل قال: بأن ما أفتى به
مأخوذ من كتب مشهورة، واشتهار الكتب لا يقتضي كونها قطعية.
مضافا إلى أنه - رحمه الله - في مقام الفتوى بمضمونها، فهي ليست حجة على غيره.
على أن الإخبار بصحة ما في الفقيه لا يستلزم حصول علمه - رحمه الله - بقطعية
صدور أخباره.
على أن كون الشيء قطعيا - لو سلمنا - عند شخص لا يستلزم أن يكون قطعيا عند
آخرين، والشاهد على ذلك: عدم إيراد الشيخ في الكتابين (2) جميع ما في الفقيه والكافي
وكذا عدم إيراد الصدوق جميع ما في الكافي شاهد على أن ما قطع به ثقة الإسلام غير
ملازم لحصول القطع بالصدور لمن تأخر، ولو كان ذلك الآخر مثل الصدوق، مع قرب
عهده إليه، ونهاية جلالته ووثاقته، وشدة بذل جهده وصرف همته - في مدة عشرين
سنة - لتأليف كتابه الكافي.
فلو كان علم صاحب الكافي كافيا في حصوله للصدوق للزم عليه إيراد ما هو
المنتخب [منه] واعتبار ما جمع فيه؛ في الفقيه فتأليفه كتابا آخر مخالفا لما ألفه دليل على
أنه لم يرض بجميع ما جمعه فيه.
ثم الشيخ - مع غاية قربه منهما - لم يعتمد عليهما، كما ذكرنا عدم اكتفاء الصدوق
بما ذكره في الكافي حرفا بحرف.
ومع ذلك كله نقول: إن الصدوق - مع أنه صرح في ديباجة كتابه [بقوله]: قصدت
[إلى] إيراد ما أفتي به، وأحكم بصحته، وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي - قد

1. كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 3.
2. يعني: كتابي الأخبار، التهذيب والاستبصار.
256

أكثر في الفقيه من إيراد الحديث الذي صرح بأنه لا يفتي به، بل يفتي بما رواه فلان في
خلافه؛ في مواضع عديدة، وتفصيل مجاهيل الأسناد يستفاد من مطالعة شرح مشيخة
الفقيه لشيخنا المجلسي (1) - أعلى الله مقامه -، حيث عدهم مائة واثنين وعشرين رجلا
مجهولا، مضافا إلى الضعفاء والمهملين.
فلزيادة البصيرة، ورفعا [للشبهة عمن] كانت له شبهة؛ نشير إلى بعض منها بقولنا:
منها: في باب الوضوء حيث قال (2): فأما الأخبار التي رويت في أن الوضوء مرتين
مرتين؛ فأحدها بإسناد منقطع يرويه أبو جعفر الأحول - إلى أن قال: (3) - وفي ذلك
حديث آخر بإسناد منقطع رواه عمرو بن أبي المقدام - إلى أن قال (4) -: ومعناه: أن
تجديده بعد التجديد لا أجر له كالأذان، من صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين أجزأه،
ومن أذن للعصر كان أفضل، والأذان الثالث بدعة لا أجر له، وكذلك ما روي: أن مرتين
أفضل؛ معناه التجديد، انتهى.
[و] لا شك ولا شبهة ولا ريب أن الحديث المنقطع - أو المقطوع - من أقسام
المرسل الذي سقط واحد من سلسلة رواته في وسط السند، ومع كونه مرسلا عمل به
الصدوق حيث حمله على التجديد، ومع كونه - رحمه الله - عاملا بمثل هذا السند - بعد
تصريحه بكونه منقطعا - كيف استدل هؤلاء الأكابر من الأخباريين بشهادة الصدوق
على قطعية صدور الأخبار المودعة في الفقيه؟
مع أنه لا نسلم كون ما ذكره المشايخ في ديباجة كتبهم الأربعة شهادة - ولو إيماءا -
فكيف يدل دلالة صريحة أو التزاما؟ بل ظاهر كلامهم في بيان اعتبار اجتهاداتهم.
مع أن من تتبع كلامهم في مواضع [من] تلك الكتب وجد أنهم عدلوا عما بنوا

1. يعني: التقي المجلسي - رحمه الله - والد صاحب البحار، فإن له كتاب روضة المتقين شرح فيه الفقيه وفي
آخره شرح لمشيخته.
2. كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 38.
3. الفقيه 1: 39.
4. الفقيه 1: 39 - 40.
257

عليه في أول كتبهم من إيراد ما أفتوا به وحكموا بصحته.
فالصدوق - منهم - ذكر في أول كتابه - على ما أشرنا إليه -: أني لم أقصد قصد
المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به، وأحكم بصحته،
وأعتقد فيه أنه حجة... إلى آخره، فلا شك - بملاحظة ما ذكره في أول كتابه - لا يمكن
الحكم بأن جميع أحاديث الفقيه صحيحة عند الصدوق بسبب قوله في أول كتابه، لأنا
بعد التتبع التام نرى بالعيان أنه لم يف بما تعهد به في أول كلامه، بل كثيرا ما ذكر ما
لا يفتي به، ولا يحكم بصحته، من ذكر [و] إيراد خلاف ما قصده - أولا - إما مسامحة أو
غفلة أو لعلة أخرى.
وكذلك الشيخ - في بين الكتابين - ذكر خلاف ما بنى عليه في الأول.
ومثل ذلك الكليني - رحمه الله -، فربما ذكر حديثا عن غير المعصوم - على ما هو
ببالي في موضع من الميراث، وجدته زمان التدريس في أواخر شهر شعبان سنة
(1280) وكذا غيره من المواضع التي نذكرها إن شاء الله تعالى -.
ومنها: في (باب لباس المصلي) (1): فأما الحديث الذي روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه
قال: " لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه، لأن الذي يصلي له
أقرب اليه من الذي بين يديه " فهو حديث يروى عن ثلاثة من المجهولين بإسناد
منقطع، يرويه الحسن بن [علي] الكوفي - وهو معروف - عن الحسين بن عمرو، عن
أبيه، عن عمر بن إبراهيم الهمداني - وهم مجهولون -.
ومنها: في (باب إحرام الحائض) (2): قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: وبهذا
الحديث أفتي دون الحديث الذي رواه ابن مسكان.
وقال أيضا: إن هذا الحديث إسناده منقطع، والحديث الأول رخصة ورحمة.

1. كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 250 - 251، ح 765، باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب وجميع
الأنواع.
2. الفقيه 2: 383، ح 2769 - باب إحرام الحائض والمستحاضة.
258

ومنها: في (باب صوم يوم الشك) (1): قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لان أصوم يوما من
[شهر] شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من شهر رمضان ". قال مصنف هذا الكتاب
رضي الله عنه: وهذا حديث غريب لا أعرفه إلا من طريق عبد العظيم بن عبد الله
الحسني المدفون بالري في مقابر الشجرة، وكان مرضيا رضي الله عنه.
ومنها: في (باب صوم التطوع) (2): وأما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور
[فيه] لمن صامه؛ فإن شيخنا محمد بن الحسن (3) - رضي الله عنه - كان لا يصححه، و
يقول: إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني، وكان كذابا غير ثقة، وكل ما لم يصححه
ذلك الشيخ - قدس الله روحه - ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك، غير
صحيح.
ومنها: في (باب ميراث ذوي الأرحام مع الموالي) (4): قد روى جابر عن
أبي جعفر (عليه السلام): " أن عليا (عليه السلام) كان يعطي أولي الأرحام دون الموالي " فأما الحديث الذي
رواه المخالفون أن مولى لحمزة توفي وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى ابنة حمزة النصف، وأعطى
الموالي النصف؛ فهو حديث منقطع، إنما هو عن عبد الله بن شداد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو
مرسل، انتهى.
ومنها: في (باب الرجلين يوصى إليهما فينفرد كل واحد منهما بنصف التركة) (5):
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: لست أفتي بهذا الحديث، بل أفتي بما عندي بخط
الحسن بن علي (عليهما السلام) ولو صح الخبران جميعا لكان الواجب الأخذ بقول الأخير (6) - كما
أمر به الصادق (عليه السلام) - وذلك أن الأخبار لها وجوه ومعان، وكل إمام أعلم بزمانه وأحكامه
من غيره من الناس، وبالله التوفيق، انتهى.

1. الفقيه 2: 128، ح 1931 - باب صوم يوم الشك.
2. الفقيه 2: 90 - 91، ح 1819، باب صوم التطوع وثوابه من الأيام المتفرقة.
3. هو ابن الوليد القمي، شيخ الصدوق.
4. الفقيه 4: 304، ح 5657 - باب ميراث ذوي الأرحام مع الموالي.
5. الفقيه 4: 203، ح 5457، باب الرجلين يوصى إليهما فينفرد كل واحد منهما بنصف التركة.
6. أي: الوصي الآخر، انظر حديثي الباب.
259

ومنها: في (باب ما يجب [به] التعزير والحد) (1): قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله:
جاء هذا الحديث هكذا في رواية وهب بن وهب، وهو ضعيف، والذي أفتي به
وأعتمده في هذا المعنى ما رواه الحسن بن محبوب عن العلاء... إلى آخره.
وأنت إذا لاحظت ما ذكره الصدوق في أول كتابه من قوله: " بل قصدت إلى إيراد ما
أفتي به، وأحكم بصحته " ظهر لك أن هذه الأحاديث التي ذكرنا [ها] في كل واحد من
المواضع المذكورة ليست من جملة ما حكم بصحته وأفتى به، فإذا كان حال [كلام]
الصدوق هذا - بل صرح في أكثر تلك المواضع بضعف هذه الأخبار وعدم اعتبارها -
[ف‍] كيف يدعي معظم الأخباريين بأن جميع الأخبار المذكورة في الفقيه تكون قطعية
الصدور عند الصدوق؟ هذا حال كلام الصدوق رحمه الله.
وكذا عدة مواضع من كتاب الكافي والتهذيب والاستبصار خصوصا كلام الشيخ في
الأخير، حيث عددنا المواضع التي صرح بضعف سند الأخبار المذكورة فيها فبلغت
عشرين موضعا لا يعتمد على السند المذكور فيها، بل صرح بأنا لا نعمل بمفادها،
ولم نذكرها لئلا تطول الرسالة، فمن تتبع في مواضع [من] تلك الكتب علم أن ما ذكرناه
مطابق للواقع، و [أن] ما ادعاه هؤلاء الأجلة لا يكون له محمل صحيح إلا الغفلة
والمسامحة - كما لا يخفى على من له أدنى بصيرة - فتبصر.
وثالثا: لو سلمنا أن كلمات المشايخ - في أوائل كتبهم الأربعة - صدرت منهم في
مقام شهادتهم بصحة أحاديث كتبهم الأربعة - على خلاف ما هو الظاهر منهم كالشمس
في وسط السماء؛ من بيان اعتقاداتهم الاجتهادية الحاصلة بعد صرف عمرهم في المدة
المديدة؛ من كمال بذل جهدهم وسعيهم في فهم ما ذكروه في ديباجة كتبهم - فنقول: إن
مجرد شهادتهم بصحة تلك الأخبار كيف يحصل [به] القطع بصدورها عن أهل بيت
العصمة من المعصومين (عليهم السلام).
بل الصحيح - عند القدماء من الأصحاب - يطلق على كل حديث يكون اعتمادهم

1. الفقيه 4: 35، ح 5026، باب ما يجب به التعزير والحد والرجم والقتل والنفي في الزنا.
260

عليه - ولو كان بسبب اقترانه بما يوجب الوثوق به، والركون إليه -.
فالحديث المعتبر والمعتمد عليه - أي الذي عليه المعول وإليه المرجع - عبارة
عما يكون صحيحا عندهم، وهو ظاهر قولهم في أصحاب الإجماع، على ما نقله
أبو عمرو الكشي - من أئمة الرجال - في من اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح
عنهم، كما عن شيخنا البهائي - رحمه الله - في مشرق الشمسين (1): كان المتعارف بين
قدمائنا إطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن
بما يوجب الوثوق به، والركون إليه - كما هو ظاهر ما ذكره الصدوق في أول ديباجة
الفقيه حيث فسر قوله: " وأحكم بصحته، وأعتقد فيه [أنه حجة بيني وبين ربي] " بما عليه
المعول وإليه المرجع، مثل كتاب حريز بن عبد الله... إلى آخره.
وهو ظاهر لا لبس فيه، فأين دعواه قطعية صدور ما قصد إيراده فيه؟ وأين شهادته
على القطع بالصدور؟ - على ما عرفت غير مرة -.
فعلى فرض حمل قول الصدوق على خلاف ما هو الظاهر - أعني الشهادة -
لا يحصل من شهادته هذه القطع بصدور تلك الأخبار عن المعصوم (عليه السلام).
مع أن الصحيح في اصطلاحهم ليس بمعنى القطعي الصدور عنهم (عليهم السلام) لما عرفت
أن الظاهر من عباراتهم هو ما ذكره شيخنا البهائي - رحمه الله - من أن المتعارف بين
القدماء إطلاق الصحيح على كل ما يقتضي اعتمادهم عليه، وهو مستفاد من عبارة الفقيه
المذكورة.
والشاهد على ظهور ذلك من كلامه في أوائل كتابه أنه قال في (باب صوم
التطوع) (2) في خبر صلاة الغدير - كما ذكرناه -: إن كل ما لم يصححه شيخنا [محمد بن]
الحسن بن الوليد ولم يحكم ذلك الشيخ - قدس الله روحه - بصحته من الأخبار؛ فهو
عندنا متروك، غير صحيح، انتهى كلامه في الباب.

1. مشرق الشمسين: 2.
2. الفقيه 2: 90 - 91.
261

أقول: فلو كان الصحيح؛ معناه: القطعي الصدور، [ف‍] كيف يكون غير الصحيح
بمعنى عدم القطع بالصدور - بعبارة أخرى -.
فقول الصدوق: " كل ما لم يحكم [محمد بن] الحسن بن الوليد بصحته " معناه: كل
ما لم يحكم ابن الوليد بعدم القطع بصدوره عن المعصوم (عليه السلام) فهو عندنا غير القطعي
الصدور، وهو ممنوع، بل مخالف للظاهر، إذ الظاهر من قوله: " إن محمد بن موسى
الهمداني كان كذابا، غير ثقة " أنه لا يعتمد الشيخ [على الخبر] من طريقه، لكون الراوي
غير [ثقة] فلا اعتماد على قوله، فلا يعتبر حديثه.
هذا هو معنى عدم الصحة، لا عدم القطع بصدور حديثه عن المعصوم (عليه السلام) وهو
ظاهر لا لبس فيه.
هذا تمام الكلام في الجواب الإجمالي لما ذكره الحر العاملي - طاب ثراه - ومن
يحذو حذوه، مثل صاحب الحدائق وغيره.
وأما الجواب التفصيلي؛ فوجوه:
أما عن الوجه الأول: فنمنع [كون] اهتمام القدماء وصرف همتهم في ضبط
الأحاديث مقتضيا لثبوت قطعية الصدور.
ولو سلمنا ذلك الاقتضاء؛ فمن أين يكون حصول قطعهم بالصدور مستلزما
لحصول القطع لغيرهم؟ لما عرفت [من] أن طريقة الأصحاب - قديما وحديثا - جرت
على بيان النقد والانتخاب من غير اتكال أحدهم على الآخر، فلا يأخذ المتأخر كلام
المتقدم تقليدا ومحض اتباع.
ألا ترى أن صاحب الكافي مع غاية ديانته، ونهاية تبحره وفضله، ومبالغته [في
بذل] جهده في تصنيف الكافي في مدة عشرين سنة - مع سماع عرضه على
الصاحب (عليه السلام)، كما اشتهر في ألسن الطلبة أنه بعد وصوله إلى نظره المبارك قال (عليه السلام): هو
كاف لشيعتنا - لم يكتف الصدوق المتأخر عنه - مع قرب عهده، وكمال اعتقاده بديانته -
باعتبار ما هو المنتخب فيه عنده، لما ذكرنا سابقا أن الصدوق ألف كتابا آخر مخالفا،
262

فترك بعض ما اعتبره، واعتبر بعض ما تركه.
وكذا الشيخ لم يعتمد عليهما، وهكذا الحال فيمن قبل المحمدين الثلاثة من المشايخ.
فإذا كان دأب قدمائنا ذلك، فكيف يبقى لنا وثوق بنقدهم وانتخابهم؟
فلو فرضنا وسلمنا قطعية صدور كل ما أخذ من تلك الكتب المجمع على ثبوتها،
كيف يحصل لك العلم بأن الصدوق - مثلا - نقل هذه الرواية المخصوصة من تلك
الكتب لا غيرها - غير عدم التصريح بالأخذ -؟
وعلى فرض التصريح؛ فمن المحتمل الامتزاج، واحتماله ينافي القطعية - سيما
احتمال السهو - والشبهة يؤيدها الغفلة البتة.
وأما عن الوجه الثاني: فنمنع حصول العلم بالأصول الصحيحة الثابتة، بل
اشتهارها - بما [أنه] كانت تلك الأصول مشهورة - كاف في الاعتماد عليها في النقل، كما
ترشد إليه عبارة الصدوق من: " أن أخبار كتابنا مأخوذة من كتب مشهورة ".
فيلزم منه أن بناءهم على جواز العمل بما هو المعول والمعتمد - وإن لم يفد منه
العلم -.
وأما بناؤهم على تحصيل العلم حتى في زمان النقل؛ فغير ثابت، وعلى المستدل
الإثبات.
وأما قوله رحمه الله: " إن أصحاب الكتب الأربعة لم يقصروا في ذلك، ولو قصروا
لم يشهدوا بصحة تلك الأخبار، كما هو المعلوم من حال أرباب السير والتواريخ " ففيه
ما عرفت [من] أنهم في مقام بيان ما أفتوا به، وأنه حجة بينهم وبين الله، لا في مقام
الشهادة [ب‍] أن تلك الأخبار صحيحة، وأنها قطعية الصدور.
مضافا إلى عدول الصدوق - في أثناء الكتاب - [عن ذلك] بخلاف ما تعهد به في
المقدمة.
ولعل دأب أغلب القدماء، وروية جل المشايخ كان مثل عادة كل واحد من الشيوخ
الثلاثة؛ بأن لم يرو ثقة الإسلام جميع الأخبار المودعة في الأصول الأربعمائة، كما أن
263

الصدوق لا يروي جميع ما في الكافي والشيخ دأبه مثل عادتهما.
بل كثيرا ما كانوا يصرحون بضعف الروايات التي عمل بها الآخر وصححها،
كالصدوق - رحمه الله - في الفقيه والشيخ في التهذيب في جملة [من] الأخبار المودعة
في الكافي مثل ما يتعلق به أصحاب العدد من أن شهر رمضان لا يكون أقل من ثلاثين
يوما، مع كونه مذكورا في الكافي بطرق عديدة عن حذيفة.
قال الشيخ في التهذيب (1) بأعلى صوته: وهذا الخبر لا يصح العمل به من وجوه:
أحدها: أن متن هذا الحديث لا يوجد في شيء من الأصول المصنفة، وإنما هو
موجود في الشواذ من الأخبار.
ومنها: أن كتاب حذيفة بن منصور - رحمه الله - عري منه، والكتاب معروف
مشهور، ولو كان هذا الحديث صحيحا عنه لضمنه كتابه.
ومنها: أن هذا الخبر مختلف الألفاظ، مضطرب المعاني، ألا ترى أن حذيفة تارة
يرويه عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) وتارة يرويه عن أبي عبد الله (عليه السلام) بلا واسطة،
وتارة يفتي به من قبل نفسه فلا يسنده إلى أحد، وهذا الضرب من الاختلاف مما
يضعف الاعتراض به والتعلق بمثله.
ومنها: أنه لو سلم من جميع ما ذكرناه لكان خبرا واحدا لا يوجب علما ولا عملا،
وأخبار الآحاد لا يجوز الاعتراض بها على ظاهر القرآن والأخبار المتواترة.
ولو كان هذا الخبر مما يوجب العلم؛ لم يكن في مضمونه ما يوجب العمل على
العدد دون الأهلة، وأنا أبين عن وجهه إن شاء الله تعالى.
ومثل هذا الاعتراض نقل عن المفيد - رحمه الله - في الرسالة [التي ألفها في الرد]
على الصدوق. (2)

1. تهذيب الأحكام 4: 227 - 228.
2. يعني: في مسألة العدد، فإن المفيد كان قد ألف رسالة في الانتصار لشيخه الصدوق في مسألة العدد، وهي
أن شهر رمضان ثلاثون يوما أبدا، وأن شهر شوال تسعة وعشرون يوما أبدا، وهكذا، ثم رجع عن هذا
القول وألف رسالة في الرد على شيخه الصدوق.
264

وأما الصدوق في الفقيه في كتاب (الصوم) في باب النوادر؛ فقد روى هذا الحديث
بطرق أربعة:
منها: في رواية محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا ". (1)
[و] منها: في رواية حذيفة بن منصور، عن معاذ بن كثير - ويقال له: معاذ بن مسلم
الهراء - عن أبي عبد الله (عليه السلام) - إلى آخر الحديث. (2)
ومنها: في رواية [محمد بن] إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن يعقوب، عن
شعيب، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام). (3)
[و] منها: وروي عن ياسر الخادم قال: قلت للرضا (عليه السلام): [هل] يكون شهر رمضان
تسعة وعشرين يوما؟
فقال: " إن شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين يوما أبدا ". (4)
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: من خالف هذه الأخبار وذهب إلى الأخبار
الموافقة للعامة في ضدها؛ اتقى كما يتقي العامة، ولا يكلم إلا بالتقية كائنا من كان، إلا أن
يكون مسترشدا فيرشد ويبين له، فإن البدعة إنما تمات وتبطل بترك ذكرها، ولا قوة إلا
بالله.
ومثل ذلك كثير في الأبواب، والعاقل تكفيه الإشارة، كما في (باب زكاة الحنطة
والشعير) (5) [فقد] روى الشيخ عن محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن
أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن الزكاة في الزبيب
والتمر، فقال: " في كل خمسة أوساق وسق - والوسق ستون صاعا - والزكاة فيهما سواء،

1. الفقيه 2: 169، ح 2042.
2. الفقيه 2: 169 - 170، ح 2043.
3. الفقيه 2: 170، ح 2044.
4. الفقيه 2: 171، ح 2046.
5. تهذيب الأحكام 4: 19 - كتاب الزكاة، باب زكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب.
265

فأما الطعام فالعشر فيما سقت السماء، وأما ما سقي بالغرب والدوالي فإنما عليه نصف
العشر ".
[قال الشيخ]: فإن هذين الخبرين - أي المذكور وما قبله - الأصل فيهما " سماعة "
وتختلف روايته، [لأن الرواية الأخيرة] قال فيها: " سألته " ولم يذكر المسؤول، وهذا
يحتمل أن يكون المسؤول غير من يجب اتباع قوله.
وزاد [أيضا] فيه الفرق بين زكاة الحنطة والشعير [والتمر] والزبيب، وقد قدمنا من
الأحاديث ما يدل على أنه لا فرق بين هذه الأشياء، [والرواية الأولى قال فيها: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) وذكر الحديث] وهذا الاضطراب في الحديث مما يضعف الاحتجاج به. (1)
وهذا الكلام من الشيخ يدل على أمرين:
أحدهما: تصريحه بضعف ما صححه الكليني وعمل به، كالروايتين المرويتين
في الكافي [اللتين] عمل بهما الكليني وقد صرح الشيخ بضعفهما، واضطرابهما [مما
يضعف] الاحتجاج بهما، وذلك أدل شاهد على أنهم لم يعملوا بجميع ما رواه الآخر،
ولعل دأب جل القدماء كان كذلك، كما مرت الإشارة إلى ذلك.
وثانيهما: أن الكليني قد يروي حديثا لا يسنده إلى المعصوم - كما في الرواية
الأخيرة في باب زكاة الحنطة - ومثل ذلك في الكافي ليس بعديم النظائر، كما لا يخفى
على المتتبع من ذوي البصائر، ومثل ذلك كاف لدى الأكابر.
[و] أما الجواب عن الثالث: فواعجبا من التمسك بالحكمة في إثبات قطعية
صدور جميع الأخبار المودعة في الكتب الأربعة، لأن عدم تضييع [من في] أصلاب
الشيعة لا يناط بصدق صدور تلك الأخبار، بل الحكمة لا ربط لها بهذه المقدمات أولا.
وثانيا: على فرض قضية الحكمة الإلهية الربانية [فإنها] تابعة للمصالح والمفاسد
الكامنة، فلا بد أن يكون مقتضاها الهداية [إلى] الأحكام الواقعية، والدلالة على معرفة
مضمونها، حتى تكون الأحكام نفسها قطعية، سواء حصل العلم بصدور أخبارها أم لا،

1. تهذيب الأحكام 4: 20.
266

وسواء كان العلم عاديا أم لا، كما أن الصدوق روى ما يفتي به ويحكم بصحته، ويعتقد
أنه حجة فيما بينه وبين الله، فالزائد على ذلك ليس قضية الحكمة.
[و] أما الجواب عن الرابع:
فأولا: مرجعه إلى الوجه الأول، فيرد عليه ما ورد عليه، طابق النعل بالنعل.
وثانيا: يرد عليه ما ورد على مولانا محمد أمين الأسترآبادي في الوجه السادس (1)
من الوجوه المدخولة حرفا بحرف؛ من أنا سلمنا أن الراوي من أمناء الله، وممن أمر
المعصوم بأخذ معالم الدين عنه؛ وذلك الأمر منه (عليه السلام) يوجب وثاقة الشخص وعدم
تعمده للكذب.
وقد عرفت أن الوثاقة غير العصمة، ولا يبعد الخطأ ولا ترفع النسيان والسهو،
مضافا إلى أن الضرورة قد تقتضي الكذب ولو من باب التقية.
وعلى فرض تسليم الكل، [فإن] كون الراوي من سلسلة الرواة ثقة - ولو بتصريح
من تجب طاعته أعني المعصوم - لا يقتضي وثاقة جميع تلك السلسلة، ومع ذلك كله
لم تثبت - غالبا - إلا بالمراجعة إلى القواعد الرجالية.
على أن هذه التصريحات لو كانت لها صورة وقوع؛ هل توجب عدم دس
[الأحاديث] المكذوبة، أو عدم الغفلة، أو عدم الامتزاج، بأن أخذ [ت] من الأصول ومن
غيرها أيضا؟
وأما الخامس: فجوابه ظاهر بعد ما عرفت أن [وجود] الأخبار المتواترة الصادرة
عنهم (عليهم السلام) [الدالة] على لزوم العمل بجميع الأخبار المودعة في الكتب الأربعة؛ محض
دعوى غير واقعة في الخارج، وإن سلمنا وجود خبر أو خبرين أو أكثر على أن فلانا من
الرواة ثقة فخذوا معالم دينكم عنه كيونس بن عبد الرحمن وأمثاله من الثقات.
أما صدور الأخبار بلزوم العمل بجميع رواة جميع السلاسل (2)؛ فبديهي البطلان،

1. بل الخامس، فراجع.
2. أي: عدم إسقاط واحد منهم عن درجة الاعتبار، وتركه.
267

وعلى فرض تسليم ورود مثله فهو دليل على علة العمل، وأما علة الصدور فلا.
وأما الجواب عن الوجه السادس: [ف‍] يا أيها المحدث المدعي أن أكثر أحاديث
الكتب كان موجودا في كتب الجماعة الذين اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح
عنهم، ككتاب زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد بن معاوية العجلي، وأبي بصير
الأسدي أو المرادي - وهو ليث [ابن] البختري - والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم،
وجميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عثمان، وحماد
ابن عيسى، وأبان بن عثمان، ويونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى، وابن
أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن [محمد بن] أبي نصر،
وفضالة بن أيوب.
وقال بعضهم مكان ابن محبوب: الحسن بن [علي بن] فضال الفطحي، و [قال]
بعضهم [مكان فضالة] عثمان بن عيسى. (1)
إذا عرفت أسامي كل واحد من هؤلاء الثمانية عشر أصحاب الإجماع؛ فالواجب
على المستدل - وهو الشيخ الحر - أن يعين كتب [كل] واحد منهم، وأن يعين نصهم،
[لأن] توثيق رواة الأخبار غير كاف في إثبات مقصوده من إجماع هؤلاء العصابة على
العمل بجميع أحاديث رواة الكتب.
فلو سلمنا قولهم بأن فلانا اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وقلنا
باستفادة وثاقة الراوي من ذلك القول [فإنه] لا يفيد تصحيح نفس الرواية، وعلى فرض
تسليم ذلك [فإنه] لا يستدعي كون أكثر أحاديث تلك الكتب كذلك.
على أن معنى تلك العبارة من (2) إجماع العصابة مختلفة، ومعركة للآراء، بحيث
ذهب السيد السناد، الركن الهاد، سيدنا ومولانا أستاذ الأستاذ السيد علي الطباطبائي؛ إلى
أن أحد الجماعة لو قال: حدثني فلان، يكون الإجماع منعقدا على صدق دعواه، [و] إذا

1. مجمع الرجال 1: 287.
2. " من " هنا بيانية، يعني عبارة: اجتمعت الطائفة على تصحيح ما يصح عن الجماعة المذكورين آنفا.
268

كان فلان ضعيفا، أو غير معروف، لا يجديه ذلك الإجماع نفعا - على ما نسبه إليه
أبو علي في منتهى المقال (1) -.
فلهذا قالوا: إن الإنصاف أن مثل هذا الصحيح ليس في القوة كسائر الصحاح، بل
وأضعف من كثير من الحسان، (2) ولم يثبت وجوب اتباعه كالذي (3) بالمعنى المصطلح،
لكونه [موضع] وفاق.
مع أن الصحيح عند القدماء غير الصحيح المصطلح عليه عند المتأخرين - كما
عرفت في شرح عبارة الصدوق في أول كتابه -.
[و] أما الجواب عن السابع:
فأولا: [أن] من جملة أحاديث الكتب الأحاديث الضعاف والمجهولة،
والأحاديث المكذوبة، وما دسوه في أحاديث الأئمة (عليهم السلام) ومن جملتها حديث سهو
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما فيه الغلو والزندقة.
فلو كان جميع الأحاديث - كما هو مفاد الجمع المضاف من أحاديث الكتب -
مأخوذا من الأصول المجمع عليها، وأمر الأئمة (عليهم السلام) بالعمل بها - كما ادعاه الفاضل في
[الوجه] السابع - للزمت المفسدة العظيمة.
وثانيا: لو لم تكن هذه الضعاف وما ضاهاها مأخوذة من الأصول؛ لم تقض العادة
بما ذكره البتة.
وثالثا: لو سلمنا جميع المقدمات الفرضية؛ فغاية ما يستفاد من هذا الوجه قطعية
العمل، وأما دعوى قطعية الصدور [ف‍] ثبوتها من أين؟
وأما الجواب عن الثامن:
فبأن طرح شيخ الطائفة - في موضع - لرواية صحيحة، أو روايات صحاح؛ لا محالة

1. منتهى المقال في أحوال الرجال 1: 56.
2. منتهى المقال 1: 57.
3. أي: كالصحيح بالمعنى المصطلح عليه عند المتأخرين.
269

محمول على وجه صحيح، لأن عدالته - مع نهاية تبحره واطلاعه على المدارك
المعتبرة - تمنع من التفوه بغير مدرك صحيح أو أصح، وذلك لا يستلزم بطلان
الاصطلاح الجديد، كما أن أستاذ الكل أعني الآغا حسين الخوانساري - في بحث صلاة
الجمعة من شرح الدروس - قال: كلما صحت عندنا أدلة الوجوب العيني تحصل لنا الظن
القوي بصدق من قال بالوجوب التخييري من المشهور، لأن اطلاعهم على أدلة العينية
وصحتها - ومع ذلك ذهبوا إلى خلافه، وحكموا بالتخييري - يظهر منه أن دليل التخيير
لابد أن يكون أقوى، لأن عدالتهم تمنع من الاقتحام والإفتاء بغير مدرك صحيح.
وكذلك اختيار الشيخ العمل بالضعيف وطرح الصحيح محمول على الوجه
الصحيح من علة [أ] وأمارة دعته [إلى] اختياره، [وهو] لا يستدعي بطلان الاصطلاح
الجديد، ولا ربط بينهما ولا استلزاما - ولو بالإيماء - إذ العلم بما هو صحيح سندا عند
شخص لا يستلزم وجوب العمل [به] عند آخرين، إذ لعله لا يكون صحيحا عنده، أو
كان وكان له معارض أقوى، وغير ذلك من الوجوه المحتملة.
وأما الجواب عن التاسع؛
بل عن الوجوه الباقية حتى عن الوجه الأخير - وهو الوجه الثاني والعشرون -
سوى العاشر والخامس عشر: [ف‍] قد مر مرارا أن حمل كلام المشايخ في أوائل كتبهم
على الشهادة غير صحيح.
أولا: لما ذكرناه في مقام بيان معتقداتهم من ذكر الروايات المعول والمعتمد عليها
عند بذل جهدهم، وكونها حجة بينهم وبين خالقهم، فهم في مقام الحكم والإنشاء،
وذلك لا يقتضي اقتصارهم على ما قطعوا بصدور سنده عن أهل بيت العصمة.
وثانيا: عدولهم عما بنوا عليه في ديباجة كتبهم، كما ذكرنا بعض موارد عدولهم،
بل ذكرنا موضعا أو موضعين أو مواضع مصرح فيها بجهالة الراوي وضعف الخبر.
وثالثا: الشهادة - شرعا - عبارة عن إخبار جازم في حق لازم بما شهد به الشاهد، أو
سمعه، أو علمه بذلك، ومن البين أن الخبر والنبأ من أقسام اللفظ، وما قاله المشايخ في أوائل
الكتب ليس بلفظ، إذ اللفظ عبارة عن قطعة هواء خارجة من الفم، وليس من مقولة النقش،
270

والحال أن ما كتب وسطر في أوائل كتبهم ليس إلا من النقوش بالضرورة والبداهة.
ورابعا: سلمنا صدق الشهادة، وأما شهادتهم بصحة جميع ما في الكتب الأربعة من
سند الأخبار [ف‍] من أين؟
وخامسا: سلمنا ذلك، لكن عرفت أن الصحيح عند القدماء ما هو المعول
والمعتمد [عليه] وليس معناه القطع بصدوره، كما هو مقصود الأخباريين بحيث
حكموا - بملاحظة شهادتهم - بالقطعية، على خلاف ما ذكرنا في بيان الحاجة إلى معرفة
القواعد الرجالية.
وهذه الأجوبة جارية في سائر الوجوه الباقية، فلا تحتاج إلى الإعادة، لئلا تطول
الرسالة.
وأما الجواب عن الوجه العاشر:
فلما ذكرنا سابقا [من] أن كون الراوي ثقة لا يرضى بالافتراء؛ لا ينافي احتمال
السهو والنسيان في حقه، ولا ينافي اعوجاج السليقة، وعدم حصول التمييز والملكة،
بل وثاقته وديانته وعدالته وورعه تقتضي أن يتوقف ويرجع إلى الكتب الرجالية حتى
يطلع [على] المصالح والمفاسد.
وأما الجواب عن الخامس عشر - وهو عمدة الوجوه الخمسة التي ذكرها
صاحب الحدائق أيضا -: [ف‍] بأن العمل بقول المشايخ في مقام الجرح والتعديل مما
اتفق عليه العلماء في الجملة، وإن اختلفوا في جهة اعتبار قولهم في هذا المقام من أنه
[من] باب الشهادة، أو النبأ والرواية، أو الظنون الاجتهادية، وقد ذكر المحقق البهبهاني
أنه من باب الأخير، وهو الحق، فالفارق بين المقامين هو تحقق الإجماع في البين.
والحال ليس كلامهم - في أخبار كتبهم - إجماعيا - كما عرفت - لأنهم في مقام
تدوين الأخبار في الكتب ليسوا في مقام الشهادة، بل في مقام الحكم بكيفية عملهم،
بخلاف كلام الشيخ في كتابه الفهرست والرجال لأن حاله كحال أبي عمرو الكشي،
وأحمد بن علي النجاشي، والحسن بن يوسف [بن] المطهر الحلي الملقب بالعلامة،
صاحب الخلاصة.
271

فالفارق بين المقامين تحقق الإجماع من المشايخ في بيان الجرح والتعديل،
بخلاف قول مشايخ الرواة في بيان تدوين الكتب، إذ لا إجماع ولا شهادة منهم، بل
اتفاقهم على خلاف ذلك، كما عرفت بيان ذلك غير مرة فلا حاجة إلى الإعادة.
هذا تمام الكلام في جواب ما استدل به شيخنا الحر مستوفى.
وأما ما ذكره غيره من أن القرائن كثير [ة] - إما حالية وإما مقالية - بأن الراوي كان ثقة
في الرواية؛ لم يرض بالافتراء، ولا برواية ما لم يكن ثابتا وواضحا عنده - وإن كان فاسد
المذهب -.
ومنها: كون الراوي ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه.
ومنها: أن تكون الرواية عن الجماعة الذين ورد في شأنهم عن الأئمة (عليهم السلام) أنهم
ثقات، خذوا معالم دينكم عنهم، وهم أمناء الله في أرضه.
ومنها: وجودها في إحدى الكتب الأربعة، لاجتماع شهادتهم على صحة أحاديث
كتبهم، وأنها مأخوذة من الأصول المجمع على صحتها.
فجواب تلك الوجوه قد عرف سابقا واحدا بعد واحد، ومرة بعد مرة؛ من أن
علماءنا الأخباريين وإن حكموا بقطعية جميع الأخبار المودعة في تلك الكتب
متمسكين بهذه الوجوه المدخولة - وبسبب ذلك صرحوا بأن الاجتهاد تخريب الدين،
والعامل بالظن تابع للمخالفين، وقد عرفت جواب المستدل بهذه الوجوه
كالأستر آبادي المتعصب؛ مشروحا - فإن دعوى حصول القطع من القرائن مصادرة، بل
محض مكابرة، إذ القرائن المدعاة غير لازمة لتصور أسامي الرواة.
وعلى فرض وجود فلان الثقة في الرواية، كيف يستلزم الحكم بوثاقة جميع
سلسلة رواة تلك الرواية المشتملة على الراوي المخصوص؟ وإن وجدنا نادرا في
الروايات أن فلانا ثقة عند فلان؛ فالاطلاع عليه للعموم صعب، وعلى فرض حصول
الاطلاع عليه للعامة [فإن] حصول القطع بوثاقته من أين؟
وأعجب منه دعوى وفور هذا النوع في أحاديث أصحابنا.
272

مضافا إلى ما ذكرنا سابقا من أن المسلم الراوي الثقة لا يفعل ما ينافي الوثاقة، أي
التعمد للكذب والافتراء - اختيارا -.
أما أنه لا يصدر عنه إلا المشروع واقعا - أي باعتقاده الظاهري - فلو قلنا بانسداد
باب السهو والغفلة، واحتمال اعوجاج السليقة، وكونه معصوما؛ فلما ذكره وجه، وإلا
فقد مر ما يوجب التزلزل، ولا مفر له [عنه] فلاحظ.
وأما الوجوه التي تمسك بها صاحب الحدائق في مقام إبطال الاصطلاح الجديد
- كما تمسك بأغلبها السيد نعمة الله الجزائري في مقدمات المجلد الأول من شرح
تهذيب الأحكام - فقد مرت الإشارة إلى جوابها مستدلا عليه، إلا الوجه الثاني وهو الذي
ذكره الحر في المجلد الأخير من الوسائل (1) وجعله الخامس عشر، [ونحن] وإن ذكرنا
جوابه على نحو الإجمال، لكن لما ادعى الحر في آخره أنه إلزام لا مفر لهم عنه عند
الإنصاف، فاللازم علينا أن نذكر عين عبارته، ثم الجواب عنه مفصلا.
قال في الحدائق (2): الثاني: أن التوثيق والجرح الذي بنوا عليه تنويع الأخبار إنما
أخذوه من كلام القدماء، وكذلك الأخبار التي رويت في أحوال الرواة من المدح والذم
إنما أخذوها عنهم، وإذا اعتمدوا عليهم في مثل ذلك فكيف لا يعتمدون عليهم في
تصحيح ما صححوه من الأخبار واعتمدوه وضمنوا صحته - كما صرح به جماعة
منهم - كما لا يخفى على من لاحظ ديباجتي الكافي والفقيه وكلام الشيخ في العدة وكتابي
الأخبار، فإن كانوا ثقاتا عدولا في الإخبار بما أخبروا به؛ ففي الجميع، وإلا فالواجب
تحصيل الجرح والتعديل من غير كتبهم، وأنى لهم به.
إلى أن قال: فإن قيل: تصحيح ما حكموا بصحته أمر اجتهادي لا يجب تقليدهم
فيه، ونقلهم المدح والذم رواية يعتمد عليهم فيها.
قلنا:

1. انظر: خاتمة وسائل الشيعة 30: 261 - 262، الفائدة التاسعة.
2. الحدائق الناضرة 1: 16.
273

فيه: أن إخبارهم بكون الراوي ثقة، أو كذابا، أو نحو ذلك، إنما هو أمر اجتهادي
استفادوه بالقرائن المطلعة على أحواله أيضا، انتهى.
وفيه:
أولا: [أن] ما ذكرناه سابقا [من] أن العمل بأخبار القدماء في المدح والقدح
ونحوهما من أحوال الرواة مما أجمع عليه الفريقان - وإن اختلفوا في الجهة، هل قول
هؤلاء القوم من باب الشهادة، أو النبأ والرواية، أو من باب الظنون الاجتهادية - وليس
[حال] تصحيح أخبارهم كذلك، فالإجماع مرجح لوجوب العمل على ما أجمعوا، وإلا
فلو لم يكن الإجماع موجبا للعمل به للزمت المفسدة الشنيعة من إبطال الشريعة، كما
لا يخفى على من له أدنى بصيرة.
وثانيا: الجرح والتعديل من الأقسام الثلاثة متحقق فيها الشهادة، بخلاف
تصحيحهم، فلا يتحقق شيء منها [فيه].
أما عدم تحقق الشهادة؛ فلما عرفت [من] أنها عبارة عن إخبار جازم في حق لازم،
أو مشاهدة حاصلة بالسماع أو العلم.
وكلمات المشايخ الثلاثة في أوائل كتبهم لا يظهر منها الشهادة، لأن الكلام الذي
هو أصرح في مراد المستدل كلام الصدوق في ديباجة الفقيه وهو على خلاف مقصوده
أدل، لما ذكرنا مشروحا بما لا مزيد عليه.
أما قوله: " بل قصدت إلى إيراد ما أفتي وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة بيني
وبين ربي " فإنه يدل [على] أن ما ذكره وصححه يكون من باب حكمه وفتواه، وأن ما
حكم بصحته هو المرجع والمعول عليه في كونه حجة بينه وبين ربه، فكيف يستفاد
من هذه الكلمات ومما ذكره في بيان ما حصل له - بعد بذل جهده - من اجتهاده؛ الشهادة
على قطعية صدور الأحاديث المذكورة فيه؟
وبعبارة أخرى: أن تصحيحه من باب الإنشاء والحكم، وأنه خارج عن الأمور
الثلاثة - أي من باب الشهادة، والرواية، والظنون [الاجتهادية] -.
274

وعلى فرض تسليم كونه شهادة؛ فهي هنا غير مسموعة منه، لما ذكرنا [من] أنها
شهادة على المعلوم، مع عدم صدق الشهادة على هذا، لأنها إخبار جازم للغير مما
شاهده أو سمعه أو علمه، والتصحيح منقوش، فليس بشهادة، فيكون من باب الظن، مع
[أن] احتمال الغفلة والسهو غير حاصل، بخلاف قولهم في المدح والذم ونحوهما، فإن
ظاهر الإخبار الشهادة.
لا يقال: لابد في حصول الشهادة من السماع - ولو من الشاهد - ومجرد نقله في
الكتاب لا يكون شهادة.
لأنا نقول: هذا هو الداعي في عدم كون الجرح والتعديل من باب الشهادة، لندرة
حصول حديث صحيح غاية الندرة [حينئذ] وكذا كونهما من باب النبأ والرواية، فلذا
ذهب المحقق البهبهاني إلى أنهما من باب الظنون الاجتهادية.
فإن قلت: فما الفرق بين القسمين؟
قلت: الفرق أن الأول من باب الشهادة على المجهول، والثاني من باب الشهادة
على المعلوم، والأول غير مسموع، والثاني مسموع.
فإن قلت: كيف يمكن تحقق الشهادة واطلاع المصنفين على حال الرواة، مع بعد
العهد؟
قلت: الشهادة [قد تكون] علمية [والعلم] قد يحصل من الشياع - كما في سلمان و
أبي ذر وأمثالهما -.
وأما عدم تحقق الرواية؛ فلذلك أيضا، لأنها أيضا شهادة، إلا أن الفرق [هو] أن
المراد من الشهادة في هذا المقام لزوم التعدد، ومن الرواية عدمه، مع التساوي في
اشتراط العدالة ونحوها.
وأما الظنون الاجتهادية - وإن قال بعدم تحققها أيضا بعض المحققين، (1) تمسكا
باختلاف الأخبار، و [مخالفة] الفحول من الأخيار - فيحصل التزلزل، فلا يحصل

1. يعني: الأسترآبادي في لب اللباب: 430.
275

الظن. (1)
وفيه: أن حصول الظن أمر قهري حاصل لمن له وجدان، وهو ظاهر وعيان.
وثالثا: المستفاد من دعوى الكشي إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن
هؤلاء الذين أشرنا [إلى] اسم كل واحد منهم [أنه] لا شك أنهم ليسوا بمعصومين، بل
غاية الأمر كونهم عدولا، والعادل ليس مصونا عن السهو والنسيان، فيكون الخطأ في
قولهم محتملا، سيما ممن اختلف منهم في كونه إماميا أو غيره، كأبان بن عثمان
الناووسي وعلي بن فضال الفطحي وأمثالهما.
فحكمهم بصحة ما صح عن ذلك البعض - مع احتمال الخطأ - ينادي بأعلى صوته
بأن مرادهم من الصحة ليس القطع واليقين، فإن الظاهر من إتيان " يصح " بصيغة
الاستقبال في قولهم؛ (2) بيان القاعدة الكلية، فيكون المراد ما يحصل من الاعتماد لهم من
خبرهم، وهذا معنى الصحيح عند القدماء محققا، كما عرفت استفادته من قول
الصدوق رحمه الله: " وأحكم بصحته " فيكون [بمعنى] المعول عليه والمرجوع إليه،
بخلاف الصحيح عند المتأخرين بأن يكون الراوي عدلا إماميا ضابطا، وذلك لا يحصل
إلا بعلم الرجال غالبا.
ورابعا: [أن] الأخبار العلاجية المروية عن الأئمة (عليهم السلام) تدل على لزوم الرجوع في
معرفة العادل والأعدل إليه. (3)
وخامسا: أن الشيخ - الذي هو من القدماء، ومرجع الأخباريين - قد بنى على
الاجتهاد في السند - كما يلوح به أول كتابيه -.

1. هذه العبارة كما ترى، ولكنها في لب اللباب: 430 أوضح، وهذا لفظها: وأما عدم تحقق الظن الاجتهادي؛
فلأن ملاحظة مخالفة الفحول، واختلاط الفساق والعدول، وتعارض الأخبار الكاشف عن عدم صحة
الكل، واحتمال صدور الخطأ عن غير المعصوم (عليه السلام) يقتضي التزلزل في صحة كل من الأخبار المودعة في
الكتب المتداولة قبل ملاحظة السند، بخلاف ما يصدر منهم في المدح والقدح ونحوهما كما لا يخفى.
2. يعني قولهم المتقدم: " اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح... ".
3. أي: إلى علم الرجال.
276

وما نسب إليه في العدة فقد قال الفاضل التوني (1): إني تصفحت تمام العدة [فيما
نسب] إليه من أن ما عملت به من الأخبار فهو صحيح؛ فما رأيت هذا الكلام فيه.
وذكر أيضا (2): أن الشيخ - كغيره - كان متمكنا من إيراد الأخبار الصحيحة [من
الكتب القطعية الأخبار] فلا وجه لتلفيقه بين الصحيحة والضعيفة، انتهى.
وأما ما ذكره ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في كتابي الأخبار؛ فلا يظهر منهما
الشهادة أصلا، فهذه النسبة - أعني شهادة المحمدين الثلاثة في الكتب الأربعة على
قطعية جميع الأخبار المودعة [فيها] كما نسب إليهم أعاظم الأخباريين - نسبة عجيبة.
والأعجب منها [أنه] لم يعتمد الصدوق - رحمه الله - [على الكليني] - مع قرب
عهده بثقة الإسلام، وسهولة اطلاعه على اعتقادات صاحب الكافي وكذا شيخ الطائفة
لم يعول عليهما، وذلك دليل على عدم كفاية اجتهاد من تقدم - في صحة العمل - لمن
تأخر عنه. (3)
هذا تمام الكلام في المقام [الأول] من إثبات الحاجة إلى علم الرجال في الجملة
رفعا لإنكار الأخباريين، وبيان حججهم والجواب عنها إجمالا وتفصيلا.
أما المقام الثاني ففي إثبات الحاجة إليه على نحو الإيجاب الكلي الشامل لكل
مجتهد:
ردا لما قاله بعض المحققين من المجتهدين - زعما منه - من جواز الاكتفاء
بتصحيح الغير، وعدم الحاجة إلى الرجوع إلى علم الرجال، وتحصيل قواعده، فنقول:
إن أصحابنا المجتهدين اختلفوا في هذا المقام على قولين:
(الأول): ذهب المحققون إلى لزوم الحاجة على سبيل الكلية، بمعنى: أن كل
مجتهد لابد له - في العمل بأخبار الآحاد - من ملاحظة سندها [ب‍] الرجوع إلى الكتب

1. انظر: الوافية في أصول الفقه: 265.
2. نفس المصدر.
3. ولخريت الفن سماحة آية الله السيد حسن الصدر العاملي الكاظمي - رحمه الله تعالى - أيضا ردود على
المقدمات التي ذكرها صاحب الحدائق فراجع نهاية الدراية في شرح الوجيزة له إن شئت.
277

الرجالية، وتحصيل قواعده؛ مما يتوقف عليه علم الفقه - كسائر العلوم - من مقدماته
كالنحو والصرف واللغة والأصول وغيرها.
(الثاني): قال جماعة منهم بكفاية تصحيح الغير، وعدم وجوب الرجوع إلى علم
الرجال فيما علم إجمالا.
[و] تنقيح الكلام في المقام يستدعي التنبيه على أمور:
الأول: هل النزاع موضوعي وصغروي، أم النزاع كبروي؟
وبعد تسليم حصول الظن للمجتهد من تصحيح الغير - ولو كان ذلك الغير ممن
يعتمد على قوله - لا يكون ذلك الظن معتبرا، لأصالة الظن الشخصي وأقوائيته.
وبعد تشخيص النزاع يلزم إقامة الدليل على ترجيح أحد القولين.
والثاني: هل الرجوع إلى علم الرجال، وتحصيل العلم بقواعده؛ ممكن وميسور
لكل مجتهد، أم يتعسر العلم لبعض؟ وعلى الثاني إذا صار التعسر إلى حد أن يؤدي
[إلى] تعطيل الحكم؛ فحكمه ماذا؟
والثالث: على القول بعدم جواز الرجوع إلى تصحيح الغير - سيما إذا أمكن
للمجتهد تحصيل العلم بالقواعد - لو أجمعوا على تصحيح سند حديث؛ هل يجوز
القول بكفاية مثل هذا التصحيح، أم لا يجوز؟
والرابع: أن التضعيف مثل التصحيح معتبر، وكل من يكتفي بتصحيح الغير - نظرا
إلى عدم القول بالفصل - يقول بكفاية تضعيف الغير في الحكم بالضعف، أم لا؟
وهل يجب على كل مجتهد أن يبحث في أحوال من كان من المقدوحين
والضعفاء حتى تحصل المعرفة بأحوالهم؛ من دون الاتكال على قول من ضعفهم - ولو
كان ممن يعتمد عليه - وإن قلنا بجواز العمل بتصحيح الغير؟
أما الأمر الأول؛ فيظهر من جماعة أن النزاع في موضوع المسألة [موضوعي]
وصغروي، نظرا إلى استدلالهم على عدم حصول الوصف من المظنة من قول الغير في
أحوال الراوي، وعدم حصول [الظن] بصدق الراوي إلا بعد الفحص عن كيفية أحوال
278

سند الحديث، ولا يحصل ذلك الوصف لكل مجتهد إلا بعد المراجعة إلى علم الرجال،
ومجرد تصحيح الغير غير كاف في حصول الظن.
ويظهر من آخرين أن النزاع كبروي، أي في حجية الظن الحاصل من تصحيح
الغير - بعد تسليم حصوله -.
أقول: إنه يتصور النزاع في كلا الأمرين، أي الصغرى والكبرى.
أما الصغرى؛ فاعلم أن حصول الظن أمر قهري - ولو من تصحيح الغير - لا يجوز
منعه عقلا وعادة، إلا أن ملاحظة اختلاف المعدلين والجارحين في جهات الجرح
والتعديل، [ف‍] ربما يتفق كثيرا أن بعضهم يدعي أن الرواية الفلانية في المسألة الفلانية
صحيحة، وأن راويها فلانا ثقة، وعمل بوثاقته وحكم بصحة سنده، وبعضهم أنكر
وثاقة ذلك الراوي بالخصوص وحكم بضعفه بسبب كونه مقدوحا [فيه] عنده.
فبعد ملاحظة هذه الاختلافات، وتفاوت مراتب فهمهم وسلائقهم؛ يحصل لنا
الشك، ويزول ما حصل لنا من الظن البدوي الحاصل من تصحيح ذلك الغير، فيتصور
النزاع في موضوع الوصف، لأنه - وإن حصل بتصحيح الغير - يزول بعده، أي بعد
ملاحظة هذه الاختلافات، والقرائن.
وبالجملة: نحن لم ندع حصول الظن في بادئ النظر؛ من تصحيح الغير، إلا أنه
يضمحل ذلك الظن البدوي مع ملاحظة تلك الاختلافات في أسباب المدح والقدح.
وأما النزاع في الكبرى - بعد تسليم صغرى حصول الظن - [فقد] ذهب بعض
الأصحاب من محققي المتأخرين كصاحب الرياض - على ما نسبه إليه مولانا الملا أبو
الحسن بن الحسين اليزدي، المجاور [بالحائر] الحائري مسكنا وموطنا - رضوان الله
عليه -، حين مذاكرة القواعد الرجالية - إلى أن الظن الحاصل من تصحيح الغير كاف
ومغن عن الرجوع إلى علم الرجال، تمسكا بعدم التفرقة بين الظنين، وأن الظن مما
يقبل التشكيك في الشدة والضعف إلى أن يصل إلى مرتبة العلم.
وكون الشخصي منه أقوى من النوعي؛ ممنوع، نظرا إلى أن الظن الحاصل من
279

تصحيح بعض المعتمدين في علم الرجال ربما يكون أقوى من الظن الحاصل من
أخبار اجتهاده - خصوصا إذا لم يكن ذا ملكة، أو لم تكن له سليقة مستقيمة، سيما إذا لزم
العسر والحرج، وسيجيئ بيانه إن شاء الله تعالى -.
وجماعة من المحققين قالوا بعدم جواز الاكتفاء بالظن الحاصل من تصحيح الغير
- وإن كان ذلك الغير ممن يعتمد على قوله - بمعنى أن كل مجتهد لابد له في العمل
بالأخبار من ملاحظة سندها؛ بالرجوع إلى علم الرجال، فلا يكفي تصحيح الغير - ولو
كان معتمدا لبعض آخر - بناءا على أن الأصل تحصيل العلم، أو ما في حكمه - عند
تعذره - وهو ما يقوم مقامه من الشهادة والرواية، وتصحيح الغير لا يحصل منه العلم،
ولا يكون خبرا، لما ذكرناه سابقا [من] أنه يكون نقشا لا لفظا، وأن قبول التصحيح من
الغير موقوف على عدم معارضة الجرح والتضعيف، ولا يتحقق ذلك بمجرد وصف
الحديث بالصحة، فلا تتحقق التزكية.
ولا بد من تعيين الراوي، وهو إنما يتحقق بعد مراجعة السند، والنظر في حال رواة
سلسلة السند حتى يؤمن ويطمئن من معارضة الجرح.
فلا يعمل بكل خبر قبل الفحص عن أحوال سنده، والبحث عن معارضه، كالعمل
بالعام قبل الفحص عن مخصصه، وهو المعتمد.
فإن قلت: إذا كان بناء العمل على الظن؛ فلا وجه للمنع، لحصوله بمجرد تصحيح
الغير، سيما إذا كان ذلك الغير ممن يعتمد على قوله في ذلك الظن، لكونه ماهرا، إذ ربما
يكون الظن الحاصل من تصحيح بعض المعتمدين أقوى من الظن الحاصل باجتهاده.
قلت:
أولا: أن المعتبر هو الظن الحاصل بعد الفحص، فيكون باقيا ثابتا - ولو بعد
ملاحظة الاختلافات بحسب الأقوال والقرائن -.
وأما الظن الحاصل من تصحيح الغير - إذا لو حظ اختلاف العلماء في كثير من
الرجال الذين يحتمل كون ما نحن فيه منهم احتمالا قويا - فيضمحل ذلك الظن البدوي
280

القهري الحاصل من قوله، فيصير شاكا، فلم يكن الظن باقيا حتى يكون معتبرا، وذلك
ظاهر بعد مراجعة الوجدان.
وثانيا: أن الظن الحاصل من بذل جهده واستغراق وسعه - بعد كونه ذا ملكة،
مقتدرا على الاستنباط وتحصيل العلم بالقواعد الرجالية، واستقامة ذهنه وسليقته فيه -
ظن شخصي، لا يحصل له الاشتباه كثيرا بحيث يوجب التزلزل في ظنه، بخلاف
الاتكال على تصحيح الغير من غير فحص وبحث، وهو وإن حصل منه الظن إلا أنه ظن
نوعي، بل بدوي يتزلزل بعد ملاحظة ما ذكرنا من الاختلافات في الأقوال والقرائن،
والاختلاف في مشارب المصححين والجارحين.
وتوهم لزوم العسر - خصوصا فيمن علم من حاله أنه غير قادر على استنباط
أحوال الخبر، ورواة سلسلة السند، لعدم ملكته، وكون المصحح ذا ملكة في الفن، وكان
ممن يعتمد على قوله.
مدفوع - أولا - [بأن] الرجوع إلى الكتب الرجالية أمر سهل، وكلامنا في لزوم
المراجعة من باب المقدمة كمعرفة سائر العلوم، فالرجوع إلى علم الرجال من شرائط
الاجتهاد في الأحكام الشرعية، بخلاف العمل بتصحيح الغير، لأنه ربما كان له معارض
لم يتعرض [له] المصحح، فيكون العمل بقوله كالعمل بالعام قبل الفحص عن
المخصص، مع أنه لكثرة التخصيص صار إلى مرتبة قيل فيه: " ما من عام إلا وقد خص ".
وكذلك لا يجوز الاتكال بالكلية على تصحيح الغير من جهة كثرة المعارض، بل
كاد أن لا يوجد تصحيح سالم عن معارض ما يوجب التضعيف.
هذا إن قلنا بأن اعتبار التصحيح والتضعيف من باب الظنون الاجتهادية - كما عليه
المحققون - كما نسب إلى أستاذ الأستاذ - رحمة الله عليهما - من كفاية الظن الحاصل من
تصحيح الغير، وعدم لزوم المراجعة إلى الكتب الرجالية - مع قوله بأنه من [باب]
الظنون الاجتهادية - فلعل نظره إلى لزوم العسر والحرج، وتعطيل الأحكام، سيما لمن
لم تكن فيه ملكة، أو لم يكن قادرا على استنباط ومعرفة أحوال رواة الأخبار، وتمييز
المشتركات، والاطلاع على القرائن الخفية، والعلم بتاريخ ولادة الرواة ووفاتهم
281

وضبطه أمثال تلك الأمور، وكذلك لما سيجيئ في بيان الأمر الثاني من الشبهات.
ولكن كلامنا فيمن أمكن له تحصيل العلم بالقواعد الرجالية بسهولة، فكلما
حصل له الظن - بعد بذل جهده - يكون معتبرا، فباعتبار قوته يقدم على الظن البدوي
النوعي الحاصل من تصحيح الغير الذي يزول بعد ملاحظة الاختلافات - على ما ذكرنا
مشروحا - إذا قلنا بأن الظن الحاصل من تصحيح الغير وتضعيفه يكون معتبرا من باب
الظنون الاجتهادية.
وأما إن قلنا بأنه من باب الرواية؛ فالدليل على اعتبار ذلك الغير إن كان إجماعا
فاعلم أن الإجماع من اللبيات، والقدر المجمع عليه من اعتبار قول العادل إنما هو بعد
الفحص عن المعارض، وأما قبله فلا دليل، والدليل اللبي لا عموم ولا إطلاق له، فحينئذ
لا دليل على المدعى، وهو العمل بتصحيح الغير ولو قبل الفحص عن معارضه، كما هو
مقصود المستدل.
و [أما] العمل بقوله بعد الفحص عن المعارض؛ فهو عبارة أخرى عن المراجعة
[إلى كتب] الرجال.
وإن كان الدليل على اعتبار قوله من باب الرواية ومفهوم الآية - وهي قوله تعالى
(إن جاءكم فاسق بنبأ) الآية - فهو وإن كان دليلا لفظيا، ولكن انصرافه عرفا - أي قبول
قول العادل - إلى ما بعد الفحص.
وأما شمول المفهوم - وهو إن جاءكم عادل فاقبلوا أي نبأ ورواية تصحح،
ولا يتفحص عن معارضه - فلا.
وإن قلنا بأن التصحيح والتعديل من باب الشهادة؛ فنقول:
أولا: لا دليل على اعتبار مثل ذلك، لما عرفت أن ذلك من باب النقش، فلا يكون
خبرا، وأنه ليس من الشهادة.
وثانيا: على فرض تسليمها؛ هنا غير مسلمة، لأنها شهادة على المجهول.
وثالثا: دلالة التصحيح على التعديل بالدلالة الالتزامية باللزوم البين بالمعنى الأعم
282

لا بالأخص، للاحتياج إلى ملاحظة الاصطلاح والعدالة وحرمة التدليس ونحوها، ولا
دليل - شرعا - على اعتبار مثل هذه الشهادة، بل المعتبر في الشريعة الدلالة المطابقة
الصريحة الواضحة، فتدبر.
ثم إن في المسألتين قولين آخرين:
أحدهما: جواز الاكتفاء بتصحيح الغير لو كان رواة سلسلة ما صححه مذكورين،
كأن يقول المجتهد: إن المسألة الفلانية حكمها كذا لرواية صحيحة رواها فلان عن
فلان، ويذكر سلسلة سندها إلى المعصوم (عليه السلام) فيكون الحكم بالصحة على هذا النحو
تعديلا للراوي المعين، فالمقتضي - وهو التصحيح والتعديل - يكون موجودا، والمانع
- وهو عدم إمكان الفحص عن معارضه - مفقودا، فلا بد من القبول.
وفيه نظر لا يخفى من الضعف، فإن مجرد ذكر الأسامي في السند لا يوجب جواز
العمل بتصحيح الغير لو قلنا بأن التصحيح من باب الحكم والإنشاء - كما مر في حمل
قول الصدوق - عليه الرحمة - فيما حكم بتصحيح ما أفتى به -.
وأما لو قلنا بأنه من باب الخبر والرواية؛ فلا فرق بين أن يكون المصحح والمعدل
مذكورا أم لا، وكذا لو كان من باب الظن - كما هو المذهب - فالعلة المذكورة لا وجه
لمن لا تدرب [له] في الرجال، بل لمن له الملكة أيضا لابد من المراجعة إلى الرجال
غالبا. (1)
نعم، لو قلنا [بأن التصحيح] من باب الشهادة - على فرض التسليم والفرض - فيمكن أن
يقال حينئذ: إنه شهادة على المعلوم، بخلاف ما لم يكن الرواة مذكورين في السند.
وفيه أيضا نظر، إذ دلالة التصحيح على التعديل قلنا إنه باللزوم البين بالمعنى الأعم،
وقبول مثل هذه الشهادة لا يخلو من مناقشة، لعدم الدليل في الشريعة على اعتبارها.
مضافا إلى أن التعديل قطعي، والتصحيح ظني، والأول مقدم على الثاني.
وثانيهما: ربما فصل بين ما لو كان السند بحيث اتفق الأكثر أو الجميع على وثاقة

1. كذا، والعبارة غير مستقيمة كما ترى.
283

الراوي وديانته، فيجوز العمل به، وأما إذا لم يكن كذلك فلا، بل يجب عليه الرجوع إلى
علم الرجال.
وفيه: إن بلغ ذهاب الأكثر والجميع إلى مرتبة توجب القطع فلا يتصور فوقه شيء
حتى يلزم الفحص، وإن لم يبلغ حد القطع فلا دليل على اعتباره، بل ربما يحصل الظن
من تصحيح البعض أكثر من تصحيح الأكثر.
ودعوى الإجماع الكاشف عن قول المعصوم (عليه السلام) لا معنى له هنا، لأن هذه المسألة
ليست مما يتوقف عليه بيان المعصوم (عليه السلام) بل هي من الموضوعات الصرفة يجب على
كل مكلف أن يجتهد فيها حتى يحصل له ظن أو قطع، فسبيلها كسائر المبادئ مما
يتوقف عليه علم الفقه؛ كالنحو والصرف واللغة وأمثالها.
أما الثاني؛ فقد عرفت أن حكمه الرجوع إلى علم الرجال، [وهو] يكون ممكنا
وميسورا من غير أدائه إلى العسر والمشقة.
وتوهم لزوم العسر فاسد، لسهولة الرجوع إلى الكتب الرجالية.
فغاية الرجوع تحصيل الظن بقواعده، سيما بعد ملاحظة مذاق المتأخرين من
بنائهم في التصحيح على الظن، فتحصيل ذلك - بعد المراجعة إلى الكتب التي جمعت
القواعد، ورتبت فيها على نحو الكمال - يمكن بغاية السهولة، وإن كان عسرا لدى
الهمم القاصرة سيما في أمثال هذه الأزمنة التي اندرست فيها أسباب العلم وأهله، وقل
الاشتغال بأمثال هذه العلوم، فلم يبق منها إلا الرسم، ولم يبق من العلماء إلا الاسم،
ولعله لم يسبق علينا زمان كان أهله كذلك، فوا أسفا ثم وا أسفا على هذه الأزمنة التي
تعطلت [فيها] أمور التدريس والتكليف، وخمدت آثار المذاكرة وأنوار التصنيف.
وبالجملة، إذا صار الرجوع ممكنا فلا يجوز الرجوع إلى العمل بتصحيح الغير
والاكتفاء بقوله، بل عليه الرجوع إلى علم الرجال، والاتكال على ما حصل له بعد
المراجعة، وهو المطلوب.
هذا إذا كان الرجوع ميسورا وأمكن تحصيل المعرفة بقواعده والرجوع إلى العلم.
284

وأما إذا لم يكن الرجوع ممكنا؛ سواء علم من حاله أنه غير قادر على استنباط
أحوال الخبر وسلسلة رواته؛ لعدم ملكته، وكون المصحح ذا ملكة في الفن، أو غير
قادر؛ لعدم سليقته، أو لكثرة وسواسه وتزلزله وتشككه في غالب أمثال الأمور، بحيث
يشكل عليه تمييز المشتركات، والاطلاع على القرائن الخفية، والعلم بتاريخ أشخاص
الرواة - والدا وولدا - من حيث الأسماء والكنى والألقاب، وكان ضبط هذه الأمور عليه
صعبا مستصعبا، فتحصيل المعرفة بأمثال هذه الأمور يوجب العسر والحرج لغير ذي
ملكة، وتعطيل الأحكام؛ بحيث لا يمكنه مدة مديدة ضبط سند خبر واحد في مسألة
واحدة، فضلا عن باب واحد، وفضلا عن أبواب تمام الفقه.
ففي هذا الفرض يجب عليه الاتكال على تصحيح الغير لو كان مجتهدا، وإلا فمثل
ذلك الشخص في مرتبة التقليد، شريك للمقلدين، فكيف يرضى أن يسمى بالمجتهد
المطلق الذي لا قدرة له على معرفة شرط من شرائط الاجتهاد في الأحكام - وهو
الاطلاع على القواعد الرجالية - فتدبر.
أما الأمر الثالث؛ فإن الظاهر من عبائر الطائفة في مواضع عديدة أن التضعيف
- كالتصحيح - معتبر [عند] كل من يكتفي بتصحيح الغير، لاتحاد المدرك، وعدم القول
بالفصل، فلا يحتاج إلى الإعادة - كما لا يخفى على ذي مسكة -.
أما الأمر الرابع؛ فجواز الاتكاء على تصحيح الغير - لو أجمعوا على تصحيح سند
حديث - عند جماعة مما لا إشكال فيه، بل ربما ادعى بعضهم أنه المتعين، لأن الظن
الحاصل منه أقوى من الظن الحاصل من الرجوع إلى علم الرجال.
وفيه ما لا يخفى، إذ كون ذلك أقوى أول الدعوى، بل الرجوع إلى علم الرجال
لا يبعد كون الظن الحاصل منه أقوى - وإن كان تصحيح الغير أقوى - كما أن الكشي
ادعى إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة كثيرة؛ منهم: أبان بن عثمان
- مثلا - فعلى هذا يكون الظن الحاصل من أبان في حكم كذا أقوى من الظن الحاصل لنا
على خلاف قوله، وإن لم يقل به أحد.
والحاصل: أن الظن الحاصل من التصريح بالاسم و [الإخبار بعدالة] المسمى في
285

علم الرجال يكون أقوى من الظن الحاصل من تصحيح الغير بمحض الادعاء، وإن كان
المصحح ممن يعتمد على قوله.
نعم، لو حصل من الإجماع القطع بالوثاقة والعدالة فله وجه، وإلا فلا وجه لتقديمه
على الظنون الرجالية على الإطلاق.
وبالجملة: إن الظن بالصحة - الحاصل بعد الفحص عن المعارض - يتحقق بشرط
صحة الاعتماد والحجية على ذلك الظن الذي لا يتحقق إلا بعد الرجوع إلى الكتب الرجالية
[ف‍] كيف يحصل الظن بتصحيح الغير له حتى يستلزم المعارضة والترجيح من تقديم
النوعي على الشخصي، بل ذكر ذلك محض تصوير ولا [يتفق] في الخارج لشخص واحد،
فلهذا قال بعض المحققين (1): اتضح مما أسسنا بنيانه، وشيدنا أركانه، وأورقنا أغصانه، من
نفائس الأفكار، وعرائس الأبكار أن الطريق الحق - الذي هو طريق المحققين، وسبيل
المحتاطين - عدم العمل بمجرد تصحيح الأصوليين، وملاحظة كتب الرجاليين.
فلنرجع عنان الخطاب إلى بيان الأبواب، فنقول بعون الله الملك الوهاب:
الباب الأول: في تعريف الخبر
اعلم أن " الخبر " في اللغة: الإعلام، و " الحديث " في اللغة: الحكاية، و " السنة " لغة:
الطريقة.
وأما في الاصطلاح؛ فالخبر له إطلاقات:
الأول: - وهو اصطلاح المنطقيين - هو ما يحتمل الصدق والكذب، وقد يقال (2):
التصديق والتكذيب؛ حتى يشمل أخبار الله تعالى ورسله وأمناء الله وأوصيائه مما
لا يحتمل الكذب، وهو ظاهر لا لبس فيه، وقول القائل: " مسيلمة رسول الله " فإن الأول
لا يحتمل الكذب، والثاني بالعكس.

1. هو المولى محمد جعفر الأسترآبادي في كتابه لب اللباب: 448 - ميراث حديث شيعه - الدفتر الثاني.
2. انظر: الفصول الغروية: 263.
286

وفيه ما لا يخفى، فإن الاحتمال إنما هو بالنسبة إلى الخبر مع قطع النظر عن المخبر
والمخبر عنه.
وأما باعتبار المخبر والمخبر عنه، والمتن، والسند، وقلة الرواية والكثرة، وبلوغه
حد الاشتهار عملا ورواية، واحتفافه بالقرينة القطعية أو الظنية، وقوة الدلالة وعدمها،
وسائر الملاحظات مما يتفاوت حكمه؛ فسيجيئ في الباب الثاني من الأقسام العديدة
للخبر بواسطة تلك الملاحظات.
وأما كلامنا في الباب الأول؛ فإنما هو بالنظر إلى نفس الخبر من حيث الخبرية لا
غيرها، ولا شك أن الخبرين المذكورين - مع قطع النظر عن المخبر - كالخبر السابق مما
يحتمل في نفسه الصدق - وإن كان المخبر هو الثاني، أي الكذاب - والكذب - وإن كان
المخبر هو الأول، أي الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) -.
الثاني: ما يقابل الإنشاء، وعرفوا ذلك بما كان لنسبته خارج، تطابقه أم لا.
والمراد بالخارج هو الخارج عن مدلول اللفظ - وإن كان في الذهن - ليشمل نحو
" علمت ".
وعرفه بعضهم: بأنه عبارة عن كلام يكون لنسبته خارج في أحد الأزمنة الثلاثة.
فالإنشاء خارج بقيد " الخارج " لأنه لا خارج لنسبته، بل لفظه سبب لوجود نسبة
غير مسبوقة بنسبة حاصلة في الواقع عند المتكلم من غير اعتبار وقوعها، فعلى هذا
يخرج منه خبر الكاذب، لعدم وجود نسبة له في الخارج.
والثالث: يطلق الخبر على ما يرادف الحديث، فعليه: أنه عبارة عن كلام يحكي
قول المعصوم (عليه السلام) أو فعله أو تقريره، غير العاديات.
وأما نفس قوله (عليه السلام) أو نفس فعله، أو نفس تقريره؛ فهو داخل في السنة، كحكاية
الحديث القدسي فإنها داخلة فيها، وإن كانت حكاية هذه الحكاية داخلة في الحديث.
فحينئذ نقول: إن السنة في الاصطلاح عبارة عن نفس القول أو الفعل أو التقرير
من المعصوم (عليه السلام).
287

والحديث في الاصطلاح عبارة عن الحكاية عن السنة.
فعلى هذا الكلام المسموع من المعصوم (عليه السلام) يكون سنة، ويطلق عليه الخبر - على
غير ما يرادف الحديث - فإطلاق الحديث عليه بعيد عن القاعدة.
وأما الحديث القدسي؛ فهو خارج عن السنة والحديث، والفرق بينه وبين القرآن:
أن القرآن منزل للإعجاز، بخلاف الحديث القدسي، فالنسبة بين الكل ظاهرة.
و [أما] ما يحكي عن إشارة المعصوم (عليه السلام) أو عن كتابته؛ فالأول داخل في الحديث
القولي.
و [أما] الثاني؛ فالظاهر أنه داخل في الفعلي، كرواية عبيد بن زرارة عن الصادق (عليه السلام)
حيث سئل عن رجل يحب بني أمية، أهو معهم؟ قال: نعم، ورجل يحبكم أهو معكم؟
قال: نعم، قال: وإن زنى وإن سرق؟ فنظر (عليه السلام) إلى البقباق - أعني الفضل بن عبد الملك
المكنى بأبي العباس - فوجد فيه غفلة فأومأ برأسه نعم. (1)
فهذا الخبر يطلق عليه الحديث القولي كما حكاه الراوي عن قوله (عليه السلام) مع أن في
آخره الإيماء بالرأس، لكونه في حكم القول.
وكذا رواية معمر بن خلاد، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام): أيجزئ الرجل أن يمسح
قدميه بفضل رأسه؟ فقال برأسه: لا، فقلت: أبماء جديد؟ فقال برأسه: نعم. (2)
مع أن الظاهر [أن] ذلك خارج عن الحديث القولي والفعلي والتقريري، لكن لما كان
في حكم القول فهو داخل في الحديث القولي، كما يدل عليه قول الراوي: " فقال برأسه (عليه السلام) ".
وأما مثال الثاني؛ فكثير، كمكاتبة أبي محمد العسكري (عليه السلام) في باب الوقف بقوله:
" الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها " (3) فيمكن إدخالها في القولي أو الفعلي بجعله
عاما على وجه يشملها - كما لا يخفى.

1. مجمع الرجال 5: 31 مع اختلاف يسير.
2. وسائل الشيعة 1: 409، ح 1061.
3. وسائل الشيعة 19: 175 - 176.
288

الباب الثاني: في تقسيم الخبر
اعلم أن الخبر ينقسم إلى أقسام عديدة - كما مرت إليه الإشارة -.
أما باعتبار نفس الخبر فينقسم إلى متواتر وغير متواتر.
والخبر المتواتر عبارة عما يفيد بنفسه العلم العقلي بصدق اللفظ والمعنى، أو
اللفظ فقط، أو المعنى خاصة؛ في كل مرتبة، بمعنى أن العقل يمنع من تواطئهم على
الكذب من غير إسقاط الواسطة - لو كان مع الواسطة - فيصير أفراد هذا القسم - على
هذا - ثلاثة: الخبر المتواتر لفظا ومعنى، والمتواتر لفظا فقط، والمتواتر معنى فقط.
الثاني: - أي الخبر غير المتواتر - وهو على قسمين: متظافر، وغير متظافر.
والمتظافر عبارة عن خبر يفيد بنفسه العلم العادي أو العقلي مع إسقاط الواسطة
في ذي الواسطة، كخبر حاتم ورستم.
وغير المتظافر أيضا على قسمين: خبر واحد محفوف بالقرائن القطعية، وغير
محفوف بالقرينة، وهو يسمى بخبر الواحد العاري عن القرينة الصدورية
والمضمونية، وهو على قسمين: مسند ومرسل.
أما المسند؛ فهو ما علمت سلسلة سنده بأجمعها.
و [أما] المرسل بالمعنى العام؛ فهو عبارة عما لم يعلم سلسلة سنده إلى
المعصوم (عليه السلام) بأجمعها، لعدم التصريح بالاسم - وإن ذكر بلفظ مبهم كقوله: " حدثني
بعض أصحابنا " أو " حدثني عدل " أو " رجل " -.
فإن سقطت بأجمعها، أو من آخرها واحد فصاعدا؛ فمرسل خاص.
وإن سقط من أولها واحد فصاعدا؛ فمعلق، لتعليق صحته وسقمه على آخر السند
لو ثبت صدور الخبر عن الأخير.
وإن سقط من وسطها واحد؛ فمقطوع ومنقطع، لانقطاع حجية الخبر وصحته
بانقطاع الوسط.
وإن سقط من وسطها أكثر من واحد؛ فمعضل - إن لم يشتمل على [لفظ] الرفع،
289

وإلا فمرفوع -.
ويسمى بذلك لخروجه عن الحجية، لصعوبة الاطلاع على حال [غير]
المذكورين.
هذا إذا اسند إلى المعصوم (عليه السلام) وأما إذا روي عن صاحبه (عليه السلام) من غير أن ينسب
إليه (عليه السلام) فيسمى موقوفا، لتوقفه على ثبوت كون الرواية عن المعصوم (عليه السلام) وهو داخل في
المرسل بالمعنى العام، لعدم العلم بالسلسلة إلى المعصوم (عليه السلام).
هذا أقسام المرسل وأحكامه.
وقد يكون المرسل في حكم المسند، وهو على قسمين:
قسم يسقط [فيه] بعض سلسلة الرواية عمدا لئلا يطول الإسناد، فيتدارك في
المشيخة ما تركه أولا، كما في أسناد كتاب تهذيب الشيخ، فتكون مراسيله في حكم
المسانيد - كما ذكره - رحمه الله - في آخر كتابه في المشيخة - فتكون الأخبار المودعة في
التهذيب من قبيل المسانيد والمراسيل و [ما] في حكم المسانيد، فلاحظ.
والقسم الثاني: وهو ما علم من حال مرسله أنه إما لا يرسل إلا عن ثقة كمراسيل ابن
أبي عمير - وحكايته مشهورة غير مستورة كما لا يخفى على من له أدنى بصيرة - وإما
لا يروي إلا عن ثقة كمراسيل [أحمد بن] محمد بن أبي نصر البزنطي.
وأما المسند؛ فهو ما علم سلسلة رواته بأجمعها، وهو أيضا على أقسام:
منها: ما لا يفيد بنفسه إلا ظنا، ونقله في كل مرتبة أزيد من اثنين أو ثلاثة - على
الخلاف - سواء استفاض المعنى خاصة، أو اللفظ خاصة، أو كلاهما، وهو المسمى
بالخبر المستفيض.
ومنها: الغريب، وهو ما انفرد في نقله راو واحد ولو كان في بعض المراتب.
فإن كان الانفراد في جميع المراتب يسمى غريبا في السند والمتن.
[وإن] كان في الابتداء؛ بأن انفرد بروايته واحد عن آخر مثله ولكن كان متنه
معروفا عن جماعة من الصحابة يسمى غريب الإسناد.
290

وإن كان في الانتهاء خاصة؛ بأن ينفرد بروايته واحد، ثم يرويه عنه جماعة ويشتهر
يسمى غريب المتن.
وقد يطلق الغريب على غير المتداول في الألسنة، والكتب المعروفة، ووجه
التسمية في الصور الثلاث واضح.
ومنها: المشهور بحسب الرواية، وهو الشائع عند أهل الحديث بأن ينقله جماعة
كثيرة منهم.
وأما المشهور بحسب الفتوى؛ فهو ما وافق مضمونه فتوى المشهور من غير ذكر
الإسناد.
وقد يطلق على ما صار مشهورا في الكتب والألسنة.
ومنها: الشاذ، وهو ما رواه [الثقة] مخالفا لما رواه الأكثر.
وقد يطلق على ما كان مضمونه غير معمول به عند الأكثر.
ومنها: المقبول، وهو ما اشتهر العمل بمضمونه، سواء رواه الثقة أو غير الثقة،
كمقبولة عمر بن حنظلة في حكم المتخاصمين، فإنها - مع اشتمال سندها على غير
الثقة - تلقوها بالقبول، وقد قبلها الأصحاب وعملوا بمضمونها، بل جعلوها عمدة أدلة
التفقه وسموها مقبولة.
ومنها: المردود، وهو ما رواه غير الثقة مخالفا لما رواه الأكثر.
ومنها: المعتبر، وهو ما عمل الكل أو الجل بمضمونه من غير ظهور خلاف، أو
أقيم الدليل على اعتباره من جهة وصف كالصحة والحسن ونحوهما.
ومنها: المطروح، وهو ما كان مخالفا للدليل القطعي، ولم يقبل التأويل.
ومنها: النص، وهو ما كان راجحا في الدلالة على المقصود من غير معارضة
الأقوى أو المثل.
ومنها: الموصول، وهو ما اتصل إسناده بنقل كل راو عمن فوقه إلى المعصوم (عليه السلام)
وهو أخص من المسند؛ باعتبار أن العلم بالسلسلة أعم من الاطلاع بالذكر - كما في
291

الموصول - أو بالعهد الذهني - كما في غيره -.
ومنها: المكاتب، وهو ما كان حاكيا عن كتابة المعصوم (عليه السلام) وخطه.
ومنها: المضمر، وهو ما يطوى فيه ذكر المعصوم (عليه السلام) - كأن يقول صاحبه: سألته -
للتقية ونحوها.
هذا إذا لم يذكر في سند واحد اسمه ثم يعطف، كأن يقول: أخبرني فلان عن فلان
عن الصادق (عليه السلام) ثم قال: " وعنه " إلى من كان السؤال منه (عليه السلام) ثم يصدر بإمام آخر [ويقول:]
" وسئل منه " بطريق العطف؛ فإن هذا في حكم المسند، بل هو مسند حقيقة.
ومنها: المعنعن، وهو ما يروى بتكرير لفظة " عن " كأن يقال: فلان عن فلان، وعن
فلان بن فلان؛ إلى أن ينتهي إلى المعصوم (عليه السلام) بلفظة " عن " أيضا.
ومنها: المأول، وهو ما كان ظاهره مخالفا للدليل العقلي مع قبول التأويل،
[ف‍] ينصرف [عن] ظاهره إلى غيره مما يوافق العقل.
ومنها: المبين، وهو ما كانت دلالته على المقصود ظاهرة.
ومنها: المجمل، وهو ما كان غير واضح الدلالة على المقصود.
ومنها: المحكم، وهو ما علم المراد من ظاهره من غير قرينة تقترن إليه دالة على
المقصود؛ لوضوحه.
ومنها: المتشابه، وهو ما لا يعلم المراد به إلا بقرينة ودلالة - ولو بسبب احتمال
الوجهين -.
وبعبارة أخرى: المتشابه عكس المحكم، أي ما لا يعلم المراد [به] إلا بمعونة
القرينة.
ومنها: المشكل، وهو ما اشتمل على ألفاظ عجيبة غريبة صعبة لا يعرفها إلا
الماهرون، أو مطالب غامضة لا يعرفها إلا العارفون.
ومنها: المسلسل، وهو ما اشترك فيه رواته - كلا أو جلا - في أمر خاص، كأسمائهم
كمحمد عن محمد، أو أسماء آبائهم كأحمد بن عيسى عن محمد بن عيسى، أو فعل
292

كالتحديث؛ بأن يقول: حدثني فلان [قال: حدثني فلان] وهكذا، أو صفة؛ كالقيام،
والمصافحة، والتلقيم، (1) والاتكاء حال الرواية، والتشبيك باليد - ويسمى هذا
بالمشابكة - ونحوها.
ومنها: العالي، وهو ما قل وسائطه، ككثير من روايات الكافي.
ومنها: المعلل، وهو - عند المتأخرين - ما كان مشتملا على علة الحكم وسببه.
ومنها: المدرج، وهو ما روي بإسناد واحد أو متن واحد مع كونه مختلف الإسناد
أو المتن، أو أدرج فيه كلام الراوي فتوهم أنه من المعصوم (عليه السلام).
ومنها: المدبج - بالباء المشددة قبل الجيم، وفتح الدال المهملة وضم الميم - وهو
ما وافق راويه المروي عنه في السن، أو الأخذ عن الشيخ، أو روى كل عن الآخر كذلك،
فكأن كل واحد منهما يبذل ديباجة وجهه للآخر.
[و] بعبارة أخرى هو رواية راو عمن يروي هو عنه أيضا، كرواية الصحابة بعضهم
عن بعض، مأخوذ من ديباجة الوجه، فكأن كل واحد منهما يبذل وجهه للآخر - كما
ذكر -.
ومنها: العزيز، وهو الذي لا يرويه أقل من اثنين عن اثنين، ويسمى به لقلة وجوده.
ومنها: المصحف، وهو ما غير متنه أو سنده بما يناسبه؛ خطا وصورة، كتصحيف
بريد بيزيد، وحريز بجرير وحنان بحيان، وتصحيف مراجم - بالراء المهملة والجيم -
بمزاحم - بالزاي والحاء -.
قيل (2): وقد صحف العلامة في كتب الرجال كثيرا من الأسماء، من أراد الوقوف
عليها فليطالع الخلاصة وإيضاح الاشتباه في أسماء الرواة.
كل ذلك تصحيف السند.

1. بأن يقول كل واحد من الرواة: لقمني فلان بيده لقمة وروى لي، قال: لقمني فلان بيده لقمة وروى لي، إلى
آخر الإسناد.
2. شرح البداية: 37؛ الرواشح السماوية: 134.
293

وتصحيف المتن كحديث: " من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال " (1) صحفه
بعضهم بالشين المعجمة ورواه " شيئا ".
ومنها: المحرف، وهو ما غير سنده أو متنه بغيره - ولو بما لا يناسبه - لإثبات مطلب
فاسد، كما صرف أهل البدع الأخبار والآيات - على ما يظهر من الآثار - لإثبات مطلب
فاسد، واختيار مذهب كاسد.
ومنها: المضطرب، وهو ما اختلفت فيه النسخ أو الكتب، سندا أو متنا، أو هما معا.
وقال بعض أصحابنا: إن المضطرب هو ما جاء على وجهين متخالفين، وهو
ضربان:
اضطراب [في] المتن، وذلك كما جاء في اعتبار الدم المشتبه بالقرحة، ففي الكافي
وكثير من نسخ التهذيب أنه إن كان من الجانب الأيمن فحيض، وفي بعضها بالعكس. (2)
واضطراب في السند، وقد بينوه بأن يروي الراوي تارة بواسطة، وأخرى بلا
واسطة، وزعموا أن ذلك يوجب اضطراب الرواية الموجب لعدم ضبط الراوي القادح
في صحة الرواية، معللا بأنه يبعد رواية الراوي بواسطة هو مستغن عنها، كما إذا روى
سيف بن عميرة جواز التمتع بأمة المرأة من غير إذنها؛ تارة عن الصادق (عليه السلام) وأخرى عن
علي بن مغيرة عن الصادق (عليه السلام) وأخرى عن داود بن فرقد عنه (عليه السلام).
ومنها: المدلس، وهو ما روي [بالإسناد] إلى من [لم] يسمع منه الراوي؛ فأوهم
السماع، أو بإيراد ما لم يشتهر من ألقاب الشيخ أو أسمائه أو كناه أو نحو ذلك، مع تعدد
شيخه؛ ليرغبوا في ما رواه.
ومنها: المتفق والمفترق، وهو ما وافق راويه الآخر في اسمه واسم أبيه؛ لفظا
ونطقا، كأحمد بن محمد عن أحمد بن محمد - مثلا -.
ومنها: المقلوب، وهو عبارة عن حديث ورد بطريق يروى بغيره، إما بمجموع

1. صحيح مسلم 2: 822، ح 204 - باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان.
2. انظر: الكافي 3: 94 - 95، ح 3، تهذيب الأحكام 1: 409، ح 1185.
294

الطريق أو ببعضه.
وبعبارة أخرى: هو ما بدل كل رواته أو بعضها بغيره، سهوا؛ كحديث يرويه محمد
ابن أحمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن عيسى، أو للرواج حيث يكون المقلوب
أجود من المقلوب منه، وعمل ذلك العمل ليرغب في ذلك الحديث، كما إذا رواه
محمد بن قيس فيروى عن محمد بن مسلم، وقد يكون القلب للكساد.
ومنها: المؤتلف والمختلف، وهو ما وافق راويه الآخر خطا.
ومنها: رواية الأقران، وهو ما كان راويه موافقا للمروي عنه في السن، أو الأخذ عن
الشيخ، واختصت الرواية بأحدهما.
ومنها: رواية الأكابر عن الأصاغر، وهو ما كان راويه مقدما على المروي [عنه] في
السن أو الأخذ عن الشيخ.
ومنها: الصحيح، وهو عند القدماء - على ما عرفت سابقا في بيان كلام الصدوق في
ديباجة الفقيه - عبارة عن خبر يعتمدون عليه ويثقون بكونه عن المعصوم (عليه السلام) وإن
اشتملت سلسلة سنده على غير الإمامي، كما أجمعوا على تصحيح ما يصح عن أبان بن
عثمان، وهو - على ما نقله الكشي عن محمد بن مسعود، عن علي بن [الحسن بن]
فضال أن أبان ناووسي (1) - وإن أثبتنا أن الجارح - وهو ابن فضال - فطحي، فلم يثبت من
جرح من كان مجروحا قدح أبان الأحمر الذي أمره الإمام الذي هو بالحق ناطق جعفر
الصادق (عليه السلام) " بأن كل ما يروي عني أبان بن تغلب لك فاروه عني " (2) فأمر الإمام بذلك دليل
على كمال مدح أبان بن عثمان، كما أثبتناه في ذيل رسالتنا في بطلان الوقف المشروط
مستوفى، فمن أراد الاطلاع فعليه بملاحظة تلك الرسالة.
وما قال به جماعة من الأخباريين من أن الصحيح عندهم [منحصر] في قطعي
الصدور؛ فقد عرفت فساده بما لا مزيد عليه.

1. انظر: منتهى المقال 1: 137.
2. انظر: مجمع الرجال 1: 22.
295

على أن الخبر عندهم [على] قسمين: صحيح وضعيف، فالضعيف عبارة عما
لا يعتمد عليه، فيكون الصحيح - عندهم - عبارة عما يعتمد عليه، وإن لم يقطع بصدوره
- كما في أخبار الآحاد - و [تدل] عليه عبارة الشيخ في ديباجة التهذيب والاستبصار وهو
من أجلاء الطائفة وقدماء الإمامية.
ويستفاد من قول الصدوق رحمه الله: " كل ما لم يحكم ابن الوليد بصحته فهو
عندنا غير صحيح " أن ظاهره الاعتماد على تصحيح شيخه - وهو ابن الوليد - وعدم
الاعتماد على تصحيح غيره.
وأما الصحيح عند المتأخرين؛ فهو عبارة عن خبر يكون الراوي - في كل مرتبة من
مراتب سلسلته - إماميا، عدلا، ضابطا.
فالنسبة بين الاصطلاحين عموم مطلق، كما أن النسبة بين الصحيح عند القدماء
والمعمول به عندهم عموم من وجه، لكون ما يوافق التقية صحيحا [أحيانا] وكون ما
تروي العامة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) غير صحيح ومعمولا به أحيانا، لما نقل عن الشيخ أنه
قال في العدة (1) ما مضمونه: إن رواية المخالفين في المذهب؛ عن الأئمة (عليهم السلام) إن عارضها
رواية الموثوق به وجب طرحها، وإن وافقتها وجب العمل بها، لما روي عن
الصادق (عليه السلام) أنه قال: " إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووه فانظروا ما رووه
عن علي (عليه السلام) فاعملوا به ".
وكذا النسبة بين صحيح المتأخرين والمعمول به عندهم، لعملهم بالحسن
والموثق وطرحهم الصحيح الموافق للتقية أو المخالف للأقوى.
وهو على أقسام ثلاثة: أعلى، وأوسط، وأدنى.
فالأول: ما كان كل واحد من الرواة في كل مرتبة معلوم الإمامية والعدالة والضبط،
أو كان معدلا بتعديل عدلين، أو معدلين بعدلين، وهكذا.
والأوسط: ما كان رواة سلسلته - كلا أو [بعضا] مع كون الباقي من القسم الأول -

1. عدة الأصول: 61.
296

معدلا بعدل يفيد قوله الظن المعتمد، أو بمعدل كذلك.
والثالث - أي الأدنى -: ما كان رواتها - كلا أو بعضا، مع كون الباقي من القسم الأول
أو الثاني - ممن حكم بعدالته بالظن الاجتهادي.
ولكل مراتب عديدة:
أما الأول؛ فبملاحظة كون المزكي معلوم العدالة؛ بالصحة المتأكدة، أو حسن
الظاهر، أو الظن الاجتهادي، وبملاحظة كون واحد من الرواة من القسم الثاني أو
الثالث، أو اثنين أو أزيد.
وأما الثاني؛ فلذلك أيضا مع ملاحظة كون المعدل بعدل واحد واحدا أو زائدا.
وأما الثالث؛ فلذلك أيضا مع ملاحظة كون تعديل المعدل بالظن الاجتهادي
حاصلا من غير تزكية العدل، وكون المعدل واحدا أو زائدا.
وتثمر ملاحظة هذا التفاوت عند التعارض، إذ قد يحصل التعارض ولا يحصل
التعادل بملاحظته، فلا يحتاج إلى الترجيح من جهة أخرى.
[و] منها: الحسن، وهو عبارة عما اتصل سنده إلى المعصوم (عليه السلام) بنقل الإمامي
الممدوح، بلا معارضة ذم مقبول، من غير نص على عدالته في جميع مراتبه أو بعضها،
مع كون الباقي بصفة رجال الصحيح.
وبعبارة أخرى: الحسن، هو خبر يكون كل راو من رواة سلسلته إماميا ممدوحا، و
يكون مدح الكل غير بالغ إلى حد الوثاقة، أو يكون مدح البعض كذلك - مع بلوغ مدح
الباقي إلى حدها -.
وله أيضا مراتب تعرف بالتأمل.
ومنها: الموثق، وهو ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد
عقيدته، ولم يشتمل باقيه على ضعيف.
ومنها: الضعيف، وهو ما لا تجتمع فيه شروط أحد الثلاثة.
وبعبارة أخرى: ما حكم بكون بعض رواتها أو كلها مجروحا بغير فساد المذهب.
297

وقد يطلق على [ما] هو الأعم من المعلوم فسقه والمجهول حاله.
ومنها: القوي، وهو - بالمعنى العام - ما يظن بصدق صدوره ظنا مستندا إلى غير
جهة الصحة والحسن والتوثيق، وهو على أقسام:
منها: ما يكون سلسلة رواته إماميين جميعا، مع كون البعض أو الكل مسكوتا عن
المدح والقدح، كنوح بن دراج.
ومنها: ما يكون كذلك، إلا أن البعض أو الكل يكون ممدوحا بمدح غير بالغ إلى
مرتبة الحسن.
ومنها: ما يكون الجميع غير إماميين ممدوحين بمدح بالغ إلى مرتبة الحسن، أو
البعض غير امامي والباقي إماميا، مع مدح الإمامي إلى مرتبة الحسن.
وللكل مراتب باعتبار كثرة الأحسن وقلته، وتعدده ووحدته.
ومنها: الحسن كالصحيح، وهو ما كان كل واحد من رواة سلسلته إماميا، وكان
البعض ممدوحا بمدح معتمد غير بالغ إلى حد الوثاقة، ككونه شيخ الإجازة - على
المشهور -.
وكذا لو كان الكل كذلك، أو كان البعض الممدوح واقعا بعد من يقال في حقه: إنه
ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، كابن أبي عمير.
ومنها: الحسن محتمل الصحة.
[و] منها: الموثق كالصحيح.
[و] منها: القوي كالصحيح.
[و] منها: القوي كالحسن.
[و] منها: القوي كالموثق.
ومعاني كل ذلك يظهر بالتأمل.
ومنها: المهمل، وهو ما لم يذكر بعض رواته في كتاب الرجال ذاتا ووصفا.
ومنها: المجهول، وهو ما ذكر رواته في كتاب الرجال، ولكن لم يعلم حال البعض
298

أو الكل [ولو بالنسبة] إلى العقيدة.
[و] منها: القاصر، وهو ما لم يعلم [مدح] رواته كلا أو بعضا، مع معلومية الباقي
بالإرسال [أ] وبالإهمال، أو بجهل الحال، أو بالتوقف عند تعارض الأقوال في بيان
الأحوال.
وهذه الأقسام في حكم الضعيف في الحجية؛ في السنن والكراهة، فتدبر.
الباب الثالث: فيما يشترط للراوي في تحمل الرواية على ما هو المقرر بين
المحدثين والعلماء من الفقهاء والأصوليين؛ في أنحاء تحمل الحديث فيما بينهم.
[وهي] سبعة:
الأول - وهو الأعلى -: السماع من الشيخ، فيقول: " سمعت " أو " حدثني " أو
" أخبرني " أو " أنبأني ".
وهو قد يكون مع قراءة الشيخ من الكتاب، وقد يكون مع إلقائه من الحفظ
وإملائه.
وعلى التقديرين: قد يكون المخاطب غير السامع، وقد يكون نفسه سامعا
ومخاطبا، منفردا أو مجتمعا، فعلى الراوي أن يقول: " سمعته " أو " حدثني " أو " أخبرني "
أو " أنبأني " إن قصد الشيخ سماعه منفردا أو مجتمعا، وأما إن قصد سماع غيره فيقول:
" حدث فلانا وأنا أسمع " أو " أنا سمعته ".
وهل تكون قراءة الشيخ عن الكتاب أعلى من إملائه من الحفظ، أو يكون الأمر
بالعكس؟
صرح جماعة بأن الثاني أعلى من الأول، معللين بقلة احتمال الخطأ من الشيخ،
وكثرة الاعتناء الموجبة لقلة الخطأ من المروي له.
وآخرون بالعكس، ولعله جيد، إذ لا يخفى على من له وجدان صحيح أن القراءة
من الكتاب أضبط بالإضافة إلى الإملاء من الحفظ، لكثرة الاشتباه والسهو والنسيان في
الإملاء، دون القراءة من الكتاب.
299

فإن قلت: احتمال الغلط والتحريف والتصحيف بالإضافة إلى النسخ يأبى ما
اخترتم، كيف وكثرة نحو هذه الدلالات غير عزيزة جدا.
قلت: الاحتمال المزبور - لو سلم - لا ربط له بالمقام، بل هو شيء آخر، والمناط
ملاحظة حالتي القراءة والإملاء من حيث هما، مع قطع النظر عن الأمور الخارجة
عنهما.
وأما الدليل على أن كون السماع أعلى مراتب التحمل بينهم حتى القراءة على
الشيخ - كما هو المشهور - [ف‍] إنه جاءت الرواية عن الصادق (عليه السلام) في الخبر الصحيح عن
ابن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين، عن ابن
محبوب، عن عبد الله بن سنان حيث سأله: يجيئني القوم فيستمعون مني حديثكم
فأضجر ولا أقوى، قال: فاقرأ عليهم من أوله حديثا، ومن وسطه حديثا، ومن آخره
حديثا. (1)
والأمر بها دون غيرها يقتضي علو المرتبة كما لا يخفى.
والثاني: القراءة على الشيخ التي عليها المدار في هذه الأعصار، ويقال لها:
" العرض على الشيخ " وفي كونها كالسماع أو أعلى منه أو أدنى؛ خلاف، أشهره الثالث،
ووجهه ما مر آنفا.
وبالجملة، فهي قد تكون بقراءة المتحمل عند الشيخ، وقد تكون بقراءة غيره
وسماعه.
وعلى التقديرين: قد تكون مع كون الأصل المصحح بيد الشيخ، أو بيد ثقة؛ وقد
تكون [مع] التفات الشيخ إلى ما في حفظه، فيقول: " قرأت عليه وأقر به " أو إحدى
العبارات المذكورة مقيدة ب‍ " قراءة عليه " أو " قرئ عليه - وأنا أسمع - فأقربه " مثل " قرأت
على فلان واعترف " أو " حدثني " أو " أخبرني فلان " ونحوهما، مثل " حدثني فلان قراءة
عليه " أو أحدها مقيدة.

1. الكافي 1: 51 - 52، ح 5.
300

والحاصل: [أن] القراءة على قسمين:
الأول: أن يكون بعد القراءة عليه معترفا ومقرا بإقراره.
والثاني: أن يكون ساكتا عنه.
ولا شك أن الأول أولى من الثاني؛ على فرض حجية الثاني السكوتي واعتباره.
واختلفوا فيه، [ف‍] قيل: مع التوجه إليه وعدم المنع يدل على الرضا والاعتراف به،
وزاد بعض: عدم ظهور المانع من الرد، وهو جيد.
ويكفي لصحة الرواية انضمام القرائن إلى الرضا.
وفيه: أن جواز الرواية حينئذ مطلقا لا يخلو عن نظر، بل لابد من ذكره، وبيان
حقيقة الحال؛ خروجا عن التدليس.
الثالث: الإجازة، وهي - في العرف -: إخبار مجمل بشيء معلوم مأمون عليه من
الغلط والتصحيف.
وفائدة الإجازة في الرواية مجرد اتصال السند للتيمن والتبرك.
ومع تحقق شروطها؛ فالعبارة عنها من المجيز: " أجزت لك كل ما صح - أو يصح -
عندك من مسموعاتي " ونحو ذلك.
وعند إرادة التحديث بها من المجاز: " أخبرني فلان - أو حدثني - إجازة ".
وفي جواز إجازة المجاز للغير وعدمه قولان، والجواز قريب، كما ترى في الدأب
كثيرا، وعبارتها - حينئذ -: " أجزت لك ما أجيز لي روايته " ونحوه مما يؤدي مؤداه.
وهي على أقسام خمسة:
أحدها: [ما] كانت لمعين بمعين - وهي أعلاها - كقوله: " أجزتك التهذيب " مثلا، أو
" أجزتك هذه النسخة " وهي أعلى من الأول؛ للإشارة.
[و] ثانيها: [إجازة] معين بغير معين، كأن يقول " أجزت لك مسموعاتي " فلا بد
للمجاز من اقتصاره - عند روايته - على ما ثبت من مسموعاته.
وثالثها: إجازة غير معين بمعين، كقوله: " أجزت التهذيب لكل الطلبة " أو " أجزته
301

لأهل زماني ".
ورابعها: إجازة غير معين بغير معين، كقوله " أجزت مسموعاتي لأهل زماني ".
وخامسها: إجازة المعدوم، كقولنا: " أجزت رواية هذا الكتاب لمن سيولد إلى يوم
القيامة " وفي جواز الأخير خلاف.
وتفاوت مراتب هذه الأقسام في العلو والقوة لا يحتاج إلى الإظهار لدى من له
القوة.
الرابع: المناولة، بأن يناوله الشيخ أصله ويقول: " هذا سماعي من فلان " مقتصرا
عليه، من دون " أجزتك " ومع قيام القرينة يقول: " حدثنا مناولة ".
والمناولة - عند العرف - هي: أن يعطي الشيخ أصله قائلا للمعطى [له]: " هذا
سماعي من فلان " مقتصرا عليه - كما ذكرنا - أو مع قوله: " اروه عني " أو " أجزت لك
روايته " أو " حدثني فلان - أو أخبرني - مناولة ".
والمروي في الكافي (1) في باب رواية الكتب والحديث؛ بإسناده إلى أحمد بن عمر
الحلال قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول:
اروه عني، يجوز لي أن أرويه عنه؟
[قال] فقال: إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه.
فإذا أراد المتحمل التحديث بها فالعبارة عنها ما ذكرنا من " حدثني فلان - أو
أخبرني - مناولة " ونحوهما من العبائر مقيدة بما يرفع التدليس، مثل قوله: " ناولني ".
الخامس: الكتابة من الشيخ؛ بأن يكتب مرويه بخطه [أ] ويأذن فيها لمن يثق به؛
لغائب أو حاضر، مقتصرا عليه، أو مع قوله: " أجزت لك ما كتبت به إليك " ونحوه، وهي
أولى، وإن كانت العبارة الأخرى جائزة.
ومع إرادة التحديث بها من الراوي يقول: " كتب إلي فلان قال: حدثنا " أو " حدثنا
فلان مكاتبة ".

1. الكافي 1: 52، ح 6.
302

والظاهر [أنه] لا خلاف في جواز الرواية [بها] بشرط معرفة الخط والأمن من
التزوير، كما دل عليه الخبر المذكور المروي عن الثامن الضامن (عليه السلام).
وإن خلا عن ذكر الإجازة؛ ففيه إشكال، بل خلاف، فالأكثر على الصحة، وهو
الأظهر؛ بشرط تقييده بالكتابة بأن يقول: " كتب فلان، أو أخبرنا، أو حدثنا؛ مكاتبة " لرفع
التغرير والتدليس، وإن كان ما يستفاد من الخبر جوازه مطلقا.
السادس: الإعلام من الشيخ بأن هذا الكتاب روايته أو سماعه من شيخه؛ بأن يعلم
الناس أو المروي له أن ما كتب في الكتاب الفلاني مرويه، من غير مناولة وإجازة، أو
أوصى عند الموت أو المسافرة بكونه كذلك، فيقول: " أعلمنا " ونحوه.
[و] اختلف في جواز الرواية بذلك الإعلام، فلو أوصى الشيخ بكتاب من مروياته
بذلك الإعلام؛ ففي جواز الرواية له بمجرد ذلك وعدمه قولان، فقيل بالمنع لبعد ذلك عن
الأول، وقيل بجوازه لما فيه من الإشعار بالإذن، وهو حسن إن اقترن بما يحقق ذلك.
وسابعها: الوجادة - بالكسر - وهي في العرف: أن يوجد كتاب أو حديث رواه
إنسان بخطه، وليس للواجد منه إجازة ولا نحوها، والعبارة عن ذلك: " وجدت بخط
فلان كذا " ونحوها من إحدى العبارات المذكورة مقيدة بالوجادة.
ولا تجوز له الرواية بمجرد ذلك، بل لابد أن يقول: " وجدت بخط فلان " أو " في
كتاب فلان " أو " أخبرنا " أو " حدثنا " مقيدة بالوجادة.
ومنع ذلك - [أعني] قوله أخبرنا وحدثنا، مع التقييد الذي يفيد المطلوب ويمنع
التدليس والتغرير - لا وجه له، فإن باب المجاز واسع، والتدليس بالقرينة مرتفع.
وكذا لا وجه [لمنع] العمل بمثل هذه الروايات، مع العلم بالتواتر ونحوه؛ من أنها
من الشيخ، سيما في أمثال زماننا.
ولما كان المناط في أمثال المقام الظن؛ فتجوز الرواية والاعتماد عليها بجميع
الطرق المتعددة المتقدمة.
وكذا لو كان المدرك الإجماع، فإن تحققه - فيما دل اللفظ عليه بإحدى الدلالات
303

الثلاث - مما لا ريب فيه.
نعم، لو كان العمل بها من باب التعبد بالخبر من حيث إنه خبر؛ فإنه يشكل
الاعتماد والعمل في بعضها سيما نحو الكتابة والوجادة، وتحقيق الكلام في المقام في
علم الأصول.
الباب الرابع: في بيان أن الجرح والتعديل ونحوهما هل من باب الشهادة، أو
النبأ والرواية، أو الظنون الاجتهادية؟
اعلم أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة على أقوال:
[ف‍] قيل: إن التزكية من باب الشهادة، ومن المواضع التي لابد فيها [من] تحصيل
العلم أو حصول ما يقوم مقامه، وعدم جواز العمل بالظن إلا عند انسداد باب العلم بكلا
قسميه من الوجداني والشرعي - غالبا - وإن بابه مفتوح هنا، لعدم تسليم الدلالة الظنية
أولا، وعلى فرض تسليمها لا نسلم تماميتها حتى هنا أعني في الموضوعات، فلا بد من
العلم أو ما يقوم مقامه، وهو الشهادة.
وقيل: إنها من باب الرواية، لدلالة الأخبار والآيات على اعتبار جواز العمل بالخبر
من حيث إنه خبر.
مضافا إلى كفاية العمل بخبر الواحد في أصل الرواية، فلا يزيد فرعه - وهو
التعديل والتزكية - عليه.
وقيل: إنها من باب الظنون، لعدم إمكان الشهادة، كما ذكرنا - في مقام تصحيح
الغير - من أنها إخبار جازم في حق لازم فيما يكون لفظا.
وهذا غير ممكن التحقق بالنسبة إلى الرواة؛ لاقتضائه - أولا - إدراك الشاهد لهم،
وهذا غير واقع بالنسبة إلى من كان سابقا في أزمنة كثيرة.
وثانيا: ما كتب في [كتب] الرجال ليس من باب الشهادة، لأنه نقش، والشهادة لابد
أن تكون من باب اللفظ.
304

وثالثا: [أن] أكثره من باب فرع الفرع، بل فرع فرع الفرع.
ورابعا: لو سلم الإمكان؛ فلا دليل على اعتبار [الشهادة] على سبيل الكلية الشاملة
للمقام، إذ لا عموم من الكتاب والسنة.
وخامسا: لو سلمنا تحقق هذه الفروض بالفرضية المسلمة التقديرية؛ فإنها
لا تسمن ولا تغني من جوع موضوعا ولا محمولا؛ بلا إشكال، لكفاية الظن الاجتهادي
- كما لا يخفى -.
وبما ذكرنا ظهر لك وجه جواز العمل بالظن في تعيين الرواة، بل الحاجة [فيه]
أشد؛ إذ كثيرا ما يحتاج إلى القرائن الرجالية صاحب المشتركات العامل بالظن الذي لا
يعرف حاله إلا بالظن.
وظهر أيضا وجه عدم الاكتفاء بمجرد قول المشايخ: " إن الأخبار صحاح " فإن
الفسق في الجملة يوجب التزلزل الذي لا يرتفع إلا بعد التصحيح ونحوه، كالعمل
بالعام قبل الفحص [عن المخصص].
الباب الخامس: في ألفاظ المدح والقدح
اعلم أن ألفاظ المدح على قسمين:
الأول: ما يدل على حسن الرواية مطابقة، وحسن الراوي التزاما، كقولهم: " صحيح
الحديث ".
الثاني: ما هو العكس، سواء كان دالا على الكيفية النفسانية بنفسه، كقولهم: " ثقة في
الحديث " أو بواسطة كقولهم: " شيخ الإجازة " على قول قوي.
وكل منهما على قسمين:
الأول: ما يدل على المدح البالغ إلى حد الوثاقة.
والثاني: ما يدل على المدح غير البالغ، سواء كان بالغا إلى حد يوجب الاطمئنان
المعتمد؛ بدلالته على حسن حال الراوي، كقولهم: " خير " أولا، كقولهم: " فاضل ".
305

وكل واحد من الأقسام على قسمين:
الأول: ما يجامع صحة العقيدة، مع التنصيص أو بدونه، كقولهم: " عدل إمامي " أو
" ثقة " من غير التنصيص بالإمامية.
والثاني: ما يفارق صحة العقيدة؛ بالتنصيص على العدم، كقولهم: " ثقة فطحي ".
وتظهر ثمرة الأقسام في صورة التعارض والترجيح، فإن الصحيح بالظن
الاجتهادي الحاصل من القسم الأول من القسم الثاني من الألفاظ؛ مقدم على الصحيح
بالظن الحاصل من القسم الثاني منه، فيقال: إنه أقوى سندا، وهكذا.
فما يدل على حسن الراوي - بالمطابقة - والرواية - بالالتزام - ويكون مدلوله
حسنا بالغا إلى حد الوثاقة، مع صحة العقيدة المنصوصة؛ ألفاظ:
منها: قوله: " عدل إمامي " أو " عدل من أصحابنا الإمامية " أو نحو ذلك، وإن اقترن
بلفظ " ضابط " [فهو أولى] وإلا فيحمل عليه، للغلبة.
فإن قلت: قد وقع الاختلاف في العدالة بأنها الملكة أو حسن الظاهر، أو ظهور
الإسلام وعدم ظهور الفسق، وكذا في أسباب الجرح وعدد الكبائر، فمع عدم الاطلاع
على رأي المعدل لا ينفع التعديل بذلك اللفظ.
قلت: مع أن هذا الإيراد لا يتم عند توافق رأي المعدل مع رأي الناظر، أو كون رأي
المعدل في مرتبة عليا، وإرادة الأخير بعيدة كما لا يخفى.
والأولان كافيان لمن يقول بكونها حسن الظاهر - كما هو الحق المشهور - مضافا
إلى أن ما وضع له قولهم: " فلان عدل " هو الإخبار العلمي بالعدالة، وغرضهم من هذا
القول انتفاع كل الناس سيما من بعدهم به، فإن الغالب عدم اعتناء المعاصرين بعضهم
بكتب بعض، وهم كانوا عالمين بالاختلاف، فلو كان مرادهم من العدالة المطلقة ما هو
المعتبر عند القائل دون الكل؛ من غير بيان من الحال أو المقال لزم التدليس والإضلال،
وكلاهما - مع العدالة - بعيد، بل محال.
فلا بد من حمل المطلق على ما هو المعتبر عند الكل - بمعنى حصول العلم
306

بالعدالة، وهو معتبر عند الكل - حذرا من المحذورين.
نعم، من اصطلح اصطلاحا مخصوصا لا يرد عليه ذلك، وليس ذلك حاصلا
للغالب، بل لأحد، فإن اطلاعنا على مذهب الشيخ - مثلا - لا يقتضي اصطلاحه، وهو
أيضا لم يكن عالما بأن من سيأتي من الناظرين إلى (رجاله) مثلا سيكونون عالمين
باصطلاحه الذي لم يبينه في رجاله.
فبملاحظة ما ذكر يحصل الظن بالعدالة لا محالة، وهو كاف.
وكونه إماميا يحصل بما يفيد كونه إماميا، إما بالتنصيص والتصريح، أو بالظهور
على النحو المذكور.
أما كونه ضابطا - مع أنه من شرائط الصحة - [ف‍] إما أن يظهر ذلك الشرط من
الغلبة، فإن الغالب من عدول الرواة هو الضابط، فيحمل عليه؛ لأن الظن يلحق الشيء
بالأعم الأغلب.
أو من أن الضابط هو الفرد الكامل الذي ينصرف إليه الإطلاق.
أو من جهة عدم تأمل أحد من العلماء من هذه الجهة، الكاشف عن كون مثل هذا
اللفظ في الاصطلاح عبارة عن العدل الضابط.
واعلم أن ما يدل على القسم الأول - أي على حسن الراوي مطابقة، وعلى [حسن]
الرواية بالالتزام؛ مع كون مدلوله مدحا بالغا إلى حد الوثاقة، مستفادا [معه] صحة
العقيدة المنصوصة - له ألفاظ كثيرة:
منها: قولهم: " فلان عدل إمامي " أو " عدل من أصحابنا الإمامية " أو نحوهما من
الألفاظ - كما مرت إليه الإشارة -.
والعبارة إن انضم إليها لفظ " ضابط " فهو أحسن بالضرورة، وإلا فيحمل عليه، لما
ذكرنا من الغلبة المسلمة هنا بالبديهة.
[و] منها: قولهم: " ثقة ثقة " بتكرير اللفظ تأكيدا، وربما أن الثاني بالنون. (1)

1. كما حكي ذلك عن ابن دريد، وانظر: مقباس الهداية: 69 - الطبعة الحجرية.
307

[و] منها: قولهم: " فلان ثقة إمامي ".
ومنها: قولهم: " عدل ".
ومنها: قولهم: " فقيه من فقهائنا " وإن اختلف فيه في خصوص دلالته على الوثاقة؛
لعدم الاستلزام، [إذ] رب فقيه لا يكون موثوقا به، وإن قيل: يمكن فيه الدلالة من جهة
أخرى.
ومنها: قولهم: " عين من أصحابنا " أو " أوثق من فلان " [مع كون فلان] ثقة إماميا.
ومنها: قولهم: " شيخ الطائفة " كذلك. (1)
إلى غير ذلك من الألفاظ.
ومنها: قول العدل الإمامي: " فلان ثقة " (2) بناءا على أن ديدنهم التعرض [للفساد]
فعدم التعرض ظاهر في عدم وجدانه، وعدم الوجدان ظاهر في عدم الوجود؛ لبعد
وجوده وعدم ظفرهم مع شدة بذل جهدهم.
أو لأن المطلق ينصرف إلى الكامل، أو لأنهم اصطلحوا ذلك اللفظ في الإمامي
العادل الضابط - كما مرت إليه الإشارة - فعند الإطلاق يحمل عليه، وعند التقييد
بقولهم: " فطحي " يصرف عن الظاهر، وكذا عند التعارض؛ لتقدم النص على الظاهر.
ومنها: كل واحد من الألفاظ المذكورة إذا خلا من القيود المسطورة، ونحوها.
ومنها: قولهم: " شيخ الإجازة " إذا كان المستجيز من الأجلة؛ كالمفيد وشيخ الطائفة،
أو كانت الإجازة على وجه الاستمرار والشيوع والغلبة.
وما يدل على حسن الرواية بالمطابقة، وحسن الراوي بالالتزام؛ مع بلوغه إلى حد
الوثاقة أيضا ألفاظ كثيرة:
منها: قولهم: " اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه " فإنه ظاهر في مدح

1. أي: على وجه، كما مر في قولهم: " فقيه من فقهائنا " وانظر: لب اللباب: 470.
2. هذا وما بعده؛ مما يدل على المدح البالغ إلى حد الوثاقة، مع صحة العقيدة لكن من غير تنصيص،
فلاحظ: لب اللباب: 470.
308

الرواية، ولكنه يفيد وثاقة الراوي أيضا، فإن مرادهم من هذا اللفظ بيان قاعدة كلية في
بيان [أن] الراوي المخصوص يكون بمرتبة [لو] صار الحديث صحيحا إليه؛ لكان
صحيحا، ولو كان الحديث مما لم يطلع عليه المادح، فإن عدم صدور حديث سوى ما
اطلع عليه مما لم يطلع عليه إلا الله والراسخون في العلم.
فذكر لفظ العموم - وهو كلمة " ما " - مع ذلك دليل على عدم إرادة ما اطلع عليه
خاصة، فلا بد من كون الموصوف بذلك الوصف ثقة معتمدا، حتى يمكن أن يقال في
[حقه]: إن ما يصح عنه فهو صحيح، مع أن الإتيان بلفظ المضارع دون الماضي دليل
على ما ذكر - كما لا يخفى -.
مضافا إلى أنه اجتمعت العصابة على أن قولهم: " اجتمعت العصابة " يفيد الوثاقة
بالنسبة إلى من ورد في حقه تلك اللفظة، ولا نزاع في ذلك، وإنما النزاع في إفادته صحة
الحديث مطلقا، فلا يلاحظ من كان بعد ذلك الشخص في الذكر؛ إلى المعصوم (عليه السلام).
بل لو كان ضعيفا أيضا؛ لم يكن قادحا في الصحة عند المشهور، وعدمها - كما عن
بعض، كما هو المتيقن - فإن دلالة الألفاظ إما بالوضع أو بالقرينة، والوضع إما لغوي أو
عرفي عام أو خاص، ولم يثبت الوضع بأنواعه؛ بالنسبة إلى إفادة تعديل من كان واقعا
بعد ذلك الشخص، وكذا القرينة، وإن كان الأول لعله هو الظاهر من العبارة - كما قيل -.
ومما ذكرنا يندفع ما يرد: أن تصحيح القدماء لا يستلزم التوثيق - كما لا يخفى -.
فلا حاجة إلى أن يقال: إن دعوى الشيخ الاتفاق على اعتبار العدالة في قبول الخبر
دليل على المطلوب، حتى يرد: أن ذلك مناف لتقسيم الحديث إلى الصحيح
والضعيف، وجعل الصحيح ما وثقوا بكونه من معصوم (عليه السلام) ولو من أمارات سوى
الوثاقة؛ حتى يحتاج إلى الرفع بالفرق بين الصحيح والمعمول به، أو بتخصيص ذلك
في الخبر الذي لم يقترن بأمارة الاطمئنان سوى عدالة الراوي؛ بمعنى أنها شرط في
حجية الخبر بنفسه، مع أنه لا ينفع مع ذلك.
ومنها: قولهم: " صحيح الحديث ".
309

ومنها: قولهم: " سليم الرواية ".
إلى غير ذلك من الألفاظ الدالة على وثاقة الراوي بالالتزام.
[و] اعلم أن تلك الألفاظ في صورة الاجتماع أدل (1) منها في صورة الانفراد،
والمجتمع الزائد أدل من المجتمع الناقص، مثلا قولهم: " ثقة، عين " أدل من قولهم:
" ثقة " فقط، و " عين " كذلك، وهكذا، كما أن بين أنفسها تفاوتا يعرف بالتأمل، ويثمر في
صورة التعارض.
ومثل ذلك حال الألفاظ الآتية في الحسن والقوة.
وما يدل على الحسن أيضا ألفاظ كثيرة.
ويستفاد مما ذكر أن الدال عليه - مع الاقتران بصحة العقيدة على وجه التنصيص -
في أي صورة يكون، والدال عليه - مع الاقتران بها على وجه الظهور - في أي حال
يكون، فلنذكر مجرد ألفاظ الحسن والمدح على وجه الإجمال، فنقول: إنها كثيرة:
منها: قولهم: " صدوق ".
ومنها: قولهم: " خير ".
ومنها: قولهم: " دين ".
[ومنها: قولهم:] " سليم الجنبة " بالجيم والنون والباء الموحدة محركة، أي: سليم
الطريقة أو: سليم الأحاديث.
ومنها: [قولهم:] " كثير التصنيف ".
ومنها: [قولهم:] " جيد التصنيف ".
ومنها: قولهم: " مضطلع [بالرواية] " أي: عال وقوي في الحديث.
ومنها: قولهم: " جليل القدر ".
ومنها: [قولهم:] " فقيه من فقهائنا " أو قولهم: " شيخ الطائفة " [وهو] من هذا القبيل

1. وفي لب اللباب: أولى.
310

- كما مر -.
ومنها: [قولهم:] " أسند عنه " فإن المراد من السماع على وجه الاستناد والاعتماد،
وإلا فكثير ممن سمع عنه ليس ممن أسند عنه، فيفيد المدح العظيم - وإن لم يبلغ إلى
حد الوثاقة -.
وقيل: معناه أنه لم يسمع منه، بل سمع عن أصحابه الموثقين. (1)
ومنها: كون الرجل من مشايخ الإجازة؛ في وجه.
ومنها: وقوعه في سند اتفق الكل أو الجل على صحته؛ على قول.
ومنها: رواية من ورد في حقه أنه لا يروي إلا عن ثقة - كابن أبي عمير - عنه.
ومنها: أن يقول الثقة: " حدثني الثقة " على وجه.
ومنها: رواية الأجلاء عنه.
ومنها: قولهم: " من أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام) ".
ومنها: وقوعه في سند حكم به بصحته؛ على وجه.
ومنها: أن يكون ممن ادعي اتفاق الشيعة على العمل بروايته.
ومنها: قولهم: " أوجه من فلان ".
ومنها: قولهم: " أصدق من فلان " مع كون فلان وجها.
ومنها: أن يؤتى برواية بإزاء رواية الجليل.
ومنها: اعتماد الشيخ عليه.
ومنها: اعتماد القميين عليه.
ومنها: رواية القميين عنه.
ومنها: أن تكون رواياته - كلها أو جلها - مقبولة.
ومنها: أن تكون رواياته سديدة.

1. انظر: منتهى المقال 1: 71 - 72.
311

وما يدل على [المدح] الأنقص من ذلك ألفاظ كثيرة:
منها: قولهم: " له أصل ".
ومنها: قولهم: " له كتاب ".
ومنها: قولهم: " له كتاب النوادر ".
والفرق: أن " الأصل " ما كان مجرد كلام المعصوم (عليه السلام) والكتاب الذي ليس بأصل ما
كان كلام مصنفه أيضا فيه.
وقيل: " الكتاب " ما كان مبوبا ومفصلا، و " الأصل " مجمع آثار وأخبار.
وقيل: إن " الأصل " هو الكتاب الذي جمع مصنفه الأحاديث التي رواها عن
المعصوم (عليه السلام) أو عن الراوي، و " الكتاب " [هو] الذي لو كان فيه حديث معتبر لكان
مأخوذا من الأصل غالبا، وإن كان ما يصل إليه أحيانا معنعنا من غير أخذ من أصل.
وأما " النوادر " فالظاهر أنه ما اجتمع فيه أحاديث لا تنضبط في باب؛ لقلته أو
وحدته.
ومنها: ذكر النجاشي أو مثله من غير طعن.
ومنها: قولهم: " خاصي " وإن احتمل كون المراد ما قابل العامي.
ومنها: قولهم: " قريب الأمر ".
ومنها: [قولهم:] " بصير بالحديث والرواية ".
ومنها: قولهم: " كثير الرواية ".
ومنها: قولهم: " كثير السماع ".
ومنها: كونه ممن يروي عن الثقات.
ومنها: كونه ممن تكثر الرواية عنه ويفتى بها، كما في السكوني.
ومنها: إكثار " الكافي " أو " الفقيه " الرواية عنه.
ومنها: قولهم: " صاحب فلان " أي: واحد من الأئمة (عليهم السلام).
312

ومنها: ذكر الجليل مترحما أو مترضيا.
ومنها: قول المعدل: " حدثني بعض أصحابنا ".
ومنها: قولهم: " فاضل ".
ومنها: قولهم: " شاعر ".
ومنها: قولهم: " متكلم " أو " منشئ ".
[و] قول القائل: " قارئ " مما لا دخل [له] في السند والمتن.
ومنها: قولهم: " أديب ".
ومنها: " متقن ".
ومنها: " ثبت ".
ومنها: " حافظ ".
ومنها: " ضابط ".
ومنها: " صحيح الحديث ".
ومنها: " صالح ".
ومنها: " زاهد ".
ومنها: " عالم ".
ومنها: " مسكون [إلى روايته] ".
ومنها: " مشكور ".
ومنها: " لا بأس به " أي: من جميع الجهات، إذ النكرة في سياق النفي.
ومنها: " جليل ".
وألفاظ القدح أيضا كثيرة، كقولهم: " ضعيف " و " كذاب " و " وضاع " و " واه " و " منكر
الحديث " و " ضعيف الحديث " و " متروك " و " متهم " و " ساقط " و " ليس بشيء " و
" فاسق " و " مضطرب الحديث " و " ليس بنقي الحديث " ونحو ذلك مما يدل على الذم.
313

وفي حكمها [قولهم:] " ليس بذلك " و " رواية الضعفاء " (1) وقولهم: " مختلط " و
" مخلط " ونحو ذلك مما يقتضي عدم الاعتناء بالرواية، ولم يكن طعنا في نفس الراوي.
الباب السادس: في بيان أنه هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل
مطلقا - كما قيل - تمسكا بالاختلاف في أسبابهما الموجب للزوم بيانهما - كما
قيل - أم لا؛ تمسكا بعدم الحاجة إليه مع البصيرة - كما قيل به أيضا - وعدم الاعتبار
بدونها، بل الشهادة بدونها فسق، أو لزومه في الأول دون الثاني، أو العكس؛ تمسكا
بكفاية مطلق الجرح في إبطال الرواية؛ لكونه موافقا للأصل، دون التعديل؛ لكونه
مخالفا للأصل، مضافا إلى تسارع الناس إلى الحمل على الصحة.
وقيل بالأول مع عدم العلم بالموافقة للمشهود له، وبالثاني مع العلم بها.
وقيل بالتفصيل الأخير، مع التفصيل بين المشافهة وغيرها، فقيل بالتفصيل
المتقدم لو كانا مشافهة.
أما إذا كانا بالكتابة ونحوها فلا حاجة إلى ذكر السبب، إلا مع بيان اصطلاحه في العدالة
[وكونه] أدناها (2) فلا بد من ذكره في التعديل دون الجرح، أو أعلاها فبالعكس، أو مع العلم
بالمخالفة في الجملة، أو إعلامه بها كذلك - وكون مذهب المشهود له حسن الظاهر - فلا بد
مطلقا، أو أعلى المراتب [في العدالة] فلا بد في التعديل دون الجرح، أو أدناها فبالعكس،
فإن الإطلاق في غير هذه الصور محمول على الفرد الكامل، وهو المعتبر؛ حذرا من لزوم
التدليس، ولهذا صار الإطلاق ديدن العلماء، فتحصل المظنة الكافية.
مضافا إلى أن اشتراط ذكر السبب يوجب الاختلال في تصحيح الأخبار، المستلزم
تعطيل الأحكام.
والتحقيق أن يقال: إن المعتبر [في] الفسق والعدالة هل [هما] عند الشاهد، أو

1. كذا، ولعل الصواب: كثرة روايته عن الضعفاء، انظر: مقباس الهداية: 81 - الطبعة الحجرية.
2. أي: كون اصطلاحه ورأيه أدنى المراتب في العدالة، انظر: لب اللباب: 479.
314

المشهود له، أو عندهما، أو المعتبر عدالة المعدل وفسق المجروح؛ بحسب اعتقاده
ورأيه - لو كان مجتهدا - أو رأي مجتهده - لو كان مقلدا -؟
فإن كان المناط الأول؛ فلا حاجة لذكر السبب مطلقا.
وإن كان الثاني؛ فلا بد من ذكره مطلقا - إلا إذا علم الموافقة - سواء طابق اعتقاد
الشاهد ورأيه أم لا.
نعم، في الفرض الأخير يخرج من العدالة لو كان المعتبر عنده في الجرح
والتعديل هو رأيه ومذهبه.
وإن كان المناط عدالة المعدل وجرح المجروح بحسب رأيه واعتقاده، أو رأي
مجتهده؛ فالوجه القول الثاني - وهو عدم الحاجة إلى التفصيل، مع كون المعدل
والجارح ذا بصيرة بأسباب الجرح والتعديل -.
بل الأصل والتحقيق يقتضي ذلك، وعمل العلماء وسيرة الفقهاء خلفا عن سلف
وجيلا بعد جيل؛ على ذلك.
نعم، لو لم تكن مخالفة رأي المجتهد من المعاصي الكبيرة المفيدة للجرح؛ فلا
وجه لجرحه، بل يصير الجارح بذلك مجروحا وفاسقا؛ لتفسيقه المؤمن من غير وجه،
وإن كان مثل ذلك - عنده - من المعاصي الكبيرة، أو عند مجتهده، أو عند المشهود له.
وبالجملة: المناط في التفسيق والتعديل ملاحظة الذي كان رأيه مخالفا للآخر في
الواجب والمستحب والإباحة والحرمة.
اللهم إلا أن يقال: عدم جواز تخطئة حكم تكليفي لا ملازمة بينه وبين الحكم
الوضعي الذي هو محل النزاع، فإن النزاع - فيما نحن فيه - [في] جواز الاعتماد على
الشهادة المطلقة أم لا، مع أن الأصل يقتضي العدم، فالأولى التمسك بعمل الطائفة،
والسيرة المستمرة القريبة من الإجماع، لو لم نقل بأنه في أمثال زماننا إجماع.
الباب السابع: في علاج التعارض بين أسباب المدح والذم
اعلم أن التعارض على أقسام:
315

الأول: التعارض على سبيل التباين الكلي، كأن يقول المعدل: رأيته في صبيحة
يوم الجمعة - مثلا - يصلي، وقال الآخر - أعني الجارح -: رأيته في ذلك الوقت
المخصوص بعينه يزني.
والثاني: التعارض المساوق للعموم من وجه.
[و] الثالث: التعارض بالعموم المطلق.
وكل واحد من هذه الأقسام إما [أن يكون] من باب تعارض النصين، أو الظاهرين،
أو الظاهر مع النص، أو الظاهر مع غيره - لو قلنا بالتعارض في الأخير -.
والحاصل: أن صور الأقسام إما تسعة أو اثنا عشر، وفيه أقوال:
[ف‍] قيل بتقديم قول الجارح مطلقا؛ تمسكا باستلزامه الجمع بين القولين،
والجمع بين الدليلين - مهما أمكن - أولى من الطرح.
وفيه - مع أنه لا دليل على وجوب الجمع بين الدليلين، وأعميته من المدعى؛
لإمكان الجمع بغيره واستلزامه عدم تحقق حديث صحيح إلا نادرا -: أنه لا يتم في
تعارض المتباينين بالتباين الكلي إذا كانا نصين؛ لعدم إمكان الجمع بينهما حينئذ، وكذا
في العموم المطلق أو من وجه أيضا لو كانا نصين.
نعم، يمكن القول بتقديم الجارح فيما إذا كان الجرح نصا والتعديل ظاهرا؛
لإرجاع قول المعدل إلى عدم العلم، وهو ينافي العلم الذي يدعيه الجارح.
وكذا فيما إذا كان تعارضهما ظاهرين، أو كان الجرح ظاهرا والتعديل نصا؛ وقلنا
بوجوب الجمع بين المتعارضين.
وقيل بتقديم قول المعدل مطلقا، ولعله لكثرة التسارع إلى الجرح، فيكون
موهونا.
وفيه ما لا يخفى [إذ] قد تقدم أن بعض الجارحين لما كان مسارعا إلى الجرح
[ف‍] لا عبرة بجرحه، ولكن هذا مخصوص بموارد خاصة، والمقصود هنا تأسيس
الأصل والقاعدة الكلية من دون ملاحظة الموارد الشخصية.
316

وقيل بالتفصيل، وهو: تقديم قول الجارح فيما إذا [كان] لا يلزم تكذيب أحدهما،
فيقدم الجارح لما مر، وإلا فيما إذا كان بينهما التباين الكلي والتعارض بينهما تعارض
النصين فلا بد [من الرجوع] إلى المرجحات، كالكثرة والأعدلية والأورعية ونحوها
مما يفيد الظن، ومع عدمها لابد من التوقف؛ لأنهما دليلان تعارضا ولا مرجح
لأحدهما، فلا بد من التوقف.
والتحقيق يقتضي الرجوع إلى المرجحات في تعارض النصين اللذين كانا من
قبيل المتضايفين المتداعيين بحيث يلزم من [تقديم] أحدهما تكذب الآخر ورد قوله،
وإلا فيتوقف.
وتقديم قول المعدل في الحقيقة سالم عن المعارض، كما إذا كانا ظاهرين، كأن
يقول المعدل: كان زيد فاعلا للخير في كل وقت، وقال الجارح: ما رأيت منه خيرا،
فيحصل الظن بالوثاقة.
ويقدم قول الجارح لو كان نصا والتعديل ظاهرا، ووجهه ظاهر.
وهذا ظاهر، إنما الخلاف في أن التعديل والجرح هل [هما من] باب الظن، أو
الرواية، أو من باب الشهادة، وقد عرفت أن الأقوال في المسألة ثلاثة، والمعتمد هو
الأول، وأما الثاني والثالث فقد مر بطلانهما رأسا؛ من منع دلالة الآيات على حجيته
خصوصا آية النبأ، ومع فرض تسليم الدلالة [فإنها] معارضة بمثلها.
وأما الثالث؛ فهو وإن كان - بعد العلم - أقرب إليه أصلا، إلا أن ذلك فرع إمكان
تحقق الشهادة - أولا - وهو ممنوع؛ لما عرفوها [من] أنها إخبار جازم بحق لازم للغير،
وهذا غير ممكن بالنسبة إلى الرواية؛ لاقتضائه إدراك الشاهد لهم، وهو غير واقع
[بالنسبة] إلى من كان سابقا بأزمنة كثيرة.
وثانيا: [أن] ما في كتب الرجال نقوش، والشهادة من باب اللفظ.
وثالثا: [أن] أكثر ما في الكتب من باب فرع فرع فرع الفرع... إلى آخره، ومثل هذه
الشهادة في أمثال المقام غير مسموعة.
317

وبالجملة: فلا دليل على الرواية والشهادة، لا من الكتاب ولا السنة ولا غيرهما، لا
أولا ولا ثانيا ولا ثالثا، كما عرفت مستوفى.
مضافا إلى أنه لو فرض إقامة الدليل على اعتبارها فلا يسمن ولا يغني من جوع؛
لندرتها وعدم وفائها في رفع الحاجة، كما لا يخفى على من له أدنى تتبع في القواعد
الرجالية من أحوال الرواة ونقلة الأخبار.
على أنه على فرض تسليم الشهادة؛ فاللازم التعدد، كما ادعى بعض الإجماع عليه
وهو يلوح من عبارة المعالم (1) لعدم الدليل على خبر الواحد، فالشاهد الواحد يكون حاله
كحال خبر الواحد في عدم الدليل على اعتباره، فإذا انحصر التكليف في الأول وهو
اعتبار الظن الاجتهادي - كما قال المحقق البهبهاني - من أن باب العلم في الأحكام
الشرعية وموضوعاتها يكون منسدا، وما يتوقف عليها من معرفة حال الرواة لابد أن
يكون من باب الظن؛ لعدم الدليل على اعتبار النبأ والرواية، وكذا الشهادة، فبعد انسداد
باب الرواية والشهادة انفتح باب اعتبار الظن، وإلا لزم التكليف بما لا يطاق، أو رفع
التكليف عن العباد في أمثال هذا الزمان، وبطلان كل منهما في المقام لا يحتاج إلى
البرهان، وهو المطلوب.
الباب الثامن: في كيفية الرجوع إلى علم الرجال، وطريقة ملاحظة كتبه،
والتمييز بين المشتركات
اعلم أن كتب الرجال مبوبة بأبواب ثلاثة:
الأول: في الأسماء.
والثاني: في الكنى؛ بتقديم المصدر بالأب على المصدر بالابن مثلا.
والثالث: في الألقاب.
وباب الأسماء مبوب بأبواب عديدة على وفق الحروف الهجائية وترتيبها،

1. معالم الدين: 204 - طبعة حجرية، منتقى الجمان 1: 16.
318

مذكورة فيها بملاحظة حروف أوائلها.
فما في أوله ألف مذكور في باب الألف كآدم، وما في أوله الباء مذكور في باب الباء
كبريد، وهكذا.
والأسماء [المذكورة في كل باب مفصلة غير مختلطة، فالأسماء المبدوءة
بالألف] (1) المذكورة في بابه تلاحظ، فما يكون حرف ثانيه هو الألف يقدم على ما يكون
حرف ثانيه هو الباء ك‍ " آدم " و " أبان " وهكذا.
وبعد التساوي في الحرف الثاني؛ فما يكون حرف ثالثه هو الألف يقدم على ما
يكون حرف ثالثه الراء ك‍ " أبان " و " إبراهيم " وهكذا يلاحظ إلى الحرف الآخر.
ثم يلاحظ الأصل فيقدم ما ليس فيه زيادة - حرفا وحركة - على ما فيه زيادة كذلك
ك‍ " عبد " و " عبيد " و " عمر " و " عمير ".
ثم يلاحظ ما ذكرناه فيما يتبع الأسماء؛ من أسماء الآباء، ثم الأجداد، ثم الكنى و
الألقاب، وهكذا باب الكنى وباب الألقاب.
فالمجتهد - بعد ملاحظة السند، سواء كان في مقام الاعتبار أو في مقام الرد، كما
في صورة التعارض [بين الأخبار] التي لا محيص عن العمل ببعضها ورد العمل
بالباقي - إن لم يعرف حال الراوي لاحظ كتاب الرجال في موضع كان محلا لذكره
- على وجه ذكرناه -.
فإما أن يكون مذكورا فيه أم لا، وعلى الثاني يلاحظ باب الكنى والألقاب إن كان له
كنية أو لقب، فإن لم يجده فيه أيضا وفي غيره يحكم بكون الحديث مهملا، فيجري
عليه حكم الضعيف.
وعلى الأول؛ إما أن يكون مختصا أو مشتركا، وعلى الأول إما أن يذكر حاله
أم لا، وعلى الثاني يحكم بكون الحديث قويا إن علم أنه إمامي - ولم يكن غيره موجبا
لضعفه أو ما في حكمه - ومجهولا إن لم يعلم كونه إماميا - إن لم يكن غيره موجبا

1. هذه الزيادة من لب اللباب.
319

للضعف والإهمال -.
وعلى الأول؛ يلاحظ المذكور فيه، فإن كان غير مردود بذكر السبب أو عدم
الاحتياج إلى ذكره - كما ذكرناه في بابه - كان توثيقا بلا معارض يحكم بوثاقته إن كان
المؤلف والمعدل ممن يوثق به، وكذا حكم الجرح.
ومع المعارضة؛ بأن يكون المدح والقدح - معا - مذكورين يعمل بمقتضى ما ذكرنا
آنفا في باب التعارض من تقديم الجرح والحكم بضعفه، أو تقديم التعديل والحكم
بصحته من هذه الجهة، ومع التوقف يحكم بقصوره، وكذا إن لم يعتبر التعديل، لما مر.
وعلى الأول (1) من الترديد السابق يتعرض - أولا - لتحصيل التميز بالأب المذكور
في السند، ثم بالجد، وهكذا، ثم بالكنية، ثم باللقب، ثم بالراوي، ثم بالمروي عنه، ثم
بالمعصوم الذي كان الراوي من أصحابه، ثم بملاحظة زمان الحياة والوفاة ونحو ذلك.
فإن لم يحصل التميز بشيء من ذلك يرجع إلى كتاب مؤلف في بيان تمييز
المشتركات ك‍ جامع المقال للطريحي، وكتاب المشتركات المسمى ب‍ " المشكا " (2) لمحمد
أمين الكاظمي، وغيرهما؛ بملاحظة باب معقود لتميز المشتركات في اسم الراوي
خاصة إن كان المذكور هو الراوي وحده بدون ذكر الأب، وإلا فبملاحظة باب ثان
معقود لتميز المشتركات في الاسمين إن ذكر مجتمعا.
وهكذا عند الاشتباه في الكنى والألقاب، فإن حصل التميز يكون الأمر كما ذكر في
المختص، وإن لم يحصل التميز أصلا - ولو بغلبة الاستعمال في شخص مخصوص،
كما يعلم بتتبع الموارد في الأخبار أو بكثرة الرواية أو الاشتهار - يتوقف ويلحق
[الحديث] بالضعيف، وهكذا سائر الرواة إلى المعصوم (عليه السلام) - إن لم يكن الاشتراك بين
الثقات ونحوهم - وإلا فيلحق بالمعتبر ففي صورة الاشتراك بين الثقات في المرتبة

1. كذا في النسخة، والصواب: الثاني، - كما في لب اللباب - وهو قوله: وعلى الأول إما أن يكون مختصا أو
مشتركا.
2. كذا في النسخة، ولكن اسم الكتاب هداية المحدثين إلى طريقة المحمدين وأما " مشكا " فهو رمز لكتاب
المشتركات - انظر: منتهى المقال 1: 9.
320

العليا يلحق بالصحيح الأعلى، وفي صورة الاشتراك بين الثقة الأعلى والأدنى يلحق
بالصحيح الأدنى، وكذا سائر المراتب.
وفي صورة الاشتراك بين الثقة والحسن يلحق بالحسن بملاحظة مراتب الحسن،
وكذا سائر الصور.
ولكن لابد من الفحص الكامل، إذ ربما يكون الرجل مذكورا في السند مكبرا
وفي الرجال مصغرا، أو بالعكس.
وربما ينسب فيه إلى الجد، وفي الرجال إلى الأب، أو بالعكس.
وربما يكتب المهملة قبل المعجمة وبالعكس كما في " رزين ".
وربما يكتب في موضع: ابن فلان، وفي آخر: ابن أبي فلان.
[وربما يكتب في موضع بالياء المثناة التحتانية] (1) وفي آخر بالباء الموحدة ك‍
" بريد " و " يزيد ".
وربما تتعدد الكنية لشخص كالألقاب والأنساب.
وربما يظهر اسم الرجل [من] ملاحظة باب الكنى ونحوه، إلى غير ذلك من
التصرفات في الأسامي والألقاب والكنى والأنساب، فلا بد من استفراغ الوسع لئلا
يشتبه الأمر ولا يختلط الحال، وعلى الله التكلان في جميع الأحوال.
والمناسب في المقام من تتمة الكلام أن نذكر ما ذكره المحقق البهبهاني
- رحمه الله - [في] المقدمة الخامسة في طريق ملاحظة الرجال من التعليقة (2) و [هو]
قوله رحمه الله:
التمس (3) منك - يا أخي - إذا أردت معرفة حال رجل وراو فانظر إلى ما ذكروه في
الرجال، فإن لم تجده مذكورا أصلا، أو وجدته مذكورا مهملا؛ فلاحظ ما ذكرته في

1. هذه الزيادة من لب اللباب.
2. تعليقة الوحيد البهبهاني: 65 - 67.
3. في المصدر: التماس.
321

الفوائد الثلاث السابقة يظهر لك حاله مما ذكرت فيها، أو يفتح عليك بالتأمل فيه،
وبالقياس والنظر إليه، فإني ما استوعبت جميع الأمارات، كما أني ما استوفيت الكلام
فيما ذكرت أيضا، بل الغرض التنبيه، ووكلت الأمر إلى المتأمل.
ويا أخي، لا تقنع ببعض ما ذكرت فيها، بل لاحظ الجميع من أول الفوائد إلى
آخرها حتى يتضح لك حاله.
ويا أخي، لا تبادر بأن تقول: الرجل مجهول أو مهمل، ولا تقلد، بل لاحظ الفوائد
بالنحو الذي ذكرت، ثم الأمر إليك.
وربما وجدت الرجل في السند مذكورا اسمه مكبرا وفي الرجال مصغرا،
وبالعكس، وسيجيئ التنبيه عليه في خالد بن أوفى، فلو لم تجد - مثلا - سالم فانظر إلى
سليم، وكذا سلمان، وأقسامه كثيرة فضلا عن الأشخاص.
وربما وجدته مذكورا فيه بالاسم، وفي الرجال باللقب - مثلا - وبالعكس.
وربما وجدته فيه منسوبا إلى أبيه بذكر الأب، وفي الرجال بذكر كنيته - مثلا -
وبالعكس.
وربما يظهر اسم الرجل من ملاحظة باب الكنى - مثلا -.
وربما يذكر في موضع بالسين وفي موضع بالصاد كحسين وحصين، منه
الحصين بن المخارق.
وربما يذكر في موضع هاشم، وفي موضع هشام، كما سنشير إليه في هشام بن المثنى.
وربما يذكر في موضع ابن فلان، وفي موضع ابن أبي فلان؛ بزيادة أو نقصان، كما
يشير إليه ما سيجيئ في يحيى بن العلاء وخالد بن بكار وغيرهما.
وربما يذكر في موضع بالياء المثناة، وفي موضع بالباء الموحدة ك‍ " بريد " و " يزيد "
و " بشار " و " يسار " ونظائر ذلك.
وربما يذكر بالألف وبدونه ك‍ " الحرث " و " الحارث " و " القسم " و " القاسم " و
نظائر ذلك.
322

وربما كانوا يرخمون ك‍ " عبيد " في " عبيد الله " ونظائر ذلك.
وربما يشتبه صورة حرف بحرف كخالد بن ماد وخالد بن الجواد (1)، إلى غير ذلك.
وربما ينسب في موضع إلى الأب، وفي آخر إلى الجد - مثلا - وهو كثير.
وربما يوجد بالمهملة، وربما يوجد بالمعجمة، كما في " رميلة " ونظائره.
وربما يكتب المهملة قبل المعجمة، وربما يعكس، كما في " رزيق " ونظائره.
وقس على ما ذكر أمثاله؛ منها: أن يكتب بالحاء وبالهاء، كما في " زحر بن قيس ".
وربما يتصرف في الألقاب والأسامي الحسنة والرديئة؛ بالرد إلى الآخر، كما
سنذكر في حبيب بن المعلل.
وربما يشتبه ذو المركز بالخالي عنه، كما سيجيئ في باب " زيد " و " يزيد " و " سعد "
و " سعيد " ونظائرهما.
وربما يكتب زياد زيدا، وبالعكس، وكذا " عمر " و " عمرو " وكذا نظائرهما.
وربما تتعدد الكنية لشخص كالألقاب والأنساب، وسنذكر [ه] في محمد بن زياد.
وربما يكتب سلم ومسلم، ولعله كثير، وبالعكس، منه ما سيجيئ في بشر بن سلم.
ثم إذا وجدته ووجدت حاله مذكورا؛ فانظر إلى ما ذكروه، ثم انظر إلى ما ذكرته
- إن كان - ولا تقنع أيضا بهما، بل لاحظ الفوائد من أولها إلى آخرها على النحو الذي
ذكرت حتى يتضح لك الحال، فإني ما أتعرض في كل موضع إلى الرجوع إلى الفوائد،
وفي الموضع الذي تعرضت ربما لا أتعرض إلى الرجوع إلى جميعها، مع أنه [ربما]
كان لجميعها مدخل فيه، ولو لم يتأمل في الكل لم يظهر ولم يتحقق ما فيه، ومع ذلك
لاحظ مظان ذكره بعنوان آخر على حسب [ما مر] لعلك تطلع على معارض أو معاضد.
ولا تنظر - يا أخي - إلى ما فيه وفيما سأذكره من الخطأ والزلل، والتشويش
والخلل، لأن الذهن قاصر، والفكر فاتر، والزمان كلب عسر - على ما سأشير إليه في

1. ليس في الرواة من اسمه خالد بن الجواد، وإنما هو خالد الجوان أو الجواز أو الجوار أو الحوار أو الخوار؛
على الخلاف في ضبط هذا اللقب - انظر: تنقيح المقال 1: 388 - 389 الطبعة الحجرية.
323

آخر الكتاب إن شاء الله تعالى -.
نسأل الله مع العسر يسرا بظهور من يملأ الدنيا عدلا بعد ما ملئت جورا.
انتهى كلامه رفع مقامه في التعليقة.
ونرجو من الله سبحانه وتعالى الهداية إلى الطريقة المستقيمة بمحمد وآله
[سادات] البرية.
أما الخاتمة؛ ففي بيان المشايخ
فاعلم أنهم على صنفين: مشايخ الرواة، ومشايخ الرجال، والمراد بالصنف الأول
[أنهم] باعتبار كثرة العلم، وحفظ [أسماء] الرواة نسميهم بمشايخ الرواة.
وبيان أحوالهم: أن قدماء محدثي أخبار الأئمة (عليهم السلام) وناقلي آثار أهل بيت العصمة
جمعوا ما وصل إليهم من أحاديثهم في أربعمائة كتاب تسمى بالأصول الأربعمائة، ولكنها
ما كانت مبوبة ومفصلة، بل كانت مختلطة، فتصدى جماعة من اللاحقين - كالكليني
والصدوق وشيخ الطائفة ونحوهم - لجمع الأخبار المذكورة بطريق أنيق، حيث جعلوا
لكل باب من أبواب الفقه بابا، فألفوا كتبا مبسوطة ومفصلة الأبواب، ومتصلة
الأحاديث بالأئمة الأطياب، كالكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار وما
تولد منها كالوسائل والوافي والبحار المشتهرة في جميع الأعصار والأمصار، وغيرها
من الكتب المعتمدة كالخصال والعيون ومدينة العلم والأمالي وغيرها، وإن كانت
المشهورة المتداولة في هذه الأزمنة الأربعة المتقدمة؛ لتقدم جمعها على سائر الكتب،
وجلالة شأن مؤلفيها ومزية مصنفيها؛ لكثرة ممارستهم، وشدة حافظتهم، ونهاية
مواظبتهم في الفن، وكثرة وثاقتهم في المرتبة [العليا].
وأسامي المؤلفين وكناهم وألقابهم: أن أسماءهم المحمدون الثلاثة، وكناهم
أبو جعفر، وهم مشاركون في الاسم والكنية.
أما ألقابهم الشريفة؛ فثقة الإسلام لقب محمد بن يعقوب الكليني - بفتح الكاف
324

وكسر اللام؛ على ما في القاموس: كلين كأمير قرية بالري، وإن كان المشهور ضم الكاف
وفتح اللام -.
والصدوق لقب محمد بن علي بن موسى [بن] بابويه صاحب من لا يحضره الفقيه.
وشيخ الطائفة لقب محمد بن الحسن بن علي الطوسي صاحب التهذيب و
الاستبصار.
ومات ثقة الإسلام في بغداد - دار السلام - في شعبان سنة ثمان أو تسع وعشرين
وثلاثمائة، ودفن بباب الكوفة، وعليه لوح مكتوب عليه اسمه واسم أبيه، وقبره
الشريف موجود في الباب المذكور وعليه ضريح معروف عند العامة والخاصة
يزورونه.
وأما الصدوق؛ [فقد] مات في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة بالري، وقبره أيضا
معروف يزورونه بحمد الله تعالى.
وأما زمان وفاة شيخ الطائفة [ف‍] في ليلة الاثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة
ستين وأربعمائة؛ بالمشهد المقدس الغروي، [و] دفن في داره.
وبالجملة: فثقة الإسلام الكليني كان مقدما على الكل بحسب الزمان والجلالة
والشأن، والصدوق كان بعده، ويحتمل [كون] زمان شيخوخة الكليني زمان شباب
الصدوق، وشيخ الطائفة [كان] بعد الكل حتى الشيخ المفيد - أعني محمد بن محمد بن
النعمان - أستاذه، والسيد المرتضى.
وأما بيان هؤلاء المشايخ، وزمان ولادتهم ومدة حياتهم، وسائر الأمور التي
لها مزيد دخل في معرفة أحوالهم؛ فيطلب من الكتب الرجالية والرسائل المدونة في
هذه الأبواب.
وأما الثاني - أعني مشايخ الرجال -: فهم جماعة كثيرة بالغين إلى عشرين نفرا،
فنقتصر على أسامي أئمتهم، وهم جماعة:
منهم: الشيخ الطوسي صاحب الفهرست وكتاب الرجال فإنه ألف كتابا في الرجال
325

وفهرست أسماء الرواة، وقد مر [بيان] حاله.
ومنهم: الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر - قدس روحه الشريف - الملقب
بالعلامة، آية الله المكنى بأبي منصور، وقد ألف في الرجال الخلاصة وإيضاح الاشتباه.
وقد قيل في مدحه (1): إن اللسان في تعداد مدائحه كال قصير.
مولده تاسع عشر من شهر رمضان سنة أربعين وستمائة، ومماته في ليلة السبت
من عشر المحرم سنة [ست و] عشرين وسبعمائة.
ومنهم: أحمد بن علي الملقب بالنجاشي، المكنى بأبي العباس، قد صنف كتاب
الرجال، ثقة معتمد، بل قد يرجح على العلامة في مقام بيان أحوال الرجال من [جهة]
كونه أضبط.
توفي في جمادى الأولى سنة خمسين وأربعمائة، وكان مولده في صفر سنة
اثنتين وسبعين وثلاثمائة.
ومنهم: محمد بن عمر بن عبد العزيز المكنى بأبي عمرو الملقب بالكشي، جليل
القدر، ثقة، بصير بالرجال، وله كتاب الرجال كثير العلم إلا أن فيه أغلاطا كثيرة.
ومنهم: البرقي، وهو محمد بن خالد.
ومنهم: ابن داود، وهو محمد بن أحمد بن داود.
ومنهم: ابن الغضائري، وابن شهرآشوب، وابن حجر، والذهبي، والفضل بن
شاذان، وابن مسعود، (2) وابن عقدة، وعناية الله، (3) والسيد المصطفى، (4) والعلامة
المجلسي، والميرزا محمد، (5) وأبو علي، (6) والمحقق البهبهاني صاحب التعليقة.

1. منتهى المقال 1: 475.
2. يعني: محمد بن مسعود بن عياش السمرقندي المعروف بالعياشي صاحب التفسير.
3. يعني: زكي الدين عناية الله القهبائي صاحب مجمع الرجال.
4. يعني: السيد مصطفى بن الحسين التفريشي صاحب كتاب نقد الرجال.
5. يعني: الميرزا محمد الأسترآبادي صاحب الرجال الكبير والوسيط والصغير.
6. يعني: أبا علي الحائري محمد بن إسماعيل المازندراني صاحب منتهى المقال.
326

وبيان ولادتهم وأعمارهم وسائر أحوالهم مذكور في أواخر الكتب الرجالية، كما
أن بيان الكنى والألقاب التي يعبر بها عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) في الأخبار مذكورة
في مقدمات كتاب منتهى المقال مع زمان ولادتهم الشريفة وأعمارهم المباركة اللطيفة،
فلاحظ، والله الهادي.
وهنا فوائد لابد من التنبيه عليها:
الفائدة الأولى: في معرفة الصحابي.
وهو - في الأظهر - من صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤمنا، ومات على ذلك.
والطريق إلى معرفته - بعد التواتر - الشهرة، والاستفاضة، وإخبار الثقة.
ولا ضبط لعددهم، ولكن نقل أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مات عن مائة وأربعة عشر ألف صحابي. (1)
وأما التابعي؛ فهو من أدرك الصحابي ولم يلقه (صلى الله عليه وآله وسلم).
وعد من جملتهم النجاشي - ملك الحبشة - وسويد بن غفلة - صاحب علي (عليه السلام) -
وربيعة بن زرارة، وأبو مسلم الخولاني، والأحنف بن قيس، ونحوهم ممن أدرك زمن
الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
الفائدة الثانية: في معرفة طبقات الرواة ليؤمن بها اللبس والتدليس.
والطبقة في مصطلحهم عبارة عن جماعة من الرواة اشتركوا في السن ولقاء المشايخ.
ويستفاد معرفتها من تكرار النظر، ومراجعة الأسانيد والتأمل فيها؛ حيث ترد
الأسماء فيها مفصلة ومجملة.
ومما يرفع الالتباس معرفة الموالي، و " المولى " يطلق على معان:
منها: المعتق - بالكسر - فإنه يصير مولى لمن أعتقه.
ومنها: المعتق - بالفتح - فإنه يعد مولى من جهة السفل.

1. شرح البداية في علم الدراية: 125.
327

ومنها: ابن العم والحليف أيضا، والحلف - بالكسر - التعاهد، والتحالف على
التساعد والتعاضد والاتفاق، فإذا حالف رجل آخر صار كل منهما مولى لصاحبه
من جهة الحلف، وعد من هذا ما روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " حالف بين المهاجرين والأنصار "
[أي] آخى بينهم.
ومنها: الناصر والجار.
ومنها: الملازم، يقال: فلان مولى لفلان؛ للزومه إياه.
ومنها: [إطلاقه] على من ليس بعربي، كما يقال: فلان عربي صريح، وفلان مولى؛
أي: ليس كذلك.
ومنها: من يسلم على يديه، فإنه يكون مولى بالإسلام.
والتمييز بين هذه المعاني بما تفيده القرائن، ولكن قيل: إن الأكثر في هذا
الباب - يعني باب معرفة الرواة من الرجال - إرادة غير العربي الصريح، وكأنه استفاد
ذلك من التتبع.
الفائدة الثالثة: في معرفة من تشارك في الأخوة.
عن الشهيد الثاني - رحمه الله - قال (1): [مثال الأخوين] من الصحابة: عبد الله بن
مسعود وعتبة بن مسعود، وزيد بن ثابت [ويزيد بن ثابت].
ومن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام): زيد [وصعصعة] ابنا صوحان.
ومثال الثلاثة من الصحابة أيضا: [سهل وعباد وعثمان بنو حنيف].
[ومن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام):] سفيان بن يزيد، وأخواه عبيد وكرب.
وسالم وعبيدة وزياد بنو أبي الجعد الأشجعيون.
ومن أصحاب الصادق (عليه السلام): الحسن ومحمد وعلي بنو عطية الدغشي المحاربي.
ومحمد وعلي والحسين بنو أبي حمزة الثمالي.

1. شرح البداية في علم الدراية: 138 - 140.
328

وعبد الله وعبد الملك وعريف بنو عطاء بن أبي رباح، نجباء.
ومن أصحاب الرضا (عليه السلام): حماد بن عثمان، والحسن، وجعفر؛ أخواه.
وغيرهم، وهم كثيرون أيضا.
ومثال الأربعة من الأخوة: عبد الله، ومحمد، وعمران، وعبد الأعلى بنو علي بن
أبي شعبة الحلبي، ثقات فاضلون، وكذلك أبوهم وجدهم.
وبسطام أبو الحسين الواسطي، وزكريا، وزياد، وحفص؛ بنو سابور، وكلهم
ثقات أيضا.
ومحمد، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب؛ بنو الفضل بن يعقوب بن سعيد بن
نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وكل هؤلاء ثقات من أصحاب الصادق (عليه السلام).
وداود بن فرقد وإخوته: يزيد، وعبد الرحمن، وعبد الحميد.
وعبد الرحيم، وعبد الخالق، وشهاب، ووهب، بنو عبد ربه، وكلهم فاضلون.
ومحمد، وأحمد، والحسين، وجعفر؛ بنو عبد الله بن جعفر الحميري.
[ومثال الخمسة: سفيان، ومحمد، وآدم، وعمر، وإبراهيم؛ بنو عيينة، كلهم
حدثوا].
ومثال الستة من أصحاب الصادق (عليه السلام): محمد، وعبد الله، وعبيد، وحسن،
وحسين، ورومي؛ بنو زرارة بن أعين.
ومثال السبعة من الصحابة: بنو مقرن المزني، وهم: النعمان، ومعقل، وعقيل،
وسويد، وسنان، وعبد الرحمن، وعبد الله.
وقيل: إنهم كانوا عشرة.
ومثال الثمانية: زرارة، وبكير، وحمران، وعبد الملك، وعبد الرحمن، ومالك،
[وقعنب، وعبد الله] بنو أعين، من رواة الصادق (عليه السلام).
قال: وما زاد على هذا العدد نادر، فلذا وقف عليه الأكثر، انتهى.
329

وقال الناقل عنه في جامع المقال (1): وفيه كفاية لمن طلب الدراية.
الفائدة الرابعة: في معرفة من اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه و
تصديقهم [والإقرار لهم] بالفقه.
وهم - على ما مر من حكاية الكشي - ثمانية عشر رجلا، ستة من أصحاب
أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) وهم: زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد العجلي،
وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم.
وقال بعضهم: أبو بصير ليث المرادي مكان الأسدي.
وستة من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وهم: جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، و
عبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وأبان بن عثمان.
وزعم بعضهم (2): أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج، وهؤلاء أحداث [أصحاب]
أبي عبد الله (عليه السلام).
وستة من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن (عليهما السلام) وهم: يونس بن عبد الرحمن،
وصفوان بن يحيى - بياع السابري - ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، و
الحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر.
وقال بعضهم مكان الحسن فضالة بن أيوب، وقال بعضهم مكان فضالة عثمان بن
عيسى، قيل: أفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى. (3)
وأما بيان معنى هذا الإجماع - وإن اختلف فيه - فقد مر أن الأظهر هو أن المختار في
تفسير العبارة ما ذهب إليه الأكثر، وهو: أن المراد منها صحة كل ما رواه حيث تصح
الرواية عنه، فلا يلاحظ من بعده إلى المعصوم (عليه السلام) وإن كان فيه ضعف أو إرسال أو قطع،
إلى غير ذلك من أسباب القدح.

1. جامع المقال: 178.
2. مجمع الرجال 1: 286.
3. مجمع الرجال 1: 287.
330

والمراد من الصحة؛ المعتمد عليه، بقرينة طريقة القدماء في بيان معنى الصحة،
والعبارة المذكورة صادرة عنهم كما ذكرنا في معنى عبارة الصدوق في ديباجة الفقيه في
تفسير ما حكم بصحته: بالمعول [عليه] والمرجوع إليه.
لا بمعنى الاصطلاح الجديد عند المتأخرين، بأن يكون المخبر إماميا عادلا
ضابطا؛ لكونه معنى جديدا مستحدثا لا يتعرض له القدماء من أصحاب هذا الإجماع
من العصابة.
الفائدة الخامسة: في ذكر الجماعة الذين استثناهم ابن الوليد محمد بن الحسن
على ما حكاه النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري حيث قال:
وكان محمد بن الحسن يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمد
ابن موسى الهمداني... إلى آخره. (1)
الفائدة السادسة: في بيان من كثرت عنهم الرواية ولا ذكر لهم في كتب الجرح
والتعديل
وهم جماعة، منهم: أبو الحسن الحسين [بن] علي بن أبي جيد الذي كثرت عنه
رواية الشيخ... إلى آخره.
الفائدة السابعة: في بيان من ذكره الشيخ في كتاب التهذيب والاستبصار وروى
عنهم
مع عدم ملاقاة الشيخ لهم، ودركه لزمانهم، وإنما روى عنهم بوسائط، وحذفها في
الكتابين، ثم ذكر [في آخرهما] طريقة إلى كل رجل [رجل] ممن ذكره في الكتابين.
وكذلك أبو جعفر ابن بابويه. (2)
كما أن الكليني روى عن الفضل بن شاذان، وهو يروي عن محمد بن إسماعيل
المطلق، [ف‍] هل هو ابن بزيع الذي صرح بتوثيقه العلامة في الخلاصة والشيخ في

1. خلاصة الأقوال: 272 - رجال النجاشي 2: 242 - 243.
2. خلاصة الأقوال: 275.
331

الفهرست والنجاشي (1) - على ما حكي عنه -؟
أو [هو] محمد بن إسماعيل بن بشير البرمكي الرازي المعروف بصاحب
الصومعة، الذي حكي [عن] المجلسي رحمه الله في الوجيزة وابن داود (2) [و] عن [كثير
من] الفقهاء وثاقته (3)؟
أو [هو] محمد بن إسماعيل البندقي النيشابوري الذي لم يصرح بتوثيقه؟ وهو
المحكي عن الأكثر.
فاعلم: أن شرح المذكور في الفوائد الثلاثة الأخيرة مفصلا مذكور في الكتب
الرجالية بما لا مزيد عليه، فمن أراد الاطلاع فعليه بالمطالعة في أواخر الكتب الرجالية،
ولا حاجة إلى التفصيل، فلاحظ لئلا يختلط عليك الأمر.
الفائدة الثامنة: في تفسير العدة الواردة في أسانيد أخبار الكافي
وهي ثلاثة مشهورة:
الأولى: عدة أحمد بن محمد بن عيسى، والمراد بهم: محمد بن يحيى، وعلي بن
موسى الكمنذاني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعلي [بن إبراهيم] بن هاشم.
الثانية: عدة أحمد بن محمد بن خالد البرقي، والمراد بهم: علي بن إبراهيم، وعلي
ابن محمد بن عبد الله بن أذينة، وأحمد بن عبد الله بن أمية، وعلي بن الحسين.
الثالثة: عدة سهل بن زياد، والمراد بهم: علي بن محمد علان، ومحمد بن
أبي عبد الله، ومحمد بن الحسن، ومحمد بن عقيل الكليني.
[و] هذا [الذي] ذكرنا من تفسير العدة مشهور بين الأصحاب، والأولى منها
والثانية صحيحتان؛ لاشتمالهما على من يوثق به من الرواة، وأما الثالثة فقد ذكر في
رجالها محمد بن أبي عبد الله، وقد نقل عن النجاشي أنه محمد بن جعفر بن عون

1. خلاصة الأقوال: 139؛ الفهرست: 277؛ رجال النجاشي 2: 214.
2. الوجيزة في الرجال: 151؛ رجال ابن داود: 298.
3. عدة الرجال 2: 455، الفائدة الثانية.
332

الأسدي الثقة، فإن صح النقل صحت العدة، وإلا فلا.
ومنها: عدة الحسين بن عبيد الله، والمراد بهم: أحمد بن محمد الزراري، وأبو القاسم
جعفر بن محمد بن قولويه، وأبو [محمد] هارون بن موسى التلعكبري، وأبو عبد الله بن
أبي رافع بن الصيمري، وأبو المفضل الشيباني محمد بن عبد الله بن المطلب.
وهذه أيضا مشتملة على من يوثق به من الرواة، فتصير الرابعة - كالثانية والأولى -
صحيحة، إلا أن المذكور في الكافي الثلاثة المشهورة.
بل المتتبع يعلم عدم انحصار العدة في الموارد المستعملة؛ في الثلاثة أو الأربعة أو
غيرها، والمتداول في الألسنة في تفسير العدة الواقعة في أسانيد (الكافي) الثلاثة الأول.
الفائدة التاسعة: في الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام)
أعني كتاب حديث يسمى بفقه الرضا (عليه السلام) الذي ظهر في هذه الأزمنة أعني زمن
المجلسيين، حيث ذكر التقي المجلسي في الشرح العربي لمشيخة الفقيه، وولده
- رضي الله عنه - في فهرست بحار الأنوار في تعداد كتب الأصحاب؛ حيث ذكره فيه بهذه
العبارة: كتاب فقه الرضا (عليه السلام) أخبرني [به] السيد الفاضل المحدث القاضي أمير حسين
طاب ثراه بعد ما ورد إصفهان، قال: قد اتفق في بعض سني مجاورتي بيت الله الحرام أن
أتاني جماعة من أهل قم حاجين، وكان معهم كتاب قديم يوافق تأريخه عصر
الرضا (عليه السلام)، وسمعت الوالد - رحمه الله - أنه قال: سمعت السيد [يقول:] كان عليه خطه
- صلوات الله عليه -، وكان عليه إجازة جماعة كثيرة من الفضلاء.
وقال السيد: حصل لي العلم - بتلك القرائن - أنه تأليف الإمام (عليه السلام) فأخذت الكتاب
وكتبته وصححته، وأخذ والدي - قدس الله روحه - هذا الكتاب من السيد واستنسخه
وصححه، وأكثر عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر بن بابويه في كتاب من
لا يحضره الفقيه من غير سند، وما يذكره والده في رسالته إليه، وكثير من الأحكام التي
ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه - كما ستعرف في أبواب العبادات -. (1)

1. بحار الأنوار 1: 11 - 12.
333

انتهى ما في فهرست كتاب البحار الذي قد قابلته أنا في إصفهان مع الأصل الذي هو
بخط المجلسي - رحمه الله - ووجدته مطابقا له.
وحينئذ فنقول: ما ذكره السيد المحدث السيد نعمة الله - طاب مرقده - في مقدمات
شرح التهذيب: [من] أن فقه الرضا (عليه السلام) جيئ به من بلاد الهند إلى الأصفهان، وهو الآن في
خزانة المجلسي رحمه الله؛ غير مطابق للواقع، لما عرفت أن الناقل عن الفاضل أمير
حسين رحمه الله - وهو المجلسي رحمه الله - قال: إن السيد قال بأن جماعة من أهل قم
حاجين جاءوا بالكتاب من قم، حيث قال: أتاني جماعة من أهل قم حاجين، وكان
معهم....
وأما قوله: [وهو] الآن في خزانة شيخنا المجلسي رحمه الله [فهو] أيضا ينافي قول
المجلسي رحمه الله: فأخذت الكتاب وكتبته وصححته، وأخذ والدي - قدس الله
روحه - هذا الكتاب من السيد رحمه الله واستنسخه وصححه، وذلك يدل [على] أن
نسخة الأصل كانت عند السيد، والمجلسيان أخذا من الأصل نسختين أحدهما الوالد
وثانيهما الولد، فلو كان الأصل باقيا عندهما لما احتيج إلى الاستنساخ والتصحيح.
مع أن الأصل - على دعوى السيد - بخط الإمام (عليه السلام) وإجازات الفضلاء في ظهره،
فلو كان في الخزانة من باب التبرك والبركة لما احتيج إلى هذه المشقة.
والعجب من صاحب الحدائق [حيث] قد استحسنه بقوله: " ولقد أجاد الجزائري
فيما حرر وفصل، وعليه المعتمد والمعول " وصدق ما ذكره الجزائري والمجلسي
- كلاهما - من الاعتماد على الفقه المنسوب، وأنه من تأليف الإمام (عليه السلام) وأن أكثر عباراته
موافق لما يذكره الصدوق - رحمه الله - من غير سند، ومطابق لما يذكره والده في
رسالته إليه بحيث قال البحراني رحمه الله: أقول: وما ذكره - قدس سره - من مطابقة
كلام الصدوق في الفقيه ووالده - رحمه الله - في (رسالته) لما في الكتاب المذكور قد
وقفت عليه في غير موضع، وسيمر بك إن شاء الله تعالى، (1) انتهى.

1. الحدائق الناضرة 1: 26.
334

وعليه جماعة من متأخري المتأخرين.
وفيه إشكال، لعدم ثبوت كونه من الإمام (عليه السلام) بطريق صحيح، لأن طريق اعتباره في هذه
الأزمنة ليس مذكورا في كتب أصحابنا المتأخرين العاملين بكتاب يسمى ب‍ " فقه الرضا (عليه السلام) ".
أما قدماء الأصحاب من زمن الغيبة الصغرى، ومشايخ رواة أخبار الأئمة (عليهم السلام) وكذا
المتأخرون إلى زمان المجلسيين، كثقة الإسلام والصدوقين والشيخين وأتباعهم والمحقق
والعلامة والشهيدين وغيرهم من العارفين في الفن - نور الله مراقدهم - فمع أنهم قد بذلوا
جهدهم في تدوين الأخبار، واتصال أسانيد الأحاديث إلى الأئمة الأطهار - كما ذكروا في
ديباجة كتبهم، سيما الأصحاب الذين كانوا مقاربين لعصرهم - مع شدة اهتمامهم في ذكر
الأحاديث، حتى [إنهم] يتعرضون للمجاهيل والضعاف، كيف يخفى الكتاب المذكور
الصادر عن الإمام (عليه السلام) ومصدر الشريعة والأحكام، مع كونه بخطه، واقترانه بالقرائن التي علم
بها القاضي أمير حسين - المتأخر عن متأخري أصحابنا المتأخرين - أنه خط الإمام (عليه السلام)؟
فهل يكون مخفيا على هؤلاء الرؤساء والمشايخ الأجلاء، ويكون عند جماعة من حجاج
أهالي قم بحيث ظهر عند من كان هذا الكتاب عنده - على ما قال السيد القاضي: إن حامل
الكتاب قال: وصل إليه من آبائه -؟
والقول بأن عدم تعرض هؤلاء المشايخ العظام والفقهاء الكرام من المتقدمين
والمتأخرين للكتاب المنسوب لعل أن يكون من باب عدم اطلاعهم، أو لشدة التقية؛
بين الفساد، بل ضروري البطلان بحيث لا يستحق الجواب أصلا.
أما الأول؛ فلأنه لو كان الكتاب من الإمام (عليه السلام) مع توافر الدواعي على تواتر نقله
وبلوغه إلى حد الاشتهار كما في تأليف المؤلفين، فكما أن الأصول الأربعمائة والكتب
المؤلفة والنوادر القليلة غير مخفية على العلماء والرعية؛ فتأليف إمامهم لا يكون مخفيا
عليهم البتة، والعادة على الخلاف مستمرة حتى عند أدنى الطلبة فكيف عند الرؤساء،
والمشايخ، وأئمة الفن، والأجلاء من الطائفة.
وأما التقية؛ فبعيدة في الغاية، بل ذلك ينافي نسبة الكتاب إلى نفسه الشريفة في
أول الديباجة، وإلا [ف‍] بعد الابتداء بالبسملة كيف [قال:] قال علي بن موسى الرضا؟
335

فهو دليل على عدم التقية.
[و] العجب من السيد كيف يحصل له العلم بأنه بخط الإمام (عليه السلام) ويدعي القرائن؛
بقوله: " حصل لي العلم - بتلك القرائن - أنه تأليف الإمام (عليه السلام) "!!!
إذ توافق التاريخ، ودعوى خطه، وكونه نسخة قديمة، وذكر إجازات جماعة من
الفضلاء، وكونه مطابقا لما ذكره الصدوق في الفقيه ووالده في (الرسالة) وما ذكره
الأصحاب من المسائل موافقا لما ذكر في الكتاب؛ كل هذه الأمارات لا تدل على كونه
منه (عليه السلام) وأن السيد أمير حسين قد نقله عن الإمام (عليه السلام) فيكون السيد ناقلا، أو القادم على
السيد من حجاج أهل قم كان ناقلا عن الإمام (عليه السلام).
مع أن دعوى العلم من السيد على قوله مستندة إلى القرائن والأمارات، وقد
عرفت أنها ليست قرينة علمية، بل ليست من الظنية أيضا، فلا دليل على حجية قول
السيد - ولو ادعى العلم به - لأن تلك الدعوى دعوى مدخولة.
وأعجب من ذلك تصديق العاملين وجعلهم [إياه] من الكتب المعتمدة والمعول
عليها كالكافي والوافي والبحار والاستبصار [وبنائهم] على كونه من تأليف الإمام (عليه السلام) وأن
ما فيه من الأحكام صادرة عنه (عليه السلام).
[و] لا دليل من الشرع على ذلك، فمجرد تسمية الكتاب بفقه الرضا (عليه السلام) [وكون]
اسمه الشريف في أول الكتاب، وروايته عن آبائه (عليهم السلام) وتصريحه بأجداده
المعصومين (عليهم السلام)؛ لا يدل على أنه من تأليفه (عليه السلام) وأن أخباره صادرة عنه (عليه السلام)، [فإن] كل ذلك
يحتمل [أن يكون] من تدليسات مصنف الكتاب.
وعدم معروفية مصنفه يوجب أن لا يعدوه في مرتبة الكتب الفقهية المؤلفة من
[قبل] مصنفيها الإمامية، [ف‍] كيف يجعلوه من الأصول المعول عليها؟
مع أن المطالب المذكورة في الكتاب أكثرها مخالفة للمذهب، (1) يطلع عليها من

1. الحق أن الأمر ليس كذلك، نعم في الكتاب مسائل مخالفة للمذهب - كما قال المصنف رحمه الله - ولمزيد
الاطلاع عليك بمطالعة كتاب فصل القضا في الكتاب المشتهر بفقه الرضا للإمام الحجة السيد حسن الصدر
العاملي الكاظمي رحمه الله تعالى، وهو مطبوع في مجلة علوم الحديث العدد (10).
336

مارس أحكامه، فقد ذكرنا في جملة من رسائلنا - مثل رسالة الجنون الطارئ بعد العقد
والدخول إذا كان عارضا للزوج [فإنه] يوجب خيار المرأة في فسخ النكاح، كما هو
المختار في تلك المسألة - أنه لا اعتبار بالفقه المنسوب، وكذا في [مسألة] عدم
استحقاق المرأة للميراث في نكاح المتعة - كما ذكره السيد السناد، الركن الهاد؛ في
الرياض عن [الفقه] الرضوي - فلا حاجة إلى التفصيل.
فالإنصاف يقتضي أن من لاحظ البحار واطلع على تفصيل تقرير السيد القاضي،
وكيفية دعوى علمه؛ قطع بما ذكرنا من عدم الاعتماد على الكتاب، وعدم ثبوت كونه
من الرضا (عليه السلام) فيكون المكتوب فيه من قبيل القسم السابع من أنحاء التحمل - أعني
الوجادة - فلا يكون من المسانيد، بل أقل اعتبارا من المراسيل.
نعم، لو وافق ما هو المشهور، أو تطابق مع ما صرح به الصدوق - مثلا - [فإنه]
يصير معتبرا من هذه الجهة لاغير.
[و] العجب كل العجب من بعض الأصحاب أنه قال: كونه مطابقا لما قاله والد
الصدوق - رحمهما الله - في الرسالة؛ دليل على كونه من الإمام (عليه السلام) مضافا إلى توافق
تأريخه مع عصره (عليه السلام).
مع أن المدلسين والمدسسين والمحرفين دأبهم ذلك حيث ألفوا كتبا وأصولا
توافق كتب الأئمة، كما قال الصادق (عليه السلام) في كتب المغيرة بن سعيد، وأبو الحسن
الرضا (عليه السلام) في كتب أبي الخطاب، حيث دس ابن سعيد في كتب [أصحاب] أبي جعفر (عليه السلام)
وأبو الخطاب في كتب [أصحاب] أبي عبد الله (عليه السلام) وكذا سائر الكذابين والمدسسين.
فمن المحتمل قويا أن الفقه المنسوب قد أخذ من الرسالة، ومن كتاب من لا يحضره
الفقيه للصدوق، ومن سائر كتب سائر المشايخ، وقد أسند إلى الإمام وآبائه و
أجداده (عليهم السلام).
فترجيح أخذ ما في الرسالة عن الكتاب المجهول على احتمال أخذ الكتاب مما
ذكره في الرسالة لا دليل عليه - دون العكس - إلا دعوى السيد، أو التصديق من
المجلسيين، وكلاهما صارا مأخذا ودليلا لمن عمل بالفقه المذكور ممن تأخر عنهما.
337

فتصديقهما مستند إلى الدعوى القطعية العلمية من السيد القاضي، وقد عرفت
[أن] دعوى علمه مستند إلى القرائن - على ما صرح السيد بها -.
وما ذكره من القرائن ليس دليلا على حصول العلم - كما لا يخفى على المنصف
في الطريقة - لعدم الاتكال بمحض خبر الواحد - إذا كان المخبر مدعيا للعلم بما أخبر
به - على محض دعوى القرينة التي ليست بقرينة ظنية لمن له بصيرة.
الفائدة العاشرة: في بعض الفرق من غير الشيعة الاثني عشرية
منها: البترية، وهم [و] السلمانية والصالحية من الزيدية، يقولون بإمامة الشيخين،
واختلفوا في غيرهما.
وأما الجارودية؛ فلا يعتقدون إمامتهما.
وقيل: جميع الزيدية يعتقدون إمامتهما، وقيل: إن ذلك سهو.
وفي بعض الكتب: أن الجارودية يعتقدون عدم استحقاقهما للإمامة، لكن [حيث]
رضي [علي (عليه السلام)] بهما، ولم ينازعهما أجريا مجرى الأئمة في وجوب الطاعة.
قيل (1): والسليمانية قائلون بكفر عثمان أيضا، وهم المنسوبون إلى سليمان بن جرير.
ومنها: البترية - بضم الباء، وقيل: بكسرها - منسوبون إلى كثير النوى؛ لأنه كان
أبتر اليد.
وقيل: إلى المغيرة بن سعيد، ولقبه أبتر.
[ومنها:] الجارودية، ويقال [لهم:] السرحوبية، منسوبة إلى [أبي] الجارود.
[ومنها:] الصالحية، وهم كالسلمانية في الاعتقاد.
ومنها: الكيسانية، وهم القائلون بالإمامة إلى الحسين (عليه السلام) وهم أصحاب المختار
[بن] أبي عبيدة المشهور.
ويقال: إن لقبه كان كيسان؛ لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له: يا كيس يا كيس - وهو طفل

1. جامع المقال: 191.
338

قاعد في حجره -.
ومنها: الناووسية، القائلون بالإمامة إلى الصادق (عليه السلام).
ومنها: السمطية، القائلون بإمامة محمد بن جعفر الملقب بديباجة، دون أخيه
موسى (عليه السلام) وعبد الله، [نسبوا] إلى رئيس [لهم] يقال له: يحيى بن أبي السمط.
ومنها: الإسماعيلية، القائلون بالإمامة إلى الصادق (عليه السلام) وبعده إلى إسماعيل ابنه،
وهم فرق.
ومنها: المفوضة، القائلون بأن الله تعالى خلق محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) ففوض إليه أمر العالم،
فهو الخلاق للدنيا وما فيها.
وللتفويض معان كثيرة مذكورة في الكتب المطولة. (1)
ومنها: المغيرية، أتباع المغيرة بن سعيد لعنه الله، قالوا: إن الله جسم [على] صورة
رجل من نور، على رأسه تاج من نور، وقلبه منبع الحكمة، وهم غلاة.
ومنها: العليائية - من الغلاة - يقولون: إن عليا (عليه السلام) هو الله، ويقعون في رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ومنها: النصيرية - من الغلاة - وهم أصحاب [محمد بن] نصير الفهري لعنه الله،
وكان يقول: الرب [هو] علي بن محمد العسكري (عليهما السلام) وهو نبي من قبله، وأباح المحارم،
وأحل نكاح الرجال.
ومنها: الشراة، وهم الخوارج، زعموا أنهم شروا دنياهم بآخرتهم.
ومنها: المرجئة، المعتقدون أن الإيمان قول بلا عمل، وأن الإيمان لا يضر المعصية.
ومنها: القدرية، المنسوبون إلى القدر، ويقولون: كل الأفعال مخلوقة لهم،
وليس [لله] فيها قضاء ولا قدر.
ومنها: المخمسة، وهم من الغلاة، يقولون: إن الخمسة: سلمان، وأبا ذر، والمقداد،
وعمارا، وعمرو بن أمية الضمري هم الموكلون بمصالح العالم من قبل الرب.

1. انظر: تعليقة الوحيد البهبهاني: 39 - 40.
339

ومنها: الخطابية، وهم أصحاب أبي الخطاب معروفون، يقولون (1): إن الأئمة (عليهم السلام)
أنبياء، وإن الإنسان إذا مات بعد بلوغ كماله [رفع] إلى الملكوت، وادعوا معاينة أمواتهم
بكرة وعشيا.
ومنها: الواقفة، وهم القائلون بإمامة الأئمة إلى الصادق (عليه السلام) ثم ابنه إسماعيل، وربما
لقبوهم بالسبعية والملاحدة، [و] علي بن أبي حمزة البطائني - القائد لأبي بصير - عمدة
الواقفة، وابنه الحسن وأبوه أوثق منه، كما حققناه في الرسالة.
ومنها: الفطحية، وهم القائلون بالإمامة إلى جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) ومن بعده
ابنه عبد الله الأفطح.
قيل: سمي بذلك لأنه كان أفطح الرأس، وقيل: أفطح الرجلين.
وقيل: نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له: عبد الله بن فطيح.
ومنها: الحرورية، وهم [الذين] تبرؤا من علي (عليه السلام) وشهدوا عليه بالكفر، نسبة إلى
حرورا موضع بقرب الكوفة.
ومنها: الحواريون، وهم سبعة عشر نفرا مذكورون في الكتب الرجالية. (2)
ومنها: البيانية، وهم عاملون بقوله تعالى: (هذا بيان للناس). (3)
وهم [مذكورون] في [كتب] الرجال.
والحواريون والبيانية ذكرتهما استطرادا.
الفائدة الحادية عشرة: في ذكر أسامي سفراء الأئمة عليهم السلام والمحمودين
من وكلائهم

1. هذا قول البزيعية، انظر: منتهى المقال 7: 349 - 350.
2. انظر: مجمع الرجال 2: 249 - 250.
وليس هنا موضع ذكرهم - ولو استطرادا - كما لا يخفى، ومنه يظهر مرجوحية صنيع المصنف رحمه الله.
3. كذا في المخطوطة، وفي منتهى المقال 7: 353: أنهم أقروا بنبوة بيان - وهو رجل من سواد الكوفة - تأول
قول الله عز وجل (هذا بيان للناس) أنه هو، وكان يقول بالتناسخ والرجعة، فقتله خالد بن عبد الله
القسري.
340

منهم: حمران بن أعين، فإنه قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام) في حقه - مرتان -: إنه لا يرتد
- والله - أبدا. (1)
ومنهم: المفضل بن عمر، قال هشام (2): حملت إلى أبي إبراهيم (عليه السلام) [إلى المدينة]
أموالا، فقال: " ردها وادفعها إلى المفضل [بن عمر] " وهذا في فضل المفضل كاف.
ومنهم: نصر بن قابوس، ومنهم: عبد الرحمن [بن الحجاج] كلاهما من أصحاب
أبي عبد الله (عليه السلام).
ومنهم: عبد الله بن جندب البجلي، كان وكيلا لأبي إبراهيم (عليه السلام).
ومنهم: أبو طالب القمي، [من] أصحاب أبي جعفر الثاني (عليه السلام).
ومنهم: عبد العزيز بن المهتدي، من أصحابه أيضا.
ومنهم: علي بن مهزيار، [و] هو من أصحابه أيضا.
ومنهم: أيوب بن نوح بن دراج - وكان فطحيا - من أصحاب العسكري (عليه السلام) حيث
قال (عليه السلام): [يا عمرو] (3) إن أحببت أن تنظر إلى [رجل من] أهل الجنة فانظر إلى هذا. (4)
ومنهم: علي بن جعفر الهماني، من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد (عليهما السلام).
ومنهم: أبو علي بن راشد، أيضا من أصحابه (5) (عليه السلام).
كل واحد من هؤلاء قد تشرف بشرافة خدمة واحد من مواليهم (عليهم السلام).
[و] أما السفراء الممدوحون المختصون بأبي محمد العسكري، وولده صاحب
العصر والزمان، و [الذين] كانوا بوابا في أبوابهما (عليهما السلام) - وهم في زمان الغيبة -:
فأولهم: من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) وأبو محمد الحسن بن
علي بن محمد ابنه (عليه السلام) - وهم الأربعة المشهورون - [وهو] الشيخ الموثوق به أبو عمرو

1. الغيبة للطوسي: 346.
2. هو ابن أحمر الكوفي.
3. هو عمرو بن سعيد المدائني.
4. الغيبة للطوسي: 349.
5. يعني: أبا الحسن العسكري (عليه السلام).
341

عثمان بن سعيد العمري، وكان أسديا.
والثاني: أبو جعفر محمد بن عثمان، [قال عبد الله بن جعفر الحميري:] لما مضى
أبو عمرو رضي الله عنه أتتنا الكتب بالخط الذي كنا نكاتب به بإقامة أبي جعفر رضي الله
عنه مقامه. (1)
[و] الثالث: الحسين بن روح النوبختي، [قال أبو علي محمد بن همام: إن أبا جعفر
محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه جمعنا قبل موته - وكنا وجوه الشيعة وشيوخها
- فقال لنا: إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح
النوبختي] فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه، وعولوا في أموركم
عليه. (2)
[و] الرابع: علي بن محمد السمري، فقام بما كان إلى أبي القاسم، فلما حضرته
الوفاة حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئا
من ذلك، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن.
وروي أنه قبل وفاته بأيام أخرج إلى الناس توقيعا نسخته: " بسم الله الرحمن
الرحيم، يا علي بن محمد السمري: أعظم الله أجر إخوانك فيك،... فقد وقعت الغيبة
التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله [تعالى ذكره] وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب،
وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة، [ألا فمن ادعى
المشاهدة] قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم ". (3)
ويستفاد منه أن هؤلاء الأربعة هم الأبواب، لا هؤلاء الذين ادعوا البابية خذلهم الله
في دركات الهاوية.
[و] أما تفاصيل أحوالهم فمذكورة في الكتب الرجالية.

1. الغيبة للطوسي: 362.
2. الغيبة للطوسي: 371.
3. الاحتجاج 2: 478.
342

الفائدة الثانية عشرة: في ذكر المذمومين من الذين ادعوا في القدم - كما في
هذه الأزمنة - البابية، لعنهم الله في البرية
أولهم: الشريعي، كان يكنى بأبي محمد، [و] كان من أصحاب أبي الحسن علي بن
محمد [ثم الحسن بن علي (عليهما السلام)] وهو أول من ادعى هذا المقام وكذب على الله وعلى
حججه (عليهم السلام) وخرج التوقيع بلعنه والبراءة منه.
والثاني: محمد بن نصير النميري، من أصحابه أيضا، حيث ادعى مقام أبي جعفر
محمد بن عثمان. (1)
والثالث: أحمد بن هلال الكرخي، ادعى البابية [ف‍] ظهر التوقيع على يد
أبي القاسم بن روح بلعنه [والبراءة منه].
والرابع: أبو طاهر محمد بن علي [بن بلال].
والخامس: الحسين بن منصور الحلاج، وله أقاصيص.
والسادس: ابن أبي العزاقر، وهو محمد بن علي الشلمغاني، [وهو من] كبار
الملاعين، صاحب كتاب التكليف.
والسابع: أبو دلف المجنون، محمد بن مظفر الكاتب، كان ملحدا، ثم أظهر الغلو،
ثم جن وسلسل، ثم صار مفوضا.
وقال الشيخ المفيد رحمه الله (2): الحق عندنا أن كل من ادعى - بعد السمري - البابية
فهو ضال كافر.
وهذا كاف، وبيان أحوالهم مستوفى في الرجال.
تمت الرسالة بحق من تمت به النبوة والرسالة؛ في أيام صيام هذه السنة تأليفا
وتدريسا في خمسة وعشرين يوما وليلة، عافانا الله في الدنيا والآخرة من كل شدة
وبلية، آمين يا رب العالمين.

1. انظر: منتهى المقال 7: 487.
2. هذا قول أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله، انظر: منتهى المقال 7: 489.
343

[خاتمة النسخة]
قد فرغ من كتابته العبد الفقير المحتاج إلى عفو ربه الغني، جواد بن عبد الله
الحسني الرشتي، لقاه الله ما يتمناه، ووقاه مما يتوقاه، وغفر له ولوالديه بجاه محمد وآله
النجباء النقباء؛ في دار المرز (1) " رشت " صانها الله عن كل بلية وآفة، ليلة الخميس التاسع
والعشرين [من شهر] شعبان المعظم من شهور سنة (1282) اثنتين وثمانين بعد
المائتين والألف من الهجرة الطاهرة النبوية، على هاجرها ألف سلام وتحية، [و]
الحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا.

1. مرز: كلمة فارسية بمعنى الثغر.
344

فهرس مصادر التحقيق
1. الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (من أعلام القرن السادس)،
تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الموسوي الخرسان، الطبعة الثانية، منشورات
الأعلمي، بيروت، سنة 1403 ه‍، جزآن في مجلد.
2. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460 ه‍)،
تحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الأولى، دار الكتب الإسلامية
بطهران، سنه 1375 ه‍، 4 أجزاء.
3. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، لشيخ الإسلام المحدث الكبير محمد باقر
بن محمد تقي المجلسي (111 ه‍)، تصوير مؤسسة الوفاء، بيروت، سنة 1403 ه‍، 110
أجزاء.
4. البداية في علم الدراية: للشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (965 ه‍)، تحقيق السيد
محمد رضا الحسيني الجلالي، الطبعة الأولى، انتشارات محلاتي، قم، سنه 1421 ه‍.
5. تعليقة الوحيد البهبهاني (= فوائد الوحيد)، لمحمد باقر بن محمد أكمل الشهير بوحيد
البهبهاني (1206 ه‍)، تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم، الطبعة الثانية، مكتب
الإعلام الإسلامي بقم، مطبوع مع (رجال الخاقاني)، سنة 1404 ه‍.
6. تنقيح المقال في علم الرجال، للشيخ عبد الله المامقاني (1351 ه‍)، المطبعة المرتضوية،
النجف الأشرف، طبعة حجرية، ثلاثة أجزاء.
7. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460 ه‍)، تحقيق
علي أكبر الغفاري، الطبعة الأولى، مكتبة الصدوق بطهران، سنة 1417 ه‍، عشرة أجزاء.
8. جامع المقال فيما يتعلق بأحوال الرجال، للشيخ فخر الدين بن محمد علي الطريحي
(1085 ه‍) حققه وعلق عليه محمد كاظم الطريحي، الطبعة الأولى، مطبعة الحيدري
بطهران.
9. الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة، للشيخ الفقيه يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني
(1186 ه‍)، تصوير جماعة المدرسين بقم، 25 جزءا.
10. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، للعلامة الحلي الحسن بن يوسف (726 ه‍) - تحقيق السيد
محمد صادق بحر العلوم، الطبعة الثانية، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، سنة
1381 ه‍.
345

11. الدرة النجفية، ليوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني (1186 ه‍)، طبعة حجرية، سنة
1314 ه‍.
12. رجال ابن داود، لتقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي، تصحيح السيد كاظم
الموسوي المياموي، نشر مطبعة جامعة طهران، سنة 1342 ش.
13. رجال الكشي (= إختيار معرفة الرجال)، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460 ه‍)،
تحقيق الشيخ حسن المصطفوي، طبع جامعة مشهد، الطبعة الأولى، سنة 1348 ش.
14. رجال النجاشي، لأبي العباس أحمد بن علي النجاشي (450 ه‍)، تحقيق محمد جواد
النائيني، طبعة دار الأضواء، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1408 ه‍، جزآن.
15. الرواشح السماوية في شرح الإمامية، للسيد محمد باقر بن محمد المعروف بمير داماد
(1041 ه‍) - تصوير المكتبة المرعشية بقم، سنة 1405 ه‍.
16. روضة المتقين في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه، لمحمد تقي بن مقصود علي المجلسي
(1070 ه‍) - تصحيح وتعليق السيد حسين الكرماني والشيخ علي پناه الاشتهاردي، طبع
مؤسسة كوشانبور، 14 جزءا.
17. شرح البداية في علم الدراية، للشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (695 ه‍) - تحقيق
السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، الطبعة المضبوطة الأولى، منشورات
الفيروزآبادي، قم، سنة 1414 ه‍.
18. صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج النيسابوري، (261 ه‍) - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي،
تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الرابعة، سنة 1412 ه‍، 5 أجزاء.
19. عدة الأصول، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460 ه‍)، طبعة حجرية، الهند.
20. عدة الرجال، للسيد محسن بن الحسن الأعرجي الكاظمي (1227 ه‍)، تحقيق مؤسسة
الهداية لإحياء التراث، الطبعة الأولى، مطبعة إسماعيليان بقم، سنه 1415 ه‍، جزآن.
21. الغيبة: للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460 ه‍)، تحقيق عباد الله الطهراني و
علي أحمد ناصح، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية بقم، الطبعة المحققة الأولى، سنة
1411 ه‍.
22. فصل القضا في الكتاب المشتهر بفقه الرضا (عليه السلام)، للسيد حسن صدر العاملي الكاظمي
(1354 ه‍) - تحقيق الشيخ رضا استادي، مطبوع في مجلة (علوم الحديث) العدد العاشر،
السنة الخامسة.
346

23. الفصول الغروية في الأصول الفقهية، للعلامة الشيخ محمد حسين الإيوانكي الأصبهاني
(1250 ه‍) - طبعة حجرية.
24. فصوص اليواقيت في نصوص المواقيت، لإمام الحرمين محمد بن عبد الوهاب الهمداني،
(ت بعد 1300 ه‍)، طبعة حجرية.
25. الفوائد المدنية، لمحمد أمين الأسترآبادي (1036 ه‍)، طبعة حجرية، تصوير دار النشر
لأهل البيت (عليهم السلام).
26. الفهرست، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460 ه‍)، إشراف محمد راميار،
تصوير كلية الإلهيات بمشهد الرضا (عليه السلام).
27. الكافي: للإمام الحافظ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي (ت 328 - 329 ه‍) -
تحقيق علي أكبر الغفاري - نشر مكتبة الصدوق بطهران - الطبعة الثانية سنة (1381 ه‍).
28. الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني (1389 ه‍)، الطبعة
الثانية، مشهد، دار المرتضى، 1404 ه‍، مجلدان.
29. لب اللباب في علم الرجال والدراية، لملا محمد جعفر شريعتمدار الأسترآبادي (1263 ه‍)،
طبعة مؤسسة دار الحديث بقم ضمن مجموعة " ميراث حديث شيعه، الدفتر الثاني " سنة
1378 ش.
30. المآثر والآثار، لاعتماد السلطنة محمد حسن المراغي (1313 ق)، إيران، الطبعة الحجرية.
31. مجمع الرجال، لزكي الدين عناية الله بن علي القهبائي - (القرن 10 - 11 ه‍) - تصحيح السيد
ضياء الدين العلامة الأصبهاني، نشر مؤسسة إسماعيليان بقم، 7 أجزاء.
32. مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، للفقيه السيد محمد بن علي الموسوي العاملي
(ت 1009 ه‍) - تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، مشهد، الطبعة الأولى، سنة
1410 ه‍، 8 أجزاء.
33. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، لخاتمة المحدثين الميرزا حسين النوري الطبرسي
(ت 1320 ه‍)، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) بقم، الطبعة الأولى، سنة 1407 ه‍.
34. مشرق الشمسين وإكسير السعادتين، للشيخ البهائي محمد بن الحسين العاملي الحارثي
(1030 ه‍) مطبوع مع (الحبل المتين) للمؤلف، طبعة حجرية، تصوير مكتبة بصيرتي
بقم، سنة 1398 ه‍.
347

35. معالم الدين وملاذ المجتهدين، لجمال الدين أبي منصور حسن بن زين الدين الشهيد
الثاني (1011 ه‍) - طبعة المكتبة العلمية الإسلامية بطهران - سنة (1378 ه‍).
36. المعتبر في شرح المختصر، لنجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن المحقق الحلي
(676 ه‍) - نشر مؤسسة سيد الشهداء (عليه السلام) بقم، الطبعة الأولى، جزآن.
37. مقباس الهداية في علم الدراية، للشيخ عبد الله المامقاني (1351 ه‍) - مطبوع على الحجر مع
(تنقيح المقال) للمؤلف.
38. [كتاب] من لا يحضره الفقيه، للشيخ المحدث الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه
القمي (381 ه‍)، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة، طبعة جماعة المدرسين بقم،
سنة 1414 ه‍، 4 أجزاء.
39. منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، لجمال الدين أبي منصور الحسن بن زين
الدين الشهيد الثاني (1011 ه‍) تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، الطبعة الأولى، طبعة
جماعة المدرسين بقم، سنة 1402 ه‍، 3 أجزاء.
40. منتهى المقال في أحوال الرجال، لمحمد بن إسماعيل المازندراني المعروف بأبي علي
الحائري (1216 ه‍)، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث بقم، الطبعة الأولى،
سنه 1416 ه‍، 7 أجزاء.
41. نهاية الدراية في شرح الوجيزة، للسيد حسن الصدر العاملي الكاظمي (1354 ه‍)، تحقيق
ماجد الغرباوي، الطبعة الأولى، نشر المشعر، قم.
42. الوافية في أصول الفقه، للفاضل التوني، المولى عبد الله بن محمد البشروي الخراساني
(1071 ه‍)، تحقيق السيد محمد حسين الرضوي الكشميري، الطبعة الأولى، طبعة
مجمع الفكر الإسلامي بقم، سنة 1412 ه‍.
43. الوجيزة في الرجال، للعلامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (1111 ه‍)، تحقيق الشيخ
محمد كاظم رحمان ستايش، الطبعة الأولى، طبعة وزارة الإرشاد، سنه 1420 ه‍.
44. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، للفقيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر
العاملي (ت 1104 ه‍)، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث بقم، الطبعة الثانية،
سنه 1414 ه‍، 30 جزءا.
348

(4)
الجوهرة العزيزة
في شرح الوجيزة
تأليف:
السيد علي محمد النصيرآبادي النقوي الهندي
(1262 - 1312 ه‍)
تحقيق:
محمد البركة ونعمة الله الجليلي
349

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف رسله محمد المصطفى، و
على وصيه ووزيره علي المرتضى، وآلهما النجباء أعلام الهدى.
وبعد:
فإن الأهمية والمكانة الخاصة للحديث في استنباط أحكام وفروع الدين، و
كذلك السير على الصراط المستقيم والابتعاد عن كل ضلالة وانحراف من أجل
الوصول إلى اعتقاد سليم في مجال أصول الدين كان سببا لولادة " علوم الحديث " التي
تعتبر " دراية الحديث " إحدى فروعها.
وأشهر كتاب في " دراية الحديث " هو شرح بداية الدراية المسمى ب‍ " الرعاية " (1) تأليف
الشهيد الثاني، وبعد ذلك ازدادت التأليفات في " دراية الحديث " كما وكيفية. ولعل
أشهر مختصر كتب في " دراية الحديث " هو الوجيزة للشيخ البهائي، وكتابنا هذا الجوهرة
العزيزة هو شرح متوسط كتبه علي محمد النصيرآبادي على " وجيزة البهائي "، وله أيضا
شرح مفصل باسم سلسلة الذهب.
نبذة عن حياة المؤلف
هو تاج العلماء السيد علي محمد بن سلطان العلماء السيد محمد بن السيد دلدار

1. اختلف في تسمية الكتاب؛ هل ان اسمه " الرعاية " أم لا؟ وقد صرح مؤلفه بأن اسمه " الرعاية ". واختلف
أيضا هل ان " بداية الدراية " و " شرح بداية الدراية " أول تصنيف لعلماء الشيعة في " دراية الحديث " أم لا؟
وللمزيد من الاطلاع في هذا الموضوع راجع كتاب " منية المريد " للشهيد الثاني، مقدمة التحقيق: ص 43 -
45 بقلم رضا المختاري.
351

علي النصيرآبادي، ينتمي إلى بيت من البيوت العلمية والروحية في مدينة لكهنو في
الهند، ويرجع نسب أسرته إلى جعفر أخي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وقد هاجر
أجداده من سبزوار إلى الهند. (1)
وقد عانت هذه الأسرة كثيرا من أجل إحياء المذهب الشيعي في الهند، وكانت
لهم الرئاسة الدينية لفترة من الزمن. (2)
ولقد أسس السيد دلدار علي النصير آبادي (1166 - 1235) (3) - جد المؤلف رحمهما
الله - حسينية في مدينة لكهنو وأسماها ب‍ " غفران مآب " وأصبحت بعد ذلك مقبرة له ولبعض
أولاده، وكذا دفن فيها جمع من الأعلام؛ كالمير حامد حسين مؤلف كتاب عبقات الأنوار.
ومن الأسماء التي اشتهرت بها هذه الأسرة: غفران مآب، النقوي، الهندي.
وللسيد دلدار علي خمسة أولاد ذكور، هم:
1 - سلطان العلماء السيد محمد (1199 - 1284). (4)
2 - السيد علي (1200 - 1259). (5)
3 - السيد حسن (1205 - 1260). (6)
4 - السيد مهدي (1208 - 1231). (7)
5 - سيد العلماء السيد حسين (1211 - 1273). (8)

1. لمزيد الاطلاع على نسب هذه الأسرة وكيفية هجرة أجدادهم إلى الهند، راجع أعيان الشيعة 6: 425.
2. لم نطلع على أحوال وأخبار هذه الأسرة في زماننا هذا.
3. للاطلاع على سيرة حياته راجع أعيان الشيعة 6: 425، ومطلع الأنوار: 246.
4. انظر: أعيان الشيعة 9: 276؛ مطلع الأنوار: 482.
5. انظر: أعيان الشيعة 8: 240؛ مطلع الأنوار: 370.
6. انظر: أعيان الشيعة 5: 64؛ مطلع الأنوار: 204.
7. انظر: أعيان الشيعة 10: 152؛ مطلع الأنوار: 656.
8. انظر: أعيان الشيعة 6: 12؛ مطلع الأنوار: 214.
لقد سماه في أعيان الشيعة 6: 354 - اشتباها - السيد خليل بن السيد دلدار علي المتوفى سنة 1273، وفي: ج
6 ص 12 ذكر أن وفاة السيد حسين كانت في 17 صفر 1274 ويحتمل أن يكون خطأ مطبعيا.
352

قال السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: ج 8 ص 310 عن المؤلف: (1)
محقق، مدقق، جامع للعلوم، لا يكاد يوجد علم إلا وله فيه تصنيف واستنباط،
فقيه، أصولي، متكلم، منطقي، حكيم، طبيب، محدث، رجالي، مفسر، شاعر،
أديب، باحث، مناظر مع أهل الديانات والملل المختلفة، ما هو في اللغة العبرانية و
السريانية، وكتبه مشحونة بنقل عبائر التوراة والإنجيل العبرانيين، قرأ على أبيه، وله
أكثر من مائة مصنف من كتب ورسائل.
وقال بعد أن ذكر مصنفاته:
وقد سافر المترجم إلى العراق، وله الرواية عن جل علماء عصره؛ كالمفتي السيد
محمد عباس التستري اللكهنوي، والفاضل الأردكاني، والشيخ راضي النجفي، والميرزا
علي نقي الطباطبائي الحائري المتوفى سنة 1289، والشيخ زين العابدين المازندراني
الحائري، وغيرهم. ويروي عنه جملة من الأفاضل الأعلام؛ منهم: السيد علي حسين
الزنجي فوري، والسيد كلباقر الجائسي الحائري، والسيد مكرم حسين الجلالولي.
وقال السيد مرتضى حسين صدر الأفاضل في مطلع الأنوار: ص 398 ما ترجمته:
تاج العلماء مولانا السيد علي محمد بن سلطان العلماء السيد محمد، ولد في شهر
شوال سنة 1262 ه‍. ق، تلقى العلوم من أبيه وعلماء عصره الكبار. وللرد على اليهود و
النصارى تعلم اللغة العبرية، وكان دائما بديهي الجواب ومحقق بدون نظير.
وكان من خصوصيات " تاج العلماء " المهمة إجادته اللغة الأردوية حيث أغنى
هذه اللغة بمصنفاته وإفاداته العلمية. توفي مولانا في يوم الجمعة 4 ربيع الثاني سنة
1312 ه‍. ق، ودفن إلى جنب مرقد أبيه رحمهما الله.
حول الكتاب:
إن الموضوعات الموجودة في كتاب " الجوهرة العزيزة " تتطابق كثيرا مع

1. للمزيد من الاطلاع على حياة المؤلف انظر: أعيان الشيعة 8: 311؛ مطلع الأنوار: 398؛ نقباء البشر 4: 1624.
353

العبارات الموجودة في شرح بداية الدراية للشهيد الثاني، مع قليل من التأخير والتقديم،
أو اختلاف بعض الألفاظ.
وفي بحث موضوع العدالة وتعريف العادل هناك تطابق دقيق مع ما هو موجود
في كتاب جواهر الكلام.
منهج التحقيق:
اعتمدنا على النسخة الحجرية الوحيدة للكتاب، وهي مملوءة بالأخطاء، و
عرضناها على كتاب " شرح بداية الدراية " و " جواهر الكلام " وأشرنا لمواضع الاختلاف
المهمة فقط.
وبما أن أحاديث كتاب " الجوهرة العزيزة " منقولة عن " شرح بداية الدراية " و
" جواهر الكلام " لذا لم نشر إليها.
محمد البركة
354

الجوهرة العزيزة في شرح الوجيزة
355

بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد لله على نعمائه المتواترة، وآلائه المستفيضة المتكاثرة؛ والصلاة على أشرف أهل
الدنيا والآخرة، نبينا محمد)، سيد المرسلين وخاتم النبيين، (وعترته) الطيبة (الطاهرة)،
الأمناء الصادقين، المبلغين عن جدهم عن جبرائيل عن الله رب العالمين.
(وبعد، فهذه) تحريرات رشيقة، ونكات دقيقة، وتعليقات أنيقة، علقتها على
عبارة بهية، و (رسالة) بهائية، وسميتها جوهرة (عزيزة)، في شرح رسالة (موسومة
بالوجيزة، تتضمن خلاصة علم الدراية، وتشتمل على زبدة ما يحتاج إليه أهل الرواية، جعلتها
كالمقدمة) لما صنفته في المسائل الشرعية، والأحكام الفرعية، من كتب ورسائل، و
تعليقات ومسائل، مراعيا للاختصار، محترزا عن التطويل والتكرار، موردا لرؤوس
المسائل، مشيرا في أكثرها إلى ما لاح لي من الدلائل، ملتمسا من الناظر (لكتابي) هذا
إصلاح الفساد، وترويج الكساد.
ولم آل أخذا بالاحتياط؛ فإن الاحتياط في الدين هو العروة الوثقى و (الحبل
المتين).
وأتحفتها إلى الفاضل الكامل، والعالم الماثل، ذي الطبع الوقاد، والذهن النقاد،
زبدة الأمراء العظام، عمدة الرؤساء الكرام، الأمير ابن الأمير ابن الأمير، والرئيس ابن
الرئيس ابن الرئيس، الوحيد الذي
لا يدرك الواصف المطري خصائصه * وإن يك سابقا في كل ما وصفا (1)

1. ربع قرن مع العلامة الأميني: 333.
357

أعني به حضرة ذي الرئاستين، جناب النواب العلامة، المدعو بالسيد مهدي
حسين، المعروف بآغا أبو (1) صاحب - أدام الله إقباله، وضاعف إجلاله - ابن المعلم
العلام، والحبر الفهام، مروج شريعة جده سيد المرسلين، ملجأ الفقهاء والمتكلمين،
معين العلماء الأعلام، مغيث الأرامل والأيتام، صفوة الفضلاء الأخيار، عمدة العلماء
الأبرار، حضرة النواب آ ميرزا عاليجاه الموسوي طاب ثراه، وجعل الجنة مثواه؛ (و
على الله أتوكل وبه أستعين)، وهو خير موفق ومعين.
(وهي مرتبة على مقدمة وفصول ستة وخاتمة.)
أما (المقدمة:)
ففيما يوجب البصيرة لطالب هذا الفن.
وأما الكلام في أنها هل هي بكسر الدال أو فتحها؟ وما يطأ عقبه، فليس من
وظائف الفن في شيء، فلذا أعرضنا عنه صفحا، وطوينا دونه كشحا.
وإذا تمهد لك ذلك، فاعلم أن (علم الدراية) للحديث، (علم) شريف، وفن
لطيف، لا محيص في الرواية عنه، ولا محيد في الفتوى منه؛ لما (يبحث عن سند
الحديث ومتنه وكيفية تحمله وآداب نقله فيه)؛ وحينئذ فلا ريب في الاحتياج إليه بلا تمويه.
(والحديث: كلام) يتكلم به أصلا. وأما اصطلاحا، فهو: ما (يحكي قول المعصوم)
خاصة - نبيا كان، أو إماما من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، أو فاطمة (عليها السلام) - (أو فعله، أو تقريره).
وإذا عرفت تخصيصه بالمعصوم آنفا، (فإطلاقه عندنا) - معاشر الشيعة - (على ما ورد
عن غير المعصوم) - صحابيا كان، أو تابعيا، أو من تابعي التابعين - (تجوز) وتوسع، وفاقا
للمحقق المقنن لقوانين الأصول (2) والمصنف العلامة (3) وغيرهما من جمهور علماء
الإمامية. (4)

1. لاشتهاره بالكنية صار اسما له، فلا يتغير.
2. قوانين الأصول 1: 393.
3. الحبل المتين: 4.
4. فقه الرضا: 20؛ شرح أصول الكافي 2: 26؛ دراسات في علم الدراية: 11؛ قوانين الأصول: 409.
358

ومن هنا يعلم أن ما ورد عن غير المعصوم ليس عندنا من الحجية في شيء؛
لكونهم - قاطبة - غير مأمونين من وقوع الخطأ، فحديثهم من حيث إنه كذلك لا ينهض
حجة ألبتة.
وأما ما رووه عن المعصومين، فإن كانوا عدولا وثقاتا - ولا سيما إذا كانوا من
الأجلاء الذين علم من حالهم أنهم لا يتقولون من تلقاء أنفسهم، ولا يتفوهون بما لا
يبلغهم من المعصومين، كأبي ذر وسلمان ومقداد وجابر وهشام وحماد وأضرابهم -
كان العمل بمقتضى حديثهم متجها إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه.
وإن كانوا مجهولين أو فسقة - كالخلفاء المتغلبين وأبي هريرة الكذاب الوضاع -
فيجب رد ما تفردوا به ألبتة، كرواية بكرية موضوعة مختلفة (1) على ما يخالف نص
الكتاب، في حرمان المعصومة المظلومة عن إرث أبيها صلوات الله عليه.
وسيأتيك الشرائط المعتبرة في الراوي - إن شاء الله تعالى - عن قريب؛ هذا.
و (كذلك) الذي مر حد (الأثر) أيضا، بلا فرق في البين على قول.
وقيل: إنه الأعم - مطلقا - من الحديث والخبر كليهما، بأي معنى أخذا، فليحمل
عليهما كلية من غير عكس.
وقيل: الخبر ما ينقل عن النبي (صلى الله عليه وآله)، والأثر ما يحكى عن التابعي.
(والخبر) قد يطلق ويراد به ما يقابل الإنشاء، وهو ما يحتمل الصدق والكذب،
والمقصود من احتمالهما هو تطرقهما منه من حيث هو هو، مع قطع النظر عن
الخارج، فلا يقدح حينئذ تعيين أحد الاحتمالين نظرا إليه، كما في قول القائل: السماء
فوقنا أو تحتنا.
والمعيار في ذلك، التطرق حين التجرد، فلو فرض مسجون لم ينظر السماء قط،
فيتطرق كلاهما عنده ألبتة، كما قد تفطن به شيخنا العلامة في الفصول الغروية. (2)

1. إشارة إلى الحديث المروي عن أبي بكر: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه فهو صدقة " فيض القدير
شرح الجامع الكبير 2: 166، ح 1503.
2. الفصوص الغروية في الأصول الفقهية 2: 23.
359

وأما الدور، فيمكن دفعه بإرادة مطلق الإعلام من " الخبر " في تعريف الصدق، أو
صدق الكلام في حد الخبر والمتكلم في حد الصدق، أو غير ذينك، كما نص عليه
شيخنا المقنن لقوانين الأصول. (1)
وفيه ما فيه؛ فتدبر.
وأنت تعلم أن البحث من أمثال ذلك مما لا يجدي علما ولا عملا، فلنا غنية
- بحمد الله - عنه.
وإذا عرفت ذلك، فاعلم أنه (يطلق تارة على ما ورد من غير المعصوم) أيضا، أعم (من
الصحابي) - وهو من لاقى النبي (صلى الله عليه وآله)، مؤمنا به ومات عليه، ومثل بالعبادلة الثلاثة (2) - (و
التابعي) - وهو من لاقى الصحابي - (ونحوهما) من تابعي التابعين وغيرهم من
العلماء والصلحاء، من قولهم أو فعلهم أو تقريرهم، وهذا هو الأشهر في الاستعمال و
الأوفق لعموم معناه اللغوي.
ويؤيده إطلاق الأخباري على من تصدى بعلم التاريخ، كما قاله صاحب
القاموس لأبي مخنف في ترجمته (3) وغير ذلك، كما يشهد به الوجدان السليم.
ومما يضحك به الثكلى حمل بعض الأخبارية هذا اللفظ في كلام صاحب
القاموس على مصطلحهم، ومثله في خرافاتهم الواهية غير عزيز.
وكيفما كان، فالخبر - بناء على ذلك - أعم من الحديث وهو أخص، ويؤيده
إطلاق " المحدث " على المشتغل بالسنة النبوية.
وقد يطلق الحديث على ما يعم الخبر مطلقا، فيكون كل خبر حديثا - بناء عليه -
من غير عكس.
وبالجملة، فتارة يستعمل فيما مر، (وأخرى) يطلق (على ما يرادف الحديث) من

1. قوانين الأصول 1: 394.
2. وهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن زبير.
3. القاموس المحيط 3: 139.
360

المعنى، (وهو الأكثر) استعمالا، الأشهر في عرف أهل الحديث منا، وأوفق بقواعد
الإمامية، أيدهم الله تعالى بالبراهين القوية.
(وتعريفه) ب‍: " ما يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره " لا (ب‍: " كلام يكون لنسبته)
أمر (خارج) عن تلك النسبة (في أحد الأزمنة) " - بحيث تكون حكاية ويكون محكيا
عنه، وهو ما تحقق في الواقع - فإنه ليس في محله.
(يعم) هذا (التعريف للخبر) بمعناه اللغوي (المقابل للإنشاء، لا) المعنى المزبور
(المرادف للحديث) بمعناه الاصطلاحي، (كما ظن) الشهيد - طاب ثراه - في شرح الدراية
تبعا للماتن (1)؛ (لانتفاضه طردا) ومنعا (بنحو زيد إنسان)، فإنه خارج من الخبر
الاصطلاحي قطعا، مع أنه يدخل فيه، بناء على ذلك المعنى المستفاد من كلام ثاني
الشهيدين رضوان الله عليه.
(وعكسا) وجمعا، (بنحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)) في النبوي: (" صلوا كما رأيتموني أصلي ") (2) فإنه
إنشاء ليس لنسبته خارج، فيخرج عن حد الخبر بما ذكره، مع أنه من أفراد الخبر عند
المحدثين طرا.
ثم لا يخفاك أن هذين مادتا افتراق، وأما مادة الاجتماع، فكقولنا: قال الصادق (عليه السلام):
" التقية من ديني ودين آبائي " (3) فانقدح أن المرجع إلى موجبة جزئية وسالبتين
جزئيتين، نعني بها: بعض الخبر لغة خبر اصطلاحا كذا، وبعض الخبر اصطلاحا ليس
بخبر لغة كذلك، وبعض الخبر لغة ليس خبرا اصطلاحا كذلك.
ولا نعني بالعموم والخصوص من وجه إلا هذا المعنى، (فبين الخبرين) لغة
واصطلاحا - على نحو النشر واللف - (عموم من وجه)، بناء على ما حققنا آنفا، فتذكر.
(اللهم إلا أن يجعل قول الراوي: " قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) " مثلا، جزءا منه ليتم العكس)، فيتم
ألبتة، فإن قوله: " صلوا... " وإن لم يكن لنسبته خارج من حيث هو هو، ولكن يصدق

1. شرح الدراية: 6.
2. بحار الأنوار 85: 279.
3. بحار الأنوار 13: 158.
361

عليه مع ضميمة " قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) " ذلك فان مجموع " قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): صلوا كما رأيتموني
أصلي " صار خبرا ولم يبق إنشاء، كما لا يخفى.
ولو أورد عليه بعد ما مر، بأن كلام الرواة - مطلقا - يدخل في الحد، مع أنه مقطوع
بعدمه؛ فيزاد (ويضاف إلى التعريف المذكور قولنا: " يحكي ") ليخرج من كلام الرواة ما لا
دخل له ولا تعلق بها، و (ليتم الطرد عنه مندوحة) فيتم؛ لأن زيد إنسان - مثلا - وإن كان
كلاما لنسبته خارج، ولكن ليس في مرتبة الحكاية عن المعصوم.
(ثم لزوم اختلال عكس التعريفين) - كليهما - (بالحديث المسموع من المعصوم (عليه السلام))
نفسه، (قبل نقله عنه ظاهر) لا خفاء فيه، ولأنه لا يحكي قول المعصوم، بل هو عينه،
(والتزام عدم كونه حديثا تعسف) عيان، لا يحتاج إلى إظهار وبيان؛ لاستلزامه عدم سماع
أحد حديثا من معصوم عدا ما رواه عن مثله، ولا يخفى وهنه على من له أدنى وقوف
على مصطلحات المحدثين، ونوع اطلاع على محاورات الأصحاب رضوان الله
عليهم أجمعين.
(ولو قيل)، دفعا للمحذور المذكور: إن (الحديث قول المعصوم (عليه السلام) أو حكاية قوله)،
على نحو من منع الخلو لا منع الجمع، كما فيما حكاه معصوم عن مثله، (أو) حكاية
(فعله أو) حكاية (تقريره، لم يكن بعيدا).
وبالجملة، فالحكاية غير مأخوذة في القول، بل هو أعم من المحكي وغيره،
بخلاف الأخيرين، فلا بد فيهما من كونهما محكيين.
(وأما نفس الفعل والتقرير، فيطلق عليهما اسم السنة لا الحديث)، بخلاف القول نفسه،
كما عرفت بيانه، (فهي) إذن (أعم منه مطلقا)، فيصدق " كل حديث فهو سنة " وهو أخص
منها كذلك، فيصدق " بعض السنة ليس بحديث ".
وربما (1) قيل: إن السنة قول المعصوم أو فعله أو تقريره غير العاديات، والرواية

1. قوانين الأصول: 409؛ فرائد الأصول 1: 365؛ أصول الفقه للمظفر 2: 57؛ مصباح الأصول 2: 147؛ زبدة الأصول:
87؛ منتقى الأصول 4: 249.
362

كالخبر؛ وقيل: الغالب فيما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) - خاصة - الخبر، وفيما روي عن
الصادقين (عليهما السلام) الرواية؛ هذا.
(ومن الحديث ما يسمى حديثا قدسيا، وهو ما يحكي كلامه تعالى غير متحد بشيء
منه)، لا كالقرآن المقصود بتنزيله ذلك، (ومثاله ما قال الله تعالى: " الصوم لي وأنا
أجزى به (1) ") إما بناء على المعروف، أو المجهول بإرادة كون رضاه وقربه ومحبته
جزاء بمنزلة كونه تعالى بنفسه جزاء مبالغة، هذا ما نقل في معنى الحديث من
بعض الأعلام.
ولا يبعد - كل البعد - أن يكون هو " أحرى " بالمهملتين، وكونه سبحانه أحرى و
أليق بأن يعبد ويطاع بالصوم من بين العبادات الأخر أظهر من أن ينكر، وأجلى من أن
يظهر؛ لبعده عن السمعة والرياء وكونه بمكان من الخلوص، وقد أمرنا في محكم
كتابه بأن نعبده مخلصين له الدين، فتدبر.
وليس هذا محل مزيد البحث عن تعديد مرجحاته على غيره من العبادات، هذا.
ولا يخفاك أن قيد الحكاية مغن عن ذكر التحدي لإخراج القرآن، فإنه ليس
في مرتبة الحكاية، اللهم إلا أن يراد أن قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسها حكاية، فلا بد من
التقييد به ليجدي خروجه. نعم، لا يخرج منه التوراة والزبور والإنجيل بعد، فيزاد
" غير محرف " فيرد بأصل الصحف السماوية غير المحرفة فيضاف " غير منسوخ "
فيرد ببعض الأحاديث القدسية إذا فرضت منسوخة؛ لإمكان نسخها بل واحتمال
وقوعه.
ولو أريد بالموصول الكلام العربي خاصة - كما هو المنساق إلى الذهن - فيخرج
بلا تكلف نعم، يبقى الإشكال بترجمتها العربية، ويخطر بالبال أنه حكاية مراد الله
تعالى بلفظ آخر، لا حكاية قوله وكلامه.
وفيه ما فيه، فتدبر.

1. بحار الأنوار 96: 254.
363

(الفصل) الأول:
في بعض مصطلحات الفن.
(ما يتقوم به معنى الحديث) من اللفظ والعبارة (متنه)؛ فإن متن الشيء - أصلا - ما
قوامه به.
(وسلسلة رواته) المنتهية (إلى المعصوم سنده)؛ فإن العلماء في تضعيفه وتصحيحه
تستند إلى تلك السلسلة وتعتمد عليها. ويجمع على أسناد - بالفتح - وأسانيد. و
الإسناد - بالكسر - رفع السند إلى قائل الخبر من المعصوم، أو الإخبار عنه.
(وإن بلغت سلاسله في كل طبقة) - أولى الطبقات كانت، أو وسطها، أو أخراها - (حدا
يؤمن معه) - بالنظر إليه خاصة دون القرائن الخارجية - (تواطؤهم) واجتماعهم (على
الكذب)، بأن يستحيل ذلك عند العقل، (فمتواتر).
ولا يشترط كونهم عدولا، بل ولا مؤمنين ولا مسلمين. نعم، لابد من استنادهم
إلى حس. وحصرهم في عدد مجازفة. واشترط في حصول العلم به انتفاؤه اضطرارا
من السامع، وعدم سبق الشبهة، فإطباق النصارى على وجود إقليم الفرنج وأمثال
ذلك، يوجب القطع بوجوده وإن لم نشاهده أو نسمع من ثقة ذلك.
ويلزم التواتر إفادة القطع - بنفسه - بصدقه، وكذا (يرسم بأنه خبر جماعة يفيد بنفسه)،
من غير انضمام قرينة خارجية إليه، كما في الآحاد المحفوفة بالقرائن، (القطع) واليقين
(بصدقه)، والمنكر مباهت، وشبه السمنية (1) واهية لا يعبأ بها، وإنكار النصارى شق
القمر - لرسوخ الشبهة - فلا يضر، ولذلك شرط فيه عدمه (2)؛ هذا.
واعلم أن للمتواتر أقساما ثلاثة:
ألف: المتواتر لفظا، وهو ما تواتر لفظه، كالقرآن وبعض من كلمات أمير
المؤمنين وسيد الساجدين علي بن الحسين (عليهم السلام).

1. بضم السين وفتح الميم: قوم... تنكر وقوع العلم بالإخبار. راجع اللسان 13: 220 مادة (س. م. ن).
2. أي عدم رسوخ الشبهة.
364

ب: المتواتر معنى، وهو ما تواتر كذلك، وإن كان لفظه مرويا بالآحاد، كشجاعة
علي (عليه السلام)، فإنا وإن لم نجزم بتفاصيل وقائع حروبه، ولكن نعلم من جميعه ونقطع
بكونه أشجع الناس بلا مرية.
ج: المتواتر لفظا ومعنى، ويعرف بمعرفة سابقيه، ومثاله بعض الآيات الفرقانية
التي اتفق روايات أهل الإسلام في معناه ولم تختلف وبلغت حد التواتر، ك‍ (قل هو الله
أحد) و (لا إله إلا الله) في الدلالة على نفي الأضداد والأنداد؛ هذا.
وليعلم أن التواتر قد كثر وقوعه في أصول الشرائع وإن قل وندر في فروعها،
حتى في المحكي عن أبي الصلاح: إن من سئل عن إبراز مثال لذلك، أعياه طلبه. (1)
وفي كون النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم) " إنما الأعمال بالنيات " (2) من متواترات الروايات كلام؛
لاحتمال طرء التواتر في الوسط.
وأكثر ما ادعي فيه التواتر لا يخلو من تسامح. نعم، لا يبعد ادعاؤه في " من كذب
علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " (3) أو " فيها " فقد رواه أربع أو نيف وستون من الجم
الغفير والجمع الكثير.
وهذا كله إذا كان الخبر متواترا، (وإلا فخبر آحاد، ولا يفيد بنفسه) مع قطع النظر عن
القرائن الخارجية (إلا ظنا)، وبناء على ذلك، فلا غرو في إفادته القطع إذا كان محفوفا
بالقرائن. ومنكر إفادته القطع مباهت، كما أن مدعي إفادة الآحاد العرية عنها - ولو
كانت أخبار الكتب الأربعة وغيرها من كتب الأخبار الشهيرة - القطع مجازف. ولنعم
ما حققه في المقام جدنا العلامة - أعلى الله مقامه، وخلد في الخلد إكرامه - في أساس
الأصول.
ثم إن المراد بإفادتها الظن، إفادته إذا كانت جامعة لعدة شرائط يأتي ذكرها، فلا
غرو بعدم إفادة الضعيف منها ذلك؛ لكونه فاقدا لتلك الشرائط.

1. مقباس الهداية 1: 123.
2. وسائل الشيعة 6: 5، ح 7198.
3. وسائل الشيعة 1: 15.
365

(فإن نقله) من الرواة (في كل مرتبة) - إن كانت له مراتب متعددة - (أزيد من ثلاثة) رواة
- بل واثنين على قول - (فمستفيض)، ولا أقل في تحقق الاستفاضة من رواية اثنين على
قول.
والمستفيض أقوى أنحاء الآحاد في إفادة الظن، فلا يعارضه غيره منها، كما
لا يعارض هو - بنفسه - المحفوف بالقرائن المجدية للقطع، وكذا المتواتر.
(أو انفرد به واحد) في جميعها أو (في أحدها (1) فغريب).
وإطلاقه على ثلاثة أقسام:
الأول: الغريب إسنادا إن اشتهر المتن عند جمع من الصحابة دونه، بأن ينفرد
بروايته واحد عن مثله إلى آخر السند. وظاهر أكثر الأعلام اعتبار أن لا ينتهي إسناد
الواحد المنفرد إلى أحد الجماعة المعروف عنهم الحديث، كما أفيد.
الثاني: الغريب متنا إن اشتهر الإسناد بأن رواه رواة كثيرة دونه، بأن يكون عند
واحد فيرويه هؤلاء عمن تفرد به، وهو الغريب المشهور.
الثالث: الغريب سندا ومتنا قاطبة، ويعرف بمعرفة سابقيه؛ هذا.
وحديث " إنما الأعمال بالنيات " (2) غريب مشهور؛ لطرء الشهرة في السند بالنظر
إلى كثرة الرواة دون المروي عنه من الصدر الأول.
وقد يقيد الغرابة باللفظ، فيقال: غريب لفظا، ويعنى به ما اشتمل على لفظ
غامض بعيد عن الفهم، مفتقر في معرفته إلى تثبت عظيم.
وأحسن ما صنف فيما يتكفل بمعرفة تلك الألفاظ الغريبة مجمع البحرين ومطلع
النيرين للعلامة الطريحي النجفي أعلى الله مقامه، والنهاية الأثيرية.
(وإن علمت سلسلته بأجمعها) ولو ظنا، (فمسند).

1. الضمير راجع إلى المراتب المفهومة من " كل مرتبة " فالأولى: إحداها.
2. التهذيب 1: 83، ح 67، و 4: 186، ح 518 و 519؛ أمالي الطوسي: 168، ح 1274؛ عوالي اللئالي 1: 81، ح 3
و 380، ح 2؛ وسائل الشيعة 1: 48، ح 88 و 89.
366

وبالجملة، فالمسند هو المتصل سنده مطلقا، أو منتهيا إلى المعصوم بلا قطع، أو
معه؛ والأوسط أشهرها وأشرفها.
(أو سقط من أولها واحد فصاعدا، فمعلق).
فإن تحقق من جهة الثقة، لم يخرج الرواية عن الاعتبار والصحة، بل كان
المحذوف كالمذكور، وإلا فلا، على الأشهر.
ولا يبعد أن يقال: إن غاية ما يجدي وثوق الراوي، هو كون المروي عنه عنده ثقة،
وهو لا يستلزم توثقه عند غيره، فلا يجوز التعويل على ذلك إلا على قول من يرى
حجية تعديل مجهول الشخص، وستعرف الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
(أو) سقط (من آخرها كذلك أو كلها، فمرسل).
(أو واحد) فقط (من وسطها، فمنقطع).
(أو أكثر) من واحد، (فمعضل).
وقد يقال: المرسل ما رواه عن المعصوم من لم يدركه بغير واسطة، أم بها - أيضا -
ولكن إذا نسيها أو تركها أو أبهمها بقوله: " عن رجل " مثلا؛ وهذا هو المتعارف في
معناه عندنا، أو إسناد (1) التابعي - خاصة - إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من غير ذكر الواسطة، كما هو
المحكي عن الجمهور.
وربما قيل: إن المنقطع والمعضل أيضا من أنحاء المرسل؛ والمعضل مأخوذ من
قولهم: " أمر عظيم عضيل " أي: مستغلق شديد.
وكيفما كان، فالمرسل وأخواه ليست بحجة على الأصح؛ للجهل بحال
المحذوف.
ثم إن حال الإرسال وغيره يعرف بعدم التلاقي بين الراوي والمروي عنه، و
يكشف عنه علم التاريخ المتضمن مواليدهم ووفياتهم وأوقات طلبهم وارتحالهم. و
التعبير بلفظة تحتمل اللقاء وعدمه، ك‍ " عن فلان " و " قال فلان " قد عد من التدليس.

1. عطف على " ما " أي المرسل إسناد التابعي ولحمل المصدر على الذات وجه.
367

(والمروي بتكرير لفظة " عن ") - كقولنا: " روى فلان عن فلان عن فلان " وهكذا -
(معنعن)؛ وسلسلته عنعنة، وفي معنى ما ذكر " هو عن فلان وهو عن فلان " إلى آخر
السند، من غير بيان للتحديث والإخبار وغيرهما، وقد ظن إلحاقه بالمرسل و
المنقطع؛ لعدم استلزام العنعنة الاتصال حقيقة.
ولا يبعد عده حقيقة متصلا، إذا أمكن اللقاء ولم يكن احتمال التدليس متطرقا،
وفاقا لجمهور المحققين، بل ربما استفيد من كلام بعضهم بلوغه حد الإجماع، وقد
يرام به المتصل، وبالعنعنة الاتصال.
(ومطوي ذكر المعصوم (عليه السلام) مضمر)، فإن تحقق من الأصل أوجب الضعف، وإن
اعترى قطعا لم يوجبه قطعا، والمحك ملاحظة القرائن من رواية من علم من حاله أنه
لا يروي عن غير المعصوم، ك‍: محمد بن مسلم وأضرابه. وهل الشهرة تجبره أم لا؟
فيه وجهان، من عموم جبرها نقصان الرواية، وعدم معلومية كون المضمر رواية؛
لاحتمال كونه من غير المعصوم.
وقد علمت أن الخبر والحديث والرواية عندنا لا يطلق على ما لم يصدر من
المعصوم إلا بنوع من التوسع والمجاز، وهذا هو مختار أكثر متأخري المتأخرين،
كشيخنا صاحب الرياض وصاحب الجواهر أعلى الله مقامهما.
ولا يبعد عدها من القرائن المجدية عد عروض الإضمار من التقطيع دون
الأصل، والله أعلم.
(وقصير السند عال)؛ لعلو سنده بقصر سلسلة رواته. وطلبه سنة عند أكثر القدماء،
وكانوا يترحلون لأجل ذلك إلى أقصى البلاد، ويطأون الربي والوهاد، كيف لا؟ وهو
أبعد عن الخلل المتطرق احتماله إلى كل راو، وقد يتحقق في النزول مزية دون العلو؛
لكثرة من يكون أوثق وأضبط وأحفظ وغير ذلك.
وأما استلزامه كثرة البحث المقتضية عظم المشقة الموجبة جزالة الأجر - بناء على
أن أفضل الأعمال أحمزها - فهو أمر خارج عن المقصود في هذا الفن من التصحيح و
التضعيف.
368

وكيفما كان، فروايتنا عن حجة الإسلام سيدنا السيد علي نقي بن مولانا السيد
حسن بن السعيد الشهيد السيد محمد صاحب المناهل ابن الأمير السيد علي صاحب
الرياض عن شيخه العلامة صاحب الجواهر، وكذا عن سيدنا السيد علي بحر العلوم ابن
مولانا السيد رضا ابن السيد المؤيد بروح القدس حضرة بحر العلوم السيد محمد
مهدي الطباطبائي أعلى الله مقامه، عن شيخه صاحب الجواهر - مثلا - أعلى سندا من
روايتنا عن الشيخ الجليل الشيخ حسن، عن الشيخ محمد حسين الكاظمي، عن
العلامة صاحب الجواهر أعلى الله مقامه.
ثم إن العلو أعلاه قرب الإسناد من المعصوم، ثم من أئمة الحديث، ثم زمان السماع
من أحد شيخي الحديث على السماع من الآخر وإن اتفقا بحسب العدد والواسطة. وزاد
بعضهم (1) تقدم وفاة المروي عنه على مروي عنه آخر، فروايتنا عن شيخنا صاحب الجواهر
- أعلى الله مقامه - أعلى سندا من روايتنا عن والدنا العلامة المبرور.
(ومشتركها كلا أو جلا في أمر خاص، كالاسم)، مثلا عن محمد بن أحمد عن محمد بن
أحمد عن محمد بن أحمد، وكذا الاتفاق في كنى الرواة أو أنسابها أو بلدانها أو أسماء
آبائهم أو كناهم أو أنسابهم أو بلدانهم.
(أو الأولية)، كقولنا: " عن أول ما أخبرنا، عن أول ما أخبره، عن أول ما أخبره ".
وعرفه الشهيد بأنه هو أول ما يسمعه كل واحد منهم عن شيخه، وجعلها مما
يتصف به جل السلسلة دون كلها. (2)
وزعم أن المسلسل بالأولية تسلسله بهذا الوصف ينتهي إلى سفيان بن عيينة
فقط، وينقطع في سماعه من عمرو، وفي سماعه من أبي قابوس، وفي سماعه من
عبد الله، وفي سماعه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال: إن من رواه مسلسلا إلى منتهاه فقد وهم.
انتهى محصل كلامه، وزيد في إكرامه. (3)

1. الرعاية في علم الدراية: 83.
2. الرعاية في علم الدراية: 85.
3. الرعاية في علم الدراية: 83.
369

(أو المصاحفة)، كأخبرني حين صافحني عمن أخبره حين صافحه، وهكذا.
(أو التلقيم)، نحو حدثني حين لقمني عمن حدثه حيث لقمه.
(أو نحو ذلك)، كالقول، كقولك: " سمعت فلانا يقول: سمعت فلانا يقول " وهكذا؛
أو " سمعته والله يقول: سمعته والله يقول " وهكذا.
أو الفعل، كالتشبيك أو القيام أو الاتكاء أو العد باليد أو بهما جميعا، كقولك:
" صافحني بالكف التي صافحت بها فلانا " أو قوله مع ما مر: " فما مسست حريرا ألين
من كفه " وقولك " رواني حيث لقمني بيده عن فلان حيث لقمه هو " أو " أقرب إلي
جوزا وقال: عن فلان حين قرب إلى جوز " أو " أطعمني أو سقاني أو ضافني على
الأسودين " أو غير ذلك، والجميع متقاربة.
والمحصل: أنه إذا كان تتابع السند كلا أو جلا على أمر من تلك الأمور المزبورة،
فالخبر (مسلسل)، وهو فن من فنون الرواية يدل على مزيد ضبط، ولا دخل له في
اعتبار السند وغيره، بل لا يبعد أن قد يشعر إلى الاختلاق، لتضمنه من الاهتمام الزائد
عن المعتاد غالبا على ما يوهم ذلك، والمناط على القرائن وأشخاص الرواة.
ومن هذا القبيل الأخير ما رواه محمد بن عكاشة الكرماني قال:
حدثنا والله عبد الرزاق قال: حدثنا والله معمر قال: حدثنا والله الزهري قال:
حدثنا والله علي بن أبي طالب قال: " حدثنا والله أبو بكر الصديق، قال:
سمعت والله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول: سمعت والله جبرائيل، يقول: سمعت والله
ميكائيل، يقول: سمعت والله إسرافيل، يقول: سمعت والله الرفيع، يقول:
سمعت والله اللوح، يقول: سمعت والله القلم، يقول: سمعت والله الرب
جل جلاله، يقول: إني أنا الله لا إله إلا أنا خالق الخير والشر، فمن آمن بي و
لم يؤمن بالقدر خيره وشره، فليلتمس ربا غيري فلست له ربا (1) ".
انتهى.

1. تذكرة الموضوعات: 189.
370

وقد ذكره السيوطي في ذيل الموضوعات (1)، ومع ذلك يستشم منه نفسه رائحة
الوضع، كما لا يخفى على من له ملكة بمعرفة الموضوعات.
(ومخالف المشهور شاذ)، فلا بد من الدلالة على معنى المشهور أولا والشاذ ثانيا،
كي يتضح بذلك حقيقة الحال على طالب الفن.
فنقول: المشهور ما شاع عند أهل الفن خاصة، بأن رواه كثير منهم، ولا يعرفه إلا
أهل تلك الصناعة؛ أو عندهم وعند غيرهم قاطبة، ك‍: " إنما الأعمال بالنيات " (2) ورب
مشهور عند غيرهم لا أصل له عندهم، فمن المحكي عن بعض (3) العلماء أن أربعة
أحاديث تدور على الألسن وليس لها أصل:
" من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة ".
و " من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة ".
و " يوم نحركم يوم صومكم ".
و " للسائل حق وإن جاء على فرس ".
والشاذ ما روي مخالفا لما رواه الجمهور، فإن كان راويه أحفظ وأضبط وأعدل
من راوي هذا الشاذ، فكان شاذا مردودا، وإلا فلا.
ومنهم من رده مطلقا؛ نظرا إلى شذوذه؛ ومنهم من قبله كذلك؛ نظرا إلى وثاقة
رواته وقال: إنه لابد فيه من وثاقة الرواة.
وأما الشاذ الذي تكون رواته غير ثقة، فهو منكر مردود.
ومنهم من قال: يترادف المنكر للشاذ هذا، وإن اقترن الشاذ بقرائن خارجة مؤيدة
له فالعمل به متعين، وكذا إذا كان رواته أعدل وأضبط وأحفظ من رواة المشهور. و

1. جامع الأحاديث 1: 684 - 865، ح 22.
2. سنن ابن ماجة 2: 1413، ح 4227؛ سنن أبي داود 1: 490، ح 2201؛ عوالي اللئالي 2: 11 و 190.
3. جواهر العقود 1: 397؛ الرواشح السماوية: 123، دراسات في علم الدراية: 40، مقدمة ابن الصلاح: 161؛ كشف
الخفاء: 144.
371

هل تلك الشهرة تقوي العمل به؟ لا يبعد أن يكون ذلك كذلك.
(ثم سلسلة الخبر) المسند (إما إماميون) اثنا عشريون (ممدوحون)، لا بمطلق المدح
بل (بالتعديل) بألفاظ ناصة عليه، ك‍: ثقة، صحيح الحديث، أو ما يجري مجراهما،
(فصحيح).
والمراد من السلسلة جميع طبقاتها ليخرج منها ما فقد فيه بعض تلك الشرائط و
لو في بعضه، حتى راو واحد منه. والقرينة على ما أراد المصنف ذلك تصريحه - فيما
سيأتي - بخروج الخبر عن الصحة إذا فقدت تلك الشرائط ولو في بعض المراتب، و
سيأتيك ذكره.
وقد صرح بما ذكر جمع من الأصحاب حيث عرفوا الصحيح، وهو المراد في
كلام من أطلق، كالشهيد (ره) في الذكرى، حيث عرف الصحيح بأنه: " ما اتصلت روايته
إلى المعصوم بعدل إمامي (1) " فلا يرد عليه عدم التقييد بهذا القيد الأخير إلا في بادئ
النظر. وقيد الاتصال والإسناد يخرج المقطوع قطعا في أية مرتبة اتفق.
وليعلم أنه لا يضر الصحة الشذوذ والعلة عندنا ولا غرو؛ فإنه لا يجب العمل
عندنا بكل صحيح، ولا حصر عندهم في العمل به، وعنوا بالشذوذ مخالفة الصحيح
للجمهور، وبالعلة الخفية الخبية عن غير الفاحص الماهر، وكالإرسال فيما ظاهره
الاتصال، أو المخالفة لصريح العقل أو الحس، كذا قيل. (2)
ولا يخفاك أن هذه الشروط معتبرة في العمل دون التسمية. نعم، الإرسال فيما
ظاهره الاتصال لا يبعد أن يكون منافيا للتسمية أيضا، ولكنه خرج من حد الصحيح،
حيث أخذنا قيد الاتصال فيه، فلا حاجة بعد ذلك لإخراجه إلى قيد جديد.
ثم إن الصحيح إما صحيح أعلى إن علم اتصاف جميع سنده بما مر بالعلم أو
بشهادة عدلين على نحو من مانعة الخلو لا مانعة الجمع؛ أو الأوسط (3) وهو ما علم حال

1. ذكرى الشيعة: 4.
2. دراسات في علم الدراية: 27، قوانين الأصول: 483.
3. الأولى بل الواجب بمقتضى السياق تنكيره لأنه صفة لقوله: " صحيح ".
372

رواته - ولو كان واحدا - بقول ظني؛ أو الأدنى (1) وهو ما علم حال سنده - ولو
في الجملة - بظن اجتهادي. وتترتب قوة. (2)
ولا يبعد التحاق الأدنى بالوسطى، والوسطى بالأعلى، باختلاف القرائن و
الأمارات قوة وضعفا.
قال بعض الأفاضل الأعلام طاب ثراه (3):
وهل يجري هنا ما يجيء في البواقي من زيادة الأقسام بتشبيه الأدنى من
نوع بنوع أعلى منه، فيشبه الأدنى هاهنا بأعلى منه مع اتحاد النوع، بل
البواقي أيضا، فيقال: الصحيح الأوسط كالصحيح الأعلى، والصحيح الأدنى
كالصحيح الأوسط أو الأعلى، والموثق الأوسط كالموثق الأعلى، وهكذا،
بل بتشبيه الأعلى في نوع بالأدنى فيه، بل الأعلى من نوع بنوع أدنى، إشارة
إلى كونه من أدنى مراتبه؛ فيقال: الصحيح الأعلى كالصحيح الأوسط أو
الأدنى، أو الصحيح كالموثق، أو كالحسن، وهكذا، أم لا؟
لم أقف على من نص عليه، ولا على من استعمله، ولا ريب في إمكانه،
فلا بأس به لو فعل، وعليه فتكثر الأقسام إلى ما ترى.
ولا يخفى اختلاف الضعف والقوة باختلاف المراتب المزبورة وغيرها،
مثلا في الصحيح الأدنى باختلاف الظنون الاجتهادية قوة وضعفا، خصوصا
حيث اختص التوثيق بالظن المزبور بواحد من سلسلة السند، وكان من
أقوى الظنون، فربما يقوى هذا الأدنى على الأوسط، حيث كان توثيق غير
الموثق بالظن المزبور بما في الصحيح الأعلى إلى غير ذلك مما لا يخفى
على المتأمل، خصوصا إذا انضم إلى ذلك بعض القرائن الخارجية الموجبة
للقوة أو الضعف، وهذا يثمر عند التعارض، وكذا في مراتب الاطمئنان،

1. الأولى بل الواجب بمقتضى السياق تنكيره لأنه صفة لقوله: " صحيح ".
2. أي كل سابق من هذه الثلاثة أقوى من لاحقه.
3. ملا علي كني.
373

فربما يجترئ في القوي على مخالفة جمع، بل الأكثرين ولا يجترئ في
غيره.
وبالجملة، هذا باب واسع لا ينبغي للفقيه المستفرغ - بل الفارغ - أن يغفل
عنه. (1)
انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
ثم إن أصحابنا - رضوان الله عليهم - توسعوا في ذلك، حتى أنهم أطلقوا الصحيح
على ما كان رواته ثقاتا إماميين وإن اشتمل السند على أمر آخر من الإرسال وغيره،
فقالوا: روى ابن أبي عمير في الصحيح كذا، مع كونه مرسلا؛ وعلى ما احتف بالقرائن
وإن كان موثقا أو حسنا أو ضعيفا بالنظر إلى سنده، وهذا هو ما اصطلح عليه جماهير
قدماء الأصحاب.
وقد يسندون الصحة إلى واحد من الرواة ويقولون: صحيحة فلان، ويعنون أن
الشرائط المعتبرة في الصحة متحققة إليه، وإن كان هو أو فوقه غير إمامي مثلا، وقد
يجدي الإضافة عظمة المضاف إليه، فيسندون الرواية إلى بعض رواته المشهور كي
تكون أحرى بالاعتبار.
وفي الخلاصة وغيره: " إن طريق الفقيه إلى معاوية بن ميسرة، وإلى عائذ
الأحمسي، وإلى خالد بن نجيح، وإلى عبد الأعلى مولى آل سام، صحيح (2) " مع أن
الثلاثة الأول لم يوثقهم أصحاب الرجال، وكذا الرابع وإن ذكر في القسم الأول من
الخلاصة.
وكذلك نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيا. و
كل ذلك لا يساعده ما اشتهر عند المتأخرين من معنى الصحيح، ولا ضير.
والصحيح بهذا المعنى ربما يجدي فائدة الصحيح بما اصطلح عليه المتأخرون

1. توضيح المقال: 50.
2. خلاصة الأقوال: 437 - 438.
374

في الاعتبار، كصحاح أبان بن عثمان؛ وقد لا يفيد إلا اشتراك الاسم بنحو من التجوز،
مثل ما اعتراه إرسال أو قطع أو إضمار أو جهالة أو غير ذلك من الوجوه المضعفة، مع
كون رواته إماميين موثقين.
(وإن استندوا بدونه)، يعني: التعديل، (كلا أو بعضا) ولو (مع تعديل البقية، فحسن).
وبتقرير آخر، هو ما اتصل سنده - كما مر - بإمامي ممدوح من غير نص على
عدالته.
ويشترط فيه تحقق ذلك في جميع المراتب، أو بعضها مع تحقق شرائط الصحة
في الباقي.
وبالجملة، فمتى يتحقق في سلسلة الصحيح شرائط الحسن في الجملة حتى راو
واحد، فيلحق به ألبتة، والضابط إلحاق الحديث بأخس إضافة، كالنتيجة تتبع أخس
مقدمتيها، هذا.
وقد يطلق الحسن بالإضافة إلى راو واحد، وإن لم يكن هو بنفسه أو من فوقه من
رواة الحسن، إذا كان السند حسنا إليه، كما مر في الصحيح أيضا فيما مر؛ فتذكر.
وحكم العلامة (رحمه الله) وغيره بكون طريق الفقيه إلى منذر بن جفير حسنا، مع كونه
مجهول الإيمان والحال، وكذا طريقه إلى إدريس بن يزيد وسماعة بن مهران، مع أن
السماعة واقفي وإن كان (1) ثقة محمول على مثال ما ذكر.
وقال الشهيد (رحمه الله):
وقد ذكر جماعة من الفقهاء: أن رواية زرارة في مفسد الحج إذا قضاه " أن
الأولى حجة الإسلام " من الحسن، مع أنها مقطوعة، وهذا كله باعتبار ما مر
من معناه الإضافي. (2)
انتهى محصل كلامه أعلى الله مقامه.

1. خلاصة الأقوال: 437 و 441 و 443.
2. شرح البداية: 24.
375

وقال بعض الأفاضل الأعلام (قدس سره): " وله أقسام ومراتب تعريف بملاحظة ما مر " (1)
انتهى.
ثم إنه قسم الحسن إلى قسمين:
أحدهما: ما لم يبلغ مدح أحد من رواة سلسلته إلى حد التوثيق.
وثانيهما: اختصاص بعض رواته بما مر، ولا ضير. وهو يستفاد مما أسلفناه
أيضا.
وليعلم أن تقديم الحسن ليس في كلامنا إلا بتبعية المتن وبنوع من التقديم
الذكري، لما ستعرف سره إن شاء الله تعالى.
(أو مسكوت (2) عن مدحهم وذمهم كذلك، فقوي) مقابل الموثق لا المرادف له، كخبر
نوح بن دراج وناجية بن عمار الصيداوي على ما ذكره الشهيد (قدس سره) (3) وإن كان العلامة (رحمه الله)
ذكره في القسم الأول من الخلاصة؛ وكأحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري.
والمراد بكونه ممدوحا: كونه ممدوحا بمدح مقبول مع عدم معارضته بذم و
عدمه عدمه، لئلا يخرج عما ذكرنا من الإمامية من قد مدح وذم جميعا.
وقد يجعل القوي واسطة بين الصحيح والحسن والموثق وبين الضعيف، و
يقسم على أنحاء.
وقال بعض الأفاضل (رحمه الله):
وأما القوي، فالمراد به عندهم - بمعناه الأعم -: ما يدخل فيه جميع ما خرج
عن الأقسام الثلاثة المذكورة ولم يدخل في الضعيف.
وله - أيضا - ما مر من الأقسام بالاعتبارين، وكذا المراتب المختلفة، و
يعرف الجميع بملاحظة ما مر.

1. طرائف المقال 2: 249 رقم (2).
2. عطف على " ممدوحون ".
3. شرح البداية: 25، " أبي عمارة " مكان " عمار ".
376

وله - زيادة على ذلك - أقسام:
منها: ما كان جميع سلسلة سنده إماميين، لم ينص في أحدهم على مدح و
لا ذم، هكذا قيل. وينبغي تقييده بعدم استفادة أحد الأمرين فيهم من أمور
أخر، كالظنون الاجتهادية، وإلا كان مرة من أقسام الصحيح وأخرى من
الحسن، وثالثة من الضعيف، ولا يحسن جعله في مقابل الجميع، وكأنه
مراد الجميع.
ومنها: ما اتصف بعض رجال سنده بما في الموثق، مع كونه من غير
الإمامية، ومن عداه بما في الحسن، وهذا الذي اختلف في إلحاقه
بأحدهما، ومنشأ الاختلاف الاختلاف في كون الموثق أقوى من الحسن أو
بالعكس، فكل يلحقه بالأضعف، لتركب السند منهما، والنتيجة تبع لأخس
مقدمتيها، وحيث إن عمدة أسباب الاعتبار تدور مدار الظن بالصدور،
فالموثق من هذه الجهة أقوى، فالإلحاق بالحسن وإن كان من أعلى مراتبه.
ومنها: ما كان جميع سنده من غير الإمامي، لكن مدح الجميع بما لم يبلغ
حد الوثاقة.
ومنها: ما تركب سنده من إمامي موثق وغير إمامي ممدوح.
ومنها: ما تركب منهما، لكن مع مدح الجميع بما دون الوثاقة.
ومنها: ما كان الجميع من غير الإمامي، لكن مع توثيق بعض ومدح
آخرين.
فهذا أحد عشر قسما.
وهنا عشرة أخرى بتركيب أول أقسام القوي مع بواقيها ومع الخمسة
السابقة عليه، بأن يكون بعض السند من الإماميين المسكوت عن أحوالهم،
وبعضه من سائر الأقسام، وإذا لوحظ مع ذلك انقسام كل منها إلى الثلاثة
الجارية في كل وإن لم يذكروه - وهي كون كل أعلى وأوسط وأدنى - بلغت
الأقسام إلى ثلاثة وستين قسما، ولو لوحظ مع ذلك، الانقسام إلى اعتبار
377

تشبيه بعض ببعض في جهة القوة بل الضعف - وإن لم يذكروا إلا بعضه -
زادت إلى ما لا يخلو ضبطه من تعسر، كما أنها مع ملاحظة اختلاف المراتب
قوة وضعفا - بما أشرنا إليه - تبلغ إلى ما يقرب ضبطه إلى التعذر كما
لا يخفى. (1)
انتهى.
(وإما (2) غير إماميين كلا أو بعضا مع تعديل الكل، فموثق، وقد يسمى) الموثق (قويا) أيضا،
كما أشرنا إليه سابقا.
وبتقرير آخر، هو ما كان رواته - أو بعضهم - فاسدي العقيدة، مع نص الأصحاب
على وثاقتهم؛ ولا بد من توثيق الكل فيه وإلا يلحق بالأخس، كما هو الضابط.
وفساد العقيدة يشمل غير الإمامية من فرق الشيعة، كما اعترف به الشهيد (قدس سره) (3)؛ و
نص غيرنا على الوثاقة لا يجدي نفعا، بل الصحاح عندهم ضعاف عندنا، فضلا عمن
ينصون على وثاقته وغيرها.
وله أيضا أقسام ثلاثة: أعلى وأوسط وأدنى؛ وأقسام أخر باعتبار التشبيه تعرف،
كتعدد المراتب واختلافها قوة وضعفا بمقايسة ما مر على ما صرح به في توضيح
المقال. (4)
وربما ظهر منه انقسامه إلى قسمين آخرين:
أحدهما: كون الجميع من غير الإمامية. وثانيهما: كون بعضهم كذلك.
(وما عدا هذه الأربعة) المذكورة (ضعيف)، فهو ما لم يجتمع فيها الشرائط المعتبرة
في الصحيح وأضرابه، مثل ما تفرد بروايته أبو هريرة الكذاب وأمثاله.
وبالجملة، فيشتمل طريقه على مجهول الحال أو المجروح بالفسق والوضع.

1. طرائف المقال 2: 249 رقم (3).
2. عطف على قوله: " إماميون ".
3. شرح البداية: 25.
4. توضيح المقال: 51.
378

وقال بعض الأفاضل (رحمه الله):
وأما الضعيف، فالمراد ما لم يدخل في أحد الأقسام السابقة، بجرح جميع
سلسلة سنده بالجوارح أو بالعقيدة - مع عدم مدحه بالجوارح - أو بهما معا،
أو جرح البعض بأحدهما أو بهما، أو جرح البعض بأحد الأمرين وجرح
البعض الآخر بالأمر الآخر، أو بهما، أو مع جرح بعض بالأمر الآخر وبعض
آخر بهما معا، وهكذا، سواء كان الجرح من جهة التنصيص عليه، أو
الاجتهاد، أو من جهة أصالة عدم أسباب المدح والاعتبار، سواء جعلنا
الأصل هو الفسق والجرح، أو قلنا: لا أصل في البين.
ولا فرق في صور اختصاص الجرح بالبعض بين كون الباقي أو بعض الباقي
من أحد أقسام القوي أو الحسن أو الموثق، بل الصحيح، بل أعلاه؛ لما مر
من تبعية النتيجة لأخس مقدمتيها. (1)
إلى آخر ما أفاد، فأجاد.
وليعلم أن درجات الضعف متفاوتة مترتبة بحسب بعده عن شرائط الصحة،
وكلما بعد بعض رجاله عنها، كان ضعفه أقوى؛ وكذا ما كثر فيه المجروحون بالنسبة
إلى ما قل.
وكذلك مراتب الصحيح وأخواته بحسب الصحة وغيرها متفاوتة، فما رواه
الإمامي الفقيه الثبت. الضابط الورع، كحماد بن عيسى - مثلا - أصح مما رواه غيره،
ممن نقص عنه في بعض الأوصاف، ولو كان إماميا ثقة، وهكذا إلى أن ينتهي إلى أقل
مدارج الصحة، الذي لو نقص عنه لالتحق بما دون من الأنواع.
وكذلك ما رواه الممدوح كثيرا كإبراهيم بن هاشم - مثلا - أحسن بالنسبة إلى من
كان أنقص منه مدحا.
وهكذا ما رواه الثقة المخالف، فإن كان أوثق كان أقوى، كموثق علي بن فضال و

1. توضيح المقال: 51.
379

أبان بن عثمان بالنسبة إلى من هو أدون منهما.
ويترتب ثمرة ذلك حين التعارض؛ وربما توسع فيه الفقهاء، فأطلقوه على رواية
المجروح مطلقا، وهو استعمال له في بعض موارده.
وليعلم أن هذه الأضراب المتتالية المتوالية المذكورة، هي أصول أنواع الحديث.
والكلام في حجيتها في مقامين:
أولهما: من حيث كونها أخبار آحاد، وسيأتيك تحقيق الأمر فيه.
وثانيهما: حجيتها من حيث هي هي، ولم يتعرض المصنف (ره) لذلك،
فلنوردها - ولو مجملا - هنالك.
فأما الصحيح، فمما لا كلام في حجيته وكونه أقوى من الموثق والحسن والقوي
والضعيف جميعا.
نعم، لو قيل بعدم حجية الآحاد، فيكون عدم حجيته - أيضا - متجها، وهو أمر
آخر ستسمع الكلام فيه.
وأما الحسن، فمن فسر العدالة بحسن الحال وظاهر الإسلام، فعمل به - مطلقا -
كالصحيح، بل لا يخفاك أن إفراده عن الصحيح وجعله قسيما له لا يتجه على رأيه، بل
الحسن - حينئذ - يكون مرادفا للصحيح ومتحدا معه، كما لا يخفى.
ومن فسرها بالملكة الراسخة الحاصلة دونه - كالعلامة (رحمه الله) (1) - فرده.
وفصل آخرون فجعلوه حجة لا مطلقا، بل إذا كان مشتهرا بين الأصحاب، وهو
خارج عن مفهوم الحسن فلا يعبأ به؛ إذ الكلام فيه من حيث هو هو، ولا ريب في كونه
أدون من الصحيح فيهجر عند تعارضه قطعا، وأما بدونه، ففي حجيته أيضا كلام بعد؛
فإن مناط العمل بالخبر إفادته الظن، وحصوله في مثله مع عدم وثاقة الراوي - ولو كان
إماميا ممدوحا - غير مسلم.
اللهم إلا أن يبلغ المدح حد التوثيق، فيندرج في الصحيح وهو أمر آخر.

1. قواعد الأحكام 3: 494.
380

نعم، قد يشكل فيه: بأن مناط التبين والتثبت إخبار الفاسق، ولعل عنوان " الفسق "
غير صادق على مطلق الإمامي الممدوح، فيتجه العمل بروايته استنادا إلى مفهوم
الشرط لآية التثبت.
وفيه: أن علة التثبت مشتركة ما لم يظن وثاقة الراوي، فيجب الطرح ألبتة.
وفيه: أن مسمى التثبت متحقق، وهو الفحص عن حال الراوي ومعرفة عدم
كونه فاسقا، مع تعاضده بالشهرة وقضية اليسر ونفي العسر والحرج، فتأمل.
وأما الموثق، فعندي حجة لإفادته الظن بصدوره عن المعصوم، وهو العمدة في
هذا الباب، بل هو أقوى من الحسن، وفاقا لجمع من محققي الأصحاب.
نعم، لا ريب في كونه أدون من الصحيح، فيهجر الحسن ويعمل بالموثق،
بخلاف الصحيح، فيرجح على الموثق أيضا، وصدق عنوان " الفسق " على المخطئ
في الأصول - بعد بذل مجهوده - محل نظر، وإطباق الأصحاب على تصحيح ما يصح
عن أبان بن عثمان وأضرابه مما ينادي بأرفع صوته بما أومأنا إليه.
وإذا تمهد لك ذلك، ثبت أنه لو وجد في بعض مراتب الحسن بعض ما هو معتبر
في الموثق، فلا يلتحق به.
نعم، يلتحق الموثق بالحسن ألبتة بناء على ما أسلفنا من أن تلك الأنواع تتبع
الأخس، كالنتيجة تتبع أخس مقدمتيها.
وأما القوي المقابل للموثق، فلعله أخس مقدمتيها (1) من الحسن أيضا، فضلا عن
الصحيح والموثق.
وأما الضعيف، فلا يجوز العمل به في نفسه، فضلا عن تعارضه بالقوي أو
الحسن أو الموثق أو الصحيح.
نعم، لا بأس بالعمل بمثله في غير الأحكام الواجبة والمحرمة، كالقصص و
المواعظ وفضائل الأعمال.

1. الضمير راجع إلى النتيجة.
381

نعم، يشترط أن لا يبلغ حد الوضع، وستسمع سره إن شاء الله.
(فإن اشتهر العمل بمضمونه) عند أهل الفن، (فهو مقبول).
وبالجملة، فهو ما تلقاه بالقبول غير واحد ممن يعبأ به وعمل بمضمونه من غير
التفات إلى سنده صحة وسقما، كمقبولة عمر بن الحنظلة، فقد عمل بمضمونه جلنا
بل كلنا، مع احتواء طريقها على محمد بن عيسى وداود بن الحصين مع كونهما
ضعيفين، بل وعلى عمر بن الحنظلة نفسه، فإنه لم ينص أكثر الأصحاب فيه بتعديل و
لا جرح، وإن وثقه الشهيد في الرعاية في الدراية (1)، كما لا يخفى.
(وقد يطلق الضعيف) - على مصطلح بعض أهل الفن - (على القوي بمعنييه)، أما على
ترادفه بالموثق، فلتحقق الضعف فيه بالنسبة إلى الصحيح، وأما بناء على كونه واسطة
بين الثالثة والرابعة، فلكونه أخس وأضعف من الحسن أيضا - على المختار - فضلا
عن الموثق والصحيح.
(وقد يختص) - عند بعض - (بالمشتمل على جرح أو تعليق أو انقطاع أو إعضال أو إرسال)،
وكل ذلك غير مشتهر عند متأخري المحدثين رضوان الله عليهم أجمعين.
(وقد يعلم من حال مرسله عدم الإرسال من غير الثقة)، بنقل عدل أو تصريحه بذلك
بنفسه مع كونه عدلا، (فينتظم حينئذ في سلك الصحاح، كمراسيل محمد بن أبي عمير)؛ فإن
مراسيله كالصحاح على الأشهر.
ويمكن أن يناقش فيه بأن علم عدم إرساله من غير الثقة، يتصور بأنحاء:
أولها: استناده إلى الاستقراء وتصفح واحد واحد من مراسيله، وعلم أنه لم
يرسل فيه إلا عن ثقة، بأن علم المرسل عنه وعدالته؛ وبناء عليه فيصير مراسيله مسندة
بالحقيقة، ولا يصدق عليها عنوان الإرسال إلا بنحو من التجوز، ولا يبحث فيه؛ لكن
تحقق مثل ذلك في جميع مراسيله محل بحث ونظر.
وثانيها: استناده إلى حسن الظن مع ابن أبي عمير محضا. وأنت تعلم أنه

1. شرح البداية: 47.
382

لا يجدي علما بعدم إرساله عن غير الثقة.
وثالثها: استناده إلى إخباره بنفسه عن ذلك؛ وبناء على ذلك فمرجعه إلى شهادة
الراوي بعدالة مجهول الشخص.
وفيه: أن معرفة هذا القدر المزبور - أعني به عدم إرساله من غير الثقة - لا تجدي
الحكم بالصحة، متى لم يعلم شخص غير المذكور؛ لاحتمال أن يكون ثقة عنده و
لا يكون كذلك عند غيره، فمتى لم يعلم، كيف يحكم بالعدالة؟! واختلاف كلمة
العلماء في الجرح والتعديل مما لا يكاد يخفى.
وبالجملة، فالمختار عدم قبول تعديل مجهول الشخص، وسيأتيك مزيد
تفصيل فيه إن شاء الله تعالى.
وأما ما يتراءى في بادئ النظر - من أن ابن أبي عمير ربما يروي عن غير الثقة،
فكيف يوثق عليه وأنه لم يرسل عنه؟! - فالجواب عنه: (أن روايته عن غير الثقة) - كما هو
واقع - (ولو أحيانا)، اعتمادا (1) منه على الناظر؛ فإنه متى ذكر الراوي بعينه، فلم يبق على
عهدته شيء. نعم، بقي على الناظر الفحص عن حال الرواة.
والمحصول: أن ذكر غير الثقة لا يضر؛ فإنه يعرفه الناظر المتأمل.
وبالجملة، فهو (لا يقدح في ذلك كما يظن)؛ لما أشرنا إليه، و (لأنهم ذكروا أنه لا يرسل إلا
عن الثقة لا أنه لا يروي إلا عنه)، ولا استلزام في البين، كما لا يخفى على ذي عين، بل بين
الأمرين بون بين، لا يحتاج إلى مبين.
وهذا ما ذكره المصنف (ره) من مصطلحات الفن، وقد بقي شيء كثير منها، و
لابد من الإيماء إلى جملة منها في هذا المقام، فنقول:
ألف - المتصل والموصول، وهو المتصل إسناده إلى المعصوم خاصة أو
الصحابي أيضا، مع سماع راويه إياه ممن فوقه؛ والإجازة والمناولة كالسماع، وقد

1. كذا في النسخة. والظاهر كونه مرفوعا خبرا ل‍ " أن ". وقوله: " لا يقدح " خبرها في عبارة المتن لا في عبارة
الشارح.
383

يعم من المسند؛ وهذا كله مع الإطلاق، وأما مع التقييد فلا ريب في عمومه، وهو
جائز واقع نحو: هذا متصل بفلان - ونحو ذلك - وإن لم يكن صاحب الخبر.
ب - المرفوع، وهو قول أو فعل أو تقرير أضيف إلى المعصوم بإسناد متصل أو
منقطع. وبينهما - بناء على ما مر - عموم من وجه بخلاف المسند، فإنه أخص منهما مطلقا.
ج - المفرد، وهو إما مطلق إن انفرد به راويه عن جميع الرواة، أو إضافي إن كان
بالنسبة إلى بعض دون بعض، كتفرد أهل بلد؛ ولعله لا يقتضي الضعف، خلافا للبعض
حيث ألحقه - بمعناه الأول - بالشاذ.
ولا يخفى ما فيهما من الفرق؛ فإن المفرد بمعناه الأول أعم من الشاذ بمعناه
المذكور سابقا؛ فتذكر وتدبر.
د - المزيد على غيره، وهو إما متنا، ويقبل من الثقة إن لما يكن منافيا لما رواه
غيره من الثقات، سواء كان المنافاة بالعموم والخصوص أو لا، كالنبوي " وجعلت لنا
الأرض مسجدا وترابها طهورا " (1) و " جعلت الأرض لنا مسجدا وطهورا ". (2)
أو سندا، كالمسند والمرسل والموصول والمقطوع أو المرفوع، وتقبل كالأولى
بعدم المنافاة.
وقد يقدم المرسل على الموصول؛ لأن الإرسال نوع جرح وقدح، فيقدم على
التعديل والمدح.
وأنت تعلم أن المناط فيه - بعد تسليمه مطلقا - ليس إلا على غلبة الظن بكثرة
اطلاع الجارح، والأمر فيما نحن فيه بالعكس، فالقياس منهدم الأساس بل مقتضى ما
ذكرنا تقدم الاتصال على القطع والإرسال، كما لا يخفى.
ه‍ - الناسخ والمنسوخ، ولا نعني به إلا رفع الحكم السابق بالحكم اللاحق مع عدم
بقاء موجب السابق من المصلحة.

1. عون المعبود 2: 109؛ صحيح ابن خزيمة 1: 133؛ صحيح ابن حبان 14: 310.
2. سنن الدارقطني 1: 184.
384

ويتحقق في آي القرآن بعضها من بعض، والسنة كذلك، والقرآن بالسنة و
بالعكس، بل بالنسبة إلى شريعة من شريعة أخرى، ولا بحث لنا هنا إلا عن السنة
ناسخا كان أو منسوخا.
وأما الأخبار المعصومية، فلا يتحقق فيها النسخ بناء على أن حلال محمد حلال
إلى يوم القيامة وحرامه حرام كذلك (1)، وغير ذلك.
وكيفما كان، فيعلم بنص المعصوم، كقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " كنت نهيتكم عن زيارة
القبور فزوروها ". (2)
أو نقل الصحابي إذا كان ممن يعبأ به، كقوله: " كان آخر أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذا (3) "
مثلا، ومن هذا القبيل ما ورد في صوم الخميس والجمعة (4)؛ فتأمل.
أو التاريخ أو الإجماع، ولا بد من معرفة تاريخهما ليعلم تأخر الناسخ عن المنسوخ.
و - الموقوف، فإن روي عن مصاحب المعصوم (عليه السلام) من قول أو فعل أو تقرير -
متصلا كان سنده أو منقطعا - فهو المطلق، وإلا فمقيد يضاف إلى من وقف عليه.
وأهل الفن أخذوا الأثر أعم من الخبر، فأطلقوه على الموقوف، مع كون
الموقوف عليه صحابيا، وعلى المرفوع أيضا.
وربما خص بالأول كالخبر بالثاني، كبعض الفقهاء.
وهل تفسير الصحابي موقوف أم مرفوع؟
قيل بالأول. واستند إلى الأصل وجواز التفسير للعالم بطريقه من قبله، ولا يكون
ذلك قادحا فيه.
وقيل بالثاني. واحتج بالظاهر، من كونه شهد الوحي والتنزيل.

1. الفصول المهمة 1: 503 و 643، ح 1؛ بحار الأنوار 89: 148.
2. تذكرة الفقهاء 2: 128.
3. المحلى لابن حزم 6: 252.
4. راجع شرح الآثار 2: 82.
385

وأورد عليه: أنه أعم، فلا يدل على الأخص.
وقيل بالتفصيل، فألحق بالمرفوع متى قيده الراوي بتفسير يتعلق بشأن النزول، و
إلا فلا.
ولا يخلو عن وجه.
وأنت تعلم أن بيان شأن النزول لا يختلقه الصحابي الثقة من تلقاء نفسه، متى لم
يسمعه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو وإن لم يشتمل على إضافته إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صريحا في
اللفظ، ولكنه مشتمل عليها حقيقة وفي نفس الأمر، بقرينة صدور شأن النزول عن
الثقة.
اللهم إلا أن يختص المرفوع بالإضافة المذكورة في اللفظ، ويعم الموقوف
بالنسبة إلى المرفوع حقيقة الموقوف لفظا، ولعله هو مراد شيخنا الشهيد - أعلى الله
مقامه - في الشرح، حيث قال: " وما لا يشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
فمعدود في الموقوفات " (1) انتهى.
ولعلك دريت (2) مما أسلفنا - من أن صدوره عن الثقة مع بيان شأن النزول قرينة
على كونه مرفوعا حقيقة - على أن صدوره في غير المحكم ممن لا يجوز تفسير القرآن
من غير أخذه من أهل الذكر (عليهم السلام) قرينة أخرى على إضافته إلى المعصوم (عليه السلام) معنى وإن
لم يضفه لفظا، ولا فارق في البين، كما لا يخفى على ذي عين.
ومن هذا القبيل قول الصحابي: " كنا نفعل كذا " مطلقا، أو مقيدا بزمن غير زمنه. و
عده مرفوعا نادر.
وإن أضافه إلى زمنه وحكى تقريره به، فلا خلاف في كونه مرفوعا. وإن لم يحك
ذلك، ففيه وجهان.
ولا يبعد كونه مرفوعا إذ ذاك أيضا، ولا سيما إذا ذكر في محل الاحتجاج، بل لا يبعد أن

1. شرح البداية: 48.
2. ما جاء لقوله: " دريت " مفعول فلعله بمعنى " اطلعت " أو كون " على " في " على أن " زائدة.
386

يكشف عن انعقاد الإجماع، والخلاف اجتهادا لا ينافي الإجماع المنقول، فتأمل.
وكيفما كان، فالموقوف ليس بحجة وإن صح سنده؛ لمرجعه إلى غير
المعصوم (عليه السلام)، وقوله ليس بحجة.
ز - المقطوع، وهو ما جاء من التابعين ومن في حكمهم من أقوالهم وأفعالهم
موقوفا عليهم، وقد يطلق عليه المنقطع أيضا، كما أن المقطوع قد يطلق على
الموقوف بالمعنى السابق، وهذا مما اصطلح عليه الفقهاء كثيرا.
وكيفما كان، فليس بحجة؛ لعدم حجية قول التابعي من حيث هو تابعي، وأما
حجية قول علي بن الحسين (عليهما السلام)، فعندنا لعصمته لا لكونه تابعيا؛ كما لا يخفى.
ح - المضطرب، والاضطراب اختلاف الراوي فيه سندا أو متنا، بأن يرويه مرة
على وجه وأخرى على آخر، أعم من أن يكون الراوي واحدا أو اثنين، وإن كان الأول
أقوى وأشد، ولا بد في اعتباره من تساوي الروايتين، وإلا فيرجح الراجح ولا يكون
من الاضطراب في شيء.
وهو في السند رواية راو معين عن شيخ - كذلك - بالواسطة مرة، وأخرى من
غيرها؛ وفي المتن برواية ما ينافي ما رواه أولا.
ط - الموضوع، وهو ما اختلق مصنوعا مكذوبا، وهو شر أنحاء الضعيف، و
لا تحل روايته بحال لمن علمه إلا مظهرا حاله، وقلما يقر واضعه به، فيعرف بذلك، و
بركاكة ألفاظه ومعانيه والوقوف على الغلط، ولأهل الفن ملكة قوية يميزون بها بين
الموضوع وغيره.
وقد يوضع تقربا إلى الملوك والسلاطين، كما " لاسبق إلا في خف أو حافر أو
نصل أو جناح "، فقد وضعه غياث بن إبراهيم تقربا منه إلى مهدي بن المنصور. (1)
ومن هذا القبيل وضع السؤال على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كي يرتزقوا به، كما اتفق لأحمد بن
حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فإنهما صليا به فقام قاص، فقال:

1. شرح البداية: 59.
387

حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا
معمر، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من قال لا إله إلا الله
يخلق من كل كلمة منها طائر منقاره من ذهب وريشه مرجان ". (1)
وأخذ في قصة من نحو عشرين ورقة فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى إلى
أحمد، فقال: " أنت حدثته بهذا؟ "
فقال: " والله ما سمعته إلا هذه الساعة " فسكتا جمعيا، فأشار يحيى إليه وطلبه،
فجاء متوهما لنوالهما بخبره فلما دنى قال له يحيى: " من حدثك بهذا؟ "
فقال: " أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ".
فقال: " أنا ابن معين وهذا أحمد بن حنبل، ما سمعنا بهذا قط في حديث
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن كان ولا بد لك من الكذب فعلى غيرنا "
فقال له: " أنت يحيى بن معين؟ "
فقال: " نعم "
قال: " لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق وما علمته إلا هذه الساعة "
فقال له يحيى: " وكيف علمت أني أحمق؟ "
قال: " كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما، كتبت عن
سبعة عشر أحمد بن حنبل غير هذا ".
فوضع أحمد كمه على وجهه، فقال: " دعه لقوم "
فقال كالمستهزئ بهما (2)؛ انتهى.
وأعظمهم فتنة وضررا من يحتسب (3) بوضعه، مع اتصافه بالزهد والصلاح ظاهرا.
ووضع عبد الكريم بن أبي العوجاء وبنان الملعون على لسان الصادق (عليه السلام) من

1. انظروا جامع الأصول 1: 77.
2. انظروا جامع الأصول 1: 77.
3. أي من يطلب الأجر بوضعه. راجع اللسان (ح. س. ب).
388

الزنادقة كثيرا، حتى يروى أنهم وضعوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعة عشر ألف حديث. (1)
وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " قد كثرت علي الكذابة وستكثر، فمن كذب علي متعمدا، فليتبوأ
مقعده من النار ". (2)
وكذا الغلاة والمفوضة - لعنهم الله - من فرق الشيعة، كأبي الخطاب ويونس بن
ظبيان وأبي سمينة وغيرهم.
وقال الكرامية وبعض مبتدعة الصوفية بجواز وضع الحديث للترغيب و
الترهيب (3) زعما منهم: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذم من كذب عليه ونحن لا نكذب إلا له، فلا يكون
حراما.
وفي المحكي عن القرطبي في المفهم عن بعض أهل الرأي: أن ما وافق القياس
الجلي جاز أن يعزى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). (4)
وقد تصدى جمع لجمع تلك الموضوعات، وعملوا كتبا ودفاتر لأجل ذلك،
ك‍: الدر الملتقط في تبيين الغلط وغيره.
تتميم نفعه عظيم:
إذا وجد حديث بسند ضعيف، جاز أن يقال: إنه ضعيف الإسناد، لا ضعيف
المتن، وقد يروى بصحيح أيضا، ولكن يعلم ضعفه من خارج من القرائن، كتنصيص
واحد من أئمة الفن عليه وغير ذلك.
ولا بأس بالعمل بمضمونه فيما يتعلق بالسنن والآداب والمكروهات والمواعظ
والنصائح، ما لم يعلم بلوغه درجة الوضع، كما مر الإيماء إليه فيما مر.
وهذا في العمل بالضعيف نفسه من حيث هو هو، وأما بعد تأييده بدليل آخر و

1. وسائل الشيعة 1: 45 - 46؛ الرواشح السماوية: 196؛ نهاية الدراية: 22 - 23؛ فيض القدير 6: 280؛ الموضوعات 1:
9 و 38.
2. الاحتجاج 2: 246؛ الصراط المستقيم 3: 156؛ بحار الأنوار 2: 225، ح 2.
3. الرواشح السماوية: 198؛ دراسات في علم الدراية: 76.
4. كتاب الأربعين للماحوزي: 326؛ نهاية الدراية: 313؛ دراسات في علم الدراية: 76.
389

قرينة أخرى مجدية لظن صدور مضمونه عن المعصوم، فيلتحق بالمعتبر في الحجية
ولا يكون من الضعيف في شيء.
والقرائن كثيرة:
ألف - وجود الخبر في أكثر الأصول الأربعمائة.
ب - تكرره في أصل أو أصلين بطرق عديدة.
ج - تحققه في أصل واحد من الجماعة التي أطبقت العصابة على تصحيح ما
يصح عنهم، كصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر، ويونس بن عبد الرحمن.
د - من أطبق العصابة على تصديقه، كزرارة، ومحمد بن مسلم، وفضيل بن يسار.
ه‍ - وجوده في أصل من الذين أطبقت العصابة على العمل بروايتهم، كعمار
الساباطي وأضرابه.
و - اشتهار العمل به، ولا سيما عند قدماء الأصحاب.
ز - وقوعه في أحد الكتب المعروضة على الأئمة وثناؤهم على مؤلفه، ككتاب
عبيد الله الحلبي المعروض على الصادق (عليه السلام)، وكتابي يونس بن عبد الرحمن وفضل بن شاذان
المعروضين على العسكري (عليه السلام).
ح - كونه مأخوذا من الكتب التي شاع بين السلف الوثوق بها والاعتماد عليها،
ككتاب الصلاة لجرير بن عبد الله السجستاني، وكتب بني سعيد وعلي بن مهزيار، وكتاب
حفص بن غياث القاضي.
ط - قولهم: " عين " و " وجه "، وأوجه منهما " وجه من وجوه أصحابنا "، وأوجه
منه " أوجه منه " مع وثاقة المفضل عليه، كذا أفيد.
ي - كون الراوي من مشايخ الإجازة، وهو أيضا في حكم التوثيق على رأي، بل
في أعلى درجات الوثاقة، بل يغني عن التوثيق كما قيل.
ولا يبعد أن يكون ذلك كذلك في أعاظم الأصحاب والمشاهير منهم، كشيخنا
العلامة الحلي وأضرابه.
390

يا - كونه وكيلا لأحد من الأئمة (عليهم السلام)؛ لما قيل من أنهم - (عليهم السلام) - لم يوكلوا فاسقا.
يب - رواية الأجلاء عنه، ولا سيما من يرد المراسيل ورواية الضعفاء، كأحمد بن
محمد بن عيسى.
يج - رواية من لا يروي إلا عن ثقة - ولو على قول بعض - مثل صفوان بن يحيى و
البزنطي وابن أبي عمير، ويقرب منهم علي بن الحسن الطاطري ومحمد بن إسماعيل
بن ميمون وجعفر بن بشير.
يد - اعتماد القميين عليه، كما أفيد.
وينبغي أن يلحق به اعتماد غيرهم من العلماء البارعين المتدربين المتيقظين
المتورعين.
يه - وقوعه في سند حصل القدح فيه من غير جهته.
يو - وجود الرواية في الكافي أو الفقيه؛ لما ذكر في أولهما؛ ونعني بالترديد منع
الخلو لا المنع بالجمع، فالجمع أقوى، ولا سيما إذا انضم إليهما التهذيب والاستبصار
أيضا.
يز - إكثار الكليني أو الفقيه الرواية عنه.
يح - كون الخبر معمولا به عند من لا يجوز العمل بأخبار الآحاد كالسيد وابن
إدريس.
يط - قولهم لرواية معتمد الكتاب: " ثقة في الحديث " أو ما يحذو حذوه.
ك‍ - قولهم: " سليم الحديث " و " سليم الطريقة ".
كا - قولهم: " فقيه من فقهائنا " أو " فاضل دين " أو " أصدق من فلان " إذا كان من
الأجلاء.
كب - توثيق ابن فضال وابن عقدة، وربما اعتمد على توثيق أضراب ابن نمير.
كج - رواية الثقة عن رهطه وأشياخه.
كد - أن يذكره واحد من الأجلاء مترحما عليه أو مترضيا له.
391

كه - قول الثقة بتوثيقه.
كو - أن يروي محمد بن أحمد بن يحيى عنه، ولم يستثنه القميون، وكذلك
استثناء محمد بن عيسى عن رواة يونس بن عبد الرحمن، ففيه شهادة على وثاقة غيره.
كز - قولهم: " أسند عنه " يعني سمع منه الحديث على وجه الإسناد، إلى غير ذلك
من ألفاظ المدح والذم، وسيأتيك ما يجديك في ذلك عن قريب.
كح - موافقة مضمونه لنص كتاب الله.
كط - مطابقة مفاده مفاد الإجماع.
ل - موافقته لما ثبت من القطعيات من دليل عقلي وغيره إلى غير ذلك من القرائن.
وبالجملة، فالمعيار الظن بصدوره من المعصوم، فمتى حصل - كيفما حصل -
يخرج الضعيف عن ضعفه ويلحق بما فوقه في حكمه، وعد منه، بل قد يطلق عليه
الصحيح على مصطلح القدماء وعلى مصطلح بعض المتأخرين، ولو تجوزوا اتساعا.
(الفصل) الثاني:
(الصدق) عبارة عن الواقعية، والكذب عن عدمها، على ما هو المشهور.
والنظام على أن ذلك طباق الاعتقاد وهذا عدمه. (1)
والجاحظ جمع بين الأمرين في تحققهما وأثبت الواسطة (2)؛ لثبوتها من التنزيل
في قوله تعالى: (أفترى على الله كذبا أم بهى جنة). (3)
وليس فيه إلا الترديد بين الافتراء وعدمه، وهو غير ما توهمه من الترديد بين
الكذب وعدمه، والفرق بالعمد وعدمه.
وبالجملة، فالمنفي في كلام المجنون هو الكذب بشرط شيء، لا " بشرط لا " ولا
" لا بشرط شيء ".

1. الرعاية في علم الدراية: 56 - 57.
2. مختصر المعاني للتفتازاني: 31.
3. سبأ: 8.
392

واستند النظام إلى تكذيب المنافقين في قوله تعالى: (والله يشهد إن المنافقين
لكاذبون) (1) مع تفوههم بما كان متأصلا في حاق الواقع من قولهم: (إنك لرسول الله)
بدليل (والله يعلم إنك لرسوله)
وهو مدخول بوجوه وجيهة من إرجاع التكذيب إلى ادعائهم تصميم قلوبهم -
كما يرشد إليه توكيد كلامهم ب‍: " إن " و " لامه (2) " واسمية الجملة - أو الاستمرار - كما هو
مفاد المضارعية - أو لازم الفائدة، أو إظهار سجيتهم وديدنهم، أو بملاحظة إطلاقهم
الشهادة عليه، أو - بناء على زعمهم الفاسد - عدم طباقه الواقع، أو إلى حلفهم.
ولا يبعد - كل البعد - أن يكون الصدق محض الواقعية، والكذب عدمها في نفس
الأمر، وأما ترتب الآثار ظاهرا وإطلاق أحدهما عرفا، فلعله يحتاج إلى اعتبار قيد زائد
أيضا، وهو علم المخبر بواقعيته أو عدمها.
وبناء على ذلك، فيتبدل ويتغير إطلاقهما بالإضافة إلى اثنين حسب علمهما و
معرفتهما، ف‍ " زيد قائم " صادق عند عمرو، كاذب عند بكر مثلا، ولكن لا ينبغي لمن
علم كذبه أن يكذب من أخبر به عالما صدقه، حسب ما أدى إليه نظره، بل لو كان خالف
مقتضى علمه كان أجدر بالتكذيب. ولعل تكذيب المنافقين لأجل ما قلنا.
ويؤيده أن المخبر بإفطار غبار من المجتهدين - مثلا - حسب ما أدى إليه نظره
يزعم طباقه الواقع، ومفت آخر يفتي بعدمه ظانا عدمه، ولكن لا يسوغ له تكذيب
الأول لأجل ما أفدنا، وإلا فليفسقه مع أن عدمه مقطوع به، بل ويفسق المفسق قطعا
لا يحومه شائبة ريب ووهم، بل ويكذب المخالف لما أدى إليه نظره بلا دليل يخالف
ذلك.
نعم، لابد من استثناء المقطوع واقعيته أو عدمها، فإن المخالف في حرارة النار و
رطوبة الماء يكذب قطعا؛ لأنه خالف مقتضى عقله ونظره تصلبا وتعسفا، أو من

1. المنافقون: 1.
2. أي لام التوكيد.
393

حيث لا يشعر، فافترى، أو تحرج الكذب بلا عمد، واحتمال عدم مدخلية العلم و
المعرفة والاعتقاد لغة ومدخليته شرعا واصطلاحا، فمما يكذبه أصالة عدم النقل؛
فتأمل.
وكيفما كان، فتحقق الصدق وحصول العلم به (في) الخبر (المتواتر) مجزوم
(مقطوع) به عند كافة العقلاء، وقد مر بعض الكلام فيه فيما مر؛ فتذكر.
(والمنازع مكابر) مقتضى عقله.
وأما الصدق (في الآحاد الصحاح) فهو (مظنون) غير مجزوم، وأخبار الكتب الأربعة
وغيرها سواء بواء في إفادة ظن الصدق دون القطع.
(وقد عمل به المتأخرون) لأجل ما ذكرنا، حيث انسد باب العلم وبقي العمل في
ذمتهم، فلم يبق لهم مناص عن التعويل على أقرب المجازات في العلم والأقوى من
غيره بعده.
(وردها (1) المرتضى وابن زهرة) القاضي (وابن البراج وابن إدريس) الحلي العجلي و
غيرهم من (أكثر قدمائنا) معاشر الشيعة (رضي الله) (تعالى عنهم)، إما لقرب زمانهم من
زمن الصادقين وتمكنهم من اكتساب العلم واليقين، أو لشبهة عرضت لهم من رد
الأصحاب على ما اختلقه سمرة بن جندب، (ومضمار البحث من الجانبين وسيع) فسيح.
(ولعل كلام المتأخرين) - رضوان الله عليهم أجمعين - (عند التأمل أقرب) إلى الحق و
أحق بالقبول، بل لعله مجزوم كتابا وسنة مستفيضة وإجماعا منقولا، بل ومحققا؛
نظرا إلى عمل جل الصحابة بل كلهم على تلك الأخبار بلا نكير وإنكار، وكثرة
اهتمامهم في تدوينها وتنميقها وجمعها وبثها ونشرها في سائر الأعصار والأمصار،
مضافا إلى ما يدل على اجتزاء الظن عدا ما استثني مع انسداد باب العلم وعموم نفي
العسر والحرج واستحالة التكليف بما لا يطاق. وإنما المستند في رد الرواية البكرية
هو عدم وثوق الراوي وتفرده بها مع خفائها عن غيره ولا سيما عمن هو أبصر بما في

1. أي الآحاد الصحاح.
394

البيت، ومخالتها لعموم نص الكتاب، لا كونها من أخبار الآحاد. وعدم الاجتزاء
بشهادة العدل مستنده أمر الشارع لا عدم إفادتها الظن كالقياس.
وأما النهي عن العمل بالظن - كما في قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) (1) و
(إن تتبعون إلا الظن) (2) (إن الظن لا يغنى من الحق شيئا) (3) - فمما يختص بأصول الدين
دون فروعه. على أن الأول خطاب شفاهي يحتمل اختصاصه بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والثاني
تخاطب بالمشركين العاملين بالظنون في أصول الدين وإفحامهم بالفروع قبل
الأصول مما لا يقبله الطبع السليم والفهم المستقيم.
ولو أعرضنا عن ذلك كله، فلا ريب في أن أمثال ذينك محمولة على ما كان
حصول العلم فيه ممكنا، وأما بدونه فلا.
وبالجملة، فأمثال (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (4) و (ما جعل عليكم في الدين من
حرج) (5) و (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (6) تخصصها (7) بما دون زمننا، والعمل
بالخاص مقدم على العمل بالعام، والله سبحانه عالم بحقائق الأحكام.
(و) عول شيخنا (الشيخ) أبو جعفر الطوسي شيخ الطائفة المفلحة (على أن غير
المتواتر) من الأخبار لا يخلو من أمرين:
(فإن اعتضد بقرينة) مجدية للعلم بصدوره من المعصوم، (ألحق بالمتواتر في إيجاب
العلم ووجوب العمل) قطعا.
(وإلا، فيسميه خبر آحاد، ويجيز العمل به تارة) إذا تحقق فيه شرائط عديدة، (ويمنع
أخرى) إذا كان فاقدا لتلك الشرائط، وهي (على تفصيل ذكره في) صدر (الاستبصار، فطعنه

1. الاسراء: 36.
2. الأنعام: 148.
3. يونس: 36.
4. البقرة: 286.
5. الحج: 78.
6. البقرة: 185.
7. الضمير راجع إلى الآيات المانعة.
395

في التهذيب في بعض الأحاديث بأنها أخبار آحاد مبني على ذلك)، فكأنه طعن فيه
لكونه من أخبار الآحاد فاقدا لما اعتبر فيها بقرينة ما صرح به في الاستبصار، وإن كان
إطلاق عبارته في التهذيب يحكم بخلافه.
وبالجملة، فهو وإن أطلق ولكن يريد به المقيد، ويلزم تنزيل ما أطلق على
المقيد بالقرينة المزبورة، (فتشنيع بعض المتأخرين عليه بأن جميع أخبار التهذيب آحاد) (مما
لا وجه له) ظاهرا؛ كما لا يخفى.
(والحسان كالصحاح عند بعض).
وهو غير موجه عندي؛ لما عرفته آنفا.
(ويشترط الانجبار باشتهارها، وعمل الأصحاب بها عند آخرين).
ولا يخلو عن وجه؛ فإن القرائن الخارجية ربما تلحق غير الصحيح به، كما عرفت
آنفا؛ هذا.
والخلاف في الحسان (كما في الموثقات وغيرها) غير سديد، بعد ما سمعت
المختار في ذلك كله.
(وقد شاع) بين العامة والخاصة (العمل بالضعاف) من الأخبار، (في السنن) والآداب
والمكروهات وأمثال ذلك، مما لا يحتاج فيه إلى مزيد تثبت وتبين (وإن اشتد ضعفها)
وتناهى (ولم ينجبر) ولم يعتضد بالشهرة وعمل الأصحاب وما يحذو حذوه.
نعم، يشترط أن لا يصل ضعفه حد الوضع، كما ذكره بعض الأعلام (1)؛ (والإيراد)
عليه (بأن إثبات أحد الأحكام الخمسة) - بل واثنين منها - (بما هذا حاله، مخالف لما ثبت في
محله)، وهو إيراد (مشهور) لا يكاد يخفى على من له أدنى اطلاع على المسفورات
المبسوطة المتطاولة المتداولة.
(والعامة) العمياء (مضطربون في التفصي عن ذلك) الإيراد؛ لعملهم - أيضا - بالضعاف
وعدم وجدانهم ما يستأهل أن يكون مستندا لهم.

1. شرح البداية: ص 30.
396

(وأما نحن معاشر) الشيعة (الخاصة)، (فالعمل عندنا ليس بها في الحقيقة)؛ لعدم
صلوحها للحجية؛ لما اعتراها من ضعف، (بل) بحديث (حسن) مشهور على ألسن
كافة أهل العلم من أن " (من سمع شيئا من الثواب) فعمل به، كان له أجره وإن لم يكن الأمر
كما بلغه " (وهي ما تفردنا) نحن (بروايته) عن أئمتنا (عليهم السلام)، فيكون لنا لا لهم.
(وقد بسطنا الكلام فيه) في " تحفة الواعظين " نقلا عن شيخنا الشيخ بهاء الدين
المصنف (قدس سره) (في الحديث الحادي والثلاثين من كتاب) الأربعين، من شاء فليرجع إليه. (1)
(الفصل) الثالث:
في أقسام أخر للحديث.
لا يخفى أن (الحديث إن اشتمل على علة خفية في متنه) ولفظه، كإدخال متن في متن
آخر؛ (أو سنده)، كالإرسال فيما ظاهره الاتصال، (فمعلل).
وبالجملة، فهو ما فيه علل خفية خبية قادحة باطنا، سالمة ظاهرا، ولا يطلع عليها
إلا أهل الخبرة بفهم ثاقب، وذهن ناقب، ويشعر بها تفرد الراوي ومخالفته لغيره مع
قرائن أخر، كالإرسال في الموصول، أو الوقف في المرفوع، أو دخول حديث في
حديث، أو وهم واهم أو غير ذلك، حتى يحكم به الخبير أو يشك، فيتردد ويتوقف.
(وإن اختلط به كلام الراوي، فتوهم أنه منه، أن نقل مختلفي الإسناد أو المتن بواحد) من
إسناد أو متن، (فمدرج).
والمحصل: أنه عبارة عما اندرج فيه كلام بعض الرواة، بحيث يظن أنه منه، أو
متنان بإسنادين، فأسند إلى أحدهما.
أو سمع حديث واحد من جماعة مختلفين في سنده، بأن رواه بعضهم بسند و
رواه غيره بغيره، فيدرج روايتهم جميعا على الاتفاق في السند.
وتعمد أمثال تلك الأمور غير جائز.

1. الأربعين: 181.
397

نعم، لو أقام قرينة مميزة بين كلامه وبين لفظ الأصل، فلا بأس به ولا سيما مع عدم
خفائها، وأما إقامة القرائن الخفية جدا فلا؛ لأنها ربما تخفى عن الناظر، فيقع في
الشبهة ويلتبس الأمر عليه.
ومن أصحابنا المتأخرين من ذكر الفتوى بلفظ الحديث، إما مصرحا بكونه خبرا
ذاكرا لفظه أو معناه - بناء على صحة النقل بالمعنى - أو غير ذاكر ذلك، بل مقتبسا لفظه
بلفظ الخبر، اتكالا على تنبه النبيه - الفاحص الممارس - به.
وشيخنا صاحب الرياض وصاحب الجواهر ربما يسلك هذا المسلك، ونحن
حذونا حذوها (1) في كثير من العبائر، ولا بأس به.
(وإن أوهم السماع ممن لم يسمع منه)، بأن قال: " أخبرنا " و " حدثنا " وما شاكل ذلك،
بالنسبة إلى من لقيه ولم يسمع منه، (أو ذكر شيخ بإيراد ما لم يشتهر) به (من ألقابه) أو كناه أو
أسمائه أو أوصافه - (مثلا) - لئلا يعرف، (فمدلس). (2)
وبتقرير آخر، هو ما انطوى على عيب خفي في الإسناد، بأن يروي عمن لقيه أو
عاصره ولم يسمع منه، بحيث يتوهم منه أنه سمعه منه.
وينبغي أن لا يقول: " أخبرنا " و " حدثنا " وما شاكل ذلك، بل يقول: " قال فلان " أو
" عن فلان " حتى لا يكون كذابا، وإلا فلا يبعد القدح في عدالته؛ لارتكابه الكذب
تعمدا.
وربما لم يسقط الشيخ وأسقط بعده رجلا ضعيفا، يريد بذلك إخفاه عيب السند
وضعفه، هذا.
وقد يقع التدليس في غير الإسناد، بأن يروي عن شيخ ما سمعه منه، فيسميه أو
يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لم يشتهر به، لئلا يعرف، وهو أقل قبحا وضررا من
التدليس في الإسناد، وإن استلزم تضييع المروي عنه، وأما الأول فهو مذموم جدا.

1. كذا. والظاهر رجوع الضمير إلى الجواهر.
2. أي فالحديث مدلس أو فهو مدلس.
398

وهل يفسق المدلس؟ قيل: لا، وقيل: نعم.
ولا يبعد أنه إن كان ثقة وصرح بما يقتضي الاتصال، ك‍: " حدثنا " وغيره، أو دل
قرينة أخرى على ذلك، اتجه قبوله، وإلا فيرد وإن لم يدلس فيه خاصة.
(أو بدل بعض الرواة أو كل السند بغيره، سهوا أو للرواج أو الكساد، فمقلوب).
وقد يقع امتحانا من المشايخ أيضا ولاضير فيه. نعم، لا يجوز لترويج الكساد و
غيره من الأغراض الفاسدة.
(أو صحف في السند)، ك‍: حرير ب‍: جرير ومراجم ب‍: مزاحم وبريد ب‍: يزيد وغير
ذلك، وقد وقع من بعض فحول العلماء، مثل العلامة في الخلاصة (1)، كما تفطن به بعض
المشايخ أعلى الله مقامه.
(أو المتن)، ك‍: ستا ب‍: شتا، في " من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال ". (2)
ومتعلقه إما البصر كالتجانس الخطي مثل الهمداني والهمذاني؛ أو السمع ك‍:
عاصم الأحول ب‍: واصل الأحدب، أو المعنى كما في المحكي عن أبي موسى محمد بن
المثنى العنزي أنه قال: " نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة صلى إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (3)
مريدا بذلك ما روي في النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنه صلى إلى عنزة، مع أنها كانت حربته تنصب
بين يديه سترا، فتوهم أنه صلى - (صلى الله عليه وآله وسلم) - إلى قبيلة بني عنزة، وهو عجيب.
فهذه ثلاث أنحاء من آفات الخبر.
وأيا ما تحقق في الخبر، (فمصحف) سندا أو معنى أو متنا.
وكيفما كان، فمعرفة التصحيف خطب عظيم وفن جليل، لا يتحمل بأعبائه إلا
العلماء الحاذقون والكملة الماهرون.

1. الرعاية في علم الدراية: 109.
2. عوالي اللئالي 1: 425 - 426، ح 112؛ مجمع الزوائد 3: 184؛ صحيح ابن حبان 8: 397؛ الرعاية في علم الدراية:
110.
3. وصول الأخيار: 120؛ الرواشح السماوية: 140؛ نهاية الدراية: 305؛ مستدرك سفينة البحار 7: 455؛ الرعاية في علم
الدراية: 111.
399

(والراوي إن وافق في اسمه واسم أبيه) راويا (آخر) لفظا لا عينا، ك‍: أحمد بن محمد بن
عيسى وأحمد بن محمد بن خالد وأحمد بن محمد بن أبي نصر وأحمد بن محمد بن
الوليد وغيرهم، (فهو المتفق) لفظا (والمفترق) عينا.
ويتميز بعضهم عن بعض بقرائن، كاختلاف المروي عنه، أو الراوي عنه، أو
الزمان، أو الطبقة، أو الذكر في أول السند، أو آخره، أو وسطه، أو غير ذلك.
ولو اشترك اسم في عدة ثقات فالأمر سهل، وإلا فلا بد من الفحص حتى يتميز
الثقة عن غيره، ويعمل برواية الثقة وتهجر رواية غيره.
(أو) وافق (خطا فقط، فهو المؤتلف) خطا (والمختلف) نطقا.
والمراد بالخط ما يشمل العجمة والتشديد، ومعرفته من مهام الفن، ك‍: " جرير "
بالمعجمة والمهملتين تخللهما ياء معجمة، و " حريز " بالمهملتين والمعجمتين، و
المائز بينهما الطبقة؛ و " بريد " بالمعجمة ثم المهملة و " يزيد " بالمعجمتين، والمائز إما
الآباء أو الطبقة أو الكنية؛ و ك‍: " بيان " و " بنان " والمائز النسبة إلى الجزري في الثاني دون
الأول؛ و ك‍: " حنان " و " حيان " والمائز الطبقة والنسبة ك‍: " بشار " و " يسار ".
وقد يحصل الائتلاف والاختلاف في النسبة والصفة ونحوهما، ك‍ " الهمداني " و
" الهمذاني " و " الخراز " و " الخزاز " و " الحناط " و " الخياط ".
(أو) اختلف (في اسمه فقط والأبوان مؤتلفان، فهو المتشابه).
وقد يقال: إنه ما تشابه أسماء آباء بعض رواته، سواء كانت أسماء الرواة متمايزة أم
لا، ك‍: بكر بن زياد وسهل بن زياد، ومحمد بن عقيل ومحمد بن عقيل، وشريح بن
النعمان وسريج بن النعمان.
فلا بد من معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم، ليأمن من مدعي اللقاء مع
عدمه، ومعرفة الموالي منهم من أعلى وأسفل، كالمعتق - بناء على الفاعل - والمعتق -
بناء على المفعول - رقا أو حلفا أو إسلاما.
وكذا معرفة الإخوة والأخوات، ومعرفة أوطانهم، وكان العرب في بدو أمرهم
400

تنسب إلى القبائل، فسكنوا القرى والأمصار، فانتسبوا إليها كالعجم، فالساكن في بلد
- ولو قليلا - ينسب إليه؛ ولا حد للقلة، وقيل: لابد من السكون بأربع سنين.
وكيفما كان، فالمناط على صدق السكنى عليه، ولو سكن بلدين ينسب إلى أيهما
اتفق، ولا بد حال الجمع من تقديم الأول ثم العطف عليه ب‍: " ثم " كقولنا: البغدادي ثم
الدمشقي؛ والساكن بقرية بلد وناحية إقليم، ينسب إلى أيتهما شاء؛ وفي الجمع يبدأ
بالأعم، كالشامي الصيداوي الجبعي، مثلا.
(وإن وافق) الراوي (المروي عنه في السن أو في الأخذ من الشيخ، فرواية أقران)، كرواية
الشيخ عن السيد أو بالعكس مثلا.
(أو تقدم) الراوي (عليه في أحدهما)، بل في الرواية أيضا، (فرواية الأكابر عن
الأصاغر).
وبالجملة، فالمراد بالكبر والصغر فيه ذانك سنا أو لقاء أو قدرا، كرواية الصحابي
عن التابعين، ومثل رواية العبادلة الأربعة عن كعب الأحبار، وكذا رواية التابعي عن
تابعي التابعين، ومثله الشهيد بعمرو بن شعيب وقال: " إنه لم يكن من التابعين، و
روى عنه خلق كثير منهم، وقيل: إنهم سبعون " (1) هذا.
وأما المدبج، فهو رواية كل واحد عن الآخر وبالعكس (2)، والمراد بالتدبيج بذل
كل ديباجة وجهه عند الأخذ، للآخر، وهو أخص من الأقران، فكل مدبج أقران ولا
عكس.
ورواية الآباء عن الأبناء، كرواية عباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل بأن
النبي - (صلى الله عليه وآله وسلم) - جمع بين الصلاتين بالمزدلفة. (3) وهو نادر الوقوع.
ورواية لأبناء عن الآباء، وهي إما رواية الابن عن أبيه أو الجد وهو كثير وذاك (4)

1. شرح البداية: 126.
2. يستفاد مفاده من الجملة الأولى فهو يشبه الزائد.
3. وصول الأخيار: 116؛ نهاية الدراية: 333؛ مقدمة ابن صلاح: 184.
4. يعني رواية الابن عن الجد كثير وعن الأب أكثر.
401

أكثر وربما بلغت السلسلة إلى أربعة عشر، كالنبوي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن الخبر ليس كالمعاينة (1)،
المروي عن الحافظ أبي سعيد السمعاني، عن أبي شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي
الإمام بقراءته عن السيد أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب - من لفظه ببلخ - عن
والده أبي الحسن علي بن أبي طالب سنة ست وستين وأربعمائة، عن أبيه أبي طالب
الحسن بن عبيد الله سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، عن أبيه أبي علي عبيد الله بن محمد،
عن أبيه محمد بن عبيد الله، عن أبيه عبيد الله بن علي، عن أبيه علي بن الحسن، عن أبيه
الحسن بن الحسين، عن أبيه الحسين بن جعفر - وكان أول من دخل البلخ من هذه
الطائفة - عن أبيه جعفر الحجة، عن أبيه عبيد الله، عن أبيه الحسين الأصغر، عن أبيه
علي بن الحسين بن علي، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه علي بن
أبي طالب (عليهم السلام). (2)
وقد زعم الشهيد (رحمه الله) أن مثل تلك السلسلة مما لا أثر منه في أصول الإمامية. (3)
وهو وهم كما قد تفطن به بعض السادة الجلة.
وأما السابق واللاحق، فهو ما اشترك فيه اثنان عن شيخ واحد وتقدم موت
أحدهما على موت الآخر، كرواية علي بن عبد العالي الميسي والشيخ ناصر بن إبراهيم
البويهي والأحسائي جميعا عن الشيخ ظهير الدين محمد بن الحسام؛ فإن الشيخ
البويهي توفي سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، والشيخ الميسي سنة ثمان وثلاثين و
تسعمائة؛ إلى غير ذلك من الأخبار.
ثم لا يخفاك أن تلك الأضراب مما يشهد به تتبع روايات الصحابة، ولا دخل في
الاعتبار وعدمه إلا نادرا.
تتمة مهمة: الصحابي من لقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الإيمان به ومات عليه، واللقاء أعم

1. انظروا شرح البداية: 130: (وأكثر ما وصل إلينا من الحديث بأربعة عشر أبا، وهو ما رواه الحافظ أبو سعيد
السمعاني...).
2. الدرجات الرفيعة: 91؛ رجال الخاقاني: 112.
3. الرعاية في علم الدراية: 120.
402

من الرؤية، فلا يخرج ابن أم مكتوم؛ وقيد الإيمان يخرج أبا لهب وأمثاله؛ والموت
مسلما أمثال عبد الله بن جحش بن حنظل بخلاف الأشعث بن قيس وإن تخلل بينهما
ردة (1)، بل قيل: إن كونه صحابيا مما اتفق عليه.
وروي أن النبي - (صلى الله عليه وآله وسلم) - مات عن مائة وأربعة عشر ألف صحابي أفضلهم علي بن
أبي طالب (عليه السلام)؛ لكونه نفس الرسول ومولاهم مثله، وأعلمهم وأقضاهم وأزهدهم و
أعبدهم وأقدمهم إسلاما، وأثبتهم جأشا في الوقائع والحروب، وفضله عليهم مما
يبلغ مبلغ التواتر.
وقال الشافعي - ولنعم ما قال -: " ما أقول في رجل أخفى أعداؤه مناقبه حسدا و
أولياؤه خوفا، وظهر بين هذين ما ملأ الخافقين ". انتهى.
وقد بينا ذلك في كتبنا الكلامية بما لا مزيد عليه، من شاء الاهتداء فليراجعها.
وكذا (2) الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وكذا سلمان وأبو ذر ومقداد و
أمثالهم، رضي الله عنهم.
وأما أبو الفصيل وابن الخطاب وابن العفان وأبو سفيان ومعاوية وأبو هريرة، و
أمثالهم وأنصارهم وأعوانهم، من المهاجرين والأنصار،... لا يعمل بما تفردوا به.
وأما أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، فهم سواء بواء عندنا مع صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، مدحا و
قدحا، فإن كانوا عدولا وثقاتا كانوا ك‍: سلمان وأبي ذر، وإن كانوا فساقا فجارا،
فكالمتغلبين، لعنة الله عليهم أجمعين.
فالأصحاب عندنا أعم من الصحابة، فيعم (3) أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحاب
الأئمة (عليهم السلام)، بل وصاحبي غيرهم، ولا سيما مع دلالة قرينة عليه. و [عند غيرنا (4)] تختص

1. ضمير التثنية راجع إلى الإيمان والموت على الإسلام كما في مورد الشخص الثاني.
2. أي كعلي (عليه السلام) هؤلاء الأشخاص في كونهم صحابيين أي آمنوا وماتوا على الإسلام. أو هؤلاء كهو في
حجية قولهم.
3. أي لفظ الأصحاب.
4. أضفنا ما بين العلامتين لاقتضاء السياق.
403

بأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله).
ثم إن التابعي من لقي الصحابي وغيره، كما مر.
والمخضرمون هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يلاقوا النبي (صلى الله عليه وآله) سواء
أسلموا أم لا، كالنجاشي وسويد بن غفلة صاحب علي (عليه السلام) وربيعة بن زرارة و
أبي مسلم الخولاني والأحنف بن قيس.
وعدهم من التابعين بإحسان أولى، على ما صرح به الشهيد (قدس سره). (1)
وأما أضراب مثرم، فيمكن إخراجه - وإن أسلم - بقيد اللقاء؛ والله أعلم.
(الفصل) الرابع:
وفيه فوائد:
الأولى: لابد في الفن من التعرض بمن يقبل روايته ويرد، على وجه كلي لا عن
أشخاصهم واحدا بعد واحد؛ إذ هو من وظائف علم الرجال، ولا غرو في قدح
المسلم؛ تحصيلا للتمييز بين الصحيح والضعيف، صونا للشريعة المطهرة.
نعم، يجب فيه التثبت أشد تثبت، لئلا يلتبس عليه الحق الحقيق بالتصديق،
فيجرح غير مجروح بما يظن جرحا، مع عدم كونه جرحا حقيقة.
وربما ركب متن الخطيئة وخبط خبط العشواء غير واحد في هذا الباب، والله
الموفق للصواب، وقد كفانا السلف الصالحون - رضوان الله عليهم أجمعين - مؤونة
ذلك غالبا.
ولكن ينبغي للماهر المتدبر [التدبر] (2) فيما ذكروا، لعله يظفر بما أهملوا، و
لا سيما مع تعارض الأخبار في الجرح والتعديل، ومن البين أن طريق الجمع ربما
يلتبس ويختفي ويختلف حسب اختلاف الأفكار والأنظار، وطرق الجمع وأصوله.

1. شرح البداية: 126.
2. أضيف بمقتضى السياق.
404

الثانية: يعتبر في الراوي الإسلام، إجماعا مستفيضا.
وهل يعمل بما تفرد به الكافر إذا كان موثوقا؛ لعدم صدق الفسوق عليه إذ ذاك مع
عدم فسق الجوارح، أو لوقوع التثبت الإجمالي في روايته بتحصيل العلم بكونه غير
فاسق من الجوارح؟ لا يبعد أن يكون ذلك كذلك لولا الإجماع على خلافه، وإذ ليس
فليس (1)؛ وبالجملة فالأشهر الأظهر [ذلك (2)].
الثالثة: يعتبر فيه البلوغ والعقل، فلا عبرة برواية الصبي والمجنون؛ لارتفاع القلم
عنهما، فلا يحصل الجزم باجتنابهما عن ارتكاب الكذب، وهذا في غير الأدواري، و
أما الأدواري فلعل قبول روايته حين عدم عروض الجنون عليه أقوى.
الرابعة: يشترط فيه الإيمان على قول.
ونعني بالإيمان: كونه إماميا (3) اثني عشريا، كما هو المصرح به في كلام بعض
مشايخنا الأعلام، والمقصود من كلام من أطلق - وإن أطلق - بقرينة ردهم أخبار غير
الاثني عشرية من فرق الإمامية، كالناوسية والفطحية.
واعتبار الإيمان بهذا المعنى المذكور مشهور بين الأصحاب، ومستندهم آية
النبأ.
وفيه كلام مثل ما مر في الكافر، بل جريه هنا أقوى وأظهر مما مر.
ولعل الأوجه قبول رواية غير الإمامي أيضا، إذا لم يكن فاسقا بالجوارح؛ لما
روي عن الصادق (عليه السلام): " إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا، فانظروا
إلى ما رووه عن علي (عليه السلام) فاعملوا به ". (4)
والتفرقة بين أمير المؤمنين وغيره - مع اشتراكه له في العصمة والإمامة - مما لا

1. أي ليس يبعد أن يكون ذلك كذلك.
2. أضيف بمقتضى السياق.
3. أراد من الإمامي الشيعة.
4. بحار الأنوار 2: 253.
405

وجه له وحصول (1) الظن بصدوره عن المعصوم، وعدم ثبوت صدق عنوان الفسق على
المخالف كذلك، وتحقق التثبت ولو إجمالا، وقضية اليسر ونفي العسر والحرج، و
عمل الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني؛
ففي العدة:
إن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه،
وجب أن يعمل به إذا كان متحرجا في روايته، موثوقا به في أمانته وإن كان
مخطئا في أصل الاعتقاد؛ ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل
عبد الله بن بكير وغيره، وأخبار الواقفية مثل سماعة بن مهران وعلي بن
أبي حمزة وعثمان بن عيسى، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال وبنو
سماعة والطاطريون وغيرهم، فيما لم يكن عندهم فيه خلاف. (2)
وقد يناقش فيه بعدم صحة الرواية وعدم انعقاد الإجماع من الطائفة، فقد قال
المحقق (قدس سره): " إنا لا نعلم إلى الآن أن الطائفة عملت بأخبار هؤلاء ". (3)
والظاهر: أن مراده من كلامه هذا هو المنع عن إجماع الطائفة، كما تفطن به شيخنا
المقنن لقوانين الأصول طاب ثراه (4)؛ لمعلومية عمل بعض الطائفة على بعض الأخبار
الذي رواه بعض من المذكورين.
ويمكن الجواب عن الأول بعدم تسليم ضعف الرواية بأنها وإن كانت كذلك،
لكن يعمل بها هاهنا لحجيتها باعتبار انجبار ضعفها بالشهرة وغيره. (5)
وعن الإجماع بأن كلام المحقق فيه لا ينافي تحققه مطلقا، قصارى الأمر أن ينافي
تحقق الإجماع المحصل ولا حاجة إليه، بل الإجماع المنقول يكفي؛ لكونه حجة
بلا مرية، ولا أقل من أن يحمل على الشهرة، كما يرشد إليه السيرة القاطعة وعمل

1. هذا وما يأتي عطف على الموصول المجرور في التعليل.
2. عدة الأصول 1: 150.
3. معارج الأصول: 149.
4. قوانين الأصول 1: 442.
5. أي غير اعتبار الانجبار.
406

القدماء والمتأخرين رضوان الله عليهم أجمعين، واقترانها مع غيرها يكفي لإثبات
المطلوب.
ثم إن ظاهر قوله تعالى: (بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان) (1) أيضا ربما يرشد إلى
عدم صدق عنوان الفاسق على المسلم، بتقريب أن المراد بالإيمان الإسلام؛ لعدم
تحقق هذا الاصطلاح الخاص حين نزول الآية قطعا، ولا كلام في إسلام المخالفين و
أمثالهم من الفرق الإسلامية، عدا الخوارج والغلاة وأضرابهم، ممن ينكر شيئا من
ضروريات الإسلام بحسب الظاهر، وهو المناط في الشرع؛ فتأمل.
الخامسة: المشهور اشتراط العدالة في الراوي، واختلف في معناها، وسيأتيك
بيانه، وبناء عليه فيرد رواية الفاسق بالجوارح وإن علم أنه لا (2) يتحرج كذبا.
والأقوى عندي قبول روايته أيضا؛ لظن صدور روايته عن المعصوم - وهو
العمدة في الباب - وتحقق التثبت والتبين الإجمالي أيضا.
السادسة: يشترط فيه الضبط، ويجب أن يكون حافظا، متيقظا، غير مغفل، عارفا
بما يختل به المعنى إن روى معنى.
وقد يقال بإغناء العدالة عن الضبط؛ لأن الثقة لا يروي ما لم يضبطه.
وفيه: أنه يحتمل الرواية ساهيا عن كونه غير ضابط أو غير مضبوطة من حيث
لا يشعر.
السابعة: لا يشترط فيه الذكورة بلا خلاف يعرف، وبما روي عن أم سلمة أم
المؤمنين، وفاطمة سيدة نساء العالمين، وفضة جاريتها، وأم أيمن، وحليمة (3) من
حال نرجس أم القائم (عليه السلام) حين ولادته، وزينب وأم كلثوم رضي الله عنهما، وغيرهن؛ و
إذا جازت للأنثى، يجوز للخنثى بالأولوية.

1. الحجرات (49): 11.
2. كذا. الظاهر زيادة " لا ".
3. كذا. والظاهر " حكيمة ".
407

الثامنة: لا يشترط الحرية؛ لرواية زيد وبلال وقنبر وغيرهم عن خلق كثير.
التاسعة: لا يشترط الفقه والعربية، زائدا على ما يوجب الاحتراس عن اللحن، و
" أعربوا كلامنا (1) " إما محمول عليه، أو على الندب والاستحسان دون الإيجاب و
الإلزام، و " رب حامل فقه (2) " يؤيد ما ذكرنا آنفا.
العاشرة: لا يشترط البصر، فيصح رواية الأعمى ك‍: جابر بن عبد الله فيما روى
بالمسجد بمحضر من الباقر (عليه السلام) ببشارة النبي (صلى الله عليه وآله) به، والتسليم عليه، وإخبار أن جابرا
يلقاه، وتلقيبه بباقر الأولين والآخرين.
الحادية عشر: لا عبرة بالعدد في المتواتر، فضلا عن الآحاد. (3)
الثانية عشر: هل رواية أهل البدع تقبل، أم لا؟ الظاهر أنهم إن رووا ما يؤيد
بدعتهم أو مع تجويز الكذب أو عدم توثقهم، فلا تقبل، وإلا فالقبول أوجه؛ إذ
الاعتماد في ذلك كله على حصول الظن بصدوره عن المعصوم وعدم تصرفهم فيه.
الثالثة عشر: اختلف كلمة الأصحاب - رضوان الله عليهم - في معنى العدالة
المعتبرة في الراوي والقاضي وغيرهما إلى أقوال، وتحقيق أمرها يقتضي رسم
مراحل.
المرحلة الأولى:
ربما يقال: إن العدالة هي ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق، وعزي القول به إلى
ابن الجنيد (4) والمفيد (5) والشيخ في الخلاف (6)، وظاهر المحكي عن المبسوط (7)، بل وربما

1. بحار الأنوار 2: 151، ح 28؛ دراسات في علم الدراية: 86.
2. تذكرة الفقهاء 1: 7؛ عوالي اللئالي 4: 66؛ الحدائق الناضرة 9: 359؛ المبسوط للسرخسي 16: 109؛ سبل السلام
2: 43؛ وسائل الشيعة 27: 89؛ بحار الأنوار 77: 146، ح 52؛ نهاية الدراية: 58.
3. لا يعرف لقوله: " فضلا عن الآحادها " مفهوم محصل.
4. مختلف الشيعة 8: 483؛ ذخيرة المعاد: 305؛ مستند الشيعة 18: 64 و 70 و 102 و 280.
5. المقنعة: 730.
6. الخلاف 2: 591 و 6: 271. وقد نسبه إليه في: الحدائق 10: 18؛ والرياض 2: 390.
7. المبسوط 8: 104.
408

ظهر من الشيخ دعوى الإجماع عليه، ففي المحكي عنه (1) أن البحث عن عدالة الشاهد
شيء لم يعرفه الصحابة ولا التابعون، وإنما هو أمر أحدثه " شريك " من قضاة (2) العامة؛
وهو (3) حجة هذا القول.
مضافا إلى ما رواه الصدوق في المجالس عن صالح بن علقمة، عن أبيه،
قال الصادق (عليه السلام) جعفر بن محمد - وقد قلت له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني
عمن تقبل شهادته ومن لم تقبل شهادته - فقال (عليه السلام): " يا علقمة! كل من كان
على فطرة الإسلام جازت شهادته ".
قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف الذنوب؟
فقال: " يا علقمة! لو لم تقبل شهادة المقترف بالذنوب، لما قبلت إلا شهادة
الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)؛ لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره
بعينك يرتكب ذنبا، أو لم يشهد عليه الشاهدان، فهو من أهل العدالة و
الستر، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا ". (4)
الحديث.
أقول: الإجماع الذي نقله الشيخ معارض بأحد الإجماعين المنقولين الآتيين في
تأييد القول بكونها عبارة عن الملكة.
وأما الخبر، فسياقه ظاهر على زعم الراوي عدم قبول شهادة الآثم في نفس
الأمر مطقا.
ورده (عليه السلام) على الراوي، بأن حسن الظاهر (5) مما يكفي في قبول الشهادة وليس الأمر

1. المختلف: 704 - 705؛ جواهر الكلام 13: 282.
2. جواهر الكلام 13: 281.
3. أي الإجماع.
4. وسائل الشيعة 27: 395، ح 13.
5. وليكن المراد من حسن الظاهر هذا غير المبحوث عنه لئلا يلزم التهافت.
409

كما توهم من أن الفسوق باطنا يقدح في قبول شهادته ظاهرا، على أنه معارض بما
سيأتي؛ هذا.
وربما يتمسك لهذا القول بأمثال مرسلة يونس (1)، وخبر عبد الرحيم القصير (2)، و
مرسلة ابن أبي عمير (3)، وخبر عمر بن يزيد (4)، ومصححة عبد الله بن مغيرة (5)، وحسنة
البزنطي (6)، وما ورد في شهادة اللاعب بالحمام (7)، وما خاطب به علي (عليه السلام) شريحا (8)، و
صحيحة أبي بصير. (9)
وفي الكل نظر إما سندا أو دلالة، بل بعض منها يدل على خلاف ما زعم وضده،
كمرسلة يونس ورواية عمر بن يزيد ورواية عبد الله بن المغيرة وحسنة البزنطي.
وأما قضية نفي العسر والحرج، ففيه: أنه يلزم على أكثر الأمور الثابتة شرعا،
فلو اقتضى العمل بمقتضاه مطلقا، لكاد أن يسقط التكاليف غالبا، بل وجميعا، وهو
مما لا يرتضي به عاقل.
وبالجملة، فهذا القول في غاية الندرة والشذوذ، بل يمكن ادعاء الشهرة على خلافه،
بل والإجماع المنقول عليه، بل والمحصل، بشهادة التسامع وتظافر الأخبار بعدم اجتراء
أهل الإسلام سلفهم وخلفهم على محض ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق، وافتقارهم
إلى التثبت والتبين في أمثال ذلك، فلا ريب في أن الاكتفاء على ما مر تفريط وإضاعة
لحقوق الأرامل والأيتام، وإخلال في نظام الأنام، والله العالم بحقائق الأحكام.

1. وسائل الشيعة 27: 392، ح 3.
2. وسائل الشيعة 1: 37، ح 18.
3. وسائل الشيعة 8: 374، ح 1.
4. وسائل الشيعة 27: 321، ح 1.
5. وسائل الشيعة: ج 27 ص 398، ح 21.
6. وسائل الشيعة 27: 412 ب 54.
7. وسائل الشيعة 27: 211، ح 1.
8. مسائك الأفهام 13: 401؛ جواهر الكلام 13: 283.
9. وسائل الشيعة 27: 372، ح 3.
410

المرحلة الثانية:
قد يقال: إن العدالة عبارة عن حسن الظاهر، وعنوا به خلاف الباطن الذي لا يعلم
به إلا الله سبحانه، وبحسنه جريه على مقتضى الشرع بعد اختباره في الجملة، و
السؤال عن أحواله.
وهذا القول ظاهر ما في القواعد (1) والفقيه، بل المحكي عن القاضي (2) والتقي وابن
حمزة (3) وسلار، وفي المحكي عن الناصريات ما يشير إليه، وفي المحكي عن المصابيح
نسبته إلى القدماء، بل عن الوحيد البهبهاني في حاشية المعالم نقل الإجماع على كون
العدالة حسن الظاهر، وهو معاضد بالشهرة المحكية، بل الظاهرة عن أحوال السلف و
لو بمعونة القرائن الخارجية، وهو (4) الحجة. (5)
مضافا إلى النصوص المتكاثرة المتظافرة التي ظاهرها ذلك، وقد مر الإيماء إلى
جملة منها، وسنشير إلى جملة أخرى، وهي وان اختلفت في مفادها، لكن رجوعها
إلى حسن الظاهر ظاهر.
ففي الأمالي (6) بسنده عن الكاظم (عليه السلام): " من صلى خمس صلوات في اليوم والليلة في
جماعة، فظنوا به خيرا وأجيزوا شهادته ". (7)
وعن الصادق (عليه السلام) قال:
" من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم
يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته، وكملت مروته، وظهر عدله، ووجب
أخوته " (8).

1. قواعد الأحكام 2: 205.
2. المهذب 2: 556.
3. الوسيلة: 230.
4. أي الإجماع.
5. جواهر الكلام 13: 290.
6. أمالي الصدوق: 418 - 419، ح 23.
7. الكافي 2: 239، ح 28؛ وسائل الشيعة 8: 316، ح 9.
8. وسائل الشيعة 12: 278، ح 2.
411

وعن الرضا (عليه السلام) والعسكري (عليه السلام) في تفسيره (1) في قوله تعالى: (ممن ترضون من
الشهداء) (2):
" من ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقظه فيما يشهد به وتحصيله
وتمييزه؛ فما كل صالح مميز، ولا كل مميز صالح، وإن من عباد الله لمن هو
أهل الصلاح؛ لصلاحه وعفته، ولو شهد لم تقبل شهادته؛ لقلة تمييزه، فإذا
كان صالحا عفيفا مميزا محصلا مجانبا للمعصية والهوى والميل والتحامل،
فذلك الرجل الفاضل ". (3)
وعن الهداية للشيخ الحر رحمه الله تعالى:
وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا تخاصم إليه رجلان - إلى أن قال -: وإذا جاؤوا
بشهود لا يعرفهم بخير ولا شر، بعث رجلين من خيار أصحابه، يسأل كل
منهما - من حيث لا يشعر والآخر - عن حال الشهود في قبائلهم ومحلاتهم،
فإذا أثنوا عليهم قضى حينئذ على المدعى عليه، وإن رجعا بخبر شين وثناء
قبيح لم يفضحهم ولكن يدعو خصمين إلى الصلح، وإن لم يعرف لهم قبيلة
سأل عنهما الخصم، فإن قال: ما علمت منهما إلا خيرا، أنفذ شهادتهما. (4)
وما (5) رواه شيخنا علامة الجواهر فيه عن الصدوق في الصحيح (6)، والشيخ في
التهذيب (7)، المتفاوت متنا، وقد نقله (8) عن الوافي معلما لموضع الاشتراك من موضع
الاختصاص، عن عبد الله بن أبي يعفور قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل

1. تفسير العسكري (عليه السلام): 673، ح 376.
2. البقرة (2): 282.
3. وسائل الشيعة 27: 399، ح 23.
4. وسائل الشيعة 27: 239، ح 1.
5. عطف على " النصوص المتكاثرة ".
6. من لا يحضره الفقيه 3: 38، ح 3280.
7. التهذيب 6: 241، ح 596.
8. الضمير المستتر راجع إلى الجواهر.
412

شهادته لهم وعليهم؟ فقال: " أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن و
الفرج واليد واللسان، وتعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من
شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير
ذلك، والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه - حتى يحرم
على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه، ويجب عليهم
تزكيته وإظهار عدالته في الناس - ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس،
فإذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين ولم يتخلف
عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة " به " فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند
حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه
إلا خيرا، مواظبا على الصلوات، متعاهدا لأوقاتها في مصلاه، فإن ذلك يجيز
شهادته وعدالته بين المسلمين " ش " وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب
" يه " وليس يمكن الشهادة على الرجل أنه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه و
يتعاهد جماعة المسلمين ".
وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة، لكي يعرف من يصلي ممن لا
يصلي، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع " ش " ولولا ذلك لم يكن
لأحد أن يشهد على آخر بصلاح؛ لأن من لا يصلي لا صلاح له بين
المسلمين " يب " لان الحكم جرى من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) بالحرق في جوف
بيته " يه " فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور
لجماعة المسلمين، وقد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك، و
كيف تقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز وجل
ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) فيه بالحرق في جوف بيته بالنار " ش " وقد كان يقول (صلى الله عليه وآله): لا
صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة " يب ".
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا، و
من رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، وسقطت
بينهم عدالته، ووجب هجرانه، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره،
413

فإن حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق عليه بيته، ومن لزم جماعتهم
حرمت عليهم غيبته، وثبت عدالته بينهم ". (1)
وفي الخصال عن أبي عبد الله (عليه السلام):
" ثلاث من كن فيه أوجبت له أربعة على الناس: إذا حدثهم لم يكذبهم، وإذا
وعدهم لم يخلفهم، وإذا خالطهم لم يظلمهم، وجب أن يظهروا في الناس
عدالته، ويظهر فيهم مروته، وأن يحرم عليهم غيبته، وأن يجب عليهم
أخوته. (2)
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): " لو كان الأمر إلينا، لأجزنا شهادة
الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس ". (3)
وقال (عليه السلام): " لا تصل خلف من لا تثق بدينه وأمانته ". (4)
إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في إمام الجمعة والقاضي والشهيد وغير ذلك.
ويؤيد ما ذكر وجوه:
ألف - قضية اليسر ونفي العسر والحرج، قال الله تعالى: (يريد الله بكم اليسر
ولا يريد بكم العسر). (5)
ب - استقراء حال السلف، فإنهم كانوا يجتزئون بحسن الظاهر من غيره و
لا يبتغون أزيد منه.
ج - كل ما يدل على القول الأول (6) يدل على الثاني بطريق أولى.
د - استقراء الشرع، فإن المناط فيه على الظاهر دون بواطن الأمور؛ والله أعلم.

1. جواهر الكلام 16: 293. وانظر: الاستبصار 3: 13؛ وسائل الشيعة 27: 391، ح 1 و 2.
2. جواهر الكلام 13: 293؛ وسائل الشيعة 27: 396، ح 16.
3. جواهر الكلام 13: 293؛ وسائل الشيعة 27: 394، ح 8.
4. جواهر الكلام 13: 276؛ وسائل الشيعة 8: 309، ح 2.
5. البقرة: 185.
6. يعني القول بأن العدالة عبارة عن ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق.
414

المرحلة الثالثة:
قد يقال: إنما هي عبارة عن ملكة نفسانية تبعث على ملازمة التقوى والمروة، و
عنوا بالتقوى عدم ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر، وبترك خوارم المروة ما
يوجب نفور الناس عنه عادة، كتقبيل الزوجة في محاضر الناس. (1)
وسيأتيك مزيد كلام فيهما فيما يأتيك.
وفي الحمكي عن مصابيح الظلام: أنه المشهور بين الأصحاب. (2)
وعن الشيخ نجيب الدين العاملي نسبته إلى العلماء. (3) وربما أفيد أن مراده
بالعلماء المتأخرون خاصة؛ لما سلف من أن السلف لم يأخذوا ذلك في حدودهم، و
لما في الكفاية (4) والذخيرة (5) من أنه لم يعثر مصنفهما على هذا التعريف لغير العلامة، ولا
أثر منه في الأخبار، ولا شاهد عليه فيما علم من الآثار، وزعم أن العلامة وطئ في ذلك
عقب العامة وحذى حذوهم.
وفي المحكي عن مجمع البرهان نسبته إلى أنه مشهور بين عامة العامة والخاصة،
فتكون قرينة على إرادة المتأخرين، كما أفيد. (6)
وكيفما كان، يمكن الاستدلال عليه بوجوه:
الأول: الإجماع المستفيض المحكي عن شرح الإرشاد وكنز العرفان (7) ومجمع
الفائدة. (8)
أقول: وهو معارض بإجماع الشيخ (رحمه الله) في تأييد القول الأول، مضافا إلى ما ذكره

1. كتاب الطهارة للأنصاري 2: 406.
2. جواهر الكلام 13: 294.
3. جواهر الكلام 13: 294.
4. الكفاية: 279.
5. الذخيرة: 305.
6. جواهر الكلام 13: 294.
7. كنز العرفان 2: 384.
8. مجمع الفائدة والبرهان 12: 321.
415

الفاضل الخراساني وصاحب المدارك من نسبته إلى المتأخرين، مضافا إلى بعد الاطلاع
على الإجماع، وعدم نصية بعض العبائر المستفاد منه دعوى الإجماع عليه، وإمكان
تنزيل آخر (1) منزلة الشهرة بين المتأخرين خاصة؛ فافهم.
الثاني: أنه مؤيد بالشهرة المحكية، بل المحققة على ما نص عليه صاحب
الضوابط فيه.
وفيه: أنها معارضة بالشهرة المحكية - بل المحققة - على القول بأنها حسن
الظاهر، على أن الشهرة لم يثبت كونها حجة مستقلة، مضافا إلى أن الشهرة بين
المتأخرين مسبوقة بالشهرة - بل الإجماع - المحكي عن المتقدمين، فلا يعبأ بها.
الثالث: أن أكثر الصفات كالشجاعة والسخاوة وغيرهما يعتبر فيه اتصاف من
يطلق عليه بحصول الملكة له، وكذا لا يطلق الشجاع إلا على من استقام في وقائع
الحروب وأهوالها، وعلم منه اعتياده بذلك، فليكن العدالة كذلك؛ إلحاقا لها بالأعم
الأغلب، ولا نعني بالملكة إلا أن يقهر المكلف نفسه الأمارة بالسوء بمجاهدة نفسه،
كما ذكره بعض الأعاظم (2)، تبعا لأكثر أهل الأصول.
وفيه: أن الشجاعة وأمثالها مما بقي على المعنى الأصلي اللغوي ولم ينقل عنه،
بخلاف العدالة، فقد نقلت من المعنى الأصلي إلى المعنى الخاص في عرف
المتشرعة، بل الشارع، بقرينة شدة الاحتياج إليها وكثرة دورانها على الألسن، و
مقتضى ذلك تحقق الحقيقة الشرعية بالنسبة إليها، كالصلاة وأمثالها، وسؤال (3) ابن
أبي يعفور من المعصوم (عليه السلام) عن حالها، واعتناء أهل الذكر ببيانها؛ ولولا تحقق الحقيقة
الشرعية بالنسبة إليها، لما كان لما ذكرنا وجها؛ لأن السائل وغيره من المخاطبين كانوا
من أهل اللسان، يعرفون لغات العرب، ولا يحتاجون إلى استكشاف حقيقتها لغة، و
لم يكن من وظائف الأئمة (عليهم السلام) - أيضا - تعليم اللغة.

1. أي بعض آخر من العبائر.
2. ممتاز العلماء في إرشاد المؤمنين.
3. عطف على " شدة ".
416

ولا غرو في أن يكون مقتضى معناها الأصلي هو ما أفاد، ومقتضى معناها
الشرعي عدم الملكة، بل محض حسن الظاهر.
ويرشدك إلى ما قلنا أن الشجاعة وأضرابها صفات مفردة لا إشكال في حصول
ملكتها لبعض الناس، بخلاف العدالة، فإن تحققها يقتضي تحقق ملكات عديدة،
وهو عسير جدا.
وبتقرير آخر: إن بعض الصفات ربما يتحقق بمقتضى بعض الطباع، والغالب في
الصفات المعرفة (1)، وذلك فإن الإنسان إذا كان دموي الطبع يكون شجاعا ويحصل له
ملكة الشجاعة بلا عسر وكلفة، وكذا ملكة الجبن للسوداوي، وحدة الذهن
للصفراوي، والبلادة للبلغمي.
وملكة الصفة المنافية للطبع لا تحصل إلا بعد تعب شديد وكلفة عظيمة واعتياد
شديد يغلب على مقتضى الطبع؛ والعدالة ليست من الصفات الطبعية حتى يظن يسر
حصول ملكتها، بل هي مما عينه الشارع، وليس مدخل للطبع الحيواني، وإنما يحصل
بمحض اعتياد، بل وهي تتضمن الاجتناب عن الأضداد بحسب الطبع، فإن رب طبع
يغلب فيه الغضب؛ لما فيه من القوة الغضبية طبعا، فيكون قهر القوة الغضبية عليه
أصعب من غلبته وقهره قوته الشهوانية مثلا، وبعضه بالعكس، فحصول ملكة ترك
الجميع له على السواء مما يستبعد جدا ولا يحصل إلا بعد الاعتياد مدة مديدة، حتى
يقسر ذلك مقتضى طبعه ويقهره.
والعادة لا تتحقق إلا بعد تكرر شيء مرة بعد أولى، وكرة غب أخرى، ولذا قيل:
إن أقل ما يحصل به الاعتياد وقوع شيء ثلاث مرات؛ ومن المعاصي ما لم يخطر على
بال، فكيف يظن اعتياده بتركه، وحصول الملكة له بذلك؟!
والقياس منهدم الأساس، والفارق موجود، والجامع معدوم مفقود، فتأمل وتدبر.
ولعلك دريت مما أسلفنا أن إرادة معنى الملكة منها بمناسبة معناها الأصلي

1. كذا. والظاهر: المعرقة. أي صفة لها أصل ومنشأ.
417

- الذي هو الاستواء والاستقامة، كما قد يشعر به كلام بعضهم - غير مستقيمة.
ومن هنا قال العلامة صاحب الجواهر ما لفظه:
ومع ذلك كله، فلم يتضح لنا ما أرادوا بحجتهم السابقة:
أما أولا: فلأنا قد بينا أن العدالة لها حقيقة شرعية.
وثانيا: لو قلنا ببقائها على المعنى اللغوي، فالظاهر - بل المقطوع به - عدم
إرادته هنا؛ لكون الاستقامة والاستواء حقيقة في الحسي، فلا بد أن يراد بهما
هنا معنى مجازي، وكونه عدم الميل الذي يلزمه الملكة ليس بأولى من عدم
انحراف الظاهر وإعوجاجه. (1)
الرابع: أنه يصح سلب العدالة عن حسن الظاهر بعد (2) ظهور فسقه حال عدم
ظهوره.
وفيه: أنه إن أراد بالسلب سلب مطلق العدالة عنه، فهو في حيز المنع؛ فإن من
يقول بكون العدالة حسن الظاهر - مثلا - في تحاور أهل الشرع، كيف يسوغ نفيها بهذا
المعنى؟! وإن أراد بنفيها نفي العدالة الواقعية، فهو مسلم ولكنه لا يضر؛ فإن العدالة
المعتبرة عندنا ليست الباطنية النفس الأمرية.
وبتقرير آخر: إنه إن أراد نفي العدالة النفس الأمرية عنه، فهو مسلم ولا يضرنا، و
إن عنى بها ما جعله الشارع مناطا في قبول الشهادة وغيرها، وترتب الآثار الشرعية
عليها، فلا نسلم [صحة] (3) سلبها بهذا المعنى عنه حال عدم ظهور فسق عنه؛ فتأمل.
الخامس: صحيحة عبد الله بن أبي يعفور (4)؛ فإن بعض فقراتها مشعر إلى أنها هي
الملكة.

1. جواهر الكلام 13: 297.
2. متعلق بمقدر صفة لحسن الظاهر أي عن حسن الظاهر الحاصل بعد ظهور فسقه، فالمسلوب عنه العدالة
ليس مطلق حسن الظاهر بل حسن الظاهر الخاص، فتأمل.
3. أضيف بمقتضى المقام والسياق.
4. جواهر الكلام 13: 295.
418

قال شيخنا صاحب الفصول الغروية فيها:
والتحقيق أن هذه الرواية ظاهرة المفاد في أن العدالة هي تجنب الكبائر، بل
ملكتها (1)، كما هو الظاهر من الآية، وقد نبهنا عليه، وأن حسن الظاهر طريق
إلى معرفة ذلك.
يدل على الأول قوله: " وأن يعرفوه بالستر والعفاف " وقوله: " يعرف
باجتناب الكبائر " بناء على أن الثاني بيان للأول وتوضيح له، ولو جعل
تأسيسا - كما تخيله بعض الأفاضل - دل على اعتبار تجنب الصغائر أيضا، و
هو بعيد. وعلى الثاني قوله: " والدلالة على ذلك كله " إلى آخره، وقوله:
" من لزم جماعة المسلمين ". (2)
إلى آخر ما أفاد.
وأنا أقول: لا يبعد - كل البعد - أن يجعل الأخبار الأخر قرينة إلى إرادة حسن
الظاهر من هذه الصحيحة أيضا، بل قد يؤيده بعض فقرات الصحيحة المزبورة بعينها.
قال شيخنا صاحب الجواهر:
بل ظاهر الرواية التي هي مستندهم (3) خلافه؛ لقوله [(عليه السلام)] (4) فيها: " ساترا
لعيوبه، وأن يكون معروفا بالستر والعفاف، وإذا سئل عنه قيل: لا نعلم منه
إلا خيرا " خصوصا مع ملاحظة لفظ الستر. (5)
إلى آخر ما أفاد.
وكيفما كان، فلا ريب في أن الظاهر من مجموع الأخبار المزبورة والآتية و
أمثالها، هو أن العدالة المعتبرة في الشرع هي حسن الظاهر فقط؛ والله أعلم.

1. كذا. والصحيح: ملكته أي ملكة تجنب الكبائر.
2. ذكرى الشيعة 1: 158؛ شرح أصول الكافي 7: 19؛ وسائل الشيعة 8: 317، ح 13.
3. كذا. والأولى: مستندتهم.
4. ما بين العلامتين لم يرد في النسخة.
5. جواهر الكلام 13: 296.
419

فإذا تمهد لك ذلك، فاعلم أن لأصحاب حسن الظاهر على أصحاب الملكة
إيرادات عديدة، نذكر جملة منها بكمال الإيجاز والاختصار.
ألف - إن العدالة لا تحصل على القول بالملكة إلا بالاعتياد باجتناب الكبائر و
الإصرار على الصغائر وخوارم المروة؛ فإن الملكة بشيء ما يملكه بها ويقدر عليه و
لذا عرف صاحب الفصول الملكة بما لفظه: " وأرادوا بالملكة الصفة الراسخة التي يعسر
زوالها " (1) انتهى.
وربما قيل: إن حصولها أمر ممكن متحقق مشاهد في كثير من الناس بالنسبة إلى
بعض المعاصي كالزنا بالأم، واللواط بالابن، ومثل ذلك، وإذا كان الملكة بهذا
المعنى، فكيف يحصل الجزم علما أو ظنا متاخما (2) له بالنسبة إلى جميع المعاصي مع
عدم الاعتياد بتركها، بل وعدم الابتلاء ببعضها مطلقا، ولا سيما مع موافقة بعض نوعها
طبع الإنسان، كما مر الإشارة إليه فيما مر؟!
ب - إن العدالة معتبرة في أكثر الأمور كإمامة الجماعة المأمورة بإيقاعها كل يوم
مرارا، سفرا وحضرا، [و] (3) كالقضاء والإفتاء والشهادة والرواية، وكل ذلك عامة
البلوى (4)، فلو بني في أمثال ذلك على تلك الملكة، لضاق الأمر قطعا.
ج - ربما يبتلى إنسان بأمور خارجية مما يحضه ويحثه على فعل المعاصي، فلا
يتمالك نفسه إلا ويبتلى به. ومن هنا يحكى أن جنديا أتى بعض المشايخ فقال له: أنت
أعظم أجرا أم أنا؟
فقال: الله أعلم.
فقال: بل أنا، وذلك أنك متى تصبح تصلي صلاة الغداة وتشتغل بوردك بعدها،
ثم لا تزال طول نهارك تعلم الناس وتدرسهم وتعظهم إلى الليل، ثم إنك تصلي

1. الفصول 2: 51.
2. أي قريبا من باب المفاعلة من تخم.
3. أضيف بمقتضى السياق.
4. كذا. والأولى: عام البلوى.
420

المغرب والعشاء الآخرة وتكبو على عشائك لما قاسيت من ألم الجوع بالنهار، فتأكل
وأنت كسلان؛ لما دهاك بالنهار، فتبيت وتنام، وليس لك هم ورغبة إلى المعاصي، و
أنا رجل جندي أبيت طول ليلي ونهاري أصاحب الأوشاب (1) وأحاور الفساق، و
أجالس الزواني، وأنا مع ذلك أجاهد نفسي ولا أعصي ربي.
فأقر الشيخ بأنه هو أعظم أجرا عند الله سبحانه.
ومن هنا حكى صاحب الجواهر ما يؤيد ذلك؛ حيث قال:
قد سئل الأردبيلي - على ما نقل -: ما تقول لو جاءت امرأة لابسة أحسن
الزينة متطيبة بأحسن الطيب وكانت في غاية الجمال وأرادت الأمر القبيح
منك؟ فاستعاذ بالله من أن يبتلى بذلك، ولم يستطع أن يزكي نفسه. (2)
إلى آخر ما أفاد.
وربما أورد شيخنا الأنصاري عليه بأن عدم الوثوق بالنفس في أمثال هذه
الفروض الخارجة عن التعارف لا يوجب عدم الملكة فيه؛ إذ مراتب الملكة في القوة و
الضعف متفاوتة يتلو آخرها العصمة.
والمعتبر في العدالة أدنى المراتب وهي الحالة التي يجد الإنسان بها مدافعة
الهوى في أول الأمر وإن صارت بعد ذلك مغلوبة، ومن هنا تصدر الكبيرة عن ذي
الملكة كثيرا.
وكيف كان، فالحالة المذكورة غير عزيزة في الناس. (3)
وأنا أقول: لا يخفى على المنصف عسر حصول الملكة بترك جميع المعاصي؛
لما عرفت وستعرف إن شاء الله تعالى.
وأما ذكره، ففيه: أنه هل كان له ملكة ترك هذا الفرض غير المتعارف أم لا؟ فإن

1. أي الأوباش والأراذل.
2. جواهر الكلام 13: 296.
3. كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري 2: 407.
421

كانت، فكيف زالت دفعة؟! وإن لم تكن، فكيف يعتبر حصول ملكة ترك المعاصي
قاطبة؟! والتعارف وغيره مما لا دخل له فيما نحن فيه؛ إذ الكلام في كون الملكة
بالنسبة إلى ترك سائر المعاصي لا المتعارف منها؛ فتأمل.
د - طبائع الناس مختلفة، فمنهم من زهد في الدنيا ولم يخن في ألف دينار ورأى
امرأة جميلة فشغفته حبا.
ومنهم من لم يهوها ومال إلى الدنيا، أو اغتاب الناس، أو احتال في الخروج عما
ابتلي به على ما لا ينبغي له، أو غضب ففعل ما لم يفعله العدول، أو يلي بمقابلة عدو
يعصي الله فطفق يعارضه بمثل فعله، ولا يجد بدا منه بزعمه، ويرتكب ما لا ينبغي أن
يرتكب، أو خاف على نفسه أو عرضه واتقى فيما لا تقية فيه، أو مني بشدائد الفقر و
رأى أهله وولده جائعين مضطربين وجاع بنفسه وحضه عياله وأهله على أن يسرق أو
يرتكب ما يعصي به ربه، فاقتحم الهلاك بما اعتراه واضطر إليه ولو بزعمه، أو رأى أن
الثروة والجاه والمدح لا يتأتى إلا بعصيان الله فاختار ذلك وعصى الله سبحانه.
وهذا أغلب في الطبائع ولا سيما من يدعي العلم ويريد أن يتغلغل صيت كماله
في الأمصار والأعصار، فصار يدرس ويعظ ويفتي، يصرف به وجوه أوشاب (1) من
الناس سفهاء لم يميزوا بين الغث والسمين، والعذار والجبين، وهو يستطيل مع ذلك
على أشباهه، والتزم ما رأى عامة أهل العصر تميل إليه صرفا لوجوهم، ولم يتق الله
فعصى الله بجنبهم، ولو تأمل متأمل في ذلك وأعطى النصفة حقها، لوجد في أكثر
الناس، بل والمتحذلقين منهم ذلك كثيرا.
ومن أجل ما كتبنا قال شيخنا صاحب الجواهر أعلى الله مقامه ما لفظه:
بل عليه لا يمكن الحكم بعدالة شخص أبدا إلا في مثل المقدس الأردبيلي و
السيد هاشم، على ما ينقل من أحوالهما، بل ولا فيهما، فإنه أي نفس تطمئن
بأنهما كان يعسر عليهما كل معصية ظاهرة وباطنة، كلا إن ذلك لبهتان و

1. أي أوباش منهم.
422

افتراء، بل الإنسان من نفسه لا يعرف كثيرا من ذلك.
ومن العجب تنزيل صحيحة ابن أبي يعفور على الاطمئنان في حصول
الملكة في جميع المعاصي بواسطة اجتناب المذكور فيها منها التي هي
بالنسبة إليه في جنب العدم، وكيف يعرف الشخص ببعض أحواله؟! مع أنا
نرى بالعيان تفاوت الناس أجمع في ذلك، فكم من شخص تراه في غاية
الورع متى قهر بشيء، أخذ يحتال ويرتكب ما لا يرتكبه غيره من
المحرمات في قهر من قهره، كما نرى ذلك كثيرا من أهل الأنفة والأنفس
الآبية.
وآخر متى أصابه ذل - ولو حقيرا - ارتكب من الأمور العظيمة التي تستنفر
بها نفسه ما لا يفعله أعظم الفساق، بل أغلب الناس كذلك وإن كانت
أحوالهم فيه مختلفة، فمنهم بالنسبة إلى ماله، ومنهم بالنسبة إلى عرضه، و
منهم بالنسبة إلى أتباعه وأصحابه، فدعوى أنه بمجرد الخلطة على جملة
من أحواله يحصل الجزم والاطمئنان بأنه في سائر المعاصي - ظاهرها و
باطنها، ما عرض له مقتضاه وما لم يعرض - له ملكة يعسر عليه مخالفتها
مقطوع بفسادها. (1)
إلى آخر ما أفاد، فأجاد.
ولله دره ثم لله دره، ولعمر الله لو أجلت بصيرتك النقادة في المتسمين بأهل العلم
والفقه، تجد أكثرهم لا يتحفظ عن أمثال ما مر، بل يرتكبه فضلا عن حصول ملكة
تركها له، فضلا عن الجهال وآحاد الناس، كيف لا؟ وقد بلغ في الاشتهار مبلغ إشراق
الشمس على رابعة النهار تشاجر بعض من يتسمى بأهل الفقه والعلم في إمامة الجمعة
والأعياد، لصرف وجوه الناس إليهم واكتساب الوظائف الزائدة من الأمراء ورجوع
عامة الناس إليهم، والإصرار بالتفرد في إقامة الصلاة بالمسجد الكبير حتى آل الأمر إلى
التزامهم لهذه الأمور، [و] ارتكاب منافيات المروة، بل وارتكاب الصغائر، بل و

1. جواهر الكلام 13: 295 - 296.
423

الإصرار عليها، بل والكبائر، بل والإصرار عليها، بل ووقوع محاكمات ومخاصمات
ومحاربات ومقاتلات، حتى أنه يحكى أنه وصل النوبة إلى قتل النفوس واقتتال فئتين
عظيمتين.
وهذا كله، مع علمهم بأن المسجد صغيره وكبيره سواء بواء عند الله، وعدم (1)
وجوب صلاة الجمعة والعيد عينا، وعلى تقدير وجوبهما وفرضهما كذلك - ولو
فرضا بعيدا مخالفا للشهرة بل الإجماع المنقول بل المحصل - فبانعقادهما (2) بخمسة
أيضا، فانظرهم كيف جرأهم أنفسهم الأمارة بالسوء على التزامهم إيجاب الصلاة في
السواد الأعظم، ثم على إيجابها في المسجد الكبير، وكيف غفلوا ولم يدروا أن أمثال
ذلك لا تختفي عن العلماء الربانيين المعتنين بحال الرجال، والبحث عنهم تعديلا و
جرحا ومدحا وقدحا؛ نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
أ فهل ترخصك نحيزتك (3) الوقادة بعد ذلك كله بأن تجزم بحصول ملكة ترك
المعاصي قاطبة لأمثال هؤلاء الذين جعلوا العدالة أضحوكة يضرب بها الأمثال، ولم
يجتزئوا بحسن الظاهر أيضا، حتى صيروها قبح الظاهر، بل وملكة اقتراب الكبائر و
الإصرار على الصغائر، فضلا عما دونهم؟ كلا ثم كلا، وحاشا ثم حاشا.
ه‍ - إن العدالة معتبرة في الشهادة وربما يحتاج إليها، فلو بنينا على ذلك يلزمه
عسر ومشقة عظيمة.
و - إن من عادات النبي (صلى الله عليه وآله) الاستخبار عن حال الشهود بتوسط بعض ثقات من
أصحابه، فإذا حكم أهل قبيلة الشاهد بعدالته عمل بها، وإلا ردها.
ومن الظاهر بل المعلوم أن ظاهر ذلك الاجتزاء بحسن الظاهر.
ز - إن الساكن من القضاة بالبلدة الكبيرة، ربما لا يعرف جميع سكنتها فضلا عن
عدالتهم، ومع ذلك يجيز شهادتهم؛ لشهادة بعض أهل محلتهم على حسن ظاهرهم.

1. عطف على " أن المسجد ". فهو مجرور بالباء الجارة.
2. أي فمع علمهم بانعقادهما بخمسة أيضا.
3. النحيزة: الطبيعة.
424

ح - إن المظنون، بل المعلوم من حال رواة الأخبار، مع كثرة عددهم، عدم الاعتناء
بحصول الملكة لهم، بل الاكتفاء بحسن ظاهرهم، ولولا ما أفدنا لما كان له وجه.
ط - من المعلوم أن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) كلهم كانوا قد أسلموا بعد ما كفروا، خلفا
عن سلف، واعتادوا برسوم الكفر، فكيف زال منهم تلك الملكة وحصل ملكة العدالة
سريعا عاجلا وقبل شهادتهم؟!
ومن المقطوع أنه لم ينسد [باب] المعاملات والعبادات في بدو الإسلام ولم
ينحصر على شهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام)، بل هم الذين كانوا يأمون الجماعات و
يشهدون على المعاملات، فتقبل شهادتهم ويهدأ الدماء بأقوالهم ويدرأ الحدود.
ومنهم من يجعل قاضيا مفتيا، فيقضي مع معلومية عدم حصول تلك الملكة فيهم
بصدور بعض ما يرشد إلى ذلك منهم، فلو لا التسامح والعمل بحسن الظاهر، لما كان
لأمثال ذلك وجه.
ي - من المعلوم أن الأمور العادية لا تزول دفعة، بل لابد من زوالها بالتدريج، و
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) أكثرهم كانوا عدولا مقبولي الشهادة عنده، فلولا حسن الظاهر كان
مبنى في قبول شهادتهم، فكيف زال عنهم ملكتهم (1) دفعة ولم تردع واحدا منهم - مع
كثرة عددهم - من مخالفة الحق؟!
ومن هنا قال المحقق صاحب الجواهر ما لفظه:
بل قد يقطع بعدم وجود الملكة في أكثر أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ولذلك صدر
منهم ما صدر من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكتمان الشهادة،
حتى ورد أنهم كلهم دخلهم شك عدا المقداد وأبي ذر وسلمان وعمار، و
احتمال زوالها عنهم بمجرد موت النبي (صلى الله عليه وآله) مستبعد جدا، كما في سائر أهل
الملكات؛ إذ الظاهر أن الملكة على تقدير زوالها إنما تزول بالتدريج لا دفعة،
كما اتفق لهم. (2)

1. أي ملكة الاعتياد برسوم الكفر.
2. جواهر الكلام 13: 296.
425

إلى آخر ما أفاد.
يا - إنه من المعلوم بالسيرة القاطعة أن القادم كان يجلس مجلس القضاء بعيد ما
يدخل البلد، فيأتيه الشهود، فيجيز شهادتهم إذا يخبره معلوم العدل بعدالتهم، أو يعلم
ذلك بالقرائن، مع معلومية أنه لا يمكن حصول العلم بالملكة له في تلك المدة القليلة
اليسيرة، ولا يتيسر له استيناس ومجالسة معهم، فلو لا أن المبنى لهم هو حسن
الظاهر، لما كان لذلك وجه، وللزم تعطل عظيم في الشريعة.
ومن هنا قال شيخنا البهبهاني - أعلى الله مقامه - في شرح المفاتيح - على ما حكي
عنه - ما لفظه:
حصول الملكة بالنسبة إلى كل المعاصي - بمعنى صعوبة الصدور لا
استحالته - ربما يكون نادرا بالنسبة إلى نادر من الناس إن فرض تحققه، و
يعلم أن العدالة مما تعم به البلوى وتكثر إليه الحاجات في العبادات و
المعاملات والإيقاعات، فلو كان الأمر كما يقولون، لزم الحرج واختل
النظام، مع أن القطع حاصل بأنه في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ما كان
الأمر على هذا النهج، بل من تتبع الأخبار الكثيرة يحصل له القطع بأن الأمر
لم يكن كما ذكروه في الشاهد ولا في إمام الجماعة.
ويؤيده ما ورد (1) في أن إمام الصلاة إذا أحدث أو حدث له حدث ومانع
آخر، أخذ بيد آخر وأقامه مقامه.
انتهى.
وربما أورد عليه بأنه لا نعني بالملكة إلا الصفة النفسانية الحاصلة من خشية الله،
التي يكون ترك جميع المعاصي مستندا إليها، لا لعدم الابتلاء بها أو دواع نفسانية كترك
الخمر لإضراره؛ ولتلك الصفة مراتب آخرها العصمة، فأولها معتبر هناك؛ وطريان ما
ينافيها واضمحلالها به - بل وزوالها - لا ينافي حصولها.

1. رسائل فقهية للشيخ الأنصاري: 25.
426

ومن هنا تصدر المعاصي - كثيرا - من أهل الملكات، لا لعدمها من أصلها، بل و
زوالها من شدة ضعفها وقوة ما يزيلها، ولولا ذلك لما كان لأخذ العلماء تلك الملكة
في العدالة معنى.
وكيف يجوز عاقل عليهم أن يأخذوا فيها مثل هذا الأمر ويعتبروا فيها ما يلزم منه
بحكم الوجدان ما هو بديهي البطلان؟!؛ إذ المفروض أنه لاخفاء في الملازمة ولا في
بطلان اللازم وهو الاختلال، بل الانصاف أن الاقتصار على ما دون هذه المرتبة تضييع
حقوق الله وحقوق الناس.
وكيف يحصل الوثوق في الإقدام على ما أناطه الشارع بالعدالة، ممن لا يظن فيه
ملكة ترك الكذب والخيانة، فيمضى قوله في دين الخلق ودنياهم من الأنفس و
الأموال والأعراض، ويمضى فعله على الأيتام والغيب والفقراء والسادة؟!
قال بعض السادة:
إن الشريعة المنيعة، التي منعت من إجراء الحد على من أقر نفسه بالزنا مرة
بل ثلاثا، كيف تحكم بقتل النفوس وإهراقهم وقطع أياديهم وحبسهم و
أخذ أموالهم وأرواحهم بمجرد شهادة من يجهل حاله من دون اختبار؟! (1)
وفيه: أنه لا كلام في استناد ترك المعاصي إلى خوف بالقلب، ولكن حصول
الخوف - في الجملة - يلزم حسن الظاهر، ولكن هو من استناد ترك كل ذنب إليه واقعا،
فضلا عن حصول ملكتها.
ومن المعلوم أن الجزم بها مشكل؛ فإن حصولها من أصلها خلاف الأصل، و
بقاؤها واستمراره يخالف الأصل الآخر.
وبالجملة، فلا كلام في حصول الملكة بالنسبة إلى ترك بعضي المعاصي، كالزنا
بالأمهات، ووطء البنات، واللواط من البنين للاطئ، وكذا استناد ترك المعاصي
بعضها أو أكثرها إلى خوف ما في القلب، وهو مشترك؛ فإن من يواظب على الأوامر و

1. كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري 2: 407؛ رسائل فقهية للشيخ الأنصاري: 28.
427

يجتنب عن النواهي بلا غرض وغاية بالظاهر، يظن أنه يخاف الله فيمتثل أوامره ويدع
نواهيه.
وأما حصول الملكة أولا وزوالها بما يزيلها لعدم تكافؤها به، ففيه: أنه لا يكون
ملكة لترك هذه المعصية بخصوصها إذا لم يتمالك نفسه على تركها وظاهر الملكة و
العادة يقتضي ذلك كما عرفت؛ فتأمل.
وقد مر بعض ما يؤيد المطلوب فيما مر؛ فتذكر.
ومن الغريب جعل الاقتصار على حسن الظاهر متلفا للحقوق الإلهية ومضيعا
لحقوق الناس؛ فإن مدعي حصول الملكة أيضا لا مناص لهم عن ذلك؛ فإن حسن
الظاهر لو كان يلزم تلك الملكة فلا عائبة علينا بالعمل به، وإن لم يلازمها، فكيف
جعلوه دليلا على ملكتهم؟! ولم لم يجعلوا له طريقا آخر أوضح منه لكي ينجو من
إضاعة الحقوق؟ كيف لا؟ وبناء على ما مر نحن وهم شرع سواء؛ لأنا أخطأنا؛ حيث
اقتصرنا على حسن الظاهر وضللنا الطريق إلى الملكة، وهم وإن ركبوا تلك الصعبة و
لكن أخطأوا في الدليل واستدلوا بما لا يدل عليها، فاقتحموا الهلكة.
يب - لا ريب في أن أكثر الأخبار يدل على كونها حسن الظاهر، فلو قلنا بكونها
ملكة لزم مخالفتها.
فإن قلت: إن الظاهر من كلام بعض المحققين، كصاحب الفصول الغروية (1) و
المقدس الأنصاري، أنهم يحملونه على بيان الطريق والدليل، فلا رد.
قلنا: هذا لا يستقيم؛ فإنهم لا يجعلونه مساويا للملكة، وإلا لما عابوا علينا بما
عابوا، وإذا لم يكن كذلك لا يصح أن يجعل دليلا عليها، ومن هنا قال العلامة صاحب
الجواهر:
والمناقشة في جميع ما ذكرنا أو أكثره - بأنها وإن كانت هي الملكة لكن
الطريق إليها حسن الظاهر - يدفعها وضوح منعها إن أريد حصول الاطمئنان

1. الفصول 2: 52.
428

من الطريق المزبور بحصولها؛ لما عرفت من أن حسن الظاهر باستقراء
بعض أحوال الشخص لا يفيد الاطمئنان بحصول الملكة في الجميع بل
البعض، ورجوع النزاع لفظيا إن أريد كونه طريقا تعبديا، ولا فائدة حينئذ في
ذكرها واشتراطها، بل فيه إيهام خلاف المراد، كالمناقشة فيه أيضا بأن قضية
كونها حسن الظاهر عدم انقداحها بوقوع الكبيرة تسترا، ولعله الظاهر من
بعضهم حيث قال: إن العادل هو الذي يستر عيوبه حتى يحرم على
المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه، لا أنه الذي يكون لا عيب
له ولا عثرة، نعم لابد أن لا يظهر منه ذلك، فحينئذ إذا صدر منه باطنا يجب
إخفاؤه بحيث لو أظهره مظهر يصير فاسقا؛ لحرمة الغيبة وإشاعة الفاحشة و
وجوب ستر العورة. (1)
يج - استلزام القول بالملكة إما دركه بما مر، وفيه ما مر؛ أو بالتجسس عن بواطن
الشخص أزيد مما مر. وفيه: أن التجسس عن المعائب محرم بنص الكتاب، قال الله
تعالى: (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا) (2) وقال: (الذين يحبون) (3) الآية.
يد - إن القول بها يستلزم الواسطة بين العادل والفاسق؛ فإن من تاب عن المعصية
لا يكون فاسقا بعد التوبة بالإجماع، ولا عادلا إلى زمان حصول الملكة له.
ثم إنه إما أن لا يقبل شهادته إلى زمان حصول الملكة - كما التزمه بعض (4) الأعاظم -
أو لا، [أما] على الأول، فلا يخفى ما فيه من العسر والحرج، و [أما] على الثاني، فأين
اعتبار الملكة؟
وفيه: أن الملكة معتبرة ولكنها لا تزول بوقوع السيئة اتفاقا؛ فإنه لافرق في منعها
عن صدورها وفي بعثها على التوبة بالندم بعد صدورها.
وفيه: أنه لاح ما يخالف مقتضى الملكة ويوهن بنيانها، فشك في بقائها،

1. جواهر الكلام 13: 298.
2. الحجرات: 12.
3. النور: 19.
4. ممتاز العلماء.
429

فيتوقف أحيان العلم بحصولها، فيلزم الحرج.
وفيه: أنه يستصحب بقاؤها أولا.
وفيه: أن هذا الأصل تعارض أصالة عدم البقاء والاستمرار، فتساقطا؛ فتأمل.
يه - لو كان العدالة الكيفية النفسانية الراسخة - كما قاله أهل الملكة - للزم أن
لا يقدح في عدالة الإنسان صدور كبيرة عنه اتفاقا؛ لعدم قدحه في تلك الملكة كما هو
المفروض، والعدالة عبارة عنها، فببقائها تبقى مع معلومية أن صدورها يوجب رد
الشهادة.
ولو أخذ في مفهوم العدالة مع الملكة عدم صدور الكبيرة. ففيه: أنها ليست
نفسانية، وهي عندهم كذلك؛ وإن أخذ شرطا فأيضا كما ترى؛ لما فيه من البعد.
ومن هنا قال علامة الجواهر (قدس سره) ما لفظه:
مضافا إلى أن الحكم بزوالها عند عروض ما ينافيها من معصية أو خلاف
مروة، ورجوعها بمجرد التوبة ينافي كونها ملكة، واحتمال أن المراد الملكة
مع عدم وقوع أحد الكبائر، خلاف ظاهر تعريفهم الظاهر في أنها عبارة عن
الملكة الباعثة على ذلك.
ولا ريب أن اتفاق وقوع الكبيرة لا يرفع أصل الملكة. وإرادة أنه يرتفع
الحكم بها يدفعها حكمهم بعودها بمجرد التوبة، من غير حاجة إلى تجديد
الاختبار.
ودعوى أن ذلك أمر تعبدي شرعي؛ للإجماع، وإلا فلا يحتاج للاختبار
للملكة؛ نعم، يحتاج إلى زمان يعرف منه الندم، وقد يظهر ذلك في أيسر
زمان يدفعها أن الثابت من الشارع أنه بفعل ذلك يكون فاسقا لا عدلا غير
مقبول الشهادة مثلا، كما هو مقتضى التعريف، وكون الشأن فيها كالشأن في
الكريم إذا بخل والشجاع إذا جبن يقتضي عدم ارتفاعها بذلك، كما لا يرتفع
الحكم بكونه شجاعا وكريما بعد حصول الملكة. (1)

1. جواهر الكلام 13: 296 - 297.
430

انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
إلى غير لك من الأدلة التي لا ينبغي الكلام بجميعها وحصرها في المختصرات.
ولا يخفاك أن التأمل في مجموع ما أسلفنا وأمثاله يقضي بأن القول الثالث - أيضا -
خارج عن حد الاعتدال، والج في الإفراط كالقول الأول في التفريط، وأوسطها
أوسطها.
ولكن لما صار أكثر الأجلة من المتأخرين إلى الثالث وجنحوا إليه وحكوا
الإجماع عليه، فالأجدر والأحوط أن لا يكتفى بمحض حسن الظاهر، بل يتوصل إلى
العلم بالملكة مهما أمكن، ولا سيما في الحقوق اللازمة ومهام الأمور، فإن حصل
فلا كلام في العمل بمقتضاها، وإلا فلا بد من الاكتفاء على حسن الظاهر، سواء كان
عدالة بنفسه أو طريقا إليها؛ فتدبر.
المرحلة الرابعة:
يمكن التوصل إلى العدالة بوجوه:
منها: شهادة العدلين على عدالته.
ومنها: الاختبار وعدم الاطلاع على سيئة، أو الاطلاع على حصول ملكة ترك
المعاصي.
ومنها: اشتهاره بين العلماء كذلك.
ومنها: دلالة قرائن وأمارات على مدحه؛ إلى غير ذلك.
المرحلة الخامسة:
اختلف كلمة الأصحاب في تحديد الكبائر والصغائر وتعديدها؛ لاستنادهم إلى
أخبار عديدة شديدة الاختلاف في مؤادها (1)، لا يرجى جمعها إلا بعد مشقة عظيمة و
كلفة شديدة، وكأنه قرينة إلى أنه لم يتفق لها حقيقة شرعية، وحينئذ، فحملها على
معناها اللغوي أولى. وبناء على ذلك، فكل ما تحقق فيه عظمة شرعا بالتهديد و

1. انظر: مستند الشيعة 18: 75.
431

الوعيد عليها كتابا أو سنة أو صراحة أو ضمنا أو استعظامه فيه، أو عقلا، كسرقة درهم
ممن لا يملك غيره فيموت جوعا أو يبتلى بمشقة عظيمة، أو عرفا كالوطء بالأموات،
فهو كبيرة وإلا فصغيرة، وهذا وإن لم نقل بكونه أظهر، فلا أقل من كونه أحوط.
المرحلة السادسة:
أكثر الأصحاب على أن ترك خوارم المروة شرط العدالة، كما هو ظاهر المفاتيح (1)،
بل حكى بعضهم الإجماع عليه وإن خالف مقتضاه، وإن لم نقل بكونه أظهر، فلا ريب
في كونه أحوط؛ لما مر.
وعن الكاظم (عليه السلام): " لادين لمن لا مروة له، ولا مروة لمن لا عقل له ". (2)
وفي خبر عثمان بن سماعة في علامات المؤمن:
من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم
يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته وكملت مروته وظهر عدله ووجب
أخوته. (3)
وقال الصادق (عليه السلام): " والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لعيوبه ". (4) ولا ريب أن
منافيات المروة من عيوبه.
وربما يفصح عنه حديث البرذون أيضا، حيث قال فيه: " لا أقبل شهادته؛ لأني
رأيته يركض على برذون ". (5)
وما مر عن العسكري (عليه السلام) في تفسيره " وإن من عباد الله لمن هو أهل لصلاحه و
عفته ولو شهد لم تقبل شهادته؛ لقلة تمييزه " (6) الحديث؛ إلى غير ذلك.

1. جواهر الكلام 15: 392 و 394.
2. الكافي 1: 19؛ مستدرك الوسائل 8: 224، ح 9314.
3. وسائل الشيعة 8: 316، ح 8.
4. جواهر الكلام 3: 302.
5. جواهر الكلام 13: 302.
6. تفسير الإمام العسكري: 674؛ جواهر الكلام 13: 291.
432

وكيفما كان، فالمراد بخوارم المروة: ما يدل على سخافة عقل صاحبه، ويكشف
عن قلة تمييزه بما لا يرتكبه أحد من أمثاله، كتقبيل الزوجة في المحاضر والالتباس
بلباس الجندي للعالم وغير ذلك، وهو يختلف باختلاف الأماكن والأزمان و
الأشخاص، ولكن لابد من تخصيصه بدون السنن وشعائر الإسلام.
ومن هنا ينقدح عدم قدح أمثال التكحل وخضاب الرجل واليد بالحنا وكثرة
المتعة، وإن استهجنه عامة بعض الأقوام، كأهل الهند ولا سيما بلدتنا هذه، بالنسبة إلى
بعض تلك الأمور المزبورة وأمثالها؛ والله أعلم.
المرحلة السابعة:
هل ترك المستحبات يوجب القدح في العدالة؟ إن أدى إلى التهاون، فذلك
كذلك، بل ويحتمل أن يقدح في أصل الإيمان؛ وأما بدونه فلم يثبت، والأحوط أن
لا يداوم على ترك المندوب مطلقا، ولا سيما على ترك الجماعة؛ لما مر في صحيحة
ابن أبي يعفور من قوله (عليه السلام): " وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين ولم يتخلف
عن جماعتهم في مصلاهم إلا من به علة " (1) الخبر.
الرابعة عشر: (2) تعرف العدالة بتنصيص عدلين أو الاستفاضة، كعدالة السيد و
الشيخين مثلا، ولذا لم يحتج في مشايخ الإجازة - عطر الله مضاجعهم، وبرد
مهاجعهم - إلى جرح وتعديل وتثبت وتبيين؛ فإنهم نواب الأئمة وأمناء أمناء الله على
تلك الأمة بتا وجزما وقطعا وحتما.
بل، وتوثيق جلهم صار من ضروريات الدين يحذو حذو اعتقاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و
الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، فروحي الفداء ونفسي الوقاء لهؤلاء
الأجلة، الذين بذلوا في إعلاء كلمة الله العليا جهدهم وجدهم، وصرفوا فيه طول
أعمارهم كدهم، ولم يزالوا يتحملون أعباء الشريعة، ويتولون أمر أيتام الشيعة، نيابة

1. قد تقدمت.
2. أي الفائدة الرابعة عشر.
433

عن سادتهم المعصومين، بل وجدهم سيد المرسلين، بل عن الله رب العالمين، حتى
مضوا لسبيلهم ولقوا الله سبحانه وحلوا رضوانه، شكر الله تعالى سعيهم وأجزل
رعيهم؛ هذا.
وهل (يثبت تعديل الراوي) وهكذا (جرحه بقول عدل واحد؟) ذلك كذلك (عند
الأكثر)، وهو الأقوى، وإلا فيلزم رجحان الفرع على الأصل.
ولا ريب في أن المناط على حصول الظن في العمل متى لم يحصل علم، و
لا ريب في حصول الظن من تزكية العدل الواحد، والتحاق ما نحن فيه بما لابد فيه من
عدلين من الشهادة غير ثابت، فلا يعبأ به ولا يصار إليه.
وبالجملة، فالضابط حصول الظن عموما، خرج ما أخرجه الدليل وبقي الباقي
على حاله. ثم إنه لا فرق - فيما مر - بين التعديل والجرح، فيكون حكم هذا كحكم
ذاك، كما لا يخفى على ذوي الإدراك.
الخامسة عشر: يعرف الضبط بمثل بعض ما مر، والاختلاط، وعرض أخبار
الخلط على أخبار الثقة الثبت الضابط ومخالفتها لها.
السادسة عشر: يقبل التعديل من غير ذكر السبب؛ لتعسر الإحاطة بنوعه، و
الاجتزاء بحسن الظاهر كما هو الظاهر. وأما الجرح فلا؛ لاختلاف الناس في موجبه،
فربما جرح راو بركضه على برذون ولا يقتضيه، كما مثل به الشهيد. (1) وفيه ما فيه.
نعم، لو اتفق مذهب الجارح والمعير (2)، لصح الاعتماد على جرحه مطلقا
كالتعديل أيضا. وربما توهم أمثال شيخنا المتبحر البحراني - سقى الله ثراه، ومن
رحيق الجنة رواه - بأن مذهب الشيخ وأمثاله من الجارحين في أكثر الرواة - فيما
يوجبه - غير معلوم، فلا يجدي جرحهم فيلغو.
وفيه: أنهم يذكرون سبب الجرح معه أيضا غالبا، على أنه يمكن معرفة مسلك

1. شرح البداية: 73.
2. في شرح البداية: المعتبر.
434

الشيخ وغيره في العدالة ومثلها، من كتبهم الفقهية كالمبسوط وغيره، ومع قطع النظر
عن ذينك لا أقل من أنه يجدي الشك في عدالة المجروح، فيتثبت ويتبين، فإن انزاح
الفسق، وإلا فيعمل على روايته، إما لعدالته أو تحقق مسمى التبين، على ما مر تفصيله.
السابعة عشر: لا يكفي التعديل لمعير مجهول عند المعير؛ لاحتمال أن لا يكون
ثقة عنده، بل كان فاسقا أو مجهول الحال مثلا؛ نعم، يعد تزكيته من المعدل خاصة فيه
إن قصدها.
الثامنة عشر: رواية العدل عن رجل - وإن سماه - ليست تعديلا، ولا تعويل
مجتهد في فتواه عليها، ولا عدم التعويل على عدم التعديل؛ إذ يجوز رواية الضعيف
سندا وكذا العمل به - في القضاء وغيره - مع اقترانه بما يدل على صحته، وكذا يرفض
الصحيح إن خالف إجماعا أو غيره مثلا.
التاسعة عشر: من اعترى في مرويه خلط بخرق وحمق، أو فسق وما شاكله
- كالواقفية في زمن الكاظم (عليه السلام)، والفطحية في زمن الصادق (عليه السلام)، ومحمد بن علي
الشلمغاني وأضرابهم - فيقبل ما روى قبله، وإلا فيرد، وكذا ما شك فيه.
الموفية للعشرين: إذا روى ثقة عن ثقة، فرجع المروي عنه فنفاه جازما به بقوله:
" ما رويته كذلك " أو " هو بهتان علي " رد بخصوصه دون غيره وإن كان عنه.
وإن لم يجزم، بأن قال: " ما أعرفه " أو " لا أذكره " وما يجري مجراه، فلا يرد؛
لاحتمال نسيانه، بل يصح للراوي إسناده بقوله: " سمعته منه " أو " حدثني فلان " أو ما
يحذو حذوه على الأشهر.
وقد وقع مثله كثيرا في جملة من أحاديث العامة، وقد عمل وأفرد الخطيب
البغدادي كتابا.
الحادية والعشرون: لا يخفى ولا يحتجب أنه (لو اجتمع الجارح والمعدل) بالنسبة
إلى راو معين، (فالمشهور) بين الأصحاب (تقديم) قول (الجارح) على قول المعدل؛ لأن
الجارح يخبر عما هو الواقع في نفس الأمر، والمعدل لا يخبر إلا عن عدم وجدانه
435

الراوي مرتكبا للمعاصي؛ وأنت تعلم أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
وقد يزعم أن ليس لهذا الكلام مساغ إلا متى فسرت العدالة بظاهر الإسلام أو
حسن الظاهر، كما هو الظاهر؛ وأما إذا فسرت بالملكة - كما هو الأشهر بين متأخري
الأصحاب - فحينئذ ترجيح الجرح محل تأمل؛ فإن المعدل أيضا يخبر عن اتصاف
الراوي بتلك الملكة في نفس الأمر، لا محض عدم وجدانه مرتكبا للكبائر غير مصر
على الصغائر.
ومن هنا قال علامة الجواهر - قدس سره - ما لفظه:
وأيضا قد اشتهر بينهم تقديم الجرح على التعديل؛ لعدم حصول التعارض؛
لكون المعدل لا يعلم والجارح عالم، ومن لا يعلم ليس حجة على من علم،
ولو كان عن باب الملكة، لكان من باب التعارض؛ لأن المعدل يخبر عن
الملكة، والآخر يخبر عن عدمها، بل عن ملكة الفسق.
اللهم إلا أن يقال: إن أهل الملكة ينفون الحكم - بمقتضاها - بمجرد وقوع
الكبيرة مثلا وإن لم تذهب الملكة، فلا يكون تعارض بينهما؛ إذ قد يكون
الجارح اطلع على فعل كبيرة ولا ينافي ذلك إخبار العدل بحصول الملكة.
نعم، لو كان الجرح بما يرفع الملكة اتجه التعارض؛ فتأمل جيدا (1).
هذا، ويمكن أن يناقش (2) فيه: بأن عدم الكبيرة مأخوذ في العدالة إجماعا، على ما
تقدم، إما لكونه قيدا للملكة على ما اخترناه، وإما لأخذه في العدالة بدليل الإجماع و
النص، كيف؟ ولو لم يكن مأخوذا، لم يكن الجارح معارضا له أصلا.
وكيفما كان، فاعتماد المعدل على هذا الأمر العدمي المأخوذ في تحقق العدالة
ليس إلا على أصالة العدم أو أصالة الصحة أو قيام الإجماع، على أن العلم بالملكة
المجردة طريق ظاهري للحكم بتحقق ذلك الأمر العدمي.

1. جواهر الكلام 13: 297.
2. المناقش شيخنا الأنصاري (رحمه الله). منه
436

والحاصل: أن الإجماع منعقد، بل النص، على أنه يكفي في الشهادة على العدالة،
بعد العلم بالملكة أو حسن الظاهر - على الخلاف في معناها - عدم العلم بصدور
الكبيرة عنه، ولا يعتبر علمه أو ظنه بأنه لم يصدر عنه كبيرة إلى زمان أداء الشهادة؛ و
على هذا، فأحد جزئي الشهادة - وهو تحقق ذلك الأمر العدمي - ثابت بالطريق
الظاهري، وهو مستند شهادته.
ومن المعلوم أن شهادة الجارح حاكمة على هذا الطريق الظاهري؛ فإن تعارضهما
إنما هو باعتبار تحقق هذا الأمر وعدم تحققه، وإلا فلعل الجارح أيضا لا ينكر الملكة،
بل يعترف بها في متن الشهادة.
فالمقام على ما اخترناه - من أخذ الاجتناب عن الكبيرة قيدا للملكة - نظير شهادة
إحدى البينتين على أنه ملكه قد اشتراه من المدعى؛ تعويلا على أصابة صحة الشراء، و
شهادة البينة الأخرى [على] أنه ملك للآخر؛ مستندا إلى فساد ذلك الشراء؛ لوجود مانع
من موانع الصحة.
والقول بكونه (1) مزيلا للعدالة بالدليل الخارجي، يكون (2) نظير شهادة إحداهما
بملكه لأحدهما، وشهادة الأخرى بانتقاله عنه إلى الآخر، فالمعدل يقول: إنه ذو ملكة
لم أطلع على صدور كبيرة منه، والجارح يقول: قد اطلعت على صدور المعصية
الفلانية، فشهادة المعدل مركبة من أمر وجودي وعدمي، وشهادة الجارح تدل على
انتفاء ذلك الأمر العدمي، فالتعارض إنما هو في الجزء الأخير ومن المعلوم كونهما من
قبيل النافي والمثبت.
نعم، لو اعتبرنا في التعديل الظن بعدم صدور الكبيرة، كان التعارض على وجه
لا يمكن الجمع، فلا بد إما من ترجيح الجارح؛ لاستناده إلى القطع الحسي، بخلاف
المعدل؛ فإنه مستند إلى الظن الحدسي، وإما من التوقف عن الحكم بالعدالة والفسق
والرجوع إلى الأصل.

1. الضمير راجع إلى ارتكاب الكبيرة.
2. أي يكون المقام.
437

كما أنه لو اعتبر في التعديل العلم والظن بكون الشخص بحيث لو فرض صدور
كبيرة عنه بادر إلى التوبة ألبتة، كان المناسب تقديم المعدل؛ لأن غاية الجرح صدور
المعصية، لكن المعدل يظن أو يعلم بصدور التوبة عقيب المعصية على فرض
صدورها، فكان الجارح مستندا في تفسيقه إلى صدور الكبيرة وعدم العلم بالمزيل و
هو التوبة، والمعدل وإن لم يشهد بعدم صدور المعصية، إلا أنه يشهد بالتوبة على
فرض صدور المعصية كما أفيد؛ فتأمل وتدبر.
وكيفما كان، فالمختار أنه متى اجتمع جرح وتعديل قاطبة، ولم يمكن الجمع
بحمل الثاني على الظاهر، والأول على نفس الأمر مثلا، بني على المرجح من كثرة
العدد وغلبة التورع وأمثال ذلك.
وبالجملة، فالأنسب (والأولى)، بل اللازم ولو في بعض المحال، (التعويل على ما
يثمر غلبة الظن، كالأكثر عددا وورعا أو ممارسة)، كما مر آنفا.
الثانية والعشرون: اعلم أن الألفاظ المتداولة بين علماء الرجال - التي يذكرونها
في حال الرواة - على ثلاثة أنحاء:
منها: ما هو ظاهر في التعديل.
ومنها: ما هو ظاهر في الجرح.
ومنها: ما لا يدل على شيء منهما وإن دل بعض منها على مدح في الجملة.
فأما (ألفاظ التعديل) وما ينص على عدالة الراوي، فكقولنا:
(ثقة)، والأغلب استعمالها بمعنى العدل، بل ولا يتبادر منها في الفن إلا ما مر، كما
أفيد وتكريره (1) للتوكيد.
وهل يدل (2) على عدل الراوي وعدم فساد عقيدته، أو على الأول فقط؟ لعله هو
الأوجه، إلا بضميمة قرينة خارجة، كمعلومية أن المطلق إذا أطلق فلا يريد غير

1. أي تكرير ثقة بتأويل اللفظ والقول.
2. أي لفظ الثقة.
438

الإمامي، أو أنه هو الفرد الكامل، وهذا على المختار؛ وأما على القول بأن التوثيق
لا يجامع فساد العقيدة، فدلالته (1) على الإيمان مما لامرية فيه.
و (حجة)، وحمل المصدر يفصح عن المبالغة. وفي إفادتها التعديل نظر؛
لعمومه (2) بالنسبة إلى الحسن بل القوي بل الضعيف - ولو في الجملة - وإلى ما حف
بالقرائن.
اللهم إلا أن يكون اختصاصه بما مر بحسب الاستعمال العرفي، كما يستفاد من
كلام بعض الأجلة، وبه فرق بينه وبين " يحتج بحديثه ".
وبناء على ذلك، فيكون في تلك اللفظة زيادة على الدلالة على العدالة؛ لاستلزام
الحجية نفي العيوب الأخر أيضا، التي لا دخل لها في فسوق الراوي، كالإضمار وغيره
من العلل الجليلة والخفية، كما لا يخفى.
ومن هذا القبيل قولهم: " صحيح الحديث "، فإنه يقتضي كونه ثقة ضابطا، ففيه
زيادة تزكية على ما أفيد.
وهذا إذا أورد في كلام المتأخرين. وأما إذا أورد في كلام القدماء، فمحل تأمل؛ إذ
ليس المناط عندهم في صحة الحديث على عدالة الراوي، كما لا يخفى.
وذلك كله إذ أريد بالحديث معناه الاصطلاحي، أعني به ما يرادف الرواية، وأما
لو أريد معناه اللغوي أعني الكلام، ففيه نظر؛ لعدم دلالته حينئذ إلا على صحة كلامه، و
هو غير ظاهر في صدقه، ولو كان ظاهرا فلا دلالة فيه على اعتبار روايته؛ لاحتمال أن
يكون صادق القول فاسقا بالجوارح.
نعم، لا يتجه ما أفدنا إلا على اشتراط العدالة في الراوي، وأما على القول بكفاية
معلومية الصدق في قبول الرواية، فيدل عليه حينئذ ألبتة، ولكنه لا يدل على الصحة
بعد؛ فتأمل.

1. أي لفظ الثقة.
2. أي لفظ الحجة.
439

وأما (عين)، فلا ريب في إفادته المدح غايته، ولكن نصيته على التعديل محل
نظر، (وما أدى مؤداها) كقولهم: " عدل " و " وجه من وجوه أصحابنا " وغير ذلك.
و (أما) ما لا يدل على العدالة، بل هو أعم منها ومن المدح دونها (1)، كقولنا: (متقن)؛
فإنه وإن دل على عدم تساهله وتغافله - في الجملة - في الرواية وكذا على إحكامه و
إتقانه لها، ولكن يمكن أن يجتمع مع عدم العدالة، والمحصل أنه لا يستلزمها.
أو (حافظ)؛ لأن الحفظ لا يختص بالعدل، بل هو يعم الفاسق وغيره.
وكذا (ضابط)؛ فإنه بمعناه، وكأنه تأكيد له؛ فتأمل.
وأما (صدوق)، فإنه قد يكذب، ولكن الظاهر أنه يجري مجرى التوثيق وإن لم
ينص عليه.
وأضعف منه (مشكور)؛ فإن الشكر إن يمكن تحققه بالنسبة إلى محامد لم تصل
حد العدالة.
وكذا (مستقيم)، ومن البين أن الاستقامة تصدق بالاستقامة في الجملة وإن لم
تصل حد العدالة. نعم، لو كان العدالة بمعناها اللغوي، لدل الاستقامة عليها، كما مر
وجهه فيما مر.
وكذا (زاهد)؛ فإن الزاهد يمكن جمعه مع كبيرة أخرى.
وأضعف منه (قريب الأمر)، بل قد يرشد إلى بعده من الحق في الجملة.
(ونحو ذلك) من الألفاظ، كفاضل، على ما ذكره الشهيد (رحمه الله) (2) وإن دل على العدالة
أيضا نظرا إلى ما ورد في بعض الأخبار (3)، وقد مر حيث أريد منه ذلك، وأما بدونه
فالمتجه ما أفاد؛ فإن مرجع الفضل العلم وهو يجامع الضعف بكثير، كما عرفت.
وكذا قولهم " دين " و " يحتج بحديثه " و " يكتب حديثه " و " ينظر فيه " و " لا بأس به "

1. الضمير راجع إلى " ألفاظ التعديل ".
2. شرح البداية: 81.
3. دراسات في علم الدراية: 123.
440

و " شيخ، جليل، صالح الحديث، خير، صالح، خاص، ممدوح، عالم صالح ".
ولا يبعد عد الأخير مما ينص على العدالة، على القول بكونها حسن الظاهر و
" مسكون إلى روايته " وغير ذلك.
وبالجملة، فتلك الألفاظ ليست نصا في التعديل، وإذا لم تكن كذلك، (فيفيد
المدح المطلق) قطعا، فيلحق روايتها بالحسن أو القوي دون الموثق، فضلا عن
الصحيح.
(وألفاظ الجرح):
(ضعيف)، (مضطرب القول)، بل و (غال)، واحتمال أن يرام به غير المشهور إذا ورد
في كلام القميين معارض باحتماله، وربما يفصح عنه نقل المتأخرين ذلك عنهم،
مقررين له، ويشعر إلى عثورهم على ما يدل على عدم مخالفة القميين لهم ولو في
بعض المواضع؛ فتأمل.
و (مرتفع القول) و (متهم) يوجب الضعف ألبتة، وكذا (ساقط) و (ليس بشيء) أو
(كذوب)، (وضاع)، ملعون (وما شاكلها) في الدلالة على الجرح.
و (دونها) " هو (يروي عن الضعفاء) "؛ لاحتمال أن يروي عن غيرهم أيضا في أخبار
خاصة، ولاحتمال أن يكون ذلك تعويلا منه على قرائن أخر مجدية صحة رواية
هؤلاء، وإن كانوا ضعفاء بأنفسهم.
وكذا (" لا يبالي عمن أخذ ") و (" يعتمد المراسيل ")؛ فإن عدم المبالاة يمكن أن يتحقق
في غير الرواية دونها، وكذا الاعتماد على المراسيل يستند إلى قرائن خارجة.
(وأما نحو " يعرف حديثه وينكر ") أو (" ليس نقي الحديث " وأمثال ذلك، ففي كونه جرحا)
يعتد به (تأمل) واضح؛ لأن رب فاسق يعرف حديثه؛ لاحتفافه بقرائن تجدي صحته، و
رب عادل ينكر ويرد حديثه؛ لموانع خارجة عن السند وقرائن مضعفة، وهكذا
يمكن أن يكون عادل غير نقي الحديث إذا جامعه في سلسلته فاسق آخر، وغير ذلك.
وهاهنا ألفاظ أخر، وجرح بحسب العقيدة، فصلناها بعض التفصيل في سلسلة
441

الذهب، فلاحظها وتأمل.
الثالثة والعشرون: لا يخفى ولا يحتجب أن (رواية من اتصف بفسق بعد صلاح أو
بالعكس لا تعتبر) إذا اشتبه صدورها منه في أي حال تحقق، و (حتى يعلم أو يظن صلاحه
وقت الأداء)، فإذا علم صح العمل بمقتضاه، وأما إذا لم يعلم لم يعمل به؛ فإن العدالة
شرط حال الأداء، وإلا لم يؤمن الراوي عن الكذب، ولأجل ذلك لم تقبل رواية
الصبي إذا أداها وهو كذلك، على الأقوى.
(أما) العدالة (وقت التحمل)، فلا يشترط على الأظهر، وكذا الإيمان بل الإسلام،
فمن تحمل رواية صبيا مميزا أو مخالفا أو كتابيا أو مشركا، ثم أداها بعد ارتفاع الموانع
من القبول، قبل ولم يرد؛ والله أعلم.
(الفصل) الخامس:
في تحمل الحديث وطرق نقله.
فاعلم أنه يشترط التمييز إن تحمل سماعا أو بما في معناه، لا الإسلام والإيمان و
العقل والبلوغ.
نعم، لابد من اشتراط التمييز - هنا خصوصا - والمناط عليه، فلا عبرة بعشر أو
خمس أو أربع أو غير ذلك، ولا كونه أصغر سنا ورتبة من المروي عنه، كرواية عباس
عن ابنه، هذا.
و (أنحاء تحمل الحديث سبعة):
(أولها) وأولاها - ولو على قول -: (السماع من الشيخ) حال قراءته - (وهو أعلاها) -
سواء تلفظ به حفظا أو كتابا وأصلا.
وأولويته على غيره لأن الشيخ أعرف بوجوه الضبط والتأدية، وهو خليفة خلفاء
الله وحججه على أرضه، فالسماع منه كالسماع منهم، وهو سفير النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أمته، و
لأن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر الناس وأسمعهم بما نزل عليه، ولأن المستمع أربط جأشا وأوعى
442

قلبا وأحضر بالا من القارئ. واقتصار الصادق (عليه السلام) عليه فقط، حيثما سأله عبد الله بن
سنان مع العلم بتعسر القراءة عليه، ففي صحيحته عنه (عليه السلام)، قال:
قلت له: يجيئني القوم فيسمعون مني حديثي فأضجر ولا أقوى، قال: " فاقرأ
عليهم من أوله حديثا ومن وسطه حديثا ". (1)
الحديث.
وكيفما كان، (فيقول المتحمل) للخبر بهذا النحو: (سمعت فلانا)؛ وهذا أعلى ما
يقول، ثم حدثني (أو حدثنا)، ثم خبرنا (أو أخبرنا)، ثم أنبأنا أو (نبأنا)، وهما نادرا
الوقوع.
وأما " قال لنا " و " ذكر لنا " فهما أشبه بالمذاكرة دون مقام التحديث وإن دلا على
مدلول ما مر.
وأدناها " قال فلان " مقتصرا عليه؛ لعدم دلالته على نفي الواسطة وإن حمل عليه
مع لقاء الراوي المروي عنه.
(الثاني) من تلك الأنحاء: (القراءة عليه)، (ويسمى العرض) أيضا.
(وشرطه حفظ الشيخ) عن ظهر القلب، (أو كون الأصل المصحح بيده أو يد ثقة) غيره
بحضرته، بل ولا يبعد جواز كونه بيد غير الثقة أيضا، إذا كان الشيخ مستمعا واعيا، فإنه
يتنبه على لحن غير الثقة ألبتة؛ فتأمل.
وأما احتمال السهو على الثقة، فكالسهو من الشيخ؛ لعدم عصمته قطعا، فلا يعبأ
به؛ لندرة وقوعه.
ولا خلاف في صحة هذا القسم واعتباره، بل هو موضع وفاق للمحدثين.
وقيل: العرض والسماع سواء، وفاقا لعلماء الحجاز والكوفة؛ لتحقق القراءة في
الحالتين وقيام سماع الشيخ مقام قراءته.
وروي عن ابن عباس في النبوي (صلى الله عليه وآله): أن قراءتك على العالم وقراءة العالم

1. الكافي 1: 51 - 52، ح 5؛ وسائل الشيعة 27: 80.
443

عليك سواء.
ويحمل على ما يقضي به الأدب، جمعا بينه وبين ما مر.
وقد يزعم أن العرض أعلى وأشرف من السماع، ولم يثبت بعد بيد أنه يقتضي
تيسيرا للشيخ ومراعاة أدب بالنسبة إليه، كما نص عليه شيخنا الشهيد أعلى الله مقامه
أيضا. (1)
وكيفما كان، (فيقول) المتحمل للرواية بهذا النحو: (قرأت عليه) - يعني الشيخ -
(فأقر به).
(ويجوز إحدى تلك العبارات) المذكورة آنفا من قوله " حدثنا " أو " أخبرنا " وغيره. أو (2)
(مقيدة ب‍: " قراءة (3) عليه ") وما يحذو حذوه (على قول)، كقولنا " روينا قراءة عليه ".
(ومطلقة) غير مقيدة (مطلقا)، غير مخصوصة بعبارة من تلك العبائر المزبورة،
(على) قول (آخر).
(وفي غير الأولى) مطلقة، وفيها مقيدة، (على) قول (ثالث).
والأول أحوط.
(وفي حكم القراءة عليه) - من غير فرق - (السماع حال قراءة الغير) على الشيخ، (فيقول:
قرأ عليه وأنا أسمع، فأقر به)، وما يجري مجراه، (أو إحدى تلك العبارات) المذكورة.
(والخلاف في إطلاقها وتقييدها) كالخلاف في سابقه، (كما) مر، وقد (عرفت) هنا ما
يجديك؛ فتذكر، هذا.
وإذا قال الراوي للمروي عنه: أخبر عنك فلانا، فسكت وقرر، صح الإخبار و
التحديث عنه، بشرط عدم المانع عن الإقرار صريحا. والأولى عدم صحته متى لم يقر
به صريحا، أو التصريح بأنه قرر وإن لم يصرح بالأصل.

1. شرح البداية: 92.
2. ليس ل‍ " أو " هنا مجال.
3. على الحكاية.
444

وإن شك سماعه منه مع غيره، اقتصر على " حدثني " دون " حدثنا " لئلا يخالف
الواقع، وإلا فيورد الجمع بقوله " حدثنا " وغيره.
وأجيز العكس أيضا. ولا مانع منه، فيراد بالجمع نحو من التبجيل وبالإفراد عدم
منافاة الجمع.
ومنع إبدال إحداهما بالأخرى، إذا وقع في المصنفات؛ فإنه يحتمل عدم تجويز
المصنف التسوية بينهما، بخلاف المسموع، فقد أجيز فيه؛ لجواز الرواية بالمعنى.
ولا بد في الرواية من أن لا يكون ممنوعا من السماع بنسخ ونحوه، والضابط عدم
فهم المقروء، فلا يضر النسخ اليسير، والمناط على الفهم، فرب ناسخ نسخ فلم يمنعه
عن السماع، كما يحكى عن الحافظ أبي الحسن الدارقطني في مجلس الصفار. (1)
وينبغي أن يجيز السامعين رواية المسموع أو الكتاب بعد الفراغ.
وإذا عظم المجلس، بلغ المستملي عن المملي، وروى عنه على قول، ولا يبعد؛
وللآخذ عن المستملي إسناده إلى المملي بلا واسطة.
ولا يشترط الترائي والتلاقي.
نعم، لابد من معرفة الصوت أو إخبار الثقة، بأن المحدث هو الشيخ المعهود.
ومن ثم جاز رواية ابن أم مكتوم، والسلف عن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي النبوي: " إن
بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ". (2)
وتمثل الشيطان لا يدفعه الرؤية أيضا.
ولا يشترط علمه بالسامعين.
ولا يجدي منع المحدث عن الرواية بعد الإخبار ومثل ذلك؛ فإن التحديث شيء
لا يرجع فيه.
(الثالث) - أو الرابع إن عددنا السماع حال قراءة الغير ثالثة -: (الإجازة).

1. راجع: مقدمة ابن الصلاح: 103؛ علل الدارقطني 1: 10؛ تاريخ بغداد 12: 36؛ تاريخ مدينة دمشق 43: 98.
2. من لا يحضره الفقيه 1: 297، ح 906؛ وسائل الشيعة 5: 389، ح 6878.
445

وهي فعالة من أجازه يجيزه، وأصلها إجواز، تحركت الواو فتوهم انفتاح ما
قبلها، فانقلبت ألفا، فالتقى الألفان، فحذفت الزائدة أو الأصلية، بناء على خيرة سيبويه
أو الأخفش. (1)
وأصله استعمالا " استجزته فأجازني " إذا سقاني ماء لماشيتي أو أرضي، فكأن
الطالب يستجيز العالم علمه، فيجيز له، وتكنية العلم عن الماء مما لأمراء فيه، وكذا
جاء إطلاق الأرض على النفس مجازا، وقد فسر به قوله تعالى: (وترى الأرض هامدة
فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) (2) اي على النفس العلم، ويتعدى حينئذ بغير حرف
الجر؛ وإن أردنا (3) به الإذن - كما هو المعروف - فيتعدى به.
ويقال فيه: أجزت له، دون الأول، فيقال: أجزته، كما لا يخفى، وقد يحذف
المضاف ويقال: أجزت له مسموعاتي مثلا، كقوله سبحانه: (وسئل القرية التي كنا فيها
والعير التي أقبلنا فيها) (4)، هذا.
(والأكثر على قبولها)، وهو الأظهر، وادعى جمع الإجماع عليه.
وقيل: لا يجوز ذلك؛ لأن قوله: " أجزت لك " إغراء بالجهل. وفيه ما فيه.
وهل هو أرجح من السماع، أم لا؟ فيه أقوال، ثالثها التفصيل بين عصر السلف و
هذا العصر، ولكل فضل من وجه.
(وتجوز مشافهة) ومحاضرة (وكتابة)، إذا لم يحضر المستجيز مثلا، بل (ولغير
المميز) أيضا.
(و) بالجملة، فالإجازة على أنحاء نشير إليها إجمالا، ونقول:
(هي إما لمعين) كزيد (بمعين) كالكتب الأربعة مثلا، وهو أول الأنحاء.

1. وزن " الإجازة " بناء على حذف الألف الزائدة هو الإفعلة، وعلى حذف الأصلية: الإفالة؛ فقوله: " وهي
فعالة " لا ينطبق على أي مسلك.
2. الحج: 5.
3. أي لفظ الإجازة.
4. يوسف: 82.
446

(أو بغيره)، كقولنا: أجزت فلانا - بالتعيين - أن يروي عني مقرواتي أو مسموعاتي
أو مجازاتي، وهو الثاني.
أو (لغيره)، كأول مولود يولد (به)، كما مر، وهو الثالث.
(أو بغيره)، كما مر أيضا، وهو الرابع.
(وأول هذه الأربعة) - وهو أجزت فلانا - بالتعيين - أن يروي عني كذا كتاب (1) بالتعيين -
(أعلاها)، والبواقي أدناها، (بل منع بعضهم ما عداه).
وبالجملة، فالإجازة على أضراب: أعلاها وأولاها أولاها، وهي الإجازة لمعين
بمعين، كأجزتك أن تروي عني البحار مثلا.
أو له بغيره، كأجزتك مسموعاتي ومقرواتي ومروياتي، وما أشبه ذلك.
أو لغيره به، كأجزت جميع المسلمين أو من أدرك زماني - وما أشبه ذلك - أن
يروي عني البحار مثلا.
أو لغيره بغيره، كأجزت من أدركني أن يروي عني مروياتي.
وفيه خلاف.
وجوزه جمع من المحدثين، منهم شيخنا الشهيد الأول رضوان الله تعالى عليه،
حيث استجاز عن شيخه تاج الدين له ولأولاده ولجميع المسلمين، ممن أردك جزءا
من حياته جميع مروياته، فأجاز بخطه الشريف (2)، هذا.
ولو قيد بوصف خاص، اتجه جوازه، إما بالأولوية أو للحصر.
وتبطل بمجهول لمجهول على نحو من مانعة الخلو، ككتاب كذا، مع كون
مروياته كثيرة بذلك الاسم، أو لمحمد بن أحمد مثلا وله موافقون فيه.
ولا بأس بإجازة من لم يعرفهم بأعيانهم كأسماعهم. (3)

1. كذا. والأولى: عني كتاب كذا.
2. الرعاية في علم الدراية: 267.
3. كذا. والظاهر: كأسمائهم.
447

وكذا المعلقة (1)، كقوله: أجزت لمن شاء وأحب، وسأل وطلب.
ولا تصح لمعدوم. وقيل: نعم. وقيل بالتفصيل، فأجيز إن عطف على موجود، و
إلا فلا. ولو شرط بوجود لكان متجها؛ فإنه في حكم الإجازة للموجود؛ فتأمل.
وتصح لغير مميز من الأطفال بعد انفصالهم، بلا خلاف يعرف.
وقد حكى بعض الأعلام: أنه رأى خطوط جماعة من فضلائنا بالإجازة لأبنائهم
حين الولادة، مع تاريخ ولادتهم، منهم السيد الجليل جمال الدين ابن طاووس لولده
غياث الدين (2)، وقد مر نقلا عن الشهيد ما يجدي ذلك.
وفي المحكي عن الشيخ جمال الدين أحمد بن صالح السيبي (قدس سره):
أن السيد فخار الدين الموسوي اجتاز بوالده مسافرا إلى الحج، قال:
فأوقفني والدي بين يدي السيد فحفظت منه أنه قال لي: يا ولدي أجزت لك
ما يجوز لي روايته، ثم قال: وستعلم - فيما بعد - حلاوة ما خصصتك به. (3)
وقال بعض الأعلام (قدس سره):
وعلى هذا جرى السلف والخلف، وكأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا
النوع من أنواع حمل الحديث النبوي ليؤدي به بعد حصول أهليته، حرصا
على توسع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه الأمة، وتقريبه من
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعلو الإسناد.
انتهى كلامه أعلى الله مقامه. (4)
وهل تجوز للحمل قبل الوضع؟ قولان: بالجواز وعدمه، نظرا إلى وجود الجنين
وعدمه، ولعل الأول أوجه.
وللكافر كالسماع، فضلا عن الفاسق والمبتدع.

1. أي يجوز الإجازة المعلقة.
2. شرح البداية: ص 102.
3. رياض المسائل 2: 71؛ خاتمة المستدرك 2: 11؛ الرعاية في علم الدراية: 272.
4. شرح البداية: 102.
448

ولا تجوز بما لم يتحمله المجيز ليرويه عنه إذا تحمله المجيز بعد ذلك، على
الأقوى.
وكذا يجوز للمجاز له إجازة المجاز به لغيره.
ولا يروي عن شيخه إلا ما وصل له الإجازة عنه به، فليتأمله ولا يتعجل في روايته
ما شاء عنه.
وينبغي للمجيز العلم بما أجاز وكذا المجاز له. وقيل: يشترط، وهو أحوط.
وإن كتبها المجيز قاصدا لها، صح وإن لم يتلفظ، والجمع أكمل وأفضل.
وكيفما كان، (يقول) المتحمل بهذا النحو: (أجازني رواية كذا، أو إحدى تلك العبارات)
المزبورة، (مقيدة بالإجازة على قول) بعض، وهو الأقوى بحيث لا يوجب التدليس.
(الرابع: المناولة).
وهي تتحقق (بأن يناوله الشيخ أصله) الذي يعتمد عليه، سواء كان تمليكا له أو
عارية لنسخ أصله.
(ويقول) له: (هذا سماعي) من فلان فاروه عني.
ويسمى عرض المناولة؛ إذ القراءة عرض.
والسماع أفضل منها (1)؛ لاشتماله من ضبط الرواية وتفصيلها على ما يتحقق فيها.
وقيل: بتسويتها له؛ لتحقق أصل الضبط في كليهما من الشيخ، ولم يحصل منه
- مع سماعه من الراوي - إخبار مفصل، بل حصل إخبار إجمالي كالمناولة، فلا فرق في
البين.
وكذا إذا ناوله سماعه ويجيز له ويمسكه عنده ولا يمكنه عليه، فيرويه عنه إذا
وجده أو ما قوبل به.
وهل للمناولة مع الإجازة مزية على محض الإجازة؟

1. في هامش النسخة: " فيكون عرضا بطريق أولى ".
449

قيل: نعم، وهو الأشهر. وقيل: لا.
وإن أتى الشيخ بكتاب وقال: هذا روايتك فناولنيه، فأجاز ولم ينظر الكتاب، لم
يجز إن لم يثق بمعرفة الطالب، وإلا جاز.
وكذا إذا قال الشيخ: حدث عني بما فيه إن كان حديثي.
وهذا كله - متى اقترن بالمناولة الإجازة أيضا - في الظاهر حجيتها وصحتها مطلقا
إلا ما استثنى، وقد عرفت.
ولو قال: هذا سماعي، (مقتصرا عليه، من دون) أن يقول: (أجزتك ونحوه) من
الألفاظ الدالة على الإجازة، فلا خلاف في كونها مناولة حينئذ أيضا، ولكن (فيها
خلاف) من حيث الحجية وعدمها، (وقبولها غير بعيد مع قيام القرينة على قصد) الشيخ
(الإجازة) بها، بل هو أقرب؛ فإنه في حكم الإجازة صراحة، وأما بدونه فلا، كما هو
ظاهر كلام الشيخ.
وقيل: يجوز مطلقا؛ لما في النبوي عن ابن عباس من أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث بكتابه إلى
كسرى مع عبد الله بن حذافة، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، وهو يدفعه إلى
كسرى. (1)
ولا يخفى ما فيه من ضعف السند والدلالة.
وأصرح منه ما روى في الكافي بإسناده إلى أحمد بن عمر الحلال، قال:
قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول:
أروه عني، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال: فقال (عليه السلام): " إذا علمت أن الكتاب له
فاروه عنه ". (2)
الحديث.
ويؤيده أن المناولة بنفسها ربما تشعر بالإجازة، مضافا إلى نفي العسر والحرج، هذا.

1. مسند أحمد 1: 243؛ صحيح البخاري 1: 23 و 3: 235؛ معرفة علوم الحديث: 258.
2. الكافي 1: 52، ح 6؛ وسائل الشيعة 27: 80، ح 1.
450

بقي الكلام في أنه لو قام قرينة على إرادة عدمها، أو صرح به، فهل يسوغ منه
الرواية بعد، أم لا؟ ظاهر الرواية يشمله.
وفيه: أن قرينة السؤال لعلها تأباه.
وفيه: أن خصوص السبب لا يوجب خصوص الجواب وغيره.
ويؤيده أن ما نحن فيه مما لا دخل فيه للرجوع، مضافا إلى اليسر، والأحوط
التجنب فيه، بل وفي محل الشك ولو استظهارا.
وإذا تحمل متحمل بهذا النحو، (فيقول: حدثنا مناولة وما أشبه ذلك)، كي لا يلتبس
الأمر على الناظر.
و (أما العبائر المقترنة لفظا، فهي أعلى ألفاظها)، فيجوز التلفظ بها قطعا.
وقيل: يجوز أن يطلق مطلقا أو في الإجازة المجردة عنها، ولعل الأول أشهر.
ومنهم من خص الإجازة بكونها شفاها وما كتب إليه المحدث كتابة.
ومنهم من استعمل في الإجازة من فوق الشيخ ب‍ " عن "، دون الشيخ نفسه.
ولا يجدي إباحة المجيز في الإطلاق مع القول بالمنع عنه.
(الخامس): الكتابة.
(بأن يكتب له) الشيخ (مرويه بخطه)، سواء كان المكتوب له غائبا أو حاضرا، (أو
يأمر) هو (بها) ثقة غيره، إذا كان يعرف خطه، أو مجهولا مع كتبه بعده بخطه ما يدل على
أمره إياه بكتابته، وختمه يغني عن كتبه، كما هو المتعارف اليوم في الإجازات
المكتوبة، والجمع أولى؛ اقتداء في كتبه بالسلف الصالحين، رضوان الله عليهم
أجمعين، ورعاية لمزيد الاعتبار بالختم.
وكيفما كان، فهي على ضربين:
الأول: ما اقترن بالإجازة، وهي حينئذ كالمناولة معها.
الثاني: ما لم يقترن بها، والأشهر جواز الرواية بها، والكتابة والإرسال أو التسليم
قرائن قوية وأمارات جلية على الإجازة للمكتوب إليه، والإخبار غير منحصر في
451

اللفظ، ويكتفى في الفتيا أيضا، فضلا عن الرواية.
نعم، لابد من معرفة الخط ليأمن من التزوير، ومن ثم اشترط فيها البينة، و
اعتبارها أحوط.
وبالجملة، فيقتصر على القرائن الدالة على صدورها عن الشيخ، أو بأمره، كختمه
على خاتمته مثلا.
وكيفما كان، إذا أراد المتحمل أن يرويه، (فيقول: كتب إلي) فلان، (أو حدثنا) فلان،
لا مطلقا، بل (مكاتبة، على قول) بعض.
وقيل: بل مطلقا، بناء على كونها تحديثا وإخبارا بالمعنى، وهو لغة أعم من
اللفظ.
(السادس: الإعلام).
وهو يحصل (بأن) يخبر الشيخ الطالب، و (يعلمه أن هذا) الكتاب (مروية) أو
مسموعه (- متقصرا عليه - من دون مناولة ولا إجازة؛ والكلام في هذا وسابقه كالمناولة، فيقول:
أعلمناه، ونحوه).
وبالجملة، ففي جواز الرواية به وجهان:
أحدهما: الجواز؛ تنزيلا له منزلة القراءة عليه، فيروي وإن لم يسمع من الشيخ، و
لم يقل له: " أرو عني " أو " أذنت لك " مثلا. والشهادة بشيء، حيث سمعه من أحد وإن
لم يستشهده، بل وإن نهاه، مع أنه لعل في الإعلام إشعارا بالإجازة، كالكتابة به مضافا
إلى الأصل ونفي العسر والحرج.
وآخرهما: المنع؛ لعدم الإجازة صراحة، وكونصه كالشهادة على شهادة من لم
يشهد في مجلس الحكم ولم يأذن ولم يشهده على شهادته، مضافا إلى أن الأصل
اشتغال الذمة.
ولو بني على هذا فالمنع - مع منع المعلم عن رواية المعلم - أولى، والمنع مطلقا
أحوط.
452

اللهم إلا أن يثبت كونه مشعرا بها كالكتابة، وحينئذ فالأول أظهر وأقوى.
وبالجملة، فالمناط على القرائن، فإن شهدت بكون المقصود له من الإعلام هذا
الإشعار، كان صحيحا؛ وإن وجد له محمل صحيح دونه، لم يكن حجة.
وكذا إن أوصى حين الموت أو السفر بكتاب يرويه، فإن اقترن بما يدل على
الإجازة جاز الرواية، وإلا فالجزم به مشكل.
وكيفما كان، فيقيد " حدثنا " أو " أخبرنا " بقوله " إعلاما "؛ تحصيلا للبراءة وصونا
عن المجازفة والتدليس.
(السابع: الوجادة).
وهي فعالة - كقبالة - من وجد يجد، مولد تمييزا عن مصادره المختلفة.
كالوجدان والإجدان في وجد ضالته وجدانا.
ووجود المطلوب.
وموجدة وجدة حين الغضب.
ووجدا - مثلثا - في الغنى، كقوله تعالى: (من وجدكم) (1).
والوجد - فتحا حبا.
وهي تتحقق (بأن يجد المروي مكتوبا بكتابة، من غير اتصال على أحد الأنحاء السابقة)
المذكورة، وإلا فتلحق به.
وكيفما كان، (فيقول) المتحمل: (وجدت بخط فلان، أو: في كتاب أخبرني فلان أنه) كان
(خط فلان)، أو: قرأت، وكذلك: حدثنا فلان الإسناد، أو: وجدت بخط فلان عن فلان.
واستقر الأمر عليه وعمل به قديما وحديثا.
وهو منقطع مرسل اعتراه شوب اتصال، فإن لم يجزم الواجد بكونه خط المروي عنه،
قال: بلغني عن فلان، أو: وجدت في كتاب أخبرني فلان أنه بخط فلان، كما عرفت.

1. الطلاق: 6.
453

وهذا إذا أخبره أحد، وإذا نقل من نسخة موثوق بها، قال فيه: قال فلان، وإلا
يقول: بلغني عن فلان أنه ذكر كذا.
وبالجملة، فلا بد في استعمال الألفاظ من الاحتراس عن تدليس ومجازفة،
فلا يجزم بغير المجزوم ولا يشك فيه؛ ومع الجزم بصدوره عنه، يسند إليه كذلك، و
إلا فيما (1) ظاهره ذلك، وإلا فيما (2) يشعر بالشك أو الوهم.
وكذا يجزم المتمكن على معرفة المسقط والملحق والمحرف والمصحف و
المغير والمبدل.
نعم، لا بأس باستنادنا إلى مثل " ثقة الإسلام " بقولنا: " عن فلان " أو " قال هو " بشهادة
اختلاف الطبقة على عدم الاتصال حقيقة، وهو قرينة على عدم التدليس.
(وفي العمل بها) يعني الوجادة (قولان)، والجواز أقواهما مع الوثوق.
(وأما الرواية) عن مصنفه، (فلا تجوز) عند بعض، وهو مع التدليس مسلم، وأما
بدونه فلا، والأحوط أن يقيد الإسناد بالوجادة بالوجادة ويصرح بها مطلقا.
(الفصل) السادس:
في (آداب كتابة الحديث وروايته).
ينبغي الرواية عن ظهر القلب؛ اقتداء بالسلف الصالحين رضوان الله عليهم
أجمعين.
وتجوز من كتابة أيضا - وإن خرجت من يده - مع الأمن من وقوع التغير والتبدل.
والضرير يستعين بثقة في ضبط كتابه، ويحتاط حتى يظن عدم وقوع التغير فيه،
وكذا الأمي.
ويروي من نسخته أو ما قوبل بها أو من نسخة شيخه، سواء كان كتبه أو سماعه،

1. كذا. والظاهر: فبما.
2. كذا. والظاهر: فبما.
454

إذا سكنت نفسه إليها؛ والمناط على علمه بصحة صدورها عن مصنفها ولو عاديا، بل
ظنا متاخما له، وإلا فلا يجوز.
وإن كان حفظه من كتاب الشيخ وشك فيه، رجع إلى الكتاب، وإلا فيعتمد على ما
يحفظه من شيخه، وإن صرح بأن حفظه كذا وفي كتابه كذا، كان أولى.
وكذا إذا خولف من حافظ ثقة.
ويجوز إفراد ما يحفظه فقط.
وإذا وجد خط الشيخ أو خط ثقة بسماعه له، جاز التعويل عليه وإن لم يذكر
سماعه من الشيخ إياه.
ويجوز نقل الحديث معنى، ويشترط فيه علمه بما لا يختل به من معناه ما يهم و
إن اختل بعض المحسنات وما لا يتعلق بالعمل.
نعم، لو كان المقصود إظهار الفصاحة والبلاغة، فيلزم نقله لفظا، إبقاء لها، ولعدم
تمكنه على أدائها مثل النبي (صلى الله عليه وآله)؛ لكونه أفصح من نطق بالضاد (1)، وكذا الأئمة، وحيث إن
الكتاب يكفي في ذلك، فمراعاته حينئذ في غيره غير واجبة.
مضافا إلى الأصل، وصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام)، وخبر داود بن
فرقد عنه؛ وفي خبر آخر عنه (عليه السلام) في خبر سمع منه: فلا يروي كما سمع، فقال (عليه السلام): " إذا
حفظت الصلب منه فلا بأس، إنما هو بمنزلة تعال وهلم، واقعد واجلس ". (2)
و " نضر الله عبدا (3) " لا يدل على الوجوب.
ولا كلام في الأولوية، ولا سيما في مثل نهج البلاغة، المشهود على بلوغ فصاحته
مبلغ الإعجاز حتى من المخالفين، ومن هنا قيل - ولنعم ما قيل -:
وفي نهج البلاغة معجزات * بها قد أذعن ابن أبي الحديد

1. جواهر الكلام 9: 399؛ كشف الخفاء 1: 200؛ نور البراهين 1: 120؛ مكاتيب الرسول 1: 81.
2. وسائل الشيعة 27: 105، ح 87؛ بحار الأنوار 2: 161، ح 17.
3. الكافي 1: 403، ح 1؛ الخصال: 149؛ أمالي الصدوق: 432؛ تحف العقول: 42.
455

وكذا الصحيفة السجادية زبور آل محمد (صلى الله عليه وآله) المصداق لما قلته في سوالف الأيام
منشدا فيها:
وصحيفة السجاد في إعجازها * كالشمس إذا بزغت فلا تتكتم
وهي التي أضحت زبورا بيننا * بنسيمها وشميمها نتسنم
والمصنفات لا تغير أصلا.
وينبغي تعقيب المروي معنى بما يشعر به، كقولنا: " كما قال " وكذا المشكوك
يعقب ب‍ " أو " وما يشعر به.
وربما نقل الإجماع على جواز التجزئة والتبعيض في الرواية، حيث لم يتغير
المعنى بها، وهو الحجة فيه.
وكيفما كان، فلا يجوز الاقتصار على " من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا " من
[دون] " إلا بإذنهم ". (1)
ويجوز تربيع النبوي: " من فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة
يوم القيامة؛ ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته؛ ومن ستر على أخيه، ستر الله
عليه في الدنيا والآخرة؛ والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " (2) الحديث.
ولا يروي بقراءة ملحونة ولا مصحفة، وينبغي أداؤه كما سمع، ففي النبوي:
" رحم الله امرءا سمع مقالتي فأداها كما سمعها " (3) وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " أعربوا حديثنا،
فإنا قوم فصحاء ". (4)
ويجب أن يتعلم قبلها ما يسلم به من اللحن والتصحيف.
ويقتصر على رواية الصواب. وقيل: يتبعه بالملحون قائلا: وصوابه كذا؛ و

1. بحار الأنوار 96: 261.
2. انظروا بحار الأنوار 75: 20.
3. سبل السلام 2: 2 و 3: 3؛ عدة الداعي: 22؛ عوالي اللئالي 4: 66، ح 24.
4. الكافي 1: 52، ح 13؛ وسائل الشيعة 27: 83، ح 25.
456

يصلح في الكتاب. وقيل: يبقيه في المتن ويصلحه عن الهوامش.
وكيفما كان، فلا ينبغي تركه بحاله، لئلا يلتبس به الأمر على بعض ناظريه.
والأحسن إصلاحه بما جاء صحيحا في رواية أخرى، وتبيين ما شك فيه من
كتاب له أو لغيره أو من حفظه.
وما روي بطريقين معنى لا لفظا، يرويه عنهما قاطبة، مبينا أن اللفظ للأخير مثلا.
وإن تقاربا، صح إسناد أحدهما إلى الآخر.
وما قوبل بأصل بعض ونقل عنهم وعن غيرهم، ذكر ذلك البعض بخصوصه.
ولا يزيد على ما سمع من نسب أو سبب إلا مميزا له ب‍ " هو " أو " يعني ".
وينبغي وصف الشيوخ في أول السلاسل، ثم الاكتفاء على الاسم فقط أو بعض
النسب.
وإن لم يكتب في الإسناد " قال فلان " قاله إذا قرأ الحديث لفظا.
وهكذا إذا وجد " حدثنا فلان " يقول: " قال: حدثنا فلان ".
ولا يحذف " قال " - وإن تكرر - في مثل " عن زرارة، قال: قال الصادق (عليه السلام) " مثلا.
ومتى أسندت متنين إلى سند، كررته وقلت: بإسناد متقدم ذكره؛ أو متنا إلى
سندين ذكرت أحدهما، ثم زبرت " جاء ".
وهل يروي ما أسنده الشيخ ثم أتبعه بإسناد آخر وقال: مثله - يعني ما أسند أولا
بهذا الإسناد - أم لا؟ لعل الأقوى ذلك، إذا كان الشيخ ذا علم وخبرة مطلعا على الألفاظ
المختلفة ومعانيها، لئلا يحتمل أنه توهم المباين مرادفا - مثلا - فأورد ما ظاهره
المماثلة مع عدم تحققها في نفس الأمر.
وإذا اشتبه متن ولم يعلم أيه سمع من ثقة وأيه من غيره، رفض كله؛ والاشتباه في
السماع من عدلين لا يضر، وإن لم يجز تعيينهما ذكرا.
وإذا ذكر إسنادا أو بعض متن، ثم أحاله على ما سبق، صح السابق به، ورواية
المجموع؛ والأحوط التصريح بأنه أحال على ما سبق وفيما سبق كذا.
457

ولو أضمر وكان المقصود إرجاعه إلى ما ذكر سابقا، فليزد إليه قوله: " أيضا "
وليقل: " عنه (عليه السلام) أيضا " لكي يتنبه به الرائي عنه أن الخبر غير مضمر من الأصل،
فلا يضمره بالتقطيع.
وأما الخط، فمن آدابه:
(تبيين الخط) لئلا يلتبس الأمر أو يتعسر قراءته وفهم المراد منه على القارئ.
(وعدم إدماج بعضه في بعض)، لئلا يشكل الأمر على الناظر، ويضيع المقصود، و
يفسد الغرض.
(وإعراب ما يخفى وجهه)، تسهيلا للنظار في فهم المراد، ورعاية لمزيد الإفادة،
حتى لا يحرم من استفادة معناه أحد من الناس ولو كان من الأغبياء الذين لا يقتدرون
فهم وجوه الكلام بلا دلالة وإشعار.
(وعدم الإخلال بالصلاة والسلام بعد اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم)،
وهذا على وجه الاستحسان؛ إذ لم يدل دليل على وجوب تعقيب اسم النبي (صلى الله عليه وآله) و
الأئمة بالصلاة والسلام كتابة.
(وليكن صريحا من غير رمز)، وهو أولى بعدم الوجوب، ولذلك ترى كثيرا من
كتاب الحديث من الثقات والعلماء يرمزون الصلاة ب‍: " ص " أو " صلعم " وعليه السلام
ب‍: " ع "، بل أسماءهم، فيرمزون عن الصادق (عليه السلام) ب‍: " ص " والباقر " قر " والكاظم " ظم " و
الهادي " دي "، وغير ذلك مما اصطلحه المتأخرون ولا سيما صاحب منتهى المقال و
غيره، كما لا يخفى على الفاحص الممارس بكتب الأخبار والرجال والفقه.
ولاغرو؛ لدلالته بالاختصار على المطلوب من غير اختلال في المعنى، مع
حصول اختصار في اللفظ، لئلا يطول حجم الكتاب، ويختل ما هو أعم نظرا
إلى المقصود في ذلك الكتاب، مع موافقة الأصل لهم، وهو أظهر من أن يحتج
عليه، والأمر فيه سهل لا يعبأ به، ومع ذلك كله، فالأحسن هو ما ذكره المصنف (قدس سره)
بلا كلام.
458

(ويكتب عند تحويل السند) إلى سلسلة أخرى ورواة أخر غير المذكورين (حاء) (1)
مهملة، (بين المحول) عنه (والمحول إليه)، وهي رمز إلى لفظ التحويل.
ولعل في إيثار لفظ التحويل - آنفا - على غيره إشعارا إلى ذلك؛ وربما قرئ خاء
معجمة، وجعلت رمز التخريج.
والأول هو المسموع من أكثر المشايخ الجلة، رؤساء الدين والملة، وأوفق
بتحاور محدثينا معاشر الفرقة الحقة؛ وأما الثاني، فهو ألصق بتحاور المخالفين، كما
لا يخفى على الفاحص الممارس.
(وإذا كان) الضمير (المستتر في " قال " أو " يقول " عائدا إلى المعصوم، فليمد اللام) تعظيما
وإجلالا.
والمرسوم في بلدنا وزمننا هذا: أنه يكتب بعد الضمير - مستترا كان أم لا - لفظة
" تع " رمزا إلى " تعالى " إن كان المرجع هو الله تعالى، كما في الحديث القدسي وغيره،
أو صاد ناقصة، رمزا إلى الصلاة إذا كان مرجعه النبي (صلى الله عليه وآله)، أو عين ناقصة، رمزا إلى " عليه
السلام " والجمع بين الأمرين أولى وأحسن.
(ويفصل بين الحديثين بدائرة صغيرة من غير لون الأصل)، تمييزا واحتراسا عن الخلط.
(وإن وقع سقط، فإن كان يسيرا كتب على سمط السطر، أو كثيرا فإلى أعلى الصفحة يمينا أو
يسارا إذا كان سطرا واحدا، وإلى أسفلها يمينا، وأعلاها يسارا إن كان أكثر).
والتخصيص بما ذكر يتبدل ويتغير بحسب عرف الكتاب والبلاد، وأمره سهل.
نعم، لابد من التحرير على الهوامش وغيرها بحيث لا يختل المراد و [لا] يندمج
بغيره من عبارة الأصل، أو لا يعلم من أين سقط، فيلحق بما لا يسقط منه، ويتخل
المعنى؛ ولأجل ما قلناه يكتبون عددا من الأعداد الحسابية وأرقامها على ما سقط، ثم
يحررون الساقط على الهامش ويكتبون عليه ذلك الرقم بعينه، ويكتبون في آخر
العبارة صادا مهملة ناقصة، رمزا إلى " الصحيح " ويعنون أن ما قد صار غلطا بالسقط

1. والمراد كتابة مسماها أي " ح ".
459

عاد إلى الصحة وصح، وتمييزا له عن الحاشية.
وأما الحاشية، فإن (1) كتبوا عليه رقما أيضا، كما مر، ولكنهم يختمونه على رقم
" 12 " ويعنون به " الحد " ويرومون أنه حد الحاشية ونهايتها، وكون " 12 " رمزا إلى
" الحد " ظاهر؛ فإن أعداد حروف " الحد " ذلك؛ لأن الحاء المهملة عددها " 8 " والدال
المهملة عددها " 4 " ومجموعها " 12 ".
وهذا في غير المنهية، وأما المنهية فيكتب في آخرها مع الرقم المزبور - أعني به
12 - " منه " بخلاف غيرها؛ فإنه يرسم فيه بعد العدد المزبور اسم المحشي غالبا.
والمعهود من الضمير المجرور في " منه " مصنف الكتاب.
و " المنهية " مولدة من " منه " زيادة لياء النسبة في آخره، والتاء للتأنيث باعتبار كونه
صفة للحاشية (2)، وكل ذلك ظاهر.
(والزيادة اليسيرة تنفى بالحل - مع أمن الخرق -) أو المحو بالسكين، أو لدغ الكاتب
إياها؛ (وبدونه (3) بالضرب عليها) بالقلم (ضربا ظاهرا)، حتى يتبين كونها مضروبة و
لا يلتبس الأمر؛ (لا بكتابة " لا ") حرف النفي، أو (حرف الزاي) - رمزا إلى زيادة عن
الأصل - (على أولها و " إلى " في آخرها)، إشعارا إلى أن المنفية أو الزائدة إلى هنا؛ (فإنه ربما
يخفى على الناسخ).
ولا يبعد أن يكون هذا مخصوصا بالزمان السابق، وأما الآن وبعد ما اشتهر ذلك
من المصنفين والكتاب، فلا بأس به عندي. نعم، الأولى والأحسن أن لا يكتب خفية
غاية الخفاء.
(وإذا وقع تكرار، فالثاني أحق بالحل أو الضرب)، كما هو المرسوم، (إلا أن يكون أبين
خطا) من الأول (أو في أول السطر)، فيكون الأمر بالعكس.

1. كذا. والظاهر زيادة " إن ".
2. فالمنهية أي الحاشية المنهية.
3. أي بدون الأمن من الخرق.
460

(خاتمة:)
نختم بها شرح تلك الرسالة النافعة إن شاء الله تعالى.
اعلم أن (جميع أحاديثنا) التي وصلت إلينا - (سوى ما) شذ و (ندر) منها، مما لا يعبأ به
لقلته وندرته - (ينتهي إلى أئمتنا الاثني عشر) المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين، وهم
ينتهون [فيها] إلى النبي) جدهم سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، (فإن علومهم (عليهم السلام) مقتبسة من
تلك المشكاة) وهم أهل البيت (عليهم السلام)، فهم أبصر بما في البيت.
وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) في النبوي المروي بطريق الخاصة والعامة، مستفيضا متكاثرا،
بل ومتواترا، ولو تواترا معنويا: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها
من بابها ". (1)
قال بعض الأعلام في روائح القرآن:
أما الرواة والرجال، فالشيعة تروي عن ينابيع الفضل والكمال ومفاتيح
الحرام والحلال ومهابط وحي الله المتعال، وهم آل النبي (صلى الله عليه وآله) خير آل،
الذين أذعن لهم الأعادي بالفضائل، فقال أحمد بن حنبل على ما ذكره ابن
الأثير في الكامل، مشيرا إلى سلسلة ما رواه مولانا الرضا (عليه السلام)، عن آبائه
الكرام، لو قرئ هذا على مجنون، لأفاق، أو على مريض لبرئ، فقال
عبد العزيز الدهلوي: إنها سلسلة الذهب، وهذا يقضى منه العجب. (2)
إلى آخر ما أفاد، فأجاد.
ولله در من قال:
إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهبا * ينجيك يوم البعث من لهب النار
فدع عنك قول الشافعي ومالك * ونعمان والمروي عن كعب الأحبار
ووال أناسا قولهم وحديثهم * " روى جدنا عن جبرئيل عن الباري " (3)

1. عيون الأخبار 2: 210 - 211؛ أمالي الصدوق: 619؛ تحف العقول: 430.
2. عيون أخبار الرضا 2: 205، ح 5؛ أمالي الصدوق: 341؛ مسند الرضا: 71.
3. كتاب الأربعين لمحمد طاهر: 655؛ الجواهر السنية: 225؛ بحار الأنوار 105: 117.
461

(وما تضمنه كتب الخاصة رضوان الله عليهم) أجمعين (من الأحاديث المروية عنهم:، تزيد
على ما في الصحاح الست للعامة بكثير، كما يظهر لمن تتبع أحاديث الفريقين).
مضافا إلى أن الصحاح الست أحرى بأن تسمى ضعافا؛ لأنهم استندوا فيها برواية
أمثال: عمران بن حطان الخارجي لعنه الله، المادح قاتل أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله شعرا:
يا ضربة من تقى ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا
وأبي البختري، وغياث بن إبراهيم واضع حديث الحمام (1)، المشهود عليه من
هارون بأن قفاه قفا كاذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2)، والشمر ذي الجوشن لعنهم الله، ولعن
من روى برواياتهم وعمل عليها، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)، وقد
فصل ذلك بعض الأفاضل الأعلام في النزهة، من شاء فليرجع إليها.
وأما كثرة رواياتنا على ما تضمن كتبهم المزبورة، فمما لا يكاد يخفى على من
جاس خلال هذه الديار.
(وقد روى راو واحد وهو أبان بن تغلب) -، بفتح التاء المعجمة بنقطتين من فوق و
سكون الغين المعجمة وكسر اللام، وهو تغلب بن رياح، وكنيته أبو سعيد، وهو
البكري، ووثقه وبجله الكشي (3) والنجاشي (4) و " د " و " مشكا " والخلاصة (5) و " هي " و
" قب " وقال له أبو جعفر (عليه السلام): " اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس، فإني أحب أن
يرى في شيعتي مثلك ". (6)
وقال أبو عبد الله لما نعي بموته: " لقد أوجع قلبي موت أبان " (7) الحديث - (عن إمام

1. مسالك الأفهام 14: 188؛ جواهر الكلام 41: 56؛ مستدرك الوسائل 14: 83، ح 4؛ وسائل الشيعة 1: 47.
2. راجع: مسالك الأفهام 14: 188؛ جواهر الكلام 41: 56.
3. راجع: رجال الكشي 2: 622، ح 601 - 604.
4. رجال النجاشي: 10.
5. خلاصة الأقوال: 73.
6. وسائل الشيعة 30: 291؛ الاحتجاج 2: 61.
7. من لا يحضره الفقيه 4: 435؛ وسائل الشيعة 30: 23.
462

واحد - أعني) به: (الإمام) الهمام (أبا عبد الله جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب (عليه السلام)، المعروف بلقبه (الصادق (عليه السلام)) وللقبه هذا وجه مشهور (ثلاثين ألف
حديث، كما ذكره) بعضه (علماء الرجال).
وقال الصادق (عليه السلام) لأبان بن عثمان: " إن أبان بن تغلب قد روى عني روايات كثيرة،
فما رواه لك فاروه عني ". (1)
فإذا كان حال رواية راو عن إمام واحد هكذا، فما ظنك بجميع رواة الأخبار و
النقلة الأخيار فيما نقلوه عن جميع أئمتهم الأطهار.
(وكان قد جمع) جمع كثير، وهم أربعمائة مصنف من (قدماء محدثينا رضي الله عنهم
ما وصل إليهم من أحاديث أئمتنا: في أربعمائة) مصنف و (كتاب، تسمى) تلك الكتب
(الأصول) الأربعمائة، لئلا يضيع (2) بعدهم من الشيعة من في أصلاب الرجال.
(ثم) عمد (وتصدى جماعة من المتأخرين - شكر الله تعالى سعيهم) وأحسن يوم الجزاء
رعيهم - (لجمع تلك الكتب) المزبورة (وترتيبها) وتهذيبها (تقليلا للانتشار، وتسهيلا على
طالبي تلك الأخبار، فألفوا كتبا مبسوطة مبوبة) متطاولة، (وأصولا مضبوطة مهذبة) متداولة،
خالية عن شائبة كل عيب ووصمة، (مشتملة على الأسانيد المتصلة بأصحاب العصمة سلام
الله عليهم)، كالكافي وكتاب من لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار)، وهي الكتب
الأربعة الشهيرة، (ومدينة العلم والخصال والأمالي وعيون الأخبار وغيرها)، كالوافي و
الوسائل وبحار الأنوار والعوالم.
(والأصول الأربعة الأول هي) الكتب الأربعة، (التي عليها المدار في هذه الأعصار).
(أما الكافي، فهو) مشتمل على ثلاثين كتابا: كتاب العقل وفضل العلم، وكتاب
التوحيد، وكتاب الحجة، وكتاب الإيمان والكفر، وكتاب الدعاء، وكتاب فضائل

1. وسائل الشيعة 30: 23؛ من لا يحضره الفقيه 4: 435.
2. كذا.
463

القرآن، وكتاب الطهارة والحيض، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، وكتاب الصوم، و
كتاب الحج، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب العتق والتدبير والمكاتبة، و
كتاب الأيمان والنذور والكفارات، وكتاب المعيشة، وكتاب الشهادات، وكتاب
القضايا والأحكام، وكتاب الجنائز، وكتاب الوقوف والصدقات، وكتاب الصيد و
الذبائح، وكتاب الأطمعة والأشربة، وكتاب الدواجن والرواجن، وكتاب الزي و
التجمل، وكتاب الجهاد، وكتاب الوصايا، وكتاب الفرائض، وكتاب الحدود، وكتاب
الديات، وكتاب الروضة آخر كتاب الكافي.
ومجموعها من (تأليف ثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي عطر الله
مرقده)، شيخ أصحابنا ووجههم وأوثقهم، المجمع على وثاقته وجلالة شأنه ونبالة
مكانه بلا خلاف حتى المخالفين، وسيأتيك بيانه فيما يأتي؛ فتأمل حتى يأتيك اليقين.
وليعلم أن شيخنا هذا معاصر لآخر سفراء صاحبنا، صاحب الناحية وإمام الفرقة
الناجية، وهو أبو الحسن بن علي بن محمد السمري (رحمه الله)، كما أفاده الوالد العلامة و
الشيخ أبو علي أعلى الله مقامهما، بل ويستفاد من كلام الشيخ أبي علي أنه عرض كافيه
على الصاحب (عليه السلام) - أيضا - فمدحه واستحسنه، والله أعلم.
ثم إن مزيد البحث في أن " كلين " هل هو كأمير، كما نص عليه الفيروزآبادي في
القاموس (1)، أو بضم الكاف فقط، مع إهمال حركة اللام، كما في المغني، أو بضم الكاف و
الإمالة، كما في كتاب الإكمال للحافظ أبي نصر، أو بضم الكاف وكسر اللام، كما في
لباب ابن الأثير، بل وكتاب اتحاف ذوي الألباب لرضي الدين الشامي، أو بضم الكاف و
تخفيف اللام من غير تصريح بإعرابه، كما في منهج المقال (2)، أو بضم الكاف وفتح اللام،
كما هو المشهور؟ فمما لا يجدي علما ولا عملا، فلنا غنية بحمد الله عن مزيد البحث
عنه.

1. القاموس المحيط: 1584؛ لسان الميزان 5: 433.
2. طرائف المقال (هامش): 524.
464

وفي الإجازة الشقشقية ما لفظه:
الذي سمعته من والدي وممن عاصرته من الأعلام، فتح اللام وزان لجين،
وقد نص عليه صاحب الحدائق الناضرة والدرر النجفية وغيرهما، مولانا
الشيخ يوسف البحراني طاب ثراه في لؤلؤة البحرين، حيث قال - بعد ما نقل
عبارة القاموس - هكذا: " إلا أن الشيخ والعلامة في ترجمة أحمد بن إبراهيم
المعروف بعلان الكليني قالا: الكلين - مضموم الكاف، مخفف اللام - قرية
من الري ".
وهذا هو المشهور على ألسنة الطلبة والعلماء من ضم الكاف وفتح اللام.
انتهى.
أقول: شهرة ضم الكاف وفتح اللام عند الطلبة والعلماء مما لا كلام فيه، ولكن
الكلام في أنه هل يساعده قول أحد من أهل اللغة أو المؤرخين الموثوقين أو العلماء
الكاملين؟ ولم يثبت بعد، عدا ما يشعر به كلام شيخنا البحراني.
ولعل سوق كلام يدل على أنه تسامح، سامح الله بغفرانه. وزعم أن الشيخ و
العلامة نصا على فتح اللام، حيث أشار إلى ما نقله عنهما أولا، ثم قال: إنه هو المشهور،
مع أن ما ذكره غير ما اشتهر، فإن المذكور في كلامهما ضم الكاف وتخفيف اللام، وهو
لا يستلزم المشهور من فتحه، فكأنه وقع في غفلة، وهذا في مؤلفاته غير عزيز، كما
لا يخفى على الفاحص الممارس.
وكيفما كان، فالشيخ القادم ثقة الإسلام جمع مجموعه الكافي و (ألفه في مدة
عشرين سنة)، كما نص عليه شيخ الطائفة (قده) في الفهرست.
(وتوفي) - طاب ثراه - (ببغداد سنة ثمان - أو تسع - وعشرين وثلاثمائة)، والأول يوافق
الفهرست والثاني النجاشي والخلاصة و " لم " وفي الفهرست دفن بباب الكوفة في
مقبرتها، وفي المحكي عن ابن عبدون: رأيت قبره في صراط الطائي وعليه لوح
مكتوب عليه اسمه واسم أبيه.
وقال الشيخ أبو علي طاب ثراه: أقول:
465

في سنة وفاته طاب ثراه انقطعت السفارة بموت علي بن محمد السمري و
وقعت الغيبة الكبرى، ويقال: إن جامعه الكافي الذي لم يصنف في الإسلام
مثله عرض على القائم (عليه السلام)، فاستحسنه، والله العالم؛ وقبره (قدس سره) معروف في
بغداد الشرقية مشهور تزوره الخاصة والعامة في التكية المولوية، وعليه
شباك من الخارج على يسار العابر من الجسر، نقل صاحب كتاب روضة
العارفين عن بعض الثقات المعاصرين له أن بعض حكام بغداد رأى بناء قبره
عطر الله مرقده، فسأل عنه، فقيل: إنه قبر بعض الشيعة، فأمر بهدمه، فحفر
القبر فرأى بكفنه ولم يتغير ومدفون معه آخر صغير بكفنه أيضا، فأمر بدفنه
وبنى عليه قبة، فهو إلى الآن قبره معروف مزارا ومشهدا.
انتهى ما نقله. (1)
ورأيت في بعض كتب أصحابنا:
أن بعض حكام بغداد أراد نبش قبر سيدنا أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)،
وقال: الرافضة يدعون في أئمتهم أنهم لا تبلى أجسادهم بعد موتهم وأريد
أن أكذبهم، فقال له وزيره: إنهم يدعون في علمائهم أيضا ما يدعون في
أئمتهم، وهنا قبر محمد بن يعقوب الكليني من علمائهم، فأمر بحفره، فإن
كان على ما يدعونه، عرفنا صدق مقالتهم في أئمتهم وإلا تبين للناس
كذبهم، فأمر بحفره. (2)
إلى آخر ما أفاد.
وأنا أقول: هذا غير مستبعد؛ فإن كرامات العلماء مما لا يحوم حوله شائبة ريب و
امتراء، كيف لا؟ وهم ورثة علم الأنبياء، المفضل مدادهم على دماء الشهداء، روحي
لروحهم الفداء ونفسي لنفسهم الوقاء، ولا سيما مثل شيخنا القادم الحافظ ثقة
الإسلام، فإنه قد كان من أجلائهم.

1. رجال الخاقاني: 17.
2. طرائف المقال 2: 524.
466

(ولجلالة شأنه) ونبالة مكانه، لم يقدر على كتمان مناقبه أعاديه، و (عده جماعة
من علماء العامة) مع تورطهم في البغض والعناد، والحقد واللداد، (كابن الأثير) جامع
الصحاح (في كتاب) جامع الأصول، (من المجددين لمذهب الإمامية) أيدهم بالبراهين
الجلية (على رأس المائة الثالثة، بعد ما ذكر أن سيدنا وإمامنا أبا الحسن علي بن موسي الرضا (عليه السلام) و
على آبائه الطاهرين هو المجدد لذلك المذهب على رأس المائة الثانية)، وأي فضل أعلى من
إقرار العداة به؛ فالفضل ما شهدت به الأعداء.
(وأما كتاب من لا يحضره الفقيه)، المشهور ب‍ " من لا يحضره الفقيه " اختصارا، (فهو
تأليف) رأس المجتهدين و (رئيس المحدثين)، وارث علوم الأنبياء والأئمة، (حجة
الإسلام أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي قدس الله روحه) ونور ضريحه، وقد ولد
بدعاء الصاحب (عليه السلام)، وعدالته كادت أن تعد من ضروريات مذهبنا، فلا يعبأ بما يوهم
بعدمها ومعاذ الله من ذلك، ألا ترى إلى جل العلماء بل وكلهم، لا يعبرون عنه إلا
بالصدوق، وكفى له بذلك جلالة وفخرا.
(وله طاب ثراه مؤلفات أخرى سواه، تقارب ثلاثمائة كتاب)، نص عليه العلامة (رحمه الله)
في الخلاصة.
(توفي بالري سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة)، كما في الخلاصة وغيرها.
قال الوالد العلامة - أعلى الله مقامه - في الإجازة المنوه بذكرها فيما مر عن شيخه
الإمام راوية الأخبار الفائض نوره في الأقطار:
الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي - رفع الله قدره
وأنار بدره، كما رفع ذكره - وقد ولد هو واخوه أبو عبد الله الحسين بن
بابويه بدعاء صاحب الأمر (عليه السلام)، وكان الصدوق يفتخر بأنه ولد بدعائه (عليه السلام)، و
كفاه به مباهاة وفخرا، ولما وصل جواد يراعي إلى مضمار الفخار، أرخيت
عنانه ليجول جولانا في ذلك المضمار، فطفق يعدو ويجول وأنا أفخر و
أقول: إن صاحب زماني والحجة المنتظر الرباني، قد تكفل لحضانتي و
رباني، فرأيت شيخنا الصدوق في ذا المضمار سابقا مجليا ورأيتني فيه
467

مسبوقا خلفه مصليا. (1)
الخ ما أفاد قدس مضجعه وبرد مهجعه.
وأنا أقول: وذكرت ذلك المنام - الذي بشر به جدي العلام في والدي القمقام - في
رسالتي العربية المعمولة لذكر المنامات المسماة ب‍: إيقاظ الراقدين وإنباه النائمين و
الرسالة الفارسية الموسومة ب‍: المقامات العلية في المنامات العلوية، وكتاب الظرائف وتحفة
الواعظين؛ ولي في المنامات ما يحذو حذوه ويقوم مقامه، فإني أيضا تشرفت بزيارة
الصدوق الثاني في المنام وذكرت في رسالتي المزبورتين، من شاء فليرجع إليهما، و
الله الموفق.
(وأما التهذيب والاستبصار جميعا، فهما من تأليفات) شيخنا، (شيخ الطائفة) المفلحة
المرحومة، (أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي نور الله) روحه وطيب (ضريحه).
وقال العلامة (رحمه الله) في الخلاصة:
محمد بن علي بن علي الطوسي أبو جعفر قدس الله روحه، شيخ الإمامية و
رئيس الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة، عين، صدوق، عارف
بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب، جميع الفضائل
تنسب إليه، صنف في كل فن من فنون الإسلام، وهو المهذب للعقائد في
الأصول والفروع، والجامع لكمالات النفس في العلم والعمل، وكان
تلميذا للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، ولد قدس الله روحه في
شهر رمضان سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وقدم العراق في شهور ثمان و
أربعمائة، وتوفي رضي الله عنه ليلة الاثنين الثاني والعشرين من المحرم
سنة ست وأربعمائة بالمشهد المقدس الغروي على ساكنه السلام، ودفن
بداره. (2)
قال الحسن بن مهدي السليقي:

1. راجع: معاني الأخبار: 13؛ الهداية: 215؛ الاحتجاج 1: 6.
2. خلاصة الأقوال: 249.
468

توليت أنا والشيخ أبو محمد الحسن بن واحد العين رزبي والشيخ
أبو الحسن اللؤلؤي غسله في تلك الليلة ودفنه وكان يقول أولا بالوعيد، ثم
رجع وهاجر إلى مشهد أمير المؤمنين خوفا من الفتنة التي تجددت ببغداد،
وأحرقت كتبه وكرسي كان يجلس عليه للكلام. (1)
(وله) طاب ثراه (تأليفات أخرى سواهما في التفسير والأصول والفروع وغيرها)، ذكرت
في فهرسه وغيره من كتب الرجال المبسوطة، ونحن رأينا تركه هنا أجدر روما
للاختصار.
و (توفي طيب الله مضجعه سنة ستين وأربعمائة بالمشهد الغروي على ساكنه أفضل الصلاة و
السلام)، كما مر - آنفا - نقلا عن الخلاصة.
(فهؤلاء المحمدون الثلاثة - قدس الله أرواحهم - هم أئمة أصحاب الحديث)، رضي الله
تعالى عنهم.
والمحمدون الثلاثة مصنفوا الوافي والوسائل وبحار الأنوار، وشيخنا عبد الله
صاحب العوالم، وشيخنا البحراني صاحب الحدائق، وغيرهم (من متأخري علماء الفرقة)
الحقة المرحومة (الناجية الإمامية) الاثني عشرية (رضوان الله عليهم) أجمعين، هذا.
(وقد وفقني الله سبحانه، وأنا أقل العباد) عملا وأكثرهم زللا، علي بن محمد بن علي،
بشرح هذه الرسالة الجليلة، من مؤلفات شيخنا العلامة (محمد المشتهر ببهاء الدين
العاملي) عامله الله بلطفه الخفي والجلي، وشرفني وأهلني (للاقتداء بآثارهم والاقتباس
من أنوارهم، فجمعت في كتابي) تحفة الواعظين وشرح الزبدة للمقدس الأردبيلي والمواعظ
الحسنة وعديم المثال وسلسلة الذهب وغيرها من الكتب أكثر إفاداتهم رضوان الله عليهم
أجمعين.
ومن جملة تلك الكتب هذا التعليق الذي علقته على الوجيزة في الدراية، التي
صنفها شيخنا المنوه بذكره آنفا، وجعلها مقدمة لكتابه الحبل المتين، وهو كتاب

1. خاتمة المستدرك 3: 167؛ كفاية الأصول: 208؛ نقد الرجال 4: 180؛ معجم رجال الحديث 16: 261.
469

بحمد الله جليل الشأن، عظيم المكان، وقد اشتمل على (خلاصة ما تضمنه الأصول
الأربعة) المزبورة، (من الأحاديث الصحاح والحسان والموثقات التي يستنبط منها مهمات
الأحكام الفقهية، وإليها ترد مهمات المطالب الفرعية)، بيد أنه لم يكمله ولم يخرج منه إلا
الطهارة والصلاة، كما ذكره شيخنا المتبحر البحراني - سقى الله ثراه ومن رحيق الجنة
رواه - في لؤلؤة البحرين.
وبالجملة، فقد شرحت تلك المقدمة المزبورة من غير إسهاب ممل وإيجاز
مخل، (وسلكت في توضيح مبانيها وتحقيق معانيها مسلكا يرتضيه الناظرون بعين البصيرة، و
يحمله المتناولون بيد غير قصيرة، وأسأل الله) الذي لا يخيب لديه رجاء من رجاه، أن يجعله
خالصا عن شوب من سواه، وله الحمد على (التوفيق لإتمامه، والفوز بسعادة اختتامه، إنه
سميع مجيب)؛ والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل الطيبين الطاهرين.
470

فهرس مصادر التحقيق
1. القرآن الكريم.
2. الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي، منشورات دار النعمان للطباعة والنشر،
3. أصول الفقه، الشيخ محمد رضا المظفر، نشر: مؤسسة إسماعيليان.
4. أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين العاملي، نشر: دار التعارف للمطبوعات، بيروت
1403 ه‍. ق.
5. الأمالي، محمد بن الحسن (الشيخ الطوسي)، تحقيق ونشر: مؤسسة البعثة، قم
1414 ه‍. ق.
6. الأمالي، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (المعروف بالصدوق)،
تحقيق ونشر: مؤسسة البعثة، قم 1417 ه‍.
7. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسي، بيروت مؤسسة
الوفاء، 1403 ه‍. ق.
8. تحف العقول عن آل الرسول، الشيخ الحسن بن علي بن شعبة الحراني، نشر: مؤسسة النشر
التابعة لجماعة المدرسين، قم 1404 ه‍. ق.
9. تذكرة الفقهاء، الحسن بن يوسف بن المطهر (المعروف بالعلامة الحلي)، تحقيق ونشر:
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم 1414 ه‍. ق.
10. تذكرة الموضوعات، محمد طاهر بن علي الهندي الفتني.
11. التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)، قم
1409 ه‍. ق.
12. تهذيب الأحكام، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المشهور بالشيخ الطوسي)،
طهران: دار الكتب الإسلامية.
13. توضيح المقال، الحاج ملا علي كني، نشر: مؤسسة دار الحديث، قم.
14. جامع الأحاديث، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، نشر: مطبعة محمد هاشم الكتبي،
دمشق.
471

15. جامع الأصول من أحاديث الرسول، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير
الجزري، نشر: مكتبة المعارف، الرياض.
16. الجواهر السنية في الأحاديث القدسية، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، نشر: ياسين،
1402 ه‍. ق.
17. جواهر العقود، محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي، نشر: دار الكتب العلمية،
1417 ه‍. ق.
18. جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، نشر: دار الكتب الإسلامية - الآخوندي،
1367 ه‍. ش.
19. الحبل المتين، بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (البهائي)، قم:
مكتبة بصيرتي.
20. الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني، نشر: مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين،
قم.
21. الخصال، محمد بن علي بن بابويه (الشيخ الصدوق)، قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرسين، 1403 ه‍. ق.
22. خلاصة الأقوال = رجال العلامة الحلي، حسن بن يوسف بن المطهر (العلامة الحلي)، نشر:
مؤسسة نشر الفقاهة، قم 1417 ه‍. ق.
23. الخلاف، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرسين، 1407 ه‍. ق.
24. دراسات في علم الدراية، علي أكبر غفاري، نشر: جامعة الإمام الصادق، 1369 ه‍. ش.
25. الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، السيد علي خان المدني الشيرازي، نشر: مؤسسة
الوفاء، بيروت 1403 ه‍. ق.
26. ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، محمد باقر السبزواري، قم: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء
التراث.
27. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، محمد بن مكي العاملي (الشهيد الأول)، تحقيق ونشر:
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم 1419 ه‍. ق. وطبعة حجرية.
472

28. ربع قرن مع العلامة الأميني، حسين الشاكري، الناشر: المؤلف، قم، 1417 ه‍. ق.
29. رجال الخاقاني، الشيخ علي الخاقاني، نشر: مكتب الاعلام الإسلامي، 1404 ه‍. ق.
30. رجال الكشي = اختيار معرفة الرجال، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، مشهد: جامعة
مشهد، 1348 ه‍. ش.
31. رجال النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي النجاشي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرسين، قم، 1416 ه‍. ق.
32. رسائل فقهية، الشيخ مرتضى الأنصاري، المطبعة: باقري، قم، 1414 ه‍. ق.
33. الرعاية في علم الدراية، زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي، نشر: مكتبة آية الله
المرعشي النجفي، قم، 1408 ه‍. ق. ونشر: مكتب الاعلام الإسلامي، ق 1423 ه‍. ق.
34. الرواشح السماوية، المير محمد باقر الحسيني المرعشي الداماد، نشر: مكتبة آية الله
المرعشي النجفي، قم، 1405 ه‍. ق.
35. رياض المسائل، السيد علي الطباطبائي، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرسين، قم، 1419 ه‍. ق.
36. زبدة الأصول، بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي، تحقيق:
فارس حسون كريم، نشر: المرصاد، قم 1423 ه‍. ق.
37. سبل السلام، أحمد بن علي بن محمد بن حجر الكناني العسقلاني، نشر: شركة مصطفى
البابي الحلبي، القاهرة، 1379 ه‍. ق.
38. سنن ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، بيروت.
39. سنن أبي داود، أبو داود السجستاني الأزدي، نشر: دار الفكر، بيروت، 1410 ه‍ - 1990 م.
40. شرح أصول الكافي، المولى محمد صالح المازندراني، مع تعاليق الميرزا أبو الحسن
الشعراني، مكتبة الاسلامية بطهران، 1383 ه‍.
41. صحيح ابن حبان، علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (محمد بن حبان بن أحمد) نشر:
مؤسسة الرسالة، 1414 ه‍ - 1993 م.
42. صحيح ابن خزيمة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري، نشر:
المكتب الإسلامي، 1412 ه‍. ق.
473

43. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، بيروت، دار الفكر.
44. الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، الشيخ زين الدين النباطي العاملي، نشر: المكتبة
المرتضوية، طهران 1384 ه‍. ق.
45. طرائف المقال، السيد علي أصغر الجابلقي، نشر: مكتبة آية الله السيد المرعشي النجفي،
قم، 1410 ه‍. ق.
46. عدة الداعي، أحمد بن محمد بن فهد الحلي، نشر: مكتبة الوجداني، قم.
47. العدة في أصول الفقه، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق ونشر: محمد رضا
الأنصاري القمي، قم 1417 ه‍. ق.
48. عوالي اللئالئ، محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي (المعروف بابن أبي جمهور) قم:
مطبعة سيد الشهداء، 1403 ه‍. ق.
49. عون المعبود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، نشر: دار المكتب العلمية، بيروت،
1415 ه‍. ق.
50. عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (الشيخ الصدوق)،
طهران: مكتبة العالم.
51. فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، نشر: مجمع الفكر الإسلامي، قم - 1419 ه‍. ق.
52. الفصول الغروية في الأصول الفقهية، محمد حسين الأصفهاني، نشر: دار إحياء العلوم
الإسلامية.
53. الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة، الشيخ علي بن محمد بن أحمد المالكي (الشهير
بابن الصباغ المالكي)، نشر: مكتبة الأعلمي، طهران.
54. الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام)، نشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام).
55. فيض القدير، محمد عبد الرؤوف المناوي، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ه‍. ق.
56. القاموس المحيط، مجد الدين محمد الفيروزآبادي، القاهرة، مؤسسة الحلبي. وطبعة:
مؤسسة الرسالة، بيروت 1407 ه‍. ق.
57. قواعد الأحكام، الحسن بن يوسف بن المطهر (العلامة الحلي)، تحقيق ونشر: مؤسسة
النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم 1413 ه‍. ق.
474

58. قوانين الأصول، الميرزا أبو القاسم القمي، نشر: المطبعة العلمية الإسلامية.
59. الكافي، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، طهران: دار الكتب الإسلامية، 1388 ه‍. ق.
60. كتاب الأربعين، الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني، مطبعة أمير للطباعة،
1417 ه‍. ق.
61. كتاب الأربعين، محمد طاهر بن محمد حسين الشيرازي النجفي القمي، مطبعة أمير
للطباعة، 1418 ه‍. ق.
62. كتاب الأربعين، أبو الفضائل محمد بن الشيخ حسين الجبعي العاملي، نشر: مؤسسة النشر
الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1415 ه‍. ق.
63. كتاب الطهارة، الشيخ مرتضى الأنصاري، نشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، قم.
64. كشف الخفاء ومزيل الالباس، الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني، نشر: مؤسسة الرسالة،
بيروت 1405 ه‍. ق.
65. كفاية الأصول، محمد كاظم الخراساني (الآخوند)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)
لإحياء التراث، قم 1409 ه‍. ق.
66. كنز العرفان، الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري، منشورات الكتب
المرتضوية، طهران 1384 ه‍. ق.
67. لسان العرب، جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري، قم: أدب الحوزة
1405 ه‍. ق.
68. لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت
1390 ه‍. ق.
69. المبسوط، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، طهران: المكتبة الرضوية لإحياء الآثار
الجعفرية.
70. المبسوط، أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي، نشر: دار المعرفة، بيروت 1406 ه‍. ق.
71. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، بيروت: دار الكتاب
العربي 1402 ه‍. ق.
72. مجمع الفائدة والبرهان، المولى أحمد الأردبيلي، قم: مؤسسة النشر التابعة لجماعة
المدرسين، قم.
475

73. المحلى، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، نشر: دار الفكر - بيروت.
74. مختلف الشيعة، الحسن بن يوسف بن المطهر (العلامة الحلي)، طبعة حجرية.
75. مسالك الأفهام، زين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني)، تحقيق ونشر: مؤسسة
المعارف الإسلامية، قم 1413 ه‍. ق.
76. مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرسين، قم 1419 ه‍. ق.
77. مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)
لإحياء التراث، قم 1407 ه‍. ق.
78. مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي، تحقيق ونشر:
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم 1415 ه‍. ق.
79. المسند، أحمد بن حنبل، نشر: دار صادر، بيروت.
80. مسند الرضا (عليه السلام)، داود بن سليمان بن يوسف الغازي، مركز النشر التابع لمكتب الاعلام
الإسلامي، قم.
81. مصباح الأصول، السيد أبو القاسم الخوئي، مطبعة النجف.
82. مطلع الأنوار (أحوال علماء الشيعة في الباكستان والهند)، السيد مرتضى حسين صدر
الأفاضل، ترجمه دكتر محمد هاشم، نشر: الروضة المقدسة الرضوية، مشهد، 1374
ه‍. ش.
83. معارج الأصول، جعفر بن الحسن المحقق الحلي، نشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، قم
1403 ه‍. ق.
84. معاني الأخبار، محمد بن علي بن بابويه (الشيخ الصدوق)، نشر: مؤسسة النشر التابعة
لجماعة المدرسين، قم 1379 ه‍. ق.
85. معجم رجال الحديث، أبو القاسم الموسوي الخوئي، قم: مدينة العلم 1403 ه‍. ق.
86. معرفة علوم الحديث، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري، نشر: دار الآفاق
الجديدة، بيروت 1400 ه‍.
87. مقباس الهداية، الشيخ عبد الله المامقاني، نشر: مؤسسة آل البيت - قم 1414 ه‍. ق.
476

88. مقدمة ابن الصلاح، الإمام أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوي، نشر: دار الكتب
العلمية، بيروت.
89. المقنعة، محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر
الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين قم 1410 ه‍. ق.
90. مكاتيب الرسول، علي بن حسين علي الأحمدي الميانجي، نشر: دار الحديث 1419 ه‍. ق.
91. من لا يحضره الفقيه، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (الشيخ الصدوق)، نشر:
مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين، قم.
92. منية المريد، زين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني)، نشر: مكتب الاعلام الإسلامي،
قم 1415 ه‍. ق.
93. المهذب، عبد العزيز بن البراج الطرابلسي، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر التابعة لجماعة
المدرسين، قم 1406 ه‍. ق.
94. الموضوعات، أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، نشر: دار الفكر، بيروت 1403 ه‍. ق.
95. نقباء البشر، الشيخ آقا بزرگ الطهراني، نشر: دار المرتضى.
96. نقد الرجال، التفريشي، نشر: مكتبة الرسول المصطفى، قم.
97. نهاية الدراية، السيد حسن الصدر، نشر: المشعر.
98. نور البراهين، السيد نعمة الموسوي الجزائري، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرسين، قم 1417 ه‍. ق.
99. الهداية، محمد بن علي بن بابويه القمي (الشيخ الصدوق)، نشر: مؤسسة الإمام
الهادي (عليه السلام)، قم 1418 ه‍. ق.
100. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق ونشر:
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم 1408 ه‍. ق.
101. الوسيلة إلى نيل الفضيلة، محمد بن علي الطوسي (ابن حمزة)، نشر: مكتبة آية الله المرعشي
النجفي، قم 1408 ه‍. ق.
102. وصول الأخيار، الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي (والد الشيخ البهائي)، نشر: مجمع
الذخائر الإسلامية، قم.
477

(5)
موجز المقال
في مقاصد علم الدراية، وقواعد تحمل الرواية
نظم:
الشيخ عبد الرحيم بن عبد الحسين
الإصبهاني الحائري
1294 - 1367 ه‍
تحقيق:
السيد حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي
479

بسم الله الرحمن الرحيم
التمهيد
الحمد لله على مسلسل جوده ومستفيض نعمه، وله الشكر على تواتر إحسانه و
مزيد كرمه، والصلاة والسلام على رسوله محمد سند سلسلة الأنبياء الأمجاد، وعلى
آله أئمة القوي والضعيف من العباد.
وبعد: فلما كانت المقدمة الموسومة ب‍ " الوجيزة " في علم دراية الحديث، لشيخ
الإسلام بهاء الدين محمد بن الحسين الحارثي العاملي رحمه الله تعالى ورضي عنه و
أرضاه؛ أخصر متن عرفناه لأصحابنا الإمامية في علم مصطلح الحديث - مع
استجماعها لأمهات المسائل التي يحتاج إليها أهل الرواية - صرف العلماء عنايتهم إليها
بالشرح والتعليق والترجمة والنظم.
وكان العلامة الشيخ عبد الرحيم الإصبهاني الحائري (رحمه الله) قد حاز قصب السبق في
هذا المضمار، فجاء بنظم مستطاب للوجيزة لم يسبق إليه.
ونظرا لجزالته وسلاسة لفظه انعقد العزم على إعادة طبعه بصورة تليق به، مع
تعريف مختصر بالناظم ومنظومته، والله الموفق والمستعان.
ترجمته: هو العالم الفاضل، والأديب الكامل الشيخ عبد الرحيم بن الشيخ الورع البارع
الشيخ عبد الحسين بن العلامة الأصولي المحقق الشيخ محمد حسين الإيوانكي
الطهراني الإصبهاني الحائري صاحب كتاب الفصول الغروية في الأصول الفقهية من بيت
علم رفيع، فأجداده وأعمام أبيه كلهم من العلماء الأعلام، والأجلاء المشاهير.
481

ولادته ونشأته: ولد المترجم له (رحمه الله) في كربلاء المشرفة في الساعة الأولى من اليوم
الثاني من شهر ربيع الأول سنة (1294 ه‍).
وفي سنة (1310 ه‍) انتقل إلى إصفهان وأقام بها عشر سنين مشتغلا بالعلوم
الدينية، والقيام بالوظائف الشرعية من إقامة الجماعة ونشر أحكام الشريعة الغراء.
ثم رجع بعد ذلك إلى مسقط رأسه كربلاء، ثم انتقل إلى النجف الأشرف وأخذ
عن علمائها، وكانت إقامته هذه المرة في المشاهد المشرفة عشر سنين متواليات.
وعند حصول الحرب العالمية الأولى واضطراب أوضاع العراق ارتحل إلى
إيران، وتشرف بزيارة مشهد الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه الصلاة و
السلام. ولما رجع من زيارته استقر في طهران مشتغلا بنفسه، فلم يخالط الناس، و
لم يعاشرهم، ولم يتردد إلى مجامعهم وأنديتهم. بيد أن إلحاح أهالي طهران و
إصرارهم ألجأه إلى إقامة صلاة الجماعة، وعقد مجالس الوعظ والإرشاد في بعض
الليالي.
ومع ذلك فقد كان (رحمه الله) ممن جدد في ذلك العصر أساس الأخوة والاتحاد بين
المسلمين في جميع البلاد.
دراسته: تربى الناظم (رحمه الله) في مسقط رأسه مدينة كربلاء المشرفة إلى أوان بلوغه، وفرغ
من المقدمات وصنف في بعض العلوم ونظم فيها وهو لم يبلغ عمره خمسة عشر
عاما، أو بلغها ولم يكملها تماما.
وكانت تلمذته في الفقه والأصول على الشيخ زين العابدين المازندراني، وأخذ
الكلام والحكمة الإلهية وطرفا من العلوم الغريبة عن المولى إسماعيل البروجردي - و
هو جده من طرف الأم - وكان عمدة تلمذه عنده، كما حضر في الفقه والأصول عند
السيد الميرزا محمد هاشم الخونساري الإصبهاني حين اشتغاله بالتدريس في كربلاء،
وغير هؤلاء من العلماء.
482

مؤلفاته: لم يزل الناظم (رحمه الله) يؤلف ويصنف في شتى العلوم والفنون، ويدأب على
ذلك أينما حل، في كربلاء وإصبهان والنجف وطهران، فكانت ثمرة ذلك أن خلف
ثروة علمية جديرة بالعناية والتقدير، وإليك ما وقفنا عليه من أسماء مؤلفاته:
1. مختصر في الاشتقاق.
2. خلاصة في الإعراب.
3. محصل في المنطق.
4. ملخص في المعاني والبيان.
5. تعليقات على بعض كتب المعاني والبيان.
6. هداية العامة في إثبات الإمامة.
7. منظومة في علم الدراية موسومة ب‍ (موجز المقال) وهي هذه المنظومة التي
نقدمها للقراء الكرام، وسيأتي التعريف بها إن شاء الله.
8. منظومة في البيع الفضولي.
9. تقريرات وتوضيحات في الفقه والأصول؛ لأبحاث أستاذه الشيخ زين العابدين
المازندراني.
10. تقريرات وتحقيقات في الفقه والأصول والكلام والحكمة الإلهية؛ لأبحاث المولى
إسماعيل البروجردي.
11. تقريرات وتدقيقات في الفقه والأصول والدراية والرجال وغيرها؛ من إفادات
السيد محمد هاشم الخونساري الإصبهاني.
12. غنائم التبيان في تفسير القرآن، تمت مقدماته إلا اليسير.
13. رسالة في مسألة بيع الوقف.
14. رسائل في مسائل شتى من الفقه والأصول.
15. ودائع الأسرار وبدائع الأخبار في مراقي الإيقان ومدارج الإيمان - أنظر: الذريعة
(25 / 62).
483

16. كنوز الرموز في المعارف العلية والحكمة العلمية والعملية.
17. مشرق الأنوار، منظوما - بالفارسية - في القصص والأمثال وشرح درجات
الأحوال، وقال في الذريعة (21 / 47): منظومة فارسية في ذكر الأسرار القرآنية و
الاتحاد، طبع بطهران سنة (1332) شمسية.
18. مجمع الأسرار، منظومة عرفانية، طبع سنة (1332) شمسية - أنظر: الذريعة
(20 / 17).
19. ديوان في القصائد والغزليات على منوال مشرق الأنوار - أنظر: الذريعة (القسم
الثاني من الجزء التاسع 92 / صفحة 686).
20. بدر التنجيم في معرفة رقوم التقويم - بالفارسية -.
21. جامع الشتات في جمع المتفرقات من نوادر الحكايات، وجواهر الكلمات، و
خفايا الرسوم، وخبايا العلوم.
22. رسائل في الفقه والأصول، والمنقول والمعقول.
23. بدائع الأحكام في شرح شرائع الإسلام.
24. رسالة مفردة في تكليف من فرض كونه في الأماكن التي تخرج في العرض
عن متعارف البلاد ومساكن العباد؛ في الصوم والصلاة، وسائر المؤقتات.
25. منظومة ملخص المقال في خلاصة أحوال الرجال وهي نظم لكتاب خلاصة
الأقوال في معرفة الرجال للعلامة الحلي (رحمه الله) فرغ من نظمها سنة (1333 ه‍)، وهي
مطبوعة مع (موجز المقال) سنة (1343 ه‍) - أنظر: الذريعة (1 / 474 و 10 / 125 و 22 /
213 - 214).
26. رسالة في الرد على المتصوفة، وبيان حقيقة التصوف.
27. رسالة في أن المراد بالذكر في قوله تعالى: (ولذكر الله أكبر) هو الصلاة، لا ما
زعمه بعض تبعا للصوفية، وترجمة الصلاة وآداب السلوك كما ورد عن الأئمة
الهداة (عليهم السلام).
484

28. داستان حي بن يقظان، رواية عرفانية على طريقة الرومان في خلق الإنسان، و
بيان أن الشريعة سر الطبيعة، وإثبات ماوراءها بنفسها، شرح فيها قصة حي بن يقظان -
أنظر: الذريعة (8 / 37).
29. داستان ابسال وسلامان، وهي رواية فارسية ألحقها بداستان حي بن يقظان،
استخرجها من كتابه ودائع الأسرار، أنظر: الذريعة: (8 / 35 - 36، 17 / 95).
من قصار كلماته:
1. من لم ينتفع بكتاب نفسه لم ينفعه كتاب غيره.
2. العلم ما شرح صدرك، لا ما شرحه صدرك.
وفاته: توفي - رحمه الله تعالى - ليلة الجمعة سادس شهر ذي القعدة الحرام سنة
(1367 ه‍) في مدينة سلطان آباد المسماة حاليا ب‍ (أراك).
وذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمه الله) أن وفاته كانت ليلة الجمعة الثالث عشر من شهر
ذي القعدة، كما في الذريعة: (92: 686 و 10: 125).
موجز المقال
موجز المقال في مقاصد علم الدراية وقواعد تحمل الرواية، أرجوزة لطيفة تقع في
(292) بيتا، وهي نظم لوجيزة شيخنا البهائي (رحمه الله) في علم الدراية، تم نظمها في شعبان
سنة (1309 ه‍) وكان الناظم - يومئذ - لم يبلغ الحلم بعد، كما قال في البيت (19):
نظمتها قبل بلوغ الحلم * فإن تجدها شططا فلا تلم
وهذا النظم كان بإشارة من مشايخه، كما قال في البيت (12):
مشايخي بنظمها أشاروا * وهم كرام قادة كبار
كما أنه حاز شرف السبق لنظم الوجيزة، حيث قال في البيت (14):
485

سبقت في مضمار هذا النظم * وسقت نحوه جواد العزم
وأشار إليه أيضا الشيخ محمد حسن أبو المحاسن في تقريظه إذ يقول:
إن له فضل استباق الغايه * في نظم مشروع جليل الغايه
منظومة غراء في الدرايه * تشهد بالفضل وبالدرايه
وكان نظم أصل الوجيزة - مع بعض آراء الناظم التي جعلها بين هلالين - قد تم في
(258) بيتا، ثم - بعد ذلك - نظم أحوال المحمدين الثلاثة المتأخرين في سائر الأبيات،
فجزاه الله عن معاشر أهل العلم خيرا.
النسخة المعتمدة: اعتمدنا في هذه الطبعة على النسخة الحجرية المطبوعة في حياة
الناظم سنة (1343 ه‍) بعناية الشيخ رجب علي بن علي، وهي تقع في (22) صفحة من
القطع الصغير، ومعها تقريظان منظومان للشيخ محمد حسن أبي المحاسن والسيد
محمد باقر الحجة الطباطبائي رحمهما الله تعالى، وفيهما الإطراء والثناء العاطر.
وقد أوردنا في الهامش - إتماما للفائدة - جميع التعليقات التي كانت مطبوعة مع
المنظومة، والله الموفق والمستعان.
هذا ما تيسر لنا الوقوف عليه من ترجمة الناظم (رحمه الله) في هذه العجالة، وقد أخذنا
ذلك مما كتبه الناظم في ترجمة نفسه وطبع مع موجز المقال، وما كتبه العلامة البحاثة
الشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمه الله) بترجمته في نقباء البشر في القرن الرابع عشر (القسم الثالث
من الجزء الأول - صفحة 1104 - 1105).
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وكتب
الحسن بن صادق الحسيني آل المجدد الشيرازي
ضحوة يوم الثلاثاء 17 / 3 / 1421 ه‍
486

التصوير المخطوطة
487

موجز المقال
في مقاصد علم الدراية وقواعد تحمل الرواية
489

بسم الله الرحمن الرحيم
1. نشكر بعد الحمد غب البسمله * لله ذي المواهب المتصله
2. مسلسلا على تواتر النعم * ومستفيض فيضه على الأمم
3. مصليا على النبي المرسل * إلى البرايا بالكتاب المنزل
4. وآله أدلة الإرشاد * والسند الصحيح للآحاد
5. أئمة القوي والضعيف * وسادة الوضيع والشريف
6. تمت بآثارهم الهدايه * واستكملت بنشرها الدرايه
7. وبعد، فالعاري عن المآثر * عبد الرحيم بن الحسين الحائري
8. يقول: قد قصدت في عهد الصغر * نظم كتاب في دراية الأثر
9. لشدة الحاجة في الإسناد * يعلمها للعالم النقاد
10. وحفظ الألفاظ به لا المعنى * من حفظها بالنثر طبعا أهنى
11. وقد حفظت منه في صبائي * وجيزة لشيخنا البهائي
12. مشايخي بنظمها أشاروا * وهم كرام قادة كبار
13. وليس لي بد من الإطاعه * أطعتهم بقدر الاستطاعه
14. سبقت في مضمار هذا النظم * وسقت نحوه جواد العزم
15. مع اعترافي بالقصور سيما * في الشعر إذ لم أرق هذا السلما
16. فهذه الرسالة المختصره * لأمرهم بنظمها مقتصره
17. تضمنت خلاصة الدرايه * وأوضحت قواعد الروايه
18. مراعيا فيها بنظم مختصر * غير مخل وممل للنظر
19. نظمتها قبل بلوغي الحلم * فإن تجدها شططا فلا تلم
491

20. معتذرا به من الإعجام * والعذر مقبول لدى الكرام
21. فالعفو أرجو، والسماح أطلب * ليس على لعب الصبي معتب
22. وقد تقيدت بنظم ما زبر (1) * وإن عليه لم يساعد النظر
23. ولم نزد عليه إلا كلما * وبالهلالين (2) المزيد اتسما
24. سميتها بموجز المقال * معتصما بالله في مقالي
25. به بداية الكلام تنبغي * ومنه توفيق الختام نبتغي
26. من الفصول الست والمقدمه * وما به نختمها منتظمه
المقدمة
[تعريف علم الدراية، وبيان موضوعه]
27. ما فيه عن متن الحديث، والسند * يبحث، والأخذ، ونقل ما ورد
28. فهو دراية الحديث، والأصح * موضوعه: الحديث من حيث اتضح
الحديث - الأثر
29. وهو كلام قول معصوم نقل * أو الذي قرر فيه أو فعل (3)
30. وعندنا استعماله فيما صدر * عن غيره تجوز كذا الأثر
الخبر
31. ثم لمعنيين قد أتى الخبر * وفي الأخير منهما قد اشتهر
32. ما عن سواه كالصحابي ورد * و (4) ما مع الحديث معنى اتحد

1. الشيخ.
2. ()
3. نسخة:
وهو كلام عن إمام نقلا * لما قال أو قرر أو ما فعلا
4. الثاني.
492

33. وفيه للأصحاب أقوال أخر * كذاك في معنى الحديث والأثر)
34. ورسمه (1) على المفاد الثاني * بما له في أحد الأزمان
35. خارج نسبة فنعم ذا لما * يقابل الإنشاء لاما زعما
36. لأنه عكسا وطردا ينتقض * بنحو صلوا (2) وبزيد منتهض (3)
37. وبينه وبين ذلك الخبر * فإنما العموم من وجه ظهر
38. وإن يضف " حكى " إليه (4) ويضم * قال النبي بمقاله (5) لتم (6)
39. لكنه كما ترى وإن يتم * مندوحة عنه (فليس بالمهم)
40. والنقض في عكسهما (7) بما سمع * عنه ولم يحك فغير مندفع
41. والالتزام بالخروج الملتزم * تعسف لا ينبغي أن يلتزم
42. فالرسم إنما يتم إن جعل * لكلمة المعصوم أيضا فيشتمل
43. بأن يكون (8) قوله: " أو ما حكى " * (لكنه يلزم أن يشتركا)
44. والأمر سهل عند شرح الاسم * وليس كالحد ولا كالرسم)
45. فيشمل الحديث في التعبير (9) * للقول لا للفعل والتقرير)
السنة
46. عليهما السنة مما صدقا * فإنها أعم منه مطلقا

1. أي: رسم الخبر.
2. في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " صلوا كما رأيتموني أصلي " فإنه لا خارج لنسبته، فلا ينعكس.
3. فإن له خارج نسبة فلا يطرد.
4. بأن يقال: الخبر كلام حكى ما له في أحد الأزمنة خارج نسبة.
5. صلوا... إلى آخره.
6. التعريف عكسا وطردا.
7. أي التعريفين.
8. الحديث.
9. به عما ورد عن المعصوم (عليه السلام) من الأقسام.
493

الحديث القدسي
47. وما يسمى بالحديث القدسي * قول حكى من المقام القدس (1)
48. لفظا من الله بلا تحد * منه بشيء كأطعني عبدي
الفصل الأول
المتن والسند
49. متن الحديث ما به المعنى انعقد، * سلسلة الرواة كلها السند
[أقسام الحديث باعتبار السند]
المتواتر
50. إن بلغت أسناده حيث امتنع * منهم على الكذب اتفاق أن يقع
51. فمتواتر وما به رسم * حديث جمع صدقه منه علم
الآحاد
52. وما سوى ذاك من الأسناد * فهو يسمى خبر الآحاد
53. وهو الذي في طبقاتها حوى * لواحد فصاعدا ممن روى)
54. ولا يفيد ذاك غير الظن * بنفسه (وظنه لا يغني (2)) (3)
المستفيض
55. إن جاوز الثلاث عد من أثر * في الطبقات مستفيض الخبر (4)

1. نسخة أخرى:
قول حدى من المقام القدس * بلا تحد فحديث قدسي
2. نسخة: (والظن غير مغن).
3. إلا بدليل على اعتباره.
4. نسخة: في كلها فمستفيض الخبر.
494

الغريب
56. أو واحد في بعضها به انفرد * فبالغريب في اصطلاحهم يحد
المسند
57. ومسند إن علمت سلسلته * كلا (وبالمعصوم كانت صلته)
المعلق
58. معلق إن واحدا فصاعدا * أسقط من أولها (وأفقدا) (1)
المرسل
59. ومرسل حيث من المؤخر * أسقط أو كل رواة الخبر
المنقطع
60. منقطع ذلك إن من الوسط * أسقط، والساقط واحد فقط
المعضل والمعنعن
61. ومعضل إن كان منه أكثرا، * معنعن ما فيه " عن " أكررا
المضمر
62. ومضمر إن كان يطوى في السند * ذكر اسم معصوم إليه المستند
العالي والمسلسل
63. قصيره عال، وما يشتمل * على اشتراكه فذا مسلسل

1. إنما قيد بذلك لإخراج ما أسقط منه مع عدم فقده، للعلم به، أو لذكره في محل آخر، كما فعل الصدوق و
الشيخ في كتبهما (منه عفي عنه).
495

64. ويستوي فيه اشتراك كلهم * في أمر اختص بهم وجلهم
65. كالاسم نحو حامد عن حامد * ونحوه تلقيم كل واحد (1)
الشاذ
66. مخالف المشهور إن كان الخبر * بالشاذ النادر ذلك اشتهر
الصحيح
67. ثم الصحيح - في الصحيح - ما حصر * عدلا إماميا وإن شذ الخبر
الحسن
68. بالحسن أرسم الإمامي السند * إن مدحهم بدون تعديل ورد
القوي
69. جميعا أو بعضا، وإن عنهم سكت * مدحا وذما فقويا قد نعت
الموثق
70. وما حوى غير الإمامي وقد * عدل من (2) يحويه ذلك السند
71. فإن هذا عندهم موثق * عليه أيضا القوي يطلق
الضعيف
72. وبالضعيف غير هذي الأربعه * سم (ولا يليق أن تتبعه)
المقبول
73. وخذه مقبولا إذا شاع العمل * بما عليه ذلك الضعيف دل

1. واليمين بالله، والمصافحة.
2. نسخة: مما.
496

74. قد يطلق الضعيف عند الفرق (1) * على القوي وعلى الموثق
75. وقد يخص ما حوى إرسالا، * أو جرحا، أو تعليقا، أو إعضالا
76. أو انقطاعا، ويعم كل ما * في المتن أو إسناده قد سقما
77. ثم إذا يعلم (2) حال المرسل * عن غير موثوق به لم يرسل
78. كابن أبي عمير الثبت فما * أرسل في سلك الصحاح انتظما
79. وما روى عن غير موثوق به * ليس بقادح فلا تشتبه
80. إذ قيل: لا يرسل إلا عن ثقه * لا ليس يروي إلا عن سوى من وثقه
81. هذا، ولا يخفى عليك ما فيه * من قولهم فيه (3) بما ينافيه)
82. إذ مقتضى تصحيح ما عنه يصح * أن لا يكون راويا عمن جرح)
83. نعم إذا قامت قرينة فلا * بأس بما عن غير عدل نقلا)
84. مع أن في تحقق العلم وفي * تأثيره إشكالهم (4) غير خفي)
85. وما هو التحقيق عندنا فلا * يجوز الإيجاز أن يفصلا)
الفصل الثاني
[في حجية الأخبار]
86. يقطع بالصدق من التواتر * ولا منازع سوى المكابر
87. يظن في صحاح الآحاد به * (وإن يكن شأنا فلا تشتبه)
88. والمتأخرون طرا عملوا * بها، بل الكل عليها عولوا
89. بردها ابن زهرة كالمرتضى * وابني لبراج وإدريس قضى

1. نسخة: اللسق.
2. نسخة: استيقن.
3. من أنه ممن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه.
4. بأن العلم بذلك إما أن يكون بسبب الاستقراء، أو بسبب شهادة المرسل بذلك، فلم يثبتا في المقام.
ومع الثبوت؛ ينقلب المرسل مسندا، فلا تأثير للعلم بذلك....
[انظر: شرح البداية: 51؛ وصول الأخيار إلى أصول الأخبار: 107]
497

90. بل الخلاف من سواهم لم يقع) * وإن تجد مضمار بحثه اتسع
91. فما إلى أكثر من تقدما * من ردها ينمى (1) (فلن يسلما)
92. فالحق عندنا قبولها (وفي * ذلك أيضا سيرة القوم تفي) (2)
93. وقد بسطنا في الأصول ما به * كفاية في ذلك للمنتبه)
94. والشيخ فيما بالقرينة اعتضد * بالمتواترات ألحق السند
95. فأوجب العلم به والعملا * وباسم الآحاد يسمى ما خلا
96. وفصل القول في الاستبصار * به في الآحاد من الأخبار
97. فتارة بها أجاز العملا * وردها أخرى على ما فصلا
98. وطعنه في بعض الآحاد ابتنى * عليه في التهذيب حيث طعنا
99. عليه لا يتجه الإيراد * بأن ما فيه انطوى الآحاد
100. وكالصحيح عند بعض الحسن * وعند آخرين إن هو اقترن
101. بشهرة في عمل الثقات * مثل القوي والموثقات
وجه التسامح في أدلة السنن
102. والأخذ في المسنون بالضعاف * قد شاع عندهم بلا خلاف (3)
103. وليس أخذا بالضعاف، بل بما * إلى حديث حسن قد انتمى
104. وذاك ما صح لدى الأصحاب * " من سمع شيئا من الثواب "
105. حيث تفردنا به، والناس في * ذلك في نهاية التعسف
106. إذ أخذ الأحكام بنحو الوهم * قول على الله بغير علم
107. وليس للدفع لهم سبيل * وما يقولون به عليل

1. نسخة: ينمى من الرد.
2. يعني مع الاتفاق - إلا من هؤلاء - على القول بقبولها، سيرة القوم قديما وحديثا في العمل بها في أمور
دينهم ودنياهم - إلا فيما لم يكن مدخل للنقل فيه - تفي دليلا، وتكفي برهانا في ذلك، وإلا لانسداد الباب
مطلقا - كما لا يخفى - فتأمل جدا. (منه مد ظله).
3. بين الخاصة والعامة.
498

108. (والاحتياط لا يفيده وإن * أفاد الاستحباب ما به أذن)
109. (لأن الاستحباب في الإتيان * وإن خلا المأتي من رجحان)
110. وفي كتاب الأربعين قد بسط * فيه الكلام فليراجع ما انبسط
111. (ويلحق المكروه بالمسنون * إذ الرجا في تركه المأمون)
112. (إن قيل: هذا (1) لا يخص بالسنن * بل عم (2) كل راجح بسط المنن)
113. (قلنا: (3) الدليل (4) مطلق الرجحان * ويلزم الواجب بالإتيان)
114. (فبين الأمرين تباعد وإن * قصد الرجاء باتساعه ضمن)
115. (هذا، وأيضا (5) لفظة " الثواب " * ظاهرة في نفس الاستحباب)
116. (و (6) أنها مطلقة فتنصرف * إليه إذ به كثيرا تتصف)
117. (بل لم نجد فيما عداه موردا * لها سوى فتوى ولن يعتمدا)
118. (مع أن الأصحاب عليه حملوا * وحجة قاطعة ما فعلوا)
الفصل الثالث
[أقسام الخبر باعتبار المروي والراوي]
المعلل
119. لعلة خفية ما يشمل * في المتن أو في السند المعلل
120. قيل: الصحيح أن يسمى بالمعل * لأنه قياس مفعول أعل)
المدرج
121. وإن به كلام راويه دخل (7) * يوهم أن ذاك منه، أو نقل

1. أي الحديث الذي هو دليل التسامح.
2. فيشمل الواجب ويثبت بذلك.
3. الجواب عن ذلك من وجوه.
4. الأول.
5. الثاني.
6. الثالث.
7. نسخة: اتصل.
499

122. ما اختلفا في المتن أو في السند * بواجد فهو مدرج ردي
المدلس
123. أو أوهم السماع ممن لم يع * عنه فهذا بمدلس دعي
124. كما روى وشيخه لم ينحصر * ملقبا له بما لم يشتهر
المقلوب
125. بعضا من الرواة أو كل السند * بغيره بدل سهوا أو قصد
126. به إلى رواج أو كساد * فذلك المقلوب في الإسناد
المصحف
127. في سند الحديث حيث صحفا * أو متنه فسمه المصحفا
المتفق والمفترق
128. إن كان راو وافق الآخر في * اسم أبيه واسمه في الأحرف
129. في اللفظ والخط إذا ما اتفقا * فسمه المتفق المفترقا
المؤتلف والمختلف
130. في الخط لا في اللفظ حيث ائتلفا * فسمه الموتلف المختلفا
المتشابه
131. وإن توافقا في الاسم وائتلف * أبوهما بالمتشابه اتصف
رواية الأقران - رواية الأكابر عن الأصاغر
132. في السن إن وافق من عنه روى * أو معه في الأخذ عن الشيخ استوى
500

133. رواية الأقران سمه كما * في أحد الأمرين إن تقدما (1)
134. فهو إلى رواية الأكابر * عن الأصاغر انتمى للماهر
الفصل الرابع
[الجرح والتعديل]
135. بعادل (2) تعديل راوي الأثر * كجرحه يثبت عند الأكثر
136. إن ورد التعديل والجرح معا * فقدم الثاني حيث اجتمعا
137. كما هو المشهور، والأولى على * ما هو أقوى ظنا أن تعولا
138. كالأكثر اطلاعا، أو عديدا، * أو ورعا، وتؤثر المزيدا
139. فإن مطلق الظنون معتبر * عند كثير في أسانيد الخبر)
140. وفي كلا القولين عندنا نظر * إذ ليس إ طلاقها بمعتبر)
141. بل إن تعارضا (3) فخذ بالراجح * ظنا وإلا فبقول الجارح)
ألفاظ التعديل
142. ألفاظ تعديل هي الموثقه: * عين وحجة وعدل وثقه
143. أما قريب الأمر حيث يطلق * كالحافظ، الضابط، مدح مطلق
144. كذا الصدوق، الزاهد، المشكور * والمستقيم، المتقن، المبرور
ألفاظ الجرح
145. والجرح لفظه: ضعيف، مضطرب، * غال ووضاع وساقط، ثلب

1. أي: تقدم الراوي على المروي عنه.
2. واحد - كما هو قضية التنكير -.
3. بأن قال المعدل: رأيته يوم الجمعة وقت الزوال يصلي في المسجد، وقال الجارح: رأيته في ذلك اليوم و
والوقت يشرب الخمر، فحينئذ يؤخذ بالراجح، لقبح ترجيح المرجوح عليه.
وإن لم يتعارضا؛ بأن أخبر المعدل عما ظهر له، وأخبر الجارح عما خفي على المعدل؛ فيؤخذ حينئذ
بقول الجارح، إذ ليس ردا لقول المعدل. (منه عفي عنه).
501

146. ليس بشيء وكذوب، متهم * مرتفع القول (وما به يذم)
147. كفاسد، شر، مخلط) وما * شاكلها والجرح منه علما)
148. دون عن الضعاف يروي وكذا * ليس يبالي هو عمن أخذا
149. يعتمد المرسل إذ ذلك في * إفادة الجرح صريحا لا يفي
150. في كون ليس بالنقي الخبر * ويعرف حديثه وينكر
151. حديثه ليس بذلك النقي * ولم يكن بذلك الموثق)
152. جرحا؛ تأمل، ومنعه يصح * لأن جرحه بها لم يتضح
153. من بصلاح بعد فسق اتصف * كعكسه عما رواه فليكف
154. حتى يرى (1) صلاحه وقت الأدا * لا الأخذ علما بان أو ظنا بدا
الفصل الخامس
[أنحاء تحمل الخبر]
155. سبعة أنحاء تحمل الخبر * (وهي على منع الخلو تعتبر)
السماع
156. أولها: السماع من شيخ وهو * أعلى (أو العرض (2) عليه أوجه) (3)
157. يقول من يسمع منه الخبرا: * " سمعت " أو " حدثنا " أو " أخبرا "
158. ونحوها " نبأنا " (وإن يقل: (4) * قال كذا - بغير لي - فلا يدل)
القراءة - العرض
159. ثانيها: قراءة الأصل على * شيخ يكون حافظا لما تلا

1. أي: يعرف، كما في قوله تعالى: (وأرنا مناسكنا) أي عرفنا.
2. عطف على المبتدأ.
3. لأنه أقرب لرعاية الأدب.
4. أي: وإن يقل الراوي: قال الشيخ كذا، بغير لفظة " لي " فلا يدل على السماع.
502

160. أو ذلك الأصل يكون في يده * مصححا أو في يد معتمده
161. فقل: قرأته عليه فأقر * به وذا بالعرض أيضا اشتهر
162. تلك العبارات (1) التي قد سبقت * تجوز، قيدت بها (2) أو أطلقت
163. في كل أو في غير الأولى (3) إذ وقع * فيها الخلاف بعضها بعض منع
164. في حكمها السماع من تال على * شيخ بنحو ما ذكرناه تلا
165. فقل: سمعت إذ عليه غيري * تلا مقرا (4) والخلاف (5) يجري
الإجازة
166. ثالثها: المقبول عند الأكثر * إجازة الشيخ لراوي الأثر
167. تجوز كتبا، وشفاها، ولمن * ليس له التمييز في قول حسن (6)
168. و (7) تلك إما لمعين به * تصدر، أو بغيره، فانتبه
169. أو لسواه بسواه، أو به، * فهي ضروبها فلا تشتبه
170. أحسنها أول هذي الأربعه * بل ما عدا الأولى بعض منعه
171. يقول: (8) قد أجازني روايته * وقيل: (9) كل ما حوى إجازته (10)
المناولة
172. رابعها: الموسوم بالمناوله * وهي بأن الشيخ أصلا ناوله

1. وهي: سمعت وأخواتها.
2. أي: بالقراءة، بأن يقول: سمعت قراءة، أو أخواتها.
3. أي: سمعت.
4. حال من الضمير المجرور.
5. السابق.
6. ويقابله قول من اشترط صلاحية المجاز للرواية وتفهمها، وقد أفرط من اشترط كونه من أهل العلم.
7. نسخة:
وهي لمعلوم وغيره به * تصدر أو بغيره فانتبه
8. المجاز.
9. يقول.
10. أي كل عبارة من تلك العبارات تكون حاوية عليها، كأن يقول: حدثنا إجازة.
503

173. وقال: إنه سماعي واكتفى * به ولم يجز ففيها اختلفا
174. وإن قرينة على القصد لها * قامت فلا يبعد أن نقبلها
175. بل القبول مطلقا أقوى لما * إلى الرضا من أمره به انتمى) (1)
176. يقول: قد حدثنا مناوله * وشبهه (2) مما حوى تناوله (3)
177. وما صريحا بالإجازة اقترن * فأعلى الأنواع وأحسن السنن
الكتابة
178. خامسها: كتابة الشيخ بما * روى له (4) أو (5) ما به قد حكما
179. يقول: هذا ما إلينا (6) كتبه * وقيل: (7) أو حدثنا مكاتبه
الإعلام
180. سادسها: إعلام ما تحمله * بلا إجازة ولا مناوله
181. وهو وما يسبقه (8) كالرابع (9) * إن أطلقا في الاختلاف الواقع (10)
182. يقول: (11) قد أعلمنا الشيخ به * ونحو هذا القول فلينتبه

1. روى الكليني [الكافي 1: 52، ح 6] عن أحمد بن عمر الحلال أنه قال للرضا (عليه السلام): الرجل من أصحابنا
يعطيني الكتاب ولا يقول: اروه عني، يجوز أن أرويه عنه؟ قال: فقال (عليه السلام): إذا علمت أن الكتاب له فاروه
عنه.
2. كأخبرنا ونبأنا.
3. نسخة: المناوله.
4. متعلق بالكتابة لا يروى.
5. عطف على الكتابة.
6. نسخة: إلي.
7. يقول.
8. أي: الكتابة.
9. أي: المناولة.
10. يعني أن الإعلام والكتابة كالمناولة في الاختلاف الواقع فيها في صورة الإطلاق، وقبولها عند التقييد
بالإجازة مطلقا - كما هو المختار -.
11. المتحمل عنه.
504

الوجادة
183. سابعها: وجادة المروي من * شيخ به لم يتصل (1) كما زكن (2)
184. يقول: (3) قد وجدته بخط ذا * أو في كتاب مخبر قال كذا (4)
185. قولان (5) للأصحاب فيها عملا * أما الرواية بها فقيل: لا
186. وعندي الجواز مطلقا أسد * لما عن الجواد والرضا ورد) (6)
الوصية
187. هذا، وعند بعض الوصية * من طرق الأخذ هي البقية)
188. لكنها ليست لدى التحقيق * إلا إجازة مع التعليق)
189. فلم تكن ثامنة الأنحاء * والحصر حاصر بلا إبقاء)
الفصل السادس
[آداب كتابة الحديث]
190. وآخر الفصول في الآداب * مما جرى في رقم الكتاب
191. فينبغي تبيين خط الخبر * بلا اندماج بعضه في الآخر
192. وكن لإعراب الحديث مظهرا * فيما يكون وجهه مستترا
193. واكتب صريحا بعد رسم (الأنبياء) * تسليما أو تصلية (والأوصياء

1. الواجد.
2. أي علم من الأنحاء الستة.
3. الواجد.
4. أي قال: إنه خط ذا.
5. جوز العمل بها أكثر المحققين، ومنعه أكثر العامة.
6. أما ما ورد عن مولانا الرضا (عليه السلام) فقد مضى في " المناولة " وأما عن الجواد (عليه السلام) ففي الصحيح عن محمد بن
الحسن بن أبي خالد قال: قلت له (عليه السلام): جعلت فداك، إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) و
كانت التقية شديدة، فكتموا كتبهم فلم ترو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال: حدثوا بها فإنها
حق. (فتأمل) [الكافي 1: 53، ح 15]
505

194. لا سيما) النبي والأئمه * (واسترحمن للعلماء جمه)
195. بين المحول (1) ومن إليه قد * حول حاء (2) اكتب إذ حال السند
196. ونحو " قال " ذو ضمير استند * عودا إلى المعصوم لامه يمد
197. بين الحديثين ارسمن للفصل * دائرة من غير لون الأصل
198. إن وقع السقط اليسير فعلى * تحت السطور اكتبه حيث أذهلا
199. إن كان سطرا فإلى الأعلى (3) اكتب * من اليمين أو يسار الكتب
200. واكتب إلى الأسفل في اليمين ما * زاد والأعلى في اليسار (معلما) (4)
201. بالحك ينفى الزائد الذي نزر * ويضرب الخط عليه إن كثر
202. أو خيف منه الخرق (والمحو أحق * من غيره إن لم يسود الورق)
203. لا يرمز الزائد ب‍ " الزا " و " إلى " * ولا ب‍ " لا " فربما قد أغفلا
204. ويضرب الأخير في المكرر * إن لم يكن على ابتداء الأسطر
205. ولا من الأول أجلى خطا * وهكذا حك الأخير المخطا
الخاتمة
[أمهات كتب الحديث]
206. أخبارنا أجمع إلا ما ندر * تروى عن الأئمة الإثنى عشر
207. وإنهم عن النبي قد رووا * إذ من رحيق علمه قد ارتووا
208. وما أصولنا عليه تحتوي * مما على التحقيق عنهم قد روي (5)
209. أكثر مما في الصحاح الست * مما رواه غيرنا بالبت
210. بل قيل بالمزيد (6) في الكافي فقط * إن كان ما كرر في الست سقط)

1. نسخة: محول.
2. ح.
3. أي: أعلى الصفحة.
4. أي: واضعا علامة على موضع السقط.
5. نسخة: من الأحاديث كما عنهم روي.
6. لأن أحاديث الكافي ستة عشر ألف وتسعة وتسعون، وأحاديث البخاري ومسلم كلها أربعة آلاف - غير
المكررات - وباقي الصحاح لا تبلغ صحيح البخاري.
506

211. فإن واحدا من الأصحاب * عن أحد الأئمة الأطياب
212. كما يقولون روى ثلاثين * ألف حديث من معالم الدين
213. وهو أبان بن تغلب الجريري * عن الإمام الصادق الخبير
214. والقدماء جمعوا ما وجدوا * عنهم وفي أصولهم قد أوردوا
215. فألفوا فيما رووا أصولا * في كل باب دونوا فصولا
216. قد بلغت من المئات أربعا * أزهر فيها ديننا وأربعا
217. وحيث كانت كتبا منتشره * وللجميع لم تكن ميسره
218. رتبها جمع من الأواخر * أحسن ترتيب لكل ناظر
219. فألفوها كتبا مبوبه * مبسوطة مضبوطة مهذبه
220. فقللوا بها للانتشار * وسهلوا لطالبي الأخبار
221. فإنها مجموعة مرتبه * يسهل جدا نيلها للطلبه
222. وهي على السلسلة المتصلة * إلى أئمة الهدى مشتمله
223. كالكتب الأربعة المشتهرة * وغيرها من كتب معتبره
224. وتلك كالعيون والأمالي * مدينة العلم وكالخصال
225. وما عليه صار في الأخبار * مدارنا في هذه الأعصار
226. فإنما هي الأصول الأربعه * على اعتبارها الشيوخ مجمعه
227. قد ألف الكافي في الأحكام * أصلا وفرعا ثقة الإسلام
228. وهو محمد بن يعقوب أبو * جعفر الكليني المهذب
229. ألفه مدة عشرين سنه * ما أتقن (1) اكتتابه وأحسنه
230. ثمان أو (2) تسع وعشرون مضى * من رابع المئات فيه قد قضى
231. (بغداد طابت إذ أقلت جسده) * فعطر الله تعالى مرقده
232. ومن جميل ماله من الثنا * قد عد من مجددي مذهبنا

1. نسخة: فأتقن.
2. على اختلاف الأقوال.
507

233. في رأس ثالث المئات بعدما * في رأس ثانيها الرضا قد زعما
234. كما بذاك ابن الأثير آثره * في جامع الأصول لما ذكره
235. فإن بعض الناس قد ترصدا * في رأس كل مائة مجددا (1)
236. كتاب من لا يحضره الفقيه * ألفه المحدث النبيه
237. حجة الإسلام محمد أبو * جعفر بن بابويه الأرب
238. وما سواه من أصول قد كتب * إلى ثلاث مائة قد اقترب
239. إذ واحد مع الثمانين مضى * من رابع المئات في الري قضى
240. وقبره الشريف فيها ولقد * فاز به الذي إليه قد قصد)
241. فقدس الله تعالى تربته * وفي رياض القدس أعلى رتبته
242. كتاب الاستبصار والتهذيب * لقدوة الطائفة الأريب
243. محمد بن الحسن الشيخ أبي * جعفر الطوسي طود المذهب
244. وكم لهذا الفاضل النحرير * في الفقه والأصول والتفسير
245. من كتب، فسعيه مشكور * وفي الجنان روحه محبور
246. من خامس المئات ستون مضى * ففيه بالغري نحبه قضى
247. في المسجد الطوسي زرنا مصرعه) * فطيب الله العظيم مضجعه
248. فهؤلاء القادة المشايخ * في الفقه والحديث هم رواسخ
249. وإنهم أئمة الأصحاب * من متأخريهم الأطياب
250. هم علماء شرع هذي الفرقه * الشيعة الناجية المحقه
251. وفي الإمامية هم أركان * عليهم الرحمة والرضوان
252. ثم اقتدى جمع بهم في الأثر * وشيدوا أركان هذا الأمر
253. فشيد الله لهم أركانا * كما بهم قد شيد الإيمانا
254. قد جمع الشيخ بهاء الدين في * كتاب الحبل المتين ما يفي
255. بمدرك المسائل الشرعيه * ومعظم المطالب الفرعيه

1. لمذهب الإمامية شيد الله أركانه.
508

256. من الموثقات والحسان * ومن صحاحها مع البيان
257. خلاصة من الأصول الأربعه * قد أحكم الأحكام فيما جمعه
258. أوضح ما فيها من المباني * وحقق المقصود والمعاني (1)
259. لقد أتى بأحسن الجوامع * بمثله لم يأت كل جامع
260. قد رام فيه غاية المرام * لكنه لم يأت بالتمام
261. أتى إلى مسائل الصلاة * فليته تم إلى الديات
262. مع أنه معشار ما أراده * ألف حديث فيه، بل وزاده (2)
263. وما سواه في العلوم قد رسم * مع غاية الدقة والإتقان جم
264. وما لهذا الشيخ من فضائل * لا يحتويه مجمل الرسائل
265. هو الذي في كل فن قد كتب * ومن إليه كل فضل انتسب
266. وفي ثلاث بعد خمسين عدا * من تاسع المئات قد تولدا
267. إذ واحد مع الثلاثين مضى * من بعد ألف فيه نحبه قضى
268. ونعشه إلى خراسان حمل * وفيه عند مرقد الرضا جعل
269. فيا له من مرمس مقدس * طوبى لمرموس بهذا المرمس
270. فقدس الله تعالى سره * وفي نعيم الخلد الأعلى سره
271. والمحسن الفيض الصفي الصافي * أو في الأصول حقها بالوافي
272. حلاه بالصحاح والحسان * وبالموثقات والبيان
273. والعالم المحدث الرباني * ذو المكرمات المجلسي الثاني
274. وهو محمد عليه الرحمه * باقر علم أهل بيت العصمه
275. أتى بحارا من صفا الأخبار * تروى عن الأئمة الأطهار
276. وإنها اليوم في الاشتهار * كالشمس في رابعة النهار
277. وشيخنا الحر الجليل العاملي * قد جمع الفروع في الوسائل

1. إلى هنا تمت الوجيزة.
2. نسخة: مع زيادة.
509

278. مدارنا اليوم عليه ولقد * هذب ما أودع فيه ونقد
279. إن فاته شيء من المسائل * تجده في مستدرك الوسائل
280. وما من الأسناد (1) فيه لم تجد * فارجع إلى هذا الكتاب وانتقد
281. فإنه للفاضل المعاصر * حسين النوري ذي المآثر
282. وهو لقد شمر فيه ساعيا * فشكر الله له المساعيا
283. وغير هذي الكتب المذكوره * من كتب كبيرة مشهوره
284. فيما عن الغر الميامين ورد * من الأحاديث كثير لا يعد
285. فاليوم نحن في ذراها بسعه * ومن حماها في ارتواح ودعه
286. لقد أتوا بمنتهى المرام * جزاهم الله عن الإسلام
287. قد تم ما رمناه بالتنميق * فنحمد الله على التوفيق
288. مصليا على النبي الطاهر * وآله الأئمة الأكابر
289. لا سيما موضع سره علي * وباب علمه الإمام الأول
290. والخلف الصدق الولي المنتظر * هادي الورى إمامنا الثاني عشر
291. ودائم اللعن إلى مدى الأبد * على من اعتدى وحقهم جحد
292. قد تم في شعبان نظم ما رقم * أرخ: كموجز المقال ما نظم
(1309) ه‍

1. نسخة: الأخبار.
510

فهرس مصادر التحقيق
1. شرح البداية في علم الدراية، للشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (965 ه‍) -
ضبط نصه: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، الطبعة المضبوطة الأولى، منشورات
الفيروزآبادي، قم، سنة 1414 ه‍.
2. الكافي، للإمام الحافظ ثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي
(328 - 329 ه‍)، صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري، الطبعة الأولى، مكتبة الصدوق،
طهران، سنة 1381 ه‍.
3. نقباء البشر في القرن الرابع عشر، للعلامة الشيخ محمد محسن الشهير بآغا بزرگ الطهراني
(1389 ه‍) - الطبعة الثانية، مشهد، دار المرتضى للنشر، 1404 ه‍، 4 مجلدات.
4. وصول الأخيار إلى أصول الأخبار، لشيخ الإسلام الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني
العاملي (985 ه‍)، تحقيق السيد عبد اللطيف الكوهكمري، الطبعة الأولى، مطبعة الخيام
بقم، سنة 1401 ه‍.
511

(6)
الوجيزة
في علم دراية الحديث
تأليف:
ملا عبد الرزاق بن علي رضا الحائري الأصفهاني الهمداني
1291 - 1383 ه‍
تحقيق:
رضا قبادلو
513

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
المؤلف: الشيخ عبد الرزاق بن علي رضا الحائري الأصفهاني الهمداني،
المشهور ب‍ " الواعظ "، و " المحدث الحائري "، و " المحدث الهمداني ". ولد عام 1291 ه‍
وتوفي عام 1383 ه‍ من علماء القرن الرابع عشر الهجري.
سرد الشيخ آقا بزرگ الطهراني سيرته في طبقات أعلام الشيعة على النحو التالي:
هو الشيخ عبد الرزاق بن علي رضا بن عبد الحسين بن أبي طالب بن عبد الكريم
(مؤلف نظم الغرر) بن محمد يحيى (مؤلف ترجمان اللغة) بن محمد شفيع (متمم كتاب
والده، أبواب الجنان) بن رفيع الدين محمد بن فتح الله القزويني الأصفهاني الحائري
الهمداني، عالم فاضل وواعظ كبير.
كان جده من أهالي قزوين وهبط والده أصفهان فولد المترجم له فيها في سنة
1291 ه‍ وفي حدود سنة 1300 ه‍ هاجر والده إلى كربلاء فصحبه معه، واشتغل بها في
مقدمات العلوم إلى سنة 1313 ه‍ فأخذته والدته العلوية إلى همدان فواصل بها دراسة
العلوم واتجه إلى الخطابة والوعظ، واشتغل بالتأليف، فأنتج مجموعة من الآثار.
وتشرف إلى الزيارة في النجف في سنة 1348 ه‍، فزارني في العشرة الثانية من
جمادى الثانية، وذكر لي أن مؤلفاته بلغت العشرين. وفي سنة 1363 ه‍ كتب لي أسماء
جملة جديدة، وفي سنة 1373 ه‍ تشرف للزيارة أيضا وزارني فأطلعني على بعض ما
كان حمله معه إلى النجف من آثاره....
515

كان في الحياة إلى 1381 ه‍ وانقطع عني خبره بعدها. (1)
نظرا إلى أن تاريخ وفاته قد ذكر في نقباء البشر في " شوال 1383 ه‍ " قبل شرح
سيرته، يفهم من ذلك أن هذا التاريخ قد أضيف من قبل المرحوم السيد عبد العزيز
الطباطبائي.
ذكره الشيخ آقا بزرگ في مصفى المقال، كما يلي:
الميرزا عبد الرزاق بن الميرزا علي رضا بن عبد الحسين، الأصفهاني المولد،
الحائري المنشأ، الهمداني المسكن، الشهير بالواعظ، المعاصر المولود في 1291 ه‍.
له تصانيف منها: الوجيزة في الدراية والفوائد الرجالية في ثلاثة آلاف بيت كما ذكرها لنا
شفاها ومكاتبة. (2)
تأليفاته:
الآثار التي نوردها في ما يلي، ذكر منها الشيخ آقا بزرگ الطهراني العناوين من 1
إلى 24 عند شرحه لسيرة حياته في كتاب نقباء البشر، وهي كالتالي:
1. ذريعة المعاد في شرح نجاة العباد في الطهارة، فرغ منه في سنة 1330 ه‍ وهو شرح
مزجي بديع.
2. السيف القاطع في إبطال الركن الرابع باللغة الفارسية. (3)
3. هداية الطالبين في أصول الدين باللغة الفارسية (4)، في رد الشيخية.
4. رد الشيخية.
5. الخلافية في رد الشيخية أيضا.

1. نقباء البشر في القرن الرابع عشر 3: 1113 - 1114.
2. مصفى المقال في مصنفي علم الرجال: 229. والكتاب الذي ذكره له هو " الوجيزة في الدراية والفوائد
الرجالية " هو هذا الكتاب الذي بين يديك. ولكن هذه النسخة لا تتجاوز ثلاثة آلاف سطر.
3. الذريعة 12: 288.
4. الذريعة 25: 181.
516

6. السؤال والجواب، في ردهم أيضا، باللغة الفارسية. (1)
7. الهداية في رد الصوفية.
8. المقالات الإسلامية في رد النصارى والطعن على العهدين والجواب عن قصة
زيد وزينب. (2)
9. الجواب عن سؤال زيد وزينب. (3)
10. مختصر المقالة الجوابية في جواب السؤال المذكور باللغة الفارسية وهو
مختصر المقالات الإسلامية. (4)
11. بداية المنطقية.
12. الوجيزة الرجالية. (5)
13. مجلد في بعض مباحث الأصول وبعض الفقه.
14. الكشكول.
15. مجموعتان من الأشعار المختارة.
16. " ستة مجاميع " في رد الطبيعيين ونقد غيرهم.
17. مناظرات ومقالات في أحوال سيد الشهداء (عليه السلام) وأصحابه.
18. المواعظ المنبرية
19. رسالة أصول الدين
20. رسالة جواز نقل الموتى
21. رسالة فروع الدين (6)

1. الذريعة 12: 245.
2. الذريعة 21: 389.
3. الذريعة 12: 89، تحت عنوان " زيد وزينب وقضيتهما ".
4. الذريعة 21: 395.
5. الذريعة 25: 50، وهي هذه الرسالة، واسمها الكامل هو: الوجيزة في الدراية والفوائد الرجالية.
6. الذريعة 16: 184.
517

22. الفيصل في تحريف الكتاب. (1)
23. الغديرية
24. الإسلام والخلافة
25. فصل الخطاب في تنقيح الحجاب. (2)
26. القرآن والحجاب، المنتخب من الرسالة السابقة. (3)
27. مواكب حسينية، باللغة الفارسية. (4)
28. فهرس عقايد الشيخية باللغة الفارسية. (5)
29. رسالة في الغناء. (6)
30. سلاسل الحديد على عنق العنيد عبد الوهاب فريد في رد كتاب اسلام ورجعت. (7)
31. الشهب الثاقبة باللغة الفارسية وهو فهرس الكتاب سؤال وجواب، ويحتمل أنه
فهرس عقائد الشيخية نفسه. (8)
32. خلاصة كتاب " السؤال والجواب " الذي كتبه المؤلف في رد الشيخية. (9)
33. إيقاظ الأمة، باللغة الفارسية، في بيان مفاسد اعتقادات اليهود والنصارى. (10)
34. رسالة علماء الإمامية والرجعة وهي عبارة عن فهرست بالموضوعات التي
أوردها علماء الإمامية في كتبهم عن الرجعة. (11)

1. الذريعة 16: 405.
2. الذريعة 16: 231.
3. الذريعة 17: 59.
4. الذريعة 23: 232.
5. الذريعة 16: 384.
6. الذريعة 16: 62.
7. الذريعة 12: 210.
8 و 9. الذريعة 12: 245، في ذيل كتاب " سؤال وجواب "، رقم 1612.
10. الذريعة 26 (المستدرك): 77.
11. توجد نسخة من هذا الكتاب مخطوطة بيد المؤلف، في مكتبة حرم السيد عبد العظيم الحسني (عليه السلام)، برقم
278. وقد ذكرها لي الصديق الكريم سماحة حجة الإسلام الشيخ أبو الفضل حافظيان.
518

الرسالة التي بين يديك:
لم يكن المؤلف، كما ذكر في بداية هذا الكتاب (الوجيزة في الدراية) بصدد
ترتيبه على غرار كتب المؤلفين الآخرين وجعله على هيئة مقدمة وفصول
وخاتمة وبعناوين منفصلة، وإنما كانت غايته إيراد أمهات مسائل علم الدراية في
هذه الرسالة.
يستشف من متن هذه الرسالة ومن حواشيها، ومن كلام المصنف الذي تضمنته
الجمل التي جاءت في بداية النسخة وقبل شروع الكتاب، وكذلك مما ذكره في بداية
الكتاب وفي نهايته، بأن هذه الرسالة تمثل تقريبا مسودة المؤلف، ولهذا السبب
يلاحظ وجود حواشي كثيرة فيها كان المؤلف قد كتبها أثناء التأليف أو بعده. وقسم من
هذه الحواشي عبارة عن تصحيحات أو إضافات إلى المتن والقسم الآخر عبارة عن
شرح لبعض أجزاء المتن ولكنها لا تحتسب ضمن المتن.
كتبت هذه الرسالة خلال أربعة أيام، وانتهى المؤلف منها في يوم الأربعاء 24
رمضان المبارك عام 1344 ه‍ في مدينة همدان. ومن الطبيعي أن تأليف مثل هذه
الرسالة في أربعة أيام يدل على فضل وكمال مؤلفها.
تجدر الإشارة إلى وجود ملحق لهذه الرسالة يتكون من 13 صفحة، مكتوبة بخط
المؤلف، دونه في شهر رمضان المبارك عام 1347 ه‍ وسماه " الفوائد الرجالية " و
" مستطرفات الدراية "، ويتضمن حلا للرموز المستخدمة في كتب الرجال، وتصحيحا
لبعض الأسماء والألقاب والكنى، وتوضيحا لبعض الكنى والألقاب والأنساب و
الأوصاف، وسردا لبعض الكتب المشهورة، وبيانا للرموز التي يستخدمها الفقهاء في
كتبهم الفقهية.
يتضمن هذا الملحق - كما هو الحال بالنسبة إلى أصل الرسالة - حواشي و
تصحيحات كثيرة أدرجها المؤلف بنفسه.
انصرفنا عند تصحيح هذه الرسالة عن ضم هذا الملحق إليها.
519

نسخ هذا الكتاب:
هناك نسختان معروفتان من هذا الكتاب لحد الآن:
1. النسخة الموجودة في مكتبة دار الحديث في قم، وتحمل الرقم 49، وهي
مكتوبة بخط المؤلف وقد انتهى منها بتاريخ 24 من شهر رمضان المبارك عام 1344 ه‍
في مدينة همدان.
هذه النسخة مكتوبة في 42 صفحة، وتحوي كل صفحة حوالي 20 سطرا. و
أضيفت إليها حواشي كثيرة من قبل المؤلف. وكما سبقت الإشارة فإن هناك ملحق لها
من 13 صفحة يشتمل على موضوعات في علم الرجال.
2. النسخة الموجودة في مكتبة آية الله النجفي المرعشي (رحمه الله)، وتقع ضمن
مجموعة رسائل أخرى، وهي الأولى ضمن هذه المجموعة. (1)
طريقة التحقيق:
جرى تحقيق هذه الرسالة استنادا إلى النسخة الموجودة في مكتبة دار الحديث
على النحو التالي:
1. بعد قراءة متن الرسالة، والقراءة الدقيقة للحواشي، وفهم العلاقة بين
الحواشي والمتن، أضيفت المطالب التي كانت مكتوبة في حاشية النسخة لغرض
التصحيح والإضافة - وكان المؤلف الجليل قد ميزها عن غيرها بعلامة " صح " - إلى
المتن وأقحمت بين ثناياه في موقعها المناسب. وأما المطالب التي جاءت في تلك
الحواشي على سبيل توضيح بعض المطالب الموجودة في المتن ولكنها لا تدخل في
عداد موضوعات المتن، وكان المؤلف قد ميزها بعلامة " منه "، فقد جعلناها على شكل
هوامش في أسفل الصفحة.

1. مجلة ميراث شهاب، العدد 19، ص 112.
520

2. حاولنا تفكيك مطالب الرسالة واختيار عنوان مناسب لكل واحد من أبوابها و
قد وضعنا هذه العناوين بين معقوفين.
3. في الحالات التي إتسمت فيها العبارات بعدم الوضوح، أو تلك التي حي
بالغموض أو يتبادر إلى الذهن وجود إشكال فيها، استخدمنا علامات الترقيم و
الحركات من أجل توضيح المتن بشكل أفضل أو إزالة الغموض واللبس عنه. وفي
حالات نادرة استدعت الضرورة إضافة كلمات إلى النص وضعناها بين قوسين، أو
كتبنا لها توضيحا في الهامش.
4. الأحاديث الشريفة، وأقوال العلماء التي جاءت في المتن، وضعنا لها إشارة
مرجعية في المتن، وذكرنا مصدرها في الهامش. أما الأحاديث والأقوال التي جاءت
في الهوامش المدونة من قبل المؤلف، فلم ندرج لها أية إشارة مرجعية وإنما ذكرنا
مصادرها بعد نهايتها ووضعنا المصدر بين معقوفين في الهامش نفسه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
رضا قبادلو
521

تصوير المخطوطة
522

الوجيزة في علم دراية الحديث
523

هذه رسالة وجيزة في علم دراية الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله المعصومين وعترته
الطاهرين.
وبعد، فيقول العبد العاصي المحدث الحائري ابن علي رضا عبد الرزاق الإصفهاني:
إن علم الحديث من أشرف العلوم لجهات لا تخفى، ومعرفته من حيث الإسناد و
الإرسال والضعف والصحة وغير ذلك، وكذا معرفة راويه من حيث إنه عادل أو
فاسق، ثقة أو مجروح ونحو ذلك، تتوقف على علم درايته ورجاله؛ وهذه وجيزة
عزيزة في مهمات علم دراية الحديث، لم أجعل لها - ككتب القوم - ترتيبا من مقدمة و
أبواب وفصول وخاتمة، وجعلتها تذكرة لمن التمس كتابتها مني، ولأمثاله؛ وبالله
أستعين، وعليه التوكل؛ فإنه خير معين.
[تعريف علم الرجال]
اعلم أن " علم الرجال ما وضع لتشخيص رواة الحديث ذاتا ووصفا، مدحا و
قدحا "؛
وعرف أيضا ب‍ " أنه العلم بأحوال رواة خبر الواحد ذاتا ووصفا، مدحا وقدحا وما
في حكمهما "؛
وقيل: " هو ما يبحث فيه عن أحوال الراوي من حيث اتصافه بشرائط قبول الخبر
وعدمه " وإنه من أجود التعريفات؛ لكثرة ما يرد عليها من النقوض جمعا ومنعا،
بخلافه؛ فإنه مانع جامع، وفيه تأمل.
525

وقيل: أحسن التعاريف هو " أنه يبحث فيه عن أحوال الرواة التي لها مدخلية في
تشخيص ذواتهم أو في حال رواياتهم " انتهى.
والأخصر أن يقال: " هو ما وضع لمعرفة الحديث المعتبر عن غيره ".
وكيف كان، فمعرفة أن زرارة - مثلا - كان إماميا عادلا أو نحو ذلك، و [أن] عبد الله
ابن كوا ملعون خارجي، فهي من علم الرجال، وموضوعه هو رواة الحديث.
[تعريف علم الدراية]
وأما " علم دراية الحديث، فهو ما يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه وكيفية
تحمله وآداب نقله "، فمعرفة أن الخبر الكذائي صحيح أو ضعيف - مثلا -، هي من علم
الدراية، وموضوعه نفس الحديث، وغايته معرفة ما يقبل منه ليعمل به وما يرد منه
ليجتنب عنه.
[مباحث علم الدراية والرجال]
فالبحث في علم الدراية يتعلق بالمفاهيم - كقولهم: " إن الخبر الصحيح ما كان
سلسلة سنده إماميا عادلا ضابطا " - لا بالمصاديق، وبالجملة البحث عن السند فيه ليس
بعنوان تشخيص الرواة، بل بالإشارة إلى بيان انقسام الحديث من جهة السند إلى
الأقسام المعروفة، فالمذكور فيه أن ما كان جميع رواته عدولا إماميين ضابطين فهو
الصحيح عند المتأخرين مثلا وهكذا؛ وليس فيه تشخيص راو أصلا، فمعرفة
الحديث - من حيث كونه مسندا ومرسلا وضعيفا وصحيحا وموثقا وغيرها من
الأقسام - من علم الدراية.
ومعرفة راوي الحديث - من كونه عادلا وفاسقا وثقة ومجروحا مثلا - من علم
الرجال.
والبحث في تقسيم الحديث إلى أقسامه الأربعة - من الصحيح وغيره باعتبار ما
526

يرجع إلى ذات الرواة وأوصافهم من حيث مدخلية ذلك في اعتبار الحديث وعدمه -
أنسب بعلم الرجال، وكذا في كيفية أنحاء تحمله من السماع والقراءة والإجازة و
غيرها؛ إذ في ذلك أيضا مدخل تام في اعتبار الحديث وعدمه وقوته وضعفه فيراعى
مطلقا ولا أقل في مقام التعارض والترجيح.
نعم، البحث في أقسامه باعتبارات أخر - من المتواتر والآحاد والغريب والشاذ و
غيرها من قبيل هذه الأقسام - بعلم الدراية أنسب وإن كان لبعض أقسامه مدخل فيما ذكر.
[وجه الحاجة إلى علم الرجال]
وعلى كل حال، فوجه الحاجة إلى هذا العلم، وفائدته المحتاج إليها للفقيه، والذي
اضطر عامة المجتهدين وافتقرهم إليه، هو أن استنباط الأحكام - الواجب عينا أو كفاية -
موقوف في أزماننا أو مطلقا على النظر في الأحاديث؛ لوضوح عدم كفاية غيرها، وغناه (1)
عنها، ولا ريب في أن أخبارنا المدونة في الكتب الأربعة وغيرها ليست بأجمعها معتبرة،
فيتوقف معرفة ما هو معتبر في نفسه وما ليس بمعتبر كذلك عليه وكذلك يتوقف عليه
معرفة ما هو أرجح من حيث السند مما ليس كذلك في صورة التعارض.
ومن زعم من القاصرين (2) أن أخبار الكتب المتداولة بين أصحابنا الإمامية أو
خصوص المدونة في الأربعة المعروفة منها، قطعية الصدور عن الأئمة (عليهم السلام) - بزعم
استفادته من أمور واهية ومحصلها القطع بأخذ ما فيها عن الأصول الأربعمائة
المعروفة في عصرهم، وأن السبب في تعارضها ليس إلا التقية فلا حاجة إلى العلم
المذكور، - فقد جاء بشطط من الكلام كقصر باعهم عن الوصول إلى مبادي العاليات، و
انتهاء نظرهم دون البلوغ إلى نهاية التحقيقات في غير المقام، وذهابهم إلى ما يخالف
العيان، ويكذبه كل مستقيم الذوق والوجدان، إذ مرجع كلامه - كما أشار إليه بعض

1. عطف على " كفاية " أي عدم غنى الفقيه عن فائدة علم الرجال.
2. من الفرقة الأخبارية، " منه ".
527

الأعلام - إلى دعوى القطع بعصمة النقلة في نقلهم عن الكذب والسهو والنسيان، مع ما
يرى من كثرتهم واشتهار كثير منهم بقلة الضبط أو بالفسوق والعدوان، وتعدد
الوسائط والطبقات في البين وتطاول العهود والأزمان، كيف ومن المعلوم - الوارد
في طبقة أخبار مستفيضة - أنه في رواياتنا كانت جملة [من] الأخبار الموضوعة (1)، و
إخراجها عما في أيدينا من الأخبار غير معلوم، وادعاؤه من القاصرين غير مسموع،
فالعمل بالجميع - من غير تميز الموضوع عن غيره بالمقدور - قبيح بل منهي عنه بهذه
الأخبار، بل والعمل بها مع غيرها مطلقا موجب للتناقض؛ لوضوح أن العمل بغيرها
إنما يتم مع الإعراض عن هذه، وإلا فهي تنهى عن العمل ولا ريب في حصول التميز
بالرجال، وحصوله بغيره كليا غير ثابت بعد ضعف دعواه فلا بد من الرجوع إليه في
امتثال النواهي المزبورة مع أوامره العمل بها
وأيضا الصفات المذكورة في الأخبار العلاجية - المشتملة على الرجوع عند
التعارض إلى الأعدل والأورع والأفقه - لا يعلم ثبوتها إلا بملاحظة الرجال؛ لفقد
المعاشرة معهم وانتفاء الشهادة اللفظية عليها فيهم، فانحصر في الكتيبة الموجودة في
الرجال وإن لم نقل بكونها من باب الشهادة الشرعية.
والترجيح بالشهرة وموافقة القرآن ونحوهما - مما لا مدخل للرجال فيه - لا يغني

1. ففي النبوي (صلى الله عليه وآله) المعروف " ستكثر بعدي القالة علي " [الرواشح السماوية: 193]. وفي آخر " قد كثرت علي
الكذابة " [الكافي 1: 62] " وستكثر "؛ و " إنه سيكذب علي [كاذب] كما كذب على من كان قبلي " [قرب
الإسناد: 93] وعن رجال الكشي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب
علينا " إلى أن ذكر عبد الله بن سبا والمختار والحرث الشامي وبنان ومغيرة بن سعيد وبزيعا والسري و
أبا الخطاب ومعمرا وبشار الأشعري وحمزة الزبيدي [في بحار الأنوار، حمزة البربري] وصائد الهندي،
فقال: " لعنهم الله " [بحار الأنوار 2: 217] وعنه (عليه السلام) يقول: " كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي و
يأخذ كتب أصحابه وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها
إلى المغيرة فكان يدس فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها
في الشيعة، الخبر " [تحف العقول: 211] وغيرها من الأخبار وفي جملة من الأخبار العلاجية، أن ما خالف
القرآن وفي بعضها ما خالفه وخالف السنة إني ما قلته وفي آخر، بضرب مخالفه وجه الجدار إلى غير
ذلك من الأخبار الواردة في هذا المضمار، " منه ".
528

عن الأول وإلا لما أمر بالجميع، كيف وهي أحد أسباب الترجيح ولا ترجيح لها على
غيرها فليحمل الأخبار على تعيين كل في طائفة أو عند تعذر الآخر أو التخيير
ولافتقار العلماء إلى هذا العلم ترى سيرتهم قديما وحديثا على تدوين كتب
الرجال وتنقيحها وتحصيلها باشتراء واستكتاب وعلى مطالعتها والرجوع إليها في
معرفة أحوال الرواة والعمل بها في الاعتداد برجال والطعن في آخرين والتوقف في
طائفة ثالثة حتى أن كثيرا منهم كانت له مهارة في هذا العلم كالصدوق والمفيد و
الطوسي وغيرهم من مشايخ الحديث، بل ربما أمكن أن يقال: إن اهتمام المتقدمين فيه
كان أزيد من المتأخرين؛ وهذا - مع ملاحظة ما في كتب الأصول من الإتفاق على
اشتراطه في الاجتهاد - يكشف [كشفا] قطعيا عن بنائهم على الاحتياج إليه واشتراطه
في الاستنباط، وعن رضى المعصوم (عليه السلام) بذلك. ومخالفة المخالف لا تقدح فيه؛
لوضوح فساد شبهاتهم، ولسبقهم بالإجماع والسيرة ولحوقهم عنه.
وترى أيضا أن سيرة الرواة والمحدثين إلى زمن تأليف الكتب الأربعة بل إلى
تأليف الثلاثة المتأخرة (1) على الالتزام بذكر جميع رجال جميع الأسانيد حتى أن أحدا لو
أسقطهم أو بعضهم في مقام أشار إليهم في مقام آخر كما في الفقيه والتهذيبين مع
التصريح بأنه للتحرز عن لزوم الإرسال والقطع والرفع المنافية للاعتبار، ومن
المعلوم أن ذلك كله لأن يعرفهم الراجع إلى كتبهم ويجتهد في أحوالهم على حسب
مقدوره فيميز الموثوق به الجائز أخذ الرواية منه عن غيره وإلا لزم اللغوية فيعلم
الافتقار والكشف عن الاشتراط؛ فلو كان بناؤهم على اعتبار ما فيها من غير ملاحظة
أحوال الرواة للأخذ من الأصول الأربعمائة أو غيره من قرائن الاعتبار أو القطع
بالصدور، لكان تطويل الكتب بذكر الجميع لغوا مكروها.
وفي الوجوه المذكورة كفاية عن غيرها في هذه الوجيزة والمسألة مفصلة في الأصول
مع الأجوبة الكافية الشافية عن شبهات الخصم التي أخذها أدلة وبراهين بزعمه؛

1. المتأخرة هي الوافي والوسائل والبحار؛ " منه ".
529

ثم بعد ما تقرر ما ذكرنا نقول: إن ما يتقوم به معنى الحديث فهو متنه (1)، وسلسلة
رواته إلى المعصوم (عليه السلام) سنده.
[تعريف الحديث والخبر والحديث القدسي]
والحديث - ويرادفه الخبر والرواية في المقام - هو ما يحكي قول المعصوم أو فعله أو
تقريره. وأما نفس قول المعصوم (عليه السلام) أو فعله أو تقريره الغير العاديات، فهو السنة التي هي
من الأدلة الأربعة للأحكام الشرعية. وحكاية المعصوم الحديث القدسي - وهو كلامه
تعالى المنزل لا على سبيل الإعجاز وبهذا افترق عن القرآن - فهي داخلة في السنة. وحكاية
الراوي هذه الحكاية عن المعصوم (عليه السلام) داخلة في الحديث. ونفس الحديث القدسي ومتنه
ليس بسنة ولا حديثا ولا قرآنا وقيل غير ذلك. والكلام فيما يرد على التعريفات و
المذكورات في المقام يشغلنا عنه ما هو أهم فلنقتصر على ذلك.
[تقسيم الحديث إلى الصحيح والحسن والموثق والضعيف]
ثم إن الحديث ينقسم باعتبارات إلى أقسام، فباعتبار اختلاف أحوال رواته في
الاتصاف بالإيمان والعدالة والضبط وعدمها ينقسم إلى أقسام أربعة، هي أصول
الأقسام عندهم فقد يزاد في التقسيم بتقسيم كل إلى أعلى وغيره وقد يزاد على الأدنى
بأنه كالأعلى فيقال مثلا: الحسن كالصحيح أو القوي كالحسن ونحو ذلك. (2)

1. المتن في الأصل ما اكتنف الصلب من الحيوان ومتن الشيء قوي، ومنه الحبل المتين فكما أن الحيوان
يتقوى بالظهر، فمتن الحديث ما يتقوم ويتقوى به الحديث؛ والسند مأخوذ من قولهم فلان سند أي
يستند إليه في الأمور ويعتمد عليه وسمي طريق الحديث - أعني سلسلة رواته إلى المعصوم (عليه السلام) - سندا؛
لاعتماد المحدثين في صحة الحديث وضعفه على ذلك، " منه ".
2. وبيان هذا الإجمال أن بعضا من المتأخرين جعل الصحيح من الحديث على ثلاث درج، أعلى وأوسط و
أدنى، فالأعلى ما كان اتصاف كل واحد واحد من سلسلة السند بما ذكر بالعلم أو بشهادة عدلين؛ و
الأوسط ما كان اتصاف سلسلة السند بما ذكر بشهادة عدل واحد يفيد الظن المعتمد به ولو في بعض
الطبقات، والمركب من الأعلى والأدنى داخل في هذا القسم؛
والأدنى ما كان ثبوت الاتصاف بالأوصاف المذكورة لسلسلة السند بالظنون الاجتهادية ولو في طبقة ما،
مع اتصاف الباقين بما ذكر بالطريق المذكور في القسم الثاني فالمركب من الأخيرين داخل في الأخير و
تجري مثل هذه القسمة في الثلاثة أو الأربعة الباقية من الأقسام الأصلية بنوع عناية إلا في الأخير لأن
الضعيف أمر عدمي فلا يقبل القسمة المذكورة أو لعدم الاحتياج بعد ثبوت الجرح بهذه القسمة.
ثم إنه يمكن زيادة الأقسام بتشبيه نوع أدنى بنوع أعلى من هذا النوع أو من غيره من قسيميه، فالأول كما
يقال: الصحيح الأوسط كالصحيح الأعلى، أو الأدنى كالأوسط، أو الأعلى؛ أو الموثق الأوسط كالموثق
الأعلى وهكذا. وأما الثاني فيقال: الحسن كالصحيح، والموثق كالصحيح، والقوي كالحسن، والقوي
كالصحيح وهكذا، " منه ".
530

الأول: الصحيح (1) وهو ما كان جميع سلسلة سنده إماميين ممدوحين بالتوثيق مع
الاتصال بالمعصوم صريحا أو مفهوما بالفحوى والأمارات.
الثاني: الحسن وهو ما كانوا إماميين ممدوحين بغير التوثيق كلا أو بعضا مع
توثيق الباقي. والأخصر أن يقال: ما كانوا إماميين ممدوحين بما يعتد به مع عدم توثيق
الكل.
الثالث: الموثق وهو ما كان كلهم أو بعضهم غير إمامي مع توثيق الكل وقد
يسمى هذا القسم بالقوي أيضا. وقد يطلق القوي على ما كان رجاله إماميين مسكوتا
عن مدحهم وذمهم، ولو كان رجال السند منحصرا في الإمامي الممدوح بدون التوثيق
وغير الإمامي الموثوق ففي لحوقه بأيهما خلاف يرجع إلى الترجيح بين الموثوق و
الحسن وبناء على كون الموثق أقوى فيتصف بالحسن، وفيه تأمل.
وأما لو تركب سند الخبر من القسم الأول وأحد القسمين الأخيرين ألحق بما
اشتمل عليه من أحد القسمين الأخيرين، وفي تحديدهما دلالة على ذلك.
الرابع: الضعيف وهو ما لم يجتمع فيه شرائط الثلاثة. (2) وهذا على أقسام.

1. والأخصر أن الصحيح ما كان جميع سنده إماميا موثقا، والحسن ما كان إماميا لا مع توثيق الجميع، و
الموثق ما لم يكن الجميع إماميا مع توثيق الجميع، والضعيف، الغير الإمامي مطلقا مع عدم توثيق
الجميع، " منه ".
2. أي لم يجتمع فيه صفة الصحيح أو الحسن أو الموثق، أعني ما في سنده مذموم أو فاسد العقيدة غير
منصوص على ثقته أو مجهول وإن كان باقي رجاله عدولا لأن الحديث يتبع لقب أدنى رجاله، " منه ".
531

والثلاثة الأولى من الأربعة حجة. وأما الضعيف، فلا حجة فيه إلا إذا اشتهر العمل
به، ويسمى مقبولا فهو حينئذ حجة سيما إذا كان الاشتهار بين القدماء، نعم يجوز
الاستدلال به في المندوبات والمكروهات؛ للتسامح في أدلتهما لأخبار من بلغ.
[تقسيم الحديث والخبر عند القدماء]
ونسبة هذا الاصطلاح - أعني تنويع الخبر بالأنواع الأربعة - إلى المتأخرين؛ لأن
المتقدمين لم يكن ذلك معروفا بينهم بل الخبر عندهم صحيح وغير صحيح.
والصحيح عندهم ما كان معتضدا بأمارات توجب الوثوق والاطمئنان والاعتماد
عليه كوثاقة رواته أو وجوده في كثير من الأصول أو في البعض بطرق متعددة، أو في
أصل أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان، أو تصديقهم
كزرارة، أو على العمل بروايتهم كعمار، أو اعتضاده بعمل الطائفة، أو اعتماد الشيخ
الجليل عليه إلى غير ذلك من الأمارات التي كانت توجب وثوقهم به.
وغير الصحيح هو ما لم يكن كذلك.
وعلى هذا الاصطلاح القدمائي جرى ابن بابويه في كتابه الفقيه، فحكم بصحة ما
أورده فيه، وغيره من القدماء في غيره مع عدم كون المجموع صحيحا باصطلاح
المتأخرين، ولذا حكموا بضعف كثير من الأخبار المحكومة عند المتقدمين
بالصحاح حتى المدونة في الأربعة.
[دليل عدول المتأخرين عن طريقة المتقدمين]
والباعث للمتأخرين على عدولهم عن طريقة القدماء ووضع هذا الاصطلاح
- على ما ذكره بعض الأعلام - " هو تطاول الأزمنة بينهم وبين صدر السالف، واندراس
بعض الأصول المعتمدة؛ لتسلط الظلمة والجابرين من أهل الضلال والخوف من
إظهارها وانتساخها، وانضم إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من الأصول في الكتب
532

المشهورة في هذا الزمان، فالتبست المأخوذة من الأصول المعتمدة بغيرها، و
اشتبهت المتكررة فيها بغير المتكررة، وخفي عليهم كثير من القرائن فاحتاجوا إلى
قانون يتميز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها فقرروا هذا الاصطلاح (1)، وأول من سلك
طريق المتأخرين العلامة أعلى الله مقامه ". (2)
وقد علم أن الظاهر المصرح به في جمع أن الباعث على التقسيم الأربع
للمتأخرين ضبط طريق اعتبار الرواية وعدمه من جهة رجال السند مع قطع النظر عن
القرائن الخارجية بضابط حيث اندرست الأمارات بتطاول العهد، وسقطت أكثر قرائن
الاعتبار، لا حصر اعتبار الرواية وعدمه فيما ذكروه على الإطلاق، ومن هنا تراهم
كثيرا ما يطرحون الموثق بل الصحيح، ويعملون بالقوي بل بالضعيف فقد يكون ذلك
لقرائن خارجة، منها الانجبار بالشهرة رواية أو عملا وقد يكون لخصوص ما قيل في
حق بعض رجال السند كالإجماع على تصحيح ما يصح عنه أو على العمل بما يرويه أو
على أحد الاحتمالين فيه أو قولهم: إنه لا يروي إلا عن ثقة؛ ونحو ذلك.
فالنسبة بين الصحيح عندهم والمعمول به عموم من وجه؛ وقد يسمى المعمول
به من غير الصحيح والموثق بل الحسن بما وصفناه؛ وقد يسمى بالمقبول، ومنه

1. أقول: ويظهر من المتقدمين أيضا تقسيمه إلى أقسام: منها: الصحيح، ومنه قولهم: لفلان كتاب صحيح،
وقولهم: اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن فلان، وقول الصدوق (رحمه الله): كل ما صححه شيخي
فهو عندي صحيح. ومنها: المعمول به، ومنه قولهم: إن الطائفة عملت بما رواه فلان، وسكنوا إلى
روايات فلان ونحو ذلك. ومنها: الشاذ والنادر. ومنها: الضعيف، وفي عبائرهم " فلان ضعيف " أو
" ضعيف الحديث " أو " مختلطة " أو " غير نقية " ونحوها ومن هاهنا يظهر اندفاع ما أورده كثير من
القاصرين وهم الأخبارية على تقسيم المتأخرين بأنه اجتهاد منهم وبدعة، والأول طريقة العامة والثاني
في الضلالة؛ وقد أجابهم علماؤنا الأصوليون في كتبهم بما لا مزيد عليه في ضمن رد شبهاتهم الكاسدة،
ونقتصر عليه هنا بهذه الكلمة فقط وهي أن الاصطلاح كان موجودا عند القدماء والصادر من المتأخرين
تغييره إلى ما هو أضبط وأنفع فإن كان مجرد التغيير بدعة فهؤلاء القاصرون أيضا من أهلها لتغييرهم كيفية
البحث والاستدلال والتصنيف والتأليف وغير ذلك مع أن أصل عروضه عند القدماء أيضا بدعة، مضافا
إلى منع كلية الكبرى لما ورد في تقسيم البدعة واختصاص بعض أقسامها بالضلالة؛ ولتطويل الكلام
معهم [راجع] كتبنا الأصولية، " منه ".
2. مشرق الشمسين وأكسير السعادتين: 30 - 31.
533

مقبولة عمر بن حنظلة عند الأكثر، وهذا أمر لا يخص بنوعه بالمتأخرين؛ فإن
المتقدمين أيضا - كما علم - اصطلحوا الصحيح فيما وثقوا بكونه من المعصوم (عليه السلام) أعم
من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات أو أمارات أخر، ويكونوا يقطعون
أو يظنون بصدوره عنه (عليه السلام)، والمعمول به عندهم لا يخص بذلك بل النسبة بينهما
باصطلاحهم أيضا عموم من وجه على ما ذكره بعض الأجلة " لأن ما وثقوا بكونه من
المعصوم (عليه السلام) الموافق للتقية صحيح غير معمول به عندهم، وما رواه العامة عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) مثلا لعله غير صحيح عندهم ويكون معمولا به، ولأجل ذلك عملت
الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني من
العامة عن أئمتنا (عليهم السلام) ولم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه ". (1)
وأما النسبة بين صحيح القدماء وصحيح المتأخرين فعموم مطلق بأعمية الأول،
كذا عن ذلك البعض.
ولا يبعد أن يكون بينهما عموم من وجه، إذ وثاقة الرواة لا تلازم الوثوق بالصدور
عن المعصوم (عليه السلام) وإن كان كذلك في الغالب؛ فغير الموثوق بصدوره عنه (عليه السلام) مع صحة
سنده غير صحيح عندهم.
وأما المعمول به عند الفريقين فالظاهر أنه لا مغايرة [بينهم] بحسب المفهوم وإن
تغاير أسباب جواز العمل عندهم وكان مؤديا إلى التغاير في المصداق بل المفهوم كما
لا يخفى.
وأما النسبة بين الضعيف بالاصطلاحين، فالظاهر العموم المطلق؛ لأن كثيرا من
ضعاف المتأخرين معمول به عند القدماء وهم يخصون الضعيف - على ما يظهر
منهم - بما يغاير الصحيح والمعمول به عندهم. ويحتمل العموم من وجه بناء على
طرحهم لبعض الصحاح عند المتأخرين بضعف الأصل المأخوذ منه عندهم ونحو
ذلك، وحيث إنه لا ثمرة معتدا بها في نحو اختلاف الاصطلاحين - خصوصا في هذا

1. فوائد الوحيد البهبهاني: 27 - 28.
534

المختصر - فالاقتصار على هذا المقدار أولى وزيادة.
[الخبر المتواتر والأمور المعتبرة فيه]
ثم ينقسم الخبر باعتبار حال المخبر كثرة وقلة إلى متواتر وآحاد؛ و " المتواتر هو
خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه " وقيل " هو خبر جماعة يمنع تواطؤهم على
الكذب " ويعتبر فيه أمور:
منها: أن يبلغ المخبرون في الكثرة حدا يمتنع كذبهم أجمع عادة ولو على سبيل
السهو والخطأ، سواء اتحدت الطبقة أو تعددت، لكن يعتبر في صورة التعدد أن
يتحقق التواتر في كل طبقة، سواء علم تحققه بالتواتر أو بغيره من الطرق العلمية، ولا
حصر لأقلهم بل المرجع فيه إلى العادة.
ومنها: أن يكون إخبارهم عن محسوس فلا تواتر في الأحكام العقلية، ضرورة
كانت ككون الكل أعظم من الجزء أو نظرية كحدوث العالم وقدمه، لا بمعنى أن العلم
لا يحصل بأقوال أهلها وإن كثروا - لوضوح أن العلم قد يحصل بها، ومن هنا قال بعض
المحققين: إن إطباق جميع من يعتد به من العقلاء الأولين والآخرين على وجود صانع
مبدع للأنام مدبر للنظام مما يفيد العلم العادي بصدقهم وعدم تواردهم على الخطاء
في ذلك - بل بمعنى أن اتفاقهم وتسالمهم على قول واحد لا يسمى متواترا وإن أفاد
العلم بصحته، والفرق بين الأمرين بين لا يخفى.
ومنها: أن لا يكون السامع عالما لواقعة من غير طريق التواتر، ولهذا لا يقال:
وجود بلداننا التي شاهدناها، متواتر عندنا؛ وعلل بأن الخبر حينئذ لا يفيد العلم؛ للزوم
تحصيل الحاصل.
ويشكل فيما لو تأخرت المشاهدة عنه.
قيل: ومنها: أن لا يكون السامع قد سبق إليه شبهة أو تقليد يؤدي إلى عدم الوثوق
بالخبر، ورام القائل باعتباره به الفرق بين الأخبار المتواترة بوجود البلدان والأخبار
535

المتواترة بكثير من معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) التي ينفرد بها المسلمون، ورواية النص الجلي
على إمامة علي (عليه السلام) وخلافته التي يتفرد بها الإمامية.
والتحقيق: أن هذا الشرط شرط في حصول العلم بالتواتر لا في تحققه، فإنا نقطع
بأن الأخبار المذكورة متواترة عند كثير ممن لا يقول بمقتضاها من الكفار والمخالفين
وإن أنكروا كونها متواترة؛ لعدم إفادتها العلم عندهم ولهذا نقول: إن الحجة قد تمت و
لزمت في حقهم؛ إذ لا عبرة بشبهة الجاحد بعد وضوح مسالك الحق وظهورها.
[أنواع التواتر في الخبر]
والتواتر قد يكون في معنى من المعاني فقط كما إذا تعددت الألفاظ مع اتحاد
المعنى مطلقا أو في الجملة، ويسمى بالتواتر المعنوي، وقد مثلوا لذلك بشجاعة
علي (عليه السلام) وجود حاتم. فقد روي عنه أنه (عليه السلام) فعل في غزوة بدر كذا، وفي أحد كذا، وفي
خيبر كذا وهكذا، وكذلك عن حاتم أنه أعطى فلانا كذا، وفلانا كذا وهكذا؛ فإن كل
واحد من الحكايات الأول يستلزم شجاعته (عليه السلام) وكل واحد من الحكايات الأخر
يتضمن جود حاتم.
وقد يكون التواتر في معنى وفي اللفظ أيضا (1) حيث اتحد لفظ الرواية في جميع
الطرق سواء كان ذلك اللفظ تمام الحديث، مثل " إنما الأعمال بالنيات " على تقدير
تواتره كما ادعي.
وفيه تأمل وإن نقله الآن عدد التواتر وأكثر؛ لأن ذلك قد طرأ في وسط إسناده الآن
دون أوله، وأكثر ما ادعي تواتره من هذا القبيل، نعم يمكن ادعاء تواتر حديث " من
كذب علي فليتبوأ مقعده من النار " فقد نقله عن النبي (صلى الله عليه وآله) الجم الغفير - أو بعضه كلفظ
" من كنت مولاه فعلي (عليه السلام) مولاه " ولفظ " إني تارك فيكم الثقلين " لوجود تفاوت في سائر

1. قيل: وهذا لا يكاد يعرفه المحدثون في الأحاديث؛ لقلته وهو كالقرآن وظهور النبي والقبلة والصلاة و
أعداد الركعات والحج ومقادير نصب الزكوات، " منه ".
536

الألفاظ الواردة في تلك الأخبار، وهذان المذكوران واقعان مشهوران.
وأما اختصاصه باللفظ فقط، فلم نقف عليه وإن أمكن حيث كان اللفظ مجملا و
لو بعارض من اشتراك لفظي مع فقد قرينة معينة لبعض المعاني ونحو ذلك، فإن
المعنى حيث جهل لم يصدق التواتر على نقله.
[الخبر الواحد]
وخبر الآحاد ما لم يبلغ حد التواتر سواء كان المخبر واحدا أو أكثر وسواء أفاد
العلم أو لا، وقد يحد بما أفاد الظن، وينقسم باعتبار كثرة رواته وعدمها إلى مستفيض
وغير مستفيض؛ لأن رواته إن كانوا فوق الثلاثة، فهو المستفيض وإلا فغيره، و
بعضهم يجعل المستفيض أعم من المتواتر وهو غير معروف.
[تقسيمات الخبر باعتبار أخر]
و [ينقسم الخبر] باعتبارات شتى إلى أقسام أخر (1) كلها ترجع إلى الأقسام الأربعة
من الصحيح والحسن والموثق والضعيف، بعضها مختص بالضعيف وبعضها
مشترك بين الكل في الجملة؛ [فمن هذه الأقسام]:

1. اعلم أن ما يذكر هنا من الأقسام ليس جميعها بالنظر إلى اعتبار واحد، بل جمع منها باعتبار وطائفة منها
باعتبار آخر، والغرض أنها ليست أقساما متغايرة متقابلة، بل في الغالب أو دائما يكون أمر واحد مصداقا
ومجمعا لعدة أقسام يسمى بكل ما فيه من الاعتبارات باسم، مثلا باعتبار إفادته القطع بسبب كثرة رواته و
نحوها مما ذكر في محله يسمى متواترا أو آحادا، وباعتبار اتصال سنده وعدمه يسمى متصلا ومنقطعا،
وقد يختص بسبب اعتبار باسم ولم يسم بمقابله من الاعتبار باسم كالمستفيض على ما تكثرت سلسلة
رواته وليس لمقابله اسم خاص، وكالغريب والمعلل إلى غير ذلك. هذا وقال في الرواشح في هذا
المقام: " وللحديث أقسام فرعية من بعد القسمة الأولى غير مستوجبة البتة أن يكون متباينة بحسب
التحقيق، ولا هي مباينة التحقق لأقسام القسمة الأولى الأصلية، بل هي متباينة المفهومات متداخلة
التحقق ومداخلة الأقسام المتأصلة، أكثرها مشتركة بين خمستها جميعا وعضة منها مختصة بخامسها و
هو الضعيف "، انتهى [الرواشح السماوية: 122]
ومراده بالخمسة، الأربعة الأصلية بزيادة واحدة أدرجوها في الأربعة، " منه ".
537

المسند وهو ما اتصل سنده إلى المعصوم (عليه السلام) بأن لا يعرضه قطع بسقوط شيء منه.
ومنها المتصل، ويسمى الموصول وهو ما اتصل إسناده بنقل كل راو عمن
فوقه، سواء رفع إلى المعصوم (عليه السلام) كذلك أو وقف على غيره فهو أعم من الأول.
ومنها المرفوع وهو ما وصل إلى المعصوم (عليه السلام) سواء حذف شيء من أوله - وهو
القطع - أو من آخره - وهو الإرسال - أو لا، فهو أعم من المسند والمعلق والمرسل، و
قد يطلق المرفوع على ما سقط من وسط سنده أو آخره واحد أو أكثر مع التصريح بلفظ
الرفع تنبيها على السقط وهو الشائع في الإطلاق، مثل أن يقال: روى محمد بن
يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه أو مرفوعا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو عن زرارة
عن أبي عبد الله (عليه السلام)؛ وقد يكون الساقط من أول السند واحدا أو أكثر. (1)
ومنها المعلق وهو ما حذف من أول إسناده واحد أو أكثر، فإن علم المحذوف
فهو كالمذكور، وإلا فهو كالمرسل.
وعن بداية الشهيد الثاني " لم يستعملوه فيما سقط وسط إسناده أو آخره لتسميتهما
بالمنقطع والمرسل ".
وظاهره عدم اختصاص المنقطع كالمرسل بما إذا كان الساقط واحدا فيشمل
المعضل إلا أن ظاهره اختصاصه بساقط الوسط. لكن صرح في موضوع آخر - على ما
نقل - باختصاصه - كالمقطوع - بسقوط واحد. وظاهره هنا عدم اختصاصه بسقوط
الوسط.
ومنها المعنعن (2) وهو ما يقال في سنده: " فلان عن فلان " إلى آخر السند، ومثله إذا
قال في غير الأول: " وهو عن فلان وهو عن فلان " وهكذا كل ذا بدون ذكر التحديث و
الإخبار أو السماع أو نحوها.
والأظهر أنه متصل حيث أمكن ولم يكن ما يصرف عنه، ولم يظهر قرينة على

1. ومنه مرفوعة زرارة حيث ذكر في بيان المرجحات روى ابن أبي جمهور في الغوالي عن العلامة مرفوعا
إلى زرارة قال: سئلت الباقر (عليه السلام)... الخ، " منه ".
2. وهو مأخوذ من العنعنة مصدر جعلي مأخوذ من تكرار حرف المجاوزة، " منه ".
538

عدم اللقاء، وأمن التدليس. وقيل: منقطع أو مرسل ما لم يكن ما يعين الاتصال.
ومنها العالي الإسناد وهو القريب من المعصوم (عليه السلام) قليل الوسائط والنازل
بخلافه.
ومنها المدرج وهو وصف يلحق الحديث، إما باعتبار المتن - وهو ما أدرج في
الحديث كلام بعض الرواة، فيظن أنه من الأصل، ومنه ما رواه في الفقيه بقوله: " سئل
رجل علي بن الحسين (عليه السلام) في شراء جارية لها صوت، فقال: لا عليك لو اشتريتها
فذكرتك الجنة يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء فأما الغناء
فمحظور "، فإن لفظ " يعني " إلى آخره من كلام الصدوق (رحمه الله) وظاهره يظن أنه من
الحديث؛ أو يلحق الحديث باعتبار السند وهو أن يعتقد بعض الرواة أن الرجل الواقع
باسمه في السند لقبه أو كنيته أو قبيلته أو بلده أو صنعته أو غير ذلك، مما يذكر في مقام
التعريف، فيصفه بعد ذكر اسمه بذلك، أو يعتقد فيمن ذكر في السند بعنوان " رجل " أو
" بعض أصحابنا "، أنه فلان، فيغير مكان ما ذكر باسم ذلك الفلان.
ومنها العزيز (1) وهو ما لا يرويه أقل من اثنين.
ومنها الغريب وهو إما غريب الإسناد والمتن بأن ينفرد بروايته في جميع
المراتب واحد مع عدم اشتهار متنه عن جماعة وهذا هو المراد من إطلاق الغريب؛
أو غريب الإسناد خاصة بأن تفرد بروايته واحد عن مثله وهكذا إلى آخر السند
مع كون المتن معروفا عن جماعة من الصحابة أو غيرهم بدون أن ينتهي إسناد الواحد
المتفرد إلى أحد الجماعة المعروف عنهم الحديث ويعبر عنه بالغريب في السند؛
أو غريب المتن خاصة بأن ينفرد بروايته واحد، ثم يرويه عنه جماعة ويشتهر، و
يعبر عنه بالغريب المشهور؛ لاتصافه بالغرابة في طرفه الأول، وبالشهرة في طرفه
الآخر؛ وقد يسمى بالغريب في خصوص المتن.
وقد يطلق الغريب في عرف العلماء وغيرهم على ما اشتمل متنه على بيان أمر أو
حكم أو طرز وتفصيل غريب وهذا الإطلاق غير متداول في الألسنة والكتب المعروفة؛

1. سمي عزيزا لقلة وجوده أو لكونه عزا أي قويا، " منه ".
539

وربما يطلق الغريب حتى في عرف المحدثين والرواة على حديث اشتمل متنه
على لفظ غامض بعيد عن الفهم؛ لقلة استعماله في الشائع من اللغة، ويسمى بالغريب
لفظا وهو فن مهم من علوم الحديث قد صنف فيه جماعة من العامة والخاصة. (1)
ومنها المشهور وهو الشائع عند أهل الحديث بأن ينقله جماعة منهم.
ومنها الشاذ وهو ما رواه الثقة مخالفا لما رواه الأكثر، فإن رواه غير الثقة فهو
المنكر والمردود. وقيل: هو ما ليس له إلا إسناد واحد شذ به شيخ من شيوخ الحديث
ثقة كانت أو غير ثقة، فما كان من غير ثقة فمتروك، ويقال له: الحديث المنكر وغير
المعروف. وأما ما عن الثقة ففي قبوله وعدمه والتفصيل فيهما أقوال ويرادف الشاذ
النادر، فهما هنا مترادفان ويطلق أحدهما على الآخر والشائع استعمال الشاذ و
استعمال النادر نادر ويستفاد ترادفهما من قوله (عليه السلام) في المرفوعة: " ودع الشاذ النادر ".
ومنها المحفوظ وهو في قبال الشاذ من الراجح المشهور.
ومنها المنكر والمردود وهما أيضا مترادفان.
ومنها المعروف وهو ما كان في قبال المنكر من الروايات الشائعة.
ومنها المصحف (2) وهو ما غير إما بعض سنده بغيره كتصحيف " بريد " - بالباء
الموحدة المضمومة والراء المهملة والياء المثناة من تحت والدال المهملة ب‍ " يزيد "
بالياء المثناة التحتانية والزاي المعجمة، ثم المثناة من تحت، وتصحيف " حريز "
بإهمال الأول وإعجام الأخير ب‍ " جرير " بعكسه؛ وإما بعض متنه بغيره كتصحيف
" شيئا " بإعجام أوله ثم المثناة التحتانية ثم الهمزة عن " ستا " بإهمال أوله ثم المثناة (3) من

1. قيل: وأول من صنف فيه النضر بن شميل. وقيل: أبو عبيدة معمر بن مثنى ثم أبو عبيدة القاسم بن مسلم
وابن قتيبة والخطابي ثم ابن الأثير والزمخشري والهروي وزاد في غريب الحديث غريب القرآن و
الشيخ الطريحي في المجمع، " منه ".
2. والتصحيف إما محسوس لفظي بصري كأمثلة المتن وإما سمعي في مواد الألفاظ أو في صورها و
كيفياتها وحركاتها كتصحيف عاصم الأحول بواصل الأحدب والدجاجة بالزجاجة وإما معقول معنوي
كتصحيف " هجر " في قول عمر في حديث مرض النبي (صلى الله عليه وآله) بمعنى الهذيان، بمعنى شدة الوجع؛ " منه ".
3. كما في حديث " من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال " فصحفه الصولي بقوله: شيئا منه، " منه ".
540

فوق، وتصحيف " خزف " بالفاء قبلها الزاي المعجمة ب‍ " خرق " بالقاف قبله الراء المهملة،
ويعتبر فيه كونه مغيرا للمعنى كما ذكر في المثالين لإخراج الحديث المنقول بالمعنى
وقد يطلق على المصحف المحرف (1)، ومنه المقبول وهو ما تلقوه بالقبول ونقلوه و
عملوا به من غير التفات إلى الصحة وعدمها ونظر إلى رواته في كونها ثقات أم لا.
ومنها المعتبر وهو ما عمل الجميع أو الأكثر به، أو أقيم الدليل على اعتباره لصحة
اجتهادية أو وثاقة أو حسن.
ومنها المزيد على غيره وهو ما يروي بزيادة على ما رواه غيره، إما في السند كما
إذا أسنده وأرسلوه، أو وصله وقطعوه، أو رفعه إلى المعصوم (عليه السلام) ووقفوه على غيره،
أو كان سنده مشتملا على رجلين أو ثلاثة وأسنده على ما زاد على ذلك بواحد أو أكثر،
وإما في المتن كأن يزيد فيه ما لا يفهم من الآخر. (2)
ومنها المسلسل وهو ما توافق فيه رجال الإسناد فيه على صفة (3)، أو حالة من قول
أو فعل، أو فيهما معا كان ذلك في حال تحمل الرواية في الراوي أو المروي عنه،
فالقول كالحلف والأمر بالتحفظ عن غير الأهل، والفعل كالتشبيك والمشابكة
بالأصابع، مثل أن يقول: شبك لي فلان أصابعه قال: شبك لي فلان أصابعه قال: شبك
لي فلان أصابعه وهكذا حتى ينتهي إلى المعصوم (عليه السلام) مثلا حاكيا عنه هذا الفعل مع قوله
المقارن له: من شبك أصابعه كذا أصابه من الفقر أو من البرص مثلا فلا يلومن إلا نفسه؛
وكالمصافحة كأن يقول: صافحني فلان قال: صافحني فلان قال: صافحني فلان و

1. وقيل في تعريفه " ما وقع فيه تحريف من جهل المحرفين وسفههم إما بزيادة أو نقيصة أو تبديل حرف
مكان حرف " إما في السند كأن يجعل ابن أبي مليكة بضم الميم وفتح اللام مصغر الملكة مكان ابن أبي
ملائكة بالفتح والمد جمع الملك أو في المتن كحديث " محب غال ومبغض قال " حيث حرف الثاني
بعضهم بالغين المعجمة أيضا كالأول عداوة لعلي (عليه السلام)، " منه ".
2. ومثلوه بحديث " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " وتفرد بعض الرواة بزيادة " ترابها " قبل قوله:
طهورا كذا عن الشهيد الثاني، " منه ".
3. كالكاتب أو الشاعر أو الصيرفي أو الكوفي أو الأسدي وهو أن يتوافق رجال السند على صفة واحدة مثل
أن يقال: محمد الكاتب عن عمرو الكاتب عن فلان أو يقال فلان الكوفي عن فلان الكوفي وهكذا، " منه ".
541

هكذا إلى أن قال: صافحني جعفر بن محمد سلام الله عليهما وقال من صافح أخاه
المؤمن كان له من الأجر كذا وكذا؛ وكأخذ الشعر مثل أن يقول: أخذ فلان شعره وقال:
أخذ فلان شعره وهكذا إلى أن يقول: أخذ أبو عبد الله (عليه السلام) شعره وقال: من أرسل شعره
أو من أصلح شعره كان له كذا وكذا؛ وكالتلقيم وهو أن يقول: لقمني فلان بيده لقمة
قال: لقمني فلان بيده لقمة وهكذا إلى أن قال: لقمني أبو عبد الله (عليه السلام) بيده لقمة وقال:
من لقم مسلما بيده لقمة كان له كذا وكذا؛ وكالقيام أو الاتكاء حال الرواية وغير ذلك
مما هو مذكور في كتب الدراية المبسوطة لا سيما من العامة فإن المسلسل يعز وجوده
في طرق أحاديث الخاصة وشاع وجوده بجميع أفراده في روايات مخالفيهم.
ومنه المسلسل بالتحديث بأن يقول: حدثنا فلان قال: حدثنا فلان وهكذا؛ و
بالإخبار كأن يقول: أخبرنا فلان قال: أخبرنا فلان وهكذا؛ والمسلسل بالأسماء نحو
أخبرنا محمد عن محمد وهكذا؛ أو بالآباء كعلي بن محمد عن حسن بن محمد عن
جعفر بن محمد مثلا؛ وبالكنى أو الألقاب أو البلدان وبغيرها.
والتسلسل قد (1) يعم جميع السند وهو المسمى به على الإطلاق، وقد يختص

1. قال ثاني الشهيدين: " وقد يقع التسلسل في معظم الإسناد دون جميعه كالمسلسل بالأولية وهو أول ما
يسمعه كل واحد منهم من شيخه من الأحاديث فإن تسلسله هذا الوصف ينتهى إلى سفيان بن عيينة فقط و
انقطع في سماعه من عمرو ومن سماعه من أبي قابوس وفي سماه من أبى عبد الله (عليه السلام) وفي سماعه من
النبي (صلى الله عليه وآله) ومن رواه مسلسلا إلى منتهاه فقد وهم إلى أن قال ومنه أي من الحديث المسلسل ما ينقطع
تسلسله في وسط إسناده كالمسلسل بالأولية " [الدراية (الرعاية في شرح بداية الدراية): 38 - 39] وقال في
الرواشح: " وهناك قسم آخر بحسب معظم الإسناد دون جميعه قالوا وذلك كالحديث المسلسل بالأولية
منقطعا تسلسله في الطبقة الأخيرة التي هي منتهى الإسناد يعنون به الحديث التسلسل بأول حديث
سمعته بقول الصحابي: أول حديث سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا وبقول التابعي: أول حديث سمعته من
الصحابي هذا وهلم جرا إلى طبقة الأولى التي هي مبدأ الإسناد فإنه مستمر المسلسلية إلى الصحابي
منقطعها عنه إذ ليس يتصحح ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يصح عده من المسلسل من المبدأ إلى المنتهى كما
قد وهمه بعض "، إلى آخر ما ذكره فراجعه [الرواشح السماوية: 160]
أقول: والحديث المسلسل بالأولية متصلا تسلسله في جميع الطبقات كأن يقول الراوي: أول حديث
سمعته من الشيخ هو هذا وشيخي يقول: أول حديث سمعته من الشيخ هو هذا، وهكذا إلى آخر
الطبقات، " منه ".
542

ببعضه في المبدأ أو المنتهى أو فيهما أو في الوسط؛ فمنه الحديث المسلسل بالأولية
منقطعا تسلسله في الطبقة الأخيرة التي هي منتهى الإسناد يعنون به الحديث
المتسلسل بأول حديث؛ والتسلسل في الحديث إنما يفيد مزية التحفظ والضبط حتى
ضبط الحالة الواقعة فيما قبلهم فهو فن من فنون الضبط وضرب من ضروب المحافظة
وليس مما له مدخل في قبول الرواية وعدمه.
ومنها المرسل وهو ما رواه عن المعصوم (عليه السلام) أو غيره من لم يدركه أو لم يلقه من
دون واسطة بأن أسقط طبقة أو طبقات من البين، كأن يقول صحابي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وفي البين صحابي آخر متوسط قد أسقطه أو يقوله تابعي وفي الوسط صحابي ساقط
في الذكر أو يقوله غيرهما بإسقاطهما أو بإسقاط الطبقات بأسرها سواء عليه أكان ترك
الواسطة للنسيان أو للإهمال مع العلم والتذكر
والأشهر لدى الأكثر تخصيص الإرسال بإسناد التابعي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كقول سعيد
ابن المسيب: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) "، من غير ذكر الواسطة وفي حكمه من نسبته بحسب
الطبقة إلى أحد من الأئمة كنسبة التابعي إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
وفي حكم الإرسال، إبهام الواسطة ك‍ " عن رجل " و " عن بعض أصحابه " ونحو
ذلك، فأما عن بعض أصحابنا مثلا، فالتحقيق أنه ليس كذلك؛ لأن هذه اللفظة تتضمن
الحكم له بصحة المذهب واستقامة العقيدة بل إنها في قوة المدح له بجلالة القدر؛
لأنها لا تطلق إلا على من هو من علماء المذهب وفقهاء الدين. ومن هنا قال بعض
الأجلة (1): واختصاص هذا القسم بالضعيف مبني على اصطلاح المتأخرين وإلا فقد
عرفت أن بعض المرسلات في قوة الصحيح في الحجية.
ومنها المقطوع (2) ويقال لها: المنقطع قسم بخصوصه من المرسل وهو ما يكون

1. هو صاحب القوانين، " منه ".
2. ومنها المقطوع في الوقف وهو ما جاء عن التابعي للصحابي أو عمن في معناه أي من هو لصاحب أحد
من الأئمة (عليهم السلام) في معنى التابعي لصحابي النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله أو فعله أو نحو ذلك موقوفا عليه ويقال له
أيضا المنقطع في الوقف وهو مباين للموقوف على الإطلاق وذلك ظاهر وأخص من الموقوف بالتقييد
لأن ذلك يشمل التابعي ومن في حكمه وغيرهما أيضا وذا يختص بهما فقط ولا يقع على سائر الطبقات
وكذلك هو مباين للمنقطع بالإرسال، " منه ".
543

الإرسال فيه بإسقاط طبقة واحدة فقط من الإسناد سواء كان من أوله أو من وسطه أو من
آخره إلا أن أكثر ما يوصف بالانقطاع في غالب الاستعمال رواية من دون التابعي عن
الصحابي في حديث النبي (صلى الله عليه وآله) أو رواية من دون من هو في منزلة التابعي عمن هو في
منزلة الصحابي في حديث أحد من الأئمة (عليهم السلام) ويعرف الانقطاع بمجيئه من وجه آخر
بزيادة طبقة أخرى في الإسناد وصورته أن يكون حديث له إسنادان في أحدهما زيادة
رجل فإن كان ذلك الحديث ليس يتم إسناده إلا مع تلك الزيادة ولا يصح من دونها
فالإسناد الناقص مقطوع وإلا كان الأمر من باب المزيد على ما في معناه بحسب
الإسناد.
ومنها المعلق وهو ما سقط من مبدأ إسناده واحد فأكثر، إلى حيث يقتصر إلى
آخر السند وهو الراوي المتصل بالمعصوم (عليه السلام) ولم يستعملوا التعليق فيما سقط وسط
إسناده أو آخره؛ لتسميتهما بالمنقطع والمرسل، ولا يستعمل أيضا في مثل " يروى عن
فلان " و " يذكر " أو " يحكى " وما أشبه ذلك على صيغة المجهول لأنها لا تستعمل في
معنى الجزم المعتبر في الحديث.
ومنها المعضل وهو قسم آخر خاص من المرسل أيضا وهو ما سقط من سنده
أكثر من واحد واثنان فصاعدا.
ومنها الموقوف وهو قسمان مطلق ومقيد، فالموقوف على الإطلاق ما روى
عن الصحابي أو عمن هو في حكمه وهو من بالنسبة إلى الإمام (عليه السلام) في معنى الصحابي
بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) من قول أو فعل أو نحو ذلك متصلا كان سنده أو منقطعا. و
الموقوف مقيدا ما الوقوف فيه على غير الصحابي ومن في معناه ولا يستعمل إلا
بالتقييد، فيقال: وقفه فلان على فلان، مثل وقفه مالك مثلا على نافع؛ وبعض الفقهاء
يفصل فيسمي الموقوف، بالأثر إذا كان الموقوف عليه صحابيا والمرفوع، بالخبر؛ و
544

أما أهل الحديث فيطلقون الأثر عليهما ويجعلونه أعم من الخبر مطلقا وربما يخص
الخبر بالمرفوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) والأثر بالمرفوع إلى أحد من الأئمة (عليهم السلام).
ومنها المضمر - وتسمى المضمرة - وهو أن يكون تعبير آخر الطبقات عن
المعصوم بالإضمار عنه (عليه السلام) كأن يقول صاحب المعصوم (عليه السلام): سألته عن كذا قال: كذا؛ و
ربما يكون كالمصرحة إذا كانت دلالة الناطقة بالكناية عن المعصوم (عليه السلام) قوية فإن كان من
مثل زرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما من الأجلاء فالأظهر حجيته.
ومنها المدلس من التدليس أي إخفاء العيب وهو ما أخفى عيبه الذي في السند
كعدم سماعه من المروي عنه فيرويه على وجه يوهم سماعه منه مثل أن يقول الراوي:
قال فلان؛ على وجه يوهم روايته عنه بلا واسطة مع أنه ليس كذلك فإن قال: حدثني؛
فهو كذب أو أسقط عن السند رجلا ضعيفا أو مجروحا أو صغير السن لتقوية الحديث
أو أوجد عيبا في السند كتجهيل شيخه أو غيره من الرواة بأن يعبر عنه باسم أو كنية أو
لقب أو ينسبه إلى قرية أو بلد أو قبيلة غير معروف بها فكل ذلك قبيح مذموم إلا لأجل
تقية أو غيرها من الأغراض الصحيحة ويحافظ في الكل في التعبير على ما لا يدخل
معه في الكذب القادح للعدالة فإن التدليس ليس كذبا بل تمويها غير قادح فيها وإن كان
أخا للكذب كما قيل.
ومنها المضطرب وهو ما اختلف فيه الحديث متنا أو سندا بمعنى وقوع
الاختلاف من رواة متعددين أو واحد أو من المؤلفين أو الكتاب كذلك بحيث يشتبه
الواقع منه فلا يعلم به. واختلف في أن الاضطراب هل هو مختص بما أوجب اختلاف
الحكم أو الاعتبار ولا ترجيح، أو يعم غيره؟ والظاهر الأخير. (1)

1. قال في الرواشح [الرواشح السماوية: 19]: وإنما يحكم بالاضطراب مع تساوي الروايتين المختلفتين في
درجة الصحة أو الضعف وعلو الإسناد أو القطع مثلا وغيرها وبالجملة مع تساويهما في جميع الوجوه و
الاعتبارات بحسب درجات أقسام الحديث إلا في نحوي الرواية المختلفين اللذين بحسبهما يحكم
بوصف الاضطراب من غير ترجيح ببعض المرجحات، أما لو ترجحت إحداهما على الأخرى بوجه كأن
يكون راويها أحفظ مثلا فالحكم للراجح ولا هناك مضطرب، انتهى ملخصا، " منه ".
545

ومنها المعلل ومعرفة علل الحديث من أجل علومه وأدقها وإنما يتمكن من
ذلك أهل الحفظ والضبط والخبرة بطرق الحديث ومتونه ومراتب الرواة وطبقاتهم
والفهم الناقد الثاقب؛ والحديث المعلل يطلق على حديث اشتمل على أمر خفي في
متنه أو سنده قادح في اعتباره وصحته وجواز العمل به مع أن ظاهره السلامة من ذلك،
والعلة مسطورة في المطولات.
ويطلق المعلل أيضا عند متأخر المتأخرين على حديث اشتمل على ذكر علة
الحكم تامة كانت - كما في موارد يتعدى بها إلى غير المنصوص لوجودها فيه كإسكار
الخمر - أو ناقصة وهي المسماة بالوجه والمصلحة كرفع أرياح الآباط في غسل
الجمعة ونحوه بما يقرب إلى حد تعذر الضبط.
ومنها المقلوب وهو ما قلب بعض ما في سنده أو متنه إلى بعض آخر مما فيه لا
إلى الخارج عنهما وبالجملة ما وقع فيه القلب المكافي
ففي السند أن يقال: محمد بن أحمد بن عيسى والواقع أحمد بن محمد بن
عيسى، أو يقال: محمد بن أحمد بن يحيى عن أبيه محمد بن يحيى والواقع أحمد بن
محمد بن يحيى عن أبيه محمد بن يحيى ونحوهما.
وفي المتن كما في حديث " السبعة الذين يظلهم الله في عرشه " (1) ففيه و " رجل
تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا يعلم يمينه ما ينفق شماله " وإنما هو " حتى لا يعلم
شماله ما ينفق يمينه " وعلى ما ذكرنا من تفسير المقلوب فالفرق واضح بينه وبين
المصحف فتدبر.
ومنها الموضوع (2) وهو المختلق الموضوع وهذا شر أقسام الضعيف ولا يحل
للعالم أن يرويه إلا مقرونا ببيان موضوعيته بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي
تحتمل الصدق حيث جوزوا روايتها في الترغيب والترهيب من غير ذكر ضعفها وقد
أشرنا إليه سابقا.

1. الرواشح السماوية: 192.
2. من الوضع بمعنى الجعل وفسروه بالمختلق المصنوع بمعنى أن واضعه اختلقه وصنعه.
546

ومنها المهمل وهو ما لم يذكر بعض رواته في كتاب الرجال ذاتا ووصفا.
ومنها المجهول وهو ما ذكر رواته ولكن لم يعلم حال البعض أو الكل بالنسبة
إلى العقيدة.
ومنها القاصر وهو ما لم يعلم مدح رواته كلا أو بعضا مع معلومية الباقي
بالإرسال أو بجهل الحال أو بالتوقف عند تعارض الأقوال في بيان الأحوال.
ومنها المكاتب - ويقال له المكاتبة - وهو ما [حكى كتابة المعصوم (عليه السلام)]، سواء
كتبه (عليه السلام) ابتداء لبيان حكم أو غيره أو في مقام الجواب. وربما تكون المكاتبة في بعض
أوساط الإسناد بين الطبقات، بعض عن بعض دون الطبقة الأخيرة عن المعصوم (عليه السلام) و
تقابلها رواية المشافهة وهي أقوى.
ومنها رواية الأقران وهي ما توافق فيها الراوي أو المروي عنه أو تقاربا في السن أو
في الأخذ عن الغير وحينئذ إن روى كل منهما عن الآخر فهو النوع المسمى ب‍ " المدبج (1) " و
أما إذا كان الراوي دون المروي عنه في السن أو الأخذ أو المقدار من علم أو إكثار رواية و
نحو ذلك فهذا لكثرته وشيوعه - لأنه الغالب في الروايات - لم يخص باسم خاص.
نعم عكسه لقلته هو المسمى ب‍ " رواية الأكابر عن الأصاغر " وعن الشهيد
الثاني (رحمه الله): وقع منه رواية العبادلة وغيرهم عن كعب الأحبار وإنهم أربعة: عبد الله بن
عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن زبير، وعبد الله بن عمرو بن عاص؛ ومنه - أي
من هذا القسم وهو أخص من مطلقه -، رواية الآباء عن الأبناء ومنه من الصحابة
رواية العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل: إن النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين الصلاتين
بالمزدلفة، انتهى.
وأما العكس وهو رواية الأبناء عن الآباء فلكثرته وشيوعه وخلوه عن الغرابة
مطلقا غير مسمى باسم وله أقسام كثيرة تقرب إلى تعسر الضبط مسطور في المطولات.
ومنها المسمى باسم السابق واللاحق وهو ما اشترك اثنان في الأخذ عن شيخ و

1. من التدبيج، بذل كل منهما ديباجة وجهه عند الأخذ للآخر، " منه ".
547

يتقدم موت أحدهما على الآخر.
ومنها المتفق والمفترق (1) فهو ما اشترك بعض من في السند - واحدا كان أو أكثر -
مع غيره في الاسم وافترق في الشخص؛ اختص الاشتراك بالأبناء أو مع الآباء أو مع
الأجداد أيضا.
ومنها المؤتلف والمختلف فهو ما اتفقت الأسماء خطا واختلفت نطقا كجرير و
حريز بالجيم والراء المهملة في الأول والحاء والزاي المعجمة في الثاني.
ومنها المتشابه وهو ما اتفقت الأسماء خطا ونطقا واختلف الآباء نطقا مع
الائتلاف خطا أو بالعكس، باختصاص الاتفاق المذكور بالآباء واختلاف المزبور
بالأبناء كمحمد بن عقيل بفتح العين لشخص وضمها لآخر واللازم فيه هو الرجوع
إلى المميزات الرجالية.
ومنها المختلف في صنفه لا في شخصه، وذلك حديثان متصادمان في ظاهر
المعنى سواء أمكن التوفيق بينهما بتقييد المطلق أو تخصيص العام أو الحمل على
بعض وجوه التأويل أو كانا على صريح التضاد والتصادم الموجب لطرح أحدهما
جملة البتة وإذا كانا المتضادين بحيث لا يتيسر الجمع بينهما فإن علم أن أحدهما ناسخ
قدم وإلا كان الرجوع إلى المرجحات المقررة في الأصول وهذا أهم فنون علم
الحديث يضطر إليه عموم العلماء وخصوص الفقهاء وقد صنف فيه من الإمامية شيخ
الطائفة كتاب الاستبصار فيما اختلف من الأخبار.
ومنها النادر ويقال له المفرد وذكروا قال بعض: وهو إما فرد ينفرد به راويه عن
جميع الرواة وذلك الانفراد المطلق وربما ألحقه بعضهم بالشاذ وإما فرد مضاف
بالنسبة إلى جهة معينة كما تفرد به أهل الكوفة أو البصرة أو مكة أو تفرد به واحد معين
من أهل مكة بالنسبة إلى غيره من المحدثين من أهلها.
ومنها الناسخ والمنسوخ والأول هو حديث دل على نهاية استمرار حكم

1. وجه التسمية أن من في السند مع غيره متفق في الاسم، مختلف في الشخص، " منه ".
548

شرعي ثابت بدليل سمعي سابق والثاني حديث بت (1) استمرار حكمه الشرعي بدليل
شرعي متأخر عنه وهذا فن صعب مهم جدا.
[أنحاء تحمل الحديث]
ثم ينقسم الحديث باعتبار أنحاء تحمله عن المروي عنه إلى أقسام سبعة، كل منها
طريق يستند إليه الراوي في الرواية.
الأول السماع عن الشيخ المروي عنه وهو أعلاها وله وجوه: من قراءة الشيخ
على خصوص الراوي عنه، أو قراءته مع كون الراوي أحد المخاطبين، أو كذلك مع
كون الخطاب إلى غيره فيكون هو مستمعا أو سامعا صرفا، كل الثلاثة مع كون قراءته
من كتاب مصحح، أو من حفظه؛ وأعلى الوجوه الستة أولها، فيقول المتحمل: سمعت
فلانا، أو حدثنا، أو أخبرنا، أو روى لنا، أو نبأنا.
والثاني القراءة عليه (2) - ويسمى العرض عند أكثر القدماء - وله أيضا وجوه:
من قراءة الراوي عليه من كتاب في يده وبيد الشيخ أيضا مثله مع الصحة، ثم
يعترف بالموافقة وبكونه روايته وهو أعلاها؛
ويتفاوت ما عداه من الوجوه أيضا كقراءة الراوي من حفظه حيث تحمله وحفظه
بما دون ذلك من المراتب بل بما لا اعتبار به أصلا كحفظه من لسان كذاب وضاع فأراد
الاعتبار أو كماله وتمامه فيعرضه على المروي عنه الثقة أو غيره ليعترف به؛
وكقراءة غيره مع سماعه وسماع الشيخ، كانت القراءة من كتاب أو الحفظ أو مع
مقابلة الشيخ بما في حفظه من غير كتاب بيده أو مع ظهور الاعتراف منه لا صريحه و
في حكم الاعتراف والإقرار سكوت الشيخ الدال عليه بقرائن الأحوال؛
فيقول المتحمل: قرأت عليه، أو عرضت عليه، أو قرأ، أو عرض عليه فأقر به، أو

1. بت أي قطع.
2. أي القراءة على الشيخ.
549

أظهره وأمثالها. ويجوز إحدى العبارات المذكورة في السماع مقيدة بقراءة عليه و
مطلقة على قول، واختلفوا في أن القراءة مثل السماع مرتبة أو فوقه أو تحته وقد
اخترنا الأخير.
والثالث الإجازة وهي الرخصة في رواية الحديث عنه عمن يرويه عنه بقوله:
أجزت لك أن تروي عني هذا أو ما أفاد ذلك.
والإجازة كما قد تكون في كتاب معين مشخص كأن يقول: أجزت لك أن تروي
عني هذا الكتاب. ولا بد حينئذ أن يكون الكتاب مأمونا عليه من الغلط والتصحيف أو
يجيز له الرواية بعد التصحيح.
أو في كتاب معين غير مشخص كأن يقول: أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك
من كتابي الذي تعرفه أو من كتاب الكافي مثلا.
أو كتاب غير معين مع ضبطه بعنوان معين كقوله: أجزت لك أن تروي ما صح
عندك روايتي لك من الكتب.
كذلك قد تكون لشخص معين كما مر وقد تكون لغير معين كما لو قال: أجزت
لمن استجمع هذه الشروط أن يروي عني.
فظهر مما ذكر أن أنواع الإجازة أربعة (1) وكما يصح إجازة الموجود الكامل كذلك
يجوز إجازة غيره كالصغير والمعدوم منفردا ومنضما ويعتبر في إجازة غير المشافهة
بلوغها إليه بطريق العلم أو بخبر من يعتبر خبره ولا بد له حينئذ من التنبيه على ذلك و
ليس له أن يقول: أخبرني إجازة؛ لدلالته على المشافهة، وكيف كان، فيقول المتحمل:
أجازني، أو أجاز لي، أو عنه إجازة، أو حدثني ونحوه إجازة.
قال في القوانين: وعبارته الشائعة أنبأنا ونبأنا، ويجوز حدثنا وأخبرنا أيضا و
الأظهر عدم الجواز على الإطلاق إلا مع القرينة، بل يقول أنبأنا بهذا الكتاب إجازة و
فائدة الإجازة إنما تظهر في الاعتماد على الأصل الخاص المعين وحصول الاعتماد

1. إجازة معين أو غير معين لمعين أو غير معين، " منه ".
550

عليه حيث لا يثبت بطريق التواتر وإلا فلا فائدة لها سوى مجرد المحافظة على بقاء
اتصال سلسلة الإسناد إلى المعصوم (عليه السلام) وذلك أمر مطلوب للتيمن والتبرك بالإجازة
الخاصة وإن كانت الإجازة العامة حاصلة كافية، نظير إجازة الاجتهاد بزيادة حصول
الوثوق فيه ومن ذلك التبرك إجازات أصحابنا المتأخرين عن المشايخ الثلاثة لكتبهم
المعروفة. ويظهر مما ذكر آنفا الكلام في قراءة الشيخ والقراءة عليه أيضا فيحصل منه
التصحيح والخلاص من التصحيف والتحريف وغيرهما.
والرابع المناولة وهي أن يناوله الشيخ ويدفع مكتوبا فيه خبر أو أخبار أصلا كان
أو كتابا له أو لغيره إلى راو معين أو إلى جماعة أو يبعثه إليه أو إليهم برسول بل يمكن في
المعدوم بأن يوصي بالدفع إليه، كل ذلك مع تصريح أو غيره بما يفيد أنه روايته و
سماعه كل ذلك مع تجويزه للمدفوع إليه أو لغيره أيضا في أن يرويه عنه بطريق
الإجازة له أو لغيره بأن يقول: أجزتك في روايته. أو يقول: اروه عني. أو مع الاقتصار
عليه فيقول: هذا سماعي أو روايتي. والأكثر على عدم جواز الرواية عنه بذلك (1) حينئذ
ولا يخفى أن عدم الجواز إنما هو رواية سماع الراوي عن الشيخ على وجه الإسناد من
دون إذنه وإجازته ووجهه عدم ظهور وثوقه واطمئنانه بالكتاب وبفلان على وجه
يتصل الإسناد إلى من يروى عنه والمنع من الرواية عنه على هذا الوجه لا ينافي جواز
الرواية عن المعصوم (عليه السلام) والعمل به لمن حصل له الوثوق والاطمئنان بصدوره عنه (عليه السلام)
من خارج وأدلة إذنه (عليه السلام) بل أمره وأمر الله تعالى برواية الأحاديث وضبطها ونشرها بين
الشيعة والإمامية ففي الكافي بإسناده إلى أحمد بن عمر الحلال قال: قلت لأبي الحسن
الرضا (عليه السلام): الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول: اروه عني، يجوز لي أن أرويه
عنه؟ قال: فقال: " إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه " (2) لا تفيد (3) أزيد من ذلك وهذا
واضح.

1. أي بالمناولة بدون الإجازة، " منه ".
2. الكافي 1: 53، ح 6، باب رواية الكتب والحديث.
3. " لا تفيد " خبر ل‍ " أدلة إذنه (عليه السلام) ".
551

هذا وقانون التعبير عن هذا القسم للمتحمل على ما عرفته في غيره بأن يقول
الراوي: ناولني، مع بيان أنه سماعه وأمرني أو رخصني أو أجازني روايته. ويجوز
حدثني أو أخبرني مع القيد.
والخامس الكتابة وهو أن يكتب مسموعه لغائب أو حاضر بخطه أو يأذن لثقة أن
يكتبه أو كتب أن الفلان سماعي فإن انضم ذلك بالإجازة وكتب فاروه عني أو أجزت
لك روايته فلم ينقل خلاف في جواز الرواية بشرط معرفة الخط والأمن من التزوير.
وإن خلا عن ذكر الإجازة ففيه خلاف والأكثر على الصحة خصوصا وبناء
المسلمين بل مطلق الناس عليه وعلى الاعتبار ومكاتبات الأئمة (عليهم السلام) إلى مواليهم في
الأحكام الشرعية فوق الكثرة وهم (عليهم السلام) كانوا عالمين بعملهم عليها بل كانوا يكتبون
لذلك ولم ينقل عن أحد التأمل من هذه الجهة، فإذا كان هذا طريقا لإثبات المكتوب
فالرواية عنه (عليه السلام) بأدلة نقل الأحاديث والأخبار والذهاب إلى عدم الصحة لعدم إذن
الشيخ إنما هو بملاحظة ما تقدم في سابق هذا القسم.
وعبارة المتحمل على وفق ما مر بأن يقول: كاتبني أو كتب إلي أو عنه مكاتبة إلي
أو إلى فلان أو أخبرني أو حدثني مكاتبة.
والسادس الإعلام بأن يعلم شخصا أو أشخاصا بقوله الصريح أو الظاهر أو
المقدر أو الإشارة أو الكتابة أن ما كتب في كتاب كذا من مروياته أو مسموعاته وهذا
يتفق عند المسافرة أو الموت أو زعم أحدهما ولا يأذن في الرواية بإجازة أو مناولة أو
غير ذلك بل يقتصر على الإعلام فقط والعبارة أن يقول: أعلمنا ونحوه.
والسابع الوجادة بأن يجد المروي مكتوبا بخط الشيخ الذي هو راويه أو في
تصنيفه بخطه أو بخط غيره، معاصرا كان الشيخ للواجد أم لا، من غير اتصال على أحد
الأنحاء السابقة؛ فيقول: وجدت بخط فلان أو في كتاب أخبرني فلان أنه خط فلان. و
لا يجوز التعبير بالإخبار أو التحديث أو الرواية عنه ولو بقوله: " عنه " سواء أطلق ذلك
أو قيده بقيد الوجادة ونحوه.
وأما العمل بنفس ما يجده العامل فالحق الجواز حيث علم أنه من الشيخ المذكور
552

بتواتر وغيره من أسباب العلم وعلى هذا عمل الأكثر بل الجميع في أزماننا هذا من غير
حاجة إلى ضم غيره مما مر.
ثم لو وجدنا كتابا من كتب الأخبار سواء ذكر فيه أنه تأليف فلان أو رواية فلان أو
لم يذكر ولم يكن لنا علم بأنه لفلان لكن شهد عندنا عدلان بذلك فالظاهر ثبوت ذلك
بشهادتهما فيجوز لنا العمل به والرواية عنه ولو بقولنا: روى فلان أو بإضافة " في
كتابه " أو " في كتاب كذا " وإن لم نقل أخبرنا أو عنه وغير ذلك وكذا لو شهدا بأنه من
الإمام (عليه السلام) بخطه الشريف أو بغيره ولكن ما لم نعلم أو نظن بأن شهادتهما أو شهادة
أحدهما من باب الاجتهاد أو العلم بالأمارات.
[الوجوه السبعة في تحمل الحديث عن المعصوم (عليه السلام)]
ثم هذه السبعة المزبورة من أقسام التحمل والرواية من غير المعصوم (عليه السلام). وأما
التحمل والرواية عنه (عليه السلام) فالتحقيق جريانها في التحمل عنه (عليه السلام) بل وقوع أكثرها وإن
اختص أكثرها عند الأكثر بغيره (عليه السلام). (1)
أما السماع فواضح بل هو الأغلب فيه.
وأما القراءة فإمكانها فيه أيضا معلوم وأما وقوعها فالظاهر أنه كذلك مثل ما ورد
أنه سئل (عليه السلام) عن صدق بعض الروايات فقال: " نعم هو كذلك في كتاب علي (عليه السلام) "، فالمقابلة
بينه وبين محفوظه (عليه السلام) وإن لم يكن ذلك بقصد المقابلة وكذلك قراءته (عليه السلام) أشياء كثيرة
على الرواة مثل ما نقله لهم من خط علي (عليه السلام) وإملاء الرسول (صلى الله عليه وآله) أو من خط وإملاء غيره
كالصحيفة السجادية فذكر راويها أنه أملى علي أبو عبد الله (عليه السلام) الأدعية وكذا ما قرأه (عليه السلام)
عليهم بطريق الرواية عن أبيه عن آبائه كما في أكثر روايات السكوني وأضرابه وكذا
ذكره بعض.

1. وقد ذكروا في الرواية عن المعصوم (عليه السلام) وجوها للراوي في تحمله عنه (عليه السلام): منها: السماع منه (عليه السلام) مع توجه
الخطاب إليه وحده أو مع غيره. ومنها: السماع منه مع كون المخاطب بها غيره علم المعصوم (عليه السلام) بكونه
سامعا أم لا. ومنها: مكاتبته (عليه السلام) إليه أو إلى غيره. ومنها: العلم بكونه قول الإمام (عليه السلام) بالنظر إلى قرائن
الأحوال، " منه ".
553

وفي جملة من المذكور تأمل فتأمل فيها.
وأما الإجازة فقد أذن المعصومون (عليهم السلام) لشيعتهم بل أمروهم بنقل ما ورد منهم وما
يصدر لأمثالهم بقوله (عليه السلام): " راوية لحديثنا يبث في الناس ويشدد في قلوب شيعتنا
أفضل من ألف عابد " (1) وعن أبي خالد قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك إن
مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم
ترو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال: " حدثوا بها فإنها حق ". (2) وعن أحمد
بن عمر الحلال قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب
ولا يقول: اروه عنى، يجوز لي أن أرويه عنه، قال: فقال: " إذا علمت أن الكتاب له فاروه
عنه " (3) وفي النبوي (صلى الله عليه وآله): " اللهم ارحم خلفائي ثلاثا "، قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن
خلفاؤك؟ قال: " الذين يبلغون حديثي وسنتي ثم يعلمونها أمتي " (4) وقال (عليه السلام): " اعرفوا
منازل الناس منا على قدر رواياتهم عنا " (5) وقال: " اكتب وبث علمك في إخوانك " (6) و
قال الصادق (عليه السلام): " حدثوا عنا ولا حرج، رحم الله من أحيا أمرنا " (7) إلى غير ذلك من
الأخبار التي يعسر إحصاؤها ومن هنا يظهر أن إجازة الرواية لنا ولأمثالنا حاصلة من
أئمتنا (عليهم السلام) فلا حاجة إلى إجازة الغير. (8)
وأما الكتابة فوقوعها منهم (عليهم السلام) بلغ إلى حيث جعل المكاتبة من أقسام الأخبار
فيقولون: في مكاتبة فلان. ونص عليها العلماء في الدراية والرجال والأصول.

1. بحار الأنوار 2: 145.
2. الكافي 1: 53.
3. المصدر: 52.
4. الأمالي، للشيخ الصدوق: 247.
5. الكافي 1: 50.
6. المصدر: 52.
7. مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام)، لمحمد بن سليمان الكوفي 2: 155.
8. وإن كانت حاصلة لنا أيضا اللهم إلا على المنع من الإجازة للمعدوم وهو مع ضعفه مندفع بإجازة إمام
عصرنا عجل الله فرجه التي أجازها قبل وجودنا واستمر عليها إن لم يجددها بعد تأهلنا لذلك ونعوذ بالله
من رجوعه (عليه السلام) عن ذلك، " منه ".
554

وأما الإعلام فقد وقع بالنسبة إلى كثير من الكتب ككتاب يونس في عمل يوم و
ليلة المعروض على أبي محمد صاحب العسكر (عليه السلام) وفي الخبر فقال (عليه السلام) لي: " تصنيف
من هذا؟ " فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال: " أعطاه الله بكل حرف نورا "،
الخبر. وكتاب عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي المعروض على الصادق (عليه السلام)
فصححه واستحسنه وهو أول كتاب صنفه الشيعة إلى غير ذلك.
وأما الوجادة فالظاهر وقوعها أيضا كما في كتاب الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام)
حيث وجده القاضي أمير حسين عند جماعة من شيعة قم الواردين إلى مكة المباركة و
هو كجمع من المتأخرين بنوا على اعتباره لثبوت النسبة عندهم بقطع عادي أو بقطعي
الاعتبار.
ومخالفة القاضي والجمع المذكورين والبناء على عدم اعتبار الكتاب لا ينافي
كونه من قسم الوجادة لاختصاص الاعتبار ببعض أقسامها.
وصرح الصدوق (رحمه الله) في مواضع من كتبه وكذا من قاربه في الزمان أو سبقه بوجود
جملة من مكاتبات الأئمة (عليهم السلام) وتوقيعاتهم عندهم ومن المستبعد أن لا يكون وقوفهم
على بعض ذلك بطريق الوجادة ولو في كتب من قاربهم أو سبقهم.
وكيف كان فلا ينبغي التأمل في عدم اختصاص الأقسام السبعة بالتحمل عن غير
الإمام وإن كان بعضها أدون من بعض في معلومية الثبوت أو ظهوره. وحيث إن بناءنا
في هذه الوجيزة على الاختصار؛ فلنختم الرسالة بذكر أمور مهمة:
[تذكار لأمور مهمة]
[موارد جواز العمل بالخبر الضعيف]
منها قد ذكرنا سابقا عدم حجية الأخبار الضعاف، وأنه يجوز اعتبارها في إثبات
المندوبات والمكروهات. وعن الشهيد الثاني أنه قال: جوز الأكثر العمل بالخبر
الضعيف في نحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال لا في صفات الله وأحكام
555

الحرام والحلال، وهو حسن حيث لم يبلغ الضعيف آثار الوضع والاختلاق (1)، انتهى.
والمراد بالعمل به في القصص والمواعظ - على ما صرح به شيخ (2) مشايخنا
العظام - هو نقله واستماعه وضبطه في القلب وترتيب الآثار عليه عدا ما يتعلق
بالواجب والحرام، فإن العمل بكل شيء على حسبه، ويدخل في القصص حكاية
فضائل الأئمة ومصائبهم (عليهم السلام). وفي العمل، الإخبار بوقوعها من دون نسبته إلى الحكاية
على حد الإخبار بالأمور الواردة بالطرق المعتبرة كأن يقال مثلا: " كان أمير المؤمنين (عليه السلام)
يصلي كذا ويفعل كذا ويبكي كذا ونزل بمولانا الحسين (عليه السلام) كذا وكذا " وهكذا و
لا يجوز ذلك في الأخبار الكاذبة وإنجاز حكايتها؛ لأن حكاية الكذب ليست كذبا،
قيل: وإن أمكن منعها أيضا ما لم يظهر أنها كاذبة، والدليل على ذلك من طريق
العقل حسن العمل مع أمن المضرة فيه لو كان كذبا، ومن طريق النقل أخبار من بلغ
مضافا إلى إجماع كرى (3) المعتضد بحكاية ذلك عن الأكثر، مع أن النقل وإن كان ظاهره
العلم إلا أن كون حصول العلم في مثل ذلك على خلاف العادة، وجريانها على استناد
مثل ذلك إلى الروايات كاف صارفا عن هذا الظاهر وقرينة على إرادة الاستناد إلى الأثر
فلا كذب فلا مانع.
وقد يوجه ذلك بما دل على رجحان الإعانة على البر والتقوى وعلى رجحان
الإبكاء على سيد الشهداء (عليه السلام) وأن من أبكى فله الجنة.
وفيه أن الإعانة والإبكاء قيد رجحانهما بالسبب المباح فلا بد من ثبوت إباحة
السبب من الخارج حتى يحكم برجحانه؛ لدخوله في أحد العنوانين لا أن السبب
بذلك يصير مباحا أو راجحا وإلا لكان لأدلة الإعانة والإبكاء بل مطلق المستحبات قوة
المعارضة لأدلة المحرمات فجاز الغناء في المراثي والزناء واللواط نعوذ بالله من
شرهما لإجابة المؤمنة والمؤمن وهو قطعي البطلان.

1. البداية في علم الدراية: 25.
2. المرتضى الأنصاري (قدس سره)، " منه ".
3. في النسخة كذا.
556

[التسامح في أدلة السنن]
ومنها أن موضوع المستحبات يتسامح في إثباته بما يتسامح فيه في الأحكام فإذا
وردت رواية ضعيفة بدفن رأس الحسين (عليه السلام) عند رأس أبيه (عليه السلام) أو ذكر بعض الأصحاب
أن هودا وصالحا مدفونان في هذا المقام المعروف الآن في وادي السلام (1) أو أخبر عدل
واحد بأن مكانا مخصوصا مسجد أو مدفن لنبي أو وصي أو ولي، يحكم باستحباب
زيارته عند الرأس أو زيارتهما في البقعة المعروفة وهكذا.
[جواز التعبد بخبر الواحد]
ومنها لا ريب في جواز التعبد بخبر الواحد المحفوف بالقرائن التي يفيد
بمعونتها العلم عقلا وشرعا كالخبر المتواتر وهو موضع وفاق. وأما المجرد عنها - أي
الخبر الواحد العاري عن القرائن المفيدة للعلم بصدق نفسه وبصدق مضمونه وإن
كان نصا في الدلالة - فالمعروف بين أصحابنا الإمامية جواز التعبد به عقلا أي لا يلزم
من تجويز العمل به محال أو قبيح.
ونقل عن ابن قبة من قدماء أصحابنا إنكاره والمنع منه عقلا.
ثم صار الأكثرون إلى وقوع التعبد به شرعا أيضا أي جواز العمل به الشامل
للوجوب في الشرع خلافا لجماعة من قدمائنا كالسيد وابن زهرة وابن البراج وابن
إدريس والطبرسي والحلي وربما ينسب إلى المفيد والشيخ وابن بابويه والمحقق بل
في الوافية أنه لم يجد القول بالحجية صريحا ممن تقدم على العلامة، وإن قيل وهو
عجيب.
والمراد وقوع التعبد بخبر الواحد شرعا بالخصوص وإلا فأصل وجوب العمل
بالأخبار المدونة في الكتب المعروفة مما أجمعوا عليه في هذه الأعصار في الجملة،
بل لا يبعد كونه ضروري المذهب كما نص عليه شيخ مشايخنا (قدس سره)، وإن اختلفوا في كون

1. هذا بناء على إلحاق فتوى الفقيه بالرواية الضعيفة في التسامح، " منه ".
557

ذلك من جهة قطعية الصدور كما عن طائفة من الأخبارية، أو من جهة حجية مطلق
الظن بعد الانسداد أو غير ذلك ولسنا هنا بصدد ذكر اختلاف القائلين بالاعتبار بين
القول باعتبار جميع ما في الكتب المعتبرة وبين استثناء ما كان منها مخالفا للمشهور و
بين تخصيص المعتبر بما عمل به الأصحاب، أو بما كان راويه عدلا، أو ثقة، أو بما كان
مظنون الصدور من غير اعتبار صفة الراوي؛ إذ المقصود الإشارة إلى حجيته في الجملة
في مقابل السلب الكلي.
[الشرائط المعتبرة في قبول خبر الواحد]
ومنها يشترط في قبول خبر الواحد - بناء على جواز العمل به - أمور وهذه
الشروط إنما تعتبر عند من قال بحجية خبر الواحد من حيث الخصوص كما هو
المعروف بين أصحابنا مطلقا، سواء قال بحجيته من حيث كونه مفيدا للظن
المخصوص أو من حيث نفسه.
وأما على حجية خبر الواحد من حيث كونه مفيدا للظن المطلق، فلا وجه لذكر
هذه الشروط ظاهرا فتأمل جيدا.
وأما الشروط:
- فمنها البلوغ، فلا يقبل رواية الصبي وإن كان مميزا.
- الثاني: العقل، فلا يعتبر خبر المجنون والنائم والمغمى عليه والسكران في
حالاتهم.
- الثالث: الإسلام، فلا يقبل رواية الكافر والمرتد وإن انتحلا الإسلام في الظاهر.
- الرابع: الإيمان، ذكره جماعة فلا يقبل رواية غير الإمامي الاثني عشري وجماعة
إلى عدم اشتراطه ولعله أقوى.
- الخامس: العدالة، وهي ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى والمروة (1)؛ و

1. والأحسن أن يقال: إنها ملكة في النفس تمنعها من فعل الكبائر والإصرار على الصغائر " منه ".
558

التقوى اجتناب الكبائر مع عدم الإصرار على الصغائر؛ والمروة الاجتناب عما يدل
على خسة النفس ودناءة الهمة بحسب حاله، صغيرة كانت كالتطفيف بحبة أو سرقتها،
أو مباحا كلبس الفقيه لباس الجندي والأكل في الأسواق في بعض الأوقات والأزمان.
ولم يعتبر جماعة المروة (1) فيها وهو الظاهر إلا أن يكشف مخالفتها عن ضعف
عقل وقصور تميز موجب لعدم الاعتداد بتقوى صاحبه أو بشهاداته.
ثم الكاشف عن تلك الملكة هو المعاشرة - المعطلة عليها علما أو ظنا - أو شهادة
عدلين، وهي عند أكثر متأخر المتأخرين - كما عزي إليهم - حسن الظاهر وظهور
الصلاح وكون الشخص ساترا لعيوب نفسه ومجتنبا عن الكبائر مواظبا للطاعات، و
هذا الحسن هو الكاشف عن تلك الملكة. وهذا الشرط ذكره جماعة ونسب إلى
المشهور.
وجماعة إلى كفاية تحرز الراوي عن تعمد الكذب وإن كان فاسقا بجوارحه.
- والسادس: الضبط، وهو أن يكون حفظه غالبا على سهوه ونسيانه، فإن من لا
ضبط له لا وثوق بخبره؛ لاحتمال الزيادة في روايته والنقصان والتغيير والتحريف
احتمالا مساويا لعدمها أو قريبا منه، فلا يبقى تعويل على خبره؛ ولو كان ضابطا
للرواية أو لبعض الأحاديث فقط أو على حال ووصف عول عليه.
ثم الشرائط المذكورة بعضها يعتبر عند معتبريه حال الأداء فقط دون التحمل
كالبلوغ فإن من سمع قبله وروى بعده فقبوله - حيث يجتمع غيره من الشرائط - لا مانع
منه. ومثله الإسلام والإيمان والعدالة فإن المعتبر فيها أيضا عند معتبريها حال الرواية.
وأما العقل والضبط فالظاهر اعتبارهما في الحالين.

1. وعن جماعة أن المروة اتباع محاسن العادات والتحرز عن مساويها من المباحات التي تنفر عنها النفس
وتؤذن بدناءة فاعلها كالأكل في المجامع والأسواق والبول في الشوارع عند سلوك الناس والمضايقة في
اليسير الذي لا يناسب حاله ونقل الماء والأطعمة بنفسه ممن لا يليق بشأنه إن كان عن شح وبخل ونحو
ذلك مما يكشف عن دناءة الطبع وعدم المبالاة، ويختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والحالات،
" منه ".
559

[إحراز عدالة الراوي]
ومنها [أن] عدالة الراوي (1) تعرف بالاختبار، والصحبة الكاشفة عن وجود الملكة
فيه كشفا قطعيا أو ظنيا مستندا إلى دلالة حسن ظاهره عليه. والتعويل في العدالة على
حسن الظاهر إما لأنه العدالة أو لأنه طريق إليها. وفي حكم المعاشرة الوقوف على
جملة من أحواله وأفعاله الكاشفة عن وجود الملكة وحسن الظاهر فيه، وبتزكية
العدلين فما زاد، وباشتهاره بين الناس خصوصا بين العلماء والمحدثين ومعاملتهم
معه معاملة العدل الثقة بالرجوع إليه والقبول لما يرويه وإن لم يصرح بتوثيقه
كالصدوق (رحمه الله)، وبتزكية العدل الواحد على المشهور المختار فيجوز التعويل في تعديل
الراوي أو إثبات تحرزه عن الكذب على قول العدل الواحد.
[ألفاظ توثيق الراوي ومدحه]
ثم إن توثيق الراوي يعرف بقول المزكي فيه أنه عدل إمامي ضابط أو ثقة من
الثقات. وعلماء الرجال قد أطلقوا في حق بعض الرجال ألفاظا منها ما يدل على
التعديل نصا أو ظهورا، ومنها ما لا يدل إلا على مجرد المدح دون التوثيق:
مثل قولهم: ورع أو تقى أو عدل أو حجة، فنص؛
أو دين، فنص أو ظاهر؛
أو صالح أو خير، فظاهر؛
ومثل قولهم: عين أو وجه من وجوه أصحابنا؛
ومثله: فلان أوجه من فلان أو أصدق أو أوثق أو أورع أو أعدل ونحو ذلك، حيث
كان المفضل عليه ثقة أو وجها أو صدوقا أو غيرها بل هو أقوى؛
ومثل: أصدق لهجة من فلان، حيث كان ثقة فيفيد مدحا يعتد به؛

1. تذكر المؤلف - رحمه الله - البحث عن العدالة في شرائط قبول خبر الواحد، آنفا.
560

ومثل قولهم: اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، فذلك توثيق له بل
قيل بدلالته على توثيق الذين بعده أي المتقدمين عليه في هذه الرواية ولا يخلو عن
إشكال وسيأتي ذلك؛
ومثل قولهم: لا بأس به، فهو مدح أو تعديل وفيه تأمل؛
ومثل قولهم: أسند عنه، فعند البعض توثيق وأولى من سابقه فتأمل؛
ومثل قولهم: من أولياء أحد الأئمة أو صاحبه، فقد يجعل تعديلا. وهو مشكل؛
وقولهم: شيخ الطائفة، فهو تعديل أو مدح؛
وقولهم: فقيه أو فاضل، ولا تعديل فيهما وإن كانا نوع مدح؛
وقولهم: سليم الجنبة أي سليم الأحاديث والطريقة، فمدح يعتد به؛
وقولهم: مضطلع الرواية، فكذلك على ما قيل أي قوي الرواية أو عالي الرواية؛
وقولهم: خاصي، فقد يعد مدحا؛
ومثل قولهم: قريب الأمر (1) وكونه مدحا قريب؛
وقولهم: الثبت الصحيح الحديث، أقواها في التوثيق؛
وقولهم بعد ذكره: رحمه الله، فدل على كونه إماميا لا على كونه ثقة، نعم يشعر
بنوع مدح له كما يشهد به تخصيصهم لذكر الترحم بالبعض.
والتحقيق أن هذا ونظائره - من قولهم: قدس سره ونحوه، من ألفاظ الترحم - و
إن وضعت له لغة وأريد في موارد استعمالاتها أيضا إلا أن هذا نوع تعظيم وتكريم و
ثناء فلا تخلو عن ظهور في توثيق.
و [أيضا] من الألفاظ المستعملة عندهم في المدح، سواء بلغ حد التوثيق أم لا:
قولهم: ثقة؛
وقولهم: زاهد؛

1. أي قريب العهد إلى التشيع أو يقرب أمر قبول روايته أو قريب المذهب إلينا ونحو هذه المعاني، " منه ".
561

وقولهم: صحيح الحديث؛
وقولهم: ثقة في الحديث؛
وقولهم: متقن؛
وقولهم: شيخ الإجازة؛
وقولهم: أجمع على تصديقه؛
وقولهم: حافظ؛
وقولهم: ضابط؛
وقولهم: إمامي؛
وقولهم: من أصحابنا؛
وقولهم: مشكور؛
وقولهم: مستقيم؛
وقولهم: ثبت، بالتحريك أي حجة؛
وقولهم: نقي الحديث؛
وقولهم: يحتج بحديثه؛
وقولهم: شيخ جليل؛
وقولهم: مقدم؛
وقولهم: صالح الحديث؛
وقولهم: خير فاضل؛
وقولهم: ممدوح؛
وقولهم: عالم صالح؛
وقولهم: وجه؛
وقولهم: عين من عيون أصحابنا؛
562

ونحوها من قولهم: مسكون إلى روايته ونحوه. (1)
وقد يعد من أسباب التوثيق أمور:
مثل كونه وكيلا لأحد الأئمة. وفيه تأمل وتفصيل؛
ومثل نصبه قيما على الصغير أو أمره بالإفتاء؛
ومثل أنه كثير الرواية وهو كذلك فيما لو أكثر الثقة الجليل عنه الرواية؛
ومثل أنه من مشايخ الإجازة؛
ومثل أن يروي عنه من قيل: إنه لا يروي إلا عن ثقة. والأقرب أنه يدل بظاهره
على نوع اعتماد عليه.
[ألفاظ ذم الراوي وجرحه]
ويستعمل عندهم أيضا ألفاظ في الذم، سواء بلغ حد الجرح أم لا بحيث يسقط به
الخبر في نفسه عن الاعتبار أم لا بل كان بحيث يسقط عن المقاومة مع غيره من الأخبار
المعتبرة:
مثل قولهم: فاسق؛ وقولهم: فاسق بجوارحه؛ وقولهم: مرتفع القول؛ وقولهم:
كان يشرب الخمر؛ وقولهم: كذاب؛ وقولهم: وضاع؛ وقولهم: كذاب يضع
الحديث؛ وقولهم: من الكذابين المشهورين؛ وقولهم: ملعون؛ وقولهم: غال؛ و
قولهم: من الطيارة (2)؛ وقولهم: خبيث؛ وقولهم: متعصب؛ وقولهم: متهم؛ وقولهم:
متروك؛ وقولهم: عامي؛ وقولهم: مجهول؛ وقولهم: منكرة النية؛ وقولهم: متروك
الحديث؛ وقولهم: مرتفع القول؛ وقولهم: غير مسكون إلى روايته: وقولهم: ساقط؛
وقولهم: ليس بشيء؛ وقولهم: ضعيف؛ وقولهم: ضعيف في الحديث؛ وقولهم:

1. كل ذلك قد يكون معه ماله دخل في قوة المتن، كفقيه ورئيس العلماء وفهيم وحافظ وله ذهن وقاد و
طبع نقاد وهكذا أو لا يكون كذلك كشاعر وكاتب مثلا؛ " منه ".
2. فرقة من الغلاة.
563

مضطرب الحديث؛ وقولهم: مختلط الحديث؛ وقولهم: ليس بنقي الحديث؛ و
قولهم: يعرف حديثه وينكر وفيه تأمل؛ وقولهم: غمز عليه في حديثه؛ وقولهم:
منكر الحديث؛ وقولهم: مخلط؛ وقولهم: ليس بذلك؛ وقولهم: كاتب الخليفة أو
الوالي أو من عماله أو كان عاملا من قبل فلان ونحوها؛ وأنصها على التوهين:
الكذوب الوضاع؛
ومثلها أن يروي الراوي عن الأئمة (عليهم السلام) على وجه يظهر منه أخذهم (عليهم السلام) رواة لا
حججا كأن يقول: عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليه السلام) أو عن الرسول (صلى الله عليه وآله) فإنه مظنة
عدم كونه من الشيعة إلا أن يظهر من القرائن كونه منهم.
وهنا جملة أمور يستفاد منها القدح، مذكورة في محالها:
ككون الراوي في الرأي أو الرواية موافقا في الغالب للعامة؛
وكإكثار المذمومين خصوصا أرباب المذاهب الفاسدة الرواية عنه على وجه
يظهر كونه منهم ونحو ذلك.
[ألفاظ لا تفيد مدحا ولا قدحا في الراوي]
وهنا أيضا ألفاظ يستعملونها لا تفيد مدحا ولا قدحا ولو أفادت أحدهما فمما
لا يعتنى به، إما لضعف الإفادة أو المفاد:
مثل لفظ المولى، فيقولون: إنه مولى فلان، أو إنه مولى بني فلان، أو مولى آل
فلان، أو مولى بالقطع عن الإضافة، أو مولى فلان ثم مولى فلان؛ (1)
ومثل قولهم: له كتاب وله أصل وله مصنف وله نوادر، كله تارة مضافة إلى باب
من العلم كالمناقب والمثالب أو تهذيب الأخلاق وعمل يوم وليلة، وأخرى بجعل ما
ذكر ظرفا لها كقولهم: له أصل أو كتاب في كذا؛ أو إلى شخص أو موصوفة بوصف

1. والأقوال ممن أثبت الإفادة لهذه الألفاظ أربعة: التوثيق، والحسن المطلق، والحسن المصطلح، والرابع
نفي الإفادة رأسا، " منه ".
564

الحسن أو الاعتبار وغير ذلك.
قيل: " ومن هذه الألفاظ (1) قولهم قريب الأمر أو مضطلع في الرواية أو سليم
الجنبة "؛ وقد مر ذكر هذه الألفاظ فيما يفيد المدح فتأمل.
[قبول الجرح والتعديل وعدمه]
ومنها الأقرب قبول الجرح والتعديل المجردين عن ذكر السبب مطلقا (2)؛ وقيل
بعدم القبول مطلقا؛ وقيل بالتفصيل بين الجرح والتعديل فبالأول في الأول وبالثاني
في الثاني؛ وقيل بالعكس؛ وعزي الأربعة إلى العامة؛ وقيل غير ذلك.
وإذا تعارض الجرح والتعديل، فقيل: يقدم الأول مطلقا؛ ونسب إلى الأكثر. و
قيل: الثاني مطلقا. وقيل: يتوقف مع عدم المرجح مطلقا وإلا فيؤخذ به.
والأظهر أن يفصل بين ما لو كان التعارض من حيث الإطلاق فيرجح الجرح، و
بين ما لو كان التعارض من حيث الخصوص كأن يقول الجارح: وجدته يشرب الخمر
في وقت كذا، وقال المزكي: إني وجدته في ذلك الوقت بعينه، نائما أو مصليا أو إنه
توفي قبل ذلك ونحو ذلك؛ فيجب الرجوع إلى المرجحات كالأكثرية والأورعية و
نحو ذلك.
[في قول العادل: حدثنا عدل]
ومنها إذا قال العدل أو العدلان - بناء على اعتبار التعدد -: حدثنا عدل؛ فالأقرب
الاكتفاء به بناء على اشتراط العدالة في الراوي مع تعذر الاطلاع على ما يعارضه أو تعسره و
عدم الاكتفاء به مع إمكان الاطلاع على المعارض، فإن مقتضى القبول - وهو تزكية العدل و
تعديله - موجود وما يتخيل مانعا - من عدم تعيين الراوي - لا يصلح للمانعية.

1. أي التي لا تفيد مدحا ولا قدحا؛ " منه ".
2. بأن يقول: فلان عدل أو ضعيف من دون ذكر سبب العدالة والضعف؛ " منه ".
565

وعد بعض أصحابنا لبعض الأخبار صحيحا أو موثقا أو حسنا من هذا الباب
فلا يصح التعويل عليه مع إمكان الرجوع والاستعلام ويجوز مع ضيق المجال أو عدم
كتاب يستعلم به الحال.
وقس على ما ذكرنا قول الراوي: حدثني صالح أو واقفي ثقة أو من لا يعتد بروايته
أو غير عدل؛ أو حكم الفقيه بضعف الرواية، فإن الكلام في ذلك كله كالكلام فيما مر.
ولا يكفي في قبول الرواية قول العدل أو العدلين: حدثنا بعض أصحابنا؛ فإن مجرد
كونه من الأصحاب لا يوجب الاعتماد على روايته وكذا لو قال: عن بعض أصحابه.
[في قول العادل: حدثني فلان]
ومنها إذا قال العدل: حدثني فلان؛ أو قال: فلان عن فلان؛ وأمكن روايته عنه بلا
واسطة فظاهره الإسناد وإن كان قد يروي عنه مع الواسطة؛ والظاهر هو الحجة في باب
الألفاظ وإن أرسل أو ذكر واسطة مبهمة بأن قال: عن رجل أو عن بعض أصحابه؛ و
يقال له: المرسل، فالمختار القبول فيه إن عرف أن الراوي لا يرسل إلا عن ثقة كابن
أبي عمير وفيه أقوال أخر.
[جواز نقل الحديث بالمعنى]
ومنها لا خلاف ظاهرا بين أصحابنا الإمامية في جواز نقل الحديث بالمعنى و
عدم سقوطه بذلك عن الحجية ونقل عن بعض المخالفين خلافه وموضع النزاع في
الجواز - على ما نص عليه غير واحد - ما إذا نقل مضمون الحديث بغير لفظه ويسنده
بلفظ قال أو مرادفه وأما نحو أمر بكذا أو نهى عن كذا أو صرح بنقل المعنى فلا كلام فيه
بل ينبغي أن يستثنى من ذلك نقل الخطب والأدعية ونحوهما مما يستظهر منه عند
إطلاق الإسناد نقل اللفظ نظرا إلى تعلق القصد به غالبا فلا يجوز نقله بالمعنى من غير
قرينة تدل عليه ولو عند المجوز.
ونقل الحديث بالمعنى جريان طريقة السلف عليه من غير نكير على الناقل ولا
566

على العامل. وأيضا اتفاقهم على نقله بالعجمية والاعتداد به إلا أن ذلك فيما لا يمكن
فيه الوصول إلى الأصل وهو خارج عن محل الكلام.
ثم يعتبر في جواز نقل الحديث بالمعنى أن يكون الناقل عارفا بمواقع الألفاظ حتى
يتمكن من صرف المعنى من المنقول منه إلى المنقول إليه فيعتبر هذا الشرط بالنسبة إليهما
معا ومعنى عرفانه بها أن يكون عارفا بمداليل الألفاظ وبما يلزمها باعتبار الهيئات والأحوال
وبالجملة العارف بأوضاع اللغة وقواعد الأدب وأن لا يقصر النقل عن إفادة المراد.
وقيل: أن يكون مساويا للأصل في الوضوح والخفاء. وفيه خفاء وتأمل و
تفصيل فتأمل.
[الأصل والكتاب والنوادر]
ومنها اعلم أن جميع أخبارنا إلا القليل منها ينتهي إلى أئمتنا الاثني عشر وهم
ينتهون فيها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقد جمع قدماء محدثينا ما وصل إليهم من أحاديث أئمتنا في
أربعمائة كتاب تسمى بالأصول الأربعمائة (1) جمعت في عهد مولانا الصادق (عليه السلام) أو في عهد

1. قال في الرواشح [الرواشح السماوية: 98]: إن الأصول أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف من رجال أبي
عبد الله الصادق (عليه السلام) بل وفي مجالس الرواية عنه والسماع عنه (عليه السلام) ورجاله من العامة والخاصة على ما قاله
الشيخ المفيد (رحمه الله) في إرشاده زهاء أربعة آلاف رجل وكتبهم ومصنفاتهم كثيرة إلا أن ما استقر الأمر على
اعتبارها والتعويل عليها وتسميتها بالأصول هذه الأربعمائة وقال الشيخ في الفهرست: إن أحمد بن محمد
بن عيسى روى عن محمد بن أبي عمير كتب مائة رجل من رجال أبي عبد الله (عليه السلام) وفي طائفة من نسخ
الفهرست روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى أنه كتب عن مائة رجل من رجال أبي عبد الله (عليه السلام) ثم قال بعد
حكاية ابن شهرآشوب عن المفيد المذكورة في المتن فهذا معنى قولهم: له أصل، يقال: قد كان من دأب
أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحدهم حديثا بادروا إلى ضبطه في أصولهم من غير تأخير. وكتب
حريز بن عبد الله السجستاني كلها تعد في الأصول ولا تعد فيها كتب الحسن بن محبوب السراد ويقال
الزراد الثقة الجليل القدر من أصحاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أحد الاثنين والعشرين المجمع على فقههم
وعلمهم وثقتهم وتصحيح ما يصح عنهم روى عن ستين رجلا من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وهو
صاحب كتاب المشيخة والمعدود في الأركان الأربعة في عصره وكذلك كتاب الجامع المعول عليه لأحمد
بن محمد بن أبي نصر البزنطي غير معدود في الأصول بل معدود في الكتب فأما الصحيفة الكريمة السجادية
فأعلى رتبة وأجل خطبا من أن تعد وتدخل في الكتب المصنفة والأصول المدونة المروية وكذلك
الصحيفة المباركة الرضوية وكذلك الرسالة المقدسة الرضوية المعروفة بالذهبية إلى أن قال أخيرا: وليعلم أن
الأخذ من الأصول المصححة المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية، " منه ".
567

الصادقين (عليهما السلام).
وعن المفيد وابن شهرآشوب والطبرسي أنهم وثقوا أربعة آلاف من أصحاب
الصادق (عليه السلام) والموجود منهم في جميع كتب الرجال والحديث لا يبلغون ثلاثة آلاف. و
ذكر العلامة وغيره أن ابن عقدة جمع الأربعة آلاف المذكورة في كتاب الرجال.
وحكى في فوائد التعليقة عن ابن شهرآشوب أنه في معالمه نقل عن المفيد (رحمه الله) أن
الإمامية صنفوا من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى زمان العسكري (عليه السلام) أربعمائة كتاب تسمى
الأصول.
ثم قال بعد الحكاية: لا يخفى أن مصنفاتهم أزيد من الأصول فلا بد من وجه
تسمية بعضها أصولا دون البواقي؛ فقيل: إن الأصل ما كان مجرد كلام المعصوم (عليه السلام) و
الكتاب ما فيه كلام مصنفه أيضا؛ إلى أن قال: واعترض أيضا بأن كثيرا من الأصول فيه
كلام مصنفه وكثيرا من الكتب ليس فيه ككتاب سليم بن قيس؛ إلى قوله: أقول: " ويقرب
في نظري أن الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن
المعصوم (عليه السلام) أو عن الراوي والكتاب والمصنف لو كان فيهما حديث معتمد لكان
مأخوذا من الأصل غالبا ". (1)
قلت: يظهر من هذه الكلمات أقوال ثلاثة في المراد بالأصل والفرق بينه وبين
الكتاب والمتحصل أن الأصل مجمع أخبار وآثار جمعت لأجل الضبط والتحفظ عن
الضياع لنسيان ونحوه ليرجع الجامع وغيره في مقام الحاجة وحيث إن الغرض منه
ذلك لم ينقل فيه في الغالب ما كتب في أصل أو كتاب آخر لتحفظه هناك ولم يكن فيه
من كلام الجامع أو غيره إلا قليل مما يتعلق بأصل المقصود.
وهذا بخلاف الكتاب إذ الغرض منه أمور كتحقيق الحال في مسألة وكسهولة

1. فوائد الوحيد البهبهاني: 33 - 34.
568

الأمر على الراجع إليه في مقام العمل فيأخذ منه ما يحتاج إليه ولذا ينقل فيه من كتاب أو
أصل آخر ما يتعلق بذلك ويبوب ويفصل ويذكر فيه من كلام الجامع ما يتعلق برد و
إثبات وتقييد وتخصيص وتوضيح وبيان وغير ذلك مما يتعلق بالغرض المزبور. (1)
وهذا بخلاف النوادر فإنه وإن شارك الأصل فيما ذكرناه إلا أن المجتمع فيه قليل
من الأحاديث غير المتشتتة في كتاب سواء كانت من سنخ واحد فيقال: إنه نوادر
الصلاة أو الزكاة مثلا؛ أو من أصناف مختلفة فيقتصر على أن له نوادر أو كتاب نوادر.
فعن بعضهم النوادر هي أخبار متفرقة لا يجمعها باب ولا يمكن لكل منها ذكر
باب فتجمع وتسمى بالنوادر وفي الوافي: " هي الأحاديث المتفرقة التي لا يكاد
يجمعها معنى واحد حتى تدخل معا تحت عنوان ". (2)
قال في فوائد التعليقة: " وأما النوادر فالظاهر أنه ما اجتمع فيه أحاديث لا تنضبط في
باب لقلته بأن يكون واحدا أو متعددا لكن يكون قليلا جدا ومن هذا قولهم في الكتب
المتداولة: نوادر الصلاة ونوادر الزكاة وأمثال ذلك؛ قال: وربما يطلق النادر على
الشاذ " (3)، إلى آخر ما أفاده (قدس سره).
وعرفت النسبة بينهما بعد ما ذكرنا فالكتاب أعم من الجميع مطلقا بحسب اللغة
بل العرف إلا عرف من اصطلح الأصل في نحو ما ذكرنا والكتاب في مقابله كما عرفت
فمتباينان كظهور تباين الأصل مع النوادر بل الجميع حتى التصنيف والتأليف في

1. ونظير القسمين موجود عندنا أيضا فمرة نكتب في أوراق أو مجموعة ما نسمعه من صريح كلام فاضل
أو غيره أو نستنبطه من فحواه أو إشاراته أو نلتفت إليه بأفكارنا وسيرنا في المطالب سواء كان ذلك مطلبا
مستقلا أو دليلا على مطلب أو إيرادا أو نقضا على خيال أو نكتة ودقيقة أو سرا وعلة لمقصود إلى غير
ذلك فنسرع إلى جمعه في مقام ليكون محفوظا إلى وقت الحاجة وربما ننقل فيه من كتاب وقفنا عليه مع
زعم صعوبة وصولنا إليه بعد ذلك وأخرى نكتب تصنيفا لتحقيق مطالب ومقاصد بالاستدلال الكامل أو
غيره أو لجمع مهمات المطالب لرجوع الغير إليه كما في الرسائل العملية ونحوها أو تأليفا لجمع ما شئنا
من أخبار أو لغة أو رجال أو حكايات لغرض سهولة الأمر على الراجع وكفايته بمقصوده كان من
المستنبطين أو الوعاظ أو الزهاد أو نحو ذلك فالقسم الأول كالأصل والثاني كغيره من الكتب؛ " منه ".
2. الوافي 1: 42.
3. فوائد الوحيد البهبهاني: 34.
569

العرف المتأخر وإن كان أحيانا يطلق بعضها على بعض، إما للمناسبة أو بناء على
خلاف الاصطلاح المتجدد فتدبر.
[الكتب المعتبرة عند الشيعة الإمامية]
وكيف كان ثم تصدى جماعة من المتقدمين والمتأخرين - شكر الله مساعيهم
الجميلة - بجميع تلك الأصول والكتب التي أشرنا إليها وترتيبها تقليلا للانتشار و
تسهيلا على طالبي تلك الأخبار، فألفوا كتبا مبسوطة مبوبة وأصولا مضبوطة مهذبة،
مشتملة على الأسانيد المتصلة بأصحاب العصمة كالكافي وكتاب من لا يحضره الفقيه و
التهذيب والاستبصار ومدينة العلم والخصال والأمالي والعلل وإكمال الدين والتوحيد و
المجالس وعيون الأخبار وبحار الأنوار والوافي ووسائل الشيعة وغيرها.
والأصول الأربعة الأولى للمحمدين الثلاثة المتقدمين، هي أول الكتب التي
عليها المدار في الأعصار.
أما الكافي فهو تأليف ثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي
- عطر الله مرقده - ألفه في مدة عشرين سنة وتوفي (رحمه الله) ببغداد سنة ثلاثين أو تسع و
عشرين وثلاثمائة.
وأما كتاب من لا يحضره الفقيه فهو تأليف رئيس المحدثين حجة الإسلام أبي جعفر
الثاني محمد بن علي بن الحسين بابويه القمي - قدس الله سره - الشهير بالشيخ
الصدوق وتوفي - طاب ثراه - بالري سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وله مؤلفات
أخرى سوى الفقيه المزبور، ثلاثمائة كتاب تقريبا.
وأما التهذيب والاستبصار فهما من تأليفات شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن
الحسن الطوسي - نور الله ضريحه - وتوفي بالمشهد المقدس الغروي - على ساكنه
آلاف الصلاة والسلام - سنة ستين وأربعمائة، وله تأليفات أخرى سواهما في الأصول
والفروع والتفسير وغيرها.
وأما الكتب الثلاثة الأخرى فهي للمحمدين الثلاثة المتأخرين أنار الله برهانهم.
570

أما كتاب بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار فهو ستة وعشرون مجلدا
لجامعه البحر المحيط الفاضل العلامة مولانا محمد باقر بن المولى محمد تقي بن
مقصود علي الإصفهاني المشتهر بالمجلسي وتوفي بإصفهان المحروسة يوم السابع و
العشرين من شهر رمضان من سنة ألف ومائة والحادية عشرة (1111 ق) وعمره
ثلاث وسبعون ومادة تاريخ وفاته (رحمه الله) قول الشاعر:
ماه رمضان چه بيست وهفتش كم شد * تاريخ وفات باقر اعلم شد
وفيه من سحر البلاغة ما لا يخفى ومرقده - طاب ثراه - مزار شريف ملجأ الخلائق
بإصفهان وله مؤلفات أخرى سوى البحار، من الكتب والرسائل والتراجم بالعربية و
الفارسية التي عليها تدور رحى الشيعة وبها اهتزت الشريعة فربت وأنبتت من كل
زوج بهيج؛ ما من بيت للشيعة إلا ونسخة منها فيه وما من أحد إلا وهو رهين منته جزاه
الله عن الإسلام والمسلمين.
وأما كتاب الوافي في جمع الكتب الأربعة المتقدمة مع شرح أحاديثها المشكلة في
أربعة عشر مجلدا فهو للمولى الفاضل محسن بن الشاه مرتضى بن الشاه محمود
المشتهر بالفيض الكاشي المسمى بمحمد (قدس سره)، كما يظهر من تقريرات نفسه. وتوفي
- طاب مضجعه - في بلدة كاشان في حدود سنة تسعين وألف (1090 ق) وهو ابن أربع
وثمانين (1) وله - طاب ثراه - سوى الوافي المذكور مؤلفات ومصنفات كثيرة شريفة
لطيفة في الفنون المتشتتة والمعاني المختلفة.
وأما كتاب وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة في ست مجلدات يشتمل على
جميع أحاديث الأحكام الشرعية - الموجودة في الكتب الأربعة وسائر الكتب
المعتبرة، أكثر من سبعين كتابا - وأسماء الكتب وحسن الترتيب وذكر وجوه الجمع
مع الاختصار، فهو للشيخ المحدث الفقيه محمد بن الحسن بن علي بن محمد
المعروف بشيخنا الحر العاملي قدس الله سره. وتوفي - طاب ثراه - في سنة ألف ومائة
والأربعة وله سوى الوسائل تصانيف كثيرة مغتنمة.

1. تاريخ وفاته (رحمه الله) سنة إحدى وتسعين وألف.
571

[البحث في جماعة أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم]
ومنها قال في الرواشح: " قد أورد أبو عمرو الكشي (1) في كتابه الذي هو أحد
الأصول التي إليها استناد الأصحاب وعليها تأويلهم في رجال الحديث جماعة
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم والإقرار لهم بالفقه والفضل والضبط و
الثقة وإن كان روايتهم بإرسال أو رفع أو عمن يسمونه وهو ليس بمعروف الحال و
لمة (2) منهم في أنفسهم فاسد والعقيدة غير مستقيمي المذهب ولكنهم من الثقة و
الجلالة في مرتبة قصيا وقد جعلهم على ثلاث درج وطبقات:
الطبقة الأولى وهي الدرجة العليا في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر و
أبي عبد الله (عليهما السلام) قال بهذه العبارة: أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من
أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله (عليهما السلام) وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأولين
ستة: زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد بن معاوية العجلي وأبو بصير الأسدي و
الفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي؛ قالوا: وأفقه الستة زرارة؛ وقال بعضهم
مكان أبي بصير الأسدي، أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري.
الطبقة الثانية وهي الدرجة الوسطى وهذه عبارته: في تسمية الفقهاء من أصحاب
أبي عبد الله (عليه السلام) أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما
يقولون وأقروا لهم بالفقه - من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم - ستة نفر:
جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عيسى وأبان بن
عثمان وحماد بن عثمان؛ قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه - يعني ثعلبة بن ميمون - أفقه

1. الكشي هو أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز، شيخنا المتقدم الثقة الثبت العالم البصير بالرجال و
الأخبار، صاحب أبي النظر محمد بن مسعود العياشي؛ والكش البلد المعروف على مراحل من
سمرقند. قال البيرجندي المهندس: كش بفتح الكاف وتشديد الشين المعجمة من بلاد ما وراء النهر بلد
عظيم، ثلاثة فراسخ في ثلاثة فراسخ والنسبة إليه كشي؛ " منه ".
2. اللمة، قيل هي الجماعة من غير حصر، وقيل من الثلاثة إلى العشرة، والصاحب، وأصحاب السفر؛
" منه ".
572

هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام).
الطبقة الثالثة وهي الدرجة الأخيرة وهذه ألفاظه: هناك تسمية الفقهاء من
أصحاب أبي إبراهيم الكاظم (عليه السلام) وأبي الحسن الرضا (عليه السلام) أجمع أصحابنا على تصحيح ما
يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر آخر دون الستة
نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) منهم يونس بن عبد الرحمن وصفوان
بن يحيى بياع السابري (1) ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن
محبوب وأحمد بن محمد بن أبي نصر؛ وقال بعضهم مكان ابن محبوب، الحسن بن
علي بن فضال وفضالة بن أيوب؛ وقال بعضهم مكان فضالة، عثمان بن عيسى؛ وأفقه
هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى؛
ولقد جعل الشيخ تقي الدين الحسن بن داود في كتابه في الرجال، الطبقة الثالثة
هي الدرجة الوسطى والطبقة الثانية الدرجة الأخيرة وكأنه نظر إلى جلالة يونس بن
عبد الرحمن وصفوان بن يحيى ومحمد بن أبي عمير ولكن عبارة الكشي تأبى إلا
خلاف ذلك. ثم إن أبا عمرو الكشي قال في ترجمة فضالة بن أيوب: قال بعض
أصحابنا: إنه ممن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم وأقروا لهم
بالفقه والعلم؛ وبالجملة هؤلاء على اعتبار الأقوال المختلفة في تعيينهم أحد و
عشرون بل اثنان وعشرون رجلا ومراسيلهم ومرافيعهم ومسانيدهم إلى من يسمونه
من غير المعروفين معدودة عند الأصحاب - رضوان الله عليهم - من الصحاح من غير
اكتراث منهم لعدم صدق حد الصحيح على ما قد علمته عليها ". (2)
ثم قال بعد نقل بعض العبائر المعتبرة من الأجلة تأييدا لاعتبار ما ذكره ما هذا
لفظه: ونظائر ذلك في كتبهم وأقاويلهم كثيرة لا يحويها نطاق الإحصاء. والحق
الحقيق بالاعتبار عندي أن يفرق بين المندرج في حد الصحيح حقيقة وبين ما ينسحب
عليه حكم الصحة فيصطلح على تسمية الأول صحيحا والثاني صحيا أي منسوبا إلى

1. الثوب السابري منسوب إلى سابور اسم بلد؛ " منه ".
2. الرواشح السماوية: 45 - 46.
573

الصحة ومعدودا في حكم الصحيح؛ انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
والمشهور أن المراد من قولهم: اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه؛
صحة ما رواه حيث تصح الرواية إليه فلا يلاحظ ما بعده إلى المعصوم (عليه السلام) وإن كان فيه
ضعف وهذا هو الظاهر من العبارة.
وقيل لا يفهم منه إلا كونه ثقة.
وعن الأمين الكاظمي في مشتركاته (1): المراد منها أنه إذا صح السند إلى الرجل
فالحديث صحيح ولا ينظر إلى من بعده ولا يسأل عنه؛
وقال بعض الأجلة: المراد دعوى الإجماع على صدق الجماعة وصحة ما ترويه
إذا لم يكن في السند من يتوقف فيه، فإذا قال أحد الجماعة: حدثني فلان؛ يكون
الإجماع منعقدا على صدق دعواه وإذا كان فلان ضعيفا أو غير معروف لا يجديه ذلك
نفعا.
والمتحصل أن الاحتمالات في العبارة المذكورة - التي بكل منها قائل - أربعة:
أحدها أن المراد تصحيح روايته بحيث لو صحت من أول السند إليه عدت
صحيحة من غير اعتبار ملاحظة أحواله وأحوال من يروي عنه إلى المعصوم (عليه السلام)؛ عزي
هذا إلى الشهرة.
وثانيها أن المراد منه كون من قيل هذا في حقه صحيح الحديث لا غير بحيث إذا
كان في سند فوثق من عداه أو صحح السند ولو بغير التوثيق بالنسبة إلى غيره، عد
السند حينئذ صحيحا ولا يتوقف من جهته وبه قال بعض.
وثالثها أن المراد منه توثيق خصوص من قيل في حقه وحكي إسناده إلى غير
واحد.
ورابعها أن المراد منه توثيق من روى عنه من قيل ذلك في حقه وعزي إلى

1. اسم الكتاب، هداية المحدثين إلى طريقة المحمدين، تأليف محمد امين بن محمد علي بن فرج الله الكاظمي
المتوفى في القرن الثاني عشر وهو تلميذ فخر الدين الطريحي.
574

بعض، ومراده توثيق المقول في حقه أيضا ولذا قال بعض الأجلة: وربما قيل بأنها
تدل على وثاقة الرجال الذين بعده أيضا. وحيث إن البناء على الركون إلى الإجماع
المزبور إما تعبدا أو للبناء على اعتبار الظن ولا شك في إفادته الظن وجب علينا البناء
على ما يظهر من العبارة المذكورة لكونه حينئذ كغيره من الألفاظ التي هي حجة أو من
أجزائها والذي يظهر من العبارة ما فهمه المشهور فتدبر.
[كنى الأئمة (عليهم السلام) وألقابهم]
ومنها في كنى الأئمة وألقابهم على ما تقرر عند أهل الرجال:
أبو إبراهيم للكاظم (عليه السلام)؛
أبو إسحاق (1) للصادق (عليه السلام)؛
أبو جعفر للباقر (عليه السلام) والجواد (عليه السلام) لكن أكثر المطلق هو الباقر (عليه السلام) والمقيد بالأول هو
الأول وبالثاني هو الثاني؛
وأبو الحسن لعلي (عليه السلام) وعلي بن الحسين (عليه السلام) والكاظم (عليه السلام) والرضا (عليه السلام) والهادي (عليه السلام).
وقلما يراد الأول، والأكثر في الإطلاق الكاظم (عليه السلام). وقد يراد منه الرضا (عليه السلام)، والمقيد
بالأول أو الماضي هو الكاظم (عليه السلام)، وبالثاني الرضا (عليه السلام)، وبالثالث علي الهادي (عليه السلام)، و
يختص المطلق بأحدهم بالقرينة؛
وأبو الحسين لعلي (عليه السلام)؛
وأبو عبد الله للحسين (عليه السلام) والصادق (عليه السلام)، لكن المراد في كتب الأخبار، الصادق (عليه السلام)
كالعالم والشيخ وابن المكرمة (2) وكذا الفقيه والعبد الصالح؛ وقد يراد بهما وبالعالم
الكاظم (عليه السلام)، وفي الأكثر يراد بالعالم والشيخ والفقيه والعبد الصالح الكاظم (عليه السلام) كما يراد
برجل أو بالرجل هو (عليه السلام)؛

1. كما في إبراهيم بن عبد الحميد فراجعه، " منه ".
2. راجع معروف بن خربوذ، " منه ".
575

وأبو القاسم للنبي (صلى الله عليه وآله) والقائم (عليه السلام) وأكثر اطلاقه على الثاني؛
وصاحب الدار والصاحب وصاحب الزمان والغريم والقائم والمهدي و
الهادي، هو القائم عجل الله فرجه؛
والرجل، الهادي (عليه السلام) وكذا المرتضى وصاحب العسكر وصاحب الناحية؛
وأبو محمد للعسكري وللحسن المجتبى (عليه السلام).
[رموز أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)]
وأما رموز أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة عليهم الصلاة والسلام:
فلأصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) " ل "؛
ولأصحاب علي (عليه السلام) " ى "؛
ولأصحاب الحسن (عليه السلام) " ن "؛
ولأصحاب الحسين (عليه السلام) " سين "؛
ولأصحاب علي بن الحسين (عليه السلام) " ين "؛
ولأصحاب الباقر (عليه السلام) " قر "؛
ولأصحاب الصادق (عليه السلام) " ق "؛
ولأصحاب الكاظم " ظم " برمز أكثر كتب الرجال و " م " منفردا برمز ابن داود؛
ولأصحاب الرضا (عليه السلام) " ض "؛
ولأصحاب الجواد (عليه السلام) " ج "؛ في أكثر كتب الرجال و " د " وحده في رجال ابن داود؛
ولأصحاب الهادي (عليه السلام) " دي "
ولأصحاب العسكري (عليه السلام) " كر " في جملة من الكتب، منها رجال ابن داود و " رى "
في جملة أخرى؛
ولمن لم يرو عنهم " لم ".
576

استطراف
اعلم أن الشيخ المطلق والشيخ الطوسي وشيخ الطائفة في اصطلاح الفقهاء هو
الشيخ الطوسي المتقدم؛
والشيخان، هو مع شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام
المتوفى سنة ثلاثة عشر وأربعمائة؛
والثلاثة من غير ذكر كلمة الشيخ، هما مع السيد المرتضى علي بن الحسين بن
موسى المتوفى سنة ست وثلاثين وأربعمائة (1)؛
والأربعة، هم مع والد الصدوق علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي،
المتوفى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة؛
والخمسة، هم مع الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه،
المتوفى سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة؛
والستة، هم مع الإسكافي محمد بن أحمد بن الجنيد المشهور بابن الجنيد
المتوفى سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة في مدينة الري ووفاته ووفاة الصدوق معا في
الري في سنة واحدة، هكذا قيل؛ والظاهر وقوع الوهم في هذا وأن وفاة ابن جنيد قبل
ذلك، هذا ويعبر عنه وعن ابن عقيل في كلمات فقهائنا بلفظ القديمين؛
والسبعة، هم مع العماني حسن بن عيسى المعروف بابن أبي عقيل العماني، أو
حسن بن علي بن أبي عقيل المتوفى سنة سبع وستين ومائتين، هكذا جرى اصطلاح
المحقق في كتبه.
استطراف آخر
قول الفقهاء: الأشهر، يعنون به في الروايات أو في الأقوال أيضا؛

1. والمشايخ الثلاثة، الكليني والصدوق والشيخ الطوسي؛ " منه ".
577

والأشبه، بحسب الأصول أي ما دل عليه أصول المذهب؛
والأظهر، في الفتوى؛
والأصح، في الأقوال. وقيل ما لا يحتمل عندي غير المذكور؛
والأقوى، بحسب الأدلة؛
والأولى، ترجيح أحد القولين؛
الأحوط، بحسب العمل؛
الأكثر، مع القائل؛
الأنسب، بحسب دلائل الأصول، وقيل: قول بلا دليل؛
التردد وما يعارضه الدليلان من غير حصول الترجيح في أحد الطرفين.
حرره المحدث الحائري عبد الرزاق بن علي رضا بن عبد الحسين بن أبي طالب
بن عبد الكريم بن محمد يحيى بن محمد شفيع بن رفيع الدين محمد بن مولى
فتح الله القزويني الإصفهاني الحائري الهمداني في أربعة أيام، رابعها يوم
الأربعاء الرابع والعشرون من شهر الله رمضان المبارك من شهور ألف وثلاثمائة
وأربع وأربعين من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف التحية، في بلدة همدان
حامدا مصليا شاكرا قائلا: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله
الطاهرين.
" الواثق بالله عبد الرزاق بن علي رضا "
578

فهرس مصادر التحقيق
1. الأمالي، للشيخ الصدوق، مؤسسة البعثة، 1417 ق.
2. بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403 ق.
3. البداية في علم الدراية، للشهيد الثاني، تصحيح السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، قم،
نشر المحلاتي، 1421 ق.
4. تحف العقول، لابن شعبة الحراني، مؤسسة النشر الإسلامي، 1404 ق.
5. الدراية (الرعاية في شرح بداية الدراية)، للشهيد الثاني، نجف، مطبعة النعمان، 1379 ق.
6. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني، قم، مؤسسة اسماعيليان.
7. الرواشح السماوية، لمير داماد، مكتبة آية الله النجفي المرعشي، 1405 ق.
8. فوائد الوحيد البهبهاني، المطبوع مع رجال الخاقاني في مجلد واحد، قم، مكتب الاعلام
الإسلامي، 1404 ق.
9. الكافي، للكليني، دار الكتب الإسلامية، 1388 ق.
10. مجلة ميراث شهاب، العدد 19، مكتبة آية الله النجفي المرعشي.
11. مشرق الشمسين وأكسير السعادتين، للشيخ البهائي، تصحيح السيد مهدي الرجائي،
مشهد، الحرم الرضوي، 1414 ق.
12. مصفى المقال في مصنفي علم الرجال، للشيخ آقا بزرگ الطهراني، مخطوط.
13. مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام)، لمحمد بن سليمان الكوفي، مجمع احياء الثقافة الإسلامية،
1412 ق.
14. نقباء البشر في القرن الرابع عشر، للشيخ آقا بزرگ الطهراني، مشهد، دار المرتضى للنشر،
1404 ق.
15. الوافي، للفيض الكاشاني، أصفهان، مكتبة أمير المؤمنين على (عليه السلام) العامة، 1406 ق.
579

الفهارس العامة
1. فهرس الآيات الكريمة
2. فهرس الروايات الشريفة
3. فهرس أسماء المعصومين (عليهم السلام)
4. فهرس الأعلام
5. فهرس الكتب الواردة في المتن
6. فهرس المذاهب
7. فهرس الأماكن
8. فهرس المصطلحات
9. فهرس الموضوعات
581

(1)
فهرس الآيات الكريمة
السورة رقم الآية الآية الصفحة
البقرة 185 يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر 395، 414
282 ممن ترضون من الشهداء 412
286 لا يكلف الله نفسا إلا وسعها 395
آل عمران 138 هذا بيان للناس 340
الأنعام 148 إن تتبعون إلا الظن 395
يونس 36 إن الظن لا يغنى من الحق شيئا 395
يوسف 82 وسل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها 446
الاسراء 36 ولا تقف ما ليس لك بهى علم 395
الحج 5 وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت 446
78 ما جعل عليكم في الدين من حرج 395
النور 19 الذين يحبون أن تشيع الفاحشة 429
الشعراء 227 وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون 462
العنكبوت 45 ولذكر الله أكبر 484
الأحزاب 53 إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله... 142
سبأ 8 أفترى على الله كذبا أم بهى جنة 392
583

الصافات 35 لا إله إلا الله 365
الحجرات 6 إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا 249، 282
11 بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان 407
12 ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا 429
الحشر 7 ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا 59
المنافقون 1 قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله 393
4 وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم 59
الإخلاص 1 قل هو الله أحد 365
584

(2)
فهرس الروايات الشريفة
ائت أبان بن تغلب، فإنه قد سمع مني حديثا كثيرا... الصادق (عليه السلام) 220
أتتبرؤون من فاطمة، بترتم أمرنا، بتركم الله تعالى الباقر (عليه السلام) 57
اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس... الباقر (عليه السلام) 462
اختصمت الجنة والنار إلى ربهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) 106
إذا حفظت الصلب منه فلا بأس... الصادق (عليه السلام) 455
إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه... الرضا (عليه السلام) 302، 450، 551، 554
إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا رسول الله (صلى الله عليه وآله) 94
إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووه فانظروا ما رووه عن علي (عليه السلام) فاعملوا به
الصادق (عليه السلام) 296
إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا... الصادق (عليه السلام) 405
أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار رسول الله (صلى الله عليه وآله) 108
أعربوا أحاديثنا، فإنا قوم فصحاء الصادق (عليه السلام) 35
أعربوا حديثنا، فإنا قوم فصحاء الصادق (عليه السلام) 456
اعربوا كلامنا الصادق (عليه السلام) 408
اعرفوا منازل الناس منا على قدر رواياتهم عنا الصادق (عليه السلام) 554
أفطر الحاجم والمحجوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) 132
اكتب وبث علمك في إخوانك المعصوم (عليه السلام) 554
اللهم ارحم خلفائي ثلاثا... رسول الله (صلى الله عليه وآله) 554
أما الجنة فينشئ الله لها خلقا رسول الله (صلى الله عليه وآله) 106
إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله (عليه السلام)... الرضا (عليه السلام) 237
إن أبا الخطاب... وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث...
الصادق (عليه السلام) 254
585

إن أبان بن تغلب قد روى عني روايات كثيرة... الصادق (عليه السلام) 463
إن ابن مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال رسول الله (صلى الله عليه وآله) 106
إنا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا... الصادق (عليه السلام) 254
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها رسول الله (صلى الله عليه وآله) 461
إن أهل الكوفة قد نزل فيهم كذاب - المغيرة - فإنه يكذب على أبي الصادق (عليه السلام) 253
إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) 107 و 445
أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج... الصادق (عليه السلام) 413
أنت مني حيث شئت أنا، وعلي منك حيث أنت مني حديث قدسي 179
إن شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين يوما أبدا الرضا (عليه السلام) 265
أن عليا (عليه السلام) كان يعطي أولي الأرحام دون الموالي الباقر (عليه السلام) 259
إن في المال لحقا سوى الزكاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) 94
أن قراءتك على العالم وقراءة العالم عليك سواء رسول الله (صلى الله عليه وآله) 443
إن لكل رجل منا رجلا يكذب عليه الصادق (عليه السلام) 254
إنما الأعمال بالنيات رسول الله (صلى الله عليه وآله) 109، 111، 365، 366،
371، 536
إن من عباد الله لمن هو أهل لصلاحه وعفته... العسكري (عليه السلام) 432
إنه لا يرتد - والله - أبدا الباقر (عليه السلام) 341
إني أنا الله، لا إله إلا أنا خالق الخير والشر... حديث قدسي 370
إني تارك فيكم الثقلين رسول الله (صلى الله عليه وآله) 536
بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري: أعظم الله أجر إخوانك فيك...
ناحية مقدسة = توقيع 342
البيعان بالخيار رسول الله (صلى الله عليه وآله) 115
تصنيف من هذا؟ فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين،... العسكري (عليه السلام) 555
التقية من ديني ودين آبائي الصادق (عليه السلام) 361
حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه رسول الله (صلى الله عليه وآله) 105
حدثني أن نساء آل محمد (صلى الله عليه وآله) إذا حضن قضين الصلاة... الباقر (عليه السلام) 253
حدثوا بها فإنها حق أبي جعفر الثاني (عليه السلام) 554
حدثوا عنا ولا حرج، رحم الله من أحيا أمرنا الصادق (عليه السلام) 554
الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما... الصادق (عليه السلام) 236
الحنان هو الذي يقبل على من أعرض عنه علي (عليه السلام) 122
خذ بقول أعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك الباقر (عليه السلام) 236
586

خذوا عنهم معالم دينكم بعض الأئمة (عليهم السلام) 241
جعلت الأرض لنا مسجدا وطهورا رسول الله (صلى الله عليه وآله) 384
جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا رسول الله (صلى الله عليه وآله) 119
جعلت لنا الأرض مسجدا وترابها طهورا رسول الله (صلى الله عليه وآله) 384
جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا رسول الله (صلى الله عليه وآله) 119
دع الشاذ النادر المعصوم (عليه السلام) 540
الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لعيوبه الصادق (عليه السلام) 432
الراحمون يرحهم الرحمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) 123
راوية لحديثنا يبث في الناس ويشدد في قلوب شيعتنا... الصادق (عليه السلام) 554
رب حامل فقه... رسول الله (صلى الله عليه وآله) 408
رجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا يعلم يمينه ما تنفق شماله رسول الله (صلى الله عليه وآله) 105
رجل تصدق بصدقة فأخفاها... رسول الله (صلى الله عليه وآله) 546
رحم الله امرءا سمع مقالتي فأداها كما سمعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) 456
رحم الله حميراء، أفواههم سلام، وأيديهم طعام، وهم أهل أمن وإيمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) 112
ردها وادفعها إلى المفضل بن عمر الكاظم (عليه السلام) 341
السبعة الذين يظلهم الله في عرشه رسول الله (صلى الله عليه وآله) 546
سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول: اللهم صل على محمد... الصادق (عليه السلام) 182
شر الأمور محدثاتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) 250
شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا الصادق (عليه السلام) 265
صلوا كما رأيتموني أصلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) 20، 361، 362
الصوم لي وأنا أجزي به حديث قدسي 363
على اليد ما أخذت [حتى تؤدي] رسول الله (صلى الله عليه وآله) 232
عليكم بالتلاد الصادق (عليه السلام) 250
فاطمة بضعة مني، من آذاها أو أغضبها فقد آذاني وأغضبني... رسول الله (صلى الله عليه وآله) 142
فاقرأ عليهم من أوله حديثا ومن وسطه حديثا الصادق (عليه السلام) 443
فر من المجذوم فرارك من الأسد رسول الله (صلى الله عليه وآله) 96
فلان - يعني المغيرة بن سعيد - دس على أبي الصادق (عليه السلام) 229
فما روى لك عني فاروه عني الصادق (عليه السلام) 220
فمن أعدى الأول؟! رسول الله (صلى الله عليه وآله) 96، 97
في كل خمسة أوساق وسق - والوسق ستون صاعا - والزكاة فيهما سواء،...
الصادق (عليه السلام) 265
587

قد سألت فافهم الجواب: ان في أيدي الناس حقا وباطلا... علي (عليه السلام) 58
قد كثرت علينا الكذابة الصادق (عليه السلام) 254
قد كثرت علي الكذابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) 61
قد كثرت علي الكذابة وستكثر، فمن كذب علي متعمدا... رسول الله (صلى الله عليه وآله) 389
قولوا الحق ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين رسول الله (صلى الله عليه وآله) 62
كل ما يروي عني أبان بن تغلب لك فاروه عني الصادق (عليه السلام) 295
كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي... الصادق (عليه السلام) 253
كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها رسول الله (صلى الله عليه وآله) 132، 385
لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه... الصادق (عليه السلام) 258
لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) 108
لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) 108
لا تصل خلف من لا تثق بدينه وأمانته الباقر (عليه السلام) 414
لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة الصادق (عليه السلام) 237، 253
لا دين لمن لا مروة له، ولا مروة لمن لا عقل له الكاظم (عليه السلام) 432
لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل أو جناح رسول الله (صلى الله عليه وآله) 61
لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة رسول الله (صلى الله عليه وآله) 413
لا عدوى ولا طيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) 96
لا عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة... السجاد (عليه السلام) 539
لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا... رسول الله (صلى الله عليه وآله) 413
لان أصوم يوما من شهر شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من شهر رمضان علي (عليه السلام) 259
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده رسول الله (صلى الله عليه وآله) 154
لا يعدي شيء شيئا رسول الله (صلى الله عليه وآله) 96، 97
لا يورد ممرض على مصحح رسول الله (صلى الله عليه وآله) 96
لا يوردن ذو عاهة على مصح رسول الله (صلى الله عليه وآله) 96
لقد أوجع قلبي موت أبان الصادق (عليه السلام) 462
لكل رجل منا رجل يكذب عليه ومثله عن النبي (صلى الله عليه وآله) الصادق (عليه السلام) 236
للسائل حق وإن جاء على فرس رسول الله (صلى الله عليه وآله) 371
للمملوك طعامه وكسوته رسول الله (صلى الله عليه وآله) 103
لو أن البترية صف واحد بين المشرق والمغرب، ما أعز الله بهم دينا الصادق (عليه السلام) 57
لو كان الأمر إلينا، لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير... الباقر (عليه السلام) 414
ليحزن عبدي المؤمن إذ اقترت عليه وذلك أقرب له مني،... حديث قدسي 21
588

ليس في المال حق سوى الزكاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) 94
ما اجتمع قوم على ذكر الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) 122
المتبايعان بالخيار رسول الله (صلى الله عليه وآله) 122
من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) 371
من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة منسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) 371
من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب، أوتيه، و...
الباقر (عليه السلام) 29
من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمله كان له أجر ذلك وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقله
الصادق (عليه السلام) 29
من بلغه عن الله فضيلة فأخذ بها وعمل بما فيها، ايمانا بالله ورجاء ثوابه، أعطاه الله تعالى ذلك وإن لم يكن كذلك
رسول الله (صلى الله عليه وآله) 29
من بلغه عن النبي (صلى الله عليه وآله) شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له... الصادق (عليه السلام) 29
من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له أجره وإن لم يكن على ما بلغه
الصادق (عليه السلام) 29 و 498
من صام رمضان واتبعه ستا من شوال رسول الله (صلى الله عليه وآله) 24، 294
من صلى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة... الكاظم (عليه السلام) 411
من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يصلون عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب
رسول الله (صلى الله عليه وآله) 181
من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم... الصادق (عليه السلام) 411، 432
من فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة يوم القيامة... رسول الله (صلى الله عليه وآله) 456
من قال لا إله إلا الله يخلق من كل كلمة منها طائر... رسول الله (صلى الله عليه وآله) 388
من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار رسول الله (صلى الله عليه وآله) 22، 365، 536
من كنت مولاه فعلي (عليه السلام) مولاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) 536
نحن أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا... الصادق (عليه السلام) 236
نضر الله عبدا سمع مقالتي... رسول الله (صلى الله عليه وآله) 455
نعم، قالوا: نتولى أبا بكر وعمر ونتبرأ من أعدائهم الباقر (عليه السلام) 57
نعم هو كذلك في كتاب علي (عليه السلام) الرضا (عليه السلام) 553
وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين ولم يتخلف عن جماعتهم... المعصوم (عليه السلام) 433
الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها العسكري (عليه السلام) 288
ويحك من أحب عليا فقد أحبني... رسول الله (صلى الله عليه وآله) 179
ويل للأعقاب من النار رسول الله (صلى الله عليه وآله) 108
589

هؤلاء أمناء الله في أرضه الرضا (عليه السلام) 241
يا عبادي، كلكم ضالون إلا من هديته حديث قدسي 122
يا محمد، حيث تكن أنت يكن علي فيه... حديث قدسي 180
يا عمرو، إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا العسكري (عليه السلام) 341
يا علقمة! كل من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته الصادق (عليه السلام) 409
يا علقمة! لو لم تقبل شهادة المقترف بالذنوب، لما قبلت إلا شهادة الأنبياء والأوصياء...
الصادق (عليه السلام) 409
يا محمد (صلى الله عليه وآله) أنت مني حيث شئت أنا، وعلي منك حيث أنت مني... حديث قدسي 88، 179
يحشر الناس حفاة عراة عزلا وأول من يكسى إبراهيم... رسول الله (صلى الله عليه وآله) 142
يدس على أبينا الرضا (عليه السلام) 229
يا زرارة، خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذ النادر... الباقر (عليه السلام) 236
يوم نحركم يوم صومكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) 371
590

(3)
فهرس أسماء المعصومين (عليهم السلام)
محمد = رسول الله = الرسول = النبي (صلى الله عليه وآله) 10، 12،
13، 15، 20، 29، 41، 43، 46، 47، 57، 58،
59، 60، 61، 62، 63، 83، 88، 89، 90، 94،
96، 97، 98، 99، 101، 103، 108، 112،
116، 121، 122، 123، 127، 128، 130،
131، 132، 134، 135، 136، 142، 147،
154، 179، 180، 181، 182، 189، 191،
192، 198، 209، 221، 232، 236، 244،
259، 269، 339، 344، 351، 361، 362،
363، 367، 369، 370، 385، 386، 387،
388، 389، 395، 399، 402، 408، 412،
413، 424، 425، 426، 433، 442، 445،
448، 458، 461، 462، 536، 543، 544،
553، 564، 567، 576
علي = أمير المؤمنين = أبو الحسن = علي بن
أبي طالب (عليه السلام) 47، 48، 55، 56، 57، 58،
62، 109، 122، 134، 141، 145، 148،
179، 181، 259، 288، 296، 327، 328،
338، 339، 340، 351، 364، 365، 370،
402، 403، 404، 405، 410، 425، 462،
553، 556، 564، 568، 575، 576
فاطمه (عليها السلام) 55، 57، 60، 141، 142، 181، 358،
407
الحسن = الحسن بن علي = أبو محمد الحسن بن
علي (عليه السلام) 47، 48، 56، 57، 134، 175، 259،
402، 403، 576
الحسين = الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) 47، 56،
57، 71، 73، 175، 338، 402، 403، 556،
575، 576
علي بن الحسين = زين العابدين (عليه السلام) 47، 48، 54،
141، 364، 387، 539، 575، 576
الباقر = أبو جعفر = محمد بن علي (عليه السلام) 29، 47، 48،
49، 57، 82، 101، 236، 237، 253، 254،
259، 330، 341، 408، 414، 458، 462،
554، 572، 575، 576
الصادق = جعفر بن محمد = أبو عبد الله (عليه السلام) 32، 47،
48، 49، 55، 57، 82، 94، 220، 229، 236،
237، 245، 253، 254، 258، 259، 264،
265، 288، 292، 294، 295، 296، 300،
328، 329، 330، 337، 339، 340، 361،
388، 390، 405، 409، 411، 412، 414،
432، 435، 443، 455، 456، 457، 458،
462، 507، 538، 555، 567، 568، 572،
573، 575، 576
591

المعصوم (عليه السلام) 29، 43، 45، 56، 235، 463، 542،
553، 554، 564
الكاظم = موسى بن جعفر = أبو الحسن = أبو إبراهيم (عليه السلام)
47، 58، 50، 56، 110، 330، 339، 341،
411، 432، 435، 458، 466، 573، 575،
576
الرضا = علي بن موسى = أبو الحسن (عليه السلام) 48، 229،
237، 254، 265، 302، 329، 333، 335،
336، 337، 412، 450، 461، 467، 482،
509، 551، 554، 555، 573، 576
الجواد = محمد بن علي = أبو جعفر الثاني (عليه السلام) 48،
341، 554، 575، 576
الهادي = علي بن محمد = أبو الحسن (عليه السلام) 48، 329،
341، 343، 458، 575، 576
العسكري = الحسن بن علي = أبو محمد = صاحب
العسكر (عليه السلام) 32، 47، 48، 245، 288، 341،
343، 412، 432، 555، 568، 576
المهدي = القائم = محمد بن الحسن = صاحب الزمان =
صاحب الأمر (عليه السلام) 47، 48، 56، 407، 466،
467، 576
إسرافيل 179، 370
جبرئيل 62، 179، 193، 370، 461
ميكائيل (عليه السلام) 370
592

(4)
فهرس الأعلام
آدم 319
آدم بن عيينة 329
آقا بزرگ الطهراني ر الشيخ آقا بزرگ الطهراني 515
آقا بن عابد بن رمضان الدربندي ر الدربندري 75،
81
آميرزا عاليجاه الموسوي 358
أبان الأحمر 295
أبان بن أبي عياش 58
أبان بن تغلب 295، 462، 463، 507
أبان بن عثمان 50، 110، 220، 221، 268، 276،
285، 295، 319، 330، 374، 375، 380،
381، 463، 572
إبراهيم 141، 142، 319
إبراهيم بن إسحاق المدني، أبو إسحاق 148
إبراهيم بن عبد الحميد 47
إبراهيم بن عمر اليماني 58
إبراهيم بن عيينة 329
إبراهيم بن محمد بن المؤيد الحموي، صدر الدين
165
إبراهيم بن هاشم 379
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، أبو إسحاق 159
ابن أبي العزاقر 343
ابن الأثير 92، 110، 461، 464، 467، 508
ابن أبي حاتم 197، 199
ابن أبي الحديد 455
ابن أبي خثيمة 197
ابن أبي ذئب 162
ابن أبي عمير 151، 268، 290، 298، 311، 391،
410، 566
ابن أبي يعفور 416، 423، 433
ابن إدريس ر أحمد بن إدريس 28، 391، 394،
557
ابن إسحاق 148
ابن أم مكتوم 403، 445
ابن بابويه ر الصدوق 557
ابن البراج 28، 394، 557
ابن بشير 116
ابن الجنيد ر محمد بن أحمد بن الجنيد
ابن الجوزي 131
ابن حبان 147، 159، 199
ابن حجر 149، 326
ابن حصين 149
ابن حمزة 411
ابن الخطاب 403
ابن خلف 93
593

ابن داود 332
ابن رئاب 116
ابن الزبير 175
ابن زهرة 28، 394، 557
ابن سيرين 130، 141
ابن شهرآشوب 326، 568
ابن الصهاك الحبشية 110، 134
ابن عباس 112، 132، 175، 443، 450
ابن عبد البر 99، 157، 158، 198
ابن عبدون 465
ابن عساكر 199
ابن العفان 403
ابن عقدة 135، 326، 391، 568
ابن عمر 141
ابن عيسى 116
ابن الغضائري 326
ابن فضال 295، 391
ابن قتيبة 95، 110
ابن كثير 106
ابن ماجة 139، 149
ابن ماكولا 197
ابن محبوب 300
ابن مريم 108
ابن مسعود 141
ابن المسيب 190
ابن مكتوم 106
ابن نمير 391
ابن الوليد 296
ابني سعيد 32، 390
ابن يعقوب 300
أبو إبراهيم 330
أبو إسحاق 47، 112، 148
أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق المدني ر إبراهيم بن
إسحاق
أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزاني ر إبراهيم بن
يعقوب
أبو إسماعيل الهروي 109
أبو أيوب الأنصاري 148
أبو البختري 462
أبو بصير 41، 94، 340
أبو بصير الأسدي 49، 268، 330، 572
أبو بصير ليث المرادي 49، 330، 572
أبو بكر 57، 62، 116، 189، 370
أبو بكر البزاز 127
أبو بكر بن المحب 166
أبو بكر بن منجويه 149
أبو بكر البيهقي 139
أبو بكر الحازمي 131
أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ر محمد بن عمر
أبو الجارود 338
أبو جعفر الأحول 257
أبو جعفر محمد بن عثمان ر محمد بن عثمان
أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي ر الصدوق
أبو حاتم 112
أبو الحسن بن الحسين اليزدي 279
أبو الحسن بن علي بن محمد السمري 464
أبو الحسن الحسين بن علي بن أبي جيد ر الحسين بن
علي
أبو الحسن الدارقطني ر الدارقطني 445
أبو الحسن اللؤلؤي 469
أبو الحسن الهاروني العلوي 226
أبو الحسين علي بن أبي الجيد ر علي بن أبي الجيد
أبو الحسين الواسطي بن سابور 329
594

أبو حفص العكبري 180
أبو حمزة البطائني 340
أبو حنيفة 162، 246
أبو خالد 189، 554
أبو الخطاب 337، 340، 389
أبو الخطاب محمد بن مقلاس ر محمد بن مقلاس
أبو داود 131، 149، 159، 197
أبو داود السجستاني 139
أبو ذر 57، 58، 179، 191، 232، 275، 339،
359، 403، 425
أبو رجاء العطاردي 149
أبو زياد 108، 141
أبو زينب 229
أبو سعيد 189، 462
أبو سعيد إسماعيل بن علي ر إسماعيل بن علي
أبو سعيد الخدري 109، 134
أبو سعيد السمعاني 402
أبو السعيدين 198
أبو سفيان 403
أبو سلمة 141
أبو سمينة 389
أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي 402
أبو الشيخ الأصفهاني 124
أبو الصلاح 365
أبو طالب الحسن بن عبيد الله ر الحسن بن عبيد الله
أبو طالب القمي 341
أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ر محمد بن علي بن
بلال
أبو عاصم النبيل 162
أبو العباس بن نوح 52
أبو عبد الله بن أبي رافع الصيمري 53، 333
أبو عبد الله الحسين بن بابويه ر الحسين بن بابويه
أبو عبد الله الرازي الجاموراني 51
أبو عبد الله السياري 51
أبو عبيدة معمر بن المثنى ر معمر المثنى
أبو عثمان الهندي 127
أبو العلاء الهمداني العطار 149
أبو علي 269، 464، 465
أبو علي الأشعري 265
أبو علي الأصفهاني الحداد 149
أبو علي الجبائي 149، 153
أبو علي الحائري 326
أبو علي عبيد الله بن محمد ر عبيد الله بن محمد
أبو علي محمد بن همام ر محمد بن همام
أبو علي النيسابوري 52
أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ر عثمان بن سعيد
أبو عمرو الكشي ر الكشي 261، 271، 572
أبو غالب، أحمد بن محمد الزراري ر أحمد بن محمد
أبو الفضل بن طاهر 149
أبو الفضيل 403
أبو قابوس 123، 369
أبو القاسم بن روح 342، 343
أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ر جعفر بن محمد
بن قولويه
أبو لهب 403
أبو مالك سعيد بن طارق ر سعيد بن طارق
أبو محمد البغوي ر البغوي 140
أبو محمد الحسن بن واحد 469
أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري ر هارون بن
موسى
أبو مسعود الرازي 136
أبو مسلم الخولاني 47، 128، 327، 404
أبو المفضل الشيباني ر محمد بن عبد الله بن المطلب
أبو موسى بن المثنى العنزي 24
595

أبو نصر الكلابادي 149
أبو هريرة 103، 105، 112، 125، 130، 141،
154، 193، 194، 359، 378، 403
أبو يحيى الواسطي 52
أبو يعلى الفراء الحنبلي 180
أبو اليمن الكندي 149
الأحسائي 402
أحمد 109، 157، 162
أحمد بن إبراهيم 465
أحمد بن أبي عبد الله البرقي 29، 32
أحمد بن إدريس ر ابن إدريس 52، 332
أحمد بن بشير البرقي 52
أحمد بن الحسن بن علي بن فضال 45
أحمد بن الحسين بن سعيد 52
أحمد بن حنبل 110، 197، 388، 461
أحمد بن الشيخ جعفر چلپي 11، 12
أحمد بن صالح السيبي 448
أحمد بن طاووس 243، 249
أحمد بن عبد الله بن أمية 53، 332
أحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري 152، 329، 376
أحمد بن عبد الرضا، مهذب الدين 9، 11، 14، 19
أحمد بن عجبان 198
أحمد بن علي الملقب بالنجاشي ر النجاشي 271،
326
أحمد بن عمر الحلال 302، 450، 551، 554
أحمد بن عيسى 292
أحمد بن محمد 29، 43، 265، 294، 300
أحمد بن محمد بن أبي نصر 32، 50، 268، 290،
330، 390، 400، 573
أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد 51
أحمد بن محمد بن خالد البرقي 45، 53، 116،
332، 400
أحمد بن محمد الزراري، أبو غالب 53، 333
أحمد بن محمد بن عيسى 32، 43، 46، 52، 116،
295، 332، 391، 400
أحمد بن محمد بن الوليد 400
أحمد بن هلال 52
أحمد بن هلال الكرخي 343
أحمد بن محمد بن يحيى العطار 46، 51، 52
الأحنف 128
الأحنف بن قيس 47، 327، 404
إدريس بن يزيد 375
الأردبيلي 421
الأسترآبادي ر محمد أمين ومحمد جعفر
الأسترآبادي 228، 252، 272
إسماعيل 56
إسماعيل البروجردي 482، 483
السيد إسماعيل الحميري 136
إسماعيل بن الصادق 340
إسماعيل بن علي السماك الرازي، أبو سعيد 196
إسماعيل بن الفضل 329
الأسود الزهري 148
الأسود بن يزيد 146
إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي 148
إسحاق بن جرير 35
إسحاق بن الفضل 329
الأشعث بن قيس 403
الأعرج 108، 141
الأعمش 103، 141، 189
أعين 329
أم أيمن 407
أم أيوب 148
أم سلمة 407
أم كلثوم 407
596

أمير حسين 333، 334، 335، 336، 555
الأمين الكاظمي ر محمد أمين الكاظمي 574
أنس 103، 108، 109، 116، 148، 154، 388
أنس بن مالك 116، 148
الأوزاعي 116، 125، 157
أيوب 130
أيوب بن سيار 146
أيوب بن نوح بن دراج 341
أيوب بن يسار 146
بابا رتن 63
باقر الجائسي الحائري 353
البحراني ر يوسف البحراني
البخاري 101، 105، 106، 135، 137، 138،
139، 140، 142، 146، 149، 154، 158،
162، 171، 176، 197، 198، 199
البرذون 432
بريد 319، 321، 322، 400
بريد بن معاوية العجلي 268، 572
بريد العجلي 49، 330
البزار 139
البزنطي 391، 410
بشار 322، 400
بشر بن سلم 323
البغوي ر أبو محمد البغوي 139
بكر بن زياد 400
البكري 462
بكير بن أعين 329
بلال 106، 107، 408
بنان 400
البهبهاني 225، 235، 321، 326، 426
بيان 400
البيهقي 93، 140
تاج الدين 447
الترمذي 112، 115، 139، 149، 155، 197
التستري 252
تغلب بن رياح 462
التقي 411
تقي الدين بن دقيق 180
تقي الدين الحسن بن داود 573
الثوري 115
جابر بن عبد الله 259، 359، 408
جرير 400
جرير بن عبد الله السجستاني 390
جعفر أخو الإمام العسكري 352
جعفر بن بشير 391
جعفر بن عثمان 329
جعفر بن عبد الله 329
جعفر بن محمد بن قولويه، أبو القاسم 53، 333
جعفر بن محمد الكوفي 52
جعفر بن محمد بن مالك 52
جعفر الحجة 402
جمال الدين ابن طاووس 448
جميل بن دراج 49، 50، 268، 330، 572، 573
جواد بن عبد الله الحسني الرشتي 212، 344
الحارث 322
الحافظ أبو علي النيشابوري 137
الحافظ أبو عمرو 105، 125، 140
الحافظ أبو نصر 464
الحافظ المزي 106
الحاكم 93، 99، 100، 101، 135، 145
الحاكم أبي عبد الله 125، 139، 153
حذيفة بن منصور 264، 265
597

الحر العاملي = الشيخ الحر العاملي = محمد بن الحسن
الحر العاملي 9، 11، 13، 136، 143، 223،
228، 238، 242، 243، 262، 268، 272،
273، 412، 509، 571
حريز 253، 400
حريز بن عبد الله 32، 255، 261
السيد حسن 352
الشيخ حسن 13، 369
الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد 149
الحسن بن الحسن بن الحسن 148
الحسن بن الحسين 402
الحسن بن الحسين اللؤلؤي 52
حسن بن زرارة 329
حسن بن زين الدين بن علي بن أحمد العاملي 13،
247
الحسن بن عبيد الله، أبو طالب 402
الحسن بن عثمان 329
الحسن بن عطية 328
الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني 340
حسن بن علي بن أبي عقيل 577
الحسن بن علي بن فضال 268، 573
الحسن بن علي الكوفي 258
الحسن بن محبوب 50، 260، 268، 330، 573
الحسن بن مهدي السليقي 468
سيد حسن صدر الدين 74
الحسين الأصغر 402
الحسين بن أبي حمزة الثمالي 328
الحسين بن بابويه، أبو عبد الله 467
الحسين بن جعفر 402
الحسين بن الحسن بن أبان 51
الحسين بن الحسن بن يونس بن يوسف بن ظهير الدين
العاملي 13
الحسين بن روح النوبختي 342
حسين بن زرارة 329
الحسين بن عبد الله 329
السيد حسين، سيد العلماء 352
الحسين بن عبيد الله 46، 53، 333
الحسين بن عبيد الله السعدي 32
الحسين بن علي بن أبي جيد، أبو الحسن 331
الحسين بن عمرو 258
الحسين بن منصور الحلاج 343
الحسين بن يسار 35
حسين الخوانساري 270
حسين النوري 510
الحصين بن المخارق 322
حفص بن سابور 329
حفص بن غياث 406، 534
حفص بن غياث القاضي 32، 390
الحكمي القزويني 70
حليمة 407
حماد 130، 253، 359
حماد بن عثمان 50، 221، 268، 329، 330، 572
حماد بن عيسى 50، 58، 221، 268، 330، 379،
572
حمران بن أعين 329، 341
حمزة 259
الحناط 400
حنان 400
حيان 400
حي بن يقظان 485
خالد بن بكار 322
خالد بن الجواد 323
خالد بن ماد 323
الخراز 400
598

الخزاز 400
الخطابي 110
الخطيب 127، 129، 145، 146، 158، 199
الخفاف 198
الخياط 400
الدارقطني ر أبو الحسن الدارقطني 124، 139،
197
السيد الداماد 104
داود بن الحصين 382
داود بن فرقد 294، 329، 455
داود بن كورة 52، 332
الدربندي ر آقا بن عابد بن رمضان الدربندي 69، 73
دلدار علي النصيرآبادي 352
الذهبي 139، 326
شيخ راضي النجفي 353
الربيع بن أنس 148
ربيعة بن زرارة 47، 327، 404
ربيعة بن كعب الأسلمي 158
الشيخ رجب علي بن علي 486
رزيق 323
رضي خان الموسوي الهندي 72، 73
رضي الدين الشامي 464
رفيع بن علي الجيلاني الرشتي 209، 217
رميلة 323
رومي بن زرارة 329
زحر بن قيس 323
زرارة 26، 49، 94، 101، 219، 236، 253،
268، 329، 330، 375، 390، 457، 538،
545، 572
زكريا بن دريد 198
زكريا بن سابور 329
الزمخشري 110
الزهري 108، 125، 131، 141، 190، 198، 370
زياد بن أبي الجعد 328
زياد بن سابور 329
زياد بن المنذر بن الجارود الهمداني 55
زيد 323، 408
زيد بن ثابت 328
زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن
الحسن 149
زيد بن صوحان 328
زيد بن علي بن الحسين 54، 57
زينب 407
زين العابدين المازندراني 482، 483
زين العابدين المازندراني الحائري 353
سابور 329
سالم بن أبي الجعد 328
السبيعي 117
سريج بن النعمان 145، 400
سعد 148، 323
سعد بن عبد الله 45
سعد بن عبد الله بن أبي خلف 51
سعيد 154، 323
سعيد بن أبي مريم 108
سعيد بن طارق الأشجعي، أبو مالك 119
سعيد بن عبد الله 32
سعيد بن المسيب 543
سفيان بن عيينة 117، 123، 329، 369
سفيان بن يزيد 328
سفينة، مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) 198
السكوني 406، 524، 553
سلار 411
599

سلطان العلماء جعفر بن محمد 76
سلمان الفارسي 57، 58، 179، 191، 232، 275،
339، 359، 403، 425
سليمان بن جرير 55، 338
سليمان التميمي 148
سليم بن قيس الهلالي 58، 568
سماعة 265، 266
سماعة بن مهران 375، 406
سمرة بن جندب 394
السمري 343
السمان 152
سنان بن مقرن المزني 329
سويد بن غفلة 47، 327، 404
سويد بن مقرن المزني 329
سهل بن حنيف 328
سهل بن زياد 52، 53، 332، 400
السيد المرتضى 28، 30، 225، 325، 394، 557
سيف بن عميرة 294
الشافعي 127، 131، 132، 137، 157، 165، 461
شداد بن أوس 132
شريح 410
شريح بن النعمان 145، 400
الشريعي 343
شريف العلماء مازندراني 209
شعبة 154
الشعبي 103
شعيب 265
الشمر ذي الجوشن 462
شهاب بن عبد ربه 329
الشهيد 117، 152، 361، 372، 375، 376، 378،
382، 386، 401، 402، 404، 434، 444
الشهيد الأول 447
الشهيد الثاني 34، 218، 248، 351، 538، 555
الشيخ آقا بزرگ الطهراني 71، 74، 75، 210، 211،
485، 486، 515
الشيخ البهائي 14، 61، 74، 261، 351، 397،
469، 481، 485، 491، 508
الشيخ الحر العاملي ر الحر العاملي
الشيخ الصدوق ر الصدوق
الشيخ الطوسي ر الطوسي
الشيخ المفيد ر المفيد
الشيخ يوسف البحراني ر يوسف البحراني
صالح بن علقمة 409
الصدوق = الشيخ الصدوق = محمد بن علي بن بابويه
القمي = أبو جعفر بن بابويه 29، 30، 42، 44،
45، 51، 52، 92، 101، 136، 196، 225،
226، 241، 245، 246، 255، 256، 258،
260، 261، 262، 263، 264، 265، 267،
269، 274، 277، 295، 296، 324، 325،
331، 333، 334، 336، 337، 409، 412،
467، 508، 529، 539، 555، 560، 577
صعصعة بن صوحان 328
الصفار 445
صفوان بن يحيى 31، 268، 330، 390، 391
صفوان بن يحيى بياع السابري 50، 573
الصنعاني 62، 140
صدر الدين إبراهيم بن محمد بن المؤيد الحموي ر
صدر الدين
الطبراني 139
الطبرسي 557، 568
الطريحي 225، 320، 366
الطوسي = شيخ الطائفة = محمد بن الحسن
الطوسي 30، 32، 36، 43، 45، 46، 51، 52،
92، 100، 143، 196، 223، 224، 225،
226، 228، 235، 242، 246، 250، 255،
600

256، 258، 260، 264، 266، 269، 270،
271، 273، 276، 277، 290، 296، 308،
310، 324، 325، 331، 395، 408، 409،
412، 415، 435، 465، 468، 508، 529،
548، 557، 570، 577
ظهير الدين محمد بن الحسام ر ظهير الدين
عامر بن سعد 148
عايشة 125، 142، 190
عباد بن حنيف 328
العباس 197
عباس بن عبد المطلب 401، 547
عبد 319
عبد الأعلى بن علي 329
عبد الله 339
عبد الله الأفطح 55، 340
عبد الله بن أبي يعفور 412، 418
عبد الله بن أحمد الرازي 52
عبد الله بن أعين 329
عبد الله بن بكير 50، 268، 330، 406، 572
عبد الله بن حذافة 450
عبد الله بن جحش بن حنظل 403
عبد الله بن جعفر الحميري 342
عبد الله بن جندب البجلي 341
عبد الله بن دينار 115
عبد الله بن زبير 547
عبد الله بن زرارة 329
عبد الله بن زيد 146
عبد الله بن سنان 300، 443
عبد الله بن شداد 259
عبد الله بن عباس 547
عبد الله بن عطاء 329
عبد الله بن علي 329
عبد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي 555
عبد الله بن عمر 547
عبد الله بن عمرو بن العاص 123، 134، 547
عبد الله بن فطيح الكوفي 55، 340
عبد الله بن محمد الدمشقي 52
عبد الله بن محمد الشامي 52
عبد الله بن مسعود 134
عبد الله بن مسكان 50، 221، 268، 330، 572
عبد الله بن المغيرة 50، 268، 330، 410، 573
عبد الله بن مقرن المزني 329
عبد الله بن نجي 146
شيخ عبد الله بن نور الدين، صاحب العوالم 469
عبد الله بن يحيى 146
عبد الله بن يزيد 146
عبد الله التميمي 122
عبد الله الحلبي 390
عبد الحسين الطهراني 210
عبد الحميد بن فرقد 329
عبد الرحمن 112
عبد الرحمن بن أعين 329
عبد الرحمن بن الحجاج 341
عبد الرحمن بن مقرن المزني 329
عبد الرحيم الإصبهاني الحائري 481
عبد الرحيم بن الحسن الحائري 491
عبد الرحيم بن عبد ربه 329
عبد الرحمن بن فرقد 329
عبد الرحيم القصير 410
عبد الخالق بن عبد ربه 329
عبد الرازق 194، 370، 388
عبد الرزاق بن علي رضا بن عبد الحسين بن
أبي طالب 578
601

عبد الرزاق بن علي رضا الحائري الأصفهاني
الهمداني 515، 525
عبد العزيز إسماعيل بن علية 154
عبد العزيز بن صهيب 154
عبد العزيز بن المهتدي 341
عبد العزيز الدهلوي 461
السيد عبد العزيز الطباطبائي 516
عبد العظيم بن عبد الله الحسني 259
عبد الغني المقدسي 149
عبد الكريم بن أبي العوجاء 388
عبد الملك بن أعين 329
عبد الملك بن عطاء 329
عبد الوارث 154
عبيد 319، 323
عبيد الله 323، 402
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة 190
عبيد الله بن علي 402
عبيد الله بن علي الحلبي 32، 245
عبيد الله بن محمد، أبو علي 402
عبيد بن حميد 149
عبيد بن زرارة 288، 329
عبيد بن يزيد 328
عبيدة 141
عبيدة بن أبي الجعد 328
عتبه بن مسعود 328
عثمان 55، 62، 116، 338
عثمان بن حنيف 328
عثمان بن سعيد العمري، أبو عمرو 342
عثمان بن سماعة 432
عثمان بن عيسى 50، 265، 268، 330، 406، 573
العجلي 199
عروة 190
عروة بن الزبير 142
عريف بن عطاء 329
عطاء بن أبي رباح 329
عظيم البحرين 450
عقيل بن مقرن المزني 329
العلاء 260
العلامة = العلامة الحلي 33، 34، 243، 246، 249،
250، 271، 293، 326، 331، 334، 376،
390، 399، 415، 465، 467، 468، 484،
533، 557، 568
العلامة المجلسي ر محمد باقر بن محمد تقي المجلسي
علقمة 141، 409
علقمة بن وقاص 190
السيد علي 252
علي بن إبراهيم 53، 332، 538
علي بن إبراهيم بن هاشم 52، 58، 332
علي بن أبي الجيد، أبو الحسين 51
علي بن أبي حمزة 35، 406
علي بن أبي حمزة البطائني 340
علي بن أبي حمزة الثمالي 328
علي بن أبي شعبة الحلبي 329
علي بن أسباط 35
علي بن جعفر كاشف الغطاء 70
علي بن جعفر الهماني 341
علي بن الحسن 402
علي بن الحسن بن فضال 295
علي بن الحسن الطاطري 391
علي بن الحسين 53، 332
علي بن الحسين بن عبد ربه 117
علي بن الحسين بن علي 402
علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي = علي بن
بابويه 29، 577
602

علي بن الحسين الطاطري 32، 36
علي بن الحكم 29
علي بن رئاب 116
علي بن ريان 116
علي بن عبد العالي الميسي 402
علي بن عطية 328
علي بن فضال 379
علي بن فضال الفطحي 276
علي بن محمد بن عبد الله بن أذنية 53، 332
علي بن محمد بن علان 53، 332
علي بن محمد بن علي 469
علي بن محمد السمري 342، 466
علي بن المديني 150
علي بن مغيرة 294
علي بن موسى 29
علي بن موسى الكمنداني 52، 332
علي بن مهزيار 341، 390
السيد علي بحر العلوم ابن مولانا السيد رضا 369
السيد علي حسين الزنجي فوري 353
السيد علي الطباطبائي 268
سيد علي محمد بن سلطان العلماء السيد محمد 353
علي بن محمد بن مكي العاملي، نجيب الدين 13،
415
علي محمد النصيرآبادي 351
علي نقي بن حسن ابن السعيد الشهيد السيد
محمد 369
علي نقي الطباطبائي الحائري 353
عمار 339، 425
عمار بن ياسر 57
عمار الساباطي 32، 45، 46، 390
العماني حسن بن عيسى المعروف بابن أبي عقيل
العماني 577
عمر 319، 323
عمران 149
عمران بن حطان الخارجي 462
عمران بن علي 329
عمران الزعفراني 29
عمر بن إبراهيم الهمداني 258
عمر بن حنظلة 25، 113، 238، 242، 291، 382،
534
عمر بن الخطاب 57، 62، 116، 134
عمر بن شعيب 193
عمر بن عبد العزيز 125
عمر بن عيينة 329
عمر بن يزيد 410
عمرو 369
عمرو بن أبي المقدام 257
عمرو بن أمية الضمري 57، 339
عمرو بن دينار 115، 123
عمرو بن سعيد المدائني 45
عمرو بن شعيب 401
عمير 319
عناية الله القهبائي 326
العياشي = ابن مسعود بن عياش السمرقندي 326
عيزار بن حريث 112
عيينة 329
غياث بن إبراهيم 61، 462
غياث بن كلوب 406، 534
غياث الدين بن طاووس 448
فاضل الأردكاني 353
الفاضل التوني 277
الفاضل الخراساني 416
فاطمة بنت قيس 94
فضالة بن أيوب 50، 268، 330، 573
603

فضة 407
فضل بن شاذان 32، 245، 326، 331، 390
فضل بن عباس 197
الفضل بن عباس بن عبد المطلب 401، 547
الفضل بن عبد الملك 288
الفضل بن يعقوب 329
فضيل بن يسار 31، 49، 268، 330، 390، 572
الفيروزآبادي 464
فيض پور 76
القاسم 322
القاضي 411
القاضي أبو بكر بن العربي 153
القاضي عياض 175
قتادة 116، 154، 388
القرطبي 389
قعنب بن أعين 329
قنبر 408
قيس بن أبي حازم 127
كثير النواء 55، 57، 338
كرب بن يزيد 328
كسرى 450
كعب الأحبار 401، 461، 547
الكشي 49، 221، 228، 242، 285، 295، 330،
462، 573
الكليني = محمد بن يعقوب الكليني 29، 30، 44،
45، 58، 92، 136، 143، 196، 224، 225،
226، 227، 242، 246، 255، 256، 258،
265، 266، 277، 324، 325، 331، 391،
464، 465، 466، 507، 538، 570
لحان 188
ليث ابن البختري 268
مالك 108، 125، 141، 157، 198، 461
مالك بن أعين 329
المجلسي ر محمد باقر بن محمد تقي المجلسي
المحدث القمي 72
السيد محسن الأمين 72، 74، 75، 353
المحسن الفيض 509
المحقق 245، 246، 247، 250، 334، 406، 557
المحقق الحلي 98
محمد إبراهيم الشهير بحاج مجتهد 211
محمد الأسترآبادي 326
محمد أمين الأسترآبادي ر الأسترآبادي 223، 225،
238، 267
محمد أمين الخويي النجفي 76
محمد أمين الكاظمي ر أمين الكاظمي 320
محمد باقر بن محمد تقي المجلسي = المجلسي =
العلامة المجلسي = المجلسي الثاني 136، 143،
211، 326، 332، 334، 509، 571
السيد محمد باقر الحجة الطباطبائي 486
السيد محمد باقر الرشتي الشفتي 209، 210
محمد بن أبي حمزة الثمالي 328
محمد بن أبي عبد الله 53، 332
محمد بن أبي عمير 27، 50، 330، 382، 383،
573
محمد بن الأثيل الحسين بن عبد الصمد العاملي 13
محمد بن أحمد 369، 447
محمد بن أحمد بن الجنيد، المشهور بابن
الجنيد 408، 577
محمد بن أحمد بن داود 326
محمد بن أحمد بن عيسى 295
محمد بن أحمد بن يحيى 32، 51، 331
محمد بن إسحاق السراج 197
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الكرمانشاهي 76
محمد بن إسماعيل بن بشير البرمكي الرازي 332
604

محمد بن إسماعيل البندقي النيشابوري 332
محمد بن إسماعيل بن بزيع 265
محمد بن إسماعيل بن ميمون 391
محمد بن إسماعيل المطلق 331
محمد بن جعفر بن عون الأسدي 53، 333
محمد بن جعفر الديباج 339
محمد بن الحسام، ظهير الدين 402
محمد بن الحسن 51، 53، 259، 332
محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد 45، 51، 52،
261، 331
محمد بن حسن بن الشهيد الثاني 247
محمد بن الحسن الحر العاملي ر الحر العاملي
محمد بن الحسن الصفار 245
محمد بن الحسن الطوسي ر الطوسي
محمد بن الحسين 29، 52، 300
محمد بن الحسين بن الوليد 51
محمد بن حنين 146
محمد بن خالد البرقي 326
الشيخ محمد بن داود الهمداني 75
محمد بن رافع 194
محمد بن زرارة 329
محمد بن زياد 323
محمد بن سعد 147
محمد بن سعد البغدادي 147
محمد بن سنان 29، 146، 265
محمد بن سيار 146
محسن بن الشاه مرتضى بن الشاه محمود المشتهر
بالفيض الكاشي 571
محمد بن عبد الله 329
محمد بن عبد الله بن المحب 139
محمد بن عبد الله بن محمد 53
محمد بن عبد الله بن المطلب، أبو المفضل الشيباني
53، 333
محمد بن عبد الله بن مهران 52
محمد بن عبد الواحد المقدسي 139
محمد بن عبد الوهاب الهمداني 211
محمد بن عبد الهادي 106
محمد بن عبيد الله 402
محمد بن عثمان، أبو جعفر 342، 343
محمد بن عطية 328
محمد بن عقيل 400، 548
محمد بن عقيل الكليني 53، 332
محمد بن عكاشة الكرماني 370
محمد بن علي 329
السيد محمد بن علي، صاحب المدارك 13، 246
محمد بن السيد علي بن أبي الحسن الحسيني
الموسوي 13
محمد بن علي بن أبي سمينة 52
محمد بن علي بن بابويه القمي ر الصدوق
محمد بن علي بن بلال، أبو طاهر 343
محمد بن علي بن رياح 35
محمد بن علي بن محبوب 46
محمد بن علي الهمداني 52
محمد بن علي بن ماجيلويه 51
محمد بن علي الشلمغاني 343، 435
محمد بن عمر بن عبد العزيز الملقب بالكشي 326
محمد بن عمر الجعابي، أبو بكر 135
محمد بن عيسى 292، 382، 392
محمد بن عيسى بن عبيد 52
محمد بن عيينة 329
محمد بن الفضل 329
محمد بن قيس 295
محمد بن المثنى العنزي 399
محمد بن محمد بن النعمان ر المفيد 325، 468
محمد بن مروان 29
605

محمد بن مسعود 295
محمد بن مسلم 31، 49، 219، 268، 295، 330،
390، 414، 455، 545
محمد بن مسلم الطائفي 572
محمد بن مظفر 343
محمد بن مقلاس 229، 253
محمد بن موسى الهمداني 51، 259، 262، 331
محمد بن نصير الفهري 339
محمد بن نصير النميري 343
محمد بن هارون 52
محمد بن همام، أبو علي 342
محمد بن يحيى 29، 46، 52، 300، 332
محمد بن يحيى المعاذي 51
محمد بن يعقوب الكليني ر الكليني
محمد تقي البرغاني 70
محمد التقي المجلسي 220، 257، 333
محمد جعفر الأسترآبادي ر الأسترآبادي 211
الشيخ محمد حسن أبو المحاسن 486
محمد حسين الكاظمي 369
محمد الحنفية 56
محمد خان القاجار 209
محمد صالح البرغاني الحائري 70
محمد عباس التستري اللكهنوي 353
محمد كاظم رحمان ستايش 76
الشيخ محمد المازندراني 70
السيد محمد المجاهد الطباطبائي الحائري 70
محمد مهدي الشهير ببحر العلوم 211
محمد هاشم الخونساري الإصبهاني 482، 483
محمود بن الربيع 176
ميرزا محمود شيخ الإسلام 72
المختار بن أبي عبيدة 338
سيد مرتضى حسين صدر الأفاضل 353
مرداس الأسلمي 158
آية الله المرعشي النجفي 76، 520
المزي 149
مسلم 105، 116، 128، 138، 139، 140، 149،
158، 194، 197، 198
مسلم بن الحجاج القشيري 149
مسلم بن إبراهيم الفراديسي البصري 149
مسلم بن أبي حية 220
مصحف 188
مصدق بن صدقة 46
السيد مصطفى بن الحسين التفريشي 326
مطرف بن واصل 146
معاذ بن كثير 264، 265
معاذ بن مسلم الهراء 265
معاوية 403
معاوية بن سيرة 198
معرف بن واصل 146
معروف بن خربوذ 49، 221، 268، 330، 572
معقل بن مقرن المزني 329
معمر 194، 370، 388
معمر بن خلاد 288
معمر بن المثنى، أبو عبيدة 110
المغيرة بن سعيد 229، 237، 253، 254، 337،
338، 339
المفضل بن عمر 341
المفيد = الشيخ المفيد = محمد بن محمد بن
النعمان 51، 264، 308، 325، 343، 408،
468، 529، 557، 568، 577
المقداد 57، 58، 179، 232، 339، 359، 403،
425
المقداد بن الأسود 148
المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي 148
606

المقدس الأردبيلي 422، 469
المقدس الأنصاري 428
مقرن المزني 329
سيد مكرم حسين الجلالولي 353
منذر بن جفير 375
السيد مهدي 352
سيد مهدي حسين 358
المهدي العباسي 61
مهذب الدين أحمد بن عبد الرضا ر أحمد بن
عبد الرضا
مهران 198
مير حامد حسين 352
الميرزا محمد 235
الميرزا علي رضا بن عبد الحسين 516
ميمونة بن معروف 52
ناجية بن عمارة الصيداوي 152، 376
ناصر بن إبراهيم البويهي 402
ناصر الدين شاه القاجار 70، 73
نافع 141
الناووس 56
النجاشي 46، 51، 52، 53، 153، 228، 242،
327، 331، 332، 404، 462، 465
نجيب الدين العاملي ر علي بن محمد 13، 415
نرجس 407
النسائي 137، 139، 149، 159، 162، 197، 199
نصر بن قابوس 341
النضر بن شميل 110
نعمان 461
النعمان بن مقرن المزني 329
السيد نعمة الله الجزائري 223، 273، 334
نوح بن دراج 152، 298، 376، 406، 534
الوحيد البهبهاني 411
الوشا أبي محمد البجلي جعفر بن بشير 116
الوشا أبي محمد البجلي الحسن بن علي بن زياد 116
الوليد بن مسلم 116
وهب بن عبد ربه 329
وهب بن منبه 51
وهب بن وهب 260
هادي كاشف الغطاء 10، 11
هارون بن موسى التلعكبري، أبو محمد 53، 333
السيد هاشم 422
الهروي 110
هشام 341، 359
هشام بن الحكم 229، 236، 253
هشام بن سالم 29
هشام بن صفوان 29
هشام بن المثنى 322
همام 193، 194
الهمداني 400
الهمذاني 400
الهيثم بن علي بن عدي 52
ياسر الخادم 265
يحيى بن أبي السمط 339
يحيى بن سعيد 109
يحيى بن العلاء 322
يحيى بن كثير 141
يحيى بن معين 388
يزيد 321، 322، 323، 400
يزيد بن الأسود 146
يزيد بن ثابت 328
يزيد بن عبد الله 146
يزيد بن فرقد 329
يسار 322، 400
607

يعقوب بن الفضل 329
يعلى بن عبيد 115
يوسف البحراني 223، 242، 334، 434، 465،
469، 470
يوسف بن الحرث 52
يوسف بن السخت 51
يونس 237، 254، 410
يونس بن ظبيان 389
يونس بن عبد الرحمان 32، 50، 136، 245، 253،
268، 330، 390، 392، 573
يونس مولى آل يقطين 555
608

(5)
فهرس الكتب الواردة في المتن
القرآن المجيد 21، 58، 59، 60، 71، 131، 175،
237، 253، 254، 288، 363، 385، 386، 528
التوراة 363
الإنجيل 363
الزبور 363
آداب المناظرة 9
أبواب الجنان 515
اتحاف ذوي الألباب 464
الأربعين 13، 61، 397، 499
أساس الأصول 365
الاستبصار 28، 44، 45، 46، 100، 117، 143،
184، 223، 235، 255، 260، 296، 324،
325، 331، 336، 391، 395، 396، 463،
468، 498، 508، 548، 570
الاستيعاب 198
أسرار الشهادة = إكسير العبادات في أسرار
الشهادات 71، 72
الإسلام والخلافة 518
أعيان الشيعة 353
إكسير العبادة في أسرار الشهادة 73
الإكمال، للحافظ أبي نصر 464
إكمال الدين 570
الأمالي للصدوق 44، 324، 411، 463، 507، 570
إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة 293، 326
إيقاظ الأمة 518
إيقاظ الراقدين وإنباه النائمين 468
بحار الأنوار 143، 211، 223، 333، 334، 336،
447، 463، 469، 509، 570، 571
بدائع الأحكام 484
بداية الدراية 351، 538
بداية المنطقية 517
بدر التنجيم في معرفة رقوم التقويم 484
تاريخ أبي بكر الخطيب 199
تاريخ البخاري 197، 199
تاريخ دمشق 199
تحفة ذخائر كنوز الأخيار 9
التحفة الصفوية في الأنباء النبوية 10
التحفة العلوية في الأحاديث النبوية 10
تحفة الواعظين 397، 468، 469
ترجمان اللغة 515
التعليقة الوحيد البهبهاني 321
التفصيل لمبهم المراسيل 129
التكليف، لابن أبي العزاقر 343
تلخيص المتشابه 146
التهذيب 26، 44، 45، 46، 71، 95، 100، 117،
136، 143، 184، 223، 235، 260، 264،
290، 294، 296، 324، 325، 331، 391،
396، 412، 463، 468، 508، 570
609

تهذيب التهذيب 149
تهذيب الكمال 149
التوحيد، للصدوق 570
ثواب الأعمال 29
الجامع، للترمذي 139
جامع الأصول 92، 467، 507
جامع الشتات 484
جامع المقال 225، 320، 330
الجرح والتعديل 199
جوابات المسائل 11
الجواب عن سؤال زيد وزينب 517
الجواهر = جواهر الكلام 354، 368، 369، 398،
418، 419، 421، 422، 425، 428، 430،
436
جواهر الإيقان 72
جوهر الصناعة في الأسطرلاب 72
الجوهرة العزيزة 351، 353، 354، 357
حاشية المعالم 411
الحبل المتين 469، 508
حجية الأصول المثبتة بأقسامها 72
الحدائق = الحدائق الناضرة 223، 238، 252،
254، 255، 262، 271، 273، 334، 465،
469
الخزائن 142
خزائن الأحكام 72
خزائن الأصول 73، 74
الخصال 44، 324، 414، 463، 507، 570
الخلاصة = خلاصة الأقوال 271، 293، 326، 331،
374، 376، 399، 462، 465، 467، 468،
484
خلاصة الزبدة 10
خلاصة في الإعراب 483
الخلاف 408
الخلافية 516
داستان ابسال وسلامان 485
داستان حي بن يقظان 485
دانشوران ناصري 9
الدر الملتقط في تبيين الغلط 62، 389
الدرر النجفية 465
الدرة النجفية 11، 73
ديوان في القصائد والغزليات على منوال مشرق
الأنوار 484
الذخيرة 415
الذريعة 484، 485
ذريعة المعاد في شرح نجاة العباد 516
الذكرى 152، 372
الرجال، للطوسي 271
رجال ابن داود 576
رجال أبي داود 149
رجال البخاري 149
رجال الترمذي 149
رجال مسلم 149
رجال النسائي 149
رد الشيخية 516
رسائل في الفقه والأصول 484
رسالة إثبات عدم حجية الأصول المثبتة 72
رسالة أصول الدين 517
الرسالة الاعتقادية 10
رسالة جواز نقل الموتى 517
رسالة الحد 11
رسالة الحساب 11
رسالة حساب العقود 11
رسالة رسم الخط 11
رسالة علماء الإمامية والرجعة 518
الرسالة العملية 73
رسالة فروع الدين 517
610

الرسالة الفلكية في الهيئة 10
رسالة في الأخلاق 10
رسالة في أن الجنون الطارئ بعد العقد... 210
رسالة في بطلان الوقف المشروط 210
رسالة في التجويد 10
رسالة في الرد على المتصوفة 484
رسالة في علم الدراية 210
رسالة في القراءة 11
رسالة في القيافة 10
رسالة في معرفة الأسانيد 74
الرعاية = الرعاية في الدراية = شرح بداية
الدراية 351، 354، 361، 382
روائح القرآن 461
الرواشح السماوية 104
روضة العارفين 466
الرياض 75، 279، 337، 368، 369، 398
الزبدة في المعاني والبيان والبديع 10
السؤال والجواب 517
سعادات ناصري 72، 73
سلاسل الحديد على عنق العنيد عبد الوهاب
فريد 518
سلسلة الذهب 351، 441، 469
سنن ابن خزيمة 138
سنن ابن ماجة 139
سنن أبي داود 92، 138، 139، 197
سنن الترمذي 138، 197
سنن الحاكم 138
سنن الدارقطني 138، 139، 197
سنن البيهقي 138، 139، 140
سنن النسائي 138، 139، 197
السنن الصغرى للنسائي 139
السيف القاطع في إبطال الركن الرابع 516
شرح الإرشاد 415
شرح البخاري 153
شرح بداية الدراية ر الرعاية
شرح الدراية ر الرعاية
شرح الدروس 229
شرح الزبدة للمقدس الأردبيلي 469
شرح السنة 140
شرح مشيخة الفقيه 220، 257
شرح المفاتيح 426
الشهب الثاقبة 518
صحيح ابن حبان 139
صحيح ابن خزيمة 139
صحيح أبي حاتم بن حبان 138
صحيح بخاري 86، 92، 96، 137، 197
صحيح الترمذي 92
الصحيح لأبي عبد الرحمن النسائي 92
صحيح مسلم 86، 92، 101، 116، 128، 137،
149، 197
الصحيفة السجادية 456، 553
الضوابط 416
طبقات أعلام الشيعة 515
طبقات الرواة 74
الظرائف 468
عناوين الأدلة في الأصول 74
العبرة الشافية والفكرة الوافية... 10
عبقات الأنوار 352
العدة = عدة الأصول 32، 224، 235، 242، 273،
277، 296، 406
عديم المثال 469
عمدة الاعتماد في كيفية الاجتهاد 10
العوالم 463، 469
العلل = علل الشرايع 570
عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 44، 324، 463، 507، 570
غاية المرام في شرح كتاب تهذيب الأحكام 223
611

الغديرية 518
غريبي القرآن والحديث 110
غنائم التبيان في تفسير القرآن 483
غوث العالم 10
الفائق للزمخشري 110
فائق المقال في علم الحديث والرجال 10
فصل الخطاب في تنقيح الحجاب 518
فصوص اليواقيت في نصوص المواقيت 211
الفصول الغروية 359، 419، 420، 428، 481
فقه الرضا (عليه السلام) = الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام) 333،
334، 335، 336، 555
الفقيه ر كتاب من لا يحضره الفقيه
الفهرست 36، 271، 325، 332، 465
فهرس عقايد الشيخية 518
فوائد التعليقة 568، 569
الفوائد الرجالية 516، 519
الفيصل في تحريف الكتاب 518
القاموس المحيط 63، 325، 464، 465
القرآن والحجاب 518
القواعد 411
القواميس 69، 74
قوانين الأصول 406، 550
الكافي 26، 29، 44، 45، 58، 95، 117، 136،
143، 184، 223، 224، 227، 242، 256،
260، 262، 264، 266، 273، 277، 293،
294، 302، 312، 324، 332، 333، 336،
391، 450، 463، 464، 465، 466، 506،
507، 550، 551، 570
كافيه 464
كتاب ابن أبي حاتم 197
كتاب حريز بن عبد الله 32، 255، 261
كتاب الحسين بن عبيد الله السعدي 32
كتاب حفص بن غياث القاضي 32، 390
كتاب الرجال 325، 568
كتاب الرحمة 32
كتاب سليم بن قيس 568
كتاب الصلاة 390
كتاب عبيد الله الحلبي 32، 245، 390، 555
كتاب علي بن الحسين الطاطري 32
كتاب علي بن مهزيار 390
كتاب الفضل بن شاذان 32، 245، 390
كتاب في الدراية 74
كتاب محمد بن الحسن الصفار 245
كتاب من لا يحضره الفقيه = من لا يحضره الفقيه =
الفقيه 44، 45، 143، 184، 210، 223، 224،
226، 241، 255، 256، 257، 258، 260،
261، 264، 265، 273، 274، 295، 312،
324، 325، 333، 334، 336، 337، 375،
391، 411، 463، 467، 508، 539، 570
كتاب يونس بن عبد الرحمن 32، 245، 390
الكرام البررة 210، 211
كسروتن بابا رتن 63
الكشكول 517
الكفاية 127، 415
كليات الطب 11
الكامل لابن الأثير 461
الكمال لعبد الغني المقدسي 149
كنز العرفان 415
كنوز الرموز في المعارف العلية... 484
اللباب لابن الأثير 464
لب اللباب 211
لؤلؤة البحرين 465، 470
اللؤلؤ والمرجان 72
المآثر والآثار 210، 211
المبسوط 408، 435
المجالس 409، 570
مجمع الأسرار 484
612

مجمع البحرين 366
مجمع البرهان 415
مجمع الفائدة والبرهان 415
المحاسن للبرقي 29، 32
محصل في المنطق 483
مختصر في الاشتقاق 483
مختصر المقالة الجوابية 517
المدارك = مدارك الأحكام 13، 246، 416
مدينة العلم 44، 324، 463، 507، 570
المزيد في متصل الأسانيد 129
المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 92،
135، 139
مستدرك الوسائل 510
مستطرفات الدراية 519
مسند أحمد 139، 174، 197
مسند البزار 139
مشارق الصنعاني 140
مشرق الأنوار 484
مشرق الشمسين 261
المصابيح للبغوي 140
مصابيح الظلام 411، 415
مصفى المقال 516
مطالع الأنوار 209، 353
المعالم = معالم الدين 318
المعجم للطبراني 139
المغني 464
المفاتيح 432
المقالات الإسلامية 517
المقامات العلية في المنامات العلوية 468
المقنعة الأنيسة والمغنية النفيسة 10، 11، 14، 19
ملخص في المعاني والبيان 483
مناظرات ومقالات 517
المناهل 369
المنتقى 13، 246، 250
منتهى المقال 269، 327، 458
منظومة ملخص المقال 484
من لا يحضره الفقيه ر كتاب من لا يحضره الفقيه
المنهج القويم في تفضيل الصراط المستقيم 10
منهج المقال 464
المواعظ الحسنة 469
المواعظ المنبرية 517
مواكب حسينية 518
موجز المقال 212، 483، 485، 492، 510
الموطأ لمالك 92، 137
ميراث حديث شيعة 211
الناصريات 411
نظم الغرر 515
نقباء البشر 486، 516
نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد الأشعري 32
نهاية الدراية في شرح الوجيزة 74
النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى 32
النهاية لابن الأثير 110، 366
النهاية للعلامة 34
نهج البلاغة 455
الوافي 136، 223، 324، 336، 412، 463، 469،
509، 569، 570، 571
الوافية 557
الوجيزة الرجالية 517
الوجيزة 14، 212، 332، 351، 357، 469، 481،
491
الوجيزة في علم الدراية 519
ودائع الأسرار وبدائع الاخبار 483، 485
وسائل الشيعة = الوسائل 9، 11، 136، 143، 223،
273، 324، 463، 469، 509، 570، 571
الهداية، للشيخ الحر العاملي 412
هداية العامة في إثبات الإمامة 483
الهداية في رد الصوفية 517
613

(6)
فهرس المذاهب
الإسماعيلية 56، 339
الإمامية = الشيعة = الخاصة: 36، 45، 54، 56، 88،
88، 92، 118، 134، 136، 151، 152، 164،
179، 180، 189، 191، 244، 246، 248،
249، 276، 295، 296، 297، 298، 307،
311، 319، 325، 331، 338، 352، 358،
361، 372، 377، 378، 379، 389، 394،
396، 397، 402، 405، 415، 439، 461،
463، 466، 468، 469، 508، 531، 548،
555، 558، 561، 562، 564، 566، 568،
570، 571
البابية 70، 342، 343
البترية 55، 57، 338
البيانية 340
الجارودية 55، 135، 338
الحرورية 340
الخاصة ر الإمامية
الخطابية 340
الخوارج 339، 407
الزيدية 54، 57، 135
السبعية 340
السرحوبية 338
السليمانية 55، 338
السمطية 339
الشافعية 95، 111، 117، 162
الشراة 339
الشيخية 516، 518
الشيعة ر الإمامية
الصالحية 338
الصوفية 389
العامة 88، 92، 95، 99، 100، 101، 102، 108،
109، 112، 113، 114، 115، 116، 118،
119، 126، 130، 131، 135، 136، 137،
145، 153، 155، 162، 164، 172، 175،
179، 180، 182، 189، 191، 246، 247،
265، 296، 325، 396، 409، 415، 461،
466، 467، 534، 563، 564، 565
العليائية 339
الغلاة 57، 339، 389، 407
الفطحية 55، 295، 374، 405، 406، 435
القدرية 339
615

الكرامية 389
الكيسانية 56، 338
المخمسة 339
المجسمة 57
المرجئة 57، 339
المعتزلة 153
المغيرية 339
المفوضة 57، 339، 389
الملاحدة 340
الناووسية 56، 295، 339، 405
النصيرية 339
الواقفية 35، 36، 56، 340، 406، 435
616

(7)
فهرس الأماكن
أدكان 10
أراك 485
إصفهان 211، 333، 334، 482، 483، 515، 571
إيران 70، 73، 210
البصرة 105
بغداد 44، 199، 325، 466، 469، 507
البلخ 402
تركستان 70
جهنم دره 210
جيلان 210، 211
الحائر 279
الحبشة 47، 327
الحجاز 111، 162
حرور 340
حيدرآباد 9، 10
خراسان 9، 10، 97، 509
دربند 69
الدكن 9
دهلي 9
رشت 344
روسيا 70
الري 44، 259، 325، 465، 467، 508، 577
سبزوار 352
سلطان آباد 485
سياه رود 210
الشام 105، 166
شيروان 70
طهران 70، 71، 73، 75، 482، 483، 484
العراق 237، 254
فدك 142
قزوين 70، 515
قم 10، 76، 212، 333، 334، 336، 520، 555
قندهار 10
كابل 10
كاشان 571
كربلاء 70، 75، 482، 483، 515
كلين 325، 464، 465
الكوفة 105، 162، 253، 340
لكهنو 72، 352
617

المدينة 341
المزدلفة 401
مشهد الرضا (عليه السلام) 10، 509
مكة 105، 333، 555
منجيل 210
ناووس 56
النجف الأشرف 10، 11، 70، 482، 483، 515
وادي السلام 557
هرات 63
همدان 519، 520، 578
الهند 63، 334، 352، 433
618

(8)
فهرس المصطلحات
الآحاد الصحاح 28
الإبدال 92
أثبت الناس 177
الأثر 20، 492
الإجازة 39، 164، 168، 301، 445، 503، 550،
554
إجازة العموم 165
إجازة غير معين بغير معين 302
إجازة غير معين بمعين 301
الإجازة للطفل 167
إجازة لمعين في غير معين 165
الإجازة للمعدوم 166
إجازة ما لم يتحمله المجيز 167
إجازة المجاز 167
إجازة مجهول 166
إجازة المعدوم 302
الإجازة المعلقة 166
إجازة معين بغير معين 301
إجازة معين بمعين 164، 301
اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه 308
أجمع على تصديقه 308، 562
الأحاديث الموضوعات 61
اختلاف الحديث 58
أديب 313
إسناد الحديث 21
أسند عنه 311، 561
أصحاب الاجماع 49
أصدق لهجة من فلان 560
أصدق من فلان 311، 391
الأصل 312، 567
الاعتبار 130
الإعلام 40، 172، 303، 452، 504، 552، 555
أكذب الناس 178
ألفاظ التعديل 176، 438، 501
ألفاظ الجرح 177، 441، 501
ألفاظ الجرح والتعديل 176، 305
إليه المنتهى في التثبت 177
إليه المنتهى في الوضع 178
أنحاء تحمل الخبر 502
الإنباء 161
أوثق من فلان 308
أوثق الناس 177
أوجه من فلان 311، 390
أهلية التحمل 174
أهل الحديث 134
بصير بالحديث والرواية 312
619

التابعي 46، 327
تحمل الحديث = تحمل الرواية 39، 160، 299،
442، 549، 553
التسامح في أدلة السنن 28، 498، 557
تقي 560
ثبت 37، 176، 313، 562
ثبت ثبت 177
الثبت الصحيح الحديث 561
ثقة 37، 176، 248، 306، 308، 438، 501، 561
ثقة إمامي 308
ثقة ثقة 177، 307
ثقة حافظ 177
ثقة، عين 310
ثقة فطحي 306
ثقة في الحديث 305، 391، 562
ثلب 501
الجار 328
الجرح 38
الجرح والتعديل 228، 304، 314، 331، 501
جليل 38، 313، 441
جليل القدر 310
جيد التصنيف 310
حافظ 37، 134، 313، 440، 501، 562
الحاكم 134
حالف بين المهاجرين والأنصار 328
حجة 37، 134، 176، 439، 501، 560
حدثني فلان 566
حدثنا عدل 565
الحديث 19، 286، 358، 492، 530
حديث القدسي 21، 288، 363، 494، 530
الحسان 28
حسن 27، 151، 155، 297، 375، 380، 496،
531
الحسن كالصحيح 298
الحسن محتمل الصحة 298
الحليف 328
خاص 441
خاصي 312، 561
الخبر 20، 286، 360، 492، 530
الخبر المتواتر ر المتواتر 21
خبر الواحد = خبر الآحاد 22، 365، 494، 537،
557
الخط 458
خبيث 563
خير 38، 176، 305، 310، 441، 560
خير فاضل 562
دجال 177، 178
دراسة الحديث 41
دراية الحديث 492
دين 310، 440، 560
ذاهب الحديث 77
رحمه الله 561
الرواية 530
رواية الآباء عن الأبناء 547
رواية الأبناء عن الآباء 547
رواية الأقران 27، 124، 295، 401، 500، 501،
547
رواية الأكابر عن الأصاغر 27، 295، 401، 500،
547
رواية المكاتبة 112
زاهد 38، 313، 440، 501، 561
السابق 402
السابق واللاحق 547
ساقط 38، 178، 313، 441، 501، 563
ساقط لا يكتب حديثه 177
سفراء الأئمة 340
620

سليم الجنبة 310، 561، 565
سليم الرواية 310، 391
سليم الطريقة 391
السماع 39، 160، 299، 442، 502، 503، 549،
553
السنة 20، 286، 493
السند = سند الحديث 21، 133، 364، 494
سئ الحفظ 178
شاذ 24، 110، 291، 371، 496، 540
شاعر 313
الشاهد 130
شر 502
الشهادة 304
الشهيد 440
شيخ 38، 134، 150، 177، 441
شيخ الإجازة 305، 308، 562
شيخ جليل 562
شيخ الطائفة 561
الشيعة 342
صاحب فلان 312
صالح 313، 441، 560
صالح الحديث 37، 177، 441، 562
الصحابي 46، 198، 327
صحيح 27، 149، 151، 153، 295، 372، 380،
496، 531، 532
صحيح الحديث 37، 305، 309، 313، 562
صدوق 37، 176، 310، 440، 501
ضابط 37، 176، 306، 313، 440، 501، 562
الضبط 33، 559
ضعيف 27، 38، 152، 178، 297، 313، 378،
381، 441، 496، 497، 501، 531، 563
ضعيف الحديث 177، 313، 563
ضعيف مضطرب الحديث 177
الطالب 134، 150
طبقات الرواة 327
الطبقة 53، 147، 327
الظنون الاجتهادية 304
عال = العالي 24، 239، 368، 495
العالي الإسناد 91، 539
عالم 38، 313
عالم صالح 441، 562
العدالة 33، 157، 408، 558
عدل 308، 440، 501، 560
عدل إمامي 306
عدل حافظ 176
عدل ضابط 177
عدل من أصحابنا الإمامية 306
العرض = العرض على الشيخ 39، 300، 443،
502، 503، 549
عرض القراءة 169
عرض المناولة 169، 449
العزيز 84، 108، 293، 539
علم الدراية 19، 219، 358، 526
علم الرجال 218، 525
علوم الحديث 153
عين 390، 440، 501، 560
عين من عيون أصحابنا 308، 562
غال 38، 441، 501، 563
الغريب 84، 108، 290، 366، 495، 539
غريب الإسناد 290، 366
غريب الحديث 110
الغريب سندا ومتنا 366
غريب المتن 291، 366
غمز عليه في حديثه 564
غير المتظافر 289
غير مسكون إلى روايته 563
621

فاحش الغلط 178
الفارد 104
فاسد 502
فاسق 313، 563
فاضل 38، 305، 313، 440، 561
فاضل دين 391
فرق الشيعة 54
فطحي 308
فقيه 561
فقيه من فقهائنا 308، 310، 391
فيه أدنى مقال 178
فيه تأمل 564
فيه مقال 178
قارئ 313
القاصر 299، 547
قدس سره 561
القراءة 39، 162، 300، 443، 502، 549، 553
قراءة الحديث 42
قريب الأمر 37، 312، 440، 501، 561، 565
قوي 27، 151، 298، 376، 381، 496
القوي كالحسن 298
القوي كالصحيح 298
القوي كالموثق 298
كاتب الخليفة 564
الكتاب 312، 567
الكتابة 40، 302، 451، 504، 552، 554
كتابة الحديث 40، 134، 454، 505
كثير التصنيف 310
كثير الرواية 312
كثير السماع 312
كذاب 38، 177، 178، 313، 563
كذاب يضع الحديث 563
كذوب 441، 502
الكذوب الوضاع 564
لا بأس به 38، 176، 313، 440، 561
لا يبالي عمن أخذ 441
لا يحتج به 177
اللاحق 402
له أصل 312، 564
له كتاب 312، 564
له كتاب النوادر = له نوادر 312، 564
له مصنف 564
ليس بذلك 314، 564
ليس بشيء 39، 313، 441، 502، 563
ليس بقوي 177، 178
ليس بنقي الحديث = ليس بنقي الخبر 313، 441،
502، 564
ليس يبالي 502
لين 178
لين الحديث 177
مؤتلف 26، 295، 400، 500، 548
مأمون 176
المؤنن 127
المأول 292
المبرور 501
المبين 292
المتابعة 130
متروك 178، 313، 563
متروك الحديث 177، 563
متروك في نفسه 38
المتسامع 84
متشابه 26، 292، 400، 500، 548
المتصل 99، 383، 538
المتظافر 84، 289
متعصب 563
متفق 26، 294، 400، 500، 548
622

متقن 37، 176، 313، 440، 501، 562
متكلم 313
المتن = متن الحديث 21، 133، 364، 494
المتواتر 28، 84، 289، 364، 494، 535
المتواتر لفظا 22، 364
المتواتر لفظا ومعنى 365
المتواتر معنى 21، 365
متهم 38، 313، 441، 502، 563
المجمل 292
المجهول 298، 547، 563
مجهول العدالة 158
مجهول العين 158
المحدث 83
المحرف 104، 294
المحفوظ 540
المحكم 292
محله الصدق 176
مختلط 314
مختلط الحديث 564
مختلف 25، 26، 95، 295، 400، 500، 548
مخلط 314، 502، 564
المدبج 124، 293، 401، 547
مدرج 24، 107، 293، 397، 499، 500، 539
مدلس 26، 125، 294، 398، 500، 545
مزيد 25، 118، 541
المزيد على غيره 384
مرتفع القول 38، 441، 502، 563
المردود 291، 540
المرسل 22، 101، 289، 290، 367، 495، 543
المرفوع 290، 384، 538
المركب 105
المروة 559
المساواة 92
مستفيض 23، 84، 290، 366، 494
مستقيم 37، 440، 501، 562
مسكون إلى روايته 38، 313، 441، 563
مسلسل 24، 121، 292، 370، 495، 541
مسند 22، 98، 289، 290، 366، 495، 538
المشكل 292
مشكور 38، 313، 440، 501، 562
مشهور 23، 84، 291، 540
المصافحة 93
مصحف 24، 103، 293، 399، 500، 540
مضطرب 26، 294، 387، 501، 545
مضطرب الحديث 38، 313، 564
مضطرب القول 441
مضطلع الرواية = مضطلع بالرواية 310، 561، 565
مضمر 23، 113، 292، 368، 495، 545
المطروح 291
المعتبر 129، 291، 541
المعتق والمعتق 327
المعروف 540
معضل 23، 102، 289، 367، 495، 544
معلق 22، 100، 289، 367، 495، 544
معلل 25، 114، 293، 397، 499، 546
معنعن 23، 99، 127، 292، 368، 538
مفترق 26، 294، 400، 500، 548
المفرد 384
مقبول 25، 27، 113، 291، 382، 496
مقدم 562
المقطوع 102، 117، 289، 387، 543
مقلوب 26، 105، 294، 399، 500، 546
المكاتب 292، 547
المكاتبة 113، 171
الملازم 328
ملعون 563
623

ممدوح 38، 441، 562
من أصحابنا 562
من أولياء أحد الأئمة 561
المناولة 40، 169، 302، 449، 503، 551
المناولة المجردة 170
منشئ 313
منقطع 23، 102، 289، 367، 495
المنقلب 106
المنكر 111، 540
منكر الحديث 177، 178، 313، 564
منكرة النية 563
الموافقة 92
الموالي 53
موثق 27، 151، 297، 378، 381، 496، 531
الموثق كالصحيح 298
الموصول 291، 383، 538
الموضوع 26، 387، 546
الموقوف 97، 290، 385، 544
المولى 327، 564
المهمل 298، 547
النازل 539
الناسخ والمنسوخ 25، 131، 384، 548
الناصر 328
النص 291
نقي الحديث 562
النوادر 312، 548، 569
واقفي ثقة 566
واه 38، 313
الوجادة 40، 173، 303، 453، 505، 552، 555
ورع 560
الوصية 505
الوصية بالكتاب 172
وضاع 38، 177، 178، 313، 441، 501، 563
وجه 390، 560، 562
وجه من وجوه أصحابنا 390، 440
يحتج بحديثه 37، 440، 562
يروى حديثه 177
يروي عن الضعفاء 441، 502
يعتبر به 177
يعتمد المراسيل = يعتمد المرسل 441، 502
يعرف حديثه وينكر 441، 502، 564
يكتب حديثه 37، 177، 440
ينظر فيه 38، 440
624