الكتاب: نهج السعادة
المؤلف: الشيخ المحمودي
الجزء: ٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٩٦ - ١٩٧٦ م
المطبعة:
الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

نهج السعادة
في
مستدرك نهج البلاغة
تأليف
الشيخ محمد باقر المحمودي
دار التعارف للمطبوعات
3

الطبعة الأولى
1396 - 1976
حقوق الطبع محفوظة
دار التعارف للمطبوعات
بيروت - شارع سوريا - بناية درويش
4

- 161 -
ومن خطبة له عليه السلام
في بيات تفرده تعالى بالكبرياء والعظمة
الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي رحمه الله. عن أبي
العباس محمد بن إبراهيم [بن (ظ)] إسحاق الطالقاني قال: حدثنا أبو سعيد
الحسن بن علي العدوي، قال: حدثنا الهيثم بن عبد الله الرماني، قال:
حدثنا [الإمام] علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه موسى بن
جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي
ابن الحسن. عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام، قال: خطب أمير
المؤمنين عليه السلام الناس في مسجد الكوفة فقال:
الحمد لله الذي لا من شئ كان، ولا من شئ كون
ما قد كان (1)، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته (2) وبما

(1) هذا رد على القائلين بأن كل حادث مسبوق بالمادة.
(2) كذا في النسخة، ومثله في دعائه عليه السلام في يوم الجمعة،
كما يأتي في المختار الأول من باب الدعاء، فعلى هذا فهو صلة للموصول:
(الذي) والموصول مع صلته نعت (الله) أي الحمد لله الذي هو مستشهد
بحدوث الأشياء على أزليته. والاستشهاد: طلب الشهادة أي طلب من
العقول بما بين لها من حدوث الأشياء الشهادة على أزليته. أو من الأشياء
أنفسها بأن جعلها حادثة فهي بلسان حدوثها تشهد على أزلية مبدعها. وعلى
التقديرين معناه أن العقل يحكم بأن كل حادث يحتاج إلى موجد، وانه لابد
من أن تنتهي سلسلة الاحتياج إلى من لا يحتاج إلى موجد، وان علة العلل
لا بد أن تكون أزليا والا لكان محتاجا إلى موجد آخر بحكم المقدمة الأولى.
5

وسمها به من العجز على قدرته (3) وبما اضطرها إليه من
الفناء على دوامه (4).
لم يخل منه مكان فيدرك بأينيته (5) ولا له شبه مثال
فيوصف بكيفيته (6) ولم يغب عن علمه شئ فيعلم
بحيثيته (7).

(3) الوسم - كفلس -: الكي شبه عليه السلام ما أظهر الله على الأشياء
من آثار العجز والامكان والاحتياج بالسمة التي تكون على العبيد والنعم دلالة
على مملوكيتها ومقهوريتها.
(4) إذ فناء الأشياء يدل على امكانها وحدوثها فيدل على احتياجها
إلى صانع ليس كذلك.
(5) أي ليس ذا مكان حتى يكون في مكان دون مكان كما هو من لوازم
المتمكنات - فيدرك بأنه ذو أين ومكان، بل هو تعالى مجرد نسبته إلى جميع
الأمكنة على السواء، ولم يخل منه مكان من حيث الإحاطة العلمية والعلية
والحفظ والتربية. أو أنه لم يخل منه مكان حتى يكون إدراكه بالوصول إلى
مكانه بل آثاره ظاهرة في كل شئ.
(6) أضافة الشبه إلى المثال بيانية أي ليس له شبح مماثل له، لا
في الخارج ولا في الأذهان حتى يوصف بأنه ذو كيفية من الكيفيات الجسمانية
أو الامكانية. ويحتمل أن يكون المراد بالكيفية: الصورة العلمية.
(7) وفي عيون الأخبار: (ولم يغب عن شئ فيعلم بحيثته) أي لم يغب
عن شئ من حيث العلم حتى يعلم أنه ذو حيث ومكان إذ شأن المكانيات أن
يغيبوا عن أشياء ليست مجاورا له فلا يحيطوا بها علما. فيكون كالتأكيد
للفقرة السابقة. ويحتمل أن يكون (حيث) هنا للزمان على ما قاله الأخفش
أي لم يغب عن شئ بالعدم ليكون وجوده مخصوصا بزمان دون زمان.
ويحتمل على هذا أن يكون إشارة إلى ما قيل من أنه تعالى لما كان خارجا عن
الزمان فجميع الأزمنة حاضرة عنده كخيط مع ما فيه من الزمانيات وإنما
يغيب شئ عما لم يأت إذا كان داخلا في الزمان. ويحتمل أن تكون الحيثية
تعليلية أي لم يجهل شيئا فيكون علمه به معللا بعلة. وعلى هذا يمكن أن
يقرأ (يعلم) على بناء المعلوم.
6

مباين لجميع ما أحدث في الصفات، وممتنع عن الإدراك
بما ابتدع من تصريف الذوات، وخارج بالكبرياء والعظمة
من جميع تصرف الحالات، محرم على بوارع ثاقبات الفطن
تحديده (1) وعلى عوامق ثاقبات الفكر تكييفه (2) وعلى غوائص
سابحات الفطر تصويره (3).
لا تحويه الأماكن لعظمته، ولا تذرعه المقادير
لجلاله، ولا تقطعه المقائيس لكبريائه (4).

(1) بوارع: جمع للبارعة: الفائقة في الفضيلة. وثاقبات. جمع
ثاقبة وهو المتقد النافذ في الشئ الواصل إلى غوره. والفطن: جمع
الفطنة: الإدراك والفهم.
(2) (الهوامق): كأنه جمع عميق: ما كان غوره بعيدا. و (التكييف)
جعل الشئ مكيفا بصفات مخصوصة والحكم على كونه بصفة كذا. أو
الإحاطة بكيفية ذاته وصفاته أي كنههما. والتصوير: إثبات الصورة أو
تصوره بالكنة.
(3) غوائص: جمع غائص: من ينزل في الماء. و (سابحات): جمع
سابحة مؤنث سابح: من يجري ويسبح في الماء.
(4) أي انه تعالى أعظم من أن تحويه وتتضمنه الأماكن لأن ذلك من
صفات الأجسام، وهو أجل من أن يكون ذو مقدار كي تذرعه المقادير. وقال
المجلسي (ره): ولا تقطعه من قطعه - كسمعه - أي أبانه. أو من قطع
الوادي وقطع المسافة. والمقائيس أعم من الجسمانية والعقلانية.
7

ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه (1) وعن الأفهام أن
تستغرقه، وعن الأذهان أن تمثله (2).
قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول (3)،
ونضبت عن الإشارة إليه بالإكتناه بحار العلوم (4) ورجعت
بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم (5).
واحد لا من عدد (6) ودائم لا بأمد، وقائم لا
بعمد (7).

(1) أي أن تصل إلى كنه ذاته وجوهره وحقيقته، يقال: (أكنهه
واكتنهه): بلغ كنهه.
(2) أن تستغرقه أي إن تسيطر عليه وتستوعبه ويجعله مغلوبا تحت
تصوراتها. وقوله: (أن تمثله) أي أن تجعله مصورا ممثلا فيها.
(3) أي أن العقول الرفيعة الفائقة قد يئست من استفادة الإحاطة
على ذات الله تعالى لاستحالة إحاطة المحدود على غير المحدود. والطوامح:
جمع طامحة: المرتفعة.
(4) أي إن بحار العلوم تيبس وتنفذ قبل أن تشير إلى كنه عظمة الله.
(5) قال المجلسي (ره): بالصغر - بالضم - أي مع الذل. والسمو:
العلو. ولعل إضافة اللطائف إلى الخصوم ليس من قبيل أضافة الصفة
إلى الموصوف بل المراد المناظرات اللطيفة بينهم أو أفكارهم الدقيقة أو عقولهم
ونفوسهم اللطيفة.
(6) أي من غير أن يكون فيه تعدد. أو من غير أن يكون معه ثان
من جنسه.
(7) الأمد: الغاية. والعمد - بالتحريك -: جمع العمود أي ليس
قيامه تعالى قياما جسمانيا يكون بالعمد البدنية أو بالاعتماد على الساقين.
أو أنه تعالى قائم باق من غير استناد إلى سبب يعتمد عليه ويقيمه كسائر
الموجودات الممكنة.
8

ليس بجنس فتعادله الأجناس، ولا بشبح فتضارعه
الأشباح (1)، ولا كالأشياء فيقع عليه الصفات.
قد ضلت العقول في تيار أمواج إدراكه، وتحيرت
الأوهام عن إحاطة ذكر أزليته، وحصرت الأفهام عن
استشعار وصف قدرته، وغرقت الأذهان في لجج أفلاك
ملكوته (2).
مقتدر بالآلاء، وممتنع بالكبرياء، ومتملك على الأشياء (3)

(1) أي إنه تعالى ليس ذا جنس فيكون ممكنا معادلا لسائر الممكنات
الداخلة تحت جنسه أو أجناسها. والشبح - بالتحريك - الشخص وجمعه
أشباح. والمضارعة المشابهة.
(2) حصر الرجل - كعلم -: تعب. وحصرت صورهم: ضاقت.
وكل من أمتنع من شئ لم يقدر عليه فقد حصر عنه. والاستشعار: لبس
الشعار وهو الثوب الذي يلي الجسد. وهذا كناية عن ملازمة الوصف.
ويحتمل أن يكون المراد به هنا طلب العلم والشعور. والملكوت: الملك
والعزة والسلطان.
(3) الآلاء: جمع إلى وهي بمعنى النعمة، والباء فيها بمعنى (على)
أي أنه تعالى مقتدر على الآلاء الجسيمة التي لا يقتدر عليها أحد. ومتملك:
مسلط ومسيطر أي لا يخرج عن قدرته وتدبيره تعالى شئ من الأشياء بل
جميعها خاضعة لأمره ومقهورة تحت سلطانه وقدرته.
9

فلا دهر يخلقه (1) ولا وصف يحيط به.
قد خضعت له رواتب الصعاب في محل تخوم قرارها،
وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهى شواهق أقطارها (2).
مستشهد بكلية الأجناس على ربوبيته، وبعجزها على
قدرته، وبفطورها على قدمته، وبزوالها على بقائه، فلا
لها محيص عن إدراكه إياها، ولا خروج عن إحاطته بها،
ولا احتجاب عن إحصائه لها، ولا امتناع من قدرته

(1) أي يبليه ويجعله خلقا من قولهم: (أخلق الثوب إخلاقا) من باب
أفعل -: صيره باليا.
(2) الراتب: الثابت والجمع الرواتب كثوابت. والصعب: نقيض
الذلول. والتخم - كفلس وقفل -: حد الشئ ومنتهاه، والجمع:
التخوم - كنجم ونجوم -. والرصين: المحكم الثابت. وأسباب السماء:
مراقيها أو نواحيها أو أبوابها. والشواهق: جمع شاهق: المرتفع من الجبال
والأبنية وغيرها، فرواتب الصعاب إشارة إلى الجبال الشاهقة التي تشبه
الإبل الصعاب حيث أثبتها بعروقها إلى منتهي الأرض. ويحتمل أن تكون
إشارة إلى جميع الأسباب الأرضية من الجبال والماء والثور والسمكة
والصخرة وغيرها حيث أثبت كلا منها في مقرها بحيث لا يزول عنه ولا
يتزلزل ولا يضطرب وإنما عبر عنها بالصعاب إشارة إلى من شأنها أن
تضطرب وتزلزل لولا أن الله أثبتها بقدرته. ورواصن الأسباب إشارة إلى
الأسباب السماوية من الأفلاك والكواكب حيث رتبها على نظام لا يختل ولا
يتبدل ولا يختلف ولذا أورد عليه السلام في الأول التخوم وفي الثاني
الشواهق وما بعد ذلك من الفقرات مؤكدة لما مر.
10

عليها (1).
كفى بإتقان الصنع لها آية، وبمركب الطبع عليها دلالة (2)،
وبحدوث الفطر عليها قدمة (3) وبإحكام الصنعة لها عبرة،
فلا إليه حد منسوب (4) ولا له مثل مضروب، ولا
شئ عنه محجوب، تعالى عن ضرب الأمثال والصفات المخلوقة
علوا كبيرا.
وأشهد أن لا إله إلا الله إيمانا بربوبيته، وخلافا على
من أنكره (5).

(1) الإدارك والإحاطة والاحصاء كل منها يحتمل أن يكون بالعلم أو
بالقدرة والعلية والقهر والغلبة أو بالمعنى الأعم أو بالتوزيع.
(2) الباء في قوله: (بإتقان) زائدة أي كفى أحكام صنعه تعالى للأشياء
لكونها آية لوجوده وصفاته الكمالية. والمركب مصدر ميمي بمعنى الركوب
أي كفى ركوب الطبائع وغلبتها على الأشياء للدلالة على من جعل الطبائع فيها
وسخرها لها. ويحتمل أن يكون (مركب) اسم مفعول من التركيب كما
يقال: ركبت الفص في الخاتم أو عليه أي كفى الطبع الذي ركب على الأشياء
دلالة على مركبها. وعلى التقديرين رد على الطبيعيين المنكرين للصانع بإسناد
الأشياء إلى الطبائع.
(3) الفطر كالخلق لفظا ومعنا، وهو الابتداع والاختراع. قال المجلسي
رحمه الله: ويحتمل أن يكون الفطر - هنا - بكسر الفاء وفتح الطاء على
صيغة الجمع أي كفى حدوث الخلق على الأشياء دلالة على قدمه. والقدامة
كون الشئ قديما أي أزليا غير حادث. والضمير في قوله: (لها - و -
عليها) في الموردين راجع إلى (الربوبية) التي تقدم ذكرها.
(4) أي ليس له حد ينسب إليه.
(5) (إيمانا) حال أو مفعول لأجله، وكذا قوله: (خلافا).
11

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المقر في خير مستقر،
المتناسخ من أكارم الأصلاب (1) ومطهرات الأرحام،
المخرج من أكرم المعادن محتدا، وأفضل المنابت منبتا، من
أمنع ذروة وأعز أرومة (2) من الشجرة التي صاغ الله منها
أنبياءه، وانتجب منها أمناءه (3) الطيبة العود المعتدلة العمود،
الباسقة الفروع الناضرة الغصون، اليانعة الثمار الكريمة
الحشاء (4).

(1) (المقر) على صيغة المفعول. و (خير مستقر) المرأ به أما عالم
الأرواح أو الأصلاب الطاهرة أو أعلى عليين بعد الوفاة. و (المتناسخ):
المنتقل والمستخرج. و (أكارم): جمع: أكرم.
(2) المحتد - بكسر التاء -: الأصل، يقال: فلان محتد صدق
أي في أصل صدق. والمنبت - بكسر الباء -: موضع النبات. والذروة -
كقدوة وإربة -: العلو والمكان المرتفع وأعلى الشئ. والأرومة - بفتح
الهمزة وضم الراء -: أصل الشجرة.
(3) ومثله في المختار: (90) من نهج البلاغة.
قال المجلسي (ره): والمراد بالشجرة الإبراهيمية ثم القرشية ثم
الهاشمية.
(4) الباسقة: الطويلة من قولهم: (بسق النخل - من باب نصر
وقعد - بسوقا): طالت أغصانه وارتفعت. أو طال وارتفع هو بنفسه،
ومنه قوله تعالى في الآية (10) من سورة (ق): (والنخل باسقات لها طلع
نضيد). والناضرة: المخضرة. الجميلة. واليانعة - النضيجة التي بلغت
منتهى كمالها وحد اعتدالها. والحشاء - كسماء -: ما انضمت عليه
الضلوع. ما في البطن، والجمع أحشاء. ويقال: فلان في حشا السلطان
أي في كنفه وحمايته. وفلان خير الناس حشا أي رعاية.
12

في كرم غرست، وفي حرم أنبتت، وفيه تشعبت
وأثمرت وعزت وامتنعت فسمت به وشمخت حتى أكرمه
الله عز وجل بالروح الأمين، والنور المبين، والكتاب المستبين،
فسخر له البراق، وصافحته الملائكة، وأرعب به الأباليس،
وهدم به الأصنام والآلهة المعبودة دونه.
سنته الرشد، وسيرته العدل، وحكمه الحق، صدع
بما أمره ربه وبلغ ما حمله، حتى أفصح بالتوحيد
دعوته (1)، وأظهر في الخلق أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
حتى خلصت له الوحدانية، وصفت له الربوبية، وأظهر الله
بالتوحيد حجته، وأعلى بالإسلام درجته، واختار الله عز وجل
لنبيه ما عنده من الروح والدرجة والوسيلة، صلى الله عليه

(1) يقال: (صدع بالحق - من باب منع - صدعا): تكلم به
جهارا. و (أفصح بالتوحيد) أي بينه بفصاحة أي أظهر دعوته متلبسا
بالتوحيد.
وقال المجلسي رفع الله مقامه: ويمكن أن تقرأ (دعوته) بالرفع ليكون
فاعل الإفصاح. والضمير في قوله: (حجته [و] درجته) راجع إلى
الرسول.
13

عدد ما صلى على أنبيائه المرسلين وآله الطاهرين.
الحديث (25) من الباب الثاني من كتاب التوحيد، ص 51، ورواه
أيضا في الحديث (15) من الباب (11) من عيون أخبار الرضا عليه
السلام ص 99 ط النجف، ورواها عنهما في الحديث الثاني من باب جوامع
التوحيد من بحار الأنوار: ج 2 ط الكمباني وفي طبع الحديث: ج 4 ص
221، وجعل التعليقات مأخوذ مما أفاده المجلسي قدس الله نفسه.
وقريبا منها رواه في كتاب العقد الفريد: ج 4 ص 130.
* * *
14

- 162 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت الإسلام وبيان عظمته
ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طيب الله رمسه، عن علي بن
إبراهيم، ومحمد بن يحي، عن أحمد بن محمد بن عيسى.
وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، جميعا عن الحسن
ابن محبوب، عن يعقوب السراج، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام
[عن أبيه عن جده أمير المؤمنين عليه السلام].
وبأسانيد مختلفة، عن الأصبغ بن نباته (1) قال: خطبنا أمير المؤمنين
عليه السلام في داره - أو قال: في القصر - ونحن مجتمعون، ثم أمر
صلوات الله عليه، فكتب في كتاب وقرئ على الناس.
وروى غيره (2) أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين عليه السلام، عن
صفة الإسلام والإيمان، والكفر والنفاق فقال عليه السلام:
أما بعد فإن الله تبارك وتعالى شرع الإسلام وسهل
شرائعه لمن ورده (3) وأعز أركانه لمن حاربه (4) وجعل عزا

(1) ويجئ أيضا في المختار التالي بسند آخر عن الأصبغ رحمه الله.
(2) ولهذه الرواية أيضا شواهد ومصادر.
(3) كذا في النسخة، وفي المحكي عن كتاب الغارات، وتحف العقول
والمختار: (104) عن نهج البلاغة: (فسهل شرائعه)...
(4) أي لمن أراد هدمه وتضييعه. قيل وفي بعض نسخ الكافي: (لمن
جار به) بالجيم ثم الهمزة أي لمن لجأ إليه وتحصن به. وفي تحف العقول:
(على من جانبه). وفي النهج: (على من غالبه) أي على من أراد أن
يغلبه.
15

لمن تولاه، وسلما لمن دخله، وهدى لمن ائتم به، وزينة
لمن تجلله، وعذرا لمن انتحله، وعروة لمن اعتصم به،
وحبلا لمن استمسك به، وبرهانا لمن تكلم به، ونورا لمن
استضاء به، وعونا لمن استغاث به، وشاهدا لمن خاصم به،
وفلجا لمن حاج به (5) وعلما لمن وعاه، وحديثا لمن
روى، وحكما لمن قضى (6) وحلما لمن جرب، ولباسا لمن
تدبر، وفهما لمن تفطن، ويقينا لمن عقل، وبصيرة لمن
عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن
صدق، وتوءدة لمن أصلح (7) وزلفى لمن اقترب، وثقة لمن
توكل، ورخاءا لمن فوض (8) وسبقة لمن أحسن (9) وخيرا

(5) الفلج - كثلج وفلك - الفوز والظفر.
(6) أي من حكم بالإسلام فحكمه فصل للأمر وختام للقضاء.
(7) التوءدة - كجوهرة وصومعة -: التأني، ويراد بها هنا الرزانة
والوقار.
(8) قيل: وفي بعض نسخ الكافي (ورجاءا). أقول: وفي النهج:
(وراحة لمن فوض).
(9) أي غاية محمودة أو جعلا محبوبا لمن أحسن أي لمن عمل بالحسن
أي أتى بالأعمال على وفق الإسلام.
16

لمن سارع، ورجاء لمن صدق (10) وغنى لمن قنع، فذلك
الحق، سبيله الهدي ومأثرته المجد (11) وصفته الحسنى.
فهو أبلج المنهاج (12) مشرق المنار (13) ذاكي المصباح،
رفيع الغاية، يسير المضمار (14) جامع الحلبة (15) سريع
السبقة (16) أليم النقمة كامل العدة، كريم الفرسان.

(10) قيل: وفي بعض نسخ الكافي: (وروحا لمن صدق).
(11) المأثرة - على زنة المرحلة والمأدبة -: ما يورث المجد والشرف
والكرم، والجمع المآثر كمفخرة ومفاخر.
(12) أي أن الإسلام واضح الطريق، ظاهر السبيل لمن أراد أن يسلكه،
ليس في منهاجه غموض ولا اعوجاج. من قولهم: (بلج الحق - من باب
منع - بلجا): وضح وظهر فهو أبلح والمؤنث بالجاء.
(13) المنار - بفتح الميم كالمنارة -: الموضع الذي يوضع فيه النور
لاهتداء التائهين، أي أن نور الإسلام ومشغل بركاته مضئ متوقد يدعو
التائهين والمتحيرين في مسالكهم ومذاهبهم إلى محل أمنه وموضع خصبه.
وفي نهج البلاغة (مشرف المنار) وضبطه وبعضهم بفتح الراء على أنه
اسم مفعول من قولهم: (أشرف الشئ أشرافا): علا وارتفع ارتفاعا، قال:
ومنار الدين هي دلائله من العمل الصالح يطلع منها البصير على حقائق
العقائد ومكارم الأخلاق. أقول: لا داعي على حمله على أنه اسم مفعول لان
اسم الفاعل منه أيضا يفيد هذا المعنى، وقراءته بكسر الراء أوفق لسياق
الكلام، مع أن في تفسيره دلائل الدين أيضا تسامح.
(14) المضمار: الموضع الذي يضمر فيه الخيل أي أن موضع المسابقة
إلى الرغائب في الإسلام سهل لا مؤنة فيه. وفي النهج: (كريم المضمار)
أي إذا سوبق سبق وتفرد بحيازة المطلوب.
(15) الحلبة - كحربة -: خيل تجمع للمسابقة.
(16) السبقة: الجزاء والجعل الذي يجعل لمن سبق غيره في ميدان
المسابقة، والجزاء الذي قرره الإسلام للفائز من المسابقين سريع الوصول
إليه. وفي النهج: (متنافس السبقة) وهو أظهر، أي أن الجعل الذي
قرره الإسلام لمن سبق يتنافس فيه ويتسابق إليه.
17

فالايمان منهاجه، والصالحات مناره، والفقه مصابيحه،
والدنيا مضماره، والموت غايته، والقيامة حلبته، والجنة
سبقته والنار نقمته، والتقوى عدته والمحسنون فرسانه (17).
فبالايمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر
الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا،
وبالدنيا تجوز القيامة (18) وبالقيامة تزلف الجنة، والجنة
حسرة أهل النار، والنار موعظة المتقين (19) والتقوى سنخ
الإيمان (20).
الباب (24) من كتاب الإيمان والكفر، من أصول الكافي: ج 2
ص 49، وقريبا منه ذكره بالسند الأول في الباب (25) منه أيضا.
وهذا الكلام من مشاهير كلمه عليه السلام ودعوى تواتره عنه عليه
السلام - عدا بعض خصوصياته - في محله، ورواه - إلى قوله:

(17) قيل: وفي بعض نسخ الكافي: (والمؤمنون فرسانه).
(18) قيل: وفي بعض النسخ: (وبالدنيا تحوز القيامة).
(19) وفي بعض النسخ - على ما قيل -: (والنار موعظة للمتقين).
(20) وزاد بعده في كتاب سليم بن قيس: (فذلك الإيمان).
18

(والجنة سبقته) مع ذيل طويل - في المختار (104) من خطب النهج.
وقال في ختام الحديث (30) من باب: (27) - وهو باب دعائم الإسلام
والإيمان - من القسم الأول من البحار: ج 15، ص 29 ط الكمباني:
ومثله [أي مثل ما في الكافي رواه] في كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد
الثقفي بأسانيد عنه عليه السلام. أقول: ورواه قبلهم جميعا في أواسط
كتاب سليم بن قيس، ص 90 ط النجف.
19

- 163 -
ومن كلام له عليه السلام
في تقسيم الإيمان ودعائمه وشعبه
قال الشيخ الصدوق (ره): حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا
سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، وأحمد
ابن الحسن بن علي بن فضال جميعا، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن
زيد، قال: حدثني محمد بن سالم، عن سعد بن طريف:
عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
الإيمان على أربع دعائم. على الصبر واليقين والعدل
والجهاد.
والصبر على أربع شعب: على الشوق والإشفاق (1) والزهد
والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات (2) ومن
أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون
بالمصيبات (3) ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات (4).

(1) الإشفاق: الخوف. وفي كثير من الطرق: (الشفقة).
(2) أي تخلى عنها، وهجرها. والفعل من باب دعا، وعلم.
(3) وفي كثير من الطرق: (هانت عليه المصيبات).
(4) قال في الهامش: وفي بعض النسخ: (سارع إلى الخيرات).
20

واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأول
الحكمة، وموعظة العبرة (5) وسنة الأولين، فمن تبصر في
الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن
عرف العبرة فكأنما عاش في الأولين.
والعدل على أربع شعب: على غائص الفهم وغمرة
العلم، وزهرة الحكمة، وروضة الحلم (6) فمن فهم فسر
جمل العلم، ومن علم شرح غرائب الحكم، ومن كان
حليما لم يفرط في أمر يليه في الناس (7).

(5) الفطنة: الحذق وجودة الفهم. وتأول الحكمة: الوصول إلى
دقائقها. وموعظة العبرة أي الاتعاظ والاعتبار بأحوال الأمم الماضية، وما
رزؤا به عند الغفلة، وحضوا به عند الانتباه.
(6) كان الجميع من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي على الفهم
الغائص والعلم الغامر - أي المحيط - والحكمة الزاهرة - أي النيرة المتلألئة -
والحلم الذي يجلب النفوس إلى الإنسان كانجذاب النفوس إلى الروضة
والبستان.
(7) ومن هنا (أي من قوله): (ومن كان حليما) إلى قوله: (في الناس)
اختلفت نسخ الخصال أشد اختلاف، وما ذكرناه عنه هنا طبقا لبعض
النسخ وإن كان صوابا بحسب المعنى، لكن مخالفته للسياق، واتفاق
طرق الحديث - المنقولة بروايات غيره - تدلنا على وقوع التصحيف في هذا
الموضع من النسخة. وفي جل الطرق - أو كلها - هكذا، (ومن حلم لم
يفرط في أمره وعاش في الناس حميدا).
21

والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين (8).
فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن
المنكر أرغم أنف المنافق (9) ومن صدق في المواطن (10) قضى
الذي عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله عز وجل غضب الله له.
فذلك الإيمان ودعائمه وشعبه.
والكفر على أربع دعائم: على الفسق والغلو (11) والشك

(8) الشنآن - كرمضان -: البغض. وهذا جهاد قلبي، وما قبله
جهاد فعلي، والأولان قوليان.
(9) أي ذلك أنف المنافق بالرغام أي ألصقه بالتراب وأذله.
(10) أي من استقام في مواطن القتال مع أعداء الله وأظهر التصلب
والجلادة عند محاربتهم فقد أتى ما كان عليه، أو من صدق فعله في مواضع
الجهاد قوله عند إظهار الإيمان والانقياد لله تعالى، فقد قضى ما عليه ووفى
بما وعد، ولعلها للمعنى الثاني الصق بقوله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا
ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا
تبديلا).
(11) هذا هو الظاهر الموافق لما في الكافي وتحف العقول. وفي
النسخة: (والعتو) والظاهر إنه مصحف، لأن (العتو) بعد ذلك يذكره
في شعب الفسق ويعده قسما منه فكيف يجعله هنا قسيما له.
والغلو هو مجاوزة الحد في الشئ، وهو في قبال التفريط الذي
هو عبارة عن عدم بلوغ الحد، والوقفة قبله.
22

والشبهة.
والفسق على أربع شعب: على الجفاء والعمي والغفلة
والعتو.
فمن جفا حقر الحق ومقت الفقهاء وأصر على الحنث
العظيم (12).
ومن عمي نسي الذكر واتبع الظن، وألح عليه
الشيطان.
ومن غفل غرته الأماني وأخذته الحسرة إذا انكشف
الغطاء (13) وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب.
ومن عتا عن أمر الله تعالى عتا الله عليه، ثم أذله بسلطانه
وصغره بجلاله كما فرط في جنبه (14) وعتا عن أمر ربه
الكريم.

(12) الحنث - كحبر -: الذنب. وأصر عليه: واضب وكر عليه مرة
بعد أخرى.
(13) الأماني: جمع الأمنية: ما تتمناه النفس وتهواه. وزمان كشف
الغطاء: يوم الموت أو يوم القيامة.
(14) كذا في النسخة. و (عتا عن أمر الله): تمرد وتكبر عنه.
والضمير في (جنبه) عائد إلى الله تعالى كما في الآية 56 من سورة الزمر:
(يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) أي في أمره أو في جانبه. وفي
الكافي: (كما أغتر بربه الكريم وفرط في أمره). وفي المختار: (118)
المتقدم المنقول عن كنز العمال: (كما فرط في أمره فاغتر بربه الكريم).
وفي تحف العقول: (كما فرط في حياته) وعليه فالضمير راجع إلى
العاتي.
23

والغلو (15) على أربع شعب: على التعمق والتنازع
والزيغ والشقاق (16).
فمن تعمق لم ينب إلى الحق (17) ولم يزدد إلا غرقا في
الغمرات، فلم تحتبس عنه فتنة إلا غشيته أخرى وانخرق
دينه، فهو يهيم في أمر مريج (18).
ومن نازع وخاصم قطع بينهم الفشل (19) وذاقوا وبال

(15) هذا هو الظاهر من السياق المعاضد بما في الكافي وتحف العقول
كما مر، وفي النسخة: (العتو). وفي النهج: (والكفر على أربع دعائم
على التعمق والتنازع والزيغ والشقاق).
عن حد الوسط. والشقاق: العناد والمعارضة مع الحق.
(16) التعمق: تعقيب الأوهام بزعم طلب الأسرار. والزيغ: الانحراف
عن حد الوسط. والشقاق: العناد والمعارضة مع الحق.
(17) لم ينب من الإنابة بمعنى الرجوع.
(18) الغمرات - هنا - الأمواج المتراكمة من الجهل. و (يهيم) من
باب باع -: يسير متحيرا. و (مريج): مختلط مضطرب. وفي تحف
العقول والكافي: (فهو يهوي في أمر مريج).
(19) ومثله في تحف العقول، وفي الكافي: (ومن نازع في الرأي
وخاصم شهر بالفشل [العثل (خ)] من طول اللجاج). والفشل الضعف
والجبن. والعثل - كقفل -: الحمق.
24

أمرهم، و [من زاغ] ساءت عنده الحسنة، وحسنت عنده
السيئة، ومن ساءت عليه الحسنة أعورت عليه طرقه (20)
واعترض عليه أمره، وضاق (عليه) مخرجه، وحري أن
يرجع من دينه ويتبع غير سبيل المؤمنين (21).
والشك على أربع شعب: على الهول والريب (22)
والتردد والاستسلام. [فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح
ليله] (23) فبأي آلاء ربك يتمارى المتمارون.

(20) أي صارت طرقه عوراء معوجة غير مستقيمة. وهنا أيضا قد
اختلط في النسخة القسمان الأخيران. وفي النهج - وهو أجود من
الجميع -: (ومن زاغ ساءت عنده الحسنة، وحسنة السيئة، وسكر
سكر الضلالة. ومن شاق وعرت عليه طرقه، وأعضل عليه أمره وضاق
عليه مخرجه). وفي تحف العقول مثله في الثالث غير أن فيه: (الضلال)
وقال في الرابع: (ومن شاق أعورت عليه طرقه واعترض عليه أمره وضاق
مخرجه وحرام أن ينزع من دينه من أتبع غير سبيل المؤمنين).
(21) وفي الكافي: (ومن زاغ قبحت عنده الحسنة وحسنت عنده
السيئة. ومن شاق أعورت عليه طرقه واعترض عليه أمره فضاق عليه
مخرجه إذ لم يتبع سبيل المؤمنين).
(22) كذا في النسخة، وفي الكافي: (على المرية والهوى) ثم قال:
وفي رواية: (على المرية والهول) الخ وفي النهج: (على التماري والهول
والتردد والاستسلام. فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح ليله، ومن هاله
ما بين يديه نكص على عقبيه) الخ، وهو الظاهر.
(23) أي يبقى في ظلمة الجهل دائما ولم يستضئ قلبه بنور اليقين.
وهذه الجملة غير موجودة في جميع نسخ الخصال ولا في كتاب الكافي،
بل فيه - بعد قوله: (والاستسلام) - هكذا: (وهو قول الله عز وجل):
(فبأي آلاء ربك تتمارى) [55 / النجم: 53].
وفي تحف العقول: (والشك على أربع شعب: على المرية والهول
والتردد والاستلام. فبأي آلاء ربك يتمارى المتمارون. ومن هاله)...
25

ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه (24).
ومن تردد في الريب سبقه الأولون، وأدركه الآخرون،
وقطعته سنابك الشياطين (25).
ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة، هلك فيما بينهما،
ومن نجا فباليقين.
والشبهة على أربع شعب: على الإعجاب بالزينة، وتسويل
النفس وتأول العوج (26) وتلبس الحق بالباطل، وذلك بأن
الزينة تزيل على البينة (27) وأن تسويل النفس يقحم على

(24) وفي النسخة - ومثلها في الكافي -: فمن هاله. وعليه
فينبغي أن يقدم على سابقه كما هو مقتضى الترتيب هنا.
(25) وفي النهج والكافي وتحف العقول: (ووطئته). والسنابك: جمع
السنبك - كقنفذ -: طرف الحافر.
(26) هذا هو الظاهر الموافق للكافي وتحف العقول. وفي نسخة
الخصال هنا تصحيف، والتأول - هنا - بمعنى التأويل أي تأويل العوج
وتغييره على وجه يخفى خلله ويبرز استقامته فيظن انه مستقيم غير
معوج، و (تلبس الحق) أيضا بمعنى تلبيس الحق.
(27) كلمة (على) بمعنى (عن) وهي المجاوزة أي إن الزينة تزيل
من استعجب بها وتصرفه عن البينة والبراهين الجلية وتجره إلى مهاوي
الشهوات. وفي الكافي وتحف العقول: (وذلك بأن الزينة تصدف عن
البينة).
26

الشهوة، وأن العوج يميل [بصاحبه] ميلا عظيما، وأن التلبس
ظلمات بعضها فوق بعض (28).
فذلك الكفر ودعائمه وشعبه.
والنفاق على أربع دعائم: على الهوى والهوينا والحفيظة
والطمع (29).
والهوى على أربع شعب: على البغي والعدوان، والشهوة
والطغيان. فمن بغى كثرت غوائله وعلاته (30) ومن

(28) بين المعقوفين مأخوذ من الكافي وتحف العقول، وفيهما أيضا
- فيما تقدم -: (ولبس الحق بالباطل) وهنا -: (وأن اللبس - وفي
تحف العقول: (واللبس - ظلمات بعضها فوق بعض).
(29) الهوينا: تصغير الهوني، وهو تأنيث الأهون. ويراد به - هنا -
التهاون في أمر الدين وعدم الاهتمام به. و (الحفيظة) هنا: الغضب
والحمية.
(30) الغوائل: جمع الغائلة: الشر. الحقد. الداهية. والعلاة:
جمع العلة: المرض: الشاغل. الحالة المختلفة.
وفي الكافي: (فمن بغى كثرت غوائله وتخلى عنه وقصر [نصر (خ)]
عليه). ونحوه في تحف العقول.
27

اعتدى لم تؤمن بوائقه (31) ولم يسلم قلبه. ومن لم يعزل
نفسه عن الشهوات خاض في الخبيثات. ومن طغى ضل على
غير يقين ولا حجة له.
وشعب الهوينا: الهيبة والغرة والمماطلة والأمل.
وذلك لأن الهيبة ترد على دين الحق (32) [والغرة تقصر بالمرء
عن العمل]. والمماطلة تفرط في العمل حتى يقدم (عليه)
الأجل (33) ولولا الأمل علم الإنسان حسب ما هو فيه ولو
علم حسب ما هو فيه مات من الهول والوجل (34).

(31) البوائق: جمع البائقة: الداهية. الشر.
(32) كذا في النسخة، وفي الكافي: (وذلك بأن الهيبة ترد عن
الحق).
(33) كذا في الكافي، وفي نسخة الخصال هنا تقديم وتأخير ونقص،
وأصلحنا الكلام على طبق الكافي، وما تفرد به وضعناه بين المعقوفين، ولكن
الأول مما بينهما قدمناه كي ينتظم الكلام على حسب ما ذكره هنا - أولا.
وفي تحف العقول: (ذلك إن الهيبة ترد عن الحق والاغترار بالعاجل
تفريط [في] الآجل. وتفريط المماطلة مورط في العمى (كذا) ولولا الأمل
علم الإنسان حساب ما هو فيه، ولولا علم حساب ما هو فيه مات خفاتا من
الهول والوجل).
(34) وفي الكافي: (ولو علم حسب ما هو فيه مات خفاتا من الهول
والوجل).
أقول: الحسب - كسبب -: القدر والعدد. و (خفاتا) - بضم
الخاء المعجمة -: بغتة وفجأة.
28

وشعب الحفيظة الكبر والفخر والحمية والعصبية (35) فمن
استكبر أدبر ومن فخر فجر، ومن حمى أضر، ومن أخذته
العصبية جار، فبئس الأمر أمر بين الاستكبار والإدبار،
و (بين) فجور وجور.
وشعب الطمع أربع: الفرح والمرح واللجاجة والتكاثر.
فالفرح مكروه عند الله عز وجل، والمرح خيلاء (26)
واللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حبائل الآثام (37) والتكاثر
لهو وشغل واستبداد الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فذلك النفاق ودعائمه وشعبه.
الحديث (74) من باب الأربعة من كتاب الخصال ص 231.

(35) قال الراغب: عبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحمية،
فقيل: حميت على فلان أي غضبت عليه. والعصبية: الأقارب من جهة
الأب. حمايتهم والدفع عنهم. والتعصب: المحاماة والمدافعة.
ولعل الفرق بين الحمية والعصبية - مع كونهما من شعب الحفيظة
- إن الحمية للنفس، والعصبية للأقارب. أو الأول للأهل، والثاني
للأقارب.
(36) الخيلاء - بضم المعجمة وكسرها، وفتح الياء المثناة التحتانية
فيهما -: الكبر. العجب.
(37) ومثله في الكافي وتحف العقول.
29

ومن قوله: (الإيمان على أربع دعائم - (38) إلى قوله - فذلك الإيمان
ودعائمه وشعبه). رواه الكليني (ره) في باب صفة الإيمان - وهو
الباب: (25) - من كتاب الإيمان والكفر، من أصول الكافي: ج 2 ص 50
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن
عيسى. وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، جميعا
عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج، عن أبي جعفر، عن أمير
المؤمنين. ورواه أيضا قبله عنه عليه السلام في كتاب سليم بن قيس ص 088.
وأيضا من قوله: (الكفر على أربع دعائم) إلى آخره رواه في باب
دعائم الكفر وشعبه - وهو الباب: (167) - من أصول الكافي: ج 2
ص 391 عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم

(38) وقال أبو نعيم في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من حلية
الأولياء: ج 1، ص 74: ورواه الأصبغ بن نباتة عن علي مرفوعا. ورواه
الحارث عن علي مرفوعا مختصرا. ورواه قبيصة بن جابر، والعلاء بن عبد
الرحمن عن علي من قوله. أقول: ورواه أيضا مختصرا في الباب:
(64) من تيسير المطالب ص 280 عن أمالي السيد أبي طالب قال: قال
السيد أبو طالب، حدثنا أبو بكر أحمد بن علي بقزوين، قال: حدثنا أبو
الحسن محمد بن جمعة بن زهير، قال: حدثنا عيسى بن حميد الرازي قال:
حدثنا الحرث بن مسلم الروذي قال: حدثنا بحر بن كثير، عن أبي الحسن،
عن الوصافي عبيد الله بن الوليد:
عن الحرث عن علي عليه السلام إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال: من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات، ومن أشفق من النار لهى
عن الشهوات ومن تقرب [كذا] الموت هانت عليه اللذات، ومن زهد في الدنيا
هانت عليه المصيبات.
30

ابن عمر اليماني، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن
قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
ورواه أيضا في المختار: (30 و 31) من قصار نهج البلاغة.
وللكلام طرق كثيرة، وقد تقدم في المختار: (118) المروي عن كنز
العمال: ج 8 ص 215، المنقول بطرق جل ما هنا، ويجئ أيضا في القسم
الثاني من هذا الباب بطرق كثيرة أخرى.
* * *
31

- 164 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله لشريح القاضي لما أقر عند انه اشترى دارا بثمانين دينارا.
قال محمد بن علي بن الحسين القمي رحمه الله: حدثنا صالح ابن
عيسى بن أحمد بن محمد العجلي، قال: حدثنا محمد بن محمد بن علي،
قال: حدثنا محمد بن الفرج الروياني، قال: حدثنا عبد الله بن محمد
العجلي، قال: حدثني عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبيه، عن أبان
مولى زيد بن علي:
عن عاصم بن بهدلة، قال: قال لي شريح القاضي، اشتريت دارا
بثمانين دينارا وكتبت كتابا وأشهدت عدولا، فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب، فبعث إلي مولاه قنبرا فأتيته فلما أن دخلت عليه قال:
يا شريح [بلغني أنك] اشتريت دارا [بثمانين دينارا] وكتبت كتابا
وأشهدت عدولا ووزنت مالا؟ قال [شريح] قلت نعم [يا أمير
المؤمنين]. قال: يا شريح اتق الله فإنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك ولا
يسأل عن بينتك، حتى يخرجك من دارك شاخصا، ويسلمك إلى قبرك
خالصا (1) فأنظر أن لا تكون اشتريت هذه الدار من غير مالك [أ] ووزنت
مالا من غير حله (2) فإذا أنت قد خسرت الدارين - جميعا - الدنيا
والآخرة.

(1) شاخصا: مبعدا مطرودا. و (خالصا) عاريا عن المال والملك.
(2) كذا في النسخة، وفي نظم درر السمطين: (فأنظر أن لا تكون
اشتريت دارا من غير مالك ووزنت مالا من غير حلالك). وفي تذكرة
الخواص: (فاحذر أن تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك، أو نقدت الثمن
من غير حلالك).
(3) وفي نظم درر السمطين: (فلو إنك عندما اشتريت هذه الدار
أتيتني فكتبت لك كتابا على هذه النسخة، إذا ما اشتريتها بدرهمين)...
وفي التذكرة: (أما أنك لو أتيتني عند شرائك إياها لكتبت لك كتابا فلم
ترغب في شرائها ولو بدرهم) الخ.
32

ثم قال (عليه السلام):
يا شريح فلو كنت عندما اشتريت هذه الدار أتيتني
فكتبت لك على هذه النسخة إذا لم تشترها بدرهمين (3).
قال: [شريح]: قلت: وما كنت تكتب يا أمير المؤمنين؟
قال: كنت أكتب لك هذا الكتاب (4):
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى عبد ذليل من
ميت أزعج بالرحيل، اشترى منه دارا في دار الغرور، من جانب
الفانين، إلى عسكر الهالكين (5) وتجمع هذه الدار حدود
(4) وفي النهج: (أما إنك لو كنت أتيتني عند شرائك ما اشتريت،
لكتبت لك كتابا على هذه النسخة، فلم ترغب في شراء هذه الدار بدرهم
فما فوق، والنسخة [هذه] (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عبد
ذليل من عبد قد أزعج بالرحيل، اشترى منه دارا من دار الغرور من جانب
الفانين، وخطة الهالكين) الخ.
(5) كذا في النسخة، وفي نظم درر السمطين: (اشترى منه دارا
بدار الغرور، من الجانب الفاني [كذا] إلى عسكر الهالكين). وفي التذكرة
(اشترى منه دارا من دور الغرور، من جانب الفانين، وخطة الهالكين،
ويجمع هذه الدار حدود أربعة: فالحد الأول ينتهي إلى دواعي الآفات،
والحد الثاني إلى نوادب المصيبات، والثالث إلى الهوى المردي، والرابع
إلى الشيطان المؤذي، وفيه يشرع بابها وتجتمع أسبابها). (*)
33

أربعة: الحد الأول منها ينتهي إلى دواعي الآفات والحد
الثاني منها ينتهي إلى دواعي العاهات، والحد الثالث منها ينتهي
إلى دواعي المصيبات، والحد الرابع منها ينتهي إلى الهوى
المردي والشيطان المغوي وفيه (6) يشرع باب هذه الدار!!!
اشترى هذا المفتون بالأمل من هذا المزعج بالأجل،
جميع هذه الدار بالخروج من عز القنوع والدخول في ذل
الطلب (7) فما أدرك هذا المشتري [فيما اشتراه] من درك (8)

(6) أي في الحد الرابع يفتح باب هذه الدار. وفي نهج البلاغة:
(وتجمع هذه الدار حدود أربعة: الحد الأول ينتهي إلى دواعي الآفات،
و [الحد] الثاني إلى دواعي المصيبات، والحد الثالث ينتهي إلى الهوى
المردي، والحد الرابع ينتهي إلى الشيطان المغوي).
(7) وفي التذكرة: (هذا المغرور بالأمل). وفي النهج: (هذا
المغتر بالأمل). وفيهما: (هذه الدار بالخروج من عز القناعة والدخول في
ذل الطلب والضراعة).
(8) بين المعقوفين مأخوذ من نظم درر السمطين، والدرك: الضمان
والتبعة. وقوله: (فما أدرك): فما لحق. وما شرطية، وجزاؤها قوله:
(فعلى مبلي أجسام الملوك إشخاصهم جميعا).
34

فعلى مبلي أجسام الملوك (9) وسالب نفوس الجبابرة مثل
كسرى وقيصر، وتبع وحمير، ومن جمع المال إلى المال فأكثر
[ومن] بنى فشيد، وزخرف فنجد (10) وأدخر بزعمه
للولد (11) إشخاصهم جميعا إلى موقف العرض [والحساب،
وموضع الثواب والعقاب، إذا وقع الأمر] لفصل القضاء (12)
وخسر هنالك المبطلون (13) شهد على دللك العقل إذا خرج من
أسر الهوى، ونظر بعين الزوال لأهل الدنيا (14) وسمع منادي
الزهد ينادي في عرصاتها: ما أبين الحق الذي عينين، إن

(9) وفي النهج: (فعلى مبللبل أجسام الملوك، وسالب نفوس الجبابرة
ومزيل ملك الفراعنة) الخ. وفي التذكرة: (فعلى مبلبل أجسام الملوك
والأكاسرة، وسالب نفوس الفراعنة والجبابرة).
(10) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (ونجد فزخرف). وبعده
في النهج هكذا: (وادخر واعتقد).
(11) وفي التذكرة بعده هكذا: (ووعد وأوعد).
(12) بين المعقوفين قد سقط من النسخة ولا بد منه كما ورد في سائر
المصادر، وقوله: (إشخاصهم جميعا) مبتدأ مؤخره وخبره قوله: (فعلى
مبلي أجسام الملوك) أي إذا لحق المشتري ما يوجب الضمان، فعلى مبلي
الأجسام إرساله مع البائع إلى موقف الحساب.
(13) وزاد بعده في التذكرة: (وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون).
(14) كذا في النسخة، وهذا وما بعده غير موجود في النهج.
35

الرحيل أحد اليومين، تزودوا من صالح الأعمال، وقربوا
الآمال بالآجال، فقد دنا الرحلة والزوال.
الحديث التاسع من المجلس: (51) من أمالي الصدوق ص 177،
وفي ط النجف ص 176، ونقله عنه في الباب: (12) من كلم أمير المؤمنين
عليه السلام من البحار: ج 17، ص 77 ط الكمباني، وفي ط الحديث:
ج 77 ص 377، ورواه أيضا في الحديث (48) من الباب: (107) من ج 9
ص 545 ط الكمباني - وفي ط الحديث ج 41 ص 157 عن نهج البلاغة
ثم ذكر سنده من طريق الصدوق وقال يأتي تمامه في أبواب المواعظ.
ورواه أيضا في أواخر الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص، ص
158، عن الشعبي مع تصحيف بل تحريف لذيل الكلام.
ورواه أيضا في أواخر السمط الأول من كتاب فرائد السمطين ص
170، متصلا بما ذكره من أشعاره عليه السلام، قال: وروى الليث بن
سعد (ره) عن نافع، عن شريح القاضي قال اشتريت دارا بثمانين دينارا
- وساق الكلام إلى قوله: (إذا وقع الأمر بفصل القضاء) ثم قال: وفي
رواية: (إذا وضع الكرسي لفصل القضاء) الخ. فالمستفاد منه إنه
يرويه بطريقتين، وما رواه أقرب من رواية الصدوق، عن رواية غيره.
ورواه أيضا السيد الرضي (ره) في المختار الثالث من الباب الثاني
من نهج البلاغة.
ورواه أيضا - مرسلا - في المختار: (7) من الباب: السابع من
دستور معالم الحكم ط مصر، ص 135.
36

- 165 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تزهيد الناس عن الدنيا
قال الشيخ أبو علي ابن شيخ الطائفة: حدثنا الشيخ أبو جعفر:
محمد بن الحسين بن علي بن الحسن الطوسي قدس الله روحه، قال: أخبرنا
الحسين بن عبيد الله، عن علي بن محمد العلوي، قال حدثني محمد بن
موسى الرقي، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن
أبي عبد الله البرقي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن أبيه، عن أبان
مولى زيد بن علي (1) عن عاصم بن بهدلة:
عن شريح القاضي قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه
يوما وهو يعظهم:
ترصدوا مواعيد الآجال وباشروها بمحاسن الأعمال،
ولا تركنوا إلى ذخائر الأموال فتحليكم خدائع الآمال (2)
إن الدنيا خداعة صراعة مكارة غرارة سحارة، أنهارها
لامعة وثمراتها يانعة (3) ظاهرها سرور وباطنها غرور،

(1) وفي تفسير البرهان ط 2: (زيد بن أرقم). وفي هامشه:
(زيد بن علي (خ).
(2) الضمير في قوله: (فتحليكم) راجع إلى (ذخائر) أو (الأموال).
(3) أي إن لأنهارها لمعان وشعشعة في أعين الناظرين إليها، وإن
ثمراتها قد أدركت ونضجت فارتفعت أرياحها حتى امتلأت بها خياشيم
الطامعين.
37

تأكلكم بأضراس المنايا، وتبيركم بإتلاف الرزايا (4) لهم بها
أولاد الموت (5) وآثروا زينتها وطلبوا رتبتها. جهل الرجل،
ومن ذلك الرجل؟ المولع بلذتها، والساكن إلى فرحتها،
والآمن لغدرتها. [ألا وإن الدنيا] دارت عليكم بصروفها (6)
ورمتكم بسهام حتوفها، فهي تنزع أرواحكم نزعا، وأنتم
تجمعون لها جمعا!!! للموت تولدون، وإلى القبور تنقلون
[تنقلبون (خ)] وعلى التراب تتوسدون (7) وإلى الدود
تسلمون، وإلى الحساب تبعثون.
يا ذوي الحيل والآراء، والفقه والأنباء، أذكروا مصارع
الآباء، فكأنكم بالنفوس قد سلبت، وبالأبدان قد عريت،

(4) تبيركم: تهلككم. وإتلاف الرزايا: أفناؤها أي إفناء رزاياها
إياكم.
والرزايا: جمع الرزية: المصيبة. ولعل الأصل كان: (وتبيركم
بأصناف الرزايا) فصحف.
(5) كذا في الأصل.
(6) بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق. وصروفها: نوائبها.
(7) وفي نسخة: (وعلى التراب تنومون).
38

وبالمواريث قد قسمت، فتصير يا ذا الدلال، والهيئة والجمال (8)
إلى منزلة شعثاء، ومحلة غبراء (9) فتنوم على خدك في لحدك (10)
في منزل قل زواره، ومل عماله، حتى يشق عن القبور،
وتبعث إلي النشور، فإن ختم لك بالسعادة صرت إلى الحبور (11)
وأنت ملك مطاع وآمن لا تراع (12) يطوف عليكم [كذا]
ولدان كأنهم الجمان (13) بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين،
أهل الجنة فيها يتنعمون، وأهل النار فيها يعذبون، هؤلاء في
السندس والحرير يتبخترون، وهؤلاء في الجحيم والسعير
يتقلبون، هؤلاء تحشى جماجمهم بمسك الجنان، وهؤلاء

(8) وفي نسخة: (والهيبة والحال). والدلال - بفتح الدال -:
التغنج والتلوي، ويعبر عنه بالفارسية ب‍ (ناز وكرشمه).
(9) شعثاء: مؤنث أشعث: مختل الأمر، متفرق الأركان منتشر
الأطراف.
(10) تنوم - على بناء المجهول من التنويم -: يجعلوك مضطجعا على
في اللحد - وهو كفلس -: القبر.
(11) الحبور كالسرور لفظا ومعنى.
(12) أي لا تفزع، من قولهم: (راع منه - من باب قال - روعا
ورووعا): فزع، فهو رائع وروع - كفرح - أو من قولهم: (أراعه -
كروعة ترويعا) إراعه: أفزعه.
(13) الجمان - بضم الجيم: جمع الجمانة بضمها أيضا -: اللؤلؤ.
39

يضربون بمقامع النيران، هؤلاء يعانقون الحور في الحجال،
وهؤلاء يطوقون أطواقا في النار بالأغلال، فله فزع قد
أعي الأطباء (14) وبه داء لا يقبل الدواء.
يا من يسلم إلى الدود ويهدى إليه، اعتبر بما تسمع وترى،
وقل لعينك: تجفو لذة الكرى (15) وتفيض الدموع بعد
الدموع تترى (16) بيتك القبر بيت الأهوال والبلى، وغايتك
الموت يا قليل الحياء.
إسمع يا ذا الغفلة والتصريف، من ذوي الوعظ والتعريف،
جعل يوم الحشر يوم العرض والسؤال والحباء والنكال (17)
[و] يوم تقلب فيه أعمال الأنام وتحصى فيه جميع الآثام،
يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها، وتضع الحوامل

(14) كذا في الأصل والمصادر الحاكية عنه، والكلام كناية عن انسداد
طرق التخلص على المخلدين في النار، ويأسهم عن النجاة منها.
(15) تجفو لذة الكرى: تثقلها وتعرض عنها. والكرى - كعصي -: النوم.
(16) وفي الأصل: (وتفيض من الدموع بعد الدموع تترى) والظاهر
أن (من) زائدة. و (تترى): متوالية.
(17) كذا في النسخة، والسياق في حاجة إلى كلمة (انه) بعد
قوله: (والتعريف). والحباء - بكسر الحاء: العطاء.
40

ما في بطونها ويفرق بين كل نفس وحبيبها (18) ويحار في
تلك الأهوال عقل لبيبها (19) إذ تنكرت الأرض بعد حسن
عمارتها، وتبدلت بالخلق بعد أنيق زهرتها (20) [و] أخرجت
من معادن الغيب أثقالها، ونفضت إلى الله أحمالها (21) يوم
لا ينفع الجد، إذا عاينوا الهول الشديد فاستكانوا (22)
وعرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا، فانشقت القبور بعد طول
انطباقها، واستسلمت النفوس إلى الله بأسبابها [و] كشف عن
الآخرة غطاؤها، وظهر للخلق أنباؤها، فدكت الأرض
[الجبال (خ)] دكا دكا، ومدت لأمر يراد بها مدا مدا،
واشتد المثارون (23) إلى الله شدا شدا، وتزاحفت الخلائق

(18) كذا في تفسير البرهان، وفي الأصل هكذا: (وتفرق من كل
نفس وحبيبها). والظاهر أنه مصحف.
(19) كذا في تفسير البرهان، وفي الأصل: (في تلك الأحوال).
(20) الأنيق - على زنة الحبيب -: الحسن المعجب.
(21) أي أدت إلى الله ما حملها، كأنه من قولهم: (نفضت الشجرة)
حركها ليسقط ما عليها.
(22) أي ذلوا وخضعوا.
(23) أي الذين حركوا وهيجوا إلى فصل القضاء ومحكمة العدل
الإلهية. وفي نسخة: (واشتد المبادرون).
41

إلى المحشر زحفا زحفا (24) ورد المجرمون على الأعقاب
ردا ردا، وجد الأمر - ويحك يا إنسان - جدا جدا (25)،
وقربوا للحساب فردا فردا، وجاء ربك والملك صفا صفا،
[و] يسألهم عما عملوا حرفا حرفا، وجئ بهم عراة
الأبدان خشعا أبصارهم أمامهم الحساب، ومن ورائهم جهنم،
يسمعون زفيرها، ويرون سعيرها [زئيرها (خ)] فلم يجدوا
ناصرا ولا وليا يجيرهم من الذل، فهم يعدون سراعا إلى
مواقف الحشر (27) يساقون سوقا، فالسماوات مطويات
بيمينه كطي السجل للكتب (28) والعباد على السراط وجلت
قلوبهم يظنون أنهم لا يسلمون ولا يؤذن لهم فيتكلمون،
ولا يقبل منهم فيعتذرون، قد ختم على أفواههم واستنطقت

(24) الزحف كفلس -: المشي في ثقل وهدوء. المشي على
الركبة - أو على المقعدة - قليلا قليلا.
(25) أي صعب الأمر بالخلائق واشتد عليهم اشتدادا بليغا.
(26) الزئير: صوت الأسد عند الغضب وإرادة التوثب.
(27) يعدون: يركضون. أي انهم من خوف الحفظة السائقين ومن
هول المقام يركضون ركضا سريعا إلى مواقف حشرهم.
(28) اقتباس من الآية: (104) من سورة الأنبياء: (21).
42

أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، يا لها من ساعة ما أشجا
مواقعها من القلوب حين ميز بين الفريقين، فريق في الجنة
وفريق في السعير، من مثل هذا فليهرب الهاربون، [و] إذا
كانت الدار [مثل] الآخرة فلها يعمل العاملون (29).
الحديث الثالث من المجلس: (34) - وهو مجلس يوم الجمعة
(16) من رجب من سنة (457) - من الجزء الثاني من أمالي الشيخ، ص
55 ط طهران، وفي ط النجف: ج 2 ص 265.
وفي ط النجف: ج 2 ص 265.
ورواه عنه في الحديث: (23) من الباب (14) من البحار: ج 17،
ص 97 س 14، ط الكمباني، وفي ط الحديث: ج 77 ص 371، وقطعة
منه رواه في الحديث (5) من باب (أهوال النار) من ج 3 ص 373 س 19،
ط الكمباني.
ورواه عنه أيضا السيد هاشم البحراني (ره) في الحديث الثالث من
تفسير الآية الأولى من سورة الحج، من تفسير البرهان: ج 3 ص 77
ط 2.

(29) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (لها يعمل العاملون).
43

- 166 -
ومن كلام له عليه السلام
أوصاه لرجل بعثه على عكبرا
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد البغدادي
قال: حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر، قال: حدثني
محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثني عمى، عن الفضل بن نعيم، عن
إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي عن عبد الملك بن عمير، عن رجل
من ثقيف [قال]:
إن عليا [أمير المؤمنين] استعملني على عكبرا (1) - قال: ولم يكن
السواد يسكنه المصلون - فقال لي بين أيديهم: استوف منهم خراجهم
ولا يجدو [ن] منك رخصة، ولا يجدو [ن] فيك ضعفا. ثم قال لي: إذا
كان عند الظهر فرح إلي. (2) قال فرحت إليه [بعد الظهر] فلم أجد
عنده حاجبا يحجبني دونه، ووجدته جالسا وعنده قدح وكوز فيه ماء،
فدعا بطيبة (3) قال: فقلت في نفسي لقد آمنني حتى يخرج لدي جوهرا

(1) وفي الأصل - ومثله في تاريخ دمشق -: (استعمله على عكبرا..
(2) أي أقبل إلي، من قولهم: (راح - من باب قال - رواحا):
جاء أو ذهب.
(3) كذا في الأصل - بالطاء المهملة - ومثله في تاريخ دمشق وحلية
الأولياء، وذكره في هامشه عن بعض النسخ بالمعجمة وقال: هي جراب
صغير. أقول: وذكره بعض المتأخرين بالظاء المعجمة ثم الباء الموحدة، ثم
الياء المثناة التحتانية: (الظبية) وقال: هي جريب من جلد ظبي عليه
شعره.
44

- ولا أدري ما فيه (4) - قال: فإذا عليها ختم، فكسر الختم فإذا فيه
سويق فأخرج منه فصب في القدح وصب عليه ماءا فشرب وسقاني، فلم
أصبر [أن] قلت: يا أمير المؤمنين بالعراق تصنع هذا؟ [إن] طعام العراق
أكثر من ذلك!!! قال: أما والله ما أختم عليه بخلا له (5) ولكني أبتاع
قدر ما يكفيني فأخاف أن يفتح فيوضع فيه من غيره فإنما حفظي لذلك
وأكره أن يدخل في جوفي إلا طيب [ثم قال:] وإني لم أستطع أن أقول
لك إلا الذي قلت بين أيديهم لأنهم قوم خدعة (6) ولكني آمرك الآن بما
تأخذهم به، فإن أنت فعلت [ما أمرتك به فهو] وإلا أخذك الله به دوني!!!
وإن بلغني عنك خلاف ما أمرك به عزلتك (7) [ثم قال]:
لا تبغين (8) لهم رزقا يأكلونه ولا كسوة شتاء ولا
صيف، ولا تضربن رجلا منهم سوطا في طلب درهم (9) ولا
تبيعن لهم دابة يعملون عليها، فإنا لم نؤمر بذلك (10) إنما

(4) وإنما قال: (فيه) لأن (طيبة) ظرف فذكر الضمير بلحاظ المعنى
وفي تاريخ دمشق: (فيها). وهو أظهر.
(5) وفي تاريخ دمشق: (بخلا عليه) وهو أظهر.
(6) الخدعة - كصردة - والخداع: كثير المكر والحيلة.
(7) وفي تاريخ دمشق: (خلاف ما أمرتك به).
(8) وفي الأصل: (لا تبغن) وفي تاريخ دمشق: (لا تبيعن). واللام
في قوله (لهم) بمعنى (من).
(9) وزاد في تاريخ دمشق: (ولا تهيجه في طلب درهم).
(10) جملة: (فإنا لم نؤمر بذلك) كانت في الأصل بعد قوله: (في
طلب درهم) وتأخيرها - كما صنعناه - أحرى لاتساق الكلام.
45

أمرنا أن نأخذ منهم العفو (11).
[قال] قلت: [يا أمير المؤمنين] إذن أجيئك كما ذهبت!!! قال:
وإن [تجيئني كما ذهبت]!!! [قال:] فتتبعت ما أمرني [به فرجعت] والله
ما بقي [علي] درهم [واحد] إلا [و] فيته.
الحديث (21) من الباب الثالث من تيسير المطالب - في ترتيب أمالي
السيد أبي طالب - ص 35، ورواه أيضا في الحديث: (1248) من ترجمة
أمير المؤمنين من تاريخ دمشق، وبعض ما وضعناه بين المعقوفات مأخوذ
منه. ورواه أيضا في ترجمته عليه السلام من حلية الأولياء: ج 1، ص 82
وله أيضا مصادر أخر أشرنا إلى بعضه في تعليق الحديث من تاريخ دمشق.

(11) أي الفضل من المال مما يزيد عن نفقات الرجل بحيث لا يقع في
العسر من بذله، ولعله المراد من قوله تعالى في الآية: (219) من سورة
البقرة: (ويسألونك ماذا ينفقون، قل العفو) وفيه أقوال أخر.
46

- 167 -
ومن كلام له عليه السلام
عزى به الأشعث بن قيس في ابن مات له فجزع عليه
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو
الحسن ابن النقور، وأبو منصور عبد الباقي بن محمد بن غالب، قالا:
أنبأنا أبو طاهر المخلص، أنبأنا أبو محمد عبيد الله بن عبد الرحمن، أنبأنا
زكريا بن يحي المقرئ أنبأنا الأصمعي:
أنبأنا سفيان قال: عزا علي بن أبي طالب الأشعث بن قيس على ابنه
فقال [له]:
إن تحزن فقد استحقت منك الرحم، وإن تصبر ففي الله
خلف من ابنك، إنك إن صبرت جرى عليك القدر وأنت
مأجور، وإن جزعت جرى عليك [القدر] وأنت مأثوم.
ترجمة الأشعث بن قيس الكندي من تاريخ دمشق: ج 6 ص 106،
أو 1140، ورواه أيضا في تهذيبه: ج 3 ص 74 ط سنة 1331 بالشام،
وللكلام مصادر كثيرة.
47

- 168 -
ومن خطبة له عليه السلام
في وظائف أئمة الحق في حال سيطرتهم على الناس
قال سبط ابن الجوزي: أخبرنا أبو طاهر الخزيمي، أخبرنا المبارك،
عن عبد الجبار الصيرفي، قال: أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، حدثنا أبو
بكر بن نجيب، حدثنا أبو جعفر بن علي، حدثنا هناد، عن وكيع:
عن الأحنف بن قيس قال: دخلت على أمير المؤمنين - عليه السلام -
ليلة عند إفطاره (1) فقال لي: قم فتعش مع الحسن والحسين. ثم قام
إلى الصلاة، فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه فأخرج شعيرا مطحونا
ثم ختمه، فقلت: يا أمير المؤمنين لم أعهدك بخيلا فكيف ختمت على هذا
الشعير؟! فقال: لم أختمه بخلا ولكن خفت أن يبسه الحسن والحسين بسمن
أو إهالة (2) فقلت: أحرام هو؟ قال: لا ولكن:

(1) وفي الأصل هكذا: عن الأحنف بن قيس قال: دخلت على معاوية
فقدم إلي من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قال: قدموا ذاك اللون.
فقدموا لونا ما أدري ما هو. فقلت: ما هذا؟ فقال: مصارين البط محشوة
بالمخ ودهن الفستق قد ذر عليه السكر. قال: فبكيت، فقال: ما يبكيك؟
فقلت: لله در ابن أبي طالب لقد جاد بنفسه بما لم تسمح به أنت ولا غيرك!!
فقال: وكيف؟ فقلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره فقال لي: قم فتعش الخ.
(2) يقال: (بس السويق - من باب مد - بسا): خلطه بسمن أو
زيت. وقال في المجتمع: وعن أبي السكيت: (بسست السويق أو الدقيق):
بللته بشئ من الماء. وأيضا قال في مجمع البحرين الاهالة: بكسر الهمزة -:
الشحم المذاب. وقيل: دهن يؤتدم به. وقيل: الدسم الجامد. ومنه
الحديث: (إدهن بسمن أو أهالة). وفي الخبر: (كان [عليه السلام]
يدعى إلي خبز الشعير والاهالة فيجيب).
48

على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم حالا في الأكل
واللباس، ولا يتميزون عليهم بشئ لا يقدرون [عليه] ليراهم
الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد
شكرا وتواضعا.
أوائل الباب الخامس من كتاب تذكرة الخواص، ص 118.
49

- 169 -
ومن كلام له عليه السلام
في ملاك أمر المجتمع وما يعصمهم عن الزلل ويحصن أعراضهم
قال ابن دريد: أخبرنا الجرموزي، عن ابن المهلبي، عن ابن الكلبي،
عن شداد بن إبراهيم، عن عبيد الله بن الحسن العنبري (1) عن ابن عرادة،
قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام يعشي الناس في شهر رمضان
باللحم (2) ولا يتعشى معهم، فإذا فرغوا خطبهم ووعظهم، فأفاضوا ليلة
في الشعراء وهم على عشائهم، فلما فرغوا خطبهم عليه السلام، وقال
وفي خطبته:
إعلموا أن ملاك أمركم الدين (3) وعصمتكم التقوى،
وزينتكم الأدب، وحصون أعراضكم الحلم.
ثم قال: قل يا أبا الأسود: فيما كنتم تفيضون فيه أي الشعراء أشعر؟
فقال: يا أمير المؤمنين الذي يقول:
ولقد أغتدي يدافع ركني * أعوجي ذو ميعة إضريج

(1) كذا في الأصل الحاكي، وفي ترجمة أبي داود، من الأغاني:
حدثنا شداد بن عبيد الله، قال: حدثني عبد الله بن الحر العنزي القاضي،
عن أبي عرادة الخ.
(2) يقال: (عشى الرجل تعشية وأعشاه أعشاء): أطعمه العشاء
- على زنة سماء -: طعام العشي.
(3) ملاك الأمر - بفتح الميم وكسرها -: قوام الأمر الذي يملك به.
50

مخلط مزيل معن مفن * منفح مطرح سبوح خروج (4).
يعني أبا داود الأيادي. فقال عليه السلام: ليس به. قالوا: فمن
يا أمير المؤمنين؟ فقال: لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معا علمنا من
السابق منهم، ولكن إن يكن فالذي لم يقل عن رغبة ولا رهبة. قيل:
من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: هو الملك الضليل ذو القروح. قيل: امرؤ
القيس يا أمير المؤمنين قال: هو.
قيل: فأخبرنا عن ليلة القدر. قال: ما أخلو من أن أكون أعلمها
فأستر علمها، وليست أشك أن الله إنما يسترها عنكم نظرا لكم، لأنه لو
أعلمكموها عملتم فيها وتركتم غيرها وأرجو أن لا تخطئكم إن شاء الله،

(4) ديوان أبي داود، ص 299، وقال ابن دريد لما فرغ من الخبر:
(أضريج): ينبثق في عدوه، وقيل: واسع الصدر. و (منفح): يخرج
الصيد من مواضعه. و (مطرح): يطرح ببصره. و (خروج): سابق.
و (الغاية): الراية، قال الشاعر:
وإذا غاية مجد رفعت نهض الصلت إليها فحواها
ويروى قول الشماخ [كما في ديوانه ص 97]:
إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين
بالغين والراء أكثر، فأما البيت الأول فبالغين لا غير، أنشده الخليل
في عروضه، وفي حديث طويل في الصحيح: (فيأتونكم تحت ثمانين
غاية، تحت كل غاية أثنا عشر ألفا). والميعة: أول جري الفرس. وقيل:
الجري بعد الجري.
51

إنهضوا رحمكم الله.
شرح المختار (461) من قصار النهج - لابن أبي الحديد -: ج 20
ص 153، ورواه عنه في الحديث (51) من باب النوادر، من البحار: ج 8
ص 738، وقريبا منه رواه في ترجمة أبي داود الأيادي من الأغاني: ج
16، ص 376 ط بيروت.
* * *
52

- 170 -
ومن كلام له عليه السلام
دار بينه وبين سويد بن غفلة
قال سبط ابن الجوزي: قال القرشي [يعني عبد الله بن محمد المعروف
بابن أبي الدنيا]: حدثنا محمد بن عمران، أخبرنا إبراهيم بن سعيد،
عن ابن الخطاب، عن العمري:
عن سويد بن غفلة قال: دخلت على [أمير المؤمنين] علي عليه السلام
يوما وليس في داره سوى حصير رث وهو جالس عليه، فقلت: يا أمير
المؤمنين أنت ملك المسلمين والحاكم عليهم وعلى بيت المال وتأتيك الوفود
وليس في بيتك سوى هذا الحصير؟ فبكى [عليه السلام] وقال:
يا سويد إن اللبيب لا يتأثث في دار النقلة (1) وأمامنا دار
المقامة، قد نقلنا إليها متاعنا ونحن منقلبون إليها عن
قريب.
قال [سويد]: فأبكاني والله كلامه (2).
أواسط الباب الخامس من كتاب تذكرة الخواص، ص 123.

(1) النقلة - كغرفة -: الانتقال.
(2) ومما يناسب هنا جدا ما رواه أيضا في الباب المذكور، ص 120:
قال: أخبرنا عبد الملك بن مظفر بن غالب الحري أخبرنا محمد بن ناصر،
أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، وعبد القادر بن محمد، قالا: أخبرنا أبو إسحاق
البرمكي، أخبرنا أبو بكر بن نجيب، حدثنا أبو جعفر بن علي، حدثنا هناد،
عن وكيع، عن ابن ثعلبة:
عن سويد بن غفلة قال: دخلت على علي عليه السلام في هذا القصر -
يعني قصر الامارة بالكوفة - وبين يديه رغيف من شعير وقدح من لبن،
والرغيف يابس تارة يكسره بيديه وتارة بركبتيه فشق علي ذلك، فقلت
لجارية له يقال لها: فضة: ألا ترحمين هذا الشيخ وتنخلين له هذا الشعير؟
أما ترين نشارته على وجهه وما يعاني منه؟ فقالت: لأي شئ يوجر هو
ونأثم نحن؟ انه عهد إلينا أن لا ننخل له طعاما قط!! [قال:] فالتفت إلي
وقال: ما تقول لها يا ابن غفلة؟. فأخبرته وقلت: يا أمير المؤمنين ارفق
بنفسك. فقال لي: ويحك يا سويد ما شبع رسول الله [صلى الله عليه وآله
وسلم] وأهله من خبز بر ثلاثا تباعا حتى لقى الله، ولا نخل له طعاما قط!!
ولقد جعت مرة بالمدينة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل، فإذا بامرأة
قد جمعت مدرا تريد أن تبله فقاطعتها على دلو بتمرة فمددت ستة عشر
دلوا حتى مجلت يداي - وفي رواية فتحت [كذا] - ثم أخذت التمر وأتيت
رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] فأخبرته فأكل منه.
وقد أخرجه أحمد أيضا في الفضائل فقال: أخبرنا علي بن حكيم
الأودي، حدثنا شريك عن موسى الطحان عن مجاهد، عن علي عليه السلام
وذكر نحوه.
وأخرجه أيضا في مسند علي من كتاب المسند: ج 1، ص 90 و 135،
عن مجاهد، عن علي عليه السلام.
أقول: وقريبا من الذيل ذكره ابن عساكر في الحديث: (966) من
ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 53.
53

[...]
54

- 171 -
ومن كلام له عليه السلام
رواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسويد بن غفلة
قال الحافظ الكبير: ابن عساكر: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل،
أنبأنا أبو بكر البيهقي، أنبأنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن
عبيد بن الصفار، أنبأنا إسماعيل بن الفضل، أنبأنا قتيبة بن سعيد، عن
جرير، عن زكريا بن يحيى، عن عبد الله بن يزيد، وحبيب بن يسار:
عن سويد بن غفلة، قال: إني [كنت] لأمشي مع علي [عليه
السلام] بشط الفرات، فقال [لي] (1):
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل
اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا
وأضلا، وإن هذه الأمة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم
حتى يبعثوا حكمين ضلا وضل من اتبعهما (2).
ترجمة عمرو بن العاص من تاريخ دمشق: ج 42 ص 100.

(1) وقال في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 1، ص 106:
وعن البيهقي عن يحيى بن جعدة، عن أبي هريرة إن بني إسرائيل اختلفوا فلم
يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا، وإن هذه الأمة ستختلف
فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وضل من تبعهما.
(2) ورواه بالسند المذكور عن ابن عساكر، في ختام أمر صفين من كتاب
البداية والنهاية: ج 7 ص 283 نقلا عن البيهقي في كتاب دلائل النبوة،
وفيه: (فيضلان ويضلان). ثم قال صاحب البداية والنهاية: انه حديث
منكر، ورفعه موضوع، والله أعلم [كذا] إذ لو كان هذا معلوما عند علي
لم يوافق على تحكيم الحكمين، حتى لا يكون سببا لاضلال الناس كما نطق
به هذا الحديث. وآفة هذا الحديث هو زكريا بن يحيى - وهو الكندي
الحميري الأعمى - قال ابن معين: ليس بشئ.
أقول: الحديث لا آفة فيه وشواهد كثيرة، وإنما الآفة في الذي
يريد تبرير أعداء أهل البيت معاوية وعمرو بن العاص شانئ محمد وأهل
بيته في الجاهلية والإسلام آكلي الرشا، وباعة الخمر، وقاتلي النفوس
المحترمة ولا بسي الحرير والذهب ولا عني أمير المؤمنين والسيدين الحسن
والحسين و و و.
وكيف يستدل ابن الكثير على موضوعية الحديث بأنه لو كان هذا
معلوما لم يوافق علي على تحكيم الحكمين. وبين يديه ما كتبه قومه من إنه عليه
السلام أكره على تحكيم الحكمين، حتى إنه بنفسه كتب في ص 275 من
ج 7: إن عليا أراد أن يوكل ابن عباس ولكن منعه القراء وقالوا: لا نرضى
إلا بأبي موسى. فهو - أي ابن كثير - بصنيعه هذا من أشهر مصاديق
قولهم: لا حافظة لكذوب. ثم إن ما ذكره من أنه عليه السلام لو أقدم مع
هذا على التحكيم لكان سببا لإضلال الناس. أيضا قول باطل فإنك إذا
راجعت إلي كيفية التحكيم وما أخذه عليه السلام على الحكمين تعلم قطعيا
انه لا يترتب على ما صنعه اضلال ولا شبهة الا لضلال يريدون تشويه الحقائق
ورفض المحكمات والتمسك بالمتشابهات لإضلال الناس كالخوارج وأبناء
كثير، وتيمية، بل الصواب عكس ما قاله وهو انه عليه السلام لما أكره على
التحكيم قبله وأقدم عليه، ليميز الخبيث من الطيب ويعرف الناس الضلال
والذين يحكمون بالهوى ويخافون ما أخذ عليهم من العهد والايمان من الحكم
بالقرآن، كأبي موسي وابن النابغة ومبرري أعمالهما. ثم إن حديث سويد
هذا، ذكره أيضا في مجمع الزوائد: ج 7 ص 345 في شرح المختار (242)
من النهج: ج 13 / 315 وفي لسان الميزان: ج 3 ص 119. نقلا عن أبي موسى.
55

[...]
56

- 173 -
ومن كلام له عليه السلام
لما بلغه مبايعة عمرو بن العاص معاوية بطعمة مصر (1)
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو بكر الحاسب، أنبأنا الحسن بن علي،
أنبأنا محمد بن العباس، أنبأنا أحمد بن معروف، حدثنا الحسين بن فهم،
حدثنا ابن سعد، أنبأنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الله بن جعفر، عن أبي
عون مولى المسور.
قال: وحدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه.
قال: وحدثنا أسامة بن زيد الليثي، عن يزيد بن أبي حبيب،
قالوا (2):

(1) من مهمات التاريخ - بل من مهمات تشخيص الحق من الباطل،
وتبيين الرشد من الغي - عرفان علة اتصال عمرو بمعاوية وتظاهرهها على
مشاقة أمير المؤمنين، وزادت هذه المهمة علل اخر - تعرفها بعد قراءة هذا
المبحث بدقة وامعان نظر، ومن أجلها طولنا الكلام وخرجنا عن موضوعنا
بعض الخروج.
(2) وقال الطبري - في حوادث أواخر سنة (27) من تاريخه: ج 3
ص 314 -: قال ابن عمر: وحدثني أسامة بن زيد، عن يزيد بن أبي
حبيب، قال: نزع عثمان عمرو بن العاصي [كذا] عن خراج مصر،
واستعمل عبد الله بن سعد على الخراج فتباغيا، فكتب عبد الله بن سعد
إلى عثمان يقول: ان عمرا قد كسر علي الخراج. وكتب عمرو: إن عبد الله
كسر علي حيلة الحرب..
أقول: ومثله في تاريخ الكامل: ج 3 ص 45 غير إنه ذكره في حوادث
سنة 26.
57

عزل عثمان بن عفان عمرو بن العاص عن خراج مصر، وأقره على
الجند والصلاة، وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح الخراج فتباغيا (3)
فكتب عبد الله بن سعد إلي عثمان: أن عمرا قد كسر علي الخراج. وكتب
عمرو بن العاص إلى عثمان أن عبد الله بن سعد، قد كسر علي مكيدة
الحرب. فعزل عثمان عمرو بن العاص عن الجند والصلاة، وولى ذلك
عبد الله بن سعد، مع الخراج، فانصرف عمرو مغضبا فقدم المدينة فجعل
يطعن على عثمان ويعيبه، ودخل عليه يوما وعليه جبة له يمانية محشوة
قطن [كذا] فقال له عثمان: ما حشو جبتك يا عمرو؟ قال: حشوها عمرو.
[قال عثمان:] لم أرد هذا (4) يا ابن النابغة ما أسرع ما قمل جربان
جبتك (5) وإنما عهدك بالعمل عام أول، أتطعن علي وتأتيني بوجه وتذهب
عني بآخر؟ فقال عمرو: إن كثيرا مما ينقل الناس إلى ولاتهم باطل. فقال
عثمان: قد استعملتك على ضلعك (6) فقال عمرو: وقد كنت عاملا لعمر

(3) أي بغى وظلم كل واحد منهما الآخر. ثم إن رسم خط المصدر
غير واضح ويحتمل أيضا: (فتباهيا. والتباهي: التفاخر.
(4) هذا هو الصواب، وفي الأصل: (لم أردت هذا) وفي ذيل الرواية
المتقدمة عن الطبري: قال عثمان: قد علمت أن حشوها عمرو، ولم أرد
هذا، إنما سألت أقطن هو أم غيره.
أقول: إن عمرا قد تفطن لمراد عثمان، ولكن بغض التكلم مع عثمان
حمله على التجاهل ولذا استطار عثمان غضبا وقال ما قال.
(5) جربان - بضم الجيم والراء وكسرهما وتشديد الباء -: الجيب.
(6) أي على اعوجاجك خلقة وانحرافك طبيعة. و (الضلع) كحبل:
الميل والعوج. وكجبل: الاعوجاج خلقة.
58

ابن الخطاب، ففارقني وهو عني راض. [قال:] فخرج من عند عثمان
وهو محتفز عليه (7) فجعل يؤلب عليه الناس ويحرضهم عليه (8)، فلما

(7) كذا في النسخة، قال في مادة (حفز) من اللسان: الحفز
[كفلس]: حثك الشئ من خلفه سوقا وغير سوق. واحتفز فلان في
جلوسه: أراد القيام والبطش بشئ. واحتفز في مشيه: احتث واجتهد.
وفي الرواية الآتية عن الطبري: (فخرج عمرو من عند عثمان وهو
محتقد عليه). وهو أظهر.
(8) وأظهر من هذه الرواية في تذبذب عمرو، واجلابه الناس على
عثمان وتشاتمهما ما رواه الطبري في حوادث سنة 35 من تاريخه ج 4 ص
391 قال: وأما الواقدي فإنه ذكر في سبب مسير المصريين إلى عثمان أمورا
كثيرة، منها ما تقدم ومنها ما أعرضت عن ذكره كراهة مني ذكره لبشاعته،
ومنها ما ذكر [من] أن عبد الله بن جعفر حدثه عن أبي عون مولى المسور،
قال:
كان عمرو بن العاص على مصر، عاملا لعثمان، فعزله عن الخراج
واستعمله على الصلاة، واستعمل عبد الله بن سعد، على الخراج، ثم
جمعهما لعبد الله بن سعد، فلما قدم عمرو بن العاص المدينة جعل يطعن على
عثمان، فأرسل إليه عثمان يوما خاليا به، فقال [له]: يا ابن النابغة ما أسرع
ما قمل جربان جبتك، إنما عهدك بالعمل عاما أول [كذا] أتطعن علي وتأتيني
بوجه وتذهب عني بآخر، والله لولا أكلة ما فعلت ذلك. فقال عمرو: إن
كثيرا مما يقول الناس وينقلون إلى ولاتهم باطل، فاتق الله يا أمير المؤمنين
في رعيتك. فقال عثمان: والله لقد استعملتك على ضلعك وكثرة القالة
فيك!! فقال عمرو: قد كنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني
راض. فقال عثمان: وانا والله لو أخذتك بما أخذك به عمر لاستقمت،
ولكني لنت عليك فاجترأت علي، أما والله لأنا أعز منك نفرا في
الجاهلية، وقبل أن إلي هذا السلطان. فقال عمرو: دع عنك
هذا، فالحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وهدانا
به، قد رأيت العاصي [كذا] بن وائل، ورأيت أباك عفان، فوالله العاص كان
أشرف من أبيك. فانكسر عثمان وقال: مالنا ولذكر الجاهلية. وخرج
عمرو، ودخل مروان فقال: يا أمير المؤمنين وقد بلغت مبلغا يذكر عمرو
ابن العاص أباك؟ فقال عثمان: دع هذا عنك، من ذكر آباء الرجال ذكروا
أباه.
قال: فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه [فكان] يأتي عليا
مرة فيؤلبه على عثمان، ويأتي الزبير مرة فيؤلبه على عثمان ويأتي طلحة
مرة فيؤلبه على عثمان!!! ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان!!!
فلما كان حصر عثمان الأول خرج من المدينة حتى انتهى إلى أرض له
بفلسطين يقال لها السبع، فنزل في قصر له يقال له: العجلان وهو يقول:
العجب ما يأتينا عن ابن عفان [خبر]؟!! فبينا هو جالس في قصره ذلك،
ومعه ابناه محمد وعبد الله وسلامة بن روح الجذامي، إذ مر بهم راكب فناداه
عمرو: من أين قدم الرجل؟ فقال: من المدينة. قال: ما فعل الرجل؟
- يعني عثمان - قال: تركته محصورا شديد الحصار. قال عمرو: أنا أبو
عبد الله، قد يضرط الغير والمكواة في النار فلم يبرح مجلسه ذلك حتى
مر به راكب آخر، فناداه عمرو: ما فعل الرجل؟ - يعني عثمان - قال:
قتل. قال: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، أن كنت لأحرض عليه،
حتى أني لأحرض عليه الراعي في غنمه في الجبل!!! فقال له: سلامة بن
روح: يا معشر قريش انه كان بينكم وبين العرب باب وثيق فكسرتموه، فما
حملكم على ذلك؟ فقال [عمرو]: أردنا أن نخرج الحق من خاصرة الباطل!!!
(ظ) وأن يكون الناس في الحق شرعا سواء.
[قال:] وكانت عند عمرو، أخت عثمان لأمه: أم كلثوم بنت عقبة
ابن أبي معيط ففارقها حين عزله. ورواه أيضا في تاريخ الكامل: ج 3 ص 82.
وأيضا روى الطبري - بعد ما تقدم بورق في ص 395 - إن عمرو بن
العاص نادى عثمان - وهو يخطب على المنبر -: أتق الله يا عثمان، فإنك
قد ركبت نهابير، وركبناها معك فتب إلى الله نتب. فناداه عثمان: وأنك
هناك يا ابن النابغة، قملت والله جبتك منذ تركناك من العمل. - وساق
الكلام إلى أن قال: - وخرج عمرو بن العاص حتى نزل منزله بفلسطين فكان
يقول: والله إن كنت لألقي الراعي فأحرضه عليه. أقول: قال في مادة
(النهابر) من التاج، ما ملخصه: النهابر والنهابير: المهالك - وكذلك
الهنابير - وما أشرف من الأرض. وقيل: ما أشرف من حبال الرمل، ومنه
قول عمرو بن العاص لعثمان: إنك قد ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمور
فركبوها منك، وملت بهم فمالوا بك، أعدل - أو اعتزل -. يعني بالنهابير:
أمورا شدادا صعبة، شبهها بنهابير الرمل لأن المشي يصعب على من ركبها.
أو النهابير: الحفر بين الآكام، الواحدة نهبرة ونهبورة - بضمهما -.
وقيل النهابر: جهنم.
59

حصر عثمان الحصر الأول، خرج عمرو من المدينة حتى انتهى إلى أرض له
60

بفلسطين يقال لها السبع (9) فنزل (10) في قصر يقال له: العجلان فلما
أتاه قتل عثمان قال: أنا أبو عبد الله إذا أحك قرحة نكأتها (11) يعني: إني
قتلته بتحريضي عليه وأنا بالسبع!!! وقال: أتربص أياما وأنظر ما يصنع

(9) قال في حرف العين من معجم البلدان: ج 3 ص 185: السبع
[كفلس وقيل: كفرس]: ناحية من فلسطين بين بيت المقدس والكرك،
فيه سبع آبار، سمي الموضع بذلك، وكان ملكا لعمرو بن العاص أقام به
لما اعتزل الناس.
(10) هذا هو الظاهر من السياق الموافق لما في تاريخ الطبري، وفي
تاريخ دمشق: (فتولى في قصر...).
(11) وفي رواية ابن عساكر - في ترجمة عثمان من تاريخ دمشق: ج 25 ص 147 -: قال عمرو: قد علمت العرب اني إذا حككت قرحة
أدميتها!!!
61

الناس فبلغه، أن عليا قد بويع له، فاشتد عليه ذلك، ثم بلغ أن عائشة
وطلحة والزبير، ساروا إلى الجمل فقال: أستأني وأنظر ما يصنعون، فلم
يشهد الجمل ولا شيئا من أمره، ثم أتاه الخبر بأن طلحة والزبير قد قتلا،
فأرتج عليه أمره، فقال له قائل: إن معاوية لا يريد أن يبايع لعلي فلو
قاربت معاوية. فقال [عمرو]: ارحل يا وردان. فدعا ابنيه عبد الله ومحمدا
فقال: ما تريان؟ فقال عبد الله: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو
عنك راض (12) وتوفي أبو بكر وهو عنك راض، وتوفي عمر وهو عنك
راض، إني أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على
إمام فتبايعه.
وقال ابنه محمد بن عمرو: أنت ناب من أنياب العرب فلا أرى أن
يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوت ولا ذكر.
فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي
وأسلم لي في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بالذي أنبه لي في دنياي
وأشر لي في آخر!!! وإن عليا قد بويع له، وهو يدل بسابقته (13) وهو

(12) هذا أما استعطاف منه لأبيه كي لا يختار الضلالة على الهدى
أو انه من باب أن (كل فتاة بأبيها معجبة) من أين له ان رسول الله توفي
وهو عنه راض؟ وقد استفاض عن عمرو - كما في ترجمته من تاريخ ابن
عساكر وغيره - إن عمرا قال عند إشرافه على الهلاك: ما أدري والله أحبا
كان ذلك، أم تألفا يتألفني.
وهكذا الكلام في رضاية العمرين عنه.
(13) يقال: (دل الرجل = من باب ضرب ومنع - دللا، ودلا ودلالا):
تغنج وتلوى. افتخر.
62

غير مشركي في شئ من أمره!!! إرحل يا وردان. ثم خرج ومعه ابناه حتى
قدم على معاوية بن أبي سفيان (14).
ثم قال [عمرو] لمحمد: ما ترى؟ فقال: بادر هذا الأمر تكن فيه
رأسا قبل أن تكون ذنبا. فروى [عمرو] في ذلك وقال:
رأيت ابن هند سائلي أن أزوره وتلك التي فيها انثياب البوائق
أتاه جرير من علي بخطة أمرت عليه العيش مع كل ذائق
فوالله ما أدري إلى أي جانب أميل ومهما قادني فهو سائقي
أأخدعه والخدع فيه دناءة [ظ] أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق
وقد قال عبد الله قولا تعلقت به النفس إن لم تعتلقني غلائقي
وخالفه فيه أخوه محمد وإني لصلت العود عند الحقائق
فلما سمع عبد الله بن عمرو هذا الشعر، قال: بال الشيخ على عقبيه
وباع دينه!!! فلما أصبح عمرو، دعا مولاه وردان فقال: إرحل يا وردان.

(14) وللرواية تتمة تأتي في ص 82، ثم إن ما في هذه
الرواية من أن عمرا ذهب إلي معاوية بلا استدعاء منه وكتاب منه إليه، أما
سهو من الراوي أو جهل أو ستر منه للحقائق، وقريبا يمر عليك
شواهد، أنه لم يذهب إلى معاوية إلا بعدما وصله كتاب معاوية بأن يأتيه.
63

فرحل، ثم قال: حط فحط، ففعل ذلك مرارا، فقال له وردان: أنا أخبرك
بما في نفسك، اعترضت الدنيا والآخرة في قلبك فلست تدري أيتها
تختار!!! قال: لله درك من أخطأت فما الرأي؟ قال: تقيم في منزلك،
فإن ظهر أهل الدين عشت في دينهم.
وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا [ظ] عنك!!! فقال: إرحل يا وردان
على عزم. وأنشأ يقول:
يا قاتل الله أبدي لعمرك ما في النفس وردان.
ثم قدم على معاوية فذاكره أمره، فقال: أما علي فلا تستوي العرب
بينك وبينه في شئ من الأشياء وإن له في الحرب لحظا ما هو لأحد
من قريش. قال: صدقت، وإنما نقاتله على ما في أيدينا ونلزمه دم
عثمان!!! فقال عمرو: إن أحق الناس أن لا يذكر عثمان لأنا وأنت!! أما
أنا فتركته عيانا وهربت إلى فلسطين وأما أنت فخذلته ومعك أهل الشام،
حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي فسار إليه!!!
فقال معاوية: دع ذا وهات فبايعني. قال: لا لعمرو الله لا أعطيك
ديني حتى آخذ من دنياك!!! فقال معاوية: سل. قال [عمرو]: مصر
تطعمني إياها. فغضب مروان بن الحكم وقال: ما لي لا استشار؟ فقال
معاوية: اسكت، فما يستشار إلا لك. فقام عمرو مغضبا، فقال له
معاوية: يا [أ] با عبد الله أقسمت عليك أن تبيت الليلة عندنا. وكره أن
64

يخرج فيفسد عليه الناس، فبات [عمرو] عنده وقال:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * به منك دنيا فأنظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة * أخذت بها (15) شيخا يضر وينفع
وما الدين والدنيا سواء وإنني * لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع
ولكنني أعطيك هذا وأنني (16) * لأخدع نفسي والمخادع يخدع
فلما أصبح معاوية دخل عليه عتبة بن أبي سفيان فقال له: يا معاوية ما تصنع؟
أما ترضى أن تشتري من عمرو دينه بمصر؟!!! فأعطاه [معاوية] إياها، وكتب
له كتابا: [أن] لا ينقض شرط طاعة. فمحا عمرو ذلك وقال: أكتب: لا
ينقض طاعة شرطا!!! فقال عتبة بن أبي سفيان:
أيها المانع سيفا لم يهز * إنما ملت إلى خز وقز

(15) هذا هو الظاهر الموافق لما في كتاب صفين وتاريخ اليعقوبي، وفي
النسخة هكذا.
فإن تعطني مصرا فأربح صفقة * وأخذت بها شيخا يضر وينفع
(16) كذا في النسخة، وفي كتاب صفين ص 39 ط مصر، هكذا:
ولكنني أغضي الجفون وإنني * لأخدع نفسي والمخادع يخدع
وأعطيك أمرا فيه للملك قوة * وإني به إن زلت النعل أضرع
وتمنعني مصرا وليست برغبة * وإني بذا الممنوع قدما لمولع
65

إنما أنت خروف وافقت [كذا] * بين ضرعين (17) وصوف لم يجز
أعط عمرا إن عمرا باذل * دينه اليوم لدنيا لم تحز
أعطه مصرا وزده مثلها * إنما مصر لمن عز فبز
إن مصر لعلي أولنا * يغلب اليوم عليها من عجز
وقال معاوية فيما جاء به جرير بن عبد الله:
تطاول ليلي واعترتني وساوسي * لآت أتى بالترهات البسابس (18)

(17) كذا في النسخة عدا أن الشطر الثاني مصحف فيها، وفي كتاب
صفين هكذا:
إنما أنت خروف ماثل * بين ضرعين وصوف لم يجز
أعط عمرا إن عمرا تارك * دينه اليوم لدينا لم تحز
يا لك الخير فخذ من دره * شخبه الأولى وأبعد ما غرز
واسحب الذيل وبادر فوقها * وانتهزها إن عمرا ينتهز
أعطه مصرا... وبعده هكذا:
واترك الحرص عليها ضلة * واشبب النار لمقرور يكز
إن مصرا لعلي أو لنا... ومثله في كتاب الفتوح - لابن أعثم -: ج 2 ص
388 ووردت أيضا في الأخبار الطوال ص 159. وقولة: لمن عز فبز أي لمن غلب
فسلب.
(18) الترهات البسابس - برفع الأول والثاني، وبإضافة الأول إلى الثاني -:
الأباطيل. الأكاذيب.
66

أتانا جرير من علي بحمقة (19) * وتلك التي فيها اجتداع المعاطس
يكاتبني والسيف بيني وبينه * ولست لأثواب الذليل بلابس
وقد منحتني الشام أفضل طاعة * تواصي بها أشياخها في المجالس
وإني لأرجو خير ما نال طالب * وما أنا من ملك العراق بيائس
وقال البلاذري - في الحديث: (360) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب
الأشراف: ج 1، ص 265 وفي المطبوع: ج 2 ص 282: وحدثنا هشام بن
عمار، حدثنا الوليد بن مسلم:
عن عبد الوارث بن محرر، قال: بلغني أن عمرو بن العاص لما عزله عثمان
ابن عفان، عن مصر، قال له: [يا] أبا عبد الله أعلمت أن اللقاح بمصر درت
بعدك البانها؟ فقال [عمرو: نعم] لأنكم أعجمتم أولادها!! فكان [هذا] كلاما
غليظا، فلما تكلم الناس في أمره أتاه فقال: لقد ركبت بالناس النهابير، فأخلص
التوبة وراجع الحق. فقال له [عثمان]: وأنت أيضا يا ابن النويبغة توثب علي
لأن عزلتك عن مصر، [و] لا ترى [لي] طاعتك. فخرج [عمرو] إلى فلسطين،
فنزل ضيعة له بها يقال لها عجلان وبها له قصر، فكان يحرض الناس على عثمان

(19) كذا في النسخة، وهو المناسب لسيرة معاوية، وفي كتاب صفين:
أتانا جرير والحوادث جمة * بتلك التي فيها اجتداع المعاطس
أكابده والسيف بيني وبينه * ولست لأثواب الدنئ بلابس
إن الشام أعطت طاعة يمنية * تواصفها أشياخها في المجالس
فإن يجمعوا أصدم عليا بجبهة * تفت عليه كل رطب ويابس
وإني لأرجو خير ما نال نائل * وما أنا من ملك العراق بآيس
وإلا يكونوا عند ظني بنصرهم * وإن يخلفوا ظني [أكف] كف عابس
67

حتى الرعاة، فلما بلغه إنه محصور قال: (العير يضرط والمكواة في النار) (20)
ثم بلغه قتله فقال: أنا أبو عبد الله إني إذا حككت قرحة أدميتها - أو قال:
نكأتها -. ثم دعا ابنيه عبد الله ومحمدا فقال: ما تريان؟ فقال له عبد الله: قد سلم
[لك] دينك وعرضك إلى اليوم، فأقعد بمكانك. وقال له محمد بن عمرو أخملت
نفسك وأمط ذكرك فانهض مع الناس في أمرهم هذا، ولا ترض بالدنية في العرب،
فدعا [عمرو] وردان مولاه فأمره بأعداد ما يحتاج إليه، وشخص إلى معاوية،
فكان معه [وهو] لا يشركه في أمره، فقال له [عمرو:] إني قصدت إليك
وأنا أعرف موضع الحق، لتجعل لي في أمرك هذا حظأ إذا بلغت إرادتك،
ولأن تشركني في الرأي والتدبير. فقال له [معاوية]: نعم ونعمت عين قد
جعلت لك ولاية مصر (21) فلما خرج من عند معاوية قال لأبنيه: قد جعل لي ولاية
مصر. فقال له محمد ابنه: وما مصر في سلطان العرب؟ فقال: لا أشبع الله بطن
من لم تشبعه مصر.

(20) هذه من الأمثلة الشائعة بين العرب تضرب لمن يجزع ويضطرب قبل
وقوع ما يتوقعه من المكاره والشدائد، ومثله في اللغة الفارسية قولهم: (بيش
أز مرگ وا ويلاه ميكند). وهذا مذموم ومورد استعجاب صدوره من الأكابر،
وذلك لأن العير - وهو الإبل أو الحمار - إذا يداوي جرحه بالكي فبمجرد
وصول المكواة إلى الجراحة وإحساس شدة حرارة المكواة تختل ما سكته
فيضرط ويخرج ما في جوفه من الأرياح وأما قبل الكي وفي حال كون المكواة
في النار فإنه يضبط نفسه، بخلاف الإنسان الجزوع الجبان فإنه يجود بنفسه
وتختل قواه وحسه بمجرد وضع المكواة في النار كي يكوى بها.
(21) قد عرفت وستعرف أيضا إنه لم يجبه إلى إعطاء مسؤوله إلا بعد تشاح
ومكايدة كل منهما لصاحبه، ففي العبارة تسامح.
68

وقال البلاذري - في ذيل الرواية المتقدمة ص 498 وفي المطبوع: ج 1، ص
434 عن المدائني -: فلما أتاه الكتاب دعا أبنيه عبد الله ومحمدا فاستشارهما
فقال له عبد الله: أيها الشيخ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو راض عنك، ومات
أبو بكر وعمر، وهما عنك راضيان، فإياك أن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها
من معاوية فتكب كبا في النار!!!
وأيضا قال البلاذري - في الحديث: (361) من الترجمة -: حدثني أحمد
ابن إبراهيم الدورقي، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا بشير بن عقبة أبو عقيل:
عن الحسن قال: لما كان من أمر علي ومعاوية ما كان، دعا معاوية عمرو بن
العاص إلى قتال علي، فقال [له عمر]: لا والله لا أظاهرك على قتاله حتى
تطعمني مصر. فأبى عليه [معاوية] فخرج [عمرو] مغضبا، ثم إن معاوية ندم
وقال: رجل طلب إلي في شئ [كذا] على هذه الحالة فرددته؟ فأجابه إلى ما
سأل.
وأيضا قال ابن عساكر في ترجمة عمرو من تاريخ دمشق: ج 42 ص 97:
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد، أنبأنا أحمد بن الحسن بن خيرون، أنبأنا
الحسن بن أحمد بن إبراهيم، أنبأنا أحمد بن إسحاق بن منجاب، أنبأنا إبراهيم بن
الحسين بن علي، أنبأنا يحيى بن سليمان الجعفي.
قال: وحدثني زيد بن حباب العكلي أخبرني جويرية بن أسماء الضبعي
حدثني عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله بن الزبير [قال]:
أنبأنا أشياخنا أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش نباهة أعما منها من عمرو بن
69

العاص (22) قال: وما زال معتصما بمكة ليس في شئ مما فيه الناس (23) حتى كانت
وقعة الجمل، فلما كانت وقعة الجمل بعث إلى أبنيه عبد الله ومحمد فقال لهما: إني
قد رأيت رأيا - ولستما باللذين ترداني ولكن أشيرا علي - إني رأيت العرب
صاروا غارين يضطربان وأنا طارح نفسي بين حواري مكة [كذا] ولست
أرضى بهذه المنزلة!!! فإلى أي الفريقين أعمد؟ فقال عبد الله ابنه: إن كنت

(22) كذا في النسخة وحق الكلام أن يكون هكذا: (إن الفتنة وقعت
وما رجل من قريش أعمى نباهة منها من عمرو بن العاص).
(23) وفيه سهو ظاهر من جهتين: والألى إنه لم يكن بمكة بل كان بفلسطين
والثانية إنه كان له القدح المعلى في تحريض الناس على عثمان وأثارة الفتنة كما تحقق
جليا مما مر، واليك بعض المزيد:
قال - الطبري في حوادث أواخر سنة (36) من تاريخه ج 3 ص 555 ومثله في
تاريخ الكامل ج 3 ص 141 -: وأما الواقدي فإنه - فيما حدثني [به] موسى
بن يعقوب عن عمه [عنه] قال: لما بلغ عمرا قتل عثمان قال: أنا أبو عبد
الله قتلته وأنا بوادي السباع!!! من يلي هذا الأمر من بعده؟ إن يله طلحة فهو
فتى العرب سيبا، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق وهو أكره
من يليه إلي!!! قال: فبلغه إن عليا قد بويع له، فاشتد عليه وتربص أياما
ينظر ما يصنع الناس، فبلغه مسير طلحة والزبير وعائشة، وقال: أستأني
وأنظر ما يصنعون، فأتاه الخبر إن طلحة والزبير قد قتلا، فارتج عليه أمره
فقال له قائل: إن معاوية بالشام لا يريد يبايع لعلي فلو قارنت معاوية - فكان
معاوية أحب إليه من علي بن أبي طالب!!! - وقيل [له أيضا:] إن معاوية يعظم
شأن قتل عثمان بن عفان ويحرض على الطلب بدمه. فقال عمرو: أدعو لي محمدا
وعبد الله. فدعيا له فقال [لهما]: قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان وبيعة الناس
لعلي وما يرصد معاوية من مخالفة علي فيما تريان؟ أما علي فلا خير عنده!!! وهو
رجل يدل بسابقته وهو غير مشركي في شئ من أمره. فقال عبد الله: توفي
النبي صلى الله عليه وآله وهو عنك راض وتوفي أبو بكر وهو عنك راض، وتوفي عمر وهو
عنك راض أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على إمام
فتبايعه. وقال محمد: أنت ناب من أنياب العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر
وليس لك فيه صوت ولا ذكر. قال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بالذي
هو خير لي في آخرتي وأسلم في ديني وأما أنت يا محمد فأمرتني بالذي أنبه لي في
دنياي وأشر لي في آخرتي.
ثم خرج ومعه إبناه حتى قدم على معاوية، فوجد أهل الشام يحضون
معاوية على الطلب بدم عثمان، فقال عمرو: أنتم على الحق أطلبوا بدم الخليفة
المظلوم. و [كان] معاوية لا تلتفت إلى قول عمرو، فقال له: ابناه: ألا ترى إلى
معاوية لا يلتفت إلى قولك انصرف إلى غيره فدخل عمرو على معاوية فقال:
والله لعجب لك إني أرفدك بما أرفدك وأنت معرض عني أما والله إن قاتلنا
معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته
وفضله وقرابته ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا!!! فصالحه معاوية وعطف عليه.
70

لابد فاعلا فإلي على. فقال له عمرو: تظنك أمك (24) إني إن أتيت عليا قال
لي: إنما أنت رجل من المسلمين، وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في
أمره!!! فأتى معاوية.
قال: وأنبأنا [ه أيضا] إبراهيم بن الحسين، أنبأنا يحيى بن سليمان أنبأنا
إبراهيم بن الجراح.

(24) كذا في النسخة، وفي الحديث (362) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام
من كتاب أنساب الأشراف: ج 1 ص 366، وفي المطبوع: ج 2 ص 283 قال
حدثنا خلف بن سالم، وأحمد بن إبراهيم، قالا حدثنا وهب بن جرير عن جويرية
ابن أسماء:
عن عبد الوهاب الزبيري، عن أشياخه، قالوا: لما وقعت الفتنة، لم يكن
أحد من قريش أعفا [كذا] فيها عن عمرو بن العاص، أتى مكة فأقام بها، فلم
يزل كافا حتى كانت وقعة الجمل، فقال لأبنيه: أني قد ألقيت نفسي بين جزاري
مكة، وما مثلي رضي بهذه المنزلة فإلى من تريان أن أصير؟ فقال عبد الله: صر
إلى علي فقال: ان عليا يقول [لي إذا أتيته]: أنت رجل من المسلمين، لك ما
لهم وعليك ما عليهم، ومعاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره!!! قالوا
فأت معاوية. فأتاه فما خير له.
71

قال: ثم رجع [الكلام] إلى حديث أبي يوسف (25) عن محمد بن إسحاق،
عن عبد الله بن عروة بن الزبير عن أبيه - أو غيره - قال:
لما بلغ عمرو بن العاص بيعة الناس عليا دعا ابنيه عبد الله ومحمدا، واستشارهما
فقال له عبد الله: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي وهو عنك راض، وصحبت أبا
بكر وعمر، فتوفيا وهما عنك راضيان، ثم صحبت عثمان فقتل وهو عنك راض
فأرى أن تلزم بيتك فهو أسلم لدينك.
فقال له محمد: أنت شريف من أشراف العرب، وناب من أنيابها لا أرى أن
يختلف العرب في جسيم أمورها [و] لا يرى مكانك!!!
قال: فقال عمرو لعبد الله: أما أنت فأشرت إلي بما هو خير لي في آخرتي

(25) كذا في النسخة، ولم يتبين لي فيم تقدم من ترجمة عمرو من تاريخ
دمشق إشارة إلى أبي يوسف وحديثه، ولعله قد سقط عن النسخة.
72

وأما أنت يا محمد فأشرت علي بما هو أنبه لذكري (26).

(26) وبعده هكذا (ارتحلا. فارتحلا إلى معاوية، فأتى رجلا قد عاد
الرضى [كذا] ومشى بين الأعراض، يقص على أهل الشام غدوة وعشية: يا
أهل الشام إنكم على خير وإلى خير، تطلبون بدم خليفة قتل مظلوما، فمن
عاش منكم فإلى خير، ومن مات منكم فإلى خير.
فقال عبد الله بن عمرو: ما أرى الرجل إلا قد انقطع بالأمر دونك. فقال
له: دعني وإياه. ثم إن عمرا قال لمعاوية ذات يوم: يا معاوية أحرقت كبدي
بقصصك، أترى انا خالفنا عليا لفضل منا عليه، لا والله إن هي إلا الدنيا
نتكالب عليها!!! وأيم الله لتقتطعن لي قطعة من دنياك أو لأنابذنك. قال:
فأعطاه مصر، يعطي أهلها عطا [يا] هم وأرزاقهم وما بقي فله، فرجع عمرو
إلى عبد الله فقال له: قد أخذت مصر. فقال: وما مصر في سلطان العرب؟
فقال له [عمرو]: لا أشبع الله بطنك إن لم تشبعك مصر.
[قال]: وزاد الكلبي في حديثه: فجعل كل واحد منهما يكايد صاحبه
و [قال عمرو] لمعاوية أعطني مصر [ظ] فتلكأ معاوية وقال: ألم تعلم أن
[أهل] مصر بعثوا بطاعتهم إلى علي.
وإن ابن أبي سفيان أتى معاوية [كذا] فدخل عليه فقال له: أما ترضى
أن تشتري عمرا بمصر، إن هي صفت لك؟
وأن معاوية جعل مصر لعمرو بن العاص.
قال المحمودي: وما في هذه الرواية من استشارة عمرو ابنيه في الوقود على
معاوية، ثم ارتحاله إليه من غير طلب من معاوية،، خلاف الواقع - كما أن في
الرواية السابقة أيضا كان الامر كذلك - بل ما برح عمرو من مكانه
بفلسطين حتى جاءه كتاب من معاوية يستدعيه إليه، قال نصر - في أواخر
الجزء الأول من كتاب صفين ص 23 ط مصر -: حدثني محمد بن عبيد الله،
عن الجرجاني فال [لما بلغ كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية] واستحثه
جرير بالبيعة، فقال: يا جرير انها ليست بخلسة وانه أمر له ما بعده فأبلعني
ريقي حتى أنظر. ودعا [معاوية] ثقاته [فشاورهم] فقال له عتبة بن أبي
سفيان - وكان نظيره -: اجتمعن [كذا] على هذا الامر بعمرو بن العاص
وأثمن له بدينه فإنه من قد عرفت، وقد اعتزل عثمان في حياته وهو لأمرك
أشد اعتزالا إن ير فرصة [وفي نسخة ابن أبي الحديد: إلا أن يثمن له دينه].
فال نصر: عن عمر بن سعد، ومحمد بن عبيد الله، قالا: كتب معاوية إلى
عمرو - وهو بالسبع من فلسطين:
أما بعد فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وفد سقط إلينا
مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة، وقدم علينا جرير في بيعة علي،
وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني، أقبل أذاكرك أمرا.
أقول: سيتلى عليك شواهد أخر.
73

وقال البلاذري - في الحديث: (363) من ترجمة علي عليه السلام من أنساب
الأشراف ج 1 ص 367 وفي المطبوع: ج 2 ص 284 -: [حدثني] المدائني،
عن سلمة بن محارب، قال: كتب معاوية إلى عمرو بن العاص - وهو بفلسطين -
بخبر طلحة والزبير، وأن جرير بن عبد الله قد أتاه يطلب بيعته لعلي. فقدم
عليه. أقول: وتقدم في ذيل المختار: (105) صورة كتابه برواية أخرى عنه.
[وبالسند المتقدم في ترجمة عمرو قال ابن عساكر] قال: وأنبأنا إبراهيم
ابن الحسين، أنبأنا عبد الله بن عمر، أنبأنا عمرو بن محمد، قال:
74

سمعت الوليد البلخي قال: فلما انتهى كتاب معاوية إلى عمرو بن العاص (27)
استشار ابنيه عبد الله ومحمدا ابني عمرو فقال [لهما]: انه قد كانت مني في
عثمان هنات لم أسخطها (ظ) بعد، وقد كان مني ومن نفسي حيث ظننت أنه
مقتول ما قد احتمله (28) وقد قدم جرير على معاوية فطلب البيعة لعلي، وقد
كتب إلي معاوية يسألني أن أقدم عليه فما تريان؟ (29).

(27) صريح العبارة أن معاوية كتب إلى ابن العاص وانه بعد وصول كتابه
إليه استشار ابنيه، فليت البلخي ذكر الكتاب ولم يبخل بإشاعة سر معاوية
إلى خدينه! فإن كان البلخي ذكره - ولم يطأ مواطئ البخاري في ستر
الحقائق - فليت أخلافه لم يجنوا العالمين بحذف كتاب كتبه خالهم إلى طبقه.
وهذه الرواية قريبة جدا مما رواه اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 174.
(28) كذا في النسخة عدا إن كلمة (أسخطها) ليست جلية كما هو حقها،
نعم الظاهر ذلك - فالضمير في (أسخط) راجع إلى معاوية، والهاء عائد إلى
(هنات) أي إن الهنات التي صدرت منى في عثمان لم تجعل معاوية ساخطا علي
بعد، وقد أحتمل عني خذلاني عثمان وخمولي في ناحية فلسطين.
وهذا الكلام أيضا دال على أن لعمرو في عثمان هنات وأنه قتل غير راض
عنه.
(29) قال اليعقوبي [لما نزل جرير بكتاب علي إلى معاوية وخطب وطلب
منه أن يبايع عليا] لم ينطق معاوية وقال: أبلعني ريقي يا جرير وبعث من
ليلته إلى عمرو بن العاص أن يأتيه وكتب إليه:
أما بعد فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير وعائشة ما قد بلغك، وقد
سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة، وقدم علي جرير بن عبد الله في بيعة
علي، وحبست نفسي عليك حتى تأتيني، فاقدم على بركة الله تعالى. فلما انتهى
الكتاب إليه دعا ابنيه عبد الله ومحمدا فاستشارهما، فقال عبد الله... ثم ساق
الكلام بمثل ما في رواية ابن عساكر - هذه - غير أن رواية اليعقوبي أوسع،
وفيها أشعار غير موجودة في رواية ابن عساكر - هذه - فراجع. وليعلم أن
بين المعقوفات كلها زيادة منا.
75

فقال عبد الله بن عمرو: يا أبة إن رسول الله قبض وهو عنك راض،
والخليفتان من بعده [كذا] وقتل عثمان وأنت عنه غائب، فأقم في منزلك
فلست مجعولا خليفة ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة فانية.
فقال محمد: يا أبة أنت شيخ قريش وصاحب أمرها وإن تصرم هذا الأمر
وأنت فيه خامل خملت!!! فالحق بجماعة أهل الشام وأطلب بدم عثمان.
فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأما
أنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي فلما جن عليه الليل أرق في فراشه
ذلك [كذا] وجعل يتفكر أي الأمرين يأتي ثم أنشأ يقول:
تطاول ليلي للهموم الطوارق * وخوف التي تجلو وجوه العوائق (30)
معاوي بن هند يسألني أزره (31) * وتلك التي فيها عظام البوائق

(30) هذا الشطر في النسخة كان مصحفا، فصححناه على وفق تاريخ
اليعقوبي، والغدير وفي كتاب صفين ص 35: وخول التي تجلو وجوه العوائق.
(31) وفي تاريخ اليعقوبي هكذا:
فإن ابن هند سألني أن أزوره * وتلك التي فيها بنات البوائق
76

أتاه جرير من علي بخطه (32) * أمرت عليه العيش مع كل ذائق
[فإن نال مني ما يؤمل رده * وإن لم ينله ذل ذل المطابق]
فوالله ما أدري وما كنت هكذا * أكون ومهما أن أرى فهو سائقي (33)
أخادعه والخدع فيه دنية (34) * أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق
أم أقعد في بيتي وفي ذاك راحة * لشيخ يخاف الموت في كل شارق
وقد قال عبد الله قولا تعلقت * به النفس إن لم تعتقلني عوائقي (35)
وخالفه فيه أخوه محمد * وإني لصلت الرأي عبد الحقائق (36)
فلما أصبح دعا غلامه وردان فقال: ارحل يا وردان، حط يا وردان - مرتين

(32) الشطر الثاني صححناه على طبق تاريخ اليعقوبي، وفي النسخة:
اتاه جرير من علي بخطة * سرت عليها العسس والمرء دانق
إن بين المعقوفين أيضا مأخوذ من تاريخ اليعقوبي وكتاب صفين.
(33) ومثله في الغدير، غير أن فيه: (ومهما قادني فهو سائقي) وفي تاريخ
اليعقوبي:
فوالله ما أدري وإني لهكذا * أكون ومهما قادني فهو سائقي
(34) وفي تاريخ اليعقوبي: (أأخدعه فالخدع فيه دنية)...
(35) لفظ النسخة غير واضح، وما ذكرناه فهو على وفق تاريخ اليعقوبي وفي
كتاب صفين والغدير (ان لم تقتطعني عوائقي).
(36) كذا في النسخة، وفي تاريخ اليعقوبي وكتاب صفين والغدير: (وإني
لصلب العود عند الحقائق).
77

أو ثلاثا - فقال له وردان: خلطت يا أبا عبد الله، أما إنك إن شئت أنبأتك بما
في نفسك!!! قال: هات. قال: اعترضت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت:
علي معه الآخرة وفي الآخرة عوض من الدنيا ومعاوية معه الدنيا بلا آخرة،
وليس في الدنيا عوض من الآخرة، فأنت متحير بينهما!!!
فقال له عمرو: قاتلك [الله] يا وردان والله ما أخطأت فما ترى؟ قال: أرى
أن تقيم في منزلك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم (37) وإن ظهر أهل
الدنيا لم يستغنوا عنك.
فقال له عمرو الآن حين شهرني الناس بمسيري أقيم (38)؟!!!
أقول: والقصة بتفاصيلها مذكورة باختلاف طفيف في كتاب الفتوح: ج 2
ص 382.

(37) كذا في تاريخ اليعقوبي - وهو الظاهر - وفي النسخة هكذا: (فإن
ظهر أهل الدين غب بي عقود منهم) وهو مصحف.
(38) هذا هو الظاهر من السياق، وفي النسخة هكذا: (الآن حين سهيري
الناس بمسيري أقيم، فأرتحل إلى معاوية).
وفي تاريخ اليعقوبي هكذا: قال عمرو: الآن وقد شهرتني العرب بمسيري
إلى معاوية؟ أرحل يا وردان ثم أنشأ يقول:
يا قاتل الله وردانا وفطنته * أبدي لعمرك ما في القلب وردان
[فرحل] فقدم على معاوية، فذاكره أمره، فقال [له عمرو]: أما علي
فوالله لا تساوي العرب بينك وبينه في شئ من الأشياء، وإن له في الحرب لحظا
ما هو لأحد من قريش إلا أن تظلمه.
قال [معاوية]: صدقت ولكنا نقاتله على ما في أيدينا ونلزمه قتل عثمان
!!! قال عمرو: وا سوأتاه إن أحق الناس أن لا يذكر عثمان لأنا ولأنت. قال
ولم ويحك؟ قال: أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتى استغاث بيزيد بن
أسد البجلي فسار إليه، وأما أنا فتركته عيانا وهربت إلى فلسطين. فقال معاوية:
دعني من هذا، مد يدك فبايعني!!؟ قال [عمرو]: لا لعمر الله لا أعطيك
ديني حتى آخذ من دنياك. قال له معاوية: لك مصر طعمة. [قال:] فغضب
مروان بن الحكم وقال: ما لي لا أستشار؟ فقال معاوية: أسكت فإنما يستشار
بك. فقال له معاوية: يا أبا عبد الله بت عندنا الليلة، وكره أن يفسد عليه الناس
فبات عمرو وهو يقول:
معاوية لا أعطيك ديني ولم أنل * به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع
وما الدين والدنيا سواء وإنني * لآخذ ما أعطى ورأسي مقنع
ولكنني أعطيك هذا وإنني * لأخدع نفسي والمخادع يخدع
أأعطيك أمرا فيه للملك قوة * وأبقى له ان زلت النعل أصرع
وتمنعني مصرا وليست برغبة * وإن ثرى القنوع يوما لمولع [كذا]
فكتب له بمصر شرطا وأشهد له شهودا، وختم الشرط وبايعه عمرو وتعاهدا
على الوفاء.
هذا آخر ما ذكره اليعقوبي وما لم نذكره من صدر روايته مثل ما ذكرناه في
المتن عن ابن عساكر في ترجمة عمرو، ولا تغاير بينهما إلا تغايرا لفظيا في موارد
قليلة، وكذا ذكر بعض القصة في مادة: (قدح) من النهاية.
والقصة ذكرها في أواخر الجزء الأول من كتاب صفين ص 32 - 44، وما
فيه أوسع من جميع من كتب الموضوع من القدماء، كما ذكرها أيضا الخوارزمي في
أوائل الفصل الثالث من مناقبه ص 128، وذكر إنه كتب إليه معاوية فأجابه
عمرو بكتاب طويل يعدد فيه مناقب علي عليه السلام فكتب إليه معاوية ثانيا فرحل
إليه عمرو، ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرحه على ختام المختار (26) من
النهج: ج 2 ص 61.
78

[...]
79

وقال المسعودي - في أوائل خلافة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب مروج
الذهب: ج 2 ص 354 ط بيروت -: وقد كان عمرو بن العاص انحرف عن
عثمان، لانحرافه عنه وتوليته مصر غيره، فنزل الشام [يعني منطقة فلسطين
منه] فلما اتصل به أمر عثمان وما كان من بيعة علي، كتب إلى معاوية يهزه
ويشير عليه بالمطالبة لدم عثمان، وكان فيما كتب به إليه [ما لفظه]: ما كنت
صانعا إذا قشرت من كل شئ تملكه، فاصنع ما أنت صانع.
فبعث إليه معاوية (39) فسار إليه، فقال له معاوية: بايعني قال: لا والله لا
أعطيك من ديني حتى أنال من دنياك!!! قال: سل. قال مصر طعمة. فأجابه
إلى ذلك. وكتب له به كتابا، وقال عمرو بن العاص في ذلك:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصر فأربح بصفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع
وقال ابن عساكر - في ترجمة عمرو، من تاريخ دمشق: ج 42 ص 100 -:
أخبرنا أبو عبد الله البلخي، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب، أنبأنا أبو
علي بن شاذان، أنبأنا أحمد بن إسحاق بن منجاب، أنبأنا إبراهيم بن الحسين بن
علي، أنبأنا يحيى بن سليمان الجعفي، حدثني عبد الرحمان بن زياد، أنبأنا أبو
الصباح الأنصاري الواسطي، أنبأنا أبو هشام الرماني عن من حدثه قال:

(39) لم أعثر على مصدر آخر يذكر أن عمرا كتب إلى معاوية بعد قتل
عثمان، كما أن كتاب معاوية إلى عمرو، وبعثه إليه لم يكن متصلا على ما يتراءى
من لفظ المسعودي، كما أن إعطاء مصر لم يقع من معاوية في أول وهلة بل بعد
تلكئ ومكايدة كل واحد منهما صاحبه.
80

كتب علي بن أبي طالب، إلى عمرو بن العاص (40)، فلما أتى عمرا الكتاب،
أقرأه معاوية، وقال: قد ترى ما كتب إلي عليه بن أبي طالب، فإما أن ترضيني
وأما أن الحق به.
فقال له معاوية: فما تريد؟ قال: أريد مصر مأكلة. فجعلها له معاوية كما
أراد، فاتخذ عمرو بن العاص أربعة (41).
وقال ابن عبد ربه - في عنوان: (خبر عمرو بن العاص مع معاوية) تحت
الرقم (13) من كتاب العسجدة الثانية من العقد الفريد: ج 3 ص 113، ط 2 -:
قال سفيان بن عتيبة: أخبرني أبو موسى الأشعري، قال أخبرني الحسن (42)

(40) والظاهر أنه أول كتاب منه عليه السلام إلى ابن النابغة، وإنه كتب إليه
بعدما بلغه إن عمرا لحق بمعاوية، لمظاهرته ومعاندة الحق، واليك نص كتابه
عليه السلام برواية نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 110:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص.
أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها، وصاحبها مقهور فيها، لم يصب منها
شيئا قط إلا فتحت له حرصا، وأدخلت عليه مؤنة تزيده رغبة فيها، ولن
يستغني صاحبها بما نال عما لم يبلغه، ومن وراء ذلك فراق ما جمع، والسعيد من
وعظ بغيره، فلا تحبط أجرك أبا عبد الله، ولا تجارين معاوية في باطله، فان
معاوية غمص الناس، وسفه الحق، والسلام.
(41) كذا في النسخة.
(42) كذا.
81

قال: علم معاوية والله [إنه] إن لم يبايعه عمرو لم يتم له أمر، فقال له: يا
عمرو اتبعني. قال لماذا للآخرة فوالله ما معك آخرة!!! أم للدنيا فوالله لا
كان حتى أكون شريكك فيها؟!! قال فأنت شريكي فيها. قال فاكتب لي
مصر وكورها. فكتب له مصر، وكورها وكتب في آخر الكتاب: وعلى عمرو
السمع والطاعة. قال عمرو: واكتب إن السمع والطاعة لا ينقصان من شرطه
شيئا. قال معاوية: لا ينظر الناس إلى هذا قال: عمرو: حتى تكتب. قال:
فكتب والله ما يجد بدا من كتابتها.
[قال] ودخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية وهو يكلم عمرا في مصر،
وعمرو يقول له: إنما أبايعك بها ديني!!! فقال عتبة: أثمن الرجل بدينه (43)
فإنه صاحب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
[قال] وكتب عمرو إلى معاوية:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
وما الدين والدنيا سواء وإنني * لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع
فإن تعطني مصر فأربح صفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع
رجع الكلام إلى ذكر تتمة الرواية الأولى (44) [قالوا لما نزل عمرو بن العاص

(43) هذا هو الصواب وفي الأصل: (ائتمن الرجل بدينه).
وإن أردت أن تحيط خبرا بعظمة الرجلين فاقرأ ما ورد في الشريعة في
شأن الراشي والمرتشي فانظر إلى أحكام القضاء من كنز العمال أو منتخبه
بهامش مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 200 وكذا ما ورد في ذم الخداع والغش
والمكر والخيانة.
(44) المنقولة في ترجمة عمرو، من طبقات ابن سعد، وعن ترجمة محمد بن
عمرو، من تاريخ دمشق ج 51 ص 165.
وليعلم أن ما بين المعقوفين هنا - بل في جميع الموارد - زيادة منا لانتظام
الكلام سابقا ولاحقا، وعبارة الرواية تبتدئ من قوله (فبايعه) الخارج عن
المعقوفين، وهذه الكلمة مرتبة ومتصلة بما مر في الصفحة 58 أو 610 من قوله
(ثم خرج ومعه أبناه حتى قدما على معاوية بن أبي سفيان).
82

بمعاوية، حدثه معاوية بالأمر، ثم طلب منه البيعة والقيام معه للطلب بدم
عثمان وعود الخلافة شورى، فأبى عليه عمرو، إلا أن يشركه في دنياه ويعطيه
مصر طعمة، فأبى معاوية في بدء الأمر من إعطائه مصر، ثم لما رأي أن أمره
لا يتم إن لم يبايعه عمرو، رضي بذلك وأعطاه مصر] فبايعه [عمرو] على
الطلب بدم عثمان، وكتبا بينهما كتابا نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تعاهد عليه معاوية بن أبي سفيان، وعمرو
بن العاص ببيت المقدس من بعد قتل عثمان بن عفان، وحمل كل واحد منهما
صاحبه الأمانة، إن بيننا عهد الله على التناصر والتخالص والتناصح في أمر الله
والإسلام ولا يخذل أحدنا صاحبه بشئ ولا يتخذ من دونه وليجة، ولا يحول
بيننا ولد ولا والد أبدا ما حيينا فيما استطعنا، فإذا فتحت مصر فإن عمرا على
أرضها وإمارته التي أمره عليها أمير المؤمنين، وبيننا التناصح والتوازر
والتعاون على ما نابنا من الأمور، ومعاوية أمير على عمرو بن العاص في الناس وفي
عامة الأمر، حتى يجمع الله الأمة، فإذا اجتمعت الأمة فإنهما يدخلان في أحسن
أمرها على أحسن الذي بينهما في أمر الله الذي بينهما من الشرط في هذه الصحيفة.
وكتب وردان سنة ثمان وثلاثين (45).

(44) كذا في هذه الرواية، وهذا أيضا سهو من الراوي، إذ نزول أمير
المؤمنين عليه السلام بالكوفة كان في أوائل رجب من سنة (36) وفي أوائل أيام نزوله
الكوفة بعث جريرا إلى معاوية لأخذ البيعة منه، فمكث أربعة أشهر يترادى
الكتب بينه وبين معاوية، وفي تلك المدة اجتمع معاوية مع شياطينه - منهم
عمرو بن العاص - وأحكم أمره ثم أعلن بالشقاق، وهذا يستدعي أن وفاقه
مع ابن العاص يتم في أواخر سنة (36) في شهر رمضان أو شوال، فسار أمير
المؤمنين إليه فالتقوا بصفين في أواخر تلك السنة شهر ذي القعدة أو ذي الحجة.
83

قال: فبلغ ذلك عليا [عليه السلام] فقام فخطب أهل الكوفة فقال:
أما بعد فإنه قد بلغني أن عمرو بن العاص الأبتر ابن
الأبتر، بايع معاوية على الطلب بدم عثمان وحضهم عليه،
فالعضد الشلاء - والله - عمرو ونصرته (.).
* (هامش) * (.) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (فالعضد - والله - الشلاء عمرو
ونصرته).
وقال في الباب (64) من جواهر المطالب ص 82 - في عنوان: (خبر عمرو
بن العاص مع معاوية) بعد ذكر نبذ من منثور كلام عمرو ومنظومه اللذين صرح
فيهما بأنه لا يبيع دينه مجانا وبلا جعل - ولما قدم عمرو على معاوية، وقام معه
في شأن علي بعد أن جعل له مصر طعمة، قال له: إن بأرضك رجلا له شرف
واسم، وإنه إن قام معك استهويت به قلوب الرجال وهو عبادة بن الصامت.
فأرسل إليه معاوية، فلما أتاه وسع له بينه وبين عمرو بن العاص، فجلس بينهما
فحمد الله معاوية وأثنى عليه، وذكر فضائل عبادة وسابقته، وذكر عثمان
وفضائله وما ناله، وحظه على القيام في نصرته. فقال عبادة قد: سمعت ما قلت
أتدريان لم جلست بينكما؟. قالا: نعم لفضلك وسابقتك وشرفك. قال: لا
والله ما جلست بينكما لذلك، وما كنت لأجلس بينكما في مكانكما، ولكن
بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، إذ نظر إليكما تسيران وأنتما
تتحديان فالتفت إلينا وقال: إذا رأيتموهما جميعا ففرقوا بينهما فإنهما لا يجتمعان
على خير أبدا. فأنا أنهاكما عن اجتماعكما، وأما ما دعوتماني إليه من القيام معكما
فإن لكما عدو هو أغلظ أعدائكم عليكم وأنا كائن من ورائكم وإذا اجتمعتم على
شئ دخلنا فيه إن شاء الله تعالى.
ورواه أيضا في عنوان: (خبر عمرو بن العاص مع معاوية) من العقد الفريد
ج 3 ص 114 ورواه أيضا في كتاب صفين ص 112، ولكن ذكر زيد بن أرقم
بدل عبادة بن صامت كما في الغدير ج 2 ص 127.
وقال في ترجمة عمرو، من تاريخ دمشق: ج 42 ص 99 أو 676: أنبأنا
أبو علي الحداد - وحدثني أبو مسعود الأصبهاني عنه - أنبأنا أبو نعيم الحافظ،
أنبأنا سليمان بن أحمد، أنبأنا يحيى بن عمان بن صالح [كذا] أنبأنا سفيان بن
عفير، أنبأنا سعيد بن عبد الرحمان، وولد من ولد شداد بن أوس عن أبيه، عن
يعلى بن شداد بن أوس، عن أبيه:
انه دخل على معاوية، وهو جالس وعمرو بن العاص على فراشه فجلس شداد
بينهما وقال هل تدريان ما مجلسي [كذا] بينكما؟ لأني سمعت [كذا] رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأيتموهما جميعا ففرقوا بينهما فوالله ما اجتمعا إلا على غدرة
[ظ] فأحببت أن أفرق بينكما ورواه أيضا في مجمع الزوائد: ج 7 ص 248 وقال
رواه الطبراني وفيه عبد الرحمان بن يعلى بن شداد، ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
ورواه أيضا في كنز العمال: ج 6 ص 88 وقال: أخرجه ابن عساكر، ورواه
عنهما في فضائل الخمسة ج 2 ص 392.
وقريبا منه بسند آخر رواه في كتاب الفتوح ج 2 ص 390 ط 1، عن
عبادة بن الصامت.
وإن أردت أن تطلع على نموذج من مخازي الرجلين الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فارجع إلى الغدير: ج 2 ص 127، و ج 10، ص 148، وما حولها. (*)
84

[...]
85

ترجمة محمد بن عمرو بن العاص من تاريخ دمشق: ج 51، ص 165، وذكره
أيضا في ترجمة عمرو من الطبقات الكبرى: ج 4 ص 254 ولكن المتأخرين
حرفوا الكتاب وأسقطوا منه ما دار بين عثمان وبين ابن العاص من المشاجرات
تكالبا على الدنيا، وكذلك ما يرجع إلى اتباع عمرو بن العاص لمعاوية وتعللهما
في مخالفة أمير المؤمنين عليه السلام بالطلب لدم عثمان، كل ذلك مخافة أن يتنبه
الناس لمنويات أئمتهم وما دب ودرج في نفوسهم من حب الدنيا والمشاقة مع
الحق وتسابقهم في ميدان الهوى وهضم آل بيت المصطفى، ولكن الله ليس
بغافل عما يعمل الظالمون، وهو لهم بالمرصاد، يبين حق آل محمد، وبطلان
مناوئهم بأقلام المعاندين وألسنة المخالفين كما ذكرنا نبذا وافيا في هذا الكتاب
- مع كونه غير مسوق لذلك - منه ما علقنا على هذا الموضع من تاريخ الطبري
فإنه مع شدة احتياطه وإمساكه عما يمس بكرامة أوليائه - حتى أنه في هذا
الموضع لم يذكر جميع ما ورد، وعلله بأنه أكره ذكره كما صنعه أيضا فيما دار
بين أبي ذر وعثمان، وبين محمد بن أبي بكر ومعاوية ولكن - أجرى الله قلمه هنا
فذكر - ما أسقطوه من الطبقات الكبرى - في ج 3 ص 314 كما ذكره أيضا في
تاريخ الكامل ج 3 ص 45 وذكره أيضا العلامة الأميني في الغدير: ج 2 ص 153
ط 2، و ج 9 ص 136، ط 1.
86

- 173 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما بلغه أن عمرو بن العاص ينتقصه عند أهل الشام ويرميه بالدعابة!!!
قال الثقفي رحمه الله: وبلغ [أمير المؤمنين] عليا [عليه السلام] أن ابن العاص
ينتقصه عند أهل الشام، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
زعم ابن النابغة (1) أني تلعابة تمزاحة ذو دعابة (2) أعافس
وأمارس (3) هيهات يمنعني من ذاك خوف الموت وذكر البعث
والحساب!!! ومن كان ذا قلب ففي هذا له واعظ وزاجر!!!
أما وشر القول الكذب [و] إنه ليحدث فيكذب، ويعد

(1) من قوله عليه السلام: (زعم ابن النابغة - إلى قوله: - أن يمنح القوم إسته)
مأخوذ مما ذكره البلاذري تحت الرقم (153) من ترجمته عليه السلام من أنساب
الأشراف، إذ كتاب الغارات لم يكن عندي عند تحرير الكلام. وابن النابغة:
عمرو بن العاص. والنابغة: أمه.
(2) تلعابة وتمزاحة - بكسر التاء فيهما -: كثير اللعب والمزاح.
(3) أي أعالج الناس وأضاربهم وأغري بعضهم ببعض مزاحا ولعبا. وقيل:
المعافسة معالجة النساء بالمغازلة.
87

فيخلف، ويحلف فيحنث!!! وإذا كان يوم البعث فأي آمر
وزاجر ما لم تأخذ السيوف مآخذها من هام الرجال!! فإذا
كان ذلك فأعظم مكيدته في نفسه ان يمنح القوم إسته (1)!!!.
ورواها المجلسي العظيم في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام من بحار الأنوار: ج 8
ص 571 ط الكمباني نقلا عن كتاب الغارات للثقفي رحمه الله، وللكلام مصادر
كثيرة وقد ذكره البلاذري تحت الرقم: (98) من ترجمته عليه السلام من أنساب
الأشراف: ج 2 ص 127، ط 1، عن المدائني عن ابن جعدبة عنه عليه السلام،
ورواه أيضا تحت الرقم: (153) منه، ورواه أيضا ابن قتيبة في عيون الأخبار:
ج 1، ص 184، ورواه أيضا التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة: ج 3 ص 183،
كما رواه ابن عبد ربه في العقد الفريد: ج 2 ص 187، ط 1.
ورواه أيضا السيد الرضي رحمه الله في المختار: (81) من نهج البلاغة، كما
رواه الشيخ الطوسي في الجزء الخامس من أماليه. كما رواه أيضا في أواسط الباب
(54) من جواهر المطالب الورق 81 ورواه أيضا في الغدير: ج 2 ص 128،
وذكر قطعا منه في مادة: عفس ومرس ولعب من النهاية وغيرها.

(1) أي ظهره، يعني يفر من ساحة الحرب وينهزم من قرنه. ويحتمل أن
يريد (ع) من الأست - بكسر أوله - معناه الحقيقي وهو الدبر ويريد (ع)
الإشارة إلى ما صنعه عمرو، في حرب صفين لما حمل عليه أمير المؤمنين ليقتله
فسقط عمرو عن فرسه وشغر برجليه وأبدى عورته ليعرض عنه.
88

- 174 -
ومن كلام له عليه السلام
كلم به بعض أكابر أصحابه لما أشاروا عليه بالتعجيل في الذهاب
إلى الشام لقطع جذور الفساد من بين المسلمين
قال ابن عساكر: قال الكلبي: وكان علي استشار الناس [في الذهاب إلى
الشام والقتال مع معاوية] فأشاروا عليه بالمقام بالكوفة غير الأشتر، وعدي بن
حاتم، وشريح بن هانئ الحارثي، وهانئ بن عروة المرادي (1) فإنهم قالوا
لعلي: إن الذين أشاروا عليك بالمقام بالكوفة إنما خوفوك حرب الشام، وليس
في حربهم شئ أخوف من الموت وإياه نريد!!! فدعا علي الأشتر وعديا
وشريحا وهانئا فقال:
إن استعدادي لحرب [أهل] الشام وجرير بن عبد الله
عند القوم، صرف لهم عن خير إن أرادوه، ولكني قد
أرسلت رسولا فوقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده [إلا أن يكون

(1) وفي كتاب الفتوح: هانئ بن عروة المذحجي...
89

مخدوعا أو عاصيا] والرأي مع الأناة فاتئدوا (1) ولا أكره لكم
الإعداد (2).
ترجمة معاوية من تاريخ دمشق: ج 56 ص 62، وقريبا منه رواه في المختار
(43) من نهج البلاغة، والإمامة والسياسة: ج 1، ص 94، وقطعة منه رواها
نصر بن مزاحم (ره) في كتاب صفين ص 55 عن صالح بن صدقة.
ورواها أيضا باختصار في كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي - المتوفى
حدود 314 - ج 2 ص 381 ط الهند.

(1) بين المعقوفين مأخوذ من كتاب الفتوح: ج 2 ص 381 ومن الإمامة
والسياسة، و (الأناة) - كقناة -: الإمهال والانتظار والحلم. ويقال: (اتأد في
الأمر اتآدا وتوأد فيه توأدا): تمهل وتأني.
(2) أي إعداد أجهزة الحرب من الخيل والسلاح والزاد والراحلة.
90

- 175 -
ومن خطبة له عليه السلام
خطبها لما استشار المهاجرين والأنصار في المسير إلى الشام
نصر بن المزاحم المنقري، عن عمر بن سعد [الأسدي] عن إسماعيل بن يزيد،
والحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمان بن عبيد أبي الكنود، قال: لما أراد
علي المسير إلى أهل الشام، دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار (1) فحمد

(1) قال الحاكم في أواخر ترجمة عثمان من المستدرك: ج 3 ص 104: حدثنا
أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الخضر بن أبان الهاشمي حدثنا علي بن قادم
حدثنا أبو إسرائيل عن الحكم قال:
شهد مع علي صفين ثمانون بدريا، وخمسون ومأتان ممن بايع تحت الشجرة.
[و] أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا الخضر بن أبان الهاشمي حدثنا
علي بن قادم، حدثنا أبو إسرائيل عن الحكم قال: شهد مع علي صفين...
أقول: وقد ذكر الحاكم في النوع: (42) من كتاب معرفة علوم الحديث ص
236 ط 1، أسماء جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن سكنوا الكوفة
وحضروا صفين فراجع والظاهر أن الحكم يروي عن عبد الرحمان بن أبي ليلى
كما رواه عنه العقيلي في ترجمة أبي إبراهيم عثمان بن أبي شيبة من ضعفائه: ج 1 /
الورق 12 قال:
حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا أمية بن
خالد، قال: قلت لشعبة: إن أبا إبراهيم عثمان بن شيبة حدثنا عن الحكم
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى انه قال: شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلا.
فقال: كذب والله لقد ذاكرت الحكم ذاك وذكرناه في بيت [كذا] فما وجدنا
شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت!!!
وقال في الإصابة: ج 4 ص 149: وأسند ابن السكن من طريق جعفر
ابن أبي المغيرة عن عبد الله بن عبد الرحمان الأبزي قال: شهدنا مع علي عليه السلام
ممن بايع بيعة الرضوان، تحت الشجرة ثمان مأة نفس صفين فقتل منا ثلاثمأة
وستون.
كذا في فضائل الخمسة: ج 3 ص 376.
وقال في الإستيعاب: ج 2 ص 413: قال عبد الرحمان بن أبزي: شهدنا
مع علي صفين في ثمان مأة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون منهم
عمار بن ياسر.
91

الله وأثنى عليه وقال:
أما بعد فإنكم ميامين الرأي، مراجيح الحلم مقاويل
بالحق، مباركو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى عدونا
وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم (2).

(2) كذا في كتاب صفين ص 92، وقريب منه جدا في المختار: (114) من
خطب النهج.
92

فقام هاشم بن عتبة، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: (أما بعد يا
أمير المؤمنين فأنا بالقوم جد خبير (3) هم لك ولأشياعك أعداء، ولمن
يطلب حرث الدنيا أولياء، وهم مقاتلوك ومجاهدوك، لا يبقون جهدا، مشاحة
على الدنيا، وضنا بما في أيديهم منها، وليس لهم إربة غيرها إلا ما يخدعون به
الجهال من الطلب بدم عثمان، كذبوا ليسوا بدمه يثأرون، ولكن الدنيا يطلبون،
فسر بنا إليهم فإن أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال، وإن أبوا إلا
الشقاق فذلك الظن بهم، والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد يطاع إذا نهى،
ويسمع إذا أمر).
[وبالسند الثاني قال: ثم] إن عمار بن ياسر قام فذكر الله بما هو أهله وحمده
وقال: يا أمير المؤمنين إن استطعت أن لا تقيم يوما واحدا فأفعل، أشخص بنا
قبل استعار نار الفجرة، واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة، وادعهم إلى رشدهم
وحظهم فإن قبلوا سعدوا، وإن أبوا إلا حربنا فوالله ان سفك دمائهم، والجد
في جهادهم لقربة عند الله وهو كرامة منه.
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين
انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرد (4) فوالله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترك
والروم، لإدهانهم في دين الله، واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم من
المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسان، إذا غضبوا على رجل حبسوه أو

(3) أي أنا متناه في الخبرة والعلم بحالهم. وليعلم أنا لخصنا القصة بعض
التلخيص.
(4) الإنكماش: الإسراع والجد. والتعريد: الكف والاحجام.
93

ضربوه أو سيروه [من بلده] وفيؤنا لهم في أنفسهم حلال، ونحن لهم - فيما
يزعمون - قطين (5).
فقال مشايخ الأنصار - منهم خزيمة بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري
وغيرهما -: يا قيس لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم بالكلام [فأعتذر قيس منهم
ثم قالوا]: ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم، فقالوا: قم يا
سهل بن حنيف. فقام سهل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (يا أمير المؤمنين
نحن سلم لمن سالمت، وحرب لمن حاربت، ورأينا رأيك ونحن كف يمينك،
وقد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة، فتأمرهم بالشخوص وتخبرهم بما
صنع الله لهم في ذلك من الفضل، فإنهم هم أهل البلد، وهم الناس، فإن استقاموا
لك استقام الذي تريد وتطلب، وأما نحن فليس عليك منا خلاف، متى دعوتنا
أجبناك، ومتى أمرتنا أطعناك).
كتاب صفين ط 2 بمصر، ص 92، وقد لخصنا ما ذكرناه من أصحابه بعض
التلخيص، ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (46) من النهج: ج 3
ص 171، وذكره عنه أيضا في البحار: ج 8 ص 474 ط الكمباني إلا أنه لم
يذكر كلام أصحابه عليه السلام اختصارا.

(5) القطين: الخدم والأتباع والحشم والمماليك، وفسره نصر - أو بعض
الرواة - بالرقيق.
94

- 176 -
ومن خطبة له عليه السلام
في حث أصحابه على المسير إلى الشام
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] عن أبي مخنف، عن زكريا
ابن الحارث، عن أبي حشيش (1) عن معبد، قال: قام علي خطيبا على منبره
فكنت تحت المنبر حين حرض الناس وأمرهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشام،
فبدأ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
سيروا إلى أعداء الله، سيروا إلى أعداء السنن والقرآن،
سيروا إلى بقية الأحزاب، وقتلة المهاجرين والأنصار (2).

(1) كذا في الطبعة الثانية من كتاب صفين، وفي شرح ابن أبي الحديد: ج 3
ص 173: (خشيش) وضبطه أبو الفضل محمد إبراهيم مصغرا.
(2) وروى البزاز بإسنادين عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي: انفروا
إلى بقية الأحزاب، انفروا بنا إلى ما قال الله ورسوله أنا نقول: صدق الله
ورسوله ويقولون كذب الله ورسوله. قال في مجمع الزوائد: ج 7 ص 239:
رواه البزار باسنادين في أحدهما يونس بن أرقم وهو لين، وفي الآخر السيد بن
عيسى - قال الأزدي: ليس بذاك - وبقية رجالهما ثقات.
أقول: الحديث مستفيض وله طرق متعددة. ورواه أيضا ابن أبي الحديد
في شرح المختار () من نهج البلاغة: ج 2 ص 194، عن الأعمش عن الحكم
ابن عتيبة عن قيس بن حازم عن أمير المؤمنين عليه السلام وروايته بنفسها كافية في
أمثال المقام لأنه من مبغضي أمير المؤمنين!!!
95

فقام رجل من بني فزارة يقال له أربد فقال: أتريد أن تسيرنا إلى إخواننا
من أهل الشام فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم،
كلا ها الله إذا لا نفعل ذلك (3) فقام الأشتر فقال: من لهذا أيها الناس؟ فهرب
الفزاري واشتد الناس على أثره فلحقوه فوطئوه بأرجلهم وضربوه بأيديهم حتى
قتل (4) فحمد الله الأشتر وأثنى عليه ثم قال:
يا أمير المؤمنين لا يهدنك ما رأيت (5) ولا يؤيسنك من نصرنا ما سمعت من
مقالة هذا الشقي الخائن، جميع من ترى من الناس شيعتك وليسوا يرغبون بأنفسهم
عن نفسك ولا يحبون بقاءا بعدك، فإن شئت فسر بنا إلى عدوك، والله لا
ينجو من الموت من خافه، ولا يعطي البقاء من أحبه، وما يعيش بالآمال إلا
شقي، وانا لعلى بينة من ربنا، أن نفسا لن تموت حتى يأتي أجلها، فكيف لا
نقاتل قوما وهم كما وصف أمير المؤمنين، وقد وثبت عصابة منهم بالأمس على طائفة
من المسلمين، فأسخطوا الله وأظلمت بأعمالهم الأرض، وباعوا خلاقهم بعرض من
الدنيا يسير (6).
فقال علي عليه السلام:

(3) قال في الهامش: هاء التنبيه قد يقسم بها - كما هنا - قال ابن منظور:
إن شئت حذفت الألف التي بعد الهاء وإن شئت أثبت.
(4) فوداه عليه السلام من بيت المال لأن قاتله لم يعرف.
(5) يقال: (هده - من باب مد - حدا وحدودا): كسره وضعضعه.
(6) الخلاق - كسحاب -: الحظ والنصيب والمراد منه - هنا - حظهم
الأخروي من ثواب ايمانهم وما يتظاهرون به من عمل الخير، فإنهم لو استقاموا
عليه وأدوا واجباتهم وأعمالهم الشرعية بما لها من القيود والشرائط كان لهم عند
الله مقاما كريما وأجرا عظيما.
96

الطريق مشترك والناس في الحق سواء، ومن أجتهد رأيه في
نصيحة العامة فله ما نوى، وقد قضى ما عليه.
ثم نزل [عليه السلام عن المنبر] فدخل منزله.
كتاب صفين الطبعة الثانية بمصر، ص 93 وقد اختصرنا كلام الأشتر وقصة
أربد، وذكره أيضا في كتاب الفتوح: ج 2 ص 460 وكلامه عليه السلام فيه
أطول ما في كتاب صفين.
ونقله أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (46) من النهج: ج 3 ص 173
عن كتاب صفين ونقله أيضا عنه في البحار: ج 8 ص 474 ط الكمباني لكنه
لم يذكر كلام الأشتر (ره) بتمامه بل اختصره كما اختصر ما قبله، وروى قريبا
منه جدا في الأخبار الطوال ص 164.
97

- 177 -
ومن كلام له عليه السلام
كلم به بعض أهل الكوفة ممن يهوي هوى معاوية وأصحابه
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] قال: حدثني أبو زهير
العبسي، عن النضر بن صالح أن عبد الله بن المعتصم العبسي، وحنظلة بن
الربيع التميمي، لما أمر علي عليه السلام الناس بالمسير إلى الشام، دخلا في رجال
كثير من غطفان وبني تميم، على أمير المؤمنين، فقال له التميمي: يا أمير المؤمنين
إنا قد مشينا إليك بنصيحة فاقبلها منا، ورأينا لك رأيا فلا ترده علينا فإنا
نظرنا لك ولمن معك، أقم وكاتب هذا الرجل، ولا تعجل إلى قتال أهل الشام، فإني
والله ما أدري ولا تدري لمن تكون الغلبة إذا التقيتم، وعلى من تكون الدبرة (1)
وقام ابن المعتم فتكلم، وتكلم القوم الذين دخلوا معهما بمثل ما تكلم به
[التميمي].
فحمد علي الله وأثنى عليه وقال:
أما بعد فإن الله وارث العباد والبلاد، ورب السماوات
السبع والأرضين السبع، وإليه ترجعون، يؤتي الملك من

(1) الدبرة - كضربة -: العاقبة. الهزيمة في القتال.
98

يشاء، وينزعه ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء، أما
الدبرة فإنها على الضالين العاصين، ظفروا أو ظفر بهم.
وأيم الله إني لأسمع كلام قوم ما أراهم يريدون أن
يعرفوا معروفا ولا ينكروا منكرا.
فقام إليه معقل بن قيس اليربوعي ثم الرياحي فقال: يا أمير المؤمنين إن
هؤلاء والله ما أتوك بنصح، ولا دخلوا عليك إلا بغش، فاحذرهم فإنهم أدنى
العدو.
فقال مالك بن حبيب: يا أمير المؤمنين إنه بلغني أن حنظلة هذا يكاتب
معاوية فادفعه إلينا نحبسه حتى تنقضي غزاتك وتنصرف.
وقام عياش بن ربيعة، وقائد بن بكير العبسيان فقالا: يا أمير المؤمنين إن
صاحبنا عبد الله بن المعتصم قد بلغنا إنه يكاتب معاوية فأحبسه أو أمكنا منه
نحبسه حتى تنقضي غزاتك وتنصرف.
فقالا: هذا جزاء من نظر لكم وأشار عليكم بالرأي فيما بينكم وبين عدوكم.
فقال علي [عليه السلام] لهما: الله بيني وبينكم وإليه أكلكم، وبه أستظهر عليكم
اذهبوا حيث شئتم.
الجزء الثاني من كتاب صفين ص 95 بتلخيص طفيف فيما عدا كلامه عليه السلام
ورواه أيضا أحمد بن أعثم الكوفي - في كتاب الفتوح ج 2 ص 443 - مع
اختصار، ونسبة كلامه عليه السلام إلى غيره، والظاهر إن فيه سقطا.
99

- 178 -
ومن كلام له عليه السلام
دار بينه وبين بعض أصحابه لما عزم على لقاء معاوية وقد سأله:
ألسنا على الحق ومعاوية على الباطل؟
قال نصر، عن عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة، قال: دخل أبو
زبيب بن عوف (1) على علي فقال: يا أمير المؤمنين لئن كنا على الحق لأنت
أهدانا سبيلا، وأعظمنا في الخير نصيبا، ولئن كنا في ضلالة إنك لأثقلنا ظهرا
وأعظمنا وزرا، أمرتنا بالمسير إلى هذا العدو، وقد قطعنا ما بيننا وبينهم من
الولاية وأظهرنا لهم العداوة نريد بذلك ما يعلم الله من طاعتك، وفي أنفسنا من
ذلك ما فيها، أليس الذي نحن عليه الحق المبين، والذي عليه عدونا الغي

(1) كذا في المطبوع بمصر، من كتاب صفين ص 100، ط 2، وفي شرح
ابن أبي الحديد: ج 3 ص 171، نقلا عن كتاب صفين: (دخل أبو زينب)...
والرجل ذكره الطبري في وقعة صفين سنة 37 من تاريخه ج 4 ص 19، وقال:
[وقتل يومئذ] أيضا أبو زينب بن عوف بن الحارث [الأزدي]...
أقول: الظاهر إن هذا غير أبو زينب ابن عوف الأنصاري المترجم في
الإصابة والاستيعاب بهامشها: ج 4 ص 80 و 81 وإن احتمل أنه هو.
100

والحوب الكبير (2). فقال علي [عليه السلام]:
بلى شهدت أنك إن مضيت معنا ناصرا لدعوتنا صحيح
النية في نصرتنا، قد قطعت منهم الولاية وأظهرت لهم العداوة
كما زعمت، فإنك ولي الله تسيح في رضوانه وتركض في
طاعته (3) فأبشر أبا زبيب.
فقال له عمار. أثبت أبا زبيب، ولا تشك في الأحزاب، عدو الله
ورسوله (4)
فقال أبو زبيب: ما أحب أن لي شاهدين من هذه الأمة فيشهدا لي على ما
سألت عنه من هذا الأمر الذي أهمني مكانكما.
وخرج عمار بن ياسر وهو يقول:
سيروا إلى الأحزاب أعداء النبي * سيروا فخير الناس أتباع علي
هذا أوان طاب سل المشرفي * وقودنا الخيل وهز السمهري
ودخل يزيد بن قيس الأرحبي على علي [عليه السلام] فقال: يا أمير المؤمنين نحن

(2) الحوب - بضم الحاء وسكون الواو -: الإثم والذنب.
(3) يقال: (ساح زيد - من باب باع - سيحا وسيحانا وسيوحا - كفيضا
وفيضانا وفيوضا - وسياحة): جال في البلاد تفرجا وتنزها.
(4) كذا في الأصل.
101

على جهاز وعدة، وأكثر الناس أهل قوة، ومن ليس بمضعف وليس به علة، فمر
مناديك فلينادي الناس يخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة، فإن أخا الحرب ليس
بالسؤوم ولا النؤوم ولا من إذا أمكنه الفرص أجلها واستشار فيها، ولا من
يؤخر الحرب في اليوم إلى غد وبعد غد.
فقال زياد بن النضر: يا أمير المؤمنين لقد نصح لك يزيد بن قيس وقال: ما
يعرف، فتوكل على الله وثق به، واشخص بنا إلى هذا العدو راشدا معانا، فإن
يرد الله بهم خيرا لا يدعوك رغبة عنك إلى من ليس مثلك في السابقة مع النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، والقدم في الإسلام والقرابة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم وا [ن] لا ينيبوا ويقبلوا ويأبوا
إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا، ورجونا أن يصرعهم الله مصارع إخوانهم
بالأمس.
ثم قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقال: يا أمير المؤمنين إن القوم
لو كانوا الله يريدون، أو لله يعملون، ما خالفونا، ولكن القوم إنما يقاتلون فرارا
من الأسوة، وحبا للأثرة، وضنا بسلطانهم، وكرها لفراق دنياهم التي في أيديهم
وعلى إحن في أنفسهم وعداوة يجدونها في صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير
المؤمنين بهم قديمة قتلت فيها آباءهم وإخوانهم.
ثم التفت إلى الناس فقال: فكيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه حنظلة
وخاله الوليد، وجده عتبة في موقف واحد (5) والله ما أظن أن يفعلوا،

(5) وهو يوم بدر، وكتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية: (وعندي
السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد...).
102

ولن يستقيموا لكم دون أن تقصد فيهم المران (6) وتقطع على هامهم السيوف،
وتنثر حواجبهم بعمد الحديد، وتكون أمور جمة بين الفريقين.
كتاب صفين ص 96 ورواه عنه في شرح المختار: (46) من شرح ابن أبي
الحديد ج 3 ص 171 وقريبا منه ذكر في كتاب الفتوح: ج 2 ص 446 لأحمد بن
أعثم الكوفي.

(6) يقال: (قصد الشئ - من باب ضرب - قصدا، وقصده تقصيدا):
كسره. وتقصد وانقصد الرمح: انكسر. ورمح قصيد وأقصاد: متكسر.
والمران - بضم الميم - الرماح اللدنة - أي اللينة - التي لها صلابة، والواحدة
مرانة.
103

- 179 -
ومن كلام له عليه السلام
في حث أصحابه على التخلق بالأخلاق الحسنة والتجنب عن التعود بالشتم واللعن
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] عن عبد الرحمان، عن
الحارث بن حصيرة، عن عبد الله بن شريك، قال: خرج حجر بن عدي وعمرو
ابن الحمق يظهر ان البراءة واللعن من أهل الشام، فأرسل إليهما علي أن كفا عما
يبلغني عنكما. فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين ألسنا محقين؟ قال: بلى. قالا:
أو ليسوا مبطلين؟: قال بلى. قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟. قال [عليه السلام]:
كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون وتتبرؤون،
ولكن لو وصفتم مساوي أعمالهم (1) فقلتم: من سيرتهم كذا
وكذا، ومن عملهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، و [لو]
قلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم: اللهم احقن دماءنا

(1) وفي المختار: (204) من خطب النهج: (اني أكره لكم أن تكونوا
سبابين، ولكن لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول.
وقريبا مما هنا ذكره في الأخبار الطوال ص 165، مرسلا.
104

ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم
حتى يعرف الحق منهم من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان
من لهج به (2) كان هذا أحب إلي وخيرا لكم.
فقالا: يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك.
وقال عمرو بن الحمق: اني والله يا أمير المؤمنين ما أجبتك ولا بايعتك على
قرابة بيني وبينك، ولا إرادة مال تؤتينيه ولا التماس سلطان يرفع ذكري به،
ولكن أجبتك لخصال خمس: إنك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأول من آمن به،
وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعظم رجل من المهاجرين سهما في الجهاد، فلو أني كلفت نقل الجبال
الرواسي، ونزح البحور الطوامي (3) حتى يأتي علي يومي في أمر أقوي به وليك
وأوهن به عدوك، ما رأيت أني قد أديت فيه كل الذي يحق علي من حقك.
فقال أمير المؤمنين علي [عليه السلام]: اللهم نور قلبه بالتقى، واهده إلى صراط
مستقيم ليت أن في جندي مأة مثلك.
فقال حجر: إذا والله يا أمير المؤمنين صح جندك وقل فيهم من يغثك، ثم
قال (ره): يا أمير المؤمنين نحن بنو الحرب وأهلها الذين نلقحها وننتجها، قد

(2) يرعوي - من الإرعواء -: يكف عن غيه، ويرجع عن عدوانه.
و (لهج به) - من باب فرح -: أولع به فواضب عليه وداومه.
(3) الرواسي: جمع راسية: الراسخة الثابتة. والطوامي: جمع طامية:
المملوءة المرتفعة.
105

ضارستنا وضارسناها (4) ولنا أعوان ذوو صلاح، وعشيرة ذات عدد، ورأي
مجرب وبأس محمود، وأزمتنا منقادة لك بالسمع والطاعة، فإن شرقت شرقنا
وإن غربت غربنا، وما أمرتنا به من أمر فعلناه.
فقال علي [عليه السلام]: أكل قومك يرى مثل رأيك؟. قال ما رأيت منهم إلا
حسنا، وهذه يدي عنهم بالسمع والطاعة، وبحسن الإجابة. فقال له علي خيرا.
كتاب صفين ص 102، ومثله في المختار: (204) من النهج، غير أنه ذكر
أن هذا الحوار كان بصفين وقريب منه في كتاب الفتوح: ج 2 ص 448.
أقول: ولما أجابه عليه السلام الأشراف بالسمع والطاعة ورأي أن جل الناس -
عدا شر ذمة قليلة - راغبون إلى جهاد المحلين، ويأتمرون بأوامره، وينتهون
عند نواهيه، كتب إلى عظماء عماله على البلاد، وأمراء جنوده، وولاة الخراج
يستحثهم على الوفود عليه كي يظاهروه على الباغين، ويجاهدوا معه القاسطين
ويحقوا الحق ويبطلوا الباطل، ثم كتب أيضا إلى معاوية اتماما للحجة وتأكيدا
للبينة، وقد ذكرنا منها ما عثرنا عليه في المختار: (80) وتواليه من باب الكتب
من كتابنا هذا فلاحظ.

(4) نلقحها: نجعلها حاملا ذات ولد. وضارستنا: جربتنا وعرفتنا.
106

- 180 -
ومن خطبة له عليه السلام
في حث الناس على قتال معاوية وأصحابه الفئة الباغية
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] عن أبي روق، قال:
قال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل بن ورقاء [رضوان الله عليهما]: إن
يومنا ويومهم ليوم عصيب، ما يصبر عليه إلا كل مشيع القلب (1) صادق النية،
رابط الجأش، وأيم الله ما أظن ذلك اليوم يبقى منا ومنهم إلا الرذال (2) قال
عبد الله بن بديل: [وأنا] والله أظن ذلك فقال [لهما] علي [عليه السلام]:
ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما لا تظهراه، ولا
يسمعه منكما سامع.
إن الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين وكل
آتيه منيته كما كتب الله له، فطوبى للمجاهدين في سبيل الله،

(1) المشيع القلب: الشجاع، ومثله رابط الجأش، وهو كفلس: القلب
والصدر، والجمع جؤوش كفلوس.
(2) وهو بضم الراء - كالرذيل والرذل كفلس -: الردئ والخسيس.
107

والمقتولين في طاعته.
فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير
المؤمنين سر بنا إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء
ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضاء الله فأحلوا حرامه وحرموا حلاله،
واستهواهم الشيطان (3) ووعدهم الأباطيل، ومناهم الأماني حتى أزاغهم عن
الهدى، وقصد بهم قصد الردى، وحبب إليهم الدنيا، فهم يقاتلون على دنياهم
رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة إنجاز موعود ربنا، وأنت يا أمير المؤمنين أقرب
الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحما وأفضل الناس سابقة وقدما، وهم يا أمير المؤمنين
منك مثل الذي علمنا، ولكن كتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء وكانوا
ظالمين، فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة لك ببذل
النصيحة، وأنفسنا تنصرك جذلة على من خالفك (4) وتولى الأمر دونك، والله
ما أحب أن لي ما في الأرض مما أقلت، وما تحت السماء مما أظلت، وأني
واليت عدوا لك أو عاديت وليا لك.
فقال علي:
اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك، والمرافقة لنبيك صلى الله

(3) هذا هو الظاهر، يقال: (استهواه استهواء): ذهب بهواه وسلب عقله
وحيره. زين هواه.
وفي النسخة: واستولاهم الشيطان. وفي نسخة ابن أبي الحديد: واستهوى
بهم الشيطان.
(4) جذلة: فرحة، وهي حال عن فاعل تنصرك.
108

عليه وآله وسلم.
ثم إن عليا [أمير المؤمنين عليه السلام] صعد المنبر فخطب الناس ودعاهم إلى
الجهاد، فبدأ بالحمد لله والثناء عليه ثم قال:
إن الله قد أكرمكم بدينه وخلقكم لعبادته (5) فانصبوا
أنفسكم في أداء حقه (6) وتنجزوا موعوده. وأعلموا أن الله
جعل أمراس الإسلام متينة (7) وعراه وثيقة، ثم جعل الطاعة
حظ الأنفس برضا الرب، وغنيمة الأكياس عن تفريط
الفجرة (8) وقد حملت أمر أسودها وأحمرها ولا قوة إلا بالله،
ونحن سائرون - إن شاء الله - إلى من سفه نفسه وتناول
ما ليس له وما لا يدركه، معاوية وجنده الفئة الباغية الطاغية

(5) قال الله تعالى في الآية: (56) من السورة (51): الذاريات: (وما
خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
(6) يقال: (نصب في الأمر - من باب فرح - نصبا): جد واجتهد.
(7) أمراس الإسلام: أطنابه وأحباله. والكلام على الاستعارة.
(8) وفي نسخة ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج 3 ص 185: (ثم جعل
الطاعة حظ الأنفس ورضا الرب، وغنيمة الأكياس عند تفريط العجزة).
109

يقودهم إبليس ويبرق لهم ببارق تسويفه ويدليهم بغروره (9)
وأنتم أعلم الناس بحلاله وحرامه، فاستغنوا بما علمتم،
واحذروا ما حذركم الله من الشيطان، وارغبوا فيم أنالكم
من الأجر والكرامة (10) واعلموا أن المسلوب من سلب دينه،
وأمانته، والمغرور من آثر الضلالة على الهدي، فلا أعرف
أحدا منكم تقاعس عني وقال في غيري كفاية، فإن الذود إلى
الذود إبل (11).
ثم تمثل عليه السلام:
ومن لم يذد عن حوضه يتهدم.
ثم إني آمركم بالشدة في الأمر، والجهاد في سبيل الله،

(9) لعل العدول من التعبير بلفظ الماضي - مع أنه مقتضى السياق - إلى
المضارع، للدلالة على إن الشيطان يعمل فيهم هذه الأعمال مستمرا.
(10) وفي شرح النهج: (وارغبوا فيما عنده من الأجر والكرامة).
(11) تقاعس: تقاعد وتأخر، يقال: (تقاعس عن الأمر): تأخر.
و (تقاعس الفرس تقاعسا): لم ينقد لقائده. والذود - بفتح الذال وسكون
الواو -: الإبل.
110

وأن لا تغتابوا مسلما (12) وانتظروا النصر العاجل من الله إن
شاء الله.
كتاب صفين ص 111، ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (46)
من النهج: ج 3 ص 184، ورواه أيضا عنه في البحار: ج 8 ص 476،
وقريب منه في المختار: (81) من مستدرك النهج ص 98.

(12) إنما خص الغيبة بالذكر لأنها عند الشدة واختلاف الناس في المقدرة
والاقدام والاحجام أكثر، وهم بها أشد ابتلاءا.
111

- 181 -
ومن كلام له عليه السلام
في نعت خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال أبو خالد الواسطي: حدثني زيد بن علي، عن أبيه عن جده عليهم
السلام قال: بينما علي عليه السلام بين أظهركم بالكوفة في صحن مسجدكم هذا محتبيا
بحمائل سيفه وهو [يريد أن] يحارب معاوية بن أبي سفيان، وحوله الناس
محدقون به، وأقرب الناس منه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتابعون يلونهم إذ قال
له رجل من أصحابه: يا أمير المؤمنين صف لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانا ننظر إليه،
فإنك أحفظ لذلك منا. فصوب (1) [أمير المؤمنين عليه السلام] رأسه، ورق لذكر
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واغرورقت عيناه ثم رفع رأسه وقال:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبيض اللون
مشربا بحمرة (2) أدعج العينين سبط الشعر دقيق العرنين (3) سهد

(1) وهو ضد رفعه أي خفضه. وليعلم أن هذا الصدر هذبناه بعض
التهذيب.
(2) وفي الطبقات وأنساب الأشراف وتاريخ الطبري: (مشربا حمرة).
(3) أدعج العينين أي إن سواد عينيه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان شديدا. والسبط
- كفلس -: الشعر السهل المسترسل. والعرنين - كقنديل -: الأنف، أو
ما صلب منه.
وفي الطبقات: (أدعج العينين سبط الشعر، كث اللحية سهل الخد، ذا
وفرة، دقيق المسربة، كأن عنقه إبريق فضة)... وفي أنساب الأشراف:
(أدعج العينين سبط الشعر ذا وفرة، كث اللحية، كأن عنقه إبريق فضة).. وفي
الطبري: (أدعج سبط الشعر، دقيق المسربة، سهل الخدين كث اللحية ذا
وفرة). والوفرة: الشعر المجتمع على الرأس أو ما سال على الأذنين منه.
112

الخدين، دقيق المسربة (4) كث اللحية (5) كان شعره مع شحمة
أذنيه، إذا طال كأنما عنق إبريق فضة (6) له شعر من لبته إلى
سرته يجري كالقضيب، لم يكن في صدره ولا بطنه شعر غيره
إلا نبذ في صدره (7) شثن الكف والقدم إذا مشى كأنما ينقلع

(4) المسربة: الشعر ما بين وسط الصدر إلى البطن.
(5) يقال: (كث اللحية - من باب منع - كثثا): اجتمع شعرها وكثف
وجعد من غير طول. وأكث الرجل: كانت لحيته كثة فهو كث والجمع كثاث.
ويقال: كثأت اللحية كثأ - من باب منع مهموزا - وكثأت تكثئة وأكثأت
إكثاءا) كثرت وطالت.
(6) كذا في النسخة، ولعل الصواب: (كأنما عنقه إبريق فضة). وفي
الطبقات وأنساب الأشراف والطبري: (كأن عنقه إبريق فضة).
(7) هذه القطعة غير موجودة في غيره. من الطبقات والأنساب والطبري.
113

من صخر أو ينحدر من صبب (8) [و] إذا التفت التفت جميعا (9)
لم يكن بالطويل ولا بالقصير ولا العاجز (10) كأنما عرقه
اللؤلؤ (11) ريح عرقه أطيب من المسك (12) لم أر قبله ولا
بعده مثله صلى الله عليه وآله وسلم.

(8) وفي الطبري: (إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما ينقلع
من صخر). وفي أنساب الأشراف: (إذا مشى فكأنما ينقطع من صخرة وكأنما
ينحدر من صبب). وفي الطبقات: (إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا
قام كأنما ينقلع من صخر). والصبب - كالسبب -: ما انحدر من الطريق أو
الأرض.
(9) ومثله في الطبقات والطبري، وفي المطبوع من الأنساب: (وإذا التفت
التفت معا).
(10) وفي الطبري: (ليس بالقصير ولا بالطويل ولا العاجز ولا اللئيم).
ومثله في الطبقات إلا أنه قال: (ولا بالعاجز) وفي أنساب الأشراف: (ليس
بالطويل ولا قصير، ولا عاجز ولا لئيم).
(11) وفي الطبري: (كأن العرق في وجهه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من
المسك، لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وآله وسلم).
(12) وفي الطبقات: (كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من
المسك الأذفر) وفي أنساب الأشراف المطبوع: (كأن عرقه اللؤلؤ أطيب من
المسك الأظفر). والظاهر إن فيه حذفا.
114

متن الروض النضير - المعروف عند الزيدية بمسند زيد رضوان الله عليه -
ج 5 ص 457، ورواه أيضا ابن سعد في الطبقات: ج 1 ص 410 ط بيروت
قال: أخبرنا يعلى ومحمد ابنا عبيد الطنافسيان، وعبيد الله بن موسى العبسي
ومحمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي، عن مجمع بن يحيى الأنصاري، عن عبد الله
ابن عمران، عن رجل من الأنصار انه سأل عليا وهو محتب بحمائل سيفه في
مسجد الكوفة، عن نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفته فقال [علي عليه السلام]..
ورواه في الشرح عن مصادر.
وقال الطبري في الحديث الثاني من عنوان: (ذكر صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم) من تاريخه
ج 1 ص 1789، وفي ط الحديث بمصر: ج 3 ص 179 - حدثنا محمد بن المثنى
قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا مجمع بن يحيى قال: حدثنا عبد
الله بن عمران، عن رجل من الأنصار - لم يسمه - انه سأل علي بن أبي طالب
وهو في مسجد الكوفة محتب بحمالة سيفه فقال: انعت لي نعت رسول الله
صلى الله عليه...
وقال البلاذري - في الحديث: (848) من أنساب الأشراف: ج 1 ص
191 من المخطوطة ومن المطبوع ج 1 ص 394 -: حدثني أبو عمران المقرئ،
حدثنا أبو يوسف يعلى الطنافسي، عن مجمع بن يحيى، عن عبد الله بن عمران عن
بعض الأنصار أن عليا عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض اللون...
115

- 182 -
ومن كلام له عليه السلام
أوصى به زياد بن النضر حين أمره على مقدمته وسرحه إلى الشام
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي قال]: حدثني يزيد بن خالد
ابن قطن، إن عليا [أمير المؤمنين عليه السلام] حين أراد المسير إلى النخيلة،
دعا زياد بن النظر، وشريح بن هانئ - وكانا على مذحج والأشعريين -
[وبعثهما في اثنا عشر ألفا مقدمة له إلى الشام، ثم أوصى زيادا و] قال:
يا زياد إتق الله في كل ممسى ومصبح (1) وخف على نفسك
الدنيا الغرور، ولا تأمنها على حال من البلاء (2) واعلم أنك إن

(1) أي في كل صباح ومساء، كما رواه في المختار: (56) من كتب نهج
البلاغة بهذين اللفظين، وكل منهما شائع، قال أمية بن الصلت:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا * بالخير صبحنا ربي ومسانا
(2) أي لا تجعل نفسك مأمونة من البلاء فتظل ساهيا لاهيا، بل وطنها على
حلول النوائب وخذ حذرك منها كي لا تستأصل في أول وهلة تنزل بك.
116

لم تزع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروهه (3) سمت بك
الأهواء إلى كثير من الضر (4) فكن لنفسك مانعا وازعا من
البغي والظلم والعدوان (5) فإني قد وليتك هذا الجند، فلا
تستطيلن عليهم فإن خيركم عند الله أتقاكم (6) وتعلم من عالمهم

(3) هذا هو الظاهر من السياق، المؤيد بوفاق نهج البلاغة وتحف العقول،
وفي نسخة من كتاب صفين: (مما يجب). وفي نسخة (مما يحب). و (مخافة
مكروهه). مفعول لأجله لقوله: (إن لم تزع). وقوله: (سمت بك الأهواء)
جواب الشرط. و (سمت بك): ارتفعت وشخصت بك. أي ان لم تمنع وتردع
نفسك عن كثير مما تهواه وتشتهيه خوفا من حلول لوازمه المكروهة المؤلمة،
تجرك نفسك الأمارة إلى أضرار كثيرة.
(4) وفي النهج: (واعلم أنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة
مكروه [كذا] سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر، فكن لنفسك مانعا رادعا
ولنزوتك عند الحفيظة واقما قامعا).
أقول: (النزوة) - كضربة -: الوثبة على الشئ، ونزوع النفس واشتياقها
إلى ما تهواه. و (الحفيظة): الذي ينبغي أن يحمى ويحافظ عليها. و (واقما):
قاهرا. و (قامعا): كاسرا ورادا.
(5) وفي تحف العقول: (عن الظلم والبغي والعدوان)...
(6) وفي تحف العقول: (قد وليتك هذا الجند فلا تستذلنهم ولا تستطل
عليهم فإن خيركم أتقاكم)... قوله: (فلا تستطيلن عليهم): فلا تظلمنهم. ولا
تكبرن عليهم.
117

وعلم جاهلهم واحلم عن سفيههم، فإنك إنما تدرك الخير بالعلم
وكف الأذى والجهل (7).
فقال زياد: أوصيت يا أمير المؤمنين [بالبر والتقوى وأنا ممن يكون]
حافظا لوصيتك، مؤدبا بأدبك (8) يرى الرشد في نفاذ أمرك والغي في تضييع
أمرك.
وقريب منه في المختار: (25) من كتب نهج البلاغة إلا أن فيه انه عليه
السلام وصى بها شريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام.

(7) كذا في تحف العقول، وهو أظهر مما في كتاب صفين: (فإنك إنما تدرك
الخير بالحلم)...
(8) وفي شرح المختار: (46) من النهج لابن أبي الحديد: ج 3 ص 191،
نقلا عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم: (مؤديا لأربك)... والأرب
- كسبب -: الحاجة. الغاية، والجمع آراب كأسباب.
118

- 183 -
ومن كلام له عليه السلام
بين فيه عن عوار بني باهلة وإنهم موسومون بأم المهالك
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] عن ليث بن سليم، قال:
دعا علي [عليه السلام] باهلة فقال لهم:
يا معشر باهلة أشهد الله أنكم تبغضوني وأبغضكم، فخذوا
عطاءكم وأخرجوا إلى الديلم.
[قال:] وكانوا قد كرهوا أن يخرجوا معه إلى صفين.
قال (1) وامر علي الحارث الأعور [ان] ينادي في الناس ان أخرجوا إلى
معسكركم بالنخيلة، فنادى أيها الناس أخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة وبعث علي

(1) بين السند الأول وهذا وقع قضايا مروية عن نصر، عن عمر، عن يوسف
ابن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر. ويمكن أن يكون هذا مرويا بالسند
الأول، أو بالثاني ولعله أقرب.
119

إلى مالك بن حبيب اليربوعي فأمره أن يحشر الناس إلى المعسكر، ودعا عقبة
ابن عمرو الأنصاري فاستخلفه على الكوفة - وكان أصغر أصحاب العقبة
السبعين - ثم خرج علي وخرج الناس معه.
120

- 184 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما أرادا أن يظعن من النخيلة قاصدا نحو الشام
أبو الفضل نصر بن مزاحم المنقري (ره) عن عمرو بن شمر، وعمر بن سعد
[الأسدي] ومحمد بن عبد الله، قال عمر [كذا]: حدثني رجل من الأنصار، عن
الحارث بن كعب الوالبي، عن عبد الرحمان بن عبيد بن أبي الكنود، قال: لما
أراد علي الشخوص من النخيلة (1)، قام في الناس لخمس مضين من شوال يوم
الأربعاء [سنة 36] فقال:
الحمد لله غير مفقود الإنعام ولا مكافئ الإفضال، وأشهد
أ [ن] لا إله إلا الله، ونحن على ذلكم من الشاهدين، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم.

(1) أي يشخص منها ذاهبا إلى الشام.
121

أما بعد فإني قد بعثت مقدمتي (2) وأمرتهم بلزوم هذا
الملطاط (3) حتى يأتيهم أمري، فقد أردت أن أقطع هذه
النطفة إلى شرذمة منكم موطنين بأكناف دجلة (4) فأنهضهم

(2) كذا في نهج البلاغة وهو الظاهر، وفي نسختي من كتاب صفين: (أما
بعد ذلكم فإني قد بعثت مقدماتي)... والمراد من المقدمة - بفتح الدال
وكسرها - مقدمة جيشه (ع)، ومقدمة الشئ في قبال مؤخرته. والمراد منها
هنا طائفة من أولي النجدة يقدمهم رئيس الجيش - أو هم يقدمون أنفسهم - أمام
الجند حفظا للمصالح ودفعا للمفاسد.
(3) الملطاط: شفير الوادي. طريق على ساحل البحر، قال في التاج: وفي
حديث ابن مسعود: (وهذا الملطاط طريق بقية المؤمنين هرابا من الدجال).
يعني به شاطئ الفرات أي جانبه وساحله.. الطريق والمنهج الموطوء: الذي
ضربته السيارة كثيرا.
(4) قال الرضي (ره): ويعني [أمير المؤمنين] بالنطفة: ماء الفرات وهو
من غريب العبارات وأعجبها. أقول: ومثله قوله عليه السلام في الخوارج:
(مصارعهم دون النطفة). كما في المختار: (59) من النهج. ومنه قول كعب بن
سور لصبرة بن شيمان لما استشاره يوم البصرة في نصرة طلحة والزبير: (كن وراء
هذه النطفة، ودع هذين الفارين من مضر وربيعة) كما في الطبري: ج 3 ص 515
ط 1357، وأنساب الأشراف ولكن يراد من الثاني ماء دجلة، ومن الثالث هما
معا لامتزاجهما قرب البصرة.
والشرذمة الجماعة القليلة. والموطنين: الذين جعلوا أطراف دجلة وطنا
وسكنوا أكنافها: جوانبها. وفي النهج: (موطنين أكناف دجلة). يقال:
(وطن بالمكان وطنا - من باب وعد - وأوطن به إيطانا) أقام به واتخذه
وطنا ومثله: أوطن المكان وتوطنه واستوطنه.
122

معكم إلى أعداء الله [وأجعلهم من أمداد القوة لكم] (5) إن
شاء الله، وقد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري ولم
آلكم ولا نفسي (6) فإياكم والتخلف والتربص، فإني قد خلفت
مالك بن حبيب اليربوعي وأمرته أن لا يترك متخلفا إلا ألحقه
بكم [كذا] إن شاء الله.
فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال: يا أمير المؤمنين والله لا يتخلف
عنك إلا ظنين ولا يتربص بك إلا منافق، فأمر مالك بن حبيب أن يضرب
أعناق المتخلفين. قال علي [عليه السلام]: قد أمرته بأمري وليس مقصرا في
أمري إن شاء الله.
وأراد قوم أن يتكلموا فدعا بدابته فجاءته، فلما أراد أن يركب وضع رجله
في الركاب وقال: (بسم الله). فلما جلس على ظهرها قال: (سبحان الذي سخر

(5) بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة، وفيه أيضا: (فأنهضهم معكم إلى
عدوكم). والأمداد: جمع المدد: ما يقوى به.
(6) أي لم أقصر في حقكم وحقي، ولم أترك ما بلغه جهدي ووسعه طاقتي.
يقال: (ألا في الأمر - من باب دعا - ألوا). قصر.
123

لنا هذا وما كنا له مقرنين، وانا إلى ربنا لمنقلبون) (7).
ثم قال [عليه السلام]:
اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب (8)
والحيرة بعد اليقين، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد.
اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل ولا
يجمعهما غيرك، لأن المستخلف لا يكون مستصحبا (9)

(7) اقتباس من الآية، (13 و 14) من سورة الزخرف: 43. وقريبا منه
رواه أبو داوود في كتاب الجهاد من سننه: ج 2 ص 33 قال: حدثنا مسدد،
حدثنا الأحوص حدثنا أبو إسحاق الهمداني عن علي بن ربيعة قال: شهدت عليا
وأتى بدابة يركبها. فلما وضع رجله في الركاب قال...
ورواه أيضا السيد أبو طالب في أماليه - كما في الباب (19) من تيسير
المطالب ص 164 - قال: أخبرنا محمد بن بندار، قال: حدثنا الحسن بن سفيان
[حدثنا] محمد بن أبان الواسطي حدثنا الأحوص [ظ] عن أبي إسحاق عن علي بن
ربيعة....
ورواه أيضا في الأمالي الطوسي ص 128.
(8) (الوعثاء): المشقة. و (كبة وكآبة وكأبة) - على وزن ساحة
وسحابة وكعبة -: الحزن. و (المنقلب) مصدر ميمي بمعنى الرجوع.
(9) هذا تعليل لقوله: (ولا يجمعهما غيرك). وهذا أيضا من أدلة تنزهه
تعالى من صفات الأجسام ولوازمها، إذ من البديهي استحالة كون جسم واحد في
آن واحد في أكثر من مكان.
وهذا الدعاء رواه عنه عليه السلام الزمخشري في الباب: (33) من ربيع
الأبرار بمثل ما في المختار: (49) من نهج البلاغة. وقريبا منه رواه أبو داوود في
سننه كتاب الجهاد: ج 2 ص 32 قال: حدثنا مسدد، عن يحيى عن محمد بن
عجلان، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: كان رسول الله إذا سافر قال:
اللهم أنت الصاحب في السفر..
124

والمستصحب لا يكون مستخلفا.
ثم خرج [عليه السلام] وخرج أمامه الحر بن سهم بن طريف الربعي
(ربيعة تميم) (10) وهو يقول:
يا فرسي سيري وأمي الشاما * وقطعي الحزون والأعلاما
ونابذي من خالف الإماما * إني لأرجو إن لقينا العاما
جمع بني أمية الطغاما * أن نقتل العاصي والهماما
وأن نزيل من رجال هاما
وقال مالك بن حبيب - صاحب شرطته - وهو آخذ بعنان دابته عليه السلام
يا أمير المؤمنين أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر
الرجال؟. فقال [عليه السلام]: إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلا كنت شريكهم

(10) ورواه أيضا أبو الفرج في ترجمة الأسود بن يعفر من كتاب الأغاني:
ج 13، ص 18، ط تراثنا غير أن فيه: جرير بن سهم التميمي.
125

فيه، وأنت هاهنا أعظم غناءا منك عنهم لو كنت معهم. فقال سمعا وطاعة يا
أمير المؤمنين.
فخرج عليه السلام حتى إذا جاز حد الكوفة صلى ركعتين
قال نصر بن مزاحم عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحق السبيعي،
عن عبد الرحمان بن يزيد، أن عليا [عليه السلام] صلى بين القنطرة والجسر ركعتين.
126

- 185 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان وجوب الإفطار وتقصير الرباعيات من الصلوات
على المسافر إذا لم ينو الإقامة في محل
نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن خالد، عن أبي الحسين زيد بن علي [بن
الحسين عليهم السلام] عن آبائه عن علي عليه السلام، قال: خرج علي وهو يريد
صفين - حتى إذا قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة فتقدم فصلى ركعتين (1)
حتى إذا قضى الصلاة أقبل علينا فقال:
يا أيها الناس ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة فإنا
قوم سفر ومن صحبنا فلا يصوم المفروض والصلاة المفروضة
ركعتان.

(1) الظاهر أن هذه الصلاة التي صلاها عليه السلام أولا كانت غير الفريضة،
وقوله: (حتى إذا قضى الصلاة) بيان وتفصيل لما تقدمه، وإنه عليه السلام أراد
أن يصلي بهم بعد ذلك جماعة ولذا أعلمهم كي يعمل كل من المقيم والمسافر على ما
هو المفروض عليه.
127

- 186 -
ومن كلام له عليه السلام
لما صلى بأصحابه العصر، ثم المغرب في ذهابه إلى الشام
وبالسند الأول قال: ثم خرج [أمير المؤمنين عليه السلام] حتى أتى دير أبي
موسى وهو من الكوفة على فرسخين فصلى بها العصر، فلما انصرف من الصلاة
قال:
سبحان ذي الطول والنعم، سبحان ذي القدرة والإفضال،
أسأل الله الرضا بقضائه والعمل بطاعته، والإنابة إلى أمره
فإنه سميع الدعاء.
ثم خرج حتى نزل على شاطئ [نهر] نرس بين موضع حمام أبي بردة،
وحمام عمر فصلى بالناس المغرب، فلما انصرف قال:
الحمد لله الذي يولج الليل في النهار، ويولج النهار في
الليل، [و] الحمد لله كلما وقب ليل وغسق، والحمد لله كلما
128

لاح نجم وخفق (1).
ثم أقام [عليه السلام في ذلك المكان] حتى صلى الغداة، ثم شخص حتى بلغ
قبة قبين وفيها نخل طوال إلى جانب البيعة من وراء النهر، فلما رآها قال:
(والنخل باسقات لها طلع نضيد)
ثم أقحم دابته النهر فعبر إلى تلك البيعة فنزلها فمكث بها قدر الغداة.

(1) وقب الليل: دخل. وغسق الليل: اشتدت ظلمته. ولا النجم:
ظهر. وخفق: غاب.
129

- 187 -
ومن كلام له عليه السلام
لما مر في مسيره إلى صفين بكربلاء (1)
نصر بن مزاحم (ره) عن مصعب بن سلام، قال: حدثنا الأجلح بن عبد

(1) والظاهر إنه عليه السلام في الذهاب إلى صفين قد عدل عن وجهته هو
وجماعة من خواصه فمر بكربلاء ثم رجع إلى المعسكر وتوجهوا نحو صفين،
ويؤيده ما ذكره أحمد بن حنبل في مسنده: ج 1، ص 85 عن عبد الله بن نجي
[الحضرمي] عن أبيه أنه سار مع علي عليه السلام - وكان صاحب مطهرته - فلما
حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي: أصبر أبا عبد الله أصبر أبا عبد
الله... وقال في كنز العمال: أخرجه ابن أبي شيبة وأبو يعلي وسعيد بن منصور.
وقال أيضا في الزوائد: ج 9 ص 87، وقال: أخرجه البزار والطبراني
ورجاله ثقات. وما في ترجمة غرفة الأزدي من أسد الغابة: ج 4 ص 169: قال
غرفة: دخلني شك في شأن علي، فخرجت معه على شاطئ الفرات، فعدل عن
الطريق [فسرنا إلى أن] وقف ووقفنا حوله فقال بيده: (هذا موضع رواحلهم
ومناخ ركابهم ومهراق دمائهم، بأبي من لا ناصر له في الأرض ولا في السماء إلا
الله).
قال [غرفة] فلما قتل الحسين خرجت حتى أتيت المكان الذي قتلوا فيه،
فإذا هو كما قال ما أخطأ شيئا، فاستغفرت الله مما كان مني من الشك، وعلمت
أن عليا رضي الله عنه لم يقدم إلا بما عهد إليه فيه.
130

الله الكندي، عن أبي جحيفة، قال: جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب
فسأله وأنا أسمع، فقال حديث حدثتنيه عن علي بن أبي طالب. قال: نعم
بعثني مخنث بن سليم إلى علي، فأتيته بكربلاء فوجدته يشير بيده ويقول: ها
هنا، ها هنا!!!
فقال له رجل: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟.
قال:
ثقل لآل محمد ينزل ها هنا (2) فويل لهم منكم وويل
لكم منهم.
فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟. قال
[عليه السلام]: ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم إلى
النار (3).
وفي رواية القندوزي عن مودة القربى عن الأصبغ بن نباته، قال: أتينا مع
علي [أمير المؤمنين عليه السلام] كربلاء فنزل وبكى وقال:

(2) الثقل - كجبل -: الشئ النفيس. حشم الشخص من أهل وقرابة
وخدم وجيرة، والمراد هنا: الفئة والرهط كما في الرواية التالية.
(3) قال نصر: وقد روي هذا الكلام على وجه آخر: إنه عليه السلام قال:
(فويل لكم منهم، وويل لكم عليهم). قال الرجل: أما ويل لنا منهم فقد
عرفت [فقد عرفناه (خ)] وويل لنا عليهم ما هو؟ قال [عليه السلام]: ترونهم
يقتلون ولا تستطيعون نصرهم.
131

ههنا مناخ ركابهم (4) وههنا موضع رحالهم وهاهنا مهراق
دمائهم، فئة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقتلون
بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض.
كتاب صفين ص 141 وينابيع المودة ص 216 ط 1.
ومثل ما في ينابيع المودة رواه البغوي وعبد العزيز الجنابذي كما في تلخيص
كفاية الطالب ص 196.
أقول: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد اجتاز بكربلاء في ذهابه إلى صفين
ورجوعه معا، وقد روى كل واحد من الاجتيازين وما قاله عليه السلام فيهما
جماعة كثيرة من الخاصة والعامة بطرق مختلفة، وقد ذكرنا كثيرا منها في
كتاب عبرات المصطفين وزفرات الثقلين في مقتل الحسين عليه السلام،
وسنذكر بعضا منه عند مرجعه عليه السلام عن صفين ومروره بكربلاء،
ورواه أيضا السيد الرضي في كتاب الخصائص ص 14، عن الحميري.
قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن عمر بن سلم حدثنا علي بن العباس، حدثنا جعفر
ابن محمد بن حسين، حدثنا حسين العربي عن ابن سلام، عن سعد بن طريف.
عن أصبغ بن نباته عن علي رضي الله عنه قال: أتينا معه موضع قبر الحسين
رضي الله عنه فقال: ههنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم وههنا مهراق دمائهم.

(4) المناخ: مبرك الإبل أي الموضع الذي تنام وتناخ فيه. والركاب
- بكسر الراء -: الإبل، والجمع ركب - كقفل - وركائب وركابات.
132

فتية من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - يقتلون بهذه العرصة تبكي عليه السماء والأرض.
دلائل النبوة - لأبي نعيم الأصبهاني - ص 509 ورواه مع زيادات كثيرة
أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 2 ص 462.
وفي ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من تهذيب التهذيب ج 2 ص 347 - 348
شواهد لما هنا - وكذا في فضائل الخمسة ج 3 ص 322 و 279.
133

- 188 -
ومن كلام له عليه السلام
في وجوب شكر النعمة والتحذير عن كفرانها
وبالسند المتقدم عن عمر بن سعد الأسدي: قال: ثم مضى [أمير المؤمنين
عليه السلام بالجيش] نحو ساباط حتى انتهى إلى مدينة بهر سير (1) وإذا رجل من
أصحابه يقال له: حر بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك ينظر إلى آثار
كسرى ويتمثل قول ابن يعفر التميمي:
جرت الرياح على مكان ديارهم * فكأنما كانوا على ميعاد (2)

(1) قال الخطيب - في تاريخ بغداد: ج 1 ص 128، عند ذكر خبر المدائن -:
قيل: إنما سميت المدائن لكثرة ما بنى بها الملوك والأكاسرة وأثروا فيها
من الآثار، وهي على جانبي دجلة شرقا وغربا، ودجلة تشق بينهما، وتسمى
المدينة الشرقية العتيقة وفيها القصر الأبيض القديم الذي لا يدري من بناه،
ويتصل بها المدينة التي كانت الملوك تنزلها - وفيها الإيوان - وتعرف ب‍
(أسبانبر). وأما المدينة الغربية فتسمى (بهر سير) وكان الإسكندر أجل
ملوك الأرض نزلها...
(2) قال في أواسط الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص ص 146:
قال كميل بن زياد: سمع أمير المؤمنين عليه السلام منشدا ينشد أبيات الأسود
ابن يعفر:
ماذا أؤمل بعد آل محرق * تركوا منازلهم وبعد أياد
فقال: هلا قلت: (كم تركوا من جنات وعيون) الآية.
134

فقال على [أمير المؤمنين عليه السلام]: أفلا قلت:
كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم،
ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين،
فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين). [الدخان
/ 24 / إلى 29].
[ثم قال عليه السلام:]
إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين، إن
هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية، إياكم
وكفر النعم لا تحل بكم النقم (3).
كتاب صفين ص 140، ورواه أيضا أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج
2 ص 467.

(3) وفي المستدرك: ان هؤلاء كفروا النعم فحلت بهم النقم، إياكم وكفر
النعم فتحل بكم النقم.
135

ورواه أيضا في كنز العمال: ج 8 ص 220 ط الهند، كما رواه أيضا في
أخبار الأسود بن يعفر من كتاب الأغاني: ج 13 ص 18، ط تراثنا.
وفي ط ساسي: ج 11، ص 130.
وقريبا منه رواه قبيل ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ بغداد: ج 1
ص 132، قال أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل، قال: أنبأنا الحسين بن
صفوان البرذعي، قال: نبأنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، قال نبأنا عبد الرحمان
ابن صالح، قال: نبأنا أبو بكر بن عياش، قال: لما خرج علي بن أبي طالب
إلى صفين، مر بخراب المدائن فتمثل رجل من أصحابه...
ورواه أيضا الحاكم بسند آخر في تفسير الآية الكريمة من كتاب التفسير من
المستدرك ج 2 ص 449.
136

- 189 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله لمعقل بن قيس الرياحي (ره) حين أنفذه من المدائن
إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له
نصر بن مزاحم، عن عمر [بن سعد الأسدي] عن رجل - وهو أبو مخنف -
عن نمير بن وعلة، عن أبي الوداك [جبر بن نوف البكالي] إن عليا [أمير المؤمنين
عليه السلام] بعث من المدائن [لما نزلها] معقل بن قيس [الرياحي] في ثلاثة آلاف
رجل وقال له: خذ على الموصل، ثم نصيبين، ثم القني بالرقة فاني موافيها.
[ثم إنه عليه السلام أوصاه وقال له]:
[إتق الله الذي لابد لك من لقائه ولا منتهى لك دونه (1)]
وسكن الناس وأمنهم ولا تقاتل إلا من قاتلك، وسر البردين

(1) بين المعكوفين مأخوذ من نهج البلاغة المختار: (13) من باب الكتب،
والحديث العاشر من الفصل (24) من مناقب الخوارزمي ص 265، والقصة
ذكرها الطبري في تاريخه: ج 3 ص 563 من غير إشارة إلى كلامه ووصيته
عليه السلام.
137

وغور بالناس (2) وأقم الليل ورفه في السير، ولا تسر في أول
الليل (3) فإن الله جعله سكنا، [وقدره مقاما لا ظعنا] (4). أرح
فيه بدنك وجندك وظهرك، فإذا كان السحر أو حين ينبطح
الفجر (5) فسر [على بركة الله، فإذا لقيت العدو فقف من
أصحابك وسطا، ولا تدن من القوم دنو من يريد أن ينشب
الحرب (6) ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتى يأتيك

(2) البردين - كالأبردين - الصبح والعصر. و (غور): أنزل بهم في
الغائرة: وقت شدة الحر: نصف النهار.
(3) وفي النهج: (وسر البردين، وغور بالناس، ورفه في السير، ولا
تسر أول الليل)... و (رفه): هون ولا تتعب نفسك وأصحابك ودوابك.
(4) بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة، وفيه: (فأرح فيه بدنك وروح
ظهرك، فإذا وقفت حين ينبطح السحر أو حين ينفجر الفجر فسر)... والظعن
- كفلس وفرس -: السير والسفر.
(5) أي ينبسط. وفي نسخة ابن أبي الحديد: (ينبلج الفجر) أي أشرق
وأضاء. ومن قوله: (على بركة الله) إلى آخره مأخوذ من نهج البلاغة.
(6) أي يسعر نار الحرب وينفذ فيها مخالبه كالبازي بالنسبة إلى صيده
والفعل من باب فرح وأفعل.
138

أمري، ولا يحملنكم شنآنهم (7) على قتالهم قبل دعائهم
والإعذار إليهم].
كتاب صفين ص 148، والمختار: (13) من الباب الثاني من نهج البلاغة،
ورواه الخوارزمي في الحديث العاشر من الفصل (24) من مناقبه ص 265 عن
علي بن أحمد العاصمي، عن إسماعيل بن أحمد، عن أبيه أحمد بن الحسين البيهقي
عن أبي الحسين بن بشران، عن الحسين بن صفوان، عن عبد الله بن أبي الدنيا
عن عفان بن مخلد، عن أياس بن أبي تميمة، عن عطاء، إلا أنه ذكر صدر الكلام
فقط. ورواه الزمخشري في الباب: (33) من ربيع الأبرار كالنهج إلى قوله:
فسر على بركة الله. وقريبا من صدر الكلام رواه أبو يوسف في كتاب الخراج،
ص 16، و 128، عن أبي حنيفة عن بعض مشايخه عن عطاء عنه عليه السلام

(7) وهي على زنة رمضان: البغضاء. والإعذار: إقامة الحجة وقطع
العلة.
139

- 190 -
ومن خطبة له عليه السلام
خطبها في أهل المدائن لما حثهم على النهوض معه إلى الفئة الباغية
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي قال]: حدثني مسلم
الأعور، عن [أبي قدامة] حبة [بن جوين] العربي - رجل من عرينة - قال:
أمر علي بن أبي طالب [عليه السلام لما ورد مدائن] الحارث الأعور فصاح في
أهل المدائن: من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر. فوافوه في
تلك الساعة، فحمد الله وأثنى عليه وقال:
أما بعد فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم
وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها،
والهالك أكثر سكانها، لا معروفا تأمرون به ولا منكرا
تنهون عنه.
قالوا: يا أمير المؤمنين انا ننتظر أمرك ورأيك، مرنا بما أحببت. فسار
[عليه السلام] وخلف عليهم عدي بن حاتم فأقام عليهم ثلاثا ثم خرج في ثمانمأة
وخلف ابنه يزيد [كذا] فلحقه في أربعمأة رجل منهم ثم لحق عليا.
140

وجاء علي [عليه السلام من المدائن] حتى مر بالأنبار فاستقبله بنو خشنوشك
دهاقينها (1).
فلما استقبلوه نزلوا ثم جاؤوا يشتدون معه (2) فقال [لهم]: ما هذه الدواب
التي معكم، وما أردتم بهذا الذي صنعتم.
قالوا: أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء، وأما هذه
البراذين فهدية لك، وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما، وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا.
فقال [عليه السلام]:
أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء
فوالله ما ينفع هذا الأمراء، وإنكم لتشقون به على أنفسكم

(1) (خش) [بمعنى] طيب، و (نوشك) [بمعنى] الراضي. يعني [من
الكلمة] بني الطيب الراضي (بالفارسية). كذا في المتن نقلا عن أبي محمد سليمان
ابن الربيع بن هشام النهدي أحد رواة كتاب صفين. و (دهاقين): جمع
دهقان: معرب (دهبان): رئيس القرية.
(2) وفي المختار (37): من قصار النهج: (فترجلوا له واشتدوا بين يديه)...
و (يشتدون): يركضون ويسعون بثوران وهيجان.
أقول: وهذه العادة إلى الآن باقية في أقطارنا الإسلامية، فإن لم يأت بها
الرعايا اختيارا عند مرور السلاطين والقواد عليهم، يكرهونهم عليها لما يزعمون
أن فيها تعظيما لهم وتقوية لأمرهم ومن تركها يرصدون له بالغوائل.
141

وأبدانكم (3) فلا تعودوا له، وأما دوابكم هذه فإن أحببتم
أن نأخذها فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم، وأما
طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا
إلا بثمن (4).
قالوا: يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثم نقبل ثمنه.
قال: إذا لا تقومونه قيمته [و] نحن نكتفي بما دونه.
قالوا: يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي ومعارف فتمنعنا أن نهدي
لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا؟.

(3) وفي المختار: (37) من قصار النهج: (والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم
وإنكم لتشقون على أنفسكم في دنياكم وتشقون به في آخرتكم، وما أخسر المشقة
وراءها العقاب، وأربح الدعة معها الأمان من النار).
أقول: لله دره من خلق إلاهية وسجية ربانية لو تقدر بقدرها، ولم يضيعها
المسلمون، ولكن أنى يقدر القوانين الربانية من اعتاد التخنيث، وآنس بالمغنيات
والمغنين، وسلك طريق أعداء الدين.
(4) ما أعظمه من ارفاق واحسان لو تمسك به أولوا الأمر والسلطان،
وما أجمعه لشمل الرعية والأمراء وتوكيد الوصية بينهم لو طبقوا عملهم عليه
وساروا على منهاجه واستضاؤا بنوره، ولكنهم نبذوه - كغيره - من الآداب
الآلهية وراء ظهورهم فخسروا الدنيا والآخرة، وأحدق بهم البلاء من كل جانب،
فإنا لله وإنا إليه راجعون
142

قال: كل العرب لكم موال (5) وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل
هديتكم، وان غصبكم أحد فأعلمونا.
قالوا: يا أمير المؤمنين إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا.
قال لهم: ويحكم نحن أغنى منكم [وأحق بأن نفيض عليكم (6)] فتركهم ثم
سار.

(5) كأنه إشارة إلى قوله تعالى: (المؤمنون بعضهم أولياء بعض...).
(6) لله درها من عظمة مولوية وعناية ملوكية لو طبقها الأمراء وملوك
المسلمين.
143

- 191 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله للأشتر رحمه الله لما أمره على مقدمة جيشه عندما أرسل إليه قائد
مقدمة جيشه بأنا لقينا أبو الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام
فأمرنا بأمرك.
قال نصر (ره): وقال خالد بن قطن (1) فلما [سار علي عليه السلام من
الأنبار إلى الرقة، ونصب العثمانية له جسرا على الفرات خوفا من الأشتر و] قطع
علي الفرات، دعا زياد بن النضر، وشريح بن هانئ فسرحهما أمامه نحو معاوية
على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة في اثني عشر ألفا. وقد كان حين
سرحهما من الكوفة [مقدمة له] أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي
الكوفة حتى بلغا عانات فبلغهما أخذ علي على طريق الجزيرة، وبلغهما أن معاوية
أقبل في جنود أهل الشام من دمشق لاستقبال علي، فقالا: لا والله ما هذا لنا
برأي أن نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر، ما لنا خير أن نلقى جموع
أهل الشام بقلة من عددنا منقطعين عن العدد والمدد، فذهبوا ليعبروا من عانات
فمنعهم أهل عانات، وحبسوا عنهم السفن فأقبلوا راجعين حتى عبروا من

(1) وفي تاريخ الطبري: (قال أبو مخنف: فحدثني خالد بن قطن
الحارثي)...
144

(هيت) ثم لحقوا عليا بقرية دون (قرقيسيا) وقد أرادوا أهل عانات فتحصنوا
منهم (2).
فلما لحقت المقدمة عليا قال: مقدمتي تأتي من ورائي؟ فتقدم إليه زياد وشريح
فأخبراه بالرأي الذي رأيا. فقال: قد أصبتما رشدكما، فلما عبر الفرات قدمهما
أمامه نحو معاوية فلما انتهوا إلى معاوية (3) لقيهم أبو الأعور [السلمي عمرو بن
سفيان] في جند أهل الشام، فدعوهم إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين فأبوا
فبعثوا إلى علي: انا لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام
فدعوناه وأصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبوا علينا فمرنا بأمرك.
فأرسل علي [عليه السلام] إلى الأشتر (4) فقال [له]:
يا مالك (5) إن زيادا وشريحا أرسلا إلي يعلماني أنهما لقيا أبا

(2) وفي الطبري: وقد أرادوا أهل عانات فتحصنوا وفروا...
(3) فيه تسامح ولعل الصواب: فلما انتهوا إلى ما في إمارة معاوية من أرض
الشام. أو فلما انتهوا إلى جنود معاوية...
(4) من هذا التعبير، ومن قول الراوي عند ختام كلامه (ع): (وكان
الرسول الحارث بن جمهان الجعفي). يستفاد ان الأشتر (ره) لم يكن في هذا
الأوان بحضرته عليه السلام.
وذكر الطبري في سند 36 من تاريخه: ج 3 ص 557: إنه محمد بن بن أبي
بكر أرسله إلى أهل خربتا فقتلوه.
(5) كذا في تاريخ الطبري، وفي كتاب صفين: (يا مال...).
145

الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم، فنبأني
الرسول أنه تركهم متواقفين، فالنجاء إلى أصحابك النجاء (6)
فإذا أتيتهم فأنت عليهم.
[ثم أوصاه عليه السلام بما ينبغي أن يصنع فقال:]
وإياك أن تبدأ القوم بقتال إلا أن يبدؤوك، حتى تلقاهم
وتسمع منهم، ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم (7) قبل دعائهم
والإعذار إليهم مرة بعد مرة.
واجعل على ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا، وقف
بين أصحابك وسطا، ولا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب
الحرب (8) ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتى أقدم

(6) أي أسرع إلى أصحابك أسرع. والكلام من باب الإغراء، وهو
منصوب بفعل محذوف تقديره: الزم النجاء...
(7) لا يجرمنك: لا يجعلنك. والشنآن: البغض والعداوة.
(8) أي يثيرها ويهيجها. والفعل من باب فرح.
146

عليك فإني حثيث السير إليك إن شاء الله.
كتاب صفين ص 153، ط 2 بمصر، وتاريخ الطبري: ج 2 ص 565،
وقطعة منه رواها أيضا أحمد بن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح: ج 2 ص
490.
147

- 192 -
ومن كلام له عليه السلام
لما ورد صفين، ونظر إلى رايات معاوية
نصر بن مزاحم المنقري (ره) عن أبي عبد الرحمان المسعودي، عن يونس بن
الأرقم، عن عوف بن عبد الله، عن عمر بن هند البجلي، عن أبيه، قال: لما
نظر علي عليه السلام إلى رايات معاوية وأهل الشام قال:
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا
وأسروا الكفر!!! فلما وجدوا عليه أعوانا رجعوا إلى
عداوتهم لنا إلا أنهم لم يتركوا الصلاة.
كتاب صفين ص 241، وفي ط ص ورواه عنه في آخر شرح المختار:
(54) من النهج لابن أبي الحديد: ج 4 ص 31، وللكلام شواهد كثيرة.
148

- 193 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما ورد بجيشه صفين ليومين بقيا من ذي الحجة سنة ست وثلاثين (1) وحال
معاوية بينه وبين الماء، وذلك لأن معاوية لما بايعه عمرو بن العاص على أن يكون
مصر طعمة له أن غلب معاوية على الأمر، وكذلك بايعه رئيس قحطان بالشام
بشرط أن يكون لهم الأمر والنهي وصدر المجلس، وكل ما كان من حل وعقد
فعن رأي منهم ومشورة، وعلى أن يفرض معاوية لألفي رجل منهم ألفين ألفين
وإن مات قام ابنه أو ابن عمه مقامه، وكذلك اشترط معه ابن هبيرة

(1) قال في مروج الذهب ج 2 ص 377: ولما كان أول يوم من ذي الحجة
- بعد نزول علي على هذا الموضع بيومين - بعث إلى معاوية يدعو إلى اتحاد الكلمة
والدخول في جماعة المسلمين...
أقول: إن كان المراد من قوله: (هذا الموضع) أرض صفين، فالأمر على ما
ذكر من أنه عليه السلام نزل بصفين قبل يومين من أول ذي الحجة (36). وان
كان مراده منه، الموضع الذي كان فيه معاوية أول الأمر فأزيل عنه في المحاربة
على الماء وجاء علي عليه السلام فنزل فيه، فيكون بدء وروده عليه السلام صفين
لثلاث - أو أربع - بقين من ذي الحجة، إذ مكثوا يوما وليلة بلا ماء، ثم
حاربوا عليه فأنقلب معاوية صاغرا.
149

اليشكري (2) وغيرهم من الرؤساء فتبايعوا ما يتظاهرون به من الدين بالدنيا،
وتجهزوا منتظرين ما يكون من أمير المؤمنين عليه السلام، ولما بلغهم إنه عسكر
بالنخيلة متوجها إلى الشام، أجلب معاوية خيله ورجله وسار بقضه وقضيضه
نحو علي عليه السلام، واستعمل على مقدمته أبا الأعور عمرو بن سفيان، وعلى
ساقته بسر بن أرطاة العامري فوافى (صفين) قبل مجئ علي عليه السلام،
فعسكر في موضع سهل على شريعة لم يكن على الفرات في ذلك الموضع أسهل
منها للورود على الماء، وما عداها أخراق عالية ومواضع إلى الماء وعرة، ووكل
أبا الأعور السلمي بالشريعة مع أربعين ألفا (3).
قال نصر بن مزاحم (ره) عن الأسدي عمر بن سعد، عن يوسف بن يزيد،
عن عبد الله بن عوف بن الأحمر، قال: لما قدمنا [تحت لواء علي عليه السلام]
على معاوية وأهل الشام بصفين، وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا
بساطا واسعا، وأخذوا الشريعة فهي في أيديهم وقد صف أبو الأعور عليها

(2) كما ذكره في أول بيعة مروان بالخلافة من كتاب مروج الذهب ج 3
ص 86، ط بيروت، ويشهد له ما ذكره في أوائل الجزء السابع من كتاب
صفين ص 433 ط 2 بمصر.
(3) وقال الطبري في عنوان: (القتال على الماء) من تاريخه: ج 3 ص 566:
قال أبو مخنف. وحدثني تميم بن الحارث الأزدي، عن جندب بن عبد الله،
قال: إنا لما انتهينا إلى معاوية وجدناه قد عسكر في موضع سهل أفيح قد اختاره
قبل قدومنا إلى جانب شريعة في الفرات ليس في ذلك الصقع شريعة غيرها وجعلها
في حيزه وبعث عليها أبا الأعور يمنعها ويحميها، فارتفعنا على الفرات رجاء أن
نجد شريعة غيرها نستغني بها عن شريعتهم فلم نجدها، فأتينا عليا فأخبرناه بعطش
الناس وأنا لا نجد غير شريعة القوم. قال: فقاتلوهم عليها.
150

الخيل والرجالة، وقدم المرامية، ومعهم أصحاب الرماح والدرق، وعلى
رؤوسهم البيض وقد أجمعوا أن يمنعونا الماء، ففزعنا إلى أمير المؤمنين فأخبرناه
بذلك فدعا صعصعة بن صوحان فقال: ائت معاوية فقل إنا سرنا مسيرنا هذا
وأنا أكره قتالكم قبل الأعذار إليكم، وانك قد قدمت بخيلك فقاتلتنا قبل ان
نقاتلك، وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك،
وهذه أخرى قد فعلتموها، حتى حلتم بين الناس وبين الماء فخل بينهم وبينه
حتى ننظر فيما بيننا وبينكم، وفيما قدمنا له وقدمتم، وإن كان أحب إليك أن
ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب
فعلنا (4).
فأجابه معاوية - بعد مشورة من أصحابه وخلاف بينهما -: لا سقاني الله
ولا سقى أبا سفيان إن شربتم منه أبدا حتى تقتلوا بأجمعكم عليه.
قال نصر، عن محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني، قال: فبقي أصحاب
علي يوما وليلة - يوم الفرات - بلا ماء.
قال نصر (ره): فحدثنا عمرو بن شمر عن جابر، قال: خطب علي
عليه السلام يوم الماء فقال:
أما بعد فإن القوم قد بدؤوكم بالظلم، وفاتحوكم
بالبغي، واستقبلوكم بالعدوان، وقد استطعموكم

(4) إلى هنا ذكرنا رواية كتاب صفين بالسند المتقدم حرفية وبلا تصرف فيها
ومن قوله: (فأجابه معاوية - إلى قوله: - حتى تقتلوا بأجمعكم عليه) مأخوذة
من روايات شتى في الكتاب ومحصل منها.
151

القتال (5) حيث منعوكم الماء، فأقروا على مذلة وتأخير محلة،
أو رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء، فالموت في
حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين.
إلا وإن معاوية قاد لممة من الغواة وعمس عليهم الخبر (6)
حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية.
كتاب صفين، كما رواه عنه في أول وقعة صفين من بحار الأنوار: ج 8 ص
484 س 5 ط الكمباني، نقلا عن نصر بن مزاحم في كتاب صفين، - ونقلها
عنه ابن أبي الحديد أيضا في شرح المختار: (46) من خطب نهج البلاغة: ج 3
ص 325 ط مصر، بتحقيق محمد إبراهيم، وهذه الخطبة قد سقطت من كتاب

(5) أي طلبوا منكم القتال ودعوكم إليه أن تطعموهم إياه بمنع الماء عنكم. كما
يقال: استطعمه أي طلب منه الطعام. واستطعمه الحديث أي سأله أن
يذيقه طعم الحديث.
(6) قال في مادة عمس من النهاية: في حديث علي: (ألا وإن معاوية قاد
لمة من الغواة، وعمس عليهم الخبر). العمس: أن تري أنك لا تعرف الأمر
وأنت به عارف. ويروي بالغين المعجمة. ورواه أيضا في مادة: (لمم)
وقال: [اللمة]: الجماعة.
152

صفين المطبوع بإيران ومصر، وكذلك مطالب وكلم أخر، ولا تعارض المطبوع
ما رواه ابن أبي الحديد، والعلامة المجلسي (ره) وذلك لأجل تصريح طابع
النسخة الإيرانية - التي هي الأصل - بوقوع السقط في نسخه.
وقريب منه جدا في المختار: (46) من نهج البلاغة.
153

- 194 -
ومن كلام له عليه السلام
لما ملك الشريعة قسرا وقال له جنده: امنع الماء عن معاوية وجنده كما
منعوك منه! فقال عليه السلام (1):
لا أفعل ما فعله الجاهلون!!! سنعرض عليهم كتاب الله
وندعوهم إلى الهدى فإن أجابوا (2) وإلا ففي حد السيف ما
يغني إن شاء الله.
شرح المختار (46) أو (51) من خطب نهج البلاغة من كتاب منهاج البراعة:
ج 4 ص 310، ط 2.

(1) وقال أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح [لما غلب أهل العراق على
معسكرهم الذي حازه معاوية مكرا وخديعة وأزالوه عنه] قال الأشعث يا أمير
المؤمنين إنه قد غلب الله لك على الماء مرة، وهذه ثانية وقد علمت ما كان من
غدر معاوية فإن شئت منعناهم الماء؟! فقال علي عليه السلام: إن الخطب أعظم
من منعهم الماء فلا تمنعوهم الماء ولا تكافوهم بصنيعهم!!!
(2) جواب الشرط محذوف أي فإن أجابوا فهو المطلوب.
154

- 195 -
ومن كلام له عليه السلام
دار بينه وبين عبد الله وعبد الرحمن أبني بديل بن ورقاء رحمهما الله
قال البلاذري: حدثني أبو خثيمة زهير بن حرب، وأحمد بن إبراهيم قالا:
حدثنا وهب بن جرير، عن ابن جعدية:
عن صالح بن كيسان قال: سار علي إلى معاوية بن أبي سفيان، وسار معاوية
إلى علي حتى نزلا بصفين - وخلف علي على الكوفة أبا مسعود الأنصاري -
فمكثوا بصفين ما شاء الله، ثم إن عبد الله وعبد الرحمن ابني بديل بن ورقاء
دخلا على علي فقالا: حتى متى لا تقاتل القوم؟ فقال علي: لا تعجلا. فقال عبد
الله بن بديل: ما تنتظر بهم ومعك أهل البصائر والقرآن؟ فقال [عليه السلام]:
اهدأ أبا علقمة. قال: اني أرى إن تقاتل القوم وتتركنا نبيتهم. فقال [علي
عليه السلام]:
يا [أ] با علقمة لا تبيت القوم ولا تدفف على جريحهم (1)

(1) يقال: (دف الشئ - من باب فر - دفا): استأصله. ودف
الجريح ودف عليه: أجهز عليه وأتم قتله.
155

ولا تطلب هاربهم.
الحديث (401) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الأشراف ج 1،
ص 190 أو 381.
156

- 196 -
ومن كلام له عليه السلام
لما قال له قائل من أصحابه: إنك لم تؤخر الحرب إلا كراهية الموت أو لأجل
الشك في قتال أهل الشام ومعاوية!!
قال نصر بن مزاحم (ره) لما ملك علي عليه السلام الماء بصفين ثم سمح لأهل الشام
بالمشاركة فيه والمساهمة، استمالة لقلوبهم مكث أياما لا يرسل إلى معاوية ولا
يأتيه من عند معاوية أحد، واستبطأ أهل العراق اذنه لهم في القتال وقالوا: يا
أمير المؤمنين خلفنا ذرارينا ونساءنا بالكوفة، وجئنا إلى أطراف الشام لنتخذها
وطنا؟ ائذن لنا في القتال فإن الناس قد قالوا. فقال لهم عليه السلام: ما قالوا؟.
فقال منهم قائل: إن الناس يظنون إنك تكره الحرب كراهية للموت، وإن من
الناس من يظن أنك في شك من قتال أهل الشام!!! فقال عليه السلام:
ومتى كنت كارها للحرب؟! (1) إن من العجب حبي لها غلاما

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (ومتى كنت كارها للحرب قط؟).
والظاهر إنه كان بعنوان البدلية من بعض النسخ أو بعض طرق الرواية فخلط
الكاتب أحدهما بالآخر أي في رواية أو نسخة: وما كنت كارها للحرب قط!!
157

ويفعا (2) وكراهيتي لها شيخا بعد نفاذ العمر وقرب الوقت؟!
وأما شكي في القوم فلو شككت فيهم لشككت في أهل
البصرة (3) والله لقد ضربت هذا الأمر ظهرا وبطنا فما وجدت
يسعني إلا القتال أو أن أعصي الله ورسوله!!! ولكني أستأني
بالقوم عسى أن يهتدوا أو تهتدي منهم طائفة، فإن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال لي يوم خيبر: لأن يهدي الله بك رجلا
واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس!!!
أول باب: (جمل ما وقع بصفين من المحاربات) من بحار الأنوار: ج 8 ص
484 ط الكمباني، قال قال ابن أبي الحديد موافقا لما وجدته في كتاب صفين
لنصر بن مزاحم... وقريب منه في المختار: (54) من النهج، والكلام رواه
ابن أبي الحديد، في شرح المختار المذكور: ج 4 ص 13.

(2) يقال: غلام يفع - كفرس -: مترعرع، والجمع: أيفاع.
وغلام يافع: ترعرع وناهز البلوغ، وجمع يافع: يفعة ويفعان.
(3) وفي المختار: (54) من نهج البلاغة: (وأما قولكم: شكا في أهل
الشام. فوالله ما دفعت الحرب يوما الا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي
بي وتعشو إلى ضوئي وذلك أحب إلي من أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء
بآثامها)!!!
158

- 197 -
ومن كلام له عليه السلام
في تحضيض أصحابه على الجهاد في يوم صفين (1)
عباد الله اتقوا الله وغضوا الأبصار، واخفضوا الأصوات
وأقلوا الكلام، ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجادلة
والمبارزة، والمباطلة والمبالدة والمعانقة والمكادمة (2) واثبتوا
واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله ولا
تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين.
اللهم ألهمهم الصبر، وأنزل عليهم النصر، وأعظم لهم
الأجر.

(1) قال الشيخ المفيد (ره): [قال عليه السلام] بعد حمد الله والثناء عليه:
(عباد الله)...
(2) وطنوا: أعزموا. والمبالطة: المحاربة بالسيف. والمكادمة: المعاضة.
159

الفصل (32) من مختار كلامه عليه السلام في الإرشاد، ص 141، ط الغري.
ورواه أيضا في كتاب صفين ص 204 مسندا ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح
المختار: (54) من النهج ج 4 ص 26 وأشار إليه وذكر بعض فقراته في الحديث
(374) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب أنساب الأشراف ج 1 الورق
186 أو صفحة 374.
160

- 198 -
ومن كلام له عليه السلام
في المعنى المتقدم
معاشر المسلمين إن الله قد دلكم على تجارة تنجيكم من
عذاب أليم، وتشفي بكم على الخير العظيم (1) الإيمان بالله
وبرسوله والجهاد في سبيله (2) وجعل ثوبه مغفرة الذنب ومساكن

(1) و (تشفي بكم) - من باب الإفعال - تشرف بكم.
(2) هذا بيان التجارة المنجية من العذاب، والمشفية على الخير، والكلام
إشارة إلى قوله تعالى - في الآية (10) وما بعدها من سورة الصف -: (يا أيها
الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله
وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر
لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، ومساكن طيبة في جنات
عدن، ذلك الفوز العظيم).
161

طيبة في جنات عدن، ثم أخبركم (3) أنه يحب الذين يقاتلون
في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، فقدموا الدارع وأخروا
الحاسر (4) وعضوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف على [عن (خ)]
الهام، والتووا في أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة،
وغضوا الأبصار فإنه أربط للجأش (5) وأسكن للقلوب،
وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار، وراياتكم
فلا تميلوها ولا تخلوها إلا في أيدي شجعانكم فإن المانعين
للذمار، والصابرين على نزول الحقائق [هم] أهل الحفاظ الذين

(3) وفي كتاب صفين: فأخبرهم بالذي يحب فقال: (إن الله يحب الذين)
[4 / الصف]. وهو أظهر.
(4) والمرصوص: المحكم اللاصق بعضه ببعض. والدارع: لابس الدرع.
والحاسر - بالمهملات -: الذي لا مغفر له ولا درع.
(5) وعضوا: أمسكوا والأضراس: جمع الضرس: الطاحن من الأسنان
وأنبى: أبعد وأشد دفعا. والهام: جمع الهامة وهي الرأس. والتووا:
انعطفوا واعوجوا. والرماح جمع الرمح. وأمور: أشد ترددا وانتشابا. والأسنة
جمع السنان: نصل الرمح. وأربط: أقوى. والجأش - كفلس -: القلب.
162

يحفون براياتهم ويكتنفونها (6).
رحم الله امرأ منكم آسا أخاه بنفسه ولم يكل قرنه
إلى أخيه (7) فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه فيكتسب بذلك
لائمة ويأتي به دناءة، ولا تعرضوا لمقت الله (8) ولا تفروا من
الموت فإن الله سبحانه [و] تعالى يقول: (قل لن ينفعكم
الفرار إن فررتم من الموت أو القتل، وإذا لا تمتعون إلا
قليلا) [16 / الأحزاب]. وأيم الله لئن فررتم من سيف العاجلة

(6) ورايات - كآيات - جمع راية - كآية -: العلم الكبير للجيش،
وهي أكبر من اللواء. فلا تميلوها: فلا تزيلوها عن أماكنها. والذمار - على
زنة الثمار -: ما يجب التذمر له أي الغضب لأجله من جهات كرامة الشخص.
والحقائق - هنا -: النوازل والشدائد، وكأنها جمع الحاقة: النازلة. ويحفون
ويكتنفون: يلصقون أنفسهم بها ويحيطون ويدورون عليها.
ثم إن في غير واحد من المصادر: (والصابر عند نزول الحقائق) وكأنه أظهر
(7) القرن - كحبر - من يقاومك ويبارزك: الكفؤ.
(8) وفي كتاب صفين والكافي: (فلا تعرضوا) وهو أظهر.
163

لا تسلمون من سيف الآجلة (9) فاستعينوا بالصبر والصلاة (10)
والصدق في النية، فإن الله تعالى بعد الصبر ينزل النصر.
الفصل (33) من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد، ص 141، ونقله
عنه في البحار ج 8 ص 510 س 11، ط الكمباني، وقريبا منه مع ذيل طويل نقله
ثقة الإسلام الكليني (ره) في الحديث الرابع من الباب (15) من كتاب الجهاد من
الكافي: ج 5 ص 39 عن مالك بن أعين عنه عليه السلام، وللكلام مصادر وأسانيد
أخر يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في المختار (207).

(9) وفي بعض النسخ منه وكذلك في كتاب صفين: (من سيف الآخرة).
والمراد من سيف الآجلة أي الآخرة هو عذاب الله تعالى للفار من الجهاد، وإنما
عبر بالسيف ليتشاكل ما قبله.
(10) كلمة: (الصلاة) غير موجودة في كتاب صفين والكافي وتاريخ
الطبري.
164

- 199 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما جاء رسل معاوية وذلك بعد وضع الحرب لحلول
شهر محرم الحرام من سنة سبع وثلاثين
قال نصر: حدثنا سليمان بن أبي راشد (1) عن عبد الرحمان بن عبيد أبي
الكنود، إن معاوية بعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري، وشرحبيل بن السمط
ومعن بن يزيد بن الأخنس السلمي، فدخلوا على علي عليه السلام وأنا عنده، فحمد
الله حبيب بن مسلمة وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهديا، يعمل بكتاب الله وينيب إلى
أمر الله، فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه، فادفع إلينا
قتلة عثمان نقتلهم به، فإن قلت: إنك لم تقتله فاعتزل أمر الناس فيكون أمرهم
هذا شورى بينهم، يولي الناس أمرهم من اجمع عليه رأيهم.
فقال له علي عليه السلام: وما أنت - لا أم لك - والولاية والعزل، والدخول
في هذا الأمر؟ أسكت فإنك لست هناك ولا بأهل لذاك.

(1) وفي الطبري: (سليمان بن راشد الأزدي)...
165

فقام ابن مسلمة فقال: أما والله لتريني حيث تكره. فقال علي عليه السلام
وما أنت ولو أجلبت بخيلك ورجلك؟! اذهب فصوب وصعد ما بدا لك،
فلا أبقى الله عليك إن أبقيت.
فقال شرحبيل: [إني] إن كلمتك فلعمري ما كلامي إياك إلا كنحو من
كلام صاحبي قبلي، فهل لي عندك جواب غير الجواب الذي أجبته به؟.
فقال علي عليه السلام: [نعم] عندي جواب غير الذي أجبته به، لك
ولصاحبك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد فإن الله بعث النبي صلى الله عليه وسلم فأنقذ به
من الضلالة، ونعش به من الهلكة (1) وجمع به بعد الفرقة،
ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه، فاستخلف الناس أبا
بكر ثم استخلف أبو بكر عمر، فأحسنا السيرة وعدلا في
الأمة (2) وقد وجدنا عليهما (3) أن توليا الأمر دوننا ونحن آل
الرسول وأحق بالأمر، فغفرنا ذلك لهما، ثم ولي أمر الناس

(1) أي وأنجا الناس به من الهلكة وتداركهم به من الشقاء والبوار.
(2) يعني لم يعملا مثل ما عمل عثمان من الانحراف الجلي عن جادة الشريعة
بشتى النواحي، فالأمر إضافي.
(3) أي غضبنا عليهما. والفعل من باب وعد.
166

عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه، فسار إليه ناس فقتلوه،
ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم فقالوا لي: بايع فأبيت
عليهم، فقالوا لي بايع فإن الأمة لا ترضى إلا بك، وإنا
نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس. فبايعتهم فلم يرعني إلا
شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية إياي (4) الذي لم
يجعل الله له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الإسلام،
طليق بن طليق. وحزب من الأحزاب (5) لم يزل لله ولرسوله
وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين
مكرهين!!! فعجبنا لكم ولإجلابكم معه (6) وانقيادكم له،
وتدعون أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم الذين لا
ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم، ولا أن تعدلوا بهم أحدا من

(4) فلم يرعني - من باب قال -: فلم يفزعني. والشقاق: النزاع والخصام
والرجلان: هما طلحة والزبير.
(5) أي من أحزاب الكفر والشرك.
(6) أي لتجمعكم معه لنصرته وقتال من خالفه واختلاط أصواتكم بصوته في
الدعاوي الباطلة.
167

الناس!!!
إني أدعوكم إلى كتاب الله عز وجل، وسنة نبيكم صلى
الله عليه وسلم، وإماتة الباطل، وإحياء معالم الدين، أقول
قولي هذا وأستغفر الله لنا ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم
ومسلمة.
فقال له شرحبيل ومعن بن يزيد: أتشهد أن عثمان قتل مظلوما؟ فقال
[علي عليه السلام] لهما إني لا أقول ذلك. قالا: فمن لم يشهد أن عثمان قتل مظلوما
فنحن براء منه!!! ثم قاما فانصرفا، فقال [علي] عليه السلام:
(إنك لا تسمع الموتى، ولا تسمع الصم الدعاء إذا
ولوا مدبرين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع
الا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) [80 / النحل].
ثم أقبل على أصحابه فقال: لا يكون هؤلاء بأولى في الجد في ضلالتهم منكم
في حقكم وطاعة إمامكم.
كتاب صفين ط 2 بمصر، ص 200 وفي ط ص 225، ورواها عنه ابن أبي
الحديد في شرح المختار: (54) من خطب النهج: ج 4، ص 23، ورواها عنهما
168

في البحار: ج 8 ص 486 س 30.
ورواها أيضا الطبري في حوادث سنة (37) من تاريخه: ج 4 ص 4، وفي ط
ج 6 ص 14، وقريبا منه ذكره أحمد بن أعثم الكوفي - المتوفى نحو 314 - في
كتاب الفتوح: ج 3 ص 28.
169

- 200 -
ومن خطبة له عليه السلام
بعد اليوم الخامس من شهر صفر سنة (37) لما لحق به شمر بن أبرهة في ناس
من قراء أهل الشام ففت ذلك في عضد معاوية وابن العاص فخطبا أهل الشام
لاستدراك ما فات.
قال نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد [الأسدي] عن أبي يحيى، عن محمد
ابن طلحة، عن أبي سنان الأسلمي، قال: لما أخبر علي بخطبة معاوية وعمرو،
وتحريضهما الناس عليه، أمر الناس فجمعوا قال [أبو سنان]: وكأني أنظر إلى علي
متوكئا على قوسه وقد جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه عنده فهم يلونه
[وكأنه] أحب أن يعلم الناس أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] متوافرون عليه
[معه (خ)] فحمد الله ثم قال:
أيها الناس اسمعوا مقالتي وعوا كلامي (1) فإن الخيلاء من
التجبر، وإن النخوة من التكبر (2) وإن الشيطان عدو حاضر

(1) (عوا) أي احفظوا كلامي والمفرد (عه) بهاء السكت.
(2) الخيلاء - بضم الخاء المعجمة وكسرها -: العجب والكبر والنخوة.
- بفتح النون - الافتخار والتعظم.
170

يعدكم الباطل.
إلا إن المسلم أخو المسلم [ف‍] لا تنابذوا (3) ولا تخاذلوا،
فإن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة، من أخذ بها لحق،
ومن تركها مرق ومن فارقها محق (4) ليس المؤمن بالخائن إذا
أتمن، ولا بالمخلف إذا وعد، ولا بالكذاب إذا نطق.
نحن أهل بيت الرحمة، وقولنا الصدق، وفعلنا القصد (5)
ومنا خاتم النبيين وفينا قادة الإسلام، ومنا قراء الكتاب (6)
ندعوكم إلى الله وإلى رسوله و [إلى] جهاد عدوه والشدة في
أمره وابتغاء رضوانه، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج

(3) أي لا تختلفوا ولا تفترقوا معاداة، يقال: تنابذ القوم تنابذا
اختلفوا وافترقوا عن عداوة.
(4) أي مات وهلك.
(5) أي الاستقامة على جادة الشريعة من غير افراط ولا تفريط.
(6) المراد من الكتاب القرآن الكريم كلام الله تعالى.
171

البيت وصيام شهر رمضان، وتوفير الفئ لأهله [على
أهله (خ)].
ألا وإن من أعجب العجائب أن معاوية بن أبي سفيان،
وعمرو بن العاص السهمي أصبحا يحرضان الناس على الدين
بزعمهما، وقد علمتم أني لم أخالف رسول الله صلى الله عليه
وسلم قط، ولم أعصه في أمر قط (7) [كنت] أقيه بنفسي في
المواطن التي ينكص فيه الأبطال، وترعد فيها الفرائص،
نجدة أكرمني بها (8) فله الحمد.
ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وإن رأسه لفي
حجري ولقد وليت غسله بيدي وحدي تقلبه الملائكة

(7) وفي المختار: (192) من النهج: (ولقد علم المستحفظون من أصحاب
محمد صلى الله عليه وآله وسلم أني لم أرد على الله ولا على رسوله ساعة قط ولقد واسيته بنفسي في
المواطن التي تنكص فيها الابطال وتتأخر فيها الاقدام نجدة أكرمني الله بها.
(8) أي ترتعد وتضطرب فيها الفرائص من الخوف. والفرائص: جمع الفريصة:
اللحمة بين الجنب والكتف أو بين الثدي والكتف ترعد عند الفزع والنجدة
- بفتح النون: الشجاعة والبسالة.
172

المقربون معي (9) وأيم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا
ظهر أهل باطلها على [أهل] حقها إلا ما شاء الله.
قال: فقال أبو سنان الأسلمي: فسمعت عمار بن ياسر يقول: أما أمير
المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لن تستقيم عليه [أولا وإنها لن تستقيم عليه آخرا]
ثم تفرق الناس وقد نفذت بصائرهم في قتال عدوهم [فتأهبوا واستعدوا].
كتاب صفين ص 223 ومثله في الحديث (5) من المجلس (27) من أمالي الشيخ
المفيد، ص 145، ورواه أيضا عن الشيخ المفيد، في الحديث (13) من الجزء
الأول من أمالي الطوسي ص 7 وفي ط ص 10، وذيل الكلام قريب جدا مما في
المختار: (192) من خطب النهج.

(9) وفي النهج (ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن رأسه لعلى صدري ولقد
سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي ولقد وليت غسله صلى الله عليه وآله وسلم والملائكة
أعواني فضجت الدار والأفنية، ملأ يهبط وملأ يعرج وما فارقت سمعي هينمة
منهم يصلون عليه حتى واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به مني حيا وميتا؟
فانفذوا على بصائركم ولتصدق نياتكم في جهاد عدوكم فوالله الذي لا إله إلا هو إني
لعلى جادة الحق وانهم على مزلة الباطل، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي
ولكم) أقول: وفي الحديث: (1028) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق وفي
الباب: (67) من البحار: ج 9 ص 336 ط الكمباني شواهد لهذا الصدر من
كلامه عليه السلام المنقول عن نهج البلاغة.
173

- 201 -
ومن كلام له عليه السلام
في أن لكل إنسان حفظة يحفظونه
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن، أنبأنا أبو الحسن محمد بن
علي بن أحمد، أنبأنا أحمد بن إسحاق النهاوندي أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن
يعقوب التوني، أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث، أنبأنا عبدة بن عبد الله، عن
إسرائيل بن أبي إسحاق:
عن عمرو بن أبي جندب، قال كنا جلوسا عند سيدنا سعيد بن قيس بصفين
إذ جاء أمير المؤمنين متوكئا على عنزة (1) وإن الصفين ليتراءيان، بعد ما اختلط
الظلام (2) فقال له سعيد: [أأنت] أمير المؤمنين؟ قال نعم. قال: سبحان الله
أما تخاف أن يقتلك أحد؟ قال: لا. [ثم قال عليه السلام]:
إنه ليس من عبد إلا ومعه حفظة [يحفظونه] من أن

(1) العنزة - بالفتحات -: عصا شبه العكازة لها زج في أسفلها، والجمع عنز
وعنزات.
(2) أي لم يستولي الظلمة على العالم بحيث لا يري الشخص ما يواجهه من
مكان قريب، بل كان اختلط الظلام بالضياء.
174

يصيبه حجر، أو يخر من جبل أو يقع [منه] أو يصيبه دابة،
حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه.
قال ابن عساكر: وأظن عمرا هذا [الواقع في السند] هو أبو بصير، بهذا
أخبرنا أبو غالب أيضا، أنبأنا محمد بن علي، أنبأنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا محمد
ابن أحمد بن يعقوب، أنبأنا أبو داود، أنبأنا داود بن أمية [ظ] أنبأنا مالك
ابن سعيد [ظ] أنبأنا الأعمش، عن أبي إسحق:
عن أبي بصير، قال: كنا جلوسا حول سيدنا الأشعث بن قيس إذ جاء
رجل بيده عنزة، فلم يعرفه وعرفه [كذا] قال: إذا أمير المؤمنين؟ قال: نعم
قال: [أ] تخرج هذه الساعة وأنت رجل محارب؟ قال:
إن علي من الله جنة حصينة، فإذا جاء القدر لم يغن
شيئا، إنه ليس من الناس أحد إلا وقد وكل به ملك، ولا
تريده دابة ولا شئ إلا قال [له]: اتقه اتقه، فإذا جاء
القدر خلا عنه (1).

(1) وقريب منه جدا في المختار (60) من خطب نهج البلاغة.
وهذا المعنى قد ذكر في منظوم كلامه أيضا في مواضع، قال نصر بن مزاحم
- في أواسط الجزء السادس من كتاب صفين ص 395 -: وكان علي [عليه السلام] إذا
أراد القتال هلل وكبر ثم قال:
من أي يومي من الموت أفر * أيوم ما قدر أم يوم قدر
وزاد عليه في رواية الصدوق وغيره:
ويوم ما قدر لا أخشى الردى * وإذا قدر لم يغن الحذر
175

الحديث (1382) وتاليه، من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص
102، وفي التوالي أيضا شواهد لهذا المعنى. والحديث الأول رواه ثقة الإسلام
الكليني (ره) بسند آخر، وفي الحديث (8) من باب فضل اليقين من أصول
الكافي: ج 2 ص 59، ويجئ أيضا بسند آخر في تعليق المختار: (208) وقريب منه في المختار: (120) من قصار النهج.
ورواه عنه وعن أبي داود، في القدر، في منتخب كنز العمال المطبوع
بهامش مسند أحمد: ج 1 ص 78.
176

- 202 -
ومن خطبة له عليه السلام
في بيان حقوق الوالي على الرعية، وحقوق الرعية على الوالي وانتظام صلاح
المسلمين برعايتهما، واختلال نظامهم بتركهما.
محمد بن يعقوب الكليني - رفع الله مقامه - عن علي بن الحسن المؤدب، عن
أحمد بن محمد بن خالد، وأحمد بن محمد (1)، عن علي بن الحسن التميمي جميعا،
عن إسماعيل بن مهران، قال: حدثني عبد الله بن الحارث، عن جابر:
عن أبي جعفر عليه السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس بصفين،
فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال:
أما بعد فقد جعل الله تعالى لي عليكم حقا بولاية أمركم
ومنزلتي التي أنزلني الله عز ذكره بها منكم ولكم علي من

(1) قال المجلسي رحمه الله: أحمد بن محمد، عطف على علي بن الحسن وهو
العاصمي. والتميمي هو ابن فضال.
177

الحق مثل الذي لي عليكم، والحق أجمل الأشياء في التواصف،
وأوسعها في التناصف (2) لا يجري لأحد إلا جرى عليه ولا يجري
عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجري ذلك له ولا
يجري عليه، لكان ذلك لله عز وجل خالصا دون خلقه،
لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه ضروب
قضائه (3) ولكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل
كفارتهم (4) عليه بحسن الثواب تفضلا منه، وتطولا بكرمه،

(2) التواصف: ان يصف الشئ بعضهم لبعض، والتناصف: أن ينصف
بعضهم بعضا، وإنما كان الحق أجمل الأشياء في التواصف، لأنه يوصف بالحسن
وكل جميل، وإنما كان أوسعها في التناصف، لأن الناس لو تناصفوا في الحقوق
لما ضاق عليهم أمر من الأمور. وفي نهج البلاغة: (فالحق أوسع الأشياء في
التواصف وأضيقها في التناصف) أي يتسع قول الناس كلهم في وصف الحق،
ولكن لا ينصف بعضهم بعضا.
(3) أي أنواع قضائه، وفي النهج وبعض نسخ الكافي - على ما قيل -:
(صروف قضائه).
(4) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (وجعلت كفارتهم عليه). قيل: إنما
سمي جزاءه تعالى على الطاعة كفارة، لأنه يكفر ما يزعمونه من أن طاعتهم له
تعالى حق لهم عليه يستوجبون به الثواب، مع إنه ليس كذلك لأن الحق له
عليهم حيق أقدرهم على الطاعة وألهمهم إياها، ولهذا سماه التفضل والتطول
والتوسع بالأنعام الذي هو للمزيد منه أهل، لأنه الكريم الذي لا تنفذ خزائنه
بالإعطاء والجود
178

وتوسعا بما هو من المزيد له أهلا (5).
ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض
فجعلها تتكافأ في وجوهها (6) ويوجب بعضها بعضا ولا يستوجب
بعضها إلا ببعض، فأعظم ما افترض الله (7) تبارك وتعالى من
تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة
فرضها الله عز وجل لكل على كل، فجعلها نظام ألفتهم (8) وعزا
لدينهم، وقواما لسنن الحق فيهم (9) فليست تصلح الرعية إلا
بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا

(5) وفي النهج (ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل جزاؤهم
عليه مضاعفة الثواب، تفضلا منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله).
(6) أي جعل كل وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله، فحق الوالي - وهو
الطاعة من الرعية - مقابل بمثله: وهو العدل فيهم وحسن السيرة.
(7) وفي النهج: (وأعظم ما افترض الله).
(8) وفي النهج: (فجعلها نظاما لألفتهم) وهو أظهر.
(9) وإنما هي عز لدينهم لأنها سبب اجتماعهم وبه يقهرون أعداءهم فيعز
دينهم. وقوله: (قواما) أي به يقوم جريان الحق فيهم وبينهم.
179

أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى إليها الوالي كذلك، عز
الحق بينهم فقامت مناهج الدين، واعتدل معالم العدل، وجرت
على أذلالها السنن (10) فصلح بذلك الزمان، وطاب به العيش،
وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء.
وإذا غلبت الرعية واليهم، وعلى الوالي الرعية (11) اختلفت
هنالك الكلمة، وظهرت مطامع الجور، وكثر الإدغال في
الدين، وتركت معالم السنن (12) فعمل بالهوى، وعطلت الآثار،

(10) الإذلال: جمع الذل - بالكسر -: محجة الطريق، يقال: أمور
الله جارية إذلالها، وعلى إذلالها، أي على مجاريها ووجوهها. والسنن: جمع
السنة.
(11) يقال: (علا زيد عمرا - من باب دعا - علوا) وعليه علاءا - من
باب علم - واعتلاه: قهره وغلبه. وفي النهج: (وإذا غلبت الرعية واليها، أو
أجحف الوالي برعيته)...
(12) الأدغال - بكسر الهمزة - هو أن يدخل في الشئ ما ليس منه
وهو الإبداع والتلبيس. وبفتح الهمزة: جمع الدغل - كجبل - وهو الفساد.
والمعالم جمع المعلم - كمخزن -: ما يستدل به على الطريق. وفي النهج: (وتركت
محاج السنن) أي أوساط طرقها.
180

وكثرت علل النفوس (13) ولا يستوحش لجسيم حد عطل، ولا
لعظيم باطل أثل (14) فهنالك تذل الأبرار، وتعز الأشرار،
وتخرب البلاد، وتعظم تبعات الله (15) - عز وجل - عند
العباد.
فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله عز وجل، والقيام
بعدله والوفاء بعهده والانصاف له في جميع حقه (16) فإنه
ليس العباد إلى شئ أحوج منهم إلى التناصح في ذلك وحسن
التعاون عليه، وليس أحد - وإن اشتد على رضى الله حرصه
وطال في العمل اجتهاده - - ببالغ حقيقة ما أعطى الله من

(13) علل النفوس: تسويلاتها وتزينها المعاصي لديها بما فيها من الملكات
الفاسدة من حب الشهوات.
(14) أي أصل وأسس، ومجد مؤثل: مجموع ذو أصل وأساس، وفي
النهج: فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل).
(15) التبعات: ما يتبع الأعمال السيئة من العقاب وسوء العاقبة.
(16) الإنصاف لله تعالى في جميع حقه وهو أن يعمل العبد بوظائف العبودية
في جميع ما كلفه الله تعالى.
181

الحق أهله (17) ولكن من واجب حقوق الله عز وجل على
العباد، النصيحة له بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق
فيهم (18) ثم ليس أمرؤ (19) - وإن عظمت في الحق منزلته،
وجسمت في الحق فضيلته (20) - بمستغن أن يعان على ما حمله
الله عز وجل من حقه (21) ولا امرؤ - وإن خسأت به
الأمور، واقتحمته العيون - بدون أن يعين على ذلك [أ] و
يعان عليه (22) وأهل الفضيلة في الحال وأهل النعم العظام أكثر
.

(17) وفي النهج: (فعليكم بالتناصح في ذلك وحسن التعاون عليه، فليس
أحد - وإن أشتد على رضى الله حرصه وطال في العمل اجتهاده - ببالغ حقيقة
ما الله أهله من الطاعة).
(18) وفي نهج البلاغة (بينهم).
(19) وفي النهج: (وليس امرؤ). وهو أظهر.
(20) وفي النهج: (وتقدمت في الدين فضيلته) وهو أظهر.
(21) وفي النهج: (بفوق أن يعان على ما حمله الله من حقه).
(22) كذا في نهج البلاغة - عدا قوله: (وان خسأت به الأمور) فإن بدله
فيه: (وإن صعرته النفوس) - وهو الظاهر، وفي الروضة هكذا: (ولا لامرئ
مع ذلك خسأت به الأمور، واقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك
ويعان عليه)
182

في ذلك حاجة، وكل في الحاجة إلى الله عز وجل شرع
سواء (23).
[قال:] فأجابه رجل من عسكره - لا يدري من هو، ويقال: إنه لم ير في
عسكره قبل ذلك اليوم ولا بعده - فقال وأحسن الثناء على الله عز وجل بما
أبلاهم وأعطاهم من واجب حقه (24) عليهم، والإقرار [له] بكل ما ذكر من
تصرف الحالات به وبهم.
ثم قال: أنت أميرنا ونحن رعيتك، بك أخرجنا الله عز وجل من الذل،
وبإعزازك أطلق عباده من الغل (25) فاختر علينا فأمض اختيارك، وائتمر
فامض ائتمارك (26) فإنك القائل المصدق، والحاكم الموفق، والملك المخول (27)

(23) سواء: بيان لقوله: (شرع) وتأكيد له، وإنما ذكر عليه السلام ذلك، لئلا
يتوهم أنهم يستغنون بإعانة بعضهم بعضا عن ربهم تعالى بل هو الموفق والمعين لهم
في جميع أمورهم ولا يستغنون بشئ عن الله تعالى.
(24) أبلاهم: أنعمهم. والضمير في (حقه) يصلح للرجوع إلى الله، والى
أمير المؤمنين عليه السلام.
(25) أي من التكاليف الشاقة التي كانت طوق رقابهم، وكأنه إشارة إلى
قوله تعالى: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
(26) الائتمار: المشاورة، كما في قوله تعالى: (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك).
(27) يقال: (خوله الشئ): أعطاه إياه وملكه متفضلا. أي أنت الملك
الذي خولك الله أمرتنا وجعلنا من خدمك وتابعيك.
183

لا نستحل في شئ معصيتك، ولا نقيس علما بعلمك، يعظم عندنا في ذلك
خطرك (28) ويحل عنه في أنفسنا فضلك.
فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال:
إن من حق عظم جلال الله في نفسه وجل موضعه من
قلبه، أن يصغر عنده - لعظم ذلك - كل ما سواه (29)
وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه، ولطف
إحسانه إليه (30) فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد
حق الله عليه عظما، وإن من أسخف حالات الولاة عند
صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر (31) ويوضع أمرهم على

(28) الخطر: القدر والمنزلة.
(29) كلمة (كل) فاعل لقوله: (يصغر) أي يصغر عنده كل ما سوى الله
لعظم الجلال الإلهي.
(30) أي إن أحق المعظمين لله بتصغير ما عداه، هو الذي عظمت عليه
نعمة الله، ولطف إحسانه إليه.
(31) السخف - كفرس -: رقة العقل وضعفه، أي إن أخس أحوال
الولاة عند رعيتهم أن يظنوا بهم أنهم يحبون الفخر، ويبنون أمورهم على أساس
الكبر.
184

الكبر، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب
الإطراء واستماع الثناء (32) ولست - بحمد الله - كذلك، ولو
كنت أحب أن يقال ذلك [لي] لتركته انحطاطا لله سبحانه (33)
عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء، وربما
استحلى الناس الثناء بعد البلاء (34) فلا تثنوا علي بجميل ثناء
لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من البقية في حقوق لم أفرغ
من أدائها (35) وفرائض لابد من إمضائها، فلا تكلموني بما
تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل
البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة (36) ولا تظنوا بي استثقالا في

(32) (جال) مأخوذ من الجولان. و (الإطراء): مجاوزة الحد في الثناء.
أي إني أكره أن يخطر ببالكم - كذبا وعدولا عن الحق - اني أحب أن تثنوا
علي، وتبالغوا في مدحي وتقريظي فإني لست ممن يتوقع المدح والاطراء.
(33) أي تواضعا لله تعالى.
(34) يقال: (احلولى وتحلى واستحلى الشئ): وجده حلوا. والمراد
من البلاء - هنا - هو إجهاد النفس في إحسان العمل.
(35) وفي بعض النسخ. ومثله أيضا في نهج البلاغة -: (من التقية).
(36) البادرة: الحدة. الكلام الذي يسبق من الإنسان في الغضب،
والظاهر أن الثاني من لوازم المعنى الأول. وأهل البادرة: الملوك والسلاطين
وأرباب القبض والبسط، أي لا تثنوا علي كما يثنى على أهل الحدة من الملوك ومن
يضاهيهم خوفا من سطوتهم، أو لا تحتشموا مني كما يحتشم من السلاطين والأمراء
- كترك المساورة والحديث - إجلالا وخوفا منهم وترك مشاورتهم أو إعلامهم
ببعض الأمور. والمصانعة: المداراة. الرشوة.
185

حق قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي، فإنه
من استثقل الحق أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه كان
العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة
بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك
من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني (37)
فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره، يملك منا ما
لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا
عليه (38) فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد

(37) وهذا نظير قوله تعالى في الآية: (54) من سورة يوسف: (وما أبرئ
نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي). أي إني لا آمن الخطأ في نفسي
وعملي إلا أن يكفيني الله وييسر لي فأكون على أمن من الخطأ. وأدلة عصمته
عليه السلام تدل على أن الله يسر له وكفاه الأمن من الخطأ والخطل والعثرة والزلل.
(38) هذا بيان لقاهريته تعالى وأنه إذا أراد شيئا فإرادة غيره وقدرته
مقهورتان مغلوبتان في جنب إرادة الله، فإذا أراد أن يكون سفراؤه وأوصياؤهم
الحافظون لدينهم معصومين مأمومين من الخطأ، كي لا يكون للناس على الله
حجة، وليهلك من هلك عن بينة، فلا بد إذا من مقهورية قواهم البشرية الداعية
إلى ما تلائمها من الشهوات، والمقتضية في ذاتها لصدور الخطأ، تحت إرادة الله
جلت قدرته فلا محيص إذا عن عصمتهم.
186

العمى.
فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل فقال: أنت أهل ما قلت والله، والله
فوق ما قلته، فبلاؤه عندما لا يكفر (39) وقد حملك الله تبارك وتعالى رعايتنا،
وولاك سياسة أمورنا فأصبحت علمنا الذي نهتدي به، وإمامنا الذي نقتدي به
وأمرك كله رشد، وقولك كله أدب، قد قرت بك في الحياة أعيننا، وامتلأت
من سرور بك قلوبنا، وتحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا، ولسنا
نقول لك أيها الإمام الصالح تزكية لك، ولا نجاوز القصد في الثناء عليك،
ولم يكن في أنفسنا طعن على يقينك (40) أو غش في دينك فنتخوف أن يكون
أحدثت بنعمة الله تبارك وتعالى تجبرا أو دخلك كبر، ولكنا نقول لك ما
قلنا تقربا إلى الله عز وجل بتوقيرك، وتوسعا بتفضيلك وشكرا بإعظام أمرك،
فانظر لنفسك ولنا، وآثر أمرا لله على نفسك وعلينا، فنحن طوع فيما أمرتنا
ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا!!!

(39) المراد من البلاء - هنا -: النعمة، أي إن نعمته تعالى عندنا وافرة
بحيث لا نستطيع كفرها أي سترها. أو المعنى إن النعم المذكورة لا يجوز
كفرانها وترك شكرها.
(40) قال المجلسي العظيم (ره): وفي النسخة القديمة: (ولن يكون).
187

فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال:
وأنا استشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم فيما وليت به
من أموركم، وعما قليل يجمعني وإياكم الموقف بين يديه،
والسؤال عما كنا فيه، ثم يشهد بعضنا على بعض، فلا تشهدوا
اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا، فإن الله عز وجل لا
يخفى عليه خافية، ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في
جميع الأمور.
الحديث (550) من كتاب الروضة من الكافي ص 352 ط طهران، ورواه عنه
في الحديث الأول من باب: (نوادر ما وقع في أيام خلافته) من البحار: ج 8 ص 707
ط الكمباني، وكذلك في باب خطبه عليه السلام من ج 17، ص 93.
ورواه أيضا السيد الرضي (ره) في المختار (213) من نهج البلاغة، وروى
قريبا من صدره في ذيل المختار: (34).
وأيضا روى قريبا من الصدر، في الحديث (52) من كتاب القضاء من دعائم
الإسلام: ج 2 ص 539 ط مصر.
188

- 204 -
ومن خطبة له عليه السلام
في حث أصحابه بالصبر والصدق واستعدادهم لمناجزة
أهل الشام اجتماعا، وإحياء ليلتهم بالقيام إلى
الصلاة والتضرع إلى الله وتلاوة القرآن
نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر (1) عن مالك بن أعين، عن زيد بن
وهب (3) ان عليا [عليه السلام] قال في هذه الليلة (3): (حتى متى لا نناهض القوم
بأجمعنا؟). قال: فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر فقال:
الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض، ولا ينقض ما أبرم،
ولو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمة (4) ولا تنازعت الأمة

(1) كذا في النسخة، وفى شرح ابن أبي الحديد: (عن عمر بن سعد).
(2) هذا هو الصواب الموافق لما في تاريخ الطبري، كما يدل عليه، أيضا ما
يأتي من روايات نصر بن مزاحم. وفي النسخة - هنا - يزيد بن وهب.
(3) أي في ليلة الأربعاء من شهر صفر.
(4) المراد من المشيئة - هنا - المشية الحتمية التكوينية القاهرة لجميع
الممكنات، الغالبة على كل الإرادات.
189

[البشر (خ)] في شئ من أمره، ولا جحد المفضول ذا الفضل
فضله، وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار حتى لفت بيننا في
هذا المكان (5) فنحن من ربنا بمرأى ومسمع (6) فلو شاء لعجل
النقمة، ولكان منه التغيير حتى يكذب الله الظالم ويعلم المحق
أين مصيره (7) ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال، وجعل الآخرة
عنده دار [الجزاء] والقرار (ليجزي الذين أساؤا بما عملوا
ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) (8).
ألا إنكم ملاقوا القوم غدا - إن شاء الله - فأطيلوا
الليلة القيام، وأكثروا تلاوة القرآن، واسألوا الله الصبر

(5) أي جمعت بيننا وضمت بعضنا إلى بعض متحاربين.
(6) أي انه تعالى يرى أشخاصنا وأعمالنا ويسمع أقوالنا، والرؤية والسمع
من الله تعالى مأولان بالأدلة القاطعة بعلمه تعالى بالمرئيات والمسموعات.
(7) أي يعلم الله ويبين للمحق مصيره الدنيوي ومآل أمره في الحياة الدنيا،
وأما مصيره الأخروي فقد بينه الله تعالى في القران الكريم والمأثور المقطوع لكل
من المحق والمبطل.
(8) الآية: (31) من سورة النجم: 53.
190

والنصر، والقوهم بالجد والحزم وكونوا صادقين.
ثم انصرف [عليه السلام] ووثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها.
كتاب صفين ص 225، وقريب منه ذكره سليم بن قيس في كتابه ص 65 و
171، وإنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام. وذكرها - مع المختار: (216)
الآتي - في كتاب الفتوح: ج 3 ص 288.
191

- 205 -
ومن كلام له عليه السلام
كان يدعو به الله تبارك وتعالى إذا سار إلى القتال
نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن تميم، قال: كان علي
[عليه السلام] إذا سار إلى القتال ذكر اسم الله حين يركب: ثم يقول:
الحمد لله على نعمه علينا وفضله العظيم، (سبحان الذي
سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون) (1).
ثم [كان عليه السلام] يستقبل القبلة ويرفع يديه إلى الله ويقول:
اللهم إليك نقلت الأقدام، وأتعبت الأبدان، وأفضت
القلوب (2) ورفعت الأيدي وشخصت الأبصار (ربنا افتح بيننا

(1) الآية: (13) من سورة الزخرف 430.
(2) أي اتصلت القلوب بك وأفضى بسره إليك وصارت في فضائك وفناء
باب لطفك وعنايتك.
وقال في الباب (19) وهو باب الدعاء من تيسير المطالب - في ترتيب أمالي
السيد أبي طالب - ص 161: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن
سلام، قال: أخبرنا أبي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن هذيل، حدثنا يوسف
ابن يعقوب الصفار، حدثنا عبيد الله بن سعيد، عن كامل، عن حبيب بن أبي
ثابت، عن عاصم بن ضمرة قال: سمعت عليا يدعو في خطبة فيقول:
اللهم إليك رفعت الأبصار، وبسطت الأيدي وأفضت القلوب ودعيت [ظ]
بالأسنة، وحوكم إليك في الأعمال. [قال] وفي رواية أخرى:
اللهم إفتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، وأشكو إليك غيبة
نبينا وقلة عددنا وكثرة عدونا، اللهم أعنا على ذلك بفتح تعجله ونصر تعز به
[ظ] وسلطان حق تظهره.
192

وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) (3).
[ثم يقول للجند:] سيروا على بركة الله، ثم يقول:
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، يا الله
يا أحد يا صمد، يا رب محمد.
بسم الله الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم [الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك

(3) الآية (89) من سورة الأعراف: 7.
193

يوم الدين] إياك نعبد وإياك نستعين، اللهم كف عنا
بأس الظالمين.
[قال:] فكان هذا شعاره بصفين [إذا سار إلى الحرب] (4).
كتاب صفين ص 230، ط مصر، ورواه عنه ابن أبي الحديد، في شرح
المختار: (65) من نهج البلاغة: ج 5 ص 176.

(4) وفي المقام روايات أخر في دعائه عليه السلام هذا.
194

- 206 -
ومن كلام له عليه السلام
كان يدعو به الله تعالى على سبيل الانقطاع إليه
في ساحة الحرب عند ما كان يزحف بجيشه إلى أهل الشام
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] عن عبد الرحمان بن
جندب، عن أبيه قال: لما كان غداة الخميس [لسبع خلون من صفر، من سنة
سبع وثلاثين] صلى علي فغلس بالغداة (1) ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من
تغليسه يومئذ، ثم خرج بالناس إلى أهل الشام، فزحف إليهم، وكان هو يبدؤهم
فيسير إليهم فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بزحوفهم.
قال نصر: فحدثني [عمر بن سعد، عن] مالك بن أعين، عن زيد بن وهب،
أن عليا خرج إليهم فاستقبلوه فقال:
اللهم رب [هذا] السقف المحفوظ [والجو المكفوف]

(1) أي صلاه وأتى به بالغلس - كفرس -: ظلمة آخر الليل، والجمع أغلاس
كأفراس.
195

الذي جعلته مغيضا لليل والنهار (2) وجعلت فيه مجرى الشمس
والقمر، ومنازل الكواكب والنجوم، وجعلت سكانه سبطا
من الملائكة لا يسأمون العبادة (3)، ورب هذه الأرض التي
جعلتها قرارا للأنام والهوام (4) والأنعام، وما لا يحصى مما
يرى ومما لا يرى من خلقك العظيم، ورب الفلك التي تجرى
في البحري بما ينفع الناس ورب السحاب المسخر بين السماء
والأرض، ورب البحر المسجور [المحيط] بالعالمين، ورب

(2) وفي النهج: (اللهم رب السقف المرفوع، والجو المكفوف...).
والمراد من السقف المحفوظ والجو المكفوف هو ما أحاط بالأرض من جوانبها فإنه
محفوظ بقدرة الله تعالى من الانهدام وانهيار النظام، مكفوف بإرادة الله عن
السقوط على الأرض وتصادمهما.
والمغيض: محل الذهاب والمجئ والظهور والغروب والطلوع والأفول.
(3) لا يسأمون: لا يملون. ومثله في قوله تعالى في الآية (38) من سورة
فصلت: 41: (يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون).
(4) الهوام - كعوام -: جمع الهامة - كعامة: الحشرات. وقد
تطلق على خصوص ما كان له منها سم كالعقرب والحية.
196

الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا (5) إن
أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي، وسددنا للحق، وإن أظهرتهم
علينا فارزقنا الشهادة (6) وأعصم بقية أصحابي من الفتنة.
كتاب صفين ص 232 ط 2 بمصر ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار
(65) من خطب النهج: ج 5 ص 177، ط مصر، ورواه أيضا الطبري في
حوادث سنة 37، من تاريخه: ج 4 ص 10، ورواه أيضا السيد الرضى (ره) في
المختار (169) من خطب النهج، كما رواه الحسين بن سعيد الأهوازي (ره) في
كتاب الدعاء والذكر بسند آخر.

(5) ومثله في تاريخ الطبري وفي النهج: (وللخلق اعتمادا) أي ملجأ
ومعتمدا يعتمدون إليها ويعتصمون بها إذا هجم عليهم العدو وخافوا الاجتياح
والأسرة.
(6) وفي تاريخ الطبري: (فارزقني الشهادة) وهو أظهر.
وفي النهج: (وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصمنا من الفتنة. أين
المانع للذمار والغائر عند نزول الحقائق من أهل الحفاظ؟ العار وراءكم والجنة
أمامكم).
197

- 207 -
ومن كلام له عليه السلام
في حث أصحابه على القتال
قال نصر بن مزاحم (ره): قال عمر بن سعد، عن عبد الرحيم بن عبد الرحمان (1)
عن أبيه أن عليا أمير المؤمنين [عليه السلام] حرض الناس [في اليوم السابع من صفر
سنة 37 (2)] فقال:
إن الله عز وجل قد دلكم على تجارة تنجيكم من
العذاب، وتشفي بكم على الخير (3) إيمان بالله ورسوله وجهاد

(1) هو عبد الرحمان بن محمد بن زياد المحاربي أبو محمد الكوفي المتوفى سنة 95،
وعبد الرحيم ابنه هو أبو زياد المحاربي الكوفي وتوفي سنة 111، هذا تلخيص ما
في الهامش نقلا عن تهذيب التهذيب.
(2) بين المعقوفين زيادة منا للتوضيح.
(3) وفي كتاب الإرشاد: (معاشر المسلمين إن الله قد دلكم على تجارة
تنجيكم من عذاب أليم، وتشفي بكم على الخير العظيم). وتشفي: تشرف.
198

في سبيله (4) وجعل ثوابه مغفرة الذنوب، ومساكن طيبة في
جنات عدن، ورضوانا من الله أكبر (5) فأخبركم بالذي يحب
فقال: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان
مرصوص [4 الصف: 61]. فسووا صفوفكم كالبنيان
المرصوص، وقدموا الدارع وأخروا الحاسر: (6) وعضوا على
الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام، وأربط للجأش (7)
وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى
بالوقار، والتووا في أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة (8)
وراياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلا في أيدي

(4) وفي الطبري والكافي والإرشاد: (الإيمان بالله وبرسوله والجهاد في
سبيله)...
(5) هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: (ورضوان من الله أكبر).
(6) الحاسر: الذي لم يكن لابسا للدرع بل يكون عاريا عنه.
(7) الجأش - كفلس -: القلب، والجمع: جؤوش كقلب وقلوب.
(8) التووا: انعطفوا واعوجوا. وأمور: أشد زلة وخطأ. يقال: مار
الشئ - من باب قال -: تحرك كثيرا وبسرعة من جهة إلى أخرى. والأسنة:
جمع السنان: نصل الرمح...
199

شجعانكم المانعي الذمار، والصبر عند نزول الحقائق (9) [وهم]
أهل الحفاظ الذين يحفون براياتكم ويكتنفونها [و] يضربون
خلفها وأمامها ولا يضيعونها.
أجزأ كل امرئ منكم قرنه وواسى أخاه بنفسه (10) ولم
يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه، فيكتسب
بذلك لائمة، ويأتي به دناءة، وأنى هذا وكيف يكون
هكذا؟! [و] هذا يقاتل اثنين وهذا ممسك يده قد خلا قرنه
على أخيه هاربا منه وقائما ينظر إليه، من يفعل هذا يمقته الله،

(9) الذمار: ما يلزم حفظه والدفاع عنه وبتضييعه يلام الشخص ويوبخ.
والصبر - كعنق -: جمع الصبور: الحليم. والحقائق: جمع: الحقيقة: ما يجب
على الإنسان محاماته والدفاع عنه. والحوادث النازلة التي لا تدفع إلا بالعزيمة
الراسخة والاهتمام التام لإزالتها.
(10) هذا لفظه خبر ومعناه إنشاء أي فليجز كل واحد منكم من بإزائه من
عدوه وليواسي أخاه في ساحة الحرب ولا يتأخر عن من يبارزه كي يجتمع على
أخيه فيقتلوه بكثرتهم وانفراده.
يقال: (جزى زيد عن قائده القتال - من باب رمى - وأجزأه عنه - من
باب أفعل - أجزاءا): كفاه وأغناه عنه. والقرن - بكسر القاف كحبر -:
من يبارز الشخص ويحاربه.
200

فلا تعرضوا لمقت الله، فإنما مردكم إلى الله، قال الله لقوم:
(قل: لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل،
وإذا لا تمتعون إلا قليلا) [86 الأحزاب] وأيم الله لئن فررتم
من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة (11) استعينوا بالصدق
والصبر فإنه بعد الصبر ينزل النصر.
كتاب صفين، ط 2 بمصر، ص 235 ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح
المختار: (65) من نهج البلاغة: ج 5 ص 187. ورواه أيضا أحمد بن أعثم في
كتاب الفتوح: ج 3 ص 72 باختصار.

(11) كذا في الأصل، والمراد منه عذاب الآخرة.
201

- 208 -
ومن كلام له عليه السلام
قال سبط ابن الجوزي: وقال ابن عباس: كان علي [عليه السلام] يخاف انقطاع
النسل [أي نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] فقال يوم صفين - وقد رأى الحسن والحسين
يتسارعان إلى القتال. وقيل: إنما رأى الحسين (1) لا غير، فقال -:
أملكوا عني هذا الغلام لا يهدني (2) فإني أنفس به عن
الموت (3) لئلا ينقطع نسل رسول الله [صلى الله عليه وآله
وسلم].
ترجمة الإمام علي بن الحسين عليه السلام من كتاب تذكرة الخواص، ص 334
وقريب منه جدا في المختار: (205) من نهج البلاغة.

(1) وفي نهج البلاغة: وقد رأى الحسن عليه السلام...
(2) أملكوا عني: امسكوه واحبسوه عن القتال بدلا عني لئلا يهدني أي
يهدمني ويوهن ركني، يقال: (هد البناء - من باب مد - هدا وهدودا):
هدمه شديدا وضعضعه وكسره بشدة. وهدته المصيبة: أوهنت ركنه.
(3) وفي النهج: (فإني أنفس بهذين - يعني الحسن والحسين عليهما السلام -
على الموت لئلا ينقطع بهما...). وأنفس به - من باب فرح -: أضن وأبخل به.
202

- 209 -
ومن كلام له عليه السلام
لما انهزمت ميمنته فذهب عليه السلام إلى الميسرة
كي يستثيبهم ويحثهم على الجهاد
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد، عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب
قال مر علي يومئذ ومعه بنوه نحو الميسرة [ومعه ربيعة وحدها] واني لأرى
النبل بين عاتقه ومنكبيه، وما من بنيه أحد إلا يقيه بنفسه، فيكره على ذلك
فيتقدم عليه فيحول بينه وبين أهل الشام، ويأخذ بيده إذا فعل ذلك فيلقيه بين
يديه أو من ورائه، فبصر به أحمر - مولى أبي سفيان أو عثمان أو بعض بني أمية
- [فعرفه] فقال: [هذا] علي ورب الكعبة، قتلني الله إن لم أقتلك أو تقتلني!
فأقبل نحوه، فخرج إليه كيسان مولى علي فاختلفا ضربتين فقتله مولى بني أمية
وخالط عليا ليضربه بالسيف، فانتهزه علي فتقع يده (1) في جيب درعه فجذبه
ثم حمله على عاتقه - فكأني انظر إلى رجليه تختلفان على عنق علي - ثم ضرب به
الأرض فكسر منكبه وعضده، وشد عليه ابنا علي: الحسين ومحمد فضرباه
بأسيافهما حتى برد، فكأني أنظر إلى علي قائما وشبلاه يضربان الرجل حتى إذا

(1) وفي ط إيران: فوقع يده في جيب درعه... ويقال..: (انتهز الشئ
انتهازا): بادر إليه وأسرع إلى تناوله. و (انتهز الفرصة): اغتنمها وانتهض
إليها مبادرا.
203

أتيا عليه أقبلا إلى أبيهما والحسن معه قائم [ف‍] قال: يا بني ما منعك أن تفعل كما
فعل أخواك؟ قال: كفياني يا أمير المؤمنين.
ثم إن أهل الشام دنوا منه - والله ما يزيده قربهم منه [ودنوهم إليه] سرعة
في مشيه - فقال له الحسن: ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى هؤلاء الذين
صبروا لعدوك من أصحابك؟ - [قال: يعني ربيعة الميسرة] - قال:
يا بني إن لأبيك يوما لن يعدوه، ولا يبطئ به عنه
السعي، ولا يعجل به إليه المشي، إن أباك والله ما يبالي
وقع على الموت أو وقع الموت عليه (2).
فبينا يسير عليه السلام نحو الميسرة إذ مر بالأشتر فقال له يا مالك. قال: لبيك
يا أمير المؤمنين. قال: إئت هؤلاء القوم فقل لهم: أين فراركم من الموت الذي
لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم؟!!
فمضى الأشتر رحمه الله ووبخ القوم على الفرار، ولامهم عليه وحثهم على

(2) وبعده هكذا: (نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي إسحاق،
قال: خرج علي يوم صفين وفي يده عنزة، فمر على سعيد بن قيس الهمداني فقال
له سعيد بن قيس: أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد وأنت قرب
عدوك؟. فقال له علي: (انه ليس من أحد إلا عليه من الله حفظة يحفظونه من
أن يتردى في قليب أو يخر عليه حائط أو تصيبه آفة، فإذا جاء القدر خلوا
بينه وبينه). أقول: ولهذا الكلام مصادر كثيرة، وتقدم بسندين آخرين -
ينتهيان إلى أبي إسحاق أيضا - في المختار (152) ص 170، أو ص 721 - 722.
204

القتال وشجعهم على الكر، فكر معه جماعة من الفرسان فحملوا على أهل الشام
وقتلوا منهم جماعة كثيرة وأزالوهم عن مواقفهم (3).
فقال نصر، عن عمر بن [سعد الأسدي (4)] عن مالك بن أعين، عن زيد بن
وهب: ان عليا [عليه السلام] لما رأى ميمنته قد عادت إلى مواقفها ومصافها
وكشف من بإزائها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم، أقبل حتى إنتهى
إليهم فقال:
إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم
يحوزكم الجفاة الطغام (5) وأعراب أهل الشام، وأنتم لهاميم
العرب، والسنام الأعظم (6) وعمار الليل بتلاوة القرآن، وأهل

(3) من قوله: فبينا يسير - إلى قوله: - عن مواقفهم) تلخيص للقصة
وليس بنصها حرفيا، إذ هي طويلة مشتملة على خطب للأشتر وكلام كثير له
ولغيره.
(4) بين المعكوفين زيد للتوضيح، وفي شرح ابن أبي الحديد: (عمرو) يعني
ابن شمر.
(5) يحوزكم: يكشفكم وينحيكم والجفاة: جمع الجافي: الغليظ الطبع خشن
الأخلاق والطغام - كطعام -: أوغاد الناس، للواحد والجمع.
(6) لهاميم: جمع لهموم - كخرطوم -: أسخياء الناس وأشرافهم.
والسنام - كقطام -: حدبة في ظهر البعير، ويستعار للأكابر والأشراف من
الناس فيقال: هو سنام قومه أي رفيعهم وكبيرهم.
205

دعوة الحق إذ ضل الخاطئون، فلولا إقبالكم بعد إدباركم
وكركم بعد انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولي يوم
الزحف دبره (7) وكنتم فيما أرى من الهالكين، ولقد هون علي بعض
وجدي وشفى بعض أحاح نفسي أني رأيتكم بأخرة (8)
حزتموهم كما حازوكم، وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم
تحوزونهم بالسيوف ليركب أولهم آخرهم كالإبل المطرودة

(7) إشارة إلى قوله تعالى - في الآية: (16) من سورة الأنفال -: (ومن
يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله
ومأواه جهنم وبئس المصير).
(8) الأحاح - بضم أوله كالأحيح والأحيحة بفتح أولهما -: العطش،
الغيط. والآخرة كالبقرة -: النهاية والمآل وآخر الأمر، يقال: جاء أخرة
وبأخرة أي أخيرا. قال في مادة: (حسس) من النهاية: ومنه حديث علي رضي
الله عنه: (لقد شفى وحاوح صدري حسكم إياهم بالنصال).
والوحاوح: جمع الوحوح: انقباض النفس وتقلصها من الغيظ.
وقال أيضا: ومنه حديثه الآخر: (كما أزالوكم حسا بالنصال). ورواه أيضا
في مادة (حشش) وقال: (كما أزالوكم حشا بالنصال) أي إسعارا وتهييجا بالرمي.
206

الهيم (9) فالآن فاصبروا أنزلت عليكم السكينة وثبتكم الله
باليقين.
وليعلم المنهزم أنه مسقط لربه وموبق نفسه، وفي
الفرار موجدة الله عليه (10) والذل اللازم [له، والعار الباقي
واعتصار الفئ من يده] وفساد العيش، وإن الفار لا يزيد
الفرار في عمره، ولا يرضي ربه، فموت الرجل محقا قبل
إتيان هذه الخصال خير [له] من الرضا بالتلبس بها والإقرار
عليها.
كتاب صفين ص 249 - 256.

(9) الهيم: الإبل التي لا تروي من الماء لإصابتها بداء الهيام - بضم الهاء -
والمفرد الأهيم والمؤنث هيماء، ومنه قوله تعالى في الآية: (55) من سورة الواقعة:
(فشاربون شرب الهيم).
(10) موبق: مهلك. والموجدة - كموعظة -: الغضب.
207

- 210 -
ومن كلام له عليه السلام
أجاب به بعض أصحابه وقد سأله: كيف دفع قومكم
الخلافة عنكم وأنتم أحق بها وأحرى؟!!
روى نقلة الآثار أن رجلا من بني أسد وقف على أمير المؤمنين عليه السلام فقال:
يا أمير المؤمنين العجب فيكم يا بني هاشم كيف عدل بهذا الأمر عنكم؟ وأنتم الأعلون نسبا
وسببا ونوطا بالرسول (1) صلى الله عليه وآله وسلم وفهما للكتاب؟!! فقال [له أمير المؤمنين] عليه السلام:
يا ابن دودان إنك لقلق الوضين ضيق المخرم ترسل غير
ذي مسد (2) [و] لك بعد ذمامة الصهر وحق المسألة وقد

(1) كذا في الأصل. والنوط - كقول -: التعلق والربط.
(2) وفي النهج: (يا أخا بني أسد إنك لقلق الوضين ترسل في غير سدد).
القلق: المتذبذب المضطرب. والوضين: بطان يشد به الرحل على البعير
كالحزام للسرج فإذا كان لينا غير متين يضطرب الرحل على الدابة وتتململ يمينا
وشمالا تضرب بنفسها الشجر والحجر. والمخرم - كمجلس -: منقطع أنف
الجمل والجمع مخارم. وترسل: تطلق. والمسد: الحبل المحكم الفتل يقال:
(مسد الحبل - من باب نصر - مسدا): فتله أو أجاد فتله. والسدد - في رواية
النهج -: السداد: الاستقامة والصواب، يقال: (سد الشئ من باب فر
وبر - سددا وسدادا): كان سديدا ومستقيما.
208

استعلمت فاعلم [أما الاستبداد علينا بهذا المقام - ونحن
الأعلون نسبا والأشدون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
نوطا - فإنها] (3) كانت أثرة سخت بها نفوس قوم وشحت
عليها نفوس آخرين [والحكم الله والمعود إليه القيامة] (4).
ودع عنك نهبا صيح في حجراته (5).

(3) ما بين المعقوفات جميعه مأخوذ من نهج البلاغة.
(4) الأثرة - كثمرة -: الإختصاص بالشئ والتفرد به. وسخت بها:
جادت بها وغضت النظر عنها. وشحت عليها: حرصت عليها، والذين جادت
نفوسهم هم أهل البيت. والذين شحت عليها وكادت أنفسهم تموت حرصا، هم
منازعو أهل البيت. وقوله: (والحكم الله...) رواه أيضا في النهاية.
(5) وبعده: (وهات حديثا ما حديث الرواحل) والشعر لامرئ القيس
قاله عندما استجار لخالد بن سدوس فأغار عليه بنو جديلة فذهبوا بأهله وإبله،
فشكا إلى مجيره فقال له: أعطني رواحلك ألحق بها القوم فأرد إبلك وأهلك.
فأعطاه فلحقهم فقال لهم: ردوا ما أخذتم من جاري فقالوا: ما هو لك بجار.
فقال: والله أنه جاري وهذه رواحله. فقالوا: رواحله؟ قال: نعم. فرجعوا إليه
وأنزلوه عنهن وذهبوا بهن.
209

وهلم الخطب في أمر ابن أبي سفيان فلقد أضحكني الدهر بعد
إبكائه؟! ولا غرو [والله فيا له خطبا يستفرغ العجب ويكثر
الأود!!! (6) يئس القوم والله من خفضي ومنيتي؟! وحاولوا
الادهان في ذات الله وهيهات ذلك مني وقد جدحوا بيني وبينهم
شربا وبيئا (7) فإن تنحسر عنا محن البلوى (8) أحملهم من الحق على
محضه، وإن تكن الأخرى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات
[إن الله عليم بما يصنعون] (9) ولا تأس على القوم الفاسقين.
الفصل: (53) من مختار كلامه عليه السلام من كتاب الإرشاد، ص 156، ورواه

(6) وبعده في النهج هكذا: (حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه،
وسد فواره من ينبوعه، وجدحوا بيني وبينهم شربا وبيئا...). والأود:
العوج.
(7) جدحوا: خلطوا. والشرب: النصيب من الماء والوبئ ما يوجب
الوباء.
8) وفي النهج: (فإن ترتفع).
(9) إلى هنا رواه في النهج، وهذا اقتباس من الآية الثامنة من سورة
فاطر: (35).
210

أيضا الصدوق مسندا في الحديث الثاني من الباب: (122) من علل الشرائع
والحديث الخامس من المجلس: (90) من أماليه، ورواه أيضا في أوائل الباب الثالث
من المسترشد ص 64، وكذلك في فصل حاسدي أمير المؤمنين من مناقب آل أبي
طالب: ج 3 ص 15، وقريب منه في آخر الخطبة المعروفة باللؤلؤة، وذكره
أيضا في المختار: (160) من نهج البلاغة.
211

- 211 -
ومن كلام له عليه السلام
لما مر على الوليد بن عقبة وجماعة من أهل الشام وهم يشتمونه!!!
قال نصر بن مزاحم (ره) حدثني رجل عن مالك الجهني، عن زيد بن وهب
أن عليا [عليه السلام] مر على جماعة من أهل الشام بصفين، فيهم الوليد بن عقبة وهم
يشتمونه ويقصبونه (1) فأخبروه بذلك، فوقف [عليه السلام] في ناس من أصحابه فقال:
إنهدوا إليهم وعليكم السكينة وسيمى الصالحين ووقار
الإسلام (2) والله لأقرب قوم من الجهل بالله عز وجل، قوم
قائدهم ومؤدبهم معاوية وابن النابغة (3) وأبو الأعور السلمي،

(1) يقال: (قصب الرجل قصبا - من باب ضرب - وقصبه تقصيبا): شتمه.
(2) إنهدوا: اشخصوا وابرزوا. قوموا، من قولهم: (نهد إلى العدو - من
باب نصر ومنع - نهدا ونهدا - كفلسا وفرسا -: أسرع إلى قتالهم وشخص
وبرز إليهم.
(3) هو عمرو بن العاص، والنابغة اسم أمه.
212

وابن أبي معيط شارب الحرام، والمجلود حدا في الإسلام (4)
وهم أولاء يقومون فيقصبونني وقبل اليوم ما قاتلوني وشتموني
وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام، وهم يدعونني إلى عبادة
الأصنام، فالحمد لله ولا إله إلا الله، وقديما ما عاداني
الفاسقون.
إن هذا هو الخطب الجليل (5) أن فساقا كانوا عندنا غير
مرضيين، وعلى الإسلام وأهله متخوفين، أصبحوا وقد
خدعوا شطر هذه الأمة (6) فأشربوا قلوبهم حب الفتنة،

(4) وقصته معروفة، فلما يوجد كتاب تعرض لأيام عثمان وعماله ولم
يذكرها، وملخصها إنه كان مولعا بشرب الخمر في أيام إمارته على الكوفة حتى أنه
في بعض الأحيان كان يخرج إلى الصلاة وهو سكران فصلى يوما بهم الصبح
أربعا وبعدما سلم قال للناس: إن أحببتم أزيدكم عليه!!! فشرب يوما فنزعوا
خاتمه في حال سكره عن يده فرفعوا أمره إلى عثمان فطلبه وبعد ما تمت الحجة
على أنه شربه ويجب إجراء الحد عليه تحاماه الناس رعاية لجانب عثمان فأمر
أمير المؤمنين عليه السلام بإجراء الحد عليه.
(5) وفي بعض المصادر: (إن هذا لهو الخطب الجليل).
(6) الشطر - كسطر -: الجزء. النصف.
213

فاستمالوا أهواءهم بالإفك والبهتان وقد نصبوا لنا الحرب،
وجدوا في إطفاء نور الله، (والله متم نوره ولو كره
الكافرون) (7).
اللهم فإنهم قد ردوا الحق فافضض جمعهم، وشتت كلمتهم
وابسلهم بخطاياهم (8) فإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من
عاديت.
كتاب صفين لنصر بن مزاحم، ص 391 ط 2 بمصر، ومثله في تاريخ
الطبري: ج 4 ص 31، ورواه قبلهما سليم بن قيس الهلالي (ره) في كتابه ص
195، ونقله عنه وعن كتاب صفين في البحار: ج 8 ص 497 و 520 ط الكمباني.
ورواه أيضا أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 3 ص 235 باختصار.

(7) اقتباس من الآية الثامنة من سورة الصف:: (يريدون ليطفئوا نور الله
بأفواههم والله متم...).
(8) فافضض جمعهم: فاكسره. وابسلهم بخطاياهم: أي خذهم بخطاياهم
وعرضهم للهلاك. ومنه قوله تعالى في الآية (70) من سورة الأنعام: (وذكر
به أن تبسل نفس بما كسبت... أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من
حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون).
214

- 212 -
ومن كلام له عليه السلام
لما مر على راية غسان من أهل الشام
نصر بن مزاحم (ره) عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبي، أن علي بن أبي
طالب [أمير المؤمنين عليه السلام] مر بأهل راية [من أهل الشام] فرآهم لا يزولون
عن موقفهم، فحرض الناس على قتالهم - وذكر [له] أنهم غسان - فقال:
إن هؤلاء القوم لن يزولوا عن موقفهم دون طعن دراك
يخرج منه النسيم (1) وضرب يفلق الهام ويطيح العظام وتسقط
منه المعاصم والأكف (2) [و] حتى تصدع جباههم، وتنثر
حواجبهم على الصدور والأذقان، أين أهل الصبر وطلاب

(1) الدراك - كسواك -: المتلاحق المتواصل. والنسيم: الروح.
(2) يقال: (فلق الشئ - من باب ضرب - فلقا، وفلقه تفليقا،): شقه.
ويطيح العظام: يسقطها، والمعاصم: جمع المعصم: الزند من اليد أو موضع
السوار منها.
215

الخير؟ أين من يشري وجهه الله عز وجل.
فثابت إليه عصابة من المسلمين (3) فدعا ابنه محمدا فقال له: امش نحو هذه
الراية مشيا رويدا حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح فأمسك حتى يأتيك
أمري، فأعد عليه السلام مثلهم مع الأشتر فشدوا عليهم ونهض محمد في وجوههم
فأزالوهم عن مواقفهم وأصابوا منهم، واقتتل الناس بعد المغرب شديدا فما صلى
كثير منهم إلا إيماءا (4).
كتاب صفين ص 391.

(3) أي اجتمعت عليه، يقال: (ثاب الناس - من باب قال - ثوبا وثؤبا):
اجتمعوا.
(4) وقد اختصرنا هذا الذيل.
216

- 213 -
ومن خطبة له عليه السلام
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر [بن سعد الأسدي] وعمرو بن شمر، عن جابر
عن أبي جعفر [الإمام محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام] قال: قام علي [أمير
المؤمنين عليه السلام] فخطب الناس بصفين يومئذ فقال:
الحمد لله على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البر
والفاجر (1) وعلى حججه البالغة على خلقه من أطاعه فيهم ومن
عصاه، إن رحم فبفضله ومنه وإن عذب فبما كسبت أيديهم،
وأن الله ليس بظلام للعبيد (2).

(1) الفاضلة: - هنا - الجليلة الرفيعة من الحياة والصحة والعقل وتهيؤ
الأسباب للوصول إلى خير الدنيا والآخرة.
(2) وفي رواية الصدوق (ره): (إن يعف فبفضل منه، وإن يعذب فبما
قدمت أيديهم وما الله بظلام للعبيد).
217

أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء (3) وأستعينه على ما
نابنا (4) من أمر دنيا أو آخرة، وأومن به وأتوكل عليه
وكفا بالله وكيلا، وأشهد أ [ن] لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى
ودين الحق (5) ارتضاه لذلك وكان أهله، واصطفاه على جميع
العباد لتبليغ رسالته (6) وجعله رحمة منه على خلقه (7) فكان
كعلمه فيه رؤوفا رحيما (8) أكرم خلق الله حسبا، وأجمله منظرا

(3) البلاء: الاختبار والامتحان، واختباره تعالى إنما هو لأجل إثابة
المطيعين والإعذار إلى المتمردين مع ما يلازمهما من الآثار. وتظاهر النعماء: تواليها
وتعاضد كل واحد منها بالآخر. والنعماء: النعمة: ما من الله به على عباده،
والجمع: أنعم.
(4) على ما نابنا: أي على ما نزل بنا وحدث فينا من أمور الدين والدنيا.
وفي رواية الصدوق: (وأستعينه على ما نابنا من أمر ديننا).
(5) وفي رواية الصدوق: (أرسله بالهدى ودينه الذي ارتضاه).
(6) وفي رواية الصدوق: (بتبليغ رسالته وحججه على خلقه).
(7) هذه القطعة غير موجودة في رواية الصدوق من نسختي من كتاب الأمالي.
(8) أي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم رؤوفا رحيما كما كان الله يعلمه كذلك.
218

وأسخاه نفسا، وأبره بوالد وأوصله لرحم، وأفضله علما
وأثقله حلما، وأوفاه بعهد وآمنه على عقد (9) لم يتعلق عليه
مسلم ولا كافر بمظلمة قط، بل كان يظلم فيغفر، ويقدر
فيصفح ويعفو (10) حتى مضى صلى الله عليه مطيعا لله، صابرا
على ما أصابه، مجاهدا في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى
الله عليه و [آله] فكان ذهابه أعظم المصيبة عل جميع أهل
الأرض، والبر والفاجر (11) ثم ترك كتاب الله فيكم يأمر

(9) وفي نسخة ابن أبي الحديد: (وأجملهم منظرا) بضمير الجمع في جميع
الفقرات، وفي رواية الصدوق (ره): (وأجملهم منظرا وأشجعهم نفسا وأبرهم
بوالد وآمنهم على عقد، لم يتعلق عليه مسلم)...
(10) ومثله في رواية الصدوق (ره) وفي ط إيران من كتاب صفين:
(ويغدر فيصفح ويعفو). وهذا هو الظاهر بقرينة المقابلة أي كانوا يغدرون به
عليه السلام وينقضون عهده ثم كان يظفر بهم ويظهر عليهم ومع ذلك لا يعاقبهم على
غدرهم بل كان يعفو ويتجاوز عنهم.
(11) أما على الأبرار فواضح، وأما على الفجار فلأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان مانعا
وحاجزا لهم عن المهالك فبموته ارتفع المنع والقسر فانهمكوا في شهواتهم فخسروا
الدنيا والآخرة.
219

بطاعة الله وينهى عن معصيته (12) وقد عهد إلي رسول الله
صلى الله عليه عهدا فلست أحيد عنه (13) وقد حضرتم عدوكم،
وقد علمتم من رئيسهم منافق ابن منافق يدعوهم إلى النار، وابن
عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم إلى [الجنة وإلى] طاعة
ربكم ويعمل بسنة نبيكم صلى الله عليه. فلا سواء من صلى
قبل كل ذكر، لم يسبقني بصلاتي مع رسول الله صلى الله عليه
أحد (14) وأنا من أهل بدر ومعاوية طليق ابن

(12) وفي رواية الصدوق: (ثم ترك فيكم كتاب الله يأمركم بطاعة الله وينهاكم
عن معصيته).
(13) أي لا أعدل ولا أميل عنه منصرفا إلى غيره.
وفي رواية الصدوق (ره): (وقد عهد إلي رسول الله (ص) [كذا] عهدا لن
أخرج عنه، وقد حضركم عدوكم وقد عرفتم من رئيسهم).
(14) وفي رواية الصدوق: (وابن عم نبيكم بين أظهركم يدعوكم إلى طاعة
ربكم والعمل بسنة نبيكم، ولا سواء من صلى قبل كل ذكر لم يسبقني بالصلاة غير
نبي الله).
ثم إن صلاته عليه السلام قبل كل ذكر وإيمانه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قبل كل
أحد من الأخبار المتواترة بين المسلمين وقد ذكر ابن عساكر في الحديث: (91)
وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق أخبارا كثيرة في ذلك من طريق
القوم فراجع إليه فإنه مغن عن سواه.
220

طليق (15) والله إنكم لعلى حق وإنهم لعلى باطل فلا يكونن
القوم على باطلهم اجتمعوا عليه، وتفرقون عن حقكم حتى
يغلب باطلهم حقكم (16) (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) (17)
فإن لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم.
فأجابه أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين إنهض بنا إلى عدونا وعدوك إذا
شئت، فوالله ما نريد بك بدلا، نموت معك ونحيا معك.
فقال لهم علي [عليه السلام] مجيبا لهم:
والذي نفسي بيده لنظر إلي رسول الله صلى الله عليه
[وآله] أضرب قدامه بسيفي (18) فقال: (لا سيف إلا ذو
الفقار، ولا فتى إلا علي) (19) وقال: (يا علي أنت مني بمنزلة

(15) الطليق: من أطلق سراحه عن الأسر، وقد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم
فتح مكة على الكفار - وفيهم معاوية ورهطه - فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
(16) وفي رواية الصدوق: (والله إنكم لعلى الحق، وإن القوم لعلى الباطل
فلا يصبر القوم على باطلهم ويجتمعوا عليه وتتفرقوا عن حقكم). وهو الظاهر.
(17) اقتباس من الآية: (14) من سورة التوبة: 9.
(18) وفي رواية الصدوق: (وأنا أضرب قدامه بسيفي).
(19) ولهذه الفقرة مصادر كثير من طريق أهل السنة وغيرهم.
221

هارون بن موسى غير أنه لا نبي بعدي وموتك وحياتك
يا علي معي) (20) والله ما كذبت ولا كذبت، ولا ضللت ولا
ظل بي وما نسيت ما عهد إلي، وإني لعلى بينة من ربي وإني
لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطا (21).
ثم نهض [عليه السلام] إلى القوم فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق
وما كانت صلاة القوم إلا تكبيرا.
كتاب صفين ص 313 ط 2 بمصر، وقريب منها جدا رواه الصدوق في أماليه
ورواه عن ابن أبي الحديد، عن نصر، في الحديث (96) من الباب (20) من غاية
المرام ص 124.

(20) وصدر الحديث يعرف بحديث المنزلة وهو متواتر عنه عليه السلام وقد
رواه الحافظ العبدوي بخمسة آلاف سند، ورواه أيضا ابن عساكر في الحديث
(332 - 451) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق بمأة وعشرين طريقا، كما
روى الذيل أيضا في الحديث: (940) وتواليه بثلاثة أسانيد، وله مصادر أخر.
(21) من قوله: (والله ما كذبت) إلى آخره، مروي عنه عليه السلام بطرق
مختلفة وفي أوقات وأماكن متشتتة، ورواه بسند آخر ابن عساكر، في الحديث
(1033) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ج: 38 ص 58.
222

حملة حيدرية وصولة علوية
وفيها كلام وكلام
نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبي عن صعصعة
ابن صوحان، ذكر أن علي بن أبي طالب صاف [أهل] الشام (1) حتى برز رجل
من حمير، من آل ذي يزن، اسمه كريب بن الصباح - ليس في أهل الشام يومئذ
رجل أشهر شدة بالبأس منه - ثم نادى من يبارز؟. فبرز إليه المرتفع بن
الوضاح الزبيدي فقتل المرتفع، ثم نادي من يبارز؟. فبرز إليه الحارث بن
الجلاح [اللججاج (خ)] فقتل، ثم نادى من يبارز؟. فبرز إليه عائذ بن مسروق
الهمذاني فقتل عائذا (2) ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض، ثم قام عليها بغيا
واعتداءا ثم نادى: هل بقي من مبارز؟. فبرز إليه علي [عليه السلام] ثم ناداه:
ويحك يا كريب اني أحذرك [الله وبأسه ونقمته] وأدعوك إلى سنة الله وسنة
رسوله، ويحك لا يدخلنك ابن آكلة الأكباد النار.
فكان جوابه أن قال: ما أكثر ما قد سمعنا هذه المقالة منك فلا حاجة لنا

(1) يقال: (صاف القوم مصافة في القتال): وقفوا مصطفين. وتصاف
القوم: اجتمعوا صفا.
(2) قال في الهامش: وفي نسخة ابن أبي الحديد: (عابد) بالموحدة في الموردين.
223

فيها!!! أقدم إذا شئت، من يشتري سيفي فهذا أثره.
فقال عليه السلام: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم مشى إليه فلم يمهله إن ضربه
ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه.
ثم نادى من يبارز؟. فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتل الحارث، ثم
نادى: من يبارز؟. فبرز إليه المطاع بن المطلب القيني [العبسي (خ)] فقتل
مطاعا ثم نادى: من يبرز؟. فلم يبرز إليه أحد.
ثم إن عليا نادى: يا معشر المسلمين (الشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات
قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا
أن الله مع المتقين) [194 / البقرة]. ويحك يا معاوية هلم إلي فبارزني ولا يقتتلن
الناس فيما بيننا فقال عمرو [لمعاوية]: اغتنمه منتهزا، قد قتل ثلاثة من أبطال
العرب وإني أطمع أن يظفرك الله به!!! فقال معاوية: ويحك يا عمرو والله ما
تريد إلا أن أقتل فتصيب الخلافة بعدي، اذهب إليك فليس مثلي يخدع.
ورواه أيضا أحمد بن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح: ج 3.
224

- 214 -
ومن كلام له عليه السلام
أجاب به رجلا من أهل الشام
قال نصر: حدثنا عمرو بن شمر، قال: حدثنا أبو ضرار، قال: حدثني عمار بن
ربيعة، قال: غلس (1) علي بالناس صلاة الغداة يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع
الأول سنة سبع وثلاثين، وقيل: عاشر شهر صفر [من السنة المذكورة] ثم
زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق والناس على راياتهم، وزحف إليهم أهل
الشام، وقد كانت الحرب أكلت الفريقين، ولكنها في أهل الشام أشد نكاية
وأعظم وقعا، فقد ملوا الحرب وكرهوا القتال وتضعضعت أركانهم.
فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب (2) عليه السلاح، لا يرى

(1) يقال: (غلس زيد بالعمل تغليسا): عمله في الغلس - كفرس -: ظلمة
آخر الليل. وعمارة بن ربيعة هذا كان يجاهد بصفين والشاهد هذا الحديث
وتاليه المذكور في كتاب صفين ص 476.
(2) كميت: ما كان من الخيل لونه بين الأسود والأحمر، وهو تصغير أكمت
على غير القياس. وذنوب - بفتح الأول -: وافر الذنب.
225

منه إلا عيناه، وبيده الرمح، فجعل يضرب رؤوس أصحاب علي بالقناة
ويقول: سووا صفوفكم رحمكم الله حتى إذا عدل الصفوف والرايات استقبلهم
بوجهه وولى أهل الشام ظهره ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال:
الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه، أقدمهم هجرة وأولهم إسلاما، سيف
من سيوف الله صبه على أعدائه، فانظروا إذا حمي الوطيس وثار القتام وتكسر
المران (3) وجالت الخيل بالابطال، فلا أسمع الا غمغمة أو همهمة فاتبعوني وكونوا
في أثري، ثم حمل على أهل الشام وكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر.
وخرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين: يا أبا الحسن يا علي أبرز إلي.
فخرج إليه علي حتى إذا اختلف أعناق دابتيهما بين الصفين فقال: يا علي إن لك
قدما في الإسلام وهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه
الدماء وتأخير هذه الحروب حتى ترى من رأيك؟. فقال له علي وما ذاك؟.
قال: ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق، ونرجع إلى شامنا فتخلي
بيننا وبين شامنا. فقال له علي [عليه السلام]:
لقد عرفت أن ما عرضت هذا نصيحة وشفقة، ولقد
أهمني هذا الأمر وأسهرني، وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلا
القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه. إن
الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض

(3) الوطيس: الحرب. والقتام: الغبار. والمران: جمع المرانة: الرمح
الصلب في لدن ولين.
226

وهم سكوت مذعنون، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن
المنكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في
جهنم.
فرجع الشامي وهو يسترجع.
كتاب صفين: 473 ورواه أيضا العلامة الأميني رفع الله درجاته في ثمرات
الأسفار ج 1 ص 218 عن كتاب نزهة الأبرار. وروى قريبا منه في آخر ترجمته
عليه السلام من حلية الأولياء: ج 1 ص 85، وكذلك في الأخبار الطوال ص 188،
ورواه أيضا في كتاب نظم درر السمطين ص 118، ورواه عن أبي علي الحداد
عن أبي نعيم في ترجمة عبد الواحد، من تاريخ دمشق: ج 35 ص 900، ورواه
أيضا أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 3 ص 264 وص 284 في قصة أخرى.
227

- 215 -
ومن خطبة له عليه السلام
في حث أصحابه على القتال وتوصيته لهم بالصبر وخشية الله تعالى
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل، أنبأنا أحمد بن الحسن بن
خيرون، أنبأنا أبو علي ابن شاذان، [أنبأنا] أبو جعفر أحمد بن يعقوب
الأصبهاني (1) أنبأنا محمد بن علي بن دعبل بن علي الخزاعي، عن ابن هشام الكلبي (2)
عن أبيه، عن ابن عباس، قال: عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب، والله ما رأيت ولا سمعت رئيسا يوزن به، لرأيته يوم صفين وعلى رأسه

(1) ما بين المعقوفين كان في الأصل بياضا مقدار كلمتين، وإنما وضعنا كلمة
(أنبأنا) مكانه على الاحتمال.
(2) بين كلمة (عن) و (ابن هشام) كان بياض مقدار كلمتين، والظاهر عدم
سقوط شئ من الكلام، لانسجام العبارة والتئام السياق واتساق اللفظ، ويحتمل أن
يكون الصواب: (عن عباس بن هشام الكلبي) وعباس هذا معروف وقد أكثر
النقل في أنساب الأشراف عنه.
228

عمامة قد أرخى طرفيها [و] كأن عينيه سراجا سليط (3) وهو يقف على شرذمة
[شرذمة] يحضهم حتى انتهي إلي وأنا في كنف من الناس (4) فقال:
معاشر المسلمين استشعروا الخشية، [وعنوا] الأصوات (5)

(3) قال ابن قتيبة في شرح الكلام: السليط: الزيت، وهو عند قوم دهن
السمسم، قال الجعدي - وذكر امرأة -:
تضئ كضوء سراج السليط * لم يجعل الله فيها نحاسا
وقال في مادة: (سلط) من النهاية - نقلا عن كتاب الهروي وأبي موسى
الإصبهاني - قال: وفي حديث ابن عباس: (رأيت عليا وكأن عينيه سراجا
سليط وفي رواية كضوء سراج السليط) السليط: دهن الزيت. وعند أهل اليمن
هو دهن السمسم.
(4) ومثله في تفسير فرات بن إبراهيم، غير إن فيه: (يحضهم ويحثهم إلى أن
انتهى إلي وانا في كنف من المسلمين) وقال في مادة (كثف) من النهاية نقلا عن
الهروي: وفي حديث ابن عباس: (إنه انتهى إلى علي يوم صفين وهو في كثف)
أي [في] حشد وجماعة وقال في مادة: (لأم) أيضا نقلا عن الهروي: ومنه
حديث علي كان يحرض أصحابه ويقول: (تجلببوا السكينة وأكملوا اللأم) هو
جمع لأمة [كرحمة] على غير قياس، فكان واحدة لؤمه [كحرمة].
(5) ما بين المعقوفين كان بياضا في النسخة، وذكرناه على وفق الرواية التي
ذكرها ابن عساكر عن ابن قتيبة - ومثلها في أول كتاب الحرب من عيون
الأخبار - قال ابن قتيبة في شرحه: وعنوا الأصوات) إن كان المحفوظ هكذا
بفتح العين وتشديد النون فإنه أراد احبسوها وأخفوها [ظ]. نهاهم عن اللغط
والعينة: الحبس ومنه قيل للأسير: عان. وفي تفسير فرات ابن إبراهيم:
- (وأميتوا الأصوات). وفي مروج الذهب: (وعموا الأصوات)... وهو مأخوذ
من التعمية بمعنى الاخفاء. وقال في مادة (عنا) من النهاية نقلا عن الهروي: وفي
حديث على،: انه كان يحرض أصحابه يوم صفين ويقول: (استشعروا الخشية،
وعنوا بالأصوات) اي احبسوها واخفوها [هي مأخوذة] من التعنية: الحبس
والأسر، كأنه نهاهم عن اللغط ورفع الأصوات.
229

وتجلببوا السكينة، وأعلموا الأسنة (6) وأقلقوا السيوف قبل
السلة (7) [والحظوا الخزر] واطعنوا [الشزر (8)] ونافحوا [با] لظبا،

(6) تجلببوا السكينة: اجعلوها جلبابا لكم اي تزينوا بالوقار والسكينة كما
تتزينون بالجلباب. واعلموا الأسنة لعله من قولهم: اعلم نفسه: وسمها بسيماء
الفقرة لم أرها الا في هذه الرواية.
(7) يقال: قلق الشئ - من باب نصر - قلقا، وأقلقه إقلاقا، وقلقة
قلقالا): حركه تحريكا. والسل والسلة - بفتح السين في الأول، وكسرها في
الثاني -: الانتزاع والإخراج. وفي مروج الذهب: (وأقلقوا السيوف في
الأجفان قبل السلة)... وفي نهج البلاغة: (وقلقوا السيوف في أغمادها قبل
سلها)... وهو أظهر. وقال في مادة (قلق) من النهاية: ومنه حديث علي:
(أقلقوا السيوف في الغمد) أي حركوها في أغمادها قبل أن تحتاجوا إلى سلها
ليسهل عند الحاجة إليها.
(8) كذا في نهج البلاغة، وفي نسخة ابن عساكر هكذا: (واطعنوا الرخر)
والظاهر إنه مصحف والصواب: (واطعنوا الزحر). من قولهم: (زحره
بالرمح) - من باب ضرب ومنع -: شجه به، والخزر - محركة -: النظر من
أحد الشقين. وهو علامة الغضب. وفي تفسير فرات بن إبراهيم: (والحظوا
الشزر، واطعنوا الخزر). وفي مروج الذهب: (والحظوا الشزر، واطعنوا
الهبر). ومثله في عيون الأخبار غير أن فيه: (واطعنوا النبر) أي مختلسا كأنه
ينتبر الرمح عنه أي يرفعه عنه بسرعة. والنبر - كفلس - والهبر والهبير -
كفلس وأمير -: اللحم أو بضع لحم لأعظم فيها، يقال: هبرناهم بالسيوف:
قطعناهم بها ويقال: (شزر الرجل - من باب ضرب - وشزر إليه شزرا): نظر
إليه بجانب عينه مع إعراض أو غضب. و (شزر فلانا): طعنه عن يمينه وشماله.
وقال في مادة (يسر) من كتاب النهاية: وفي حديث علي: (اطعنوا اليسر).
هو بفتح الياء وسكون السين: الطعن حذاء الوجه.
230

وصلوا السيوف بالخطا (9) والنبال بالرماح (10) فإنكم بعين الله

(9) نافحوا ضاربوا كافحوا. و (الظبا) بالضم: جمع ظبة: طرف السيف
وحده. وقال في مادة: (ظبي) من النهاية: وفي حديث علي: (نافحوا بالظبا).
هي جمع ظبة السيف، وهو طرفه وحده، وأصل الظبة ظبو - بوزن حرد -
فحذفت الواو، وعوض منها الهاء.
و (صلوا) أمر من الوصل. و (الخطا): جمع الخطوة - بضم أوله وفتحه:
ما بين القدمين عند المشي، يقول عليه السلام: صلوا قصر سيوفكم عن العدو بالمشي
إليه ثم ضربه. ومنه قول قيس بن الحطيم:
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها * خطانا إلى أعدائنا فنضارب
(10) أي إذا قصرت الرماح عن العدو، من أجل بعده صلوا قصرها بالرمي
بالنبل. ومثله في تفسير فرات بن إبراهيم ومروج الذهب، وفي عيون الأخبار،
والرواية الثانية لابن عساكر نقلا عن ابن قتيبة: (والرماح بالنبل).
231

ومع ابن عم نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم (11) عاودوا الكر،
واستحيوا من الفر (21) فإنه عار باق في الأعقاب والأعناق،
ونار يوم الحساب (13) وطيبوا عن أنفسكم أنفسا، وامشوا
إلى الموت [مشيا] سجحا (14) وعليكم بهذا السواد الأعظم،

(11) بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة وفيه: (واعلموا أنكم بعين الله
ومع ابن عم رسول الله). وفي مروج الذهب: (فإنكم بعين الله ومع ابن عم
رسول الله). أي إنكم ملحوظون بعين الله وعنايته، وكائنون مع ابن عم
الرسول الذي يدور الحق معه حيثما دار، فلا تهنوا ولا تفشلوا. وفي رواية
فرات بن إبراهيم: (ومع ابن عم نبيكم).
(12) هذا هو الصواب الموافق للنهج وتفسير فرات بن إبراهيم غير إن في
الثاني: (وعاودوا). وفي الأول: (فعاودوا) وهذا أظهر، وفي النسخة:
(واستحثوا). لا ريب إنه تصحيف. وفي مروج الذهب: (واستقبحوا الكر).
(13) الأعقاب: الأولاد. وقد جرت العادة بتعيير الأبناء وتبكيتهم بما
فعل آباؤهم من سئ الأعمال.
(14) ومثله في مروج الذهب، وفي النهج: (وطيبوا عن أنفسكم نفسا،
وامشوا إلى الموت مشيا سجحا). وفي رواية فرات بن إبراهيم: (فطيبوا عن
أنفسكم نفسا، واطووا عن الحياة كشحا، وامشوا إلى الموت مشيا [سجحا].
وعليكم بهذا)... وهذا أظهر. أي كونوا راضين وطيبوا القلوب بفداء نفوسكم
في الحياة الدنيا عنها في الآخرة، وامشوا إلى الموت سهلا خفافا، واعرضوا عن
الحياة اعراضا. يقال: (طوى كشحه عن فلان، أو طوى كشحا عنه): أعرض
عنه وقاطعه. و (الكشح) على زنة فلس: ما بين السرة ووسط الظهر.
و (السجح) كعنق -: السهل اللين. ثم إن في نسخة ابن عساكر في هذه الرواية
ذكره سححا - بالمهملتين - وفي الرواية الثانية ذكره بالمهملتين، ثم بالمعجمة بعد
المهملة أيضا. وهذا هو الشائع في المصادر التي رأيناها. وقال في مادة (سجح)
من النهاية: وفي حديث علي يحرض أصحابه على القتال: (وامشوا إلى الموت
مشية سجحا - أو سجحاء) - السجح: السهلة. والسجحاء - تأنيث
الأسجح -: وهو السهل.
232

والرواق المطنب (15) فاضربوا ثبجه (16) فإن الشيطان راكب
صعبه (17) ومفترش ذراعيه، قد قدم للوثبة يدا وأخر

(15) السواء الأعظم: جمهور المحدقين بمعاوية من أهل الشام، فإنه كان في
فسطاط عظيم رفيع قد أحاط به جم غفير من فرسان أهل الشام، وأحدق به
الجند من جميع الجهات.
والرواق - كغراب وكتاب -: الفسطاط. والمطنب: المشدود بالأطناب:
جمع طنب - بضمتين - وهو حبل يشد به سرادق البيت.
(16) الثبج - كفرس -: الوسط. وفي مروج الذهب: (فاضربوا نهجه
فإن الشيطان راكب صعيد مفترش ذراعيه). وقال في مادة ثبج من النهاية:
ومنه حديث علي: (وعليكم الرواق المطنب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان راكد
في كسره).
(17) كذا في النسخة، وفي النهج: (فإن الشيطان كامن في كسره قد قدم
للوثبة يدا). وقال في مادة: (وثب) من اللسان: وفي حديث علي عليه السلام يوم
صفين: (قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا) أي إن أصاب فرصة نهض إليها،
وإلا رجع وترك.
وفي رواية فرات بن إبراهيم وعيون الأخبار: (فإن الشيطان راكد في كسره
نافج حضنيه، ومفترش ذراعيه). و (نافج): رافع. و (حضنيه) مثنى الحضن:
جانبي الإنسان فوق الكفل وتحت الإبط. الجانب. الناحية. الضمير في
(حضنيه) إما راجع إلى الرواق المطنب، أو إلى الشيطان الكامن تحته، والأول
أوجه معنا، والثاني لفظا وسياقا، أي إن الشيطان الذي هو مصدر الإقدام
والإحجام والأمر والنهي قد هيأ نفسه ورفع جانبيه، للوثبة عليكم إن جبنتم،
وللهزيمة إن استقمتم وثرتم عليه. أو إنه رفع جانبي رواقه جانبا للوثبة إن رأي
فرصة، وجانبا للفرار إن رأى صولة وغلبة للمهاجمين عليه، فصمدا صمدا أي
فاقصدوا نحوه قصدا حتى تهلكوه وتزيل الشبهات بهلاكه فينجلي لكم عمود الدين
بلا شوب ريبة ووسوسة.
233

للنكوص رجلا، فصمدا صمدا حتى يتجلى لكم عمود الدين
وأنتم الأعلون (18) والله معكم ولن يتركم أعمالكم (19).

(18) ولا يأبى رسم الخط على أن يقرأ (حتى ينجلي) وفي النسخة هنا
تصحيف، وفي النهج ورواية فرات بن إبراهيم: (حتى ينجلي لكم عمود الحق).
ومثله في مادة: (صمد) من النهاية. وفي مروج الذهب: (فصبرا جميلا حتى
تنجلي عن وجه الحق وأنتم الأعلون)...
(19) اقتباس من الآية: (35) من السورة: (47): سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقال:
(وتر فلانا ماله أو حقه - من باب وعد - وترا): نقصه إياه. أي إن الله لا
ينقصكم جزاء أعمالكم ولن يضيع عمل عامل فلا تقصروا.
234

الحديث: (1191) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 8
ص 76، وفي النسخة المرسلة ص 120، وهذه الخطبة من مشاهير خطبة عليه السلام
قال ابن أبي الحديد في شرح المختار: (64) من النهج: ج 5 ص 175: هذا
الكلام خطب به أمير المؤمنين عليه السلام في اليوم الذي كانت عشية ليلة الهرير، في
كثير من الروايات، وفي رواية نصر بن مزاحم إنه خطب به في أول يوم اللقاء
والحرب بصفين، وذلك في صفر من سنة سبع وثلاثين. وأيضا قال في شرح
المختار المتقدم الذكر، ص 187 قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد، قال: حدثني
عبد الرحمان، عن أبي عمرو، عن أبيه ان عليا عليه السلام خطب في ليلة هذا اليوم
[أي السابع من معارك صفين] فقال: معاشر المسلمين...
أقول وفي رواية المسعودي انه عليه السلام خطب به في المعركة الثامنة من معارك
يوم صفين من سنة (37) قال في مروج الذهب: ج 2 ص 379 ط بيروت، قال
وخرج في اليوم الثامن [من شهر صفر] وهو يوم الأربعاء علي رضي الله تعالى عنه
بنفسه في الصحابة من البدريين وغيرهم من المهاجرين والأنصار وربيعة وهمدان.
قال ابن عباس: رأيت عليا في هذا اليوم وعليه عمامة بيضاء وكأن عينيه
سراجا سليط، وهو يقف على طوائف الناس في مراتبهم يحثهم ويحرضهم حتى انتهى
إلي وأنا في كثيف من الناس فقال: يا معشر المسلمين عموا الأصوات...
أقول: ورواها أيضا في أول كتاب الحرب من عيون الأخبار: ج 1، ص
110 و 133، مرسلة كما رواها أيضا ابن عساكر بسند آخر ينتهي إلى ابن قتيبة
بمغايرة في بعض الألفاظ.
ورواها إلى قوله: (للنكوص رجلا) مشروحة في مادة (زنن) من الفائق.
وأيضا رواها البيهقي في كتاب المحاسن والمساوئ ص 45 وفي ط ص 32 مرسلة
وأيضا أشار إليها في مادة: (حمس) من النهاية: ج 1 ص 441، ومادة (زنن).
235

ورواها أيضا في آخر الباب: (55) من جواهر المطالب ص 87 قال: قال
أبو محمد بن عبد الله بن مسلم: [و] في حديث ابن عباس: ما رأيت والله رجلا
من الناس يزن علي بن أبي طالب، وعقم النساء أن يأتين بمثله والله ما رأيت ولا
سمعت بمن يوازنه لقد رأيته في يوم صفين وعلى رأسه عمامة بيضاء وكأن عيناه
سراجا سليط...
ورواها أيضا في كتاب مطالب السؤول ص 170، ط النجف. ورواها أيضا
السيد الرضي (ره) في كتاب خصائص الأئمة ص 46، ورواها إلى قوله: (وأخر
للنكوص رجلا) مشروحة في أوائل الباب السادس من دستور معالم الحكم ص
124.
236

- 216 -
ومن كلام له عليه السلام
كان يدعو الله تبارك وتعالى به في ساحة الحرب
قال ثعلب: وكان علي [عليه السلام] كثيرا ما يقول في حروبه (1):
اللهم أنت أرضى للرضا، وأسخط للسخط (2) وأقدر أن
تغير ما كرهت، وأعلم بما يقدر علي لا تغلب على باطل ولا
تعجز عن حق، وما أنت بغافل عما يعمل الظالمون.
أوائل القسم الثاني من مجالس ثعلب ص 416.

(1) ولعل إطلاقه يشمل حتى الحروب التي باشرها عليه السلام في أيام رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(2) وهي كقفل وعنق وفرس: ضد الرضا. والمصدر كالفرس فقط وهو هنا
بمعنى اسم المفعول أي أنت أشد رضى للأمر المرضي المستحسن، وأشد سخطا
لما هو مسخوط عليه ومكروه.
237

- 217 -
ومن كلام له عليه السلام
قرظ به عمار بن ياسر رضوان الله تعالى عليه
لما استشهد بصفين
إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار - و [لم]
يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة - لغير رشيد.
رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله عمارا يوم قتل
ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا.
لقد رأيت عمارا ما يذكر من أصحاب رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - أربعة إلا كان الرابع، ولا خمسة إلا كان
الخامس.
وما كان أحد من أصحاب محمد يشك في أن عمارا قد
238

وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين، فهنيئا [لعمار]
الجنة، عمار مع الحق أين [ما] دار، وقاتل عمار في النار.
الحديث (419) من ترجمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنساب الأشراف: ج 1، ص
174، ط مصر، وفي المخطوطة الورق 78، ورواه أيضا ابن سعد عن الواقدي
وغيره، في ترجمة عمار من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 262 ط بيروت.
239

- 218 -
ومن خطبه له عليه السلام
في ليلة الهرير أو في صبيحتها
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] قال: حدثني أبو ضرار،
عن عمار بن ربيعة، قال: [لما رأى الأشتر رحمه الله أن أكثر الناس ملوا عن
الإقدام إلى أهل الشام، خرج يسير في الكتائب ويقول: (ألا من يشري نفسه
لله ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله) فلا يزال الرجل من الناس يخرج
إليه كي يقاتل معه، قال ابن ربيعة: ف‍] مر بي والله الأشتر [وهو يقول تلك
الكلمات (1) ف‍] أقبلت معه حتى رجع إلى المكان الذي كان به، فقام في أصحابه
فقال: شدوا فدى لكم عمى وخالي شدة ترضون بها الله، وتعزون بها الدين،
فإذا شددتم فشدوا.
ثم نزل وضرب وجه دابته ثم قال لصاحب رايته: أقدم. فأقدم بها، ثم
شد على القوم وشد معه أصحابه فضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى عسكرهم،
ثم إنهم قاتلوا عند العسكر قتالا فقتل صاحب رايته. وأخذ علي - لما رأى

(1) بين المعقوفات مأخوذ من رواية تقدم بعضها في المختار المتقدم، وإنما
أدرجناه في هذه الرواية ليستعلم منه حال عمار بن ربيعة.
240

الظفر قد جاء من قبله - يمده بالرجال.
قال [عمار]: وإن عليا قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس قد بلغ بكم الأمر وبعدوكم ما قد رأيتم،
ولم يبق منهم إلا آخر نفس، وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر
آخرها بأولها وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا
منهم ما بلغنا، وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله
عز وجل.
فبلغ ذلك معاوية، فدعا عمرو بن العاص، فقال: يا عمرو إنما هي الليلة
حتى يغدو علي علينا بالفيصل فما ترى؟ قال: إن رجالك لا يقومون لرجاله
ولست مثله، هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره، أنت تريد البقاء وهو
يريد الفناء!!! وأهل العراق يخافون منك أن ظفرت بهم، وأهل الشام لا
يخافون عليا إن ظفر بهم، ولكن ألق إليهم أمرا إن قبلوه اختلفوا، أدعهم
إلى كتاب الله حكما فيما بينك وبينهم فإنك بالغ به حاجتك في القوم، فاني لم
أزل أؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه فعرف ذلك معاوية فقال: صدقت.
كتاب صفين ص 476، ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (35)
من النهج: ج 2 ص 209.
وقال في الأخبار الطوال ص 188، إنه عليه السلام خطب بها صبيحة
ليلة الهرير.
241

- 219 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله في ساحة الحرب متضرعا إلى الله تعالى
نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر، عن جابر بن عمير الأنصاري، قال:
والله لكأني أسمع عليا يوم الهرير - حين سار [إلى] أهل الشام - وذلك بعدما
طحنت رحى مذحج فيما بينها وبين عك ولخم وجذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب
منه النواصي من حين استقلت الشمس (1) حتى قام قائم الظهيرة - قال (3): حتى
متى نخلي بين هذين الحيين قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون إليهم، أما تخافون مقت
الله ثم انفتل إلى القبلة (3) ورفع يديه إلى الله ثم نادى:
يا الله يا رحمان يا رحيم، يا واحد يا أحد يا صمد، يا

(1) كلمة: (إلى) الموضوعة بين المعقوفين زيادة منا، و (النواصي): جمع
الناصية: الشعر النابت على مقدم الرأس. و (استقلت): ارتفعت في السماء.
(2) هذا مفعول لقوله: (لكأني أسمع عليا). وفي النسخة هكذا: (ثم إن
عليا قال: حتى متى)...
(3) أي توجه إليها صارفا وجهه عن الناس.
242

الله يا إله محمد.
اللهم إليك نقلت الأقدام، وأفضت القلوب (4) ورفعت
الأيدي وامتدت الأعناق، وشخصت الأبصار (5) وطلبت
الحوائج.
[اللهم] إنا نشكو إليك غيبة نبينا صلى الله عليه وكثرة
عدونا، وتشتت أهوائنا، (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق
وأنت خير الفاتحين) (6).
ثم قال [عليه السلام للجيش]: سيروا على بركة الله، ثم نادى:
لا إله إلا الله والله أكبر كلمة التقوى.
قال [جابر بن عمير الأنصاري راوي الكلام]: لا والله الذي بعث محمدا
صلى الله عليه وسلم بالحق نبيا، ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض أصاب

(4) أي أدت إليك ما فيها من الأسرار ومراتب الإخلاص والافتقار وتعلقت
بذيل لطفك وعنايتك.
(5) أي رفعت إليك ناظرة إلى باب رحمتك وجو فضلك وكرمك.
(6) اقتباس من الآية: (89) من سورة الأعراف.
243

بيد في يوم واحد ما أصاب [علي عليه السلام] إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على
خمسمأة من أعلام العرب (7) [كان] يخرج بسيفه منحنيا فيقول: معذرة إلى الله عز
وجل وإليكم من هذا، لقد هممت ان أصقله (8) ولكن حجزني عنه أني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كثيرا: (لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي). وأنا
أقاتل دونه. قال [جابر]: فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيتقحم به
في عرض الصف، فلا والله ما ليث بأشد نكاية في عدوه منه، رحمة الله عليه
رحمة واسعة.
كتاب صفين ص 477، وقريبا منه ذكره في ص 23 مع أدعية أخرى.
وذكره أيضا - باختصار أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 3 ص 304.

(7) يعني المعروفين بالشخصية والبطولة.
(8) كذا في الأصل، يقال: (صقل السيف - من باب نصر - صقلا وصقالا):
حلاه وملسه وكشف صدأه.
244

- 220 -
ومن كلا م له عليه السلام
لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح ودعوا إليها مكرا وحيلة
نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: سمعت تميم بن
حذيم، يقول: لما أصبحنا من ليلة الهرير، نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام صف
أهل الشام وسط الفيلق من حيال موقف معاوية، فلما أسفرنا إذا هي المصاحف
قد ربطت على أطراف الرماح، وهي عظام مصاحف العسكر، وقد شدوا
ثلاثة أرماح جميعا وقد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط.
وقال أبو جعفر، وأبو الطفيل: استقبلوا عليا بمأة مصحف، ووضعوا في كل
مجنبة مأتي مصحف (1).
قال أبو جعفر: ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي، وقام أبو شريح الجذامي
حيال الميمنة، وقام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة ثم نادوا: يا معشر العرب الله
الله في نسائكم وبناتكم، فمن للروم والأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم؟!! الله
الله في دينكم، هذا كتاب الله بيننا وبينكم.

(1) المجنبة - بكسر النون المشددة -: ميمنة الجيش وميسرته. وبفتح
النون مقدمة الجيش.
245

فقال علي [عليه السلام]:
اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون (2) فاحكم بيننا
وبينهم إنك أنت الحكم الحق المبين.
فاختلف أصحاب علي في الرأي، فطائفة قالت: القتال، وطائفة قالت: المحاكمة
إلى الكتاب ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا إلى حكم القرآن. فعند ذلك بطلت
الحرب ووضعت أوزارها.
قال محمد بن علي [بن الحسين عليهم السلام]: فعند ذلك حكم الحكمان: (3).
كتاب صفين ص 478 ط مصر، ورواه عنه مع جل ما تقدم وما يأتي في
شرح المختار: (35) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 2 ص 212 وما
حولها.

(2) وفي الأخبار الطوال ص 189: فقال علي رضي الله عنه: (ما الكتاب
تريدون، ولكن المكر تحاولون).
(3) وذكر نصر حديثا آخر، ثم قال: قال جابر: فبكى أبو جعفر وهو
يحدثنا بهذا الحديث. أقول: إن بكاءه عليه السلام لمظلومية جده حيث غلب على أمره
بمكر المبطلين ولجاج الجهال.
246

- 221 -
ومن كلام له عليه لسلام
لما ضاق الخناق بأهل الشام، فاحتالوا برفع المصاحف على الرماح
وقالوا: يا معشر العرب الله الله في الحرمات من النساء
والبنات الله الله في دينكم هذا كتاب الله بيننا وبينكم
قال نصر بن مزاحم (ره): وفي حديث عمر بن سعد [الأسدي] قال: لما
رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن، قال علي عليه السلام:
عباد الله إني أحق من أجاب إلى كتاب الله، ولكن
معاوية وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وابن أبي سرح،
وابن مسلمة، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني أعرف
بهم منكم، صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال
وشر رجال (1).

(1) وفي نسخة ابن أبي الحديد - على ما في الهامش -. (صحبتهم صغارا
ورجالا فكانوا شر رجال).
247

[ويحكم] إنها كلمة حق يراد بها باطل (2) إنهم والله ما
رفعوها أنهم يعرفونها ويعملون بها، ولكنها الخديعة
والمكيدة (3) أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ
الحق مقطعه (4) ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا.
فجاءه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد، شاكي السلاح سيوفهم على
عواتقهم - وقد اسودت جباههم من السجود يتقدمهم مسعر بن فدكي، وزيد بن
حصين، وعصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين
- [قالوا:] يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت إليه، وإلا قتلناك
كما قتلنا ابن عفان، فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم.

(2) أما كونها حقا فلأنها دعوة إلى جعل القرآن إماما ونورا يرفع به
الاختلاف والانحراف، وهذا هو الغرض الباعث لانزال القرآن.
وأما إرادة الباطل منها فلأجل انهم ما أرادوا من هذا الكلام إلا إيقاع
الاختلاف بينهم ليفرقوا جماعتهم ويحطم بعضهم بعضا فيستريحوا منهم.
(3) قال في الهامش: وفي الأصل: ([انهم والله يعرفونها] ولا يعملون بها،
وما رفعوها لكم إلا خديعة ومكيدة)...
(4) مقطع الحق: ما يقطع به الباطل ويستأصله.
248

- 222 -
ومن كلام له عليه السلام
وبالسند المتقدم إنه لما سمع أمير المؤمنين عليه السلام عشرين الف من أصحابه
يقولون: يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت إليه وإلا قتلناك كما قتلنا ابن
عفان، قال لهم:
ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله، وأول من أجاب
إليه، وليس يحل لي ولا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب
الله فلا أقبله، إني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن، فإنهم
قد عصوا الله فيما أمرهم، ونقضوا عهده ونبذوا كتابه،
ولكني أعلمتكم أنهم قد كادوكم، وأنهم ليسوا العمل
بالقرآن يريدون!!!
قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتيك. وقد كان الأشتر صبيحة ليل الهرير قد
أشرف على عسكر معاوية ليدخله.
قال نصر: فحدثني فضيل بن خديج، عن رجل من النخع، ان إبراهيم بن
249

الأشتر قال: كنت عند علي حين بعث إلى الأشتر أن يأتيه وقد كان أشرف على
عسكر معاوية ليدخله، فأرسل إليه علي يزيد بن هانئ أن ائتني فأتاه فبلغه فقال
الأشتر: ائته فقل له: ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن
موقفي، إني قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني. فرجع يزيد بن هانئ إلى
علي فأخبره، فما هو إلا أن إنتهى إلينا حتى ارتفع الرهج (1) وعلت الأصوات من
قبل الأشتر، وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق، ودلائل الخذلان
والإدبار على أهل الشام، فقال له القوم: والله ما نراك إلا أمرته بقتال القوم!!
قال: [من أين ينبغي لكم أن تروا ذلك] أرأيتموني ساررت رسولي إليه؟! أليس إنما
كلمته على رؤسكم علانية وأنتم تسمعون؟! قالوا: فابعث إليه فليأتك، وإلا فوالله
اعتزلناك. قال [علي]: ويحك يا يزيد قل له: أقبل إلي فان الفتنة قد وقعت.
فأتاه [يزيد] فأخبره فقال له الأشتر: ألرفع هذه المصاحف؟ قال: نعم. قال: أما
والله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع اختلافا وفرقة إنها من مشورة ابن النابغة!!!
- يعني عمرو بن العاص - ثم قال ليزيد: ويحك ألا ترى إلى ما يلقون؟ ألا ترى
إلى الذي يصنع الله لنا (2) أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه؟!. فقال له يزيد:
أتحب أنك ظفرت ها هنا وأن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم
إلى عدوه؟!. قال: سبحان الله لا والله؟!! ما أحب ذلك. قال: فإنهم قالوا:

(1) الرهج - كفلس وفرس -: ما أثير من الغبار. الشغب. والحديث
رواه في ترجمة الأشتر من تاريخ دمشق: ج 3، ص 160، بما ينتهي إلى هذا
السند.
(2) الضمير في (ما يلقون) راجع إلى أهل الشام، وما لاقوا هو قتلهم
ودمارهم بيد أصحاب الأشتر، والذي صنع الله له هو ظهور الفتح لهم وانهزام أهل
الشام كما يدل عليه ما بعده. ثم إن ما نقله من كلام الأشتر في كتاب الأخبار
الطوال ص 190، أحسن مما في غيره.
250

لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان، أو لنسلمنك إلى
عدوك. فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح: يا أهل الذل والوهن، أحين علوتم
القوم فظنوا أنكم لهم قاهرون، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها؟! وقد
تركوا ما أمر الله به فيها، وسنة من أنزلت عليه، فلا تجيبوهم، أمهلوني فواقا
فاني قد أحسست بالفتح. قالوا: لا. قال: فأمهلوني عدوة الفرس (3) فاني قد
طمعت في النصر قالوا: إذا ندخل معك في خطيئتك!! قال: فحدثوني عنكم -
وقد قتل أماثلكم وبقي أراذلكم - متى كنتم محقين، أحين كنتم تقتلون أهل
الشام، فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون، أم أنتم الآن في امساككم
عن القتال محقون فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم وكانوا خيرا منكم في النار.
قالوا: دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله، وندع قتالهم في الله، إنا لسنا نطيعك
فاجتنبنا. قال: خدعتم والله فانخدعتم، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم، يا
أصحاب الجباه السود، كنا نظن أن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله
فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت!!! ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة (4)
ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون. فسبوه وسبهم
وضربوا بسياطهم وجه دابته، وضرب بسوطه وجوه دوابهم فصاح بهم علي فكفوا.
فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين احمل الصف على الصف يصرع القوم. فتصايحوا
إن عليا أمير المؤمنين قد قبل الحكومة ورضي بحكم القرآن ولم يسعه إلا ذلك.

(3) الفواق - كبراق وسحاب -: ما بين الحلبتين من الوقت. وقيل: ما
بين فتح يد الحالب وقبضها. و (عدوة الفرس): المرة الواحدة من ركضه.
(4) النيب - بكسر النون وسكون الياء -: جمع الناب: الناقة المسنة.
والجلالة: آكل الجيف.
251

قال الأشتر: إن كان أمير المؤمنين قد قبل ورضي بحكم القرآن (5) فقد رضيت بما
رضي أمير المؤمنين. فأقبل الناس يقولون: [قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا
وبينهم حكما (6) و] قد رضي أمير المؤمنين، قد قبل أمير المؤمنين وهو ساكت
لا يبض بكلمة (7) مطرق إلى الأرض.
وقال نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبي، عن صعصة بن
صوحان - في قصة طويلة - أنه أقبل عدي بن حاتم فقال: يا أمير المؤمنين إن
أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق، فإنه لم يصب عصبة منا إلا وقد أصيب
مثلها منهم وكل مقروح ولكنا أمثل بقية منهم، وقد جزع القوم وليس بعد
الجزع إلا ما تحب [ما نحب (خ)] فناجز القوم (8).
فقام الأشتر فقال: يا أمير المؤمنين إن معاوية لأخلف له من رجاله ولك
بحمد الله الخلف، ولو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك ولا بصرك،
فأقرع الحديد بالحديد، واستعن بالله الحميد.
ثم قام عمرو بن الحمق فقال: يا أمير المؤمنين انا والله ما أجبناك ولا نصرناك

(5) أي يجعل القرآن حكما.
(6) بين المعقوفين كان مؤخرا، وإنما قدمناه لكونه شاهدا، ولم نذكر تمام
الكلام لطوله واشتماله على غير ما نحن في مقام بيانه.
(7) يقال: (فلان ما تبض - من باب فر - عينه) أي أنه صبور على
المصيبة لا تدمع عينه. والمراد هنا إنه تصبر ولم يفتح فمه بالشكاية والصياح.
(8) وقريبا منه ومن كلام الأشتر ذكره عنهما في الإمامة والسياسة ص 124،
وفي ص 121، ذكر لعدي بن حاتم كلاما آخر في الموضع أطول وأحسن.
252

عصبية على الباطل، ولا أجبنا إلا الله عز وجل، ولا طلبنا إلا الحق، ولو دعونا
غيرك إلى ما دعوت إليه، لاستشرى فيه اللجاج (9) وطالت فيه النجوى، فقد
بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي.
فقام الأشعث بن قيس مغضبا فقال: يا أمير المؤمنين إنا لك اليوم على ما كنا
عليه أمس، وليس آخر أمرنا كأوله، وما من القوم أحد أحنى على أهل العراق
ولا أوتر لأهل الشام مني، فأجب القوم إلى كتاب الله، فإنك أحق به منهم
وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال.
فقال علي عليه السلام: إن هذا أمر ينظر فيه.
وقام الناس إلى علي فقالوا: أجب القوم إلى ما دعوك إليه فإنا قد فنينا (10)

(9) استشرى: اشتد وقوي. وقريبا منه ومن التالي ذكره في الإمامة
والسياسة ص 124.
(10) هذا كان مؤخرا عن جوابه عليه السلام للأشعث وبينهما كلم حذفناها روما
للاختصار.
253

- 223 -
ومن خطبة له عليه السلام
وبالسند المتقدم - في ذيل الكلام السابق - قال نصر: وذكروا أن الناس
ماجوا وقالوا: أكلتنا الحرب، وقتلت الرجال. وقال قوم: نقاتل القوم على
ما قتلناهم عليه أمس. ولم يقل هذا إلا قليل من الناس، ثم رجعوا عن قولهم
مع الجماعة وثارت الجماعة بالموادعة.
فقام علي أمير المؤمنين [عليه السلام] فقال:
إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم
الحرب (1) وقد والله أخذت منكم وتركتم وأخذت من عدوكم
ولم تترك، وانها فيهم أنكى وأنهك.
ألا إني كنت أمس أمير المؤمنين (2) فأصبحت اليوم

(1) وفي الإمامة والسياسة: ج 1 ص 118: (أيها الناس انه لم أزل من أمري
على ما أحب حتى قدحتكم الحرب).
(2) وفي كتاب الفتوح: ج 1 ص 313 وجل المصادر: (وقد كنت بالأمس
أميرا فأصبحت اليوم مأمورا).
254

مأمورا!!! وكنت ناهيا فأصبحت منهيا!!! وقد أحببتم البقاء
وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون!!!
ثم قعد [عليه السلام].
ثم تكلم رؤساء القبائل فأما من ربيعة وهي الجبهة العظمى فقام كردوس بن
هانئ البكري فقال: أيها الناس إنا والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه، ولا
تبرأنا من علي منذ توليناه، وإن قتلانا لشهداء، وإن أحياءنا لأبرار، وإن عليا
لعلى بينة من ربه، ما أحدث إلا الانصاف، وكل محق منصف، فمن سلم له نجا
ومن خالفه هلك (3).
ثم قام شقيق بن ثور البكري فقال: أيها الناس انا دعونا أهل الشام إلى
كتاب الله فردوه علينا فقاتلناهم عليه، وإنهم دعونا إلى كتاب الله، فإن رددناه
عليهم حل لهم منا ماحل لنا منهم، ولسنا نخاف أن يحيف الله علينا ولا رسوله (4)
وإن عليا ليس بالراجع الناكص، ولا الشاك الواقف، وهو اليوم على ما كان
عليه أمس، وقد أكلتنا هذه الحرب، ولا نرى البقاء إلا في الموادعة!!!
ثم قام حريث بن جابر البكري فقال: أيها الناس ان عليا لو كان خلفا من
هذا الأمر (5) لكان المفزع إليه، فكيف وهو قائده وسائقه، وإنه والله ما قبل

(3) وقريب منه ومن التالي في الإمامة والسياسة: ج 1، ص 119، غير
إنه ذكر بدل (شقيق بن ثور) سفيان بن ثور.
(4) يقال: (حاف عليه - من باب باع - حيفا): جار عليه وظلمه.
(5) أي متخلفا عنه غائبا غير حاضر.
255

من القوم اليوم الا ما دعاهم إليه أمس، ولو رده عليهم كنتم له أعنت، ولا يلحد
في هذا الأمر إلا راجع على عقبيه أو مستدرج بغرور (6) فما بيننا وبين من طغى
علينا إلا السيف.
ثم قام خالد بن المعمر فقال: يا أمير المؤمنين، إنا والله ما اخترنا هذا المقام
أن يكون أحد أولى به منا، غير أنا جعلناه ذخرا وقلنا: أحب الأمور إلينا ما
كفينا مؤنته فأما إذ سبقنا في المقام فإنا لا نرى البقاء إلا فيما دعاك إليه القوم ان
رأيت ذلك، فإن لم تره فرأيك أفضل.
ثم إن الحضين الربعي - وهو أصغر القوم سنا - قام فقال: أيها الناس إنما
بني هذا الدين على التسليم فلا توفروه بالقياس ولا تهدموه بالشفقة، فانا والله لو أنا
لا نقبل الا ما نعرف لأصبح الحق في أيدينا قليلا، ولو تركنا ما لا نهوي لكان
الباطل في أيدينا كثيرا، وإن لنا داعيا قد حمدنا ورده وصدره (7) وهو المصدق
على ما قال المأمون على ما فعل، فإن قال: لا. قلنا: لا. وإن قال: نعم.
قلنا: نعم!!!
فلما ظهر قول حضين رمته بكر بن وائل بالعداوة!!
وقال رفاعة بن شداد البجلي: أيها الناس إنه لا يفوتنا شئ من حقنا، وقد
دعونا في آخر أمرنا إلى ما دعوناهم إليه في أوله، وقد قبلوه من حيث لا يعقلون فإن
يتم الأمر على ما نريد فبعد بلاء وقتل، وإلا أثرناها جذعة وقد رجع إليه جدنا.

(6) لا يلحد: لا يطعن ولا يجادل ولا يماري. و (راجع إلى عقيبه) كناية عن
الرجوع إلى الآراء الجاهلية سريعا. و (مستدرج بغرور) أي من يؤخذ درجة بعد
درجة، وشيئا بعد شئ في غروره ولعله إشارة إلى قوله تعالى: (سنستدرجهم
من حيث لا يعلمون).
(7) كناية عن كونه مصيبا في جميع ما يأتي ويذر، وفي كل حالاته.
256

- 224 -
ومن كلام له عليه السلام
حين اتفقت كلمة أصحابه - إلا اليسير منهم - على التحكيم
وإجابة ما يلتمسه معاوية وأقرانه
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] عن إسحاق بن يزيد، عن
الشعبي، أن عليا [عليه السلام] قال يوم صفين، حين أقر الناس بالصلح:
إن هؤلاء القوم لم يكونوا لينيبوا إلى الحق، ولا
ليجيبوا إلى كلمة سواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر،
وحتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب (1) وحتى تجر ببلادهم

(1) المناسر: جمع المنسر - على زنة المجلس والمنبر -: قطعة من الجيش
تمر قدام الجيش الكبير. و (يرجموا): يرموا.
و (الكتائب): جمع الكتيبة: القطعة من الجيش أو الجماعة من الخيل.
و (تقفوها): تتبعها. و (الجلائب): جمع (الجليبة) أو (الجلوبة): الإبل التي
تجلب لحمل الأثقال أو مطلق الدواب التي تساق احتياطا لحمل الأثقال والأدوات
والرحال إذا أعيث صاحبتها.
257

الخميس يتلوه الخميس، وحتى تدعق [تدعوا (خ ل)] الخيول
في نواحي أرضهم وبأعنان [وبأحناء (خ ل)] مساربهم
ومسارحهم (2)، وحتى تشن عليهم الغارات، وحتى تتلقاهم
قوم صدق صبر (3) لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم
وموتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله وحرصا على
لقاء الله.
ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله نقتل آباءنا
وأبناءنا وأخوالنا وأعمامنا، لا يزيدنا [ذلك] إلا إيمانا وتسليما،

(2) يقال: (دعق زيد الغارة - من باب منع - دعقا): بثها. وادعق
الخيل إدعاقا: أركضها ونفرها. وأدعق عليهم الخيل: دفعها عليهم في الغارة.
وخيل مداعيق: تدوس القوم في الغارات. والدعقة كحملة لفظا ومعنى.
وأعنان الشئ: أطرافه وجوانبه. والمسارب: جمع المسربة - بفتح الباء -:
مرعى الدواب. والمسارح: المراعي، جمع المسرح بفتح اليم.
(3) يقال: (أشن عليهم الغارة): وجهها عليهم من كل جهة. وقوله عليه
السلام: (قوم صدق صبر) أي صادقوا النية في الجهاد في سبيل الله صابرون لما
يلاقون من الأذى في جنب الله. وحمل المصدر على الذات لأجل المبالغة.
258

ومضيا على أمض [على مضض (خ ل)] الألم (4) وجدا على جهاد
العدو، والاستقلال بمبارزة الأقران.
ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان
تصاول الفحلين، ويتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس
المنون (5) فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا، فلما رآنا الله
صدقا صبرا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر (6).
ولعمري لو كنا نأتي مثل هذا الذي أتيتم [به] ما قام
الدين ولا عز الإسلام، وأيم الله لتحلبنها دما، فاحفظوا ما

(4) وفي المختار: (53) من النهج: (ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيا
على اللقم، وصبرا على مضض الألم، وجدا في جهاد العدو).
اللقم - كسبب -: الجادة. والمضض: حرقة الألم ووجعه.
(5) يتصاولان: يحمل كل واحد على الأخر. ويتخالسان: يريد كل واحد
منهما أن يختلس روح الآخر ويسلبه. والمنون: الموت.
(6) وفي النهج: (فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت حتى استقر
الإسلام ملقيا جرانه ومتبوئا أوطانه...) والكبت - كسبت - الذل والهوان.
259

أقول لكم (7).
كتاب صفين ص 520 وفي ط 597 ونقله عنه ابن أبي الحديد، في شرح
المختار (35) من خطب نهج البلاغة: ج 2 ص 239.
ونقله أيضا عنه في البحار: ج 8 ص 505 س 3.

(7) وفي النهج: (ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا أخضر
للايمان عود، وأيم الله لتحتلبنها دما ولتتبعنها ندما).
لتحلبنها - مثل قوله في رواية النهج: لتحتلبنها -: لتستفيدن ولتستنتجن
من مخالفتكم لي في قتال القوم عوض الحليب دما، وبدل المسرة مساءة وندما،
والكلام مبني على التشبيه والاستعارة.
وهذه من الأخبار الغيبية التي أخبرنا بها عليه السلام قبل وقوعها، ووقوع الخبر على
وفق ما أخبر به، فإنه بعد كتابة كتاب الصلح وامضاء أكابر الفريقين له ندم
نوكى القراء وهم الذين قالوا لأمير المؤمنين عند رفع المصاحف: يا علي أجب القوم
وإلا لنقتلنك كما قتلنا عثمان أو لندفعنك إلى معاوية. ولم يبرحوا من صفين إلا
وهم أعداء متباغضون يتبرأ بعضهم من بعض ولم يصلوا إلى الكوفة حتى تفرقوا
وكفر بعضهم بعضا، وبعد قليل وقع بينهم القتال ووقعوا عرضة للهلاك والدمار
وقتل بعضهم بعضا، وتوغل القراء الذين صاروا خوارج في لجاجهم فقتلوا الأبرياء
من النساء والولدان وسعوا في الأرض بإهلاك الحرث والنسل إلى أن أهلكهم الله
وأصلاهم السعير، ولكن بعدهم لم ير غيرهم أيضا مسرة بل ابتلوا ببقية الخوارج
والنواصب بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام وخسروا حظهم في الدنيا والآخرة.
260

- 225 -
ومن كلام له عليه السلام
لما أصر الأشعث وقومه في اختيار أبي موسى الأشعري للحكم
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] عن رجل عن شقيق بن
سلمة - وساق كلاما طويلا وقصصا إلى أن قال -: وجاء الأشعث بن قيس إلى
علي فقال: [يا أمير المؤمنين] ما أرى الناس إلا وقد رضوا وسرهم أن يجيبوا
القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن، فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد
ونظرت ما الذي يسأل. قال أئته ان شئت. فأتاه فسأله فقال: يا معاوية لأي
شئ رفعتم هذه المصاحف. قال: لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به في كتابه
فابعثوا منكم رجلا ترضون به، ونبعث منا رجلا ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في
كتاب الله لا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه، فقال الأشعث: هذا هو الحق.
فانصرف إلى علي فأخبره بالذي قال [معاوية] فقال الناس: قد رضينا وقبلنا.
فبعث علي قراءا من أهل العراق، وبعث معاوية قراءا من أهل الشام،
فاجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف، فنظروا فيه وتدارسوه، وأجمعوا على
أن يحيوا ما أحيا [ه] القرآن، وأن يميتوا ما أمات القرآن، ثم رجع كل فريق
إلى أصحابه، وقال الناس قد رضينا بحكم القرآن، فقال أهل الشام فإنا قد رضينا
واخترنا عمرو بن العاص. وقال الأشعث والقراء الذين صاروا خوارج فيما بعد:
فإنا قد رضينا واخترنا أبا موسى الأشعري فقال لهم علي: اني لا أرضى بأبي
261

موسى، ولا أرى أن أوليه. فقال الأشعث وزيد بن حصين ومسعر بن فدكي في
عصابة من القراء: إنا لا نرضى إلا به فإنه قد حذرنا ما وقعنا فيه!!!
قال علي [عليه السلام]:
فإنه ليس لي برضا (1) وقد فارقني وخذل الناس عني (2)
ثم هرب حتى آمنته بعد أشهر، ولكن هذا ابن عباس
أوليه ذلك.
قالوا: والله لا نبالي أكنت أنت أو ابن عباس، ولا نريد إلا رجلا هو منك
ومن معاوية سواء، وليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر.
[فقال عليه السلام: فلم ترضون لأهل الشام بابن العاص وليس كذلك؟. قالوا:
أولئك أعلم [كذا] إنما علينا أنفسنا (3).]
وقال نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر

(1) أي بمرضي ومحمود عندي. وهو مصدر بمعنى المفعول.
(2) أي أمرهم بترك القتال معي وبالتخلف عني، يقال: (خذل عن
أصحابه تخذيلا) حملهم على خذلانه وترك القتال. وخذل زيد فلانا - من باب نصر -
وعن فلان خذلانا وخذلا - بفتح الخاء في الأخير، وبالكسر أيضا في الأول -:
ترك نصرته وإعانته.
(3) بين المعقوفين مأخوذ من كتاب الأخبار الطوال ص 192.
262

محمد بن علي [عليهما السلام] (4) قال: لما أراد الناس عليا على أن يضع حكمين قال
لهم علي [عليه السلام]: إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا وهو أوثق برأيه
ونظره من عمرو بن العاص، وانه لا يصلح للقرشي إلا مثله فعليكم بعبد الله بن
عباس فارموه به فإن عمرا لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله، ولا يحل عقدة إلا
عقدها ولا يبرم أمرا إلا أبرمه.
فقال الأشعث: لا والله لا يحكم فيها مضريان حتى تقوم الساعة ولكن اجعله
رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر.
فقال علي: اني أخاف أن يخدع يمينكم، فإن عمرا ليس من الله في شئ إذا
كان له في أمر هوى.
فقال الأشعث: والله لأن يحكما ببعض ما نكره وأحدهما من أهل اليمن
أحب إلينا من أن يكون [بعض] ما نحب في حكمها وهما مضريان!!!
وفي حديث عمر (5) قال: قال علي [عليه السلام]: قد أبيتم إلا أبا موسى؟.
قالوا: نعم. قال: فاصنعوا ما أردتم.
فبعثوا إلى أبي موسى وقد اعتزل القتال (6) فجاء حتى دخل عسكر علي،

(4) وقال في ختام الحديث: (وذكر الشعبي مثل ذلك).
(5) فقط دون حديث الشعبي، ولما كان ما تقدم مرويا عنهما، وهذا مرويا عن
عمر بوحده قيده، وهذا من إعطاء حق العلم. ثم إنه لم يذكر في صدر الحديث
عمرا في السند، فاما سقط من قلم الناسخ ويراد منه الأسدي أو أراد منه عمرو بن
شمر، وسقط الواو من النسخة.
(6) من قوله: (فبعثوا) إلى هنا تلخيص للعبارة وليس بتمامها.
263

وجاء الأشتر حتى أتى عليا فقال: يا أمير المؤمنين ألزني بعمرو بن العاص (7)
فوالله الذي لا إله غيره لئن ملئت عيني منه لأقتلنه. وجاء أحنف بن قيس فقال:
يا أمير المؤمنين إنك رميت بحجر الأرض ومن حارب الله ورسوله أنف
الإسلام (8) واني قد عجمت أبا موسى وحلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة
قريب العقر، وإنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يكون في
أكفهم، ويتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم، فإن تجعلني حكما فاجعلني،
وإن أبيت أن تجعلني حكما فاجعلني ثانيا أو ثالثا فإنه لا يعقد عقدة إلا حللتها
ولن يحل عقدة إلا عقدتها وعقدت لك أخرى أشد منها، فعرض [علي عليه السلام]
ذلك على الناس فأبوه وقالوا: لا يكون إلا أبا موسى (9).

(7) ألزني به: ألزمني إياه واجعلنا قرينين.
(8) أنف الإسلام: أوله. وقال في مادة: (حجر) من لسان العرب: يقال:
رمى فلان بحجر الأرض. أي بداهية من الرجال. وفي حديث الأحنف انه قال لعلي
حين سمى معاوية أحد الحكمين عمرو بن العاص: إنك قد رميت بحجر الأرض
فأجعل معه ابن عباس فإنه لا يعقد عقدة إلا حلها، أي بداهية عظيمة تثبت
ثبوت الحجر في الأرض.
(9) وأيضا روى نصر كلام الأحنف برواية عمر بن سعد [الأسدي] فساق
كلامه قريبا مما مر في رواية عمرو بن شمر - إلى أن قال: قال الأحنف:
- فابعثني ووالله لا يحل عقدة إلا عقدت لك أشد منها، فإن قلت: إني
لست من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابعث رجلا من أصحاب رسول الله غير
عبد الله بن قيس وابعثني معه، فقال على [عليه السلام]:
إن القوم أتوني بعبد الله بن قيس مبرنسا فقالوا: ابعث هذا فقد رضينا به.
والله بالغ أمره. ورواه أيضا العسكري في جمهرة الأمثال ج 2 ص 480 وساق
كلام الأحنف إلى أن قال: فقال علي: والله ما أردت التحكيم ولا رضيت به،
وقد أبي الناس إلا أبا موسى وغلبوني.
264

وقام ابن الكوا إلى علي فقال: هذا عبد الله بن قيس وافد أهل اليمن إلى
رسول الله، وصاحب مقاسم أبي بكر، وعامل عمر، وقد [رضي به القوم]
وعرضنا على القوم عبد الله بن عباس فزعموا أنه قريب القرابة منك ظنون في
أمرك (10).
قال علي: فإني أجعل الأشتر.
قال نصر، قال عمرو: فحدثني أبو جناب، قال: قال الأشعث: وهل
سعر الأرض علينا غير الأشتر، وهل نحن إلا في حكم الأشتر. قال له علي: وما
حكمه؟. قال حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكون ما أردت
وما أراد.
وفي حديث عمر [بن سعد الأسدي] قال: قال علي: قد أبيتم إلا أبا موسى؟
قالوا: نعم. قال فاصنعوا ما شئتم.
فبلغ ذلك [أي تحكيم أبي موسى] أهل الشام، فبعث أيمن بن خريم الأسدي
- وهو معتزل لمعاوية - هذه الأبيات وكان هواه أن يكون هذا الأمر لأهل
العراق، فقال:
لو كان للقوم رأي يعصمون به (11) * من الضلال رموكم بابن عباس
لله در أبيه أيما رجل * ما مثله لفصال الخطب في الناس
لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن * لم يدر ما ضرب أخماس لأسداس

(10) الظنون - كالظنين -: المتهم.
(11) والأشعار رواها في جمهرة الأمثال: ج 2 ص 4.
ورواها أيضا في مروج الذهب: ج 2 ص 410.
265

إن يخل عمرو به يقذفه في لجج * يهوي به النجم تيسا بين أتياس
أبلغ لديك عليا غير عاتبة * قول امرئ لا يرى بالحق من باس
ما الأشعري بمأمون أبا حسن * فاعلم هديت وليست العجز كالرأس
فاصدم بصاحبك الأدنى زعيمهم * إن ابن عمك عباس هو الآسي
فلما بلغ الناس قول أيمن، طارت أهواء قوم من أولياء علي عليه السلام وشيعته
إلى عبد الله بن عباس، وأبت القراء إلا أبا موسى.
كتاب صفين ص 500 ط مصر، ورواه أيضا عنه ابن أبي الحديد في شرح
المختار: (35) من نهج البلاغة: ج 2 ص 229.
266

- 226 -
ومن كلام له عليه السلام
دار بينه وبين طائفة قليلة من عباد أصحابه
الذين كانوا غير راضين بالحكومة والصلح
قال البلاذري: حدثني عبد الله بن صالح بن مسلم، حدثنا ابن كناسة
الأسدي (1) عن إسماعيل بن مجالد، عن أبيه:
عن الشعبي قال: لما اجتمع علي ومعاوية على أن يحكما رجلين، اختلف
الناس على علي فكان عظمهم وجمهورهم مقرين بالتحكيم راضين به، وكانت
فرقة منهم - وهم زهاء أربعة آلاف من ذوي بصائرهم والعباد منهم - منكرة
للحكومة، وكانت فرقة منهم وهم قليل متوقفين، فأتت الفرقة المنكرة عليا
فقالوا: عد إلى الحرب - وكان علي يحب ذلك -. فقال الذين رضوا بالتحكيم:
والله ما دعانا القوم إلا إلى حق وإنصاف وعدل. وكان الأشعث بن قيس وأهل
اليمن أشدهم مخالفة لمن دعا إلى الحرب، فقال علي [عليه السلام] للذين دعوا إلى
الحرب:

(كذا).
267

يا قوم قد ترون خلاف أصحابكم وأنتم قليل في كثير،
ولئن عدتم إلى الحرب ليكونن [هؤلاء] أشد عليكم من أهل
الشام (2) فإذا اجتمعوا وأهل الشام عليكم أفنوكم، والله ما
رضيت ما كان ولا هويته ولكني ملت إلى الجمهور منكم
خوفا عليكم.
ثم أنشد [عليه السلام]:
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
ففارقوه ومضى بعضهم إلى الكوفة قبل كتاب القضية، وأقام الباقون معه
على إنكارهم التحكيم ناقمين عليه، يقولون: لعله يتوب ويراجع!!!
فلما كتبت القضية خرج بها الأشعث، فقال عروة ابن جدير: يا أشعث ما
هذه الدنية؟ أشرط أوثق من شرط الله؟ واعترضه بسيف فضرب عجز بغلته

(2) وهذا يكاد أن يكون أمرا بديهيا لمن له أدنى إلمام بسيرة الخوارج،
ويكون له أنس والتفات لنزعتهم فإنهم أخلوا بأمر أمير المؤمنين ما لا يبلغ إخلال
معاوية وأصحابه معشار منه!!! ولولاهم لعجلت النقمة لمعاوية أو كان يعطي
صفقة يمينه وهو صاغر!!!.
268

وحكم. فغضب الأشعث وأهل اليمن، حتى مشى الأحنف، وجارية بن قدامة،
ومعقل بن قيس، وشبث بن ربعي ووجوه تميم إليهم فرضوا وصفحوا.
الحديث: (409) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 1 ص 384
وفي المطبوع: ج 2 ص 338.
269

- 227 -
ومن كلام له عليه السلام
لما أكره على التحكيم، وبعث الحكمين
قال البلاذري: [روي] المدائني، عن عيسى بن عبد الرحمان، عن أبي إسحاق،
عن علقمة بن قيس، قال: قلت لعلي: أتقاضي معاوية على أن يحكم حكمان؟
فقال [عليه السلام]:
ما أصنع أنا مضطهد.
الحديث: (405) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب أنساب
الأشراف: القسم الأول من ج 1، ص 191، وفي ط 1: ج 2 ص 337.
270

- 228 -
ومن كلام له عليه السلام
لما أرادوا أن يكتبوا وثيقة التحكيم بينه وبين معاوية
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] قال: حدثني أبو إسحاق
الشيباني، قال: فقيل لعلي - حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية
وأهل الشام -: أتقر أنهم مؤمنون مسلمون؟
فقال علي [عليه السلام]:
ما أقر لمعاوية ولا لأصحابه أنهم مؤمنون ولا مسلمون،
ولكن يكتب معاوية ما شاء، ويقر بما شاء لنفسه
وأصحابه، ويسمي نفسه وأصحابه بما شاء.
كتاب صفين ص 509 ط 2 بمصر.
271

- 229 -
ومن كلام له عليه السلام
أجاب به الأحنف بن قيس
وقال العسكري -: قال الأحنف لعلي كرم الله وجهه حيث بعث معاوية
[عمرو بن العاص] حكما: إنك يا أمير المؤمنين قد رميت بحجر الأرض ومن كاد
الإسلام وأهله عصرا، وهو سن قريش وداهية العرب، وقد رضيت بأبي موسى؟
وهو رجل يمان، ولا أدري ما قدر نصيحته!!! فضم معه رجلا من قريش أو
اجعلني ثانيا فليس صاحب عمرو إلا من دنا حتى يظن أنه قد تابعه وهو منه
بمنزلة النجم.
فقال [علي عليه السلام]:
والله ما أردت التحكيم ولا رضيت به، وقد أبى الناس
إلا أبا موسى وغلبوني.
هكذا ذكره في كتاب جمهرة الأمثال ص 480 تحت المثل المعروف (رمي
فلان بحجره).
272

- 230 -
ومن كلام له عليه السلام
أجاب به الأشعث بن قيس وعمرو بن العاص
عند كتابة وثيقة التحكيم
قال نصر: وفي كتاب عمر بن سعد [الأسدي، أن كاتب الوثيقة كتب
هكذا (1)]:
هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين.
فقال معاوية: بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته. وقال
عمرو: اكتب اسمه واسم أبيه، إنما هو أميركم، وأما أميرنا فلا (2) فقال
الأحنف: لا تمح اسم إمرة المؤمنين عنك، فإني أتخوف إن محوتها أ [ن] لا ترجع
إليك أبدا، لا تمحها وان قتل الناس بعضهم بعضا. فأبى [علي عليه السلام] مليا من

(1) بين المعقوفين زيادة توضيحية منا.
(2) وبعده هكذا: (فلما أعيد الكتاب إليه أمر بمحوه، فقال)... وهذا
إما زائد كما يدل عليه عدم وجوده في رواية الطبري، وإما انه قدم عن موضعه
الأصلي وهو كونه بعد كلام الأحنف.
273

النهار أن يمحوها ثم إن الأشعث بن قيس جاء فقال: امح هذا الاسم. فقال
[علي عليه السلام]:
لا إله إلا الله والله أكبر، سنة بسنة، أما والله لعلى
يدي دار هذا يوم الحديبية، حين كتبت الكتاب عن رسول
الله صلى الله عليه: (هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله صلى
الله عليه وسهيل بن عمرو). فقال سهيل: لا أجيبك إلى كتاب
تسمى [فيه] رسول الله صلى الله، ولو أعلم أنك رسول الله
لم أقاتلك، إني إذا ظلمتك إن منعتك أن تطوف ببيت الله
وأنت رسول الله، ولكن اكتب: (محمد بن عبد الله)
أجيبك!!!
فقال محمد صلى الله عليه: يا علي إني لرسول الله، وإني
لمحمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي إليهم: من
محمد بن عبد الله، فاكتب محمد بن عبد الله. فراجعني
المشركون في هذا إلى مدة، فاليوم أكتبها إلى أبنائهم كما
كتبها رسول الله صلى الله عليه إلى آبائهم سنة ومثلا.
274

فقال عمرو بن العاص: سبحان الله ومثل هذا شبهتنا بالكفار ونحن
مؤمنون؟.
فقال علي [عليه السلام]:
يا ابن النابغة، ومتى لم تكن للكافرين وليا وللمسلمين
عدوا؟! وهل تشبه إلا أمك التي وضعت بك!!!
فقام عمرو، فقال: والله لا يجمع بيني وبينك مجلس أبدا بعد هذا اليوم.
فقال علي:
والله إني لأرجو أن يطهر الله عز وجل مجلسي منك
ومن أشباهك (1).
وجاءت عصابة قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين مرنا
بما شئت.
فقال لهم ابن حنيف: أيها الناس اتهموا رأيكم فوالله لقد كنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: ولو نرى قتالا لقاتلنا وذلك في الصلح الذي صالح عليه
النبي صلى الله عليه وسلم.
كتاب صفين ص 508.

(1) هذا هو الصواب الموافق لما في تاريخ الطبري: ج 4 ص 37، وهنا في
كتاب صفين تصحيف.
275

- 231 -
ومن كلام له عليه السلام
لما فرغوا من كتابة صحيفة التحكيم وأمضاها الشهود من الفريقين وعرضت
على العسكرين فندمت الخوارج فقالت: ارجع عن التحكيم.
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر [الأسدي] عن أبي جناب عن إسماعيل بن
سميع [شفيع (خ)] عن شقيق بن سلمة وغيره - وساق كلاما طويلا في عرض
الأشعث صحيفة التحكيم على العسكرين وكلام خطيب أهل الشام مع العراقيين
إلى أن قال: - فنادت الخوارج أيضا (1) في كل ناحية: لا حكم إلا الله، لا نرضى
بأن نحكم الرجال في دين الله، قد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن
يقتلوا أو يدخلوا معنا في حكمنا عليهم، وقد كانت منا خطيئة وزلة حين
رضينا بالحكمين، وقد تبنا إلى ربنا ورجعنا عن ذلك، فارجع كما رجعنا وإلا
فنحن منك براء. فقال علي [عليه السلام]:
ويحكم [أ] بعد الرضا والعهد والميثاق أرجع؟ أو ليس

(1) إنما قال: (أيضا). من أجل إن هذه المخاطبة بينهم وبين علي عليه السلام
قد جرت قبل ذلك بعد عرض الأشعث، وقبل كلام خطيب الشام وقد ذكرها
بهذا السند قبل ورقة، وإنما ذكرنا الثاني دون الأول مع وحدة السند والمتن،
لأنه أوفق بملاحظة ما حذفناه.
276

الله يقول: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا
الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا، إن الله
يعلم ما تفعلون) [91 / النحل: 16].
[قال:] فبرئوا من علي وشهدوا عليه بالشرك، وبرء علي منهم.
كتاب صفين ص 514 و 518.
277

- 232 -
ومن كلام له عليه السلام
مع سليمان بن صرد الخزاعي، ومحرز بن جريش
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد [الأسدي] عن الصقعب بن زهير،
عن عون بن أبي جحيفة (1) قال: أتى سليمان بن صرد عليا أمير المؤمنين بعد
الصحيفة ووجهه مضروب بالسيف، فلما نظر إليه علي [عليه السلام] قال:
(فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا
تبديلا). [23 / الأحزاب: 32] فأنت ممن ينتظر وممن لم
يبدل.
فقال [سليمان]: يا أمير المؤمنين أما لو وجدت أعوانا ما كتبت هذه
الصحيفة أبدا، أما والله لقد مشيت في الناس ليعودوا إلى أمرهم الأول فما وجدت
أحدا عنده خير إلا قليلا.

(1) قال في تقريب التهذيب: عون بن أبي جحيفة - بتقديم الجيم وهيئة
التصغير - السوائي - بضم السين - الكوفي ثقة من الرابعة، مات سنة 116.
كذا في هامش الأصل.
278

وقام إلى علي محرز [محمد (خ)] بن جريش بن ضليع، فقال: يا أمير
المؤمنين [أ] ما إلى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل، فوالله إني لأخاف أن
يورث ذلا. فقال علي [عليه السلام]:
أبعد أن كتبناه ننقضه، إن هذا لا يحل (2).
كتاب صفين ص 519.

(2) وبعده في كتاب صفين هكذا: وكان محرز يدعى (مخضخضا) وذاك
انه أخذ عنزة [وهي رميح صغير] بصفين وأخذ معه إداوة من ماء، فإذا وجد
رجلا من أصحاب علي جريحا سقاه من الماء، وإذا وجد رجلا من أصحاب معاوية
خضخضه بالعنزة حتى يقتله.
279

- 233 -
ومن كلام له عليه السلام
في تقريض الأشتر (ره) لما قيل له: إنه لم ير إلا قتال
القوم ولم يرض بما في صحيفة التحكيم
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر [بن سعد الأسدي] عن فضيل بن خديج
قال: قيل لعلي - لما كتبت الصحيفة -: إن الأشتر لم يرض بما في هذه الصحيفة
ولا يرى الا قتال القوم (1) فقال علي [عليه السلام]:
بلى إن الأشتر ليرضى إذا رضيت (2)، وقد رضيت

(1) وقال في الحديث: (404) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب
الأشراف: وقيل لعلي: إن الأشتر لم يرض بالصحيفة ولم ير إلا قتال القوم.
فقال: ولا أنا والله رضيت!!! [ولكن] لن يصلح الرجوع بعد الكتاب.
(2) قال الأشتر (ره) - عندما عرض الأشعث صحيفة العهد عليه ليوقعها -
لا صحبتني يميني، ولا نفعتني بعدها الشمال إن كتب لي في هذه الصحيفة اسم على
صلح ولا موادعة، أو لست على بينة من ربي، ويقين من ضلال عدوي؟!
أو لستم قد رأيتم الظفر إن لم تجمعوا على الخور؟!. فقال الأشعث: هلم فأشهد على
نفسك فإنه لا رغبة بك عن الناس. قال بلى والله إن بي لرغبة عنك في الدنيا
للدنيا، وفي الآخرة للآخرة، ولقد سفك الله بسيفي هذا دماء رجال ما أنت
بخير منهم عندي ولا أحرم دما. ثم قال: ولكن قد رضيت بما صنع علي أمير
المؤمنين، ودخلت فيما دخل فيه، وخرجت مما خرج منه، فإنه لا يدخل إلا في
هدى وصواب. إنتهى ملخصا.
280

ورضيتم، ولن يصلح الرجوع بعد الرضا، ولا التبديل
بعد الإقرار، إلا أن يعصى الله ويتعدى ما في كتابه.
وأما الذي ذكرتم من تركه أمري وما أنا عليه، فليس
[هو] من أولئك، وليس أتخوفه على ذلك [ولا أعرفه على
ذلك (خ)] وليت فيكم مثله اثنين، بل ليت فيكم مثله واحدا
يرى في عدوه مثل رأيه، إذن لخفت علي مؤونتكم ورجوت
أن يستقيم لي بعض أودكم (3) وأما القضية فقد استوثقنا لكم
فيها (4) وقد طمعت أ [ن] لا تضلوا إن شاء الله رب العالمين.
[قال:] وكان الكتاب في صفر (5) والأجل في شهر رمضان لثمانية أشهر

(3) الأود - كفرس -: الاعوجاج. الكد. التعب.
(4) أي أخذنا بالوثاقة والاحكام فيها، وبالغنا بالتحفظ عليها.
(5) المراد من الكتاب كتاب العهد والوثيقة بينه وبين معاوية، وهذا العهد
رواه نصر بصورتين في كتاب صفين ص 507 وص 510 وفي ختامهما: وكتب
عميرة يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين. غير أن في
الأولى: وكتب عمر يوم الأربعاء لثلاث عشر ليلة بقيت من صفر...
وهكذا أرخ كتاب العهد في الأخبار الطوال ص 154، ولكن البلاذري
أرخ تعطيل الحرب برفع المصاحف في أنساب الأشراف ج 1، ص 189،
بصبيحة ليلة الجمعة - وهي ليلة الهرير - لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر، سنة
سبع وثلاثين. وعلى هذا فيكون كتابة العهد والوثيقة أما في نفس اليوم أو في اليوم
التالي وهو الثالث عشر من شهر صفر، وهذا ذكره غير واحد من المتأخرين بلا ذكر
سند ومدرك له. وكذلك ذكره الطبري في تاريخه: ج 4 ص 40 قال: فكتب
كتاب القضية بين علي ومعاوية - فيما قيل -: يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من
صفر، سنة (37) من الهجرة، على أن يوافي علي موضع الحكمين بدومة الجندل
في شهر رمضان، ومعاوية ومع كل واحد منهما أربعمأة من أصحابه وأتباعه.
ولكن البلاذري أيضا روى - في الحديث: (407) من ترجمة أمير المؤمنين
عليه السلام من أنساب الأشراف - عن الأثرم: علي بن المغيرة، عن أبي عبيدة، عن
عمرو بن العلاء قال: كتبت القضية بين علي ومعاوية يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة
بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين.
وعلى هذا - وما ذكره في كتاب صفين - فالفصل بين تعطيل الحرب وكتابة
وثيقة العهد إنما هو لأجل التفاهم ورفع الاختلاف الحادث بين جند أمير المؤمنين
عليه السلام.
281

يلتقي الحكمان.
الجزء الأخير من كتاب صفين ص 521 ط 2 بمصر.
282

- 234 -
ومن كلام له عليه السلام
عند رجوعه من صفين
قال نصر بن مزاحم (ره) عن عمر [بن سعد الأسدي] عن عبد الرحمان بن
جندب، قال: لما أقبل علي من صفين وأقبلنا معه، فأخذ طريقا غير طريقنا
الذي أقبلنا فيه (1)، فقال علي [عليه السلام]:
آئبون عائدون، لربنا حامدون.
اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب
وسوء المنظر في المال والأهل.
قال: ثم أخذ بنا طريق البر، على شاطئ الفرات، حتى انتهينا إلى (هيت)
وأخذنا على (صندودا) فخرج الأنماريون بنو سعيد بن حزيم، واستقبلوا عليا
فعرضوا عليه النزل فلم يقبل فبات بها ثم غدا.

(1) كذا في كتاب صفين، وفي الحديث (406) من أنساب الأشراف: ج
2 ص 200 وارتحلوا بعد يومين من القضية فسلك علي طريقه التي بدأ فيها حتى
أتى هيت وصندودا، وسار إلى الكوفة في شهر ربيع الأول سنة سبع
وثلاثين.
283

- 235 -
ومن كلام له عليه السلام
لما نزل في رجوعه من صفين كربلا وصلى الغداة بها
قال الشيخ الصدوق رفع الله مقامه: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال:
حدثنا الحسن بن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا
قيس بن حفص الدارمي، قال: حدثني حسين الأشقر، قال: حدثنا منصور بن
الأسود، عن أبي حسان التيمي عن نشيط بن عبيد، عن رجل منهم:
عن جرداء بنت سمير، عن زوجها هرثمة بن أبي مسلم قال: غزونا مع علي بن
أبي طالب [عليه السلام] صفين، فلما انصرفنا، نزل كربلا فصلى بها الغداة، ثم
رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال:
واها لك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة
بغير حساب.
فرجع هرثمة إلى زوجته - وكانت شيعة لعلي - فقال ألا أحدثك عن وليك
أبي الحسن، نزل بكربلا [ء] فصلى ثم رفع إليه من تربتها فقال: (واها لك
أيتها التربة، ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب). قالت: [إيها]
أيها الرجل فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا...
284

الحديث (6) من المجلس (28) من أمالي الصدوق ص 120، وللحديث تتمة
قد ذكرناها في مقتل الحسين عليه السلام. وليعلم أن للحديث طرقا كثيرة
ومصادر، وذكره ابن عساكر - في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 13، ص 63 - 77 بخمس طرق، وفي طريقين منها تصريح بأنه
عليه السلام قال في كربلاء، عند رجوعه من صفين.
285

- 236 -
ومن كلام له عليه السلام
كتبه لما تصدق في سبيل الله ما كان له من العيون والبساتين.
قال أبو خالد الواسطي: حدثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جده عن علي
عليهم السلام انه كتب في صدقته:
هذا ما أمر به علي بن أبي طالب وقضى في ماله: إني
تصدقت بينبع ووادي القرى والأذينة وراعة (1) في سبيل الله

(1) قال الشارح: ينبع - كينصر - قرية مشهورة غربي المدينة المنورة
بينهما خمسون فرسخا. ووادي القرى: موضع بين الكوفة وواسط؟.
وأذينة - كجهينة - تصغير أذن. وأذينة [كذا] وراعة - مشددة
العين - اسم موضع على ليلة من فدك ضيعة كانت لأمير المؤمنين.
وقال القاضي عبد الجبار في وجوه أفضلية أمير المؤمنين من كتاب المغني: ج
20 ص 141 وتصدق [عليه السلام] بأملاكه أجمع ولم يخلف إلا ثلاث مأة درهم أو
سبعمأة أراد أن يشتري بها مملوكا ليكفيه بعض المحن.
286

ووجهه أبتغي بها مرضاة الله، ينفق منها في كل نفقة في سبيل
الله ووجهه في الحرب والسلم والجنود، وذوي الرحم القريب
والبعيد، لا يباع ولا يورث، حيا أنا أو ميتا، أبتغي بذلك
وجه الله والدار الآخرة، ولا أبتغي إلا الله عز وجل، فإنه
يقبلها وهو يرثها وهو خير الوارثين فذلك الذي قضيت فيها -
فيما بيني وبين الله عز وجل - الغد منذ قدمت مسكن (2)
واجبة بتلة حيا أنا أو ميتا ليولجني الله عز وجل بذلك الجنة
ويصرفني عن النار ويصرف النار عن وجهي يوم تبيض وجوه
وتسود وجوه.
وقضيت أن رباحا وأبا نيزر وجبيرا (3) إن حدث بي حدث
محررون لوجه الله عز وجل لا سبيل عليهم.
وقضيت أن ذلك إلى الأكبر من ولد علي المرضيين
هديهم وأمانتهم وصلاحهم.

(2) قال في الشرح: والمعنى: غد اليوم الذي قدمت فيه مسكنا.
(3) هذا هو الصواب، وفي الأصل تصحيف.
287

آخر كتاب الفرائض من مسند زيد وشرحه الروض النظير: ج 5 ص 180.
وقال في الشرح: هذه الوصية قد رويت من غير طريق بألفاظ فرواها في
الأمالي عن محمد بن منصور، من طريق عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي
طالب عن أبيه عن جده علي عليه السلام.
وأخرجها ابن جرير، عن أبي جعفر محمد بن علي مرسلا.
أقول: ورواه أيضا بزيادات جيدة في مقتل أمير المؤمنين عليه السلام لابن
أبي الدنيا، الورق 237 ب في الحديث (35) منه عن علي بن الجعد، عن أبي
يوسف القاضي عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن
جده، وذكرناه في المقالة العلوية الغراء.
288

- 237 -
ومن كلام له عليه السلام
مع الخوارج حين رجع إلى الكوفة وهو بظاهرها قبل دخوله
إياها، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال:
هذا مقام من فلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة، ومن
نطف فيه أو عنت فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (1).

(1) فلج فيه - من باب ضرب ونصر -: فاز فيه وظفر ببرهانه. ونطف
- من باب علم -: تلطخ فيه بعيب أو أتهم بريبة وفجور. و (عنت) - أيضا
من باب علم -: انكسر. فسد.
والخطبة رواها أيضا السيد أبو طالب في أماليه - كما في أواخر الباب:
(14) من ترتيبه تيسير المطالب - بسنده عن محمد بن علي العبدكي، قال: حدثنا
محمد بن يزداد، قال: حدثني يعقوب بن إسحاق بن محمد بن سهل، قالا [كذا]
حدثنا محمد بن عمرو، قال: أخبرنا أبو أحمد الزبيري، عن عبد الجبار بن عياش
عن سلمة بن كهيل، عن ابن حجر بن عدي قال: لما قفل علي أمير المؤمنين عليه
السلام من صفين وأكثر كثير من أصحابه والمحكمة القول في الحكمين، أمر فنودي
بالصلاة جامعة ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم
ثم قال: اللهم هذا مقام من فلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة...
أقول: وهذا الصدر يجيء أيضا برواية المبرد في كتاب الكامل.
289

نشدتكم بالله أتعلمون أنهم حين رفعوا المصاحف،
فقلتم: نجيبهم إلى كتاب الله. قلت: لكم: إني أعلم بالقوم
منكم، إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني صحبتهم
وعرفتهم أطفالا ورجالا فكانوا شر رجال وشر أطفال،
أمضوا على حقكم وصدقكم إنما رفع القوم لكم هذه
المصاحف خديعة ووهنا ومكيدة، فرددتم علي رأيي، وقلتم:
لا بل نقبل منهم. فقلت: لكم اذكروا قولي لكم ومعصيتكم
إياي، فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحييا
ما أحياه القرآن وأن يميتا ما أماته القرآن، فإن حكما
بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكم من حكم بما في
الكتاب، وإن أبيا فنحن من حكمهما براء.
290

فقال له بعض الخوارج: فخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء؟ فقال
عليه السلام:
إنا لم نحكم الرجال، إنما حكمنا القرآن!!! وهذا
القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق (1) وإنما يتكلم
به الرجال.
قالوا له: فخبرنا عن الأجل الذي [قررت] فيما بينك وبينهم. قال عليه
السلام:
ليتعلم الجاهل، ويتثبت العالم، ولعل الله أن يصلح في
هذه الهدنة هذه الأمة، أدخلوا مصركم رحمكم الله.
فرحلوا من عند آخرهم.
الفصل (38) مما اختار من كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد ص 144،
وقريب منه رواه تحت الرقم (64) من كتاب العلم من العقد الفريد: ج 1، ص
341، ط 2 في باب أخبار الخوارج.

(1) الدفتين: الجلدين.
291

- 238 -
ومن كلام له عليه السلام
لما وصل الكوفة ولقي بعض أهلها
وبالسند المتقدم عن نصر، عن عمر بن سعد الأسدي قال عبد الرحمن بن
جندب:
وأقبلنا معه [يعني مع أمير المؤمنين] حتى جزنا النخيلة ورأينا بيوت
الكوفة، فإذا نحن بشيخ جالس في ظل بيت على وجهه أثر المرض فأقبل إليه علي
ونحن معه حتى سلم عليه وسلمنا عليه، قال: فرد ردا حسنا ظننا انه قد عرفه.
فقال له علي: ما لي أرى وجهك منكفتا (1) أمن مرض؟. قال: نعم. قال:
فلعلك كرهته؟ فقال: ما أحب أنه بغيري (2) قال: أليس احتسابا للخير (3) فيما

(1) أي منقبضا، من قولهم: كفت الشئ - من باب ضرب - كفتا):
قبضه. وانكفت الشئ: انقبض.
(2) هذا مقام رضى وانقياد لله تعالى، فطوبى للراضين بقضاء الله المنقادين
له.
(3) أي لثواب الله تعالى وأجره أي أليس حبك لبقاء مرضك فيك
وكراهتك انتقاله منك لأجل تسليمك لأمر الله وصبرك على بلائه طلبا لرضاه
وثوابه الموعود؟ واعداد صبرك من موجبات القرب إلى الله تعالى؟!.
292

أصابك منه؟. قال: بلى. قال: فأبشر برحمة ربك وغفران ذنبك، من
أنت يا عبد الله؟ قال: أنا صالح بن سليم. قال: ممن أنت؟. قال: أما الأصل
فمن سلامان بن طيء، وأما الجوار والدعوة فمن بني سليم بن منصور. قال:
سبحان الله ما أحسن اسمك واسم أبيك واسم أدعيائك واسم من اعتزيت
إليه (4) هل شهدت معنا غزاتنا هذه؟ قال: لا والله ما شهدتها، ولقد أردتها
ولكن ما ترى بي من لحب الحمى (5) خذلتني عنها. فقال علي [عليه السلام]:
(ليس على الضعفاء، ولا على المرضى، ولا على الذين لا
يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله، ما على
المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) [91 / التوبة: 9].
[ثم قال له:] أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام؟ قال:
منهم المسرور فيما كان بينك وبينهم - وأولئك أغشاء الناس - ومنهم المكبوت
الأسف (6) لما كان من ذلك - وأولئك نصحاء الناس لك - فذهب لينصرف

(4) الأدعياء - هنا - من ادعى جوارهم ودعوتهم وهم بنو سليم بن منصور.
ويقال: (عزا فلانا - من باب دعا - إلى فلان عزوا): نسبه إليه. ومثله (عزى
عزيا) من باب رمى. واعتزى اعتزاءا لفلان والى فلان، وتعزى تعزيا إليه:
انتسب إليه.
(5) أي من أثر الحمى يقال: (لحب الشئ - من باب منع - لحبا): أثر فيه،
ومثله لحب الشئ تلحيبا.
(6) المكبوت: المملوء غيظا وغما غير مفوه بهما.
293

فقال: صدقت [ثم قال له]:
جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك، فإن
المرض لا أجر فيه (7) ولكن لا يدع للعبد ذنبا إلا حطه،
إنما الأجر في القول باللسان، والعمل باليد والرجل، وإن
الله عز وجل يدخل بصدق النية والسريرة الصالحة [عالما جما]
من عباده الجنة.
ثم مضى [عليه السلام] غير بعيد فلقيه عبد الله بن وديعة الأنصاري، فدنا منه
وسأله فقال: ما سمعت الناس يقولون في أمرنا هذا؟. قال: منهم المعجب به
ومنهم الكاره له، والناس كما قال الله تعالى: (ولا يزالون مختلفين) [118
/ هود: 11] فقال له: فما يقول ذوو الرأي؟. قال: يقولون: إن عليا كان له

(7) قال السيد الرضي رحمه الله - في ذيل المختار: (30) من قصار النهج
ما ملخصه: إن المرض لا أجر فيه لأنه [أي المرض) من قبيل ما يستحق عليه
العوض لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد من الآلام
والأمراض وما يجري مجرى ذلك، والأجر والثواب يستحقان على ما كان في
مقابلة فعل العبد.
وقال محمد عبده في تعليقه: إن المرض ليس من أفعال العبد لله حتى يوجر
عليها، وإنما هو من أفعال الله بالعبد التي ينبغي أن الله يعوضه عن آلامها.
294

جمع عظيم ففرقه، وحصن حصين فهدمه، فحتى متى يبني مثل ما قد هدم، وحتى متى
يجمع مثل ما قد فرق!!! فلو أنه كان مضى بمن أطاعه - إذ عصاه من عصاه -
فقاتل حتى يظهره الله، أو يهلك إذن كان ذلك هو الحزم.!!!
فقال علي [عليه السلام]:
أنا هدمت أم هم هدموا؟ أم أنا فرقت أم هم فرقوا؟
وأما قولهم: لو أنه مضى بمن أطاعه - إذ عصاه من عصاه -
فقاتل حتى يظفر، أو يهلك إذن كان ذلك هو الحزم. فوالله
ما غبي عني ذلك الرأي، وإن كنت لسخي النفس بالدنيا (8)
طيب النفس بالموت، ولقد هممت بالإقدام [على القوم]
فنظرت إلى هذين قد استقدماني، فعلمت أن هذين إن هلكا،
انقطع نسل محمد من هذه الأمة، فكرهت ذلك وأشفقت على
هذين أن يهلكا، وقد علمت أن لولا مكاني لم يستقدما - يعني
بذلك ابنيه الحسن والحسين - وأيم الله لئن لقيتهم بعد يومي
[هذا] لألقينهم وليس هما معي في عسكر ولا دار.

(8) ما غبي - من باب علم -: ما خفي علي ولم أجهله، وكلمة: (إن) مخففة من
المثقلة أي وإني كنت لسخيا ببذل نفسي... وفي تاريخ الطبري: (وإن كنت
لسخيا بنفسي عن الدنيا). وهو أظهر.
295

قال: ثم مضى حتى جزنا دور بني عوف، فإذا نحن عن أيماننا بقبور سبعة
أو ثمانية (9) فقال أمير المؤمنين ما هذه القبور؟. فقال له قدامة بن عجلان
الأزدي: يا أمير المؤمنين ان خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك فأوصى أن
يدفن في الظهر (10) - وكان الناس يدفنون في دورهم وأفنيتهم [ولما أوصى
الخباب بالدفن بالظهر فدفن] فدفن الناس إلى جنبه - فقال علي [عليه السلام]:
رحم الله خبابا قد أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش
مجاهدا وابتلى في جسده أحوالا (11) ولن يضيع الله أجر من
أحسن عملا.
فجاء [عليه السلام] حتى وقف عليهم ثم قال:

(9) ورواه الطبراني بسنده عن زيد بن وهب وقال بقبور سبعة - وساق
الكلام إلى قوله: (ورضي عن الله) - كما في مجمع الزوائد ج 9 ص 299 قال:
وفيه معلى بن عبد الرحمان الواسطي وهو كذاب. أقول وهو سند آخر غير
سندنا فلا يضرنا.
(10) الظهر من الأرض: ما غلظ وارتفع، والمراد منه هنا هو ظهر الكوفة في
ذلك اليوم.
(11) وقريب منه في المختار (43) من قصار النهج، والأحوال: جمع الحول:
السنة.
296

عليكم السلام (12) يا أهل الديار الموحشة
والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين
والمسلمات، أنتم لنا سلف وفرط، ونحن لكم تبع
وبكم عما قليل لاحقون.
اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم.
ثم قال [عليه السلام]:
الحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا (13) أحياءا
وأمواتا الحمد لله الذي جعل منها خلقنا وفيها يعيدنا،
وعليها يحشرنا.

(12) وفي تاريخ الطبري وغير واحد من المصادر: السلام عليكم.
وقريب منه في المختار: (130) من قصار نهج البلاغة، ولكن جملة: (السلام
عليكم) غير موجودة فيه.
(13) الكفات - بالكسر -: الموضع الذي يضم فيه الشئ، ومنه
قوله تعالى في الآية: (25) من سورة المرسلات: 77: (ألم نجعل الأرض) كفاتا، أحياء وأمواتا).
297

طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع
بالكفاف، ورضي عن الله بذلك (14).
ثم أقبل [عليه السلام] حتى دخل سكة الثوريين فقال: خشوا بين
هذه الأبيات (15).
قال نصر، عن عمر [بن سعد الأسدي] قال: حدثني عبد الله بن
عاصم الفائشي، قال: لما مر علي بالثوريين - يعني ثور همدان - سمع
البكاء، فقال ما هذه الأصوات؟ قيل: هذا البكاء على من قتل بصفين.
فقال:
أما إني أشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة.
ثم مر بالفائشيين فسمع الأصوات فقال: مثل ذلك، ثم مر بالشباميين
فسمع رنة شديدة وصوتا مرتفعا عاليا، فخرج إليه حرب بن شرحبيل
الشبامي (16)، فقال علي: أيغلبكم نساؤكم ألا تنهوهن عن هذا
الصياح والرنين؟ قال: يا أمير المؤمنين، لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا
قدرنا على ذلك، ولكن من هذا الحي ثمانون ومأة قتيل، فليس من دار
إلا وفيها بكاء، أما نحن معشر الرجال فإنا لا نبكي، ولكن نفرح لهم
بالشهادة. فقال علي: رحم الله قتلاكم وموتاكم، وأقبل [حرب] يمشي

(14) وهذا الذيل ذكره في المختار: (44) من قصار نهج البلاغة.
(15) يقال: (خش زيد بين القوم وفيهم - من باب مد - خشنا
وانخش فيهم): دخل وغاب ومضى فيهم.
(16) الشبامي منسوب إلى شبام - كعصام بالكسر -: حي من همدان.
298

معه وعلي راكب، فقال له علي: ارجع. ووقف ثم قال له:
ارجع، فإن مشي مثلك [مع مثلي] فتنة للوالي،
ومذلة للمؤمن (17).
ثم مضى [عليه السلام] حتى مر بالناعطيين (18) فسمع رجلا منهم
يقال له: عبد الرحمان بن مرثد، فقال: ما صنع علي والله شيئا، ذهب
ثم انصرف في غير شئ. فلما نظر [إلى] أمير المؤمنين أبلس (19) فقال
علي (عليه السلام): وجوه قوم ما رأوا الشام العام. ثم قال لأصحابه:
قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء ثم قال:

(17) أي إن مشي مثلك معي وأنت من وجوه قومك، وأنا وال وراكب مما يوجب افتتان الوالي بنفخ روح الكبر فيه؟!! ومذلة
للمؤمن بإسراعه - كالعبيد - بين يدي الوالي.
وهذا منه عليه السلام إعدام للعادة المألوفة لما فيها من المفسدة.
ثم إن ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (322) من قصار النهج
وتاريخ الطبري والكامل، وهنا في كتاب صفين تصحيف.
(18) وهم حي من همدان، نسبة إلى جبل لهم يسمى (ناعط) كما
في الاشتقاق ص 251، ومعجم البلدان.
(19) أبلس: انقطع عن الحجة. سكت. تحير،.
299

أخوك الذي إن أحرضتك ملمة (20) من الدهر لم يبرح لبثك واجما (21)
وليس أخوك بالذي إن تمنعت (22) عليك أمور ظل يلحاك لائما (23)
ثم مضى [عليه السلام] فلم يزل يذكر الله حتى دخل [قصر] الكوفة (24).
كتاب صفين ص 528 - 532، ومثله في تاريخ الطبري: ج 4 ص 45
وتاريخ الكامل: ج 3 ص 164، وكثيرا مما تقدم هنا ذكره السيد
الرضي رحمه الله في المختار: (42 و 43 و 44 و 130 و 322) من
قصار نهج البلاغة ورواه أيضا في البحار: ج 8 ص 506 نقلا عن نصر
ابن مزاحم، كما أن العياشي أيضا روى قطعة منه في تفسيره: ج 2
ص 130، ورواها عنه في البحار: ج 8 ص 531. وأيضا روى قطعة منه
في الحديث الثاني من المجلس: (26) من أمالي الشيخ ج 2 ص 30.

(20) أحرضتك: أفسدتك وأشفت بك على الهلاك. وفي تاريخ
الطبري، (أجرضتك): أغصتك.
(21) البث: الشتات. الحال. أشد الحزن. والواجم: العابس
الوجه ومطرق الرأس لشدة الحزن.
(22) تمنعت: امتنعت وتعذرت.
(23) يلحاك: يذمك ويعيبك.
(24) كذا في النسخة عدا ما بين المعقوفين، والأظهر ما في تاريخ
الطبري: (حتى دخل القصر).
300

- 239 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما نزل الكوفة منصرفا من صفين (1)
ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه، عن الحسين بن محمد
الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء.
وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن [الحسن بن علي]
ابن فضال جميعا، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم، عن [الإمام
محمد الباقر] أبي جعفر عليه السلام، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام
الناس فقال:
إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع،
يخالف فيها كتاب الله، ويتولى فيها رجال رجالا (2)

(1) ومما يدل على أنه عليه السلام خطب بهذه الخطبة بعد انصرافه
من صفين إلى الكوفة ما ذكره اليعقوبي، قال: وانصرف علي عليه السلام،
[من صفين] إلى الكوفة، فلما قدمها قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال...
(2) وفي تاريخ اليعقوبي: (أيها الناس إن أول وقوع الفتن هوى
يتبع. وأحكام تبتدع يعظم فيها رجال رجالا يخالف فيها حكم الله)...
وفي نهج البلاغة: (ويتولى عليها رجال رجالا على غير دين الله)
أي يستعين عليها رجال برجال.
301

فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى (3) ولو
أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من
هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك
استحوذ الشيطان (4) على أوليائه، ونجى الذين سبقت
لهم من الله الحسنى.

(3) وفي روضة الكافي: (ألا إن الحق لو خلص لم يكن اختلاف،
ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، لكنه يؤخذ من هذا ضغث
ومن هذا ضغث فيمزجان فيجللان [فيجتمعان (خ)] [فيجلبان (خ)]
معا، فهنالك يستولي الشيطان...). ويجللان: يغطيان. وفي تاريخ
اليعقوبي: (ولو أن الحق أخلص فعمل به لم يخف على ذي حجى، ولكن
يؤخذ ضغث من ذا، وضغث من ذا فيخلط فيعمل به، فعند ذلك يستولي
الشيطان على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم منا الحسنى).
أقول: الحجى - كرضا -: العقل. والضغث: - كحبر -: القبضة
المختلطة من الرطب واليابس من الحشيش.
(4) كذا في أصول الكافي، والأظهر: (يستحوذ) أي يتسلط
ويستولي. كما في روضة الكافي وتاريخ اليعقوبي ونهج البلاغة.
وفي النهج: (فلو أن الباطل خلص من مزاح الحق لم يخف على المرتادين،
ولو أن الحق خلص من الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين،، ولكن يؤخذ
من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيخرجان، فهنالك يستولي الشيطان على
أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى).
302

الحديث الأول من باب البدع والرأي من كتاب فضل العلم من الكافي
ج 1، ص 54. ورواه أيضا مع صدر وذيل طويل في الحديث (21) من
روضة الكافي: ج 8 ص 58 عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد
ابن عيسى، عن إبراهيم بن عثمان، عن سليم ابن قيس الهلالي عن أمير
المؤمنين عليه السلام ورواه عنه في بحار الأنوار: ج 8 ص 705، كما رواه
أيضا في آخر باب البدع والرأي من ج 1، ص 159، وص 166. ورواه
أيضا البرقي رحمه الله في الحديث (114) من كتاب مصابيح الظلم، من
كتاب (المحاسن ص 218، كما أن اليعقوبي رحمه الله أيضا رواه قبل
قصة الخوارج من تاريخه: ج 2 ص 180، وفي ط ص 167. ورواه
أيضا في المختار الخامس من الباب السابع من دستور معالم الحكم ص 132،
وكذلك رواه في المختار: (50) من نهج البلاغة.
303

- 240 -
ومن كلام له عليه السلام
في تفسير القضاء والقدر، وأن أفعال العباد معلولة لإرادتهم وإعمال
قدرتهم وأنهم مختارون فيها غير مقهورين عليها!!!
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله إذنا ومناولة.
وقرأ علي إسناده: أنبأنا محمد بن الحسين، أنبأنا أبو الفرج القاضي أنبأنا الحسن
ابن أحمد بن محمد الكلبي [ظ] أنبأنا محمد بن زكريا الغلابي أنبأنا العباس
ابن بكار، أنبأنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة (1) قال:
لما قدم علي من صفين قام إليه شيخ من أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين
أخبرني عن مسيرنا إلى أهل الشام [أ] بقضاء وقدر؟ فقال علي [عليه السلام]:
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما قطعنا واديا
ولا علونا تلعة إلا بقضاء وقدر.
فقال الشيخ: عند الله احتسب عنائي؟!!
فقال علي:

(1) والظاهر إن عكرمة يرويه عن ابن عباس كما في السند الرابع من
رواية الصدوق رحمه الله تعالى من كتاب التوحيد.
304

ولم؟ بل عظم الله أجركم في مسيركم وأنتم
مصعدون، وفي منحدركم وأنتم منحدرون، وما كنتم
في شئ من أموركم مكرهين، ولا إليها مضطرين.
فقال الشيخ: كيف يا أمير المؤمنين، والقضاء والقدر ساقانا [ساقنا
(خ)] إليها؟ قال [أمير المؤمنين عليه السلام]:
ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حاتما؟ لو
كان ذلك (2) لسقط الوعد والوعيد!!! ولبطل
الثواب والعقاب!!! ولا أتت لائمة من الله لمذنب،
ولا محمدة من الله لمحسن!!! ولا كان المحسن أولى
بثواب الإحسان من المذنب!!! (3) ذلك مقال

(2) أي لو كان سائق الخلق وحاملهم على أعمالهم هو القضاء اللازم
والقدر الحاتم لسقط الوعد والوعيد من الله، إذ لا معنى للوعيد أو الوعد على
عمل لا يكون اختياريا للشخص بل القضاء والقدر هما العلة لتحققه ووجوده
والشخص يكون محلا صرفا غير دخيل في تكونه وتحققه.
(3) إذ المحسن والمذنب على هذا التقدير غير مؤثران في شئ من
العمل، والمؤثر التام هو القضاء والقدر، والشخص لاحظ له من الفعل
إلا كونه محلا له، ككون الجوهر محلا للعرض وكون الجسم محلا للأبعاد
وكون الماء باردا مرطوبا وكون النار مضيئا محرقا، وعليه فلا يصح إطلاق
المحسن والمسئ أيضا على المحل إذ المحسن هو فاعل الإحسان، والمذنب
هو الآتي بالذنب والفرض إنهما غير فاعلان، والفاعل هو القضاء والقدر
فإذا القدر هو المحسن والمسئ لا غير. وهذا عين بطلان الثواب والعقاب،
واجتثاث الشرائع من أسها!!! وهو مقال إخوان عبدة الأوثان وهم الدهريين
المنكرين للشرائع. ولكن عمل العقلاء قاطبة وفطرتهم - حتى الدهريين - على
خلاف هذا المقال فاتصل في عصرنا هذا بأي جيل تشاء فإنك تراهم يجرون
أحكام الإجرام على المفسد وأحكام الإنعام والإفضال على المصلح بلا تريث
منهم وإن نطق أحد الفريقين بأن الفعل من القضاء والقدر يضحكون منه
بل يغضبون عليه أشد غضب!!!
305

إخوان عبدة الأوثان، وجنود الشيطان، وخصماء
الرحمان، وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها!!! ولكن
الله تعالى أمر بالخير تخييرا، ونهى عن الشر تحذيرا (4)

(4) أي إنما أمر الله تعالى بالخير ونهى عن الشر لأجل تفضيل المأمورين
على غيرهم وإخراجهم عن مرتبة البهيمية المهملة إلى مرتبة التقيد بالمصالح
والتخلق بالفضائل ولأجل تحذيرهم عن الوقوع في الشرور ومضارها.
يقال: خير الشئ على غيره فضله عليه. أو إنه تعالى أمرهم بالخير أمر تخيير
أي لا أمر قسر وإلجاء ونهاهم عن الشر نهي تحذير واحتراز لا نهي إجبار
ورافع للاختيار، أو إنه أمرهم بالخير لأن يختاروه ويكون أمره داعيا لهم
إلى اختياره ونهاهم عن الشر كي يحذروه ويكون نهيه من بواعث تجنبهم
عن الشرور،
306

ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها (5) ولم يملك
تفويضا (6) ولا خلق السماوات والأرض وما نرى

(5) أي إنه تعالى لا يكون في حال عصيان العصاة مغلوبا لهم، ولا في
حين إطاعة المطيعين مكرها وقاسرا لهم على الإطاعة، إذ لم تتعلق إرادته
تعالى على إطاعة المطيعين وعدم عصيان الخلق بنحو الحتم والتعين وبنحو
القهر والغلبة - وإلا خرجا عن كونهما إطاعة ومعصية - بل إنه تعالى أراد
منهم أن يطيعوه باختيارهم ولا يعصوه باختيارهم، ومثل إرادته تعالى
لأعمال خلقه مثل طبيب ناصح لحبيبه في الحفاظ على جهات الصحة، والتجنب
عن مظان المرض وموارده.
ومما يلائم هنا جدا ما رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام في المختار (8) من
الباب: (9) من دستور معالم الحكم ص 110، قال و: سأله رجل عن تفسير
(لا حول ولا قوة إلا بالله). فقال: تفسيرها: إنا لا نملك مع الله شيئا، ولا
نملك من دونه شيئا، ولا نملك إلا ما ملكنا مما هو أملك به فمتى ملكنا ما هو
أملك به كلفنا، ومتى أخذ منا وضع عنا ما كلفنا، إن الله عز اسمه أمرنا
تخييرا [مختبرا (خ)] ونهانا تحذيرا، وأعطانا على قليل كثيرا [كذا]
لن يطاع ربنا مكرها ولن يعصى مغلوبا.
(6) أي إنه تعالى لم يملك التخيير والقدرة للمأمورين بنحو التفويض
والتسريح المطلق وإيكال الأمر إليهم وإهمالهم كي يعملوا ما يشاؤن ويأتون بما
يريدون بحيث لا يكون لهم ثواب ولا عقاب ولا تحسين ولا توبيخ، بل بين
لهم الرشد من الغي ورغبهم في الرشد ونفرهم عن الغي وأعطاهم القدرة
تفضلا فمن أطاعه رفع له مقاما كريما، ومن عصاه يصله عذابا أليما.
307

فيهما من عجائب آياتهما (7) باطلا (ذلك ظن الذين
كفروا فويل للذين كفروا من النار) [27 / الصاد].
قال الشيخ: يا أمير المؤمنين فما كان القضاء والقدر الذي فيه مسيرنا
ومنصرفنا؟
قال [أمير المؤمنين عليه السلام]: ذلك أمر الله وحكمه (8)
ثم قرأ علي [عليه السلام]: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه)
[23 / الإسراء: 17] [قال:] فقام الشيخ تلقاء وجهه [عليه السلام]
فقال:
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته * يوم النشور من الرحمان غفرانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك عنا فيه إحسانا
الحديث (1291) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من
تاريخ دمشق ج 3 ص 231 ط 1، وفي المخطوطة: ج 38
ص 84، وفي النسخة المحذوفة الأسانيد، ص 137، ورواه

(7) هذا هو الظاهر الموافق لغير واحد من المصادر، وفي الأصل:
(وما أرى فيهما من عجائب آياتهما) ويحتمل رسم خط الأصل أيضا أن
يقرأ (من عجائب أنبائهما...)
(8) والأمر أمر تشريع وحكمة وإرشاد ودلالة وحث على الصلاح
وتنفير عن الفساد والمضار، كل ذلك لأجل سعادة المأمورين وتطهير ساحتهم
عن لوث الشقاء والعناء، ومن أجلها رتب الله تعالى الثواب على إطاعته
والعقاب على معصيته كي لا يتساهل المأمورون فيما أمروا به ونهوا عنه
فيهلكون أنفسهم وبني نوعهم.
308

عنه في فصل الإيمان بالقدر من كتاب منتخب كنز العمال المطبوع بهامش
مسند أحمد بن حنبل ج 1، ص 77 ط 1، بحذف الأشعار وتعقيبه بما هو
مقتضى العقل الهندي!!! وللكلام مصادر، وأسانيد كثيرة، وذكره أيضا
في باب العدل من كتاب غنية النزوع لابن زهرة كما في المترجم منه ص
34، وذكره أيضا أحمد بن أعثم في ختام قصة صفين من كتاب الفتوح
ج 4 ص 34 ط 1، وكذلك ذكره في ترجمة كتاب الفتوح. وذكره أيضا
مختصرا في المختار (70) من قصار نهج البلاغة. ورواه أيضا في الكافي:
ج 1، ص 55، وله مصادر أخر كثيرة.
- 241 -
ومن كلام له عليه السلام
دار بينه وبين الخوارج في أوائل أمرهم
البلاذري: عن المدائني في إسناده قال: لما دخل المحكمة الكوفة
وذهب عنهم كلال السفر (1) مشت عصبة منهم إلى علي فقالوا:
علام كنا نقاتل يوم الجمل؟ قال: على الحق.
قالوا: فأهل البصرة (كذا). قال: على النكث

(1) كلال السفر: تعبه وإعياؤه. وهو بفتح الكاف كالكل والكلالة
بمعنى واحد.
309

والبغي. قالوا: فأهل الشام؟ قال: هم وأهل البصرة
سواء. قالوا: فلم أجبت معاوية على وضع الحرب؟
قال: خالفتموني وخفت الفتنة. قالوا: فعد إلى
أمرك. قال: قد أعطيتهم ميثاقا إلى مدة فلا يحل [لنا]
قتالهم حتى تنقضي المدة، وقد أخذنا على الحكمين
أن يحكما بكتاب الله، فإن حكما به فأنا أولى الخلق
بالأمر. قالوا: إن معاوية يدعي مثل الذي تدعي!!!
ففارقوه.
الحديث: (429) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف:
ج 2 ص 357 ط 1، وفي المخطوطة القسم الأول من ج 1 / الورق 195 /
أو ص 390.
310

- 242 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله لما سمع قول الخوارج: لا حكم إلا الله.
قال البلاذري: حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف،
عن ابن أبي حرة الحنفي أن عليا [عليه السلام] خرج ذات يوم فخطب
فإنه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد (1) فقال علي
[عليه السلام]:
كلمة حق يعزى بها - أو قال: يراد بها - باطل (2) [نعم]
إنه لا حكم إلا الله، ولكنهم يقولون: لا إمرة. ولا بد
من أمير يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع [ويتمتع

(1) المحكمة: الخوارج. وحكمت: قالوا: لا حكم إلا الله.
(2) والثاني هو الظاهر الشائع، وأما الأول فلعله بمعنى: يسند إليها
باطل، بأن تكون الباء بمعنى إلى أو أن الياء المثناة التحتانية المقلوبة بالألف
زائدة والصواب: (يعز بها باطل) أي يقوي ويصلب بها باطل. أو أن الياء بدل
عن حرف التضعيف قال في مادة (عزز) من اللسان: وتعزيت عنه:
تصبرت، أصلها تعززت أي تشددت به، مثل تظنيت في تظننت،
ولها نظائر.
311

(خ)] [فيها] الفاجر (3) فإن سكتوا تركناهم - أو قال:
عذرناهم - وإن تكلموا حججناهم، وإن خرجوا علينا
قاتلناهم.
الحديث: (423) من ترجمة أمير المؤمنين من كتاب أنساب الأشراف
القسم الأول من ج 1، من المخطوطة الورق 194 / أو ص 389، وفي
ط 1: ج 2 ص 352.
- 243 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان ما من الله تعالى عليه ومنحه من علم القرآن وما يقع في غابر الزمان
فرات ابن إبراهيم بن فرات الكوفي، عن علي بن محمد بن عمر الزهري
عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن حفص بن عاصم ونصر بن مزاحم،
وعبد الله بن المغيرة، عن محمد بن هارون السندي عن أبان بن [أبي]
عياش، عن سليم بن قيس، قال: خرج [علينا أمير المؤمنين] علي بن
أبي طالب عليه السلام ونحن قعود في المسجد - بعد رجوعه من صفين،
وقبل يوم النهروان (1) - ثم أقبل علينا أمير المؤمنين عليه السلام وقال:
(3) وفي المختار: (40) من نهج البلاغة: (ويستمتع فيها الكافر،
ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفئ ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ
به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر).
(1) وبعده كان في الأصل قصة طويلة حذفناها. (*)
312

سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبة وبرأ
النسمة إني لأعلم بالتوراة من أهل التوراة، وإني لأعلم
بالإنجيل من أهل الإنجيل، وإني لأعلم بالقرآن من
أهل القرآن (2).
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما من فئة تبلغ مأة
رجل إلى يوم القيامة إلا وأنا عارف بقائدها وسائقها.
وسلوني عن القرآن، فإن في القرآن بيان كل شئ
فيه علم الأولين والآخرين وإن القرآن لم يدع لأحد
مقالا (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)
وليسوا بواحد ورسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]
كان واحدا منهم (3) علمه الله [سبحانه] إياه فعلمنيه
رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] ثم لا يزال في عقبنا

(2) أي من جميع أهل القران،
(3) كذا في البحار، وفي تفسير فرات: (ليس بواحد، رسول الله
(ص) منهم)...
313

إلى يوم القيامة. ثم قرأ أمير المؤمنين: (بقية مما ترك
آل موسى وآل هارون (4). وأنا من رسول الله [صلى
الله عليه وآله] بمنزلة هارون من موسى [عليهما
السلام] والعلم في عقبنا إلى أن تقوم الساعة.
الحديث: (30) من تفسير فرات بن إبراهيم ص 9 ط النجف وقريبا
منه جدا رواه في باب (أنهم كلمات الله) من البحار،: ج 7 ص 127،
عن محمد بن العباس عن علي بن محمد الجعفي، عن أحمد بن القاسم الأكفاني عن
علي بن محمد بن مروان. عن أبيه، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس.
- 244 -
ومن كلام له عليه السلام
في الإحتجاج على الخوارج، وجواب من قال له: هلا ملت إليهم فأفنيتهم؟!
قال ابن أبي الحديد: وروى إبراهيم بن الحسن بن ديزيل المحدث،
في كتاب صفين، عن عبد الرحمان بن زياد، عن خالد بن حميد المصري:

(4) اقتباس من الآية: (248 من سورة البقرة وإليك أول الآية
الكريمة: (وقال لهم نبيهم: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه
سكينة من ربكم وبقية...) وكلمة (سبحان) وما بعدها مما
وضعناه بين المعقوفات مأخوذة من البحار، والأخير في النسخة كان
هكذا: (ع) والبقية كانت هكذا: (ص).
314

عن عمر مولى غفرة، قال: لما رجع علي عليه السلام من صفين
إلى الكوفة، أقام الخوارج حتى جموا (1) ثم خرجوا إلى صحراء بالكوفة
تسمى حروراء فنادوا: لا حكم إلا لله ولو كره المشركون، ألا إن عليا
ومعاوية أشركا في حكم الله!!!
فأرسل علي عليه السلام إليهم عبد الله بن عباس فنظر في أمرهم وكلمهم
ثم رجع إلى علي عليه السلام فقال له: ما رأيت؟ فقال ابن عباس: والله
ما أدري ما هم! فقال له علي عليه السلام: رأيتهم منافقين؟! فقال:
والله ما سيماهم بسيما المنافقين، إن بين أعينهم لأثر السجود، وهم يتأولون
القرآن (2) فقال علي عليه السلام: دعوهم ما لم يسفكوا دما أو يغصبوا
مالا. وأرسل إليهم: ما هذا الذي أحدثتم وما تريدون؟ قالوا: نريد أن
نخرج نحن وأنت ومن كان معنا بصفين ثلاث ليال ونتوب إلى الله من أمر
الحكمين، ثم نسير إلى معاوية فنقاتله حتى يحكم الله بيننا وبينه. فقال علي
عليه السلام: فهلا قلتم هذا حين بعثنا الحكمين (3) وأخذنا منهم العهد.
وأعطيناهموه، ألا قلتم هذا حينئذ؟! قالوا: كنا قد طالت الحرب علينا
واشتد البأس، وكثر الجراح وخلا الكراع (4) والسلاح!! فقال لهم:

(1) يقال: (جم القوم - من باب مد - وفر - جموما) كفلوسا -:
استراحوا وكثروا.
(2) والمحكي عن بعض النسخ: (ويتأولون القرآن) ولعل الصواب:
(ويتلون القرآن).
(3) أي حين أردنا بعث الحكمين قبل كتابة كتاب العهد وإمضائه.
(4) الكراع - كغراب -: اسم يطلق على الخيل والبغال والحمير.
315

أفحين اشتد البأس عليكم عاهدتم، فلما وجدتم الجمام قلتم ننقض العهد؟!!
إن رسول الله كان يفي للمشركين أفتأمرونني بنقضه؟!!
فمكثوا مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلى علي عليه السلام ولا يزال
الآخر يخرج من عند علي عليه السلام، فدخل واحد منهم على علي
عليه السلام بالمسجد والناس حوله، فصاح: لا حكم إلا لله ولو كره
المشركون. فتلفت الناس، فنادى: لا حكم إلا لله ولو كره المتلفتون. فرفع
علي عليه السلام رأسه إليه، فقال: لا حكم إلا لله ولو كره أبو حسن.
فقال علي عليه السلام: إن أبا الحسن لا يكره أن يكون الحكم لله (5) ثم
قال: حكم الله انتظر فيكم. فقال له الناس: هلا ملت يا أمير المؤمنين
على هؤلاء فأفنيتهم؟ فقال [عليه السلام]:
إنهم لا يفنون، إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام
النساء إلى يوم القيامة!!! (6).
ختام شرح المختار: (40) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2
ص 310.

(5) وفي نسخة: (إن أبا الحسن لا يكره أن [لا] يكون الحكم
إلا لله).
(6) ويجئ أيضا ما يعاضده في المختار: (260) ص 350، ومثله أيضا
في المختار: (59) من نهج البلاغة، وهذا من الأخبار الغيبية التي أظهر
الله نبيه عليها، فأظهر النبي عليها وصيه عليه السلام برهانا لدعواه، وحجة
له على ما ناواه.
316

- 245 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله في بعض خطبه
ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه، عن علي بن
إبراهيم عن أبيه عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن أبي
الحسن العبدي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام ذات يوم وهو يخطب على منبر الكوفة:
يا أيها الناس لولا كراهية الغدر كنت من أدهى
الناس ألا إن لكل غدرة فجرة ولكل فجرة كفرة (1)
ألا وإن الغدر والفجور والخيانة في النار!!!
الحديث الأخير، من الباب (138) - وهو باب المكر والغدر - من
كتاب الإيمان والكفر، من أصول الكافي: ج 2 ص 338، وقريبا منه رواه
في الحديث الأول من الباب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن
أبي عمير، عن هشام بن سالم رفعه قال: قال أمير المؤمنين...
والكلام قريب جدا مما في المختار: (197) من خطب نهج البلاغة.

(1) وفي النهج: (ولكن لكل غدرة فجرة، ولكل فجرة كفرة،
ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة، والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز
بالشديدة).
317

- 246 -
ومن كلام له عليه السلام
في التحذير عن المكر والخدعة
أما بعد فإن المكر والخديعة في النار، فكونوا من
الله عز وجل ومن صولته على حذر، إن الله لا يرضى
لعباده - بعد إعذاره وإنذاره - استطرادا واستدراجا
من حيث لا يعلمون (1) ولهذا يضل سعي العبد حتى
ينسى الوفاء بالعهد، ويظن أنه قد أحسن صنعا،
ولا يزال كذلك في ظن ورجاء وغفلة عما جاءه من النبأ
يعقد على نفسه العقد ويهلكها بكل جهد، وهو في
مهلة من الله على عهد (2) يهوي مع الغافلين، ويغدو
مع المذنبين ويجادل في طاعة الله المؤمنين، ويستحسن

(1) كذا في الأصل.
(2) وفي المختار: (153) من نهج البلاغة: (وهو في مهلة من
الله يهوي مع الغافلين، ويغدو مع المذنبين بلا سبيل قاصد ولا إما قاصدا.
318

تمويه المترفين، فهؤلاء قوم شرحت [صدورهم]
بالشبهة، وتطاولوا على غيرهم بالفرية، وحسبوا
أنها لله قربة، وذلك لأنهم عملوا بالهوى، وغيروا كلام
الحكماء، وحرفوه بجهل وعمى، وطلبوا به السمعة
والرياء، بلا سبل قاصدة ولا أعلام جارية، ولا منار
معلوم إلى أمدهم، وإلى منهل هم واردوه، حتى
إذا كشف الله لهم عن ثواب سياستهم (3) واستخرجهم
من جلابيب غفلتهم، استقبلوا مدبرا واستدبروا
مقبلا، فلم ينتفعوا بما أدركوا من أمنيتهم ولا بما
نالوا من طلبتهم، ولا ما قضوا من وطرهم وصار ذلك
عليهم وبالا، فصاروا يهربون مما كانوا يطلبون.
وإني أحذركم هذه المزلة (4) وآمركم بتقوى

(3) المراد من الثواب مطلق الجزاء ويراد منه - هاهنا - الخزي والوبال،
ولعله عبر به تهكما.
وفي النهج: (حتى إذا كشف الله لهم عن جزاء معصيتهم).
(4) وفي النهج: (إني أحذركم ونفسي هذه المنزلة).
319

الله الذي لا ينفع غيره، فلينتفع بنفسه إن كان صادقا
على ما يجن ضميره، فإنما البصير من سمع وتفكر، ونظر
وأبصر، وانتفع بالعبر، وسلك جددا واضحا (5)
يتجنب فيه الصرعة في الهوى ويتنكب طريق العمى،
ولا يعين على فساد نفسه الغواة، بتعسف في حق أو
تحريف في نطق أو تغيير في صدق، ولا قوة إلا بالله (6).
قولوا ما قيل لكم، وسلموا لما روي لكم ولا تكلفوا
ما لم تكلفوا، فإنما تبعته عليكم فيما كسبت أيديكم
ولفظت ألسنتكم أو سبقت إليه غايتكم.
واحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة، واقصدوا
السهولة واعملوا فيما بينكم بالمعروف من القول والفعل
واستعملوا الخضوع واستشعروا الخوف والاستكانة لله،

(5) الجدد - كسب -: الأرض الغليظة المستوية.
(6) وفي النهج: (يتجنب فيه الصرعة في المهاوي والضلال في المغاوي،
ولا يعين على نفسه الغواة بتعسف في حق أو تحريف في نطق، أو تخوف
من صدق).
320

واعملوا فيما بينكم بالتواضع والتناصف والتباذل وكظم
الغيظ فإنها وصية الله، وإياكم والتحاسد والأحقاد فإنهما
من فعل الجاهلية (ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا
الله إن الله خبير بما تعملون).
أيها الناس اعلموا علما يقينا (7) أن الله لم يجعل للعبد -
وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت نكايته - أكثر
مما قدر له في الذكر الحكيم، ولم يحل بين المرء على
ضعفه وقلة حيلته وبين ما كتب له في الذكر الحكيم.
أيها الناس إنه لن يزداد امرؤ نقيرا بحذقه، ولن
ينتقص نقيرا بحمقه، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس
راحة في منفعة، والتارك له أكثر الناس شغلا في مضرة.
رب منعم عليه في نفسه مستدرج بالإحسان إليه.
ورب مبتلى عند الناس مصنوع له. فأفق أيها المستمتع

(7) ومن قوله: (إعلموا - إلى قوله: - قصر من عجلتك) رواه
في المختار: (265) من الباب (3) من نهج البلاغة.
321

من سكرتك (7) وانتبه من غفلتك وقصر من عجلتك (8)
وتفكر فيما جاء عن الله تبارك وتعالى فيما لا خلف ولا
محيص عنه ولا بد منه، ثم ضع فخرك ودع كبرك
وأحضر ذهنك واذكر قبرك ومنزلك، فإن عليه ممرك
وإليه مصيرك، وكما تدين تدان، وكما تزرع تحصد،
وكما تصنع يصنع بك، وما قدمت اليوم تقدم عليه
غدا لا محال (9) [فامهد لقدمك وقدم ليومك] (10)

(7) هذا هو الظاهر من السياق الموافق لما في النهج، وفي النسخة (من
سكرك).
(8) وفي النهج: (واختصر من عجلتك، وأنعم الفكر فيما جاءك
على لسان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مما لابد منه ولا محيص عنه،
وخالف من خالف ذلك إلى غيره، ودعه وما رضي لنفسه، وضع فخرك
واحطط كبرك...).
(9) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (وما قدمت إليه). وتقدم
عليه - من باب منع -: ترد عليه. ولا محالة: لابد ومن غير شك.
(10) ما بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة، وما بعده إلى قوله:
(تقوم لها بما علمت). غير موجود في النهج.
322

فلينفعك النظر فيما وعظت به، وع ما سمعت ووعدت
به، فقد اكتنفك بذلك خصلتان - ولا بد أن تقوم
بأحدهما -: إما طاعة الله تقوم لها بما سمعت، وإما
حجة الله تقوم لها بما عملت.
فالحذر الحذر والجد الجد، فإنه لا ينبئك مثل
خبير. إن من عزائم الله في الذكر الحكيم (11) التي
لها يرضى، ولها يسخط ولها يثيب، وعليها يعاقب
إنه ليس بمؤمن - وإن حسن قوله وزين وصفه وفضله
غيره - [من] إذا خرج من الدنيا فلقى الله بخصلة
من هذه الخصال لم يتب منها: الشرك بالله فيما افترض
[الله] عليه من عبادته، أو شفاء غيظه بهلاك نفس (12)
أو يقر بعمل فعمل بغيره [كذا] أو يستنجح حاجة
إلى الناس بإظهار بدعة في دينه، أو سره أن يحمده

(11) عزائم الله: ما عزمه الله وأراده من عباده من فعل الواجبات
وترك المحرمات.
(12) هذا هو الصواب الموافق لما في نهج البلاغة، وفي الأصل:
(أو شفاء غيظ بهلاك نفسه).
323

الناس بما لم يفعل من خير أو مشى في الناس بوجهين
ولسانين والتجبر والأبهة (13).
واعلم واعقل ذلك فإن المثل دليل على شبهه،
إن البهائم همها بطونها وإن السباع همها التعدي
والظلم، وإن النساء همهن زينة [الحياة] الدنيا
والفساد فيها، وإن المؤمنين مشفقون مستكينون
خائفون.
المختار الثامن من كلمه عليه السلام من كتاب تحف العقول ص 103، والكلام
لم أره محفوظا كما ينبغي ورواه أيضا في المختار: (153) من نهج البلاغة
وهو أجود مما ذكره صاحب تحف العقول.

(13) وفي النهج: (إن من عزائم الله في الذكر الحكيم التي عليها
يثيب ويعاقب ولها يرضى ويسخط انه لا ينفع عبدا - وإن أجهد نفسه
وأخلص فعله - أن يخرج من الدنيا لاقيا ربه بخصلة من هذه الخصال لم يتب
منها: أن يشرك بالله فيما افترض عليه من عبادته، أو يشفي غيظه بهلاك
نفس أو يعر بأمر فعله غيره، أو يستنجح حاجة إلى الناس بإظهار بدعة في
دينه، أو يلقى الناس بوجهين، أو يمشي فيهم بلسانين، أعقل ذلك فإن
المثل...).
324

- 247 -
ومن كلام له عليه السلام
لما وعظ الخوارج فنقموا منه بأنك جعلت أبا موسى الأشعري حكما في دين الله
الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي رحمه الله قال: حدثنا علي
ابن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا
جعفر بن سليمان الجعفري، قال: حدثنا أبي، عن عبد الله بن الفضل
الهاشمي، عن سعد الخفاف، عن الأصبغ بن نباته، قال:
لما وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [عليه السلام] على الخوارج
ووعظهم وذكرهم وحذرهم عن القتال، قال لهم:
ما تنقمون مني إلا أني أول من آمن بالله وبرسوله.
فقالوا: أنت كذلك، ولكنك حكمت في دين الله أبا موسى الأشعري.
فقال:
والله ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت القرآن،
ولولا أني غلبت على أمري وخولفت في رأيي لما
رضيت أن تضع الحرب أوزارها بيني وبين أهل حرب
325

الله، حتى أعلي كلمة الله (1) وأنصر دين الله ولو كره
الجاهلون والكافرون.
الحديث السادس، من الباب: (30) - وهو باب القران ما هو - من
كتاب التوحيد للصدوق رضوان الله تعالى عليه.
ونقله عنه، في البحار: ج 8 ص 609 في السطر 9 عكسا. وذكر الطبري
في قصة الخوارج من تاريخه: ج 4 ص 47 ما يوافق صدر الكلام، وأيضا
قريبا من صدره رواه في أول الفصل (35) في عنوان: (تفصيل الإسلام
والإيمان) من كتاب قوت القلوب: ج 2 ص 251.
- 248 -
ومن كلام له عليه السلام
في الإحتجاج على الخوارج أيضا
قال البلاذري: حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف
لوط بن يحي، وعن عوانة في إسنادهما، قالوا: لما قدم علي الكوفة وقد
فارقته المحكمة وهم الخوارج، وثب إليه شيعته فقالوا: بيعتك في أعناقنا
فنحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت. فقال الخوارج: تسابق هؤلاء

(1) أي اجعلها عليا، وفوق بواطن المبطلين.
326

وأهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان (1) بايع أهل الشام معاوية على ما أحبوا
وكرهوا، وبايع هؤلاء عليا على أنهم أولياء من والا [ه] وأعداء من عادا [ه].
وبعث علي عبد الله بن عباس إلى الخوارج - وهم معتزلون بحرورا (ء)
وبها سموا الحرورية - فقال: أخبروني ماذا نقمتم من الحكمين؟ وقد
قال الله في الشقاق [يحدث بين المرء وزوجه]: ([وإن خفتم شقاق بينهما]
فابعثوا حكما من أهله [وحكما من أهلها أن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما]) (2)
وقال في كفارة الصيد يصيبه المحرم: (يحكم به ذوا عدل منكم
[95 / المائدة: 5].
قالوا: ما جعل الله حكمه إلى الناس وأمرهم بالنظر فيه فهو إليهم،
وأما ما حكم به وأمضاه في الشرائع والسنن والعزائم فليس للعباد أن ينظروا
فيه، ألا ترى أن الحكم [حكمه (خ ل)] في الزاني والسارق والمرتد
وأهل البغي مما لا ينظر العباد فيه ولا يتعقبونه؟ وقالوا: إن الله يقول:
(يحكم به ذوا عدل منكم). [أ] فعمرو بن العاص عدل؟! وحكم الله
في معاوية وأتباعه أن يقاتلوا ببغيهم حتى يفيئوا إلى أمر الله.
فلم يجبه أحد منهم، ويقال: [بل] أجابه ألفا رجل. ويقال: أربعة
آلاف رجل.

(1) هذا من أمثلة العرب يضربون به مثلا لرجلين يتسابقان إلى هدف
واحد. و (رهان) مصدر باب مفاعلة.
(2) ما بين المعقوفات كلها زيادات توضيحية منا. وفي النسخة: (وقد
قال الله في الشقاق (فابعثوا حكما من أهله) الآية. وهي الآية (40)
من سورة النساء: 4.
327

[قالوا:] ثم أإن عليا سأل عن يزيد بن قيس الأرحبي فقيل: إنهم
يطيفون به ويعظمونه (3) فخرج علي حتى أتى فسطاطه فصلى فيه ركعتين
ثم خاطبهم فقال:
نشدتكم الله، هل تعلمون أني كنت أكرهكم
للحكومة فيما بيننا وبين القوم ولوضع الحرب؟
وأعلمتكم أنهم إنما رفعوا المصاحف خدعة ومكيدة،
فرد علي رأيي وأمري؟!! فشرطت في الكتاب على
الحكمين أن يحييا ما أحيا [ه] الكتاب ويميتا ما أمات،
فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف ما
حكما به، وإن أبيا وزاغا فنحن من حكمهما براء (4)

(3) وقال المبرد في كتاب الكامل 558 - 559 طبع أوروبا:
إن عليا في أول خروج القوم عليه دعا صعصعة بن صوجان العبدي -
وقد كان وجهه إليهم وزياد بن النضر الحارثي مع عبد الله بن عباس - فقال
لصعصعة: بأي القوم رأيتم أشد إطافة؟ قال: بيزيد بن قيس الأرحبي.
فركب علي عليه السلام إلى حروراء فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب
يزيد بن قيس فصلى فيه ركعتين ثم خرج فاتكأ على قوسه وأقبل على الناس
فقال... وسيأتي تمام الحديث تحت الرقم 249 في ص 330.
(4) أي برئ. وهو لفظا مصدر لا يثني ولا يجمع ولا يؤنث.
328

وإنما حكمنا القرآن ولم نحكم الرجال، لأن الرجال
إنما ينطقون بما بين اللوحين.
قالوا: فلم كتبت اسمك ولم تنسب نفسك إلى إمرة المؤمنين؟ أكنت
مرتابا في حقك؟!
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما كتب القضية بينه وبين
قريش، قال: اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله وسهيل بن
عمرو. فقال أهل مكة: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك. فكتب
محمد بن عبد الله.
قالوا: إنما قلت لنا ما قلت، وقد تاب إلى الله من كان منا مائلا إلى
الحكومة، وعادلهم إلى المنابذة ونصب حرب، فإن تبت وإلا اعتزلناك!!!
قال: فإني أتوب إلى الله وأستغفره من كل ذنب، وقال لهم: ادخلوا
رحمكم الله مصركم.
فدخلوا من عند آخرهم وبايعوه على إعادة حرب القوم وقالوا: نجبي
الخراج ونسمن الكراع (5) ثم نسير إليهم.
الحديث: (422) من ترجمة أمير المؤمنين من القسم الأول من أنساب
الأشراف ج 1، من المخطوطة الورق 193، أو ص 387 وفي ط 1 ج 2 ص
448. ورواه أيضا ابن عبد البر. في كتاب جامع بيان العلم: ج 2 ص 126.

(5) وهو بضم الكاف اسم للدواب من الخيل والحمير والبغال.
329

- 249 -
ومن كلام له عليه السلام
في المعنى المتقدم
قال المبرد: إن [أمير المؤمنين] عليا عليه السلام في أول خروج القوم
[يعني الخوارج] عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدي - وقد كان وجهه
إليهم وزياد بن النضر الحارثي مع عبد الله بن عباس - فقال لصعصعة
بأي القوم رأيتم أشد إطافة؟ قال: بيزيد بن قيس الأرحبي. فركب
علي عليه السلام إلى حروراء فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب
يزيد بن قيس فصلى فيه ركعتين ثم خرج فاتكأ على قوسه وأقبل على الناس
فقال:
هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة (1)،

(1) الفلج - محركة -: الظفر. والمراد من الفلج في الدنيا هو استناد
الشخص في عقيدته وعمله إلى الحجة القاطعة من حكم عقل أو كتاب إلهي
أو قول قطعي من معصوم.
330

أنشدكم الله أعلمتم أحدا منكم كان أكره للحكومة
مني؟ قالوا: اللهم لا. قال: أفعلتم أنكم أكرهتموني
حتى قبلتها؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فعلام خالفتموني
ونابذتموني؟
قالوا: إنا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم وقد تبنا فتب إلى الله منه واستغفره
كما تبنا نعد لك!!! فقال علي عليه السلام: أنا أستغفر الله من كل ذنب.
فرجعوا معه وهم ستة آلاف، فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن
عليا عليه السلام رجع عن التحكيم ورآه ضلالا!!! وقالوا: إنما ينتظر
أمير المؤمنين أن يسمن الكراع وتجبى الأموال ثم ينهض بنا إلى الشام.
فأتى الأشعث [بن قيس] عليا عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس
قد تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا والإقامة عليها كفرا. فقام علي
عليه السلام فخطب الناس فقال: من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد
كذب، ومن رآها ضلالة فقد ضل.
فخرجت حينئذ الخوارج من المسجد فحكمت.
أقول: هكذا رواه المبرد في كتاب الكامل، ص 558 طبع أوروبا، كما
رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (36) من نهج البلاغة: ج 2
ص 279 بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، وبعض الألفاظ مأخوذ من
تعليق الكتاب نقلا عن طبعة أوروبا من كتاب الكامل.
331

- 250 -
ومن كلام له عليه السلام
في جواب قول الخوارج: لا حكم إلا الله
قال البلاذري حدثني عبد الله بن صالح، عن يحي بن آدم عن رجل،
عن مجالد، عن الشعبي، قال: بعث علي عبد الله بن العباس إلى الحرورية،
فقال [لهم]: يا قوم ماذا نقمتم على أمير المؤمنين؟
قالوا: (1) ثلاثا: حكم الرجال في دين الله، وقاتل فلم يسب ولم
يغنم، ومحى من اسمه - حين كتبوا القضية - أمير المؤمنين واقتصر على اسمه.
فقال عبد الله بن العباس: أما قولكم: حكم الرجال. فإن الله قد صير
حكمه إلى الرجال في أرنب ثمنه ربع درهم وما أشبه ذلك يصيبه المحرم،
وفي المرأة وزوجها، فنشدتكم الله أحكم الرجال في بضع المرأة وأرنب
بربع درهم أفضل أم حكمه في صلاح المسلمين وحقن دمائهم؟ قالوا:
بل هذا. قال: وأما قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم. أفتسبون أمكم عائشة
بنت أبي بكر الصديق؟ قالوا: لا. قال: وأما قولكم: محى من اسمه

(1) ورواه أيضا إلى قوله: (فرجع منهم ألفان) في ترجمة عبد الله بن
العباس من أنساب الأشراف: ج 2 ص 272 من النسخة المخطوطة.
332

إمرة المؤمنين. فإن المشركين يوم الحديبية قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
لو علمنا أنك رسول الله لم نقاتلك!!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
امح يا علي واكتب محمد بن عبد الله. ورسول الله خير من علي. فرجع
منهم ألفان وبقي الآخرون على حالهم.
فلما أراد علي [عليه السلام] توجيه الأشعري إلى الشام لإمضاء القضية
أتاه حرقوص بن زهير السعدي، وزيد بن حصين، وزرعة بن البرج الطائيان
في جماعة فسألوه أن لا يوجه أبا موسى، وأن يسير بهم إلى الشام، فيقاتلوا
معاوية وعمرو بن العاص، فأبى ذلك [علي عليه السلام] وسار أبو موسى
في شهر رمضان، فاجتمع المحكمة في شهر رمضان في منزل زيد بن حصين الطائي
فبايعوا عبد الله بن وهب - وكان يدعى ذا الثفنات، شبه أثر السجود بجبهته
ويديه وركبتيه بثفنات البعير - وكانت بيعتهم له لعشر خلون من شوال [سنة
سبع وثلاثين] ثم خرجوا فتوافوا بالنهروان، وأقبلوا يحكمون، فقال علي
[عليه السلام]:
إن هؤلاء يقولون: لا إمرة!!! ولا بد من أمير يعمل
في إمرته المؤمن، ويستمتع [فيها] الفاجر، ويبلغ
الكتاب الأجل (2) وإنها كلمة حق يعتزون (3) بها الباطل،
فإن تكلموا حججناهم وإن سكتوا عممناهم (4).
الحديث: (433) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف:
ج 2 ص 360 ط 1، وفي المخطوطة الورق 195 / أو ص 392.

(2) كذا هنا.
(3) أي يعززون ويقوون ويعظمون ويكبرون بها الباطل.
(4) أي عممناهم في الفيء ودخول المساجد وحضور الجماعات ولا نخص بها
غيرهم من المؤمنين. وللرواية تتمة من غير كلامه عليه السلام نذكرها فيما بعد.
333

- 251 -
ومن كلام له عليه السلام
في المعنى المتقدم
قال البلاذري: وحدثني روح بن عبد المؤمن، حدثنا أبو الوليد
الطيالسي [ظ] أنبأنا شعبة، أنبأنا أبو إسحاق، قال: سمعت عاصما
يقول: إن الحرورية على عهد علي قالوا: لا حكم إلا لله. فقال علي
[عليه السلام]:
إنه كذلك ولكنهم يقولون: لا إمرة ولا بد للناس
من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع
[فيها] الكافر، ويبلغ الكتاب أجله.
الحديث: (449) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الأشراف:
ج 2 ص 377 ط 1، وفي المخطوطة القسم الأول من ج 1 / الورق 199 /
أو ص 399.
334

- 252 -
ومن خطبة له عليه السلام
في المحاجة مع المارقين (1)
قال البلاذري: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن
جرير، عن أبيه، عن النعمان بن راشد [ظ] عن الزهري، قال:
لما قدم [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب إلى الكوفة من صفين، خاصمته
الحرورية ستة أشهر، وقالوا: شككت في أمرك وحكمت عدوك ووهنت
في الجهاد، وتأولوا عليه القرآن فقالوا: قال الله: (إن الحكم إلا لله
يقص الحق وهو خير الفاصلين). [57 / الأنعام] (2) وطالت خصومتهم
لعلي، ثم زالوا براياتهم وهم خمسة آلاف عليهم ابن الكواء، فأرسل إليهم
علي عبد الله بن عباس، وصعصعة بن صوحان فدعوهم إلى الجماعة وناشداهم
فأبوا عليهما، فلما رأي ذلك علي أرسل إليهم: إنا نوادعكم إلى مدة
نتدارس فيها كتاب الله لعلنا نصطلح، وقال لهم: ابرزوا منكم اثني عشر
نقيبا وأبعث منا مثلهم، ونجتمع بمكان كذا فيقوم خطباؤنا بحججنا وخطباؤكم

(1) وهذه الخطبة رواها أيضا ابن عساكر، وسنذكرها بلفظه.
(2) هذا هو الظاهر الموافق لما يأتي عن ابن عساكر، وفي نسخة أنساب
الأشراف هكذا: قال الله: (والله يقضي الحق) الآية.
أقول: ولعل هذا نقل بالمعنى عن الآية: (20) من سورة المؤمن: 40:
(والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ...).
وأن القوم استدلوا بالآيتين معا كما في رواية ابن عساكر.
335

بحججكم. ففعلوا ورجعوا فقام علي [عليه السلام] فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال:
أما بعد فإني لم أكن أحرصكم على هذه القضية
وعلى التحكيم (3) ولكنكم وهنتم وتفرقتم علي،
وخاصمني القوم بالقرآن ودعونا إليه، فخشيت إن
أبيت الذي دعوا إليه من القرآن والحكم أن تتأولوا
علي قول الله: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من
الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم [ثم يتولى
فريق منهم وهم معرضون] (4) وتتأولوا [علي]

(3) الظاهر أن المراد والمشار إليه من قوله: (هذه القضية) هو تعطيل
الحرب، أي إن التحريص على وضع الحرب وجعل الحكمين لم يكن مني.
(4) الآية (23) من سورة آل عمران، ثم إن جميع ما وضعناه بين المعقوفات
لم يكن في النسخة، بل ذكر من الآية بعضها ثم قال (الآية). كما أن لفظة
(أن تتأولوا) كانت في النسخة بلفظ الغيبة، والصواب ما ذكرناه وفقا لرواية
ابن عساكر، لأنه عليه السلام لم يخف من معاوية وجنده لظهور جورهم
وانحرافهم عن الدين، وإنما كان خوفه عليه السلام من الخوارج لظهور صلاحهم
ونسكهم، ومن خلافهم كان يقع القلوب الساذجة في ريبة وتزلزل.
336

قوله: [يا أيها الذين آمنوا] لا تقتلوا الصيد
وأنتم حرم (5) [ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل
ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ
الكعبة] [95 / المائدة].
و (أن) تتأولوا [علي] قوله: (وإن خفتم
شقاق بينهما فابعثوا [حكما من أهله وحكما من أهلها
إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما] (6) فلم آب
عليهم التحاكم، وخشيت أن تقولوا: فرض الله في
كتابه الحكومة في أصغر الأمور فكيف [با] لأمر الذي
فيه سفك الدماء وقطع الأرحام، وانهتاك الحريم.
وخفت وهنكم وتفرقكم.

(5) وفي النسخة هكذا: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم - إلى قوله: - ذوا
عدل منكم).
(6) وفي النسخة هكذا: (فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا) الآية.
337

ثم قامت خطباء الحرورية فقالوا: دعوتنا إلى كتاب الله والعمل به
فأجبناك وبايعناك، وقد قتلت في طاعتك قتلانا يوم الجمل وصفين، ثم
شككت في أمر الله وحكمت عدوك، ونحن على الأمر الذي تركت،
وأنت اليوم على غيره، فلسنا منك إلا أن تتوب منه وتشهد على نفسك
بالضلالة.
فلما فرغوا من قولهم قال [لهم] علي [عليه السلام]:
أما أن أشهد على نفسي بالضلالة، فمعاذ الله أن
أكون ارتبت منذ أسلمت، أو ضللت منذ اهتديت،
بل بنا هداكم الله من الضلالة، واستنقذكم من الكفر،
وعصمكم من الجهالة، وإنما حكمت الحكمين بكتاب
الله والسنة الجامعة غير المفرقة، فإن حكما بكتاب
الله كنت أولى بالأمر من حكمهما، وإن حكما بغير
ذلك لم يكن لهما علي وعليكم حكم.
الحديث: (424) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف:
ج 2 ص 353 ط 1، وفي المخطوطة القسم الأول من ج 1 / الورق 194 /
أو ص 389.
338

- 254 -
ومن كلام له عليه السلام
كان يقوله إذا بلغه عن الخوارج قولهم: لا حكم إلا لله
قال البلاذري: حدثني عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي، حدثني
يحيى بن آدم أنبأنا سفيان، عن الأعمش وغيره، قالوا: خرج علي إلى
أهل حروراء فكلمهم وحاجهم، وذلك بعد بعثته ابن عباس إليهم فدخلوا
جميعا إلى الكوفة، وكان الرجل منهم يذكر القضية، فيخرج فيحكم (1)
وكان علي [عليه السلام] يقول:
إنا لا نمنعهم الفئ، ولا نحول بينهم وبين
دخول مساجد الله، ولا نهيجهم ما لم يسفكوا دما وما
لم ينالوا محرما.
الحديث: (431) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف:
ج 2، ص 359 ط 1، وفي المخطوطة: القسم الأول من ج 1 / الورق
195 / أو ص 391.

(1) أي يقول: لا حكم إلا الله. والمراد من القضية: تحكيم عمرو بن
العاص وأبي موسى الأشعري.
339

- 255 -
ومن كلام له عليه السلام
مع جماعة من الخوارج حين أراد أن يبعث أبا موسى حكما إلى دومة الجندل
قال البلاذري حدثني بكر بن الهيثم حدثنا أبو الحكم العبدي، عن
معمر، عن الزهري، قال: أنكرت الحكومة على علي طائفة من أصحابه
قدمت إلى بلدانها من صفين، وانحاز منهم اثنا عشر ألفا - ويقال: ستة
آلاف - إلى موضع يقال له: حروراء بناحية الكوفة، فبعث إليهم علي
ابن عباس وصعصعة، فوعظهم صعصعة وحاجهم ابن عباس، فرجع
منهم ألفان، وبقي الآخرون على حالهم حينا ثم دخلوا الكوفة، فلما انقضت
مدة في القضية. وأراد علي توجيه أبي موسى [إلى دومة الجندل للحكم بما
في القرآن أو بما في السنة المجمع عليها] أتاه حرقوص بن زهير التميمي، وزيد
ابن حصين الطائي، وزرعة بن البرج الطائي في جماعة من الحرورية فقالوا:
أتق الله وسر إلى عدوك وعدونا، وتب إلى الله من الخطيئة، وارجع عن
القضية!!! فقال علي [عليه السلام]:
أما عدوكم فإني أردتكم على قتالهم وأنتم في
دارهم فتواكلتم ووهنتم، وأصابكم ألم الجراح
فجزعتم، وعصيتموني!!!
340

وأما القضية فليست بذنب ولكنها تقصير وعجز
أتيتموه وأنا له كاره، وأنا أستغفر الله من كل ذنب.
فقال له زرعة: والله لئن لم تدع التحكيم في أمر الله لأجاهدنك!!!
فقال له علي [عليه السلام]:
بؤسا لك ما أشقاك؟ كأني أنظر إليك غدا صريعا
تسفي عليك الرياح (1).
قال [زرعة]: وددت ذلك قد كان. [قال علي عليه السلام]:
[لو كنت محقا كان في الموت على الحق تعزية
عن الدنيا] (2).
الحديث: (426) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف:
ج 2 ص 355 ط 1، وفي المخطوطة ص 390، أو الورق 195، ورواه أيضا
بزيادة في متن الرواية الطبري في تاريخه: ج 4 ص 52 عن أبي مخنف، عن
أبي المغفل عن عون بن أبي جحيفة.
وقريبا منه رواه أيضا في أخبار الخوارج من مناقب آل أبي طالب:
ج 1، ص 100، ورواه عنه في البحار: ج 8 ص 611 ط الكمباني.

(1) يقال: (سفت الريح التراب سفيا - من باب رمى - وأسفته إسفاءا):
ذرته أو حملته. فهي سافية، والجمع سافيات وسواف. و (أسفت الريح): هبت.
(2) ما بين المعقوفين مأخوذ من رواية أبي مخنف الآتية بسند آخر.
341

- 256 -
ومن كلام له عليه السلام
أجاب به الخوارج أخزاهم الله تعالى
وخطب عليه السلام [يوما] بالكوفة فقام إليه رجل من الخوارج فقال
لا حكم إلا لله. فسكت عليه السلام ثم قام آخر وآخر فلما أكثروا عليه قال:
كلمة حق يراد بها باطل، لكم عندنا ثلاث خصال:
لا نمنعكم مساجد الله أن تصلوا فيها، ولا نمنعكم الفئ
ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بحرب حتى
تبدؤنا به!!! وأشهد لقد أخبرني النبي الصادق عن
الروح الأمين، عن رب العالمين أنه لا يخرج
علينا منكم فرقة [فئة (خ)] قلت أو كثرت إلى
يوم القيامة إلا جعل الله حتفها على أيدينا، وأن أفضل
الجهاد جهادكم، وأفضل الشهداء من قتلتموه وأفضل
المجاهدين من قتلكم!!! فاعملوا ما أنتم عاملون، فيوم
342

القيامة يخسر المبطلون، ولكل نبأ مستقر وسوف
تعلمون.
الحديث (12) من باب: قتال أهل البغي من كتاب الجهاد، من
دعائم الإسلام: ج 1 ص 393، وقريبا من صدر الكلام رواه الطبراني في
الأوسط كما في باب الحكم في البغاة والخوارج من مجمع الزوائد: ج 6
ص 242.
- 257 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما بلغه ما كان من أمر أبي موسى وعمرو بن العاص
إني كنت (1) تقدمت إليكم في هذه الحكومة،
ونهيتكم عنها فأبيتم إلا عصياني!!! فكيف رأيتم
عاقبة أمركم إذ أبيتم؟! والله إني لأعرف من حملكم
على خلافي والترك لأمري (2) ولو أشاء أخذه لفعلت،

(1) كذا في النسخة، والسياق في حاجة إلى حرف التنبيه: (ألا).
(2) قال المسعودي - أو بعض الرواة -: يريد بذلك أشعث بن قيس.
343

ولكن الله من ورائه، وكنت فيما أمرت به كما قال
أخو بني خثعم (3).
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم تستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
[ألا] من دعا إلى هذه الحكومة فاقتلوه - قتله
الله - ولو كان تحت عمامتي هذه!!!

(3) وهو دريد بن الصمة، قال في أخبار دريد، من الأغاني: ج 10،
ص 10 وفي ط ساسي: ج 9 ص 5: حدثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى
العجلي، قال: حدثنا حسين بن نصر بن مزاحم، قال: حدثنا عمر بن سعيد
(كذا) عن أبي مخنف عن رجاله: أن عليا عليه السلام لما اختلفت كلمة أصحابه
في أمر الحكمين، وتفرقت الخوارج وقالوا له: ارجع عن أمر الحكمين وتب
واعترف بأنك كفرت إذ حكمت. ولم يقبل ذلك منهم وخالفوه وفارقوه،
تمثل بقول دريد:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
أقول: ومنعرج اللوى اسم مكان، واللوى - كإلى -: ما التوى وانعطف
من الرمل، ومنعرجه: منعطفه يمنة ويسرة.
والقصيدة مذكورة في الحماسة وأولها:
نصحت لعارض وأصحاب عارض * ورهط بني السوداء والقوم سهد
فقلت لهم: ظنوا بألفي مدجج * سراتهم في الفارسي المسرد.
344

ألا إن هذين الرجلين الخاطئين الذين اخترتموها
حكمين قد تركا حكم الله، وحكما بهوى أنفسهما بغير
حجة ولا حق معروف فأماتا ما أحيا [ه] القرآن
وأحييا ما أماته، واختلف في حكمهما كلامهما، ولم
يرشدهما [الله] ولم يوفقهما، فبرئ الله منهما
ورسول وصالح المؤمنين، فتأهبوا واستعدوا للمسير،
وأصبحوا في معسكركم (4) إن شاء الله تعالى.
مروج الذهب ج 2 قبيل قصة النهروان، ص 412 ط مصر، وفي ط
بيروت ص 402. وقريبا منها ذكره سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص
ص 110، نقلا عن الشعبي وقال: لما فصل الحكمان عن دومة الجندل عزم
علي على قتالهم فقام خطيبا فقال... ورواها أيضا في الحديث: (446) من
ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 2 ط 1، ص 365، وفي المخطوطة:
ج 1، ص 394. وقريب منها في مناقب محمد بن يوسف بن محمد البلخي
كما في تلخيصه ص 121.

(4) هذا هو الظاهر، وفي مروج الذهب: (وأصبحوا في عساكركم).
345

- 258 -
ومن خطبة له عليه السلام
خطبها لما استنهض الناس إلى حرب معاوية وأهل الشام في المرة الثانية
ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني قدس الله نفسه، عن محمد بن أبي
عبد الله، وعن محمد بن يحيى جميعا رفعاه (1) إلى أبي عبد الله [الإمام الصادق]
عليه السلام، أن أمير المؤمنين عليه السلام استنهض الناس في حرب معاوية
في المرة الثانية، فلما حشد [حشر (خ ل)] الناس (2) قام خطيبا فقال:
الحمد لله الواحد الأحد الصمد، المتفرد الذي
لا من شئ كان، ولا من شئ خلق ما كان، قدرة

(1) وللخطبة شواهد عقلية ونقلية، وأسانيد نشير إليها عند ختام
الخطبة.
(2) وفي بعض النسخ من كتاب التوحيد: (فلما احتشد الناس).
يقال: (حشر الناس - من باب نصر - حشرا): جمعهم. ومثله حشدهم
حشدا. ويقال: (حشد القوم - من باب نصر وضرب - حشدا): دعوا
فأجابوا مسرعين. و (حشدهم تحشيدا): جمعهم. و (أحشد القوم وتحشدوا
واحتشدوا وتحاشدوا): اجتمعوا لأمر واحد.
346

بان بها من الأشياء، وبانت الأشياء منه (3) فليست له
صفة تنال، ولا حد يضرب له [فيه] الأمثال (4) كل دون
صفاته تحبير اللغات (5) وضل هنالك تصاريف الصفات (6)
وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير (7) وانقطع

(3) قدرة مبتدء حذف خبره، أي له قدرة بأن بها من الأشياء. أو خبر
حذف مبتدأه أي هو قدرة بأن بها أي بنفسها من الأشياء، إذ صفات الثبوتية
من العلم والقدرة عين الذات في الله تعالى. وقيل: (قدرة) منصوب على
التمييز أو بنزع الخافض وحذفه أي ولكن خلق الأشياء قدرة أو بقدرة. وفي
كتاب التوحيد: (قدرته بأن بها من الأشياء ولعله أظهر، وعلى هذا (قدرته)
مبتدء و (بان بها) خبره.
(4) أي ليس لمعرفة ذاته وصفاته تعالى حد ونهاية حتى يضرب له فيه
الأمثال، إذ الأمثال إنما تصح إذا كان له مشابهة بالممكنات بإحدى هذه الوجوه
والفرض انه تعالى ليس كمثله شئ.
(5) كل: عجز وأعيا. والتحبير: التزيين والتحسين. والحبرة:
المبالغة فيما وصف بالجميل.
(6) ضل: ضاع. وهنالك أي في ذاته تعالى، أو في توصيفه بصفاته،
أي لم يهتد إليه وصف الواصفين بأنحاء تصاريفهم وتعابيرهم عن الصفات.
(7) ملكوت: عالم الملك، وقد يخص بعالم الغيب والمجردات. والملك
بعالم الشهادة والماديات. وأفكر وفكر وتفكر بمعنى واحد، أي تحير في إدراك
حقائق ملكوته وخواصها وآثارها وكيفية نظامها وصدورها عنه تعالى الأفكار العميقة.
347

دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير (8) وحال دون
غيبه المكنون حجب الغيوب [و] تاهت في أدنى
أدانيها طامحات العقول في لطيفات الأمور (9).
فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم (10) ولا يناله
غوص الفطن (11) وتعالى الله الذي ليس له وقت
معدود، ولا أجل ممدود، ولا نعت محدود (12).

(8) الرسوخ: الثبوت، أي انقطع جوامع تفسيرات المفسرين قبل
الثبوت في علمه.
(9) دون غيبه: قبل الوصول إلى غيبه: وتاهت: تحيرت. والضمير
في (أدانيها) راجع إلى الحجب. وطامحات العقول: الراقية المرتفعة منها.
(10) أي الهمم البعيدة المبغى عريضة المنتأ، والهمة: العزم الراسخ وبعدها:
تعلقها بالأمور العلية دون محقراتها أي لا تبلغه النفوس ذوات الهمم البعيدة وإن
أمعنت في الطلب، وإنما قدم الصفة للعناية بها.
(11) أي الفطن الغواصة، والفطن: جمع الفطنة - كحكم وحكمة -:
الحذافة في الفهم والإدراك. واستعار وصف الغوص لتعمق الأفهام الثاقبة في
مجاري صفات جلاله التي لاقرار لها ولا غاية، وفي اعتبار نعوت كماله التي
لا حد لها ولا نهاية.
(12) وقت معدود أي الذي يدخل تحت العد والإحصاء. والممدود أي
الذي تمتد المدة إليه ولا تجاوزه. ونعت محدود أي النعت الذي يقف عند حد
وقدر، وإنما لم يكن نعته تعالى محدودا لأن منعوته غير محدود والنعت تابع للمنعوت.
348

وسبحان الذي ليس له أول مبتدأ، ولا غاية
منتهى، ولا آخر يفني، سبحانه هو كما وصف نفسه،
والواصفون لا يبلغون نعته، حد الأشياء كلها عند
خلقه إياها إبانة لها من شبهه وإبانة من شبهها،
فلم يحلل فيها فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها
فيقال هو منها بائن (13) ولم يخل منها فيقال له
أين، لكنه سبحانه أحاط بها علمه، وأتقنها صنعه
وأحصاها حفظه، لم يعزب عنه خفيات غيوب الهواء،
ولا غوامض مكنون ظلم الدجى (41) ولا ما في السماوات

(13) لم ينأ - من باب منع - لم يبعد. وبائن: منقطع مفارق، يقال:
(بان عنه - من باب باع - بينا وبيونا - كبيعا وبيوعا - وبينونة): انقطع
عنه وفارقه.
(14) لم يعزب عنه: لم يخف ولم يغب عنه. والهواء: الفضاء والجو المحيط بالكرات
الذي لم يعلم منتهاه. وخفيات غيوبه: ما خلق الله وأودعه فيه من الأسرار
والحكم والمخلوقات الغير المحصورة التي لوامع النجوم جزء منها، وما علم
منها بالنسبة إلى ما لم يعلم كالقطرة إلى البحر. وغوامض: جمع غامض ما
أبهم وصعب إدراكه. ومكنون: مستور. وظلم: جمع ظلمة: ما لا نور
له ليعرفه. والدجى: جمع الدجية: الظلمة أو شدتها.
349

العلى، والأرضين السفلى، لكل شيء منها حافظ
ورقيب، وكل شيء منها بشيء محيط، والمحيط
بما أحاط منها [كذا] [هو الله] الواحد الأحد
الصمد الذي لا تغيره صروف الأزمان، ولا يتكأده
صنع شئ كان (15) إنما قال لما شاء أن يكون:
كن فكان، ابتدأ ما خلق بلا مثال سبق ولا تعب ولا
نصب، وكل صانع شئ فمن شئ صنع، والله لا
من شئ صنع ما خلق، وكل عالم فمن بعد جهل
تعلم والله لم يجهل ولم يتعلم.
أحاط بالأشياء علما قبل كونها فلم يزدد بكونها
علما، علمه بها قبل أن يكونها كعلمه [بها] بعد
تكوينها (16).

(15) أي لم يشق عليه ولا يثقله صنع شئ وخلقه، والفعل من باب التفعل،
وكان الكلام على تقدير مضاف أي صنع أي شئ كان.
(16) وبهذا وأمثاله مما لا يحصى من الأخبار يرد ما فصله بعض الجهلة
من أنه علمه تعالى بذاته قديم وأما علمه بالحوادث فغير قديم وإنما هو مقترن
بحدوث الحادث!!!
350

لم يكونها لشدة سلطان (17)، ولا خوف من
زوال ولا نقصان، ولا استعانة على ضد مثاور (18)،
ولا ند مكاثر، ولا شريك مكابر [مكائد (خ)]،
لكن خلائق مربوبون، وعباد داخرون، (19).

(17) وفي المختار: (60) من النهج: (لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان،
ولا تخوف من عواقب زمان، ولا استعانة على ند مثاور، ولا شريك مكاثر،
ولا ضد منافر، ولكن خلائق مربوبون، وعباد داخرون، لم يحلل في
الأشياء فيقال: هو فيها كائن ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن لم يؤده خلق
ما ابتدأ ولا تدبير ما ذرأ، ولا وقف به عجز عما خلق، ولا ولجت عليه شبهة
فيا قضى وقدر، بل قضاء متقن، وعلم محكم وأمر مبرم، المأمول مع النقم
والمرهوب مع (النعم).
(18) وفي بعض نسخ الكافي: (على ضد منا و) وهو مخفف مناوئ -
بالهمزة -: المعادي الذي يقوم بالعداء. والمثاور: الذي يهيج ويتحرك ويثور
على مخالفه.
(19) خلائق. جمع خليقة: ما خلق الله. ومربوبون: مملكون تحت
تربية سيد، مدبرون بتدبير مالك. وداخرون: صاغرون ذليلون. من قولهم:
(دخر زيد - من باب منع وعلم - دخرا ودخورا): ذل وصغر. وقد جاء
بهذا المعنى في القرآن الكريم في الآية: (48) من سورة النحل، و (87) من
النمل، و (18) من الصافات، و (60) من سورة غافر.
351

فسبحان الذي لا يؤده خلق ما ابتدأ ولا تدبير ما
برأ، ولا من عجز ولا من فترة بما خلق اكتفى (20)
علم ما خلق، وخلق ما علم (21) لا بالتفكر، ولا
بعلم حادث أصاب مما خلق (22)، ولا شبهة دخلت
عليه فيما لم يخلق، لكن قضاء مبرم، وعلم محكم
وأمر متقن.
توحد بالربوبية، وخص نفسه بالوحدانية،
واستخلص المجد والثناء فتمجد بالتمجيد، وتحمد
بالتحميد، وعلا عن اتخاذ الأبناء،، وتطهر وتقدس
عن ملامسة النساء، وعز وجل عن مجاورة الشركاء،

(20) لا يؤده - من باب قال - لا يثقله ولا يتعبه ولا يوقعه في كد،
ومنه قوله تعالى في الآية: (255) من سورة البقرة: (ولا يؤده حفظهما
وهو العلي العظيم). والفترة كقطرة - الضعف بعد القوة أو اللين بعد الشدة.
(21) أي ان علمه بمخلوقاته سيان قبل خلقهم وبعده. وفي نسخة من
الكافي (خلق ما علم، وعلم ما خلق (خ ل).
(22) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (أصاب ما خلق).
352

فليس له فيما خلق ضد، ولا فيما ملك ند، ولم
يشرك في ملكه أحد [هو] الواحد الأحد الصمد، المبيد
الأبد، والوارث الأمد (23) الذي لم يزل ولا يزال
وحدانيا أزليا قبل بدء الدهور، وبعد صرف الأمور
الذي لا يبيد ولا يفقد (24) بذلك أصف ربي فلا
إله إلا هو [لا إله إلا الله (خ ل)] من عظيم ما أعظمه
وجليل ما أجله، وعزيز ما أعزه، وتعالى عما [مما خ ل]
يقول الظالمون علوا كبيرا.
الحديث الأول من باب جوامع التوحيد - وهو الباب - (22) من
كتاب التوحيد، من أصول الكافي: ج 1 ص 134، والخطبة مروية بطرق
وأسانيد أخر يأتي بعضها.

(23) وفي رواية الصدوق: (المبيد للأبد، والوارث للأمد). أي
المهلك المفني للدهر والزمان والزمانيات، والباقي بعد فناء الأمد أي الغاية
والنهاية. أو امتداد الزمان.
(24) أي لا يفني ولا يغيب عن خلقه، يقال: (باد زيد من باب
باع - بيدا): هلك، وباد الشمس بيودا: غابت. ويقال:) فقد زيد
- من باب ضرب - فقدا وفقودا): غاب.
353

قال الكليني رفع الله درجاته: هذه الخطبة من مشاهير خطبه عليه السلام
حتى لقد ابتذلها العامة (25) وهي كافية لمن طلب علم التوحيد إذا تدبرها وفهم
ما فيها، فلو اجتمع السنة الجن والإنس ليس فيها لسان نبي على أن يبينوا
التوحيد بمثل ما أتى به - بأبي وأمي - ما قدروا عليه، ولولا إبانته عليه السلام
ما علم الناس كيف يسلكون سبيل التوحيد، ألا ترون إلى قوله: (لا من شئ
كان ولا من شئ خلق ما كان) فنفى بقوله: (لا من شئ كان) معنى
الحدوث، وكيف أوقع على ما أحدثه صفة الخلق والاختراع بال أصل ولا
مثال نفيا لقول من قال: إن الأشياء محدثة بعضها من بعض. وابطالا
لقول الثنوية الذين زعموا أنه لا يحدث شيئا إلا من أصل ولا يدبر إلا باحتذاء
مثال!! فدفع عليه السلام بقوله: (لا من شئ خلق ما كان) جميع حجج
الثنوية وشبههم لأن أكثر ما يعتمد [ه] الثنوية (26) في حدوث العالم أن يقولوا:
لا يخلوا من أن يكون الخالق خلق الأشياء من شئ أو من لا شئ، فقولهم:
(من شئ) خطأ، وقولهم (من لا شئ) مناقضة وإحالة لأن (من) توجب
شيئا، و (لا شئ) تنفيه فأخرج أمير المؤمنين عليه السلام هذه اللفظة على
أبلغ الألفاظ وأصحها فقال: (لا من شئ خلق ما كان) فنفى (من) إذ

(25) أي اشتهرت بينهم فكأنها صارت مبتذلة لهم. هكذا فسرها بعضهم.
(26) قال في المرآت: لعل المراد بالثنوية غير المصطلح من القائلين بالنور
والظلمة، بل المراد القائلين بالقدم وإنه لا يوجد شئ إلا عن مادة، لأن
قولهم بمادة قديمة إثبات لإله آخر إذ لا يعقل التأثير في التقديم.
354

كانت توجب شيئا، ونفى الشئ إذ كان كل شئ مخلوقا محدثا لا من أصل
أحدثه الخالق كما قالت الثنوية: انه خلق من أصل قديم فلا يكون تدبير إلا
باحتذاء مثال.
ثم قوله عليه السلام: (ليست له صفة تنال، ولا حد له تضرب فيه
الأمثال، كل دون صفاته تحبير اللغات)، فنفى عليه السلام أقاويل المشبهة
حين شبهوه بالسبيكة والبلورة وغير ذلك من أقاويلهم من الطول والاستواء
وقولهم: (متى ما لم تعقد القلوب منه على كيفية ولم ترجع إلى اثبات هيئة لم
تعقل شيئا، فلم تثبت صانعا). ففسر أمير المؤمنين عليه السلام أنه واحد
بلا كيفية وأن القلوب تعرفه بلا تصوير ولا إحاطة.
ثم قوله عليه السلام: (الذي لا يبلغه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفتن،
وتعالى الذي ليس له وقت معدود، ولا أجل ممدود، ولا نعت محدود).
ثم قوله عليه السلام: (لم يحلل في الأشياء فيقال: هو فيها كائن، ولم
ينأ عنها فيقال هو منها بائن) فنفى عليه السلام بهاتين الكلمتين صفة الأعراض
والأجسام، لأن من صفة الأجسام التباعد والمباينة، ومن صفة الأعراض
الكون في الأجسام بالحلول على غير مماسة، ومباينة الأجسام على تراخي
المسافة.
ثم قوله عليه السلام: (ولكن أحاط بها علمه وأتقنها صنعه) أي هو في
الأشياء بالإحاطة والتدبير وعلى غير ملامسة.
355

- 259 -
ومن خطبة له عليه السلام
في إنباء الناس بخيانة الحكمين، وإعلامهم باستعداد الحرب والمسير إلى الشام
قال البلاذري: حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف، عن
أبي روق الهمداني، عن عامر الشعبي.
وعن المعلى بن كليب، عن أبي الوداك جبر بن نوف. و [عن] غيرهما
قال لما هرب أبو موسى إلى مكة، ورجع ابن عباس واليا على البصرة، وأتت
الخوارج النهروان، خطب علي الناس بالكوفة فقال:
الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث
الجليل (1) وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا
عبده ورسوله.
أما بعد فإن معصية الناصح الشفيق المجرب تورث

(1) ومثله في المختار: (33) من نهج البلاغة، والخطب - كضرب -
الأمر المكروه. والفادح: المثقل الذي يصعب تحمله. والحدث - كفرس -:
الأمر الحادث.
356

الحسرة وتعقب الندم، وقد كنت أمرتكم في هذين
الرجلين، وهذه الحكومة بأمري، ونخلت لكم رأيي (2)
لو يطاع لقصير رأي (3) ولكنكم أبيتم إلا ما أردتم،
فكنت [أنا] وأنتم كما قال أخو هوازن (4):
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد

(2) أي بذلت واخترت لكم رأيي صافيا غير مشوب بكدر وخطأ
وزلة، وفي الكلام تشبيه بديع حيث شبه عليه السلام نفسه القديسة بمنخل
أو غير بال ينخل الدقيق أو الحبوب فيصفيهما عما اختلط بهما، من النخالة
أو الحبوب الضارة أو الرمل والتراب. يقال: (نخل الدقيق - من باب
نصر - نخلا): غربله وأزال نخالته. ونخل الشئ: اختاره وصفاه.
ونخل الود لفلان: أخلصه له.
(3) وهذا من أمثلة العرب الشائعة يضرب لمن يبذل غاية جهده في
نصح غيره وهو لا يقبل منه و (قصير) هذا هو صاحب جذيمة الأبرش
وكان قتل أبا الزباء ملكة الجزيرة ثم إنها كاتبته بعد ذلك ودعته إلى زواجها
فاستشار أهل نصحه في المسير إليها فنهاه عنه قصير فخالفه وقصدها إجابة
لدعوتها إلى زواجه فلما ورد عليها قتله فقال قصير: (لا يطاع لقصير
أمر) فذهب مثلا.
(4) وهو دريد بن الصمة، وأبياته هذه مذكورة في الحماسة وبعدها:
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى * غوايتهم أو أنني غير مهتد
وما أنا إلا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد
357

ألا إن الرجلين الذين اخترتموهما حكمين قد
نبذ حكم الكتاب وراء ظهورهما، وارتأيا الرأي قبل
أنفسهما (5) فأماتا ما أحيا [ه] القرآن، وأحييا ما أمات
القرآن، ثم اختلفا في حكمهما فكلاهما لا يرشد ولا
يسدد فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين،
فاستعدوا للجهاد، وتأهبوا للمسير، وأصبحوا في
معسكركم يوم الاثنين إن شاء الله.
[ثم نزل عليه السلام عن المنبر وكتب إلى الخوارج] قال البلاذري: حدثني وهب
بن بقية، عن يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز [قال:
لما] أجمع علي على إتيان صفين [في المرة الثانية] كتب إلى الخوارج:
أما بعد فقد جاءكم ما كنتم تريدون، قد تفرق
الحكمان على غير حكومة ولا اتفاق فارجعوا إلى ما
كنتم عليه، فإني أريد المسير إلى الشام.
فأجابوه - [أخزاهم الله] -: إنه لا يجوز لنا أن نتخذك إماما وقد
كفرت حتى تشهد على نفسك بالكفر، وتتوب كما تبنا، فإنك لم تغضب لله
إنما غضبت لنفسك.

(5) إرتأيا الأمر: دبراه ونظرا فيه من قبل أنفسهما لا بحكومة القران.
358

ثم كتب عليه السلام إلى بن عباس وسائر الولاة لحشر الناس إليه ووفودهم
عليه ليذهب بهم إلى حرب معاوية!
الحديث (436) من أنساب الأشراف: ج 1 - الورق 197 - أو
ص 394، وفي المطبوع: ج 2 ص 365 وللخطبة مصادر كثيرة.
- 260 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما وقف على جواب الخوارج ويئس منهم
قال ابن قتيبة: (1) فلما رأى علي كتاب الخوارج أيس منهم، ورأي أن
يدعوهم وممظي بالناس إلى معاوية وأهل الشام فيناجزهم، فقام خطيبا فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد فإن من ترك الجهاد وداهن في أمر الله كان
على شفا هلكة إلا أن يتداركه الله برحمته (2) فاتقوا

(1) ورواها أيضا الطبري مسندة وقال إنه عليه السلام خطب بها بالنخيلة.
(2) أي بأن يتوب ويتدارك ما فرط به، أو بأن يصفح الله عن جرمه
ويغفر له. وقوله عليه السلام: (على شفا هلكة) أي على شرف الهلاكة
وشفيرها، و (شفا) على زنة عصى -: حد الشئ وطرفه.
359

الله عباد الله، [و] قاتلوا من حاد الله وحاول أن يطفئ
نور الله!!! قاتلوا الخاطئين القاتلين لأولياء الله،
المحرفين لدين الله!!! الذين ليسوا بقراء الكتاب،
ولا فقهاء في الدين، ولا علماء بالتأويل، ولا لهذا
الأمر بأهل في دين ولا سابقة في الإسلام، ووالله لو
ولوا عليكم لعملوا فيكم بعمل كسرى وقيصر (3)
فسيروا وتأهبوا للقتال، وقد بعثت لإخوانكم من أهل
البصرة ليقدموا عليكم، فإذا قدموا واجتمعتم شخصنا
إن شاء الله.
الإمامة والسياسة: ج 1 ص 144، ورواها أيضا الطبري في تاريخه:
ج 4 ص 57 عن أبي مخنف عن المعلى بن كليب عن جبر بن نوف أبي
الوداك... وسنذكرها بلفظه إن شاء الله تعالى. وقريب منها أيضا ذكرها
الحافظ محمد بن يوسف بن محمد البلخي في مناقبه كما في تلخيصه ص 122.

(3) أي من الذين لا يدينون بدين الحق ولا يرجون لله وقارا، ويئسوا من
المعاد كما يئس الكفار من أصحاب القبور، ويتحكمون على العباد بالشهوات،
ويتسيطرون على البلاد بالجبروت ويحكمون فيها بحكم الطاغوت. وكسرى
كان لقبا لكل من يملك ملوكية إيران، كما إن قيصر كان لقبا لكل من
يحوز سلطنته الروم.
360

قال البلاذري - في الحديث (371) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب
الأشراف ج 1 / الورق 186 أو ص 372 ومن المطبوع ج 2 ص 300 -:
حدثني أبو مسعود الكوفي عن أبي عوانة بن الحكم، عن أبيه قال: وكتب
علي [عليه السلام] إلى عماله في القدوم عليه واستخلاف من يثقون [به]
وكتب إلى سهل بن حنيف في القدوم [عليه] وولى مكانه قثم بن العباس
بن عبد المطلب، إلى ما كان يلي من مكة.
وقريب منه رواه أيضا في كتاب الأخبار الطوال ص 165.
- 261 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما قدم علية بالنخيلة ثلاثة آلاف ومأتا رجل (1) من جيش البصرة مع الأحنف
ابن قيس وجارية بن قيامة أو أبي الأسود الدؤلي رحمهما الله
قال ابن قتيبة: فلما رأي علي أنه إنما قدم عليه من أهل البصرة ثلاثة آلاف
ومأتا رجل، جمع إليه رؤساء الناس وأمراء الأجناد ووجوه القبائل، فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال:
يا أهل الكوفة أنتم إخواني وأنصاري وأعواني على
الحق، ومجيبي إلى جهاد المحلين، بكم أضرب

(1) وفي مروج الذهب: انه أتاه من البصرة عشرة آلاف.
361

المدبر، وأرجو إتمام طاعة المقبل، وقد بعثت إلى
أهل البصرة فاستنفرتهم، فلم يأتني منهم غير ثلاثة
آلاف ومأتين، فأعينوني بمناصحة سمحة خلية من
الغش (2) وإني آمركم أن يكتب إلي رئيس كل قوم
منكم ما في عشيرته من المقاتلة وأبنائهم الذين أدركوا
القتال، والعبدان والموالي وارفعوا ذلك إلي ننظر فيه
إن شاء الله.
فقام سعيد بن قيس الهمداني فقال: يا أمير المؤمنين سمعا وطاعة، وودا
ونصيحة، أنا أول الناس، وأول من أجابك بما سألت وطلبت. ثم قام عدي
ابن حاتم، وحجر بن عدي، وأشراف القبائل فقالوا: نحن كذلك، ثم كتبوا
ورفعوا إلى علي، فكان جميع ما رفعوا إليه أربعين ألف مقاتل وسبعة عشر
ألفا من الأبناء، وثمانية آلاف من عبيدهم ومواليهم وكانت العرب يومئذ
سبعة وخمسين ألفا من أهل الكوفة ومن مماليكهم ومواليهم ثمانية آلاف،
ومن أهل البصرة ثلاثة آلاف ومأتا رجل.
الإمامة والسياسة: ج 1 ص 145، وقريبا منه جدا ذكره الطبري في
تاريخه: ج 4 ص 587 مسندا، ولكن في متنه سقط.

(2) أي بمناصحة تجودون بها، وتسخو أنفسكم ببذلها خالية عن الغش
وهي - بكسر الغين -: الخيانة.
362

- 261 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما سمع الناس يقولون: لو سار بنا أمير المؤمنين إلى الخوارج فإذا فرغنا منهم
ذهب بنا إلى الشام والفئة الباغية.
أما بعد فقد بلغني قولكم: لو أن أمير المؤمنين
سار بنا إلى هذه الخارجة التي خرجت علينا فبدأنا
بهم. ألا إن غير هذه الخارجة أهم على أمير المؤمنين،
سيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونون في الأرض
جبارين ملوكا، ويتخذهم المؤمنون أربابا، ويتخذون
عباد الله خولا، ودعوا ذكر الخوارج (1).

(1) ومثل هذا يجئ أيضا في المختار التالي وهو المستفاد من قرائن الأحوال،
دون ما يأتي عن أبي داود، وعبد الله بن أحمد من أنه عليه السلام قال:
إن الخوارج أقرب العدو إليكم وإن تسيروا إلى عدوكم [معاوية وأهل
الشام] أخاف أن يخلفكم هؤلاء في أعقابكم... اللهم إلا أن يحمل كلامه
عليه السلام المروي بهذا النمط على أنه عليه السلام قاله في آخر الأمر بعدما
أبدا هذا المعنى بعض أصحابه وأصر آخرون على ذلك، فما هنا كان
عليه السلام قاله في أول الأمر وكان مصرا عليه أولا، وما رواه أبو داود
وغيره كان في آخر الأمر.
363

فنادى الناس من كل جانب: سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت،
فنحن حزبك وأنصارك، نعادي من عاداك ونشايع من أناب إليك وإلى طاعتك
فسر بنا إلى عدوك كائنا من كان (2) فبايعوه على التسليم والرضاء، وشرط عليهم
كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءه رجل من خثعم (3)
فقال له علي: بايع على كتاب الله وسنة نبيه. قال: لا ولكن أبايعك على
كتاب الله وسنة نبيه وسنة أبي بكر وعمر، فقال علي: وما يدخل سنة أبي
بكر وعمر مع كتاب الله وسنة نبيه؟! إنما كانا عاملين بالحق حيث عملا (4)
فأبى الخثعمي إلا سنة أبي بكر وعمر، وأبا علي أن يبايعه إلا على كتاب الله
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال له حيث ألح عليه: تبايع؟ قال: لا
إلا على ما ذكرت لك. فقال له علي:

(2) من هنا حذفنا تتمة ما قاله أصحابه: قريبا من خمسة أسطر.
(3) وفي الطبري: فجاءه ربيعة بن أبي شداد الخثعمي، وكان شهد
معه الجمل وصفين ومعه راية خثعم...
(4) أي في المورد الذي عملا بالحق لا مطلقا، فلا يصح أخذ المسير
على سيرتهما بنحو الإطلاق في البيعة، وأما المورد الذي عملا بالحق فيغني
البيعة على كتاب الله وسنة نبيه عن سيرتهما، فاشتراط المسير على سنتهما
باطل أو لغو.
364

أما والله لكأني بك قد نفرت في هذه الفتنة،
وكأني بحوافر خيلي قد شدخت وجهك!!!
فلحق بالخوارج فقتل يوم النهروان، قال قبيصة: فرأيته يوم النهروان
قتيلا قد وطأت الخيل وجهه وشدخت رأسه ومثلت به، فذكرت قول علي
وقلت: لله در أبي الحسن! ما حرك شفتيه قط بشئ إلا كان كذلك!!!
الإمامة والسياسة: ج 1 ص 145، وقريبا منه جدا ذكره الطبري مسندا
في تاريخه: ج 4 ص 54، وقريبا من صدر الكلام رواه أيضا الحافظ محمد
ابن يوسف بن محمد البلخي في مناقبه كما في تلخيصه ص 123.
- 263 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما نزل الأنبار والتأمت إليه العساكر
قال المسعودي: انفصل علي [عليه السلام] من الكوفة في خمسة وثلاثين
ألفا، وأتاه من البصرة من قبل ابن عباس - وكان عامله عليها - عشرة آلاف
فيهم الأحنف بن قيس، وجارية بن قدامة السعدي (1) وذلك في سنة ثمان وثلاثين
فنزل علي الأنبار، والتأمت إليه العساكر، فخطب الناس وحرضهم على الجهاد وقال:

(1) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (حارثة بن قدامة...)
365

سيروا إلى قتلة المهاجرين والأنصار قدما (2) فإنهم
طالما سعوا في إطفاء نور الله، وحرضوا على قتال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومن معه!!!
ألا إن رسول الله أمرني بقتال القاسطين وهم هؤلاء
الذين سيرنا إليهم (3) والناكثين وهم هؤلاء الذين
فرغنا منهم، والمارقين ولم نلقهم بعد، فسيروا إلى
القاسطين فهم أهم علينا من الخوارج، سيروا إلى قوم
يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين يتخذهم الناس أربابا!!!
ويتخذون عباد الله خولا، ومالهم دولا (4).

(2) أي في قديم الأيام وما سلف من أوائل أيامهم.
(3) هذا هو الظاهر. وفي الأصل: (وهم هؤلاء الذين سرنا إليهم...).
وهذا المضمون قد تواتر عنه عليه السلام، والمراد من القاسطين هم
معاوية وأتباعه الفئة الباغية، من قولهم: (قسط قسطا - من باب ضرب -
وقسوطا): جار وعدل عن الحق، ومنه قوله تعالى في سورة الجن: (وأما
القاسطون فكانوا لجهنم حطبا). وأما الناكثون فهم أصحاب الجمل، وأما
المارقون فهم الخوارج، وقد وردت أخبار متواترة عن النبي صلى الله عليه
وآله بأن عليا يقاتل الفرق الثلاث وفسرهم أيضا بما تقدم.
(4) دول - بضم الدال وكسرها - جمع الدولة: يتداول ما فيكون
مرة لهذا ومرة لذاك فتطلق على المال والمقام من الرئاسة والقيادة وغيرهما
والخول -: جمع الخولي -: العبيد والإماء.
366

- 263 -
ومن كلام له عليه السلام
دار بينه وبين بعض المنجمين من العرب
قال البلاذري حدثني وهب بن بقية، عن يزيد بن هارون، عن سليمان
التيمي، عن أبي مجلز أن عليا [عليه السلام] نهى أصحابه أن يسطوا على
الخوارج حتى يحدثوا حدثا (1) وبعث إلى الخوارج أن سيروا إلى حيث شئتم
ولا تفسدوا في الأرض فإني غير هائجكم ما لم تحدثوا حدثا. فساروا حتى

(1) وبعده في النسخة هكذا: (فمروا بعبد الله بن خباب فأخذوه، فمر
بعضهم بتمرة ساقطة من نخلة فأخذها واحد [منهم] فأدخلها فمه، فقال بعضهم بما
استحللت هذه التمرة؟ فألقاها من فيه، ثم مروا بخنزير فقتله بعضهم فقالوا
له: بما استحللت قتل هذا الخنزير وهو [لشخص] معاهد؟! فقال:
لهم ابن خباب ألا أدلكم على من هو أعظم حرمة من الخنزير؟ قالوا: من
هو؟ قال: أنا. فقتلوه فبعث علي إليهم: ابعثوا إلي قاتل ابن خباب. فقالوا:
كلنا قتلته. فأمر بقتالهم.
367

أتوا النهروان وأجمع علي على إتيان صفين (2) وبلغ معاوية فسار حتى أتى
صفين، وكتب علي إلى الخوارج بالنهروان:
أما بعد فقد جاءكم ما كنتم تريدون، قد تفرق
الحكمان على غير حكومة ولا اتفاق، فارجعوا إلى ما
كنتم عليه فإني أريد المسير إلى الشام.
فأجابوه: انه لا يجوز لنا أن نتخذك إماما وقد كفرت حتى تشهد على
نفسك بالكفر وتتوب كما تبنا، فإنك لم تغضب لله إنما غضبت لنفسك!!! (3).
فلما قرأ جواب كتابه إليهم يئس منهم فرأى أن يمضي من معسكره
بالنخيلة [إلى الشام] وقد كان عسكر حين جاء [ه] خبر الحكمين،

(2) يعني به الشام، إذ لم يكن لأمير المؤمنين عليه السلام إرب في صفين.
وفي الرواية المتقدمة عن البلاذري، عن عبد الله بن صالح، عن يحيى
بن آدم، عن رجل عن مجالد، عن الشعبي: (فأرسل إليهم علي أن ابعثوا
إلي بقاتل ابن الحرث، وابن خباب حتى أترككم وأمضي إلى الشام فأبوا
وقالوا: كلنا قتلته.
(3) وفي رواية المتقدمة عن البلاذري عن رجاله عن الشعبي: قال: فلما
تفرق الحكمان كتب علي [عليه السلام] إليهم وهم مجتمعون بالنهروان:
(إن الحكمين تفرقا على غير رضا، فارجعوا إلى ما كنتم عليه وسيروا بنا
إلى الشام للقتال). فأبوا ذلك عليه وقالوا: لا حتى تتوب وتشهد على نفسك
بالكفر!!! فأبى [عليه السلام] ذلك.
368

وكتب إلى أهل بصرة في النهوض معه، فأتاه الأحنف بن قيس في ألف
وخمسمأة، وأتاه جارية بن قدامة في ثلاثة آلاف - ويقال: إن ابن قدامة
جاء في خمسة آلاف. ويقال: في أكثر من ذلك - فوافوه [ظ] بالنخيلة،
فسار بهم على إلى الأنبار، وأخذ على قرية شاهى ثم على دباها من الفلوجة،
ثم إلى دمما.
وكان الخوارج الذين قدموا من البصرة مع مسعر بن فدكي استعرضوا
الناس في طريقهم (4) فإذا هم برجل يسوق بامرأته على حمار له. فذعروه
وانتهروه ورعبوه وقالوا له: من أنت؟ فقال: رجل مؤمن. قالوا:
فما اسمك. قال: أنا عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فكفوا عنه ثم قالوا له: ما تقول في علي؟ قال: أقول:
إنه أمير المؤمنين وإمام المسلمين. وقد حدثني أبي عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال: ستكون فتنة يموت فيها قلب الرجل، فيصبح مؤمنا
ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا. فقالوا له: والله لنقتلنك
قتلة ما قتل بها [ظ] أحد!!! وأخذوه فكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى

(4) وفي الرواية المتقدمة عن البلاذري بإسناده المتقدم عن الشعبي قال:
(وكان مسعر بن فدكي توجه إلى النهروان في ثلاث مأة من المحكمة - وساق
قصة إلى أن قال -: ولقوا عبد الله بن خباب بن الأرت ومعه أم ولد له
يسوق بها، فأخذوه وذبحوه وأم ولده...)
369

متم حتى نزلوا تحت نخل مواقير (5) فسقطت رطبة منها فقذفها بعضهم في
فيه، فقال له رجل منهم: أبغير حلها ولا ثمن لها؟! فألقاها من فيه واخترط
سفيه وجعل يهزه فمر به خنزير لذمي فقتله بسيفه، فقال له بعض أصحابه:
إن هذا لمن الفساد في الأرض!!! فطلب صاحب الخنزير حتى أرضاه!!!
فقال ابن خباب: لئن كنتم صادقين فيما أرى وأسمع إني لأمن من شركم.
فجاؤوا به فأضجعوه على شفير نهر وألقوه على الخنزير المقتول فذبحوه عليه
فصار دمه مثل الشراك قد امذقر في الماء (6) وأخذوا امرأته فبقروا بطنها
وهي تقول: أما تتقون الله؟! وقتلوا ثلاث نسوة كن معها!!!
فبلغ عليا خبر ابن خباب وامرأته والنسوة، وخبر سوادي لقوه بنفر (7)

(5) أي كثير الحمل من قولهم: (أوقرت النخلة): كثر حملها،
فهي موقرة بفتح القاف وكسرها.
(6) قال في مادة: (ذمقر) من لسان العرب: اذمقر اللبن وامذقر:
تقطع. والأول أعرف، وكذلك الدم. ورواه أيضا في شرح المختار (36) من
نهج البلاغة: ج 2 ص 269 عن كتاب صفين لابن ديزيل وفيه: (ما أمذقر)
[أي ما اختلط بالماء] وكأنه أظهر.
(7) نفر - على زنة قنب - اسم قرية، وروى المسعودي في سيرة
عمر بن عبد العزيز من مروج الذهب: ج 3 ص 191، عن عباد بن عبد
الله المهلبي، عن محمد بن الزبير الحنظلي، أن عمر بن عبد العزيز قال في
محاجته مع الخوارج: فهل علمتم أن أهل البصرة خرجوا إليهم [أي إلى
الخوارج من أهل الكوفة] مع الشيباني، وعبد الله بن وهب الراسبي وأصحابه
استعرضوا الناس يقتلونهم؟ ولقوا عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه وقتلوا جاريته، ثم صبحوا حيا من أحياء العرب
فاستعرضوهم فقتلوا الرجال والنساء والأطفال!!! حتى جعلوا يلقون الصبيان
في قدور الأقط وهي تفور؟!!.
370

فقتلوه، فبعث علي إليهم الحارث بن مرة العبدي يتعرف حقيقة ما بلغه عنهم،
فلما أتى النهروان وقرب منهم خرجوا إليه فقتلوه، وبلغ ذلك عليا ومن
معه، فقالوا له: ما تركنا هؤلاء يخلفونا في أموالنا وعيالاتنا ما نكره؟!
سربنا إليهم، فإذا فرغنا منهم سرنا إلى عدونا من أهل المغرب فإن هؤلاء
أحصر عداوة وأنكى حدا (8).
وقام الأشعث بن قيس فكلمه بمثل ذلك، فنادى علي بالرحيل [إلى
النهروان لتنكيل الخوارج] فأتاه مسافرين عفيف الأزدي فقال، يا أمير
المؤمنين لا تسر في هذه الساعة [فإني حشيت أن لا تظفر بمرادك] فقال له
[علي عليه السلام] ولم؟ أتدري ما في بطن هذه الفرس؟.
قال: إن نظرت علمت. فقال [له] علي [عليه السلام]:
إن من صدقك في هذا القول يكذب بكتاب الله،
لأن الله يقول في كتابه: (إن الله عنده علم الساعة،
وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس

(8) يقال: (نكى العدو - من باب رمى - وفي العدو نكاية، ونكأه
- من باب منع = ومهموزا - نكاءا): قتل فيهم وجرح وأثخن.
371

ماذا تكتسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت)
[34 لقمان: 31]
وتكلم في ذلك بكلام كثير وقال:
لئن بلغني أنك تنظر في النجوم لأخلدنك في الحبس
ما دام لي سلطان، فوالله ما كان محمد منجما ولا
كاهنا.
أو كما قال [كذا]. [ثم قال لأصحابه: سيروا على اسم الله] (9).
الحديث (437) من ترجمة أمير المؤمنين من كتاب أنساب الأشراف
ج 1 الورق 197 / أو ص 395 وقريبا منه رواه في المختار (76) من
نهج البلاغة ورواه أيضا في شرح المختار: (36) من النهج: ج 2 ص 269،
عن كتاب صفين لابن ديزيل، ورواه أيضا الطبري في تاريخه: ج 4 ص
60 بسند آخر، ولكن لم يذكر كلامه عليه السلام في الذيل. ورواه أيضا
في الحديث الأخير، من المجلس: (64) من أمالي الصدوق ص 197،
وأشار إليه أيضا في مادة: (حيق) من النهاية
ورواه أيضا الحافظ محمد بن يوسف بن محمد البلخي في مناقبه كما في
تلخيصه ص 124.

(9) ما بين المعقوفين مأخوذ من مصادر أخر غير أنساب الأشراف.
372

وقال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن عبد الملك
ابن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل قال:
أخبرني زيد بن وهب الجهني انه كان في الجيش الذين كانوا مع علي
عليه السلام، الذين ساروا إلى الخوارج [قال] فقال علي [عليه السلام]:
أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: (يخرج
قوم من أمتي يقرؤن القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا، ولا صلاتكم
إلى صلاتهم شيئا، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا، يقرؤن القرآن يحسبون
أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق
السهم من الرمية)!!! لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضى لهم على
لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلا
له عضد وليست له ذراع على عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض!!!
أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم
وأموالكم؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم
الحرام وأغاروا في شرح الناس (10) فسيروا على اسم الله (11).

(10) قد تقدم أن هذا الكلام مما أبداه أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.
(11) وبعده في سنن أبي داوود السجستاني هكذا.
قال سلمة بن كهيل: فنزلني زيد بن وهب منزلا منزلا حتى مر بنا على قنطرة،
قال فلما التقينا وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسي فقال لهم: ألقوا
الرماح وسلوا السيوف من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم
يوم حروراء. قال: فوحشوا برماحهم واستلوا السيوف وشجرهم الناس
برماحهم - قال - وقتلوا بعضهم على بعض. قال: وما أصيب من الناس
يومئذ إلا رجلان فقال علي [عليه السلام]: التمسوا فيهم المخدج، [فالتمسوه]
فلم يجدوا قال: فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم
على بعض فقال: أخرجوهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر [علي] وقال
صدق الله وبلغ رسوله.
فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين والله الذي لا اله إلا هو
لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إي والله الذي
لا اله إلا هو. حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف.
آخر كتاب السنة من سنن أبي داود: ج 2 ص 545 وفيه في الموضوع
أخبار أخر هذا أطولها.
ورواه مثله في الباب (39) من كفاية الطالب ص 176، قال: أخبرنا محمد
ابن سعيد بن الخازن ببغداد، أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر، عن
أحمد بن علي، عن الحافظ أبي عبد الله، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد
الله بن أحمد، حدثنا أبي حدثنا عبد الرزاق...
ورواه أيضا مسلم في صحيحه والحاكم في مستدركه كما في الحديث:
(225) من فرائد السمطين، ورواه أيضا في الحديث: (706) في مسند
أمير المؤمنين من مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 91 ط 1، وفي ط 2 ج 2 ص 90
عن أحمد بن جميل عن يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، عن عبد الملك
ابن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب...
373

[...]
374

- 264 -
ومن كلام عليه السلام
في الاحتجاج على الخوارج
قال البلاذري (1) حدثنا شريح بن يونس، حدثنا إسماعيل بن علية،
عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن رجل من عبد القيس - كان مع الخوارج
ثم فارقهم - انهم دخلوا قرية فخرج عبد الله بن خباب مذعورا، فقالوا:
أأنت ابن صاحب رسول الله؟ فهل سمعت عن أبيك عن رسول الله
حديثا؟ قال: نعم سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والماشي خير من الساعي، فإذا
أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل. قالوا: أنت
سمعت هذا من أبيك عن رسول الله؟ قال: نعم. فقدموه فقتلوه فسال
دمه حتى كأنه شراك نعل امذقر في الماء (2) وبقروا بطن أم ولده!!!

(1) ورواه أيضا ابن سعد في ترجمة عبد الله بن خباب من الطبقات الكبرى:
ج 5 ص 245 قال: أخبرنا إسماعيل ابن إبراهيم، عن أيوب بن حميد بن
هلال... ورواه أيضا - إلى قوله: وبقروا بطن أم ولده - الطبري في تاريخه:
ج 4 ص 60 قال: حدثني يعقوب. قال حدثني إسماعيل، قال: أخبرنا أيوب.
(2) تقدم أن الحديث رواه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (36) من النهج
ج 2 ص 269 نقلا عن كتاب صفين لا بن ديزيل وفيه: ما أمذقر [أي ما اختلط بالماء].
375

وأتى علي المدائن وقد قدمها قيس بن سعد بن عبادة وكان علي قدمه
إليها، ثم أتى علي النهروان فبعث إلى الخوارج أن أسلموا لنا قتلة ابن خباب
ورسولي والنسوة (3) لأقتلهم ثم أنا تارككم إلى فراغي من أهل المغرب فلعل
الله يقبل بقلوبكم ويردكم إلى ما هو خير لكم وأملك بكم فبعثوا إليه
أنه ليس بيننا وبينك إلا السيف إلا أن تقر بالكفر وتتوب كما تبنا!!!
فقال علي [عليه السلام]:
أبعد جهادي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإيماني أشهد على نفسي بالكفر؟ لقد ضللت إذا وما
أنا من المهتدين!!!
ثم قال [عليه السلام] (4):
يا شاهد الله علي فاشهد * آمنت بالله ولي أحمد
من شمك في الله فإني مهتد

(3) ولم يذكر قبل في هذه الرواية إلا أم ولده، فهذه الكلمة إما زائدة أو
محرفة أو أن قتل النسوة بيد الخوارج قد سقط قبل ذلك. ويحتمل قويا أن يكون
من قوله: (وقد أتى على المدائن) إلي آخره من تتمة الروايات السابقة.
(4) وقريبا منه جدا ذكرناه في باب الدال من ديوانه عليه السلام نقلا
عن كامل المبرد ج 3 ص 189.
376

وكتب [عليه السلام] إليهم (5).
أما بعد فإني أذكركم الله أن تكونوا من الذين
فارقوا دينهم وكانوا شيعا بعد أن أخذ الله ميثاقكم على
الجماعة، وألف بين قلوبكم على الطاعة وأن تكونوا
كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات.
ودعاهم إلى تقوى الله والبر ومراجعة الحق (6).
قالوا: وخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة فناداهم فقال:
يا عباد الله أخرجوا إلينا طلبتنا وانهضوا إلى عدوكم وعدونا معا. فقال
له عبد الله بن شجرة السلمي: إن الحق قد أضاء لنا فلسنا متابعيكم أبدا
أو تأتونا بمثل عمر!!! فقال: والله ما نعلم على الأرض مثل عمر إلا
أن يكون صاحبنا!!! وقال لهم علي: يا قوم إنه قد غلب...
إلى آخر ما يأتي من كلامه عليه السلام.
ذنابة فيها كرامة وأخبار غيبية لأمير المؤمنين عليه السلام.
قال الخطيب - في ترجمة جندب بن عبد الله الأزدي تحت الرقم:
(3740) من تاريخ بغداد: ج 7 ص 249 -: أخبرنا ولاد بن علي الكوفي

(5) منه يعلم أن ما ذكر قبله لم يكن عن مشافهة منهم في هذه المرة.
(6) وقد أسقطنا بعده ما أجابه ابن وهب في جواب كتابه عليه السلام.
377

أخبرنا محمد بن علي بن دحيم الشيباني، حدثنا أحمد بن حازم، أخبرنا أحمد
ابن عبد الرحمان - يعني ابن أبي ليلى - حدثنا سعيد بن خيثم، عن القعقاع
ابن عمارة، عن أبي الخليل، عن أبي السابغة، عن جندب الأزدي قال:
لما عدلنا إلى الخوارج - ونحن مع علي بن أبي طالب - فانتهينا إلى معسكرهم
فإذا لهم دوي كدوي النحل، من قراءة القرآن - وفيهم ذو الثفنات وأصحاب
البرانس (7) وساق الحديث إلى أن قال (8): - ثم قام علي فأمسكت له
بالركاب ثم عدلت إلى درعي فلبستها، وإلي فرسي فركبته وأخذت رمحي
وسرت معه حتى إذا نظر إلى رابية قال: يا جندب ترى تلك الرابية؟ قال:
قلت نعم يا أمير المؤمنين. قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرني أنهم يقتلون عندها. وذكر بقية الحديث.
أقول: ورواه أيضا الطبراني في كتاب الأوسط بإسناده عن أبي
السابغة. عن جندب قال:
لما فارقت الخوارج عليا (عليه السلام) خرج في طلبهم وخرجنا معه
فانتهينا إلى عسكر القوم وإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن.
وإذا فيهم أصحاب الثفنات وأصحاب البرانس فلما رأيتهم دخلني من
ذلك شدة [كذا] فتنحيت فركزت رمحي ونزلت عن فرسي ووضعت
برنسي فنثرت عليه درعي وأخذت بمقود فرسي فقمت أصلي إلى رمحي وأنا

(7) ذو الثفنات هو عبد الله بن وهب الراسبي، أو أعم منه لأن كثيرا
منهم - أخزاهم الله - كان في جباههم مثل ثفنة البعير من أثر السجود.
(8) يا ليت أنه ذكر تمام الحديث ولم يبخل بذكر الحقائق.
378

أقول في صلاتي: اللهم إن كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فائذن لي فيه
وإن كان معصية فأرني براءتك.
قال: فأنا كذلك إذا أقبل علي بن أبي طالب على بغلة رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلما حاذاني قال: تعوذ بالله يا جندب من شر
الشك!!! [قال جندب:] فجئت أسعى إليه، ونزل فقام يصلي إذ
أقبل رجل على برذون يقرب به فقال: يا أمير المؤمنين. قال: ما تشاء؟
قال: ألك حاجة في القوم؟ قال: وما ذاك؟ قال: قد قطعوا النهر فذهبوا.
قال علي: ما قطعوه!!! قلت: الله أكبر. ثم جاء آخر يستحضر بفرسه
فقال: يا أمير المؤمنين. قال: ما تشاء؟ قال: ألك حاجة في القوم؟ قال:
وما ذلك؟ قال: قد قطعوا النهر. قال: ما قطعوه ولا يقطعوه وليقتلن
دونه عهد من الله ورسوله!!! قلت الله أكبر، ثم قمت فأمسكت له
بالركاب فركب فرسه ثم رجعت إلى درعي فلبستها وإلى قوسي فعلقتها وخرجت
أسايره فقال لي: يا جندب. قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أما أنا
فأبعث إليهم رجلا يقرأ المصحف [و] يدعو [هم] إلى كتاب ربهم وسنة
نبيهم فلا يقبل علينا بوجهه حتى يرشقوه بالنبل!!! يا جندب أما إنه
لا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة!!!
[قال جندب:] فانتهينا إلى القوم وهم في معسكرهم الذي كانوا
فيه لم يبرحوا.
فنادي علي في أصحابه فصفهم ثم أتى الصف من رأسه ذا إلى رأسه
ذا مرتين وهو يقول: من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هؤلاء القوم
فيدعوهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم وهو مقتول وله الجنة؟! فلم يجبه
379

إلا شاب من بني عامر بن صعصعة!!! فلما رأي علي حداثة سنة قال
له: ارجع إلى موقفك!!! ثم نادي الثانية فلم يخرج إليه إلا ذلك الشاب!!!
ثم نادي الثالثة فلم يخرج إليه إلا ذلك الشاب!!! فقال له علي: خذ
[المصحف] فأخذ المصحف فقال له: أما إنك مقتول ولست مقبلا علينا
بوجهك حتى يرشقوك بالنبل!!! فخرج الشاب بالمصحف إلى القوم فلما
دنا منهم حيث يسمعون قاموا ونشبوا الفتي قبل أن يرجع، فرماه إنسان فأقبل
علينا بوجهه فقعد فقال علي: دونكم القوم، قال جندب: فقتلت بكفي
هذه بعد ما دخلني ما كان دخلني ثمانية قبل أن أصلي الظهر، وما قتل
منا عشرة ولا نجا منهم عشرة كما قال [علي عليه السلام]!!!
هكذا رواه عنه في مجمع الزوائد ج 6 ص 242 وقال: رواه الطبراني في
الأوسط من طريق أبي السابغة عن جندب، ولم أعرف أبا السابغة وبقية رجاله ثقات.
- 265 -
ومن كلام له عليه السلام
مع صعصعة بن صوحان العبدي رحمه الله لما رجع إليه وأخبره بما جرى بينه وبين الخوارج
قال الشيخ المفيد رحمه الله: حدثنا محمد بن علي، قال: حدثنا محمد بن
الحسن، قال: أخبرني العكلي الحرمازي (1) عن صالح بن أسود بن صنعان

(1) كذا.
380

الغنوي، قالي: حدثني مسمع [سميع (خ)] بن عبد الله البصري عن رجل
قال:
لما بعث [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، صعصعة
ابن صوحان إلى الخوارج:، قالوا له: أرأيت لو كان علي معنا في موضعنا
أتكون معه؟! قال - نعم. قالوا: فأنت إذا مقلد عليا دينك، ارجع فلا
دين لك. فقال لهم صعصعة: ويلكم ألا أقلد من قلد الله فأحسن التقليد،
فاضطلع بأمر الله صديقا لم يزل، أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا اشتدت الحرب قدمه في لهواتها، فيطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها
بحده، مكدودا في ذات الله، عنه يعبر رسول الله صلى الله عليه وآله
والمسلمون، فأني تصرفون؟ وأين تذهبون؟ وإلى من ترغبون؟ وعمن
تصدفون؟ عن القمر الباهر، والسراج الزاهر، وصراط الله المستقيم؟!
وحسان الأعد المقيم (2) قاتلكم الله أني تؤفكون؟ أفي الصديق الأكبر.
والغرض الأقصى ترمون [كذا] طاشت عقولكم، وغارت حلومكم
وشاهت وجوهكم لقد علوتم القلة من الجبل، وباعدتم العلة من النهل (3)
أتستهدفون أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ ووصي رسول الله صلى الله عليه وآله؟ لقد سولت لكم أنفسكم خسرانا مبينا، فبعدا وسحقا للكفرة الظالمين،
عدل بكم عن القصد الشيطان، وعمي لكم عن واضح المحجبة الحرمان.

(2) كذا في النسخة، وفي بعض النسخ [على ما في هامش الأصل]
(وسبيل الله المقيم).
(3) العل: الشرب الثاني آو الشرب بعد الشرب تباعا، والنهل - كجبل -:
أول الشرب.
381

فقال له عبد الله بن وهب الراسبي: نطقت يا ابن صوحان بشقشقة بعير،
وهدرت فأطنبت في الهدير أبلغ صاحبك انا مقاتلوه على حكم الله والتنزيل
[ثم قال] (4):
نقاتلكم كي تلزموا الحق وحده * ونضربكم حتى يكون لنا الحكم
فإن تبتغوا حكم الإله نكن لكم * إذا ما اصطلحنا الحق والأمن والسلم
وإلا فإن المشرفية محذم * بأيدي رجال فيهم الدين والعلم
فقال صعصعة: كأني أنظر إليك - يا أخا راسب - مترملا بدمائك،
يحجل الطير بأشلائك (5) لا تجاب لكم داعية، ولا تسمع لكم واعية،
يستحل ذلك منكم إمام هدى.
فقال الراسبي:
سيعلم الليث إذا التقينا * دور الرحى أو علينا

(4) ما بين المعقوفين تهذيب منا للعبارة، وفي الأصل بعد قوله:
(والتنزيل) هكذا: (فقال عبد الله بن وهب أبياتا - قال العكلي الحرمازي:
ولا أدري أهي له أم لغيره -: (نقاتلكم كي تلزموا الحق وحده)...
(5) يقال: (حجل الطائر - من باب نصر، وضرب - حجلا
وحجلانا): نزا في مشيه كما يحجل البعير العقير على ثلاث، والأشلاء:
الأعضاء.
382

أبلغ صاحبك أنا غير راجعين عنه أو يقر لله بكفره، أو يخرج عن
ذنبه فإن الله قابل التوب، شديد العقاب، وغافر الذنب، فإذا فعل ذلك
بذلنا المهج!!!
فقال صعصعة: عند الصباح يحمد القوم السرى.
ثم رجع إلى علي صلوات الله عليه فأخبره بما جرى بينه وبينهم فتمثل
علي عليه السلام:
أراد رسولاي الوقوف فراوحا * يدا بيد ثم أسهما لي على السواء
[ثم قال عليه السلام]:
بؤسا للمساكين، يا ابن صوحان أما [والله] لقد
عهد إلى فيهم وإني لصاحبهم وما كذبت ولا كذبت،
وإن لهم ليوما يدور فيه رحى المؤمنين على المارقين
فيا ويحها حتفا ما أبعدها عن روح الله؟!.
ثم قال [عليه السلام]:
إذا الخيل جالت في الفتى وتكشفت * عوابس لا يسألن غير طعان
فكرت جميعا ثم فرق بينها * سقى رمحه منها بأحمر قان
في لا يلاقي القرن إلا بصدره * إذا أرعشت أحشاه كل جبان
كتاب الاختصاص - للشيخ المفيد رحمة الله - ص 121، وللكلام
بقية تأتي إن شاء الله تعالى.
383

- 266 -
ومن كلام له عليه السلام
في تكذيبه عليه السلام من أخبره بفرار الخوارج وإخباره بأنهم
يقتلون في محلهم الذي كانوا فيه
قال ابن أبي الحديد: وذكر المدائني في كتاب الخوارج، قال: لما
خرج علي عليه السلام إلى أهل النهر، أقبل رجل من أصحابه ممن كان
على مقدمته يركض، حتى انتهى إلى علي عليه السلام فقال: البشرى يا أمير
المؤمنين. قال: ما بشراك؟ قال: إن القوم عبروا النهر لما بلغم وصولك،
فأبشر فقد منحك الله أكتافهم، فقال له: آلله أنت رأيتهم قد عبروا؟!
قال: نعم. فأحلفه ثلاث مرات [وهو] في كلها يقول: نعم.
فقال علي عليه السلام:
والله ما عبروه - ولن يعبروه - وإن مصارعهم لدون
النطفة (1) والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لن يبلغوا

(1) وقريب منه في المختار: (56) من نهج البلاغة، قال السيد الرضي رحمه
الله: يعني بالنطفة ماء النهر، وهو أفصح كناية عن الماء وإن كان كثيرا جما.
أقول: ومثله قول كعب بن سور في تخذيل أهل البصرة عن طلحة
والزبير قبل سلطة الشيطان عليه: ويحكم أطيعوني واقطعوا هذه النطفة فكونوا
من ورائها وخلوا بين الغارين. كما في الحديث (295) من ترجمة أمير
المؤمنين من كتاب أنساب الأشراف: ج: 2 ص 238 ط. 1
384

الأثلاث ولا قصر بوران (2) حتى يقتلهم الله، وقد
خاب من افترى.

(2) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (ولا يقصر بوازن). وقريب
منه في عنوان: أخباره عليه السلام بالمنايا والبلايا) من مناقب آل أبي
طالب: ج 2 ص 269 ط قم قال: وفي رواية: (لا يبلغون إلى قصر
بوري [كذا] بنت كسري).
ثم إن قوله عليه السلام هذا دال على أنه صلوات الله عليه كان من قبل الله
ورسوله مأمورا بقتال المارقين كإخوتهم الناكثين والقاسطين وانه صلى الله
عليه وآله وسلم قد بين له جميع صفات القوم، ومثله - في أن الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم قد أوعز إليه - ما رواه أبو بكر الخطيب في ترجمة
زيد بن وهب تحت الرقم: (4550) من تاريخ بغداد: ج 8 ص 441
قال:
أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي،
حدثنا إبراهيم بن الحسن الهمذاني، حدثنا يحيي بن سليمان.
وأخبرني أبو القاسم الأزهري - واللفظ له - حدثنا محمد بن المظفر،
حدثنا أحمد بن عاصم البزار - أبو جعفر - حدثني أحمد بن يحيى بن خالد
ابن حيان الرقي، قال: حدثني يحي بن سليمان الجعفي، حدثني عمرو بن
القاسم بن حبيب، حدثنا أبي، عن سلمة بن كهيل الجعفي، عن زيد بن
وهب، قال:
كنت مع علي بن أبي طالب يوم النهروان، فنظر إلى بيت وقنطرة
فقال: هذا بيت بوران بنت كسرى وهذه قنطرة الديزجان، [ثم] قال:
حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم [كذا] أني أسير هذا المسير، وأنزل
هذا المنزل.
وفي الحديث الأول الذي رواه في الموضوع في كتاب البداية والنهاية:
ج 7، ص 290 أيضا شواهد لما ها هنا.
385

قال: ثم أقبل فارس آخر يركض، فقال كقول الأول فلم يكترث
علي عليه السلام بقوله (3) وجاءت الفرسان تركض، كلها تقول مثل ذلك.
فجال علي عليه السلام في متن فرسه، قال: [فقام] شاب من الناس
[وقال في نفسه] (4): والله لأكونن قريبا منه، فإن كانوا عبروا النهر

(3) أي فلم يعبأ به ولم يباليه.
(4) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق، والقصة رواه أيضا السيد
الرضي في كتاب خصائص الأئمة ص 28.
386

لأجعلن سنان هذا الرمح في عينه، أيدعي علم الغيب؟! فلما انتهى عليه
السلام إلى النهر، وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم وعرقبوا خيلهم
وجثوا على ركبهم وحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل، فنزل
ذلك الشاب قال: يا أمير المؤمنين إني كنت شككت فيك آنفا، وإني
تائب إلى الله وإليك، فاغفر لي. فقال: علي عليه السلام: إن الله هو الذي
يغفر الذنوب فاستغفره.
شرح المختار: (36) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 271،
وقريبا من صدره رواه ابن أعثم في كتاب الفتوح: ج 4 ص 120،
ولكن لم يذكر الرجل الثاني الذي جاء بالبشارة بعبور القوم.
- 267 -
ومن كلام عليه السلام
لما أخبره الرسول أن الخوارج قد عبروا النهر
قال المسعودي: وأخبره الرسول - وكان من يهود السواد - أن القوم قد
عبروا نهر طبرستان - وهذا النهر عليه قنطرة تعرف بقنطرة طبرستان،
بين حلوان وبغداد من بلاد خراسان - فقال علي [عليه السلام]:
والله ما عبروه ولا يقطعونه حتى نقتلهم بالرميلة
دونه!!!
387

ثم تواترت عليه الأخبار بقطعهم هذا النهر، وعبورهم هذا الجسر،
وهو يأبى ذلك ويحلف أنهم لن يعبروه، وأن مصارعهم دونه،
ثم قال:
سيروا إلى القوم، فوالله لا يفلت منهم عشرة،
ولا يقتل منكم عشرة (1).
فسار عليه السلام فأشرف عليهم وقد عسكروا بالموضع المعروف
بالرميلة على حسب ما قال لأصحابه، فلما أشرف عليهم قال: الله أكبر،
صدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فتصاف القوم، ووقف عليهم
بنفسه فدعاهم إلى الرجوع والتوبة، فأبوا ورموا أصحابه، فقيل له: قد
رمونا. فقال: كفوا، فكرروا القول عليه ثلاثا وهو يأمرهم بالكف،
حتى أتي برجل [من أصحابه] قتيل متشحط بدمه، فقال: الله أكبر
الآن حل قتالهم، احملوا على القوم.
مروج الذهب: ج 2 ص 405 وللكلام مصادر كثيرة.

(1) هذا هو الظاهر الموافق للمختار: (59) من النهج وغيره، وفي
نسخة مروج الذهب: (لا يفلت منهم إلا عشرة). ووراه أيضا في عنوان:
أخباره عليه السلام بالغيب) من مناقب آل أبي طالب: چ 2 ص 263 ط
قم، عن ابن بطة في الإبانة، وأبي داود، في السنن عن أبي مخلد، [كذا].
ثم ذكر أسماء ثمانية نفر من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الذين استشهدوا
بنهروان.
388

- 268 -
ومن كلام له عليه السلام
مع الخوارج المارقة
وبالأسانيد المتقدمة عن البلاذري (1) انه عليه السلام وقف على الخوارج
بحيث يسمعون كلامه فقال لهم:

(1) فإنه روى جميع ما نقلناه عنه بالأسانيد المتقدمة ثم قال:
قالوا: وخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة فناداهم فقال: يا عباد الله
أخرجوا إلينا طلبتنا وانهضوا إلى عدوكم وعدونا معا فقال له عبد الله بن
شجرة السلمي، إن الحق: قد أضاء لنا فلسنا متابعيكم أبدا أو تأتونا بمثل
عمر!!! فقال له [قيس]: والله ما نعلم على الأرض مثل عمر إلا أن
يكون صاحبنا!!! وقال لهم علي: يا قوم إنه قد غلب عليكم اللجاج...
ثم إن ما أجاب به قيس رحمه الله جواب إقناعي ومداراة معهم حاشاه أن
يعتقد مساواة نفس النبي مع أناس عاديين، وماشاه أن يقول بالتسوية
بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وحاشاه أن يقرن من كان حبه إيمان
وبغضه نفاق مع غيره ممن يشك في نجاته بل وفي إيمانه الواقعي حتى أنه
كان يسأل حذيفة: هل عهد إليك النبي أني من المنافقين!!!؟ وقد كان
يسأل أيضا عن أم المؤمنين أم سلمة!!!.
389

يا قوم إنه قد غلب عليكم اللجاج والمراء (2)
واتبعتم أهواءكم فطمح بكم تزيين الشيطان لكم (3)
وأنا أنذركم أن تصبحوا صرعى بأهضام هذا الغائط
وأثناء هذا النهر (4).
[ثم قال:] فلم يزل يعظهم ويدعهم [إلى الرجوع والتوبة].
الحديث: (439) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف
القسم الأول من ج 1 / الورق 198، أو ص 396، وفي ط 1، ص 371.
وللكلام مصادر جمة وألفاظ بديعة، وذيل طويل مونق سيمر عليك
فيما يأتي.

(2) يقال: (ماري زيد مماراتا ومراءا): جادل ونازع ولج.
(3) أي ذهب بكم تزيين الشيطان إلى الهلاك، أو رفع بكم عن قدركم
يقال: (طمح بزيد - من باب منع - طمحا): ذهب به، وطمحت
الدابة: نشزت وجمحت.
(4) الاهضام: جمر الهضم - كحبر -: بطن الوادي سمي به
لغموضه. والغائط: المطمئن من الأرض. ثم إن في نسخة أنساب الأشراف:
(وايثار هذا النهر) والظاهر أنه مصحف الأثناء - كما اخترناه - ويحتمل
بعيدا انه مصحف (أبشار).
390

- 269 -
ومن خطبة له عليه السلام
في معنى ما تقدم، خطبها يوم النهروان وهو واقف بين الصفين
قال في الموفقيات: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثني الزبير،
قال: حدثني علي بن صالح، عن عامر بن صالح (1) قال:
لما استوى الصفان بالنهروان تقدم علي بن أبي طالب عليه السلام بين
الصفين ثم قال:
أما بعد أيتها العصابة التي أخرجتها عادة (2) المراء

(1) كذا في المصورة الورق 150، وفي المطبوع: (حدثني الزبير،
قال: حدثني علي بن صالح، قال: لما استوي الصفان)...
(2) كذا في النسخة المطبوعة، وفي المصورة: (أخرجتها علاه المراء
والضلالة). وفي تاريخ الطبري: ج 4 ص 62 والكامل: ج 3 ص 173:
(أيتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاجة)... ومثله في مناقب
أمير المؤمنين للحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف بن محمد البلخي كما في
تلخيصه ص 125.
391

والضلالة، وصدف بها عن الحق الهوى والزيغ، إني
نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأكناف هذا النهر،
أو بملطاة من [هذا] الغائط (3) بلا بينة من ربكم
ولا سلطان مبين، ألم أنهكم عن هذه الحكومة
وأحذركموها وأعلمكم أن طلب القوم لها وهن منهم
ومكيدة (4) فخالفتم أمري وجانبتم الحزم فعصيتموني حتى
أقررت بأن حكمت وأخذت على الحكمين فاستوثقت،
وأمرتهما أن يحييا ما أحيا [ه] القرآن، ويميتا ما
أمات القرآن فخالفا أمري وغلا [وعملا (خ)]
بالهوى (5) ونحن على الأمر الأول، فأين تذهبون
وأين يتاه بكم؟

(3) كذا في الأصل، ولعل الصواب: بملاط من [هذا] الغائط.
والملاط - بكسر الميم -: الطين الذي يطلى به الحائط.
(4) وفي بعض المصادر: (دهن منهم) أي نفاق.
(5) كذا في الأصل.
392

فقال خطيبهم: أما بعد يا علي فإنا حين حكمنا كان ذلك كفرا منا،
فإن تبت كاتبنا فنحن معك ومنك، وإن أبيت فنحن منابذوك على السواء
إن الله لا يحب الخائنين. فقال علي [عليه السلام].
أصابكم حاصب (6) فلا يبقى [ولا بقي (خ ط)]
منكم وابر (7) أبعد إيماني بالله وجهادي في سبيل الله
وهجرتي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر بالكفر؟
لقد ظللت إذا وما أنا من المهتدين، ولكن منيت
بمعشر أخفاء الهام، سفهاء الأحلام، فالله المستعان.
ثم حمل عليهم فهزمهم.

(6) قال في مادة (حصب) من النهاية: وفي حديث علي (انه)
قال للخوارج: (أصابكم حاصب) أي عذاب من الله، وأصله: رميتم
بالحصباء من السماء.
(7) رسم الخط في هذا اللفظ لم يكن واضحا، وكان قبل، (منكم) شبه:
(حلو منكم) أو قلو منكم. ورواه في مادة (أبر) من النهاية، ولم
يذكر فيه حلو وقلو. وقال: هو اسم فاعل من أبر [ؤ من باب ضرب
ونصر] المخففة [ومعناه:] أي [لا يبقي منكم] رجل يقوم بتأبير النخل
وإصلاحها. ويروي بالثاء المثلثة ومعناه: لا يبقى منكم (مخبر يروي الحديث.
ومثله في مادة أبر، وأثر من لسان العرب.
393

الحديث: (181) من الجزء (16) من النسخة المنقوص الأول من
كتاب الموفقيات ص 325 ط 1، وفي المصورة الورق: (150).
ورواها أيضا الطبري في تاريخه: ج 4 ص 62 عن أبي مخنف، عن
مالك بن أعين، عن زيد بن وهب عنه عليه السلام. ورواها أيضا في كتاب
الإمامة والسياسة ص 109، ولكن لا بهذه الخصوصية.
- 270 -
ومن كلام له عليه السلام
في حث أصحابه على قتال المارقين وتبشيرهم بالظفر عليهم
قال الخطيب البغدادي: أخبرنا الحسين بن أبي بكر، أخبرنا عبد الصمد
ابن علي الطستي حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر، حدثنا شهاب بن عباد،
حدثنا جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان، عن أبي سلمة المرعشي قال:
لما سار علي إلى أهل النهر سرت معه، فلما نزلنا بحضرتهم أخذني غم
لقتالهم لا يعلمه إلا الله تعالى (1) قال: حتى سقطت [في] الماء مما أخذني

(1) وإنما أخذه غم لما كان عليه الخوارج من التعبد والتقشف والخشونة
في دين الله ولكن كانوا جهالا لم يهذبوا أنفسهم على وفق الشريعة فهلكوا
باللجاجة الجاهلية.
وما أحلى لبيان حالهم ما رواه الخطيب في ترجمة عمرو بن سلمة من
تاريخ بغداد: ج 12، ص 163، من أن عبد الله بن مسعود دخل مسجدا
فوجد فيه قوما متحلقين في أيديهم حصى وفي كل حلقة رجل يقول لهم
هللوا مأة، فإذا هللوا مأة يقول لهم: كبروا مأة، فإذا كبروا مأة يقول
لهم سبحوا مأة وهكذا، فقال ابن مسعود: إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم حدثنا أن قوما يقرون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام
كما يمرق السهم من الرمية!!! ثم قال ابن مسعود: وأيم الله ما أدري
لعل أكثرهم منكم!!! قال عمرو بن سلمة راوي الحديث عن ابن
مسعود: رأينا عامة أصحاب تلك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج!
أقول هذا معنى ما في تاريخ بغداد وهامشه وليس بنصهما، وقال في
الهامش: والقصة أوردها الدارمي من طريق عمرو بن يحيى وفيها
طول.
394

من الغم فخرجت من الماء وقد شرح الله صدري لقتالهم قال: فقال علي
لأصحابه: لا تبدؤهم. قال: فبدأ الخوارج فرموا فقيل: يا أمير المؤمنين
قد رموا. قال: فأذن لهم بالقتال، فحملت الخوارج على الناس حملة حتى
بلغوا منهم شدة، ثم حملوا عليه الثانية فبلغوا من الناس أشد من الأولى ثم
حملوا الثالثة حتى ظن الناس أنها الهزيمة قال: فقال علي:
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يقتلون منكم
عشرة ولا يبقى منهم عشرة!!!
395

فلما سمع الناس ذلك حملوا عليهم فقتلوا، فقال علي: إن فيهم رجلا
مخدج اليد - أو مثدون اليد، أو مودن اليد - قال: فأتي به فقال علي: من
رآى منكم هذا؟ فأسكت القوم، ثم قال: من رأى منكم هذا؟ فأسكت
القوم [كذا] ثم قال: من رأى منكم هذا؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين
رأيته جاء لكذا وكذا. قال: كذبت ما رأيته ولكن هذا أمير خارجة خرجت
من الجن.
ترجمة أبي سليمان المرعشي من تاريخ بغداد: ج 14، ص 365.
- 271 -
ومن كلام له عليه السلام
في تشجيع أصحابه على الحرب وأنه لا يقتل منهم عشرة، ولا ينجو من
الخوارج عشرة وإخباره بقتل ذي الثدية.
قال المبرد: لما واقفهم علي عليه السلام بالنهروان، قال [لأصحابه]:
لا تبدؤهم بقتال حتى يبدؤكم (1) فحمل منهم رجل على صف علي عليه السلام
فقتل منهم ثلاثة ثم قال:
أقتلهم ولا أرى عليا * ولو بدا أوجرته الخطيا

(1) وهذا كان دأبه عليه السلام في جميع حروبه.
396

فخرج إليه علي عليه السلام فضربه فقتله، فلما خالطه سيفه قال: يا حبذا
الروحة إلى الجنة! فقال عبد الله بن وهب: والله ما أدري إلى الجنة أم إلى
النار؟!! فقال رجل منهم من بني سعد: إنما حضرت اغترارا بهذا الرجل
- يعني عبد الله - وأراه قد شك، فاعتزل عن الحرب بجماعة من الناس،
ومال ألف منهم إلى جهة أبي أيوب الأنصاري - وكان على ميمنة علي عليه
عليه السلام - فقال علي عليه السلام لأصحابه:
إحملوا عليهم فوالله لا يقتل منكم عشرة، ولا يفلت
منهم عشرة (2).
فحمل عليهم فطحنهم طحنا، [و] قتل من أصحابه عليه السلام تسعة،
وأفلت من الخوارج ثمانية.
قال المبرد: حدثنا الرياشي، عن ربيعة بن عبد الله النميري، قال:
أخبرني رجل من الأزد، قال: نظرت إلى أبي أيوب الأنصاري في يوم النهروان
وقد علا عبد الله بن وهب الراسبي (3) فضربه ضربة على كتفه فأبان يده وقال:

(2) وفي شرح المختار: (36) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي
الحديد ج 2 ص 273 نقلا عن المبرد في الكامل: (ولا يسلم منهم عشرة).
(3) كذا في هذه الرواية، وفي الرواية الآتية ص 403 عن البلاذري:
انه قتل بيد زياد بن خصفة وهانئ بن الخطاب الهمداني. ولعله أقرب،
لأن أبا أيوب رحمة الله كان في الميمنة ينصب علما وراية أمان لمن التجئ
إليه من المارقين، إلا أن يحمل الأمر على أنه لحقه من لحقه المناوشة،
وبعد اشتباك الحرب آيس من لحوقهم به فانضم رحمه الله إلى المجاهدين
وشاركهم في قتل المارقين.
397

بؤ بها إلى النار يا مارق! فقال: عبد الله: ستعلم أينا أولى بها صليا. فقال:
[أبو أيوب]: وأبيك اني لأعلم. إذا أقبل صعصعة بن صوحان فوقف وقال:
أولى بها والله صليا من ضل في الدنيا عميا، وصار إلى الآخرة شقيا، أبعدك
الله وأترحك (4) أما والله لقد أنذرتك هذه الصرعة بالأمس، فأبيت إلا نكوصا
على عقبيك، فذق يا مارق وبال أمرك. أبا أيوب في قتله، ضربه
ضربة بالسيف أبان بها رجله وأدركه بأخرى في بطنه وقال [له]: لقد صرت
إلى نار لا تطفأ، ولا يبوخ (5) سعيرها. ثم احتزا رأسه وأتيا به عليا فقالا: هذا
رأس الفاسق الناكث المارق عبد الله بن وهب. فنظر إليه.
ثم قال لهما: اطلبا لي ذا الثدية. فطلب فلم يوجد، فرجعا إليه وقالا:
ما أصبنا شيئا فقال:
والله لقد قتل في يومه هدا، وما كذبني رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا كذبت عليه قوموا بجمعكم
فاطلبوه.
فقامت جماعة من أصحابه فتفرقوا في القتلى فأصابوه في دهاس من الأرض (6)

(4) عطف تفسير لقوله: (أبعدك الله).
(5) يقال: (بأخ الحر، أو النار، أو الغضب - من باب قال.
بوخا): سكن وخمد وفتر.
(6) الدهاس - كسحاب، والدهس كفلس -: المكان السهل،
والجمع أدهاس.
398

فوقه زهاء مأة قتيل فأخرجوه يجر برجله، ثم أني به علي [عليه السلام] فقال:
اشهدوا أنه ذو الثدية.
القطعة الأولى مما ذكرناه هنا ذكرها المبرد، في الكامل: ج 3 ص 187.
ورواها عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (36) من نهج البلاغة: ج 2
ص 272، والقطعة الثانية ذكرها المسعودي في مروج الذهب: ج 3 ص 47
نقلا عن المبرد.
- 272 -
ومن كلام له عليه السلام
في الإخبار عن مروق الخوارج عن الدين
قال البلاذري: حدثني الحسين بن علي بن الأسود، عن يحيى ابن آدم،
عن إسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن طارق ابن زياد، قال: قام
علي [عليه السلام] بالنهروان فقال:
إن نبي الله قال [لي] سيخرج قوم يتكلمون
بكلام الحق لا يجاوز حلوقهم، يخرجون من الحق
399

خروج السهم - أو مروق السهم (1) -. سيماهم أن
فيهم رجلا مخدج اليد (2) في يده شعرات سود، فإن
كان فيهم فقد قتلتم شر الناس.
[قال طارق:] فطلب فوجد فخر علي وأصحابه سجودا.
الحديث: (445) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف:
ج 1، الورق 398.
أقول: ورواه أيضا قبله باختصار في ص 199، منه نقلا عن نعيم
ابن حكيم، عن أبي مريم، عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وزاد فيه: (طوبى لمن قتلهم وقتلوه، علامتهم: فيهم رجل مخدج اليد).
وقريبا منه جدا رواه النسائي المتوفي عام 303 في الحديث (174)
من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ص 141، عن محمد بن بكار
الحراني، عن مخلد، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن
طارق بن زياد. ورواه أيضا أحمد بن حنبل في مسند علي عليه السلام تحت
الرقم: (848) من كتاب المسند: ج 2 ص 154، ط 2 عن الوليد بن
القاسم بن الوليد الهمداني عن إسرائيل... باختلاف يسير في بعض الألفاظ.
ورواه عنه الخطيب في ترجمة طارق بن زياد من تاريخ بغداد: ج 9 ص 366.
وأصل القضية مما تواتر عن النبي والوصي صلوات الله عليهما، وهذا المتن

(1) الترديد من الراوي.
(2) أي ناقص إليه، والخداج - بكسر الخاء: النقصان.
400

المذكور هنا رواه أحمد بن حنبل، تحت الرقم (1254) من كتاب المنسد.
ج 2 ص 307 ط 2 قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن عبد
الأعلى، عن طارق بن زياد... وساق المتن باختلاف في بعض الألفاظ. ورواه
عنه في البداية ج 7 ص 291.
وفي الرواية المتقدمة عن البلاذري، عن عبد الله بن صالح، عن يحيى
ابن آدم، عن رجل عن مجالد، عن الشعبي قال: فسار [علي عليه السلام]
إليهم في المحرم سنة ثمان وثلاتين (3) فدعاهم، فاعتزل بعضهم فلم يقاتلوه،
وبقي الآخرون فقاتلهم بالنهروان فقتلوا لتسع خلون من صفر، سنة ثمان
وثلاثين، وقتل عبد الله بن وهب الراسي، قتله زياد بن خصفة، وهانئ
ابن الخطاب الهمداني جميعا - ويقال: إن شبث بن ربعي شاركهما على قتله،
وكان شبث على مسيرة علي، وكان فيمن رجع عن التحكيم بعد محاجة ابن عباس
المحكمة - وقتل شريح بن أبي أوفى، واعتزل ابن الكواء فلم يقاتل عليا،
وقتل حرقوص بن زهير، وقتل ذو الثدية وكانت في عضده شامة كهيئة الثدي.

(3) وقال الطبري في تاريخه: ج 4 ص 68: وكان غير أبي مخنف
يقول: كانت الوقعة بين علي وأهل النهر، سنة، 38، وهذا القول عليه
أكثر أهل السير.
وقال في ترجمة معاوية من تاريخ دمشق: ج 56 ص 56: وكان
ورودهم صفين لسبع ليال بقين من المحرم [كذا] سنة 37، ووافى
الحكمان في أذرح بعد الحول في شعبان سنة 38، وبايع أهل الشام معاوية
بالخلافة في ذي القعدة سنة 38.
وقال اليعقوبي في ختام وقعة النهروان من تاريخه: ج 2 ص 183:
وكانت وقعة النهروان سنة تسع وثلاثين.
401

- 272 -
ومن كلام له عليه السلام
في كثرة ثواب قتلة الخوارج ومن أراد وجه الله في قتالهم
قال الخطيب - في ترجمة جوين والد أبي هارون العبدي -: أخبرنا أبو
علي أحمد بن محمد بن إبراهيم الصيدلاني - بإصبهان - أخبرنا أبو القاسم
سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري،
أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي هارون، قال:
أخبرني أبي أنه كان مع علي بن أبي طالب، حين قتلوا الحرورية،
قال: فلما قتلوا أمر [هم] أمير المؤمنين عليه السلام - أن يلتمسوا الرجل
[أي ذا الثدية] فالتمسوه مرارا فلم يجدوه [فأمرهم بالمبالغة في الطلب]
حتى وجدوه في مكان - قال: خربة أو شئ لا أدري ما هو - قال: فرفع
علي يديه يدعو، والناس يدعون، قالا: ثم وضع يديه ثم رفعها أيضا ثم قال:
والله فالق الحبة وبارئ النسمة، لولا أن تبطروا
لأخبرتكم بما سبق من الفضل لمن قتلهم على لسان
النبي صلى الله عليه وسلم.
تاريخ بغداد: ج 7 ص 250 تحت الرقم: (3741) (1).

(1) وليعلم أن جميع ما وضعناه بين المعقوفين فهو زيادة توضيحية منا.
402

وقال البزار - في مسنده: الورق 50 / أ / -: حدثنا محمد بن المثنى
قال: أنبأنا عبد الوهاب، قال أنبأنا أيوب، عن محمد - يعني ابن سيرين -:
عن عبيدة السلماني أن عليا رضي الله عنه ذكر الخوارج فقال: فيهم
رجل مودن اليد - أو مثدون اليد - أو مخدج اليد - لولا أن تبطروا لحدثتكم
بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
قال عبيدة: فقلت أنت سمعت هذا من رسول الله؟ قال: إي ورب
الكعبة: إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة.
[قال البزار:] وهذا الحديث قد رواه جماعة عن محمد بن سيرين عن
عبيدة عن علي رضي الله عنه.
منهم أيوب، وابن عون، وقتادة ويونس بن عبيد، وعوف وأبو عمرو
ابن العلاء، ويزيد بن إبراهيم وجرير بن حازم.
فأما حديث أيوب فرواه عبد الوهاب، وحدثناه أيضا مؤمل بن هشام
قال: أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة
عن علي رضي الله عنه.
وحدثناه عمرو بن علي ومحمد بن بشار، قالا: أنبأنا معاذ بن هشام عن
أبيه، عن قتادة، عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي رضي الله عنه.
وحدثناه الفضل بن يعقوب الرخامي قال: أنبأنا الحسن بن بلال قال:
أنبأنا مبرد بن فضالة، عن يونس بن عبيدة، عن ابن سيرين عن عبيدة،
عن علي رضي الله عنه.
403

وحدثناه محمد بن مرداس، قال: أنبأنا عبد الله بن عيسى قال: أنبأنا
يونس - يعني ابن عبيدة - عن محمد بن سيرين، عن عبيدة عن علي رضي
الله عنه.
وحدثناه عبد الله بن صباح العطار، قال حدثنا المعتمر بن سليمان عن
عوف، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة عن علي رضي الله عنه.
وحدثناه يوسف بن موسى قال: أنبأنا وكيع، عن يزيد بن إبراهيم
عن ابن سيرين عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه.
وحدثناه محمد بن عبد الرحيم، قال حدثنا شبابة بن سوار، قال:
أنبأنا أبو عمرو بن العلاء، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي
رضي الله عنه.
وحدثناه محمد بن الليث المرادي قال: أنبأنا عبد الرحمن بن سكر عن
جرير بن حازم، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه -
واللفظ لأيوب: - انه ذكر الخوارج فقال:
إن فيهم رجلا مودن إليه، أو مئدون إليه - أو مخدج إليه - لولا أن
تبطروا لحدثتكم ما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه
وسلم.
قال عبيدة فقلت لعلي: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟! قال إي ورب الكعبة إي ورب الكعبة إي ورب الكعبة.
وحدثنا [ه] محمد بن المثنى قال: أنبأنا ابن أبي عدي عن ابن عون عن
محمد، عن عبيدة عن علي رضي الله عنه.
404

- 273 -
ومن كلام له عليه السلام
في حث أصحابه على طلب ذي الثدية وتفقده من بين القتلى
وأنه بشره النبي صلى الله عليه وسلم أنه صاحبه الذي يقضي عليه
قال الخطيب البغدادي: أخبرنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله
ابن حسنويه الكاتب - بإصبهان - حدثنا أبو جعفر أحمد بن جعفر بن أحمد
ابن سعيد السمسار، حدثنا يحي بن مطرف، حدثنا مسلم بن إبراهيم،
حدثنا سويد بن عبيد العجلي، حدثنا أبو المؤمن الوائلي، قال: سمعت علي
ابن أبي طالب، حين قتل الحرورية قال:
أنظروا فيهم رجلا كان ثديه مثل ثدي المرأة،
أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم أني صاحبه.
فقبلوا القتلى فلم يجدوه [فأتوا عليا و] قالوا: ما وجدناه.
قال [عليه السلام]: لئن كنتم صدقتم لقد قتلتم خيار الناس!!!
قالوا: يا أمير المؤمنين، سبعة تحت نخلة لم نقلبهم. قال: فأتوهم
فقلبوهم فوجدوه. قال أبو المؤمن: فرأيته حين جاؤوا به يجرونه في رجله
حبل، قال: فرأيت عليا حين جاؤوا به خر ساجدا وقال: قتلاكم في
الجنة وقتلاهم في النار.
405

ترجمة أبي المؤمن الوائلي تحت الرقم: (7689) من تاريخ بغداد:
ج 14، ص 362، أول باب الكنى.
ورواه أيضا في البداية والنهاية: ج 7 ص 294 قال: أبو بكر
البزار: حدثني محمد بن مثنى، ومحمد بن معمر، حدثنا عبد الصمد،
حدثنا سويد بن عبيد العجلي، حدثنا أبو مؤمن، قال: شهدت علي بن
أبي طالب يوم قتل الحرورية - وأنا مع مولاي - فقال انظروا فإن فيهم
رجلا إحدى يديه مثل ثدي المرأة - وساق ما مر باختلاف في لفظه إلى
أن قال: قال البزار: لا نعلم روي أبو مؤمن عن علي غير هذا الحديث.
- 275 -
ومن كلام له عليه السلام
في تبشير أصحابه بوقوع قتل من أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بمروقهم عن الدين على أيديهم
قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبي قال: حدثنا أبو سعيد مولى
بني هاشم، حدثنا إسماعيل بن مسلم العبدي، حدثنا أبو كثير مولى
الأنصار، قال: كنت مع سيدي مع علي بن أبي طالب [كذا] حين
406

قتل أهل النهروان فكأن الناس وجدوا في أنفسهم عليه من قتلهم (1)
فقال علي:
يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد حدثنا بأقوام يمرقون من الدين، كما يمرق السهم
من الرمية، ثم لا يرجعون فيه حتى يرجع السهم على
فوقه (2) وإن آية ذلك أن فيهم رجلا أسود مخدج
اليد (3)، إحدى يديه كثدي المرأة، بها حلمة
كحلمة ثدي المرأة، حوله سبع هلبات (4) فالتمسوه
فإني أراه فيهم.

(1) يقال: (وجد عليه - من باب وعد، ونصر - وجدا وجدة
وموجدة ووجدانا): غضب عليه.
(2) هذا مثل لفوات الأمر واستحالة تداركه أي كما أن السهم الخارج
من القوس لا يرجع ولا يقدر الرامي على استرجاعه فكذلك هؤلاء إذا مرقوا
أي خرجوا - من الذين فلا يرجعون إليه. ومن أمثالهم أيضا: (فلان ما ارتد
على فوقه) أي مضى ولم يرجع. و (الفوق) - بالضم فالسكون -:
موضع الوتر من السهم.
(3) أي ناقص اليد.
(4) هي جمع هلبة: ما غلظ من الشعر.
407

[قال]: فالتمسوه فوجدوه إلى شفير النهر، تحت القتلى، فأخرجوه
فكبر علي فقال: الله أكبر، صدق الله ورسوله. [قال]: وإنه لمتقلد
قوسا عربية فأخذها بيده فجعل يطعن بها في مخدجته ويقول: صدق الله
ورسوله. وكبر الناس حين رأوه واستبشروا وذهب عنهم ما كانوا يجدون،
رواه في مسند علي عليه السلام تحت الرقم: (672 (من كتاب المسند:
ج 1، ص 88 ط 1، وفي الطبعة الثانية: ج 2 ص 75، قال أحمد
شاكر في تعليقه على المسند ط 2: إسناده صحيح.
ورواه أبو بكر الخطيب بسنده عنه في ترجمة أبي كثير الأنصاري تحت
الرقم: (7690) من تاريخ بغداد: ج 14، ص 362، وأيضا رواه
عن أحمد في البداية والنهاية: ج 7 ص 293.
وقريبا منه رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل بسندين آخرين عن أبي
الوضيء كما ذكره في مسند أمير المؤمنين ذكره تحت الرقم: (1188)
وتاليه من كتاب المسند ج 2 ص 281 ط 2.
- 276 -
ومن كلام له عليه السلام
في معنى ما تقدم
قال الخطيب البغدادي: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن إبراهيم
البزار - بالبصرة - حدثنا الحسن بن محمد بن عثمان النسوي، حدثنا يعقوب
ابن سفيان، حدثنا أصبغ بن الفرج، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن
408

الحارث، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد (1)، عن عبيد الله
ابن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحرورية لما خرجت وهم
مع علي بن أبي طالب (2) فقالوا: لا حكم إلا لله. قال علي:
كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وصف لي ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء
يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم - وأشار
إلى حلقه - [هم] من أبغض خلق الله إليه، فيهم أسود
إحدى يديه [كأنها] طبي شاة أو حلمة ثدي (3).
فلما قتلهم علي قال: انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا، فقال: ارجعوا
فوالله ما كذبت ولا كذبت - مرتين أو ثلاثا - ثم وجدوه في خربة فأتوا
به حتى وضعوه بين يديه.
قال عبيد الله [بن أبي رافع راوي الكلام]: وأنا حاضر ذلك من أمرهم
وقول علي فيهم.

(1) وفي الخصائص: (عن بكر بن سعيد): وفي رواية مسلم - على
ما في البداية والنهاية ج 7 ص - 291 عن: بشر بن سعيد.
(2) وفي رواية مسلم والنسائي (وهو مع علي بن أبي طالب).
(3) هذا الحديث ذكره في مادة: (طبا) من النهاية ج 3 ص 116،
ولكن لم ينسبه إلى أحد.
409

ترجمة عبيد الله بن أبي رافع من تاريخ بغداد: ج 1، ص 304 ومثله
رواه النسائي في الحديث (170) من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ص 139،
نقلا عن الحرث بن مسكين، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحرث، عن
بكر بن الأشج، عن بكر بن سعيد، عن عبد الله بن أبي رافع. ورواه
أيضا الحاكم كما في الحديث 226 من فرائد السمطين.
ورواه أيضا في الحديث (25) من باب (أخبار النبي صلى الله عليه
وآله وسلم بقتال الخوارج) من بحار الأنوار: ج 8 ص 599 ط الكمباني،
عن كتاب العمدة، عن كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي بإسناده
عن عبد الله بن أبي رافع.
وقريب منه جدا رواه في الباب: (56) من كتاب جواهر المطالب
ص 91 نقلا عن عبد الله بن أبي رافع بنحو الإرسال. ومثله في ذخائر
العقبى ص 110، وقال: أخرجه أبو حاتم.
ورواه في البداية والنهاية ج 7 ص 291 عن مسلم قال: حدثني أبو
الطاهر، ويونس بن عبد الأعلى، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو
ابن الحارث - إلى آخر ما تقدم في رواية الخطيب، إلى أن قال: - زاد
يونس في روايته: قال بكير: وحدثني رجل عن ابن حنين أنه قال:
رأيت ذلك الأسود.
[قال صاحب البداية والنهاية] تفرد به مسلم.
ورواه أيضا الذهبي في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
الإسلام: ج 2 ص 184.
410

- 268 -
ومن كلام له عليه السلام
في معني ما سلف
قال أبو بكر الخطيب: أخبرنا ولاد بن علي الكوفي، أخبرنا محمد بن
علي بن دحيم الشيباني، حدثنا أحمد بن حازم، أخبرنا عبيد الله بن موسى،
أخبرنا الحسن بن كثير، عن أبيه، قال:
لما قتل علي أهل النهروان خطب الناس فقال:
ألا إن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم
حدثني أن هؤلاء القوم يقولون الحق بأفواههم لا يجاوز
تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من
الرمية، ألا وإن علامتهم ذو الخداجة.
[قال كثير:] فطلبه الناس فلم يجدوا شيئا، فقال: عودوا فإني والله
ما كذبت ولا كذبت. فعادوا فجئ به حتى ألقي بين يديه، فنظرت إليه
وفي يده شعرات سود.
ترجمة كثير أبى الحسن البجلي الأحمسي من تاريخ بغداد: ج 12، ص 480
411

وأيضا قال الخطيب - في عنوان: (من اسمه جابر) من تاريخ بغداد:
ج 7 ص 236 -: جابر أبو خالد من تابعي أهل الكوفة شهد مع علي بن أبي
طالب وقعة النهروان. روي عند ابنه خالد.
أخبرنا أبو الصهباء ولاد بن علي الكوفي، أخبرنا محمد بن علي بن دحيم
الشيباني، حدثنا أحمد بن حازم، أخبرنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا سكين
ابن عبد العزيز، قال: حدثنا خالد بن جابر، عن أبيه، عن جده قال:
إني لشاهد عليا يوم النهروان - لما أن عاين القوم - لأصحابه: كفوا
فناداهم أن أقيدونا بدم عبد الله بن الخباب - قال: وكان [عبد الله] عامل
علي على النهروان - قالوا: - كلنا قتله، فقال [علي]: الله أكبر، قال:
فقال لأصحابه: ارموا فرموا، فقال: احملوا فحملوا، فقتلهم، ثم قال:
اطلبوا المجدع (1) فطلبوه فلم يجدوه، فقال اطلبوه فإني والله ما كذبت ولا
كذبت.
ثم قال: يا عجلان ائتني ببغلة رسول الله عليه وسلم. فأتاه
بالبغلة فركبها، ثم سار في القتلى فقال: اطلبوه ها هنا. قال: فاستخرجوه من
تحت القتلى في نهر وطين، له عضيدة مثل الثدي، تمدها فتمتد فتصر مثل
الثدي، وتتركها فتنخمص [ف‍] قال [علي عليه السلام]:
الله أكبر والله لولا أن تبطروا لحدثتكم ما وعدكم
الله على لسان نبيكم لمن قاتلهم!

(1) كذا في النسخة، ولعل الصواب: المخدج.
412

- 269 -
ومن كلام له عليه السلام
في المعنى المتقدم
قال الباذري: وروي حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن
غلام لأبي جحيفة السوائي قال: لما قتل علي أهل النهروان، جعل لا يستقر
جالسا ويقول:
ويحكم اطلبوا رجلا ناقص اليدين [ناقصا يده (خ)]
في يديه عظم طرفها حلمة كحلمة الثدي من المرأة،
عليها خمس شعرات - أو سبع شعرات (1) - رؤوسها
معقفة.
قالوا: [يا أمير المؤمنين] قد طلبناه فلم نجده.!!!
فقال [عليه السلام]: أليس هذا النهروان؟ قالوا: بلى.
قال: فوالله ما كذبت ولا كذبت، فاطلبوه.

(1) الترديد من الراوي.
413

[قال:] فطلبناه فوجدناه قتيلا في ساقية، ففرح علي فرحا شديدا.
أنساب الأشراف: ج 1 - الورق 199، وفي ط 1: ج 2 ص 400.
وقريب منه في قصة الخوارج من مروج الذهب: ج 2 ص 406 ط بيروت،
وفيه أنه لما أخبر به خر ساجدا.
وأيضا رواه مرسلا عن أبي جحيفة، في آخر الباب (56) من جواهر
المطالب ص 91.
وقال في البداية والنهاية: ج 7 ص 289: وقال الهيثم بن عدي - في كتابه
في الخوارج: وحدثني أبو إسماعيل الحنفي، عن الريان بن صبرة الحنفي
قال: شهدنا النهروان مع علي فلما وجد المخدج سجد سجدة طويلة. ثم
قال: وحدثني سفيان الثوري، عن محمد بن قيس الهمداني، عن رجل من
قومه يكنى أبا موسى أن عليا لما وجد المخدج سجد سجدة طويلة.
أقول: القصة مذكورة في كتاب خصائص الأئمة - للسيد الرضي
رضوان الله عليه - ص 29 مع خصوصيات آخر غير مذكورة هاهنا.
وإنما أطلنا الكلام ها هنا بذكر الروايات الواردة في المقام - مع أن كثيرا
منها كان غير محتاج إليه - لإيقاف القراء على بطلان ما يستشعر من بعض
الروايات الواردة من طريق أهل السنة من استنكار بعض الخصوصيات
الواردة في قصة ذي الثدية الثابتة بالطرق المتكثرة التي قد مر بعضها وذلك
مثل ذيل الحديث: (1200) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق:
ج 3 ص 152 - 157 - ط 1، وما ذكرناه هنا يكفي لإبطال ما يشعر به الحديث
المشار إليه وما هو بسياقه وانه مخالف لما ورد بالتواتر أو ما قاربه، ومن
أراد المزيد فعليه بشرح المختار: (36) من نهج البلاغة: ج 2 ص 267
وما حولها. أو قصة الخوارج من تاريخ البداية والنهاية: ج 7 ص 289 وما حولها.
414

- 270 -
ومن كلام له عليه السلام
في تفضل الله على المؤمنين بإثابتهم على نية الخير وإن لم يأتوا به
الحافظ البرقي رحمة الله عن محمد بن الحسن بن شمون البصري، عن عبد الله
ابن عمرو بن الأشعت، عن عبد الله بن حماد الأنصاري، عن الصباح
ابن يحي المزني، عن الحارث بن حصيرة، عن الحكم بن عيينة، قال:
لما قتل أمير المؤمنين [عليه السلام] الخوارج يوم النهروان، قام إليه رجل
فقال: يا أمير المؤمنين طوبى لنا إذا شهدنا معك هذا الموقف، وقتلنا معك
هؤلاء الخوارج؟!! (1) فقال أمير المؤمنين [عليه السلام]:
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد شهدنا في

(1) والظاهر أن في الكلام حذفا، وتقديره - على ما يستأنس به
من المختار: (11) من نهج البلاغة -: وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا
ليرى ما نصرك الله به على أعدائك، فقال له عليه السلام: أهوى أخيك
معنا؟ فقال: نعم، قال:: فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام
في أصلاب الرجال وأرحام النساء سير عف بهم الزمان ويقوي بهم الإيمان!!!.
415

هذا الموقف أناس لم يخلق الله آباءهم ولا أجدادهم
بعد!!! (2).
فقال الرجل: وكيف شهدنا قوم لم يخلقوا؟!
قال: بلى [هم] قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا
فيما نحن فيه، وهم يسلمون لنا، فأولئك شركاؤنا
فيما كنا فيه حقا حقا.
الحديث التاسع من باب النية من كتاب مصابيح الطلم من محاسن البرقي،
ص 261، ورواه عنه في الحديث (5) من باب (تمنى الخيرات، ومن سن
سنة عدل) من القسم الثاني من المجلد 15، من بحار الأنوار ص 181 ط الكمباني.
- 271 -
ومن كلام له عليه السلام
وقد مر على الخوارج وهم صرعى
قال المسعودي: ثم ركب [أمير المؤمنين عليه السلام] ومر بهم وهم صرعى
فقال:

(2) المراد بالأجداد - هاهنا - هم الأجداد القريبة.
416

[بؤسا لكم لقد ضركم] من غركم (1).
قيل له: ومن غرهم [يا أمير المؤمنين]؟
فقال: الشيطان [المضل] وأنفس [با] لسوء [لأمارة] (2).
فقال أصحابه: قد قطع الله دابرهم إلى آخر الدهر (3) فقال [عليه السلام]:
كلا والذي نفسي بيده، وإنهم لفي أصلاب
الرجال وأرحام النساء، لا تخرج خارجة إلا خرجت

(1) ما بين المعقوفات كله مأخوذ من نهج البلاغة، وفي مروج الذهب
هكذا: (لقد صرعكم من غركم. قيل: ومن غرهم؟ قال: الشيطان
وأنفس السوء).
(2) وفي النهج هكذا: (فقيل له: من غرهم يا أمير المؤمنين؟
فقال: الشيطان المضل، والأنفس الأمارة بالسوء، غرتهم بالأماني،
وفسحت لهم بالمعاصي، ووعدتهم الإظهار فاقتحمت بهم النار.
(3) وفي النهج: ولما قتل الخوارج قيل له: يا أمير المؤمنين هلك
القوم بأجمعهم! قال عليه السلام: كلا والله إنهم نطف في أصلاب الرجال
وقرارات النساء، كلما نجم منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم لصوصا
سلابين.
ورواه مسندا في ترجمة حبة من تاريخ بغداد: ج 8 ص 275 قال:
قال حبة: لما فرغنا من النهروان قال رجل: والله لا يخرج بعد اليوم
حروري أبدا. فقال علي: مه لا تقل هذا فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة
إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، ولا يزالون يخرجون حتى تخرج
طائفة منهم بين نهرين حتى يخرج إليهم رجل من ولدي فيقتلهم فلا يعودون
أبدا. وقريبا من صدر الكلام رواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد:
ج 6 ص 242.
417

بعدها مثلها، حتى تخرج خارجة بين الفرات ودجلة
مع رجل يقال له الأشمط، يخرج إليه رجل منا أهل
البيت فيقتله، ولا تخرج بعدها خارجة إلى يوم
القيامة.
مروج الذهب: ج 2 ص 407، وقريب منه جدا في المختار: (59)
و (323) من باب خطب نهج البلاغة وقصاره، وكذلك نقله عن الشعبي في
تذكرة الخواص ص 113، وتاريخ الطبري: ج 4 ص 65، وتاريخ
الكامل: ج 3 ص 175.
418

- 272 -
ومن كلام له عليه السلام
لما أرد الرحيل عن النهروان
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن ابن قبيس، أنبأنا وأبو منصور
ابن خيرون، أنبأنا أبو بكر الخطيب (1)، أخبرني أبو القاسم الأزهري،
أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، أنبأنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحرير،
أنبأنا أحمد بن الحرث الحرار، أنبأنا أبو الحسن المدائني عن شيوخه الذي
يروي عنهم خبر النهروان قال:
[أمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الناس] (2) بالرحيل
- يعني بعد فراغه من قتال الحرورية - وقال لأصحابه: قد أعزكم الله
وأذهب ما كنتم تخافون، فامضوا من وجهكم هذا إلى الشام.
فقال الأشعث: يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا، وكلت سيوفنا ونصلت
أسنة رماحنا، فلو أتينا مصرنا حتى نستعد ثم نسير إلى عدونا، فركن الناس

(1) ذكره في ترجمة الأشعث بن قيس من تاريخ بغداد: ج 1،
ص 197.
(2) ما بين المعقوفين قد سقط من نسختي من تاريخ دمشق ولا بد منه.
419

إلى ذلك، فسار علي يريد الكوفة فأخذ على المدائن حتى انتهى [إلى] النخيلة
فنزلها. وساق بقية الحديث.
ترجمة الأشعث بن قيس من تاريخ دمشق: ج 6 ص 104 / أو 1138.
- 273 -
ومن خطبة له عليه السلام
بعد إخماد شوكة المارقين وقتلهم بيد المؤمنين
قال المسعودي: وجمع علي [أمير المؤمنين عليه السلام] ما كان في
عسكر الخوارج، فقسم السلاح والدواب بين المسلمين ورد المتاع والعبيد
والإماء إلى أهلهم ثم خطب الناس فقال.
إن الله قد أحسن إليكم وأعز نصر كم، فتوجهوا
من فوركم هذا إلى عدوكم.
فقالوا: يا أمير المؤمنين قد كلت سيوفنا، ونفدت نبالنا ونصلت
أسنة رماحنا (1) فدعنا نستعد بأحسن عدتنا.

(1) يقال: (نصل من كذا - من باب نصر ومنع - نصلا ونصولا):
خرج. و (النصل): حديدة الرمح والسهم كالسنان، والجمع أسنة.
والرماح: جمع الرمح.
420

[قال]: وكان الذي كلمه بهذا الأشعث بن قيس [فركن الناس إلى
ذلك] (2).
[فكان جوابه عليه السلام [أن قال لهم]:
يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم
ولا ترتدوا على أدبار كم فتنقلبوا خاسرين (3).
فتلكأوا عليه وقالوا [يا أمير المؤمنين]: إن البرد شديد؟!!
فقال [عليه السلام]: إنهم يجدون البرد كما تجدون. فتلكأوا؟!
وأبوا!!! فقال: أف لكم إنها سنة جرت! ثم تلا قوله تعالى:
(قالوا: يا موسى إن فيها قوما جبارين، وإنا لن
ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا
داخلون) (4).
فقام منهم ناس فقالوا: يا أمير المؤمنين الجراح فاش في الناس - وكان
أهل النهروان قد أكثروا الجراح في عسكره عليه السلام - فارجع إلى الكوفة
فأقم بها أياما [ثم اخرج خار الله لك].

(2) ما بين المعقوفين مأخوذ من رواية البلاذري - وغيره - وسنذكرها
بعد ختام أمر مالك الأشتر ومحمد بن أبي بكر رحمة الله عليهما.
(3) اقتباس من الآية: (21 و 22) من سورة المائدة.
(4) اقتباس من الآية: (21 و 22) من سورة المائدة.
421

[قال المسعودي:] فعسكر علي [عليه السلام] بالنخيلة (1) فجعل
أصحابه يتسللون ويلحقون بأوطانهم فلم يبق معه إلا نفر يسير.
ختام قصة الخوارج من كتاب مروج الذهب: ج 2 ص 407، وفيه إخلال
فاحش - كما يعلم من الروايات الآتية فيما بعد - ومن قوله: (فكان
جوابه عليه السلام) - إلى آخره - مأخوذ من الحديث: (10) من كتاب
الغارات ج 1، ص 100، ومن شرح المختار (34) من النهج لابن أبي
الحديد: ج 2 ص 193، ومن بحار الأنوار ج 8 ص 678 ط الكمباني، وله
مصادر كثيرة.
- 274 -
ومن خطبة له عليه السلام
المعروفة بالديباج (2) في الحت على المكارم والاستقامة في مناهج العبودية
قال في البداية والنهاية، ج 7 ص 306: قال الهيثم بن عدي - في كتابه
الذي جمعه في الخوارج، وهو من أحسن ما صنف في ذلك. قال -: وذكر
عيسى بن دأب قال:

(1) أي فرجع عليه السلام إلى الكوفة وعسكر بالنخيلة.
(2) كما ذكره في المختار السابع من كلمه عليه السلام في تحف
العقول ص 99 والمراد منها - هنا - هي الخطبة الثانية الطويلة، دون القصيرة
المذكورة في الصدر.
422

لما انصرف علي رضي الله عنه من النهروان (2) قام في الناس خطيبا
فقال - بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم -:
أما بعد فإن الله قد أعز نصركم فتوجهوا من فوركم
هذا إلى عدوكم من أهل الشام.
فقاموا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا وكلت سيوفنا ونصلت
أسنتنا، فانصرف بنا إلى مصرنا حتى نستعد بأحسن عدتنا ولعل أمير
المؤمنين يزيد في عدتنا عدة من فارقنا وهلك منا، فإنه أقوى لنا على عدونا.
وكان الذي تكلم بهذا الأشعث بن قيس الكندي فبايعهم [كذا] وأقبل
بالناس حتى نزل بالنخيلة، وأمرهم أن يلزموا معسكرهم ويوطنوا أنفسهم
على جهاد عدوهم ويقلوا زيارة نسائهم وأبنائهم، فأقاموا معه أياما متمسكين
برأيه وقوله، ثم تسللوا حتى لم يبق منهم أحد إلا رؤس أصحابه!!! فقام
فيهم خطيبا فقال:
الحمد لله فاطر الخلق وفالق الإصباح، وناشر
الموتى وباعث من في القبور.

(2) هذا سهو ظاهر من قائله، لأنه عليه السلام خطب بهذه الخطبة
في النهروان، والدليل الظاهر على ذلك هو قول أصحابه عليه السلام:
(فانصرف بنا إلى مصرنا.)... والشواهد الخارجية أيضا كثيرة ولكن مراد
ابن دأب القائل بذلك هي الخطبة الثانية ففي كلامه تسامح.
423

وأشهد أن لا إله الله، وأن محمدا عبده ورسوله،
وأوصيكم بتقوى الله، فإن أفضل ما توسل به العبد
الإيمان [بالله] والجهاد في سبيله (2) وكلمة الإخلاص
فإنها الفطرة، وإقام الصلاة، فإنها الملة، وإيتاء
الزكاة فإنها من فريضة (3)، وصوم شهر رمضان فإنه
جنة من عذابه، وحج البيت فإنها منفاة للفقر،
[و] مدحضة للذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة في
المال [و] منسأة في الأجل، [و] محبة في الأهل،
وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة وتطفئ غضب الرب،

(2) وفي المختار: (109) من نهج البلاغة: إن أفضل ما توسل به
المتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله، والجهاد في سبيله
فإنه ذروة الإسلام...
(3) كذا في النسخة، وفي تحف العقول: (وإيتاء الزكاة
فإنها فريضة، وصوم شهر رمضان فإنه جنة حصينة وحج البيت
والعمرة فإنهما ينفيان الفقر، ويكفران الذنب، ويوجبان الجنة،
وصلة الرحم، فإنها ثروة في المال، ومنسأة في الأجل، وتكثير
للعدد)...
وفى نهج البلاغة: (وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة)...
424

وصنع المعروف فإنه يدفع ميتة السوء ويقي مصارع
الهوان (4).
أفيضوا في ذكر الله فإنه أحسن الذكر، وارغبوا فيما
وعد [الله به] المتقون، فإن وعد الله أصدق الوعد، واقتدوا
بهدى نبيكم صلى الله عليه وسلم [كذا] فإنه أفضل
الهدى واستسنوا بسنته فإنها أفضل السنن (5)،
وتعلموا كتاب الله فإنه أفضل الحديث، وتفقهوا في
الدين (6) فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه
شفاء لما في الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن
القصص، وإذا قرئ عليكم فاستمعوا له وأنصتوا

(4) هذا هو الطاهر الموافق للمختار: (108) من نهج البلاغة، وفي
النسخة: (مصارع الهول). وفي تحف العقول: (والصدقة في السر فإنها
تكفر الخطأ، وتطفئ غضب الرب تبارك وتعالى، والصدقة في العلانية
فإنها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع السوء)...
(5) وفي النهج: (واستنوا بسنته فإنه أهدى السنن)... وفي تحف
العقول: (واستنوا بسنته فإنها أشرف السنن)...
(6) وفي النهج وتحف العقول: (وتفقهوا فيه) وهو الظاهر.
425

لعلكم ترحمون، وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم
به لعلكم تهتدون، فإن العالم العامل بغير علمه
كالجاهل الذي لا يستقيم عن جهله (7) بل قد رأيت
أن الحجة أعظم، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ
من علمه [منها] على هذا الجاهل المتحير في جهله،
وكلاهما مضلل مثبور.
لا ترتابوا فتشكوا، ولا تشكوا فتكفروا (8)

(7) وفي النهج، (فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي
لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، والحسرة له ألزم، وهو عند
الله (ألوم). وفي تحف العقول: (فاعلموا عباد الله أن العالم العامل بغير
علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، وهو
عند الله ألوم، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه، على مثل [ظ]
هذا الجاهل المتحير في جهله، وكلاهما حائر بائر، مضل مفتون، مبتور
ما هم فيه، وباطل ما كانوا يعملون).
(8) وفي تحف العقول: (عباد الله لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا
فتكفروا، ولا تكفروا فتندموا، ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا، وتذهب
بكم الرخص مذاهب الظلمة فتهلكوا، ولا تداهنوا في الحق إذا ورد عليكم
وعرفتموه فتخسروا خسرانا مبينا).
426

ولا ترخصوا لأنفسكم فتذهلوا، ولا تذهلوا في الحق
فتخسروا.
ألا وإن من الحزم أن تثقوا، ومن الثقة أن لا
تغتروا (9) وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه، وإن
أغشكم لنفسه أعصاكم لربه، ومن يطع الله يأمن
ويستبشر، ومن يعص الله يخف ويندم.
ثم سلوا الله اليقين، وارغبوا إليه في العافية،
وخير ما دام في القلب اليقين، إن عوازم الأمور أفضلها
وإن محدثاتها شرارها (10) وكل محدث بدعة، وكل

(9) وفي تحف العقول: (عباد الله إن من الحزم أن تتقوا الله، وان
من العصمة أ [ن] لا تغتروا بالله).
(10) وفي تحف العقول: (عباد الله سلوا الله اليقين، فإن اليقين رأس
الدين، وارغبوا إليه في العافية، فإن أعظم النعمة العافية، فاغتنموها للدنيا
والآخرة، وارغبوا إليه في التوفيق فإنه أس وثيق، واعلموا أن خير ما لزم
القلب اليقين، وأفضل اليقين التقى، وأفضل أمور الحق عزائمها وشرها
محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وبالبدع هدم السنن).
427

محدث مبتدع، ومن ابتدع فقد ضيع، وما أحدث
محدث بدعة إلا ترك بها سنة.
المغبون من غبن دينه، والمغبون من خسر نفسه (11).
وإن الرياء من الشرك، وإن الإخلاص من العمل
والإيمان، ومجالس اللهو تنسي القرآن ويحضرها
الشيطان، وتدعو إلى كلى غي، ومجالسة النساء تزيغ
القلوب، وتطمح إليهن الأبصار (12) وهي مصائد
الشيطان.

(11) المغبون: ضعيف الرأي، المغلوب والمخدوع في المعاملة، يقال:
(غبنه - من باب نصر، والمصدر كالنصر والفرس - غبنا " وغبنا):
خدعه وغلبه. و (غبن فلانا في البيع): نقصه في الثمن وغيره، فهو غابن
وذاك مغبون.
(12) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (وتطمح إليه الأبصار).
وفي تحف العقول: (عباد الله اعلموا أن يسير الرياء شرك، وان
اخلاص العمل اليقين، والهوى يقود إلى النار، ومجالسة أهل اللهو
ينسي القرآن ويحضر الشيطان، والنسئ زيادة في الكفر، وأعمال العصاة
تدعو إلى سخط الرحمان [وهو] يدعو إلى النار ومحادثة النساء تدعو إلى
البلاء، وتزيغ القلوب والرمق لهن يخطف نور أبصار القلوب [و] لمح العيون
مصائد الشيطان، ومجالسة السلطان تهيج النيران.
428

فاصدقوا الله فإن الله مع من صدق، وجانبوا الكذب
فإن الكذب مجانب للإيمان.
ألا إن الصدق على شرف منجاة وكرامة، وإن
الكذب على شفا ردى وهلكة (13).
ألا وقولوا الحق تعرفوا به، واعملوا به تكونوا
من أهله، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم، وصلوا أرحام
من قطعكم وعودوا بالفضل على من حرمكم.
وإذا عاهدتم فأوفوا، وإذا حكمتم فاعدلوا، ولا
تفاخروا بالآباء، ولا تنابزوا بالألقاب، ولا تمازحوا
ولا يغضب بعضكم بعضا (14) وأعينوا الضعيف والمظلوم

(13) وفي تحف العقول: (وان الصادق على شرف منجاة وكرامة
والكاذب على شفا مهواة وهلكة...).
(14) ومن هنا إلى آخر الكلام يغاير ما في البداية والنهاية عما في تحف العقول
بالتقديم والتأخير، والتعبير في بعض الكلمات ففيه: (وإذا عاقدتم فأوفوا، وإذا
حكمتم فاعدلوا، وإذا ظلمتم فاصبروا، وإذا أسئ إليكم فاعفوا واصفحوا
كما تحبون أن يعفى عنكم، ولا تفاخروا، بالآباء، ولا تنابذوا بالألقاب،
بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ولا تمازحوا ولا تغاضبوا ولا تباذخوا،
ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا)...
وذيل الكلام إشارة إلى قوله تعالى - في الآية: (12) من سورة الحجرات: 49
429

والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، والسائلين وفي
الرقاب، وارحموا الأرملة واليتيم، وأفشوا السلام،
وردوا التحية على أهلها بمثلها أو بأحسن منها (وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان،
واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (15).
وأكرموا الضيف، وأحسنوا إلى الجار، وعودوا المرضى،
وشيعوا الجنائز وكونوا عباد الله إخوانا.
أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع (16)،
وإن الآخرة قد أظلت وأشرف باطلاع، [ألا] وإن اليوم
المضمار وغدا السباق، وإن السبقة الجنة والغاية النار (17).

(15) اقتباس من الآية الثانية من سورة المائدة: 5.
(16) ومن قوله: (أما بعد فإن الدنيا - إلى قوله: - طول الأمل
واتباع الهوى) ذكره في المختار: (28) من خطب نهج البلاغة باختلاف
طفيف في بعض الألفاظ، وجميع ما وضعناه بين المعقوفات فهو من نهج
البلاغة، وفيه أيضا ": (ألا وانكم في أيام أمل من ورائه أجل، فمن عمل
في أيام أمله قبل حضور أجله نفعه أمله ولم يضرره أجله، ومن قصر في أيام
أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره أجله)...
(17) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (28) من نهج البلاغة
وفي الأصل: (وإن المضمار اليوم...).
430

ألا وإنكم في أيام مهل من ورائها أجل يحثه عجل
فمن أخلص لله عمله في أيام مهله قبل حضور أجله فقد
أحسن عمله ونال أمله، ومن قصر عن ذلك فقد خسر
عمله وخاب أمله، وضره أمله.
[ألا] فاعملوا في الرغبة والرهبة، فإن نزلت بكم رغبة
فاشكروا الله واجمعوا معها رهبة، وإن نزلت بكم رهبة
فاذكروا الله واجمعوا معها رغبة، فإن الله قد تأذن
للمسلمين بالحسنى (18) ولمن شكر بالزيادة.
[ألا] وإني لم أر مثل الجنة نام طالبها، ولا
كالنار نام هاربها، ولا أكثر مكتسبا من شئ كسبه (19)
ليوم تدخر فيه الذخائر وتبلى فيه السرائر، وتجتمع
فيه الكبائر.
[ألا] وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل،
ومن لا يستقيم به الهدى، يجر به الضلال [إلى

(18) ومثله في تحف العقول، وتأذن: أعلن. والمسلمين: المنقادين.
(19) وفي تحف العقول: (ولا أكثر مكتسبا ممن كسبه ليوم تذخر).
431

الردى] (20) ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك، ومن
لا ينفعه حاضره فعازبه عنه أعوز (21) وغائبه عنه أعجز.
[ألا] وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على
الزاد.
ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم اثنان: طول الأمل
واتباع الهوي (22) فأما طول الأمل فينسى الآخرة، وأما
اتباع الهوى فيبعد عن الحق.
ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة قد
ترحلت مقبلة، ولهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة

(20) ما بين المعقوفين - كأخواته مما تقدم - مأخوذ من نهج البلاغة.
(21) وفي المختار: (118) من خطب نهج البلاغة: (اعملوا ليوم
أعجز، وغائبه أعوز...). وعازبه: غائبه. وأعوز: أشد فقدانا وتعذرا.
(22) وهذا الفصل إلى آخره قد تكرر في كلامه عليه السلام. وقريبا
منه جدا رواه في المختار: (42) من نهج البلاغة.
432

- إن استطعتم - ولا تكونوا من بني الدنيا، فإن اليوم
عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل (23).
قال ابن كثير في البداية والنهاية: ج 7 ص 308 - عند انتهاء الخطبة -:
وهذه خطبة بليغة نافعة، جامعة للخير، ناهية عن الشر، وقد روي لها شواهد
من وجوه آخر متصلة، ولله الحمد والمنة.
قال المحمودي: وللخطبة شواهد ومصادر، وحسبك ما مر عن تحف
العقول ص 99 من أنها معروفة بالديباج، ونقلها عنه في البحار: ج 17،
ص 79 ط الكمباني.
وذكرها أيضا في المختار: (108) من خطب نهج البلاغة، ولكن فيه وفي
المصادر التالية تختصر الخطبة.
وأيضا ذكرها باختصار في الحديث: (30) من الجزء الثامن من أمالي
الطوسي ص 125، نقلا عن الشيخ المفيد، عن أبي الحسن أحمد بن محمد
بن الحسن، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي البطائني عن أبي بصير،
عن أبي جعفر الإما الباقر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين...
ورواها عنه وعن علل الشرائع في القسم الثاني من المجلد الخامس عشر
من البحار، ص 17، ط الكمباني.

(23) من قوله: أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت) إلى هنا ذكره في الفصل
التاسع من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد - للشيخ المفيد -
ص 126، وجل ما وضعناه بين المعقوفات موجود فيه، كما أن كله مذكور
في نهج البلاغة كما قدمنا ذكره.
433

ورواها أيضا في كتاب مصابيح الظلام في الحديث 436، من محاسن
البرقي ص 289، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر
اليماني رفعه إلى علي عليه السلام.
ورواها أيضا في باب علل الشرائع وأصول الإسلام وهو الباب: (182)
من كتاب علل الشرائع ص 247 عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن
إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم
ابن عمر...
ورواها أيضا في الحديث الرابع من الباب الثاني من كتاب الزهد للحسين
ابن سعيد الأهوازي عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني مرفوعا.
كما رواها مرسلة في كتاب من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 76.
ورواها أيضا في الحديث: (30) من الباب الأول من أبواب مقدمات
العبادات من كتاب وسايل الشيعة: ج 1، ص 16 عن كتاب الزهد
والعلل والفقيه.
كما رواها عن كتاب العلل في البحار: ج 16 ص 116، في السطر 3
عكسا، ط الكمباني ورواها في ج 17، ص 105، عن الأمالي والمصابيح
وعلل الشرائع، وقريبا منها رواه في القسم الثاني من ج 15، ص 17،
في السطر 16، عن الإمام الباقر عليه السلام.
ولكن الذي يجب التنبيه عليه انه بناء على رواية الهيثم بن عدي من أنه عليه
السلام خطب بها في النهروان - بعد خطبته القصيرة الحاثة لهم للمسير إلى الشام
وحرب معاوية - أن طبع الحال يقتضي تعقيب الخطبة بما يربطها بالغرض
434

المسوق له الكلام من الحث على المبادرة إلى حرب معاوية بلا رجوع إلى الكوفة ومن
دون الركون إلى الكسل والخذل، أو الرجوع لإعداد آلات الحرب والخروج
سريعا من غير إخلاد إلى الأرض وبلا إيناس إلى الأهل والأقارب والأحبة،
ورواية الهيثم لم تنعرض لشيء، من ذلك، وعسى أن ينتهي بنا الفحص والتنقيب
إلى ما يتكفل لذلك فنذكره إن شاء الله تعالى.
- 275 -
ومن كلام له عليه السلام
في الافتخار بقتل الناكثين والمارقين، وبيان ما أعد الله تعالى من عظيم
الأجر لمن قاتلهم بصيرا بضلالتهم عارفا لهداه
قال أحمد بن شعيب النسائي: أخبرنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا أبو مالك -
وهو عمرو بن هاشم - عن إسماعيل - وهو ابن أبي خالد - قال: أخبرني
عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش انه سمع عليا
رضي الله عنه يقول:
أنا فقأت عين الفتنة، [و] لولا أنا ما قتل أهل
النهروان وأهل الجميل (1) ولولا أن أخشى أن تتركوا

(1) كذا في النسخة، وفي جل المصادر: (ولولاي ما قوتل أهل النهروان...)
435

العمل لأخبرتكم بالذي قضى الله على لسان نبيكم [صلى
الله عليه وآله وسلم] (2) لمن قاتلهم مبصرا ضلالتهم،
عارفا للهدى الذي نحن فيه.
الحديث (182) من كتاب خصائص أمير المؤمنين - عليه السلام -
ص 146، ط النجف، تأليف أحمد بن شعيب النسائي المتوفي عام 303 وللكلام
أسانيد ومصادر وصور تفصيلية.
ورواه أيضا أبو نعيم في ترجمة زر بن حبيش من حيلة الأولياء: ج 1،
ص 186، قال:
حدثنا أبو عمر بن حماد، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن
عبيد النحاس، حدثنا أبو مالك عمرو بن هاشم...
ورواه أيضا في الباب (40) من كفاية الطالب ص 180، قال أخبرنا
إبراهيم بن محمود المقرى وغيره ببغداد، عن محمد بن عبد الباقي، أخبرنا
أبو الفضل بن أحمد، أخبرنا أحمد بن عبد الله، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان
[كذا]. حدثنا حسن بن سفيان...

(2) ما بين المعقوفين كان في النسخة هكذا: (ص).
436

- 276 -
ومن خطبة له عليه السلام
في المباهات بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين
قال الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة - المتوفي سنة - 235: حدثنا مالك
ابن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الرحمان بن حميد الرواسي (1) قال:
حدثنا عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو - قال عبد الرحمان: أظنه -
عن قيس بن سكن (2) قال: قال علي [عليه السلام] على منبره (3):
إني فقأت عين الفتنة (4) ولو لم أكن فيكم

(1) قال في الطبقات الكبرى: ج 6 ص 383: عبد الرحمن بن حميد
الرواسي كان ثقة وله أحاديث.
(2) قال في الطبقات ج 6 ص 176: روي عن علي [عليه السلام] وكان
ثقة، وله أحاديث، وتوفي بالكوفة في زمن مصعب.
(3) اي على منبره بالكوفة.
(4) هذا هو الصواب الموافق للروايات الواردة في المقام، وفي النسخة:
(عينة الفتنة). وفقأت - من باب منع -: قلعت. عورت.
437

ما قوتل فلان وفلان وفلان وأهل النهر (5).
وأيم الله لولا أن تنكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم

(5) كذا في النسخة - على ما كتبه بيده الكريمة العلامة الأميني رفع
الله درجاته - والمراد من (فلان) الأول: طلحة والزبير. ومن الثاني معاوية.
والصواب زيادة الثالث - المراد به الخوارج - لذكرهم بالصراحة ها هنا.
ويكمن أن يكون المراد من فلان وفلان وفلان طلحة والزبير وعائشة، وعليه
فلا زيادة في الكلام ولكن لا تعرض فيه لذكر معاوية، لأن قتاله لم يكن
مورد الشبهة لأحد من المسلمين، والذي كان مظنة الشبهة هو قتال الناكثين
لما كان لهم من السوابق واتصال بعضهم بالنبي، وكذا قتال المارقين لما كانوا
عليه من ظواهر الخشوع. ولكن ما ذكرناه أولا أرجح لذكرهم بالصراحة
في كثير من المصادر والروايات. وما ذكره في مصنف ابن أبي شيبة من
التعبير: (فلان وفلان) من عمل كتابهم أو من عمل رواتهم حيث استقر ديدنهم
على ستر محاسن أهل البيت ومخازي أعدائهم!!! ولكن الله من ورائهم، والخطبة
الشريفة رواها جماعة كثيرة من قدماء المسلمين وفيها تصريح بأسماء الجماعة
المذكورة، وقد أتم الله تعالى نوره وأقام حججه البالغة بحفظ جوامع المنصفين
ونشرها بين العالمين ليحق الحق بكلماته ولو كره المبطلون، فترى في كتابنا
هذا نصوصا متواترة عنه عليه السلام بأنه أمره رسول الله بقتال الناكثين
وهم أصحاب الجمل، والقاسطين وهم معاوية وأتباعه، والمارقين وهم أهل
النهروان.
438

بما سبق لكم على لسان نبيكم لمن قاتلهم (6) مبصرا
لضلالتهم عارفا بالذي نحن عليه!!!
قال [الراوي]: ثم قال [عليه السلام]:
سلوني ألا تسألوني؟ فإنكم لا تسألوني عن شئ
فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مأة [أ] و
تضل مأة إلا حدثتكم [بناعقها وقائدها] وسائقها؟!! (7).
قال: فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين حدثنا عن البلاء.

(6) والصواب زيادة كلمة (لكم) كما في غيره من المصادر، والضمير
في قوله: (قاتلهم مبصرا لضلالتهم) راجع إلى الطوائف الثلاث، ويحتمل
عوده إلى خصوص أهل النهر. وفي شرح المختار: (36) من النهج لابن
أبي الحديد: ج 2 ص 267 قال: وفي كتاب صفين للواقدي عن علي
عليه السلام لولا أن تبطروا فتدعوا العمل لحدثتكم بما سبق على لسان رسول
الله صلى الله عليه وسلم لمن قتل هؤلاء.
(7) هكذا فليكن باب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
ومهيمن الشريعة الخالدة، وأما الجاهلون فغير جديرين بالخلافة على أهاليهم
فضلا عن الإمامة على جميع البرية. وليعلم أن هذا المضمون أيضا مما
تواتر عنه عليه السلام.
439

فقال أمير المؤمنين [عليه السلام]:
إذا سأل سائل، فليعقل وإذا سئل مسؤول فليثبت،
إن من ورائكم أمورا أتتكم جللا، وبلاء مبلحا
مكلحا (8).
والذي فلق الحبة، وبرئ النسمة، لو فقدتموني
ونزلت [بكم] كراهية الأمور (9) وحقائق البلاء، لفشل

(8) هذا هو الموافق لما ذكره ابن قتيبة في غريب كلامه عليه السلام،
كما في ختام كلام السيد الرضي من غريب قصار كلام أمير المؤمنين عليه
السلام في شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 19، ص 126، وقريب منه
أيضا في رواية الثقفي رحمه الله ورواية سليم بن قيس رحمه الله، وفي
المحكي عن مصنف ابن أبي شيبة هكذا: (إن من ورائكم أمورا تتم جللا، وبلاء
ملحا مكلحا). أقول: الجلل كالجبل -: العظيم. ومبلحا: معجزا
معييا. ومكلحا: مكسر الوجه معبسه.
(9) أي الأمور المكروهة. وفي النهج: (لو قد فقدتموني ونزلت
بكم كرائه الأمور، وحوازب الخطوب...). وقال في مادة:
(حزب) من النهاية: ومنه حديث علي: (نزلت كرائه الأمور،
وحوازب الخطوب). [هو]: جمع حازب وهو الأمر الشديد. أقول
والكرائه: جمع الكريهة: مؤنث الكريه: الأمر الشديد. الداهية.
440

كثير من السائلين، ولأطرق كثير من المسؤولين،
وذلك إذا اتصلت حربكم وكشفت عن ساق لها،
وصارت الدنيا بلاء علي أهلها حتى يفتح الله لبقية الأبرار.
قال: فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، حدثنا عن الفتنة: فقال
[عليه السلام]:
إن الفتنة إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت أسفرت،
وإنما الفتن تحوم كحوم الرياح (10) يصبن بلدا
ويخطئن آخر، فانصروا أقواما كانوا أصحاب رايات
يوم بدر ويوم حنين تنصروا وتوجروا (11).

(10) لعل هدا هو الصواب، أو الصواب: (وإنما الفتن تحوم.
كما تحوم الرياح). وفي النسخة: (وإنما الفتن نجوم كنجوم الرياح).
وفي رواية الثقفي: (إن الفتن تحوم كالرياح). وفي النهج: (إن الفتن...
يحمن حوم الرياح). وتحوم - من باب قال -: تدور.
(11) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (تنصروا وتوحدوا)...
وفي رواية سليم بن قيس: (وإن الفتن لها موج كموج البحر، وإعصار
كإعصار الريح، تصيب بلدا وتخطئ الآخر، فانظروا أقواما كانوا أصحاب
الرايات يوم بدر فانصروهم تنصروا وتوجروا وتذروا، ألا إن أخوف
الفتن عليكم عندي فتنة بني أمية، إنها فتنة عمياء وصماء مطبقة مظلمة
عمت فتنتها وخصت بليتها...).
441

ألا [و] إن أخوف الفتن عندي عليكم [فتنة بني
أمية، فإنها فتنة] (12) عمياء مظلمة، خصت فتنتها (13)
وعمت بليتها، أصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ
البلاء من عمي عنها (14) يظهر أهل باطلها على أهل
حقها حتى تملأ الأرض عدوانا وظلما، وإن أول من
يكسر عمدها ويضع جبروتها وينزع أوتادها الله رب
العالمين.

(12) ما بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة وقد حذفه الكاتب من النسخة
كي يخفى مخازي بني أمية على الناس!!! وفي رواية الثقفي: (ألا إن أخوف
الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، إنها فتنة عمياء مظلمة مطنبة، عمت
فتنتها وخصت بليتها...). وفي النسخة من مصنف ابن أبي شيبة هكذا:
(ألا إن أخوف الفتنة عندي عليكم عمياء مظلمة...)
(13) وفي نهج البلاغة: (عمت خطتها، وخصت بليتها...).
قال محمد عبده مفتي الديار المصرية في تعليقه على هذا الموضع: الخطة -
بالضم -: الأمر أي شمل أمرها لأنها رئاسة عامة. وخصت بليتها آل البيت
لأنها اغتصاب لحقهم.
(14) أي أصاب بلاء الفتنة من يكون بصيرا بها مخالفا لما أثارها،
وأخطأ بلاء الفتنة وبلواها من يكون في الفتنة أعمى أو يتعامى ويلبي أي
ناعق نعق وتصدر!!!
442

ألا وإنكم ستجدون [بني أمية] أرباب سوء لكم
من بعدي (15) كالناب الضروس تعض بفيها وتركض
برجلها [كذا] وتخبط بيدها وتمنع درها (16).
ألا إنه لا يزال بلاؤهم بكم حتى لا يبقى [منكم في]
مصر لكم (17) إلا نافع لهم أو غير ضار [بهم] وحتى لا تكون
نصرة أحدكم منهم إلا كنصرة [العبد] من سيده
[إذا رآه أطاعه وإذا توارى عنه شتمه ج!!! (18).

(15) ما بين المعقوفين كان محذوفا من النسخة وأثبتناه على طبق بقية
المصادر، وفي رواية الثقفي: (وأيم الله لتجدن بني أمية أرباب سوء لكم
بعدي كالناب الضروس، تعض بفيها وتخبط بيديها، وتضرب برجليها،
وتمنع درها...). وفي رواية سليم بن قيس: (ألا إنكم ستجدون
بني أمية أرباب سوء بعدي كالناب الضروس تعض بفيها، وتخبط بيديها
وتضرب برجليها...).
(16) وفي النهج: (وأيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي
كالناب الضروس، تعدم بفيها، وتخبط بيدها، وتزبن برجلها وتمنع
درها...).
(17) كذا في النسخة عدا ما بين المعقوفين.
(18) ما بين المعقوفين كان ساقطا من المصدر، وأثبتناه على وفق رواية
الثقفي رحمه الله.
443

وأيم الله لو فرقوكم تحت كل كوكب لجمعكم
الله لشر يوم لهم!!!
قال: فقام رجل فقال: هل بعد ذلك جماعة يا أمير المؤمنين؟
قال: لا جماعة شتى غير أن أعطياتكم وحجكم
وأسفاركم واحد، والقلوب مختلفة هكذا:
ثم شبك [عليه السلام] بين أصابعه!!!
قال [الرجل]: مم ذلك يا أمير المؤمنين؟
قال: يقتل هذا هذا [ويقتل هذا هذا، قطعا] جاهلية
ليس فيها إمام هدى ولا علم يرى (19) نحن أهل
البيت منها بمنحاة، ولسنا [فيها] بدعاة.
قال [الرجل]: وما بعد ذلك يا أمير المؤمنين؟
قال [علي عليه السلام]:
يفرج الله البلاء برجل منا أهل البيت تفريج

(19) ما بين المعقوفين مأخوذ من رواية الثقفي.
444

الأديم (20) بأبي ابن خيرة الإماء لا يومهم إلا
الخسف (21) ويسقيهم بكأس مصبرة [فعند ذلك]
ودت قريش بالدنيا وما فيها لو يقدرون على [أن

(20) أي كتفريج الأديم، والأديم: الجلد أي يرفع البلاء منكم
ويزيله عنكم كما يسلخ الجلد من اللحم. وفي النهج: (ثم يفرجها الله عنكم -
كتفريج الأديم - بمن يسومهم خسفا، ويسوقهم عنفا، ويسقيهم بكأس
مصبرة، لا يعطيهم إلا السيف، ولا يحلسهم إلا الخوف، فعند ذلك تود
قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاما واحدا ولو قدر جزر جزور...).
أقول: وهذه القطعة - بخصوصها - رواها في الحديث (9) من الباب (13)
من غيبة النعماني ص 121، ورواها أيضا إلى آخرها في الحديث العاشر منه
بسندين آخرين.
(21) كذا في رواية الثقفي رحمه الله وفي المحكي عن نسخة المصنف لابن
أبي شيبة (مالي ابن حرة الا يسومهم الخسف، ويسقيهم بكأس مصبرة...).
(ويسومهم) يلزمهم. (والخسف) - كفلس -: الذل. و (كأس مصبرة) أي
ممزوجة بالصبر - ككتف - وهي عصارة شجر مر. أو مملوءة إلى أصبارها. وهو
جمع الصبر - على زنة القفل والحبر -: ناحية الشئ وطرفه، يقال:
(أخذ الشئ بأصباره) أي تاما بأجمعه. وملأ (الكأس إلى أصبارها) أي
إلى رأسها.
445

يروني ولو] مقام جزر جزور (22) لأقبل منهم بعض
الذي أعترض عليهم اليوم فيردونه، ومالي إلا
قتلا (23).

(22) كلمة: (فعند ذلك) مأخوذة من نهج البلاغة، ولذا وضعناها بين
المعقوفين، وجملة [أن يروني ولو] الموضوعة أيضا بين المعقوفين مما
يستدعيها السياق ويدل عليه معنى ما مر عن نهج البلاغة، وما عن كتاب
سليم بن قيس - رحمه الله - ص 14، وما عن الثقفي - رحمه الله - في
كتاب الغارات ففي الأخير هكذا: (فلا يعطيهم إلا السيف هرجا هرجا،
يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر، ودت قريش عند ذلك بالدنيا وما فيها
لو يروني مقاما واحدا قدر حلب شاة أو جزر جزور لأقبل منهم بعض
الذي يرد عليهم حتى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا،
فيغريه الله ببني أمية فجعلهم ملعونين، أينما ثقفوا [أخذوا] وقتلوا تقتيلا،
سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجدا لسنة الله تبديلا).
وإنما ذكرته إلى آخره - مع أن الشاهد في قطعة منه - رجاء أن
يستفيد القارئ منه ما حذف من رواية ابن أبي شيبة أو صحف.
(23) كذا في النسخة ولعل الصواب: (بعض الذي أعرض عليهم
اليوم فيردونه، ويأبى إلا قتلا). وفي رواية الثقفي (51): (لأقبل منهم
بعض الذي يرد عليهم...).
وفي نهج البلاغة: فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني
مقاما واحدا ولو قدر جزر وجزور لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونيه.
446

ثمرات الأسفار للعلامة الأميني - أعلى الله مقامه -: ج 1، ص 206
نقلا عن كتاب المصنف لابن أبي شيبة المتوفى سنة: (235).
وللكلام أسانيد عديدة ومصادر جمة، ورواه باختصار أبو نعيم في
أول ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب حلية الأولياء: ج 1،
ص 68، قال: حدثنا أحمد بن يعقوب بن المهرجان المعدل، حدثنا محمد
ابن الحسين بن حميد، حدثنا محمد بن تسنيم (24)، حدثنا علي بن
الحسين بن عيسى بن زيد، عن جده عيسى بن زيد، عن إسماعيل بن أبي
خالد، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمر، عن زر [بن حبيش] (25)
عن علي، قال: (أنا فقأت عين الفتنة، ولو لم أكن فيكم ما قوتل فلان
وفلان)، ورواه أيضا بمغايرة سندية في ترجمة زر بن حبيش: ج 4 ص 186.
ورواه أيضا السيد الرضي رحمه الله في المختار: (89) من نهج البلاغة،
وسنذكره إن شاء الله تعالى بروايات أخر فترقب.

(24) وفي رواية ابن عساكر - في الحديث: (1219) من ترجمة
علي عليه السلام من تاريخ دمشق ج 38 ص 80 - وفي الظاهرية: ج 11 /
الورق 186 / أ / وفي ط 1: ج 3 ص 175 -: محمد بن نسيم الخضرمي..
(25) وفي رواية ابن عساكر: (عن المنهال بن عمرو، عن زادان
عن أمير المؤمنين...).
447

- 277 -
ومن كلام له عليه السلام
يبث فيه الشكوى عن الأوائل والأواخر
قال السيد الرضي رضوان الله عليه،: وكان أمير المؤمنين عليه السلام
يحدث يوما بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فنظر بعض القوم
إلى بعض، فقال عليه السلام:
ما زلت مذ قبض رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] (1)
مظلوما "!!! وقد بلغني مع ذلك [أنكم] تقولون أني
أكذب عليه!!! ويلكم أتروني أكذب؟ فعلى من
أكذب!!! [أ] على الله؟ فأنا أول من آمن به؟!
أم على رسوله؟ فأنا أول من صدقه (2) ولكن [حكمة]

(1) ما بين المعقوفين كان في الأصل هكذا: (ص).
(2) وفي المختار: (35) من النهج: (أتراني أكذب على رسول الله
صلى الله عليه وآله؟ والله لأنا أول من صدقه فلا أكون أول من كذب عليه).
448

غبتم عنها (3) ولم تكونوا [من] أهلها وعلم عجزتم
عن حمله ولم تكونوا من أهله إذ كيل بغير ثمن!!!
لو كان له وعاء ولتعلمن نباه بعد حين.
كتاب خصائص الأئمة - للسيد الرضي - ص 75 ط النجف.
- 278 -
ومن كلام له عليه السلام
لما أشار إليه جماعة من أصحابه بتفضيل الأكابر في العطاء كي
يستقيم له أمر الناس وينقادوا له!!!
الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله، قال: حدثني أبو الحسن
علي بن بلال المهلبي، قال: حدثنا علي بن عبد الله بن راشد الإصفهاني،
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن

(3) قال السيد الرضي (ره): أراد أن النبي صلى الله عليه وآله كان
يخوله ويسر إليه.
449

عثمان، قال: حدثني علي بن سيف، عن علي بن أبي حباب (1) عن ربيعة
وعمارة وغير هما أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام مشوا إليه - عند تفرق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية
طلبا لما في يديه من الدنيا - فقالوا له: يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال
وفضل هؤلاء الأشراف من العرب والقريش على الموالي والعجم، و [فضل]
من يخاف خلافه عليك من الناس وفراره إلى معاوية [إلى أن يستقيم لك
الأمر، وبعده عند إلى ما عودك الله عليه من الأسوة وإعطاء كل ذي حق
حقه] (2) فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام:
أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟ لا والله لا أفعل
ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم!!! (3) والله لو كانت
أموالهم لي لواسيت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم (4).

(1) كذا في النسخة المطبوعة بالنجف من أمالي الشيخ المفيد، وفي
النسخة المطبوعة بطهران من أمالي الطوسي ص 121،: (عن علي بن
خباب...). وفي الحديث الثالث من باب النوادر من البحار: ج 8
ص 712: الثقفي في الغارات، عن محمد بن عبد الله بن عثمان، عن
علي بن صيف، عن أبي حباب [كذا] عن ربيعة وعمارة، قال إن طائفة...
(2) ما بين المعقوفات زيادة منا مستفادة من السياق ورواية الكافي.
(3) وفي النهج: (أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت
عليه، والله ما أطور به ما سمر سمير، وما أم نجم في السماء نجما...).
(4) كذا في أمالي المفيد والطوسي، وفي الكافي: (والله لو كانت
أموالهم مالي لساويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم) وهو أظهر، وأظهر
منه ما في النهج: (لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف وإنما المال مال الله...).
450

قال [الراوي]: ثم أزم أمير المؤمنين عليه السلام طويلا ساكتا (5)
ثم قال [عليه السلام]:
من كان له مال فإياه والفساد، فإن إعطاء المال
في غير حقه تبذير وإسراف، وهو وإن كان ذكرا
لصاحبه في الدنيا فهو يضعه عند الله عز وجل (6) ولم
يضع رجل ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه
الله تعالى شكرهم وكان لغيره ودهم!!! فإن بقي معه
[منهم من يوده و] يظهر له الشكر فإنما هو ملق
وكذب يريد التقرب به إليه لينال منه مثل الذي كان
يأتي إليه من قبل، فإن زلت بصاحبه النعل واحتاج

(5) يقال: (أزم عن الشئ - من باب ضرب - أزما): أمسك.
(6) وفي الكافي: (من كان فيكم له مال فإياه والفساد. فإن إعطاءه
في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه
عند الله... وفي النهج: (ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف،
وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة، ويكرمه في الناس ويهينه
عند الله)...
451

إلى معونته أو مكافئته فشر خليل وألأم خدين (7).
ومن صنع المعروف فيما آتاه [الله] (8) فليصل به
القرابة، وليحسن به الضيافة، وليفك به العاني
وليعن به الغارم (9) وابن السبيل والفقراء والمجاهدين
في سبيل الله، وليصبر نفسه على النوائب والخطوب (10)
فإن الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا ودرك
فضائل الآخرة.

(7) فال في مادة: (خدن) من النهاية: [و] في حديث علي: (إن
احتاج إلى معونتهم فشر خليل وألأم خدين) الخدن والخدين: الصديق
والمكافئة: المدافعة، المجازاة.
(8) أي ومن أراد أن يصنع المعروف فيما أعطاه الله وأنعم عليه فليصل
رحمه وقريبه...
(9) العاني: الأسير. المصيب بالتعب والمشقة والعناء. والغارم:
الخاسر في رأس ماله الواقع في الضرر. والمراد - هنا - الضرر المجحف
والخسارة التي بكسر صاحب المال عن الكسب وإدارة معيشته، ويعبر عنه
في لسان الفارسي: ب‍ (ورشكست).
(10) النوائب: جمع النائبة: المصيبة. الحادثة المدهشة. والخطوب
جمع الخطب: الامر المكروه.
452

الحديث السادس من المجلس: (22) من أمالي الشيخ المفيد، ص 112.
ورواه عنه في الحديث، (34) من الجزء السابع من أمالي الشيخ الطوسي
ص 197، ورواه عنهما في البحار: ج 20 ص 43، وكذلك في الحديث:
(15) من الباب: (107) من ج 9 ص 100، وفي ط الحديثة: ج 41
ص 108، ورواه أيضا في المختار: (124) من نهج البلاغة، ورواه قبلهم الثقفي
رحمه الله في الغارات ج 1، ص 100 ورواه عنه في الحديث الثالث من باب نوادر
ما وقع في أيام خلافته عليه السلام، من بحار الأنوار: ج 8 ص 712 في السطر 17،
ورواه باختصار ابن أبي الحديد، في آخر شرح المختار: (34) من خطب
النهج: ج 2 ص 203 عن علي بن أبي سيف المدائني، ورواه أيضا كذلك،
أبان بن تغلب، من أصحاب الإمام الباقر والصادق عليهما السلام، كما
في الرابع من مستطرفات السرائر، ورواه أيضا في الإمامة والسياسة،
ص 153، ورواه أيضا في المختار: (18) من كلمه عليه السلام في تحف
العقول ص 126، - ورواه عنه في البحار: ج 17، ص 143، في السطر 9
ط الكمباني - قال: لما رأت طائفة من أصحابه بصفين ما يفعله معاوية
بمن انقطع إليه، وبذله لهم الأموال - والناس أصحاب دنيا - قالوا لأمير
المؤمنين عليه السلام: أعط هذا المال وفضل الأشراف ومن تخوف خلافه
وقرافه حتى إذا استتب (11) لك ما تريد، عدت إلى أحسن ما كنت عليه
من العدل في الرعية، والقسم بالسوية!!! فقال [عليه السلام]، أتأمروني
أن أطلب النصر بالجور...

(11) استتب: ثم وكمل.
453

أقول: وهذا المعنى وإن كان يستشعر أيضا مما ذكره نصر بن مزاحم
رحمه الله في أوائل الجزء السابع من كتاب صفين، ص 435، إلا أنه لا استشعار
فيه انه عليه السلام أجابهم في تلك الحال وذلك الموطن بذلك الكلام؟!!
والأقرب بحسب قرائن الأحوال أن تلك المحاورة جرت بينه عليه السلام
وبين بعض خواصه بعد النهروان.
- 279 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله لبطل الموحدين مالك بن الحارث الأشتر رفع الله مقامه
لما أراد أن يرسله إلي مصر واليا عليها
قال إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله: فحدثني عبد الله بن محمد، عن
ابن أبي سيف المدائني، قال: [لما نزل محمد بن أبي بكر مصر أميرا عليها
ورجع قيس بن سعد بن عبادة عنها] فلم يلبث محمد بن أبي بكر شهرا كاملا
حتى بعث إلى أولئك المعتزلين الذين كان قيس بن سعد موادعا لهم فقال:
يا هؤلاء إما أن تدخلوا في طاعتنا، وإما أن تخرجوا من بلادنا. فبعثوا
إليه: إنا لا نفعل فدعنا حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس فلا تعجل
علينا. فأبى عليهم فامتنعوا منه وأخذوا حذرهم. ثم كانت وقعة صفين
وهم لمحمد هائبون، فلما أتاهم خبر معاوية وأهل الشام، ثم [جاءهم
454

نبؤهم وانه] صار الأمر إلى الحكومة، وأن عليا وأهل العراق قد قفلوا
عن معاوية والشام (1) إلى عراقهم اجترؤا على محمد بن أبي بكر وأظهروا
المنابذة له، فلما رأي محمد ذلك بعث إليهم ابن جمهان البلوي (2) ومعه
يزيد بن الحارث الكناني فقاتلاهم فقتلوهما، ثم بعث إليهم رجلا من
كلب (3) فقتلوه أيضا.
وخرج معاوية بن حديج من السكاسك يدعو إلى الطلب بدم عثمان
فأجابه القوم (4) وناس كثير آخرون، وفسدت مصر على محمد ابن أبي
بكر، فبلغ عليا [أمير المؤمنين عليه السلام] توثبهم عليه، فقال: ما أرى
لمصر إلا أحد الرجلين: صاحبنا الذي عزلنا [ه] بالأمس - يعني قيس بن
سعد بن عبادة - أو مالك الأشتر، وكان [عليه السلام] حين رجع عن
صفين، رد الأشتر إلى عمله بالجزيرة. وقال لقيس: أقم أنت معي على
شرطتي حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة ثم اخرج إلى آذربيجان، فكان
قيس مقيما على شرطته، فلما انقضى أمر الحكومة كتب علي إلى الأشتر وهو
يومئذ بنصيبين:

(1) يقال: (قفل عن السفر - من باب نصر وضرب - قفلا
وقفولا): رجع.
(2) وفي تاريخ الطبري: (ابن جمهان الجعفي).
(3) وفي تاريخ الطبري: (ابن مضاهم الكلبي)...
(4) أي الذين نابذوا محمد بن أبي بكر، وقتلوا ابن جمهان ويزيد
ابن الحارث والكلبي.
455

أما بعد فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين،
وأقمع به نخوة الأثيم، وأسد به الثغر المخوف.
وقد كنت وليت محمد بن أبي بكر مصر، فخرجت
عليه خوارج وهو غلام حدث السن، ليس بذي تجربة
للحروب، فاقدم علي لننظر فيما ينبغي واستخلف على
عملك أهل الثقة والنصيحة من أصحابك والسلام (5).
فأقبل الأشتر إلى علي [عليه السلام] واستخلف على عمله شبيب بن
عامر الأزدي - وهو جد الكرماني الذي كان بخراسان صاحب نصر بن
سيار - فلما دخل الأشتر على علي حدثه حديث مصر، وخبره خبر أهلها،
وقال له: ليس لها غيرك.
[ثم قال له:] فاخرج إليها رحمك الله، فإني لا أوصيك اكتفاء
برأيك (6) [ثم قال له]:
واستعن بالله على ما أهمك، واخلط الشدة باللين،

(5) وهذا هو المختار: (46) من كتب نهج البلاغة، وله مصادر
كثيرة.
(6) وفي تاريخ الطبري: (فإني إن لم أوصك اكتفيت برأيك...).
456

وارفق ما كان الرفق أبلغ، واعتزم على الشدة حين
لا يغني عنك إلا الشدة.
فخرج الأشتر من عنده فأتى برحله [متوجها إلى مصر] وأتت معاوية
عيونه فأخبروه بولاية الأشتر مصر، فعظم ذلك عليه وقد كان طمع في
مصر، فعلم أن الأشتر إن قدم عليها كان أشد عليه من محمد بن أبي بكر،
فبعث إلى رجل من أهل الخراج يثق به، وقال له: إن الأشتر قد ولي
مصر، فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت وبقيت، فاحتل في هلاكه
ما قدرت عليه.
فخرج الأشتر حتى انتهى إلى القلزم (7) حيث تركب السفن من
مصر إلى الحجاز فأقام به. فقال له ذلك الرجل - وكان ذلك المكان مكانه -:
أيها الأمير هذا منزل فيه طعام وعلف، وأنا رجل من أهل الخراج فأقم
واسترح، وأتاه بالطعام حتى إذا طعم سفاه شربة عسل قد جعل فيها سما،
فلما شربها مات.
[وذكر إبراهيم بسند آخر] انه لما أخبر الذي سم الأشتر معاوية
بهلاكه، قام معاوية في الناس خطيبا فقال:

(7) قيل: هي مدينة بمصر على رأس الخليج المضاف إليها، وأطلالها
الآن قرب مدينة سويس.
457

أما بعد فإنه كان لعلي بن أبي طالب يمينان، فقطعت إحداهما يوم
صفين وهو عمار بن ياسر، وقد قطعت الأخرى اليوم وهو مالك الأشتر!!!
ولما بلغ أمير المؤمنين عليه السلام استشهاد الأشتر قام في الناس
خطيبا فخطبهم بالخطبة التالية:
- 280 -
ومن خطبه له عليه السلام
لما بلغه نعي الأشتر رفع الله درجاته
قال الشيخ المفيد رحمه الله: حدثنا أحمد بن علي، قال: حدثنا أبو القاسم
حمزة بن القاسم العلوي، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، عن سمرة بن علي،
قال: حدثني المنهال بن جبير الحميري، قال: حدثنا عوانة، قال:
لما جاء هلاك الأشتر إلى [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب صلوات
الله عليه صعد المنبر فخطب الناس ثم قال:
ألا إن مالك بن الحارث قد قضى نحبه (1) وأوفى

(1) النحب - كضرب -: النذر وما يوجبه الإنسان على نفسه،
أي إن مالكا قد أتي وجاء بما أوجب على نفسه من القيام بحقوق الله.
458

بعهده ولقى ربه، فرحم الله مالكا لو كان جبلا لكان
فذا (2) ولو كان حجرا لكان صلدا (3) لله [در (خ)]
مالك وما مالك؟!! وهل قامت النساء عن مثل مالك؟
وهل موجود كما لك؟!.
قال: فلما نزل ودخل القصر أقبل عليه رجال من قريش فقالوا:
لشد ما جزعت عليه ولقد هلك، فقال: أما هلاكه فقد أعز - والله -
أهل المغرب، وأذل أهل المشرق!!! (4).

(2) كذا في النسخة، فإن كان هذا صوابا وصادرا عنه عليه السلام - في قبال
بقية الروايات - فمعناه: كان واحدا ومتفردا لا نظير له، وفي معناه أيضا (فندا)
الوارد في جل الطرق والمصادر، كما فسره بذلك ابن أبي الحديد، وكذا
في المادة المذكورة من النهاية واللسان والتاج، حيث قالوا: الفند: المنفرد
من الجبال، والجمع أفناد، أقول: تفسير الفند - كحبر، وعن الصاغاني
كفلس - بالجبل العظيم أوفق وأظهر مما ذكروه لا سيما بملاحظة رواية نهج
البلاغة حيث رواه هكذا: (لو كان جبلا لكان فندا لا يرتقيه الحافر، ولا يوفي
عليه الطائر) أي إنه رحمه الله كان قد بلغ قمة العظمة وغاية الرفعة بحيث
لا يتيسر لحافر أن يرتقيه، ولا الطائر أن يوفي عليه أي يصل إلى قمة ارتفاعه!!!
(3) الصلد - كفلس -: الصلب الأملس.
(4) المراد من أهل المغرب: أهل الشام: ومن أهل المشرق: أهل العراق،
لأن الشام في غرب العراق، ثم إن في النسخة كان هكذا: (أما والله هلاكه فقد
أعز). وإنما قدم عليه السلام اسم الله تجليلا لله تعالى، وإنما غير نا أسلوب
الكلام توضيحا.
459

قال: وبكي عليه أياما وحزن عليه حزنا شديدا وقال: لا أرى مثله
بعده أبدا!!!
كتاب الاختصاص ص 81 ط 2، ورواه عنه في البحار: ج 8 ص
658 ط الكمباني، وقريب منه في المختار: (443) من الباب الثالث من
نهج البلاغة، وكذلك في ترجمة مالك من رجال الكشي وتاريخ دمشق:
ج 53 ص 443، أو ص 162 ورواه أيضا في الغارات ج 1، ص 100، - ورواة
عنه في البحار: ج 8 ص 648 - بطرق وألفاظ، ورواه كالنهج في الباب السادس
من ربيع الأبرار، وروى قطعة منه في مادة (فند) من النهاية واللسان والتاج.
- 281 -
ومن كلام له عليه السلام
لما بلغه نعي بطل الإسلام - وضرغام المؤمنين مالك الأشتر النخعي المذحجي
رفع الله في العليين مقامه، وضاعف في الشهداء ثوابه برواية أخري.
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد، أنبأنا أبو الحسن
ابن أيوب، أنبأنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم، أنبأنا أحمد بن إسحاق بن
منجاب (1) أنبأنا إبراهيم بن الحسين بن علي، أنبأنا يحي، أنبأنا سليمان
الجعفي، قال (2) وحدثني أحمد بن بشير، قال:

(1) كذا ذكره في كثير من موارد النقل عنه في تاريخ دمشق، وهنا
يقرء بحسب رسم الخط: (سحاب - أو - ينحاب).
(2) الظاهر أن الضمير في (قال) عائد إلى يحي.
460

سمعت عوانة بن الحكم - وغيره - قال: لما جاء نعي (3) الأشتر ووفاته
على [كذا] علي بن أبي طالب [عليه السلام] قال:
إنا لله وإنا إليه راجعون مالك [وما] مالك؟!
وهل موجود مثل ذلك (4) ولو كان من حديد كان فندا (5)
أو من حجر كان صلدا (6) على مثل مالك فلتبك البواكي!!!

(3) يقال: (نعى ينعى - من باب سعى - نعيا ونعيا ونعيانا - لنا
وإلينا فلانا كسعيا ورضيا وثعبانا): أخبرنا بوفاته.
(4) ومثله في تاريخ الكامل - لابن الأثير - والمروي في جل الطرق
والمصادر (وهل موجود مثل مالك). وفي النهج: (مالك وما مالك [والله]
أو كان جبلا لكان فندا، ولو كان حجرا لكان صلدا، لا يرتقيه الحافر،
ولا يوفي عليه الطائر.)
(5) ورواه في النهاية واللسان والتاج هكذا: (لو كان جبلا لكان فندا)
وفسروا الفند: بالمنفرد من الجبال، وهنا في نسخة تاريخ دمشق سقط وتصحيف.
وفي تاريخ الكامل: (لو كان من حديد لكان قيدا [كذا] أو من حجر لكان
صلدا، على مثله فلتبك البواكي).
(6) أي كان صلبا أملس لا يثقبه ظفر ولا برثن، ولا يتعلق به كف
ولا يكسره شئ.
461

قال: ولما جاء معاوية نعيه ووفاته قال: الحمد لله، إن لله جنودا من
العسل (7).
قال يحي: فأخبرني شيخ من أهل العلم قال: فلما جاء نعي الأشتر،
قالت فيه [أخت الهيثم] (8) بن العريان بن الأسود النخعي:
تجافا مضجعي وتنا وسادي * [كذا] وليلي لا يهم إلى رقادي
أناجي في السماء بنات نعش * ولو اسطيع كمسهن حادي (9)
أبعد الأشتر النخعي نرجو * مكاثرة ونقطع بطن واد (10)
فلم ير مثله فيمن رأينا * ولم ير مثله في قوم عاد
أكر إذا الفوارس محجمات (11) * وأضرب حين تختلف الهوادي
ويوما قد تركت لدامكيه * عليه قانيا لون الجساد (12)

(7) هذا سبق لسان من معاوية إذ من شأنه أن يقول: الحمد لللات
إن لللات جنودا من الغدر والخيانة!!!
(8) ما بين المعقوفين غير مقروء من النسخة بنحو القطع، وقال في كتاب
الولاة والقضاة: وقالت سلمى أم الأسود بن الأسود النخعي ترثي مالكا:
نبا بي مضجعي ونبا وسادي * وعيني ما تهم إلى رقادي
كأن الليل أوثق جانباه * وأوسطه بأمراس شداد
أبعد الأشتر النخعي نرجو * مكاثرة ونقطع بطن واد
أكر إذ الفوارس محجمات * وأضرب حين تختلف الهوادي
(9) كذا في النسخة، غير أن ما تحت الرقم: (10 - 11) صححناه
على كتاب الولاة والقضاة والبقية من الأبيات غير موجودة فيه.
(10) كذا في النسخة، غير أن ما تحت الرقم: (10 - 11) صححناه
على كتاب الولاة والقضاة والبقية من الأبيات غير موجودة فيه.
(11) كذا في النسخة، غير أن ما تحت الرقم: (10 - 11) صححناه
على كتاب الولاة والقضاة والبقية من الأبيات غير موجودة فيه.
(12) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (لدامكه عليه فا ينالون الحساد).
462

ترجمة مالك من تاريخ دمشق: چ 53 ص 162، ومثله في تاريخ
الكامل: چ 3 ص 178، وقريبا منه رواه في الحديث: (107) من الجزء
(16) من الموفقيات ص 194، معنعنا ورواه أيضا في المختار: (449)
من قصار نهج البلاغة، وقطعة منه رواها اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 184.
- 282 -
ومن كلام له عليه السلام
في الموضوع المتقدم برواية أخرى
قال الكندي: حدثنا موسى بن حسن بن موسى، قال: حدثنا ابن أبي
بردة، قال: حدثنا نصر بن مزاحم قال: وفي حديث عمر بن سعد [الأسدي] (1)
عن فضيل بن حديج (2) عن إبراهيم بن يزيد:
عن علقمة بن قيس قال: دخلت على علي [عليه السلام] في نفر من
النخع حين هلك الأشتر، فلما رآني قال:

(1) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (عمر بن سعيد).
(2) كذا أذكره بالحاء المهملة.
463

لله مالك لو كان جبلا لكان فندا (3) ولو كان حجرا
لكان صلدا [وعلى] مثل مالك فلتبك البواكي!!!
[قال:] فوالله ما زال [أمير المؤمنين عليه السلام كان] متلهفا عليه
ومتأسفا حتى رأينا أنه المصاب دوننا.
وقالت سلمى أم الأسود بن النخعي ترثي مالكا:
نبا بي مضجعي ونبا وسادي (4) * وعيني ما تهم إلى رقادي
كأن الليل أوثق جانباه * وأوسطه بأمراس شداد
أبعد الأشتر النخعي نرجو * مكاثرة ونقطع بطن واد
[ولم ير مثله فيمن رأينا (5) * ولم ير مثله في قوم عاد]
أكثر إذا الفوارس محجمات * وأضرب حين تختلف الهوادي
فقال المثنى يرثيه:
ألا ما لضوء الصبح أسود حالك * وما للرواسي زعزعتها الدكادك
وما لهموم النفس شئ شؤنها * تظلل تناجيها النجوم الشوابك

(3) كذا في جل المصادر، وفي النسخة: (لو كان جبلا لكان من
جبل فندا، ولو كان من حجر...).
(4) وفي تاريخ دمشق:
تجافا مضجعي ونبا وسادي * وليلى لا يهم إلى رقادي
(5) هذان البيتان مأخوذتان من ترجمة مالك من تاريخ دمشق.
464

على مالك فليبك ذو الليث معولا * إذا ذكرت في الفيلقين المعارك
إذا ابتدر الخطي وانتدب الملا * وكان غياث القوم نصر مواشك
إذا ابتدرت يوما قبائل مذحج * ونودي بها أين المظفر مالك
فلهفي عليه حين تختلف القنا * ويرعش للموت الرجال الصعالك
ولهفي عليه حين دب له الردى * وذيف له سم من الموت حانك
فلو بارزوه يوم يبغون هلكه * لكانوا بإذن الله ميث وهالك
ولو مارسوه ما رسوا ليث غابة * له كالتي (6) لا ترقد الليل فاتك
فقل لابن هند: لو منيت بمالك * وفي كفه ماضي الضريبة باتك
لألفيت هندا تشتكي علن الردى (7) * تنوح وتحبوها النساء العواتك

(6) قال في هامش الأصل: ولعل صوابه: (له كلأة لا ترقد
الليل فاتك).
(7) الردى: اهلاك. والكلام من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
وتحبوها: تنصرها والعواتك: جمع عاتكة أحمر. أي النساء الخادشات
الوجوه.
ثم إن هذه المرثية ذكرناها تحفظا على معالي المالك، وامتثالا لأمر أمير
المؤمنين: (وعلى مثل مالك فلتبك البواكي). وطبع الحال يقتضي أن يكون
لبطل المؤمنين وضرغام المحقين ثناء غير معدود ومراثي غير محصورة من
رهطه وعشيرته وممن هو على رأيه من شيعة أهل البيت عليهم السلام ولكن
سلطة أعداء أهل البيت من أول الأمر إلى يومنا هذا أفنت وأعدمت ما دون
وكتب من مزايا أهل البيت وشيعتهم ومالهم من المكارم فلم يبق منها إلا نزر يسير
مطوي في الجوامع أو بعض ما بقي من الكتب مغفولا عنه في زوايا الاختفاء.
وذلك لعناية الله على كرامة أولياء فعلى أولياء أهل البيت البحث والتنقيب
عن مناقبهم ومآثر أجلاء شيعتهم فإن في هذا القليل الباقي أيضا البلاغ والكفاف
ولله الحجة البالغة.
465

كتاب الولاة والقضاة (بمصر) للكندي ط مصر، ص 24، ثم إن بعضا
من الأبيات المتقدمة في مراثي مالك رواه أيضا المبرد بزيادة في آخرها في كتاب
الكامل ج 2 ص 66 قال: وقالت أخت الأشتر - وهو مالك بن الحارث
النخعي تبكيه - وهذا الشعر رواه أبو اليقظان وكان متعصبا:
أبعد الأشتر النخعي نرجو * مكاثرة ونقطع بطن واد
ونصحب مذحجا بإخاء صدق (8) * وإن ننسب فنحن ذرا إياد
ثقيف عمنا وأبو أبينا * وإخوتنا نزا أولو السداد

(8) هذان الشطران وما بعدهما غير منسجم بحسب المعنى مع ما قبلهما
وبه يعلم أنه حذف بينهما أبيات، ويدل عليه أيضا ما تقدم من رواية الكندي
وابن عساكر.
466

- 283 -
ومن خطبة له عليه السلام
في حث الناس على المسير إلى مصر لنصرة محمد بن أبي بكر
قال إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله: وحدثني محمد بن عبد الله عن
المدائني، عن الحرث بن كعب بن عبد الله بن قعين، عن حبيب بن عبد الله
قال: والله إني لعند علي عليه السلام جالس إذ جاءه عبد الله بن قعين، وكعب
ابن عبد الله من قبل محمد بن أبي بكر يستصرخانه قبل الوقعة، فقام علي عليه
السلام فنادي في الناس الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر، فحمد
الله وأثني عليه، وذكر رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] فصلى عليه
ثم قال:
أما بعد فهذا صريخ محمد ابن أبي بكر وإخوانهم
من أهل مصر، قد سار إليهم ابن النابغة عدو الله،
وعدو من والاه، وولي من عاد الله، فلا يكونن أهل
الضلال إلى باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت أشد
اجتماعا منكم على حقكم، فكأنكم بهم وقد بدؤكم
وإخوانكم بالغزو فأعجلوا إليهم بالمواسات والنصر.
467

عباد الله إن مصر أعظم من الشام خيرا وخير أهلا
فلا تغلبوا على مصر، فإن بقاء مصر في أيديكم عز
لكم وكبت لعدوكم (1) أخرجوا إلى الجرعة لنتلاقي (2)
هناك كلنا غدا إن شاء الله.
فلما كان الغد، خرج [عليه السلام] يمشي [إلى الجرعة] فنزلها بكرة
فأقام بها حتى انتصف النهار فلم يوافه مأة رجل!!! [فرجع عليه السلام
إلى الكوفة] فلما كان العشي بعث إني الأشراف فجمعهم فدخلوا عليه
القصر وهو كئيب حزين [فخطبهم بالخطبة التالية].

(1) يقال: (كبت زيد عدوه - من باب ضرب - كبتا): صرعه.
أهلكه، كسره أذله، أهانه.
(2) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: لنتوافي... والجرعة - محركة
وبالفتح فسكون -: اسم موضع بالكوفة.
468

- 284 -
ومن خطبه له عليه السلام
في تقريع أصحابه على تثاقلهم عن الجهاد في سبيل الله
روي إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله عن إسماعيل بن رجاء الزبيري،
أن أمير المؤمنين عليه السلام خطبهم بعد الكلام السابق فقال بعد أن حمد الله
وأثني عليه:
أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المتفرقة أهواؤهم
ما عز من دعاكم ولا استراح من قاساكم (1) كلامكم
يوهن الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم،
إن قلت لكم: سيروا إليهم في الحر. قلتم: أمهلنا
[حتى] ينسلخ عنا الحر، وإن قلت لكم: سيروا
إليهم في الشتاء. قلتم [أمهلنا] حتى ينسلخ عنا

(1) وفي المختار: (28) من نهج البلاغة: (ما عزت دعوة من دعاكم
ولا استراح قلب من قاساكم).
469

البرد. فعل ذي الدين المطول (1) من فاز بكم فاز بالسهم
الأخيب!!! (2).
أصبحت لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم،
فرق الله بيني وبينكم، أي دار بعد دار كم تمنعون؟
ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ أما إنكم ستلقون بعدي
أثرة تتخذها عليكم الضلال سنة: فقر يدخل في
بيوتكم وسيف قاطع، وتتمنون عند ذلك أنكم
رأيتموني وقاتلتم معي، وقتلتم دوني وكأن قد!!!
كتاب الغارات، ج 1، ص 10 ورواه عنه في البحار: ج 8 ص 680، وقريبا
منه رواه في كتاب الإختصاص، ص 153، ط 2 نقلا عن ابن دأب. وأيضا رواها
في البحار: ج 9 ص 450 ط الكمباني، وقريب منه في المختار (28) من خطب
نهج البلاغة.

(1) المطول: الكثير المطل، يقال: (مطله حقه وبحقه - من باب
نصر - مطلا): سوفه بوعد الوفاء مرة بعد أخرى.
(2) قال في النهاية: معناه: أي بالسهم الخائب الذي لا نصيب له
من قداح الميسر، وهي ثلاثة: المنيح، والسفيح، والوغد. والخيبة:
الحرمان والخسران.
470

- 265 -
ومن خطبة له عليه السلام
في توبيخ أصحابه على تثاقلتم عن الجهاد (1)
الحمد لله على ما قضى من أمر وقدر من فعل،
و [على ما] ابتلاني بكم أيتها الفرقة التي لا تطيع
إذا أمرتها ولا تجيب إذا دعوتها!!! لا أبا لغيركم ماذا
تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم؟ الموت خير
من الذل في هذه الدنيا لغير الحق!!! والله إن جاءني
الموت - وليأتيني فليفرقن بيني وبينكم - لتجدنني
لصحبتكم قاليا (2) ألا دين يجمعكم؟ ألا رحمة تعظكم؟
ألا تسمعون بعدوكم ينتقص بلادكم ويشن الغارة
عليكم؟!!

(1) وقريب منها جدا في المختار: (175) من نهج البلاغة.
(2) أي كارها ومبغضا إياها.
471

أوليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام الظلمة
فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة؟! فيجيبونه في
السنة المرة والمرتين والثلاث إلى أي وجه شاء!!!
ثم أنا أدعوكم وأنتم أولو النهى وبقية الناس
[ف‍] تختلفون وتفترقون عني وتعصوني وتخالفون علي!!!
فقام مالك بن كعب الأرحبي رحمه الله (3) وقال: يا أمير المؤمنين
ندب الناس معي (4) ثم التفت إلى الناس ورغبهم في الجهاد، ولامهم على
تباعدهم وخذلانهم.
فأمر أمير المؤمنين عليه السلام سعدا مولاه أن ينادي: ألا سيروا مع
مالك بن كعب إلى مصر، فلم يجتمعوا إليه شهرا!!! فلما اجتمع عليه
ألفان، قال عليه السلام: سيروا والله ما أنتم - ما أخالكم - تدركون

(3) كذا في الأصل، وروى البلاذري صدر هذه الخطبة، وأشار أيضا
إلى الخطبة المتقدمة في الحديث: (464) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب
الأشراف: ج 2 ص 401 ط 1، وذكر القصة وقال: ثم انتدب منهم جنيد أنفذهم
إلى مصر، مع كعب بن مالك الهمداني...
(4) يقال: (ندب فلانا - من باب نصر - إلى الحرب): وجهه فهو
نادب وذاك مندوب، والأمر مندوب إليه والأسم: الندبة. وندبه للأمر -
أو إلى الأمر -: دعاه إليه وحثه عليه ورشحه للقيام به.
472

القوم حتى ينقضي أمرهم!!! فخرج بهم مالك، وسار خمس ليال،
فجا، من الشام ومن مصر، خبر افتتاح مصر، وقتل محمد، فرد أمير
المؤمنين [عليه السلام] مالكا من الطريق وحزن على محمد حتى تبين في
وجهه، فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، وخطبهم بالخطبة التالية.
- 286 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما بلغه فتح مصر، وقتل محمد ابن أبي بكر رضوان الله عليه
ألا وإن مصر قد افتتحها الفجرة، أولياء الجور
والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا للإسلام عوجا!!!
ألا وإن محمد ابن أبي بكر قد استشهد - رحمة
الله عليه - وعند الله نحتسبه (1) أما والله لقد كان

(1) أي احتسب الأجر عند الله بصبري في مصيبته أي اعتد مصيبته من
جملة البلايا التي يثاب على الصبر عليها، والاحتساب طلب الأجر، والاسم
الحسبة - بالكسر - وهو الأجر، يقال: فعلته حسبة واحتسب فيه احتسابا
أي لوجه الله، وطلبا للأجر والثواب منه.
473

- ما علمت - ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء ويبغض
شكل الفاجر، ويحب سمت المؤمن
وإني والله ما ألوم نفسي على تقصير ولا عجز،
وإني لمقاسات الحرب مجد بصير، إني لأقدم على
الحرب، وأعرف وجه الحزم، وأقوم بالرأي المصيب،
فأستصرخكم معلنا وأناديكم مستغيثا، فلا تسمعون
لي قولا، ولا تطيعون [لي] أمرا حتى تصير الأمور إلى عواقب
المساءة!!! وأنتم قوم لا يدرك بكم الثار ولا يقتص
بكم الأوتار!!! (2).
دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين
ليلة!!! فجرجرتم علي جرجرة الجمل الأسر (3)

(2) الثار: الدم. طلب الدم. ولا يقتص: لا يؤخذ. والأوتار:
الجنايات والظلامات، وهي جمع الوتر - كحبر - وقيل: إنها جمع الوتر
- كصبر - أيضا.
(3) أي صوتم وضججتم، الجرجرة: صوت يردده البعير في حنجرته
عند الضجر. والسرر - كشجر - داء يأخذ في السرة، وبعير أسر وناقة
سراء: بينة السرر يأخذها الداء في سرتها فإذا بركت تجافت. وقيل: السرر
وجع يأخذ البعير في الكركرة لا في السرة والكركرة - كزبرجة -: زور
البعير الذي إذا برك أصاب الأرض وهي ناتئة عن جسمه كالقرصة وهي
إحدى الثفنات الخمس، وقيل: هو الصدر من كل ذي خف.
474

وتثاقلتم تثاقل من لا نية له في الجهاد، ولا رأي له
في اكتساب الأجر!!! ثم خرج إلي منكم جنيد
متذائب ضعيف (4) (كأنما يساقون إلى الموت وهم
ينظرون) [6 / الأنفال] فأف لكم!!!
ثم نزل عليه السلام فدخل رحله.
كتاب الغارات، چ 1، ص 101، ورواها عنه في البحار: ج 8 ص 650
السطر 10، عكسا.
ورواهما أيضا عن الغارات ابن أبي الحديد في شرح المختار: (67)
من خطب النهج من شرحه: ج 6 ص 89.
ورواها أيضا الطبري في تاريخه ج 4 ص 81 - 83، وفي ط: ج 5 ص 108،
ومثله في الكامل ج 3 ص 180، وأيضا رواها في ترجمة عبد الرحمان بن شبيب، من
تاريخ دمشق ج 32 ص 157، عن أبي عالية أحمد، وأبي عبد الله يحي ابنا أبي
علي، عن أبي جعفر بن المسلمة عن أبي طاهر المخلص، عن أحمد بن سليمان
عن الزبير بن بكار، عن محمد بن الضحاك، عن أبيه.

(4) قال في مادة: (ذأب) من النهاية: وفي حديث علي رضي الله عنه
(خرج منكم إلى جنيد متذائب ضعيف). المتذائب: المضطرب من قولهم
(تذاءبت الريح) أي اضطرب هبوبها.
475

أقول: وأنا أيضا وجدتها في الحدث: (202) من الجزء (16) من النسخة الناقصة
من كتاب الموفقيات ص 348 ط 1، وأيضا كثير من ألفاظ هذه الخطبة
قد تكلم به عليه السلام في غير المقام، كما في الخطبة (38) من خطب
نهج البلاغة التي خطبها عندما بلغه إغارة النعمان بن بشير على عين التمر
[الشفاتا].
- 287 -
ومن كلام له عليه السلام
لما اختلفت كلمة أهل الكوفة في فتنة ابن الحضرمي
الثقفي رحمه الله بإسناده عن عمرو بن محصن [قال]: إن معاوية
لما أصاب محمد بن أبي بكر بمصر، بعث عبد الله بن عامر الحضرمي إلى
أهل البصرة ليدعوهم إلى نفسه وإلى الطلب بدم عثمان، فلما أتاهم وقرأ
عليهم كتاب معاوية اختلفوا، فبعضهم رد وأكثرهم قبلوا وأطاعوا،
وكان الأمير يومئذ بالبصرة زياد بن عبيد قد استخلفه عبد الله بن العباس،
وذهب إلى علي عليه السلام ليعزيه عن محمد بن أبي بكر، فلما رأي زياد
إقبال الناس على ابن الحضرمي استجار من الأزد، ونزل فيهم وكتب إلى
476

ابن عباس وأخبره بما جري فرفع ابن عباس ذلك إلى علي عليه السلام،
وشاع في الناس بالكوفة ما كان من ذلك، واختلف أصحابه عليه السلام (1)
فيمن يبعثه إليهم حمية!!! فقال عليه السلام:
تناهوا أيها الناس وليردعكم الإسلام ووقاره عن
التباغي والتهاذي (2) ولتجتمع كلمتكم، والزموا دين
الله الذي لا يقبل [الله] من أحد غيره، وكلمة الإخلاص
التي هي قوام الدين، وحجة الله علي الكافرين،
واذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متباغضين متفرقين،
فألف بينكم بالإسلام فكثرتم واجتمعتم وتحاببتم،

(1) قال ابن أبي الحديد: قال [إبراهيم]: وروي أبو الكنود: أن
شبث ابن ربعي قال لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين ابعث إلي هذا الحي من
تميم فادعهم إلى طاعتك ولزوم بيعتك ولا تسلط عليهم أزد عمان البعداء
البغضاء، فإن واحدا من قومك خير لك من عشرة من غير هم.
فقال له مخنف بن سليم الأزدي: إن البعيد البغيض من عصى الله وخالف
أمير المؤمنين وهم قومك، وإن الحبيب القريب من أطاع الله ونصر أمير
المؤمنين وهم قومي، وأحدهم خير لأمير المؤمنين من عشرة من قومك.
فقال علي عليه السلام تناهوا...
(2) التهاذي: استعمال كل واحد من المتكلمين الهذيان في كلامه.
477

فلا تفرقوا بعد إذ اجتمعتم، ولا تباغضوا بعد إذ
تحاببتم، وإذا رأيتم الناس وبينهم النائرة (3) وقد
تداعوا إلى العشائر والقبائل، فاقصدوا لهامهم
ووجوههم بالسيف (4) حتى يفزعوا إلى الله وإلى كتابه
وسنة نبيه، فأما تلك الحمية فإنها من خطرات
الشياطين، فانتهوا عنها - لا أبا لكم - تفلحوا
وتنجحوا.
ثم إنه عليه السلام دعا أعين بن ضبيعة المجاشعي، وقال: يا أعين ألم
يبلغك أن قومك وثبوا على عاملي مع ابن الحضرمي بالبصرة؟ يدعون إلى
فراقي وشقاقي، ويساعدون الضلال القاسطين علي!!! فقال: لا تسأ
يا أمير المؤمنين ولا يكن ما تكره، ابعثني إليهم فأنا لك زعيم بطاعتهم
وتفريق جماعتهم، ونفي ابن الحضرمي من البصرة أو قتله، قال: فأخرج
الساعة.
شرح المختار: (55) من نهج البلاغة، من ابن أبي الحديد: ج 4
ص 45، والبحار: ج 8 ص 676 واللفظ له إلا الذيل، فإنه من شرح
ابن أبي الحديد، نقلا منهما عن كتاب الغارات.

(3) هي الفساد والفتنة.
(4) الهام: جمع الهامة: الرأس.
478

- 288 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله في بعض خطبه
قال الدولابي: وحدثنا أبو كريب (1)، قال: حدثنا أحمد بن
مالك، قال: حدثنا عنبسة القطان، عن شيحة [بن عبد الله] أبي حبرة،
قال: رأيت عليا على خشبات الكوفة يقول:
يا بصرة لتحرقن ولتغرقن حتى يبقى مسجدك وبيت
مالك كأنه [كذا] جؤجؤ سفينة (2).
عنوان: (من كنيته أبو الحباب وغيره) من كتاب الكنى والأسماء
- للدولابي -: ج 1، ص 143، ط الهند.

(1) وإنما قال: (وحدثنا) لأنه ذكر حديثا آخر، قبله عن أبي حبرة
شيحة بن عبد الله.
(2) الجؤجؤ - على زنة هدهد وقنفذ -: الصدر، والجمع جآجئ
كقنافذ.
479

وقريبا منه رواه في الجزء الثاني منه ص 104، قال: حدثنا ابن صالح
ابن عبد الله الترمذي قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الأعرابي مالك العجلي
عن شبيل بن عزرة، عن أبي حبرة قال:
لما قدم علي عليه السلام البصرة خطبهم فقال: كأني ببصرتكم هذه
كأنها جؤجؤ سفينة...
هكذا رواه عنه في إحقاق الحق: ج 8 ص 172، والحديث قد تقدم
شواهده.
- 289 -
ومن كلام له عليه السلام
مع الخريت بن راشد الخارجي لما دخل عليه وقال:
إني لك لمن المفارقين!!!
الطبري، عن هشام بن محمد، عن أبي محنف، عن الحارث الأزدي
عن عمه عبد الله بن فقيم، قال: جاء الخريت بن راشد إلى علي [عليه
السلام] - وكان مع الخريت ثلاثمأة رجل من بني ناجية مقيمين مع علي
بالكوفة قدموا معه من البصرة، وكانوا قد خرجوا إليه يوم الجمل، وشهدوا
معه صفين والنهروان، فجاء إلى علي - في ثلاثين راكبا من أصحابه يسير
بينهم حتى قام بين يدي علي، فقال له: والله يا علي لا أطيع أمرك ولا
480

أصلي خلفك وإني غدا لمفارقك!!! - وذلك بعد تحكيم الحكمين - فقال
له علي: ثكلتك أمك إذا تعصي ربك وتنكث عهدك ولا تضر إلا نفسك،
خبرني ولم تفعل ذلك؟!
قال: لأنك حكمت في الكتاب، وضعفت عن الحق إذ جد الجد،
وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم فأنا عليكم زار وعليهم ناقم (1)
ولكم جميعا مباين.
فقال علي [عليه السلام]:
هلم أدارسك: الكتاب، وأناظرك في السنن وأفاتحك
أمورا من الحق أنا أعلم بها منك، فلعلك تعرف
ما أنت له الآن منكر، وتستبصر ما أنت عنه الآن
جاهل!؟.
قال: فإني عائد إليك. فقال [علي عليه السلام]:
لا يستهوينك الشيطان، ولا يستخفنك الجهل

(1) يقال: (زرى عليه عمله - من باب رمى - زريا - كفلسا وقفلا -
وزراية ومزرية ومزرأة): عاتبه أو عابه عليه. وناقم: منكر وعائب.
481

ووالله لئن استرشدتني واستنصحتني وقبلت مني لأهدينك
سبيل الرشاد.
[فخرج المخذول، وسار من ليلته عن الكوفة ولم يعد إلى أمير المؤمنين
عليه السلام].
آخر حوادث السنة (38) من تاريخ الطبري: ج 4 ص 87، وفي تاريخ
الكامل: ج 3 ص 183، ورواه أيضا في البحار: ج 8 ص 615 ط الكمباني.
- 297 -
ومن كلام له عليه السلام.
لما أخبره رسوله المبعوث للفحص عن حال الخريت وأصحابه
بأنهم قد هربوا من ليلتهم هذه.
وبالسند المتقدم قال عبد الله بن فقيم - بعد كلام طويل -: قال لي
أمير المؤمنين عليه السلام مسرا: إذهب إلى منزل الرجل فأعلم لي ما فعل؟
فإنه كل يوم لم يكن يأتيني فيه إلا قبل هذه الساعة. قال: فأتيت منزله فإذا
ليس في منزله منهم ديار، فدعوت إلى أبواب دور أخرى كان فيها طائفة
من أصحابه، فإذا ليس فيها داع ولا مجيب، فرجعت فقال لي [أمير المؤمنين
عليه السلام] حين رآني:
482

وطنوا فأمنوا؟ أم جبنوا فظعنوا؟ (1).
فقلت: بل ظعنوا فأعلنوا. فقال [عليه السلام]:
[أو] قد فعلوها؟ بعدا لهم كما بعدت ثمود،
أما لو قد أشرعت لهم الأسنة، وصبت على هامهم
السيوف لقد ندموا [على ما كان منهم] إن الشيطان
اليوم قد استهواهم وأضلهم وهو غدى متبرئ منهم
ومخل عنهم (2).
تاريخ الطبري: ج 4 ص 88 وتاريخ الكامل: ج 3 ص 183.

(1) كذا في الأصل، وفي المختار: (176) من نهج البلاغة: (أمنوا
فقطنوا أم جبنوا فظعنوا؟) فقال الرجل: بل ظعنوا يا أمير المؤمنين. يقال:
(وطن يطن بالمكان - من باب وعد - وطنا): أقام به.
(2) وفي النهج: (إن الشيطان اليوم قد استفلهم وهو غدا متبرئ منهم
ومتخل عنهم فحسبهم بخروجهم من الهدى وارتكاسهم في الضلال والعمى
وصدهم عن الحق وجماحهم في التيه). وما وضعناه في المتن بين المعقوفين مأخوذ
من النهج. واستفلهم: دعاهم للتفلل وهو الانفراد والشذوذ عن الجماعة.
483

- 298 -
ومن كلام له عليه السلام
لما بلغه مصاب بني ناجية وهلاك الخريت بيد معتمد المؤمنين معقل بن قيس
الرياحي رحمه الله.
قال أبو مخنف: حدثني عبد الرحمان بن جندب، قال: حدثني أبي
قال: لما بلغ عليا مصاب بني ناجية وقتل صاحبهم قال:
هوت أمه (1) ما كان أنقص عقله، وأجرأه على
ربه، فإنه جاءني مرة فقال لي: (في أصحابك رجال
قد خشيت أن يفارقوك فما ترى فيهم؟)؟ فقلت له:
إني لا آخذ على التهمة، ولا أعاقب على الظن، ولا
أقاتل إلا من خالفني وناصبني، وأظهر لي العداوة،
ولست مقاتله حتى أدعوه وأعذر إليه، فإن تاب ورجع

(1) أي هوت به أمه أي ثكلته. والفعل من باب رمى.
484

إلينا قبلنا منه وهو أخونا!! وإن أبى إلا الإعتزام على
حربنا (2) إستعنا عليه الله وناجزناه.
[ثم قال عليه السلام:] فكف عني ما شاء الله، ثم جاءني مرة أخرى
فقال لي: قد خشيت أن يفسد عليك عبد الله بن وهب الراسبي، وزيد بن
حصين، إني سمعتهما يذكرانك بأشياء لو سمعتها لم تفارقهما حتى تقتلهما
أو توبقهما (3) فلا تفارقهما من حبسك أبدا.
فقلت: إني مستشيرك فيهما فماذا تأمرني به؟! قال: آمرك أن تدعو
بهما فتضرب رقابهما. فعلمت أنه لا ورع ولا عاقل!!!
فقلت: والله ما أظنك ورعا ولا عقلا نافعا [كذا]
والله لقد كان ينبغي لك لو أردت قتلهم أن تقول:
إتق الله لم تستحل قتلهم؟ ولم يقتلوا أحدا، ولم
ينابذوك ولم يخرجوا من طاعتك!!!
تاريخ الطبري: ج 4 ص 101، في آخر حوادث سنة 38.

(2) الإعتزام: إرادة الشئ حتما. الجد في ايقاع الشئ.
(3) أي تحبسهما، يقال: (أوبق زيد فلانا إيباقا): حبسه. ذلله.
485

- 299 -
ومن كلام له عليه السلام
لما لحق مصقلة بن هبيرة الشيباني بمعاوية، حيث طالبه علي
عليه السلام بقيمة أسارى بني ناجية فأدى مأتي ألف
وعجز عن الباقي وهو ثلاثمأة ألف
قال أبو مخنف: حدثني أبو الصلت الأعور، عن ذهل ابن الحارث،
قال: دعاني مصقلة إلى رحله فقدم عشاءه فطعمنا منه، ثم قال: والله إن
أمير المؤمنين يسألني هذا المال ولا أقدر عليه. فقلت: والله شئت ما
مضت عليك جمعة حتى تجمع جميع المال. فقال: والله ما كنت
لأحملها قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد ثم قال: أما والله لو أن ابن
هند هو طالبني بها أو ابن عفان لتركها لي، ألم تر إلى ابن عفان حيث
أطعم الأشعت من خراج آذربيجان مأة ألف في كل سنة؟!! فقلت له
إن هذا لا يرى هذا الرأي، لا والله ما هو بباذل شيئا كنت أخذته [قال
ذهل] فسكت ساعة وسكت عنه، فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد
هذا الكلام حتى لحق بمعاوية، وبلغ ذلك عليا [عليه السلام]
فقال:
486

ما له برحه الله (1) فعل فعل السيد، وفر فرار العبد،
وخان خيانة الفاجر!! أما والله لو أنه أقام فعجز ما زدنا
على حبسه، فإن وجدنا له شيئا أخذناه، وإن لم
نقدر على مال تركناه (2).
تاريخ الطبري ج 4 ص 100، ومثله في كامل ابن الأثير: ج 3 ص 186،
ورواه أيضا في ترجمة مصقلة من تاريخ دمشق: ج 55 ص 821. وللكلام
مصادر أخر.

(1) وفي المختار: (44) من نهج البلاغة: (قبح الله مصقلة فعل فعل السادة
وفر فرار العبيد...) وفي تاريخ الكامل: (ماله نزحه الله) أي أبعده من
رحمته، يقال: نزح الله فلانا أي أخذ خيراته حتى تنفد، و (برحه الله)
من باب فعل -: أتعبه وآذاه أذى شديدا.
وقد استجاب الله دعاءه عليه السلام فيه، فإنه بعد ما استشهد أمير
المؤمنين ولاه معاوية طبرستان وأرسله إليها بجيش كثيف فأخذ العدو عليه
من جميع الجوانب فقتلوا عن آخرهم.
(2) وفي مروج الذهب: ج 2 ص 408: (لو أقام أخذنا ما قدرنا
على أخذه، فإن أعسر أنظرناه، وإن عجز لم نأخذه بشئ).
487

- 300 -
ومن كلام له عليه السلام
في علة وراثته لمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون عمه العباس
قال الطبري: حدثني زكرياء بن يحي الضرير، قال: حدثنا عفان بن
مسلم قال: حدثنا أبو عوانة، عن عثمان ابن المغيرة، عن ربيعة بن
ناجد [قال]:
إن رجلا قال لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمك
دون عمك العباس؟ فقال علي [عليه السلام]: هاؤم! - ثلاث مرات
حتى اشرأب الناس (1) ونشروا آذانهم - ثم قال:
جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - أودعا رسول
الله (2) - بني عبد المطلب - منهم رهطه كلهم [كان] يأكل

(1) هاؤم - اسم فعل بمعنى -: خذ. واشرأب الناس: مدوا عنقهم.
قال في لسان العرب: واشرأب الرجل للشئ وإلى الشئ اشرئبابا: مد عنقه
إليه. وقيل: هو إذا ارتفع وعلا. والاسم الشرأبية كطمأنينة.
(2) ومثله في خصائص النسائي.
488

الجذعة ويشرب الفرق (3) - فصنع لهم مدا من طعام
فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو كأنه لم
يمس، ثم دعا بغمر (4) فشربوا حتى رووا وبقي الشراب
كأنه لم يمس ولم يشربوا [منه]!!! ثم قال:
يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم بخاصة وإلى الناس
بعامة وقد رأيتم من هذا الأمر ما قد رأيتم!!! فأيكم
يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ (5) فلم

(3) الجدع - كسبب -: صغير البهائم والجمع جذاع وجذعان
كفراق وفرقان: والفرق - كقفل - قيل: هو إناء يكتال به.
(4) الغمر - كعمر -: قدح صغير، والجمع: غمار - كحمار -
وأغمار.
(5) وأيضا ذكر الطبري قبله رواية أخرى بسند آخر، ورواها أيضا
في تفسير الآية (214) من سورة الشعراء من تفسيره: ج 19 ص 75
وفي ط: ج 18، ص 121، وفيه: (فأيكم يؤازرني على هذا
الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها
جميعا، وقلت - وإني لأحدثهم سنا... -: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه.
فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له
وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون: لأبي طالب قد أمرك أن تسمع
لابنك وتطيع!!).
489

يقم إليه أحد!!! فقمت إليه - وكنت أصغر القوم -
فقال: اجلس. قال: ثم قال ثلاث مرات (6) كل
ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس، حتى [إذا] كان
في الثالثة فضرب بيده على يدي [وقال: أنت]
قال: فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي.
ترجمة رسول الله وسيرته من تاريخ الطبري: ج 2 ص 320 وفي ط ص 63
وفي ط: ج 1 ص 1173، ورواه أيضا تحت الرقم (435) من باب
الفضائل في باب فضائل علي عليه السلام من كنز العمال: ج 15 ص 154،
ط 2 وقال: رواه أحمد، وابن جرير، وسعيد بن منصور في سننه، أو
الضياء المقدسي في المختارة.

(6) أي ثلاث مرات قال: فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي
ووارثي.
490

- 301 -
ومن كلامه له عليه السلام
في المعني المتقدم أيضا أجاب به من سأله عن اختصاص وراثة رسول الله
وخلافته صلى الله عليه وآله وسلم به دون عمه العباس
وسائر بني عبد المطلب!!!
أحمد بن شعيب النسائي قال: أخبرنا الفضل بن سهل، قال: حدثنا
عفان بن مسلم، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي
صادق:
عن ربيعة بن ناجد (1) أن رجلا قال لعلي بن أبي طالب - رضي الله
عنه -: يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمك دون أعمامك؟ (2) فقال [علي عليه السلام]. (3).

(كذا في الأصل، وذكره في تهذيب التهذيب: ج 3 ص 263
بالدال المهملة، وقال: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: كوفي
تابعي ثقة.
(2) كذا في الأصل، وفي تاريخ الطبري: بم ورثت ابن عمك
دون عمك، وهو أظهر بالنظر إلى ذيل الكلام.
(3) كذا في تاريخ الطبري - غير أن كلمة: (عليه السلام) زيادة
منا - وهو أظهر مما في نسخة الخصائص: قال: جمع رسول الله....
491

جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أودعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب فصنع
لهم مدا من الطعام (4) فأكلوا حتى شبعوا وبقي
الطعام كما هو كأنه لم يمس!!! ثم دعا بغمر (5)
فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس أو لم
يشرب!!! فقال: يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم
خاصة وإلى الناس عامة وقد رأيتم من هذه الآية ما قد
رأيتم فأيكم (6) يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي

(4) قال في المصباح: المد - بالضم -: كيل وهو رطل وثلث عند
أهل الحجاز، فهو ربع صاع لان الصاع خمسة أرطال وثلث والمد رطلان
عند أهل العراق، والجمع أمداد ومداد، وقيل: هو يساوي تقريبا (18)
ليترا افرنجيا.
(5) الغمر - كعمر -: القدح الصغير، وقيل: هو القعب الصغير.
وقال ابن شميل: الغمر يأخذ كيلجتين أو ثلاثا والقعب أعظم منه وهو
يروي الرجل، وقال ابن الاعرابي: أول الأقداح الغمر - وهو الذي لا يبلغ
الري - ثم القعب وهو قد يروي الرجل وقد يروي الاثنين والثلاثة، ثم
العسس. وقيل: القعب - كفلس -: القدح الضخم الغليظ الجافي
(6) هذا هو الظاهر الموافق لما في تاريخ الطبري، وفي المطبوع من
الخصائص: (وأيكم).
492

ووارثي ووزيري؟ (7) فلم يقم إليه أحد!! فقمت إليه
وكنت أصغر القوم سنا (8) فقال: اجلس. ثم قال
[ذلك] ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول:
اجلس حتى كان في الثالثة، ضرب بيده على يدي ثم
قال: [أنت أخي وصاحبي ووارثي ووزيري] فبذلك (9)
ورثت ابن عمي دون عمي.
الحديث: (65) من كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه السلام - للنسائي -
ص 86 ط 2.
ورواه بعينه الطبري في عنوان: (أول من آمن برسول الله) من تاريخه:
ج 2 ص 321 كما تقدم في المختار المتقدم.
وهذا المعني كما رواه الطبري في العنوان المتقدم الذكر من تاريخه،

(7) كلمة: (وزيري) مأخوذة من مخطوطة الخصائص وقد سقطت
من النسخة المطبوعة.
(8) كلمة: (سنا) مأخوذة من النسخة المخطوطة.
(9) ما بين المعقوفين قد أخذناه من النسخة المخطوطة من الخصائص.
493

كذلك رواه في تفسير الآية: (214) من سورة الشعراء: من تفسيره: ج 19
ص 74 بسند آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام يبين ويوضح ما في هذا الخبر
وكذلك رواه تحت الرقم: (334) من باب فضائل علي عليه السلام من كنز
العمال: ج 15، ص 117، ط 2 عن ابن إسحاق وابن جرير، وابن أبي
حاتم وابن مردويه وأبي نعيم، وعن البيهقي في كتاب السنن الكبري ودلائل
النبوة معا. أقول: ورواه أيضا في الحديث: (514) من شواهد التنزيل
الورق (89) ب، وكذلك رواه فيه بسند آخر في الحديث (580) الورق:
100 / ب / وكذلك رواه بأسانيد في الحديث: (135) وتواليه من ترجمة أمير
المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ج 1، ص 83 - 90 وبما أن ما ذكره الطبري
قد أنجاه الله من تلعب النواصب بالانتشار بين الملل ومراجعته ميسور في أغلب
الأقطار والأماكن فلا نذكره هنا بل نذكر نموذجا مما ذكره ابن عساكر
وصاحب شواهد التنزيل - وإن كنا قد حققنا كل واحد منهما وهيئناهما للنشر،
وجعلهما في متناول العموم ولكن لا نأمن من الحوادث ولذا نستبقها بذكر ما
هو أتم فائدة منهما، وأما تفصيلها فنوكل إلى توفيق الله تعالى إيانا لنشرهما (10)
فنقول:
قال ابن عساكر في الحديث: (143) من ترجمة أمير المؤمنين من
تاريخ دمشق:

(10) وقد وفقنا الله لنشرهما في سنة 1394 - 1396، والحمد لله
الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
494

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر، أنبأنا أبو الفضل أحمد
ابن عبد المنعم بن أحمد بن بندار، أنبأنا أبو الحسن العتيقي، أنبأنا أبو الحسن
الدارقطني، أنبأنا أحمد بن محمد بن سعيد، أنبأنا جعفر بن عبد الله بن جعفر
المحمدي، أنبأنا عمر بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
عن أبيه عن علي بن الحسين:
عن أبي رافع قال: كنت قاعدا بعدما بايع الناس أبا بكر فسمعت أبا
بكر يقول للعباس: أنشدك الله هل تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم وجمعكم دون قريش فقال:
يا بني عبد المطلب إنه لم يبعث الله نبيا إلا جعل له من أهله أخا ووزيرا ووصيا
وخليفة في أهله فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي
وخليفتي في أهلي؟ فلم يقم منكم أحد، فقال: يا بني عبد المطلب كونوا
في الإسلام رؤسا ولا تكونوا أذنابا، والله ليقومن قائمكم أو ليكونن في
غيركم ثم لتندمن!! فقام علي من بينكم فبايعه على ما شرطه له ودعاه إليه،
أتعلم هذا له من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
وأيضا روى في الحديث: (1025) وتاليه من ترجمة علي عليه
السلام ج 3 ص 12 ط 1، قال:
أخبرنا أبو القاسم أيضا أنبأنا أبو الفضل ابن البقال، أنبأنا أبو الحسين
ابن بشران، أنبأنا أبو عمرو بن السماك، أنبأنا حنبل بن إسحاق أنبأنا
أبو غسان مالك بن إسماعيل، أنبأنا زهير، أنبأنا أبو إسحاق قال:
495

سأل عبد الرحمان بن خالد قثم بن العباس بأي شئ ورث علي رسول
الله صلى الله عليه وسلم دونكم؟ قال: إنه كان أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا.
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك، أنبأنا أبو عثمان سعيد بن
أحمد بن محمد، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن حامد بن محمد الإصبهاني أنبأنا
عمر بن الحسن بن علي بن مالك، أنبأنا أبي قال:
قلت ليحيى بن معين: أبو إسحاق السبيعي لقي قثم؟ قال: نعم في
طريق خراسان. فقلت له: إن النفيلي حدثنا عن زهير عن أبي إسحاق قال
قيل لقثم: بأي شئ ورث علي النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان
أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا!! فقلت: [ليحي]: فأيش معنى
ورث علي؟ قال: لا أدري إلا أن عيسى بن يونس حدثنا وذكر حديث
مجالد بن سعيد.
ورواه أيضا الحاكم في الحديث: (65) من باب منافب أمير المؤمنين
من المستدرك: ج 3 ص 125 قال: أخبرنا أبو النضر محمد بن يوسف
الفقيه، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، حدثنا النفيلي، حدثنا زهير،
حدثنا أبو إسحاق.
قال عثمان: وحدثنا علي بن حكيم الأودي وعمرو بن عون
الواسطي، قالا: حدثنا شريك بن عبد الله:
عن أبي إسحاق قال: سألت قثم بن العباس كيف ورث علي
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دونكم؟ قال: لأنه كان أولنا
به لحوقا وأشدنا به لزوقا.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وقال الذهبي: صحيح.
496

ورواه أيضا النسائي في الحديث: (103) من كتاب الخصائص ص 107
ط 3 قال: أخبرني هلال بن العلاء بن هلال، قال: حدثنا حسين، قال:
حدثنا زهير، قال: حدثنا أبو إسحاق، قال:
سأل أبو عبد الرحمان بن خالد بن قثم (11) بن العباس من أين ورث
علي رسول الله صلى عليه وسلم؟ قال: إنه كان أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا.
قال أبو عبد الرحمان [النسائي]: خالفه زيد بن أبي أنيسة فقال:
عن خالد بن قثم.
أخبرنا هلال بن العلاء، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبيد الله،
عن زيد، عن أبي إسحاق، عن خالد بن قثم أنه قيل له.
ما لعلي (12) ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ دون جدك وهو
عمه؟ قال: إن عليا كان أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا.
ورواه أيضا ابن أبي شيبة، عن أبي إسحاق قال: قيل لقثم: كيف
ورث علي النبي صلى الله عليم وسلم دونكم؟ قال: إنه كان أولنا به لحوقا،
وأشدنا به لزوقا.
هكذا رواه عنه في باب فضائل علي تحت الرقم (362) من كنز
العمال: ج 15، ص 126، ط 2. وفي ط 1: ج 6 ص 400.

(11) كذا في النسخة، والظاهر أن لفظة (ابن) بين (خالد - و - قثم)
زائدة، أو ان الصواب: سئل، كما في بعض ما صحح من النسخ.
(12) كذا في المصححة، وفي المطبوعة: (كيف علي ورث رسول..).
497

- 302 -
ومن خطبة له عليه السلام
المعروفة بالمقصمة والشقشقية (1)
قال الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين القمي (ره): حدثنا محمد
ابن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله
البرقي (2) عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن
تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس.

(1) وإنما سميت بهما لقوله عليه السلام في أولها: (لقد تقمصها).
ولقوله في آخرها: (تلك شقشقة هدرت ثم قرت).
وهذه الخطبة من مشاهير خطبه عليه السلام وقد رواها جماعة كثيرة
من أعلام الفريقين بطرق مختلفة عن ابن عباس وعن الإمام الحسين عليه
السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام وسنشير في الختام إلى بعض ما عثرنا
عليه من مصادرها.
(2) وأيضا روي الخطبة عنه الأستاذ الشيخ علي عرشي مدير مكتبة
راميور، نقلا عن كتابه المحاسن والآداب، في مجلة ثقافة الهند (8) عدد
(ديسمبر) 1957، م، كما أنه نقلها أيضا عن كتاب الغارات للثقفي (ره).
498

وحدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه الله (3) قال: حدثنا
عبد العزيز بن يحيي الجلودي، قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عمار بن
خالد، قال: حدثنا يحيي بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثني عيسى بن
راشد، عن علي بن حذيفة (4) عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ذكرت
الخلاقة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [عليه السلام] (5) فقال:
[أما] والله لقد تقمصها [ابن أبي قحافة] أخو تيم (6)

(3) وهذا السند ذكره الصدوق (ره) في كتاب علل الشرائع بعد ختام الخطبة
بالسند الأول، وقدمه في الباب (221) من معاني الأخبار، ص 360 والظاهر
أن متن الخطبة في كتاب معاني الأخبار مروي بهذا السند، وفي علل الشرائع
بالسند الذي ذكر أولا، ولذا ترى بين الكتابين اختلافا في بعض ألفاظ المتن.
(4) كذا في غير واحد من النسخ المطبوعة والمخطوطة، وهكذا
نقله المجلسي (ره) في الحديث الأول من الباب (15) من البحار ج 8 ص 159،
ط الكمباني عن علل الشرائع، ومعاني الأخبار، ولكن في نسخة معاني
الأخبار التي صححها الشيخ الغفاري وفقه الله: (عن علي بن خزيمة).
ولعل الصواب: بذيمة.
(5) ما بين المعقوفين في بعض النسخ هكذا: (ص). وهو من باب الرمز
والاختصار.
(6) كذا في النسخة المطبوعة من علل الشرائع ببلدة (قم). وفي معاني الأخبار:
(والله لقد تقمصها أخو تيم). ومثله في بعض النسخ من كتاب علل الشرائع.
قال الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري - المتوفى عام (382) -: معنى
(تقمصها): لبسها مثل القميص، يقال: تقمص الرجل وتدرع وتردى
وتمندل. (أي لبس القميص والدرع والرداء والمنديل).
499

وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى (7)
ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير (8) فسدلت دونها
ثوبا (9) وطويت عنها كشحا!!! (10) وطفقت أرتئي بين

(7) أي تدور الخلاقة علي كما تدور الرحى على قطبها. كذا فسره
العسكري. أقول: الضمير في قوله: (منها) راجع إلى الخلاقة، والقطب -
كقفل وعنق. وقيل بتثليث أوله -: حديدة فائمة تدور عليها الرحى.
ملاك الشئ ومداره، يقال: هو قطب بني فلان أي سيدهم الذي يدور
عليه أمرهم.
(8) وفي النسخة المطبوعة من معاني الأخبار: (ينحدر عنه السيل،
ولا يرتقي إليه الطير). وعلى هذا فالضمير في (عنه - وإليه) راجع إلى
القطب، والمآل واحد، قال العسكري في شرح هذه الفقرة: يريد [أمير
المؤمنين عليه السلام من هذا] أنها [أي الخلافة] ممتنعة على غيري، لا
يتمكن منها ولا يصلح لها [أحد سواي].
(9) قال العسكري: [ومعناه] أي أعرضت عنها ولم أكشف وجوبها
لي. أقول: سدلت - من باب ضرب ونصر -: أرخيت وأرسلت.
(10) قال العسكري: الكشح [كفلس]: الجنب والخاصرة، فمعنى
قوله: (طويت عنها) أي أعرضت عنها، والكاشح: الذي يوليك كشحه
أي جنبه.
500

أن أصول بيد جذاء (11) أو أصبر على طخية عمياء (12)
يشيب فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير (13) ويكدح
فيها مؤمن حتى يلقى ربه!!! (14) فرأيت أن الصبر على

(11) قال العسكري: (طفقت): أقبلت وأخذت. و (أرتئي):
أفكر وأستعمل الرأي وأنظر في (أن أصول بيد جذاء) وهي المقطوعة، وأراد
[أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: (بيد جذاء) بيد جذاء]: قلة الناصر.
وقال في مادة (جذذ) من النهاية ولسان العرب وتاج العروس: وفي
حديث علي: (أصول بيد جذاء) أي مقطوعة، كنى به عن قصور أصحابه
وتقاعدهم عن الغزو، فإن الجند للأمير كاليد. وقال في مادة: (حذذ)
من لسان العرب - وكذلك في النهاية -: وفي حديث علي رضوان الله عليه:
(أصول بيد حذاء) أي قصيرة لا تمتد إلى ما أريد.
(12) الطخية - بتثليث الطاء وسكون الخاء -: الظلمة. وقال العسكري:
فللطخية موضعان: أحدهما الظلمة، والآخر: الغم والحزن، يقال: (أجد
على قلبي طخيا) أي حزنا وغما. وهو هنا يجمع الظلمة والغم والحزن.
(13) يقال: (هرم فلان - من باب علم - هرما - كفرحا - ومهرما
ومهرمة): ضعف وبلغ أقصى الكبر.
(14) يقال: (كدح في العمل - من باب منع - كدحا): جهد
نفسه فيه وكد حتى أثر فيها. وقال العسكري: أي يدأب [أي يجد ويتعب]
ويكسب لنفسه ولا يعطى حقه.
501

هاتي أحجى (15) فصبرت وفي العين قذى!!! وفي الحق
شجى!!! (16) أرى تراثي نهبا!!! (17) حتى إذا مضى
[الأول] لسبيله عقدها لأخي عدي بعده!!! (18).

(15) هاتا بمعنى هذه، والهاء فيها للتنبيه، و (تا) إشارة إلى المؤنث،
وهي - هنا - الطخية الموصوفة بالعمياء. قال العسكري: و (أحجى):
أولى، يقال: هذا أحجى من هذا وأخلق وأحرى وأوجب، كله قريب
المعنى. أي بعد ما تفكرت ودققت النظر رأيت أن الصبر على هذه الحالة
وتجرع الغصص أولى من المصاولة بلا نصير.
(16) وفي بعض المصادر: (فصبرت وفي العين قذى وفي القلب صلى
وفي الحلق شجى!!!) و (القذى): ما يقع في العين من تبن أو تراب أو
وسخ. و (الصلى) - على زنة عصى، والصلاء كرضاء -: النار أو العظيمة
منها. وقودها. و (الشجى): ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه.
(17) التراث كالوراث: الميراث: ما يبقى بعد وفاة الإنسان من تركته.
(18) كذا في معاني الأخبار، وفي كتاب الجمل ص 92: (حتى إذا
حضر أجله جعلها في صاحبه عمر). وفي غير واحد من النسخ المطبوعة والمخطوطة
من علل الشرائع هكذا: (حتى إذا مضى لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده
عقدها لأخي عدي بعده...). ولا ريب أن جملة: (فأدلى بها إلى فلان بعده)
إما كانت في الأصل مؤخرة عما بعدها وبدلا عنها - أو العكس - فأخل الجهال
من الكتبة أن يشيروا إلى علامة البدلية، أو أنها كانت في الهامش مأخوذة من
نهج البلاغة، أو رآها الكاتب في نهج البلاغة أو غيره من مصادر الخطبة
فظن أنها لا بدأن تكون جزءا للكلام في جميع الطرق والأصول فأدرجها في المتن.
502

فيا عجبا!! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر
بعد وفاته!!! (19) فصيرها في حوزة خشناء يخشن مسها،
ويغلظ كلمها، ويكثر العثار [فيها] والإعتذار منها!!! (20)
فصاحبها كراكب الصعبة، إن عنف بها حرن، وإن
أسلس بها غسق!!! (21) فمني الناس بتلون واعتراض وبلوى

(19) إن استقالة أبي بكر عن بيعته - إذا ارتطم في مشكلة أو ضاق به الخناق -
وطلبه من المسلمين فسخ بيعته قد روته جماعة من أهل السنة وأقرته آخرون
كما نذكر نبذا منها فيما بعد، ولو لم يكن في الموضوع إلا هذا الكلام لكان
فيه الكفاية.
(20) قال العسكري: (في حوزة): في ناحية، يقال: حزت الشئ
- من باب قال - أحوزه حوزا: جمعته. والحوزة: ناحية الدار وغيرها.
الطبيعة. والكلم - كفلس -: الجرح. وفي أمالي الشيخ: (فعقدها - والله -
في ناحية خشناء يخشن [يخشى (خ)] مسها ويغلظ كلمها، ويكثر العثار
والإعتذار فيها). وفي الإرشاد: (فصيرها - والله - في ناحية خشناء يحفو
مسها، ويغلظ كلمها [ف‍] صاحبها كراكب الصعبة، إن أشنق لها خرم، وان
أسلس لها عسف، يكثر فيها العثار، ويقل منها الإعتذار).
(21) وفي النهج: (فصيرها في حوزه خشناء يغلظ كلامها [كلمها (خ)]
ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها والإعتذار منها، فصاحبها كراكب
الصعبة، إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس - لعمر والله
بخبط وشماس وتلون واعتراض).
قال العسكري: قوله: (كراكب الصعبة) يعني الناقة التي لم ترض إن
عنف بها - والعنف: ضد الرفق - (حرن) أي وقف ولم يمش) وان أسلس
بها) أي أرخى زمامها وخلاها باختيارها (غسق) أي أدخله في الظلمة.
503

مع هن وهني (22) فصبرت على طول المدة وشدة المحنة
حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني منهم!!!
فيا لله وللشورى (23) متى اعترض الريب في مع الأول

(22) ومثله في معاني الأخبار، وفي الإرشاد: (مع هن وهن) ومثله
في النهج وأمالي الشيخ ولكن ذكروها بعد قوله عليه السلام - الآتي -:
(وأصغى آخر إلى صهره). أقول: (فمني). على بناء المجهول: ابتلي.
و (التلون): التبدل وعدم الاستقامة على رأي وعقيدة. و (الاعتراض):
السير على غير خط مستقيم. و (بلوى): البلية والمصيبة. و (هن) يكنى به
عما يقبح ذكره ويستهجن التصريح به. و (هني) مصغر (هن) قال
العسكري: يعني الأدنياء من الناس تقول العرب: (فلان هني) وهو تصغير
(هن) أي هو دون من الناس. يريدون بذلك تصغير أمره.
(23) ومثله في جل المصادر، وفي معاني الأخبار - وبعض نسخ علل
الشرائع على ما قيل -: (فيا لله لهم وللشورى) واللام في (لله) مفتوحة
لأنه مستغاث به، وفي (للشورى) مكسورة لأنه مستغاث.
وفي كتاب الجمل ص 62: (فجعلني عمر سادس ستة زعم اني أحدهم،
فيا لله وللشورى...).
504

منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر (24) فمال رجل
لضغنه وأصغى آخر لصهره!!! (25) وقام ثالث القوم نافجا

(24) ومثله في النهج، وفي معاني الأخبار: (بهذه النظائر).
وفي أمالي الشيخ: (متى اعترض الريب في مع الأولين [منهم] فأنا
الآن أقرن إلى هذه النظائر).
وفي الإرشاد: (متى اعترض الريب في مع الأولين منهم حتى صرت
الآن أقرن بهذه النظائر).
وفي كتاب الجمل ص 92: (متى اختلج الريب في مع الأولين حتى
صرت أقرن إلى هذه النظائر).
(25) وفي معاني الأخبار: (فمال رجل بضبعه [بضلعه (خ)] وأصغى
آخر لصهره). وفي الإرشاد: (فمال رجل لضغنه وصغى آخر لصهره).
وفي كتاب الجمل ص 92: (فنهض واحد لضغنه، ومال الآخر لصهره).
وفي النهج: (فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره مع هن وهن).
قال العسكري: (فمال رجل بضبعه) ويروى (بضلعه) وهما قريب وهو
أن يميل بهواه ونفسه إلى رجل بعينه. أقول: (الضغن): الحقد، والذي
مال عنه عليه السلام لحقده هو سعد بن أبي وقاص لقتل أخواله بيد علي عليه
السلام في غزوة بدر وأحد، أو المقصود منه طلحة بن عبيد الله، وحقده على
علي من أجل معارضته عليه السلام مع أبي بكر وشكواه عنه، وطلحة من رهط
أبي بكر فيحقد على من هو حاقد عليه. والذي أصغى إلى صهره هو عبد الرحمن
ابن عوف وامرأته كانت أختا لعثمان من أمه.
505

حضنيه بين نثيله ومعتلفه!!! (26) وقام معه بنو أمية
يهضمون مال الله هضم الإبل نبت الربيع (27)!!! حتى

(26) هذا هو الظاهر الموافق لنهج البلاغة، وفي معاني الأخبار،
وعلل الشرائع: (بين ثيله ومعتلفه) قال في مادة: (ثول) من تاج
العروس: والثول - بالضم - لغة في الثيل لوعاء قضيب الجمل. أقول.
وهذه القطعة رواها أيضا في مادة (حضن) و (نفج) من لسان العرب.
(27) ومثله في معاني الأخبار، وفي أمالي الشيخ: (وأسرع معه بنو
أبيه في مال الله يخضمونه خضم الإبل نبتة الربيع). ومثله في نهج البلاغة غير
أن فيه (وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله). وفي الإرشاد: (وأسرع
معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع إلى أن ثوت به بطنته
وأجهز عليه عمله). وقال في مادة (خضم) من النهاية: وفي حديث علي
رضي الله عنه: (فقام إليه بنو أمية يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع)
والخضم [كفلس]: الأكل بأقصى الأضراس. والقضم [على زنة الخضم]
الأكل بأدناها. وما أحسن وألطف تشبيهه عليه السلام صنيع بني أمية في مال
الله بخضم الإبل أو هضمه نبت الربيع، حيث يستفاد من الخضم أنهم كانوا
يأكلون مال الله بملئ أفواههم فيفرغون في بطونهم بلا مهلة، إذ نبت الربيع
لرقته ولينة لا فصل بين وضعه في الفم وبلعه. وهكذا التعبير بالهضم من قولهم:
(هضمت المعدة الطعام - من باب ضرب ومنع - هضما). أحالته إلى صورة
غذائية، حيث أن تأثير المعدة في نبت الربيع واحالته وجعله جزا للبدن أسرع
وأقوي من تأثيرها في غيره.
506

أجهز عليه عمله وكبت به مطيته [بطنته (خ)] (28)
فما راعني إلا والناس إلى كعرف الضبع قد انثالوا إلى
من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطا في!! (29)

(28) قال العسكري: (أجهز عليه): أتي عليه وقتله، يقال أجهزت
على الجريح أي كانت به جراحة فقتلته [وأتممت قتله]. أقول: وفي النهج:
(إلى أن انتكث فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته)، وفي أمالي الشيخ:
(حتى انتكثت به بطانته وأجهز عليه عمله). وفي الإحتجاج: (إلى أن كبت
به بطنته وأجهز عليه عمله). انتكث: انتقض. و (الفتل) كفلس -: لي
الشئ ونسج الشعر والوبر والقطن وما أشبهها - ويعبر عنه بالفارسية: ب‍ (تابيدن
وريسيدن) - وكبت به: أسقطه،، من قولهم: (كبا الجواد): سقط لوجهه
و (البطنة) - كفتنة -: البطر والأشر. الإسراف في كل الأكل. و (البطانة):
خلاف الظهارة. السريرة. الأهل والخاصة.
(29) وفي معاني الأخبار: (قد انثالوا علي). وفى أمالي الشيخ: (فما
راعني من الناس إلا وهو رسل كعرف الضبع يسألوني [أن] أبايعهم وأبي
ذلك، وانثالوا علي حتى لقد وطئ الحسان وشق عطافي [رداي (خ)]
وفي النهج: (فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ينثالون علي من
كل جانب حتى لقد وطئ الحسان وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة
الغنم)، أقول: (فما راعني): فما هالني. (وعرف الضبع): ما على عنقها
من الشعر الملتف. والكلام كناية عن كثرة المهاجمين وتكاثفهم عليه.
و (انثالوا علي): اندفعوا وانصبوا. و (عطافي): ردائي.
و (عطفاي - في رواية النهج -: جانباي أي خدش جانباي لكثرة
الاصطكاك والزحام. و (كربيضة الغنم) أي كالغنم الرابضة أي الواقفة
والجاثمة في مربضها أي مأواها ومحل استراحتها. يصنف عليه السلام شدة
ازدحامهم عليه وعدم انصرافهم عنه وانتقالهم عن محضره.
507

حتى إذا نهضت بالأمر نكثت طائفة وقسطت أخرى،
ومرق آخرون (30) كأنهم لم يسمعوا الله تبارك وتعالى
يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون
علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) [83 /
القصص: 28] بلى والله لقد سمعوها ووعوها [و]
لكن إحلولت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها (31).

(30) هذا الصواب الموافق لما في النهج: (فلما نهضت بالأمر نكثت
طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون). وفي المطبوع من كتاب علل الشرائع:
(وفسقت أخرى) والظاهر أنها من تصحيف الناسخين إذ لا تقابل بين
نكثت ومرقت وفسقت، لأن النكث والمروق داخلان تحت الفسق ومن
أقسامه فلا ينبغي أن يجعل قسما لهما، فالصحيح هو ما ذكرناه، والطوائف
الثلاث - وهم طلحة والزبير ومعاوية وأصحابه وإن اشتركت في الانحراف
وعدم الاستقامة على جادة الشريعة ولكن أخص أوصاف كل واحد منهم
وميزها عن الآخر هو ما ذكره عليه السلام وهذا البيان مأخوذ من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومن دلائل صدقه في دعواه حيث أخبر عن صفة
القوم قبل وقته بما يقرب أربعين سنة في قوله المتواتر بين المسلمين: (يا علي
ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين).
(31) وفي النهج: (ولكن حليت الدنيا...). وهما بمعنى واحد
أي صارت الدنيا حلوا لذيذا في مذاقهم ورأوها محلاة بحلية تشتهيه أنفسهم
فرغبوا فيها وركنوا إليها. و (راقهم) من باب قال -: أعجبهم.
و (الزبرج) الزينة. وقيل: الزبرج: الذهب.
508

[أما] والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور
الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما
أخذ الله على العلماء أ [ن] لا يقروا على كظة ظالم
ولا سغب مظلوم (32) لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت
آخرها بكأس أولها (33) ولألفيتم دنياكم هذه عندي

(32) الحبة: بذر النبات والأشجار. والنسمة: كل ذي روح. أو
هي البشر خاصة. وحضور الحاضر: حضور الأنصار ووجود الأعوان
على إقامة دين الله. و (أن لا يقروا) أي أن لا يعترفوا ولا يسكتوا وفي
النهج: (أن لا يقاروا). أي لا يسكنوا ولا يسكتوا. و (كظة ظالم) أي
بطنته أي امتلاؤه المفرط من الأكل وشبعه التام من مال الضعفاء والمساكين.
وقيل: هي ما يعتري الإنسان عند الامتلاء من الطعام. و (سغب مظلوم)
أي شدة جوعه وحرمانه من تناول ماله وحقوقه. والضمير في (حبلها - و -
غاربها) راجع إلى الخلافة، والكلام مبني على الاستعارة والتشبيه، حيث
شبه الخلافة ببعير مقوده بيده وزمامه باختياره. وغارب البعير: كاهله
وقدام سنامه أي لولا قيام الحجة علي على وجوب الدفاع عن حريم الشريعة
مع المكنة لأهملت أمر الخلافة وألقيت زمامها على كاهلها تتوجه أينما
تريد وتشتهي. والكلام من الكنايات الشائعة لتخلية الشخص سبيل ماله
السلطة عليه، حتى أنه قد يكنى به عن الطلاق والعتق.
(33) الضمير في (آخرها - و - أولها) راجع إلى الأمة.
509

أزهد من عفطة [حبقة (خ)] عنز (34).
قال [ابن عباس] وناوله رجل من أهل السواد (35) [عند بلوغه إلى
هذا الموضع من خطبته] كتابا فقطع كلامه، وتناول [أمير المؤمنين] الكتاب
[فأقبل ينظر فيه] فقلت: يا أمير المؤمنين لو اطردت مقالتك إلى حيث
بلغت. فقال: (هيهات هيهات، يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت) (36).

(34) (ألفيتم): وجدتم وعلمتم. و (أزهد): أهون. و (عفطة
عنز) أي ما يخرج من أنفه من فضلات ويعبر عنه في لسان المرودشتيين
ب‍ (چرم) بضم فسكون. والعفطة أيضا: الضرطة. وهذا المعنى أيضا يصح
إرادته هنا لا سيما بمعونة ما ورد في بعض النسخ والمقصود شدة كراهته
للدنيا ونهاية هوانها لديه وكمال اشمئزازه منها كاشمئزاز الإنسان من چرم
العنز وعفطته أو من (جس) المعز أي من ضرطته، وهذا المعنى إلى الآن مستعمل
دائر في محاورات العرب والإيرانيين في التعبير عن هوان الشئ واحتقاره.
(35) ما بين المعقوفين زدناه وأخرجنا الكلام من الاضمار توضيحا،
والمراد من السواد العراق.
(36) قال في هامش الجزء الثالث من كتاب تحرير التحبير، ص 383
ط مصر - عند ذكر الخطبة الشقشقية في متنه -: الخطبة الشقشقية خطبة
للإمام علي، وهي خطبة بديعة مشتملة على حكم وأنواع بلاغية، قيل لها
ذلك لأنها لما قال له ابن عباس رضي الله عنهما: (لو اطردت مقالتك من
حيث اقتضيت [كذا]). قال له: يا ابن عباس: هيهات تلك شقشقة
هدرت ثم قرت). والشقشقة: لهاة البعير. وقيل: [هي] شئ يخرجه
البعير من فيه إذا هاج.
510

قال ابن عباس: فما أسفت على كلام قط كأسفي على كلام أمير المؤمنين
عليه السلام إذ لم يبلغ [منه] حيث أراد (37).
الحديث الثاني عشر من الباب: (122) من كتاب علل الشرائع،
ص 144، ط (قم) وفي ط الغري ص 150، وفي الطبعة القديمة بإيران
ص 61.
ورواه أيضا في الباب (221) من كتاب معاني الأخبار، ص 360،
ط طهران بتحقيق الشيخ علي أكبر الغفاري وفقه الله، وبين الكتابين اختلاف
لفظي في بعض ألفاظ المتن وقد وضعنا مورد الإختلاف بين المعقوفات ونصبنا
القرينة المعينة في التعاليق المتقدمة على ما به الإختلاف بين الكتابين، وقد قلنا
سابقا: يحتمل قويا أن المتن الذي ذكره في كتاب معاني الأخبار مروي بالسند
الأخير - الذي ذكره هنا في أول الخطبة متصلا بها - والمتن الذي ذكره في
علل الشرائع رواه بالسند الأول، كما قد يستأنس بهذا اتصال الخطبة في علل
الشرائع بالسند الأول، - وإنما ذكر السند الثاني فيه بعد ختام الخطبة -
واتصالها بالسند الثاني في كتاب معاني الأخبار، وكيفما كان الاختلاف اللفظي
غير مضر بعد وحدة المعنى، ولو كان مرويا بطريق واحد، فضلا عما إذ
كان لكل لفظ طريق كما هو الشأن في هذه الخطبة، فإنك دريت مما تقدم
من التعاليق أن مورد الخلاف بين الكتابين موافق لغير واحد من المصادر التي
لا تتحد مع الكتابين.

(37) ولابن أبي الحديد ها هنا كلام لطيف نقله عن أستاذه النقيب، جدير
فالمراجعة جدا، فراجعه في شرح الخطبة من شرحه على نهج البلاغة.
511

ثم ليعلم أن الخطبة الشريفة قد رواها جماعة كثيرة من علماء السنة والإمامية ومن
عجائب الدهر أنه مع كثرة الدواعي على إخفاء أمثال هذا الكلام، واستقرار ديدنهم
على تغطيته وستره، وتمزيق أصله وإحراق مصادره، ومع ذلك كله قد تجلى في أفق
كتب كثير من أهل الإنصاف من علماء أهل السنة، وتلألأ بدره التم بحيث ينفذ
شعاعه في حاسة العميان فضلا عن أهل البصائر والضمائر، فرواها الحافظان
ابن مردويه، والطبراني - كما يأتي - ورواها ابن الخشاب عبد الله بن أحمد
واعترف بأنها من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وأنه وجدها في كتب العلماء
وأهل الأدب بخطوطهم قبل أن يخلق الرضي بمأتي سنة، كما ذكره عنه ابن
أبي الحديد في شرح الخطبة، وكذلك ذكر ابن أبي الحديد في الشرح: ج 1
ص 69: أنه وجد كثيرا من ألفاظ الخطبة في تصانيف إمام البغداديين من
المعتزلة الشيخ أبي القاسم البلخي، وأيضا رواها سبط ابن الجوزي يوسف بن
قزغلي الحنفي في أول الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص ص 133،
عن شيخه أبي القاسم النفيس الأنباري، ثم ذكر الخطبة بما يستفاد منه تعدد
الطرق لها. ورواها أيضا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري المتوفي عام 382،
كما رواها عنه الشيخ الصدوق في علل الشرائع ومعاني الأخبار، وكذلك
العلامة الحلي في المطلب الخامس من كتاب كشف الحق: ج 2 ص 40، وكذلك
نقلها عنه في المقدمة الثالثة من كتاب الدرجات الرفيعة، ص 37. ورواها
أيضا أبو علي الجبائي وأبو هلال العسكري الحسن بن عبد الله بن سهل المتوفي
بعد سنة 395. في كتاب الأوائل كما نقل عنه في إحقاق الحق نقلا عن هدية
الأحباب. وكثيرا منها ذكره الأدباء واللغويون، فذكر قطعا منها في مادة:
جذ وحذ وحضن ونفج ونفخ وشقشق من القاموس ولسان العرب وتاج
العروس، ومجمع الأمثال: ص 169.
512

وقطعا كثيرة منها ذكرها ابن الأثير في النهاية، فانظر منه المواد التالية:
جذ. وحذ. وحضن. ونفج ونفخ. ونثل. وخضم. وشقشق، وعفط.
وحلأ. وسفف وشنق.
وقال الفيروز آبادي في مادة: (شقق) من كتاب القاموس: والخطبة
الشقشقية العلوية لقوله لابن عباس - لما قال له: لو اطردت مقالتك من
حيث أفضيت -: يا ابن عباس هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت!!!
وقال في باب الاستعانة من الجزء الثالث من كتاب تحرير التحبير،
ص 383: وأما الناثر فإن أتى في أثناء نثره ببيت لنفسه سمى ذلك
تشهيرا، وإن كان البيت لغيره سمي استعانة كقول علي - عليه السلام -
في خطبته المعروفة بالشقشقية: [فيا عجبا] بينا هو يستقيلها في حياته،
إذ عقدها لآخر بعد وفاته [ثم قال]:
شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر
فهذا البيت للأعشى استعان به علي عليه السلام كما ترى. أقول:
وللعلامة الأميني رحمه الله في الغدير: ج 7 ص 80 كلام وفيه فوائد.
513

- 303 -
ومن خطبة له عليه السلام
في حث الناس إلى حرب معاوية
قال البلاذري: قالوا: [لما فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من بلوى
الخوارج] (1) أمر الناس بالرحيل من النهروان [إلى الشام] فقال لهم:
إن الله قد أعزكم، وأذهب عنكم ما كنتم تخافون
فامضوا من وجهكم هذا إلى الشام.
فقال الأشعث بن قيس: يا أمير المؤمنين نفدت سهامنا وكلت سيوفنا،

(1) ما بين المعقوفين زيادة منا لحصول الارتباط بين الكلام، كما أن أصل إيراد
الخطبة أيضا هاهنا - مع أنها قد تقدمت برواية المسعودي - لهذا الغرض،
ثم الضمير في لفظة (قالوا) في كلام البلاذري كأنه راجع إلى الجماعة
المذكورة في سند المختار. (258) المتقدم في ص 360، أو ما بعده مما
ذكره البلاذري في الحديث: (437) من ترجمة أمير المؤمنين.، والكلام
إلى قوله: (فركن الناس إلى ذلك) ذكره أيضا، في ترجمة الأشعث من
تاريخ بغداد: ج 1 ص 197.
514

ونصلت رماحنا فلو أتينا مصرنا حتى نريح ونستعد ثم نسير إلى عدونا. فركن
الناس إلى ذلك وكان الأشعث طنينا وسماه علي عرف النار (2).
وقال الثقفي رحمه الله: وسمعت أصحابنا [ينقلون] عن أبي عوانة،
عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن، قال قال
علي [عليه السلام لما سمع منهم ما قالوا]:
يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم
ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين (2).
فاعتلوا عليه، فقال: أف لكم إنها سنة جرت.
وعن محمد بن إسماعيل، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد
[الأسدي] عن نمير بن وعلة، عن أبي وداك، قال: لما أكره علي الناس
على المسير إلى الشام [فاعتلوا وطلبوا منه أن يعود بهم إلى الكوفة كي يداووا

(2) وبعده في الحديث (450) من أنساب الأشراف هكذا (قالوا:
فسار علي حتى أتى المدائن، ثم مضى حتى نزل النخيلة وجعل أصحابه يدخلون
الكوفة، حتى بقي في أقل من ثلاثمأة، فلما رأى ذلك دخل الكوفة وقد
بطل عليه ما دبر من إتيان الشام، قاصدا إليها من النهروان، فخطب الناس
[بالخطبة التالية]. ولما كان ما ذكره البلاذري غير واف للواقع في تلك
القصة، أتممناه برواية الثقفي في الحديث: (100) من كتاب الغارات:
ج 1 ص 100، ورواه عنه في البحار: ج 8 ص 678.
(3) اقتباس من الآية (21) من سورة المائدة: 5.
515

الجرحى ويستعدوا بأحسن الجهاز والعدة ثم يذهب بهم إلى الشام] أقبل
بهم حتى نزل النخيلة، وأمر الناس أن ينزلوا معسكرهم ويوطنوا على الجهاد
أنفسهم، وأن يقلوا زيارة أبنائهم ونسائهم حتى يسيروا إلى عدوهم،
فأقاموا معه بالنخيلة أياما ثم أخذوا يتسللون ويدخلون المصر، فبقي [عليه
السلام] وما معه من الناس إلا رجال من وجوههم قليل!!! وترك المعسكر
خاليا، فلا من دخل الكوفة خرج إليه، ولا من أقام معه صبر!!! فلما رأى
[عليه السلام] ذلك، دخل الكوفة في استنفار الناس.
وعن محمد بن إسماعيل، عن يزيد بن معدل، عن ابن وعلة، عن
أبي وداك، قال: لما تفرق الناس عن علي بالنخيلة، ودخل الكوفة، جعل
يستنفرهم إلى جهاد أهل الشام [وهم يتعللون] حتى بطلت الحرب تلك
السنة!!!.
516

- 304 -
ومن خطبة له عليه السلام
في توبيخ أصحابه وتقريعهم على التفرق عنه والتقاعد منه
قال ابن دأب: لما رأى أمير المؤمنين عليه السلام - وهو في معسكره
بالنخيلة - أن الذين بقوا معه لم يثبتوا ولم يستقيموا، وأن الذين انصرفوا
لم يرجعوا إليه (1) دخل الكوفة فصعد المنبر وقال:
لله أنتم؟ ما أنتم إلا أسد الشرى في الدعة، وثعالب
رواغة [عند البأس!!!] (2) ما أنتم بركن يصال به
ولا زوافر عز يفتقر إليها (3).

(1) هذا معنى كلامه وليس بصريح لفظه ونصه.
(2) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق ومذكورة في مصادر أخر.
والأسد - كقفل -: جمع الأسد - كسبب -. والشرى - كعصى -:
أجمة الأسد. وقيل: هي مأسدة الفرات يضرب بها المثل.
(3) زوافر: جمع الزافرة: عشيرة الرجل وأنصاره. عماد الشئ.
الكاهل.
517

أيها المجتمعة أبدانهم والمختلفة أهواؤهم ما عزت
دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم (4) مع
أي إمام بعدي تقاتلون؟ وأي دار بعد داركم
تمنعون؟!!
هكذا رواه الشيخ المفيد - رحمه الله - في كتاب الإرشاد ص 154،
نقلا عن كتاب ابن دأب.
وهذا تلخيص الخطبة، ورواها بأطول مما هنا الجاحظ في كتاب البيان والتبيين
وكذا رواها ابن عبد ربه في العقد الفريد كما رواها أيضا في المختار: (28)
من نهج البلاغة.

(4) قاساكم: تحمل تعب تقويمكم وألم تأديبكم وتربيتكم.
518

- 305 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما دخل الكوفة بعد ما تفرق جنده وتركوا معسكرهم خاليا!!!
أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدوكم ففي جهاده
القربة إلى الله ودرك الوسيلة عنده (1) (وأعدوا لهم ما
استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) (2) وتوكلوا على
الله، وكفى بالله وكيلا وكفى بالله نصيرا.
فتركهم أياما [منتظرا لجهازهم وإعدادهم] فلم يصنعوا شيئا حتى
إذا يئس منهم خطبهم بالخطبة التالية.
الحديث: (451) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف:
ج 1 / الورق 199 / أو ص 399 من المخطوطة، ومثله في الإمامة والسياسة
- ص 150، وغيرهما.

(1) ويل للذين يروون عن أمير المؤمنين أمثال هذا ثم يجمعون بين
ولايته وولاية معاوية.
(2) ما بين القوسين اقتباس من الآية: (60) من سورة الأنفال: 8.
519

- 306 -
ومن خطبة له عليه السلام
خطبها بعد ما يئس من إجابة أصحابه إياه في المسير إلى الشام فحمد الله
وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال:
يا عباد الله ما بالكم إذا أمر تكم أن تنفروا في سبيل
الله اثاقلتم إلى الأرض؟ (1) أرضيتم بالحياة الدنيا من
الآخرة بدلا؟ وبالذل والهوان من العز والكرامة خلفا؟!!
أكلما دعوتكم إلى الجهاد دارت أعينكم في رؤسكم؟!
كأنكم من الموت في سكرة، وكأن قلوبكم قاسية (2)

(1) وفي الآية (38) من سورة التوبة: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم
إذا قيل لكم: انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض، أرضيتم بالحياة
الدنيا من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل).
(2) كذا.
520

فأنتم أسود الشرى عند الدعة (3) وحين تنادون للبأس
ثعالب رواعة!!! (4) تنتقص أطرافكم فلا تتحاشون (5)
ولا ينام عنكم عدوكم وأنتم في غفلة ساهون!!!
إن لكم علي حقا، وإن لي عليكم حقا، فأما
حقكم فالنصيحة لكم ما نصحتم (6) وتوفير فيئكم
عليكم، وأن أعلمكم كيلا تجهلوا، وأؤدبكم كيما
تعلموا (7) وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصح
في المغيب والمشهد، والإجابة حين أدعوكم والطاعة
حين آمركم.

(3) الشرى - كعسى -: أجمة الأسد. كناية عن سرعة التوثب
وشدة الإباء.
(4) كذا في الأصل، وفي النهج: (الرواغة).
(5) أي فلا تنهضون ولا تتحركون.
(6) كذا في النسخة، والصواب ما في البحار: ج 8 ص 679:
(النصيحة لكم ما صحبتكم).
(7) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (كيلا تعملوا): وفي المحكي
عن الغارات: (وتأديبكم كي تعلموا).
521

ذيل الحديث: (451) من ترجمة أمير المؤمنين - عليه السلام - من
كتاب أنساب الأشراف، القسم الأول من ج 1 / الورق 199 / أو ص
399، وفي ط 1: ج 2 ص 380. وذكرها مع زيادة كثيرة سليم بن
قيس الهلالي في كتابه ص 110، كما ذكرها أيضا في الإمامة والسياسة.
- 307 -
ومن خطبة له عليه السلام
في سياق الناس إلى حرب معاوية أيضا
قال ابن أبي الحديد: وروى الأعمش، عن الحكم بن عتيبة، عن
قيس بن حازم (1) قال: سمعت عليا عليه السلام على منبر الكوفة وهو
يقول:

(1) وأيضا قال ابن أبي الحديد - بعد رواية ما في المتن -: هذا قيس
ابن أبي حازم وهو الذي روى حديث: (إنكم لترون ربكم يوم القيامة.،
كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته). وقد طعن مشايخنا
المتكلمون فيه وقالوا: إنه فاسق، ولا تقبل روايته لأنه قال: إني سمعت
عليا يخطب على منبر الكوفة و [هو] يقول: (انفروا إلى بقية الأحزاب)
فأبغضته ودخل بغضه في قلبي.
قال ابن أبي الحديد: ومن يبغض عليا عليه السلام لا تقبل روايته. قال
المحمودي: وأراد ابن أبي الحديد انه لا يصدق في حديث الرؤية لأنه فاسق
- ببغضه عليا عليه السلام - غير مبال بالدين، والفاسق وغير المبالي بالدين
لا يستبعد كذبه وافتراؤه على الله ورسوله فلا اطمئنان بقوله، والاعتماد
عليه ونسبة روايته إلى الله ورسوله - والحال هذه - داخل في عنوان الكذب
والافتراء على الله المحرمين بالكتاب والسنة، فليسقط ما اعتقده ابن حنبل
وجهال الحشوية.
نعم لو دلت قرينة خارجية على صدق الفاسق في قوله سواء كانت
حالية أو مقالية أو عقلية يقبل قول الفاسق لأنه بها يخرج عن عنوان الكذب
والافتراء، ويدخل تحت عنوان العلم وحجية العلم ذاتية، ولذا نصدق
ابن أبي حازم في روايته كلام أمير المؤمنين هذا، لأنه من أعداء أمير
المؤمنين وشهادة العدو فيما يرجع إلى الضرر إلى نفسه تقبل بإطباق جميع
الملل والأديان.
ثم إن في رواية الرؤية شخص آخر ممن فر من العدل وركن إلى القوم
الظالمين وهو جرير بن عبد الله البجلي كما ذكره في ترجمة علي المديني من
تاريخ بغداد: ج 11 ص 466 كما أنه روى فيه ص 467 عن علي المديني
ان قيس بن أبي حازم كان عثمانيا وانه لم يشهد الجمل، وانه كان أعرابيا
بوالا على عقبيه.
522

يا أبناء المهاجرين انفروا إلى أئمة الكفر وبقية
الأحزاب، وأولياء الشيطان. انفروا إلى من يقاتل
523

على دم حمال الخطايا (2) فوالله الذي فلق الحبة
وبرأ النسمة، إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة
لا ينقص من أوزارهم شيئا!!!.
شرح المختار: (34) من خطب نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2
ص 194، وللخطبة مصدر آخر يأتي، ولها شواهد تقدم بعضها ويجئ أيضا
بعض آخر، ورواها أيضا الثقفي بإسناده عن [ابن] أبي حازم، ثم قال:
وحدثنا بهذا الكلام من قول أمير المؤمنين عليه السلام غير واحد من العلماء.
كما في البحار: ج 8 ص 629.

(2) وتقدم في المختار: (40) في ج 1، ص 164 - ويجئ أيضا في
المختار: (29) من باب الكتب - ما يدل عليه.
524

- 308 -
ومن خطبة له عليه السلام
في حث أهل الكوفة على الجهاد
قال الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان (ره): أخبرني أبو الحسن
علي بن محمد بن حبيش الكاتب، قال: حدثنا الحسن بن علي الزعفراني،
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل،
عن زيد بن المعدل عن يحيى بن صالح، عن الحرث بن حصيرة، عن أبي
صادق، عن جندب بن عبد الله الأزدي قال: سمعت أمير المؤمنين عليه
السلام يقول لأصحابه وقد استنفرهم أياما إلى الجهاد فلم ينفروا، فصعد
المنبر وقال:
أيها الناس إني قد استنفرتكم فلم تنفروا، ونصحت
لكم فلم تقبلوا!!! فأنتم شهود كأغياب، وصم ذوو
أسماع!!! (1) أتلو عليكم الحكمة [فتنفرون منها] وأعظكم

(1) ومثله في الإمامة والسياسة: ج 1 ص 151.
525

بالموعظة الحسنة [فتتفرقون عنها] وأحثكم على جهاد عدوكم
الباغين (2) فما آتي على آخر منطقي حتى أراكم متفرقين
أيادي سبا (3)!!! فإذا أنا كففت عنكم عدتم إلى مجالسكم
حلقا عزين (4) تضربون الأمثال، وتناشدون الأشعار (5)

(2) ما بين المعقوفات مأخوذ من المختار: (96) من نهج البلاغة.
وفي الإمامة والسياسة: (وأحثكم على جهاد المحلين الظلمة الباغين
فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين، إذا تركتكم عدتم إلى
مجالسكم)...
(3) الكلام من الأمثلة السائرة بين العرب، قال في مادة) (سبأ)
من اللسان: [قال في] التهذيب: وقولهم: (ذهبوا أيدي سبا) أي متفرقين،
شبهوا بأهل سبأ لما مزقهم الله في الأرض كل ممزق فأخذ كل طائفة منهم
طريقا على حدة، واليد: الطريق يقال: أخذ القوم يد بحر [أي طريقه]
فقيل للقوم إذا تفرقوا في جهات مختلفة: ذهبوا أيدي سبا أي فرقتهم طرقهم
التي سلكوها كما تفرق أهل سبا في مذاهب شتى. والعرب لا تهمز سبا في
هذا الموضع لأنه كثر في كلامهم فاستثقلوا فيه الهمزة وإن كان أصله
مهموزا.
(4) أي حلقا حلقا متفرقين، وعزين: جمع عزة - على وزن عدة -:
الطائفة من الناس، والهاء عوض عن اللام المحذوفة وهي الواو.
(5) وهذه العادة إلى الآن جارية في العرب - والظاهر أن المراد من
الأخبار، هو السؤال عن سعر الأجناس.
526

وتسألون عن الأخبار، وقد نسيتم الاستعداد للحرب،
وشغلتم قلوبكم بالأباطيل (6) تربت أيديكم، أغزوا
القوم قبل أن يغزوكم (7) فوالله ما غزي قوم قط في
عقر ديارهم إلا ذلوا، وأيم الله ما أراكم تفعلون حتى
يفعلوا، ولوددت أني لقيتهم على نيتي وبصيرتي
فاسترحت من مقاساتكم (8) فما أنتم إلا كإبل جمة
ضل راعيها (9) فكلما ضمت من جانب انتشرت من
جانب آخر، والله لكأني بكم لو حمي الوغى وحم

(6) المراد من الأباطيل هو ما تقدم من ذكر الأمثال ومناشدة الأشعار
وتفقد الأسعار.
(7) (تربت أيديكم) دعاء عليهم أي لا تصيبون خيرا وافتقرتم
حتى لصقتم بالتراب.
(8) أي من تعب حملكم على جهات العزة والمنعة والسيادة والسعادة.
(9) الجمة: الكثيرة أي كقطيع إبل لا راعي لها فإنها لو اجتمعت
من جانب على سبيل المصادفة، تفرقت من جانب آخر.
527

البأس قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج
المرأة عن قلبها (10).
فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي فقال له: يا أمير المؤمنين فهلا
فعلت كما فعل ابن عفان.
فقال [أمير المؤمنين عليه السلام]:
يا عرف النار ويلك (11) إن فعل ابن عفان لمخزاة
على من لا دين له ولا حجة معه، فكيف وأنا على
بينة من ربي [و] الحق في يدي، والله إن امرأ
يمكن عدوه من نفسه يخدع لحمه (12) ويهشم عظمه

(10) الكلام كناية عن حصول انفعال طبيعي لهم عند الحرب من
الجبن وحب الحياة بحيث يمكنون عدوهم على أنفسهم كتمكين المرأة لطاعنها.
(11) قال السيد الرضي رحمه الله في ذيل المختار (18) من النهج
في قصة ذكرها: وكان قومه بعد ذلك يسمونه عرف النار، وهو اسم
للغادر عندهم.
(12) كذا في الأصل ولعله من قولهم: (خدع الرجل - من باب
منع - خدعا): قطع أخدعه، والأخدع عرقان في صفحتي العنق قد
خفيا وبطنا. قوله (ويهشم عظمه): يكسره، والفعل من باب ضرب،
و (يفري) - من باب رمى -: يقطع ويشق.
528

ويفري جلده ويسفك دمه، لضعيف ما ضمت عليه
جوانح صدره (13) أنت فكن كذلك إن أحببت،
أما أنا فدون أن أعطي ذلك، ضربا بالمشرفي يطير منه
فراش الهام، وتطيح منه الأكف والمعاصم ويفعل الله
بعد [ذلك] ما يشاء.
فقام أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد، صاحب منزل رسول الله
فقال: أيها الناس إن أمير المؤمنين [أكرمه الله قد أسمع] من كانت له
أذن واعية وقلب حفيظ، إن الله قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حق قبولها،
إنه ترك بين أظهركم ابن عم نبيكم وسيد المسلمين من بعده يفقهكم
في الدين، ويدعوكم إلى جهاد الملحدين، فكأنكم صم لا تسمعون، أو
على قلوبكم غلف مطبوع عليها فلا تعقلون، أفلا تستحون عباد الله؟ أليس
إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس؟ قد شمل البلاء، وشاع في البلاد [الفساد]
فذو حق محروم وملطوم وجهه وموطوء بطنه، وملقى بالعراء يسفي عليه
الأعاصير، لا يكنه من الحر والقر، وصهر الشمس وضح إلا الأثواب

(13) هذا هو الظاهر وفي الأصل: (جوارح صدره...). والجوانح:
الأضلاع تحت الترائب مما يلي الصدر، والمفرد: الجانحة، سميت بذلك
لانحنائها وميلها.
529

الهامدة (14) وبيوت الشعر البالية، حتى جاءكم الله بأمير المؤمنين عليه
السلام، فصدع بالحق، ونشر العدل، وعمل بما في الكتاب، يا قوم فاشكروا
نعمة الله عليكم ولا تولوا مدبرين، ولا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا
وهم لا يسمعون. اشحذوا السيوف واستعدوا لجهاد عدوكم، وإذا دعيتم
فأجيبوا وإذا أمرتم فاسمعوا وأطيعوا، وما قلتم فليكن، وما أمرتم فكونوا
بذلك من الصادقين.
الحديث الخامس من المجلس: (18) من أمالي الشيخ المفيد، ص 95، ومثله
في الإمامة والسياسة ص 151، إلا أنه جعله ذيل خطبة طويلة، وصدر
الكلام قريب جدا من المختار: (96) من نهج البلاغة، ورواه أيضا في
أواسط كتاب سليم بن قيس (ره) ص 110، مع زيادات في الذيل، ورواه
في البحار: ج 8 ص 702 عن الشيخ المفيد، في الأمالي والثقفي في كتاب الغارات.

(14) يسفي عليه - من باب أفعل -: تهب عليه. والأعاصير: جمع
الإعصار: الزوبعة، ويعبر عنها في الفارسية ب‍ (كردباد). والقر - بضم
أوله كحر -: البرد. وصهر الشمس - على زنة بحر -: حرارتها. والوضح
- هنا إن صحت ولم تكن مصحفة -: الساتر. ولعل الصواب: (صهر
الشمس ووضحها) أي ضوئها وامتداد أشعتها، والأثواب الهامدة: البالية.
530

- 309 -
ومن كلام له عليه السلام
أجاب به أبا مريم القرشي
قال ابن أبي الحديد: وروى ابن ديزيل، عن عقبة بن مكرم، عن
يونس بن بكير، عن الأعمش قال: كان أبو مريم صديقا لعلي عليه السلام،
فسمع بما كان فيه علي عليه السلام من اختلاف أصحابه عليه، فجاءه فلم
يرع عليا عليه السلام إلا وهو قائم على رأسه بالعراق، فقال له: [يا]
أبا مريم ما جاء بك نحوي؟ قال: ما جاء بي غيرك!!! عهدي بك لو
وليت أمر الأمة كفيتهم ثم سمعت بما أنت فيه من الاختلاف!!!
فقال [عليه السلام]:
يا أبا مريم إني منيت بشرار خلق الله (1) أريدهم
على الأمر الذي هو الرأي فلا يتبعوني!!!
شرح المختار: (43) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 3 ص 96.
وقريبا منه رواه اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 194، ط الغري.

(1) منيت - على بناء المجهول -: ابتليت.
531

- 310 -
ومن كلام له عليه السلام
في بث الشكوى والضجر من أهل الكوفة والدعاء عليهم
قال البلاذري: وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن لوط بن
يحي أبي مخنف: أن عمارة بن عقبة بن أبي معيط كتب إلى معاوية من
كوفة يعلمه أنه خرج على علي قراء أصحابه ونساكهم فسار إليهم فقتلهم
فقد فسد عليه جنده وأهل مصره، ووقعت بينهم العداوة، وتفرقوا أشد
الفرقة. فضحك معاوية وقال للوليد: أترضى أخوك بأن يكون لنا عينا؟ (1).
قال البلاذري: وحدثني هشام بن عمار الدمشقي أبو الوليد [قال]: حدثني
صدقة بن خالد، عن زيد بن واقد، عن أبيه، عن أشياخهم أن معاوية
لما بويع وبلغه قتال علي أهل النهروان، كاتب وجوه من معه مثل الأشعث
ابن قيس وغيره ووعدهم ومناهم وبذل لهم حتى مالوا إليه وتثاقلوا عن
المسير مع علي عليه السلام، فكان يقول فلا يلتفت إلى قوله، ويدعو فلا

(1) وهذا كان في أنساب الأشراف مؤخرا عن التوالي، وقد مناه لأنه
أوفق، ثم إن هذه القصة ذكرها ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (29)
من خطب النهج: ج 2 ص 114، عن الغارات - تفصيلا. وتأتي أيضا
ها هنا عن الطبري إشارة.
532

يسمع لدعوته!!! فكان معاوية يقول: لقد حاربت عليا بعد صفين بغير جيش
ولا عناء - أو قال: ولا عتاد.
وحدثني يحي بن معين، حدثنا سليمان أبو داود الطيالسي أنبأنا شعبة
ابن الحجاج، أنبأنا محمد بن عبيد الله الثقفي، قال: سمعت أبا صالح
يقول: شهدت عليا ووضع المصحف على رأسه حتى سمعت تقعقع الورق!!
فقال:
اللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك!!!
اللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني
وحملوني على غير خلقي وعلى أخلاق لم تكن تعرف
لي!!! فأبدلني بهم خيرا لي منهم، وأبدلهم بي
شرا مني، ومث قلوبهم ميث الملح في الماء.
الحديث: (452) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف
ج 1 / الورق 200، أو ص 400، وفي المطبوع: ج 2 ط 1، ص 383
وللكلام مصادر أخر.
533

- 311 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما بلغه إغارة الضحاك بن قيس من قبل معاوية على الثعلبية ونهبه
أموال الحجاج وقتله عمرو بن عميس ابن أخي عبد الله بن مسعود
قال ابن أبي الحديد: روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي،
في كتاب الغارات، قال: كانت غارة الضحاك بن قيس، بعد [حكومة]
الحكمين، وقتال النهروان (1) وذلك أن معاوية لما بلغه أن عليا عليه السلام
بعد واقعة الحكمين، تحمل إليه مقبلا هاله ذلك، فخرج من دمشق معسكرا
وبعث إلى كور الشام فصاح بها [فيها (خ)] إن عليا قد سار إليكم،
وكتب إليهم نسخة واحدة فقرئت على الناس:
أما بعد فإنا كنا كتبنا كتابا بيننا وبين علي، وشرطنا فيه شروطا،
وحكمنا رجلين يحكمان علينا وعليه بحكم الكتاب لا يعدوانه، وجعلنا
عهد الله وميثاقه على من نكث العهد ولم يمض الحكم، وإن حكمي الذي
كنت حكمته أثبتني، وإن حكمه خلعه، وقد أقبل إليكم ظالما (ومن

(1) هذا هو الظاهر الموافق لما يأتي في هذه الرواية، ولما أطبق عليه جل
المؤرخين من أن إغارة الضحاك كانت بعد وقعة النهروان، وفي النسخة
(وقبل قتال النهروان).
534

نكث فإنما ينكث على نفسه) [10 / الفتح] تجهزوا للحرب بأحسن
الجهاز، وأعدوا آلة القتال، وأقبلوا خفافا وثقالا، يسرنا الله وإياكم
لصالح الأعمال!
فاجتمع إليه الناس من كل كورة (2) وأرادوا المسير إلى صفين،
فاستشارهم وقال: إن عليا قد خرج من الكوفة، وعهد العاهد به أنه
فارق النخيلة.
فقال حبيب بن مسلمة: فإني أرى أن نخرج حتى ننزل منزلنا الذي كنا
فيه، فإنه منزل مبارك، وقد متعنا الله به وأعطانا من عدونا فيه النصف.
وقال عمرو بن العاص: إني أرى لك أن تسير بالجنود، حتى توغلها
في سلطانهم من أرض الجزيرة (3) فإن ذلك أقوى لجندك وأذل لأهل حربك
فقال معاوية: والله إني لأعرف أن الذي تقول كما تقول، ولكن الناس لا
يطيعون ذلك. قال عمرو: إنها أرض رفيقة. فقال معاوية: إن جهد الناس
أن يبلغوا منزلهم الذي كانوا به - يعني صفين. فمكثوا يجيلون الرأي يومين
أو ثلاثة، حتى قدمت عليهم عيونهم: ان عليا اختلف عليه أصحابه ففارقته
منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة، وانه قد رجع عنكم إليهم، فكبر الناس

(2) الكورة - والجمع كور، كسورة وسور -: الناحية التي تشتمل على
المساكن والقرى، وقال في معجم البلدان: ج 1 ص 36: هي كل صقع
يشتمل على عدة قرى.
(3) يقال: (وغل في البلاد وغولا - من باب وعد - وأوغل فيه
إيغالا): ذهب فيه وأبعد.
535

سرورا لانصرافه عنهم، وما ألقى الله عز وجل من الخلاف بينهم، فلم
يزل معاوية معسكرا في مكانه منتظرا لما يكون من علي وأصحابه، وهل يقبل
بالناس أم لا؟ فما برح حتى جاء الخبر: أن عليا قد قتل أولئك الخوارج،
وأنه أراد بعد قتلهم أن يقبل بالناس، وأنهم استنظروه ودافعوه. فسر بذلك
[معاوية وأصحابه].
قال الثقفي: وروى ابن أبي سيف، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن
عبد الرحمان بن مسعدة الفزاري، قال: جاءنا كتاب عمارة بن عقبة بن أبي
معيط - وكان مقيما بالكوفة - ونحن معسكرون مع معاوية، نتخوف أن
يفرغ علي من الخوارج، ثم يقبل إلينا، ونحن نقول: إن أقبل إلينا كان
أفضل المكان الذي نستقبله به، المكان الذي لقيناه فيه العام الماضي. فكان في كتاب
عمارة بن عقبة: أما بعد فإن عليا خرج عليه قراء أصحابه ونساكهم، فخرج
إليهم فقتلهم، وقد فسد عليه جنده وأهل مصره، ووقعت بينهم العداوة،
وتفرقوا أشد الفرقة، وأحببت إعلامك لتحمد الله، والسلام.
فقرأه معاوية على وجه أخيه عتبة، وعلى الوليد بن عقبة وعلى أبي الأعور
السلمي، ثم نظر إلى أخيه عتبة، وإلى الوليد بن عقبة وقال للوليد: لقد رضي
أخوك أن يكون لنا عينا. فضحك الوليد، وقال: إن في ذلك أيضا لنفعا.
قال الثقفي: فعند ذلك دعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري، وقال له:
سر حتى تمر بناحية الكوفة، وترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من
الأعراب في طاعة علي فأغر عليه، وإن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر
عليها، وإذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى، ولا تقيمن لخيل بلغك أنها
قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها. فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف.
536

فأقبل الضحاك فنهب الأموال، وقتل من لقي من الأعراب، حتى مر
بالثعلبية، فأغار على الحاج، فأخذ أمتعتهم، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس
ابن مسعود الذهلي - وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى
الله عليه وآله - فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة، وقتل معه ناسا من
أصحابه.
قال الثقفي: فروي إبراهيم بن مبارك البجلي، عن أبيه، عن بكر بن
عيسى، عن أبي روق، قال: حدثني أبي قال: سمعت عليا عليه السلام
وقد خرج إلى الناس [لما أخبر بفجائع الضحاك] وهو يقول على المنبر:
يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو
بن عميس، وإلى جيوش لكم قد أصيب منه طرف (4)
أخرجوا فقاتلوا عدوكم وامنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين!!!
فردوا عليه ردا ضعيفا، ورأي منهم عجزا وفشلا!!! فقال:
والله لوددت أن لي بكل ثمانية منكم رجلا منهم!
ويحكم اخرجوا معي ثم فروا عني ما بدا لكم!!!
فوالله ما أكره لقاء ربي على نيتي وبصيرتي، وفي ذلك
روح لي عظيم، وفرج من مناجاتكم ومقاساتكم.

(4) الطرف - كشرف وهدف -: قسم من الشئ وطائفة منه،
والجمع: أطراف.
537

ثم نزل [عليه السلام] فخرج يمشي حتى بلغ الغريين!!! ثم
دعا حجر بن عدي الكندي فعقد له على أربعة آلاف [وسرحه للقاء
الضحاك].
فخرج حجر (5) حتى مر بالسماوة - وهي أرض كلب - فلقي بها
إمرأ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي - وهم
أصهار الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام - فكانوا أدلاؤه في الطريق:
وعلى المياه، فلم يزل مغذا في أثر الضحاك (6) حتى لقيه بناحية تدمر،
فواقعه فاقتتلوا ساعة، فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا، وقتل
من أصحاب حجر رجلان، وحجز الليل بينهم، فمضى الضحاك فلما
أصبحوا لم يجدوا له ولأصحابه أثرا.
وكان الضحاك يقول بعد [ذلك] (7) أنا ابن قيس، أنا أبو أنيس
أنا قاتل عمرو بن عميس.

(5) وها هنا روى ابن أبي الحديد في الشرح: ج 2 ص 117، أن المختار
(29) من نهج البلاغة رواه الكليني رحمه الله فليتثبت.
(6) يقال: (أغذ السير - وفي السير - إغذاذا): أسرع
وبالغ فيه.
(7) يعني في أيام معاوية لما أمره على الكوفة، كان يقول ذلك تهديدا
لأهل الكوفة وافتخارا بالذنب كما هو الشأن لجميع رؤس أهل الضلالة في جميع
الأعصار عند خلو جوهم عن المحق المقتدر.
538

شرح المختار: (29) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 117:
نقلا عن كتاب الغارات. وكلام أمير المؤمنين عليه السلام - هذا بوحده - رواه
في الفصل: (39) من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد، ص 145،
ونقله عنه وعن الغارات - بزيادة جمل في آخره - في بحار الأنوار: ج 8
ص 674، السطر 5 عكسا، وص 700 / السطر 3 عكسا، وقريب منه في تاريخ
اليعقوبي: ج 2 ص 171، ومثله في الحديث: (489) من ترجمة أمير المؤمنين
من أنساب الأشراف: ج 1 ص 417 من المخطوطة، وفي المطبوعة:
ج 2 ص 437.
539

- 312 -
ومن خطبة له عليه السلام
في استنفار أهل الكوفة إلى حرب معاوية بعد انقضاء مدة الهدنة
بينه وبين معاوية، وقد شن جنود معاوية الإغارة على سكنة العراق،
والأبرياء من المؤمنين
قال شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ره): أخبرنا جماعة عن
أبي عبد الله محمد بن عمران المرزباني، قال حدثنا محمد بن موسى،
قال: حدثنا محمد بن سهل، قال: أخبرنا هشام، قال: حدثني أبو
مخنف، قال: حدثني الحرث بن الحصيرة، عن أبي صادق عن جندب
ابن عبد الله الأزدي، قال: قام علي بن أبي طالب في الناس ليستنفرهم
إلى أهل الشام، وذلك بعد انقضاء المدة التي كانت بينه وبينهم، وقد شن
معاوية على بلاد المسلمين الغارات، فاستنفرهم [علي] عليه السلام، بالرغبة في
الجهاد والرهبة، فلم ينفروا، فأضجره ذلك فقال:
أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم،
ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم!
540

كلامكم يوهن الصم الصلاب (1) وتثاقلكم عن طاعتي
يطمع فيكم عدوكم (2) إذا أمرتكم قلتم كيت وكيت
وعسا (3) أعاليل أباطيل وتسألوني التأخير دفاع ذي
الدين المطول (4) هيهات هيهات لا يدفع الضيم الذليل، ولا
يدرك الحق إلا بالجد والصبر، أي دار بعد داركم تمنعون؟
ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه!!!

(1) وفي المختار (29) من نهج البلاغة: (كلامكم يوهي الصم الصلاب)
يقال: (وهنه توهينا وأوهنه ايهانا): ضعفه. و (أوهاه إيهاء): أضعفه.
و (الصم) جمع الأصم وهو من الحجارة الصلب المصمت. والصلاب: جمع
الصليب وهو الشديد أي انكم تقولون من القول ما يكاد يفلق الحجر القوي
المستحكم ويضعضعه ويفتته ثم تناقضون القول بأعمال تطمع عدوكم فيكم.
(2) وفي النهج: (وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس
كيت كيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد!!!).
(3) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (كيف وكيت وعسا).
(4) أي إن أقوالكم هذه علل أي تعلل وأباطيل لا حقيقة لها، وإنكم
تتعللون بالأباطيل التي لا جدوى لها. وفي النهج: (أعاليل بأضاليل دفاع ذي
الدين المطول) والمطول: المماطل بأداء الدين ومسوفه من وقت إلى وقت.
541

ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب!!! (5) أصبحت
لا أطمع في نصرتكم ولا أصدق قولكم!!! فرق
الله بيني وبينكم وأعقبني بكم من هو خير لي منكم (6).
أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا، وسيفا قاطعا
وأثره يتخذها الظالمون فيكم سنة (7) تفرق جماعتكم
وتبكي عيونكم [و] تمنون عما قليل أنكم رأيتموني

(5) وبعده في النهج هكذا: (ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل)
أي من ظفر بكم وكنتم حظه وسهمه فقد ظفر وفاز بالسهم الأخيب. والأخيب
من سهام القمار: الذي لا نصيب له.
والأفوق من السهام هو الذي كسر فوقه أي موضع الوتر منه. والناصل:
العاري عن النصل أي الحديدة المثبتة فيه التي تجرح وتقتل المرمي. أي من رمى
بكم العدو فكأنه رماه بسهم لا يثبت في الوتر حتى يرمى وإن ثبت ورمى به لا
يقتل العدو ولا يجرحه إذ لا نصل له.
(6) أعقبني بكم أي يأتيني بدلكم ويخلفكم من هو خير منكم ممن يسارع
إلى الخيرات ويسابق إلى مرضاة الله وإعلاء المجد والعظمة.
(7) والأثرة - كشجرة وبسكون الثاء وتثليث الهمزة -: الإختيار
وتخصيص الفئ والحقوق المشتركة بالنفس أو بمن تهواه وعدم توزيعها
على أربابها، قال في لسان العرب: وفي الحديث [أنه صلى الله عليه
وآله] قال للأنصار: انكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا. الأثرة - بفتح
الهمزة والثاء - الاسم من (آثر يؤثر إيثارا (إذا أعطى أراد أنه يستأثر عليكم
فيفضل في نصيبه من الفيء، والإستئثار: الإنفراد بالشئ والاستبداد به.
542

فنصرتموني وستعرفون ما أقول لكم عما قليل!!! ولا
يبعد الله إلا من ظلم.
قال: فكان جندب لا يذكر هذا الحديث إلا بكي (8) وقال: صدق
والله أمير المؤمنين، قد شملنا الذل، ورأينا الأثرة، ولا يبعد الله إلا
من ظلم.
الحديث الرابع من الجزء السابع من أمالي شيخ الطائفة محمد بن الحسن
الطوسي رحمه الله ص 113، ط طهران.
وقطعة منها ذكرها في أواسط الباب الأخير، من كتاب المسترشد، ص 162،
ط 1، وقد تقدم قريب منها برواية أخرى في المختار: (297) ص 517.

(8) إذ قد وقع الخبر على وفق ما أخبر به عليه السلام فإنه بعد شهادة
أمير المؤمنين عليه السلام تسيطر على الكوفة أذناب آل أمية فحملوا عنهم فيئهم
وقتلوا الصالحين منهم والقائلين بالحق تحت كل حجر ومدر، بل قتلوا كل من
خالف آل أمية ولو لم يكن من الصلحاء.
543

- 313 -
ومن كلام له عليه السلام
لما أخبر بنزول النعمان بن بشير في ألفي رجل على عين التمر (1)
قال اليعقوبي (ره): ووجه معاوية النعمان بن بشير، فأغار على مالك
ابن كعب الأرحبي، وكان عامل علي عليه السلام على مسلحة عين التمر،
فندب علي (2) عليه السلام الناس فقال:

(1) وإليك تلخيص القصة من كتاب الغارات قال: لما انصرف الضحاك
ابن قيس من العراق أرسل معاوية النعمان بن بشير في ألفي رجل وأوصاه أن
يتجنب المدن والجماعات وأن لا يغير إلى علي مسلحة وأن يعجل الرجوع.
فأقبل النعمان حتى دنا من عين التمر وبها مالك بن كعب الأرحبي وكان
في ألف رجل ولكن قد أذن لهم فرجعوا إلى الكوفة فلم يبق معه إلا مأة أو نحوها
فكتب مالك إلى علي عليه السلام: أما بعد فإن النعمان بن بشير قد نزل بي في جمع
كثيف فر رأيك سددك الله تعالى وثبتك والسلام. فوصل الكتاب إلى علي
عليه السلام فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أخرجوا هداكم الله
إلى مالك بن كعب أخيكم...
(2) يقال: (ندب فلانا للأمر - من باب نصر - وانتدبه لأمر انتدابا):
دعاه. فانتدب هو أي أجاب.
544

يا أهل الكوفة انتدبوا إلى أخيكم مالك بن كعب،
فإن النعمان بن بشير قد نزل به في جمع ليس بكثير
[فانهضوا إليهم] لعل الله أن يقطع [بكم] من الظالمين
طرفا.
فأبطأوا ولم يخرجوا!!! فصعد عليه السلام المنبر [فخطبهم بالخطبة
التالية].
تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 184، ومثله في الحديث: (100) من كتاب
الغارات ص 10، ورواه أيضا في شرح المختار: (39) من خطب
نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 304 نقلا عن كتاب الغارات، ورواه
عنه أيضا في البحار: ج 8 ص 675 ط الكمباني.
545

- 314 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تقريع أهل الكوفة على التقاعد عنه والتخلف عن أمره
قال اليعقوبي: [لما خطب أمير المؤمنين عليه السلام، أهل الكوفة
بالخطبة السابقة فلم ير منهم الإجابة] فصعد عليه السلام المنبر، فتكلم كلاما
خفيا لا يسمع، فظن الناس أنه يدعو الله [عليهم] ثم رفع صوته فقال:
أما بعد يا أهل الكوفة، أكلما أقبل منسر من مناسر
أهل الشام (1) أغلق كل امرئ [منكم] بابه؟!
وانجحر في بيته انجحار الضب والضبع؟! (2) الذليل [والله

(1) المنسر - كمجلس ومنبر -: القطعة من الجيش تمر أمام الجيش
العظيم، وفي أنساب الأشراف: ([أ] كلما أطلت عليكم سرية وأتاكم منسر).
(2) وفي النهج: (وانجحر انجحار الضبة في جحرها والضبع في وجارها؟
الذليل والله من نصرتموه، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل)...
546

من نصرتموه، ومن رمى بكم، فقد رمى بأفوق ناصل] (3)
أف لكم لقد لقيت منكم [برما] (4) يوما أناجيكم
ويوما أناديكم فلا إخوان عند النجاء (5) ولا أحرار عند
النداء!!!
[ثم نزل عليه السلام عن المنبر ودخل منزله] فلما دخل بيته قام عدي
ابن حاتم فقال: هذا والله الخذلان القبيح؟! ثم دخل إليه فقال: يا أمير المؤمنين
معي ألف رجل من طئ لا يعصونني وإن شئت أن أسير بهم سرت. فقال
علي عليه السلام: جزاك الله خيرا يا أبا طريف ما كنت لأعرض قبيلة

(3) ما بين المعقوفين كان ساقطا من النسخة ولا بد منه.
والأفوق من السهام: الذي كسر فوقه أي موضع الوتر منه. والناصل:
العاري من النصل. والسهم إذا كان مكسور الفوق عاريا عن النصل لم يؤثر
في الرمية، فأصحابه عليه السلام عند تخاذلهم وعدم انقيادهم لأوامره كالسهم
الذي لا فوق له ولا نصل لا يترتب على وجودهم أثر مرغوب فيه.
(4) البرم - كفرس -: الضجر والملل. وفي أنساب الأشراف: (فقبحا لكم
وترحا، قد ناديتكم وناجيتكم فلا أحرار عند النداء، ولا اخوان عند النجاء،
قد منيت منكم بصم لا يسمعون وبكم لا يعقلون، وكمه لا يبصرون).
(5) النجاء - بفتح النون -: حالة التنعم والمسرة، والخلاص عن المكروه.
547

واحدة لحد أهل الشام، ولكن اخرج إلى النخيلة. فخرج وأتبعه الناس
فسار عدي على شاطئ الفرات على أدنى الشام (6).
تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 184، وقريب منها في الحديث: (100)
من كتاب الغارات ص 100، وأنساب الأشراف ج 1 ص 420 وقريب
منها أيضا في المختار: (66) من النهج، وقريبا منها وما تقدمها ذكره في
البحار: ج 8 ص 675 عن كتاب الغارات. ومثله في شرح ابن أبي الحديد:
ج 2 ص 304 و 306.

(6) قال في الغارات: قال عبد الله بن حوزة الأزدي: كنت مع مالك
ابن كعب حين نزل بنا النعمان بن بشير وهو في ألفين وما نحن إلا مأة فقال لنا
[مالك]: قاتلوهم في القرية واجعلوا الجدر في ظهوركم ولا تلقوا بأيديكم
إلى التهلكة واعلموا أن الله تعالى ينصر العشرة على المأة والمأة على الألف والقليل
على الكثير. ثم قال: إن أقرب من هاهنا إلينا من شيعة أمير المؤمنين وأنصاره
وعماله قرظة بن كعب ومخنف بن سليم فاركض إليهما فأعلمهما حالنا وقل
لهما: فلينصرانا ما استطاعا. [قال ابن حوزة]: فأقبلت أركض وقد تركته
وأصحابه يرامون أصحاب ابن بشير بالنبل فمررت بقرظة فاستصرخته فقال:
إنما أنا صاحب خراج وليس عندي من أعينه به!!! فمضيت إلى مخنف بن
سليم فأخبرته الخبر فسرح معي عبد الرحمن ابنه في خمسين رجلا، وقاتل
مالك بن كعب النعمان وأصحابه إلى العصر فأتيناه وقد كسر هو وأصحابه
جفون سيوفهم واستقبلوا الموت فلو أبطأنا عنهم هلكوا فما هو إلا أن رآنا
أهل الشام وقد أقبلنا عليهم فأخذوا ينكصون عنهم ويرتفعون، ورآنا مالك
وأصحابه فشدوا عليهم حتى دفعوهم عن القرية. فاستعرضناهم فصرعنا منهم
رجالا ثلاثة وارتفع القوم عنا وظنوا أن وراءنا مددا، ولو ظنوا أنه ليس
غيرنا لأقبلوا علينا ولأهلكونا وحال الليل بيننا وبينهم فانصرفوا إلى أرضهم
وكتب مالك بن كعب إلى علي عليه السلام:
أما بعد فإنه نزل بنا النعمان بن بشير في جمع من أهل الشام كالظاهر علينا
وكان عظم أصحابي متفرقين وكنا للذي كان منهم آمنين، فخرجنا إليهم رجالا
مصلتين فقاتلناهم حتى المساء واستصرخنا مخنف بن سليم فبعث إلينا رجالا
من شيعة أمير المؤمنين وولده فنعم الفتى ونعم الأنصار كانوا فحملنا على
عدونا وشددنا عليهم فأنزل الله علينا نصره وهزم عدوه وأعز جنده والحمد
لله رب العالمين والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
548

[...]
549

- 315 -
ومن كلام له عليه السلام
وهو من غرر مواعظه عليه السلام
عن عبد الملك بن قريب، قال: سمعت العلاء بن زياد الأعرابي يقول:
سمعت أبي يقول: صعد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب منبر الكوفة،
بعد الفتنة وفراغه من النهروان، فحمد الله وخنقته العبرة - فبكى حتى
اخضلت لحيته بدموعه وجرت، ثم نفض لحيته فوقع رشاشها على ناس
من أناس [كذا] فكنا نقول: إن من أصابه من دموعه فقد حرمه الله
على النار. - ثم قال:
يا أيها الناس لا تكونوا ممن يرجو الآخرة بغير
عمل (1) ويؤخر التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا

(1) من هنا إلى قوله: (ويبتلي فلا يصبر) ذكره باختلاف لفظي طفيف
في المختار: (70) من قصار نهج البلاغة، وذكره أيضا تحت الرقم: (375)
من جمهرة الأمثال: ج 1 ص 272.
550

قول الزاهدين (2) ويعمل فيها عمل الراغبين، إن
أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز
عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ويأمر
ولا يأتي (3). وينهى ولا ينتهي، يحب الصالحين
ولا يعمل بأعمالهم، ويبغض الظالمين وهو منهم (4)
تغلبه نفسه على ما يظن (5) ولا يغلبها على ما يستيقن (6)
إن استغنى فتن، وإن مرض حزن، وإن افتقر قنط

(2) وفي النهج: (يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل
الراغبين).
(3) وفي النهج: (ويأمر بما لا يأتي).
(4) وفي النهج: (يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ويبغض المذنبين
وهو أحدهم).
(5) من شمول صفح الله له على ما ارتكبه من المآثم. وفي النهج:
(على ما تظن).
(6) من استحقاق العقوبة على ما اقترفه من الذنوب. أو أنه يتيقن أن
النجاة في إطاعة الله. والإتيان بلوازم العبودية، ومع ذلك تغلبه نفسه بما تظن
وتحتمل من رجاء شمول رحمة الله لمن لا عمل له ولم يستقم على منهاج العبودية.
551

ووهن، فهو بين الذنب والنعمة يرتع (7) يعافي فلا
يشكر، ويبتلي فلا يصبر، كأن المحذر من الموت
سواه، وكأن من وعد وزجر غيره.
يا أغراض المنايا، يا رهائن الموت، يا وعاء
الأسقام، يا نهبة الأيام، ويا نقل الدهر (8)
ويا فاكهة الزمان، ويا نور الحدثان، ويا خرس عند
الحجج، ويا [من] غمرته الفتن وحيل بينه وبين معرفة
العبر، بحق أقول: ما نجا من نجا إلا بمعرفة نفسه،
وما هلك من هلك إلا من تحت يده، قال الله تعالى:

(7) وهو على يقين من أن النعمة توجب الشكر، والذنب يبعد العبد عن
رحمة الله، ومع ذلك لا يأخذ باليقين فيشكر ويترك الذنب، ويأخذ بالظن
ويترك الشكر ويذنب بأمل الإفضال عليه والتجاوز عن خطيئاته.
(8) كذا في الأصل، والنقل - بالضم والفتح -: ما يتنقل به وهو معروف.
ونهبة الأيام: ما تنتهبه وتغلب عليه وتقهره. والنور - بفتح النون -: زهر
الشجر والنبات. ثم إن هذا الذيل من: (قوله يا أعراض المنايا) - إلى آخره -
لم أجده في غير كنز العمال من المصادر.
552

(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا)
[6 التحريم: 66] (9).
جعلنا الله وإياكم ممن سمع الوعظ فقبل،
ودعي إلى العمل فعمل.
الحديث 3542، من كنز العمال: ج 8 ص 220، نقلا عن ابن النجار.

(9) والظاهر أن في الكلام حذفا وسقطا، إذ الآية الكريمة غير مرتبطة
بحسب المفاد بما ذكر قبلها.
553

- 316 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله في بعض خطبه
عن أبي وائل قال: خطب علي الناس بالكوفة، فسمعته يقول في
خطبته:
أيها الناس إنه من يتفقر إفتقر، ومن يعمر يبتلى،
ومن لا يستعد للبلاء إذا ابتلي لا يصبر، ومن ملك
إستأثر، ومن لا يستشر يندم.
وكان يقول: ألا لا يستحيي الرجل أن يتعلم،
و [لا يستحيي] من يسأل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم.
وكان يقول من وراء هذا الكلام:
يوشك أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من
القرآن إلا رسمه!!!
554

مساجدكم يومئذ عامرة (1) وقلوبكم وأبدانكم
خربة من الهدى، شر من تحت ظل السماء فقهاؤكم،
منهم تبدو الفتنة، وفيهم تعود!!!
فقام رجل فقال: ففيم يا أمير المؤمنين؟ قال (2):
إذا كان الفقه في رذالكم، والفاحشة في خياركم،
والملك في صغاركم، فعند ذلك يقوم الساعة.
الحديث 3530، من كنز العمال: ج 8 ص 218 نقلا عن (هب).

(1) لا يحضرني الآن موارد اخباراته عليه السلام عن الملاحم والأمور
الغيبية التي أخبر بها عليه السلام قبل وقوعها حتى نشرح ونبين مقصوده عليه
السلام من اليوم المشار إليه.
(2) ما بعد هذا الكلام غير مرتبط بالسؤال والظاهر أن في الكلام حذفا.
555

- 317 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما بلغه إغارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار، وقتله
أشرس بن حسان البكري رحمه الله (1) وجماعة من المؤمنين
إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله بإسناده عن محمد بن مخنف،
ان سفيان بن عوف، لما أغار على الأنبار قدم علج من

(1) كذا ورد في هذه الرواية ومثله في رواية أنساب الأشراف، وفي أكثر
الروايات: (حسان بن حسان البكري). وهما مثبتان لا تنافي بينهما،
ولعله في أول الأمر بلغه عليه السلام قتل أشرس ثم بلغه قتل حسان، أو
قتلهما.
وإجمال القصة على ما رواه كتاب في الغارات وغيره: قال أبو الكنود:
حدثني سفيان بن عوف قال: دعاني معاوية فقال: إني باعثك في جيش
كثيف ذي أداة وجلادة فألزم جانب الفرات حتى تمر بهيت فتقطعها فإن
وجدت بها جندا فأغر عليهم وإلا فامض حتى تغير على الأنبار، فإن لم تجد
بها جندا فامض حتى توغل في المدائن ثم أقبل إلي واتق أن تقرب الكوفة
واعلم أنك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المدائن فكأنك أغرت على الكوفة
إن هذه الغارات على أهل العراق ترعب قلوبهم وتفرح كل من له فينا هوى
منهم وتدعو إلينا كل من خاف الدوائر!!! فاقتل من لقيته ممن ليس
هو على مثل رأيك واخرب كل ما مررت به من القرى واحرب الأموال
فإن حرب الأموال شبيه بالقتل وهو أوجع للقلب!!! قال سفيان: فخرجت
من عنده فعسكرت فما مرت ثالثة حتى خرجت في ستة آلاف ثم لزمت
شاطئ الفرات حتى مررت بهيت ثم بصندوداء ثم هجمت على ابن البكري
صاحب مسلحة الأنبار...
قال في الغارات: عن عبد الله بن قيس عن حبيب بن عفيف قال:
كنت مع أشرس بن حسان البكري بالأنبار على مسلحتها إذ صبحنا سفيان
ابن عوف في كتائب تلمع الأبصار منها فهالونا والله وعلمنا إذ رأيناهم أنه
ليس لنا بهم طاقة ولا يد، فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرقنا فلم يلقهم نصفنا!!
وأيم الله لقد قاتلناهم فأحسنا قتالهم حتى كرهونا ثم نزل صاحبنا وهو يتلو
قوله تعالى: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)
ثم قال لنا: من لا يريد لقاء الله ولا يطيب نفسا بالموت فليخرج من القرية
ما دمنا نقاتلهم فإن قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب ومن أراد ما
عند الله فإن ما عند الله خير للأبرار!!! ثم نزل في ثلاثين فهممت بالنزول
معه ثم أبت نفسي واستقدم هو وأصحابه فقاتلوا حتى قتلوا وانصرفنا نحن
منهزمين.
556

أهلها (2) على علي [أمير المؤمنين عليه السلام] فأخبره الخبر، فصعد
[أمير المؤمنين عليه السلام] المنبر فقال:

(2) العلج - كحبر -: الرجل الضخم من كفار العجم وبعض
العرب يطلق العلج على الكافر مطلقا والجمع: علوج وأعلاج. كذا
ذكره في المصباح.
557

أيها الناس إن أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار
وهو مغتر (3) لا يظن ما كان، فاختار ما عند الله على
الدنيا، فانتدبوا إليهم حتى تلاقوهم فإن أصبتم منهم
طرفا أنكلتموهم (4) عن العراق أبدا ما بقوا.
ثم سكت عليه السلام عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلم متكلم منهم
بخير، فلما رأى صمتهم على ما في أنفسهم خرج يمشي راجلا حتى أتى
النخيلة [والناس يمشون خلفه حتى أحاط به قوم من أشرافهم] فقالوا
له: ارجع يا أمير المؤمنين نحن نكفيك. فقال عليه السلام: ما تكفوني
ولا تكفون أنفسكم!!! فلم يزالوا به حتى صرفوه إلى منزله.

(3) أي كان مغترا بالهدنة والأمنية ولأجله لم يحتط بإذكاء العيون
والمراقبة عن تهاجم العدو.
(4) فانتدبوا إليهم: فتوجهوا وسيروا إليهم. وطرفا أي قسما وطائفة
منهم. وأنكلتموهم عن العراق: دفعتموهم وصرفتموهم عنها إي لأجل
إصابتكم وقتلكم طائفة منهم.
558

- 318 -
ومن خطبة له عليه السلام
في الحث على الجهاد وهي من غرر خطبه عليه السلام خطبها بعد الخطبة المتقدمة
قال أبو الفرج: أخبرني محمد بن أحمد بن الطلاس، قال: حدثنا
أحمد بن الحارث الحراز، قال: حدثنا علي بن محمد المدائني، عن أبي مخنف،
عن جويرية بن أسماء، والصقعب ابن زهير، وأبي بكر الهذلي عن أبي عمرو
الوقاصي [قال]:
إن معاوية بن أبي سفيان بعث بسر بن أرطأة أحد بني عامر بن لوي -
بعد تحكيم الحكمين، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذ حي - وبعث
معه جيشا - ووجه [أيضا] برجل من غامد ضم إليه جيشا آخر، ووجه [أيضا]
الضحاك بن قيس الفهري في جيش آخر (1) وأمرهم أن يسيروا في البلاد

(1) بعث بسر - لعنه الله - كان في آخر حياة أمير المؤمنين عليه
السلام ولم يرجع المأمور لدفع غائلته - وهو جارية بن قدامة رحمه الله - إلا بعد
شهادة أمير المؤمنين عليه السلام ويجئ كلامه عليه السلام في قصة بسر،
وأما الرجل الغامدي فهو سفيان بن عوف وقد تقدم في المختار المتقدم خطبته
عليه السلام حول إغارة الغامدي على الأنبار، وأما الضحاك بن قيس الفهري
فهو كان أول من بعثه معاوية في سنة (39) لتنكيل مؤمني العراق واستيصالهم
وتقدم أيضا في المختار: (302) كلام أمير المؤمنين عليه السلام عند ما سمع
بإغارة الضحاك على الحاج ونهبه أمتعتهم وقتله ابن أخي عبد الله بن مسعود،
مع جماعة آخرين.
559

فيقتلوا كل من وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه،
وأن يغيروا على سائر أعماله ويقتلوا أصحابه ولا يكفوا أيديهم عن النساء
والصبيان، فمضى بسر لذلك على وجهه حتى انتهى إلى المدينة، فقتل بها
ناسا من أصحاب علي عليه السلام وأهل هواه، وهدم بها دورا من دور
القوم، ومضى إلى مكة فقتل نفرا من آل أبي لهب، ثم أتى السراة فقتل
من بها من أصحابه، وأتى نجران فقتل عبد الله بن عبد المدان الحارثي وابنه -
وكانا من أصهار بني العباس - ثم أتى اليمن وعليها عبيد الله بن العباس عاملا
لعلي بن أبي طالب، وكان غائبا. وقيل: بل هرب لما بلغه خبر بسر،
فلم يصادفه بسر، ووجد ابنين له صبيين فأخذهما بسر لعنه الله وذبحهما
بيده بمدية كانت معه!!! ثم انكفأ راجعا إلى معاوية - وفعل مثل ذلك سائر
من بعث به!!! فقصد الغامدي إلى الأنبار، فقتل ابن حسان البكري وقتل
رجالا ونساء من الشيعة!!!
[قال أبو الفرج:] فحدثني العباس بن علي بن العباس النسائي،
قال: حدثنا محمد بن حسان الأزرق، قال: حدثنا شبابة بن سوار،
560

قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن عمرو بن قيس، عن أبي صادق (2)
قال:
أغارت خيل لمعاوية على الأنبار، فقتلوا عاملا لعلي عليه السلام يقال
له حسان بن حسان، وقتلوا رجالا كثيرا ونساءا، فبلغ ذلك علي بن أبي
طالب صلوات الله عليه، فخرج حتى أتى المنبر، فرقيه فحمد الله وأثنى
عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:
إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه
ألبسه الله ثوب الذلة، وشمله البلاء وديث بالصغار،
وسيم الخسف!!! (3) وقد قلت لكم اغزوهم قبل
أن يغزو بكم، فإنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلا
ذلوا!!! فتواكلتم وتخاذلتم وتركتم قولي وراءكم

(2) ورواه أيضا السيد أبو طالب في أماليه - كما في الباب (14)
من ترتيبه تيسير المطالب ص 186 - عن أبي عبد الله أحمد بن محمد البغدادي
قال: حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر الكوفي قال: حدثنا أبو بكر
أحمد بن يحي، قال: حدثنا أحمد بن الوليد، عن سيابة [كذا] عن قيس
ابن الربيع، عن عمرو بن قيس الملائي، عن أبي صادق...
(3) ديث: ذلل - والصغار - بفتح الصاد: الذل والضيم. وسيم
الخسف: أولي الهوان والكلفة وحمل عليه الذل والمشقة. والخسف -
بفتح الخاء وضمها كفلس وقفل -: الاذلال وتحميل ما يكره.
561

ظهريا (4) حتى شنت عليكم الغارات، هذا أخو غامد
قد جاء الأنبار فقتل عاملي عليها حسان بن حسان،
وقتل رجالا كثيرا ونساء، والله لقد بلغني أنه كان
يأتي المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة فينزع حجلها
ورعاثها (5) ثم ينصرفون موفورين (6) لم يكلم أحد
منهم كلما (7) فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا
لم يكن عليه ملوما، بل كان به جديرا!!!

(4) قال في مادة (ظهر) من لسان العرب: والظهري: الذي تجعله بظهر
أي تنساه وتغفل عنه، ومنه قوله [تعالى في الآية: (92) من سورة هود: 11]
(واتخذتموه وراءكم ظهريا) أي لم تلتفتوا إليه. [قال] ابن سيدة: واتخذ
حاجته ظهريا [يعني] استهان به، كأنه نسبها إلى الظهر على غير قياس
كما قالوا في النسب إلى البصرة: بصري. وفي حديث علي عليه السلام:
(اتخذتموه وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات) أي جعلتموه
وراء ظهوركم. قال: وكسر الظاء من تغييرات النسب.
(5) الحجل - كفلس وحبر، وبكسرتين -: الخلخال. والرعاث:
جمع الرعثة - بفتح الراء والعين وبسكون العين -: القرط.
(6) كذا في الأصل، وفي أكثر المصادر: (ثم انصرفوا موفورين).
أي موفوري العدد والماء لم ينقص عددهم ولا شئ من مالهم.
(7) والكلم - كفلس -: الجرح. وفي النهج: (ثم انصرفوا وافرين
ما نال رجلا منهم كلم ولا أريق لهم دم...) وهو أظهر.
562

يا عجبا - عجبا يميت القلب ويشعل الأحزان؟! -
من اجتماع هؤلاء القوم على ضلالتهم وباطلهم
وفشلكم عن حقكم!!! حتى صرتم غرضا، ترمون
ولا ترمون وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون!!!
إذا قلت لكم اغزوهم في الحر قلتم: هذه حمارة
القيظ فأمهلنا (8) وإذا قلت لكم اغزوهم في البرد
قلتم: هذا أوان قر وصر فأمهلنا (9) فإذا كنتم من
الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أشد فرارا!!!

(8) قال في مادة حمر من لسان العرب: (حمارة القيظ - بتشديد الراء،
وحمارته بالتخفيف عن اللحياني -: شدة حره. وفي حديث علي: (في
حمارة القيظ) أي في شدة الحر. وقد تخفف الراء. أقول: والقيظ -
ها هنا -: الصيف.
(9) قال في لسان العرب: القر - بالضم [كمر] - البرد عامة. وقال بعضهم
القر في الشتاء، والبرد في الشتاء والصيف يقال: هذا يوم ذو قر أي
ذو برد.
وقال في مادة: (صرر): الصر - والصرة [بكسر أولهما] -:
شدة البرد. وقيل: هو البرد عامة حكيت الأخيرة عن ثعلب. وصرة
القيظ: شدته وشدة حره.
563

يا أشباه الرجال - ولا رجال - ويا طغام الأحلام وعقول
ربات الحجال (10) وددت والله أني لم أعرفكم، بل
وددت أني لم أركم!!! معرفة والله جرعت بلاء
وندما؟! وملأتم جوفي غيظا بالعصيان والخذلان (11)
حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع
ولكن لا علم له بالحرب!!! ويحهم! هل فيهم [أحد]
أشد مراسا لها مني (12) والله لقد دخلت فيها وأنا ابن

(10) أي النساء، والحجال: جمع الحجلة - محركة -: بيت يزين
للعروس. ويحتمل أيضا أن يكون جمعا للحجل - بكسر الحاء والجيم وكحبر
وفلس -: الخلخال.
(11) كذا في الأصل، وفيه حذف جلي وسقط ظاهر تبين مما
نذكره عن النهج. وفي النهج: (لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم
معرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما، قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا
وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم علي
رأيي بالعصيان والخذلان...).
(12) أي ممارسة ومباشرة. وفي النهج: (لله أبوهم، وهل أحد
منهم أشد لها مراسا).
564

عشرين، وأنا الآن قد نيفت على الستين (12) ولكن
لا رأي لمن لا يطاع.
فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أنا كما قال الله تعالى (لا أملك
إلا نفسي وأخي) [25 / المائدة] فمرنا بأمرك فوالله لنطيعنك
ولو حال بيننا وبينك جمر الغضى وشوك القتاد (14) قال: وأين تبلغان
مما أريد؟ - [قال لهما]: هذا أو نحوه - ثم نزل [عليه السلام].
عنوان: (أخبار أم حكيم ومقتل ابني عبيد الله بن العباس) من
كتاب الأغاني: ج 15، ص 266 ط تراثنا.
وذكرها أيضا السيد الرضي (ره) في المختار: (27) من خطب النهج، وذكرها
قبله المبرد، في كتاب الكامل: ج 1، ص 19، وذكرها جماعة آخرون
كقاضي نعمان في دعائم الإسلام: ج 1، ص 390 وغيره، وذكره أيضا
في الحديث: (490) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 1
ص 418، وفي الطبعة الأولى: ج 2 ص 442 ورواه أيضا في العقد الفريد:
ج 2 ص 353 وفي ط: ج 4 ص 136، وذكره أيضا قبيل مقتله عليه السلام
من كتاب الأخبار الطوال ص 211 وله مصادر أخر.

(13) قال القاضي عبد الجبار في بحث أفضلية أمير المؤمنين من كتاب المغني:
ج 20 ص 139، ط 1: وقد روي عن أمير المؤمنين في خطبته المشهورة
أنه قال: (وها أنا قد نيفت على الستين).
(14) الجمر - كخمر -: النار المتقدة واحدته جمرة، فإذا برد فهو
فحم - ويعبر عنه في لسان أهل بلدنا ب‍ (خرنك) -. والغضى: شجر
صلب الخشب. والقتاد - بفتح أوله -: شجر صلب العود له شوك كالإبرة.
565

- 319 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تثريب أهل الكوفة على تقاعدهم عن نصرته، وتثاقلهم في حياطة بلادهم
أيها الناس إني استنفرتكم لجهاد هؤلاء القوم
فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تجيبوا، ونصحت لكم
فلم تقبلوا!!! شهودا كالمغيب؟!!
أتلو عليكم المواعظ فتعرضون عنها و أعظكم
بالموعظة البالغة فتنفرون [منها] كأنكم حمر مستنفرة فرت
من قسورة!!!! (1) وأحثكم على جهاد أهل الجور فما
آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي
سبا!!! (2) ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا

(1) اقتباس من الآية (49) من سورة المدثر: 74.
(2) هذا مثل معروف، ومن الأمثال السائرة بين العرب.
566

تضربون الأمثال، وتنشدون الأشعار، وتجسسون
الأخبار حتى إذا تفرقتم تسألون عن الأشعار (3) جهلة
من غير علم وغفلة من غير ورع، وتتبعا من غير
خوف؟ ونسيتم الحرب والاستعداد لها فأصبحت
قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأعاليل
والأضاليل!!! فالعجب كل العجب من اجتماع
[هؤلاء] القوم على باطلهم، وتخاذلكم عن حقكم!!!
يا أهل الكوفة أنتم كأم مجالد حملت فأملصت
فمات قيمها وطال تأيمها (4) وورثها أبعدها!
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إن من ورائكم
الأعور الأدبر، جهنم الدنيا لا يبقى ولا يذر!!!
ومن بعده النهاس الفراس الجموع المنوع ثم
ليتوارثنكم من بني أمية عدة ما الآخر [منهم]

(3) كذا في الأصل، ولعل الصواب: (الأسعار) بالسين المهملة.
(4) يقال: أملصت الحامل أي أسقطت ولدها. والتأيم: فقدان
المرأة زوجها وبقاؤها بلا زوج.
567

بأرأف من الأول - ما خلا رجلا واحدا (4) بلاء قضاه
الله على هذه الأمة لا محالة كائن!!! يقتلون خياركم
ويستعبدون أراذلكم (5) ويستخرجون كنوزكم وذخائركم
من جوف حجالكم (6) نقمة بما ضيعتم من أموركم
وصلاح أنفسكم ودينكم!!!
يا أهل الكوفة أخبركم بما يكون قبل أن يكون
لتكونوا منه على حذر، ولتنذروا به من اتعظ واعتبر،
كأني بكم تقولون: إن عليا يكذب!!! - كما قالت
قريش لنبيها نبي الرحمة محمد بن عبد الله، حبيب
الله [صلى الله عليه وآله وسلم] (7) - فيا ويلكم على من
أكذب؟ أعلى الله وأنا أول من عبد الله ووحده؟!

(4) وهو عمر بن عبد العزيز.
(5) أي يستعملونها عليكم ويطلبون منهم العبودية ومن شأن الأراذل
أن يأتوا بكل شئ يهوون ويشتهون بلا أي مبالاة.
(6) الحجال: جمع الحجلة - بالتحريك -: بيت العروس.
(7) كانت في النسخة هكذا: (ص) وكذا ما جعلناه بين المعقوفين
فيما بعد.
568

أم على رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم؟] فأنا أول
من آمن به وصدقه ونصره، كلا ولكن لهجة خدعة
كنتم عنها أغنياء (8).
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتعلمن نبأها بعد
حين، وذلك إذا صيركم إليها جهلكم ولا ينفعها
عندها علمكم!!!
فقبحا لكم يا أشباه الرجال - ولا رجال - حلوم
الأطفال وعقول ربات الحجال، أما والله - أيها الشاهدة
أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم
- ما أعز الله نصر من دعاكم، ولا استراح قلب من
قاساكم، ولا قرت عين من آواكم، كلامكم يوهي
الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب!! (9).

(8) أي الذي قلتم ونسبتم إلى من أني أكذب على الله ورسوله لهجة
خدعة لكم لأجل الفرار عن بعض ما آمركم به، وكنتم غنيا عن إبداء هذه
اللهجة.
(9) ومثله في المختار: (29) من نهج البلاغة، وفي أمالي الشيخ:
(كلامكم يوهن الصم الصلاب).
569

يا ويحكم أي دار بعد داركم تمنعون؟ ومع أي
إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه!!!
ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب!! (10) أصبحت لا
أطمع في نصركم ولا أصدق قولكم، فرق الله بيني
وبينكم وأعقبني من هو خير لي منكم وأعقبكم بي
من هو شر لكم مني!!
إمامكم يطيع الله وأنتم تعصونه!!! وإمام أهل
الشام يعصي الله وهم يطيعونه!!! والله لوددت أن
معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ
مني عشرة منكم وأعطاني واحدا منهم!!! والله
لوددت أني لم أعرفكم ولم تعرفوني فإنها معرفة
جرت ندما!!!
لقد وريتم صدري غيظا (11) وأفسدتم علي أمري
بالخذلان والعصيان حتى لقد قالت قريش: إن عليا

(10) الأخيب من سهام الميسر هو الذي لا نصيب له.
(11) وريتم - من باب وعى ووقى -: اتقدتم وأشعلتم.
570

رجل شجاع لكن لا علم له بالحرب!!! لله درهم هل
كان فيهم أحد أطول لها مراسا مني وأشد لها مقاساة؟
لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، ثم ها أنا ذا قد
ذرفت على الستين، ولكن لا أمر لمن لا يطاع!!! (11).
أما والله لوددت أن ربي أخرجني من بين أظهركم
إلى رضوانه، وإن المنية لترصدني فما يمنع أشقاها
أن يخضبها؟!!
ونزل [عليه السلام] يده على رأسه ولحيته.
عهد عهده إلى النبي الأمي [صلى الله عليه وآله وسلم]
وقد خاب من افترى، ونجى من اتقى وصدق بالحسنى.
يا أهل الكوفة قد دعوتكم إلى جهاد هؤلاء القوم
ليلا ونهارا، وسرا وإعلانا وقلت لكم اغزوهم قبل
أن يغزوكم فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا،
فتواكلتم وتخاذلتم!! وثقل عليكم قولي واستصعب

(11) هذا أيضا من الأمثلة السائرة بين العرب يضرب لمن لم ينل مطلوبه
من أجل عدم الإصغاء إلى قوله ورأيه.
571

عليكم أمري واتخذتموه وراءكم ظهريا، حتى شنت
عليكم الغارات (12) وظهرت فيكم الفواحش والمنكرات
تمسيكم وتصبحكم!!! كما فعل بأهل المثلات من
قبلكم (13) حيث أخبر الله عز وجل عن الجبابرة العتاة
الطغاة المستضعفين الغواة، في قوله تعالى: (يذبحون
أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم
عظيم. [49 / البقرة، و 141 / الأعراف. و 6 / إبراهيم].
أما والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لقد حل بكم
الذي توعدون.
يا أهل الكوفة عاتبتكم بمواعظ القرآن فلم أنتفع
بكم!!! وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا لي، وعاقبتكم

(12) شنت: فرقت أي أغاروا عليكم غارة بعد غارة.
(13) المثلات: جمع المثلة - بفتح الميم وضم الثاء وفتح اللام -:
العقوبة والتنكيل: وأهل المثلات هم الذين أهلكهم الله بالطوفان والصاعقة
والخسف وغيرها كقوم نوح وهود وصالح وغيرهم.
ثم انه قد وقع في الأصل حذف بعد قوله (تصبحكم) كما يدل
عليه ما بعده.
572

بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا (14) ولقد
علمت أن الذي يصلحكم هو السيف!!! وما كنت
متحريا صلاحكم بفساد نفسي!!! ولكن سيسلط
عليكم سلطان صعب لا يوقر كبيركم ولا يرحم
صغيركم ولا يكرم عالمكم ولا يقسم الفئ بالسوية
بينكم، وليضربنكم وليذلنكم وليجرينكم في المغازي
وليقطعن سبيلكم وليحجبنكم على بابه حتى يأكل
قويكم ضعيفكم!!! ثم لا يبعد الله إلا من ظلم،
وما أدبر شئ فأقبل إني لأظنكم على فترة وما علي
إلا النصح لكم.
يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين: صم
ذوو أسماع، وبكم ذوو ألسن، وعمي ذوو أبصار،
لا إخوان صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند
البلاء!!!

(14) أي لم تكفوا أنفسكم عن العصيان ولم ترتدعوا عنها.
573

اللهم إني قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني.
اللهم لا ترض عنهم أميرا، ولا ترضهم عن أمير،
وأمث قلوبهم كإيماث الملح في الماء!!! (14).
والله لو أجد بدا من كلامكم ومراسلتكم ما فعلت،
ولقد عاتبتكم في رشدكم حتى لقد سئمت الحيات!!!
[وأنتم في] كل ذلك ترجعون بالهزء من القول
فرارا من الحق وإخلادا (15) إلى الباطل الذي لا يعز الله
بأهله الدين، وإني لأعلم أنكم لا تزيدونني غير
تخسير، كلما أمرتكم بجهاد عدوكم إثاقلتم إلى
الأرض، وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول،
إن قلت لكم في القيظ سيروا. قلتم الحر شديد، وإن
قلت لكم سيروا في البرد قلتم القر شديد (16) كل ذلك

(14) أي أمث قلوبهم وأذبها كذوبان الملح في الماء.
(15) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (وإلحادا)... وما بين المعقوفين
أيضا زيادة منا يقتضيها السياق.
(16) القيظ: شدة حر الصيف. والقر - كمر -: شدة برد الشتاء.
574

فرارا عن الحرب!!! إذا كنتم عن الحر والبرد تعجزون
فأنتم عن حرارة السيف أعجز وأعجز، فإنا لله وإنا
إليه راجعون!!!
يا أهل الكوفة قد أتاني الصريخ يخبرني أن ابن
غامد قد نزل بالأنبار على أهلها ليلا في أربعة آلاف
فأغار عليهم كما يغار على الروم والخزر!! فقتل بها
عاملي ابن حسان، وقتل معه رجالا صالحين ذوي
فضل وعبادة ونجدة، بوء الله لهم جنات النعيم،
وإنه أباحها [لهم].
ولقد بلغني أن العصبة من أهل الشام كانوا
يدخلون على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة
فينهتكون سترها، ويأخذون القناع من رأسها والخرص
من أذنها والأوضاح من يديها ورجليها (17) والخلخال
والمئزر من سوقها!!! فما تمتنع إلا بالاسترجاع

(17) الأوضاح: جمع الوضح - كسبب -: وهو حلي من الفضة.
575

والنداء يا للمسلمين!!! فلا يغيثها مغيث، ولا
ينصرها ناصر!!! فلو أن مؤمنا مات من دون هذا
أسفا ما كان عندي ملوما، بل كان عندي بارا محسنا!!!
واعجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على
باطلهم وفشلكم عن حقكم؟! قد صرتم غرضا يرمى
ولا ترمون، وتغزون ولا تغزون، ويعصون الله وترضون
فتربت أيديكم (18) يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها كلما
اجتمعت من جانب تفرقت من جانب!!!
الفصل (40) مما اختار من كلامه عليه السلام في كتاب الارشاد،
ص 148، ونقله عنه وعن المجالس في البحار: ج 8 ص 697 / السطر 6
عكسا ط الكمباني.

(18) أي لصقت أيديكم بالتراب وافتقرتم بعد الغنى والثروة.
576

- 320 -
ومن كلام له عليه السلام
في قصة ابن مسعدة الفزاري، ومدح المسيب بن نجبة رحمه الله بعد قدحه
قال البلاذري: قالوا: ودعا معاوية عبد الله بن مسعدة بن حكمة بن
مالك بن حذيفة الفزاري فبعثه إلى تيماء، وضم إليه ألفا [ألفين (خ)]
وسبعمأة وأمره أن يصدق (1) من مر به من العرب ويأخذ البيعة له على من
أطاعه، ويضع السيف على من عصاه، ثم يصير إلى المدينة ومكة وأرض
الحجاز، وأن يكتب إليه في كل يوم بما يعمل به ويكون منه، فانتهى ابن
مسعدة إلى أمره وبلغ خبره عليا، فندب المسيب بن نجبة الفزاري في كنف
من الناس في طلبه فقال له: إنك يا مسيب من أثق بصلاحه وبأسه
[فسر إلى ابن مسعدة حتى تخرجه من أرضنا أو تقتله] فسار [المسيب] (2) حتى
أتى الجناب، ثم أتى تيماء، وانضم إلى عبد الله بن مسعدة قوم من رهطه
من بني فزارة، وانضم إلى ابن نجبة قوم من رهطه أيضا، فالتقى هو وابن

(1) هذه الجملة كانت قد وقعت تحت الخياطة ولم تكن مقروءة بنحو
القطع.
(2) ما بين المعقوفات زيادة يقتضيها السياق.
577

مسعدة فاقتتلوا قتالا شديدا، وأصابت ابن مسعدة جراحات ومضى قوم
من أصحابه إلى الشام منهزمين لا يلوون عليه، وبقي معه قوم منهم فلجأ
[ابن مسعدة] ولجأوا [معه] إلى حائط حول حصن تيماء محيط به قديم،
فجمع المسيب حوله الحطب وأشعل فيه النار، فناشدوه أن لا يحرقهم وكلم
فيهم، فأمر [المسيب] بإطفاء تلك النار، وكان على الثلمة التي يخرج منها
إلى طريق الشام، عبد الرحمان بن أسماء الفزاري وهو الذي كان يقاتل
يومئذ ويقول:
أنا ابن أسماء وهذا مصدقي * أضربهم بصارم ذي رونق
فلما جن عليه الليل خلى سبيلهم فمضوا حتى لحقوا بمعاوية، وأصبح
المسيب فلم يجد في الحصن أحدا، فسأله بعض أصحابه أن يأذن له في اتباع
القوم، فأبى ذلك.
وقدم المسيب على علي وقد بلغه الخبر، فحجبه أياما ثم دعا به فوبخه
وقال [له]: نا بيت قومك وداهنت وضيعت؟! فاعتذر إليه وكلمه
وجوه أهل الكوفة بالرضاء عنه، فلم يجبهم وربطه إلى سارية من سواري
المسجد، ويقال: إنه حبسه ثم دعا به فقال له: إنه قد كلمني فيك من
أنت أرجا عندي منه، فكرهت أن يكون لأحد منهم عندك يد دوني.
فأظهر الرضاء عنه وولاه قبض الصدقة بالكوفة، فأشرك في ذلك بينه وبين
عبد الرحمان بن محمد الكندي، ثم إنه حاسبهما فلم يجد عليهما شيئا فوجههما
بعد ذلك في عمل ولا هما إياه فلم يجد عليهما سبيلا فقال:
578

لو كان الناس كلهم مثل هذين الرجلين الصالحين
ما ضر صاحب غنم لو خلاها بلا راع، وما ضر
المسلمات لا تغلق عليهن الأبواب، وما ضر تاجر
ألقى تجارته بالعراء.
الحديث: (494) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف
القسم الأول من ج 1 / الورق 210 / أو ص 420، وفي ط 1: ج 2
ص 449.
579

- 321 -
ومن كلام له عليه السلام
في علل غلبة الشاميين ومغلوبية الكوفيين، والإخبار عن دولة بني
أمية وخسارة الكوفيين دينهم ودنياهم في أيامهم.
قال أحمد بن سليمان: حدثنا زكريا بن يحي الساجي، حدثنا محمد بن
المثنى، حدثنا يحي بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن حبيب
ابن أبي ثابت، عن أبي إدريس [قال]:
حدثنا المسيب بن نجبة [الفزاري] قال: قال علي رضي الله عنه (1):
والله لقد خشيت أن يدال (2) هؤلاء القوم عليكم
بصلاحهم في أرضهم وفسادكم في أرضكم، وبأدائهم

(1) وبعده كانت في الأصل جمل غير مربوطة بما نحن فيه حذفناها.
(2) أي خشيت أن تكون لهم الدولة والسلطة عليكم بهذا السبب القوي -
الموجود عندهم - وهو اجتماع كلمتهم وطاعتهم إمامهم ومعصيتكم
لإمامكم وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم في بلادكم وبأدائهم الأمانة
وخيانتكم.
580

الأمانة وخيانتكم وبطواعيتهم إمامهم ومعصيتكم له،
وباجتماعهم على باطلهم وتفرقكم على حقكم!!! (3).
[والله لا يزالون] (4) حتى تطول دولتهم [و]
حتى لا يدعوا لله محرما إلا استحلوه [ولا عقدا إلا
حلوه] (5) [وحتى] لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله

(3) وفي غير واحد من المصادر - منها المختار (24) من نهج البلاغة -:
(وتفرقكم عن حقكم).
(4) ما بين المعقوفات كلها - عدا حرف الواو، في قوله: (وحتى
لا يدعوا) - مأخوذ، من المختار: (96) من نهج البلاغة، ومثله رواية
الثقفي ولكن في بعض الكلمات.
(5) المحرم: ما حرمه الله. واستحلاله: استباحته ومباشرته بعنوان انه حلال.
والعقد: ما أمضاه الله تعالى وأوجب على العباد الائتمار به والانزجار منه أمرا
ونهيا. وهؤلاء كانوا أول من استحل ما حرم في الشريعة، وكان معاوية في عهد
عمر، أيام إمارته بالشام يتجر بالخمر والخنزير، ويلبس الحرير، ويستعمل
آنية الذهب والفضة، ولكن لا يجهر به كل الإجهار، وبدأوا بالاستهتار
في أيام عثمان إلى أن آل أمرهم بعد وفاة أمير المؤمنين بنكاح أمهات الأولاد
وما هو أعظم منه!!! كما ذكره في ترجمة حنظلة ابن غسيل الملائكة من تاريخ
دمشق وغيره.
581

ظلمهم [ونبا به سوء رعيهم (6) وحتى يقوم الباكيان
يبكيان: باك يبكي لدينه وباك يبكي لدنياه] وحتى
يكون أحدكم تابعا لهم (7) وحتى يكون نصرة أحدكم
منهم كنصرة العبد من سيده إذا شهد أطاعه وإذا غاب
عنه سبه (8) وحتى يكون أعظمكم فيها عناء أحسنكم
بالله ظنا!!! فإن أتاكم الله بعافية فأقبلوا، وإن ابتليتم
فاصبروا فإن العاقبة للمتقين.
الحديث: (36) من ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من كتاب المعجم
الكبير، ج 1، ص 125، ورواه عنه في الحديث: (171) من ترجمته
عليه السلام من تاريخ دمشق ج 13، ص 52 وكذلك رواه في مجمع الزوائد:
ج 9 ص 191، قال ورجاله ثقات.
وقريبا منه جدا رواه في الحديث: (100) من كتاب الغارات: ج 1،
ص 100، ورواه أيضا في الحبار: ج 8 ص 681 في السطر 4 نقلا عن
الغارات وكذلك رواه في الإمامة والسياسة ص 153، ورواه أيضا في ترجمة
المسيب من تاريخ دمشق: ج 55 ص 785.

(6) بيت مدر: ما بني من طوب وحجر. وبيت الوبر: ما انسجم
من صوف وشعر، وهو الخيام. و (نبابه سوء رعيهم) أي ارتفع به
وتسيطر عليه. وكأن اللفظ مخفف عن (نبأ) مهموزا.
(7) جملة: (وحتى يكون أحدكم تابعا لهم) غير موجودة في النهج.
(8) ومثله في رواية الثقفي في الغارات، وفي النهج: (وإذا غاب اغتابه).
582

- 322 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما بلغه إرسال معاوية يزيد بن الشجرة الرهاوي بجيش عظيم إلى الحجاز
قال البلاذري: حدثني عباس بن هشام الكلبي [عن أبيه] عن أبي
مخنف في إسناده قال: لما بلغ عليا توجيه معاوية يزيد بن شجرة، دعا معقل
ابن قيس الرياحي فقال [له]: إني أريد أن أرسلك إلى مكة لترد عنها قوما
من أهل الشام قد وجه إليها. فقال [معقل يا أمير المؤمنين]: أنا [لهم
فوجهني إليها]. فاستنفر علي الناس معه فخطب وقال:
الحمد لله الذي لا يعز من غالبه، ولا يفلح من
كايده، إنه بلغني أن خيلا وجهت نحو مكة فيها
رجل قد سمى لي فانتدبوا إليها رحمكم الله مع معقل
ابن قيس، واحتسبوا في جهادكم والانتداب معه
أعظم الأجر وصالح الذخر.
فسكتوا!!! فقام معقل فقال: أيها الناس انتدبوا فإنما هي أيام قلائل
حتى ترجعوا إن شاء الله، فإني أرجو أن لو سمعوا بنفيركم إليهم تفرقوا
583

تفرق معزى الغزر (1) فوالله إن الجهاد في سبيل الله خير من المقام تحت
سقوف البيوت، والتضجيع خلف أعجاز النساء!!!
الحديث (503) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الأشراف
ج 1، ص 424 وفي ط 1، ج 2 ص 463 وأشار أيضا إلى القصة في ترجمة
قثم بن العباس من الكتاب: ج 1 / الورق 277 / أو ص 557 وذكر أيضا
خطبته في أهل مكة حينما سمع بتوجه ابن الشجرة إلى عمله ومحل إمارته.
وكلامه مع أبي سعيد الخدري رحمه الله.
ورواها أيضا أحمد بن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح: ج 4 ص 41
ولكنها تغاير مع ما هنا، وتزيد عليه، ولعله عليه السلام كرر الخطبة.

(1) كذا في النسخة. ولعله بمعنى القطيع من المعز، من قولهم: عزر
الشئ: كثر.
584

- 323 -
ومن كلام له عليه السلام
في الإخبار عن تغلب بني أمية وأهل الشام بعده على أهل الكوفة واستذلالهم إياهم
ما أرى هؤلاء القوم إلا ظاهرين عليكم!!!
أرى أمورهم قد علت، وأرى نيرانكم قد خبت (1)
وأراهم جادين، وأراكم وانين، وأراهم مجتمعين
وأراكم متفرقين، وأراهم لصاحبهم طائعين، وأراكم
لي عاصين!!!
وأيم الله لئن ظهروا عليكم لتجدنهم أرباب سوء
من بعدي، كأني أنظر إليهم قد شاركوكم في بلادكم،
وحملوا إلى بلادهم فيئكم، وكأني أنظر إليكم يكش

(1) نيران جمع نار. و (خبت): خمدت وطفئت، والفعل من
باب (دعا).
585

بعضكم على بعض كشيش الضباب!!! (2) لا تمنعون
حقا ولا تمنعون لله حرمة!!! (3) وكأني أنظر إليهم
يقتلون قراءكم وكأني بهم يحرمونكم ويحجبونكم
ويدنون أهل الشام دونكم فإذا رأيتم الحرمان والأثرة (4)
ووقع السيف تندمتم وتحزنتم على تفريطكم في جهادكم
وتذكرتم ما فيه من الحفظ حين لا ينفعكم التذكار!!!
الحديث (150) كتاب الغارات ج 1، ص 110، والفصل (42)
مما اختار من كلمه عليه السلام من كتاب الإرشاد، ص 146، ونقله عنهما
في البحار: ج 8، ص 682 س 17 وص 701 س 12، وهذا الكلام يشترك
مع المختار (24 و 97 و 123) من خطب نهج البلاغة.

(2) قال في مادة: (كشش) من النهاية: ومنه حديث علي: (كأني
أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب). ويكش - من باب فر -: يصوت
ويصيح. والضباب - بكسر الضاد -: جمع الضب حيوان معروف
يقال له بالفارسية: (سوسمار).
(3) وفي المختار: (123) من نهج البلاغة: (وكأني أنظر إليكم
تكشون كشيش الضباب لا تأخذون حقا ولا تمنعون ضيما).
(4) الحرمان: المنع. و (الأثرة) - كشجرة -: الاستبداد بالشئ
وتخصيصه بالنفس ومنع الغير منه.
586

- 324 -
ومن خطبة له عليه السلام
في ذم أهل الكوفة وتوبيخهم
إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله عن إسماعيل بن أبان الأزدي، عن عمرو
ابن شمر، عن جابر، عن رفيع بن فرقد البجلي قال: سمعت عليا عليه
السلام يقول:
ألا ترون يا معاشر أهل الكوفة؟ (1) والله لقد
ضربتكم بالدرة التي أعظ بها السفهاء فما أراكم تنتهون،
ولقد ضربتكم بالسياط التي أقيم بها الحدود فما أراكم
ترعوون (2) فما بقي إلا [أن أضربكم] بسيفي (3)

(1) وفي رواية ابن أبي الحديد: (يا أهل الكوفة لقد ضربتكم...).
(2) أي تكفون عن سوء فعالكم.
(3) وفي رواية ابن أبي الحديد: (فلم يبق إلا أن أضربكم بسيفي (3).
587

وإني لأعلم الذي يقومكم بإذن الله، ولكني لا أحب أن
آتي ذلك منكم (4).
والعجب منكم ومن أهل الشام؟ (5) إن أميرهم
يعصي الله وهم يطيعونه، وإن أميركم يطيع الله وأنتم
تعصونه!!! إن قلت لكم: انفروا إلى عدوكم [في
أيام الصيف قلتم: هذه حمارة القيظ أمهلنا يسبخ
عنا الحر، وإذا قلت لكم: انفروا إليهم في الشتاء] (6)
قلتم: القر يمنعنا. أفترون [أن] عدوكم لا يجدون
[الحر] والقر كما تجدونه؟!! ولكنكم أشبهتم
قوما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: انفروا
في سبيل الله. فقال [لهم] كبراؤهم: لا تنفروا في

(4) وفي رواية ابن أبي الحديد: (وإني لأعلم ما يقومكم ولكني
لا أحب أن ألي ذلك منكم).
(5) وفي رواية ابن أبي الحديد: (واعجبا لكم ولأهل الشام؟ أميرهم
يعصي الله وهم يطيعونه! وأميركم يطيع الله)...
(6) ما بين المعقوفات أخذناه من المختار (27) من نهج البلاغة.
588

الحر. فقال الله لنبيه: (قل نار جهنم أشد حرا لو
كانوا يفقهون) [81 / التوبة].
والله لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على
أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بحذافيرها
على الكافر ما أحبني!!! وذلك إنه قضى ما قضى [ظ]
على لسان النبي الأمي: أنه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك
كافر (7) وقد خاب من حمل ظلما وافترى.
يا معاشر أهل الكوفة والله لتصبرن على قتال عدوكم
أو ليسلطن الله عليكم قوما أنتم أولى بالحق منهم
فليعذبنكم (8) أفمن قتلة بالسيف تحيدون إلى موتة

(7) وهذا المضمون مما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فانظر الحديث: (674 - 736) مما حققناه من ترجمة أمير المؤمنين
عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 131، وفي المطبوع: ج 2 ص
ص 190.
(8) وبعده في الأصل هكذا: (وليعذبنهم الله بأيديكم أو بما شاء من
عنده). والظاهر أنه سهو من الكاتب إذ لا يلائم الغرض المسوق له الكلام.
589

على الفراش؟!! فأشهد أني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله [يقول: والله] لموتة على الفراش
أشد من ضربة ألف سيف!!! (9) أخبرني به جبرئيل. فهذا
جبرئيل يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما تسمعون.
الحديث: (101) من كتاب الغارات ج 1، ص 110، ورواه عنه في
البحار: ج 8 ص 679 في السطر 20، وقريب منه جدا في شرح المختار: (34)
من نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 195.

(9) وهذا المعنى من غير رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
تقدم في المختار: (91 و 93) ص 296 و 301 من ج 1، ط 1.
590

- 325 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان ظهور بني أمية على المؤمنين واستعمال اليهود والنصارى عليهم ونفي
المؤمنين إلى الأطراف ثم ظهور رجل من أهل البيت
يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا
قال الدولابي: حدثنا أحمد بن شيبان الرملي، قال: حدثني محمد بن
حبيب الجدي بجدة، عن خالد أبي الهيثم الطحان، قال: حدثنا مطرف،
عن ابن السقر [كذا] عن شيخ من النخع قال: سمعت عليا يقول - وهو
على المنبر -:
إني أرى أهل الشام على باطلهم أشد اجتماعا منكم
على حقكم، ووالله لتطؤن هكذا وهكذا!!!
[قال] ثم ضرب [عليه السلام] برجله على المنبر حتى سمع صوته
[من في] آخر المسجد (1) [ثم قال]:

(1) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (ثم يضرب برجله على المنبر
حتى يسمع صوته آخر المسجد...).
591

ثم ليستعملن عليكم اليهود والنصارى حتى تنفوا -
يعني إلى أطراف الأرض (2) - ثم لا يرغم الله إلا
بآنافكم!!! ثم والله ليبعثن الله رجلا منا أهل البيت
يملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.
عنوان: (من كنية أبو الهيثم) من كتاب الكنى والأسماء:
ج 2 ص 157.

(2) التفسير من كلام الراوي.
وروي في كتاب منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 2 ص 150،
ط 1، نقلا عن ابن أبي شيبة، عن شمر، عن رجل قال: كنت عريفا
في زمن علي فأمرنا بأمر فقال: أفعلتم ما أمرتكم [به]؟ قلنا: لا. قال:
والله لتفعلن ما تؤمرون به أو لتركبن أعناقكم اليهود والنصارى.
592

- 326 -
ومن كلام له عليه السلام
في إقبال الفتن المطبقة على الناس وصعوبة التخلص منها، وفي أن الأرض
لا تخلوا من الحجة ساعة واحدة ليهلك من هلك عن بينة
ويحي من حي عن بينة
إبراهيم بن محمد النعماني رحمه الله عن محمد بن همام، ومحمد بن الحسين
[الحسن (خ)] بن محمد بن جمهور جميعا، عن الحسن بن محمد بن
جمهور، قال: حدثنا أبي، عن بعض رجاله عن المفضل بن عمر، قال:
قال أبو عبد الله [الإمام جعفر بن محمد] عليه السلام: إن أمير المؤمنين
عليه السلام قال على منبر الكوفة:
إن من ورائكم فتنا مظلمة عمياء منكسفة (1) لا
ينجو منها إلا النومة.

(1) منكسفة أي محجوبة الأطراف مستورة الجوانب لا يرى الداخل
فيها مساحتها: (وعمياء) أي لا يدري من بيدها زمامه إلى أين تجره.
و (مظلمة) يعني لا يبصر من وردها إلى أين يضع قدمه ففي كل خطوة
يعرضه وجل السقوط في الخطر وخوف الهلاك والدمار.
593

قيل: يا أمير المؤمنين: وما النومة؟ قال:
الذي يعرف الناس ولا يعرفونه.
واعلموا أن الأرض لا تخلوا من حجة لله عز وجل (2)
ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم
على أنفسهم، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة
الله لساخت بأهلها (3) ولكن الحجة يعرف الناس و [هم
لا يعرفونه كما كان يوسف يعرف الناس وهم له]
منكرون.
ثم تلا [عليه السلام قوله تعالى]: (يا حسرة على العباد
ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن) [30
ياسين: 36].
الحديث الثاني من الباب العاشر، من كتاب الغيبة - للنعماني - ص 70.

(2) ومن قوله: (واعلموا) إلى آخره كأنه من كلام الإمام الصادق
عليه السلام.
(3) أي غرقت بأهلها وغارت معهم وانهدمت بهم. والفعل من باب
قال وباع.
594

- 327 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما أخبر بتوجيه معاوية بسر بن أرطاة في جيش عظيم إلى الحجاز
واليمن للتنكيل بمن في تلك البلاد من شيعته ومحبيه!!!
قال ابن عساكر، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الفرضي، أخبرنا أبو محمد
الجوهري، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن فهد الأزدي الموصلي
القاضي: أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا بندار، أخبرنا
أبو داود أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة [قال:] سمعت عبد الله بن الحارث
يحدث عن زهير بن الأقمر (1) قال: خطبنا علي بن أبي طالب [عليه السلام]
فقال:

(1) ومثله في الحديث: (1342) من ترجمته عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 3 ص 265 ط 1، ورواه أيضا في البداية والنهاية: ج 7 ص 325
قال: وعن زهير بن الأرقم [كذا] قال: خطبنا علي يوم جمعة فقال:
نبئت بسرا قد [أ] طلع اليمن...
وساق الكلام إل أن قال: فما صلى الجمعة الأخرى حتى قتل رضي
الله عنه وأرضاه.
595

ألا إن بسرا (2) قد طلع من قبل معاوية، ولا أرى
هؤلاء القوم إلا سيظهرون عليكم باجتماعهم على باطلهم
وتفرقكم عن حقكم، وبطاعتهم أميرهم ومعصيتكم
أميركم، وبأدائهم الأمانة وبخيانتكم!!! استعملت
فلانا فغل وغدر وحمل المال إلى معاوية، واستعملت
فلانا فخان وغدر وحمل المال إلى معاوية، حتى لو ائتمنت
أحدهم على قدح خشيت على علاقته (3)!!!
اللهم إني أبغضتهم وأبغضوني فأرحهم مني وأرحني
منهم (4).

(2) هذا هو الصواب وهنا في ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق
تصحيف فاحش.
(3) العلاقة. بكسر العين -: ما يعلق به القدح والقدر ونحوهما،
وعلاقة السيف والسوط: حمالتهما.
(4) وأيضا قال ابن عساكر - بعد الفراغ مما ذكرناه عنه في المتن -:
أخبرنا أبو البركات محفوظ بن الحسن بن محمد بن صصري التغلبي
بدمشق، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد الهمداني، أخبرنا أبو بكر الخليل
ابن هبة الله بن الخليل، أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن القاسم بن
درستويه، أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو الدحداح، أخبرنا إبراهيم
ابن يعقوب الجوزجاني، أخبرنا يحي بن بكير:
عن الليث قال: بلغني أن عليا قال: يا أهل العراق، وددت أني
أبيع عشرة منكم برجل من أهل الشام تصرف الدراهم عشرة بدينار. فقيل
له: نحن وأنت كما قال الأعشى [أي أعشى قيس كما في ديوانه ص 13]:
علقتها عرضا وعلقت رجلا * غيري، وعلق أخرى غيرها الرجل
علقناك، وعلقت أهل الشام، وعلق أهل الشام معاوية.
596

تاريخ دمشق: ج 5 ص 305 ط دمشق باب تمسك أهل الشام
بالطاعة [لمن حاد الله ورسوله] واعتصامهم بلزوم السنة [الجاهلية]
والجماعة [الباغية على إمام زمانها]!!!
ورواه عنه في الحديث ما قبل الأخير، من باب فضائل علي عليه السلام
تحت الرقم: (504) من كتاب الفضائل من كنز العمال: ج 15، ص 176،
ط 2، ولكن اقتصر على الرواية الأولى مرسلة، ولم يذكر الثانية المذكورة
هنا في الهامش.
وقريبا منها ذكره بسند آخر تحت الرقم (1342) من ترجمة أمير
المؤمنين عليه السلام من تاريخ الشام، وقد جهزناه للنشر بحمد الله تعالى
وقد تم طبع المجلد الثاني والثالث منها في يوم الغدير أو بعيده من سنة 1395
الهجرية، وأما المجلد الأول منها فحال بينه وبين إتمام طبعه الحوادث
المؤلمة في بيروت (5).

(5) وقد طبع في غيابي في أثناء الحوادث ببيروت ولكنه مشحون
بالأغلاط والتقديم والتأخير، ومسودتي أيضا مفقودة.
597

- 328 -
ومن خطبة له عليه السلام
في استنفار الناس إلى الجهاد والدفاع عن حوزتهم لما بلغه أن معاوية بعث
بسر بن أرطاة لقمع شيعته واستيصالهم في الحجاز واليمن
قال إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله: ومن حديث الكوفيين عن نمير
ابن وعلة، عن أبي الوداك، قال: قدم زرارة بن قيس (1) فخبر عليا
[أمير المؤمنين عليه السلام] بالقدمة التي خرج فيها بسر، فصعد [أمير
المؤمنين] المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد أيها الناس فإن أول فرقتكم وبدأ
نقصكم (2) ذهاب أولي النهى وأهل الرأي منكم الذين [كانوا]

(1) والرجل كان عينا له عليه السلام بالشام، وله ترجمة في تاريخ
دمشق.
(2) هذا هو الظاهر الموافق لما في كتاب الإرشاد وفي النسخة:
(إن أول)...
598

يلقنون فيصدقون (2) ويقولون فيعدلون، ويدعون
فيجيبون، وأنا والله قد دعوتكم عودا وبدأ (4) وسرا
وجهرا، وفي الليل والنهار والغدو والآصال، فما يزيدكم
دعائي إلا فرارا وإدبارا!!! أما تنفعكم العظة والدعاء
إلى الهدى والحكمة؟ وإني لعالم بما يصلحكم ويقيم
أودكم، ولكني والله لا أصلحكم بفساد نفسي (5)!!!
ولكن أمهلوني قليلا فكأنكم والله بامرء قد جاءكم
يحرمكم ويعذبكم فيعذبه الله كما يعذبكم (6).

(3) هذا هو الظاهر، يقال: لقنه الكلام تلقينا: فهمه إياه مشافهة.
وفي الأصل: (يلقون). يقال: (لقى إليه الشئ تلقية): طرحه.
وتلقى الشئ منه: تلقنه أي أخذ منه مشافهة وفهمه.
(4) وفي الإرشاد: (وإني والله...). وهو أظهر.
(5) الأود: الإعوجاج. ومراده عليه السلام من فساد نفسه لأجل
إصلاحهم: هو التعدي من الضرب بالسوط إلى القتل والتنكيل، وقطع
الأيدي والأرجل كما هو شأن أهل الدنيا والذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر،
فإن هذا يوجب فساد نفس فاعله، إذ التجاوز في الحد والتقصير في إقامته
سيان عند الله، ومتعاطيه من الخاسرين عند الله تعالى.
(6) والظاهر من القرائن الخارجية أن مراده عليه السلام من هذا هو زياد بن
أبيه أو ابنه أو الحجاج بن يوسف أو يوسف بن عمر، كما صرح عليه السلام باسم
الأخيرين في بعض كلمه، وإن احتمل إرادة معاوية، أو مغيرة بن شعبة أيضا.
599

إن من ذل المسلمين وهلاك الدين أن ابن أبي سفيان
يدعو الأراذل والأشرار فيجاب، و [أنا] أدعوكم
وأنتم الأفضلون والأخيار، فتراوغون وتدافعون!!!
ما هذا بفعل المتقين (7).
إن بسر بن أبي أرطاة وجه إلى الحجاز، وما بسر -
لعنه الله - لينتدب إليه منكم عصابة فإنما خرج في
ستمأة أو يزيدون (8).
فسكت القوم مليا (9) لا ينطقون!!! فقال [عليه السلام]: ما لكم
مخرسون لا تكلمون؟ فقام أبو بردة ابن عوف الأزدي فقال: إن سرت
يا أمير المؤمنين سرنا معك. فقال [عليه السلام]:

(7) ورواها إلى قوله: (وتدافعون) في الحديث: (496) من ترجمة
أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الأشراف: ج 1، ص 423، وفي
ط 1: ج 2 ص 458،، قال: حدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه،
عن أبي مخنف في إسناده: ان عليا لما بلغه خبر بسر بن أبي أرطاة وتوجيه
معاوية إياه، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني
دعوتكم عودا...
(8) كذا.
(9) أي سكوتا طويلا أو مدة مديدة.
600

اللهم ما لكم ما سدد تم لمقال الرشد (10) [ولا
هديتم لقصد؟] [أ] في مثل هذا ينبغي لي أن أخرج؟
إنما يخرج في مثل هذا رجل ممن ترضون من فرسانكم
وشجعانكم، ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت
المال وجباية الأرض والقضاء بين المسلمين والنظر في حقوق
الناس ثم أخرج في كتيبة أتبع أخرى (11) في فلوات وشغف
الجبال!!! هذا والله الرأي السوء.
والله لولا رجائي الشهادة عند لقائهم - لو قد حم
لي لقاؤهم - لقربت ركابي (12) ثم لشخصت عنكم

(10) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (115) من نهج البلاغة،
وفيه: (ما بالكم لا سددتم لرشد...).
(11) وفي النهج: (والنظر في حقوق المطالبين، ثم أخرج في كتيبة
أتبع أخرى أتقلقل تقلقل القدح في الجفير الفارغ، وإنما أنا قطب الرحى
تدور علي وأنا بمكاني فإذا فارقته استحار مدارها واضطرب ثفالها، هذا
لعمر الله الرأي السوء).
(12) لو قد حم لي أي لو قدر لي. والركاب: الإبل التي يحمل عليها
ويسار بها. وقيل: الركاب: مطلق المطي والدواب التي يحمل عليها
ويركب وواحدتها راحلة من غير لفظها.
601

فلا أطلبكم ما اختلف جنوب وشمال (13) فوالله إن
فراقكم لراحة للنفس والبدن!!!
فقام إليه جارية بن قدامة السعدي رحمه الله، فقال: يا أمير المؤمنين
لا أعدمنا الله نفسك ولا أرانا الله فراقك، أنا لهؤلاء فسرحني إليهم. قال:
فتجهز فإنك ما علمت ميمون النقيبة (14).
وقام إليه وهب بن مسعود الخثعمي، فقال: أنا أنتدب إليهم يا أمير
المؤمنين. قال: فانتدب بارك الله فيك.
فنزل [عليه السلام، عن المنبر] ودعا جارية، فأمره أن يسير إلى
البصرة فيخرج منها في ألفين، وندب مع الخثعمي من الكوفة ألفين [و] قال
لهما: أخرجا في طلب بسر، حتى تلحقاه، وأينما لحقتماه فناجزاه فإذا التقيتما
فجارية على الناس. فخرجا في طلب بسر، والتقيا بأرض الحجاز، فذهبا
في طلبه.
[قال الثقفي:] وعن عبد الرحمان بن عبيد: أن جارية أغذ السير (15)

(13) وبعده في النهج هكذا: (انه لا غناء في كثرة عددكم مع قلة
اجتماع قلوبكم. لقد حملتكم على الطريق الواضح التي لا يهلك عليها
إلا هالك، من استقام فإلى الجنة، ومن زل فإلى النار).
(14) قال الجوهري: ميمون النقيبة: مبارك النفس. وقال تغلب:
مبارك المشورة. وقال ابن السكيت: ميمون الأمر فيما يحاول.
(15) يقال: (أغذ السير، وفي السير إغذاذا): أسرع فيه.
602

في طلب بسر، لا يلتفت إلى مدينة مر بها، ولا أهل حصن حتى انتهى
إلى بلاد اليمن، فهربت شيعة عثمان فلحقوا بالجبال، واتبعه عند ذلك
شيعة علي وتداعت عليهم من كل جانب وأصابوا منهم، وخرج جارية
في أثر القوم، وترك المدائن أن يدخلها ومضى نحو بسر، فمضى بسر من
حضرموت [حين بلغه أن الجيش أقبل إليه] وأخذ طريقا على الجوف
وترك الطريق الذي أقبل منه، [و] بلغ ذلك جارية فاتبعه حتى أخرجه
من اليمن كلها وواقعه في أرض الحجاز (16) فلما فعل ذلك به أقام بحرس
نحوا من شهر حتى استراح وأراح أصحابه، وسأل عن بسر، فقيل:
إنه بمكة. فسار نحوه، وخرج منها بسر يمضي قبل اليمامة، ووثب الناس
ببسر حين انصرف، لسوء سيرته، واجتنبوه بمياه الطريق وفروا عنه لغشمه
وظلمه، فأخذ طريق السماوة [كذا] حتى أتى الشام وأقبل جارية حتى دخل مكة،
فقام على منبرها وقال: بايعتم معاوية؟ قالوا: أكرهنا على ذلك. [فأخذ
منهم البيعة للحسن عليه السلام ثم ذهب إلى المدينة ثم إلى الكوفة].
الحديث: (101) من كتاب الغارات ج 1، ص 100، ورواه عنه في
البحار: ج 8 ص 671 / السطر 11، وص 701 في السطر 5، وقريب
منه - عدا الذيل - في الفصل (40) مما نقل من كلامه عليه السلام في
كتاب الإرشاد، ص 145، وكذلك في تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 173،
وذيل الكلام رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار (115) من خطب
نهج البلاغة.

(16) كذا في الأصل.
603

- 329 -
ومن خطبة له عليه السلام
لما قدم عليه عاملاه على صنعاء والجند: عبيد الله بن العباس، وسعيد بن
نمران، وقد هربا من بسر، لما دخل صنعاء للقضاء عليهما
وعلى غيرهما من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام
الثقفي رحمه الله، عن القاسم بن الوليد: أن عبيد الله بن العباس وسعيد
ابن نمران، قدما على علي عليه السلام، وكان عبيد الله عاملا على صنعاء،
وسعيد عامله على الجند، خرجا هاربين من بسر، وأصاب [المخذول]
ابني عبيد الله لم يدركا فقتلهما. وكان أمير المؤمنين [عليه السلام] يجلس
كل يوم في موضع من المسجد الأعظم، يسبح به بعد الغداة إلى طلوع
الشمس، فلما طلعت نهض إلى المنبر، فضرب بإصبعه على راحته وهو
يقول:
ما هي إلا الكوفة أقبضها وأبسطها (1).

(1) وفي المختار: (24) من نهج البلاغة: فقام عليه السلام على
المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد ومخالفتهم له في الرأي فقال:
ما هي إلا الكوفة...
604

[وتمثل بقول الشاعر]:
لعمر أبيك الخير يا عمر إنني
على وضر من ذا الإناء قليل (2)
قال الثقفي: ومن حديث بعضهم أنه قال [عليه السلام]:
إن لم تكوني إلا أنت تهب أعاصيرك (3) فقبحك الله.
ثم قال: [عليه السلام]:
أيها الناس ألا إن بسرا قد أطلع اليمن (4) هذا
عبيد الله بن العباس، وسعيد بن نمران قدما علي هاربين،
ولا أرى هؤلاء [القوم] إلا ظاهرين عليكم، لاجتماعهم
على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، وطاعتهم لإمامهم،
ومعصيتكم لإمامكم، وأدائهم الأمانة إلى صاحبهم،
وخيانتكم إياي!!! وليت فلانا فخان وغدر واحتمل

(2) الوضر: أثر الطعام في القصعة.
(3) تهب - من باب مد: تتهيج وترتفع. والأعاصير: جمع
الإعصار: الزوبعة وهي ريح تمتد من الأرض نحو السماء كالعمود، أو
كل ريح فيها غبار.
(4) أي قد ظهر عليها ودخلها متغلبا.
605

فيء المسلمين إلى مكة (5) ووليت فلانا فخان وغدر
وفعل مثلها (6) فصرت لا أئتمنكم على علاقة سوط!!! (7).
إن ندبتكم إلى السير [إلى] عدوكم في الصيف
قلتم أمهلنا ينسلخ الحر عنا، وإن ندبتكم في الشتاء
قلتم أمهلنا ينسلخ القر عنا!!!
اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني
فأبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو
شر لهم مني، اللهم أمث قلوبهم ميث الملح في الماء (8).
الحديث: (10) من كتاب الغارات ج 1، ص 10، ورواه أيضا في
بحار الأنوار: ج 8 ص 672 ط الكمباني نقلا عن كتاب الغارات،
وقريب منه جدا في المختار: (25) من خطب نهج البلاغة.

(5) والظاهر أنه إشارة إلى ما صنعه ابن عباس.
(6) لعله إشارة إلى قصة يزيد بن حجية قال في الحديث: (500)
من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 2 ص 459 ط 1: وولى
علي بن أبي طالب يزيد بن حجية الري ودستبي [وتستر (خ)] فكسر
الخراج فبعث إليه فحبسه ثم خرج فلحق بمعاوية. وذكره أيضا في ترجمته
من تاريخ دمشق.
(7) أي حبله وما يعلق به.
(8) أي أذب قلوبهم كإذابة الملح، الماء، يقال: (ماث الشئ
في الماء - من باب قال - موثا وموثانا): أذابه فيه.
606

- 330 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله على المنبر
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل، أنبأنا أبو بكر
البيهقي، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أنبأنا أبو جعفر بن دحيم،
أنبأنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة، أنبأنا عبيد الله وأبو نعيم، وثابت بن
محمد [كذا] عن فطر بن خليفة.
قال: وأنبأنا أحمد بن حازم، أنبأنا عبيد الله أنبأنا عبد العزيز بن سياه.
قالا جميعا: عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة الحماني، قال: سمعت
عليا على المنبر وهو يقول:
والله إنه لعهد النبي الأمي إلي أن الأمة ستغدر بك
بعدي (1).

(1) وبعده هكذا: [قال ابن عساكر: هذا] لفظ حديث فطر،
قال البخاري: ثعلبة بن يزيد الحماني فيه نظر، لا يتابع عليه في حديثه هذا.
[و] قال البيهقي: كذا قال البخاري، وقد رويناه بإسناد آخر، عن
علي إن كان محفوظا. [ثم قال]:
أخبرنا أبو علي الروذباري، أنبأنا أبو محمد بن شوذب الواسطي بها،
أنبأنا شعيب بن أيوب، أنبأنا عمرو بن عون، عن هشيم، عن إسماعيل
ابن سالم، عن أبي إدريس الأزدي عن علي [عليه السلام] قال:
إن مما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن
الأمة ستغدر بك بعدي.
قال البيهقي: فإن صح هذا، فيحتمل أن يكون المراد به - والله أعلم -
في خروج من خرج عليه في إمارته ثم في قتله.
607

الحديث: (1157) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 38 ص 73 وفي ط 1: ج 3 ص 116، ورواه بسندين آخرين
في الفصل (47) من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد، ص 151،
ط النجف.
608

- 331 -
ومن كلام له عليه السلام
بين فيه علل اختلاف الناس في الأحاديث الواردة عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وانه لا يجوز أخذ الرواية من كل أحد،
وأن من يصح الأخذ عنه لا بد من التثبت في روايته (1)
قال سبط ابن الجوزي: [أخبرنا عبد الوهاب بن علي الصوفي أخبرنا،
علي بن محمد بن عمرو، أخبرنا رزق الله بن عبد الوهاب، أخبرنا أحمد
ابن علي بن الباد، أخبرنا حبيب بن الحسن القزاز، أخبرنا موسى
ابن إسحاق الأنصاري، حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا عاصم بن حميد،
حدثنا أبو حمزة الثمالي (2) قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد]:
عن الشعبي (3) قال: حدثني من سمع عليا عليه السلام وقد سئل عن
اختلاف الناس في الحديث فقال:

(1) وهذا المعنى أمر جلي لمن مارس موارد قليلة مما اختلف فيه أهل
المذاهب، أو المغايرون من حيث المرام والأذواق ولو ملة واحدة.
(2) هذه القطعة من السند التي وضعناها بين المعقوفين ذكرها سبط ابن
الجوزي قبل حديثنا هذا، بثلاثة أحاديث، ثم قال: (وبه قال الشعبي: حدثني
من سمع عليا...).
(3) جملتا: (قال حدثنا إبراهيم بن سعيد) ذكرها بحديثين قبل
الحديث الذي نحن الآن في مقام ذكره، ثم قال: (وبه قال الشعبي
حدثني...). وبما ذكرناه ظهر أن قوله: (عن الشعبي) ليس بصريح
لفظه بل معناه، وإنما عدلنا من ذكر صريح اللفظ إلى ذكر معناه لأجل انتظام
الكلام على الوجه التام.
وليعلم أن للحديث صدرا لطيفا قد سقط من رواية الشعبي - أو أسقط
منه - فإن قدمت ما يذكره بعد ذلك - برواية الكميل - ووصلته بصدر
رواية الشعبي فقد ظفرت بصدر الكلام كملا.
609

الناس أربعة (4): [رجل] منافق مظهر للإيمان
وقلبه يأبى الإيمان ومضيع للإسلام، لا يتأثم ولا
يتحرج [أن] يكذب على رسول الله [صلى الله عليه
وآله وسلم] (5) متعمدا، فلو علم الناس حاله لما

(4) أي نقلة الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
أربعة طبقات ليس لهم خامسة.
وليعلم أن للحديث - أي كلام أمير المؤمنين عليه السلام هذا - طرقا
وألفاظ مونقة، فليت صاحب التذكرة ذكره عن طريقه الثاني - المنتهى
إلى كميل - ولم يذهب بهاء هذه الخصيصة العلوية بتلجلج الشعبي وتمجمجه
المستندين إلى شغل فكره بأهواء الأموية، وإمساك فمه عل ماء المروانية.
(5) هذا هو الظاهر الموافق لرواية الصدوق رحمه الله، وفي النسخة:
(كذب على رسول الله (ص) متعمدا).
610

أخذوا عنه، ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله.
فأخذوا بقوله، وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر،
ووصفهم بما وصف (6).
ثم إنهم عاشوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة،
والدعاة إلى النار بالزور والبهتان (7) فولوهم الأعمال،
وجعلوهم على رقاب الناس فأكلوا بهم الدنيا، وإنما
الناس تبع للملوك [والدنيا] إلا من عصمه الله عز وجل!!! (8).
ورجل سمع رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]
يقول قولا، أو رآه يفعل فعلا، ثم غاب عنه ونسخ
ذلك القول [أ] والفعل ولم يعلم فلو علم أنه نسخ ما حدث
به، ولو علم الناس أنه نسخ لما نقلوا عنه.

(6) كما في قوله تعالى في الآية الثالثة من سورة (المنافقون):
(وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم). إلى غيرها
من الآيات.
(7) وهذا المقام حري بالتأمل والتدقيق كما هو حقه.
(8) وفي رواية الصدوق والسيد الرضي: (وإنما الناس مع الملوك والدنيا
إلا من عصم الله، فهذا أحد الأربعة).
611

ورجل [ثالث] سمع رسول الله [صلى الله عليه
وآله وسلم] يقول قولا فوهم فيه (9) فلو علم أنه
وهم فيه لما حدث عنه ولا عمل به.
ورجل [رابع] لم يكذب [ولم يهم] (10)
ولم يغب، حدث بما سمع، وعمل به (11).

(9) أي أخطأ فيه وسها، والفعل من باب (وجل). وقيل: إنه من
باب (وعد).
(10) ما بين المعقوفين قد سقط من النسخة، ولا بد منه، وفي نهج البلاغة:
(وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفا من الله
وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يهم، بل حفظ ما سمع على
وجهه، فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص، فحفظ الناسخ فعمل به،
وحفظ المنسوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعام، فوضع كل شئ
موضعه، وعرف المتشابه ومحكمه).
(11) وبعده في تذكرة الخواص هكذا: (فأما الأول فلا اعتبار بروايته،
ولا يحل الأخذ عنه، وأما الباقون فينزعون إلى غاية، ويرجعون إلى نهاية،
ويستقون من قليب واحد، وكلامهم أشرق بنور النبوة ضياؤه، ومن
الشجرة المباركة اقتبست ناره).
أقول: وهذا السياق مختص برواية صاحب التذكرة ومغاير لما في الطرق الأخر
وقد وهم الراوي - أو الكاتب - ولم يتحفظ على كلام أمير المؤمنين قطعا،
وذلك لأن السؤال وقع عمن يصح الأخذ منه من الرواة ومن لا يصح، فكيف
يجاب عن هذا السؤال بأن الكاذب على رسول الله لا يجوز الأخذ منه، وأما
من حفظ عن رسول الله الحديث المتضمن للحكم المنسوخ - مع عدم علم
الراوي بنسخه - وكذا من حفظ عن رسول الله حديثا فوهم فيه وتخيل أن
المأمور به منهي عنه أو عكسه أو زاد في الحديث ما ليس منه أو نقص منه،
وكذا من تحفظ على الحكم كما وكيفا، يصح الأخذ منهم لأن كلامهم يستقي
من قليب واحد، وضياؤه من نور النبوة.
سبحان الله كيف يمكن أن يقول عاقل: بأن من وهم في الحكم مثل من
ضبطه كلامهما من قليب واحد!!!
وكيف يمكن أن يقال بأن الحكم المنسوخ - الذي نفد ضياؤه بانتهاء
مدته - مثل الحكم الثابت الذي له ضياء دائم وشعشعة أبدية، يجوز الأخذ
بهما لأن ضياءهما من نور النبوة!!! وأين الضياء للحكم المنسوخ الذي
انطفأ ضوؤه كي يقرن مع الحكم الدائم المستقر الضوء؟! وما فائدة الأخذ
بالحكم المنسوخ، والحكم الذي وهم فيه الراوي كي يعلل الأخذ بهما بهذا
التعليل؟ ويفرق بينهما وبين الحكم المكذوب على صاحب الشريعة مع أنهما
في بعض مصاديقهما من أفراد الحكم المكذوب!!!
والظاهر أن البلاء من الشعبي أراد أن يروج بضاعة من تصدي للرواية
في قبال باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!!!.
612

[قال سبط ابن الجوزي صاحب التذكرة:] وهذه رواية الشعبي.
وفي رواية كميل بن زياد عنه [عليه السلام] انه قال:
إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا
وناسخا ومنسوخا، وعاما وخاصا، ومحكما ومتشابها
613

وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله [صلى الله
عليه وآله وسلم] في عهده حتى قام خطيبا فقال:
(من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (12)
وإنما يأتيك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس.

(12) قال سبط ابن الجوزي - بعد إتمام الحديث -: وهذا الحديث وهو
قوله: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار). قد رواه مأة وعشرون
من الصحابة، ذكرتهم في كتابي المترجم بحق اليقين.
وأما طريق علي عليه السلام، فأخبرنا [به] غير واحد، عن عبد الأول
الصوفي، أخبرنا ابن المظفر الداوودي، أخبرنا ابن أعين الرخسي، حدثنا الفربري
[كذا] حدثنا البخاري، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا شعبة، عن منصور،
عن ربعي بن حراش قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: سمعت النبي
(ص) يقول: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
أخرجاه في الصحيحين، وأخرجه أحمد في (المسند) والجماعة كذا.
وقد اقتضى هذا الحديث ذكر مسانيده عليه السلام [وقد] أسند عن رسول
الله صلى الله عليه الكثير، والذي أخرج له أحمد في مسنده مأتي حديث وعشرة
أحاديث. وقال ابن مندة: روى خمسمأة وسبعة وثلاثين حديثا. وأخرج
له في الصحيحين أربعة وأربعين حديثا اتفقا على عشرين، وانفرد البخاري
بتسعة عشر، ومسلم بخمسة.
أقول: هذا جميع ما ذكروه في صحاحهم عن عالم الأمة وباب مدينة علم
رسول الله ووارثه في العلم بإتفاق!!! وهو المتفرد بأنه لم يكذب على رسول الله
ولم يهم فيما سمعه منه، ولم يزد فيه ولم ينقص منه، وحفظ الناسخ فعمل به
وحفظ المنسوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعام والمحكم والمتشابه فوضع
كل شئ موضعه.
وعلى هذا فبقية رواياتهم التي لا تنتهي إليه عليه السلام إما داخلة في
القسم الأول الذي ذكره عليه السلام ها هنا، أو في القسم الثاني أو الثالث،
وعليك بالبحث والتنقيب كي تطلع على حقيقة الحال، وان جل رواياتهم
من أي قسم من الأقسام الثلاثة.
614

أواسط الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص، ص 152، ط
النجف، وللحديث مصادر جمة، وقد ذكره سليم بن قيس في كتابه
ص 91 بألفاظ جيدة، وزيادات هامة، وقد رواه أيضا ثقة الإسلام الكليني
رحمه الله في الحديث الأول من باب اختلاف الحديث - وهو الباب: (20) -
من كتاب فضل العلم من أصول الكافي: ج 1، ص 62 عن علي بن إبراهيم
ابن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني
عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس.
ورواه أيضا الصدوق رحمه الله في باب الحديثين المختلفين من كتاب
اعتقاداته وكذلك في الحديث: (131) من باب الأربعة من كتاب الخصال
ص 255، عن أبيه، عن علي بن إبراهيم...
وساق السند كما تقدم عن ثقة الإسلام الكليني غير أنه زاد بعد إبراهيم
ابن عمر اليماني قوله: (وعمر بن أذينة).
ورواه أيضا الطبري في كتاب المسترشد، ص 29 ط النجف، عن محمد
ابن عبد الله بن مهران، عن حماد بن عيسى...
ورواه أيضا النعماني في الحديث (10) من الباب الرابع من كتاب الغيبة
ص 36 عن ابن عقدة، ومحمد بن همام، وعبد العزيز، وعبد الواحد ابنا
615

عبد الله، عن رجالهم عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أبان، عن سليم.
ورواه أيضا العلامة الكراجكي رحمه الله في كتاب الاستنصار، ص 10، عن
أبي المرجا محمد بن عبد الله بن أبي طالب البلدي عن أبي عبد الله محمد بن
إبراهيم بن جعفر النعماني...
ورواه أيضا أبو حيان التوحيدي في كتاب الإمتاع والمؤانسة: ج 3 ص 197،
عن ابن رباط. وببالي انه ذكره أيضا في الإمامة والسياسة: ج 1، ص 230.
ورواه أيضا في المختار: (22) من كلمه عليه السلام من كتاب تحف
العقول ص 131، ط النجف. ورواه أيضا في المختار: (207) من نهج البلاغة.
- 232 -
ومن كلام له عليه السلام
في أنه منهاج العلم والعمل
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنبأنا أبو بكر الشامي،
أنبأنا أبو الحسن العتيقي، أنبأنا يوسف بن أحمد بن الدخيل، أنبأنا محمد
ابن عمرو العقيلي، أنبأنا الحسين بن محمد بن مصعب (1)، أنبأنا عباد بن
يعقوب، أنبأنا حسين بن حماد، أنبأنا فطر بن خليفة:
عن أبي وائل قال: قال [أمير المؤمنين] علي عليه السلام:

(1) كذا في النسخة وفي ترجمة فطر بن خليفة من الجزء (9) من
كتاب الضعفاء، الورق 181: (حدثنا الحسن بن محمد بن مصعب)...
616

والله ما ضللت ولا ضل بي، ولا نسيت الذي قيل
لي، وإني لعلى بينة من ربي تبعني من تبعني وتركني
من تركني (2).
الحديث (1339) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 3
ص 264 ط 1، وفي المخطوطة: ج 38 ص 97 س 18.
ورواه أيضا في كنز العمال: ج 6 ص 405 وقال: أخرجه العقيلي
وابن عساكر.

(2) وروى المزي في ترجمة أبي عثمان الخراساني من تهذيب الكمال:
ج 12 - الورق 67 عن النسائي في مسند علي عليه السلام أنه قال: ما كذبت
ولا كذبت، وإني لعلى ملة ما أبالي من يتبعني ممن لم يتبعني [كذا].
617

- 333 -
ومن كلام له عليه السلام
في حث الناس على السؤال عنه وبيان إحاطة علمه بالقرآن الكريم
قال الحسكاني: أخبرني أبو عثمان الحيري [ظ] بقراءتي عليه من
أصله [قال: أخبرنا] أبو الفضل جعفر بن الفضل الوزير بمكة) قال:
[أخبرنا] علي بن محمد بن الجهم، [قال: أخبرنا] أحمد بن منصور
الرمادي [قال: أخبرنا] أحمد بن عبد الله بن يونس [قال: أخبرنا]
أبو بكر بن عياش [قال: أخبرنا] عاصم بن بهدلة:
عن أبي عبد الرحمان السلمي قال: ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن
أبي طالب، وكان يقول:
سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ من كتاب الله
إلا أخبرتكم به (1) بليل نزلت أم بنهار، أو في سهل
أو [في] جبل.
الحديث (32) - أو الفصل الرابع - من كتاب شواهد التنزيل ص 6
وفي المطبوع: ج 1، ص 31.

(1) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (أخذتكم به).
618

- 334 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان شمول علمه بما أراد الله تعالى من آيات الذكر الحكيم وأنها
فيما أنزلت وأين نزلت
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو محمد ابن طاوس، أنبأنا أبو الغنائم ابن
أبي عثمان، أنبأنا محمد بن أحمد بن محمد بن رزقويه إملاءا. أنبأنا محمد
ابن عبد الله بن إبراهيم البزار، أنبأنا محمد بن غالب بن حرب الضبي
أنبأنا أبو سلمة، أنبأنا ربعي بن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة، حدثني
سيف بن وهب، قال: دخلت على رجل بمكة يكنى أبا الطفيل، فقال (1):

(1) قال السيد أحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلامية: ج 2 ص
337: كان علي رضي الله عنه أعطاه الله علما كثيرا وكشفا غزيرا، قال أبو
الطفيل: شهدت عليا يخطب وهو يقول: سلوني من كتاب الله فوالله ما من
آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل، ولو شئت أو قرت
سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب.
كذا نقله عنه العلامة الأميني رفع الله مقامه في الغدير: ج 2 ص 44 ورواه
أيضا في الهامش عن الإصابة: ج 2 ص 509، وقريبا منه أو ما في معناه رواه
في ج 6 ص 193، ط 2 عن مصادر.
619

أقبل [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب [عليه السلام] ذات يوم
حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
يا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فوالله ما بين
لوحي المصحف آية تخفى علي فيما أنزلت، ولا
أين نزلت، ولا ما عني بها.
الحديث: (1036) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق ج 38
ص 58، وفي ط 1: ج 3 ص 20.
- 335 -
ومن كلام له عليه السلام
في أنه على محجة الشريعة علما وعملا وانه اقتبس الحقائق عن
النبي صلى الله عليه وآله كالتقاط الفرخ من أبويه
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم
الإسماعيلي، أنبأنا أبو عمرو عبد الرحمان بن محمد الفارسي، أنبأنا أبو
أحمد ابن عدي، أنبأنا أبو أحمد ابن الحسن الكوفي، أنبأنا أحمد بن بذيل
[كذا] أنبأنا مفضل - يعني ابن صالح - أنبأنا جابر بن يزيد الجعفي،
620

عن عبد الله بن نجي (1) قال: سمعت عليا على المنبر يقول:
والله ما كذبت و [لا] كذبت، ولا ضللت ولا
ضل بي، ولا نسيت ما عهد إلي، وإني لعلى بينة
من ربي بينها لنبيه عليه السلام فبينها [النبي] لي،
وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطا (2).
الحديث: (1033) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 38 ص 58، وفي ط 1: ج 3 ظ 20.
ورواه أيضا بسندين في الحديث 378 من شواهد التنزيل: ج 1، ص 278
في تفسير الآية: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) (17 /
هود) وما رواه يشترك مع ما هنا في بعض الوسائط، ويستقل بسند آخر.
ورواه أيضا السيد أبو طالب كما في الحديث (42) من الباب الثالث من تيسير
المطالب ص 44، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن بندار، قال: حدثنا
الحسن بن سفيان قال: حدثنا القاسم بن خليفة، قال: حدثنا علي بن وازع
[كذا] عن أسباط بن نصر، عن جابر [الجعفي] عن عبد الله بن نجي،
عن أبيه...

(1) هذا هو الظاهر، ومثله في ظاهر رسم الخط من الحديث: (378)
من شواهد التنزيل الورق 68 / ب: (عبد الله بن نجي) والظاهر أنه هو
الصواب وهو نجي الحضرمي صاحب مطهرة أمير المؤمنين عليه السلام.
وفي نسخة تاريخ دمشق ها هنا: (عبد الله بن يحي).
(2) أي أخذه أخذا غير تارك له. والفعل من باب نصر.
621

- 336 -
ومن كلام له عليه السلام
في الحث على استكشاف حقائق القرآن عنه وانهم إن لم يسألوا
عنه لم يجدوا أحدا يكشفها لهم
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم
ابن مسعدة، أنبأنا أبو القاسم السهمي، أنبأنا عبد الله بن عدي، أنبأنا محمد
ابن علي بن مهدي أنبأنا الحسن بن سعيد بن عثمان، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو
مريم - يعني عبد الغفار بن القاسم - أنبأنا حمران بن أعين، أنبأنا أبو الطفيل
عامر بن واثلة، قال:
خطب [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب [عليه السلام] في عامه (1) فقال:
يا أيها الناس إن العلم يقبض قبضا سريعا، وإني
أوشك أن تفقدوني فاسألوني، فلن تسألوني عن آية
من كتاب الله إلا نبأتكم بها وفيما أنزلت، وإنكم
لن تجدوا أحدا من بعدي يحدثكم.
الحديث: (1035) من ترجمه أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
دمشق ج 3 ص 20 ط 1.

(1) كذا في الأصل، والظاهر أنه أراد عام وفاته عليه السلام.
622

- 337 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان شمول علمه بنزول الذكر الحكيم
قال الحسكاني رحمه الله: حدثني أبو المعلى الحسين بن أحمد القاضي،
قال: أخبرنا أبو محمد التميمي، قال: حدثنا أبو عمرو إسماعيل بن عبد الله
قال: حدثنا أحمد بن حرب الزاهد، [حدثنا] صالح بن عبد الله الترمذي
[حدثنا] الحسين بن محمد [حدثنا] سليمان بن قرم، عن سعيد بن حنظلة:
عن علقمة بن قيس قال: قال علي [عليه السلام]:
سلوني يا أهل الكوفة قبل أن لا تسألوني فوالذي
نفسي بيده ما نزلت آية إلا وأنا أعلم بها [ظ] أين
نزلت وفيمن نزلت في سهل أم في جبل، أو في مسير
أو في مقام.
الفصل الرابع من مقدمات شواهد التنزيل ص 6، وفي المطبوع: ج 1، ص 30
623

- 338 -
ومن كلام له عليه السلام
في حث الناس على السؤال عنه وأنه عالم بالحوادث إلى يوم القيامة!!!
قال الحسكاني رحمه الله: حدثني أبو بكر أحمد بن محمد التميمي، [قال:
حدثنا] أبو محمد عبد الله بن محمد الإصفهاني [حدثنا] محمد بن الحسن بن
علي بن بحر، [حدثنا] محمد بن عبد الأعلى الصنعاني [حدثنا] محمد بن ثور
عن معمر، عن وهب بن عبد الله:
عن أبي الطفيل قال: شهدت عليا [عليه السلام] وهو يخطب ويقول:
سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ يكون إلى يوم
القيامة إلا حدثتكم [به!!!] وسلوني عن كتاب الله،
فوالله ما منه آية إلا وأنا أعلم أين نزلت بليل أو بنهار
أو بسهل نزلت أو في جبل.
الحديث (31) - أو الفصل الرابع - من كتاب شواهد التنزيل: ج 1، ص 30
ط 1، وفي المخطوط الورق 6، وقريبا منه جدا بسند آخر ينتهي إلى أبي عبد
الرحمان السلمي ذكره في تاليه.
ورواه أيضا في أوائل ترجمته عليه السلام من الإستيعاب بهامش الإصابة:
ج 3 ص 43 قال: وروى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل...
624

- 339 -
ومن كلام له عليه السلام
في معنى ما تقدم عن طريق آخر
قال ابن أبي حاتم: أنبأنا عبد الرحمان، أنبأنا أحمد بن سلمة النيسابوري
أنبأنا إسحاق - يعني ابن راهويه - قال: أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر،
عن وهب بن عبد الله:
عن أبي الطفيل قال: شهدت عليا - رضي الله عنه - يخطب وهو يقول:
سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ يكون إلى يوم
القيامة إلا حدثتكم [به]!!!
وسلوني عن كتاب الله عز وجل فوالله ما من آية إلا
وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل.
رواه في ترجمة أمير المؤمنين من كتاب الجرح والتعديل: ج 6 ص 192.
625

- 340 -
ومن كلام له عليه السلام
في جواب أسئلة ابن الكواء وأن ذا القرنين كان عبدا صالحا.
قال أبو الفرج: حدثني أبو عبيد الله الصيرفي، قال: حدثنا الفضل بن
الحسن المصري، قال: حدثنا أبو نعيم، عن بسام الصيرفي، عن أبي الطفيل،
قال: سمعت عليا عليه السلام يخطب فقال:
سلوني قبل أن تفقدوني.
فقام إليه ابن الكواء فقال: ما (الذاريات ذروا)؟ قال: الرياح.
قال: (فالجاريات يسرا)؟ قال: السفن. قال: (فالحاملات وقرا)؟
قال: السحاب. قال: (فالمقسمات أمرا)؟ قال الملائكة. قال: فمن
(الذين بدلوا نعمة الله كفرا) [28 / إبراهيم]؟ قال الأفجران من قريش:
بنو أمية وبنو مخزوم (1) قال: فما كان - ذو القرنين - أنبيا أم ملكا؟ قال:
كان عبدا مؤمنا - أو قال: صالحا - أحب الله وأحبه، ضرب ضربة على
قرنة الأيمن فمات، ثم بعث وضرب ضربة على قرنه الأيسر فمات، وفيكم
مثله.
[ثم قال أبو الفرج]: وكتب إلي إسماعيل بن محمد المري الكوفي يذكر
أن أبا نعيم حدثه بذلك عن بسام وذكر مثله.

(1) لهذه القطعة مصادر كثيرة ذكر بعضها في فضائل الخمسة ج 3 ص 306.
626

وقريبا منه رواه في الجزء (12) في مسند عبد الله بن مسعود أو
أبي الطفيل. من كتاب مسند الصحابة - للهيثم بن كليب - الورق 68، قال: حدثنا
عيسى، حدثنا أبو معاوية، حدثنا بسام، حدثنا أبو الطفيل...
ورواه أيضا الطحاوي في مشكل الآثار: ج 2 ص 350 كما في فضائل
الخمسة: ج 3 ص 62، ثم قال: وذكره أيضا في كنز العمال: ج 1،
ص 254 ط 1، وقال: أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن
أبي عاصم في السنة وابن الأنباري في المصاحف، وابن مردويه وابن المنذر،
وابن أبي عاصم.
وذكره أيضا في الرياض النضرة: ج 2 ص 210.
- 341 -
ومن كلام له عليه السلام
في الحث على السؤال عنه وانهم لا يجدون غيره يخبرهم عن سبب نزول
الآيات وزمانه وما أراد الله بها حتى يلقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك، أنبأنا
أحمد بن الحسن بن أحمد، أنبأنا أبو علي بن شاذان، أنبأنا أبو سهل ابن زياد
القطان، أنبأنا أبو الحسين علي بن إبراهيم الواسطي إملاءا، أنبأنا محمد بن
أبي نعيم، أنبأنا ربعي بن عبد الله بن الجارود:
أنبأنا سيف بن وهب مولى لبني تيم قال: دخلت شعب بني عامر على
أبي الطفيل عامر بن واثلة - قال: فإذا [هو] شيخ كبير قد وقع حاجبه
627

على عينه، قال: - فقلت له أحب أن تحدثني بحديث سمعته من علي،
ليس بينك وبينه أحد. قال: أحدثك به إن شاء الله وتجدني له حافظا،
[ثم قال]:
أقبل علي يتخطى رقاب الناس بالكوفة حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال:
يا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فوالله ما بين
لوحي المصحف آية تخفى علي فيم أنزلت، ولا أين
نزلت ولا ما عنى [الله] بها، والله لا تلقوا أحدا يحدثكم
ذاكم (1) بعدي حتى تلقوا نبيكم صلى الله عليه وسلم.
قال: فقام رجل يتخطى رقاب الناس فنادى: أنا [سائلك] يا أمير
المؤمنين. فقال علي: ما أراك بمسترشد - أو ما أنت بمسترشد!!!
- قال: [بلى] يا أمير المؤمنين حدثني عن قول الله عز وجل: (والذاريات
ذروا)؟ قال: الرياح ويلك. قال: (فالحاملات وقرا)؟ قال:
السحاب ويلك. قال: (فالجاريات يسرا). قال: السفن ويلك. قال:
(فالمدبرات أمرا) (2). قال: الملائكة ويلك. قال: يا أمير المؤمنين
أخبرني عن قول الله عز وجل: (والبيت المعمور، والسقف المرفوع)

(1) كذا.
(2) كذا في النسخة، وعلى هذا فهي الآية (5) من سورة النازعات 79
ويحتمل رسم الخط أيضا أن يقرأ: (فما المدبرات أمرا). والظاهر على كلا
التقديرين أنه سهو من الراوي وأن الصواب (فالمقسمات أمرا) وهي مرتبة
على الآيات السابقة من سورة الذاريات.
628

[4 - 5 / الطور]؟ قال: ويلك بيت في ست سماوات [كذا] يدخله
كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، وهو الضراح
وهو حذاء الكعبة من السماء. قال يا أمير المؤمنين حدثني عن قول الله عز
وجل: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار)
[28 / إبراهيم: 14] قال: ويلك ظلمة قريش. قال: يا أمير المؤمنين
حدثني عن قول الله عز وجل: (قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا،
الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا) [103 / الكهف]؟ قال: ويلك
منهم أهل حروراء. قال: يا أمير المؤمنين حدثني عن ذي القرنين أنبي
كان أو رسول؟ قال: لم يكن نبيا ولا رسولا، ولكنه عبد ناصح الله عز وجل
فناصحه الله عز وجل فأحبه الله وانه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فغيب [كذا] زمانا، ثم بعثه الله عز وجل إليهم فدعاهم إلى الله عز وجل فضربوه
على قرنه الآخر فهلك بذلك قرناه.
ترجمة ذي القرنين من تاريخ دمشق: ج 17، ص 9 ورواه أيضا تحت
الرقم (407) في باب فضائل علي عليه السلام من كنز العمال: ج 15، ص 140،
ط 2 نقلا عن ابن منيع والمقدسي في المختارة ورواه أيضا ابن عبد البر في كتاب
جامع بيان العلم: ج 1، ص 100، ورواه عنه - وعن ابن الأنباري في
المصاحف - في الفصل الأول من لواحق كتاب القرآن من تلخيص كنز
العمال بهامش مسند أحمد: ج 2 ص 42. وفي كنز العمال: ج 1 ص 228،
وعنه في فضائل الخمسة: ج 2 ص 238 قال ورواه أيضا ابن حجر في
فتح الباري: ج 10، ص 221 عن عبد الرزاق.
629

- 342 -
ومن كلام له عليه السلام
أجاب به من سأله عن أصحابه وفيه أيضا مباحث أخر تقدم بعضها:
عن زاذان قال: بينا الناس ذات يوم عند علي إذ وافقوا منه نفسا
طيبة (1) فقالوا: حدثنا عن أصحابك يا أمير المؤمنين. قال: عن أي
أصحابي؟ قالوا: عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال: كل
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابي فأيهم تريدون؟ قالوا: النفر
الذين رأيناك تلفظهم بذكرك والصلاة عليهم دون القوم. قال: أيهم؟
قالوا: عبد الله بن مسعود. قال: علم السنة، وقرأ القرآن وكفى به علما،
ثم ختم به عنده.
فلم يدروا ما يريد بقوله: (كفى به علما). كفى بعبد الله أم كفى بالقرآن؟
قالوا: فحذيفة؟
قال: علم - أو علم - أسماء المنافقين وسأل عن المعضلات حتى عقل
عنها فإن سألتموه عنها تجدوه بها عالما.
قالوا، فأبو ذر؟

(1) وقريبا منه - عدا ما في الذيل من سؤال ابن الكواء - رواه مسندا في
الحديث (65) من الباب الثالث من تيسير المطالب - في ترتيب أمالي السيد أبي
طالب - ص 49 وفي ط بيروت ص 76.
630

قال: وعى علما، وكان شحيحا حريصا، شحيحا على دينه حريصا
على العلم، وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع!!! أما إنه قد ملئ له في وعائه حتى
امتلأ.
قالوا: فسلمان؟ قال: [هو] امرؤ منا وإلينا أهل البيت من لكم بمثل لقمان
الحكيم؟ علم العلم الأول وأدرك العلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول وقرء
الكتاب الآخر وكان بحرا لا ينزف!!!
قالوا: فعمار بن ياسر؟
قال: ذاك امرؤ خلط الله الايمان بلحمه ودمه وعظمه وشعره وبشره
لا يفارق الحق ساعة، حيث زال زال معه، ولا ينبغي للنار أن تأكل
منه شيئا.
قالوا: فحدثنا عنك يا أمير المؤمنين!
قال: مهلا نهى الله عن التزكية. فقال قائل: فإن الله عز وجل يقول
(وأما بنعمة ربك فحدث) [11 / الضحى 93]. قال: فإني أحدثكم بنعمة
ربي، كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت، فبين الجوانح مني
ملئ علما جما (2).
فقام عبد الله بن الكواء الأعور من بني بكر بن وائل فقال: يا أمير المؤمنين
ما (الذاريات ذروا)؟ قال: الرياح. قال: فما (الحاملات
وقرا)؟ قال: السحاب. قال: فما (الجاريات يسرا)؟ قال: السفن.
قال: فما (المقسمات أمرا)؟ قال: الملائكة، ولا تعد لمثل هذا ولا

(2) أي علما غزيرا كثيرا. ولهذه القطعة شواهد كثيرة بعضها مذكورة
في الحديث: (974) وتواليه وتعليقاته من الجزء الثاني من ترجمة أمير المؤمنين
عليه السلام من تاريخ دمشق ص 453 ط 1.
631

تسألني عن مثل هذا (3) قال: فما (السماء ذات الحبك) [8 / الذاريات]؟ قال:
ذات الخلق الحسن. قال: فما السواد الذي في جوف القمر؟ قال: أعمى
سأل عن عمياء ما العلم أردت بهذا، ويحك سل تفقها ولا تسأل تعبثا - أو
قال: تعنتا - سل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك.
قال: فوالله إن هذا ليعنيني!!! قال. فإن الله تعالى يقول: (وجعلنا
الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل) [12 / الإسراء] السواد الذي
في جوف القمر، قال: فما المجرة؟ قال: شرج السماء ومنها فتحت
أبواب السماء بماء منهمر زمن الغرق على قوم نوح (4).
قال: فما قوس قزح؟
قال: لا تقل قوس قزح فإن قزح هو الشيطان ولكنه القوس وهي
أمان من الغرق.
قال: فكم بين السماء إلى الأرض؟
قال: قدر دعوة عبد دعا الله لا أقول غير ذلك (5).
قال: فكم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس من حدثك
غير هذا فقد كذب.
قال: فمن الذين قال الله تعالى: (وأحلوا قومهم دار البوار) [28 /
إبراهيم: 14]؟ قال: دعهم فقد كفيتهم.

(3) كذا في الأصل.
(4) إشارة إلى قوله تعالى في الآية: (11) من سورة القمر: (54):
ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر).
(5) ولهذه القطعة أيضا مصادر، ولكن ليس فيها قوله: لا أقول غير ذلك
632

قال: فما ذو القرنين؟
قال: رجل بعثه الله إلى قوم عمالا كفرة أهل الكتاب [كذا] كان
أوائلهم على حق فأشركوا بربهم وابتدعوا في دينهم وأحدثوا على أنفسهم
فهم الذين يجتهدون في الباطل ويحسبون أنهم على حق، ويجتهدون في
الضلالة ويحسبون أنهم على هدى فضل سعيهم في الحيات الدنيا، وهم
يحسبون أنهم يحسنون صنعا - ورفع صوته وقال: - وما أهل النهروان
منهم ببعيد.
فقال ابن الكواء: لا أسأل سواك ولا أتبع غيرك.
قال: إن كان الأمر إليك فافعل (6).
الحديث: (407) من باب فضائل علي عليه السلام من كنز العمال
ج 15 ص 141، ط 2 نقلا عن ابن منيع، والضياء المقدسي في المختارة.
وقريب منه جدا في ترجمة ذي القرنين من تاريخ دمشق ج 17 ص 9 وقد
تقدم ها هنا في المختار السالف ص 627.

(6) أي ان الإختيار مخول إليك فاعمل على طبق ما خوله الله لك.
633

- 343 -
ومن كلام له عليه السلام
في بث الشكوى عن أهل الكوفة
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو بكر
ابن الطبري، أنبأنا أبو الحسين ابن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب بن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، أنبأنا إبراهيم بن سعد، عن شعبة،
عن أبي عون محمد بن عبد الله الثقفي:
عن أبي صالح الحنفي قال: رأيت علي بن أبي طالب آخذا بمصحف
فوضعه على رأسه حتى إني لأرى ورقه تتقعقع ثم قال:
اللهم إنهم منعوني ما فيه فأعطني ما فيه.
ثم قال:
اللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني،
وحملوني على غير طبيعتي وخلقي وأخلاق لم تكن
تعرف لي فأبدلني بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا مني.
634

اللهم أمث قلوبهم ميث الملح في الماء (1).
الحديث (1342) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 97
وفي ط 1: ج 3 ص 265.
ورواه أيضا البلاذري في آخر ترجمته عليه السلام في الحديث (455)
من كتاب أنساب الأشراف: ج 1 - الورق 200، وفي المطبوع: ج 2
ص 383، عن يحيى بن معين، عن سليمان أبي داود الطيالسي، عن شعبة
ابن الحجاج، عن محمد بن عبيد الله [كذا] الثقفي، قال: سمعت أبا صالح
يقول: شهدت عليا ووضع المصحف على رأسه حتى سمعت تقعقع الورق
فقال: (اللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك...).
ورواه أيضا في كتاب الغارات ج 1، ص 100 عن أبي صالح الحنفي
قال: رأيت عليا وفد وضع المصحف على رأسه حتى رأيت الورق تقعقع
على رأسه فقال: اللهم قد منعوني... ورواه عنه في البحار: ج 8 ص 675.

(1) وهذه القطعة ذكرها في مادة: (ميث) من كتاب النهاية قال: ومنه
حديث علي: (اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء). وقال في مادة: (ميث)
من كتاب الفائق ج 3 ص 397: علي - عليه السلام - أمر الناس بشئ وهو على المنبر
فقام رجال فقالوا: لا نفعله. فقال: اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء،
اللهم سلط عليهم غلام ثقيف. اعلموا أن من فاز بكم فقد فاز بالقدح الأخيب!!!
يقال: ماثه يموثه - من باب قال - أذابه. والقدح الأخيب من سهام
الميسر: السهم الذي لا نصيب له.
635

- 344 -
ومن خطبة له عليه السلام
في نعت المخلصين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري رحمه الله: حدثنا أحمد
ابن محمد، عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد القمي رحمه الله عن محمد بن [الحسن]
الصفار عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن أبي سنان، عن أبي معاذ
السدي، عن [أبي] أراكة (1) قال: صليت خلف أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام، الفجر في مسجدكم هذا فانفتل عن يمينه وكان عليه كآبة
ومكث حتى طلعت الشمس على حائط مسجدكم هذا قيد رمح (2) وليس
هو على ما هو اليوم، ثم أقبل على الناس فقال:

(1) ورواه أيضا رحمه الله في الفصل العاشر، من مختار كلامه عليه السلام
من كتاب الإرشاد ص 126، مرسلا عن صعصعة بن صوحان رحمه الله قال:
صلى بنا أمير المؤمنين عليه السلام يوما صلاة الصبح، فلما سلم أقبل على القبلة
بوجهه يذكر الله لا يلتفت يمينا ولا شمالا حتى صارت الشمس على حائط...
(2) المشار إليه في (هذا) هو مسجد الكوفة كما هو المصرح به في رواية
الإرشاد وغيره. (فانفتل): فانصرف. و (قيد رمح) - بكسر القاف -:
مقدار رمح.
636

أما والله لقد كان أصحاب رسول الله [صلى الله
عليه وآله وسلم] (3) وهم يكابدون هذا الليل يراوحون
بين جباههم وركبهم (4) كأن زفير النار في آذانهم،
فإذا أصبحوا أصبحوا غبرا صفرا بين أعينهم شبه ركب

(3) كذا في الحديث (11) من الجزء الرابع من أمالي الشيخ رحمه الله ص
62، وذيل المختار: (95) من خطب نهج البلاغة، والحديث: (21) من الباب:
(99) من كتاب الإيمان والكفر من الكافي: ج 2 ص 236، وفي نسخة
الأمالي هكذا: (ص).
(4) يقال: (كابد الأمر مكابدة): قاساه وتحمل المشاق في فعله.
وكابد المسافر الليل: ركب هوله وصعوبته. والجباه: جمع الجبهة. والركب
- كصرد -: جمع الركبة بالضم فالسكون، يقال: (راوح بين رجليه)
أي قام على كل منهما مرة. وراوح بين العملين: اشتغل بهذا مرة، وبهذا
مرة أخرى.
وفي ذيل المختار: (95) من نهج البلاغة: (لقد رأيت أصحاب محمد صلى
الله عليه وآله فما أرى أحدا يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد باتوا
سجدا وقياما يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من
ذكر معادهم...).
637

المعزى (5) فإذا ذكر الله تعالى (6) مادوا كما يميد الشجر
في يوم الريح وانهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم.
قال [أبو أراكة]: ثم نهض [عليه السلام] وهو يقول: والله لكأنما
بات القوم غافلين. [قال]: ثم لم ير [عليه السلام] مفترا حتى كان من أمر
ابن ملحم لعنه الله ما كان.
الحديث: (29) من الجزء: (23) من أمالي الشيخ المفيد، ص 123،
ط 1 النجف.
ورواه أيضا عن السدي عن أمير المؤمنين عليه السلام مرسلا في الباب:
(48) من كتاب جواهر المطالب ص 48.
ورواه في باب علامات المؤمن من كتاب الإيمان والكفر من أصول الكافي:
ج 2 ص 235 في الحديث: (21 و 22) من الباب بسندين عن الإمام السجاد
والإمام الباقر عليهما السلام، كما رواه أيضا في الحديث: (10) من الجزء الرابع
من أمالي الطوسي ص 62 عن الإمام الباقر عليه السلام. ورواه أيضا في
الفصل (10) من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد ص 126، وله
طرق وأسانيد أخر.

(5) المعزى - بكسر الميم وسكون العين ثم الزاء بألف مقصورة -:
المعز، وهو خلاف الضأن معروف، ويعبر عنه في لسان الفرس ب‍ (بز) بضم
فسكون.
وفي النهج: (كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم).
(6) وتقدم قريب منه في المختار: (65) في ج 1، ص 225 بسند آخر.
وفي النهج: (إذ ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما
يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفا من العقاب ورجاء للثواب).
638

- 345 -
ومن كلام له عليه السلام
في الإخبار عن سيطرة الأشرار على الأخيار واهتضام الأخيار بيد الأشرار!!
قال: أبو عطاء: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
محزونا يتنفس فقال:
كيف أنتم وزمان قد أظلكم؟ تعطل فيه الحدود
ويتخذ المال فيه دولا، ويعادي [فيه] أولياء الله
ويوالي فيه أعداء الله!!! (1)
قلنا: [يا أمير المؤمنين] فإن أدركنا ذلك الزمان فكيف نصنع؟ قال:
كونوا كأصحاب عيسى عليه السلام نشروا
بالمناشير وصلبوا على الخشب (2). موت في طاعة الله
عز وجل خير من حياة في معصية الله.
أواخر الباب (5) من دستور معالم الحكم، ص 113، ط مصر:

(1) وقد وقع الخبر على وفق ما أخبر به عليه السلام فاستولى بعده عليه
السلام بستة أشهر معاوية على الأقطار الإسلامية فقرب المبطلين وأنالهم من مال
الله عطاء جما، وشرد المحقين وقتلهم تحت كل حجر ومدر وأكل أموالهم
وحقوقهم أكلا لما.
(2) المناشير: جمع المنشار: ما ينحت به الخشبة، ويعبر عنه في لسان
الفرس ب‍ (أره).
639

- 346 -
ومن خطبة له عليه السلام
في تحريض أهل الكوفة على الجهاد
يا أهل الكوفة خذوا أهبتكم لجهاد عدوكم معاوية
وأشياعه (1).
فقالوا: يا أمير المؤمنين أمهلنا يذهب عنا القر (2) فقال [عليه السلام]:
أما والذي فلق الحبة وبرئ النسمة ليظهرن هؤلاء
القوم عليكم ليس بأنهم أولى بالحق منكم، ولكن
لطاعتهم معاوية ومعصيتكم لي، والله لقد أصبحت
الأمم كلها تخاف ظلم رعاتها وأصبحت أنا وأخاف
ظلم رعيتي!!! لقد استعملت منكم رجالا فخانوا
وغدروا، ولقد جمع بعضهم ما ائتمنته عليه من فيء
المسلمين فحمله إلى معاوية، وآخر حمله إلى منزله

(1) الأهبة - بالضم فالسكون فالفتح -: العدة والتهيؤ والاستعداد.
(2) القر - بضم القاف كحر -: البرد. شدته.
640

تهاونا بالقرآن، وجرأة على الرحمان!!! حتى أني
لو ائتمنت أحدكم على علاقة سوط لخان!!! ولقد
أعييتموني.
ثم رفع [عليه السلام] يده إلى السماء وقال:
اللهم إني سئمت الحياة بين ظهراني هؤلاء القوم (3)
وتبرمت الأمل، فأتح لي صاحبي (4) حتى استريح منهم
ويستريحوا مني ولن يفلحوا بعدي.
الفصل: (45) من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد ص 148،
وللكلام شواهد تقدم بعضها ويأتي بعض آخر.

(3) قال الفيروزآبادي: ولا تكسر النون. يقال: هو بين ظهريهم
وظهرانيهم وبين أظهرهم أي في وسطهم ومعظمهم.
(4) تبرمت الأمل: انثلم أملي منهم وقطعت رجائي عنهم ويئست
منهم. وقوله: (فأتح): فحرك وهيئ. وهو طلب من باب قال وباع.
641

- 347 -
ومن كلام له عليه السلام
في بث الشكوى عن أهل الكوفة والدعاء عليهم وفيه صفة الحجاج
ابن يوسف ضاعف الله عذابه
قال ابن عساكر: أخبرنا أحمد بن عبدان بن رزين المقرئ، قال:
أنبأنا الفقيه أبو الفتح [نصر (خ)] بقية بن إبراهيم (1) أنبأنا عبد الوهاب بن
الحسين بن عمر بن برهان، أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق،
أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، أنبأنا سعد بن وهب السلمي أنبأنا جعفر بن
سليمان، أنبأنا مالك بن دينار، عن بسطام بن سلم [ظ] عن الحسن أن
عليا كان على المنبر فقال:
اللهم إني ائتمنتهم فخانوني ونصحتهم فغشوني!!!
اللهم فسلط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم
وأموالهم ويحكم فيهم بحكم الجاهلية.
[قال]: فوصفه وهو يقول:

(1) الظاهر من كيفية كتابتي أن في النسخة المخطوطة كان لفظ (بقية)
وفي المطبوعة: لفظ (نصر). ولا يحضرني النسختان حين تحقيق هذا الموضع.
642

[الشاب] الذيال يفجر الأنهار (2) يأكل خضرتها
ويلبس فروتها (3).
قال [بسطام]: فقال الحسن [البصري]: هذه والله صفة الحجاج.
ترجمة الحجاج من تاريخ دمشق: ج 10 ص 116، وتهذيب تاريخ
دمشق: ج 4 ص 72، وقريبا منه ذكره بثلاثة متون وأسانيد أخر تنتهي إلى
حبيب بن أبي ثابت، ومالك بن أوس بن الحدثان، والحسن البصري.
وقال في آخر الطريق الثاني: قال الحسن: قال علي رضي الله عنه ذلك، وما
خلق الله الحجاج يومئذ!!!
أقول: وأشار أيضا إلى هذا الكلام ابن عبد ربه في عنوان: (تفاضل
البلدان) من كتاب الزبرجدة الثانية من العقد الفريد ج 4 ص 265 ط 2.

(2) الذيال: طويل الذيل. كثير التبختر.
(3) قال في مادة (خضر) من كتاب النهاية: وفي حديث علي: (اللهم سلط
عليهم فتى ثقيف الذيال، يلبس فروتها، ويأكل خضرتها) أي هنيئها،
فشبهه بالخضر الغض الناعم. ورواه أيضا عن الهروي في مادة: (فرا)
بزيادات وشرح أوضح مما مر، وذكره أيضا عن جار الله الزمحشري.
ورواه أيضا في لسان الميزان: ج 1 ص 485، وفي تاريخ الإسلام ج 3
ص 352، وفي البداية والنهاية: ج 6 ص 237 وفي منتخب كنز العمال
بهامش مسند أحمد: ج 5 ص 454 ط 1 كما رواه عنهما في إحقاق الحق:
ج 8 ص 178.
643

- 348 -
ومن خطبة له عليه السلام
قال في جواهر المطالب: وخطب عليه السلام عند استنفاره الناس لحرب
معاوية وقال:
الحمد لله رب العالمين، أوصيكم عباد الله بتقوى
الله، وأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أول كل
شئ وآخره، ومبدئ كل شئ ومعيده،
كل شئ خاشع له، وكل شئ قائم به،
وكل شئ ضارع إليه، وكل شئ مشفق منه، خشعت
له الأصوات وقامت [بأمره الأرض و] السماوات (1)
وضلت دونه الأعلام (2)، وكلت دونه الأبصار،

(1) ما بين المعقوفين مما يقتضيه السياق.
(2) الأعلام: جمع العلم، العلامة تنصب للاهتداء. المنارة. الجبل
الطويل. أي ضلت العلامات المنصوبة للوصول إليه قبل الوصول إلى كنه
ذاته واضمحلت دونه. أو فقدت وانعدمت في جنب عظمته وعلو ارتفاعه
الجبال الشوامخ والشواهق التي قد بلغت غاية الارتفاع.
644

سبحانه ما أعظم شأنه وأجل سلطانه، أمره قضاء
وكلامه نور، ورضاه رحمة وسخطه عذاب، واسع المغفرة
شديد النقمة، قريب الرحمة، غنى كل فقير، وعز
كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف،
يعلم ما تكن الصدور وما تخون العيون، وما في قعر
البحور، وما ترخى عليه الستور، الرحيم بخلقه،
الرؤف بعباده على غناه عنهم وفقرهم إليه، من
تكلم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه،
ومن عاش منهم فعليه رزقه، ومن مات منهم فإليه
مصيره (3).
أحمده على ما يأخذ ويعطي وعلى ما يبلي ويولي (4)
وعلى ما يميت ويحيي، حمدا يكون أرضى الحمد له،

(3) وفي المختار: (105) من نهج البلاغة: (من تكلم سمع نطقه، ومن
سكت علم سره ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه منقلبه)...
(4) على ما يبلي أي علي ما يختبرهم بصنعه الجميل من إفضاله عليهم
وإكرامه لهم. وعلى ما يولي أي على ما يصنعه.
645

وأحب الحمد إليه وأفضل الحمد عنده حمدا يفضل
حمد من مضى، ويعرف حمد من بقي (5).
سبحانك اللهم ما أعظم ما يرى من خلقك، وما
أصغر عظمه في قدرتك، وما أعظم ما نرى من ملكوت،
وما أحقر ذلك فيما غاب عنا من ملك (6) وما أسبغ
أنعمك في الدنيا، وما أحقرها (7) في جنب ما ينعم
به في الآخرة، وما عسى أن يرى من قدرتك وسلطانك

(5) كذا في الأصل، ولعل الصواب (يغرق) - من باب أفعل وفعل -
أي حمدا يغلب حمد من بقي ويستوعبه كما يغلب الماء الغريق ويستوعبه. أو
حمدا يحلي ويزين حمد الباقين من المخلوقين، يقال: (غرق اللجام - من باب
التفعيل بالفضة): حلاه بها.
(6) وفى النهج: (سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك، وما أصغر
عظمه في جنب قدرتك وما أهول ما نرى من ملكوتك، وما أحقر ذلك فيما
غاب عنا من سلطانك، وما أسبغ نعمك في الدنيا، وما أصغرها في نعم الآخرة...).
أقول: الملك والملكوت بمعنى واحد، وقيل: الملكوت: الملك العظيم.
ويطلقان أيضا على العظمة والسلطة.
(7) هذا هو الظاهر، وفى الأصل: (وما أخفرها) بالخاء المعجمة ثم
الفاء.
646

في قدر ما غاب عنا من ذلك وقصرت أبصارنا عنه،
ووقفت عقولنا دونه، فمن أعمل طرفه وقرع سمعه
وأعمل فكره كيف خلقت خلقك وكيف أقمت
عرشك، وكيف علقت سماواتك في الهوا [ء] وكيف
مددت أرضك، رجع طرفه حسيرا وعقله والها،
وسمعه مبهورا (8) وكيف يطلب علم ما قبل ذلك [من]
عز شأنك (9) إذا أنت في الغيوب ولم يكن فيها غيرك
ولم يكن لها سواك، لم يشهدك أحد حيث فطرت
الخلق وذرأت النفوس (10) [و] كيف لا يعظم شأنك
عند من عرفك، وهو يرى من عظم خلقك ما يملأ

(8) الطرف: البصر. و (حسيرا): كليلا. و (والها): متحيرا.
و (مبهورا) أي منقطعا معييا لا يسمع شيئا.
(9) رسم الخط غير واضح ولكن لا يحتمل غير هذا، وفي الخطبة الغراء
الآتية في القسم الثاني من هذا الكتاب ج 3 ص 62: (كيف يطلب علم
ما قبل ذلك من سلطانك إذا أنت وحدك في الغيوب).
(10) وفي النسخة هنا تصحيف.
647

قلبه ويذهل عقله من رعد يقرع القلوب، وبرق يخطف
العيون.
سبحانك خالقا معبودا، وسبحانك بحسن بلائك
عند خلقك محمودا (11) وسبحانك جعلت دارا وجعلت
[فيها] مائدة: مطعما وشرابا، وأزواجا وخدما، وقصورا
وعيونا، ثم أرسلت داعيا يدعو إليها، فلا الداعي
أجابوا، ولا فيما رغبت رغبوا، ولا إلى ما شوقت
اشتاقوا!!! أقبلوا على جيفة يأكلون ولا يشبعون!!! [قد]
افتضحوا بأكلها، واصطلحوا على حبها، وأعمت
أبصار صالحي زمانها [و] في قلوب فقهائهم من عشقها
[ما] أغشى حبها بصره وأمرض قلبه وأمات لبه،
فهو عبد لها، وعبد لمن في يده شئ منها، حيثما
زالت الدنيا زال إليها، وحيثما أقبلت أقبل عليها،
لا ينزجر من الله بزاجر ولا يتعظ بموعظة، فسبحان

(11) كذا في الأصل.
648

الله كيف [بهم] إذا فجأهم الأمور، ونزل بهم المقدور،
ففارقوا الدور (12) وصاروا إلى القبور، وحشروا إلى
دار دانت لهم فيها دواهي الأمور (13)، فعلم كل
عبد منهم أنه كان مغرورا مخدوعا، اجتمعت عليهم
خلتان: سكرة الموت وحسرة الفوت، فاغبرت لها
وجوههم وتغيرت لها ألوانهم وفترت لها أطرافهم (14)
وحركوا لمخرج أرواحهم أيديهم، وعرقت لها
جباههم ثم ازداد الموت فيهم فحيل بينهم وبين
منطقهم وإنهم يديرون (15) أبصارهم في أهليهم بنظر

(12) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (ونزل به المقدور، ففارقوا الدار).
(13) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (واحسروا دار دانت دواهي
الأمور). ويحتمل أيضا أن يكون الأصل: (واخسروا دارا [و] دانت
[لهم] دواهي الأمور).
(14) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (وقرت...).
(15) وفي النسخة: (فجعل بينهم وبين منطقهم فإنهم يسيرون).
وفي النهج: (فحيل بين أحدهم وبين منطقه وإنه لبين أهله ينظر
ببصره ويسمع بأذنه على صحة من عقله وبقاء من لبه يفكر فيم أفنى عمره
وفيم أذهب دهره، ويتذكر أموالا جمعها أغمض في مطالبها وأخذها
من مصرحاتها ومشتبهاتها، قد لزمته تبعات جمعها وأشرف على فراقها
تبقى لمن وراءه ينعمون فيها ويتمتعون بها فيكون المهنأ لغيره والعبء على
ظهره...).
649

يبصرونه وسمع يسمعونه على صحة من عقولهم، قد
منعوا من الكلام، وغابت منهم الأحلام، وقد أجالوا
الأفكار فيما أفنوه من الأعمار، وتحسروا على أموال
جمعوها (16) وحقوق منعوها [وقد] أغمضوا في طلبها
فلزمهم وبالها حين أشرفوا على فراقها، وخلفوها
لوراثها فكان المهنأ (17) لغيرهم وحسابها عليهم،
قد علقت [بها] رهونهم فهم يعضون الأيدي حسرة
وندامة على [ما] جمعوا (18) وأسفوا على ما فرطوا،

(16) هذا هو الظاهر من سياق الكلام، وفي النسخة: (ويحشروا)...
(17) ويساعد رسم الخط على أن يقرئ: (وخلفوها لورائها
فكان الهنئ لغيرهم).
(18) رسم الخط غير واضح، وما بين المعقوفين زدناه لتنسيق الكلام.
وفي النهج: (والمرء قد غلقت رهونه بها، فهو يعض يده ندامة
على ما أصحر له عند الموت من أمره، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيام
عمره، ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه).
650

وزهدوا فيما كانوا فيه راغبين [فتمنوا أن] الذي
كانوا يغبطون به ويحسدون [عليها] لم يكن (19).
ثم لم يزل الموت بالمرء يزيده ويبالغ في جسده
حتى خالط سمعه فصار بين أهله لا ينطق بلسانه،
ولا يسمع بسمعه، يردد طرفه في النظر في وجوه أهله
وأحبابه، يرى حركات ألسنتهم ولا يسمع كلامهم،
وما زال الموت يزيده حتى خالط عقله وصار لا يعقل
بعقله ولا يسمع بسمعه ولا ينطق بلسانه، ثم زاده
الموت حتى خالط بصره فذهبت من الدنيا معرفته،
وهملت عند ذلك حجته (20) فاجتمعت عليهم خلتان:
سكرة الموت وحسرة الفوت، فما زال لذلك حتى

(19) رسم الخط هاهنا سقيم، والظاهر بقرينة ما في نهج البلاغة -
أن ما صوبناه ووضعناه بين المعقوفات هو الصحيح وفي الأصل هكذا:
(وزهدوا فيما كانوا راغبين فيه، فعموا الذي كانوا يغبطون به ويحسدون
عاما لم يكن).
(20) لعل هذا هو الصواب يقال: (هملت الإبل - من باب ضرب -
هملا): تركت سدى وأهملت.
وفي الأصل: (وهمكت عن ذلك حجته).
651

بلغت الروح الحلقوم، ثم زاده الموت حتى خرج
الروح من جسده (21) فصار جيفة بين أهله، قد
أوحشوا من جانبه [وتباعدوا من قربه] لا يسعد
باكيا ولا يجيب داعيا (22).
ثم أخذوا في غسله فنزعوا عنه ثياب أهل الدنيا!!
ثم كفنوه فلم يوزروه (23) ثم ألبسوه قميصا لم يكفؤا
عليه أسفله (24) ولم يزروه (25) ثم حملوه حتى أتوا

(21) هذا هو الظاهر، وفي النسخة (حتى أخرج الروح من جسده...).
(22) ما بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة، وبعده فيه هكذا: (ثم
حملوه إلى مخط في الأرض وأسلموه فيه إلى عمله وانقطعوا عن زورته حتى
إذا بلغ الكتاب أجله والأمر مقاديره وألحق آخر الخلق بأوله وجاء من أمر
الله ما يريده من تجديد خلقه...).
(23) أي لم يلبسوه الوزرة.
(24) لعلها من قولهم أكفأه إكفاءا: أماله. والإناء قلبه ليصب ما فيه
وقال في مادة كفئ من لسان العرب: الكفاء - بالكسر: سترة في البيت.
من أعلاه إلى أسفله من مؤخره. وقيل: هو كساء يلقى على الخباء كالإزار
حتى يبلغ الأرض.
(25) أي لم يجعلوا له زرا يجمعه عليه ويحفظه.
652

به قبره فأدخلوه ثم انصرفوا عنه، وخلوه بمفظعات
الأمور (26) مع ظلمه القبر، وضيقه ووحشته، فذلك
مثواه حتى يبلى جسده ويصير رفاتا ورميما، حتى إذا
بلغ الأمر إلى مقاديره وألحق آخر الخلق بأوله، وجاء
من الله وأمره ما يريد [ه] من إعادته وتجديد خلقه (27)
أمر بصوت من سماواته، أما السماوات ففتقها (28)
وفطرها وأفزع من فيها وبقي ملائكتها قائمة على
أرجائها (29) ثم وصل الأمر إلى الأرضين، والخلق

(26) الباء بمعنى اللام أي إلى مفظعات الأمور.
(27) كذا في الأصل، والأظهر أن يكون اللفظ هكذا: (من تجديد
خلقه وإعادته). وكلمة: (إعادته) غير موجودة في نهج البلاغة.
(28) فتقها - من باب ضرب ونصر وفعل -: شقها وفصل بعضها عن
بعض. وفطر الشئ - من باب نصر وضرب - شقه.
وفي النهج: (أماد السماء وفطرها، وأرج الأرض وأرجفها وقلع
جبالها ونسفها ودك بعضها بعضا من هيبة جلالته ومخوف سطوته)...
وقوله: (أماد السماء): حركها على غير انتظام، وهذا جواب لقوله. -
المتقدم تحت الرقم: (22) في تعليق ص 652 -: (حتى إذا بلغ الكتاب أجله).
(29) أي على أطرافها.
653

لا يشعرون، فرج أرضهم وأرجفها بهم وزلزلها عليهم
وقلع أجبالها من أصولها ونسفها وسيرها، ودك بعضها
بعضا من هيبته وجلاله (30) ثم كانت كالعهن المنفوش
قد دكت هي وأرضها دكة واحدة، وأخرج من فيها
وجددهم بعد إبلائهم وجمعهم بعد تفرقهم لما يريد
من توقيفهم ومسألتهم عن الأعمال (31) فمن أحسن
منهم يجزيه بأعماله وإحسانه، ومن أساء منهم يجزيه
بإساءته (32) ثم ميزهم فجعلهم فريقين: فريقا في
ثوابه وفريقا في عقابه، ثم خلد الأمر لأبده، دائم

(30) وزاد بعده في النهج: (ومخوف سطوته) وأخرج من فيها
فجددهم بعد أخلاقهم). أي بعد كونهم بالين وخلقين.
(31) وفي النهج: (ثم ميزهم لما يريد من مسألتهم عن خفايا الأعمال
وخبايا الأفعال. وجعلهم فريقين أنعم على هؤلاء وانتقم من هؤلاء، فأما
أهل طاعته فأثابهم بجواره وخلدهم في داره حيث لا يظعن النزال ولا تتغير
بهم الحال...).
(32) لعل هذا هو الصواب، ولفظة: (يجزيه) من الأصل رسم
خطها غير واضح.
654

خيره مع المطيعين وشره مع العاصين (33) وأثاب
أهل الطاعة بجواره والخلود في داره، وعيش رغد
وخلود دائم، ومجاورة رب كريم، ومرافقة محمد
صلى الله عليه وسلم حيث لا يظعن النازل، ولا يتغير
بهم الحال، ولا يصيبهم الأفزاع، ولا تنوبهم الفجائع
ولا يمسهم الأسقام والأحزان.
فأما أهل المعصية فخلدهم في النار، وقد غلت
منهم الأيدي إلى الأعناق (34) وقرن منهم النواصي
بالأقدام، وألبست الأبدان سرابيل القطران، وقطعت
لهم مقطعات النيران، في عذاب حديد يزيد ولا يبيد،

(33) المراد من الشر هنا ما يجزي الله به العاصين من جزاء عصيانهم
وتمردهم.
(34) وفي النهج: (وأما أهل المعصية فأنزلهم شر دار وغل الأيدي
إلى الأعناق وقرن النواصي بالأقدام وألبسهم سرابيل القطران ومقطعات
النيران، في عذاب قد اشتد حره، وباب قد أطبق على أهله، في نار
لها كلب ولجب ولهب ساطع وقصيف هائل لا يظعن مقيمها ولا يفادى
أسيرها ولا تفصم كبولها، لا مدة للدار فتفنى ولا أجل للقوم فيقضى).
655

ولا مدة للدار فتفنى، ولا أجل للقوم فيقضى (35).
فهل سمعتم بمثل هذا الثواب العقاب؟ ما للناس
من هول نام طالبه وأدركه هاربه، أو تشاغل عنه
بغيره، تشاغل أهل الدنيا بدنياهم وتشاغل أهل الآخرة
بأخراهم، فأما أهل الدنيا فأتعبوا أبدانهم ودنسوا
أعراضهم وخرجوا [عن] ديارهم في طاعة مخلوق
مثلهم، تعبدوا له وطلبوا ما في يده وأذعنوا له ووطئوا
عقبه، فصار أحدهم يرجو عبدا مثله، لا يرجو الله
وحده،.
وأما صاحب الطاعة (36) فاتبع أثر نبيه صلى

(35) أي ينقضي وينتهي. وهذا مأخوذ من قوله تعالى في الآية (36)
من سورة قاطر: (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا
ولا يخفف عنهم من عذابها).
(36) أي الذي يملك الطاعة ويجب على الناس الانقياد لأوامره، كما
يجب على المماليك الانقياد لمولاهم وصاحبهم ومالك رقبتهم، وهذا مقابل
لقوله: (فأما أهل الدنيا...). ومقتضى السياق أن يقول: (وأما أهل
الآخرة...). وإنما عدل عنه إلى هذا ليبين أن المراد من أهل الدنيا - هنا -
هو معاوية وأتباعه، وأن المراد من أهل الآخرة هو عليه السلام وأتباعه الذين
يسلكون مسالكه ولا يجاوزون عنها.
656

الله عليه وسلم، وسلك مناهجه، وكان له فيه أسوة
حسنة استن بسنته حين حقر الدنيا وصغرها، فقد كان
يركب الحمار ويردف خلفه، ويأكل على الأرض
ويجلس جلسة العبد، ويجيب المملوك ويخصف نعله
ويرقع ثوبه، ويكره الستر على بابه فيه التصاوير،
ويقول: يا عائشة أخرجيه عني!!! فمن استن بسنته
واقتص أثره (37) وإلا فلا يأمنن هلكته.
والحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم
أرسله رحمة وحجة، فجلت ووصلت إلينا نعمه بنعمة
أسبغها علينا، فبلغ رسالات ربه وناصح لأمته منذرا
وداعيا، فما أعظم النعمة علينا بمحمد صلى الله عليه
وسلم وبه هدانا الله من الضلالة، واستنقذنا به من
جمر [ا] ت النار (38) وبصرنا به من العمى، وعلمنا

(37) الجزاء محذوف أي من اقتص واتبع أثر النبي فهو من الناجين
الذين ينعم الله عليهم بمرافقة الشهداء والصديقين.
(38) وفي النسخة هكذا: (واستعذنا به من حيرب النار، وبصرنا به
من العمى وعملنا به بعد الجهالة، وأعرنا به في حلسا...).
والجمرات - محركة -: جمع الجمرة - بفتح الجيم وسكون الراء -:
النار المتقدة.
657

به بعد الجهالة، وأعزنا به في خلتنا (39) وكثرنا به
في قلتنا (40) ورفع به خسيسنا ونحن بعد نرجو شفاعته
والله أوجب حقه علينا، فأمرنا بالصلاة عليه، فصلوا
عليه صلى الله عليه وسلم.
فلما فرغ من الصلوات قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين فد عظمت
[الله] فلم تأل في تعظيمه، وحمدته فلم تأل في تحميده، وحثثت (41)
الأمة وزهدت ورغبت.
فقال علي [عليه السلام]:
نحن أصحاب رايات بدر، لا ينصرنا إلا مؤمن،
ولا يخذلنا إلا منافق، من نصرنا نصره الله، ومن خذلنا

(39) أي في حالة كنا فقيرا وذا حاجة، والخلة - بفتح الخاء المعجمة -:
الفقر والفاقة، والجمع: خلال وخلل - كجبال وجبل - وبضم أولها:
الصديق. الصداقة، وبكسر الأول: المصادقة والأخوة.
(40) هذا هو الظاهر، وفي الأصل،: (وكبرنا) بالباء الموحدة.
(41) وفى النسخة هكذا: (ومحسنا لأمة).
658

خذله الله في الدنيا والآخرة، وقد عرفت أن أقواما بايعوني
وفي قلوبهم الغدر!!!
ألا وإني لست أقاتل إلا مارقا يمرق من دينه، وناكثا
ببيعته يريد الملك لنفسه، يبيع دينه بعرض من الدنيا
قليل، وإنما يقاتل معنا من أراد الآخرة وسعى لها
سعيها.
ألا إن ولينا وناصرنا ينتظر في كل صباح ومساء
النعمة من الله، وإن عدونا وبغيضنا ينتظر السطوة من
الله كل صباح ومساء فليبشر (42) ولينا بالأرباح الوافرة
والجنة العالية، ولينتظر عدونا النقمة في الدنيا والآخرة.
[قال الراوي] فدخل يومئذ في طاعته بخطبته [هذه] اثنا عشر ألفا،
مستبصرين في قتال من خالفه، ودخل عليه الأشعث بن قيس فخوفه
بالموت، فقال له - رضي الله عنه -: يا ماص أتخوفني بالموت؟
والله ما أبالي وقعت على الموت أو وقع الموت علي!!! [ثم] قال: يا جارية هاتي

(42) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (فلينشر).
659

الجامع (43) - يريد سيفه وما ضامه وعمرها أي لا تأتي به [كذا] - فولى
الأشعث وسمعت له قعقعة على الدرجة وهو ينزل.
أواسط الباب: (49) - وهو باب خطبه عليه السلام - من كتاب جواهر
المطالب، ص 56، والخطبة تشترك مع المختار: (105) من نهج البلاغة في
جل الألفاظ.

(43) ومما يناسب هذا المقام جدا، ما رواه ابن عساكر - في ترجمة
الأشعث من تاريخ دمشق: ج 6 ص 106، أو ص 1140، وفي تهذيبه: ج 1
ص 100 - قال: أخبرنا أبو طالب بن عبد الرحمان بن أبي عقيل، أنبأنا أبو
الحسن، أنبأنا عبد الرحمان بن عمر بن النحاس، أنبأنا أبو سعيد بن الأعرابي،
أنبأنا أبو رفاعة عبد الله بن محمد بن عمر بن حبيب العدوي، أنبأنا إبراهيم
ابن بشار، أنبأنا سفيان، عن إسماعيل:
عن قيس قال: دخل الأشعث بن قيس على علي في شئ فتهدده بالموت
فقال علي: ([أ] بالموت تهددني؟) ما أبا لي سقط علي أو سقطت عليه!!!
هاتوا له جامعة وقيدا. ثم أومأ إلى أصحابه [أن اشفعوا له] فطلبوا إليه
فيه - قال: - فتركه.
قال سفيان: فحدثني ابن جعفر بن محمد [كذا] عن أبيه قال: فسمعوا
لصوت رجليه حفيفا، قال علي [عليه السلام]: فرقناه ففرق.
ورواه عنه مرسلا تحت الرقم (327) من كنز العمال: ج 15،
ص 114، ط 2.
660

- 349 -
ومن خطبة له عليه السلام
في حث أهل الكوفة على الخروج معه إلى قتال معاوية وتهديده لهم
بأنهم إن لم يخرجوا معه لخرج بنفسه إليهم
ولو لم يكن معه إلا عشرة أنفس ثم ليدعون الله عليهم
قال البلاذري - في عنوان: (غارة زياد بن خصفة بن ثقيف التميمي على نواحي
الشام واستشارة علي أهل الكوفة لقتال معاوية) -: قالوا: لما استنفر علي
أهل الكوفة فتثاقلوا وتباطؤا عاتبهم ووبخهم، فلما تبين منهم العجز وخشي
منهم التمام على الخذلان (1) جمع أشرف أهل الكوفة، ودعا شيعته الذين
يثق بمناصحتهم وطاعتهم [فخطبهم] فقال:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا
عبده ورسوله.
أما بعد أيها الناس فإنكم دعوتموني إلى هذه البيعة
فلم أردكم عنها، ثم بايعتموني على الإمارة ولم أسألكم
إياها، فتوثب علي متوثبون كفى الله مؤنتهم وصرعهم

(1) اي الاستمرار والمداومة على الخذلان.
661

لخدودهم وأتعس جدودهم وجعل دائرة السوء عليهم،
وبقيت طائفة تحدث في الإسلام أحداثا، تعمل بالهوى
وتحكم بغير الحق، ليست بأهل لما ادعت، وهم
إذا قيل لهم تقدموا قدما تقدموا، وإذا قيل لهم أقبلوا
[أقبلوا] (1) لا يعرفون الحق كمعرفتهم الباطل،
ولا يبطلون الباطل كإبطالهم الحق، أما إني قد سئمت
من عتابكم وخطابكم فبينوا لي ما أنتم فاعلون، فإن
كنتم شاخصين معي إلى عدوي فهو ما أطلب وأحب،
وإن كنتم غير فاعلين فاكشفوا لي عن أمركم أرى
رأيي، فوالله لئن لم تخرجوا معي بأجمعكم إلى عدوكم
فتقاتلوهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين
لأدعون الله عليكم ثم لأسيرن إلى عدوكم ولو لم يكن
معي إلا عشرة!!! أأجلاف أهل الشام وأعرابها أصبر

(2) يقال: (قدم علي قرنه - من باب نصر ومنع - قدما - كقفلا
وفلسا - وقدوما): اجترء عليه. وعلى الأمر: شجع. والقدم - كعنق -:
المضي في الأمر جريئا يقال: (مضى قدما) أي لم يعرج على شئ ولم ينثن.
ويوسف به المذكر والمؤنث.
662

على نصره الضلال؟ وأشد اجتماعا على الباطل منكم
على هداكم وحقكم؟!! ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ إن القوم
أمثالكم لا ينشرون إن قتلوا إلى يوم القيامة.
فقام إليه سعيد بن قيس الهمداني فقال: يا أمير المؤمنين أؤمرنا بأمرك والله
ما يكبر جزعنا على عشائرنا إن هلكت، ولا على أموالنا إن نفدت في طاعتك
ومؤازرتك.
وقام إليه زياد بن خصفة فقال: يا أمير المؤمنين أنت والله أحق من استقامت
له طاعتنا وحسنت مناصحتنا وهل ندخر طاعتنا بعدك لأحد مثلك؟ مرني بما
أحببت مما تمتحن به طاعتي.
وقام إليه سويد بن الحرث التيمي من تيم الرباب، فقال: يا أمير المؤمنين
مر الرؤساء من شيعتك فليجمع كل امرئ منهم أصحابه فيحثهم على الخروج
معك، وليقرأ عليهم القرآن ويخوفهم عواقب الغدر والعصيان، ويضم إليه
من أطاعه وليأخذهم بالشخوص.
فلقي الناس بعضهم بعضا وتعاذلوا وتلاوموا وذكروا ما يخافون من
استجابة دعائه عليهم إن دعا، فأجمع رأي الناس على الخروج، وبايع حجر
ابن عدي أربعة آلاف من الشيعة على الموت، وبايع زياد بن خصفة البكري
نحو من ألفي رجل، وبايع معقل بن قيس نحو من ألفي رجل وبايع عبد الله
بن وهب السمني [كذا] نحو من ألف رجل، وأتي زياد بن خصفة عليا فقال
له: أرى الناس مجتمعين على المسير معك فاحمد الله يا أمير المؤمنين. فحمد الله
ثم قال: ألا تدلوني على رجل حسيب صليب يحشر الناس علينا من السواد
663

ونواحيه؟ فقال سعيد بن قيس: أنا والله أدلك عليه [هو] معقل بن قيس
الحنظلي فهو الحسيب الصليب الذي قد جربته وبلوته وعرفناه وعرفته. فدعاه
علي وأمره بتعجيل الخروج لحشر الناس، فإن الناس قد انقادوا للخروج.
ثم قال زياد بن خصفة: يا أمير المؤمنين قد اجتمع لي من قد اجتمع.
فأذن لي أن أخرج بأهل القوة منهم ثم ألزم شاطئ الفرات حتى أغير على جانب
من الشام وأرضها ثم أعجل الانصراف قبل وقت الشخوص واجتماع
من بعث أمير المؤمنين في حشره، فإن ذلك مما يرهبهم ويهدهم. قال:
فامض على بركة الله فلا تظلمن أحدا، ولا تقاتلن إلا من قاتلك ولا تعرضن
للأعراب (3).
فأخذ [زياد] على شاطئ الفرات فأغار على نواحي الشام ثم انصرف،
ووجه معاوية عبد الرحمان بن خالد بن الوليد في طلبه ففاته، وقدم [زياد]
هيت فأقام بها ينتظر قدوم علي.
وخرج معقل لما وجه له، فلما صار بالدسكرة بلغه أن الأكراد قد أغارت
على شهرزور، فخرج في آثارهم فلحقهم حتى دخل الجبل فانصرف عنهم
ثم لما فرغ من حشر الناس وأقبل راجعا فصار إلى المدائن بلغه نعي علي، فسار
حتى دخل الكوفة ورجع زياد من هيت.
الحديث (510) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الأشراف
للبلاذري: ج 1 ص 434، وفي ط 1: ج 2 ص 477.
وقريبا منه رواه في كتاب الغارات: ج 2 ص 100، ورواه عنه
في البحار: ج 8 ص 672 ط الكمباني.

(3) وقريبا من هذا ذكره عليه السلام في وصيته لجارية بن قدامة
كما ذكرناه في المختار: (10) من باب الوصايا من كتابنا هذا ج 8 ص 100.
664

- 350 -
ومن كلام له عليه السلام
قال العقيلي: حدثنا محمد بن إسماعيل [الصائغ] حدثنا يعلى بن عبيد،
حدثنا أبو حيان التيمي، عن يزيد بن حيان، عن كدير الضبي (1) عن علي
رضي الله عنه قال:
إن من ورائكم أمورا متماحلة ردحا، وبلاء مكلحا
مبلحا (2).

(1) والرجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأولياء
أمير المؤمنين عليه السلام والسبب في خمول ذكره هو سلطان أعدائه واستيصال
أوليائه!!! قال العقيلي في ترجمته: حدثنا محمد بن عيسى حدثنا محمد بن
علي - [و] يقال له: حمدان الوراق [وهو] ثقة - حدثنا إسحاق بن إسماعيل،
حدثنا جرير، عن مغيرة:
عن سماك بن سلم قال: دخلت على كدير الضبي أعوده بعد الغداء
فقالت لي امرأته: أدن منه فإنه يصلي حتى يتوكأ عليك. فذهبت ليعتمد علي
فسمعته وهو يقول في الصلاة: سلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -
والوصي. فقلت: لا والله يا فلان لا يراني الله عائدا إليك بعد يومي هذا.
وقريبا منه رواه في ترجمته من الإصابة: ج 3 ص 288.
(2) قال الزمخشري في مادة محل من كتاب الفائق ج 3 ص 348: وروي
(ردحا) [على زنة سلم]. والمتماحل: البعيد الممتد، وأنشد يعقوب:
بعيد من الحادي إذا ما ترقصت * بنات الصوى في السبسب المتماحل
والردح [كعنق]: جمع رداح. والردح [كسلم] جمع رادحة وهي
العظام الثقال التي لا تكاد تبرح. مكلحا: يجعل الناس كالحين لشدته.
مبلحا من أبلحه السير: أعياه فانقطع عنه.
665

ترجمة كدير من كتاب الضعفاء، - للعقيلي - الورق 186، ومثله
مرسلا في مادة (محل) من كتاب الفائق: ج 3 ص 348. ورواه أيضا البغوي
في ترجمة كدير، من كتاب معجم الصحابة: ج 22 / الورق 34 قال:
أخبرنا عبد الله قال أنبأنا زهير، قال: أنبأنا يعلى بن عبيد، قال: أنبأنا أبو
حيان، عن يزيد بن حيان قال: إني لأماشي كدير الضبي إلى جمعة من الجمع
[ف‍] قال: يا ابن أخي إن الشيخ كان يقول: إن من ورائكم أمورا وبلاءا
مكلحا مبلحا:
[قال]: والشيخ [هو] علي بن أبي طالب رضوان الله عليه.
666

- 351 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان بعض ما وهب الله تعالى له وللمستحفظين من ذريته من
خصائص الولاية
قال الشيخ المفيد رحمه الله: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير،
قال: حدثنا محمد بن علي بن مهدي (1) قال: حدثنا محمد بن علي بن
عمرو (2)، قال: حدثنا أبي، عن جميل بن صالح، عن أبي خالد الكابلي،
عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين
عليه السلام في نفر من الشبعة وكنت فيهم، فجعل الحارث يتأود في مشيته
ويخبط الأرض بمحجنه (3) وكان مريضا، فأقبل عليه أمير المؤمنين عليه
السلام، وكانت له منه منزلة فقال: كيف تجدك يا حارث؟ فقال: نال
الدهر يا أمير المؤمنين مني، وزادني أوارا وغليلا (4) اختصام أصحابك

(1) وزاد في رواية ابن الشيخ قوله: (العطار بالكوفة وغيره).
(2) وزاد عليه في رواية ابن الشيخ: (ابن طريف الحجري).
(3) يتأود: يتعطف ويعوج، وفي بشارة المصطفى: (يتأد):
يتأنى ويتثبت، وهي مأخوذة من التوءدة. و (يخبط) كيضرب لفظا
ومعنى لكنه الشديد منه، والمحجن: العصا المعوجة.
(4) الأوار - بالضم -: حرارة العطش والشمس. والغليل: حرارة
الحب والحزن.
667

ببابك!!! قال: وفيم خصومتهم؟ قال: فيك وفي الثلاثة من قبلك (5) فمن
مفرط منهم غال، ومقتصد قال، ومن متردد مرتاب، لا يدري أيقدم
أم يحجم!!! فقال: حسبك يا أخا همدان [ثم قال عليه السلام:]
ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط، فإليهم يرجع
الغالي وبهم يلحق التالي (6).
فقال له الحارث: لو كشفت - فداك أبي وأمي - الرين عن قلوبنا،
وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا.
قال عليه السلام: قدك (7) فإنك امرؤ ملبوس عليك. [ثم قال:]
إن دين الله لا يعرف بالرجال!! بل بآية الحق، فاعرف
الحق تعرف أهله.

(5) قال في هامش الأمالي: ما معناه: ولعل الأظهر ما في أكثر
النسخ بدلا عما في المتن: (قال: في شأنك والبلية من قبلك).
(6) هذه القطعة لها مصادر كثيرة كالقطعة التالية.
(7) قال الفيروز آبادي في مادة (قد) من القاموس: (قد) مخففة -
إسمية وحرفية، وهي [أي الإسمية] على وجهين: اسم فعل مرادفة ليكفي
[يقال:] قدني درهم، ولقد زيدا درهم. أي يكفي. واسم مرادف
(لحسب). وتستعمل غالبا مبنية [على السكون يقال:] قد زيد درهم -
بسكون الدال -. ومعربة نحو: قد زيد درهم -. برفع الدال.
668

يا حارث إن الحق أحسن الحديث، والصادع به
مجاهد، وبالحق أخبرك فأرعني سمعك ثم خبر به من
كان له حصافة من أصحابك (8).
ألا إني عبد الله وأخو رسوله وصديقه الأول
[الأكبر (خ ل)] صدقته وآدم بين الروح والجسد
ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقا، فنحن الأولون
ونحن الآخرون، ونحن خاصته - يا حارث - وخالصته
وأنا صنوه ووصيه ووليه وصاحب نجواه وسره، أوتيت فهم
الكتاب وفصل الخطاب، وعلم القرون والأسباب،
واستودعت ألف مفتاح، يفتح كل مفتاح ألف باب،
يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد (9) وأيدت واتخذت

(8) قال في الصحاح: أرعيته سمعي: أصغيت إليه. وفي القاموس:
أرعني وراعني: استمع لمقالي. والحصافة بفتح الحاء: استحكام العقل. ضبط
الكلام يقال: (حصف زيد - من باب كرم - حصافة): استحكم
عقله. و (أحصف الأمر): أحكمه.
(9) وله شواهد في الحديث العاشر - وما بعده - من الباب: (64)
من كتاب الحجة من أصول الكافي: ج 1، ص 296 ط طهران، وأكثر
شواهدا منه الباب ما قبل الأخير من كتاب الخصال: ج 2 ص 642.
وروى ابن عساكر عن علي عليه السلام أنه قال: علمني [النبي صلى
الله عليه وآله وسلم] ألف باب يفتح كل باب ألف باب. كما في الحديث (1003)
من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 2 ص 484 ط 1، وفي المخطوطة:
من تاريخ دمشق: ج 38 ص 55 وبمعناه ذكر في الباب (27) من غاية المرام
ص 517 ثلاثة أحاديث من طريقهم.
والمراد من الألف المنفتح أيضا هو الكلي الذي يندرج تحت ما هو أشمل
منه كالنوع المندرج تحت الجنس.
669

وأمددت بليلة القدر نفلا (10) وإن ذلك يجري لي ولمن
استحفظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث
الله الأرض ومن عليها (11).
وأبشرك يا حارث لتعرفني عند الممات وعند الصراط
وعند الحوض وعند المقاسمة.
قال الحارث، وما المقاسمة؟ قال:
مقاسمة النار، أقاسمها قسمة صحيحة، أقول:

(10) كذا في النسخة، ومثله في البحار نقلا عنه، وفي كتاب بشارة
المصطفى: (وأيدت - أو قال: وأمددت بليلة القدر نفلا). وهو أظهر.
و (نفلا): زائدا على ما أعطيت قبلا.
(11) وفي كتاب بشارة المصطفى: (وللمستحفظين من ذريتي)
على بناء المفعول - أي الذين طلب منهم حفظ العلم والدين.
670

هذا وليي فاتركيه، وهذا عدوي فخذيه (12).
ثم أخذ أمير المؤمنين عليه السلام بيد الحارث، فقال: يا حارث أخذت
بيدك كما أخذ رسول الله صلى الله وآله بيدي فقال لي - وقد شكوت
إليه حسد قريش والمنافقين لي -: إنه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل
الله وبحجزته - يعني عصمة من ذي العرش تعالى - وأخذت أنت يا علي
بحجزتي، وأخذ ذريتك بحجزتك، وأخذ شيعتكم بحجزتكم. فماذا يصنع
الله بنبيه، وما يصنع نبيه بوصيه؟!
خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة: أنت مع من أحببت،
ولك ما اكتسبت.
- يقولها ثلاثا -.
فقام الحارث يجر رداءه وهو يقول: ما أبالي بعدها متى لقيت الموت
أو لقيني (13).

(12) وهذا هو المعروف بحديث (قسيم النار). ورواه ابن عساكر
في الحديث (753) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 38 ص 31 وفي ط 1: ج 2 ص 243، ورواه أيضا في الباب (139)
وما بعده من غاية المرام ص 682، ورواه أيضا الكنجي في الباب (3) من
كفاية الطالب ص 68، ورواه أيضا العلامة الأميني في شرح قول العبدي:
وعليك الورود تسقى من الحو * ض ومن شئت ينثني محروما
كما في الغدير: ج 2 ص 321، ط 2، وذكره أيضا في ج 3 ص 299،
وذكره أيضا مشروحا في مادة قسم من النهاية وتاج العروس.
(13) وبعده في المصادر الثلاثة هكذا: قال جميل بن صالح: وأنشدني
أبو هاشم السيد الحميري رحمه الله فيما تضمنه هذا الخبر:
قول علي لحارث عجب * كم ثم أعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه وأعرفه * بنعته واسمه وما عملا
وأنت عند الصراط تعرفني * فلا تخف عثرة ولا زللا
أسقيك من بارد على ظمأ * تخاله في الحلاوة العسلا
أقول للنار حين توقف للعرض * دعيه لا تقربي الرجلا
دعيه لا تقريبه إن له * حبلا بحبل الوصي متصلا
أقول: وهذا المعنى مقطوع الصدور عنه عليه السلام: وقد رواه عنه
عليه السلام بعد المحدثين شعراء المسلمين عربا وعجما، قال الشيخ سعدي
الشيرازي:
أي كه كفتي فمن يمت يرني * جان فداي كلام دلجويت
كاش روزي هزار مرتبه من * مردمي تابديدمي رويت
671

الحديث الثالث من المجلس الأول من أمالي الشيخ المفيد، ص 10.
أقول: ورواه أيضا شيخ الطائفة في الحديث الخامس من المجلس (29)
وهو مجلس يوم الجمعة، الثامن عشر، من جمادى الآخرة، سنة 457 -
من أماليه ص 41 - وفى ط النجف ص 238 - عن جماعة عن أبي المفضل،
قال حدثنا محمد بن علي بن مهدي الكندي العطار - بالكوفة - وغيره -
إلى آخر ما مر برواية الشيخ المفيد رفع الله مقامه.
ورواه أيضا الطبري الإمامي - في الحديث الرابع من كتاب بشارة
المصطفى، ص 4 عن إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم، عن محمد بن الحسين
672

ابن عتبة، عن محمد بن الحسين بن أحمد الفقيه، عن حمويه بن علي،
عن محمد بن عبد الله بن المطلب...
وساق السند إلى آخر ما مر، في سند الشيخ المفيد، والشيخ الطوسي
رضوان الله عليهما.
ورواه أيضا في الحديث السابع من باب: (ما يعاين المؤمن والكافر عند
الموت) من بحار الأنوار: ج 3 ص 141، في السطر 10 - وفي ط الجديد:
ج 10، ص 10، - نقلا عن أمالي الشيخ المفيد، كما رواه مشروحا عن
بشارة المصطفى في الحديث (49) من الباب: (19) - وهو باب الصفح
وشفاعة الأئمة - من القسم الأول من المجلد الخامس عشر، ص 133،
ط الكمباني.
673

- 353 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان عظمة القرآن وسمو بركاته، رواه عن رسول الله صلى
الله علله وآله وسلم
قال الحافظ ابن عساكر ومما وقع إلي عاليا من حديث خالد بن يزيد:
ما أخبرنا [به] أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أخبرنا الحسن بن علي أنبأنا
أبو الحسين ابن المظفر، أخبرنا محمد بن محمد الباغندي، أخبرنا محمود بن
خالد، أخبرنا أبي، أخبرنا محمد بن راشد، عن عمرو بن عبيد:
عن الحسن أن عليا [عليه السلام] كان يخطب بالكوفة فقام إليه ابن
الكواء فقال: يا أمير المؤمنين، إنها قد فشت أحاديث!! قال: [فقال] علي:
[أ] وقد فعلوها؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
ستكون فتن. فقيل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال:
كتاب الله عز وجل - مرتين (1) - فيه نبأ ما قبلكم
وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، وهو العروة الوثقى،

(1) يعني قال: (المخرج منها كتاب الله عز وجل، المخرج منها
كتاب الله عز وجل).
674

وهو الذي لم تنته الجن (2) إذ سمعته حتى قالوا: (إنا
سمعنا قرانا عجبا) [1 - الجن] من قال به صدق،
ومن مال به محق (3) ومن حكم به هدي إلى صراط مستقيم.
قال: ثم أمسك علي رضي الله عنه وجلس.
ترجمة أبي هاشم خالد بن يزيد من تاريخ دمشق ج 15، ص 174.
ورواه أيضا في ترجمة الرجل من تهذيب تاريخ دمشق: ج 5 ص 121.
ورواه أيضا في ترجمة عبد الله بن جعفر الضرير: ج 28 ص 89.
ورواه أيضا المسعودي في حوادث سنة (66) من مروج الذهب: ج 3 ص
96، ط بيروت عن الحارث الأعور، عن علي عليه السلام، ورواه أيضا
ابن عبد ربه تحت الرقم: (15) من كتاب: (مخاطبة الملوك) من العقد
الفريد: ج 1، ص 276 ط 1، وفي ط 2 في عنوان: (قولهم في حملة
القرآن) من كتاب الياقوتة في العلم: ج 2 ص 239. ورواه أيضا ابن قتيبة
في عيون الأخبار: ج 2 ص 133. وقريبا منه رواه ابن حنبل بسند آخر تحت
الرقم: (704) من مسنده: ج 2 ص 88، ورواه في تعليقه بسند آخر عن
سنن الترمذي ج 4 ص 51 وعن فضائل القرآن - لابن كثير - ص 6 - 7.
أقول: ورواه أيضا الطبراني كما في مجمع الزوائد: ج 7 ص 164، وتقدم
أيضا في المختار: (118) وتعليقه من ج 1، ص 381 عن مصادر.

(2) هذا هو الظاهر الموافق لما ذكره في أبواب فضائل القرآن من سنن
الترمذي ج 11، ص 31، وفي الأصل: (لم تفقه الجن).
(3) لعل هذا هو الصواب، ولفظ الأصل هاهنا غير واضح.
675

- 354 -
ومن كلام له عليه السلام
في عناية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتعليمه
وتفرده بالعلم بتنزيل القرآن وتأويله
قال سليم بن قيس: جلست إلى علي [عليه السلام] بالكوفة في المسجد
والناس حوله فقال:
سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله،
فوالله ما نزلت آية من كتاب الله إلا وقد أقرأنيها
رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] وعلمني تأويلها.
فقال ابن الكواء: فما كان ينزل عليه وأنت غائب؟ فقال [عليه
السلام]:
بلى [كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]
يحفظ علي ما غبت عنه، فإذا قدمت عليه قال لي: يا
علي أنزل الله بعدك كذا وكذا فيقرأنيه، و [إن] تأويله
كذا وكذا فيعلمنيه.
كتاب سليم بن قيس ص 189، ط النجف، وما وضعناه بين المعقوفات
الأول منه كان هكذا (ع) والثاني هكذا: (ص) والبقية زدناها توضيحا.
676

- 355 -
ومن كلام له عليه السلام
في النهى عن الفتوى عن غير علم وحجة
عاصم بن الحميد، عن خالد بن راشد، عن مولى لعبيدة السلماني (1)
قال: خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام على منبر له من لبن (2) فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون،
إن رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] (3) قال
قولا آل منه إلى غيره (4) وقال قولا وضع على غير

(1) عبيدة هذا، وعلقمة بن قيس من قراء أهل الكوفة، كما ذكره
في كتاب صفين، ثم إن المحكى عن غريب الحديث ولسان العرب انه بفتح
العين، مكبرا، وانظر تذكرة الحفاظ: ج 1، ص 47، واللباب:
ج 1، ص 552، والمشتبه ص 437.
وذكره أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار (54) من نهج البلاغة:
ج 4 ص 16.
(2) اللبن - ككتف وكجسم أيضا -: ما يصنع من الطين مربعا
ويبنى به، ويقال له بالفارسية (خشت).
(3) ما بين المعقوفين كان في الأصل هكذا: (ص).
(4) أي رجع عنه إلى غيره، وذلك مثل جميع الأحكام الموقتة التي
انتهت مصلحتها فنسخت بانتهائها وانتفت بانتفائها.
677

موضعه (5).
[قال] فقام إليه علقمة وعبيدة السلماني فقالا: يا أمير المؤمنين فما
نصنع بما قد خبرنا في هذه الصحف من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله؟
قال عليه السلام:
سلا عن ذلك ذلك علماء آل محمد، صلى الله عليه وآله (6).
[قال الراوي] كأنه [عليه السلام] يعني نفسه.
هكذا نقله عنه في الحديث الأول من الباب (16) من كتاب العلم من البحار
ج 1، ص 99 في السطر 3 عكسا، ط الكمباني.
ورواه أيضا الصفار، في الحديث الأخير، من الباب السابع من الجزء
الرابع من كتاب بصائر الدرجات، ص 54 ط 1، باختلاف يسير.

(5) يعني وهم فيه الراوي فحمله على معنى لم يرده رسول الله صلى
الله عليه وآله، وذلك مثل ما رواه أحمد بن حنبل تحت الرقم: (714 و 718
و 1187) من مسنده: ج 2 ص 93 و 95 و 280 من أنه عليه السلام سأل
أبا مسعود الأنصاري الفروخ وقال له: أنت الذي تزعم أن رسول الله قال: لا يأتي
مأة وعلى الأرض نفس منفوسة؟ قال: نعم. قال: أخطت استك الحفرة...
وهل الرخاء الا بعد مأة!!! إنما أراد رسول الله الحاضرين في مجلسه في ذلك اليوم.
(6) قال الدولابي - في عنوان: (من كنيته أبو خيثمة وأبو الخير)
من كتاب الكنى والأسماء: ج 1، ص 166 -: حدثنا سعيد بن أبي أيوب
أبو بكر الواسطي، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثنا زهير بن
معاوية الجعفي أبو خيثمة، قال: حدثنا أبو إسحاق السبيعي، عن هبيرة بن
يريم ان عليا قال لهم:
يا أهل الكوفة إن فيكم من أصحاب محمد علماء، فاجتمعوا إلي فاسألوا.
قال: ففعلوا فجعل يجيبهم حتى انصرفوا [ظ] إلا شريحا، فجعل يسائله ويجيبه
فقال له: أنت أفقه العرب.
ورواه أيضا ابن عساكر في ترجمة شريح من تاريخ دمشق.
678

- 356
ومن خطبة له عليه السلام
في أنهم عليهم السلام مفاتيح العلم والحكمة، وأن بحبهم تقبل الأعمال
وينتفع بها العاملون.
أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن علي، عن عبيس بن
هشام الناشري عن الحسن بن الحسين، عن مالك بن عطية، عن ابن حمزة (1).
عن أبي الطفيل، قال: قام أمير المؤمنين علي عليه السلام على المنبر، فقال:
إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالنبوة
واصطفاه بالرسالة، فأنال في الناس وأنال (2) وعندنا
أهل البيت مفاتيح العلم، وأبواب الحكمة، وضياء
الأمر، وفصل الخطاب، فمن (3) يحبنا أهل البيت ينفعه

(1) كذا في النسخة، وفي البحار: ج 1، ص 126، نقلا عن بصائر
الدرجات: (عن [أبي حمزة] الثمالي).
(2) أي فأعطى الناس من علمه وبركاته وصيرهم بحيث ينالون
من نوره ويستفيدون من خيراته.
(3) هذا هو الظاهر الموافق لما في الفصل (14) من كلمه عليه السلام
من كتاب الارشاد، ص 128 وروي أيضا عن بصائر الدرجات، وفي
نسخة المحاسن: (ومن).
679

أيمانه ويتقبل منه عمله، ومن لا يحبنا أهل البيت
لا ينفعه إيمانه ولا يتقبل منه عمله، وإن أدأب الليل
والنهار لم يزل (4).
الحديث (31) من باب المعرفة، من كتاب مصابيح الظلم من محاسن
البرقي، ص 199، ورواه عنه في القسم الأول من ج 15، من البحار،
ص 127 في السطر 15، ورواه أيضا في بصائر الدرجات كما رواه عنه في الحديث
(7) من الباب (28) من كتاب العلم من البحار: ج 1، ص 126 في السطر 7
عكسا، ورواه مرسلا في كتاب الارشاد، ص 128، وهذا الفصل له
شواهد كثيرة، وقد ذكر في أواخر كتاب الاختصاص، ص 307 في
الحديث (612) وتواليه، منه ستة أحاديث في معناه عن الإمام الباقر
والصادق عليهما السلام، وكذلك في تفسير الآية (46) من سورة الأعراف
من تفسير البرهان: ج 2 ص 17، شواهد لما ذكرناه هاهنا.

(4) وله شواهد جمة ذكرها في باب مناقب أهل البيت من مجمع الزوائد:
ج 9 ص 171 - 172، وفي الحديث: (152) و (182 - 184) من ترجمة
أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ج 1 ص 112 و 132، ط 1.
680

- 357 -
ومن كلام له عليه السلام
في حث الناس على أخذ العلم عنه والاقتباس مما وهبه الله تعالى له
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنبأنا أبو طاهر
الباقلاني، وأبو الفضل ابن خيرون. قالا: أنبأنا أبو القاسم ابن بشران.
أنبأنا أبو علي ابن الصواف، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، أنبأنا المنجاب
ابن الحرث. أنبأنا أبو مالك الجنبي. عن الحجاج (1) عن سلمة بن كهيل،
عن أبي الطفيل قال:
سمعت عليا [عليه السلام] وهو يخطب الناس فقال:
يا أيها الناس سلوني فإنكم لا تجدون أحدا بعدي
هو أعلم بما تسألونه مني، ولا تجدون أحدا أعلم بما
بين اللوحين مني فسلوني.
الحديث (1040) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 38 ص 59، وفي ط 1: ج 3 ص 22.

(1) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: (أبو مالك المحبي علي الحجاج).
681

- 358 -
ومن كلام له عليه السلام
في ترغيب الناس إلى الاستضاءة بنور علمه
قال الحافظ ابن عساكر: أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنبأنا أبو طاهر
أحمد بن الحسن، وأبو الفضل ابن خيرون، قالا: أنبأنا عبد الملك بن محمد،
أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة أنبأنا
الحسن بن علي، أنبأنا الهيثم بن الأشعث السلمي، أنبأنا أبو حنيفة اليمامي
الأنصاري، عن عمير بن عبد الله، قال:
خطبنا علي [بن أبي طالب عليه السلام] على منبر الكوفة فقال:
أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فبين الجنبين
مني علم جم (1).
الحديث (1045) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق
38 ص 59، وفي ط 1: ج 3 ص 24، وللحديث ذيل أدرجناه في قصار
كلامه عليه السلام.

(1) الجم الكثير الواسع. والحديث قد تقدم بأسانيد أخر، وزيادات
مهمة تحت الرقم: (338 و 339) وما قبلهما وما بعدهما فراجع.
682

- 359 -
ومن كلام له عليه السلام
في بيان أن جميع ما صنعه عليه السلام في حروبه وغيرها كان بعهد من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهده إليه
قال أبو يعلى: حدثنا إسماعيل بن موسى، أنبأنا الربيع بن سهل الفزاري
حدثني سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة:
قال: سمعت عليا على المنبر وأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين مالي
أراك تستحل الناس استحلال [ظ] الرجل إماءه؟!! العهد من رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو شئ رأيته؟ قال:
والله ما كذبت ولا كذبت، ولا ضللت ولا ضل
بي بل عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1).
عهد إلي وقد خاب من افترى.
مسند أبي يعلى الموصلي المتوفي عام (307) كما في كتاب ثمرات الأسفار -
للعلامة الأميني تغمده الله برضوانه -: ج 1 ص 161، ورواه أيضا، في
مجمع الزوائد: ج 9 ص 135، قال: وفيه الربيع بن سهل وهو ضعيف (2).
ورواه أيضا في كنز العمال: ج 6 ص 82 ط 1، ورواه عنه في فضائل الخمسة:
ج 2 ص 361، وفيه: (استحلال الرجل إبله).

(1) وكان في النسخة هكذا: (صلعم).
(2) الحديث مؤيد بشواهد قطعية فلا يضره ضعف الربيع ان ضح.
683

- 360 -
ومن كلام له عليه السلام
في أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد إليه أن بقاتل
الناكثين والقاسطين والمارقين
وبالسند المتقدم عن أبي يعلى، عن علي بن ربيعة قال: سمعت عليا على
منبركم هذا يقول:
عهد إلي النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] (1)
أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين (2).

(1) إنما وضعنا هذه الجملة بن المعقوفين لعدم وجود الأصل المأخوذ
منه عندي حين الكتابة، وإنما كتبته مما حررته قديما بنحو الاستعجال،
والظاهر بقرينة الكلام السابق إنه كان هكذا: (صلعم).
(2) وقال البزار في مسنده: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أنبأنا
الربيع بن سعد [كذا] قال: أنبأنا سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة
عن علي قال: عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الناكثين
والقاسطين والمارقين.
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى من حديث علي بن ربيعة،
عن علي إلا بهذا الإسناد، ولم نسمعه إلا من عباد بن يعقوب.
أقول: عدم علم البزار لا يضر، والحديث متواتر عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، وانظر الحديث: (1195) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين
عليه السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 ص 158 - 174، ط 1.
684

ورواه أيضا ابن عساكر - في الحديث (1197) من ترجمة علي عليه
السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 79، وفي ط 1: ج 3 ص 159، قال:
أخبرنا أبو المظفر ابن القشيري أنبأنا أبو سعد الجنزودي، أنبأنا أبو عمرو
ابن حمدان.
وأخبرناه أبو سهل ابن سعدويه، أنبأنا إبراهيم بن منصور، سبط بحرويه
أنبأنا أبو بكر ابن المقرئ، قالا: أنبأنا أبو يعلى الموصلي، أنبأنا إسماعيل بن
موسى - إلى آخر ما تقدم -.
ورواه أيضا في ترجمة الربيع بن سهل من لسان الميزان ج 2 ص 446
عن العقيلي بسنده عن عبيد الله بن موسى عن الربيع عن سعيد بن عبيد،
عن علي بن ربيعة...
685

- 361 -
ومن كلام له عليه السلام
في توصية شيعته بمكارم الأخلاق وبيان ما يبتلون به بعده
قال محمد بن إبراهيم النعماني رحمه الله: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن
عقدة الكوفي قال: حدثنا علي بن الحسين التيملي - من تيم الله - قال:
حدثاني أخواي أحمد ومحمد ابنا الحسن بن علي بن فضال، عن أبيهما، عن
ثعلبة بن ميمون، عن أبي كهمس عن عمران بن ميثم:
عن مالك بن ضمرة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لشيعته:
كونوا في الناس كالنحل في الطير، ليس شئ
من الطير إلا وهو يستضعفها، ولو يعلم ما في أجوافها
لم يفعل بها ما يفعل!!! خالطوا الناس بأبدانكم وزائلوهم بقلوبكم وأعمالكم
فإن لكل امرئ ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب.
أما إنكم لن تروا ما تحبون وما تأملون - يا معشر
الشيعة - حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض وحتى
يسمي بعضكم بعضا كذابين، وحتى لا يبقى منكم
على هذا الأمر إلا كالكحل في العين، والملح في
686

الطعام (1) وهو أقل الزاد.
مقدمة كتاب الغيبة - للشيخ الأقدم الأجل محمد بن إبراهيم النعماني رحمه الله
ص 8، ورواه أيضا في الحديث: (18) من الباب (12) ص 112، عن أبي
سليمان أحمد بن هوذة بن أبي هراسة الباهلي، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي
عن عبد الله بن حماد الأنصاري، عن صباح المزني، عن الحرث بن حصيرة
عن الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين. ورواه إلى قوله: (وهو يوم القيامة مع
من أحب) بسند آخر، في الحديث (7) من المجلس (15) من أمالي الشيخ
المفيد، ص 84.

(1) أو كالملح (خ) [في الطعام]) كذا في النسخة، وكتب في
هامشها هكذا: (أو قال في الزاد (خ ل). أقول: والظاهر أن الأصل
كان هكذا: (أو كالملح في الزاد (خ ل). فصحفه الكاتب.
ثم إن في النسخة بعد قوله: (الزاد) هكذا: وسأضرب لكم في
ذلك مثلا: وهو كمثل رجل [كذا] كان له طعام قد ذراه وغربله ونقاه
وجعله في بيت وأغلق عليه الباب ما شاء الله، ثم فتح الباب عنه فإذا السوس قد
وقع فيه، ثم أخرجه ونقاه وذراه ثم جعله في البيت وأغلق عليه الباب ما
شاء الله، ثم فتح الباب عنه فإذا السوس قد وقع فيه، فأخرجه ونقاه وذرأه
ثم جعله في البيت وأغلق عليه الباب، ثم أخرجه بعد حين فوجده قد وقع
فيه السوس ففعل به كما فعل مرارا حتى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر
[البيدر (خ ل)] والأندر لا يضرها السوس شيئا، وكذلك أنتم تمحصكم
الفتن حتى لا يبقى منكم إلا عصابة لا يضرها الفتن شيئا.
أقول: الظاهر أنه من تتمة كلام أمير المؤمنين عليه السلام أتى به ليقرب
إلى أذهان سامعيه ومخاطبيه ما يلاقي بعده شيعته من البلايا والمحن بحيث لا يبقى
على ولائه والقول بإمامته وإمامة ولده إلا الذين سبقت لهم من الله الحسنى.
687

- 362 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله في بعض خطبه، وفيه بيان سمو مقامه والإيصاء بعدم الوحشة
بالقلة مع استقامة العقيدة والروية، وفيه التحذير عن الرضا بالباطل
محمد بن إبراهيم النعماني رحمه الله قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد
ابن سعيد بن عقدة الكوفي، قال: حدثني أبو عبد الله جعفر بن عبد الله المحمدي
من كتاب في المحرم - سنة ثمان وستين ومأتين - قال: حدثني يزيد بن إسحاق
الأرحبي - ويعرف بشغر - قال: حدثنا مخول، عن فرات بن أحنف:
عن أصبغ بن نباته، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام على منبر
الكوفة يقول:
أيها الناس أنا أنف الهدى [الإيمان (خ ل)]
وعيناه (1).
أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة من
يسلكه (2) [ف‍] إن الناس [قد] اجتمعوا على مائدة

(1) وزاد في رواية الثقفي رحمه الله في الغارات، وأشار بيده إلى وجهه...
(2) وفي رواية الثقفي والمختار: (198) من النهج: (لقلة أهله،
فإن الناس [قد] اجتمعوا على مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل...).
688

قليل شبعها، كثير جوعها، والله المستعان (3).
أيها الناس إنما يجمع الناس الرضا والسخط (4)
وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد، فعمهم الله بالعذاب
لما عموه بالرضا (5) وآية ذلك قوله عز وجل: (فنادوا
صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر) [29 - القمر
54]. وقال: (فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم
بذنبهم فسواها، ولا يخاف عقباها) [14 - الشمس].
ألا ومن سئل عن قاتلي فزعم أنه مؤمن فقد قتلني!!! (6).

(3) هذه الفقرة غير موجودة في النهج.
(4) هذا هو الظاهر الموافق لما في نهج البلاغة، أي إن الرضا بعمل
قوم والسخط عنه هما الجامعان لاستحقاق العقوبة وعدمها، فإن من لم ينه
عن المنكر - بيده فبلسانه فبقلبه - فهو به راض، والراضي بعمل قوم يعد
منهم، ومن رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فإن لم يستطع إنكاره
باليد واللسان فأنكره بقلبه فقد برئ وسلم من الاثم والعقاب.
وفي النسخة المطبوعة من كتاب الغيبة: (إنما يجمع الناس الرضا والغضب...).
(5) كذا في النهج، وهو أظهر مما في كتاب الغيبة: (فأصابهم
الله بعذابه بالرضا [بفعله (خ)]. وقال في تفسير البرهان: وفي نسخة:
(بسبب الرضا).
(6) يعني بمنزلة قاتله في عظيم الجرم وفي شدة عقوبته وتنكيله.
689

أيها الناس من سلك الطريق [الواضح] ورد الماء،
ومن حاد عنه وقع في التيه (7).
[قال الأصبغ:] ثم نزل [أمير المؤمنين عليه السلام عن المنبر].
ثم قال محمد بن إبراهيم: و [أيضا الخبر] رواه لنا محمد بن همام، ومحمد
ابن الحسن بن جمهور، جميعا عن أحمد بن نوح، عن ابن عليم، عن رجل
عن فرات بن أحنف قال: أخبرني من سمع أمير المؤمنين عليه السلام [يقول
الخ] وذكر مثله إلا أنه قال فيه: (لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله
[الخ].
مقدمة كتاب الغيبة - للشيخ الأقدم محمد بن إبراهيم النعماني رحمه الله -
ص 9 ورواه عنه في تفسير الآية (29) من سورة القمر، من تفسير البرهان:
ج 4 ص 260 ط 2. ورواه في آخر باب: (نوادر ما وقع في أيامه عليه السلام)
من البحار: ج 8 ص 740 ط الكمباني عن كتاب الغارات قال: وعن فرات بن
أحنف قال: إن عليا عليه السلام خطب فقال: (يا معشر الناس أنا أنف
الهدى...).
وأيضا رواه عن النعماني في الحديث: (27) من الباب: (22) من
البحار: ج 1، ص 152، ط الكمباني.
وقريبا منه رواه في آخر الباب الرابع من كتاب المسترشد، ص 76
وكذلك في المختار: (198) من نهج البلاغة.

(7) يقال: (حاد عنه - من باب قال - حودا): عدل. و (حاد
عن الطريق - من باب من باع - حيدا وحيدانا وحيدودة وحيدة وحيودا
ومحيدة): مال عنه وعدل. والتيه: القفر يضل فيه. الضلال.
690

- 363 -
ومن كلام له عليه السلام
في اتصال حجج الله تعالى بين البرية، وعدم خلو أرض التكليف عن
الحجة إما ظاهرا مشهورا، أو مستترا مغمورا
محمد بن إبراهيم النعماني رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد
ابن عقدة، قال: حدثنا محمد بن المفضل، وسعدان بن إسحاق، وأحمد بن
الحسين بن عبد الملك، ومحمد بن أحمد القطواني، قالوا: حدثنا الحسن بن
محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة الثمالي:
عن أبي إسحاق السبيعي، قال: سمعت من يوثق به (1) من أصحاب
أمير المؤمنين عليه السلام، يقول: قال أمير المؤمنين - عليه السلام - في
خطبة طويلة خطبها بالكوفة (2):
اللهم لا بد لك (3) من حجج في أرضك - حجة
بعد حجة - على خلقك، يهدونهم إلى دينك ويعلمونهم

(1) وإنما لم يصرح باسمه لأن أبا إسحاق - كغيره من الرواة -
كان في تقية شديدة وهول عظيم من نواصب عصره.
(2) وفي النسخة: (في خطبة خطبها بالكوفة طويلة ذكرها).
(3) وفي هامش الكتاب هكذا: (فلا بد (خ).
691

علمك لكيلا يتفرق أتباع أوليائك (4) ظاهر غير مطاع
أو مكتتم خائف يترقب!!! إن غاب عن الناس شخصهم
في حال هدنتهم في دولة الباطل، فلن يغيب عنهم
مبثوث علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة، وهم
بها عاملون، يأنسون بما يستوحش منه المكذبون،
ويأباه المسرفون (5).
ثم [كان عليه السلام] يقول:
فمن هذا ولهذا يأرز العلم إذ لم يوجد [له]
حملة يحفظونه ويؤدونه كما يسمعونه من العالم!!!
ثم قال [عليه السلام] بعد كلام طويل في هذه الخطبة:
اللهم إني لأعلم أن العلم لا ينفد [لا يأرز (خ)]

(4) كذا في هامش الأصل، وكتب بعده: (خ). وهو أظهر مما كان
في متن الأصل: (لئلا يتفرق أتباع أولئك).
(5) وبعده هكذا: بالله كلام يدال [يكال (خ)] بلا ثمن، من
كان يسمعه [لو كان من سمعه (خ)] يسمعه بعقله فيعرفه ويؤمن به
ويتبعه وينهج نهجه فيصلح [فيفلح (خ)] به.
أقول: الظاهر أن هذه الفقرات من كلام النعماني رحمه الله.
692

كله ولا ينقطع مواده، فإنك لا تخلي أرضك من حجة
على [خلقك] ظاهر مطاع، أو خائف مغمور ليس بمطاع
[يطاع (خ)] لكي لا تبطل حجتك و [لا] يضل
أولياؤك بعد إذ هديتهم (6).
ثم قال النعماني رحمه الله: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا
علي بن محمد، عن سهل بن زياد.
قال: وحدثنا محمد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمد.
قال: وحدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن الحسن بن محبوب،
عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة الثمالي عن أبي إسحاق السبيعي، عن بعض
أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ممن يوثق به، قال: ان أمير المؤمنين
صلوات الله عليه تكلم بهذا الكلام وحفظه عنه حين خطب به على منبر الكوفة:
(اللهم). وذكر مثله
الحديث الثاني من الباب الثامن، من كتاب الغيبة ص 67.
أقول: وذكره الكليني رحمه الله بمغايرة طفيفة - بالسند الأول الذي
ذكره النعماني - في الحديث الأخير، من الباب: (88) من كتاب الحجة
من أصول الكافي ج 1 ص 335، والكلام موافق في جميع معناه وجل ألفاظه
مع وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلى كميل التي لها مصادر غير محصورة وأسانيد
جمة بين المسلمين وقد تقدم ذكرها في المختار: (147) من ج 1، ص 490
وذكرناها أيضا بأسانيد كثيرة في المختار (14) من باب الوصايا: ج 2 ص 3.

(6) وبعده هكذا (ثم [كذا] تمام الخطبة).
693

- 364 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله في بعض خطبه تضجرا عن أهل الكوفة
الحاكم الحسكاني قال: أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا أبو بكر
القباب، أخبرنا أبو بكر الشيباني، أخبرنا الحسن بن علي الحلواني أخبرنا
الهيثم بن الأشعث، أخبرنا أبو حنيفة اليماني، عن عمير بن عبد الملك (1)
قال:
خطب علي عليه السلام على منبر الكوفة، فأخذ بلحيته ثم قال:
متى ينبعث أشقاها حتى يخضب هذه من هذه؟
الحديث: (5) من تفسير الآية: (12) من سورة: (والشمس) أو
الحديث: (1100) من شواهد التنزيل الورق 190 / أ / وفي المطبوع:
ج 2 ص 338 وقبله وبعده أيضا شواهد لما ها هنا.
ورواه بهذا السند بعينه في كتاب الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم الورق
15 / ب / غير أنه قال: أبو حنيفة اليمامي.

(1) كذا في المصدرين، وفي المختار: (357) المتقدم ص 682: (عن
عمير بن عبد الله؟).
694

- 365 -
ومن كلام له عليه السلام
في الإخبار عما يجري بعده على شيعته من حمل آل أمية
وولاتهم إياهم والناس على سبه وعلى البراءة منه، وترخيصه عليه السلام
لهم السب دون البراءة!!!
قال الحافظ الكبير ابن عساكر: أنبأنا أبو علي ابن نبهان، وأبو القاسم
غانم بن محمد بن عبيد الله البرجي، عن أبي علي بن شاذان [ظ] أنبأنا
أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح البزار، أنبأنا الحسن بن علي بن شيب [كذا]
وإسماعيل بن إسحاق بن الحصين الرقي، قالا: أنبأنا محمد بن خلاد أبو بكر
الباهلي، أنبأنا هشيم بن أبي ساسان، حدثني أمي بن ربيعة الصيرفي قال:
سمعت عبد الملك بن عمير، يقول: خرجت يوما من منزلي نصف
النهار، والحجاج جالس وبين يديه رجل موقف عليه كمة من ديباج (1)
والحجاج يقول: أنت همدان مولى علي تعال سبه!!! قال: إن أمرتني
فعلت، وما ذاك جزاؤه!!! رباني صغيرا وأعتقني كبيرا!!! قال:
فما كنت تسمعه يقرأ من القرآن؟ قال: كنت أسمعه في قيامه وقعوده
وذهابه ومجيئه يتلو: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل
شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر

(1) الكمة - بالضم ففتح -: كل ظرف غطيت به شيئا أو ألبسته
إياه فصار له كالغلاف. القلنسوة المدورة.
695

القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين) [44 / الأنعام: 6] (2)
قال [الحجاج]: فابرأ منه!!! قال: أما هذه فإني سمعته يقول:
[إنكم سوف] تعرضون على سبي فسبوني!!!
[وسوف] تعرضون على البراءة مني فلا تبرؤا مني فإني
على الإسلام (3).
[قال الحجاج: إما أن تتبرأ منه] (4)، واما ليقومن إليك رجل
يتبرأ منك ومن مولاك!! يا أدهم بن محرز قم إليه فاضرب عنقه، فقام إليه
[أدهم] يتدحرج كأنه جعل وهو يقول: يا ثارات عثمان.
قال [عبد الملك بن عمير]: فما رأيت رجلا كان أطيب نفسا بالموت
منه، ما زاد على أن وضع القلنسوة عن رأسه فضربه [أدهم] فندر رأسه

(2) وفي رواية العياشي بعده هكذا: فقال الحجاج: [أ] كان يتأولهما
علينا؟ فقال [قنبر]: نعم. فقال: ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك
[عنقك (خ)] قال: إذا أسعد وتشقى. فأمر به فقتله!!!
(3) ما بين المعقوفات زيادة منا مستفادة من السياق، وفي نهج البلاغة:
(أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن، يأكل
ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه - ولن تقتلوه - ألا وإنه سيأمركم بسبي
والبراءة مني، أما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة
فلا تتبرأوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة).
(4) ما وضعناه بين المعقوفين هو المستفاد جليا من السياق، وفي النسخة
هكذا: (وقال: وإما ليقومن إليك رجل...).
696

رحمه الله (5).
ترجمة أدهم بن محرز الباهلي من تاريخ دمشق: ج 5 ص 47، وقريبا
منه رواه في تفسير الآية الكريمة من تفسير العياشي: ج 1، ص 100،
ورواه أيضا في تفسير البرهان: ج 1، ص 526 نقلا عن العياشي، وفيهما
انه جرى هذه الأمر بين قنبر - مولى علي عليه السلام - وبين الحجاج.
وقريبا منه جدا رواه السيد الرضي في المختار: (54) من نهج البلاغة.

(5) يقال: (ندر الشئ - من باب نصر - ندرا وندورا): سقط. وعن موضعه: زال.
697

- 366 -
ومن كلام له عليه السلام
في الإخبار عما يلاقي شيعته من بعده، من حمل معاوية
والأمويين إياهم على سبه وقسرهم إياهم
على البراءة منه!!!
الشيخ الطوسي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن محمد، قال: حدثنا أبو
بكر محمد بن عمر الجعابي، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد، قال:
حدثنا يحي بن زكريا بن شيبان، قال: حدثنا بكير بن سلم [كذا] قال:
حدثني محمد بن ميمون، قال: حدثني [الإمام] جعفر بن محمد، عن
أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
[ألا وإنكم] ستدعون إلى سبي فسبوني (1) وتدعون
إلى البراءة مني فمدوا الرقاب فإني على الفطرة (2).
الحديث: (12) من الجزء الثامن، من أمالي الشيخ الطوسي، ص 131.

(1) ما بين المعقوفين مأخوذ من روايات أخر وردت في الموضوع.
(2) أي الفطرة التي فطر الله الخلق عليها من التوحيد، والانقياد لله
تبارك وتعالى، فمن حمله غيره على العدول عنها إلى غيرها وهو الكفر
والزندقة، فإن لم يجد محيصا غير العدول عنها فليمد رقابه للقتل فإن ترك
الدنيا أهون من ترك الآخرة.
698

- 367 -
ومن كلام له عليه السلام
يخبر فيه عن تغلب الباطل على الحق بعده
الشيخ الطوسي رحمه الله قال: أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر
الحفار، قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن علي الدعبلي، قال: حدثني
أبي أبو الحسن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمان بن عبد الله بن بديل
ابن ورقاء - أخو دعبل بن علي الخزاعي رضي الله عنه - ببغداد سنة اثنين
وسبعين، قال: حدثني سيدي أبو الحسن [الإمام] علي بن موسى الرضا
[عليه السلام] بطوس سنة ثمان وتسعين، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر،
قال: حدثنا أبي جعفر بن محمد، قال: حدثنا أبي محمد بن علي، عن
أبيه علي بن الحسين، عن النزال بن سبرة، عن [أمير المؤمنين] علي بن
أبي طالب عليه السلام انه خطب الناس بالكوفة فقال:
معاشر الناس إن الحق قد غلب الباطل (1) وليغلبن

(1) هذا هو الظاهر الموافق لما روى في كتاب إثبات الهداة عن هذا الكتاب،
وفي النسخة المطبوعة من كتاب الأمالي هكذا: (إن الحق قد غلبه الباطل).
وهذا غير ملائم للسياق، والمراد منها - على الأول - غلبته عليه السلام
على أعدائه ومناوئيه من أصحاب الجمل والنهروان، ويحتمل أيضا أن يراد منها
العموم، ويراد من الغلبة ظهور الحجة وقيام البرهان على كونه مع الحق
والحق معه، وأعدائه على الباطل، ويكون مساق الكلام مساق قوله -
- الآخر -: (إني فقأت عين الفتنة ولولاي ما قوتل الناكثون والمارقون).
ويراد من غلبة الباطل غلبة معاوية بعده على أولاده وشيعته بالقهر والجبر
والحيل والمكر.
699

الباطل عما قليل، أين أشقاكم؟ [شقيكم (خ)] (2)
فوالله ليضربن هذه فليخضبنها من هذه.
[قال الراوي]: وأشار عليه السلام بيده إلى هامته.
وبالإسناد المتقدم قال عليه السلام:
ألا [و] إنكم ستعرضون على سبي فإن خفتم على أنفسكم
فسبوني ألا وإنكم ستعرضون على البراءة مني فلا تفعلوا
فإني على الفطرة).
الحديث (14 و 15) من الجزء (13) من كتاب الأمالي للشيخ الطوسي
ص 232 وفي ط النجف ص 374. وهذا المعنى قد تواتر منه عليه السلام
عن الفريقين.

(2) قال إسماعيل بن علي الدعبلي - راوي الكلام -: (شك أبي
[في] هذا [انه] قال (أشقاكم) أو قال: (شقيكم).
700

- 368 -
ومن كلام له عليه السلام
في المعنى المتقدم
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو سعد ابن البغدادي أنبأنا أبو منصور ابن
شكرويه، وأبو بكر السمسار، قالا: أنبأنا إبراهيم بن عبد الله، أنبأنا
الحسين بن إسماعيل، أنبأنا أحمد بن محمد بن بكر [ظ] أنبأنا الفضل
أنبأنا كثير بن ما رويدا [كذا] قال:
سمعت أبا عياض مولى عياض بن ربيعة الأسدي قال: أتيت علي
ابن أبي طالب [عليه السلام] - وأنا مملوك - فقلت: يا أمير المؤمنين أبسط
يدك أبايعك. فرفع رأسه إلي فقال: ما أنت؟ [كذا] قلت: [أنا]
مملوك. قال: لا إذا. قلت له [ظ]: يا أمير المؤمنين إنما أقول:.
إني إذا شهدتك نصرتك، وإن غبت [عنك] نصحتك. قال: نعم إذا.
قال: فبسط يده فبايعني.
[ثم] قال [أبو عياض]: وسمعت [أيضا] علي بن أبي طالب [عليه
السلام] (1) يقول:
إنه سيأتيكم رجل يدعوكم إلى سبي وإلى البراءة
مني، فأما السب [فسبوني] (2) فإنه لكم نجاة ولي

(1) ما بين المعقوفات كلها زيادات توضيحية منا.
(2) ما بين المعقوفين زيادة مستفادة من سياق الكلام ومن الروايات
الأخر الواردة في المقام.
701

زكاة (3) وأما البرا [ء] ة فلا تبرؤا مني فإني على الفطرة.
الحديث (1504) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - وهو الحديث
الخامس قبل ختام الترجمة - من تاريخ دمشق: ج 38 ص 112، وقريبا
منه رواه البلاذري في الحديث (77) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام
من كتاب أنساب الأشراف: القسم الأول من ج 1، ص 219 - وفي
ط 1: ج 2 ص 119 - بسندين - أو ثلاثة - عن شهاب مولى علي عنه
عليه السلام.

(3) الزكاة: النمو والزيادة، فإن أراد عليه السلام منها هاهنا النمو الأخروي
فمعناها أنه يصير سببا لمزيد كرامتي وأجري على الله.
وان أراد منها الدنيوي فمعناها أن سبي يصير سببا لإشاعة ذكري وزيادة
صيتي في الناس.
702

- 369 -
ومن كلام له عليه السلام
في إظهاره الضجر عن بعض المترفين من العرب ومدح المؤمنين من العجم
قال الشيخ حسين المحاملي: حدثنا يوسف، قال: حدثنا جرير، عن
الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن رجل (1) قال:
كنت في المسجد وعلي يخطبنا على منبر من آجر، وخلفي صعصعة بن
صوحان، قال: فجاء رجل فكلمه بشئ خفي علينا، فعرفنا الغضب في
وجهه فسكت، فجاء الأشعث [بن قيس] فجعل يتخطى الناس حتى [إذا]
كان قريبا من المنبر فقال: يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحميراء (2) على
وجهك. قال فضرب صعصعة بين كتفيه بيده فقال: إنا لله وإنا إليه
راجعون، ليبينن اليوم من أمر العرب أمرا كان يكتمه. قال: وغضب
[علي] غضبا شديدا فقال:
من يعذرني من هذه الضياطرة؟ (2) يتمرغ أحدهم
على حشاياه، ويهجر قوم لذكر الله (3) فيأمروني أن

(1) ولعله عباد بن عبد الله الأسدي الواقع في طريق أبي يعلي والبزار.
(2) كذا في النسخة، وفي كتاب الفائق: (غلبتنا عليك هذه الحمراء).
والحمراء: العجم، سموا بها لغلبة الحمرة في ألوانهم.
(3) وفي الفائق: (من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتخلف أحدهم
على حشاياه، وهؤلاء يهجرون إلي، إن طردتهم إني إذا لمن الظالمين، والله
لقد سمعته يقول: ليضربنكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا).
الضياطرة: جمع ضيطر [كقياصرة وقيصر] وهو الضخم الذي لا غناء
عنده. والتهجير: الخروج في الهاجرة. والحشايا: جمع حشية: الفرش.
703

أطردهم فأكون من الظالمين!!!
والذي فلق الحبة وبرء النسمة لقد سمعت محمدا
صلى الله عليه يقول: والله ليضربنكم على الدين عودا
كما ضربتموهم عليه بدءا.
أواسط المجلس الثالث من الجزء الثاني من أمالي المحاملي الورق 95.
ورواه مرسلا في مادة (حمر) من كتاب الفائق: ج 1، ص 319 ط
مصر. ورواه في مجمع الزوائد: ج 7 ص 235 بوجهين عن أبي يعلى والبزار،
وقال: وفيه عباد بن عبد الله الأسدي وثقة ابن حبان وقال البخاري فيه:
نظر. وبقية رجاله رجال الصحيح.
704

- 370 -
ومن كلام له عليه السلام
في الإخبار عن استيلاء الحجاج على العراق وشمول الذل والهوان في أيام إمارته
على جميع بطون العرب
قال أبو الفرج: حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا
إسماعيل بن موسى ابن بنت السدي، قال:، حدثنا علي بن مسهر، عن
الأجلح، عن موسى بن أبي النعمان قال:
جاء الأشعث إلى علي يستأذن عليه، فرده قنبر، فأدمى الأشعث أنفه،
فخرج علي [عليه السلام] وهو يقول:
مالي ولك يا أشعث؟ أما والله لو بعبد ثقيف
تمرست لاقشعرت شعيراتك (1)!!!
قيل: يا أمير المؤمنين: ومن غلام [كذا] ثقيف؟ قال:
غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلا
أدخلهم ذلا.
قيل: يا أمير المؤمنين كم يلي؟ وكم يمكث؟
قال [عليه السلام]:

(1) يقال: (تمرس بالشئ): احتك به، وتمرس بالرجل:
تعرض له بشر.
705

عشرين إن بلغها!!!
ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب مقاتل الطالبيين ص 22.
ورواه أيضا الطبراني في ترجمة الأشعث من المعجم الكبير: ج 1، ص 61،
قال: حدثنا القاسم بن زكريا، حدثنا إسماعيل بن موسى السدي، حدثنا
علي بن مسهر، عن الأجلح، عن الشعبي، عن أم حكيم بنت عمرو بن
سنان الجدلية، قالت: استأذن الأشعث بن قيس على علي عليه السلام فرده
قنبر، فأدمى أنفه...
ورواه عنه في ترجمة الحجاج من تاريخ دمشق: ج 10، ص 117.
706

- 371 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله للأشعث بن قيس لما هدده بالفتك به!!!
قال أبو الفرج: حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثني
إسماعيل بن موسى [ابن بنت السدي] قال: حدثني رجل عن سفيان
ابن عيينة، عن [الإمام] جعفر بن محمد [عليهما السلام] قال: حدثتني
امرأة منا قالت:
رأيت الأشعث بن قيس دخل على علي - عليه السلام - فأغلظ له علي،
فعرض الأشعث بأن يفتك به!! فقال علي عليه السلام:
أبالموت تهددني؟ فوالله ما أبالي وقعت على الموت
أو وقع الموت علي (1).
ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب مقاتل الطالبيين، ص 34.

(1) ثم قال أبو الفرج: حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد بن المؤمل
الصيرفي بهذين الحديثين [يعني هذا الحديث والمختار المتقدم] عن فضل
المصري، عن إسماعيل ابن بنت السدي.
707

- 372 -
ومن كلام له عليه السلام
لما بلغه قدوم عبد الرحمان بن ملجم المرادي لعنه الله
اليعقوبي رحمه الله قال: وقدم عبد الرحمان بن ملجم المرادي الكوفة
لعشر بقين من شعبان سنة أربعين فلما بلغ عليا [أمير المؤمنين عليه السلام]
قدومه (1) قال:

(1) وقال ابن أبي الدنيا - في مقتل أمير المؤمنين عليه السلام الورق 11 / أ /:
أنبأنا المنذر بن عثمان بن حبيب [بن] حسان أبي الأشرس الكاهلي قال: أخبرني
ابن أبي الحثحاث العجلي عن أبيه أبي الحثحاث قال: أخبرت عليا بقدوم
ابن ملجم فتغير وجهه، ثم أتيته به، فلما رآه قال:
أريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك من خليلك [ظ] من مراد
فقال: سبحان الله لم تقول هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: هو ذاك،
ثم قال له علي: إني سائلك عن ثلاث: هل مر بك رجل وأنت تلعب مع
الصبيان فقصدك [ظ] ثم قال: يا شقيق عاقر الناقة!!! قال: سبحان
الله لم تقول هذا يا أمير المؤمنين؟! قال: بقيت خصلتان: هل كنت تدعا -
وأنت صغير - ابن راعية الكلاب؟ قال: سبحان الله ما رابك إلى هذا؟!
قال: بقيت خصلة: هل أخبرتك أمك أنها تلقفت بك وهي حائض؟!
فغضب فقام فدعا له علي بثوبين وأعطاه ثلاثين درهما، فقيل له لو قتلته.
فقال: يا عجبا تأمروني أن أقتل قاتلي؟!
708

أو قد وافى؟ أما إنه ما بقي علي غيره [و] هذا
أوانه!!!
قال: فنزل [ابن ملجم أشقى الأولين والآخرين] على الأشعث بن
قيس الكندي فأقام عنده شهرا يستحد سيفه.
آخر ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 202
ط النجف.
709

- 373 -
ومن كلام له عليه السلام
لما دعا الناس إلى بيعته فجاءه أشقى البرية عبد الرحمان بن ملجم
ليبايعه فرده عليه السلام
قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين أبو نعيم، أخبرنا فطر بن
خليفة، قال: حدثني أبو الطفيل قال:
دعا علي الناس إلى البيعة، فجاءه عبد الرحمان بن ملجم المرادي فرده
مرتين ثم أتاه فقال:
ما يحبس أشقاها لتخضبن - أو لتصبغن - (1)
هذه من هذه؟!
يعني لحيته من رأسه، ثم تمثل بهذين البيتين:
أشدد حيازيمك للموت * فإن الموت آتيك
ولا تجزع من القتل * إذا حل بواديك (2)

(1) ورواه أيضا في الحديث: (545) من ترجمة أمير المؤمنين من
أنساب الأشراف: ج 1، ص 435، وفي ط 1: ج 2 ص 500 نقلا
عن ابن سعد.
(2) والأبيات رواها عنه عليه السلام في أخبار عمرو بن معد يكرب
من الأغاني: ج 14، ص 33 ط ساسي بسند ينتهي إلى أبي الطفيل وأصبغ بن
نباتة ولكن قال:
رحالك شد للموت فإن الموت يأتيك
ولا تجزع من...
وروى ابن حجر في ترجمة أشقى الأشقياء ابن ملجم من لسان الميزان:
ج 3 ص 440 عن أبي سعيد ابن يونس في تاريخ مصر، انه أسند من طريق
محمد بن مسروق الكندي عن فطر بن خليفة، عن عامر بن واثلة قال:
دعا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الناس إلى البيعة فجاءه ابن
ملجم فرده ثم جاءه فرده ثم جاءه فبايعه ثم قال علي [عليه السلام]:
ما يحبس أشقاها؟ أما والذي نفسي بيده لتخضبن هذه - وأخذ بلحيته -
من هذه - وأخذ برأسه -!!!
710

قال محمد بن سعد: وزادني غير أبي نعيم في هذا الحديث بهذا الإسناد،
عن علي بن أبي طالب [أنه قال]:
والله إنه لعهد النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم -
إلي.
ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 33
ط بيروت.
711

- 374 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله في بعض خطبه مخبرا عن شهادته بسيف الظلم والعدوان
قال الدولابي: حدثني عمرو بن شبة عن الفضل بن عبد الرحمان
ابن الفضل الهاشمي، قال: حدثنا عنبسة القطان، عن أبي حيرة: شيحة
[ابن عبد الله] قال: خطبنا علي على منبر الكوفة فقال:
ألا أخبركم؟ لتخضبن هذه من هذه - وأومى إلى
لحيته ورأسه - خضاب دم لا عطر ولا عبير!!!
كتاب الكنى والأسماء - للدولابي -: ج 1، ص 143، ط الهند،
في عنوان: (من كنيته أبو الحباب وغيره).
712

- 375 -
ومن كلام له عليه السلام
في تمنيه الشهادة وتضجره عن أهل الكوفة
قال ابن سعد: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا هشام بن حسان،
عن محمد، عن عبيدة قال: قال علي [عليه السلام]:
ما يحبس أشقاكم أن يجئ فيقتلني؟
اللهم قد سئمتهم وسئموني!!! فأرحهم مني وأرحني
منهم (1).
ترجمة أمير المؤمنين من الطبقات الكبرى - لابن سعد -: ج 3 ص 34
ط بيروت. ورواه أيضا البلاذري في الحديث: (548) من ترجمة أمير
المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 1، ص 435، وفي ط 1: ج 2 ص 501
قال: حدثنا وهب بن بقية، عن ابن هارون، عن هشام بن حسان، عن
محمد بن عبيدة [كذا]...

(1) وفي حديث البلاذري: (اللهم إني قد سئمتهم وسئموني فأرحني
منهم وأرحهم مني).
713

- 376 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله اشتياقا إلى خضاب شيبته الكريمة بدمه في سبيل الله تعالى
قال ابن أبي الدنيا: أنبأنا خلف بن سالم، أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا سليمان
ابن القاسم، قال: حدثتني أمي، عن أم جعفر سرية علي قالت:
إني [كنت] لأصب على يديه الماء [إذ] أخذ بلحيته فرفعها إلى أنفه وقال:
واها لك (1) لتخضبن [يوم الجمعة] بدم (2)؟!.
[قالت:] فما مضت الجمعة حتى أصيب، وأصيب يوم الجمعة [ظ].
مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا، ص 8، ورواه أيضا ابن سعد، في
ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 35 عن الفضل
بن دكين أبي نعيم - إلى آخر ما ذكره ابن أبي الدنيا - وكلمة (يوم الجمعة) غير
موجودة في روايته.
ورواه أيضا في الحديث: (545) من ترجمته عليه السلام من كتاب
أنساب الأشراف ج 1 ص 435، وفي ط 1: ج 2 ص 501 قال: حدثني
أبو بكر الأعين ومحمد بن سعد، قالا حدثنا الفضل بن دكين أبو نعيم...
ورواه أيضا بعده بسند آخر قال: حدثنا عباس بن هشام، عن أبيه،
عن جده قال: رفع علي لحيته إلى أنفه ثم قال:...

(1) ويحتمل رسم الخط قريبا أن يقرء (واها لها)، وما وضعناه
بين المعقوفات زيادة منا.
(2) ما بين المعقوفين كأنه قد ضرب عليه الخط في النسخة، فليتثبت.
714

- 377 -
ومن كلام له عليه السلام
في أنه لا يبغضه مؤمن ولا يحبه كافر، وأنه رأى في منامه قبل جمعة من
شهادته أن شيطانا خضب لحيته من دم رأسه وأنه كان يتمنى الشهادة!!!
قال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبد الله، عن هشام بن محمد، أن أبا عبد الله
الجعفي حدثهم عن جابر، عن أبي جعفر محمد [بن علي، عن أبيه، عن
جده ال‍] حسين (1) قال:
لما أراد الله تبارك وتعالى اكرام علي [عليه السلام] بهلاك ابن ملجم،
ظل ابن ملجم في مسجد [الجامع نهارا و] إذا جنة الليل صار إلى دار من دور
كندة، وقبل ذلك بجمعة ما قام علي على المنبر إلا قال:
إن الله قضى فيما قضى على لسان النبي الأمي عليه
السلام [أنه قال لي: يا علي]: لا يبغضك مؤمن،
ولا يحبك كافر. وقد خاب من حمل إثما وافترى (2).

(1) ما بين المعقوفات كلها مما يستدعيه السياق، وقد سقط من النسخة
وكانت سقيمة جدا، وبعض المواضع منها كان قد وقع تحت الخياطة.
(2) وفي المختار: (43) من الباب الثالث من نهج البلاغة: لو
ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ولو صببت
الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني!!! وذلك إنه قضى
فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وآله أنه قال: يا علي لا يبغضك
مؤمن ولا يحبك منافق).
وتقدم أيضا بسند آخر في المختار: (324) ص 589.
وقريبا منه رواه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (57) من النهج:
ج 4 ص 83، وهذا المعنى متواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد رواه
ابن عساكر، في الحديث: (674)، وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ
دمشق: ج 2 ص 190، بطرق كثيرة.
715

أما إني رأيت في ليلتي هذه منامي أن شيطانا
ضربني فخضب لحيتي من رأسي بدم عبيط فما ساءني
ذلك!!! ورأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
في المنام فشكوت إليه مما نالني من أمته، فقال لي:]
واعلمن يا علي أنك مقتول. (3) فماذا ينتظر أشقاها
أن تخضب هذه من هذه؟!
ثم أمر [عليه السلام] يده اليمنى على لحيته [ورأسه] ثم نزل عن المنبر.
مقتل أمير المؤمنين عليه السلام، لابن أبي الدنيا، ص 3 من النسخة
المنقوص الأول الموجودة في المكتبة الظاهرية.

(3) ما بين المعقوفين بحسب المعنى مما لا بد منه، وأما لفظه فليس بقطعي.
716

- 378 -
ومن كلام له عليه السلام
في تبرمه عليه السلام عن أهل الكوفة ودعائه عليهم
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر، أنبأنا أحمد بن الحسن
ابن محمد، أنبأنا الحسن بن أحمد المخلدي، أنبأنا أبو بكر الأسفرايني، أنبأنا
موسى بن سهل، أنبأنا نعيم بن حماد، أنبأنا إبراهيم بن سعد (1) عن أبيه،
عن عبيد الله بن أبي رافع قال:
لقد سمعت عليا وقد وطئ الناس على عقبيه حتى أدموهما وهو يقول:
اللهم إني قد مللتهم وملوني فأبدلني بهم خيرا
منهم، وأبدلهم بي شرا مني.
قال [عبيد الله بن أبي رافع]: فما كان إلا ذلك اليوم حتى ضرب على رأسه.
الحديث (1340) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38
ص 97، وفي المطبوع: ج 3 ص 264 ط 1. ورواه أيضا أبو بكر أحمد بن
عمرو بن أبي عاصم النبيل المتوفي 287 في كتاب الآحاد والمثاني الورق 14 / أ /
قال: حدثنا علي بن الحسن أبو الحسن الدرهمي أنبأنا أمية بن خالد، أنبأنا شعبة،
أنبأنا الأسود بن قيس، عن جندب، قال: ازدحموا على علي حتى وطئوا على
رجله فقال: اللهم إني مللتهم وملوني...

(1) كذا في الأصل، ورواه في البحار: ج 8 ص 675 في السطر 4 عكسا،
عن كتاب الغارات وقال: وعن سعد بن إبراهيم. ومثله في الحديث: (521)
من ترجمة أمير المؤمنين من كتاب أنساب الأشراف: ج 2 ص 488 ط 1.
717

- 379 -
ومن كلام له عليه السلام
قال ابن سعد: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية، عن عمارة بن
أبي حفصة، عن أبي مجلز، قال:
جاء رجل من مراد إلى علي [عليه السلام] وهو يصلي في المسجد فقال:
احترس فإن ناسا من مراد يريدون قتلك!!! فقال:
إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر (1)
فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حصينة.
الطبقات الكبرى: ج 3 ص 34 ط بيروت، ورواه عنه في آخر ترجمة
أمير المؤمنين عليه السلام في الحديث (1389) من تاريخ دمشق: ج 38
ص 102، وفي ط 1: ج 3 ص 292. ورواه عنه أيضا سبط ابن الجوزي
في تذكرة الخواص، ص 182، ورواه أيضا في الحديث: (544) من ترجمته
عليه السلام من أنساب الأشراف: ج 1، ص 435 وفي ط 1: ج 2 ص 500
عن عمرو بن محمد، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن عمارة ابن أبي حفصة...
ورواه في البحار بسند آخر، عن كتاب العدد القوية، كما رواه أيضا في
الإمامة والسياسة ص 162، ورواه أيضا في المختار (201) من الباب
الثالث من نهج البلاغة.

(1) ومثله في رواية ابن عساكر.
718

- 380 -
ومن كلام له عليه السلام
في المعنى المتقدم
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو غالب، أنبأنا محمد بن علي، أنبأنا أحمد بن
إسحاق، أنبأنا محمد بن أحمد بن يعقوب (1) قال: أنبأنا أبو داود، أنبأنا
محمد بن بشار، أنبأنا عبد الرحمان، أنبأنا زائدة بن قدامة، عن عطاء بن
السائب، عن أبي البختري عن يعلى بن مرة قال:
كان علي بالليل يخرج إلى المسجد ليصلي تطوعا - وكان الناس يفعلون
ذلك حتى كان [أيام] شبيب الحروري (2) - فقال بعضنا لبعض: لو جعلنا
علينا عقبا يحضر كل ليلة منا عشرة (3) [قال يعلى] فكنت في أول من حضر،

(1) وذكر بعده حديثا تقدم في المختار: (201) ص 175، من
هذا الجزء.
(2) هذا هو الصواب، وفي النسخة: حتى كان شبث الحروري).
(3) العقب والعقبة - كضرب وغرفة -: المعاقبة والتناوب في العمل،
أي جعلنا حراسته وحفظه نوبة في كل ليلة على عشرة.
وقال البلاذري - في الحديث: (523) من ترجمة علي عليه السلام من
أنساب الأشراف: ج 1، ص 431، وفي ط 1: ج 2 ص 489 -:
وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن عوانة قال: قال الشعبي:
لم يزل الناس خائفين لهذه الخوارج على علي مذ حكم الحكمين وقتل أهل
النهروان، حتى قتله ابن ملجم لعنه الله.
719

[فجاء أمير المؤمنين عليه السلام ليلة] فألقى درته ثم قام يصلي، فلما فرغ
أتانا فقال: ما يجلسكم؟ قلنا: بحرسك. فقال: [أ] من أهل السماء؟ فإنه
لا يكون في الأرض شئ حتى يقضى في السماء [ثم قال:] وإن علي من
الله جنة حصينة، فإذا جاء أجلي كشف عني!!! وإنه لا يجد عبد طعم الايمان
حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه (4).
قال: وقال قتادة: إن آخر ليلة أتت على علي جعل لا يستقر، فارتاب
به أهله فجعل يدس (5) بعضهم إلى بعض حتى اجتمعوا فناشدوه (6) فقال:
إنه ليس من عبد إلا ومعه ملكان يدفعان عنه ما
لم يقدر - أو قال: ما لم يأت القدر - فإذا أتى
القدر خليا بينه وبين القدر.

(4) وقال المبرد في الكامل: ج 2 ص 121: روي عن علي صلوات
الله عليه أنه خرج في غداة يوقظ الناس للصلاة في المسجد فمر بجماعة تتحدث
فسلم [عليهم] وسلموا عليه، فقال: - وقبض على لحيته -: ظننت أن
فيكم أشقاها الذي يخضب هذه من هذه!!!
هكذا رواه عنه في إحقاق الحق: ج 8 ص 120.
(5) أي يدخل بعضهم على بعض بخفية. أو يرسل بعضهم إلى بعض؟
(6) أي سألوه وطلبوا منه أن لا يخرج إلى الصلاة.
720

الحديث (1384) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من
تاريخ دمشق: ج 38 ص 102، وفي ط 1: ج 3 ص 290، وبمعنى ما
تقدم في صدر هذا الحديث ذكر حديثين آخرين سند أحدهما، ينتهي إلى
عطاء بن السائب، عن يعلى بن مرة.
وليعلم أنا هذ - بنا العبارة بعض التهذيب، وكل ما وضعناه بين المعقوفات
فهو زيادة منا.
وقريبا من المتن المذكور، رواه الكليني رفع الله مقامه في الحديث
العاشر، من باب فضل اليقين من أصول الكافي: ج 2 ص 59.
721

- 381 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله لابنه الإمام الحسن قبل أن يخرج إلى المسجد في الليلة التي ضرب
في صبيحتها
قال ابن سعد (1) قال الحسن بن علي [عليهما السلام]: أتيت أبي
سحيرا (2) فجلست إليه فقال:

(1) وذكر قبله أسانيد كثيرة، ثم قال: قالوا. ثم ذكر القصة مطولة
إلى أن قال: قال الحسن بن علي: وأتيته سحرا... وإنما أتينا باسم الظاهر
مكان الضمير للتبيين. وقريبا منه رواه مطهر بن طاهر المقدسي في البدء
والتاريخ: ج 5 ص 232 قال: وروي عن الحسن بن علي عليهما السلام
أنه قال: لما أصبح اليوم الذي ضربه الرجل فيه فقال: لقد سنح لي الليلة
النبي فقلت: يا رسول الله ماذا لقيت من أمتك؟ قال: ادع الله أن يريحك
منهم. قالوا: ودخل علي المسجد ونبه النيام فركل ابن ملجم برجله وهو
ملتف بعباءه وقال له: قم فما أراك إلا الذي أظنه!!! [فتركه] وافتتح
ركعتي الفجر فأتاه ابن ملجم فضربه على صلعته حيث وضع النبي يده وقال:
أشقى الناس أحمير ثمود والذي يخضب هذه من هذه.
هكذا رواه عنه في إحقاق الحق: ج 8 ص 29.
(2) كذا في الحديث (1400) من ترجمته عليه السلام من تاريخ
دمشق ج 38 ص 104، نقلا عن ابن سعد، ومثله نقلا عن ابن سعد
أيضا في ترجمته عليه السلام من أسد الغابة: ج 4 ص 37 وكأنه بمعنى
السحرة - كزهرة -: السحر الأعلى، ولكن في نسخة الطبقات ط بيروت
ذكره مكبرا.
722

إني بت الليلة أوقظ أهلي: فملكتني عيناي وأنا
جالس، فسنح لي رسول الله (2) فقلت يا رسول الله
ما [ذا] لقيت من أمتك من الأود واللدد؟! (4) فقال لي:
أدع الله عليهم. فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا لي
منهم وأبدلهم شرا لهم مني.
ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 36 ط
بيروت، ورواه عنه في الحديث (1400) من ترجمة علي عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 38 ص 104، وكذلك في ترجمته عليه السلام من أسد الغابة:
ج 4 ص 37 وللحديث مصادر وأسانيد، ورواه بالمعنى المبرد في كتاب
الكامل: ج 3 ص 243.

(3) أي ظهر لي رسول الله مارا من يميني يقال: سنح الطير أو الضبي
- من باب منع -: جرى على يمينك إلى يسارك. والعرب تتيمن بذلك.
كذا ذكره في المصباح.
(4) قال السيد الرضي - رحمه الله - في ذيل المختار (68) من
النهج: الأود: الاعوجاج. واللدد: الخصام.
وقريبا منه فسره أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص 40، وابن الأثير
في الكامل: ج 3 ص 195، والزبيدي في مادة (لد) من تاج العروس:
ج 2 ص 493.
وظن بعض القاصرين أن تفسير (الأود) بالعوج. و (اللدد)
بالخصومات - أو ما يقاربهما - من أمير المؤمنين عليه السلام. وليس كما ظن.
وقريبا منه رواه في كتاب الإرشاد عن أبي صالح الحنفي وانه سمع من
علي عليه السلام، ورواه أيضا في مجمع الزوائد: ج 9 ص 138، عن
أبي يعلى وقال: ورجاله ثقات، ثم فسر ذيله بما يقضى منه العجب.
723

- 382 -
ومن كلام له عليه السلام
في المعنى السالف قاله في سحير اليوم الذي ضرب فيه
قال أبو الفرج: حدثني أحمد بن محمد بن دلان [كذا] وأحمد بن
الجعد، ومحمد بن جرير الطبري (1) قالوا: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال:
حدثنا أبو أسامة، قال: حدثني أبو جناب، قال: حدثني أبو عون الثقفي:
عن أبي عبد الرحمان السلمي، عن [الإمام] الحسن بن علي قال:
خرجت أنا وأبي يصلي في هذا المسجد (2) فقال لي:
يا بني إني بت الليلة أوقظ أهلي (3) لأنها ليلة

(1) قال في هامش النسخة المطبوعة بمصر: (وفي [النسخة] الخطية:
أحمد بن الجعد، وأحمد بن سويد قالوا).
(2) كذا في ط إيران أي خرجت أنا من أهلي وأتيت أبي وهو يصلي
في هذا المسجد فجلست إليه فقال لي... وفي ط مصر، بتحقيق أحمد
صقر: (خرجت أنا وأبي نصلي في هذا المسجد).
أقول: والمراد بالمسجد - هنا - هو الغرفة التي كان عليه السلام هيئها
في بيته لأداء النوافل فيها، وهو - أي اتخاذ غرفة خاصة من البيت
لإتيان النوافل فيها - من المستحبات في الشريعة.
(3) ورواه أيضا في الإمامة والسياسة ص 160، قال: (روي عن الحسن أنه
قال: أتيت أبي فقال لي أرقت الليلة: ثم ملكتني عيني فسنح لي رسول الله...).
ورواه أيضا في أنساب الأشراف: ج 1، ص 433، وفي ط 1: ج 2
ص 495، قال: وروي عن الحسن بن علي قال: أتيت أبي سحيرا [ظ]
فقال: إني بت الليلة أرقا، ثم ملكتني عيني وأنا جالس...).
724

الجمعة صبيحة يوم قدر، لتسع عشرة ليلة (4) خلت
من شهر رمضان، فملكتني عيناي (5) فسنح لي رسول
الله صلى الله عليه وآله، فقلت: يا رسول الله ماذا

(4) هذا هو الصواب الموافق لما نقله في هامش مقاتل الطالبيين ط
مصر، عن نسخة (ط) و (به). وهو الموافق لاخبار أهل البيت عليهم
السلام المتسالم عليه عند شيعتهم، وفي متن مقاتل الطالبيين ط مصر: (صبيحة
يوم بدر لسبع عشرة ليلة...).
ولو قيل بتعارض النسختين فالنتيجة سقوط هذه الجملة، ويعضده
عدم وجودها في سائر الطرق على كثرتها، نعم هي مذكورة في رواية
الاستيعاب - الآتية - ولكن لم يعلم أنه من كلام الإمام الحسن عليه السلام
بل الظاهر أنه من كلام أبي عبد الرحمان، ولو قيل: بظهور الرواية في
كونها من كلام الإمام الحسن. فنقول ان الراوي والحاكي أن الحسن عليه
السلام قال هكذا هو أبو عبد الرحمان السلمي وروايته غير مقبولة ما لم تؤيد
بشاهد سدق، لأنه من المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام كما ذكر
ذلك ابن أبي الحديد في شرح المختار (57) من نهج البلاغة: ج 4
ص 100، ط مصر.
(5) أي غلبني. والكلام كناية عن استيلاء النوم عليه.
725

لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ (6) فقال لي: أدع
عليهم. فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير لي
منهم، وأبدلهم بي من هو شر لهم مني (7).

(6) قال في مادة: (إدد) من النهاية: [و] في حديث علي قال:
(رأيت النبي عليه السلام في المنام فقلت: ما لقيت بعدك من الإدد والأود)
الإدد - بكسر الهمزة -: الدواهي العظام، واحدتها إدة - بالكسر والتشديد -
والأود [كفرس]: العوج، وقال في مادة اللدد منه: (من الأود واللدد):
ومثله في كتاب الفائق وقال: [هذا] على معنى التعجب أي أي شئ لقيت؟!!
كقوله: (يا جارتا ما أنت جارة).
(7) وقال في ترجمته عليه السلام من كتاب الاستيعاب بهامش الإصابة:
ج 3 ص 61: قال أبو عبد الرحمان السلمي: أتيت الحسن بن علي في
قصر أبيه - وكان يقرأ علي - وذلك في اليوم الذي قتل فيه علي، فقال لي:
إنه سمع أباه في ذلك السحر يقول له: (يا بني رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم في هذه الليلة في نومة نمتها، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فقال: ادع عليهم. فقلت:
اللهم أبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني.
ثم انتبه وجاء مؤذنه يؤذنه بالصلاة، فخرج فاعتوره الرجلان فأما
أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأما الآخر فضربه في رأسه، وذلك
في صبيحة يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان صبيحة بدر.
726

[قال:] وجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة، فخرج وخرجت خلفه،
فاعتوره الرجلان فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطاق وأما الآخر فأثبتها
في رأسه.
ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من مقاتل الطالبيين ص 40.
ورواه أيضا ابن عساكر - في الحديث (1396) من ترجمة أمير المؤمنين
عليه السلام، من تاريخ دمشق: ج 38 ص 103، عن أبي غالب ابن البناء،
عن أبي الحسين ابن الأبنوسي، عن أحمد بن عبد الرحمان بن جعفر بن
خشنام، عن محمد بن عبد الله بن غيلان، عن أبي هشام، عن أبي أسامة
عن أبي جناب عن أبي عون الثقفي عن أبي عبد الرحمان السلمي.
ورواه قبله في الحديث (1395) باختصار، وسند ينتهي إلى أبي
جناب، عن أبي عون، عن أبي عبد الرحمان، عن الإمام الحسن.
727

- 383 -
ومن كلام له عليه السلام
أوصى ووعظ به الناس لما ضربه اللعين ابن ملجم،
وحمل إلى منزله فحف به العواد
قال ابن أبي الدنيا: حدثني أبو علي أحمد بن الحسن الضرير (1) أنبأنا
الحسن بن هارون، عن ابن زبار الكلبي (2) عن حكيم بن [نافع] (3)
عن العلاء بن عبد الرحمان قال:
لما ضرب عبد الرحمان بن ملجم عليا - رحمه الله - وحمل إلى منزله
أتاه العواد، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه، ثم قال:
كل امرئ ملاق ما يفر منه، والأجل مساق النفس
والهرب موافاته (4).
كم أطردت الأيام أبحثها، هيهات علم مخزون (5)

(1) رسم الخط في لفظة: (الضرير) غير واضح.
(2) ويساعد رسم الخط على أن يقرء: (عن ابن زياد الكلبي).
(3) ما بين المعقوفين غير مقروء من النسخة بنحو القطع، وإنما
ذكرناه على سبيل الظن.
(4) هذا هو الظاهر، وعلى بعد يساعد رسم الخط على أن يقرأ:
(والهرب من آفاته).
(5) كذا في النسخة. وفي النهج: (كم اطردت الأيام أبحثها عن
مكنون هذا الأمر فأبى الله إلا إخفاءه هيهات علم...).
728

أما وصيتي إياكم [فا] لله لا تشركوا به شيئا،
ومحمدا فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين
وخلاكم ذم ما لم تشردوا (6).
حمل كل امرئ مجهوده وعفا عن الجهلة رب رحيم
ودين قويم (7).
كنا في فئ رياح وعلى ذرى أغصان (8) وتحت

(6) وفي المختار: (147) من نهج البلاغة: (أقيموا هذين
العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذم ما لم تشردوا).
وقال في مادة: (خلا) من النهاية: وفي حديث علي: (وخلاكم
ذم ما لم تشردوا). يقال: افعل ذلك وخلاك ذم. أي أعذرت وسقط
عنك الذم. أقول: ومعنى قوله عليه السلام: (ما لم تشردوا): ما لم تنفروا
أي ما لم تميلوا عنهما وما دام لم تخرجوا منهما. والفعل من باب نصر.
(7) وفي النهج: (حمل كل امرئ منكم مجهوده وخفف عن الجهلة،
رب رحيم ودين قويم وإمام عليم).
وفي المعجم الكبير: (برب رحيم ودين قويم وإمام عليم).
(8) هذا ظاهر رسم الخط، وليس بجلي كما هو حقه.
وفي النهج: (أنا بالأمس صاحبكم وأنا اليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم
غفر الله لي ولكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك، وإن تدحض القدم
فإنما كنا في أفياء أغصان ومهب رياح وتحت ظل غمام اضمحل في الجو
متلفقها وعفا في الأرض مخطها).
729

ظل غمامة اضمحل مركدها فمخطها من الأرض عاف (9).
جاورتكم أياما تباعا وليالي دراكا (10) [و]
ستعقبون من بعدي جثة حوا [ء] ساكنة بعد حركة،
كاظمة بعد نطوق!!! (11).
لتعظكم هدأتي وخفوت أطرافي (12) [ف‍] إنه أوعظ
للمعتبرين من نطق البليغ.

(9) كذا في النسخة، وفي المعجم الكبير، وتاريخ دمشق فمحطها)
بالحاء المهملة.
(10) أي أياما متوالية وليالي متتالية. وهنا بعد قوله: (دراكا)
في الأصل كلمتان غير مقروءتان.
وفي المعجم الكبير: (جاوركم بدني أياما تباعا ثم هوى فستعقبون
من بعده...). وفي النهج (وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما،
وستعقبون مني جثة خلاءا، ساكنة بعد حراك وصامتة بعد نطق).
(11) ومثله في المعجم الكبير، ولا يأبى لفظ المقتل أن يقرء: (كاظمة
بعد نطق، وليعظكم...).
(12) هذا هو الظاهر، والهدأة والخفوت: السكون أي فالتعظكم
سكون ثوراني وأنا أسد ميدان الجد والجلادة، واسترخاء، أعضائي وأنا غضنفر
ساحة المقاتلة والمصاولة.
وفي النسخة: اطقاقي) ولا ريب انه مصحف.
وفي الكافي: (ليعظكم هدوئي، وخفوت إطراقي، وسكون أطرافي
فإنه أوعظ...).
وفي النهج: (ليعظكم هدوي وخفوت أطرافي وسكون أطرافي
فإنه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع).
730

وداعيكم وداع [امرئ] مرصد للتلاقي (13)
غدا ترون أيامي ويكشف [لكم] عن سرائري لن
يحايي الله (14) إلا أن أتزلفه بتقوى فيعفو عن فرط
موعود.
عليكم السلام إلى اليوم اللزام (15) إن أبق فأنا
ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، العفو لي قربة
ولكم حسنة، فاعفوا عفا الله عنكم!!! ألا تحبون أن
يغفر الله لكم؟!!
الحديث (37) من النسخة المنقوص الأول من مقتل أمير المؤمنين - عليه
السلام - لابن أبي الدنيا، ص 8.

(13) ويحتمل رسم الخط ضعيفا أن يقرء: (مرصد للتلاق). وما
بين المعقوفين فيه وما بعده مأخوذ من نهج البلاغة.
(14) كذا في النسخة وفي النهج: (ويكشف لكم عن سرائري
وتعرفونني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي). وفي المعجم الكبير:
(لن يحابيني الله عز وجل إلا أن أتزلفه بتقوى فيغفر عن فرط موعود).
ومثله في تاريخ دمشق نقلا عنه، غير أن فيه: (لن يحاشي الله).
(15) وفي المعجم الكبير: (عليكم السلام إلى يوم اللزام).
731

ورواه بسند آخر، في الباب (143) من تيسير المطالب في ترتيب أمالي
السيد أبي طالب ص 188، ط 1، ومثله سندا رواه المسعودي، في آخر ترجمة
أمير المؤمنين من كتاب مروج الذهب.
وقريبا منه جدا رواه الطبراني في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من
المعجم الكبير: القسم الأول من ج 1، ص 9 قال: حدثنا القاسم بن عباد
الخطابي البصري، حدثنا سعيد بن صبيح، قال: قال هشام بن الكلبي، عن
عوانة بن الحكم: لما ضرب عبد الرحمان بن ملجم عليا رضي الله عنه
وحمل إلى منزله...
ورواه عنه في الحديث: (1405) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام
من تاريخ دمشق: ج 38 ص 105، وفي ط 1: ج 3 ص 305، وكذلك رواه
عنه في كتاب مجمع الزوائد: ج 9 ص 139، وللكلام أسانيد ومصادر أخر.
732

- 384 -
ومن كلام له عليه السلام
أوصى به سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام،
وذيله بالإيصاء إلى محمد بن الحنفية رضوان الله عليه.
قال ابن أبي الدنيا: حدثني أبي، هشام بن محمد، عن شيخ من الأزد
حدثهم عن عبد الرحمان بن جندب عن أبيه، قال:
دخلت على علي اسل به (1) فقمت قائما لمكان ابنته أم كلثوم كانت
مستترة فقلت: يا أمير المؤمنين ان فقدناك - ولا نفقدك - نبايع الحسن؟
فقال علي: ما آمركم ولا أنهاكم (2). فعدت فقلت مثلها فرد علي مثلها،
ثم دعا ابنيه الحسن والحسين فقال لهما:
أوصيكما بتقوى الله، و [أن] لا تبغيا الدنيا وإن

(1) كذا في النسخة، وكأنها من السلوان أو التسلية أي أزيل همي
به وأكشف كربي برؤيته ومنطقه.
وقال الخوارزمي في الفصل: (10) من مناقبه ص 278: وذكروا أن
جندب بن عبد الله دخل على علي يسليه...
(2) وهذا مثل قوله عليه السلام: اصنعوا ما شئتم. - لما تقاعدوا عنه
في يوم صفين وقالوا: لا نرضى إلا بتحكيم أبي موسى - يدل على غاية
تبرمه منهم ويأسه عن وفائهم وعدم اعتماده على قولهم. فلا تنافي بينه وبين
وصيته إلى الإمام الحسن وجعله قائما مقامه وإماما بعده، والإمامة - كالنبوة -
منصب إلهي غير منوطة ببيعة الناس.
733

بغتكما، ولا تبكيا على شئ منها زوي عنكما، قولا الحق،
وارحما اليتيم، وأعينا الضائع، واصنعا للآخرة (3)
وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا، واعملا بما في
كتاب الله، ولا تأخذكما في الله لومة لائم.
ثم نظر إلى ابنه محمد بن الحنفية، فقال: يا بني أفهمت ما أوصيت به
أخويك؟ قال: نعم يا أبة. قال: يا بني أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير
أخويك وتعظيم حقهما: [وتزيين] أمرهما (4) ولا تقطع أمرا دونهما.
ثم قال للحسن والحسين: وأوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما، وقد
علمتما أن أباكما كان يحبه، فأحباه.
الحديث (32) من النسخة المنقوص الأول من مقتل أمير المؤمنين -
لابن أبي الدنيا - وللكلام مصادر.

(3) كلمة (للآخرة) رسم خطها لم يكن جليا.
(4) ما بين المعقوفين مأخوذ من ترجمة أمير المؤمنين من المعجم الكبير
- للطبراني -: ج 1 / الورق 10، وكانت في الأصل كلمة غير مقروءة.
وفي تاريخ الطبري: (فاتبع أمرهما).
734

- 385 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله للسبط الأكبر الإمام الحسن عليه السلام على سبيل الوصية
قال ابن أبي الدنيا: حدثني أبي رحمه الله، عن هشام بن محمد، عن
أبي جناب الكلبي عن أبي عون الثقفي، عن أبي عبد الرحمان السلمي قال:
أوصى علي بن أبي طالب ابنه الحسن بن علي حين حضره الموت [و] قال:
يا بني أوصيك بتقوى الله وإقام الصلاة [لوقتها] (1)
وإيتاء الزكاة عند محلها، وحسن الوضوء والصبر عليه،
فإنه لا صلاة إلا بطهور، ولا تقبل الصلاة ممن يمنع الزكاة.
وأوصيك بمغفرة الذنب (2) وكظم الغيظ، وصلة
الرحم، والحلم عند الجهل (3) والتفقه في الدين،

(1) ما بين المعقوفين مأخوذ من المعجم الكبير، وتحف العقول
ص 155. وتاريخ الطبري ص 147.
(2) ومثله في كتاب تحف العقول، وفي المعجم الكبير، وتاريخ
الطبري: (وأوصيك بغفر الذنب).
(3) ومثله في تاريخ الطبري، وفي المعجم الكبير: (والحلم عن
الجهل). وفي تحف العقول: (والحلم عند الجاهل). وفي تاريخ الكامل
- لابن الأثير - ومجمع الزوائد: (والحلم عن الجاهل). وهو أظهر.
735

والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن وحسن الجوار،
والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، واجتناب
الفواحش كلها في كل ما عصي الله فيه.
الحديث (21) من النسخة المنقوص الأول من مقتل أمير المؤمنين - لابن
أبي الدنيا -:
ورواه أيضا الطبراني مع ذيل الرواية المتقدمة بسند آخر في ترجمة
أمير المؤمنين من المعجم الكبير: ج 1 / الورق 10 /. ورواه عنه في مجمع
الزوائد: ج 9 ص 142. ورواه أيضا الطبري مع الكلام السالف في تاريخه:
ج 5 ص 147، ورواه أيضا في تحف العقول ص 155.
736

- 386 -
ومن كلام له عليه السلام
لما احتضر فجمع عليه السلام بنيه وأوصاهم به
قال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن عباد بن موسى أنبأنا يزيد بن هارون
[ظ] عن محمد بن عبيد الله، عن أبي جعفر [الإمام الباقر محمد بن علي
عليهما السلام] أن عليا [أمير المؤمنين عليه السلام] لما احتضر جمع بنيه فقال:
يا بني يرأف بعضكم بعضا (1) يرأف كبيركم
صغيركم ولا تكونوا كبيض وضاح في داوية (2).

(1) ويحتمل رسم الخط احتمالا بعيدا أن يقرء: (يا بني يؤلف
بعضكم بعضا، يرأف كبيركم صغيركم) الخ. ويرأف، من باب ضرب
ونصر، ومنع.
وفي المختار (164) من نهج البلاغة: (ليتأس صغيركم بكبيركم،
وليرأف كبيركم بصغيركم، ولا تكونوا كجفاة الجاهلية لا في الدين
يتفقهون، ولا عن الله يعقلون، كقيض بيض في أداح يكون كسرها
وزرا ويخرج حضانها شرا).
(2) ولعل المراد من وضاح - كشداد - هاهنا: الأبيض اللون الحسن
الظاهر. وقال في مادة: (دوا) من النهاية: الدو [كحد]: الصحراء
التي لا نبات بها، والدوية منسوبة إليها، وقد تبدل من إحدى الواوين
ألف فيقال: داوية على غير قياس، نحو طائي في النسب إلى الطي.
737

ويح الفراخ الفراخ آل محمد من عتريف مترف
يقتل خلفي وخلف الخلف (3).

(3) العتريف - كالعفروت - الخبيث الفاجر والجمع عتاريف.
وقال في مادة: (أوه) من النهاية: ومنه الحديث: (أوه لفراخ محمد
من خليفة يستخلف). وقد تكرر ذكره في الحديث.
وقال في مادة: (ترف) وفيه: (أوه لفراخ محمد، من خليفة
يستخلف عتريف مترف). المترف: المتنعم المتوسع في ملاذ الدنيا وشهواتها.
وقال في بشارة المصطفى ص 249: عن أبي جعفر محمد بن منصور،
قال: حدثني أبو طاهر، قال: حدثنا أبي عن أبيه أن عليا جمع أهل
بيته - وهم أحد عشر [ذكورا] الحسن بن علي والحسين بن علي ومحمد
ابن علي الأكبر، وعمر بن علي ومحمد بن علي الأصغر، والعباس بن
علي وعبد الله بن علي وجعفر بن علي وعثمان بن علي وعبد الله بن علي وأبو
بكر بن علي - فلما اجتمعوا قال:
يا بني كبارا [و] صغارا لا تكونوا كأشباه الغواة والجفاة [ظ] الذين لم
يتفقهوا في الدين، ولم يعطوا من الله اليقين كبيض بيض في أدحي [كذا].
ويح الفراخ [فراخ] آل محمد من خليفة مستخلف عفريت مترف
يقتل خلفي وخلف الخلف. ثم قال: [أما] والله لقد علمت تبليغ الرسالات
وتمام كلمات وتصديق العداة، وليتمن [الله] عليكم نعمته أهل البيت.
وقريب مما في وسط هذا الكلام ورد عن رسول الله كما في الحديث:
(95) من ترجمة الإمام الحسين من المعجم الكبير: ج 1 / الورق 139 / أ.
ورواه عنه في باب مناقب الحسين عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9
ص 190. والعفريت: الخبيث المنكر. النافذ في الأمر مع دهاء،
والجمع: عفاريت.
وقال في مادة: (دحا) من النهاية: ومنه حديثه - [أي حديث علي]
- الآخر: (لا تكونوا كقيض بيض في أداحي): جمع الأدحي
وهو الموضع الذي تبيض فيه النعامة وتفرخ، وهو أفعول من (دحوت)
لأنها تدحوه برجلها أي تبسطه ثم تبيض فيه.
أقول: وذكره بمثل ما في النهج في مادة: (قيض) وقال: القيض:
قشر البيض.
738

أما والله لقد شهدت الدعوات، وسمعت الرسالات
ويتم [ظ] الله نعمته عليكم أهل البيت (4)
[قال ابن أبي الدنيا:] قال ابن عباد: قوله: (ولا تكونوا كبيض
وضاح في داوية) إن النعامة تبيض في الدوية فتحضنه حتى إذا فرخ
البيض تفرقت دبالها يعني فراخها (5) يقول [لهم أمير المؤمنين عليه السلام]:
لا تتفرقوا بعد موتي.
الحديث: (33) من النسخة المنقوص الأول من مقتل أمير المؤمنين
- لابن أبي الدنيا -.

(4) وقريب منه جدا في المختار (118) من خطب نهج البلاغة،
وكتاب سليم بن قيس ص 138، والبحار: ج 8 ص 723.
(5) هذا السطر كله كان غير واضح بحسب رسم الخط من الأصل
المنقول منه.
739

- 387 -
ومن كلام له عليه السلام
أوصى به السيدين الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام
قال الأصبغ بن نباته رحمه الله: دعا أمير المؤمنين عليه السلام الحسن
والحسين - عليهما السلام - لما ضربه ابن ملجم لعنه الله (1) فقال:
إني مقبوض في ليلتي هذه ولاحق برسول الله صلى
الله عليه وآله، فاسمعا قولي وعياه، أنت يا حسن
وصيي والقائم بالأمر بعدي وأنت يا حسين شريكه في
الوصية، فانصت ما نطق، وكن لأمره تابعا ما بقي،
فإذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده والقائم بالأمر.
وعليكما بتقوى الله الذي لا ينجو إلا من أطاعه
ولا يهلك إلا من عصاه، واعتصما بحبله وهو الكتاب
العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،
تنزيل من حكيم حميد.

(1) أي بعد ما ضربه ابن ملجم ومضى عليه يومان. والكلام صدر
لبيان ما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام لا لبيان زمان وصيته واتصالها
بزمان الضرب أو انفصالها عنه.
740

ثم قال للحسن عليه السلام:
إنك ولي الأمر بعدي فإن عفوت عن قاتلي فذاك،
وإن قتلت فضربة مكان ضربة، وإياك والمثلة، فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عنها ولو بكلب عقور.
واعلم أن الحسين ولي الدم معك يجري فيه مجراك،
وقد جعل الله تبارك وتعالى له على قاتلي سلطانا، كما
جعل لك، وإن ابن ملجم ضربني ضربة فلم تعمل
فثناها فعملت، فإن عملت فيه ضربتك فذاك، وإلا فمر
أخاك الحسين وليضربه أخرى بحق ولايته فإنها ستعمل
فيه (2) فإن الإمامة له بعدك وجارية في ولده إلى يوم
القيامة.
وإياك أن تقتل بي غير قاتلي فإن الله عز وجل يقول:
(ولا تزر وازرة وزر أخرى [15 - الأسراء].

(2) من قوله: (وإن ابن ملجم ضربني - إلى قوله: - فإنها ستعمل
فيه) من متفردات هذه الرواية، ما وجدت له شاهدا ولا مصدرا غير
كتاب الدر النظيم.
741

واعلم أن معاوية سيخالفك كما خالفني، فإن
وادعته وصالحته كنت مقتديا بجدك صلى الله عليه وآله
في موادعته بني ضمرة وبني أشجع، وفي مصالحة أهل
مكة يوم الحديبية، وكانت لك في أسوة في الصبر خمس
وعشرين سنة، فإن أردت مجاهدة عدوك، فلن يصلح
لك من شيعتك من لم يصلح لأبيك!!! فإنهم قوم
لا وفاء لهم، يوردونك ثم لا يصدرونك، ويخذلونك
[كذا] ثم لا ينصرونك، ويعاهدونك ثم لا يفون لك!!!
وسيقتلك معاوية بالسم ظلما وعدوانا!!! وذلك
سابق في علم ربك تقدس ذكره، فاحقن دماء شيعتك
بموادعته وابتغ لهم السلامة بمصالحته.
ثم قال للحسين عليه السلام:
وأنت يا حسين ستخرج لمجاهدة ابنه يزيد،
فيقتلك من قومه أبرص ملعون لا يراقب فيك إلا ولا
ذمة. وسيقتل معك سبعة عشر من أهل بيتك تحت أديم
742

السماء ما لهم شبيهون؟! (3).
وكأني بك تستسقي الماء فلا تسقى، وتنادي فلا
تجاب، وتستغيث فلا تغاث.
وكأني بأهل بيتك قد سبوا، وبثقلك قد نهب!!!
وكأني بالسماء قد أمطرت لقتلك دما ورمادا!!!
وكأني بالجن قد ناحت عليك (4).
وكأني بموضع تربتك قد صار مختلف زوارك
من الملائكة والمؤمنين!!!
[قال الأصبغ]: ثم قطع [عليه السلام] كلامه.
كتاب الدر النظيم الورق 127.

(3) وروى الطبراني عن منذر الثوري قال: كنا إذا ذكرنا حسينا ومن
قتل معه قال محمد بن الحنفية. قتل معه سبعة عشر كلهم ارتكض في رحم فاطمة.
وعن الحسن البصري قال: قتل مع الحسين بن علي ستة عشر رجلا من
أهل بيته والله ما على ظهر الأرض يومئذ أهل بيت يشبهونهم!!! قال سفيان:
ومن يشك في هذا؟!!!
ورواه عنه في باب مناقب الحسين من مجمع الزوائد: ج 9 ص 198،
وقال في الأول: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح.
(4) وورد في ذلك أخبار كثيرة ذكر بعضها الطبراني في المعجم الكبير،
ورواه عنه في باب مناقب الحسين عليه السلام من مجمع الزوائد ج 9 ص 196، و 199.
743

- 388 -
ومن كلام له عليه السلام
قاله على سبيل الوصية لما حضرته الوفاة (1)
قال عبد الله ابن أبي الدنيا: حدثني عبد الله بن يونس بن بكير، قال:
حدثني أبي، عن أبي عبد الله الجعفي عن جابر بن يزيد عن [الإمام] محمد
ابن علي [عليه السلام] قال: أوصى أمير المؤمنين [صلوات الله عليه]
إلى [ابنه] الحسن [عليه السلام وقال]:

(1) قال ابن أبي الدنيا - في الحديث: (26) من النسخة المنقوص
الأول من مقتل أمير المؤمنين عليه السلام: ص 5 -: حدثني أبي رحمه
الله عن هشام بن محمد، عن أبيه قال:
لما ضرب ابن ملجم عليا [عليه السلام] دعي له ابن أثير الكندي وكان
طبيبا، فأخذ عرقة فأدخلها في رأسه فإذا دماغه قد خرج فيها، فقال:
يا أمير المؤمنين أعهد عهدك وأمر أمرك فإنك ميت!!!
وقال أيضا: أنبأنا سعيد بن يحي القرشي، أنبأنا عبد الله بن سعيد،
عن زياد بن عبد الله، قال:
قال مجالد: دعي لعلي [عليه السلام ابن أثير] الكندي وكان طبيبا
فدعا برئة فأخذ منها قديدة لطيفة فيها عرقها، ثم نفخها ودسها في جرحه،
ثم أخرجها فإذا عليها من دماغه، فقال: يا أمير المؤمنين أعهد [عهدك
فإن هذا الجرح] لا يعالج منك. فقال علي [عليه السلام] عند ذلك:
إذا مت فاقتلوه، فإنما النفس بالنفس، وإن عشت أرى فيه رأيي.
744

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به علي
ابن أبي طالب: أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى
ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون،
صلى الله عليه.
ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين، بذلك أمرت وأنا من المسلمين.
ثم [إني] أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي ومن
بلغه كتابي أن تتقوا الله (2) ولا تموتن إلا وأنتم
مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا،
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: صلاح
ذات البين أفضل من عامة الصيام والصلاة (3) وإن

(2) ويحتمل رسم الخط أيضا أن يقرأ: (بتقوى الله...).
(3) المراد منها الصيام والصلوات المستحبة كما رواه هو عليه السلام
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما في الحديث: (57) من
الجزء (18) من أمالي الشيخ الطوسي.
745

حالقة الدين فساد ذات البين (4) ولا قوة إلا بالله.
أنظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون [الله] عليكم
الحساب.

(4) أي إن الذي يحلق الدين ويستأصله من أصله - كما يحلق الموسى الشعر
من أصله - هو فساد ذات البين.
وهذا رواه أيضا ابن عساكر في ترجمة الحسن بن محمد الاستواني من
تاريخ دمشق: ج 12 ص 104، قال: أنبأنا أبو طالب محمد بن علي بن
الفتح، أنبأنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن أيوب بن
ازداد بن شاهين، أنبأنا عبد الله البغوي أنبأنا عبد الله بن عمر بن أبان.
وأنبأنا عمر بن شاهين، أنبأنا عبد الله بن سليمان، أنبأنا أحمد بن سنان
قالا: أنبأنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو، عن سالم، عن أم
الدرداء: عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: ألا أحدثكم بأفضل
من درجة الصيام والصلاة [ظ] والصدقة؟ قلنا: [بلى] يا رسول الله.
قال: صلاح ذات البين، وفساد ذات البين - يعني - هي الحالقة.
وأخبرناه عاليا أبو القاسم ابن الحصين أنبأنا أبو علي ابن المذهب أنبأنا
أبو بكر ابن مالك، أنبأنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثني أبو
معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم، عن أم الدرداء،
عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: ألا أخبرنكم بأفضل من درجة
الصيام والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: صلاح ذات البين، قال: وفساد
ذات البين هي الحالقة.
746

والله الله في الأيتام، فلا تغمزن أفواههم ولا
يضيعون بحضرتكم (5).
والله الله في جيرانكم فإنهم وصية رسول الله (6) ما
زال يوصينا بهم حتى ظننا أنه يورثهم.
والله الله في القرآن أن يسبقكم بالعمل به غيركم.
والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم.
والله الله في بيت ربكم، لا تخلون ما بقيتم فإنه
إن خلا لم تناظروا.
والله الله في [صيام شهر] رمضان فإن صيامه جنة
لكم من النار (7).

(5) كلمة: (تغمزن) رسم خطها غير واضح في الأصل الموجود عندي
فإن صحت فلعل المقصود منها المعنى الكنائي من قولهم: (أغمزه) عابه.
وقرأها بعض المعاصرين (فلا تغممن). وفي رواية أبي الفرج (فلا تغيرن
أفواههم بجفوتكم).
(6) وهذا رواه أيضا عنه صلى الله عليه وآله وسلم في مسند ابن عمر
من المعجم الكبير: ج 3 ص 205 في السطر 6 عكسا وقبلها في موردين.
(7) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (جنة من النار لكم). وما بين
المعقوفين مأخوذ من رواية أبي الفرج.
747

والله الله في الجهاد في سبيل الله بأيديكم وأموالكم
وألسنتكم (8).
والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب.
والله الله في ذرية نبيكم (9) فلا يظلمن بين أظهركم.
والله الله فيما ملكت أيمانكم (10).
أنظروا ولا تخافوا في الله لومة لائم يكفكم من
أرادكم وبغى عليكم.

(8) كذا في النسخة.
(9) هذا هو الظاهر، وصحفه في النسخة: (بذمة نبيكم).
(10) قال في مادة: (فيص) من النهاية ولسان العرب: [و] كان يقول
عليه السلام في مرضه: (الصلاة وما ملكت أيمانكم) فجعل يتكلم وما
يفيص بها لسانه أي ما يقدر على الإفصاح بها. وروى ابن عساكر - في
ترجمة إبراهيم بن علي بن الحسين أبي إسحاق القبابي، من تاريخ دمشق: ج 2
ص 55 - بسندين عن إنس بن مالك قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم حين حضرته الوفاة: الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى
جعل يغرغر بها في صدره... وروى في مجمع الزوائد: ج 1، ص 293 عن
البزار، قال: وعن أبي رافع قال: توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأسه
في حجر علي بن أبي طالب وهو يقول لعلي: الله الله وما ملكت أيمانكم، الله
الله والصلاة. فكان ذلك آخر ما تكلم به رسول الله.
وقريب منه في باب: (حسن الملكة) من كتاب الأدب المفرد للبخاري.
748

وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله.
ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فيولى الأمر شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم.
عليكم يا بني بالتواصل والتباذل، وإياكم والتقاطع
والتدابر (11) والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى،
ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد
العقاب.
حفظكم الله من أهل بيت وحفظ نبيكم فيكم (12)
أستودعكم الله [و] أقرأ عليكم السلام ورحمة الله.
[قال الراوي] ثم لم ينطق [عليه السلام] إلا ب‍ (لا إله إلا الله) حتى
قبضه الله في [شهر] رمضان أول ليلة من العشر الأواخر (13).
ثم قال ابن أبي الدنيا: حدثني أبي رحمه الله، عن هشام بن محمد،
عن أبي عبد الله الجعفي، عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي [عليهما
السلام] قال:
أوصى علي بن أبي طالب عند موته بهذه الوصية، وكتبها كاتبه عبيد
الله بن أبي رافع، وعلي يملي عليه.

(11) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (والتكاثر).
(12) كذا.
(13) وعليه استقر رأي الشيعة الإمامية.
749

الحديث (29 و 30) من النسخة الناقصة من مقتل أمير المؤمنين
عليه السلام لابن أبي الدنيا، ص 5، وللكلام مصادر وأسانيد كثيرة،
وهو من أجل كلمه عليه السلام لفظا ومعنى وأشرفها سندا ومتنا، وأوثقها
صدورا واعتبارا!!!
وقد ذكره أيضا في الباب: (58) من جواهر المطالب ص 96.
ورواه أيضا ابن عساكر - في الحديث: (1401) من ترجمة أمير
المؤمنين من تاريخ دمشق ولكن مشايخه بخلوا ولم يذكروه له حرفيا - قال:
أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو بكر ابن الطبري، أنبأنا أبو
الحسين ابن بشران، أنبأنا الحسين بن صفوان، أنبأنا أبو بكر ابن أبي الدنيا،
حدثني عبد الله بن يونس بن بكير، حدثني أبي، عن أبي عبد الله الجعفي،
عن جابر، عن محمد بن علي: ان عليا لما ضربه [ابن ملجم لعنه الله]
أوصى بنيه ثم لم ينطق إلا [ب‍] لا أله إلا الله حتى قبضه الله.
ورواه أيضا - مع المختار: (384) المتقدم - في ترجمة أمير المؤمنين
من المعجم الكبير: ج 1 / الورق 10 / أ / قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار
أنبأنا أبو أمية عمرو بن هشام الحراني، أنبأنا عثمان بن عبد الرحمان الطرائفي
أنبأنا إسماعيل بن راشد...
ورواه عنه حرفيا في مجمع الزوائد: ج 9 ص 142 - 144، وقال:
وهو مرسل وإسناده حسن.
ورواه عنه أيضا أبو نعيم في ترجمة أمير المؤمنين من كتاب معرفة
الصحابة الورق 21 / أ / إشارة، وأيضا قال أبو نعيم - في ترجمة أمير المؤمنين:
من كتاب معرفة الصحابة الورق 21 / أ / -: حدثنا عبد الله بن محمد بن
جعفر، حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد، حدثنا محمد بن بشر أبو الخطاب (1)
حدثنا عمرو بن زرارة الحدثي حدثنا الفياض بن محمد الرقي، عن عمرو

(1) وفي النسخة تاريخ دمشق: (محمد بن بشر أخي خطاب).
750

ابن عيسى الأنصاري عن أبي مخنف، عن عبد الرحمان بن جندب (1) بن
عبد الله عن أبيه قال:
لما فرع علي بن أبي طالب رضي الله عنه من وصيته قال: أقرء عليكم
السلام ورحمة الله وبركاته، ثم لم يتكلم بشئ الا [ب‍] لا إله إلا الله،
حتى قبضه الله، رحمة الله عليه ورضوانه، وغسله ابناه الحسن والحسين
وعبد الله بن جعفر، وصلى عليه الحسن وكبر عليه أربع تكبيرات وكفن
في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ودفن في السحر. أقول: ورواه عنه ابن
عساكر في الحديث: (1407) من تاريخ دمشق. وما اشتملت عليه الرواية
من أنه كبر عليه أربع تكبيرات من موارد تلبيس الحق بالباطل وقد نقدناه
في تعليق الحديث: (1407) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 3
ص 307 ط 1، وذكرنا هناك شواهد جمة على انها خلاف الواقع ونفس الأمر.
قال المؤلف الشيخ محمد باقر المحمودي هذا اتمام القسم الأول - أي ما
علم تاريخه ولو تقريبا - من باب خطب نهج السعادة ويليه القسم الثاني أي
غير معلوم التاريخ ولله الحمد أولا وآخرا وله الشكر بدأ وختاما، وصلى الله
على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا دائما.
وقد بدأنا بنشر هذا الجزء في يوم الأربعاء (29) من جمادى
الثانية، من سنة (1395) الهجرية، ومن الله علينا بإتمامه في يوم
الأربعاء: (19) من ربيع الأول من عام (1397) الهجري، وإنما بقي هذا المجلد
تحت الطبع في طول سنة وثمانية أشهر وتسعة عشر يوما لأجل استدامة الأزمة اللبنانية
وحربها الداخلية، ومن أجل خيانة بعض الأمناء!!! وسبحان ربك رب
العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

(1) الظاهر أن هذا هو الصواب، وفي الأصل: (عبد الرحمان بن حبيب).
751