الكتاب: أمان الأمة من الإختلاف
المؤلف: الشيخ لطف الله الصافي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٩٧
المطبعة: العلمية - قم
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

لطف الله الصافي
أمان الأمة
من الضلال والاختلاف
1

الطبعة الأولى
المطبعة العلمية - قم
1397 - ه‍
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا خاتم
النبيين أبى القاسم محمد وآله الطاهرين
3

كلمة المؤلف
هذا الكتاب يضع أمام القارئ حقائق ثمينة هامة لا غنى
عنها للباحث في الفقه، ومدارك الأحكام الشرعية.
انه يدعو إلى التفكير الحر، وتركيز الآراء والمذاهب
في الكتاب والسنة من طريق الرجوع إلى أهل البيت عليهم
السلام والتمسك بهم، والاخذ بأقوالهم وافعالهم وعلومهم
وهداهم، كما أنه يمهد السبيل إلى الوحدة الاسلامية والتقريب
بين المذاهب، ويعالج التفرق والتمزق الطائفي، ويبين أن
لا موجب لتباعد المسلمين بعضهم بمن بعض. ولا داعي للجفوة
والبغضاء، بل الدواعي والموجبات متوفرة للاتحاد والاتفاق
وتوكيد أواصر الاخوة الاسلامية.
فقضية المسلم واحدة ما دام في ظل هدى القرآن، ونور نبوة سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، بل قضية الانسان واحدة
ما دام في ظل الله وظل حكومته وأحكامه.
فأنت أيها المسلم الذي تعيش في ظل الله، وتقتبس من
نور القرآن، وتقتدي بتعاليم رسول الاسلام. أنت رمز الانسان
5

الذي كرمه الله تعالى.
أنت الذي حملت راية الحق للانسانية كلها، وبذلت من
أجلها أغلى التضحيات.
أنت الذي بعثت روح الخير والعدل في البشرية، وضمنت
كرامة الانسان وحريته.
فثق بالله تعالى، وتمسك بالعروة الوثقى، واعتصم بحبله،
ونزه مجتمعك عن كل ما يوجب الضعف والفشل، وكن من
كيد الأعداء على حذر.
انى اغتنم كل الفرص لاستعراض الأوضاع الحاكمة على
مجتمعنا الاسلامي، وما يعانيه وطننا الكبير من شتى أنواع
المحن والمشكلات، ومختلف أنواع البؤس والتخلف.
انني لا أحب ان أؤلف كتابا أو ألقى محاضرة الا أن أعالج
فيها الخطر الالحادي المحدق بعالمنا الاسلامي، وأن أدعو إلى
رفض تقليد الحياة الغربية البائسة الضالة العمياء والماركسية
الملحدة.
هذه طريقتي حتى في مثل هذا الكتاب الذي تمحض لمباحث
علمية خاصة، وذلك لعلمي بشدة حاجة المسلمين سيما شبابنا
إلى اليقظة والشعور بهذه الاخطار، ووجوب العمل في ازالتها
ورفعها. لأنها لا تهدد كيان طائفة من المسلمين وشعائرها الخاصة
بل، انها تهدد كيان جميع الطوائف الاسلامية، وتهدم
الشخصية المسلمة، وتقضى ان نجحت (والعياذ بالله) على ما
اتفق عليه كلمة المسلمين من الشيعة والسنة في كل البلدان الاسلامية.
إذا أراك توافقني على تصدير الكتاب الذي أمامك بهذه
الكلمة التي لم نرد منها الا الفات القارئ المسلم إلى ما دعا
إليه المصلحون من الانتباه إلى الخطر الداهم المتزايد الذي
6

يحوطنا من كل جانب، ويأتي على كل يابس وأخضر، ان لم
نجمع قوانا لمواجهته والعمل على ازالته، ولا عذر لنا عند الله
تعالى في السكوت عن الحق وغض الطرف عن الواجب.
أيها المسلم الغيور!. يا أبناء القرآن!. يا أبناء سورة
التوحيد!.
لاشك انكم شديدو القلق والأسف والحزن على ما أصيب
الاسلام ومنى به من خارج مجتمعنا وداخله، ويزداد شدة كل
يوم، ويشمل الأمة في شرق البلاد وغربها.
أصيب الاسلام بمصائب كبيرة كثيرة من جانب الاستعمار
الصهيوني، ومن جهة التبشير المسيحي، ومن الالحاد الشيوعي
والمبادئ الهدامة الأخرى، كالعلمانية والبرامج التربوية الفاسدة
والاقتصادية الكافرة.
لقد أصيب الاسلام بمصيبة تعطيل أحكامه وحدوده، وتمسك
منتحلية بقوانين وضعية وأساليب أجنبية، في معاملاتهم وأعرافهم
الاجتماعية وأزيائهم وأنديتهم، بدلا عن أحكام الله تعالى وسنة
نبيه صلى الله عليه وآله، كأن لم نقرأ قوله عز من قائل:
" ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من
الخاسرين "
أصيب الاسلام بأبناء (ليسوا بأبنائه)، ويعبدون الأشخاص
من الساسة والملوك والرؤساء والقادة والكتاب الذين هم من
عملاء الاستعمار والصهاينة، أو يقدسون ماركس ولنين ومائو
من دعاة الاشتراكية والشيوعية، بل يشيعون تقديس النساء
العواهر والمغنيات اللواتي يلقبوهن ب‍ " الفنانات "، كأنهم لم
يسمعوا قول الله تعالى " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا
الشيطان انه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم "
7

وقوله سبحانه " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله
واجتنبوا الطاغوت ".
أصيب الاسلام بمصيبة التفرقة وتجزئة بلاده، وفصلها عن
سياسة الحكم الديني وشرائع الاسلام وتعاليمه وارشاداته،
فكل دائنا يعود إلى ترك العمل بالقرآن والاكتفاء باسم الاسلام،
وعدم تطبيق تعاليمه الكاملة الرشيدة على حياتنا العامة والخاصة.
فانظر يا أخي بعين البصيرة إلى كتاب دينك، وكرر وأعد
تلاوة آياته، وتفكر ثم تفكر في معانيها وما تستهدفه من أغراض
حكيمة وتعاليم سامية، ثم انظر إلى واقع عالمنا الاسلامي،
والى النظم الاجتماعية في بلاد المسلمين، فهل تجد بلد أطبق
فيه هذه الآيات أو بعضها كمنهاج للحياة في نظمه الاجتماعية
والسياسية ومناهجه التثقيفية والتربوية.
وها أن أتلو عليك آيات من الكتاب العزيز، وان كنت
تلوتها كثيرا في صباحك ومسائك وصلواتك، وفى شهر رمضان
المبارك، وعند الدعاء واستكثار الثواب بقراءته. ولكن مجرد
تلاوة آياته الكريمة لا تكفى ولم تنفع لدنيانا وآخرتنا، إذا
نحن لم نأخذ بمضمون ما نقرأ ولم نتدبر فيه، ولم نعمل بأوامره
لم ننزجر بزواجره.
أتلو عليك هذه الآيات التي يجب أن أنأخذ بها ونستفيد
منها، ان أردنا تركيز دعائم مجدنا وتطهير نفوسنا من لوث
الأكدار، وسلامة قلوبنا عن هذه الاغراض الوضيعة التافهة
التي دفعتنا إلى مهادي السقوط، حتى غزانا الأعداء في عقر
دورنا (1 ولا حول ولا قوة الا بالله:

1) قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما غزى قوم في عقر دارهم الا
ذلوا (نهج البلاغة خ 27).
8

" لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد
الله ورسوله ولو كانوا آبائهم. " (58 / 22).
" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. "
(4 / 65).
" قل إن كان آباؤكم و.. " (9 / 24).
" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى. "
(5 / 51).
" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين. " (4 / 144).
" ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين "
(3 / 139).
" وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا. " (8 / 46).
" ولا تكونوا كالذين نسوا الله. " (59 / 19).
" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم. "
(3 / 118) "
يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار. "
(9 / 123).
" واعتصموا بحبل الله جميعا وتفرقوا. " (3 / 103).
" إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم. " (49 /
10).
" الذين يأكلون الربا لا يقومون. " (2 / 275).
" يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين. "
(33 / 59).
" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف. "
(3 / 104).
" يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا. " 3 /
149).
9

" يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا. "
(9 / 38).
" الرجال قوامون على النساء. " (4 / 34).
" أفحكم الجاهلية يبغون. " (5 / 50).
" ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو. " (24 / 31).
" والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش. " (42 / 37).
" والذين استجابوا لربهم وأمرهم شورى بينهم. " (42 /
38).
" والذين يكنزون الذهب والفضة. " (9 / 34).
" الزانية والزاني فاجلدوا كل. " (24 / 2).
" إنما الخمر والميسر. " (5 / 90).
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. "
5 / 44).
" ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين. " (17 / 27).
" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. " (4 /
135).
" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار. " (11 /
113).
" الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة. " (22 /
41).
" الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا. "
(4 / 76).
ان الآيات التي لا يقوم المجتمع الاسلامي الا بالالتزام
بتطبيق ارشاداتها وأوامرها ونواهيها، كثيرة يتلوها المسلمون
كل صباح ومساء في إذاعاتهم ونواديهم وبيوتهم، ولكن أين
10

محلها في حياة مجتمعنا ونفوسنا ونفوس فتياننا وفتياتنا؟!.
اقرأ القرآن أيها المسلم المؤمن، وقف عند كل آية وتدبر
فيها، وانظر هل أنت وبلدك وقومك وأهلك وولدك آخذون
بهداها، أو انفصلت دنياك وحكومتك ومجتمعك وبيتك عنها
انفصال الأرض عن السماء؟!.
كأنها لا تقصدنا، وكأنها تخاطب غيرنا.
اقرأ هذه الآيات وانظر في تاريخنا الاسلامي، فهل ترى
في جميع الأجيال وعلى مر العصور عصرا كعصرنا وزماننا،
ترك المسلمون القرآن مهجورا، وابتعدوا عن تعاليمه الانسانية
الخيرة، وانصرفوا إلى قوانين وضعية تخالف روح الاسلام
وشرع الله الأقوم.
لعن الله العلمانية، ومن جاء بها، وسن سنن هذا المبدأ
الخبيث الذي قلب الاسلام ظهرا لبطن.
هلم معي لنتجول في أسواق المسلمين، ونشاهد من قريب
أن أكثر ما يباع فيها سلع مستوردة من بلاد الأعداء، وأكثرها
مما لا ضرورة في بيعها وشرائها، بل منها ماله أعمق الأثر في
القضاء على مقومات وجود المسلمين وأخلاقهم، كأنواع الخمور
آلات اللهو والفجور ووسائل القمار وغيرها.
ثم زر معاهد العلم والمدارس والكليات والجامعات،
لترى في مناهجها وأساليب تعاليمها ما يدفع الشباب إلى الانحراف
عن العقائد الصحيحة، ويزين لهم ترك الالتزام بالآداب والتعاليم
الاسلامية.
ما ذلك الا لأنها من وضع أعداء الاسلام والمتربصين به
وبأهله الدوائر أو من عملائهم.
ثم اذهب إلى الجيش ومراكز القوات المسلحة،
11

وجحافل موظفي الحكومات لترى ان لا اثر لإقامة أعظم شعائر
الاسلام فيها، وهو إقامة الصلاة في أوقاتها، والمحافظة على
الصوم في شهر رمضان المبارك، بل تركت حتى التحية الاسلامية
التي هي رمز السلامة، ومن أسباب تقوية أواصر الاخوة والعطف
والوداد.
ثم انظر إلى الشوارع والأزقة والأسواق، لتراها غامضة
بأمواج المتبرجات شبة العاريات، وهن يزاحمن الرجال بالمناكب
والصدور (1، وفى ذلك ما فيه من اغراء الشباب ودفعهم إلى
هاوية الرذيلة وانعدام الرجولة ويؤدى حتما إلى انهيار المجتمع
ودماره وتفكيكه.
راقب من قريب ما يجرى في قاعات البرلمان ومجالس
الأمة، واصغ إلى ما يقترحه أعضاؤها من القوانين والتشريعات
لتراهم كيف يسوغون لأنفسهم حق التشريع والتقنين، حتى على
خلاف أحكام القرآن الصريحة وضد مصالح المسلمين.
ولا تنس يا أخي استعرض أراضينا المغتصبة من وطننا
الاسلامي، خصوصا الجزء القدس منها، أعنى أولى القبلتين
وثالث الحرمين الشريفين. فهل ترى من سبب لبقائها في أيدي
الصهاينة أعداء البشرية والقيم الانسانية عملاء الحكومات
الجائرة التي تريد القضاء على حريات الشعوب واستعباد بنى
الانسان كلهم والسيطرة على ثرواتهم. فهل ترى لذلك كله من

1) اخرج الشيخ محمد بن علي بن الحسين الصدوق في الجامع الذي
أسماه (من لا يحضره الفقيه) بسنده عن الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة
- وهو شر الأزمنة - نسوة كاشفات عاريات متبرجات من الدين خارجات في
الفتن داخلات " الحديث ".
12

سبب الاعدام وحدة سياسة اسلامية وتركيز القوى؟!.
هل لذلك عامل الا اختلاف كلمة رؤساء الحكومات التي
تدعى الاسلام، وتفرقهم فيما بينهم وعدم اعتصامهم بحبل الله،
لاحتفاظهم بعروشهم وسلطنتهم وجاههم المزعوم؟!.
وهل ترى لهؤلاء عذرا عند الله تعالى في نصب أنفسهم رئيسا
أو أميرا أو سلطانا أو ملكا على مجموعة من المسلمين في بقعة
من بقاع وطننا الاسلامي الكبير، من غير أن يتنازلوا من هذه
العروش لمصلحة الاسلام ولاجتماع كلمة المسلمين، بحكومة
واحدة مسلمة. ومن جراء مطامعهم الرخيصة غدا العالم الاسلامي
موزعا إلى دويلات ضعيفة متباعدة في الاتجاهات السياسية
والأنظمة، الإدارية القوانين المشرعة والأهداف الاجتماعية.
وقد ظهر بهذه التجزئة والتقطيع معنى قوله تعالى " قل
هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت
أرجلكم أو يلبسكم شيعا ".
ولكل حكومة ميول واتجاهات: فهذه تؤيد الفدائي،
وأخرى تخذله وتقتله، وهذه اخذت بمبدأ العلمانية والاضلالات
الاستعمارية، وتلك اخذت بالأساليب الالحادية والماركسية
و، و..
الاسلام يرى أن الأرض لكلها لله، وان الحاكم على الجميع
هو الله، فلا حكومة الا حكومته، ولا شريعة الا شريعته.
لقد أصبح المسلمون مع كل الأسف في كافة مظاهرهم
وعاداتهم وأوضاعهم يقلدون الأعداء ويفتخرون بذلك ويحسبونه
مدنية وتقدما، وما هو الا الرجعية والتأخر.
ولو كان هذا التقليد فيما ينفع لكان جديرا بالتقدير، لان
الأمة الراقية هي التي تقتبس عن الأمم الأخرى ما تراه صالحا
13

لتقدمها وازدهارها. لكن الذي اقتبسناه نحن من الأجانب من
عادات وتقاليدا كثره يكمن فيه الضرر البالغ والفساد الشديد،
ان لم يكن كله كذلك.
لن أتعرض في هذا المجال ما عليه صحافتنا وسائر وسائل
الاعلام عندنا، فان ما هي عليه من الترويج لفساد الأخلاق
والتشجيع على الدعارة والدعوة إلى الخلاعة والاستهتار بالقيم
والحث على الالحاد وغير ذلك، أمر بديهي لا يحتاج إلى
التدليل والبرهنة.
ثم إنه من أشد ادوائنا هو النفاق المتفشي بيننا، إذا اننا
نكرر في إذاعاتنا ومآذن مساجدنا وصلواتنا " اشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمدا رسول الله "، مع العلم اننا خارجون
عن سلطان دين الله وسلطان أحكامه، متمسكون بالمناهج الكافرة
الداعية إلى الشرك والالحاد.
نقرأ القرآن ونتلو في مفتتح كل سورة " بسم الله الرحمن
الرحيم " وفينا من يردد ويهتف في افتتاحية مقالة وفى
الكتابات الرسمية وغيرها باسم سمو الأمير أو سيادة الرئيس
أو جلالة السلطان أو. غير آبهين بما أمرنا الله تعالى بالاخذ
به وجعله شعارا لهذه الأمة، أمة التوحيد من الابتداء باسمه
المجيد!.
الله أكبر!.
ما أبعدنا عن مفاهيم الاسلام وتعاليمه وارشاداته القويمة؟!
فما الباعث لنا يا ترى على الرضوخ إلى هذا الذل والصغار
تجاه عبد ضعيف، مع أن القرآن يكرر في آذاننا " ولا يتخذ
بعضنا بعضا أربابا من دون الله ".
ندعى الايمان برسالة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكنا
14

لا نتبع ما جاء به من عند الله تعالى، ولا نتأسى به بل نسعى
وراء تعاليم وافدة من الشرق أو الغرب.
لو لم يكن هذا من صميم النفاق فماذا اذن يكون معنى النفاق!
" اللهم انا نستغفرك ونتوب إليك ونعوذ بك من كل
ضلال ما حق لعزنا، ومن كل ما يمزق وحدتنا، ومن
شرور الشرك والنفاق والتفرقة والاختلاف، ونسألك التوفيق
لما تحب وترضى، وتسديد خطانا فيما نقول ونعمل ".
اجل، انه لا ريب ولا شك في جميع ما تقدم مما نحن
عليه، الا أن المسلمين أو أكثرهم من الواعين قد أدركوا
داءهم وعرفوا دواءهم. ولولا نفوذ بعض المفاهيم الاستعمارية
والدعايات القوية لصالح المستعمرين في بعض الأقطار من
عالمنا الاسلامي بمختلف الأساليب الخداعة، ولولا سيطرة
بعض الرؤساء والزعماء ممن أعمى أبصارهم الجاه وحب
الرئاسة، ولولا هذه التمزقات الإقليمية والعصبيات العنصرية
والقومية التي توزعت الأمة من جرائها إلى احزاب وشيع
وحال بين كل إقليم وإقليم.
لولا ذلك لكان المسلمون اليوم على هامة التاريخ، يعيشون
في عالم النور وفى مدينة علمية صناعية عظيمة.
ولكن مما يبعث الامل بإعادة الاسلام في حياة المسلمين
هذه النهضة المباركة التي بدأت تنمو جذورها على أيدي
رجال مجاهدين قد توزعوا هنا وهناك من الوطن الاسلامي،
وقد آلوا على أنفسهم أن يصمدوا في جهادهم.
ويزيد الامل بالمستقبل المشرق ما نراه من تيقظ الجيل
المعاصر وشعوره برسالته وما على عاتقه من المسؤولية الكبرى،
وقد قال الله تعالى " لا تيأسوا من روح الله " و " لا تقنطوا
15

من رحمه الله ".
ولقد قام الاستعمار والدعايات الأجنبية بكل قواها السياسية
والمادية لإبادة المصلحين والمجاهدين وطردهم والقضاء
عليهم، لان الاستعمار يعلم الحق العلم أن علم هؤلاء المصلحين
وتيقظ الأمة - سيما الشباب وتلاميذ الكليات - سوف يؤدى
إلى وحدة المسلمين ولو سياسيا، وذلك من أعظم الموانع
دون تحقيق نواياه الشريرة.
الا أنه بعون الله تعالى ونصره سيفشل الاستعمار في النهاية،
وستفشل معه أحابيل الصهيونية المتسمية بإسرائيل، وستفشل
أيضا الدول المؤيدة لها والمنفقة عليها. فان الحق لابد وأن
ينتصر في النهاية على الباطل وان طال الأمد، والله ينصر
من ينصره انه قوى عزيز.
لكن الوصول إلى الغاية المنشودة لا يتم لا بالدعوة إلى
الجهاد المتتابع المتواصل، والعمل على إعادة مناهج الاسلام
ومعالمه إلى واقد حياة الأمة الاسلامية. وذلك لا يتم الا
باشتراك الباحثين والكتاب المسلمين ومفكريهم ومصلحيهم
للتداول حول المشاكل القائمة وعلاجها، وعرض مفاهيم
الاسلام وأساليبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها
على أبناء أمتهم سيما الفتيان والفتيات، حتى لا ينخدع الجاهل
منهم بالمبادئ الكافرة والنظم المستوردة.
ويجب عليهم أيضا دعوة الطوائف الاسلامية إلى التجاوب
والتفاهم وتوحيد الصفوف ورفض العصبيات الطائفية وما
يوجب التباغض والتباعد، فقد جربنا مرارة الاختلاف والتفرقة
16

وسوء الظن ورمى بعضنا بعضا بالكفر والشرك (1 وترك السنة

1) فمن المؤسف حقا أن نرى في عصرنا هذا، أن كبير علماء طائفة من
المسلمين يكفر من قال بأن الشمس ثابتة، في مقال له كتبه بعنوان (الشمس جارية
والأرض ثابتة) نشرته جريدة البلاد التي تصدر بجدة في عددها 2111 بتاريخ
20 رمضان 1385، كما نشرت المقال أيضا جريدة الدعوة الاسلامية. وقد
صرح الكاتب فيه بحرف واحد: " كل من قال هذا القول فقد قال كفرا أو ضلالا ".
ولم يقبل ما عرض عليه من الأدلة على تفنيد مقالة، وبقى مصرا على راية
في الشمس والأرض وتكفير المؤمنين.
واحدث هذا المقال الغريب ضجة كبرى في الأوساط المختلفة، وقد استغله
بعض أعداء الاسلام واخذ يتقول ما شاء له هواه على علماء المسلمين (راجع كتاب
" المسلمون وعلم الفلك " للأستاذ محمد محمود الصواف المصدر برسالة لأبي
الاعلى المودودي والشيخ على الطنطاوي حول تفنيد هذا الرأي، وقد قال الشيخ
الطنطاوي: ان أعداء الاسلام استغلوا ذلك المقال، وعلقوا عليه تعليقات ملأت
الصحف الأوروبية والأمريكية، نالوا فيها من الاسلام بالباطل، فوجب الدفاع
عن الاسلام بالحق - بالخ).
فإذا كان في هذا العصر في مثل هذه المسألة التي ليست من المسائل الاعتقادية
ولا الفقهية العملية، يكفر من يقول فيها بالرأي العلمي المقبول عند علماء الهيئة
والفلك، ولا يراه أقلا باجتهاده مخالفا لنصوص الكتاب والسنة، فما ظنك بالعصور
المظلمة التي يرمى الكتاب المرتزقة العميلة للسياسية بالكفر والفسق وترك السنة
كل من يريدون من المسلمين، سيما إذا كان متظاهرا بحب أهل البيت متحدثا
بفضائلهم ومناقبهم، غير مصوب لحكومات خالفت مناهجها مناهج الاسلام في
السياسية والإدارة والحكم.
ما ظنك بكاتب يكتب في هذا العصر الذي أحس المسلمون فيه بضرورة
الاتحاد والاتفاق، ما يورث التفرقة والاختلاف ويأتي كل يوم بكتاب أو مقال
أو رسالة يملاها باختلافات المنافقين من نواصب الأولين ومبغضي آل بيت النبي
صلى الله عليه وآله، ويتهم طائفة كبيرة من المسلمين بتهم هم منها براء.
17

والاشتغال بالمباحث الكلامية التي لا يكلفنا الله تعالى الاشتغال
بها، ولم ينفعنا غير الفشل والوهن، ولا يلدغ المؤمن من
حجر مرتين.
ومن أسباب التقريب والتجاوب والوصول إلى الواقع
والحقيقة، تحرير الاجتهاد والبحث والنظر في المسائل الفقهية،
حتى لا يكون المجتهد مقيدا بانتهاء بحثه إلى ما يوافق مذهبا
من المذاهب التي توهم حصرهم فيها، بل يتبع الكتاب والسنة
ويسير في اجتهاده واستنباطه في ضوئهما معتمدا على أقوى الأدلة
وأصح الأحاديث.
* * *
وقد حداني إلى تأليف هذه الرسالة، ظن كثير من المسلمين
وغيرهم من أن اختلاف المسلمين - من الشيعة والسنة - في
بعض الفروع الفقهية، يعود إلى اختلافهم في مبانيهم ومصادرهم
الأصلية فلا يمكن ارجاعهم إلى رأى واحد.
وهذا ظن سوء وتوهم باطل، نشأ من قلة الاطلاع. فإنه لا
اختلاف بين المسلمين - كما تقرأ في هذا الكتاب - في حجية
الكتاب والسنة ووجوب اتباعهما، وان ما يقوم عليهما هو
الصحيح الذي يجب الاخذ به والتعبد فيه.
واختلاف الفقهاء إنما نشأ من اختلاف الأذواق والافهام
في درك بعض المعاني من الألفاظ، ومن عدم العثور على الدليل
أو قلة التتبع، واكتفاء كل طائفة بكتبها وترك الرجوع إلى
مصادر غيرها وعدم كونها في مكتباتها، ومن أن الساسة حملوا
الناس على ما يوافق سياستهم وسيرتهم ويؤيد حكومتهم،
ومنعوهم عن أخذ العلم من العلماء الذين لم يصوبوا أعمالهم
ومظالمهم واستبدادهم، واحيائهم رسوم القياصرة والأكاسرة،
18

واتخاذهم مال الله دولا وعباد الله خولا.
وانى أقدم هذه الرسالة إلى كل من يريد توحيد كلمة
المسلمين، ويقوم بمهمة الاصلاح بينهم، ودعوة الجميع إلى
الاتحاد والاعتصام بحبل الله تعالى.
ولم أكتب ما كتبته الا لأني على رجاء كبير وأمل أكيد بجيلنا
المسلم المعاصر سيما الشباب، والعلماء المجاهدين المصلحين
العاملين لاعلاء كلمة الله، والمفكرين الذين يقدسون حرية
الفكر ويريدون القضاء على كل ما أوجب البغضاء والشحناء
مما نسجته أيدي السياسة طوال القرون والأعصار.
قال الله تعالى: " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا
وقال انني من المسلمين ".
وقال عز من قائل: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله
والمؤمنون ".
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
قم المشرفة: ربيع الثاني 1395 ه‍ لطف الله الصافي
19

المدخل
21

لا ريب في اتفاق المسلمين واجماعهم على وجوب الاخذ
والتمسك والعمل بالكتاب والسنة، كما لا ريب في حصر مدارك الأحكام
ومصادر الفقه الاسلامي فيهما عند الشيعة الإمامية وغيرهم ممن لا يجوز
العمل بالقياس (1، فما خالف الكتاب والسنة أولم يؤخذ منهما ولم يكن
مستندا اليهما مزخرف وباطل يضرب على الجدار.
ولا ريب أيضا في أن الشيعة يتبعون أهل البيت عليهم السلام،
ويهتدون بهداهم ويقتفون آثارهم، ويحتجون بالسنة المنقولة إليهم
عنهم، ويقدمون أقوالهم وأحاديثهم في كل من اختلف فيه الفقهاء
وتعارضت فيه الأحاديث على أقوال غيرهم ورواياتهم (2.

1) اخرج ابن حجر في تهذيب التهذيب 4 / 274 عن عوف بن
مالك رفعه قال: تفرق هذه الأمة بضعا وسبعين شرها فرقه قوم يقيسون الرأي،
يستحلون به الحرام ويحرمون به الحلال. وأخرج نحوه عن عوف عن
النبي صلى الله عليه وآله في مجمع الزوائد 1 / 179.
2) اخرج ابن عبد البر في الاستيعاب 3 / 40 من المطبوع بهامش
الإصابة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنا إذا أتانا الثبت عن
علي لم نعدل به. وأخرج ابن سعد في الطبقات 2 / 338 عنه: إذا حدثنا
ثقة عن علي بفتيا لا نعدوها. وأخرجه البلاذري في أنساب الأشراف
2 / 100 بسنده عن عكرمة، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق
38 / 25.
23

فحقيقة مذهب الشيعة وجوهره: انهم يأخذون في كل مسألة وقع
الخلاف فيها بين الأمة بقول الامام أمير المؤمنين وأولاده الأئمة
المعصومين عليهم السلام، لا يقدمون عليهم أحدا من الأمة.
وهم يستندون في عملهم هذا إلى أدلة كثيرة، نذكر بعضها في
هذه الرسالة انشاء الله تعالى.
كلام أبان بن تغلب في تعريف الشيعة
أخرج الشيخ الجليل الثقة أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد
النجاشي (ت 450) بسنده عن أبان بن تغلب (1 قال: تدرى من الشيعة؟

1) أبان بن تغلب الربعي الكوفي، راجع ترجمته في الجرح
والتعديل وتهذيب التهذيب، وثقه ا حمد ويحيى وأبو حاتم والنسائي،
قال ابن عدي له نسخ عامتها مستقيمة إذا روى عنه ثقة، وهو من أهل
الصدق في الروايات، مات - كما في جامع الرواة عن الفهرست
للشيخ الطوسي - سنة 141، فما في تهذيب التهذيب انه مات
سنة 241 وهم. وابان أول من صنف في القراءة ودون علمها (تأسيس
الشيعة ص 319).
24

الشيعة الذين إذا اختلف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذوا
بقول علي عليه السلام، وإذا اختلف الناس عن علي عليه السلام
أخذوا بقول جعفر بن محمد عليه السلام (1.
وقد روى أحاديث أهل البيت عليهم السلام وأقوالهم في الفقه
من لدن عصرهم إلى عصرنا هذا، جماعات كثيرة من الصحابة والتابعين
والعلماء والمصنفين والثقات والاثبات الممدوحين بالعدالة والوثاقة
ممن يتجاوز عددهم حد التواتر في جميع الطبقات، ناهيك عن ذلك
كتب الأحاديث والتراجم.

1) رجال النجاشي ص 9 (ترجمة ابان)، وصدر الخبر هكذا:
قال عبد الرحمن بن الحجاج: كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاءه
شاب فقال: يا أبا سعيد اخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب من
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله؟ قال: فقال له أبان كأنك تريد أن
تعرف فضل علي بمن تبعه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم؟ قال: فقال الرجل هو ذاك. فقال: والله ما عرفنا فضلهم الا باتباعهم
إياه - الخبر. ومثل هذا المقال قال ابن أبي الحديد المعتزلي في
شأن أمير المؤمنين علي عليه السلام في ترجمة عمار 2 / 539 " ثم اي
حاجة لناصري أمير المؤمنين أن يتكثروا بخزيمة وأبى الهيثم وعمار
وغيرهم، لو أنصف الناس هذا الرجل (يعنى عليا عليه السلام) ورأوه
بالعين الصحيحة لعلموا انه لو كان وحده وحاربه الناس كلهم
أجمعون لكان على الحق وكانوا على الباطل ".
25

وقد اتفق المسلمون في الصدر الأول وفى عصر التابعين على
صحة الرجوع إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام، واستغنت الامامية
من بين المسلمين بسبب الرجوع إليهم والاخذ برواياتهم وعلومهم،
عن الاعتماد على القياس والاستحسان باعتبار أن الأحاديث المروية
بطرقهم الصحيحة عن أئمتهم عن آبائهم عن النبي صلى الله عليه وآله قد
أحاطت بأحكام جميع الوقائع، حيث إنهم لم يدعوا واقعة الا وقد بينوا
حكمها، وذلك ما نراه ونلمسه فيما رواه عنهم جماهير من الثقات في
كل طبقة، وأقوالهم محفوظة في كتب الحديث المؤلفة من عصورهم
المتعاقبة حتى وقتنا هذا.
والى ذلك يرجع الفضل كله في سعة دائرة فقه الشيعة واستغنائهم
عن استعمال القياس وغيره من الطرق المخترعة في استنباط الأحكام الشرعية
، فلا تجد فيهم من يقول برأيه ولا من يعمل بالقياس، وما ذلك
الا لأنهم أخذوا العلم من منهله الصافي وطلبوه من معينه الفياض،
وولجوا فيه من الأبواب التي فتحها الله تعالى لهم، ومن هنا قيل فيهم:
إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهبا * وتعلم أن الناس في نقل اخبار
فوال أناسا قولهم وحديثهم * روى جدنا عن جبرئيل عن الباري
وفيهم أيضا يقول الشاعر كما في رشفة الصادي ص 122:
ان كنت تمدح قوما * لله من غير علة
26

فاقصد بمدحك قوما * هم الهداة الأدلة
اسنادهم عن أبيهم * عن جبرئيل عن الله
* * *
وإنما احتاج إخواننا أهل السنة إلى اعمال الأقيسة والاستحسانات
في الأحكام الشرعية لتركهم التمسك بالعترة الطاهرة وأقوالهم
وأحاديثهم، ولقلة الأحاديث الحاكية عن السنة من طرقهم، كما تشهد
بذلك جوامعهم سيما الصحاح الست.
قال ابن رشد القرطبي في مقدمة كتابه (بداية المجتهد) " وقال
أهل الظاهر: القياس في الشرع باطل، وما سكت عنه الشارع فلا حكم
له، ودليل العقل يشهد بثبوته، وذلك أن الوقائع بين الأشخاص الأناسي
غير متناهية، والنصوص والافعال والاقرارات متناهية، ومحال أن
يقابل مالا يتناهى بما يتناهى ".
وسيأتي الكلام ذلك انشاء الله تعالى.
ومن قرأ كتب الشيعة الإمامية في العقائد من التوحيد والنبوة
والمعاد وفى التفسير والفقه وغيرها، يعرف أن عندهم علم كثير من
العلوم الاسلامية مما لا يوجد عند غيرهم، وان السياسات التي
استولت على شؤون المسلمين ومنعت الناس عن التمسك بأهل البيت (1

1) فالسياسة تسمح لأبي البختري الكذاب الخبيث أن يحدث
كذابا عن الإمام جعفر بن محمد ولا تسمح لمثل حفص بن غياث ان
يحدث عنه. قال عمر بن حفص: قلت لأبي: هذا أبو البختري يحدث
عن جعفر بالأعاجيب ولا ينهى؟ فقال: يا بنى أما من يكذب على جعفر
فلا يبالون به، وأما من يصدق على جعفر فلا يعجبهم. وأبو البختري
هو قاضيهم الذي يصوب جناياتهم، وشق أمان الرشيد ليحيى بن عبد الله
ابن الحسن، فوهب له هارون بذلك الف الف وستمائة الف. فالسياسة
تأتى بمثل هذا الخبيث ليحدث بالأعاجيب كذبا عن جعفر بن محمد
عليه السلام وتمنع من اخذ عنه العلم ان يحدث بما اخذ عنه (راجع الجرح
والتعديل 4 / 25 ومقاتل الطالبين ص 479 - 480).
27

حملتهم على ترك روايات رجال الشيعة، فوتت على غير الشيعة علوما
كثيرة وحرمتهم عن تلك الأحاديث الصحيحة والاهتداء بهدى العترة
الطاهرة، فآل امر الدين الحنيف والسنة النبوية إلى ما آل، حتى قال
انس: ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله
وسلم. قيل: الصلاة. قال: أليس ضيعتم ضيعتم ما ضيعتم فيها؟ (1).
وقال الزهري: دخلت على انس بن مالك بدمشق وهو يبكى،
فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئا مما أدركت الا هذه الصلاة،
وهذه الصلاة قد ضيعت (2.
وقالت أم الدرداء: دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت:
ما أغضبك؟ فقال: والله ما اعرف من أمة محمد صلى الله عليه وآله
شيئا الا انهم يصلون جميعا (3.

1) صحيح البخاري 1 / 65، باب تضييع الصلاة عن وقتها.
2) صحيح البخاري 1 / 65، باب تضييع الصلاة عن وقتها.
3) صحيح البخاري 7 / 77، باب فضل صلاة الفجر جماعة.
28

وأخرج أحمد بسنده عن أم الدرداء قالت: دخل على أبو الدرداء
وهو مغضب، فقلت: من أغضبك؟ قال: والله لا أعرف فيهم من
أمر محمد صلى الله عليه وآله شيئا الا أنهم يصلون جميعا (1.
ولا يخفى أن الواجب على العلماء الاخذ بأخبار الثقات الممدوحين
بالأمانة والوثاقة ممن يحصل الاطمئنان بصدقهم. ومن حمله الثقات
الذين هم كذلك ثقات الشيعة، فلا ينبغي للفقيه ولكل من يروم تعلم الفقه
الاسلامي ومعرفة نظمه ومناهجه في شؤون الحياة، الاعراض عن
أحاديثهم وترك الروايات الموثوق بصدورها المخرجة في جوامعهم
لمجرد أن في سندها شيعي أو موال لأهل البيت أو راو لشئ من
فضائلهم (2، كما أنه لا يجوز الاتكال على اخبار الكذابين والوضاعين،

1) مسند أحمد 6 / 443.
2) انظر كتب الرجال حتى تعرف أفاعيل السياسات الظالمة والأقلام
المأجورة، وانهم كيف تركوا رجالا لتشيعهم أو نسبتهم إلى الغلو في
التشيع أو لتقديمهم عليا عليه السلام على عثمان أو جميع الصحابة
أو لعقيدة كذا وكذا. فتركوا ما عند هؤلاء المحدثين من الأحاديث
والكتب والنسخ المأخوذة عن أهل البيت عليهم السلام، بل
تركوا أحاديثهم عن غيرهم لذلك، في حين أنهم يأخذون بأحاديث
النواصب وأهل البدع والأهواء، فلم تبق هذه السياسات وعملاؤهم
شيئا يعرفه انس مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.
هذا وقد بنوا الجرح والتعديل على أمور تخالف سيرة أهل العرف
في البناء على الاخذ بأخبار الآحاد - راجع في جميع ذلك على
الاختصار الكتاب القيم (العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل).
29

سواء أكانوا من الشيعة أو من أهل السنة.
فعلى كل باحث في الفقه والأحكام الشرعية أن يعتمد في استنباطاته
على الأحاديث المعتبرة الواردة في كتب الفريقين، حتى لا ينحصر
عملية الاستنباط بروايات طائفة دون أخرى.
* * *
وسنحاول في هذا المختصر ايراد بعض ما يدل على وجوب اتباع
الأئمة الاثني عشر من أهل البيت نبوة والعترة الطاهرة والاخذ برواياتهم،
والأحاديث المخرجة عنهم في أصول الشيعة وجوامعهم المعتبرة.
فعمدنا إلى اخراج بعض الأحاديث الواردة عن طرق إخواننا أهل
السنة الدالة من وجهة نظرهم على حجية أقوالهم ومذاهبهم واجماعاتهم
في الفقه، من غير تعرض لمسألة الخلافة والزعامة العامة وما وقع فيها
بين الفريقين من النقاش وما استدل به أعلام الطائفتين من أجل
اثباتها لهم أو عدم اثباتها.
وإنما اقتصرنا هنا على ذلك لان علماء الفريقين قد أشبعوا
الكلام حول مسألة الخلافة والحكومة، وأطالوا البحث فيها في
كتبهم ومقالاتهم من لدن ارتحال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله
إلى زماننا هذا بما يظهر به الحق للباحثين في هذه المسألة.
ولان اثبات حجية أقوال أئمة العترة ووجوب اتباعهم والاخذ
30

برواياتهم واجماعاتهم لا تدور مدار اثبات الإمامة العامة والولاية
والزعامة الكلية لهم في جميع الأمور الدينية والدنيوية بعد النبي
صلى الله عليه وآله. بل يجب على من لا يعرف لهم هذه الخصائص
واختصاصهم بها، الاخذ بأقوالهم واتباعهم والاحتجاج بأحاديثهم
والركون إلى آرائهم، حتى يسير الفقه مسيره ويصان عن القول
بغير علم، ويكون التعويل فيه على أصح الأدلة، لافرق في ذلك بين
الشيعة ومن لا يعتقد من أهل السنة أحقيتهم بمنصب الخلافة الكبرى،
وتخصيصها من قبل الله سبحانه وتعالى بهم.
فالولاية الشرعية (1 التي كانت ثابتة للنبي صلى الله عليه وآله
وبعده لخلفائه وولاة الامر من أهل بيته وعترته، وان كانت لا تنفك
عن وجوب الاتباع والتأسي والتمسك بهم وحجية أقوالهم وأفعالهم،

1) هي الحكومة على الأمور الدنيوية: من حفظ النظام،
واجراء الحدود، وفصل الخصومات، والقضاء بالعدل، والقيام
بكل ما ينتظم به أمر الجمهور ويحفظ بواسطته الحقوق والحريات،
وتضمين الامن، والدفاع عن حوزة الاسلام، والجهاد في سبيل الله،
واخذ الزكوات والأخماس وتوزيعها على مواردها، ودفع المجتمع
إلى الرقي والعلم والصناعة، والمنع من تفشي الفساد، والحث
على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل ما تستقيم به شؤون
الأمة وتضبط مصالحهم الفردية والاجتماعية، وغير ذلك مما هو
مذكور في محله.
31

الا أن الثاني لم يقصر على زمان حياتهم وتمكنهم من التصرف في
الأمور فحسب، بل يجب التمسك بهم وبأقوالهم وأفعالهم وطلقا.
فالمسألة من ناحيتها الأولى في عصرنا اعتقادية، وللكلام فيها
مجال غير هذا، وليس لها في زماننا كثير مساس بالعمل، فليس في
مقدور أحد في هذا الزمام أن يعمل لتكون تلك الولاية في الخارج
لشخص دون آخر ممن مضى عصره، فليس في وسع أحد تغيير
ما وقع.
الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام امام وولي، لاشك في
ولايته وامامته، ولا يقبل ايمان عبد الا بولايته، ولا ريب في أنه كان
على الحق، كما لاشك أن معاوية كان على الباطل وباغيا عليه، الا
أن الامام استشهد بجناية ابن ملجم على الاسلام والمسلمين، وتغلب
معاوية على الامر، وآل امر المسلمين - سيما في سياسة الحكم
والإدارة - إلى ما آل.
والحسين عليه السلام أبو الشهداء وسيد الأحرار، لا شك في
إمامته وأنه سيد شباب أهل الجنة، وثار لطلب الاصلاح والامر
بالمعروف والنهى عن المنكر، كما لا ريب في سوء اعمال يزيد
ومظالمه وجرائمه وموبقاته.
الا أنه لا يمكننا أن نغير التاريخ وأحداثه الواقعة بعد أربعة
عشر قرن، فلا يمكن لمحبي أهل البيت عليهم السلام ومن يعتقد
عدم شرعية حكومات غيرهم ممن استبدوا بالامر أن يمنعوا عن
32

عرش الخلافة هؤلاء الحكام الذين حالت بينا وبينهم الأزمنة والقرون،
ويجلسوا أئمة أهل البيت في المسند الذي وضعه الله تعالى لهم
وأجلسهم عليه واختصهم به.
إذا فلا عمل لهذا، ولا اختلاف عمليا في ذلك بين الشيعة والسنة،
ولا وجه لعتاب من يعتقد عدم شرعية هذه الحكومات إذا كانت عقيدته
نابعة من طول البحث والاجتهاد في الكتاب والسنة، ولا ينبغي أن
يكون سببا للتباعد والتنافر والشحناء والبغضاء، والرمي بما هو برئ
منه من الكفر والشرك والضلال مع الشهادة بالتوحيد والرسالة.
* * *
وأما من ناحيته الأخرى التي نبحث عنها في هذا الكتاب - على
ضوء الأدلة الصحيحة والأحاديث المعتبرة - فهي مسألة ترتبط بواقع
حياتنا الاسلامية في هذا العصر وفى جميع العصور. يجب أن
ندرسها ونبحث عنها ونتفهمها ونعين موقفنا منها، لا الاعراض عنها.
وليس فيها - ان نظرنا بعين البصيرة والانصاف - أقل ما يوجب
التباعد، بعد ما كان اختلاف الفقهاء غير عزيز، وبعد ما كان الكتاب
والسنة مصدر الجميع في الاستنباط والاجتهاد، بل النظر في هذه
المسألة يأتي بالتفاهم والتجاوب، والتقريب بين المذاهب الفقهية،
والاخذ بما هو أوفق بالكتاب والسنة، ويوجب تحكيم أساس الفقه
كما ستعرف انشاء الله تعالى.
وقد أقر هذا المبدأ وأخذ به جمع من أعيان أهل السنة:
33

ومنهم الفخر الرازي، فنراه يقدم الاقتداء بأمير المؤمنين علي
عليه السلام على غيره من الصحابة، فهو يقول في تفسيره في مسألة
الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة:
وأما أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يجهر بالتسمية
فقد ثبت بالتواتر، ومن اقتدى في دينه بعلى بن أبي طالب فقد
اهتدى، والدليل عليه بقوله عليه السلام " اللهم أدر الحق مع علي
حيث دار " (1.
وقال: اطباق الكل على أن عليا كان يجهر ببسم الله الرحمن
الرحيم (2.
وقال في مقام الاستدلال: الجهر بذكر الله على كونه مفتخرا
بذلك الذكر غير مبال بانكار من ينكره، ولا شك ان هذا مستحسن
في العقل فيكون في الشرع كذلك. وكان علي بن أبي طالب
يقول " يا من ذكره شرف للذاكرين "، ومثل هذا كيف يليق بالعاقل
أن يسعى في اخفائه، ولهذا السبب نقل ان عليا رضي الله عنه كان
مذهبه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات. وأقول:
ان هذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي، لا تزول البتة بسبب
كلمات المخالفين (3.

1) تفسير الفخر (مفاتيح الغيب) ص 159.
2) تفسير الفخر ص 160.
3) تفسير الفخر ص 158 - 159.
34

وقال أيضا: ان الدلائل العقلية موافقة لنا، وعمل علي بن أبي
طالب عليه السلام معنا، ومن اتخذ عليا اماما لدينه فقد استمسك
بالعروة الوثقى في دينه ونفسه (1.
ومع ذلك قال: قالت الشيعة السنة هي الجهر التسمية، سواء
كانت في الصلاة الجهرية أو السرية، وجمهور الفقهاء يخالفونهم
فيه (2.
لماذا؟
لأنهم شيعة أهل البيت، والمتمسكون بهم بالتمسك المأمور
به في حديث الثقلين.
والقارئ العزيز إذا تأمل فيما نذكره في هذا الكتاب، وتتبع
مصادر الشيعة وكتب حديثهم وفقههم، ان لم يصدق شيئا فيصدق
على الأقل أن اجماع فقهاء الشيعة في كل مسألة من المسائل الفقهية
- كهذه المسألة التي ذكرها الفخر - كاشف عن اجماع عترة النبي
صلى الله عليه وآله، وعن رأيهم ومذهبهم فيها.
إذا فماذا عذر الجمهور عند الله تعالى في مخالفة الشيعة في مثل
هذه المسألة، وترك الاقتداء بعلي بن أبي طالب عليه السلام، وترك
التمسك بالعترة.
وخلاصة القول: ان ما يدور حوله البحث في هذه الرسالة أمران:

1) تفسير ص 161.
2) تفسير الفخر ص 161.
35

(الأول) وجوب الاخذ بأحاديث أهل البيت، وما رواه عنهم
أعلام الشيعة بطرقهم المعتبرة المعتمدة في جوامعهم.
(الثاني) حجية أقوالهم ومذاهبهم وآرائهم، بل وأفعالهم،
ووجوب اتباعهم الرجوع إليهم والسؤال منهم والتمسك بهم
وتقديم قولهم على غيرهم (1.
* * *

1) لا يخفى الفرق بين الامرين، ففي الأولى نبحث عن وجوب
الاخذ بروايات أهل البيت المخرجة في جوامع الشيعة، على ما يراه
العقل ميزانا لحجية اخبار الثقات، وانه لا يعذر من ترك هذه الأحاديث
الكثيرة والعلم الجم وأعرض عنها واتكل على روايات المجروحين
الذين تأتي الإشارة إلى ترجمة بعضهم. وفى الأمر الثاني نبحث
عن حجية أقوالهم ومذاهبهم وأفعالهم ووجوب الاقتداء والتمسك
بهم بحسب الشريعة، والأحاديث التي اتفق الفريقان على صحتها
بل تواترها، فمن تمسك بغيرهم واستند إلى سواهم خالف امر النبي
صلى الله عليه وآله الصريح في وجوب التمسك بهم، وانهم عدل
القرآن والعالمون بأحكام الشرع وأوامره ونواهيه وتفسير الكتاب
وعموم القرآن والسنة وخصوصهما ومطلقهما ومقيدهما ومحكمهما
ومتشابههما، وهم العارفون بجميع ما يحتاج إليه الناس من الاحكام
والحلال والحرام والفرائض والقضاء والحدود والديات وغيرها
مما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وآله وأوحى به إليه.
36

واننا لنرغب قبل الدخول في الموضوع الفات النظر إلى شئ
هو من الأهمية بمكان حسبما نراه، وهو أن السبب الوحيد والباعث
الحقيقي لعدول من عدل عن الاخذ بأحاديث أهل البيت وما رواه
المحدثون من الشيعة - كما يظهر لكل باحث لم يكن الا السياسة وغلبة
الامراء والملوك المستبدين الذي سودت مظالمهم صفحات التاريخ
وعملوا على تحريف حقائق هذا الدين، وأحكام شريعته الحنفية
السمحاء، أو تأويلها لتوافق أهواءهم الفاسدة وسياساتهم الغاشمة.
فعدلوا بالناس نتيجة لذلك عن الصراط المستقيم، وحالوا بينهم وبين
الاعتصام بحبل الله المتين والتمسك بالثقلين، حيث أشعروهم بأن الرجوع
إلى أهل بيت النبوة وأخذ العلم والاستفتا منهم من أكبر الجرائم
السياسية التي يستحق مرتكبها القتل والسجن على أقل تقدير.
وقد لاقى الكثير ممن روى عن أهل البيت أو في فضائلهم من
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله والتابعين ورجالات الدين وأئمة
الحديث وغيرهم أنواعا من القتل والسجن والتعذيب على أيدي
هؤلاء الحكام والظلمة، وما قصدهم من ذلك الا اطفاء نور العلم النبوي
الخالدة معاندة للحق وأهله.
ومن له المام بتاريخ العصر الأموي والعباسي يعلم موقف الحكام
من كل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويستنكر سيرتهم
السيئة (1، وسيما من آل عليهم السلام وشيعتهم ومن روى

1) اخرج ابن حجر في تهذيب التهذيب 3 / 357 قال الهيثم
ابن عمران العنسي: دخل زياد بن جارية مسجد دمشق وقد تأخرت
صلاة الجمعة إلى العصر، فقال: والله ما بعث الله نبيا بعد محمد
صلى الله عليه وآله يأمركم بهذه الصلاة. قال: فأخذ فأدخل الخضراء
فقطع رأسه.
وذكر ابن الأثير في أسد الغابة 1 / 308 ان عبد الله بن العلاء
بعد ما روى الزهري حديث ولاية على في غدير خم قال له: لا تحدث
بهذا في الشام وأنت تسمع ملء أذنيك سب على. فقال الزهري:
والله ان عندي من فضائل على ما لو تحدثت بها لقتلت.
وفى كتاب نور القبس ص 57 في ترجمة الخليل: قال يونس
قلت للخليل: ما بال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كأنهم
بنو أم واحدة وعلي بن أبي طالب كأنه ابن علة؟ فقال: من أين لك
هذا السؤال؟ قلت: أريد أن تجيبني. فقال: على أن تكتم علي ما
دمت حيا. قلت اجل. فقال: تقدمهم اسلاما، وبذهم شرفا،
وفاقهم علما، ورجحهم حلما، وكثرهم زهدا، وانجدهم شجاعة
فحسدوه، والناس الس أمثالهم واشكالهم أميل منهم إلى من فاقهم
وكثرهم ورجحهم.
37

علومهم وحديثهم. ويكفيك الرجوع إلى كتاب (النصائح الكافية)
وغيره مما الف في هذا الموضوع.
ونحن نرى أن الاضراب عن الخوض في هذه المسألة أصلح
والتفرغ للبحث عن المقصود أولى، لأننا لو تعرضنا لها لاستغرق
ذلك بحثا طويلا.
38

الا أن الباحث فيما نحن بصدده لا يسعه دراسة الموضوع دراسة
وافية من دون تعمق في موقف السياسة ضد أئمة أهل البيت وأشياعهم
كما لا ينبغي الاغماض وعدم التعرض - ولو بالايجاز - لكشف دور
السياسة الغاشمة في وضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى
الله عليه وآله لمصلحة الحاكمين، ومن استولى على مركز الخلافة
بالسيف والقهر.
فهذا معاوية بن أبي سفيان يأمر بسب أمير المؤمنين، باب مدينة
العلم وبطل الاسلام وابن عم الرسول وأخيه ومن أنزله من نفسه
بمنزله هارون من موسى، وعمل على قتل ريحانة الرسول وسبطه
الأكبر، وكتب بعد عام الجماعة " ان برئت الذمة ممن روى شيئا من
فضل أبى تراب وأهل بيته " واستعمل على أهل الكوفة زياد بن أبيه
وضم إليها البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف، فقتلهم تحت
كل حجر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وبسمل العيون
وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم عن العراق (1.
نذكر مثالا لذلك انه بعث في طلب صيفي بن فسيل الشيباني، فلما
أتي قال له: يا عدو الله ما تقول في أبى تراب؟ قال: ما أعرف أبا تراب
فقال: ما أعرفك به، أتعرف علي بن أبي طالب؟ قال: نعم. قال:
فذاك أبو تراب. فقال: كلا ذاك أبو الحسن والحسين. فقال له صاحب
الشرطة: يقول الأمير هو أبو تراب وتقول لا؟ قال: فان كذب الأمير

1) النصائح الكافية ص 72.
39

اكذب أنا وأشهد على باطل كما شهد؟ فقال له زياد: وهذا أيضا،
علي بالعصا فأتي به. فقال: ما تقول في علي؟ قال: أحسن قول.
قال: اضربوه حتى لصق بالأرض. ثم قال: اقلعوا عنه، ما قولك
في علي؟ قال: والله لو شرحتني بالمواسي ما قلت فيه الا ما سمعت
مني. قال: لتلعننه أو لأضربن عنقك. قال: لا أفعل، فأوثقوه حديدا
وحبسوه (1.
واشتد الامر حتى أن المقرى قال: كان بنو أمية إذا سمعوا
بمولود اسمه على قتلوه (2.
ومن عماله على المدينة مروان بن الحكم، وكان لا يدع سب
علي عليه السلام على المنبر كل جمعة تنفيذا لأوامر معاوية.
وكتب إلى عماله نسخة واحدة " أنظروا من قامت عليه البينة أنه
يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاه ورزقه ".
وشفع ذلك بنسخة أخرى " من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم
فنكلوه به واهدموا داره ".
فلم يكن البلاء وأكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتى
أن الرجل من شيعة علي عليه السلام ليأتيه من يثق بدينه فيدخل بيته
فيلقى إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدث حتى يأخذ
عليه الايمان الغليظة ليكتمن عليه.

1) الكامل 3 / 477 - 478.
2) تهذيب التهذيب 7 / 319.
40

ونقل أبو عثمان الجاحظ: ان معاوية كان يقول في آخر خطبته:
اللهم ان أبا تراب (إلى آخر ما قال مما لم نذكره حياءا من الله ورسوله).
وروى فيه أيضا ان قوما من بنى أمية قالوا لمعاوية: انك قد بلغت ما
أملت فلو كففت عن هذا الرجل. فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير
ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلا (1.

(1) راجع في ذلك النصائح الكافية ص 72 - 75. وذكر في
العتب الجميل ص 74 - 75 أن عمر بن عبد العزيز لما ترك تلك البدعة
المنكرة، وهي التطاول على مقام أمير المؤمنين علي عليه السلام في
خطبة الجمعة أرتج المسجد بصياح من فيه بعمر بن عبد العزيز
" تركت السنة تركت السنة ". وزعم أهل حران لما نهوا عن استمرارهم
على تلك السنة الملعونة أن الجمعة لا تصح بدونها. قال: ويوجد
الان كثير من علماء السوء يعتقدون في أمور أنها من السنة وهي من
النصب.
وذكر المستشرق مارجليوث في كتابه (دراسات عن المؤرخين
العرب) ص 100 عن المدائني انه لم يسمع بالشام في عهد الأمويين
أحدا يسمى عليا ولا حسنا ولا حسينا، وإنما معاوية ويزيد والوليد
من أسماء خلفاء بنى أمية، فمر مسافر في ذلك الوقت بدار فاستسقى
صاحبها، فسمعه ينادي ابنا له باسم الحسن ليسقيه، فسأل المسافر:
كيف سمى ابنه بذلك الاسم؟ فكان جوابه: ان أهل الشام يسمون
أولادهم بأسماء خلفاء الله ولا يزال أحدنا يلعن ولده ويشتمه وإنما سميت
أولادي بأسماء أعداء الله فإذا لعنت إنما ألعن أعداء الله.
وفي كتاب غاية الأماني في اخبار القطر اليماني ص 117 قال:
لما أمر عمر بن عند العزيز برفع اللعن عن أمير المؤمنين علي عليه
السلام في جميع الآفاق، ووصل الامر بذلك إلى صنعاء وأن يجعل
مكانها (ان الله بأمر بالعدل والاحسان) الآية، وخطب الخطيب
بها في جامع صنعاء، فقام إليه ابن محفوظ - لعنه الله - وقال: قطعت
السنة. قال: بل هي البدعة. فقال: والله لأنهضن إلى الشام، فان
وجدت الخليفة قد عزم على قطعها لأضرمن الشام عليه نارا. وخرج
ابن محفوظ من صنعاء فلحقه أهلها إلى طرف القاع المعروف بالمنجل
غربي صنعاء فرجموه بالحجارة حتى غمروه وبغلته، فهو يرجم إلى
الان كما يرجم قبر أبى رعال قائد فيل أبرهة الحبشي.
41

وأفرط في ذلك حتى أظهر ما في صدره، وعرض على كريم
ابن عفيف الخثعمي البراءة من دين على الذي يدين الله به، وأمر
زياد ان يقتل عبد الرحمن بن الحسان العنزي شر قتلة لشهادته في
علي عليه السلام انه كان من الذاكرين الله كثيرا ومن الامرين بالحق
القائمين بالقسط والعافين عن الناس ولمقاله في عثمان، فدفنه زياد حيا (1.
وامر بافتعال الأحاديث في شان عثمان واكرام من يروى في
فضله، حتى أكثروا في فضائله لما كان يبعث إليهم من الصلات
والقطائع، فليس يجد امرؤ من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي
في عثمان فضيلة الا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حينا،

1) الكامل 3 / 486.
42

فكتب إلى عماله ان الحديث في عثمان قد جهر وفشا في كل مصر
وكل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية
في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد
من المسلمين في أبي تراب الا واتوني بمناقض له في الصحابة،
فان هذا أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أبى تراب وشيعته
وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس، فرويت أحاديث كثيرة في مناقب
الصحابة مختلقة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا
المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقى إلى معلمي
الكتاب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى
رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم
وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك
الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء
المراؤن والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون
الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا في مجالسهم ويصيبوا
به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأحاديث إلى أيدي
الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم
يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطل لما رووها ولا تدينوا بها.
فلم يزل الامر كذلك حتى قتل الحسن بن علي عليه السلام بالسم
43

ظلما، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل ألا وهو
خائف على دمه أو طريد على الأرض، ثم تفاقم الامر بعد استشهاد
الحسين عليه السلام (1.
وان شئت الإحاطة بدوافع معاوية من منعه الملح عن ذكر
فضائل أمير المؤمنين علي وسائر أهل البيت عليهم السلام فراجع
ما ذكره المسعودي في حوادث سنة اثنتي عشرة ومائتين من حديث
مطرف بن مغيرة (2، حتى تعلم أنهم لم يريدوا من سب علي الا سب
رسول الله واطفاء نوره صلى الله عليه وآله.
وهذا عبد الملك بن مروان قد شدد الضغط على محبي أهل
البيت، وولى عليهم الحجاج الذي اخذ يقرب إليه كل من كان أشد
بغضا لأهل البيت وأكثر موالاة لأعدائهم، حتى جاء واحد منهم يوما
إليه - يقال جد الأصمعي - وقف للحجاج فقال: ان أهلي عقوني
فسموني عليا وانى فقير بائس وانا إلى صلة الأمير محتاج. فتضاحك
الحجاج وقال: للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا (3.
والحجاج هو الذي كتب إلى محمد بن القاسم أن يعرض عطية
العوفي بن سعد على سب علي عليه السلام، فإن لم يفعل فاضربه

1) النصائح الكافية ص 72 73.
2) مروج الذهب 3 / 361 - 362.
3) راجع في جميع ما ذكرناه هنا شرح نهج البلاغة لابن أبي
الحديد 3 / 14 - 17، والنصائح الكافية ص 67 - 74.
44

أربعمائة سوط واحلق لحيته، فأبى عطية ان يسب، فأمضى محمد
ابن القاسم حكم الحجاج فيه (1.
وقد عرقب الحجاج أو بشير بن مروان أبو يحيى الأعرج
المعرقب من شيوخ الأربعة ومسلم لما عرض عليه سب الإمام عليه السلام
فأبى فقطع عرقوبه. قال ابن المديني: قلت لسفيان: في
أي شئ عرقب؟ قال: في التشيع (2.
وهكذا استمر الامر إلى أيام عمر بن عبد العزيز، وأشرار
الولاة يتطاولون على مقام أمير المؤمنين عليه السلام حتى من كان
منهم في المدينة المنورة، وبجوار القبر الشريف وعلى منبر الرسول
صلى الله عليه وآله (3. وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو

1) تهذيب التهذيب 7 / 226.
2) تهذيب التهذيب 10 / 157 158، العتب الجميل ص 35.
3) ومما يؤكد ذلك ما ذكره السمهودي المدني في كتابه (وفاء
الوفاء بأخبار دار المصطفى) 4 / 356 قال: وقال يحيى: حدثنا هارون
ابن عبد الملك بن الماجشون ان خالد بن الوليد بن الحارث بن
الحكم بن العاص وهو ابن مطيرة قام على منبر رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يوم الجمعة فقال: لقد استعمل رسول الله على
ابن أبي طالب رضى الله تعالى عنه وهو يعلم أنه خائن، ولكن شفعت
له ابنته فاطمة رضي الله عنها. وداود بن قيس في الروضة فقال:
أس أي يسكته. قال: فمزق الناس قميصا كان عليه شقائق حتى
وتروه وأجلسوه حذرا عليه منه، وقال: رأيت كفا خرجت من القبر
قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: كذبت يا عدو الله،
كذبت يا كافر، مرارا. وأخرجه في ينابيع المودة عن أبي الحسن
يحيى في كتابه اخبار المدينة ص 275.
45

من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ان أكثر الأحاديث
الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بنى أمية تقربا إليهم.
وذكر السيوطي انه كان في أيام بنى أمية أكثر من سبعين ألف
منبر يلعن عليها الامام بن أبي طالب عليه السلام بما سنه لهم
معاوية (1.
فانظر أيها القارئ بعين الانصاف إلى هذه المخازي، وان
شئت فراجع الكثير منها في كتب القوم، حتى تعرف ما اقترفته
أفاعيل السياسة المجرمة من اجل إمالة الناس عن أهل بيت الوحي
والنبوة.
قال سيدنا الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام
في جواب الحرث بن الجارود التميمي، لما رآه في جماعة من
أهل بيته في المدينة وهم جلوس في حلقة، فقال الحرث: السلام
عليكم يا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، كيف
أصبحتم رحمكم الله؟ فرفع الامام رأسه إليه فقال: أما تدري كيف
نمسي ونصبح، أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون،

1) النصائح الكافية ص 79.
46

يذبحون الأبناء ويستحيون النساء، وأصبح خير الأمة يشتم على
المنابر، وأصبح من يبغضنا يعطى الأموال على بغضنا، وأصبح
من يحبنا منقوصا حقه أو قال حظه أصبحت قريش تفتخر على العرب
- بأن محمدا صلى الله عليه وآله قرشي، وأصبحت العرب تفتخر على
العجم بأن محمدا كان عربيا، فهم يطلبون بحقنا ولا يعرفون لنا حقا،
أجلس يا أبا عمر ان فهذا صباحنا من مسائنا (1.
وأخرج نحوه ابن سعد بسنده عن المنهال بن عمرو (2.
جاء بعد بنى أمية بنو العباس، فلم تكن وطأتهم على أهل البيت
وعترة الرسول صلى الله عليه وآله سلم وشيعتهم ومحبيهم بأخف
من أسلافهم، ان لم نقل بأنهم كانوا أشد من أولئك ظلما وعنفا
واضطهادا لهم.
إذ أنهم بالإضافة إلى المسلك المنحرف الذي سلكوه من وضع
الأحاديث، وبالإضافة إلى انهم كبني أمية أحيوا ما أماته الاسلام من
السنن الملوكية، أخذوا يباشرون هم بأنفسهم أو بالايعاز إلى عمالهم
المنحرفين، قتل كل من يعترض سبيل مسلكهم الظالم أو يخشون
اعتراضه، حتى أزهقوا الكثير من النفوس الطاهرة، وسفكوا الجم
من الدماء الزكية من أكابر أهل البيت وشيعتهم ومحبيهم.
لم يهمل التاريخ مظالم مثل المنصور والهادي وهارون وغير هم

1) تيسير المطالب في امالي الامام أبى طالب ص 135 136.
(2) الطبقات الكبرى 5 / 219 220 ترجمة الإمام علي بن
الحسين عليه السلام.
47

من ملوك بنى العباس (1.
ولم يهمل ما فعله المتوكل بابن السكيت امام العربية المعروف،
فإنه كان قد ندبه تعليم أولاده، حتى جاء يوم جمعهم في مجلس
واحد، فنظر المتوكل إلى ولديه المعتز والمؤيد وخاطب ابن
السكيت قائلا له: من أحب إليك هما يعنى ولديه المذكورين
أو الحسن والحسين؟ فقال: قنبر يريد به مولى علي عليه السلام
خير منهما، فأمر حينئذ الأتراك فداسوا بطنه حتى مات. وقيل:
امر باستلال لسانه فاستلوه حتى مات (2.
وذكر ابن حجر في ترجمة علي بن نصر الجهضمي من شيوخ الستة:
قال أبو علي بن الصواف عن عبد الله بن أحمد لما حدث نصر بن علي
بهذا الحديث يعنى حديث علي بن أبي طالب (ان رسول الله
أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما
كان في درجتي يوم القيامة) امر المتوكل بضربه ألف سوط،
فكلمه فيه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له: هذا من أهل السنة،
فلم يزل به حتى تركه (3.

1) راجع مقاتل الطالبيين لأبي الفرج.
2) تاريخ الخلفاء ص 231، الكامل 7 / 91، وفيات الأعيان
5 / 438 و 423.
3) تهذيب التهذيب 10 / 430، ولفظ الحديث كما أخرجه
الترمذي (مناقب 20) واحمد 1 / 77 (من أحبني وأحب هذين وأباهما
وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة).
ثم إن مما شدد به المتوكل على أهل بيت النبي صلى الله عليه
وآله ان استعمل على المدينة ومكة عمر بن فرج الرخجى، فمنع
الناس من البر بهم، وكان لا يبلغه أن أحدا أبر أحدا منهم بشئ وان
قل الا أنهكه عقوبة وأثقله غرما، حتى كان القميص يكون بين
جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ثم يرقعنه، ويجلسن
على مغازلهن عواري حواسر (مقاتل الطالبيين 599).
48

ذلك هو الأثر لتدخل السياسة المنحرفة في الأمور، فهل ترى
أنشدك الله لهذه الاعمال وجها الا المحافظة على الاستمرار في
القبض على أزمة الأمور ومقاليد الحكم، والا القضاء على الفكر الحر،
والا التنكر للحق والقضاء عليه، والا بغض علي بن أبي طالب وسائر
أهل البيت الذي هو من أظهر آثار النفاق، وقد قال رسول الله صلى
الله عليه وآله: لا يحب عليا منافق، ولا يبغضه مؤمن (1. وقال جابر:
ما كنا نعرف منافقينا الا ببغضهم علي بن أبي طالب (2.

(1) راجع في ذلك صحيح مسلم كتاب الايمان، باب الدليل
على أن حب الأنصار وعلي من الايمان وعلاماته وبغضهم من علامات
النفاق. والترمذي والنسائي وابن ماجة ومسند أحمد وتذكرة الحفاظ
وكنز العمال ومجمع الزوائد والمستدرك وتاريخ بغداد وحلية
الأولياء والدر المنثور والرياض النضرة وذخائر العقبى وغيرها.
2) تذكرة الحفاظ 2 / 272 273، وأخرج نحوه الترمذي
(مناقب 20) وروى مثل ذلك عن أبي ذر ابن مسعود وأبى سعيد،
فراجع الرياض النضرة والترمذي والمستدرك وتاريخ بغداد والدر
المنثور وغيرها.
49

وهل هنا من المصاديق أجلى من أن يؤمر بضرب المتحدث
عن فضل علي والزهراء والحسنين عليهم السلام الذين هم أصحاب
الكساء وأهل المباهلة ألف سوط لذلك؟
فما ظنك اذن بمن يتتلمذ ويأخذ العلم والحديث عن سائر أئمة
أهل البيت كالباقر والصادق والكاظم عليهم السلام، وكيف تكون
نظرة هؤلاء إليه، والى أي مدى يكون حقدهم عليه؟!
ثم إن الحكام العباسيين لم يكونوا أقل حماسا في هذا الميدان
من الأمويين، فقد أخذوا يقربون الكثير من المحدثين الذين عرفوا
عنهم عزوفهم عن الحديث بما روي في فضائل أهل البيت أو الاخذ
عنهم وعن شيعتهم في الفقه والتفسير والعقائد، وشددوا النكير على
من حدث شيئا في فضائلهم ومناقبهم عليهم السلام منزلين به أشد
العقوبات، وأوجدوا محدثين مأجورين يضعون الأحاديث في
فضائل بنى العباس وما يؤيد سيرتهم وسياستهم، ويسردونها على
العوام.
ذكر الذهبي في ترجمة ابن السقاء الحافظ عبد الله بن محمد
الواسطي: اتفق انه أملى حديث الطير فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا
به وأقاموه وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته (1.

1) تذكرة الحفاظ 3 / 966. قال الذهبي 3 / 1044: وأما
حديث الطير فله طرق كثيرة جدا قد أفردتها بمصنف.
50

وأغرب من ذلك ما فعله أهل دمشق بالنسائي صاحب السنن
وخصائص أمير المؤمنين علي عليه السلام (1.
* * *
وبالغ بغضهم في رد فقه أهل البيت - الذين أذهب الله عنهم
الرجس، وجعلهم النبي صلى الله عليه وآله عدل القرآن وكسفينة
نوح وباب حطة حتى قال ابن خلدون في مقدمته (وهو ممن كان يخدم
الملوك والامراء ويتزلف إليهم ويؤيد آرائهم السياسية، هذا الرجل
الذي وقعت منه في مقدمته هذه أخطاء فاحشة قد نبه على بعضها
الأستاذ شاكر، وما ذلك الا لأنه نظر في المسائل الاسلامية من زاوية
وجهة نظر السياسة للدول الأموية الأندلسية التي يقول عنها العقاد:
انها أنشأت للشرق الاسلامي تأريخا لم يكتبه مؤرخوه ولا يكتبونه
على هذا النحو لو أنهم كتبوه) (2.
نعم، قال هذا الرجل في تلك المقدمة وضمن الفصل الذي
عقده في علم الفقه: وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه
انفردوا به (3.

1) تذكرة الحفاظ 2 / 700.
2) معاوية بن أبي سفيان في الميزان ص 201.
3) مقدمة ابن خلدون ص 374. ومع ذلك لا ينكر ما لأئمة أهل البيت
من العلم بالغيوب التي أطلعهم الله عليها، إذ يقول: فهم (يعنى
أئمة أهل البيت) أهل الكرامات، وقد صح عنه (يعنى الإمام جعفر
الصادق عليه السلام) أنه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم،
فتصح كما يقول، وقد حذر يحيى ابن عمه عن مصرعه وعصاه فخرج
وقتل بالجوزجان كما هو معروف، وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم
فما ظنك بهم علما ودينا وآثارا من النبوة وعناية من الله، بالأصل
الكريم تشهد لفروعه الطيبة. وقال: تقرر في الشريعة ان البشر
محجوبون عن الغيب الامن أطلعه الله عليه من عنده في نوم أو ولاية.
وقال وقع لجعفر وأمثاله من أهل البيت كثير من ذلك، مستندهم
فيه والله أعلم الكشف بما كانوا عليه من الولاية. وقال: فهم
أولى الناس بهذه الرتب الشريفة والكرامات الموهوبة. المقدمة
ص 277 280 الفصل الرابع والخمسون.
51

فسبحان الله! إذا كان أهل البيت مبتدعين، فلم جعلهم رسول
الله صلى الله عليه وآله أعدالا للكتاب، جعل التمسك بهم أمانا من
اضلال؟ وما معنى هذا الحث الملح والترغيب الواردين في الكتاب
والسنة على محبتهم وولايتهم؟
وقد سمعت بأن جماعة من المحدثين الذين انضافوا وراء هذه
الأباطيل قد أعرضوا وضعفوا روايات جم غفير من الثقات لمجرد
كونهم شيعة أو مغالين بزعمهم في محبة أهل البيت، مع كونهم في
نفس الوقت يحتجون بروايات النواصب والخوارج والمنافقين
المعروفين بالانحراف عن أهل البيت، والمشهورين بالظلم والخيانة
والمآثم والمعاصي.
52

والعجب أن مثل البخاري الذي يروي عن ألف ومائتين من
الخوارج (1، ويحتج بأكثر من مائة مجهول (2، وبأعداء أهل البيت
مثل المغيرة ومروان وعمرو بن العاص وغيرهم من المنافقين الذين
ظهر فيهم أبرز امارات انفاق وهو بغضهم لعلي عليه السلام
وصح فيهم أحاديث الحوض المتواترة وغيرها (3. هذا البخاري

1) نص عليه السلام السيد أبو محمد الحسن الصدر في نهاية
الدراية، وتصدى لذلك من أهل السنة ابن حجر صاحب المصالت
وعبد الحق الدهلوي شارح المشكاة وغيرهما (أجوبة مسائل جار
الله ص 72).
2) نص على ذلك ابن يسع في معرفة أصول الحديث (أجوبة
مسائل جار الله ص 72).
3) يراجع صحيح البخاري كتاب الفتن ج 1 و 2 و 3، والرقاق
باب كيف الحشر، والتفسير (سورة الأنبياء)، ومسلم كتاب الطهارة
باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل، وكتاب الصلاة باب حجة
من قال البسملة آية. وكتاب الفضائل باب اثبات حوض نبينا،
وكتاب الجنة باب فناء الدنيا، والنسائي كتاب الافتتاح باب قراءة
بسم الله الرحمن الرحيم، وكتاب الجنائز باب ذكر أول من يكسى،
والموطأ باب الشهداء في سبيل الله من كتاب الجهاد، وابن ماجة
أبواب المناسك باب الخطبة يوم النحر، ومسند أحمد (1) 39،
50، 235، 384، 402، 407، 425، 439، 453، 455،
(3) 28، 102، 281، (4) 396، (5) 48، 50، 388، 393،
400، 412 وغيرها.
53

لا يروي شيئا من حديث ريحانتي الرسول وسبطيه سيدي شباب أهل الجنة،
ويحتج بحديث سمرة بن جندب (1، ص 138 من الجزء الثاني من
صحيحه قبل باب ما جاء في صفة الجنة بأربعة أحاديث، وكذا في
غير ذلك من الموارد التي لا تخفى على المتتبع، ويحتج أيضا
بحديث عكرمة وعمران بن حطان (2. دون حديث واحد من مثل

1) اخرج الطبري بالاسناد إلى ابن سليم قال: سألت انس بن
سيرين: أهل كان سمرة قتل أحدا؟ قال: وهل يحصى من قتلهم
سمرة بن جندب، استخلفه زياد على البصرة فأتى الكوفة فجاء وقد
قتل ثمانية آلاف من الناس، فقال له: هل تخاف أن تكون قتلت
أحدا بريئا؟ قال: لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت (تاريخ الطبري
6 / 122).
وأخرج ابن الأثير قال أبو السوار العدوي: قتل سمرة من
قومي غداة واحدة سبعين وأربعين كلهم قد جمع القرآن (الكامل
3 / 462 463).
2) ان شئت ان تعرف أحوال جماعة من رجال البخاري
وشيوخه، راجع الجزء الرابع من المجلد الأول من شرح نهج
البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد.
وقال الأستاذ محمود أبو رية في أضواء على السنة المحمدية
ص 275 ط 1383 قال البدر المعيني: في الصحيح جماعة جرحهم
بعض المتقدمين، وفى (العلم الشامخ) في رجال الصحيحين من
صرح كثير من الأئمة بجرحهم الخ، قال ابن الصلاح: احتج
البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح له، كعكرمة مولى ابن عباس
وإسماعيل بن أويس و (إلى آخر ما نقل عن ابن صلاح في البخاري
ومسلم، وما نقل عن الشيخ احمد شاكر والشيخ محمد زاهد
الكوثري، فراجع كتاب الأضواء).
54

الإمام جعفر بن محمد الصادق والإمامين الكاظم والرضا عليهم السلام.
* * *
والآن يحق لنا أن نتسأل: لما ذا كان موقف بنى أمية وبنى
العباس من أهل البيت هذا الموقف المخزي؟
وهل يمكن أن يكون الجواب (غير) ان أهل البيت ليس لهم
من ذنب سوى أنهم وشيعتهم لم يدخلوا في حزب هؤلاء الجبابرة
الذين قلبوا الاسلام، ولم يقبلوا أن يكونوا أعوانا لمثل يزيد
ومروان وعبد الملك والوليد المتجاهر بالكفر ومنصور وهارون
والمتوكل وغيرهم، ولم يكونوا ليسكتوا على مظالمهم وجرائمهم
فضلا عن أن يشاركوهم فيها؟
وهل يمكن أن يكون لذلك من سبب غير أن هؤلاء الحكام
المجرمين لما رأوا أنهم لو أقروا أحاديث أهل البيت وأخذوا بمذاهبهم
في الفقه لزال سلطانهم (1 ولم يبق لهم من نفوذ ولا سيطرة على عباد

1) اخرج البلاذري في أنساب الأشراف 2 / 184: قال مروان
لعلي بن الحسين: ما كان أحد اكف عن صاحبنا من صاحبكم.
قال: فلم تشتمونه على المنابر؟ قال: لا يستقيم لنا هذا الا بهذا.
55

الله تعالى، ولانكشف كافة ألاعيبهم وانحرافاتهم عن الجادة المستقيمة
ولما استطاعوا أن يلغوا بدماء المسلمين وينهبوا أموالهم ويهتكوا
أعراضهم، ولما تمكنوا من استلاب بيت مال المسلمين وانفاقه
على أنفسهم وخاصتهم لبناء القصور وشراء الإماء والقينات والخوض
في اللهو واللعب وأنواع المعاصي وفنونه الخلاعة والدعارة والترف،
وامتلاء ارجاء بيوتهم بأصوات المعازف والتنعم بمطارف الحرير
وألوان الأطعمة، ولقد حكى الكثير من مجالسهم المحرمة التي
كانوا يعقدونها لمعاقرة أنواع الخمور.
كل ذلك والبلاد التي نكبت بحكمهم تعج بالجياع الذين
كانوا بأمس الحاجة إلى ما يسد جوعهم ويدفع عنهم غائلة الفاقة
ويحفظهم عن الحر والبرد، فراجع كتب التاريخ حتى ترى الأعاجيب
مما كان يحدث في بلاط الملوك والخلفاء والامراء.
هذا مختصر الكلام في سبب اعراض الجمهور عن أحاديث
أئمة العترة الطاهرة، ومن هنا نشرع بعون الله تعالى في المقصود.
والله ولي التوفيق.
56

حجية اخبار الثقات
57

اجمع العقلاء كافة على الاخذ والعمل بأخبار الثقات، واعتبارها
حجة في مقام التعامل والخصومة. ولولا ذلك لما قامت لهم سوق
ولاختل نظام أمورهم.
والشريعة الاسلامية قد قررت هذه الطريقة العقلائية وأقرتها،
ولم تردع الناس عنها. وتبعا لذلك استقر بناء المسلمين منذ عصر
النبي صلى الله عليه وآله إلى زماننا هذا على رغم من رام إمالة
الناس عن التحدث بأحاديث الرسول (1 والاحتجاج بخبر الثقات،

1) ما حكي عن نهى الخليفتين الأول والثاني عن رواية الحديث
عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وان أبا بكر حرق بالنار خمسمائة
حديث جمعها من أحاديث الرسول، وان عمر كان يتوقف في خبر
الواحد، واشتد في ذلك حتى قال لأبي موسى (لتأتيني على ذلك
بينة أو لأفعلن بك). وانه امر بالتقليل في الرواية عن النبي، بل أنشد
الناس كما أخرج ابن سعد في الطبقات 5 / 188 أن يأتوه
بالأحاديث فلما اتوه بها أمر بتحريقها. وان معاوية كان يقول:
عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر، فإنه كان قد أخاف الناس
في الحديث عن رسول الله.
لم يكن منهم هذا المنع الأكيد لأنهم لم يعرفوا حجية اخبار
الثقات من الشرع، والمسلمون كانوا يعملون بها في عهد رسول
الله صلى الله عليه وآله، وقد سمعوا النبي بالخيف يقول: نضر الله
عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل
فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
وقد منع أبو بكر السيدة الزهراء عليها السلام عن ميراث أبيها
برواية رواها عنه وماتت واجدة عليه.
بل السبب في ذلك وفى منعهم الرسول الأعظم عن كتابة وصيته
وقول من قال (حسبنا كتاب الله وغلب عليه الوجع) أيضا يرجع إلى
سياسة الحكم، حتى لا يتمسك بالأحاديث الكثيرة الواردة في شأن
علي عليه السلام من يرى أنه الامام والخليفة المنصوص غيره. أو
يعتقد أقل من ذلك أحقيته من غيره. ولا ريب ان معاوية لم يقر ما كان
في عهد الخليفة الثاني الا لذلك.
صنف الحافظ الشهير ابن عقدة (ت 332) كتاب أسماء
الرجال الذين رووا عن الإمام الصادق عليه السلام، وقد أوصل
عددهم إلى أربعة آلاف رجل، وأخرج فيه عن كل رجل حديثا
مما رواه. وله أيضا كتاب من روى عن أمير المؤمنين ومسنده،
وكتاب من روى عن الحسن والحسين، وكتاب من روى عن علي بن
الحسين واخباره، وكتاب من روى عن أبي جعفر محمد بن علي
واخباره، وكتاب من روى عن زيد بن علي ومسنده، وكتاب من
روى عن فاطمة من أولادها، وكتاب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم،
وكتاب طرق حديث المنزلة، وكتاب الولاية ومن روى يوم غدير خم،
وكتاب التاريخ، وهذا في ذكر من روى الحديث من الناس كلهم
الشيعة وأهل السنة.
والحافظ ابن عقدة هو الذي ذكر في جامع الرواة ان الشيخ
الطوسي قال: سمعت جماعة يحكون أنه قال: أحفظ مائة وعشرين
ألف حديث بأسانيدها وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث. قال الشيخ:
أخبرني بجميع كتبه أحمد بن عبدون عن محمد بن أحمد بن الجنيد
(راجع الفهرست للشيخ الطوسي ورجال العلامة والروضات
وغيرها من كتب التراجم والرجال).
59

حتى أنهم اعتبروا تحمل الحديث وحفظه ونقله من أعظم المناصب
الدينية وأفضل القربات إلى الله سبحانه، ولذا أكرموا المحدثين
غاية الاكرام وأنزلوهم أحسن المنازل، وأسندوا إليهم الوظائف
60

ومنحوهم الصلات، حتى صارت مجالس املاء الحديث على
كثرتها من أعظم المجالس اعتبارا وقدرا ومنزلة وشرفا، وقد تنقل
الكثير من الشيوخ الحديث ورجالات العلم في الآفاق، وشدوا
الرحال إلى كثير من البلاد لاستماع الحديث ونقله وتدوينه.
وكان في طليعة شد الرحال إليهم لذلك من متخلف
هو الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، حتى زاد
مجموع من نقل عنه على أربعة آلاف رجل كلهم يقول: حدثني
جعفر بن محمد (1.
61

ومما تقدم يعلم مدى المكانة العالية والشأن الكبير اللذين كانا
للحديث عند المسلمين، ولقد كان له على تنقله أحداث التاريخ
التأثير الخطير في نفوسهم وتوجيه أمورهم وأحوالهم وفى مسلكهم
مع حكوماتهم، مما يعتبر العامل في كثير من الأزمنة في دعم الحكم
وتأسيسه، وكذا التدخل في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية
والعمرانية وغيرها.
وقد اشتهر بحفظ الحديث جماعة كالبخاري ومسلم وابن ماجة
والترمذي والنسائي وأبى داود ومالك واحمد والبيهقي والطبراني
وابن عساكر والطيالسي والدارمي والحاكم وابن أبي شيبة والسيوطي
وغيرهم من أهل السنة وأعلامهم.
وكمؤلفي الأصول الأربعمائة من اعلام القرن الثاني والثالث
والكليني صاحب الجامع المعروف بالكافي، والصدوق مؤلف
من لا يحضره الفقيه، والشيخ الطوسي مؤلف كتابي التهذيب
والاستبصار، والبحراني صاحب كتاب العوالم، والمجلسي مؤلف
كتاب بحار الأنوار، والفيض صاحب كتاب الوافي، والحر العاملي
مؤلف وسائل الشيعة، وغيرهم من الامامية.
62

كما قد صنف علماء الفريقين كتبا كثيرة وأسفارا ضخمة، سواء
في معرفة الرجال والطبقات والتمييز بين المشتركات أم في معرفة
الحديث وأقسامه وأنحاء تحمله، ما لو أردنا التكلم حولها لطال بنا
المقام، الا اننا طلبا للاختصار نقتصر على ذكر شئ من مصنفات
الشيعة في ذلك: فمن مؤلفاتهم في الرجال (1: رجال الفضل بن شاذان (ت قبل 260)
وطبقات الرجال لأحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 274 أو 280)،
ورجال الكشي من اعلام القرن الثالث الموسوم بمعرفة الناقلين عن الأئمة
الصادقين الذي اختصره الشيخ الطوسي وسماه اختيار الرجال،
ورجال أبى على المحاربي من اعلام القرن الثالث وقبله، ورجال
محمد بن أحمد بن داود بن علي (ت 378) في الممدوحين
والمذمومين، ورجال العقيقي من اعلام القرن الرابع، ورجال
ابن عياش (ت 401)، ورجال ابن عبدون (ت 423)، ورجال
النجاشي (ت 450)، ورجال الشيخ الطوسي والفهرست له (ت
460)، ومعالم العلماء لابن شهرآشوب (ت 588)، ورجال ابن
داود من اعلام القرن السابع، ورجال ابن طاووس (ت 673)،
وكتب الرجال للعلامة الحلى (ت 726) الخلاصة وايضاح الاشتباه
وكشف المقال، ورجال الأمير مصطفى التفريشي (ت 1015)،
ومجمع الرجال للمولى عناية الله الأصبهاني ومعاصر التفريشي،
وكتب الرجال للمحقق الأسترآبادي (ت 1028) الثلاثة الكبير

(1) قال في تأسيس الحاشية الشيعة لعلوم السلام
ص 233: أول من أسس علم الرجال وصنف فيه فهو أبو
محمد عبد الله بن جبلة بن حيانا بن أبجر الكناني ونقل عن فهرست أسماء
المصنفين من الشيعة للنجاشي انه مات سنة تسع عشرة ومأتين.
63

والوسيط والصغير، وكتابي رجال السيد على خان المدني (ت 1120)
المعروفين بسلافة العصر والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة،
ورجال العلامة المجلسي (ت 1111)، ورجال الشيخ سليمان
البحراني الماحوزي (ت 1121) والرجال الموسوم برياض العلماء
لميرزا عبد الله أفندي الأصبهاني (ت حدود 1130) ورجال الشيخ
أبى على (ت 1159) وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين العاملي
وغيرها مما يطول الكلام بسرد أسمائها.
ومن الكتب المصنفة لتمييز المشتركات كتاب تمييز المشتركات للمولى محمد امين
الكاظمي من اعلام القرن الحادي عشر، وكتاب جامع الرواة
للأردبيلي (ت 1101) وغيرهما.
ونذكر من الكتب المؤلفة في الطبقات كتاب سيدنا واستاذنا زعيم
الشيعة الامام السيد حسين الطباطبائي البروجردي (ت 1380) أعلى
الله في القدس درجته ودرجة جميع العلماء العالمين.
64

وجوب العمل بالأحاديث المخرجة
في أصول الشيعة وجوامعهم المعتبرة
65

عرفت أن العمل والاحتجاج بأخبار الثقات مما اتفق العقل والنقل
على صحته، فالواجب الاخذ بخبر الثقة الممدوح بالأمانة والوثاقة،
سواء كان من الشيعة أو من أهل السنة. كما أنه لا ينبغي الاخذ والاتكال
على أخبار الكذابين والوضاعين والمجهولين والمنافقين من أي
فرقة كانوا.
فالاعراض عن الروايات المخرجة في جوامع الشيعة المنقولة
إليهم عن أئمتهم بسندهم المنصل إلى جدهم رسول الله صلى الله
عليه وآله ينافي ما استقر عليه بناء العقلاء ودلت عليه الأدلة السمعية.
فان الأمانة والاخلاص يحتمان على كل باحث في كتب الفريقين، وان لا
يقتصر في ذلك على أحاديث طائفة دون أخرى، فلا يجوز له ترك
67

هذا العلم الكثير في أبواب المعارف الاسلامية من الفقه والعقائد
والأخلاق والآداب والتفسير والاحتجاج.
ومن جهة أخرى، فإنه يظهر لكل مطلع على كتبهم الرجالية
سعة تحقيقاتهم في تعرف أحوال الرجال، وانهم أشد من غيرهم
بكثير في الاعتماد على الممدوحين بالوثاقة والعدالة، كما يظهر لكل
باحث في كتبهم الفقهية شدة تورعهم في الفتيا واحتياطهم في استنباط
الاحكام وملاحظة خصوصيات الأحاديث من السند والمتن وموافقتها
الكتاب، واجتنابهم الشديد عن القول بغير علم، واستنادهم
في الجرح والتعديل ومعرفة رجال الحديث إلى أقوال أكابر علمائهم
الذين لم يقدح فيهم قادح، واتفقت الكلمة على جلالة قدرهم
وصدقهم وورعهم.
واما الرجاليون من إخواننا أهل السنة وإن كان فضلهم أيضا
لا ينكر في المسائل الرجالية لان لهم في هذا العلم دراسات لا يستغني
الباحث في الرجال والحديث عنها الا ان بعض علمائهم في الجرح
والتعديل مطعون عندهم بشئ من الهوى والحسد والعداوة والتدليس
وغيرها، حتى أن ابن معين يتهم أحمد بن حنبل بالكذب (1.
وذكر الشيخ الصالح المقبلي في كتابه (العلم الشامخ في تفضيل
الحق على الاباء والمشائخ) ان احمد لما تكلم في مسألة خلق القرآن
وابتلي بسببها جعلها عديل التوحيد أو زاد، حتى أنه بلغه ان محمد

1) تهذيب التهذيب 7 / 347.
68

ابن هارون قال لإسماعيل بن علية: يا بن الفاعلة قلت القرآن مخلوق
أو نحو هذه العبارة. قال احمد: لعل الله يغفر له يعني محمد بن
هارون وكان إسماعيل بن علية أحق ان يرجو له احمد الخ (1.
وقال المقبلي: نجد أحدهم ينتقل من مذهب إلى آخر بسبب
شيخ أو دولة أو غير ذلك من الأسباب الدنيوية والعصبية الطبيعية، كما
رووا ان ابن الحكم أراد مجلس الشافعي بعد موته، فقيل له: قال
الشافعي الربيع أحق بمجلسي، فغضب وتمذهب لمالك وصنف
كتابا سماه (الرد على محمد بن إدريس فيما خالف فيه الكتاب
والسنة) (2.
وتكلموا في علي بن المديني لما أجاب في الفتنة، والذابون
عنه لم يجدوا من الذب الا أنه قال: من قال إن القرآن مخلوق فقد
كفر، ومن قال إن الله لا يرى فقد كفر، فان صح عنه ذلك فقد كفر
مثل عائشة ومن وافقها من الصحابة والتابعين على نفى الرؤية (3.
وقال يحيى بن معين: كان عمرو بن عبيد دهريا، قيل: وما
الدهري؟ قال: يقول لا شئ، وما كان عمرو هكذا. وقال يحيى بن
معين في عتبة بن سعيد بن عاص ثقة، وهو جليس الحجاج. وروى

1) أضواء على السنة المحمدية ص 290.
2) أضواء على السنة المحمدية ص 289.
3) أضواء على السنة المحمدية ص 292. راجع فيما طعنوا
فيه وان احمد كذبه تهذيب التهذيب 7 / 354 357.
69

البخاري لمروان بن الحكم الذي رمى طلحة جيشه والمتسبب
لخروجه على علي عليه السلام وفعل كل طامة، وقال ابن حجر
العسقلاني في ترجمة مروان: إذا ثبتت صحبته لم يؤثر الطعن فيه،
كأن الصحبة نبوة أوان الصحابي معصوم (1.
وقال ابن معين: ان مالكا لم يكن صاحب حديث بل كان
صاحب رأى. وقال الليث بن سعد: أحصيت على مالك سبعين
مسألة وكلها مخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وآله (2.
وقال احمد امين: ان بعض الرجال الذي روى لهم البخاري
غير ثقات وضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو الثمانين (3.
وكان الحفاظ أبو زرعة الرازي يذم وضع كتاب صحيح مسلم
في كلام طويل (4.

1) أضواء على السنة المحمدية ص 292.
2) أضواء على السنة المحمدية ص 246. كان مالك من علماء
الدولة والحكومة، فروى الشافعي ان المنصور بعث إلى مالك
لما قدم المدينة وقال له: ان الناس قد اختلفوا في العراق فضع
للناس كتابا يتجمعهم عليه (الأضواء ص 246). ولا ريب أن المنصور
لم يرد بذلك الا القضاء على المذاهب والأحاديث التي ترد سياسته
وسيرته، فما ظنك بكتاب صنف في تلك الظروف والأحوال؟.
3) أضواء على السنة المحمدية ص 250.
4) أضواء على السنة المحمدية ص 255، 256، 262.
70

ويطول بنا الكلام لو سردناه في سائر الصحاح وما قالوا فيها،
وقد حكموا على مثل ابن حبان بالزندقة، وطعنوا في ابن حزم
بأنه ينسب إلى دين الله ما ليس فيه، ويقول عن العلماء ما لم يقولوا.
وكان مع كلما طعنوا فيه متشيعا لأمراء بنى أمية ماضيهم وباقيهم،
ويعتقد صحة امامتهم (1.
ونحو ذلك قال المقبلي في ابن حزم، فوصفه بأنه كان يتكلف
الغمز في أهل البيت عليهم السلام، ويعمى عن مناقبهم ويحابي
بنى أمية سيما المروانية (2، وحكى عن طبقات الشافعية: والذي
أدركنا عليه المشايخ النهى عن النظر في كلامه وعدم اعتبار قوله.
وقالوا في أبي حنيفة: كان لا يعمل بالحديث حتى وضع أبو بكر
ابن أبي شيبة في كتابه (المصنف) بابا للرد عليه ترجمه (باب الرد
على أبى حنيفية)، وقال ابن عدي انه لم يرو الا ثلاثمائة حديث، بل
قال ابن خلدون في مقدمته: يقال إنه إنما بلغت روايته إلى سبعة عشر
حديثا أو نحوها إلى خمسين (2.
وحكموا على جمع من المحدثين بأن لهم تعنت في جرح
الأحاديث بجرح رواتها، منهم ابن الجوزي وعمر بن بدر الموصلي

1) راجع ترجمة ابن حزم وابن حبان في تذكرة الحفاظ.
2) أضواء على السنة المحمدية ص 291.
3) الرافع والتكميل في الجرح والتعديل ص 58 (المتن
والتعليق).
71

والرضى الصغاني والجوزقاني وابن تيمية الحراني مؤلف منهاج
السنة وأبو حاتم والنسائي وابن معين وابن حبان وغيرهم (1.
وكثيرا ما جرحوا من تعصب أو عداوة أو مناقرة، ومثلوا لذلك
جرح مالك محمد بن إسحاق وقدح النسائي في أحمد بن صالح
المصري وقدح الثوري في أبي حنيفة وقدح ابن معين في الشافعي
واحمد في الحارث المحاسبي وابن مندة في أبى نعيم الأصبهاني (2.
واحتجوا على جرح الرواة أو تعديلهم بما ليس بحجة، فمن
الحجة لهم في ذلك ما ساقه الخطيب في الكفاية ص 99 بسنده عن
يعقوب النسوي أنه قال في (تاريخه) سمعت انسانا يقول لأحمد بن
يونس: عبد الله العمرى ضعيف؟ قال: إنما يضعفه رافضي مبغض
لابائه، ولو رأيت لحيته وخضابه وهيئته لعرفت أنه ثقة. قال الخطيب:
فاحتج أحمد بن يونس على أن عبد الله العمرى ثقة بما ليس بحجة،
لان حسن الهيئة مما يشترك فيه العدل والمجروح (3.

1) الرفع والتكميل ص 176 200 وقال: فكم من حديث
قوى حكموا عليه بالضعف (إلى أن قال) فالواجب على العالم
الا يبادر إلى قبول أقوالهم بدون تنقيح أحكامهم، ومن قلدهم من
دون الانتقاد ضل وأوقع العوام في الافساد.
2) الرفع والتكميل ص 259 268، لسان الميزان 1 / 16
و 65 / 70 71، وراجع في ذلك ما قاله البيهقي في الطحاوي وما قيل
في البيهقي في ذلك لسان الميزان 1 / 277 278.
3) الرفع والتكميل ص 200.
72

وقد رد ابن تيمية الحراني في كتابه منهاج السنة كثيرا من
الأحاديث الجياد، حتى قال ابن حجر في حقه: وكم من مبالغة
لتوهين كلام الرافضي (يعني العلامة الحلي) أدته إلى تنقيص علي
رضي الله عنه (1.
واتهموا فقهاء أهل الرأي فقال أبو العباس القرطبي صاحب كتاب
المفهم شرح صحيح مسلم: استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة
الحكم الذي دل عليه القياس الجلي إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم نسبة قولية، فيقولون في ذلك قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم كذا، ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها
بأنها موضوعة الخ (2.
وأخرج ابن أبي حاتم في ترجمة إسحاق بن نجيح الملطي
عن ابن احمد قال: سمعت أبي يقول: إسحاق بن نجيح الملطي
من اكذب الناس، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله برأي
أبي حنيفة (3.
وقد جهل ابن حزم جماعة من المشهورين، كالترمذي والبغوي
وابن ماجة وغيرهم (4.

1) لسان الميزان 6 / 319 320.
2) الباعث الحثيث ص 85.
3) الجرح والتعديل 1 / 235.
4) الرفع والتكميل ص 183 185.
73

وتراهم تركوت رواية من فيه بزعمهم الرفض الكامل والغلو
فيه والحط على أبى بكر وعمر والدعاء إلى ذلك، بل من كان فيه
شيئا من التشيع، حتى عد السيوطي من قرائن الوضع كون الراوي
رافضيا والحديث في فضائل أهل البيت (1.
مع أن العبرة في الرواية بصدق الراوي وتحرزه عن الكذب ووثاقته
وحصول الاطمئنان بنقله، والمتتبع في كتب التواريخ والرجال يعرف
أن الموصوف بهذه الصفات في الشيعة واتباع أهل البيت وخريجي
مدرستهم لو لم يكن بأكثر منهم في سائر الفرق ليس بأقل من غيرهم.
وليت شعري كيف جوزوا ترك رواياتهم لمكان ما ذكروا لهم
من العقيدة التي أدى اجتهادهم إليها، فعدوا ذلك جرحا لرجال
الشيعة والمتمسكين بأهل البيت، في حين أنهم يأخذون بروايات
من يبغض علي بن أبي طالب والزهراء والسبطين عليهم السلام
ومن حاربهم وسبهم، فإذا كان الحط على أبى بكر وعمر جرحا في
الراوي كيف لا يكون بغض علي ومحاربته وسبه جرحا فيه؟
ليس من جانب العقل أو السمع ما يدل على صحة هذا الأساس
غير أنهم رأوا عدام امكان الجمع بين الاخذ بفقه أهل البيت ورواياتهم
وفقه غيرهم، ورأوا أن القول بترك أقوال مبغضي أهل البيت ممن
تعرف أحوال بعضهم فيما يأتي والاخذ بروايات الشيعة يضطرهم إلى
اعتناق مذهب أهل البيت، وترك المذاهب الحكومية التي أيدتها

1) الباعث الحثيث ص 83، 101.
74

السياسات طوال القرون. اتهموا الشيعة بما هم بريئون منه، فحكموا
على كل من كان فيه الرفض الكامل والتشيع لأهل البيت بأن الكذب
شعارهم والنفاق دثارهم. والله يعلم أن أي الفريقين أولى بالكذب
والنفاق.
فمبغضو أهل البيت وسابوهم ومن حاربهم وقتلهم بزعمهم هم
الصادقون المخلصون البريئون من الكذب والنفاق وهم أهل السنة،
وان حكم رسول الله صلى الله عليه وآله عليهم بالنفاق والمروق من
الدين وغير ذلك، فانا لله وانا إليه راجعون.
ولا يخفى عليك أن اتهامهم هذا يرد بما شرطوا أيضا في قبول
الجرح بأنه إذا كان لعداوة أو لمذهب لا يعتد به (1.
ثم إنهم قد احتجوا بروايات كثير من المجهولين والنصاب
والخوارج ومن طعن فيه بالكذب ونحوه، حتى حكي عن الذهبي
وابن حجر في كتابيهما (الميزان) و (تهذيب التهذيب) ان البخاري
احتج بجماعة في صحيحه مع أنه ضعفهم بنفسه (2.

1) الرفع والتكميل في الجرح والتعديل ص 259، 269.
2) استوفى الكلام في هذه الجهات الشيخ العلامة محمد الحسن
المظفر في كتابه دلائل الصدق 1 / 4 71، وسبقه في بعض تلك
الجهات الشيخ أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري (أحد
اعلام القرن الرابع) في كتابه المسترشد، وذكر أيضا العلامة
الكبير السيد مير حامد حسين (ت 1306) في كتابه استقصاء الافحام
المجلد الأول والثاني من المنهج الثاني من أكابر أهل السنة ورواتهم
ومفسريهم وعلمائهم وأرباب الصحاح الست جماعة من المطعونين
عندهم بالكذب والوهم والضعف والعقائد الباطلة والاعمال السيئة،
وبايراد الحديث ناقصا مبترا والرواية عن الكذابين. وممن أدى
حق الكلام في هذه الجهات وأوضح حال الصحاح الست والمسانيد
والاختلافات في نسخها وما قيل في جرح رواتها وأسرد الكلام
حول عدالة الصحابة وناقش في كل ذلك بالطريقة الفنية العلمية هو
الأستاذ محمود أبو رية في كتابه (أضواء على السنة المحمدية).
75

وحكي عن الميزان في ترجمة إسرائيل بن يونس: ان يحيى
ابن سعيد القطان قال: لو لم أرو الا عمن أرضى ما رويت الا عن خمسة.
وقد جمعت بعض ما قاله علماء الجرح والتعديل في بعض
الرجال من شيوخ الستة أو بعضهم وطعنوا فيه مثل قولهم (كذاب
أو متهم بالكذب، أو متروك، أو هالك، أو لا يكتب حديثه، أو
ضعيف جدا، أو مجمع على ضعفه، أو ذاهب الحديث، أو متهم
في الاسلام، أو لص يسرق الحديث، أو اكذب الناس، أو يضع
الحديث) أو غير ذلك، نشير هنا إلى أسمائهم ومن طلب التفصيل
فعليه بمراجعة تراجمهم في تهذيب التهذيب وغيره من كتب الرجال.
فمنهم:
1 أزهر الحرازي الحمصي (1.

1) من رجال أبى داود والترمذي والنسائي والبخاري في الأدب
المفرد وابن ماجة، كان يسب عليا عليه السلام وقال: كنت في الخيل
الذين سبوا انس بن مالك، فأتينا به الحجاج. وازهر هذا واسد
ابن وداعة وجماعة كانوا يجلسون ويسبون علي بن أبي طالب عليه
السلام، وكان ثور (ثور بن يزيد الكلاعي) لا يسبه، فإذا لم يسب
جروا برجله، ومع ذلك اخذوا منه الحديث واعتمدوا عليه في امر دينهم
بل وثقه البجلي. فإذا كان مثل هذا من مبغضي أمير المؤمنين وأعوان
الحجاج على مظالمه ثقة، فمن الذي ليس بثقة؟
والعجب ممن يحتج بحديثه ويترك حديث أبي حمزة الثمالي
لتشيعه، ولان في صحيفته حديث سوء في عثمان، أو يترك حديث
ثعلبة بن يزيد الحماني الكوفي عن علي عليه السلام لتشيعه (تهذيب
التهذيب 1 / 203، 204 و 2 / 7، 8، 26، 34).
76

2 إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.
3 أحمد بن عيسى بن حصان المصري.
4 إسرائيل بن يونس.
5 إسماعيل بن سميع الكوفي البيهسي الخارجي.
6 إسماعيل بن عبد الله الأصبحي (1.
7 إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (2.

1) هو من شيوخ البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأبى
داود، مطعون بالسرقة والارتشاء وبقوله: ربما كنت أضع الحديث الخ.
2) من رجال أبى داود والنسائي وابن ماجة والترمذي، قال
ابن حبان: كان حروري المذهب، وكان صلبا في السنة الا انه من
صلابته ربما يتعدى طوره. أقول: أظنه أراد بكونه صلبا في السنة،
انه كان شديد الميل كما قال ابن عدي إلى مذهب أهل دمشق
في الميل على علي عليه السلام. وقال الدارقطني: فيه انحراف
عن علي عليه السلام، ثم ذكر اجتماع أصحاب الحديث على بابه
وتطاول جاريته على مقام أمير المؤمنين. فاعرف أصحاب الحديث
المتصلبين في السنة عندهم، واعجب من ذلك كون هذا الناصب
من أئمتهم في الجرح والتعديل، واكرام أحمد بن حنبل له اكراما
شديدا.
77

8 بسر بن أرطأة (1.
9 بشر بن رافع الحارثي.
10 بقية بن الوليد.
11 جعفر بن الزبير الدمشقي.
12 حريز بن عثمان الرحبي الحمصي الناصبي (2.

1) هومن شيوخ أبى داود والترمذي والنسائي، وأمره في
الاعمال السيئة وقتل الشيوخ وذبح الأطفال ونهب أموال المسلمين
وسبى نسائهم أشهر من أن يذكر، فراجع ترجمته في الاستيعاب
وتهذيب التهذيب ومروج الذهب وأنساب الأشراف والكامل لابن
الأثير. واقض العجب عمن يأخذ منه الحديث ويحتج بروايته ويترك
أحاديث العترة الطاهرة.
2) بغضه لعلى وأهل البيت عليهم السلام مشهور مقطوع به،
وهو الذي قال: هذا الذي يرويه الناس... وهو الذي لا يخرج
من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة و. وهذا المنافق من رجال
الستة غير مسلم، راجع ترجمته في العتب الجميل ص 108 112.
78

13 حجاج بن يوسف بن حجاج الثقفي.
14 حصام بن مسك الأزدي.
15 حصين بن نمير الواسطي (1.
16 خالد بن سلمة المخزومي (2.
17 خالد بن عرفطة (3.
18 خالد بن عبد الله بن يزيد القسري (4.

1) مطعون بأنه يحمل على علي عليه السلام، وهو من شيوخ
البخاري والترمذي والنسائي.
2) مطعون بكونه من المرجئة وبغض علي عليه السلام، وذكر
ابن عائشة انه كان ينشد بنى مروان الاشعار التي هجى بها المصطفى
صلى الله عليه وآله، وهو مع ذلك من شيوخ الستة غير البخاري
ومن شيوخه في الأدب المفرد. قال في العتب الجميل ص 113:
هنيئا لهم بهذا الامام الثقة القدوة يوم يدعى الناس بامامهم، وانى
أقطع بأن من كان ينشد ما هجى به أبو بكر وعمر مثلا للرافضة لا يختلف
اثنان منهم في فسقه ولعنه ورد مروياته، فيا للعار! وانا لله وانا إليه
راجعون.
3) هو الخارج على الحسين عليه السلام، ومن رجال النسائي
وأبى داود.
4) كان رجل سوء يقع في علي عليه السلام، وكان واليا لبني أمية له
اخبار شهيرة وأقوال فظيعة ذكرها ابن جرير والمبرد وأبو الفرج
وغيرهم لا يصدر عمن كان في قلبه شئ من الشعور الانساني، وهو
من رجال أبى داود والبخاري في جزء القراءة خلف الإمام. راجع
ترجمة خالد القسري في العتب الجميل ص 113 114.
79

19 خالد بن عمرو الأموي السعيدي.
20 خيثم بن عراك.
21 داود بن الزبرقان الرقاشي.
22 زهير بن محمد التميمي المروزي.
23 زهير بن معاوية.
24 أبو خيثمة الكوفي الجعفي (1.
25 زياد بن جبير حبة الجعفي (2.
26 زياد بن علاقة الثعلبي (3.
27 سفيان بن سعيد الثوري.
28 سليمان بن داود أبو داود الطيالسي (صاحب المسند).
29 سهيل بن أبي صالح.

1) من رجال الستة. كان ممن يحرس خشبة زيد بن علي
لما صلب.
2) من رجال الستة، روى ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن
ابن أبي نعيم قال: كان زياد بن جبير يقع في الحسن والحسين
عليهما السلام، فقلت له: يا أبا محمد ان أبا سعيد حدثني عن النبي
صلى الله عليه وآله قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
3) كان سئ المذهب منحرفا عن أهل البيت، وهو من شيوخ الستة.
80

30 شبابة بن سوار المدائني (1.
31 شبث بن ربعي التميمي اليربوعي (2.
32 صالح بن حسان النضري.
33 طارق بن عمرو المكي مولى عثمان (3.

1) قال احمد تركته للارجاء، وقال أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي
الثلج: حدثني أبو علي السختي المدائني حدثني رجل معروف من
أهل المدائن قال: رأيت في المنام رجلا نظيف الثوب حسن الهيئة
فقال لي: من أنت؟ قلت: من أهل المدائن الذي فيه شبابة. قال:
فانى أدعو الله فأمن على دعائي (اللهم إن كان شبابة يبغض أهل بيت
نبيك فاضربه الساعة بفالج). قال: فانتبهت وجئت إلى المدائن
وقت الظهر وإذا الناس في هرج، فقلت: ما للناس؟ فقالوا: فلج شبابة
في السحر ومات في الساعة. وهذا الناصبي المنافق من رجال الستة.
2) قال شبث: أنا أول من حر الحرورية، وقال العجلي: كان
أول من أعان على عثمان وأعان على قتل الحسين. وقال الدارقطني:
يقال إنه كان مؤذن سجاح وكان من الخوارج، وهو من شيوخ أبى داود
والنسائي.
3) كان طارق من ولاة الجور، قال عمر بن عبد العزيز لما
ذكره والحجاج وقرة بن شريك وكانوا إذ ذاك ولاة الأمصار: امتلأت
الأرض جورا. وذكر الواقدي انه قتل بخيبر ستمائة، وهو من
شيوخ مسلم وأبى داود.
81

34 عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب.
35 عبد الله بن ذكوان.
36 عبد الله بن زيد العدوي.
37 عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم.
38 عبد الله بن شفيق العقيلي (1.
39 عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني (2.
40 عبد الرحمن بن آدم البصري (3.
41، 42 عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم
وأبوه.
43 عبد العزيز بن المختار الدباغ البصري.
44 عبد الكريم بن أبي المخارق.
45 عبد الملك بن عمير اللخمي.
46 عبد الملك بن مروان.

1) كان يحمل على علي عليه السلام ويبغضه، ومع ذلك يقول
ابن خيثمة عن ابن معين ثقة من خيار المسلمين، وهو من شيوخ مسلم
والأربعة والبخاري في الأدب المفرد.
2) كان كثير الحمل على أهل البيت، وكان على خاتم سليمان
ابن عبد الملك، وهو من شيوخ الستة.
3) كان من عمال عبيد الله بن زياد، ولم يكن له أب يعرف،
وهو من رجال مسلم وأبي داود.
82

47 عبد الوهاب بن عطاء الخفاف.
48 عثمان بن حيان الدمشقي.
49 عثمان بن عاصم بن حصين.
50 عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبي وقاص.
51 عثمان بن عبد الرحمن الحراني.
52 عكرمة البربري المطعون بطعون كثيرة.
53 علي بن طبيان.
54 علي بن عاصم.
55 عمر بن علي بن عطاء المقدمي البصري.
56 عمر بن سعد بن أبي وقاص (1.

1) قال العجلي هو تابعي ثقة، وقال ابن خيثمة عن ابن معين
كيف يكون من قتل الحسين ثقة، قال عمرو بن علي سمعت يحيى
ابن سعيد يقول: ثنا إسماعيل ثنا العيزار عن عمر بن سعد فقال له
موسى رجل من بنى ضبية: يا أبا سعيد هذا قاتل حسين؟ فسكت
فقال له: عن قاتل الحسين تحدثنا فسكت. وروى ابن خراش عن
عمرو بن علي نحو ذلك وقال: فقال له رجل انا نخاف الله تروى عن
عمر بن سعد، فبكى وقال: لا أعود. وقال الحميدي: ثنا سفيان
عن سالم قال: قال عمر بن سعد للحسين: ان قوما من السفهاء يزعمون
انى أقتلك فقال الحسين: ليسوا سفهاء ثم قال: والله انك لا تأكل
من بر العراق بعدي الا قليلا. وعمر بن سعد هذا من شيوخ النسائي.
83

57 عمرو بن سعيد العاص الأموي (1.
58 عمرو بن عبد الله بن الاسوار اليماني.
59 عمران بن حطان الخارجي (2.
60 عمير بن هاني (3.

1) هو الذي قال على المنبر بعد قتل الحسين عليه السلام مخاطبا
لرسول الله صلى الله عليه وآله ثار بثارات، ورعف على منبر رسول
الله حتى سال رعافه. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله
يقول: ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بنى أمية فيسيل رعافه
(مجمع الزوائد 5 / 240)، وولى المدينة لمعاوية ويزيد، وضرب
أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله خمسمائة سوط ليقول
أنا مولاكم، وهو الذي هدم حين سمع قتل الحسين عليه السلام
دار علي عليه السلام ودار عقيل ودار زوجة الحسين، كما حكى عن
ابن فندق البيهقي (ت 565) في لباب الأنساب، وقتله عبد الملك
غدرا، وهو من رجال مسلم والترمذي وابن ماجة وأبى داود في المراسيل.
2) هو الخارجي الذي مدح ابن ملجم بأبياته المشهورة، وهو
من شيوخ البخاري وأبى داود والنسائي، وان شئت أن تعرف
قليلا من مخازيه فراجع العتب الجميل ص 121 124.
3) كان واليا من قبل الحجاج على الكوفة، وهو القائل على
المنبر حين بويع ليزيد بن عبد الملك: سارعوا إلى هذه البيعة،
إنما هما هجرتان هجرة إلى رسول الله وهجرة إلى يزيد، وهو من
شيوخ الستة.
84

61 عنبسة بن خالد الأموي (1.
62 عنبسة بن سعيد الأموي (2.
63 فائد بن عبد الرحمن.
64 فليح بن سليمان المدني (3.
65 قتادة بن دعامة.
66 قيس بن أبي حازم، واسمه حصين بن عوف، ويقال
عوف بن الحارث (4.
67 كثير بن عبد الله المزني المدني.

1) قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 3 / 402 سألت أبى
عن عنبسة بن خالد فقال: كان على خراج مصر، وكان يعلق النساء
بالثدي، وهو من شيوخ البخاري وأبى داود. قال في العتب الجميل
ص 100 حري بمن يعمل هذه الوحشية التي ذكرها أبو حاتم
أن يكون...
2) كان جليس الحجاج، وقال الزبير كان انقطاعه إلى الحجاج،
وهو من شيوخ البخاري ومسلم وأبى داود.
3) قال الطبري: ولاه المنصور على الصدقات لأنه أشار عليه
بحبس بنى الحسن، وهو من رجال الستة.
4) كان يحمل على علي عليه السلام، وهو من شيوخ الستة.
85

68 لمازة بن زبار البصري (1.
69 مجاهد بن جبر المكي.
70 محمد بن أشعث بن قيس الكندي (2.
71 محمد بن بشار.
72 محمد بن جابر السحيمي.
73 محمد بن حميد الرازي.
74 محمد بن خازم الضرير الكوفي.
75 محمد بن زياد الالهاني (3.
76 محمد بن سعيد المصلوب.
77 محمد بن عبد الله بن علاثة.
78 محمد بن كثير الصنعاني.
79 محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي.
80 محمد بن الفضيل بن عطية العبسي.
81 مروان بن الحكم (4.

1) كان من أعداء علي عليه السلام ويشتمه ويسبه، وهو من
شيوخ أبى داود والترمذي وابن ماجة.
2) الذي حضر قتل الحسين عليه السلام وأعان عليه، وهو من
شيوخ أبى داود والنسائي.
3) اشتهر عنه النصب كحريز بن عثمان، وهو من شيوخ الأربعة
والبخاري في الأدب المفرد.
4) سوء حاله معروف، ومثالبه مشهورة، قتل طلحة، وله
القدح المعلى في إثارة الفتنة في أيام عثمان. قال العلامة المصلح
الحضر في العتب الجميل ص 101 بعد ما ذكر قليلا من اعمال
مروان وان النبي صلى الله عليه وآله قال فيه (هو الوزغ بن الوزغ
الملعون بن الملعون) فتعديل مثل مروان تفريط واضح، ومما يحير
منه العاقل المتدين رواية البخاري عن مروان وأشباهه وترفعه عن
الرواية عن وارث علوم النبي جعفر الصادق، ولله قول القائل
وحيث تركنا أعالي الرؤوس * نزلنا إلى أسفل الأرجل
86

82 معاوية بن خديج (1. 83 معاوية بن أبي سفيان (2.
84 نجيح السندي.
85 نعيم بن أبي هند الكوفي.
86 المغيرة بن شعبة (3.

1) هو قاتل محمد بن أبي بكر والقائل له: قتلت ثمانين من
قومي في دم عثمان، والله تعالى يقول " النفس بالنفس "، وهو من
شيوخ البخاري في الأدب المفرد وابن ماجة النسائي وأبى داود.
2) يراجع كتب التاريخ كالكامل وتاريخ صفين وكتاب معاوية
ابن أبي سفيان في الميزان للعقاد والنصائح الكافية لابن عقيل،
وهو من شيوخ الستة.
3) يعرفه كل من سبر تاريخ الاسلام، وهو مع ما اقترف من المآثم من شيوخ الستة.
87

87 مهلب بن أبي صفرة (1.
88 نعيم بن أبي هند الكوفي.
89 هشام بن حسان.
90 هشام بن عمار خطيب دمشق.
91 هشيم بن بشير.
92 الوليد بن مسلم الدمشقي.
93 الوليد بن عقبة بن أبي معيط (2.
94 يحيى بن أكثم القاضي.
95 يحيى بن العلاء البجلي.
96 يزيد الرقاشي.
97 يزيد بن أبي كبشة السكسكي خليفة الحجاج على الخراج
ووالى العراقين.
98 يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (3.

1) الوالي من قبل الحجاج على خراسان، وهو من رجال أبى
داود والترمذي والنسائي.
2) الذي نزل فيه (ان جاء كم فاسق بنبأ)، وخبر صلاته بهم
وهو سكران وقوله (أزيدكم) بعد أن صلى الصبح أربعا، مشهور
من حديث الثقات، وله اخبار فيها نكارة وشناعة، وهو من شيوخ
أبى داود.
3) هو من شيوخ أبى داود في المراسيل، فانا لله وانا إليه راجعون.
88

99 يزيد الرشك (1.
100 أبو بكر بن أبي موسى الأشعري (2.
وغيرهم ممن يقف عليهم الباحث في الرجال، وهؤلاء ونظراؤهم
كلهم مطعونون كما ذكرنا اما بالكذب أو بوضع الحديث أو
بالضعف أوليس بشئ أو كذاب أولا تجوز الرواية عنه أوليس بثقة
أو بالتدليس أو يروى الموضوعات أو متروك أو مجمع على ضعفه أو
بالسرقة أو شرب الخمر أو عامة حديثه كذب، وغيرها من الطعون
التي ذكروا وفى غيرهم في كتب الرجال مثل تهذيب التهذيب.
* * *
وما ذكرنا من أسماء شيوخ الحديث ليس الا غيض من فيض، الا
انه يظهر لك مما تقدم أنه لا عذر لمن يتمسك المنافقين والنصاب
والمرجئة والمعروفين بالفسق والكذب والظلم الفاحش والدعارة
والخلاعة والضعفاء والمدلسين في ترك أحاديث جوامع الشيعة،
وروايات أهل البيت الطاهرين.
كما يظهر لك أن ترك حديث العترة الطاهرة ليس الا لعلة سياسية

1) كان من اتباع الحجاج، وهو الذي نقل عنه ابن الجوزي
في كشف النقاب، قالوا دخلت عقرب في لحيته فمكثت فيها ثلاثة
أيام ولم يعلم بها، وهو من شيوخ الستة.
2) كان يذهب مذهب أهل الشام، جاءه أبو غادية الجهني قاتل عمار،
فأجلسه إلى جنبه وقال مرحبا بأخي، وهو من شيوخ الستة.
89

من أظهر مصاديقها التقرب إلى الولاة والامراء (1 أو الخوف منهم
ومن أعوانهم، وللعصبيات المذهبية والضغائن الجاهلية، ثم الجهل
بما عند الشيعة من الثروة العلمية والأحاديث المعتبرة.
وليس غرضنا قدح السلف والطعن في دينهم (تلك أمة قد خلت
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)، بل الغرض من ذلك التقريب
بين المذاهب وأن يكون سير الفقه الاسلامي سيرا لائقا به وأرقى
وارفع من العصبيات الطائفية، وان لا يترك الفقيه وكل باحث في
العلوم الاسلامية ما عند غير طائفته من العلوم والأحاديث المعتبرة،
ولا يعتبر كله ضلالا وباطلا، سيما إذا لم يكن اعتباره أقل مما عند
طائفته، بل كان ما عند غير طائفته أقوى وأصح سندا ومتنا، فلا يجوز
الاقتصار على أحاديث طائفة وترك أحاديث غيرها، فكيف يترك الطالب
الفاحص عن الحق هذه العلوم الجمة التي حصلت عند الشيعة (2

1) قال احمد شاكر في الباعث الحثيث ص 86 في الأسباب
التي دعت الكذابين والوضاعين إلى وضع الحديث: ويشبههم
بعض علماء السوء الذين اشتروا الدنيا بالآخرة وتقربوا إلى الملوك
والامراء والخلفاء بالفتاوى الكاذبة والأقوال المخترعة التي نسبوها
إلى الشريعة البريئة، واجترأوا على الكذب على رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ارضاء للأهواء الشخصية ونصرا للأغراض السياسية،
فاستحبوا العمى على الهدى. ثم ذكر ما صدر عن غياث بن إبراهيم
النخعي ومقاتل بن سليمان البلخي.
2) فقد حصل عند واحد من حفاظهم وهو الحافظ أبو العباس
ابن عقدة ثلاثمائة الف حديث من أهل البيت عليهم السلام (لسان
الميزان 1 / 262).
90

وعند جهابذتها ورجالها من لدن عصر الرسالة وعصر الإمام علي
إلى زماننا هذا بفضل تمسكهم بأئمة أهل البيت. وكيف يضرب
على هذه الجوامع والكتب الكثيرة التي لا ريب في أنها من أغلى
ذخائر الترات الاسلامي؟ ومن أين يحكم المنصف (العياذ بالله)
على كل ما في هذه الجوامع بالبطلان؟ ومن أين يقول من يحتج بالحديث
بعدم جواز الاحتجاج بهذه الأحاديث مع ما يرى من اتقان فقه الشيعة
وكونه أوفق بالكتاب والعقل.
وهذا حجر أساسي للتقريب بين المذاهب وأهلها، فإنهم إذا
جعلوا على أنفسهم أن لا يتجاوزوا عن الكتاب والسنة وأن لا يقولوا
الا بما دلت عليه الأحاديث المعتبرة، سواء كان من طرق الشيعة
أو السنة، ونظروا في الأحاديث والأقوال نظرة من لا يريد الا الواقع
والحقيقة، يحصل بينهم الوئام والوفاق أزيد مما هم عليه الان (1.

1) قد تفطن لبعض ما ذكرنا العلامة الشيخ محمود شلتوت شيخ
الجامع الأزهر سابقا وأكبر علماء أهل السنة المعاصرين وأعظم مفكريهم،
حيث أطلق فتواه التاريخية بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية،
وافتى خضوعا لقوة أدلة الشيعة بمذهبهم في مثل مسألة التطليقات
الثلاثة بلفظ واحد، فإنه يقع في المذاهب السنية ثلاثا وفى مذهب
الشيعة يقع واحدة رجعية.
91

وفائدة أخرى تحصل عند مراجعة الأحاديث المروية في جوامع
الشيعة والاطلاع على العلوم الاسلامية المدونة فيها أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لم يأمر بالرجوع إلى أهل بيته والتمسك بهم ولم
يجعلهم عدلا للقرآن الا لأنهم معادن العلم وينابيع الحكم وأعلم من
غيرهم بالأحكام الشرعية.
ونعم ما قاله أبو الحسن بن سعيد كما نقل عن كتابه كنوز المطالب:
يا أهل بيت المصطفى عجبا لمن * يأبى حديثكم من الأقوام
والله قد اثنى عليكم قبلها * وبهداكم شدت عرى الاسلام (1.

1) ينابيع المودة 3 / 4 ب 62.
92

وجوب تقديم روايات أهل البيت
على روايات غيرهم
93

اتفق علماء الفريقين على تقديم من كان اختصاصه بالمروي عنه
أكثر، فيقدم ما يرويه أهل بيت رجل أو تلميذه أو خادمه أو قريبه
على ما يرويه غيره، يقدمون ما يرويه أبو يوسف والشيباني
عن أبي حنيفة، وما يرويه المزني والربيع عن الشافعي على ما يرويه
غيرهم عنهما.
وقد اتفقوا أيضا على تقديم الاعدل من المخبرين على من ليس
له تلك المنزلة من العدالة، وهذه طريقة العقلاء في أمورهم الدينية
والدنيوية.
ومن ذلك نعلم وجوب تقديم أحاديث أئمة أهل البيت عليهم
السلام على روايات غيرهم لوجهين:
أحدهما: ان الأمة أجمعت على عدالتهم ووثاقتهم وفضلهم وتقواهم
95

وجلالة قدرهم ووجوب حبهم وموالاتهم، ولم يتحقق منهم اجماع
على عدالة غيرهم من الصحابة (1 والتابعين.
ثانيهما: انه لا ريب في اختصاص أهل البيت بالنبي صلى الله
عليه وآله وسلم، وانهم أدرى بما في البيت، فهم أهل بيت الوحي
والنبوة ومحط الرسالة ومختلف الملائكة. وقد أجمعت الأمة على
اختصاص الإمام علي عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله في
معرفة الأحكام الشرعية والعقائد الاسلامية وتفسير القرآن والسنة
ومعرفة المحكم والمتشابه والمطلق والمقيد والعام والخاص والتأويل
والتنزيل وغيرها.
وقد قال صلى الله عليه وآله في حقه: أنا مدينة العليم وعلي بابها
ومن أراد المدينة فليأت الباب (2.

1) راجع ما كتبه الأستاذ محمود أبو رية حول عدالة الصحابة
في كتابه (أضواء على السنة المحمدية) ص 285 306.
2) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 126 127، والخطيب
في تاريخ 4 / 348، 7 / 172، 11 / 48 49 بطرق مختلفة، وابن
حجر في تهذيب التهذيب 7 / 377، وابن الأثير في أسد الغابة 4 / 22،
والمتقي في كنز العمال 6 / 152، 156، 401، وابن عبد البر في
الاستيعاب، والسيوطي في الجامع الصغير عن ابن عدي، والطبراني
والعقيلي عن ابن عباس، والحاكم وابن عدي أيضا عن جابر. وذكر
في الغدير من مصادره 143 مصدرا، كما ذكر كلمات الاعلام المصرحة
بصحة الحديث، وأما العلامة اللكهنوي فقد صنف حول هذا الحديث
كتابا ضخما في جزئين بلغت صفحاته 1345 مشحونا بالتحقيقات
العلمية وجعله المجلد الخامس من المنهج الثاني من موسوعته
الكبيرة المسماة بعبقات الأنوار، وافرد فيه العالم المغربي الشريف
أحمد بن محمد الحسنى كتابا أسماه (فتح الملك العلي بصحة حديث
باب مدينة العلم علي)، وهو أيضا مع اختصاره كتاب جامع لفوائد
كثيرة في علم الجرح والتعديل وغيره ينبغي للباحثين مراجعته
والاهتمام به.
96

وقال: أنا دار الحكمة وعلى بابها (1.
وقال: علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض (2.
وقال: على مع الحق والحق مع علي يدور حيثما. دار (3.
وقال: على باب علمي، ومبين لامتي ما أرسلت به من بعدي،

1) سنن الترمذي مناقب 20، ذخائر العقبى ص 77.
2) الجامع الصغير 2 / 66، تاريخ الخلفاء ص 116، المستدرك
3 / 124، مجمع الزوائد 9 / 134، الصواعق المحرقة، فيض
القدير، كنز العمال وغيرها.
3) شرح نهج البلاغة 2 / 422، وبهذا المعنى اخبار كثيرة في
الترمذي والمستدرك وتاريخ بغداد ومجمع الزوائد وكنز العمال
وغيرها.
97

حبه ايمان وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة (1.
وقال علي عليه السلام: علمني رسول الله ألف باب، كل باب
يفتح الف باب أخرجه أبو نعيم والإسماعيلي في معجمه (2.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان الله أمرني أن أدنيك
ولا أقصيك، وان أعلمك وان تعي لك أن تعي. قال: فنزلت
هذه الآية (تعيها اذن واعية) - أخرجه أبو نعيم في الحلية عن علي (3).
وقال: انى أردت أن أدنيك ولا أقصيك، وان أعلمك وأن تعي
وحق لك أن تعي، قال فنزلت هذه الآية (وتعيها اذن واعية) - أخرجه
ابن أبي حاتم في التفسير عن ابن أبي مرة الأسلمي، وابن المغازلي
عن ابن بريدة عن أبيه، وأخرجه الطبري (4).

(1) كنز العمال 12 / 212 و 6 / 156، القول الجلي ح 38
وغيرهما، ونحوه ما روى في المستدرك ج 3 وكنوز الحقائق ص 188
وحلية الأولياء 1 / 63.
(2) فتح الملك العلى ص 19، كنز العمال 6 / 392، ونحوه
ما رواه الفخر في تفسير (ان الله اصطفى) نظم دررا السمطين 113،
فرائد السمطين ص 86.
(3) فتح الملك العلى ص 19، حلية الأولياء 1 / 67، كنز العمال
6 / 408 ح 6160.
4) فتح الملك العلى ص 19، تفسير الطبري 29 / 35،
الدر المنثور في تفسير الآية، أسباب النزول ص 329 الا انهم
رووا وحق على الله المناقب لابن المغازلي ص 319 ح 364،
لباب النقول 225.
98

ومن هذا الوجه أخرجه ابن جرير، وأخرجه أيضا من وجه
آخر عن بريدة، ومن وجه آخر عن مكحول مرسلا لما نزلت هذه
الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سألت الله أن يجعلها اذنك
يا علي. وهكذا أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه، وأخرجه الثعلبي
من وجه آخر عن حسن (1).
وعن ابن عباس قال: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وآله
عهد إلى علي سبعين عهدا يعهدها إلى غيره. ورواه الطبراني في
معجمه بسنده عن السندي بن عبدويه (2) وأخرجه أبو نعيم في الحلية
قال: حدثنا الطبراني به (3).

(1) فتح الملك العلي ص 19، تفسير الطبري 29 / 35، وراجع
أيضا الكشاف والدر المنثور ومجمع الزوائد 1 / 131، كنز العمال
6 / 398، 408، مناقب ابن المغازلي ص 265 ح 312، روح
المعاني 29 / 43، قال: وفى الخبر ان النبي صلى الله تعالى عليه
وسلم قال لعلي كرم الله وجهه: اني دعوت الله أن يجعلها اذنك
يا علي. قال علي كرم الله تعالى وجهه: فما سمعت شيئا فنسيته،
وما كان لي ان أنسى. وان شئت المزيد على ذلك فراجع شواهد
التنزيل ص 271 285.
2) تهذيب التهذيب 1 / 197.
(3) فتح الملك العلي ص 19 20.
99

وقال عبد الله بن عباس: والله لقد أعطى علي بن أبي طالب
تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر (1).
وروى طاوس عنه أنه قال: كان علي ولي الله قد ملئ علما وحكما (2).
وقال ابن عباس أيضا: إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لا تعدوها.
وفي أسد الغابة: إذا ثبت لنا الشئ عن علي لم نعدل عنه إلى غيره.
وفى الإصابة: إذا جاءنا الثبت عن علي لم نعدل به (3.
وقالت عائشة: انه أعلم الناس بالسنة، وكانت كثيرا ما ترجع
إليه في المسائل (4).
وعن أبي الطفيل قال: شهدت عليا يخطب، وهو يقول:
سلوني، فوالله لا تسألوني عن شئ الا أخبرتكم به، وسلوني عن
كتاب الله، فوالله مامن آية الا وأنا اعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في

(1) الاستيعاب وأسد الغابة في ترجمته، فتح الملك العلي
ص 36، ذخائر العقبى ص 78.
(2) فتح الملك العلي 19 20.
(3) الإصابة وأسد الغابة والاستيعاب في ترجمته، والخصائص
الكبرى 2 / 338، تاريخ الخلفاء ص 115، الشرف المؤبد ص 65،
تهذيب التهذيب 7 / 337، فتح الملك العلي ص 36.
(4) الشرف المؤبد ص 64 65، فتح الملك العلي ص 36،
وراجع صحيح مسلم كتاب الطهارة، وسنن النسائي 1 / 32، وابن
ماجة ص 42، ومسند أحمد 1 / 96، 100، 112، 117، وغيرها.
100

سهل أم في جبل، ولو شئت أوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة
الكتاب (1)
وقال ابن عباس: علم رسول الله من علم الله، وعلم علي من
علم رسول الله، وعلمي من علم علي، وما علمي وعلم أصحاب
محمد صلى الله عليه وآله في علم علي الا كقطرة في سبعة أبحر (2.
ولقد كان معاوية يكتب فيما ينزل به فيسأل علي بن أبي طالب،
فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب (3.
كما قد شهد بكثرة علمه وانه اعلم الناس جماعة من الصحابة،

1) الشرف المؤبد ص 64 65، كفاية الطالب للشقيطي
ص 47، المناقب للخوارزمي ص 56، ذخائر العقبى ص 83،
الاتقان 2 / 18 و 186، تهذيب التهذيب 2 / 338، الاستيعاب والإصابة
في ترجمته عليه السلام، الطبقات الكبرى 2 / 338 اخبار مكة
للأزرقي 1 / 50 مع اختلاف في ألفاظ بعضها مع بعض واختصار
متون بعضها، وصدر الخبر في اخبار مكة: سلوني فوالله لا تسألوني
عن شئ يكون إلى القيامة الا حدثتكم به. وفى كتاب شواهد
التنزيل عقد فصلا في توحده بمعرفة القرآن ومعانيه وتفرده بالعلم
بنزوله وما فيه ص 29 38.
2) الشرف المؤبد ص 64.
3) الشرف المؤبد ص 65. وفى ذخائر العقبى ص 79 ان
جمعا منهم معاوية وعائشة لما سئلوا أحالوا في السؤال عليه.
101

ذكر أسماء جمع منهم في كتاب فتح الملك العلي.
وقال علي عليه السلام: والله ما نزلت آية الا وقد علمت فيما
نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، ان ربى وهب لي قلبا عقولا
ولسانا طلقا (1.
وقيل لعلي عليه السلام: مالك أكثر أصحاب رسول الله حديثا؟ (2

1) الطبقات الكبرى 2 / 338، الشرف المؤبد ص 65، تاريخ
الخلفاء ص 124.
2) ومع ذلك لم يخرجوا من أحاديثه الا القليل، وأخرجوا
عن مثل أبي هريرة مع تأخر اسلامه وانه لم يصاحب رسول الله
صلى الله عليه وآله الأسنة واحدة وتسعة أشهر أحاديث كثيرة جدا،
حتى ذكر ابن حزم ان مسند بقي بن مخلد قد احتوى من حديث
أبي هريرة (5374) روى البخاري منها 446، وعلي عليه السلام
أول من أسلم وتربى في حجر النبي وعاش تحت كنفه قبل البعثة
واشتد ساعده في حضنه وظل معه إلى أن انتقل إلى الرفيق الاعلى لم
يفارقه لا في حضر ولا في سفر، وهو ابن عمه وزوج ابنته فاطمة
سيدة نساء العالمين وشهد المشاهد كلها سوى تبوك فقد استخلفه
النبي فيها على المدينة فقال: يا رسول الله أتخلفني في النساء والصبيان؟
فقال رسول الله: أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى
الا أنه لا نبي بعدي. رواه الشيخان وابن سعد.
ولو كان على قد حفظ كل يوم عن النبي وهو الفطن اللبيب
الذكي الحافظ ربيب النبي (حديثا واحدا) وقد مضى معه رشيدا
أكثر من ثلث قرن لبلغ ما كان يجب أن يروى أكثر من اثنى عشر
الف حديث. هذا إذا روى حديثا واحدا في كل يوم، فما بالك
لو كان قد روى كل ما سمعه وكان له الحق في روايته ولا يستطيع
أحد أن يماري فيه ولا تنس مع ذلك أنه كان يقرأ ويكتب.
وهذا الامام الذي لا يكاد يضارعه أحد من الصحابة جميعا في
العلم قد أسندوا له كما روى السيوطي (589)، وقال ابن حزم لم
يصح منه الا خمسون حديثا، ولم يرو البخاري ومسلم منها الا
نحو عشرين حديثا (راجع شيخ المضيرة ص 48، 108، 113)، وراجع
أيضا أبو هريرة حتى تعرف أفاعيل السياسية وانهم لم يعرضوا عن
أحاديث أهل البيت وجوامع الشيعة المملوءة بعلومهم الا لأنها لا توافق
أهواءهم وبدعهم، ولا تصوب سيرهم في الحكم والسياسية.
102

فقال: اني كنت سألته أنبأني وإذا سكت ابتدأني (1. وروي عنه:
كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتدئت (2.
وقال سعيد بن المسيب: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس
فيها أبو حسن (3. وقال: لم يكن أحد من الصحابة يقول (سلوني)

(1) الطبقات الكبرى 2 / 338، تاريخ الخلفاء ص 115، كنز
العمال 6 / 396.
(2) الطبقات الكبرى 2 / 346، خصائص أمير المؤمنين للنسائي
ص 30.
(3) تهذيب التهذيب 7 / 337، الطبقات الكبرى 2 / 339، أسد الغابة
3 / 22 23، تاريخ الخلفاء ص 115، ذخائر العقبى ص 82.
103

الاعلي (1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة الزهراء عليها السلام:
أما ترضين أن أزوجك (زوجتك خ ل) أقدم أمتي سلما وأكثرهم
علما وأعظمهم حلما رواه أحمد والطبراني برجال وثقوا (2).
وفى حديث أخرجه الحافظ أبو بكر عبد الرزاق الصنعاني:
لقد زوجتكه وانه لأول أصحابي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما (3.
وعن سلمان قال: قلت: يا رسول الله ان لكل نبي وصيا فمن
وصيك؟ فسكت عني، فلما كان بعد رآني فقال: يا سلمان، فأسرعت
إليه قلت: لبيك. قال: تعلم من وصى موسى؟ قال (4: نعم يوشع بن
نون. قال: لم؟ قلت: لأنه كان أعلمهم يومئذ. قال: فان وصيي
وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي
ابن أبي طالب (5.
وأخرج ابن سعد عن جبلة بن المصفح عن أبيه قال: قال لي
علي علي عليه السلام: يا أخا بني عامر سلني عما قال الله ورسوله، فنحن

1) ذخائر العقبى ص 83، أسد الغابة 4 / 22، تاريخ الخلفاء ص 115.
2) مجمع الزوائد 9 / 101 و 114، ذخائر العقبى ص 78،
ونحوه في شرح نهج البلاغة 2 / 236.
3) المصنف 5 / 49.
4) الظاهر أن (قال) سهو من بعض النساخ والصحيح (قلت).
5) مجمع الزوائد 9 / 113 114، تهذيب التهذيب مختصرا
3 / 106، الرياض النضرة 2 / 234.
104

أهل البيت اعلم بما قال الله ورسوله (1.
وأخرج الرازي عن علي عليه السلام ان النبي صلى الله عليه
وآله قال له: ليهنك العلم أبا الحسن، لقد شربت العلم شربا ونهلته نهلا (2.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وقد سئل عن علي عليه السلام
فقال: رحمة الله على أبى الحسن، كان والله علم الهدى وكهف
التقى وطود النهى ومحل الحجى وغيث الندى ومنتهى العلم للورى
ونورا أسفر في الدجى وداعيا إلى المحجة العظمى مستمسكا بالعروة
الوثقى، أتقى من تقمص وارتدى وأكرم من شهد النجوى بعد محمد
المصطفى، وصاحب القبلتين وأبو السبطين وزوجة خير النساء، فما
يفوقه أحد لم تر عيناي مثله ولم أسمع بمثله، فعلى من بغضه لعنة الله
ولعنة العباد إلى يوم التناد. أخرجه أبو الفتح القواس (3.
والأحاديث في هذه المعاني كثيره جدا لا شبهة في تواترها.
وقال علي عليه السلام في خطبته المعروفة بالقاصعة: وقد علمتم
موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة والمنزلة
الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمني في صدره ويكنفني
في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم
يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله

1) الطبقات 6 / 240.
2) ذخائر العقبى ص 78.
3) ذخائر العقبى ص 78.
105

به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من
ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره،
ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل اثر أمه، يرفع لي في كل يوم من
أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء،
فأراه ولا يرى غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير
رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشم
ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى
الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا
الشيطان آيس من عبادته، انك تسمع ما أسمع وترى ما أرى الا انك
لست بنبي ولكنك وزير وانك على خير (1.
وقال: كنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعا، ورسول
الله صلى الله عليه وآله حينئذ صامت ما اذن له في الانذار والتبليغ (2.
وقال: لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة سبع
سنين (3.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد صلت الملائكة علي
وعلى علي سبع سنين، وذلك أنه لم يصل معي رجل غيره. أخرجه

1) نهج البلاغة 2 / 282 خ 190.
2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 5.
3) شرح نهج البلاغة 1 / 5، وأخرج مثله ابن حجر في تهذيب
التهذيب 7 / 336 الا أنه قال: خمس سنين.
106

ابن الأثير بسنده عن أبي أيوب الأنصاري، وأخرجه المحب الطبري
الا أنه لم يذكر (سبع سنين)، وقال لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد
يصلى غيرنا (1.
والاخبار في هذا المعنى وأنه أول من صلى وأسلم كثيرة.
وأخرج ابن الأثير عن أبي الطفيل قال: قال بعض أصحاب
النبي صلى الله عليه وآله: لقد كان لعلي من السوابق ما لو أن
سابقة منها بين الخلائق لو سعتهم خيرا. ثم قال: وله في هذا أخبار
كثيره نقتصر على هذا منها، ولو ذكر ما سأله الصحابة مثل عمر
وغيره لأطلنا (2.
وأخرج المحب الطبري عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه والى نوح
في فهمه والى إبراهيم في حلمه والى يحيى بن زكريا في زهده والى
موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه،
أخرجه أبو الخير الحاكمي، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من أراد أن ينظر إلى إبراهيم
في حمله والى نوح في حكمه والى يوسف في جماله فلينظر إلى
علي بن أبي طالب أخرجه الملا في سيرته (3.

1) أسد الغابة 4 / 18، الرياض النضرة 2 / 217، ذخائر العقبى
ص 64.
2) أسد الغابة 4 / 23.
3) ذخائر العقبى ص 93 - 94، ينابيع المودة ص 214.
107

وأخرج ابن أبي الحديد عن أحمد والبيهقي: من أراد أن ينظر
إلى نوح في عزمه والى آدم في علمه والى إبراهيم في حلمه والى
موسى في فطنته والى عيسى في زهده فلينظر إلى علي بن أبي طالب
عليه السلام (1.
وأخرج ابن المغازلي بسنده عن انس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من أراد أن ينظر إلى علم آدم وفقه نوح
فلينظر إلى علي بن أبي طالب (2.
وأخرج الحافظ جمال الدين الزرندي عن أبي الطفيل وجعفر
ابن حبان ان الإمام الحسن السبط قال في خطبته: انا من أهل البيت
الذين كان جبرئيل ينزل فينا ويصعد من عندنا (3.
هذا وسيأتي في بعض الفصول الآتية ما يدل في ذلك انشاء
الله تعالى (4.
ومما ذكرنا يظهر ما اختص به علي عليه السلام دون غيره،
وناهيك عن علمه الواسع المستفاد من علم النبي صلى الله عليه وآله

1) شرح نهج البلاغة 2 / 249، ونحوه ما أخرجه في ص 236.
2) المناقب ص 212.
3) نظم درر السمطين ص 148.
4) لمزيد الاطلاع يراجع شرح نهج البلاغة والغدير وكتب
التواريخ والتراجم وجوامع الحديث.
108

كتاب (نهج البلاغة) وما روي عنه في الأحكام الشرعية وقضاياه.
ثم إنه لا ريب في اختصاص الحسن والحسين عليهما السلام
برسول الله صلى الله عليه وآله وبأمير المؤمنين، وهما ممن أذهب
الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
كما أنه لاشك في اختصاص أبنائهم بهم اختصاصا يقصر غيرهم
عن بلوغه.
إذا فلا شك في وجوب تقديم ما رواه اعلام أهل بيت النبوة،
مثل الامامين محمد الباقر وجعفر بن محمد الصادق بأسنادهم
المتصل إلى جدهم الرسول، وتعين الاخذ به دون حديث غيرهم
كائنا من كان، فضلا عن كون الراوي من الخوارج والنصاب
والمنافقين ومن عمال أمية وقتلة الأخيار، أو من دعاة المرجئة
وأهل الزندقة والمتقربين إلى الولاة وحكام الجور بوضع الأحاديث.
وظهر لك أيضا وجه اعراضهم عن أحاديث العترة الطاهرة وقلة
تخريجها في مثل الصحيحين وعدم احتجاجهم بأقوالهم، مع أن
الأخبار المتواترة من طرق الفريقين في فضلهم ووجوب موالاتهم
واتباعهم يؤكد وجوب التمسك بهم غاية التأكيد، ويأمر بالاخذ
بأقوالهم وأحاديثهم، كما يدل على وجوب الرجوع إليهم غاية
الايجاب والالزام.
هم القوم من أصفاهم الود مخلصا * تمسك في أخراه بالسبب الأقوى
109

هم القوم فاقوا العالمين مناقبا * محاسنهم تحكى وآياتهم تروى
موالاتهم فرض وحبهم هدى * وطاعتهم ود وودهم تقوى
110

العمل بالقياس
111

استدل القائلون بحجية القياس وجواز العمل به في الاحكام
كما نص عليه ابن رشد في مقدمة كتابه ((بداية المجتهد) بأن
النصوص وكذا الافعال والاقرارات الرعية متناهية، بينما الوقائع
والقضايا غير متناهية، ولا يمكن شمول المتناهى لغير المتناهي (1.

1) قال الغزالي في المستصفى 2 / 57: الحكم في الأشخاص
التي ليست متناهية إنما يتم بمقدمتين كلية كقولنا (كل مطعوم ربوي)
وجزئية كقولنا (هذا النبات مطعوم) أو (الزعفران مطعوم) وكقولنا
(كل مسكر حرام وهذا الشراب بعينه مسكر) الخ.
ولكن يسأل منه: إذا فما وجه رجوعكم إلى القياس؟ فان قلتم:
ان وجه ذلك عدم إحاطة النصوص بجميع الوقائع لقلتها ولان
الشارع سكت وأهمل كثيرا من الوقائع الكلية. يقال: هذا ينافي
كمال الدين وتمام النعمة، والقول به قول بالنقص في الشريعة.
وان قلتم: ان الوجه فيه اعواز النصوص وضياعها فلم يبق منها ما يعتمد
عليه الا القليل حتى قيل إن أبا حنيفة بلغت روايته إلى 17 حديثا
أو نحوها ولم يعتمد على ما جاء عن أبي هريرة وأنس بن مالك
وسمرة بن جندب (الأضواء ص 330 331)، بل قيل كان أبو حنيفة
لا يعمل بالحديث حتى وضع ابن أبي شيبة في كتاب المصنف بابا
للرد عليه ترجمه (باب الرد على أبي حنيفة) (الرفع والتكميل ص 58)،
فلجأوا إلى العمل بالقياس والرأي. قلنا: نعم الخبير لا يعتمد على
أكثر هذه الأحاديث المخرجة عن النواصب والمنافقين والمجروحين
وعلى الجوامع والمصنفات التي صنفت في عصور كانت السياسة
مشرفة على نقل الأحاديث وتصنيف الكتب.
كانوا يضعون الأحاديث لدعم السياسات وتأييد المذاهب التي
تمذهب الحكام بها حفظا لحكوماتهم، ويتهمون من يأخذ الحديث
عن غير من تسمح له الحكومة بالتحديث. الا ان هذا لا يصحح العمل
بالقياس، سيما بعدما كان أئمة أهل البيت بين ظهرانيهم، وعندهم
كل ما تحتاج إليه الأمة في أمر دينها، وقد أمر النبي صلى الله عليه
وآله الأمة بالتمسك بهم.
وبعدما قرع اسماعهم من أن حافظا من حفاظ الشيعة كابن عقدة
قال (انا أجيب بثلاثمائة الف حديث من أهل البيت) وان الحافظ
عبد الرحمن النيسابوري الخزاعي الذي كان من أعلم الناس بالحديث
وأبصرهم به، ويقال كان في مجلسه أكثر من ثلاثة آلاف محبرة،
يقول قوله المشهور منه في الصحيحين، ويقول: لو كان لي سلطانا
يشد على يدي لا سقطت خمسين الف حديث يعمل بها ليس لها أصل
ولا صحة، وكان يقول: احفظ مائة الف حديث (لسان الميزان
3 / 405).
وان قلتم: ان القياس أيضا من أحكام الشرع تعبدنا به. نقول:
هذا ممنوع، وما استدلوا به مزيف، وسكوت الشارع عن بيان
الحكم الكلي وايكاله إلى القياس والرأي مع اختلاف المجتهدين
فيه ينافي كمال الدين الذي لا يتحقق الا بأن يكون لله تعالى في كل
واقعة حكما واحدا معينا بينه على لسان النبي صلى الله عليه وآله.
مضافا إلى أن الشارع منع من القياس، ومضافا إلى اجماع أهل البيت
على بطلان التعويل عليه.
وتمام الكلام يطلب من كتب الأصول ككتاب العدة للشيخ
الطوسي وغيره.
وعلى كل حال ظهر أن التمسك بالقياس مع امكان الرجوع
إلى أهل البيت والروايات الحاكية عن السنة من طرقهم الوافية بأحكام
جميع الوقائع لا يجوز.
113

فالعمل بالقياس عند من يقول بجوازه إنما هو بالنسبة إلى الوقائع
التي لم يرد فيها حكم من الشارع وسكت عنها، أما الوقائع والقضايا
114

التي ورد حكمها من قبل الشارع فلا يجوز العمل به فيها.
ونحن تركنا التعرض في هذا المختصر للرد على الأدلة التي
115

أقاموها على حجية القياس وتفنيدها، إذ أن ما كتب حول هذا الموضوع
في كتب الأصول من قبل كثير من محققي الشيعة وغير واحد من
محققي أهل السنة يكاد أن لا يحصى، فمن شاء أن يتبين له الحق
فليراجع.
ولكن الذي نريد أن نقول: هو مجمل رأى الشيعة الإمامية في
الموضوع، ويتلخص في عدم جواز العمل بالقياس والاخالة (1 في
أحكام الله تعالى، وعدم جواز القول بخلو الكتاب والسنة عن أحكام
أكثر الوقائع، وعدم وفائهما بها.
وذلك لوجود أئمة أهل البيت وعترة النبي صلى الله عليه وآله
إلى القرن الثالث بين ظهراني الأمة محيطين علما بأحكام جميع
الوقائع، فلا توجد واقعة الا وحكمها عندهم، وقد أجمعوا على
حرمة العمل بالقياس، واجماعهم حجة.
أضف إلى ذلك رواياتهم الكثيرة في حرمته عن جدهم رسول
الله صلى الله عليه وآله، ونصوصهم من أن دين الله لا يصاب بالعقول،

1) الاخالة مسلك من مسالك العلة التي ذكرها الأصوليون في
مباحث أصول الفقه لا يقول به الحنفية ويقول به الشافعية، قال الشوكاني
في ارشاد الفحول: المسلك السادس المناسبة، ويعبر عنها بالاخالة
وبالمصلحة وبالاستدلال وبرعاية المقاصد، ويسمى استخراجها
تخريج المناط، وهي عمدة كتاب القياس ومحل غموضه ووضوحه
(الرفع والتكميل ذ ص 61).
116

وان السنة إذا قيست محق الدين (1.
وأضف على ذلك ان موضوع جواز العمل بالقياس على القول
به إنما يتحقق في واقعة سكت الشارع عن حكمها، وبعد ارجاعه
الأمة إلى أهل بيته والزامه بالتمسك بهم والاخذ بأقوالهم، يجب
الرجوع إليهم لا العمل بالقياس، لأنهم عيبة علم النبي صلى الله عليه
وآله وهداة الأمة من بعده وأمانهم من الضلال، فكيف يجوز
العمل بالقياس مع وجود أئمة من أهل البيت مثل جعفر بن محمد الصادق
بين الأمة وهم يقولون ببطلان العمل بالقياس وعلمهم بأحكام جميع
الوقائع.
نعم لو لم يكن في أحاديثهم والعلوم المذخورة عندهم عن النبي
صلى الله عليه وآله حكم واقعة، تصل النوبة إلى البحث عن حجية
القياس والرأي والاخالة في استكشاف حكم تلك الواقعة وعدمها،
فلا يجوز الاجتهاد والقياس مع النص.
ومع ذلك كيف يرضى المسلم المؤمن بما آتاه الرسول وبما
نهى عنه أن يدين بالقياس ويأخذ بالاستحسان ويعمل على وفق
الفتاوى التي يأباها العقل ولا تقرها الشريعة المقدسة السمحاء، وترك
أحاديث أئمة أهل البيت المخرجة في جوامع الشيعة، ويضرب

1) كما قد دلت من طرق أهل السنة روايات كثيرة على عدم
جواز العمل بالقياس، وان ما سكت الله عنه فهو عفو ولا يبحث عنه
(راجع مجمع الزوائد 1 / 171، 172، 179).
117

على كل هذه الأحاديث والعلوم بالرد ويستند في أحكام دينه على
روايات النواصب والخوارج والمنافقين والمجاهيل ممن أشرنا إلى
بعضهم.
ونختم الكلام في هذا الموضوع بما قال أمير المؤمنين علي
عليه السلام، قال:
ترد على أحدهم القضية في حكم من الاحكام فيحكم فيها برأيه،
ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه، ثم يجتمع
القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا،
وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد. فأمرهم الله تعالى
بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل الله دينا ناقصا
فاستعان بهم على اتمامه؟ أم كانوا شركاءه فلهم أن يقولوا وعليه
أن يرضى؟ أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم عن تبليغه وأدائه، والله سبحانه يقول (ما فرطنا في الكتاب
من شئ) وقال (فيه تبيان كل شئ) وذكر أن الكتاب يصدق بعضه
بعضا وانه لا اختلاف فيه فقال سبحانه (ولو كان من عند غير الله
لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)، وان القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق،
لا تفنى عجائبه ولا تكشف الظلمات الا به (1.
هذا مختصر الكلام في الأمر الأول، وهو وجوب الاخذ بأحاديث
أئمة أهل البيت وما روي عنهم بالطرق المتصلة إليهم عليهم السلام،

1) نهج البلاغة 1 / 50 51.
118

ويأتي الكلام في الأمر الثاني، وهو حجية أقوال أئمة العترة وأفعالهم
وسيرتهم ووجوب اتباعهم والرجوع إليهم (1.
ومما يؤيد صحة هذه الأحاديث أن الفقه الشيعي المستند إليها
أوفق بالكتاب والسنة والعقل والشريعة الحنيفية السمحة، كما لا يخفى
على كل باحث في الفقه والكتب المؤلفة في خلافات الفقهاء،
كالخلاف للشيخ الطوسي وتذكرة الفقهاء للعلامة الحلي وغيرهما.
ولنعم ما قال ابن الوردي عمر بن المظفر بن عمر التيمي مؤلف
(تاريخ ابن الوردي) وناظم البهجة:
يا أهل بيت النبي من بذلت * في حبكم روحه فما غبنا
من جاءكم الحديث له * قولوا لنا البيت والحديث لنا (2.

1) راجع الفرق بين الامرين في (المدخل).
2) مقدمة تاريخ ابن الوردي ص 39، نور الابصار ص 105.
119

النصوص الصحيحة
في وجوب التمسك بأهل البيت
عليهم السلام
121

قد دلت النصوص الصريحة الكثيرة المتواترة خرجها أكابر
علماء الجمهور وأعاظم أئمتهم المحدثين وحفاظهم، على وجوب
التمسك بأهل البيت وأخذ العلم عنهم وحجية أقوالهم وان اتباعهم
هو طريق النجاة، وهم الآخذون بالكتاب والسنة، نذكر بعون الله
تعالى طائفة منها في هذا المختصر:
الأول: نصوص الثقلين
نصوص الثقلين (1 متواترة قطعية أجمعت الأمة على صحتها، وقد
أخرجها أكابر أهل السنة ومحدثيهم في صحاحهم وجوامعهم

1) قال ابن الأثير في النهاية 1 / 216: سماها ثقلين لان الاخذ
بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس ثقل، فسماهما
ثقلين اعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما.
123

ومسانيدهم بأسانيد صحيحة، وقد بقيت على تواترها في جميع الأعصار
إلى العصر الحاضر، وقلما يخلو عن روايتها مسند أو جامع
أو كتاب في الفضائل، منذ أن بدأ تدوين الأحاديث في الكتب، بل
قد رويت في كتاب واحد بطرق متعددة.
وتواترها وقوة اشتهارها بين أهل السنة فضلا عن الشيعة يغني
عن ذكر مصادرها ومخرجيها، فراجع كتاب (عبقات الأنوار) وما
كتب فيه حول هذه الأحاديث (1. وراجع كتب الحديث عند العامة
وتفاسيرهم وتواريخهم وكتبهم في اللغة، حتى تعرف شان هذه
النصوص من الاشتهار والتواتر.
قال ابن حجر: ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين
صحابيا لا حاجة لنا ببسطها (2.
ونصوص الحديث على كثرتها وان كانت ترجع إلى معنى
واحد وهو وجوب التمسك بالكتاب والعترة الا أن لفظها قد يختلف
عند مخرجيها بحسب اختلاف أسانيدها الصحيحة، وانها صدرت

1) راجع حول سند الحديث وألفاظه ودلالته المجلد الأول
والثاني من الجزء الثاني عشر من العبقات وقد طبعا في الطبعة الجديدة
في ستة اجزاء (2188) صفحة، وهو سفر قيم نافع مشحون بالتحقيقات
في الحديث والتراجم وغيرهما. وراجع الباب الرابع من كتاب
ينابيع المودة ص 27 41.
2) الصواعق المحرقة ص 226 طبع مكتبة القاهرة.
124

في غير مورد ومكان.
1 فعند الطبراني وغيره بسنده صحيح أنه صلى الله عليه وآله
وسلم قال في خطبة خطبها بغدير خم تحت شجرات: اني أظن أن
يوشك أن أدعى فأجيب، واني مسؤول وانكم مسؤولون، فماذا
أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت، فجزاك
الله خيرا. فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده
ورسوله، وان جنته حق وأن ناره حق، وان الموت، وان البعث
حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله من
في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم اشهد. ثم قال:
أيها الناس ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من
أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعنى عليا - اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه. ثم قال: أيها الناس انى فرطكم وانكم واردون
علي الحوض، حوض اعرض مما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم
قد حان من فضة، وأي سائلكم حين تردون عن الثقلين، فانظروا
كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه
بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تبدلوا، وعترتي أهل
بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي
الحوض.

1) الصواعق ص 41، مجمع الزوائد 9 / 164 مع اختلاف
يسير في بعض الألفاظ، وفيه (لن يفترقا) وغيرهما.
125

2 - وعند الترمذي وغيره بأسنادهم عن جابر قال: رأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله في حجته يوم عرفة وهو على
ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: أيها الناس اني قد تركت فيكم
ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي. (قال
الترمذي) وفى الباب عن أبي ذر وأبى سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة
ابن أسيد (1.
3 - وأخرج بطريق آخر عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي،
أحدهما أعظم من الاخر، كتاب اله حبل ممدود من السماء إلى
الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض،
فانظروني كيف تخلفوني فيهما (2. وأخرجه ابن الأثير الا أنه قال:
(لن تضلوا أحدهما أعظم) الحديث (3.
4 - وعند احمد في مسنده: اني أوشك ان أدعى فأجيب،
وانى تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله حبل
ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وان اللطيف
الخبير أخبروني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروني

1) سنن الترمذي 2 / 308، مناقب أهل بيت النبي " ص " طبع
سنة 1292.
2) سنن الترمذي 2 / 308.
3) أسد الغابة 2 / 412.
126

بم تخلفوني فيهما (1
أقول: ولأحمد في مسنده لهذا الحديث طرق كثيرة جدا
مضامينها متقاربة، وأخرجه ابن سعد عن أبي سعيد الا أنه قال:
فانظروني كيف تخلفوني فيهما (2.
5 - وعند مسلم في صحيحه من بعض طرقه عن زيد بن أرقم
قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله فينا خطيبا بماء يدعى
خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم
قال: أما بعد، ألا أيها الناس فإنما انا بشر يوشك ان يأتي رسول
ربى فأجيب، وانا تراك فيكم ثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور،
فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب
فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله
في أهل بيتي. وأخرج الحديث بطرق أخرى أيضا (3، وأخرجه
البيهقي باسناده عن يزيد بن حيان (4.
6) وفى رواية صححها ابن حجر: انى تراك فيكم أمرين لن
تضلوا ان تبعتموها، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي. زاد الطبراني:
ان سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا،

1) مسند أحمد 3 / 17، الصواعق المحرقة ص 147 عن المسند.
2) الطبقات الكبرى 2 / 194.
3) صحيح مسلم 7 / 122 - 123، مصابيح السنة 278.
4) السنن الكبرى 2 / 148.
127

ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم (1. وأخرجه الحاكم عن زيد وصححه
على شرط الشيخين، وفيه بعد قوله (وأهل بيتي عترتي)) ثم قال:
أتعلمون انى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات قالوا:
نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلى مولاه (2.
7 وفى رواية أخرى انه صلى الله عليه وآله قال في مرض
موته: أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي، وقد
قدمت إليكم القول معذرة إليكم، الا انى مخلف فيكم كتاب ربي عز
وجل وعترتي أهل بيتي. ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي
مع القرآن والقرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض،
فأسألهما ما خلفت فيهما (3.
8 وفى رواية صححها أيضا ابن حجر: انى تارك فيكم ما ان
تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي (4.
9 وعند الطبراني في الكبير واحمد أيضا في مسنده بسند
صحيح: انى تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء
والأرض، وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي
الحوض (5. وأورده السيوطي أيضا بسند صحيح بلفظ آخر عن أحمد

1) الصواعق المحرقة ص 148.
(2) المستدرك 3 / 109.
(3) الصواعق المحرقة ص 124.
4) الصواعق المحرقة ص 143.
5) الجامع الصغير 1 / 104، احياء الميت ح 56 عن زيد بن ثابت.
128

وعبد بن حميد ومسلم (1، وأخرجه ابن عقدة في الموالاة بسنده عن
زيد بن ثابت (2، وأخرجه الهيثمي مختصرا عن زيد بن ثابت وقال
رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات (3.
10 وأخرج الحاكم وصححه على شرط الشيخين عن زيد
قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع
ونزل غدير خم أمر بدوحات فقمن فقال: كأني قد دعيت فأجبت،
انى قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الاخر، كتاب الله
وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض. ثم قال: ان الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن
ثم أخذ بيد على فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه (4.
11 ومثله في كنز العمال نقلا عن ابن جرير في تهذيب الآثار
بسنده عن أبي الطفيل، وفى آخره فقلت لزيد: أنت سمعته من
رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال... ما كان في الدوحات أحد
الا قد رآه بعينه وسمعه بأذنيه (ثم قال في الكنز) أيضا عن ابن جرير عن
عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مثل ذلك (5.

1) الجامع الصغير 1 / 64.
2) ينابيع المودة ص 36.
3) مجمع الزوائد 1 / 170.
4) المستدرك 3 / 109.
5) كنز العمال 6 / 390.
129

وأخرج النسائي بسنده عن زيد بن أرقم قال: لما رجع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم
امر بدوحات فقمن ثم قال: كأني دعيت فأجبت، وانى تارك فيكم
الثقلين أحدهما أكبر من الاخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا
كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.
ثم قال: ان الله مولاي وانا ولى كل مؤمن. ثم اخذ بيد على فقال:
من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت
لزيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: وانه
ما كان في الدوحات أحد الا رآه بعينه وسمعه بأذنيه (1.
13 وأخرج الحافظ ابن عقدة (في المولاة) عن عامر بن أبي
ليلى بن ضمرة وحذيفة بن أسيد قالا: قال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم: أيها الناس ان الله مولاي وانا أولاكم من أنفسكم،
الا ومن كنت مولاه فهذا مولاه. وأخذ بيد على فرفعها حتى عرفه
القوم أجمعون، ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم
قال: وانى سائلكم حين تردون علي الحوض عن الثقلين، فانظروا
كيف تخلفوني فيهما قالوا: وما الثقلان؟ قال: الثقل الأكبر كتاب
الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، والأصغر عترتي، وقد نبأني
العليم الخبير أن لا يفترقا حتى يلقياني، سألت ربى لهم ذلك فأعطاني،
فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم. وأيضا أخرجه

(1) خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 21.
130

ابن عقدة من طريق عبد الله بن سنان عن أبي الطفيل عن عامر وحذيفة
ابن أسيد نحوه (1.
14 - أخرج الدولابي في (الذرية الطاهرة) روى الحافظ
الجعابي عن عبد الله بن الحسن بن الحسن عن أبيه عن جده عن علي،
ولفظه: انى مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله حبل
طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى
يردا علي الحوض (2.
15 - وأخرج ابن عقدة من طريق سعد بن ظريف عن الأصبغ
ابن نباتة عن علي، وعن ابن أبي رافع مولى رسول الله ما لفظه:
أيها الناس انى تركت فيكم الثقلين الثقل الأكبر والثقل الأصغر،
فأما الأكبر هو حبل الله فبيد الله طرفه والطرف الآخر بأيديكم، وهو
كتاب الله ان تمسكتم به لن تضلوا ولن تذلوا أبدا، وأما الأصغر
فعترتي أهل بيتي، ان اللطيف الخبير أخبرني انهما لن يفترقا حتى
يردا علي الحوض، وسألت ذلك لهما فأعطاني، والله سائلكم
كيف خلفتموني في كتاب الله وأهل بيتي (3.
16 - أخرج ابن عقدة من طريق محمد بن عبد الله بن أبي رافع
عن أبيه عن جده، وعن أبي هريرة ما لفظه: اني خلفت فيكم

1) ينابيع المودة ص 37.
2) ينابيع المودة ص 37.
3) ينابيع المودة ص 37 - 38.
131

الثقلين ان تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي،
ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض (1.
17 - أخرج أبو نعيم عن أبي الطفيل: ان عليا قام فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال: أنشد الله من شهد يوم غدير خم الا قام، ولا يقوم
رجل يقول نبئت أو بلغني الأرجل سمعت أذناه ووعاه قلبه، فقام سبعة
عشر رجلا منهم خزيمة بن ثابت وسهل بن سعد وعدي بن حاتم
وعقبة بن عامر وأبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو شريح
الخزاعي وأبو قدامة الأنصاري وأبو يعلى الأنصاري وأبو الهيثم بن
التيهان ورجال من قريش، فقال على: هاتوا ما سمعتم. فقالوا:
نشهد أنا أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع
نزلنا بغدير خم، ثم نادى بالصلاة فصلينا معه، ثم قام فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما أنتم قائلون؟ قالوا: قد بلغت.
قال: اللهم اشهد - ثلاث مرات - ثم قال: اني أوشك ان أدعى
فأجيب، وانى مسؤول وأنتم مسؤولون. ثم قال: أيها الناس انى
تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ان تمسكتم بهما لن
تضلوا، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، ولن يفترقا حتى يردا علي
الحوض، نبأني بذلك اللطيف الخبير. ثم قال: ان الله مولاي وأنا
مولى المؤمنين، ألستم تعلمون انى أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا:
بلى ذلك ثلاثا. ثم أخذ بيدك يا أمير المؤمنين فرفعها وقال: من

1) ينابيع المودة ص 38.
132

كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
فقال علي: صدقتم وأنا على ذلك من الشاهدين (1.
18 - أخرج المتقى الهندي خطبة رسول الله صلى الله عليه
وآله في غدير خم منها: أيها الناس ألا هل تسمعون، فانى فرطكم
على الحوض وأنتم واردون علي الحوض، وان عرضه أبعد ما بين
صنعاء وبصرى، فيه اقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف
تخلفوني في الثقلين. قالوا: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: كتاب
الله طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا، والاخر
عترتي، وان اللطيف الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى يردا علي
الحوض، فسألت ذلك لهما ربى، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا
عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، من كنت أولى به
من نفسه فعلى وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال:
رواه الطبراني في الكبير عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم (2.

1) ينابيع المودة ص 36، وأخرج في أسد الغابة حديث
مناشدة علي عليه السلام مختصرا في عدة مواضع 1 / 368 و 369،
3 / 307 و 312، 5 / 205 و 375 و 276، وأخرجه أحمد في مسنده
4 / 307 وفيه فقام ثلاثون من الناس وأخرجه أيضا مختصرا في
5 / 307، وأخرجه النسائي في الخصائص ص 22 و 26، وابن حجر
في الإصابة، وابن المغازلي في المناقب ص 21، 26، 27،
وأبو نعيم في أخبار أصبهان 1 / 107 مختصرا وغيرهم.
2) كنز العمال 1 / 48.
133

19 - وأخرج الشريف الحضرمي: اني فرطكم على الحوض
فأسألكم عن ثقلي خلفتموني فيهما. فقام رجل من المهاجرين
فقال: وما الثقلان؟ قال: الأكبر منهما كتاب الله سبب طرفه بيد الله
وسبب طرفه بأيديكم فتمسكوا به، فالأصغر عترتي، فمن استقبل
قبلتي وأجاب دعوتي فليستوص بهم خيرا (أو كما قال) فلا تقتلوهم
ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم، واني قد سألت اللطيف الخبير
فأعطاني أن يردوا علي الحوض كتين - أو قال كهاتين وأشار بالمسبحتين -
ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل ووليهما لي ولي وعدوهما
لي عدو (1.
20 - أخرج عبد بن حميد في مسنده عن زيد بن ثابت قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: انى تارك فيكم ما ان تمسكتم
به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي انهما لن يفترقا حتى
يردا علي الحوض (2.
21 - وأخرج ابن أبي شيبة والخطيب في المتفق والمفترق
عن جابر بلفظ: انى تارك فيكم ما لن تضلوا بعدي ان اعتصمتم به،
كتاب الله وعترتي أهل بيتي (3.

1) رشفة الصادي من بحر فضائل بنى النبي الهادي ص 71،
نظم درر السمطين ص 233 - 234، ينابيع المودة ص 37.
2) احياء الميت بفضائل أهل البيت ح 7.
3) عبقات الأنوار ج 2 م 12 ص 42.
134

22 - أخرج الحسن بن محمد الصغاني الحافظ (ت 650)
في " الشمس المنيرة ": (1 افترقت أمة أخي موسى احدى وسبعين
فرقة، وافترقت أمة أخي عيسى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق
أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم هالكة الا فرقة واحدة. فلما سمع
ذلك منه ضاق المسلمون ذرعا وضجوا بالبكاء وأقبلوا عليه وقالوا:
يا رسول الله كيف لنا بعدك بطريق النجاة؟ وكيف لنا بمعرفة الفرقة
الناجية حتى نعتمد عليها؟ فقال صلى الله عليه وآله: انى تارك فيكم
ما ان تمسكتم به لن تضلوا من بعدي ابدا، كتاب الله وعترتي أهل
بيتي، ان اللطيف الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
23 - وأخرج الدارمي بسنده عن يزيد بن حبان عن زيد بن
أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله يوما خطيبا، فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنما أنا بشر يوشك ان يأتيني رسول
ربى فأجيبه، وانى تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى

1) توجد من هذا الكتاب نسخة مخطوطة في " مكتبة آستان
قدس " رقمها (1704) عنها أخذنا الحديث، وفى أحاديث افتراق
الأمة بعض الشواهد لما في هذا الحديث، وهو كون الفرقة الناجية
المتمسكين بالكتاب والعترة ذكرناه في رسالة أفردناها في تعيين
الفرقة الناجية، ولا يجوز ترك هذا الحديث لغرابة متنه، فان أحاديث
الثقلين وطوائف كثيرة من غيرها من الأحاديث كلها ترشد إلى معنا،
كما ستعرف بعض ذلك في فصل دلالة الأحاديث.
135

والنور، فتمسكوا بكتاب الله وخذوا به. فحث عليه ورغب فيه
ثم قال: وهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي - ثلاث مرات.
وأخرجه المتقى أيضا عن زيد بن أرقم (1.
* * *
هذا بعض ألفاظ نصوص الثقلين، وقد ظهر مهنا أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم قد كرر عليهم ذلك في موارد متعددة، في
غدير خم والجحفة كما رواه الحاكم (2، وابن الأثير (3، والنسائي في
الخصائص والذهبي في التلخيص وغيرهم، وفى حجة الوداع بعرفة
كما سمعته عن الترمذي، وفى مرض موته كما أخرجه ابن حجر،
وبعد انصرافه من الطائف لما قام خطيبا، وفى غيرها من المواطن.
ويستفاد من ذلك شدة اهتمام النبي صلى الله عليه وآله
بابلاغ ذلك وبارجاع الأمة اليهما، فكرر ذلك بحسب المواطن
والمواقف، حتى لا يبقى لاحد عذر في ترك الرجوع اليهما
والتمسك بهما.
قال ابن حجر: ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة
وردت عن نيف وعشرين صحابيا، ومر له طرق مبسوطة في حادي

1) سنن الدارمي 2 / 431 كتاب فضائل القرآن، منتخب كنز
العمال المطبوع بهامش المسند 1 / 96.
2) المستدرك 3 / 109، 533.
3) أسد الغابة 3 / 92، 147.
136

عشر الشبه، وفى بعض تلك الطرق أنه قال بحجة الوداع بعرفة،
وفى أخرى أنه قال بالمدينة في مرض موته وقد امتلأت الحجرة
بأصحابه، وفى أخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفى أخرى انه قام
خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر. ولا تنافي، إذ لا مانع من أنه
كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب
العزيز والعترة الطاهرة (1.
دلالة أحاديث الثقلين
يستفاد من هذه النصوص أمور:
(الأول) وجوب ا لتمسك بالكتاب والعترة، والمراد به إنما هو
وجوب السير على وفق أوامرهم ونواهيهم وارشاداتهم، لكونهم
أعدال القرآن، وعدم افتراق أحدهما عن الاخر.
(الثاني) انحصار سبيل النجاة والعصمة عن الضلالة بالتمسك بهم
وبالكتاب دون غيرهم كائنا من كان، لأنه جعلهم عدل الكتاب وغير
مفترقين عنه، ولأنه لو كان التمسك بغيرهم مؤمنا من الضلال لوجب
ان ينبه عليه، خصوصا في مثل تلك المواطن.
ويدل على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وآله " فلا تقدموهما
فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم "
وانه خاطب الجميع في هذه النصوص، فما من الأمة أحد الا وهو
مأمور بالتمسك بهم.

1) الصواعق المحرقة ص 148.
137

(الثالث) تعليق الامن من الضلالة بالتمسك بالكتاب وأهل البيت
جميعا، فالتمسك بأحدهما ان لم يقترن بالتمسك بالاخر لا يوجب
الامن من الضلالة، فإنه صلى الله عليه وآله لم يقل: ما ان تمسكتم بأيهما
أو بأحدهما. وعليه فمفهوم الحديث يدل على وعيد عظيم، وهو أن
من لم يتمسك بهما أو تمسك بأحدهما يقع في الضلال، وذكر ذلك
الفاضل الشهير احمد أفندي المعروف بالمنجم باشى (ت 1113 أو
1116) في طي ما افاده من النكات الجليلة، وهو من أعلام السنة
ومحققيهم (1. بل التمسك الحقيقي بأحدهما من غير التمسك بالاخر
لا يتحقق، فلا يمكن التمسك بأحدهما دون الاخر.
(الرابع) عصمة العترة عن الخطأ والاشتباه، وذلك لوجوه:
1 - عدم افتراقهم عن الكتاب، فتجويز افتراقهم
عن الكتاب، وهو مناف لقوله صلى الله عليه وآله " لن يفترقا ".
2 - لو لم يكونوا معصومين لجاز أن يكون المتمسك بهم ضالا،
ويدفع هذا أمر النبي صلى الله عليه وآله بالتمسك بهم.
3 - لو لم يكونوا معصومين لما أمكن أن يكونوا منقذين من
الضلالة مطلقا، ولم يكن التمسك بهم أمنا من الضلال كذلك، وهو
ينافي قوله صلى الله عليه وآله " ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ".
4 - انهم لو لم يكونوا معصومين من الخطأ لم يكن التقدم عليهم
والتخلف عنهم سببا للتهلكة على سبيل الاطلاق، وقد قال صلى الله

1) يراجع كشف الأستار ص 108 - 109.
138

عليه وآله " فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ".
5 - ان النبي صلى الله عليه وآله امر باتباعهم والتمسك بهم
على سبيل الاطلاق، ولا يجوز اتباع أحد على الاطلاق الا
إذا كان معصوما.
(الخامس) كون العترة أعلم الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله
إذ لا معنى لاختصاصهم بالاقتران بالكتاب وعدم افتراقهم عنه الا إذا
كان عندهم من العلوم اللدنية ما ليس عند غيرهم، وكانوا أعلم
بالكتاب والسنة من غيرهم، وكان لهم من الله عنايات اختصم بها،
والا فحالهم وحال غيرهم سواء، ولا يصح اقترانهم بالكتاب في كون
التمسك بهم منقذا من الضلالة، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه
وآله " فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم " (1.
(السادس) بقاء العترة الهادية إلى يوم القيامة، وعدم خلو الزمان
من عالم من أهل البيت تكون أقواله حجة كالكتاب المجيد، ويدل
على ذلك أمور:
1 - قوله صلى الله عليه وآله " انى تارك فيكم الثقلين " وقوله
" انى مخلف فيكم " وقوله " انى تارك فيكم خليفتين " وقوله " انى
قد تركت فيكم " وقوله " انى قد خلفت فيكم الثقلين " فإنها تدل

1) ومن هذا الباب ما في (سيرة يحيى بن الحسين) ص 26 - 27:
أهل بيتي أئمة الهدى، فقدموهم ولا تقدموا عليهم، وأمروهم
ولا تأمروا عليهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم.
139

على أنه صلى الله عليه وآله ترك في أمته من يكون مرجعا في أمورهم
وخليفته عليهم، وهو القرآن والعترة. ومن المعلوم ان احتياج
الأمة اليهما ليس مختصا بزمان دون زمان، فلو لم يبق ما ترك في
الأمة مدى الدهر لا يصدق عليه أنه ترك فيهم من يكون كذلك، وعليه
فلا يصح صدور هذه التعابير والتصريحات منه. والفرق واضح
بين أن يكون تاركا ومخلفا في الجميع ما ان تمسكوا به لن يضلوا
أو في البعض، وهذه العبارات كلها صريحة في الأول دون الثاني.
2 - قوله صلى الله عليه وآله " ما ان تمسكتم به لن تضلوا " وقوله
" ان تمسكتم بهما لن تضلوا " فان نفى الضلال على سبيل التأبيد
ان تمسكوا بالثقلين لا يصح الا إذا كان ما يتمسك به باقيا متأبدا.
3 - قوله صلى الله عليه وآله " لن يفترقا حتى يردا علي
الحوض " فإنه لو لم يكن في زمن من الأزمنة من هو عدل الكتاب
وقرينه لزم افتراق كل منهما عن الاخر، وهذا ينافي ما هو صريح
الحديث من كونهما عدلين وعدم افتراقهما ابدا.
4 - قوله صلى الله عليه وآله " لن ينقضيا حتى يردا علي
الحوض " فإنه يدل على دوامهما وعدم انقضائهما ابدا.
قال ابن حجر: وفى أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت
إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما
أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي،
ويشهد لذلك الخبر السالف " في كل خلف من أمتي عدول من أهل
140

بيتي " إلى آخره (1.
ومما يدل على وجود من يكون اهلا للتمسك به من أهل البيت
في جميع الأزمان وعدم خلو الزمان من امام معصوم إلى يوم القيامة
- كما هو مذهب الإمامية - مضافا إلى اخبار السفينة والامام وغيرهما
من الأخبار الكثيرة التي يأتي الايعاز إلى بعضهما انشاء الله تعالى،
الحديث المشهور الذي أخرجه الحميدي في الجمع بين الصحيحين
على ما حكي عنه " من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية "
ونحوه ما عن الحاكم عن ابن عمر، وفيه من الحث الشديد على
وجوب معرفة الامام والتهديد والوعيد لمن قصر في أداء حقه ومعرفته
وعدم خلو الزمان إلى يوم القيامة وجود امام معصوم مالا يخفى.
وأخرج ابن مردويه عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله " يوم ندعو كل أناس بامامهم " قال: يدعى
كل قوم بامام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم (2.
وأخرجه الثعلبي مسندا عنه صلى الله عليه وآله (3.
هذا ومن شاء استقصاء ما يستفاد من الحديث من شؤون أهل

1) الصواعق المحرقة ص 149، وقد نص عليه أيضا السمهودي
والدولة آبادي والعجيلي وكمال الدين الجهرمي وغيرهم ممن سرد
أسماءهم وتصريحاتهم في الطبقات - فراجع.
2) الدر المنثور 4 / 194، روح المعاني 15 / 112.
3) خصائص الوحي المبين لابن بطريق ص 129.
141

البيت ومقاماتهم فعليه بكتاب عبقات الأنوار ج 12 م 12، فإنه ذكر
أمور كثيرة واستشهد لها بالأحاديث اعلام أهل السنة
في غاية التحقيق (1.
والله هو الهادي إلى الصراط المستقيم.

1 - والعلامة الشهير محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني
(ت 583) بحث قيم حول أحاديث الأئمة الاثني عشر ورواتها
ودلالتها، وكذلك أحاديث الثقلين والسفينة والأمان في كتابه القيم
(متشابهات القرآن ومختلفه) 2 / 55 - 58 في نهاية الدقة والاتقان.
142

من هو الذي يجب التمسك به
من العترة؟
143

لا ريب في أن المراد بالعترة التي أمر النبي صلى الله عليه وآله
الأمة بالتمسك بها ليس كل واحد منها، بل المراد منها - بمناسبة
عدم افتراقهم عن الكتاب وكونهم معصومين ووجوب متابعتهم وأن
التمسك بهم أمن من الضلال - أئمتهم وعلماؤهم والمستجمعون
للفضائل والكمالات العلمية والعملية، وقد صرح بذلك غير واحد
من أهل السنة.
قال ابن حجر: (تنبيه) سمى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم القرآن وعترته، وهي بالمثناة الفوقانية الأهل والنسل والرهط
الأدنون، ثقلين لان الثقل كل خطير مصون، وهذان كذلك، إذ كل
منهما معدن للعلوم اللدنية والاسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية،
ولذا حث صلى الله عليه وآله الاقتداء والتمسك بهم والتعلم
منهم، وقال: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت. وقيل
145

سميا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما.
ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله
وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض،
ويؤيده الخبر السابق " ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ". وتميزوا
بذلك عن بقية العلماء، لان الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا،
وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة، وقد مر بعضها (1.
وقال السمهودي: والحاصل انه لما كان كل من القرآن العظيم
والعترة الطاهرة معدنا للعلوم اللدنية والحكم والاسرار النفيسة الشرعية
وكنوز دقائقها واستخراج حقائقها، أطلق رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم عليهما الثقلين، ويرشد لذلك حثه صلى الله عليه وآله
في بعض الطرق السابقة على الاقتداء والتمسك والتعلم من أهل بيته
، وقوله في حديث احمد: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة
أهل البيت (2 ما سيأتي من كونهم اماما للأمة (3.

1) الصواعق المحرقة ص 149.
2) أخرج أحمد في المناقب (كما في كفاية الطالب لمناقب
علي بن أبي طالب للشنقيطي ص 56 وينابيع المودة 2 / 98 وغيرهما)
عن جميل بن عبد الله بن يزيد المدني قال: ذكر عند النبي " ص "
قضاء قضى به علي، فأعجب النبي صلى الله عليه وآله فقال: الحمد
لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت.
3) رشفة الصادي ص 71 - 72 ط مصر 1303.
146

وقال السيد أبو بكر العلوي الشافعي: قال العلماء: والذين وقع الحث
على التمسك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة، هم العلماء
بكتاب الله عز وجل منهم، إذ لا يحث صلى الله عليه وآله على التمسك
الا بهم، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق حتى يردوا
الحوض، ولهذا قال " لا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما
فتهلكوا " واختصوا بمزيد الحث على غيرهم من العلماء كما تضمنته
الأحاديث السابقة، وذلك مستلزم لوجود من يكون اهلا للتمسك
به منهم في كل زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة، حتى يتوجه الحث
إلى التمسك به، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أمانا
للأمة كما سيأتي، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض (1.
وقال الحكيم الترمذي: وهذا (يعنى أهل بيتي) عام أريد
به الخاص، وهم العلماء العاملون منهم (2.
وقال التفتازاني في شرح المقاصد: ألا ترى انه عليه الصلاة
والسلام قد قرنهم بكتاب الله في كون التمسك بهما منقذ عن الضلال
ولا معنى للتمسك بالكتاب الا الاخذ بما فيه من العلم والهداية،
فكذا في العترة (3.
وقال ابن أبي الحديد علامة المعتزلة: وقد بين رسول الله

1) رشفة الصادي ص 72 - 73.
2) عبقات الأنوار 2 م 12 / 293.
3) عبقات الأنوار 2 م 12 / 6.
147

عترته من هي لما قال " انى تارك فيكم الثقلين " فقال " عترتي أهل
بيتي "، وبين فيما مقام آخر من أهل بيته حيث طرح عليهم الكساء
وقال حين نزلت " إنما يريد الله ليذهب ": اللهم هؤلاء أهل بيتي
فاذهب عنهم الرجس (1.
وقال ابن حجر: ثم حق من يتمسك به منهم امامهم وعالمهم
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق
مستنبطاته، ومن ثم قال أبو بكر: علي عترة رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم (2، أي الذين حث على التمسك بهم، فخصه لما قلنا،
وكذلك خصه صلى الله عليه وآله بما مر يوم غدير (3.
وقد خص عليا بالامر بالتمسك به في روايات أخرى متواترة
أخرجها العام والخاص في كتبهم، فمنها ما أخرجه الحافظ أبو نعيم
بسنده عن الامام السبط الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
ادعوا لي سيد العرب - يعني علي بن أبي طالب - فقالت عائشة ألست
سيد العرب؟ فأقل: أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب. فلما جاء
أرسل إلى الأنصار فأتوه، فقال لهم: يا معشر الأنصار ألا أدلكم على
ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعده ابدا؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال:
هذا على فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي، فان جبرئيل امرني

1) شرح نهج البلاغة 2 / 130.
2) لسان الميزان 7 / 44.
3) الصواعق المحرقة ص 149.
148

بالذي قلت لكم من الله عز وجل - ورواه أبو بشر عن سعيد بن جبير
عن عائشة نحوه في السؤدد مختصرا (1.
كما قد نص عليه في نفس هذه النصوص، وأخرجه غير واحد من
أكابر أهل السنة كابن حجر المكي والدارقطني والسمهودي وغيرهم (2.
وقد خص عليا والزهراء والحسن والحسين عليهم السلام بالامر
بالتمسك بهم، وانهم وكتاب الله لا يفترقان حتى يردا على الحوض - في حديث
أخرجه الثعلبي في العرائس عن يزيد الرقاشي عن انس بن مالك (3،
وفى غيره من الأحاديث.
وخص الأئمة الاثني عشر عليهم السلام بالامر بالتمسك بهم
في حديث أخرجه الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس في
أربعينه، وفي أحاديث كثيرة أخرى.
وقد ظهر مما ذكرناه في دلالة أحاديث الثقلين وجه تعين وجوب
التمسك بالأئمة الاثني عشر من بين العترة الطاهرة واختصاصهم بذلك
المنصب، فان غيرهم من العترة لم يدع العصمة والعلم بأحكام
جميع الوقائع.

1) حلية الأولياء 1 / 63، شرح نهج البلاغة 2 / 450، نزهة
المجالس ص 457 - 458.
2) راجع عبقات الأنوار الجزء الأول من المجلد 12 والثاني
ص 89 - 90 من المجلد 12 والصواعق المحرقة ص 124.
3) نزهة المجالس ص 468، كشف الأستار ص 113.
149

ويدل عليه أيضا اجماع المسلمين على أن من عداهم ليس
معصوما وعالما بجميع الأحكام الشرعية، كما يدل عليه الأخبار الكثيرة
التي خرجها مسلم واحمد والبخاري والترمذي وأبو داود والحاكم
والمتقي وابن الديبع والخطيب والسيوطي وغيرهم في عدد الأئمة
والخلفاء عن جابر بن سمرة وابن مسعود وانس وغيرهم (1.
ومن المعلوم أن هذا العدد لا ينطبق الا على الأئمة الاثني عشر،
وقد صرح بأسمائهم رسول الله صلى الله عليه وآله في روايات
كثيرة متواترة أخرجها الامامية بطرقهم المعتبرة في صحاحهم

1) راجع في ذلك كتابنا " منتخب الأثر " وكتابنا الاخر " جلاء
البصر " وكتابنا باللغة الفارسية " نويد امن وأمان " وان شئت الرجوع
إلى الصحاح والمسانيد والجوامع فراجع مسند أحمد ط مصر
سنة 1313 ج 5 صحائف 86 - 108 و ج 1 ص 398، صحيح
البخاري ص 175 ط مصر 1355،، صحيح مسلم ط مصر سنة 348
ج 2 ق 1 ص 191، سنن الترمذي 2 / 45 ط دهلي 1342، سنن أبي داود
2 / 207 ط مصر المطبعة التازية، المستدرك على الصحيحين
3 / 617 - 618، معرفة الصحابة ط حيدر آباد 1334، مسند أبى
داود الطيالسي ح 767 و 1278، تاريخ بغداد 2 / 126 رقم 516
و 6 / 263 رقم 3269 و 4 / 353 رقم 7673، تسير الوصول 2 /
34 ط مصر 1346، تاريخ الخلفاء، ينابيع المودة، مصابيح
السنة، منتخب كنز العمال، مجمع الزوائد وغيرها من جوامع الحديث.
150

وجوامعهم، كما قد أخرج طائفة منها جمع من شيوخ السنة وأعلامهم،
وأفرد جماعة من أصحاب الحديث من الفريقين في فضائلهم ومناقبهم
وكراماتهم وما ورد فيهم من النصوص وتنصيص كل واحد منهم
على الامام الذي يلي الامر بعده، وفى العلوم الصادرة عنهم كتبا
نافعة قيمة (1.
قال الفاضل القندوزي: قال بعض المحققين: ان الأحاديث
الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله اثنا عشر
قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان
علم أن مراد رسول الله صلى الله عليه وآله من حديثه هذا
الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثنى عشر ولا
يمكن أن يحمل على الملوك الأمويين لزيادتهم على الاثني عشر
ولظلمهم الفاحش الا عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم
لان النبي قال " كلهم من بني هاشم " في رواية عبد الملك عن جابر.
واخفاء صوته في هذا القول يرجح هذا الرواية، لأنهم لا يحسنون
خلافة بني هاشم. ولا يمكن أن يحمل على الملوك العباسيين لزيادتهم
على العدد المذكور ولقلة رعايتهم الآية " قل لا أسئلكم عليه اجرا
الا المودة في القربى " وحديث الكساء.
فلابد أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل

1) يراجع في ذلك عبقات الأنوار ج 1 م 12 / 253 - 259.
151

بيته وعترته صلى الله عليه وآله، لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم
وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسبا وأفضلهم حسبا وأكرمهم عند الله.
وكان علومهم من آبائهم متصلا بجدهم صلى الله عليه وآله وبالوراثة
اللدنية، كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتدقيق.
ويؤيد هذا المعنى - أي ان مراد النبي صلى الله عليه وآله
الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته - ويشهده ويرجحه حديث الثقلين
والأحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب الخ (1.
وقال محمد معين السندي في كتابه " دراسات اللبيب " في طي
كلماته في حديث الثقلين: ولما كان هذا بطريق دلالة النص انتظرنا
نصا فيهم يدلنا على امامتهم في العلم، فوجدنا قوله صلى الله عليه
وآله وسلم " الحمد لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت "، فعلمنا
انهم الحكماء العارفون الوارثون الذين وقع الحث على
التمسك بهم في دين الله تعالى وأخذ العلوم عنهم، وأيدنا في ذلك
ما أخرج الثعلبي في تفسير قوله " واعتصموا بحبل الله جميعا "
عن جعفر الصادق قال: نحن حبل الله الذي قال تعالى " واعتصموا
بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " انتهى. وكيف لا وهم أحد الثقلين،
فكما أن القرآن حبل الله الممدود من السماء فكذلك أهل هذا
البيت المقدس صلوات الله تعالى وتسليماته عليهم أجمعين، وقد
قال قائلهم عليه السلام مخبرا عن نفسه القدسي وسائر رهطه المطهرين:

1) ينابيع المودة ص 446.
152

وفينا كتاب الله أنزل صادقا * وفينا الهدى والوحي والخير يذكر
ثم ساق الكلام إلى أن قال: فعلمنا من كلام الأئمة عليهم رضوان
الله معنى التمسك بهم بما لا ريبة فيه، الا لمن ارتابت قلوبهم فهم
في ريبهم يترددون.
وقال أيضا: فإذا انضم إلى ذلك ما ورد من الاخبار في الأئمة
الاثني عشر مما بسطنا أكثرها في المقامات الأربعة من كتابنا المسمى
" مواهب سيد البشر في حديث الأئمة الاثني عشر " بالترتيب بسطناها،
وما اجتمع عليه السلف والخلف من غزارة علوم هذا العدد المبارك
وخرقهم العوائد وما اختصموا به من المزايا الباهرة من بين سائر
الرجال الابطال من هذه الفئة الفائقة على معاصريها في كل عصر،
يتيقن بأنهم الأولى بصدق أحاديث التمسك عليهم من غيرهم.
وقال أيضا في طي تحقيقاته: فلا وجه لان يمترى من له أدنى
انصاف في أن من صدق عليهم هذه الأحاديث والآية من غير شائبة،
وهم الأئمة الاثني عشر من أهل البيت وسيدة نساء العالمين بضعة
رسول الله صلى الله عليه وآله أم الأئمة الزهراء الطاهرة، على أبيها
وعليها الصلاة والسلام، لا شائبة في كونهم معصومين كالمهدي منهم
عليهم السلام - الخ (1.
وقال الشبراوي الشافعي: قد أشرق نور هذه السلسلة الهاشمية
والبيضة الطاهرة النبوية والعصابة العلوية، وهم اثنا عشر اماما

1) عبقات الأنوار 2 م 12 / 295 - 296.
153

مناقبهم عليه وصفاتهم سنية ونفوسهم شريفة أبية وأرومتهم كريمة
محمدية، وهم محمد الحجة بن الحسن الخالص بن علي الهادي
ابن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق،
ابن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين أخي
الإمام الحسن ولدي الليث الغالب علي بن أبي طالب رضي الله
تعالى عنهم أجمعين (1.
وقال الشبراوي أيضا: ويكفيه (يعنى الإمام الحسن العسكري)
بأن الامام المهدى المنتظر من أولاده، فلله در هذا البيت الشريف
والنسب الخضم المنيف، وناهيك به من فخار وحسبك فيه من علو
مقدار، فهم جميعا في كرم الأرومة وطيب الجرثومة، كأسنان
المشط متعادلون ولسهام المجد مقتبسون، فياله من بيت عالي الرتبة
سامي المحلة، فلقد طاول السمك علا ونبلا وسما على الفرقدين
منزله ومحلا، واستغرق صفات الكمال فلا يستثنى فيه بغير ولا بالا،
وانتظم في المجد هؤلاء الأئمة انتظام اللآلي، وتناسقوا في الشرف
فاستوى الأولى والتالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم والله
يرفعه، وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم والله يجمعه،
وكم ضيعوا من حقوقهم مالا يهمله الله ولا يضيعه. أحيانا الله على
حبهم وأماتنا عليه (2.

1) الاتحاف بحب الاشراف ص 69.
2) الاتحاف بحب الاشراف ص 68.
154

أحاديث السفينة
155

الثاني من النصوص الصريحة المرشدة إلى التمسك بأهل البيت
وحجية مذاهبهم وأقوالهم ووجوب التأسي بأعمالهم، أحاديث
السفينة التي أخرجها من اعلام السنة ما يربو على المائة كأحمد
والطبراني وأبى نعيم والبزار وابن عبد البر والسيوطي والسمعاني
وابن الأثير والفخر ومحمد بن طلحة الشافعي والمتقي والملا وسبط
ابن الجوزي والمحب الطبري والخطيب وابن كثير وابن المغازلي
والسمهودي وابن الصباغ وأبى بكر الحضرمي والصبان والشبلنجي
والقندوزي وابن حجر وغيرهم، عن أبي ذر وابن عباس وابن
الزبير وانس وأبى سعيد الخدري وسلمة بن الأكوع، واليك
بعض ألفاظ الحديث:
1 - اخرج الحاكم بسنده عن حنش الكناني قال: سمعت
أبا ذر يقول وهو آخذ باب الكعبة: أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم
157

ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وأخرجه
ابن المغازلي الا أنه قال " إنما مثل " وقال " من ركب فيها "، وفى
حديث آخر زاد " ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال "
وأخرجه الطبراني عن أبي ذر الا أنه قال " سفينة نوح في قوم نوح "
قال " هلك " بدل " غرق " وزاد " ومثل باب حطة بني إسرائيل "،
وأخرجه أبو طالب يحيى بن الحسين المتولد سنة 340 بأمل بسنده
عن حنش الا أنه قال " من عرفني فقد عرفني " وقال " مثل أهل بيتي
فيكم "، وأخرج نحوه الهيثمي وابن حجر والسيوطي (1.
2 - أخرج البزار وغيره عن ابن عباس: مثل أهل بيتي مثل
سفينة نوح، من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق (2.

1) المستدرك 2 / 343 و 3 / 150، احياء الميت ح 26، الصواعق
المحرقة ص 184، الجامع الصغير 1 / 97، منتخب كنز العمال
بهامش المسند 5 / 92، مجمع الزوائد 9 / 168، نظم درر السمطين
ص 235، المناقب لابن المغازلي ص 133 و 134، تيسير المطالب
ص 136.
2) احياء الميت ح 25، الصواعق المحرقة 184، الجامع
الصغير 2 / 155، كفاية الطالب ص 233، مجمع الزوائد 9 / 168،
المناقب لابن المغازلي ص 134، حلية الأولياء 4 / 306، ذخائر
العقبى ص 20.
158

3 - أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنما مثل أهل
بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل
أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له (1.
4 - أخرج البزار عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا
ومن تركها غرق (2.
5 - وأخرج الثعلبي: مثل عترتي كسفينة نوح، من ركب فيها
نجا (3، وأخرجه القندوزي عنه الا أنه قال " من ركبها نجا " (4.
6 - وأخرج الخطيب باسناده عن انس بن مالك قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: إنما مثلي ومثل أهل بيتي كسفينة
نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق (5.

1) احياء الميت ح 27، رشفة الصادي ص 80، الأربعين
النبهانية ص 216، مجمع الزوائد 9 / 168.
2) احياء الميت ح 24، مجمع الزوائد 9 / 168 الا أنه قال
" أهل بيتي " وقال " وسلم "، الجامع الصغير 9 / 155، الصواعق
المحرقة ص 184.
3) كنوز الحقائق 2 / 89.
4) ينابيع المودة ص 181.
5) تاريخ بغداد 12 / 91.
159

7 - أخرج الحمويني في فرائد السمطين بسنده عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، ولن يؤتى
المدينة الا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك،
لأنك مني وانا منك، لحمك من لحمي ودمك من دمي وروحك من
روحي وسريرتك من سريرتي وعلانيتك من علانيتي، سعد من
أطاعك وشقي من عصاك وربح من تولاك وخسر من عاداك، فاز من
لزمك وهلك من فارقك، مثلك ومثل الأئمة من ولدك من بعدي مثل
سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثلكم كمثل
النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة (1).
8 - أخرج الشبلنجي والصبان قالا: وروى جماعة من أصحاب
السنن عن عدة من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال: مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف
عنها هلك، وفى رواية غرق، وفى أخرى زج في النار (2.
9 - قال ابن حجر: وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا

1) ينابيع المودة ص 27، عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 1139،
وكأنه اقتبس الامام أمير المؤمنين عليه السلام من النبي صلى الله عليه
وآله فقال: ألا ان مثل آل محمد كمثل نجوم السماء كلما خوى
نجم طلع نجم (نهج البلاغة خ 100).
2) نور الابصار ص 103، اسعاف الراغبين ص 114.
160

" إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا "، وفى
رواية مسلم " ومن تخلف عنها غرق " وفى رواية " هلك " (1. وقال:
وفى رواية " ان مثل أهل بيتي " وفى رواية " ألا ان مثل أهل بيتي "
وفى رواية " ألا ان مثل أهل بيتي فيكم " وفى رواية " من ركبها
سلم ومن تركها غرق " (2.
10 - وقال ابن حجر أيضا: إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب
حطة في بني إسرائيل، من دخل غفر له، وفى رواية غفر له الذنوب (3.
11 - وأخرج ابن السري عن علي عليه السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها
نجا ومن تعلق بها فاز ومن تخلف عنها زج في النار (4.
12 - أخر الديلمي أبو منصور شهردار بن شيرويه في كتاب
" مسند الفردوس " عن أبي سعيد الخدري قال: صلى بنا رسول الله
صلاة الأولى، ثم أقبل بوجهه الكريم علينا فقال: يا معاشر أصحابي
ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطة بني إسرائيل،
فتمسكوا بأهل بيتي بعدي الأئمة الراشدين من ذريتي، فإنكم لن
تضلوا أبدا. فقيل: يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: اثنا عشر

1) الصواعق المحرقة ص 150.
2) الصواعق المحرقة ص 234.
3) الصواعق المحرقة ص 150.
4) ذخائر العقبى ص 20.
161

من أهل بيتي. أو قال: من عترتي (1.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي عليه السلام قال: إنما مثلنا في
هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة (2.
وأخرج القطان في أماليه وابن مردويه عن عباد بن عبد الله
الأسدي في حديث ابن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: والله ان
مثلنا في هذه الأمة كمثل سفينة نوح في قوم نوح، وان مثلنا في هذه
الأمة كمثل باب حطة في بني إسرائيل (3.
وقال ابن حجر: وجه تشبههم بالسفينة فيما مر أن من أحبهم
وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم صلى الله عليه وآله، وأخذ
بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلف عن ذلك غرق
في بجر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغان، ومر في خبر ان من
حفظ حرمة الاسلام وحرمته صلى الله عليه وآله وحرمه رحمه حفظ
الله تعالى دينه ودنياه، ومن لا لم يحفظ دنياه ولا آخرته، وورد
" يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين السبابتين "،
ويشهد له خبر " المرء مع من أحب "، وباب حطة ان الله تعالى
جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب اريحاء أو بيت المقدس مع

1) عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 980.
2) الدر المنثور في تفسير قوله تعالى في سورة البقرة " وإذ
قلنا ادخلوا هذه القرية ".
3) كنز العمال 6 / 250.
162

التواضع والاستغفار سببا للمغفرة، وجعل لهذه الأمة مودة أهل البيت
سببا لها كما سيأتي قريبا (1.
وقال السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي الحسيني الشافعي
الحضرمي: ووجه تمثيله صلى الله عليه وآله لهم بسفينة نوح، ان
النجاة من هول الطوفان ثابتة لمن ركب تلك السفينة، وان من
تمسك بأهل بيته صلى الله عليه وآله وأخذ بهديهم كما عليه
في الأحاديث السابقة نجا من ظلمات المخالفات واعتصم بأقوى سبب
إلى رب البريات، ومن تخلف عن ذلك وأخذ غير مأخذهم ولم
يعرف حقهم غرق في بحار الطغيان واستوجب الحلول في النيران،
إذ من المعلوم مما سبق ويأتي ان بغضهم منذر بحلولها موجب
لدخولها.
وأما وجه تمثيله صلى الله عليه وآله لهم بباب حطة - وهو
باب اريحاء وقيل باب بيت المقدس - فذلك أن المولى سبحانه
وتعالى جعل لبنى إسرائيل دخولهم الباب مستغفرين متواضعين سببا
للغفران، كما تقدم عن ثابت البناني في قوله عز وجل " واني لغفار
لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " قال: إلى ولاية أهل البيت،
فجعل الاهتداء إلى ولايتهم مع الايمان والعمل الصالح سببا للمغفرة (2.
وفى فرائد السمطين: ان الواحدي بعد نقل ما رواه الحاكم

1) الصواعق ص 151.
2) رشفة الصادي ص 80.
163

بسنده عن حنش بن المعتمر قال: سمعت أبا ذر وهو آخذ بباب
الكعبة وهو يقول: أيها الناس فأنا من قد عرفتم ومن لم يعرفني فأنا
أبو ذر، اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من دخلها نجا ومن تخلف
عنها هلك. قال: أنظر كيف دعا الخلق إلى التسبب إلى ولائهم
والسير تحت لوائهم بضرب مثلهم بسفينة نوح، جعل ما في الآخرة
من مخاوف الاخطار وأهوال النار كالبحر الذي لج براكبه فيورده
مشارع المنية ويفيض عليه سجال البلية، وجعل أهل بيته عليه وعليهم
السلام سبب الخلاص من مخاوفه والنجاة من متالفه، وكما لا يعبر
بحر الهياج عند تلاطم الأمواج الا بالسفينة كذلك لا يؤمن لفح الجحيم
ولا يفوز بدار النعيم الا من تولى أهل بيت الرسول صلوات الله
عليه وعليهم، ونحل لهم وده ونصيحته واكد في موالاتهم عقيدته،
فان الذين تخلفوا عن تلك السفينة آلوا شر مآل وخرجوا من الدنيا
إلى أنكال وجحيم ذات أغلال، وكما ضرب مثلهم لسفينة نوح قرنهم
بكتاب الله فجعلهم ثاني الكتاب وشفع التنزيل (1.
* * *
أقول من تدبر حق التدبر في أحاديث السفينة وما يأتي من
أحاديث الأمان وأحاديث الطائفة وأحاديث من مات ولم يعرف
امام زمانه وأحاديث الخلفاء والأئمة الاثني عشر وأحاديث الثقلين

1) كشف الأستار ص 105، عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 976.
164

وحديث في كل خلف وحديث من سره. وغيرها من الأحاديث
الكثيرة التي أخرجنا بعضها في هذا الكتاب، يحصل له العلم بعدم
خلو الزمان من امام معصوم من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، يجب التمسك به في الأمور الدينية ومعرفته ومتابعته والتأسي
به وأخذ العلم عنه، فهو خليفة الرسول في بيان الاحكام وتبليغ
مسائل الحلال والحرام وتفسير القرآن. كما أن الكتاب العزيز أيضا
خليفته، وهما لا يفترقان عن الاخر.
وعلى هذا الأساس المتين المستفاد من هذه الأخبار المتواترة
القطعية وغيرها، بني مذهب الإمامية القائلين بوجود الامام المعصوم
في كل عصر وزمان من أهل البيت، وانحصار الإمامة في الاثني عشر
إلى قيام الساعة.
ويرشد إلى ذلك - أي عدم خلو الأرض من الامام - ما رواه
الخاص والعام عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال:
اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة اما ظاهرا مشهورا أو خائفا
مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وبنياته، وكم ذا، وأين أولئك؟
أولئك والله الأقلون عددا والأعظمون عند الله قدرا، يحفظ الله بهم
حججه وبيناته. أخرجه الشريف الرضي والذهبي مع اختلاف
يسير وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص والموفق بن حمد
الخوارزمي في المناقب وعلي المتقي في كنز العمال وأبو نعيم
165

الأصبهاني في حلية الأولياء (1.
وقد ظهر مما ذكر أن أحاديث السفينة صريحا حصرت طريق
النجاة بالتمسك بهم، فلا ينجو الا من تمسك بهم، كما أنه لم ينج
من قوم نوح الا من ركب السفينة، فمن لم يركبها وتخلف عنها
غرق.

1) نهج البلاغة باب الحكم ح 147، تذكرة الحفاظ 1 / 11 -
12، عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 241 - 246.
166

حديث الأمان
167

الثالث من الأحاديث الدالة على نجاة المتمسكين بأهل البيت،
وانحصار نجاة غيرهم من الأمة كائنا من كان بالتمسك بهم، وانهم
أمان للأمة من الاختلاف والهلاك والاندثار (أحاديث الأمان).
واليك بعض ألفاظها:
1 - أخرج الحاكم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي
أمان لامتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا
فصاروا حزب إبليس (1، وأخرجه ابن حجر والسيوطي (2.
2 - وأخرج ابن حجر أيضا: أهل بيتي أمان لأهل الأرض،

1) المستدرك 3 / 149.
2) الصواعق المحرقة ص 150 و 234، احياء الميت ح 35.
169

فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون (1.
3 - وأخرج أبو يعلى في مسنده عن سلمة بن الأكوع بسند
حسن: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لامتي (2، وأخرجه
الحكيم الترمذي في نوادره (3، وأخرجه ابن حجر، وأخرج عن أحمد
" فإذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء وإذا ذهب أهل بيتي
ذهب أهل الأرض " (4، وأخرجه الهيثمي عن الطبراني عن سلمة الا
أنه قال " النجوم جعلت أمانا لأهل السماء وان أهل بيتي أمان
لامتي " (5، وأخرجه ابن أبي شيبة والمسدد في مسنديهما (6.
4 - أخرج أحمد في المناقب عن علي عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: النجوم أمان لأهل السماء،
فإذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض،
فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض (7.

1) الصواعق المحرقة ص 150.
2) الجامع الصغير 2 / 189، ذخائر العقبى ص 17، منتخب
كنز العمال 5 / 92.
3) كنوز الحقائق ص 133.
4) الصواعق المحرقة ص 150.
5) مجمع الزوائد 9 / 174.
6) احياء الميت ح 21.
7) رشفة الصادي ص 78، الصواعق المحرقة ص 233 - 234،
ذخائر العقبى عن أحمد في المناقب ص 17 الا أنه قال " ذهبت النجوم ".
170

أقول: روى أحاديث الأمان بطرق كثيرة وألفاظ متقاربة، جمع
كثير من أعلام أهل السنة عن أمير المؤمنين علي وانس وأبى سعيد
الخدري وجابر وأبي موسى وابن عباس وسلمة بن الأكوع، لا
حاجة هنا إلى اخراج ألفاظها وسرد أسماء مخرجيها أزيد من ذلك (1.
قال ابن حجر: الآية السابعة (يعني من الآيات الواردة في
أهل البيت عليهم السلام) قوله تعالى " وما كان الله ليعذبهم وأنت
فيهم "، أشار صلى الله عليه وآله إلى وجد ذلك المعنى في
أهل بيته وانهم أمان لأهل الأرض، كما كان هو صلى الله عليه وآله
أمانا لهم، وفى ذلك أحاديث كثيرة (2.
وقال: بعضهم يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان
علماؤهم، لأنهم الذين يهتدى بهم كالنجوم، والذين إذا فقدوا جاء
أهل الأرض من الآيات ما يوعدون، وذلك عند نزول المهدى لما
يأتي في أحاديثه - الخ (3.
وقال احمد: ان الله خلق الأرض من أجل النبي صلى الله عليه
وآله، فجعل دوامها بدوام أهل بيته وعترته (4.

1) يراجع لاستقصاء ذلك والاطلاع على كلمات العلماء حول
هذه الأحاديث وما يستفاد منها كتب الحديث والمناقب وعبقات
الأنوار ج 2 م 12 / 1123 - 1135.
2) الصواعق المحرقة ص 150.
3) الصواعق المحرقة ص 150.
4) ينابيع المودة ص 19 - 20.
171

وقال الشريف السمهودي بعد ايراد هذه الأحاديث: يحتمل
أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان للأمة علماؤهم الذين يهتدى
بهم كما يهتدى بنجوم السماء، وهم الذين إذا خلت الأرض منهم
جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون وذهب أهل الأرض،
وذلك عند موت المهدى الذي اخبر به النبي صلى الله عليه وآله (1.
أقول: ان دلالة هذه الأحاديث على حجية مذاهب أهل البيت
عليهم السلام وكونهم أمانا من الاختلاف لعصمتهم، ووجود من
يكون اهلا للتمسك به منهم في كل زمان إلى قيام الساعة، وان
المراد من أهل البيت الذين هم أمان لأهل الأرض أئمتهم، في غاية
الوضوح، فإنهم لم يختصوا بهذا التشريف من دون الناس الا
لكونهم معدنا للعلوم النبوية والأحكام الشرعية والفضائل المحمودة،
فلابد أن لا يخلو الزمان ممن يكون منهم موصوفا بهذا الصفات
وأهلا لان يكون مشرفا بهذا التشريف، وأمانا لهذه الأمة المرحومة
ولجميع أهل الأرض من الزوال والفناء والاختلاف.
وأصرح من الجميع في أن المراد من أهل البيت أئمتهم
وعلماؤهم، ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس وصححه، فان اتصاف
أهل البيت بكونهم أمانا للأمة من الاختلاف على سبيل الاطلاق
في الأمور الدينية وغيرها، كما قال صلى الله عليه وآله " وأهل
بيتي أمان لامتي من الاختلاف " ليس الا بعلمائهم وأئمتهم عليهم

1) رشفة الصادي ص 78.
172

السلام الذين نص عليهم النبي صلى الله عليه وآله في غير هذه
الأحاديث.
وهم الذين وصفهم سيدهم وأفضلهم الإمام علي بن أبي طالب
عليه السلام فيما قال في أوصافهم: لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه (1، إليهم يفئ
الغالي وبهم يلحق التالي (2، وهم أزمة الحق وأعلام الدين وألسنة
الصدق (3.
هم الراقون في أوج الكمال * وهم أهل المعارف والمعالي
وهم سفن النجاة إذا ترامت * بأهل الأرض أمواج الضلال
أمان الأرض من غرق وخسف * وحصن الملة الصعب المثال
وهم في غرة الدين بدور * تسامت بالجميل وبالجمال
كفى خبر الوصية انهم * والكتاب معا إلى يوم الحجال
عليهم بعد جدهم صلاة * وتسليم ورحمة ذي الجلال

1) نهج البلاغة ج 2 خ 234.
2) نهج البلاغة ج 1 خ 2.
3) نهج البلاغة ج 1 خ 83.
173

سائر الأحاديث
175

من تدبر في أحاديث الثقلين والسفينة والأمان يظهر له أن سبيل
النجاة للجميع منحصر في التمسك بأهل البيت، واليك طوائف
أخرى من الأحاديث الدالة على ذلك:
(فالأول) من هذه النصوص المرشدة إلى صحة الاحتجاج
بفتاواهم والاقتداء بهم، ما أخرجه الحافظ أبو نعيم بسنده عن ابن
عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من سره أن يحيى
حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا
من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا
من طينتي، رزقوا فهما وعلما، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي
القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي (1.
وأورده المتقي عن الطبراني في الكبير، والرافعي في مسنده

1) حلية الأولياء 1 / 86.
177

مع اختلاف في ألفاظه (1، وكذلك أخرجه الحمويني (2،
وأخرجه السيوطي في جمع الجوامع (3 وابن أبي الحديد (4. وأخرج
نحوه احمد في مسنده وفى مناقب علي عليه السلام (5، وأخرجه
الكنجي الشافعي مسندا عن ابن عباس (6، وابن شهرآشوب عن أبي
نعيم بطرق متعددة عن زيد بن أرقم وابن عباس (7، وأخرجه أيضا
أبو نعيم في (منقبة المطهرين)، والرافعي في (التدوين) والدهلوي
في (تحقيق الإشارة) وغيرهم (8.
(الثاني) اخرج المتقى عن زياد بن مطرف قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول: من أحب ان يحيى حياتي
ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربى وهي جنة الخلد
فليتول عليا وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى

1) كنز العمال 6 / 217، منتخب كنز العمال المطبوع بهامش
مسند أحمد 5 / 94.
2) فرائد السمطين ص 41.
3) كشف الأستار ص 113.
4) شرح نهج البلاغة 2 / 450.
5) شرح نهج البلاغة 2 / 449.
6) كفاية الطالب ص 94.
7) المناقب ص 207.
8) عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 1152 - 1155.
178

ولن يدخلوكم باب ضلالة.
أخرجه عن مطير والباوردي وابن شاهين وابن منده بأسانيدهم
عن زياد بن مطرف (1، وأخرج نحوه أبو جعفر محمد بن جرير
الطبري في (ذيل المذيل) بسنده عن زياد (2، وساق السند هكذا:
حدثني زكريا بن يحيى بن ابان المصري، قال ثنا أحمد بن أشكاب،
قال ثنا يحيى بن يعلى المحاربي، عن عمار بن زريق الضبي، عن أبي
إسحاق الهمداني، عن زياد بن مطرف.
وأورده ابن حجر العسقلاني في ترجمة زياد بن مطرف قال:
وأخرجوا من طريق ابن إسحاق عنه قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول: من أحب ان يحيى حياتي ويموت ميتتي
ويدخل الجنة فليتول عليا وذريته من بعده. قال ابن مندة لا يصح،
قلت في اسناده يحيى بن يعلى المحاربي وهو واه (3.
أقول: يحيى بن يعلى المحاربي من شيوخ البخاري، روى
عنه وروى الباقون سوى الترمذي له بواسطة أبى كريب ومحمد بن أبي
بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيرهم، وذكره
ابن حبان في الثقات، مات سنة 216 (4.

1) كنز العمال 6 / 155، منتخب كنز العمال 5 / 32.
2) عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 1156.
3) الإصابة 1 / 559.
4) تهذيب التهذيب 11 / 303.
179

وقال ابن أبي حاتم: روى عنه أبى وأبو زرعة ومحمد بن مسلم
والناس، نا عبد الرحمن قال: سألت أبى عنه فقال هو ثقة (1.
فالحكم بعدم صحة الحديث من غير علة فيه ليس الا لما اعتادوا
من رد الأحاديث الواردة في فضل أهل بيت النبوة، فمالوا بالناس
عن طريقهم السوي والصراط المستقيم.
(الثالث) أخرج الخوارزمي بسنده عن سيدنا أبى عبد الله
الحسين السبط عليه السلام قال: سمعت جدي رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يقول: من أحب ان يحيى حياتي ويموت ميتتي
(مماتي خ ل) ويدخل الجنة التي وعدني ربى فليتول علي بن أبي
طالب وذريته وأهل بيته الطاهرين أئمة الهدى ومصابيح الدجى من
بعدهم، فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة.
وأخرج عن الباقر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده الحسين
عليهم السلام نحوه (2، وأخرجه ابن شهرآشوب عن أبي المؤيد
المكي (3.
(الرابع) أخرج ابن سعد عنه صلى الله عليه وآله: أنا
وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا، فمن شاء اتخذ
إلى ربه سبيلا (4، وأورده المحب الطبري لأبي سعيد في شرف النبوة

1) الجرح والتعديل 9 / 197.
2) المناقب للخوارزمي ص 44 - 45.
3) المناقب لابن شهرآشوب ص 206.
4) الصواعق المحرقة ص 148.
180

الا أنه قال " فمن تمسك بنا اتخذ " الحديث (1)، وأورده القندوزي عن
شرف النبوة عن عبد العزيز (2، وأخرجه الحضرمي عن أبي سعيد (3.
(الخامس) أخرج الملا عن عمر: ان النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال: في كل خلوف من أمتي عدول من أهل بيتي،
ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل
الجاهلين، ألا وان أئمتكم وفدكم إلى الله عز وجل فانظروا بمن
توفدون (4. وأخرجه ابن حجر الا أنه قال " في كل خلف " وقال
" تحريف الضالين " وقال " وانظروا من توفدون " (5، وأخرجه
الحضرمي (6، والقندوزي (7.
وأخرج علي بن محمد بن عبد الله العباسي العلوي بسنده عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
في أهل بيتي عدول ينفون عن الدين تحريف الغالين وتأويل الجاهلين
وانتحال المبطلين، ألا وان أئمتكم وفدكم إلى الله تعالى فانظروا
من تقدمون في دينكم وصلاتكم (8.

1) ذخائر العقبى ص 16.
2) ينابيع المودة ص 191.
3) رشفة الصادي 89.
4) ذخائر العقبى ص 17.
5) الصواعق المحرقة ص 148.
6) رشفة الصادي ص 72.
7) ينابيع المودة ص 191، 273، 297.
8) سيرة يحيى بن الحسين ص 33.
181

(السادس) أخرج الصبان عن أبي ذر: اجعلوا أهل بيتي
منكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدى
الرأس الا بالعينين (1. وأخرجه الشريف الحضرمي (2، والنبهاني (3،
وحكى اخراجه عن جماعة من أصحاب السنن بالاسناد إلى أبي ذر
مرفوعا.
وأخرج أبو القاسم علي بن محمد الخزاز القمي في كتابه القيم
" كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الاثني عشر " مسندا عن واثلة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنزلوا أهل بيتي
بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العينين من الرأس، والرأس لا يهتدى الا
بالعينين، اقتدوا بهم نمن بعدي لن تضلوا. فسألنا عن الأئمة فقال:
الأئمة بعدي من عترتي - أو قال: أهل بيتي عدد نقباء بني إسرائيل.
وأخرج الحافظ أبو نعيم بسنده عن عليم بن سلمان قال: أنزلوا
آل محمد بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العين من الرأس،
فان الجسد لا يهتدى الا بالرأس، وان الرأس لا يهتدى الا بالعينين (4،
وأخرجه ابن حجر عن الطبراني عن سلمان الا أنه قال " وبمنزلة
العينين " (5).

1) اسعاف الراغبين ص 114.
2) رشفه الصادي ص 91.
3) الشرف المؤبد ص 31.
4) ذكر اخبار أصبهان 1 / 44.
5) مجمع الزوائد 9 / 172.
182

(السابع) أخرج المسعودي في جواهر العقدين عن ربيبة
السعدي حديثا طويلا عن حذيفة في فضل الحسين عليه السلام إلى
أن قال: أيها الناس انه لم يعد أحد من ذرية الأنبياء الماضين ما
أعطي الحسين بن علي خلا يوسف بن يعقوب بن إبراهيم، أيها
الناس ان الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذريته،
فلا تذهبن بكم الأباطيل (1. وأخرجه الحافظ جمال الدين محمد
ابن يوسف الزرندي الحنفي عن صاحب كتاب " السنة " (2، وأخرج
ذيل الحديث الحضرمي (3، والقندوزي (4، وابن حجر (5.
(الثامن) أخرج الحمويني بسنده عن أصبغ بن نباتة عن علي
عليه السلام في قوله تعالى " ان الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط
لناكبون " قال: الصراط ولايتنا أهل البيت. وأخرج الثعلبي في
تفسير الفاتحة من تفسيره الكبير عن أبي بريده أو أبى يزيد - كما
أخرج ابن البطريق عن الثعلبي -: ان الصراط المستقيم هو صراط
محمد وآله. وعن تفسير وكيع بن جراح عن سفيان الثوري عن
السدي عن أسباط ومجاهد عن ابن عباس في قوله " اهدنا الصراط

1) ينابيع المودة ص 279.
2) نظم درر السمطين ص 207 - 208.
4) رشفة الصادي ص 91.
4) ينابيع المودة ص 22، 169.
5) الصواعق المحرقة ص 174.
183

المستقيم " قال: قولوا أرشدنا إلى حب آل محمد وأهل بيته.
وأخرج القندوزي عن المناقب عن زيد بن موسى الكاظم عن أبيه
عن آبائه عليهم السلام نحو حديث الأصبغ (1.
وأخرج الشريف الحضرمي ان عبد الرحمن بن زيد قال في
قوله تعالى " اهدنا الصراط المستقيم " هم رسول الله صلى الله عليه
وآل وسلم وأهل بيته (2، وأخرج الحاكم الحسكاني الحنفي في
" شواهد التنزيل " عشرين حديثا في ذلك (3.
(التاسع) أخرج ابن حجر في الآية الخامسة من الآيات التي
ذكر أنها وردت فيهم، وهي قوله تعالى " واعتصموا بحبل الله
جميعا " عن الثعلبي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال:
نحن حبل الله الذي قال الله فيه " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا
تفرقوا " (4.

1) ينابيع المودة ص 114، خصائص المبين.
2) رشفة الصادي ص 25.
3) شواهد التنزيل 1 / 57 - 66.
4) الصواعق المحرقة 149، ينابيع المودة 119، رشفة الصادي
25، نور الابصار 101، اسعاف الراغبين 112، عبقات الأنوار
ج 2 م 12 ص 279 عن الثعلبي في تفسيره وص 293 عن القادري
الشيخاني في " الصراط السوي "، شواهد التنزيل 1 / 131 وفيه
في هذا الباب أحاديث أخرى غير هذا.
184

وقد فسر الشافعي حبل الله بولاء أهل البيت في الأبيات التي
ذكرها له أحمد بن عبد القادر العجيلي في كتابه " ذخيرة المآل "
والشريف الحضرمي في كتابه " رشفة الصادي "، وهي هذه:
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم * مذاهبهم في أبحر الغي والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجا * وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم * كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل (1
إذا افترقت في الدين سبعين فرقة * ونيفا على ما جاء في واشح النقل
ولم يك ناج منهم غير فرقة * فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل
أفي الفرقة الهلاك آل محمد * أم الفرقة اللاتي نجت منهم؟ قل لي
فان قلت في الناجين فالقول واحد * وان قلت في الهلاك حفت عن العدل
إذا كان مولى القوم منهم فإنني * رضيت بهم لا زال في ظلهم ظلي

1) رشفة الصادي ص 25.
185

رضيت عليا لي اماما ونسله * وأنت من الباقين في أوسع الحل (1
(العاشر) أخرج الخوارزمي موفق بن أحمد عن أبي صالح
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الصادقون في هذه الآية (يعني:
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) محمد صلى
الله عليه وآله وسلم وأهل بيته. أخرجه أبو نعيم والحمويني بلفظه،
وأخرجه أبو نعيم عن الصادق جعفر بن محمد، وأخرجه أيضا
وصاحب المناقب عن الباقر والرضا عليهما السلام قالا: الصادقون
هم الأئمة من أهل البيت (2.
وقال سبط ابن الجوزي: قال علماء السير: معناه كونوا مع
علي وأهل بيته. قال ابن عباس: علي سيد الصادقين (3.
وعن جماعة كأبي نعيم وابن مردويه وابن عساكر عن جابر
وابن عباس وأبى جعفر قالوا: مع علي بن أبي طالب (4.
وأخرج ابن حجر ان الإمام زين العابدين علي بن الحسين
عليه السلام كان إذا تلا قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وكونوا مع الصادقين " يقول دعاءا طويلا يشتمل على طلب اللحوق

1) عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 50 - 51.
2) ينابيع المودة ص 119، خصائص الوحي المبين ص 136.
3) تذكرة الخواص 10.
4) الدر المنثور 3 / 290، كفاية الطالب ص 111.
186

بدرجة الصادقين والدرجات العلية، وعلى وصف المحن وما انتحلته
المبتدعة المفارقون لائمة الدين والشجرة النبوية، ثم يقول: وذهب
آخرون إلى التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن وتأولوا
بآرائهم واتهموا مأثور الخبر (إلى أن قال) فإلى من يفزع خلف
هذه الأمة، وقد درست اعلام هذه الملة ودانت الأمة بالفرقة
والاختلاف، يكفر بعضهم بعضا والله يقول " ولا تكونوا كالذين
تفرقوا واختلفوا من بعد ما جائهم البينات "، فمن الموثوق به
على ابلاغ الحجة وتأويل الحكم الا أهل (اعدال خ ل) الكتاب
وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين احتج الله بهم على عباده
ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل تعرفهم أو تجدونهم الا
من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا، وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في
الكتاب (11.
وأخرجه الحافظ عبد العزيز بن الأخضر عن أبي الطفيل عامر
ابن واثلة، وهو آخر الصحابة موتا (2، وأخرجه الحضرمي (3،
والسمهودي في جواهر العقدين (4، ثم قالا:

1) الصواعق المحرقة ص 149 - 150.
2) ينابيع المودة ص 273 - 274.
3) رشفة الصادي ص 77.
4) عبقات الأنوار ج 2 م 12 ص 278 - 279.
187

هم العروة الوثقى وهم معدن التقى * وخير حبال العالمين وثيقها
وفى الباب روايات أخرى أخرجها الحاكم الحسكاني (1.
(الحادي عشر) أخرج ابن حجر في الآية الرابعة من الآيات
التي ذكر أنها وردت فيهم، وهي قوله تعالى " وقفوهم انهم مسؤولون "
عن الواحدي: أي عن ولاية علي وأهل البيت، لان الله أمر نبيه
صلى الله عليه وآله أن يعرف الخلق أنه لا يسألهم على تبليغ
الرسالة أجرا الا المودة في القربى، والمعنى انهم يسألون هل
والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي أو أضاعوها وأهملوها،
فتكون عليهم المطالبة والتبعة - انتهى. وأشار بقوله " كما أوصاهم
النبي " إلى الأحاديث الواردة في ذلك، وهي كثيرة (2.
ورواه الحضرمي عن الواحدي أيضا (3، وفى الباب روايات
أخرى أخرجها الحسكاني (4.
أقول: حق موالاتهم هو تصديق أقوالهم واتباع آثارهم واتخاذهم
الأئمة في الدين، وأولى بالأنفس والأموال والاحتجاج بأحاديثهم.
(الثاني عشر) أخرج ابن حجر أيضا في الآية الثامنة، وهي

1) شواهد التنزيل 1 / 259 - 262.
2) الصواعق المحرقة ص 147.
3) رشفة الصادي ص 24.
4) شواهد التنزيل 2 / 106 - 108.
188

قوله تعالى " واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى "
عن ثابت البناني أنه قال: اهتدى إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام
وجاء ذلك عن أبي جعفر الباقر أيضا (1. وأخرجه الحضرمي وقال:
جعل الاهتداء إلى ولايتهم مع الايمان والعمل الصالح سببا لوجود
المغفرة (2. وأخرج ابن البطريق عن الحافظ أبى نعيم بسنده عن
عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن علي عليه السلام أنه في هذه الآية
" اني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " قال: إلى
ولايتنا (3، وفي الباب روايات أخرى أخرجها الحاكم الحسكاني (4.
(الثالث عشر) أخرج القاضي قال صلى الله عليه وآله: معرفة
آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط،
والولاية لآل محمد أمان من العذاب (5.
وأخرجه الحمويني مسندا عن المقداد والسمهودي في جواهر
العقدين (6، وأخرجه في كتاب السبعين في فضائل أمير المؤمنين في
الحديث التاسع والستين، وقال: أورده أبو إسحاق في كتابه،

1) الصواعق المحرقة ص 151.
2) رشفة الصادي ص 27.
3) خصائص الوحي المبين ص 32 - 33.
4) شواهد التنزيل 1 / 375 - 377.
5) الشفا بتعريف حقوق المصطفى.
6) ينابيع المودة ص 22.
189

وأخرج تمام هذا الكتاب الشريف (كتاب السبعين) في ينابيع
المودة ص 230 - 241.
أقول: لا ريب في أن معنى معرفتهم ليس معرفتهم بأسمائهم
وأشخاصهم، بل المراد معرفتهم بأنهم أهل بيت النبي صلى الله عليه
وآله وسلم والعالمون بأحكام الله، وبأنهم مراجع الناس في أمورهم
الدينية والدنيوية.
ومن جهة أخرى، فإنه لا يصح هذا الحث الأكيد على معرفتهم
وحبهم وولايتهم الا إذا كانت مذاهبهم صحيحة واتباعهم سبيل للنجاة
والاعراض عنهم سبب للهلاك.
(الرابع عشر) أخرج الطبراني في الأوسط عن الإمام الحسن
ابن علي عليهما السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
ألزموا مودتنا أهل البيت، فإنه من لقي الله عز وجل وهو يودنا
دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمل عمله الا
بمعرفة حقنا (1. وأخرج ابن حجر (2 والشريف الحضرمي (3، والسيد
على الهمداني في المودة الثانية من (مودة القربى) عن جابر
والصبان (4 والنبهاني (5 وغيرهم.

1) احياء الميت ح 18، مجمع الزوائد 9 / 172.
2) الصواعق المحرقة ص 171.
3) رشفة الصادي ص 44.
4) اسعاف الراغبين ص 115.
5) الشرف المؤبد ص 96.
190

(الخامس عشر) أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تزول قدما عبد حتى يسأل
عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله
فيم أنفقه ومن أين اكتسبه، وعن محبتنا أهل البيت (1.
وأخرجه أبو المؤيد الخوارزمي عن أبي هريرة (2، والحموي
عن علي عليه السلام نحوه (3. وأخرجه ابن حجر عن الطبراني في
الكبير والأوسط (4 والمتقي (5 أخرجا عن ابن عباس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله " لا تزول قدما عبد يوم القيامة " قالا " فيما "
بدل فيم و " عن حبنا أهل البيت "، وأخرجه ابن المغزلى بلفظ
كنز العمال والطبراني (6.
(السادس عشر) أخرج الثعلبي في تفسيره عن محمد بن أسلم
الطوسي عن يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس
ابن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: ألا ومن مات على حب آل محمد مات شهيدا،

1) احياء الميت ص 115.
2) ينابيع المودة ص 106.
3) ينابيع المودة ص 112.
4) مجمع الزوائد 10 / 346.
5) كنز العمال 7 / 212.
6) المناقب ص 120.
191

ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له، ألا ومن مات
على حب آل محمد مات تائبا، ألا ومن مات على حب آل محمد مات
مؤمنا مستكمل الايمان، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح في
قبره بابان من الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك
الموت بالجنة ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد
يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات
على حب آل محمد جعل الله تعالى زوار قبره ملائكة الرحمة، ألا
ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة، ألا ومن
مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه " آيس
من رحمة الله "، آلا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا،
ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة (1.
وأخرجه الزمخشري في الكشاف في تفسيره آية المودة
والحمويني في فرائد السمطين (2 والشبلنجي (3 والشريف الحضرمي (4
والصفوري مختصرا وقال: حكاه القرطبي في سورة الشورى (5
وصاحب فصل الخطاب وروح البيان (6.

1) ينابيع المودة ص 27، 369.
2) ينابيع المودة ص 263.
3) نور الابصار ص 104.
4) رشفة الصادي ص 45.
5) نزهة المجالس ص 469.
6) ينابيع المودة 27.
192

(السابع عشر) أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي برزة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تزول قدما عبد
حتى يسأل عن أربعة: عن جسده فيما بلاه، وعمره فيما أفناه،
وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت. قيل:
يا رسول الله فما علامة حبكم؟ فضرب بيده على منكب علي (1.
وأخرج أبو طالب يحيى بن الحسين بسنده عن علي عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تزول قدما العبد
يوم القيامة حتى يسأله الله عز وجل عن أربع: عن عمره فيما أفناه،
وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله مما اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا
أهل البيت. فقال أبو برزة: ما علامة حبكم يا رسول الله؟ قال: حب
هذا - ووضع يده على رأس علي عليه السلام (2.
(الثامن عشر) أخرج السيوطي والحضرمي عن الديلمي عن
علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته،
وعلى قراءة القرآن، فان حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل الا
ظله مع أنبيائه وأصفيائه (3. وأخرجه المتقي الا أنه قال " وقراءة

1) مجمع الزوائد 10 / 346.
2) تسير المطالب في امالي الامام أبى طالب ص 73.
3) احياء الميت ح 46، رشفة الصادي ص 46.
193

القرآن " (1) وأخرجه ابن حجر الا أنه قال " وقراءة القرآن والحديث "
ولم يذكر ما بعده (2.
* * *
أقول: الاخبار في هذه المعاني كثيرة متواترة، وفيها من ضروب
التأكيد والترغيب في محبة أمير المؤمنين علي والزهراء والحسنين
وأولادهم عليهم السلام وذم مبغضيهم، ما يلحق حبهم بأعظم الواجبات
والفرائض، وبغضهم والاعراض عنهم بأشد المحرمات، بل يجعله
من أكبر الكبائر، ونعم ما قاله الشافعي:
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له
وللفرزدق في قصيدته المعروفة:
من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم
ان عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
يستدفع الضر والبلوى بحبهم * ويستزاد به الاحسان والنعم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وان كرموا
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل يوم ومختوم به الكلم
وأخرج السيوطي والنبهاني عن ابن أبي حاتم عن ابن عباس

1) كنز العمال 8 / 278.
2) الصواعق المحرقة ص 170، والظاهر زيادة الواو في
" والحديث " من النساخ، وعليه فالحديث رمز لتمام الحديث.
194

في قوله تعالى " ومن يقترف حسنة " قال: المودة لآل محمد صلى
الله عليه وآله (1.
وفى هذه الآية وآية " قل لا أسئلكم عليه اجرا الا المودة في
القربى " روايات كثيرة (2.
وأخرج النبهاني عن ابن مسعود: حب آل محمد يوما خير من
عبادة سنة (3.
وأخرج أيضا عن الديلمي عن علي عليه السلام: أثبتكم على
الصراط أشدكم حبا لأهل بيتي. وأخرجه المناوي أيضا عن الديلمي (4.
ومن المعلوم البديهي أن الحث على محبتهم بهذا التأكيد
واهتمام النبي صلى الله عليه وآله في بيان فضائلهم ومناقبهم وتنزيلهم
منزلة نفسه في حبهم وبغضهم وسلمهم وحربهم واختصاصهم بفضائل
كثيرة دون غيرهم، أقل ما يدل عليه هو صحة الاقتداء بهم في الأحكام الشرعية
، وحجية أقوالهم وأفعالهم وحرمة الاعراض عن أحاديثهم
وعلومهم.
(التاسع عشر) أخرج السيوطي في تفسير قوله تعالى " ألا
بذكر الله تطمئن القلوب " عن علي عليه السلام ان رسول الله صلى

1) احياء الميت ح 3، الشرف المؤبد لآل محمد ص 95.
2) راجع كتب التفسير وشواهد التنزيل 2 / 130 - 150.
3) الشرف المؤبد ص 95.
4) الشرف المؤبد ص 97، كنوز الحقائق ص 9.
195

الله عليه وآله لما نزلت هذه الآية قال: ذاك من أحب الله ورسوله
وأحب أهل بيته صادقا غير كاذب. قال: أخرجه ابن مردويه،
وأخرجه المتقي (1.
وأخرج الحافظ أبو نعيم بسنده عن أنس ان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال في هذه الآية: أتدري من هم يا بن أم سليم؟
قلت: ومن هم؟ قال: نحن وشيعتنا (2.
وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير في تفسير قوله تعالى " فاسئلوا
أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون " عن جابر قال: قال علي بن أبي طالب
عليه السلام: نحن أهل الذكر. وأخرجه الطبري في تفسيره (3.
وأخرج الحسكاني في ذلك روايات غيرها (4.
وأخرج الشارح المعتزلي عن شيخه أبى عثمان عن أبي عبيدة
عن جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام: ألا
ان الأبرار عترتي وأطائب أرومتي، أحلم الناس صغارا وأعلم الناس
كبارا، ألا وانا أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ومن
قول صادقا سمعنا، فان تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وان لم تفعلوا

1) الدر المنثور في تفسير الآية من سورة الرعد، كنز العمال
1 / 251.
2) خصائص الوحي المبين ص 114.
3) ينابيع المودة ص 119، تفسير الطبري 7 / 5.
4) شواهد التنزيل 1 / 334 - 337.
196

يهلككم بأيدينا، معنا راية الحق، من تبعها محق ومن تخلف عنها
غرق، ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم
وبنا فتح لا بكم (1.
وأخرجه الحافظ عمرو بن بحر في كتابه عن أبي عبيدة (2.
(العشرون) أخرج الكنجي بسنده عن أبي أمامة الباهلي قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان الله خلق الأنبياء من
أشجار شتى، وخلقني وعليا من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلى
فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمرها، فمن تعلق بغصن
من أغصانها نجى، ومن زاغ عنها هوى، ولو أن عبدا عبد الله بين
الصفا والمروة ألف عام ثم لم يدرك محبتنا أكبه الله على منخريه في
النار، ثم تلا " قل لا أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربى " (3.
وأخرجه ابن حجر عن فضائل ابن جبر (4، وأخرج نحوه ابن المغازلي
عن جابر (5.
وأخرج الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالاسناد مرفوعا إلى أبى

1) شرح نهج البلاغة 1 / 92.
2) ينابيع المودة 23.
3) كفاية الطالب ص 178.
4) لسان الميزان 4 / 434.
5) المناقب ص 90، 297.
197

امامة الباهلي نحوه (1، والحمويني بسنده عن جابر بن عبد الله
أيضا نحوه (2.
وأخرجه الهمداني في (مودة القربى) في المودة الثامنة،
وزاد " وأشياعنا أوراقها "، وأخرجه الطبري وابن عساكر بعدة
طرق عن أبي أمامة (3.
ونحو هذا الحديث في المضمون والدلالة على نجاة المتمسكين
بهم عليهم السلام ما أخرجه أحمد في المناقب والسمهودي في جواهر
العقدين والطبراني في معجمه الكبير وابن عساكر في تاريخه
والنيسابوري في تفسيره والمتقي والصبان عن الطبراني عن أبي
رافع وابن حجر وغيرهم (4.
(الحادي والعشرون) أخرج الديلمي في مسنده عن علي عليه
السلام: يا علي أن الله قد غفر لك ولذريتك ولولدك ولأهلك وشيعتك

1) مجمع البيان في تفسير القرآن 9 / 28 - 29، شواهد التنزيل
1 / 141 - 142.
2) فرائد السمطين ص 38 - 39.
3) الغدير 2 / 277.
4) راجع رشفة الصادي ص 82، ينابيع المودة ص 269،
الصواعق المحرقة ص 159، كفاية الطالب ص 185، تاريخ ابن
عساكر 4 / 318، لسان الميزان 6 / 263، كنز العمال 6 / 212،
اسعاف الراغبين ص 131.
198

ولمحبي شيعتك، فأبشر فإنك الأنزع البطين (1. وأخرج ابن حجر
نحوه (2.
وأخرج الخوارزمي أنه صلى الله عليه وآله قال: يا علي
ان الله قد غفر لك ولأهلك وشيعتك ومحبي شيعتك، فإنك الأنزع
البطين، منزوع من الشرك بطين من العلم. وروى الامام سيدنا على
ابن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام مثل ما رواه
الديلمي وقال في آخره " منزوع من الشرك مبطون من العلم " (3.
(الثاني والعشرون) أخرج الحافظ الزرندي عن ابن عباس
قال: لما نزلت هذه الآية " ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك
هم خير البرية " قال لعلي: هو أنت وشيعتك، تأتى يوم القيامة أنت
وشيعتك راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضابا مقمحين. فقال: يا
رسول ومن عدوى؟ قال: من تبرأ منك ولعنك. ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: رحم الله عليا رحمه الله (4.
وأخرج الحاكم عن ابن عباس أيضا قال: نزلت في علي
وأهل بيته (5.

1) رشفة الصادي ص 81.
2) الصواعق المحرقة 159.
3) المناقب ص 235، مسند الامام على الرضا المطبوع مع
مسند زيد الشهيد ص 456.
4) نظم درر السمطين ص 92 - 93، الصواعق المحرقة ص 159.
5) شواهد التنزيل 2 / 366، مجمع البيان 10 / 124.
199

قال السيوطي في الدر المنثور في تفسيرها: أخرج ابن عدي
عن ابن عباس قال: لما نزلت " ان الذين آمنوا وعلموا الصالحات "
قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي: أنت وشيعتك يوم
القيامة راضين مرضيين، وأخرجه الشبلنجي إلى قوله " مقمحين " (1.
(الثالث والعشرون) أخرج الحاكم أبو القاسم الحسكاني
بالاسناد المرفوع إلى يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي عليه
السلام قال: سمعت عليا يقول: حدثني رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وأنا مسنده إلى صدري فقال: يا علي أما تسمع قول الله
تعالى " ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية "
هم أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا اجتمعت الأمم
للحساب تدعون غرا محجلين (2.
وأخرج ابن مردويه عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله ألم تسمع قول الله " ان الذين آمنوا " الآية،
هم أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم
للحساب تدعون غرا محجلين (3.

1) نور الابصار ص 102.
2) شواهد التنزيل 2 / 356، المناقب للخوارزمي نحوه ص
179، الفصول المهمة لشرف الدين العاملي ص 39، روح المعاني.
3) الدر المنثور في تفسير الآية، روح المعاني أيضا في تفسير
الآية.
200

وفى الباب روايات كثيرة أخرجها الحاكم الحسكاني الحنفي (1.
(الرابع والعشرون) أخرج الهيثمي عن عبد الله بن أبي نجى أن
عليا عليه السلام أتي يوم البصرة بذهب وفضة، فقال: ابيضي واصفري
وغري غيري، غري أهل الشام غدا إذا ظهروا عليك. فشق قوله على
الناس، فذكر ذلك له، فأذن في الناس فدخلوا عليه قال: ان خليلي
صلى الله عليه وآله قال: يا علي انك ستقدم على الله وشيعتك
راضين مرضيين، ويقدم عليك عدوك غضبان مقمحين، ثم جمع
يده إلى عنقه يريهم الا قماح. رواه الطبراني في الأوسط (2.
(الخامس والعشرون) أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله
قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فأقبل علي عليه السلام
فقال النبي: والذي نفسي بيده ان هذا وشيعته لهم الفائزون يوم
القيامة، ونزلت " ان الذين آمنوا " الآية (3، وأورده القندوزي في
حديث طويل ذكر فيه بعض فضائل علي عليه السلام عن المناقب عن أبي
الزبير المكي عن جابر (4.
(السادس والعشرون) أخرج الكنجي باسناده عن أبي سعيد
الخدري قال: نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى علي عليه

1) شواهد التنزيل 2 / 356 - 366.
2) مجمع الزوائد 9 / 131.
3) الدر المنثور في تفسر الآية.
4) ينابيع المودة ص 62.
201

السلام فقال: وشيعته هم الفائزون يوم القيامة. وقال: وقد سمعته
من جم غفير بطرق مختلفة، وأخرج المناوي " شيعة علي هم الفائزون "
وأخرج أيضا " علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة " (1. وأخرج
البلاذري عن أم سلمة نحوه، كما أخرج عنها ابن عساكر أيضا قالت:
سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: ان عليا وشيعته هم
الفائزون يوم القيامة (2.
(السابع والعشرون) أخرج الديلمي في الجزء الأول من كتاب
الفردوس في باب الألف عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: أنا شجرة وفاطمة حملها وعلي لقاحها والحسن
والحسين ثمرها والمحبون لأهل البيت ورقها من الجنة حقا حقا (3.
ومر نحو ذلك عن أبي أمامة، وفي الباب نحوه عن عبد الرحمن بن
عوف وأبى سعيد الخدري وجابر (4.
وأنشد بعضهم شعرا في هذه الأحاديث:
يا حبذا دوحة في الخلد نابتة * ما مثلها نبتت في الخلد من شجر
المصطفى أصلها والفرع فاطمة * ثم اللقاح علي سيد البشر

1) كفاية الطالب ص 175، كنوز الحقائق 1 / 150، 2 / 17.
2) أنساب الأشراف 2 / 182، وفى ذيل الصفحة عن تاريخ
دمشق 38 / 41 ح 851.
3) خصائص الوحي المبين ص 141.
4) شواهد التنزيل 1 / 288 - 291 و 312 - 313.
202

والهاشميان سبطاه لها ثمر * والشيعة الورق الملتف بالثمر
انا بحبهم أرجو النجاة غدا * والفوز في زمرة من أفضل الزمر
هذا هو الخبر المأثور جاء به * أهل الرواية في العالي من الأثر
(الثامن والعشرون) أخرج الزمخشري عن علي عليه السلام ان
النبي صلى الله عليه وآله قال له: إذا كان يوم القيامة أخذت
بحجزة الله، وأخذت أنت بحجزتي، وأخذ ولدك بحجزتك،
وأخذت شيعة ولدك بحجزتهم، فترى أين يؤمر بنا (1.
وأخرج في ربيع الأبرار: إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة،
وأخذت أنت بحجزتي، وأخذوا ولدك بحجزتك، وأخذوا شيعة
ولدك بحجزهم، فنودي أين من يؤنس بنا (2.
وفي مسند الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام المطبوع
مع مسند الامام زيد في الباب الرابع ص 455، أخرج بالاسناد
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي إذا كان يوم القيامة
أخذت بحجزة الله، وأخذت أنت بحجزتي، وأخذ ولدك بحجزتك
وأخذ شيعة ولدك بحجزتهم، فترى أين يؤمر بنا. قال أبو القاسم
الطائي: سألت أبا العباس بن ثعلب عن الحجزة قال هي السبب،

1) أساس البلاغة ص 155.
2) توجد نسخة مخطوطة منه في خزاعة كتب مشهد الإمام علي
ابن موسى الرضا عليه السلام رقم 53، أخذنا منه الحديث في باب
الخير والصلاح وذكر اخبار الصلحاء وأحوالهم وما جاء فيهم وعنهم.
203

وسألت ابن نفطويه النحوي عن ذلك فقال هي السبب.
(التاسع والعشرون) اخرج الحافظ جمال الدين محمد بن يوسف
الزرندي الحنفي عن إبراهيم بن شيبة الأنصاري قال جلست إلى
الأصبغ بن نباتة فقال: ألا أقرأ عليك ما املاه علي علي بن أبي
طالب، فأخرج لي صحيفة فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم،
هذا ما أوصى به محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أهل
بيته وأمته، أوصى أهل بيته بتقوى الله ولزوم طاعته، وأوصى أمته
بلزوم أهل بيته، وان أهل بيته يأخذون بحجزة نبيهم صلى الله عليه
وآله وسلم، وان شيعته آخذون بحجزهم يوم القيامة، وانهم لن
يدخلوكم في باب ضلالة ولن يخرجوكم من باب هدى (1، وأخرجه
الشريف الحضرمي الشافعي (2.
أقول: الأحاديث الواردة في نجاة من تمسك بهم وفى فضل
شيعتهم عليهم السلام كثيرة جدا تجاوزت حد التواتر (3، وصنف فيها

1) نظم درر السمطين ص 243.
2) رشفة الصادي ص 72.
3) يراجع الفصول المهمة ص 40، ينابيع المودة ص 63،
91، 98، 130، 257، الصواعق المحرقة ص 230، كفاية الطالب
ص 98، 135، كنوز الحقائق 2 / 193، نزهة المجالس ص 469،
أسد الغابة 1 / 206، المناقب لابن المغازلي اخرج فيه من أحاديث
مناقبهم 467، شواهد التنزيل الكتاب القيم الذي لا غنى للباحث
عنه للحافظ الحنفي المعروف بالحاكم الحسكاني قد جمع فيه
مما يدل على ذلك أكثر من 1160 حديث.
204

جمع من اعلام الشيعة والسنة كتبا مفردة.
(تنبيه) شيعة الرجل اتباعه وأنصاره وقد غلب هذا الاسم في
عصر النبي صلى الله عليه وآله والصحابة إلى العصر الحاضر على
أتباع علي عليه السلام والذين اختصوا به وبأولاده، واتخذوهم
أولياء واتخذوهم أئمة في الدين وفى تبليغ الأحكام عن الرسول
صلى الله عليه وآله وفى تفسير القرآن والسنة وفى سائر
الأمور، وقد نص على ذلك علماء اللغة:
قال الجوهري في الصحاح: شيعة الرجل اتباعه وأنصاره.
وقال الفيومي في المصباح: الشيعة الاتباع والأنصار.
وقال الراغب: من يتقوى بهم الانسان وينتشرون عنه.
قال الفيروزآبادي في القاموس: وشيعة الرجل - بالكسر -
أشياعه وأنصاره، والفرقة على حدة، ويقع على الواحد والاثنين
والجمع والمذكر والمؤنث، وقد غلب هذا الاسم على كل من
يتولى عليا وأهل بيته حتى صار اسما لهم خاصا.
وقال ابن منظور في لسان العرب: الشيعة اتباع الرجل وأنصاره،
جمعها شيع وأشياع (إلى أن قال) قد غلب هذا الاسم على من يتولى
عليا وأهل بيته رضوان الله تعالى عليهم أجمعين حتى صار لهم اسما
خاصا، فإذا قيل فلان من الشيعة عرف انه منهم، وفى مذهب الشيعة
205

كذا أي عندهم، وأصل من المشايعة، وهي المتابعة والمطاوعة.
وقال الأزهري: والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه
وآله ويوالونهم.
وذكر نحوه ابن الأثير في النهاية.
وقال الشيخ أبو محمد الحسن النوبختي في الفرق والمقالات
المطبوع في استانبول: الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون
بشيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وآله، وما بعده
معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته (1.
وقال أبو حاتم السجستاني في الجزء الثالث من كتاب " الزينة "
ان لفظ الشيعة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لقب أربعة من الصحابة سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار (2.
وقال علي بن محمد الجرجاني في كتاب " التعريفات " في باب
الشين: الشيعة هم الذين شايعوا عليا رضي الله عنه وقالوا انه الامام
بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واعتقدوا أن الإمامة
لا تخرج عنه وعن أولاده.
ومما ذكرنا يظهر الأحاديث المذكورة على أن الشيعة اسم
أطلقه النبي صلى الله عليه وآله على جماعة خاصة من أمته،
وهم اتباع علي عليه السلام وأشياعه ومن اتخذه وليا واقتفى أثره

1) نقض الوشيعة ص 39.
2) نقض الوشيعة ص 39
206

واثر ولده، ويتأسى ويقتدى به وبأولاده الأئمة في عقائده وأعماله.
ولا معنى لهذا الا كونهم أئمة في الدين وأولياء الناس بتعيين
رسول الله صلى الله عليه وآله، وكون الاخذ بأقوالهم والعمل
بفتاواهم في الفروع والأصول سببا للنجاة في الدارين.
وليس المراد منها كل من يحب عليا ولا يبغضه، فان مجرد ذلك
لا يصحح اطلاق الشيعة عليه ولا يختصه بأهل البيت، فلا يقال لمن
يحب أحدا انه من شيعته الا إذا اقتدى به وتولاه وتابعه وشايعه والتزم
بمتابعته ومشايعته، كما لا ينتمي من اخذ العلم عن جميع العلماء إلى
واحد منهم الا إذا كان له اختصاص به.
ولا ريب في أنه ليس في فرق المسلمين وطوائفهم فرقة تنتمي
إلى أهل البيت غير الشيعة، ولا شبهة في إضافة علومهم وفقههم إلى
أئمة أهل البيت عليهم السلام، كمالا شبهة في صحة إضافة فقه
الحنابلة إلى حمد بن حنبل والحنفية إلى أبي حنيفة والشافعية إلى
الشافعي والمالكية إلى مالك.
فكما لا يجوز لاحد انكار صحة حكاية فقه المذاهب الأربعة
بين أهل السنة عن مالك واحمد والشافعي وأبي حنيفة، لاستفاضة
الفتيا عنهم، لا يجوز أيضا لاحد انكار صحة فقده المذهب الجعفري
وما عند الإمامية من الحديث والعلم، وصحة انتمائه إلى جعفر بن
محمد وآبائه وأولاده الأئمة عليهم السلام، سيما مع استفاضه كونهم
من أجله أهل العلم والفتيا في جميع الأحكام وتواتر ذلك بين
207

المسلمين، ومعروفية فتاواهم ومذاهبهم بين الشيعة دون غيرهم من
الفرق.
(الثلاثون) أخرج شيخ الاسلام إبراهيم بن محمد الحمويني
الشافعي في حديث باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله
ذكر فيه بعض فضائل علي عليه السلام (إلى أن قال) والحسن والحسين
اماما أمتي بعد أبيهما وسيدا شباب أهل الجنة، وأمهما سيدة نساء
العالمين، وأبوهما سيد الوصيين، ومن ولد الحسين تسعة تاسعهم
القائم من ولدى، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي، إلى الله
أشكوا المنكرين لفضلهم والمضيعين لحرمتهم بعدي، وكفى بالله وليا
وناصرا لعترى وأئمة ومنتقما من الجاحدين حقهم، وسيعلم
الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (1.
(الحادي والثلاثون) أخرج القندوزي عن المناقب بالاسناد عن أبي
الزبير المكي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم حديثا ذكر فيه أيضا بعض فضائل علي عليه السلام
(إلى أن قال): وزوجته الصديقة الكبرى ابنتي، وابناه سيدا شباب
أهل الجنة ابناي، وهو وهما والأئمة من بعدهم حجج الله على خلقه
بعد النبيين، وهم أبواب العلم في أمتي، من تبعهم نجا من النار
ومن اقتدى بهم هدى إلى صراط مستقيم، لم يهب الله محبتهم لعبد
الا أدخله الجنة (2.

1) فرائد السمطين ص 42 - 43.
2) ينابيع المودة ص 62 - 63.
208

(الثاني والثلاثون) أخرج الزمخشري باسناده قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: فاطمة بهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي،
وبعلها نور بصرى، والأئمة من ولدها امناء ربى، وحبل ممدود بينه
وبين خلقه، من اعتصم بهم نجا ومن تخلف عنهم هوى (1.
(الثالث والثلاثون) أخرج الحمويني والخوارزمي مسندا
والهمداني في (مودة القربى) عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان
الفارسي قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله، فإذا
الحسين بن علي على فخذيه، وهو يقبل خديه ويلثم فاه ويقول:
أنت سيد ابن سيد أخو سيد، وأنت امام ابن امام أخو امام، وأنت
حجة ابن حجة أخو حجة، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم
المهدى (2.
(الرابع والثلاثون) اخرج الهمداني في (مودة القربى) في
المودة العاشرة عن أصبغ بن نباتة عن عبد الله بن عباس قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا وعلي والحسن
والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون، وأخرجه

1) كشف الحق ونهج الصدق المبحث الرابع من المسألة
الخامسة، ينابيع المودة ص 82، وأخرجه الحمويني بسنده الا أنه قال
" وحبله الممدود ".
2) ينابيع المودة ص 168 و 445، كشف الأستار ص 61،
مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 94.
209

الحمويني (1.
(الخامس والثلاثون) أخرج الحمويني في فرائد السمطين
بسنده عن عباية بن ربعي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: أنا سيد النبيين، وعلي سيد الوصيين، وان أوصيائي بعدي
اثنا عشر، أولهم علي وآخرهم المهدي (2. وأخرجه في (مودة القربى)
في المودة العاشرة.
(السادس والثلاثون) أخرج الحمويني في فرائد السمطين عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ان خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر، أولهم
أخي وآخرهم ولدى. قيل: يا رسول الله ومن أخوك؟ قال: على
ابن أبي طالب. قيل: فمن ولدك؟ قال: المهدى الذي يملاها قسطا
وعدلا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق
من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدى
المهدى، ينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه، وتشرق الأرض
بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب (3، وأخرجه في روضة
الأحباب في ذكر الإمام الثاني عشر (4.

1) ينابيع المودة ص 445، 258.
2) ينابيع المودة ص 445 و 258، كشف الأستار ص 74.
3) عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 237، ينابيع المودة ص 447.
4) عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 237 - 238.
210

(السابع والثلاثون) أخرج القندوزي عن المناقب عن أبي
الطفيل عامر بن واثلة - وهو آخر من مات من الصحابة - عن علي
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت
وصيي، حربك حربي وسلمك سلمى، وأنت الإمام أبو الأئمة الأحد عشر
الذين هم المطهرون المعصومون، منهم المهدى الذي يملأ الأرض
قسطا وعدلا، فويل لمبغضيهم، يا علي لو أن رجلا أحبك
وأولادك في الله لحشره الله معك ومع أولادك، وأنتم معي في الدرجات
العلى، وأنت قسيم الجنة والنار، تدخل محبيك الجنة ومبغضيك
النار (1.
(الثامن والثلاثون) أخرج القندوزي عن علي عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحب أن يركب سفينة
النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال
عليا وليعاد عدوه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده، فإنهم خلفائي
وأوصيائي وحجج الله على خلقه من بعدي وسادات أمتي وقواد
الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله، وحزب
أعدائهم حزب الشيطان (2، وأخرجه الهمداني في (مودة القربى)
في المودة العاشرة (3.

1) ينابيع المودة ص 85.
2) ينابيع المودة ص 445.
3) ينابيع المودة ص 258.
211

وأخرج أبو سعيد عبد الملك بن محمد النيسابوري الخركوشي
في (شرف المصطفى) عن علي عليه السلام أنه قال: فيكم من يخلف
من نبيكم صلى الله عليه وآله، ما ان تمسكتم به لن تضلوا،
وهم الدعاة، وهم النجاة، وهم أركان الأرض، وهم النجوم، بهم
يستضاء من شجرة طاب فرعها وزيتونة طاب (بورك ظ) أصلها،
نبتت في الحرم وسقيت من كرم، من خير مستقر إلى خير مستودع،
من مبارك إلى مبارك، صفت من الاقدار والأدناس ومن قبيح ما
نبت به شرار الناس، لها فروع طوال لا تنال، وحسرت عن صفاتها
الألسن، وقصرت عن بلوغها الأعناق، فهم الدعاة وبهم النجاة،
وبالناس إليهم حاجة، فاخلفوا رسول الله صلى الله عليه وآله
بأحس الخلافة، فقد أخبركم أنهم والقرآن الثقلان وأنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض، فالزموهم تهتدوا وترشدوا ولا
تتفرقوا عنهم ولا تتركوهم فتفرقوا وتمرقوا (1.
(التاسع والثلاثون) أخرج الديلمي في حديث عن جابر
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: فمن سره أن يلقى
الله وهو عنه راض فليتول عليا وعترته، فإنهم أوليائي ونجبائي
وأحبائي وخلفائي (2.
(الأربعون) أخرج الحافظ أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي

1) عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 265 - 266.
2) عبقات الأنوار ج 2 / 12 / 239.
212

الفوارس (ت 412) في أربعينه باسناده حديثا طويلا، وهو الحديث
الرابع من أربعينه، ذكر فيه أسماء الأئمة الاثني عشر من الإمام علي
ابن أبي طالب إلى المهدي محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب عليهم السلام وذكر فضيلة موالاة كل واحد منهم واتخاذهم
أولياء (1.
ومن الروايات الواردة فيهم الدالة على وجوب التمسك بهم
والمصرحة بعددهم وأسمائهم، ما أخرجه القندوزي عن واثلة
وصاحب فرائد السمطين عن عمر بن سلمة (2 وشارح غاية الاحكام
عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام (3، وصاحب روضة الأحباب
والمناقب (4 عن جابر، والخوارزمي بسنده عن أبي سلمى راعى إبل

1) يراجع كتاب الأربعين للحافظ أبي الفتح، ومقدمتنا على
كتاب مقتضب الأثر ص يب يج وكتابنا منتخب الأثر 1 ب 8 ح 30
ص 120، عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 253 - 254، كشف الأستار
ص 27 - 29.
2) ينابيع المودة ص 442 - 443، عبقات الأنوار ج 2 م 12
ص 240.
3) كشف الأستار ص 74.
4) عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 238.
213

رسول الله صلى الله عليه وآله وبسنده عن علي عليه السلام (1،
والحمويني في حديث مناشدة أمير المؤمنين علي عليه السلام (2
وغيرها.
* * *
أقول: الأحاديث في ارجاع الأمة إلى أهل البيت وفى التصريح
بأسماء الأئمة الاثني عشر كثيرة متواترة، لا يمكن في مثل هذا الكتاب
استقصاؤها، وإنما ذكرنا منها - مضافا إلى أحاديث الثقلين والسفينة
والأمان - هذه الأحاديث الأربعين تبركا، ولما نقله الحافظ أبو الفتح
محمد بن أبي الفوارس في أول أربعينه عن الشافعي بعد ذكر حديث
" من حفظ عني من أمتي أربعين حديثا كنت له شفيعا " أن المراد
من هذه الأربعين مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
ونقل باسناده عن أحمد بن حنبل أنه قال: خطر ببالي من أين
صح عند الشافعي، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله في النوم
وهو يقول: شككت في قول محمد بن إدريس عن قولي: من حفظ
من أمتي أربعين حديثا في فضائل أهل بيتي كنت له شفيعا يوم القيامة،
ما علمت أن فضائل أهل بيتي لا تحصى؟.
من أراد الاطلاع على طائفة من هذه الأحاديث فعليه بكتابنا

1) مقتل الحسن عليه السلام 1 / 94 - 95، ينابيع المودة
485 - 487.
2) عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 265.
214

منتخب الأثر، فقد أخرجنا فيه ما يزيد على 270 من الأحاديث
المروية في الأئمة الاثني عشر من طرق الفريقين، وما كتبناه مقدمة
على كتاب مقتضب الأثر للعلامة المحدث ابن العياش الجوهري
(ت 401).
وليراجع أيضا الكتاب القيم ينابيع المودة مودة القربى
والمناقب للخوارزمي وفرائد السمطين للحمويني ونظم درر السمطين
للزرندي وجواهر العقدين للسمهودي والفصول المهمة لابن الصباغ
وكفاية الطالب للكنجي الشافعي وتذكرة الخواص والصواعق
المحرقة ووفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ص 73 وحسن التوسل
بهامش الاتحاف ص 74 ورشفة الصادي ص 28 تفسيرا لآية النور
والمناقب لابن المغازلي وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني، وغير
ذلك من جوامع الحديث والصحاح والمسانيد والتفاسير والتواريخ
مما جاء أسماؤها في كتاب عبقات الأنوار. فإنك ان سبرت هذه
الكتب وكتبا عبقات الأنوار تجد في هذه المعاني روايات كثيرة.
وقد أفرد العلامة محمد معين السندي مؤلف " دراسات اللبيب
في الأسوة بالحسنة الحبيب " كتابا أسماه " مواهب سيد البشر في
حديث الأئمة الاثني عشر " (1

1) قد صرح هذه العلامة المحقق بحجية مذاهب أهل البيت
وبطلان كل اجماع على خلافهم، فقال في كتابه " دراسات اللبيب "
في مسألة الجمع بين الصلاتين: وممن لم يحمل جواز الجمع في
الحضر على أدنى حاجة واتخذه مذهبا من غير عذر رأسا، الإمام الحق
الصدق الصديق الصادق رضي الله عنه، ومذهب واحد منهم
مذهب باقيهم كما قال أبوه محمد باقر حقائق الوجود كله، على ما
نقله ابن الهمام في " فتح القدير " لما سئل في مسألة هل يوافقه فيه
علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه؟ يصدر أهل بيته الا عن
رأيه، ولو فرضنا وجود اجماع على خلاف هذا الحديث فلا اجماع
بمخالفة أهل البيت - الخ (عبقات الأنوار ج 2 م 12 / 306).
215

كما قد ذكر فضائلهم جمع من الاعلام وأرباب التراجم، وقد
أفردوا في ذلك كتبا عديدة.
وأما الامامية فأفردوا في ذلك كتبا كثيرة لا يستغني الباحث
عنها، فممن صنف منهم في ذلك: الشيخ الجليل الثقة الثبت أبو القاسم
علي بن محمد بن علي الخزار الرازي من اعلام القرن الرابع،
فصنف كتابه القيم " كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الاثني عشر "،
وأخرج فيه في ذلك بأسانيده وطرقه المعتبرة عن جماعة من الصحابة
كأمير المؤمنين على والحسن والحسين عليهم السلام وابن عباس
وابن مسعود وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعمار وجابر بن سمرة
وأبي ذر وسلمان وجابر بن عبد الله وزيد بن ثابت وأم سلمة وغيرهم.
ومما يؤيد هذه الأحاديث روايات أخرى أخرجها في غير هذه
الأبواب جمهرة من علماء الفريقين.
وقد صنف في كراماتهم ومناقبهم وما سمع منهم من العلم
216

والحديث من عصر الصادقين بل من النصف الثاني من القرن الأول
كتبا لا يسع هذا المختصر سرد أسمائها، فمن أراد الاطلاع
عليها فعليه بمطالعة اجزاء كتاب " الذريعة إلى تصانيف الشيعة ".
وأقل ما يستفاد من هذه الأحاديث هو حجية أقوال أهل البيت
ومذاهبهم في الفقه والعلوم الشرعية ووجوب الرجوع إليهم والى
أحاديثهم ونجاة من تمسك بهم. وقد عرفت مما أسلفنا أن ما بيد
الشيعة في الفقه والأحكام الشرعية وما في جوامعهم مأخوذ من أهل
البيت عليهم السلام لا ريب في ذلك، فلا يعرف مذاهبهم ولا يؤخذ
علومهم الا من كتب الشيعة، وهذا أمر واضح يعرفه كل منصف
متتبع خبير.
* * *
ونختم الكلام بايراد بعض الكلمات الصادرة عن امام البلغاء
وسيد الفصحاء نفس الرسول وسيف الله المسلول، قائد البررة وقاتل
الكفرة، ولي كل مؤمن ومؤمنة، أمير المؤمنين أبى الحسن والحسين
علي بن أبي طالب عليه السلام في شأن أهل البيت ووجوب الاقتداء بهم:
1 - فمن ذلك قوله عليه السلام في خطبته في مدح النبي صلى
الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام بجامع الكوفة: فنحن
أنوار السماوات والأرض وسفن النجاة، وفينا مكنون العلم والينا
مصير الأمور، وبمهدينا تقطع الحجج، فهو خاتم الأئمة ومنقذ
الأمة ومنتهى النور (1.

1) تذكرة الخواص ص 138.
217

2 - وقال عليه السلام: موضع سره ولجأ امره وعيبة علمه
وموئل حكمه وكهوف كتبه وجبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره وأذهب
ارتعاد فرائصه (إلى أن قال) لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله
وسلم من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه ابدا
هم أساس الدين وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي وبهم يلحق التالي
ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة، الان إذ رجع
الحق إلى أهله ونقل إلى منتقله (1.
3 - وقال: تالله لقد علمت تبليغ الرسالات واتمام العدات
وتمام الكلمات، وعندنا أهل البيت أبواب والحكم وضياء الامر،
ألا وان شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة، من أخذ بها لحق وغنم
ومن وقف عنها ضل وندم (2.
4 - وقال: أنظروا أهل بيت نبيكم، فالزموا سمتهم واتبعوا
أمرهم، فلم يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى، فان
لبدوا فالبدوا وان نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا ولا تتأخروا
عنهم فتهلكوا (3.
5 - وقال: وأنى تؤفكون، والاعلام قائمة والآيات واضحة
والمنار منصوبة، فأين يتاه بكم، بل كيف تعمهون، وبينكم عترة

1) نهج البلاغة 1 / 24 - 25 خ 2.
2) نهج البلاغة 1 / 232 خ 118.
3) نهج البلاغة 1 / 189 - 190 خ 93.
218

نبيكم، وهم أزمة الحق وأعلام الدين وألسنة الصدق، وأنزلوهم
بأحسن منازل القرآن (1، وردوهم ورود الهيم العطاش (2، أيها الناس
خذوها من خاتم النبيين صلى الله عليه وآله " انه يموت من مات منا
وليس بميت ويبلى من بلى منا وليس ببال " فلا تقولوا بمالا تعرفون
فان أكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من لا حجة لكم عليه، وأنا
هو ألم اعمل فيكم بالثقل الأكبر (3 وأترك فيكم الثقل الأصغر، وركزت
فيكم راية الايمان، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام، وألبستكم
العافية من عدلي، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي، واديتكم
كرائم الأخلاق من نفسي (4.
6 - وقال في وصف النبي صلى الله عليه وآله: أرسله بأمره

1) في شرح الشيخ محمد عبده: اي أحلوا عترة النبي من
قلوبكم محلا من التعظيم والاحترام، وان القلب هو أحسن منازل
القرآن.
2) في الشرح المذكور: هلموا إلى بحار علومهم مسرعين كما
تسره الهيم - إي الإبل العطشى - إلى الماء.
3) في الشرح المذكور أيضا: الثقل بمعنى النفيس من كل شئ
وفي الحديث عن النبي قال " تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي "
أي النفيسين، وأمير المؤمنين قد عمل بالثقل الأكبر وهو القرآن
وترك الثقل الأصغر وهو ولداه - ويقال عترته - قدوة للناس.
4) نهج البلاغة 1 / 152 - 153 خ 83.
219

صادعا وبذكره ناطقا فأدى أمينا ومضى رشيدا، وخلف فينا راية
الحق، من تقدمها مرق ومن تخلف عنها زهق ومن لزمها لحق (1،
دليلها مكيث الكلام بطئ القيام سريع إذا قام (إلى أن قال) ألا ان
مثل آل محمد صلى الله عليه وآله كمثل نجوم السماء إذا خوى
نجم طلع نجم (2.
7 - وقال عليه السلام: نحن شجرة البنوة ومحط الرسالة
ومتخلف الملائكة ومعادن العلم وينابيع الحكم، ناصرنا ومحبينا
ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضينا ينتظر السطوة (3.
8 - وقال عليه السلام: فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي
نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة
تهدى مائة وتضل مائة، الا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ومناخ
ركابها ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلا ويموت منهم موتا (4.

1) قال ابن أبي الحديد في شرحه: راية الحق الثقلان المخلفان
بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وهما الكتاب والعترة، وقال
" دليلها مكيث الكلام " يعنى نفسي عليه السلام، لأنه المشار إليه
بالعترة وأعلم الناس بالكتاب.
2) نهج البلاغة 1 / 193 - 194 خ 96.
3) نهج البلاغة 1 / 214 خ 105.
4) نهج البلاغة 1 / 183 خ 91، وفى الرياض النضرة 2 / 262
عن أبي الطفيل قال: شهدت عليا يقول: سلوني، والله لا تسألوني
عن شئ الا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية الا
وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار في سهل أم جبل، أخرجه أبو عمر.
220

9 - وقال، وقد سأله سائل عن أحاديث البدع وعما في أيدي
الناس من اختلاف الخبر: ان في أيدي الناس حقا وباطلا وصدقا
وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا
ووهما (إلى أن قال في آخر هذه الخطبة) وليس كل أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله من كان يسأله ويستفهمه، حتى أن كانوا
ليحبون أن يجئ الاعرابي والطارئ، فيسأله عليه السلام حتى
يسمعوا، وكان لا يمر بي من ذلك شئ الا سألت عنه وحفظته (1.
10 - وقال: أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا
كذبا وبغيا، أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم،
بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى (2.
11 - وقال: وإنما الأئمة قوام الله على خلقه وعرفاؤه على عباده
لا يدخل الجنة الامن عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار الا من أنكرهم
وأنكروه (3.
12 - وقال: نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب،
ولا تؤتى البيوت الا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمي

1) نهج البلاغة 2 / 214 - 216 خ 208.
2) نهج البلاغة 2 / 58 خ 150.
3) نهج البلاغة 2 / 54 خ 148.
221

سارقا (ومنها) فيهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن، ان نطقوا
صدقوا وان صمتوا لم يسبقوا.
13 - وقال: هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم
عن علمهم [وظاهرهم عن باطنهم] وصمتهم عن حكم منطقهم، لا
يخالفون الحق ولا يختلفون فيه. هم دعائم الاسلام وولائج الاعتصام
بهم عاد الحق في نصابه وانزاح الباطل عن مقامه وانقطع لسانه عن
منبته، عقلوا الدين وعاية ورعاية لاعقل سماع ورواية، فان
رواة العلم كثيرة ورعاته قليل.
14 - أخرج ابن سعد عن جبلة بنت المصفح عن أبيها قال:
قال لي علي عليه السلام: يا أخا بنى عامر سلني عما قال الله ورسوله
فأنا نحن أهل البيت أعلم بما قال الله ورسوله، قال: والحديث
طويل (1.
* * *
هذا آخر ما كتبناه حول وجوب الاخذ بأحاديث جوامع الشيعة
وحجية أقوال أئمتهم عليهم السلام، ووجوب التمسك بهم قبل عشر
سنين، فجددت النظر فيه ولخصته وأعددته للطبع طلبا لمرضاة الله
تعالى ومرضاة رسوله صلى الله عليه وآله.
والرجاء ممن يطلع عليه ان رأى فيه هفوة أن يتجاوز عنى ويدعو
لي ليغفر لي ربى هفوتي وذنوبي ويستر عيوبي ويحشرني ووالدي
وجميع أساتذتي ومشايخي وأهلي وأولادي في زمرة المتمسكين
222

بولاية أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.
ان تجد عيبا فسد الخللا * جل من لا عيب فيه وعلا
وكان اتمام ذلك في السادس عشر من ربيع الثاني من سنة 1389 ه‍،
ثم أجلت النظر فيه واستنسخته وراجعت مصادره ومآخذه ثالثا
وزدت عليه في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن من شهور سنة
1394 ه‍.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
لطف الله الصافي الگلپايگاني
223

مصادر الكتاب
أسبابا النزول، للواحدي
احياء الميت، للسيوطي
أسد الغابة، لابن الأثير
الاتقان في علوم القرآن، للسيوطي
اختصار علوم الحديث، لابن كثير
اسعاف الراغبين، للصبان
الأربعين، للحافظ أبي الفوارس محمد بن أبي الفوارس
أضواء على السنة المحمدية، لمحمود أبو رية
أجوبة مسائل جار الله، للسيد شرف الدين
الاتحاف بحب الاشراف، للشبراوي
الإصابة، لابن حجر
224

أحسن التوسل، لعبد القادر الفاكهي
أساس البلاغة، للزمخشري
أنساب الأشراف، لأحمد بن يحيى البلاذري
الاستيعاب، لابن عبد البر
اخبار أصبهان، للحافظ أبي نعيم
الباعث الحثيث، لأحمد محمد شاكر
بداية المجتهد، لابن رشد
تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام، للسيد حسن الصدر
تهذيب لتهذيب، لابن حجر العسقلاني
تذكرة الحفاظ، للذهبي
تاريخ الخلفاء، للسيوطي
تفسير الطبري
التفسير الكبير، للفخر الرازي
تذكرة الخواص، للسبط ابن الجوزي
تاريخ بغداد، للخطيب
تاريخ الطبري
تاريخ ابن عساكر
التعريفات، للشريف علي بن محمد الجرجاني
تسير المطالب في امالي الامام أبى طالب يحيى بن الحسين،
للقاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام
تيسير الوصول
225

الجرح والتعديل، لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي
الجامع الصغير، للسيوطي
جامع الرواة، للأردبيلي
جلاء البصر، للمؤلف
حلية الأولياء، للحافظ أبي نعيم
خصائص أمير المؤمنين للنسائي
خصائص الوحي المبين، لابن البطريق
الخصائص الكبرى، للسيوطي
الدر المنثور، للسيوطي
دراسات عن المؤرخين العرب لمارغوليوس، ترجمة الدكتور
حسين نصار.
ذخائر العقبى، للمحب الطبري
الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، لعبد الحي اللكنوي
رشفة الصادي، للشريف الحضرمي أبى بكر بن شهاب الدين
الحسيني الشافعي
ربيع الأبرار، للزمخشري
روح المعاني في التفسير، للآلوسي البغدادي
روضات الجنات، للخونساري
الرياض النضرة، لمحب الدين الطبري
الرجال، للعلامة الحلى
226

الرجال، لأحمد بن علي بن أحمد النجاشي
سنن أبي داود
السنن الكبرى، للبيهقي
سنن ابن ماجة
سنن الترمذي
سنن النسائي
سيرة يحيى بن الحسين
شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد
شرح نهج البلاغة، للشيخ محمد عبده
شيخ المضيرة، لمحمود أبو رية
الشفاء للقاضي عياض
الشرف المؤبد لآل محمد، للنبهاني
الشمس المنيرة، للحافظ الصغاني
شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، للحافظ المعروف بالحاكم
الحسكاني الحنفي
صحيح البخاري
صحيح مسلم
الصحاح، للجوهري
الصواعق المحرقة، لابن حجر
227

الطبقات الكبرى، لابن سعد
العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل، لمحمد بن عقيل
الحضرمي
عبقات الأنوار، لعلامة هند السيد مير حامد حسين
الغدير، للأميني
غاية الأماني في اخبار القطر اليماني، ليحيى بن الحسين بن
القاسم اليمنى
الفهرست، للشيخ الطوسي
الفصول المهمة، لابن الصباغ
الفصول المهمة، للسيد شرف الدين
فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، للمحدث
العلامة أحمد بن محمد بن الصديق المغربي
فرائد السمطين، للحمويني
كنوز الحقائق، للمناوي
كنز العمال، للمتقي
كفاية الطالب، للكنجي الشافعي
كفاية الطالب لمناقب علي بن أبي طالب، للشنقيطي
كشف الأستار، للنوري
الكامل، لابن الأثير
الكشاف، للزمخشري
228

كفاية الأثر، لعلي بن محمد الخزاز الرازي
كشف الحق، للعلامة الحلي
لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني
لسان العرب، لابن منظور
مسند أبي داود الطيالسي
مسند أحمد
مصابيح السنة، للبغوي
مجمع الزوائد، للهيثمي
مجمع البيان، للطبرسي
الموطأ، لمالك بن انس
مسند الإمام علي بن موسى الرضا المطبوع مع مسند زيد الشهيد
المستصفى نم علم الأصول، للغزالي
مروج الذهب، للمسعودي
المناقب، للخوارزمي
مقتل الحسين عليه السلام، للخوارزمي
المستدرك، للحاكم
منتخب كنز العمال، للمتقي
المناقب، لابن شهرآشوب
مصباح المنير، للفيومي
مفردات القرآن، للراغب
229

مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام، لابن المغازلي الشافعي
مقدمة ابن خلدون
معاوية بن أبي سفيان في الميزان، للعقاد
المصنف، لأبي بكر عبد الرزاق الصنعاني
منتخب الأثر، للمؤلف
نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام، لجامعه
الشريف الرضى
نظم درر السمطين، للحافظ الزرندي
النصائح الكافية، لمحمد بن عقيل الحضرمي
نور الابصار، للشبلنجي
نزهة المجالس، للصفوري
نقض الوشيعة، للسيد الأمين
النهاية، لابن الأثير
نور القبس، ليوسف بن أحمد الحافظ اليغموري
وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، للسمهودي
وفيات الأعيان، لابن خلكان
ينابيع المودة، للقندوزي
230