الكتاب: بحار الأنوار
المؤلف: العلامة المجلسي
الجزء: ٧٠
الوفاة: ١١١١
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي ، محمد الباقر البهبودي
الطبعة: الثالثة المصححة
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

بحار الأنوار
الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار
تأليف
العلم العلامة الحجة فخر الأمة المولى
الشيخ محمد باقر المجلسي
" قدس الله سره "
الجزء السبعون
دار إحياء التراث العربي
بيروت لبنان
تعريف الكتاب 1

الطبعة الثالثة المصححة
1403 ه‍ - 1983 م
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
- 122 -
* (باب) *
* " (حب الدنيا وذمها، وبيان فنائها وغدرها بأهلها) " *
* " (وختل الدنيا بالدين) " *
الآيات: البقرة: أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف
عنهم العذاب ولا هم ينصرون (1).
وقال: زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا
والذين اتقوا فوقهم يوم القيمة والله يرزق من يشاء بغير حساب (2).
آل عمران: زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة
من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله
عنده حسن المآب * قل أأنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري
من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد (3).
وقال: منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة (4).
وقال: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (5).
الانعام: وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين

(1) البقرة: 86.
(2) البقرة: 212.
(3) آل عمران: 14 - 15.
(4) آل عمران: 152.
(5) آل عمران: 185.
1

يتقون أفلا تعلقون (1).
وقال تعالى: وغرتهم الحياة الدنيا (2).
الأعراف: فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى
ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا
يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا
تعقلون (3).
التوبة: أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة
إلا قليل (4).
وقال تعالى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في
الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (5).
وقال تعالى: كالذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا
فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم وخضتم
كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون *
ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين
والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (6).
يونس: إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها
والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون (7).
وقال تعالى: إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات
الأرض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن
أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن

(1) الانعام: 32.
(2) الانعام: 70.
(3) الأعراف: 169.
(4) براءة: 38.
(5) براءة: 55.
(6) براءة: 69 - 70.
(7) يونس: 7 - 8.
2

بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون (1).
وقال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون (2).
وقال تعالى: متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما
كانوا يكفرون (3).
وقال سبحانه: وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في
الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك (4).
هود: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها
لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل
ما كانوا يعملون (5).
الرعد: وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع (6).
إبراهيم: الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله
ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد (7).
الحجر: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم (8).
النحل: ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن
ما كانوا يعملون (9).
وقال تعالى: ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي
القوم الكافرون (10).
اسرى: وأمددناكم بأموال وبنين (11).

(1) يونس: 24.
(2) يونس: 58.
(3) يونس: 70.
(4) يونس: 88.
(5) هود: 15 - 16.
(6) الرعد: 26.
(7) إبراهيم: 3.
(8) الحجر: 88.
(9) النحل: 96.
(10) النحل: 107. (11) أسرى: 6.
3

وقال تعالى: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا
له جهنم يصليها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن
فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان
عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات
وأكبر تفضيلا (1).
الكهف: تريد زينة الحياة الدنيا (2).
وقال تعالى: واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط
به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا *
المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير
أملا (3).
طه: ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم
فيه ورزق ربك خير وأبقى (4).
القصص: وما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير
وأبقى أفلا تعقلون * أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة
الدنيا ثم هو يوم القيمة من المحضرين (5).
وقال تعالى: فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا
يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم
ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقيها إلا الصابرون (6).
العنكبوت: ما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي
الحيوان لو كانوا يعلمون (7).

(1) أسرى: 18 - 21.
(2) الكهف: 28.
(3) الكهف: 45 - 46.
(4) طه: 131.
(5) القصص: 60 - 61.
(6) القصص: 79 - 80.
(7) العنكبوت: 64.
4

الروم: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون (1)
لقمان: يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا
مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم
بالله الغرور (2).
فاطر: يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم
بالله الغرور (3).
ص: فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب (4).
الزمر: فإذا مس الانسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما
أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون * قد قالها الذين من قبلهم فما
أغنى عنهم ما كانوا يكسبون * فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم
سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين * أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء و
يقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون (5).
المؤمن: وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما
هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار (6).
حمعسق: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث
الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب (7).
وقال تعالى: فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى
للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون (8).
الزخرف: وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم * أهم يقسمون
رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات

(1) الروم: 7.
(2) لقمان: 33.
(3) فاطر: 5.
(4) ص: 32.
(5) الزمر: 49 - 52.
(6) المؤمن: 38 - 39.
(7) الشورى: 20.
(8) الشورى: 36.
5

ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون * ولولا أن يكون الناس
أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون *
ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون * وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا
والآخرة عند ربك للمتقين (1).
الجاثية: ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم
لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون (2).
محمد: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم
ولا يسألكم أموالكم (3).
النجم: فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك
مبلغهم من العلم (4).
الحديد: واعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر
في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون
حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا
متاع الغرور (5).
المجادلة: لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب
النار هم فيها خالدون (6).
المنافقون: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم عن ذكر الله ومن
يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون (7).

(1) الزخرف: 31 - 35.
(2) الجاثية: 35.
(3) القتال: 36.
(4) النجم: 29 - 30.
(5) الحديد: 20.
(6) المجادلة: 17.
(7) المنافقون: 9.
6

التغابن: إنما أموالكم وأولادكم فتنه والله عنده أجر عظيم (1).
القيمة: كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة (2).
الدهر: إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورائهم يوما ثقيلا (3).
النازعات: فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى *
وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى (4).
الاعلى: بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى * إن هذا لفي
الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى (5).
الضحى: وللآخرة خير لك من الأولى (6)
1 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن درست بن
أبي منصور، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام وهشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رأس كل
خطيئة حب الدنيا (7).
بيان: " رأس كل خطيئة حب الدنيا " لان خصال الشر مطوية في حب
الدنيا وكل ذمائم القوة الشهوية والغضبية مندرجة في الميل إليها ولذا قال الله
عز وجل " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا
نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب " (8) ولا يمكن التخلص من حبها إلا بالعلم
بمقابحها ومنافع الآخرة وتصفية النفس وتعديل القوتين.
2 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن أبي أسامة
زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لم يتعز بعزاء الله تقطعت
نفسه حسرات على الدنيا، ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه ولم يشف غيظه

(1) التغابن: 15.
(2) القيامة: 20 - 21.
(3) الدهر: 27.
(4) النازعات: 37 - 41.
(5) الاعلى: 16 - 19.
(6) الضحى: 4.
(7) الكافي ج 2 ص 315.
(8) الشورى: 20.
7

ومن لم ير لله عز وجل عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصر عمله ودنا
عذابه (1).
بيان: " من لم يتعز بعزاء الله " قال في النهاية: فيه ومن لم يتعز بعزاء الله فليس
منا اي من لم يدع بدعوى الاسلام فيقول يا للاسلام ويا للمسلمين ويا لله، وقيل أراد
بالتعزي التسلي والتصبر عند المصيبة وأن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون كما
أمر الله تعالى ومعنى قوله بعزاء الله اي بتعزية الله تعالى إياه فأقام الاسم مقام المصدر
انتهى وقيل: العزاء مصدر بمعنى الصبر أو اسم للتعزية وكلاهما مناسب وعلى الأول
إسناده إلى الله تعالى لأنه السبب له والباء إما للالية المجازية كما قيل في قوله تعالى:
" فتقبلها ربها بقبول حسن " (2) أو للسببية والحاصل أنه من لم يصبر على ما فاته
من الدنيا وعلى البلايا التي تصيبه فيها بما سلاه الله في قوله " وبشر الصابرون * الذين
إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون " (3) وساير الآيات الواردة في
ذم الدنيا وفنائها ومدح الرضا بقضائه تعالى تقطعت نفسه للحسرات على المصائب
وعلى ما فاته من الدنيا وربما يحمل الحسرات على ما يحصل له عند الموت من مفارقتها
أو الأعم منها ومما يحصل له في الدنيا وجمعية الحسرات مع كونها مصدرا لإرادة
الأنواع.
" ومن أتبع نظره ما في أيدي الناس " اي نظر إلى من هو فوقه من أهل
الدنيا وما في أيديهم من نعيمها وزبرجها نظر رغبة وتحسر وتمن " كثر همه " لعدم
تيسرها له، فيغتاظ لذلك ويحسدهم عليها، ولا يمكنه شفاء غيظه إلا بأن يحصل له مما
في أيديهم أو يسلب الله عنهم جميع ذلك ولا يتيسر له شئ من الامرين فلا يشفى غيظه
أبدا ولا يتهنأ له العيش ما رأى في نعمة أحدا ولا يتفكر في أنه إنما منعه الله تعالى
ذلك لأنه علم أنه سبب هلاكه فهو يتمنى حالهم ولا يعلم حقيقة مآلهم كما حكى الله

(1) الكافي ج 2 ص 315.
(2) آل عمران: 37.
(3) البقرة: 156.
8

سبحانه عن قوم تمنوا حال قارون حيث قالوا " يا ليت مثل ما أوتي قارون إنه لذو
حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا
يلقيها إلا الصابرون * فلما خسف الله به وبداره الأرض أصبح الذين تمنوا مكانه
بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله
علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون " (1) وانتفاء الخسف الظاهري بأهل
الأموال والتجبر من هذه الأمة لا يوجب انتهاء الخسف في دركات الشهوات النفسانية
ومهاوي التعلقات الجسمانية، والحرمان عن درجات القرب والكمال، وخسفهم
في الآخرة في عظيم النكال وشديد الوبال، أعاذنا الله وساير المؤمنين من جميع ذلك
وسهل لنا الوصول في الدارين إلى أحسن الأحوال.
" ومن لم ير أن لله عليه نعمة إلا في مطعم " اي من توهم أن نعمة الله
عليه منحصرة في هذه النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها، فإذا فقدها
أو شيئا منها ظن أنه ليس لله عليه نعمة، فلا ينشط في طاعة الله، وإن عمل شيئا مع
هذه العقيدة الفاسدة وعدم معرفة منعمه لا ينفعه ولا يتقبل منه، فيكون عمله قاصرا
وعذابه دانيا، لأن هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم الله العظيمة عليه من
الايمان والهداية والتوفيق والعقل والقوى الظاهرة والباطنة والصحة ودفع شر
الأعادي وغيرها بما لا يحصى، بل هذا الفقر أيضا من أعظم نعم الله عليه " وإن
تعدوا نعمة الله لا تحصوها " (2).
وقال بعض المحققين: معنى الحديث أن من لم يصبر ولم يسل أو لم يحسن
الصبر والسلوة على ما رزقه الله من الدنيا، بل أراد الزيادة في المال أو الجاه مما
لم يرزقه الله إياه تقطعت نفسه متحسرا حسرة بعد حسرة، على ما يراه في يدي
غيره ممن فاق عليه في العيش، فهو لم يزل يتبع بصره ما في أيدي الناس ومن
أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه ولم يشف غيظه، فهو لم ير أن لله عليه

(1) العنكبوت: 79 - 82.
(2) إبراهيم: 34.
9

نعمة إلا نعم الدنيا، وإنما يكون كذلك من لا يوقن بالآخرة ومن لم يوقن بالآخرة
قصر عمله، وإذ ليس له من الدنيا إلا قليل بزعمه مع شدة طعمه في الدنيا
وزينتها فقد دنى عذابه، نعوذ بالله من ذلك، ومنشأ ذلك كله الجهل وضعف الايمان
وأيضا لما كان عمل أكثر الناس على قدر ما يرون من نعم الله عليه عاجلا وآجلا
لا جرم من لم ير من النعم عليه إلا القليل، فلا يصدر عنه من العمل إلا قليل
وهذا يوجب قصور العمل ودنو العذاب.
3 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن منصور بن العباس
عن سعيد بن جناح، عن عثمان بن سعيد، عن عبد الحميد بن علي الكوفي، عن
مهاجر الأسدي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مر عيسى بن مريم عليه السلام على قرية
قد مات أهلها وطيرها ودوابها فقال: أما إنهم لم يموتوا إلا بسخطة، ولو ماتوا
متفرقين لتدافنوا فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته ادع الله أن يحييهم لنا فيخبرونا
ما كانت أعمالهم فنجتنبها.
فدعا عيسى عليه السلام ربه فنودي من الجو أن نادهم، فقام عيسى عليه السلام بالليل
على شرف من الأرض فقال: يا أهل هذه القرية فأجابه منهم مجيب لبيك يا روح الله
وكلمته، فقال: ويحكم ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت وحب الدنيا، مع
خوف قليل، وأمل بعيد، في غفلة ولهو ولعب، فقال: كيف كان حبكم للدنيا؟
قال: كحب الصبي لامه، إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا، وإذا أدبرت عنا بكينا
وحزنا، قال: كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟ قال: الطاعة لأهل المعاصي، قال: كيف
كانت عاقبة أمركم؟ قال: بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية، فقال: وما الهاوية؟
قال: سجين، قال: وما سجين؟ قال: جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة
قال: فما قلتم وما قيل لكم؟ قال: قلنا ردنا إلى الدنيا فنزهد فيها، قيل لنا: كذبتم
قال: ويحك كيف لم يكلمني غيرك من بينهم؟ قال: يا روح الله وكلمته إنهم ملجمون
بلجام من نار، بأيدي ملائكة غلاظ شداد، وإني كنت فيهم ولم أكن عنهم، فلما
نزل العذاب عمني معهم، فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم، لا أدري أكبكب فيها
10

أم أنجو منها.
فالتفت عيسى عليه السلام إلى الحواريين فقال: يا أولياء الله أكل الخبز اليابس
بالملح الجريش، والنوم على المزابل، خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة (1).
بيان: " أما إنهم " قال الشيخ البهائي قدس الله روحه: أما بالتخفيف حرف
استفتاح وتنبيه، يدخل على الجمل لتنبيه المخاطب، وطلب إصغائه إلى ما يلقى إليه
وقد يحذف ألفها نحو أم والله زيد قائم " إلا بسخطة " السخط بالتحريك وبضم
أوله وسكون ثانيه الغضب " لتدافنوا " الظاهر أن التفاعل هنا بمعنى فعل كتواني
ويمكن إبقاؤه على أصل المشاركة بتكلف " فقال الحواريون " هم خواص عيسى
عليه السلام قيل: سموا حواريين لأنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يقصرونها
وينقونها من الأوساخ ويبيضونها، مشتق من الحور، وهو البياض الخالص.
أقول: وقد قيل إنهم إنما سموا حواريين لنقاء ثيابهم، وقيل: لنقاء قلوبهم
وقيل: الحواري بمعنى الناصر وقد كان الحواريون أنصار عيسى عليه السلام وقيل: لأنهم
كانوا نورانيين عليهم أثر العبادة ونورها وحسنها، وقيل: إنهم اتبعوا عيسى عليه السلام
فكانوا إذا جاعوا قالوا يا روح الله جعنا، فيضرب عليه السلام بيده الأرض سهلا كان أو
جبلا ويخرج لكل منهم رغيفين وإذا عطشوا قالوا: يا روح الله عطشنا، فيضرب
بيده الأرض فيخرج ماء ويشربون، فقالوا: يا روح الله من أفضل منا؟ إذا شئنا
أطعمنا وإذا شئنا سقينا، وقد آمنا بك واتبعناك؟ فقال عيسى عليه السلام: أفضل منكم من
يعمل بيده ويأكل من كسبه فصاروا يغسلون الثياب بالكرى بعد ذلك، ويأكلون
من أجرته، وسيأتي في مطاوي شرح حديث الكافي في أواسط هذا الباب كلام أيضا
في معنى الحواريين فانتظره.
وقال بعض العلماء: إنهم لم يكونوا قصارين على الحقيقة، وإنما أطلق
هذا الاسم عليهم رمزا إلى أنهم كانوا ينقون نفوس الخلائق من الأوساخ والأوصاف
الذميمة والكدورات، ويرفعونها إلى عالم النور من عالم الظلمات.

(1) الكافي ج 2 ص 318.
11

" يا روح الله " أقول: في تسميته روحا أقوال أحدها أنه إنما سماه روحا لأنه
حدث عن نفخة جبرئيل عليه السلام في درع مريم بأمر الله تعالى، وإنما نسبه إليه لأنه
كان بأمره، وقيل إنما أضافه إليه تفخيما لشأنه كما قال: الصوم لي وأنا أجزي به
وقد يسمى النفخ روحا، والثاني أن المراد به يحيى به الناس في دينهم كما يحيون
بالأرواح، والثالث أن معناه إنسان أحياه الله بتكوينه بلا واسطة من جماع ونطفة
كما جرت العادة بذلك، الرابع أن معناه: ورحمة منه، والخامس أن معناه
روح من الله خلقها فصورها ثم أرسلها إلى مريم فدخلت في فيها فصيرها الله سبحانه
عيسى عليه السلام، السادس سماه روحا لأنه كان يحيي الموتى كما أن الروح يصير
سببا للحياة.
وكذا اختلفوا في تسميته كلمة في قوله سبحانه " إذ قالت الملائكة يا مريم
إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم " (1) وقوله تعالى " إنما المسيح
عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقيها إلى مريم وروح منه " (2) على أقوال أحدها
أنه إنما سمي بذلك لأنه حصل بكلمة من الله من غير والد، وهو قوله " كن "
كما قال سبحانه " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له
كن فيكون (3).
والثاني أنه سمي بذلك لان الله تعالى بشر به في الكتب السالفة أو بشرت
بها مريم على لسان الملائكة.
والثالث أنه يهتدي به الخلق كما اهتدوا بكلام الله ووحيه.
" فنودي من الجو " الجو بالفتح والتشديد: ما بين السماء والأرض " على شرف "
قال الشيخ البهائي قدس سره: الشرف المكان العالي قيل: ومنه سمي الشريف
شريفا تشبيها للعلو المعنوي بالعلو المكاني " فقال ويحك " ويح اسم فعل بمعنى الترحم

(1) آل عمران: 45.
(2) النساء: 171.
(3) آل عمران، 59.
12

كما أن ويل كلمة عذاب وبعض اللغويين يستعمل كلا منهما مكان الأخرى
والطاغوت فلعوت من الطغيان، وهو تجاوز الحد، وأصله طغيوت فقدموا لامه
على عينه، على خلاف القياس، ثم قلبوا الياء ألفا فصار طاغوت، وهو يطلق
على الكاهن والشيطان والأصنام، وعلى كل رئيس في الضلالة، وعلى كل ما
يصد عن عبادة الله تعالى، وعلى ما عبد من دون الله، ويجئ مفردا لقوله تعالى:
" يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به " (1) وجمعا
كقوله تعالى: " والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى
الظلمات " (2).
وقال قدس سره: لعلك تظن أن ما تضمنه هذا الحديث من أن الطاعة
لأهل المعاصي عبادة لهم، جار على ضرب من التجوز لا الحقيقة، وليس كذلك
بل هو حقيقة، فان العبادة ليست إلا الخضوع والتذلل والطاعة والانقياد، ولهذا
جعل سبحانه اتباع الهوى والانقياد إليه عبادة للهوى، فقال: " أرأيت من اتخذ
إلهه هويه " (3) وجعل طاعة الشيطان عبادة له، فقال تعالى: " ألم أعهد إليكم يا
بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان " (4).
ثم نقل أخبارا كثيرة في ذلك فقال بعد ذلك: وإذا كان اتباع الغير والانقياد
إليه عبادة له فأكثر الخلق عند التحقيق مقيمون على عبادة أهواء نفوسهم الخسيسة
الدنية وشهواتهم البهيمية والسبعية على كثرة أنواعها واختلاف أجناسها، وهي
أصنامهم التي هم عليها عاكفون، والأنداد التي هم لها من دون الله عابدون، وهذا
هو الشرك الخفي نسأل الله سبحانه أن يعصمنا عنه ويطهر نفوسنا عنه بمنه وكرمه.
" وغفلة " عطف على " خوف " وعطفه على عبادة الطاغوت بعيد " في لهو "

(1) النساء: 60.
(2) البقرة: 257.
(3) الفرقان: 43.
(4) يس: 60.
13

قال الشيخ البهائي رحمه الله: لفظة " في " هنا إما للظرفية المجازية كما في نحو النجاة
في الصدق، أو بمعنى " مع " كما في قوله تعالى: " ادخلوا في أمم " (1) وللسببية
كقوله تعالى: " فذلكن الذي لمتنني فيه " (2).
" إذا أقبلت علينا " قال قدس سره: الشرطيتان واقعتان موقع اي المفسرة
لحب الصبي لامه.
" قال الطاعة لأهل المعاصي " قال رحمه الله: ما ذكره هذا الرجل المتكلم
لعيسى على نبينا وآله وعليه السلام في وصف أصحاب تلك القرية، وما كانوا عليه
من الخوف القليل، والأمل البعيد، والغفلة واللهو واللعب، والفرح باقبال الدنيا
والخوف بادبارها، هو بعينه حالنا وحال أهل زماننا، بل أكثرهم خال عن ذلك
الخوف القليل أيضا. نعوذ بالله من الغفلة، وسوء المنقلب.
" قال جبال من جمر " في القاموس الجمرة النار المتقدة، والجمع جمر، قال
الشيخ المتقدم ذكره رحمه الله: هذا صريح في وقوع العذاب في مدة البرزخ أعني
ما بين الموت والبعث، وقد انعقد عليه الاجماع، ونطقت به الاخبار، ودل عليه
القرآن العزيز، وقال به أكثر أهل الملل، وإن وقع الاختلاف في تفاصيله
والذي يجب علينا هو التصديق المجمل بعذاب واقع بعد الموت وقبل الحشر، في
الجملة، وأما كيفياتها وتفاصيله فلم نكلف بمعرفتها على التفصيل، وأكثرها مما
لا تسعه عقولنا فينبغي ترك البحث والفحص عن تلك التفاصيل، وصرف الوقت فيما
هو أهم منها أعني فيما يصرف ذلك العذاب ويدفعه عنا كيف ما كان، وعلى أي
نوع حصل، وهو المواظبة على الطاعات واجتناب المنهيات لئلا يكون حالنا في
الفحص عن ذلك والاشتغال به عن الفكر فيما يدفعه وينجي منه كحال شخص أخذه
السلطان وحبسه ليقطع في غد يده، ويجذع أنفه، فترك الفكر في الحيل المؤدية
إلى خلاصه، وبقي طول ليله متفكرا في أنه هل يقطع بالسكين أو بالسيف؟ وهل

(1) الأعراف: 38.
(2) يوسف: 32.
14

القاطع زيد أو عمرو؟.
" قيل لنا كذبتم " دل على أنهم " لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " (1) كما
نطقت به الآية أو كذبتم فيما عليه قولكم هذا أنه يمكنكم العود، وربما
يقرء بالتشديد اي كذبتم الرسل، فلا محيص عن عذابكم.
" قال يا روح الله " في بعض النسخ " يا روح الله وكلمته بقدس الله " فقوله:
بقدس الله متعلق بروح الله وكلمته يعني أيها الذي صار روح الله وكلمته بقدس الله
كما قيل، ويحتمل أن يكون الباء بمعنى " مع " أي مع تقدسه عن أن يكون له
روح وكلمة حقيقة.
ثم قال الشيخ البهائي رحمه الله: ثم لا يخفى أن ما قاله هذا الرجل من
أنه كان فيهم ولم يكن منهم، فلما نزل العذاب عمه معهم، يشعر بأنه ينبغي المهاجرة
عن أهل المعاصي والاعتزال لهم، وأن المقيم معهم شريك لهم في العذاب، ومحترق
بنارهم، وإن لم يشاركهم في أفعالهم وأقوالهم، وقد يستأنس لذلك بعموم قوله
تعالى: " إن الذين توفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا
مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم
جهنم وسائت مصيرا " (2) ولو لم يكن في الاعتزال عن الناس فائدة سوى ذلك
لكفى، وفيه من الفوائد ما لا يعد ولا يحصى، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لذلك
بمنه وكرمه.
" فأنا معلق " هذا كناية عن أنه مشرف على الوقوع فيها، ولا يبعد أن يراد
به معناه الصريح أيضا، والشفير حافة الوادي وجانبه " أكبكب فيها " على البناء
للمفعول اي أطرح فيها على وجهي، وفي القاموس جرش الشئ لم ينعم دقه فهو
جريش، وفي الصحاح ملح جريش لم يطيب " مع عافية الدنيا " اي إذا كان مع
عافية الدنيا من الخطايا " والآخرة " من النار، أو فيه عافية الدنيا من تشويش

(1) الانعام: 128.
(2) النساء: 97.
15

البال ومشقة تحصيل الأموال، وعافية الآخرة من العذاب والسؤال.
4 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن
سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما فتح الله على عبد بابا من أمر الدنيا إلا فتح
الله عليه من الحرص مثله (1).
بيان: يدل على زيادة الحرص بزيادة المال وغيره من مطلوبات الدنيا
كما هو المجرب.
5 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن القاسم بن محمد المنقري، عن حفص بن
غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: تعملون للدنيا وأنتم
ترزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة، وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل
ويلكم علماء سوء (2) الاجر تأخذون، والعمل تضيعون، يوشك رب العمل أن يقبل
عمله، ويوشك أن تخرجوا من ضيق الدنيا إلى ظلمة القبر، كيف يكون من أهل
العلم من هو في مسيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه، وما يضره أحب إليه
مما ينفعه (3).
بيان: " وأنتم ترزقون فيها بغير عمل " أي كد شديد كما قال تعالى " وما من
دابة إلا على الله رزقها " (4) " وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل " كما قال تعالى " وأن
ليس للانسان إلا ما سعى " (5) " علماء سوء " بفتح السين قال الجوهري ساءه يسوؤه
سوءا بالفتح نقيض سره والاسم السوء بالضم، وقرئ قوله " عليهم دائرة السوء " (6)
يعني الهزيمة والشر، ومن فتح فهو من المساءة، وتقول هذا رجل سوء بالإضافة
ثم تدخل عليه الألف واللام فتقول هذا رجل السوء قال الأخفش ولا يقال: الرجل

(1) الكافي ج 2 ص 319.
(2) ويلكم عملاء سوء ظ.
(3) الكافي ج 2 ص 319.
(4) هود: 6.
(5) النجم: 39.
(6) براءة: 98.
16

السوء لان السوء ليس بالرجل، قال: ولا يقال: هذا رجل السوء بالضم انتهى (1).
" الاجر تأخذون " بحذف حرف الاستفهام، وهو على الانكار، ويحتمل أن
يكون المراد أجر الدنيا اي نعم الله سبحانه وعلى هذا يحتمل أن يكون توبيخا لا
استفهاما وأن يكون المراد أجر الآخرة فالاستفهام متعين فالواو في قوله " والعمل "
للحالية أي كيف تستحقون أخذ الأجرة والحال أنكم تضيعون العمل.
" أن يقبل عمله " أي يتوجه إلى أخذ عمله، وهو لا يأخذ ولا يقبل إلا العمل
الخالص، فهو كناية عن الطلب ويؤيده أن في مجالس الشيخ " أن يطلب عمله " أو هو
من الاقبال على الحذف والإيصال، أي يقبل على عمله.
وقال بعض الأفاضل: أريد برب العمل العابد الذي يقلد أهل العلم في عبادته
أعني يعمل بما يأخذ عنهم، وفيه توبيخ لأهل العلم الغير العامل، وقرء بعضهم يقيل
بالياء المثناة من الإقالة أي يرد عمله فان المقيل يرد المتاع.
6 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن
سنان وعبد العزيز العبدي، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من
أصبح وأمسى والدنيا أكبر همه، جعل الله تعالى الفقر بين عينيه، وشتت أمره ولم
ينل من الدنيا إلا ما قسم له، ومن أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه، جعل الله تعالى
الغنى في قلبه وجمع له أمره (2).
بيان: " أكبر همه " أي قصده أو حزنه " جعل الله الفقر بين عينيه " لأنه كلما
يحصل له من الدنيا يزيد حرصه بقدر ذلك فيزيد احتياجه وفقره، أو لضعف توكله
على الله يسد الله عليه بعض أبواب رزقه، وقيل فهو فقير في الآخرة لتقصيره فيما ينفعه
فيها، وفي الدنيا لأنه يطلبها شديدا والغني من لا يحتاج إلى الطلب ولان مطلوبه
كثيرا ما يفوت عنه، والفقر عبارة عن فوات المطلوب، وأيضا يبخل عن نفسه وعياله
خوفا من فوات الدنيا وهو فقر حاضر.

(1) الصحاح ص 56.
(2) الكافي ج 2 ص 319.
17

" وشتت أمره " التشتيت التفريق لأنه لعدم توكله على ربه لا ينظر إلا
إلى الأسباب ويتوسل بكل سبب ووسيلة، فيتحير في أمره ولا يدري وجه رزقه
ولا ينتظم أحواله أو لشدة حرصه لا يقنع بما حصل له ويطلب الزيادة ولا يتيسر له
فهو دائما في السعي والطلب ولا ينتفع بشئ، وحمله على تفرق أمر الآخرة بعيد.
" ولم ينل من الدنيا إلا ما قسم له " يدل على أن الرزق مقسوم، ولا يزيد
بكثرة السعي، كما قال تعالى " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا " (1)
ولذلك منع الصوفية من طلب الرزق، والحق أن الطلب حسن، وقد يكون واجبا
وتقديره لا ينافي اشتراطه بالسعي والطلب، ولزومه على الله بدون سعي غير معلوم
وقيل قدر سد الرمق واجب على الله، ويحتمل أن يكون التقدير مختلفا في صورتي
الطلب وتركه بأن قدر الله تعالى قدرا من الرزق بدون الطلب، لكن مع التوكل
التام عليه، وقدرا مع الطلب، لكن شدة الحرص وكثرة السعي لا يزيده، وبه يمكن
الجمع بين أخبار هذا الباب وسيأتي القول فيه في كتاب التجارة إنشاء الله تعالى.
وقيل: المراد بقوله " لم ينل من الدنيا إلا ما قسم له " أنه لا ينتفع إلا بما
قسم له، وإن زاد بالسعي فإنه يبقى للوارث، وهو حظه، وقيل: فيه إشارة إلى
أن ذا المال الكثير قد لا ينتفع به بسبب مرض أو غيره، وذا المال القليل ينتفع
به أكثر منه، ولا يخفى ما فيه.
" جعل الله الغنا في قلبه " اي بالتوكل على ربه والاعتماد عليه، وإخراج
الحرص وحب الدنيا من قلبه لا بكثرة المال وغيره، ولذا نسبه إلى القلب.
" وجمع له أمره " اي جعل أحواله منتظمة وباله فارغا عن حب الدنيا وتشعب
الفكر في طلبها.
7 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن عمر - فيما أعلم - عن أبي علي
الحذاء، عن حريز، عن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أبعد ما يكون

(1) الزخرف: 32.
18

العبد من الله عز وجل إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه (1).
بيان: " إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه " اي لا يكون اهتمامه وعزمه و
سعيه وغمه وحزنه إلا في مشتهيات البطن والفرج، في القاموس الهم الحزن وما
هم به في نفسه، وهمه الامر حزنه كأهمه فاهتم انتهى فالمراد الافراط فيهما
وقصر همته عليهما، وإلا فللبطن والفرج نصيب عقلا وشرعا وهو ما يحتاج إليه
لقوام البدن واكتساب العلم والعمل وبقاء النوع.
8 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن سنان
عن حفص بن قرط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشد
لحسرته عند فراقها (2).
بيان: " من كثر اشتباكه بالدنيا " اي اشتغاله وتعلق قلبه بها، يقال
اشتبكت النجوم إذا كثرت وانضمت وكل متداخلين مشتبكان، ومنه تشبيك الأصابع
لدخول بعضها في بعض، والغرض الترغيب في رفض الدنيا وترك محبتها لئلا يشتد
الحزن والحسرة في مفارقتها.
9 - الكافي: عن علي، عن أبيه وعلي بن محمد جميعا، عن القاسم بن محمد، عن
سليمان المنقري، عن عبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، عن الزهري محمد
ابن مسلم بن عبيد الله قال: سئل علي بن الحسين عليهما السلام: اي الأعمال أفضل
عند الله؟ قال: ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله صلى الله عليه وآله أفضل من
بغض الدنيا، فان لذلك لشعبا كثيرة، وللمعاصي شعب، فأول ما عصى الله به الكبر
معصية إبليس حين " أبى واستكبر وكان من الكافرين " (3) ثم الحرص وهي معصية
آدم وحوا عليهما السلام حين قال الله عز وجل لهما " كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه
الشجرة فتكونا من الظالمين " (4) فأخذا ما لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على

(1) الكافي ج 2 ص 319.
(2) الكافي ج 2 ص 319.
(3) البقرة: 34.
(4) الأعراف: 19.
19

ذريتهما إلى يوم القيامة، وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه.
ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك
حب النساء، وحب الدنيا، وحب الرياسة، وحب الراحة، وحب الكلام، وحب
العلو والثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهم في حب الدنيا فقالت الأنبياء
والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والدنيا دنياء ان دنيا بلاغ
ودنيا ملعونة (1).
بيان: قد مر هذا الخبر بعينه في باب ذم الدنيا " ما من عمل بعد معرفة الله "
يدل على أن المعرفة أفضل لأنها أصل جميع الأخلاق والأعمال، ويدخل في
معرفة الرسول معرفة الامام " فان لذلك " كأنه تعليل لكون بغض الدنيا بعد
المعرفة أفضل وفيما مضى " وإن " كما في بعض النسخ هنا (2) وهو أظهر، و " ذلك "
إشارة إلى بغض الدنيا أو إلى الدنيا وقيل: المشار إليه العمل يعني أن للأعمال
الصالحة لشعبا يرجع كلها إلى بغض الدنيا وللمعاصي شعبا يرجع كلها إلى حب
الدنيا، ثم اكتفى ببيان أحدهما عن الآخر وكأن ما ذكرنا أظهر.
والمراد بالشعب الأولى أنواع الأخلاق والأعمال الفاضلة، والثانية
أنواع المعاصي، والأولى مندرجة تحت بغض الدنيا، والثانية تحت حبها، فبغضها
أفضل الأعمال لاشتماله على محاسن كثيرة كالتواضع المقابل للكبر والقنوع المقابل
للحرص وهكذا وبحكم المقابلة حب الدنيا أقبح الأعمال لاشتماله على رذايل
كثيرة وهي الكبر إلى آخر ما ذكر. " وذلك أن " وفي بعض النسخ " فلذلك " أي
لدخول الحرص على ذريتهما وإنما قال " أكثر " لان طلب المحتاج إليه وهو
القدر الضروري من الطعام واللباس والمسكن ونحوها ليس بمذموم بل ممدوح
لأنه لا يمكن بدونه تكميل النفس بالعلم والعمل.
" حيث حسد أخاه " قيل حسده في قبول قربانه، وقيل: في حب النساء وقيل:

(1) الكافي ج 2 ص 316.
(2) رواه الكليني في ص 130 باب ذم الدنيا
والزهد فيها أيضا.
20

في حب الدنيا لئلا يكون له نسل يعيرون أولاده في رد قربانه وكأن المراد بحب
الدنيا أولا حب المال أو حب البقاء في الدنيا وكراهة الموت، وبه ثانيا حب
كل ما لا حاجة به في تحصيل الآخرة وقيل: يمكن أن يكون المراد بالسبع الكبر
والحرص وحب النساء وحب الرياسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة
وهما شعبة واحدة بقرينة عدم ذكر الحب في المعطوف وأما الحسد فقد اكتفى عنه
بذكر شعبه وأنواعه " دنيا بلاغ " اي كفاف وكفاية أو تبلغ بها إلى الآخرة.
10 - الكافي: وبهذا الاسناد عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: في مناجاة موسى عليه السلام: يا موسى إن الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عليه السلام
عند خطيئته، وجعلتها ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما كان فيها لي، يا موسى إن عبادي
الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم، وسائر الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما من
أحد عظمها فقرت عينه فيها ولا يحقرها أحد إلا انتفع بها (1).
بيان: " جعلتها ملعونة " اللعن الطرد والابعاد والسب، وكأن المراد بلعنها
لعن أهلها، أو كراهتها والمنع عن حبها وكل ما نهى الله تعالى عنها فقد لعنها وطردها
وقيل: العرب تقول لكل شئ ضار ملعون، والشجرة الملعونة عندهم هي كل من
ذاقها كرهها ولعنها وكذلك حال الدنيا فان كل من ذاق شهواتها لعنها إذا أحس
بضررها.
" ملعون ما فيها إلا ما كان فيها لي " أقول: هذا معيار كامل للدنيا الملعونة
وغيرها، فكل ما كان في الدنيا ويوجب القرب إلى الله تعالى من المعارف والعلوم
الحقة والطاعات وما يتوصل به إليها من المعيشة بقدر الضرورة والكفاف فهي من
الآخرة، وليست من الدنيا، وكلما يصير سببا للبعد عن الله والاشتغال عن ذكره
ويلهي عن درجات الآخرة وكمالاتها، وليس الغرض فيه القرب منه تعالى والوصول
إلى رضاه، فهي الدنيا الملعونة.
قيل: ما يقع في الدنيا من الأعمال أربعة أقسام: الأول ما يكون ظاهره

(1) الكافي ج 2 ص 317.
21

وباطنه لله كالطاعات والخيرات الخالصة، الثاني ما يكون ظاهره وباطنه للدنيا
كالمعاصي وكثير من المباحات أيضا لأنها مبدء البطر والغفلة، الثالث ما يكون ظاهره
لله وباطنه للدنيا كالأعمال الريائية، الرابع عكس الثالث كطلب الكفاف لحفظ بقاء
البدن والقوة على العبادة وتكميل النفس بالعلم والعمل.
" بقدر علمهم " أي بعيوبها وفنائها ومضرتها " مامن أحد عظمها فقرت عينه فيها "
أي من عظمها وتعلق قلبه بها تصير سببا لبعده عن الله ولا تبقى الدنيا له فيخسر الدنيا
والآخرة، ومن حقرها تركها ولم يأخذ منها إلا ما يصير سببا لتحصيل الآخرة
فينتفع بها في الدارين.
11 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن يحيى
الخزاز، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الشيطان يدبر ابن
آدم في كل شئ فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته (1).
بيان: في القاموس جثم الانسان والطائر والنعام والخشف واليربوع يجثم
ويجثم جثما وجثوما لزم مكانه فلم يبرح أو وقع على صدره أو تلبد بالأرض انتهى
والحاصل أن الشيطان يدبر ابن آدم في كل شئ أي يبعثه على ارتكاب كل ضلالة
ومعصية، أو يكون معه ويلازمه عند عروض كل شبهة أو شهوة لعله يضله أو يزله " فإذا
أعياه " المستتر راجع إلى ابن آدم، والبارز إلى الشيطان، أي لم يقبل منه ولم يطعه
حتى أعياه، ترصد له واختفى عند المال فإذا أتى المال أخذ برقبته فأوقعه فيه
بالحرام والشبهة.
والحاصل أن [المال أعظم مصائد الشيطان، إذ قل من لم يفتتن به عند تيسره
له، وكأنه محمول على الغالب، إذ قد يكون لا يفتتن بالمال ويفتتن بحب الجاه
وبعض] (2) الشهوات الغالبة وقيل فإذا أعياه أي أعجزه عن كل شهوة ولذة وذلك
بأن يشيب كما ورد في حديث آخر: يشيب ابن آدم ويشب فيه خصلتان الحرص
وطول الأمل.

(1) الكافي ج 2 ص 315 وفيه " ان الشيطان يدير ".
(2) ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 303
22

12 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد
القندي، عن أبي وكيع، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، عن أمير المؤمنين
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم
وهما مهلكاكم (1).
بيان: " إن الدينار والدرهم " أي حبهما وصرف العمر في تحصيلهما
وتحصيل ما يتوقف عليهما " أهلكا من كان قبلكم " لان حبهما يمنع من حبه تعالى
وصرف العمر فيهما يمنع من صرف العمر في طاعته تعالى والتمكن منهما يورث
التمكن من كثير من المعاصي، ويبعثان على الأخلاق الدنية، والأعمال السيئة
كالظلم والحسد والحقد والعداوة والفخر والكبر والبخل، ومنع الحقوق، إلى
غير ذلك مما لا يحصى، ومفارقتهما عند الموت تورث الحسرة والندامة وحبهما
يمنع من حب لقاء الله تعالى وتركهما يوجب الراحة في الدنيا وخفة الحساب
في العقبى.
13 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يحيى بن عقبة الأزدي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: مثل الحريص على الدنيا كمثل
دودة القز كلما ازدادت من القز على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج، حتى
تموت غما، وقال أبو عبد الله عليه السلام: أغنى الغنا من لم يكن للحرص أسيرا وقال:
لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما قد فات، فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم
يأت (2).
بيان: كمثل دودة القز " هذا من أحسن التمثيلات للدنيا، وقد أنشد
بعضهم فيه:
ألم تر أن المرء طول حياته * حريص على ما لا يزال يناسجه
كدود كدود القز ينسج دائما * فيهلك غما وسط ما هو ناسجه

(1) الكافي ج 2 ص 316.
(2) الكافي ج 2 ص 316.
23

قوله عليه السلام: " أغنى الغنا " أي ليس الغنا وعدم الحاجة بكثرة المال
بل بترك الحرص، فان الحريص كلما ازداد ماله اشتد حرصه، فيكون أفقر
وأحوج ممن لا مال له " لا تشعروا قلوبكم " أي لا تلزموه إياها ولا تجعلوه
شعارها، في القاموس أشعره الامر وبه أعلمه، والشعار ككتاب ما تحت الدثار
من اللباس، وهو يلي شعر الجسد، واستشعره لبسه، وأشعره غيره ألبسه إياه
وأشعر الهم قلبي لزق به: وكلما ألزقته بشئ أشعرته به " الاشتغال بما قد فات "
أي من أمور الدنيا، سواء لم يحصل أو حصل وفات، فان اشتغال القلب به يوجب
غفلته عن ذكر الله تعالى وحبه، فإنه لا يجتمع حبان متضادان في قلب واحد.
14 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن ابن بكير
عن حماد بن بشير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما ذئبان ضاريان في غنم قد
فارقها رعاؤها أحدهما في أولها والآخر في آخرها بأفسد فيها من حب المال والثروة
في دين المسلم (1).
بيان: " بأفسد " هنا بمعنى أشد إفسادا وإن كان نادرا.
15 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن أبي
أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما ذئبان ضاريان في غانم
ليس لها راع هذا في أولها وهذا في آخرها بأسرع فيها من حب المال والشرف
في دين المؤمن (2).
بيان: بأسرع اي في القتل والافناء.
16 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي
عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من تعلق قلبه بالدنيا تعلق
قلبه بثلاث خصال: هم لا يغني، وأمل لا يدرك، ورجاء لا ينال (3).
بيان: " لا يغني " لأنه لا يحصل له ما هو مقتضى حرصه وأمله في الدنيا

(1) الكافي ج 2 ص 315 " حب الدنيا والشرف " خ ل.
(2) الكافي ج 2 ص 315 " حب الدنيا والشرف " خ ل.
(3) الكافي ج 2 ص 320.
24

ولا يمكنه الاحتراز عن آفاتها ومصائبها، فهو في الدنيا دائما في الغم لما فات
والهم لما لم يحصل، فإذا فات فهو في أحزان وحسرات من مفارقتها، ولم يقدم
منها شيئا ينفعه، فهمه لا يغني أبدا، والفرق بين الأمل والرجاء أن متعلق الأمل
العمر والبقاء في الدنيا، ومتعلق الرجاء ما سواه، أو متعلق الأمل بعيد الحصول
ومتعلق الرجاء قريب الوصول، ومعلوم أن محب الدنيا وطالبها يأمل منها
ما لا مطمع في حصوله، لكن لشدة حرصه يطلبه ويأمله ويرجو الانتفاع بها، فيحول
الاجل بينه وبينها، أو يرجو الآخرة وجمعها مع الدنيا، مع أنه لا يسعى
لتحصيل الآخرة ويقصر همه على تحصيل الدنيا ونعم ما قيل:
يا طالب الرزق.. مجتهدا * أقصر عناك فان الرزق مقسوم
لا تحرصن على ما لست تدركه * إن الحريص على الآمال محروم
تتمة مهمة: قال بعض المحققين: اعلم أن معرفة ذم الدنيا لا يكفيك
ما لم تعرف الدنيا المذمومة، ما هي؟ وما الذي ينبغي أن يجتنب وما الذي لا
يجتنب؟ فلا بد أن نبين الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها، لكونها عدوة قاطعة
لطريق الله، ما هي؟ فنقول:
دنياك وآخرتك عبارتان عن حالتين من أحوال قلبك والقريب الداني منهما
يسمى دنيا، وهي كل ما قبل الموت، والمتراخي المتأخر يسمى آخرة، وهي
ما بعد الموت، فكل مالك فيه حظ وغرض ونصيب وشهوة ولذة في عاجل الحال
قبل الوفاة، فهي الدنيا في حقك إلا أن جميع مالك إليه ميل وفيه نصيب وحظ
فليس بمذموم، بل هي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول ما يصحبك في الدنيا ويبقى معك ثمرته بعد الموت، وهو شيئان:
العلم والعمل، فقط، وأعني بالعلم العلم بالله وصفاته وافعاله وملائكته وكتبه
ورسله، وملكوت أرضه وسمائه، والعلم بشريعة نبيه، وأعني بالعمل العبادة
الخالصة لوجه الله، وقد يأنس العالم بالعلم حتى يصير ذلك ألذ الأشياء عنده
فيهجر النوم والمنكح والمشرب والمطعم في لذته، لأنه أشهى عنده من جميعها، فقد
25

صار حظا عاجلا في الدنيا، ولكنا إذا ذكرنا الدنيا المذمومة لم نعد هذا من
الدنيا أصلا، بل قلنا إنه من الآخرة وكذلك العابد قد يأنس بعبادته ويستلذها
بحيث لو منعت عنه لكان ذلك أعظم العقوبات عليه، وهذا أيضا ليس من الدنيا
المذمومة.
الثاني وهو المقابل للقسم الأول على الطرف الأقصى كل ما فيه حظ
عاجل ولا ثمرة له في الآخرة أصلا، كالتلذذ بالمعاصي، والتنعم بالمباحات
الزائدة على قدر الضرورات والحاجات الداخلة في جملة الرفاهية والرعونات
كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث
والغلمان والجواري والخيول والمواشي والقصور، والدور المشيدة ورفيع الثياب
ولذائذ الأطعمة، فحظ العبد من هذه كلها هي الدنيا المذمومة، وفيما يعد فضولا
وفي محل الحاجة نظر طويل.
الثالث وهو متوسط بين الطرفين كل حظ في العاجل معين على أعمال
الآخرة كقدر القوت من الطعام والقميص الواحد الخشن، وكل ما لا بد منه
ليتأتى للانسان البقاء والصحة التي بها يتوصل إلى العلم والعمل، وهذا ليس
من الدنيا كالقسم الأول لأنه معين على القسم الأول، ووسيلة إليه، فمهما
تناوله العبد على قصد الاستعانة على العلم والعمل، لم يكن به متناولا للدنيا ولم
يصربه من أبنائها، وإن كان باعثه الحظ العاجل، دون الاستعانة على التقوى، التحق
بالقسم الثاني، وصار من جملة الدنيا.
ولا يبقى مع العبد عند الموت إلا ثلاث: صفاء القلب، وأنسه بذكر الله
وحبه لله، وصفاء القلب لا يحصل إلا بالكف عن شهوات الدنيا. والانس لا يحصل
إلا بكثرة ذكر الله، والحب لا يحصل إلا بالمعرفة، ولا تحصل المعرفة إلا بدوام
الفكر.
فهذه الثلاث هي المنجيات المسعدات بعد الموت، وهي الباقيات الصالحات، أما
طهارة القلب عن شهوات الدنيا فهي من المنجيات، إذ تكون جنة بين العبد وبين
عذاب الله وأما الانس والحب فهما من المسعدات، وهما موصلان العبد إلى لذة
26

اللقاء والمشاهدة، وهذه السعادة تتعجل عقيب الموت إلى أن يدخل الجنة، فيصير
القبر روضة من رياض الجنة.
وكيف لا يكون كذلك، ولم يكن له إلا محبوب واحد، وكانت العوائق
تعوقه عن الانس بدوام ذكره ومطالعة جماله، فارتفعت العوائق وأفلت من السجن
وخلي بينه وبين محبوبه، فقدم عليه مسرورا آمنا من العوائق آمنا من الفرق.
وكيف لا يكون محب الدنيا عند الموت معذبا ولم يكن له محبوب إلا
الدنيا وقد غصب منه، وحيل بينه وبينه، وسدت عليه طرق الحيلة في الرجوع
إليه، وليس الموت عدما إنما هو فراق لمحاب الدنيا، وقدوم على الله تعالى.
فاذن سالك طريق الآخرة هو المواظب على أسباب هذه الصفات الثلاث، وهي
الذكر والفكر والعمل الذي يحفظه من شهوات الدنيا، ويبغض إليه ملاذها
ويقطعه عنها وكل ذلك لا يمكن إلا بصحة البدن، وصحة البدن لا تنال إلا
بالقوت والملبس والمسكن، ويحتاج كل واحد إلى أسباب.
فالقدر الذي لا بد منه من هذه الثلاثة إذا أخذه العبد من الدنيا للآخرة
لم يكن من أبناء الدنيا، وكانت الدنيا في حقه مزرعة الآخرة، وإن أخذ ذلك
على قصد التنعم ولحظ النفس صار من أبناء الدنيا والراغبين في حظوظها، إلا
أن الرغبة في حظوظ الدنيا تنقسم إلى ما يعرض صاحبه لعذاب الله في الآخرة
ويسمى ذلك حراما وإلى ما يحول بينه وبين الدرجات العلى، ويعرضه لطول
الحساب، ويسمى ذلك حلالا.
والبصير يعلم أن طول الموقف في عرصات القيامة لأجل المحاسبة أيضا
عذاب، فمن نوقش في الحساب عذب، فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حلالها حساب
وحرامها عقاب وقد قال أيضا: حلالها عذاب. إلا أنه عذاب أخف من عذاب الحرام
بل لو لم يكن الحساب لكان ما يفوت من الدرجات العلى في الجنة، وما يرد
على القلب من التحسر على تفويتها بحظوظ حقيرة خسيسة لا بقاء لها، وهو أيضا
عذاب، فالدنيا قليلها وكثيرها حلالها وحرامها ملعونة إلا ما أعان على تقوى
27

الله فان ذلك القدر ليس من الدنيا.
وكل من كانت معرفته أقوى وأتقن، كان حذره من نعيم الدنيا أشد
ولهذا روى الله تعالى الدنيا عن نبينا صلى الله عليه وآله فكان يطوي أياما، وكان يشد الحجر
على بطنه من الجوع، ولهذا سلط الله البلاء والمحن على الأنبياء والأولياء ثم
الأمثل فالأمثل كل ذلك نظرا لهم، وامتنانا عليهم، ليتوفر من الآخرة حظهم
كما يمنع الوالد الشفيق ولده لذيذ الفواكه، ويلزمه ألم الفصد والحجامة شفقة
عليه وحبا له، لا بخلا به عليه، وقد عرفت بهذا أن كل ما ليس لله فهو للدنيا
وما هو لله فليس من الدنيا.
فان قلت: فما الذي هو لله؟ فأقول: الأشياء ثلاثة أقسام:
منها ما لا يتصور أن يكون لله، وهو الذي يعبر عنه بالمعاصي والمحظورات
وأنواع التنعمات في المباحات، وهي الدنيا المحضة المذمومة، فهي الدنيا صورة
ومعنى.
ومنها ما صورتها لله، ويمكن أن يجعل لغير الله، وهي ثلاثة: الفكر والذكر
والكف عن الشهوات، فهذه الثلاث إذا جرت سرا ولم يكن عليها باعث سوى
أمر الله واليوم الآخر فهي لله، وليست من الدنيا، وإن كان الغرض من النظر
طلب العلم للشرف، وطلب القبول بين الخلق باظهار المعرفة، أو كان الغرض
من ترك الشهوة حفظ المال أو الحمية لصحة البدن أو الاشتهار بالزهد فقد صار
هذا من الدنيا بالمعنى، وإن كان يظن بصورتها أنها لله.
ومنها ما صورتها لحظ النفس، ويمكن أن يجعل معناه لله، وذلك كالأكل
والنكاح وكل ما لا يرتبط به بقاؤه وبقاء ولده، فإن كان القصد حظ النفس
فهو من الدنيا، ولن كان القصد الاستعانة على التقوى فهو لله بمعناه، وإن كان
صورته صورة الدنيا، قال صلى الله عليه وآله: من طلب من الدنيا حلالا مكاثرا مفاخرا لقي
الله وهو عليه غضبان، ومن طلبها استعفافا عن المسألة وصيانة لنفسه جاء يوم القيامة
ووجهه كالقمر ليلة البدر.
28

انظر كيف اختلف ذلك بالقصد، فإذا الدنيا حظ نفسك العاجل الذي
لا حاجة إليه لأمر الآخرة، ويعبر عنه بالهوى، وإليه أشار قوله تعالى: " ونهى
النفس عن الهوى * فان الجنة هي المأوى " (1).
واعلم أن مجامع الهوى خمسة أمور، وهي ما جمعه الله عز وجل في قوله:
" إنما الحياة الدنيا لهو ولعب وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال
والأولاد " (2) والأعيان التي تحصل منها هذه الأمور سبعة يجمعها قوله تعالى:
" زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة
والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن
المآب " (3) فقد عرفت أن كل ما هو لله فليس من الدنيا، وقدر ضرورة القوت
وما لا بد منه من مسكن وملبس فهو لله إن قصد منه وجه الله، والاستكثار منه تنعم
وهو لغير الله، وبين التنعم والضرورة درجة يعبر عنها بالحاجة، ولها طرفان
وواسطة، طرف يقرب من حد الضرورة فلا يضر، فان الاقتصار على حد الضرورة
غير ممكن، وطرف تتاخم جانب التنعم ويقرب منه وينبغي أن يحذر، وبينهما
وسائط متشابهة، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، والحزم في الحذر
والتقوى، والتقرب من حد الضرورة ما أمكن اقتداء بالأنبياء والأولياء.
ثم قال: اعلم أن الدنيا عبارة من أعيان موجودة، وللانسان فيها حظ وله
في إصلاحها شغل، فهذه ثلاثة أمور قد يظن أن الدنيا عبارة عن آحادها، وليس
كذلك أما الأعيان الموجودة التي الدنيا عبارة عنها فهي الأرض وما عليها قال الله
تعالى: " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا " (4) فالأرض
فراش للادميين ومهاد ومسكن ومستقر وما عليها لهم ملبس ومطعم ومشرب ومنكح.

(1) النازعات: 40 - 41.
(2) الحديد: 20.
(3) آل عمران: 14.
(4) الكهف: 7.
29

ويجمع ما على الأرض ثلاثة أقسام المعادن والنبات والحيوان. أما المعادن
فيطلبها الادمي للألات والأواني كالنحاس والرصاص أو للنقد كالذهب والفضة
ولغير ذلك من المقاصد، وأما النبات فيطلبها الادمي للاقتات والتداوي، وأما الحيوان
فينقسم إلى الانسان والبهائم أما البهائم فيطلب لحومها للمأكل وظهورها للمركب
والزينة، وأما الانسان فقد يطلب الادمي أن يملك أبدان الناس ليستخدمهم و
يستسخرهم كالغلمان أو ليتمتع بهم كالجواري والنسوان ويطلب قلوب الناس ليملكها
فيغرس فيها التعظيم والاكرام، وهو الذي يعبر عنه بالجاه، إذ معنى الجاه ملك
قلوب الآدميين.
فهذه هي الأعيان التي يعبر عنها بالدنيا وقد جمعها الله تعالى في قوله " زين
للناس حب الشهوات من النساء والبنين " وهذا من الانس " والقناطير المقنطرة
من الذهب والفضة " وهذا من الجواهر والمعادن وفيه تنبيه على غيرها من اللئالي
واليواقيت " والخيل المسمومة والانعام " وهي البهائم والحيوانات " والحرث " وهو
النبات والزرع.
فهذه هي أعيان الدنيا، إلا أن لها من العبد علاقتين: علاقة مع القلب
وهو حبه لها وحظه منها، وانصراف قلبه إليها حتى تصير قلبه كالعبد أو المحب
المستهتر بالدنيا، ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المتعلقة بالدنيا كالكبر
والغل والحسد والرياء والسمعة وسوء الظن والمداهنة، وحب الثناء وحب
التكاثر والتفاخر، فهذه هي الدنيا الباطنة، وأما الظاهرة فهي الأعيان التي
ذكرناها، والعلاقة الثانية مع البدن وهو اشتغاله باصلاح هذه الأعيان ليصلح
لحظوظه وحظوظ غيره، وهي جملة الصناعات والحرف التي الخلق مشغولون
بها والخلق إنما نسوا أنفسهم ومآلهم ومنقلبهم لهاتين العلاقتين: علاقة القلب بالحب
وعلاقة البدن بالشغل، ولو عرف ربه وعرف نفسه وعرف حكمة الدنيا وسرها
علم أن هذه الأعيان التي سميتها دنيا لم تخلق إلا لعلف الدابة التي تسير بها
إلى الله تعالى وأعني بالدابة البدن، فإنه لا يبقى إلا بمطعم وملبس ومسكن
30

كما لا يبقى الإبل في طريق الحج إلا بعلف وماء وجلال.
ومثال العبد في نسيانه نفسه ومقصده مثال الحاج الذي يقف في منازل
الطريق، ولا يزال يعلف الدابة ويتعهدها وينظفها ويكسوها ألوان الثياب و
يحمل إليها أنواع الحشيش، ويبرد لها الماء بالثلج، حتى تفوته القافلة، وهو غافل
عن الحج وعن مرور القافلة، وعن بقائه في البادية فريسة للسباع هو وناقته
والحاج البصير لا يهمه من أمر الجمل إلا القدر الذي يقوى به على المشي فيتعهده
وقلبه إلى الكعبة والحج، وإنما يلتفت إلى الناقة بقدر الضرورة فكذلك البصير
في سفر الآخرة لا يشغل بتعهد البدن إلا بالضرورة، كما لا يدخل بيت الماء إلا
للضرورة، ولا فرق بين إدخال الطعام في البدن وبين إخراجه من البطن.
وأكثر ما شغل الناس عن الله البدن فان القوت ضروري وأمر الملبس
والمسكن أهون، ولو عرفوا سبب الحاجة إلى هذه الأمور، واقتصروا عليها لم
تستغرقهم أشغال الدنيا، فإنما استغرقتهم لجهلهم بالدنيا وحكمتها وحظوظهم منها
ولكنهم جهلوا وغفلوا، وتتابعت أشغال الدنيا واتصلت بعضها ببعض، وتداعت
إلى غير نهاية محدودة، فتاهوا في كثرة الاشغال، ونسوا مقصودها.
وأما تفاصيل أشغال الدنيا وكيفية حدوث الحاجة إليها وانجرار بعضها
إلى بعض فمما يطول ذكرها وخارج عن مقصود كتابنا.
وإذا تأملت فيها علمت أن الانسان لاضطراره إلى القوت والمسكن والملبس
يحتاج إلى خمس صناعات: وهي الفلاحة لتحصيل النبات، والرعاية لحفظ
الحيوانات واستنتاجها، والاقتناص لتحصيل ما خلق الله من صيد أو معدن أو
حشيش أو حطب، والحياكة للباس، والبناء للمسكن، ثم يحتاج بسبب ذلك إلى
التجارة والحدادة والخرز أي إصلاح جلود الحيوانات وأجزائها، ثم لبقاء النوع
إلى المنكح، ثم إلى حفظ الولد وتربيته، ثم لاجتماعهم إلى قرية يجتمعون فيها
ثم إلى قاض وحاكم يتحاكمون إليه، ثم إلى جند يحرسهم عن الأعادي، ثم إلى
خراج يعان به الجند، ثم إلى عمال وخزان لذلك، ثم إلى ملك يدبرهم
31

وأمير مطاع وقائد على كل طائفة منهم، فانظر كيف ابتدأ الامر من حاجة القوت
والمسكن والملبس وإلى ماذا انتهى؟.
وهكذا أمور الدنيا لا يفتح منها باب إلا وينفتح منها بسببه عشرة أبواب
أخر، وهكذا يتناهى إلى حد غير محصور، وكأنها هاوية لا نهاية لعمقها، ومن
وقع في مهواة منها سقط منها إلى أخرى وهكذا على التوالي.
فهذه هي الحرف والصناعات، ويتفرع عليها أيضا بناء الحوانيت والخانات
للمتحرفة والتجار وجماعة يتجرون ويحملون الأمتعة من بلد إلى بلد، ويتفرع
عليها الكراية والإجارة، ثم يحدث بسبب البيوع والإجارات وأمثالها الحاجة إلى
النقدين لنقع المعاملة بهما، فاتخذت النقود من الذهب والفضة والنحاس ثم مست
الحاجة إلى الضرب والنقش والتقدير، فحدثت الحاجة إلى دار الضرب وإلى
الصيارفة.
فهذه أشغال الخلق وهي معايشهم، وشئ من هذه الحرف لا يمكن مباشرته إلا
بنوع تعلم وتعب في الابتداء، وفي الناس من يغفل عن ذلك في الصبا فلا يشتغل به
أو يمنعه مانع فيبقى عاجزا إلى أن يأكل مما سعى فيه غيره، فتحدث منه
حرفتان خسيستان: اللصوصية والكدية، وللصوص أنواع ولهم حيل شتى في ذلك
وأما التكدي فله أسباب مختلفة، فمنهم من يطلب ذلك بالتمسخر والمحاكاة الشعبذة
والافعال المضحكة، وقد يكون بالاشعار مع النغمة أو غيرها في المدح أو التعشق
أو غيرهما، أو تسليم ما يشبه العوض وليس بعوض كبيع التعويذات والطلسمات
وكأصحاب القرعة والفأل والزجر من المنجمين، ويدخل في هذا الجنس الوعاظ
المتكدون على رؤوس المنابر.
فهذه هي اشغال الخلق وأعمالهم التي أكبوا عليها وجرهم إلى ذلك كله الحاجة
إلى القوت والكسوه، ولكن نسوا في أثناء ذلك أنفسهم ومقصودهم ومنقلبهم ومآلهم
فضلوا وتاهوا، وسبق إلى عقولهم الضعيفة بعد أإن كدرها زحمة اشغال الدنيا
خيالات فاسدة، وانقسمت مذاهبهم، واختلفت آراؤهم على عدة أوجه.
32

فطائفة غلب عليهم والغفلة، فلم ينفتح أعينهم للنظر إلى عاقبة أمرهم
فقالوا: المقصود أن نعيش أياما في الدنيا فنجهد حتى نكسب القوت، ثم نأكل حتى
نقوى على الكسب، ثم نكتسب حتى نأكل، فيأكلون ليكسبوا، ويكسبون ليأكلوا
فهذه مذاهب الملاحين والمتحرفين، ومن ليس لهم تنعم في الدنيا ولا قدم في الدين.
وطائفة أخرى زعموا أنهم تفطنوا للامر وهو أن ليس المقصود أن يشقى الانسان
ولا يتنعم في الدنيا بل السعادة في أن يقضي وطره من شهوات الدنيا، وهي شهوة البطن
والفرج، فهؤلاء طائفة نسوا أنفسهم، وصرفوا همهم إلى اتباع النسوان وجمع لذائذ
الأطعمة يأكلون كما تأكل الانعام، ويظنون أنهم إذا نالوا ذلك فقد أدركوا
غايات السعادات فيشغلهم ذلك عن الله واليوم الآخر.
وطائفة ظنوا أن السعادة في كثرة المال والاستغناء بكنز الكنوز، فأسهروا
ليلهم ونهارهم في الجمع فهم يتعبون في الاسفار طول الليل والنهار، ويترددون
في الأعمال الشاقة ويكسبون ويجمعون ولا يأكلون إلا قدر الضرورة شحا وبخلا
عليها أن تنقص، وهذه لذتهم وفي ذلك دأبهم وحركتهم إلى أن يأتيهم الموت فيبقى
تحت الأرض أو يظفر به من يأكله في الشهوات واللذات، فيكون للجامع تعبها
ووبالها، وللاكل لذتها وحسابها، ثم إن الذين يجمعون ينظرون إلى أمثال ذلك
في أشباههم وأمثالهم فلا يعتبرون.
وطائفة زعموا أن السعادة في حسن الاسم وانطلاق الألسن بالثناء والمدح
بالتجمل والمروة، فهؤلاء يتعبون في كسب المعايش ويضيقون على أنفسهم في المطعم
والمشرب، ويصرفون جميع ما لهم إلى الملابس الحسنة والدواب النفيسة، ويزخرفون
أبواب الدور، وما يقع عليه ابصار الناس، حتى يقال إنه غني وأنه ذو ثروة
ويظنون أن ذلك هو السعادة، فهمتهم في ليلهم ونهارهم في تعهد موقع نظر
الناس.
وطائفة أخرى ظنوا أن السعادة في الجاه والكرامة بين الناس، وانقياد الخلق
بالتواضع والتوقير، فصرفوا همتهم إلى استجرار الناس إلى الطاعة بطلب الولاية
33

وتقلد الأعمال عمال السلطانية، لينفذوا أمرهم بها على طائفة من الناس ويرون أنهم
إذا اتسعت ولايتهم، وانقادت لهم رعاياهم، فقد سعدوا سعادة عظيمة، وأن ذلك غاية
المطلب، وهذا أغلب الشهوات على قلوب المتغافلين من الناس فهؤلاء شغلهم حب
تواضع الناس لهم عن التواضع لله وعن عبادته، وعن التفكر في آخرتهم ومعادهم.
ووراء هذا طوائف يطول حصرها تزيد على نيف وسبعين فرقة كلهم ضلوا
وأضلوا عن سواء السبيل، وإنما جرهم إلى جميع ذلك حاجة المطعم والملبس
والمسكن، فنسوا ما يراد له هذه الأمور الثلاثة والقدر الذي يكفي منها، وانجرت بهم
أوايل أسبابها إلى أواخرها، وتداعت لهم إلى مبادي لم يمكنهم الترقي منها.
فمن عرف وجه الحاجة إلى هذه الأسباب والاشغال، وعرف غاية المقصود
منها فلا يخوض في شغل وحرفة وعمل إلا وهو عالم بمقصوده، وعالم بحظه ونصيبه
منه وأن غاية مقصوده تعهد بدنه بالقوة والكسوة حتى لا يهلك، وذلك إن سلك
فيه سبيل التقليل اندفعت الاشغال، وفرغ القلب وغلب عليه ذكر الآخرة، وانصرفت
الهمة إلى الاستعداد له، وإن تعدى به قدر الضرورة، كثرت الاشغال وتداعى
البعض إلى البعض وتسلسل إلى غير نهاية، فتشعب به الهموم ومن تشعب به الهموم في أودية
الدنيا فلا يبال الله في اي واد أهلكه.
فهذا شان المنهمكين في أشغال الدنيا وتنبه لذلك طائفة فأعرضوا عن الدنيا
فحسدهم الشيطان، فلم يتركهم وأضلهم في الاعراض أيضا حتى انقسموا إلى
طوايف فظنت طائفة أن الدنيا دار بلاء ومحنة، وأن الآخرة دار سعادة لكل من
وصل إليها سواء تعبد في الدنيا أو لم يتعبد فرأوا أن الصواب في أن يقتلوا أنفسهم
للخلاص من محنة الدنيا وإليه ذهب طوائف من عباد الهند فهم يتهجمون على النار
ويقتلون أنفسهم بالاحراق، ويظنون أن ذلك خلاص منهم من سجن الدنيا.
وظنت طائفة أخرى أن القتل لا يخلص بل لا بد أولا من إماتة الصفات
البشرية وقلعها عن النفس بالكلية، وأن السعادة في قطع الشهوة والغضب، ثم أقبلوا
على المجاهدة فشدوا على أنفسهم حتى هلك بعضهم بشدة الرياضة، وبعضهم فسد
34

عقله وجن، وبعضهم مرض وأسندت عليه طرق العبادة.
وبعضهم عجز عن قمع الصفات بالكلية فظن أن ما كلفه الشرع محال وأن
الشرع تلبيس لا أصل له، فوقع في الالحاد والزندقة، وظهر لبعضهم أن هذا التعب
كله لله وأن الله مستغن عن عبادة العباد،، لا ينقصه عصيان عاص، ولا يزيده عبادة
عابد، فعادوا إلى الشهوات، وسلكوا مسلك الإباحة، فطووا بساط الشرع والاحكام
وزعموا أن ذلك من صفاء توحيدهم، حيث اعتقدوا ان الله مستغن عن عبادة العباد.
وظن طائفة أخرى أن المقصود من العبادات المجاهدة حتى يصل العبد بها
إلى معرفة الله تعالى، فإذا حصلت المعرفة فقد وصل، وبعد الوصال يستغني عن
الوسيلة والحيلة فتركوا السعي والعبادة، وزعموا أنه ارتفع محلهم في معرفة الله
سبحانه [عن] أن يمتحنوا بالتكاليف وإنما التكليف على عوام الخلق.
ووراء هذا مذاهب باطلة وضلالة هائلة وخيالات فاسدة، يطول إحصاؤها
إلى أن يبلغ نيفا وسبعين فرقة، وإنما الناجي منها فرقة واحدة، وهي السالكة
ما كان عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه، وهو أن لا يتركوا الدنيا بالكلية، ولا يقمع
في الشهوات بالكلية.
أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد وأما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع
والعقل، فلا يتبع كل شهوة ولا يترك كل شهوة، بل يتبع العدل ولا يترك كل شئ
من الدنيا، ولا يطلب كل شئ من الدنيا، بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا
ويحفظه على حد مقصوده، فيأخذ من القوت ما يقوى به البدن على العبادة، ومن
المسكن ما يحفظ به من اللصوص، والحر والبرد، ومن الكسوة كذلك، حتى إذا
فرغ القلب من شغل البدن، أقبل على الله بكنه همه، واشتغل بالذكر والفكر طول
العمر، وبقي ملازما لسياسة الشهوات، ومراقبا لها حتى لا تجاوز حدود الورع
والتقوى، ولا يعلم تفصيل ذلك إلا بالاقتداء بالفرقة الناجية صحت عقايدهم
واتبعوا الرسول وأئمة الهدى صلوات الله عليهم في أقوالهم وأفعالهم، فإنهم ما كانوا
35

يأخذون الدنيا للدنيا، بل للدين، وما كانوا يترهبون ويهجرون الدنيا بالكلية
وما كان لهم في الأمور تفريط ولا إفراط، بل كانوا بين ذلك قواما، وذلك هو العدل
والوسط بين الطرفين، وهو أحب الأمور إلى الله تعالى والله المستعان.
17 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن
أبي عبد الله المؤمن، عن جابر قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال: يا جابر والله
إني لمحزون وإني لمشغول القلب، قلت: جعلت فداك، وما شغلك وما حزن قلبك؟
فقال: يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله، شغل قلبه عما سواه، يا جابر
ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا؟ هل هي إلا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة
أصبتها؟.
يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم
الآخرة، يا جابر الآخرة دار قرار، والدنيا دار فناء وزوال، ولكن أهل الدنيا
أهل غفلة، وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة لم يصمهم عن ذكر الله
ما سمعوا بآذانهم، ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة، ففازوا بثواب الآخرة
كما فازوا بذلك العلم.
واعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤنة، وأكثرهم لك معونة
تذكر فيعينونك، وإن نسيت ذكروك، قوالون بأمر الله، قوامون على أمر الله
قطعوا محبتهم بمحبة ربهم، ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم، ونظروا إلى الله تعالى
وإلى محبته بقلوبهم، وعلموا أن ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه، فأنزل الدنيا
كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه، أو كمال وجدته في منامك واستيقظت، وليس معك
منه شئ.
إني إنما ضربت لك هذا مثلا لأنها عند أهل اللب والعلم بالله كفيئ
الظلال، يا جابر فاحفظ ما استرعاك الله من دينه وحكمته، ولا تسألن عما لك
عنده إلا ما له عند نفسك، فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك، فتحول إلى
دار المستعتب، فلعمري لرب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه، ولرب كاره
36

لأمر قد سعد به حين أتاه، وذلك قول الله تعالى: " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق
الكافرين " (1).
بيان: قوله عليه السلام: " صافي خالص دين الله " كأن إضافة الصافي إلى
الخالص للبيان تأكيدا، ويحتمل اللامية، أي المحبة الصافية لله الحاصلة من
خالص دينه، وفي تحف العقول: من دخل خالص حقيقة الايمان (2) و " أكلته "
وأختاها على صيغة الخطاب، ويحتمل التكلم، والغرض أن هذه لذات قليلة
فانية، ولا يختارها العاقل على النعم الجليلة الباقية.
" لم يطمئنوا " اي لم يلههم الأمل الطويل عن العمل " ولم يأمنوا " اي في
كل حين " قدومهم الآخرة " بالموت أو عذاب الآخرة " أهل فكرة " خبر مبتدأ
محذوف استينافا بيانيا وكذا قوله " لم يصمهم " استيناف بياني للاستيناف " ما
سمعوا بأذانهم " من وصف ملاذ الدنيا وزهراتها، وحكومة أهلها وبسطة أيديهم
فيها، والقصص الملهية الباطلة.
" ولم يعمهم عن ذكر الله " الحاصل بالعبرة من أحوال الدنيا وفنائها " ففازوا "
لترك الدنيا " بثواب الآخرة، كما فازوا بذلك العلم " وهو العلم اليقيني بدناءة
الدنيا وفنائها، ورفعة الآخرة وبقائها، وتمييز الخير من الشر، والهدى من الضلالة
وأهل الدنيا من أهل الآخرة، والمحقين من المبطلين، ومن يجب اتباعه من أهل الآخرة
وأئمة الحق، ومن يجب التبري عنه من أهل الدنيا وأصحابها، وأئمة الضلالة
فهذه هي الحكمة الحاصلة من الزهد في الدنيا، فلما فازوا بهذا العلم فازوا بنعيم
الآخرة.
" أيسر أهل الدنيا مؤنة " المؤنة بالفتح القوت والثقل، وذلك لأنهم يكتفون
بقدر الكفاية بل الضرورة والمعونة مصدر بمعنى الإعانة " تذكر " اي حاجتك لهم
" فيعينونك " فيها، وإذا كنت متذكرا لما يوجب صلاح أمر دنياك وآخرتك

(1) الكافي ج 2 ص 132، والآية في آل عمران: 141.
(2) تحف العقول ص 295 في ط وص 286 في ط آخر.
37

أعانوك على فعله، وإن كنت ناسيا له ذكروك، وأرشدوك إليه، ثم يعينونك
مع الحاجة إلى الإعانة.
" قوالون بأمر الله " أي بما أمر الله به أو بكل أمر يرضى الله به موعظة
وإرشادا وتذكيرا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر " قوامون على أمر الله " بحفظ
دين الله وشرايعه وأصول الدين وفروعه، وبمنع أهل الباطل وأرباب البدع من التغيير
والتحريف في دين الله.
" قطعوا محبتهم " أي عن كل شئ أو عمالا يرضى الله " بمحبة ربهم " اي بسببها
أو جعلوا محبتهم تابعين لمحبة الله، ولا يحبون شيئا إلا لحب الله له كقوله تعالى
" وما تشاؤن إلا أن يشاء الله " (1).
" وحشوا الدنيا " الوحشة ضد الانس اي لم يستأنسوا بالدنيا " لطاعة مليكهم "
أي مالكهم وسيدهم، أو ذي الملك والسلطنة عليهم إما لامره بالزهد في الدنيا
أو لان طاعة الله مطلقا والاخلاص فيها لا تجتمع مع حب الدنيا " نظروا إلى الله
وإلى محبته بقلوبهم " الظرف في قوله " بقلوبهم " متعلق بنظروا أي لم ينظروا بعين قلوبهم
إلا إلى الله اي رضاه أو معرفته ومراقبته وذكره، وعدم الالتفات إلى غيره وإلى محبته
أي تحصيل حبهم لله أو حب الله لهم أو الأعم كما قال تعالى " يحبهم ويحبونه " (2)
أو ما يحبه الله من الأخلاق والأعمال والأقوال.
" وعلموا أن ذلك " اي المذكور وهو الله ومحبته والإشارة للتعظيم " هو المنظور
إليه " اي هو الذي ينبغي أن ينظر إليه لا غيره لعظمة شأنه وحقارة ما سواه بالنسبة إليه
" فأنزل الدنيا " اي اجعلها عند نفسك " كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه " بل هذه الدنيا
بالنسبة إلى الآخرة اقصر بالمراتب الغير المتناهية عن نسبة مدة نزول المنزل بالنسبة
إلى مدة عمر الدنيا لان الأولى نسبة المتناهى إلى غير المتناهي، والثانية نسبة
المتناهي إلى المتناهي، والغرض العمدة من التشبيه أنها لم تخلق للتوطن، بل للعبور

(1) الانسان: 30، التكوير: 29.
(2) المائدة: 54.
38

كما أن منازل المسافر إنما تبنى لذلك، وقد قال بعض الشعراء في هذا المعنى:
نزلنا ههنا ثم ارتحلنا * كذا الدنيا نزول وارتحال
أردنا أن نقيل بها ولكن * مقيل المرء في الدنيا محال
وهذا مثل للمبتدين، ثم ذكر مثلا كاملا للكاملين، وهو " أو كمال وجدته
في منامك " إلى آخره فان أكثر الناس في الدنيا كالنائمين لغفلتهم عن الآخرة
وعما يراد بهم، فإذا ماتوا لم يجدوا معهم شيئا مما اكتسبوا في الدنيا للدنيا كما قال
أمير المؤمنين عليه السلام: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.
ثم ذكر عليه السلام تمثيلا ثالثا وهو أنها كفئ الظلال في سرعة الزوال، والظلال
بالكسر جميع الظل وهو والفئ بمعنى واحد عند كثير الناس، وقال ابن قتيبة
الظل يكون غدوة وعشية، والفئ لا يكون إلا بعد الزوال، لأنه ظل فاء عن
جانب المغرب إلى جانب المشرق والفئ الرجوع وقال ابن السكيت: الظل من
الطلوع إلى الزوال والفئ من الزوال إلى المغرب وقال تغلب: الظل للشجرة وغيرها
للغداة والفئ للعشاء وقال رؤبة: كلما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو ظل وفئ
وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل، ومن هنا قيل الشمس تنسخ الظل والفئ ينسخ
الشمس، والمراد هنا بالفئ إما المصدر أي كرجوع الظلال اي كما تظل في ظل
شجرة مثلا فتنتفع به ساعة، فترجع عنك فتكون في الشمس، أو المراد بالفئ الظل
وبالظلال ما أظلك من شجر وجدار ونحوهما، أو المراد بالظلال قطعات السحاب
التي تواري الشمس قليلا ثم تذهب وهذا أنسب قال في القاموس: الظل من كل شئ
شخصه ومن السحاب وما وارى الشمس منه والظلالة بالكسر السحابة تراها وحدها
وترى ظلها على الأرض وكسحاب ما أظلك، وقال: راعيته لاحظته محسنا إليه، والامر
نظرت إلى م يصير؟ وأمره حفظه كرعاه واسترعاه إياهم استحفظه انتهى وفي تحف
العقول " فاحفظ يا جابر ما أستودعك من دين الله وحكمته ".
قوله عليه السلام " ولا تسألن " أقول: يحتمل وجوها الأول أن يكون المعنى لا تبالغ
في الدعاء والسؤال من الله عما لك عنده من الرزق وغيره، مما ضمن لك، ولكن
39

سله التوفيق عما له عندك من الطاعات، والاستثناء ظاهره الانقطاع، ويحتمل
الاتصال أيضا لان التوفيق والإعانة أيضا مما للعبد عند الله.
الثاني أن يكون المراد لا تسأل أحدا عما لك عند الله من الاجر والرزق
وأمثالهما فإنها بيد الله وعلمها عنده ولا ينفعك السؤال عنها، بل سل العلماء عما لله
عندك من الطاعات، لتعلم شرائطها وكيفياتها.
الثالث أن يكون المعنى أنك لا تحتاج إلى السؤال عما لك عند الله من الثواب
فإنه بقدر ما لله عندك من عملك، فيمكنك معرفته بالرجوع إلى نفسك وعملك
فعلى هذا يحتمل أن يكون التقدير لا تسأل عما لك عند الله من أحد إلا مما له عندك
فيكون ماله عنده مسؤولا والاستثناء متصلا لكن في السؤال تجوز، ويؤيد الأخير
على الوجهين ما روي في المحاسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من
أحب أن يعلم ما له عند الله، فليعلم ما لله عنده. وفي تحف العقول في هذا الخبر مكان
هذه الفقرة هكذا " وانظر ما لله عندك في حياتك فكذلك يكون لك العهد عنده في
مرجعك ".
قوله عليه السلام " فان تكن الدنيا " أقول: هذه الفقرة أيضا تحتمل وجوها الأول
ما ذكره بعض المحققين أن المعنى إن تكن الدنيا عندك على غير ما وصفت لك
فتكون تطمئن إليها فعليك أن تتحول فيها إلى دار ترضى فيها ربك يعني أن تكون
في الدنيا ببدنك، وفي الآخرة بروحك، تسعى في فكاك رقبتك، وتحصيل رضا ربك
عنك حتى يأتيك الموت.
الثاني ما ذكره بعض الأفاضل أن المعنى إن تكن الدنيا عندك على غير ذلك
فانتقل إلى مقام التوبة والاستعتاب والاسترضاء، فان هذه عقيدة سيئة.
الثالث ما خطر بالبال أن المعنى إن لم تكن الدنيا عندك على ما وصفت لك
فتوجه إلى الدنيا وانظر بعين البصيرة فيها، تفكر في أحوالها من فنائها وتقلبها
بأهلها ليتحقق لك حقيقة ما ذكرت، وإنما عبر عليه السلام عن ذلك بالتحول
إشعارا بأن من أنكر ذلك فكأنه لغفلته وغروره ليس في الدنيا فليتحول إليها
40

ليعرف ذلك.
الرابع أنه أراد أنه لا بد لكل مكلف من دار استرضاء حتى يرضى فيها ربه
بالأعمال الصالحة، فإذا لم تكن الدنيا عندك كما وصفتها لك، بل تكون منهمكا في
لذاتها حريصا عليها، فلتطلب دار استرضاء أخرى غير التي أنت فيها فإنه مما
لا بد منه.
الخامس أن يقرء " تحول " بصيغة المضارع المخاطب، بحذف إحدى التائين
فالمعنى أنه لا يخفى على ذي عقل قبح الدنيا وفنائها، فان زعمت أنه ليس كذلك
فلعلك تقول ذلك لأجل أنها دار يمكن فيها تحصيل رضا الله، وهذا لا ينافي ما
ذكرت لك من ذم الركون إلى لذاتها وشهواتها، كما عرفت سابقا.
السادس أن يكون المراد بدار المستعتب دار الآخرة لان الكفار يطلبون
فيها الرجوع إلى الدنيا عند مشاهدة عذابها، كما قال تعالى " وإن يستعتبوا فما هم
من المعتبين " (1) فالمراد به إن لم تصدق بهذه الأوصاف لهذه الدار، فاصبر
حتى ترد دار القرار، فإنه حينئذ يظهر لك حقيقة هذا الكلام، وعلى هذا الوجه
يمكن أن يقرء على اسم الفاعل أيضا.
السابع ما ذكره بعض المدعين للفضل أن المستعتب لعله اسم رجل ذي جاه
ومال اصابه الذل، وذهب جميع ما كان له، فقال عليه السلام: تحول إلى داره لتعتبر به.
وإنما ذكرناه لغرابته.
وأقول: في تحف العقول ليس لفظ " غير " بل هو هكذا " فان تكن الدنيا
عندك على ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم " فيؤيد المعنى الأول
اي إذا عرفت أن الدنيا كذلك، وصدقت بما قلت، فتحول عنها اي انتقل إلى
الآخرة بقلبك، واقطع تعلقك عن الدنيا اليوم اختيارا، قبل أن تقلع عنها عند
الموت اضطرارا، أو إلى مقام الاسترضاء كما مر.
والظاهر أن المستعتب على أكثر الاحتمالات مصدر ميمي قال في القاموس

(1) فصلت: 24.
41

العتبى بالضم الرضا، واستعتبه: أعطاه العتبى كأعتبه، وطلب إليه العتبى ضد
" وإن تستعتبوا فما هم من المعتبين " اي إن يستقيلوا ربهم لم يقلهم أي لم يردهم
إلى الدنيا، وفي النهاية: المعتبة الغضب وأعتبني فلان إذا عاد إلى مسرتي
واستعتب طلب أن يرضى عنه، كما يقول: استرضيته فأرضاني والمعتب المرضى
ومنه الحديث " لا يتمنين أحدكم الموت، أما محسنا فلعله يزداد، وأما مسيئا فلعله
يستعتب " اي يرجع عن الإساءة ويطلب الرضا ومنه الحديث " ولا بعد الموت من
مستعتب " أي ليس بعد الموت من استرضاء، لان الأعمال بطلت وانقضى زمانها
وما بعد الموت دار جزاء لا دار عمل، انتهى.
وقوله عليه السلام: " فلعمري " أي أقسم بحياتي، وفي القسم مفتوح غالبا " لرب
حريص على أمر " من أمور الدنيا " قد شقي به حين أتاه " أي تعب به في الدنيا أو صار
سببا لشقاوته في الآخرة ويطلق غالبا على سوء العاقبة، والسعادة ضد الشقاوة، وتطلق
غالبا على حسن العاقبة وراحة الآخرة.
في القاموس: الشقاء الشدة والعسر، ويمد، شقي كرضي شقاوة ويكسر
وشقا وشقاء وشقوة ويكسر، وقال: السعادة خلاف الشقاوة، وقد سعد كعلم وعني
فهو سعيد ومسعود.
وقال الراغب: السعد والسعادة معاونة الأمور الإلهية للانسان على نيل
الخير، ويضاد الشقاوة، وقال: الشقاوة خلاف السعادة، وكما أن السعادة في
الأصل ضربان: سعادة أخروية وسعادة دنيوية، ثم السعادة الدنيوية ثلاثة
أضرب: سعادة نفسية وبدنية وخارجية، كذلك الشقاوة على هذه الأضرب.
وقال بعضهم: قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا وكل شقاوة تعب
وليس كل تعب شقاوة فالتعب أعم من الشقاوة (1).
وفي التحف: " فلرب حريص على أمر من أمور الدنيا قد ناله فلما ناله
كان عليه وبالا وشقي به ولرب كاره لأمر من أمور الآخرة قد ناله فسعد به " وإلى
هنا انتهى الخبر فيه

(1) مفردات غريب القرآن 232 و 264.
42

قوله: " وليمحص الله " الآية في آل عمران عند ذكر غزوة أحد حيث قال تعالى:
" وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله
لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا " قال الطبرسي رحمه الله: بين وجه
المصلحة في مداولة الأيام بين الناس اي وليبتلي الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين
ينقصهم أو ليخلص الله ذنوب المؤمنين أو ينجي الله الذين آمنوا من الذنوب بالابتلاء
ويهلك الكافرين بالذنوب عند الابتلاء (1).
وأقول: هذا الوجه الأخير أنسب بالخبر، ليكون استشهدا للجزئين معا
فان الكافرين كانوا حرصاء في الغلبة على المؤمنين، فنالوها فصارت سببا لشقاوتهم
ومزيد عذابهم والمؤمنين كانوا كارهين للمغلوبية، فصارت سببا لمزيد سعادتهم
وتمحيص ذنوبهم.
قال الراغب: أصل المحص تخليص الشئ مما فيه من عيب، يقال: محصت
الذهب ومحصته إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث قال تعالى: " وليمحص الله الذين
آمنوا " فالتمحيص هنا كالتزكية والتطهير (2).
18 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن
عمر بن أبان، عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام
إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة
منهما بنون. فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا [ألا] وكونوا
من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، الا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا
الأرض بساطا، والتراب فراشا، والماء طيبا، وقرضوا من الدنيا تقريضا، ألا ومن
اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات
ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب.
ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل

(1) مجمع البيان ج 2 ص 510.
(2) المفردات: 464.
43

النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، وحوائجهم
خفيفة، صبروا أياما قليلة، فصاروا بعقبى راحة طويلة، أما الليل فصافون أقدامهم
تجري دموعهم على خدودهم، وهم يجأرون إلى ربهم، يسعون في فكاك رقابهم.
وأما النهار فحكماء علماء، بررة، أتقياء، كأنهم القداح، قد براهم الخوف من
العبادة، ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى وما بالقوم من مرض، أم خولطوا فقد خالط
القوم أمر عظيم، من ذكر النار وما فيها (1).
توضيح: " إن الدنيا قد ارتحلت " يقال رحل وارتحل اي شخص وسار
" مدبرة " المراد بادبار الدنيا تقضيها وانصرامها وباقبال الآخرة قرب الموت
وما يكون بعدها من نعيم أو عذاب، فشبه الدنيا وحياتها براكب حمل على
مراكبها أثقالها وهي لذات الدنيا وشهواتها وأموالها، وساير ما يتعلق الانسان بها
والموت براكب آخر حمل على مراكبه نعيمه وعذابه، وساير ما يكون بعده
فالراكب الأول يوما فيوما وساعة فساعة في التقضي والفناء، فهو يبعد عن
الانسان، والراكب الثاني يسير إلى الانسان ويقرب منه فعن قريب يصل إليه
فلا بد من الاستعداد لوصوله وتلقيه بالعقائد الحقة والأعمال الصالحة.
" ولكل واحدة منهما بنون " استعار عليه السلام لفظ البنين للعباد بالنسبة إلى
الدنيا والآخرة فشبههم لميل كل منهم إلى إحداهما ميل الولد إلى ولده، وركون
الفصيل إلى أمه، وتوقع كل منهم توقع النفع من إحداهما، ومشابهته بها وكونه
مخلوقة لأجلها وشبه كلا منهما بالأب أو بالام لتأنيثهما أو الآخرة بالأب والدنيا
بالام لنقصها ولمناسبة الاباء العلوية بالأولى والأمهات السفلية بالثانية، فكأن أبناء
الدنيا بمنزلة أولاد الزنا لا أب لهم.
" فكونوا من أبناء الآخرة " لبقائها وخلوص لذاتها ولكونها صادقة في وعدها
" ولا تكونوا من أبناء الدنيا " لفنائها وكذبها وغرورها، وكون لذاتها مشوبة
بأنواع الآلام، ثم أشار عليه السلام إلى أن المقصود ليس مجرد رفض الدنيا، وترك العمل

(1) الكافي ج 2 ص 132.
44

لها، بل مع إزالة حبها من القلب بقوله " وكونوا من الزاهدين الخ ".
والبساط فعال بمعنى المفعول أي اكتفوا بالأرض عوضا عن الفرش المبسوطة في
البيوت مع عدم تيسر البساط إلا من الحرام أو الشبهة أو مطلقا والأول أنسب بالجمع
بين الاخبار وكذا في البواقي، وفي الصحاح البساط ما يبسط، وبالفتح الأرض الواسعة
" والتراب فراشا " بمعنى المفروش اي عوضا عن الثياب الناعمة المحشوة بالقطن
وغيره للنوم عليها، فان التراب ألين من سائر أجزاء الأرض " والماء طيبا " فان
الطيب عمدة منفعته دفع الروايح الكريهة، وهو يتحقق بالغسل بالماء، وما قيل من
أن المراد التلذذ بشرب الماء بدلا من الأشربة اللذيذة لان أصل الطيب اللذة
كما في القاموس فهو بعيد.
" وقرضوا من الدنيا تقريضا " على بناء المفعول [من التفعيل] من القرض
بمعنى القطع، وبناء التفعيل للمبالغة، وقيل: بمعنى التجاوز من قرضت الوادي
لذا جزته، أو بمعنى العدول من قرضت المكان إذا عدلت عنه، وفي النهج " ثم
قرضوا الدنيا قرضا " (1).
قوله عليه السلام " سلا عن الشهوات " اي نسيها وتركها وفي القاموس: سلاه وعنه
كدعاه ورضيه سلوا وسلوا وسلوا وسلوانا وسليا: نسيه، وأسلاه عنه فتسلى، " عن
المحرمات " وفي بعض النسخ " عن المحرمات " جمع الحرمة كالغرفات جمع الغرفة
" هانت عليه المصائب " لأنها راجعة إلى فوات الأمور الدنيوية، ومن زهد فيها
سهل عنده فواتها.
قوله عليه السلام: " كمن رأى " أي صاروا من اليقين بمنزلة المعاينة كما مر في
باب اليقين " مخلدين " اي كأنه يرى خلودهم أو يراهم مع علمه بخلودهم، ومن
الأفاضل من قرء مخلدين على بناء الفاعل من الافعال كقولهم أخلد إليه أي مال
ولا يخفى بعده.
" وقلوبهم محزونة " لهم الآخرة وخوف التقصير وعدم العلم بالعاقبة " أنفسهم

(1) نهج البلاغة - تحت الرقم 104 من قسم الحكم.
45

عفيفة " عن المحرمات والشبهات " وحوائجهم خفيفة " لاقتصارهم في الدنيا على
القدر الضروري منها " صبروا أياما قليلة " اي أيام عمرهم، فإنها قليلة في
جنب أيام الآخرة صبروا فيها على الفقر والضر ومشقة فعل الطاعات، وترك المحرمات
وإيذاء الظلمة والمخالفين، فصاروا بعقبى راحة طويلة، في القاموس: العقبى
جزاء الامر،، وقال الراغب: العقب والعقبى يختصان بالثواب نحو " خير ثوابا
وخير عقبا " (1) وقال " أولئك لهم عقبى الدار " (2) " فنعم عقبى الدار " (3)
والعاقبة إطلاقها يختص بالثواب نحو " والعاقبة للمتقين " (4) وبالإضافة قد تستعمل
في العقوبة نحو " ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوء " (5) انتهى.
وأقول: العقبى غالبه أنه يستعمل في الثواب، وقد يستعمل في العقاب
أيضا كقوله تعالى " تلك عقبى الذين اتقوا وعقى الكافرين النار " (6) وقوله
سبحانه " ولا يخاف عقبيها " (7) وقال البيضاوي: (8) في قوله تعالى " أولئك لهم عقبى
الدار " اي عاقبة الدنيا، وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنة. وفي قوله سبحانه:
" تلك عقبى الذين اتقوا " اي الجنة الموصوفة مآلهم ومنتهى أمرهم، وفي قوله " وسيعلم
الكفار لمن عقبى الدار " (9) اللام يدل على أن المراد بالعقبى العاقبة المحمودة
انتهى. والباء في قوله " بعقبى " إما بمعنى إلى أو بمعنى " مع " وإضافة العقبى إلى
الراحة للبيان ويحتمل غيره أيضا، وفي فقه الرضا: فصارت لهم العقبى راحة طويلة.
" وأما الليل " ظاهره النصب على الظرفية، وقيل: يحتمل الرفع على
الابتداء، والتخصيص به لان العبادة فيه أشق وأقرب إلى القربة، وحضور القلب

(1) الكهف: 44.
(2) الرعد: 22.
(3) الرعد: 24.
(4) الأعراف: 128.
(5) الروم: 10، راجع مفردات غريب القرآن ص 340.
(6) الرعد: 35.
(7) الشمس: 15.
(8) أنوار التنزيل: 213.
(9) الرعد: 42، راجع أنوار التنزيل: 215.
46

فيه أكثر، كما قال تعالى: " إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا " (1)
" فصافون أقدامهم " اي للصلاة، ويدل على استحباب صف القدمين في الصلاة
بحيث لا يكون أحدهما أقرب من القبلة من الأخرى. أو تكون الفاصلة بينهما
من الأصابع إلى العقبين مساوية والأول أظهر وعلى استحباب التضرع والبكاء في
صلاة الليل.
وفي القاموس: جأر كمنع جأرا وجؤارا رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث
قوله " في فكاك رقابهم " أي من النار " كأنهم القداح " في القاموس القدح بالكسر السهم
قبل أن يراش وينصل، والجمع قداح وأقداح وأقاديح، انتهى. وأشار عليه السلام إلى وجه
التشبيه بالقداح بقوله " قد براهم الخوف " أي نحلهم وذبلهم كما يبرى السهم في القاموس:
برى السهم يبريه بريا و ابتراه نحته وبرأه السفر يبريه بريا هزله، وقوله " من العبادة "
إما متعلق بقوله " براهم " أي نحتهم الخوف بآلة العبادة أي بحمله إياهم عليها
وعلى كثرتها أو بقوله " كأنهم القداح " فيرجع إلى الأول. وعلى التقديرين
" من " للسببية والعلية، أو متعلق بالخوف أي من قلة العبادة، والأول أظهر.
" فيقول مرضى " اي يظن أنهم مرضى لصفرة وجوههم، ونحافة بدنهم
فخطأ عليه السلام ظنه، وقال: " وما بالقوم من مرض " بل هم من الأصحاء من الأدواء
النفسانية، والأمراض القلبية " أم خولطوا " أي أو يقول خولطوا، ويحتمل أن
يكون مرضى على الاستفهام، وقوله أم خولطوا معادلا له من كلام الناظر، فاعترض
جوابه عليه السلام بين أجزاء كلامه.
والحاصل أنهم لما كانوا لشدة اشتغالهم بحب الله وعبادته، واعتزالهم عن
عامة الخلق، ومباينة أطوارهم لأطوارهم، وأقوالهم لأقوالهم، ويسمعون منهم
ما هو فوق إدراكهم وعقولهم، فتارة ينسبونهم إلى المرض الجسماني، وتارة إلى
المرض الروحاني، وهو الجنون واختلاط العقل بما يفسده، فأجاب عليه السلام عن
الأول بالنفي المطلق، وعن الثاني بأن المخالطة متحققة، لكن لا بما يفسد

(1) المزمل: 6.
47

العقل، بل بما يكمله من خوف النار وحب الملك الغفار.
19 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن الهيثم بن
واقد الحريري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة
في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من
الدنيا سالما إلى دار السلام (1).
بيان: قال في المغرب: زهد في الشئ وعن الشئ زهدا وزهادة إذا رغب
عنه ولم يرده، ومن فرق بين زهد فيه وعنه فقد أخطأ وقال في عدة الداعي:
روي أن النبي صلى الله عليه وآله سأل جبرئيل عليه السلام عن تفسير الزهد فقال جبرئيل عليه السلام:
الزاهد يحب من يحب خالقه، ويبغض من يبغض خالقه، ويتحرج من حلال
الدنيا، ولا يلتفت إلى حرامها، فان حلالها حساب وحرامها عقاب، ويرحم
جميع المسلمين كما يرحم نفسه، ويتحرج من الكلام فيما لا يعنيه كما يتحرج
من الحرام، ويتحرج من كثرة الاكل كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها
ويتحرج من حطام الدنيا وزينتها كما يجتنب النار أن يغشاها، وأن يقصر أمله
وكان بين عينيه أجله. و " الحكمة " العلوم الحقة المقرونة بالعمل أو العلوم الربانية
الفائضة من الله تعالى بعد العمل بطاعته، وقد مر تحقيقها في كتاب العقل وغيره.
قال الراغب: الحكمة إصابة الحق بالعلم والعقل، فالحكمة من الله تعالى
معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الاحكام، ومن الانسان معرفة الموجودات وفعل
الخيرات، وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله تعالى: " ولقد آتينا لقمان
الحكمة " (2) ونبه على جملتها بما وصفه بها انتهى (3).
قوله عليه السلام: " داءها ودواءها " كأنه بدل اشتمال للعيوب، اي المراد بتبصير
العيوب أن يعرفه أدواء الدنيا من ارتكاب المحرمات، والصفات الذميمة المتفرعة

(1) الكافي ج 2 ص 128.
(2) لقمان: 12.
(3) المفردات: 127.
48

على حب الدنيا، ويعرفه ما يعالج به تلك الأدواء من التفكرات الصحيحة
والمواعظ الحسنة، وفعل الطاعات، والرياضات، ومجاهدة النفس في ترك
الشهوات، كأن يقال: الطب [حد] معرفة الأمراض، بأن يعرف ما تحصل منه
وأصل المرض وكيفية علاجه، أو يقال: الدنيا دنياءان: دنيا بلاغ يصير سببا
لتحصيل الآخرة، ودنيا ملعونة، فلما ذكر عيوب الدنيا فصلها وبين أن منها
ما هو داء، ومنها ما هو دواء.
ويحتمل حينئذ ارتكاب استخدام بأن يكون المراد بالدنيا أولا الدنيا
المذمومة، وبالضمير الأعم، ويحتمل أن يكون داؤها تأكيدا لعيوب الدنيا
ودواؤها عطفا على العيوب.
وقيل: داؤها ودواؤها مجروران بدلا بعض للدنيا، فالمراد بعيوب دواء
الدنيا شدتها على النفس وصعوبتها، وربما يقرء دواها بالقصر بمعنى الأحمق
اي المبتلى بحب الدنيا، ولا يخفى بعده " وأخرجه من الدنيا سالما " من العيوب
والمعاصي " إلى دار السلام " اي الجنة التي من دخلها سلم من جميع المكاره
والآلام.
20 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعا، عن
القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سمعته يقول: جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا.
ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يجد الرجل حلاوة الايمان في قلبه حتى
لا يبالي من أكل الدنيا، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: حرام على قلوبكم أن تعرف
حلاوة الايمان حتى تزهد في الدنيا (1).
بيان: " جعل الخير كله " الخ لما كان الزهد في الدنيا سببا لحصول جميع
السعادات العلمية والعملية، شبه تلك الكمالات بالأمتعة المخزونة في بيت
والزهد بمفتاح ذلك البيت " لا يجد الرجل " الخ شبه صلى الله عليه وآله الايمان بشئ حلو في

(1) الكافي ج 2 ص 128.
49

ميل الطبع السليم إليه، وأثبت له الحلاوة على الاستعارة المكنية والتخييلية أو
استعار لفظ الحلاوة لإثارة الايمان التي تلتذ الروح بها " حتى لا يبالي من أكل
الدنيا " يحتمل أن يكون " من " اسم موصول، " وأكل " فعلا ماضيا، وأن
يكون " من " حرف جر " وأكل " مصدرا، فعلى الأول المعنى أنه لا يعتني بشأن
الدنيا بحيث لا يحسد أحدا عليها، ولو كانت كلها لقمة في فم كلب لم يغتم لذلك
ولم ير ذلك له كثيرا وعلى الثاني أيضا يرجع إلى ذلك أو المعنى لا يعتني بأكل
الدنيا والتصرف فيها.
21 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن
أبي أيوب الخزاز، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: إن من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا (1).
بيان: " إن من أعون الأخلاق " الخ وذلك لان الاشتغال بالدنيا وصرف
الفكر في طرق تحصيلها، ووجه ضبطها، ورفع موانعها، مانع عظيم من تفرغ
القلب للأمور الدينية وتفكره فيها، بل حبها لا يجتمع مع حب الله تعالى وطاعته
وطلب الآخرة، كما روي أن الدنيا والآخرة ضرتان إذ الميل بأحدهما
يضر بالآخر.
22 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه وعلي بن محمد، عن القاسم بن محمد
عن سليمان بن داود المنقري، عن علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه أن رجلا
سأل علي بن الحسين عليهما السلام عن الزهد فقال: عشرة أشياء فأعلى درجة الزهد أدنى
درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى
درجة الرضا، ألا وإن الزهد في آية من من كتاب الله عز وجل " لكيلا تأسوا على
ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " (2).

(1) الكافي ج 2 ص 128.
(2) الكافي ج 2 ص 128، والآية في سورة الحديد: 23.
50

بيان: قد مر صدر هذا الخبر في باب الرضا بالقضا (1) إلى قوله: " إلا
أن الزهد " وكان فيه: " الزهد عشرة أجزاء " ومنهم من جعل الاجزاء العشرة
باعتبار ترك حب عشرة أشياء: المال، والأولاد، واللباس، والطعام، والزوجة
والدار، والمركوب، والانتقام من العدو، والحكومة، وحب الشهرة بالخير وهو تكلف
مستغنى عنه، والآيات في الحديد هكذا " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو
وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " إلى قوله سبحانه: " وما
الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " ثم قال تعالى بعد آية: " ما أصاب من مصيبة في
الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير *
لكيلا تأسوا... ".
قال المفسرون: اي كتبنا ذلك في كتاب لكيلا تأسوا اي تحزنوا على ما
فاتكم من نعم الدنيا ولا تفرحوا بما آتيكم اي ما أعطاكم منها، وقال الطبرسي
رحمه الله: والذي يوجب نفي الأسى والفرح من هذا أن الانسان إذا علم أن ما
فات منها ضمن الله تعالى العوض عليه في الآخرة فلا ينبغي أن يحزن لذلك، وإذا
علم أن ما ناله منها كلف الشكر عليه، والحقوق الواجبة فيه، فلا ينبغي أن يفرح
به، وأيضا فإذا علم أن شيئا منها لا يبقى فلا ينبغي أن يهتم له، بل يجب أن يهتم
لأمر الآخرة التي تدوم ولا تبيد انتهى (2).
ولا يخفى أن هذين الوجهين لا ينطبقان على التعليل المذكور في الآية إلا
أن يقال: إن هذه الأمور أيضا من الأمور المكتوبة، ولذا قال غيره: إن العلة
في ذلك أن من علم أن الكل مقدر، هان عليه الامر.
وقال بعض الأفاضل: هو تعليل لقوله قبل ذلك بثلاث آيات: " اعلموا
أنما الحياة الدنيا لعب ولهو " وهذا وجه حسن بحسب المعنى، ولا تكلف في
التعليل حينئذ، لكنه بحسب اللفظ بعيد، وإن كانت الآيات متصلة بحسب المعنى

(1) يعني باب الرضا بالقضاء من الكافي ص 62.
(2) مجمع البيان ج 9 ص 240.
51

مسوقة لأمر واحد وقد مر وجه آخر في تأويل الآية في كتاب الإمامة، وأنها نازلة
في أهل البيت عليهم السلام وقد بيناه هناك.
وقال البيضاوي: المراد منه نفي الأسى المانع لأمر الله والفرح
الموجب للبطر والاختيال، والله لا يحب كل مختال فخور، إذ قل من يثبت نفسه
حالي السراء والضراء انتهى (1).
وروي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: الزهد كله بين كلمتين
في القرآن قال الله سبحانه: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم "
فمن لم يأس على الماضي، ولم يفرح بالآتي، فقد أخذ الزهد بطرفيه (2).
23 - الكافي: بالاسناد المتقدم، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط، وإنما أرادوا بالزهد
في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة (3).
24 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن العلا بن رزين، عن محمد
ابن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين: إن علامة الراغب
في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا، أما إن زهد الزاهد في هذه الدنيا
لا ينقصه مما قسم الله له عز وجل فيها، وإن زهد، وإن حرص الحريص على عاجل
زهرة الدنيا لا يزيده فيها، وإن حرص، فالمغبون من حرم حظه من الآخرة (4).
بيان: " إن علامة الراغب " إشارة إلى ما عرفت من أن الدنيا والآخرة
ضرتان لا يجتمع حبهما في قلب، فالراغب في أحدهما زاهد في الاخر، لا محالة
و إنما ادخل العاجل لأنه السبب لاختيار الناس الدنيا غالبا على ثواب الآخرة
آجلا أو لدلالته على عدم الثبات وقيل: لان زهرة الدنيا المتعلقة بالاجلة والآخرة
كقدر ما يحتاج إليه الانسان لتحصيل ما ينفع في الآخرة لا ينافي الرغبة في ثوابها

(1) أنوار التنزيل: 423.
(2) نهج البلاغة الرقم 439 من الحكم.
(3) الكافي ج 2 ص 129.
(4) الكافي ج 2 ص 129.
52

بل معين لحصوله والمراد بزهرة الدنيا بهجتها أو نضارتها أو متاعها تشبيها له بزهرة
النبات، لكونها أقل الريا حين ثباتا، وهو إشارة إلى قوله تعالى: " ولا تمدن
عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك
خير وأبقى " (1).
قال في القاموس: الزهرة ويحرك النبات ونوره أو الأصفر منه، ومن
الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها انتهى، قوله عليه السلام: " في هذه الدنيا " الإشارة
للتحقير " وإن زهد " اي بالغ في الزهد، وكذا قوله: " وإن حرص " أو المراد
بقوله: " وإن زهد " وإن سعى في صرفها عن نفسه، وبقوله: " وإن حرص "
أي بالغ في تحصيلها، فالمراد بالزهد والحرص الأولين القلبيان، وبالأخرين
الجسمانيان.
والحاصل أن الرزق لكل أحد مقدر، وإن كان وصولها إليه مشروطا بقدر
من السعي على ما أمره الشارع من غير إفراط يمنعه عن الطاعات، ولا تقصير كثير
بترك السعي مطلقا، ولا مدخل لكثرة السعي في كثرة الرزق، فمن ترك الطاعات
وارتكب المحرمات في ذلك، حرم ثواب الآخرة، ولا يزيد رزقه في الدنيا فهو
مغبون، وهذا على القول بأن مقدار الرزق معين مقدر، ولا يزيد بالسعي، ولا
ينقص بتركه، وعلى القول بأن الرزق المقدر الواجب على الله تعالى هو القدر
الضروري ويزيد بالكسب بالسعي، فيحتاج الخبر إلى تأويل بعيد، وسيأتي
الكلام فيه في محله إنشاء الله تعالى.
25 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى الخثعمي
عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أعجب رسول الله صلى الله عليه وآله شئ من
الدنيا إلا أن يكون فيها جائعا خائفا (2).
بيان: " إلا أن يكون فيها " كأن الاستثناء منقطع، ويحتمل الاتصال

(1) طه: 131.
(2) الكافي ج 2 ص 129.
53

" جائعا " أي بسبب الصوم أو الايثار على الغير أو لان الجوع موجب للقرب من
الله تعالى، بخلاف الشبع، فإنه موجب للبعد، مع أن في الجوع الاضطراري
والصبر عليه والرضا بقضائه سبحانه لذة للمقربين " خائفا " أي من عذاب الآخرة
أو من العدو في الجهاد أيضا أو لان الضراء في الدنيا مطلقا موجب للسراء
في الآخرة وقد أشبعنا الكلام في جوعه وقناعه وتواضعه صلى الله عليه وآله في المأكل والملبس
والمجلس وسائر أحواله في المجلد السادس.
26 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن
ابن راشد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله
وهو محزون فأتاه ملك ومعه مفاتيح خزائن الأرض، فقال: يا محمد هذه مفاتيح
خزائن الدنيا، يقول لك ربك: افتح وخذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئا
عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل
له، فقال الملك: والذي بعثك بالحق لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقول
في السماء الرابعة حين أعطيت المفاتيح (1).
بيان: " خرج النبي " أي من البيت أو إلى بعض الغزوات، وهو " محزون "
لعل حزنه صلى الله عليه وآله كان لضعف المسلمين، وعدم رواج الدين، وقوة المشركين
وقلة أسباب الجهاد، " من غير أن تنقص " على بناء المجهول، قال الجوهري:
نقص الشئ ونقصته أنا يتعدى ولا يتعدى انتهى ويمكن أن يقرء على بناء المعلوم
فالمستتر راجع إلى المفاتيح، وفي بعض النسخ على الغيبة أي ينقص أخذك شيئا
من المنزلة والدرجة التي لك عندي " من لا دار له " اي في الآخرة، فالمعنى
أن الذي يهتم لتحصيل الدنيا وتعميرها ليست له دار في الآخرة أو يختار الدنيا
من لا يؤمن بأن له دار في الآخرة أو من لا دار له أصلا فان دار الآخرة قد فوتها ودار الدنيا
لا تبقى له " ولها " اي للدنيا والعيش فيها " يجمع " الأموال والأسباب " من
لا عقل له " لان العاقل لا يختار الفاني على الباقي، وربما يقرء " يجمع " على بناء

(1) الكافي ج 2 ص 129.
54

الافعال من العزم والاهتمام، في القاموس الاجماع الاتفاق وصر أخلاف الناقة
جمع، وجعل الامر جميعا بعد تفرقه والاعداد والايباس وسوق الإبل جميعا
والعزم على الامر أجمعت الامر وعليه والامر مجمع انتهى (1) ويناسب هذا أكثر
المعاني لكن الأول أظهر.
27 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن
دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله بجدي أسك ملقى على
مزبلة ميتا فقال لأصحابه: كم يساوي هذا؟ فقالوا: لعله لو كان حيا لم يساو
درهما فقال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا الجدي
على أهله (2).
بيان: قال في النهاية: فيه أنه مر بجدي أسك اي مصطلم الاذنين مقطوعهما
وفي القاموس السكك محركة الصمم، وصغر الاذن، ولزوقها بالرأس، وقلة
إشرافها أو صغر قوب الاذن وضيق الصماخ يكون في الناس وغيرهم، سككت يا جدي
وهي أسك وهي سكا.
وأقول: روى مسلم في صحيحه هذا الحديث باسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري
أن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بالسوق فمر بجدي اسك ميت فتناوله فأخذ باذنه
ثم قال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشئ وما نصنع
به؟ قال: تحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك
فكيف وهو ميت؟ فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم. والمزبلة بفتح
الباء والضم لغة: موضع يلقى فيه الزبل بالكسر وهو السرقين.
28 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن علي بن محمد القاساني، عمن ذكره
عن عبد الله بن القاسم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أراد الله بعبد خيرا زهده في
الدنيا، وفقهه في الدين، وبصره عيوبها، ومن أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا

(1) القاموس ج 3 ص 15.
(2) الكافي ج 2 ص 129.
55

والآخرة، وقال: لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا، وهو ضد لما
طلب أعداء الحق.
قلت: جعلت فداك مماذا؟ قال: من الرغبة فيها، وقال: ألا من صبار
كريم، وإنما هي أيام قلائل؟ الا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الايمان حتى
تزهدوا في الدنيا.
قال: وسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد
حلاوة حب الله، وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط وإنما خالط القوم حلاوة
حب الله، فلم يشتغلوا بغيره.
قال: وسمعته يقول: إن القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتى يسمو (1)
بيان: " وبصره عيوبها " اي الدنيا " ومن أوتيهن " أي تلك الخصال الثلاث
وفيه إشعار بأنها لا تتيسر إلا بتوفيق الله تعالى " فقد أوتي " كأنه إشارة إلى قوله
تعالى: " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " (2) فالحكمة العلم بالدين
أصوله وفروعه، وبعيوب الدنيا والزهد فيها " لم يطلب أحد الحق " أي الدين
" بباب " أي بسبب ووسيلة أفضل من ترك الدنيا فإنه، ليس الباعث لاختيار
الباطل مع وضوح الحق وظهوره إلا حب الدنيا فإنها غالبا مع أهل الباطل.
ويمكن تعميم الحق في كل حكم ومسألة، فان الأغراض الدنيوية تعمي
القلب عن الحق، أو المراد بالحق الرب تعالى أي قربه ووصاله " وهو " اي
الزهد " ضد لما طلب أعداء الحق " وقوله " مماذا " طلب لبيان ما طلبه أعداء الحق
فبين عليه السلام بقوله: " من الرغبة فيها " والرغبة وإن كانت عين الطلب، لكن جعلها
مطلوبهم مبالغة، ويحتمل أن يكون " ما " في قوله: " لما طلب " مصدرية، فلا يكون
" مما " للبيان بل للتعليل كما سيأتي.
ويحتمل أن يكون ضمير هو راجعا إلى الحق أي الحق ضد لمطلوب أعداء

(1) الكافي ج 2 ص 130.
(2) البقرة: 269.
56

الحق، فمن في قوله: " مما " للتعليل، و " ماذا " للاستفهام أي لأي علة
صار ضد الحق مطلوبهم، قال: لرغبتهم في الدنيا، وقيل: أي مماذا طلب أعداء الحق
مطلوبهم.
والهمزة في " ألا " للاستفهام و " لا " للنفي و " من " زائدة لعموم النفي والمعنى
الا يوجد صبار كريم النفس، يصبر على الدنيا، وعلى فقرها وشدتها، ويزهد
فيها وقد يقرء " صبار " بكسر الصاد وتخفيف الباء، مصدر باب المفاعلة مضافا إلى
كريم، وقرء بعضهم ألا بالتشديد استثناء من الرغبة فيها أي إلا أن تكون الرغبة
فيها من صبار كريم يطلبها من طرق الحلال، ويصبر على الحرام وعلى إخراج
الحقوق المالية وإعانة الفقراء فان الرغبة في هذه الدنيا إنما هي للآخرة وأول
الوجوه أظهرها.
ثم رغب عليه السلام في الزهد وسهل تحصيله بقوله: " فإنما هي " اي الدنيا " أيام
قلائل " وهي أيام العمر فالصبر على ترك الشهوات وتحمل الملاذ (1) فيها سهل يسير
سيما إذا كان مستلزما للراحة الطويلة الدائمة " الا إنه " الا حرف تنبيه وشبه
حصول الايمان الكامل في القلب بحيث يظهر أثره في الجوارح بادراك طعم شئ لذيذ
مع أن اللذات الروحانية أعظم من اللذات الجسمانية.
قوله: " إذا تخلى المؤمن من الدنيا " أي جعل نفسه خالية من حب الدنيا
وقطع تعلقه بها أو تفرغ للعبادة مجتنبا من الدنيا ومعرضا عنها قال في النهاية:
فيه: أن تقول أسلمت وجهي إلى الله وتخليت، التخلي التفرع، يقال تخلى للعبادة
وهو تفعل من الخلو والمراد التبرؤ من الشرك وعقد القلب على الايمان، وقال:
السمو العلو يقال سما يسمو سموا فهو سام، ويقال: فلان يسمو إلى المعالي إذا
تطاول إليها انتهى اي ارتفع من حضيض النقص إلى أوج الكمال أو مال وارتفع إلى
عالم الملكوت وارتفعت همته عن التدنس بما في عالم الناسوت.
" كأنه قد خولط " قال في القاموس: خالطه مخالطة وخلاطا مازجه، والخلاط

(1) كذا في النسخ، والظاهر تحمل المشاق، أو تجنب الملاذ.
57

بالكسر أن يخالط الرجل في عقله وقد خولط، وفي النهاية فيه ظن الناس أن
قد خولطوا وما خولطوا، ولكن خالط قلبهم هم عظيم، يقال: خولط فلان في
قلبه إذا اختل عقله، فقوله: خولط بهذا المعنى وخالط بمعنى الممازجة، وهذا
أعلا درجات المحبين، حيث استقر حب الله تعالى في قلوبهم، وأخرج حب كل
شئ غيره منها، فلا يلتفتون إلى غيره تعالى، ويتركون معاشرة عامة الخلق
لمباينة طوره أطوارهم، فهم يعدونه سفيها مخالطا كما نسبوا الأنبياء عليهم السلام
إلى الجنون لذلك.
" إن القلب إذا صفا " اي أن القلب اي الروح الانساني لما كان من عالم
الملكوت، وإنما اهبط إلى هذا العالم الأدنى أو ابتلي بالتعلق بالبدن لتحصيل
الكمالات، وحيازة السعادات - كما أن الثوب قد يلوث ببعض الكثافات ليصير بعد
الغسل أشد بياضا وأصفى مما كان - فإذا اختار الشقاوة وتشبث بهذه العلايق الجسمانية
والشهوات الظلمانية، لحق بالانعام، بل هو أضل سبيلا، وإن تمسك بعروة
الشريعة الحقة، وعمل بالنواميس الإلهية، والرياضات البدنية، حتى انفتح له
عين اليقين، فنظر إلى الدنيا ولذاتها بتلك العين الصحيحة، رآها ضيقة مظلمة
فانية موحشة غدارة غرارة ملوثة بأنواع النجاسات المعنوية، والصفات الدنية
استوحش منها وتذكر عالمه الأصلي فرغب إليها، وتعلق بها فجانب المتعلقين بهذا
العالم، وآنس بالمتعلقين بالملاء الاعلى، فلحق بهم، وضاقت به الأرض، وصارت
همته رفيعة عالية، فلم يرض إلا بالصعود إلى سدرة المنتهى، وجنة المأوى، فهم
مع كونهم بين الخلق أرواحهم معلقة بالملاء الاعلى، ويستسعدون بقرب المولى.
أو يقال: لما كانت الأرض أعظم اجزاء الانسان، وكانت قواه الظاهرة
والباطنة مائلة إليها بالطبع، لكمال النسبة بينهما كانت الدواعي إلى زهراتها حاضرة
والبواعث إلى لذاتها ظاهرة، فربما اشتغل بها واكتسب الأخلاق والأعمال الفاسدة
لتحصيل المقاصد، حتى تصير النفس تابعة لها، راضية بأثرها، مشعوفة بعملها
متكدرة بالشهوات، منغمسة في اللذات، فتحجب الاستقرار في الأرض، وتركن
58

إليها، وأما إذا منعت تلك القوى عن مقتضاها، وصرفتها عن هواها، وروضتها
بمقامع الشريعة، وأدبتها بآداب الطريقة، حتى غلبت عليها، وصفت عن كدوراتها
وطهرت عن خبائث لذاتها، وتحلت بالأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة
والآداب السنية، والأطوار الرضية، ضاقت بها الأرض حتى تسمو إلى عالم
النور، فتشاهد العالم الاعلى بالعيان، وتنظر إلى الحق بعين العرفان، ويزداد
لها نور الايمان والايقان، فتعاف جملة الدنيا، والاستقرار في الأرض، فبدنها في
هذه الدنيا، وهي في العالم الاعلى، فيصير كما قال عليه السلام: لولا الآجال التي
كتبت عليهم لم يستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة عين، ولذا قال مولى المؤمنين
عند الشهادة: فزت ورب الكعبة.
29 - الكافي: عن علي [عن أبيه] عن علي بن محمد القاساني، عن القاسم بن محمد، عن
سليمان بن داود المنقري، عن عبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، عن
الزهري محمد بن مسلم بن شهاب قال: سئل علي بن الحسين عليه السلام أي الأعمال
أفضل عند الله عز وجل، فقال: ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة
رسوله صلى الله عليه وآله أفضل من بغض الدنيا، وإن لذلك لشعبا كثيرة، وللمعاصي
شعبا: فأول ما عصي الله به الكبر وهي معصية إبليس حين " أبى واستكبر و
كان من الكافرين " (1) والحرص وهي معصية آدم وحوا حين قال الله عز وجل
لهما: " كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " (2) فأخذا
ما لا حاجة بهما إليه فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيمة وذلك أن أكثر
ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه، ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد
أخاه فقتله.
فتشعب من ذلك حب النساء، وحب الدنيا، وحب الرياسة، وحب
الراحة، وحب الكلام، وحب العلو و [حب] الثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن
كلهن في حب الدنيا، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا

(1) البقرة: 34.
(2) الأعراف: 19.
59

رأس كل خطيئة، والدنيا دنياءان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة (1).
بيان: " وإن لذلك " أي لبغض الدنيا " لشعبا " اي من الصفات الحسنة
والأعمال الصالحة وهي ضد شعب المعاصي، كالتواضع مع الكبر، والقنوع
مع الحرص، والرضا بما آتاه الله مع الحسد، وقد مر ذكر الأضداد كلها في
باب جنود العقل والجهل، وإنما ذكر هنا معظمها " وهي معصية آدم " هي عند الإمامية
مجاز، والنهي عندهم نهي تنزيه " فدخل ذلك " أي الحرص أو أخذ ما
لا حاجة به إليه " وذلك أن أكثر ما يطلب " إنما قال: أكثر لان قدر الكفاف
لا بد منه " فتشعب من ذلك " أي من ذلك المذكور، وهو الكبر والحرص والحسد
والتخصيص بالحسد بعيد معنى.
" حب النساء " أي لمحض الشهوة لا لاتباع السنة، أو إذا انتهى إلى
الحرام والشبهة " وحب الدنيا " اي حياة الدنيا وكراهة الموت، لئلا ينافي
اجتماعهن في حب الدنيا، وإن احتمل أن يكون المراد اجتماع الخمسة أو
الظرفية المجازية " وحب الرياسة " أي بغير استحقاق أو الباطلة أو لمحض
الاستيلاء والغلبة " وحب الراحة " كأن النوم أيضا داخل فيها " وحب
الكلام " اي بغير فائدة أو للفخر والمراء " وحب العلو " أي في المجالس أو
الأعم " وحب الثروة " أي الكثرة في الأموال أو الأعم منها ومن الأولاد
والعشاير والاتباع، وروى في المحاسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أول
ما عصى الله به ست: حب الدنيا، وحب الرياسة، وحب الطعام، وحب النساء
وحب النوم، وحب الراحة.
قوله عليه السلام: " والعلماء " أي الأوصياء أو الأعم وقولهم إما بالوحي أو
بعلومهم الكاملة، ثم لما كان هنا مظنة أن ارتكاب كل ما في الدنيا مذموم
قسم عليه السلام الدنيا إلى دنيا بلاغ أي تبلغ به إلى الآخرة ويحصل بها مرضاة الرب
تعالى، أو دنيا تكون بقدر الضرورة والكفاف، فالزائد عليها ملعونة، اي ملعون

(1) الكافي ج 2 ص 130 وقد مر مثله تحت الرقم 9.
60

صاحبها، فالاسناد على المجاز أو هي ملعونة أي بعيدة من الله والخير والسعادة
قال في النهاية: البلاغ ما يتبلغ ويتوصل به إلى الشئ المطلوب، وفي المصباح
البلغة ما يتبلغ به من العيش ولا يفضل، يقال: تبلغ به إذا اكتفى به، وفي هذا
بلاغ وبلغة وتبلغ أي كفاية.
30 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن في طلب الدنيا إضرارا بالآخرة
وفي طلب الآخرة إضرارا بالدنيا، فأضروا بالدنيا فإنها أحق بالاضرار (1).
بيان: يومى إلى أن المذموم من الدنيا ما يضر بأمر الآخرة، فأماما لا
يضر به كقدر الحاجة في البقاء والتعيش فليس بمذموم ولنذكر معنى الدنيا وما هو
مذموم منها، فان ذلك قد اشتبه على أكثر الخلق، فكثير منهم يسمون أمرا حقا
بالدنيا ويذمونه، ويختارون شيئا هو عين الدنيا المذمومة، ويسمونه زهدا
ويشبهون ذلك على الجاهلين.
اعلم أن الدنيا تطلق على معان الأول حياة الدنيا وهي ليست بمذمومة
على الاطلاق، وليست مما يجب بغضه وتركه، بل المذموم منها أن يحب البقاء
في الدنيا للمعاصي والأمور الباطلة، أو يطول الأمل فيها ويعتمد عليها، فبذلك
يسوف التوبة والطاعات، وينسى الموت، ويبادر بالمعاصي والملاهي، اعتمادا على
أنه يتوب في آخر عمره عند مشيبه، ولذلك يجمع الأموال الكثيرة، ويبنى الأبنية
الرفيعة، ويكره الموت لتعلقه بالأموال، وحبه للأزواج والأولاد، ويكره
الجهاد والقتل في سبيل الله، لحبه للبقاء، أو يترك الصوم وقيام الليل وأمثال ذلك
لئلا يصير سببا لنقص عمره.
والحاصل أن من يحب العيش والبقاء والعمر للأغراض الباطلة، فهو مذموم
ومن يحبه للطاعات وكسب الكمالات وتحصيل السعادات فهو ممدوح، وهو عين
الآخرة فلذا طلب الأنبياء والأوصياء عليهم السلام طول العمر والبقاء في الدنيا، وقد قال

(1) الكافي ج 2 ص 131.
61

سيد الساجدين: عمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك فإذا كان عمري مرتعا للشيطان
فاقبضني إليك. ولو لم يكن الكون في الدنيا صلاحا للعباد، لتحصيل الذخاير
للمعاد، لما أسكن الله الأرواح المقدسة في تلك الأبدان الكثيفة، وسيأتي خطبة
أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك، وسنتكلم عليها إنشاء الله تعالى.
الثاني: الدينار والدرهم وأموال الدنيا وأمتعتها، وهذه أيضا ليست مذمومة
بأسرها بل المذموم منها ما كان من حرام أو شبهة أو وسيلة إليها وما يلهي عن ذكر الله
ويمنع عبادة الله، أو يحبها حبا لا يبذلها في الحقوق الواجبة والمستحبة، وفي سبل
طاعة الله كما مدح الله تعالى جماعة حيث قال " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن
ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة " (1).
وبالجملة المذموم من ذلك الحرص عليها وحبها، وشغل القلب بها، والبخل
بها في طاعة الله وجعلها وسيلة لما يبعد عن الله، وأما تحصيلها لصرفها في مرضاة الله
وتحصيل الآخرة بها فهي من أفضل العبادات وموجبة لتحصيل السعادات.
وقد روي في الصحيح عن ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا لنحب
الدنيا فقال لي: تصنع بها ماذا؟ قلت: أتزوج منها وأحج وأنفق على عيالي، وأنيل
إخواني وأتصدق، قال لي: ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة.
وقد روي نعم المال الصالح للعبد الصالح ونعم العون الدنيا على الآخرة
وسيأتي بعض الأخبار في ذلك في أبواب المكاسب إنشاء الله تعالى.
الثالث: التمتع بملاذ الدنيا من المأكولات والمشروبات والملبوسات
والمنكوحات والمركوبات والمساكن الواسعة وأشباه ذلك، وقد وردت أخبار كثيرة
في استحباب التلذذ بكثير من ذلك، ما لم يكن مشتملا على حرام أو شبهة أو إسراف
وتبذير وفي ذم تركها والرهبانية، وقد قال تعالى " قل من حرم زينة الله التي
أخرج لعباده والطيبات من الرزق " (2).

(1) النور: 37.
(2) الأعراف: 32.
62

فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر من مجموع الآيات والاخبار على ما
نفهمه أن الدنيا المذمومة مركبة من مجموع أمور يمنع الانسان من طاعة الله
وحبه، وتحصيل الآخرة، فالدنيا والآخرة ضرتان متقابلتان، فكلما يوجب رضى الله
سبحانه وقربه فهو من الآخرة، وإن كان بحسب الظاهر من أعمال الدنيا كالتجارات
والصناعات والزراعات التي يكون المقصود منها تحصيل المعيشة للعيال، لامره
تعالى به وصرفها في وجوه البر، وإعانة المحتاجين والصدقات، وصون الوجه عن
السؤال وأمثال ذلك، فان هذه كلها من أعمال الآخرة، وإن كان عامة الخلق
يعدونها من الدنيا.
والرياضات المبتدعة، والأعمال الريائية، وإن كان مع الترهب وأنواع
المشقة فإنها من الدنيا لأنها مما يبعد عن الله ولا يوجب القرب إليه، كأعمال
الكفار والمخالفين، فرب مترهب متقشف يعتزل الناس ويعبد الله ليلا ونهارا، وهو
أحب الناس للدنيا، وإنما يفعل ذلك ليخدع الناس ويشتهر بالزهد والورع
وليس في قلبه إلا جلب قلوب الناس، ويحب المال والجاه والعزة، وجميع الأمور
الباطلة أكثر من ساير الخلق، وجعل ترك الدنيا ظاهرا مصيدة لتحصيلها، ورب
تاجر طالب للاجر لا يعده الناس شيئا وهو من الطالبين للآخرة لصحة نيته وعدم
حبه للدنيا.
وجملة القول في ذلك أن المعيار في العلم بحسن الأشياء وقبحها وما يجب
فعلها وتركها الشريعة المقدسة، وما صدر في ذلك عن أهل بيت العصمة صلوات الله
عليهم، فما علم من الآيات والاخبار أن الله سبحانه أمر به وطلبه من عباده، سواء
كان صلاة أو صوما أو حجا أو تجارة أو زراعة أو صناعة أو معاشرة للخلق أو عزلة أو
غيرها وعملها بشرائطها وآدابها بنية خالصة فهي من الآخرة وما لم يكن كذلك فهو
من الدنيا المذمومة المبعدة عن الله وعن الآخرة.
وهي على أنواع فمنها ما هو حرام، وهو ما يستحق به العقاب، سواء كان
عبادة مبتدعة أو رياء وسمعة أو معاشرة الظلمة أو ارتكاب المناصب المحرمة أو تحصيل
63

الأموال من الحرام أو للحرام وغير ذلك مما يستحق به العقاب.
ومنها ما هو مكروه كارتكاب الافعال والأعمال والمكاسب المكروهة وكتحصيل
الزوائد من الأموال والمساكن والمراكب وغيرها مما لم يكن وسيلة لتحصيل
الآخرة، وتمنع من تحصيل السعادات الأخروية.
ومنها ما هو مباح كارتكاب الأعمال التي لم يأمر الشارع بها، ولم ينه عنها
إذا لم تصر مانعة عن تحصيل الآخرة، وإن كانت نادرة، ويمكن إيقاع كثير من
المباحات على وجه تصير عبادة كالأكل والنوم للقوة على العبادة، وأمثال ذلك
وربما كان ترك المباحات بظن أنها عبادة بدعة موجبة لدخول النار، كما يصنعه
كثير من أرباب البدع.
31 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم
عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي عبيدة الحذاء قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:
حدثني بما انتفع به، فقال: يا أبا عبيدة أكثر ذكر الموت، فإنه لم يكثر إنسان
ذكر الموت إلا زهد في الدنيا (1).
بيان: كأن المراد بذكر الموت تذكر ما بعده من الأهوال والشدائد
والحسرات أيضا، ولن كان تذكر الموت وفناء الدنيا كافيا لزهد العاقل.
32 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن
الحكم بن أيمن، عن داود الابزاري قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ملك ينادي كل
يوم: ابن آدم لد للموت، واجمع للفناء، وابن للخراب (2).
بيان: " لد للموت " اللام لام العاقبة، كما في قوله تعالى: " فالتقطه آل
فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا " (3) والامر ليس على حقيقته بل الغرض اعلموا
ان ولادتكم عاقبتها الموت.
33 الكافي: بالاسناد المتقدم، عن علي بن الحكم، عن موسى بكر، عن أبي -

(1) الكافي ج 2 ص 131.
(2) الكافي ج 2 ص 131.
(3) القصص: 8.
64

إبراهيم عليه السلام قال: قال أبو ذر رحمه الله: جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين
من الشعير أتغدى بأحدهما وأتعشى بالآخر، وبعد شملتي الصوف أتزر بإحداهما
وأرتدي بالأخرى (1).
بيان: " جزى الله الدنيا عني مذمة " قوله: " مذمة " مفعول ثان لجزى
اي يوفقني لان أجزيه، وقيل: أحال الذم إلى الله نيابة عنه للدلالة على كمال
ذمه، فان كل فعل من الفاعل القوي قوي وفي النهاية: الشملة كساء يتغطى به
ويتلفف فيه انتهى ويدل على جواز لبس الصوف بل استحبابه، وما ورد بالنهي
والذم فمحمول على المداومة عليه أو على ما إذا لم يكن للقناعة، بل لاظهار الزهد
والفضل، كما ورد في وصية النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر رضي الله عنه: يلبسون الصوف
في صيفهم وشتائهم، يرون أن لهم بذلك الفضل على غيرهم، وسيأتي الكلام فيه في
أبواب التجمل إنشاء الله تعالى.
34 - الكافي: بالاسناد المتقدم، عن علي بن الحكم، عن المثنى، عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أبو ذر رضي الله عنه يقول في خطبته: يا مبتغي العلم
كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إلا ما ينفع خيره، ويضر شره، إلا من رحم
الله، يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك، أنت يوم تفارقهم كضيف
بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم، والدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى
غيره، وما بين الموت والبعث إلا كنومة نمتها، ثم استيقظت منها، يا مبتغي العلم
قدم لمقامك بين يدي الله عز وجل، فإنك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغى
العلم (2).
بيان: " يا مبتغي العلم " اي يا طالبه " كأن شيئا من الدنيا " هذا يحتمل
وجوها الأول أن يكون إلا في قوله: " إلا ما ينفع " كلمة استثناء، وما موصولة
فالمعنى أنما يتصور في هذه الدنيا إما شئ ينفع خيره أو شئ يضر شره كل
أحد " إلا من رحم الله " فيغفر له إما بالتوبة أو بدونها.

(1) الكافي ج 2 ص 134.
(2) الكافي ج 2 ص 134.
65

الثاني أن يكون مثل السابق إلا أنه يكون المعنى أن كل شئ في الدنيا له
جهة نفع وجهة ضر لكل الناس إلا من رحم الله فيوفقه للاحتراز عن جهة شره.
الثالث أن يكون كلمة " ما " مصدرية، والاستثناء من مفعول " يضر " اي ليس
شئ من الدنيا شيئا إلا نفع خيره وإضرار شره لكل أحد إلا من رحم الله.
الرابع ما قيل: أن " ألا " بالتخفيف حرف تنبيه، و " ما " نافية والضميران للشئ
ومعنى الاستثناء أن المرحوم ينتفع بخيره، ولا يتضرر من شره، وقيل في بيان هذا
الوجه يعني أن شيئا من الدنيا ليس شيئا يعتد به، ويركن إليه العاقل، لأنه
إما خير أو شر، وخيره لا ينفع لأنه في معرض الفناء والزوال، وشره يضر
إلا مع رحمة الله، وهو الذي عصمه من الشر.
الخامس أن كلمة " ما " مصدرية وضمير " خيره " راجعا إلى " شيئا من الدنيا "
والإضافة من قبيل إضافة الجزء إلى الكل والاستثناء من مفعول " يضر " اي كأن
شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إلا نفع الطاعة فيه، أو إضرار المعصية فيه كل
أحد إلا من رحم الله بتوفيق التوبة، وهذا يرجع إلى المعنى الثالث، وعلى
جميع التقادير الاستثناء الثاني مفرغ.
" عن نفسك " أي عن تحصيل ما ينفعها في يوم لا ينفع مال ولا بنون وقد
قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن
يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " (1) والمراد بالأهل هنا أعم من الزوجة
والأولاد، وساير من في بيته، بل يشمل الأقارب أيضا قال الراغب: أهل الرجل
من جمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد وضيعة
فأهل الرجل في الأصل من جمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل:
أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب، وعبر بأهل الرجل عن امرأته
وأهل الاسلام الذين يجمعهم.
قوله: " كمنزل " أي كمنزلين تحولت من إحداهما إلى الاخر، والتصريح

(1) المنافقون: 9.
66

بتشبيه الدنيا للإشارة إلى أن الاهتمام هنا ببيان حاله أشد وأكثر، والضمير في
" نمتها " راجع إلى النومة، فهو بمنزلة مفعول مطلق، وهذا بالنسبة إلى المستضعفين
وكأن التخصيص بذكرهم لان المتقين بعد الموت في النعيم والجنة، والكفار
في العذاب والنار، فليس بين الدنيا والآخرة لهما فاصلة، فيتحولون من الدنيا
إلى الآخرة، كما روي: من مات فقد قامت قيامته.
وأما المستضعفون فلما كانوا ملهى عنهم، استدرك ذلك بأن حالهم في البرزخ
كنوم ليلة، فلا فاصلة بين دنياهم وآخرتهم حقيقة، ويحتمل أن يكون الغرض
بيان قلة نعيم البرزخ وجحيمها بالنسبة إلى نعيم الآخرة وحميمها، فكأنهم نائمون
أو لان جل عذابهم بعد السؤال والضغطة وأمثالهما لما كان روحانيا شبه تلك
الحالة بالنومة، ولم يتعرض أحد لتحقيق هذه الفقرة، مع إشكالها ومخالفتها
ظاهرا للآيات والأخبار الكثيرة.
قوله رحمه الله: " قدم " اي العمل الصالح " لمقامك بين يدي الله عز وجل "
أي للحساب " كما تدين تدان " اي كما تفعل تجازى، فهو على المشاكلة ولا يضر
تقدمه، أو كما تجازي الرب تجازى، ولا تخلو من بعد، أو كما تجازي العباد
تجازي، فيكون تأسيسا، قال الجوهري: دانه دينا اي جازاه، كما يقال: كما
تدين تدان، اي كما تجازي تجازى بفعلك وبحسب ما عملت، وقوله تعالى " إنا
لمدينون " (1) اي مجزيون.
" يا مبتغي العلم " قيل هذا افتتاح كلام آخر تركه المصنف وإنما ذكر
ليعلم أن ما ذكره ليس جميع الخطبة كما مر بعضه في باب الصمت حيث قال
رضي الله عنه: يا مبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير الخ (2).
35 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن

(1) الصافات: 53.
(2) راجع الكافي ج 2 ص 114، وقد أخرجه المؤلف العلامة رضوان الله عليه في
ج 71 ص 301
67

ابن راشد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مالي والدنيا؟ [وما أنا
والدنيا؟] إنما مثلي ومثلها كمثل راكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقال
تحتها ثم راح وتركها (1).
بيان: " مالي وللدنيا " أي اي شغل لي مع الدنيا وقيل " ما " نافية أي
ما لي محبة مع الدنيا، أو للاستفهام اي أي محبة لي معها حتى ارغب فيها ذكره
الطيبي في شرح بعض رواياتهم " وما أنا والدنيا؟ " اي اي مناسبة بيني وبين
الدنيا، ومن طريق العامة روي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله نام على حصير
فقام وقد اثر في جسده، فقالوا: لو أمرتنا أن نبسط لك ونعمل، فقال: مالي وللدنيا؟
وما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح أو تركها.
أقول: وجه الشبه سرعة الرحيل، وقلة المكث، وعدم الرضا به وطنا،
وقال الكرماني في شرح البخاري فيه فرفعت لنا صخرة اي ظهرت لابصارنا، وفيه
أيضا فرفع إلى البيت المعمور اي قرب وكشف وعرض.
وقال الجوهري: يوم صائف اي حار وليلة صائفة، وربما قالوا يوم صاف
بمعنى صائف كما قالوا يوم راح، وقال: القائلة الظهيرة، يقال: أتانا عند القائلة، وقد
يكون بمعنى القيلولة أيضا وهي النوم في الظهيرة تقول: قال يقيل قيلولة وقيلا
ومقيلا وهو شاذ فهو قائل.
وفي المصباح راح يروح رواحا وتروح مثله، يكون بمعنى الغدو وبمعنى
الرجوع، وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار، وليس
كذلك بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل
أو نهار، وقال ابن فارس: الرواح رواح العشي وهو من الزوال إلى الليل.
36 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يحيى بن عقبة الأزدي، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة
القز كلما ازدادت على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج، حتى تموت غما.

(1) الكافي ج 2 ص 134.
68

قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: وكان فيما وعظ به لقمان ابنه: يا بني إن
الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم، فلم يبق ما جمعوا، ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت
عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجرا، فأوف عملك، واستوف أجرك، ولا تكن في
هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر، فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند
سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها، وتركتها ولم ترجع
إليها آخر الدهر، أخربها ولا تعمرها، فإنك لم تؤمر بعمارتها.
واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع: شبابك
فيما أبليته، وعمرك فيما أفنيته، ومالك مما اكتسبته، وفيما أنفقته، فتأهب
لذلك وأعد له جوابا، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فان قليل الدنيا لا يدوم
بقاؤه، وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك، وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن
وجهك، وتعرض لمعروف ربك، وجدد التوبة في قلبك، واكمش في فراغك قبل
أن يقصد قصدك، ويقضى قضاؤك، ويحال بينك وبين ما تريد (1).
بيان: قال في المصباح: القز معرب قال الليث: هو ما يعمل منه الإبريسم
ولهذا قال بعضهم: القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق انتهى، و " لفا " تميز عن
نسبة " ازدادت " و " غما " مفعول له، أو حال. " فلم يبق ما جمعوا " في بعض
النسخ " ما جمعوا له " وكأنه زيد " له " من النساخ، وعلى تقديره كأن المعنى لم
يبق الأغراض والمطالب الباطلة التي جمعوا لها الدنيا، كالجاه والعزة والغلبة
والفخر وأمثالها.
" فكان حتفها " اي هلاكها المعنوي فان التمتع بالمستلذات الجسمانية
موجبة لقوة القوى الشهوانية وطغيانها، وهذا استعاره تمثيلية، شبه توسع
الانسان في لذات الدنيا وشهواتها، وعدم مبالاته بحرامها وشبهاتها، وابتلائه
بعد الموت بعقوباتها، بشاة وقعت في زرع اخضر فأكلت منها حيث شاءت وكيف شاءت
بلا مانع، حتى إذا سمنت قتلها صاحبها لسمنها.

(1) الكافي ج 2 ص 134.
69

" آخر الدهر " اي إلى آخر الزمان اي أبدا " أخربها " اي دعها خرابا
بترك ما لا تحتاج إليه من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمساكن
والاقتصار على القدر الضروري في كل منها " ستسأل " قيل: السين لمحض التأكيد
" فيما أبليته " كلمة ما في المواضع الأربعة استفهامية، وإثبات الألف مع حرف
الجر فيها شاذ، والثوب البالي هو الذي استعمل حتى أشرف على الاندراس.
ثم إن العمر لا يستلزم القوة والشباب فكل منهما نعمة يسأل عنها، ومع
الاستلزام أيضا تكفي المغايرة للسؤال عن كل منهما.
وأما السؤال عن المال إما لغير المؤمنين أو لغير الكاملين منهم لما روي عن
أمير المؤمنين عليه السلام فيما كتب إلى أهل مصر: من عمل لله أعطاه الله أجره في الدنيا
والآخرة، وكفاه المهم فيهما وقد قال الله " يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم
للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم
بغير حساب " (1) فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة، قال الله تعالى:
" للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " (2) والحسنى هي الجنة، والزيادة هي الدنيا (3).
وروى البرقي في الصحيح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاثة أشياء لا يحاسب
العبد المؤمن عليهن: طعام يأكله، وثوب يلبسه، وزوجة صالحة تعاونه ويحصن
بها فرجه (4) وقد وردت أخبار كثيرة في تفسير قوله تعالى: " ولتسئلن يومئذ
عن النعيم " (5) أن النعيم ولاية أهل البيت عليهم السلام (6) وقد روى العياشي وغيره
أنه سأل أبو حنيفة أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية فقال له: ما النعيم عندك يا
نعمان؟ قال: القوت من الطعام، والماء البارد، فقال: لئن أوقفك الله بين يديه
يوم القيامة حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك

(1) الزمر. 10.
(2) يونس: 26.
(3) راجع أمالي الطوسي ج 1 ص 25.
(4) راجع المحاسن ص 399.
(5) التكاثر: 8.
(6) راجع ج 24 ص 48 - 66 من هذه الطبعة الحديثة.
70

بين يديه، قال: فما النعيم جعلت فداك؟ قال: نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله
بنا على العباد، الخبر (1).
ويمكن أن يقال: السؤال عن مال اكتسبه من حلال أو حرام أو أنفقه في
حلال أو حرام لا ينافي عدم محاسبتهم على ما أنفقوه في الحلال، من مأكلهم
ومسكنهم وملبسهم، ونحو ذلك، أو المراد بتلك الأخبار أنهم لا يعاتبون بذلك، ولا
يقاص من حسناتهم بها، فلا ينافي أصل المحاسبة كما روى الشيخ في مجالسه
باسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: يوقف العبد بين يدي الله فيقول: قيسوا بين
نعمي عليه وبين عمله، فتستغرق النعم العمل، فيقولون: قد استغرق النعم العمل، فيقول
هبوا له نعمي وقيسوا بين الخير والشر منه، فان استوى العملان أذهب الله الشر
بالخير، وأدخله الجنة، وإن كان له فضل أعطاه الله بفضله، وإن كان عليه
فضل وهو من أهل التقوى لم يشرك بالله تعالى واتقى الشرك به، فهو من أهل
المغفرة، يغفر الله له برحمته إن شاء ويتفضل عليه بعفوه (2).
وقال الجوهري: تأهب استعد واهبة الحرب عدتها، وقال: الأسى بالياء
مفتوح مقصور: الحزن وأسى على مصيبته بالكسر يأسى أسى اي حزن " لا يدوم
بقاؤه " والعاقل لا يتأسف بفوت قليل لابقاء له " لا يؤمن بلاؤه " أي في الدنيا
والآخرة والعاقل لا يتأسف بفوت ما يتوقع منه الضرر والبلية، مع أن الرب
الذي فوتهما عليه أعلم بمصلحته أو المعنى لا تحزن على ما لم يصل إليك من الدنيا
فإن الصبر على قليل الدنيا وقلته سهل، فإنه لا يدوم، وينقضي قريبا بالموت
والكثرة محل الآفات.
" فخذ حذرك " بالكسر أي ما تحذر به من مكائد النفس والشيطان في الدنيا

(1) تراه في مجمع البيان ج 10 ص 534 و 535 في حديث طويل، ويوجد في
دعوات الراوندي أيضا.
(2) أمالي الطوسي ص 132، من طبعته الحجرية.
71

والعذاب في الآخرة، قال الراغب في قوله تعالى: " خذوا حذركم " (1) اي ما فيه
الحذر من السلاح وغيره " وجد في أمرك " أي في تهيئة سفر الآخرة، والاستعداد
للقاء الله، من العقايد الحسنة، والأعمال الصالحة، والأخلاق المرضية، فان من
أراد سفرا يأخذ الأسلحة لدفع ضرر الطريق، ويجهز ويهيئ ما يحتاج إليه في
ذلك السفر.
" واكشف الغطاء عن وجهك " أي أرفع غطاء الغفلة عن وجه قلبك، لتميز
بين الحق والباطل، والفاني والباقي، أو عن الجهة التي تتوجه إليه والطريق
الذي تسلكه، لئلا يشتبه عليك، فتسلك طريقا يؤديك إلى النار وأنت لا تعلم
" وتعرض لمعروف ربك " بما به يستحق إحسانه وتفضله عليك، من صالح النيات
والأعمال " وجدد التوبة في قلبك " اي كلما ذكرت معاصيك، وفي النسبة إلى
القلب إشعار بأن التوبة أمر قلبي وهي الندامة على ما مضى، والعزم على عدم
الاتيان بمثله فيما سيأتي، وفيه دلالة على حسن تكرار التوبة، وإن كانت عن
معصية واحدة، " واكمش " أي أسرع وعجل، في الصحاح الكمش الرجل
السريع الماضي، وقد كمش بالضم كماشة فهو كمش وكميش وكمشته تكميشا
أعجلته، وانكمش وتكمش أسرع انتهى.
" في فراغك " أي في أن تفرغ من الأمور التي تحتاج إليه في الآخرة
أو في فراغك من الدنيا، وجعلك نفسك فارغة منها للآخرة، أو في قصدك إلى
الآخرة أو أسرع في العمل في أيام فراغك قبل أن تشتغل أو تبتلى بشئ يمنعك
عنه، فان الفراغ خلاف الشغل قال في المصباح: فرغ من الشغل فروغا من باب
قعد ومن باب تعب لغة لبني تميم، والاسم الفراغ، وفرغت للشئ وإليه قصدت.
أقول: ويؤيد المعنى الأخير ما روي في مجالس الشيخ عن ابن عمر خذ من حياتك
لموتك، وخذ من صحتك لسقمك، وخذ من فراغك لشغلك، فإنك يا عبد الله ما تدري

(1) النساء: 71، 102.
72

ما اسمك غدا (1) وما رواه الصدوق في مجالسه عن الكاظم، عن آبائه، عن علي عليهم السلام
في قول الله عز وجل " ولا تنس نصيبك " قال: لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك
ونشاطك أن تطلب بها الآخرة (2) " قبل أن يقصد " على بناء المجهول " قصدك "
أي نحوك، كناية عن توجه ملك الموت إليه لقبض روحه أو توجه الأمراض
والبلايا من الله إليه " ويقضى قضاؤك " اي يقدر ويحتم موتك، " ويحال " بالموت أو
الأعم " بينك وبين ما تريد " من التوبة والأعمال الصالحة ولا ينفعه تمني الحياة
والرجعة حيث يقول " رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت " فيقال " كلا
إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " (3) أعاذنا الله وسائر
المؤمنين من ندامة تلك الساعة وأهوال هذا اليوم.
37 - الكافي: علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن ابن
أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: في ما ناجى الله عز وجل به موسى عليه السلام
يا موسى لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين، وركون من اتخدها أبا وأما، يا
موسى لو وكلتك إلى نفسك لتنظر إليها إذا لغلب عليك حب الدنيا وزهرتها، يا موسى
نافس في الخير واسبقهم إليه، فان الخير كاسمه، واترك من الدنيا ما بك الغنى
عنه، ولا تنظر عينك إلى كل مفتون بها، وموكل إلى نفسه، واعلم أن كل
فتنة بدوها حب الدنيا، ولا تغبط أحدا بكثرة المال، فان مع كثرة المال تكثر
الذنوب لواجب الحقوق، ولا تغبطن أحدا برضى الناس عنه، حتى تعلم أن الله
راض عنه، ولا تغبطن أحدا (4) بطاعة الناس له، فان طاعة الناس له واتباعهم إياه
على غير الحق هلاك له ولمن اتبعه (5).
بيان: يقال ركن إليه كنصر وعلم ومنع: مال ويطلق غالبا على الميل القلبي

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 391.
(2) أمالي الصدوق 138، وتراه في معاني الأخبار: 325.
(3) المؤمنون: 99 - 100.
(4) مخلوقا خ ل.
(5) الكافي ج 2 ص 135.
73

" لو وكلتك " يدل على أن الزهد في الدنيا لا يحصل بدون توفيقه تعالى، وفي القاموس
نظر لهم: رثى لهم وأعانهم، وقال: النظر محركة الفكر في الشئ تقدره وتقيسه
والحكم بين القوم، والإعانة، والفعل كنصر، وفي النهاية: المنافسة الرغبة في الشئ
والانفراد به، وهو من الشئ النفيس الجيد في نوعه، ونافست في الشئ منافسة ونفاسا
إذا رغبت فيه.
قوله عليه السلام: " فان الخير كاسمه " لعل المعنى أن الخير لما دل بحسب
أصل معناه في اللغة على الأفضلية، وما يطلق عليه في العرف والشرع من الأعمال
الحسنة أو إيصال النفع إلى الغير هي خير الأعمال، فالخير كاسمه أي إطلاق هذا الاسم
على تلك الأمور بالاستحقاق، والمعنى المصطلح مطابق للمدلول اللغوي أو المراد
به أن الخير لما كان كل من سمعه يستحسنه فهو حسن واقعا وحسنه حسن واقعي
والحاصل ان ما يحكم به عقول عامة الخلق في ذلك مطابق للواقع، أو المراد باسمه
ذكره بين الناس يعني أن الخير ينفع في الآخرة كما يصير سببا لرفعة الذكر
في الدنيا.
" ما بك الغنا عنه " اي ما لم يحتج إليه بل لم تضطر إليه " ولا تنظر " على بناء
المجرد " عينك " بالرفع أو النصب بنزع الخافض اي بعينك وربما يقرء " تنظر "
على بناء الافعال اي لا تجعلها ناظرة " إلى كل مفتون بها " اي مبتلى مخدوع بها
والمراد النظر إلى كل من لقيه منهم فإنه لا يمكن النظر إلى كلهم أو كناية عن أن
النظر إلى واحد منهم بالاعجاب به وبما معه من زينتها بمنزلة النظر إلى جميعهم
لاشتراك العلة.
" وموكل إلى نفسه " المتبادر أنه على بناء المفعول، لكن الظاهر حينئذ
وموكول إذ لم يأت أو كله في ما عندنا من كتب اللغة لكن كثير من الأبنية المتداولة
كذلك، ويمكن أن يقرء على بناء الفاعل من الايكال بمعنى الاعتماد في القاموس
وكل بالله يكل وتوكل عليه وأوكل واتكل: استسلم إليه ووكل إليه الامر
وكلا ووكولا سلمه وتركه.
" أن كل فتنة " أي ضلالة أو بلية أو امتحان أو إثم في القاموس: الفتنة بالكسر
74

الخبرة وإعجابك بالشئ، والضلال، والاثم، والكفر، والفضيحة، والعذاب، وإذابة
الذهب والفضة، والاضلال، والجنون، والمحنة، والمال والأولاد، واختلاف
الناس في الآراء وأقول يناسب هنا أكثر المعاني، " ولا تغبط أحدا " بأن تتمنى حاله
" تكثر الذنوب " بصيغة المضارع من باب حسن أو مصدر باب التفعل " لواجب
الحقوق " أي للتقصير في أداء الحقوق الواجبة غالبا " بطاعة الناس له " اي في الباطل.
38 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن غياث بن
إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن في كتاب علي صلوات الله عليه: إنما مثل الدنيا
كمثل الحية ما ألين مسها وفي جوفها السم الناقع، يحذرها الرجل العاقل
ويهوى إليها الصبي الجاهل (1).
بيان: قال في النهاية: السم الناقع أي القاتل وقد نقعت فلانا إذا قتلته، وقيل
الناقع الثابت المجتمع من نقع الماء انتهى، وما أحسن هذا التشبيه وأتمه وأكمله.
39 - الكافي: عن علي، عن ابن عيسى، عن يونس، عن أبي جميلة قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى بعض أصحابه يعظه: أوصيك ونفسي
بتقوى من لا تحل معصيته ولا يرجى غيره ولا الغنى إلا به، فان من اتقى الله عزو
قوي وشبع وروي ورفع عقله عن أهل الدنيا فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله معاين
الآخرة فأطفأ بضوء قلبه ما بصرت عيناه من حب الدنيا فقذر حرامها، وجانب
شبهاتها، وأضر والله بالحلال الصافي إلا ما لا بد منه من كسرة يشد بها صلبه، وثوب
يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه، ولم يكن له في ما لا بد منه ثقة ولا رجاء
فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء فجد واجتهد وأتعب بدنه حتى بدت
الأضلاع، وغارت العينان، فأبدل الله له من ذلك قوة في بدنه، وشدة في عقله، وما
ذخر له في الآخرة أكثر.
فارفض الدنيا فان حب الدنيا يعمي ويصم ويبكم ويذل الرقاب، فتدارك
ما بقي من عمرك، ولا تقل غدا وبعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني

(1) الكافي ج 2 ص 136.
75

والتسويف، حتى أتاهم أمر الله بغتة وهم غافلون، فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم
المظلمة الضيقة، وقد أسلمهم الأولاد والأهلون.
فانقطع إلى الله بقلب منيب: من رفض الدنيا، وعزم ليس فيه انكسار، ولا
انخزال، أعاننا الله وإياك على طاعته، ووفقنا الله وإياك لمرضاته (1).
بيان: قال الراغب: الوعظ زجر مقترن بتخويف، وقال الخليل: هو التذكير
بالخير فيما يرق له القلب، والعظة والموعظة الاسم، وقال: الوصية التقدم إلى الغير
بما يعمل به مقترنا بوعظ، من قولهم ارض واصية متصلة النبات، ويقال: أوصاه ووصاه
" فان من اتقى الله " علة للوصية " عز " اي بعزة واقعية ربانية لا تزول باذلال
الناس كما قال تعالى " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " (2) " وقوي " بقوة
معنوية إلهية لا تشبه القوى الدنية، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما قلعت باب خيبر
بقوة جسمانية، بل بقوة ربانية " وشبع وروي " من غير اكتساب لقوله تعالى
" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " (3) أو شبع بالعلوم
الدينية، وارتوى بزلال الحكمة الإلهية.
" ورفع عقله " على بناء المجهول " عن أهل الدنيا " أي صار عقله أرفع من
عقولهم أو ارفع من أن ينظر إلى الدنيا وأهلها، ويلتفت إليهم ويعتني بشأنهم إلا
لهدايتهم وإرشادهم " فبدنه مع أهل الدنيا " لكونه من جنس أبدانهم في الصورة
الجسدانية " وقلبه وعقله " لشدة يقينه " معاين الآخرة " لتخليته عن العلائق
الجسمانية.
" من حب الدنيا " من للبيان أو للتبعيض وإسناد الابصار إلى الحب على
المجاز أو المصدر بمعنى المفعول، أو هو بالكسر قال في القاموس: الحب بالكسر
المحبوب، شبه عليه السلام ما أبصره أو أحبه بالنار في الاهلاك، استعارة مكنية، ونسبة
الاطفاء إليه تخييلية.

(1) الكافي ج 2 ص 136.
(2) المنافقون: 8.
(3) الطلاق: 3.
76

" فقذر حرامها " اي عده قذرا نجسا يجب اجتنابه، أو كرهه، في الصحاح
القذر ضد النظافة، وشئ قذر بين القذارة، وقذرت الشئ بالكسر وتقذرته
واستقذرته إذا كرهته " وجانب شبهاتها " وهي المشتبهات بالحرام، مع عدم العلم
بكونها حراما كأموال الظلمة، فيكون مكروها على المشهور أو الذي اشتبه عليه
الحكم فيه، فاجتنابه مستحب على المشهور، وكأنه عليه السلام لذلك غير التعبير فعبر هنا
بالاجتناب، وفي الحرام بالحكم بالقذارة.
" وأضر " على بناء المعلوم كناية عن تركه، وعدم الاعتناء به، وترك الالتفات
إليه أو على بناء المجهول أي يعد نفسه متضررة به أو يتضرر به، لعلو حاله " بالحلال
الصافي " من الشبهة فكيف بالحرام والشبهة، وفي المصباح الكسرة القطعة من الشئ
المكسور، ومنه الكسرة من الخبز، وفي القاموس: الكسرة بالكسر القطعة من الشئ
المكسور والجمع كسر، انتهى.
" يشد بها صلبه " أي يقوى بها على العبادة " من أغلظ ما يجد " ظاهره استحباب
الاكتفاء بالثياب الخشنة، وإن ان قادرا على الناعمة، وهو مخالف لاخبار
كثيرة إلا أن يحمل على أن المراد به من الأغلظ الذي يجده أي إذا لم يجد غيره
أو على ما إذا لم يجد غيره إلا بارتكاب الحرام أو الشبهة أو بصرف جل أوقاته في
تحصيله، بحيث يمنعه عن النوافل وفواضل الطاعات أو على ما إذا علم أنه يصير سببا
لطغيانه، وأن علاج كبره وصفاته الذميمة منحصر في ذلك.
" ثقة ولا رجاء " أي بغيره سبحانه، كما بينه في الفقرة الآتية، وفي المصباح
الجد بالكسر الاجتهاد، وهو مصدر يقال منه جد يجد من بابي ضرب وقتل والاسم
الجد بالكسر " وأتعب بدنه " أي بالعبادات الشرعية لا الأعمال المبتدعة.
" فأبدل الله له " لأنه تعالى قال " لئن شكرتم لأزيدنكم " (1) فمن بذل ما
أعطاه الله من الأموال الفانية عوضه الله من الأموال الباقية اضعافها، ومن بذل قوته
البدنية في طاعة الله أبدله الله قوة روحانية لا يفنى في الدنيا والآخرة، فتبدو منه

(1) إبراهيم: 7.
77

المعجزات، وخوارق العادات والكرامات، وما لا يقدر عليه بالقوى الجسمانية
ومن بذل علمه في الله وعمل به ورثه الله علما لدنيا يزيد في كل ساعة، ومن بذل
عزه الفاني الدنيوي في [رضى الله تعالى أعطاه الله عزا حقيقيا لا يتبدل بالذل ابدا
كما أن الأنبياء والأوصياء عليهم السلام لما بذلوا عزهم الدنيوي في] (1) سبيل الله
أعطاهم الله عزة في الدارين لا يشبه عز غيرهم، فيلوذ الناس بقبورهم وضرايحهم
المقدسة والملوك يعفرون وجوههم على أعتابهم، ويتبركون بذكرهم.
ومن بذل حياته البدنية في الجهاد في سبيله عوضه الله حياة أبدية يتصرفون
بعد موتهم في عوالم الملك والملكوت، ولذا قال تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا في
سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " (2) ومن بذل نور بصره وسمعه في
الطاعة أعطاه الله نورا منه به ينظر في ملكوت السماوات والأرض، وبه يسمع
كلام الملائكة المقربين، ووحي رب العالمين، كما ورد: المؤمن ينظر بنور الله
وورد: بي يسمع وبي يبصر، وإذا تخلى من إرادته وجعلها تابعة لإرادة الله، جعله
بحيث لا يشاء إلا أن يشاء الله، وكان الله هو الذي يدبر في بدنه وقلبه وعقله وروحه
والكلام هنا دقيق لا تفي به العبارة والبيان، وفي هذا المقام تزل الاقدام.
والرفض الترك " يعمى " اي بصر القلب عن رؤية الحق كما قال تعالى " إنها
لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " (3) " ويصم " القلب أيضا عن
سماع الحق وقبوله، ويمكن أن يراد بهما عمى البصر الظاهر لعدم انتفاعه بما يرى
فكأنه أعمى وصمم السمع الظاهر لأنه لا ينتفع بما يسمع، فكأنه أصم كما قال
سبحانه " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " (4) والبكم نسبته إلى
الظاهر أظهر، فإنه لما لم يتكلم بالحق وبما ينفعه، فكأنه أبكم، وإن أمكن
حمله أيضا على لسان القلب، فان لسان الرأس معبر عنه حقيقة.
" ويذل الرقاب " لأنه موجب للتذلل عند أهل الدنيا لتحصيله أو يذلها

(1) ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 143.
(2) آل عمران: 169.
(3) الحج: 46.
(4) البقرة: 7.
78

لقبول الباطل من أهله من الذل بالكسر، وهو ضد الصعوبة " فتدارك ما بقي "
التدارك ليس هنا بمعنى التلافي، ولا بمعنى التلاحق، بل بمعنى الادراك اي أدركه
ولا تفوته كقوله تعالى: " لولا أن تداركه نعمة من ربه " (1) اي أدركته بإجابة
دعائه كما قاله الطبرسي، ويحتمل أن يكون ما بقي ظرفا والمفعول مقدرا اي
تلاف ما فات منك فيما بقي من عمرك لكنه بعيد " ولا تقل غدا " أي أتوب أو أعمل
غدا " حتى أتاهم أمر الله " أي بالموت أو بالعذاب " بغتة " بالفتح وقد تحرك أي
فجاءة " وهم غافلون " من إتيانه " على أعوادهم " أي كائنين على السرر والتوابيت
المعمولة من الأعواد " إلى قبورهم المظلمة الضيقة " فإنها على الأشقياء كذلك
وإن كانت للأصفياء روضة من رياض الجنة " فانقطع " اي عن الدنيا وأهلها " بقلب "
أي مع قلب " منيب " اي تائب راجع عن الذنوب إشارة إلى قوله تعالى: " من
خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب " (2) قال الطبرسي: أي وافى الآخرة
بقلب مقبل على طاعة الله راجع إلى الله بضمائره " من رفض الدنيا " " من " تعليل
للإنابة أو للانقطاع " وعزم " عطف على " قلب "، " ليس فيه انكسار " اي وهن " ولا
انخزال " اي تثاقل أو انقطاع في القاموس: الانخزال مشية في تثاقل والانخزال
الانفراد، والحذف، والاقتطاع، وانخزل عن جوابي لم يعبأ به، وفي كلامه انقطع
" لمرضاته " اي لما يوجب رضاه عنا.
40 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة وغيره، عن طلحة بن
زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه
العطشان ازداد عطشا حتى يقتله (3).
بيان: " كمثل ماء البحر " اي المالح، وهذا من أحسن التمثيلات للدنيا
وهو مجرب، فان الحريص على جمع الدنيا كلما ازداد منها ازداد حرصه عليها
وأيضا كلما حصل منها لا بد له لحفظه ونموه وسائر ما يليق به ويناسبه من

(1) القلم: 49.
(2) ق: 33.
(3) الكافي ج 2 ص 137.
79

أشياء أخرى ولا ينتهي إلى حد، فيصرف جميع عمره في تحصيلها حتى يموت
ويبقى له حسراتها وعقوباتها أعاذنا الله منها.
41 - الكافي: عن الحسين بن محمد، عن المعلى، عن الوشاء قال: سمعت الرضا
عليه السلام يقول: قال عيسى بن مريم صلوات الله عليه للحواريين: يا بني إسرائيل
لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا، كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من
دينهم إذا أصابوا دنياهم (1).
بيان: قال في النهاية: " فيه حواري من أمتي " اي خاصتي من أصحابي
وناصري، ومنه الحواريون أصحاب عيسى عليه السلام اي خلصاؤه وأنصاره وأصله وأصله من التحوير:
التبييض، قيل: إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها، ومنه الخبز
الحوارى الذي نخل مرة بعد مرة قال الأزهري: الحواريون: خلصان الأنبياء
وتأويله الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب، وقال الراغب: الحواريون أنصار
عيسى عليه السلام قيل: كانوا قصارين، وقيل: كانوا صيادين.
وقال بعض العلماء: إنما سموا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس
الناس - بافادتهم الدين والعلم - المشار إليه بقوله: " إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (2) قال: وإنما قيل: كانوا قصارين
على التمثيل والتشبيه وتصور منه من لم يتخصص بمعرفة الحقائق المهنة المتداولة بين
العامة، قال: وإنما قال: كانوا صيادين لاصطيادهم نفوس الناس من الحيرة وقودهم
إلى الحق انتهى.
أقول: وقد سبق كلام طويل الذيل في أوايل هذا الباب في أثناء شرح
حديث من الكافي (3) أيضا في تحقيق معنى الحواريين، فلا تغفل.
والاسى الحزن على فوت الفائت، والغرض لا يكون أهل الدنيا على باطلهم

(1) الكافي ج 2 ص 137.
(2) الأحزاب: 33
(3) راجع الرقم:
80

أشد حرصا منكم على الحق.
42 - نهج البلاغة: الحمد لله غير مقنوط من رحمته، ولا مخلو من نعمته، ولا
مأيوس من مغفرته، ولا مستنكف عن عبادته، الذي لا تبرح منه رحمة، ولا تفقد
منه نعمة، والدنيا دار مني لها الفنا، ولأهلها منها الجلا، وهي حلوة خضرة
قد عجلت للطالب، والتبست بقلب الناظر، فارتحلوا منها بأحسن ما بحضرتكم
من الزاد، ولا تسألوا [فيها] فوق الكفاف، ولا تطلبوا منها أكثر من البلاغ (1).
43 - كنز الكراجكي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحب دنياه أضر بآخرته.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الدنيا دول فاطلب حظك منها بأجمل الطلب.
وقال صلى الله عليه وآله: من أمن الزمان خانه، ومن غالبه أهانه، وقال: الدهر يومان:
يوم لك، ويوم عليك، فإن كان لك فلا تبطر، وإن كان عليك فاصبر، فكلاهما
عنك سينحسر.
وقال عليه السلام: من أصبح حزينا على الدنيا فقد أصبح ساخطا على ربه تعالى
ومن كانت الدنيا أكبر همه، طال شقاؤه وغمه، الدنيا لمن تركها، والآخرة
لمن طلبها، الزاهد في الدنيا كلما ازدادت له تحليا ازداد عنها تخليا.
وقال عليه السلام: إذا طلبت شيئا من الدنيا فزوى عنك، فاذكر ما خصك الله
به من دينك، وصرفه عن غيرك، فان ذلك أحرى أن تستحق نفسك بما فاتك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا زعيم بثلاث لمن أكب على الدنيا: بفقر لا غناء له
وبشغل لا فراغ له، وبهم وحزن لا انقطاع له.
وقال صلى الله عليه وآله: كونوا في الدنيا أضيافا، واتخذوا المساجد بيوتا، وعودوا
قلوبكم الرقة، وأكثروا التفكر والبكاء، ولا تختلفن بكم الأهواء، تبنون
ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون.
44 - عدة الداعي: قال الصادق عليه السلام: إنا لنحب الدنيا وأن لا نؤتاها خير
لنا من أن نؤتاها، وما أوتي ابن آدم منها شيئا إلا نقص حظه من الآخرة.

(1) نهج البلاغة الرقم 45 من الخطب، وقوله " منى لها الفناء " أي قدر لها.
81

45 - نهج البلاغة: من خطبة له عليه السلام: دار بالبلاء محفوفة، وبالغدر معروفة
لا تدوم أحوالها ولا يسلم نزالها، أحوال مختلفة، وتارات متصرفة، العيش فيها
مذموم والأمان منها معدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها
وتفنيهم بحمامها (2).
واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم
ممن كان أطول منكم أعمارا وأعمر ديارا وأبعد آثارا، أصبحت أصواتهم هامدة
ورياحهم راكدة (3) وأجسادهم بالية، وديارهم خالية، وآثارهم عافية، واستبدلوا
بالقصور المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والأحجار المسندة والقبور اللاطئة
الملحدة، التي قد بنى للخراب فناؤها، وشيد بالتراب بناؤها، فمحلها مقترب
وساكنها مغترب، بين أهل محلة موحشين، وأهل فراغ متشاغلين، لا يستأنسون
بالاوطان ولا يتواصلون تواصل الجيران، على ما بينهم من قرب الجوار، ودنو الدار
وكيف يكون بينهم تزاور، وقد طحنهم بكلكله البلى (4) وأكلتهم الجنادل والثرى.
وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه، وارتهنكم ذلك المضجع، وضمكم ذلك
المستودع، فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور، وبعثرت القبور " هناك تبلوا
كل نفس ما أسفلت وردوا إلى الله موليهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون " (5).

(1) عدة الداعي: 80.
(2) النزال كتجار جمع نازل، والحمام بالكسر: الموت.
(3) لما كانت الرياح الهابة ذات قوة وشوكة وقدرة هدامة، كنى بها عن ذلك
يقال الريح لآل فلان: اي تجرى الدولة لهم على أعدائهم، ومنه قوله تعالى: " ولا تنازعوا
فتفشلوا وتذهب ريحكم " وركود الرياح كناية عن عدم القدرة والشوكة.
(4) الكلكل في الأصل صدر البعير وهو إذا ظفر بعدوه برك بكلكله عليه وداسه
وطحنه بحيث لا يبقى عليه، وكذلك البلى إذا ناء بكلكله على الأموات وطحنهم عفا على
لحومهم وعظامهم بحيث لا يبقى منها الا التراب.
(5) نهج البلاغة الرقم 224 من الخطب والآية في يونس: 30.
82

46 - نهج البلاغة: من خطبة له عليه السلام: فان تقوى الله مفتاح سداد، وذخيرة معاد
وعتق من كل ملكة، ونجاة من كل هلكة، بها ينجح الطالب، وينجو الهارب
وتنال الرغائب.
فاعملوا والعمل يرفع، والتوبة تنفع، والدعاء يسمع، والحال هادئة
والأقلام جارية، وبادروا بالاعمال عمرانا كسا أو مرضا حابسا أو موتا خالسا، فان
الموت هادم لذاتكم، ومكدر شهواتكم، ومباعد طياتكم (1) زائر غير محبوب
وقرن غير مغلوب، وواتر غير مطلوب، قد أعلقتكم حبائله، وتكنفتكم غوائله
وأقصدتكم معابله (2) وعظمت فيكم سطوته، وتتابعت عليكم عدوته، وقلت عنكم
نبوته.
فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله، واحتدام علله، وحنادس غمراته، وغواشي
سكراته، وأليم إزهاقه وودجوا أطباقه، وجشوبة مذاقه، فكأن قد أتاكم بغتة
فأسكت نجيكم، وفرق نديكم، وعفى آثاركم، وعطل دياركم، وبعث
وراثكم يقتسمون تراثكم بين حميم خاص لم ينفع، وقريب محزون لم يمنع، وآخر
شامت لم يجزع.
فعليكم بالجد والاجتهاد، والتأهب والاستعداد، والتزود في منزل الزاد، ولا
تغرنكم الدنيا كما غرت من كان قبلكم من الأمم الماضية، والقرون الخالية
الذين احتلبوا درتها، وأصابوا غرتها، وأفنوا عدتها، وأخلقوا جدتها، أصبحت
مساكنهم أجداثا، وأموالهم ميراثا، لا يعرفون من أتاهم، ولا يحلفون من بكاهم
ولا يجيبون من دعاهم، فاحذروا الدنيا فإنها غدارة غرارة، خدوع، معطية منوع
ملبسة نزوع، لا يدوم رخاؤها، ولا ينقضي عناؤها، ولا يركد بلاؤها (3).
47 - نهج الكيدري: عند شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام لهمام في وصف

(1) الطيات - جمع طية بالكسر - النية والعزم، اي الموت يبعدكم عن مقاصدكم
وأهوائكم.
(2) المعابل: جمع معبلة - بالكسر - النصل الطويل العريض.
(3) نهج البلاغة الرقم 228 من الخطب.
83

المتقين " أرادتهم الدنيا ولم يريدوها " قال: من مكاشفات أمير المؤمنين عليه السلام ما
رواه الصادق، عن آبائه عليهم السلام أنه قال: إني كنت بفدك في بعض حيطانها، وقد
صارت لفاطمة عليها السلام إذا أنا بامرأة قد هجمت علي وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها
فلما نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها، فشبهتها ببثينة (1) بنت
عامر الجمحي، وكانت من أجمل نساء قريش فقالت لي: يا ابن أبي طالب هل لك
أن تزوجني وأغنيك عن هذه المسحاة؟ وأدلك على خزائن الأرض، ويكون
لك الملك ما بقيت؟.
فقلت لها: من أنت حتى أخطبك من أهلك؟ فقالت: أنا الدنيا، فقلت
لها: ارجعي فاطلبي زوجا غيري، فلست من شأني، وأقبلت على مسحاتي وأنشأت
أقول: (2).
لقد خاب من غرته دنيا دنية * وما هي إن غرت قرونا بطايل
أتتنا على زي العزيز بثينة * وزينتها في مثل تلك الشمايل
فقلت لها غري سواي فإنني * عزوف عن الدنيا ولست بجاهل
وما أنا والدنيا فان محمدا * رهين بقفر بين تلك الجنادل
وهبها أتتنا بالكنوز ودرها * وأموال قارون وملك القبايل
أليس جميعا للفناء مصيرها * ويطلب من خزانها بالطوايل
فغري سواي إنني غير راغب * لما فيك من عز وملك ونائل
وقد قنعت نفسي بما قد رزقته * فشانك يا دنيا وأهل الغوايل
فاني أخاف الله يوم لقائه * وأخشى عتابا دائما غير زايل

(1) مصغرة على وزن جهينة، كأنها كانت مشهورة بالحسن والجمال عند نساء العرب
وعامر الجمحي لعله ابن مسعود بن أمية بن خلف القرشي الجمحي.
(2) رواه الكيدري أيضا في أنوار العقول في قافية اللام مرسلا، وذكره الشهيد الثاني
في حديث طويل عن الصادق عليه السلام في كتاب الغيبة ص 264 المطبوع مع كشف
الفوائد، وسيأتي في ج 75 ص 363، ج 77 ص 195، ج 78 ص 274.
84

وقال أيضا:
دنيا تخادعني كأني * لست أعرف حالها
مدت إلي يمينها * فرددتها وشمالها
ورأيتها محتاجة * فوهبت جملتها لها
فهذا معنى قوله عليه السلام: " أرادتهم الدنيا ولم يريدوها ".
48 - عدة الداعي: قال أمير المؤمنين عليه السلام: واعلموا عباد الله أن المؤمن
لا يصبح ولا يمسي إلا ونفسه ظنون عنده، فلا يزال زاريا عليها، ومستزيدا لها
فكونوا كالسابقين قبلكم، والماضين أمامكم، قوضوا من الدنيا تقويض الراحل
وطووها طي المنازل (1).
49 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن
جابر، عن يونس بن ظبيان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إن الله عز وجل يقول: ويل للذين يختلون الدنيا بالدين، وويل للذين يقتلون
الذين يأمرون بالقسط من الناس، وويل للذين يسير المؤمن فيهم بالتقية، أبي
يغترون؟ أم علي يجترؤن؟ فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تترك الحليم منهم
حيران (2).
بيان: " ويل للذين يختلون الدنيا بالدنى " اي العذاب والهلاك للذين
يطلبون الدنيا بعمل الآخرة بالخديعة والمكر، قال في النهاية: الويل الحزن
والهلاك والمشقة من العذاب، وقال: فيه من اشراط الساعة أن تعطل سيوف الجهاد
وأن تختل الدنيا بالدين، اي تطلب الدنيا بعمل الآخرة، يقال: ختله يختله
إذا خدعه وراوغه، وختل الذئب الصيد إذا تخفى له، والختل الخداع، وفي
القاموس: ختله يختله ويختله ختلا وختلانا خدعه، والذئب الصيد تخفى له وخاتله
خادعه وتخاتلوا تخادعوا، واختتل تسمع لسر القوم انتهى (3).

(1) عدة الداعي: 175، والتقويض: الرحيل ينزع الاطناب والاعواد من الخيام
والخباء.
(2) الكافي ج 2 ص 299.
(3) القاموس ج 3 ص 366.
85

وبناء الافتعال كما هو المذكور في عنوان باب الكافي (1) لم أره بهذا المعنى
في كتب اللغة، وفي بعض النسخ اختيال بالياء وهو تصحيف " الذين يأمرون بالقسط "
اي بالعدل، وهم الأئمة عليهم السلام وخواص أصحابهم " يسير المؤمن " اي يعيش
ويعمل مجازا " أبي يغترون " اي بسبب إمهالي ونعمتي يغفلون عن بطشي وعذابي
من الاغترار بمعنى الغفلة، ويحتمل أن يكون من الاغترار بمعنى الوقوع في الغرر
والهلاك.
وقال تعالى: " ما غرك بربك الكريم " (2) قال البيضاوي: اي شئ
خدعك وجرأك على عصيانه " يجترؤن " بالهمز أو بدونه بقلب الهمزة ياء، ثم
إسقاط ضمها ثم حذفها لالتقاء الساكنين " لأتيحن " قال في النهاية: فيه فبي حلفت
لأتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيران، يقال: أتاح الله لفلان كذا أي قدره له
وأنزله به وتاح له الشئ، والحليم ذو الحلم والأناة والتثبت في الأمور أو ذو
العقل، وتنوين حيرانا للتناسب وإنما خص بالذكر لأنه بكلي معنييه أبعد من
الحيرة، وذلك لأنه اصبر على الفتن والزلازل، والحاصل أنه لا يجد العقلاء
وذوو التثبت والتدبر في الأمور المخرج من تلك الفتنة.
50 - أمالي الصدوق: الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي: عن جعفر بن محمد العلوي
عن محمد بن علي بن خلف، عن حسن بن صالح، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس
قال: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة عليها السلام فدخل عليها فأطال عندها
المكث، فخرج مرة في سفر فصنعت فاطمة مسكتين (3) من ورق وقلادة وقرطين
وسترا لباب البيت، لقدوم أبيها وزوجها عليهما السلام، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله دخل

(1) يعنى باب اختتال الدنيا بالدين.
(2) الانفطار: 60.
(3) المسكة - محركة - السوار والخلخال إذا كان من قرن أو عاج، ولذلك قيدها
بالورق، وهو الفضة، اي كان سوارها من فضة لا من غيرها، والقلادة معروف والقرط ما
يعلق على شحمة الأذن من درة ونحوها.
86

عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها.
فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند
المنبر فظنت فاطمة عليها السلام أنه إنما فعل ذلك رسول الله لما رأى من المسكتين والقلادة
والقرطين والستر، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها، ونزعت الستر، فبعثت
به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت للرسول: قل له: تقرأ عليك ابنتك السلام
وتقول: اجعل هذا في سبيل الله، فلما أتاه قال: فعلت فداها أبوها، ثلاث مرات
ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح
بعوضة ما سقى فيها كافرا شربة ماء، ثم قام فدخل عليها (1).
51 - أمالي الصدوق: ماجيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن محمد بن سنان، عن
المفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله جل جلاله
أوحى إلى الدنيا أن اتعبي من خدمك، واخدمي من رفضك.
ثم قال عليه السلام: عليكم بالورع والاجتهاد والعبادة، وازهدوا في هذه الدنيا
الزاهدة فيكم، فإنها غرارة، دار فناء وزوال، كم من مغتر فيها قد أهلكته
وكم من واثق بها قد خانته، وكم من معتمد عليها قد خدعته، وأسلمته (2).
أقول: قد أثبتنا الخبر بتمامه في باب مواعظ النبي صلى الله عليه وآله (3).
52 - أمالي الصدوق: عن العطار، عن سعد، عن الأصبهاني، عن المنقري، عن حفص
عن الصادق عليه السلام قال: كان فيما ناجى الله موسى بن عمران: يا موسى إذا رأيت
الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب
عجلت عقوبته، إن الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عليه السلام عند خطيئته وجعلتها
ملعونة ملعونا ما فيها، إلا ما كان فيها لي.
يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم بي وسائرهم من خلقي

(1) أمالي الصدوق: 141.
(2) أمالي الصدوق 168.
(3) لم نجده في باب مواعظه، صلى الله عليه وآله.
87

رغبوا فيها بقدر جهلهم بي، وما من أحد من خلقي عظمها فقرت عينه، ولم
يحقرها أحد إلا انتفع بها، الخبر (1).
53 - ثواب الأعمال: عن أبيه، عن سعد، عن الأصبهاني، عن المنقري، عن حفص
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل قال في مناجاته لموسى عليه السلام: يا موسى
إن الدنيا دار عقوبة إلى آخر الخبر (2).
54 - أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام قال: إن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها
لماذا (3).
55 - أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أغفل الناس من
لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال، وأعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل
للدنيا عنده خطرا (4).
56 - عيون أخبار الرضا (ع) (5) أمالي الصدوق: الاسترآبادي، عن أحمد بن الحسن الحسيني، عن
أبي محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه
وإنما هو كفنه، ويبنى بيتا ليسكنه، وإنما هو موضع قبره.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه: أيها الناس إن الدنيا دار فناء
والآخرة دار بقاء، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا
تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم
ففي الدنيا حييتم، وللآخرة خلقتم، وإنما الدنيا كالسم يأكله من لا يعرفه، إن
العبد إذا مات قالت الملائكة ما قدم؟ وقال الناس ما أخر؟ فقدموا فضلا يكن
لكم، ولا تؤخروا كلا يكن عليكم، فان المحروم من حرم خير ماله، والمغبوط
من ثقل بالصدقات والخيرات موازينه، وأحسن في الجنة بها مهاده، وطيب على

(1) أمالي الصدوق 396 في حديث.
(2) ثواب الأعمال: 198.
(3) أمالي الصدوق ص 6.
(4) أمالي الصدوق: 14.
(5) عيون الأخبار ج 1 ص 297 و 298.
88

الصراط بها مسلكه (1).
أقول: قد أثبتنا كثيرا من الاخبار في باب مواعظ أمير المؤمنين عليه السلام.
57 - أمالي الصدوق: في خبر الشامي الذي أتى أمير المؤمنين عليه السلام قال عليه السلام: يا شيخ
إن الدنيا خضرة حلوة، ولها أهل و، إن الآخرة لها أهل، ظلفت أنفسهم عن
مفاخرة أهل الدنيا لا يتنافسون في الدنيا، ولا يفرحون بغضارتها، ولا يحزنون
لبؤسها، يا شيخ من خاف البيات قل نومه ما أسرع الليالي والأيام في عمر العبد
فاخزن لسانك، وعد كلامك، يقل كلامك إلا بخير، يا شيخ ارض للناس ما ترضى
لنفسك، وآت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك.
ثم أقبل على أصحابه فقال: أيها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون
على أحوال شتى: فبين صريع يتلوى، وبين عائد ومعود، وآخر بنفسه يجود
وآخر لا يرجى، وآخر مسجى، وطالب الدنيا والموت يطلبه. وغافل وليس بمغفول
عنه، وعلى أثر الماضي يصير الباقي (2).
58 - تفسير علي بن إبراهيم: محمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن سيار، عن المفضل
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما نزلت هذه الآية: " لا تمدن عينيك إلى ما متعنا
به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين " (3) قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن
رمى ببصره إلى ما في يدي غيره كثر همه، ولم يشف غيظه، ومن لم يعلم أن لله
عليه نعمة إلا في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله، ودنا عذابه، ومن أصبح على الدنيا
حزينا أصبح على الله ساخطا، ومن شكى مصيبة نزلت به، فإنما يشكو ربه، ومن
دخل النار من هذه الأمة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا، ومن
أتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يديه، ذهب ثلثا دينه.

(1) أمالي الصدوق: 67 و 68.
(2) أمالي الصدوق: 237، وتراه في المعاني: 198.
(3) الحجر: 88.
89

ثم قال: ولا تعجل وليس يكون الرجل ينال من الرجل المرفق فيبجله ويوقره
فقد يجب ذلك له عليه، ولكن تراه أنه يريد بتخشعه ما عند الله، ويريد أن يختله
عما في يديه (1).
59 - تفسير علي بن إبراهيم: أبي، عن الأصبهاني، عن المنقري، عن حفص قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام يا حفص ما أنزلت الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة، إذا اضطررت
إليها أكلت منها، الخبر، وسيأتي في أبواب المواعظ (2).
60 - قرب الإسناد: عن ابن أبي الخطاب، عن البزنطي، عن الرضا عليه السلام قال: والله ما
أخر الله عن المؤمن من هذه الدنيا خير له مما يعجل منها، ثم صغر الدنيا إلي
فقال: اي شئ هي؟ ثم قال: إن صاحب النعمة على خطر إنه يجب علي حقوق
لله منها، والله إنه ليكون علي النعم من الله فما أزال منها على وجل وحرك يديه
حتى أخرج من الحقوق التي تجب لله تبارك وتعالى علي فيها (3).
61 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن ابن يزيد، عن ابن محبوب، عن ابن
رباط رفعه قال: شكى رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام الحاجة فقال: اعلم أن كل
شئ تصيبه من الدنيا فوق قوتك، فإنما أنت فيه خازن لغيرك (4).
62 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن درست
عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حب الدنيا رأس كل خطيئة (5).
63 - الخصال: عن محمد بن أحمد الأسدي، عن محمد بن أبي عمران، عن أحمد بن
أبي بكر، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله

(1) تفسير القمي: 356.
(2) تفسير القمي 493، في آية القصص: 83، وترى تمام الحديث في ج 78
ص 193 فراجع.
(3) قرب الإسناد ص 228 و 229 ط النجف.
(4) الخصال ج 1 ص 11.
(5) الخصال ج 1 ص 15.
90

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أخوف ما أخاف على أمتي الهوى وطول الأمل
أما الهوى فإنه يصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، وهذه الدنيا
قد ارتحلت مدبرة، وهذه الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون
فان استطعتم أن تكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فافعلوا، فإنكم
اليوم في دار عمل ولا حساب، وأنتم غدا في دار حساب ولا عمل (1).
64 - الخصال: عن ابن بندار، عن أحمد بن إسحاق، عن عمر بن الحسن بن
نصر، عن مؤمل بن إهاب، عن عبد الله بن المغيرة المصري، عن سفيان الثوري، عن
أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الليل والنهار مطيتان (2)
65 - الخصال: عن محمد بن أحمد الأسدي، عن أحمد بن محمد العامري، عن إبراهيم بن
عيسى بن عبيد، عن سليمان بن عمرو، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن أمه
فاطمة بنت الحسين، عن أبيها عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الرغبة في الدنيا تكثر
الهم والحزن، والزهد في الدنيا يريح القلب والبدن (3).
66 - الخصال: عن أبيه، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن سهل، عن عبد العزيز
العبدي، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من تعلق قلبه بالدنيا
تعلق منها بثلاث خصال: هم لا يفنى، وأمل لا يدرك، ورجاء لا ينال (4).
أقول: قد مضى بعض الأخبار في باب السكينة والوقار (5).
67 - الخصال: عن حمزة العلوي، عن علي، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن
إبراهيم بن عبد الحميد، عن موسى بن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: الدنيا سجن
المؤمن، والقبر حصنه، والجنة مأواه، والدنيا جنة الكافر، والقبر سجنه، والنار

(1) الخصال ج 1 ص 27.
(2) الخصال ج 1 ص 35.
(3) الخصال ج 1 ص 37.
(4) الخصال ج 1 ص 44.
(5) راجع ج 71 ص 337. من هذه الطبعة.
91

مأواه (1).
68 - الخصال: عن العسكري، عن أحمد بن محمد بن أسيد، عن أحمد بن يحيى
الصوفي، عن أبي غسان، عن مسعود بن سعد، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أشد ما يتخوف على أمتي ثلاثة: زلة
عالم، أو جدال منافق بالقرآن، أو دنيا تقطع رقابكم، فاتهموها على أنفسكم (2)
6 الخصال: عن أبيه، عن سعد: عن الأصبهاني، عن المنقري، عن ابن عيينة. عن
الزهري قال: سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول: من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه
على الدنيا حسرات، والله ما الدنيا والآخرة إلا ككفتي الميزان، فأيهما رجح
ذهب بالآخر، ثم تلا قوله عز وجل " إذا وقعت الواقعة " (3) يعني القيامة
" ليس لوقعتها كاذبة * خافضة " خفضت والله بأعداء الله إلى النار " رافعة " رفعت
والله أولياء الله إلى الجنة.
ثم أقبل على رجل من جلسائه فقال له: اتق الله وأجمل في الطلب، ولا
تطلب ما لم يخلق، فان من طلب ما لم يخلق تقطعت نفسه حسرات ولم ينل ما طلب
ثم قال: وكيف ينال ما لم يخلق؟ فقال الرجل: وكيف يطلب ما لم يخلق؟
فقال: من طلب الغنى والأموال والسعة في الدنيا فإنما يطلب ذلك للراحة
والراحة لم تخلق في الدنيا ولا لأهل الدنيا، إنما خلقت الراحة في
الجنة، ولأهل الجنة، والتعب والنصب خلقا في الدنيا ولأهل الدنيا، وما
أعطي أحد منها حفنة (4) إلا أعطي من الحرص مثليها، ومن أصاب من الدنيا
أكثر كان فيها أشد فقرا، لأنه يفتقر إلى الناس في حفظ أمواله، ويفتقر إلى
كل آلة من آلات الدنيا، فليبس في غنى الدنيا راحة، ولكن الشيطان يوسوس
إلى ابن آدم أن له في جمع ذلك راحة، وإنما يسوقه إلى التعب في الدنيا

(1) الخصال ج 1 ص 53.
(2) الخصال ج 1 ص 78.
(3) الواقعة: 2 - 3.
(4) الحفنة: ملء الكف.
92

والحساب عليه في الآخرة، ثم قال عليه السلام: كلا ما تعب أولياء الله في الدنيا للدنيا
بل تعبوا في الدنيا للآخرة.
ثم قال: ألا ومن اهتم لرزقه كتب عليه خطيئة، كذلك قال المسيح عليه السلام
للحواريين، إنما الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها (1).
70 - معاني الأخبار (2) علل الشرائع (3) الخصال: عن القطان، عن السكري، عن الجوهري، عن
ابن عمارة، عن أبيه قال: قال الصادق عليه السلام: مطلوبات الناس في الدنيا الفانية
أربعة: الغنى، والدعة، وقلة الاهتمام، والعز، فأما الغنى فموجود في القناعة
فمن طلبه في كثرة المال لم يجده، وأما الدعة فموجود في خفة المحمل فمن
طلبها في ثقله لم يجدها، وأما قلة الاهتمام فموجودة في قلة الشغل فمن طلبها
مع كثرته لم يجدها، وأما العز فموجود في خدمة الخالق فمن طلبه في خدمة
المخلوق لم يجده (5).
71 - الخصال: عن الفامي، عن محمد بن جعفر، عن الصفار، عن ابن هاشم، عن
الحسن بن أبي الحسين الفارسي، عن عبد الله بن الحسين بن زيد، عن أبيه، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: من سلم من أمتي من أربع خصال فله الجنة: من الدخول في
الدنيا، واتباع الهوى، وشهوة البطن، وشهوة الفرج. الخبر (6).
أقول: قد مضى بعض الأخبار في باب الحياء (7).
72 - الخصال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن
أسباط، عن سليم مولى طربال، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول:

(1) الخصال ج 1 ص 33.
(2) معاني الأخبار ص 230.
(3) علل الشرائع ج 2 ص 154.
(4) الخصال ج 1 ص 93.
(5) الخصال ج 1 ص 106.
(6) راجع ج 71 ص 329 - 337.
93

الدنيا دول فما كان لك فيها أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك أتاك ولم تمتنع
منه بقوة. ثم أتبع هذا الكلام بأن قال: من يئس مما فات أراح بدنه، ومن
قنع بما أوتي قرت عينه (1).
أمالي الطوسي: عن المفيد، عن محمد بن محمد بن طاهر، عن ابن عقدة، عن محمد بن إسماعيل
ابن إبراهيم بن موسى بن جعفر، عن الحسن بن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن
أمير المؤمنين عليهم السلام مثله (2).
73 - الخصال: عن أبيه، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن اللؤلوئي، عن
إسحاق الضحاك، عن منذر الجوان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال سلمان رحمة
الله عليه: عجبت لست: ثلاث أضحكتني، وثلاث أبكتني فأما الذي أبكتني ففراق
الأحبة محمد وحزبه، وهول المطلع، والوقوف بين يدي الله عز وجل، وأما
الذي أضحكتني فطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وضاحك
ملء فيه لا يدري أرضى الله أم سخط (3).
74 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن معبد، عن عبد الله بن
القاسم، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أول ما
عصى الله تبارك وتعالى بست خصال: حب الدنيا، وحب الرياسة، وحب النساء
وحب الطعام، وحب النوم، وحب الراحة (4).
75 - الخصال: في خبر أبي ذر: عجبت لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها لم يطمئن
إليها (5).

(1) الخصال ج 1 ص 124 وقد مر في ج 72 ص 327، حديث بهذا السند والمتن
وكان رمز المصدر ن، وقلنا في الذيل أنا لم نجده في العيون، فالظاهر أن الصحيح
من رمز المصدر ل فليصحح.
(2) أمالي الطوسي ج 1 ص 229.
(3) الخصال ج 1 ص 158.
(4) تراه في الخصال ج 1 ص 106.
(5) الخصال ج ص
94

76 - عيون أخبار الرضا (ع): بالأسانيد الثلاثة، عن الرضا، عن آبائه، عن الحسين بن علي
عليهم السلام أنه قال: وجد لوح تحت حائط مدينة من المدائن فيه مكتوب، أنا الله
لا إله إلا أنا ومحمد نبيي، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن أيقن
بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن اختبر الدنيا كيف يطمئن إليها، وعجبت لمن
أيقن بالحساب كيف يذنب (1).
77 - عيون أخبار الرضا (ع): عن أبيه، عن سعد، عن ابن هاشم، عن ابن المغيرة قال: سمعت
الرضا عليه السلام يقول:
إنك في دار لها مدة * يقبل فيها عمل العامل
الا ترى الموت محيطا بها * يكذب فيها أمل الآمل
تعجل الذنب لما تشتهي * وتأمل التوبة في قابل
والموت يأتي أهله بغتة * ما ذاك فعل الحازم العامل (2)
78 - عيون أخبار الرضا (ع): البيهقي، عن الصولي، عن محمد بن يحيى بن أبي عباد، عن عمه
قال: سمعت الرضا عليه السلام يوما ينشد شعرا:
كلنا نأمل مدا في الاجل * والمنايا هن آفات الأمل
لا يغرنك أباطيل المنى * والزم القصد ودع عنك العلل
إنما الدنيا كظل زائل * حل فيه راكب ثم رحل (3)
79 - مجالس المفيد (4) أمالي الطوسي: المفيد، عن عمر بن محمد المعروف بابن الزيات، عن ابن
مهرويه، عن داود بن سليمان، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: لو رأى العبد أجله وسرعته إليه، أبغض الأمل، وترك طلب الدنيا (5).

(1) عيون الأخبار ج 2 ص 44.
(2) عيون الأخبار ج 2 ص 176.
(3) عيون الأخبار ج 2 ص 177.
(4) مجالس المفيد: 190.
(5) أمالي الطوسي ج 1 ص 76.
95

80 - مجالس المفيد (1) أمالي الطوسي: عن المفيد، عن الجعابي، عن محمد بن الوليد، عن عنبر
ابن محمد، عن شعبة، عن سلمة، عن أبي الطفيل قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام
يقول: إن أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل واتباع الهوى، فأما طول الأمل
فينسى الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، الا وإن الدنيا قد تولت مدبرة
والآخرة قد أقبلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة
ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فان اليوم عمل ولا حساب، والآخرة حساب ولا
عمل (2).
أقول: قد مضى بعض الأخبار في باب الزهد (3).
أمالي الطوسي: المفيد، عن عمر بن محمد الصيرفي، عن محمد بن مخلد، عن محمد بن الوليد، عن
حيدر بن محمد، عن سعيد، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام في خطبة له وذكر مثله (4).
81 - أمالي الطوسي: قال: أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الناس أصبحتم أغراضا تنتضل فيكم
المنايا وأموالكم نهب للمصائب، ما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص، وما
شربتموه من شراب فلكم فيه شرق واشهد بالله ما تنالون في الدنيا نعمة تفرحون بها
إلا بفراق أخرى تكرهونها، أيها الناس إنا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء، ولكنكم
من دار تنقلون، فتزودوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه والسلام (5).
82 - تحف العقول: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إني أحذركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة
حفت بالشهوات، وتحببت بالعاجلة، وعمرت بالآمال، وتزينت بالغرور، لا تدوم
حبرتها، ولا تؤمن فجعتها، غرارة ضرارة، زائلة نافدة، أكالة غوالة، لا تعدو إذا

(1) مجالس المفيد: 212.
(2) أمالي الطوسي ج 1 ص 117.
(3) راجع ج 70 ص 309 - 322.
(4) أمالي الطوسي ج 1 ص 236 وفيه غندر بن محمد.
(5) أمالي الطوسي ج 1 ص 320.
96

هي تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضى بها أن تكون كما قال الله سبحانه
" كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح
وكان الله على كل شئ مقتدرا " (1).
مع أن امرء لم يكن منها في حبرة إلا أعقبته عبرة، ولم يلق من سرائها بطنا
إلا منحته من ضرائها ظهرا، ولم تظله فيها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء، إذا هي
أصبحت منتصرة [لم تأمن] أن تمسي له متنكرة، وإن جانب منها اعذوذب لا مرئ
واحلولا أمر عليه جانب منها فأوبى (2) وما امسى امرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح في
أخوف خوف، غرارة غرور ما فيها، فانية فان من عليها، لا خير في شئ من زادها إلا
التقوى، من أقل منها استكثر مما يؤمنه ومن استكثر منها لم يدم له وزال
عما قليل عنه.
كم من واثق بها قد فجعته، وذي طمأنينة إليها قد صرعته، وذي حذر قد
خدعته، وكم ذي أبهة فيها قد صيرته حقيرا، وذي نخوة قد ردته خائفا فقيرا، وكم
ذي تاج قد أكبته لليدين والفم، سلطانها ذل، وعيشها رنق، وعذبها أجاج
وحلوها صبر، حيها بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم، ومنيعها بعرض اهتضام
وملكها مسلوب، وعزيزها مغلوب، وأمنها منكوب، وجارها محروب، ومن وراء
ذلك سكرات الموت وزفراته، وهول المطلع، والوقوف بين يدي الحاكم العدل
ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
ألستم في مساكن من كان أطول منكم أعمارا، وأبين آثارا، وأعد منكم
عديدا، وأكثف منكم جنودا، وأشد منكم عنودا تعبدوا للدنيا أي تعبد وآثروها
اي إيثار، ثم ظعنوا عنها بالصغار أبهذه تؤثرون؟ أم على هذه تحرصون؟ أم إليها
تطمئنون؟ يقول الله: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها
وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا

(1) الكهف: 45.
(2) هتنت: صبت، وأوبى: صار ذا وباء، وسيأتي
شرح مشكلاتها وغريبها عند نقلها من النهج.
97

فيها وباطل ما كانوا يعملون " (1) فبئست الدار لمن لم يتهيئها، ولم يكن فيها على
وجل.
واعلموا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها، لا بد وإنما هي كما نعت الله " لعب
ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " (2).
فاتعظوا فيها بالذين كانوا [يبنون] بكل ريع آية يعبثون، ويتخذون
مصانع لعلهم يخلدون، وبالذين قالوا من أشد منا قوة، واتعظوا بمن رأيتم من
إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم، ولا يدعون ركبانا، وأنزلوا ولا يدعون ضيفانا
وجعل لهم من الضريح أكنانا، ومن التراب أكفانا، ومن الرفات جيرانا فهم جيرة
لا يجيبون داعيا ولا يمنعون ضيما، لا يزورون ولا يزارون حلماء قد بادت أضغانهم
جهلاء قد ذهبت أحقادهم، لا تخشى فجعتهم، ولا يرجى دفعهم، وهم كمن لم يكن
وكما قال الله سبحانه " فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن
الوارثين " (3).
استبدلوا بظهر الأرض بطنا، وبالسعة ضيقا، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمه
جاؤها كما فارقوها، حفاة عراة، قد ظعنوا منها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة، وإلى
خلود أبد، يقول الله تبارك وتعالى " كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا
كنا فاعلين " (4).
82 أمالي الطوسي: الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه، عن أبي الحسن الثالث، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال الصادق عليه السلام: من صفت له دنياه فاتهمه في دينه (5).
83 - أمالي الطوسي: الفحام، عن عمه، عن محمد بن جعفر، عن محمد بن المثنى، عن أبيه

(1) هود: 15.
(2) الحديد: 20.
(3) القصص: 58.
(4) تحف العقول: 180 في ط و 176 في ط الاسلامية.
(5) أمالي الطوسي ج 1 ص 286.
98

عن عثمان بن زيد، عن جابر الجعفي، عن الباقر عليه السلام قال: يا جابر أنزل الدنيا منك
كمنزل نزلته تريد التحول عنه، وهل الدنيا إلا دابة ركبتها في منامك فاستيقظت
وأنت على فراشك غير راكب، ولا أحد يعبأ بها، أو كثوب لبسته أو كجارية وطئتها.
يا جابر! الدنيا عند ذوي الألباب كفئ الظلال (1).
84 - أمالي الطوسي: عن ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن القاسم بن جعفر، عن عباد بن
أحمد القزويني، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن موسى الجهني، عن زيد بن
وهب، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: سمعت سلمان الفارسي وقد أكره على طعام
فقال: حسبي، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن أكثر الناس شبعا في الدنيا
أكثرهم جوعا في الآخرة، يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر (2).
85 - أمالي الطوسي: عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كن في الدنيا
كأنك غريب أو كأنك عابر سبيل، وعد نفسك في أصحاب القبور.
قال مجاهد: وقال لعبد الله بن عمر: وأنت يا عبد الله إذا أمسيت فلا تحدث
نفسك أن تصبح، وإذا أصبحت فلا تحدث نفسك أن تمسي، وخذ من حياتك لموتك
ومن صحتك لسقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غدا (3).
86 - أمالي الطوسي: عن الغضائري، عن التلعكبري، عن ابن عقدة، عن الحسن بن علي
ابن إبراهيم العلوي، عن الوشا، عن ثعلبة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين
عليه السلام يقول: إنما الدنيا فناء وعناء وعبر وغير، فمن فنائها أن الدهر موتر
قوسه مفوق نبله، يرمي الصحيح بالسقم، والحي بالموت، ومن عنائها أن المرء
يجمع ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ومن عبرها أنك ترى المغبوط مرحوما
والمرحوم مغبوطا، ليس منها إلا نعيم زال، وبؤس نزل (4) ومن غيرها أن المرء
يشرف على أمله فيختطفه من دونه أجله.

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 302.
(2) أمالي الطوسي ج 1 ص 356.
(3) أمالي الطوسي ج 1 ص 391.
(4) في المصدر: نعيم زائل وبؤس نازل.
99

قال أبو عبد الله عليه السلام: وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: كم من مستدرج
بالاحسان إليه، مغرور بالستر عليه، مفتون بحسن القول فيه، وما أبلى الله عبدا
بمثل الاملاء له (1).
أمالي الطوسي: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله بن أبي داود، عن إبراهيم بن الحسن
المقسمي، عن بشر بن زاذان، عن عمر بن صبيح، عن الصادق عليه السلام مثله بتغيير ما
وقد أثبتناهما في باب المواعظ (2).
87 - تحف العقول: قال جابر بن عبد الله الأنصاري: كنا مع أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة
فلما فرغ من قتال من قتله، أشرف علينا من آخر الليل، فقال: ما أنتم فيه؟ فقلنا: في
ذم الدنيا، فقال: علام تذم الدنيا يا جابر؟ ثم حمد الله وأثنى عليه، وقال: أما
بعد فما بال أقوام يذمون الدنيا؟ انتحلوا الزهد فيها؟ الدنيا منزل صدق لمن
صدقها، ومسكن عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، فيها [مسجد] أنبياء الله
ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومسكن أحبائه، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة
وربحوا منها الجنة.
فمن ذا يذم الدنيا يا جابر وقد آذنت ببينها، ونادت بانقطاعها، ونعت نفسها
بالزوال، ومثلت ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى السرور، راحت بفجيعة
وابتكرت بنعمة وعافية، ترهيبا وترغيبا، يذمها قوم عند الندامة، ويحمدها آخرون
عند السلامة، خدمتهم جميعا فصدقتهم، وذكرتهم فذكروا، ووعظتهم فاتعظوا
وخوفتهم فخافوا، وشوقتهم فاشتاقوا.
فأيها الذام للدنيا، المغتر بغرورها، متى استذمت إليك؟ بل متى غرتك
بنفسها؟ أبمصارع آبائك من البلى، أم بمضاجع أمهاتك من الثرى، كم مرضت بيديك
وعللت بكفيك؟ تستوصف لهم الدواء، وتطلب لهم الأطباء، لم تدرك فيه طلبتك
ولم تسعف فيه بحاجتك.

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 58.
(2) أمالي الطوسي ج 2 ص 107. راجع كتاب الروضة الباب 15 باب مواعظ
أمير المؤمنين وحكمه عليه السلام ص 404.
100

بل مثلت الدنيا به نفسك، وبحاله حالك، غداة لا ينفعك أحباؤك، ولا يغني
عنك نداؤك، حين يشتد من الموت أعالين المرض (1) وأليم لوعات المضض، حين
لا ينفع الاليل، ولا يدفع العويل، يحفز بها الحيزوم، ويعض بها الحلقوم، لا يسمعه
النداء، ولا يروعه الدعاء، فيا طول الحزن، عند انقطاع الاجل.
ثم يراح به على شرجع تقله أكف أربع، فيضجع في قبره، في محل لبث
وضيق جدث، فذهبت الجدة، وانقطعت المدة، ورفضته العطفة، وقطعته اللطفة
لا يقاربه الأخلاء، ولا يلم به الزوار، ولا اتسقت به الدار، انقطع دونه الأثر
واستعجم دونه الخبر، وبكرت ورثته، فقسمت تركته، ولحقه الحوب، وأحاطت
به الذنوب، فان يكن قدم خيرا طاب مكسبه، وإن يكن قدم شرا تب منقلبه، وكيف
ينفع نفسا قرارها، والموت قصارها، والقبر مزارها، فكفى بهذا واعظا، كفى
يا جابر امض معي.
فمضيت معه حتى أتينا القبور، فقال: يا أهل التربة ويا أهل الغربة! أما المنازل
فقد سكنت، وأما المواريث فقد قسمت، وأما الأزواج فقد نكحن، هذا خبر ما عندنا
فما خبر ما عندكم؟.
ثم أمسك عني مليا ثم رفع رأسه فقال: والذي أقل السماء فعلت، وسطح
الأرض فدحت، لو أذن للقوم في الكلام لقالوا: إنا وجدنا خير الزاد التقوى ثم
قال: يا جابر إذا شئت فارجع (2).
88 - علل الشرائع: عن أبيه، عن سعد، عن ابن يزيد، عن محمد بن عمرو، عن صالح بن

(1) كذا في نسخة الكمباني وهكذا المصدر ولعله مصحف " أعاليل " قيل: هي
جمع أعلال، جمع علل، جمع علة: لما يتعلل به من مرض وغيره. أو هي جمع أعلولة
أو هي جمع لا واحد له من لفظه، والمضض: بلوغ الحزن إلى القلب بحيث يحرقه
واللوعة: المرة اي حرقة الحزن والهوى. والاليل: الأنين من شدة المرض، أو هو بمعنى
الجؤار والتضرع في الدعاء والاستغاثة والضجة.
(2) تحف العقول: 183 ط الاسلامية.
101

سعيد، عن أخيه سهل الحلواني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينا عيسى في سياحته
إذ مر بقرية فوجد أهلها موتى في الطرق والدور، قال: فقال: إن هؤلاء ماتوا
بسخطة ولو ماتوا بغيرها تدافنوا، قال فقال أصحابه: وددنا أنا عرفنا قصتهم فقيل له
نادهم يا روح الله قال: فقال: يا أهل القرية! فأجابه مجيب منهم: لبيك يا روح الله قال
ما حالكم وما قصتكم؟ قال: أصبحنا في عافية وبتنافي الهاوية، قال فقال: ما الهاوية؟ قال
بحار من نار، فيها جبال من نار، قال: وما بلغ بكم ما أرى؟ قال: حب الدنيا وعبادة
الطاغوت.
قال: وما بلغ من حبكم الدنيا؟ قال: كحب الصبي لامه إذا أقبلت فرح وإذا
أدبرت حزن، قال: وما بلغ من عبادتكم الطاغوت؟ قال: كانوا إذا أمروا أطعناهم
قال: فكيف أجبتني أنت من بينهم؟ قال: لأنهم ملجمون بلجم من نار، عليهم
ملائكة غلاظ شداد، وإني كنت فيهم ولم أكن منهم، فلما أصابهم العذاب، أصابني
معهم، فأنا معلق بشجرة أخاف أن أكبكب في النار، قال: فقال عيسى عليه السلام:
النوم على المزابل وأكل خبز الشعير كثير مع سلامة الدين (1).
ثواب الأعمال (2) معاني الأخبار: عن أبيه، عن محمد العطار، عن ابن يزيد مثله (3).
89 - معاني الأخبار: عن ابن الوليد، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن الحسن بن
علي رفعه إلى عمرو بن جميع رفعه إلى علي عليه السلام في قول الله عز وجل: " وكان
تحته كنز لهما " (4) قال: كان ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب:
" بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله محمد رسول الله، عجبت لمن يعلم أن
الموت حق كيف يفرح؟ عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن؟ عجبت لمن يذكر
النار كيف يضحك؟ عجبت لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالا بعد حال كيف

(1) علل الشرايع ج 2 ص 152.
(2) ثواب الأعمال: 227.
(3) معاني الأخبار: 341.
(4) الكهف: 81.
102

يطمئن إليها؟ (1).
90 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر
عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
أخبرني جبرئيل عليه السلام أن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام، ما يجدها عاق
ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء، ولا فنان (2) ولا منان
ولا جعظري، قال: قلت: فما الجعظري؟ قال: الذي لا يشبع من الدنيا.
وفي حديث آخر: ولا حيوف وهو النباش، ولا زنوف، وهو المخنث
ولا جواض ولا جعظري، وهو الذي لا يشبع من الدنيا (3).
91 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد، عن الأصبهاني، عن المنقري، عن حفص
قال: سمعت موسى بن جعفر عليه السلام عند قبر وهو يقول: إن شيئا هذا آخره لحقيق
أن يزهد في أوله، وان شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره (4).
92 - أمالي الصدوق: في خبر المناهي قال النبي صلى الله عليه وآله: ألا ومن عرضت له دنيا وآخرة
فاختار الدنيا على الآخرة، لقى الله يوم القيامة، وليست له حسنة يتقي بها النار؟
ومن اختار الآخرة على الدنيا رضي الله عنه وغفر له مساوي عمله (5).
93 الخصال: عن أبيه، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن سهل، عن
عبد العزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من
تعلق قلبه بالدنيا تعلق منها بثلاث خصال: هم لا يفنى، وأمل لا يدرك، ورجاء
لا ينال (6).
94 - قرب الإسناد: عن ابن طريف، عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال:

(1) معاني الأخبار: 200.
(2) أي ذو فنون من الخدع وفي المصدر: فتان، وقرئ قتات.
(3) معاني الأخبار. 330.
(4) معاني الأخبار: 343.
(5) أمالي الصدوق: 257.
(6) الخصال ج 1 ص 44.
103

قال علي عليه السلام: ما ملئ بيت قط خيره إلا أوشك أن يملا غيره، ولا ملئ بيت
قط غيره إلا يوشك أن يملا خيره (1).
95 - الخصال: الأربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام: من عبد الدنيا وآثرها على
الآخرة، استوخم العاقبة.
وقال عليه السلام: أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة.
وقال عليه السلام: ما بال من خالفكم أشد بصيرة في ضلالتهم، وابذل لما في أيديهم
منكم؟ ما ذاك إلا أنكم ركنتم إلى الدنيا فرضيتم بالضيم، وشححتم على الحطام
وفرطتم فيها فيه عزكم وسعادتكم، وقوتكم على من بغى عليكم، لا من ربكم
تستحيون فيما أمركم، ولا لأنفسكم تنظرون، وأنتم في كل يوم تضامون، ولا
تنتبهون من رقدتكم، ولا ينقضي فتوركم (2).
96 - ثواب الأعمال: عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن
عبد الله بن سنان وعبد العزيز معا، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه، جعل الله الغنا في
قلبه، وجمع له أمره، ولم يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، ومن أصبح و أمسي
والدنيا أكبر همه جعل الله الفقر بين عينيه، وشتت عليه أمره، ولم ينل من
الدنيا إلا ما قسم له (3).
97 - قصص الأنبياء: بالاسناد إلى الصدوق. عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن
أبي الخطاب، عن ابن أسباط، عن خلف بن حماد، عن قتيبة الأعشى قال: قال
أبو جعفر عليه السلام: إن فيما ناجى الله به موسى عليه السلام أن قال: إن الدنيا ليست
بثواب للمؤمن بعمله، ولا نقمة الفاجر بقدر ذنبه، هي دار الظالمين، إلا العامل
فيها بالخير، فإنها له نعمت الدار.

(1) قرب الإسناد ص 57 في ط وص 76 في ط.
(2) راجع الخصال ج 2 ص 155.
(3) ثواب الأعمال: 153.
104

98 - قصص الأنبياء: عن الصدوق، عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن أحمد بن
محمد، عن رجل، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان فيما ناجى الله
تعالى به موسى: لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين، وركون من اتخذها
أما وأبا، يا موسى لو وكلتك إلى نفسك تنظرها لغلب عليك حب الدنيا وزهرتها
يا موسى! نافس في الخير أهله، واسبقهم إليه فان الخير كاسمه، واترك من الدنيا
ما بك الغنى عنه، ولا تنظر عيناك إلى كل مفتون فيها، موكول إلى نفسه.
واعلم أن كل فتنة بذرها حب الدنيا ولا تغبطن أحدا برضا الناس عنه
حتى تعلم أن الله عز وجل عنه راض، ولا تغبطن أحدا بطاعة الناس له واتباعهم
إياه على غير الحق، فهو هلاك له ولمن اتبعه.
99 - المحاسن: عن أبيه رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: المسجون من سجنته
دنياه عن آخرته (1).
100 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: الدنيا بمنزلة صورة رأسها الكبر، وعينها
الحرص، واذنها الطمع، ولسانها الريا، ويدها الشهوة، ورجلها العجب
وقلبها الغفلة، وكونها الفنا، وحاصلها الزوال، فمن أحبها أورثته الكبر
ومن استحسنها أورثته الحرص، ومن طلبها أوردته إلى الطمع، ومن مدحها
أكبته الرياء، ومن أرادها مكنته من العجب، ومن اطمأن إليها ركبته الغفلة
ومن أعجبه متاعها فتنته فيما يبقى، ومن جمعها وبخل بها ردته إلى مستقرها
وهي النار (2).
101 - الإرشاد: عن أمير المؤمنين عليه السلام: أما بعد فإنما مثل الدنيا مثل الحية
لين مسها، شديد نهشها، فأعرض عما يعجبك منها لقلة ما يصحبك منها، وكن أسر
ما تكون فيها أحذر ما تكون لها، فان صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه
منها إلى مكروه والسلام (3).

(1) المحاسن ص 299.
(2) مصباح الشريعة ص 23.
(3) ارشاد المفيد ص 112.
105

102 - الإرشاد: روى العلماء بالاخبار ونقلة السير والآثار أن أمير المؤمنين
عليه السلام كان ينادي في كل ليلة حين يأخذ الناس مضاجعهم، بصوت يسمعه كافة
من في المسجد (1) ومن جاوره من الناس.
تزودوا رحمكم الله! فقد نودي فيكم بالرحيل، وأقلوا العرجة على الدنيا
وانقلبوا بصالح ما يحضركم (2) من الزاد، فان أمامكم عقبة كؤدا، ومنازل مهولة
لا بد من الممر بها، والوقوف عليها، إما برحمة من الله نجوتم من فضاعتها
وإما هلكة ليس بعدها انجبار، يا لها حسرة على ذي غفلة، أن يكون عمره عليه
حجة، وتؤديه أيامه إلى شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا
تحل به بعد الموت نقمة، فإنما نحن به وله، وبيده الخير، وهو علي كل شئ
قدير (3).
103 - الإرشاد: أيها الناس! أصبحتم أغراضا تنتضل فيكم المنايا، وأموالكم نهب
للمصائب ما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص، وما شربتم من شراب فلكم
فيه شرق، وأشهد بالله ما تنالون من الدنيا نعمة تفرحون بها إلا بفراق أخرى
تكرهونها أيها الناس إنا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفنا، لكن من دار إلى دار تنقلون
فتزودوا لما أنتم صائرون إليه، وخالدون فيه، والسلام (4).
104 - السرائر: عن أبان بن تغلب، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن ابن أبي
عمير، عن هشام بن سالم، عن ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا لنحب
الدنيا، فقال لي: تصنع بها ماذا؟ قلت: أتزوج منها وأحج وأنفق على عيالي وأنيل
إخواني وأتصدق. قال لي: ليس هذا من الدنيا هذا من الآخرة.

(1) في المصدر " كافة أهل المسجد ".
(2) في المصدر: " بحضرتكم " وهو مطابق لنسخة النهج، راجع قسم الخطب
الرقم 45 و 202.
(3) ارشاد المفيد: 113.
(4) ارشاد المفيد: 114.
106

105 - السرائر: عن كتاب أبان بن تغلب، عن ابن أسباط وابن أبي نجران
والوشاء، عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله أو عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام:
قال: آخر نبي يدخل الجنة سليمان بن داود عليه السلام، وذلك لما أعطي في الدنيا.
106 - تفسير العياشي: عن ابن مسكان، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " ولنعم دار
المتقين " قال: الدنيا (1).
107 - مجالس المفيد: عن الصدوق، عن أبيه، عن الحميري، عن أيوب بن نوح، عن
ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن الثمالي، عن علي بن الحسين عليهما السلام:
أنه قال يوما لأصحابه: إخواني! أوصيكم بدار الآخرة، ولا أوصيكم بدار الدنيا
فإنكم عليها حريصون، وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم عليه السلام
للحواريين؟ قال لهم: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، وقال: أيكم يبنى على
موج البحر دارا، تلكم الدار الدنيا، فلا تتخذوها قرارا (2).
108 - مجالس المفيد: عن المرزباني، عن أحمد بن محمد المكي، عن أبي العينا، عن
محمد بن الحكم، عن لوط بن يحيى، عن الحارث بن كعب، عن مجاهد قال: قال
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ازهدوا في هذه الدنيا التي لم يتمتع بها
أحد كان قبلكم، ولا تبقى لاحد من بعدكم، سبيلكم فيها سبيل الماضين.
قد تصرمت وآذنت بقضاء، وتنكر معروفها، فهي تخبر أهلها بالفناء
وسكانها بالموت، وقد أمر منها ما كان حلوا، وكدر منها ما كان صفوا،، فلم
تبق منها إلا سملة (3) كسملة الإداوة، أو جرعة كجرعة الاناء (4)

(1) تفسير العياشي ج 2 ص 258، والآية في سورة النحل: 30.
(2) مجالس المفيد: 34.
(3) السملة - بالضم والتحريك - ما بقي في الاناء من الماء القليل بعد استخراجه
والإداوة: المطهرة، واناء صغير من جلد يشرب منه.
(4) في النهج: وجرعة كجرعة المقلة، والمقلة الحصاة كانوا إذا أعوزهم الماء
في الاسفار يضعونها في الاناء ثم يصبون عليها الماء إلى أن يغمرها، يقدرون بذلك ويقتسمون
الماء بينهم ليشربوا من أولهم إلى آخرهم.
107

لو تمززها العطشان (1) لم ينقع بها.
فآذنوا بالرحيل من هذه الدار المقدر على أهلها الزوال، الممنوع أهلها
من الحياة، المذللة فيها أنفسهم بالموت، فلا حي يطمع في البقاء، ولا نفس إلا مذعنة
بالمنون، فلا يعللكم الأمل، ولا يطول عليكم الأمد، ولا تغتروا منها بالآمال
ولو حننتم حنين الوله العجال (2) ودعوتم مثل حنين الحمام (3) وجأرتم جأر متبتلي
الرهبان (4) وخرجتم إلى الله تعالى من الأموال والأولاد، التماس القربة إليه في
ارتفاع الدرجة عنده، أو غفران سيئة أحصتها كتبته، وحفظتها ملائكته، لكان قليلا
فيما أرجو لكم من ثوابه، وأتخوف عليكم من عقابه، جعلنا وإياكم من التائبين
العابدين (5).
109 - من كتاب عيون الحكم والمواعظ: لعلي بن محمد الواسطي كتبناه من
أصل قديم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: احذروا هذه الدنيا الخداعة الغدارة، التي
قد تزينت بحليها، وفتنت بغرورها، وغرت بآمالها، وتشوفت لخطابها (6) فأصبحت
كالعروس المجلوة، والعيون إليها ناظرة، والنفوس بها مشغوفة، والقلوب إليها
تائقة، وهي لازواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر بسوء أثرها

(1) التمزز: تمصص الشراب قليلا قليلا كأنه يتذوقه ولا يريد أن يشربه والنقع
سكون العطش والري من الماء.
(2) الوله جمع الوالهة، يطلق على الناقة إذا اشتد وجدها على ولدها، والعجال
جمع عجلى: الناقة السريعة كأنها تسرع حيارى لتفقد ولدها ولا تجده.
(3) الحمام: طائر معروف، والحنين: الأنين، وفي نسخة نهج " دعوتم بهديل
الحمام " والهديل صوت الحمام في بكائه لفقد الفه.
(4) الجؤار والجأر: التضرع والاستغاثة بصوت عال كما يفعله الرهبان المتبتلون
المنقطعون للعبادة المتضرعون إليه.
(5) مجالس المفيد: 103.
(6) أي تزينت وتطاولت وتعرضت.
108

على الأول مزدجر، ولا اللبيب فيها بالتجارب منتفع.
أبت القلوب لها إلا حبا، والنفوس إلا صبا (1) والناس لها طالبان طالب ظفر
بها فاغتر فيها، ونسي التزود منها للظعن، فقل فيها لبثه حتى خلت منها يده
وزلت عنها قدمه، وجائته أسر ما كان بها منيته، فعظمت ندامته، وكثرت حسرته
وجلت مصيبته، فاجتمعت عليه سكرات الموت، فغير موصوف ما نزل به.
وآخر اختلج عنها قبل أن يظفر بحاجته، ففارقها بغرته وأسفه، ولم يدرك
ما طلب منها، ولم يظفر بما رجا فيها، فارتحلا جميعا من الدنيا بغير زاد، وقدما
على غير مهاد.
فاحذروا الدنيا الحذر كله، وضعوا عنكم ثقل همومها لما تيقنتم لو شك زوالها
وكونوا أسر ما تكونون فيها أحذر ما تكونون لها، فان طالبها كلما اطمأن منها
إلى سرور اشخصه عنها مكروه، وكلما اغتبط منها باقبال نغصه عنها إدبار، وكلما
ثبتت عليه منها رجلا طوت عنه كشحا، فالسار فيها غار، والنافع فيها ضار، وصل
رخاؤها بالبلاء، وجعل بقاؤها إلى الفناء، فرحها مشوب بالحزن، وآخر همومها
إلى الوهن.
فانظر إليها بعين الزاهد المفارق، ولا تنظر بعين الصاحب الوامق.
اعلم يا هذا أنها تشخص الوادع الساكن، وتفجع المغتبط الامن، لا يرجع
منها ما تولى فأدبر، ولا يدري ما هو آت فيحذر، أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة
صفوها كدر، وابن آدم فيها على خطر، إما نعمة زائلة، وإما بلية نازلة، وإما
معظمة جائحة (2) وإما منية قاضية، فلقد كدرت عليه العيشة إن عقل، وأخبرته
عن نفسها إن وعى.
ولو كان خالقها عز وجل لم يخبر عنها خبرا، ولم يضرب لها مثلا، ولم
يأمر بالزهد فيها، والرغبة عنها، لكانت وقايعها وفجايعها قد أنبهت النائم، ووعظت
الظالم، وبصرت العالم، وكيف وقد جاء عنها من الله تعالى زاجر، وأتت منه

(1) الصب: الشوق في رقة وحرارة كالصبابة.
(2) المعظمة: النازلة الشديدة، والجائحة: المهلكة.
109

فيها البينات والبصاير، فما لها عند الله عز وجل قدر ولا وزن، ولا خلق فيما بلغنا
خلقا أبغض إليه منها، ولا نظر إليها مذ خلقها.
ولقد عرضت على نبينا صلى الله عليه وآله بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك من حظه
من الآخرة فأبى أن يقبلها، لعلمه أن الله عز وجل أبغض شيئا فأبغضه، وصغر شيئا
فصغره، وأن لا يرفع ما وضعه الله جل ثناؤه وأن لا يكثر ما أقله الله عز وجل
ولو لم يخبرك عن صغرها عند الله، إلا أن الله عز وجل صغرها عن أن يجعل خيرها
ثوابا للمطيعين، وأن يجعل عقوبتها عقابا للعاصين [لكفى] ظ.
ومما يدلك على دناءة الدنيا أن الله جل ثناؤه زواها عن أوليائه وأحبائه
نظرا واختيارا، وبسطها لأعدائه فتنة واختبارا، فأكرم عنها محمدا نبيه صلى الله عليه وآله
حين عصب على بطنه من الجوع، وحماها موسى نجيه المكلم، وكانت ترى خضرة
البقل من صفاق بطنه من الهزال، وما سأل الله عز وجل يوم أوي إلى الظل إلا
طعاما يأكله لما جهده من الجوع ولقد جاءت الرواية أنه قال: أوحى الله إليه: إذا
رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب عجلت عقوبته، وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبا
بشعار الصالحين.
وصاحب الروح والكلمة عيسى بن مريم عليه السلام إذ قال: إدامي الجوع
وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، ودابتي رجلاي، وسراجي بالليل القمر
وصلاي في الشتاء مشارق الشمس، وفاكهتي ما أنبتت الأرض للانعام، أبيت وليس
لي شئ، وليس أحد أغنى مني.
وسليمان بن داود وما أوتي من الملك إذ كان يأكل خبز الشهير، ويطعم
أمه الحنطة، وإذا جنه الليل لبس المسوح، وغل يده إلى عنقه، وبات باكيا
حتى يصبح، ويكثر أن يقول: رب إني ظلمت نفسي، فإن لم تغفر لي وترحمني
لأكونن من الخاسرين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
فهؤلاء أنبياء الله وأصفياؤه، تنزهوا عن الدنيا، وزهدوا فيما زهدهم الله جل
ثناؤه فيه منها، وأبغضوا ما أبغض، وصغروا ما صغر، ثم اقتص الصالحون آثارهم
110

وسلكوا منهاجهم، وألطفوا الفكر، وانتفعوا بالعبر، وصبروا في هذا العمر
القصير من متاع الغرور الذي يعود إلى الفناء، ويصير إلى الحساب.
نظروا بعقولهم إلى آخر الدنيا، ولم ينتظروا إلى أولها، وإلى باطن الدنيا
ولم ينظروا إلى ظاهرها، وفكروا في مرارة عاقبتها، فلم يستمرئهم (1) حلاوة عاجلها
ثم الزموا أنفسهم الصبر، وأنزلوا الدنيا من أنفسهم كالميتة التي لا يحل لاحد أن
يشبع منها إلا في حال الضرورة إليها، وأكلوا منها بقدر ما أبقى لهم النفس وأمسك
الروح، وجعلوها بمنزلة الجيفة التي اشتد نتنها، فكل من مر بها أمسك على
فيه، فهم يتبلغون بأدنى البلاغ، ولا ينتهون إلى الشبع من النتن، ويتعجبون من
الممتلي منها شبعا، والراضي بها نصيبا.
إخواني! والله لهي في العاجلة والاجلة - لمن ناصح نفسه في النظر، وأخلص
لها الفكر - وأنتن من الجيفة، وأكره من الميتة، غير أن الذي نشأ في دباغ الإهاب
لا يجد نتنه، ولا تؤذيه رائحته، ما تؤذي المار به، والجالس عنده، وقد يكفي العاقل
من معرفتها علمه بأن من مات وخلف سلطانا عظيما، سره أنه عاش فيها سوقة
خاملا، أو كان فيها معافا سليما سره أنه كان فيها مبتلى ضريرا، فكفى بهذا على
عورتها والرغبة عنها دليلا.
والله لو أن الدنيا كانت من أراد منها شيئا وجده حيث تنال يده من غير
طلب ولا تعب ولا مؤنة ولا نصب، ولا ظعن ولا دأب، غير أن ما أخذ منها من شئ لزمه
حق الله فيه، والشكر عليه، وكان مسؤولا عنه محاسبا به، لكان يحق على
العاقل أن لا يتناول منها إلا قوته وبلغة يومه، حذرا من السؤال، وخوفا من الحساب
وإشفاقا من العجز عن الشكر، فكيف بمن تجشم في طلبها من خضوع رقبته، ووضع
خده، وفرط عنائه، والاغتراب عن أحبابه، وعظيم أخطاره، ثم لا يدري ما آخر
ذلك؟ الظفر أم الحنيبة؟.
إنما الدنيا ثلاثة أيام: يوم مضى بما فيه فليس بعائد، ويوم أنت فيه فحق
عليك اغتنامه، ويوم لا تدري أنت من أهله، ولعلك راحل فيه، أما اليوم الماضي

(1) استمرء الطعام: استطيبه وعده ووجده مريئا.
111

فحكيم مؤدب، وأما اليوم الذي أنت فيه فصديق مودع، وأما غدا فإنما في يديك
منه الأمل، فان يكن أمس سبقك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته، وإن يكن
يومك هذا آنسك بمقدمه عليك، فقد كان طويل الغيبة عنك، وهو سريع الرحلة
فترود منه وأحسن وداعه.
خذ بالثقة من العمل، وإياك والاغترار بالامل، ولا تدخل عليك اليوم هم
غد، يكفي اليوم همه، وغدا داخل عليك بشغله، إنك إن حملت على اليوم هم
غد زدت في حزنك وتعبك، وتكلفت أن تجمع في يومك ما يكفيك أياما فعظم الحزن
وزاد الشغل، واشتد التعب، وضعف العمل للأمل ولو أخليت قلبك من الأمل
لجددت في العمل، والأمل الممثل في اليوم غدا أضرك في وجهين: سوفت به العمل
وزدت به في الهم والحزن.
أولا ترى أن الدنيا ساعة بين ساعتين، ساعة مضت، وساعة بقيت، وساعة
أنت فيها، فأما الماضية والباقية فلست تجد لرخائهما لذة ولا لشدتهما ألما فأنزل
الساعة الماضية، والساعة التي أنت فيها منزلة الضيفين نزلا بك، فظعن الراحل عنك
بذمه إياك، وحل النازل بك بالتجربة لك، فاحسانك إلى الثاوي يمحو إساءتك
إلى الماضي، فأدرك ما أضعت به عتابك مما استقبلت، واحذر أن تجمع عليك
شهادتهما فيوبقاك.
ولو أن مقبورا من الأموات قيل له: هذه الدنيا أولها إلى آخرها تخلفها
لولدك الذي لم يكن لك هم غيره، أو يوم نرده إليك فتعمل فيه لنفسك؟ لاختار
يوما يستعتب فيه من سيئ ما أسلف على جميع الدنيا به يورثها ولدا خلفه، فما يمنعك
أيها المغتر المضطر المسوف أن تعمل على مهل، قبل حلول الأجل، وما يجعل
المقبور أشد تعظيما لما في يديك منك، الا تسعى في تحرير رقبتك، وفكاك رقك
ووقاء نفسك من النار التي عليها ملائكة غلاظ شداد.
وقال عليه السلام: أوصيكم عباد الله بتقوى الله عز وجل واغتنام ما استطعتم عملا
به من طاعة الله عز وجل في هذه الأيم الخالية، بجليل ما يشقى عليكم به الفوت
112

بعد الموت، وبالرفض لهذه [الدنيا] التاركة لكم، وإن لم تكونوا تحبون تركها
والمبلية لكم وإن كنتم تحبون تجديدها، فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا سبيلا
فكأنهم قد قطعوه، وأموا علما، فكأن قد بلغوه، وكم عسى من المجري إلى الغاية أن
يجري حتى يبلغها، فكم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه، ومن ورائه
طالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها.
فلا تتنافسوا في [عز] الدنيا وفخرها، ولا تعجبوا بزينتها، ولا تجزعوا
من ضرائها وبؤسها، فان عز الدنيا وفخرها إلى انقطاع، وإن زينتها ونعيمها
إلى زوال، وإن ضراءها وبؤسها إلى نفاد، وكل مدة فيها إلى منتهى، وكل
حي فيها إلى فناء.
أو ليس لكم في آثار الأولين [مزدجر] وفي آبائكم الماضين تبصرة ومعتبر
إن كنتم تعقلون، ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، وإلى الخلف الباقي منكم
لا يبقون؟ قال الله عز وعلا " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " (1)
الآية والتي بعدها، وقال عز وجل " كل نفس ذائقة الموت وإنما يوفون أجورهم
يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع
الغرور " (2).
ألستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى: ميت يبلى، وآخر
يعزى، وصريع مبتلى، وعائد معود، وآخر بنفسه يجود، وطالب والموت
يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى اثر الماضي منا يمضي الباقي، فلله
الحمد رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، الذي يبقى ويفنى ما سواه، وإليه
موئل الخلق ومرجع الأمور (3).
وقال عليه السلام: أما بعد فاني أحذركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة، حفت

(1) الأنبياء: 95.
(2) آل عمران. 185.
(3) روى هذا الأخير في النهج مع اختلاف تحت الرقم 93 من قسم الخطب.
113

بالشهوات، وراقت بالقليل، وتحببت بالعاجلة، وعمرت بالآمال، وتزينت بالغرور
فلا تدوم نعمتها، ولا تفنى فجايعها، غدارة ضرارة، حائلة زائلة، نافدة بائدة
أكالة غوالة، لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضا بها كما قال
الله عز وجل: " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما
تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا " (1).
مع أن امرءا لم يكن منها في حبرة إلا أعقبته منها بعد بعبرة، ولم يلق من
سرائها بطنا إلا أعطته من ضرائها ظهرا، ولم يطله فيها ديمة رخاء، إلا هتنت (2)
عليه منها مزنة بلاء، وحري إذا أصبحت لك متحبرة، أن تمسي لك متنكرة (3)
وان جانب منها اعذوذب لامرء واحلولى، أمر عليه جانب فأوبى، وإن آنس
إنسان من غضارتها رغبا، أرهقته من بوائقها تعبا، غرارة غرور ما فيها، فان من
عليها، ولم يمس امرء منها في جناح أمن إلا أصبح في جوف خوف (4) لا خير في شئ
من زادها إلا التقوى، من أقل منها استكثر مما يوبقه، ومن استكثر منها لم
تدم له وزالت عنه.
كم واثق بها فجعته، وذي طمأنينة إليها صرعته، وذي خدع فيها خدعته
وكم من ذي أبهة فيها قد صيرته حقيرا، وذي نخوة فيها قد ردته خائفا فقيرا
وكم من ذي تاج قد أكبته لليدين والفم، سلطانها دول، وعيشها رنق، وعذبها
أجاج، وحلوها صبر، وغذاؤها سمام، وأسبابها رمام، وقطافها سلع، حيها
بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم، ومنيعها بعرض اهتضام، وملكها مسلوب

(1) الكهف: 45.
(2) الطل: المطر الخفيف الضعيف، وقيل الندى، وقيل فوقه، وكأنه بمعنى
الإدامة والاشراف، فان الديمة أيضا هو المطر إذا نزل بلا رعد وبرق مع سكون، وهتنت
أي انصبت وجرت، والمزنة: القطعة من المزن، أو هي المطرة نفسها.
(3) المتحبرة: المتزينة المتعرضة بحسنها، وفي بعض النسخ نقلا عن كتاب مطالب
السؤل " متنصرة " راجع ج 78 ص 15 من هذه الطبعة.
(4) خوافى خوف ظ.
114

وعزيزها مغلوب، وضيفها منكوب، وجارها محروم، مع أن وراء ذلك سكرات
الموت وزفراته، وهول المطلع، والوقوف بين يدي إلهكم الحكم ليجزي الذين
أحسنوا بالحسنى.
ألستم في مساكن من كان قبلكم؟ كانوا أطول منكم أعمارا، وأبقى منكم
آثارا، وأعد منكم عديدا، وأكثف منكم جنودا، وأشد منكم عنودا، تعبدوا
للدنيا اي تعبد، وآثروها أي إيثار، ثم ظعنوا عنها بالصغار، وهل بلغكم أن
الدنيا سخت لهم نفسا بفدية، أو عدت عنهم فيما أهلكتهم به بخطب، بل أوهنتهم
بالقوارع، وضعضعتهم بالنوائب، وعقرتهم بالمناخر، وأعانها عليهم ريب المنون.
فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها، وآثرها أو أخلد إليها، حين ظعنوا عنها
لفراق أبد أو إلى آخر زوال، هل زودتهم إلا السغب؟ أو أحلتهم إلا إلى الضنك
أو نورت لهم إلا الظلمة؟ أو أعقبتهم إلا النار؟ ألهذه تؤثرون؟ أم عليها تربصون؟
أم إليها تطمئنون، يقول الله عز وجل: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها
نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة
إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " (1).
فبئست الدار لمن لم يتهمها، ولم يكن فيها على وجل منها، اذكروا عند
تصرفها بكم سرعة انقضائها عنكم، ووشك زوالها، وضعف مجالها، ألم تجدكم
على مثال من كان قبلكم، ووجدت من كان قبلكم على مثال من كان قبلهم، جيل بعد
جيل، وأمة بعد أمة، وقرن بعد قرن، وخلف بعد خلف، فلا هي تستحي من
العار، وما لا ينبغي من المبديات، ولا تخجل من الغدر.
اعلموا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها لا بد وإنما هي كما نعت الله عز وجل
" لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " (2).
فاتعظوا فيها بالذين كانوا يبنون، بكل ريع آية يعبثون * ويتخذون مصانع

(1) هود: 15 و 16.
(2) الحديد: 20.
115

لعلهم يخلدون، (1) وبالذين قالوا: " من أشد منا قوة " (2) واتعظوا بمن
رأيتم من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم لا يدعون ركبانا، وأنزلوا لا يدعون
ضيفانا (3) وجعل لهم من الضريح أجنانا (4) ومن التراب أكفانا، ومن الرفات
جيرانا.
وهم جيرة لا يجيبون داعيا، ولا يمنعون ضيما، ولا يبالون مندبة، ولا
يعرفون نسبا ولا حسبا، ولا يشهدون زورا، إن جيدوا لم يفرحوا (5) وإن قحطوا لم
يقنطوا، جميع وهم آحاد، وجيرة وهم أبعاد، ومتدانون لا يتزاورون، ولا يزورون
حلماء قد بادت أضغانهم، جهلاء قد ذهبت أحقادهم، لا يخشى فجعهم، ولا يرجى
دفعهم، وهم كمن لم يكن، وكما قال جل ثناؤه: " فتلك مساكنهم لم تسكن من
بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين " (6).
إن الدنيا وهن مطلبها، رنق مشربها، ردغ مشرعها (7) غرور ماحل (8)
وسم قاتل، وسناد مائل، تريق مطرفها، وتردى مستزيدها، وتصرع مستفيدها

(1) إشارة إلى قوم عاد كما في سورة الشعراء: 128.
(2) إشارة إلى قوم عاد أيضا كما في سورة السجدة: 15.
(3) يعني أنهم وان حملوا على أكتاف الناس ويمشون لا بأنفسهم، معذلك لا يقال إنهم
ركبان، وانهم وان أنزلوا في الجدث مع التكريم والاحترام معذلك لا يقال: إنهم
ضيفان أنزلوا بالتكريم والحبور.
(4) الاجنان جمع جنن، وهو الجدث والقبر وفي نسخة مطالب السؤل ص
58 وهكذا تحف العقول ص 178 " اكنانا " بدل اجنان واكنان جمع كن: المختفى
والستر، وقد يقال للبيت: الكن.
(5) من الجود: وهو المطر.
(6) القصص: 58.
(7) الرنق: الكدر، والردغ: كثير الطين والوحل.
(8) الماحل: الساعي في الفتنة والكائد إلى السلاطين بالسعاية.
116

بانفاد لذتها، وموبقات شهواتها، وأسر نافرها، قنصت بأحبلها، وقصدت بأسهمها
مائلا لهناتها، وتعلل بهباتها ليالي عمره، وأيام حياته، قد علقته أوهاق المنية
فأردته بمرائرها (1) قائدة له بحتوفها، إلى ضنك المضجع، ووحشة المرجع، ومجاورة
الأموات، ومعاينة المحل، وثواب العمل ثم ضرب على أدناهم سبات الدهور، وهم
لا يرجعون، قد ارتهنت الرقاب بسالف الاكتساب، و أحصيت الآثار لفصل الخطاب
وقد خاب من حمل ظلما.
وقال عليه السلام في ذم الدنيا في خطبة خطبها: الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن
به وأتوكل عليه، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده
ورسوله، أرسله بالحق ودين الهدى ليزيح به علتكم، وليوقظ به غفلتكم، واعلموا
أنكم ميتون، ومبعوثون من بعد الموت، وموقوفون على أعمالكم، ومجزون بها
فلا تغرنكم الحياة الدنيا، فإنها دار بالبلاء محفوفة، وبالعناء معروفة، وبالغدر
موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال، وهي بين أهلها دول وسجال، لا تدوم أحوالها
ولا يسلم من شرها، بينا أهلها منها في رخاء وسرور، إذ هم منها في بلاء وغرور
أحوال مختلفة، وتارات متصرفة، العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، وإنما
أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، وتقصمهم بحمامها، وكل حتفه فيها
مقدور، وحظه منها موفور.
واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى
ممن كان أطول منكم باعا، وأشد منكم بطشا، وأعمر ديارا، وأبعد آثارا
فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تغلبها، وأجسادهم بالية وديارهم خالية
وآثارهم عافية، فاستبدلوا بالقصور المشيدة، والستور والنمارق الممهدة، الصخور
والأحجار المسندة، في القبور التي قد بني للخراب فناؤها، فمحلها مقترب

(1) الاوهاق: جمع وهق، وهو حبال الموت أو هو بالدال المهملة، وهو خشبتان
يغمز بهما ساق المجرمين، يقال: عنقه في وهق ورجله في دهق. والمرائر جمع مريرة:
وهي طاقة الحبل أو الحبل الشديد الفتل وقيل: الحبل الدقيق الطويل.
117

وساكنها [مغترب] بين أهل عمارة موحشين، وأهل محلة متشاغلين، لا يستأنسون
بالعمران، ولا يتواصلون تواصل الجيران والاخوان، على ما بينهم من قرب
الجوار، ودنو الدار.
وكيف يكون بينهم تواصل؟ وقد طحنهم بكلكه البلى، وأكلتهم الجنادل
والثرى، فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، وبعد غضارة العيش رفاتا، فجع بهم الأحباب
وسكنوا التراب، وظعنوا فليس لهم إياب، هيهات هيهات، إنها كلمة هو قائلها ومن
ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون.
فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى، والوحدة في المثوى، وارتهنتم في
ذلك المضجع، وضمكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو قد تناهت الأمور، وبعثرت
القبور، وحصل ما في الصدور، ووقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل، فطارت القلوب
لاشفاقها من سالف الذنوب، وهتكت عنكم الحجب والأستار، وظهرت منكم العيوب
والاسرار، هنالك تجزى كل نفس بما كسبت.
إن الله عز وجل يقول: " ليجزي الذين آمنوا بما عملوا ويجزي الذين
أحسنوا بالحسنى " (1) وقال: " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه
ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا
ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " (1).
جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه، متبعين لأوليائه، حتى يحلنا وإياكم
دار المقامة من فضله، إنه حميد مجيد.
وقال عليه السلام: أنظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها، فإنها والله عن قليل
تزيل الثاوي الساكن، وتفجع المترف الامن، لا يرجع ما تولى عنها فأدبر، ولا
يدرى ما هو آت منها فينتظر، سرورها مشوب بالحزن، وآخر الحياة فيها إلى
الضعف والوهن، فلا يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها.

(1) النجم: 31.
(2) الكهف: 46.
118

رحم الله عبدا تفكر واعتبر، فأبصر إدبار ما قد أدبر، وحضور ما قد حضر
وكأن ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن، وكأن ما هو كائن من الآخرة لم
يزل، وكل ما هو آت قريب، ألا وإن الدنيا لا يسلم منها إلا فيها، ولا
ينجى بشئ كان لها، ابتلى الناس بها فتنة، فما أخذوه منها لها أخرجوا منه
وحوسبوا عليه، وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه، وأقاموا فيه، وإنها لذوي
العقول كفئ الظل، بينا تراه سابغا حتى قلص، وزائدا حتى نقص.
110 - روضة الواعظين: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مالي والدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا
كمثل راكب مر للقيلولة في ظل شجرة في يوم صيف، ثم راح وتركها.
وقال صلى الله عليه وآله: ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم
فلينظر بم يرجع؟
قال أمير المؤمنين عليه السلام: الدنيا دار مني لها الفناء، ولأهلها منها الجلاء
وهي حلوة خضرة، قد عجلت للطالب، والتبست بقلب الناظر، فارتحلوا عنها
بأحسن ما بحضرتكم من الزاد، ولا تسألوا فيها فوق الكفاف، ولا تطلبوا منها
أكثر من البلاغ.
وقال عليه السلام: ألا وإن الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها ولا ينجى بشئ كان
لها، ابتلى الناس بها فتنة فما أخذوه منها لها أخرجوا منه، وحوسبوا عليه، وما
أخذوه منها لغيرها قدموا عليه، وأقاموا فيه، وإنها عند ذوي العقول كفئ الظل
بينا تراه سابغا حتى قلص، وزايدا حتى نقص.
وقال عليه السلام: حلاوة الدنيا مرارة الآخرة، ومرارة الآخرة حلاوة الدنيا.
وقال عليه السلام: الدنيا تغر وتضر وتمر إن الله تعالى لم يرضها ثوابا لأوليائه
ولا عقابا لأعدائه، وإن أهل الدنيا كركب بينا هم حلول إذ صاح بهم سائقهم
فارتحلوا.
قال الصادق عليه السلام: حب الدنيا رأس كل خطيئة.
وقال المسيح عليه السلام للحواريين: إنما الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها.
119

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن، والزهد
في الدنيا يريح القلب والبدن.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أصف دارا أولها عناء، وآخرها فناء، في
حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن
ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها آتته، ومن أبصر بها بصرته، ومن أبصر إليها
أعمته.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله جل جلاله أوحى إلى الدنيا أن أتعبى من خدمك
وأخدمي من رفضك، وإن العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم، وناجاه
أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال: يا رب يا رب، ناداه الجليل جل جلاله لبيك
عبدي سلني أعطك، وتوكل علي أكفك، ثم يقول جل جلاله لملائكته: يا
ملائكتي انظروا إلى عبدي، قد تخلى في جوف هذا الليل المظلم، والبطالون لاهون
والغافلون نيام، اشهدوا أني قد غفرت له.
ثم قال عليه السلام: عليكم بالورع، والاجتهاد، والعبادة، وازهدوا في هذه
الدنيا الزاهدة فيكم، فإنها غرارة، دار فناء وزوال، كم من مغتر بها قد أهلكته
وكم من واثق بها قد خانته، وكم من معتمد عليها قد خدعته وأسلمته، واعلموا
أن أمامكم طريقا بعيدا، وسفرا مهولا، وممرا على الصراط، ولا بد للمسافر
من زاد، ومن لم يتزود وسافر عطب وهلك، وخير الزاد التقوى، إلى آخر
الخبر.
قال الصادق عليه السلام: كان عيسى بن مريم عليه السلام يقول لأصحابه: يا بني آدم
اهربوا من الدنيا إلى الله، وأخرجوا قلوبكم عنها، فإنكم لا تصلحون لها ولا
تصلح لكم، ولا تبقون لها ولا تبقى لكم، هي الخداعة الفجاعة، المغرور من اغتر
بها، المفتون من اطمأن إليها، الهالك من أحبها وأرادها، فتوبوا إلى الله بارئكم
واتقوا ربكم، واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده
شيئا.
120

أين آباؤكم وأمهاتكم؟ أين إخوانكم؟ أين أخواتكم؟ أين أولادكم
دعوا فأجابوا، واستودعوا الثرى، وجاوروا الموتى، وصاروا في الهلكى، وخرجوا
عن الدنيا وفارقوا الأحبة، واحتاجوا إلى ما قدموا، واستغنوا عما خلفوا، كم
توعظون؟ وكم تزجرون؟ وأنتم لاهون ساهون؟ مثلكم في الدنيا مثل البهايم
أهمتكم بطونكم وفروجكم، أما تستحيون ممن خلقكم، قد وعد من عصاه النار
ولستم ممن يقوى على النار، ووعد من اطاعه الجنة ومجاورته في الفردوس
الاعلى، فتنافسوا وكونوا من أهله، وانصفوا من أنفسكم، وتعطفوا على ضعفائكم
وأهل الحاجة منكم، وتوبوا إلى الله توبة نصوحا، وكونوا عبيدا أبرارا، ولا
تكونوا ملوكا جبابرة، ولا من الفراعنة المتمردين على الله، قهرهم بالموت
جبار الجبابرة، رب السماوات ورب الأرض، وإله الأولين والآخرين، مالك
يوم الدين، شديد العقاب، الأليم العذاب، لا ينجو منه ظالم، ولا يفوته شئ
ولا يتوارى منه شئ، أحصى كل شئ علمه، وأنزله منزله، في جنة أو نار.
ابن آدم الضعيف! أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك، وبياض نهارك؟
وفي كل حال من حالاتك؟ فقد أبلغ من وعظ، وافلح من اتعظ.
قال الله تعالى: يا موسى إن الدنيا دار عقوبة، وجعلتها ملعونة، ملعون ما
فيها، إلا ما كان لي، يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم
وسائرهم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما من خلقي أحد عظمها فقرت عينه
ولم يحقرها أحد إلا انتفع بها.
ثم قال الصادق عليه السلام: إن قدرتم الا تعرفوا فافعلوا، وما عليك إن لم يثن
عليك الناس، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت عند الله محمودا
إن عليا عليه السلام كان يقول: لا خير في الدنيا، إلا لاحد رجلين: رجل يزداد
كل يوم إحسانا، ورجل يتدارك سيئة بالتوبة، وأنى له بالتوبة، والله لو
سجد حتى ينقطع عنقه، ما قبل الله منه إلا بولايتنا.
121

وقال المسيح عليه السلام: مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان: إن ارضى
إحداهما أسخطت الأخرى.
وقيل للنبي صلى الله عليه وآله: كيف يكون الرجل في الدنيا؟ قال: كما تمر القافلة
قيل: فكم القرار فيها؟ قال: كقدر المتخلف عن القافلة، قال: فكم ما بين الدنيا
والآخرة؟ قال: غمضة عين، قال الله عز وجل " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا
الا ساعة من نهار " (1) الآية.
قال النبي صلى الله عليه وآله: الدنيا حلم المنام، أهلها عليها مجازون معاقبون.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وآله مر على سخلة منبوذة على ظهر الطريق، فقال:
أترون هذه هينة على أهلها، فوالله الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها.
وقال صلى الله عليه وآله: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع
من لا عقل له، وشهواتها يطلب من لا فهم له، وعليها يعادي من لا علم له، وعليها
يحسد من لا فقه له، ولها يسعى من لا يقين له.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قرأ " أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من
ربه " (2) فقال: إن النور إذا وقع في القلب انفسح له وانشرح، قالوا: يا رسول
الله فهل لذلك علامة يعرف بها؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار
الخلود، والاستعداد للموت، قبل نزول الموت.
قال صلى الله عليه وآله لابن عمر: كن كأنك غريب أو عابر سبيل، واعدد نفسك مع
الموتى.
111 - تنبيه الخاطر (3): كان الحسن بن علي عليهما السلام كثيرا ما يتمثل:
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها * إن اغترارا بظل زائل حمق
وقال النبي صلى الله عليه وآله: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها
يجمع من لا عقل له، ويطلب شهواتها من لافهم له، وعليها يعادي من لا علم له

(1) الأحقاف: 35.
(2) الزمر: 22.
(3) تنبيه الخواطر: 69 و 70 و 77، متفرقا.
122

وعليها يحسد من لافقه له، ولها يسعى من لا يقين له.
وعن علي عليه السلام: الدنيا قد نعت إليك نفسها، وتكشفت لك عن مساويها
وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلا إليها، وتكالبهم عليها، فإنهم كلاب
عاوية، وسباع ضارية، يهر بعضها على بعض، يأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها
صغيرها، نعم معقلة، وأخرى مهملة، قد أضلت عقولها، وركبت مجهولها.
112 - تنبيه الخاطر: قال أمير المؤمنين عليه السلام: وأحذركم الدنيا فإنها دار قلعة
وليست بدار نجعة، دار هانت على ربها، فخلط خيرها بشرها، وحلوها بمرها
لم يرضها لأوليائه، ولم يضن بها على أعدائه، رب فعل يصاب به وقته، فيكون
سنة، ويخطأ به وقته فيكون سبة.
دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على حصير قد أثر في جنبه
فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشا أوثر منه (1) فقال: مالي وللدنيا، ما مثلي
ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار
ثم راح وتركها.
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: واعلموا رحمكم الله أنكم في زمان القائل فيه
بالحق قليل، واللسان عن الصدق كليل، واللازم للحق ذليل، أهله معتكفون في
العصيان، يصطلحون على الادهان، فتاهم عارم (2) وشائبهم آثم، وعالمهم منافق
وقاريهم مماذق (3) ولا يعظم صغيرهم كبيرهم، ولا يعول غنيهم فقيرهم (4).
بعضم: إياك وهم الغد [ارض للغد] برب الغد.

(1) الوثير من البساط ما لان وسهل ووطئ يقال: ما أوثر فراشك؟ اي ما ألينه.
(2) العارم: السئ الخلق الشرس، والشائب: الذي ابيض شعره من الهرم، وفي
نسخة الكمباني " شابهم " وهو تصحيف، والتصحيح من نسخة النهج.
(3) المماذق المنافق الذي يشوب عمله بالرياء - غير المخلص، وفي نسخة النهج
" قارنهم مماذق ".
(4) نقله في النهج تحت الرقم 231 من قسم الخطب.
123

أبو ذر رحمه الله: يومك جملك إذا أخذت برأسه أتاك ذنبه يعني إذا كنت
من أول النهار في خير لم تزل فيه إلى آخره.
لقمان قال لابنه: يا بني لا تدخل في الدنيا دخولا يضر بآخرتك، ولا
تتركها تركا تكون كلا على الناس.
علي عليه السلام قلما اعتدل به المنبر إلا قال أمام خطبته: أيها الناس اتقوا الله
فما خلق امرء عبثا فيلهو، ولا ترك سدى فيلغو، وما دنياه التي تحسنت له بخلف
من الآخرة التي قبحها سوء النظر عنده، وما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعلى همته
كالاخر الذي ظفر من الاخر بأدنى سهمته (1).
113 - الاختصاص: قال الصادق عليه السلام: من ازداد في الله علما، وازداد للدنيا
حبا، ازداد من الله بعدا، وازداد الله عليه غضبا (2).
114 - الاختصاص: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو عدلت الدنيا عند الله عز وجل
جناح بعوضة لما سقى الكافر منها شربة (3).
115 - الحسين بن سعيد أو النوادر: محمد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إن مثل الدنيا مثل الحية، مسها لين، وفي جوفها السم القاتل، يحذرها الرجل
العاقل، ويهوى إليها الصبيان بأيديهم.
116 - الحسين بن سعيد أو النوادر: فضالة: عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما
يسرني بحبكم الدنيا وما فيها، فقال: أف للدنيا وما فيها، وما هي يا داود؟
هل هي إلا ثوبان وملء بطنك.
117 - الحسين بن سعيد أو النوادر: النضر، عن درست، عن سلمة، عن ابن أبي يعفور، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إنا لنحب الدنيا ولان لا نؤتاها خير من أن نؤتاها، وما
من عبد بسط الله له من دنياه إلا نقص من حظه في آخرته.
118 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن النضر، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن إسحاق بن غالب

(1) تنبيه الخواطر: 77 و 78 و 79، متفرقا.
(2) الاختصاص: 243.
(3) الاختصاص: 243.
124

قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا إسحاق كم ترى أصحاب هذه الآية " إن أعطوا
منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون " (1) ثم قال لي: هم أكثر من
ثلثي الناس.
وبهذا الاسناد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في هذه الآية: " ولولا
أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة
ومعارج عليها يظهرون " (2) قال: لو فعل لكفر الناس جميعا.
119 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن ابن علوان، عن ابن طريف، عن ابن نباتة قال: كنت جالسا
عند أمير المؤمنين عليه السلام فجاء إليه رجل فشكا إليه الدنيا وذمها، فقال أمير المؤمنين
عليه السلام: إن الدنيا منزل صدق لمن صدقها، ودار غنى لمن تزود منها، ودار
عاقبة لمن فهم عنها، مسجد أحباء الله، ومهبط وحي الله، ومصلى ملائكته، ومتجر
أوليائه، اكتسبوا فيها الجنة، وربحوا فيها الرحمة، فلماذا تذمها؟ وقد آذنت
ببينها، ونادت بانقطاعها، ونعت نفسها وأهلها، فمثلت ببلائها إلى البلاء، وشوقت
بسرورها إلى السرور، راحت بفجيعة، وابتكرت بعافية، تحذيرا، وترغيبا
وتخويفا، فذمها رجال غداة الندامة، وحمدها آخرون [يوم القيامة].
ذكرتهم فذكروا، وحدثتهم فصدقوا: فيا أيها الذام للدنيا، المعتل
بتغريرها، متى استذمت إليك الدنيا وغرتك؟ أبمنازل آبائك من الثرى، أم
بمضاجع أمهاتك من البلى، كم مرضت بكفيك، وكم عللت بيديك، تبتغي له
الشفاء، وتستوصف له الأطباء، لم ينفعه إشفاقك، ولم تعقه طلبتك، مثلت لك
به الدنيا نفسك، وبمصرعه مصرعك، فجدير بك أن لا يفنى به بكاؤك، وقد علمت
أنه لا ينفعك أحباؤك (3).
120 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن ابن المغيرة، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

(1) براءة: 58.
(2) الزخرف: 33.
(3) كتاب المؤمن مخطوط، وتراه في النهج تحت الرقم 131 من قسم الحكم.
125

تمثلت الدنيا لعيسى عليه السلام في صورة امرأة زرقاء، فقال لها: كم تزوجت؟ قالت:
كثيرا قال: فكل طلقك؟ قالت: بل كلا قتلت، قال: فويح أزواجك الباقين
كيف لا يعتبرون بالماضين؟ قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: مثل الدنيا كمثل البحر
المالح، كلما شرب العطشان منه ازداد عطشا حتى يقتله.
121 - الحسين بن سعيد أو النوادر: فضالة، عن أبان بن عثمان، عن سلمة بن أبي حفص، عن أبي
عبد الله، عن أبيه عليهما السلام عن جابر قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله بالسوق وأقبل يريد
العالية والناس يكتنفه، فمر بجدي أسك على مزبلة ملقى وهو ميت فأخذ باذنه
فقال: أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟ قالوا: ما نحب أنه لنا بشئ، وما
نصنع به؟ قال: أفتحبون أنه لكم؟ قالوا: لا، حتى قال ذلك ثلاث مرات فقالوا:
والله لو كان حيا كان عيبا فكيف وهو ميت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الدنيا
على الله أهون من هذا عليكم.
122 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن فضالة، عن ابان، عن زياد بن أبي رجا، عن أبي هاشم، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: من أصبح والدنيا أكبر همه شتت [الله] عليه أمره، وكان
فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن كانت الآخرة أكبر همه
كشف الله عنه ضيقه، وجمع له أمره، وأتته الدنيا وهي راغمة.
123 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن إسماعيل بن
أبي حمزة، عن جابر قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا جابر أنزل الدنيا منك
كمنزل نزلته ثم أردت التحرك منه من يومك ذلك، أو كمال اكتسبته في منامك
واستيقظت فليس في يدك منه شئ، وإذا كنت في جنازة فكن كأنك أنت المحمول
وكأنك سألت ربك الرجعة إلى الدنيا لتعمل عمل من عاش، فان الدنيا عند
العلماء مثل الظل.
124 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن النضر، عن ابن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
دخل على النبي صلى الله عليه وآله رجل وهو على حصير قد أثر في جسمه ووسادة ليف قد أثرت
في خده، فجعل يمسح ويقول: ما رضي بهذا كسرى ولا قيصر، إنهم ينامون
126

على الحرير والديباج، وأنت على هذا الحصير؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
لأنا خير منهما والله، لأنا أكرم منهما والله، ما أنا والدنيا؟ إنما مثل الدنيا
كمثل رجل راكب مر على شجرة ولها فئ فاستظل تحتها، فلما أن مال الظل
عنها ارتحل فذهب وتركها.
125 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن النضر، عن أبي سيار، عن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال لي علي بن الحسين عليهما السلام: ما عرض لي قط أمران أحدهما للدنيا
والاخر للآخرة فآثرت الدنيا، إلا رأيت ما أكره قبل أن أمسي ثم قال أبو عبد الله
عليه السلام لبني أمية: إنهم يؤثرون الدنيا على الآخرة منذ ثمانين سنة وليس
يرون شيئا يكرهونه
126 - الحسين بن سعيد أو النوادر: ابن أبي عمير، عن الأحمسي، عمن أخبره، عن أبي جعفر
عليه السلام أنه كان يقول: نعم العون الدنيا على الآخرة.
127 الحسين بن سعيد أو النوادر: الحسن بن علي، عن أبي الحسن عليه السلام قال: قال عيسى عليه السلام
للحواريين: يا بني آدم لا تأسوا على ما فاتكم من دنياكم كما لا يأسى أهل الدنيا
على ما فاتهم من آخرتهم إذا أصابوا دنياهم.
128 - التمحيص: ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الثمالي قال: سمعت
علي بن الحسين عليهما السلام يقول: عجبا كل العجب لمن عمل لدار الفناء، وترك دار
البقاء.
129 - التمحيص: عن مالك بن أعين قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: يا
مالك إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض، ولا يعطي دينه إلا من يحب.
130 - أمالي الطوسي: عن الحسين بن إبراهيم القزويني، عن محمد بن وهبان، عن أحمد
ابن إبراهيم، عن الحسن بن علي الزعفراني، عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي
عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رأس كل خطيئة حب الدنيا.
وبهذا الاسناد، عن هشام قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنا لنحب
الدنيا، وأن لا نعطاها خير لنا، وما أعطي أحد منها شيئا إلا نقص حظه في
127

الآخرة، قال: فقال له رجل: والله إنا لنطلب الدنيا فقال له أبو عبد الله عليه السلام:
تصنع بها ماذا؟ قال: أعود بها على نفسي، وعلى عيالي، وأتصدق منها، واصل
منها، وأحج منها، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب
الآخرة (1).
131 - نهج البلاغة: [قال عليه السلام] أهل الدنيا كركب يسار بهم، وهم نيام (2).
وقال عليه السلام: إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى (3).
وقال عليه السلام: الدهر يخلق الأبدان، ويجدد الآمال، ويقرب المنية
ويباعد الأمنية، من ظفر به نصب، ومن فاته تعب (4).
وقال عليه السلام: نفس المرء خطاه إلى أجله (5).
وقال عليه السلام: كل معدود منقض، وكل متوقع آت (6).
132 - نهج البلاغة: ومن خبر ضرار بن ضمرة الضبابي عند دخوله على معاوية
ومسألته عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى
الليل سدوله، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم
ويبكى بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا يا دنيا إليك عني أبي تعرضت أم إلي
تشوقت، لا حان حينك، هيهات غري غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثا
لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلة الزاد
وطول الطريق، وبعد السفر، وعظيم المورد، وخشونة المضجع (7).

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 275 و 276.
(2) نهج البلاغة الرقم 64 من الحكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 28 من الحكم.
(4) نهج البلاغة الرقم 72 من الحكم.
(5) نهج البلاغة الرقم 74 من الحكم.
(6) نهج البلاغة الرقم 75 من الحكم.
(7) نهج البلاغة الرقم 77 من الحكم.
128

133 - نهج البلاغة: قال عليه السلام: إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان، وسبيلان
مختلفان، فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة
المشرق والمغرب، وماش بينهما، كلما قرب من واحد بعد من الاخر، وهما
بعد ضرتان (1).
134 - نهج البلاغة: قال عليه السلام: مثل الدنيا كمثل الحية: لين مسها، والسم
الناقع في جوفها، يهوى إليها الغر الجاهل، ويحذرها ذو اللب العاقل (2).
135 - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين عليه السلام وقد سمع رجلا يذم الدنيا: أيها
الذام للدنيا، المغتر بغرورها، المنخدع بأباطيلها، أتغتر بالدنيا ثم تذمها؟
أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك؟ متى استهوتك؟ أم متى غرتك؟
أبمصارع آبائك من البلى؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟ كم عللت بكفيك
وكم مرضت بيديك، تبغي لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطباء، لم ينفع أحدهم
إشفاقك، ولم تسعف فيه بطلبتك، ولم تدفع عنهم بقوتك، قد مثلت لك به الدنيا
نفسك، وبمصرعه مصرعك.
إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن
تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله
ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة
فمن ذا يذمها؟ وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها، فمثلت
لهم ببلائها البلاء، وشوقتهم بسرورها إلى السرور، راحت بعافية، وابتكرت
بفجيعة، ترغيبا وترهيبا، وتخويفا وتحذيرا، فذمها رجال غداة الندامة، وحمدها
آخرون يوم القيامة، ذكرتهم الدنيا فذكروا، وحدثتهم فصدقوا، ووعظتهم
فاتعظوا (3).

(1) نهج البلاغة الرقم 103 من الحكم.
(2) نهج البلاغة الرقم 119 من الحكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 131 من الحكم.
129

وقال عليه السلام: الدنيا دار ممر إلى دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل
باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها (1).
وقال عليه السلام: لكل مقبل إدبار وما أدبر كأن لم يكن (2).
وقال عليه السلام: الامر قريب والاصطحاب قليل (3).
وقال عليه السلام: الرحيل وشيك (4).
وقال عليه السلام: إنما المرؤ في الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا، ونهب تبادره
المصائب، ومع كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص، ولا ينال العبد نعمة
إلا [بفراق أخرى، ولا يستقبل يوما من عمره إلا] (5) بفراق آخر من أجله
فنحن أعوان المنون، وأنفسنا نصب الحتوف، فمن أين نرجو البقاء، وهذا
الليل والنهار لم يرفعا من شئ شرفا إلا أسرعا الكرة في هدم ما بنيا، وتفريق
ما جمعا (6).
وقال عليه السلام: من لهج قلبه بحب الدنيا التاط منها بثلاث: هم لا يغبه، وحرص
لا يتركه، وأمل لا يدركه (7).
وقال عليه السلام: والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد
مجذوم (8).

(1) نهج البلاغة الرقم 133 من الحكم.
(2) نهج البلاغة الرقم 152 من الحكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 168 من الحكم.
(4) نهج البلاغة الرقم 187 من الحكم.
(5) ما بين العلامتين ساقط من نسخة الكمباني.
(6) نهج البلاغة الرقم 191 من الحكم.
(7) نهج البلاغة الرقم 228 من الحكم.
(8) نهج البلاغة الرقم 236 من الحكم، والعراق - بالضم - العظم أكل لحمه أو
بالكسر - وهو من الحشا ما فوق السرة معترضا بالبطن، كأنه يريد به الكرش، وعلى
الوجهين ما أقذره إذا كان بيد مجذوم.
130

قال عليه السلام: مرارة الدنيا حلاوة الآخرة، وحلاوة الدنيا مرارة الآخرة (1).
وقال عليه السلام: الناس في الدنيا عاملان: عامل في الدنيا للدنيا، قد شغلته
دنياه عن آخرته، يخشى على من يخلف الفقر، ويأمنه على نفسه، فيفنى عمره في
منفعة غيره، وعامل عمل في الدنيا لما بعدها، فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمل
فأحرز الحظين معا، وملك الدارين جميعا، فأصبح وجيها عند الله لا يسأل الله شيئا
فيمنعه (2).
وقال عليه السلام: الناس أبناء الدنيا، ولا يلام الرجل على حب أمه (3).
وقال عليه السلام: يا أيها الناس متاع الدنيا حطام موبئ (4) فتجنبوا مرعاه
قلعتها أحظى من طمأنينتها، وبلغتها أزكى من ثروتها، حكم على مكثريها بالفاقة
وأعين من غنى عنها بالراحة، من راقه زبرجها أعقبت ناظريه كمها (5) ومن استشعر
الشغف بها ملأت ضميره أشجانا، لهن رقص على سويداء قلبه، هم يشغله، وهم
يحزنه، كذلك حتى يؤخذ بكظمه (6) فيلقى بالفضاء منقطعا أبهراه، هينا على الله
فناؤه، وعلى الاخوان إلقاؤه، وإنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار

(1) نهج البلاغة الرقم 251 من الحكم.
(2) نهج البلاغة الرقم 269 من الحكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 303 من الحكم.
(4) الموبئ الكثير الوباء - ومرعى وبئ: أي مرتع إذا سرح فيه الدواب أصابها
الوباء والطاعون. وقوله " قلعتها أحظى من طمأنينتها " القلعة: النزوع والعزلة أي الكف
منها أسعد وأحظى من أن تطمئن وتركن إليها.
(5) - الكمه - محركة - العمى، فان حب زبرجها وزينتها يعمى البصر عن
رؤية عاقبتها.
(6) - الكظم - محركة - الحلقوم، أو مخرج النفس، والاخذ بالكظم كناية عن الخنق
والابهر: عرق مستبطن الصلب إذا انقطع لم يبق صاحبه، وفي الصحاح: وهما أبهران
يخرجان من القلب ثم يتشعب منهما سائر الشرائين، وقيل: هما الوريدان.
131

ويقتات منها ببطن الاضطرار، ويسمع فيها بإذن المقت والابغاض، إن قيل:
أثرى، قيل: أكدى (1) وإن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء، هذا ولم يأتهم يوم
فيه يبلسون (2).
136 - نهج البلاغة: روى أنه عليه السلام قلما اعتدل به المنبر إلا قال أمام خطبته:
أيها الناس اتقوا الله فما خلق امرؤ عبثا فيلهو، ولا ترك سدى فليغو، وما دنياه
التي تحسنت له بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر عنده، وما المغرور الذي
ظفر من الدنيا بأعلا همته، كالاخر الذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته (3).
وقال عليه السلام: رب مستقبل يوما ليس بمستدبره، ومغبوط في أول ليله قامت
بواكيه في آخره (4).
وقال عليه السلام: الركون إلى الدنيا مع ما تعاين منها جهل (5).
وقال: من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا
بتركها (6).
وقال عليه السلام في صفة الدنيا: إن الدنيا تغر وتضر وتمر، إن الله تعالى لم يرضها
ثوابا لأوليائه، ولا عقابا لأعدائه، وإن أهل الدنيا كركب بينا هم حلوا إذ صاح بهم
سائقهم فارتحلوا (7).
وقال عليه السلام: الا حر يدع هذه اللماظة لأهلها؟ إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا

(1) أثرى: أي صار ذا ثروة وغناء، وأكدى: أي صادف الكدية، فلا يظفر بحاجته
ورجع القهقرى إلى حالته الأولى من الفقر.
(2) نهج البلاغة الرقم 367 من قسم الحكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 370 من الحكم.
(4) نهج البلاغة الرقم 380 من الحكم.
(5) نهج البلاغة الرقم 384 من الحكم.
(6) نهج البلاغة الرقم 385 من الحكم.
(7) نهج البلاغة الرقم 415 من الحكم.
132

الجنة فلا تبيعوها إلا بها (1).
وقال عليه السلام: منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا (2).
وقال عليه السلام: الدنيا خلقت لغيرها، ولم تخلق لنفسها (3).
ومن خطبة له عليه السلام: ألا وإن الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها، ولا ينجى
بشئ كان لها، ابتلى الناس بها فتنة، فما أخذوه منها لها أخرجوا منه، وحوسبوا
عليه، وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه، وأقاموا فيه، فإنها عند ذوي العقول
كفئ الظل، بينا تراه سابغا حتى قلص، وزائدا حتى نقص (4).
وقال عليه السلام: ما أصف من دار أولها عناء، وآخرها فناء. في حلالها حساب
وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها فاتته
ومن قعد عنها واتته، ومن أبصر بها بصرته، ومن أبصر إليها أعمته (5).
137 - نهج البلاغة: من خطبة له عليه السلام: بعثه حين لا علم قائم، ولا منار ساطع
ولا منهج واضح، أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحذركم الدنيا فإنها دار شخوص
ومحلة تنغيص، ساكنها ظاعن، وقاطنها بائن، تميد بأهلها ميدان السفينة، تعصفها
العواصف في لجج البحار، فمنهم الغرق الوبق (6)، ومنهم الناجي على متون

(1) نهج البلاغة الرقم 456 واللماظة - بالضم: ما بقي من الطعام في الفم: عبر
عن الدنيا الفانية التي أدبرت وآذنت بوداع باللماظة الباقية في الفم بعد أكل الطعام
وقبل المضمضة والاستياك، كما شبهها في غير مورد بصبابة الاناء وسملة الحوض.
(2) نهج البلاغة الرقم 457 من الحكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 463 من الحكم.
(4) نهج البلاغة الرقم 61 من الخطب.
(5) نهج البلاغة الرقم 80 من الخطب.
(6) الوبق - ككتف - الهالك والحفز الدفع. والمعنى أن الذي غرق في البحر حين
تكسر به السفينة فلا يستدرك، ولا يمكن خلاصه، وأما من حمل على متن الأمواج، ولاقى
شدة المحن والأهوال حين يلقيه موج إلى موج، تارة يعلو على الماء ومرة يعلو الماء
عليه، فهو وان نجا من هذه المهلكة في البحر، تترقبه مهلكة أخرى في البر ليفنيها
فهو أيضا ليس بناج.
133

الأمواج، تحفزه الرياح بأذيالها، وتحمله على أهوالها، فما غرق منها فليس
بمستدرك، وما نجا منها فإلى مهلك.
عباد الله الان فاعملوا والألسن مطلقة، والأبدان صحيحة، والأعضاء لدنة
والمتقلب فسيح، والمجال عريض، قبل إرهاق الفوت، وحلول الموت، فحققوا
عليكم نزوله، ولا تنتظروا قدومه (1).
138 - نهج البلاغة: من كلام له عليه السلام: أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز
والآخرة دار قرار، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم، عند من
يعلم أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم، من قبل أن تخرج منها أبدانكم
ففيها اختبرتم، ولغيرها خلقتم، إن المرء إذا هلك قال الناس ما ترك؟ وقالت
الملائكة ما قدم؟ لله آباؤكم فقدموا بعضا يكن لكم قرضا، ولا تخلفوا كلا
فيكون عليكم كلا (2).
ومن كلام له عليه السلام كثيرا ما ينادي به أصحابه: تجهزوا رحمكم الله فقد نودي
فيكم بالرحيل، وأقلوا العرجة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد
فان أمامكم عقبة كؤودا، ومنازل مخوفة مهولة، لا بد من الورود عليها، والوقوف
عندها.
واعلموا أن ملاحظ المنية نحوكم دانية، وكأنكم بمخالبها وقد نشبت
فيكم، وقد دهمتكم منها مفظعات الأمور، ومعضلات المحذور، فقطعوا علائق
الدنيا، واستظهروا بزاد التقوى (3).
139 - نهج البلاغة: الحمد لله غير مقنوط من رحمته، ولا مخلو من نعمته، ولا

(1) نهج البلاغة الرقم 194 من الخطب.
(2) نهج البلاغة الرقم 201 من الخطب وفيه: فرضا عليكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 202 من الخطب.
134

مأيوس من مغفرته، ولا مستنكف من عبادته، الذي لا تبرح منه رحمة، ولا تفقد
له نعمة، والدنيا دار مني لها الفناء، ولأهلها منها الجلاء، وهي حلوة خضرة، قد
عجلت للطالب، والتبست بقلب الناظر، فارتحلوا عنها بأحسن ما بحضرتكم من
الزاد، ولا تسألوا فوق الكفاف، ولا تطلبوا منها أكثر من البلاغ (1).
140 - كنز الكراجكي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحب دنياه أضر
بآخرته.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الدنيا دول، فاطلب حظك منها بأجمل الطلب.
وقال صلى الله عليه وآله: من أمن الزمان خافه، ومن غالبه أهانه.
وقال صلى الله عليه وآله: الدهر يومان: يوم لك، ويوم عليك، فإن كان لك فلا تبطر
وإن كان عليك فاصبر، فكلاهما غائب سيحضر.
- 123 -
(باب)
* " (حب المال وجمع الدينار والدرهم وكنزهما) " *
الآيات: الأنفال: واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده
أجر عظيم (2).
التوبة: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم
بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم
هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون (3).
الكهف: المال والبنون زينة الحياة الدنيا (4).

(1) نهج البلاغة الرقم 45 من الخطب.
(2) الأنفال: 28.
(3) براءة: 34 - 35.
(4) الكهف: 45.
135

القصص: إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز
ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب
الفرحين * وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن
كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين * قال
إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من
هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون * فخرج على
قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه
لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل
صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون * فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة
ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين * وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس
يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا
لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون (1).
المنافقون: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله
ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون (2).
التغابن: إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم (3).
المعارج: تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى (4).
الفجر: فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن *
وأما إذا ما ابتلاه وقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا بل لا تكرمون اليتيم *
ولا تحاضون على طعام المسكين * وتأكلون التراث أكلا لما * وتحبون المال
حبا جما * كلا إذا دكت الأرض دكا دكا * وجاء ربك والملك صفا صفا *

(1) القصص: 76 - 82.
(2) المنافقون: 9.
(3) التغابن: 15.
(4) المعارج: 17 - 18.
136

وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وأنى له الذكرى * يقول يا ليتني
قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد (1).
العاديات: وإن الانسان لربه لكنود * وإنه على ذلك لشهيد * وإنه
لحب الخير لشديد * أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور * إن
ربهم بهم يومئذ لخبير (2).
الهمزة: ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مالا وعدده * يحسب أن
ماله أخلده * كلا لينبذن في الحطمة * وما أدريك ما الحطمة * نار الله الموقدة
التي تطلع على الأفئدة * إنها عليهم مؤصدة * في عمد ممددة.
1 - أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام قال: إن كان الحساب حقا فالجمع لماذا (3).
2 - أمالي الصدوق: عن ابن مسرور، عن ابن عامر، عن عمه، عن التفليسي، عن
السمندي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل مجاعة حتى نبشوا
الموتى فأكلوهم. فنبشوا قبرا فوجدوا فيه لوحا فيه مكتوب: أنا فلان النبي ينبش
قبري حبشي، ما قدمنا وجدناه، وما أكلنا ربحناه، وما خلفنا خسرناه (4).
3 - أمالي الصدوق: عن ابن مسرور، عن ابن عامر، عن عمه، عن ابن أبي عمير، عن
أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن أول
درهم ودينار ضربا في الأرض نظر إليهما إبليس فلما عاينهما أخذهما فوضعهما على
عينيه، ثم ضمهما إلى صدره، ثم صرخ صرخة ثم ضمهما إلى صدره ثم قال:
أنتما قرة عيني، وثمرة فؤادي، ما أبالي من بني آدم إذا أحبو كما أن لا يعبدوا
وثنا، حسبي من بني آدم أن يحبوكما (5).

(1) الفجر: 15 - 16.
(2) العاديات: 6 - 11.
(3) أمالي الصدوق: 6.
(4) أمالي الصدوق: 361.
(5) أمالي الصدوق: 121.
137

4 - تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " والذين
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " (1) فان
الله حرم كنز الذهب والفضة، وأمر بانفاقه في سبيل الله، وقوله: " يوم يحمى
عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم
فذوقوا ما كنتم تكنزون " قال: كان أبو ذر الغفاري يغدو كل يوم وهو بالشام
فينادي بأعلا صوته: بشر أهل الكنوز بكى في الجباه، وكي بالجنوب، وكي بالظهور
أبدا حتى يتردد الحر [ق] في أجوافهم (2).
5 - الخصال (3) عيون أخبار الرضا (ع): الفامي، عن ابن بطة، عن محمد بن علي بن محبوب، عن
اليقطيني، عن ابن بزيع قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لا يجتمع المال إلا
بخصال خمس: ببخل شديد، وأمل طويل، وحرص غالب، وقطيعة الرحم، وإيثار
الدنيا على الآخرة (4).
6 - أمالي الطوسي: باسناد المجاشعي، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: ما فينا أحد يحب ذلك
يا نبي الله، قال: بل كلكم يحب ذلك، ثم قال: يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل
لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وما
عدا ذلك فهو مال الوارث (5).
7 - أمالي الطوسي: بهذا الاسناد، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام أنه سئل عن الدنانير
والدراهم، وما على الناس فيها؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: هي خواتيم الله في أرضه
جعلها الله مصحة لخلقه، وبها يستقيم شؤونهم ومطالبهم، فمن أكثر له منها فقام

(1) براءة: 34 و 35.
(2) تفسير القمي: 265.
(3) الخصال ج 1 ص 136.
(4) عيون الأخبار ج 1 ص 276.
(5) أمالي الطوسي ج 2 ص 133.
138

بحق الله تعالى فيها، وادى زكاتها فذاك الذي طابت وخلصت له، ومن أكثر
له منها فبخل بها، ولم يؤد حق الله فيها، واتخذ منها الآنية، فذاك الذي حق
عليه وعيد الله عز وجل في كتابه، يقول الله تعالى: " يوم يحمى عليها في نار جهنم
فتكوى بها جباههم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " (1).
8 - أمالي الطوسي: بهذا الاسناد قال: لما نزلت هذه الآية: " والذين يكنزون الذهب
والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم " قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
كل مال يؤدى زكاته فليس بكنز، وإن كان تحت سبع أرضين، وكل مال لا
تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض (2).
9 - الخصال: ماجيلويه، عن عمه، عن البرقي، عن محمد بن علي الكوفي، عن
محمد بن سنان، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما
بلى الله العباد بشئ أشد عليهم من إخراج الدراهم (3).
أقول: قد مضى بعض الأخبار في باب الغنى (4).
10 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن ابن يزيد، عن زياد بن مروان، عن أبي
وكيع، عن أبي إسحاق، عن الحارث قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وهما مهلكاكم (5).
11 - الخصال: عن أبيه: عن محمد بن العطار، عن الأشعري رفعه قال: الذهب والفضة
حجران ممسوخان، فمن أحبهما كان معهما.
قال الصدوق رحمه الله: يعني من أحبهما حبا يمنع حق الله منهما (6).
12 - الخصال: عن ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 133 والآية في براءة: 34.
(2) أمالي الطوسي ج 2 ص 133.
(3) الخصال ج 1 ص 8.
(4) راجع ج 72 ص 56 - 68.
(5) الخصال ج 1 ص 23.
(6) الخصال ج 1 ص 23.
139

محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن ابن طريف، عن ابن نباتة قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام: الفتن ثلاث: حب النساء، وهو سيف الشيطان، وشرب الخمر، وهو
فخ الشيطان، وحب الدينار والدرهم، وهو سهم الشيطان، فمن أحب النساء
لم ينتفع بعيشه، ومن أحب الأشربة حرمت عليه الجنة، ومن أحب الدينار
والدرهم فهو عبد الدنيا.
وقال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: الدينار داء الدين، والعالم طبيب
الدين، فإذا رأيتم الطبيب يجر الداء إلى نفسه فاتهموه، واعلموا أنه غير ناصح
لغيره (1).
13 - الخصال: أبي، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن اليقطيني، عن محمد بن
إبراهيم النوفلي، عن الحسين بن المختار رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ملعون
ملعون من كمه أعمى، ملعون ملعون من عبد الدينار والدرهم، ملعون ملعون من
نكح بهيمة (2).
معاني الأخبار: عن ابن إدريس، عن أبيه، عن الأشعري، عن ابن يزيد، عن محمد
ابن إبراهيم النوفلي مثله.
قال الصدوق رحمه الله: قوله عليه السلام: ملعون من عبد الدينار والدرهم، يعني
به من يمنع زكاة ماله، ويبخل بمواساة إخوانه، فيكون قد آثر عبادة الدينار
والدرهم على عبادة خالقه (3).
14 - علل الشرائع: عن علي بن أحمد بن محمد، عن الكليني، عن علي بن محمد رفعه
قال أتى يهودي أمير المؤمنين عليه السلام فسأله عن مسائل فكان فيما سأله: لم سمي الدرهم
درهما، والدينار دينارا؟ فقال عليه السلام: إنما سمي الدرهم درهما لأنه دارهم من
جمعه ولم ينفقه في طاعة الله، أورثه النار، وإنما سمي الدينار دينارا لأنه دار

(1) الخصال ج 1 ص 56.
(2) الخصال ج 1 ص 64.
(3) معاني الأخبار: 403.
140

النار من جمعه ولم ينفقه في طاعة الله أورثه النار، فقال اليهودي صدقت: يا أمير
المؤمنين (1).
15 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن علي بن إسماعيل
عن صفوان، عن ابن الحجاج عمن سمعه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن
الزكاة ما يأخذ منها الرجل؟ وقلت له: إنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أيما
رجل ترك دينارين فهما كي بين عينيه، قال: فقال: أولئك قوم كانوا أضيافا على
رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا أمسى قال: يا فلان اذهب فعش هذا، وإذا أصبح قال: يا
فلان اذهب فغد هذا، فلم يكونوا يخافون أن يصبحوا بغير غداء، ولا بغير عشاء
فجمع الرجل منهم دينارين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه هذه المقالة وإن الناس
إنما يعطون من السنة إلى السنة، فللرجل أن يأخذ ما يكفيه، ويكفي عياله من
السنة إلى السنة (2).
16 - معاني الأخبار: أبي، عن سعد، عن البرقي، عن أبيه، عن فضالة، عن أبان
قال: ذكر بعضهم عند أبي الحسن عليه السلام فقال: بلغنا أن رجلا هلك على عهد رسول
الله صلى الله عليه وآله وترك دينارين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ترك كثيرا، قال: إن ذاك كان
رجلا يأتي أهل الصفة فيسألهم فمات، وترك دينارين (3).
17 - معاني الأخبار: الحسن بن حمزة العلوي، عن محمد بن أوميدوار، عن الصفار
عن ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لعن الله الذهب والفضة، لا يحبهما إلا من كان من جنسهما، قلت: جعلت
فداك الذهب والفضة؟ قال: ليس حيث تذهب إليه إنما الذهب الذي ذهب بالدين
والفضة الذي أفاض الكفر.
قال الصدوق رحمه الله: هذا حديث لم أسمعه إلا من الحسن بن حمزة العلوي ولم

(1) علل الشرايع ج 1 ص 4.
(2) معاني الأخبار: 152.
(3) معاني الأخبار: 153.
141

أروه عن شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ولكنه صحيح عندي يؤيده الخبر
المنقول عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة
والمال لا يدوس إنما يداس به، فهو كناية عمن ذهب بالدين وأفاض الكفر، وإنما
وقعت الكناية بهما لأنهما أثمان كل شئ كما أن الذين كنى عنهم أصول كل
كفر وظلم (1).
18 - الخصال (2) معاني الأخبار: الأربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام: السكر أربع سكرات:
سكر الشراب، وسكر المال، وسكر النوم، وسكر الملك (3).
19 - قصص الأنبياء: بالاسناد إلى الصدوق عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن
الأهوازي، عن فضالة، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوحى الله
تعالى إلى موسى عليه السلام لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري على حال، فان كثرة
المال تنسي الذنوب، وترك ذكري يقسي القلوب.
20 - تفسير العياشي: عن عثمان بن عيسى، عمن حدثه، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول
الله " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " (4) قال: هو الرجل يدع المال
لا ينفقه في طاعة الله بخلا، ثم يموت فيدعه لمن يعمل به في طاعة الله أو في معصيته
فان عمل به في طاعة الله رآه في ميزان غيره فزاده حسرة، وقد كان المال له
أو عمل به في معصية الله [فهو] قواه بذلك المال حتى عمل به في معاصي الله (5).
21 - تفسير الإمام العسكري: سئل أمير المؤمنين عليه السلام من أعظم الناس حسرة؟ قال: من رأى ماله
في ميزان غيره، وادخله الله به النار، وأدخل وارثه به الجنة.
22 - تفسير العياشي: عن سعدان، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله " الذين يكنزون الذهب

(1) معاني الأخبار: 313 و 314.
(2) الخصال ج 1 ص 170.
(3) معاني الأخبار: 365.
(4) البقرة: 167.
(5) تفسير العياشي ج 1 ص 72.
142

والفضة " إنما عنى بذلك ما جاوز ألفي درهم (1).
23 - تفسير العياشي: عن معاذ بن كثير صاحب الأكسية قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
قال: موسع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرم
على كل ذي كنز كنزه، حتى يأتيه فيستعين به على عدوه، وذلك قول الله " الذين
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " (2).
24 - تفسير العياشي: عن الحسين بن علوان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إن المؤمن إذا كان عنده من ذلك شئ ينفقه على عياله ما شاء، ثم إذا قام القائم
فيحمل إليه ما عنده، وما بقي من ذلك يستعين به على أمره، فقد أدى ما يجب
عليه (3).
25 - مجالس المفيد: عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف، عن
ابن مهزيار، عن القاسم بن عروة، عن رجل، عن أحدهما عليه السلام في معنى قوله عز
وجل: " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " (4) قال: الرجل يكسب مالا
فيحرم أن يعمل خيرا فيموت، فيرثه غيره، فيعمل عملا صالحا، فيرى الرجل ما
كسب حسنات في ميزان غيره (5).
26 - روضة الواعظين: قال الصادق عليه السلام: إن عيسى بن مريم توجه في بعض حوائجه
ومعه ثلاثة نفر من أصحابه، فمر بلبنات من ذهب على ظهر الطريق، فقال عليه السلام
لأصحابه: إن هذا يقتل الناس ثم مضى، فقال أحدهم: إن لي حاجة فانصرف
ثم قال الآخر: لي حاجة فانصرف، ثم قال الآخر: لي حاجة فانصرف، فوافوا عند
الذهب ثلاثتهم فقال اثنان لواحد: اشتر لنا طعاما فذهب يشتري لهما طعاما فجعل
فيه سما ليقتلهما، كيلا يشاركاه في الذهب، وقال الاثنان: إذا جاء قتلناه كيلا
يشاركنا، فلما جاء قاما إليه فقتلاه، ثم تغديا فماتا.

(1) تفسير العياشي ج 2 ص 87، والآية في براءة: 34.
(2) تفسير العياشي ج 2 ص 87، والآية في براءة: 34.
(3) تفسير العياشي ج 2 ص 87، والآية في براءة: 34.
(4) البقرة: 167.
(5) مجالس المفيد: 127.
143

فرجع إليهم عيسى عليه السلام وهم موتى حوله، فأحياهم بإذن الله عز وجل وقال:
ألم أقل لكم أن هذا يقتل الناس؟.
27 - الحسين بن سعيد أو النوادر: فضالة عن ابن عميرة، عن علي بن المغيرة، عن أخ له قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما ذئبان جائعان في غنم قد فرقها راعيها
أحدهما في أولها والاخر في آخرها بأفسد فيها من حب المال والشرف في دين
المرء المسلم.
28 - نهج البلاغة: قال عليه السلام: يا ابن آدم ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن
لغيرك (1).
وقال عليه السلام وقد مر بقذر على مزبلة: هذا ما بخل به الباخلون، وروي
أنه قال: هذا ما كنتم تتنافسون فيه بالأمس (2).
وقال عليه السلام: لم يذهب من مالك ما وعظك (3).
وقال عليه السلام: لكل امرئ في ماله شريكان: الوارث والحوادث (4).
وقال عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام: يا بني لا تخلفن وراءك شيئا من الدنيا
فإنك تخلفه لاحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت به، وإما رجل
عمل فيه بمعصية الله فكنت عونا له على معصيته، وليس أحد هذين حقيقا أن
تؤثره على نفسك.
ويروي هذا الكلام على وجه آخر وهو: أما بعد فان الذي في يديك من
الدنيا قد كان له أهل قبلك، وهو صائر إلى أهل بعدك، وإنما أنت جامع
لاحد رجلين: رجل عمل فيما جمعته بطاعة الله فسعد بما شقيت به، أو رجل عمل

(1) نهج البلاغة الرقم 192 من الحكم.
(2) نهج البلاغة الرقم 195 من الحكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 196 من الحكم.
(4) نهج البلاغة الرقم 335 من الحكم.
144

فيه بمعصية الله، فشقي بما جمعت له، وليس أحد هذين أهلا أن تؤثره على
نفسك، وتحمل له على ظهرك، فارج لمن مضى رحمة الله، ولمن بقي رزق
الله عز وجل (1).
- 124 -
(باب)
" (حب الرياسة) "
الآيات: القصص: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في
الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين (2).
1 - الكافي: عن محمد، عن أحمد، عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن عليه السلام أنه ذكر
رجلا فقال إنه يحب الرياسة، فقال: ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرق رعاؤها
بأضر في دين المسلم من طلب الرياسة (3).
بيان: " إنه ذكر رجلا " ضماير " إنه " و " ذكر " و " فقال " أولا، راجعة
إلى معمر، ويحتمل رجوعها إلى الإمام عليه السلام، والرياسة الشرف والعلو على الناس
من رأس الرجل يراس مهموزا بفتحتين رياسة شرف وعلا قدره، فهو رئيس والجمع رؤساء
مثل شريف وشرفاء، والضاري السبع الذي اعتاد بالصيد وإهلاكه، والرعاء بالكسر
والمد جمع راع اسم فاعل وبالضم اسم جمع صرح بالأول صاحب المصباح
وبالثاني القاضي، وتفرق الرعاء لبيان شدة الضرر، فان الراعي إذا كان حاضرا
يمنع الذئب عن الضرر ويحمي القطيع.
والظاهر أن قوله: " في دين المسلم " صلة للضرر المقدر أي ليس ضرر
الذئبين في الغنم بأشد من ضرر الرياسة في دين المسلم، ففي الكلام تقديم وتأخير.

(1) نهج البلاغة الرقم 416 من الحكم.
(2) القصص: 83.
(3) الكافي ج 2 ص 297.
145

ويؤيده ما سيأتي في باب حب الدنيا مثله (1) هكذا " بأفسد فيها من حب
المال والشرف في دين المسلم ".
وقيل: في دين المسلم حال عن الرياسة قدم عليه، ولا يخفى ما فيه، وفيه تحذير
عن طلب الرياسة، وللرياسة أنواع شتى، منها ممدوحة، ومنها مذمومة، فالممدوحة
منها الرياسة التي أعطاها الله تعالى خواص خلقه من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام
لهداية الخلق وإرشادهم، ودفع الفساد عنهم، ولما كانوا معصومين مؤيدين بالعنايات
الربانية، فهم مأمونون من أن يكون غرضهم من ذلك تحصيل الأغراض الدنية
والاغراض الدنيوية، فإذا طلبوا ذلك ليس غرضهم إلا الشفقة على خلق الله
وإنقاذهم من المهالك الدنيوية والأخروية، كما قال يوسف عليه السلام: " اجعلني على
خزائن الأرض إني حفيظ عليم " (2).
وأما ساير الخلق فلهم رياسات حقة، ورياسات باطلة، وهي مشتبهة بحسب
نياتهم، واختلاف حالاتهم، فمنها القضاء والحكم بين الناس وهذا أمر خطير
وللشيطان فيه تسويلات، ولذا وقع التحذير عنه في كثير من الاخبار وأما من يأمن
ذلك من نفسه، ويظن أنه لا ينخدع من الشيطان، فإذا كان في زمان حضور الإمام عليه السلام
وبسط يده عليه السلام وكلفه ذلك يجب عليه قبوله، وأما في زمان الغيبة
فالمشهور أنه يجب على الفقيه الجامع لشرايط الحكم والفتوى ارتكاب ذلك، إما
عينا وإما كفاية.
فإن كان غرضه من ارتكاب ذلك إطاعة امامه والشفقة على عباد الله، وإحقاق
حقوقهم، وحفظ فروجهم وأموالهم وأعراضهم عن التلف، ولم يكن غرضه الترفع
على الناس، والتسلط عليهم، ولا جلب قلوبهم، وكسب المحمدة منهم، فليست رياسته
رياسة باطلة، بل رياسة حقة أطاع الله تعالى فيها ونصح إمامه.

(1) يعني باب حب الدنيا من الكافي ج 2 ص 315، وقد مر في الباب 122 تحت
الرقم: 14.
(2) يوسف: 55.
146

وإن كان غرضه كسب المال الحرام، وجلب قلوب الخواص والعوام
وأمثال ذلك فهي الرياسة الباطلة التي حذر عنها، وأشد منها من ادعى ما ليس له
بحق كالإمامة والخلافة، ومعارضة أئمة الحق فإنه على حد الشرك بالله وقريب
منه ما فعله الكذابون المتصنعون [الذين كانوا في أعصار الأئمة عليهم السلام وكانوا
يصدون الناس عن الرجوع إليهم كالحسن البصري وسفيان الثوري] (1) وأبي حنيفة
وأضرابهم.
ومن الرياسات المنقسمة إلى الحق والباطل ارتكاب الفتوى والتدريس والوعظ
فمن كان أهلا لتلك الأمور، عالما بما يقول: متبعا للكتاب والسنة، وكان غرضه
هداية الخلق، وتعليمهم مسائل دينهم، فهو من الرياسة الحقة، ويحتمل وجوبه
إما عينا أو كفاية، ومن لم يكن أهلا لذلك، ويفسر الآيات برأيه، والاخبار مع
عدم فهمها، ويفتي الناس بغير علم فهو ممن قال الله سبحانه فيهم " قل هل ننبئكم
بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون
صنعا " (2).
وكذلك من هو أهل لتلك الأمور من جهة العلم، لكنه مراء متصنع، يحرف
الكلم عن مواضعه ويفتي الناس بخلاف ما يعلم، أو كان غرضه محض الشهرة، وجلب
القلوب أو تحصيل الأموال والمناصب فهو أيضا من الهالكين ومنها أيضا إمامة
الجمعة والجماعة، فهذا أيضا إن كان أهله وصحت نيته فهو من الرياسات الحقة
وإلا فهو أيضا من أهل الفساد.
والحاصل أن الرياسة إن كانت بجهة شرعية ولغرض صحيح، فهي ممدوحة
وإن كانت على غير الجهات الشرعية أو مقرونة بالاغراض الفاسدة، فهي مذمومة
فهذه الأخبار محمولة على أحد هذه الوجوه الباطلة، أو على ما إذا كان المقصود
نفس الرياسة والتسلط.

(1) ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 277.
(2) الكهف: 103 و 104.
147

قال بعض المحققين: معنى الجاه ملك القلوب، والقدرة عليها، فحكمها
حكم ملك الأموال، فإنه غرض من أغراض الحياة الدنيا، وينقطع بالموت
كالمال، والدنيا مزرعة الآخرة، فكلما خلق الله في الدنيا فيمكن أن يتزود منه
إلى الآخرة، وكما أنه لا بد من أدنى مال لضرورة المطعم والملبس، فلا بد من
أدنى جاه، لضرورة المعيشة مع الخلق، والانسان كما لا يستغني عن طعام يتناوله
فيجوز أن يحب الطعام والمال الذي يبتاع به الطعام، فكذلك لا يخلو عن الحاجة
إلى خادم يخدمه، ورفيق يعينه، واستاد يعلمه، وسلطان يحرسه، ويدفع عنه
ظلم الأشرار.
فحبه أن يكون له في قلب خادمه من المحل ما يدعوه إلى الخدمة ليس
بمذموم، وحبه لان يكون في قلب رفيقه من المحل ما يحسن به مرافقته ومعاونته
ليس بمذموم، وحبه لان يكون في قلب أستاذه من المحل ما يحسن به إرشاده
وتعليمه والعناية به ليس بمذموم، وحبه لان يكون له من المحل في قلب سلطانه
ما يحثه ذلك على دفع الشر عنه ليس بمذموم، فان الجاه وسيلة إلى الأغراض
كالمال.
فلا فرق بينهما إلا أن التحقيق في هذا يفضي إلى أن يكون المال والجاه
في أعيانهما محبوبين، بل ينزل ذلك منزلة حب الانسان أن يكون في داره بيت
ماء لأنه يضطر إليه لقضاء حاجته وبوده لو استغنى عن قضاء الحاجة حتى يستغني
عن بيت الماء، وهذا على التحقيق ليس بحب لبيت الماء، فكل ما يراد به التوصل
إلى محبوب، فالمحبوب هو المقصود المتوصل إليه.
وتدرك التفرقة بمثال، وهو أن الرجل قد يحب زوجته من حيث إنه
يدفع بها فضلة الشهوة، كما يدفع ببيت الماء فضلة الطعام، ولو كفي مؤنة الشهوة
لكان يهجر زوجته، كما لو كفي قضاء الحاجة لكان لا يدخل بيت الماء، ولا يدور
به، وقد يحب زوجته لذاتها حب العشاق، ولو كفي الشهوة لبقي مستصحبا
لنكاحها.
148

فهذا هو الحب دون الأول، فكذلك الجاه والمال قد يحب كل واحد منهما
من هذين الوجهين، فحبهما لأجل التوسل إلى مهمات البدن غير مذموم، وحبهما
لأعيانهما فيما يجاوز ضرورة البدن وحاجته مذموم، ولكنه لا يوصف صاحبه بالفسق
والعصيان، ما لم يحمله الحب على مباشرة معصية، وما لم يتوصل إلى اكتسابه
بعبادة فان التوصل إلى المال والجاه بالعبادة خيانة على الدين، وهو حرام، وإليه
يرجع معنى الرياء المحظور كما مر.
فان قلت: طلب الجاه والمنزلة في قلب أستاذه وخادمه ورفيقه وسلطانه
ومن يرتبط به أمره مباح على الاطلاق، كيف ما كان؟ أو مباح إلى حد مخصوص
أو على وجه مخصوص؟ فأقول: يطلب ذلك على ثلاثة أوجه: وجهان منها مباح
ووجه منها محظور.
أما المحظور، فهو أن يطلب قيام المنزلة في قلوبهم باعتقادهم فيه صفة هو
منفك عنها، مثل العلم والورع والنسب، فيظهر لهم أنه علوي أو عالم أو ورع، ولا
يكون كذلك، فهذا حرام لأنه تلبيس وكذب، إما بالقول وإما بالفعل.
وأما المباح فهو أن يطلب المنزلة بصفة وهو متصف بها كقول يوسف عليه السلام: " اجعلني
على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " (1) فإنه طلب المنزلة في قلبه بكونه حفيظا
عليما، وكان محتاجا إليه، وكان صادقا فيه.
والثاني أن يطلب إخفاء عيب من عيوبه، ومعصية من معاصيه، حتى لا يعلمه
فلا تزول منزلته به، فهذا أيضا مباح لان حفظ الستر على القبايح جايز، ولا
يجوز هتك الستر، وإظهار القبح، فهذا ليس فيه تلبيس، بل هو سد لطريق العلم
بما لا فائدة في العلم به، كالذي يخفي عن السلطان أنه يشرب الخمر، ولا يلقى
إليه أنه ورع، فان قوله: " إني ورع " تلبيس، وعدم إقراره بالشرب لا يوجب
اعتقاده الورع، بل يمنع العلم بالشرب.
ومن جملة المحظورات تحسين الصلاة بين يديه لان تحسن فيه اعتقاده، فان

(1) يوسف: 55.
149

ذلك رياء وهو ملبس، إذ يخيل إليه أنه من المخلصين الخاشعين لله وهو مراء
بما يفعله، فكيف يكون مخلصا، فطلب الجاه بهذا الطريق حرام، وكذا بكل
معصية، وذلك يجري مجرى اكتساب المال من غير فرق، وكما لا يجوز له أن
يتملك مال غيره بتلبيس في عوض أو غيره، فلا يجوز له أن يتملك قلبه بتزوير
وخداع، فان ملك القلوب أعظم من ملك الأموال.
2 - الكافي: عن محمد، عن أحمد، عن سعيد بن جناح، عن أخيه أبي عامر، عن
رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من طلب الرياسة هلك (1).
3 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن
عبد الله بن مسكان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إياكم وهؤلاء الرؤساء الذين
يتراءسون، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك (2).
بيان: قال الجوهري: رأس فلان القوم يرأس بالفتح رياسة، وهو رئيسهم
وراسته أنا ترئيسا فترأس هو، وارتأس عليهم، وقال: خفق الأرض بنعله، وكل
ضرب بشئ [عريض خفق، أقول: وهذا أيضا محمول على الجماعة الذين
كانوا في أعصار الأئمة عليهم السلام ويدعون الرياسة] (3) من غير استحقاق أو تحذير عن
تسويل النفس وتكبر واستعلائها باتباع العوام ورجوعهم إليه، فيهلك بذلك
ويهلكهم باضلالهم، وإفتائهم بغير علم، مع أن زلات علماء الجور مسرية إلى
غيرهم، لان كل ما يرون منهم يزعمون أنه حسن فيتبعونهم في ذلك كما قال
النبي صلى الله عليه وآله: أخاف على أمتي زلة عالم.
4 - الكافي: عن محمد، عن أحمد، عن ابن أيوب: عن أبي عقيلة الصيرفي
قال: حدثنا كرام، عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
إياك والرياسة، وإياك أن تطأ أعقاب الرجال، [قال: قلت: جعلت فداك

(1) الكافي ج 2 ص 297.
(2) الكافي ج 2 ص 297.
(3) ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 278.
150

أما الرئاسة فقد عرفتها، وأما أن أطأ أعقاب الرجال] (1) فما ثلثا ما في يدي إلا
مما وطئت أعقاب الرجال فقال لي: ليس حيث تذهب إياك أن تنصب رجلا دون
الحجة، فتصدقه في كل ما قال (2).
بيان: في بعض النسخ أبي عقيل، وفي بعضها أبي عقيلة، والظاهر أنه كان
أيوب بن أبي عقيلة، لان الشيخ ذكر في الفهرست الحسن بن أيوب بن أبي
عقيلة (3) وقال النجاشي: له كتاب أصل، وكون كتابه أصلا عندي مدح
عظيم " إلا مما وطئت أعقاب الرجال " أي مشيت خلفهم لاخذ الرواية عنهم
فأجاب عليه السلام بأنه ليس الغرض النهي عن ذلك، بل الغرض النهي عن جعل غير الامام
المنصوب من قبل الله تعالى، بحيث تصدقه في كل ما يقول، وقيل: وطء العقب
كناية عن الاتباع في الفعال وتصديق المقال واكتفى في تفسيره بأحدهما لاستلزامه
الاخر غالبا.
5 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع وغيره رفعوه
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ملعون من ترأس، ملعون من هم بها، ملعون كل
من حدث بها نفسه (4)
بيان: من تراس اي ادعا الرياسة بغير حق، فان التفعل غالبا يكون
للتكلف.
6 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي
الربيع الشامي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: ويحك يا أبا الربيع لا تطلبن
الرياسة، ولا تكن ذنبا، ولا تأكل بنا الناس فيفقرك الله، ولا تقل فينا ما لا نقول
في أنفسنا فإنك موقوف ومسؤول لا محالة، فان كنت صادقا صدقناك، وإن كنت
كاذبا كذبناك (5).

(1) ما بين العلامتين ساقط من نسخة الكمباني، أضفناه من المصدر.
(2) الكافي ج 2 ص 297.
(3) وهو الصحيح قطعا كما سيأتي تحت الرقم 10 من معاني الأخبار للصدوق.
(4) الكافي ج 2 ص 298.
(5) الكافي ج 2 ص 298.
151

بيان: " ولا تكن ذنبا " أي تابعا للجهال والمترئسين وعلماء السوء قال في
النهاية: الأذناب الاتباع، جمع ذنب، كأنهم في مقابل الرؤوس، وهم المقدمون
وفي بعض النسخ ذئبا بالهمزة فيكون تأكيدا للفقرة السابقة، فان رؤساء الباطل
ذئاب يفترسون الناس، ويهلكونهم من حيث لا يعلمون " ولا تأكل بنا الناس "
اي لا تجعل انتسابك إلينا بالتشيع أو العلم أو النسب مثلا وسيلة لاخذ أموال
الناس أو إضرارهم، أو لا تجعل وضع الاخبار فينا وسيلة لاخذ أموال الشيعة
" فيفقرك الله " على خلاف مقصودك.
" ما لا نقول في أنفسنا " كالربوبية والحلول والاتحاد ونسبة خلق
العالم إليهم أو كونهم أفضل من نبينا صلى الله عليه وآله أو الأعم منها ومن التقصير في حقهم
" فإنك موقوف " أي يوم القيامة، " ومسؤول " عما قلت فينا، لقوله تعالى: " وقفوهم
إنهم مسؤلون " (1) وفي القاموس: لا محالة منه بالفتح لا بد.
7 - الكافي: عن العدة، عن سهل بن زياد، عن منصور بن العباس، عن
ابن مياح، عن أبيه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أراد الرياسة
هلك (2).
8 - الكافي: عن علي، عن ممد بن عيسى، عن يونس، عن العلا، عن
محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أتراني لا أعرف خياركم من
شراركم؟ بلى والله وإن شراركم من أحب أن يوطأ عقبه، إنه لا بد من كذاب
أو عاجز الرأي (3).
بيان: " أترى " على المعلوم أو المجهول استفهام إنكار " إنه لا بد " قيل
الضمير اسم إن وراجع إلى أن يوطأ " ولا بد " جملة معترضة و " من كذاب "
خبر " إن " و " من " للابتداء أو الضمير للشأن و " من كذاب " ظرف لغو

(1) الصافات: 24.
(2) الكافي ج 2 ص 298.
(3) الكافي ج 2 ص 299.
152

متعلق بلا بد تقديره لا بد لنا من كذاب وقيل أي لا بد في الأرض من كذاب
يطلب الرياسة، ومن عاجز الرأي يتبعه.
أقول: ويحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الموصول والتقدير لا بد من
أن يكون كذابا أو عاجز الرأي الناس يرجعون إليه في المسائل والأمور
المشكلة، فان أجابهم كان كذابا غالبا وإن لم يجبهم كان ضعيف العقل عندهم أو
واقفا لأنه لا يتم ما أراد بذلك.
9 - الخصال: عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن معبد، عن عبد الله بن القاسم
عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أول ما عصي الله
تبارك وتعالى بست خصال: حب الدنيا، وحب الرياسة، وحب الطعام، وحب
النساء، وحب النوم، وحب الراحة (1).
10 - معاني الأخبار: عن ماجيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن حسن بن أيوب
ابن أبي عقيلة، عن كرام الخثعمي، عن الثمالي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إياك
والرياسة وإياك أن تطأ أعقاب الرجال، فقلت: جعلت فداك أما الرياسة فقد عرفتها
وأما أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إلا مما وطئت أعقاب الرجال
فقال: ليس حيث تذهب، إياك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما
قال (2).
11 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن خالد، عن
أخيه سفيان بن خالد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إياك والرياسة، فما طلبها أحد
إلا هلك، فقلت له: جعلت فداك قد هلكنا إذا ليس أحد منا إلا وهو يحب
أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه، فقال: ليس حيث تذهب إليه إنما ذلك أن تنصب
رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال، وتدعو الناس إلى قوله (3).

(1) الخصال ج 1 ص 106.
(2) معاني الأخبار: 169.
(3) معاني الأخبار: 180.
153

12 - فقه الرضا (ع): نروي: من طلب الرياسة لنفسه هلك، فان الرياسة لا تصلح إلا
لأهلها.
13 - رجال الكشي: عن ابن قولويه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن الأهوازي
عن معمر بن خلاد قال: قال أبو الحسن عليه السلام: ما ذئبان ضاريان في غنم قد غاب عنها
رعاؤها بأضر في دين المسلم من حب الرياسة، ثم قال: لكن صفوان لا يحب
الرياسة (1).
- 125 -
(باب)
* " (الغفلة، واللهو، وكثرة الفرح، والاتراف بالنعم) " *
الآيات: الأعراف: ولا تكن من الغافلين (2).
يونس: والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا
يكسبون (3).
وقال تعالى: وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون (4).
هود: واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين (5).
أسرى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها
القول فدمرناها تدميرا (6).
مريم: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الامر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون (7).
الأنبياء: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون * ما يأتيهم من

(1) رجال الكشي: 424.
(2) الأعراف: 205.
(3) يونس: 7 - 8.
(4) يونس: 92.
(5) هود: 116.
(6) أسرى: 16.
(7) مريم: 39.
154

ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون * لاهية قلوبهم (1).
وقال تعالى: لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم
تسئلون (2).
وقال: يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين (3).
المؤمنون: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون * لا تجأروا
اليوم إنكم منا لا تنصرون (4).
القصص: وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن
من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين (5).
وقال تعالى: إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين * وابتغ
فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا (6).
الروم: وإذا أذقنا الناس منا رحمة فرحوا بها (7).
سبا: وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به
كافرون * وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين - إلى قوله تعالى:
وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان
نكير (8).
المؤمن: ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم
تمرحون (9).
حمعسق: وإنا إذا أذقنا الانسان منا رحمة فرح بها، وإن تصبهم سيئة

(1) الأنبياء: 1 - 2.
(2) الأنبياء: 13 - 14.
(3) الأنبياء: 97.
(4) المؤمنون: 64 - 65.
(5) القصص: 58.
(6) القصص: 76 - 77.
(7) الروم: 36.
(8) سبأ: 34 - 35.
(9) المؤمن: 75.
155

بما قدمت أيديهم الانسان كفور (1).
الزخرف: وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها
إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (2).
وقال تعالى: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين *
وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا قال
يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين * ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم
أنكم في العذاب مشتركون (3).
وقال تعالى: فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون (4).
الذاريات: قتل الخراصون * الذين هم في غمرة ساهون (5).
الواقعة: إنهم كانوا قبل ذلك مترفين (6).
الحديد: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم (7).
المجادلة: استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان
الا إن حزب الشيطان هم الخاسرون (8).
الحشر: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون (9).
المنافقون: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله
ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون (10).
المزمل: وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا (11).

(1) الشورى: 48.
(2) الزخرف: 23.
(3) الزخرف: 36 - 39.
(4) الزخرف: 83.
(5) الذاريات: 10 - 11.
(6) الواقعة: 45.
(7) الحديد: 23.
(8) المجادلة: 19.
(9) الحشر: 19.
(10) المنافقون: 9.
(11) المزمل: 11.
156

1 - الخصال (1) أمالي الصدوق: قال الصادق عليه السلام: إن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا؟
وإن كان الموت حقا فالفرح لماذا؟ (2).
2 - أمالي الطوسي: عن ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن علي بن محمد بن علي الحسني
عن جعفر بن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن علي، عن الرضا عليه السلام عن آبائه، عن
أمير المؤمنين عليهم السلام قال: كلما ألهى عن ذكر الله فهو من الميسر (3).
3 - دعوات الراوندي: عن النبي صلى الله عليه وآله إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها
صلاة ولا صدقة، قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله فما يكفرها؟ قال: الهموم في طلب
المعيشة.
وروي أن داود عليه السلام قال: إلهي أمرتني أن أطهر وجهي وبدني ورجلي
بالماء، فبماذا أطهر لك قلبي؟ قال: بالهموم والغموم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: انه ليأتي على الرجل منكم زمان لا يكتب عليه
سيئة، وذلك أنه مبتلى بهم المعاش، وقال: إن الله يحب كل قلب حزين.
وسئل أين الله؟ فقال: عند المنكسرة قلوبهم.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الهم ليذهب بذنوب المسلم.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما اكتحل أحد بمثل مكحول الحزن.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: إذا كثرت ذنوب المؤمن، ولم يكن له من العمل ما
يكفرها، ابتلاه الله بالحزن ليكفرها به عنه.
4 - نهج البلاغة: [قال عليه السلام:] بينكم وبين الموعظة حجاب من الغرة (4).
[وقال عليه السلام:] جاهلكم مزداد، وعالمكم مسوف (5).

(1) الخصال ج 2 ص 61.
(2) أمالي الصدوق: 6.
(3) أمالي الطوسي ج 1 ص 346.
(4) نهج البلاغة الرقم 282 من الحكم.
(5) نهج البلاغة الرقم 282 من الحكم.
157

[وقال عليه السلام:] قطع العلم عذر المتعللين (1).
[وقال عليه السلام:] كل معاجل يسأل الانظار، وكل مؤجل يتعلل بالتسويف (2).
- 126 -
(باب)
* " (ذم العشق وعلته) " *
1 - أمالي الصدوق: عن ابن الوليد، عن الحسن بن متيل، عن ابن أبي الخطاب
عن محمد بن سنان، عن المفضل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العشق قال: قلوب
خلت عن ذكر الله، فأذاقها الله حب غيره (3).
علل الشرائع: عن ماجيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن محمد بن سنان مثله (4).
2 - عيون أخبار الرضا (ع): باسناد التميمي، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله:
تعوذوا بالله من حب الحزن (5).
3 - نوادر الراوندي: باسناده، عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أخوف ما أتخوف على أمتي من بعدي هذه المكاسب
المحرمة، والشهوة الخفية، والربا (6).

(1) نهج البلاغة الرقم 284 و 285 من الحكم.
(2) نهج البلاغة الرقم 284 و 285 من الحكم.
(3) أمالي الصدوق: 396.
(4) علل الشرايع ج 1 ص 133.
(5) عيون الأخبار ج 2 ص 61.
(6) نوادر الراوندي: 17.
158

- 127 -
* (باب) *
* " (الكسل، والضجر، والعجز، وطلب ما لا يدرك) " *
1 - الخصال (1) أمالي الصدوق: قال الصادق عليه السلام: إن كان الثواب من الله فالكسل
لماذا؟ (2).
2 - أمالي الصدوق: عن أبيه، عن سعد، عن ابن هاشم، عن الدهقان، عن درست، عن
ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إياك وخصلتين: الضجر والكسل، فإنك
إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤد حقا (3).
3 - الخصال: أبي، عن سعد، عن الأصبهاني، عن المنقري، عن حماد، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لقمان لابنه: للكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط
ويفرط حتى يضيع، ويضيع حتى يأثم (4).
4 - الخصال: الأربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام: إياكم والكسل، فإنه من كسل
لم يؤد حق الله عز وجل (5).
5 - الخصال: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: العجز مهانة (6).
6 - الخصال: عن العطار، عن أبيه وسعد معا، عن البرقي، عن ابن أبي
عثمان، عن موسى بن بكر، عن موسى بن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام: عشرة يفتنون أنفسهم إلى أن قال: والذي يطلب ما لا يدرك (7).

(1) الخصال ج 2 ص 61، وقد سقط عن المطبوعة.
(2) أمالي الصدوق: 6.
(3) أمالي الصدوق: 324.
(4) الخصال ج 1 ص 60.
(5) الخصال ج 2 ص 160.
(6) الخصال ج 2 ص 94.
(7) الخصال ج 2 ص 54.
159

7 - نهج البلاغة: قال عليه السلام: العجز آفة، والصبر شجاعة (1).
وقال عليه السلام: من أطاع التواني ضيع الحقوق، ومن أطاع الواشي ضيع
الصديق (2).
وقال عليه السلام: في وصيته للحسن عليه السلام: وإياك والاتكال على المنى، فإنها
بضايع النوكى (3).
- 128 -
* (باب) *
* " (الحرص، وطول الأمل) " *
الآيات: المعارج: إن الانسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا (4).
القيمة: بل يريد الانسان ليفجر أمامه * يسأل أيان يوم القيمة (5).
1 - الخصال (6) أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام إن كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا؟ (7).
2 - أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: أغنى الناس من لم يكن
للحرص أسيرا (8).
3 - الخصال (9) أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام ناقلا عن حكيم: الحريص الجشع أشد

(1) نهج البلاغة الرقم 3 من الحكم.
(2) نهج البلاغة الرقم 239 من الحكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 31 من الحكم.
(4) المعارج: 19 و 20.
(5) القيامة: 5 و 6.
(6) الخصال ج 2 ص 61.
(7) أمالي الصدوق: 6.
(8) أمالي الصدوق: 14.
(9) الخصال ج 2 ص 5.
160

حرارة من النار (1).
كتاب الغايات: مرسلا مثله.
4 - أمالي الصدوق: في خبر الشيخ الشامي: سئل أمير المؤمنين عليه السلام اي ذل أذل؟ قال:
الحرص على الدنيا (2).
كتاب الغايات: مرسلا مثله.
5 - الخصال: ماجيلويه، عن عمه، عن البرقي، عن أبيه، عن عدة من أصحابه
رفعوه إلى أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: منهومان لا يشبعان: منهوم علم ومنهوم
مال (3).
6 - الخصال: عن الفامي، عن ابن بطة، عن البرقي، عن أبيه رفعه إلى
أبي عبد الله عليه السلام قال: حرم الحريص خصلتين ولزمته خصلتان حرم القناعة فافتقد
الراحة، وحرم الرضا فافتقد اليقين (4).
7 - الخصال: ابن بندار، عن سعيد بن أحمد، عن يحيى بن الفضل، عن قتيبة
ابن سعيد، عن أبي عوانة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يهرم ابن
آدم ويشب منه اثنان: الحرص على المال، والحرص على العمر (5)
8 - الخصال: عن الخليل، عن محمد بن معاذ، عن الحسين بن الحسن، عن عبد الله
ابن المبارك، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: يهلك أو قال:
يهرم ابن آدم ويبقى منه اثنتان: الحرص والأمل (6).
9 - الخصال: ابن الوليد: عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن النضر بن شعيب، عن
الجازي، عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال: لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن

(1) أمالي الصدوق: 148.
(2) أمالي الصدوق: 237.
(3) الخصال ج 1 ص 28.
(4) الخصال ج 1 ص 36.
(5) الخصال ج 1 ص 37.
(6) الخصال ج 1 ص 37.
161

ولا يكون المؤمن جبانا ولا حريصا ولا شحيحا (1).
10 - الخصال: عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن مرار، عن يونس رفعه
إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: كان فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام:
يا علي أنهاك عن ثلاث خصال عظام: الحسد والحرص والكذب (2).
الخصال: في وصية النبي صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام بسند آخر مثله (3).
11 - الخصال: عن ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن النوفلي
عن السكوني، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
من علامات الشقاء جمود العين، وقسوة القلب، وشدة الحرص في طلب الرزق، و
الاصرار على الذنب (4).
12 - الخصال: عن سعيد بن علاقة، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إظهار الحرص
يورث الفقر (5).
13 - الخصال: عن ابن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: الحرص
مفقرة (6).
14 - علل الشرائع: عن أبيه، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن محمد بن آدم، عن
أبيه رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اعلم يا علي أن الجبن والبخل والحرص
غريزة واحدة يجمعها سوء الظن (7).
15 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد، عن البرقي رفعه إلى ابن طريف، عن ابن
نباتة، عن الحارث الأعور قال: كان فيما سال عنه أمير المؤمنين ابنه الحسن عليهما السلام

(1) الخصال ج 1 ص 41.
(2) الخصال ج 1 ص 62.
(3) الخصال ج 1 ص 27.
(4) الخصال ج 1 ص 115.
(5) الخصال ج 2 ص 94.
(6) الخصال ج 2 ص 94.
(7) علل الشرايع ج 2 ص 246.
162

أنه قال له: ما الفقر؟ قال: الحرص والشره (1).
16 - الخصال: عن أبيه، عن محمد العطار، عن ابن عيسى، عن أبيه، عن حماد
ابن عيسى، عن ابن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس، عن
أمير المؤمنين عليه السلام قال: الا إن أخوف ما أخاف عليكم خصلتان: اتباع الهوى و
طول الأمل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي
الآخرة (2).
الخصال: عن ابن بندار، عن أبي العباس الحمادي، عن أحمد بن محمد الشافعي
عن عمه إبراهيم بن محمد، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن محمد بن المنكدر، عن
جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وآله مثله (3).
أقول: قد مر في باب ذم الدنيا وباب ترك الأهواء.
17 - الخصال: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن الحسن بن علي، عن عمر
عن أبان، عن ابن سيابة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما هبط نوح عليه السلام من
السفينة أتاه إبليس فقال له: ما في الأرض رجل أعظم منة علي منك، دعوت الله على
هؤلاء الفساق فأرحتني منهم ألا أعلمك خصلتين؟ إياك والحسد، فهو الذي عمل
بي ما عمل، وإياك والحرص فهو الذي عمل بآدم ما عمل (4).
18 - الخصال: عن أبيه، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن سهل، عن عبد العزيز
العبدي، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من تعلق قلبه
بالدنيا تعلق منها بثلاث خصال: هم لا يفنى، وأمل لا يدرك، ورجاء
لا ينال (5).
19 - الخصال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن معروف، عن إسماعيل بن
همام، عن ابن غزوان، عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه، عن علي عليهم السلام:

(1) معاني الأخبار: 244.
(2) الخصال ج 1 ص 27.
(3) الخصال ج 1 ص 27.
(4) الخصال ج 1 ص 27.
(5) الخصال ج 1 ص 44.
163

قال: من أطال أمله ساء عمله (1).
20 - الخصال: (2) أمالي الصدوق: عن محمد بن أحمد الأسدي، عن أحمد بن محمد العامري
عن إبراهيم بن عيسى السدوسي، عن سليمان بن عمرو، عن عبد الله بن الحسن بن
الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن أبيها عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إن صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، وهلاك آخرها بالشح والأمل (3).
21 - الخصال: في وصية النبي صلى الله عليه وآله إلى علي: يا علي أربع خصال من الشقاء:
جمود العين، وقساوة القلب، وبعد الأمل، وحب البقاء (4).
22 - عيون أخبار الرضا (ع): بالأسانيد الثلاثة، عن الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام:
قال لو رأى العبد أجله وسرعته إليه، لأبغض الأمل، وترك طلب الدنيا (5).
23 - مجالس المفيد (6) أمالي الطوسي: عن المفيد، عن عمر بن محمد، عن ابن مهرويه، عن داود
ابن سليمان، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام مثله (7).
صحيفة الرضا (ع): عن الرضا عن آبائه عليهم السلام مثله (8).
24 - أمالي الطوسي: فيما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام عند وفاته قصر الأمل، واذكر الموت
وازهد في الدنيا، فإنك رهن موت، وغرض بلاء، وصريع سقم (9).
25 - علل الشرائع: عن الحسن بن أحمد، عن أبيه، عن الأشعري عن محمد بن عبد الحميد

(1) الخصال ج 1 ص 11.
(2) الخصال ج 1 ص 40.
(3) أمالي الصدوق 137.
(4) الخصال: 115.
(5) عيون الأخبار ج 2 ص 39.
(6) مجالس المفيد: 190.
(7) أمالي الطوسي ج 1 ص 76.
(8) صحيفة الرضا عليه السلام: 14.
(9) أمالي الطوسي ج 1 ص 6.
164

عن إبراهيم بن مهزم قال: وجد في زمن وهب بن منبه حجر فيه كتاب بغير العربية
فطلب من يقرأه فلم يوجد، حتى أتى به ابن منبه وكان صاحب كتب فقرأه
فإذا فيه:
يا ابن آدم لو رأيت قصر ما بقي من أجلك، لزهدت في طول ما ترجو من
أملك، ولقل حرصك وطلبك، ورغبت في الزيادة في عملك، فإنك إنما تلقى
يومك لو قد زلت قدمك، فلا أنت إلى أهلك براجع، ولا في عملك بزائد، فاعمل
ليوم القيامة، قبل الحسرة والندامة (1).
26 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: لا تحرص على شئ لو تركته لوصل إليك
وكنت عند الله مستريحا محمودا بتركه، ومذموما باستعجالك في طلبه، وترك التوكل
عليه، والرضا بالقسم، فان الدنيا خلقها الله تعالى بمنزلة ظلك: إن طلبته أتعبك
ولا تلحقه أبدا، وإن تركته تبعك، وأنت مستريح.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: الحريص محروم، وهو مع حرمانه مذموم، في أي
شئ كان، وكيف لا يكون محروما وقد فر من وثاق الله، وخالف قول الله عز
وجل، حيث يقول الله: " الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم " (2)
والحريص بين سبع آفات صعبة: فكر يضر بدنه ولا ينفعه، وهم لا يتم له أقصاه
وتعب لا يستريح منه إلا عند الموت، ويكون عند الراحة أشد تعبا، وخوف لا يورثه
إلا الوقوع فيه، وحزن قد كدر عليه عيشه بلا فائدة، وحساب لا يخصله من عذاب الله
إلا أن يعفو الله عنه، وعقاب لا مفر له منه ولا حيلة، والمتوكل على الله يمسي
ويصبح في كنفه، وهو منه في عافية، وقد عجل له كفايته، وهيئ له من الدرجات
ما الله به عليم.
والحرص ما يجري في منافذ غضب الله، وما لم يحرم العبد اليقين لا يكون

(1) علل الشرايع ج 2 ص 151.
(2) الروم: 40.
165

حريصا، واليقين ارض الاسلام وسماء الايمان (1).
27 - روضة الواعظين: روي أن أسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمع
رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: لا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر؟ إن أسامة لطويل
الأمل، والذي نفس محمد بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفري لا يلتقيان حتى
يقبض الله روحي، ولا رفعت طرفي وظننت أني خافضه، حتى أقبض، ولا تلقمت
لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها (2) من الموت ثم قال: يا بني آدم
إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى، والذي نفسي بيده، إن ما توعدون
لات، وما أنتم بمعجزين (3).
28 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن فضالة، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام
قال: قال علي عليه السلام: ما أنزل الموت حق منزلته من عد غدا من أجله.
وقال علي عليه السلام: ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل، وكان عليه السلام يقول:
لو رأى العبد أجله وسرعته إليه لأبغض الأمل وطلب الدنيا.
29 - نهج البلاغة: قال عليه السلام: من جرى في عنان أمله عثر بأجله (4).
وقال عليه السلام: أشرف الغنا ترك المنى (5).
وقال عليه السلام: من أطال الأمل أساء العمل (6).
وقال عليه السلام: كم من أكلة تمنع أكلات (7).

(1) مصباح الشريعة: 22.
(2) أساغ الطعام أو الشراب: سهل له دخوله في الجوف، والغصص اعتراض شئ
منه في الحلق يمنعه التنفس بالخناق.
(3) وتراه في تنبيه الخاطر ج 1 ص 271.
(4) نهج البلاغة الرقم 18 من الحكم.
(5) نهج البلاغة الرقم 34 من الحكم.
(6) نهج البلاغة الرقم 36 من الحكم.
(7) نهج البلاغة الرقم 171 من الحكم.
166

وقال عليه السلام: لو رأى العبد الاجل ومسيره لأبغض الأمل وغروره (1).
30 - كتاب الغارات: لإبراهيم بن محمد الثقفي رفعه، عن يحيى بن سعيد
عن أبيه قال: خطب علي عليه السلام فقال: إنما أهلك الناس خصلتان، هما أهلكتا
من كان قبلكم وهما مهلكتان من يكون بعدكم: أمل ينسى الآخرة، وهوى يضل عن
السبيل ثم نزل.
31 - كنز الكراجكي: قال الله تعالى: يا ابن آدم في كل يوم تؤتى
برزقك وأنت تحزن، وينقص من عمرك وأنت لا تحزن، تطلب ما يطغيك، وعندك
ما يكفيك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كان يأمل أن يعيش غدا فإنه يأمل أن
يعيش ابدا.
وعن المفيد، عن ابن قولويه، عن جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، عن الحسين
ابن خالد، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من أيقن أنه يفارق الأحباب، ويسكن
التراب، ويواجه الحساب، ويستغني عما خلف، ويفتقر إلى ما قدم، وكان حريا بقصر
الأمل، وطول العمل.
وروي أنه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الحرص ما هو؟ قال هو طلب القليل
بإضاعة الكثير.

(1) نهج البلاغة الرقم 334 من الحكم.
167

- 129 -
* (باب) *
* " (الطمع، والتذلل لأهل الدنيا طلبا لما) " *
* " (في أيديهم، وفضل القناعة) " *
1 - أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: أفقر الناس الطمع (1).
2 - الخصال: عن أبيه، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن أبي عبد الله
الرازي، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن موسى بن سلام، عن أبان بن سويد، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: ما الذي يثبت الايمان في العبد؟ قال: الذي يثبته فيه الورع
والذي يخرجه منه الطمع (2).
أقول: قد مضى في باب صفات شرار العباد.
3 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن الأصبهاني، عن المنقري، عن حماد، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إن أردت أن تقر عينك وتنال خير الدنيا والآخرة، فاقطع الطمع
عما في أيدي الناس، وعد نفسك في الموتى، ولا تحدثن نفسك أنك فوق أحد
من الناس، واخزن لسانك كما تخزن مالك (3).
4 - أمالي الطوسي: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن الحسن بن علي بن سهل، عن موسى بن
عمر بن يزيد، عن معمر بن خلاد، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: جاء أيوب
خالد بن زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله أوصني واقلل لعلي أن أحفظ قال:
أوصيك بخمس: باليأس عما في أيدي الناس فإنه الغنى، وإياك والطمع فإنه الفقر
الحاضر، وصل صلاة مودع، وإياك وما يعتذر منه، وأحب لأخيك ما تحب
لنفسك (4).

(1) أمالي الصدوق: 14، والطمع: ككتف ذو الطماعية.
(2) الخصال ج 1 ص 8.
(3) الخصال ج 1 ص 60.
(4) أمالي الطوسي ج 2 ص 122.
168

5 - تفسير علي بن إبراهيم: عن محمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن سيار
عن المفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أتى ذا ميسرة
فتخشع له طلب ما في يديه، ذهب ثلثا دينه ثم قال: ولا تعجل وليس يكون الرجل
ينال من الرجل المرفق فيجله ويوقره فقد يجب ذلك له عليه، ولكن تراه أنه يريد
بتخشعه ما عند الله، أو يريد أن يختله عما في يديه (1).
6 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: بلغني أنه سئل كعب الأحبار: ما الأصلح في
الدين؟ وما الافسد؟ فقال: الأصلح الورع، والافسد الطمع، فقال له السائل:
صدقت يا كعب الأحبار.
والطمع خمر الشيطان، يستقي بيده لخواصه، فمن سكر منه لا يصحو إلا في
[أليم] عذاب الله أو مجاورة ساقيه، ولو لم يكن في الطمع إلا مشاراة الدين بالدنيا
كان عظيما قال الله عز وجل: " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة
فما أصبرهم على النار " (2).
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: تفضل على من شئت فأنت أميره، واستغن عمن
شئت فأنت نظيره، وافتقر إلى من شئت فأنت أسيره.
والطمع منزوع عنه الايمان، وهو لا يشعر، لان الايمان يحجب بين العبد
وبين الطمع من الخلق، ويقول: يا صاحبي خزائن الله مملوة من الكرامات، وهو
لا يضيع أجر من أحسن عملا، وما في أيدي الناس فإنه مشوب بالعلل، ويرده
إلى التوكل والقناعة، وقصر الأمل، ولزوم الطاعة، واليأس من الخلق، فان فعل
ذلك لزمه، وان لم يفعل ذلك تركه مع شؤم الطمع وفارقه (3).
7 - نهج البلاغة: قال عليه السلام: أزرى بنفسه من استشعر الطمع، ورضي بالذل من

(1) تفسير القمي: 356 في حديث. وقد مر ص 90 فيما سبق مع اختلاف.
(2) البقرة، 175.
(3) مصباح الشريعة: 34.
169

كشف عن ضره (1).
وقال عليه السلام: والطمع رق مؤبد (2).
وقال عليه السلام: أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع (3).
وقال عليه السلام: الطامع في وثاق الذل (4).
وقال عليه السلام: من أتى غنيا فتواضع لغناه ذهب ثلثا دينه (5).
وقال عليه السلام: إن الطمع مورد غير مصدر، وضامن غير وفي، وربما شرق شارب
الماء قبل ريه، فكلما عظم قدر الشئ المتنافس فيه عظمت الرزية لفقده، والأماني
تعمي أعين البصائر، والحظ يأتي من لا يأتيه (6).
وقال عليه السلام في وصيته للحسن عليه السلام: اليأس خير من الطلب إلى الناس
ما أقبح الخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغناء (7).
8 - صفات الشيعة للصدوق: باسناده، عن حبيب الواسطي، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله (8).
9 - الكافي: عن العدة، عن أحمد، عن أبيه، عمن ذكره بلغ به أبا جعفر عليه السلام
قال: بئس العبد عبد له طمع يقوده، وبئس العبد عبد له رغبة تذله (9).

(1) نهج البلاغة الرقم 2 من الحكم.
(2) نهج البلاغة الرقم 180 من الحكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 219 من الحكم.
(4) نهج البلاغة الرقم 226 من الحكم.
(5) نهج البلاغة الرقم 228 من الحكم.
(6) نهج البلاغة الرقم 275 من الحكم.
(7) نهج البلاغة الرقم 31 من الحكم.
(8) صفات الشيعة تحت الرقم 45، وفيه حباب الواسطي.
(9) الكافي ج 2 ص 320.
170

بيان: لعل المراد بالطمع ما في القلب من حب ما في أيدي الناس وأمله
وبالرغبة إظهار ذلك والسؤال والطلب عن المخلوق، والقود يناسب الأول كما أن
الذلة تناسب الثاني.
10 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن عبد الرزاق
عن معمر، عن الزهري قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: رأيت الخير كله قد اجتمع
في قطع الطمع عما في أيدي الناس (1).
بيان: " رأيت الخير كله " اي الرفاهية وخير الدنيا وسعادة الآخرة لان
الطمع يورث الذل والحقارة والحسد والحقد والعداوة والغيبة والوقيعة وظهور
الفضائح والظلم والمداهنة والنفاق والرياء والصبر على باطل الخلق، والإعانة عليه
وعدم التوكل على الله والتضرع إليه والرضا بقسمه والتسليم لامره إلى غير ذلك
من المفاسد التي لا تحصى، وقطع الطمع يورث أضداد هذه الأمور التي كلها خيرات.
11 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن حسان، عمن
حدثه (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله (3).
بيان: " ما أقبح " صيغة تعجب و " أن تكون " مفعوله، والمراد الرغبة
إلى الناس بالسؤال عنهم وهي التي تصير سببا للمذلة، وأما الرغبة إلى الله فهي عين
العزة. والصفة تحتمل الكاشفة والموضحة.
12 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن بعض أصحابه، عن علي بن
سليمان بن رشيد، عن موسى بن سلام، عن سعدان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قلت له: الذي يثبت الايمان في العبد؟ قال: الورع، والذي يخرجه منه؟ قال:
الطمع (4).
بيان: الورع اجتناب المحرمات والشبهات، وفي المقابلة إشعار بأن الطمع
يستلزم ارتكابهما.

(1) الكافي ج 2 ص 320.
(2) الراوي حباب أو حبيب الواسطي كما مر عن صفات الشيعة.
(3) الكافي ج 2 ص 320.
(4) الكافي ج 2 ص 320.
171

13 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار
ابن مروان، عن زيد الشحام، عن عمرو بن هلال قال: قال أبو جعفر عليه السلام:
إياك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك، فكفى بما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله:
" ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم " (1) وقال: " ولا تمدن عينيك إلى ما
متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا " (2) فان دخلك من ذلك شئ فاذكر
عيش رسول الله صلى الله عليه وآله فإنما كان قوته الشعير، وحلواه التمر، ووقوده السعف إذا
وجده (3).
تبيين: " أن تطمح بصرك " الظاهر أنه على بناء الافعال، ونصب البصر
ويحتمل أن يكون على بناء المجرد ورفع البصر، أي لا ترفع بصرك بأن تنظر
إلى من هو فوقك في الدنيا، فتتمنى حاله، ولا ترضى بما أعطاك الله، وإذا نظرت
إلى من هو دونك في الدنيا ترضى بما أوتيت، وتشكر الله عليه، وتقنع به، قال
في القاموس: طمح بصره إليه كمنع ارتفع فهي طامح، وأطمح بصره رفعه انتهى.
" فكفى بما قال الله " الباء زائدة أي كفاك للاتعاظ ولقبول ما ذكرت ما
قال الله لنبيه، وإن كان المقصود بالخطاب غيره " ولا تعجبك " كذا في النسخ التي
عندنا، والظاهر " فلا " إذ الآية في سورة التوبة في موضعين أحدهما " فلا تعجبك
أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم
كافرون " والأخرى " ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها
في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون " وما ذكر هنا لا يوافق شيئا منهما، وإن
احتمل أن يكون نقلا بالمعنى إشارة إلى الآيتين معا.
وقال البيضاوي في الأولى: " فلا تعجبك " الخ فان ذلك استدراج ووبال
لهم، كما قال: " إنما يريد الله ليعذبهم بها " بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها

(1) براءة: 56 و 85.
(2) طه: 131.
(3) الكافي ج 2 ص 137.
172

من المتاعب، وما يرون فيها من الشدائد والمصائب " وتزهق أنفسهم " اي فيموتوا
كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة، فيكون ذلك استدراجا لهم (1).
وقال في الأخرى: تكرير للتأكيد والامر حقيق به فان الابصار طامحة
إلى الأموال والأولاد، والنفوس مغتبطة عليها، ويجوز أن يكون هذه في فريق
غير الأول (2).
" ولا تمدن عينيك " قال في الكشاف: اي نظر عينيك ومد النظر تطويله
وأن لا يكاد يرده استحسانا للمنظور إليه، وتمنيا أن يكون له مثله، وفيه أن
النظر غير الممدود معفو عنه، وذلك مثل نظر من باده الشئ بالنظر ثم غض الطرف
وقد شدد العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة، وعدد
الفسقة في اللباس والمراكب وغير ذلك، لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون
النظارة، فالناظر إليها محصل لغرضهم، وكالمغري لهم على اتخاذها.
" أزواجا منهم " قال البيضاوي: أصنافا من الكفرة ويجوز أن يكون حالا
من الضمير في " به "، والمفعول " منهم " اي إلى الذي متعنا به، وهو أصناف بعضهم
وناسا منهم " زهرة الحياة الدنيا " منصوب بمحذوف دل عليه " متعنا " أو به على
تضمينه معنى أعطينا، أو بالبدل من محل " به " أو من " أزواجا " بتقدير مضاف
ودونه، أو بالضم وهي الزينة والبهجة " لنفتنهم فيه " لنبلوهم ونختبرهم فيه أو
لنعذبهم في الآخرة بسببه " ورزق ربك " وما ادخره لك في الآخرة أو ما رزقك
من الهدى والنبوة " خير " مما منحهم في الدنيا " وأبقى " فإنه لا ينقطع (3).
وإنما ذكرنا تتمة الآيتين لأنهما مرادتان، وتركتا اختصارا " فان دخلك
من ذلك " أي من إطماع البصر أو من جملته " شئ " أو بسببه شئ من الرغبة في
الدنيا " فاذكر " لعلاج ذلك وإخراجه عن نفسك " عيش رسول الله صلى الله عليه وآله " أي

(1) أنوار التنزيل: 175.
(2) أنوار التنزيل: 178.
(3) أنوار التنزيل: 270.
173

طريق تعيشه في الدنيا، لتسهل عليك مشاق الدنيا والقناعة فيها، فإنه إذا كان
أشرف المكونات هكذا تعيشه، فكيف لا يرضى من دونه به؟ وإن كن شريفا رفيعا
عند الناس؟ مع أن التأسي به صلى الله عليه وآله لازم.
" فإنما كان قوته الشعير " اي خبزه غالبا " وحلواه التمر " قال: في المصباح
الحلوى التي تؤكل تمد وتقصر، وجمع الممدود حلاوي مثل صحراء وصحاري
بالتشديد وجمع المقصور حلاوى بفتح الواو، وقال الأزهري: الحلوى اسم لما
يؤكل من الطعام إذا كان معالجا بحلاوة " ووقوده السعف " الوقود بالفتح الحطب
وما يوقد به، والسعف أغصان النخل ما دامت بالخوص، فان زال الخوص عنها
قيل: جريدة، الواحدة سعفة، ذكره في المصباح وفي القاموس السعف محركة جريد
النخل أو ورقه، وأكثر ما يقال إذا يبست، والضمير في " إن وجده " راجع إلى
كل من الأمور المذكورة، أو إلى السعف وحده، وفسر بعضهم السعف بالورق
وقال: الضمير راجع إليه، والمعنى أنه كان يكتفي في خبز الخبز ونحوه بورق
النخل، فإذا انتهى ذلك ولم يجده كان يطبخ بالجريد، بخلاف المسرفين فإنهم
يطرحون الورق ويستعملون الجريد ابتداء.
وأقول: كأنه رحمه الله تكلف ذلك لأنه لا فرق بين جريد النخل وغيره
في الايقاد، فأي قناعة فيه؟ وليس كذلك لان الجريد أرذل الأحطاب للايقاد
لنتنه وكثرة دخانه وعدم اتقاد جمره، وهذا بين لمن جربه.
14 - الكافي: عن الحسين بن محمد، عن المعلى وعلي بن محمد، عن صالح بن أبي
حماد جميعا، عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من سألنا أعطيناه، ومن
استغنى أغناه الله (1).
بيان: " من استغنى " اي عن الناس وترك الطلب " أغناه الله " عنه باعطاء ما
يحتاج إليه.

(1) الكافي ج 2 ص 138.
174

15 - الكافي: عن محمد، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن الهيثم بن واقد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من رضي من الله باليسير من المعاش، رضي الله عنه باليسير
من العمل (1).
بيان: " رضي الله عنه " قيل: لان كثرة النعمة توجب مزيد الشكر، فكلما
كانت النعمة أقل كان الشكر أسهل، وبعبارة أخرى يسقط عنه كثير من العبادات
المالية كالزكاة والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام، وإعانة الفقراء، وأشباه
ذلك، والظاهر أن المراد به أكثر من ذلك من المسامحة والعفو، وسيأتي برواية
الصدوق رحمه الله (2) عن أبي عبد الله عليه السلام حين سئل عن معنى هذا الحديث قال:
يطيعه في بعض ويعصيه في بعض.
وقد ورد في طريق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله: أخلص قلبك يكفك القليل من
العمل. وقال بعضهم: لان من زهد في الدنيا وطهر ظاهره وباطنه من الأعمال
والأخلاق القبيحة، التي تقتضيها الدنيا، وفرغ من المجاهدات التي يحتاج إليها
السالك المبتدي، وجعلها وراء ظهره، فلم يبق عليه إلا فعل ما ينبغي فعله وهذا
يسير بالنسبة إلى تلك المجاهدات انتهى.
وأقول: يحتمل: إجراء مثله في هذا الخبر لان من رضي بالقليل، فقد زهد
في الدنيا وأخلص قلبه من حبها.
16 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن
عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مكتوب في التوراة: ابن آدم كن
كيف شئت، كما تدين تدان، من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير
من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤنته، وزكت مكسبته، وخرج
من حد الفجور (3).

(1) الكافي ج 2 ص 138.
(2) معاني الأخبار: 260.
(3) الكافي ج 2 ص 138.
175

بيان: " كن كيف شئت " الظاهر أنه أمر على التهديد نحو قوله تعالى:
" اعملوا ما شئتم " وقيل: كن كما شئت أن يعمل معك وتتوقعه، لقوله: " كما
تدين تدان " وقد مر معناه " خفت مؤنته " اي مشقته في طلب المال وحفظه
" وزكت " أي طهرت من الحرام " مكسبته " لان ترك الحرام والشبهة في القليل
أسهل، أو نمت وحصلت فيه بركة مع قلته.
" وخرج من حد الفجور " اي من قرب الفجور والاشراف على الوقوع في
الحرام، فان بين المال القليل والوقوع في الفجور فاصلة كثيرة، لقلة الدواعي
وصاحب المال الكثير لكثرة دواعي الشرور والفجور فيه كأنه على حد هو منتهى
الحلال وبأدنى شئ يخرج منه إلى الفجور، إما بالتقصير في الحقوق الواجبة
فيه، أو بالطغيان اللازم له، أو بالقدرة على المحرمات التي تدعو النفس إليها، أو
بالحرص الحاصل منه، فلا يكتفي بالحلال ويتجاوز إلى الحرام، وأشباه ذلك
ويحتمل أن يكون المعنى خرج من حد الفجور، الذي تستلزمه كثرة المال إلى
الخير والصلاح اللازم لقلة المال والأول أبلغ وأتم.
17 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن عرفة، عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: من لم يقنعه من الرزق إلا الكثير لم يكفه من العمل
إلا الكثير، ومن كفاه من الرزق القليل، فإنه يكفيه من العمل القليل (1).
18 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ابن آدم! إن كنت تريد من
الدنيا ما يكفيك، فان أيسر ما فيها يكفيك، وان كنت إنما تريد ما لا يكفيك
فان كل ما فيها لا يكفيك (2).
بيان: " ما يكفيك " اي ما تكتفي وتقنع به اي بقدر الكفاف والضرورة
وقوله: " فان أيسر " من قبيل وضع الدليل موضع المدلول أي فيحصل مرادك
لان أيسر ما في الدنيا يمكن أن يكتفي به " وإن كنت تريد ما لا يكفيك " أي

(1) الكافي ج 2 ص 138.
(2) الكافي ج 2 ص 138.
176

ما لا تكتفي به وتريد أزيد منه، فلا تصل إلى مقصودك، ولا تنتهي إلى حد، فإنه
إن حصل لك جميع الدنيا تريد أزيد منها لما مر أن كثرة المال يصير سببا لكثرة
الحرص وسيأتي أوضح من ذلك.
19 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن محمد
الأسدي، عن سالم بن مكرم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اشتدت حال رجل من
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فقالت له امرأته: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فسألته، فجاء إلى
النبي صلى الله عليه وآله فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله قال: من سألنا أعطيناه، ومن استغنى أغناه الله
فقال الرجل: ما يعني غيري فرجع إلى امرأته فأعلمها، فقالت: إن رسول الله
بشر فأعلمه فأتاه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من سألنا أعطيناه
ومن استغنى أغناه الله، حتى فعل الرجل ذلك ثلاثا ثم ذهب الرجل فاستعار معولا
ثم أتى الجبل فصعده فقطع حطبا ثم جاء به فباعه بنصف مد من دقيق فرجع به
فأكله، ثم ذهب من الغد فجاء بأكثر من ذلك فباعه فلم يزل يعمل ويجمع حتى
اشترى معولا ثم جمع حتى اشترى بكرين وغلاما ثم اثرى حتى أيسر فجاء
إلى النبي صلى الله عليه وآله فأعلمه كيف جاء يسأله وكيف سمع النبي صلى الله عليه وآله فقال النبي صلى الله عليه وآله:
قلت لك: من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله (1).
بيان: " لو أتيت " لو للتمني " إن رسول الله صلى الله عليه وآله بشر " أي لا يعلم الغيب
إلا الله، وهو بشر لا يعلم الغيب اي لم يكن هذا الكلام معك لأنه لا يعلم ما في
ضميرك، أو لا يعلم كنه شدة حالنا وإنما عرف حاجتك في الجملة، وفي الصحاح
المعول الفأس العظيمة التي ينقر بها الصخر " من الغد " " من " بمعنى " في " والبكر
بالفتح الفتى من الإبل، ويقال: أثرى الرجل: إذا كثرت أمواله، وأيسر الرجل أي
استغنى كل ذلك ذكره الجوهري.
20 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن
الفرات، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله

(1) الكافي ج 2 ص 139.
177

صلى الله عليه وآله: من أراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه
بما في يد غيره (1).
بيان: " فليكن بما في يد الله " اي في قدرة الله وقضائه وقدره " أوثق منه
بما في يد غيره " ولو نفسه فإنه لا يصل إليه الأول، ولا ينتفع بالثاني، إلا
بقضاء الله وقدره، والحاصل أن الغنا عن الخلق لا يحصل إلا بالوثوق بالله سبحانه
والتوكل عليه، وعدم الاعتماد على غيره، والعلم بأن الضار النافع هو الله، ويفعل
بالعباد ما علم صلاحهم فيه، ويمنعهم ما علم أنه لا يصلح لهم.
21 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن ابن فضال، عن عاصم بن حميد، عن
أبي حمزة، عن أبي جعفر [أ] وأبي عبد الله عليهما السلام قال: من قنع بما رزقه الله فهو من
أغنى الناس (2).
بيان: " فهو من أغنى الناس " لان الغنا عدم الحاجة إلى الغير، والقانع بما
رزقه الله لا يحتاج إلى السؤال عن غيره تعالى.
22 - الكافي: بالاسناد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن حمزة بن حمران
قال: شكى رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام أنه يطلب فيصيب ولا يقنع، وتنازعه نفسه
إلى ما هو أكثر منه، وقال: علمني شيئا انتفع به، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن
كان ما يكفيك يغنيك، فأدنى ما فيها يغنيك، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك، فكل
ما فيها لا يغنيك (3).
23 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن عدة من أصحابه، عن حنان بن
سدير رفعه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من رضي من الدنيا بما يجزيه، كان
أيسر ما فيها يكفيه، ومن لم يرض من الدنيا بما يجزيه، لم يكن شئ منها
يكفيه (4).
بيان: أجزء مهموز، وقد يخفف اي أغنى وكفى، قال في المصباح: قال
الأزهري: والفقهاء يقولون فيه: أجزى من غير همز، ولم أجده لاحد من أئمة

(1) الكافي ج 2 ص 139.
(2) الكافي ج 2 ص 139.
(3) الكافي ج 2 ص 139.
(4) الكافي ج 2 ص 140.
178

اللغة، ولكن إن همز أجزأ فهو بمعنى كفى، وفيه نظر لأنه إن أراد امتناع التسهيل
فقد توقف في غير موضع التوقف، فان تسهيل همزة الطرف في الفعل المزيد
وتسهيل الهمزة الساكنة قياسي فيقال: أرجأت الامر وأرجيته، وأنسأت وأنسيت
وأخطأت وأخطيت.
- 130 -
* (باب الكبر) *
الآيات البقرة: أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم (1).
وقال تعالى: وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس
المهاد (2).
النساء: لن الله لا يحب من كان مختالا فخورا (3).
المائدة: ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون (4).
الأعراف: فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين (5).
وقال تعالى: والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون [إلى قوله تعالى:] إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح
لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (6).
وقال سبحانه: ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا
ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون (7).

(1) البقرة: 87.
(2) البقرة: 206.
(3) النساء: 34.
(4) المائدة: 82.
(5) الأعراف: 13.
(6) الأعراف: 36 - 40.
(7) الأعراف: 48.
179

وقال: قال الملا الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم
أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما ارسل به مؤمنون * قال الذين
استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون (1).
وقال تعالى: قال الملا الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب (2).
وقال: فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين (3).
وقال تعالى: سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق (4).
يونس: فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين (5).
هود: حاكيا عن قوم نوح: فقال الملا الذين كفروا من قومه ما نراك إلا
بشرا مثلنا وما نريك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا
من فضل بل نظنكم كاذبين - إلى قوله -: وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا
ربهم ولكني أريكم قوما تجهلون * ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا
تذكرون * ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك
ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا
لمن الظالمين (6).
وقال حاكيا عن قوم شعيب: قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا
لنريك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز * قال يا قوم أرهطي
أعز عليكم من الله واتخذتموه ورائكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط (7).
إبراهيم: واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد (8).

(1) الأعراف: 75 - 76.
(2) الأعراف: 88.
(3) الأعراف: 133.
(4) الأعراف: 146.
(5) يونس: 75.
(6) هود: 27 - 31.
(7) هود: 91 - 92.
(8) إبراهيم: 15.
180

وقال تعالى: وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم
تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شئ قالوا لو هدينا الله لهديناكم سواء علينا
أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص (1).
النحل: فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون *
لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين (2).
وقال تعالى: فلبئس مثوى المتكبرين (3).
وقال تعالى: وهم لا يستكبرون (4).
اسرى: ولا تمش في الأرض مرحا * إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ
الجبال طولا (5).
المؤمنون: ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين * إلى
فرعون وملائه فاستكبروا وكانوا قوما عالين * فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما
لنا عابدون (6).
الفرقان: لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا (7).
الشعراء: وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين (8).
القصص: واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا
لا يرجعون (9).
لقمان: ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا
يحب كل مختال فخور (10).

(1) إبراهيم: 21.
(2) النحل: 22 - 23.
(3) النحل: 29.
(4) النحل: 49.
(5) أسرى: 37 - 38.
(6) المؤمنون: 45 - 47.
(7) الفرقان: 21.
(8) الشعراء: 186.
(9) القصص: 39.
(10) لقمان: 18.
181

التنزيل: وهم لا يستكبرون (1).
فاطر: استكبارا في الأرض (2).
الصافات: إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون (3).
ص: إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين - إلى قوله تعالى: استكبرت
أم كنت من العالمين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين (4).
الزمر: بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين
إلى قوله تعالى: أليس في جهنم مثوى للمتكبرين (5).
المؤمن: وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن
بيوم الحساب (6).
وقال تعالى: كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار (7).
وقال تعالى: وإذا يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا
كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار * قال الذين استكبروا إنا كل
فيها إن الله قد حكم بين العباد (8).
وقال تعالى: إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو
السميع البصير (9).
وقال تعالى: إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (10).
وقال تعالى: فبئس مثوى المتكبرين (11).
السجدة: فأما عاد فاستكبروا في الأرض وقالوا من أشد منا قوة أو لم

(1) التنزيل: 15.
(2) فاطر: 43.
(3) الصافات: 35.
(4) ص: 74 - 76.
(5) الزمر: 59 - 60.
(6) المؤمن: 27.
(7) المؤمن: 35.
(8) المؤمن: 47 و 48.
(9) المؤمن: 56.
(10) المؤمن: 60. (11) المؤمن: 76.
182

يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون (1).
نوح: وأصروا واستكبروا استكبارا (2).
المدثر: ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر (3).
تفسير: " أفكلما جائكم " (4) الخطاب لليهود " رسول بما لا تهوى أنفسكم "
في تفسير الإمام عليه السلام اي أخذ عهودكم ومواثيقكم بما لا تحبون من اتباع النبي
صلى الله عليه وآله وبذل الطاعة لأولياء الله " استكبرتم " عن الايمان والاتباع
" ففريقا كذبتم " كموسى وعيسى " وفريقا تقتلون " اي قتل أسلافكم كزكريا
ويحيى، وأنتم رمتم قتل محمد وعلي فخيب الله سعيكم (5).
" وإذا قيل له اتق الله " (6) ودع سوء صنيعك " أخذته العزة بالاثم " اي
حملته الانفة وحمية الجاهلية على الاثم الذي يؤمر باتقائه، وألزمته ارتكابه
لجاجا، من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه، وألزمته إياه، فيزداد إلى شره
شرا، ويضيف إلى ظلمه ظلما " فحسبه جهنم " أي كفاه جزاء وعذابا على سوء
فعله " ولبئس المهاد " أي الفراش يمهدها ويكون دائما فيها، كذا في تفسير الإمام عليه السلام
(7).
" من كان مختالا " (8) اي متكبرا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه ولا
يكتنف إليهم " فخورا " يتفاخر عليهم.
" وأنهم لا يستكبرون " (9) أي عن قبول الحق إذا فهموه، ويتواضعون.
" فما يكون لك " (10) أي فما يصح لك " أن تتكبر فيها " وتعصي، فإنها

(1) السجدة: 15.
(2) نوح: 7.
(3) المدثر: 23 - 24.
(4) البقرة، 87.
(5) تفسير الامام: 172.
(6) البقرة: 206.
(7) تفسير الامام: 283.
(8) النساء: 34.
(9) المائدة: 82.
(10) الأعراف: 13.
183

مكان الخاشع المطيع، قيل: فيه تنبيه على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة، وأنه
تعالى إنما طرده وأهبطه للتكبر لا بمجرد عصيانه " إنك من الصاغرين " أي
ممن أهانه الله تعالى لكبره.
" واستكبروا عنها " (1) أي عن الايمان بها " لا تفتح لهم أبواب السماء "
لادعيتهم وأعمالهم، ولنزول البركة عليهم، ولصعود أرواحهم إذا ماتوا. وفي
المجمع (2) عن الباقر عليه السلام: أما المؤمنون فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السماء
فتفتح لهم أبوابها، وأما الكافر فيصعد بعمله وروحه حتى إذا بلغ إلى السماء
نادى مناد: اهبطوا به إلى سجين، وهو واد بحضرموت، يقال له: برهوت " ولا
يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " أي لا يدخلون الجنة حتى
يكون ما لا يكون ابدا.
" الذين استكبروا " (3) اي أنفوا من اتباعه " للذين استضعفوا " اي للذين
استضعفوهم وأذلوهم " لمن آمن منهم " بدل الذين " أتعلمون " قالوه على سبيل
الاستهزاء. " فاستكبروا " (4) اي من الايمان
" سأصرف عن آياتي " (5) أي المنصوبة في الآفاق والأنفس، أو معجزات
الأنبياء، وفي المجمع (6) ذكر في معناه وجوه أحدها أنه أراد سأصرف عن نيل
الكرامة المتعلقة بآياتي والاعتزاز بها، كما يناله المؤمنون في الدنيا والآخرة
المستكبرين، وثانيها أن معناه سأصرفهم عن زيادة المعجزات التي أظهرها على
الأنبياء بعد قيام الحجة بما تقدم من المعجزات، وثالثها أن معناه سأمنع من
الكذابين والمتكبرين آياتي ومعجزاتي وأصرفهم عنها، وأخص بها الأنبياء
ورابعها أن يكون الصرف معناه المنع من إبطال الآيات والحجج، والقدح فيها

(1) الأعراف: 40.
(2) مجمع البيان ج 4 ص 418.
(3) الأعراف: 75، 76.
(4) الأعراف: 133.
(5) الأعراف: 146 (6) مجمع البيان ج 4 ص 477.
184

وخامسها أن المراد سأصرف عن إبطال آياتي والمنع من تبليغها هؤلاء المتكبرين.
" فاستكبروا " (1) اي عن اتباعها " وكانوا قوما مجرمين " اي معتادين
الاجرام، فلذلك تهاونوا في رسالة ربهم، واجترؤا على ردها.
" ما نريك إلا بشرا مثلنا " (2) اي لا مزية لك علينا تخصك بالنبوة
ووجوب الطاعة " إلا الذين هم أراذلنا " اي أخساؤنا (3) وقال علي بن إبراهيم: (4)
يعني المساكين والفقراء " بادي الرأي " اي ظاهر الرأي من غير تعمق من البدو
أو أول الرأي من البدء، وإنما استرذلوهم لفقرهم، فإنهم لما لم يعلموا إلا
ظاهرا من الحياة الدنيا كان الاحظ بها أشرف عندهم، والمحروم أرذل " وما نرى
لكم " أي لك ولمتبعيك " علينا من فضل " يؤهلكم للنبوة، واستحقاق المتابعة
" بل نظنكم كاذبين " أنت في دعوى النبوة وإياهم في دعوى العلم بصدقك.
" وما أنا بطارد الذين آمنوا " (5) يعني الفقراء، وهو جواب لهم حين
سألوا طردهم " إنهم ملاقوا ربهم " يلاقونه ويفوزون بقربه فيخاصمون طاردهم
فكيف أطردهم " ولكني أريكم قوما تجهلون " الحق وأهله، وتتسفهون عليهم
بأن تدعوهم أراذل " من ينصرني من الله " يدفع انتقامه " إن طردتهم " وهم بتلك
المثابة، " أفلا تذكرون " لتعرفوا أن التماس طردهم وتوفيق الايمان عليه ليس
بصواب.
" ولا أقول لكم عندي خزائن الله " (6) اي خزائن رزقه حتى جحدتم فضلي
" ولا أعلم الغيب " أي ولا أقول: أنا أعلم الغيب، حتى تكذبوني استبعادا أو

(1) يونس: 75.
(2) هود: 27.
(3) مجمع البيان ج 5 ص 154. أنوار التنزيل: 193.
(4) تفسير القمي: 301.
(5) هود: 29.
(6) هود: 31.
185

حتى أعلم أن هؤلاء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب " ولا أقول
إني ملك " حتى تقولوا: ما أنت إلا بشر مثلنا " ولا أقول للذين تزدري أعينكم "
اي ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم من زرى عليه إذا عابه، وإسناده
إلى الأعين للمبالغة، والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادي الرأي من غير رؤية " لن
يؤتيهم الله خيرا " فان ما أعد الله لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا " إني
إذا لمن الظالمين " إن قلت: شيئا من ذلك.
" ما نفقه " (1) اي ما نفهم " ضعيفا " اي لا قوة لك ولا عز وقال علي بن
إبراهيم: (2) قد كان ضعف بصره " ولولا رهطك " أي قومك وعزتهم عندنا
لكونهم على ملتنا " لرجمناك " أي لقتلناك شر قتلة " وما أنت علينا بعزيز " فتمنعنا
عزتك عن القتل، بل رهطك هم الأعزة علينا " واتخذتموه ورائكم ظهريا "
وجعلتموه كالمنسي المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به.
" واستفتحوا " (3) اي سألوا من الله الفتح على أعدائهم، أو القضاء بينهم وبين
أعاديهم، من الفتاحة بمعنى الحكومة " وخاب كل جبار عنيد " في التوحيد عن
النبي صلى الله عليه وآله من أبي أن يقول: لا إله إلا الله، وروى علي بن إبراهيم (4) عن
الباقر عليه السلام قال: العنيد المعرض عن الحق " وبرزوا لله جميعا " (5) يعني يبرزون
يوم القيامة " فقال الضعفاء " اي ضعفاء الرأي وهم الاتباع " للذين استكبروا "
اي لرؤسائهم، وفي المتهجد في خطبة الغدير لأمير المؤمنين عليه السلام بعد تلاوته لها
أفتدرون الاستكبار ما هو؟ هو ترك الطاعة لمن أمروا بطاعته، والترفع على من

(1) هود: 91 - 92.
(2) تفسير القمي: 314.
(3) إبراهيم: 15.
(4) تفسير القمي: 344.
(5) إبراهيم: 21.
186

ندبوا إلى متابعته " إنا كنا لكم تبعا " في تكذيب الرسل، والاعراض عن نصائحهم
" فهل أنتم مغنون عنا " اي دافعون عنا " من عذاب الله من شئ قالوا لو هدينا
الله " للايمان والنجاة من العذاب، وقال علي بن إبراهيم: (1) الهدى هنا الثواب
" من محيص " اي منجى ومهرب من العذاب.
" قلوبهم منكرة " (2) في المجمع (3) أي جاحدة للحق يستبعد ما يرد
عليها من المواعظ " وهم مستكبرون " عن الانقياد للحق دافعون له من غير حجة
والاستكبار طلب الترفع بترك الاذعان للحق " إنه لا يحب المستكبرين " أي
المتعظمين الذين يأنفون أن يكونوا أتباعا للأنبياء، أي لا يريد ثوابهم وتعظيمهم.
وأقول: روى العياشي (4) أنه مر الحسين بن علي عليه السلام على مساكين قد بسطوا
كساءهم والقوا كسرا، فقالوا: هلم يا ابن رسول الله! فثنى وركه فأكل معهم
ثم تلا " إن الله لا يحب المستكبرين ".
" فلبئس مثوى المتكبرين " أي جهنم " وهم لا يستكبرون " اي عن عبادته (5)
" مرحا " (6) أي ذا مرح، وفي المجمع (7) معناه لا تمش على وجه الأشر
والبطر والخيلاء والتكبر قال الزجاج: معناه لا تمش في الأرض مختالا فخورا
وقيل: المرح شدة الفرح بالباطل " إنك لن تخرق " الخ هذا مثل ضربه الله
قال: إنك أيها الانسان لن تشق الأرض من تحت قدمك بكبرك، ولن تبلغ
الجبال بتطاولك، والمعنى أنك لن تبلغ مما تريد كثير مبلغ، كما لا يمكنك أن
تبلغ هذا، فما وجه المثابرة على ما هذا سبيله؟ مع أن الحكمة زاجرة عنه، وإنما

(1) تفسير القمي: 445.
(2) النحل: 22 و 23.
(3) مجمع البيان ج 6 ص 355.
(4) تفسر العياشي ج 2 ص 257.
(5) النحل، 29 و 49.
(6) أسرى: 37.
(7) مجمع البيان ج 6 ص 416.
187

قال ذلك، لان من الناس من يمشي في الأرض بطرا يدق قدميه عليها، ليري
بذلك قدرته وقوته، ويرفع رأسه وعنقه، فبين الله سبحانه أنه ضعيف مهين، لا
يقدر أن يخرق الأرض بدق قدميه عليها، حتى ينتهي إلى آخرها، وأن طوله
لا يبلغ الجبال، وإن كان طويلا، علم سبحانه عباده التواضع والمروءة والوقار.
" فاستكبروا " (1) أي عن الايمان والمتابعة " وكانوا قوما عالين " أي
متكبرين " وقومهما لنا عابدون " يعني أن بني إسرائيل لنا خادمون منقادون.
" لقد استكبروا في أنفسهم " (2) اي في شأنهم " وعتوا " أي تجاوزوا الحد
في الظلم " عتوا كبيرا " بالغا أقصى مراتبه، حيث عاينوا المعجزات القاهرة، فأعرضوا
عنها، واقترحوا لأنفسهم الخبيثة ما سدت دونه مطامح النفوس القدسية.
" بغير الحق " (3) اي بغير الاستحقاق، فان الكبرياء رداء الله " لا يرجعون "
اي بالنشور.
" ولا تصعر خدك للناس " (4) قيل: اي لا تمله عنهم، ولا تولهم صفحة
خدك كما يفعله المتكبرون، من الصعر وهو داء يعتري البعير فيلوي عنقه، وفي
المجمع (5) أي ولا تمل وجهك من الناس تكبرا ولا تعرض عمن يكلمك استخفافا
به، وهذا معنى قول ابن عباس وأبي عبد الله عليه السلام، وقيل: هو أن يسلم عليك فتلوي
عنقك تكبرا " ولا تمش في الأرض مرحا " أي بطرا وخيلاء " إن الله لا يحب كل
مختال " أي كل متكبر " فخور " على الناس، وقال علي بن إبراهيم (6) " ولا تصعر
خدك " أي لا تذل للناس طمعا فيما عندهم " ولا تمش في الأرض مرحا " أي فرحا
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام اي بالعظمة.

(1) المؤمنون: 45، (2) الفرقان، 21.
(3) القصص: 39.
(4) لقمان: 18.
(5) مجمع البيان ج 8 ص 319.
(6) تفسير القمي: 508.
188

" وهم يستكبرون " (1) قيل أي عن الايمان والطاعة.
" يستكبرون " (3) أي عن كلمة التوحيد أو على من يدعوهم إليه.
" استكبر " (3) قيل اي تعظم وصار من الكافرين باستنكاره أمر الله تعالى
واستكباره عن المطاوعة " استكبرت أم كنت من العالين " قيل اي تكبرت من غير
استحقاق، أو كنت ممن علا واستحق التفوق؟ وقيل: استكبرت الان أم لم تزل
كنت من المستكبرين.
وأقول في بعض الروايات أن المراد بالعالين أنوار الحجج عليهم السلام.
" بلى قد جائتك آياتي " (4) قال علي بن إبراهيم (5): المراد بالآيات
الأئمة عليهم السلام " مثوى للمتكبرين " أي عن الايمان والطاعة، وروى علي بن إبراهيم
عن الصادق عليه السلام قال: إن في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر، شكى
إلى الله تعالى شدة حره وسأله أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم (6) " إن في
صدورهم إلا كبر " (7) قال البيضاوي اي إلا تكبر عن الحق، وتعظم عن التفكر
والتعلم أو إرادة الرياسة، أو أن النبوة والملك لا يكون إلا لهم " ما هم ببالغيه "
اي ببالغي دفع الآيات أو المراد، " فاستعذ بالله " اي فالتجئ إليه " إنه هو السميع
البصير " لأقوالكم وافعالكم.
" عن عبادتي " (8) فسرت في الاخبار بالدعاء " داخرين " اي صاغرين
وفي الكافي (9) عن الباقر عليه السلام: في هذه الآية قال: هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء
والاخبار في ذلك كثيرة سيأتي في كتاب الدعاء إنشاء الله، وفي الصحيفة السجادية (10)

(1) التنزيل: 15.
(2) الصافات: 35.
(3) ص: 74 - 76.
(4) الزمر: 59.
(5) تفسير القمي: 579.
(6) تفسير القمي: 579.
(7) المؤمن: 56.
(8) المؤمن: 60.
(9) الكافي ج 2 ص 467.
(10) الدعاء: 45 في وداع شهر رمضان.
189

بعد ذكر هذه الآية: فسميت دعاءك عبادة، وتركه استكبارا، وتوعدت على تركه
دخول جهنم داخرين.
" فبئس مثوى المتكبرين " (1).
" فاستكبروا " (2) اي فتعظموا فيها على أهلها بغير استحقاق، واغتروا
بقوتهم وشوكتهم " هو أشد نهم قوة " أي قدرة " وكانوا بآياتنا يجحدون " اي
يعرفون أنها حق وينكرونها.
" ثم أدبر " (3) [أي] عن الحق " واستكبر " عن اتباعه و " يؤثر " أي يروى
ويتعلم.
1 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن
أبان، عن حكيم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أدنى الالحاد، قال: إن الكبر
أدناه (4).
بيان: قال الراغب: ألحد فلان مال عن الحق، والالحاد ضربان: إلحاد
إلى الشرك بالله، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب، فالأول ينافي الايمان ويبطله
والثاني يوهن عراه ولا يبطله، ومن هذا النحو قوله عز وجل " ومن يرد فيه
بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " (5).
وقال: الكبر الحالة التي يتخصص بها الانسان من إعجابه بنفسه وذلك أن
يرى الانسان نفسه أكبر من غيره، وأعظم التكبر التكبر على الله عز وجل بالامتناع
من قبول الحق، والاذعان له بالعبادة، والاستكبار يقال على وجهين: أحدهما أن يتحرى
الانسان ويطلب أن يصير كبيرا وذلك متى كان على ما يجب وفي المكان الذي يجب
وفي الوقت الذي يجب فمحمود، والثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له، وهذا

(1) المؤمن: 76 ولم يسطر له تفسير.
(2) السجدة: 15.
(3) المدثر: 23 و 24.
(4) الكافي ج 2 ص 309.
(5) مفردات غريب القرآن 448، والآية في الحج: 25.
190

هو المذموم.
وعلى هذا ما ورد في القرآن وهو ما قال تعالى: " أبى واستكبر، أفكلما
جائكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم، وأصروا واستكبروا استكبارا " (1)
وقال تعالى: " فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين " (2) وقال تعالى: " الذين
يستكبرون في الأرض بغير الحق " (3) وقال تعالى: " إن الذين كذبوا بآياتنا
واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء - قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم
تستكبرون " (4).
وقوله تعالى: " فيقول الضعفاء للذين استكبروا " قابل المستكبرين بالضعفاء
تنبيها على أن استكبارهم كان بما لهم من القوة في البدن والمال، وقال تعالى:
" قال الملا الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا " (5) فقابل بالمستكبرين
المستضعفين، وقال عز وجل: " ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون
وملائه فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين " (6). نبه تعالى بقوله: " فاستكبروا "
على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظمهم عن الاصغاء إليه، ونبه بقوله " وكانوا
قوما مجرمين " على أن الذي حملهم على ذلك هو ما تقدم من جرمهم، فان
ذلك لم يكن شيئا حدث منهم، بل كان ذلك دأبهم.
قال: " فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون " وقال
بعده " إنه لا يحب المستكبرين " (7).

(1) البقرة: 34، و 78، نوح: 7.
(2) العنكبوت: 35.
(3) كذا في نسخة الكمباني، وهكذا المصدر وفي المصحف: فاستكبروا في
الأرض بغير الحق.
(4) الأعراف: 40 و 48.
(5) الأعراف: 75.
(6) يونس: 75.
(7) النحل: 22 - 23.
191

والتكبر يقال على وجهين: أحدهما أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في
الحقيقة، وزائدة على محاسن غيره، وعلى هذا وصف الله تعالى بالمتكبر وقال
تعالى: " العزيز الجبار المتكبر " (1) الثاني أن يكون متكلفا لذلك متشبعا
وذلك في وصف عامة الناس نحو قوله عز وجل: " فبئس مثوى المتكبرين " (2)
وقوله تعالى: " كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " (3) ومن وصف
بالتكبر على الوجه الأول فمحمود، ومن وصف به على الوجه الثاني فمذموم.
ويدل على أنه قد يصح أن يوصف الانسان بذلك، ولا يكون مذموما
قوله تعالى: " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق " (4) فجعل
المتكبرين بغير الحق مصروفا.
والكبرياء هي الترفع عن الانقياد، وذلك لا يستحقه غير الله قال تعالى " وله
الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " (5) ولما قلنا روي عنه عليه السلام
يقول عن الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني في شئ منهما قصمته
" قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آبائنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض، وما
نحن لكما بمؤمنين " (6) انتهى (7).
وأقول: الآيات والاخبار في ذم الكبر ومدح التواضع، أكثر من أن تحصى
قال الشهيد قدس الله روحه: الكبر معصية والاخبار كثيرة في ذلك قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر. فقالوا: يا
رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا وفعله حسنا فقال: إن الله جميل
يحب الجمال ولكن الكبر بطر الحق وغمص الناس.
بطر الحق رده على قائله، والغمص بالصاد المهملة الاحتقار والحديث مؤول
بما يؤدي إلى الكفر، أو يراد أنه لا يدخل الجنة مع دخول غير المتكبر بل بعده

(1) الحشر: 23 (2) الزمر: 72.
(3) غافر: 35.
(4) الأعراف: 146.
(5) الجاثية: 37.
(6) يونس: 78.
(7) مفردات غريب القرآن 421 و 422.
192

وبعد العذاب في النار، وقد علم منه أن التجمل ليس من التكبر في شئ انتهى.
وقيل: الكبر ينقسم إلى باطن وظاهر، والباطن هو خلق في النفس
والظاهر هو أعمال تصدر من الجوارح، واسم الكبر بالخلق الباطن أحق وأما
الأعمال فإنها ثمرات لذلك الخلق، ولذلك إذا ظهر على الجوارح يقال له تكبر
وإذا لم يظهر يقال له: في نفسه كبر، فالأصل هو الخلق الذي في النفس وهو
الاسترواح إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه فان الكبر يستدعي متكبرا عليه
ومتكبرا به، وبه ينفصل الكبر عن العجب، فان العجب لا يستدعي غير المعجب.
بل لو لم يخلق الانسان إلا وحده تصور أن يكون معجبا، ولا يتصور أن
يكون متكبرا إلا أن يكون مع غيره، وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفات
الكمال بأن يرى لنفسه مرتبة ولغيره مرتبة، ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره
فعند هذه الاعتقادات الثلاثة يحصل فيه خلق الكبر لا أن هذه الرؤية هي الكبر، بل
هذه الرؤية وهذه العقيدة تنفخ فيه، فيحصل في قلبه اغترار، وهزة وفرح، وركون
إلى ما اعتقده، وعز في نفسه بسبب ذلك، فتلك العزة والهزة والركون إلى المعتقد
هو خلق الكبر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله: أعوذ بك من نفخة الكبرياء.
فالكبر عبارة عن الحالة الحاصلة في النفس من هذه الاعتقادات ويسمى أيضا
عزا وتعظما، ولذلك قال ابن عباس في قوله تعالى " إن في صدورهم إلا كبر
ما هم ببالغيه " (1) فقال: عظمة لا يبلغوها، ثم هذه العزة تقتضي أعمالا في
الظاهر والباطن وهي ثمراته، ويسمى ذلك تكبرا، فإنه مهما عظم عنده قدر نفسه
بالإضافة إلى غيره، حقر من دونه وازدراه، وأقصاه من نفسه وأبعده، وترفع
عن مجالسته ومواكلته، ورأي أن حقه أن يقوم ماثلا بين يديه إن اشتد كبره.
فإن كان كبره أشد من ذلك، استنكف عن استخدامه، ولم يجعله أهلا
للقيام بين يديه، فإن كان دون ذلك، يأنف عن مواساته ويتقدم عليه في مضايق
الطرق، وارتفع عليه في المحافل وانتظر أن يبدأه بالسلام، وإن حاج أو ناظر

(1) غافر: 55.
193

استنكف أن يرد عليه، وإن وعظ أنف من القبول، وإن وعظ عنف في النصح
وإن رد عليه شئ من قوله غضب، وإن علم لم يرفق بالمتعلمين واستذلهم
وانتهرهم وامتن عليهم واستخدمهم وينظر إلى العامة كما ينظر إلى الحمير
استجهالا لهم، واستحقارا.
والأعمال الصادرة من الكبر أكثر من أن تحصى، فهذا هو الكبر وآفته
عظيمة، وفيه يهلك الخواص والعوام وكيف لا تعظم آفته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
وإنما صار حجابا عن الجنة لأنه يحول بين المرء وبين أخلاق المؤمنين
كلها، وتلك الأخلاق هي أبواب الجنة، والكبر وعز النفس تغلق تلك
الأبواب كلها لأنه مع تلك الحالة لا يقدر على حبه للمؤمنين ما يحب لنفسه، ولا
على التواضع وهو رأس أخلاق المتقين، ولا على كظم الغيظ، ولا على ترك الحقد
ولا على الصدق ولا على ترك الحسد والغضب، ولا على النصح اللطيف، ولا على قبوله
ولا يسلم من الازراء بالناس واغتيابهم، فما من خلق ذميم إلا وصاحب الكبر
والعز مضطر إليه ليحفظ به عزه، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه، خوفا
من أن يفوته عزه، فعن هذا لم يدخل الجنة.
وشر أنواع الكبر ما يمنع من استفادة العلم وقبول الحق والانقياد له وفيه
وردت الآيات التي فيها ذم المتكبرين كقوله سبحانه: " وكنتم عن آياته
تستكبرون " (1) وأمثالها كثيرة، ولذلك ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله جحود الحق
في حد الكبر، والكشف عن حقيقته وقال: من سفه الحق وغمص الناس.
ثم اعلم أن المتكبر عليه هو الله أو رسله أو ساير الخلق، فهو بهذه الجهة
ثلاثة أقسام الأول التكبر على الله، وهو أفحش أنواعه ولا مثار له إلا الجهل
المحض والطغيان، مثل ما كان لنمرود وفرعون.
الثاني التكبر على الرسل والأوصياء عليهم السلام كقولهم: " أنؤمن لبشرين

(1) الانعام: 93.
194

مثلنا " (1) " ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون " (2) " وقالوا لولا أنزل
علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا " (3) وهذا
قريب من التكبر على الله عز وجل، وإن كان دونه، ولكنه تكبر عن قبول
أمر الله.
الثالث التكبر على العباد، وذلك بأن يستعظم نفسه، ويستحقر غيره
فتأبى نفسه عن الانقياد لهم، وتدعوه إلى الترفع عليهم، فيزدريهم ويستصغرهم
ويأنف عن مساواتهم، وهذا وإن كان دون الأول والثاني فهو أيضا عظيم
من وجهين:
أحدهما أن الكبر [والعزة والعظمة لا يليق إلا بالمالك القادر فأما العبد
الضعيف الذليل المملوك العاجز الذي لا يقدر على شئ، فمن أين يليق به الكبر] (4)
فمهما تكبر العبد فقد نازع الله تعالى في صفة لا تليق إلا بجلاله، وإلى هذا المعنى
الإشارة بقوله تعالى " العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته " اي أنه
خاص صفتي ولا يليق إلا بي، والمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي، فإذا كان
التكبر على عباده لا يليق إلا به، فمن تكبر على عباده فقد جنى عليه، إذ الذي
استرذل خواص غلمان الملك، ويستخدمهم ويترفع عليهم، ويستأثر بما حق
الملك أن يستأثر به منهم، فهو منازع له في بعض أمره وإن لم يبلغ درجته درجة
من أراد الجلوس على سريره، والاستبداد بملكه، كمدعي الربوبية.
والوجه الثاني أنه يدعو إلى مخالفة الله تعالى في أوامره، لان المتكبر
إذا سمع الحق من عبد من عباد الله، استنكف عن قبوله، ويتشمر بجحده، و
لذلك ترى المناظرين في مسائل الدين يزعمون أنهم يتباحثون عن اسرار الدين

(1) المؤمنون: 47.
(2) المؤمنون: 34.
(3) الفرقان: 21.
(4) ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 293.
195

ثم إنهم يتجاحدون تجاحد المتكبرين، ومهما اتضح الحق على لسان أحدهم
أنف الاخر من قبوله، ويتشمر بجحده، ويحتال لدفعه، بما يقدر عليه من
التلبيس، وذلك من أخلاق الكافرين والمنافقين، إذ وصفهم الله تعالى فقال:
" وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون " (1) وكذلك
يحمل ذلك على الانفة من قبول الوعظ كما قال تعالى: " و إذا قيل له اتق الله
أخذته العزة بالاثم " (2) وتكبر إبليس من ذلك.
فهذه آفة من آفات الكبر عظيمة، ولذلك شرح رسول الله صلى الله عليه وآله الكبر بهاتين
الأفتين إذ سأله ثابت بن قيس فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إني امرؤ حبب إلي
من الجمال ما ترى أفمن الكبر هو؟ فقال صلى الله عليه وآله: لا ولكن الكبر من بطر الحق
وغمص الناس، وفي حديث آخر من سفه الحق، وقوله: " غمص الناس " أي
ازدراهم واستحقرهم، وهم عباد الله أمثاله، وخير منه، وهذه الآفة الأولى، وقوله
سفه الحق هو رده به وهذه الآفة الثانية.
ثم اعلم أنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها
صفة من صفات الكمال، ومجامع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي
والديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة
الأنصار. فهذه سبعة.
الأول: العلم وما أسرع الكبر إلى العلماء، ولذلك قال صلى الله عليه وآله: آفة العلم
الخيلاء فهو يتعزز بعز العلم، ويستعظم نفسه، ويستحقر الناس وينظر إليهم نظره
إلى البهايم، ويتوقع منهم الاكرام والابتداء بالسلام، ويستخدمهم ولا يعتني
بشأنهم، هذا فيما يتعلق بالدنيا وأما في الآخرة، فبأن يرى نفسه عند الله أعلى
وأفضل منهم، فيخاف عليهم أكثر مما يخافه على نفسه، ويرجو لنفسه أكثر مما
يرجو لهم، وهذا بأن يسمى جاهلا أولى من أن يسمى عالما، بل العلم الحقيقي

(1) فصلت: 26.
(2) البقرة: 206.
196

هو الذي يعرف الانسان به نفسه وربه، وخطر الخاتمة، وحجة الله على العلماء
وعظم خطر العمل (1) فيه، وهذه العلوم تزيد خوفا وتواضعا وتخشعا ويقتضي أن
يرى أن كل الناس خير منه، لعظم حجة الله عليه بالعلم، وتقصيره في القيام بشكر
نعمة العلم.
فان قلت: فما بالبعض الناس يزداد بالعلم كبرا وأمنا.
فاعلم أن له سببين أحدهما أن يكون اشتغاله بما يسمى علما وليس بعلم
حقيقي، وإنما العلم الحقيقي ما يعرف العبد به نفسه وربه، وخطر أمره في
لقاء الله، والحجاب عنه، وهذا يورث الخشية والتواضع دون الكبر والامن، قال
الله تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " (2) فأما ما وراء ذلك كعلم الطب
والحساب واللغة والشعر والنحو وفصل الخصومات وطرق المجادلات فإذا تجرد
الانسان لها حتى امتلاء بها امتلأ كبرا ونفاقا، وهذه بأن تسمى صناعات أولى
بأن تسمى علوما، بل العلم هو معرفة العبودية والربوبية، وطريق العبادة، وهذا
يورث التواضع غالبا.
السبب الثاني أن يخوض العبد في العلم وهو خبيث الدخلة، ردي النفس
سيئ الأخلاق، فلم يشتغل أولا بتهذيب نفسه وتزكية قلبه، بأنواع المجاهدات
ولم يرض نفسه في عبادة ربه، فبقي خبيث الجوهر، فإذا خاض في العلم أي علم
كان، صادف العلم من قلبه منزلا خبيثا فلم يطب ثمره، ولم يظهر في الخير أثره.
وقد ضرب وهب لهذا مثلا، فقال: العلم كالغيث ينزل من السماء حلوا
صافيا فتشربه الأشجار بعروقها، فتحوله على قدر طعومها، فيزداد المر مرارة
والحلو حلاوة، وكذلك العلم يحفظه الرجال، فيحوله على قدر هممهم وأهوائهم
فيزيد المتكبر تكبرا والمتواضع تواضعا، وهذا لان من كانت همته الكبر وهو
جاهل، فإذا حفظ العلم وجد ما يتكبر به فازداد كبرا، وإذا كان الرجل خائفا
مع جهله، فإذا ازداد علما علم أن الحجة قد أكدت عليه، فيزداد خوفا وإشفاقا
وتواضعا، فالعلم من أعظم ما به يتكبر.

(1) في شرح الكافي ج 2 ص 294 " خطر العلم ".
(2) فاطر: 28.
197

الثاني: العمل والعبادة، وليس يخلو عن رذيلة العز والكبر، واستمالة
قلوب الناس الزهاد والعباد ويترشح الكبر منهم في الدنيا والدين أما الدنيا
فهو أنهم يرون غيرهم بزيارتهم أولى من أنفسهم بزيادة غيرهم، ويتوقعون قيام
الناس بحوائجهم وتوقيرهم والتوسيع لهم في المجالس، وذكرهم بالورع والتقوى
وتقديمهم على سائر الناس في الحظوظ إلى غير ذلك مما مر في حق العلماء وكأنهم
يرون عبادتهم منة على الخلق.
وأما في الدين فهو أن يرى الناس هالكين، ويرى نفسه ناجيا وهو الهالك
تحقيقا مهما رأى ذلك، قال النبي صلى الله عليه وآله: إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس
فهو أهلكهم، وروي أن رجلا في بني إسرائيل يقال له: خليع بني إسرائيل لكثرة
فساده، مر برجل يقال له: عابد بني إسرائيل، وكانت على رأس العابد غمامة تظله
لما مر الخليع به فقال الخليع في نفسه: أنا خليع بني إسرائيل كيف أجلس بجنبه
وقال العابد: هو خليع بني إسرائيل كيف يجلس إلي، فأنف منه وقال له: قم
عني فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان: مرهما فليستأنفا العمل، فقد غفرت للخليع
وأحبطت عمل العابد، وفي حديث آخر فتحولت الغمامة إلى رأس الخليع.
وهذه آفة لا ينفك عنها أحد من العباد إلا من عصمه الله، لكن العلماء
والعباد في آفة الكبر على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى أن يكون الكبر مستقرا في قلبه، يرى نفسه خيرا من غيره
إلا أنه يجتهد ويتواضع ويفعل فعل من يرى غيره خيرا من نفسه وهذا قد رسخت
في قلبه شجرة الكبر، ولكنه قطع أغصانها بالكلية.
الثانية أن يظهر ذلك على أفعاله بالترفع في المجالس والتقدم على الاقران
وإظهار الانكار على من يقصر في حقه، وأدنى ذلك في العالم أن يصعر خده للناس
كأنه معرض عنهم، وفي العابد أن يعبس وجهه ويقطب جبينه كأنه متنزه عن
الناس، مستقذر لهم أو غضبان عليهم، وليس يعلم المسكين أن الورع ليس في
الجبهة حتى يقبطها ولا في الوجه حتى يعبس، ولا في الخد حتى يصعر، ولا
198

في الرقبة حتى يطأطي، ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلوب قال صلى الله عليه وآله:
التقوى ههنا، وأشار إلى صدره.
وهؤلاء أخف حالا ممن هو في المرتبة الثالثة وهو الذي يظهر الكبر على
لسانه حتى يدعوه إلى الدعوى والمفاخرة والمباهاة وتزكية النفس أما العابد فإنه
يقول في معرض التفاخر لغيره من العباد: من هو؟ وما عمله؟ ومن أين زهده؟
فيطيل اللسان فيهم بالتنقص ثم يثني على نفسه ويقول: إني لم أفطر منذ كذا وكذا
ولا أنام بالليل، وفلان ليس كذلك، وقد يزكي نفسه ضمنا فيقول: قصدني فلان
فهلك ولده وأخذ ماله أو مرض، وما يجري مجراه هذا يدعي الكرامة لنفسه.
وأما العالم فإنه يتفاخر ويقول: أنا متفنن في العلوم، ومطلع على الحقائق
رأيت من الشيوخ فلانا وفلانا، ومن أنت؟ وما فضلك؟ ومن لقيته؟ ومن ذا الذي
سمعت من الحديث؟ كل ذلك ليصغره ويعظم نفسه، فهذا كله أخلاق الكبر، وآثاره
التي يثمرها التعزز بالعلم والعمل، وأين من يخلو عن جميع ذلك أو عن بعضه؟ يا ليت
شعري من عرف هذه الأخلاق من نفسه وسمع قول رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يدخل
الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، كيف يستعظم نفسه، ويتكبر
على غيره، وهو بقول رسول الله صلى الله عليه وآله من أهل النار، و إنما العظيم من خلا عن
هذا، ومن خلا عنه لم يكن فيه تعظم وتكبر.
الثالث التكبر بالنسب والحسب، فالذي له نسب شريف، يستحقر من ليس
له ذلك النسب، وإن كان ارفع منه عملا وعلما، وثمرته على اللسان التفاخر
به، وذلك عرق رقيق في النفس لا ينفك عنه نسيب وإن كان صالحا أو عاقلا إلا
أنه قد لا يترشح منه عند اعتدال الأحوال، فان غلب غضب اطفأ ذلك نور بصيرته
وترشح منه.
الرابع التفاخر بالجمال وذلك يجري أكثره بين النساء ويدعو ذلك إلى
التنقص والتسبب والغيبة وذكر عيوب الناس.
الخامس الكبر بالمال، وذلك يجري بين الملوك في الخزائن وبين التجار
199

في بضائعهم، وبين الدهاقين في أراضيهم، وبين المتجملين في لباسهم وخيولهم
ومراكبهم، فيستحقر الغني الفقير ويتكبر عليه، ومن ذلك تكبر قارون.
السادس الكبر بالقوة وشدة البطش والتكبر به على أهل الضعف.
السابع التكبر بالاتباع والأنصار والتلاميذ والغلمان والعشيرة والأقارب
والبنين، ويجري ذلك بين الملوك في المكاثرة في الجنود، وبين العلماء بالمكاثرة
بالمستفيدين، وبالجملة فكل ما هو نعمة وأمكن أن يعتقد كمالا وإن لم يكن
في نفسه كمالا أمكن أن يتكبر به، حتى أن المخنث ليتكبر على أقرانه بزيادة
قدرته ومعرفته في صفة المخنثين لأنه يرى ذلك كمالا فيفتخر به، وإن لم يكن
فعله إلا نكالا.
وأما بيان البواعث على التكبر، فاعلم أن الكبر خلق باطن، وأما ما
يظهر من الأخلاق والأعمال، فهو ثمرتها ونتيجتها، وينبغي أن يسمى تكبرا و
يخص اسم الكبر بالمعنى الباطن الذي هو استعظام النفس ورؤية قدر لها فوق قدر
الغير، وهذا الباب [الباطن] له موجب واحد، وهو العجب، فإنه إذا أعجب
بنفسه وبعلمه وعمله أو بشئ من أسبابه، استعظم نفسه وتكبر، وأما الكبر
الظاهر فأسبابه ثلاثة، سبب في المتكبر وسبب في المتكبر عليه، وسبب يتعلق
بغيرهما، أما السبب الذي في المتكبر فهو العجب، والذي يتعلق بالمتكبر عليه
فهو الحقد والحسد، والذي يتعلق بغيرهما هو الرياء، فالأسباب بهذا الاعتبار أربعة
العجب والحقد والحسد والرياء.
أما العجب فقد ذكرنا أنه يورث الكبر الباطن، والكبر الباطن يثمر التكبر
الظاهر، في الأعمال والأقوال والافعال.
وأما الحقد فإنه قد يحمل على التكبر من غير عجب، ويحمله ذلك على
رد الحق إذا جاء من جهته، وعلى الانفة من قبول نصحه، وعلى ان يجتهد في
التقدم عليه، وإن علم أنه لا يستحق ذلك.
وأما الحسد فإنه يوجب البغض للمحسود، وإن لم يكن من جهته إيذاء
200

وسبب يقتضي الغضب والحقد، ويدعو الحسد أيضا إلى جحد الحق حتى يمتنع
من قبول النصح، وتعلم العلم، فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في الجهل
لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده وأقاربه حسدا وبغيا عليه.
وأما الرياء فهو أيضا يدعو إلى أخلاق المتكبرين حتى أن الرجل ليناظر
من يعلم أنه أفضل منه، وليس بينه وبينه معرفة ولا محاسدة ولا حقد. ولكن
يمتنع من قبول الحق منه خيفة من أن يقول الناس: إنه أفضل منه.
وأما معالجة الكبر واكتساب التواضع فهو علمي وعملي أما العلمي فهو
أن يعرف نفسه وربه، ويكفيه ذلك في إزالته، فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة
علم أنه أذل من كل ذليل، وأقل من كل قليل بذاته، وأنه لا يليق به إلا
التواضع والذلة والمهانة، وإذا عرف ربه علم أنه لا يليق العظمة والكبرياء إلا
بالله.
أما معرفة ربه وعظمته ومجده، فالقول فيه يطول، وهو منتهى علم
الصديقين، وأما معرفة نفسه فكذلك أيضا يطول، ويكفيه أن يعرف معنى آية
واحدة من كتاب الله تعالى فإنه في القرآن علم الأولين والآخرين لمن فتحت
بصيرته، وقد قال تعالى: " قتل الانسان ما أكفره * من اي شئ خلقه * من
نطفة خلقه فقدره * ثم السبيل يسره * ثم أماته فأقبره * ثم إذا شاء
أنشره " (1) فقد أشار الآية إلى أول خلق الانسان، وإلى آخر أمره، وإلى
وسطه، فلينظر الانسان ذلك ليفهم معنى هذه الآية، أما أول الانسان فهو أنه لم
يكن شيئا مذكورا، وقد كان ذلك في كتم العدم، دهورا، بل لم يكن لعدمه أول
فأي شئ أخس وأقل من المحو والعدم وقد كان كذلك في القدم، ثم خلقه
الله تعالى من أذل الأشياء ثم من أقذرها إذ خلقه من تراب، ثم من نطفة، ثم
من علقة، ثم من مضغة، ثم جعله عظاما، ثم كسى العظام لحما.
فقد كان هذا بداية وجوده، حيث صار شيئا مذكورا، فما صار مذكورا إلا

(1) عبس: 17 - 22.
201

وهو على أخس الأوصاف والنعوت، إذ لم يخلق في ابتدائه كاملا، بل خلقه جمادا
ميتا لا يسمع ولا يبصر ولا يحس ولا يتحرك، ولا ينطق ولا يبطش، ولا يدرك
ولا يعلم، فبدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبجهله قبل علمه، وبعماه
قبل بصره، وبصممه قبل سمعه، وببكمه قبل نطقه، وبضلالته قبل هداه، بفقره
قبل غناه، وبعجزه قبل قدرته.
فهذا معنى قوله تعالى: " هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا
مذكورا * إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه " كذلك خلقه أولا ثم أمتن
عليه فقال: " ثم السبيل يسره " وهذه إشارة إلى ما تيسر له في مدة حياته إلى
الموت، ولذلك قال: " من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه
السبيل " ومعناه أنه أحياه بعد أن كان جمادا ميتا ترابا أولا، ونطفة ثانيا
وأبصره بعد ما كان فاقد البصر، وقواه بعد الضعف، وعلمه بعد الجهل، وخلق
له الأعضاء بما فيها من العجائب والآيات بعد الفقد لها، وأغناه بعد الفقر، واشبعه
بعد الجوع، وكساه بعد العرى، وهداه بعد الضلال.
فانظر كيف دبره وصوره، وإلى السبيل كيف يسره، وإلى طغيان
الانسان ما أكفره، وإلى جهل الانسان كيف أظهره؟ فقال تعالى: " أو لم ير
الانسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين " (1) " ومن آياته أن خلقكم
من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون " (2) فانظر إلى نعمة الله عليه، كيف نقله من
تلك القلة والذلة والخسة والقذارة، إلى هذه الرفعة والكرامة، فصار موجودا
بعد العدم، وحيا بعد الموت، وناطقا بعد البكم، وبصيرا بعد العمى، وقويا
بعد الضعف، وعالما بعد الجهل، ومهديا بعد الضلالة، وقادرا بعد العجز
وغنيا بعد الفقر فكان في ذاته لا شئ - وأي شئ اخس من لا شئ؟ وأي قلة
أقل من العدم المحض - ثم صار بالله شيئا، وإنما خلقه من التراب الذليل والنطفة
القذرة بعد العدم المحض، ليعرفه خسة ذاته، فيعرف به نفسه، وإنما أكمل

(1) يس: 77.
(2) الروم: 20.
202

النعمة عليه ليعرف بها ربه، ويعلم بها عظمته وجلاله، وأنه لا يليق الكبرياء
إلا به عز وجل.
فلذلك أمتن عليه، فقال تعالى: ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين *
وهديناه النجدين " (1) وعرف خسته أولا فقال: ألم يك نطفة من مني يمنى *
ثم كان علقة " (2) ثم ذكر مننه فقال: فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين
الذكر والأنثى " ليدوم وجوده بالتناسل كما حصل وجوده ابتداء بالاختراع
فمن كان هذا بدؤه، وهذا أحواله، فمن أين له البطر والكبرياء؟ والفخر والخيلاء؟
وهو على التحقيق أخس الأخساء، وأضعف الضعفاء.
نعم لو أكمله وفوض إليه أمره، وادام له الوجود باختياره، لجاز أن يطغى
وينسى المبدء والمنتهى، ولكنه سلط عليه في دوام وجوده الأمراض الهائلة، والأسقام
العظيمة، والآفات المختلفة، والطبايع المتضادة: من المرة، والبلغم، والريح
والدم، ليهدم البعض من أجزائه البعض، شاء أم أبى، رضي أم سخط، فيجوع
كرها، ويعطش كرها، ويمرض كرها، ويموت كرها، لا يملك لنفسه نفعا ولا
ضرا، ولا خيرا ولا شرا، يريد أن يعلم الشئ فيجهله، ويريد أن يذكر الشئ فينساه
ويريد أن ينسى الشئ فيغفل عنه فابغفل، ويريد أن يصرف قلبه إلى ما يهمه فيجول
في أودية الوسواس والأفكار بالاضطرار، فلا يملك قلبه قلبه، ولا نفسه نفسه.
يشتهي الشئ، وربما يكون هلاكه فيه، ويكره الشئ، ويكون حياته
فيه، يستلذ الأطعمة فتهلكه وترديه، ويستبشع الأدوية وهي تنفعه وتحييه، لا يأمن
في لحظة من ليله ونهاره أن يسلب سمعه وبصره وعلمه وقدرته، وتفلج أعضاؤه
ويختلس عقله، ويختطف روحه، ويسلب جميع ما يهواه في دنياه، وهو مضطر
ذليل، إن ترك ما بقي، وإن اختطف فني، عبد مملوك لا يقدر علي شئ من نفسه
ولا من غيره، فأي شئ أذل منه لو عرف نفسه؟ وأنى يليق الكبر به لولا جهله؟

(1) البلد: 8 - 10.
(2) القيامة: 37.
203

فهذا أوسط أحواله فليتأمله، وأما آخره ومورده فهو الموت المشار إليه بقوله
تعالى: " ثم أماته فأقبره * ثم إذا شاء انشره " (1) ومعناه أنه يسلب روحه
وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وحسه وإدراكه وحركته، فيعود جمادا كما كان أول
مرة لا تبقى إلا شبه أعضائه ولا صورته لا حس فيها ولا حركة، ثم يوضع في
التراب فيصير جيفة منتنة قذرة كما كان في الأول نطفة قذرة، ثم تبلى أعضاؤه
وصورته، وتفتت أجزاؤه، وتنخر عظامه، فتصير رميما ورفاتا، فتأكل الدود
أجزاءه فيبتدئ بحدقتيه فيقلعهما، وبخديه فيقطعهما، وبساير أجزائه فتصير روثا
في أجواف الديدان، وتكون جيفة تهرب منه الحيوان، ويستقذره كل إنسان
ويهرب منه لشدة الانتان.
وأحسن أحواله أن يعود إلى ما كان، فيصير ترابا يعمل منه الكيزان، أو
يعمر به البنيان، ويصير مفقودا بعد ما كان موجودا، وصار كأن لم يغن بالأمس حصيدا
كما كان أول مرة أمدا مديدا.
وليته بقي كذلك، فما أحسنه لو ترك ترابا، لا بل يحييه بعد طول البلى ليقاسي
شدائد البلاء، فيخرج من قبره عد جمع أجزائه المتفرقة، ويخرج إلى أهوال
القيامة، فينظر إلى قيامة قائمة، وسماء ممزقة مشققة، وأرض مبدلة وجبال مسيرة
ونجوم منكدرة، وشمس منكسفة، وأحوال مظلمة، وملائكة غلاظ شداد، وجحيم
تزفر، وجنة ينظر إليها المجرم فيتحسر.
ويرى صحائف منشورة، فيقال له: " اقرأ كتابك " فيقول: وما هو؟ فيقال:
كان قد وكل بك في حياتك التي كنت تفرح بها، وتتكبر بنعيمها، وتفتخر
بأسبابها، ملكان رقيبان، يكتبان عليك ما تنطق به أو تعمله، من قليل وكثير، ونقير
وقطمير، وأكل وشرب، وقيام وقعود، وقد نسيت ذلك وأحصاه الله فهلم إلى الحساب
واستعد للجواب، أو يساق إلى دار العذاب، فينقطع قلبه هول هذا الخطاب، من قبل
أن ينشر الصحف، ويشاهد ما فيها من مخازيه، فإذا شاهدها قال: " يا ويلتنا ما لهذا

(1) عبس: 21 - 22.
204

الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ".
فهذا آخر أمره وهو معنى قوله عز وجل: " ثم إذا شاء أنشره " فما لمن
هذا حاله والتكبر؟ بل ماله وللفرح في لحظة فضلا عن البطر والتجبر؟ فقد ظهر
له أول حاله ووسطه، ولو ظهر آخره والعياذ بالله ربما اختار أن يكون كلبا
وخنزيرا ليصير مع البهائم ترابا، ولا يكون إنسانا يسمع خطابا ويلقى عذابا، وإن
كان عند الله مستحقا للنار فالخنزير أشرف منه وأطيب وأرفع إذ أوله التراب
وآخره التراب، وهو بمعزل عن الحساب والعذاب، والكلب والخنزير لا يهرب
منه الخلق.
ولو رأى أهل الدنيا العبد المذنب في النار لصعقوا من وحشة خلقته، وقبح
صورته، ولو وجدوا ريحه لماتوا من نتنه، ولو وقعت قطرة من شرابه الذي يسقاه في
بحار الدنيا لصارت أنتن من الجيف، فمن هذا حاله في العاقبة - إلا أن يعفى عنه، وهو
على شك من العفو - فكيف يتكبر؟ وكيف يرى نفسه شيئا حتى يعتقد لها فضلا؟
وأي عبد لم يذنب ذنبا استحق به العقوبة، إلا أن يعفو الكريم بفضله.
أرأيت من جنى على بعض الملوك بما استحق به ألف سوط، فحبس في السجن
وهو منتظر أن يخرج إلى العرض، ويقام عليه العقوبة، على ملا من الخلق وليس
يدري أيعفى عنه أم لا؟ فكيف يكون ذله في السجن؟ وما من عبد مذنب إلا
والدنيا سجنه، وقد استحق العقوبة من الله تعالى، ولا يدري كيف يكون أمره
فيكفيه ذلك حزنا وخوفا وإشفاقا ومهانة وذلا.
فهذا هو العلاج العلمي القاطع لأصل الكبر، وأما العلاج العملي فهو
التواضع بالفعل لله تعالى ولسائر الخلق، بالمواظبة على أخلاق المتواضعين، وما
وصل إليه من أحوال الصالحين، ومن أحوال رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أنه كان
يأكل على الأرض، ويقول: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد.
وقيل لسلمان: لم لا تلبس ثوبا جيدا؟ فقال: إنما أنا عبد، فإذا أعتقت
يوما لبست، أشار به إلى العتق في الآخرة.
205

ولا يتم التواضع بعد المعرفة إلا بالعمل، فمن عرف نفسه فلينظر إلى كل
ما يتقاضاه الكبر من الافعال، فليواظب على نقيضها حتى يصير التواضع له خلقا، وقد
ورد في الأخبار الكثيرة علاج الكبر بالاعمال، وبيان أخلاق المتواضعين.
قيل: اعلم أن التكبر يظهر في شمائل الرجل كصعر في وجهه، ونظره
شزرا وإطراقه رأسه، وجلوسه متربعا ومتكئا وفي أقواله حتى في صوته ونغمته
وصفته في الايراد، ويظهر في مشيته وتبختره وقيامه وجلوسه في حركاته وسكناته
وفي تعاطيه لأفعاله وساير تقلباته في أقواله وافعاله وأعماله.
فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله، ومنهم من يتكبر في بعض، فمنها
التكبر بأن يحب قيام الناس له، أو بين يديه، وقد قال علي صلوات الله عليه:
ومن أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى رجل قاعد وبين يديه قوم
قيام، وقال أنس: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وكانوا إذا
رأوه لا يقومون له، لما يعلمون من كراهته لذلك.
ومنها أن لا يمشي إلا ومعه غيره يمشي خلفه:
قال أبو الدرداء: لا يزال العبد يزداد من الله بعدا مامشى خلفه، وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض الأوقات يمشي مع الأصحاب فيأمرهم بالتقدم، ويمشي
في غمارهم، ومنها أن لا يزور غيره. وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره في
الدين، وهو ضد التواضع.
ومنها أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه إلا أن يجلس بين يديه
والتواضع خلافه قال أنس: كانت الوليدة من ولائد المدينة تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله
ولا ينزع منها يده، حتى تذهب به حيث شاءت.
ومنها أن يتوقى مجالسة المرضى والمعلولين، ويتحاشى عنهم، وهو كبر:
دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه جدري قد يقشر وعنده أصحابه يأكلون
فما جلس عند أحد إلا قام من جنبه، فأجلسه النبي صلى الله عليه وآله بجنبه.
ومنها أن لا يتعاطى بيده شغلا في بيته، والتواضع خلافه، ومنها أن لا يأخذ
206

متاعا ويحمله إلى بيته، وهذا خلاف عادة المتواضعين، كان رسول الله يفعل ذلك
وقال علي عليه السلام: لا ينقص الرجل من كماله ما حمل من شئ إلى عياله، وقال
بعضهم: رأيت عليا اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفته، فقال: أحمل عنك يا
أمير المؤمنين، قال: لا أبو العيال أحق أن يحمل.
ومنها اللباس إذ يظهر به التكبر والتواضع، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
البذاذة من الايمان، قيل: هي الدون من الثياب، وعوتب علي عليه السلام في إزار
مرقوع، فقال: يقتدي به المؤمن، ويخشع له القلب. وقال عيسى عليه السلام: جودة
الثياب خيلاء القلب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ترك زينة لله ووضع ثيابا
حسنة تواضعا لله وابتغاء وجهه، كان حقا على الله أن يدخله عبقري الجنة.
فان قلت: فقد قال عيسى عليه السلام: جودة الثياب خيلاء القلب، وقد سئل
نبينا صلى الله عليه وآله من الجمال في الثياب هل هو من الكبر؟ فقال: لا، ولكن الكبر
من سفه الحق وغمص الناس، فكيف طريق الجمع بينهما؟.
فاعلم أن الثوب الجيد ليس من ضرورته أن يكون من التكبر في حق كل
أحد في كل حال، وهو الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الذي عرفه رسول الله
صلى الله عليه وآله من حال ثابت بن قيس إذ قال: إني امرؤ حبب إلي الجمال
ما ترى؟ فعرفه أن ميله إلى النظافة وجودة الثياب لا ليتكبر على غيره، فإنه
ليس من ضرورته أن يكون من الكبر، وقد يكون ذلك من الكبر كما أن الرضا
بالثوب الدون قد يكون من التواضع، فإذا انقسمت الأحوال نزل قول عيسى
عليه السلام على بعض الأحوال، على أن قوله: خيلاء القلب، يعني قد يورث
خيلاء في القلب، وقول نبينا: أنه ليس من الكبر، يعني أن الكبر لا يوجبه
ويجوز أن لا يوجبه الكبر، ثم يكون هو مورثا للكبر.
وبالجملة فالأحوال تختلف في مثل هذا، والمحمود الوسط من اللباس الذي
لا يوجب شهرة بالجودة، ولا بالرذالة، وقد قال صلى الله عليه وآله: كلوا واشربوا والبسوا
وتصدقوا في غير سرف ولا بخل، إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
207

وقال بكر بن عبد الله المزني: البسوا ثياب الملوك، وأميتوا قلوبكم بالخشية
وإنما خاطب بهذا قوما يطلبون التكبر بثياب أهل الصلاح وقال عيسى عليه السلام:
مالكم تأتوني وعليكم ثياب الرهبان؟ وقلوبكم قلوب الذئاب الضواري؟ البسوا
ثياب الملوك وألينوا قلوبكم بالخشية.
ومنها أن يتواضع بالاحتمال، إذا سب وأوذي وأخذ حقه، فذلك هو
الأفضل.
وبالجملة فمجامع حسن الأخلاق والتواضع سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله: فبه ينبغي
أن يقتدى، ومنه ينبغي أن يتعلم، وقد قال ابن أبي سلمة: قلت لأبي سعيد
الخدري: ما ترى في ما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب والمطعم؟ فقال:
يا ابن أخي كل لله، واشرب لله، وكل شئ من ذلك دخله زهو أو مباهاة أو رياء
أو سمعة فهو معصية وسرف.
وعالج في بيتك من الخدمة ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعالج في بيته: كان يعلف
الناضح، ويعقل البعير، ويقم البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع
الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا أعيى، ويشتري الشئ من السوق
ولا يمنعه الحياء أن يعلقه بيده أو يجعله في طرف ثوبه، فينقلب إلى أهله، يصافح
الغني والفقير، والصغير والكبير، ويسلم مبتدئا على كل من استقبله من صغير
أو كبير، أسود أو أحمر، حر أو عبد، من أهل الصلاة.
ليس له حلة لمدخله، وحلة لمخرجه، لا يستحيي من أن يجيب إذا دعي
وإن كان أشعث أغبر، ولا يحقر ما دعي إليه، وإن لم يجد إلا حشف الدقل (1)
لا يرفع غداء لعشاء، ولا عشاء لغداء، هين المقولة، لين الخلقة، كريم الطبيعة
جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساما من غير ضحك، محزونا من غير عبوس
شديدا من غير عنف، متواضعا من غير مذلة، جوادا من غير سرف، رحيما بكل

(1) في نسخة الكمباني وشرح الكافي " خشف الزقل " وهو تصحيف، والحشف:
اليابس الفاسد البالي، والدقل: أردء التمر.
208

ذي قربى، قريبا من كل ذمي ومسلم، رقيق القلب، دائم الاطراق، لم يبشم
قط من شبع، ولا يمد يده إلى طمع.
قال أبو سلمة: فدخلت على عائشة فحدثتها كل هذا من أبي سعيد، فقالت:
ما أخطأ فيه حرفا، ولقد قصر، إذ ما أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يمتلئ قط
شبعا، ولم يبث إلى أحد شكوى، وإن كانت الفاقة أحب إليه من اليسار والغنى
وإن كان ليظل جائعا يتلوى ليلته حتى يصبح، فما يمنعه ذلك عن صيام يومه
ولو شاء أن يسأل ربه فيؤتى كنوز الأرض وثمارها، ورغد عيشها من مشارقها
ومغاربها، لفعل.
وربما بكيت رحمة له مما أوتي من الجوع فأمسح بطنه بيدي، فأقول:
نفسي لك الفداء، لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقوتك، ويمنعك من الجوع، فيقول
يا عايشه إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا
فمضوا على حالهم، فقدموا على ربهم، فأكرم مآبهم، وأجزل ثوابهم، فأجدني
استحيي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي دونهم، فاصبر أياما يسيرة أحب إلي
من أن ينقص حظي غدا في الآخرة، وما من شئ أحب إلي من اللحوق باخواني
وأخلائي فقالت عايشة: فوالله ما استكمل بعد ذلك جمعة حتى قبضه
الله تعالى.
فما نقل من أخلاقه صلى الله عليه وآله يجمع جملة أخلاق المتواضعين فمن طلب التواضع
فليقتد به، ومن رأى نفسه فوق محله صلى الله عليه وآله ولم يرض لنفسه بما رضي هو به، فما
أشد جهله، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم خلق الله تعالى منصبا في الدين
والدنيا، فلا عزة ولا رفعة إلا في الاقتداء به، ولذلك لما عوتب بعض الصحابة
في بذاذة هيئته، قال: إنا قوم أعزنا الله تعالى بالاسلام، فلا نطلب العز
في غيره.
2 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن
الحسين بن أبي العلا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: الكبر قد يكون
209

في شرار الناس من كل جنس والكبر رداء الله، فمن نازع الله عز وجل رداءه
لم يزده الله إلا سفالا، إن رسول الله صلى الله عليه وآله مر في بعض طرق المدينة، وسوداء
تلقط السرقين فقيل لها: تنحي عن طريق رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: إن الطريق
لمعرض، فهم بها بعض القوم أن يتناولها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: دعوها فإنها
جبارة (1).
بيان: قوله عليه السلام " قد يكون " أقول: يحتمل أن يكون " قد " للتحقيق
وإن كان في المضارع قليلا كما قيل في قوله تعالى: " قد يعلم ما أنتم عليه " (2)
قال الزمخشري: دخل " قد " لتوكيد العلم، ويرجع ذلك إلى توكيد الوعيد
وقيل: هو للتقليل باعتبار قيد " من كل جنس " وقوله: " من كل جنس " أي
من كل صنف من أصناف الناس، وإن كان دنيا، أو من كل جنس من أجناس
سبب التكبر من الأسباب التي أشرنا إليها سابقا والأول أظهر كما يومئ إليه
قصة السوداء.
" والكبر رداء الله " قال في النهاية: في الحديث قال الله تبارك وتعالى: العظمة
إزاري والكبرياء ردائي، ضرب الإزار والرداء مثلا ف انفراده بصفة العظمة والكبرياء
أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا، كالرحمة والكرم وغيرهما
وشبههما بالإزار والرداء لان المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء [والإزار] الانسان
و لأنه لا يشاركه في ردائه وإزاره أحد، فكذلك الله لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد، ومثله
الحديث الاخر تأزر بالعظمة، وتردى بالكبرياء، وتسربل بالعز انتهى.
قال بعض شراح صحيح مسلم: الإزار الثوب الذي يشد على الوسط
والرداء الذي يمد على الكتفين، وقال محيي الدين: وهما لباس، واللباس
من خواص الأجسام، وهو سبحانه ليس بجسم، فهما استعارة للصفة التي هي
العظمة والعزة، ووجه الاستعارة أن هذين الثوبين لما كانا مختصين بالناس، ولا

(1) الكافي ج 2 ص 309.
(2) النور: 64.
210

يستغني عنهما، ولا يقبلان الشركة، وهما جمال، عبر عن العز بالرداء، وعن
الكبر بالإزار، على وجه الاستعارة المعروفة عند العرب، كما يقال: فلان شعاره الزهد
ودثاره التقوى، لا يريدون الثوب الذي هو شعار ودثار، بل صفة الزهد، كما يقولون
[فلان] غمر الرداء واسع العطية، فاستعاروا لفظ الرداء للعطية انتهى.
" لم يزده الله إلا سفالا " اي في أعين الخلق مطلقا غالبا على خلاف مقصوده
كما سيأتي، أوفي أعين العارفين والصالحين أو في القيامة كما سيأتي أنهم يجعلون
في صورة الذر " تلقط " كتنصر أو على بناء التفعل بحذف إحدى التائين، في القاموس
لقطه أخذه من الأرض كالتقطه وتلقطه التقطه من ههنا وههنا، وقال: السرقين
والسرجين بكسرهما الزبل معربا سرگين بالفتح. " فقيل لها تنحي " بالتاء
والنون والحاء المشددة كلها مفتوحة، والياء الساكنة أمر الحاضرة من باب
التفعيل، اي ابعدي.
" لمعرض " على بناء المفعول من الافعال أو التفعيل، وقد يقرء على بناء الفاعل
من الافعال فعلى الأولين من قولهم أعرضت الشئ وعرضته أي جعلته عريضا، وعلى
الثالث من قولهم عرضت الشئ اي أظهرته فأعرض اي ظهر، وهو من النوادر.
" فهم بها " أي قصدها " أن يتناولها " اي يأخذها فينحيها قسرا عن طريقه صلى الله عليه وآله
أو يشتمها من قولهم نال من عرضه اي شتمه، والأول أظهر " فإنها جبارة " أي
متكبرة، وذلك خلقها لا يمكنها تركه، أو إذا قهرتموها يظهر منها أكثر من ذلك
من البذا والفحش.
قال في النهاية: فيه أنه أمر امرأة فتأبت فقال: دعوها فإنها جبارة اي متكبرة
عاتية، وقال الراغب أصل الجبر إصلاح الشئ بضرب من القهر، وتجبر يقال
إما لتصور معنى الاجتهاد، أو للمبالغة أو لمعنى التكلف، والجبار في صفة الانسان
يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها، وهذا لا يقال إلا على
طريق الذم كقوله تعالى: " وخاب كل جبار عنيد " " ولم يجعلني جبار شقيا " (1)

(1) إبراهيم: 15، مريم: 32.
211

" إن فيها قوما جبارين " (1) " كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " (2)
اي متعال عن قبول الحق والاذعان له، وإما في وصفه تعالى نحو: " العزيز الجبار
المتكبر " (3) فقد قيل: سمي بذلك من قولهم جبرت الفقير، لأنه هو الذي
يجبر الناس [بفائض نعمه (4) وقيل: لأنه يجبر الناس أي يقهرهم على ما يريده.
ودفع بعض أهل اللغة ذلك من حيث اللفظ فقال: لا يقال من أفعلت: فعال
فجبار لا يبنى من أجبرت، فأجيب عنه بأن ذلك من لفظ الجبر المروي في قوله
" لا جبر ولا تفويض " لا من الاجبار.
وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا تعالى الله عن ذلك وليس
ذلك بمنكر، فان الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسب ما تقتضيه
الحكمة الإلهية، لا على ما تتوهمه الغواة الجهلة، وذلك لاكراههم على المرض
والموت والبعث وسخر كلا منهم بصناعة يتعاطاها وطريقة من الأخلاق والأعمال
يتحراها وجعله مجبرا في صورة مخير، فاما راض بصنعته لا يريد عنها حولا، وإما
كاره لها يكابدها مع كراهية لها، كأنه لا يجد عنها بدلا، قال: " فتقطعوا أمرهم
بينهم [زبرا] كل حزب بما لديهم فرحون " (5) وقال تعالى: " نحن قسمنا بينهم
معيشتهم في الحياة الدنيا " (6) وعلى هذا الحد وصف بالقاهر وهو لا يقهر إلا على
ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه (7).

(1) المائدة: 22.
(2) غافر: 35.
(3) الحشر: 23.
(4) في طبعة الكمباني ههنا بياض وهو الصفحة 119 من الجزء الثالث وقد أضفنا
ما سقط منها من شرح الكافي ج 2 ص 298، وجعلنا ما سقط بين المعقوفتين.
(5) المؤمنون: 53.
(6) الزخرف: 32.
(7) مفردات غريب القرآن 85 و 86.
212

3 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن عثمان بن عيسى، عن العلاء بن
الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: العز رداء الله، والكبر
إزاره، فمن تناول شيئا منه أكبه الله في جهنم (1).
بيان: قيل في علة تشبيه العز بالرداء والكبر بالإزار: إن العزة أمر
إضافي كما قيل هي الامتناع من أن ينال، وقيل: هي الصفة التي تقتضي عدم
وجود مثل الموصوف بها، وقيل: هي الغلبة على الغير، والامر الإضافي أمر
ظاهر والرداء من الأثواب الظاهرة فبينهما مناسبة من جهة الظهور، والكبر بمعنى
العظمة وهي صفة حقيقية إذا العظيم قد يتعاظم في نفسه من غير ملاحظة الغير، فهي
أخفى من العزة، والإزار ثوب خفي لأنه يستر غالبا بغيره، فبينهما مناسبة من
هذه الجهة.
أقول: ويحتمل أن يراد بالعز إظهار العظمة، وبالكبر نفسها، أو بالعز
ما يصل إليه عقول الخلق من كبريائه، وبالكبر ما عجز الخلق عن إدراكه، أو
بالعز ما كان بسبب صفاته العلية وبالكبر ما كان بحسب ذاته المقدسة والمناسبة
على كل من الوجوه ظاهرة (2).
" فمن تناول " اي تصرف وأخذ " شيئا منه " الضمير راجع إلى كل من

(1) الكافي ج 2 ص 309.
(2) أقول: وللسيد الشريف الرضى رضوان الله عليه في كتابه المجازات النبوية ص 282
في معنى هذا الحديث مسلك آخر قال قدس سره: ومن ذلك قوله عليه السلام في تعيير
أقوام ذمهم: ورجل ينازع الله رداءه فان رداءه الكبرياء وإزاره العظمة.
وهذا القول مجاز، والمراد بذلك أن الكبرياء والعظمة رداؤه تعالى وإزاره اللذان
يكسوهما خليقته، ويلبسهما بريته، ولا يقدر غيره تعالى على أن ينزع منهما ما ألبسه، أو
يلبس منهما ما نزعه، والمراد بذلك العظمة والكبرياء على حقيقتهما، دون ما يعتقده
الجهال أنه عظمة وكبرياء وليس بهما، وذلك مثل ما نشأ هذه من تعظم الجبارين
وتكبر المتملكين، فان ذلك ليس بتعظيم من الله سبحانه لهم ولا بإفاضة من ملابس كبريائه
عليهم، وإنما العظمة والكبرياء في الحقيقة هما الكرامة التي يلقيها الله سبحانه على رسله
وأنبيائه والقائمين بالقسط من عباده، فيعظمون بها في العيون، ويحلون في الصدور
والقلوب، وإن كانت هيئاتهم ذميمة، وظواهرهم ورقابهم خاضعة، وبطونهم جائعة.
فإذا ثبت ما قلنا بأن تسمية الكبرياء والعظمة رداء الله وإزاره ليس لأنه يكتسبهما
ولكن لأنه يكسوهما، وذلك كما يقول القائل وقد رأى على بعض الناس ثوبا افاضه عليه
عظيم من العظماء أو كريم من الكرماء: هذا ثوب فلان ولم يرد أنه ملبسه، فأضافه إليه
من حيث كساه لا من حيث اكتساه الخ.
213

العز والكبر، والغالب في أكب مطاوع كب يقال كبه فأكب وقد يستعمل أكب
أيضا متعديا، في القاموس كبه: قلبه وصرعه كأكبه وكبكبه فأكب، وهو
لازم متعد، وفي المصباح كببت زيدا كبا: ألقيته على وجهه فأكب هو، وهو
من النوادر التي تعدى ثلاثيها وقصر رباعيها، وفي التنزيل: " فكبت وجوههم
في النار " (1) " أفمن يمشي مكبا على وجهه " (2).
4 - الكافي: عن الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن
ثعلبة، عن معمر بن عمر بن عطا (3)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الكبر رداء الله
والمتكبر ينازع الله رداءه (4).
بيان: قال بعض المحققين: الانسان مركب من جوهرين أحدهما أعظم
من الاخر، وهو الروح التي من أمر الرب، وبينها وبين الرب قرب تام، لولا
عنان العبودية لقال كل أحد " أنا ربكم الاعلى " فكل أحد يحب الربوبية
ولكن يدفعها عن نفسه بالاقرار بالعبودية، ويطلب باعتبار الجوهر الاخر

(1) النمل: 27.
(2) الملك: 22.
(3) الظاهر أنه: عن معمر بن عمر، عن عطا، كما يظهر من كتب الرجال، منه
رحمه الله.
(4) الكافي ج 2 ص 309.
214

المركوز فيه القوة الشهوية والغضبية آثار الربوبية وخواصها، وهي أن يكون
فوق كل شئ وأعلا رتبة منه ويغفل عن أن هذا في الحقيقة دعوى الربوبية، وكذلك
كل صفة من الصفات الرذيلة تتولد من ادعاء آثار الربوبية كالغضب والحسد
والحقد والرياء والعجب، فان الغضب من جهة الاستيلاء اللازم للربوبية والحسد
من جهة أنه يكره أن يكون أحد أفضل منه في الدين والدنيا وهو أيضا من لوازمها
والحقد يتولد من احتقان الغضب في الباطن والرياء من جهة أنه يريد ثناء الخلق والعجب
من جهة أنه يرى ذاته كاملة وكل ذلك من آثار الربوبية، وقس عليه سائر
الرذائل، فإنك إن فتشتها وجدتها مبنية على ادعاء الربوبية والترفع.
5 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن محمد بن علي، عن أبي جميلة
عن ليث المرادي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكبر رداء الله، فمن نازع الله
شيئا من ذلك أكبه الله في النار (1).
بيان: " شيئا من ذلك " اي في شئ من الكبر.
6 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن أبيه، عن القاسم بن عروة، عن
عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: لا يدخل
الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر (2).
بيان: الذر: النمل الأحمر الصغير، واحدتها ذرة، وسئل تغلب عنها فقال:
إن مائة نملة وزن حبة، والذرة واحدة منها، وقيل: الذرة ليس لها وزن
ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس الداخل في النافذة.
وقال: فيه: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر يعني
كبر الكفر والشرك كقوله تعالى: " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون
جهنم داخرين " (3)، ألا ترى أنه قابله في نقيضه بالايمان فقال: ولا يدخل النار

(1) الكافي ج 2 ص 309.
(2) الكافي ج 2 ص 310.
(3) غافر: 60.
215

من في قلبه مثل ذلك من الايمان، أراد دخول تأبيد، وقيل: أراد إذا دخل الجنة
نزع ما في قلبه من الكبر كقوله تعالى: " ونزعنا ما في صدورهم من غل " (1)
انتهى.
وأقول: التأويل الأول حسن وموافق لما في الخبر الآتي، وأما الثاني
فلا يخفى بعده، لان المقصود ذم التكبر وتحذيره لا تبشيره برفع الاثم عنه
ولذا حمله بعضهم على المستحل، أو عدم الدخول ابتداء، بل بعد المجازاة، وما
في الخبر أصوب.
7 - الكافي: عن علي، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي أيوب، عن محمد بن
مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل
من الكبر، قال: فاسترجعت، فقال: مالك تسترجع؟ قلت: لما سمعت منك
فقال: ليس حيث تذهب] (2) إنما أعني الجحود، إنما هو الجحود (3).
بيان: " فاسترجعت " يقال: أرجع فرجع، واسترجع في المصيبة قال: إنا
لله وإنا إليه راجعون، كما في القاموس وإنما قال ذلك لأنه استشعر بالهلاك
واستحقاق دخول النار، بحمل الكلام على ظاهره، لأنه كان متصفا ببعض الكبر
" إنما هو الجحود " اي المراد بالكبر إنكار الله سبحانه أو إنكار أنبيائه أو حججه عليهم السلام
والاستكبار عن إطاعتهم، وقبول أوامرهم ونواهيهم، مثل تكبر إبليس لعنه الله
فإنه لما كان مقرونا بالجحود والاباء عن طاعة الله، والاستصغار لامره كما دل عليه
قوله: " لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال " (4) وقوله: " أأسجد لمن
خلقت طينا " (5) كان سببا لكفره، والكفر يوجب الحرمان من الجنة أبدا، وهذا

(1) الأعراف: 43، الحجر: 47.
(2) إلى هنا انتهى ما أثبتناه من شرح الكافي ومتنه في محل بياض الصفحة 119
من الجزء الثالث من نسخة الكمباني فراجع.
(3) الكافي ج 2 ص 310.
(4) الحجر: 33.
(5) أسرى: 61.
216

أحد التأويلات للروايات الدالة على أن صاحب الكبر لا يدخل الجنة كما عرفت
و كأن المقصود أن هذا الوعيد مختص بكبر الجحود لا أن غيره لا يتعلق به
الوعيد مطلقا، والتكرير للتأكيد.
8 - الكافي: عن الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن علي
ابن عقبة، عن أيوب بن الحر، عن عبد الاعلى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكبر
أن تغمص الناس وتسفه الحق (1).
بيان: " أن تغمص الناس " أي تحقرهم، والمراد إما مطلق الناس أو
الحجج والأئمة عليهم السلام كما ورد في الاخبار أنهم الناس كما قال تعالى: " ثم
أفيضوا من حيث أفاض الناس " (2) في القاموس غمصه كضرب وسمع احتقره
كاغتمصه وعابه وتهاون بحقه، والنعمة لم يشكرها، وقال: سفه نفسه ورأيه
مثلثة حمله على السفه أو نسبه إليه أو أهلكه، وسفه كفرح وكرم علينا جهل
وسفه تسفيها جعله سفيها كسفهه كعلمه، أو نسبه إليه وسفه صاحبه كنصر غلبه في
المسافهة.
وفي النهاية: فيه: إنما ذلك من سفه الحق وغمص الناس، اي احتقرهم ولم
يرهم شيئا تقول منه غمص الناس يغمصهم غمصا، وقال فيه: إنما البغي من سفه
الحق اي من جهله، وقيل: جهل نفسه ولم يفكر فيها، ورواه الزمخشري
من سفه الحق على أنه اسم مضاف إلى الحق قال: وفيه وجهان أحدهما أن يكون
على حذف الجار وإيصال الفعل، كأن الأصل سفه على الحق، والثاني أن
يضمن معنى فعل متعد كجهل، والمعنى الاستخفاف بالحق، وأن لا يراه على ما
هو عليه من الرجحان والرزانة، وقال أيضا فيه: ولكن الكبر من بطر الحق
اي ذو الكبر أي كبر من بطر كقوله تعالى: " ولكن البر من اتقى " (3) وهو

(1) الكافي ج 2 ص 310.
(2) البقرة: 199.
(3) البقرة: 189.
217

أن يجعل ما جعله حقا من توحيده وعبادته باطلا، وقيل: وهو أن يتجبر عند
الحق فلا يراه حقا وقيل: هو أن يتكبر عن الحق فلا يقبله.
9 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى. عن علي بن الحكم
عن سيف بن عميرة، عن عبد الاعلى بن أعين قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: إن أعظم الكبر غمص الخلق وسفه الحق، قال: قلت: وما غمص
الخلق وسفه الحق؟ قال: يجهل الحق ويطعن على أهله، فمن فعل ذلك فقد
نازع الله عز وجل رداءه (1).
بيان: " قال يجهل الحق " النشر على خلاف ترتيب اللف، وكأن المراد
بالخلق هنا أيضا أهل الحق وأئمة الدين، كالناس في الخبر السابق، والجملتان
متلازمتان، فان جهل الحق أي عدم الاذعان به وإنكاره تكبرا يستلزم الطعن
على أهله وتحقيرهم، وهما لازمتان للجحود، فالتفاسير كلها يرجع إلى واحد.
" فمن فعل ذلك فقد نازع الله " قيل: فان قلت: الغمص والسفه بالتفسير
المذكور ليسا من صفات الله تعالى وردائه، فكيف نازعه في ذلك؟ قلت: الغمص
والسفه أثران من آثار الكبر، ففاعل ذلك ينازع الله من حيث الملزوم، على أنه
لا يبعد أن يراد بهما الملزوم مجازا، وهو الكبر البالغ إلى هذه المرتبة.
وأقول: يحتمل أن يكون المنازعة من حيث إنه إذا لم يقبل إمامة أئمة
الحق ونصب غيرهم لذلك، فقد نازع الله في نصب الإمامة، وبيان الحق، وهما
مختصان به كما اطلق لفظ المشرك في كثير من الاخبار على من فعل ذلك.
10 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إن في جهنم لواديا للمتكبرين، يقال له: سقر، شكى إلى الله
عز وجل شدة حره، وسأله أن يأذن له أن يتنفس، فتنفس فأحرق جهنم (2).
بيان: في القاموس الوادي مفرج بين جبال أو تلال أو آكام، وأقول:
ذلك إشارة إلى قوله تعالى: " ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس

(1) الكافي ج 2 ص 310.
(2) الكافي ج 2 ص 310.
218

في جهنم مثوى للمتكبرين " (1) وقال [بعد ذكر المشركين " فأدخلوا أبواب جهنم
خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين " (2) وقال:] سبحانه بعد ذكر الكفار و
دخولهم النار: " فبئس مثوى المتكبرين " في موضعين (3) وإلى قوله عز وجل: " ما
سلككم في سقر " إلى قوله: " كنا نكذب بيوم الدين " (4) وإلى قوله بعد
ذكر المكذبين بالنبي صلى الله عليه وآله وبالقرآن: " سأصليه سقر * وما أدريك ما سقر *
لا تبقي ولا تذر * لواحة للبشر " (5).
وفي النهاية: سقر اسم أعجمي لنار الآخرة، ولا ينصرف للعجمة والتعريف
وقيل: هو من قولهم سقرته الشمس أذابته فلا ينصرف للتأنيث والتعريف.
وأقول: يظهر من الآيات أن المراد بالمتكبرين في الخبر من تكبر على
الله، ولم يؤمن به وبأنبيائه وحججه عليهم السلام، والشكاية والسؤال إما بلسان
الحال أو المقال منه بايجاد الله الروح فيه، أو من الملائكة الموكلين به، والاسناد
على المجاز، وكأن المراد بتنفسه خروج لهب منه، وباحراق جهنم
تسخينها أشد مما كان لها أو إعدامها، أو جعلها رمادا فأعادها الله تعالى
كما كانت.
11 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن ابن سنان، عن داود بن
فرقد، عن أخيه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن المتكبرين يجعلون
في صور الذر يتوطأهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب (6).
بيان: يدل على أنه يمكن أن يخلق الانسان يوم القيامة أصغر مما كان
مع بقاء الأجزاء الأصلية أو بعضها فيه، ثم يضاف إليه سائر الأجزاء، فيكبر
إذ يبعد التكاثف إلى هذا الحد، ويمكن أن يكون المراد أنهم يخلقون كبارا

(1) الزمر: 60.
(2) النحل: 29، وما بين العلامتين ساقط من الكمباني.
(3) غافر: 76، الزمر: 72.
(4) المدثر: 42.
(5) المدثر: 26 - 28.
(6) الكافي ج 2 ص 311.
219

بهذه الصور، فإنها أحقر الصور في الدنيا، معاملة معهم بنقيض مقصودهم، أو
يكون المراد بالصورة الصفة اي يطأهم الناس كما يطؤن الذر في الدنيا.
وفي بعض أخبار العامة: يحشر المتكبرون أمثال الذر في صورة الرجال
وقال بعض شراحهم: اي يحشرهم أذلاء يطأهم الناس بأرجلهم، بدليل أن
الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الاجزاء غرلا يعاد منهم ما انفصل عنهم من
الغلفة (1) وقرينة المجاز قوله: " في صورة الرجال ".
وقال بعضهم: يعني أن صورهم صور الانسان، وجثثهم كجثث الذر في الصغر
وهذا أنسب بالسياق، لأنهم شبهوا بالذر، ووجه الشبه إما صغر الجثة أو
الحقارة، وقوله: " في صورة الرجال " بيان للوجه، وحديث " الأجساد تعاد
على ما كانت عليه " لا ينافيه، لأنه قادر على إعادة تلك الأجزاء الأصلية في
مثل الذر.
12 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن غير واحد، عن علي
ابن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن عبد الاعلى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قلت له: ما الكبر؟ فقال: أعظم الكبر أن تسفه الحق وتغمص الناس، قلت: وما تسفه
الحق؟ قال: تجهل الحق وتطعن على أهله (2).
بيان: " فقال ما تسفه الحق " اي ما معنى هذه الجملة، ويمكن أن يقرء
بصيغة المصدر من باب التفعل، وكأنه سئل عن الجملتين معا واكتفى بذكر
إحداهما، أي إلى آخر الكلام بقرينة الجواب، أو كان غرضه السؤال عن
الأولى، فذكر عليه السلام الثانية أيضا لتلازمهما أو لعلمه بعدم فهم الثانية أيضا.
13 - الكافي: عن العدة، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن عمر بن يزيد، عن أبيه
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنني آكل الطعام الطيب، وأشم الريح الطيبة

(1) الغلفة: جليدة يقطعها الخاتن ويقال لها: القلفة بالقاف أيضا والغرلة، والجمع
غلف، وغرلا أي غير مختونين جمع اغرل، والأنثى غرلاء.
(2) الكافي ج 2 ص 311.
220

وأركب الدابة الفارهة، ويتبعني الغلام، فترى في هذا شيئا من التجبر فلا أفعله؟
فأطرق أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: إنما الجبار الملعون من غمص الناس وجهل الحق
قال عمر: قلت: أما الحق فلا أجهله والغمص لا أدري ما هو؟ قال: من حقر الناس
وتجبر عليهم فذلك الجبار (1).
بيان: في النهاية دابة فارهة أي نشيطة حادة قوية انتهى، وكأن السائل إنما
سأل عن هذه الأشياء لأنها سيرة المتكبرين، لتفرعها على الكبر، وكون الكبر
سبب ارتكابها غالبا فأجاب عليه السلام ببيان معنى التكبر ليعلم أنها إن كانت مستلزمة
للتكبر فلا بد من تركها، وإلا فلا، كيف وسيأتي أن الله جميل يحب الجمال، وإطراقه
وسكوته عليه السلام للاشعار بأنها في محل الخطر ومستلزمة للتكبر ببعض معانيه
والتجبر التكبر والجبار العاتي.
14 - الكافي: عن محمد بن جعفر، عن محمد بن عبد الحميد، عن عاصم بن حميد
عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاثة لا يكلمهم الله
ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك جبار
ومقل مختال (2).
بيان: " لا يكلمهم الله " إشارة إلى قوله تعالى: " إن الذين يشترون بعهد الله
وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم
يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " (3) والمعنى لا يكلمهم كلام رضا بل
كلام سخط مثل " اخسؤا فيها ولا تكلمون " (4).
وقيل: لا يكلمهم بلا واسطة، بل الملائكة يتعرضون لحسابهم وعتابهم
وقيل: هو كناية عن الاعراض والغضب، فان من غضب على أحد قطع كلامه
وقيل: اي لا ينتفعون بكلام الله وآياته، ومعنى لا ينظر إليهم أنه لا ينظر إليهم

(1) الكافي ج 2 ص 311.
(2) الكافي ج 2 ص 311.
(3) آل عمران: 77.
(4) المؤمنون: 108.
221

نظر الكرامة والعطف والبر والرحمة والاحسان، لضعفهم وحقارتهم عنده، أو
كناية عن شدة الغضب، لان من اشتد غضبه على أحد استهان به وأعرض عنه
وعن التكلم معه والالتفات نحوه، كما أن من اعتد بغير يقاوله ويكثر النظر
إليه.
وقيل: في قوله: " يوم القيمة " إشعار بأن المعاصي المذكورة بل غيرها
أيضا لا تمنع من إيصال الخير والنعمة إليهم في الدنيا، لان إفضاله فيها يعم الأبرار
والفجار، تأكيدا للحجة عليهم.
" ولا يزكيهم " اي لا يطهرهم من ذنوبهم، أو لا يقبل عملهم، أو لا يثني
عليهم، وتخصيص الثلاثة بالذكر ليس لأجل أن غيرهم معذور، بل لان عقوبتهم
أعظم وأشد، لان المعصية مع وجود الصارف عنها، وعدم الداعي القوي عليها
أقبح وأشنع:
وذلك في الشيخ لانكسار قوته وانطفاء شهوته، وطول اعذاره ومدته
وقرب الانتقال إلى الله، فهو حري بأن بأن يتدارك ما فات، ويستعد لما هو آت
فإذا ارتكب الزنا أشعر ذلك بأنه غير مقر بالدين، ومستخف بنهي رب العالمين
فلذا استحق العذاب المهين، وفيه إشعار بأن الشيخ في أكثر المعاصي بل [جميعها
أشد عقوبة من الشاب، وعلى أن الشاب بالعفة أمدح من الشيخ والصارف
للملك عن كونه جبارا مشاهدة كمال نعمه تعالى عليه] (1) حيث سلطه على عباده
وبلاده، وجعلهم تحت يده وقدرته، فاقتضى ذلك أن يشكر منعمه، ويعدل بين
خلق الله، ويرتدع عن الظلم والفساد، ويشاهد ضعفه بين يدي الملك المنان
فإذا قابل كل ذلك بالكفران، استحق عذاب النيران.
والصارف للمقل الفقير عن الاختيال والاستكبار فقره، لان الاختيال إنما
هو بالدنيا، وليست عنده، فاختياله عناد، ومن عاند ربه العظيم صار محروما

(1) أضفنا ما بين العلامتين من شرح الكافي ج 2 ص 300.
222

من رحمته، وله عذاب أليم.
وأقول: يحتمل أن لا يكون تخصيص الملك لكون الصارف فيه أكثر، بل
لكونه أقوى على الظلم وأقدر.
وفي الصحاح أقل افتقر، وقال الراغب: الخيلاء التكبر عن تخيل
فضيلة تراءت للانسان من نفسه، ومنها يتأول لفظ الخيل، لما قيل: إنه لا
يركب أحد فرسا إلا وجد في نفسه نخوة (1)، وفي النهاية: فيه من جر ثوبه خيلاء
لم ينظر الله إليه، الخيلاء بالضم والكسر الكبر والعجب، يقال: اختال فهو مختال
وفيه خيلاء ومخيلة أي كبر.
15 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن محمد، عن مروك بن عبيد، عمن حدثه
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن يوسف عليه السلام لما قدم عليه الشيخ يعقوب عليه السلام دخله
عز الملك فلم ينزل إليه، فهبط عليه جبرئيل فقال: يا يوسف ابسط راحتك
فخرج منها نور ساطع، فصار في جو السماء، فقال يوسف عليه السلام: ما هذا النور
الذي خرج من راحتي؟ فقال: نزعت النبوة عن عقبك، عقوبة لما لم تنزل إلى
الشيخ يعقوب، فلا يكون من عقبك نبي (2).
بيان: الملك بضم الميم وسكون اللام السلطنة، وبفتح الميم وكسر اللام
السلطان، وبكسر الميم وسكون اللام ما يملك وإضافة العز إليه لامية، والنزول
إما عن الدابة أو عن السرير، وكلاهما مرويان، وينبغي حمله على أن ما
دخله لم يكن تكبرا أو تحقيرا لوالده، لكون الأنبياء منزهين عن أمثال ذلك، بل
راعى فيه المصلحة لحفظ عزته عند عامة الناس، لتمكنه من سياسة الخلق، وترويج
الدين، إذ كان نزول الملك عندهم لغيره موجبا لذلة، وكان رعاية الأدب للأب
مع نبوته ومقاساة الشدايد لحبه أهم وأولى من رعاية تلك المصلحة، فكان هذا
منه عليه السلام تركا للأولى، فلذا عوتب عليه، وخرج نور النبوة من صلبه، لأنهم
لرفعة شأنهم وعلو درجتهم يعاتبون بأدنى شئ، فهذا كان شبيها بالتكبر، ولم

(1) مفردات غريب القرآن 162.
(2) الكافي ج 2 ص 311.
223

يكن تكبرا " فصار في جو السماء " أي استقر هناك أو ارتفع إلى السماء.
16 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة، وملك يمسكها، فإذا
تكبر قال له: اتضع وضعك الله، فلا يزال أعظم الناس في نفسه، وأصغر الناس
في أعين الناس، وإذا تواضع رفعها الله عز وجل، ثم قال له: انتعش نعشك الله
فلا يزال أصغر الناس في نفسه، وارفع الناس في أعين الناس (1).
بيان: قال الجوهري: حكمة اللجام ما أحاط بالحنك، وقال في النهاية:
يقال: أحكمت فلانا اي منعته، ومنه سمي الحاكم لأنه يمنع الظالم، وقيل:
هو من حكمت الفرس وأحكمته إذا قدعته وكففته، ومنه الحديث ما من آدمي
إلا وفي رأسه حكمة، وفي رواية: في رأس كل عبد حكمة، إذا هم بسيئة فان
شاء الله أن يقدعه بها قدعه، الحكمة حديدة في اللجام تكونن على أنف الفرس
وحنكه، تمنعه عن مخالفة راكبه، ولما كانت الحكمة تأخذ بفم الدابة وكان
الحنك متصلا بالرأس، جعلها تمنع من هي في رأسه كما تمنع الحكمة الدابة
ومنه الحديث إن العبد إذا تواضع رفع الله حكمته أي قدره ومنزلته، يقال: له
عندنا حكمة أي قدر، وفلان عالي الحكمة، وقيل: الحكمة من الانسان أسفل
وجهه، مستعار من موضع حكمة اللجام، ورفعها كناية عن الاعزاز، لان في صفة
الذليل تنكيل رأسه انتهى.
وقيل: المراد بالحكمة هنا الحالة المقتضية لسلوك سبيل الهداية، على سبيل
الاستعارة، وبامساك الملك إياها إرشاده إلى ذلك السبيل ونهيه عن العدول عنه.
" اتضع " أمر تكويني أو شرعي، " وضعك الله " دعاء عليه، ودعاء الملك
مستجاب أو إخبار بأن الله أمر بوضعك، وقدر مذلتك " رفعها الله " اي الحكمة
وإنما غير الأسلوب ولم ينسبها إلى الملك، لان نسبة الخير واللطف إلى الله

(1) الكافي ج 2 ص 312.
224

تعالى أنسب، وإن كان الكل بأمره تعالى، وقيل: هو التنبيه على أن الرفع مترتب
على التواضع من غير حاجة إلى دعاء الملك، بخلاف الوضع، فإنه غير مترتب
على التكبر ما لم يدعو الملك عليه بالوضع، وما ذكرنا أنسب.
" ثم قال له " اي الرب تعالى أو الملك " انتعش " يحتمل الوجهين المتقدمين
يقال: نعشه الله كمنعه وأنعشه اي أقامه ورفعه، ونعشه فانتعش اي رفعه فارتفع
" نعشك الله " أيضا إما إخبار بما وقع من الرفع أو دعاء له بالثبات والاستمرار.
وأقول: هذا الخبر في طرق العامة هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله: ما من أحد إلا
وله ملكان، وعليه حكمة يمسكانه بها، فان هو رفع نفسه جيذاها ثم قالا: اللهم
ضعه، فان وضع نفسه قالا: اللهم ارفعه.
17 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن بعض أصحابه، عن
النهدي، عن يزيد بن إسحاق شعر، عن عبد الله بن المنذر، عن عبد الله بن بكير قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: ما من أحد يتيه إلا من ذلة يجدها في نفسه.
وفي حديث آخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من رجل تكبر أو تجبر
إلا لذلة وجدها في نفسه (1).
بيان: في النهاية فيه إنك امرء تائه أي متكبر أو ضال متحير، وقد تاه
يتيه تيها إذا تحير وضل وإذا تكبر انتهى.
" أو تجبر " يمكنان يكون الترديد من الراوي وإن كان منه عليه السلام فيدل
على فرق بينهما في المعنى كما يومئ إليه قوله تعالى: " الجبار المتكبر " وفي
الخبر إيماء على أن التكبر أقوى من التجبر، ويمكن أن يقال في الفرق
بينهما أن التجبر يدل على جبر الغير وقهره على ما أراد، بخلاف التكبر فإنه
جعل نفسه أكبر وأعظم من غيره، وإن كانا متلازمين غالبا.
ثم اعلم أن الخبرين يحتملان وجوها: الأول أن يكون المراد أن التكبر
ينشأ من دناءة النفس وخستها ورداءتها، الثاني أن يكون المعنى أن التكبر إنما

(1) الكافي ج 2 ص 312.
225

يكون فيمن كان ذليلا فعز وأما من نشأ في العزة لا يتكبر غالبا بل شأنه التواضع
الثالث أن التكبر إنما يكون فيمن لم يكن له كمال واقعي فيتكبر لاظهار الكمال
الرابع أن يكون المراد المذلة عند الله اي من كان عزيزا ذا قدر ومنزلة عند الله
لا يتكبر، الخامس ما قيل: إن اللام لام العاقبة أي يصير ذليلا بسبب التكبر.
18 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود، عن
حفص بن غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال عليه السلام: ومن ذهب أن له على
الاخر فضلا فهو من المستكبرين، فقلت: إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية
إذا رآه مرتكبا للمعاصي، فقال: هيهات هيهات فلعله أن يكون غفر له ما أتى
وأنت موقوف محاسب، أما تلوت قصة سحرة موسى عليه السلام الحديث (1).
19 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله رجل فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله أنا فلان
ابن فلان حتى عد تسعة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إنك عاشرهم في النار (2).
بيان: " أما إنك عاشرهم في النار " أي إن آباءك كانوا كفارا وهم في النار
فما معنى افتخارك بهم وأنت أيضا مثلهم في الكفر باطنا إن كان منافقا أو ظاهرا أيضا
إن كان كافرا، فلا وجه لافتخارك أصلا، والحاصل أن عمدة أسباب الفخر بل أشيعها
وأكثرها الفخر بالإباء، وهو باطل لان الاباء إن كانوا ظلمة أو كفرة فهم من
أهل النار، فينبغي أن يتبرء منهم لا أن يفتخر بهم، وإن كانوا باعتبار أن لهم مالا
فليعلم أن المال ليس بكمال يقع به الافتخار، بل ورد في ذمه كثير من الاخبار
ولو كان كمالا كان لهم لا له، والعاقل لا يفتخر بكمال غيره [وإن كان باعتبار أنه كان
خيرا أو فاضلا أو عالما فهذا جهل من حيث إنه تعزز بكمال غيره] (3) ولذلك قيل:
لئن فخرت بآباء ذوي شرف * لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا
فالمتكبر بالنسب إن كان خسيسا في صفات ذاته فمن أن يجبر خسته كمال
غيره، وأيضا ينبغي أن يعرف نسبه الحقيقي فيعرف أباه وجده، فان أباه نطفة

(1) الكافي ج 8 ص 128 في حديث طويل.
(2) الكافي ج 2 ص 329.
(3) راجع شرح الكافي ج 2 ص 316.
226

قذرة، وجده البعيد تراب ذليل، وقد عرفه الله نسبه فقال: " الذي أحسن كل
شئ خلقه وبدء خلق الانسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين " (1)
فمن أصله من التراب المهين الذي يداس بالاقدام، ثم خمر طينه، حتى صار حمأ
مسنونا كيف يتكبر؟ وأخس الأشياء ما إليه نسبه، فان قال: افتخرت بالأب
فالنطفة والمضغة أقرب إليه من لأب فليحتقر نفسه بهما.
والسبب الثاني الحسن والجمال فان افتخر به فليعلم أنه قد يزول بأدنى
الأمراض والأسقام، وما هو في عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر به، ولينظر
أيضا إلى أصله وما خلق منه كما مر، وإلى ما يصير إليه في القبر من جيفة منتنة
وإلى ما في بطنه من الخبائث، مثل الأقذار التي في جميع أعضائه والرجيع الذي
في أمعائه، والبول الذي في مثانته، والمخاط الذي في أنفه، والوسخ الذي في أذنيه
والدم الذي في عروقه، والصديد الذي تحت بشرته، إلى غير ذلك من المقابح
والفضائح، فإذا عرف ذلك لم يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن.
الثالث القوة والشجاعة، فمن افتخر بهما فليعلم أن الذي خلقه هو أشد
منه قوة، وأن الأسد والفيل أقوى منه، وأن أدنى العلل والأمراض يجعله
أعجز من كل عاجز، وأذل من كل ذليل، وان البعوضة لو دخلت في أنفه
أهلكته ولم يقدر على دفعها.
الرابع الغنا والثروة والخامس كثرة الأنصار والاتباع والعشيرة وقرب
السلاطين، والاقتدار من جهتهم، والكبر والفخر لهذين السببين أقبح لأنه
أمر خارج عن ذات الانسان وصفاته، فلو تلف ماله أو غصب أو نهب أو تغير عليه
السلطان وعزله، لبقي ذليلا عاجزا، وإن من فرق الكفار من هو أكثر منه
مالا وجاها، فالمتكبر بهما في غاية الجهل.
السادس العلم، وهو أعظم الأسباب وأقواها، فإنه كمال نفساني عظيم
عند الله تعالى وعند الخلايق، وصاحبه معظم عند جميع المخلوقات، فإذا تكبر

(1) السجدة: 7 و 8.
227

العالم وافتخر، فليعلم أن خطر أهل العلم أكثر من خطر أهل الجهل، وأن
الله تعالى يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل من العالم، وأن العصيان مع العلم
أفحش من العصيان مع الجهل، وأن عذاب [العالم أشد من عذاب الجاهل
وأنه تعالى شبه العالم الغير العامل تارة بالحمار، وتارة بالكلب، وأن
الجاهل] (1) أقرب إلى السلامة من العالم لكثرة آفاته، وأن الشياطين أكثرهم على
العالم، وأن سوء العاقبة وحسنها أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه فلعل الجاهل يكون
أحسن عاقبة من العالم.
السابع العبادة والورع والزهادة، والفخر فيها أيضا فتنة عظيمة، والتخلص
منها صعب، فإذا غلب عليه فليتفكر أن العالم أفضل منه، فلا ينبغي أن يفتخر عليه
ولا ينبغي أيضا ان يفتخر على من تأخر عنه في العمل أيضا إذ لعل قليل عمله يكون
مقبولا وكثير عمله مردودا، ولا على الجاهل والفاسق، إذ قد يكون لهما خصلة
خفية، وصفة قلبية موجبة لقرب الرب سبحانه ورحمته، ولو فرض خلوهما عن
جميع ذلك بالفعل، فلعل الأحوال في العاقبة تنعكس، وقد وقع مثل ذلك كثيرا
ولو فرض عدم ذلك فليتصور أن تكبره في نفسه شرك فيحبط عمله، فيصير هو في
الآخرة مثلهم، بل أقبح منهم، والله المستعان.
20 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: آفة الحسب الافتخار والعجب (2).
بيان: الحسب الشرف والمجد الحاصل من جهة الاباء، وقد يطلق على
الشرافة الحاصلة من الأفعال الحسنة، والأخلاق الكريمة، وإن لم تكن من جهة
الاباء، في القاموس الحسب ما تعده من مفاخر آبائك أو المال أو الدين أو الكرم
أو الشرف في الفعل أو الفعال الصالح أو الشرف الثابت في الاباء أو البال أو
الحسب والكرم قد يكونان لمن لا آباء له شرفاء والشرف والمجد لا يكونان

(1) ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 316.
(2) الكافي ج 2 ص 328 ومثله في ص 329.
228

إلا بهم.
وأقول: الخبر يحتمل وجوها الأول أن لكل شئ آفة تضيعه، وآفة
الشرافة من جهة الاباء الافتخار والعجب الحاصلان منها، فإنه يبطل بهما هذا الشرف
الحاصل له بتوسط الغير عند الله وعند الناس، الثاني أن المراد بالحسب الأخلاق
الحسنة، والافعال الصالحة، وتضييعها الافتخار بهما، وذكرهما والاعجاب بهما
كما مر، الثالث أن يكون المراد به أن الحسب يستتبع آفة الافتخار ويوجبها
لان آفة الافتخار بالحسب تضييعه كما قيل، والأول أظهر الوجوه.
21 - الكافي: عن الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن
حنان، عن عقبة بن بشير الأسدي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أنا عقبة بن بشير
الأسدي وأنا في الحسب الضخم من قومي، قال: فقال: ما تمن علينا بحسبك
إن الله تعالى رفع بالايمان من كان الناس يسمونه وضيعا إذا كان مؤمنا، ووضع
بالكفر من كان الناس يسمونه شريفا إذا كان كافرا، فليس لأحد فضل على أحد
إلا بالتقوى (1).
بيان: في القاموس الضخم بالفتح والتحريك العظيم من كل شئ " ما تمن "
" ما " للاستفهام الانكاري أو نافية " فليس لأحد " إشارة إلى قوله تعالى: " يا أيها الناس
إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم
عند الله أتقيكم " (2) وكفى بهذه الآية واعظا وزاجرا عن الكبر والفخر.
22 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن ابن عيسى، عن ابن الضحاك قال:
قال أبو جعفر عليه السلام: عجبا للمختال الفخور، وإنما خلق من نطفة، ثم يعود جيفة، وهو
فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به (3).
بيان: " عجبا " بالتحريك مصدر باب علم وهو إما بتقدير حرف النداء

(1) الكافي ج 2 ص 328.
(2) الحجرات: 13.
(3) الكافي ج 2 ص 329 ومثله في ص 328 وفيه " عجبا للمتكبر الفخور " وعليه
يبتنى شرح المؤلف.
229

أو مفعول مطلق لفعل محذوف، اي أعجب عجبا فعلى الأول " للمتكبر " (1) صفة
لقوله " عجبا " وعلى الثاني خبر مبتدأ محذوف بتقدير هو للمتكبر، والضمير
المحذوف راجع إلى عجبا.
وقال النحويون لا يمكن أن يكون صفة لعجبا لان الفعل كما لا يكون
موصوفا فكذلك النائب الوجوبي له لا يكون موصوفا، وحذف الفعل وإقامة المصدر
مقامه في تلك المواضع واجب.
وأقول: هذا الخبر وأمثاله نسخ أدوية من الحكماء الربانية، لمعالجة أعظم
الأدواء الروحانية، وهو الفخر المترتب على الكبر، وحاصلها أن في الانسان كثير
من صفات النقصان، وإن كان فيه كمال فمن رب الإنس والجان، فلا يليق به أن
يفتخر على غيره من الاخوان، وفيها إشعار بأن دفع هذا المرض باختياره، وعلاجه
مركب من أجزاء علمية وعملية.
فأما العلمية فبأن يعرف الله سبحانه بجلاله، ويوحده في ذاته وصفاته وأفعاله
وأن يعلم أن كل موجود سواه مقهور مغلوب عاجز لا وجود له إلا بفيض جوده
ورحمته، وأن الانسان مخلوق عن أكثف الأشياء وأخسها وهو التراب، ثم النطفة
النجسة القذرة، ثم العلقة، ثم المضغة، ثم العظام، ثم الجنين الذي غذاؤه دم
الحيض، ثم يصير في القبر جيفة منتنة يهرب منه أقرب الناس إليه.
وهو فيما بين ذلك ينقلب من طور إلى طور، ومن حال إلى حال، من مرض
إلى صحة، ومن صحة إلى مرض، إلى غير ذلك من الأحوال المتبادلة، وهو لا
يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا حياة ولا نشورا، وإلى هذا أشار عليه السلام بقوله:
" وهو فيما بين ذلك ما يدري ما يصنع به " ثم لا يعلم ما يأتي عليه في البرزخ
والقيامة، كما ذكرنا سابقا في باب الكبر (1).
وأنه يعلم أن استكمال كل شئ سواء كان طبيعيا أو إراديا لا يتحقق إلا
بالانكسار والضعف، فان العناصر ما لم ينكسر صورة كيفياتها الصرفة، لم تقبل
صورة كمالية معدنية أو نباتية أو حيوانية، أو إنسانية، والبذر ما لم يقع في

(1) يريد باب الكبر من الكافي، وقد مر في صدر الباب.
230

التراب ولم يقرب من التعفن والفساد، لم يقبل صورة نباتية، ولم تخرج منه سنبلة
ولا ثمرة، وماء الظهر ما لم يصر منيا منتنا لم تفض عليها صورة إنسانية قابلة
للخلافة الربانية، فمن تفكر في أمثال هذه الحكم والمعارف أمكنه التحرز من
الكبر والفخر بفضله تعالى.
وأما العملية فهي المداومة على التواضع لكل عالم وجاهل وصغير وكبير
والاقتداء بسنن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم، وتتبع سيرهم
وأخلاقهم، وحسن معاشرتهم لجميع الخلق.
[23 - أمالي الصدوق:] عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله أمقت الناس
المتكبر (1).
وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يستكبر يضعه الله.
24 - أمالي الصدوق: عن حمزة العلوي، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير
عن حفص بن البختري، عن الصادق، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: وقع بين سلمان
الفارسي رحمه الله وبين رجل كلام وخصومة فقال له الرجل: من أنت يا سلمان؟ فقال
سلمان: أما أولاي وأولاك فنطفة قذرة، وأما أخراي وأخراك فجيفة منتنة، فإذا
كان يوم القيامة، ووضعت الموازين، فمن ثقل ميزانه فهو الكريم، ومن خفت
ميزانه فهو اللئيم (2).
علل الشرائع: عن ماجيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن محمد بن سنان، عن المفضل
عن أبي عبد الله عليه السلام مثله (3) وقد مر في باب أحوال سلمان (4).
25 - قرب الإسناد: عن هارون، عن ابن صدقة، عن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلسا أحسنكم خلقا

(1) أمالي الصدوق: 14 ورمز المصدر ساقط عن نسخة الكمباني.
(2) أمالي الصدوق: 363.
(3) علل الشرائع ج 1 ص 261.
(4) راجع ج 22 ص 380 من هذه الطبعة.
231

وأشدكم تواضعا، وإن أبعدكم يوم القيامة مني الثرثارون، وهم المستكبرون (1).
26 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن معبد، عن ابن خالد
عن الرضا، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: إن الله تبارك وتعالى ليبغض البيت
اللحم، واللحم السمين، قال له بعض أصحابه: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله إنا لنحب
اللحم، وما تخلو بيوتنا منه، فكيف ذاك؟ فقال: ليس حيث تذهب إنما البيت
اللحم الذي يؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة، وأما اللحم السمين فهو المتكبر المتبختر
المختال في مشيه (2).
عيون أخبار الرضا (ع): عن الهمداني، عن علي، عن أبيه مثله (3).
27 - تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى:
" ولا تمش في الأرض مرحا " (4) يقول: بالعظمة (5).
28 - تفسير علي بن إبراهيم: أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إن في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له: سقر، شكى إلى الله شدة حره
وسأله أن يتنفس، فاذن له فتنفس فأحرق جهنم (6).
ثواب الأعمال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن يزيد، عن ابن أبي عمير مثله (7).
المحاسن: باسناده إلى ابن بكير مثله (8).
29 - تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الفرح

(1) قرب الإسناد: 22.
(2) معاني الأخبار: 388.
(3) عيون الأخبار ج 1 ص 314.
(4) لقمان: 18.
(5) تفسير القمي 509.
(6) تفسير القمي: 579، في آية الزمر: 60.
(7) ثواب الأعمال: 200.
(8) المحاسن: 123.
232

والمرح والخيلاء كل ذلك في الشرك والعمل في الأرض بالمعصية (1).
30 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن ابن يزيد، عن ابن أبي نجران رفعه إلى
أبي عبد الله عليه السلام قال: من رقع جيبه، وخصف نعله، وحمل سلعته، فقد أمن
من الكبر (2).
ثواب الأعمال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن الأشعري، عن ابن يزيد مثله (3).
31 - الخصال: في وصية النبي صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام: يا علي أنهاك عن ثلاث
خصال [عظام]: الحسد والحرص والكبر (4).
32 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن ابن هاشم، عن الفارسي، عن الجعفري
عن محمد بن الحسين بن زيد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: مر
رسول الله صلى الله عليه وآله على جماعة فقال: على ما اجتمعتم؟ فقالوا: يا رسول الله هذا
مجنون يصرع فاجتمعنا عليه، فقال: ليس هذا بمجنون، ولكنه المبتلى، ثم قال:
ألا أخبركم بالمجنون حق المجنون؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المتبختر
في مشيه، الناظر في عطفيه، المحرك جنبيه بمنكبيه، يتمنى على الله جنته وهو
يعصيه، الذي لا يؤمن شره، ولا يرجى خيره، فذلك المجنون، وهذا المبتلى (5).
أقول: قد مضى بعض الأخبار في باب الحسد (6) وأن الله يعذب الدهاقنة
بالكبر، وفي باب جوامع مساوي الأخلاق عن أبي عبد الله عليه السلام لا يطمعن ذو الكبر

(1) تفسير القمي 588 في آية المؤمن: 77.
(2) الخصال ج 1 ص 54.
(3) ثواب الأعمال: 162.
(4) الخصال ج 1 ص 62.
(5) الخصال ج 1 ص 161.
(6) باب الحسد هو الباب الذي يتلو تحت الرقم 131، والحديث المومى إليه يأتي فيه
عن الخصال أن الله يعذب ستة بستة، راجعه، وهكذا مر في باب جوامع مساوى الأخلاق
ج 72 ص 190 و 198.
233

في الثناء الحسن (1).
33 - علل الشرائع: عن أبيه، عن سعد، عن أيوب بن نوح، عن ابن أبي عمير، عن
غير واحد، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: عجبت
لابن آدم أوله نطفة، وآخره جيفة، وهو قائم بينهما وعاء للغائط، ثم يتكبر (2).
34 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال رفعه إلى
أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لإبليس كحلا ولعوقا وسعوطا
فكحله النعاس، ولعوقه الكذب، وسعوطه الفخر (3).
35 - معاني الأخبار: عن الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمرو
ابن جميع، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا مشت
أمتي المطيطا، وخدمتهم فارس والروم، كان بأسهم بينهم (4).
والمطيطا التبختر ومد اليدين في المشي.
36 - معاني الأخبار: الطالقاني، عن الجلودي، عن الجوهري، عن ابن عمارة، عن
أبيه، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر، عن جابر الأنصاري قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله
برجل مصروع وقد اجتمع عليه الناس ينظرون إليه فقال صلى الله عليه وآله: على ما اجتمع
هؤلاء؟ فقيل له: على مجنون يصرع، فنظر إليه فقال: ما هذا بمجنون ألا أخبركم
بالمجنون حق المجنون؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إن المجنون حق المجنون
المتبختر في مشيه، الناظر في عطفيه، المحرك جنبيه بمنكبيه، فذاك المجنون
وهذا المبتلى (5).
37 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد، عن البرقي، عن محمد بن علي الكوفي، عن

(1) مر في باب جوامع المساوى تحت الرقم 1 عن الخصال ج 2 ص 53.
(2) علل الشرائع ج 1 ص 216.
(3) معاني الأخبار: 138، وفيه سعوطه الكبر.
(4) معاني الأخبار: 301.
(5) معاني الأخبار: 237.
234

علي بن النعمان، عن عبد الله بن طلحة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: لن يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر
ولا يدخل النار عبد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، قلت: جعلت فداك
إن الرجل ليلبس الثوب، أو يركب الدابة، فيكاد يعرف منه الكبر، قال: ليس
بذاك، إنما الكبر إنكار الحق والايمان الاقرار بالحق (1).
معاني الأخبار: عن ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي مثله.
38 - معاني الأخبار: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن هاشم، عن ابن مرار، عن
يونس، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: لا يدخل الجنة
من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، قال: قلت: إنا نلبس الثوب
الحسن، فيدخلنا العجب، فقال: إنما ذاك فيما بينه وبين الله عز وجل (2).
39 - معاني الأخبار: عن ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن ابن
فضال، عن ابن مسكان، عن يزيد بن فرقد، عمن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول:
لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر، ولا يدخل النار من
في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، قال: فاسترجعت فقال: مالك تسترجع؟
فقلت: لما اسمع منك، فقال: ليس حيث تذهب إنما أعني الجحود إنما هو
الجحود (3).
40 - معاني الأخبار: بهذا الاسناد،، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أيوب
ابن الحر، عن عبد الاعلى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكبر ان يغمص الناس
ويسفه الحق (4).
41 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن
سيف، عن عبد الاعلى، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إن أعظم الكبر غمص الخلق، وسفه الحق، قلت: وما غمص الخلق وسفه الحق؟
قال: يجهل الحق ويطعن على أهله، ومن فعل ذلك فقد نازع الله عز وجل في

(1) معاني الأخبار: 241.
(2) معاني الأخبار: 241.
(3) معاني الأخبار: 241.
(4) معاني الأخبار: 241.
235

ردائه (1).
42 - معاني الأخبار: عن ماجيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن ابن بقاح، عن ابن
عميرة، عن عبد الاعلى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل مكة مبرءا من الكبر
غفر ذنبه، قلت: وما الكبر؟ قال: غمص الخلق، وسفه الحق، قلت: وكيف
ذاك؟ قال: يجهل الحق ويطعن على أهله.
قال الصدوق رضي الله عنه: في كتاب الخليل بن أحمد: تقول: فلان غمص
الناس وغمص النعمة، إذا تهاون بها وبحقوقهم، ويقال: إنه لمغموص عليه في
دينه، اي مطعون عليه، وقد غمص النعمة والعافية إذا لم يشكرها وقال أبو عبيدة
في قوله عليه السلام: سفه الأحق هو أن يرى الحق سفها وجهلا، وقال الله تبارك
وتعالى: " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه " (2) وقال بعض
المفسرين: إلا من سفه نفسه يقول: سفهها وأما قوله: غمص الناس فإنه الاحتقار
لهم، والازدراء بهم، وما أشبه ذلك، قال: وفيه لغة أخرى في غير هذا الحديث
وغمص بالصاد غير معجمة وهو بمعنى غمط، والغمص في عبر العين، والقطعة منه
غمصة، والغميصاء كوكب، والمغمص في المعا غلظة وتقطيع ووجع (3).
43 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله ناقة لا تسبق، فسابق أعرابي بناقته فسبقتها فاكتأب
لذلك المسلمون، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنها ترفعت فحق على الله أن لا يرتفع
شئ إلا وضعه الله (4).
44 - المحاسن: عن أبيه باسناده رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: إن المتكبرين

(1) معاني الأخبار ص 241.
(2) البقرة: 130.
(3) معاني الأخبار: 242 و 243.
(4) المحاسن: 122 والظاهر: أن لا يترفع.
236

يجعلون في صور الذر فيطأهم الناس حتى يفرغوا من الحساب (1).
المحاسن: في رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تجبر وضعاه (2).
45 - معاني الأخبار: أبي، عن سعد، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن
عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
[أخبرني (3) جبرئيل عليه السلام أن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام ما يجدها
عاق ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء، ولا فتان، ولا
منان، ولا جعظري، قال: قلت: فما الجعظري؟ قال: الذي لا يشبع من الدنيا (4).
- 131 -
[باب الحسد (5)]
1 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين
عن محمد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إن الرجل ليأتي بأي بادرة فيكفر
وإن الحسد ليأكل الايمان كما تأكل النار الحطب (6).
بيان: في القاموس: البادرة ما يبدر من حدتك في الغضب من قول أو فعل
وفي النهاية: البادرة من الكلام الذي يسبق من الانسان في الغضب، وإذا عرفت هذا
فهذه الفقرة تحتمل وجوها:
الأول: أن يكون المعنى أن عدم منع النفس عن البوادر وعدم إزالة مواد

(1) المحاسن: 123.
(2) المحاسن: 123.
(3) من هنا يبتدء بالصفحة 126 من الجزء الثالث من نسخة الكمباني وكلها بياض.
(4) معاني الأخبار: 330، وقد كان سقط ذيل الحديث وإنما أخرجناه بقرينة
السند.
(5) أضفنا عنوان الباب طبقا لفهرس طبعة الكمباني.
(6) الكافي ج 2 ص 306 تحت الرقم 1 من باب الحسد.
237

الغضب عن النفس، وإرخاء عنان النفس فيها، ينجر إلى الكفر أحيانا، أو غالبا
كما نرى من كثير من الناس يصدر منهم عند الغضب التلفظ بما يوجب الكفر من
سب الله سبحانه وسب الأنبياء والأئمة عليهم السلام أو ارتكاب أعمال يوجب الارتداد
كوطي المصحف الكريم بالرجل ورميه.
الثاني أن يراد به الحث على ترك البوادر مطلقا، فان كل بادرة تصير
سببا لنوع من أنواع الكفر المقابل للايمان الكامل.
الثالث: أن يقرء " فتكفر " على بناء المجهول من باب التفعيل، اي البوادر
عند الغضب مكفرة غالبا لعذر الانسان فيه في الجملة، لا سيما إذا تعقبها ندامة
وقلما لم تتعقبها، بخلاف الحسد فإنها صفة راسخة في النفس تأكل الايمان، ويمكن
حملها حينئذ على ما إذا غلب عليه الغضب بحيث ارتفع عنه القصد] (1).
ويمكن أن يقرء بالياء كما في النسخ على هذا البناء أيضا اي ينسب إلى
الكفر، وإن كان معذورا عند الله، لرفع الاختيار، فيكون ذكرا لبعض مفاسد
البادرة.
وفي النهاية: الحسد ان يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى زوالها عنه، وتكون
له دونه، والغبطة أن يتمنى أن يكون له مثلها، ولا يتمنى زوالها عنه انتهى.
واعلم أنه لا حسد إلا على نعمة، فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها
حالتان إحداهما أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها، سواء أردت وصولها إليك
أم لا، فهذه الحالة تسمى حسدا والثانية أن لا تحب زوالها، ولا تكره وجودها
ودوامها، ولكنك تشتهي لنفسك مثلها، وهذه يسمى غبطة، وقد يخص باسم المنافسة
فأما الأول فهو حرام مطلقا كما هو المشهور، أو إظهاره كما يظهر من بعض الأخبار
، إلا نعمة أصابها كافر أو فاجر، وهو يستعين على تهييج الفتنة، وإفساد ذات
البين، وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها، ومحبتك لزوالها، فإنك لا تحب

(1) هنا ينتهى ما أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 286 بالقرينة وما بعده مسطور
في نسخة الكمباني ص 127.
238

زوالها من حيث إنها نعمة، بل من حيث هي آلة الفساد، ولو أمنت فساده لم تغمك
تنعمه.
ويظهر من كلام الشيخ كون الحسد من جملة المكروهات لا من المحرمات
قال العلامة في كتاب صوم المختلف: مسألة جعل الشيخ رحمه الله التحاسد من باب
ما الأولى تركه والامساك عنه، وقال ابن إدريس: إنه واجب وهو الأقرب، لعموم
النهي عن الحسد، والنهي يقتضي التحريم انتهى.
أقول: نظر الشيخ بها إلى ما أومأنا إليه آنفا أن بعض الأخبار يدل على
أن الحسد المحرم إنما هو إظهاره، لا مع عدم الاظهار، وأما أصل الحسد فهو
مكروه، ولذلك قد يصدر عن بعض الأنبياء أيضا كما نطق به الآثار والاخبار
فتأمل.
وبالجملة الحسد المذموم لا شك أنه مع قطع النظر عن الآيات الكثيرة
والأخبار المتواترة الواردة في ذمه والنهي عنه، صريح العقل أيضا يحكم بقبحه
فإنه سخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض، وأي معصية تزيد على
كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك فيها مضرة، وسيأتي ذكر بعض
مفاسدها.
وأما المنافسة فليست بحرام بل هي إما واجبة أو مندوبة كما قال الله تعالى:
" وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " (1) وقال سبحانه " سابقوا إلى مغفرة من
ربكم " (2).
فأما الواجبة فهي ما إذا كانت في نعمة وبنية واجبة، كالايمان والصلاة
والزكاة، فإنه إن لم يحب أن يكون له مثل ذلك يكون راضيا بالمعصية وهو حرام
والمندوبة فيما إذا كانت لغيره نعمة مباحة يتنعم فيها على وجه مباح، فيتمنى أن
يكون له مثلها يتنعم بها، من غير أن يريد زوالها عنه في الجميع.

(1) المطففين: 26.
(2) الحديد: 21.
239

وأقول: يمكن أن يفرض فيها فرد حرام كأن يتمنى منصبا حراما أو مالا
حلالا ليصرفه في الحرام، بل مكروه أيضا كأن يتمنى مال شبهة أو مالا حلالا
ليصرفها في المصارف المكروهة.
وقيل: للحسد أسباب كثيرة يحصر جملتها سبعة: العداوة، والتعزز، والكبر
والتعجب، والخوف من فوت المقاصد المحبوبة، وحب الرياسة، وخبث النفس
وبخلها فإنه إنما يكره النعمة عليها إما لأنه عدوه، فلا يريد له الخير، وإما أن
يكون من حيث يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره
لعزة نفسه، وهو المراد بالتعزز، وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود
ويمتنع ذلك عليه بنعمته، وهو المراد بالتكبر.
وإما أن يكون النعمة عظيمة والمنصب كبيرا فيتعجب من فوز مثله بمثل
تلك النعمة كما أخبر الله تعالى عن الأمم الماضية إذ قالوا: " ما أنتم إلا بشر
مثلنا " (1) " وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا " (2) وأمثال، ذلك كثيرة فتعجبوا من
أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب، مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم وهو
المراد بالتعجب.
وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة بأن يتوصل بها إلى مزاحمته
في أغراضه وإما أن يكون بحب الرياسة التي يبتني على الاختصاص بنعمة لا
يساوى فيها، وإما أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب، بل لخبث النفس وشحها
بالخير لعباد الله.
فهذه أسباب الحسد وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في
شخص واحد، فيعظم الحسد لذلك، ويقوى قوة لا يقدر معها على الاخفاء والمجاملة
بل يهتك حجاب المجاملة، ويظهر العداوة بالمكاشفة، وأكثر المحاسدات يجتمع
فيها جملة من هذه الأسباب.

(1) يس: 15.
(2) المؤمنون: 48.
240

واعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب، ولا تداوى أمراض القلوب
إلا بالعلم والعمل، والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقا أن الحسد
ضرر عليك في الدنيا والدين، وأنه لا ضرر به على المحسود في الدين والدنيا، بل
ينتفع بها في الدنيا والدين، ومهما عرفت هذا عن بصيرة، ولم تكن عدو نفسك
وصديق عدوك، فارقت الحسد لا محالة.
أما كونه ضررا عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى
وكرهت نعمته التي قسمها لعباده، وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته
واستنكرت ذلك واستبشعته، وهذا جناية على حدقة التوحيد، وقذى في عين الايمان
وناهيك بها جناية على الدين وقد انضاف إليه أنك غششت رجلا من المؤمنين
وتركت نصيحته، وفارقت أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباد الله، وشاركت
إبليس وساير الكفار في حبهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم، وهذه خبائث في
القلب تأكل حسنات القلب والايمان فيه.
والحاصل أن الحسد مع كونه في نفسه صفة منافية للايمان، يستلزم عقائد
فاسدة كلها منافية لكمال الايمان، وأيضا لاشتغال النفس بالتفكر في أمر المحسود
والتدبير لدفعه يمنعها عن تحصيل الكمالات، والتوجه إلى العبادات، وحضور
القلب فيها، وتولد في النفس صفاتا ذميمة كلها توجب نقص الايمان، وأيضا يوجب
عللا في البدن وضعفا فيها يمنع الاتيان بالطاعات على وجهها، فينقص بل يفسد
الايمان على أي معنى كان ولذا قال عليه السلام: يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب.
وأما كونه ضررا في الدنيا عليك فهو أنه تتألم بحسدك وتتعذب به، ولا
تزال في كدر وغم إذ أعداؤك لا يخليهم الله عن نعم يفيضها عليهم، فلا تزال تتعذب
بكل نعمة تراها عليهم، وتتأذى وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم، فتبقى مغموما
محزونا متشعب القلب، ضيق النفس، كما تشتهيه لأعدائك، وكما يشتهي أعداؤك
لك، فقد كنت تريد المحنة لعدوك، فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقدا كما
قال أمير المؤمنين عليه السلام: لله در الحسد حيث بدأ بصاحبه فقتله.
241

ولا تزول النعمة عن المحسود بحسدك ولو لم تكن تؤمن بالبعث والحساب
لكان مقتضى الفطنة لن كنت عاقلا أن تحذر من الحسد، لما فيه من ألم القلب ومساءته
مع عدم النفع فكيف وأنت عالم بما في الحسد من العذاب الشديد في الآخرة.
وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لان النعمة لا تزول
عنه بحسدك بل ما قدره الله من إقبال ونعمة فلا بد من أن يدوم إلى أجل قدره
الله، فلا حيلة في دفعه، بل كل شئ عنده بمقدار، ولكل أجل كتاب.
وأما أن المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فواضح، أما منفعته في
الدين، فهو أنه مظلوم من جهتك لا سيما إذا أخرجك الحسد إلى القول والفعل
بالغيبة، والقدح فيه، وهتك ستره، وذكر مساويه، فهذه هدايا تهديها إليه أعني
أنك بذلك تهدي إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلسا محروما عن النعمة
كما حرمت في الدنيا عن النعمة، فأضعفت له نعمة إلى نعمة، ولنفسك شقاوة
إلى شقاوتك.
وأما منفعته في الدنيا فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وغمهم
وشقاوتهم وكونهم معذبين مغمومين، ولا عذاب أعظم مما أنت فيه من ألم الحسد
وغاية أماني أعدائك أن يكونوا في نعمة، وأن تكون في غم وحسرة بسببهم وقد
فعلت بنفسك ما هو مرادهم.
ثم اعلم أن الموذي ممقوت بالطبع، ومن آذاك لا يمكنك أن لا تبغضه
غالبا، وإذا تيسرت له نعمة فلا يمكنك أن لا تكرهها له، حتى يستوي عندك
حسن حال عدوك، وسوء حاله، بل لا تزال تدرك في النفس بينهما فرقا، ولا
يزال الشيطان ينازعك في الحسد له، ولكن إن قوي ذلك فيك حتى يبعثك على
إظهار الحسد بقول أو فعل، بحيث يعرف ذلك من ظاهرك بأفعالك الاختيارية
فأنت إذا حسود عاص بحسدك، وإن كففت ظاهرك بالكلية إلا أنك بباطنك تحب
زوال النعمة، وليس في نفسك كراهة لهذه الحالة، فأنت أيضا حسود عاص لان
الحسد صفة القلب لا صفة الفعل.
242

قال الله تعالى: " ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا " (1) وقال:
" ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء " (2) وقال: " إن تمسسكم حسنة
تسوءهم " (3) أما بالفعل فهو غيبة وكذب، وهو عمل صادر عن الحسد وليس هو
عين الحسد، بل محل الحسد القلب دون الجوارح.
نعم هذا الحسد ليست مظلمة يجب الاستحلال منها، بل هو معصية بينك وبين
الله وإنما تجب الاستحلال من الأسباب الظاهرة على الجوارح، وأما إدا كففت
ظاهرك، وألزمت مع ذلك قلبك كراهية ما يترشح منه بالطبع من حب زوال
النعمة، حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها، فتكون تلك الكراهية من جهة
العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع، فقد أديت الواجب عليك، ولا مدخل
تحت اختيارك في أغلب الأحوال أكثر من هذا.
فأما تغيير الطبع ليستوي عنده الموذي والمحسن، فيكون فرحة أو غمه بما
تيسر لهما من نعمة وتصب عليهما من بلية، سواء، فهذا مما لا يطاوع الطبع
عليه، ما دام ملتفتا إلى حظوظ الدنيا إلا أن يصير مستغرقا بحب الله تعالى مثل
السكران الواله، فقد ينتهي أمره إلى أن لا يلتفت قلبه إلى تفاصيل أحوال العباد
بل ينظر إلى الكل بعين واحدة، وهو عين الرحمة، ويرى الكل عباد الله، وذلك
إن كان فهو كالبرق الخاطف لا يدوم، ويرجع القلب بعد ذلك إلى طبعه، ويعود
العدو إلى منازعته أعني الشيطان، فإنه ينازع بالوسوسة، فمهما قابل ذلك بكراهة
ألزم قلبه، فقد أدى ما كلفه.
وذهب الذاهبون إلى أنه لا يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه وروي
مرفوعا أنه ثلاثة في المؤمن له منهن مخرج ومخرجه من الحسد أن لا يبغي، والأولى
أن يحمل هذا على ما ذكرنا، من أن يكون فيه كراهة من جهة الدين والعقل

(1) الحشر: 9.
(2) النساء: 89.
(3) آل عمران: 120.
243

في مقابلة حب الطبع لزوال النعمة عن العدو، وتلك الكراهة تمنعه من البغي
ومن الايذاء، فان جميع ما ورد في الاخبار في ذم الحسد يدل ظاهرها على أن
كل حاسد آثم، والحسد عبارة عن صفة القلب لا عن الافعال فكل محب لمساءة
المسلمين فهو حاسد، فأما كونه حاسدا بمجرد حسد القلب من غير فعل فهو في
محل النظر والاشكال.
وقد عرفت من هذا أن لك في أعدائك ثلاثة أحوال:
أحدها أن تحب مساءتهم بطبعك، وتكره حبك لذلك وميل قلبك إليه
بعقلك، وتمقت نفسك عليه، وتود لو كانت لك حيلة في إزالة ذلك الميل منك
وهذا معفو عنه قطعا لأنه لا يدخل تحت الاختيار أكثر منه.
الثانية أن تحب ذلك وتظهر الفرح بمساءته إما بلسانك أو بجوارحك فهذا
هو الحسد المحظور قطعا.
الثالثة وهي بين الطرفين أن تحسد بالقلب من غير مقتك لنفسك على حسدك
ومن غير إنكار منك على قلبك، ولكن تحفظ جوارحك عن طاعة الحسد في مقتضاها
وهذا محل الخلاف، وقيل: إنه لا يخلو عن إثم بقدر قوة ذلك الحب وضعفه.
2 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد
عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدايني عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب (1).
3 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن محبوب، عن داود
الرقي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: اتقوا الله، ولا يحسد بعضكم بعضا
إن عيسى بن مريم كان من شرايعه السيح في البلاد، فخرج في بعض سيحه ومعه
رجل من أصحابه قصير، وكان كثير اللزوم لعيسى بن مريم فلما انتهى عيسى إلى
البحر قال: بسم الله، بصحة يقين منه، فمشى [على ظهر الماء، فقال الرجل القصير

(1) الكافي ج 2 ص 306.
244

حين نظر إلى عيسى عليه السلام جازه: بسم الله، بصحه يقين منه فمشى] (1) على الماء ولحق
بعيسى عليه السلام.
فدخله العجب بنفسه، فقال: هذا عيسى روح الله يمشي على الماء وأنا أمشي
على الماء، فما فضله علي؟ قال: فرمس في الماء فاستغاث بعيسى فتناوله من الماء
فأخرجه ثم قال له: ما قلت يا قصير؟ قال: قلت: هذا روح الله يمشي على الماء وانا
أمشي فدخلني من ذلك عجب، فقال له عيسى: لقد وضعت نفسك في غير الموضع
الذي وضعك الله فيه، فمقتك الله على ما قلت، فتب إلى الله عز وجل مما قلت
قال: فتاب الرجل وعاد إلى المرتبة التي وضعه الله فيها، فاتقوا الله ولا يحسدن
بعضكم بعضا (2).
بيان: في القاموس ساح الماء يسيح سيحا وسيحانا جرى على وجه الأرض
والسياحة بالكسر والسيح الذهاب في الأرض للعبادة ومنه المسيح انتهى.
وأقول: كان من شرايع عيسى عليه السلام: السياحة في الأرض للاطلاع على عجائب
قدرة الله وهداية عباد الله، والفرار من أعدائه، وملاقاة أوليائه، فنسخ ذلك في شرعنا
وقد روي لا سياحة في الاسلام، وسياحة هذه الأمة الصيام.
" فدخله العجب " فإن قيل: هذا إما عجب كما صرح به أو غبطة حيث تمنى
منزلة عيسى عليه السلام لكنه تجاوز عن حد نفسه حيث لم يكن له أن يتمنى تلك الدرجة
الرفيعة التي لا يمكن حصولها له، فكيف فرعه عليه السلام على النهي عن الحسد؟ قلت
الظاهر أنه كان الحامل له على الجرأة على هذا التمني الحسد بمنزلة عيسى
واختصاصه بالنبوة حيث قال: فما فضله علي؟ أو أنه لما رأى مساواته لعيسى عليه السلام
في فضيلة واحدة، حسد عيسى عليه السلام على نبوته وأنكر فضله عليه، كما قال بعض
الكفار " أنؤمن لبشرين مثلنا " (3).

(1) ما بين العلامتين أضفناه من المصدر.
(2) الكافي ج 2 ص 306.
(3) المؤمنون: 48.
245

" فرمس في الماء " أي غمس فيه على بناء المجهول فيهما، لا يقال: سيأتي عدم
المؤاخذة بالخطورات القلبية [وقصد المعصية، وهنا أخذ بها، لأن الظاهر أن
قوله " فقال " المراد به الكلام النفسي، لأنا نقول: الافعال القلبية] (1) التي
لا مؤاخذة بها هي التي تتعلق بإرادة المعاصي أو كان محض خطور من غير أن يصير سببا
لشكه في العقايد الايمانية، أو حدث خلل فيها، وههنا ليس كذلك، مع أنه لا يدل
ما سيأتي إلا على أنه لا يعاقب بها، وهو لا ينافي حط منزلته عن صدر مثل هذه
الغرائب منه.
وقوله عليه السلام: يا قصير! دل على جواز مخاطبة الانسان ببعض أوصافه المشهورة
لا على وجه الاستهزاء والظاهر أن ذلك كان تأديبا له، قوله عليه السلام " وعاد " أي
في نفسه واعتقاده " إلى مرتبته " أي الاقرار بحط نفسه عن الارتقاء إلى درجة النبوة
وسلم لعيسى عليه السلام فضله ونبوته، وترك الحسد له.
4 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب
القدر (2).
بيان: قوله: كاد الفقر أن يكون كفرا أقول: هذه الفقرة تحتمل وجوها
الأول ما خطر بالبال أن المراد به الفقر إلى الناس، وهذا هو الفقر
المذموم فان سؤال الخلق، وعدم التوجه إلى خالقه، ومن ضمن رزقه، في
طلب الرزق وسائر الحوائج نوع من الكفر والشرك، لعدم الاعتماد على
الله سبحانه وضمانه، وظنه أن المخلوق العاجز قادر على إنجاح حوائجه وسوق
الرزق إليه، بدون تقديره وتيسيره وتسبيبه، فبعضها يقرب من الكفر، وبعضها
من الشرك.
الثاني أن المراد به الفقر القاطع لعنان الاصطبار، وقد وقعت الاستعاذة منه.
وأما الفقر الممدوح، فهو المقرون بالصبر، قال الغزالي: سبب ذلك أن

(1) ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 288.
(2) الكافي ج 2 ص 307.
246

الفقير إذا نظر إلى شدة حاجته، وحاجة عياله، ورأي نعمة جزيلة مع الظلمة
والفسقة وغيرهم، ربما يقول: ما هذا الانصاف من الله، وما هذه القسمة التي لم تقع
على العدل، فإن لم يعلم شدة حاجتي ففي علمه نقص، وإن علم ومنع مع القدرة
على الاعطاء ففي جوده نقص، وإن منع لثواب الآخرة، فان قدر على إعطاء الثواب
بدون هذه المشقة الشديدة فلم منع؟ وإن لم يقدر ففي قدرته نقص.
ومع هذا يضعف اعتقاده بكونه عدلا جوادا كريما مالكا لخزائن السماوات
والأرض، وحينئذ يتسلط عليه الشيطان، ويذكر له شبهات حتى يسب الفلك
والدهر وغيرهما، وكل ذلك كفر أو قريب منه، وإنما يتخلص من هذه الأمور
من امتحن الله قلبه للايمان، ورضي عن الله سبحانه في المنع والاعطاء، وعلم أن
كل ما فعله بالنسبة إليه فهو خير له، وقليل ما هم.
الثالث ما ذكره الراوندي قدس سره في كتاب شرح الشهاب كما سيأتي
حيث قال: معنى الحديث والله أعلم أنه إشارة إلى أن الفقير يسف إلى المآكل
الدنية والمطاعم الوبية، وإذا وجد أولاده يتضورون من الجوع والعرى، ورأي
نفسه لا يقدر على تقويم أودهم، وإصلاح حالهم، والتنفيس عنهم، كان بالحري
أن يسرق ويخون، ويغصب وينهب، ويستحل أموال الناس، ويقطع الطريق
ويقتل المسلم، أو يخدم بعض الظلمة، فيأكل مما يغصبه ويظلمه، وهذا كله من
أفعال من لا يحاسب نفسه ولا يؤمن بيوم الحساب، فهو قريب إلى أن يكون كافرا
بحتا وفي الأثر: عجبت لمن له عيال وليس له مال كيف لا يخرج على الناس بالسيف
انتهى.
وأقول: المعاني متقاربة، والمال واحد، وأما قوله عليه السلام: " وكاد الحسد
أن يغلب القدر " فيه أيضا وجوه: الأول ما ذكره الراوندي ره في الكتاب المذكور
على ما سيجئ أيضا حيث قال: المعنى أن للحسد تأثيرا قويا في النظر في إزالة
النعمة عن المحسود، أو التمني لذلك، فإنه ربما يحمله حسده على قتل المحسود
وإهلاك ماله، وإبطال معاشه، فكأنه سعى في غلبة المقدور، لان الله تعالى
247

قد قدر للمحسود الخير والنعمة، وهو يسعى في إزالة ذلك عنه وقيل: الحسد منصف
لأنه يبدء بصاحبه، وقيل الحسود لا يسود. وقيل: الحسد يأكل الجسد.
و " كاد " يعطي أنه قرب الفعل ولم يكن، ويفيد في الحديث شدة تأثير الفقر والحسد
وإن لم يكونا يغلبان القدر، ويقال: إن " كاد " إذا أوجب به الفعل دل على النفي
وإذا نفي دل على الوقوع انتهى.
وقريب منه ما قيل: فيه مبالغة في تأثير الحسد في فساد النظام المقدر للعالم
فإنه كثيرا ما يبعث صاحبه على قتل النفوس، ونهب الأموال، وسبي الأولاد
وإزالة النعم، حتى أنه غير راض بقضاء الله وقدره، ويطلب الغلبة عليهما، وهو
في حد الشرك بالله.
الثاني ما قيل: إن المعنى أن الحسد قد يغلب القدر، بأن يزيد في المحسود
ما قدر له من النعمة.
الثالث أن يكون المراد غلبة القدر بتغيير نعمة الحاسد، وزوال ما قدر له
من الخير.
الرابع أن يكون المراد كاد أن يغلب الحسد في الوزر والاثم القول بالقدر
مع شدة عذاب القدرية.
الخامس أن يكون إشارة إلى تأثير العين، فان الباعث عليه الحسد كما
فسر جماعة من المفسرين قوله تعالى: " ومن شر حاسد إذا حسد " بإصابة
العين (1).
5 - الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن معاوية بن
وهب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: آفة الدين الحسد والعجب والفخر (2).
بيان: الحسد والعجب من معاصي القلب والفخر من معاصي اللسان، وهو

(1) وفي شرح الكافي ج 2 ص 288 و 289 تتمة وافية لهذا الكلام تبحث عن
إصابة العين وأنها حق، راجعه.
(2) الكافي ج 2 ص 307.
248

التفاخر بالإباء والأجداد والأنساب الشريفة، وبالعلم والزهد والعبادة والأموال
والمساكن والقبايل وأمثال ذلك، فبعض تلك كذب، وبعضها رياء، وبعضها عجب
وبعضها تكبر وتعزز وتعظم، وكل ذلك من ذمائم الأخلاق. ومن صفات
الشيطان، حيث تعزز بأصله، فاستكبر عن طاعة ربه.
قال الراغب: الفخر المباهات في الأشياء الخارجة عن الانسان كالمال والجاه
ويقال له: الفخر، ورجل فاخر وفخور وفخير على التكثير قال تعالى: " إن
الله لا يحب كل مختال فخور " (1) وقال في النهاية: الفخر ادعاء العظم والكبر
والشرف، وفي المصباح فخرت به فخرا من باب نفع، وافتخرت مثله، والاسم
الفخار بالفتح وهو المباهاة بالمكارم والمناقب من حسب ونسب وغير ذلك إما في
المتكلم أو في آبائه.
6 - الكافي: عن يونس، عن داود الرقي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عز وجل لموسى بن عمران، يا ابن عمران لا تحسدن
الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدن عينيك إلى ذلك، ولا تتبعه نفسك، فان
الحاسد ساخط لنعمي، صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي، ومن يك كذلك فلست
منه وليس مني (2).
بيان: " لا تحسدن الناس " إشارة إلى قوله تعالى: " أم يحسدون الناس
على ما آتيهم الله من فضله " (3) " ولا تمدن " إشارة إلى قوله سبحانه: " ولا
تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق
ربك خير وأبقى " (4).
قال البيضاوي: (5) اي لا تمدن نظر عينيك إلى ما متعنا به استحسانا له

(1) مفردات غريب القرآن 374 والآية في لقمان: 18.
(2) الكافي ج 2 ص 307 والسند معلق على سابقه.
(3) النساء: 54.
(4) طه: 131.
(5) أنوار التنزيل: 270.
249

وتمنيا أن يكون لك مثله وقال الطبرسي رحمه الله: (1) اي لا ترفعن عينيك
من هؤلاء الكفار إلى ما متعناهم وأنعمنا عليهم به أمثالا في النعم من الأولاد
والأموال وغير ذلك. وقيل: لا تنظرن إلى ما في أيديهم من النعم، وقيل: ولا
تنظرن ولا يعظمن في عينيك ولا تمدهما إلى ما متعنا به أصنافا من المشركين
نهى الله رسوله عن الرغبة في الدنيا، فحظر عليه أن يمد عينيه إليها وكان عليه السلام لا
ينظر إلى ما يستحسن من الدنيا.
7 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن الفضيل
ابن عياض، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد
ولا يغبط (2).
بيان: هو بحسب الظاهر إخبار بأن الحاسد منافق كما مر، وبحسب المعنى
أمر بطلب الغبطة وترك الحسد، وقد مر معناهما. لا يقال: المغتبط يتمنى فوق
مرتبته، والأفضل من نعمته، فهو ساخط بالنعمة، غير راض بالقسمة، كالحاسد
وإلا فما الفرق؟ لأنا نقول: الفرق أن الحاسد غير راض بالقسمة، حيث تمنى
أن يكون قسمته ونصيبه للغير، ونصيب الغير له، فهو راد للقسمة قطعا، وأما
المغتبط فقد رضي أن يكون مثل نصيب الغير له، ورضي أيضا بنصيبه إلا أنه لما
جوز أن يكون له أيضا مثل نصيب ذلك الغير، وكان ذلك ممكنا في نفسه، ولم
يعلم امتناعه بحسب التقدير الأزلي، ولم يدل عدم حصوله على امتناعه، لجواز
أن يكون حصوله مشروطا بشرط كالتمني والدعاء ونحوهما، وهذا مثل من وجد
درجة من الكمال يسأل الله تعالى ويطلب منه التوفيق لما فوقها.
8 - معاني الأخبار (3) أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أقل الناس
لذة الحسود (4).

(1) مجمع البيان ج 6 ص 345 في آية الحجر: 88.
(2) الكافي ج 2 ص 307.
(3) معاني الأخبار: 195.
(4) أمالي الصدوق: 14، وفي نسخة الكمباني بعد ذلك بياض نحو سطر
250

9 - أمالي الصدوق: عن الفامي، عن محمد الحميري، عن أبيه، عن محمد بن عبد الجبار
عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق عليه السلام قال: كاد الفقر أن يكون
كفرا، وكاد الحسد أن يغلب القدر (1).
الخصال: عن حمزة العلوي، عن علي، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني
عن جعفر، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليهم مثله (2).
أقول: قد مضى بعض الأخبار في باب الحرص، وبعضها في باب البخل
وبعضها في باب أصول الكفر، وبعضها في باب ما أعطى الله أمة نبينا صلى الله عليه وآله.
10 - الخصال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن النضر
عن الجازي، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام قال: لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد
والجبن، الخبر (3).
11 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن الأصبهاني، عن المنقري، عن حماد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لقمان لابنه: للحاسد ثلاث علامات: يغتاب إذا
غاب، ويتملق إذا شهد، ويشمت بالمصيبة (4).
أقول: أثبتنا في باب وصايا النبي صلى الله عليه وآله إلى علي بأسانيد كثيرة أنه قال: يا
علي أنهاك عن ثلاث خصال عظام: الحسد والحرص والكذب (5).

(1) أمالي الصدوق: 177.
(2) الخصال ج 1 ص 9، وقد أخرجه المؤلف العلامة في ج 72 باب فضل الفقر
والفقراء ص 29، وزاد عليه سندا آخر من كتاب الإمامة والتبصرة، ثم شرحها شرحا
ضافيا من 30 - إلى 35، راجعه ان شئت وقد سبق في هذا الباب أيضا شرح له نقلا عن الكافي
تحت الرقم 4.
(3) الخصال ج 1 ص 41.
(4) الخصال ج 1 ص 60
(5) راجع ج 77 ص 44 و 52 وقد مر فيما سبق في باب الحرص تارة وفي باب
الكذب وروايته تارة أخرى نقلا عن الخصال ج 1 ص 62.
251

12 - الخصال: فيما أوصى به الصادق عليه السلام: لا راحة لحسود (1).
أقول: قد مضى في باب الكذب وغيره عن الصادق عليه السلام: ليست لبخيل راحة
ولا لحسود لذة (2).
13 - الخصال: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن الله عز وجل يعذب ستة بست:
العرب بالعصبية، والدهاقنة بالكبر، والامراء بالجور، والفقهاء بالحسد، والتجار
بالخيانة، وأهل الرستاق بالجهل (3).
14 - الخصال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن الأشعري، عن موسى بن
جعفر البغدادي، عن ابن معبد، عن إبراهيم بن إسحاق، عن ابن سنان، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعوذ في كل يوم من ست: من الشك، والشرك
والحمية، و الغضب، والبغي، والحسد (4).
15 - الخصال: عن الصادق عليه السلام: لا يطمعن الحسود في راحة القلب (5).
16 - معاني الأخبار (6) عيون أخبار الرضا (ع): عن ابن الوليد، عن الحسن بن محمد بن إسماعيل العريشي
عن ابن عيسى، عن ابن فضال، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: دب إليكم داء الأمم قبلكم: البغضاء والحسد (7).
17 - عيون أخبار الرضا (ع): عن محمد بن أحمد بن الحسين، عن علي بن محمد بن عنبسة، عن
الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال: قال رسول صلى الله عليه وآله:

(1) الخصال ج 1 ص 80 في حديث طويل.
(2) راجع باب جوامع مساوى الأخلاق ج 72 ص 190 وهكذا ص 193 نقلا عن
الخصال ج 1 ص 130.
(3) الخصال ج 1 ص 158.
(4) الخصال ج 1 ص 160.
(5) الخصال ج 1 ص 53.
(6) معاني الأخبار ص 367.
(7) عيون الأخبار ج 1 ص 313.
252

كاد الحسد أن يسبق القدر (1).
18 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن الأشعري، عن ابن يزيد
عن ابن أبي عمير رفعه في قول الله عز وجل: " ومن شر حاسد إذا حسد " قال:
أما رأيته إذا فتح عينيه وهو ينظر إليك هو ذاك (2).
19 - معاني الأخبار: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن معروف، عن سعدان بن
مسلم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الحسد فقال: لحم ودم
يدور في الناس حتى إذا انتهى إلينا يئس وهو الشيطان (3).
20 - مجالس المفيد (4) أمالي الطوسي: عن المفيد، عن أبي نصر محمد بن الحسين، عن علي بن
أحمد بن سيابة، عن عمر بن عبد الجبار، عن أبيه، عن علي بن جعفر، عن أخيه
موسى، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم لأصحابه: ألا إنه
قد دب إليكم داء الأمم من قبلكم، وهو الحسد ليس بحالق الشعر، لكنه حالق
الدين (5) وينجى منه أن يكف الانسان يده، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمز

(1) عيون الأخبار ج 1 ص 132.
(2) معاني الأخبار ص 227.
(3) معاني الأخبار ص 244.
(4) مجالس المفيد ص 211.
(5) قال السيد الشريف رضوان الله عليه في المجازات النبوية ص 112: ومن ذلك
قوله عليه السلام: دب إليكم داء الأمم من قبلكم: الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة
الدين لا حالقة الشعر.
وهذه استعارة، والمراد بالحالقة ههنا المبيرة المهلكة، اي هذه الخلة المذمومة
تهلك الدين وتستأصله كما تستأصل الموسى الشعر، والمقراض الوبر، وعلى هذا قول الشاعر:
ارسل عليهم سنة قاشورة * تحتلق الناس احتلاق النورة
اي تبير الناس فتأتي على نفوسهم، أو تأتى على أموالهم من الإبل والشياة، فتكون كأنها
قد أتت على نفوسهم باتيانها على ما هو قوام نفوسهم.
وإنما جعل عليه السلام البغضاء حالقة للدين لأنها سبب التفاني والتهالك والإيقاع
في المعاطب والمهالك، والداعي إلى سفك الدم الحرام واحتمال أعباء الآثام.
253

على أخيه المؤمن (1).
21 - الخصال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس ومحمد العطار معا، عن الأشعري
رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاث لم يعر منها نبي فمن دونه: الطيرة، والحسد
والتفكر في الوسوسة في الخلق.
قال الصدوق رحمه الله: معنى الطيرة في هذا الموضع هو أن يتطير منهم
قومهم، فأما هم عليه السلام فلا يتطيرون، وذلك كما قال الله عز وجل عن قوم صالح:
" قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله " (2) وكما قال آخرون
لأنبيائهم: " إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم " (3) الآية، وأما الحسد في
هذا الموضع هو أن يحسدوا، لا أنهم يحسدن غيرهم، وذلك كما قال الله عز وجل
" أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب
والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " (4) وأما التفكر في الوسوسة في الخلق، فهو
بلواهم عليهم السلام بأهل الوسوسة لا غير ذلك، وذلك كما حكى الله عنهم عن الوليد بن
المغيرة المخزومي " أنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر " (5) يعني قال للقرآن
" إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر " (6).
22 - قرب الإسناد: عن هارون، عن ابن زياد، عن الصادق، عن أبيه عليه السلام أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تتحاسدوا، فان الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 117.
(2) النمل: 47.
(3) يس: 18.
(4) النساء: 54.
(5) المدثر: 18 و 19 - وبعده 24 و 25.
(6) الخصال ج 1 ص 44.
254

الحطب اليابس " (1).
23 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: الحاسد مضر بنفسه قبل أن يضر بالمحسود
كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولآدم عليه السلام الاجتباء والهدى والرفع إلى محل
حقائق العهد والاصطفاء، فكن محسودا، ولا تكن حاسدا، فان ميزان الحاسد ابدا
خفيف بثقل ميزان المحسود، والرزق مقسوم فماذا ينفع حسد الحاسد، فما يضر
المحسود الحسد.
والحسد أصله من عمى القلب، وجحود فضل الله تعالى، وهما جناحان
للكفر، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد، وهلك مهلكا لا ينجو منه ابدا
ولا توبة للحاسد لأنه مصر عليه، معتقد به، مطبوع فيه، يبدو بلا معارض له ولا
سبب، والطبع لا يتغير عن الأصل وإن عولج (2).
24 - تفسير العياشي: عن ابن أبي نجران، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله
" ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " (3) قال: لا يتمني الرجل امرأة الرجل
ولا ابنته، ولكن يتمنى مثلهما (4).
25 - تفسير العياشي: عن ابن ظبيان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: بينما موسى بن عمران
يناجي ربه ويكلمه إذ رأى رجلا تحت ظل عرش الله فقال: يا رب من هذا
الذي قد اظله عرشك؟ فقال: يا موسى هذا ممن لم يحسد الناس على ما آتاهم
الله من فضله (5).
26 - جامع الأخبار: قال النبي صلى الله عليه وآله: إياكم والحسد، فان الحسد يأكل الحسنات
كما تأكل النار الحطب.

(1) قرب الإسناد: 22.
(2) مصباح الشريعة: 33.
(3) النساء: 32.
(4) تفسير العياشي ج 1 ص 239.
(5) تفسير العياشي ج 1 ص 248.
255

وقال صلى الله عليه وآله: إن لنعم الله أعداء، قيل: وما أعداء نعم الله؟ يا رسول الله
قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
وقال صلى الله عليه وآله: عليكم بانجاح الحوائج بكتمانها، فان كل ذي نعمة محسود.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام لابنه في وصيته: إن من شر مفاضح المرء الحسد.
وقال عليه السلام: الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له (1).
27 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن ابن أبي البلاد، عن أبيه، رفعه قال: رأى موسى بن عمران
رجلا تحت ظل العرش فقال: يا رب من هذا الذي أدنيته حتى جعلته تحت ظل
العرش؟ فقال الله تعالى: يا موسى هذا لم يكن يعق والديه، ولا يحسد الناس على
ما آتاهم الله من فضله.
28 - نهج البلاغة: قال عليه السلام: العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأجساد (2).
وقال عليه السلام: صحة الجسد من قلة الحسد (3).
29 - كنز الكراجي: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم
من الحاسد، نفس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم.
وقال عليه السلام: الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له إليه، بخيل بما لا يملكه.
وقال عليه السلام: الحسد آفة الدين، وحسب الحاسد ما يلقى.
وقال عليه السلام: لا مروة لكذوب، ولا راحة لحسود.
وقال عليه السلام: يكفيك من الحاسد أنه يغتم في وقت سرورك.
وقال عليه السلام: الحسد لا يجلب إلا مضرة وغيظا يوهن قلبك، ويمرض
جسمك، وشر ما استشعر قلب المرء الحسد.
وقال عليه السلام: الحسود سريع الوثبة، بطئ العطفة.
وقال عليه السلام: الحسود مغموم، واللئيم مذموم.

(1) جامع الأخبار ص 186.
(2) نهج البلاغة الرقم 225 من الحكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 256 من الحكم.
256

وقال عليه السلام: لا غنى مع فجور، ولا راحة لحسود، ولا مودة لملوك.
وقال لقمان لابنه: إياك والحسد، فإنه يتبين فيك، ولا يتبين فيمن تحسده.
30 - المجازات النبوية: قال صلى الله عليه وآله: الحسد يأكل الحسنات كما تأكل
النار الحطب.
بيان: قال السيد رضي الله عنه في شرح هذا الخبر: هذه استعارة والمراد
أن الحسد مخرج لصاحبه إلى الاقدام على المعاصي، والارتكاس في المهاوي، فيقع
في الدماء الحرام، ويحتطب في حمائل الآثام، ويشرع في نقل النعم من أماكنها
وإزعاجها عن مواطنها، فيكون عقاب هذه المحظورات محبطا لحسناته، ومسقطا
لثواب طاعاته، على المذهب الذي أشرنا إليه فيما تقدم، فيصير الحسد الذي هو
السبب في استحقاق العقاب، وإحباط الثواب، كأنه يأكل تلك الحسنات، لأنه
يذهبها ويفنيها، ويسقط أعيانها ويعفيها.
وإنما شبه عليه السلام في أكله الحسنات بالنار التي تأكل الحطب لان الحسد
يجري في قلب الانسان مجرى النار، لإهتياجه واتقاده وإرماضه وإحراقه، ومن
هناك قال بعضهم: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد نفس يتضور، وزفير
يتردد، وحزن يتجدد (1).
31 - الشهاب: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كاد الفقر أن يكون كفرا، وكاد الحسد
أن يغلب القدر.
الضوء: كاد وعسى كلاهما من أفعال المقاربة، وكاد مشبه بعسى، وعسى
مشبه بلعل، فلذلك لم يتصرف لأنه مشبه بحرف، والحرف لا يتصرف، وكاد
أشد مقاربة من عسى، وإنما لم يأت من عسى الفعل المضارع، لان فيه معنى
الطمع، والطمع لا يصح إلا في المستقبل فلو بني منه المضارع لصلح للحال
والاستقبال معا، والطمع لا يصح في الحال، فلذلك اقتصر فيه على الماضي، وعسى
ترفع الاسم وتنصب الخبر، إلا أن خبره لا يكون إلا فعلا مضارعا يدخله " أن "

(1) المجازات النبوية ص 140، وفيه: نفس يتصعد.
257

وكذلك كاد ترفع الاسم وتنصب الخبر، ومن شروط كاد أن لا يدخل على خبره
" أن " كقولك كاد زيد، وقال تعالى: " وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك
بأبصارهم " (1) " وكادوا يكونون عليه لبدا " (2) وهذا إذا كان للحال، وإن كان
للاستقبال شبه بعسى، فادخل على خبره " أن " كما قال (3):
قد كاد من طول البلى أن يمصحا
فهذا ما علقناه على شيخنا أبي الحسن النحوي رحمه الله ومعنى الحديث والله
أعلم أنه إشارة إلى أن الفقير يسف إلى المآكل الدنيئة والمطاعم الوبيئة، وإذا
وجد أولاده يتضورون من الجوع والعرى، ورأي نفسه لا يقدر على تقويم أودهم
وإصلاح حالهم، والتنفيس عنهم، كان بالحري أن يسرق ويخون، ويغصب وينهب
ويستحل أموال الناس، ويقطع الطريق، ويقتل المسلم، أو يخدم بعض الظلمة
فيأكل مما يغصبه ويظلمه، وهذا كله من أفعال من لا يحاسب نفسه، ولا يؤمن
بيوم الحساب، فهو قريب إلى أن يكون كافرا بحتا، وفي الأثر: عجبت لمن له عيال
وليس له مال كيف لا يخرج على الناس بالسيف؟.
وقوله عليه السلام: " كاد الحسد أن يغلب القدر " المعنى أن للحسد تأثيرا قويا
في النظر في إزالة النعمة عن المحسود، أو التمني لذلك، فإنه ربما يحمله حسده
على قتل المحسود، وإهلاك ماله، وإبطال معاشه، فكأنه سعى في غلبة المقدور
لان الله تعالى قد قدر للمحسود الخير والنعمة، وهو يسعى في إزالة ذلك عنه، وقيل:
الحسد منصف لأنه يبدأ بصاحبه، وقيل: الحسود لا يسود، وقيل: الحسد يأكل
الجسد، وقال الشاعر:
اصبر على حسد الحسود فان صبرك قاتله
النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله
" وكاد " تعطي أنه قرب الفعل ولم يكن، وتفيد في الحديث شدة تأثير

(1) القلم: 51.
(2) الجن: 19.
(3) يعنى رؤبة: ربع عفاه الدهر طولا فانمحى قد كاد الخ.
258

الفقر والحسد، وإن لم يكونا يغلبان القدر، ويقال: إن كاد إذا أوجب به الفعل
دل على النفي، وإذا نفي دل على الوقوع، وقال شاعرهم:
أنحوي هذا الدهر ما هي لفظة * جرت بلساني جرهم وثمود
إذا نفيت والله أعلم أوجبت * وإن أوجبت قامت مقام جحود
وهذا كما قال عز وجل: " كادوا يكونون عليه لبدا " والمعنى أنهم لم
يكونوا، وقال تعالى: " وما كادوا يفعلون " (1) وقد ذبحوا.
وهذه من أعجب القصص في الحسد وهي من أعاجيب الدنيا، كان أيام
موسى الهادي ببغداد رجل من أهل النعمة، وكان له جار في دون حاله، وكان يحسده
ويسعى بكل مكروه يمكنه، ولا يقدر عليه، قال: فلما طال عليه أمره وجعلت
الأيام لا تزيده فيه إلا غيظا، اشترى غلاما صغيرا فرباه وأحسن إليه فلما شب
الغلام واشتدت وقوي غضبه، قال له مولاه: يا بني إني أريدك لأمر من الأمور
جسيم، فليت شعري كيف لي أنت عند ذلك؟ قال: كيف يكون العبد لمولاه، والمنعم
عليه المحسن إليه، والله يا مولاي لو علمت أن رضاك في أن أتقحم النار لرميت
بنفسي فيها، ولو علمت أن رضاك في أن أغرق نفسي في لجة البحر لفعلت ذاك
وعدد عليه أشياء، فسر بذلك من قوله، وضمه إلى صدره وأكب عليه يترشفه
ويقبله، وقال: أرجو أن تكون ممن يصلح لما أريد، قال: يا مولاي إن رأيت
أن تمن على عبدك فتخبره بعزمك هذا ليعرفه ويضم عليه جوانحه، قال: لم
يأن لذلك بعد، وإذا كان ذلك فأنت موضع سري ومستودع أمانتي.
فتركه سنة فدعاه فقال: أي بني قد أردتك للامر الذي كنت أرشحك له
قال له: يا مولاي مرني بما شئت، فوالله لا تزيدني الأيام إلا طاعة لك، قال:
إن جاري فلانا قد بلغ مني مبلغا أحب قتله، قال: فأنا افتك به الساعة، قال:
لا أريد هذا، وأخاف ألا يمكنك، وإن أمكنك أحالوا ذلك علي، ولكني
دبرت أن تقتلني أنت وتطرحني على سطحه، فيؤخذ ويقتل بي.

(1) البقرة: 71.
259

فقال له الغلام: أتطيب نفسك بنفسك؟ وما في ذلك تشف من عدوك وأيضا
فهل تطيب نفسي بقتلك، وأنت أبر من الوالد الحدب، والام الرفيقة؟ قال: دع
عنك هذا، فإنما كنت أربيك لهذا، فلا تنقض علي أمري فإنه لا راحة لي إلا
في هذا، قال: الله الله في نفسك يا مولاي، وأن تتلفها للامر الذي لا يدرى أيكون
أم لا يكون، فإن كان لم تر منه ما أملت وأنت ميت، قال: أراك لي عاصيا، وما
أرضى حتى تفعل ما أهوى.
قال: أما إذا صح عزمك على ذلك فشأنك وما هويت لأصير إليه بالكره
لا بالرضى، فشكره على ذلك، وعمد إلى سكين فشحذها ودفعها إليه، وأشهد
على نفسه أنه دبره ودفع إليه من صلب ماله ثلاثة آلاف درهم، وقال: إذا فعلت
ذلك فخذ في اي بلاد الله شئت، فعزم الغلام على طاعة المولى بعد التمنع والالتواء.
فلما كان في آخر ليلة من عمره، قال له: تأهب لما أمرتك به، فاني موقظك
في آخر الليل، فلما كان في وجه السحر، قام وأيقظ الغلام، فقام مذعورا وأعطاه
المدية، فجاء حتى تسور حائط جاره برفق فاضطجع على سطحه، فاستقبل القبلة
ببدنه، وقال للغلام: ها وعجل، فترك السكين على حلقه، وفرى أوداجه، ورجع
إلى مضجعه وخلاه يتشحط في دمه.
فلما أصبح أهله خفي عليهم خبره، فلما كان في آخر النهار أصابوه على سطح
جاره مقتولا فأخذ جاره، وأحضروا وجوه المحلة لينظروا إلى الصورة ورفعوه
وحبسوه، وكتبوا بخبره إلى الهادي، فأحضره فأنكر أن يكون له علم بذلك
وكان الرجل من أهل الصلاح، فأمر بحبسه، ومضى الغلام إلى إصبهان.
وكان هناك رجل من أولياء المحبوس وقرابته، وكان يتولى العطاء للجند
بأصفهان، فرأى الغلام وكان عارفا به فسأله عن أمر مولاه، وقد كان وقع الخبر
إليه، فأخبره الغلام حرفا حرفا، فأشهد على مقالته جماعة، وحمله إلى مدينة السلام
وبلغ الخبر الهادي فأحضر الغلام فقص أمره كله عليه، فتعجب الهادي من ذلك
وأمر باطلاق الرجل المحبوس، وإطلاق الغلام أيضا.
260

فايدة الحديث إعلام أن الفقر من أصعب الأشياء، ومكابرته من أهول
الأمور، وأن الحسد أمره شديد، والحديث متضمن للنهي عنه.
32 - الشهاب: إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
الضوء: الحسد تمني زوال نعمة غيرك، يقول صلى الله عليه وآله: الحسد يفسد الحسنات
وهي الأفعال الحسنة، ويلطخها ويغيرها ويغطي عليها ويسوؤها، ويجعلها بحيث
لا يعتد بها كما تأكل النار الحطب، حيث تجعله رمادا أو فحما، وذلك أن الحسود
ولو حصلت منه الافعال الصالحة، لكانت مشينة لمكان الحسد، ثم إن الحاسد
يعارض ربه فيما يفعل، لان النعمة على المحسود من قبله، وهو يتمنى زواله
وكأنه يخطئ الله تعالى فيما أولاه تعالى وتقدس.
وروي عن سفيان [قال:] بلغني أن الله تعالى يقول: الحاسد عدو نعمتي، غير
راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي، وقال منصور الفقيه:
ألا قل لمن كان بي حاسدا * أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله * إذا أنت لم ترض لي ما وهب
جزاؤك منه الزيادات لي * وأن لا تنال الذي تطلب
وقيل: الحاسد بارز ربه من ستة أوجه: أبغض كل نعمة تظهر على غيره
وسخط القسمة، وضاد قضاء الله، وكابر مقدوره، وخذل وليه، وأعان عدوه
وقيل: الحاسد جاحد لأنه لم يرض بحكم الواحد، وقيل في قوله تعالى: " إنما
حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن " (1) يعني الحسد، وقيل: الحسد
منصف لأنه يؤثر في الحاسد، ولا يؤثر في المحسود.
وقال:
اصبر على حسد الحسود فان صبرك قاتله
فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله (2)

(1) الأعراف: 33.
(2) قد مر بعض هذا آنفا.
261

وقال:
إني لارحم حاسدي لحر ما * ضمنت صدورهم من الأسعار
نظروا صنيع الله لي فعيونهم * في جنة وقلوبهم في نار
وقيل: الحسود لا يسود، وروي أن في السماء الخامسة ملكا يمر به عمل
عبد له ضوء كضوء الشمس، فيقول: قف فأنا ملك الحسد، اضرب به وجه صاحبه
فإنه حاسد، ويقال: لا يوجد ظالم وهو مظلوم إلا الحاسد وأنشد:
قل للحسود إذا تنفس حسرة * يا ظالما وكأنه مظلوم
وفائدة الحديث النهي عن الحسد والامر بتجنبه.
- 132 -
* (باب) *
* " (ذم الغضب، ومدح التنمر في ذات الله) " *
الآيات: طه: قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي (1).
الشعراء: وإذا بطشتم بطشتم جبارين (2).
1 - عيون أخبار الرضا (ع) (3) أمالي الصدوق: ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن
عبد العظيم الحسني، عن أبي جعفر الثاني، عن أبيه عليهما السلام قال: دخل موسى بن جعفر
عليه السلام على هارون الرشيد وقد استخفه الغضب على رجل، فقال له: إنما
تغضب لله عز وجل، فلا تغضب له بأكثر مما غضب لنفسه (4).
2 - أمالي الصدوق: عن أمير المؤمنين عليه السلام: لا نسب أوضع من الغضب (5).

(1) ط: 94.
(2) الشعراء: 130.
(3) عيون الخبار ج 1 ص 292.
(4) أمالي الصدوق: 14.
(5) أمالي الصدوق: 193.
262

أقول: قد مضى الاخبار في باب الحلم وكظم الغيظ (1).
3 - أمالي الصدوق: سئل أمير المؤمنين عليه السلام من أحلم الناس؟ قال: الذي لا يغضب (2).
4 - الخصال: عن ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن
يونس، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الغضب مفتاح كل شر (3).
5 - الخصال: أبي، عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت، عن البرقي، عن أبيه
عن يونس، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الحواريون لعيسى بن
مريم: يا معلم الخير أعلمنا أي الأشياء أشد؟ فقال: أشد الأشياء غضب الله عز
وجل، قالوا: فبم يتقى غضب الله، قال: بأن لا تغضبوا، قالوا: وما بدؤ
الغضب؟ قال: الكبر والتجبر ومحقرة الناس (4).
كتاب الغايات: عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر نحوه.
6 - الخصال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن الأشعري، عن موسى بن
جعفر، عن ابن معبد، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعوذ في كل يوم من ست: من الشك، والشرك
والحمية، والغضب، والبغي، والحسد (5).
7 - عيون أخبار الرضا (ع): عن محمد بن أحمد بن الحسين البغدادي، عن علي بن محمد بن عنبسة
عن بكر بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، عن فاطمة بنت الرضا، عن أبيها، عن أبيه
عن جعفر بن محمد، عن أبيه وعمه زيد، عن أبيهما علي بن الحسين، عن أبيه
وعمه، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
من كف غضبه كف الله عنه عذابه، ومن حسن خلقه بلغه الله درجة الصائم القائم (6).

(1) راجع ج 71 ص 397 - 428.
(2) أمالي الصدوق: 237.
(3) الخصال ج 1 ص 7.
(4) الخصال ج 1 ص 7.
(5) الخصال ج 1 ص 160.
(6) عيون الأخبار ج 2 ص 71.
263

8 - أمالي الطوسي: جماعة، عن أبي المفضل، عن محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن
عيسى القيسي، عن محمد بن الفضيل، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رجل
للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله علمني عملا لا يحال بينه وبين الجنة، قال: لا تغضب
ولا تسأل الناس شيئا، وارض للناس ما ترضى لنفسك، الخبر (1).
9 - أمالي الصدوق: عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن
عقبة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام أنه ذكر عنده الغضب
فقال: إن الرجل ليغضب حتى ما يرى أبدا، ويدخل بذلك النار، فأيما رجل
غضب وهو قائم فليجلس، فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان، وإن كان جالسا فليقم
وأيما رجل غضب على ذي رحمه فليقم إليه، وليدن منه وليمسه، فان الرحم
إذا مست الرحم سكنت (2).
10 - أمالي الطوسي: عن الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه، عن أبي الحسن الثالث
عن آبائه، عن الكاظم عليهم السلام قال: من لم يغضب في الجفوة، لم يشكر في النعمة (3).
11 - ثواب الأعمال: عن أبيه، عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت، عن البرقي
عن ابن مهران، عن ابن عميرة، عمن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: من كف غضبه
ستر الله عورته (4).
12 - ثواب الأعمال: عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سيف
عن أخيه، عن أبيه، عن عاصم، عن الثمالي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته
يقول: من كف نفسه عن أعراض الناس كف الله عنه عذاب يوم القيامة، ومن كف
غضبه عن الناس أقاله الله نفسه يوم القيامة (5).

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 121.
(2) أمالي الصدوق: 205.
(3) أمالي الطوسي ج 1 ص 290.
(4) ثواب الأعمال: 120.
(5) ثواب الأعمال: 120.
264

الاختصاص: عن الباقر عليه السلام مثله (1).
13 - فقه الرضا (ع): أروي أن رجلا سأل العالم أن يعلمه ما ينال به خير الدنيا والآخرة
ولا يطول عليه، فقال: لا تغضب.
14 - تفسير العياشي: عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول:
إن أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار، فأيما رجل منكم غضب على
ذي رحمه فليدن منه، فان الرحم إذا مستها الرحم استقرت، وإنها متعلقة بالعرش
ينتقضه انتقاض الحديد، فينادي اللهم صل من وصلني، واقطع من قطعني، وذلك
قول الله في كتابه: " واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم
رقيبا " (2) وأيما رجل غضب وهو قائم فليلزم الأرض من فوره، فإنه يذهب
رجز الشيطان (3).
15 - جامع الأخبار: قال النبي صلى الله عليه وآله: الغضب جمرة من الشيطان وقال صلى الله عليه وآله:
الغضب يفسد الايمان كما يفسد الصبر العسل وكما يفسد الخل العسل.
وقال إبليس عليه اللعنة: الغضب وهقي (4) ومصيادي، وبه أصد خيار الخلق
عن الجنة وطريقها.
وعن جعفر بن محمد عليه السلام قال: من لم يغتب فله الجنة، ومن لم يغضب فله
الجنة، ومن لم يحسد فله الجنة (5).
16 - الاختصاص: قال الصادق عليه السلام: كان أبي محمد عليه السلام يقول: أي شئ أشر
من الغضب؟ إن الرجل إذا غضب يقتل النفس، ويقذف المحصنة (6).
17 - الحسين بن سعيد أو النوادر: فضالة، عن ابن فرقد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء أعرابي

(1) الاختصاص: 229.
(2) الآية الأولى من سورة النساء.
(3) تفسير العياشي ج 1 ص 217.
(4) الوهق محركة وتسكن الهاء: حبل في طرفيه انشوطة يطرح في عنق الدابة
والانسان حتى تؤخذ، قيل هو معرب وهك.
(5) جامع الأخبار: 186.
(6) الاختصاص: 243.
265

إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله علمني شيئا واحدا فاني رجل أسافر
فأكون في البادية، فقال له رسول الله: لا تغضب، فاستيسرها الاعرابي فرجع إلى
النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله علمني شيئا واحدا فاني أسافر فأكون في البادية
فقال له النبي صلى الله عليه وآله: لا تغضب فاستيسرها الاعرابي فرجع فأعاد السؤال فأجابه
رسول الله فرجع الرجل إلى نفسه وقال: لا أسأل عن شئ بعد هذا إني وجدته
قد نصحني وحذرني لئلا أفتري حين أغضب، ولئلا أقتل حين اغضب.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: الغضب مفتاح كل شر، وقال: إن إبليس كان مع
الملائكة وكانت الملائكة تحسب أنه منهم، وكان في علم الله أنه ليس منهم، فلما
أمر بالسجود لآدم، حمي وغضب، فأخرج الله ما كان في نفسه بالحمية والغضب.
18 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن النضر، عن القاسم بن سليمان، عن الصباح، عن زيد بن علي قال:
أوحى الله عز وجل إلى نبيه داود عليه السلام: إذا ذكرني عبدي حين يغضب ذكرته
يوم القيامة في جميع خلقي ولا أمحقه فيمن أمحق.
19 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل، أو كما يفسد
الصبر العسل (1).
كتاب الإمامة والتبصرة: عن أحمد بن علي، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه مثله.
20 - نهج البلاغة: قال عليه السلام: الحدة ضرب من الجنون، لان صاحبها يندم
فإن لم يندم فجنونه مستحكم (2).
21 - منية المريد: سئل النبي صلى الله عليه وآله: ما يبعد من غضب الله تعالى؟ قال
لا تغضب.
وعنه صلى الله عليه وآله: من كف غضبه ستر الله عورته.

(1) نوادر الراوندي: 17.
(2) نهج البلاغة الرقم 255 من الحكم.
266

وقال أبو الدرداء: قلت: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال:
لا تغضب.
وقال صلى الله عليه وآله: الغضب يفسد الايمان كما يفسد الصبر العسل.
وقال صلى الله عليه وآله: ما غضب أحد إلا أشفى على جهنم.
وذكر الغضب عند أبي جعفر الباقر عليه السلام فقال: إن الرجل ليغضب فما يرضى
ابدا حتى يدخل النار.
وعنه عليه السلام قال: مكتوب في التوراة فيما ناجى الله عز وجل به موسى عليه السلام:
يا موسى أمسك غضبك عمن ملكتك عليه، أكف عنك غضبي.
وعن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إن هذا الغضب جمرة
من الشيطان تتوقد في قلب ابن آدم، وإن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه، وانتفخت
أوداجه، ودخل الشيطان فيه.
22 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل
العسل (1).
بيان: " كما يفسد الخل العسل " اي إذا ادخل الخل العسل، ذهبت حلاوته
وخاصيته، وصار المجموع شيئا آخر، فكذا الايمان إذا دخله الغضب فسد ولم يبق
على صرافته، وتغيرت آثاره، فلا يسمى إيمانا حقيقة، أو المعنى أنه إذا كان
طعم العسل في الذائقة، فشرب الخل ذهبت تلك الحلاوة بالكلية، فلا يجد طعم العسل
فكذا الغضب إذا ورد على صاحب الايمان لم يجد حلاوته، وذهبت فوائده.
قال بعض المحققين: الغضب شعلة نار اقتسبت من نار الله الموقدة إلا أنها لا
تطلع على الأفئدة، وإنها لمستكنة في طي الفؤاد، استكنان الجمر تحت الرماد
ويستخرجها الكبر الدفين من قلب كل جبار عنيد، كما يستخرج الحجر النار
من الحديد، وقد انكشف للناظرين بنور اليقين، أن الانسان ينزع منه عرق إلى

(1) الكافي ج 2 ص 302.
267

الشيطان اللعين، فمن أسعرته نار الغضب، فقد قويت فيه قرابة الشيطان، حيث قال:
" خلقتني من نار وخلقته من طين " (1) فمن شأن الطين السكون والوقار، وشأن
النار التلظي والاستعار، والحركة والاضطراب والإصطهار، ومنه قوله تعالى:
" يصهر به ما في بطونهم والجلود " (2) ومن نتائج الغضب الحقد والحسد، وبهما
هلك من هلك، وفسد من فسد.
ثم قال: اعلم أن الله تعالى لما خلق الانسان معرضا للفساد والموتان، بأسباب
في داخل بدنه، وأسباب خارجة منه، أنعم عليه بما يحميه الفساد، ويدفع عنه الهلاك
إلى أجل معلوم، سماه في كتابه.
أما السبب الداخل فإنه ركبه من الرطوبة، والحرارة، وجعل بين الرطوبة
والحرارة عداوة ومضادة، فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة، وتجففها وتبخرها
حتى يتفشى أجزاؤها بخارا يتصاعد منها، فلو لم يتصل بالرطوبة مدد من الغذاء
يجبر ما انحل وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان، فخلق الله الغذاء الموافق لبدن
الحيوان، وخلق للحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في جبر ما انكسر
وسد ما انثلم، ليكون حافظا له من الهلاك، بهذه الأسباب.
وأما الأسباب الخارجة التي يتعرض لها الانسان فكالسيف والسنان، وسائر
المهلكات التي يقصد بها، فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه، فيدفع المهلكات
عنه فخلق الله الغضب من النار، وغرزه في الانسان، وعجنه بطينته، فمهما قصد في
غرض من أغراضه، ومقصود من مقاصده، اشتعلت نار الغضب، وثارت ثورانا
يغلى به دم القلب، وينتشر في العروق، ويرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار
وكما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر.
ولذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين، والبشرة بصفائها تحكي لون
ما وراءها من حمرة الدم، كما تحكي الزجاجة لون ما فيها، وإنما ينبسط
الدم إذا غضب على من دونه، واستشعر القدرة عليه، فان صدر الغضب على من هو فوقه

(1) الأعراف: 12 ص 76.
(2) الحج: 20.
268

وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب
وصار حزنا ولذلك يصفر اللون، وإن كان الغضب على نظير يشك فيه تولد منه
تردد بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر، ويضطرب.
وبالجملة فقوة الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب، لطلب الانتقام
وإنما يتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات، قبل وقوعها، وإلى
التشفي والانتقام بعد وقوعها، والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها، وفيه لذتها، ولا
تسكن إلا به.
ثم الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في أول الفطرة وبحسب ما يطرأ
عليها من الأمور الخارجة من التفريط والافراط والاعتدال، اما التفريط فبفقد
هذه القوة أو ضعفها بان لا يستعملها فيما هو محمود عقلا وشرعا مثل دفع الضرر
عن نفسه على وجه سائغ، والجهاد مع أعدائه والبطش عليهم، وإقامة الحدود
على الوجه المعتبر، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فتحصل فيه ملكة الجبن
بل ينتهي إلى عدم الغيرة على حرمه وأشباه ذلك.
وهذا مذموم معدود من الرذايل النفسانية، وقد وصف الله تعالى الصحابة
بالشدة والحمية، فقال (أشداء على الكفار) (1) وقال تعالى (يا أيها النبي
جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم) (2) وإنما الغلظة والشدة من آثار قوة
الحمية وهو الغضب، واما الافراط فهو الاقدام على ما ليس بالجميل، واستعمالها
فيما هو مذموم عقلا وشرعا مثل الضرب والبطش والشتم والنهب والقتل والقذف
وأمثال ذلك مما لا يجوزه العقل والشرع.
واما الاعتدال فهو غضب ينتظر إشارة العقل والدين، فينبعث حيث تجب
الحمية، وينطفئ حيث يحسن الحلم، وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة
التي كلف الله تعالى به عباده، وهو الوسط الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال:

(1) الفتح: 29
(2) التحريم: 9
269

خير الأمور أوساطها، فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه ضعف الغيرة
وخسة النفس واحتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى
غضبه ومن ماله غضبه إلى الافراط حتى جره إلى التهور واقتحام الفواحش، فينبغي
أن يعالج نفسه ليسكن من سورة الغضب، ويقف على الوسط الحق بين الطرفين، فهو
الصراط المستقيم، وهو أدق من الشعر، وأحد من السيف فينبغي أن يسعى في ذلك
بحسب جهده، ويتوسل إلى الله تعالى في أن يوفقه لذلك.
23 - الكافي: أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن
علي بن عقبة، عن أبيه، عن ميسر قال: ذكر الغضب عند أبي جعفر عليه السلام فقال:
إن الرجل ليغضب فما يرضى ابدا حتى يدخل النار، فأيما رجل غضب على
قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان، وأيما رجل
غضب على ذي رحم فليدن منه، فليمسه، فان الرحم إذا مست سكنت (1).
بيان: فما يرضى أبدا فيه تنبيه على أنه ينبغي أن لا يغضب وإن غضب لا
يستمر عليه، بل يعالجه قريبا بالسعي في الرضا عنه، إذ لو استمر عليه اشتد غضبه
آنا فآنا وشيئا فشيئا إلى أن يصدر عنه ما يوجب دخوله النار، كالقتل والجرح
وأمثالهما، أو يصير الغضب له عادة وخلقا، فلا يمكنه تركه، حتى يدخل بسببه
النار.
واعلم أن علاج الغضب أمران: علمي وفعلي أما العلمي فبأن يتفكر في
الآيات والروايات التي وردت في ذم الغضب، ومدح كظم الغيظ والعفو والحلم
ويتفكر في توقعه عفو الله عن ذنبه، وكف غضبه عنه، وأما الفعلي فذكر عليه السلام
هنا أمران:
الأول قوله: " فأيما رجل " " ما " زائدة " من فوره " كأن " من " بمعنى
" في " وقال الراغب: الفور شدة الغليان، ويقال ذلك في النار نفسها إذا
هاجت، وفي القدر وفي الغضب، ويقال: فعلت كذا من فوري أي في غليان

(1) الكافي ج 2 ص 302.
270

الحال، وقبل سكون الامر (1).
وقال البيضاوي في قوله تعالى: " ويأتوكم من فورهم هذا " (2) أي من
ساعتهم هذه، وهو في الأصل مصدر فارت القدر إذا غلت، فاستعير للسرعة ثم
أطلق للحال التي لا ريث فيها ولا تراخي، والمعنى أن يأتوكم في الحال (3) وقال
في المصباح: فار الماء يفور فورا نبع وجرى، وفارت القدر فورا وفورانا، وقولهم
الشفعة على الفور من هذا أي على الوقت الحاضر الذي لا تأخير فيه، ثم استعمل
في الحالة التي لا بطء فيها، يقال: جاء فلان في حاجته، ثم رجع من فوره
اي من حركته التي وصل فيها، ولم يسكن بعدها، وحقيقته أن يصل ما بعد المجئ
بما قبله من غير لبث انتهى.
وضمير " فوره " للرجل وقيل: للغضب: والأول أنسب بالآية، و " ذلك " صفة
فوره " فإنه سيذهب " كيمنع والرجز فاعله أو علي بناء الافعال، والضمير المستتر
فاعله، وراجع إلى مصدر " فليجلس " و " الرجز " مفعوله، وفي النهاية الرجز
بكسر الراء العذاب والاثم والذنب ورجز الشيطان وساوسه انتهى.
وذهاب ذلك بالجلوس مجرب كما أن من جلس عند حملة الكلب وجده
ساكنا لا يحوم حوله، وفيه سر لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، وربما
يقال: السر فيه هو الاشعار بأنه من التراب، وعبد ذليل لا يليق به الغضب، أو
التوسل بسكون الأرض وثبوتها.
وأقول: كأنه لقلة دواعيه إلى المشي للقتل والضرب وأشباههما، أو
للانتقال من حال إلى حال أخرى، والاشتغال بأمر آخر فإنهما مما يذهل عن الغضب
في الجملة، ولذا ألحق بعض العلماء الاضطجاع والقيام إذا كان جالسا، والوضوء
بالماء البارد وشربه بالجلوس في ذهاب الرجز.

(1) مفردات غريب القرآن 387.
(2) آل عمران: 125.
(3) أنوار التنزيل: 81.
271

وأقول: يؤيده ما رواه الصدوق في مجالسه عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن
أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة [عن أبيه]، عن أبي بصير، عن
أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام أنه ذكر عنده الغضب فقال: إن الرجل ليغضب حتى
ما يرضى ابدا، ويدخل بذلك النار، وأيما رجل غضب وهو قائم فليجلس فإنه
سيذهب عنه رجز الشيطان، وإن كان جالسا فليقم، وأيما رجل غضب على ذي رحمه
فليقم إليه وليدن منه، وليمسه، فان الرحم إذا مست الرحم سكنت (1).
وما رواه العامة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا غضب وهو
قائم جلس، وإذا غضب وهو جالس اضطجع، فيذهب غيظه.
وقال بعضهم: علاج الغضب أن تقول بلسانك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقال عند الغيظ، وكان صلى الله عليه وآله إذا غضبت عائشة
أخذ بأنفها، وقال: يا عويش قولي: اللهم رب النبي محمد، اغفر لي ذنبي، وأذهب
غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن، ويستحب أن تقول ذلك، وإن لم يزل
بذلك فاجلس إن كنت قائما، واضطجع إن كنت جالسا، وأقرب من الأرض التي
منها خلقت لتعرف بذلك، واطلب بالجلوس والاضطجاع السكون، فان
سبب الغضب الحرارة، وسبب الحرارة الحركة إذ قال صلى الله عليه وآله إن الغضب جمرة
تتوقد ألم تر إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه؟.
فان وجد أحدكم من ذلك شيئا فإن كان قائما فليجلس، وإن كان جالسا
فلينم، فإن لم يزل ذلك فليتوضأ بالماء البارد، وليغتسل، فان النار لا يطفئها إلا
الماء، وقد قال صلى الله عليه وآله: إذا غضب أحدكم فليتوضأ وليغتسل، فان الغضب من
النار، وفي رواية: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما
يطفي النار الماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.
وقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا غضبت فاسكت، وقال أبو سعيد
الخدري: قال النبي صلى الله عليه وآله: إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم الا ترون إلى حمرة

(1) أمالي الصدوق: 205 وقد مر تحت الرقم 9.
272

عينيه وانتفاخ أوداجه؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده بالأرض وكأن هذا
إشارة إلى السجود، وهو تمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع، وهو التراب
لتستشعر به النفس الذل، وتزايل به العزة والزهو الذي هو سبب الغضب.
وأما العلاج الثاني فهو خاص بذي الرحم، حيث قال: " وأيما رجل غضب
على ذي رحم فليدن منه " أي الغاضب من ذي رحمه " إذا مست " على بناء المجهول
أي بمثلها، ويحتمل المعلوم أي مثلها، وما في رواية المجالس المتقدم ذكره أظهر
ويظهر منها أنه سقط من رواية الكتاب بعض الفقرات متنا وسندا فتفطن إذ هي عين
هذه الرواية، والظاهر أن " سكنت " على بناء المعلوم المجرد، ويحتمل المجهول
من بناء التفعيل.
وقيل: ضمير " فليدن " راجع إلى ذي الرحم، وضمير " منه " إلى الرجل
وهو بعيد هنا، وإن كان له شواهد من بعض الأخبار منها ما رواه الصدوق رحمه الله في
عيون أخبار الرضا باسناده عن موسى بن جعفر عليه السلام قال: لما دخلت على الرشيد
سلمت عليه فرد علي السلام ثم قال: يا موسى بن جعفر خليفتين يجبى إليهما الخراج؟
فقلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك، وتقبل الباطل من أعدائنا
علينا، فقد علمت أنه قد كب علينا منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله بما علم ذلك عندك
فان رأيت بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به
أبي عن آبائه، عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الرحم إذا مست الرحم
تحركت واضطربت فناولني يدك جعلني الله فداك، فقال: ادن فدنوت منه فأخذ بيدي
ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلا ثم تركني، وقال: اجلس يا موسى، فليس
عليك بأس فنظرت إليه فإذا إنه قد دمعت عيناه، فرجعت إلي نفسي، فقال: صدقت
وصدق جدك لقد تحرك دمي واضطربت عروقي حتى غلبت علي الرقة، وفاضت
عيناي إلى آخر الخبر (1).
وأقول هذا لا يعين حمل خبر المتن على دنو الغاضب، فإنه يدنو كل من

(1) عيون الأخبار ج 1 ص 81.
273

يريد تسكين الغضب، فإنه إذا أراد الغاضب تسكين غضبه يدنو من المغضوب [عليه]
وإذا أراد المغضوب [عليه] تسكين غضب الغاضب يدنو منه.
24 - الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن داود بن
فرقد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الغضب مفتاح كل شر (1).
بيان: " مفتاح كل شر " إذ يتولد منه الحقد والحسد والشماتة والتحقير
والأقوال الفاحشة، وهتك الأستار، والسخرية والطرد والضرب والقتل والنهب
ومنع الحقوق إلى غير ذلك مما لا يحصى.
25 - الكافي: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن
سويد، عن القاسم بن سليمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعت أبي عليه السلام يقول:
أتى رسول الله صلى الله عليه وآله رجل بدوي فقال: إني أسكن البادية فعلمني جوامع الكلام
فقال: آمرك أن لا تغضب فأعاد عليه الاعرابي المسألة ثلاث مرات حتى رجع الرجل
إلى نفسه فقال: لا أسأل عن شئ بعد هذا، ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله إلا بالخير
قال: وكان أبي يقول: اي شئ أشد من الغضب؟ إن الرجل يغضب فيقتل النفس
التي حرم الله ويقذف المحصنة (2).
بيان: قال في النهاية: فيه أوتيت جوامع الكلم، يعني القرآن جمع الله بلطفه
في الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة، واحدها جامعة أي كلمة جامعة، ومنه الحديث
في صفته إنه كان يتكلم بجوامع الكلم أي إنه كان كثير المعاني قليل الألفاظ.
" فأعاد عليه الاعرابي المسألة ثلاث مرات " كأن أصل السؤال كان ثلاث
مرات، فالإعادة مرتان أطلقت على الثلاث تغليبا، والمعنى أنه صلى الله عليه وآله في كل
ذلك يجيبه بمثل الجواب الأول " حتى رجع الرجل " أي تفكر في أن تكرار السؤال
بعد اكتفائه صلى الله عليه وآله بجواب واحد غير مستحسن، فأمسك وعلم أنه صلى الله عليه وآله لم يجبه
بما أجابه إلا لعلمه بفوائد هذه النصيحة، وأنها تكفيه، أو تفكر في مفاسد الغضب
فعلم أن تخصيصه صلى الله عليه وآله الغضب بالذكر لتلك الأمور.

(1) الكافي ج 2 ص 303.
(2) الكافي ج 2 ص 303.
274

" فيقتل النفس " أي إحدى ثمرات الغضب قتل النفس مثلا وهو يوجب
القصاص في الدنيا، والعذاب الشديد في الآخرة، والأخرى قذف المحصنة، وهي
العفيفة وهو يوجب الحد في الدنيا والعقاب العظيم في الآخرة.
26 - الكافي: عنه، عن ابن فضال، عن إبراهيم بن محمد الأشعري، عن عبد الاعلى
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: علمني عظة أتعظ بها، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله
أتاه رجل فقال له: يا رسول الله علمني عظة أتعظ بها فقال له: انطلق فلا تغضب
ثم عاد إليه فقال له: انطلق فلا تغضب ثلاث مرات (1).
بيان: قال في المصباح: وعظه يعظه عظة أمره بالطاعة ووصاه بها، فاتعظ
اي ائتمر وكف نفسه، وقال بعض المتقدمين: الوعظ تذكير مشتمل على زجر
وتخويف وحمل على طاعة الله بلفظ يرق له القلب والاسم الموعظة.
27 - الكافي: عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عمن سمع
أبا عبد الله عليه السلام يقول: من كف غضبه ستر الله عورته (2).
بيان: " ستر الله عورته " اي عيوبه وذنوبه في الدنيا، فلا يفضحه بها، أو
في الآخرة فيكون كفارة عنها أو الأعم منهما وقيل: لأنه إذا لم يغضب لا يقول
فيه الناس ما يفضحه، واختلفوا في أن من كان شديد الغضب وكف غضبه ومن لا
يغضب أصلا لكونه حليما بحسب الخلقة أيهما أفضل؟ فقيل الأول لان الاجر على
قدر المشقة، وفيه جهاد النفس، وهو أفضل من جهاد العدو.
وغضب النبي صلى الله عليه وآله مشهور إلا أن غضبه لم يكن من مس الشيطان ورجزه
وإنما كان من بواعث الدين، وقيل: الثاني لان الأخلاق الحسنة من الفضائل
النفسانية، وصاحب الخلق الحسن بمنزلة الصائم القائم.
28 - الكافي: عنه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني
عن أبي جعفر عليه السلام قال: مكتوب في التوراة فيما ناجى الله عز وجل به موسى:
يا موسى أمسك غضبك عمن ملكتك عليه أكف عنك غضبي (3).

(1) الكافي ج 2 ص 303.
(2) الكافي ج 2 ص 303.
(3) الكافي ج 2 ص 303.
275

بيان: يقال: ناجيته اي ساررته " عمن ملكتك عليه " أي من العبيد والإماء
أو الرعية أو الأعم، وهو أولى، وغضب الخلق ثوران النفس وحركتها بسبب
تصور المؤذي والضار إلى الانتقام والمدافعة، وغضب الخالق عقابه التابع لعلمه
بمخالفة أوامره ونواهيه وغيرهما، وفيه إشارة إلى نوع من معالجة الغضب وهو
أن يذكر الانسان عند غضبه على الغير غضبه تعالى عليه، فان ذلك يبعثه على الرضا
والعفو طلبا لرضاه سبحانه وعفوه لنفسه.
29 - الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عبد الحميد، عن
يحيى بن عمرو، عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أوحى الله عز وجل
إلى بعض أنبيائه: يا ابن آدم اذكرني في غضبك أذكرك في غضبي، لا أمحقك
فيمن أمحق، وارض بي منتصرا فان انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك (1).
بيان: المراد بذكره له تعالى ذكر قدرته سبحانه عليه وعقابه وبذكر الله
له ذكر عفوه عن أخيه، فيعفو عن زلاته ومعاصيه، جزاء بما صنع وقوله: " لا
أمحقك " بالجزم بدل من أذكرك والمحق هنا إبطال عمله وتعذيبه، ومحو
ذكره أو إحراقه، في القاموس محقه كمنعه أبطله ومحاه كمحقه فتمحق وامتحق
وامحق كافتعل والله الشئ ذهب ببركته والحر الشئ أحرقه، وفي النهاية المحق
النقص والمحو والابطال، والانتصار الانتقام، ولما كان الغرض من إمضاء الغضب
غالبا هو الانتقام من الظالم، رغب سبحانه في تركه بأني منتقم من الظالم لك
وانتقامي خير من انتقامك، والخيرية من وجوه شتى:
الأول أن انتقامه على قدر قدرته وانتقامه سبحانه أشد وأبقى، الثاني
أن انتقامه يفوت ثوابه، وانتقامه تعالى لا يفوته، الثالث أن انتقامه يمكن أن
يتعدى إلى مالا يستحقه فيعاقب عليه، الرابع أن انتقامه يؤدي غالبا إلى المفاسد
الكلية والجزئية بانتهاض الخصم للمعادات بخلاف انتقامه تعالى.
30 - الكافي: أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن

(3) الكافي ج 2 ص 303.
276

علي بن عقبة، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله وزاد فيه: وإذا ظلمت
بمظلة فارض بانتصاري لك، فان انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك (1).
بيان: في هذا الخبر وقع قوله: " وإذا ظلمت بمظلة فارض بانتصاري لك "
مكان قوله في الخبر السابق: " وارض بي منتصرا " ومفادهما واحد، ولما كان هذا
في اللفظ أطول أطلق عليه لفظ الزيادة، وإنما ذكر ما بعدها مع كونه مشتركا
بينهما للعلم بموضع الزيادة، وفي المصباح الظلم اسم من ظلمه ظلما من باب ضرب
ومظلمة بفتح الميم وكسر اللام، ويجعل المظلمة اسما لما يطلبه عند الظالم، كالظلامة
بالضم.
31 - الكافي: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، وعلي بن محمد، عن صالح
ابن أبي حماد جميعا، عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن
معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله
علمني قال: اذهب ولا تغضب، فقال الرجل: قد اكتفيت بذلك، فمضى إلى أهله
فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفا ولبسوا السلاح، فلما رأى ذلك لبس سلاحه
ثم قام معهم، ثم ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تغضب، فرمى السلاح ثم جاء
يمشي إلى القوم الذين هم عدو قومه، فقال: يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو
قتل أو ضرب ليس فيه اثر فعلي في مالي أنا أوفيكموه، فقال القوم: فما كان فهو
لكم، نحن أولى بذلك منكم، قال: فاصطلح القوم، وذهب الغضب (2).
بيان: " ليس فيه اثر " اي علامة، جراحة لتصح مقابلته للجراحة والأثر
بالتحريك بقية الشئ وعلامته وبالضم وبضمتين أثر الجراح، يبقى بعد البرء
" فعلي في مالي " اي لا ابسطه على القبيلة ليكون فيه مضايقة أو تأخير و " أنا "
إما تأكيد للضمير المجرور، لأنهم جوزوا تأكيده بالمرفوع المنفصل، أو مبتدأ
خبره " أوفيكموه " على بناء الافعال أو التفعيل، والضمير راجع إلى الموصول
اي على دية ما ذكر، والايفاء والتوفية إعطاء الحق تماما.

(1) الكافي ج 2 ص 304.
(2) الكافي ج 2 ص 304.
277

32 - الكافي: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن
أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: إن هذا الغضب جمرة من الشيطان، توقد في قلب ابن آدم، وإن
أحدكم إذا غضب احمرت عيناه وانتفخت أوداجه، ودخل الشيطان فيه، فإذا خاف
أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض، فان رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك (1).
بيان: الجمرة القطعة الملتهبة من النار، شبه بها الغضب في الاحراق والاهلاك
ونسبها إلى الشيطان لان بنفخ نزغاته ووساوسه تحدث وتشتد، وتوقد في قلب
ابن آدم، وتلتهب التهابا عظيما، ويغلى بها دم القلب غليانا شديدا كغلي الحميم
فيحدث منه دخان بتحليل الرطوبات، وينتشر في العروق، ويرتفع إلى أعالي
البدن والدماغ والوجه، كما يرتفع الماء والدخان في القدر، فلذلك تحمر العين والوجه
والبشرة، وتنتفخ الأوداج والعروق وحينئذ يتسلط عليه الشيطان كمال التسلط
ويدخل فيه ويحمله على ما يريد، فيصدر منه أفعال شبيهة بأفعال المجانين، ولزوم
الأرض يشمل الجلوس والاضطجاع والسجود كما عرفت.
33 - الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن بعض أصحابه
رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الغضب ممحقة لقلب الحكيم، وقال: من لم يملك
غضبه لم يملك عقله (2).
بيان: الممحقة مفعلة من المحق، وهو النقص والمحو والابطال اي مظنة
له، وإنما خص قلب الحكيم بالذكر لان المحق الذي هو إزالة النور إنما يتعلق
بقلب له نور، وقلب غير الحكيم يعلم بالأولوية، وإذا عرفت أن الغضب يمحق
قلب الحكيم يعني عقله، ظهر لك حقيقة قوله: " من لم يملك غضبه لم يملك عقله ".
قال بعض المحققين: مهما اشتدت نار الغضب وقوي اضطرامها. أعمى
صاحبه وأصمه عن كل موعظة، فإذا وعظ لم يسمع بل تزيده الموعظة غيظا، وإن

(1) الكافي ج 2 ص 304.
(2) الكافي ج 2 ص 305.
278

أراد أن يستضئ بنور عقله، وراجع نفسه، لم يقدر على ذلك، إذ ينطفئ نور العقل
وينمحي في الحال بدخان الغضب، فان معدن الفكر الدماغ، ويتصاعد عند شدة
الغضب من غليان دم القلب دخان إلى الدماغ مظلم مستول على معادن الفكر.
وربما يتعدى إلى معادن الحس، فيظلم عينه، حتى لا يرى بعينه، ويسود
عليه الدنيا بأسرها، ويكون دماغه على مثال كهف أضرمت فيه نار فاسود جوه
وحمي مستقره، وامتلأ بالدخان جوانبه، وكان فيه سراج ضعيف فانطفى وانمحى
نوره، فلا يثبت فيه قدم، ولا يسمع فيه كلام، ولا ترى فيه صورة، ولا يقدر
على إطفائه لا من داخل ولا من خارج، بل ينبغي أن يصبر إلى أن يحترق جميع
ما يقبل الاحتراق، فكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ، وربما تقوى نار الغضب
فتفني الرطوبة التي بها حياة القلب فيموت صاحبه غيظا، كما تقوى النار في الكهف
فيتشقق وتنهد أعاليه على أسافله، وذلك لابطال النار ما في جوانبه من القوة
الممسكة الجامعة لاجزائه، فهكذا حال القلب مع الغضب.
ومن آثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الأطراف
وخروج الافعال عن الترتيب والنظام، واضطراب الحركة والكلام حتى يظهر
الزبد على الاشداق، وتحمر الأحداق، وتنقلب المناخر، وتستحيل الخلقة
ولو رأى الغضبان في حال غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته
واستحالة خلقته، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره، فان الظاهر عنوان الباطن
وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا.
فهذا أثره في الجسد وأما اثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش، وقبيح
الكلام الذي يستحيي منه ذوو العقول، ويستحيي منه قائله عند فتور الغضب، وذلك
مع تخبط النظم، واضطراب اللفظ، وأما أثره على الأعضاء فالضرب والتهجم
والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالات، فان هرب منه المغضوب عليه
أو فاته بسبب وعجز عن التشفي، رجع الغضب على صاحبه، فيمزق ثوب نفسه
ويلطم وجهه، وقد يضرب يده على الأرض، ويعدو عدو الواله السكران، والمدهوش
279

المتحير، وربما سقط صريعا لا يطيق العدو والنهوض لشدة الغضب، ويعتريه مثل
الغشية، وربما يضرب الجمادات والحيوانات، فيضرب القصعة على الأرض - وقد
تكسر وتراق المائدة - إذا غضب عليها، وقد يتعاطى أفعال المجانين فيشتم البهيمة
والجماد، ويخاطبه ويقول: إلى متى منك كذا، ويا: كيت وكيت، كأنه يخاطب
عاقلا حتى ربما رفسته دابة فيرفسها ويقابلها به.
وأما أثره في القلب مع المغضوب عليه، فالحقد والحسد، وإظهار السوء
والشماتة بالمساءة، والحزن بالسرور، والعزم على إفشاء السر و هتك الأستار
والاستهزاء، وغير ذلك من القبايح. فهذه ثمرة الغضب المفرط وقد أشير إليها في
تلك الأخبار.
34 - الكافي: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن
عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
من كف نفسه عن أعراض الناس أقال الله نفسه يوم القيامة، ومن كف غضبه عن
الناس كف الله تبارك وتعالى عنه عذاب يوم القيامة (1).
بيان: الاعراض جمع العرض بالكسر، وفي القاموس العرض بالكسر الجسد
وكل موضع يعرق منه ورائحته [رائحة] طيبة كانت أو خبيثة، والنفس وجانب
الرجل [الذي] يصونه من نفسه وحسبه أن يتنقص ويثلب، أو سواء كان في نفسه
أو في سلفه أو من يلزمه أمره، أو موضع المدح والذم منه، أو ما يفتخر به من
حسب وشرف (2) وقال: النفس الروح والدم والجسد والعظمة والعزة والهمة
والأنفة والعيب والعقوبة.
وقوله عليه السلام: " من كف نفسه عن أعراض الناس " اي عن هتك عرضهم بالغيبة
والبهتان والشتم وكشف عيوبهم وأمثال ذلك " أقال الله نفسه " قيل: المراد بالنفس
هنا العيب.

(1) الكافي ج 2 ص 305.
(2) القاموس ج 2 ص 334.
280

وأقول: يمكن أن يكون المراد بالنفس هنا أيضا المعنى الشائع لان الإقالة
وإن كان الغالب نسبتها إلى العثرات والذنوب، لكن يمكن نسبتها إلى النفس أيضا
فان الإقالة في الأصل هو أن يشتري الرجل متاعا فيندم فيأتي البايع فيقول له:
أقلني! أي اترك ما جرى بيني وبينك، ورد علي ثمني، وخذ متاعك، واستعمل
في غفران الذنوب لأنه بمنزلة معاوضة بينه وبين الرب تعالى فكأنه أعطى الذنب
وأخذ العقوبة، والنفس مرهونة في تلك المعاملة يقتص منها، فكما يمكن نسبة
الإقالة إلى الذنب يمكن نسبتها إلى النفس أيضا بل هو أنسب، لأنه يريد أن يفك
نفسه عن العقوبة كما قال تعالى: " كل امرئ بما كسب رهين " (1) وقال سبحانه:
" كل نفس بما كسبت رهينة " (2) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الا إن أنفسكم مرهونة
بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، مع أنه يمكن تقدير مضاف اي عثرة نفسه.
- 133 -
(باب)
* " (العصبية والفخر والتكاثر في الأموال) " *
* " (والأولاد وغيرها) " *
الآيات: الانعام: وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم
من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين (3).
الكهف: فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا (4).
مريم: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي
الفريقين خير مقاما وأحسن نديا * وكم أهلكنا قبلهم من قرية هم أحسن أثاثا

(1) الطور: 21.
(2) المدثر: 38.
(3) الانعام: 53.
(4) الكهف: 34.
281

ورئيا * قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا * حتى إذا رأوا ما يوعدون
إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا إلى قوله تعالى:
أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ
عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا * ونرثه ما
يقول ويأتينا فردا (1).
المؤمنون: وقال الملا من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة
وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب
مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون (2).
الشعراء: قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون * قال وما علمي بما كانوا
يعملون * إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين (3).
الزخرف: أم أنا خير من هذا الذي هو مهين * ولا يكاد يبين * فلولا
القي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين (4).
الدخان: ذق إنك أنت العزيز الكريم (5).
الفتح: إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية (6).
الحجرات: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا
وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (7).
الحديد: اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم
وتكاثر في الأموال والأولاد (8).
وقال تعالى: والله لا يحب كل مختال فخور (9).

(1) مريم: 73 - 80.
(2) المؤمنون: 33 - 34.
(3) الشعراء: 111 - 114.
(4) الزخرف: 52 - 53.
(5) الدخان: 49.
(6) الفتح: 26.
(7) الحجرات: 13.
(8) الحديد 20.
(9) الحديد: 23.
282

العلق: فليدع ناديه * سندع الزبانية (1).
التكاثر: ألهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر * كلا سوف تعلمون * ثم كلا
سوف تعلمون (2).
1 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم
عن داود بن النعمان، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من تعصب
أو تعصب له، فقد خلع ربقة الايمان من عنقه (3).
بيان: قال في النهاية: فيه العصبي من يعين قومه على الظلم، العصبي هو
الذي يغضب لعصبته، ويحامي عنهم، والعصبة الأقارب من جهة الأب لأنهم
يعصبونه، ويعتصب بهم، أي يحيطون به ويشتد بهم، ومنه الحديث ليس منا
من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية، والتعصب المحامات والمدافعة.
وقال في قوله صلى الله عليه وآله: فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه: الربقة في الأصل
عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها، فاستعارها للاسلام، يعني ما
يشد المسلم به نفسه من عرى الاسلام، أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه
وتجمع الربقة على ربق مثل كسرة وكسر ويقال للحبل الذي تكون فيه
الربقة ربق، ويجمع على رباق وأرباق انتهى.
والتعصب المذموم في الاخبار هو أن يحمي قومه أو عشيرته أو أصحابه في
الظلم والباطل، أو يلج في مذهب باطل أو ملة باطلة، لكونه دينه أو دين آبائه أو
عشيرته، ولا يكون طالبا للحق بل ينصر ما لا يعلم أنه حق أو باطل، للغلبة على
الخصوم، أو لاظهار تدربه في العلوم، أو اختار مذهبا ثم ظهر له خطاؤه فلا يرجع
عنه لئلا ينسب إلى الجهل أو الضلال.
فهذه كلها عصبية باطلة مهلكة، توجب خلع ربقة الايمان، وقريب منه

(1) العلق: 17 - 18.
(2) التكاثر: 1 - 4.
(3) الكافي ج 2 ص 307.
283

الحمية قال سبحانه: " إذ جعل في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية " (1) قال
الطبرسي رحمه الله: الحمية الانفة والانكار، يقال فلان: ذو حمية منكرة، إذا
كان ذا غضب وأنفة اي حميت قلوبهم بالغضب كعادة آبائهم في الجاهلية أن لا يذعنوا
لاحد ولا ينقادوا له (2) وقال الراغب: عبر عن القوة الغضبية إذا ثارت بالحمية
فقيل: حميت على فلان أي غضبت انتهى وأما التعصب في دين الحق والرسوخ
فيه، والحماية عنه، وكذا في المسائل اليقينية والأعمال الدينية أو حماية أهله
أو عشيرته بدفع الظلم عنهم، فليس من الحمية والعصبية المذمومة، بل بعضها واجب.
ثم إن [هذا الذم والوعيد في المتعصب ظاهر، وأما المتعصب له، فلا بد
من تقييده بما إذا كان هو الباعث له، والراضي به، وإلا فلا إثم عليه و] (3) خلع
الايمان إما كناية عن خروجه من الايمان رأسا للمبالغة، أو عن إطاعة الايمان، للاخلال
بشريعة عظيمة من شرايعه، أو المعنى خلع ربقة من ربق الايمان التي لزمها الايمان
عليه من عنقه.
الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم
ودرست بن أبي منصور، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله (4).
2 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية
بعثه الله تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية (5).
بيان: في النهاية الاعراب ساكنوا البادية من العرب الذين لا يقيمون في
الأمصار، ولا يدخلونها إلا لحاجة، وقال: الجاهلية الحال التي كانت عليها
العرب قبل الاسلام، من الجهل بالله وبرسوله وشرايع الدين، والمفاخرة بالأنساب
والكبر والتجبر وغير ذلك انتهى وكأنه محمول على التعصب في الدين الباطل.
3 - الكافي: عن الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن
خضر، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من تعصب عصبه الله بعصابة

(1) الفتح: 26.
(2) مجمع البيان ج 9 ص 125 - 126.
(3) راجع شرح الكافي ج 2 ص 290.
(4) راجع شرح الكافي ج 2 ص 290.
(5) الكافي ج 2 ص 308.
284

من نار (1).
بيان: قال الجوهري: العصب الطي الشديد، وتقول: عصب رأسه بالعصابة
تعصيبا، والعصب العمامة، وكل ما يعصب به الرأس، وقال الفيروزآبادي: العصابة
بالكسر ما عصب به، والعمامة وتصب: شد العمامة وأتى بالعصبية.
4 - الكافي: عن العدة، عن ابن خالد، عن ابن أبي نصر، عن ابن مهران، عن
عامر بن السمط، عن حبيب بن أبي ثابت، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: لم
تدخل الجنة حمية غير حمية حمزة بن عبد المطلب، وذلك حين أسلم غضبا للنبي
صلى الله عليه وآله في حديث السلا الذي ألقي على النبي صلى الله عليه وآله (2).
بيان: " لم تدخل الجنة " على بناء الافعال والحمية الانفة والغيرة، وفي
القاموس الحمي من لا يحتمل الضيم وحمي من الشئ كرضي حمية أنف، وفي
النهاية فيه إن المشركين جاؤوا بسلا جزور فطرحوه على النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلي
السلا الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفا فيه، وقيل: هو
في الماشية السلا، وفي الناس المشيمة والأول أشبه، لان المشيمة تخرج بعد الولد
ولا يكون الولد فيها حين يخرج.
أقول: قد مرت قصة السلا وإسلام حمزة في مواضعها، واختلفوا في سبب
إسلامه، قال علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي: ومما وقع له صلى الله عليه وآله من
الأذية ما كان سببا لاسلام عمه حمزة رضي الله عنه وهو ما حدث به ابن إسحاق
عن رجل من أسلم أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وآله عند الصفا، وقيل: عند
الحجون، فآذاه وشتمه، ونال منه ما نكرهه، وقيل: إنه صب التراب على
رأسه، وقيل: القى عليه فرثا ووطئ برجله على عاتقه، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وآله
ومولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك وتبصره، ثم انصرف رسول
الله إلى نادي قريش فجلس معهم.
فلم يلبث حمزة أن أقبل متوشحا بسيفه راجعا من قنصه أي من صيده، وكان

(1) الكافي ج 2 ص 308.
(2) الكافي ج 2 ص 308.
285

من عادته إذا رجع من قنصه لا يدخل إلى أهله الا بعد أن يطوف بالبيت، فمر
على تلك المولاة فأخبرته الخبر، وقيل: أخبرته مولاة أخته صفية قالت له:
إنه صب التراب على رأسه، وألقى عليه فرثا، ووطئ برجله على عاتقه، وعلى
إلقاء الفرث عليه اقتصر أبو حيان، فقال لها حمزة: أنت رأيت هذا الذي تقولين؟
قالت: نعم.
فاحتمل حمزة الغضب ودخل المسجد فرأى أبا جهل جالسا في القوم فأقبل
نحوه حتى قام على رأسه ورفع القوس فضربه فشجه شجة منكرة، ثم قال: أتشتمه
وأنا على دينه، أقول ما يقول؟ فرد علي ذلك إن استطعت، وفي لفظ: إن
حمزة لما قام على رأس أبي جهل بالقوس صار أبو جهل يتضرع إليه ويقول: سفه
عقولنا، وسب آلهتنا، وخالف آباءنا، فقال: ومن أسفه منكم؟ تعبدون الحجارة
من دون الله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقالوا: ما نراك
إلا قد صبأت، فقال حمزة: ما يمنعني وقد استبان لي منه، أنا أشهد أنه رسول الله
وأن الذي يقوله حق، والله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين، فقال لهم أبو جهل:
دعوا أبا يعلى فاني والله قد أسمعت ابن أخيه شيئا قبيحا.
وتم حمزة على إسلامه، فقال لنفسه لما رجع إلى بيته: أنت سيد قريش
اتبعت هذا الصابي وتركت دين آبائك؟ الموت خير لك مما صنعت؟ ثم قال: اللهم
إن كان رشدا فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا
فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان حتى أصبح.
فغدا إلى رسول الله فقال: يا ابن أخي إني وقعت في أمر لا أعرف المخرج
منه، وإقامة مثلي على مالا أدري أرشد هو أم غي شديد، فأقبل عليه رسول الله
صلى الله عليه وآله فذكره ووعظه وخوفه وبشره فألقى الله في قلبه الايمان بما قال
رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: أشهد أنك لصادق، فأظهر يا ابن أخي دينك، وقد قال
ابن عباس: في ذلك نزل " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في
286

الناس " (1) يعني حمزة " كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " يعني أبا جهل
وسر رسول الله صلى الله عليه وآله باسلامه سرورا كثيرا لأنه كان أعز فتى في قريش، وأشدهم
شكيمة، ومن لما عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد عز كفوا عن بعض ما كانوا
ينالون منه وأقبلوا على بعض أصحابه بالأذية سيما المستضعفين منهم الذين لا جوار
لهم انتهى.
5 - الكافي: عنه، عن أبيه، عن فضالة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم، وكان في علم الله أنه ليس منهم
فاستخرج ما في نفسه بالحمية والغضب فقال: " خلقتني من نار وخلقته من طين " (2).
بيان: " كانوا يحسبون أن إبليس منهم " أي في طاعة الله، وعدم العصيان
لمواظبته على عبادة الله تعالى في أزمنة متطاولة، ولم يكونوا يجوزون أنه يعصي الله
ويخالفه في أمره، لبعد عدم علم الملائكة بأنه ليس منهم بعد أن أسروه من بين الجن
ورفعوه [إلى السماء، فهو من قبيل قولهم عليهم السلام: " سلمان منا أهل البيت "
ويمكن أن يكون المراد كونه من جنسهم، ويكون ذلك الحسبان لمشاهدتهم تباين
أخلاقه ظاهرا] (3) للجن، وتكريم الله تعالى له وجعله بينهم بل رئيسا على بعضهم كما
قيل فظنوا أنه كان منهم وقع بين الجن أو يقال كان الظان جمع من الملائكة لم يطلعوا
على بدو أمره. " فاستخرج ما في نفسه " أي أظهر إبليس ما في نفسه اي أخذته الحمية
والأنفة والعصبية، وافتخر وتكبر على آدم بأن أصل آدم من طين، وأصله من
نار، والنار أشرف من الطين، وأخطأ في ذلك بجهات شتى:
منها أنه إنما نظر إلى جسد آدم ولم ينظر إلى روحه المقدسة التي أودع الله
فيها غرائب الشؤون، وقد ورد ذلك في الاخبار، ومنها أن ما ادعاه من شرافة النار
وكونه أعلى من الطين في محل المنع، فان الطين لتذلله منبع لجميع الخيرات ومنشأ
لجميع الحبوب والرياحين والثمرات، والنار لرفعتها واشتعالها يحصل منها جميع

(1) الانعام: 122.
(2) الكافي ج 2 ص 308.
(3) راجع شرح الكافي ج 2 ص 291.
287

الشرور، والصفات الذميمة، والأخلاق السيئة، فثمرتها الفساد، وآخرها الرماد.
ثم اعلم أن هذا الخبر مما يدل على أن إبليس لم يكن من الملائكة
وقد اختلف أصحابنا والمخالفون في ذلك، فالذي ذهب إليه أكثر المتكلمين من
أصحابنا وغيرهم أنه لم يكن من الملائكة، قال الشيخ المفيد برد الله مضجعه في
كتاب المقالات: إن إبليس من الجن خاصة وإنه ليس من الملائكة، ولا كان منها
قال الله تعالى: " إلا إبليس كان من الجن " (1) وجاءت الاخبار متواترة عن الأئمة
الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله بذلك، وهو مذهب الإمامية كلها، وكثير من المعتزلة
وأصحاب الحديث انتهى.
وذهب طائفة من المتكلمين إلى أنه من الملائكة واختاره من أصحابنا شيخ
الطائفة روح الله روحه في التبيان وقال: وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام، والظاهر
في تفاسيرنا، ثم قال رحمه الله: ثم اختلف من قال كان منهم، فمنهم من قال إنه كان
خازنا للجنان، ومنهم من قال: كان له سلطان سماء الدنيا، وسلطان الأرض، ومنهم
من قال: إنه كان يسوس ما بين السماء والأرض (2).
6 - الكافي: عن علي، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني، عن القاسم بن
محمد، عن المنقري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: سئل علي بن
الحسين عليه السلام عن العصبية فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل
شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه
ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم (3).
بيان " أن يرى " على بناء المجرد أو الافعال " أن يحب الرجل قومه "

(1) الكهف: 50.
(2) قال المؤلف العلامة في ج 11 ص 144 من هذه الطبعة باب سجود الملائكة
بعد مثل هذا الكلام، والحق ما اختاره المفيد رحمه الله وسنورد الاخبار في ذلك في كتاب
السماء والعالم.
(3) الكافي ج 2 ص 308.
288

إما محض المحبة فإنه من الجبلة الانسانية أن يحب الرجل قومه وعشيرته وأقاربه
أكثر من غيرهم، وقلما ينفك عنه أحد، والظاهر أنه ليس من الصفات الذميمة
أو بالافعال أيضا بأن يسعى في حوائجهم أكثر من السعي في حوائج غيرهم، ويبذل لهم
المال أكثر من غيرهم والظاهر أن هذا أيضا غير مذموم شرعا بل ممدوح، فان أكثره
من صلة الرحم وبعضه من رعاية الأخلاء والاخوان والأصحاب، وقد مر عن أمير
المؤمنين عليه السلام في صلة الرحم الحث على جميع ذلك وعن غيره عليه السلام فظهر أن العصبية
المذمومة إما إعانة قومه على الظلم، أو إثبات ما ليس فيهم لهم، أو التفاخر بالأمور
الباطلة التي توجب المنقصة، أو تفضيلهم على غيرهم من غير فضل وغير ذلك.
7 - أمالي الصدوق: عن ابن المغيرة، عن جده، عن جده، عن السكوني، عن الصادق
عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من
عصبية، بعثه الله عز وجل يوم القيامة مع أعراب الجاهلية (1).
ثواب الأعمال: عن ابن المتوكل، عن علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني
مثله (2).
8 - الخصال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن الأشعري، عن موسى بن جعفر
عن ابن معبد، عن إبراهيم بن إسحاق، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعوذ في كل يوم من ست: من الشك، والشرك، والحمية
والغضب، والبغي، والحسد (3).
9 - الخصال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن محمد بن
أسلم الجبلي باسناده يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن الله عز وجل يعذب
ستة بست: العرب بالعصبية، والدهاقنة بالكبر، والامراء بالجور، والفقهاء بالحسد
والتجار بالخيانة، وأهل الرستاق بالجهل (4).

(1) أمالي الصدوق 361.
(2) ثواب الأعمال ص 241.
(3) الخصال ج 1 ص 160.
(4) الخصال ج 1 ص 158.
289

10 - عيون أخبار الرضا (ع): بالأسانيد الثلاثة، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: أول من يدخل النار أمير متسلط لم يعدل، وذو ثروة من المال
لم يعط المال حقه، وفقير فخور (1).
11 - أمالي الطوسي: عن ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن جعفر بن أحمد، عن عباد
عن عمه، عن أبيه، عن مطرف، عن الشعبي، عن صعصعة بن صوحان قال: عادني
أمير المؤمنين عليه السلام في مرض ثم قال: انظر فلا تجعلن عبادتي إياك فخرا على
قومك، وإذا رأيتهم في أمر فلا تخرج منه، فإنه ليس بالرجل غنا عن قومه، إذا
خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه أيدي كثيرة، فإذا رأيتهم في خير فأعنهم عليه
وإذا رأيتهم في شر فلا تخذلنهم، فليكن تعاونكم على طاعة الله، فإنكم لن تزالوا
بخير ما تعاونتم على طاعة الله تعالى وتناهيتم عن معاصيه (2).
12 - الخصال: عن محمد بن أحمد القضاعي، عن إسحاق بن العباس بن إسحاق
ابن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي عليهم السلام: قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: أهلك الناس اثنان: خوف الفقر، وطلب الفخر (3).
13 - الخصال: عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن الفارسي، عن الجعفري، عن
عبد الله بن الحسين بن زيد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة: الفخر بالاحساب، و
الطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وإن النائحة إذا لم تتب
قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب عليه السلام (4).
14 - الخصال: عن أبيه وابن الوليد معا، عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا
عن الأشعري، عن جعفر بن محمد بن عبد الله، عن أبي يحيى الواسطي، عمن ذكره

(1) عيون الأخبار ج 2 ص 28.
(2) أمالي الطوسي ج 1 ص 357.
(3) الخصال ج 1 ص 36.
(4) الخصال ج 1 ص 107.
290

أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام: أترى هذا الخلق كله من الناس؟ فقال: ألق منهم
التارك للسواك، والمتربع في موضع الضيق، والداخل فيما لا يعنيه، والمماري
فيما لا علم له به، والمتمرض من غير علة، والمتشعث من غير مصيبة، والمخالف
على أصحابه في الحق - وقد اتفقوا عليه، والمفتخر يفتخر بآبائه وهو خلو من
صالح أعمالهم، فهو بمنزلة الخلنج (1) يقشر لحا عن لحا حتى يوصل إلى
جوهريته، وهو كما قال الله عز وجل: " إن هم إلا كالانعام بل هم أضل
سبيلا (2)
15 - معاني الأخبار: عن الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن
حمران، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ثلاثة من عمل الجاهلية: الفخر بالأنساب
والطعن في الأحساب، والاستسقاء بالأنواء (3)
16 - ثواب الأعمال: عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم
ودرست بن أبي منصور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من تعصب
أو تعصب له فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه (4)
17 - ثواب الأعمال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن يزيد، عن صفوان، عن
عبد الله بن الوليد، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من تعصب أو
تعصب له خلع ربقة الايمان من عنقه (5).
18 - ثواب الأعمال: بهذا الاسناد، عن صفوان، عن حضر، عن محمد بن مسلم، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: من تعصب عصبه الله عز وجل بعصابة من نار (6)
19 - ثواب الأعمال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن يزيد، عن العمي رفعه

(1) شجر كالطرفاء وله زهر أحمر وأصفر وحبه كالخردل وخشبه متين يصنع منه
القصاع لصلابته.
(2) الخصال ج 2 ص 39 والآية في سورة الفرقان: 44.
(3) معاني الأخبار ص 326.
(4) ثواب الأعمال ص 241.
(5) ثواب الأعمال ص 241.
(6) ثواب الأعمال ص 241.
291

قال: من تعصب حشره يوم القيامة مع أعراب الجاهلية (1).
20 - ثواب الأعمال: أبي، عن سعد، عن ابن يزيد، عن محمد بن إبراهيم النوفلي، عن
الحسين بن المختار رفعه إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: من صنع شيئا للمفاخرة
حشره الله يوم القيامة أسود (2).
21 - المحاسن: قال أبو عبد الله عليه السلام: ثلاث إذا كن في المرء فلا تتحرج أن
تقول إنه في جهنم: البذاء والخيلاء والفخر (3).
22 - رجال الكشي: ودت بخط جبرئيل بن أحمد، عن محمد بن عبد الله بن مهران
عن البزنطي قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام - أنا وصفوان بن يحيى ومحمد بن
سنان وأظنه قال: وعبد الله بن المغيرة أو عبد الله بن جندب - وهو بصريا (4)
قال: فجلسنا عنده ساعة ثم قمنا فقال: أما أنت يا أحمد فاجلس فجلست فأقبل
يحدثني وأسأله ويجيبني حتى ذهب عامة الليل، فلما أردت الانصراف قال لي:
يا أحمد تنصرف أو تبيت؟ فقلت: جعلت فداك ذاك الليل إن أمرت بالانصراف
انصرفت وإن أمرت بالمقام أقمت قال: أقم فهذا الحرس وقد هدأ الناس وباتوا
فقام وانصراف.
فلما ظننت أنه قد دخل خررت لله ساجدا فقلت: الحمد لله، حجة الله ووارث
علم النبيين آنس بي من بين إخواني وحببني فأنا في سجدتي وشكري فما علمت
إلا وقد رفسني برجله، ثم قمت فأخذ بيدي فغمزها ثم قال: يا أحمد إن
أمير المؤمنين عليه السلام عاد صعصعة بن صوحان في مرضه، فلما قام من عنده قال:
يا صعصعة لا تفتخرن على إخوانك بعيادتي إياك واتق الله، ثم انصرف عني (5).

(1) ثواب الأعمال ص 241.
(2) ثواب الأعمال ص 228.
(3) المحاسن ص 124.
(4) صريا: قرية أسسها موسى بن جعفر عليه السلام على ثلاثة أميال من المدينة
وقد كثر ذكرها في الحديث ولم نجد ذكرها في المعاجم، راجع المناقب ج 4 ص 382.
(5) رجال الكشي ص 491.
292

23 - رجال الكشي: محمد بن الحسن البراني (1) وعثمان بن حامد الكشيان، عن محمد بن
يزداد والحسن بن علي بن النعمان، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: كنت
عند الرضا عليه السلام فأمسيت عنده قال: فقلت: أنصرف؟ فقال لي: لا تنصرف فقد أمسيت
قال: فأقمت عنده قال: فقال لجاريته: هاتي مضربتي ووسادتي فافرش لأحمد في
ذلك البيت.
قال: فلما صرت في البيت دخلني شئ فجعل يخطر ببالي: من مثلي في بيت
ولي الله، وعلى مهاده، فناداني: يا أحمد إن أمير المؤمنين عليه السلام عاد صعصعة بن
صوحان فقال: يا صعصعة بن صوحان لا تجعل عيادتي إياك فخرا على قومك، و
تواضع لله يرفعك (2).
24 - الحسين بن سعيد أو النوادر: ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: لما كان يوم فتح مكة قام رسول الله صلى الله عليه وآله في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم
قال: أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب! إن الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالاسلام
نخوة الجاهلية، والتفاخر بآبائها وعشائرها، أيها الناس إنكم من آدم وآدم من
طين، الا وإن خيركم عند الله وأكرمكم عليه اليوم أتقاكم وأطوعكم له.
ألا وإن العربية ليست بأب والد، ولكنها لسان ناطق، فمن قصر به عمله
لم يبلغه رضوان الله حسبه، الا وإن كل دم أو مظلمة أو إحنة كانت في الجاهلية
فهي تطل، تحت قدمي إلى يوم القيامة.
25 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن النضر، عن الحسن بن موسى وابن رئاب، عن زرارة، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: قال: أصل المرء دينه، وحسبه خلقه، وكرمه تقواه، وإن الناس
من آدم شرع سواء.
26 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن النضر، عن ابن رئاب، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام
الناس يروون عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: أشرفكم في الجاهلية أشرفكم في الاسلام
فقال عليه السلام: صدقوا وليس حيث تذهبون كان أشرفهم في الجاهلية أسخاهم نفسا

(1) البرياني ح.
(2) رجال الكشي ص 491.
293

وأحسنهم خلقا، وأحسنهم جوارا، وأكفهم أذى، فذلك الذي إذا أسلم لم يزده
إسلامه إلا خيرا.
27 - نوادر الراوندي: باسناده، عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أوصي أمتي بخمس: بالسمع والطاعة والهجرة والجهاد والجماعة
ومن دعا بدعاء إلحاح الجاهلية فله حثوة من حثى جهنم (1).
28 - نهج البلاغة: قال عليه السلام: ما لابن آدم والفخر، أوله نطفة، وآخره جيفة
لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه (2).
- 134 -
(باب)
* (النهي عن المدح والرضا به) *
1 - أمالي الصدوق: في مناهي النبي صلى الله عليه وآله: أنه نهى عن المدح وقال: احثوا في وجوه
المداحين التراب (3).
2 - تفسير علي بن إبراهيم: روي في تفسير قوله تعالى: " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول
إلا من ظلم " (4) أنه إن جاءك رجل وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل
الصالح، فلا تقبله منه، وكذبه به فقد ظلمك (5).
3 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: لا يصير العبد عبدا خالصا لله عز وجل
حتى يصير المدح والذم عنده سواء، لان الممدوح عند الله عز وجل لا يصير
مذموما بذمهم، وكذلك المذموم، فلا تفرح بمدح أحد، فإنه لا يزيد في منزلتك

(1) نوادر الراوندي ص 21.
(2) نهج البلاغة الرقم 454 من الحكم.
(3) أمالي الصدوق ص 256.
(4) النساء: 148.
(5) تفسير القمي: 145.
294

عند الله، ولا يغنيك عن المحكوم لك، والمقدور عليك.
ولا تحزن أيضا بذم أحد فإنه لا ينقص عنك به ذرة، ولا يحط عن درجة
خيرك شيئا، واكتف بشهادة الله تعالى لك وعليك قال الله عز وجل " وكفى بالله
شهيدا " (1) ومن لا يقدر على صرف الذم عن نفسه، ولا يستطيع على تحقيق المدح
له، كيف يرجى مدحه أو يخشى ذمه، واجعل وجه مدحك وذمك واحدا وقف في
مقام تغتنم به مدح الله عز وجل لك ورضاه، فان الخلق خلقوا من العجين من ماء
مهين، فليس لهم إلا ما سعوا قال الله عز وجل " وأن ليس للانسان إلا ما سعى " (2)
وقال عز وجل " ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا يملكون موتا ولا حياة
ولا نشورا (3).
4 - الدرة الباهرة: قال أبو الحسن الثالث عليه السلام لرجل وقد أكثر من
إفراط الثناء عليه: أقبل على شأنك، فان كثرة الملق يهجم علي الظنة، وإذا
حللت من أخيك في محل الثقة، فاعدل عن الملق إلى حسن النية.
5 - نهج البلاغة: مدح أمير المؤمنين عليه السلام قوم في وجهه فقال: اللهم إنك أعلم بي
من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون، واغفر لنا
ما لا يعلمون (4).
وقال عليه السلام: الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق
عي أو حسد (5).
وقال عليه السلام: رب مفتون بحسن القول فيه (6).

(1) النساء: 79.
(2) النجم: 39.
(3) مصباح الشريعة ص 31، والآية في الفرقان: 3.
(4) نهج البلاغة الرقم 100 من الحكم.
(5) نهج البلاغة الرقم 347 من الحكم.
(6) نهج البلاغة الرقم 462 من الحكم.
295

- 135 -
* (باب سوء الخلق) *
الآيات: آل عمران: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك (1).
القلم: عتل بعد ذلك زنيم (2).
1 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن
سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل
العسل (3).
بيان: سوء الخلق وصف للنفس يوجب فسادها وانقباضها وتغيرها على أهل
الخلطة والمعاشرة وإيذائهم.
2 - أمالي الصدوق: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن ابن بزيع، عن
عبد الله بن عثمان، عن الحسين بن مهران، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: من أساء خلقه عذب نفسه (4).
3 - أمالي الصدوق: عن ماجيلويه، عن علي، عن أبيه، عن ابن معبد، عن ابن خالد
عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن جبرئيل الروح الأمين
نزل علي من عند رب العالمين فقال: يا محمد عليك بحسن الخلق فإنه ذهب بخير
الدنيا والآخرة، ألا وإن أشبهكم بي أحسنكم خلقا (5).
4 - قرب الإسناد: عن هارون، عن ابن صدقة، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: قال
علي عليه السلام لأبي أيوب الأنصاري: يا أبا أيوب ما بلغ من كرم أخلاقك؟ قال:

(1) آل عمران: 159.
(2) القلم: 13.
(3) الكافي ج 2 ص 321 باب سوء الخلق وفيه خمس روايات لم يخرج غير
هذا الحديث.
(4) أمالي الصدوق ص 124، ومثله في الكافي.
(5) أمالي الصدوق ص 163.
296

لا أوذي جارا فمن دونه، ولا أمنعه معروفا أقدر عليه، ثم قال عليه السلام: ما من ذنب إلا
وله توبة، وما من تائب إلا وقد تسلم له توبته، ما خلا سيئ الخلق، لا يكاد
يتوب من ذنب إلا وقع في غيره أشر منه (1).
5 - الخصال: عن الخليل، عن ابن صاعد، عن العباس بن محمد، عن عون بن
عمارة، عن جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، عن عبد الله بن غالب، عن أبي
سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خصلتان لا تجتمعان في مسلم: البخل
وسوء الخلق (2).
6 - الخصال: عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن حماد، عمن ذكره، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه محمد بن الحنفية: إياك
والعجب وسوء الخلق وقلة الصبر، فإنه لا يستقيم لك على هذه الخصال الثلاث
صاحب، ولا يزال لك عليها من الناس مجانب، والزم نفسك التودد، الخبر (3).
7 - الخصال: قال الصادق عليه السلام للثوري: يا سفيان لا مروة لكذوب، ولا أخ
لملول، ولا راحة لحسود، ولا سؤدد لسيئ الخلق (4).
8 - عيون أخبار الرضا (ع): بالأسانيد الثلاثة، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل (5).
صحيفة الرضا (ع): عنه عليه السلام مثله (6).
9 - أمالي الطوسي: جماعة، عن أبي المفضل، عن النعمان بن أحمد بن نعيم، عن محمد

(1) قرب الإسناد ص 22 في ط و 31 في ط.
(2) الخصال ج 1 ص 38.
(3) الخصال ج 1 ص 72.
(4) الخصال ج 1 ص 80.
(5) عيون الأخبار ج 2 ص 37.
(6) صحيفة الرضا ص 19.
297

ابن شعبة، عن حفص بن عمر، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب
عن الباقر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ساء خلقه عذب نفسه (1).
أقول: قد مضى بعض الأخبار في باب حسن الخلق (2).
10 - علل الشرائع: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن
يونس، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أبى الله عز وجل لصاحب الخلق
السيئ بالتوبة، قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأنه لا يخرج من ذنب حتى يقع فيما
هو أعظم منه (3).
11 - علل الشرائع: عن علي بن الحسين بن سفيان بن يعقوب، عن جعفر بن أحمد بن
يوسف، عن علي بن نوح الحناط، عن عمرو بن الحسن، عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل له: إن سعد بن معاذ قد مات
فقام رسول الله وقام أصحابه فحمل فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب
فلما أن حنط وكفن وحمل على سريره، تبعه رسول الله صلى الله عليه وآله بلا حذاء ولا
رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى انتهى به إلى
القبر فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى لحده وسوى عليه اللبن، وجعل يقول: ناولني
حجرا، ناولني ترابا رطبا، يسد به ما بين اللبن.
فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني
لاعلم أنه سبيلي ويصل إليه البلى، ولكن الله عز وجل يحب عبدا إذا عمل
عملا فأحكمه، فلما أن سوى التربة عليه قالت أم سعد من جانب: هنيئا لك الجنة
فقال رسول الله: يا أم سعد مه! لا تجزمي على ربك، فان سعدا قد أصابته ضمة.
قال: فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله ورجع الناس فقالوا: يا رسول الله لقد رأيناك
صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء! فقال

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 125.
(2) راجع ج 71 ص 372 - 396.
(3) علل الشرائع ج 2 ص 178.
298

صلى الله عليه وآله: إن الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء، فتأسيت بها، قالوا:
وكيف تأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة، قال: كانت يدي في يد جبرئيل
آخذ حيث ما أخذ، فقالوا: أمرت بغسله وصليت على جنازته، ولحدته، ثم
قلت: إن سعدا اصابته ضمة، فقال عليه السلام: نعم إنه كان في خلقه مع أهله سوء (1).
أمالي الطوسي: الغضائري، عن الصدوق مثله (2).
12 - نوادر الراوندي: باسناده، عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أبى الله لصاحب الخلق السيئ بالتوبة، فقيل: يا رسول الله
وكيف ذلك؟ قال: لأنه إذا تاب من ذنب وقع في أعظم من الذنب الذي تاب منه (3).
- 136 -
* (باب البخل) *
الآيات: النساء: الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما
آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا (4).
وقال تعالى: أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا (5).
اسرى: قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الانفاق
وكان الانسان قتورا (6).
محمد: وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسئلكم أموالكم *
إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم * ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا

(1) علل الشرائع ج 1 ص 292 ورواه في أماليه ص 231 مع اختلاف يسير.
(2) أمالي الطوسي ج 2 ص 41.
(3) نوادر الراوندي ص 18.
(4) النساء: 37.
(5) النساء: 53.
(6) أسرى: 100.
299

في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم
الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم (1).
الحديد: الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فان الله هو
الغني الحميد (2).
القلم: مناع للخير معتد أثيم (3).
1 - أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام قال: إن كان الخلف من الله عز وجل حقا فالبخل
لماذا (4).
2 - أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أقل الناس راحة
البخيل، وأبخل الناس من بخل بما افترض الله عليه (5).
3 - أمالي الصدوق: عن ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن
الأزدي، عن مالك بن أنس قال: قال الصادق عليه السلام: عجبت لمن يبخل بالدنيا
وهي مقبلة عليه. أو يبخل بها وهي مدبرة عنه، فلا الانفاق مع الاقبال يضره، ولا
الامساك مع الادبار ينفعه (6).
4 - الخصال (7) أمالي الصدوق: عن محمد بن أحمد الأسدي، عن أحمد بن محمد العامري
عن إبراهيم بن عيسى السدوسي، عن سليمان بن عمرو، عن عبد الله بن الحسن بن
الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن أبيها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن
صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، وهلاك آخرها بالشح والأمل (8).
5 - أمالي الصدوق: عن جعفر بن الحسين، عن ابن بطة، عن البرقي، عن أبيه، عن

(1) القتال: 36 - 38.
(2) الحديد: 24.
(3) القلم: 12.
(4) أمالي الصدوق ص 6.
(5) أمالي الصدوق ص 14.
(6) أمالي الصدوق ص 102.
(7) الخصال ج 1 ص 40.
(8) أمالي الصدوق ص 137.
300

محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أحق الناس بأن
يتمنى للناس الغنى البخلاء، لان الناس إذا استغنوا كفوا عن أموالهم، وإن أحق
الناس بأن يتمنى للناس الصلاح أهل العيوب لان الناس إذا صلحوا كفوا عن
تتبع عيوبهم، وإن أحق الناس بأن يتمنى للناس الحلم أهل السفه الذين يحتاجون
أن يعفى عن سفههم، فأصبح أهل البخل يتمنون فقر الناس، وأصبح أهل العيوب
يتمنون معايب الناس، وأصبح أهل السفه يتمنون سفه الناس، وفي الفقر الحاجة
إلى البخيل، وفي الفساد طلب عورة أهل العيوب، وفي السفه المكافات بالذنوب (1).
الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن البرقي، عن أبيه مثله (2).
6 - أمالي الصدوق: في خبر مناهي النبي صلى الله عليه وآله قال: قال الله عز وجل: حرمت الجنة
على المنان والبخيل والقتات (3).
7 - تفسير علي بن إبراهيم: أبي، عن الفضل بن أبي قرة قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام يطوف
من أول الليل إلى الصباح، وهو يقول: اللهم قني شح نفسي، فقلت: جعلت
فداك ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء، قال: وأي شئ أشد من شح النفس
إن الله يقول: " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " (4).
8 - الخصال: عن ابن الوليد، عن الحميري، عن هارون، عن ابن صدقة، عن
جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما محق الايمان محق الشح
شئ، ثم قال: إن لهذا الشح دبيبا كدبيب النمل، وشعبا كشعب الشرك (5).
أقول: قد مضى بعض الأخبار في باب الجود والسخاء.
9 - الخصال: عن الخليل، عن ابن صاعد، عن العباس بن محمد، عن عون

(1) أمالي الصدوق ص 233.
(2) الخصال ج 1 ص 74.
(3) أمالي الصدوق ص 259.
(4) تفسير القمي: 685، والآية في سورة التغابن: 16.
(5) الخصال ج 1 ص 15.
301

ابن عمارة، عن جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، عن عبد الله بن غالب، عن
أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خصلتان لا تجتمعان في مسلم: البخل
وسوء الخلق (1).
10 - الخصال: عن الخليل، عن ابن صاعد، عن إسحاق بن شاهين، عن خالد
ابن عبد الله، عن يوسف بن موسى، عن حريز بن سهيل، عن صفوان، عن أبي
يزيد، عن القعقاع بن اللجلاج، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا
يجتمع الشح والايمان في قلب عبد ابدا (2).
11 - الخصال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن البرقي، عن أبيه، عن هارون
ابن الجهم، عن ثوير بن أبي فاختة، عن المفضل بن صالح، عن سعد بن طريف
عن أبي جعفر عليه السلام قال: الموبقات ثلاث: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب
المرء بنفسه (3).
أقول: وقد مضى بسند آخر عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله: المهلكات ثلاث
وكذا في وصية النبي صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام. قال الصدوق رحمه الله: روي عن
الصادق عليه السلام أنه قال: الشح المطاع سوء الظن بالله عز وجل (4).
12 - الخصال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن النضر
ابن شعيب، عن الجازي، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام قال: لا يؤمن رجل
فيه الشح والحسد والجبن، ولا يكون المؤمن جبانا ولا حريصا ولا شحيحا (5).
13 - قرب الإسناد: عن هارون، عن ابن صدقة، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن عليا
عليه السلام سمع رجلا يقول: الشحيح أعذر من الظالم، فقال: كذبت إن الظالم
يتوب ويستغفر الله ويرد الظلامة على أهلها، والشحيح إذا شح منع الزكاة

(1) الخصال ج 1 ص 38.
(2) الخصال ج 1 ص 38.
(3) الخصال ج 1 ص 42.
(4) راجع معاني الأخبار ص 314 وتراه في الخصال ج 1 ص 42 بأسانيد مختلفة.
(5) الخصال ج 1 ص 41.
302

والصدقة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف، والنفقة في سبيل الله، وأبواب البر
وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح (1).
14 - قرب الإسناد: ابن طريف، عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: السخاء شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا من تعلق بغصن
منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة، والبخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا من
تعلق بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى النار (2).
15 - الخصال: عن الخليل بن أحمد، عن ابن صاعد، عن الحسن بن عرفة، عن
عمر بن عبد الرحمن، عن محمد بن حجارة، عن بكر بن عبد الله المزني، عن عبد الله
ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح
أمرهم بالكذب فكذبوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا (3).
16 - الخصال: عن الخليل بن أحمد، عن أبي العباس السراج، عن قتيبة، عن
بكر بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
إياكم والفحش فان الله عز وجل لا يحب الفاحش المتفحش، وإياكم والظلم
فان الظلم عند الله هو الظلمات يوم القيامة، وإياكم والشح، فإنه دعا الذين من
قبلكم حتى سفكوا دمائهم، ودعاهم حتى قطعوا أرحامهم، ودعاهم حتى انتهكوا
واستحلوا محارمهم (4).
17 - الخصال: عن أبيه، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن موسى بن عمر
عن أبي علي بن راشد رفعه إلى الصادق عليه السلام أنه قال: خمس هن كما أقول:
ليست لبخيل راحة، ولا لحسود لذة، ولا لملوك وفاء، (5) ولا لكذاب مروة، ولا
يسود سفيه (6).

(1) قرب الإسناد ص 48 ط النجف.
(2) قرب الإسناد ص 74 ط النجف.
(3) الخصال ج 1 ص 83.
(4) الخصال ج 1 ص 83.
(5) لملول خ للملوك خ.
(6) الخصال ج 1 ص 130.
303

18 - الخصال: عن العطار، عن أبيه، عن الأشعري، عن أبي عبد الله الرازي، عن
ابن أبي عثمان، عن أحمد بن عمر، عن يحيى الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
لا يطمعن ذو الكبر في الثناء الحسن، ولا الخب في كثرة الصديق، ولا السيئ
الأدب في الشرف، ولا البخيل في صلة الرحم، الخبر (1).
19 - عيون أخبار الرضا (ع): بالأسانيد الثلاثة، عن الرضا، عن آبائه، عن الحسين بن علي
عليهم السلام قال: خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام فقال: سيأتي على الناس زمان عضوض
يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك، قال الله تعالى: " ولا تنسوا الفضل
بينكم إن الله كان بما تعملون بصيرا " (2) وسيأتي زمان يقدم فيه الأشرار
وينسئ فيه الأخيار، ويبايع المضطر - وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيع المضطر
وعن بيع الغرر - فاتقوا الله يا أيها الناس واصلحوا ذات بينكم، واحفظوني في
أهلي (3).
20 - عيون أخبار الرضا (ع): عن الطالقاني، عن الحسن بن علي العدوي، عن الهيثم بن عبد الله
الرماني، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول:
خلقت الخلائق في قدرة * فمنهم سخي ومنهم بخيل
فأما السخي ففي راحة * وأما البخيل فشؤم طويل (4)
21 - علل الشرائع: عن أبيه عن محمد العطار، عن الأشعري، عن محمد بن آدم، عن
أبيه رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي لا تشاور جبانا فإنه يضيق عليك المخرج
ولا تشاور البخيل فإنه يقصر بك غايتك، ولا تشاور حريصا فإنه يزين لك
شرها، واعلم يا علي أن الجبن والبخل والحرص غريزة واحدة يجمعها

(1) الخصال ج 2 ص 53.
(2) البقرة: 237.
(3) عيون الأخبار ج 2 ص 45.
(4) عيون الأخبار ج 2 ص 176.
304

سوء الظن (1).
22 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن
النضر، عن عبد الاعلى الأرجاني، عن عبد الاعلى بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إن البخيل من كسب مالا من غير حله، وأنفقه في غير حقه (2).
23 - معاني الأخبار: عن ماجيلويه، عن عمه، عن البرقي، عن بعض أصحابه بلغ
به ابن طريف، عن ابن نباتة، عن الحارث الأعور قال: فيما سأل علي عليه السلام ابنه
الحسن عليه السلام أن قال له: ما الشح؟ قال: أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقت
تلفا (3).
24 - معاني الأخبار: عن الطالقاني، عن محمد بن سعيد، عن إبراهيم بن الهيثم، عن
أبيه، عن أبيه، عن المعافا بن عمران، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح، عن
أبيه مثله وفيه أن ترى القليل سرفا (4).
25 - معاني الأخبار: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن
حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنما
الشحيح من منع حق الله وأنفق في غير حق الله عز وجل (5).
26 - معاني الأخبار: بالاسناد، عن أحمد، عن أبيه، عن أبي جهم، عن موسى بن
بكر، عن أحمد بن سليمان، عن موسى بن جعفر عليه السلام قال: البخيل من بخل بما
افترض الله عليه (6).
27 - معاني الأخبار: أبي، عن علي، عن أبيه، عن ابن فضال، عن معاوية بن وهب
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: البخيل من بخل بالسلام (7).

(1) علل الشرائع ج 2 ص 246.
(2) معاني الأخبار ص 245.
(3) معاني الأخبار ص 245.
(4) معاني الأخبار ص 401.
(5) معاني الأخبار ص 246.
(6) معاني الأخبار ص 246.
(7) معاني الأخبار ص 246.
305

28 - معاني الأخبار: عن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقري، عن علي بن الحسين
ابن بندار التميمي، عن محمد بن الحجاج، عن أحمد بن العلا، عن أبي زكريا، عن
سليمان بن بلال، عن عمارة بن عرفة، عن عبد الله بن علي بن الحسين، عن أبيه
عن جده عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: البخيل حقا من ذكرت عنده فلم يصل
علي (1).
29 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد، عن الأصبهاني، عن المنقري، عن الفضيل
ابن عياض قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري من الشحيح؟ فقلت: هو البخيل، فقال:
الشحيح أشد من البخيل، إن البخيل يبخل بما في يديه، وإن الشحيح يشح بما
في أيدي الناس، وعلى ما في يديه، حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا تمنى
أن يكون له بالحل والحرام، ولا يشبع ولا يقنع بما رزقه الله تعالى (2).
30 - معاني الأخبار: عن ماجيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن أبي جميلة، عن
جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس البخيل من يؤدي
أو الذي يؤدي الزكاة المفروضة من ماله، ويعطي النائبة في قومه، وإنما البخيل
حق البخيل الذي يمنع الزكاة المفروضة في ماله، ويمنع النائبة في قومه، وهو
فيما سوى ذلك يبذر (3).
31 - الخصال: عن ابن الوليد، عن سعد، عن البرقي، عن محمد بن عيسى، عن
محمد بن سنان، عن العلا بن فضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاث إذا كن
في الرجل فلا تحرج أن تقول إنه في جهنم: الجفاء، والجبن، والبخل، وثلاث
إذا كن في المرأة فلا تحرج أن تقول إنها في جهنم: البذاء والخيلاء والفخر (4).
32 - الخصال: عن ابن الوليد، عن سعد، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن

(1) معاني الأخبار ص 246.
(2) معاني الأخبار ص 245.
(3) معاني الأخبار ص 245.
(4) الخصال ج 1 ص 76.
306

ابن أسباط، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما كان في شيعتنا فلا
يكون فيهم ثلاثة أشياء، لا يكون فيهم من يسأل بكفه، ولا يكون فيهم بخيل، ولا
يكون فيهم منم يؤتى في دبره (1).
33 - دجا: عن أبي غالب الزراري، عن محمد بن جعفر الرزاز، عن ابن أبي
الخطاب، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن بريد، عن أبي جعفر، عن
أبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يقول الله تعالى: المعروف هدية مني
إلى عبدي المؤمن، فان قبلها مني فبرحمتي ومني، وإن ردها علي فبذنبه
حرمها، ومنه لا مني، وأيما عبد خلقته فهديته إلى الايمان وحسنت خلقه ولم
أبتله بالبخل فاني أريد به خيرا (2).
34 - مكارم الأخلاق: عن الصادق عليه السلام قال: خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم
ومن خالص الايمان البر بالاخوان، والسعي في حوائجهم.
وعنه عليه السلام قال: شاب سخي مرهق في الذنوب أحب إلى الله عز وجل من
شيخ عابد بخيل.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: من أدى ما افترض الله عليه فهو أسخى الناس.
وقال عليه السلام: ما محق الاسلام محق الشح شئ، ثم قال: إن لهذا الشح
دبيبا كدبيب النمل، وشعبا كشعب الشرك (3).
35 - الاختصاص: قال الصادق عليه السلام: حسب البخيل من بخله سوء الظن بربه
من أيقن بالخلف جاد بالعطية (4).
36 - نهج البلاغة: [قال عليه السلام:] البخل عار، والجبن منقصة (5).
وقال عليه السلام: البخل جامع لمساوي العيوب، وهو زمام يقاد به

(1) الخصال ج 1 ص 65.
(2) مجالس المفيد ص 159.
(3) مكارم الأخلاق ص
(4) الاختصاص: 234.
(5) نهج البلاغة الرقم 3 من الحكم.
307

إلى كل سوء (1).
37 - كتاب الإمامة والتبصرة: عن أحمد بن علي، عن محمد بن الحسن
الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد
عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: السخي قريب من الله، قريب
من الناس، قريب من الجنة، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، قريب من
النار.
- 137 -
(باب)
* " (الذنوب وآثارها والنهي عن استصغارها) " *
الآيات: البقرة: فأنزل على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا
يفسقون (2).
وقال تعالى: ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (3).
وقال تعالى: بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب
النار هم فيها خالدون (4).
النساء: فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم (5).
وقال: ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما (6).
المائدة: مخاطبا لموسى عليه السلام: فلا تأس على القوم الفاسقين (7).
وقال: فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا

(1) نهج البلاغة الرقم 378 من الحكم.
(2) البقرة: 59.
(3) البقرة: 61.
(4) البقرة: 81.
(5) النساء: 64.
(6) النساء: 111.
(7) المائدة: 26.
308

من الناس لفاسقون (1).
وقال: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا
يفعلون (2).
وقال تعالى: ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (3).
وقال تعالى: وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين (4).
وقال تعالى: والله لا يهدي القوم الفاسقين (5).
الانعام: أو لم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم
نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم
بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين (6).
وقال تعالى: وذروا ظاهر الاثم وباطنه إن الذين يكسبون الاثم سيجزون
بما كانوا يقترفون (7).
وقال تعالى: ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين (8).
وقال تعالى: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن (9).
الأعراف: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من
السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (10).
وقال: وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (11).
وقال سبحانه: فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا

(1) المائدة: 49.
(2) المائدة: 78 - 79.
(3) المائدة: 87.
(4) المائدة: 107.
(5) المائدة: 108.
(6) الانعام: 6.
(7) الانعام: 120.
(8) الانعام: 147.
(9) الانعام: 151.
(10) الأعراف: 96.
(11) الأعراف: 160.
309

عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون (1).
وقال تعالى في قصة أصحاب السبت: كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون إلى
قوله تعالى: فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين
ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا
قردة خاسئين (2).
الأنفال: كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله
بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب * ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها
على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإن الله سميع عليم (3).
التوبة: والله لا يهدي القوم الفاسقين (4).
هود: فمن ينصرني من الله إن عصيته (5).
وقال تعالى حاكيا عن شعيب عليه السلام: ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل
سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب (6).
الرعد: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله
بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال (7).
النحل: وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (8).
أسرى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها
القول فدمرناها تدميرا * وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك
بذنوب عباده خبيرا بصيرا (9).
الكهف: وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا (10).

(1) الأعراف: 162.
(2) الأعراف: 163 - 166.
(3) الأنفال: 52 - 53.
(4) براءة: 24.
(5) هود: 63.
(6) هود: 96
(7) الرعد: 11.
(8) النحل: 90.
(9) اسرى: 16 - 17.
(10) الكهف: 59.
310

النور: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات
الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر (1).
وقال تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم
عذاب أليم (2).
الفرقان: وكفى به بذنوب عباده خبيرا (3).
الشعراء: فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * كذلك
وأورثناها بني إسرائيل (4).
النمل: فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لاية لقوم يعلمون (5).
وقال تعالى: ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا
ما كنتم تعملون (6).
العنكبوت: أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون (7).
فاطر: والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور (8).
الزمر: قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم (9).
حمعسق: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير إلى
قوله تعالى: أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير (10).
الحجرات: بئس الاسم الفسوق بعد الايمان (11).
الحشر: وليجزي الفاسقين (12).

(1) النور: 21.
(2) النور: 63.
(3) الفرقان: 58.
(4) الشعراء: 57 - 59.
(5) النمل: 52.
(6) النمل: 90.
(7) العنكبوت: 4.
(8) فاطر: 10.
(9) الزمر: 13.
(10) الشورى: 30 - 34.
(11) الحجرات: 11.
(12) الحشر: 5.
311

الصف: والله لا يهدي القوم الفاسقين (1).
المعارج: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه *
وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه (2).
نوح: مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله
أنصارا (3).
الجن: ومن يعص الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها أبدا (4).
الشمس: فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسويها * ولا يخاف عقبيها (5).
1 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان
عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أبي يقول: ما من شئ أفسد للقلب
من خطيئته، إن القلب ليواقع الخطيئة فلا تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه
أسفله (6).
بيان: " أفسد للقلب من خطيئته " فان قلت: ما يفسد القلب فهو خطيئة فما
معنى التفضيل؟ قلت: لا نسلم ذلك، فان كثيرا من المباحات تفسد القلب، بل بعض
الأمراض والآلام والأحزان والهموم والوساوس أيضا تفسدها، وإن لم تكن مما
يستحق عليه العذاب وهي أعم من الخطايا الظاهرة إذ للظاهر تأثير في الباطن
بل عند المتكلمين الواجبات البدنية لطف في الطاعات القلبية، ومن الخطايا
القلبية كالعقائد الفاسدة والهم بالمعصية، والصفات الذميمة، كالحقد والحسد والعجب
وأمثالها.
" ليواقع الخطيئة " اي يباشرها ويخالطها ويرتكبها خطيئة بعد خطيئة أو يقابل
ويدافع الخطيئة الواحدة أو جنس الخطيئة، " فلا تزال به " هو من الافعال الناقصة

(1) الصف: 5.
(2) المعارج: 11 - 14.
(3) نوح: 25.
(4) الجن 23.
(5) الشمس: 14 - 15.
(6) الكافي ج 2 ص 268.
312

واسمه الضمير الراجع إلى الخطيئة و " به " خبره اي ملتبسا به وقيل: متعلق
بفعل محذوف أي تفعل به والمراد إما جنس الخطيئة أو الخطيئة المخصوصة التي
ارتكبها ولم يتب منها فتؤثر في القلب بحلاوتها، حتى تغلب على القلب بالرين
والطبع أو يدافعها ويحاربها فتغلب عليه حتى يرتكبها لعدم قلع مراد الشهوات عن
قلبه على الاحتمال الثاني.
" فيصير أعلاه أسفله " أي يصير منكوسا كالإناء المقلوب المكبوب لا يستقر فيه
شئ من الحق ولا يؤثر فيه شئ من [المواعظ كما روي: القلوب ثلاثة: قلب منكوس
لا يعي شيئا من الخير وهو قلب الكافر، الخبر (1) والحاصل أن الخطيئة تلتبس بالقلب
وتؤثر فيه حتى تصيره مقلوبا لا يستقر فيه شئ من] (2) الخير بمنزلة الكافر، فان
الاصرار على المعاصي طريق إلى الكفر كما قال سبحانه: " ثم كان عاقبة الذين أساؤا
السوء أن كذبوا بآيات الله " (3) وهذا أظهر الوجوه المذكورة في تلك الآية، وهذا
الذي خطر بالبال أظهر الأقوال من جهة الاخبار، وقيل فيه وجوه أخر:
الأول ما ذكره بعض المحققين يعني فما تزال تفعل تلك الخطيئة بالقلب و
تؤثر فيه بحلاوتها حتى يجعل وجهه الذي إلى جانب الحق والآخرة، إلى جانب الباطل
والدنيا الثاني أن المعنى ما تزال تفعل وتؤثر بالقلب بميله إلى أمثالها من المعاصي حتى
تنقلب أحواله، ويتزلزل وترتفع نظامه، وحاصله يرجع إلى ما ذكرنا لكن الفرق
بين. الثالث ما قيل: فلا تزال به حتى تغلب عليه، فإن لم ترتفع بالتوبة الخالصة
فتصير أعلاه أسفله اي تكدره وتسوده، لان الاعلى صاف، والأسفل ردي من
باب التمثيل.
2 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن ابن عيسى، عن ابن مسكان، عمن ذكره
عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: " فما أصبرهم على النار ". فقال:
ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار (4).

(1) راجع الكافي ج 2 ص 423.
(2) راجع شرح الكافي ج 2 ص 242.
(3) الروم: 10.
(4) الكافي ج 2 ص 268.
313

بيان: الآية في سورة البقرة هكذا " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من
الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله
يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم * أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى
والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار " (1).
وذكر البيضاوي قريبا مما ورد في الخبر قال: تعجب من حالهم في الالتباس
بموجبات النار من غير مبالاة و " ما " تامة مرفوعة بالابتداء، وتخصيصها كتخصيص
شر أهر ذا ناب، أو استفهامية وما بعدها الخبر أو موصولة وما بعدها صلة
والخبر محذوف (2).
وأقول: يعضده قوله تعالى في الآية السابقة: " ما يأكلون في بطونهم إلا
النار " وقال البيضاوي فيه: إما في الحال لأنهم أكلوا ما يلتبس بالنار، لكونها
عقوبة عليه، فكأنهم أكلوا النار، أو في المآل أي لا يأكلون يوم القيامة إلا النار
انتهى.
وأقول: مثله قوله صلى الله عليه وآله: قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم
فاطفئوها بصلاتكم.
وقال الطبرسي رحمه الله: فيه أقوال: أحدها أن معناه ما أجرأهم على النار
ذهب إليه الحسن وقتادة ورواه علي بن إبراهيم (3) باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام
والثاني ما أعملهم بأعمال أهل النار، عن مجاهد وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام
والثالث ما أبقاهم على النار [كما يقال: ما أصبر فلانا على الحبس، عن الزجاج
والرابع ما أدومهم على النار اي ما أدومهم على عمل أهل النار] (4) كما يقال: ما أشبه
سخاءك بحاتم أي بسخاء حاتم وعلى هذا الوجه، فظاهر الكلام التعجب، والتعجب لا يجوز
على القديم سبحانه، لأنه عالم بجميع الأشياء لا يخفى عليه شئ، والتعجب إنما يكون

(1) الآية: 174 - 175.
(2) أنوار التنزيل: 47، وفيه " في الا لتباث " بدل " في الالتباس ".
(3) تفسير القمي ص 55.
(4) راجع شرح الكافي ج 2 ص 243.
314

مما لا يعرف سببه وإذا ثبت ذلك فالغرض أن يدلنا على أن الكفار حلوا محل من
يتعجب منه، فهو تعجب لنا منهم والخامس ما روي عن ابن عباس أن المراد أي شئ
أصبرهم على النار اي حبسهم عليها، فتكون للاستفهام.
ويجوز حمل الوجوه الثلاثة المتقدمة [على الاستفهام أيضا فيكون المعنى
اي شئ أجرأهم على النار وأعملهم بأعمال أهل النار وأبقاهم على النار، وقال
الكسائي: هو] (1) استفهام على وجه التعجب وقال المبرد: هذا حسن لأنه
كالتوبيخ لهم، والتعجب لنا كما يقال لمن وقع في ورطة: ما اضطرك إلى هذا إذا
كان غنيا عن التعرض للوقوع في مثلها، والمراد به الانكار والتقريع على اكتساب
سبب الهلاك وتعجب الغير منه، ومن قال: معناه ما أجرأهم على النار، فإنه
عنده من الصبر الذي هو الحبس أيضا لان بالجرأة يصبر على الشدة (2).
3 - الكافي: عنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: أما إنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا
مرض إلا بذنب، وذلك قول الله عز وجل في كتابه: " وما أصابكم من مصيبة
فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " (3) قال: ثم قال: وما يعفو الله أكثر
مما يؤاخذ به (4).
بيان: النكبة وقوع الرجل على الحجارة عند المشي أو المصيبة، والأول أظهر
كما مر، وقد وقع التصريح في بعض الأخبار التي وردت في هذا المعنى بنكبة
قدم (5) والمخاطب في هذه الآية من يقع منهم الخطايا والذنوب، لا المعصومون من
الأنبياء والأوصياء عليهم السلام كأنهم فيهم لرفع درجاتهم، كما روي عن الصادق عليه السلام
أنه لما دخل علي بن الحسين عليه السلام على يزيد نظر إليه ثم قال: يا علي " ما أصابكم

(1) ما بين العلامتين أضفناه من المصدر.
(2) مجمع البيان ج 1 ص 259.
(3) الشورى: 30.
(4) الكافي ج 2 ص 269.
(5) سيأتي في الصفحة التالية.
315

من مصيبة فبما كسبت أيديكم " فقال عليه السلام: كلا ما هذه فينا، إنما نزل فينا " ما
أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك
على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم " (1) فنحن
الذين لا ناس على ما فاتنا، ولا نفرح بما أوتينا.
وروى الحميري في قرب الإسناد عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن قول عز وجل: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " فقال هو:
" ويعفو عن كثير " قال: قلت: ما أصاب عليا وأشياعه من أهل بيته من ذلك؟ قال:
فقال: [إن] رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتوب إلى الله عز وجل كل يوم سبعين مرة
من غير ذنب (2).
وقال الطبرسي رحمه الله: " وما أصابكم " معاشر الخلق " من مصيبة " من
بلوى في نفس أو مال " فبما كسبت أيديكم " من المعاصي " ويعفو عن كثير " منها
فلا يعاقب بها قال الحسن: الآية خاصة بالحدود التي تستحق على وجه العقوبة
وقال قتادة: هي عامة، وروي عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
خير آية في كتاب الله هذه الآية يا علي ما من خدش عود ولا نكبة قدم إلا بذنب
وما عفى الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه، وما عاقب عليه في الدنيا
فهو أعدل من أن يثني على عبده، وقال أهل التحقيق: إن ذلك خاص وإن خرج
مخرج العموم، لما يلحق من مصائب الأطفال والمجانين، ومن لا ذنب له من
المؤمنين، ولان الأنبياء والأئمة يمتحنون بالمصائب، وإن كانوا معصومين من
الذنوب، لما يحصل لهم في الصبر عليها من الثواب انتهى (3).
وقيل: الذنوب متفاوتة بالذات، وبالنسبة إلى الاشخاص، وترك الأولى
ذنب بالنسبة إليهم، فلذلك قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، ويؤيده ما

(1) الحديد: 22 - 23.
(2) قرب الإسناد ص 103، ط النجف.
(3) مجمع البيان ج 9 ص 31.
316

أصاب آدم ويونس وغيرهما بسبب تركهم ما هو أولى بهم، ولئن سلم فقد يصاب
البري بذنب الجري، وما ذكرنا أظهر وأصوب، ومؤيد بالاخبار.
4 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا تبدين عن واضحة، وقد عملت
الأعمال الفاضحة، ولا يأمن البيات من عمل السيئات (1).
بيان: " لا تبدين عن واضحة " الابداء الاظهار وتعديته بعن لتضمين معنى
الكشف، وفي الصحاح والقاموس والمصباح الواضحة الأسنان تبدو عند الضحك
وفي القاموس فضحه كمنعه كشف مساويه، اي لا تضحك ضحكا يبدو به أسنانك
ويكشف عن سرور قلبك، وقد عملت أعمالا قبيحة افتضحت بها عند الله، وعند
ملائكته، وعند الرسول والأئمة عليهم السلام، ولا تدري أغفر الله لك أم يعذبك عليها؟
ولذا كان من علامة المؤمنين أن ضحكهم التبسم ويؤيده ما روي عنه عليه السلام لو تعلمون
ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، لكن البشر في الجملة مطلوب كما مر أن
بشره في وجهه وحزنه في في قلبه، وقوله: " وقد عملت " جملة حالية " ولا يأمن
البيات " بكسر النون ليكون نهيا والكسرة لالتقاء الساكنين أو بالرفع خبرا بمعنى
النهي، وما قيل: إنه معطوف على الجملة الحالية بعيد، والمراد بالبيات نزول
الحوادث عليه ليلا، أو غفلة وإن كان بالنهار، في المصباح: البيات بالفتح الإغارة
ليلا وهو اسم من بيته تبييتا وبيت الامر دبره ليلا.
5 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن سليمان الجعفري
عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الذنوب كلها شديدة
وأشدها ما نبت عليه اللحم والدم، لأنه إما مرحوم أو معذب والجنة لا يدخلها إلا
طيب (2).
بيان: " كلها شديدة " لان معصية الجليل جليلة أو استيجاب غضب الله

(1) الكافي ج 2 ص 269.
(2) الكافي ج 2 ص 270.
317

وعقوبته مع عدم العلم بالعفو عظيم أو لان التوبة المقبولة نادرة مشكلة وشرائطها
كثيرة، والتوفيق لها عزيزة " وأشدها ما نبت عليه اللحم والدم " كأن المراد به
ماله دخل في قوام البدن من المأكول والمشروب الحرامين، ويحتمل أن يكون
المراد به ذنبا أصر وداوم عليه مدة نبت فيه اللحم والعظم، وإطلاق هذه العبارة
في الدوام والاستمرار شائع في عرف العرب والعجم، بل أخبار الرضاع أيضا
ظاهرة في ذلك.
" لأنه إما مرحوم وإما معذب " اي آخرا أو في الجنة والنار، لكن لا بد
أن يعذب في البرزخ أو المحشر قدر ما يطيب جسمه الذي نبت على الذنوب، لان
الجنة لا يدخلها إلا الطيب ويؤيده ما رويناه من النهج (1) وقيل: المرحوم من كفرت
ذنوبه بالتوبة أو البلايا أو العفو، والمعذب من لم تكفر ذنوبه بأحد هذه الوجوه.
وأقول: هذا الخبر ينافي ظاهرا عموم الشفاعة وعفو الله وتكفير السيئات
بالحسنات على القول به، وأجيب بوجوه الأول أن يقال: يعني أن صاحب الذنب
الذي نبت عليه اللحم والدم أمره في مشية الله، لأنه ليس بطيب، ولا يدخل
الجنة قطعا وحتما إلا طيب، الثاني أن يخص هذا بغير تلك الصور اي لا يدخلها
بدون الشفاعة والعفو والتكفير، الثالث ما قيل: إنه تعالى ينزع عنهم الذنوب
فيدخلونها وهم طيبون من الذنوب، ويؤيده قوله تعالى: " ونزعنا ما في صدورهم
من غل " الآية (2) وهو بعيد.
6 - الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن ابان، عن
الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن العبد ليذنب الذنب فيزوى عنه
الرزق (3).
بيان: " فيزوى عنه الرزق " اي يقبض أو يصرف وينحى عنه، اي قد
يكون تقتير الرزق بسبب الذنب عقوبة أو لتكفير ذنبه، وليس هذا كليا بل هو

(1) راجع النهج الرقم 417 من الحكم.
(2) الأعراف: 43.
(3) الكافي ج 2 ص 270.
318

بالنسبة إلى غير المستدرجين فان كثيرا من أصحاب الكبائر يوسع عليهم الرزق
وفي النهاية زويت الأرض أي جمعت، وفي حديث الدعاء: وما زويت عني مما أحب
اي صرفته عني وقبضته.
7 - الكافي: عن علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن محمد بن إبراهيم
النوفلي، عن الحسين بن مختار، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: ملعون ملعون من عبد الدينار والدرهم، ملعون ملعون من كمه أعمى
ملعون ملعون من نكح بهيمة (1).
بيان: قال الصدوق رضي الله عنه في كتاب معاني الأخبار: بعد إيراد هذه
الرواية قال مصنف هذا الكتاب: معنى قوله: ملعون من كمه أعمى يعني من أرشد
متحيرا في دينه إلى الكفر وقرره في نفسه حتى اعتقده وقوله: من عبد الدينار
والدرهم يعني به من يمنع زكاة ماله، ويبخل بمواساة إخوانه، فيكون قد آثر
عبادة الدينار والدرهم على عبادة الله، وأما نكاح البهيمة فمعلوم انتهى (2).
وأقول: اللعن الطرد والابعاد عن الخير من الله تعالى [ومن الخلق السب
والدعاء وطلب البعد من الخير، وكل من أطاع من يأمره الله بطاعته فقد عبده
كما قال تعالى:] (3) " أن لا تعبدوا الشيطان " (4) وقال سبحانه: " اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " (5) وكذا من آثر حب شئ على رضا الله وطاعته
فقد عبده كعبادة الدينار والدرهم.
قال الراغب: العبودية إظهار التذلل والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل
ولا يستحقها إلا من له غاية الافضال وهو الله تعالى، والعبد على أربعة أضرب
الأول عبد بحكم الشرع وهو الانسان الذي يصح بيعه وابتياعه، والثاني عبد

(1) الكافي ج 2 ص 270.
(2) معاني الأخبار ص 403 وقد مر ص 140 فيما سبق من هذا المجلد.
(3) ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 244.
(4) يس: 60.
(5) براءة: 31.
319

بالايجاد وذلك ليس إلا لله تعالى وإياه قصد بقوله: " إن كل من في السماوات
والأرض إلا آتي الرحمن عبدا " (1) الثالث عبد بالعبادة والخدمة، والناس في هذا
ضربان عبد لله مخلصا وهو المقصود بقوله عز وجل " واذكر عبدنا أيوب " (2)
وأمثاله وعبد للدنيا وأعراضها وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها، وإياه قصد النبي
صلى الله عليه وآله بقوله: تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، وعلى هذا النحو
يصح أن يقال: ليس كل إنسان عبدا لله، فان العبد على هذا المعنى العابد لكن العبد
أبلغ من العابد انتهى (3).
وأما قوله " من كمه أعمى " ففي القاموس الكمه محركة العمى يولد به الانسان
أو عام كمه كفرح عمي وصار أعشى وبصره اعترته ظلمة تطمس عليه، والمكمه
العينين كمعظم من لم تنفتح عيناه، والكامه من يركب رأسه ولا يدري أين يتوجه
كالمتكمه وقال الجوهري: الأكمه الذي يولد أعمى وقد كمه بالكسر كمها
واستعاره سويد فجعله عارضا بقوله:
كمهت عيناه حتى ابيضتا (4)
وأبو سعيد: الكامه الذي يركب رأسه لا يدري أين يتوجه، يقال: خرج
يتكمه في الأرض انتهى.
وقال الراغب: العمى يقال في افتقاد البصر، وافتقاد البصيرة، ويقال في الأول
أعمى وفي الثاني أعمى وعم.
وإذا عرفت هذا فاعلم أن هذه الفقرة تحتمل وجوها: الأول ما مر من الصدوق
رحمه الله وكأنه أظهرها الثاني أن يكون المعنى أضل أعمى البصر عن الطريق وحيره
أولا يهديه إليها، الثالث أن يقول للأعمى يا أعمي أو يا أكمه معيرا له بذلك، الرابع
أن يكون المعنى من يذهب طريقا ويختار مذهبا لا يدري هو أحق أم لا كأكثر
الناس. فيكون كمه بكسر الميم المخففة مأخوذا من الكامه الذي ذكره الجوهري

مريم: 93.
(2) ص: 41، 17.
(3) مفردات غريب القرآن، 319.
(4) بعده: فهو يلحى نفسه لما نزع، راجع الصحاح 2247.
320

والفيروز آبادي، فيكون أعمى حالا عن المستتر في كمه أي أعمى القلب، وهذا وجه
وجيه مما خطر بالبال إن كان فعل المجرد استعمل بهذا المعنى، كما هو الظاهر.
ولقد أعجب بعض من كان في عصرنا حيث نقل عبارة القاموس من يركب
فرسه، فقال: ويحتمل كمه بالتخفيف والمعنى من ركب أعمى فهو كناية عمن لم
يسلك الطريق الواضح، الخامس أن يقرء بالتخفيف أيضا ويكون المعنى من كان
أعمى مولودا على العمى لم يهتد إلى الخير سبيلا قط بخلاف من يكون لواما يتنبه
أحيانا ويغفل أحيانا، السادس أن يقرء بضم الكاف وتشديد الميم اسما، ويكون عمى
الكم كناية عن البخل.
وأقول: الأظهر على هذا الوجه أن يكون كناية عن أنه لا يبالي أن يأخذ
المال من حرام أو شبهة أو حلال، أو يعطي المال كيف ما اتفق ويبذر، ولا يعلم
مصارفه الشرعية.
وأما نكاح البهيمة فالظاهر أن المراد به الوطي كما فهمه الصدوق رحمه الله
وغيره وربما يحتمل العقد فيكون المراد بالبهيمة المرأة المخالفة أو تزويج البنت للمخالف
كما مر أن الناس كلهم بهائم إلا قليلا من المؤمنين، وكما قيل في قولهم عليهم السلام:
لا تنزى حمارا على عتيقة، وربما يقرء نكح بالتشديد على بعض الوجوه ولا
يخفى ما في الجميع من التكلف.
8 - الكافي: عن الحسين بن محمد، عن المعلى، عن الوشا، عن علي بن أبي حمزة
عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: اتقوا المحقرات من الذنوب
فان لها طالبا، يقول أحدكم أذنب وأستغفر الله إن الله عز وجل يقول: " سنكتب
ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " (1) وقال عز وجل " إنها
إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت
بها الله إن الله لطيف خبير " (2).

(1) يس: 12.
(2) الكافي ج 2 ص 270، والآية في سورة لقمان: 16.
321

بيان: " المحقرات " على بناء المفعول من الافعال أو التفعيل عدها حقيرة
في القاموس الحقر الذلة كالحقرية بالضم والحقارة مثلثة والمحقرة والفعل كضرب
وكرم والاذلال كالتحقير والاحتقار والاستحقار والفعل كضرب، وحقر الكلام
تحقيرا صغره، والمحقرات الصغاير وتحاقر: تصاغر، وفي المصباح حقر الشئ
بالضم حقارة هان قدره فلا يعبأ به، فهو حقير، ويعدى بالحركة فيقال: حقرته
من باب ضرب وأحقرته وقال: الذنب الاثم والجمع ذنوب وأذنب صار ذا ذنب
بمعنى تحمله.
" فإن لها طالبا " اي إن للذنوب طالبا يعلمها ويكتبها وقرر عليها عقابا
وإذا حقرها فهو يصر عليها وتصير كبيرة، فيمكن أن لا يعفو عنها، مع أنه قد
ورد أنها لا تغفر، ولا ينبغي الاتكال على التوبة والاستغفار، فإنه يمكن أن لا
يوفق لها وتدركه المنية، فيذهب بلا توبة.
وقيل: يستفاد من الحديث أن الجرأة على الذنب اتكالا على الاستغفار بعده
تحقير له، وهو كذلك، كيف لا؟ وهذا محقق معجل نقد، وذاك موهوم مؤجل
نسيئة " إن الله عز وجل يقول " بيان لقوله: " إن لها طالبا " والآية في سورة يس
هكذا " إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا " وكأنه من النساخ أو الرواة
وقيل هذا نقل للآية بالمعنى لبيان أن هذه الكتابة، تكون بعد إحياء الموتى
على أجسادهم لفضيحتهم.
وقال في مجمع البيان: " ونكتب ما قدموا " من طاعاتهم ومعاصيهم في
دار الدنيا، وقيل نكتب ما قدموه من عمل ليس له اثر " وآثارهم " أي ما يكون
له اثر، وقيل يعني بآثارهم أعمالهم التي صارت سنة بعدهم، يقتدى فيها بهم حسنة
كانت أم قبيحة، وقيل: معناه ونكتب خطاهم إلى المساجد، وسبب ذلك ما رواه
الخدري أن بني سلمة كانوا في ناحية المدينة فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بعد منازلهم
من المسجد والصلاة معه، فنزلت الآية.
" وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " اي وأحصينا وعددنا كل شئ من
322

الحوادث في كتاب ظاهر وهو اللوح المحفوظ، والوجه في إحصاء ذلك فيه اعتبار
الملائكة به، إذا قابلوا به ما يحدث من الأمور، ويكون فيه دلالة على معلومات
الله سبحانه على التفصيل وقيل: أراد به صحائف الأعمال، وسمى ذلك مبينا
لأنه لا يدرس اثره انتهى (1).
وقد ورد في كثير من الاخبار أن الامام المبين أمير المؤمنين عليه السلام وقيل:
أراد بالآثار الأعمال وبما قدموا النيات المقدمة عليها.
وقال رحمه الله، في قوله تعالى: " يا بنى إنها إن تك مثقال حبة من
خردل " معناه أن ما فعله الانسان من خير أو شر إن كانت مقدار حبة من خردل
في الوزن، ويجوز أن يكون الها في " إنها " ضمير القصة " فتكن في صخرة " أي
فتكن تلك الحبة في جبل اي في حجرة عظيمة لان الحبة فيها أخفى وأبعد من
الاستخراج " أو في السماوات أو في الأرض " ذكر السماوات والأرض بعد ذكر
الصخرة وإن كان لا بد أن تكون الصخرة في الأرض على وجه التأكيد.
وقال السدي: هذه الصخرة ليست في السماوات ولا في الأرض وهي تحت
سبع أرضين، وهذا قول مرغوب عنه " يأت بها الله " اي يحضرها الله يوم القيامة
ويجازي عليها، أي يأت بجزاء ما وازنها منه خير أو شر، وقيل: معناه يعلمها
الله فيأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من خير أو شر يعلمه الله فيجازي عليه
فهو مثل قوله تعالى: " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال
ذرة شرا يره " (2) " إن الله لطيف " باستخراجها " خبير " بمستقرها انتهى (3).
وقال بعض المحققين: خفاء الشئ إما لغاية صغره. وإما لاحتجابه وإما
لكونه بعيدا وإما لكونه في ظلمة، فأشار إلى الأول بقوله: " مثقال حبة " وإلى
الثاني بقوله: " فتكن في صخرة " وإلى الثالث بقوله: " أو في السماوات " وإلى

(1) مجمع البيان ج 8 ص 418.
(2) الزلزال: 7 - 8.
(3) مجمع البيان ج 8 ص 319.
323

الرابع بقوله: " أو في الأرض ".
وأقول: قد ورد في بعض الأخبار أن المراد بالصخرة هي التي تحت الأرضين
والاستشهاد بالآيتين، لان يعلم أن الله سبحانه عالم بجميع أعمال العباد وأحصاها
وكتبها وأوعد عليها العقاب، فلا ينبغي تحقير المعاصي، لان الوعيد معلوم، والموعد
عالم قادر، والعفو غير معلوم.
9 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن علي بن الحكم، عن
أبان بن عثمان، عن الفضيل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الرجل ليذنب
الذنب فيدرأ عنه الرزق وتلا هذه الآية " إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا
يستثنون * فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون " (1).
بيان: في القاموس درأه كجعله درأ ودرأة: دفعه والفعل هنا على بناء المجهول
ويحتمل المعلوم بارجاع المستتر إلى الذنب واللام في الذنب للعهد الذهني اي
أي ذنب كان، بل يمكن شموله للمكروهات وترك المستحبات كما تشعر به الآية
وإن أمكن حملها على أنهم لم يؤدوا الزكاة الواجبة أو كانا لزكاة عندهم حق
الجداد والصرام، أو كان هذا أيضا واجبا في شرعهم كما قيل بوجوبه في شرعنا
أيضا.
قال الطبرسي قدس سره في جامع الجوامع: " إنا بلوناهم " اي أهل مكة
بالجوع والقحط بدعاء الرسول صلى الله عليه وآله " كما بلونا أصحاب الجنة " وهم إخوة
كانت لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء اليمن بفرسخين، فكان يأخذ منها قوت سنة
ويتصدق بالباقي، وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل وما في أسفل الأكداس
وما أخطأه القطاف من العنب وما بعد من البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا
صرمت، فكان يجتمع لهم شئ كثير.
فلما مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الامر، ونحن
أولوا عيال، فحلفوا " ليصرمنها مصبحين " داخلين في وقت الصباح خفية عن المساكين

(1) الكافي ج 2 ص 271، والآية في سورة القلم: 17 - 19.
324

" ولا يستثنون " اي لم يقولوا إنشاء الله في يمينهم، فأحرق الله جنتهم.
وقال البيضاوي: " ولا يستثنون ": ولا يقولون إنشاء الله، وإنما سماه
استثناء لما فيه من الاخراج غير أن المخرج به خلاف المذكور، والمخرج
بالاستثناء عينه، أو لان معنى لأخرج إنشاء الله ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد
أو لا يستثنون حصة المساكين، كما كان يخرج أبوهم. " فطاف عليها " على الجنة
" طائف " بلاء طائف " من ربك " مبتدء منه (1).
وقال في المجمع: اي أحاطت بها النار فاحترقت، أو طرقها طارق من
أمر الله " وهم نائمون " قال مقاتل: بعث الله نارا بالليل إلى جنتهم فأحرقتها حتى
صارت مسودة فذلك قوله: " فأصبحت كالصريم " أي كالليل المظلم، والصريمان
الليل والنهار، لانصرام أحدهما عن الاخر، وقيل: كالمصروم ثماره اي المقطوع
وقيل: اي الذي صرم عنه الخير، فليس فيه شئ منه، وقيل: أي كالرملة
انصرمت من معظم الرمل، وقيل: كالرماد الأسود " فتنادوا مصبحين " اي نادى
بعضهم بعضا وقت الصباح " أن اغدوا " اي بأن اغدوا " على حرثكم " الحرث
الزرع والأعناب " إن كنتم صارمين " أي قاطعين النخل.
" فانطلقوا " أي مضوا إليها " وهم يتخافتون " يتسارون بينهم " أن لا يدخلنها
اليوم عليكم مسكين " هذا ما كانوا يتخافتون به " وغدوا على حرد " أي على قصد
منع الفقراء " قادرين " عند أنفسهم وفي اعتقادهم على منعهم وإحراز ما في جنتهم
وقيل: على حرد أي على جد وجهد من أمرهم وقيل: اي خنق وغضب من
الفقراء، وقيل: قادرين مقدرين موافاتهم الجنة في الوقت الذي قدروا إصرامها
فيه، وهو وقت الصبح.
" فلما رأوها " أي رأوا الجنة على تلك الصفة " قالوا إنا لضالون " ضللنا
عن الطريق، فليس هذا بستاننا، أو لضالون عن الحق في أمرنا، فلذلك عوقبنا
بذلك، ثم استدركوا فقالوا: " بل نحن محرومون " اي هذه جنتنا ولكن حرمنا

(1) أنوار التنزيل: 439.
325

نفعها وخيرها، لمنعنا حقوق المساكين وتركنا الاستثناء " قال أوسطهم " أي
أعدلهم قولا وأفضلهم وأعقلهم أو أوسطهم في السن " ألم أقل لكم لولا أن
تسبحون " كأنه كان حذرهم سوء فعالهم فقال: لولا تستثنون، لان في الاستثناء
التوكل على الله والتعظيم لله، والاقرار على أنه لا يقدر أحد على فعل شئ إلا
بمشيئة الله فلذلك سماه تسبيحا، وقيل: معناه هلا تعظمون الله بعبادته واتباع
أمره أو هلا تذكرون نعم الله عليكم فتؤدوا شكرها بان تخرجوا حق الفقراء
من أموالكم أو هلا نزهتم الله عن الظلم واعترفتم بأنه لا يظلم ولا يرضى منكم
بالظلم، وقيل: أي لم لا تصلون.
ثم حكى عنهم أنهم قالوا " سبحان ربنا إنا كنا ظالمين " في عزمنا على
حرمان المساكين من حصتهم عند الصرام أو أنه تعالى منزه عن الظلم، فلم يفعل
بنا ما فعله ظلما وإنما الظلم وقع منا حيث منعنا الحق " فأقبل بعضهم على بعض
يتلاومون " أي يلوم بعضهم بعضا على ما فرط منهم " قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين "
قد علونا في الظلم وتجاوزنا الحد فيه، والويل غلظ المكروه الشاق على النفس
" عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها " اي لما تابوا ورجعوا إلى الله قالوا: لعل الله
يخلف علينا ويولينا خيرا من الجنة التي هلكت " إنا إلى ربنا راغبون " [أي
نرغب إلى الله ونسأله ذلك ونتوب إليه مما فعلناه " كذلك العذاب " في الدنيا
للعاصين " ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون "] (1).
وروي عن ابن مسعود أنه قال: بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم
الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها: الحيوان، فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا
وقال أبو خالد اليمامي: رأيت الجنة ورأيت كل عنقود كالرجل الأسود
القائم (2).

(1) ما بين العلامتين ساقط عن نسخة الكمباني. أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 246
طبقا للمصدر.
(2) مجمع البيان ج 10 ص 336 - 337.
326

10 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن
أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء
فان تاب انمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا (1).
بيان: " خرج في قلبه نكتة " النكتة النقطة، وكل نقطة في شئ بخلاف
لونه فهو نكتة، وقيل: إن الله خلق قلب المؤمن نورانيا قابلا للصفات النورانية
فان أذنب خرج فيه نقطة سوداء، فان تاب زالت تلك النقطة وعاد محلها إلى
نورانيته، وإن زاد في الذنب سواء كان من نوع ذلك الذنب أم من غيره، زادت
نقطة أخرى سوداء، وهكذا حتى تغلب النقاط السود على جميع قلبه " فلا يفلح
بعدها أبدا " لان القلب حينئذ لا يقبل شيئا من الصفات النورانية، والظاهر أنه
إن تاب من ذنب ثم عاد لم تبطل التوبة الأولى، وأنه إن تاب من بعض الذنوب
دون بعض فهي صحيحة على أحد القولين فيها.
أقول: وقال بعض المحققين بعد أن حقق أن القلب هو اللطيفة
الربانية الروحانية التي لها تعلق بالقلب الصنوبري كما مر ذكره: القلب في
حكم مرآة قد اكتنفته هذه الأمور المؤثرة فيه، وهذه الآثار على التوالي واصلة
إلى القلب، أما الآثار المحمودة فإنها تزيد مرآة القلب جلاء وإشراقا ونورا
وضياء حتى يتلألؤ فيه جلية الحق، وتنكشف فيه حقيقة الامر المطلوب في
الدين، وإلى مثل هذا القلب أشار بقوله صلى الله عليه وآله: " إذا أراد الله بعبد خيرا جعل
له واعظا من قلبه " وبقوله صلى الله عليه وآله: " من كان له من قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ "
وهذا القلب هو الذي يستقر فيه الذكر قال الله تعالى: " الا بذكر الله تطمئن
القلوب " (2).
وأما الآثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم يتصاعد إلى مرآة القلب، ولا
يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى إلى أن يسود ويظلم، ويصير بالكلية محجوبا

(1) الكافي ج 2 ص 271.
(2) الرعد: 28.
327

عن الله تعالى وهو الطبع والرين، قال الله تعالى: " كلا بل ران على قلوبهم ما
كانوا يكسبون " (1) وقال الله: " أن لو نشاء لأصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم
فهم لا يسمعون " (2) فربط عدم السماع والطبع بالذنوب كما ربط السماع بالتقوى
حيث قال: " واتقوا الله واسمعوا " (3) " واتقوا الله ويعلمكم الله " (4).
ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلب، وعند ذلك يعمى القلب عن إدراك
الحق، وصلاح الدين، ويستهين بالآخرة، ويستعظم أمر الدنيا ويصير مقصورا
لهم عليه، فإذا قرع سمعه أمر الآخرة، وما فيها من الاخطار، دخل من اذن
وخرج من الأخرى، ولم يستقر في القلب، ولم يحركه إلى التوبة والتدارك
" أولئك الذين يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور " (5).
وهذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب كما نطق به القرآن والسنة، قال
بعضهم: روي عن النبي صلى الله عليه وآله: قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر وقلب الكافر أسود
منكوس، فطاعة الله تعالى بمخالفة الشهوات مصقلات للقلب، ومعصيته مسودات له
فمن اقبل على المعاصي اسود قلبه، ومن اتبع السيئة الحسنة ومحى اثرها لم يظلم
قلبه، ولكن ينقص نوره، كالمرآة التي يتنفس فيها ثم يمسح، ثم يتنفس ثم
يمسح، فإنها لم تخلو عن كدورة، قال الله تعالى " إن الذين اتقوا إذا مسهم
طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " (6).
فأخبر أن جلاء القلب وإيضاءه يحصل بالذكر، وأنه لا يتمكن منه إلا الذين
اتقوا، فالتقوى باب الذكر، والذكر باب الكشف، والكشف باب الفوز الأكبر

(1) المطففين: 14.
(2) الأعراف:. 100
(3) المائدة: 108.
(4) البقرة: 282.
(5) الممتحنة: 13.
(6) الأعراف: 201.
328

وهو الفوز بلقاء الله تعالى.
أقول: هذا من تحقيقات بعض الصوفية أوردناه استطرادا، وفيه حق وباطل
والله الملهم للخير والصواب.
11 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن
محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه
قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيئ فيذنب العبد ذنبا فيقول الله تبارك وتعالى للملك:
لا تقض حاجته واحرمه إياها، فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني (1).
بيان: " فيكون من شأنه " ضمير شأنه راجع إلى الله تعالى، ويحتمل رجوعه
إلى مصدر يسأل أو العبد، ومآل الجميع واحد، اي له قابلية قضاء الحاجة، قيل
لا يقال هذا ينافي ما في بعض الروايات من أن العاصي إذا دعاه أجابه بسرعة كراهة
سماع صوته، لأنا نقول: لا منافاة بينهما، لان هناك شيئين أحدهما المعصية، وهي
تناسب عدم الإجابة والثاني كراهة سماع صوته وهي تناسب سرعة الإجابة، فربما
ينظر إلى الأول فلا يجيبه، وربما ينظر إلى الثاني فيجيبه، وليس في الاخبار
ما يدل على أن العاصي يجاب دائما، ولو سلم لأمكن حمل هذا الخبر على أن
المؤمن الصالح إن أذنب وتعرض لسخط ربه، استوجب الحرمان، ولا يقضي الله
حاجته تأديبا له، لينزجر عما يفعله.
12 - الكافي: عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول إنه ما من سنة أقل مطرا من سنة، ولكن الله يضعه
حيث يشاء، إن الله عز وجل إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم
من المطر في تلك السنة إلى غيرهم، وإلى الفيافي والبحار والجبال، وإن الله
ليعذب الجعل في جحرها فيحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلها بخطايا من بحضرتها
وقد جعل الله لها السبيل في مسلك سوى محلة أهل المعاصي قال: ثم قال أبو جعفر عليه السلام:
فاعتبروا يا أولي الابصار (2).

(1) الكافي ج 2 ص 271.
(2) الكافي ج 2 ص 272 والسند معلق على سابقه.
329

بيان: " إلى غيرهم " اي من المطيعين إن كانوا مستحقين للمطر، وإلا
فإلى الفيافي، وفي النهاية الفيافي البراري الواسعة جمع فيفاء وفي القاموس
الفيف المكان المستوي أو المفازة لا ماء فيها كالفيفاة والفيفاء ويقصر، وقال: الجعل
كصرد دويبة وفي المصباح الجعل وزان عمر الحرباء، وهو ذكر أم حبين وقال
المحل بفتح الحاء والكسر لغة موضع الحلول، والمحلة بالفتح المكان الذي ينزله
القوم " عن الأرض التي هي بمحلها " الظاهر أن الضمير في قوله " بمحلها " راجع
إلى الجعل اي الأرض التي هي متلبسة بمحل الجعل أي مشتملة عليه، أو ضمير
" هي " راجع إلى الجعل، وضمير " محلها " إلى الأرض فيكون إضافة المحل إلى
الضمير من إضافة الجزء إلى الكل، والأول أظهر، وضمير " بحضرتها " للجعل.
" فاعتبروا يا أولي الابصار " الاعتبار الاتعاظ والتفكر في العواقب وقبول
النصيحة وأولوا الابصار أصحاب البصائر والعقول، اي تفكروا في أنه إذا كان
حال الحيوان الغير المكلف القليل الشعور أو عديمه هكذا في التضرر بمجاورة
أهل المعاصي، فكيف تكون حالك في المعصية ومجاورة أهلها؟
وهذا الخبر مما يدل على أن للحيوانات شعورا وعلما ببعض التكاليف
الشرعية، وافعال العباد وأعمالهم، وأن لهم نوعا من التكليف خلافا لأكثر
الحكماء والمتكلمين، ويؤيده قصة الهدهد وسائر الأخبار التي أوردتها في المجلد
الرابع عشر، وربما يأول الجعل بأن المراد بها ضعفاء بني آدم، ولا يخفى
بعده، ثم إن الخبر يدل على وجوب المهاجرة عن بلاد أهل المعاصي إذا لم يمكن
نهيهم عن المنكر.
13 - الكافي: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال
عن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الرجل يذنب الذنب فيحرم صلاة
الليل، وإن العمل السيئ أسرع في صاحبه من السكين في اللحم (1).
بيان: " الذنب " منصوب مفعول مطلق واللام للعهد الذهني " أسرع " اي نفوذا
أو تأثيرا في صاحبه وكما أن كثرة نفوذ السكين في المرء يوجب هلاكه البدني

(1) الكافي ج 2 ص 272.
330

فكذا كثرة الخطايا يوجب هلاكه الروحاني.
14 - الكافي: عن أبي علي الأشعري، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: من هم بسيئة فلا يعملها، فإنه ربما يعمل العبد السيئة فيراه
الرب تبارك وتعالى فيقول: وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعد ذلك أبدا (1).
بيان: " السيئة " أي نوعا من السيئة تكون مع تحقيرها والاستهانة بها
أو غير ذلك، والعزة القدرة والغلبة، والجلال الكبرياء والعظمة " لا أغفر لك " أي
يستحق لمنع اللطف وعدم التوفيق للتوبة، ولا يستحق المغفرة، وفيه تحذير
عن جميع السيئات، فان كل سيئة يمكن أن تكون هذه السيئة.
15 - الكافي: عن الحسين بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن عمرو بن
عثمان، عن رجل، عن أبي الحسن عليه السلام قال: حق على الله أن لا يعصى في دار
إلا أضحاها للشمس، حتى تطهرها (2).
بيان: " حق على الله " أي جعلها الله سبحانه واجبا لازما على نفسه " أن لا
يعصى " كأن المراد كثرة وقوع المعاصي فيها " إلا أضحاها " اي خربها وأظهر
أرضها للشمس " حتى " تشرق عليها و " تطهرها " من النجاسة المعنوية، وهي
كناية عن أن المعاصي تخرب الديار، وفيه إشعار بأن الشمس تطهر الأرض وفي
القاموس أضحى الشئ أظهره وضحا ضحوا برز للشمس وكسعى ورضي أصابته
الشمس، وارض مضحاة لا تكاد تغيب عنها الشمس، وضحى الطريق ضحوا بدا
وظهر.
16 - الكافي: عن العدة، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون
عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام، وإنه
لينظر إلى أزواجه في الجنة يتنعمن (3).
بيان: قد روي عن أمير المؤمنين أنه قال: لا تتكلوا بشفاعتنا، فان شفاعتنا

(1) الكافي ج 2 ص 272.
(2) الكافي ج 2 ص 272.
(3) الكافي ج 2 ص 272.
331

قد لا تلحق بأحدكم إلا بعد ثلاث مائة سنة، وفي الخبر دلالة على أن الذنب
يمنع من دخول الجنة في تلك المدة، ولا دلالة فيه على أنه في تلك المدة في
النار، أو في شدائد القيامة، وفي المصباح النعمة بالفتح اسم من التنعم والتمتع
وهو النعيم ونعم عيشه كتعب اتسع ولان، ونعمه الله تنعيما جعله ذا رفاهية.
17 - الكافي: عن أبي علي الأشعري، عن عيسى بن أيوب، عن علي بن مهزيار
عن القاسم بن عروة، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما
من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء، فان
تاب ذهب تلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي
البياض، فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خيرا أبدا، وهو قول الله عز
وجل: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " (1).
بيان: روي مثله عن أمير المؤمنين عليه السلام في النهج (2) وقال ابن ميثم: توضيح
الكلام أن بأصل الايمان تظهر نكتة بيضاء في قلب من آمن أول مرة، ثم إذا
أقر باللسان ازدادت تلك النكتة، وإذا عمل بالجوارح عملا صالحا ازدادت حتى
يصير قلبه نورانيا كالنير الأعظم، ويعكس ذلك في العمل السيئ.
وتحقيق الكلام في هذا المقام أن المقصود بالقصد الأول [الأعمال الظاهرة
والامر بمحاسنها والنهي عن مقابحها، هو ما تكتسب النفس منها من الأخلاق
الفاضلة] (3) والصفات الفاسدة فمن عمل عملا صالحا اثر في نفسه، وبازدياد
العمل يزداد الضياء والصفاء، حتى تصير كمرآة مجلوة صافية، ومن أذنب ذنبا

(1) الكافي ج 2 ص 273، والآية في سورة المطففين: 14 وقد مر مثله.
(2) حيث قال: إن الايمان يبدو لمظة في القلب، كلما ازداد الايمان ازدادت اللمظة
وقال السيد الرضى - رضوان الله عليه - واللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض، ومنه
قيل: فرس ألمظ: إذا كان بجحفلته شئ من البياض، راجع نهج البلاغة تحت الرقم 5
من غرائب الحكم، شرح الكافي ج 2 ص 247، شرح النهج لابن ميثم: 612.
(3) ما بين العلامتين ساقط من نسخة الكمباني.
332

اثر ذلك أيضا وأورث لها كدورة، فان تحقق عنده قبحه وتاب عنه، زال الأثر
وصارت النفس مصقولة صافية، وإن أصر عليه زاد الأثر الميشوم، وفشا في
النفس واستمر عليها، وصار من أهل الطبع، ولم يرجع إلى خير ابدا إذ دواء
هذا الداء هو الانكسار، وهضم النفس، والاعتراف بالتقصير، والرجوع إلى الله
بالتوبة والاستغفار، والانقلاع عن المعاصي، ولا محل لشئ من ذلك إلى هذا
القلب المظلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم أشار إلى أن ذلك هو الرين المذكور في الآية الكريمة بقوله: " وهو
قول الله عز وجل: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قيل: أي غلب
على قلوبهم ما كانوا يكسبون حتى قبلت الطبع والختم على وجه لا يدخل فيها شئ
من الحق.
والمراد بما كانوا يكسبون الأعمال الظاهرة القبيحة والأخلاق الباطنة الخبيثة
فان ذلك سبب لرين القلب وصداه، وموجب لظلمته وعماه، فلا يقدر أن ينظر
إلى وجوه الخيرات، ولا يستطيع أن يشاهد صور المعقولات، كما أن المرآة إذا
ألقيت في مواضع الندى ركبها الصدا، وأذهب صفاءها وأبطل جلاءها، فلا يتنقش
فيها صور المحسوسات.
وبالجملة يشبه القلب في قسوته وغلظته وذهاب نوره، بما يعلوه من الذنوب
والهوى، وما يكسوه من الغفلة والردى، بالمرآة المنكدرة من الندى، وكما
أن هذه المرآة يمكن إزالة ظلمتها بالعمل المعلوم كذلك هذا القلب يمكن تصفيته
من ظلمات الذنوب، وكدورات الأخلاق، بدوام الذكر، والتوبة الخالصة
والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، حتى ينظر إلى عالم الغيب بنور الايمان
ويشاهده مشاهدة العيان إلى أن يبلغ إلى أعلى درجات الاحسان، فيعبد الله كأنه
يراه، ويرى الجنة وما أعد الله فيها لأوليائه ويرى النار وما أعد الله فيها لأعدائه.
وقال البيضاوي عند قوله تعالى: " وما يكذب به إلا كل معتد أثيم *
إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا
333

يكسبون " (1) رد لما قالوه، وبيان لما أدى بهم إلى هذا القول، بأن غلب
عليهم حب المعاصي بالإنهماك فيه، حتى صار ذلك صداء على قلوبهم، فعمي عليهم
معرفة الحق والباطل، فان كثرة الافعال سبب لحصول الملكات، كما قال صلى الله عليه وآله:
إن العبد كلما أذنب ذنبا حصل في قلبه نكتة سوداء، حتى يسود قلبه، والرين
الصداء (2).
18 - الكافي: عن العدة، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تبدين عن واضحة وقد عملت
الأعمال الفاضحة، ولا تأمن البيات وقد عملت السيئات (3).
19 - الكافي: عن محمد بن يحيى وأبي علي الأشعري، عن الحسين بن إسحاق
عن علي بن مهزيار، عن حماد بن عيسى، عن أبي عمرو المدائني، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله قضا قضاء حتما: لا ينعم على العبد بنعمة
فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمة (4).
بيان: " لا ينعم " استيناف بياني [أو منصوب بتقدير " أن " وقوله:
" فيسلبها " معطوف على النفي لا على المنفي و " حتى " للاستثناء، والمشار إليه في
قوله: " بذلك " إما مصدر] (5) يحدث أو الذنب والمال واحد، وفي القاموس
النقمة بالكسر والفتح وكفرحه المكافاة بالعقوبة، وفيه تلميح إلى قوله سبحانه:
" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (6).
20 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن
صالح، عن سدير قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: " قالوا

(1) المطففين: 12 - 14.
(2) أنوار التنزيل: 457.
(3) الكافي ج 2 ص 273.
(4) الكافي ج 2 ص 273.
(5) ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 247.
(6) الرعد: 11
334

ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم " الآية (1) فقال: هؤلاء قوم كانت لهم قرى
متصلة ينظر بعضهم إلى بعض، وأنهار جارية، وأموال ظاهرة، فكفروا نعم الله
عز وجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله، فغير الله ما بهم من نعمة، و " إن الله
لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فأرسل الله عليهم سيل العرم فغرق قراهم
وخرب ديارهم، وذهب بأموالهم، وأبدلهم مكان " جنتيهم جنتين ذواتي
أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل " ثم قال: " ذلك جزيناهم بما كفروا وهل
نجازي إلا الكفور " (2).
بيان: الآيات في سورة سبأ هكذا " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية " وقرء
أكثر القراء في مساكنهم، قال الطبرسي قدس سره: ثم أخبر سبحانه عن قصة
سبأ بما دل على حسن عاقبة الشكور، وسوء عاقبة الكفور، فقال: " لقد كان
لسبأ " وهو أبو عرب اليمن كلها، وقد تسمى بها القبيلة، وفي الحديث عن فروة
ابن مسيك أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن سبأ أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو
رجل من العرب، ولد له عشرة تيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين
تيامنوا: فالأزد وكندة ومذحج والأشعرون والانمار وحمير، فقال رجل من
القوم: ما أنمار؟ قال: الذين منهم خثعم وبجيلة وأما الذين تشاءموا: فعاملة وجذام
ولحم وغسان فالمراد بسبأ ههنا القبيلة الذين هم أولاد سبأ بن يشحب بن يعرب
ابن قحطان.
" في مسكنهم " أي في بلدهم " آية " أي حجة على وحدانية الله سبحانه وكمال
قدرته، وعلامة على سبوغ نعمه، ثم فسر سبحانه الآية فقال: " جنتان عن يمين وشمال "
اي بستانان عن يمين من آتاهما وشماله، وقيل عن يمين البلد وشماله وقيل إنه لم يرد
جنتين اثنتين والمراد كانت ديارهم على وتيرة واحدة إذ كانت البساتين عن يمينهم وشمالهم

(1) سبأ: 19.
(2) الكافي ج 2 ص 274.
335

متصلة بعضها ببعض، وكان من كثرة النعم أن المرأة كانت تمشي والمكتل على
رأسها فيمتلئ بالفواكه، من غير أن تمس بيدها شيئا.
وقيل: الآية المذكورة هي أنه لم تكن في قريتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث
ولا عقرب ولا حية، وكان الغريب إذا دخل بلدهم وفي ثيابه قمل ودواب ماتت عن
ابن زيد، وقيل: إن المراد بالآية خروج الأزهار والثمار من الأشجار على اختلاف
ألوانها وطعومها.
وقيل: إنما كانت ثلاث عشرة قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله سبحانه
يقولون لهم " كلوا من رزق ربكم واشكروا له " اي كلوا مما رزقكم الله في هذه
الجنان، واشكروا له يزدكم من نعمه، واستغفروه يغفر لكم.
" بلدة طيبة " أي هذه بلدة مخصبة نزهة أرضها عذبة، تخرج النبات وليست
بسبخة، وليس فيها شئ من الهوام المؤذية، وقيل: أراد به صحة هوائها، وعذوبة
مائها، وسلامة تربتها، وأنه ليس فيها حر يؤذي، في القيظ، ولا برد يؤذي
في الشتاء.
" ورب غفور " أي كثير المغفرة للذنوب، " فأعرضوا " عن الحق ولم
يشكروا الله سبحانه ولم يقبلوا ممن دعاهم إلى الله من أنبيائه " فأرسلنا عليهم
سيل العرم " وذلك أن الماء كان يأتي ارض سبأ من أودية اليمن، وكان
هناك جبلان يجتمع ماء المطر والسيول بينهما، فسدوا ما بين الجبلين، فإذا
احتاجوا إلى الماء نقبوا السد بقدر الحاجة، فكانوا يسقون زرعهم وبساتينهم
فلما كذبوا رسلهم وتركوا أمر الله، بعث الله جرذا نقبت ذلك الردم وفاض الماء
عليهم، فأغرقهم (1).
والعرم المسناة التي تحبس الماء واحدها عرمة، أخذ من عرامة الماء، وهو
ذهابه كل مذهب، وقيل: العرم اسم واد كان يجتمع فيه سيول من أودية شتى
وقيل: العرم هنا اسم الجرذ الذي نقب السكر (2) عليهم، وهو الذي يقال له: الخلد

(1) مجمع البيان ج 8 ص 386.
(2) السكر - بالكسر - اسم من سكر النهر: أي سده، ويطلق على ما سد به النهر
وكأن المراد بالسكر هنا الثقب التي كانوا يفتحونها واحدا بعد واحد بقدر الحاجة، وذلك
لان الفارة لا تتمكن أن تأتي على السد العظيم الذي بنى بالحجارة والنهر مملوء ماء، وإنما
أتت على ما سد به الثقبة السافلة الموازية لسطح النهر، ففار النهر بشدة من ذلك الثقبة
وجرى السيل العظيم، حتى خرق الثقبة وخرب السد وأباد القرية بأشجارها وزروعها
وعمارتها ونفوسها.
والخلد بالضم - يطلق على الفارة العمياء، وقيل دابة تحت الأرض يضرب بها المثل
في شدة السمع.
336

وقيل: العرم المطر الشديد (1).
وقال ابن الاعرابي: العرم السيل الذي لا يطاق " وبدلناهم بجنتيهم "
اللتين فيهما أنواع الفواكه والخيرات " جنتين " أخراوين، سماهما جنتين لازدواج
الكلام، كما قال تعالى: " ومكروا ومكر الله " (2) " ذواتي أكل خمط واثل " أي
صاحبي أكل وهو اسم لثمر كل شجرة وثمر الخمط هو الأراك، وقيل هو شجر
الغضا، وقيل: هو شجر له شوك، والأثل الطرفا عن ابن عباس، وقيل: ضرب
من الخشب، وقيل: هو السمر " وشئ من سدر قليل " يعني أن الخمط والأثل
كانا أكثر فيهما من السدر وهو النبق، قال قتادة: كان شجرهم خير شجر، فصيره
الله شر شجرة بسوء أعمالهم.
" ذلك " اي ما فعلنا بهم " جزيناهم بما كفروا " اي بكفرهم " وهل نجازي "
بهذا الجزاء " إلا الكفور " الذي يكفر نعم الله، وقيل معناه هل نجازي بجميع
سيئاته إلا الكافر، لان المؤمن قد كان يكفر عنه بعض سيئاته، وقيل: إن
المجازاة من التجازي وهو التقاضي اي لا يقتضى ولا يرتجع ما أعطي إلا الكافر
فإنهم لما كفروا النعمة اقتضوا ما أعطوا أي ارتجع منهم عن أبي مسلم.
" وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها [قرى ظاهرة " أي وقد

(1) مجمع البيان ج 8 ص 385.
(2) آل عمران: 54.
337

كان من قصتهم أنا جعلنا بينهم وبين قرى الشام التي باركنا فيها] (1) بالماء
والشجر قرى متواصلة، وكان متجرهم من أرض اليمن إلى الشام، وكانوا يبيتون
بقرية ويقيلون بأخرى، حتى يرجعوا، وكانوا لا يحتاجون إلى زاد من وادي
سبأ إلى الشام، ومعنى الظاهرة أن الثانية كانت ترى من الأولى لقربها منها
" وقدرنا فيها السير " أي جعلنا السير من القرية إلى القرية نصف يوم، وقلنا لهم
" سيروا فيها " اي في تلك القرى " ليالي وأياما " اي ليلا شئتم المصير أو نهارا
" آمنين " من الجوع والعطش والتعب، ومن السباع وكل المخاوف. وفي هذا
إشارة إلى تكامل نعمه عليهم في السفر، كما أنه كذلك في الحضر.
ثم أخبر سبحانه أنهم بطروا وبغوا " فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا " اي اجعل
بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز لنركب إليها الرواحل، ونقطع المنازل، وهذا
كما قالت بنوا إسرائيل لما ملوا النعمة: " أخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها
وقثائها " (2) بدلا من المن والسلوى " وظلموا أنفسهم " بارتكاب الكفر
والمعاصي " فجعلناهم أحاديث " لمن بعدهم يتحدثون أمرهم وشأنهم، ويضربون
بهم المثل، فيقولون: تفرقوا أيادي سبأ إذا تشتتوا أعظم التشتت " ومزقناهم كل
ممزق " أي فرقناهم في كل وجه من البلاد كل تفريق، " إن في ذلك لايات
لكل صبار شكور " على الشدايد شكور على النعماء، وقيل لكل صبار عن المعاصي
شكور للنعم بالطاعات.
ثم نقل عن الكلبي، عن أبي صالح قال: ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن
عامر الذي يقال له مزيقيا بن ماء السماء وكانت قد رأيت في كهانتها أن سد مأرب
سيخرب، وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين، فباع عمرو بن عامر أمواله
وسار هو وقومه حتى انتهوا إلى مكة، فأقاموا بها وما حولها، فاصابتهم الحمى
وكانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى؟ فدعوا طريفة وشكوا إليها الذي أصابهم فقالت

(1) ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي طبقا للمصدر.
(2) البقرة: 61.
338

لهم: قد أصابني الذي تشتكون، وهو مفرق بيننا.
قالوا: فماذا تأمرين؟ قالت: من كان منكم ذا هم بعيد، وجمل شديد، ومزاد
جديد، فليلحق بقصر عمان المشيد، فكانت أزد عمان، ثم قالت [من كان منكم
ذا جلد وقسر، وصبر على ما أزمات الدهر، فعليه بالأراك من بطن مر فكانت
خزاعة، ثم قالت:] (1) من كان منكم يريد الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل
فليلحق بيثرب ذات النخل، فكانت الأوس والخزرج، ثم قالت: من كان منكم
يريد الخمر والخمير، والملك والتأمير، وملابس التاج والحرير، فليلحق ببصرى
وغوير، وهما من ارض الشام، فكان الذين سكنوها آل جفنة بن غسان، ثم
قالت: من كان منكم يريد الثياب الرقاق، والخيل العتاق، وكنوز الأرزاق، والدم
المهراق، فليلحق بأرض العراق، فكان الذين يسكنونها آل جزيمة الأبرش، ومن
كان بالحيرة وآل محرق (2).
21 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن
سماعة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما أنعم الله على عبد نعمة فسلبها إياه
حتى يذنب ذنبا يستحق بذلك السلب (3).
22 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد. وعلي بن إبراهيم، عن
أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن الهيثم بن واقد الجزري قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: إن الله عز وجل بعث نبيا من أنبيائه إلى قومه، وأوحى إليه
أن قل لقومك إنه ليس من أهل قرية ولا ناس كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سراء
فتحولوا عما أحب إلى ما أكره، إلا تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون
وليس من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على معصيتي فأصابهم فيها ضراء فتحولوا
عما أكره إلى ما أحب إلا تحولت لهم [عما يكرهون إلى ما يحبون، وقل

(1) ما بين العلامتين ساقط من نسخة الكمباني.
(2) مجمع البيان ج 8 ص 386 و 387.
(3) الكافي ج 2 ص 274.
339

لهم: إن رحمتي سبقت غضبي، فلا تقنطوا من رحمتي فإنه لا يتعاظم عندي ذنب عبد
أغفره وقل لهم: لا يتعرضوا معاندين] (1) لسخطي ولا يستخفوا بأوليائي، فان لي
سطوات عند غضبي لا يقوم لها شئ من خلقي (2).
بيان: " ولا أناس " هم أقل من أهل القرية كأهل بيت كما قال في الشق
الثاني مكانه " ولا أهل بيت " وفي القاموس السراء المسرة، والضراء الزمانة
والشدة والنقص في الأموال و الأنفس، وفي المصباح سره أفرحه والمسرة منه
وهو ما يسر به الانسان والسراء الخير والفضل والضراء نقيض السراء.
" إن رحمتي سبقت غضبي " هذا يحتمل وجوها الأول أن يكون المراد
بالسبق الغلبة اي رحمتي غالبة على غضبي، وزائدة عليه، فإنه إذا اشتد سبب
الغضب، وكان هناك سبب ضعيف للرحمة يتعلق الرحمة بفضله تعالى.
الثاني أن يكون المراد به السبق المعنوي أيضا على وجه آخر، فان
أسباب الرحمة من إقامة دلائل الربوبية في الآفاق والأنفس، وبعثة الأنبياء
والأوصياء، وإنزال الكتب، وخلق الملائكة، وبعثهم لهداية الخلق، وإرشادهم
ودفع وساوس الشياطين، وغير ذلك من أسباب التوفيق، أكثر من أسباب الضلالة
من القوى الشهوانية والغضبية، وخلق الشياطين، وعدم دفع أئمة الضلالة، وأشباه
ذلك من أسباب الخذلان.
الثالث أن يراد به السبق الزماني فان تقدير وجود الانسان وإيجاده وإعطاء
الجوارح والسمع والبصر، وسائر القوى، ونصب الدلائل والحجج، وغير ذلك، كلها
قبل التكليف، والتكليف مقدم على الغضب والعقاب، ويمكن إرادة الجميع بل
هو الأظهر.
" لا يتعرضوا معاندين " اي مصرين على المعاصي فان من أذنب لغلبة شهوة
أو غضب ثم تاب عن قريب لا يكون معاندا، والاستخفاف بالأولياء شامل لقتلهم

(1) ما بين العلامتين أضفناه من المصدر.
(2) الكافي ج 2 ص 274.
340

وضربهم وشتمهم وإهانتهم، وعدم متابعتهم، والاعراض عن مواعظهم، ونواهيهم
وأوامرهم.
والسطوة القهر والبطش بشدة " لا يقوم لها شئ " اي لا يطيقها أو لا يتعرض
لدفعها.
23 - الكافي: عن علي بن إبراهيم الهاشمي، عن جده محمد بن الحسن بن محمد بن
عبيد الله، عن سليمان الجعفري، عن الرضا عليه السلام قال: أوحى الله عز وجل إلى
نبي من الأنبياء إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية
وإذا عصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الوراء (1).
بيان: " باركت " أي زدت نعمتي عليهم في الدنيا والآخرة " وليس لبركتي
نهاية " لا في الشدة ولا في المدة " لعنت " اي أبعدتهم من رحمتي " ولعنتي " أي
أثرها " تبلغ السابع من الوراء " في الصحاح والقاموس الوراء ولد الولد
ويستشكل بأنه أي تقصير لأولاد الأولاد، حتى تبلغ اللعنة إليهم إلى البطن
السابع؟ فمنهم من حمله على أنه قد يبلغهم وهو إذا رضوا بفعل آبائهم كما ورد
أن القائم عليه السلام يقتل أولاد قتلة الحسين عليه السلام لرضاهم بفعل آبائهم.
وأقول: يمكن أن يكون المراد به الآثار الدنيوية كالفقر والفاقة
والبلايا والأمراض، والحبس والمظلومية، كما نشاهد أكثر ذلك في أولاد الظلمة
وذلك عقوبة لآبائهم، فان الناس يرتدعون عن الظلم بذلك لحبهم لأولادهم
ويعوض الله الأولاد في الآخرة كما قال تعالى " وليخش الذين لو تركوا ذرية
ضعافا خافوا عليهم " (2) الآية، وهذا جائز على مذهب العدلية، بناء على أنه
يمكن إيلام شخص لمصلحة الغير، مع التعويض بأكثر منه، بحيث يرضى من
وصل إليه الألم، مع أن في هذه الأمور مصالح للأولاد أيضا فان أولاد المترفين
بالنعم، إذا كانوا مثل آبائهم، يصير ذلك سببا لبغيهم وطغيانهم أكثر من غيرهم.

(1) الكافي ج 2 275.
(2) النساء: 9.
341

44 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن علي بن الحسن بن علي، عن محمد بن الوليد
عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن أحدكم ليكثر به الخوف
من السلطان، وما ذلك إلا بالذنوب، فتوقوها ما استطعتم، ولا تمادوا فيها (1).
بيان: " وما ذلك إلا بالذنوب " اي الذنوب تصير سببا لتسلط السلاطين
والخوف منهم، وما قيل: إن المراد بالذنوب مخالفة السلاطين اي كما أن من
خالف بعض السلاطين يخاف بطشه وعقوبته، فلا بد أن يكون خوفه من السلطان
الأكبر أعظم وأكثر، فلا يخفى بعده، ثم أمر عليه السلام بالوقاية من الذنوب بقدر
الاستطاعة، ونهى عن الاصرار عليها والتمادي فيها، على تقدير الوقوع، وفي المصباح
تمادى فلان في الامر إذا لج وداوم على فعله.
25 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، رفعه قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا وجع أوجع للقلوب من الذنوب، ولا خوف أشد من
الموت، وكفى بما سلف تفكرا، وكفى بالموت واعظا (2).
بيان: " لا وجع أوجع للقلوب من الذنوب " اي الذنوب تصير سببا لهم القلب
وحزنه أزيد من غيرها من المخوفات، لان الذنوب تصير سببا للخوف من عقاب الله
الذي هو أعظم المفاسد وأشدها، فالمراد به من الهم الحاصل من الذنوب أو المعنى
أن الأوجاع والأمراض الصورية والمعنوية والجسمانية والروحانية العارضة
للانسان ليس شئ منها أشد تأثيرا في القلب من الذنوب التي هي من الأمراض
الروحانية والأوجاع المعنوية.
أو المعنى أن للقلب أمراضا وأوجاعا مختلفة بعضها روحانية، وبعضها
جسمانية، وليس شئ منها أشد وأوجع وأشر من الذنوب، فإنها بنفسها
أمراض للقلب، كالحقد والحسد، وضعف التوكل وأمثالها، أو سبب لا مراضها
فان الذنوب أسباب لضعف الايمان واليقين كما قال سبحانه: " في قلوبهم مرض

(1) الكافي ج 2 ص 275.
(2) الكافي ج 2 ص 275.
342

فزادهم الله مرضا " (1).
" ولا خوف أشد من الموت " اي من خوف الموت، إذ كل شئ يخاف
وقوعه غير متيقن بخلاف الموت، ولان الخوف إنما هو من ألم والموت ألم
شديد، مع ما يعقبه من الآلام التي لا يعلم النجاة منها، ويحتمل أن يراد بالخوف
المخوف، فلا حاجة إلى تقدير.
" وكفى بما سلف تفكرا " الباء بعد " كفى " في الموضعين زائدة، وتفكرا
تميز والحاصل أنه كفى التفكر في ما سلف من أحوال نفسه وأحوال غيره، وعدم
بقاء لذات الذنوب، وبقاء تبعاتها، وفناء الدنيا، وذهاب من ذهب قبل بلوغ
آماله، وحسن عواقب الصالحين والمحسنين، وسوء عاقبة الظالمين والفاسقين
وأمثال ذلك.
" وكفى بالموت واعظا " تميز كقولهم لله دره فارسا اي يكفي الموت والتفكر
فيه، وفيما يتعقبه من الأحوال والأهوال للاتعاظ به، وعدم الاغترار بالدنيا
ولذاتها، فإنه هادم اللذات، ومهون المصيبات، كما قالوا عليهم السلام: فضح
الموت الدنيا.
26 - الكافي: عن أحمد بن محمد الكوفي، عن علي بن الحسن الميثمي، عن العباس
ابن هلال الشامي مولى لأبي الحسن موسى عليه السلام قال: سمعت الرضا عليه السلام
يقول: كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من
البلاء ما لم يكونوا يعرفون (2).
بيان: " ما لم يكونوا يعملون " اي من البدع التي أحدثوها أو الذنب الذي
لم يصدر منهم قبل ذلك وإن صدر عن غيرهم " ما لم يكونوا يعرفون " أي لم يروا
مثله أو لم يبتلوا بمثله.
27 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عباد بن
صهيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يقول الله عز وجل: إذا عصاني من عرفني

(1) البقرة: 10.
(2) الكافي ج 2 ص 275.
343

سلطت عليه من لا يعرفني (1).
بيان: " من عرفني " اي أقر بربوبيتي وبالأنبياء والأوصياء وكان على
دين الحق أو كان ممن يعرف الله حق المعرفة ولا ينافي صدور الذنب منه نادرا " من
لا يعرفني " من الكفار والمخالفين أو الأعم منهم ومن سائر الظلمة، ويمكن
شموله للشياطين أيضا.
28 - الكافي: عن العدة، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن ابن عرفة
عن أبي الحسن عليه السلام قال: إن الله عز وجل في كل يوم وليلة مناديا ينادي مهلا
مهلا عباد الله عن معاصي الله، فلولا بهائم رتع، وصبية رضع، وشيوخ ركع
لصب عليكم العذاب صبا، ترضون [به رضا (2).
بيان: " مهلا " اسم فعل بمعنى أمهل، وقيل: مصدر والنصب على الاغراء
أي الزموا مهلا، والمهل بالتسكين والتحريك الرفق والتأني] (3) والتأخر اي تأن
في المعاصي ولا تعجل أو تأخر عنها ولا تقربها قال في النهاية: في حديث علي عليه السلام:
إذا سرتم إلى العدو فمهلا مهلا فإذا وقعت العين على العين فمهلا مهلا، الساكن
الرفق والمتحرك المتقدم أي إذا سرتم فتأنوا وإذا لقيتم فاحملوا، كذا قال
الأزهري وغيره.
وقال الجوهري: المهل بالتحريك التؤدة، والتباطئ والاسم المهلة، وفلان
ذو مهل بالتحريك أي ذو تقدم في الخير، ولا يقال في الشر، يقال: مهلته وأمهلته
أي سكنته وأخرته، ويقال: مهلا للواحد والاثنين والجمع والمؤنث، بلفظ واحد
بمعنى أمهل (4).
والرتع والرضع والركع بالضم والتشديد في الجميع جمع راتع وراضع
وراكع، في القاموس رتع كمنع رتعا ورتوعا ورتاعا بالكسر أكل وشرب ما شاء

(1) الكافي ج 2 ص 276.
(2) الكافي ج 2 ص 276.
(3) ما بين العلامتين ساقط من نسخة الكمباني.
(4) المنقول لا يوافق صحاح الجوهري ولعله منقول من المصباح.
344

في خصب وسعة، أو هو الأكل والشرب رغدا في الريف، أو بشره وجمل راتع من
إبل رتاع كنائم ونيام، ورتع كركع، ورتع بضمتين، وقال: رضع أمه كسمع
وضرب، فهو راضع، والجمع رضع كركع، ورضع ككتف ورضع رضاعة فهو
راضع ورضيع من رضع كركع، وقال: ركع انحنى كبرا أو كبا على وجهه
وافتقر بعد غنى وانحطت حاله، وكل شئ يخفض رأسه فهو راكع، وقال:
الصبي من لم يفطم بعد والجمع صبية ويضم، وفي الصحاح الصبي الغلام والجمع
صبية وصبيان، وهو من الواو، وفي النهاية الرض الدق الجريش، ومنه الحديث
لصب عليكم العذاب صبا ثم لرض رضا هكذا جاء في رواية، والصحيح بالصاد
المهملة، وقال في المهملة: فيه تراضوا في الصفوف اي تلاصقوا حتى لا يكون
بينكم فرج، واصله تراصصوا من رص البناء يرصه رصا إذا لصق بعضه ببعض فادغم
ومنه الحديث لصب عليكم العذاب صبا ثم لرص رصا انتهى ولا يخفى أن ما في
روايتنا أبلغ وأظهر، والظاهر أن المراد بالعذاب الدنيوي وكفى بنا عجزا
وذلا بسوء فعالنا أن يرحمنا ربنا الكريم ببركة بهائمنا وأطفالنا.
29 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن
شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي أسامة زيد
الشحام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: اتقوا المحقرات من الذنوب فإنها لا تغفر
قلت: وما المحقرات؟ قال: الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي لو لم يكن
لي غير ذلك (1).
بيان: " اتقوا المحقرات " لان التحقير يوجب الاصرار وترك الندامة
الموجبين للبعد عن المغفرة " غير ذلك " اي غير ذلك الذنب، وأقول: مثل هذا
الكلام يمكن ان يذكر في مقامين: أحدهما بيان كثرة معاصيه وعظمتها، وأن له
معاصي أعظم من ذلك، وثانيهما بيان حقارة هذا الذنب، وعدم الاعتناء به، وكأنه
محمول على الوجه الأخير.

(1) الكافي ج 2 ص 287.
345

30 - الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن
سماعة قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلوا
قليل الذنوب، فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا. وخافوا الله في
السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف (1).
بيان: " في السر " أي في الخلوة أو في القلب وعلى الأول التخصيص لان
الاخلاص فيه أكثر، ولاستلزامه الخوف في العلانية أيضا " حتى تعطوا " أي حتى
يبلغ خوفكم درجة تصير سببا لاعطاء الانصاف والعدل من أنفسكم للناس، ولا
ترضون لهم ما لا ترضون لأنفسكم أو حتى تعطوا الانصاف من أنفسكم أنكم تخافون
الله وليس عملكم لرئاء الناس وكأن الأول أظهر.
31 - الكافي: أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال
والحجال جميعا، عن ثعلبة، عن زياد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن رسول الله
صلى الله عليه وآله نزل بأرض قرعاء فقال لأصحابه: ائتونا بحطب، فقالوا:
يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب، قال: فليأت كل إنسان بما قدر
عليه، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هكذا
تجتمع الذنوب، ثم قال: إياكم والمحقرات من الذنوب، فان لكل شئ
طالبا، ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام
مبين (2).
بيان: " بأرض قرعاء " أي لا نبات ولا شجر فيها، تشبيها بالرأس الأقرع
وفي القاموس: قرع كفرح ذهب شعر رأسه وهو أقرع، وهي قرعاء، والجمع قرع
وقرعان بضمهما ورياض قرع بالضم بلا كلأ، وفي النهاية: القرع بالتحريك هو
أن يكون في الأرض ذات الكلاء موضع لا نبات فيها كالقرع في الرأس " حتى رموا
بين يديه " اي كثر وارتفع، والطالب للذنوب هو الله سبحانه وملائكته " ما قدموا "

(1) الكافي ج 2 ص 287.
(2) الكافي ج 2 ص 288.
346

أي أسلفوا في حياتهم " وآثارهم " ما بقي عنهم بعد مماتهم يصل إليهم ثمرته إما حسنة
كعلم علموه أو حبيس وقفوه، أو سيئة كإشاعة باطل وتأسيس ظلم أو نحو ذلك.
والامام المبين اللوح المحفوظ، وقيل: القرآن وقيل: كتاب الأعمال، وفي
كثير من الاخبار أنه أمير المؤمنين عليه السلام وكأنه من بطون الآية، وأما قوله:
" أحصيناه " فيحتمل أن يكون في الأصل أحصاه فصحف النساخ موافقا للآية، أو
هو على سبيل الحكاية، وقرأ بعض الأفاضل نكتب بالنون موافقا للآية فيكون
لفظ الآية خبرا أي طالبها هذه الآية على الاسناد المجازي وله وجه، لكنه مخالف
للمضبوط في النسخ.
32 - أمالي الصدوق: قال الصادق عليه السلام: إن كانت العقوبة من الله عز وجل النار
فالمعصية لماذا؟ (1).
33 - معاني الأخبار (2) أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام عن آبائه، عن النبي صلى الله عليهم
قال: أزهد الناس من اجتنب الحرام، وأشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب (3).
34 - أمالي الصدوق: ابن المغيرة، عن جده، عن جده، عن السكوني، عن الصادق
عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة
الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار؟ (4).
35 - أمالي الصدوق: الطالقاني والعسكري معا، عن الجلودي، عن الجوهري، عن
علي بن حكيم، عن الربيع بن عبد الله، عن عبد الله بن الحسن، عن زيد بن علي
عن أبيه عليه السلام قال: يقول الله عز وجل: إذا عصاني من خلقي من يعرفني، سلطت
عليه من لا يعرفني (5).

(1) أمالي الصدوق ص 6.
(2) معاني الأخبار ص 195.
(3) أمالي الصدوق ص 14.
(4) أمالي الصدوق ص 109.
(5) أمالي الصدوق ص 138.
347

36 - أمالي الصدوق: عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاذ
الجوهري، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل قال:
قال الله جل جلاله: من أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا وهو لا يعلم أن لي أن أعذبه
أو أعفو عنه لا غفرت له ذلك الذنب أبدا، ومن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا وهو
يعلم أن لي أن أعذبه أو أعفو عنه عفوت عنه (1).
37 - أمالي الصدوق: عن ماجيلويه، عن عمه، عن البرقي، عن أبيه، عن ابن المغيرة
ومحمد بن سنان معا، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أبي يقول:
ما شئ أفسد للقلب من الخطيئة إن القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى
تغلب عليه فيصير أسفله أعلاه وأعلاه أسفله (2).
أمالي الطوسي: عن الغضائري، عن الصدوق مثله (3).
38 - أمالي الصدوق: عن الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن
السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن العبد
ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام، وإنه لينظر إلى أزواجه وإخوانه
في الجنة (4).
39 - أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يطع الشيطان
يعص الله، ومن يعص الله يعذبه الله (5).
40 - تفسير علي بن إبراهيم: " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس " (6)
قال: في البر فساد الحيوان إذا لم يمطروا، وكذلك هلاك دواب البحر بذلك

(1) أمالي الصدوق ص 172.
(2) أمالي الصدوق ص 239.
(3) أمالي الطوسي ج 2 ص 53.
(4) أمالي الصدوق ص 247.
(5) أمالي الصدوق ص 293.
(6) الروم: 41.
348

وقال الصادق عليه السلام: حياة دواب البحر بالمطر، فإذا كفت المطر ظهر الفساد في البر
والبحر وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي (1).
41 - قرب الإسناد: عن ابن سعد، عن الأزدي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الدعاء
يرد القضاء، وإن المؤمن ليأتي الذنب فيحرم به الرزق (2).
42 - الخصال: ماجيلويه، عن عمه، عن البرقي، عن ابن معروف، عن أبي
شعيب رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: أورع الناس من وقف عند الشبهة، أعبد
الناس من أقام الفرائض، أزهد الناس من ترك الحرام، أشد الناس اجتهادا من
ترك الذنوب (3).
43 - معاني الأخبار (4) الخصال: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن الله أخفى سخطه في معصيته
فلا تستصغرن شيئا من معصيته، فربما وافق سخطه وأنت لا تعلم (5).
44 - الخصال: عن ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن
النوفلي، عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
من علامات الشقاء جمود العين، وقسوة القلب، وشدة الحرص في طلب الرزق
والإصرار على الذنب (6).
45 - الخصال: عن ابن الوليد، عن الحميري، عن ابن صدقة، عن الصادق، عن أبيه
عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربع يمتن القلب: الذنب على الذنب
وكثرة مناقشة النساء يعني محادثتهن، ومماراة الأحمق تقول ويقول ولا يرجع
إلى خير، ومجالسة الموتى، فقيل له: يا رسول الله وما الموتى؟ قال: كل

(1) تفسير القمي: 504.
(2) قرب الإسناد ص 24، ط النجف.
(3) الخصال ج 1 ص 11.
(4) معاني الأخبار ص 112.
(5) الخصال ج 1 ص 99.
(6) الخصال ج 1 ص 115.
349

غني مترف (1).
46 - ثواب الأعمال (2) الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن الحسن بن علي الكوفي، عن
ابن معروف، عن رجل، عن مندل ابن علي العنزي، عن محمد بن مطرف، عن مسمع
عن أصبغ بن نباتة، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا غضب الله
عز وجل على أمة ولم ينزل بها العذاب، غلت اسعارها، وقصرت أعمارها، ولم
تربح تجارها، ولم تزك ثمارها، ولم تغزر أنهارها، وحبس عنها أمطارها، و
سلط عليها شرارها (3).
47 - الخصال: الأربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام: توقوا الذنوب، فما من
بلية ولا نقص رزق إلا بذنب حتى الخدش والكبوة والمصيبة، قال الله عز وجل:
" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " (4).
وقال عليه السلام: باب باب التوبة مفتوح لمن أرادها " فتوبوا إلى الله توبة نصوحا
عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم " وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم فما زالت نعمة
ولا نضارة عيش إلا بذنوب اجترحوا إن الله ليس بظلام للعبيد، ولو أنهم استقبلوا
ذلك بالدعاء والإنابة، لم تنزل، ولو أنهم إذا نزلت بهم النقم وزالت عنهم النعم
فزعوا إلى الله عز وجل بصدق من نياتهم ولم يهنوا و لم يسرفوا لأصلح الله لهم
كل فاسد ولرد عليهم كل صالح (5).
وقال عليه السلام: ما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فيموت حتى يبتلي
ببلية تمحص بها ذنوبه، إما في مال وإما في ولد وإما في نفسه حتى يلقى الله
عز وجل وماله ذنب، وإنه ليبقى عليه الشئ من ذنوبه، فيشدد به عليه

(1) الخصال ج 1 ص 108.
(2) ثواب الأعمال ص 229.
(3) الخصال ج 2 ص 12.
(4) الخصال ج 2 ص 158، والآية في سورة الشورى: 30.
(5) الخصال ج 2 ص 163.
350

عند موته (1).
وقال عليه السلام: لا تستصغروا قليل الآثام، فان الصغير يحصى ويرجع إلى
الكبير (2).
وقال عليه السلام: احذروا الذنوب فان العبد ليذنب فيحبس عنه الرزق (3).
48 - أمالي الصدوق: أبي، عن الحميري، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن علي
ابن معبد، عن علي بن سليمان، عن فطر بن خليفة، عن الصادق عليه السلام قال: لما
نزلت هذه الآية " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا
لذنوبهم " (4) صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته
فاجتمعوا إليه، فقالوا يا سيدنا لم دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟ فقام
عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا، قال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذلك
فقال: لست لها فقال الوسواس الخناس أنا لها، قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنيهم
حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار فقال: أنت لها، فوكله
بها إلى يوم القيامة (5).
49 - عيون أخبار الرضا (ع): عن المفسر، عن أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن علي
العسكري، عن آبائه عليهم السلام قال: كتب الصادق عليه السلام إلى بعض الناس: إن أردت
أن يختم بخير عملك حتى تقبض وأنت في أفضل الأعمال، فعظم لله حقه: أن
تبذل نعماءه في معاصيه، وأن تغتر بحلمه عنك، وأكرم كل من وجدته يذكرنا أو
ينتحل مودتنا، ثم ليس عليك، صادقا كان أو كاذبا، إنما لك نيتك وعليه
كذبه (6).

(1) الخصال ج 2 ص 169.
(2) الخصال ج 2 ص 158.
(3) الخصال ج 2 ص 161.
(4) آل عمران: 135.
(5) أمالي الصدوق: 278، وأخرجه في كتاب السماء والعالم ص 615 ط الكمباني.
(6) عيون الأخبار ج 2 ص 4.
351

50 - عيون أخبار الرضا (ع): بالأسانيد الثلاثة، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم ما تنصفني: أتحبب إليك
بالنعم، وتتمقت إلي بالمعاصي، خيري عليك منزل، وشرك إلي صاعد، ولا يزال
ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح، يا ابن آدم لو سمعت وصفك
من غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف، لسارعت إلى مقته (1).
صح عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام مثله (2).
أمالي الطوسي: المفيد، عن عمر بن محمد الزيات، عن علي بن مهرويه، عن داود بن
سليمان، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام: مثله (3).
أمالي الطوسي: جماعة، عن أبي المفضل،، عنا بن مهرويه مثله (4).
51 - أمالي الطوسي: عن الفحام، عن المنصوري، عن عمر بن أبي موسى، عن عيسى بن أحمد
عن أبي الحسن الثالث، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام: مثله وزاد في آخره:
ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب، ولا أمحقك فيمن أمحق (5).
52 - عيون أخبار الرضا (ع): بهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تزال أمتي بخير ما
تحابوا وتهادوا، وأدوا الأمانة، واجتنبوا الحرام، وقروا الضيف، وأقاموا
الصلاة، وآتوا الزكاة، فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين (6).
53 - عيون أخبار الرضا (ع): بهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي من كرامة
المؤمن على الله أنه لم يجعل لأجله وقتا حتى يهم ببائقة، فإذا هم ببائقة
قبضه إليه.

(1) عيون الأخبار ج 2 ص 28.
(2) صحيفة الرضا ص 2.
(3) أمالي الطوسي ج 1 ص 125 و 126.
(4) أمالي الطوسي ج 2 ص 183.
(5) أمالي الطوسي ج 1 ص 285.
(6) عيون الأخبار ج 2 ص 29.
352

قال: وقال جعفر بن محمد عليه السلام: تجنبوا البوائق يمد لكم الأعمار (1).
صحيفة الرضا (ع): عنه عليه السلام مثله (2).
54 - عيون أخبار الرضا (ع): بهذا الاسناد قال: قال الحسين بن علي عليه السلام: إن أعمال هذه
الأمة ما من صباح إلا وتعرض على الله عز وجل (3).
صحيفة الرضا (ع): عنه عليه السلام مثله (ط).
55 - عيون أخبار الرضا (ع): من كلام الرضا عليه السلام المشهور قوله: الصغائر من الذنوب طرق إلى
الكبائر، ومن لم يخف الله في القليل لم يخفه في الكثير، ولو لم يخوف الله الناس بجنة
ونار لكان الواجب عليهم أن يطيعوه ولا يعصوه، لتفضله عليهم، وإحسانه إليهم
وما بدأهم به من إنعامه الذي ما استحقوه (5).
56 - أمالي الطوسي: المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى
عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمد قال: أبو عبد الله عليه السلام: إن الدعاء ليرد
القضاء، وإن المؤمن ليذنب فيحرم به الرزق (6).
57 - أمالي الطوسي: عن المفيد، عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن
أيوب بن نوح، عن صفوان، عن إبراهيم بن زياد، عن الصادق عليه السلام قال: إن الله
تعالى إذا غضب على أمة ثم لم ينزل بها العذاب، أغلى أسعارها، وقصر أعمارها
ولم تربح تجارها، ولم تغزر أنهارها، ولم تزك ثمارها، وسلط عليها شرارها
وحبس عليها أمطارها (7).

(1) عيون الأخبار ج 2 ص 36.
(2) صحيفة الرضا ص 12.
(3) عيون الأخبار ج 2 ص 44.
(4) صحيفة الرضا ص 35.
(5) عيون الأخبار ج 2 ص 180.
(6) أمالي الطوسي ج 1 ص 135.
(7) أمالي الطوسي ج 1 ص 204.
353

58 - أمالي الطوسي: عن المفيد، عن عبد الله بن علي الموصلي، عن علي بن حاتم
عن أحمد بن محمد الموصلي العاصمي، عن علي بن الحسين، عن العباس بن علي
الشامي قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم
يكونوا يعملون أحدث لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون (1).
علل الشرائع: عن علي بن حاتم، عن أحمد بن محمد العاصمي وعلي بن محمد بن
يعقوب العجلي، عن علي بن الحسين عليه السلام مثله (2).
59 - أمالي الطوسي: عن الغضائري، عن التلعكبري، عن محمد بن همام، عن علي
ابن الحسين الهمداني، عن محمد البرقي، عن محمد بن سنان، عن المفضل
ابن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالى لم يجعل للمؤمن أجلا في
الموت: يبقيه ما أحب البقاء، فإذا علم منه أنه سيأتي ما فيه بوار دينه قبضه إليه
مكرما (3).
قال أبو علي: فذكرت هذا الحديث لأحمد بن علي بن حمزة مولى الطالبيين
وكان راوية للحديث فحدثني عن الحسين بن راشد الطفاوي، عن محمد بن القاسم
ابن الفضيل بن يسار، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من يموت بالذنوب
أكثر ممن يموت بالآجال، ومن يعيش بالاحسان أكثر ممن يعيش بالاعمار (4)
60 - علل الشرائع: عن القطان، عن أحمد الهمداني، عن علي بن الحسن بن فضال
عن أبيه، عن مروان بن مسلم، عن الثمالي، عن ابن طريف، عن ابن نباتة قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب
إلا لكثرة الذنوب (5).
61 - علل الشرائع: عن ابن الوليد، عن الصغار، عن ابن معروف، عن الأصم، عن

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 333.
(2) علل الشرائع ج 2 ص 210.
(3) مكرها ظ كما يأتي.
(4) أمالي الطوسي ج 1 ص 311.
(5) علل الشرائع ج 1 ص 77.
354

ابن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما من عبد إلا وعليه
أربعون جنة، حتى يعمل أربعين كبيرة، فإذا عمل أربعين كبيرة انكشفت عنه الجنن
فتقول الملائكة من الحفظة الذين معه: يا ربنا هذا عبدك قد انكشفت عنه الجنن
فيوحي الله عز وجل إليهم أن استروا عبدي بأجنحتكم، فتستره الملائكة بأجنحتها
فما يدع شيئا من القبيح إلا قارفه حتى يتمدح إلى الناس بفعله القبيح، فتقول
الملائكة: يا رب هذا عبدك ما يدع شيئا إلا ركبه، وإنا لنستحيي مما يصنع
فيوحي الله إليهم أن ارفعوا أجنحتكم عنه، فإذا [فعل ذلك] أخذ في بغضنا أهل البيت فعند ذلك
يهتك الله ستره في السماء ويستره في الأرض فتقول الملائكة: هذا عبدك قد بقي
مهتوك الستر فيوحي الله إليهم: لو كان لي فيه حاجة ما أمرتكم أن ترفعوا أجنحتكم
عنه (1).
62 - أمالي الصدوق: في مناهي النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا تحقروا شيئا من الشر، وإن
صغر في أعينكم، ولا تستكثروا الخير وإن كثر في أعينكم، فإنه لا كبير مع الاستغفار
ولا صغير مع الاصرار (2).
63 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أخي
الفضيل، عن الفضيل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: من الذنوب التي لا تغفر قول
الرجل: يا ليتني لا أو أخذ إلا بهذا (3).
64 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن الأصبهاني، عن المنقري، عن حفص
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إني لأرجو النجاة لهذه الأمة لمن عرف حقنا منهم
إلا لاحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن (4).
65 - علل الشرائع: عن ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن عبد العظيم

(1) علل الشرائع ج 2 ص 219.
(2) أمالي الصدوق ص 260.
(3) الخصال ج 1 ص 14.
(4) الخصال ج 1 ص 59.
355

الحسني، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن الفضل، عن خاله محمد بن سليمان
عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لمحمد بن مسلم: يا محمد بن مسلم
لا تغرنك الناس من نفسك، فان الامر يصل إليك دونهم، ولا تقطع النهار عنك
بكذا وكذا. فان معك من يحصي عليك، ولا تستصغرن حسنة تعملها فإنك تراها
حيث تسرك، ولا تستصغرن سيئة تعمل بها فإنك تراها حيث تسوؤك، وأحسن
فاني لم أر شيئا قط أشد طلبا ولا أسرع دركا من حسنة محدثة لذنب قديم (1).
66 - الخصال: عن ابن مسرور، عن ابن عامر، عن عمه، عن ابن أبي عمير، عن
ابن عميرة، عن الصادق عليه السلام قال: من لم يبال ما قال وما قيل فيه فهو شرك
شيطان، ومن لم يبال أن يراه الناس مسيئا فهو شرك شيطان، ومن اغتاب أخاه
المؤمن من غير ترة بينهما فهو شرك شيطان، ومن شعف بمحبة الحرام وشهوة الزنا
فهو شرك شيطان.
ثم قال عليه السلام: إن لولد الزنا علامات أحدها بغضنا أهل البيت، وثانيها أنه
يحن إلى الحرام الذي خلق منه، وثالثها الاستخفاف بالدين، ورابعها سوء المحضر
للناس، ولا يسئ محضر إخوانه إلا من ولد على غير فراش أبيه، أو حملت به
أمه في حيضها (2).
67 - ثواب الأعمال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن عباس بن
هلال، عن الرضا عليه السلام قال: المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة
مخذول، والمستتر بالسيئة مغفور له (3).
68 - ثواب الأعمال: عن أبيه، عن الحميري، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن بكر بن
صالح، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن إبراهيم، عن جعفر الجعفري، عن
الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أذنب ذنبا وهو ضاحك، دخل

(1) علل الشرائع ج 2 ص 280.
(2) الخصال ج 1 ص 102 وتراه في المعاني ص 400.
(3) ثواب الأعمال ص 162.
356

النار وهو باك (1).
69 - ثواب الأعمال: عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن
بكير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من هم بالسيئة فلا يعملها
فإنه ربما عمل العبد السيئة فيراه الرب عز وجل فيقول: وعزتي وجلالي لا أغفر
له أبدا (2).
المحاسن: أبي، عن ابن فضال مثله (3).
70 - ثواب الأعمال: عن ماجيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن محمد بن سنان، عن
حماد بن عثمان، عن خلف بن حماد، عن ربعي، عن الفضيل، عن أبي عبد الله
عليه السلام: قال: إذا أخذ القوم في معصية الله عز وجل فان كانوا ركبانا كانوا
من خيل إبليس، وإن كانوا رجالة كانوا من رجالته (4).
المحاسن: عن محمد بن علي، عن محمد بن سنان مثله (5).
71 - ثواب الأعمال: عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن أحمد بن محمد، عن ابن
محبوب، عن الهيثم بن واقد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عز وجل
بعث نبيا إلى قومه فأوحى الله إليه قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أهل
بيت كانوا على طاعتي فأصابهم شر فانتقلوا عما أحب إلى ما أكره، إلا تحولت
لهم عما يحبون إلى ما يكرهون (6).
المحاسن: عن ابن محبوب مثله (7).

(1) ثواب الأعمال ص 201.
(2) ثواب الأعمال ص 216.
(3) المحاسن ص 117.
(4) ثواب الأعمال ص 226.
(5) المحاسن ص 116.
(6) ثواب الأعمال ص 226.
(7) المحاسن ص 117.
357

72 - ثواب الأعمال: عن سعد، عن البرقي، عن أبيه، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الشك والمعصية في النار، ليسا منا
ولا إلينا (1).
73 - تحف العقول: عن أبي محمد عليه السلام قال: من الذنوب التي لا تغفر [قول الرجل] (2):
ليتني لم أو أخذ إلا بهذا، ثم قال عليه السلام: الاشراك في الناس أخفى من دبيب النمل
على المسح الأسود في الليلة المظلمة (3).
74 - المحاسن: عن محمد بن علي، عن ابن فضال، عن رجل، عن أبي عبد الله
عليه السلام: قال: إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم صلاة الليل، وإن عمل الشر
أسرع في صاحبه من السكين في اللحم (4).
75 - المحاسن: (5) في رواية الفضيل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الرجل
ليذنب الذنب فيدرأ عنه الرزق، وتلا هذه الآية: " إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين *
ولا يستثنون * فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون " (6).
76 - المحاسن: في رواية بكر بن محمد الأزدي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن
المؤمن لينوي الذنب فيحرم الرزق (7).
77 - المحاسن: عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن
أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: ما من سنة أقل مطرا من سنة
ولكن الله عز وجل يضعه حيث يشاء إن الله إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم
ما كان قدره لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم، وإلى الفيافي والبحار والجبال

(1) ثواب الأعمال ص 231.
(2) زيادة أضفناها طبقا لما مر تحت الرقم 63 وما يأتي عن نسخة الغيبة للشيخ الطوسي.
(3) تحف العقول ص 487، ط الاسلامية 517.
(4) المحاسن ص 115.
(5) المحاسن ص 115.
(6) القلم: 19.
(7) المحاسن ص 116.
358

وإن الله ليعذب الجعل في جحرها بحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلتها لخطايا
من بحضرتها، وقد جعل الله له السبيل إلى مسلك سوى محلة أهل المعاصي، قال:
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فاعتبروا يا أولي الابصار (1).
78 - غيبة الشيخ الطوسي: عن سعد، عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا محمد عليه السلام
يقول: من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل: ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا، فقلت في
نفسي: إن هذا لهو الدقيق، ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره ومن نفسه كل
شئ، فأقبل علي أبو محمد عليه السلام فقال: يا أبا هاشم صدقت فالزم ما حدثت به نفسك
فان الاشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، ومن
دبيب الذر على المسح الأسود (2).
79 - المحاسن: عن عدة من أصحابنا، عن ابن أسباط، عن عمه يعقوب، عن
زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: من اجترأ على الله في المعصية، وارتكاب الكباير
فهو كافر، ومن نصب دينا غير دين الله فهو مشرك (3).
80 - المحاسن: عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي هاشم، عن
عنبسة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله يحب العبد أن يطلب إليه في الجرم
العظيم ويبغض العبد أن يستخف بالجرم اليسير (4).
81 - صحيفة الرضا (ع): عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال
الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم لا يغرنك ذنب الناس عن ذنبك، ولا نعمة الناس
عن نعمة الله عليك، ولا تقنط الناس من رحمة الله تعالى وأنت ترجوها
لنفسك (5).

(1) المحاسن ص 116.
(2) غيبة الشيخ الطوسي ص 133.
(3) المحاسن ص 209.
(4) المحاسن ص 293.
(5) صحيفة الرضا ص 4.
359

82 - تفسير العياشي: عن أبي بصير قال: سمعته يقول: " إن الذين آمنوا ثم كفروا
ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا " (1) من زعم أن الخمر حرام ثم
شربها، ومن زعم أن الزنا حرام ثم زنى، ومن زعم أن الزكاة حق ولم
يؤدها (2).
83 - تفسير الإمام العسكري: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله احذروا الانهماك في المعاصي
والتهاون بها فان المعاصي تستولي الخذلان على صاحبها، حتى توقعه في رد ولاية
وصي رسول الله صلى الله عليه وآله ودفع نبوة نبي الله، ولا تزال أيضا بذلك حتى توقعه في دفع
توحيد الله والالحاد في دين الله.
84 - مجالس المفيد: عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف
عن ابن مهزيار، عن النضر، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن زيد الشحام قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام قال: احذروا سطوات الله بالليل والنهار، فقلت: وما سطوات
الله؟ قال: أخذه على المعاصي (3).
الحسين بن سعيد أو النوادر: النضر مثله.
85 - مجالس المفيد: بهذا الاسناد، عن ابن مهزيار، عن ابن فضال، عن عثمان بن
عيسى، عن سماعة قال: سمعته يقول: ما لكم تسوؤن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رجل:
جعلت فداك وكيف نسوؤه؟ قال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى
فيها معصية الله ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله صلى الله عليه وآله وسروه (4).
الحسين بن سعيد أو النوادر: عثمان بن عيسى مثله.
86 - الاختصاص: قال الباقر عليه السلام: إن العبد ليسأل الحاجة من حوائج الدنيا
فيكون من شأن الله قضاؤها إلى أجل قريب، أو وقت بطيئ، فيذنب العبد عند

(1) النساء: 137.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 281.
(3) أمالي المفيد ص 117.
(4) أمالي المفيد ص 123.
360

ذلك ذنبا فيقول الله للملك الموكل بحاجته: لا تنجز له حاجته واحرمه إياها
فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني (1).
87 - الاختصاص: عن الصدوق، عن أبيه، عن ابن عامر، عن عمه، عن محمد بن
زياد، عن ابن عميرة قال: قال الصادق عليه السلام: إن لله تبارك وتعالى على عبده المؤمن
أربعين جنة، فمتى أذنب ذنبا [كبيرا] رفع عنه جنة، فإذا عاب أخاه المؤمن بشئ
يعلمه منه انكشفت تلك الجنن عنه، ويبقى مهتوك الستر، فيفتضح في السماء على ألسنة
الملائكة، وفي الأرض على ألسنة الناس، ولا يرتكب ذنبا إلا ذكروه، ويقول
الملائكة الموكلون به: يا ربنا قد بقي عبدك مهتوك الستر، وقد أمرتنا بحفظه
فيقول عز وجل: ملائكتي لو أردت بهذا العبد خيرا ما فضحته، فارفعوا أجنحتكم
عنه، فوعزتي لا يؤل بعدها إلى خير أبدا (2).
88 - الاختصاص: عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما من عبد مؤمن إلا وفي قلبه
نكتة بيضاء، فان أذنب وثنى خرج من تلك النكتة سواد، فان تمادي في الذنوب
اتسع ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا
وهو قول الله " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " (3).
89 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن بعض أصحابنا، عن حنان بن سدير، عن رجل يقال له
روزبه وكان من الزيدية، عن الثمالي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ما من عبد يعمل
عملا لا يرضاه الهل إلا ستره الله عليه أولا، فإذا ثنى ستره الله عليه، فإذا ثلث أهبط
الله ملكا في صورة آدمي يقول للناس: فعل كذا وكذا.
90 - الحسين بن سعيد أو النوادر: عن ابن محبوب، عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود النبي عليه السلام أن ائت عبدي دانيال فقل له:
إنك عصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، فان أنت

(1) الاختصاص: 31.
(2) الاختصاص: 220.
(3) الاختصاص: 243 والآية في سورة المطففين: 14.
361

عصيتني الرابعة لم أغفر لك، قال: فأتاه داود عليه السلام فقال له: يا دانيال إني رسول الله
إليك، وهو يقول لك: إنك عصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، وعصيتني
فغفرت لك، فان أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك، فقال له دانيال: قد بلغت
يا نبي الله.
قال: فلما كان في السحر قام دانيال وناجي ربه فقال: يا رب إن داود نبيك
أخبرني عنك أني قد عصيتك فغفرت لي، وعصيتك فغفرت لي، وعصيتك فغفرت لي
وأخبرني عنك أني إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي، فوعزتك لأعصينك ثم لأعصينك
ثم لأعصينك إن لم تعصمني.
91 - التمحيص: عن معاوية بن عمار قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وقد
كانت الريح حملت العمامة عن رأسي في البدو، فقال: يا معاوية! فقلت: لبيك جعلت
فداك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حملت الريح العمامة عن رأسك؟ قلت: نعم
قال: هذا جزاء من أطعم الاعراب.
92 - التمحيص: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام
توقوا الذنوب، فما من بلية ولا نقص رزق إلا بذنب حتى الخدش والنكبة
والمصيبة، فان الله يقول: " ومن أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن
كثير " (1).
93 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الرجل ليجلس على باب الجنة مقدار عام بذنب واحد
وإنه لينظر إلى أكوابه وأزواجه (2).
وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: للمؤمن اثنان وسبعون سترا فإذا
أذنب ذنبا انهتكت عنه ستر، فان تاب رده الله إليه وسبعة معه، وإن أبى إلا قدما
قدما في المعاصي تهتكت عنه أستاره، فان تاب ردها الله إليه ومع كل ستر منها سبعة
فان أبى إلا قدما قدما في المعاصي تهتكت أستاره وبقي بلا ستر وأوحى الله تعالى إلى

(1) الشورى: 30.
(2) نوادر الراوندي ص 4.
362

ملائكته أن استروا عبدي بأجنحتكم فان بني آدم يغيرون ولا يغيرون، وأنا
أغير ولا أغير، فان أبى إلا قدما في المعاصي شكت الملائكة إلى ربها ورفعت
أجنحتها وقالت: يا رب إن عبدك هذا قد أقذرنا مما يأتي من الفواحش ما ظهر
منها وما بطن، قال: فيقول الله تعالى لهم: كفوا عنه أجنحتكم، فلو عمل الخطيئة
في سواد الليل أو في ضوء النهار أو في مفازة أو قعر بحر لأجراها الله تعالى على
ألسنة الناس فاسألوا الله تعالى أن لا يهتك أستاركم (1).
وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن إبليس رضي منكم بالمحقرات
والذنب الذي لا يغفر قول الرجل: لا أو أخذ بهذا الذنب استصغارا له (2).
94 - أمالي الطوسي: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن علي بن الحسين بن حمزة
العلوي، عن عمه علي بن حمزة، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى، عن آبائه
عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما اختلج عرق ولا عثرت قدم إلا بما
قدمت أيديكم وما يعفو الله عنه أكثر (3).
95 - أمالي الطوسي: عن الغضايري، عن التلعكبري، عن محمد بن همام، عن محمد بن
علي بن الحسين الهمداني، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن سنان، عن
المفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالى لم يجعل للمؤمن أجلا في الموت
يبقيه ما أحب البقاء، فإذا علم أنه سيأتي بما فيه بوار دينه قبضه إليه مكرها.
قال محمد بن همام: فذكرت هذا الحديث لأحمد بن علي بن حمزة مولى
الطالبيين وكان راوية للحديث، فحدثني عن الحسين بن أسد الطفاوي، عن محمد
ابن القاسم بن فضيل بن يسار، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من يموت
بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال، ومن يعيش بالاحسان أكثر ممن يعيش

(1) نوادر الراوندي ص 6.
(2) نوادر الراوندي ص 17.
(3) أمالي الطوسي ج 2 ص 183.
363

بالاعمار (1).
96 - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب
أن لا يعصى شكرا لنعمه (2).
وقال عليه السلام: ترك الذنب أهون من طلب التوبة (3).
وقال عليه السلام: اتقوا معاصي الله في الخلوات، فان الشاهد هو الحاكم (4).
وقال عليه السلام: أقل ما يلزمكم لله ألا تستعينوا بنعمه على معاصيه (5).
وقال عليه السلام: من العصمة تعذر المعاصي (6).
وقال عليه السلام: اذكروا انقطاع اللذات، وبقاء التبعات (7).
وقال عليه السلام: أشد الذنوب ما استخف به صاحبه (8).
وقال عليه السلام: أيها الناس إن الدنيا تغر المؤمل لها، والمخلد إليها، ولا
تنفس بمن نافس فيها، وتغلب من غلب عليها، وأيم الله ما كان قوم قط في غض
نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترحوها، لان الله تعالى ليس بظلام للعبيد
ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم، وتزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربهم بصدق
من نياتهم، ووله من قلوبهم، لرد عليهم كل شارد، وأصلح لهم كل فاسد (9).
وقال عليه السلام: إن الله سبحانه لا يخفى عليه ما العباد مقترفون في ليلهم

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 311، وقد مر في ص 354 أيضا.
(2) نهج البلاغة الرقم 290 من الحكم.
(3) نهج البلاغة الرقم 170 من الحكم.
(4) نهج البلاغة الرقم 324 من الحكم.
(5) نهج البلاغة الرقم 330 من الحكم.
(6) نهج البلاغة الرقم 345 من الحكم.
(7) نهج البلاغة الرقم 433 من الحكم.
(8) نهج البلاغة الرقم 477 من الحكم.
(9) نهج البلاغة الرقم 176 من الخطب.
364

ونهارهم، لطف به خبرا، وأحاط به علما، أعضاؤكم شهوده، وجوارحكم جنوده
وضمائركم عيونه، وخلواتكم عيانه (1).
97 - كنز الكراجكي: عن المفيد، عن عمر بن محمد المعروف بابن الزيات
عن علي بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يقول الله عز وجل: يا ابن آدم ما تنصفني أتحبب
إليك بالنعم، وتتبغض إلي بالمعاصي، خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد، أفي
كل يوم يأتيني عنك ملك كريم بعمل غير صالح، يا ابن آدم لو سمعت وصفك من
غيرك، وأنت لا تدري من الموصوف لسارعت إلى مقته (2).
ومنه: قال الصادق عليه السلام: تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة
والاعتلال على الله هلكة، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله، ولا يأمن مكر الله
إلا القوم الخاسرون.
98 - عدة الداعي: روي في زبور داود عليه السلام: يقول الله تعالى: يا ابن آدم
تسألني وأمنعك لعلمي بما ينفعك، ثم تلح علي بالمسألة فأعطيك ما سألت، فتستعين
به على معصيتي، فأهم بهتك سترك فتدعوني فاستر عليك، فكم من جميل أصنع
معك، وكم من قبيح تصنع معي، يوشك أن أغضب عليك غضبة لا ارضى بعدها
أبدا.
وفيما أوحى الله إلى عيسى عليه السلام لا يغرنك المتمرد علي بالعصيان، يأكل
رزقي، ويعبد غيري، ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه، ثم يرجع إلى ما كان عليه
فعلي يتمرد؟ أم لسخطي يتعرض؟ فبي حلفت لأخذنه أخذة ليس له منها منجا، ولا
دوني ملجأ، أين يهرب من سمائي وأرضي (3).

(1) نهج البلاغة الرقم 197 من الخطب.
(2) تراه في أمالي الطوسي ج 1 ص 126.
(3) عدة الداعي ص 152.
365

- 138 -
(باب)
* " (علل المصايب والمحن والأمراض والذنوب التي توجب) " *
* " (غضب الله وسرعة العقوبة) " *
الآيات: آل عمران: أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى
هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شئ قدير * وما أصابكم يوم التقى
الجمعان فباذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا (1).
الأعراف: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم
يذكرون (2).
وقال: وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون (3).
التوبة: أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون
ولا هم يذكرون (4).
الرعد: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا
من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد (5).
الكهف: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان
ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا * وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن
يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما (6).
الأنبياء: ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون (7).

(1) آل عمران: 165 - 166.
(2) الأعراف: 130.
(3) الأعراف: 168.
(4) براءة: 126.
(5) الرعد: 31.
(6) الكهف: 79 - 80.
(7) الأنبياء: 35.
366

وقال تعالى: أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون (1).
الروم: وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون (2).
وقال تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم
بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون (3).
التنزيل: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم
يرجعون (4).
حمعسق: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير * وما
أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (5).
وقال: وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فان الانسان كفور (6).
1 - دعائم الاسلام: روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نزل في بعض أسفاره
بأرض لا نبات بها فقال: اطلبوا لنا حطبا قالوا: يا رسول الله نحن كما ترى بأرض
قرعاء، فقال: افترقوا واطلبوا على ذلك، فافترق الناس فجعل الرجل يأتي
بالعودين والثلاثة وأكثر من ذلك كالخلال ونحوه مما تسفيه الريح حتى صار
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك كوم عظيم، فقال: أردت أن أضرب لكم بهذا
مثلا: هكذا تجتمع الحسنات وهكذا تجتمع السيئات فرحم الله امرءا نظر لنفسه.
2 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن العدة، عن أحمد بن محمد
جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خمس إن أدركتموهن فتعوذوا بالله منهن: لم تظهر
الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن
في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة
المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر من السماء، ولولا

(1) الأنبياء: 44.
(2) الروم: 36.
(3) الروم: 41.
(4) التنزيل: 21.
(5) الشورى: 30 - 31.
(6) الشورى: 48.
367

البهايم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم
وأخذوا بعض ما في أيديهم، ولم يحكموا بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم
بينهم (1).
بيان: " خمس " مبتدأ مع تنكيره مثل كوكب انقض الساعة، والجملة
الشرطية خبره أو خمس فاعل فعل محذوف أي تكون خمس، والفاحشة الزنا، وفي
القاموس السنة الجدب والقحط والأرض المجدبة، والجمع سنون، وفي النهاية السنة
الجدب، يقال: أخذتهم السنة إذا أجدبوا وأقحطوا، والمؤنة القوت، وشدة
المؤنة ضيقها، وعسر تحصيلها.
وقيل: يترتب على كل واحد منها عقوبة تناسبه، فان الأول لما كان فيه
تضييع آلة النسل، ناسبه الطاعون الموجب لانقطاعه، والثاني لما كان القصد فيه
زيادة المعيشة ناسبه القحط وشدة المؤنة وجور السلطان بأخذ المال وغيره، والثالث
لما كان فيه منع ما أعطاه الله بتوسط الماء ناسبه منع نزول المطر من السماء، والرابع
لما كان فيه ترك العدل والحاكم العادل ناسبه تسلط العدو وأخذ الأموال، والخامس
لما كان فيه رفض الشريعة وترك القوانين العدلية ناسبه وقوع الظلم بينهم وغلبة بعضهم
على بعض.
وأقول: يمكن أن يقال: لما كان في الأول مظنة تكثير النسل، عاملهم الله
بخلافه، وفي الثالث لما كان غرضهم توفير المال منع الله القطر ليضيق عليهم، وأشار
بقوله: " ولولا البهائم لم يمطروا " إلى أن البهايم لعدم صدور المعصية منهم وعدم
تكليفهم استحقاقهم للرحمة أكثر من الكفرة، وأرباب الذنوب والمعاصي، كما
دلت عليه قصة النملة، واستسقاؤها وقولها: اللهم لا تؤاخذنا بذنوب بني آدم، ويومي إليه
قوله تعالى: " بل هم أضل سبيلا " (2).
والمراد بنقض عهد الله وعهد رسوله نقض الأمان والذمة التي أمر الله برعايتها
والوفاء بها، وإذا خفرت الذمة أديل لأهل الشرك من أهل الاسلام، وهو الظاهر

(1) الكافي ج 2 ص 373.
(2) الفرقان: 44.
368

من الخبر الآتي أيضا، وقيل: هو نقض العهد بنصرة الإمام الحق واتباعه في
جميع الأمور، والأول أظهر.
ولما كان هذا الغدر للغلبة على الخصم بالحيلة والمكر يعاملهم الله بما يخالف
غرضهم، فيجعل بأسهم بينهم، في القاموس البأس العذاب والشدة في الحرب، أي
جعل عذابهم وحربهم بينهم يتسلط بعضهم على بعض، ويتغالبون ويتحاربون، ولا
ينتصف بعضهم من بعض، وترتب هذا على الجور في الحكم ظاهر، ويحتمل أن
يكون السبب أنهم إذا جاروا في الحكم وحكموا للظالم على المظلوم يسلط الله
على الظالم ظالما آخر يغلبه، فيصير بأسهم وحربهم بينهم، وهذا أيضا مجرب.
3 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، والعدة، عن أحمد بن محمد جميعا
عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
وجدنا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة، وإذا
طفف المكيال والميزان أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض
بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها، وإذا جاروا في الاحكام تعاونوا على الظلم
والعدوان، وإذا نقضوا العهد سلط الله عليهم عدوهم، وإذا قطعوا الأرحام جعلت
الأموال في أيدي الأشرار، وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، ولم
يتبعوا الأخيار من أهل بيتي، سلط الله عليهم شرارهم، فيدعو خيارهم فلا يستجاب
لهم (1).
بيان: " في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله " صدر هذا الحديث في كتاب نكاح الكافي (2)
وفيه " في كتاب علي عليه السلام " وهو أظهر، ولا تنافي بينهما لان مملي الكتاب رسول
الله صلى الله عليه وآله والكاتب علي عليه السلام، فيجوز نسبته إلى كل منهما، وعلى تقدير المغايرة
يمكن وجدانه فيهما، وفي المصباح فجأت الرجل أفجاؤه مهموز من باب تعب
وفي لغة بفتحتين جئته بغتة والاسم الفجاءة بالضم والمد و في لغة وزان تمرة وفجأه

(1) الكافي ج 2 ص 374.
(2) الكافي ج 5 ص 541 وسيأتي ما يؤيده تحت الرقم 6.
369

الامر مهموز من بابي تعب ونفع أيضا وفاجأه مفاجأة أي عاجله، وقال: الطفيف
مثل القليل وزنا ومعنى، ومنه قيل تطفيف المكيال والميزان، وقد طففه، وهو
مطفف، إذا كال أو وزن ولم يوف انتهى.
وأقول: قال تعالى: " ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس
يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " قال البيضاوي: التطفيف البخس
في الكيل والوزن لان ما يبخس طفيف، أي حقير، وفي الحديث خمس بخمس:
ما نقض العهد قوم إلا سلط الله عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا
فشا فيهم الفقر، وما ظهر فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا الكيل إلا
منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر، وقال:
" على الناس " أي منهم " يستوفون " أي يأخذون حقوقهم وافية " وإذا كالوهم أو
وزنوهم " أي كالوا للناس ووزنوا لهم (1).
والمراد بالنقص نقص ريع الأرض من الثمرات والحبوب كما قال سبحانه:
" ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون " (2)
" منعت الأرض " على بناء المعلوم، فيكون المفعول الأول محذوفا أي منعت الأرض
الناس بركتها، أو المجهول، فيكون الفاعل هو الله تعالى والجور نقيض العدل
وهذه الفقرة تحتمل وجهين:
الأول أن الجور في الحكم وترك العدل هو معاونة للظالم على المظلوم
فلا يكون على سياق سائر الفقرات، وكأن النكتة فيه أن سوء اثره وهو الاختلال
في نظام العالم لما كان ظاهرا اكتفى بتوضيح أصل الفعل، وإظهار قبحه.
الثاني أن يكون المراد أنه تعالى بسبب هذا الفعل يمنع اللطف عنهم
فيتعاونون على الظلم والعدوان، حتى يصل ضرره إلى الحاكم والظالم أيضا كما
قال عليه السلام في الخبر السابق: " جعل الله بأسهم بينهم " والظاهر أن المراد بالعهد

(1) أنوار التنزيل: 457.
(2) الأعراف: 130.
370

المعاهدة مع الكفار كما عرفت، ويحتمل التعميم، وكون قطع الأرحام سببا
لجعل الأموال في أيدي الأشرار مجرب وله أسباب باطنة وظاهرة، فعمدة الباطنة
قطع لطف الله تعالى عنهم، ومن الظاهرة أنهم لا يتعاونون في دفع الظلم، فيتسلط
عليهم الأشرار، ويأخذون الأموال منهم، ومنها أنهم يدلون بأموالهم إلى الحكام
الجائرين لغلبة بعضهم على بعض، فينتقل أموالهم إليهم.
" وإذا لم يأمروا بالمعروف " قيل: يحتمل ترتب التسليط على ترك كل
واحد منهما أو تركهما معا، وأقول: الثاني أظهر مع أن كلا منهما يستلزم الاخر
فان ترك كل معروف منكر، وترك كل منكر معروف، والمراد بالخيار الفاعلون
للمعروف الآمرون به، والتاركون للمنكر الناهون عنه، وعدم استجابة دعائهم
لاستحكام الغضب وبلوغه حد الحتم والابرام، ألا يرى أنه لم تقبل شفاعة خليل
الرحمن عليه السلام لقوم لوط؟ ويحتمل أن يكون المراد بالخيار الذين لم يتركوا
المعروف ولم يرتكبوا المنكر لكنهم لم يأمروا ولم ينهوا. فعدم استجابة دعائهم
لذلك كأصحاب السبت فان العذاب نزل على المعتدين والذين لم ينهوا معا، وعدم
استجابة دعاء المؤمنين لظهور القائم عليه السلام يحتمل الوجهين.
واعلم أن عمدة ترك النهي عن المنكر في هذه الأمة ما صدر عنهم بعد الرسول
صلى الله عليه وآله في مداهنة خلفاء الجور، وعدم اتباع أئمة الحق عليهم
فتسلط عليهم خلفاء الجور من التيمي والعدوي وبني أمية وبني العباس، وسائر
الملوك الجائرين، فكانوا يدعون ويتضرعون فلا يستجاب لهم، وربما يخص
الخبر بذلك لقوله: " ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي " والتعميم أولى.
4 - قرب الإسناد: عن هارون، عن ابن زياد، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: إن الله
تبارك وتعالى أنزل كتابا من كتبه على نبي من أنبيائه، وفيه أنه سيكون خلق
من خلقي يلحسون الدنيا بالدين، يلبسون مسوك الضأن على قلوب كقلوب الذئاب
أشد مرارة من الصبر، ألسنتهم أحلا من العسل، وأعمالهم الباطنة أنتن من الجيف
أفبي يغترون؟ أم إياي يخدعون؟ أم علي يتجبرون؟ فبعزتي حلفت لأبتعثن
371

لهم الفتنة تطأ في خطامها حتى تبلغ أطراف الأرض يترك الحكيم فيها حيران (1).
5 - أمالي الصدوق: عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن مالك
ابن عطية، عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أما إنه ليس من سنة أقل
مطرا من سنة، ولكن الله يضعه حيث يشاء، إن الله جل جلاله إذا عمل قوم
بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم، وإلى
الفيافي والبحار والجبال، وإن الله ليعذب الجعل في جحرها بحبس المطر عن
الأرض التي هي بمحلتها لخطايا من بحضرتها وقد جعل الله لها السبيل إلى مسلك
سوى محلة أهل المعاصي قال: ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فاعتبروا يا أولي الابصار.
ثم قال: وجدنا في كتاب علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا ظهر
الزنا كثر موت الفجأة، وإذا طفف المكيال أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا
منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها، وإذا جاروا
في الاحكام تعاونوا على الظلم والعدوان، وإذا نقضوا العهد سلط الله عليهم عدوهم
وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار، وإذا لم يأمروا بمعروف
ولم ينهوا عن منكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلط الله عليهم شرارهم
فيدعو عند ذلك خيارهم فلا يستجاب لهم (2).
6 - أمالي الطوسي: عن المفيد، عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن محمد
ابن عيسى، عن ابن أبي عمير عن ابن عطية، عن الثمالي قال: سمعت أبا جعفر
عليه السلام يقول: وجدت في كتاب علي بن أبي طالب عليه السلام إلى آخر ما مر (3)
علل الشرائع: عن ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن ابن محبور
عن ابن عطية، عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام من قوله: وجدنا في كتاب علي

(1) قرب الإسناد: 22.
(2) أمالي الصدوق: 185.
(3) أمالي الطوسي ج 1 ص 214.
372

عليه السلام إلى آخر الخبر (1).
ثواب الأعمال: عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن أحمد بن محمد، عن ابن
محبوب مثله (2).
7 - مجالس المفيد (3) أمالي الطوسي: المفيد: عن عمر بن محمد الزيات، عن عبد الله بن جعفر
عن مسعر بن يحيى، عن شريك بن عبيد الله، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبيه
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها
ولا تؤخر إلى الآخرة: عقوق الوالدين، والبغي على الناس، وكفر الاحسان (4).
8 - مجالس المفيد (5) أمالي الطوسي: المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى
عن الحسين بن سعيد، عن ياسر، عن الرضا عليه السلام قال: إذا كذب الولاة حبس
المطر، وإذا جار السلطان هانت الدولة، وإذا حبست الزكاة ماتت المواشي (6).
9 - أمالي الطوسي: عن حمويه، عن أبي الحسين، عن أبي خليفة، عن أبي الوليد
وأبي كثير معا، عن شعبة، عن الحكم، عن الحسن بن مسلم، عن ابن عباس قال:
ما ظهر البغي قط في قوم إلا ظهر فيهم الموتان، ولا ظهر البخس في الميزان
[إلا وظهر فيهم الخسران] والفقر - قال أبو خليفة: عن أبي كثير إلا ابتلوا
بالسنة - ولا ظهر نقض العهد في قوم إلا أديل عليهم عدوهم (7).
10 - الخصال: عن العطار، عن سعد، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن الحسن
ابن الحصين، عن موسى بن القاسم، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن بكير

(1) علل الشرائع ج 2 ص 271.
(2) ثواب الأعمال: 225.
(3) مجالس المفيد: 148.
(4) أمالي الطوسي ج 1 ص 13.
(5) مجالس المفيد: 191.
(6) أمالي الطوسي ج 1 ص 77.
(7) أمالي الطوسي ج 2 ص 17.
373

عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أربعة أسرع شئ عقوبة: رجل أحسنت إليه
ويكافيك بالاحسان إليه إساءة، ورجل لا تبغي عليه وهو يبغي عليك، ورجل
عاهدته على أمر فمن أمرك الوفاء له ومن أمره الغدر بك، ورجل يصل قرابته
ويقطعونه (1).
مجالس المفيد: عن الجعابي، عن الحسن بن عمر بن الحسن، عن جعفر بن محمد بن
مروان، عن محمد بن إسماعيل الهاشمي، عن عبد المؤمن، عن محمد بن علي بن
الحسين عليهم السلام عن جابر الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وآله مثله وفيه: ورجل تصل
قرابته فيقطعك (2).
كتاب الغايات: عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: أربع هن أسرع الأشياء
عقوبة وذكر مثله مع أدنى تغيير في بعض ألفاظه.
الخصال: في وصية النبي صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام مثله وزاد في آخره ثم قال
صلى الله عليه وآله: يا علي من استولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة (3).
11 - علل الشرائع: ابن مسرور، عن ابن عامر، عن المعلى، عن العباس بن العلا
عن مجاهد، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الذنوب التي تغير النعم البغي
والذنوب التي تورث الندم القتل، والتي تنزل النقم الظلم، والتي تهتك الستور
شرب الخمر، والتي تحبس الرزق الزنا، والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم، والتي
ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين (4).
معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد، عن المعلى مثله (5).

(1) الخصال ج 1 ص 109.
(2) مجالس المفيد: 106.
(3) الخصال ج 1 ص 110.
(4) علل الشرايع ج 2 ص 271.
(5) معاني الأخبار: 269.
374

الاختصاص: عنه عليه السلام مثله (1).
12 - معاني الأخبار: عن القطان، عن ابن زكريا، عن ابن حبيب، عن ابن بهلول
عن أبيه، عن عبد الله بن الفضل، عن أبيه، عن أبي خالد الكابلي قال: سمعت علي بن
الحسين عليه السلام يقول: الذنوب التي تغير النعم البغي على الناس، والزوال عن العادة
في الخير واصطناع المعروف، وكفران النعم، وترك الشكر، قال الله عز وجل
" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (2) والذنوب التي تورث الندم
قتل النفس التي حرم الله قال الله تعالى (3) في قصة قابيل حين قتل أخاه هابيل
فعجز عن دفنه " فأصبح من النادمين " (4) وترك صلة القرابة حتى يستغنوا، وترك
الصلاة حتى يخرج وقتها، وترك الوصية، ورد المظالم، ومنع الزكاة، حتى
يحضر الموت، وينغلق اللسان.
والذنوب التي تنزل النقم عصيان العارف بالبغي، والتطاول على الناس
والاستهزاء بهم، والسخرية منهم، والذنوب التي تدفع القسم إظهار الافتقار، والنوم
عن العتمة، وعن صلاة الغداة، واستحقار النعم، وشكوى المعبود عز وجل.
والذنوب التي تهتك العصم شرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطي ما يضحك
الناس من اللغو والمزاح، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب، والذنوب
التي تنزل البلاء ترك إغاثة الملهوف، وترك معاونة المظلوم،، وتضييع الامر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، والذنوب التي تديل الأعداء المجاهرة بالظلم
وإعلان الفجور، وإباحة المحظور، وعصيان الأخيار، والانطباع (5) للأشرار.
والذنوب التي تعجل الفناء، قطيعة الرحم، واليمين الفاجرة، والأقوال
الكاذبة، والزنا، وسد طريق المسلمين، وادعاء الإمامة بغير حق، والذنوب التي

(1) الاختصاص: 238.
(2) الرعد: 12.
(3) زاد في المصدر: قال الله تعالى: " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله ".
(4) المائدة: 34.
(5) يعنى الانقياد.
375

تقطع الرجاء اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله والتكذيب
بوعد الله عز وجل.
والذنوب التي تظلم الهوا السحر والكهانة، والايمان بالنجوم، والتكذيب
بالقدر، وعقوق الوالدين، والذنوب التي تكشف الغطاء الاستدانة بغير نية الأداء
والاسراف في النفقة على الباطل، والبخل على الأهل والولد وذوي الأرحام، وسوء
الخلق، وقلة الصبر، واستعمال الضجر والكسل، والاستهانة بأهل الدين.
والذنوب التي ترد الدعاء سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق مع الاخوان
وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، وترك
التقرب إلى الله عز وجل بالبر والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول
والذنوب التي تحبس غيث السماء جور الحكام في القضا، وشهادة الزور، وكتمان
الشهادة، ومنع الزكاة والقرض والماعون، وقساوة القلب على أهل الفقر والفاقة
وظلم اليتيم والأرملة، وانتهار السائل ورده بالليل (1).
13 - ثواب الأعمال: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن أبان الأحمر
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خمس إذا أدركتموها فتعوذوا بالله
عز وجل منهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إلا ظهر فيهم الطاعون
والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا
أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر
من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله عز وجل وعهد رسوله
إلا سلط الله عليهم عدوهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، ولم يحكموا بغير ما أنزل الله
إلا جعل بأسهم بينهم (2).
14 دعوات الراوندي: سمع ابن الكوا أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أعوذ
بالله من الذنوب التي تعجل الفناء، فقال: أيكون ذنب يعجل الفناء؟ فقال: نعم

(1) معاني الأخبار: 270.
(2) ثواب الأعمال: 226.
376

قطعية الرحم، إن أهل بيت يكونون أتقياء، فيقطع بعضهم بعضا فيحرمهم الله
وإن أهل بيت يكونون فجرة فيتواسون فيرزقهم الله.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: خمس إن أدركتموها فتعوذوا بالله منهن: لم تظهر
الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في
أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة
المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم
يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم فأخذوا بعض
ما في أيديهم، ولم يحكموا بغير ما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم.
14 - عدة الداعي: روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه قال: اتقوا
الذنوب فإنها ممحقة للخيرات، إن العبد ليذنب الذنب فينسى به العلم الذي كان قد
علمه، وإن العبد ليذنب الذنب فيمنع به من قيام الليل، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم
به الرزق، وقد كان هنيئا له، ثم تلا " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة " إلى
آخر الآيات (1).
- 139 -
* (باب) *
* " (الاملاء والامهال على الكفار والفجار، والاستدراج والافتتان) " *
* " (زائدا على ما مر في كتاب العدل ومن يرحم الله *) "
" (بهم على أهل المعاصي) "
الآيات: آل عمران: ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير
لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين * وما كان الله ليذر المؤمنين
على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب (2).

(1) عدة الداعي: 151، والآيات في سورة القلم: 17 - 19.
(2) آل عمران: 178 - 179.
377

وقال سبحانه: لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم
جهنم وبئس المهاد (1).
المائدة: وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم
عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون (2).
الانعام: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا
فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون (3).
الأعراف: وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء
لعلهم يضرعون * ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آبائنا
الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون (4).
التوبة: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة
الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (5).
يونس: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم
فنذر الذين لا يرجون لقائنا في طغيانهم يعمهون (6).
وقال تعالى: ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون (7).
هود: وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم (8).
الرعد: ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم
فكيف كان عقاب (9).
الحجر: ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون (10).
النحل: ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن

(1) آل عمران: 196 - 197.
(2) المائدة: 71.
(3) الانعام: 44.
(4) الأعراف: 94 - 95.
(5) براءة: 85.
(6) يونس: 11.
(7) يونس: 19.
(8) هود: 48.
(9) الرعد: 32.
(10) الحجر: 3.
378

يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (1).
الكهف: وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب
بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا (2).
مريم: فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا (3).
طه: ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى (4).
الأنبياء: بل متعنا هؤلاء وآبائهم حتى طال عليهم العمر (5).
وقال تعالى: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين (6).
الحج: فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير - إلى قوله تعالى:
وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير (7).
المؤمنون: فذرهم في غمرتهم حتى حين * أيحسبون أنما نمدهم به من مال
وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (8).
الفرقان: ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما
بورا (9).
الشعراء: أتتركون فيما هيهنا آمنين * في جنات وعيون * وزروع
ونخل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين * فاتقوا الله وأطيعون (10).
وقال تعالى: أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جائهم ما كانوا يوعدون * ما
أعني عنهم ما كانوا يمتعون (11).
العنكبوت: ولولا أجل مسمى لجائهم العذاب، وليأتينهم بغتة وهم

(1) النحل: 61.
(2) الكهف: 58.
(3) مريم: 84.
(4) طه: 129.
(5) الأنبياء: 44.
(6) الأنبياء: 111.
(7) الحج: 44 - 48.
(8) المؤمنون: 54 - 55.
(9) الفرقان: 18.
(10) الشعراء: 146 - 150.
(11) الشعراء: 207 - 205.
379

لا يشعرون (1).
لقمان نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ (2).
فاطر: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة
ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فان الله كان بعباده بصيرا (3).
يس: وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون * إلا رحمة منا
ومتاعا إلى حين (4).
المؤمن: فلا يغررك تقلبهم في البلاد * كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب
من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق
فأخذتهم فكيف كان عقاب (5).
السجدة: ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم (6).
حمعسق: ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم (7).
الزخرف: بل متعت هؤلاء وآبائهم حتى جائهم الحق ورسول مبين (8).
الفتح: لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما (9).
الذاريات: وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين * فعتوا عن أمر ربهم
فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون (10).
القلم: فذرني ومن يكذب بهذا الحديث * سنستدرجهم من حيث لا يعلمون *
وأملي لهم إن كيدي متين (11).
المدثر: ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين

(1) العنكبوت: 53.
(2) لقمان: 24.
(3) فاطر: 45.
(4) يس: 43 - 44.
(5) المؤمن: 4 - 5.
(6) السجدة: 45.
(7) الشورى: 21.
(8) الزخرف: 29.
(9) الفتح: 25.
(10) الذاريات: 44 - 43.
(11) القلم: 44 - 45.
380

شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لاياتنا عنيدا (1).
المرسلات: كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون (2).
الطارق: إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا (3).
1 - أمالي الصدوق: عن ماجيلويه، عن عمه، عن البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان
عن إبراهيم بن زياد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى أهبط ملكا
إلى الأرض فلبث فيها دهرا طويلا ثم عرج إلى السماء فقيل له: ما رأيت؟ قال:
رأيت عجايب كثيرة، وأعجب ما رأيت أني رأيت عبدا متقلبا في نعمتك، يأكل
رزقك، ويدعي الربوبية، فعجبت من جرئته عليك ومن حلمك عنه، فقال الله
جل جلاله: فمن حلمي عجبت؟ قال: نعم، قال: قد أمهلته أربعمائة سنة لا يضرب
عليه عرق، ولا يريد من الدنيا شيئا إلا ناله، ولا يتغير عليه فيها مطعم ولا
مشرب (4).
2 - الخصال: عن ابن الوليد، عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا، عن ابن عيسى
عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن مصعب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن لله عز
وجل في كل يوم وليلة ملكا ينادي: مهلا مهلا عباد الله عن معاصي الله فلولا بهائم
رتع، وصبية، رضع، وشيوخ ركع، لصب عليكم العذاب صبا ترضون به
رضا (5).
3 - علل الشرائع: الفامي، عن محمد الحميري، عن أبيه، عن هارون، عن ابن صدقة
عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله عز وجل إذا
رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي، وفيها ثلاث نفر من المؤمنين ناداهم جل جلاله

(1) المدثر: 11 - 16.
(2) المرسلات: 46.
(3) الطارق: 15 - 17.
(4) لا يوجد في الأمالي.
(5) الخصال ج 1 ص 64.
381

وتقدست أسماؤه: يا أهل معصيتي لولا ما فيكم من المؤمنين المتحابين بجلالي العامرين
بصلاتهم أرضي ومساجدي، المستغفرين بالاسحار خوفا مني، لانزلت بكم عذابي
ثم لا أبالي (1).
علل الشرائع: عن أبيه، عن الحميري مثله (2).
4 - علل الشرائع: أبي، عن محمد العطار، عن العمركي. عن علي بن جعفر
عن أخيه، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: إن الله عز وجل إذا أراد أن يصيب أهل
الأرض بعذاب قال: لولا الذين يتحابون بجلالي، ويعمرون مساجدي
ويستغفرون بالاسحار لانزلت عذابي (3).
ثواب الأعمال: عن أبيه، عن علي بن الحسن الكوفي، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن
السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام مثله (4).
5 - علل الشرائع: ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن علي بن الحكم
عن ابن عميرة، عن ابن طريف، عن ابن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله
عز وجل ليهم بعذاب أهل الأرض جميعا حتى لا يريد أن يحاشى منهم أحدا إذا عملوا
بالمعاصي، واجترحوا السيئات، فإذا نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات
والولدان يتعلمون القرآن رحمهم وأخر عنهم ذلك (5).
6 - تفسير العياشي: عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله يدفع
بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا، ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا
وإن الله يدفع بمن يصوم منهم عمن لا يصوم من شيعتنا، ولو أجمعوا على ترك الصيام
لهلكوا، وإن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي منهم، ولو اجتمعوا

(1) علل الشرائع ج 1 ص 234.
(2) علل الشرائع ج 2 ص 209.
(3) علل الشرائع ج 1 ص 208.
(4) ثواب الأعمال: 161.
(5) علل الشرائع ج 2 ص 208.
382

على ترك الزكاة لهلكوا، وإن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج منهم
ولو اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا، وهو قول الله تعالى: " ولولا دفع الله الناس
بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين " (1) فوالله ما أنزلت
إلا فيكم، ولا عني بها غيركم (2).
7 - الاختصاص: عن ربعي، عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
ما عذب الله قرية فيها سبعة من المؤمنين (3).
8 - نهج البلاغة: قال عليه السلام: يا ابن آدم إذا رأيت ربك سبحانه يتابع عليك نعمه
وأنت تعصيه فاحذره (4).
وقال عليه السلام: في كلام له: الحذر الحذر فوالله لقد ستر حتى كأنه غفر (5).
وقال عليه السلام: كم من مستدرج بالاحسان إليه، ومغرور بالستر عليه، ومفتون
بحسن القول فيه، وما ابتلى الله أحدا بمثل الاملاء له (6).
وقال عليه السلام: أيها الناس ليراكم الله من النعمة وجلين كما يراكم من النقمة
فرقين، إنه من وسع عليه في ذات يده، فلم ير ذلك استدراجا فقد أمن مخوفا
ومن ضيق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيع مأمولا (7).

(1) البقرة: 251.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 135.
(3) الاختصاص: 30.
(4) نهج البلاغة الرقم 24 من الحكم.
(5) نهج البلاغة الرقم 29 من الحكم.
(6) نهج البلاغة الرقم 116 من الحكم.
(7) نهج البلاغة الرقم 358 من الحكم.
383

- 140 -
(باب)
* " (النهى عن التعيير بالذنب أو العيب، والامر بالهجرة) " *
* " (عن بلاد أهل المعاصي) " *
الآيات: النساء: إن الذين توفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم
قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها (1).
العنكبوت: يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون (2).
الزمر: أرض الله واسعة (3).
1 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان
عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أنب مؤمنا أنبه الله في الدنيا والآخرة (4)
بيان: قال الجوهري: أنبه تأنيبا عنفه ولامه، وتأنيبه عز وجل إما
على الحقيقة ففي الاخر ظاهر، وفي الدنيا وإن لم يستمع لكن يفتضح عند
الملاء الاعلى، ويعلمه باخبار المخبر الصادق وأمثال ذلك من نداء الله تعالى مع عدم
سماعه كثيرة، والكل محمول على ذلك.
وإما المراد به إفشاء عيوبه وابتلاؤه بمثله في الدنيا وعقابه على التأنيب
في الآخرة على المشاكلة، أو تسمية المسبب باسم السبب.
2 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن عمار، عن
إسحاق عن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أذاع فاحشة
كان كمبتدئها، ومن عير مؤمنا بشئ لم يمت حتى يركبه (5).
بيان: الفاحشة كل ما نهى الله عز وجل عنه، وربما يخص بما يشتد
قبحه من الذنوب " كان كمبتدئها " أي فاعلها، وإنما عبر عنه بالمبتدئ لان
المذيع كالفاعل، فهو بالنسبة إليه مبتدئ، ويحتمل أن يكون المراد بالفاحشة

(1) النساء: 97.
(2) العنكبوت: 56.
(3) الزمر: 10.
(4) الكافي ج 2 ص 356.
(5) الكافي ج 2 ص 356.
384

البدعة القبيحة، والمعنى من عمل بها وأفشاها بين الناس كان عليه كوزر من ابتدعها
أولا، وهذا بالنظر إلى الابتداء أظهر، كالأول بالنسبة إلى الإذاعة. في القاموس
بدأ به - كمنع - ابتدء، والشئ فعله ابتداء كأبداه وابتداه.
وقد يقال: هذا الوعيد إنما هو في ذوي الهيئات الحسنة، وفيمن لم يعرف
بأذية ولا فساد في الأرض، وأما المولعين بذلك، الذين ستروا غير مرة فلم يكفوا
فلا يبعد القول بكشفهم، لان الستر عليهم من المعاونة على المعاصي وستر من يندب
إلى ستره، إنما هو في معصية مضت، وأما في معصية هو متلبس بها، فلا يبعد القول
بوجوب المبادرة إلى إنكارها، والمنع منها لمن قدر عليه، فإن لم يقدر رفع إلى
والي الامر، ما لم يؤد إلى مفسدة أشد.
وأما جرح الشاهد والراوي والامناء على الأوقاف والصدقات وأموال
الأيتام فيجب الجرح عند الحاجة إليه، لأنه تترتب عليه أحكام شرعية، ولو رفع
إلى الامام ما يندب الستر فيه لم يأثم، إذا كانت نيته رفع معصية الله لا كشف ستره
وجرح الشاهد إنما هو عند طلب ذلك منه، أو يرى حاكما يحكم بشهادته، وقد
علم منه ما يبطلها، فلا يبعد القول بحسن رفعه.
3 - الكافي: عن العدة، عن البرقي، عن ابن فضال، عن حسين بن عمر بن
سليمان، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من لقي أخاه بما يؤنبه
أنبه الله في الدنيا والآخرة (1).
بيان: " بما يؤنبه " كأن كلمة " ما " مصدرية فالمستتر في " يؤنبه " راجع
إلى " من " ويحتمل أن تكون موصولة فيحتمل إرجاع المستتر إلى " من " أيضا
بتقدير العائد اي بما يؤنبه به، أو إلى ما نفي، والاسناد تجوز
4 - أمالي الطوسي: المفيد، عن أبي غالب الزراري، عن جده محمد بن سليمان، عن
محمد بن خالد، عن ابن حميد، عن الحذاء، عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: كفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من

(1) الكافي ج 2 ص 356.
385

نفسه، وأن يعير الناس بما لا يستطيع تركه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه (1).
الخصال - العطار، عن سعد، عن البرقي، عن بكر بن صالح، عن ابن فضال
عن عبد الله بن إبراهيم، عن الحسين بن زيد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن
النبي صلى الله عليه وآله مثله (2).
5 - تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " يا
عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة " (3) يقول: لا تطيعوا أهل الفسق من الملوك
فان خفتموهم أن يفتنوكم على دينكم فان أرضي واسعة، وهو يقول: " فيم كنتم
قالوا كنا مستضعفين في الأرض " فقال " ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها " (4).
6 - الخصال: عن سعد، عن الأصبهاني، عن المنقري، عن ابن عيينة، عن الزهري
عن علي بن الحسين عليه السلام قال: كان آخر ما أوصى به الخضر موسى بن عمران عليهما السلام
أن قال له: لا تعيرن أحدا بذنب، وإن أحب الأمور إلى الله عز وجل ثلاثة: القصد
في الجدة، والعفو في المقدرة، والرفق بعباد الله، وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا
رفق الله عز وجل به يوم القيامة، ورأس الحكم مخافة الله تبارك وتعالى (5).
أقول: قد مضى في باب جوامع مساوي الأخلاق، عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال: سبعة يفسدون أعمالهم، وذكر منهم السريع إلى لائمة إخوانه (6).
7 - قصص الأنبياء: عن الصدوق، عن محمد العطار، عن الحسين بن إسحاق، عن علي بن
مهزيار، وعن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن سدير
عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما فارق موسى الخضر عليه السلام قال موسى: أوصني! فقال

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 105.
(2) الخصال ج 1 ص 54.
(3) العنكبوت: 56.
(4) تفسير القمي: 497 والآية في النساء: 97.
(5) الخصال ج 1 ص 54.
(6) راجع ج 72 ص 195، نقله عن الخصال ج 2 ص 5.
386

الخضر: الزم مالا يضرك معه شئ، كما لا ينفعك من غيره شئ، إياك واللجاجة
والمشي إلى غير حاجة، والضحك في غير تعجب، يا ابن عمران! لا تعيرن أحدا
بخطيئة، وابك على خطيئتك.
8 - نهج البلاغة: ليس بلد أحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك (1).
- 141 -
(باب)
* " (وقت ما يغلظ على العبد في المعاصي) " *
" (واستدراج الله تعالى) "
الآيات: فاطر: وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي
كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجائكم النذير فذوقوا فما
للظالمين من نصير (2).
أقول: قد مضى بعض أخبار الاستدراج في باب الاملاء والامهال على الكفار
والفجار والاستدراج فلا تغفل.
1 - علل الشرائع: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن البرقي، عن علي بن الحكم، عن
عبد الله بن جندب، عن سفيان بن السمط قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا أراد الله
عز وجل بعبد خيرا فأذنب تبعه بنقمة ويذكره الاستغفار، وإذا أراد الله بعبد
شرا فأذنب ذنبا تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار، ويتمادى به، وهو قول الله عز وجل
" سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " (3) بالنعم عند المعاصي (4).

(1) نهج البلاغة الرقم 442، من الحكم.
(2) فاطر: 37.
(3) الأعراف: 182.
(4) علل الشرائع ج 2 ص 248، وفي الكافي ج 2 ص 452، باب الاستدراج
مثل ذلك وشرحه في مرآة العقول ج 2 ص 423.
387

2 - الخصال: أبي، عن سعد، عن البرقي رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام في قول الله
عز وجل: " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " (1) قال: توبيخ لابن
ثمان عشرة سنة (2).
3 - ثواب الأعمال (3) الخصال: أبي، عن سعد، عن سلمة بن الخطاب، عن أحمد بن عبد الرحمان
عن إسماعيل بن عبد الخالق، عن محمد بن طلحة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله
ليكرم ابن السبعين ويستحيي من ابن الثمانين (4).
4 - الخصال: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن هاشم، عن محمد بن علي المنقري، عن
يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله، عن
أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من عمر أربعين سنة
سلم من الأدواء الثلاثة: من الجنون، والجذام، والبرص، ومن عمر خمسين سنة
رزقه الله الإنابة إليه، ومن عمر ستين سنة هون الله حسابه يوم القيامة، ومن عمر
سبعين سنة كتبت حسناته ولم تكتب سيئاته، ومن عمر ثمانين سنة غفر الله ما
تقدم من ذنبه وما تأخر، ومشى على الأرض مغفورا له، وشفع في أهل بيته (5).
5 - أمالي الصدوق: عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن
داود بن النعمان، عن سيف التمار، عن أبي بصير قال: قال الصادق عليه السلام: إن
العبد لفي فسحة من أمره ما بينه وبين أربعين سنة، فإذا بلغ أربعين سنة أوحى الله
عز وجل إلى ملكيه: إني قد عمرت عبدي عمرا فغلظا وشددا وتحفظا، واكتبا
عليه قليل عمله وكثيره، وصغيره وكبيره (6).
الخصال: عن ابن الوليد، عن أحمد بن إدريس، عن الأشعري، عن محمد بن
السندي، عن علي بن الحكم مثله (7).

(1) فاطر: 37.
(2) الخصال ج 2 ص 96.
(3) ثواب الأعمال: 171.
(4) الخصال ج 2 ص 115.
(5) الخصال ج 2 ص 114.
(6) أمالي الصدوق: 23.
(7) الخصال ج 2 ص 115.
388

6 - الخصال: بهذا الاسناد، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا بلغ
العبد ثلاثا وثلاثين سنة، فقد بلغ أشده، وإذا بلغ أربعين سنة فقد بلغ منتهاه
فإذا طعن في إحدى وأربعين فهو في النقصان وينبغي لصاحب الخمسين أن يكون
كمن كان في النزع (1).
7 - الخصال: بهذا الاسناد، عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إذا أتت
على العبد أربعون سنة قيل له: خذ حذرك، فإنك غير معذور، وليس ابن أربعين سنة
أحق بالعذر من ابن عشرين سنة، فان الذي يطلبهما واحد، وليس عنهما براقد
فاعمل لما أمامك من الهول، ودع عنك فضول القول (2).
8 - الخصال: عن أبيه، عن العطار، عن أبيه، عن الأشعري، عن ابن معروف
عن ابن أبي نجران، عن محمد بن القاسم، عن علي بن المغيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سمعته يقول: إذا بلغ المرء أربعين سنة آمنه الله عز وجل من الأدواء الثلاثة
الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين خفف الله حسابه، فإذا بلغ الستين
رزقه الله الإنابة إليه، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين أمر الله
باثبات حسناته وإلقاء سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
وكتب أسير الله في ارضه (3).
ثواب الأعمال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن معروف مثله (4).
9 - الخصال: وفي حديث آخر فإذا بلغ المائة فذلك أرذل العمر، وروي أن
أرذل العمر أن يكون عقله عقل ابن سبع سنين (5).
10 - الخصال: عن محمد بن الفضل، عن محمد بن إسحاق المذكر، عن محمد بن يعقوب
الأصم، عن بكر بن سهل، عن عبد الله بن المهاجر، عن ابن وهب، عن حفص بن
ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من معمر يعمر

(1) الخصال ج 2 ص 115.
(2) الخصال ج 2 ص 115.
(3) الخصال ج 2 ص 115.
(4) ثواب الأعمال: 171.
(5) الخصال ج 1 ص 115.
389

أربعين سنة إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون والجذام والبرص، فإذا
بلغ الخمسين لين الله عليه حسابه، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب
ويرضى، فإذا بلغ السبعين أحبه الله وأحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين قبل
الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر وسمي أسير الله في أرضه، وشفع في أهل بيته (1).
الخصال: عن ابن بندار، عن أبي العباس الحمادي، عن محمد بن علي الصائغ
عن إبراهيم بن المنذر، عن عبد الله بن محمد بن حسين، عن محمد بن عبد الله بن عمر بن
عثمان، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله مثله (2).
11 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن سلمة بن الخطاب، عن علي بن الحسين
عن أحمد بن محمد المؤدب، عن عاصم بن حميد، عن خالد القلانسي، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن الله يستحيي من أبناء الثمانين أن يعذبهم.
وقال عليه السلام: يؤتى بشيخ يوم القيامة فيدفع إليه كتابه ظاهره مما يلي الناس
لا يرى إلا مساوي فيطول ذلك عليه، فيقول: يا رب أتأمر بي إلى النار فيقول
الجبار جل جلاله: يا شيخ إني أستحيي أن أعذبك وقد كنت تصلي لي في دار
الدنيا، اذهبوا بعبدي إلى الجنة (3).
12 - جامع الأخبار: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تعالى ينظر في وجه الشيخ المؤمن
صباحا ومساء فيقول: يا عبدي كبر سنك، ودق عظمك، ورق جلدك، وقرب أجلك
وحان قدومك علي فاستح مني فأنا أستحي من شيبتك أن أعذبك بالنار.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله جل جلاله: الشيبة نوري فلا أحرق نوري
بناري.
وعن حازم بن حبيب الجعفي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا بلغت ستين

(1) الخصال ج 2 ص 116.
(2) الخصال ج 2 ص 116.
(3) الخصال ج 2 ص 115.
(4) جامع الأخبار: 107.
390

سنة فاحسب نفسك في الموتى.
قال النبي صلى الله عليه وآله: أبناء الأربعين زرع قد دنى حصاده، أبناء الخمسين ماذا
قدمتم وماذا أخرتم؟ أبناء الستين هلموا إلى الحساب لا عذر لكم، أبناء السبعين
عدوا أنفسكم من الموتى.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله ليكرم أبناء السبعين، ويستحيي من أبناء
الثمانين أن يعذبهم (1).
- 142 -
* (باب) *
* " (من أطاع المخلوق في معصية الخالق) " *
1 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من طلب رضى الناس بسخط الله جعل
الله حامده من الناس ذاما (2).
بيان: " من طلب رضى الناس بسخط الله " هذا النوع في الخلق كثير، بل
أكثرهم كذلك كالذين تركوا متابعة أئمة الحق لرضا أئمة الجور وطلب ما
عندهم، وكأعوان السلاطين الجائرين وعمالهم والمتقربين إليهم بالباطل، والمادحين
لهم على قبائح أعمالهم، وكالذين يتعصبون للأهل والعشائر بالباطل، وكشاهد
الزور والحاكم بالجور بين المتخاصمين طلبا لرضا أهل العزة والغلبة، والذين
يساعدون المغتابين ولا ينزجرون عنها طلبا لرضاهم، ولئلا يتنفروا من صيحته
وأمثال ذلك كثيرة.
" وجعل حامده من الناس ذاما " اي بعد ذلك الحمد أو يحمدونه بحضرته
ويذمونه في غيبته أو يكون المراد بالحامد من يتوقع منهم المدح.

(1) جامع الأخبار ص 140.
(2) الكافي ج 2 ص 372.
391

2 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران
عن يوسف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله كان حامده من الناس
ذاما، ومن آثر طاعة الله بغضب الناس كفاه الله عداوة كل عدو، وحسد كل
حاسد، وبغي كل باغ، وكان الله عز وجل له ناصرا وظهيرا (1).
بيان: المرضاة مصدر ميمي " ومن آثر طاعة الله " اي في موضع غير التقية
فإنها طاعة الله في هذا الموضع، والظهير المعين.
3 - الكافي: عنه، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كتب رجل إلى الحسين صلوات الله عليه: عظني بحرفين؟ فكتب
إليه: من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو، وأسرع لمجئ ما يحذر (2).
بيان: " بحرفين " اي بجملتين، وما ذكره عليه السلام مع العطف في حكم
جملتين ويحتمل أن يكون الحرفان كناية عن الاختصار في الكلام، " من حاول "
اي رام وقصد واللام في قوله: " لما يرجو " و " لمجئ " للتعدية.
4 - الكافي: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن
العلاء، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لا دين لمن دان بطاعة من
عصى الله، ولا دين لمن دان بفرية باطل على الله، ولا دين لمن دان بجحود شئ
من آيات الله (3).
بيان: " لادين " اي لا إيمان أو لا عبادة " لمن دان " أي عبد الله " بطاعة
من عصى الله " اي غير المعصوم، فإنه لا يجوز طاعة غير المعصوم في جميع الأمور
وقيل: من عصى الله من يكون حكمه معصية ولم يكن أهلا للفتوى " لمن دان "
اي اعتقد، اي عبد الله بافتراء الباطل على الله، اي جعل هذا الافتراء عبادة أو جعل
عبادته مبنية على الافتراء.

(1) الكافي ج 2 ص 372.
(2) الكافي ج 2 ص 373.
(3) الكافي ج 2 ص 373.
392

" بجحود شئ من آيات الله " اي أنكر شيئا من محكمات القرآن، ويحتمل
أن يكون المراد بالآيات الأئمة عليهم السلام.
5 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني
عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام عن جابر بن عبد الله [الأنصاري] قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: من أرضى سلطانا جائرا بسخط الله خرج من دين الله (1).
بيان: يمكن حمله على من ارضى خلفاء الجور بانكار أئمة الحق أو شئ
من ضروريات الدين.
6 - عيون أخبار الرضا (ع): بالأسانيد الثلاثة عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: لا دين لمن دان بطاعة المخلوق في معصية الخالق (2).
صحيفة الرضا (ع): عنه عليه السلام مثله (3).
7 - عيون أخبار الرضا (ع): بالاسناد إلى دارم، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: من أرضى سلطانا بما يسخط الله خرج من دين الله عز وجل (4).
8 - الخصال: عن العطار، عن أبيه، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن
ابن المغيرة، عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من طلب رضى الناس بسخط الله جعل الله حامده من الناس
ذاما (5).
9 - أمالي الطوسي: عن المفيد، عن أبي غالب الزراري، عن عمه علي بن سليمان
عن الطيالسي، عن العلا، عن محمد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا دين لمن دان
بطاعة من عصى الله، ولا دين لمن دان بفرية باطل على الله، ولا دين لمن دان

(1) الكافي ج 2 ص 373.
(2) عيون الأخبار ج 2 ص 43.
(3) صحيفة الرضا عليه السلام: 34.
(4) عيون الأخبار ج 2 ص 69.
(5) الخصال ج 1 ص 5.
393

بجحود شئ من آيات الله (1).
10 - أمالي الصدوق: عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن صفوان، عن الكناني، عن
الصادق عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: لا تسخطوا الله برضا أحد من خلقه، ولا
تتقربوا إلى أحد من الخلق بتباعد من الله عز وجل، فان الله ليس بينه وبين أحد
من الخلق شئ يعطيه به خيرا أو يصرف به عنه سوءا، إلا بطاعته وابتغاء مرضاته
إن طاعة الله نجاح كل خير يبتغى، ونجاة من كل شر يتقى، وإن الله يعصم
من أطاعه ولا يعتصم منه من عصاه، ولا يجد الهارب من الله مهربا فان أمر الله نازل
باذلاله، ولو كره الخلائق، وكل ما هو آت قريب، ما شاء الله كان، وما لم
يشأ لم يكن (2).
- 143 -
(باب)
* " (التكلف والدعوى) " *
الآيات: ص: وما أنا من المتكلفين (3).
1 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: المتكلف مخطئ وإن أصاب، والمتطوع
مصيب وإن أخطأ، والمتكلف لا يستجلب في عاقبة أمره إلا الهوان، وفي الوقت إلا
التعب والعنا والشقاء، والمتكلف ظاهره رياء، وباطنه نفاق، فهما جناحان يطير
بهما المتكلف.
وليس في الجملة من أخلاق الصالحين ولا من شعار المتقين التكلف في أي باب
كان، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله: " قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من
المتكلفين " وقال عليه السلام: نحن معاشر الأنبياء والأولياء براء من التكلف.

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 76.
(2) أمالي الصدوق: 293.
(3) سورة ص: 86.
394

فاتق الله واستقم نفسك يغنك عن التكلف، ويطبعك بطباع الايمان، ولا
تشتغل بطعام آخره الخلا، ولباس آخره البلا، ودار آخرها الخراب، ومال آخره
الميراث، وإخوان آخرهم الفراق، وعز آخره الذل، ووقار آخره الجفا
وعيش آخره الحسرة (1).
2 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: الدعوى بالحقيقة للأنبياء والأئمة والصديقين
والأئمة عليهم السلام وأما المدعي بغير واجب فهو كإبليس اللعين، ادعى النسك وهو
على الحقيقة منازع لربه، مخالف لامره، فمن ادعى أظهر الكذب، والكاذب لا
يكون أمينا، ومن ادعى فيما لا يحل له فتح عليه أبواب البلوى، والمدعي يطالب
بالبينة لا محالة، وهو مفلس فيفتضح، والصادق لا يقال له: لم.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: الصادق لا يراه أحد إلا هابه (2).
3 - نهج البلاغة: من كابد الأمور عطب ومن اقتحم اللجج غرق (3).
- 144 -
(باب الفساد) *
1 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: فساد الظاهر من فساد الباطن، ومن أصلح
سريرته أصلح الله علانيته، ومن خاف الله في السر لم يهتك ستره في العلانية
وأعظم الفساد أن يرضى العبد بالغفلة عن الله، وهذا الفساد يتولد من طول الأمل
والحرص والكبر كما أخبر الله عز وجل في قصة قارون في قوله: " ولا تبغ الفساد
في الأرض إن الله لا يحب المفسدين " (4) وكانت هذه الخصال من صنع قارون
واعتقاده. وأصلها من حب الدنيا وجمعها، ومتابعة النفس وهواها، وإقامة

(1) مصباح الشريعة: 24.
(2) مصباح الشريعة: 63.
(3) نهج البلاغة الرقم 349 من الحكم.
(4) القصص، 77.
395

شهواتها، وحب المحمدة، وموافقة الشيطان، واتباع خطواته، وكل ذلك
يجتمع بحسب الغفلة عن الله ونسيان مننه.
وعلاج ذلك الفرار من الناس، ورفض الدنيا، وطلاق الراحة والانقطاع
عن العادات، وقلع عروق منابت الشهوات، بدوام الذكر لله، ولزوم الطاعة له
واحتمال جفاء الخلق. وملازمة القربى، وشماتة العدو من الأهل والقرابة
فإذا فعلت ذلك فقد فتحت عليك باب عطف الله، وحسن نظره إليك بالمغفرة والرحمة
وخرجت من جملة الغافلين، وفككت قلبك من أسر الشيطان، وقدمت باب الله
في معشر الواردين إليه، وسلكت مسلكا رجوت الاذن بالدخول على الكريم، الجواد
الملك الرحيم، واستيطاء بساطه على شرط الأدب، ولا تحرم سلامته وكرامته
لأنه الملك الكريم الجواد الرحيم (1).
- 145 -
* (باب) *
* " (القسوة والخرق والمراء والخصومة والعداوة) " *
أقول: قد مر كثير من أخبار هذا الباب في مطاوي أبواب الكفر ومساوي
الأخلاق كما لا يخفى.
1 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن حفص، عن إسماعيل
ابن دبيس (2) عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا خلق الله العبد في أصل
الخلقة كافرا لم يمت حتى يحبب الله إليه الشر فيقرب منه، فابتلاه بالكبر
والجبرية فقسا قلبه، وساء خلقه، وغلظ وجهه، وظهر فحشه، وقل حياؤه
وكشف الله ستره، وركب المحارم، فلم ينزع عنها، ثم ركب معاصي الله وأبغض
طاعته، ووثب على الناس لا يشبع من الخصومات، فاسألوا الله العافية واطلبوها
منه (3).

(1) مصباح الشريعة: 56.
(2) خنيس خ ل.
(3) الكافي ج 2 ص 330.
396

بيان: قيل: قوله " كافرا " حال عن العبد، فلا يلزم أن يكون كفره مخلوقا
لله تعالى.
أقول: كأنه على المجاز، فإنه تعالى لما خلقه عالما بأنه سيكفر فكأنه
خلقه كافرا، أو الخلق بمعنى التقدير، والمعاصي يتعلق بها التقدير ببعض المعاني كما مر
تحقيقه، وكذا تحبيب الشر إليه مجاز فإنه لما سلب عنه التوفيق لسوء أعماله
وخلى بينه وبين نفسه وبين الشيطان، فأحب الشر، فكأن الله حببه إليه قال
سبحانه " حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق
والعصيان " (1) وإن كان الظاهر أن الخطاب لخلص المؤمنين.
" فيقرب منه " اي العبد من الشر أو الشر من العبد وعلى التقديرين كأنه
كناية عن ارتكابه، وقال الجوهري: يقال فيه جبرية وجبروة وجبروت وجبورة
مثال فروجه أي كبر (2) وغلظ الوجه كناية عن العبوس أو الخشونة وقلة الحياء
" وكشف الله ستره " كناية عن ظهور عيوبه للناس، وقيل: المراد كشف ستره
الحاجز بينه وبين القبايح، وهو الحياء، فيكون تأكيدا لما قبله، وأقول: الأول أظهر
كما ورد في الخبر.
" وركب المحارم " اي الصغائر مصرا عليها لقوله " فلم ينزع عنها " أي
لم يتركها " ثم ركب معاصي الله " أي الكبائر، وقيل: المراد بالأول الذنوب
مطلقا، وبالثاني حبها أو استحلالها بقرينة قوله " وأبغض طاعته " لان بغض الطاعة
يستلزم حب المعصية، أو المراد بها ذنوبه بالنسبة إلى الخلق، والوثوب على الناس
كناية عن المجادلات والمعارضات.
2 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لمتان: لمة من الشيطان، ولمة من الملك

(1) الحجرات: 7.
(2) الصحاح ص 608.
397

فلمة الملك الرقة والفهم، ولمة الشيطان السهو والقسوة (1).
بيان: قال الجزري: في حديث ابن مسعود لابن آدم لمتان لمة من الملك
ولمة من الشيطان: اللمة الهمة والخطرة تقع في القلب أراد إلمام الملك أو
الشيطان به والقرب منه، فما كان من خطرات الخير فهو من الملك، وما كان من
خطرات الشر فهو من الشيطان انتهى.
" فلمة الملك الرقة والفهم " أي هما ثمرتها أو علامتها، والحمل على
المجاز لان لمة الملك إلقاء الخير، والتصديق بالحق في القلب، وثمرتها رقة
القلب وصفاؤها وميله إلى الخير، وكذا لمة الشيطان إلقاء الوساوس والشكوك
والميل إلى الشهوات في القلب، وثمرتها السهو عن الحق والغفلة عن ذكر الله
وقساوة القلب.
3 - الكافي: عن العدة عن أحمد بن محمد، عن عمرو بن عثمان، عن علي بن
عيسى رفعه قال: فيما ناجى الله عز وجل به موسى صلوات الله عليه: يا موسى لا تطول
في الدنيا أملك، فيقسو قلبك، والقاسي القلب مني بعيد (2).
بيان: " لا تطول في الدنيا أملك " تطويل الأمل هو أن ينسى الموت، ويجعله
بعيدا ويظن طول عمره أو يأمل أموالا كثيرة لا تحصل إلا في عمر طويل، وذلك
يوجب قساوة القلب، وصلابته وشدته، أي عدم خشوعه وتأثره من المخاوف
وعدم قبوله للمواعظ كما أن تذكر الموت يوجب رقة القلب ووجله عند ذكر
الله، والموت والآخرة، قال الجوهري: قسا قلبه قسوة وقساوة وقساء وهو غلظ
القلب وشدته وأقساه الذنب ويقال: الذنب مقساة القلب.
4 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عمن حدثه
عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي جعفر عليه السلام قال: من قسم له الخرق
يحجب عنه الايمان (3).

(1) الكافي ج 2 ص 330.
(2) الكافي ج 2 ص 329.
(3) الكافي ج 2 ص 321.
398

بيان: الظاهر أن الخرق عدم الرفق في القول والفعل، في القاموس الخرق
بالضم وبالتحريك ضد الرفق وأن لا يحسن الرجل العمل، والتصرف في الأمور
والحمق، وفي النهاية: فيه الرفق يمن والخرق شؤم، الخرق بالضم الجهل والحمق
انتهى وإنما كان الخرق مجانبا للايمان لأنه يؤذي المؤمنين، والمؤمن من أمن
المسلمون من يده ولسانه، ولأنه لا يتهيأ له طلب العلم الذي به كمال الايمان
وهو مجانب لكثير من صفات المؤمنين كما مر، ثم إنه إنما يكون مذموما إذا
أمكن الرفق، ولم ينته إلى حد المداهنة في الدين، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام:
وارفق ما كان الرفق ارفق، واعتزم بالشدة حين لا يغني عنك - أي الرفق -
إلا الشدة (1).
5 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إياكم والمراء والخصومة
فإنهما يمرضان القلوب على الاخوان، وينبت عليهما النفاق.
وبإسناده قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: ثلاث من لقي الله عز وجل بهن دخل الجنة
من أي باب شاء: من حسن خلقه، وخشي الله في المغيب والمحضر، وترك المراء
وإن كان محقا (2).
وبإسناده قال: من نصب الله غرضا للخصومات، أوشك أن يكثر الانتقال (3).
بيان: المراء بالكسر مصدر باب المفاعلة، وقيل: هو الجدال والاعتراض
على كلام الغير، من غير غرض ديني، وفي مفردات الراغب: الامتراء والممارات
المحاجة فيما فيه مرية، وهي التردد في الامر، وفي النهاية فيه لا تماروا في القرآن
فان المراء فيه كفر، المراء الجدال والتماري والمماراة المجادلة على مذهب الشك
والريبة، ويقا للمناظرة مماراة لان كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه

(1) نهج البلاغة الرقم 41 من الرسائل.
(2) الكافي ج 2 ص 300.
(3) الكافي ج 2 ص 301.
399

ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع، قال أبو عبيد: ليس وجه الحديث
عندنا على الاختلاف في التأويل، ولكنه على الاختلاف في اللفظ، وهو أن يقرأ الرجل
على حرف فيقول الاخر ليس هو هكذا، ولكنه على خلافه، وكلاهما منزل
مقروء بهما، فإذا جحد كل واحد منهما قراءة صاحبه لم يؤمن أن يكون يخرجه
ذلك إلى الكفر، لأنه نفى حرفا أنزله الله على نبيه.
وقيل: إنما جاء هذا في الجدال والمراء في الآيات التي فيها ذكر القدر
ونحوه من المعاني، على مذهب أهل الكلام، وأصحاب الأهواء والآراء، دون ما
تضمنت من الاحكام، وأبواب الحلال والحرام، لان ذلك قد جرى بين الصحابة
ومن بعدهم من العلماء، وذلك فيما يكون الغرض والباعث عليه ظهور الحق ليتبع
دون الغلبة والتعجيز، والله أعلم.
وقال: فيه ما أوتي الجدل قوم إلا ضلوا، الجدل مقابلة الحجة بالحجة
والمجادلة المناظرة والمخاصمة، والمراد به في الحديث الجدل على الباطل وطلب المغالبة
به فأما المجادلة لاظهار الحق فان ذلك محمود لقوله تعالى: " وجادلهم بالتي هي
أحسن " 1).
وقال الراغب: الخصم مصدر خصمته اي نازعته خصما يقال خصمته وخاصمته
مخاصمة وخصاما، وأصل المخاصمة أن يتعلق كل واحد بخصم الاخر أي جانبه
وأن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب (2).
وأقول: هذه الألفاظ الثلاثة متقاربة المعنى، وقد ورد النهي عن الجميع
في الآيات والاخبار، وأكثر ما يستعمل المراء والجدال في المسائل العلمية
والمخاصمة في الأمور الدنيوية، وقد يخص المراء بما إذا كان الغرض إظهار
الفضل والكمال، والجدال بما إذا كان الغرض تعجيز الخصم وذلته.
وقيل: الجدل في المسائل العلمية والمراء أعم، وقيل: لا يكون المراء إلا

(1) النحل: 125.
(2) مفردات غريب القرآن ص 149.
400

اعتراضا بخلاف الجدال، فإنه يكون ابتداء واعتراضا، والجدل أخص من
الخصومة يقال: جدل الرجل من باب علم فهو جدل إذا اشتدت خصومته، وجادل
مجادلة وجدالا إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق، ووضوح الصواب، والخصومة
لا تعتبر فيها الشدة ولا الشغل.
وقال الغزالي: يندرج في المراء كل ما يخالف قول صاحبه، مثل أن يقول
هذا حلو فيقول هذا مر أو يقول من كذا إلى كذا فرسخ فيقول ليس بفرسخ أو
يقول شيئا فيقول أنت أحمق، أو أنت كاذب، ويندرج في الخصومة كل ما يوجب
تأذي خاطر الاخر، وترداد القول بينهما، وإذا اجتمعا يمكن تخصيص المراء بالأمور
الدينية والخصومة بغيرها، أو بالعكس.
" فإنهما يمرضان القلوب على الاخوان " أي يغيرانها بالعداوة والغيظ
وإنما عبر عنها بالمرض لأنها توجب شغل القلب وتوزع البال وكثرة التفكر
وهي من أشد المحن والأمراض، وأيضا توجب شغل القلب عن ذكر الله، وعن
حضور القلب في الصلاة وعن التفكر في المعارف الإلهية، وخلوها عن الصفات الحسنة
وتلوثها بالصفات الذميمة، وهي من أشد الأمراض النفسانية والادواء الروحانية
كما قال تعالى: " في قلوبهم مرض " (1).
" وينبت عليهما النفاق " أي التفاوت بين ظاهر كل واحد منهما وباطنه
بالنسبة إلى صاحبه، وهذا نفاق أو النفاق مع الرب تعالى أيضا إذا كان في المسائل
الدينية، فإنهما يوجبان حدوث الشكوك والشبهات في النفس، والتصلب في الباطل
للغلبة على الخصم، بل في الأمور الدنيوية أيضا بالاصرار على مخالفة الله تعالى وكل
ذلك من دواعي النفاق.
فان قيل: هذا ينافي ما ورد في الاخبار والآيات من الامر بهداية الخلق
والذب عن الحق، ودفع الشبهات عن الدين، وقطع حجج المبطلين، وقد قال تعالى

(1) البقرة: 9.
401

" وجادلهم بالتي هي أحسن " (1) وقال: " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي
أحسن " (2).
قلت: هذه الأخبار محمولة على ما إذا كان الغرض محض إظهار الفضل، أو
الغلبة على الخصم، أو التعصب وترويج الباطل، أو على ما إذا كان مع عدم القدرة
على الغلبة، وإظهار الحق وكشفه، فيصير سببا لمزيد رسوخ الخصم في الباطل، أو
على ما إذا أراد إبطال الباطل بباطل، آخر، أو مع إمكان الهداية باللين واللطف
يتعدى إلى الغلظة والخشونة المثيرتين للفتن، أو يترك التقية في زمنها، وأما مع
عدم التقية والقدرة على تبيين الحق فالسعي في إظهار الحق وإحيائه وإماتة الباطل
بأوضح الدلايل وبالتي هي أحسن مع تصحيح النية في ذلك من غير رئاء ولا مراء
من أعظم الطاعات، لكن للنفس والشيطان في ذلك طرق خفية ينبغي التحرز
عنها والسعي في الاخلاص فيه أهم من ساير العبادات.
ويدل على ما ذكرنا ما ذكره الإمام أبو محمد العسكري عليه السلام في تفسيره قال:
ذكر عند الصادق عليه السلام: الجدال في الدين وأن رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين
عليهم السلام قد نهوا عنه، فقال الصادق عليه السلام: لم ينه عنه مطلقا لكنه نهى عن الجدال
بغير التي هي أحسن أما تسمعون الله يقول: " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي
هي أحسن " وقوله تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
وجادلهم بالتي هي أحسن " فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين
والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله تعالى على شيعتنا، وكيف يحرم الله
الجدال جملة وهو يقول: " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى "
قال الله تعالى: " تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " (3).
فجعل علم الصدق والايمان بالبرهان، وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي

(1) النحل: 125.
(2) العنكبوت: 46.
(3) البقرة: 111.
402

هي أحسن.
قيل: يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن، والتي ليست بأحسن؟
قال: أما الجدال بغير التي هي أحسن أن تجادل مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده
بحجة قد نصبها الله تعالى ولكن تجحد قوله، أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل
أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة، لأنك
لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء
إخوانهم، وعلى المبطلين، أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى
مجادلته وضعف ما في يده حجة له على باطله، وأما الضعفاء منكم فتعمى (1) قلوبهم
لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل.
وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من
جحد البعث بعد الموت وإحياءه له، فقال الله حاكيا عنه: " وضرب لنا مثلا ونسي
خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم " (2) فقال الله في الرد عليهم: " قل " يا محمد
" يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من
الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي
قال: كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم، فقال الله تعالى: " قل يحييها
الذي أنشأها أول مرة " أفيعجز من ابتدى به لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلى
بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته، ثم قال: " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر
نارا " اي إذا كمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ويستخرجها فعرفكم
أنه على إعادة ما بلى أقدر، ثم قال: " أو ليس الذي خلق السماوات والأرض
بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم " اي إذا كان خلق السماوات
والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي، فكيف
جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم، والاصعب لديكم، ولم تجوزوا منه
ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟ قال الصادق عليه السلام: فهذا الجدال بالتي هي

(1) فتغم خ ل.
(2) يس: 78.
403

أحسن، لان فيها قطع عذر الكافرين، وإزالة شبههم.
وأما الجدال بغير التي هي أحسن بأن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه
وبين باطل من تجادله، وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم
لأنك مثله: جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر.
قال: فقام إليه رجل فقال: يا ابن رسول الله أفجادل رسول الله صلى الله عليه وآله؟
فقال الصادق عليه السلام: مهما ظننت برسول الله صلى الله عليه وآله: مهما ظننت برسول الله صلى الله عليه وآله من شئ فلا تظن به مخالفة الله
أو ليس الله تعالى قال: " وجادلهم بالتي هي أحسن " وقال: " قل يحييها الذي
أنشأها أول مرة " لمن ضرب الله مثلا، أفتظن أن رسول الله صلى الله عليه وآله خالف ما أمره
الله به، فلم يجادل بما أمره الله، ولم يخبر عن الله بما أمره أن يخبر به (1).
وروى أبو عمرو الكشي باسناده عن عبد الاعلى قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إن الناس يعيبون علي بالكلام وأنا أكلم الناس، فقال: أما مثلك
من يقع ثم يطير فنعم، وأما من يقع ثم لا يطير، فلا (2).
وروى أيضا باسناده عن الطيار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بلغني أنك
كرهت مناظرة الناس، فقال: أما مثلك فلا يكره من إذا طار يحسن أن يقع، وإن
وقع يحسن أن يطير، فمن كان هكذا لا نكرهه (3).
وباسناده أيضا عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ما فعل
ابن الطيار؟ قال: قلت: مات، قال: رحمه الله، ولقاه نضرة وسرورا، فقد كان
شديد الخصومة عنا أهل البيت (4).
وباسناده أيضا عن أبي جعفر الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما فعل ابن
الطيار؟ فقلت: توفي، فقال: رحمه الله. ادخل الله عليه الرحمة والنضرة، فإنه كان
يخاصم عنا أهل البيت (5).

(1) تفسير الإمام العسكري ص 242 و 243.
(2) رجال الكشي ص 271.
(3) رجال الكشي ص 298.
(4) رجال الكشي ص 298.
(5) رجال الكشي ص 298.
404

وباسناده أيضا عن نصر بن الصباح قال: كان أبو عبد الله عليه السلام يقول لعبد
الرحمن بن الحجاج: يا عبد الرحمن كلم أهل المدينة فاني أحب أن يرى في
رجال الشيعة مثلك (1).
وباسناده أيضا عن محمد بن حكيم قال: ذكر لأبي الحسن عليه السلام أصحاب
الكلام فقال: أما ابن حكيم فدعوه (2).
فهذه الأخبار كلها مع كون أكثرها من الصحاح تدل على تجويز الجدال
والخصومة في الدين على بعض الوجوه، ولبعض العلماء، وتؤيد بعض الوجوه التي
ذكرناها في الجمع.
" من لقي الله بهن " (3) أي كن معه إلى الموت أو في الحشر " دخل الجنة
من أي باب شاء " كأنه مبالغة في إباحة الجنة له، وعدم منعه منها بوجه " في المغيب
والمحضر " أي يظهر فيه آثار خشية الله بترك المعاصي في حال حضور الناس وغيبتهم
وقيل: أي عدم ذكر الناس بالشر في الحضور والغيبة، والأول أظهر.
" وإن كان محقا " قد مر أنه لا ينافي وجوب إظهار الحق في الدين، ولا
ينافي أيضا جواز المخاصمة لاخذ الحق الدنيوي، لكن بدون التعصب وطلب الغلبة
وترك المداراة، بل يكتفي بأقل ما ينفع في المقامين، بدون إضرار وإهانة وإلقاء
باطل، كما عرفت.
" من نصب الله " (4) النصب الإقامة، والغرض بالتحريك الهدف، قال في
المصباح: الغرض الهدف الذي يرمي إليه، والجمع أغراض، وقولهم: غرضه كذا
على التشبيه بذلك، اي مرماه الذي يقصده انتهى، وهنا كناية عن كثرة المخاصمة
في ذات الله سبحانه وصفاته فان العقول قاصرة عن إدراكها، ولذا نهي عن التفكر

(1) رجال الكشي ص 374.
(2) رجال الكشي ص 380.
(3) شروع في شرح الحديث الثاني.
(4) شروع في شرح الحديث الثالث.
405

فيها كما مر في كتاب التوحيد، وكثرة التفكر والخصومة فيها يقرب الانسان من
كثرة الانتقال من رأي إلى رأي لحيرة العقول فيها، وعجزها عن إدراكها، كما
ترى من الحكماء والمتكلمين المتصدين لذلك، فإنهم سلكوا مسالك شتى، والاكتفاء
بما ورد في الكتاب والسنة، وترك الخوض فيها أحوط وأولى.
ويحتمل أن يكون المراد الانتقال من الحق إلى الباطل، ومن الايمان
إلى الكفر، فان الجدال في الله والخوض في ذاته وكنه صفاته يورثان الشكوك
والشبهة، قال الله تعالى: " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا
كتاب منير " (1) وقال جل شأنه: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض
عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنك إذا مثلهم " (2) إلى غير ذلك من الآيات
في ذلك.
و " أولئك " من أفعال المقاربة بمعنى القرب والدنو، ومنهم من ذهب هنا
إلى ما يترتب على مطلق الخصومة مع الخلق، وقال: الانتقال التحول من حال
إلى حال، كالتحول من الخير إلى الشر، ومن حسن الافعال إلى قبح الأعمال
المقتضية لفساد النظام، وزوال الألفة والالتيام، وقيل: المراد كثرة الحلف بالله
في الدعاوي والخصومات فإنه أو شك أن ينتقل مما حلف عليه إلى ضده خوفا من
العقاب، فيفتضح بذلك، ولا يخفى ما فيهما.
8 - الكافي: علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن
عمار بن مروان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تمارين حليما ولا سفيها، فان
الحليم يقليك (3) والسفيه يؤذيك (4).
بيان: الحليم المعنيين المتقدمين اي العاقل والمتثبت المتأني في الأمور
والسفيه يحتمل مقابليهما، والمعنيان متلازمان غالبا، وكذا مقابلاهما، والحاصل

(1) الحج: 8.
(2) الانعام: 68.
(3) يغلبك خ ل.
(4) الكافي ج 2 ص 301.
406

أن العاقل الحازم المتأني في الأمور لا يتصدى للمعارضة، ويصير ذلك سببا لان
يبطن في قلبه العداوة، والأحمق المتهتك يعارض ويؤذي، في القاموس قلاه كرماه
ورضيه قلي وقلاء ومقلية أبغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه أو قلاه في الهجر
وقليه في البغض.
9 - الكافي: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر
ابن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما كاد جبرئيل يأتيني
إلا قال: يا محمد اتق شحناء الرجال وعداوتهم (1).
بيان: " ما كاد " في القاموس كاد يفعل كذا قارب وهم، وفي بعض النسخ
" ما كان " وفي الأول المبالغة أكثر اي لم يقرب إتيانه إلا قال، والشحناء بالفتح
البغضاء والعداوة، والإضافة إلى المفعول أي العداوة مع الرجال، ويحتمل الفاعل
أيضا أي العداوة الشايعة بين الرجال، والأول أظهر " وعداوتهم " تأكيد أو المراد
بالأول فعل ما يوجب العداوة أو إظهارها قال في المصباح: الشحناء العداوة والبغضاء
وشحنت عليه شحنا من باب العداوة أو إظهارها قال في المصباح: الشحناء العداوة والبغضاء
وشحنت عليه شحنا من باب تعب حقدت وأظهرت العداوة ومن باب نفع لغة.
10 - الكافي: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن
الحسن بن الحسين الكندي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال جبرئيل عليه السلام للنبي
صلى الله عليه وآله: إياك وملاحاة الرجال (2).
بيان: قال في النهاية فيه: نهيت عن ملاحاة الرجال، أي مقاولتهم ومخاصمتهم
يقال: لحيت الرجل ألحاه إذا لمته وعذلته، ولاحيته ملاحاة ولحاء إذا نازعته.
11 - الكافي: عنه، عن عثمان بن عيس، عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إياكم والمشارة فإنها تورث المعرة، وتظهر العورة (3).
بيان: في النهاية فيه: لا تشار أخاك، هو تفاعل من الشر اي لا تفعل به شرا
يحوجه إلى أن يفعل بك مثله، ويروى بالتخفيف وفي الصحاح المشارة المخاصمة
" فإنها تورث المعرة " قال في القاموس: المعرة الاثم والأذى والغرم والدية والخيانة

(1) الكافي ج 2 ص 301.
(2) الكافي ج 2 ص 301.
(3) الكافي ج 2 ص 301.
407

" وتظهر العورة " أي العيوب المستورة.
وقال الجوهري: العورة سوءة الانسان وكل ما يستحيى منه، وفي بعض
النسخ المعورة اسم فاعل من أعور الشئ إذا صار ذا عوار أو ذا عورة، وهي العيب
والقبيح وكل شئ يستره الانسان أنفة أو حياء فهو عورة، والمراد بها هنا القبيح
من الأخلاق والافعال، وعلى النسختين المراد ظهور قبايحه وعيوبه إما من نفسه فإنه
عند المشاجرة والغضب لا يملكها فيبدو منه ما كان يخفيه، أو من خصمه فان الخصومة
سبب لاظهار الخصم قبح خصمه، لينتقص منه، ويضع قدره بين الناس.
12 - الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن
عنبسة العابد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إياكم والخصومة، فإنها تشغل القلب
وتورث النفاق، وتكسب الضغاين (1).
بيان: " فإنها تشغل القلب " عن ذكر الله وبالتفكر في الشبه والشكوك والحيل
لدفع الخصم وبالغم والهم أيضا، والضغاين جمع الضغينة وهي الحقد وتضاغنوا انطووا
على الأحقاد.
13 - الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن مهران
عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أتاني جبرئيل
قط إلا وعظني فآخر قوله لي: إياك ومشارة الناس فإنها تكشف العورة، وتذهب
بالعز (2).
بيان: روى الشيخ في مجالسه عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: إياكم ومشارة الناس فإنها تدفن العرة، وتظهر الغرة.
العرة الأولى بالعين المهملة والثانية بالمعجمة، وكلاهما مضمومتان، وروت
العامة أيضا من طرقهم هكذا قال في النهاية: فيه إياكم ومشارة الناس فإنها تدفن
العرة وتظهر الغرة، الغرة ههنا الحسن والعمل الصالح شبهه بغرة الفرس، وكل

(1) الكافي ج 2 ص 301.
(2) الكافي ج 2 ص 302.
408

شئ ترفع قيمته فهو غرة، والعرة هي القذر وعذرة الناس، فاستعير للمساوي
والمثالب.
14 - الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن
شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الوليد بن صبيح
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما عهد إلي جبرئيل في
شئ ما عهد إلي في معاداة الرجال (1).
بيان: كلمة " ما " في الأولى نافية، وفي الثانية مصدرية، والمصدر مفعول
مطلق للنوع، والمراد هنا المداراة مع المنافقين من أصحابه كما فعل صلى الله عليه وآله أو مع
الكفار أيضا قبل الامر بالجهاد، أو الغرض بيان ذلك للناس.
15 - الكافي: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن بعض
أصحابه رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من زرع العداوة حصد ما بذر (2).
بيان: " حصد ما بذر " في الصحاح بذرت البذر زرعته، أي العداوة مع الناس
كالبذر يحصد منه مثله، وهو عداوة الناس له.

(1) الكافي ج 2 ص 302.
(2) الكافي ج 2 ص 302.
409

كلمة المصحح:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله - والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله
أمناء الله.
وبعد: فقد تفضل الله علينا - وله الفضل والمن - حيث
اختارنا لخدمة الدين وأهله، وقيضنا لتصحيح هذه الموسوعة الكبرى
وهي الباحثة عن المعارف الاسلامية الدائرة بين المسلمين: أعني
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار عليهم الصلوات
والسلام.
وهذا الجزء الذي نخرجه إلى القراء الكرام هو الجزء
السابع من المجلد الخامس عشر، وقد اعتمدنا في تصحيح الأحاديث
وتحقيقها على النسخة المصححة المشهورة بكمباني، بعد تخريجها
من المصادر وتعيين موضع النص من المصدر، وقد سددنا ما كان في
طبعة الكمباني من خلل وبياض مع جهد شديد بقدر الامكان.
نسأل الله العزيز أن يوفقنا لإدامة هذه الخدمة المرضية
بفضله ومنه.
محمد الباقر البهبودي
410

بسمه تعالى
إلى هنا انتهى الجزء السابع من المجلد
الخامس عشر، وكان آخر أجزائه، وهو الجزء
السبعون حسب تجزئتنا يحتوي على أربعة وعشرين بابا
من أبواب مساوي الأخلاق.
ولقد بذلنا جهدنا في تصحيحه ومقابلته وعرضه
على المصادر فخرج بعون الله ومشيئته نقيا من الأغلاط
إلا نزار زهيدا زاغ عنه البصر، أو كل عنه النظر، ومن
الله العصمة والتوفيق.
السيد إبراهيم الميانجي - محمد الباقر البهبودي
411

استدراك واعتذار
وقع في هامش الصفحة 156 من ج 77 ذيل قول النبي صلى الله عليه وآله
(لكل شئ أساس وأساس الاسلام حبنا أهل البيت) أغلاط مطبعية
قد يخل بالمعنى، ويفهم منها أن المراد تعميم شمول آية التطهير لغير
أهل البيت المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، وليس كذلك، كيف
وهو باطل باجماع المسلمين، بل المراد أن المحبة التي هي أساس الاسلام
وهي التي يعبر عنها، بالتولي لا يبعد أن تعم غير أهل البيت عليهم السلام
أيضا لقول إبراهيم عليه السلام (ومن تبعني فإنه مني) وقول رسول الله صلى الله عليه وآله
(سلمان منا أهل البيت)
وهذه الشبهة إنما نشأت من تصحيف كلمة واحدة لدى الطباعة
وهي كلمة (شمول) في السطر 22، والصحيح (وجوبها) يعني وجوب
تلك المحبة.
هذا! وقد وقع في ذيل الصفحة 200 من ج 77 أيضا السطر 20
جملة أخرى طغى بها القلم نعتذر بذلك إلى القراء الكرام، والله ولي
العصمة والتوفيق.
علي أكبر الغفاري
412