الكتاب: شجرة طوبى
المؤلف: الشيخ محمد مهدي الحائري
الجزء: ٢
الوفاة: ١٣٦٩
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الخامسة
سنة الطبع: محرم الحرام ١٣٨٥
المطبعة:
الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف
ردمك:
ملاحظات:

شجرة الطوبى
تأليف المحدث الجليل العلامة الكبير
الشيخ محمد مهدي الحائري
الجزء الثاني
الطبعة الخامسة
وتمتاز على باقي الطبعات بالتصحيح والتدقيق
منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف الأشرف
محرم الحرام 1385 ه‍
207

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
المجلس الأول
في البحار، عن ليث بن سعد قال: قلت لكعب وهو عند معاوية كيف تجدون
صفة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهل تجدون لعترته فضلا؟ فالتفت كعب إلى معاوية لينظر كيف
هواه، فأجرى الله على لسانه فقال: هات يا أبا إسحاق رحمك الله ما عندك
فقال كعب: إني قد قرأت اثنين وسبعين كتابا كلها أنزلت من السماء وقرأت صحف
دانيال كلها ووجدت في كلها ذكر مولده ومولد عترته وأن اسمه لمعروف وإنه لم يولد نبي
قط مثله، فنزلت عليه الملائكة ما خلا عيسى واحمد صلوات الله عليهما، وما ضرب على آدمية
حجب الجنة غير مريم وآمنة أم أحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من علامة جملة إنه لما كانت مريم
أم المسيح وآمنة أم أحمد (ص) وكان من علامة حمله إنه لما كانت الليلة التي حملت آمنة به (ص)
نادى مناد في السماوات أبشروا فقد حمل الليلة بأحمد (ص) وفي الأرضين كذلك حتى في
البحور وما بقي يومئذ في الأرض دابة تدب ولا طائر يطير إلا علم بمولده، ولقد بني في
الجنة ليلة مولده سبعون الف قصر من ياقوت أحمر وسبعون الف قصر من لؤلؤ رطب
فقيل هذه قصور الولادة تجددت الجنان، وقيل لها اهتزي وتزيني فإن نبي أوليائك قد
ولد فضحكت الجنة يومئذ فهي ضاحكة إلى يوم القيامة. وبلغني إن حوتا من حيتان البحر
يقال له (طموسا) وهو سيد الحيتان له سبعمائة الف ذنب يمشي على ظهره سبعمائة الف ثور
الواحد منها أكبر من الدنيا لكل ثور سبعمائة الف قرن من زمرد أخضر لا يشعر بهن
اضطرب الحوت فرحا بمولده، ولولا إن الله تعالى ثبته لجعل عاليها سافلها. ولقد بلغني
ان يومئذ ما بقي جبل إلا نادى صاحبه بالبشارة ويقول: لا إله إلا الله ولقد خضعت الجبال
كلها لأبي قبيس كرامة لمحمد (ص) ولقد قدست الأشجار أربعين يوما بأنواع أفنائها وثمارها
208

فرحا بمولده صلى الله عليه وآله وسلم ولقد ضرب بين السماء والأرض سبعون عمودا من أنواع الأنوار
لا يشبه كل واحد صاحبه وقد بشر آدم بمولده فزيد في حسنه سبعين ضعفا، وكان قد
وجد مرارة الموت، وكان قد مسه ذلك فسرى ذلك عنه، ولقد بلغني ان الكوثر اضطرب
في الجنة واهتز فرمى سبعمائة الف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا لمولد محمد (ص):
ولقد زم إبليس وكبل والقي في الحصن أربعين يوما وغرق عرشه أربعين يوما ولقد
تنكبت الأصنام كلها وصاحت وولولت ولقد سمعوا صوتا من الكعبة يا آل قريش قد
جائكم البشير، جائكم النذير معه العز الأبد، والريح الأكبر وهو خاتم الأنبياء، ونجد
في الكتب إن عترته خير الناس بعده، وإنه لا يزال الناس في أمان من العذاب ما دام
من عترته في دار الدنيا خلق يمشي، فقال معاوية: يا أبا إسحاق ومن عترته قال كعب:
ولد فاطمة فعبس وجهه وعض على شفته، وأخذ يعبث بلحيته قال كعب: وأنا نجد
صفة الفرخين المستشهدين وهما فرخا فاطمة يقتلهما شر البرية قال: فمن يقتلهما؟ قال: رجل
من قريش فقام معاوية وقال: وقوموا أن شئتم فقمنا.
وفيه لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله (ص) ارتجس فيها إيوان كسرى وسقطت
أربعة عشر شرفة، وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك الف
سنة، وكان إبليس لعنه الله يخترق السماوات السبع.
فلما ولد عيسى (ع) حجب عن ثلاثة سماوات وكان يخترق أربع سماوات فلما ولد
رسول الله (ص) حجب عن السبع كلها ورميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذه
قيام الساعة الذي كنا نسمع، وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه فقالوا:
ما الذي أفزعك يا سيدنا فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة لقد
حدث في الأرض حدث حادث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم فأخرجوا
وانظروا ما هذه الحدث الذي حدث فافترقوا ثم اجتمعوا إليه. فقالوا: ما وجدنا
شيئا فقال إبليس لعنه الله: انا لهذا الامر ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم
فوجد الحرم محفوفا بالملائكة فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع ثم صار مثل العصفور فدخل
من قبل حراء فقال له جبرئيل: وراك لعنك الله تنح فقال له حرف أسألك عنه يا جبرئيل
ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟ فقال له: ولد محمد (ص) فقال هل لي
نصيب؟ قال لا قال: ففي أمته؟ قال: نعم قال رضيت، وفيه لما سقط (ص) من بطن أمه
209

وضع يده اليسرى على الأرض ورفع يده اليمنى إلى السماء، ويحرك شفتيه بالتوحيد وبدى
من فيه نور رأى أهل مكة معه قصورا من الشام وما يليها وقصورا من أرض اليمن
وما يليها، والقصور البيض من إصطخر وما يليها.
وقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي (ص) حتى فزعت الجن والإنس والشياطين وقالوا:
يحدث في الأرض حدث ولقد رأيت الملائكة ليلة ولد تصعد وتنزل وتسبح وتقدس
وتضطرب النجوم وتتساقط، ولقد هم إبليس بالظعن إلى السماء لما رأى من الأعاجيب
فإذا هو قد حجب، وفيه عن العباس بن عبد المطلب قال: لما ولد عبد الله لوالدي
عبد المطلب (ع) رأينا في وجهه نورا يزهر كنور الشمس فقال أبي: إن لهذا الغلام شأنا
عظيما قال: فرأيت ليلة في منامي إنه خرج من منخر عبد الله طائر أبيض فطار حتى بلغ
المشرق والمغرب ثم رجع راجعا حتى سقط على سطح الكعبة فسجدت له قريش، فبينما
الناس يتأملونه إذ صار نورا بين السماء والأرض وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب قال:
فما انتهيت سألت من كاهنة كانت في بني مخزوم فقالت لي يا عباس لان كنت صادقا في
رؤياك ليخرجن من صلب عبد الله ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له قال: فهمني
أمر عبد الله إلى أن تزوج بآمنة بنت وهب.
وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها أخلاقا فلما تزوجها وواقعها أنتقل نور جبينه
إلى وجه آمنة وجبينها، وحملت برسول الله (ص) فلما مات عبد الله وولدت آمنة
برسول الله (ص) أتيت النبي في وجهه يزهر فحملته وتفرست منه ريح المسك، وصرت
كأني قطعة ريح من المسك من شدة ريحه فحدثتني آمنة وقالت لي: إنه لما أخذني الطلق
واشتد بي الامر سمعت جلبة وكلاما لا يشبه كلام آدميين، ورأيت علما من سندس على
قصب من ياقوت قد ضرب بين السماء والأرض فعند ذلك ولد رسول الله (ص) طيبا
طاهرا مطهرا مختونا، والنور يسطع من رأسه حتى بلغ السماء بحيث رأيت قصور
الشامات كأنها شعلة نار ورأيت حولي من القطاة والطيور أمرا عظيما وقد نشرت
أجنحتها حولي، وكانت شعيرة الأسدية قد مرت وهي تقول يا آمنة ما تلقى الكهان
والأصنام من ولدك وسمعت مناديا ينادي:
أعيذه بالواحد * من شر كل حاسد
وكل خلق مارد * يأخذ بالمراصد
210

في طرق الموارد * من قائم وقاعد
ولقد أحسن وأجاد:
لقد طابت الدنيا بطيب محمد * وزيدت به الأيام حسنا على حسن
لقد فك أغلال العتاة محمد * وأنزل أهل الخوف في كنف الامن
قالت: ورأيت رجلا شابا من أتم الناس طولا وأشدهم بياضا وأحسنهم ثيابا
ما ظننته إلا عبد المطلب قد دنى مني فأخذ المولود فتفل في فيه ومعه طشت من ذهب
مضروب بالزمرد، ومشط من ذهب ففتق بطنه ثم أخرج قلبه فشقه فأخرج منه نقطة
سوداء فرمى بها.
ثم أخرج صرة من حرير خضراء ففتحها فإذا فيها كالذريرة البيضاء فحشاه ثم رده
إلى مكانه ومسح على قلبه وبطنه واستنطقه فنطق فلم أفهم ما قال إلا إنه قال: في أمان الله
وحفظه وكلائته قد حشوت قلبك إيمانا وعلما وحلما ويقينا وعقلا وشجاعا، أنت خير
البشر طوبى لمن أتبعك، وويل لمن تخلف عنك. ثم أخرج صرة أخرى من حريرة بيضاء
ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب بين كتفيه فأثر فإذا هو لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم قال:
أمرني ربي أن أنفخ فيك من روح القدس فنفخ فيه وآخر ما فعل به أن أخرج له قميصا
وألبسه، وقال: هذا القميص أمان لك من آفات الدنيا يا ليت البس الحسين (ع) قميصا
مثل ذلك القميص حتى يكون له أمانا من سيوف أهل الكوفة ورماحهم ونبالهم ساعة
افترقوا عليه بأربع فرق، أو ليكون حافظا لجسده الشريف لما تركوه عريانا على وجهه
الثرى ثلاثة أيام بدلا من ذلك الثوب الذي أخذه من زينب، ولكن أسفي على قلب زينب
لما وقفت على جثة أخيها ووجدته عريانا مجردا حتى من ذلك الثوب، فصاحت يا محمداه
صلى عليك الخ.
ومما يهون الخطب على المحب لا بل يعظمه إنه البس بدلا عن ذلك ثيابا أخر منها
ثوب أحمر وذلك من الدماء كما قال الشاعر:
نشرت عليه المرهفات قطيفة * حمراء من ساقي الرياح لحامها
ومنها ثوب من التراب كما قيل:
عريان يكسوه الصعيد ملابسا * أفديه مسلوب اللباس مسربلا
211

المجلس الثاني
عن أبي محمد الواقدي قال: لما أتى على رسول الله (ص) أربعة أشهر ماتت آمنة
فبقي يتيما في حجر عبد المطلب، فكان النبي (ص) يبكي بعد أمه ولم يقبل المراضع حتى
كانت صفية عمته تلعقه عسلا مع الثريد فتضجر عبد المطلب (ع) وقال لابنته عاتكة:
أجمعي المراضع فجمعت من نساء بني هاشم وقريش أربعمائة وستين مرضعة من بنات
صناديد قريش فما قبل منهن مرضعة فخرجن وخرج عبد المطلب مهموما فقعد عند الكعبة
وإذا بعقيل بن أبي وقاص وهو أسنهم قد أقبل وقال له: ما لي أراك يا أبا الحارث
مهموما مغموما؟ فحكى عبد المطلب له فقال عقيل: يا عبد المطلب إني لأعرف في العرب
من نسل إبراهيم الخليل في حي بني سعد فدعا عبد المطلب بغلامه واسمه شمردل فقال:
أركب ناقتك وادع لي عبد الله بن الحارث، وكان حي بني سعد على ثمانية عشر ميلا في
طريق جدة فذهب الغلام وأتى به وعند عبد المطلب رؤساء مكة، ومع ذلك قام اجلالا له
فأستقبله وقبله وعانقه فقال له: يا أبا ذويب إن نافلتي محمد بن عبد الله لا يسكن من البكاء
شوقا إلى اللبن ولم يقبل لبن امرأة، وسمعنا إن لك بنتا ذات لبن فإن رأيت إن تنفذها
فإن قبل لبنها جائتك الدنيا بأسرها فقال عبد الله: السمع والطاعة فمضى إلى منزله وبشر
أبنته حليمة ففرحت وقامت من وقتها وتزينت ولبس ثيابها فلما ذهبت من الليل نصفه
حملها أبوها معه إلى مكة وجاء بها إلى دار عبد المطلب، وأدخلوها في حجرة كان فيها مهد
رسول الله، فأخذت النبي (ص) ووضعته في حجرها وأخرجت ثديها الأيسر لترضعه لان
الأيمن لم يكن له لبن فلم يقبله، والح على الأيمن فلما مصه امتلأ باللبن فقالت حليمة:
وا عجباه ربيت بثدي الأيسر اثني عشر ولدا فما ذاقوا من الأيمن شيئا والآن قد أنفتح
ببركتك فقال لها عبد المطلب: تكونين عندي وأمر لها بقصر في جنب قصره فلم يقبل
أبوها، فدفعه عبد المطلب إليها على أن تأتي به في كل يوم جمعة تطوف به الكعبة
وأوصاها بوصايا أخر وأخذ منها العهد والميثاق فحملت حليمة رسول الله (ص) وذهبت به
212

إلى حي بني سعد، فلما بلغت إلى الحي استقبلته نساء الحي فكشفن عن وجه
رسول الله (ص) فأبرق من وجناته نور إلى عنان السماء فأحبه كل أهل الحي، وكان
لرسول الله (ص) أخوة من الرضاعة يخرجون بالنهار إلى الرعاية، فرجعوا ذات ليلة إلى
الحي مغمومين وقالوا لحليمة: جاءنا اليوم ذئب وأخذ شاتين وذهب بهما فقالت حليمة:
لا تغتموا فإن الله يعوضنا عنهما أضعافا مضاعفة فسمع النبي (ص) فقال: إني أسترجعهما
غدا من الذئب بقدرة الله تعالى.
فلما أصبح أخوته حملوه معهم إلى ذلك المكان الذي أخذ فيه الذئب الشاتين فنزل
النبي (ص) ودعى الله تعالى فأوحى الله تعالى إلى الذئب أن يردهما كما كانتا، وكان الذئب
قد وكل بهما راعيا إلى الصباح فردهما، وقال يا محمد أعذرني فأني لا أعلم أنهما لك هذا اعتذار
هذا الذئب إلى رسول الله (ص) في شاتين قد أخذهما وردهما إليه كما كانتا، ولم يصبهما شئ.
ليت شعري فما اعتذار ذئاب أهل العراق إذا سألهم رسول الله (ص) عن وديعته
وفلذة كبده الحسين (ع) وهم مفترقون عليه بأربع فرق فرقة بالسيوف وفرقة بالرماح
وفرقة بالحجارة، وفرقة بالخشب والعصا، وكان الله قد أباح لهم دمه وحلل لهم قتله
وهو ينادي في تلك الحالة أقتل مظلوما وجدي محمد المصطفى أأموت ظمآنا وأبي علي
المرتضى ولم أنس وقوف ذئب آخر بين يدي يعقوب وقد أتهمه أخوة يوسف في يوسف
ويعقوب يعاتبه وهو يبكي فسأله يعقوب ربه إن ينطق له ذلك الذئب ليطلع على ما في قلبه
فأنطقه الله وقال: يا يعقوب والله إني لم أر ولدك يوسف ولو كنت رأيته لكنت له
حافظا لان الله حرم علينا معشر السباع لحوم الأنبياء ولحوم أولادهم فوا عجباه الذئاب
تأبى أن تتناول لحوم الأنبياء وذئاب أهل الكوفة قطعوا أعضاء الحسين (ع) ابن بنت
نبيهم كما قال (ع) في خطبته عند خروجه من مكة كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات
بين النواويس وكربلا، فمنهم من أخذ رأسه، ومنهم من قطع أصبعه وأعظم من ذلك
كله فعل الجمال آه آه يا زهراء:
قومي إلى الصقر لم يظفر بسرب قطا * بل عدن من دمه حمر المناقير
وأن لحم رسول الله تمضغه * لهى الرماح وأفواه المباتير
أقول لا ينبغي إن نسميهم بالذئاب بل هم الخنازير والكلاب رأى الحسين (ع) في
منامه هكذا، وذلك لما صعد على عقبة البطن، قال لأصحابه: ما أراني إلا مقتولا قالوا:
213

وما ذاك يا أبا عبد الله قال: رؤيا رأيتها قالوا: وما هي؟ قال (ع): رأيت كلابا
تنهشني وأشدها كلب أبقع. أقول: وتلك الكلاب هؤلاء الذين حملوا على أمامنا
يوم عاشوراء.
ذكر المؤرخون إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينما كان في حجر حليمة قال لها يوما يا أماه مالي
أرى أخوتي ليلا ولا أراهم نهارا فقالت: يا سيدي يخرجون بالنهار إلى الرعي فقال (ع):
أحب إن أخرج معهم لأرى البراري والجبال، فلما أصبح هم بالخروج معهم فألبسته
حليمة ثيابه وطيبته وأوصت أولادها به، وبعثته معهم، فلما خرج إلى الصحراء ما بقي
حجر ولا مدر إلا وينادي السلام عليك يا رسول الله ثم أصابه حر الشمس فأرسل الله
سحابة بيضاء فمطرت إلا على رأسه وصارت الأرض طينا إلا على طريقه، وكان ينزل من
السحابة المسك والزعفران فبينما هو يمشي إذ رأى روضة خضراء، وكان ورائها تل
عليه أنواع النبات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا إخواني أريد أمر بهذه الروضة فقالوا:
نمضي معك قال (ص): لا بل أنا وحدي ثم مر حتى بلغ التل فنظر إلى جبل شاهق فقال
في نفسه أريد أن أصعد هذا الجبل وأنظر إلى ما ورائه من العجائب فأمر الله ملكا نزل
إلى ذلك الجبل وصاح به فخضع الجبل حتى ساوى الأرض فصعد النبي (ص) وكان وراء
الجبل واد مخوف مملوءة من الحيات والعقارب كالبغال فصاح ملك غيبوا أنفسكم فدخلت
في بيوتها فمكث النبي في ذلك الوادي مدة من الزمان وكان من شأنه ما كان فلما طال
المكث به طلبته إخوة أولاد حليمة فلم يجدوه فرجعوا إلى حليمة وأعلموها بالقصة فخرجت
ذاهلة العقل تصيح في حي بني سعد فمزقت أثوابها وخدشت وجهها وهي تعدو في البراري
حافية والشوك يدخل في رجليها والدم يسيل منها وتنادي وا ولداه ونساء بني سعد
يبكين معها مكشفات الشعور، فعلت ذلك حليمة وهي لم تحمل برسول الله (ص) ولم تلده
إنما أرضعته.
وكان من شأنها ما سمعتم فكيف بمن حملت بولده وولدته وأرضعته وربته إلى ثمانية
عشر سنة ثم وجدته يوم عاشوراء قتيلا مقطعا بالسيوف والرماح وما بقي أحد إلا وهو
يبكي، وركب عبد الله بن الحارث مع آل بني سعد وحلف إن لم أجد الساعة محمدا
لوضعت سيفي في آل بني سعد وغطفان وأقتلهم عن آخرهم ومضت حليمة إلى مكة
وأخبرت عبد المطلب بذلك فغشي عليه ساعة ثم أفاق وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله
214

العلي العظيم هذا وقد سمع إن ولده قد فقد فغشي عليه ساعد الله قلب الحسين (ع) يوم
وقف على رأس ولده علي ونظر إليه وهو مشقوق الرأس فهوى عليه وجلس وأخذ
رأسه وتركه في حجره ووضع خده على خده وصاح ولدي على الدنيا بعدك العفا.
ثم صعد عبد المطلب على الكعبة ونادى يا آل غالب ويا آل عدنان ويا آل نزار
ويا آل كنانة فأجتمع عليه رؤساء بطون مكة وقريش وقال: إن ولدي محمدا فقد فقد
ولا نراه منذ أمس فتسلحوا وركبوا فركب معه عشرة آلاف وا عجباه يوم ينادي
عبد المطلب ويهتف بعشيرته فيجيبه عشرة آلاف ويوم يقف ولده الغريب أبو عبد الله
وينادي هل من ناصر ينصرنا ولا يرى مجيبا ولا ناصرا.
وخرجن مع عبد المطلب جميع المخدرات إلى حي بني سعد وهم يبكون رحمة
لعبد المطلب فلما وصل عبد المطلب إلى حي بني سعد وهم يبكون قال: لئن رجعت إلى مكة
وأنا ما وجدته لا أدع يهوديا ولا نصرانيا ولا أحدا مما أتهمه بمحمد (ص) وأقبل من
اليمن أبو مسعود الثقفي وجماعة وجازوا على الطريق الذي فيه محمدا وإذا بالشجرة نابتة في
الوادي فقالوا لم نعهد ها هنا شجرة نابتة فذهبوا إليها وتركوا الطريق فرأوا تحتها غلاما
كأنه القمر يا ليت نبتت شجرة مثل تلك الشجرة على ولده الغريب يوم عاشوراء لما بقي
مطروحا على رمضاء كربلا والشمس تصهره مع تلك الجراحات نعم يقول الكعبي:
وتظله شجر القنا حتى أبت * ارسال هاجرة إليه بريدا
فلما رأوا ذلك البدر المنير قالوا: ما هو إلا جني أو من الملائكة فقالوا: من أنت
يا غلام؟ قال: انا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقالوا: كيف
وقعت ها هنا فقص عليهم القصة فحمله أبو مسعود على فرسه حتى بلغوا قريبا من حي بني سعد، فلما رآه جده نزل عن فرسه، وقال: أين كنت يا ولدي وقد عزمت أن أقتل
أهل مكة فقص عليهم القصة وفرح عبد المطلب فرحا شديدا ودخل مكة ودفع إلى
أبي مسعود خمسين ناقة، وأعطى أولاد حليمة وأبيها وزوجها أموالا وترك النبي (ص)
عنده في مكة ثم كان من شأن النبي (ص) ما كان إلى أن مات عبد المطلب وبعث النبي (ص)
ومضت على النبي مدة من الزمان لم ير حليمة ولم يشهد أحدا من أولادها حتى كان يوم
حنين وقدموا بين يديه شيماء إحدى أخوته من حليمة، وذلك إن المسلمين هجموا على
خبائها فصاحت يا معشر المسلمين أتهجمون على أخت نبيكم؟ قالوا: ومن أنت قالت:
215

أنا شيماء بنت حليمة أخت نبيكم من الرضاعة فذهبوا بها إلى النبي (ص) فسألها فقالت:
نعم أنا أختك قال: وهل لك علامة؟ قالت: نعم عضة عضضتنيها على كتفي فكشفت
عن كتفها والأثر موجود فقال النبي (ص): نعم إنها أختي فقال المسلمون: المعذرة
إليك واليها يا رسول الله هذا اعتذار المسلمين لما هجموا على خيمة شيماء وهم لا يعرفونها فما
اعتذار أهل الكوفة لما هجموا على خيمة زينب وهم يعرفونها وقائلهم يقول علي بالنار.
المجلس الثالث
ولدته منجبة وكان ولادها * في جوف كعبة أفضل الأوطان
وسقاه ريقه النبي ويا لها * من شربة تغني عن الألبان
حتى ترعرع سيدا سندا رضى * أسد شديد القلب غير جبان
عبد الاله مع النبي وإنه * قد كان بعد يعد في الصبيان
فلذاك زوجه الرسول بتولة * وغدا وصي الانس ثم الجان
شهدت له آيات سورة هل أتى * بمناقب جلت عن التبيان
روى شيخ السنة القاضي أبو عمر وعثمان بن أحمد في خبر طويل إن فاطمة بنت أسد
دخلت على رسول الله (ص) يوما فرأته يأكل تمرا وله رائحة تزاد على كل الأطائب من
المسك والعنبر قالت: يا رسول الله ناولني منها آكل قال (ص): لا تصلح لك إلا أن
تشهدي إن لا إله إلا الله وأني رسول الله فشهدت الشهادتين فناولها تمرة فأكلت فازدادت
رغبتها وطلبت أخرى لأبي طالب فعاهدها النبي (ص) أن لا تعطيه إلا بعد الشهادتين
فأخذت ورجعت إلى منزلها، فلما جن الليل دخل أبو طالب وأشتم منها رائحة طيبة
فسألها عن ذلك فأظهرت فاطمة ما معها فالتمسه منها فأبت إلا أن يشهد الشهادتين فلم يملك
نفسه حتى شهد الشهادتين غير إنه سألها أن تكتم عليه لئلا يعيره قريش فأعطته الرطبة
فأكل وحول الله ذلك ماء في صلبه فواقع فاطمة زوجته فعلت بعلي بن أبي طالب (ع)
في تلك الليلة، ولما حملت بعلي (ع) ازداد حسنها فكان علي يتكلم في بطنها فكانت تمشي
إلى الكعبة ومعها ابنها جعفر فتكلم علي مع جعفر من بطن أمه فغشي على جعفر فلما
216

دخلت فاطمة الكعبة ألقيت الأصنام وخرت لوجهها فمسحت فاطمة على بطنها وقالت:
يا قرة العين سجدت لك الأصنام داخلا وكيف شأنك خارجا، ولما تم مدة حمله وخرجت
فاطمة لتطوف بالكعبة وهي متعلقة بأستار الكعبة إذ أخذها الطلق فاضطربت ورفعت
رأسها إلى السماء ودعت بدعوات كما قال يزيد بن قعنب: كنت جالسا مع العباس بن
عبد المطلب، وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد
أم أمير المؤمنين وكانت حاملة به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق فقالت: رب إني مؤمنة
بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، واني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وإنه
بنى البيت العتيق وبحق المولود الذي الذي في بطني لما يسرت علي ولادته قال يزيد بن قعنب:
فرأينا البيت وقد أنفتح عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا والتزق الحائط
فرمنا إن يفتح لنا قفل البيت فلم ينفتح فعلمنا إن ذلك من أمر الله عز وجل، ثم خرجت
بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين (ع) ثم قالت: إني فضلت على من تقدمني من النساء
لان آسية بنت مزاحم عبدت الله عز وجل سرا في موضع لا يجب أن يعبد الله إلا
اضطرارا، وإن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا
وإني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأوراقها فلما أردت أن أخرج هتف
بي هاتف يا فاطمة سميه عليا فهو علي، والله العلي الاعلى يقول: إني شققت اسمه من
اسمي وأدبته من أدبي وأوقفته على غامض علي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي وهو
الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني، فطوبى لمن أحبه وأطاعه، فالولد الطاهر
من النسل الطاهر ولد في الموضع الطاهر لان أشرف البقاع الحرم، وأشرف أمكنة الحرم
المسجد، وأشرف بقاع المسجد الكعبة ولم يولد فيه مولود سوى أمير المؤمنين (ع):
ولدته في حرم الاله وأمنه * والبيت حيث فناه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة * طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلة غابت نحوس نجومها * وبدت من القمر المنير الأسعد
ما لف في خرق القوابل مثله * إلا ابن آمنة النبي محمد
فلما خرجت فاطمة استقبلها أبو طالب ودنى منه قال علي (ع): السلام عليك
يا أبتاه ورحمة الله وبركاته ثم جاءت فاطمة حتى دخلت على رسول الله فعند ذلك فتح
علي عينيه في وجه رسول الله (ص) وسلم عليه وقال (ع): أقرأ قال (ص) أقرأ يا قرة
217

عيني فشرع بسم الله الرحمن الرحيم (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلواتهم خاشعون) فقال
رسول الله: قد أفلحوا بك أنت والله أميرهم، تميرهم من علمك فيمتارون وأنت والله
دليلهم وبك والله يهتدون. ثم قال رسول الله (ص) لفاطمة: اذهبي إلى عمه حمزة فبشريه
فقالت: وإذا خرجت أنا فمن يرويه قال: أنا أرويه فقالت فاطمة: أنت ترويه؟ قال:
نعم ثم وضع رسول الله (ص) لسانه في فيه فانفجرت اثنتي عشر عينا كما إن النبي أيضا
وضع لسانه الشريف في فم الحسين (ع) وجعل يمصه حتى نبت لحمه من لحم رسول الله
ودمه من دم رسول الله (ص) الخ.
فلما إن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نورا قد أرتفع من علي إلى عنان السماء ثم
شدته وقمطته بقماط فبتر القماط فأخذت قماطا جيدا فشدته به فبتر القماط ثم جعلته قماطين
فبترهما فجعلته ثلاثة فبترهما فجعلته أربعة من رق مصر لصلابته فبترها فجعلته خمسة
أقماط ديباج لصلابته فبترها كلها فجعلته ستة من ديباج وواحد من الادم، فتمطى فيها
فقطعها كلها بإذن الله ثم قال: يا أماه لا تشدي يدي فأني أحتاج أبصبص لربي بإصبعي
فقال أبو طالب: إنه سيكون له شأن ونبأ فلما كان من الغد دخل رسول الله (ص) فلما
بصر به ضحك في وجهه وجعل يشير يعني أعطني ما أعطيتني البارحة فقالت فاطمة:
عرفه ورب الكعبة فلما كان اليوم الثالث أذن أبو طالب للناس أذنا عاما ونادى المنادي
هلموا إلى وليمة علي بن أبي طالب، ونحر ثلاثمائة من الإبل والف رأس من البقر والغنم
واتخذ وليمة وقال: هلموا وطوفوا بالبيت سبعا وأدخلوا على علي (ع) وسلموا على
ولدي ففعل الناس ذلك.
وفي رواية لما ولد علي (ع) أخذ أبو طالب بيد فاطمة وعلى علي صدره وخرج إلى
الأبطح ونادى يا رب:
يا رب يا ذا الغسق الدجى * والقمر المبتلج المضي
بين لنا من حكمك المقضي * ماذا ترى في اسم ذا الصبي
فظهر شئ على الأرض كالسحاب فطمه أبو طالب مع علي إلى صدره ورجع فلما
أصبح الصباح إذ هو لوح أخضر مكتوب فيه:
خصصتما بالولد الزكي * والطاهر المنتجب الرضي
فاسمه من شامخ علي * علي اشتق من العلي
218

فعلقوا اللوح في الكعبة وما زال هناك حتى أخذها هشام بن عبد الملك، وفي خبر
طويل في البحار أخذنا موضع الحاجة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله عز وجل خلقني
وعليا من نور واحد، إنا كنا في صلب آدم نسبح الله عز وجل ثم نقلنا إلى أصلاب
الرجال وأرحام النساء، يسمع تسبيحنا في الظهور والبطون في كل عهد وعصر إلى
عبد المطلب، وان نورنا كان يظهر في وجوه آبائنا وأمهاتنا حتى يتبين، وأسمائنا
مخطوط بالنور على جباههم. ثم افترق نورنا فصار نصفه في عبد الله ونصفه في
أبي طالب عمي وكان يسمع تسبيحنا من ظهورهما، وكان أبي وعمي إذا جلسا في ملا من
قريش تلألأ النور في وجوههما حتى إن الهوام والسباع ليسلمان عليهما لأجل نورهما إلى أن
خرجنا من أصلاب أبوينا وبطون أمهاتنا، ولقد هبط علي حبيبي جبرئيل في وقت ولادة
علي (ع) وقال: يا حبيب الله العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ويهنيك بولادة أخيك
ووزيرك وصنوك وخليفتك ومن شددت به أزرك، وأعلنت به ذكرك فقم إليه
واستقبله بيدك اليمني فإنه من أصحاب اليمين وشيعته الغر المحجلون فقمت مبادرا فوجدت
فاطمة بنت أسد أم علي (ع)، وقد جائها المخاض وهي بين النساء والقوابل حولها فقال:
حبيبي جبرئيل يا محمد تسجف بينهن وبينك سجافا، فإذا وضعت أمه بعلي تلقاه ففعلت
ما أمرت به.
ثم قال لي: أمدد يدك يا محمد فمددت يدي اليمنى نحو أمه فإذا أنا بعلي (ع) على
يدي واضعا يده اليمنى في أذنه اليمنى وهو يؤذن ويقيم بالحنفية، ويشهد بوحدانية الله
عز وجل وبرسالاتي ثم أثنى إلي وقال: السلام عليك يا رسول الله ثم قال لي: أقرأ
يا رسول الله قلت: أقرأ ثم قرأ صحف آدم وصحف نوح وصحف إبراهيم وتوراة موسى
وزبور داود، وإنجيل عيسى، والذي نفس محمد بيده لو حضروا لأقروا بأنه أحفظ لها
منهم ثم قرأ القرآن الذي أنزل الله علي من أوله إلى آخره فوجدته يحفظ كحفظي له
الساعة من غير إن أسمع منه آية، ثم خاطبني وخاطبته بما يخاطب الأنبياء الأوصياء ثم
عاد إلى طفوليته، وهكذا أحد عشر إماما من نسله إلى آخر الخبر.
ولما ولد علي (ع) كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثون سنة وأحبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حبا
شديدا وقال لامه: اجعلي مهده بقرب فراشي، وكان رسول الله (ص) يلي أكثر تربيته
219

وكان يطهر عليا في وقت غسله ويوجره اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه ويناغيه
في يقظته ويحمله على صدره، ويقول: هذا أخي وولي وناصري وصفيي وذخري
وكهفي وظهري وظهيري ووصيي وزوج كريمتي وأميني على وصيتي وخليفتي، وكان
يحمله دائما، ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها.
يا أبا الأوصياء أنت لعله * صهره وابن عمه وأخوه
إن الله في معانيك سرا * أكثر العالمين ما علموه
أنت ثاني الاباء في منتهى الدور * وآبائه تعد بنوره
خلق الله آدما من تراب * وهو ابن له وأنت أبوه
وهذا المعنى مقتبس من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث كناه بأبي تراب، سأل ابن
عباس لماذا كنى رسول الله عليا أبا تراب؟ قال: لأنه صاحب الأرض وحجة الله على
أهلها بعده وبه بقاؤها واليه سكونها، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنه إذا كان
يوم القيامة ورأي الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى
والكرامة يقول: يا ليتني كنت ترابا أي يا ليتني من شيعة علي، وذلك قول الله عز وجل
ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا، والمراد يعني يا ليتني كنت أبا ترابيا، والأب
يسقط في النسبة مطردا، وقد يحذف الياء أيضا على إنه يحتمل أن يكون في مصحفهم
ترابيا كما في بعض النسخ يا ليتني كنت ترابيا فعلى ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سمي بأبي
تراب لأنه صاحب الأرض وحجة الله عليه أهلها بعده، وبه بقاؤها واليه سكونها أقول:
فيحق أن ترجف الأرض وتنقلب بأهلها حين سقط علي (ع) في محرابه، في البحار قال
صاحب كتاب الأنوار له: أي لعلي في كتاب الله ثلاثمائة اسم.
فأما في الاخبار فالله أعلم بذلك ويسمونه أهل السماء شمساطيل، وفي الأرض
حماحميل وعلى اللوح قنسوم وعلى القلم منصور، وعلى العرش معين، وعند رضوان أمين
وعند حور العين أصب، وفي صحف إبراهيم حزبيل وبالعبرانية لقياطيس، وبالسريانية
شروحبيل وفي التوراة إيليا، وفي الزبور إريا، وفي الإنجيل بريا، وفي الصحف حجر
العين، وفي القرآن عليا وعند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناصرا، وعند العرب مليا، وعند الهند كبكوا
وعند الروم بطربق، وعند الأرمن فريق، وعند الصقلاب فبرويق، وعند الفرس
فيروز، وعند الفلاسفة يوشع وعند الشياطين مدمر، وعند المشركين الموت الأحمر
220

وعند المؤمنين السحابة البيضاء، وعند والده حرب وقيل ظهير، وعند أمه حيدرة
وقيل أسد، وعند ظئره ميمون، وعند الله علي.
وسأل المتوكل زيد بن حارثة البصري المجنون عن علي (ع) فقال على حروف
الهجاء علي هو الامر عن الله بالعدل والاحسان، الباقر لعلوم الأديان التالي لسور
القرآن الثاقب لحجاب الشيطان الجامع لاحكام القرآن، الحاكم بين الإنس والجان
الخلي من كل زور وبهتان، والدليل لمن طلب البيان، الذاكر ربه في السر والاعلان
الراهب في الليالي المظلمة ربه الديان، الزاهد العابد العظيم الشأن، الساتر لعورات
النسوان الشاكر لما أولى الواحد المنان، الصابر يوم الضرب والطعان، الضارب بحسامه
رؤس الاقران، الطالب بحق الله غير منوان ولا خوان، الظاهر على أهل الكفر
والطغيان العالي علمه على أهل الزمان، الغالب بنصر الله الشجعان، الفالق للرؤوس
والأبدان، القوي الشديد الأركان، الكامل الراجح بلا نقصان، اللازم لأوامر
الرحمن المزوج بخير النسوان، النامي ذكره في القرآن، الولي لمن والاه بالايمان
الهادي إلى الحق لمن طلب منه البيان، اليسير السهل لمن طلبه بإحسان، نعم كان لا يرد
سائله خائبا وعم إحسانه لمن يرجوه ويؤمله وأن كان هو عدوه حتى بالنسبة إلى قاتله
يعطيه ويقول: أريد حياته ويريد قتلي وهو عبد الرحمن (لع).
المجلس الرابع
عن الرضا (ع) إن يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض إن الله تعالى في
الفردوس الاعلى قصرا لبنة من فضة ولبنة من ذهب فيه مئة الف قبة من ياقوت أحمر
وفيه مئة الف خيمة من ياقوت أخضر، ترابه المسك والعنبر، وفيه أربعة أنهار:
نهر من خمر ونهر من ماء ونهر من لبن ونهر من عسل حواليه أشجار من جميع الفواكه عليها
طيور أبدانها من لؤلؤ، وأجنحتها من ياقوت، وتصوت بأنواع الأصوات، إذا
كان يوم الغدير ورد إلى ذلك القصر أهل السماوات يسبحون الله تعالى ويقدسونه ويهللونه
فتتطاير تلك الطيور فتقع في ذلك الماء وتتمرغ على ذلك المسك والعنبر، فإذا اجتمعت
221

الملائكة طارت فتنفض ذلك عليه وأنهم في ذلك اليوم يتهادون نثار فاطمة عليها السلام
فإذا كان آخر اليوم نودوا انصرفوا إلى مراتبكم فقد أمنتم الخطأ والزلل إلى قابل مثل هذا
اليوم تكرمة لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي (ع) وهو اليوم الذي نصب رسول الله (ص) عليا
علما للناس، ونادى له بالولاية وذلك حين نزلت هذه الآية (يا أيها الرسول بلغ
ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته) عن جعفر بن محمد الصادق (ع) قال:
خرج رسول الله (ص) إلى مكة في حجة الوداع، فلما أنصرف وهو يريد المدينة ومعه
مئة وعشرين الف رجل من مكة وأهل المدينة واليمن نزل جبرئيل بهذه الآية وقرأها
على رسول الله (ص) فقال له رسول الله يا جبرئيل إن الناس حديثوا عهد بالاسلام
فأخشى أن يضطربوا ولا يطيعوا فعرج جبرئيل إلى مكانه ونزل عليه في اليوم الثاني وهو
بغدير خم وقال: يا محمد إن الله يقول لك: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
إن عليا مولى المؤمنين فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس فقال ابن
مسعود: هكذا كنا نقرأ الآية في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما سمع رسول الله (ص) هذه
المقالة قال للناس: أنيخوا ناقتي فوالله ما أبرح من هذا المكان حتى أبلغ رسالة ربي وكان
ذلك يوم شديد الحر، وأمر أن ينصب له منبر على أقتاب الإبل وصعدها واخرج
معه عليا وقام قائما وخطب خطبة بليغة ووعظ فيها وزجر ثم قال في آخر كلامه: أيها
الناس الست أولى بكم منكم فقالوا: بلى يا رسول الله ثم قال: قم يا علي فأخذ بيده ورفعه
حتى ظهر بياض إبطيه وقال: إلا فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه، وأنصر من نصره، وأخذل من خذله فناداه القوم بأجمعهم يا رسول الله
سمعنا وأطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا، ثم نزل عن المنبر وجاء
أصحابه إلى أمير المؤمنين (ع) وهنؤه بالولاية وسلموا عليه وقالوا: السلام عليك
يا أمير المؤمنين، وجاء عمر بن الخطاب وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين بخ بخ
أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ونزل جبرئيل بهذه الآية (اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) فقال رسول الله: الحمد لله على كمال
الدين وتمام النعمة، ورضي الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب من بعدي
فأستأذن حسان بن ثابت أن يقول أبياتا في ذلك اليوم فأذن له فأنشأ يقول:
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم واسمع بالرسول مناديا
222

وقال فمن مولاكم وليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت ولينا * ولم تجدن منا لك اليوم عاصيا
فقال له قم يا علي فأنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فخص بها دون البرية كلها * عليا وسماه الغدير اخائيا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له اتباع صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادا عليا معاديا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ولا زلت يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك
وسأل الصادق (ع): عن هذه الآية (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) فقال (ع): النعمة
ولاية أمير المؤمنين يعرفونها يوم الغدير، وينكرونها يوم السقيفة ولقد أنكروه أشد
الانكار حتى بلغ انكارهم بأن شتموه ولعنوه وسبوه في المجالس والمحافل والمنابر
وبلغوا من ذلك بحيث إن إبليس لعنه الله مع شقاوته أنكر عليهم وعيرهم.
في الأمالي لشيخنا الصدوق (ره) مر إبليس بنفر يسبون عليا (ع) فوقف أمامهم
فقال القوم: من الذي وقف أمامهم؟ فقال: أنا أبو مروة قالوا: ما تسمع كلامنا؟ فقال سوئة لكم تسبون مولاكم علي بن أبي طالب؟ فقالوا له: من أين علمت إنه مولانا؟
قال: من قول نبيكم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
وأنصر من نصره وأخذل من خذله فقالوا: أنت من مواليه وشيعته فقال: ما أنا من
مواليه ولا من شيعته ولكني أحبه وما يبغضه أحد إلا شاركته في المال والولد فقالوا له:
يا أبا مرة فتقول في علي شيئا من فضائله فقال لهم: اسمعوا مني معاشر الناكثين
والقاسطين والمارقين عبدت الله عز وجل في الجان أثني عشر الف سنة، فلما أهلك الله
الجان شكوت إلى الله عز وجل الوحدة فعرج بي إلى السماء فعبدت الله في السماء الدنيا
أثني عشر الف سنة أخرى في جملة الملائكة فبينا نحن كذلك نسبح الله عز وجل ونقدسه
إذ مر بنا نور شعشعاني فخرت لذلك النور سجدا وقالوا: سبوح قدوس نور
ملك مقرب أو نبي مرسل فإذا النداء من قبل الله جل جلاله لا نور ملك مقرب ولا نبي
مرسل هذا نور علي بن أبي طالب.
والحاصل مكث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أيام في ذلك المكان حتى تمت له البيعة من
الناس، وبايع الناس لأمير المؤمنين (ع) وفي كتاب نزهة المجالس عن القرطبي في تفسير
223

سورة سأل سائل بعذاب واقع لما قال النبي (ص) من كنت مولاه فهذا علي مولاه قال
النصر بن الحرث لرسول الله (ص) أمرتنا بالشهادتين عن الله فقبلنا منك وأمرتنا
بالصلاة والزكاة ثم لم ترض عنا حتى فضلت علينا ابن عمك الله أمرك بهذا أم من عندك؟
فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو إنه من عند الله تعالى فولى وهو يقول: اللهم إن كان
هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فوقع عليه حجر من السماء فقتله
فنزل سأل سائل بعذاب واقع وفي هذه الأيام الثلاثة التي مكث رسول الله (ص) بها كان
جبرئيل يدور ويفتر بينهم على هيئة شاب حسن الصورة جميل الوجه، رقيق الثياب
ويقول: والله ما رأيت كاليوم قط ما أشد وما أكد لابن عمه إنه يعقد له عقدا لا يحله
إلا كافر بالله العظيم ورسوله الكريم.
ويل طويل لمن حل عقده فسمع تلك المقالة عمر بن الخطاب فأقبل إلى
رسول الله (ص) وحكى له فقال: هل عرفت قائل هذه المقالة قال: ما عرفته قال: هو
جبرئيل احذر يا فلان أن تكون أنت تحل عقده، وأن كنت كذلك فالله ورسوله
عنك بريئان فقال معاذ الله إن أكون كذلك فما مضت أيام قلائل حتى قبض
رسول الله (ص) وصار ما صار ونقضوا عهده وحلوا عقده وأقبلوا على الباب في جمع
من الرجال ومع جماعة منهم حطب ونار فنادى ذاك الرجل أخرج يا بن أبي طالب فليس
الامر لك الخ.
المجلس الخامس
بسم الله الرحمن الرحيم من كلام لأمير المؤمنين (ع) إن الله بعث محمدا (ص) نذيرا
للعالمين وأمينا على التنزيل، وأنتم معشر العرب على شر دار منيخون بين حجارة خشن
وحيات صم، تشربون الكدر وتأكلون الجشب، وتسفكون دمائكم، وتقطعون
أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة والآثام بكم معصوبة في الكلمات يصف أمير المؤمنين (ع)
شر ذمة من أحوال العرب يعني اعراب الحجاز وأهل الجاهلية قبل مبعث رسول الله (ص)
وهم في ذلك الزمان على أسوأ وأذل أفعال لان دينهم عبادة الأصنام ومساكنهم
224

في البوادي والجبال، ونزهتهم في الأحجار التي لم تكن فيها نبات ولا مياه بل وفيها
العقارب والحيات، ومغارة للمؤذيات والحشرات، مائهم الأمطار التي تجمع في الغدران
والآبار وتكدرها الرياح والأوساخ ومأكلهم الطعام الغليظ، وهو كلما يدب في
الأرض من الحشرات وشغلهم ليس إلا الحرب والنهب والغارة وسفك الدماء، وقس
على هذا مما لا يوصف حتى بعث محمدا (ص) بالرسالة فطابت مآكلهم ومشاربهم
وأحوالهم فأبدلهم الله بذلك البراري والجبال الريف ولين المهاد من أراضي العراق
والشامات ومصر التي جعل الله فيها الزروع والأشجار والثمار والنبات والرياحين والأوراد
ما لا تحصى، وأبدلهم بعبادة الأصنام عبادة من يستحق العبادة وهو رب بيت الحرام
وكسر منهم الأصنام، وطهر منهم الأجساد وأزال الكفر والنفاق عن قلوبهم
والأوساخ، والأرجاس عن وجوههم فأنجاهم من النار ومن غضب الجبار ولله
در القائل وهو عبد الباقي العمري:
وقد ما بنورك لما أضاء * رأت ظلمة العدم الانجلاء
فمن فضل ضوئك كان الضياء * لقد رمقت بك عين العماء
وفي غير نورك لم ترمق
أضاء سناك لها مبرقا * وقابل مراتها مشرقا
إلى أن أشاع لها رونقا * فكنت لمرآتها زيبقا
وصفوا المرايا من الزيبق
بك الأرض مدت ليوم الورود * وأضحت عليها الرواسي ركود
وسقف السماء شيد لا في عمود * فلولاك لا نظم هذا الوجود
من العدم المحض في مطبق
ولولاك ما كان خلق يعود * لذات النعيم وذات الخلود
ولا بهما ذاق طعم الوجود * ولا شم رائحة للوجود
وجود بعرنين مستنشق
وفي نهج البلاغة قال علي (ع) في مبعث رسول الله (ص): بعثه بالنور المضئ
والبرهان الجلي، والمنهاج البادي، والكتاب الهادي، أسرته خير أسرة وشجرته
خير شجرة، أغصانها معتدلة، وثمارها متهدلة، مولده بمكة وهجرته بطيبة، علا بها
225

ذكره وامتد بها صوته، أرسله بحجة كافية وموعظة شافية ودعوة متلاقية، أظهر
به الشرايع المجهولة، وقمع بها البدع المدخولة، وبين به الاحكام المفصولة فمن يبتغ غير
الاسلام دينا تتحقق شقوته وتنفصم عروته، وتعظم كبوته، ويكن ما به إلى الحزن
الطويل والعذاب الوبيل:
ألم تر إن الله أرسل عبده * ببرهانه والله أعلا وأمجد
وشق له من اسمه ليحله * فذو العرش محمود وهذا محمد
نبي أتانا بعد يأس وفترة * من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
تعاليت رب العرش من كل فاحش * فإياك نستهدي وإياك نعبد
ولما بلغ عمره الشريف إلى سبع وثلاثين سنة كان يرى في نومه كأن آتيا يأتيه
فيقول: يا رسول الله (ص) والنبي في غاية الخضوع والخشوع لله تعالى منكر ذلك في نفسه
فلما طال عليه الامر كان يوما بين الجبال يرعى غنما لأبي طالب فنظر إلى شخص كبير
الجثة، عظيم الخلقة وهو يقول: يا رسول الله (ص) فقال له: من أنت؟ قال:
أنا جبرئيل أرسلني الله إليك ليتخذك رسولا، وكان جبرئيل يعلمه الشئ بعد الشئ حتى
تم له أربعون سنة فنزل عليه جبرئيل في صورته الأصلية بين جبال مكة فقال (ص) من
أنت يرحمك الله فلم أر شيئا أعظم منك خلقا وأحسن منك وجها قال: أنا روح الأمين
المنزل على جميع النبيين والمرسلين أقرأ يا محمد قال: لست بقاري فغمزه جبرئيل غمزا
شديدا وقال: أقرأ يا محمد قال: وما أقرأ ولست بقاري فغمزه مرة أخرى كاد النبي (ص)
أن يغشى عليه، وقال: أقرأ بسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك
الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم) ثم قرأ عليه الآيات وبلغه جميع ما أمر
الله به قال (ص): فحفظتها بأجمعها ووجدتها في قلبي كالنقش في الحجر، ثم عرج إلى
السماء ونزل عليه يوم الثاني مع ميكائيل ومع كل واحد منهما سبعون الف ملك وأتى
بكرسي من الياقوت قوائمه من الزبرجد الأخضر، والدر الأبيض والنبي (ص) على جبل
بمكة نائم وعن جانبيه علي (ع) وجعفر فلم ينبهاه أعظاما له فقال ميكائيل: إلى أيهما
بعثت؟ قال: إلى الأوسط فلما أنتبه أدى جبرئيل الرسالة عن الله ثم أخذ بيده وأجلسه
على الكرسي ووضع تاجا على رأسه وأعطى لواء الحمد بيده وقال: أصعد وأحمد الله
فصعد وحمد الله بما يستحق له فصعد جبرئيل إلى السماء ونزل النبي عن الكرسي وكان كل
226

شئ يسجد له ويقول له بلسان فصيح: السلام عليك يا نبي اله وكان ذلك يوم الاثنين في
السابع والعشرين من رجب.
فأول من أسلم به وآمن أمير المؤمنين (ع) ثم جاء حتى دخل الدار فصارت الدار
منورة فقالت خديجة: يا محمد وما هذا النور؟ قال: هذا نور النبوة قولي لا إله إلا الله
محمد رسول الله فقالت خديجة: طال ما عرفت ذلك قم أسلمت فقال النبي (ص):
يا خديجة إني لأجد بردا فأتيني بكساء وغطيني به ففعلت ودثرت عليه فنام رسول الله (ص)
وإذا النداء من الله تبارك وتعالى (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر)
فقام وجعل أصبعه في إذنه وقال: الله أكبر الله أكبر ثم نزلت عليه (فاصدع
بما تؤمر وأعرض عن المشركين) فصعد على الصفا ونادى أيها الناس أنا رسول رب
العالمين فنظر الناس إليه فسكتوا فسمع أبو جهل لعنه الله فشتمه وشج رأسه، وسالت
الدماء على وجهه كما إن مالك بن اليسر لعنه الله أقبل يوم عاشوراء إلى الحسين وشتمه أولا
ثم ضرب رأسه الشريف بالسيف فلق هامته إلى أن جاء صالح بن وهب المزني الخ.
ومعجزاته (ص) كثيرة لا تعد ولا تحصى منها: عروجه (ص) من مكة إلى بيت
المقدس ومن بيت المقدس إلى السماوات كما صرح به القرآن (سبحان الذي أسرى بعبده
ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو
السميع البصير) إن الله تبارك وتعالى عرج نبيه محمد (ص) من الأرض إلى السماء في
ليلة السبت والاثنين لسبع عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأول أو شهر رمضان أو شهر
رجب وذلك في السنة الثانية من البعثة قال المجلسي (ره): اعلم إن خروجه إلى بيت المقدس
ثم إلى السماء في ليلة واحدة بجسده الشريف مما دلت عليه الآيات والأخبار المتواترة من
طرق الخاصة والعامة، وإنكار أمثال ذلك وتأويلها بالعروج الروحاني أو بكونه في المنام
ناش أما من قلة التتبع في آثار الأئمة الطاهرين أو من قلة التدين وضعف اليقين وانخداع
بتسويلات المتفلسفين.
وقال الصادق (ع): ليس من شيعتنا من أنكر أربعة أشياء: المسائلة في القبر
وخلق الجنة والنار، والشفاعة والمعراج، وقال الرضا (ع): من أقر بتوحيد الله
وآمن بالمعراج فهو من شيعتنا أهل البيت حقا، ومن كذب بالمعراج فقد كذب
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمعراج مركب لفظه من خمسة أحرف: أولها الميم وهي كناية عن
227

مقام الرسول (ص) عند الملك الاعلى، والعين عزه عن شاهد كل نجوى، والراء
رفعته عند خالق الورى، والألف انبساطه مع عالم السر وأخفى، والجيم جاهه في
ملكوت السماء، ولعبد الباقي العمري:
وسبع السماوات أجرامها * لغير عروجك لم تخرق
وعن غرض القرب منك السهام * لدى قاب قوسين لم تمرق
وأسرى بك الله حتى طرقت * طرائق بالوهم لم تطرق
ورقاك مولاك بعد النزول * على رفرف حف بالتمرق
ولقد أظهر الله تبارك وتعالى حباء حبيبه عنده في تلك الليلة بأنحاء مختلفة أولها
ركوبه على البراق كما في دعاء الندبة، وسخرت له البراق، وعرجت به إلى سمائك.
وينبغي أن نذكر شيئا من أوصاف البراق قال رسول الله (ص): سخر الله لي
البراق وهو خير من الدنيا بحذافيرها وهي دابة من دواب الجنة ليست بالقصير ولا
بالطويل وجهها مثل وجه آدمي، وخدها كخد الفرس، وحوافرها مثل حوافر
الخيل، وذنبها مثل ذنب البقر فوق الحمار، ودون البقر، عرفها من لؤلؤ مسموط
وأذناها زبرجدتان خضراوان، وعيناها مثل كوكب الزهرة تتوقدان مثل النجمين
المضيئين لها شعاع مثل الشمس ينحدر من نحرها الجمان مطوية الخلق، طويلة اليدين
والرجلين لها جناحان من خلفها مكللا بالدر والياقوت، وخطاه مد بصره، تسمع
الكلام وتفهمه، فإذا انتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه، فإذا هبط طالت
يداه وقصرت رجلاه، وعليه لجام من ياقوتة حمراء، وسرجه من ياقوتة حمراء، وركابه
من درة بيضاء، مزمومة بسبعين الف زمام من ذهب مكتوب بين عينيه لا إله إلا الله
وحده لا شريك له محمد رسول الله (ص) فلو أذن الله تبارك وتعالى لها لجالت الدنيا
والآخرة في جرية واحدة، وهي أحسن الدواب لونا وتكنى أبا هلال.
فنزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل مع كل واحد منهم سبعون الف ملك
ومعهم البراق.
فلما أراد رسول الله أن يركب أمتنع البراق فقال جبرئيل: أسكن فما ركبك نبي
قبلي ولا يركبك نبي بعدي فلم يسكن فقال جبرئيل: أسكن فإنما يركبك خير البشر
أحب خلق الله إليه فما سكن وتضعضع فلطمه جبرئيل وقال: إنه محمد (ص) ولم يكن
228

ليسكن إلا بعد إن شرط ليكون هو مركوبه في يوم القيامة فعند ذلك سكن وتواضع فأخذ
جبرئيل بلجامه، وميكائيل بركابه، وإسرافيل سوى ثيابه، وهذا ركوب
رسول الله (ص) جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وإسرافيل أمامه، وأما ركوب
الحسين (ع) يوم عاشوراء نظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا نادى الا هل من يقدم لي جوادي
فخرجت زينب (ع) الخ.
المجلس السادس
قال عز من قائل: (ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) كانوا قريش
يؤذون النبي (ص) بجميع ما يمكنهم حتى كان يصلي في البيت اجتمعوا حوله فبعض يصفق
وبعض يصوت ويؤذونه بالليل إذا تلى القرآن وصلى عند الكعبة، وكانوا يرمونه
بالحجارة، إن المنافقين في تبوك إذا خلا بعضهم بعضا سبوا رسول الله (ص) وأصحابه
وهموا بقتله ثمانية من قريش وأربعة من العرب ليلة العقبة كما سيأتي، وكان الحكم بن أبي
العاص عم عثمان بن عفان يستهزئ من رسول الله بخطوته في مشيته، ويسخر منه وكان
رسول الله (ص) يوما والحكم خلفه يحرك كتفيه ويكسر يديه، خلف رسول الله (ص)
استهزاء منه بمشيته فأشار رسول الله (ص) هكذا تكون، فبقي الحكم على تلك الحالة من
تحريك أكتافه وتكسر يديه وكان المستهزؤون برسول الله (ص) خمسة أقبلوا إليه وقالوا:
يا محمد ننتظر بك الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك فدخل النبي منزله مغتما بقولهم
حتى نزل جبرئيل بهذه الآية (إنا كفيناك المستهزئين) وكان هلاكهم في ساعة واحدة
وبقي منهم واحد إلى أن قتله الله وهو المغيرة بن أبي العاص.
كان (ص) يصلي جاء أبو جهل ليطأ على رقبته فجعل ينكص على عقبيه فقيل له:
إن بيني وبينه خندفا من نار مهولا، ورأيت ملائكة ذوي أجنحة قال ابن عباس: إن
قريشا اجتمعت في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومنوه لو رأينا محمد لقمنا مقام
رجل واحد ولنقتلنه فدخلت فاطمة على النبي (ص) باكية، وحكت مقالتهم فقال:
يا بنية احضري لي وضوئي فتوضأ ودعا، فدفع الله عنه شرهم. سمعت فاطمة إن القوم
229

قصدوا أباها وهموا بقتله بكت واضطربت، فما حال يتيمة الحسين حين نظرت إلى أبيها
وهو جثة بلا رأس الخ.
دخل النبي الطائف فرى عتبة وشيبة جالسين على السرير فهموا بإيذائه وأهانته
فلما قرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها خر السرير ووقعا على الأرض فقالا عجز سحرك عن أهل مكة
فأتيت الطائف فألزم نفسه الصبر فقعدوا وذكروا الله وكذبوه فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لقد
صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكرهم إلهي فأنزل الله (ولقد خلقنا
السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما منا من لغوب فأصبر على ما يقولون)
فصبر في جميع أحواله اجتمعت قريش في دار الندوة فقال لهم الوليد بن المغيرة المخزومي:
يا قوم إنكم ذوا أحساب وذوا أحلام وأن العرب يأتونكم وينزلون في بلدتكم ويرون محمدا
بين أظهركم ويسألونكم عن أمره وشؤونه فأجمعوا أمركم ورأيكم على جواب واحد حتى
لا ينطلقون من عندكم على أمر مختلف فقالوا: إذا سألونا عن حاله نقول: إنه شاعر قال:
قد سمعنا الشعر فما يشبه قوله بالشعر فقالوا: نقول إنه كاهن قال: إذا تأتونه فلا تجدونه
يحدث بما تحدث به الكهنة قالوا نقول: إنه لمجنون قال: ما نراه يتكلم بما يتكلم به المجنون
من الهجر وأمثال ذلك قالوا: نقول إنه لساحر قال: وما الساحر؟ قالوا: هم بشر وطائفة
يحببون بين المتباغضين ويبغضون بين المتحابين قال: فهو ساحر فخرجوا فكان لا يلقى
أحد منهم النبي إلا ويقول له: يا ساحر يا ساحر واشتد على رسول الله (ص) ذلك فنزل
عليه (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر، وثيابك فطهر والرجز فاهجر، ولا تمنن
تستكثر ولربك فأصبر) فصبر (ص) وجاء إليه قوم من مشركي قريش وقالوا: يا محمد
ما وجد الله رسولا غيرك ما نرى أحدا يصدقك بالذي تقول فائتنا بمن يشهد إنك
رسول الله قال رسول الله: الله شهيد بيني وبينكم، وقال الوليد بن المغيرة: لو كانت
النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأنني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا وقال
جماعة: لم لم يرسل رسول من مكة أو من الطائف عظيما يعني أبا جهل أو عبد مناف
وقال أبو جهل: زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى قالوا منا نبي يوحى إليه والله
لا نؤمن به ولا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه. قال الصادق (ع): إن
رسول الله (ص) كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن فإذا قام من الليل يصلي جاء
أبو جهل والمشركين يستمعون قرائته، فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم وضعوا
230

أصابعهم في آذانهم وهربوا فإذا فرغ من ذلك جاؤوا فاستمعوا، وكان أبو جهل يقول:
إن ابن أبي كبشة ليردد اسم ربه إنه ليحبه قال الصادق (ع): صدق وأن كان كذوبا
فأنزل الله (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا) وهو بسم الله
الرحمن الرحيم دخل النبي الكعبة وأفتتح الصلاة فقال أبو جهل: من يقوم إلى هذا الرجل
فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري وتناول فرثا ودما والقى ذلك عليه فجاء أبو طالب
وقد سل سيفه، فلما رأوه جعلوا ينهضون وينهزمون فقال: والله لئن قام أحد طلبته
بسيفي ثم قال: يا بن أخي من القى ذلك عليك قال: هذا عبد الله فأخذ أبو طالب الفرث
والدم والقى عليه وأقبل حمزة متوشحا بقوسه راجعا من قنص له فوجد النبي (ص) في
دار أخته وأخته تبكي فقال: ما شأنك؟ قالت: ذل الحمى يا أبا عمارة لو لقيت ما لقى
ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم ابن هشام وجده ها هنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره فانصرف حمزة مغضبا ودخل المسجد والقى أبا الحكم يعني أبا جهل وضربه وشج
رأسه شجة منكرة فهم أقرباؤه بضربه فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة لكيلا يسلم ثم عاد
حمزة إلى النبي (ص) وقال: عز بما صنع بك وجلس الحسين عند ابن أخيه القاسم وقال:
يا ابن أخي يعز على عمك الخ.
قال طارق المحاربي رأيت النبي (ص) في سويقة ذي المجاز عليه حلة حمراء وهو
يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وأبو لهب يتبعه ويرميه بالحجارة وقد
أدمى كعبه وعرقوبيه وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب وكان يطوف
بالكعبة فشتمه عقبة بن أبي معيط والقى عمامته في عنقه وجروه من المسجد فأخذوه من
يدوه وشتمه أبو جهل يوما وشج رأسه.
ولما توفي أبو طالب أشتد البلاء على رسول الله (ص) فعمد لثقيف بالطائف رجاء
أن يؤوه فوجد ثلاثة نفر وهم أخوة بنو عمر وأسمائهم عبد يا ليل ومسعود وحبيب
فعرض عليهم نفسه فقال عليهم: إني أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشئ قط
فقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرك وتكلم الاخر بمثل ذلك وتهزؤا به وأفشوا في
قومهم فقعدوا له صفين على طريقه، فلما مر رسول الله (ص) بين صفيهم جعلوا لا يرفع
رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه فخلص نفسه منهم ورجلاه
تسيلان دما فجاء إلى حائط من حيطانهم فأستظل في ظل نخلة منه وهو مكروب موجع
231

تسيل رجلاه دما قال منهال بن عمرو رأيت زين العابدين (ع) في دمشق الشام وقد استظل
بظل حائط ورجلاه تسيلان دما الخ.
المجلس السابع
في بعض زوجاته وأولاده (ص) ذكورا وإناثا، وأما زوجاته تسعة كما قال الشيخ
صاحب الوسائل في منظومته:
زوجاته خديجة وفضلها * أبان عنه بذلها وفعلها
بنت خويلد الفتى المكرم * الماجد المؤيد المعظم
لها من الجنة بيت من قصب * لا صخب فيه لها ولا نصب
وهذه صورة لفظ الخبر * عن النبي المصطفى المطهر
وخديجة كانت من أحسن النساء جمالا وأكملهن عقلا وأتمهن رأيا وأكثرهن عفة
ودينا وحياء ومروة ومالا، وقال (ص): إن الله اختار من النساء أربعة مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (ص)
وقال (ص): اشتاقت الجنة إلى أربع من النساء: مريم وآسية وخديجة وفاطمة بنت
محمد (ص).
وفي الخبر ما كمل من النساء إلا أربعة مريم وآسية وفاطمة وخديجة زوجة النبي (ص)
في الدنيا والآخرة وهي المدعوة بخديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن
كلاب، وانها من الفواطم التسعة وهي فاطمة بنت زائدة بنت الأصم، وينتهي نسبها إلى
عامر بن لوي وهو أحد أجداد رسول الله (ص) صلوات الله وسلامه على هذه المرأة
الجليلة النبيلة الأصيلة العقيلة الكاملة العاقلة الباذلة العالمة الفاضلة العابدة، الزاهدة المجاهدة
الحازمة، والحبيبة لله ولرسوله ولوليه المختارة من النساء، والصفية البيضاء حليلة الرسول
وأم البتول، صفوة النسوة الطاهرات، وسيدة العفائف المطهرات، أفضل أمهات
المؤمنين وأشرف زوجات رسول الأمين، وأول من آمنت من النساء وأسبقهن بعبادة
رب الأرض والسماء، سيدة النسوان وخاصة الرسول وخلاصة الايمان، أصل العز
232

والمجد، وشجرة الفخر والنجد، السابقة إلى الاسلام والدين في العاجلة، والأخرى
مولاتنا وسيدتنا أم المؤمنين خديجة الكبرى وهي أميرة عشيرتها وسيدة قومها ووزيرة
صدق لرسول الله (ص)، ولدت قبل عام الفيل بخمسة عشر سنة، وتوفت في رمضان
سنة عشرة من البعثة في يوم العاشر من رمضان بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام.
ومن جملة شؤونها إنها كانت أول امرأة آمنت برسول الله وقد شيد الله دينه بمال
خديجة كما قال (ص): ما قام ولا استقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة وسيف علي بن
أبي طالب.
وروي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية (فوجدك عائلا فأغنى) يعني وجدك
فقيرا فأغناك بمال خديجة. كان لخديجة مال كثير وحسن وجمال، ومن جملة مالها من
أواني الذهب مئة طشت، ومن الفضة مثلها ومئة إبريق من ذهب، ومن العبيد والجواري
مئة وستون، ومن البقر والغنم والإبل والحلي والحلل وغيرها ما شاء الله قيل: كان لها ثمانون
الف من الإبل بل كانت تؤجر وتكري من بلد إلى بلد فبذلت تلك الأموال والجواري والعبيد
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بقيت تنام هي ورسول الله (ص) في كساء واحد لم يكن لها غيرها.
ومن جملة شؤونها إن الله وجبرئيل بلغاها السلام كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: لما رجعت
من السماء قلت يا جبرئيل هل لك من حاجة؟ قال حاجتي أن تقرأ من
الله ومني على خديجة السلام وبلغ رسول الله (ص) فقالت: إن الله هو السلام ومنه السلام
واليه يعود السلام وعلى جبرئيل السلام، ومن جملة شؤونها إن الله جعل بطنها وعاء
للإمامة دخل رسول الله (ص) على فاطمة فرآها منزعجة فقال: لها مالك أراك منزعجة
فقالت أبتاه: إن الحميراء افتخرت على أمي بأنها لم تعرف رجلا قبلك وأمي عرفت وهي
مسنة فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا تنزعجي فإن بطن أمك كانت وعاء للأمة دخل رسول الله (ص)
يوما منزل عايشة فإذا هي مقبلة على فاطمة تصايحها وتقول يا بنت خديجة ما ترين إلا إن
لامك فضلا عليها وأي فضل كان لها علينا بأمي إلا كبعضنا فسمع النبي (ص) مقالتها
لفاطمة فلما رأت فاطمة رسول الله (ص) بكت فقال (ص): ما يبكيك يا بنتاه؟ قالت:
إن الحميراء ذكرت أمي فنقصتها فبكيت فغضب رسول الله (ص) وقال: يا حميراء إن الله
233

تبارك وتعالى بارك في الودود الولود وإن خديجة ولدت مني طاهرا وقاسما وفاطمة ورقية
وأم كلثوم وزينب، وأنت ممن أعقم اله رحمها فلم تلدين شيئا وكانت عائشة تذكرها
بالتحقير من شدة عداوتها إليها حتى تسميه خديجة بالتصغير دخلت أخت خديجة على
رسول الله (ص) ولما استأذنت وسمع النبي باسم خديجة سر سرورا عظيما فحسدت عائشة
وقالت: مالك تكثر ذكر خديجة وتسر باسمها وهي عجوز حمراء الشدقين قد هلكت وإن
الله قد أعطاك ورزقك أحسن منها وكأنها أرادت بذلك نفسها فقال (ص): لا والله
ما رزقت أحسن منها ولقد آمنت حين كذبوني وأنفقت مالها حين بخلو عني. وكان (ص)
في زمان حياتها إذا غلب عليه الحزن نظر إلى وجه خديجة، ويسر بذلك كما إنه يسر بمجرد
سماع اسمها وكان أيضا إذا أشتد حزنه نظر إلى فاطمة ويسر سرورا عظيما.
ولما توفيت خديجة أغتم رسول الله وجلس في البيت ثم هاجر إلى الطائف ولما
مرضت خديجة المرضة التي توفيت فيها حضرتها أسماء بنت عميس قالت أسماء: حضرت
وفاة خديجة فبكت فقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين وأنت زوجة النبي (ص)
مبشرة على لسانه الجنة؟ فقالت: ما لهذا بكيت ولكن المرأة ليلة زفافها لا بد لها من
امرأة تفضي إليها بسرها وتستعين بها على حوائجها، وفاطمة حديثة عهد بصبي وأخاف
أن لا يكون لها من يتولى أمرها، فقلت: يا سيدتي لك عهد الله إن بقيت إلى ذلك
الوقت إن أقوم مقامك في هذا الامر فلما كانت ليلة زفاف فاطمة جاء النبي (ص) وأمر
النساء فخرجن فقالت أسماء: فبقيت أنا فلما رأى رسول الله سوادي قال: من أنت فقلت
أسماء بنت عميس.
فقال: ألم أمرك أن تخرجي فقلت بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي وما قصدت
خلافك ولكني أعطيت خديجة عهدا هكذا فبكى رسول الله (ص) وقال: بالله لهذا
وقفت فقلت نعم والله فدعا لي، يعز على خديجة لو كانت حاضرة وتسمع أنين قرة عينها
فاطمة بين الحائط والباب حين عصروها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها، وسودوا
متنها، ولطموا خدها ولما أشتد مرضها قالت: يا رسول الله أسمع وصاياي أولا
فأني قاصرة في حقك فأعفني يا رسول الله (ص) قال رسول الله: حاشا وكلا ما رأيت
منك تقصيرا فقد بلغت جهدك وتعبت في داري غاية التعب ولقت بذلك أموالك وصرفت
في سبيل الله جميع مالك قالت: يا رسول الله الوصية الثانية أوصيك بهذه وأشارت
234

إلى فاطمة فإنها غريبة من بعدي فلا يؤذيها أحد من نساء قريش، ولا يلطمن
خدها ولا يصحن في وجهها ولا يرينها مكروها.
أقول: يعز على خديجة لو كانت حاضرة حين لطمها فلان حتى أثرت اللطمة في
خدها وتناثر قرطيها.
وأما الوصية الثالثة فأني أقولها لابنتي فاطمة وهي تقول لك فأني مستحية منك
يا رسول الله فقام النبي وخرج من الحجرة فدعت بفاطمة وقالت يا حبيبتي وقرة عيني
قولي لأبيك إن أمي تقول: أنا خائفة من القبر أريد منك ردائك الذي تلبسه
حين نزول الوحي تكفنني فيه فخرجت فاطمة وقالت لأبيها: ما قالت أمها خديجة فقام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلم الرداء إلى فاطمة وجائت به إلى أمها فسرت به سرورا عظيما فلما توفيت
خديجة أخذ رسول الله في تجهيزها وغسلها وحنطها فلما أراد أن يكفنها هبط الأمين
جبرئيل وقال يا رسول الله إن الله يقرأك السلام ويخصك بالتحية والاكرام ويقول
لك: يا محمد إن كفن خديجة وهو من أكفان الجنة أهدى الله إليها فكفنها
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بردائه الشريف أولا وبما جاء به جبرئيل ثانيا فكان له كفنان: كفن
من الله وكفن من رسول الله.
أقول: ألم يبذل الحسين جميع ماله وعياله وأولاده في سبيل الله بقيت جنازته
ثلاثة أيام بلا غسل ولا كفن دفنت (ره) بالحجون ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قبرها ولم
يكن يومئذ سنة الجنايز والصلاة عليها ومنزلها يعرف بها اليوم اشتراه معاوية فيا ذكر
فجعله مسجدا يصلي فيه وبناه على الذي هو عليه اليوم.
ولما توفيت خديجة جعلت فاطمة تلوذ بأبيها وتقول: أين أمي حتى قالت يوما
يا أبة ما أتغذى ولا أتعشى حتى أعلم أين أمي فجعل لا يجيبها لأنه ما يدري ما يجيبها
فنزل جبرئيل وقال: إن تقرأ على فاطمة السلام وتقول لها أمك في بيت من قصب كعابه
من ذهب وعمده من ياقوت أحمر بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران فقالت
فاطمة: إن الله هو السلام ومنه السلام واليه السلام وكان الله قد عزاها وعزاها جبرئيل
بأمها ولكن لما توفي أبوها هل عزاها أحد؟ نعم هجموا على باب دارها وأحرقوا
الباب الخ.
235

المجلس الثامن
ولما توفيت خديجة عليها السلام أشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتراكمت عليه
الهموم والغموم بحيث أحتجب عن الناس مدة مديدة، وسمي ذلك العام عام الحزن لأنه
فقد في ذلك العام عمه أبا طالب وزوجته خديجة في سنة واحدة بل في شهر واحد ثم
هاجر إلى الطائف شهرا ورجع إلى مكة ليقيم بها فلم يستطع لان مشركي قريش هموا بقتله
واجتمعوا في دار الندوة، واستشاروا فيما بينهم في دفعه وسفك دمه، واجتمعت
آرائهم على أن يهجموا عليه ليلا ويقطعوه في فراشه، ونزل عليه جبرئيل بهذه الآية
(وإذ يمكر الذين كفروا ليقتلوك أو ليخرجوك أو ليثبتوك ويمكرون ويمكر الله
والله خير الماكرين) وأمره بالمسير إلى غار ثور ومنها إلى المدينة.
ولما أراد الهجرة خلف عليا (ع) لقضاء ديونه، ورد الودائع التي كانت عنده
وأمر ليلة الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه، ويقيه بنفسه كما كان
ينام على فراشه منذ أربع سنين في شعب أبي طالب، وذلك بأمر من أبي طالب (ع)
لأنه غاية همه حفظ رسول الله (ص) وصيانته عن مكائد قريش، وكان يأخذ بيد
علي (ع) ويأتيه إلى فراش رسول الله (ص) ويأمره بالمبيت على الفراش، ويحول
النبي (ص) إلى فراش آخر فكان علي (ع) يقول: أبتاه إني لمقتول فيقول له أبو طالب
اصبرن يا بني أحجى كل حي مصيره لشعوب:
قد بذلناك والبلاء شديد * لفداء النجيب ابن النجيب
لفداء الأعز الحسب الثاقب * والباع والفناء الرحيب
أن تصبك المنون فالنبل تترى * فمصيب منها وغير مصيب
فأجاب علي (ع):
أنا مرني بالصبر في نصر أحمد * فوالله ما قلت الذي قلت جازعا
ولكنني أحببت أن تر نصرتي * لتعلم إني لم أزل لك طائعا
سأسعى لوجه الله في نصر أحمد * نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا
236

والحاصل دعا رسول الله (ص) عليا (ع) وقال له: إن الله تعالى أوحى إلي إن
أهجر دار قومي وأن أنطلق إلى غار ثور، وإنه آمرك بالمبيت على فراشي وأن يلقى
شبهي عليك أو تسلم بمبيتي هناك قال (ص): نعم فتبسم (ع) ضاحكا وأهوى إلى الأرض
ساجدا، فكان أول من سجد لله شكرا أو أول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته
فلما رفع رأسه قال له: امض لما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي وأنشأ يقول:
وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول إله خاف أن يمكروا به * فنجاه ذو الطول الاله من المكر
فبات رسول الله في الغار آمنا * موفي وفي حفظ الاله وفي سر
وبت أراعهم وما يثبتونني * فقد وطنت نفسي على القتل والأسر
أردت به نصر الاله تبتلا * وأضمرته حتى أوسد في قبري
قال صلى الله عليه وآله وسلم له: فأرقد على فراشي واشتمل بردي ثم إني أخبرك يا علي إن
الله امتحن أوليائه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم
الأمثل فالأمثل فقد امتحنك الله يا بن أم، وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم
والذبيح إسماعيل فصبرا صبرا، فإن رحمة الله قريبة من المحسنين أقول: قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي (ع): يا بن أم على طريق الشفقة والعطوفة لان دأب العرب إنهم يذكرون
الام في وقت الشفقة، وإذا أصابتهم مصيبة كما إن هارون قال لأخيه موسى يا بن أم
لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، وكما قال علي (ع) للنبي (ص) يوم أخرجوه إلى المسجد:
يا بن أمي إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني وكما قالت الحوراء زينب لأخيها: يا بن
أمي لقد كللت عن المدافعة الخ ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضمه إلى صدره وجعل يوصيه ثم خرج
بات أبو الحسن في فراش خاتم النبيين ووقاه بنفسه شر المشركين كما في زيارته: السلام
عليك يا من بات على فراش خاتم الأنبياء ووقاه بنفسه شر الأعداء وفي زيارته الأخرى
أشبهت في البيات على فراش الذبيح (ع) إذ أجبت كما أجاب وأطعت كما أطاع إسماعيل (ع)
صابرا محتسبا (إذ قال له يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك فأنظر ماذا ترى قال:
يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدني إنشاء الله من الصابرين) وكذلك أنت لما أباتك النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وأمرك إن تضجع في مرقده واقيا له بنفسك أسرعت إلى اجابته مطيعا ولنفسك على
القتل موطنا فشكر الله طاعتك وأبان جميل فعلك بقوله جل ذكره (ومن الناس من
237

يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) فأوحى الله تلك الليلة إلى جبرئيل وميكائيل إني قد
آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الاخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فأختار كل
منهما الحياة فأوحى الله إليهما إلا كنتما كوليي علي آخيت بينه وبين محمد فبات على
فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة أهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزل جبرئيل عند رأس أمير المؤمنين (ع) وميكائيل عند رجليه
فقال جبرئيل: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب فقد باهى الله بك ملائكته
ويقول الكعبي:
ومواقف لك دون أحمد جاوزت * بمقامك والتعريف والتحديدا
فعلى الفراش مبيت ليلك والعدي * تهدى إليك بوارقا ورعودا
فرقدت مثلوج الفؤاد كأنما * يهدي القراع لسمعك التغريدا
فكفيت ليلته وقمت معارضا * للنفس لا فشلا ولا رعديدا
واستصحبوا فروا دون مرادهم * جبلا أشم وفارسا صنديدا
رصدوا الصياح لينفقوا كنز الهدى * أو ما دروا كنز الهدى مرصودا
ولقد عجبت في تلك الليلة ملائكة السماوات من مواساة علي (ع) بالنسبة إلى
رسول الله (ص) ولم يروا مثل تلك المواساة من أخ بالنسبة إلى أخيه بل ولا من عبد بالنسبة إلى مولاه إلا يوم عاشوراء حين أخذ العباس اللواء وجاء إلى أخيه الحسين (ع)
وقال: يا أخاه ألح، كما في زيارته: أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة.
المجلس التاسع
ولرسول الله (ص) من البنات أربعة وهن: زينب، وأم كلثوم، ورقية
والصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام، وكان (ص) قد زوج عتبة بن أبي لهب إحدى
ابنتيه رقية أو أم كلثوم قبل أن يبعث، فلما أنزل عليه الوحي وبارى قومه بأمر الله
باعدوه فقال بعضهم لبعض: إنكم قد فرغتم محمدا من همه أخذتم عنه بناته
وأخرجتموهن من عياله فردوا عليه بناته وشغلوه بهن، فمشوا إلى أبي العاص فقالوا
238

له: فارق صاحبتك زينب بنت محمد ونحن ننكحك أي امرأة شئت من قريش
فقال: لا ها الله أذن لا أفارق صاحبتي، وما حب إن لي بها من قريش فكان
رسول الله (ص) إذا ذكره يثني عليه خيرا في صهره ثم مشوا إلى الفاسق عتبة بن أبي لهب
فقالوا له: أطلق ابنة محمد ونحن ننكحك أي امرأة شئت من قريش فقال: إن أنتم
زوجتموني ابنة سعيد بن العاص فارقتها فزوجوه ابنة سعيد بن العاص ففارقها ولم يكن
دخل بها فأخرجها الله من يد ذلك الفاسق كرامة لها وهوانا له، وأما زينب تزوج بها
أبو العاص بن الربيع قبل البعثة بمقتضى أمر خديجة لأنها خالة أبي العاص وتحبه ثم بعد
البعثة أسلمن بنات رسول الله (ص) وأسلمت زينب ولم يسلم أبو العاص إلى إن هاجر
رسول الله (ص) إلى المدينة واتفقت غزاة بدر، وكان ممن حضر بدر من مشركي قريش
أبو العاص زوج زينب.
فلما نصر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين كان أبو العاص ممن أخذ أسيرا
فأتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان مع الأسارى، فلما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم بعثت
زينب في فداء أبي العاص بعلها بمال، وكان فيما بعثت به قلادة كانت لخديجة أدخلتها بها
على أبي العاص ليلة زفافها عليه، فلما رآها رسول الله (ص) رق لها رقة شديدة وقال
للمسلمين: إن رأيتم أن تطلقوا لابنتي زينب أسيرها وتردوه عليها ما بعثت به من الفداء
فافعلوا فقالوا: نعم نفديك بأنفسنا وأموالنا فردوا عليها ما بعثت به وأطلقوا لها
أبا العاص.
قال ابن أبي الحديد: قرأت على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي
البصري، وكان أستاده قال: قرأت هذا الخبر على النقيب فقال لي: أترى أبا بكر
وعمر لم يشهدا هذا المشهد نعم قد شهدا أتقصر منزلة فاطمة عند رسول الله من منزلة
زينب أختها وهي سيدة نساء العالمين لا والله ما تقصرا ما كان مقتضى التكرم والاحسان
إن يطيبا قلب فاطمة بفدك ويستوهباه لها من المسلمين على سبيل الالتماس والاستدعاء
لا التحكم ويقولان: يا معشر المسلمين هذه بنت نبيكم قد حضرت تطلب هذه النخيلات
أفتطيبون عنها نفسا أترى المسلمين كانوا منعوها ذلك لا والله ما منعوها هذا إذا لم يثبت
لها حق في فدك لا بالنخلة ولا بالإرث وإلا فمعلوم، ثم قال: إنهما لم يأتيا بحسن في
شرع التكرم وأن كان ما أتياه حسنا في الدين، والحاصل فلما أطلق النبي (ص) أبا العاص
239

أمره إن يبعث زينب بنت رسول الله (ص) إلى المدينة، وبعث النبي (ص) زيد بن حارثة
مع أبي العاص لجلب زينب فقدم لها بعيرا وأركبوها وخرجوا بها إلى المدينة نهارا يقاد
بعيرها وهي في الهودج، وتحدث بذلك الرجال والنساء من قريش، وتلاوم بعضهم
بعضا وقالوا: إن محمد قتل رجالنا في بدر وسبا ذرارينا، وتخرج أبنته من بين أيدينا
نهارا هكذا، فخرجوا في طلبها مسرعين حتى أدركوها بذي طوى، فكان أول من سبق
إليها هبار بن الأسود ونافع بن عبد القيس الفهري فروعها هبار بالرمح وهي في الهودج
وكانت حاملا، فلما رجعت إلى المدينة رأت دما وطرحت ما في بطنها فلذلك أباح
رسول الله (ص) دم هبار يوم فتح مكة لأنه روع زينب. قال ابن أبي الحديد: فلما قرأت
هذا الخبر على النقيب أبي جعفر فقال: إن كان رسول الله (ص) أباح دم هبار لأنه روع
زينب فألقت بطنها فظاهر الحال إنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة عليها السلام
حتى ألقت جنينها.
وهادر الدم من هبار ساعة إذ * بالرمح هودج من ينمى له قرعا
ما كان يفعل لو شيلت هوادجها * قسرا على قتب صعب في الثرى ضلعا
ومعها حموها كنانة بن الربيع فبرك وأخذ سهما ووضعه في كبد قوسه وقال:
احلف بالله لا يدنوا اليوم منها رجل إلا رميته بسهمي فجاء أبو سفيان بن حرب في جملة
قريش وقالوا: أيها الرجل اكفف عنا بتلك حتى نكلمك فكف، فأقبل أبو سفيان
حتى وقف عليه، وقال: إنك لم تحسن ولم تصب خرجت بالمرأة على رؤس الناس
علانية جهارا، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد أبيها فيظن الناس
إذا أنت خرجت بابنته جهارا إن ذلك ذل أصابنا، وإن ذلك منا وهن وضعف
لعمري ما لنا في حبسها عن أبيها من حاجة وما فيها من ثار ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا
هدئت الأصوات وتحدث الناس بردها أذهب بها خفيا فألحقها بأبيها فردها كنانة إلى
مكة فأقامت بها ليالي حتى إذا هدأت الأصوات عنها حملها على بعيرها وخرج بها ليلا حتى
سلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه فقد ما بها على رسول الله (ص) فأقام أبو العاص بمكة
على شركه، وأقامت زينب عند أبيها بالمدينة قد فرق الاسلام بينهما حتى إذا كان قبل
الفتح خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بمال له وأموال لقريش بعثوا معه وكان رجلا
مأمونا، فلما فرغ من تجارته وأقبل يريد مكة فلقيته سرية لرسول الله (ص) فأصابوا
240

ما كان مع أبي العاص وأخذوها غنيمة وفر أبو العاص هاربا فأقبلت السربة بما أصابت
من مال أبي العاص حتى قدمت به رسول الله، وجاء أبو العاص في جوف الليل حتى
دخل على زينب بنت رسول الله (ص) في منزلها، فاستجار بها فأجارته زينب، وإنما
جاء لطلب ماله وأموال قريش الذي أصابته تلك السرية، فلما كبر رسول الله (ص)
في صلاة الصبح وكبر الناس صرخت زينب من صفة النساء أيها الناس إني قد أجرت
أبا العاص بن الربيع فصلى رسول الله (ص) بالناس الصبح، فلما سلم من الصلاة
أقبل عليهم.
وقال: أيها الناس هل سمعتم ما سمعت قالوا: نعم قال: أما والذي نفس محمد
بيده ما علمت بشئ مما كان حتى سمعتم ما سمعت ثم انصرف فدخل على ابنته زينب وقال:
أي بنية أكرمي مثواه وأحسني قراه ولا يصلن إليك فإنك لا تحلين له، فسأل
أبو العاص أمواله فبعث النبي (ص) إلى تلك السرية الذين أصابوا أمواله وقال لهم: إن
هذا الرجل منا بحيث علمتم قد أصبتم له مالا فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب
ذلك، وإن أبيتم فهو فئ الله الذي أفائه عليكم وأنتم أحق به فقالوا: يا رسول الله بل
نرده عليه فردوا عليه متاعه حتى إن الرجل كان يأتي بالحبل. ويأتي الاخر بالشنة
ويأتي الاخر بالإداوة، والاخر بالشظاظ حتى ردوا إليه ماله ومتاعه بأسرها مع إنه
كافر ولم يسلم بعد ولكن طلبا لمرضاة رسول الله (ص) حتى لم يفقد أبو العاص من ماله
شيئا. أقول: عشية يوم العاشر سألن بنات رسول الله (ص) ليردوا إليهن ما أخذ
منهن ليستترن به فوالله ما رد أحد منهم شيئا ثم احتمل إلى مكة، فلما قدمها أدى إلى كل
ذي مال من قريش ماله حتى إذا فرغ من ذلك قال لهم: يا معشر قريش هل بقي لاحد
منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا فجزاك الله خيرا لقد وجدناك وفيا كريما قال:
فأني أشهد إن لا إله إلا الله وإن محمدا رسول الله.
والله ما منعني من الاسلام عند رسول الله (ص) إلا تخوفا إن تظنوا إني أريد إن
آكل أموالكم وأذهب بها فإذا سلمها الله لكم وأداها إليكم فأني أشهدكم إني قد أسلمت
وأتبعت دين محمد (ص) ثم خرج سريعا حتى قدم على رسول الله (ص) بالمدينة.
عن ابن عباس إن رسول الله (ص) رد زينب بعد ست سنين على أبي العاص بالنكاح
الأول لم يحدث شيئا، واسم أبي العاص القاسم بن الربيع وكان له من زينب ابنة اسمها
241

امامة فتزوجها المغيرة بن نوفل ثم فارقها وتزوجها علي (ع) بعد وفاة فاطمة عليها السلام
وهي التي أوصت فاطمة عليها السلام بذلك لعلي (ع)، وتوفيت زينب سنة ثمان من
الهجرة، وقيل: إنها ولدت من أبي العاص ولدا اسمه علي ومات أبو العاص في ولاية
عثمان وتوفيت امامة سنة خمسين الخ.
المجلس العاشر
ومن بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رقية كانت زوجة عتبة بن أبي لهب فطلقها قبل الدخول
بها بأمر أبيه، وتزوجها عثمان في الجاهلية فولدت له ابنا سماه عبد الله ربه يكنى
وهاجرت مع عثمان إلى الحبشة ثم هاجرت معه إلى المدينة، وتوفيت سنة اثنين من
الهجرة والنبي في غزوة بدر وتوفي ابنها سنة أربع وله ست سنين، ويقال نقره
ديك على عينيه فمات وأم كلثوم تزوجها عتبة بن أبي لهب وفارقها قبل الدخول
وتزوجها عثمان بعد رقية سنة ثلاث وتوفيت في شعبان سنة سبع والرابعة من بناته (ص)
فاطمة وتوفيت يوم الثالث من جمادى الآخرة ونحن نذكر ها هنا وفاة رقية، وكان المغيرة
بن أبي العاص دعى إنه رمى رسول الله (ص) فكسر رباعيته وشف شفتيه وكذب وأدعى
إنه قتل حمزة وكذب. فلما كان يوم الخندق ضرب على أذنيه فنام فلم يستيقظ حتى أصبح
فخشي أن يؤخذ فتنكر وتقنع بثوبه وجاء إلى منزل عثمان يطلبه وتسمى باسم رجل من
بني سليم كان يجلب إلى عثمان الخيل والغنم فجاء إلى عثمان فأدخله منزله وقال له عثمان:
ويحك ما صنعت أدعيت إنك دميت رسول الله (ص) وادعيت إنك شققت شفتيه
وكسرت رباعيته وادعيت إنك قتلت حمزة.
فلما سمعت رقية بما صنع بأبيها وعمها صاحت فأسكنها عثمان وآوى عمه المغيرة
وقد هدر رسول الله دمه وقال لابنة رسول الله (ص): لا تخبري أباك بمكانه كأنه
لا يوقن إن الوحي يأتي رسول الله (ص) فجعله بين مشخب له ولحفه بقطيفة فأتى
رسول الله (ص) الوحي فأخبره بمكانه فبعث إليه عليا وقال: اشتمل على سيفك وآت
بيت ابنة عمك فإن ظفرت بالمغيرة فأقتله لأنه كان من المستهزئين فأتي (ع) البيت وجال
فيه فلم يظفر به فرجع إلى رسول الله (ص) وأخبره فقال: يا رسول الله لم أره.
242

فقال: إن الوحي قد أتاني فأخبرني إنه في المشخب ودخل عثمان بعد خروج علي (ع)
فأخذ بيد عمه فأتى به النبي، فلما رآه أكب ولم يلتفت إليه رسول الله، وكان حنينا
كريما فقال: يا رسول الله هذا عمي المغيرة وقد أمنته فلم يزل يكرر هذا القول ويأتيه عن
يمينه ثم عن يساره، فلما كان في الرابعة رفع النبي رأسه إليه وقال: قد جعلت
لك ثلاثة أيام فإن قدرت عليه بعد ثلاثة أيام قتلته فلما أدبر قال رسول الله: اللهم العن
المغيرة بن العاص، والعن من يؤويه، والعن من يحمله، والعن من يطعمه، والعن
من يسقيه، والعن من يجهزه، والعن من يعطيه سقاء أو حذاء أو رشاء أو رعاء
وهو يعدهن بيمينه، وأنطلق به عثمان وآواه ومكث عنده خمسة أيام حتى فعل جميع
ما لعن عليه النبي (ص) من يفعله به، ثم أخرجه في اليوم السادس يسوقه فلم يخرج من
أبيات المدينة حتى أعطب الله راحلته ونقب حذائه ودميت قدماه، فاستعان بيده
وركبته، وأثقله جهازه حتى جربه فأتى شجرة فأستظل بها فأتى رسول الله (ص) الوحي
فأخبره بذلك فدعى عليا (ع). فقال: خذ سيفك وأنطلق أنت وعمار وثالث لكما
فأتيا المغيرة تحت شجرة كذا وكذا فأتاه علي (ع) فقتله، فلما علم عثمان غضب وجاء
حتى دخل الدار وأخذ خشب القتب وضرب بنت رسول الله (ص) رقية وقال: أنت
أخبرت أباك بمكانه فحلفت له بالله ما فعلت فلم يصدقها فبعثت رقية إلى رسول الله تشكو
ما لقيت فأرسل إليها رسول الله (ص) أقني حياك فما أقبح بالمرأة ذات حسب ودين يضربها حتى
أدمى جسدها وكسر عظاما من صدرها فلما بعث في الرابعة دعا رسول الله (ص) عليا
وقال خذ سيفك واشتمل عليه ثم آت بنت عمك فخذ بيدها فإن حال بينك وبينها فلان
فأحطمه بالسيف.
وأقبل رسول الله بنفسه كالواله من منزله إلى دار عثمان فأخرج علي (ع) ابنة
رسول الله (ص) فلما نظرت إلى النبي رفت صوتها بالبكاء واستعبر رسول الله (ص)
وبكى، ثم أدخلها منزله (ص) وكشفت عن ظهرها، فلما إن رأى ما بظهرها قال: ما
قتلك قتله الله: وكان ذلك يوم الأحد وبات عثمان ملتحفا بجاريته فمكثت رقية الاثنين والثلاثاء وماتت في اليوم الرابع فأخرجت جنازتها وأمر رسول الله (ص) فاطمة (ع)
ونساء المؤمنين أن يخرجن معها، وخرج عثمان يشيع جنازتها فما نظر إليه النبي (ص)
243

قال من أطاف البارحة بأهله أو بفتاته فلا يتبعن جنازتها أو قال: من ألم بجاريته الليلة
فلا يشهد جنازتها قال مرتين وهو ساكت.
قال (ص): ليقومن أو لأسمينه باسمه واسم أبيه فقام عثمان يتوكأ على مولاه
ممسكا بطنه. فقال: يا رسول الله إني أشتكي بطني فإن رأيت إن تأذن لي إن أنصرف
قال: انصرف وخرجت فاطمة عليها السلام ونساء المؤمنين والمهاجرين، صلين عليها
ودفنوها وقف رسول الله (ص) على قبرها فرفع رأسه إلى السماء ودمعت عيناه وقال
الناس: إني ذكرت هذه وما لقيت واستوهبتها من ضمة القبر، فقال: اللهم هب لي
رقية من ضمة القبر فوهبا الله له. بنات النبي (ص) كلهن مضروبات رقية ضربت بخشبة
القتب وفاطمة ضرب بنعل السيف، الخ.
المجلس الحادي عشر
لبعض الأدباء:
بشرى لنا معشر الأحباب بالطرب * واستبشروا بزوال الغم والكرب
يا نفس طبي فقد طاب الزمان لنا * ولنشرب الراح كي نرتاح من تعب
بشراك يا نفس من عيد ظفرت به * والنفس ميالة للهو واللعب
وكيف تخشى من العقبى ففاطمة * جاءت لنا ببراة الفطم فانتدب
وباسمها فاطر الأفلاك قد فطما * محبها من سعير الحشر والعطب
من صبح غرتها ليل النوى انسلخت * بها اهتدينا إلى الأنوار والشهب
في أرض مكة شمس المجد قد بزغت * يا شمس أفق السما من ضوئها اكتسبي
فلا أقول لها إن كنت آفلة * تضئ دهرا بوجه عنك محتجب
باهت به الأرضون السبع وافتخرت * على السماوات يوم أوفد في الترب
يا طالبا فضلها أقصر خطاك فما * تنال منه فسر الله في الحجب
لو سودت صحف الأفلاك ما بلغت * معشار معاليها بلا كذب
اصطفاه اصطفاها الله بارئها * وما ارتضاها لغير المرتضى الإرب
244

لو لم يكن كفوا لها أحد * وتلك كفوا له الفضل والحسب
لو أم للمجد أم فهي بجدتها * أو يمم الذروة العليا من الحسب
فالأولياء لها كالجند والحشم * والأنبياء لها كالعين والهدب
ولو درت بنت عمران التي احتضنت * عيسى لخرت لها في سجدة الأدب
وللمرحوم الشيخ غلام حسين الغروي الأصبهاني:
سقى الله أنفاسي من السلسل العذب * لأنظم ابكارا من اللؤلؤ الرطب
بمدحة بنت المصطفى ينجلي كربي * وإن معاليها لأسنى من الشهب
وفي مدحها القرآن بل سائر الكتب
فإن لم تصدق ما أقول ولا تدري * فسل آية (الوسطى) وسل (ليلة القدر)
وسل آية (الكبرى) وسل سورة (الدهر) * وسل آية (القربى) وسل آية (الاجر)
وكانت لطه المصطفى الروح بالجنب
حباها أبوها بالكرامة والبشر * ربيبة حجر الوحي والنهي والامر
محدثة كانت تحدث بالسر * وتخبرها جهرا ملائكة الغر
ومن نورها ضوء المشارق والغرب
هي الدرة البيضاء في صدف النهى * هي الغرة النوراء في ظلم الدجى
ومشكوة أنوار الهداية للورى * بأبنائها الغر الكرام أولى الحجى
تشرفت الاباء في سالف الحقب
هي الزهرة الزهراء تجلت تكرما * هي اللمعة النوراء فعزت وإنما
هي الكوكب الدري في أفق السما * تضئ لسكان السماوات كلما
تقوم بمحراب تناجي إلى الرب
هي الآية الكبرى فكلت أولى النهى * عقولهم ما يبلغون المنتهى
مكارمها العليا وأنى لهم بها * وكيوان علياها لاعلى من السهى
ففي فاطم حارت عقول ذوي اللب
هي الشمس قدرا والأشعة ساتر * بخدمتها حور الجنان تفاخر
لها جاريات مريم ثم هاجر * هي القطب خدرا والنساء دوائر
فشتان ما بين الدوائر والقطب
245

هي البضعة الهادي الرسول الممجد * وريحانة المختار طه محمد
حليلة كرار حبيبة أحمد * هي العروة الوثقى لقبري وفي غدي
شفيعة من والى من العجم والعرب
فتبا لمن بالدمع أسجم جفنها * وتعسا لمن بالنار أحرق كنها
وسحقا لمن بالعصر أسقط ابنها * وبعدا لمن بالسوط سود متنها
وفي وجهها الدم من اللطم والضرب
فلهفي عليها حين أبدت عويلها * بعولتها تنسى الحمام هديلها
وكانت لأطواد الفلا أن تزيلها * فما حال من تلقى مقودا كفيلها
ويا عجبا من قسور قيد للكلب
فأوقفت الأفلاك من فرط دهشة * وأذهلت الاملاك من طول زفرة
تناديهم خلوا ابن عمي ومهجتي وان لم تخلوا عنه أشكوا بعولتي
إلى الله يا أهل الضلالة والريب
فأومت إلى القبر الشريف ودمعها * تسيل تخال السحب يوم ربيعها
ونادت أباها خير رسل جميعها * أتدري الرزايا قد دهانا فظيعها
فلله من رزه عظيم ومن خطب
السلام على النورية السماوية، الصفية العابدة، الرضية المرضية، المتهجدة
الشريفة، الفاتنة العفيفة، الزكية بالعدالة، الرضية بالمقالة، المرضية بالدلالة، المحدثة
بالشفقة، الحرة بالنفقة، السيدة بالصدقة، الحانية الزهادة، العذراء بالولادة
النورية بالشهادة، السماوية بالعبادة، السلام على البتولة في الزمان، الزهراء
بالأحضان وسيدة النسوان، وحبيبة حبيب الله المنان، وصفية الرحمن، ابنة خير
المرسلين وقرة عين الخلائق أجمعين، واسطة العقد بين سيدات نساء العالمين، المتظلمة
بين يدي العرش يوم الدين.
السلام على الصديقة الكبرى، المكرمة تحت القبة الخضراء الانسية الحوراء
البتولة العذراء، ومن أنزل في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورة هل أتى، راحة
روح المصطفى، قرينة سيد الأوصياء، صاحبة شجرة طوبى، سيدة نساء الآخرة
والدنيا ابنة المصطفى، زوجة المرتضى، والدة المجتبى، وارثة سيدة الأنبياء، السلام
246

على ثمرة النبوة، وزهرة فؤاد شفيع الأمة، وأم الأئمة، السيدة الرشيدة، المفقودة
الكريمة، والمظلومة الشهيدة، صاحبة البلوى من غير فزع ولا شكوى، مريم
الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها السلام على الطاهرة بالافعال، والمباركة
بالأحوال الصديقة بالأقوال شقيقة مريم، وابنة محمد الأكرم المعظمة من كل شر
والمعلومة بكل خير المنعوتة في الإنجيل، والموصوفة بالبر والتبجيل، درة صاحب
الوحي والتنزيل، جدها الخليل، مادحها الجليل، خاطبها بأمر المولى جبرئيل، الحمد
لله الذي أكمل نوره وأتم سروره وقال الله تعالى في كتابه العزيز: (وتمت كلمة ربك
صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته) فيا معشر السادة ويا فرقة الشيعة القادة أبشروا في هذا
اليوم الشريف بالمواهب الإلهية والرغائب الرحمانية لولادة أم الأئمة النجباء، سيدة
النساء، والبتولة العذراء، والإنسية الحوراء وشرف الأرض والسماء، فاطمة الزهراء
عليها السلام، وبارك الله لكم هذه الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة في هذا العيد السعيد
مع الرغيد كما بورك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار الذين هم ورثة النبوة والحكمة
وفضل الخطاب، وقد جعل الله شرق الأرض وغربها بغرة ناصيتها مستنيرة، وسكانها
بأشعة جبينها مستضيئة فانظروا إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها واها
لهذا العيش واها واها:
عقم النساء فما يلدن بمثلها * إن النساء بمثلها عقم
عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (ع): كيف كانت ولادة
فاطمة عليها السلام؟ فقال (ع): نعم إن خديجة لما تزوج بها رسول الله هجرتها نسوان
مكة فلم يدخلن عليها ولا يسلمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت
خديجة لذلك وكان جزعها وغمها حذرا على رسول الله، فلما حملت بفاطمة كانت فاطمة
تحدثها من بطنها وتصبرها وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل رسول الله يوما
وسمع خديجة تحدث فاطمة فقال لها: يا خديجة لمن تحدثين قالت: الجنين الذي في بطني
يحدثني ويؤنسني قال: يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني أنها أنثى وأنها النسلة الطاهرة الميمونة
وإن الله سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد
انقضاء وحيه فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش
وبني هاشم لتلين من أمرها ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها أنت عصيتنا ولم تقبلي
247

قولنا وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرا لا مال له فلسنا نجئ ولا نلي من أمرك شيئا
فاغتمت خديجة لذلك فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من
نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنا رسل ربك
إليك ونحن أخواتك أنا سارة، وهذا آسية بنت مزاحم رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت
عمران وهذه كلثوم أخت موسى بن عمران بعثنا الله لنلي منك ما تلي النساء من النساء
فجلست واحدة عن يمينها وأخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت
فاطمة طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور، حتى دخل بيوتات مكة
ولم يبق في شرق الأرض وغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور ودخل عشرة من الحور
العين كل واحدة منهن معها طشت من الجنة وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من
الكوثر فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين
بيضاوتين أشد بياضا من اللبن وأطيب ريحا من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة وقنعتها
بالثانية، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وإن أبي رسول الله سيد الأنبياء، وإن بعلي سيد الأوصياء، وولدي
سادات الأسباط، ثم سلمت عليهن وسمت كل واحدة منهن باسمها، وأقبلن يضحكن
إليها، وتباشرت الحور العين وبشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة عليها السلام
وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة من قبل ذلك، وقالت النسوة: خذيها يا خديجة
طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها، وفي نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة، وألقمتها
ثديها فدر عليها فكانت فاطمة تنمى في اليوم كما ينمى الصبي في الشهر، وتنمى في الشهر
كما ينمى الصبي في السنة أقول: ولعمري إن كل شجرة ومدرة بذكر مناقبها في وجه الأرض
ناطقة، وأيم الله إنها الطاهرة المطهرة والصديقة الصادقة وإنها أجل من أن يحيط بها
الأفكار وتصل إليها الانظار، وقد ملئت من مفاخرها المشهورة الصحائف الامكانية
وزينت من مآثرها المشكورة أوراق كتب الايجاد من الكمالات النفسانية والملكات
العقلانية، وإن فضائلها المروية يرويها كل كابر عن كابر، وفواضلها الرحمانية يهديها
الأول إلى الاخر فلها العز الاعلى عند أهل الآخرة والأولى، وفي علم الله تعالى من
شرف محلها وعلو قدرها قضى ما قضى، وقدر ما قدر بحيث لن تنالها العقول والفكر
ولها كرائم ليس لأحد من النسوة، وشرائف قد اكتفتها قبل الفطرة فحازت قصبات
248

السبق، واستوت على عرائش الفضل فاختارها الله تعالى من الأنبياء والمرسلين وجعلها
ولية الله وآيته الكبرى على العالمين، فعجز الخائضون في كنه معرفتها والناس كلهم
من أقطارها وإدراك مقدارها مبعدون وإنها نور على نور من ربها، وزاد على طيب
فرعها طيب أصلها فسبحان من خصها بأعظم الفضائل وميزها عن خلقه بأكرم الفضائل
وشرفها ورفع قدرها وأكرمها وأكثر نسلها وجعل كل من أحوالها آية باهرة، وكل
طور من أطوارها معجزة ظاهرة وكرامة زاهرة.
ولو كان النساء بمثل هذي * لفضلت النساء على الرجال
ولا التأنيث لاسم الشمس عيب * ولا التذكير فخر للرجال
ويل لمن يعرف حقها، وجهل قدرها، ولم يرع رسول الله فيها، وبالغ في
هضمها ومنع عنها أرثها، وأحرق باب دارها، وأسقط جنينها وكسر ضلعها.
وما روعيت فيها لأحمد ذمة * وقد خصها بالود منه وباللطف
المجلس الثاني عشر
قال ابن شهرآشوب في (المناقب): أشتهر في الصحاح بالأسانيد المعتبرة إن
أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام مرة بعد أخرى فردهما وقال: إنها
صغيرة فأقبل إلى علي (ع) وقالا: يا أبا الحسن لو أتيت رسول الله (ص) فذكرت له
فاطمة عليها السلام، فأقبل علي (ع) حتى دخل على رسول الله (ص) فلما خطبها هش
وبش النبي (ص) في وجهه وقال: مرحبا وأهلا، فقيل لعلي (ع): يكفيك من
رسول الله (ص) أحداهما: أعطاك الأهل وأعطاك الرحب، ثم قال: يا علي ألك شئ
أزوجك منها فقال: لا يخفى عليك حالي إن لي فرسا وبغلا وسيفا ودرعا فقال (ص):
بع الدرع ثم قال: أبشر يا علي فإن الله قد زوجك بها في السماء قبل ان أزوجها منك في
الأرض، ولقد أتاني ملك وقال: أبشر يا محمد باجتماع الشمل وطهارة النسل قلت:
وما أسمك؟ قال: نسطائيل من موكلي قوائم العرش وجبرئيل أثرى، وفي رواية
أخرى قال (ص): بينما أنا جالس إذ هبط علي ملك وله عشرون رأسا، وفي كل رأس
249

أربعة وعشرون وجها، وفي كل وجه الف لسان فقلت: حبيبي جبرئيل لم أراك في هذه الصورة
قال: لست جبرئيل أنا محمود بعثني الله أن أزوج النور من النور قلت: من بمن بمن؟ قال:
فاطمة من علي، فلما ولى الملك إذا بين كتفيه مكتوب (محمد رسول الله على وصيه)
فقلت مذ كم كتب هذا بين كتفيك؟ قال: من قبل أن يخلق آدم باثنين وعشرين الف
عام، يا علي فبينما أنا جالس إذ هبط الأمين جبرئيل ومعه من سنبل الجنة فتناولتها
وأخذتها وشممتها فقلت: ما سبب هذا السنبل؟ قال: أبشر يا محمد فإن الله قد زوج عليا
بفاطمة وأمر سكان الجنان من الملائكة ومن فيها أن يزينوا الجنان كلها بمغارسها
وأشجارها وأثمارها وقصورها، وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب والريحان
وأمر حور عينها بالقراءة فيها بسورة (طه ويس وطور سنين وحمعسق) ثم نادى مناد
من تحت العرش ألا إن اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب، ألا إني أشهدكم إني قد
زوجت فاطمة من علي صفوتي رضي مني بعضهما لبعض فأشهد على تزويجها أربعين
الف ملك، وكان الولي الله، والخطيب جبرئيل، والمنادي ميكائيل، والداعي
أسرا فيل، والناثر رضوان، والشهود الملائكة.
نصب الجليل لجبرئيل منبرا * وفي ظل طوبى من متون زبرجد
شهد الملائكة الكرام وربهم * وكفى بهم وربهم من شهد
وتناثرت طوبى عليهم لؤلؤا * وزمردا متتابعا لم يعقد
وفي رواية كان الخطيب ملك يقال له راحيل خطب في البيت المعمور في جمع من
أهل السماوات السبع فقال: الحمد الله الأول قبل أولية الأولين الباقي بعد فناء العالمين
نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين
حجبنا من الذنوب، وسترنا من العيوب، أسكننا في السماوات وقربنا إلى السرادقات
وحجب عنا النهم للشهوات، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه، الباسط
رحمته، الواصب نعمته، جل عن الحاد أهل الأرض من المشركين، وتعالى بعظمته
عن أفك الملحدين.
اختار الملك الجبار صفوة كرمه وعبد عظمته لامته سيدة النساء بنت خيرة النبيين
وسيد المرسلين فوصل حبله بحبل رجل من أهله المصدق دعوته المبادر إلى كلمته على
الوصول بفاطمة البتول ابنة الرسول، ثم قال الله تبارك وتعالى: الحمد ردائي، والعظمة
250

كبريائي، والخلق كلهم عبيد وإمائي، زوجت فاطمة أمتي من علي صفوتي
أشهدوا ملائكتي:
والله زوجه الزكية فاطما * في ظل طوبى مشهدا محضورا
كان الملائك ثم في عدد الحصى * راحيل يخطبهم بها مسرورا
يدعو له ولها وكان دعائه * لهما بخير دائما مذكورا
حتى إذا فرغ الخطيب تتابعت * طوبى تساقط لؤلؤا منثورا
وتهيل ياقوتا عليهم مودة * وتهيل درا تارة وشذورا
فترى نساء الحور ينتهبونه * حورا بذلك يهتدين الحورا
أوحى الله تعالى إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدر الياقوت فتناثرت فابتدرن
إليه الحور العين يلتقطن في اطباق الدر والياقوت إلى من فابتدرن إليه الحور
العين يلتقطن في اطباق الدر والياقوت وهن يتهادين بينهن إلى يوم القيامة، وكانوا
يتهادون بينهن ويقولون: هذه تحفة خير النساء فمن أخذ منه يومئذ شيئا أكثر
أو أحسن مما أخذ صاحبه افتخرت، ثم أمر الله تعالى رضوان إن هزي شجرة طوبى
فحملت رقاقا يعني صكاكا بعدد محبي أهل البيت، وأنشأ من تحتها ملائكة من نور، ودفع
إلى كل ملك صكا فيه فكاك من النار، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في
الخلائق ألا فمن كان محبا لفاطمة فليبادر وليأخذ من نثار زفاف فاطمة، فلا يبقى محب
إلا ودفع إليه الملك صكا فيه فكاكه من النار، ثم أرسل سحابة بيضاء فقطرت على أهل
الجنان من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد والمرجان، فابتدرن الحور العين فالتقطن في اطباق الدر
والياقوت وهن يتهادين بينهن إلى يوم القيامة، ويتفاخرن ويقلن هذا من نثار زفاف
فاطمة سيدة النساء، ولقد وجد في زمان والد شيخنا البهائي درة في ظهر الكوفة مكتوب
عليها هذان البيتان:
أنا در من السماء نثروني * يوم تزويج والد السبطين
كنت أصفى من اللجين بياضا * صبغتني دماء نحر الحسين
والحاصل قال جبرئيل: يا محمد زوج فاطمة من علي بن أبي طالب فإن الله قد
رضيها له ورضيه لها قال علي (ع): فزوجني منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في محضر صحابته بعد
251

ما أمرني بانشاد الخطبة وقال: تكلم خطيبا لنفسك فخطب علي (ع) بخطبة ثم قال: هذا
رسول الله (ص) زوجني أبنته فاطمة على خمسمائة درهم وقد رضيت فاسألوه وأشهدوا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن، وقد رضيت
بما رضي الله لها فدونك أهلك فإنك أحق بها مني، فنعم الأخ أنت، ونعم الختن أنت ونعم
الصاحب أنت، وكفاك برضى الله رضا فخر علي (ع) ساجدا شكرا لله وهو يقول: رب
أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي الآية قال (ع): ثم أتاني وأخذ بيدي فقال: قم وقل
بسم الله وعلى بركة الله وما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله توكلت على الله، ثم
جاء بي حتى أقعدني عندها، وقال: اللهم إنهما أحب خلقك إلي فأحبهما وبارك في
ذريتهما وأجعل عليهما منك حافظا وإني أعيذهما بك، وذريتهما من الشيطان الرجيم ثم
أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطبق بسر، وأمر بنهبه ودخل حجرة النساء وأمر بضرب الدف قال
علي (ع): فأقمت بعد ذلك شهرا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأرجع إلى منزلي
ولا أذكر شيئا من أمر فاطمة عليها السلام ثم قلن أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا نطلب
لك من رسول الله دخل فاطمة عليك فقلت: أفعلن فدخلن عليه فقالت أم أيمن:
يا رسول الله لو إن خديجة باقية لقرت عينها بزفاف فاطمة وإن عليا يريد أهله فقر عين
فاطمة ببعلها، وأجمع شملها وقر عيوننا بذلك فقال: فما بال علي لا يطلب مني
زوجته فقد كنا نتوقع ذلك منه. قال علي (ع) فقلت: الحياء يمنعني يا رسول الله
فالتفت صلى الله عليه وآله وسلم إلى النساء فقال من ها هنا فقالت أم سلمة: أنا أم سلمة وهذه زينب وهذه
فلانة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هيؤوا لابنتي وابن عمي في بيتي حجرة فقالت أم سلمة: في
أي حجرة يا رسول الله؟ فقال (ص): في حجرتك فأمر النبي أن يهيؤا طعام العرس
وأمر بطحن البر وخبزه، وأمر عليا (ع) بذبح البقر والغنم. فكان النبي (ص) يفصل
ولم ير على يده أثر دم، فلما فرغوا من الطبخ أمر النبي (ص) أن ينادي على رأس داره
أجيبوا رسول الله وذلك كقوله تعالى: (وأذن في الناس بالحج) فأجابوا من النخلات
والزروع فبسط النطوع في المسجد وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر
نساء المدينة، ورفعوا منها ما أرادوا، ولم ينقص من الطعام شئ ثم عادوا في اليوم
الثاني فأكلوا، وفي اليوم الثالث فأكلوا، ثم دعى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصحاف فملئت
ووجه إلى منازل أزواجه، ثم أخذ صفحة وقال: هذه لفاطمة وبعلها وأمر نسائه
252

أن يزين ويصلحن من شأنها قالت أم سلمة: فسألت فاطمة هل عندك طيب ادخرتيه
لنفسك؟ قالت: نعم فأتت بقارورة فسألت عنها فقالت: كان دحية الكلبي يدخل
على رسول الله فيقول لي: يا فاطمة هاتي الوسادة فاطرحيها لعمك فإذا نهض سقي من بين
ثيابه شئ فيأمرني بجمعه فسأل رسول الله (ص) عن ذلك فقال: هو عنبر يسقط من
أجنحة جبرئيل، وأتت بماء ورد. قالت أم سلمة: فسألت عنه قالت: هذا عرق
رسول الله كنت آخذه عند قيلولة النبي (ص).
ثم إن جبرئيل أتى بحلة قيمتها الدنيا فلما لبستها تحيرن نسوة قريش منها وقلن: من
أين لك هذا؟ قالت: من عند الله فلما كانت ليلة الزفاف أتى النبي ببغلته الشهباء، وثنى
عليها قطيفة وقال لفاطمة: اركبي، وأمر سلمان أن يقودها والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسوقها
فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي وجبة فإذا هو جبرئيل في سبعين الف ملك
وميكائيل في سبعين الف ملك فقال النبي (ص): ما أهبطكم إلى الأرض قالوا: جئنا
نزف فاطمة إلى علي بن أبي طالب، فكبر جبرئيل، وكبر ميكائيل، وكبرت
الملائكة وكبر النبي فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة. وكان النبي أمامها
وجبرئيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وحولها سبعون الف حوراء والملائك
خلفها يسبحون الله ويقدسونه حتى طلع الفجر، وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت
يمشون خلفها، وأمر النبي (ص) بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن
يمضين في صحبة فاطمة، ويفرحن ويرجزن، ويكبرن ويحمدن وأنشأت أم سلمة تقول:
سرن بعون الله جاراتي * وأشكرنه في كل حالات
واذكرن ما أنعم رب العلي * من كشف مكروه وآفات
فقد هدانا بعد كفر وقد * أنعشنا رب السماوات
وسرن مع خير نساء الورى * تفدى بعمات وخالات
يا بنت من فضله ذي العلى * بالوحي منه والرسالات
ثم قالت عائشة:
يا نسوة استترن بالمعاجز * واذكرن ما يحسن في المحاضر
واذكرن رب الناس إذ يخصنا * بدينه مع كل عبد شاكر
والحمد لله على أفضاله * والشكر لله العزيز القادر
253

سرن بها فالله أعطى ذكرها * وخصها منه بطهر طاهر
وقالت حفصة:
فاطمة خير نساء البشر * ومن لها وجه كوجه القمر
فضلك الله على كل الورى * بفضل من خص بأي الزهر
زوجك الله فتى فاضلا * أعني عليا خير من في الحضر
فسرن جاراتي بها فإنها * كريمة بنت عظيم الخطر
ثم قالت معاذة أم سعد بن معاذ:
أقول قولا فيه ما فيه * وأذكر الخير وأبديه
محمد خير بني آدم * ما فيه من كبر ولا تيه
بفضله عرفنا رشدنا * فالله بالخير يجازيه
ونحن مع بنت نبي الهدى * ذي شرف قد مكنت فيه
في ذروة شامخة أصلها * فما أرى شيئا يدانيه
وكانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز ثم يكبرن ودخلن الدار ثم أنفذ
رسول الله (ص) إلى علي (ع)، ودعاه وأخذ عليا بيمينه، وأخذ فاطمة عليها السلام
بشماله، وجمعهما إلى صدره فقبل بين أعينهما ودفع فاطمة إلى علي (ع)، وقال: يا علي
نعم الزوجة زوجتك ثم أقبل على فاطمة، وقال: يا فاطمة نعم البعل بعلك، ثم قام
يمشي بينهما حتى أدخلهما بيتهما الذي هئ لهما، ووضع يد فاطمة في يد علي، وقال:
يا أبا الحسن هذه وديعة الله ورسوله عندك فأحفظ الله وأحفظني فيها، ومن شأن الوديعة أن
ترد إلى أهلها سالمة وردت وديعة رسول الله (ص) وضلعها مكسور، ثم خرج من عندهما
فأخذ بعضادتي الباب فقال: طهركما الله وطهر نسلكما، أنا سلم لمن سالمكما، وحرب
لمن حاربكما، أستودعكما الله وأستخلفه عليكم، ولما كانت صبيحة العرس دخل
رسول الله (ص) عليهما بقدح من لبن فقال لفاطمة: اشربي فداك أبوك ثم قال لعلي (ع):
أشرب فداك ابن عمك. عن أسماء بنت عميس قالت: سمعت سيدتي فاطمة تقول ليلة دخل
بي علي بن أبي طالب (ع) أفزعني من فراشي فقلت: أفزعت يا سيدة نساء العالمين قالت نعم
سمعت الأرض تحدثه ويحدثها فأصبحت وأنا فزعة فأخبرت والدي (ص) فسجد سجدة
طويلة، ثم رفع رأسه وقال: يا فاطمة أبشري بطيب النسل فإن الله فضل بعلك على سائر
254

خلقه، وأمر الأرض ان تحدثه بأخبارها وما يجري على وجهها من شرق الأرض إلى
غربها أقول: ليت شعرت هل أخبرته الأرض بأن يحرقوا باب داره، ويلقوا الحبل
في عنقه ويعصروا الزهراء، وهل أخبرته بأن يقتل ابناه سما وقتلا، وتساق بناتها من
كربلا إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام الخ.
المجلس الثالث عشر
أمدح إمام المؤمنين فتى البرية في احتماله * سبط النبي محمد حبل تفرع من حباله
تغشى العيون الناظرات إذا سمون إلى جلاله * عذب المورد بحره يروي الخلائق من سجاله
بحر أطل على البحور يمدهن ندى بلاله * سقت العباد يمينه وسقى البلاد ندى شماله
يحكى السحاب يمينه الودق يخرج من خلاله * الأرض ميراث له والخلق طرا في عياله
ولد سيدنا ومولانا قبلة العارفين، وعلم المهتدين، وثاني الخمسة الميامين، الذين
أفتخر بهم الروح الأمين وباهل بهم الله المباهلين الامام المؤتمن المحي للفرائض والسنن
وقالع الصنم والوثن، وصاحب السم والمحن أبو محمد الحسن في اليوم النصف من شهر
رمضان المبارك اسمه الشريف في السريانية شبر، وفي العربية على لسان النبي الأمي حسن
وكنيته أبو محمد، وألقابه الوزير، والتقي، والقائم، والطيب، والحجة، والسيد
والولي، والسبط، ولما حملت فاطمة به جاءت أم الفضل زوجة العباس إلى
رسول الله (ص)، وقالت: يا رسول الله رأيت في المنام كأن عضوا من أعضائك
قد سقط في حجري فقال (ص): تلد فاطمة غلاما فتكفلينه وترضعينه فولدت فاطمة
الحسن (ع) فدفعه النبي (ص) إليها فرضعته بلبن قثم من العباس.
فلما ولد جاء النبي وقال: يا أسماء هاتي أبني قالت: فدفعته إليه في خرقة صفراء
فرمى بها النبي وقال: يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلقوا المولود في خرقة صفراء قالت:
فلفه في خرقة بيضاء ودفعه إليه فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى.
ثم قبله وأدخل لسانه في فيه، وجعل الحسن يمص لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لعلي: بأي شئ سميت ابني؟ قال: ما كنت أسبقك باسمه يا رسول الله قد كنت أحب
255

أن اسميه حربا أو حمزة فقال (ص): ولا أسبق أنا باسمه ربي فأوحى الله إلى جبرئيل
إنه قد ولد لمحمد ابن فأهبط فأقرأه السلام وهنأه بولده وقل له: إن عليا منك
بمنزلة هارون من موسى فسم هذا المولود بأسم ابن هارون، فنزل جبرئيل (ع) وكان ذلك
اليوم يوم السابع فهنأه من الله تبارك وتعالى، وأمر أن يسميه بأسم ابن هارون
فسأله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما اسم ابن هارون قال: شبر قال: لساني عربي قال: سمه
الحسن وأمره أن يكنيه ويحلق رأسه ويتق عنه ويثقب إذنه، وكان الثقب في الاذن
اليمنى في شحمة الأذن، وفي اليسرى في أعلى الاذن فالقرط في اليمنى، والشنب في اليسرى
فعق عنه النبي (ص) بكبشين أملحين وأعطى القابلة فخذا ودينارا، وحلق رأسه وترك
ذؤابتين في وسط الرأس، ولقبه بالسيد وهذا أشرف ألقابه الشريفة، وكان يقول (ص)
من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي. قال بن عباس:
انطلقت مع رسول الله (ص) إلى باب بيت فاطمة (ع) فنادى ثلاثا فلم يجبه أحد، فمال إلى الحائط
وقعد فيه وقعدت إلى جانبه فبينما نحن كذلك إذ خرج الحسن بن علي (ع) قد غسل وجهه
وعلقت عليه سبحة قال: فبسط النبي يده إليه ومده وضمه إلى صدره، وقبله وقال: إن
ابني هذا سيد ولعلع الله عز وحل يصلح به بين فئتين من المسلمين، ومن شدة حبه إياه
كان يحمله على عاتقه ويقول: من أحبني فليحب هذا قال، أبو هريرة: ما رأيت الحسن قط
إلا فاضت عيناه دموعا وذلك إنه أتى يوما يشتد حتى قعد في حجر رسول الله (ص)
ورسول الله يفتح فمه ثم يدخله فمه في فمه فيقول: اللهم إني أحبه وأحب من يحبه
يقولها ثلاثا.
قال الراوي: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بنا فجاءه الحسن (ع) وهو صغير فإذا سجد
النبي (ص) يركب الحسن على ظهره ويجلس على ظهره ورقبته فيأخذه ويرفعه رقيقا.
وفي رواية يصبر حتى ينزل الصبي بنفسه ثم يرفع رأسه عن السجدة ويقول: أكره
أن أعجله حتى ينزل فلما صلى قالوا: يا رسول الله انك تصنع بهذا الصبي شيئا لا تصنعه
بأحد فقال: إن هذا ريحانتي وأن أبني هذا سيد عسى أن يصلح الله به بين فئتين من
المسلمين، وقال أبو هريرة: رأيت النبي (ص) يخطب والحسن إلى جانبه وهو ينظر
إلى الناس مرة والى الحسن مرة، وعن أمير المؤمنين (ع) قال: رأينا رسول الله (ص)
قد أدخله رجله في اللحاف أو في الشعار، فاستسقى الحسن فوثب النبي (ص) إلى منيحة لنا
256

فمص من ضرعها فجعله في قدح ثم وضعه في يد الحسن (ع) فجعل الحسين (ع) يثب عليه
ورسول الله (ص) يمنعه فقالت فاطمة (ع): أبتاه كان الحسن أحبهما إليك؟ قال: ما هو
بأحبهما إلي ولكنه استسقى أول مرة، وأني وإياك وهاذين وهذا المنجدل يوم القيامة
في مكان واحد، وهذا يوم شرب الحسن اللبن في قدح من يد جده، ويوم آخر شرب لبنا
في قدح من يد جعدة بنت الأشعث (لع) فخرج كبده من ذلك قطعا قطعا، وكان (ع)
يشبه رسول الله (ص) في الخلق والخلق ولذا قال (ص): يا حسن أنت أشبهت خلقي وخلقي
وأما المشهور إنه أشبه رسول الله (ص) من صدره إلى رأسه وأشبه أمير المؤمنين أباه
من القرن إلى القدم فهو من حيث المجموع أشبه بأبيه من جده والحسين بالعكس، ولذا
كانت فاطمة ترقص الحسن وتقول:
أشبه أباك يا حسن * وأخلع عن الحق الرسن
وأعبد إلها ذا منن * ولا توال ذا الإحن
وترقص الحسين وتقول:
أنت شبيه بأبي * لست شبيها بعلي
وذكر المؤرخون في شمائله إن الحسن بن علي كان أبيضا مشربا بحمرة دعج العينين
سهل الخدين، رقيق المشربة، كث اللحية ذا وفرة، وكأن عنقه إبريق فضة عظيم
الكراديس بعيدا ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، مليحا من
أحسن الناس وجها، وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر حسن البدن:
من صنو ماء الرحى وهي مجاجة * من حوضه الينبوع وهو شفاء
من شعلة القيس التي عرضت على * موسى وقد حارت به الظلماء
من أيكة الفردوس حيث تفتت * ثمراتها وتفيأ الأفياء
قال واصل بن عطاء: كان للحسن بن علي (ع) سيماء الأنبياء وبهاء الملوك ما بلغ
أحد من الشرف بعد رسول الله (ص) مثل ما بلغ الحسن كان يبسط على باب داره
فإذا خرج وجلس على البساط انقطع الطريق فما مر أحد من خلق الله اجلالا له، فإذا
قام ودخل بيته مر الناس واجتازوا. لقد رأيته في طريق مكة ماشيا، فما من خلق الله
أحد رآه إلا نزل ومشى حتى رأيت سعد بن أبي الوقاص يمشي خلفه ويقول.
257

يا حجة الله الجليل وعينه وزعيم آله * وابن الوصي المصطفى شبيه أحمد في كماله
أنت ابن بنت محمد حذوا خلقت على مثاله * فضياء نورك نوره وظلال روحك من ضلاله
فيك الخلاص عن الردى وبك الهداية من ضلاله
سأله معاوية يوما أن يصعد المنبر وينتسب فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال:
أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فسأبين له نفسي، بلدي مكة ومنى وأنا
ابن مروة وصفا، وأنا ابن النبي المصطفى، أنا ابن من علا الجبال الرواسي، وأنا من
كسى وجهه الحيا أنا ابن فاطمة سيدة النساء، وأنا بن قليلات العيوب، أنا ابن نقيات
الجيوب، فخاف معاوية وأمر المؤذن أن يؤذن.
فلما قال المؤذن: الله أكبر قال الحسن (ع) لا شئ أكبر من الله فلما قال المؤذن:
أشهد أن لا إله إلا الله قال (ع): شهد بها لحمي وبشري وعظمي ودمي، فلما قال المؤذن:
أشهد أن محمدا رسول الله التفت (ع) إلى معاوية وقال: محمد أبي أو أبوك فإن قلت ليس
بأبي فقد كفرت وأن قلت: نعم فقد أقررت، ولزين العابدين (ع) مع يزيد (لع)
مثل هذا الخ. ثم قال الحسن (ع): أصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمدا منها
وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمدا منها وأصبحت العجم تعرف حق العرب
بأن محمدا منها، وأصبحنا آل محمد نطلب حقنا ولا يردون إلينا، ما أشبه كلام
زين العابدين بكلام عمه الحسن (ع) في مسجد الجامع في دمشق حين لاقاه منهال بن عمرو
ابن الكوفي، وسأله كيف أصبحت يا بن رسول الله الخ.
المجلس الرابع عشر
ولد الحسين (ع) عام الخندق يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لثلاث أو لخمس خلون من
شعبان سنة الرابع من الهجرة أسمه الحسين (ع)، وفي التوراة شبير، وفي الإنجيل
طاب، وكنيته أبو عبد الله وأبو علي، وألقابه: الشهيد، والسعيد، والطبيب
258

والرشيد، والوفي، والسيد، والزكي، والمبارك، والتابع لمرضاة الله، والدليل
على ذات الله عز وجل، والسبط الثاني، والامام الثالث، ولكن أعلاها رتبة
ما لقبه رسول الله (ص) في قوله عنه وعن أخيه: انهما سيدا شباب أهل الجنة، فيكون
السيد أشرفهما، وكذلك السبط فإنه صح عن رسول الله (ص) إنه قال: حسين سبط
من الأسباط، والحسين مصغر حسن كما أن شبير مصغر شبر ولم يسم بهذا الاسم أحد
قبله كما قال ابن الاعرابي: إن الله قد حجب اسم الحسن والحسين حتى سما بهما النبي (ص)
ابنيه الحسن والحسين وهما اسمان من أسامي أهل الجنة، وما سمت الجاهلية بهما، وفي
المناقب لما ولد الحسن بن علي (ع) أهدى جبرئيل إلى رسول الله (ص) اسمه في خرقة
حرير من ثياب الجنة فيها حسن فسماه به.
ولما ولد الحسين أتت به فاطمة إلى رسول الله (ص) وقالت: يا أبة هذا أحسن من
ذلك فسماه الحسين، وفي رواية ابن عباس لما ولد أوحى الله إلى جبرئيل يا جبرئيل
أخبر محمدا إني قد سميته الحسين فسمه كذلك وهو ليلة ميلاده وأوحى الله تبارك وتعالى
إلى لعيا حين وقعت فاطمة (ع) في الطلق ولعيا سيدة حور الجنة وأهل الجنان إذا أرادوا
أن ينظروا إلى شئ حسن نظروا إلى لعيا، ولها سبعون الف وصيفة، وسبعون الف
قصر ففي كل قصر سبعون الف مقصورة، ففي كل مقصورة سبعون الف غرفة مكللة
بأنواع الجوهر والمرجان والقصر التي هي محلها ارفع وأشرف وأعلى من تلك القصور
ومن كل قصر في الجنة، وإذا أشرفت لعيا على الجنة وأطلعت رأسها أضائت الجنة من
ضوء خديها وجبينها فأوحى الله إليها أن اهبطي إلى الدنيا إلى بنت حبيبي فأنسى لها فهبطت
لعيا على فاطمة وسلمت عليها وقالت لها: مرحبا بك يا بنت رسول الله كيف حالك؟
قالت لها بخير ولحقت فاطمة الحياء من لعيا لم تدر ما تفرش لها فبينما هي متفكرة إذ هبطت
حوراء من الجنة ومعها درنوك من درانيك الجنة فبسطته في منزل فاطمة فجلست
عليه لعيا.
ثم إن فاطمة ولدت حسينا فقبلته لعيا وغسلته بماء الجنة ونشفته بمنديل من مناديل
الجنة وقبلت بين عينيه، وقالت بارك الله فيك من مولود، وبارك في ولديك ثم أوحى
الله تعالى إلى مالك خازن النيران اخمد النيران على أهلها كرامة لمولود ولد لمحمد في دار الدنيا
وأوحى الله إلى الحور العين إن تزين وتزاورن كرامة لمولود ولد لمحمد (ص) في دار الدنيا
259

وأوحى الله إلى الملائكة أن قوموا صفوفا بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير
كرامة لمولود ولد لمحمد (ص) في دار الدنيا. ثم أوحى الله عز وجل إلى جبرئيل إن
اهبط إلى نبي محمد في الف قبيل وكل قبيل الف الف ملك على خيول بلق مسرجة ملجمة
عليها قباب الدر والياقوت معهم ملائكة يقال لهم الروحانيون بأيديهم حراب من نور
وهنئوا محمدا بمولود وأخبره يا جبرئيل إني قد سميته الحسين وقل له: يقتله شرار
أمتك على شرار الدواب فويل للقاتل، وويل للسائق، وويل للقائد قاتل الحسين
أنا منه برئ وهو مني برئ لا يأتي أحد يوم القيامة إلا وقاتل الحسين (ع) أعظم جرما
منه فنزل جبرئيل ومر بفطرس وهو ملك كان يطوف بالعرش فأبطأ في من أمر
الله فغضب الله عليه وقص جناحه ورمى به في جزيرة من جزائر البحر، وخير الله بين
عذابه في الدنيا أو الآخرة فاختار عذاب الدنيا فكان معلقا بأشفار عينيه ويخرج من تحته
ريح نتن ولا يمر به حيوان.
فلما أحس بنزول جبرئيل والملائكة سألهم عن ذلك فقال جبرئيل: بعثت إلى
محمد لأهنئه بمولود ولد له فإن شئت حملتك إليه فقال: قد شئت فحمله ووضعه بين يدي
رسول الله (ص) فبصبص إليه فقال له رسول الله: امسح جناحك بالحسين (ع) وعد
إلى مكانك فمسح فطرس جناحه بالحسين وارتفع وقال: يا رسول الله ما إن أمتك ستقتله
وله مكافاة ولا يزوره زائر إلا أبلغته عنه ولا يسلم عليه مسلم إلا بلغته سلامه ولا يصلي
عليه مصلي إلا أبلغته صلاته ثم ارتفع إلى موضعه وهو يقول: من مثلي وأنا عاتقة
الحسين بن علي (ع) وفاطمة وجده أحد الحاشر. وفي رواية مسح جناحه بمهد الحسين
كما في الدعاء وعاذ فطرس بمهده ونحن عائذون بقبره وفي ذلك يقول الشاعر:
غذاه النبي بإبهامه * فما زال عن ريها يصدر
به الله رد على فطرس * مقاما به في السما يذكر
أكان من النصف مثل الحسين * شفيع الخلائق إذ تحشر
ومن هو ريحان قلب النبي * ثلاثا على الترب لا يقبر
بميلاده بشر المصطفى * وفي قتله حرب تستبشر
وما زال يؤلمه إن بكى * وكان بتسكيته يأمر
فكيف إذ رآه لقى * وفي الترب خديه قد عفروا
260

تعادوا على جموع ابن هند * بأسيافهم جهرة ينحر
افترقوا عليه بأربع فرق فرقة بالسيوف الخ.
لله مرتضع لم يرتضع أبدا * من ثدي أنثى ومن طه مراضعه
يعطيه إبهامه آنا فآونة * لسانه فاستوت منه طبايعه
سر به خصه باريه إذ جمعت * وأودعت فيه عن أمر ودائعه
غرس سقاه رسول الله نبعته * وطاب من بعد طيب الأصل فارعه
عن أبي عبد الله الصادق (ع) أقبل جيران أم أيمن إلى رسول الله (ص) فقالوا:
يا رسول الله إن أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء ولم تزل تبكي حتى أصبحت فبعث
رسول الله إلى أم أيمن فجائته فقال لها: يا أم أيمن لا أبكي الله عينيك أن جيرانك أتوني
وأخبروني إنك لم تزل تبكين حتى أصبحت ما الذي أبكاك قالت: يا رسول الله رأيت
رؤيا عظيمة شديدة فقال: قصيها علي فإن الله ورسوله أعلم فقالت تعظم على أن أتكلم
بها فقال لها: إن الرؤيا ليست على ما ترى فقصيها قالت: رأيت ليلتي هذه كان بعض
أعضائك ملقى في بيتي فقال لها رسول الله (ص): نامت عيناك يا أم أيمن تلد فاطمة
الحسين فتربينه فيكون بعض أعضائي في بيتك.
فلما ولدت فاطمة (ع) الحسين قالت صفية بنت عبد المطلب: لما سقط الحسين (ع)
من بطن أمه وكنت قد وليته قال النبي (ص): يا عمة هلمي إلى ابنتي فقلت: يا رسول الله
أنا لم ننظفه بعد فقال: يا عمة أنت تنظفينه إن الله تبارك وتعالى قد نظفه وطهره
فدفعته وهو في خرقة بيضاء فأذن في إذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ووضع لسانه في فيه
واقبل الحسين يمصه قالت: فما كنت أحسب رسول الله (ص) يغذوه إلا لبنا أو عسلا
قالت: فبال الحسين (ع) عليه فقبل النبي بين عينيه ثم دفعه إلي وهو يبكي ويقول: لعن
الله قوما هم قاتلوك يا بني يقولها ثلاثا قالت: فقلت: فداك أبي وأمي ومن يقتله؟
قال تقتله بقية فئة الباغية من بني أمية. فلما كان اليوم السابع عق رسول الله (ص) عنه
كبشين أملحين وأعطى القابلة فخذا ودينارا ثم حلق رأسه وتصدق بوزن شعره فضة
وترك له ذوابتين في وسط الرأس وأمر أن يثقب في الاذن اليمنى في شحمة الأذن، وفي
اليسرى في أعلا الاذن فالقرط في اليمنى والشنف في اليسرى قالت أم أيمن: فأخذت
الصبي وهيأته ولففته في بردة ثم أقبلت به إلى رسول الله (ص) فقالا مرحبا بالحامل
261

والمحمول يا أم هذا تأويل رؤياك قالت وكان رسول الله (ص) يأتيه في كل يوم
فيضع لسانه في فم الحسين فيمصه حتى يرتوي فأنبت الله عز وجل لحمه من لحم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعظمه من عظم رسول الله ولم يرضع الحسين من فاطمة ولا من غيرها
لبنا قط يقول المرحوم الشيخ عبد الحسين الأعسم:
بأبي الذي غذاه أحمد جده * بلسانه فزكى الغذى المغتذي
ما انفك يرشف ثغره مستنشقا * طيب الجنان بطيب مرشفه الشذى
لا غرو أن شفعت بشاشته بمن * بسوى انتشاق شذاه لم يتلذذ
الام فاطم والأب الكرار لا * أب في الأنام كذا ولا أم كذى
وفي رواية كان النبي (ص) يعطيه إبهامه فيمصه وكان الله قد جعل في ابهام
رسول الله (ص) رزقا يغذوه ففعل ذلك أربعين يوما وليلة فنبت لحمه من لحم
رسول الله (ص) وفي هذا سر معلوم لا يخفى على أهل البصيرة كما يظهر من رواية برة
الخزاعية في المناقب قالت برة ابنة أمية الخزاعي: لما حملت فاطمة بالحسن خرج
النبي (ص) في بعض وجوهه فقالت لفاطمة: إنك لتلدين غلاما قد هنأني به جبرئيل
فلا ترضعيه حتى أصير إليك وأرجع من سفري قالت برة فدخلت على فاطمة حين ولدت
الحسن وله ثلاث ما أرضعته فقلت لها أعطنيه حتى أرضعه فقالت: كلا ثم أدركتها
رقة الأمهات فأرضعته فلما جاء النبي (ص) قال لها: ماذا صنعت قالت: أدركني عليه
رقة الأمهات فأرضعته فقال (ص) أبى الله عز وجل إلا ما أراد ولما حملت بالحسين (ع)
قال لها: يا فاطمة إنك ستلدين غلاما قد هنأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتى أجئ وأن
أقمت شهرا قالت افعل ذلك وخرج رسول الله (ص) في بعض وجوهه فولدت فاطمة
الحسين (ع) فما أرضعته حتى جاء رسول الله (ص) فقال لها ماذا صنعت قالت ما أرضعته
فأخذه وجعل لسانه في فمه فجعل الحسين (ع) يمص حتى قال النبي (ص): أيها حسين أيها حسين
ثم قال: أبى الله إلا ما يريد هي فيك وفي ولدك يعني الإمامة. يقول المرحوم السيد مهدي
ابن سيد داود:
ومن ارتبى طفلا بحجر محمد * حتى اغتدى وحي الاله رضيعا
يغذوه غذاء المرهنات وبعد ذا * منه ترض الصافنات ضلوعا
فتعج أملاك السماء لموته * اليوم مات الأنبياء جميعا
262

وكان رسول الله (ص) يحبه حبا شديدا بحيث فداه بابنه إبراهيم رضى أن يموت
إبراهيم ولم يرض بموته. وفي البحار عن ابن عباس قال: كنت عند النبي (ص)
وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي (ع)، وهو تارة يقبل
هذا وتارة يقبل هذا إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين، فلما سرى عنه قال: أتاني
جبرئيل من ربي فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: لست أجمعهما
لك فأفد أحدهما بصاحبه، فنظر النبي (ص) إلى إبراهيم فبكى ثم نظر إلى الحسين فبكى
فقال: إن إبراهيم أمه أمة ومتى مات لم يحزن عليه غيري وأم الحسين فاطمة (ع) وأبوه
علي ابن عمي لحمه لحمي ودمه دمي، ومتى مات حزنت عليه ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت
أنا عليه، وأنا أوثر حزني على حزنهم يا جبرئيل يقبض إبراهيم فداء للحسين (ع) قال:
فقبض بعد ثلاث فكان النبي (ص) إذا رأى الحسين (ع) مقبلا ضمه إليه وقبله ورشف
ثناياه وقال: فديت من فديته بابني إبراهيم ومن حبه إياه بينما هو يخطب على المنبر
إذ خرج الحسين (ع) فوطى في ثوبه فسقط وبكى فنزل النبي (ص) عن المنبر فضمه إليه
وقال: قاتل الشيطان إن الولد لفتنة، والذي نفسي بيده ما دريت إني نزلت عن
منبري وخرج (ص) يوما من بيت عائشة فمر على بيت فاطمة صلوات الله عليها فسمع
الحسين يبكي فقال: ألم تعلمي أن بكائه يؤذيني سكتيه. أقول: يعز على
رسول الله (ص) لو نظرت عيناه إلى الحسين (ع) حين سقط عن ظهر جواده على الأرض
نهض ليقوم فلم يستطع بكى بكاءا عاليا ونادى وا جداه الخ.
المجلس الخامس عشر
في أمالي الصدوق (ره) عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه (ع) في قوله عز وجل
(يوفون بالنذر) قال: مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغيران
فعادهما رسول الله (ص) ومعه رجلان فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك
نذرا إن الله عافاهما فقال: أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عز وجل، وكذلك قالت جاريتهم
فضة فألبسهما الله العافية، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام فأنطلق علي (ع) إلى
263

جار له من اليهود يقال له شمعون يعاطي الصوف فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف
تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير قال: نعم فأعطاه فجاء بالصوف والشعير
وأخبر فاطمة فقبلت وأطاعت ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ثم أخذت صاعا من الشعير
فطحنته وعجنته وخبرت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا، وصلى علي (ع) مع النبي
المغرب ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي إذ مسكين
قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد أنا مسكين من مساكين المسلمين
أطعموني مما تأكلون أطعمكم الهل على موائد الجنة فوضع على اللقمة من يده ثم قال:
فاطم ذات المجد واليقين * يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين * جاء إلى الباب له حنين
يشكوا إلى الله ويستكين * كل امرء يكسبه رهين
من يفعل الخير يقف سمين * موعده في جنة رهين
حرمها الله على الضنين * وصاحب البخل يقف حزين
تهوى به النار إلى سجين * شرابه الحميم والغسلين
فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول:
أمرك سمع يا بن عم وطاعة * ما بي من لوم ولا وضاعة
غذيت باللب والبراعة * ارجوا إذا أشبعت من مجاعة
إن ألحق الأخيار والجماعة * وأدخل الجنة في شفاعة
وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين وباتوا جياعا وأصبحوا صياما
لم يذوقوا إلا الماء القراح ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ثم أخذت صاعا
من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا وصلى علي (ع)
ثم أتى منزله فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي (ع)
إذا بيتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد
انا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة فوضع
علي (ع) اللقمة من يده ثم قال:
فاطم بنت السيد الكريم * بنت نبي ليس بالزنيم
قد جاءنا الله بذا اليتيم * من يرحم اليوم فهو رحيم
264

موعده في جنة النعيم * حرمها الله على اللئيم
وصاحب البخل يقف ذميم * تهوى به النار إلى الجحيم
شرابها الصديد والحميم
فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول:
فسوف أعطيه ولا أبالي * وأوثر الله على عيالي
أمسوا جياعا وهم أشبالي * أصغرهما يقتل في القتال
بكربلا يقتل باغتيال * لقاتليه الويل مع الوبال
تهوى في النار إلى سفال * كبوله زادت على الأكبال
ثم عمدت فأعطته جميع ما على الخوان، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح
وأصبحوا صياما، وعمدت فاطمة فغزلت الباقي من الصوف، وطحنت الصاع
الباقي وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرصا وصلى علي (ع) مع
النبي (ص) المغرب، ثم أتى منزله فقرب إليه الخوان، وجلسوا خمستهم، فأول
لقمة كسرها علي (ع) إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب فقال: السلام
عليكم يا أهل بيت محمد، تأسرونا وتشدوننا ولا تطعموننا، فوضع علي اللقمة من
يده ثم قال:
فاطم يا بنت النبي أحمد * بنت نبي سيد مسدد
قد جاءك الأسير ليس يهتدي * مكبلا في غله مقيد
يشكو إلينا الجوع قد قدد * من يطعم اليوم يجده في غد
عند العلي الواحد الموحد * ما يزرع الزارع سوف يحصد
إعطي له لا تجعليه ينكد
فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول:
لم يبق مما كان غير صاع * قد دبرت كفي مع الذراع
شبلاي والله هما جياع * يا رب لا تتركهما ضياع
أبوهما للخير ذو اصطناع * عبل الذراعين طويل الباع
وما على رأسي من قناع * إلا عبا نسجتها بصاع
وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه وباتوا جياعا، وأصبحوا مفطرين
265

وليس عندهم شئ.
قال شعيب في حديثه: وأقبل علي (ع) بالحسن والحسين عليهما السلام نحو
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي (ص)
قال: يا أبا الحسن شد ما يسوءني ما أدى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها وهي
في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها فلما رآها
رسول الله (ص) ضمها إليه وقال: وا غوثاه بالله أنتم منذ ثلاث فيما أرى فهبط جبرئيل
وقال يا محمد خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك قال: وما آخذ يا جبرئيل قال: (هل أتى
على الانسان حين من الدهر) حتى إذا بلغ (إن هذا كان لكم جزاءا لكم وكان سعيكم
مشكورا).
وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي حتى دخل منزل فاطمة فرأى ما بهم
فجمعهم ثم انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم فهبط
عليه جبرئيل بهذه الآيات (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا
يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) قال: هي عين في دار النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفجر إلى
دور الأنبياء، والمؤمنين يوفون بالنذر يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم
(ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه) يقول: على شهوتهم
للطعام وايثارهم له مسكينا من مساكين المسلمين ويتيما من يتامى المسلمين وأسيرا من
أسارى المشركين ويقولون: إذا أطعموهم إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا
ولا شكورا قال: ما قالوا هذا لهم ولكنهم أضمروه في أنفسهم، فأخبر الله باضمارهم
يقولون: لا نريد جزاءا تكافؤننا به ولا شكورا تثنون علينا به، ولكنا إنما
أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوبه قال الله تعالى ذكره: فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم
نظرة في الوجوه، وسرورا في القلوب، وجزاهم بما صبروا جنة يسكنونها وحريرا
يفترشونه ويلبسونه، متكئين على الأرائك، والأريكة: السرير، عليه الحجلة
لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا.
قال ابن عباس: فبينما أهل الجنة في الجنة إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها
الجنان فيقول أهل الجنة: يا رب إنك قلت في كتابك لا يرون فيها شمسا فيرسل الله
جل اسمه إليهم جبرئيل فيقول: ليس هذه بشمس ولكن عليا وفاطمة ضحكا فأشرقت
266

الجنان من نور ضحكهما ونزلت هل أتى فيهم إلى قوله تعالى: وكان سعيكم مشكورا
صاموا ثلاثة أيام متواليات ولم يذوقوا إلا الماء وآثروا المسكين واليتيم والأسير على
أنفسهم واشتد بهم الجوع ولا سيما الحسن والحسين إذ هما صغيران ولا يتحملان
نظر إليهما رسول الله وهما يرتعشان كالفراخ فبكى وقال: شد ما يسوئني ما أرى بكم
يعني لا أطيق أن أراكم وأنتم بهذه الحالة. أقول: يعز على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو نظرت عيناه إلى أيتام أبي عبد الله ونسائه
وبناته في تلك الخربة كانوا يصبحون جياعا، ويمسون جياعا. قال زين العابدين (ع)
لمنهال: يا منهال، منذ قتل أبي، نساؤنا ما شبعت بطونهن الخ.
المجلس السادس عشر
في أمالي الصدوق (ره) ان أمير المؤمنين (ع) دخل مكة في بعض حوائجه، فوجد
أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: يا صاحب البيت، البيت بيتك والضيف
ضيفك ولكل ضيف من ضيفه قرى فاجعل قراي منك الليلة المغفرة، فقال
أمير المؤمنين (ع): لأصحابه أما تسمعون كلام الاعرابي قالوا: نعم: قال الله أكرم
من أن يرد ضيفه قال، فلما كان اللية الثانية وجده متعلقا بذلك الركن وهو يقول:
يا عزيزا في عزك فلا أعزك أعزني بعز عزك في عز لا يعلم أحد كيف هو
أتوجه إليك وأتوسل إليك بحق محمد وآل محمد عليك اعطني ما لا يعطيني أحد غيرك
واصرف عني ما لا يصرفه أحد غيرك قال: فقال أمير المؤمنين لأصحابه: هذا والله
الاسم الأكبر بالسريانية أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأله الجنة فأعطاه وسأله
صرف النار وقد صرفها عنه قال: فلما كان الليلة الثالثة وجده وهو متعلق بذلك الركن
وهو يقول: يا من لا يحويه مكان بلا كيفية كان أرزق الاعرابي أربعة آلاف درهم
قال: فتقدم إليه أمير المؤمنين (ع) فقال: يا اعرابي سألت ربك القرى فقراك
وسألته الجنة، فأعطاك، وسألته أن يصرف عنك النار وقد صرفها عنك، وفي هذه
الليلة تسأله أربعة آلاف درهم، قال الاعرابي أنت والله بغيتي، وبك أنزلت حاجتي
267

قال سل يا اعرابي قال: أريد ألف درهم اقضي بها ديني، والف درهم اشتري بها دارا
والف درهم أتعيش منها، قال أنصفت يا أعرابي فإذا خرجت من مكة فسل عن داري
بمدينة الرسول.
فأقام الاعرابي بمكة أسبوعا وخرج في طلب أمير المؤمنين إلى مدينة الرسول
ونادى من يدلني على دار أمير المؤمنين (ع) فقام الحسين بن علي من بينهم وقال أنا
أدلك على دار أمير المؤمنين، وأنا ابنه الحسين بن علي، فقال الاعرابي: من
أبوك؟ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال: من أمك؟ قال: فاطمة الزهراء
سيدة نساء العالمين، قال: من جدك؟ قال: رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب
قال: من جدتك قال: خديجة بنت خويلد، قال من أخوك؟ قال: أبو محمد الحسن
ابن علي، قال: قد أخذت الدنيا بطرفيها أمش إلى أمير المؤمنين (ع) وقل له إن
الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب. قال: فدخل الحسين بن علي (ع) قال: يا أبة
اعرابي بالباب يزعم إنه صاحب الضمان بمكة، قال: فقال: يا فاطمة عندك شئ
يأكله الاعرابي؟ قالت: اللهم لا، قال: فتبلس أمير المؤمنين وخرج، وقال:
ادعوا إلي أبا عبد الله سلمان الفارسي، قال: فدخل إليه سلمان الفارسي، وقال:
يا أبا عبد الله اعرض الحديقة التي غرسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي على التجار، قال: فدخل
سلمان إلى السوق وعرض الحديقة فباعها بإثني عشر ألف درهم وأحضر الاعرابي فأعطاه
أربعة آلاف درهم وأربعين درهما نفقة ووقع الخبر إلى سؤال المدينة فاجتمعوا، ومضى
رجل من الأنصار إلى فاطمة فأخبرها بذلك. فقالت: آجرك الله في ممشاك، وجلس
علي (ع) والدراهم مصبوبة بين يديه حتى اجتمع إليه أصحابه فقبض قبضة، وجعل يعطي
رجلا رجلا حتى لم يبق معه درهم واحد فلما أتى المنزل قالت له فاطمة عليها السلام يا بن
العم بعت الحائط الذي غرسه لك والدي؟ قال: نعم، بخير منه عاجلا وآجلا، قالت:
فاطمة: أنا جائعة وابناي جائعان ولا شك إلا وانك مثلنا في الجوع لم يكن لنا منه درهم؟!
وأخذت بطرف ثوب علي، فقال علي (ع): يا فاطمة خليني، فقالت: لا والله
أو يحكم بيني وبينك أبي فهبط جبرئيل على رسول الله (ص) فقال: يا محمد السلام يقرأك
السلام ويقول: اقرأ عليا مني السلام، وقل لفاطمة ليس لك أن تضربي على يديه.
268

فلما أتى رسول الله (ص) منزل علي (ع) وجد فاطمة ملازمة لعلي (ع) فقال لها:
يا بنية، مالك ملازمة لعلي؟ قالت: يا أبة باع الحائط الذي غرسته له باثني عشر ألف درهم
لم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما.
فقال: يا بنية إن جبرئيل نزل علي من ربي بالسلام ويقول: اقرأ عليا من ربه
السلام وأمرني أن أقول لك: إن لا تضربي على يديه، فقالت فاطمة: فإني استغفر الله
ولا أعود أبدا.
قالت فاطمة فخرج أبي صلى الله عليه وآله وسلم في ناحية وزوجي علي (ع) في ناحية، فما لبث من
إن أتى أبي (ص) ومعه سبعة دراهم سود هجرية فقال: يا فاطمة أين ابن عمي؟ فقلت له:
خرج، فقال رسول الله (ص): هاك هذه الدراهم فإذا جاء ابن عمي فقولي له يبتاع لكم
بها طعاما، فما لبث إلا يسيرا حتى جاء علي (ع) فقال رجع ابن عمي فاني أجد رائحة
طيبة قالت: نعم، وقد دفع إلى شيئا تبتاع لنا به طعاما، قال علي: هاتيه فدفعت
إليه سبعة دراهم سودا هجرية فقال: بسم الله والحمد لله كثيرا طيبا، وهذه من رزق الله
عز وجل ثم قال: يا حسن قم معي فأتى السوق فإذا هما برجل واقف وهو يقول:
من يقرض الملي الوفي؟ قال: يا بني تعطيه؟ قال: إي والله يا أبة فأعطاه علي (ع) الدراهم
فقال الحسن (ع): يا أبتاه أعطيته الدراهم كلها؟! قال: نعم، إن الذي يعطي القليل قادر
على أن يعطي الكثير.
قال: فمضى علي (ع) بباب رجل يستقرض منه شيئا فلقيه اعرابي ومعه ناقة فقال
يا علي اشتري مني هذه الناقة قال: ليس معي ثمنها قال: فاني أنظرك به إلى القبض
قال بكم يا أعرابي؟ قال: بمائة درهم، قال علي (ع): خذها فأخذها فمضى
علي فلقيه اعرابي آخر المثال واحد والثياب مختلفة فقال: يا علي تبيع الناقة؟ قال
علي (ع) وما تصنع بها؟ قال: أغزو عليها أول غزوة يغزوها ابن عمك قال: إن قبلتها
فهي لك بلا ثمن قال: معي ثمنها بالثمن اشتريتها فبكم اشتريتها؟ قال: بمائة درهم قال
الاعرابي فلك سبعون ومائة درهم قال علي (ع): خذ السبعين والمائة للاعرابي الذي باعنا
الناقة، والسبعين لنا نبتاع بها شيئا، فأخذ الحسن (ع) وسلم الناقة.
قال علي (ع): فمضيت أطلب الاعرابي الذي ابتعت منه الناقة لأعطيه ثمنها فرأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسا في مكان لم أره فيه قبل ذلك ولا بعده على قارعة الطريق فلما نظر
269

النبي (ص) إلي وتبسم ضاحكا حتى بدت نواجذه، قال علي (ع): اضحك الله سنك
وبشرك بيومك، فقال: يا أبا الحسن إنك تطلب الاعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه
الثمن؟ فقلت إي والله فداك أبي وأمي، فقال: يا أبا الحسن الذي باعك الناقة جبرئيل
والذي اشتراها ميكائيل، والناقة من نوق الجنة والدراهم من عند رب العالمين
عز وجل فأنفقها في خير ولا تخف إقتارا.
أقول: قول جبرئيل عن الله تبارك وتعالى لرسول الله (ص) قل لفاطمة: ليس
لك أن تضربي على يديه يعني ليس لك أن تعترضي على ولينا، ولا لك إن تأخذي
بطرف ثوبه، ولا لك أن تشتكي منه بل كوني صابرة شاكرة له راضية مطيعة لامره لأنه
الصديق الأكبر والولي الأعظم الذي بيمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت الأرض
والسماء.
(في البحار) أوحى الله تبارك وتعالى إلى رسوله (ص) قل لفاطمة لا تعصي عليا
فإنه إن غضب غضبت لغضبه، قسما بالله ما عصته فاطمة، ولا خالفته ولا خانته بل
وكانت تعظمه وتجلله وتؤثره على نفسها وعلى أولادها وتختار رضاه على رضا نفسها
وإذا نادته بالكنية أو باللقب تارة تقول: يا أبا الحسن وأخرى يا بن عمي أو يا بن عم
رسول الله هذا هو شأنها طول حياتها ولا تلام من يوم دخلت على أمير المؤمنين (ع)
ونادت: يا بن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت
قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي الخ لان ذلك اليوم يوم عظيم
ولا يخفي على البصير عظم ذلك اليوم.
المجلس السابع عشر
ومن غزوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة بدر، وكان سبب ذلك إن عيرا لقريش
خرجت إلى الشام فيها خزائنهم فأمر النبي (ص) أصحابه بالخروج ليأخذوها فأخبرهم
إن الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين، إما العير أو قريشا فخرج (ص) في ثلاث مائة
وثلاثة عشر رجلا حتى قارب بدرا، وكان أبو سفيان في العير، فلما بلغه بأن
270

رسول الله (ص) قد خرج يتعرض العير خاف خوفا شديدا فرجع مسرعا وأمر بالعير
فأخذ بها نحو البحر، وتركوا الطريق ومروا مسرعين ونزل جبرئيل على رسول الله (ص)
فأخبره إن العير قد أفلتت وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها، وإن الله قد أمره
بمحاربتهم ووعده النصر فجزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك وخافوا خوفا شديدا فقال
رسول الله: أشيروا علي فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها ما آمنت
منذ كفرت، ولا ذلت منذ غزت، وإنك لم تخرج على تهيئة الحرب. فقال
رسول الله (ص): اجلس فقال: أشيروا علي فقام عمر وقال مثل مقالة أبي بكر
فقال: اجلس فجلس ثم قام المقداد: فقال يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها
وقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا إن ما جئت به حق من عند الله ولو أمرتنا أن نخوض
جمر الغضا لخضنا معك ولا نقول: ما قالت بنوا إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك
فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكنا نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون
فجزاه خيرا ثم جلس ثم قال أشيروا علي فقام سعد بن معاذ فقال: بأبي أنت وأمي
يا رسول الله كأنك أردتنا؟ قال نعم قال فلعلك خرجت على أمر قد أمرت بغيره؟
قال نعم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إننا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا إن ما جئت
به حق من عند الله فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت فاترك منه ما شئت
والذي أخذت منه أحب إلينا من الذي تركت، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر
لخضنا معك، وإنا لنرجوا أن يقر الله عينيك بنا فإن يك ما تحب فهو ذاك، وأن
يكن غير ذلك قعدت على رواحلك ولحقت بقومنا.
أقول: بيض الله وجوههم ما أشبه كلامهم بكلام أصحاب سيدنا الحسين (ع) ليلة
العاشر لما أخبرهم بقتله وأمرهم بالانصراف الخ. فقال رسول الله (ص): أو يحدث
الله غير ذلك كأني بمصرع فلان ها هنا بمصرع فلان ها هنا بمصرع أبي جهل وعتبة بن
ربيعة وفلان وفلان فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ولن يخلف الله الميعاد فأمر
رسول الله (ص) بالرحيل حتى نزل العشاء ماء بدر، وأقبلت قريش ونزلت قريبا
وبعثت عبيدها تستعذب من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله فحبسوهم فقالوا: من أنتم؟
قالوا: نحن عبيد قريش قالوا: فأين العير؟ قالوا: لا علم لنا بالعير فأقبلوا يضربونهم
وكان رسول الله (ص) يصلي فانفتل من صلاته فقال: إن صدقوكم ضربتموهم،
271

وأن كذبوكم تركتموهم علي بهم فأتوا بهم.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: من أنتم؟ قالوا: يا محمد نحن عبيد قريش قال: كم القوم؟ قالوا:
لا علم لنا بعددهم قال: كم ينحرون في كل يوم جزورا؟ قالوا: تسعة إلى عشرة فقال (ص)
القوم تسعمائة إلى الف قال: ومن فيهم من بني هاشم؟ قالوا: العباس بن عبد المطلب
ونوفل بن الحرث وعقيل بن أبي طالب فأمر رسول الله فحبسوا وبلغ قريشا ذلك فخافوا
خوفا شديدا فقال عتبة بن ربيعة لقريش: أترى لأصحاب محمد كمينا ومددا فبعثوا عمرو
ابن وهب الجمحي وكان فارسا شجاعا فجال بفرسه حتى طاف على عسكر رسول الله (ص)
ثم صعد الوادي وصوت ثم رجع إلى قريش وقال: ما لهم كمين ولا مدد ولكن نواضح
يثرب قد حملت الموت الناقع، أما ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي
ما لهم ملجأ إلا سيوفهم، وما أراهم يولون حتى يقتلوا، ولا يقتلوا حتى يقتلوا بعددهم
فارتأوا رأيكم فقال له أبو جهل: كذبت وجبنت حين نظرت إلى سيوف أهل يثرب
ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد، وبلغ أصحاب
رسول الله (ص) كثرة قريش ونظروا إلى قلتهم فزعوا لذلك فزعا شديدا، وكان
في عسكر رسول الله (ص) فرسان: فرس للزبير بن العوام، وفرس للمقداد، وكان
في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها، وكان رسول الله وعلي بن أبي طالب ومرثد
ابن أبي مرثد الغنوي على جمل يتعاقبون عليها والجمل لمرثد، وكان في عسكر قريش
أربعمائة فرس وجاء إبليس لعنه الله إلى قريش في صورة سراقة بن مالك وقال لهم: أنا
رجل لكم ادفعوا إلي رايتكم فدفعوها إليه وجاء بشياطينه يهول بهم على أصحاب
رسول الله (ص) ويخيل إليهم ويفزعهم، وأقبلت قريش يقدمها إبليس معه الراية فنظر
إليه رسول الله والى أصحابه وعلم منهم الخوف.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: غضوا ابصاركم ولا تبدؤهم بالقتال، ولا يتكلم أحد ولا تسلوا
سيوفا حتى آذن لكم، ثم رفع يده إلى السماء فقال: يا رب إن تهالك هذه العصابة لم تعبد
وأن شئت لا تعبد لا تعبد ثم غشي عليه من شدة البكاء، فلما سرى عنه جعل يسلت العرق
عن وجهه فنزلت هذه الآية (إذ يستغيثون ربكم فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من
الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله
إن الله عزيز حكيم) فقال (ص): هذا جبرئيل قد أتاكم في الف من الملائكة مردفين
272

في رواية أخرى في ثلاثة آلاف من الملائكة. قال الراوي: فنظرنا فإذا بسحابة سوداء
فيها برق وريح قد وقعت على عسكر رسول الله (ص) وقائل يقول: أقدم خيروم وسمعنا
قعقعة السلاح من الجو فنظر إبليس إلى جبرئيل فراجع ورمى باللواء فأخذه منبه بن
الحجاج بمجامع ثوبه وقال له: ويلك يا سراقة تفت أعضاد الناس فركله إبليس ركلة في
صدره وقال: إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب
وحمل جبرئيل على إبليس وطلبه حتى غاص في البحر وقال: رب انجز لي ما وعدتني من
البقاء إلى يوم الدين.
وفي خبر إن إبليس التفت إلى جبرئيل وهو في الهزيمة فقال: يا هذا بدا لكم فيما
أعطيتمونا، وسأل الصادق أترى كان يخاف أن يقتله قال: لا ولكنه كان يضربه ضربة
يشنيه إلى يوم القيامة نزلت الملائكة لنصر رسول الله (ص) ورئيسهم جبرئيل، ونزلت
الملائكة أيضا لنصر الحسين (ع) يوم عاشوراء ورئيسهم ملك يقال له المنصور لكن
ما رخصهم الحسين (ع) فعادوا للاستئذان من الله تبارك وتعالى فأذن لهم فهبطوا وإذا به
قد قتل فأقيموا على قبره الخ.
المجلس الثامن عشر
(غزوة بدر)
(ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) في شرح القصيدة:
وكان وقعة بدر في سابع عشر من شهر رمضان على ثمانية عشر شهرا من الهجرة.
(وبدر) موضع بين الحرمين - أو اسم بئر حفرها بدر بن قريش -. وفي الآية
الشريفة البطشة الكبرى، قيل: يوم بدر، وقيل: هي يوم القيامة، ولقد نزلت
الملائكة لنصرة رسول الله وهم ثلاثة آلاف وكانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم
بدر، وقتل من صناديد العرب حتى بلغ قتلاهم سبعين رجلا، واسر منهم سبعون رجلا
ونصف المقتولين قتلوا بيد أمير المؤمنين (ع) وعمره (ع) يومئذ على رواية: سبعة
عشر سنة، وقتل المسلمون كافة مع الملائكة النصف الآخر، ويسئل من الجريح من
273

جرحك؟ فيقول علي بن أبي طالب فإذا قالها مات. ومن المقتولين بيد أمير المؤمنين:
الوليد بن عتبة، وكان شجاعا جريا. ومنهم: العاص بن سعيد، ومنهم حنظلة ابن
أبي سفيان، ومنهم نوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش، فأول من برز من
قريش عتبة ومعه أخوه شيبة وابنه الوليد، ولقد اعتم بعمامتين على رأسه لأنهم طلبوا له
بيضة تسع رأسه فلم يجدوها لعظم هامته ثم اخذ عتبة سيفه وتقدم هو واخوه وابنه
ونادى يا محمد اخرج فلم يجدوها لعظم هامته ثم اخذ عتبة سيفه وتقدم هو واخوه وابنه
بنو عفر فقال عتبة: من أنتم؟ فانتسبوا لنعرفكم فقالوا: نحن بنو عفر أنصار
الله وأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ارجعوا إنا لسنا إياكم، نزيد الأكفاء من
قريش فبعث إليهم رسول الله أن ارجعوا فرجعوا وكره أن يكون القتال بالأنصار
فرجعوا ووقفوا موقفهم، ثم نظر رسول الله (ص) إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب
وكان له سبعون سنة فقال له: قم يا عم ثم نظر إلى علي (ع) وقال له: قم يا علي وكان
أصغر القوم فقال: فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها
تريد أن تطفي نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ثم قال رسول الله (ص) يا عبيدة
عليك بعتبة، وقال لحمزة: عليك بشيبة، وقال لعلي عليك بالوليد بن عتبة
فمروا حتى انتهوا إلى القوم فقال عتبة: من أنتم انتسبوا لنعرفكم؟ فقال عبيدة: انا
عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فقال: كفو كريم فمن هذان؟ فقال: حمزة بن
عبد المطلب وعلي بن أبي طالب فقال: كفوان كريمان لعن الله من أوقفنا وإياكم
هذا الموقف - عني بذلك أبا جهلا - لان أبا جهل كان يشجع قريشا ويحرضهم على القتال
وعتبة كان يمنعهم.
ولما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قريش وقال: يا معشر قريش ما أجد من العرب أبغض
إلي من إن أبدا بكم، فخلوني والعرب وإن أك صادقا فأنتم أعلائي عينا وإن أك كاذبا
كفتكم ذؤبان العرب أمري فارجعوا.
فقال عتبة: والله ما أفلح قوم قط رد هذا، ثم ركب جملا له أحمر فنظر إليه
رسول الله (ص) يجول في العسكر وينهى عن القتال فقال: أن يكن عند أحد خير
فعند صاحب الجمل الأحمر أن تطيعوه ترشدوا، فأقبل عتبة يقول: يا معشر قريش
274

اجتمعوا وأسمعوا أطيعوني في اليوم واعصوني الدهر وأرجعوا ولا تردوا رآني فلا تقاتلوا
محمدا. فلما سمع أبو جهل ذلك قال يا عتبة نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب وجبنت
فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل وكان على فرس فأخذ بشعره فقال الناس: يقتله
فقال: أمثلي يجبن وستعلم قريش اليوم أينا الألئم والأجبن، وأينا المفسد لقومه
لا نمشي إلا أنا وأنت للموت عيانا، ثم أخذ بشعره يجره فاجتمع إليه الناس فقالوا:
يا أبا الوليد الله الله لا تفت في أعضاد الناس تنهى عن شئ تكون أوله فخلصوا
أبا جهل من يده.
ومن هنا يظهر معنى كلام عتبة لعن الله من أوقفنا وإياكم هذا الموقف، فقال
شيبة لحمزة من أنت؟ فقال: أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، فقال له
شيبة: لقد لقيت أسد الخلفاء فانظر كيف تكون صولتك يا أسد الله فحمل عبيدة
على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلق هامته، وضرب عتبة عبيدة على ساقة فقطعها
وسقطا جميعا، وحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما وتصارعا. وأما
أمير المؤمنين (ع) لما وصل إلى الوليد ما أمهله.
فقال: تبا وتعسا لك يا بن عتبة أسقيك من كأس المنايا شربة، فضربه على
حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه، فقال أمير المؤمنين (ع): فأخذ يمينه المقطوعة
بيساره فضرب بها هامتي، فظننت إن السماء وقعت على رأسي ثم انهزم صائحا نحو أبيه
فركض أمير المؤمنين من خلفه حتى قتله، فنظر المسلمون إلى حمزة وشيبة، وقد اعتنق
كل واحد منهما الاخر، فصاحوا يا علي: أما ترى الكلب قد أهزم عمك، فحمل عليه
علي (ع) ثم قال: يا عم طأطأ رأسك وكان حمزة أطول من شيبة فادخل حمزة رأسه
في صدره فضربه أمير المؤمنين على رأسه فطير نصفه ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فقتله
وحمل عبيدة بن حمزة وعلى حتى حتى اتوا به إلى رسول الله (ص) فنظر إليه النبي واستعبر
وبكى فقال عبيدة بأبي أنت وأمي يا رسول الله ألست شهيدا؟ قال: بلى أنت أول شهيد
من أهل بيتي.
أقول: كان عبيدة أول شهيد من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بدر، وكان
علي الأكبر أول شهيد من أهل بيت الحسين فأنشأ عبيدة يقول:
فان قطعوا رجلي فاني مسلم * وأرجو به عيشا من الله عاليا
275

فالبسني الرحمن من فضل منه * لباسا من الاسلام غطى المساويا
فعند ذلك خرج أبو جهل من بين صفين وقال: اللهم إن محمدا قطعنا للرحم وأتانا
بما لا نعرفه فأهنه اليوم فقال رسول الله: اللهم لا يغلبنك فرعون هذه الأمة أبو جهل
الحكم بن هشام، والتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل فضرب عمرو أبا جهل على فخذه
وضرب أبو جهل على يده فأبانها من العضد فتعلقت بجلده فاتكى عمرو على يده برجله
فقطعا ورمى بها - يعني بيده المقطوعة.
قال عبد الله بن مسعود: انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحط بدمه فقلت: الحمد لله
الذي أخزاك فرفع رأسه: وقال: أخزاك الله لمن الدين ولمن الملك؟ قلت: لله ولرسوله
واني قاتلك ووضعت رجلي على عنقه قال لقد ارتقيت مرتقيا صعبا يا رويعي الغنم أما إنه
ليس شئ أشد من قتلك إياي في هذا اليوم ليت رجلا من المطلبين قد تولى قتلي
أو رجلا من الاحلاف، قال: يا عبد الله إذا حززت رأسي فاحتز من أصل العنق
ليرى عظيما مهيبا في أعين محمد قال: فإذا كان كذلك فانا أحزه من فمك ليرى حقيرا
قال: فأقلعت بيضة كانت على رأسه فقتلته واخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله (ص)
فقلت: يا رسول الله هذا رأس أبي جهل بن هشام فسجد شكرا لله تعالى، وقتل منهم
حتى بلغوا سبعين، واسر منهم سبعون، واسر أبو بشر الأنصاري العباس بن عبد المطلب
وعقيل بن أبي طالب، وجاء بهما إلى رسول الله (ص) فسأله النبي (ص) هل أعانك أحد
عليهما؟ قال: نعم رجل عليه ثياب بيض فقال رسول الله ذاك الملائكة، ثم قال
رسول الله لعمه العباس: افد نفسك وابن أخيك عقيل.
فقال: يا رسول الله قد كنت أسلمت ولكن القوم استكرهوني، فقال
رسول الله (ص) الله اعلم باسلامك أن يكن ما تذكر حقا فالله يجزيك عليه، فاما ظاهر
أمرك فقد كنت علينا، ثم قال: يا عباس إنكم خاصمتم الله فخصمكم ثم قال: افد نفسك
وابن أخيك وقد كان العباس اخذ معه أربعين أوقية من ذهب فغنمها أصحاب
رسول الله (ص) فقال يا رسول الله احسبهما من فدائي.
قال (ص): لا ذاك شئ أعطانا الله منك فافد نفسك وابن أخيك، فقال العباس:
ليس لي مال غير الذي ذهب مني قال: بلى المال الذي خلفته عند أم الفضل بمكة وقلت
لها: أن حدث علي حدث فاقسموه بينكم، قال: تتركوني وأنا اسئل الناس بكفي.
276

فأنزل الله على نبيه (ص) (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى أن يعلم الله
في قلوبكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) ثم أمر
رسول الله (ص) بعمه العباس فشد وحبس مع من حبس من قريش فلما جن الليل ونام
الناس بقي النبي (ص) ساهرا وما نامت عيناه، وكان يتقلب من التعب والمشقة وقد
نامت العيون؟ فقال (ص): كيف أنام واستقر وانا اسمع أنين عمي العباس في الحبل
ونشيجه، فقاموا وركضوا إلى العباس وأخبروه بكرب رسول الله وغمه فيه وبشروه
بخلاصة وحلوا منه ما عليه من الحبال فلما سكت نام رسول الله (ص).
أقول: يعز على رسول الله لو نظرت إلى عيناه إلى ولده السجاد وقد صفدوه في
الحديد ووضعوا الجامعة في عنقه وقيدوا رجليه من تحت بطن الناقة: ليت شعري فما
حاله لو يسمع أنينه ويرى بكاؤه وهو يقول:
أقاد ذليلا في دمشق كأنني * من الزنج عبد غاب عنه نصير
وجدي رسول الله في كل مشهد * وشيخي أمير المؤمنين أمير
فيا ليت أمي لم تلدني لو أكن * يزيدا يراني في البلاد أسير
المجلس التاسع عشر
(غزوة أحد) قال الله تعالى: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع
عليم) في الصافي، عن الصادق (ع) قال: سبب نزول هذه الآية إن قريشا لما رجعت
عن بدر إلى مكة، وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر، لأنه قتل منهم سبعون.
قال أبو سفيان: يا معشر قريش، لا تدعوا نسائكم يبكين على قتلاكم فان الدمعة
إذا خرجت أذهبت الحزن والعداوة لمحمد ثم تهيأ والحرب رسول الله صلى الله عليه وآله
وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس والفي راجل، واخرجوا معهم النساء فلما بلغ
رسول الله ذلك جميع أصحابه وحثهم على الجهاد، فقال عبد الله بن أبي: يا رسول الله
277

لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة
على أفواه السكك، وعلى السطوح فما أردنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا
ودورنا، وما خرجنا على عدو لنا قط إلا كان لهم الظفر علينا.
فقام سعد بن معاذ وغيره من الأوس وقال: يا رسول الله ما طمع فينا أحد من
العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يظفرون بنا وأنت فينا لا نخرج إليهم
ونقاتلهم فمن قتل منا كان شهيدا، ومن نجا منا كان مجاهدا في سبيل الله فقبل
رسول الله (ص) رأيه، وخرج مع نفر من أصحابه يتبؤن موضع القتال كما قال سبحانه:
(وإذ غدوت من أهلك) الآية، وقعد عنه عبد الله بن أبي وتبعه جماعة من الخزرج
واتبعوا رأيه، وكان رسول الله (ص) عبأ أصحابه وهم سبعمائة رجل وخرجوا للقتال
وأقبلت قريش ولواء المسلمين بيد أمير المؤمنين (ع)، ولواء الكفار بيد طلحة بن
أبي طلحة، وكان يسمى كبش الكتيبة، فضربه علي (ع) فبدرت عينه وصاح صيحة
عظيمة وسقط اللواء من يده، وأصحاب اللواء يوم أحد تسعة قتلهم علي (ع) عن آخرهم
وقيل قتلاه يوم أحد أربعون رجلا وقيل أكثر سوى من قتل منهم بعدما هزمهم.
والحاصل ولما عبأ رسول الله (ص) أصحابه فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من
الرماة على باب الشعب واشفق أن يأتيهم من ذلك المكان فقال (ص) لعبد الله بن جبير
وأصحابه إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا، والزموا مراكزكم، ووضع
أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا من رواء الشعب وقال له: إذا رأيتمونا
قد اختلطنا فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم، فحمل الأنصار على
مشركي قريش واشتعلت نيران الحرب ووقعت بينهم حملات كثيرة وضربات موجعة
حتى لزمت قريش هزيمة قبيحة.
ووقع أصحاب رسول الله (ص) في سوادهم يسوقونهم وهم بين قتيل وجريح ومنهزم
وانحط خالد بن الوليد ومائة فارس من الشعب على عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام
فرجعوا فاطمأن المسلمين إلى مراكزهم، ووقعت أعينهم على الأموال فمالوا إلى الغنائم
فنظر أصحاب رسول الله وهم في جمع الأموال تركوا باب الشعب واقبلوا إلى الغنائم، فصاح
عبد الله بن جبير بأصحابه أيها الناس ان رسول الله (ص) قد تقدم إلينا أن لا نبرح من
278

مكاننا فلا يقبلوا منه، واقبل ينسل رجل حتى اخلوا مراكزهم، وبقي عبد الله بن
جبير في اثني عشر رجلا، وانحط خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وقد تفرقوا
أصحابه وبقي في نفر قليل وقتلهم على باب الشعب وهجموا على المسلمين من ادبارهم، وانهزم
أصحاب رسول الله (ص) هزيمة عظيمة، واقبلوا يصعدون على الجبال وفي كل وجه فلما رأى رسول الله (ص) الهزيمة كشف البيضة عن رأسه، وقال: اني أنا رسول الله
إلى أين تفرون عن الله وعن رسول الله وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر وكلما
انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت له: إنما أنت امرأة فاكتحل
بهذا ولم يبق مع رسول الله (ص) إلا أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري وعلي (ع)
فكلما حملت طائفة على رسول الله (ص) استقبلهم علي (ع) فدفعهم عنه حتى انكسر سيفه
فدفع إليه رسول الله (ص) سيفه ذا الفقار فانحاز رسول الله (ص) إلى ناحية أحد فوقف
وكان القتال من وجه واحد فلم يزل علي (ع) يقاتلهم حتى أصاب في وجهه ورأسه ويديه
وبطنه ورجليه سبعون جراحة أو تسعون فنزل جبرئيل وقال: إن هذه لهي مواساة يا محمد
فقال (ص) له: إنه مني وأنا منه واسى (ع) رسول الله حتى اصابه سبعون جراحة
فتعصب جبرئيل من تلك المواساة.
أقول: افدي الذي واسا ابن رسول الله (ص) حتى قطعت يداه واصابه من
الجراحات ما لا تعد ولا تحصى، وصار درعه كجلد القنفذ من كثرة السهام حقيقا بالبكاء
عليه حزنا:
أبو الفضل الذي واسا أخاه * فجاد له على عطش بماء
وكان رضا أخيه مبتغاه
قال الصادق (ع): نظر رسول الله (ص) إلى جبرئيل بين السماء والأرض على
كرسي من ذهب وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.
وروي إن سبب انهزامهم نداء إبليس فيهم إن محمدا قد قتل وكان النبي حينئذ في
زحام الناس وكانوا يرونه فجاء خالد بن الوليد من ظهر رسول الله وقال لأصحابه: دونكم
هذا الذي تطلبونه فحملوا على رسول الله (ص) حملة رجل واحد ضربا بالسيف وطعنا
بالرمح، ورميا بالنبال، ورضخا بالحجارة.
وفي تاريخ ابن الأثير فكسرت رباعية رسول الله السفلى وشقت شفته وكلم في
279

وجهه وجبهته في أصول شعره وشد عليه ابن أبي مخلف الجمحي بحربة فاخذها
رسول الله (ص) وقتله بها، وقاتل رسول الله (ص) يوم أحد قتالا شديدا فرمي بالنبل
حتى فني نبله. وفي كشف اليقين جعل أصحاب رسول الله يقاتلون دونه حتى قتل سبعون
رجلا، وثبت أمير المؤمنين (ع) يدفع عن النبي (ص) ففتح عينيه فكان قد أغمي عليه
فنظر إلى علي (ع) فقال: يا علي ما فعل الناس قال: نقضوا العهد وولوا الدبر فقال:
اكفني هؤلاء الذين قصدوا نحوي فحمل عليهم فكشفهم ثم عاد إليه وقد قصدوه من جهة
أخرى فكشفهم فكان الفتح ورجع الناس إلى النبي (ص) بثبات أمير المؤمنين (ع)
في بحار الأنوار عن ابن مسعود قال: إن النبي (ص) نودي في هذا اليوم:
ناد عليا مظهر العجائب * تجده عونا لك في النوائب
كل هم وغم سينجلي بولايتك يا علي يا علي يا علي وسمعوا صوتا لا فتى إلا علي
لا سيف إلا ذو الفقار. وبيان ذو الفقار بفتح الفاء وكسرها اسم سيف كان
لرسول الله (ص) نزل به جبرئيل من السماء وكان حلقته فضة. في حديث الرضا (ع)
قال: هو عندي، وفيه أقوال تركناها خوفا من الإطالة وسئل الصادق (ع) إلا لم سمي
ذو الفقار بذي الفقار؟ قال (ع) لأنه ما ضرب به أمير المؤمنين (ع) إلا افتقر في الدنيا
من الحياة وفي الآخرة من الجنة.
وروي إن بلقيس أهديت لسليمان ستة أسياف وكان ذو الفقار منها فوصل إلى
رسول الله فلما سكن القتال يوم أحد جعل المسلمون يتفحص بعضهم عن بعض فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من له علم بسعد بن الربيع فقال رجل: أنا اطلبه فأشار رسول الله (ص)
إلى موضع فقال: اطلبه هناك فاني قد رأيته في ذلك الموضع قد شرعت حولي اثني عشر
رمحا فقال: فاتيت ذلك الموضع فإذا هو صريع بين القتلى فقلت يا سعد فلم يجيبني فقلت
يا سعد: إن رسول الله (ص) قد سئل عنك فرفع رأسه فانتعش كما ينتعش الفرخ ثم
قال: إن رسول الله (ص) لحي قلت: إي والله إنه لحي وقد أخبرني إنه رأى حولك
اثني عشر رمحا فقال: الحمد لله صدق رسول الله قد طعنت اثني عشر طعنة كلها قد أجافتني
أبلغ قومي الأنصار السلام وقل لهم: والله ما لكم عند الله عذر أن تشوك رسول الله (ص)
شوكة وفيكم عين تطرف ثم تنفس فخرج منه مثل دم الجزور، وقد كان احتقن في جوفه
وقضى نحبه ثم جئت إلى رسول الله (ص) وأخبرته فقال: رحم الله سعدا نصرنا حيا
280

وأوصى بنا ميتا.
ما أشبه وصية هذا العبد الصالح بوصية مسلم بن عوسجة لحبيب بن مظاهر في نصرة
الحسين (ع) كما قال الشاعر:
نصروه احياء وعند مماتهم * يوصي بنصرته الشفيق شفيقا
أوصى ابن عوسجة حبيبا قائلا * قاتل دونه حتى الحمام تذوقا
المجلس العشرون
قال الله عز من قائل في كتابه الكريم: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون).
قال ابن أبي الحديد: روى ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن اخوانكم لما أصيبوا
بأحد جعلت أرواحهم في أجواف طير خضر ترد انهار الجنة فتأكل من ثمارها تأوى إلى
قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مطعمهم ومشربهم ورأوا حسن
منقلبهم قالوا ليت إخواننا يعلمون مما أكرمنا الله وبما نحن فيه لئلا يزهدوا في الجهاد
ويكلوا عند الحرب، فقال الله تعالى لهم أنا ابلغهم عنكم فأنزل الله تعالى (ولا تحسبن
الذين قتلوا) الآية.
وكان المقتولون في أحد سبعين سيدهم وأفضلهم وأكرمهم عند الله حمزة بن
عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وهو معروف بهذا اللقب في السماوات كما قال
رسول الله (ص) اتاني جبرئيل فأخبرني إن حمزة مكتوب في أهل السماوات السبع حمزة بن
عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وكان النبي (ص) يفتخر به ويقول خير أعمامي حمزة
وخير إخواني علي بن أبي طالب، وقال في مرض موته لفاطمة عليها السلام وشهيدنا
سيد الشهداء وهو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك قالت يا رسول الله هو سيد الشهداء
الذين قتلوا معه قال لا بل سيد الشهداء الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء
ويحشر حمزة يوم القيامة وهو راكب على ناقة رسول الله العضباء كما قال (ص) أنا على
البراق وعمي حمزة على ناقتي العضباء، وهو مدفون بأحد وقبره معروف وكانوا
281

يأخذون من تربة قبره ويصلون عليها ويسبحون بها إلى أن قتل سيد شباب أهل الجنة
الحسين (ع) فصار سيد الشهداء لقبا للحسين (ع) وصاروا يأخذون من تربته ويصلون
عليها ويسبحون بها وكان علي (ع) يفتخر به في موارد عديدة منها يوم الشورى قال هل
فيكم أحد عمه حمزة سيد الشهداء قالوا اللهم لا وافتخر به في كتاب كتبه إلى معاوية
يقول (ع) حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وخصه رسول الله (ص) بسبعين
تكبيرة إلى أن قال (ع) ومنا النبي ومنكم المكذب ومنا أسد الله ومنكم أسد الاحلاف
وانتدابه (ع) له يوم الذي قادوه في حمائل سيفه بقوله وا حمزتاه أين لي بحمزة وكذا
افتخار الحسين (ع) وانتدابه له في الطف في موارد عديدة وافتخر به زين العابدين (ع)
يوم خطب في جامع دمشق بقوله: ومنا أسد الله وأسد رسوله، وجلالة قدره فوق أن
تحصى، ولقد أكرمه الله تعالى بكرامات عديدة منها: المنازل الرفيعة والدرجات العالية
منها: الشفاعة المقبولة في يوم القيامة لمحبي حمزة، وينجي حمزة في يوم القيامة جهنم عن
محبيه، وينجيهم منها، ومحبوه كثيرون حتى ورد في الخبر: إنه ليرى يوم القيامة
جانب الصراط خلق كثير لا يعرف عددهم إلا الله هم كانوا محبي حمزة، وكثير منهم
أصحاب الذنوب والآثام، فتحول حيطان من النار بينهم وبين مسالك الصراط والعبور
إلى الجنة فيقولون: يا حمزة قد ترى ما نحن فيه؟ فيقول حمزة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولعلي (ع)
قد تريان أوليائي كيف يستغيثون بي، فيقول النبي لعلي: أعن عمك على إغاثة أوليائه
واستنقاذهم من النار، فيأتي علي (ع) بالرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء الله في الدنيا
فيناوله إياه ويقول: يا عم ذود الجحيم عن أوليائك برمحك هذا كما كنت تذود به
عن أولياء الله في الدنيا أعداء الله، فيتناول الرمح بيده، ويزج به الحيطان فينحيها
مسيرة خمسمائة عام، ثم يقول لأوليائه، والمحبين الذين كانوا في الدنيا: اعبروا
فيعبرون على الصراط آمنين سالمين، ويردون الجنة غانمين ظافرين، وما نال هذه
المرتبة العظمى وما حاز هذه الدرجة العليا إلا بإطاعة لربه الاعلى، ونصرة نبيه المصطفى.
ولم يزل يجهد في حفظ ابن أخيه والمدافعة عنه في مواطن كثيرة، منها: يوم
الذي رضخوا النبي بالحجارة وضربوه بحيث كادت نفسه تخرج ولم يكن حمزة حاضرا
وكان في خارج مكة، فلما دخل وعرف القصة قام من وقته وأخذ سهمه وقوسه ومضى
حتى انتهى إلى أبي جهل واخذه وصنع به ما صنع. ثم أتى إلى النبي (ص) فوجده في
282

بيت الله الحرام جالسا حزينا باكيا كئيبا فاخذه وضمه إلى صدره وقبله وقال: يا بن
أخي كيف حالك؟ فقال (ص): يا عماه ما تسأل عمن أصبح يتيما لا له والد ولا والدة
فسلا خاطره وسكن غضبه وفوته.
وأعظم مواطنه موطنه يوم أحد وهو اليوم الذي بالغ في نصرة ابن أخيه حتى بذل
مهجته دونه، وكان يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد.
وكانت هند بنت عتبة عليها اللعنة أم معاوية قد أعطت وحشيا عهدا لان قتلت محمدا
أو عليا أو حمزة لأعطينك رضاك، وكان الوحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا فقال
وحشي: إن محمدا فلا أقدر عليه واما علي فرأيته رجلا حذرا كثير الالتفات فلم اطمع
فيه، فكمنت لحمزة فرأيته يهد الناس هدا فمر بي فوطأ على جرف نهر فسقط فأخذت
حربتي فهززتها فوقعت في خاصرته فخرجت من مثانته فسقط فاتيته فشققت بطنه
واخذت كبده واتيت بها إلى هند وقلت لها: هذه كبد حمزة، فاخذتها في فيها فلاكتها
فجعله الله في فيها كالصخرة فلفظتها، ومن ذلك اليوم لقبت بآكلة الأكباد.
والى هذا أشارت الحوراء زينب في خطبتها بمحضر يزيد، وكيف يرتجى
مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه بدماء الشهداء، فيا لله من هذه
الشجرة الخبيثة التي لم يزالوا يجهدون على قطع الشجرة الطيبة أبو سفيان (لع) صنع
برسول الله (ص) ما صنع، وأورد عليه ما أورد، وزوجته هند قتلت حمزة وأرادت
أن تأكل كبده فأبى الله أن يدخل شئ من بدن حمزة النار وابنها معاوية قاتل عليا وفرح
بقتله، وأمر بتزيين الشام وقتل ولده الحسن الزكي، ولما بلغه قتل الحسن (ع) سجد
اللعين في محضر من الناس وابنه يزيد قتل الحسين وسبى نسائه وعياله، وحمل رأسه إلى
الشام، يقول الكعبي:
ما كفاها أكل الكبود بأحد * عن حسين في كربلا إذ أتاها
وفي زيارة الحسين (ع): اللهم إن هذا يوم تبركت به بنو أمية وابن آكلة
الأكباد.
ولما لفظت هند كبد حمزة بعث الله ملكا فحمله ورده إلى موضعه لئلا يفرق بين
كبد حمزة وبدنه، وفرق بين رأس الحسين وجسده وبقي جسده في ارض كربلا وحمل
رأسه على الرمح أربعين صباحا يطاف به البلدان.
283

ثم إن هندا لعنها الله جاءت إلى حمزة فقطعت مذاكيره وأصابعه وقطعت اذنيه
وجعلتها خرصين وشدتهما في عنقها وقطعت يديه ورجليه. فلما سكن القتال يوم أحد
قال رسول الله (ص): من له علم بعمي حمزة؟ فقال له الحارث بن الصمت: اني اعرف
موضعه فجاء حتى وقف على حمزة فكره ان يرجع إلى رسول الله فيخبره، فقال
رسول الله (ص) لأمير المؤمنين: يا علي اطلب عمك فجاء علي (ع) فوقف على حمزة
فكره أن يرجع إلى رسول الله ويفجعه به، فجاء رسول الله بنفسه حتى وقف عليه فرآه
وقد شقوا بطنه واخرجوا كبده، وجذعوا انفه، وقطعوا يديه ورجليه واذنيه
اختنق بعبرته وبكى وقال: لك الحمد وأنت المستعان واليك المشتكى ثم قال: لن أصاب
بمثل حمزة ابدا والله ما وقف موقفا قط أغيظ علي من هذا المكان.
أقول: وقف بعد ذلك موقفا أغيظ على قلبه من ذلك الموقف، متى؟ ليلة
الحادي عشر من المحرم حين وقف على ولده الحسين فرآه وقد قطع الشمر رأسه وقطع
الجمال يديه ورضت الخيل صدره وظهره:
أحسين هل وافاك جدك زائرا * فرآك مقطوع الوتين معفرا
قال (ص): لان مكنني الله من قريش لأمثلن بسبعين رجلا منهم فنزل عليه
جبرئيل وقال: (فان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)
واصبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بل اصبر، فالقى رسول الله على حمزة بردة كانت عليه
فكانت إذا مدها على رأسه بدت رجلاه، وإذا مدها على رجليه بدا رأسه، فمدها على
رأسه والقى على رجليه الحشيش.
أقول: فعل ذلك لئلا تصهره الشمس ولئلا ترى أخته جسده. يا ليته حضر
الحسين بكربلا ومد عليه رداءه لئلا تصهره الشمس ولا تراه زينب عريانا مكبوبا على
وجهه.
ثم قال (ص): لولا أني أحذر نساء بني عبد المطلب لتركته حتى تأكله السباع
والطيور ويحشر يوم القيامة من بطون السباع والطيور، فعند ذلك صاح إبليس بالمدينة
ألا قتل محمد، فلم تبق أحد من نساء المهاجرين والأنصار إلا خرجن، وخرجت فاطمة
وصفية ولما انتهتا إلى رسول الله ونظرتا إليه قال رسول الله لعلي: أما عمتي فاحبسها
وأما فاطمة فدعها فلما دنت فاطمة من رسول الله (ص) ورأته قد شج في وجهه وادمي
284

فؤاده دماء صاحت وجعلت تمسح الدم وتقول: اشتد غضب الله على من ادمى وجه
رسول الله (ص) يتناول في يده ما يسيل من الدم فيرميه في الهواء فلا يتراجع منه شئ.
قال الصادق (ع): والله لو سقط منه شئ على الأرض لنزل العذاب أقول:
لما كان رحمة للعالمين ما رضي أن ينزل العذاب على أهل الكوفة لما رمي بسهم محدد مسموم في نحر الرضيع كان
يأخذ الدم ويرمي به إلى السماء، ولم يسقط من ذلك الدم قطرة، واتت فاطمة بالماء
وغسلت وجهه أبيها وكريمته المباركة رأت فاطمة أباها، وقد شج جبينه وأدمى فؤاده
وكسرت رباعيته، ولكن سكينة رأت أباها وقد قطع الشمر رأسه.
ثم وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على شهداء أحد وفيهم: حمزة وقال (ص): زملوهم
بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما فاللون لون الدم، والريح
ريح المسك وحفروا عن قبورهم في زمن معاوية فوجدوا عندهم رائحة المسك، وذلك
إن معاوية اجرى نهرا بأحد لعله يمحو اثر قبور الشهداء وأمر مناديه ينادي في المدينة:
كل من له مقتول فليحضر بأحد، فلما حضروا قتلاهم ونبشوا قبورهم وجدوا قتلاهم كل
واحد منهم غضا طريا، وتميل جوارحهم كمل تميل جوارح الاحياء، وبينما هم يحفرون
أصابت الآلة رجل أحد من المقتولين فجرى الدم من ساعته، وكلما يحفرون يجدون
رائحة المسلك تفوح من قبورهم. ومن الشهداء في أحد عبد الله أبو جابر أمر
رسول الله (ص) أصحابه أن يدفنوه يعني عبد الله وعمرو بن الجموح الأعرج في حفرة
واحدة ولما كان قبرهما في ممر السيل محى السيل قبرهم وانكشف عنهما ورأوا عبد الله
أبا جابر على وجهه جراحة وقد وضع يده عليها لما رفعوا يده عن الجراحة انبعث الدم
منها. ولما ردوا يده عليها سكن الدم قال جابر بن عبد الله الأنصاري: وجدت أبي في
قبره بعد ستة وأربعين سنة، وما تغيرت عليه شئ وكأنه في نوم قد مد عليه كفنه
والقي على رجليه حشيش حرمل غض طري أراد أن يطرح عليه من الطيب شيئا فنهوه
الصحابة وقالوا: دعه على حاله ولا تغير عليه فتبين لك إن المقتولين أحياء عند ربهم
يرزقون.
ومما يزيد لك برهانا، نقل: إن شاه إسماعيل نبش قبر الحر بن يزيد الرياحي
ليأخذ العصابة التي شدها الحسين على رأس الحر ليتبرك به ويستفتح بها في الغزوات
285

والحروب فلما حل العصابة وإذا بجراحته شخبت دما وكلما شدوه بغيرها ما سكن الدم
حتى شق من تلك العصابة شيئا وعصب بها رأس الحر، والمقتولون في سبيل الله أحياء
عند ربهم ليسوا كالأموات، وتجهيزهم غير تجهيز الأموات لا يغسلون ولا يكفنون
ورسول الله ما غسل شهداء أحد ولا كفنهم، فالحسين (ع) لا يحتاج إلى الغسل والكفن
لان دمه هو ماء غسله وثيابه كفنه، ولكن ما تركوا عليه ثيابه سلبوا حتى ذلك الثوب
العتيق تركوه عريانا:
غسلوه بدم الطعن وما * كفنوه غير بوغاء الثرى
ولئن لم يغسل فقد غسلته دماؤه، ولئن لم يقلب على المغتسل فقد قلبته أرجل
الخيل، ولئن لم يكفن فقد كفنته الرمال:
وخر للموت لا كف تقلبه * إلا بوطي من الجرد المحاضير
وكان حمزة بن عبد المطلب أول من جئ به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى عليه رسول الله
وكبر عليه أربعا وقال: رأيت الملائكة تغسل عمي حمزة ثم جمعوا إليه الشهداء فكان
كلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه وعلى الشهيد حتى صلى عليه سبعين مرة لان
الشهداء سبعون، ثم قال لأهل القتلى: احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين
والثلاث في القبر.
النبي (ص) صلى على حمزة سبعين مرة، أما ما حصل للحسين (ع) أحد ينادي الصلاة
مات الغريب نعم نادى ابن سعد (لع) هلموا ودوسوا صدر الحسين الخ.
ثم أمر النبي (ص) بحمزة إن تمد عليه برقته وهو في القبر وكانت قصيرة وكانوا
إذا خمروا بها رأسه بدت رجلاه، وخمروا بها رجليه انكشف وجهه فبكى المسلمون
وقالوا: يا رسول الله عم رسول الله يقتل فلا يوجد له ثوب؟ فقال: بلى.
فلما دفن القتلى انصرف رسول الله (ص) إلى المدينة وخرجت نساء المدينة لان
إبليس صاح الا قد قتل محمد فخرجن النساء باكيات صارخات، فأخبرن بان النبي (ص)
حي ولم يصبه شئ فحلفن أن لا يرجعن إلى خدورهن حتى يرين رسول الله (ص) وهن
واقفات حتى دخل رسول الله، فلما رأينه ولو لن وبكين ثم دخلن خدورهن، والى
هذا أشار بشير بن جذلم في قوله: (يا أهل يثرب لا مقام لكم بها) يعني لو كنتم
صادقين في دعواكم إن لا تسكن بيوتنا حتى نرى النبي فيحق الان أن لا تسكنوا المدينة
286

لان الحسين عليه السلام قد قتل.
فمر النبي (ص) ببعض بيوتات الأنصار، فسمع بكاء النوائح على قتلاهن فترقرقت
عينا رسول الله (ص) وبكى ثم قال: لك حمزة لا بواكي له اليوم فلما سمعها سعد بن
معاذ قال: لا تبكين امرأة حميمها حتى تأتي فاطمة فتسعدها في البكاء على حمزة فاجتمعن
النساء عند فاطمة وهن يسعدنها في البكاء على حمزة ومن أسعد فاطمة في البكاء على الحسين
أسعدها الف نبي، والف صديق، والف شهيد، والف الف من الكروبيين، وهم
يسعدونها في البكاء على الحسين (ع). ولما لم يكن لحمزة نوائح ناحت عليه نساء المهاجرين
والحسين كانت له نوائح لكن إن دمعت من إحداهن عين قرع رأسها بالرمح.
المجلس الحادي والعشرون
(غزوة الخندق)
يا بن عم النبي كم وقفات * لك دون الهدى تشيب الرضيعا
كنت فيها تسقي الأعادي كؤوس * الحفت في مرهف يشق الدروعا
أنت سيف الله الذي البس الشرك * شباه خزيا وافنى الجموعا
لك ذلت رعبا طغاة قريش * فتركت الرفيع منها وضيعا
ومن مواقفه (ع) يوم الخندق الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ضربة على يوم الخندق
أفضل من عبادة الثقلين، وذلك إن قريشا قد تجمعت وقائدها أبو سفيان بن حرب
وان غطفان قد تجمعت وقائدها عيينة بن حصين واتفقوا مع بني النضير من اليهود على
قصد النبي (ص) وحصار المدينة، فاخذ النبي (ص) بحراسة المدينة في عمل الخندق عليها
فاقبلوا كالجراد المنتشر حتى قص الله قصتهم إذ جاؤكم من فوقكم، ومن أسفل منكم
فخرج رسول الله في ثلاثة آلاف ووافقت اليهود المشركين على رسول الله، واشتد
الامر على المسلمين كما قال الله تعالى: (وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر
وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) وطمع المشركون
بسبب كثرتهم فركبت فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود كان من مشاهيرهم
287

وكان يعد بألف فارس ومعه ابنه حسل ابن عمرو وأصحابه، فلما نظروا إلى الخندق
قالوا: هذه مكيدة ما كان العرب تعرفها فقيل لهم، هذا من تدبير الفارسي الذي معه
فاقتحموا الخندق وعبروه وجالت خيلهم في السبخة بين الخندق وبين المسلمين، وجعل
عمرو بن عبد ود ينادي هل من مبارز فقام النبي (ص) في أصحابه وقال: من لهذا الكلب
فلم يجبه أحد إلا علي (ع) وقال أنا أبارزه فقال (ص) إنه عمرو فسكت فقال عمرو: هل
من مبارز ثم جعل يؤنبهم ويقول: أين جنتكم التي تزعمون إن من قتل يدخلها أفلا يبرز
إلي أحد؟ فقال علي (ع) أنا له يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنه عمرو
فسكت فركز عمرو بن عبد ود رمحه في الأرض واقبل يجول ويرتجز ويقول:
ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز * ووقفت إذ جبن الشجاع مواقف القرن المناجز
اني كذلك لم أزل متسرعا نحو الهرائز * إن الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز
فقال رسول الله (ص): من يبرز لهذا الكلب فلم يجبه أحد فقال علي أنا له
يا رسول الله فقال (ص): هذا عمرو بن عبد ود قال علي (ع) وإن كان وانا علي بن
أبي طالب، فاذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعممه بعمامته وألبسه درعه وقلده سيفه وقال:
اللهم أعنه عليه اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه
ومن تحت قدميه فلا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، وقال: برز الايمان كله إلى
الشرك كله فمر أمير المؤمنين (ع) يهرول ويقول:
لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز * ذو نية وبصيرة يرجو بذاك نجاة الفائز
ولقد دعوت إلى البراز فتى يجيب إلى المبارز * يعليك بيضا صارما كاللمخ حتفا للمناجز
فقال عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله وختنه
فقال عمرو: والله إن أباك كان صديقا لي وانا أكره أن أختطفك برمحي هذا فأتركك
شائلا بين السماء والأرض لا حيا ولا ميتا واني أكره إن أقتلك.
فقال علي (ع): دع هذا يا عمرو اني سمعت تقول: ما يعرض أحد على ثلاث
288

خصال إلا أجبته إلى واحدة وانا اعرض عليك ثلاث خصال فأجبني إلى واحدة قال:
هات يا علي قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال: نح هذا عني قال:
الثانية أن ترجع وترد هذا الجيش عن رسول الله فان يك صادقا فأنتم اعلا به عينا، وإن كان
كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره فقال إذا لتتحدث نساء قريش بذلك ولينشد العرب
باشعاذها اني جبنت ورجعت إلى عقبي من الحرب وخذلت قوما رئسوني عليهم
فقال (ع): فالثالثة ان أدعوك إلى النزول قال: إني لأحب أن اقتل الرجل الكريم
مثلك فقال (ع): ولكني والله أحب ان أقتلك فحمي عمرو فاقتحم عن فرسه ونزل
وعقرها فتبارزوا وتجادلا ساعة ثم بدأ فضرب أمير المؤمنين بالسيف على رأسه فاتقاها
أمير المؤمنين (ع) بالدرقة فقطعها وثبت السيف على رأسه فقال علي (ع): يا عمرو
ما كفاك اني بارزتك وأنت فارس العرب حتى استعنت علي بظهير فالتفت عمرو إلى
خلفه فضربه أمير المؤمنين (ع) مسرعا على ساقيه فأطنهما جميعا وارتفعت بينهما عجاجة
فلما انكشفت العجاجة نظروا فإذا أمير المؤمنين على صدره وقد اخذ بلحيته يريد
أن يذبحه ثم أخذ رأسه واقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والدماء تسيل من رأسه من ضربة
عمرو وسيفه يقطر منه الدم وهو يقول: انا علي بن عبد المطلب * الموت خير للفتى من الهرب
فقال عمر: الا ترى يا رسول الل إلى علي كيف يمشي؟ فقال رسول الله: إنها
مشية لا يمقتها الله في هذا المقام فتلقاه ومسح الغبار عن عينيه وقال ابشر يا علي فلو وزن
اليوم عملك بعمل أمة محمد (ص) لرجح عملك على عملهم ثم قال يا علي ماكرته قال نعم
يا رسول الله الحرب على خدعة نقل إن عليا قطع فخذه من أصلها فاخذ عمرو فخذه وضرب
به عليا (ع) وتوارى علي عنها فوقعت في قوائم بعير فكسرها ولما جاء إلى
رسول الله (ص) قام أبو بر وعمر وقبل رأس علي (ع) وكر علي على حسان بن عمرو
ابن عبد ود فقتله وكان معه عكرمة بن أبي جهل فرمى رمحه وانهزم من علي (ع) وخرجت
خيلهم مهزومة حتى نزلت الخندق هاربة ونزلت هذه الآية وكفى الله المؤمنين القتال بعلي
وكان قويا عزيزا هكذا قراءة ابن مسعود ولما قتل علي (ع) عمروا اعطى سيفه إلى الحسين
وقال له قل لامك تغسل هذا الصقيل فرده وعلي عند النبي (ص) وفي وسطه نقطة لم تنق
قال أليس قد غسلته الزهراء قال نعم قال فما هذه النقطة قال النبي (ص) يا علي سل
289

ذا الفقار يخبرك فهزه وقال أليس قد غسلتك الطاهرة من دم الرجس النجس فانطق الله
تعالى السيف فقال: بلى ولكنك ما قتلت بي أبغض إلى الملائكة من عمرو بن عبد ود
فأمرني ربي فشربت هذه النقطة من دمه لما قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود نعى
إلى أخته عمرة فقالت: من ذا الذي اجترأ عليه؟ فقالوا: علي بن أبي طالب (ع) فقالت:
كانت منيته على يد كفو كريم ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر فأنشأت تقول:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله * لكنت أبكي عليه آخر الأبد
لكن قاتله من لا يعاب به * من كان يدعى أبوه بيضة البلد
ما قتله إلا كفو كريم ومن كرمه وعلو مقامه إنه قتله، وما سلبه ولما جلس على
صدر عمرو قال: يا علي قد جلست مني مجلسا عظيما فإذا قتلتني فلا تسلبني حلتي
قال (ع): هي أهون علي من ذلك فقتله وما سلبه، ومن ذلك ما بكت عليه أخته
لما نظرت إليه فرأته على حاله في حلته وبردته ودرعه.
هلموا لنبكي على ذلك القتيل الذي وقفت عليه أخته الحوراء زينب فرأته مجرد عن
أثوابه حتى عن ذلك الثوب العتيق الذي اخذه ولبسه تحت أثوابه.
فمذ رأت زينب جسم الحسين على البوغا * خضيبا بدم النحر واللمم
عار اللباس قطيع الرأس منخمد * الأنفاس في جندل كالجمر مضطرم
المجلس الثاني والعشرون
(غزوة خيبر)
كم له باختراع حرب نكات * وبإذلال غلبها ملكات
وله باصطيادهم شبكات * وله يوم خيبر فتكات
كبرت منظر على من رآها
عزمات عن دركها الوهم يخطي * وعقول الأنام فيه يخبط
إن يوما أو هي منى كل رهط * يوم قال النبي لأعطي
رايتي ليثها وحامي حماها
290

لم يرى الله غيره في مضيق * بزعيم لها ولا بحقيق
واليه أشار خير شفيق * فاستطالت أعناق كل فريق
ليروا أي ماجد يعطاها
فاغتدى كل مدير وهو مقبل * ولذاك الفوز العظيم يؤمل
وعلى الوعد كم أتى من مؤمل * فدعى ابن وارث العلم والحلم
مجير الأنام من بأساها
أين من كف قادر صنعته * وعلى ذي علا رفعته
أين من عين ربه قد رعته * أين ذو النجدة الذي أودعته
في الثريا مروعة لباها
وذلك في يوم خيبر بعدما انهزم من أصحابه ما انهزم. وقد ذكر جميع المؤرخين
من العامة والخاصة، منهم: نور الدين محمد بن أحمد المالكي في كتاب (الفصول المهمة)
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاصر خيبر بضعا وعشرين يوما فلم يتمكن من الفتح، وكان علي (ع)
به رمد، ولما رأى عدم ثبات أصحابه في الحرب وقد أعطاهم الراية ثلاثة أيام متواليات
كل يوم بيد أحد من أصحابه وهم انهزموا، فقال (ص): لأعطين الراية غدا رجلا
يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله: كرار غير فرار، فبات الناس يخوضون
ليلتهم أيهم يعطاها، لان عليا (ع) أرمد.
فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله (ص) وكا منهم يرجوا أن يعطاها، فخرج
رسول الله ونادى أين علي بن أبي طالب؟ فقيل يا رسول الله إنه أرمد، قال (ص)
أرسلوا إليه وائتوني به، فاتي بعلي (ص) فبصق في عينيه ودعا له فبرء حتى كأن لم يكن به
وجع، كما قال حسان بن ثابت:
وكان علي أرمد العين ينتظر * دواء فلما لم يحس مداويا
شفاه رسول الله منه بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا
والحاصل، فأعطى عليا (ع) رايته البيضاء، وقال: يا علي خذ الراية واعلم أنهم
يجدون في كتبهم إن الذي يدمر عليهم اسمه إيليا فإذا لقيتهم فقل: انا علي فإنه يخذلون
فلما دنى من حصونهم خرج مرحب وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل حجر الرحى وجعله
على رأسه وهو يرتجز ويقول:
291

قد علمت خيبر اني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب
فقال عليه السلام:
انا علي بن أبي طالب * انا الذي سمتني أمي حيدرة
ضرغام آجام وليث قسورة
فسمع حبر من أحبار اليهود فقال: غلبتم وما انزل على موسى، فدخل
على قلوبهم الرعب، ولما أشطر علي (ع) مرحب شطرين وألقاه مجدلا جاء جبرئيل من السماء
متعجبا، فقال النبي (ص): مم تعجبت؟ فقال: إن الملائكة في صوامع السماوات تنادي
(لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار)، واما اعجابي فإني أمرت إن أدمر قوم لوط
حملت مدائنهم وهي سبع مدائن من الأرض السابعة السفلى إلى السماء السابعة العليا حتى
سمع حملة العرش صياح ديكهم وبكاء طفلهم، ووقفت بها إلى الصبح انتظر الامر ولم
اثقل بها، واليوم لما ضرب علي (ع) ضربته الهاشمية وكبر، أمرت إن اقبض فاضل
سيفه حتى لا يشق الأرض باهلها، فكان فاضل سيف علي (ع) اثقل من مدائن لوط، هذا
وإسرافيل وميكائيل قد قبضا عضده في الهواء.
ولما قتل مرحب رجع من كان معه واغلقوا باب الحصن عليهم فانتهى علي إلى
الحصن وأشرف اليهود من الحصن وهم يرمونه بالنبل والحجارة فغضب علي ثم نزل
مغضبا إلى أصل عتبة الباب فتناول باب الحصن وتناول حلقته وقلعها ثم تترس به وجعل
يقاتلهم حتى فتح الله تعالى عليه ثم رمى الباب من يده خلفه أربعين ذراعا، ولقد تكلف
حمله أربعون رجلا أو سبعون رجلا فما أطاقوه فاهتز الحصن وسقط من كان عليه من
النظار، وقال: يا رسول الله إن عليا عظيم عند الله، وانه لما هز الباب اعتز الحصن
واهتزت السماوات السبع والأرضون السبع، واهتز عرش الرحمن غضبا لعلي (ع) ثم
اخذ باب الحصن وجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبر أصحاب النبي (ص).
كان طول الباب ثمانية عشر ذراعا وعرض الخندق عشرون ذراعا فوضع جانب
الباب على طرف الخندق وضبط يده جانبا حتى عبر عليه العسكر وكانوا ثمانية آلاف
وسبعمائة رجل ومنهم من كان يتردد، يقول الشاعر:
إن امرءا حمل الرتاج بخيبر * يوم اليهود بقدرة لمؤيد
فرمى به ولقد تكلف رده * سبعون شخصا كلهم متشدد
292

ردوه بعد تكلف ومشقة * ومقابل بعضهم لبعض ارددوا
(في بحار الأنوار) فتح الحصون وقتل من اليهود حتى فزعوا واخذ ما كان في
الحصون من الأموال، وسبى منهم نساء ورجالا منهم: صفية بنت حي بن اخطب
لما جئ بها إلى رسول الله (ص) وكانت أحسن الناس وجها فرأى في وجهها شجة
فقال (ص): ما هذه الشجة وأنت ابنة الملوك فقالت: إن عليا (ع) لما قدم إلى باب
الحصن وهز الباب فاهتز الحصن وسقط من كان عليه من النظار وارتجف السرير فسقطت
لوجهي فشجني جانب السرير فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا صفية إن عليا عظيم عند الله تعالى
وفي خبر رأى (ص) في خذها اثر اللطم فسألها عن ذلك؟ فقالت: مر بي هذا الحبشي
على جسد أخي فلما نظرت إليه ورأيته قتيلا لطمت بيدي فغضب النبي (ص) وقال:
يا بلال ما أقسى قلبك أتمر بالمرأة على المقتول من أقاربها، وهل تطيق أخت
أن تنظر إلى أخيها وهو مضرج بالدم.
أقول: يا ليت عيني رسول الله (ص) نظرتا إلى الحوراء زينب حين مروا بها
على أخيها الحسين عليه السلام الخ.
المجلس الثالث والعشرون
(غزوة ذات السلاسل)
قال أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام: إن الوفاء توأم الصدق، ولا اعلم جنة أوفى منه، ولا يغدر من علم كيف المرجع، ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ
أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم قاتلهم الله
قد يرى الحول القلب وجه الحليلة ودونه مانع من أمر الله تعالى ونهبه فيدعها رأي عين
بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا جريحة له في الدين التوأم الذي يوم مع الاخر
في حمل واحد، فهما - اي الصدق والوفاء - توأمان قرينان في المنشأ بحيث لا يسبق
أحدهما إلى الاخر في الوجود والمنزلة، وكلاهما حافظان للانسان، فأحدهما بمنزلة السلاح
التي تنجي الانسان نفسه من شر عدوه وهو الصدق كما ورد النجاة في الصدق، والاخر
293

بمنزلة الدرع الذي يلبسه الانسان ليقيه من كيد عدوه وهو الوفاء كما قال (ع): لا اعلم
جنة أوفى منه، ومن علم إن مرجعه إلى الله وهو سريع الحساب لا يعدل عن الوفاء
إلى ضده وهو الغدر والمكر ولكن أهل هذا الزمان عدلوا عن الوفاء إلى الغدر ويعدون
الغدر من العقل، وحسن الحيلة، ويقول (ع) ما لهم قاتلهم الله يزعمون ذلك مع إن الحول
القلب - أي البصير بتحويل الأمور وتقليب الدهور - قد يرى وجه الحيلة في بلوغ
مراده لكنه لا يفعل خوفا من الله فيدع الحيلة وهو قادر عليها.
وأما من لم يتحرز من المعصية ولم يكن ثابتا في أمر دينه فهو يغتنم الفرصة لأعمال
الغدر والحيلة، والحال إنه لا شئ أبغض إلى الله من الغدر والحيلة، ولذا قال النبي (ص)
من بات وفي قلبه غش وغدر لأخيه المسلم بات في سخط الله وأصبح وهو في سخط الله
دائما إلى أن يتوب من ذلك، بل ويظهر من كلام أمير المؤمنين إن الغدر أيا ما كان كفر
بالله، حيث يبين حاله وحال معاوية وتفرق الناس عنه واجتماعهم على معاوية
بقوله (ع): والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر
لكنت من أدهى الناس ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء
يعرف يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة - يعني لا يقدر
أحد أن يغفلني بكيد وحيلة ويضعفني بقوة وشدة - ويحتمل أن تكون العباوة ما استغفل
بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة - اي انا لا أغفل أحدا بالغدر والمكيدة ولا أضعف
أحدا بقوة شديدة.
والحاصل: إنه لا يجوز الغدر من أحد بالنسبة إلى الاخر حتى مع الكفار
إلا في موضع خاص استثني ذلك خرج بالنص وذلك في الجهاد مع الكفار فلا بأس
بالغدر والحيلة لأجل الغلبة على العدو والخصم بل ويجوز المحاربة بكل فعل يؤدي إلى
ضعفهم والظفر بهم كهدم الحصون وقطع الأشجار حيث يتوقف، وقد وقع من
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمثال ذلك في بعض الغزوات منها في الطائف وقد قطع أشجار الطائف وخرب
ديار بني النضير واحرق عليهم وكذا يجوز إرسال الماء عليهم ومنعه عنهم والقاء السم
إذا توقف الفتح للمسلمين على ذلك، وكذلك يجوز التبييت - يعني النزول عليهم غيلة في
الليل - كما فعل أمير المؤمنين (ع) في ذات السلاسل، وهي من أعظم الغزوات التي غزاها
أمير المؤمنين، وفي ذلك نزلت سورة (العاديات ضبحا).
294

والمجمل منها إن المشركين اجتمعوا وتحالفوا بان لا يفروا حتى يقتلوا محمدا وعليا
وهم اثني عشر الف رجل من ابطال المشركين، وجاءوا إلى أن وصولا ونزلوا على
السلاسل وهو اسم ماء، ونزل جبرئيل وأخبر النبي (ص) بذلك وأمره بان يخرج إليهم
من يفرقهم، فأنفذ النبي (ص) أبا بكر في سبعمائة رجل فلما صار إلى الوادي وأراد
الانحدار خرج إليه المشركون وقاتلوهم وقتلوا جمعا من المسلمين وهزموهم فرجع أبو بكر
منكسرا إلى النبي فقال رسول الله (ص) له: لم تفعل ما أمرتك به وكنت لي والله عاصيا
ثم صعد المنبر وقال يا معشر المسلمين اني أمرت أبا بكر أن يسير إلى أهل وادي اليابس
وان يعرض عليهم الاسلام ويدعوهم إلى الله فان أجابوا وإلا واقعهم فإنه سار إليهم
وخرج منهم إليه مائة رجل فإذا سمع كلامهم وما استقبلوه به انتفخ صدره ودخله الرعب
وترك قولي ولم يطع أمري.
ثم بعث عمر وهو أيضا رجع منهزما، فلما رآه النبي صعد المنبر وقال: يا عمر
عصيتني وعصيت الله في عرشه وخالفت قولي وعملت برأيك قبح الله رأيك، وقال
عمرو بن العاص: أبعثني يا رسول الله فان الحرب خدعة وانا أخدعهم فبعثه وهو
أيضا رجع مكسورا، وانفذ خالدا فقاد، فساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم واغنم وقال: أين ابن
عمي وقوة ركني علي فاحضر بين يديه وقال: يا علي اخرج إليهم كرارا غير فرار
فشيعه إلى مسجد الأحزاب فسار علي (ع) بالقوم متنكبا على الطريق يسير بالليل ويكمن
بالنهار، ثم اخذ علي محجة غامضة فسار بهم حتى استقبل الوادي بغمة ثم أمرهم ان
يعكموا الخيل وأوقفهم في مكان، وقال لا تبرحوا وأقام ناحية منهم فقال عمر: أنزلنا
هذا الغلام في واد كثير الحيات والعقارب والسباع واما السبع فتأكلنا وتأكل دوابنا
واما الحيات تعقرنا وتعقر دوابنا، واما يعلم بنا عدونا فيأتينا ويقتلنا فكلمه أبو بكر
فلم يجبه وكلمه عمر فلم يجبه أمير المؤمنين (ع) فقال عمرو بن العاص: لا ينبغي أن نضيع
أنفسنا انطلقوا بنا نعلو الوادي فأبى المسلمون: فبات علي (ع) حتى أحس بطلوع الفجر
ركب وصاح اركبوا بارك الله فيكم، وطلع من الجبل وانحدر على القوم وأشرف عليهم
قال (ع) اتركوا عكمة دوابكم فتركوها وشمت الخيل ريح الإناث فصهلت فلما سمع المشركون
صهيل خيلهم ولو هاربين منهزمين، وبقيت أموالهم وأسلحتهم على حالها وتعاقبهم
المسلمون، حتى قتلوا منهم خلقا كثيرا وأسروا بعضا منهم ورجعوا بالغنائم والأموال
295

فنزل جبرئيل على النبي في المدينة وبشره بالفتح فقرأ عليه (والعاديات ضبحا فالموريات
قدحا فالمغيرات صبحا فاثرن به نعما فوسطن به جمعا) وفي ذلك أنشأ المدني:
وقوله والعاديات ضبحا * يعني: علي إذا أغار صبحا
علي سليم فشناها كفحا * فأكثر القتل بها والجرحا
ففرح النبي وبشر أصحابه بذلك وأمرهم باستقبال علي (ع) وهو يقدمهم حتى
خرجوا من المدينة، وقعدوا ينتظرون عليا حتى اقبل (ع) ووجهه كالبدر في ليلة تمامه
وكماله ومعه الأسارى والغنائم لا تعد ولا تحصى.
فلما رأى علي (ع) النبي (ص) أراد أن يترجل عن فرسه قال النبي: اركب يا علي
فان الله ورسوله عنك راضيان، فبكى علي (ع) فرحا ثم نزل وتعانقا وقبله
رسول الله (ص) ومسح التراب عن وجهه وقال: يا علي الحمد لله على الذي شد بك ازري
وقوى بك ظهري، يا علي يا علي انني سألت الله فيك كما سأل أخي موسى بن عمران
أن يشرك معه هارون في أمره وقد سألت ربي أن يشد بك ازري، يا علي: من أحبك
فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب الله فقد أحبه الله، وحقيق
على الله أن يسكن حبيبه الجنة. يا علي من أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض
الله، ومن أبغض الله فقد أبغضه الله ولعنه، وكان حقيقا على الله ان يوقفه يوم القيامة
موقف البغضاء لا يقبل منه صرفا ولا عدلا.
ثم قص علي (ع) القصة وكيفية غلبته على الكفار وجاء بالأسارى والغنائم إلى
رسول الله واراهم إياه، فلما نظر إلى الاسراء وهم موثقون بالحبال والسلاسل
التفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي (ع) وقال: يا أبا الحسن اقطع الحبال والسلاسل وفك
الأغلال من هؤلاء فاني لا أستطيع إن أراهم موثقين وأن كانوا مشركين.
أقول: يا ليت عيني رسول الله نظرتا إلى ولده السجاد والهاشميات من بناته
ادخلوهم على يزيد وهم مقرنون بالحبال والاغلال قال علي بن الحسين (ع) نشدتك.
296

المجلس الرابع والعشرون
(غزوة مؤتة)
ومن غزوات رسول الله (ص) (غزوة مؤتة) وهي بالهمزة اسم قرية من قرى
بلقا من أراضي الشام، ومنها إلى بيت المقدس منزلان ذكرها في الناسخ، وفيها قتل
جعفر بن أبي طالب (ع)، وجعفر كان أعلى درجة من الشجاعة وارفع مرتبة من الشهامة
وكان رسول الله (ص) يحبه حبا شديدا ولما فتح رسول الله (ص) خيبر قدم جعفر بن
أبي طالب من الحبشة فالتزمه رسول الله وجعل يقبله بين عينيه ويقول: ما أدري
بأيهما أشد فرحا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر، وقال (ص): خير الناس حمزة وجعفر
وعلي عليه السلام.
وقال (ص): خلق الناس من أشجار شتى، وخلقت انا وجعفر من شجرة واحدة
وقال (ص) له: يا جعفر أنت اشبهت خلقي وخلقي.
وكنية جعفر: أبو المساكين، وكان ثالث الاخوة من ولد أبي طالب، أكبرهم
طالب، ثم عقيل، ثم جعفر، ثم أمير المؤمنين (ع)، وكل واحد أكبر من الاخر
بعشر سنين، وأمهم جميعا فاطمة بنت أسد، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وفضلها
كثير وقربها من رسول الله وتعظيمه لها معلوم.
قال عبد الله بن جعفر: كنت إذا سألت عمي عليا (ع) شيئا فمنعني أقول له: بحق
جعفر فيعطيني. وفي رثاء جعفر يقول حسان بن ثابت:
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا * بموته منهم ذو الجناحين جعفر
رأيت خيار المؤمنين تواردوا * شعوبا وخلقا بعدهم يتأخر
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة أزهر
أغر كضوء البدر من آل هاشم * أبي إذا سيم الظلامة أصغر
فاطعن حتى مات غير موسد * بمعترك فيه القنا يتكسر
فصار مع المستشهدين ثوابه * جنان وملتف الحديقة اخضر
297

وكنا نرى في جعفر من محمد * وفاء وامرا حازما حين يأمر
فما زال في الاسلام من آل هاشم * دعائم صدق لا ترام ومفخر
هم جبال الاسلام والناس حولهم * رضام إلى طود يطول ويقهر
بهاليل منهم جعفر وابن أمه * علي ومنهم: احمد المتخير
هم أولياء الله انزل حكمه * عليهم وفيهم والكتاب المطهر
لما رجع جعفر من بلاد الحبشة بعثه رسول الله (ص) واستعمل على الجيش مع زيد
ابن حارثة وعبد الله بن رواحة وبعثهم إلى مؤتة إلى حرب هرقل ملك الروم ودفع الراية
إلى جعفر وقال: إن قتل جعفر فالوالي عليكم زيد، وان قتل زيد فالوالي عليكم
عبد الله بن رواحة، فان أصيب ابن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه
عليهم أميرا. قال رجل من اليهود: إن كان محمد نبيا كما يقول سيقتل هؤلاء الثلاثة
لأنه ما بعث نبي في الجهاد، وقال: إن قتل فلان فالوالي بعده فلان، إلا وقتل جميع
من ذكر فيهم الولايات، كما إن هؤلاء الثلاثة قتلوا.
ولما خرجوا إلى القتال شيعهم رسول الله (ص) حتى بلغ ثنية الوداع فوقف
ووقفوا حوله وهم ثلاثة آلاف وقال: اغزوا على اسم الله فقاتلوا عدوا الله وعدوكم
بالشام، وستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين فلا تعرضوا لهم، وستجدون
آخرين للشيطان في رؤوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف، ولا تقتلن امرأة ولا صغيرا
ضرعا ولا كبيرا فانيا، ولا تقطعن نخلا ولا شجرا، ولا تهدمن بناء.
نهاهم أن يقتلوا صغارا وان كانوا كفارا، وأهل الكوفة! ذبحوا صغارا من
أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل وذبحوا الرضيع.
ومضى المسلمون حتى نزلوا بمؤتة، وبلغ إن هرقل ملك الروم قد نزل ماء من مياه
البلقاء ومعه مئة الف مقاتل من الروم ومئة الف من المستعربة، فأقام به المسلمون
ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول الله فنخبره الخبر، فأما أن يردنا
أو يزيدنا رجالا
فبينما الناس على ذلك إذ جاءهم عبد الله بن رواحة فشجعهم وقال: والله ما كنا
نقاتل الناس بكثرة السلاح ولا بكثرة الخيل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به
انطلقوا فقاتلوا فقد والله رأيتونا يوم (بدر) ما معنا إلا فرسان، إنما هي إحدى
298

الحسنيين: إما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا الله ورسوله وليس لوعده خلف، واما
الشهادة فنلحق بالاخوان نرافقهم في الجنان، فشجع الناس ابن رواحة، قال:
روى أبو هريرة قال: شهدت مؤتة فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قبل لنا بهم من
العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب، فبرق بصري فقال لي ثابت بن
أقوم: يا أبا هريرة مالك كأنك ترى جموعا كثيرة قلت: نعم قال: لم تشهدنا ببدر
إننا لم ننصر بالكثرة، فالتقى فأخذ اللواء جعفر، وفي خبر زيد بن حارثة، فقال:
وابلى بلاء حسنا حتى قتل طعنوه بالرماح، ثم أخذ جعفر وقاتل قتالا شديدا قيل بلغ
قتلاه أربعمائة فارس فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها ولم يزل يقاتل حتى إن الكفار تبين
فيهم النقص، وبالغ في جهاد الأعداء حتى قطعت يداه.
(في البحار) قيل إنه ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين فوقع أحد نصفيه في
كوم هناك فوجد فيه ثلاثون أو بضع وثلاثون جرحا، وفي خبر وجد في بدن جعفر
اثنتان وسبعون ضربة وطعنة بالسيوف والرماح، وفي خبر آخر خمسون جراحة
خمس وعشرون منها في وجهه.
قال جابر: فلما كان اليوم الذي وقع فيه القتال صلى النبي (ص) بنا الفجر ثم صعد
المنبر فقال: قد التقى اخوانكم مع المشركين فاقبل يحدثنا بكرات بعضهم على بعض إلى
أن قال: قتل زيد بن حارثة وسقطت الراية ثم قال: قد أخذها جعفر بن أبي
طالب وتقدم للحرب بها ثم بكى وقال: قطعت يده وقد أخذ الراية بيده الأخرى، ثم قال:
قطعت يده الأخرى وقد ضم اللواء إلى صدره إلى أن أخبر بشهادته وبكى رسول الله (ص)
وجميع من حضر ولم يكن علي حاضرا، فعند ذلك دخل علي (ع) في المسجد فلما بصر به
النبي (ص) قال: إن عليا لا يطيق انصتوا واسكتوا فسكتوا فلما دخل علي ونظر في
وجوه الناس قال: يا رسول الله هل لك علم بأخي جعفر فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال:
آجرك الله يا أبا الحسن لقد قتل فبكى أمير المؤمنين (ع) وقال: إنه لله وإنا إليه
راجعون، الان انقصم ظهري، إذا كان أخ واحد يقصم الظهر، فكيف حال قتلة
اخوته وهم ستة أخوة في ساعة واحدة، ولما قتل العباس بان الانكسار في وجه الحسين (ع)
وقال: الان انكسر ظهري.
ثم نزل النبي (ص) عن المنبر وصار إلى دار جعفر، فدعى عبد الله بن جعفر فأقعده
299

في حجره وجعل يمسح على رأسه، فقالت والدته أسماء بنت عميس: يا رسول الله انك
لتمسح على رأسه كأنه يتيم قال: قد استشهد جعفر في هذا اليوم ودمعت عينا
رسول الله (ص) وقال: قد قطعت يداه قبل أن يقتل وقد أبدله الله من يده جناحين
من زمرد اخضر فهو الان يطير بهما في الجنة مع الملائكة كيف يشاء، قالت: فأعلم
الناس ذلك قال عبد الله بن جعفر: فقام رسول الله (ص) واخذ بيدي يمسح بيده على
رأسي على رقى المنبر، وأجلسني امامه على الدرجة السفلى والحزن يعرف عليه وقال:
ألا أن جعفر قد استشهد وجعل له جناحان يطير بهما في الجنة.
ثم نزل ودخل بيته وأدخلت معه وأمر بطعام يصنع لأجلي، وأرسل إلى أخي
فتغدينا عنده غذاء طيبا مباركا، وأقمنا عنده ثلاثة أيام في بيته ندور معه كلما صار في
بيت إحدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا، فأتانا رسول الله (ص) وانا أساوم شاة لأخ لي
فقال: اللهم بارك له في صفقته، قال عبد الله: فما بعت شيئا إلا بورك لي فيه.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: اتخذي طعاما لاسماء بنت عميس، وأمرها أن تأتيها
ونسائها ثلاثة أيام، فجرت بذلك السنة أن يصنع لاله الميت ثلاثة أيام طعام لم تزل
هذه السنة جارية في جميع الأماكن، أسئلكم بالله هل صنع طعام لنساء أبي عبد الله
وأطفاله ليلة الحادي عشر من المحرم لا والله أمسوا جياعا وعطاشا ما كان عندهم
طعام ولا شراب.
وقال (ص) لفاطمة: اذهبي فابكي على ابن عمك، فإن لم تدعى بثكل فلما قلت
فقد صدقت.
أقول: يوم قعدت فاطمة في عزاء حمزة ويم في عزاء جعفر، ويوم في عزاء
علي، ويوم في عزاء والدها اخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها وأعظمها بكاء في
عزاء ولدها الحسين كل يوم تنظر إلى قميص ولدها فتصرخ الخ.
300

المجلس الخامس والعشرون
(في المجلد السادس من البحار) لما أراد النبي (ص) فتح مكة سأل الله جل اسمه إن
يعمي اخباره على قريش ليدخلها بغتة، وبنى أمره على السر، فكتب حاطب بن
أبي تلعة إلى أهل مكة يخبرهم بعزم رسول الله (ص) على فتحها، وكان سبب ذلك إن
حاطب بن أبي تلعة كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة، وكانت عياله بمكة وكانت قريش
تخاف أن يغزوهم رسول الله فساروا إلى عيال حاطب وسألوهم ان يكتبوا إلى حاطب
يسألوه عن خبر محمد، وهل يريد ان يغزو مكة؟ فكتبوا إلى حاطب يسألونه عن ذلك
فكتب إليهم حاطب إن رسول الله (ص) يريد ذلك، وأعطى الكتاب امرأة سوداء
وردت المدينة تستميح بها الناس وتستبرهم، وجعل لها جعلا على أن توصله إلى قوم
سماهم لها من أهل مكة، وأمرها إن تأخذ على غير الطريق فنزل الوحي على
رسول الله (ص) بذلك فاستدعى أمير المؤمنين (ع) وقال له: إن بعض أصحابي قد كتب
إلى أهل مكة كتاب يخبرهم فيه بخبرنا وقد كنت سألت الله عز وجل إن يعمي اخبارنا
عليهم والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق فخذ سيفك وألحقها وانتزع
الكتاب منها وخلها وسر به إلي.
ثم استدعى الزبير بن العوام فقال له: امض إلى علي بن أبي طالب في هذا الوجه
فمضيا واخذا على غير الطريق فأدركا المرأة فسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب الذي معها
فأنكرته وحلفت إنه لا شئ معها فبكت فقال الزبير: ما أرى يا أبا الحسن معها كتابا
فارجع بنا إلى رسول الله (ص) لنخبره ببراءة ساحتها فقال له أمير المؤمنين (ع): يخبرنا
رسول الله إن معها كتابا ويأمرني بأخذه منها وتقول أنت انه لا كتاب معها ثم
اخترط السيف وتقدم إليها فقال: اما والله لان لم تخرجين الكتاب لأكشفنك ثم
لأضربن عنقك، فقالت له: إذا كان لابد من ذلك فاعرض يا بن أبي طالب بوجهك
عني فاعرض بوجهه فكشفت قناعها وأخرجت الكتاب من عقيصتها فأخذه
أمير المؤمنين (ع) وسار به إلى النبي (ص) فأمر أن ينادي بالصلاة جامعة، فنودي في
301

الناس فاجتمعوا إلى المسجد حتى صلى بهم ثم صعد النبي (ص) وأخذ الكتاب بيده
وقال: أيها الناس اني كنت سألت الله عز وجل أن يخفي اخبارنا عن قريش وان رجلا
منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا فليقم صاحب هذا الكتاب، وإلا فضحه الوحي
فلم يقم أحد، فأعاد رسول الله مقالته ثانيا وقال: ليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه
الوحي، فقام حاطب بن أبي بلتعة وهو يرتعد مثل السعفة في يوم الريح العاصف فقال:
يا رسول الله انا صاحب الكتاب، وما أحدثت نفاقا بعد إسلامي ولا شكا بعد
يقيني، فقال: فما الذي حملك على أن كتبت هذا الكتاب؟ قال: يا رسول الله ان لي
أهلا بمكة وليس لي عشيرة فأشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا فيكون كتابي هذا كفا
لهم عن أهلي، ويدا لي عندهم وان أهلي وعيالي كتبوا إلي بحسن صنيع قريش إليهم
فأحببت ان أجازي قريشا بحسن معاشرتهم، ولم افعل ذلك لشك مني في الدين، فقال
عمر: مرني يا رسول الله بقتله فإنه منافق فقال رسول الله (ص): إنه من أهل بدر
ولعل الله اطلع عليهم فغفر لهم أخرجوه من المسجد، قال: فجعل الناس يدفعون في
ظهره حتى أخرجوه من المسجد وهو يلتفت إلى النبي (ص) ليرق عليه، فأمر رسول الله
برده وقال له: قد غفرت عنك فاستغفر ربك ولا تعد لمثل ذلك.
والحاصل: خرج النبي (ص) لفتح مكة في رمضان سنة ثمان من الهجرة، ومعه
عشرة آلاف مقاتل، وقصد أن يبعث قريشا قبل أن يعلموا حتى قرب من مكة وكان
أبو سفيان وجماعة من قريش قد خرجوا من مكة يتجسسون اخبار رسول الله (ص)
والنبي أمر عمه العباس أن يخرج في طلب اخبار قريش فلقي أبا سفيان وجماعة من قريش
فاخذهم أسيرا وجاء بهم إلى رسول الله (ص) فاسلموا كرها وخوفا من القتل، فقال
رسول الله للعباس، يا عم اذهب بأبي سفيان رسول الله (ص) ليدخل مكة، ويخبرهم بقدوم رسول الله
وكثرة المسلمين والعساكر حتى يستسلموا قبل أن يحاربهم رسول الله (ص) ويقاتلهم
ففعل ذلك واقبل أبو سفيان يركض وقد سطع الغبار من فوق الجبال وقريش لا تعلم
فاستقبله قريش وقالوا ما وراك ما هذا الغبار قال محمد في خلق عظيم ثم صاح يا آل غالب
البيوت من دخل داري فهو آمن فسمعت زوجته هند فنادت اقتلوا هذا الشيخ الخبيث
302

لعنه الله من وافد قوم وطليعة قوم قال: ويلك اني رأيت ذات القرون ورأيت ملوك
كندة وفتيان حمير ويلك اسكتي فقد والله دنت البينة وجاء الحق.
فلما دخل النبي (ص) مكة، كانت إحدى الرايات بيد سعد بن عبادة وهو ينادي:
اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة أذل الله قريشا، فسمع أبو سفيان، نادى:
يا رسول الله أمرت بقتل قومك إن سعد قال كذا، واني أنشدك الله وقومك فأنت
ابر الناس وارحم الناس، وأوصل الناس فوقف النبي (ص) وقال: بل اليوم يوم
المرحمة أعز الله قريشا، وأرسل إلى سعد وعزله عن اللواء وقال لعلي (ع): خذ منه
الراية وناد فيهم، فاخذ علي (ع) اللواء وجعل ينادي: اليوم يوم المرحمة، ونادى
منادي رسول الله (ص): من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبو سفيان
فهو آمن ومن القى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، وأوصى المسلمين
أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، فلما دخل جاء حتى انتهى إلى المسجد الحرام اخذ بعضادة
الباب قرأ (لا إله إلا الله وحده انجز وعده ونصر عبده واعز جنده وهزم الأحزاب
وحده) وقف أبو سفيان ومعاوية وجميع قريش خائفين فقال النبي (ص): يا معشر
قريش ما ترون اني فاعل بكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم لقد قدرت، فبكى
رسول الله (ص) وقال: ما أقول لكم إلا ما قال أخي يوسف (لا تثريب عليكم اليوم يغفر
الله لكم وهو ارحم الراحمين) ألا لبئس جيران النبي أنتم فلقد كذبتموني وطردتموني
وآذيتموني وأخرجتموني ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني، اذهبوا فأنتم
الطلقاء، فكأن هذه العبارة صارت علما لهؤلاء من ذلك اليوم.
ويقال لأبي سفيان ومعاوية وغيرهم من قريش الطلقاء - يعني طلقاء
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - والى هذا أشارت الحوراء في خطبتها في مجلس يزيد بقولها عليها السلام
أمن العدل يا بن الطلقاء - يعني يا يزيد - أتعرف من أنت ومن أبوك وجدك؟ أو تدري
ما صنع جدي مع جدك وأبيك في يوم فتح مكة حين مكنه الله من رقابهم؟ وسلطه عليهم
واخذهم اسراء، فكلما أراد أن يفعل بهم كان يفعل، ومع ذلك عفى عنهم واطلقهم
وقال اذهبوا فأنتم الطلقاء، يا يزيد فهذا جزاؤه بان قتلت حسينا وقتلت أصحابه وأهل
بيته وسبيت نساءه وعياله وأطفاله من بلد إلى بلد.
ملكنا فكان العفو منا سجية * فلما ملكتم سال بالدم أبطح
303

وحسبكم هذا التفاوت بيننا * وكل اناء بالذي فيه ينضح
وأشار إلى تلك القصة السيد حيدر الحلي رحمه الله في قصيدته الدالية:
فسل عبد شمس هل يرى جرم هاشم * إليه سوى ما كان أسداه من يد
فقل لأبي سفيان ما أنت ناقم * امنك يوم الفتح ذنب محمد
(في البحار) فدخل النبي (ص) مكة وقت الظهيرة، فأمر بلالا فصعد على ظهر
الكعبة فأذن، فما بقي صنم إلا سقط على وجهه. فلما سمع وجوه قريش الاذان قال
بعضهم في نفسه: الدخول في بطن الأرض خير من سماع هذا، وقال الآخر: الحمد لله
الذي لم يعش والدي إلى هذا اليوم حتى يسمع صوت هذا الحبشي، فقال عكرمة: أكره
إن اسمع صوت أبي رياح ينهق على الكعبة، وقال الآخر: هي كعبة الله وهو يرى
ولو شاء لغير.
وقال أبو سفيان: لا أقول شيئا لو نطقت لظننت إن هذه الجدر ستخبر به محمد
فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاتى بهم، فقال النبي (ص): يا فلان قد قلت في نفسك كذا
ويا فلان قد قلت في نفسك كذا، فقال أبو سفيان: أنت تعلم اني لم أقل شيئا فقال
نستغفر الله ونتوب إليه قد والله يا رسول الله قلنا، فقال (ص): اللهم اهد قومي
فإنهم لا يعلمون، فاسلم عتاب وحسن إسلامه فولاه رسول الله (ص) مكة، وأغلق
عثمان بن أبي طلحة العبدي باب البيت وصعد السطح فطلب النبي (ص) المفتاح منه فقال
لو علمت إنه رسول الله لم امنعه فصعد علي بن أبي طالب (ع) السطح وألوى يده واخذ
المفتاح منه وفتح الباب، فدخل النبي (ص) فيه فصلى فيه ركعتين، فلما خرج سأله
العباس أن يعطيه المفتاح فنزل (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) فأمر النبي
إن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه فقال عثمان يا علي أكرهت واخذت ثم جئت برفق
وأديت فقال: لقد أنزل الله في شأنك وقرأ الآية فاسلم عثمان فاقره النبي (ص).
وفي رواية أخرى: لما فتح مكة قال (ص): عند من المفتاح؟ قالوا: عند أم شيبة
فقال (ص) لشيبة اذهب إلى أمك فقل لها ترسل بالمفتاح فقالت: قل له قتلت مقاتلنا
وتريد أن تأخذ منا مكرمتنا، فقال: لترسلن به أو لقتلتك فأرسلت به فأخذه وفتحه
وصلى فيه ورده إلى الغلام وقال: رده إلى أمك.
وكان رسول الله (ص): قد عهد إلى المسلمين أن لا يقتلوا بمكة إلا من قاتلهم
304

سوى نفر كانوا يؤذون النبي (ص) بمكة، ونفر كانوا يغنون بهجاء رسول الله (ص):
اقتلوهم وان وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة، وكانت أم هاني بنت أبي طالب قد آوت
أناسا من بني مخزوم وفيهم من أباح النبي (ص) دمه فبلغ ذلك أمير المؤمنين (ع)
فقصد دارها مقنعا بالحديد ونادى: اخرجوا من آويتم، فجعلوا يزرقون
كما تزرق الحبارى خوفا منه فخرجت إليه أم هاني وهي لا تعرفه فقالت: يا عبد الله
أنا أم هاني بنت عم رسول الله وأخت علي بن أبي طالب انصرف عن داري، فقال
علي (ع): أخرجوهم فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله فنزع علي المغفر عن
رأسه فعرفته وقالت: أتدخل على بيتي وتهتك حرمتي، وتقتل بعلي ولا تستحي
مني بعد ثمان سنين، واخذت بيد أمير المؤمنين (ع) اخذا شديدا حتى انهزم جميع من
آوتهم، وفيهم هبيرة بن أبي وهب بعلها فقال علي (ع): يا أختاه إن رسول الله (ص)
قد أباح دمهم ولا بد من إن اقتلهم فقالت حلفت لأشكونك إلى رسول الله (ص) فقال
لها: فاذهبي وأبري قسمك فإنه بأعلى الوادي، فجاءت أم هاني إلى رسول الله (ص)
وهو في خيمته بأعلى مكة قالت بأبي أنت وأمي أترى ما لقيت من علي اليوم فحكت القصة فقال
علي (ع) يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لقد قبضت على يدي وفيها السيف فما
استطعت إن أخلصها إلا بالشدة فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال لو ولد أبو طالب الناس كلهم
لكانوا شجعانا انا قد أجرنا من أجارت أم هاني وامنا من آمنت فلا سبيل لك عليهم
وهرب هبية بن أبي وهب بعل أم هاني إلى نجران وأقام بها حتى مات بها مشركا ولها من
هبيرة أربعة من الذكور هاني وجعدة وعمر ويوسف وأسلمت أم هاني وهاجرت
إلى المدينة.
وكفى في فضلها ما قال رسول الله (ص) لما بين فضائل الحسن والحسين عليهما السلام
ألا أخبركم بخير الناس عما وعمة فهما الحسنان عمهما جعفر الطيار وعمتها فاخته أم هاني
بنت أبي طالب بخير وبقيت أم هاني إلى أن عزم الحسين (ع) على الخروج من المدينة أقبلت
إليه فلما رآها الحسين (ع) قال أما هذه عمتي أم هاني قيل بلى قال يا عمة ما الذي جاء بك
وأنت على هذه الحالة قالت وكيف لا أتي وقد بلغني إن كفيل الأرامل ذاهب عني الخ.
ثم إن رسول الله (ص): اغتسل ولبس درعه ومغفرة وخرج شاكي السلاح وركب
305

راحلته، وعن يمينه أبو بكر بن أبي قحافة وعن يساره أسيد بن حضير، واخذ بزمام
ناقته محمد بن مسلمة وقصد مسجد الحرام وهو يتلو (انا فتحنا لك فتحا مبينا) والمسلمون
حوله حتى دخل المسجد ورفع صوته بالتكبير وكبر المسلمون وارتفعت أصواتهم حتى
علت البراري والقفار والجبال والآكام، ثم دخل الكعبة وهم بتخريب الأصنام وكانت
ثلاثمائة وستين صنما فجعل يطعنها بمخصرة في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن
الباطل كان زهوقا، جاء الحق وما يبدي الباطل وما يعيد، فجعلت تكب لوجهها وبقيت
أصنام على جدران البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا الحسن اجلس حتى
اصعد على منكبك قال علي (ع) فجلست فصعد (ص) وقال: اصعد على منكبي، فذهبت
لأنهض به فرأى مني ضعفا فنزل، وجلس نبي الله وقال: اصعد على منكبي، فصعدت
على منكبه فنهض بي وقال: فإنه يخيل لي لو شئت لنلت بأفق السماء حتى صعدت إلى
البيت وعليه تمثال أصفر من نحاس فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن
خلفه حتى إذا استمكنت منه قال رسول الله (ص): اقذف به فقذفت به فتكسر كما تكسر
القوارير، يقول أبو نؤاس:
قيل لي: قل لعلي مدحا * ذكره يخمد نارا موصده
قلت: لا أقدم في مدح امرء * حار ذو اللب إلى أن عبده
والنبي المصطفى قال لنا * ليلة المعراج لما صعده
وضع الله على ظهري يدا * فأحس القلب إن قد برده
وعلي واضع أقدامه * في محل وضع الله يده
بأبي وأمي من تلك الاقدام ما أكرمها على الله وضعهما على منكب رسول الله (ص)
ومشى بهما إلى الحروب وقام عليهما يقاتل قتال المستميت، وقام صافا بتلك الاقدام بين
يدي ربه ويصلي الف ركعة، ومشى بتلك الاقدام على أبواب الفقراء والمساكين
والأيتام، والأسف كل الأسف إن تلك الاقدام قد احمرتا ليلة إحدى وعشرين من
شهر رمضان من السم.
306

المجلس السادس والعشرون
(في غزوة حنين)
قال الله عز من قائل: (ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم
كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحب ثم وليتم مدبرين ثم انزل الله
سكينته على رسوله والمؤمنين جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا ذلك
جزاء الكافرين) ونزلت هذه الآيات يوم حنين.
(في البحار) كان سبب غزوة حنين إنه: لما خرج رسول الله إلى فتح مكة دخلها
ظهرا إنه يريد هوازن فتهيأوا واجمعوا الجموع والسلاح واجتمع رؤساء هوزان إلى مالك
ابن عوف النضري فرأسوه عليهم وخرجوا وساقوا معهم أموالهم ونسائهم وذراريهم
ليجعل كل رجل أهله وعياله وأولاده وماله وراء ظهره فيكون أشد لحربه، ومروا حتى
نزلوا بأوطاس (أوطاس: موضع على ثلاث مراحل من مكة وهي واد بديار هوازن)
وكان من شأنهم ما كان، وكان رسول الله (ص) بمكة وبلغ رسول الله اجتماع هوازن
بأوطاس فجمع القبائل ورغبهم في الجهاد، ووعدهم النصر وان الله قد وعده ان يغنمه
أموالهم ونسائهم وذراريهم فرغب الناس وخرجوا على راياتهم، وعقد اللواء الأكبر
ودفعه لأمير المؤمنين (ع) وكل من دخل مكة براية أمره إن يحملها، وخرج في
اثني عشر الف رجل عشرة آلاف ممن كانوا معه وألفان من مكة ونواحيها، فمضوا حتى
كانوا من القوم على مسيرة بعض ليلة وقال مالك بن عوف لقومه: ليصير كل رجل منكم
أهله وماله خلف ظهره واكسروا جفون سيوفكم، واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي
الشجر، فإذا كان غبش الصبح فاحملوا حملة رجل واحد وهدوا القوم فان محمدا لم يلق
أحدا يحسن الحرب.
وأما المسلمون: فلما نظروا إلى كثرتهم وجماعته - أي كثرة المسلمين - قالوا
لن نغلب اليوم الغلبة والظفر والنصر لنا، ومن اجل ذلك انهزموا بعد ساعة وكان
الامر في ذلك بخلاف ما ظنوه لأنهم انكسروا وفروا بسبب اعجابهم، وقيل: إن
307

أبا بكر عجبته الكثرة وقال: لن نغلب اليوم.
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغداة انحدر في (وادي حنين) وهو واد له انحدار
بعيد، وكانت بنو سليم على مقدمة المسلمين فخرجت عليهم كتائب هوازن من كل ناحية
فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد إلا انهزم وبقي أمير المؤمنين (ع)
يقاتلهم في نفر قليل، ومر المنهزمون برسول الله (ص) لا يلوون على شئ، وكان
العباس آخذا بلجام بغلة رسول الله (ص) عن يمينه، وأبو سفيان بن الحرث بن
عبد المطلب عن يساره فأقبل رسول الله ينادي: يا معشر الأنصار إلى أين إلي إلي
فانا رسول الله فلم يلو أحد عليه، وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو في وجوه
المنهزمين التراب وتقول: إلى أين تفرون عن الله وعن رسوله، ومر بها عمر فقالت
له: ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها: هذا أمر الله! فانهزموا بحيث لم يبق منهم
مع النبي (ص) إلا عشرة نفر، تسعة من بني هاشم خاصة، وعاشرهم أيمن بن أم أيمن
فقتل أيمن رحمة الله عليه وثبتت التسعة الهاشميون وهم: العباس بن عبد المطلب، والفضل
ابن عباس، وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، ونوفل بن الحرث، وربيعة
ابن الحرث، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وعتبة ومعتب أبناء أبي لهب
وأمير المؤمنين (ع) بين يديه يضرب بالسيف، فلما رأى رسول الله (ص) الهزيمة
اركض نحو على بغلته شاهرا سيفه فقال (ص): يا عباس اصعد هذا الجبل وناد
يا أصحاب سورة البقرة ويا أصحاب بيعة الشجرة إلى أين تفرون، وكان العباس رجلا
جهوريا صيتا، فنادى بأعلى صوته: يا أهل بيعة الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة
إلى أين تفرون، اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله (ص)، والقوم على
وجوههم قد ولوا مدبرين، وكانت ليلة ظلماء ورسول الله (ص) في الوادي والمشركون
قد خرجوا عليه من شعاب الوادي وجنباته ومضايقه مصلتين سيوفهم وعمدهم وقسيهم
قال: فنظر رسول الله (ص) إلى الناس ببعض وجهه في الظلماء فأضاء كأنه القمر في
ليلة البدر، ثم نادى المسلمين أين ما عاهدتم عليه؟ فأسمع أولهم وآخرهم، فلم يسمعها
رجلا إلا رمى بنفسه إلى الأرض، فانحدروا إلى حيث كانوا من الوادي حتى لحقوا
بالعدو، وكان رسول الله (ص) رفع يده إلى السماء وقال: اللهم لك الحمد واليك
المشتكى وأنت المستعان، اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد، وان شئت إن لا تعبد
308

لا تعبد، فلما سمعت الأنصار نداء العباس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهو يقولون:
لبيك ومروا برسول الله واستحيوا أن يرجعوا إليه ولحقوا بالراية، فقال رسول الله (ص)
للعباس: من هؤلاء يا أبا الفضل؟ فقال: يا رسول الله هؤلاء الأنصار، فقام (ص)
في ركابي سرجه حتى أشرف على جماعتهم ثم قال: الان حمى الوطيس:
انا النبي لا كذب * انا ابن عبد المطلب
فلما كان بأسرع من إن ولى القوم على ادبارهم ونزل النصر من السماء وانهزمت
هوازن وكانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو، وانهزموا في كل وجه، وغنم الله
ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أموالهم ونسائهم وذرياتهم وهو قول الله: (لقد نصركم الله) الآية
وقوله تعالى: (وانزل سكينته) اي رحمته التي تسكن إليها النفس ويزول معها الخوف.
وروي عن الرضا (ع) قال: السكينة ريح من الجنة لها صورة كصورة وجه
الانسان فتكون مع الأنبياء.
وقوله تعالى: (وانزل جنودا لم تروها) أراد به جنودا من الملائكة، وقيل:
إن الملائكة نزلوا يوم حنين لتقوية قلوب المؤمنين وتشجيعهم ولم يباشروا القتال يومئذ
ولم يقاتلوا إلا يوم بدر خاصة، وعذب الذين كفروا بالقتل والأسر وسلب الأموال
والأولاد.
أقول: عثرت على رواية في البحار عن جابر فأحببت ايرادها، قال جابر: فسرنا
يوم حنين حتى إذا استقبلنا وادي حنين كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه
فما راعنا إلا كتائب الرجال بأيديها السيوف، والعمد، والقنا، فشدوا علينا شدة رجل
واحد فانهزم الناس أجمعين راجعين لا يلوي أحد على أحد، واخذ رسول الله (ص)
ذات اليمين وأحدق ببغلته تسعة من بني عبد المطلب، واقبل مالك بن عوف يقول:
أروني محمدا فاروه فحمل على رسول الله فلقيه رجل من المسلمين فالتقيا فقتله مالك وقيل:
إنه أيمن بن أم أيمن، ثم أقدم فرسه فأبى أن يقدم نحو رسول الله (ص) فقالوا: قد
سحره محمد فنادى رجل من المشركين ألا بطل السحر اليوم.
وجاء شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ليقتل النبي (ص) أخذا بثار أبيه لأنه قتل يوم أحد
فتغشى فؤاده فلم يطق فعرف إنه ممنوع، قال شيبة: لما رأيت رسول الله يوم حنين وقد
309

انهزم المسلمون ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما، فقلت: أدرك ثاري اليوم
من محمد فذهبت لأجيئه عن يمينه فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائما عليه درع بيضاء
كأنها فضة يكشف عنها العجاج فقلت عمه ولن يخذله ثم جئته عن يساره فإذا أنا
بأبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب فقلت: ابن عمه ولن يخذله ثم جئت من خلفه فلم
يبق إلا أسوره سورة بالسيف، وإذا بشواظ من نار بيني وبينه كأنه برق، فخفت
أن يحرقني فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى، والتفت رسول الله (ص) إلي
وقال: يا شيبة ادن مني اللهم اذهب عنه الشيطان، قال: فرفعت بصري، ولهو
أحب إلي من سمعي وبصري، وقال: يا شيبة قاتل الكفار.
وقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الركابين وهو على البغلة فرفع يديه إلى الله يدعو ويقول:
اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم إن يظهروا علينا، ونادى أصحابه
وزجرهم وقال: يا أصحاب البيعة يوم الحديبية: الله الله الكرة الكرة على نبيكم، يا أنصار
الله وأنصار رسوله، وأمر العباس بن عبد المطلب فنادى في القوم بذلك فاقبل إليه
أصحابه سراعا يبتدرون أجابوه لما ناداهم، ولكن سيدنا الحسين (ع) كلما وقف ونادى
يا ابطال الصفا ويا فرسان الهيجا مالي أناديكم فلا تجيبوني وادعوكم لا تسمعوني
ما اجابه أحد، الخ.
ثم نزل رسول الله (ص) عن البغلة وقبض قبضة من تراب ثم استقبل به وجوههم
وقال: شاهت الوجوه فما بقي أحد منهم إلا ملا الله عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا
مدبرين واتبعهم المسلمون فقتلوهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وأموالهم، وفر مالك
ابن وهب حتى دخل حصن الطائف في ناس من اشراف قومه واسلم كثير من أهل مكة
حين رأوا نصر الله واعزازه دينه.
وروي عن معاوية بن أبي سفيان إنه قال: لقيت أبي منهزما مع بني أمية من
أهل مكة فصحت به يا بن حرب والله ما صبرت مع ابن عمك ولا قاتلت عن دينك
ولا كففت هؤلاء الاعراب عن حريمك، فقال: من أنت؟ قلت معاوية قال: ابن
هند؟ قلت نعم قال: بأبي وأمي ثم وقف واجتمع معه الناس من أهل مكة وانضممت
إليهم ثم حملنا على القوم فضعضعناهم، وما زال المسلمون يقتلون المشركين ويأسرون منهم
حتى ارتفع النهار فأمر رسول الله (ص) بالكف ونادى أن لا يقتل أسير من القوم
310

وسبى رسول الله (ص) يوم حنين ستة آلاف أسنان من الرجال والنساء، ومن الغنائم
والأموال أربع وعشرون الف جمل وأربعون ألف شاة وأربعة آلاف أوقية من الذهب
وقسم بينهم فأعطى الراكب اثني عشر جملا ومائة وعشرين شاتا، وأعطى الراجل أربع
اباعر وأربعين شاتا، وأعطى قريشا حظا وافرا من الغنيمة لتأليف قلوبهم.
وفي خبر: قسم رسول الله (ص) غنائم حنين في قريش خاصة، وبني أمية وأهل
مكة كأبي سفيان ومعاوية وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وهشام بن المغيرة
وأمثالهم.
وقيل: إنه جعل للأنصار شيئا يسيرا، وأعطى الجمهور لمن سميناه ومن لم نسميه
من أهل مكة، فغضب قوم من الأنصار لذلك وبلغ رسول الله عنهم مقال أسخطه فنادى
فيهم فاجتمعوا ثم قال لهم: اجلسوا ولا يقعد معكم أحد من غيركم، فلما قعدوا جاء
النبي (ص) يتبعه أمير المؤمنين (ع) حتى جلسا في وسطهم وقال لهم: إني سائلكم عن
أمر فأجيبوني فقالوا: قل يا رسول الله، قال: ألستم كنتم ضالين فهداكم الله بي؟
فقالوا: فقالوا: بلى والله فلله المنة ولرسوله قال: ألم تكونوا على شفا حفرة من النار فأنقذكم الله
بي؟ فقالوا بلى فلله المنة ولرسوله قال: ألم تكونوا قليلا فكثركم الله بي؟ قالوا: بلى فلله
المنة ولرسوله، قال ألم تكونوا أعداء فألف بين قلوبكم بي؟ قالوا: بلى فلله المنة ولرسوله
ثم سكت النبي (ص) هنيئة ثم قال: ألا تجيبوني بما عندكم؟ قالوا بم نجيبك فداؤك
ابائنا وأمهاتنا قد أجبناك بان لك الفضل والمن والطول علينا، قال (ص) اما لو شئتم
لقلتم وأنت كنت جئتنا طريدا فآويناك وخائفا فآمناك، وجئتنا مكذبا
فصدقناك، فارتفعت أصواتهم بالبكاء، وقام شيوخهم وساداتهم إليه وقبلوا يديه
ورجليه ثم قالوا: رضينا بالله وعنه وبرسوله وعنه، وهذه أموالنا بين يديك فإن
شئت فاقسمها على قومك، وإنما قال من قال منا على غير وغر في صدر وغل في قلب
ولكنهم ظنوا سخطا عليهم وتقصيرا لهم وقد استغفروا في ذنوبهم فاستغفر لهم
يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم اغفر للأنصار ولابناء أبناء الأنصار، يا معشر
الأنصار أما ترضون إن يرجع غيركم بالشاة والنعم، وترجعون أنتم وفي سهمكم
رسول الله؟ قالوا: بلى رضينا، قال النبي حينئذ: الأنصار كرشي وعيبتي، لو سلك
الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، اللهم اغفر للأنصار.
311

(في الناسخ) إن رسول الله (ص) اعطى لأبي سفيان ومعاوية ولسائر قريش لكل
واحد منهم أربعين أوقية من فضة ومائة إبل، خص غنائم حنين بقريش وبني أمية
تأليفا لقلوبهم، وكان الله قد طبع على قلوبهم، وقلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة
وكأن فيهم قيل:
قست القلوب ولم تمل لهداية * تبا لهاتيك القلوب القاسية
فكلما بالغ رسول الله في اكرامهم والاحسان إليهم وصلاتهم وعطاياهم وبرهم فهم
أيضا بالغوا في ايذاء عترته، والإساءة إليهم وهضمهم، وسبهم، وشتمهم، وقتلهم
وحبسهم، وتشريدهم، وتطريدهم في البلدان، ما صنع معاوية بإمامنا الحسن (ع)
حتى قتله بالسم، فلما بلغه قتله فرح وسجد انبساطا وسرورا، وما فعل يزيد بن معاوية
بالحسين عليه السلام فلذة كبد رسول الله؟
فقل ليزيد سود الله وجهه * أحظك من بعد الحسين يزيد
المجلس السابع والعشرون
(في غزوة تبوك)
ومن غزواته: (غزوة تبوك) قال في شرح القصيدة، تبوك: موضع بالشام
منه إلى المدينة أربع عشرة مرحلة، والى الشام إحدى عشر مرحلة، قام بغزوتها
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدة أيام، وصالح أهلها على الجزية.
وفيه عن (كشف اليقين) أوحى الله تبارك وتعالى إلى نبيه (ص) إنه يحتاج إلى
القتال، وكلفة المسير بنفسه، واستنفار الناس معه فاستنفر النبي (ص) إلى بلاد
تبوك، وقد أينعت ثمارهم واشتد الحرب، فأبطأ أكثرهم عن طاعته حرصا على
المعيشة، وخوفا من الحر ولقاء العدو، ونهض بعضهم.
واستخلف أمير المؤمنين (ع) على المدينة وعلى أهله بها وحريمه. وقال (ص):
إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، لأنه (ص) علم خبث نيات الاعراب الذين حول
المدينة ومكة ممن غزاهم، وسفك دمائهم فاشفق إن يطلبوا المدينة عند نأيه منها، فمتى
312

لم يقم فيها من يماثله وقع الفساد، ومن اجل ذلك خلف عليا (ع) بها.
ولما علم المنافقون استخلافه له حسدوه وعلموا إن المدينة تحفظ به وينقطع طمع
العدو وغبطوه على الدعة عند أهله فارجفوا به وقالوا به: لا يستخلفه اكراما واجلالا
بل استقلالا به مع علمهم بأنه أحب الناس إليه وأسعدهم عنده، وأفضلهم لديه.
فلما بلغ أمير المؤمنين (ع) ارجاف المنافقين به أراد تكذيبهم واظهار فضيحتهم
فلحق بالنبي (ص) وقال: يا رسول الله، إن المنافقين يزعمون إنك إنما خلفتني
استقلالا بي ومقتا لي فقال له النبي: ارجع يا أخي فان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك
فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي، اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون
من موسى إلا إنه لا نبي بعدي، فانصرف علي (ع) إلى موضعه.
(في البحار) فجاء المنافقون ودبروا عليه إن يقتلوه وحفروا في طريقه حفيرة
طويلة بقدر خمسين ذراعا ثم غطوها بحصر رقاق ونثروا فوقها تربا يسيرا بقدر ما غطوا
وجوه الحصر، وكان ذلك على طريق علي الذي لا بد له من سلوكه ليقع هو ودابته في
الحفيرة وقد عمقوها وجمعوا حولها احجارا كثيرة، ودبروا على إنه إذا وقع مع دابته
في تلك الحفيرة كبسوه بالحجارة حتى يقتلوه.
فلما بلغ علي عليه السلام قرب ذلك المكان شال الفرس رأسه وتكلم وأخبر
أمير المؤمنين (ع) بمكيدة المنافقين فقال علي (ع) جزاك الله خيرا وانا أيضا اعلم ذلك
ولكن سر بإذن الله وانظر إلى قدرة الله فتبادرت الدابة وإذا بتلك الحفيرة صارت قاعا
صلبا، وساوت الأرض حتى جازوها، وقال للفرس: جزاك الله بهذه السلامة عن
تلك النصيحة التي نصحتني بها، وكان المنافقون بعضهم امامه وبعضهم من خلفه قال (ع)
لهم اكشفوا عن هذا المكان فكشفوا عنه فإذا حفيرة لا يسير عليها أحد إلا وقع فيها
فاظهر القوم الفزع والتعجب مما رأوا، فقال (ع) للقوم أتدرون من عمل هذا قالوا
لا ندري، قال (ع) لكن فرسي هذا تدري يا أيها الفرس كيف هذا ومن دبر هذا فقال
الفرس يا أمير المؤمنين دبر هذا فلان وفلان إلى إن ذكر العشرة بمواطاة عن أربعة وعشرين هم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم في تدبير كيد ومكر ليقتلوا رسول الله (ص) على
العقبة (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) والله عز وجل من وراء حياطة
رسول الله وولي الله لا يغلبه الكافرون.
313

فأشار بعض أصحاب أمير المؤمنين (ع) عليه بان يكتب إلى رسول الله ويحرزه من
كيد المنافقين والكافرين فقال (ع): إن رسول إله السماء محمد أسرع وكتابه أسبق
فلا يهمنكم وكان كذلك، لان جبرئيل اتاه وقال: يا محمد إن فلانا وفلانا قد قعدوا
لك العقبة لينفروا ناقتك فناداهم رسول الله (ص) بأسمائهم وقال: يا أعداء الله أنتم
القعود لتنفروا ناقتي، وكان حذيفة خلفه فلحق بهم وعرفهم، وقال (ص): يا حذيفة
اكتم، فقال حذيفة: أفلا تقتلهم قال: اني أكره أن يقول الناس قاتل بهم حتى ظفر
فقتلهم، وكانوا من قريش وهم أربعة وعشرون رجلا وتدبيرهم إن أخذوا بابا وجعلوا
فيها احجارا وشدوا رأسها، وصعدوا على العقبة التي هي الطريق لمرور رسول الله (ص)
والمسلمين، وجلسوا ينتظرون وكانت ليلة ظلماء مدلهمة، وقصدهم إن يرموا الدباب
بين قوائم ناقة رسول الله لتنفر الناقة ويقع عنا في المهوى.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرحيل في النصف الأخير من الليل وذلك عند رجوعه
من تبوك. وقال: يا حذيفة فانهض بنا أنت وسلمان وعمار، وتوكلوا على الله
فإذا جزنا الثنية الصعبة فاذنوا للناس أن يتبعونا فصعد رسول الله (ص) وهو على ناقته
وسبقه أولئك النفر إلى العقبة وحذيفة وسلمان أحدهما اخذ بخطام ناقته يقودها
والاخر يسوقها وعمار إلى جانبها والقوم على جمالهم ورحالهم منبثون حوالي الثنية على
تلك العقبات، وقد جعلوا الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول الله (ص) لتقع في المهوى الذي يهول الناظر النظر إليها من بعد.
فلما قربت الدباب من ناقة رسول الله (ص) اذن الله تعالى لها فارتفعت ارتفاعا
عظيما فجاوزت ناقة رسول الله (ص) كأنها لا تحس بشئ من تلك العقبات التي كانت
للدباب ثم قال رسول الله لعمار: اصعد الجبل فاضرب بعصاك هذه وجوه رواحلهم
فارم بها ففعل ذلك عمار فنفرت بهم وسقط بعضهم فانكسر عضده، ومنهم من
انكسرت رجله، ومنهم من انكسر جنبه واشتدت لذلك أوجاعهم.
فلما جبرت واندملت بقيت عليهم آثار الكسر إلى أن ماتوا، ولذلك نزلت هذه
الآية: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب).
قال الباقر (ع) لجابر بن يزيد الجعفي: نزلت هذه الآية في عدد بني أمية والعشرة
معهم. وفي خبر في التميمي والعدوي والعشرة معهما انهم اجتمعوا اثني عشر فكتموا
314

لرسول الله (ص) في العقبة وائتمروا بينهم ليقتلوه فقال بعضهم: إن فطن نقول: إنما
كنا نخوض ونلعب، وإن لم يفطن لنقتلنه فأنزل الله هذه الآية (ولئن سألتهم ليقولن
إنما كنا نخوض ونلعب) فقال الله لنبيه (ص): (قل أبالله وآياته ورسوله - يعني
محمدا - كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب
طائفة أخرى).
واما ما وقع في تبوك بين رسول الله (ص) وبين الروم كما في (البحار) ولما نزل
النبي تبوك أقام بها شهرين وبعث هرقل رجلا من غسان إلى النبي ينظر إلى صفته وعلاماته
والى حمزة في عينيه والى خاتم النبوة، فسأل فإذا هو لا يقبل الصدقة، فوعى أشياء من
صفات النبي (ص).
ثم انصرف إلى هرقل فذكرها له، فدعا هرقل قومه إلى التصديق به فأبوا عليه
حتى خافهم على ملكه واسلم هو سرا منهم وامتنع من قتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يؤذن النبي
لقتاله فرجعوا، وهاجت ريح شديدة بتبوك فقال رسول الله (ص): هذا لموت منافق
عظيم النفاق، فقدموا المدينة فوجدوا قد مات ذلك اليوم وظهر منه في تبوك وفي الطريق
معجزات عظيمة، ومن أراد فليطلب في محلها منها نالها عطش كادت تنقطع أعناق الرجال
والخيل والركاب عطشا فدعى بركوة فصب فيها ماء قليلا من أدوات كانت معه ووضع
أصابعه عليها فنبع الماء من تحت أصابعه فاستقوا وارتووا والعسكر ثلاثون الف رجل
سوى الخيل والإبل.
أقول: ظهرت هذه المعجزة في الطف لأنه لما اشتد العطش بأصحابه
كان يدعوهم واحدا بعد واحد ويضع إبهامه في راحة أحدهم ويجري الماء ويشرب ويقول:
والله لقد شربت شرابا لم يشربه أحد في الدنيا.
منها: روي إنه لما صار (ص) بتبوك فأختلف الرسل بين رسول الله (ص) وملك
الروم فطالت في ذلك الأيام حتى نفذ الزاد، فشكوا إليه نفاذه فقال: من كان معه شئ
من الدقيق أو التمر أو السويق فليأتيني به فجاء أحد بكف دقيق والاخر بكف تمر، وآخر
بكف سويق فبسط رداءه وجعل ذلك عليه ووضع يده على كل واحدة منها ثم قال: نادوا
في الناس في أراد الزاد فليأت، فأقبل الناس يأخذون الدقيق والتمر والسويق حتى
ملأوا جميع ما كان من الأوعية وذلك الدقيق والتمر والسويق على حاله ما نقص من
315

واحد منها شئ ولا زاد عما كان.
ثم سار إلى المدينة فنزل يوما على واد كان يعرف فيه الماء فيما تقدم فوجدوه يابسا
لا ماء فيه، فقالوا: ليس في الوادي ماء يا رسول الله فأخذ سهما من كنانته فقال
للرجل خذ فانصبه في اعلا الوادي فنصب فتفجرت من حول السهم اثنتا عشرة عينا
تجري في الوادي من أعلاه إلى أسفله وارتووا وملأوا القرب.
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك تخلف عنه قوم من المنافقين، وقوم من
المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق! منهم: كعب بن مالك الشاعر، قال كعب:
ما كنت قط أقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج به رسول الله (ص) إلى تبوك
وما اجتمعت لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم فكنت أقول اخرج غدا أو اخرج بعد غد
فما زلت أقول ذلك وتوانيت وبقيت وكنت ادخل السوق فلا تقضي لي حاجة فلقيت
هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وقد كانا تخلفا أيضا فتوافقا إنه لم تقض لنا حاجة إذا
دخلنا السوق فما زلنا كذلك حتى بلغنا اقبال رسول الله (ص) فندمنا. فلما وافى رسول الله استقبلناه فهنيناه بالسلامة وسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام
وأعرضنا عنا بوجهه، وسلمنا على إخواننا فلم يردوا علينا السلام، فبلغ ذلك أهلينا
فقطعوا كلامنا، وكنا نحضر المسجد فلم يسلم علينا أحد ولا يكلمنا، فجئن نساؤنا إلى
رسول الله (ص) فقلن: قد بلغنا سخطك على أزواجنا أفتعزلهم؟ فقال رسول الله:
لا تعتزلنهم ولكن لا يقربوكن، فلما رأى كعب بن مالك وأصحابه ما قد حل بهم قال:
ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله ولا إخواننا، ولا يكلمنا المسلمون ولا أهلونا
فهلموا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت، فخرجوا إلى
جبل بالمدينة فكانوا يصومون بالنهار ويقومون بالليل، وكان أهلوهم يأتوهم بالطعام
فيضعونه ناحية ثم يولون عنهم فلا يكلمونهم فبقوا على هذا أياما كثيرة يبكون بالليل
والنهار ويدعون الله أن يغفر لهم، فلما طال عليهم الامر قيل: مكثوا خمسين يوما
قال لهم كعب: يا قوم، قد سخط الله علينا، ورسوله قد سخط علينا، وإخواننا
قد سخطوا علينا، وأهلونا قد سخطوا علينا، فلا يكلمنا أحد فلم يسخط بعضنا على
بعض؟ فتفرقوا في الليل وحلفوا أن لا يكلم أحد منهم صاحبه حتى يموت أو يتوب الله
عليه فبقوا على هذه ثلاثة أيام كل واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم
316

صاحبه ولا يكلمه.
فلما كان الليلة الثالثة ورسول الله (ص) في بيت أم سلمة نزلت توبتهم بقوله
تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من
بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم، ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم * وعلى الثلاثة
الذين تخلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا
أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) فأرسل
إليهم النبي (ص) واحضرهم وبشرهم بقبول توبتهم وحسن حالهم، وتصدقوا بأموالهم
شكرا لقبول توبتهم ونزول الآية.
أقول: قد قبل الله توبتهم بعد أن وقعت عليهم الذلة والخزي والمسكنة
وهجرهم الناس ولا يردون عليهم سلامهم وغضب الله ورسوله والملائكة عليهم لما تخلفوا
عن رسول الله ولم يخرجوا معه، والحال إن رسول الله (ص) خرج ومعه ثلاثون الف
نفر ولم يحارب ورجع من غير محاربة.
فما صنع الله بقوم نظروا إلى إمامهم وابن بنت نبيهم غريبا وحيدا، وسمعوا
نداءه واستغاثته ولم يعينوه، بأبي وأمي وقف ونادى: ألا من ذاب يرب عن حرم
رسول الله، وهل من معين يعيننا لوجه الله فما اجابه أحد ولا أعانه.
المجلس الثامن والعشرون
(في نهج البلاغة) ومن كلام لأمير المؤمنين (ع) - يعني به الزبير - في خال اقتضت
ذلك يزعم إنه قد بايع بيده ولم يبايع بقلبه فقد أقر بالبيعة وادعى الوليجة فليأت عنها
بأمر يعرف وإلا فليدخل فيما خرج منه.
والمقصود من هذه العبارة هو: الزبير بن العوام، وهو ابن صفية وهي عمة
رسول الله (ص) وكان الزبير صهرا لأبي بكر وأسماء بنت أبي بكر كانت زوجته، ولما قتل
عثمان بايع لأمير المؤمنين (ع) وهو أول من بايع، وكان علي يقول: اني لخائف أن
تغدر بي وتنكث بيعتي قال: لا تخافن فإن ذلك لا يكون مني أبدا، فقال أمير المؤمنين (ع)
317

فلى الله عليك بذلك راع وكفيل قال: نعم الله لك علي راع وكفيل، فلما كان بعد
أيام ندم من ذلك لما حدثت نفسه بالخلافة وكان يقول: بايعت عليا بيدي لا بقلبي
وتارة يقول: أكرهت على البيعة، وتارة يقول ورأيت تورية.
قال أمير المؤمنين (ع): هذا إقرار منه بالبيعة وادعاء إنه لم يبايع بقلبه لم يقم
عليه دليل فاما ان يقيم دليلا على ما ادعى أو يعود إلى طاعتي لان من بايع لغير لا يجوز
أن يأخذ لنفسه بالبيعة، والزبير بايع عليا ثم اعرض وعرض نفسه في معرض الخلافة
وكتب إلى معاوية، اما بعد: فإن الناس قد قتلوا عثمان وبايعوني فإذا أتاك كتابي
فبايع لي أنت وأشرف أهل الشام فلما قرأ معاوية كتب في جوابه: بسم الله الرحمن
الرحيم لعبد الله بن الزبير أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان سلام عليك اما بعد:
فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوثقوا فدونك الكوفة والبصرة، وبها
كنوز الرجال وعين الخلافة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب وقد بايعت لطلحة بن عبد الله
من بعدك وطلحة هو ابن عم لأبي بكر فاظهر الطلب بدم عثمان وادع الناس إلى ذلك
وليكن منكما الجد والتشمير.
فلما وصل الكتاب إلى الزبير اعلم به طلحة واقرأه إياه، فلم يشكا في النصح لهما من
قبل معاوية وأجمعا على خلاف علي (ع) بعدما بايعا له، وأول خلافهما إن جاءا إليه
وطلبا منه أن يوليهما المصرين البصرة والكوفة. فقال علي (ع): ارضيا بقسم الله تعالى
لكما واعلما اني لا أشرك في أمانتي إلا من ارضى بدينه وأمانته، فدخلهما الياس
فاستأذناه للخروج إلى مكة للعمرة فقال (ع) ما لعمرة تريدان وإنما تريدان الغدرة ونكثا
البيعة، فحلفا له بالله انهما ما يريدان غير العمرة فقال لهما: أعيدا البيعة لي ثانيا فأعاداها
باشد ما يكون من الايمان والمواثيق فأذن لهما فلما خرجا من عنده قال لمن كان حاضرا:
والله لا ترونها إلا فتنة يقتتلان فيها، قالوا: يا أمير المؤمنين أأمر بردهما قال: ليقضي
الله أمرا كان مفعولا.
ولما خرجا عن المدينة لم يلقيا أحدا إلا وقالا له ليس لعلي في أعناقنا بيعة وإنما
بايعناه مكرهين، فبلغ عليا (ع) قولهما فقال: أبعدهما الله واغرب دارهما أما والله
لقد علمت انهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل، ويأتيان من وردوا عليه بأشأم يوم
والله لا يلقيانني بعد اليوم إلى في كتيبة خشناء يقتلان فيهما أنفسهما فبعدا لهما وسحقا فكان
318

كما قال: لان عليا هاجر إلى الكوفة وبايع أهل الكوفة له، وما مضت إلا أيام قلائل
حتى سارت عايشة من مكة إلى البصرة ومعها الزبير وطلحة وهم يطلبون بدم عثمان وخرج
علي (ع) إليهم مع أصحابه وقاتلوا قتالا شديدا حتى قتل كثير من الناس منهم الزبير
وطلحة.
وذكر المؤرخون: إن عليا (ع) برز يوم الجمل ونادى الزبير يا أبا عبد الله
مرارا فخرج الزبير فتقاربا حتى اختلف أعناق خيلهما فقال علي (ع): إنما دعوتك
لأذكرك حديثا قاله لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رآك وأنت معتنقي فقال لك: أتحبه
فقلت: وما لي لا أحبه وهو أخي وابن خالي فقال: اما انك ستحاربه وأنت ظالم
فاسترجع الزبير وقال: أذكرتني ما انسانية الدهر ورجع إلى صفوفه فقال له ابنه
عبد الله: رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا؟ فقال: ذكرني علي الحديث واني
لراجع وتارككم، فقال ابنه: ما أراك إلا جبنت من سيوف بني عبد المطلب وانها
لسيوف حداد تحملها فئة نجاد، فقال الزبير: ويلك أتهيجني وانا حلفت أن لا أحاربه
فقال: كفر عن يمينك حتى لا تتحدث نساء قريش إنك جبنت فقال الزبير: غلامي
مكحول كفارة ليميني، وحر في وجه الله ثم افصل سنان رمحه وحمل على عسكر علي (ع)
برمح لا سنان له، فقال علي (ع): أفرجوا له فإنه محرج، ثم عاد إلى أصحابه ثم حمل
ثانية ثم ثالثة ثم قال لابنه: أجبنا ويلك ترى؟ فقال: لقد غدرت فرجع من الحرب
ومر بواد السباع والأحنف بن قيس هناك في جمع من بني تميم قد اعتزل الفريقين، فأخبر
الأحنف بمرور الزبير فقال رافعا صوته ما اصنع بالزبير القى الفتنة بين المسلمين حتى
اخذت السيوف منها مأخذها انسل وتركهم أما إنه لخليق بالقتل قتله الله فاتبعه عمرو
ابن جرموز وكان فاتكا فلما قرب منه وقف الزبير وقال: ما شأنك؟ قال جئت لأسألك
عن أمر الناس قال الزبير: اني تركتهم قياما في الركب فيضرب بعضهم في وجه بعض
بالسيف فسار ابن جرموز معه وكل واحد منهما يتقي الاخر.
فلما حضرت الصلاة اخذ الزبير وضوءه وقام إلى الصلاة وشد ابن جرموز عليه
وقتل واخذ رأسه وخاتمه وسيفه وحثى عليه ترابا يسيرا، ورجع إلى الأحنف وأخبره
فقال: والله ما أدري أسأت أم أحسنت اذهب إلى علي (ع) وأخبره فجاء إلى علي (ع)
ومعه سيفه أو رأسه أو كلاهما فقال أمير المؤمنين (ع): أنت قتلته قال: نعم والله
319

ما كان ابن صفية جبانا ولا لئيما ولكن الحين ومصارع السوء ثم قال: ناولني سيفه
فناوله وهزه وقال: سيف طال ما جلى به الكرب عن وجه رسول الله (ص) فقال ابن
جرموز الجائزة يا أمير المؤمنين؟ فقال؟ اما اني سمعت رسول الله يقول: بشر قاتل
ابن صفية بالنار، فخرج ابن جرموز خائبا. ثم خرج ابن جرموز على علي (ع) مع
أهل النهروان فقتل فيمن قتل.
هذا حال الزبير، واما ابنه عبد الله فلم يزل في المعركة حتى صار يوم الثالث من
أيام الجمل فبرز عبد الله بن الزبير أول الناس ودعى المبارزة فبرز إليه الأشتر، قالت
عائشة: من برز إلى عبد الله قالوا: الأشتر، فقالت: وا ثكل أسماء، فضرب كل
واحد منهما صاحبه ثم اعتنقا فصرع الأشتر عبد الله وقعد على صدره فصاح عبد الله
بالناس اقتلوني ومالكا، إلا أن أكثر من وقع في المعركة صرعى بعضهم فوق بعض
وكان الأشتر طاويا ثلاثة أيام لم يطعم وهذه عادته في الحرب وكان شيخا عالي السن فأفلت
ابن الزبير من تحته، وفي ذلك يقول الأشتر:
أعائش لولا انني كنت طاويا * ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكا
غداة ينادي والرجال تجوزه * بأضعف صوت اقتلوني ومالكا
فنجاه مني اكله وشبابه * واني شيخ لم أكن متماسكا
ما نجاه من مالك إلا جوع مالك وضعفه، وهذا واضح بان الرجل إذا كان جائعا
يضعف عن القتال وإن كان في أعلى درجة من الشجاعة وارفع مرتبة من الشهامة. فكيف
بمن برز إلى القتل وهو جائع عطشان مكروب محزون، وقلبه مقروح، وبدنه مجروح
ومع ذلك ظهر منه من الشجاعة ما يضرب به المثل وشجاعته أعجزت الأواخر والأوائل
وهو ابن أمير المؤمنين بن علي عليهم السلام.
المجلس التاسع والعشرون
ومن كلام لأمير المؤمنين (ع) لابنه محمد بن الحنفية، لما أعطاه الراية يوم الجمل:
تزول الجبال ولم تزل، عض على ناجدتك، أعر الله جمجمتك، تدنى الأرض قدمك
320

ارم ببصرك أقصى القوم وغض ببصرك، واعلم إن النصر من عند الله سبحانه.
وكان محمد بن الحنفية بطلا شجاعا، وأسدا ضاريا، ودفع أمير المؤمنين (ع)
الراية إليه بعد أن استوت الصفوف، وقال (ع): أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل
ولا تقفن دونه وهذه الأنصار معك، وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع
من الأنصار، فتقدم محمد فرشقته السهام فالتفت لأصحابه وقال: رويدا لينفذ سهامهم
فوقف فقال أمير المؤمنين (ع): إحمل عليهم، قال محمد يا أمير المؤمنين اما ترى السهام
كأنها شآبيب المطر، فدفع صدره وقال: أدركك عرق من أمك، ثم اخذ الراية
فهزها وقال:
أطعن بها أبيك تحمد * لا خير في الحرب إذا لم توقد
بالمشرفي والقنا المسدد
فتناول الراية منه بيده اليسرى وذو الفقار مشهور في يده اليمنى ثم حمل بنفسه على
عسكر الجمل فضعضع أركان العسكر فدخل وسطهم وضربهم بالسيف، والرجال تفر من
بين يديه، وتنحاذ عنه يمنة ويسرة حتى خضب الأرض بدماء القتلى، وانحنى سيفه
فرجع إلى معسكره، وقال لمحمد: هكذا تصنع يا بن الحنفية؟ فقال الناس: من
الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين؟.
فأخذ الراية محمد بن الحنفية: وحمل على القوم حملات كثيرة أزال بها القوم عن
مواقفهم فابلى بلاء حسنا ورجع إلى أبيه ليأمره بأمره، فأمره بميمنة القوم فحمل أيضا
كذلك، ولم يزل يحمل ويقتل القوم ويفرقهم تفريقا فقال خزيمة بن ثابت
لأمير المؤمنين (ع): اما إنه لو كان غير محمد لافتضح، وقالت الأنصار: يا أمير المؤمنين
لولا الحسن والحسين عليهم السلام لما قدمنا على محمد أحدا، فقال أمير المؤمنين (ع):
أين النجم من الشمس والقمر، وأين يقع ابني من ابني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان أمير المؤمنين (ع) يقذف محمدا في مهالك الحرب ويكف حسنا وحسينا حتى
إن الناس قالوا: لمحمد: إن أباك يلقيك في مهالك الحرب ويكف الحسن
والحسين عليهما السلام؟ فقال محمد: إنهما عيناه وانا يمينه فهو يدفع عينيه بيمينه، وكان
يقول في يوم صفين: املكوا عني هذين الفتيين أخاف أن ينقطع بهما نسل
رسول الله (ص).
321

عن ابن عباس قال: لما كنا في حرب صفين دعا علي (ع) ابنه محمد بن الحنفية
فقال له: يا بني شد على العسكر، فحمل محمد على ميمنة أصحاب معاوية حتى كشفهم ثم
رجع إلى أبيه مجروحا فقال: يا أبتاه العطش العطش فسقاه جرعة من الماء وصب الباقي
بين درعه وجلده، قال ابن عباس: فوالله لقد رأيت علق الدم يخرج من حلق درعه
فأمهله ساعة ثم قال: يا بني شد على الميسرة، فحمل على ميسرة عسكر معاوية فكشفهم
ثم رجع وبه جراحات وهو يقول: الماء الماء يا أباه فسقاه جرعة من الماء وصب الباقي
بين درعه وجلده ثم قال: يا بني شد على القلب فحمل عليهم وقتل منهم فرسانا ثم رجع
إلى أبيه يبكي وقد أثقلته الجراح فقام إليه أبوه وقبل ما بين عينيه وقال له: فداك أبوك
فقد سررتني والله بجهادك هذا بين يدي فما يبكيك أفرحا أم جزعا؟ فقال: يا أبة
كيف لا بكي وقد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلمني الله وها انا مجروح كما ترى وكلما
رجعت إليك لتمهلني وهذا أخواي الحسن والحسين ما تأمرهما بشئ من الحرب، فقام
إليه أمير المؤمنين (ع) وقال: يا بني أنت ابني وهذان أبناء رسول الله أفلا أصونهما عن
القتل؟ فقال: بلى يا أبتاه جعلني الله فداهما من كل سوء.
لما رجع محمد إلى أبيه واستسقى الماء سقاه أمير المؤمنين عليه السلام، لكن لما رجع
علي الأكبر إلى أبيه وقال يا أبة إلى آخر المصيبة.
المجلس الثلاثون.
(في نهج البلاغة) ومن كلام لأمير المؤمنين (ع) في ذم أهل البصرة: كنتم جند
المرأة، واتباع البهيمة، ورغا فأجبتم، وعقر فهربتم. أخلاقكم دقائق، وعهدكم شقاق
ودينكم نفاق، ومائكم زعاق، المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم
متدارك برحمة من ربه، وأيم الله لتغرقن بلدتكم حتى كأني انظر إلى مسجدها كجؤجؤ
سفينة أو نعامة جاثمة.
قوله (ع): كنتم جند المرأة واتباع البهيمة - يعني بذلك وقعة الجمل ومجئ عائشة
إلى حربه - وأهل البصرة اجمعوا حولها واقبلوا ليعينوها وهم كالجراد الثابتة لا تتحلحل
322

ولا تتزلزل، ويرتجزون حول الجمل، وأكثر ما قيل من الرجز لبني ضبة والأزد
ينادي بعضهم:
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * ننازع الموت إذ الموت نزل
ننعي ابن عفان بأطراف الأسل * ردوا علينا شيخنا ثم يجل
الموت أحلى عندنا من العسل * لا عار في الموت إذا خان الاجل
ان عليا هو من شر البدل * ان تعدلوا بشيخنا لا يعتدل
وخرج من أهل البصرة شيخ صبيح المنظر وعليه جبة وهو يحض الناس على الحرب
ويقول:
يا معشر الأزد عليكم أمكم * فإنها صلاتكم وصومكم
والحرمة العظمى التي تعمكم * فأحضروها جدكم وحزمكم
لا يغلبن سم العدو سمكم * ان العدو ان علاكم رمكم
وخصكم بجوره وعمكم * لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم
وينادي: يا معشر الأزد هذه أمكم: نصرها دين، وخذلانها عقوق، أيها
الناس: أمكم أمكم. ولم يقل أحد رجزا أحب إلى أهل الجمل من قول هذا الشيخ
استقبل الناس حول الجمل وقاتلوا قتال المستميت، وشعارهم يا لثارات عثمان، وينادي
بعضهم ليس لعثمان ثار إلا علي بن أبي طالب وولده، وكان كل من أراد الجد في الحرب
يتقدم إلى الجمل ويأخذ بخطامه، فإذا قتل أخذه غيره حتى أخذه سبعون منهم قتلوا
بأجمعهم ولم يكن يأخذ الخطام أحد إلا سألت عائشة من هذا، وجاءت بنو ناجية
وأخذوا بخطام الجمل فسألت عنهم فقيل بنو ناجية فقالت بني ناجية: صبرا فإني اعرف
فيكم شمائل قريش فوقفوا حتى قتلوا بأجمعهم حول الجمل، واستدار الجمل كما تدور الرحى
وتكاتفت الرجال حوله واشتد رغاءه واشتد زحام الناس عليه، وكلما خف قوم جاء
اضعافهم، واختلط الناس، وضرب بعضهم بعضا ولم يزالوا يقاتلون ثلاثة أيام من
أول الفجر إلى بعد العصر، وكان علي (ع) يضرب فيهم بسيفه المشهور بذي الفقار حتى
انحنى السيف فأقامه بركبته وشعاره في الحرب (حم) اللهم انصرنا على القوم الناكثين
ويزئر زئير الأسد، ويحمل عليهم، ويقتل كل من دنا إليه من أهل البصرة فناشدوه
الله أصحابه في نفسه وفي الاسلام، وقالوا إنك ان تصب يذهب الدين فامسك ونحن
323

نكفيك فقال: والله ما أريد بما ترون إلا وجه الله والدار الآخرة.
فلما أكثر القتل فيهم نادى (ع) ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل فرشق بالسهام حتى
لم يبق فيه موضع إلا اصابه النبل ثم صرخ (ع) بأعلى صوته ويلكم اعقروا الجمل لعنه الله
فإنه شيطان وإلا فنيت العرب ولا يزال السيف قائما وراكعا حتى يهوى هذا البعير إلى
الأرض فعقروا الجمل بإحدى قوائمه فحملوه بأكتافهم ثم عقروه بأخرى فحملوه أيضا
بأكتافهم فضرب عجز الجمل بالسيف فصرع، وضرب بجرانه الأرض، وعج عجيجا
لم يشمع بأشد منه ففرت الرجال كما يطير الجراد المنتشر في الريح الشديدة الهبوب واحتملت
عائشة بهودجها إلى دار عبد الله بن مخلف، وأمر (ع) بالجمل أن يحرق ويذرى
في الهواء، وقال (ع): لعنه الله من دابة فما أشبه بعجل بني إسرائيل، ثم قرأ (ع)
(وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا).
وكان ذلك في اليوم النصف من جمادى الأولى فأرسلت عائشة إلى أمير المؤمنين (ع)
وقالت: يا أبا الحسن فإذا ملكت فاصفح فقال (ع): نعم اصفح واعفوا، ثم أمر (ع)
إن يجهزوا لها في رجوعها.
(في شرح القصيدة) لما سقط الجمل والهودج جاء محمد بن أبي بكر فادخل يده إليها
فاحتضنها فقالت: من أنت؟ قال: أقرب الناس منك انا محمد يقول لك
أمير المؤمنين (ع): هل أصابك شئ؟ قالت: ما أصابني إلا سهم لم يضرني فجاء
علي (ع) فوقف عليها، فكان من كلامه لها: والله ما أنصفك الذين أخرجوك إذ صانوا
حلائلهم وأبرزوك، وأمر أخاها محمدا أن ينزلها في دار صفية بنت الحارث.
ولما خرجت من البصرة بعث معها علي (ع) بأخيها عبد الرحمن وثلاثين رجلا
وعشرين امرأة من ذوات الدين ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف وقال لهن: لا تعلمن
عائشة إنكن نسوة، وقال (ع) لهن: كن اللاتي يلين خدمتها فلما أتت المدينة قيل لها
كيف مسيرك؟ فقالت: كنت بخير والله لقد اعطى واجزل وبعث معي رجالا
لا أنكرتهم. فعرفها النسوة أمرهن فسجدت لله شكرا وقالت: ما زدت بن أبي طالب
إلا تكرما، ما وددت أن اخرج هذا المخرج، وإنما قيل لي تخرجين وتصلحين بين
الناس وكان ما كان.
ولما فتح البصرة أمير المؤمنين (ع) ودخل بيت المال ورأي كثرة ما فيه من
324

الأموال قال مرارا: غري غيري ثم قال: اقسموه بين أصحابي خمسمائة درهم فقسموه
كذلك ما نقص درهما ولا دينارا كأنه كان يدري ويعرف مقدار ما فيه، وأخذ
خمسمائة لنفسه كأحد من الناس فجائه إنسان لم يحضر الواقعة وقال: يا أمير المؤمنين
كنت شاهدا معك بقلبي، وان غاب عنك جسمي فاعطني من الفئ شيئا فدفع إليه الذي
أخذه لنفسه وهو خمسمائة ولم يصب من الفئ شيئا، وما وجد في العسكر من سلاح ودابة
ومملوك ومتاع فقسمه بين أصحابه وانهم قالوا له: قسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقا
فقال: لا فقالوا: فكيف تحل لنا دمائهم وتحرم علينا سبيهم قال: وكيف يحل لكم
ذرية ضعيفة في دار هجرة واسلام اما ما أجيب به القوم في معسكرهم فهو لكم مغنم واما
ما دارت عليه الدور وأغلقت عليه الأبواب فهو لأهله، ولا نصيب لكم في شئ منه
فلما كثروا عليه قال: فاقرعوا على عائشة لادفعها إلى من تصبه القرعة فقالوا:
استغفر الله يا أمير المؤمنين. أقول: وان كانوا شرا من... لأنهم خرجوا على إمام
زمانهم، ولكن لما جرى عليهم اسم الاسلام لم يجوز بان يؤخذ منهم سبي ولا أسير.
يا للمسلمين أفهل يجوز أن تؤخذ من بنات رسول الله سبايا على أقتاب المطايا
ولقد يعز الخ.
المجلس الواحد والثلاثون
(حرب صفين)
ومن جملة حروب أمير المؤمنين (ع) حرب صفين. قال في شرح القصيدة:
(صفين) بكسر الصاد مثقل الفاء موضع على الفرات من الجانب الغربي بطرف الشام
وكان مسيره من الكوفة إلى صفين لخمس خلون من شهر شوال سنة ست وثلاثين من
الهجرة، وكان معه من الجيش سبعون ألفا، وقيل تسعون ألفا، وعد جيش أهل الشام
خمسة وثمانون ألفا. وكان في يوم الأربعاء أول صفر سنة سبع وثلاثين وقعت المحاربة
بين أهل العراق وأهل الشام، وكان المقام بصفين في أيام المحاربة مائة عشر يوما، وقيل
أكثر، وقتل بصفين سبعون ألفا من أهل الشام، وخمسة وعشرون ألفا من
325

أهل العراق.
وظهر منه (ع) معجزات كثيرة منها: في (كشف الغمة) إنه لما توجه
أمير المؤمنين (ع) إلى صفين احتاج أصحابه إلى الماء والتمسوه يمينا وشمالا فلم يجدوه
فعدل (ع) بهم عن الجادة قليلا فلاح له دير في البرية فسار إليه وسأل من فيه عن الماء فقال:
بيننا وبين الماء فرسخان فقال أمير المؤمنين: اسمعوا ما يقول الراهب فقالوا: أتأمرنا
حتى نسير إلى حيث اومى لنا لعلنا ندرك الماء وبنا قوة؟ فقال (ع): لا حاجة بكم إلى ذلك
ولوى عنق بغلته إلى القبلة وأشار إلى مكان بقرب الديراني فقال (ع): اكشفوا عن
التراب فكشفوا فظهر لهم صخرة عظيمة تلمع فقالوا: يا أمير المؤمنين هنا صخرة
لا يعمل فيها المساحي فقال (ع): هذه الصخرة على الماء واجتهدوا في قلعها فان زالت عن
موضعها وجدتم الماء فاجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا فلما رآى
ذلك لوى رجله عن سرجه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحركها وقلعها ودحاها
أذرعا كثيرة فظهر لهم الماء، فبادروا وشربوا، وكان أعذب ماء شربوه في سفرهم
وبرده وأصفاه.
فقال (ع): تزودوا وترووا ففعلوا ثم جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها
حيث كانت وأمر أن يعفى اثرها بالتراب والراهب ينظر من فوق ديره فنزل ووقف بين
يدي أمير المؤمنين فقال: يا هذا أنت نبي مرسل؟ قال (ع) لا قال: فملك مقرب؟ قال لا
قال: فمن قال انا وصي رسول الله محمد بن عبد الله وخاتم النبيين فقال ابسط يدك أسلم على
يدك فبسط أمير المؤمنين يده، وقال (ع) له: أشهد الشهادتين فاخذ عليه شرائط الاسلام
ثم قال (ع): ما الذي دعاك إلى الاسلام بعد إقامتك على دينك طول المدة؟ فقال
يا أمير المؤمنين إن هذا الدير بني على طلب قالع الصخرة ومخرج الماء من تحتها وقد مضى
على ذلك سنين ومكث في هذا الدير جمع كثير من علمائنا، والأحبار ينتظرونه قبلي فلم
يدركوا ذلك فرزقني الله تعالى، وإنا نجد في كتبنا عن علمائنا في هذا الموضع عينا عليها
صخرة لا يعرفها إلا نبي أو وصي نبي وإنه لا بد من ولي الله تعالى إلى الحق يأتيه عارفا
بمكان هذه الصخرة وهو قادر على قلعها، ولما رأيتك قد فعلت ذلك تحققت ما كنا
ننتظر، وبلغت الأمنية وانا اليوم مسلم على يدك مؤمن بحقك ومولاك.
فلما سمع أمير المؤمنين (ع) ذلك بكى حتى اخضبت لحيته بالدموع وقال (ع) الحمد لله
326

الذي لم أكن عنده منسيا، الحمد لله الذي كتب اسمي في كتبه وكنت في كتبه مذكورا
ثم دعى الناس فقال: اسمعوا ما يقول أخوكم المسلم: فسمعوا وحمدوا الله تعالى
وشكروه إذ ألهمهم معرفة أمير المؤمنين (ع)، وسار الراهب بين يده وقاتل معه أهل
الشام، واستشهد، فتولى أمير المؤمنين أمره والصلاة عليه ودفنه، وأكثر من
الاستغفار له وكان إذا ذكره يقول: ذاك مولاي.
ومن معجزاته (ع): في شرح القصيدة قال: ان أمير المؤمنين (ع) لما طال عليه
المقام بصفين شكوا إليه أصحابه نفاذ الزاد والعلف بحيث لم يجد واحد من أصحابه شيئا يؤكل
فقال (ع): غدا يأتيكم ما يكفيكم وما تحتاجون إليه، فلما أصبحوا وفاوضوه صعد
علي (ع) على التل ودعا وسأل الله تعالى ان يطعمهم ويعلف دوابهم ثم نزل ورجع إلى
مكانه، فما استقر إلا وقد أقبلت العير قطارا قطارا عليها اللحم والتمر والدقيق والبر
والخبر والشعير وعلف الدواب بحيث امتلأت البراري، وفرغ أصحاب الجمال الاجمال
من الأطعمة وجميع ما معهم من علف الدواب وغيره من الثياب والحلي وجلال الدواب
وجميع ما يحتاجون إليه ثم انصرفوا ولم يدر أحد من أي البقاع جاؤوا وما دروا إنهم
كانوا من الانس أم من الجن.
وتعجب الناس من ذلك، فصعد أهل العراق على تل هناك لينظروا إلى أين
يمضون فلم يروها، وبلغ ذلك أهل الشام فتعجبوا وحكوا لمعاوية ذلك فقال: ليس
بعجب، هذا من سحر بن أبي طالب سود الله وجه معاوية كان يتكلم بكل ما يجري
على لسانه من الأراجيف والهفوات، ولا يستحي من اله ولا يراقب الله. فكيف
يراقب الله من كانت شجرته خبيثة لا يبالي بان يخرج من فيه كلمة خبيثة (ومثل كلمة خبيثة
كشجرة خبيثة) وعمل في أيام صفين بكل ما استطاع من الحيل والمكائد حتى يمنع الماء
عن أصحاب أمير المؤمنين فجاؤوا إلى علي وشكوا إليه العطش فأرسل (ع) إلى الماء فوارس
على كشفه فانحرفوا خائبين، فضاق صدره الشريف فقام إليه الحسين (ع) وقال: يا أبة
انا امضي إليه فقال (ع): امض فبعث معه فوارس فاقبل الحسين (ع) وحمل عليهم
وهزم أبا الأعور عن الماء ودخل المشرعة وبنى خيمته وحط فوارس كانوا معه واقبل
إلى أبيه وبشره، فبكى أمير المؤمنين (ع) فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين وهذا
أول فتح ببركة الحسين (ع) قال: ذكرت إنه سيقتل بطف كربلاء غريبا وحيدا عطشانا
327

فريدا ثم ينفر فرسه ويحمحم ويصهل ويقول في صهيله: الظليمة الظليمة من أمة قتلت
ابن بنت نبيها.
أقول: ذكر علي عليه السلام وبكى فما حال فخر المخدرات زينب حين سمعت صهيل
الجواد قالت لسكينة: يا بنتاه هذا فرس أبيك الحسين، الخ.
المجلس الثاني والثلاثون
فخاض أمير المؤمنين بسيفه * لظاها واملاك السماء له جند
وصاح عليهم صيحة هاشمية * تكاد لهاشم الشوامخ تنهد
غمام من الأعناق تهطل بالدما * ومن سيفه برق ومن صوته رعد
وصي رسول الله وارث علمه * ومن كان في (خم) له الحل والعقد
ولا يخفى إن شجاعة أمير المؤمنين (ع) يضرب بها المثل ومواقفه في الحروب
وضرباته أعجزت الأواخر والأوائل ونحن نذكر في هذا المقام شيئا من ذلك تبصرة
للناظرين حتى نرجع إلى ما كنا بصدد ذكره من يوم صفين.
روي إنه (ع) في يوم حنين لما فر الأصحاب ثبت (ع) في نفر من بني هاشم وحمل
وضرب أربعين مبارزا كلهم يقده حتى انفذه وذكره، وكانت ضرباته مبتكرة اي بكرا
يقتل بواحدة منها لا يحتاج أن يعيد الضرب ثانيا، وفي خيبر ضرب مرحبا على رأسه
فقطع العمامة والمغفر والرأس والحلق وما عليه من الجوشن من قدام ومن خلف إلى أن قده
نصفين.
ثم حمل على سبعين فارسا فبددهم وتحير الفرسان من فعله، وفي (أحد) قطع
صوابا وهو رجل مشهور بالشجاعة بنصفين، وبقيت رجلاه وعجزه وفخذاه قائمة على
الأرض ينظر إليه المسلمون ويضحكون منه، وفي يوم الجمل أمر ابنه محمدا بالقتال ومضى
وحمل وقتل ورجع، وأمره ثانيا وثالثا وفي الثالثة ابطأ محمد لما رشقته السهام فتحول
علي (ع) من بغلته إلى فرسه وسل سيفه وركض نحوه فاتاه من خلفه فوضع يده اليسرى
على منكبه اليمنى ثم رفعه حتى شاله وقال لا أم لك، قال محمد: والذي لا إله إلا هو
328

ما ذكرت ذلك منه قط كأني أجد ريح نفسه، فاخذ الراية من يدي وحمل على أصحاب
الجمل يزئر زئير الأسد وقتل ورجع ثم عاد وقتل ورجع حتى حمل ثلاث حملات، وخرج
من ناحية القوم وقد انحنى سيفه فاقامه بركبته، وأعظم من ذلك يوم صفين وعد معاوية
في هذا اليوم الأحمر مولى أبي سفيان وكان شجاعا وحثه معاوية على قتل الأشتر فقال
الأحمر: بل اقتل عليا قال معاوية: مهلا يا احمر لا تبارز عليا فقال: لا يقتل عليا
غيري.
وبرز الأحمر ونادى أين علي بن أبي طالب فنزل إليه قران مولى رسول الله (ص)
فقال له الأحمر: من أنت؟ فإني لا أقاتل إلا أشجعكم فقال: انا شقران مولى
رسول الله (ص) فحمل عليه الأحمر وقتله ونادى ليبرز إلي علي بن أبي طالب لينظر حملتي
وضربتي فصاحوا عليه وقالوا تنح أيها الكلب فما أنت بكفو علي، قال الأحمر: والله
لا انصرف إلا برأس علي أو أموت دونه فبرز إليه أمير المؤمنين (ع) وحمل اللعين بسيفه
ليضربه فمد يده (ع) إلى جيب درعه فجذبه عن فرسه وحمله على عاتقه قال الراوي: والله
لكأني انظر إلى رجلي الأحمر يختلفان على عنق علي (ع) ثم ضرب به الأرض فكسر به
منكبه وظهره وعضديه فحطمه حطما وأهلكه.
في (شرح القصيدة) عن (مناقب الخوارزمي) روي: ان حريثا مولى معاوية
كان شجاعا بطلا يعده معاوية لكل شدة وكان يركب فرس معاوية ويلبس لباسه وسلاحه
فيظن الناس إنه معاوية وكان يتمنى مبارزة أمير المؤمنين (ع) وكان معاوية ينهاه عن
مبارزته حبا له وقال في اليوم الثالث من حرب صفين لمعاوية ان انا اقتل عليا تقلدني
الطبرية؟ قال معاوية: لا تبارز عليا وعليك بالأشتر فان أنت قتلته فقد كفيت فان لي
نابين أحدهما أنت والاخر عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ان فجعت بك لم أجد بديلا منك
فجانب عليا، فسمع ذلك عمرو بن العاص فخلا بحريث وقال له: أنت لو كنت قرشيا
ما نهاك معاوية عن مبارزة علي ولا حب أن تقتل عليا وتريحه منه ولكن كره أن يقتل
ابن عمه مولاه فإن وجدت فرصة فاقتله فإن حظها لك.
فلما خرج علي (ع) إلى القتال برز له حريث فحمل عليه لأمير المؤمنين عليه السلام
وهو يقول: انا علي وابن عبد المطلب * إثبت له يا أيها الكلب الكلب
329

فقيل له يا أمير المؤمنين تبرز إلى هذا الكلب قال (ع): وإنه والله لأعظم عناء
عندي من معاوية فضربه أمير المؤمنين (ع) على رأسه فسقط قتيلا على هامته فجزع عليه
معاوية جزعا شديدا وقال: يا عمرو ما أنصفته حين أمرته بأمر تكرهه لنفسك ثم خرج
من عسكر معاوية كريب بن أبرهة من آل ذي يزن وكان مهيبا قويا يأخذ بالدرهم بكفه
فيغمز إبهامه عليه فيذهب بكتابته فقال له معاوية: إن عليا يبرز بنفسه وكل أحد
لا يتجاسر على مبارزته وقتاله، فقال كريب: انا أبرز إليه فخرج ونادى ليبرز إلي علي فبرز
إليه مرتفع بن الوضاح الزبيدي فسأله من أنت؟ فعرفه نفسه فقال: كفو كريم فتكافحا
فسبقه كريب فقتله ونادى ليبرز إلي أشجعكم أو علي فبرز إليه شرحبيل بن بكر وقال
لكريب، يا شقي ألا تفكر في لقاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة بسفك دم الحرم
وإعانة الباطل؟ قال كريب: إن صاحب الباطل من آوى قتلة عثمان ثم تكافحا فقتله
كريب ثم برز إليه الحرث الشيباني وكان زاهدا صواما ويقول:
هذا علي والهدى حقا معه * نحن نصرناه على من نازعه
ثم تكافحا فقتله كريب ونادى أين علي بن أبي طالب فليبرز إلي بنفسه، فبرز إليه
أمير المؤمنين (ع) متنكرا وحذره باس الله وسخطه، فقال كريب: أترى سيفي هذا
لقد قتلت به كثيرا مثلك، حمل على علي (ع) بسيفه فرد سيفه ثم حمل عليه
أمير المؤمنين (ع) وضربه على رأسه فقطعه نصفين، ثم انصرف أمير المؤمنين (ع) وقال
لابنه محمد بن الحنفية: قف مكاني فإن له طالب وهو يأتيك، فوقف محمد حتى قتل من
الشاميين سبعة كل واحد منهم يطلب بثار من قتله قبله.
وخرج يوما من أصحاب معاوية عثمان بن وايل الحميري وكان يعد بمائة فارس وله
أخ يسمى بحمزة يعده معاوية للشدائد وجعل عثمان يلعب برمحه وسيفه وبرز إليه العباس
ابن الحارث بن عبد المطلب فتكافحا مليا حتى ضربه العباس فرمى برأسه فبرز إليه اخوه
حمزة فأرسل إليه أمير المؤمنين (ع) فنهاه عن مبارزته ثم قال للعباس: انزع ثيابك
وناولني سلاحك وقف مكاني وانا اخرج إليه فخرج أمير المؤمنين (ع) متنكرا فظن حمزة إنه
العباس الذي قتل أخاه وقال أنت قتلت أخي أبرز إلي فبرز إليه أمير المؤمنين (ع)
وما أمهله حتى ضربه وقطع إبطه وكتفه ونصف وجهه ورأسه فتعجب اليمانيون من تلك
الضربة، وبرز عمر بن عنس النخعي وكان شجاعا فجعل يلعب برمحه وسيفه فضربه
330

أمير المؤمنين على وسطه فبان نصفه وبقي نصفه على فرسه فقال عمرو بن العاص ما هذه
إلا ضربة علي (ع) فكذبه معاوية فقال له عمرو قل للخيل تحمل عليه فان ثبت مكانه فهو
علي بن أبي طالب فحملوا عليه فثبت لهم ولم يتزعزع ثم حمل عليهم فجعل يقتلهم حتى قتل
ثلاثة وثمانين رجلا هذه شرذمة من حملاته وضرباته ونعم ما قيل:
ظهرت منه للورى سطوات * ما أتى القوم كلهم ما اتاه
عن زيد بن وهب قال: لقد مر علي (ع) يوما بصفين ومعه بنوه وحمل على القوم
واني لأرى النبل يمر من بين عاتقه ومنكبه وما من بنيه إلا يقيه بنفسه فكره علي (ع) ذلك
فتقدم عليهم وتحول بينه وبين أهل الشام ويأخذ النبل بيده فيلقيه من ورائه.
أقول: كان مع علي (ع) أبنائه إذا حمل على العدو فمن كل جانب يقاتل يتقدم إليه
أحد بنيه ويقيه بنفسه، ولكن ولده الغريب أبا عبد الله (ع) لما حمل على الأعداء لم
يكن معه أحد لا من بنيه ولا من اخوته ولا من أصحابه حتى يقيه بنفسه ويحول بينه
وبين سيوف أهل الكوفة ورماحهم ونبالهم حتى أثخنوه بالجراح، وكانت السهام في
درعه كالشوك في جلد القنفذ فعند ذلك طعنه صالح بن وهب المزني لعنه الله في خاصرته
طعنة سقط بها عن ظهر جواده إلى الأرض على خده الأيمن، نعم في خبر: أقبلت فخر
المخدرات زينب وحالت بينه وبين شمر بن ذي الجوشن لعنه الله وصار ما صار.
المجلس الثالث والثلاثون
ومن خواص أصحاب أمير المؤمنين (ع) مالك بن الحرث الأشتر، ويلقب بكبش
العراق، وكان شديد البأس جوادا رئيسا حليما فصيحا شاعرا، وكان عضدا
لأمير المؤمنين (ع)، وسطواته وحملاته في الحروب مشهورة. ولقد حزن عليه
أمير المؤمنين (ع) لما بلغه موته حزنا شديدا وانهد أركانه.
في (شرح القصيدة) وفي (المجمع) لما جاءه هلاك مالك صعد المنبر فخطب الناس
ثم قال: ألا أن مالك بن الحرث قد قضى نحبه، وأوفى عهده، ولقى ربه، فرحم الله
مالكا لو كان جبلا لكان قدا، ولو كان حجرا لكان صلدا لله، وما مالك وهل قامت
331

النساء عن مثل مالك، وهل موجود كمالك؟.
قال: فلما نزل ودخل القصر أقبل عليه رجال من قريش قالوا: الأشد ما جزعت
عليه وقد هلك؟ قال: اما والله هلاكه قد أعز أهل المغرب، وأذل أهل المشرق، وبكى
عليه أياما وحزن عليه حزنا شديدا وقال: لا أرى مثله بعده ابدا كان لي كما كنت
لرسول الله (ص).
وكان سبب هلاكه، إنه لما جاء إلى علي (ع) مصاب محمد بن أبي بكر، وقد قتله
معاوية بن خدلج أو خديج الكوني بمصر جزع علي (ع) عليه جزعا شديدا ثم بعث إلى
الأشتر ووجهه إلى مصر فصحبه نافع مولى عثمان بن عفان في الطريق فدس له سم بعسل
وقتله، وحين بلغ معاوية خبره قام خطيبا في الناس فقال: إن عليا كانت له يميناه:
قطعت إحداهما بصفين يعني عمار، والأخرى اليوم، ثم حكى لهم قصته وكيفية قتله.
قال في (المجمع): والأشتران مالك وابنه، وكان مالك مع أمير المؤمنين في يوم
الجمل وفي يوم صفين وله حملات وضربات في الحروب قد خارت العقول منها وطارت
النفوس فيها، وفي يوم صفين دعا معاوية جندب بن ربيعة وكان قد خطب إلى معاوية
ابنته فرده قال له عمرو بن العاص: إن قتلت الأشتر زوجك معاوية ابنته رملة، فبرز
جندب إلى الأشتر فقال الأشتر: كم ضمن لك معاوية على مبارزتي؟ قال: يزوجني ابنته
بقتلك فأنا الان آتيه برأسك، فضحك الأشتر وحمل عليه جندب برمحه فأخذه الأشتر
تحت إبطه فجعل يجهد في جذبه فلم يتمكن حتى ضرب الأشتر رمحه فقده نصفين وهرب
جندب فضربه الأشتر بسيفه فصرعه، وبرز الاخر فطعنه الأشتر برمحه وأخرجه من
ظهره، وكل من برز إليه من شجعان أهل الشام قتله ولم يجسر أحد إلى مبارزته، فقال
أمير المؤمنين (ع) للأشتر: ليس أحد يبرز إلي ولا إليك فانا احمل على الميمنة وتحمل
أنت على الميسرة، وكان في ميمنة معاوية نحو من عشرة آلاف فارس، فحمل علي (ع)
فانهزموا، وحمل الأشتر على الميسرة كذئب في غنم فنكص الناس عنه وشد عليه رجل
من الابطال فضربه الأشتر وصرعه ثم رجع الأشتر إلى أمير المؤمنين (ع) وقال:
يا أمير المؤمنين لا تتعب نفسك وانا أكفيك فقال (ع): كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكرم
الناس على الله تعالى وقد قاتل يوم أحد بنفسه ويوم حنين ويوم خيبر، ولو أن معاوية
وعمرو بن العاص برز إلى لتخلص شيعتي مما يقاسونه، فقال الأشتر: بحق قرابتك
332

من رسول الله (ص) انصرف فانا أحاربهم اليوم فاذن له أمير المؤمنين (ع) وتأخر
وحمل الأشتر ونادى: ليبرز إلي معاوية فقال معاوية: لست بكفوي فقال الأشتر
أبرز إلي صاحبي فإنه سيد قريش وسيد العرب كلهم ودع التعلل، ثم حمل الأشتر حتى
أزال عمرو بن العاص عن موقفه وانكشف أهل الشام وكاد الأشتر أن يصل إلى معاوية.
في (مناقب الخوارزمي) اجتمع عند معاوية يوما بصفين بملئ من قومه فذكروا
شجاعة علي (ع) وشجاعة الأشتر فقال عتبة بن أبي سفيان، وإن كان الأشتر شجاعا
لكن عليا لا نظير له في شجاعته وصولته وقوته، فقال معاوية: ما من أحد إلا وقد
قتل علي أباه أو أخاه أو والده، قتل يوم بدر أباك يا وليد، وقتل عمك يا أبا الأعور
يوم أحد، وقتل يا طلحة الطلحات أباك يوم الجمل فإذا اجتمعتم عليه أدركتم ثاركم منه
وشفيتم صدوركم فضحك الوليد بن عتبة بن أبي معيط وأنشأ يقول:
يقول لكم معاوية بن حرب * اما فيكم لواتركم طلوب
يشد على أبي حسن علي * باسم لا تهجنه الكعوب
فقلت له أتلعب يا بن هند؟ * كأنك وسطنا رجل غريب
أتأمرنا بحية وسط واد * إذا نهشت فليس لها طبيب
سوى عمرو ووقته خصيتاه * نجا ولقلبه منه وجيب
وما ضبع تدب ببطن واد * أنيح لقتلها أسد مهيب
بأضعف حيلة منا إذا ما * لفيناه وذا منا عجيب
كأن القوم لما عاينوه * خلال النقع ليس لهم قلوب
لو قد نادى معاوية بن حرب * واسمعه ولكن لا يجيب
فقال الوليد: إن لم تصدقوا فاسألوا الشيخ عمرو بن العاص يخبركم عن شجاعته
وصولته، وكان هذا توبيخا منه لعمرو بن العاص حين خرج إلى حرب علي (ع) فحمل
عليه أمير المؤمنين (ع) وطعنه وصرعه وقال: خذها يا بن النابغة فسقط عمرو عن
فرسه وابدى عورته فقال له (ع): يا بن النابغة أنت طليق عورتك أيام عمرك، وعزله
معاوية وقال: ما هذه الفضيحة التي فضحت بها نفسيك؟ فقال عمرو: من يتعرض
لبلاء نفسه؟ ثم قال: لا طاقة لي بعلي ولا لك ولا للوليد ولا لاحد من جموعنا، وان
لم تصدقني فجرب، وقد دعاك مرارا إلى البراز ولم تبرز إليه وأنشأ يقول:
333

وعيرني الوليد لقاء ليث * إذا ما زار هابته الأسود
فاما في اللقاء فأين منه * معاوية بن حرب والوليد
فرمها منه يا بن أبي معيط * فأنت الفارس البطل النجيد
وأقسم لو سمعت ندا علي * لطار القلب وانتفخ الوريد
ولولا فتيد شقت جيوب * عليك ولطمت فيك الخدود
فأجاب معاوية بهذه الأبيات:
ألا لله من هفوات عمرو * يعاتبني على تركي برازي
لقد لاقى أبا حسن عليا * فآب الوائلي مآب خازي
ولو لم تبد عورته لأودى * به ليث يذلل كل نازي
له كف كأن براحتيها * منايا القوم تخطف خطف بازي
يعني في كفه لوح منه المنية ومن يجسر على لقائه ويتمكن من برازه فهو
يتخطفه بسيفه ويأخذه بكظمه، والله لقد صدق وإن كان كذوبا، هكذا كان
أمير المؤمنين (ع)، فما لقى شجاعا إلا أراق دمه ولا بطلا إلا زلزل قدمه ولا مريدا إلا
اعدمه ولا قاسطا إلا قصر عمره وأطال ندمه ولنعم ما قيل:
وعليه يعقد في المشاهد تاجها * وترف في ضنك الحروب لوائها
لولاه هذا الدين لم يثبت له * ركن ولا العليا شيد بنائها
يا عصبة نبذت وراء ظهورها * حكم الكتاب وجار فيه قضائها
في المسلمين تآمرت ظلما وقد * عزلت فتى ذلت له أمرائها
نعم والله تأمروا ظلما في المسلمين منهم: معاوية بن أبي سفيان، وعزلوا من هو
أحق بالخلافة منهم أمير المؤمنين عزلوه خمس وعشرين سنة وأجلسوه قعر بيته، ومنهم
إمامنا الحسن (ع) عزلوه عن الخلافة وجلس قعر بيته عشر سنين وما اكتفوا بذلك حتى
سقوه السهم ورمى كبده في الطشت الخ.
334

المجلس الرابع والثلاثون
وممن قتل واستشهد في يوم صفين مع أمير المؤمنين (ع) عمار بن ياسر، وكان
صحابيا. في (تاريخ ابن الأثير) كنيته: أبو اليقظان، شهد المشاهد كلها مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد جاوز تسعين سنة بثلاث أو بأربع، وقبره بصفين.
قال في شرح القصيدة: برز عمار يوم صفين وكان يقتل كل من دنا إليه وهو ينشد:
نحن قتلناكم على تنزيله * ثم قتلناكم على تأويله
ثم حمل وأحاط به أهل الشام وشرك في قتله أبو العادية الفزاري وأبو جوني
السكسكي، اما أبو العادية فطعنه، واما أبو جوني فاحتز رأسه. ولما سقط عمار على
الأرض فاستسقى فاتي بلبن في قدح فلما رآه كبر ثم شربه وقال: إن النبي (ص) قال آخر
شرابك من الدنيا ضياح من لبن، وتقتلك الفئة الباغية بهذا آخر أيامي، وكان
ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله (ص) لعمار بن ياسر يا بن سمية
تقتلك الفئة الباغية.
وذو الكلاع كان من رؤساء عسكر أهل الشام وكان ستون ألفا من الفرسان
تحت امرته، فقال لعمرو بن العاص: ويحك نحن الفئة الباغية وكان في شك من ذلك
فيقول عمرو: إنه سيرجع إلينا وأنفق انه أصيب ذو الكلاع يوم أصيب عمار فقال
عمرو بن العاص: ولو بقي ذو الكلاع لمال بعامة قومه ولأفسد علينا جندنا، واحتج
رجلان في صفين في سلب عمار وفي قتله فاتيا عبد الله بن عمرو بن العاص يتحاكمان إليه
فقال: ويحكما اخرجا عني فان رسول الله (ص) قال: أولعت قريش بعمار، وعمار
يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار.
وفي (مجمع البحرين) إن عمار بن ياسر لما قتل يوم صفين احتمله
أمير المؤمنين عليه السلام إلى خيمته وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول:
وما ظبية تسبي الظباء بطرفها * إذا انبعثت خلنا بأجفانها سحرا
بأحسن مما خضب السيف وجهه * دما في سبيل الله لما قضى صبرا
335

وله عليه السلام يرثيه:
ألا أيها الموت الذي هو قاصدي * أرحني فقد أفنيت كل خليل
أراك بصيرا بالذين أحبهم * كأنك تنحو نحوهم بدليل
ولما قتل عمار حزن عليه أمير المؤمنين عليه السلام حزنا شديدا وبكى عليه.
وروي إنه خرج إلى صف أهل الشام، وقال (ع) لكميل بن زياد: سر إلى معاوية
وقل له دعوناك إلى الطاعة والجماعة فأبيت وعندت وقد كثر القتل بين المسلمين أبرز إلي
حتى تخلص الناس مما هم فيه، فلما أدى كميل رسالة علي عليه السلام قال معاوية لقومه:
ما تقولون فنهوه عن ذلك إلا عمرو بن العاص فإنه قال: قد أنصفك وإنه بشر مثلك
فعيره معاوية وقال: ما هذه العداوة أتظن اني إن قتلت تنال الخلافة والسلطنة فقال
عمرو: مازحتك، فقال معاوية:
ولقد رجعت وقلت مزحة مازح * والمزح يحمله مقال الهازي
فأنشد عمرو بن العاص في جواب معاوية:
معاوي ان نكلت عن البراز * لك الويلات فأنظر في المخازي
معاوي ما اجترمت إليك ذنبا * وما انا بالذي حدثت هازي
وما ذنبي وكم نادى علي * وكبش القوم يدعو للبراز
فلو بارزته بارزت ليثا * حديد الناب أشجع ذا ابترازي
اضبع في العجاجة يا بن هند * وعند الباه كالتيس الحجازي
فانصرف كميل وأخبر عليا عليه السلام بما جرى فتبسم علي (ع) فضحك الأشتر
في (مناقب الخوارزمي) كان معاوية على تل مع وجوه قريش ينظر إلى علي (ع)
يقتل كل من بارزه فقال: لقد دعاني علي إلى البراز حتى استحيت من قريش، فقال
اخوه عتبة بن أبي سفيان: دع عنك هذا كأن لم تسمعه فقد علمت إنه قتل حريثا وفضح
عمروا، وقتل كل من برز إليه وإنما يقوم مقامك بسر بن أرطأة فقال بسر: ما كان أحد
أحق بمبارزته من ابن حرب فاما إذا أبيتموه فانا له وكان لبسر بان عم فقال:
فأنت له يا بسر إن كنت مثله * وإلا فإن الليث للضبع آكل
كأنك يا بسر بن أرطأة جاهل * بشداته في الحرب أو متجاهل
متى تلقه فالموت في رأس رمحه * وفي سيفه شغل لنفسك شاغل
336

ومن بعده في آخر الخيل عاطف * وما قبله في أول الخيل حامل
فقال بسر: خرج مني شئ فإني استحي أن ارجع عما قلت فغدا بسر إلى المعركة
فرى عليا (ع) في أول الخيل منقطعا عن خيله مع الأشتر وهو يريد التل ويقول:
انا علي فاسألوني تخبروا * سيفي حسام وسناني أزهر
منا النبي الطاهر المطهر
فاستقبله بسر قريبا من التل فطعنه علي عليه السلام وهو لا يعرفه إنه بسر فانحنى
سيفه فدفعه بيده فصرعه علي عليه السلام على وجهه فانكشفت عورته فانصرف عنه
علي عليه السلام فناداه الأشتر يا أمير المؤمنين إنه بسر بن أرطأة فقال عليه السلام: دعه
فحمل ابن عم لبسر على علي عليه السلام فحمل الأشتر عليه وهو يقول:
الك يوم رجل شيخ شاغره * وعورة وسط العجاج ظاهره
وطعنه الأشتر فكسر صلبه وقام بسر من ضربة علي عليه السلام وولا فرسه وناداه
أمير المؤمنين عليه السلام يا بسر كان معاوية بهذا أحق منك. للنضر بن حارث:
أفي كل يوم فارص تندبونه * له عورة وسط العجاجة بادية
يكف بها عنه على سنانه * ويضحك منها في الخلاء معاوية
بدت أمس من عمرو فقنع رأسه * وعورة بسر مثلها فرج جارية
فقولا لعمرو وابن أرطأة ابصرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية
ولا تحمدا إلا الحيا وخصاكما * هما كانتا والله للنفس واقية
فلولا هما لم تنجوا من سنانه * وتلك بما فيها عن العود ناجية
فلما كثر القتل بينهما مل أهل العراق وأصحاب أمير المؤمنين فخرج أمير المؤمنين (ع)
ونادى: هل من معين، فاجتمع اثني عشر ألفا حوله وقالوا: يا أمير المؤمنين نموت
بين يديك وكسروا أجفان سيوفهم وسار علي عليه السلام وهو يقول:
دبوا دبيب النمل لا تفوتوا * وأصبحوا بحربكم وبيتوا
حتى تنالوا الثار أو تموتوا
فحمل الأشتر وهو يقول:
أبعد عمار وبعد هاشم * وأين بديل فارس الملاحم
نرجوا البقاء ظل حكم الحاكم
337

والناس، معه فخرق الصفوف ورآه معاوية فركب فرسه ومر هاربا واشتد القتال
وحمل الرؤساء على الرؤساء واضطرب الناس ولم يسمع أحد إلا وقع الحديد على الحديد
والهام على الهام حتى حجز بينهم الليل.
أقول: لما وقف عليه السلام ونادى هل من معين اجابه اثني عشر الف نفر وكسروا
أجفان سيوفهم ووقف الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ونادى هل من معين يعيننا
وهل من ناصر ينصرنا فلم يجبه إلا ولده السجاد خرج وقد اتكى على عصاه الخ.
المجلس الخامس والثلاثون
في (شرح القصيدة) اجتمع أهل العراق يوما من أيام صفين عند خيمة
أمير المؤمنين عليه السلام ينتظرون خروجه، فخرج عليه السلام وركب فرسه البحر وعليه
درع رسول الله (ص) متقلدا سيفه، متختما بخاتمه، متعمما بعمامته السحاب، وبيده
قضيب رسول الله (ص) المشوق، وسلم عليه القوم فقال عليه السلام، يا مالك معي
راية لم أخرجها إلا يومي هذا وهي أول راية أخرجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد قال لي عند
وفاته (ص): يا أبا الحسن انك لتحارب الناكثين والقاسطين والمارقين، وأي تعب
يصيبك من أهل الشام، فاصبر على ما أصابك إن الله مع الصابرين، ثم اخرج الراية
وقد عفت وبليت فبكى الناس لما رأوها بكاء عاليا وقبلها من وجد إليها سبيلا.
وقال عليه السلام لقنبر: اخرج رمح رسول الله (ص) يرثه مني الحسن ولا يستعله
وينكسر بيد الحسين وقد اخبرني رسول الله (ص) بأخبار كثيرة. يا مالك إن الدنيا
دنية خلقت للفناء، والخير خير خلف للبقاء، ثم سار ومعه الناس إلى المعركة، صفوا
الصفوف وتأهبوا للقتال فبرز من صف الشام رجل عليه درع مذهبة وبيضة عادية وبيده
سيف حميري وصاح: يا أهل العراق، تزعمون إن اليوم تجري الدماء على الأرض
كما يجري النهر، وقد صدقتم، اليوم نسفك دمائكم فليبرز إلي أشجعكم فبرز إليه عمرو
ابن عدي النخعي فقال له: يا شامي أنت أول قتيل في يومنا هذا ثم تكافحا فسبقه عمرو
بالضربة فصرعه، فقال أمير المؤمنين (ع) لقنبر: سر إلى الميمنة وقل لعبد الله بن
338

جعفر ولأبي محمد: إذا حملت فاحملوا معي وأرسل إلى أصحاب الميسرة وأوصاهم بذلك، ثم
تقدم وانتظر الناس حملته ومعه الأشتر وغيره فحمل وحمل الناس وزحف الناس بعضهم
على بعض وارتموا بالنبل حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت، ثم تضاربوا
بالسيوف وعمد الحديد حتى جرت الماء، وانهزم عرب اليمن، وكان وقع
الحديد على الحديد أشد هولا من الصواعق والجبال حين تنهدم، وانكسفت الشمس
وثار القتام وظلت الألوية والرايات، وواصلوا النهار بالليل، قيل لم ير رئيس قوم
مذ خلق الله تعالى الدنيا قتل بيده مثل ما قتل أمير المؤمنين (ع) في ذلك اليوم، ثم قاتلوا
بالليل وواصلوا الليل بالنهار وهي ليلة الهرير.
قيل: قتل بيد أمير المؤمنين عليه السلام في يومه وليلته خمسمائة وثلاثة وعشرون
رجلا أكثرهم بالليل وذلك من كان إذا ضرب رجلا كبر ولم يكن ليضرب إلا وقتل
ذكر ذلك من كان يليه في الحرب ولا يفارقه من ولده وغيرهم (قال الراوي) فيحمل
ويدخل في وسطهم ويخرج بسيفه منحنيا فكنا نأخذه من يده فنقومه ثم يتناوله من
أيدينا فيقتحم به عرض السيف فلا والله ما لبث بأشد نكاية منه (ع) في عدوه وكان كلما
قتل فارسا أعلن بالتكبير، فأحصيت تكبيراته ليلة الهرير فكانت خمسمائة وثلاثة وعشرون
تكبيرة بخمسمائة وثلاثة وعشرين قتيلا من أصحاب السعير، وقيل كان الدم يسيل على ذراعه
وان قتلاه عرفوا في النهار بان ضرباته كانت على وتيرة واحدة ان ضرب طولا قد
أو عرضا قط، وكأنها كانت مكواة بالنار.
وقتل من أصحاب علي (ع) في ذلك اليوم والليلة الف وسبعون رجلا، ومن أصحاب
معاوية سبعة آلاف وقيل سبعون الف، وقتل في تلك الليلة خزيمة بن ثابت الأنصاري
ذو الشهادتين، وأويس القرني زاهد زمانه، وكان الأشتر في يوم ليلة الهرير وهو يوم
الجمعة على ميمنة علي (ع) وقد أشرف على الفتح، وقال بعض من شهد: ولقد أريقت
الدماء إلى الأرض حتى تخال انهم مطروا دما تتلقاه الناس بالقصاع والانية، وذلك في
يوم الهرير وفزع أهل الشام وهموا أن يتفرقوا فنادت مشيخة أهل الشام يا معشر العرب:
الله الله الله في الحرمات والنساء والبنات! فقال معاوية لعمرو بن العاص: ويلك هلم من
حيلك ومكائدك يا بن العاص فقد هلكنا فقال عمرو: تأمر الناس من كان له مصحف
فيرفعه على رأس رمح فكثر في الجيش من رفع المصاحف وارتفعت الضجة ونادوا كتاب
339

الله تعالى بيننا وبينكم، من لثغور الشام بعد أهل الشام، ومن لثغور أهل العراق بعد
أهل العراق. من لجهاد الروم والترك والكفار، ورفع في عسكر معاوية خمسمائة
مصحف كان من جملتها مصحف الامام وحملوه على أربع رماح.
قال ابن أبي الحديد، في شرح النهج: وأصبحوا وقد رفعوا المصاحف على رؤس
الرماح وهم ينادون كتاب الله بيننا وبينكم، فلما نظر أهل العراق إلى ذلك تقاعدوا عن
الحرب، فجاء من أصحابه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد سالين سيوفهم، ووضعوها
على عواتقهم، وقد اسودت جباههم من السجود، ويتقدمهم القراء وهم الذين صاروا
خوارج بعد ذلك فنادوه بإسمه لا بإمرة المؤمنين، يا علي أجب القوم إلى كتاب الله
إذا دعيت إليه وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم، فقال لهم:
يا أيها الناس، اني أحق من أجاب إلى كتاب الله ولكن معاوية وعمرو بن العاص وفلان
وفلان ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن اني اعرف بهم منكم، صحبتهم صغارا ورجالا
فكانوا شر صغار وشر رجال، ويحكم إنها كلمة حق يراد بها الباطل، إنهم لا يعرفونها
ولا يعملون بها، وما رفعوها إلا للخديعة والوهن والمكيدة، ويحكم انا أول من دعا
إلى كتاب الله، وأول من أجاب إليه وليس يحل لي ولا يسعني في ديني ان ادعى إلى كتاب
الله فلا اقبله، اني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم القرآن فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم
ونقضوا عهده ونبذوا كتابه، ولكني قد أعلمتكم انهم قد كادوكم وإنهم ليس العمل
بالقرآن يريدون، قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتيك، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة
الهرير وقد أشرف على عسكر معاوية ليدخله فاضطر علي (ع) وأرسل إليه يزيد بن هاني
إن إئتني، اتاه فبلغه فقال الأشتر: قل له ليس هذه الساعة التي ينبغي لك ان تزيلني
عن موقفي اني قد رجوت الفتح فلا تعجلني، فرجع يزيد بن هاني إلى علي (ع) وأخبره
بمقالة الأشتر.
قال الراوي: فعند ذلك ارتفع الوهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر وظهرت
دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ودلائل الخذلان والادبار على أهل الشام، فقال القوم
لعلي: ما نراك إلا قد أمرت الأشتر بالقتال، قال (ع): أرأيتموني شاورت رسولي إليه
أوليس كلمته على رؤس الاشهاد علانية وأنتم تسمعون؟ قالوا: فابعث إليه فليأتك
وإلا والله اعتزلناك، فقال (ع) ويحك يا يزيد قل له اقبل إلى فان الفتنة قد وقعت
340

فأتاه وأخبره فقال الأشتر: برفع هذه المصاحف قال نعم قال: اما والله لقد ظننت انها
حين رفعت ستوقع الاختلاف والفرقة إنها مشورة ابن النابغة، ثم قال ليزيد بن هاني:
ويحك ألا ترى إلى الفتح، ألا ترى إلى ما يلقون، ألا ترى ما الذي يصنع الله لنا
أينبغي ان ندع هذا وننصرف عنه؟ فقال له يزيد: أتحب انك ظفرت ها هنا وان
أمير المؤمنين (ع) بمكانه الذي هو فيه يضيق عليه ويسلم إلى عدوه؟ فقال: سبحان الله
لا والله لا أحب ذلك قال: فإنهم قالوا له وحلفوا عليه لترسلن إلى الأشتر فليأتينك
ولنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان أو لنسلمنك إلى عدوك.
فاقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح: يا أهل الذل والوهن، أحين علوتم
القوم وظنوا انكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف بدعوتكم إلى ما فيها، وقد والله تركوا
ما فيها من أمر الله وتركوا سنة من أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا فاني أحسست
بالفتح قالوا: لا نمهلك قال فأمهلوني عدوة الفرس فاني قد طمعت في النصرة قالوا:
دعنا منك يا اشتر قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا فقال خدعتم
والله ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السود كنا نظن صلاتكم زهادة في
الدنيا وشوقا إلى لقاء الله فلا أرى فراركم من الموت إلا إلى الدنيا، فقبحا يا أشباه
النيب الجلالة، ما أنتم ترون بعدها عزا ابدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون، فسبوه
وسبهم وضربوا بالسياط وجه دابته، وضرب بسوطه وجوه دوابهم فصاح بهم
أمير المؤمنين (ع) فكفوا، وتصايحوا أن أمير المؤمنين قد رضى إن أمير المؤمنين قد قبل
الحكومة، فأقبل الناس يقولون إن أمير المؤمنين قد رضى إن أمير المؤمنين قد قبل
وهو ساكت لا يفيض بكلمة مطرقا إلى الأرض ثم قام فسكت الناس كلهم وقال: أيها
الناس، ألا اني كنت بالأمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت ناهيا
فأصبحت منهيا، وقد أحببتم البقاء وليس لي ان أحملكم على ما تكرهون ثم قعد.
ولعمري لقد بلغ معاوية بهذه المكيدة إلى مراده، ولقد تفرع من هذه المكيدة
فروع، منها هذه يوم رفعوا المصاحف على رؤس الرماح، ويوم آخر حملوا رأس
الحسين (ع) الذي هو أعظم شأنا من... على رأس رمح طويل ومعه رؤس أهل بيته
وأصحابه وطافوا بهم من بلد، ولقد أحسن وأجاد:
ليت المواكب والوصي زعيمها * وقفوا كموقفهم على صفين
341

بالطف كي يروا الأولى فوق القنا * رفعت مصاحفها اتقاء منون
جعلت رؤس بني النبي مكانها * وشفت قديم لواعج وضغون
وتتبعت اشقى ثمود وتبع * وبنت على تأسيس كل لعين
الواثبين لظلم آل محمد * ومحمد ملقى بلا تكفين
إلى آخر الأبيات.
المجلس السادس والثلاثون
قال ابن أبي الحديد: وكتب معاوية كتابا إلى أمير المؤمنين (ع) في صفين بعد
ما كادوا بتلك المكيدة وهي رفع المصاحف على رؤس الرماح، وتقاعد أهل العراق عن
الحرب وجردوا سيوفهم على أمير المؤمنين (ع) وقالوا: أجب القوم على ما يدعوننا إليه.
كتب معاوية إلى أما بعد: فإن هذا الامر قد طال بيننا وبينك وكل واحد منا
يرى إنه على الحق فيما يطلب منا صاحبه ولن يعط واحد منا الطاعة لصاحبه، وقد قتل
فيما بيننا بشر كثير وأنا أتخوف أن يكون ما بقي أشد مما مضى وإنا سوف نسأل عن هذه
المواطن ولا يحاسب به غيري وغيرك، ودعوتك إلى أمر لنا ولك فيه حياط وعذر
وبراءة، وصلاح للأمة وحقن للدماء، وإلفة للدين، وذهاب الضغائن والفتن، وهو
أن يحكم بيني وبينك حكمان مرضيان: أحدهما من أصحابي، والاخر من أصحابك
فيحكمان بيننا بما انزل الله فهو خير لي ولك، واقطع هذه الفتن، فاتق الله فيما دعيت
إليه، وارض بحكم القرآن إن كنت من أهله والسلام.
فاجابه أمير المؤمنين (ع)، من علي بن أبي طالب: إلى معاوية بن أبي سفيان
أما بعد: فإن البغي والزور يرزيان المرء في دينه ودنياه، فاحذر الدنيا فإنه لا فرح
في شئ وصلت إليه منها، ولقد عمت إنك غير مدرك ما قضى فواته، وقد رام قوم
أمرا بغير الحق، وتأولوا على الله فأكذبهم ومتعهم قليلا، ثم اضطرهم إلى عذاب
غليظ، فاحذر يوما يقنط فيه من حمد عاقبة علمه، ويندم فيه من أمكن الشيطان من
قياده، وغرته الدنيا واطمأن إليها، ثم انك قد دعوتني إلى حكم القرآن ولقد علمت
342

إنك لست من أهل القرآن، ولا حكمه تريد، والله المستعان فقد أجبنا القرآن إلى حكمه
ولسنا إياك أجبنا، ومن لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا.
قال: وجاء الأشعث بن قيس إلى علي (ع) فقال: يا أمير المؤمنين فان شئت
اتيت معاوية فسألته ما يريد ونظرت ما الذي يسأل قال: آتيه ان شئت، فأتاه فسأل
معاوية لأي شئ رفعتم هذه المصاحف؟ قال: لنرجع ونحن وأنتم إلى أمر الله به فيها
فابعثوا رجلا منكم ترضون به، ونبعث رجلا ونأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله
ولا يعدلا عنه ثم نتبع ما اتفقا عليه، وقال الأشعث: هذا هو الحق وانصرف إلى
علي (ع) فخبره. قال أهل الشام: نبعث حكما من أهلها، وقال أهل العراق، نبعث
حكما من أهلها.
قال معاوية ومن معه: إنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص.
فقال أمير المؤمنين (ع): إن كان ولا بد من ذلك فعليكم بعبد الله بن عباس، فأبى
الأشعث بن قيس والقراء الذين معه الذين صاروا خوارج من بعد ذلك، قالوا: والله
ما نبالي كنت أنت أو ابن عباس، ولا نريد إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء ليس
إلى أحد منكما أدنى من الاخر، وقد رضينا واخترنا أبا موسى الأشعري! فقال علي (ع)
فاني لا ارضى بأبي موسى ولا أرى اوليه، وقد فارقني وخذل الناس عني وهرب مني
فإن لم ترضون بعبد الله بن عباس فاني اجعل الأشتر، فقال الأشعث: وهل سعر
الأرض علينا إلا الأشتر، وهل نحن إلا في حكم الأشتر، قال (ع): وما حكمه؟ قال
حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيف حتى يكون ما أردت وما أراد، فقال علي (ع):
فاني أخاف أن ينخدع أبو موسى، فان عمرو بن العاص ليس من الله في شئ إذا كان له في
أمر هوى فعليكم بعبد الله بن عباس فان عمر لا يعقد عقدا إلا حله عبد الله، ولا يحل
عقدة إلا عقدها، ولا يبرم أمرا إلا نقضه، ولا ينقض أمرا إلا أبرمه، وان معاوية
لم يكن ليضع لهذا الامر أحدا هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص فعليكم أنتم
بعبد الله بن عباس، فقال الأشعث: والله لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة
ولا نقبل إلا أبا موسى، فقال (ع): قد أبيتم، إلا أبا موسى؟: قالوا نعم.
قال (ع): فاصنعوا ما شئتم، فبعثوا إلى أبي موسى وهو بأرض من أراضي
الشام يقال له عرض فجاء حتى دخل عسكر علي (ع) وجاء الأحنف بن قيس إلى
343

أمير المؤمنين (ع) وقال: فان شئت أن تجعلني حكما فاجعلني، وان شئت ان تجعلني
ثانيا أو ثالثا فاجعلني، فاني أخاف ان يخدع أبو موسى، فعرض علي (ع) ذلك على
الناس فأبوه، وقالوا: لا يكون إلا أبو موسى.
قال: فلما رضي أهل الشام بعمرو وأهل العراق بأبي موسى اخذوا في سطر
الكتاب - يعني كتاب الموادعة - وكانت صورته: هذا ما تقاضى عليه علي
أمير المؤمنين (ع) ومعاوية بن أبي سفيان قاضي علي بن أبي طالب على أهل العراق ومن
كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين، وقاضي معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام
ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين، اننا ننزل عند حكم الله وكتابه، وان
كتاب الله سبحانه بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما أحيا القرآن، ونميت ما أمات
القرآن، فان وجد الحكمان ذلك في كتاب الله اتبعناه، وان لم يجداه اخذا بالسنة
العادلة غير المفرقة - يعني ينظر الحكمان في القرآن - فإن كان علي أفضل أثبتاه في الخلافة
وإن كان معاوية أفضل أثبتا معاوية في الخلافة، وان لم يجدا ذلك من كتاب الله رجعا
إلى السنة العادلة، والحكمان: أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص.
وقد أخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين انهما آمنان على أنفسهما
واموالهما وأهلهما والأمة لهما أنصار، وعلى الذي يقضيان عليه وعلى المؤمنين والمسلمين
من الطائفتين عهد الله ان يعملا بما يقضيان عليه مما وافق الكتاب والسنة، وان الامن
والأمان والموادعة ووضع السلاح متفق عليه بين الطائفتين إلى أن يقع الحكم، وعلى كل
واحد من الحكمين عهد الله ليحكمن بين الأمة بالحق لا بالهوى، وأجل الموادعة سنة
كاملة وان أحب الحكمان ان يعجل الحكم عجلاه، وان توفي أحدهما كان نصيب غيره إلى
أصحابه ممن يرتضون امره ويحمدون طريقه، اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه
الصحيفة وأراد فيها إلحادا وظلما.
فلما قرأ معاوية الكتاب قال: بئس الرجل، انا ان أقررت إنه أمير المؤمنين
ثم قاتلته، فقال عمرو بن العاص: إنما هو أميركم، فأما أميرنا فلا، فلما أعيد الكتاب
إلى علي (ع) أمر بمحوه، فقا الأحنف: لا تمح اسم امرة المؤمنين عنك فاني
أتخوف ان محوتها أن لا ترجع إليك ابدا فلا تمحها، فقال (ع): وان هذا اليوم كيوم
الحديبية حين كتب الكتاب عن رسول الله (ص).
344

هذا ما تصالح عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسهيل بن عمرو، فقال سهيل: لو اعلم انك
لرسول الله (ص) لم أقاتلك ولم أخالفك اني إذا لظالم لك ان منعتك أن تطوف بالبيت
بيت الله الحرام وأنت رسوله، ولكن اكتب من محمد بن عبد الله، فقال لي
رسول الله (ص): يا علي اني لرسول الله وانا محمد بن عبد الله ولن يمحو مني الرسالة
كتابي لهم، من محمد بن عبد الله فاكتبها وامح ما أراد محوه اما ان لك مثلها ستعطيها
وأنت مضطهد، فقال (ع): إن ذلك الكتاب - يعني كتابة صلح الحديبية - انا كتبته
بيننا وبين المشركين، واليوم اكتبه إلى أبنائهم كما كان رسول الله (ص) كتبه إلى آبائهم
شبها ومثلا.
فقال عمرو بن العاص: سبحان الله أتشبهنا بالكفار ونحن مسلمون، فقال (ع)
يا بن النابغة، ومتي لم تكن للكافرين وليا وللمسلمين عدوا، فقام عمرو وقال: والله
لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد اليوم، فقال علي (ع): اما والله اني لأرجو أن
يظهرني الله عليك وعلى أصحابك، وجاء أصحابه قد وضعت سيوفهم على عواتقهم وقالوا
يا أمير المؤمنين: مرنا بما شئت؟ فلم يأمرهم بشئ.
قيل لعلي (ع)، حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية وأهل الشام
أتقر أنهم مؤمنون؟ فقال (ع): ما أقر لمعاوية ولأصحابه انهم مؤمنون ولا مسلمون
ولكن يكتب معاوية ما شاء ويقر بما شاء لنفسه ولأصحابه ويسمي نفسه وأصحابه
بما شاء.
نعم والله هذا هو الحق كيف كانوا مسلمين وقد حاربوا إمامهم وجردوا سيوفهم
على إمامهم عاشوا كافرين وماتوا كافرين، وخلفوا أولادا وأحفادا كافرين وهم الذين
قتلوا ابن بتن نبيهم عطشانا ثم طافوا برأسه في البلدان:
رأس ابن بنت محمد ووصيه * للناظرين على قناة يرفع
والمسلمون بمسمع وبمنظر * لا منكر منهم ولا متفجع
345

المجلس السابع والثلاثون
قال في نهج البلاغة: ومن خطبة له (ع) بعد التحكيم، الحمد لله وان أتى الدهر
بالخطب الفادح والحدث الجلل، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ليس
معه إله غيره، وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله، اما بعد: فان معصية
الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحيرة وتعقب الندامة، وقد كنت أمرتكم في هذه
الحكومة أمري، وانخلت لكم مخزون رأيي، لو كان يطاع لقصير أمر فأبيتم على اباء
المخالفين الجفاة، والمنابذين العصاة، حتى ارتاب الناصح بنفسه، وضن الزند بقدحه
فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن:
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى * فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد
وخطب عليه السلام بهذه الخطبة بعد التحكيم، وذلك لما قف القتال بين علي
أمير المؤمنين (ع) ومعاوية بن أبي سفيان في حرب صفين سنة سبع وثلاثون من الهجرة
وكانت الحرب اكلت من كلا الفريقين، ورأي أصحاب معاوية ان الدبرة والهزيمة
تكون لهم فرفعوا المصاحف على الرماح يطلبون رد الحكم إلى كتاب الله، وتكلم الناس
في الصلح وتحكيم حكمين يحكمان بما في كتاب الله فاختار معاوية عمرو بن العاص واختار
بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس فلم يرض
أمير المؤمنين (ع) واختار: عبد الله بن عباس فلم يرضوه، ثم اختار الأشتر النخعي
فلم يطيعوا فوافقهم على أبي موسى مكرها، بعد أن اعذر في النصيحة لهم فلم يذعنوا فقد
نخل لهم - اي أخلص لهم رأيه في الحكومة أولا وآخرا - ثم انتهى أمر التحكيم بانخداع
أبي موسى لعمرو بن العاص وخلعه أمير المؤمنين (ع) ومعاوية ثم صعود عمرو بعده
واثباته معاوية وخلعه أمير المؤمنين (ع)، واعقب ذلك ضعف أمير المؤمنين (ع)
وأصحابه.
خطب (ع) بهذه الخطبة، ونحن نذكر مجملا من هذا المفصل، ليكون تذكرة لمن
تذكره، ومن أراد التفصيل فليراجع إلى محله، ولما كتب كتاب الموادعة بين أهل
346

الشام وأهل العراق وكفوا عن القتال وكتبت بينهما مقاضاة إلى شهر رمضان أو سنة
كاملة فرجع علي (ع) إلى العراق واعتزلت عنه المعتزلة والخوارج، ورجع معاوية
إلى الشام فلما قرب الموعد بعث علي (ع) أربعمائة فيهم: شريح بن ألهاني الحارثي ومعه
عبد الله بن عباس يصلي بهم ومعهم أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس، وبعث
معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة فالقوا بدومة الجندل وهو حصن عادي مسيرة عشرة
أيام من دمشق وعشرة أيام من الكوفة وعشرة أيام عن المدينة وتسمى الجوف، ثم إنهم
خلوا بين الحكمين فكان رأي عبد الله بن قيس في عبد الله بن عمر الخطاب وكان يقول:
عن الخلافة، فقال (ع): الله غالب على امره.
قال ابن أبي الحديد: إن عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري، لما التقيا بدومة
الجندل اخذ عمرو في الخديعة يقدم أبا موسى في الكلام وكان يتكلم قبله وأعطاه
التقدم في الصلاة، وفي الطعام لا يأكل حتى يأكل، وإذا خاطبه فإنما يخاطبه بأجل
الأسماء ويقول له: يا صاحب رسول الله ويعظمه غاية التعظيم ويقول: إنك صحبت
رسول الله (ص) قبلي وأنت أكبر مني سنا فتكلم أنت ثم أتكلم انا فجعل ذلك سنة وعادة
بينهما اطمأن إليه أبو موسى وظن إنه لا يغشه وكل ذلك منه كان مكرا وخديعة واغترارا
له بان يقدمه فيبدأ بخلع علي (ع)، ثم يرى رأيه.
فلما تمخضت الزبدة بينهما ووقت الألفة التامة، فقال له عمرو بن العاص:
اخبرني ما رأيك يا أبا موسى؟ قال: أرى ان اخلع هذين الرجلين وتجعل الامر شورى
بين المسلمين يختارون من يشاؤن، فقال عمرو: الرأي والله ما رأيت، قال أبو موسى
وان شئت ولينا هذا الامر لطيب بن الطيب عبد الله بن عمرو، فقال له عمرو:
يا أبا موسى إن هذا الامر لا يصلح له إلا رجل له ضرس يأكل اللحم ويطعم وان عبد الله
ليس هناك وان كنت إنما تريد أن تبايع ابن عمرو لدينه فما يمنعك من ابني عبد الله وأنت
تعرف فضله وصلاحه فقال أبو موسى: إن ابنك لرجل صدق ولكنه قد غمسته في هذه
الفتنة، فقال عمرو: الرأي ان تجعله شورى بين المسلمين، فأقبلا إلى الناس وهم
مجتمعون فتكلم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ان رأيي ورأي عمرو
ابن العاص قد اتفق على أمر ونرجو أن يصلح الله به شأن هذه الأمة، فقال عمرو:
347

صدق، ثم قال له تقدم يا أبا موسى فتكلم، فقام ليتكلم فدعاه ابن عباس وقال له:
ويحك والله اني لأظنه خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه قبلك ليتكلم به، ثم
تكلم أنت بعده فإنه رجل غدار ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه
فإذا قمت به في الناس خالفك. وكان أبو موسى رجلا مغفلا فقال إيها عندك إنا
قد اتفقنا.
فتقدم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنا قد نظرنا في أمر
هذه الأمة فلم نر شيئا هو أصلح لأمر هؤلاء ولا ألم لشعثها من أن يكون عليهم رجل يبين
أمورها، وقد اجتمع رأيي ورأي صاحبي على خلع علي ومعاوية، وان نستقبل هذا
الامر فيكون شورى بين المسلمين يولون أمورهم من أحبوا، واني قد خلعت عليا
ومعاوية فاستقبلوا أموركم وولوا من رأيتموه لهذا الامر اهلا ثم تنحى.
فقام عمرو بن العاص في مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذا خلع صاحبه
وسمعتم ما قال فانا اخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية في الخلافة فإنه ولي عثمان
والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه، فقال له أبو موسى: مالك لا وفقك الله قد غدرت
وفجرت إنما مثلك كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، فقال عمرو: إنما
مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا، وحمل شريح بن هاني على عمرو فقنعه بالسوط وحمل
ابن عمرو على شريح فقنعه بالسوط، وقام الناس وحجزوا بينهما فكان شريح بعد ذلك
يقول: ما ندمت على شئ كندامتي أن لا أكون ضربت عمروا بالسيف بدل السوط
اتى الدهر بما أتى، والتمس أصحاب علي (ع) أبا موسى فركب ناقته ولحق بمكة ولم يعد
إلى الكوفة لئلا ينظر إلى وجه علي (ع). فكان ابن عباس يقول: قبح الله أبا موسى
لقد حذرته وهديته إلى الرأي فما عقل، وكان أبو موسى يقول: لقد حذرني ابن عباس
حذرة الفاسق ولكني اطمأننت وظننت إنه لا يؤثر شيئا على نصيحة الأمة، ورجع
عمرو من دمة الجندل إلى منزله وكتب إلى معاوية:
أتتك الخلافة من فوقه * هنيئا مريئا تقر العيونا
تزف إليك زفاف العروس * بأهون من طعنك الدارعينا
فخذها ابن هند على بعدها * فقد دافع الله ما تحذرونا
وقد صرف الله عن شامكم * عدوا مبينا وحربا زبونا
348

وقال: وشمت أهل الشام بأهل العراق، فلما بلغ ذلك عليا (ع) غم لذلك وساءه
وقال: يؤتى بي وبمعاوية يوم القيامة فنجئ ونختصم عند ذي العرش فأينا فلج فلج
أصحابه. أقول: فيا ويلا لمعاوية من يوم القيامة إذا خاصمه أمير المؤمنين (ع) وكان
شفيعه خصيمه:
ويل لمن شفعائه خصمائه * والصور في يوم القيامة ينفخ
قال (ع): نختصم مع معاوية عند الله فأينا أفلج أصحابه، بالله عليكم. هل لمعاوية
من الفلج والله، وهل ليزيد بن معاوية من الفلج لا والله، وهل للكافر الفاسق
الزنديق عبيد الله بن زياد من الفلج إذا كتب يا بن سعد: إذا قتلت حسينا فاوطئ
الخيل صدره وظهره لا والله لا يكون لهم الفلج.
قالت الحوراء زينب، لعبيد الله بن زياد لعنه الله: هؤلاء قوم كتب الله عليهم
القتال فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج
يا عدو الله.
المجلس الثامن والثلاثون
في (شرح القصيدة) عن (مطالب السؤول): إن عليا (ع) لما عاد من صفين إلى
الكوفة انخزلت طائفة من خاصة أصحابه في أربعة آلاف فارس وهم العباد النساك وقالوا
لأمير المؤمنين: تب من خطيئتك واخرج بنا إلى معاوية نجاهده فقال (ع): اني كنت
نهيتكم عن الحكومة فأبيتم ثم الان تجعلونها ذنبا، قالوا والله لئن لم تتب من تحكيمك
الرجال لنقتلنك ونطلب بذلك وجه الله ورضوانه، فقال أحدهم: وهو زرعة بن
براج الطائي هذا الكلام، فقال (ع): بؤسا لك ما أشقاك كأني بك قتيلا تسفي عليك
الرياح قال اللعين وددت إنه كان ذلك، فخرجوا من الكوفة وخالفوا على علي (ع) وقالوا
لا حكم إلا لله ولا طاعة لمن عصى الله تعالى، وانحاز إليهم ثمانية آلاف رجل ممن يرى
رأيهم فصاروا اثني عشر ألفا وساروا حتى نزلوا بحر وراء قرية بقرب الكوفة وأمروا
عليهم عبد الله بن الكوا، فدعا علي (ع) عبد الله بن العباس فأرسله إليهم فنصحهم
349

ووعظهم فلم يرتدعوا وقالوا ليخرج إلينا علي بنفسه لنسمع كلامه عسى ان يزول ما بقلوبنا
إذا سمعناه، فرجع ابن عباس واعلمه، فركب علي (ع) في جماعة ومضى إليهم فركب
ابن الكوا في جماعة فوافقه فقال له علي (ع): يا بن الكوا الكلام كثير فأبرز إلي من
أصحابك لأكلمك، قال ابن الكوا: وانا من سيفك آمن قال: نعم فخرج إليه في عشرة
من أصحابه فقال له عن الحرب مع معاوية وذكر له رفع المصاحف على الرماح، وامر
الحكمين فقال علي (ع): ألم أقل لكم إن أهل الشام يخدعونكم بها فان الحرب قد عفتهم
فذروني أناجزهم، واردت ان انصب ابن عمي عبد الله بن عباس حكما فإنه رجل لا يخدع
فأبيتم وجئتموني بأبي موسى وقلتم رضينا به حكما فأجبتكم كارها.
ولو وجدت أعوانا غيركم في ذلك لما أجبتكم، وشرطت على الحكمين بحضوركم أن
يحكما بما انزل الله تعالى في كتابه من فاتحته إلى خاتمته والسنة الجامعة، وان هما يفعلا
فلا طاعة لهما، على كان ذلك أم لم يكن؟ قال ابن الكوا: صدقت قد كان هذا كله فلم
لا ترجع الان إلى حرب القوم فقال (ع): حتى تنقي المدة التي بيننا وبينهم فقال:
وأنت مجمع على ذلك؟ قال (ع): نعم ولا يسعني غيره فعاد ابن الكوا والعشرة الذين
معه إلى أصحاب علي (ع) تائبين راجعين عن دين الخوارج، وانصرفوا مع علي (ع)
إلى الكوفة هذا ما ذكره في شرح القصيدة وفيه ما فيه مما لا يخفى على البصير من
حال ابن الكوا.
والحاصل، وتفرق الباقون وهم يقولون: لا حكم إلا لله، ثم إنهم أمروا عليهم
عبد الله الراسي وحرقوص بن زهير البجلي المعروف بذي الثدية وكان رجلا اسود منتن
الريح له كثدي المرأة إذا مدت كانت بطول اليد الأخرى، وإذا تركت اجتمعت
وتقلصت وصارت كثدي المرأة عليها شعرات مثل شوارب الهرة فعسكروا بالنهروان
بلد من بغداد بأربع فراسخ، وقتلوا العبد الصالح عبد الله بن خباب - أو جناب - في
عنقه مصحف ومعه امرأة وهي حامل وقالوا له: إن هذا الذي في عنقك يأمرنا بقتلك
وقربوه إلى النهر وذبحوه، وسال دمه في النهر ودعوا بامرأته وبقروا عما في بطنها
وخرج علي (ع) وسار حتى بقي على فرسخين منهم، وكاتبهم وراسلهم فلم يرتدعوا
فأرسل إليهم عبد الله بن عباس وقال (ع): سلهم ما الذي نقموه مني وانا ورائك
فلا تخف منهم، فلما جاءهم ابن عباس قال لهم: ما الذي نقمتم من أمير المؤمنين (ع)؟
350

قالوا نقمنا منه أشياء لو كان حاضرا لكفرناه بها وعلي (ع) وراءه يسمع ذلك
فقال (ع): انا علي بن أبي طالب فتكلموا بما نقمتم علي، قالوا نقمنا عليك أولا
إنا قاتلنا معك بالبصرة لما أظفرك الله تعالى بهم أبحتنا ما كان في عسكرهم ومنعتنا النساء
والذرية فكيف تستحل ما كان في العسكر ولا تستحل ما كان في العسكر ولا تستحل النساء
والذرية؟ فقال (ع): إن أهل البصرة قاتلونا وبدؤنا بالقتال فلما ظفرتم اقتسمتم سلب
من قاتلكم ومنعتكم النساء والذرية فإن النساء لم يقاتلن، والذرية ولدوا على الفطرة ولم
ينكثوا ولا ذنب لهم ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من على المشركين فلا تعجبوا ان
مننت على المسلمين فلم أسب نساءهم ولا ذريتهم.
فقال ابن عباس: أتسبون أمكم عائشة فوالله لئن قتلتم ليس بأنكم قد خرجتم من
الاسلام، وان قتلتم لنسبها ونستل منها ما نستحلل من غيرها فأنتم بين ضلالتين إن الله
عز وجل قال: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم فقالوا: نقمنا
عليك يوم صفين وقت الكتاب انك قلت لكاتبك اكتب هذا ما تقاضى عليه
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان فأبى معاوية أن يقبل إنك
أمير المؤمنين فمحوت اسمك من امرة المؤمنين وقلت لكاتبك اكتب هذا ما تقاضى عليه
علي بن أبي طالب ومعاوية، فإن لم تك أمير المؤمنين ونحن المؤمنين فلست بأميرنا
فقال (ع): يا هؤلاء إنما اقتديت برسول الله حين صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو.
ولما محا اسمه من الرسالة يوم الحديبية قالوا: انا نقمنا عليك إنك قلت للحكمين
انظروا في كتاب الله تعالى فان كنت أفضل من معاوية فأثبتاني في الخلافة وإن كان معاوية
أفضل مني فاثبتاه فان كنت شاكا في نفسك فنحن أشك فيك فقال (ع) إنما أردت بذلك
النصفة فإني لو قلت للحكمين احكما لي واتركا معاوية كان الناس لا يرضون بذلك والنبي (ص)
قال لنصارى نجران لما قدموا: تعالوا حتى نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين فانصفهم
من نفسي ولم اعلم بما أراد عمرو بن العاص من خديعة أبو موسى، قالوا نقمنا عليك
فلان وفلان وذكروا أشياء فأجابهم عليه السلام.
ثم قال: فهل عندكم شئ غير هذا تحتجون به علي؟ فسكت القوم ثم صاح جماعة
منهم من كل ناحية التوبة يا أمير المؤمنين، واستأمن ثمانية آلاف وبقي على حربه
أربعة آلاف، فأقبل علي على الذين استأمنوا إليه وقال (ع): اعتزلوا في وقتكم هذا
351

عني وذروني والقوم، وتقدم علي (ع) في أصحابه حتى دنا منهم واستنطقهم وقال:
لأنتم قتلتم عبد الله بن جناب فأقروا به قالوا: ولنقتلنك كما قتلناه، فقال (ع): والله
لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وانا أقدر على قتلهم به لقتلتهم ثم التفت إلى أصحابه
وقال: شدوا عليكم فانا أولى يشد عليهم، وتقدم عبد الله بن وهب وذو الثدية
حرقوص وقالا: ما نريد بقتالك إلا وجه الله والدار الآخرة، فقال (ع): (هل ننبئكم
بالأخسرين أعمالا الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعا).
ثم التحم القتال بين الفريقين واستعرت الحرب بلظاها وأسفرت عن زرقة صبحها
وحمرة ضحاها، فحمل فارس من الخوارج يقال له الأخنس الطائي وكان شهد صفين مع
أمير المؤمنين فشق الصفوف يطلب عليا فبدره علي (ع) بضربة فلق البيضة ورأسه فحمل
به الفرس وألقاه في آخر المعركة في جوف دالية على شط النهروان، وخرج من بعده
ابن عمه فحمل علي (ع) عليه وضربه وقتله، وتقدم عبد الله بن وهب فصاح يا بن
أبي طالب والله لا نبرح عن هذه المعركة أو نأتي على أنفسنا أو نأتي على نفسك فأبرز
إلي أو أبرز إليك وذر الناس جانبا، فلما سمع علي (ع) كلامه تبسم وقال: قاتله الله من
رجل ما أقل حياءه اما إنه ليعلم إنه حليف السيف، وخدين الرمح، ولكنه قد يئس
من الحياة، وإنه ليطمع طمعا كاذبا - يعني بالشهادة والجنة - فدخل وقت الصلاة فقال:
إيتوني بماء فقعد يتوضأ فأقبل فارس وقال: قد عبر القوم فقال أمير المؤمنين (ع):
ما عبروا ولا يعبرونه ولا يفلت منهم إلا دون العشرة، ولا يقتل منكم إلا دون العشرة
والله ما كذبت ولا كذبت، فتعجب الناس وكان معه رجل وهو في شك في امره فقال:
إن صح ما قال فلا احتاج إلى دليل غيره، فبينما هم كذلك إذ أقبل فارس فقال
أمير المؤمنين (ع): القوم على ما ذكرت لم يعبروا القنطرة، فصلى بالناس الظهر
بأجمعهم وكانوا أربعة آلاف، وقال (ع) اطلبوا ذا الثدية فطلبوه شديدا فلم يجدوه
فدعا (ع) ببغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وركبها واتبعه الناس فرأى القتلى وجعل يقول:
قلبوهم، وجعلوا يقلبون قتيلا بعد قتيل حتى استخرجوا ذا الثدية وهو رجل مخدع
يعني ناقص إحدى يديه مثل الثدي وعلى يديه مثل سبلات السنور - فكبر علي (ع)
وقال: ما كذبت ولا كذبت وقطعوا يده ونصبوها على الرمح.
352

وقال (ع): الحمد لله الذي جعل مصيرك إلى النار فما أفلت منهم إلا تسعة أنفس
ورجلان هربا إلى خراسان إلى ارض سجستان وبهما نسلهما، ورجلان صارا إلى بلاد
الجزيرة إلى موضع يسمى السن، ورجلان صارا إلى بلاد عمان وفيهما نسلهما إلى الان
ورجلان صارا إلى بلد اليمن ويقال لهم الأباضية، ورجل آخر هرب إلى البر، ثم بعد
ذلك دخل الكوفة وهو عبد الرحمن بن ملجم ولم يقتل من أصحاب أمير المؤمنين (ع)
إلا تسعة، أخبر أمير المؤمنين (ع) بذلك قبله.
وعن الباقر (ع): إنه لما رجع أمير المؤمنين (ع) من وقعة الخوارج اجتاز
بالزوراء فقال عليه السلام: سيروا وجنبوا عنها فلما ان أتى يمنه السواد إذا هو براهب
في صومعة له فقال (ع): يا راهب أنزل ها هنا؟ قال: لا تنزل هذه الأرض بجيوشك
إنه لا ينزلها نبي أو وصي نبي بجيشه يقاتل في سبيل الله تعالى هكذا نجد في كتبنا
فقال (ع): فانا وصي الأوصياء وانا علي بن أبي طالب وصي سيد الأنبياء.
قال الراهب: فأنت إذا اطلع قريش ووصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: انا ذلك فنزل
الراهب وقال: خذ على شرائع الاسلام اني وجدت في الإنجيل نعتك وانك تنزل
ارض براثي ببيت مريم، وارض عيسى، فقال له أمير المؤمنين (ع) قف ولا تخبرنا
بشئ ثم أتى موضعا فقال الكزوه فلكزه رجل فانبجست عين خرارة فقال عليه السلام
هذه عين مريم عليها السلام التي انبعثت بها ثم قال (ع): اكشفوا هنا على سبع عشرة
ذراعا فكشف فإذا صخرة بيضاء فقال عليه السلام: على هذه الصخرة وضعت مريم
عيسى (ع) عن عاتقها وصت ها هنا فنصب أمير المؤمنين عليه السلام الصخرة فصلى إليها
وأقام هناك أربعة أيام ثم قال: ارض براثا هذا بيت مريم عليها السلام، هذا الموضع
المقدس صلى فيه الأنبياء وصلى فيه إبراهيم الخليل، عن جويرية بن مسهر قال: اقبلنا مع
علي عليه السلام من النهروان. فلما صرنا في ارض بابل حضر وقت الصلاة فقال (ع)
أيها الناس إن هذه ارض ملعونة قد خسفت بها مرتين من الدهر وهي إحدى المؤتفكات
وهي أول ارض عبد فيها وثن لا ينبغي لنبي أو وصي نبي ان يصلي فيها وضرب بغلة
رسول الله (ص) وسار فتبعته فوالله ما بلغ سوري حتى غربت الشمس وظهر الليل
فالتفت إلي، وقال (ع): يا جويرية صليت؟ قلت: نعم فنزل فأذن وتنحى عني فحسبته
يتوضأ ثم دعا بكلام فحسبته بالعبرانية أو من التوراة فإذا الشمس قد بدت راجعة حتى
353

استقرت في موضعها من الزوال فقام يصلي فصليت معه الظهر والعصر باذان واحد
وإقامتين، فلما قضينا صلاة العصر هوت الشمس فصرنا في الليل ثم قال: يا جويرية إن
الله تعالى يقول: فسبح باسم ربك العظيم واني دعوت الله باسمه العظيم فرد الشمس
كما رأيت:
بحب علي غلا معشر * وقالوا مقالا به لا بلى
(فحاميم) في مدحه أنزلت * وردت له الشمس في بابل
ثم جاء حتى دخل الكوفة واستقبله الناس وهنؤوه بالظفر بالخوارج، ودخل
المسجد فصلى ركعتين ثم صعد المنبر فخطب خطبة حسناء، ثم التفت إلى ابنه الحسن وقال:
يا أبا محمد، كم من مضى من شهرنا هذا؟ فقال ثلاثة عشر يوما يا أمير المؤمنين، ثم التفت
إلى الحسين فقال: يا أبا عبد الله كم بقي من شهرنا هذا - يعني رمضان الذي هم فيه - فقال
الحسين عليه السلام: سبعة عشر يا أمير المؤمنين، فضرب بيده على لحيته وهي يومئذ
بيضاء فقال: والله ليخضبنها بدمها إذا انبعث أشقاها، فما كمل الشهر حتى كان كما
قال عليه السلام.
المجلس التاسع والثلاثون
قف بالقبور وقل على ساحتها * من منكم المعمور في ظلماتها
ومن المكرم منكم في قعرها * قد ذاق برد الامن من روعاتها
لو جاوبوك لأخبروك بالسن * تصف الحقائق بعد من حالاتها
اما المطيع فنازل في روضة * يفضي إلى ما شاء من دوحاتها
والمجرم الطاغي بها متقلب * في حفرة يأوي إلى حياتها
وعقارب تسعى إليه فروحة * في شدة التعذيب من لدغاتها
روى الصدوق رحمه الله في (الأمالي) عن قيس بن عاصم التميمي قال: وفدت
مع جماعة من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخلت عليه وقلت: يا نبي الله عظنا موعظة ننتفع
بها فإنا قوم نعبر في البرية، فقال (ص): يا قيس، إن مع العز ذلا، وان مع الحياة
354

موتا، وان مع الدنيا آخرة، وان لكل شئ حسيبا، وعلى كل شئ رقيبا، وان
لكل حسنة ثوابا، ولكل سيئة عقابا، ولكل اجل كتابا، وإنه لا بد لك يا قيس
من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريما أكرمك
وإن كان لئيما أسلمك، ثم لا يحشر معك ولا نبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه
فلا تجعله صالحا فإنه ان صلح انست به، وان فسد لا تستوحش إلا منه وهو فعلك
فقال: يا رسول الله أحب ان يكون هذا الكلام في أبيات من الشعر نفتخر به على من
يلينا من العرب وندخره، فأمر النبي (ص) من يأتيه بحسان بن ثابت قال: فأقبلت
أفكر فيما يشبه هذه الموعظة من الشعر، فاستقام إلى القول قبل مجئ حسان فقلت:
يا رسول الله قد حضرتني أبيات أحسبها توافق ما تريد فقلت:
تخير خليطا من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
ولا بد قبل الموت من أن تعده * ليوم ينادي المرء فيه فيقبل
فان كنت مشغولا بشئ فلا تكن * بغير الذي يرضى به الله تشغل
فلن يصحب الانسان من بعد موته * ومن قبله إلا الذي كان يعمل
ألا إنما الانسان ضيف لأهله * يقيم قليلا بينهم ثم يرحل
فمحصل كلامه صلى الله عليه وآله وسلم للانسان قرينا في القبر وهو عمله فطوبى لمن كان عمله وقرينه
صالحا، والويل والذل لمن كان قرينه فاسدا، وهذا القرين لا يفارق الانسان
ولا ينفك عنه.
في الخبر: يمثل لابن آدم في حال احتضاره المال والأولاد والعمل، فيلتفت إلى
ماله ويقول له: كنت حريصا على جمعك واضرب البر والبحر في الحر والبرد لتحصيلك
واني اليوم مفارقك ومحتاج إلى مساعدتك ومعاونتك فما تصنع؟ وكيف تساعدني؟
فيقول المال: خذ مني كفنك واذهب إلى قبرك وذلك قول الله تعالى: (ولا تنس
نصيبك من الدنيا) وهو الكفن، فيلتفت إلى أولاده ويقول: والله لقد تعبت روحي
ونفسي لكم وجمعت مالا من حلال وحرام لأجلكم، وأغمضت في مطالبها وتحملت
الشدائد والمكاره لحفظ شؤونكم وقضاء حوائجكم فإني اليوم محتاج إليكم فأعينوني بما
تستطيعون، فيقولون: نحن نشيعك إلى قبرك وحفرتك، ونودعك فيها فإذا واريناك
رجعنا إلى قصورنا ومكاننا ومنازلنا، فإذا أيس من المال والأولاد التفت إلى العمل
355

الصالح ويقول: والله اني كنت كارها لك وعنك هاربا، واكسل في الاشتغال بك
فالآن بقيت وحيدا فريدا فلا مال يعينني ولا ولد يدافعون عني فماذا أنت تصنع بي؟
فيقول: انا معك ولا أفارقك في أي مكان تنزل، فانا امامك وقرينك وأنيسك فيفرح
بذلك، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اخلاء ابن آدم ثلاثة: واحد يتبعه إلى قبض
روحه، والثاني يتبعه إلى قبره، والثالث يتبعه إلى حشره، فالذي يتبعه إلى قبض
روحه، فماله، والذي يتبعه إلى قبره فأهله، والذي يتبعه إلى حشره فعمله.
وقيل لما وضع العبد الصالح في القبر تحتوشه أعماله الصالحة مثل: الصلاة والصيام
والحج والصدقة، فإذا جاءت ملائكة العذاب من قبل رجليه فتقول الصلاة: إليكم عنه
فلا سبيل لكم عليه فقد طالب بي القيام لله تعالى عليها. فيأتونه من قبل رأسه فيقول
لا سبيل لكم عليه فقد طال ما أظمأه الله في دار الدنيا إليكم عنه، فيأتونه من قبل جسده
فيقول الحج: إليكم عنه اتعب بدنه ونفسه وحج لله فلا سبيل لكم عليه، فيأتونه من
قبل بدنه فتقول الصدقة كفوا عنه وخلوا عن صاحبي فلكم من صدقة خرجت من هاتين
اليدين حتى وقعت في يد الله ابتغاء وجهه فلا سبيل لكم عليه فقال له: طبت هنيئا طبت
حيا وميتا فيأتيه ملائكة الرحمة فتفرش له فراشا من الجنة ودثارا من الجنة ويفتح له قبره
بقدر مد بصره ويؤتى بقنديل من الجنة يستضئ بنوره إلى يوم القيامة.
وفي خبر لما وضع المؤمن في حفرته يأتيه آت حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب
فيقول له: ابشر برحمة من ربك وجنات فيها نعيم مقيم. فيقول: وأنت بشرك الله بخير
وبالجنة من أنت؟ فيقول انا عملك الصالح والله ما علمتك إلا سريعا في طاعة الله، وبطيئا عن
معصية الله فجزاك الله خيرا ثم ينادي المنادي ان افرشوا له فراش الجنة، وافتحوا له بابا من
الجنة. فيفرش له فراش من الجنة، ويفتح له باب من الجنة ويقول: اللهم عجل قيام الساعة
حتى أرى ما أعد لي من الكرامات. والكافر بعكس ذلك كما قال الله تعالى: (يوم تجد كل
نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا)
فهنيئا لمن عمل في أيام حياته لأيام حاجته ويوم فقره ويوم وحشته وهو يؤانسه ويصاحبه
إلى أن يخرج من قبره وهو أمامه ينجيه من الهلكات والعقبات، فوا أسفاه على الأنفس
التي لم يكن لها شئ من الأعمال الصالحة فيدفن في القبر وحيدا، ويخرج من قبره وحيدا
ويحشر إلى القيامة ووجهه مسود ويده خالية ينظر تارة عن يمينه، وأخرى عن يساره
356

ولا يرى من يفزع إليه ويستغيث به.
قال (ع): أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا حاملا ثقلي على ظهري انظر مرة
عن يميني، وأخرى عن شمالي إذا الخلائق في شأن غير شأني (لكل امرئ منهم يومئذ
شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة
ذلة) اما الوجوه التي هي ضاحكة مستبشرة فلعمري هي وجوه الباكين على الحسين (ع)
كما قال رسول الله (ص): كل عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت على مصاب الحسين (ع)
فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة. وقال الصادق (ع): ما من عبد يحشر يوم القيامة
إلا وعيناه باكية إلا الباكين على جدي فإنه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه والسرور
على وجهه. والخلق في فزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حداث، الحسين
تحت العرش، وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب (تبكيك عيني لا لأجل مثوبة الخ.
المجلس الأربعون
اتيت القبور فناديتها * فأين المعظم والمحتقر
وأين المدل بسلطانه * وأين المزكى إذا ما افتخر
فنوديت من جانب والاسى * وأشجان قلب له قد ظهر
تفانوا جميعا فما مخبر * وماتوا جميعا ومات الخبر
تروح وتغدوا بنات الثرى * فتمحوا محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا * اما لك فيما ترى معتبر
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر
منها اختلف.
ومما يظهر من الاخبار والآثار إن أرواح المؤمنين إذا خرجت من أبدانهم فيصعد
بهم إلى السماء ثم يؤتى بهم، ويسكنون في روضات الجنان ويأتلفون فيما بينهم كما لهم
ايتلاف في عالم الذر، ويزور بعضهم بعضا، ويجلسون فيما بينهم ويتحدثون. كما في
(جامع الأخبار).
357

وروي عن يونس بن ظبيان قال: دخلت على أبي عبد الله الصادق فقال (ع):
ما يقول الناس في أرواح المؤمنين قلت يقولون: في حوصلة طيور خضر في قناديل تحت
العرش فقال أبو عبد الله (ع): سبحان الله المؤمن أكرم على الله من أن يجعل في حوصلة
طائر اخضر، يا يونس المؤمن إذا قبضه الله تعالى صير روحه في قالب كقالبه في الدنيا
فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوا تلك الصورة التي كانت في الدنيا.
وقال أبو بصير: سمعته يقول حين سألته عن أرواح المؤمنين قال (ع): هم في
الجنة على صورة أبدانهم لو رأيته لقلت فلانا وهم ينظرون الصدقة والهدية من أهاليهم
وإذا اهدى أحد منهم بهدية من الخيرات والصدقات يفرح بذلك، ويدعو لمن اهدى
إليه ولذا قال رسول الله (ص): اهدوا لموتاكم فقيل: يا رسول الله وما هدية الأموات؟
قال: الصدقة والاطعام والدعاء فان أرواح المؤمنين تأتي كل جمعة إلى السماء الدنيا بحذاء
قبورهم وبيوتهم، وينادي كل واحد منهم بصوت حزين وعين باكية، يا أهلي
ويا ولدي ويا أبي ويا أمي ويا أقربائي اعطفوا علينا يرحمكم الله بدرهم أو بدينار
أو برغيف أو بكسوة يكسوكم الله من لباس الجنة ثم بكى النبي (ص) وبكينا معه فلم يستطيع
النبي (ص) أن يتكلم من كثرة بكائه، ثم قال (ص): أولئك اخوانكم في الدين فصاروا
ترابا رميما بعد السرور والنعيم فينادون بالويل والثبور على أنفسهم يقولون، يا ويلنا
لو اتفقنا ما كان في أيدينا في طاعة الله ورضائه ما كنا نحتاج إليكم فيرجعون بحسرة وندامة
وينادون أسرعوا بصدقة الأموات، وقال (ص): ما تصدق أحد من صدقة لميت
إلا ويأخذها ملك في طبق من نور ساطع ضوئها يبلغ بها سبع سماوات، ثم يقوم بها
على شفير الخندق، وينادي السلام عليكم يا أهل القبور أهلكم أهدي إليكم بهذه الهدية
فيأخذها ويدخل بها في قبره فتوسع عليه مضاجعه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ألا من اعطف لميت
بصدقة فله عند الله من الاجر مثل جبل أحد فيكون يوم القيامة في ظل عرش الله يوم
لا ظل إلا ظل عرشه، وحي وميت نجي بهذه الصدقة، وأفضل الخيرات للميت طلب
الرحمة له وحفظ ما أوصى به والعمل به، واطعام الطعام لأجله والحضور على قبورهم
وتلاوة القرآن لهم أقل فائدة الهدايا والخيرات للأموات إن اهدى للميت بهدية فببركة
تلك الهدية يوسع القبر والمضجع على ذلك الميت، وينجي من ضيق اللحد فإنهم يشتكون
من ضيق اللحد وينادون قد تكادنا ضيق المضجع، وكان زين العابدين (ع) يذكر القبر
358

وضيق اللحد ويبكي ويقول فمالي لا أبكي أبكي لخروج نفسي أبكي لظلمة قبري أبكي لضيق
لحدي أبكي لسؤال منكر ونكير إياي ولم يزل روحي له الفداء يذكر الموت والقبر واللحد
والسؤال ويبكي:
هذا حال الزاهدين في الدنيا، وفي الخبر أزهد الزاهدين من لم ينس القبر والبلاء
وترك فضل زينة الدنيا واثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد غدا من أيامه، وعد نفسه من
أهل القبور، ومن الزاهدين من لم يقتنوا بتذكر القبر حتى جاوروا القبور إلى أن ماتوا
قيل لأمير المؤمنين (ع): ما شأنك جاورت المقبرة؟ قال (ع): اني أجدهم خير جيران
صدق يكفون الألسنة ويذكرون الآخرة، وكان أبو الدرداء يقعد إلى القبور فقيل له في
ذلك فقال: اجلس إلى قوم يذكرونني معادي، وإذا قمت لم يغتابوني قال بهلول:
أجالس قوما لا يؤذونني، وان غفلت عن الآخرة يذكرونني، وان غبت لم يغتابوني
والبهلول كلمات حسنة واشعار رائقة منها:
يا من تمتع بالدنيا وزينتها * ولا تنام عن اللذات عيناه
شغلت نفسك فيما ليس تدركه * تقول لله ماذا حين تلقاه
قال رسول الله (ص): اطلع على القبور، واعتبر بيوم النشور، وكان علي (ع)
يعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويطلع على القبور وينشد:
أحبيب مالك لا ترد جوابنا * أنسيت بعدي خلة الأحباب
قال الحبيب وكيف لي بجوابكم * وانا رهين جنادل وتراب
أكل التراب محاسني فنسيتكم * وحجبت عن أهلي وعن أترابي
قيل: انشدها في مرثية الزهراء عليها السلام وله في ذلك أبيات شتى منها: أرى
علل الدنيا.
المجلس الحادي والأربعون
أوحى الله تعالى إلى عيسى بن مريم يا عيسى إنك تفنى وانا أبقى ومنى رزقك وعندي
ميقات اجلك، والي إيابك وعلي حسابك فاسئلني ولا تسأل غيري، فيحسن منك
359

الدعاء ومني الإجابة يا عيسى ما أكثر للبشر وأقل عدد من صبر الأشجار كثيرة، وطيبها
قليل فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرها، يا عيسى لا يغرنك التمرد علي بالعصيان
يأكل رزقي ويعبد غيري ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه ثم يرجع لي ما كان لفعلي يتمرد
أم لسخطي يتعرض.
فبي حلفت لآخذنه أخذة ليس له منجا ولا دوني ملجأ أين يهرب من سمائي وأرضي
يا عيسى إياك ودعوة المظلوم فأني آليت على نفسي ان افتح لها بابا من السماء وان أجيبه
ولو بعد حين، يا عيسى تب إلي من ذنبك فإنه لا يتعاظمني ذنب ان أغفره وانا أرحم
الراحمين يا عيسى لا تحلف باسمي كاذبا فيهتز عرشي غضبا يا عيسى الدنيا قصيرة العمر
طويلة الامل وعندي دار خير مما يجمعون، يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل كيف أنتم
صانعون إذا أخرجت لكم كتابا ينطق بالحق فتنكشف سرائر قد كتمتموها، يا عيسى
قل لظلمة بني إسرائيل غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم، أبي تغترون أم علي تجترؤن
تطيبون بالطيب لأهل الدنيا، وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة كأنكم أقوام
ميتون، يا عيسى قل لهم: قلموا أظفاركم عن كسب الحرام، وأصموا اسماعكم عن
ذكر الخنا واقبلوا علي بقلوبكم فإني لست أريد صوركم يا عيسى اعلم إن صاحب السوء
يغوي، وان قرين السوء يردي، واختر لنفسك إخوانا من المؤمنين، يا عيسى
هب لي من عينيك الدموع ومن قلبك الخشوع، واكحل عينيك بميل الحزن، إذا ضحك
البطالون كن خاشعا صابرا، يقظان إذا نامت العيون حذرا للمعاد والزلازل الشداد
وأهوال يوم القيامة حيث لا ينفع مال ولا ولد، يا عيسى قم على قبور الأموات فنادهم
بالصوت الرفيع لعلك تأخذ موعظتك منهم وقل: اني لاحق في اللاحقين، يا عيسى
وارفع طرفك الكليل إلى السماء وادعني فاني منك قريب، ولا تدعني إلا متضرعا إلى
وهمك هم واحد فإنك، متى تدعني كذلك أجبتك، يا عيسى كن راحما مترحما للعباد كما تشاء
أن يكون العباد لك يا عيسى أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضا من غير تكدير، وطلبت
منك قرضا لنفسك فبخلت به عليها لتكون من الهالكين.
يا عيسى لا خير في لذة لا تدوم، وعيش من صاحبه يزول. يا بن مريم لو رأت
عينيك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقا إليه فليس كدار
الآخرة دار تجاور فيها الطيبون، ويدخل عليها الملائكة المقربون، دار لا يتغير فيها
360

النعيم، ولا يزول، يا عيسى اهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب ونار ذات
أغلال وأنكال لا يدخلها روح ولا يخرج منها غم أبدا، قطع كقطع الليل المظلم، ولن
ينجو منها من كان من الهالكين، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين، وكل فظ غليظ
وكل مختال فخور. يا عيسى لا تأمن إذا مكرت مكري ولا تنس عند خلواتك بالذنب
ذكري، يا عيسى اني ان غضبت عليك لم ينفعك رضى من رضى عنك وان رضيت عنك
لم يضرك غضب المغضبين عليك يا عيسى ادعني دعاء الغريق الذي ليس له مغيث وادعني
وأنت محب فأني اسمع السامعين وأستجيب للداعين إذا دعوني، يا عيسى اني لا أنسى من
ينساني فكيف أنسى من يذكرني، انا لا ابخل على من عصاني فكيف ابخل على من يطيعني
يا عيسى اطب بي قلبك وأكثر في الخلوات ذكري، واعلم إن سروري ان تبصبص إلي
وكن في ذلك حيا ولا تكن ميتا، يا عيسى أحيي ذكري بلسانك، واسكن ودي في
قلبك، يا عيسى إذا أنعمت عليك نعمة فأستقبلها بالاستكانة أتممها عليك، يا عيسى
إنك مسؤول فأرحم الضعيف كرحمتي إياك، ولا تقهر اليتيم أقول: ما يفل الله بقوم
قهروا وظلموا أيتام أبي عبد الله سلبوهم وضربوهم ولطموهم وحملوهم على الاقتاب من
بلد إلى بلد.
المجلس الثاني والأربعون
وما سالم عما قليل بسالم * وان كثرت احراسه ومواكبه
ومن يك ذا باب شديد وحاجب * فعما قليل يهجر الباب حاجبه
ويصبح في لحد من الأرض ضيقا * يفارقه اجناده ومواكبه
وما كان إلا الموت حتى تفرقت * إلى غيره احراسه وكتائبه
وأصبح مسرورا به كل كاشح * واسلمه أحبابه وحبائبه
بنفسك فاكسبها السعادة جاهدا * فكل امرء رهن بما هو كاسبه
من منهج الرشاد لكاشف الغطاء قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: زوروا القبور فإنها تذكر
الموت، وكان (ص) بنفسه يزور ويخرج إلى القبور، والى البقيع آخر الليل ويقول
361

السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وقال (ص): إن الشهداء وسائر
المؤمنين إذا زارهم المؤمن وسلم عليهم عرفوا وردوا عليه السلام ولا يمر أحد بالمقابر
إلا وينادي من أهل القبور يا غافلا لو علمت بما نحن فيه لذاب جسمك ولحمك
كما يذوب الملح في الماء.
وعنه (ص) الموتى ينادون في كل يوم ثلاث مرات من قبورهم، يا أهل الديار
عجلوا عجلوا فإنما نحن محبوسون من اجلكم الرحيل، ولا تحبسوا اخوانكم خربوا ما بنيتم
واتركوا ما جمعتم، نورتم البيوت، وأظلمتم القبور، ووسعتم البيوت، وضيقتم القبور.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم ما من يوم يمضي إلا وملك يهتف يا أهل القبور من تغبطون اليوم
فيقولون: نغبط أهل المساجد، يصلون في مساجدهم ويصومون ويتصدقون، ولا نقدر
ان نصلي ونصوم ونتصدق، وقال (ص): ما من ميت يوضع على سريره فيخطي به
ثلاث خطوات إلا وينادي بنداء يسمعه ما شاء الله من الخلائق غير الثقلين فيقول:
يا أخوتاه يا خداماه يا حملة نعشاه لا تغرنكم الدنيا كما غرتني، ولا يلعبن بكم الزمان
كما لعب بي خلفت ما جمعت لورثتي ولم يحملوا من خطيئتي شيئا، والديان يحاسبني
وأنتم تشيعون جنازتي ثم تدعونني في لحدي ثم تسلمونني إلى منكر ونكير.
وا ندامتاه وا ندامتاه وا ندامتاه، وقال (ص): إن أشد الأحوال على الميت حين
يدخل الغسال داره لغسله فيخرج خواتيم الشباب من أصابعهم، وينزع قميص العروس
من بدنها، ويرفع عمائم المشايخ عن رؤسهم فعند ذلك يقول بصوت يسمع الخلائق غير
الثقلين: يا غسال بالله عليك انزع ثيابي بالرفق فأني الان استرحت من مخاليب ملك
الموت، فإذا صب الماء صاح كذلك، فإذا رفع عن المغتسل وشد مواضع قدميه
بالكفن يقول: بالله عليك لا تشد رأس كفني لأرى وجه أهلي وأولادي وعروسي
التي كنت أحبها، وانظر إلى وجه أقربائي وأحبائي وإخواني وجيراني ورفقائي، فإن
هذا آخر رؤياي فإذا اخرج من الدار نادى بالله عليكم يا حملة نعشي لا تعجلوا بي حتى
أودع داري التي بنيتها وزينتها، ونقشتها بأنواع النقوش وأهلي ومالي وأولادي، فان
هذا خروج لا مرد بعده إلى يوم القيامة، فإذا رفعت الجنازة نادى يا حملة نعشي بالله
عليكم لا تعجلوا بي حتى اسمع أصوات أولادي الذين يعولون خلف جنازتي، وعروسي
التي تبكي علي ووالدي الذي تقوس ظهره، ووالدتي التي شدت وسطها بالمنديل لمفارقتي
362

وقد نشرت شعرها وضربت صدرها وتقوس ظهرها، وابيضت عينها لفقدي، فإذا
صلى على الجنازة ورفع من الصلاة، ورجع بعض أصدقائه يقول: يا اخوتاه كنت
اعلم إن الميت ينسوه الاحياء لكن لا بهذه السرعة وجسمي بعد بين أظهركم.
فإذا وضع في لحده ووضع عليه التراب ينادي وا ورثتاه تركت لكم الكثير
فلا تنسوني، تصدقوا عني على فقرائكم ولو بكسر خبر محترق، وعلمت لكم القرآن
والآداب فلا تنسوني من الدعاء فأني صرت محتاجا كفقرائكم على أبوابكم، ومحتاجا إلى
دعائكم كصاحب حاجتكم إلى ساداتكم، نعم محتاجون في غاية الاحتياج يحتاجون إلى
دعائكم وترحيمكم وصدقاتكم لأنهم في نهاية الشدة ادخلوا في القبر، وقد حفت بهم
السيئات، وأيديهم خالية من الحسنات. كما قال (ع): دهمته الفجائع والأهوال
وضيق به لحده واحتوشته ملائكة العذاب ومرارة الموت في حلقه لا أحد يفرج عنه
الكرب، ولا واحد يدفع عنه الهم.
مر عيسى (ع) على قبر فرأى فيه عذابا شديدا فدعا الله حتى أحياه، فقال له:
فلم تعذب؟ قال: كنت جالسا في سوق مصر وقد أكلت شيئا فأخذت عودة من حزمة
شوك لا خلل بها أسناني ومت منذ أربعة آلاف سنة وأنا في عذابها ثم قال: يا روح الله
منذ أربعة آلاف سنة ومرارة الموت باقية في حلقي فقال: اللهم يسر علينا سكرات
الموت.
وعن وهب بن منبه: إن عيسى (ع) مر على نهر ماء عذب وحوله خابية كلما يضع
فيها من ذلك الماء يصير مالحا فقال: إلهي ما خبر هذا الماء المالح فاذن الله للجابية بالكلام
فقالت: اني كنت آدميا فبقيت في قبري ثلاثمائة سنة ثم جاء اللبان فضرب ترابي لبنا
وبنيت في قصر ثلاثمائة سنة ثم خرب القصر فبقيت ترابا مائة سنة، ثم صنعوني هذه
الخابية وكلما يجعل في يكون مالحا لما في مرارة نزع الروح، وانا معذب منذ مت لأني
أخذت أبرة من جارية وما رددتها حتى مت فما أدري إن عذابي أشد أم مرارة الموت؟
فقال عيسى: اللهم يسر علينا الموت ونجنا من عذاب القبر.
ونقل إن عيسى لما فدن أمه مريم قال: السلام عليك يا أماه فأجابته من جوف
القبر: وعليك السلام حبيبي وقرة عيني، فقال لها: كيف وجدت طعم الموت؟ فقالت
والذي بعثك بالحق ما ذهبت مرارة الموت من حلقي ولساني.
363

وفي الخبر: إن الحواريين قالوا: يا عيسى أحيي لنا يحيى بن زكريا حتى ننظر إلى
وجهه، فخرج منهم وأحياه، وإذا نصف شعره أبيض وقد كان اسودا فسألوه فقال:
لما نوديت زعمت إن القيامة قد قامت فقال عيسى: أتريد أن اسأل الله ان يردك إلى
الدنيا فقال: لا لان مرارة الموت لم تخرج من حلقي بعد. إذا كان هذا حال يحيى بن زكريا
وهو نبي الله وكان في الزهد والعبادة بمرتبة عظيمة، لباسه الليف، وأكله الحشيش
ولم يزل من صغر سنه مشغولا بالعبادة، ويبكي طول يومه وليله إلى أن قتل في سبيل الله
إذا فما يكون حالنا؟ يحيى قتل مظلوما وطافوا برأسه في البلدان، وبكت عليه السماوات
والأرضون، وكان الحسين (ع) يذكر يحيى ومظلوميته وشهادته ويبكي ويقول: من
هوان الدنيا على الله إن رأس يحيى أهدى الخ.
المجلس الثالث والأربعون
(بسم الله الرحمن الرحيم: والفجر وليال عشر والشفع والوتر) أقسم الله
بانفجار الصباح وبالليالي وهي عشرة ذي الحجة، وبالشفع والوتر قيل: أي
الأشياء كلها شفعها ووترها، وقيل: هما الشفع والوتر اللذان يتهجد بهما الانسان في آخر
نوافله بالليل، وقيل: الشفع يوم التروية، والوتر يوم عرفة.
وروي إن الشفع الحسن والحسين، والوتر أمير المؤمنين، (والليل إذا يسر هل
في ذلك قسم لذي حجر) - أي لذي عقل، والمقسم عليه محذوف أي ليعذبن كما يدل عليه
ما بعهده (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) يعني أولاد عاد سموا باسم أبيهم - وهو عاد بن
عوص بن آدم بن سام بن نوح قوم هود، قيل: كان لعاد ابنان شديد وشداد فملكا وقهرا
ثم مات شديد فخلص الامر لشداد وملك المعمورة ودانت له ملوكها، فسمع بذكر الجنة
فبنى على مثلها في بعض صحاري عدن جنة وسماها ارم، فلما تمت سار إليها بأهله، فلما
كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا (ارم ذات العماد
التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين
طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد)
364

إلى أن قال تبارك وتعالى: (كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا
صفا وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وأنى له الذكرى) أي منفعة الذكرى
(يقول يا ليتني قدمت لحياتي) أي لحياتي هذه أو وقت حياتي في الدنيا أعمالا صالحة
(فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) يعني لا يعذب أحد بمثل عذابه
ولا يوثق بمثل وثاقه.
سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أخبرني الروح الأمين إن الله لا إله غيره إذا برز
الخلائق وجميع الأولين والآخرين أتي بجهنم تقاد بألف زمام بكل زمام مائة الف يقوده
من الغلاظ الشداد، ولها هدة وغضب وزفير وشهيق وانها لتزفر زفرة فلولا إن الله أخرهم للحساب لأهلكت الجميع، ثم يخرج منها عنق يحيط بالخلائق البر منهم والفاجر
ما خلق الله عبدا لمن عباد الله ملكا ولا نبيا إلا وينادي رب نفسي نفسي، وأنت يا نبي
الله تنادي أمتي أمتي، ثم يوضع عليها الصراط أدق من الشعر، أحد من حد السيف
عليه ثلاث قناطر: وأما واحدة فعليها الأمانة والرحم، والثانية فعليها الصلاة
والثالثة فعليها رب العالمين لا إله غيره فيكلفون الممر عليها فيحبسهم الرحم والأمانة
فان نجوا منها حبستهم الصلاة فان نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين وهو قوله تعالى
(إن ربك لبالمرصاد) والناس على الصراط فمتعلق بيد ومستمسك بقدم
والملائكة حولها ينادون يا حليم اعف واصفح وعد بفضلك وسلم والناس يتهافتون في
النار كالفراش، فإذا مجى ناج برحمة الله مر بها فقال: الحمد لله وبنعمته تتم الصالحات
وتزكوا الحسنات، والحمد لله الذي نجاني منك بعد أياس بمنه وفضله إن ربنا لغفور
شكور إلى أن قال تبارك وتعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية
مرضية فأدخلي في عبادي وادخلي جنتي).
(في الصافي) عن الصادق (ع): إنه سئل هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال:
لا والله إنه إذا أتاه ملك الموت ليقبض روحه جزع عند ذلك فيقول له ملك الموت:
يا ولي الله لا تجزع فوالذي بعث محمدا (ص) لأنا ابر بك واشفق عليك من والد رحيم
لو حضرك افتح عينيك فأنظر. قال: ويمثل له رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع)
وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من ذريتهم فيقال له: هذا رسول الله
وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام رفقاؤك فيفتح عينيه
365

فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة فيقول: (يا أيتها النفس المطمئنة - إلى محمد
وأهل بيته - إرجعي إلى ربك راضية مرضية - بالولاية - مرضية - بالثواب - فأدخلي
في عبادي - يعني محمد وأهل بيته وادخلي جنتي) فما من شئ أحب إليه من استلال روحه
واللحوق بالمنادي.
قال الصادق (ع): اقرأوا سورة (والفجر) في فرائضكم ونوافلكم فإنها سورة
الحسين بن علي (ع) وارغبوا فيها رحمكم الله تعالى، فقال له أبو أسامة: وكان حضر
المجلس وكيف صارت هذه السورة للحسين (ع) خاصة؟ قال (ع): ألا تسمع إلى قوله
تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة) إنما يعني - الحسين بن علي - فهو ذو النفس المطمئنة
الراضية المرضية وأصحابه من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم هم الراضون من الله يوم القيامة وهو راض
عنهم وهذه السورة للحسين (ع) وشيعته وشيعة آل محمد (ص) خاصة من أدمن قراءة
(والفجر) كان مع الحسين بن علي (ع) في درجته في الجنة إن الله عزيز حكيم.
أقول: وكل من بكى على الحسين (ع) أو حزن لأجله كان أيضا معه، كما قال
الرضا (ع): يا بن شبيب، إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فأحزن
لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا فلو أن رجلا تولى حجرا لحشره الله تعالى معه
يوم القيامة، يا بن شبيب، إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي (ص)
فالعن قتلة الحسين (ع)، يا بن شبيب إن سرك أن تلقى الله عز وجل ولا ذنب عليك
فزر الحسين (ع)، يا بن شبيب إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن أستشهد
مع الحسين (ع) فقل متى ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.
المجلس الرابع والأربعون
قيل لحاتم الأصم: على م بنيت أمرك؟ قال: على أربع خصال، علمت إن
رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت بذلك نفسي، وعلمت إن عملي لا يعمله أحد غيري فأنا
مشغول به، وعلمت إن اجلي لا بد وان يأتي فأنا أبادره، وعلمت اني لا أغيب عن عين
الله فأنا منه مستحي. ترى الانسان يستحي من الناس ويستر عنهم قبائحه، ولا يستحي
366

من الله ومن الحفظة والكتاب الذين لا تخفى عليهم خافية.
قال علي (ع): فاتقوا الله الذي أنتم بعينه ونواصيكم بيده، وثقلكم في قبضته. إن
أسررتم علمه، وان أعلنتم كتبه، قد وكل بكم حفظة كراما لا يسقطون حقا
ولا يثبتون باطلا.
قال (ع) في كلام آخر: واعلموا إن عليكم رصدا من أنفسكم، وعيونا من
جوارحكم، وحفاظ صدق يحفظون أعمالكم، وعدد أنفاسكم لا تستركم منهم ظلمة ليل
داج، ولا يكنكم منهم باب ذو رتاج. فينبغي أن يختار الانسان أحد الامرين من
دون ثالث، اما التحرز عن المعصية، والرواح إلى مكان لا يراه الله فيه.
جاء رجل إلى الحسن بن علي (ع) وقال: انا رجل عاص ولا صبر لي عن المعصية
فعظني، فقال (ع): افعل خمسة أشياء، وأذنب ما شئت: لا تأكل رزق الله
وأذنب ما شئت: فإذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فأدفعه عن نفسك وأذنب
ما شئت وإذا أدخلك مالك النار فلا تدخل النار وأذنب ما شئت (أفمن لا يملك لنفسه
نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياتا ولا نشورا) فكيف له السبيل إلى التحرز عن أحد
هذه الأمور، الرزق منه لا من غيره، والملك له لا لغيره والامر بيده لا بيد غيره
والسماوات مطويات بيمينه والأرض جميعا قبضته، وأنت يا مسكين أضعف من كل
ضعيف فكيف تجترئ على الله بمعصيته، اما تذكر القيامة، اما تذكر نار جهنم حين
إن مالكا يأخذ بحجزتك ليدخلك النار وتحتوشك ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ
والجبار جل جلاله ينادي (خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون
ذراعا فاسلكوه) والسلسلة هي الأغلال التي توضع على الأعناق، وكان السجاد (ع) يذكرها
ويبكي وأنت غافل عنها. كما في حديث الزهري: لما حملوا علي بن الحسين من المدينة
إلى الشام في زمان عبد الملك، فليراجع إلى محله، وفي يوم الحادي عشر من المحرم أيضا
حين وضعوها على عنقه الشريف فنظر وبكى وقال: ذكرتني أغلال النار ويؤتى
بزين العابدين (ع) الخ.
367

المجلس الخامس والأربعون
(في الخصال) عن النبي (ص) الأمهات أربعة: أم الآداب، أم العبادات
وأم الأماني، وأم الأدوية. أما أم جميع الآداب فقلة الكلام، واما أم جميع العبادات
فقلة الذنوب، واما أم جميع الأماني فالصبر، واما أم جميع الأدوية فقلة الاكل.
الام: بمعنى الأصل، سميت مكة بأم القرى - لأنها هي أصل جميع الأراضي من
مكة، وسميت الوالدة بالام لأنها أصل، والولد يولد منها، وجمع الام أمهات وأمات
وقيل: الأمهات في الانسان والأمات في البهائم، والأمهات في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه
الأربعة بمعني الأصل، كما هو لا يخفى، أما الأدوية قلة الاكل - كما أشار بقوله تبارك
وتعالى في الآية الشريفة (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) وهي دواء نافع لا يحتاج معها
إلى دواء آخر، بل ولا يشتكي الانسان معها داءا.
قيل: اجتمع عند الملك كسرى أربعة من الحكماء: عراقي ورومي وهندي
وسوادي، فقال لهم كسرى: كل واحد منكم يصف لي دواء الذي لا داء معه! فقال
العراقي: الدواء الذي لا داء معه أن تشرب كل يوم ثلاث جرع على الريق من
الماء الساخن.
وقال: الرومي: الدواء الذي لا داء فيه أن تبلع كل يوم قليلا من حب الرشاد.
وقال الهندي: الدواء الذي لا داء معه أن تأكل كل يوم ثلاث حبات من الهليلج
الأسود، والسوادي ساكت، وكان أحذقهم. فقال له الملك: لم لا تتكلم؟ فقال:
يا مولانا الماء الساخن يذيب شحم الكلى ويرخي المعدة، وحب الرشاد يهيج الصفراء
والهليلج الأسود يهيج السوداء، قال فما الذي تقول أنت؟ قال: يا مولانا الدواء الذي
لا داء معه أن لا تأكل إلا بعد الجوع، وإذا أكلت فأرفع يدك قبل الشبع فإنك
لا تشكو إلا علة الموت ولا يخفى إن صحة البدن من أعظم نعماء الله على العبد ولا يدانيها
شئ ولا يعرف قدرها إلا بعد فقدها: ولذا ورد في الخبر نعمتان مجهولتان: الصحة
والأمان، وانفع الأدوية للصحة لمن أراد السلامة في أيام حياته قلة الاكل، وإن كان
368

الموت حقا ولا يمكن دفعه بعلاج ودواء ولكن ترى الانسان يستعجل به من غاية حبه
الطعام وافراطه في الاكل على إنه لا تطيب الحياة مع العلة والمرض.
وربما يرضى بالموت ولا يرضى بعمر معه الأسقام والأوجاع، ويطلب منيته
ولا يأتيه حتى تنصرم أيامه وتنقطع آجاله فحينئذ لا يمكن العلاج، ولا ينفع الدواء
ولا يقدر على دفعه، ولم يكن له تدبير في أمر نفسه، كما لم يتمكنوا من دفعه الملوك
والجبابرة ولا الفراعنة والقياصرة، ولا أحد من الأطباء المهرة به، وترى الطبيب
يموت بمرض كان ماهرا في معالجته. قيل: ان أربعة من الحكماء ماتوا بأربعة امراض
كانوا ماهرين في فن معالجته، فإن أفلاطون مات مبرسما، وان أرسطاطاليس مات
بالسل، وان بقراط مات مفلوجا، وجالينوس مات مبطونا، ولقد أجاد الشاعر
حيث قال:
ألا أيها المغرور تب من غير تأخير * فان الموت قد يأتي ولو صيرت قارونا
فكم قد مات ذو طب وكم قد مات ذو مال * يلاقي بطشة الجبال ذا عقل ومجنونا
بسل ما ت أرسطاليس أفلاطون برساما * وبقراط بأفلاج وجالينوس مبطونا
(قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة)
قال أمير المؤمنين (ع): فلو أن أحدا يجد البقاء سلما أو لدفع الموت سبيلا لكان ذلك
سليمان بن داود الذي سخر له ملك الجن والإنس مع النبوة وعظم الزلفة، ولو تمكن
أحد من الخلود في الدنيا لكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بذلك. قال الشاعر:
ولو كانت الدنيا تدوم بأهلها * لكان رسول الله فيها مخلدا
نعم يتمنى المرء الخلود في الدنيا لنفسه ولأحبائه وأخلائه ولكن لا يتيسر له
كما قال عليه السلام في مرثية الزهراء:
يريد الفتى ان لا يموت حبيبه * وليس إلى ما يبتغيه سبيل
فلا بد من موت ولا بد من بلا * وان بقائي بعدكم لقليل
أرى علل الدنيا علي كثيرة * وصاحبها حتى الممات عليل
وان افتقادي فاطما بعد أحمد * دليل على أن لا يدوم خليل
369

المجلس السادس والأربعون
(في جامع الأخبار) قيل للحسين بن علي (ع): كيف أصبحت يا بن رسول الله؟
قال: أصبحت ولي رب فوقي، والنار امامي، والموت في طلبي، والحساب محدق بي
وانا مرتهن بعملي لا أجد ما أحب ولا ادفع ما أكره والأمور بيد غيري، فان شاء
عذبني، وان شاء عفى فأي فقير افقر مني؟ فقال (ع): قلت لأمير المؤمنين كيف
أصبحت؟ قال: كيف يصبح من كان الله عليه حافظان وعلم إن خطاياه مكتوبة في
الديوان، ان لم يرحمه ربه فمرجعه إلى النار.
قيل لعلي بن الحسين (ع): كيف أصبحت يا بن رسول الله (ص)؟ قال: أصبحت
مطلوبا بثمان، الله تعالى يطلبني بالفرائض، والنبي (ص) بالسنة والعيال بالقوت
والنفس بالشهرة، والشيطان بالمعصية، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت
بالروح، والقبر بالجسد، وانا بين هذه الخصال مطلوب.
قيل لسلمان الفارسي: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح من كان الموت غايته
والقبر منزله، والديدان جواره، وان لم يغفر فالنار مسكنه. قيل لحذيفة اليماني: كيف
أصبحت؟ قال: كيف يصبح من كان اسمه عبدا، ويدفن غدا في القبر واحدا
ويحشر بين يدي الله فردا.
قال أمير المؤمنين (ع): دخلت على رسول الله (ص) فقال لي: يا علي كيف
أصبحت قلت: أصبحت وليس في يدي شئ غير الماء وانا مغتم لحال فرخي الحسن
والحسين فقال لي: يا علي غم العيال ستر من النار، وطاعة الخالق أمان من العذاب
والصبر على الفاقة جهاد وأفضل من عبادة ستين سنة، وغم الموت كفارة من الذنوب
واعلم يا علي ان ارزق العباد على الله سبحانه، وغمك لهم لا يضر ولا ينفع غير إنك
توجر عليه، وان أغم الغم غم العيال.
(في جامع الأخبار) هكذا الخبر عن ابن المسبب قال: خرج أمير المؤمنين (ع)
يوما من البيت فأستقبله سلمان فقال له (ع): كيف أصبحت يا أبا عبد الله قال: أصبحت
370

في غموم أربعة فقال له: وما هن؟ قال: غم العيال يطلبون الخبز والشهوات، والخالق
تعالى يطلب الإطاعة. والشيطان يأمرنا بالمعصية وملك الموت يطلب بالروح فقال (ع)
ابشر يا أبا عبد الله فان لك بكل خصلة درجات واني قد كنت دخلت على رسول الله (ص)
ذات يوم فقال (ص): كيف أصبحت يا علي وساق الحديث على مثل ما مر.
قيل لفاطمة عليها السلام: كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟ قالت: أصبحت
والله عائفة لدنياكن فانية لرجالكن الخ.
قال منهال: دخلت على علي بن الحسين (ع) وقلت له: يا بن رسول الله كيف
أصبحت؟ فقال: أنت تزعم إنك لنا شيعة وأنت لا تعرف صباحنا ومسائنا أصبحت في
قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبنائهم ويستحيون نسائهم. وأصبح
خير البرية بعد نبيها (ص) يلعن على المنابر. ويعطى الفضل والأموال على شتمه
وأصبح من يحبنا منقوص على حبه إيانا.
(في الأنوار النعمانية) للسيد الجزائري. قال منهال بن عمرو الدمشقي: رأيت علي
ابن الحسين (ع) في بعض أسواق الشام وقد اتكى على عصاه والصفرة قد غلبت على وجهه
ورجلاه كأنهما قصبتان والدم يجري من ساقيه فقلت له: يا بن رسول الله كيف أصبحت؟
قال: وكيف يصبح من كان أسيرا الخ.
المجلس السابع والأربعون
(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا اما يبلغن عندك الكبر
أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح
الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) أمر الله تعالى بالاحسان إلى الوالدين لأنهما السبب الظاهري للوجود والتعيش. الاحسان إليهما كمال قال
الصادق (ع): ان تحسن صحبتهما. وان تكلفهما ان يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه وان
كانا مستغنيين. فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما - يعني لا تزجرهما - وقل لهما قولا كريما -
يعني ان ضرباك - فقل لهما غفر الله لكما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة يعني
371

تذلل لهما من فرط رحمتك عليهما - قال الصادق (ع): لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا
برحمة ورقة. ولا ترفع صوتك فوق صوتهما. ولا يدك فوق أيديهما. ولا تتقدم
قدامهما.
(في الكافي) من العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيجد النظر إليهما. وفيه:
من نظر إلى والديه نظر ماقت وهم يضربانه لم يقبل الله له صلاة.
سئل رجل رسول الله (ص) ما حق الوالد على ولده؟ قال: لا يسميه باسمه
ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس قبله. ولا يستسب له.
قال (ص): ثلاث مرات رغم أنفه قال: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك
والديه في الكبر أحدهما أو كلاهما ولم يدخل الجنة.
استأذن حذيفة رسول الله (ص) في قتل أبيه وهو في صف المشركين فقال: دعه
فله غيرك وقال تعالى: (ووصينا الانسان بوالديه. حملته أمه وهنا على وهن وفصاله
في عامين. إن اشكر لي ولوالديك والي المصير. وان جاهداك على أن لا تشرك بي
ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) خمس من الكبائر: الاشراك
بالله. وعقوق الوالدين. والفرار من الزحف. وقتل النفس بغير الحق. واليمين
الفاجرة تدع الديار بلاقع قال الرضا (ع): من لم يشكر الوالدين لم يشكر الله، ومن لم يشكر
المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل.
(في الكافي) عن الصادق (ع): ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله
أوصني قال (ص) أوصيك ان لا تشرك بالله شيئا وان أحرقت وعذبت، إلا وقلبك
مطمئن بالايمان ووالديك فأطعمهما وأبرهما حيين كانا أو ميتين، وان امرك ان تخرج
من أهلك ومالك فأفعل فإن ذلك من الايمان.
جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله من ابر؟ قال: أمك، قال:
ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك.
قال رجل للرضا (ع): ادعوا والدي ان كانا لا يعرفان الحق؟ قال: ادع لهما
وتصدق عنهما وان كانا حيين لا يعرفان الحق فدار لهما فإن رسول الله قال: إن الله بعثني
بالرحمة لا بالعقوق. قال (ع): بر الوالدين واجب وان كانا مشركين، ولا إطاعة
لهما في معصية الله تبارك وتعالى: وهناك يجب إطاعة الله، وان أدى إلى مخالفتهما بأن
372

امرك السرقة أو الزنا أو قتل النفس المحرمة، فالواجب ان تخالفهما وتطيع ربك.
تذكرت في هذا المقام قصة الحارث مع ولده في قتل أولاد مسلم بن عقيل، وقد
ذكر في محله إلى أن قال اللعين لابنه: يا بني عصيتني؟ قال: لان أطيع الله وأعصيك
أحب إلي من أن أعصي الله وأطعك.
وقال الصادق (ع): بر الوالدين من حسن معرفة العبد بالله إذ لا عبادة أسرع
بلوغا بصاحبها إلى رضاء الله تعالى من حرمة الوالدين المسلمين لوجه الله لان حق الوالدين
مشتق من حق الله إذا كانا على منهاج الدين والسنة لا يكونان يمنعان الولد من طاعة الله إلى
معصيته، ومن اليقين إلى الشك، ومن الزهد إلى الدنيا، ولا يدعوانه إلى خلاف
ذلك فإذا كانا كذلك فمعصيتهما طاعة، وطاعتها معصية قال الله تعالى: (ان جاهداك
على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) واما في باب العشرة فدار بهما وارفق
بهما واحتمل أذاهما نحو ما احتملا عنك في حال صغرك، ولا تضيق عليهما بما قد وسع
الله عليك من المأكول والملبوس، ولا تحول بوجهك عنهما، ولا ترفع صوتك فوق
أصواتهما فان تعظيمهما من الله تعالى وقل لهما بأحسن القول وألطفه فان الله لا يضيع
اجر المحسنين.
(في البحار) عن (الكافي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن بارا فاقتصر على الجنة
وان كنت عاقا فاقتصر على النار، وفيه عن أمالي المفيد إنه قال أبو جعفر: أربع من
كن فيه من المؤمنين اسكنه الله في عليين اعلا في غرف فوق غرف في محل الشرف كل الشرف
من آوى اليتيم ونظر له فكان له أبا، ومن رحم الضعيف واعانه، ومن أنفق على
والديه ورفق بهما وبرهما ولم يحزنهما، ومن لم يخرق بمملوكه واعانه على ما تكلفه ولم
يستسعه فيما لا يطيق.
(وفي الكافي) ان الجنة يوجد ريحها يوم القيامة من مسيرة خمسمائة عام ولن يشمه
من عق والديه، وقال (ص): يا علي رأيت على باب الجنة مكتوبا: أنت محرم على
كل بخيل، ومراء، وعاق، وتمام.
(في البحار) عن أبي جعفر " ع " قال: ان العبد ليكون بارا بوالديه في حياتهما
ثم يموتون فلا يقضى عنهما الدين ولا يستغفر لما فيكتبه الله عاقا وان ه ليكون في حياتهما
غير بار لهما لذا مانا قضى عنهما واستغفر لهما فيكتبه الله تبارك وتعالى بارا.
373

قال الصادق " ع ": ان أحببت ان يزيد الله في عمرك فبر أبويك، وقال: ان البر
يزيد في الرزق.
قال رسول الله (ص): رقودك على السرير إلى جنب والديك في برهما أفضل من
جهادك بالسيف في سبيل الله وقال (ص): رضى الله كله في رضا الوالدين وسخطه في
سخطهما ويقول للعاق: اعمل ما شئت فانى لا اغفر لك، ويقول للبار: اعمل ما شئت
فانى سأغفر لك وقال (ص): من ضرب أبويه فهو ولد الزنا، ومن اذى جاره فهو ملعون
ومنافق خاسر - يا علي أكرم الجار ولو كان كافرا، وأكرم الضيف ولو كان
كافرا، واطلع الوالدين وان كانا كافرين، ولا ترد السائل وإن كان كافرا.
يا للمسلمين الحسين بن رسول الله أليس له حق من هذه الحقوق حتى يكرم ويراعى
ذلك الحق فيه؟ أقول: بل وله جميع هذه الحقوق لان له حق الأبوة، الامام أب الرعية
وله حق الجوار لأنه نزل بجوارهم، وله حق الضيافة لأنهم أضافوه وكتبوا إليه اثنى عشر
الف كتاب ثم بعد ذلك سألهم شيئا لا قيمة له بل كان مبذولا وهو ما الفرات الذي يشربه
اليهود والنصارى وهو أيضا نحلة الله لفاطمة عليها السلام.
وقال صلى الله عليه وآله: يلزم الوالدين من العقوق لولدهما إذا كان الولد صالحا
ما يلزم الولد لهما.
روى في (جامع الأخبار) نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بضع الأطفال فقال (ص): ويل
لأولاد آخر الزمان من آبائهم فقيل: يا رسول الله من آبائهم المشركين؟ فقال آبائهم
المؤمنين لا يعلمونهم شيئا من الفرائض وإذا تعلموا - يعنى أولادهم - منعوهم ورضوا
عنهم بعوض يسير من الدنيا فأنا منهم برئ وهم منى براء، وقال (ص): إذا سميتم
الولد فأكرموه وأوسعوا له في المجلس ولا تقبحوا له وجها.
وقال (ص): أولادنا أكبادنا صغرائهم أمراؤنا وكبرائهم أعداؤنا، فان عاشوا
فتنونا، وان ماتوا حزنونا، قال (ص): خمسة من خمسة وهم في قبورهم، وثوابها
يجرى إلى ديوانهم، من غرس نخلا، ومن حفر بئرا، ومن بنى مسجدا، ومن
ولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به الناس، وصدقة جارية.
وقال (ص): رحم الله والدا أعان ولده على بره، وقال (ص) البنات محنة
374

والبنون نعمة، والله تعالى يعطى الجنة بالمحنة لا بالنعمة، فمن نعم الله لاشك فيه
موت البنات وبقاء البنين لقوله (ص): فدفن البنات من المكرمات.
وقال (ص): ما من بيت فيه من البنات إلا نزلت كل يوم عليه اثنى عشر بركة ورحمة
من السماء، ولا تنقطع زيارة الملائكة من ذلك البيت، يكتبون لأبيهم كل يوم وليلة
عبادة سنة، كان أهل الجاهلية يكرهون البنت وإذا ولدت لهم ابنة تحيروا بين ان يمسكوا
على هوان، أم يدسوها في التراب حيا، كما فعل الثاني يا بنته، وفى ذلك نزلت هذه
الآية (وإذا الموؤودة سئلت باي ذنب قتلت) فرغما على آناف أهل الجاهلية وسوء
آرائهم أكرم الله تعالى حبيبه محمد (ص) بحبيبته فاطمة ليفهم الناس ان هذا ليس بنقيصة
وإلا لما جعل الله لحبيبه. وقد تنزه عن كل نقص وعيب سوى المخلوقية والممكنية
بالنسبة إلى خالقه فأعطاه فاطمة الزهراء، وقد ولد له القاسم والطاهر وإبراهيم
وكنى (ص) بأسمائهم: أبا القاسم وأبا الطاهر وأبا إبراهيم، ولكن اخذهم من حبيبه
وأبقى له فاطمة وجعل نسله منها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ذرية كل نبي من صلبه، وذريتي
من ابنتي فاطمة، وقال له: إنا أعطيناك الكوثر - يعنى الخير الكثير من فاطمة وهو
كثرة الذراري - من اجل ذلك سميت بالمباركة. وقال عبد الله بن سليمان بن فرات: قرأت
في الإنجيل في وصف النبي (ص) نكاح النساء ذو النسل القليل إنما يكون نسله من ابنة له
مباركة - يعنى هي التي اعطى الله البركة في نسلها - بحيث ان الكفرة والفجرة كلما
يجتهدون
في أن يبيدوا نسلها عن جديد الأرض يأبى الله ذلك، ولقد اجتهدت وسعت فراعنة
الأمة في ذلك وأتلفت ذراري رسول الله (ص) تحت كل حجر ومدر ومغارة، وبنوا
عليهم الأسطوانات وقتلوهم وشردوهم، بل ومن الفراعنة أراد ان يحرقهم بالنار وهو
أبو جعفر المنصور.
وجه إلى الحسن بن يزيد والى المدينة: ان أحرق الدار على جعفر بن محمد الصادق
ففعل الوالي فأخذت النار في الباب والدهليز فخرج أبو عبد الله يتخطى النار ويمشى فيها
ويقول: أبا ابن اعراق الثرى انا ابن إبراهيم خليل الله، وهذا ليس بأول
قارورة كسرت في الاسلام ولقد أضرموا النار على جدته الزهراء وأرادوا أن يحرقوها
وعليا والحسنين بالنار، نار التي أضرموها على باب الزهراء " ع " هي التي أحرقت دار
375

إمامنا الصادق عليه السلام، وأحرقت خيم الحسين عليه السلام.
المجلس الثامن والأربعون
قال الله تبارك وتعالى: (فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا
أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم واعمى أبصارهم) ومن المعلوم ان من الحقوق
اللازمة حق الأرحام وهي أسرع شئ ثوابا وعقابا لصاحبه - يعنى إن كان واصلا يرى
ثوابه عجالا في الدنيا، وإن كان قاطعا يرى عقابه في الدنيا - قال رسول الله (ص):
أعجل الخير ثوابا صلة الرحمن، وأسرع الشر عقابا البغى.
(في جامع الأخبار) قال رسول الله: إلا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا
والآخرة من عفى عمن ظلمه، أو وصل من قطعه، ويعطى من حرمه.
وفيه قال جعفر بن محمد: من رزق من أربع خصال واحدة أدخل الجنة:
بر الوالدين، أو صلة الرحم، أو حسن الجوار، أو حسن الخلق.
وفيه عن أمير المؤمنين " ع " قال: صلوا أرحامكم ولو بالسلام، يقول الله تعالى:
(واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام). وقال: ان المرء ليصل رحمه وقد بقي من
عمره ثلاث سنين فيمده الله إلى ثلاثين سنة، وانه ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون
سنة فيصيره الله إلى ثلاث سنين، ثم تلا هذه الآية (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده
أم الكتاب).
وقال " ص): من يضمن لي خصلة واحدة اضمن له أربعة: من يضمن له صلة
الرحم اضمن له بحب أهله، وبكثرة ماله، وبطول عمره، وبدخوله جنة ربه.
(وفى جامع الأخبار): ان الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافي ولكن
الواصل من الذي إذا انقطعت رحمه وصلها.
(في الكافي عن أبي جعفر " ع ": ان الرحمن معلقة يوم القيامة بالعرش وتقول:
اللهم صل من وصلني: واقطع من قطعني وفيه عن الصادق " ع " أول ناطق من الجوارح
يوم القيامة الرحمن يقول: يا رب من وصلني في الدنيا فصل اليوم ما بينك وبينه.
376

وفيه قال عبد الله بن سنان: قلت الصادق " ع " ان لي ابن عم أصله ويقطعني، واصله
ويقطعني حتى هممت لقطيعته إياي ان اقطعه، قال " ع ": انك ان وصلته وقطعت
وصلكما الله جميعا، وان قطعته وقطعك قطعكما الله جميعا.
(في البحار) قال (ص): من بضمن لي واحدة ضمنت له أربعا: يصل رحمه
فيحبه الله ويوسع عليه زرقه، ويزيد في عمره، ويدخله الجنة التي وعده.
(في البحار) عنه (ص): من يضمن لي واحدة ضمنت له أربعا: يصل رحمه
فيحبه الله ويوسع عليه رزقه، ويزيد في عمره، ويدخله الجنة التي وعده.
(في البحار) عنه (ص): إنه وجد ليلة المعراج رحمها معلقا بالعرش تشتكي من
رحمه إلى ربها فقال لها: كم بينك وبينها من أب فقالت: نلتقي في أربعين أبا، تذكرت
في هذا المقام حديثا حدث به إمامنا الصادق " ع " للمنصور في صلة الأرحام وهو حديث
شريف ينبغي ان نذكره.
(في البحار) عن يونس بن أبي يعفور قال: لما قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن
المثنى بباخمرا فلم يترك المنصور منا أحدا حتى قدمنا الكوفة فمكثنا فيها شهرا نتوقع فيها
القتل ثم خرج إلينا ربيع الحاجب فقال: أين هؤلاء العلويين؟ ادخلوا على أمير المؤمنين
رجلا منكم من ذوي الحجى قال: فدخلنا إليه أبا حسن بن زيد فلما صرت بين يديه قال
لي: أنت الذي تعلم الغيب؟ قلت لا يعلم الغيب إلا الله قال: أنت الذي يجيئ إليك
هذا الخراج؟ قلت: ليك يجيئ يا أمير المؤمنين الخراج قال: أتدرون لم دعوتكم؟
قلت: لا، قال: أردت ان اهدم رباعكم وأغور قليبكم، واعقر نخيلكم، وأنزلكم
بالشراة (شراة بالفتح اسم جبل دون عسفان، كذا في المجمع) لا يقربكم أحد من
أهل الحجاز وأهل العراق فأنهم لكم مفسدة، فقلت له: أمير المؤمنين ان سليمان أعطى
فشكر وان أيوب ابتلى فصبر، وان يوسف ظلم فغفر، وأنت من ذلك النسل قال:
فتبسم وقال: أعد على فأعدت فقال: مثلك من يكن زعيم القوم، قد عفوت عنكم
ووهبت لكم جرم أهل البصرة.
حدثني عن حديث الذي حدثني عن أبيك عن آبائك عن رسول الله في الأرحام
قلت: حدثني أبي عن ابائه عن علي " ع " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلة الرحمن تعمر
الديار، وتطيل الاعمار، وتكثر العمار وان كانوا كفارا، فقال: ليس هذه، فقلت:
حدثني أبي عن آبائه عن علي " ع " عن رسول الله قال: الأرحام معلقة بالعرش تنادى
صل من وصلني، واقطع من قطعني قال: ليس هذا، قلت: حدثني أبي عن آبائه عن
377

على " ع " عن رسول الله (ص) قال: إن الله عز وجل يقول: انا الرحمن خلقت الرحمن
وشققت لها اسما من اسمى، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته قال: ليس هذا
الحديث، قلت: حدثني أبي عن آبائه عن علي " ع " عن رسول الله (ص) من أحب
ان ينسى في اجله ويعافى في بدنه فليصل رحمه قال: ليس هذا، قلت: نعم حدثني بي
عن أبائه عن علي " ع " قال: حدثني رسول الله (ص) احتضر رجل بار في جواره رجل
عاق قال الله عز وجل الملك الموت: يا ملك الموت كم بقي من اجل العاق قال: ثلاثون سنة
قال: حولها إلى هذا البار، قال: زد قلت: حدثني أبي عن آبائه عن علي " ع " عن
رسول الله (ص) ان ملكا من ملوك الأرض كان بقي من عمره ثلاث سنين فوصل رحمه
فجعلها الله ثلاثين سنة، فقال: هذا الحديث أردت، أي البلاد أحب إليك فوالله
لأصلن رحمي إليكم؟ قلت: المدينة فسرحنا إلى المدينة وكفى الله مؤنته وإن كان اللعين
قال لأصلن رحمي ولكن ما وصل أرحامه بل قطعهم قطع الله عنه رحمته ولقد قتل منهم
الف أو يزيدون وبنى على ستين علويا في ليلة واحدة وصنع بإمامنا الصادق " ع " ما صنع
حتى سقاه السم في عنب الرازقي:
بعض بطيبة مدفون وبعضهم * في كربلا وبعض في الغريين
المجلس التاسع والأربعون
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بنى أم ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة فأنى انا
أبوهم وعصبتهم، وقال (ص): ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من ابنتي فاطمة، وقيل:
المراد وعصبتهم، وقال (ص): ذريته كل نبي من صلبه وذريتي من ابنتي فاطمة، وقيل:
المراد من الكوثر كثرة الذراري في قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) من
نسل فاطمة.
والحاصل: ان أولاد فاطمة وذريتها هم أولاد رسول الله (ص) وذريته، ويستدل
على ذلك بآيات عديدة: منها قوله تعالى (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا
هدينا من قبل ومن ذريته داود وأيوب وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين
وزكريا ويحيى وعيسى) ومنها آية المباهلة في قوله (أبنائنا وأبنائكم).
378

عن عامر الشعبي قال: بعث إلى الحجاج ذات ليلة فخشيت فقمت فتوضأت وأوصيت
ثم دخلت عليه فنظرت فإذا نطع منشور والسيف مسلول، فسليت عليه فرد على السلام
فقال: لا تخف فقد أمنتك الليلة وغدا إلى الظهر وأجلسني عنده، ثم أشار فأتى برجل
مقيد بالكبول والاغلال فوضعوه بين يديه فقال: إن هذا الشيخ يقول: ان الحسن
والحسين كانا ابني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتيني بحجة أو لأضربن عنقه فقلت: يجب ان
تحل قيده فإنه إذا احتج فلا محالة يذهب وان لم يحتج فإن السيف لا يقطع هذا الحديد
فحلوا قيوده وكبلوه فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير فحزنت بذلك وقلت: كيف يجد حجة
على ذلك من القرآن فقال له الحجاج: إئتني بحجة من القرآن على ما ادعيت وإلا ضربت
عنقك فقال له: انتظر فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك فقال: انتظر فسكت ساعة
ثم قال له مثل ذلك فقال: انتظر فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك.
فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (ووهبنا له إسحاق
ويعقوب - إلى قوله: وكذلك نجزى المحسنين) ثم قال الحجاج: اقرأ ما بعده فقرأ
(وزكريا ويحيى وعيسى) فقال سعيد: كيف يليق هاهنا عيسى؟ قال: إنه من ذريته
قال: إن كان عيسى من ذريته إبراهيم ولم يكن له أب بل كان ابن ابنته فنسب إليه مع بعده
فالحسن والحسين أولى ان ينسبا إلى رسول الله مع قرابتهما منه، فأمر له بعشرة آلاف
دينار، وامر بأن يحملوه مع إلى داره واذن له في الرجوع.
قال الشعبي: فلما أصبحت قلت في نفسي قد وجب على أن آتي هذا الشيخ فأتعلم
منه معاني القرآن لأني كنت أظن انى أعرفها فإذا انا لا أعرفها، فأتيته فإذا هو في المسجد
وتلك الدنانير بين يديه يفرقها عشرا عشرا ويتصدق بها.
قال: هذا كله ببركة الحسن والحسين لئن كنا أغممنا واحدا لقد فرحنا ألفا
وأرضينا الله ورسوله، قوله: (لئن كنا أغممنا واحدا - يعنى بذلك الشعبي - لقوله
فحزنت).
عن أبي الجارود قال: قال الباقر " ع ": يا أبا الجارود ما يقول الناس في الحسن
والحسين؟ قلت: ينكرون علينا انهما ابنا رسول الله، قال: فبأي شئ احتججتم
عليهم؟ قلت: لقول الله في عيسى بن مريم: (ومن ذريته داود) إلى قوله (وكل من
الصالحين) فجعل عيسى من ذريته إبراهيم واحتججنا عليهم بقوله تعالى: (قل تعالوا ندع)
379

أبناءنا وأبنائكم ونساءنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم) قال: فأي شئ قالوا؟ قال، قلت
قالوا قد يكون ولد البنت من الولد ولا يكون من الصلب قال: فقال أبو جعفر: والله
يا أبا الجارود لأعطينكها من كتاب الله آية تسمى لصلب رسول الله (ص) لا يردها إلا كافر قال قلت: جعلت فداك وأين؟ قال: حيث قال الله: (حرمت عليكم أمهاتكم
وبناتكم وأخواتكم) إلى قوله (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم؟ وسلهم
يا أبا الجارود هل يحل لرسول الله نكاح حليلتهما فإن قالوا نعم فكذبوا والله، وان
قالوا لا فهما والله ابنا رسول الله (ص) لصلبه وما حرمت عليه إلا للصلب.
أقول: اطلاق الابن على الحسن والحسين لرسول الله (ص) كثير، وقد ورد في
ذلك اخبار مفصلة في باب احتجاج الرضا " ع " عند المأمون، وفى احتاج موسى بن
جعفر " ع " مع خلفاء زمانه بل ونقول: ان أولاد على من غير فاطمة هم أيضا من
ذراري رسول الله (ص) كما يظهر من كلام موسى بن جعفر للرشيد لما استدل بآية المباهلة
في قوله تعالى: (وأنفسنا وأنفسكم) المراد بأنفسنا هو علي " ع " وإن كان أولاد على من
فاطمة اعلا شرفا وارفع مكانا من غيرها، فالفوز العظيم والشرف الجسيم بمن نسب إلى
رسول الله (ص) كما قالت الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام في خطبتها:
ولنعم المعزى إليه (ص) وهي خطبة طويلة قد ذكرت في محلها، ونحن ذكرناها في كتابنا
الموسوم (ببقية الماضين) ونرجو من الله يوفقنا لطبعه والخطبة الشريفة مع ترجمتها
ولغاتها وحل مشكلاتها ذكرناها هناك.
وفيهم نزلت (قل لا أسئلكم عليه اجرا إلا المودة في القربى، ومن يقترف حسنة
نزد له فيها حسنا) وقد جعل الله مودتهم اجرا لنبوة نبيه (ص)، ومن يقترف حسنة.
قال إمامنا الحسن " ع " فالحسنة مودتنا أهل البيت، وقال رسول الله (ص):
أكرموا أولادي، الصالحون لي، ولا يخفى ان للصالحين منهم كفلين من الثواب
ولمسيئهم ضعفين من العذاب، ولا يغرنهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حرم ذرية
فاطمة على النار لان المراد ولد بطنها.
عن حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد الله الصادق " ع " ما معنى قول رسول الله (ص)
ان فاطمة أحصنت فرجه، فحرم الله ذريتها على النار؟ فقال " ع ": المعتقون من ولد
بطنها عنى بذلك الحسن والحسين وأم كلثوم، وناهيك في هذا المقام ما قال امامنا على
380

ابن موسى الرضا لأخيه زيد بن موسى بن جعفر المسمى يزيد النار.
(في البحار) عن الحسن بن موسى الوشا البغدادي قال: كنت بخراسان مع علي
ابن موسى الرضا في مجلسه وزيد بن موسى حاضر وقد اقبل على جماعة في المجلس يفتخر
عليهم ويقول: نحن وأبو الحسن مقبل على قوم يحدثهم فسمع مقالة زيد وكان زيد قبل
ذلك خرج بالمدينة واحرق وقتل ومن ذلك سمى يزيد النار فبعث إليه المأمون فأسر وحمل
إلى المأمون بخراسان فقال المأمون: اذهبوا به إلى أبى الحسن، قال ياسر: فلما ادخل
عليه قال له أبو الحسن (ع ": يا زيد أغرك قول سفطة أل الكوفة، وفى خبر: بقالي
الكوفة، ان فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار والله ما ذلك إلا الحسن
والحسين وولد بطنها خاصة، ان كنت ترى انك تعصى الله وتدخل الجنة وموسى بن
جعفر يطيع الله ويصوم نهاره ويقوم ليله ويدخل الجنة وتجيئان سواء فأنت إذا أكرم
على الله من موسى بن جعفر، والله ما ينال أحد ما عند الله إلا بطاعته، وزعمت انك
تنال بمعصيته فبئس ما زعمت، وقد قال علي بن الحسين عليهما السلام لمحسننا كفلان من
الاجر، ولمسيئنا ضعفان من العذاب، فقال زيد انا أخوك وابن أبيك فقال له
أبو الحسن: أنت اخى ما أطعت الله عز وجل، ان نوحا قال: رب ان ابني من
أهلي وان وعدك الحق وأنت احكم الحاكمين، فقال الله عز وجل: يا نوح إنه ليس من
أهلك إنه عمل غير صالح، فأخرجه الله عز وجل من أن يكون من أهله بمعصيته.
قال الحسن الوشا: ثم التفت إلى أبو الحسن " ع " وقال: يا حسن كيف تقرؤون
هذه الآية قال: (يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) فقلت: من الناس
من يقرأ انه عمل غير صالح ومنهم من يقرأ إنه عمل غير صالح فمن قرأ انه عمل غير صالح
نفاه عن أبيه، فقال " ع ": كلا لقد كان ابنه ولكن لما عصى الله عز وجل نفاه عن
أبيه، كذا من كان منا لم يطع الله فليس منا وأنت إذا أطعت الله فأنت منا أهل البيت.
أقول: خلق الله الجنة لمن اطاعه ولو كان عبدا حبشيا، وخلق النار لمن عصاه
ولو كان سيدا قرشيا أو هاشميا، من أطاع الله فهو منهم وإن كان بعيدا كما يرى الحبشي
الذي قتل مع الحسين " ع " كيف صار منهم وقف عليه أبو الأئمة وقال: اللهم بيض
وجهه الخ.
381

المجلس الخمسون
قال رسول الله (ص): لما اسرى بن إلى السماء أمر بعرض الجنة والنار على
فرأيتهما جميعا ورأيت الجنة وألوان نعيمها، ورأيت النار وألوان عذابها، فلما رجعت
قال لي جبرئيل: قرأت يا رسول الله ما كان مكتوبا على أبواب الجنة وما كان مكتوبا
على أبواب) فقلت: لا يا جبرئيل فقال: ان للجنة ثمانية أبواب على كل باب منها أربع
كلمات كل كلمة منها خير من الدنيا وما فيها لمن تعلمها وعرفها فقلت: يا جبرئيل ارجع
معي لا قرأها فرجع عمى جبرئيل فبدأ بأبواب الجنة فإذا على الباب الأول مكتوب:
(لا إله إلا الله محمد رسول الله على ولى الله، لكل شئ حيلة، وحيلة طيب العيش في
الدنيا أربع خصال: القناعة: ونبذ الحقد، وترك الحسد، ومجالسة أهل الخير).
وعلى الباب الثاني مكتوب: (لا إله إلا الله محمد رسول الله على ولى الله لكل شئ
حيلة، وحيلة الصحة في الدنيا أربع خصال: قلة الطعام، وقلة الكلام، وقلة المنام
وقلة الشهوة.
وعلى الباب الرابع مكتوب: (لا إله إلا الله محمد رسول الله على ولى الله، من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليبر والديه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا
أو يسكت).
وعلى الباب الخامس مكتوب: (لا إله إلا الله محمد رسول الله على ولى الله من
أراد أن لا يظلم فلا يظلم، ومن أراد أن لا يذل فلا يذل، ومن أراد أن لا يشتم
فلا يشتم، ومن أراد ن يستمسك بالعروة الوثقى فليستمسك بقول لا إله إلا الله على
ولى الله.
وعلى باب السادس مكتوب: (لا إله إلا الله محمد رسول على ولى الله، ومن
382

أحب ان يكون قبره واسعا فسيحا فليأت المساجد، من أحب ان لا تأكله الديدان تحت
الأرض فليكنس المساجد، ومن أحب أن لا يظلم لحده فلينور المساجد.
وعلى الباب السابع مكتوب: (لا إله إلا الله محمد رسول الله على ولى الله
بياض القلب في أربع خصال: في عيادة المريض، واتباع الجنازة، وشراء أكفان
الموتى، وأداء الفرائض.
وعلى الباب الثامن مكتوب: (لا إله إلا الله محمد رسول الله على ولى الله، من
أراد الدخول من هذه الثمانية فليستمسك بأربع خصال: بالصدق، والسخاء
وحسن الخلق، وكف الأذى. نعم في الخبر: المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه
فإذا وجدت أحدا يتأذى منه الناس من هفوات لسانه أو جنايات يده فليس بمسلم
فلا تشك في كفر من وضع رأس الحسين بين يديه تارة بلسانه يؤذيه وأخرى بيده.
أتضربها شلت يمينك انها * وجوه لوجه الله طال سجودا
ثم جئنا إلى النار فإذا على الباب الأول مكتوب ثلاث كلمات: لعن الله الكاذبين
لعن الله الباخلين، لعن الله الظالمين، وعلى الباب الثاني مكتوب: من رجا الله سعد
ومن خاف الله امن، والهالك المغرور من رجا سوى الله وخاف غيره، وعلى الباب
الثالث مكتوب: من أراد أن يكون عريانا في القيامة فليكس الجلود العارية، من أراد
أن لا يكون في القيامة عطشانا فليسقي العطشان في الدنيا. وعلى الباب الرابع مكتوب
اذن الله من أهان الاسلام، أذل الله من أهان أهل بيت نبيه، أذل الله من أعان الظالمين
على ظلم المخلوقين، وعلى الباب الخامس مكتوب: لا تتبع الهوى فان الهوى يجانب
الايمان، ولا تكثر منطقك فيما لا يعنيك فتسقط من عين ربك ولا تكن عونا للظالمين
على ظلم المخلوقين فان الجنة لم تخلق للظالمين.
وعلى الباب السادس مكتوب: انا حرام على المجتهدين، انا حرام على المتصدقين
انا حرام على الصائمين، وعلى الباب السابع مكتوب: حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا
ونجوا أنفسكم قبل أن تنجوا، وادعوا الله قبل أن تردوا عليه فلا تقدروا على ذلك
عليه من حساب يوم القيامة فهنا لك هول عظيم وخطب وناهيك في هذا المقام
ما ورد ان موسى بن جعفر " ع " كان يدعو ويقول: اللهم إني أسئلك الراحة عند الموت
383

والعفو عند الحساب، فأول شئ يحاسب عليه هو عمرك يقال لك في أي شئ أفنيت
عمرك؟ فتقول في المعاصي والملاهي وليس لك جواب غير هذا، وأما إذا سئل موسى
ابن جعفر " ع " فبم أفنيت عمرك؟ فيقول في العبودية الله تعالى والطاعة له مع ذلك كنت
محبوسا انقل من سجن إلى سجن، ومن حبس إلى حبس فشتان بيننا وبينه بأبي وأمي ولم
يزل محبوسا مظلوما غريبا وحيدا حتى سقى السم الخ.
المجلس الحادي والخمسون
أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى يا موسى، انى وضعت ستة أشياء في أشياء
والناس يطلبونها في ستة أشياء أخرى فلن يجدوه ابدا، انى وضعت الراحة في الجنة
والناس يطلبونه في الدنيا فلن يجدوه قط، انى وضعت العلم في الجوع والناس يطلبونه
في الشبع والوطن فلن يجدوه قط، انى وضعت العز في قيام الليل والناس يطلبونه في
أبواب السلاطين فلن يجدوه قط اني وضعت الرفعة والدرجة في التواضع والناس
يطلبونها في التكبر فلن يجدوها قط انى وضعت إجابة الدعاء في لقمة الحلال والناس
يطلبونها في القيل والمقال فلن يجدوها قط، نعم ولإجابة الدعاء شروط: منها التحرز
والتجنب عن أكل الحرام.
(في الارشاد) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان العبد ليرفع يديه إلى الله ومطعمه حرام
وملبسه حرام فكيف يستجاب له وهذه حاله.
وفيه قال أمير المؤمنين " ع ": وللدعاء شروط أربعة: الأول احضار النية
والثاني اخلاص السريرة، الثالث معرفة المسؤول، الرابع الانصاف في المسألة، فإنه
روى في (ارشاد الديلمي) دخل إبراهيم الأدهم البصرة فاجتمع الناس إليه وقالوا:
يا أبا إسحاق فالله تعالى قال: (ادعوني استجب لكم) ونحن ندعوه فلا يستجب لنا؟ قال
يا أهل البصرة، لان قلوبكم قد صارت في عشرة، أولها: عرفتم الله فلم تؤدوا حقه
الثاني: قرأتم كتاب الله فلم تعملوا به. الثالث: قلتم نحب رسول الله وتركتم سنته
الرابع: قلتم الشيطان لنا عدو فوافقتموه، الخامس: قلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها
384

السادس: قلتم ان الموت حق ولم تتهيؤا له. السابع: انتبهتم من النوم فاشتغلتم
باغتياب اخوانكم، الثامن: اكلتم نعمة الله فلم تؤدوا شكرها. التاسع: قلتم نخاف من
النار فلم تهربوا منها، العاشر: دفنتم موتاكم فلم تعتبروا بهم، ومع ذلك لا ينبغي ان
نترك الدعاء لأنه مع علمه بأحوالنا وسوء نياتنا وسرائرنا وفساد شهوتنا وسراب قلوبنا
أمرنا بالدعاء، ووعدنا الإجابة وقال تعالى: (ادعوني استجب لكم) وقال سبحانه:
(امن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) وقال عز وجل: (ان الذين يستكبرون
عن عبادتي) يعنى دعائي سيدخلون جهنم داخرين، وقال سبحانه: (ولقد أرسلنا إلى أمم
من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) وقال تعالى: (فلولا إذ جاءه
بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم) وقال: (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر
تدعونه تضرعا وخفية) ومدح قوما على الدعاء فقال: انهم كانوا يسارعون في الخيرات
ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل العبادات الدعاء
الدعاء مخ العبادة، وقال: إذا أذن الله لعبد في الدعاء فتح له باب الإجابة بالرحمة، وان
لن يهلك مع الدعاء، هالك، وان الله سبحانه يغضب إذا ترك سؤاله فليسأل أحدكم ربه
حتى في شسع نعله إذا انقطع، ان سلاح المؤمن الدعاء وقال: انه يبتلى العبد حتى يسمع
دعاؤه وتضرعه.
وقال أمير المؤمنين " ع ": ما كان الله ليفتح على العبد باب الدعاء، ويغلق عنه
باب الإجابة وهو يقول: ادعوني استجب لكم.
أقول: وقد فتح باب الإجابة عند قبر الحسين " ع " لأنه جعل إجابة الدعاء تحت
قبته عوضا عن شهادته وجعل الشفاء في تربته، ولنعم ما قيل:
به تدرك المرضى بتربتك الشفا * ويغدو مجابا تحت قبتك الدعا
المجلس الثاني والخمسون
الديلي في (الارشاد) روى أن الصادق " ع " قال لبعض تلامذة يوما: أي شئ
تعلمت منى؟ قال: يا مولاي ثمان مسائل قال " ع ": قصها على لأعرفها قال: الأول
385

رأيت كل محبوب يفارق محبوبه عند الموت فصرفت همى إلى مالا يفارقني بل يؤنسني عند
وحدتي وهو فعل الخير، وذلك قول الله (ومن يعمل خيرا يجز به) قال:
أحسنت والله.
الثانية قال: رأيت قوما يفخرون بالحسب وآخرين بالمال والولد وإذا ذلك
لا فخر فيه فرأيت الفخر العظيم في قوله تعالى: (ان أكرمكم عند الله اتقاكم) فاجتهدت
الثالثة قال: رأيت الناس في لهوهم وطربهم وسمعت قوله تعالى: (واما من
خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) فاجتهدت في صرف
الهوى عن نفسي حتى استقرت على طاعة الله وفى مرضات الله، قال " ع " أحسنت والله
الرابعة قال: رأيت كل من وجد شيئا مكرما يكرم عنده واجتهدت في حفظه
وسمعت قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اجر كريم)
فأحببت المضاعفة ولم أر أحفظ مما يكون عنده فكلما وجدت شيئا مكرما عندي وجهت به
إليه ليكون لي ذخرا إلى وقت حاجتي إليه قال " ع ": أحسنت والله.
الخامسة قال: رأيت حسد الناس بعضهم لبعض وسمعت قول تعالى: (نحن
قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم
بعضا سخريا ورحمة ربك خير بما يجمعون) فلما علمت أن رحمة الله خير مما يجمعون
ما حسدت أحدا ولا أسفت على ما فاتني قال " ع ": أحسنت والله
السادسة قال: رأيت عداوة الناس بعضهم لبعض في دار الدنيا والحزازات التي
في صدورهم، وسمعت قول الله تعالى، (ان الشيطان لكم عدو فاتخذوا عدوا)
فاشتغلت بعداوة الشيطان عن عداوة غيره قال " ع ": أحسنت والله
السابعة قال: رأيت كدح الناس واجتهادهم في طلب الرزق وسمعت قوله تعالى:
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد ان يطعمون
ان الله هو الرازق ذو القوة المتين) فعلمت ان وعده حق وقوله صدق فسكنت إلى وعده
ورضيت بقوله واشتغلت بما له على عما لي عنده قال " ع " أحسنت والله.
الثامنة قال: رأيت قوما يتكلون على صحة أبدانهم، وقوما على كثرة أموالهم
وقوعا على خلق مثلهم وسمعت قوله تعالى، ومن يتق الله يحمل له مخرجا ويرزقه من
386

حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شئ
قدرا) فاتكلت على الله وزال اتكالي على غيره.
قال " ع " له: والله ان التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وسائر الكتب ترجع
إلى هذه المسائل. آخر مسألة حكاها مسألة التوكل، ونعم الزاد في المهالك التوكل
على الله وخير الأسباب للنجاح والفلاح، غضن البصر عما سوى الله وهو كاف
وبه كفاية.
قال أمير المؤمنين " ع ": ما كان الله ليفتح باب التوكل ولم يجعل للمتوكلين مخرجا
فإنه سبحانه يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن
يتوكل على الله فهو حسبه) وما كان لله ليفتح بابا لشكر ويغلق باب الزيادة لأنه
يقول: (لان شكرتم لأزيدنكم) وما كان الله ليفتح على العبد باب الدعاء ويغلق عنه
باب الإجابة وهو يقول: (ادعوني استجب لكم) وما كان الله ليفتح باب التوبة ويغلق
باب المغفرة لأنه يقول: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) يتوب
لمن سأله المغفرة وتاب إليه.
سأل موسى بن عمران ربه وقال: يا رب ان فلانا عبدك الإسرائيلي أذنب ذنبا
ويسألك العفو فقال: يا موسى أغفر لمن استغفرني إلا قاتل الحسين: قال: ومن
الحسين؟ قال: الذي مر عليك ذكره بطور قال: ومن يقتله؟ قال: تقتله أمة جده
الباغية الطاغية.
المجلس الثالث والخمسون
ومن وصايا لقمان الحكيم لابنه: يا بني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن
الله سبحانه يحيى القلوب بنور الحكمة كما يحيى الأرض بوابل السماء، فكما ان حياة الأرض
بالمطر، وحياة الجسد بالطعام والشراب، فحياة القلب بالعلم والحكمة ولذا قال
على " على " في هذه الآيات: ان العلماء احياء وما عداهم من الناس أموات، يقول " ع ":
ما الفخر إلا لأهل العلم انهم * على الهدى لمن استهدى أدلاء
387

وقد كل امرئ ما كان يحسنه * والجاهلون لأهل العلم أعداء
قفز بعلم تعيش حيا به أبدا * الناس موتى وأهل العلم احياء
وذلك كما أن الجسد إذا منع عنه الطعام والشراب يموت فكذلك القلب إذا منع عنه
العلم والحكمة يموت ويهلك ولكن صاحبه لا يشعر بموته لأنه مشغول بالدنيا وحب الدنيا
أبطل احساسه بموت قلبه كما أن غلبة الخوف الخوف قد تبطل حواس الانسان ولا يلتفت في حالة
خوفه إلى ألم الجراح حتى إذا زال خوفه يظهر له الوجع والألم كذلك إذا مات الانسان
وكشف له الغطاء وخط الموت عنه أعباء الدنيا أحسن بهلاكه وموت قلبه، ما فات عنه
من شرف العلم فعند ذلك تحسر تحسرا عظيما ولا ينفعه التسحر لأنه ما فات فات
ولا يدركه كيف يمكنه الادراك وقد فاته خير عظيم، ولذا قال بعض الحكماء: أي شئ
فاته من أدرك العلم فلقد فاتت عنه مرتبة فوق جميع المراتب حتى الشهادة، مع ما ورد
في فضل الشهداء بأنهم أفضل أهل الجنان مع هذا القدر.
ورد في الخبر إذا كان يوم القيامة ليودن رجال قتلوا في سبيل الله شهداء ان يبعثهم
الله علماء لما يرون من كراماتهم عند الله وهي كثيرة، منها، ان مداد العلماء يوزن
بدماء علماء يرون من كراماتهم على دماء الشهداء، منها: ان درجتهم قريبة من درجة
الأنبياء، وأخرى انهم أول من يشفع الناس بعد الأنبياء ولا يدخلون الجنة حتى يشفع
كل واحد منهم بعدد ربيعة ومضر، ويناديهم الله في يوم القيامة يا معشر العلماء انى لم
أضع على فيكم لأعذبكم اذهبوا أنتم قد غفرت لكم فيقولون: ربنا نحن نذهب وندخل
الجنة والناس حيارى فيقول الله تبارك وتعالى: اشفعوا لعبادي حتى تشفعوا فيشفعون
الناس ثم يدخلون الجنة بعدهم، ولذا ورد في الخبر: ان العلماء أرأف بأمة محمد من
آبائهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا وهم يحفظونهم من نار الآخرة.
وينبغي ان يكونوا أرأف من الأب والام لان العلماء ورثة الأنبياء فكما ان الأنبياء
أرأف واشفق بأمهم من الاباء والأمهات فيقتضى أن يكون ورائهم كذلك، وفى الخبر
لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم وهم سرج الأزمنة كل واحد مصباح زمانه يستضئ
به أهل عصره. كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس تعلموا العلم فان تعلمه لله خشية
وطلبه عبادة ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليم من لا يعلمه صدقة
وبذله لأهله قربة وهو الأنيس في الوحدة، والبحث عنه جهاد، وتعليم من لا يعلمه صدقة
وبذله لأهله قربة وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والدليل على الدين
388

والمشير على السراء والضراء، والوزير عند الأخلاء، والقريب عند الغرباء، ومنار
سبيل الجنة يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة سادة هدانا يقتدى بهم أدلة في الخير
تقتص آثارهم وترمق أفعالهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتهم تمسحهم وكل
رطب ويابس لهم يستغفر حتى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وانعامه، والسماء
ونجومها لان العلم حياة القلوب من العمى، ونور الابصار من الظلم، وقوة الأبدان
من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلى، والتفكر فيه يعدل بالصيام
ومدارسته بالقيام، به يطاع الله عز وجل، وبه يعبد وبه يوحد، وبه يمجد
وبه يتورع وبه توصل الأرحام، به يعرف الحلال من الحرام وهو امام والعمل تابعه
يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء، ونور يقذفه الله في قلب من يشاء، فطوبى لقلب
يكون محلا ومحطا لهذا النور ومنزلا لوديعة الرب الغفور لا شك ولا شبهة بان العلم وديعة
الله في القلب، ويجب احترام ذلك القلب لأجل وديعة الرب، لعن الله أهل الكوفة
إذ هم لم يرعوا، ولم يعظموا وديعة الله التي أودعت في قلب الحسين " ع " لأنهم بعد ما
أثخنوه بالجراح رموا قلبه لا شريف بسهم محدد مسموم له ثلاث شعب فوقع في قلبه
الشريف فقال: بسم الله وبالله وفى سبيل الله وعلى ملة رسول الله (ص).
ومن أكابر علمائنا الماضين شيخنا الجليل المحيي للفرائض والسنن الشيخ المفيد
قدس الله سره العزيز، قال العلامة: نور الله مضجعه.
في (الخلاصة) في ترجمة محمد بن محمد بن النعمان، يكنى أبى عبد الله، يلقب:
بالمفيد، وله حكاية في تسميته بالمفيد ذكرناها في كتابنا الكبير، ويعرف بابن المعلم
من اجل مشايخ الشيعة ورئيسهم واستادهم، وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله
أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية، أوثق أهل زمانه وأعلمهم، انتهت
رئاسة الإمامية في وقته إليه، وكان حسن الخاطر، دقيق الفطنة حاضر الجواب، له
قريب من ماتى مصنف صغار وكبار، مات قدس سره ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر
رمضان سنة ثلاث عشر وأربعمائة، وكان مولده يوم الحادي عشر من ذي القعدة سنة
ست وثلاثين وثلاثمائة، وقيل سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وصلى عليه الشريف المرتضى
أبو القاسم علي بن الحسين بميدان الأشنان في بغداد، وضاق على الناس مع كبره ودفن
في داره سنين، ونقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيد الإمام أبى جعفر الجواد " ع "
389

عند الرجلين إلى جانب قبر شيخه الصدوق أبو القاسم جعفر ابن قولويه، انتهى.
وذكر ابن إدريس في آخر (السرائر) الحكاية التي أشار إليها العلامة (رض) في
(الخلاصة) انه كان في أيام اشتغاله على أبى عبد الله المعروف بالجهل في مجلس علي بن
عيسى الرماني فسأل رجل بصرى عن علي بن عيسى عن يوم الغدير والغار فقال:
اما خبر الغار فدراية، واما خبر الغدير فرواية، والرواية لا توجب ما توجبه الدراية
ثم انصرف البصري فقال المفيد: ما تقول في من قاتل الإمام العادل؟ قال: كافر
ثم استدرك وقال: فاسق، قال: ما تقول في أمير المؤمنين على " ع "؟ قال: امام
قال: ما تقول في طلحة والزبير ويوم الجمل؟ قال: تابا قال اما خير الجمل فدراية
واما خبر النوبة فرواية فقال له: كنت حاضرا حين سألني البصري؟ قال: نعم فدخل
منزله واخرج معه ورقة قد ألصقها وقال: أوصلها إلى شيخك أبى عبد الله فجاء بها إليه
فقرأها وهو يضحك، ثم قد اخبرني بما جرى بينك وبينه ولقبك المفيد، ويروى له
قريب من هذا مع القاضي عبد الجبار المعتزلي، انتهى.
وقال اليافعي في تاريخه: عند ذكر سنة ثلاث عشر وأربعمائة، وفيها توفى عالم
الشيعة وامام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة شيهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم
أيضا البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة
في الدولة البويهية، قال ابن أبي طي، وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع كثير
الصلاة والصوم، خشن اللباس، وقال غيره: وكان عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد
وكان شيخا ربعة نحيفا اسم رعاش ستا وسبعين سنة وله أكثر من مائتي مصنف، وكانت
جنازته مشهودة، وشيعة ثمانون الف من الرافضة والشيعة وأراحنا الله منه، انتهى
كلام اليافعي.
وهذا الرجل من أكابر العامة ومعتصبيهم، وقد رأيت من آخر كلامه ما يدل
على عناده وشدة بغضه لمثل هذا الشيخ، ومع ذلك لم يمكنه جحد مناقبه الدينية والدنيوية
والعلمية والعملية، وقال الشيخ يحيى بن البطريق الحلى (رض) من أن صاحب الامر (عج)
كتب إليه ثلاث كتب في كل سنة كتابا، وهذا بما يدل على علو شأنه وارتفاع مقامه
وهذا أوفى مدحا وتزكية، وأزكى ثناء وتطرية، يقول امام الأمة وخلف الأئمة
ومن توقيعاته (عج): هذا كتاب إليك أيها الأخ الولي والمخلص في ودنا الصفي
390

والناصر لنا الوفي حرسك الله بعينه التي لا تنام فاحفظ به ولا تظهر على خطنا الذي
سطرنا بماله ضمناه أحدا وأومأ فيه إلى ما تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل انشاء الله
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
وفى (مجالس المؤمنين) وهذه الأبيات منسوبة إلى صاحب الامر عجل الله
فرجه وجدت مكتوبة على قبر الشيخ (رض):
لا صوت الناعي بفقدك انه * يوم على آل الرسول عظيم
ان كنت قد غيبت في جدث الثرى * فالعلم والتوحيد فيك مقيم
والقائم المهدى يقرأ كلما * تليت عليك من الدروس علوم
نعم الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه يفرح ببقاء العلماء وتدريسهم وتعليمهم
وترويجهم للأحكام، كما أنه " ع " يحزن بموتهم وارتحالهم وقتلهم وضعفهم لان ضعفهم
ضعف الاسلام، وقتلهم سبب لغلبة الأعداء كما تراه، وهذا هو معنى الخبر إذا مات
العالم ثلم في الاسلام ثلة لا يسدها شئ، ولذا يبكيه كل شئ وتبكيه السماوات
والأرضون أربعين شهرا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين " ع ": يا علي إذا مات مؤمن تبكيه السماوات
والأرضون أربعين صباحا، وإذا مات عالم تبكيه السماوات والأرضون أربعين شهرا
وإذا مات إمام تبكيان أربعين سنة، وإذا قتلت أنت يا أبا الحسن تبكيانك أربعين
سنة لقتلك.
قال ابن عباس: لما قتل أمير المؤمنين " ع " رأينا السماء تمطر دما عبيطا، وما رفع
حجر من الأرض منذ ثلاث أيام إلا وخرج من تحته دم عبيط، وظهرت هذه العلامة
في قتل الحسين " ع " لأهل بيت المقدس إلى آخره.
هذا آخر ما أوردناه في (الجزء الثاني) من الكتاب، والحمد لله أولا وآخرا
ونشكره على أن وفقنا وأعاننا لاتمامه انه رؤوف رحيم
391

خاتمة الكتاب
وفيها مطالب نفيسة، وطرائف شريفة، واخبار جيدة، ومقدمات مفيدة
يحسن لمن أراد الا بكاء ان يبتدأ بها لأجل حصول المرام، ولسرعة البكاء من الخواص
والعوام، فاغتنموا أيها الكرام، وفيها بعض ما فاتني ذكره في الكتاب من المطالب
اللازمة فعليك بالغور فيها حتى يظهر لك ما قلت: ولعلك تظفر فيها بما أردت.
مقدمة
أتدري بقعة بالشام طابت * لزينب بضعة لأبي تراب
فقل للمذنبين ان ادخلوها * تكونوا آمنين من العذاب
ولا يخفى ان زينب سلام الله عليها كانت فضائلها وفواضلها وخصالها وجلالها وعلمها
وعملها وعصمتها وعفتها، ونورها وضيائها، وشرفها وبهاؤها تالية أمها " ع ".
وقال الطبري: انها روت اخبارا كثيرة عن أمها الزهراء عليها السلام.
وقال الصدوق " ع ": ان لها نيابة خاصة عن الحسين " ع " وكانت الشيعة ترجع إليها
في الحلال والحرام حتى برء زين العابدين " ع " من مرضه، وكفى في علمها وفضلها من أنها
كانت جالسة في حجر أمير المؤمنين " ع "، وهي صبية وعلى " ع " يضع الكلام ويلقيه على
لسانها فأقل لها: بنية قولي واحد قالت: واحد فقال لها: قولي اثنين قالت أبتاه
ما أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد فقبلها أمير المؤمنين " ع " ويوما آخر اجلسها
على " ع " على فخذه وطفل آخر على فخذه الاخر وهو يقبلهما فقالت زينب: أبتاه
أتحباه؟ قال: نعم يا أبتاه إن المحبة خاصة لله تبارك وتعالى واما إلينا فهي الشفقة، فقبلها
أمير المؤمنين " ع "، وانها لما ولدت كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فما سماها أمير المؤمنين " ع "
جبرئيل عليه وقال: ولدت لفاطمة بنت سمها زينبا، ثم أخبر النبي (ص) بما يجرى
عليها من المصائب والمحن.
392

وروى أنها كانت شديد المحبة بالنسبة إلى الحسين " ع " من صغرها بحيث لا تستقر
إلا في حجر الحسين " ع " فحكت فاطمة عليها السلام ذلك إلى رسول الله (ص) فبكى
النبي (ص) وأخبر بمصابهما واشتراكهما في ذلك.
وقال بعض الفحول انها كادت ان تقرب من أمها في الفضل والعبادة، وفى
الكرامات والصبر على النائبات وبحيث خرقت العبادات ولحقت بالمعجزات وكفى في
فضلها ما قال الإمام علي بن الحسين " ع " لها لما خطبت بتلك الخطبة التي عجز عن اداراكها
الافهام والوصول إلى معارفها الاعلام.
عمتي اسكتي، ففي الباقي عن الماضي اعتبار وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة
غير مفهمة ان البكار والحزن لا يردان من اباده الدهر، واما عبادتهما ما تركت تهجدها
لله تعالى طول دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرم.
وروى عن زين العابدين " ع " قال رأيتهما تلك الليلة تصلى من جلوس، وكراماتها
كثيرة وناهيك لما خطبت بتلك الخطبة فبمجرد ما أومأت للناس ان اسكتوا فارتدت
الأنفاس وسكنت الأجراس واما صبرها على النوائب ناهيك منها لما وقفت على جثة
أخيها يوم الحادي عشر من المحرم قالت اللهم تقبل منا هذا القليل القربان، ثم وقوفها
بين يدي علي بن الحسين " ع " وجعلت تسلى خاطرة وتذكر له حديث أم أيمن وتسكن قلب
الامام الخ.
مقدمة
في (علل الشرائع) عن الرضا " ع " قوله عز وجل (فتبسم ضاحكا من قولها) قال " ع "
لما قالت النملة (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده) حملت الريح صوت
النملة إلى سليمان وهو مار في الهواء فوقف وقال علي بالنملة فلما اتى بها، قال سليمان
يا أيتها النملة اما علمت انى نبي وأنى لا أظلم أحدا قالت النملة بلى قال سليمان فلم حذرتيهم
ظلمي وقلت يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم قالت النملة خشيت ان ينظر إلى زينتك
فيفتتنوا بها فيعبدوا غير الله تعالى ذكره، ثم قالت النملة هل تدرى لم سخرت لك الريح
من بين سائر المملكة. قال سليمان: مالي بهذا علم قالت النملة: - يعنى عز وجل بذلك
لو سخرت لك جميع المملكة كما سخرت لك هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح
393

فتبسم ضاحكا من قولها، نعم فوق كل ذلك كانت النملة قد وعظت سليمان ونصحته - يعنى
لا تغتر بالدنيا ولا بهذه السلطنة فان الدنيا دار بلاء وفتنة، وكل ما فيها فإلى زوال
واضمحلال، كما زال منه كزوال الريح.
فلما استوى اطاعته، واستكمل مدته رمته، قسى الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار
منه خالية، والمساكن معطلة، وورثها قوم آخرون، وكانت سلطنة عظيمة لم يسبقه
أحد من بني آدم فيها، وان الله قد سخر له ما في الكونين، وامر الجن فنسجوا له
بساطا من الإبريسم والذهب، وكان يجلس عليه مع خاصته، وكان في مجلسه على
البساط ستمائة الف كرسي يجلس عليها العلماء والأنبياء، ولسليمان سرير مرصع موضوع
في وسط الكراسي يجلس عليه وتحفه حفدته، وجاءت الطيور بأجمعها على روس هؤلاء
تظللهم، وسخر له الريح غدوها شهر ورواحها شهر، وكان يسير أول النهار من مكة
ويتغدى بالكوفة ويتعشى بالشام، وقد زاد في ملكه بأنه ما يتكلم أحد بكلمة أينما كان
إلا ألقته في اذنه حتى يسمع، ومع هذا الملك كان لم يأكل ما مسته النار بل كان
يعمل سفيف الخوص زنبيلا فيشترى بثمنه شعيرا فيضعه بين صخرتين حتى يصير جريشا
ويجعله في الشمس حتى يجف فيأكله، فإذا جنة الليل نزع ثياب الملك ولبس ثيابا من
ليف النخل، وغل يديه إلى عنقه وقام باكيا إلى الصباح.
(وروى) انه يدخل الجنة بعد الأنبياء بثلاثمائة عام لطول حسابه في يوم القيامة
نعم في حلالها حساب، وفى حرامها عقاب، وفى الشبهات عتاب فينبغي للعاقل ان
يحرز نفسه منها، ولا يأخذ من الدنيا إلا بقدر الحاجة ورفع الضرورة كما يأخذ من الميتة
عند الحاجة قال مولانا الحسن " ع " فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك فإن كان
ذلك حلالا كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراما لم يكن فيه وزر فأخذت كما اخذت
من الميتة، وإن كان العتاب فان العتاب يسير بأبي وأمي كان يعط بهذه الموعظة وهو
يجود بنفسه من شدة السم الذي سقوه إلى آخر المصيبة
مقدمة
في (أنوار النعمانية) للسيد الجزائري (رض) انه كأنه بين الحسين " ع " وبين يزيد
عداوة أصلية وعداوة فرعية: اما العداوة الأصلية فلانه ولد لعبد مناف ولدان:
394

هاشم، وعبد الشم ملتزقان ظهر كل واحد منهما بالآخر ففرق بينهما بالسيف فلم يرتفع
السيف من بينهما وبين أولادهما حتى وقع بين حرب بن أمية وعبد المطلب بن هاشم وبين
أبي سفيان بن حرف وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين معاوية بن أبي سفيان وبين علي بن أبي
طالب " ع " وبين يزيد بن معاوية بين الحسين بن علي " ع ". اما العداوة الفرعية
فان يزيد قال لأبيه معاوية: يا أبة قد هيأت لي وراثة الملك وما قصرت في حقي غير
إنه تكون لعبد الله بن الزبير امرأة يقال لها فاطمة من أجمل النساء فقد عشقتها أريد
ان تزوجها منى، فدعا معاوية: يا أبة قد هيأت فاطمة من أجمل النساء فقد عشقتها أريد
ان تزوجها منى، فدعا معاوية عبد الله بن الزبير وقال: أريد ان ارعى قرابتك من
رسول الله، وأزوجك ابنتي واجعل لك ولاية المصر، فانخدع به عبد الله وفرح وبعد
يوم دعاه وأخبره بأنها لا ترضى إلا أن تطلق زوجتك خوفا من الغيرة بجمالها فطلقها
عبد الله حرصا على دنياه، فبعد يوم دعاه معاوية وأخبره بان ابنتي تأبى وتقول: إنه
لم يف لصاحبته وهي صاحبة جمال وكيف يصنع بي إذا زال الملك والمال، فاغتم عبد الله
غما شديدا فتسلاه معاوية وقال: لا تغتم فإني سأرسل إليها نساء يرضينها.
فلما انقضت عدة فاطمة ارسل إليها أبا موسى الأشعري ليخطبها ليزيد، فمر
أبو موسى بقثم بن العباس بن عبد المطلب فقال قثم: انى راغب إليها أيضا ثم مر
بالحسين " ع " فاظهر روحي له الفداء الرغبة فيها فلما دخل أبو موسى عليها قال لها: فلان
وفلان وفلان قد رغبوا فيك وانا أيضا كذلك فقالت: اما أنت فشيخ كبير وانا شابة
وهؤلاء أريد منك طلب المصلحة، فقال أبو موسى: ان تريدي الولاية والتنعم
الدنيوي فيزيد، وان تريدي العقل والجمال وقرابة الرسول فقثم بن العباس وهو ابن
عم رسول الله (ص)، وان تريدي العلم والكمال والهيبة والجمال وقرابة الرسول والزهد
والتقوى ونبوة خاتم الأنبياء والمواصلة للصديقة الكبرى فهو الحسين " ع " فان لحمه من لحم
رسول الله (ص) وقد رأيت النبي (ص) يقبله ويقول: حسين شباب أهل الجنة، فقالت:
اخترت الحسين " ع " ولا اختار عليه غيره، فزوجت من الحسين " ع " فسمع معاوية غضب
على أبى موسى، وغضب يزيد عليه وعلى الحسين " ع " غضبا شديدا، وكمن منه الحقد
في صدره، وكان يتربص به الدوائر حتى هلك معاوية وجلس يزيد على سرير الملك الملك كتب
إلى الوليد بن عتبة وكان والى المدينة ان يأخذ من الحسين بالبيعة له ولا يرخص له في
التأخر، وكتب ان أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلى برأسه، فانفذ الوليد إلى
395

الحسين عليه السلام وجرى بينهما ما جرى الخ.
مقدمة
(وفى المالي الصدوق " رض ") عن الباقر " ع " قال: أوحى الله عز وجل إلى رسوله
ان شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: لولا أن
الله أخبرك ما أخبرتك ما شربت خمرا قط لأني علمت أن لو شربتهما لزال عقلي
وما كذبت قط لان الكذب ينقص المروة، وما زنيت قط لأني خفت إذا عملت عمل
بي، وما عبدت صنما قط لأني علمت إنه لا يضر ولا ينفع قال: فضرب النبي (ص)
يده على عاتقه وقال: حق لله عز وجل أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في
الجنة، فكان النبي (ص) كان عالما بقطع يديه وشهادته فأحب له ذلك فأعطاه الله ما أحب
رسوله له، لان جعفر كان أمير على جيش الاسلام في يوم (مؤتة) وهي من أراضي
الشام وبيده راية الاسلام، فقاتل في الله حتى قطعت يداه ورجلاه فأرى نبي الله فيما
كشف له ان له جناحين مضرجين بالدم يطير بهما في الجنة مع الملائكة، ويحتمل إنه
كشف لزين العابدين " ع " عمه العباس فرآه وله جناحان، وقال لأبي حمزة: (هب الله
لعمى العباس جناحين يطير بهما في الجنة، وهذا أحد جزاء الله له لأنه وقف عليه
الحسين " ع " وقال: يا اخى جزاك الله خيرا يا اخى لقد جاهدت في الله حق جهاده ثم
قال: الان انكسر ظهري.
(روى) ان لقمان قدم من سفره فلقى غلاما له في بعض الطريق فقال له: يا غلام
ما فعل أبى؟ قال مات قال لقمان: ملكت امرى، قال: ما فعلت زوجتي؟ قال: ماتت
قال: ما فعلت أختي قال: ماتت قال سترت عورتي، قال له: ما فعل اخى قال مات قال:
انكسر ظهري، فإذا لا يلام الحسين " ع " حين وقف على العباس وقال: الان انكسر
ظهري وقلت حيلتي الخ.
مقدمة
قال أمير المؤمنين " ع ": سلامه الانسان في حفظ اللسان، ولا يزال الرجل المسلم
سالما ما دام ساكتا فإذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا وذلك قول الله عز وجل: (ما يلفظ
396

من قول إلا لديه رقيب عتيد) ولقد تكلم نوح النبي بكلمة فتندم من ذلك وناح عليه
أربعين صباحا، وذلك مر بكل كريه المنظر فقال نوح: ما أقبح هذا الكلب فتكلم
الكلب وقال بلسان طلق، ان كنت لا ترضى بخلق الله فخولني يا نبي الله فتحير نوح
واقبل يلوم نفسه وناح لذلك أربعين صباحا حتى تاب الله عليه ولذا قال أمير المؤمنين " ع "
ما شئ أحق بطول الحبس من اللسان: ومن اجل ذلك حجب الله اللسان بأربع
مصاريع لكثرة ضرره الشفتان مصراعان، والأسنان مصراعان، ومع هذا انظر إلى
فعله وحذر نفسك من شروره.
ومن وصايا أمير المؤمنين " ع " لابن الحنفية: واعلم يا بنى: ان اللسان كلب
عقور، ان أرسلتها عقرك، ورب كلمة سلبت نعمة وجلبت نقمة، فاخزن لسانك
كما تخزن ذهبك وورقك، فتنة اللسان أشد ضربا من فتنة السيوف، ضرب اللسان
أشد من ضرب السنان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصايد
ألسنتهم فينبغي للانسان ان يختار أحد الامرين: اما التكلم بخير وصلاح أو السكوت
بغير ذكر الله.
كان الربيع بن خيثم من الزهاد الثمانية وهو المشهور: بخواجه ربيع، دفن قريبا
من خراسان مكث عشرين سنة لا يتكلم ولزم السكوت وبعد عشرين سنة تكلم بكلمة
ثم سكت إلى أن مات وذلك لما بلغه لما بلغه الخبر بأن أهل الكوفة قتلوا حسينا قال: أو قد فعلوها
وقال لبعض من شهد قتل الحسين " ع ": جئتم بها معلقيها - يعنى الرؤس - اما والله لقد
قتلتم صفوة لو أدركهم رسول الله (ص) لقبل أفواههم وأجلسهم في حجره، وهكذا كان
يفعل به رسول الله (ص) وعبيد الله ما صنع بمقبل رسول الله (ص) الخ.
مقدمة
قال علي بن الحسين " ع ": ان في القائم (عج) سنة من أبينا آدم، وسنة من
نوح، وسنة من إبراهيم، وسنة من موسى: وسنة من عيسى، وسنة من أيوب
وسنة من محمد (ص)، فاما من آدم ونوح: فطول العمر يطيل الله عمره في غيبته ثم
يظهر الله بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، واما من إبراهيم فخفاء الولادة
397

واعتزال الناس، واما من موسى فالخوف والغيبة، واما من عيسى فاختلاف الناس فيه
فمنهم من يقول: ما ولد، ومنهم من يقول: مات، ومنهم من يقول
قتل وصلب.
واما من أيوب فالفرج بعد البلوى، واما من محمد (ص) فالخروج بالسيف
يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر فلا يزال يقتل أعداء رسوله والجبابرة والطواغيت حتى
يرضى الله. قيل له: وكيف يعلم إن الله قد رضى؟ قال: إن الله يلقى في قلبه الرحمة
وبينهما هو يقتل يبكى ويقول: ألا يا أهل العالم: ان جدي الحسين قتلوه عطشانا.
مقدمة
(عيون المعجزات) عن سلمان الفارسي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وعنده جماعة
إذ دنا منه غبار، وبرز شخص ثم قال: يا رسول الله انى وافد قومي وقد استجرنا
بك فأجرنا وابعث من يحكم بيننا، قال (ص) من أنت؟ قال: انا عرفطة رسول
الجن إليك، قال له النبي (ص): فاكشف عن وجهك لنا حتى نراك على هيئتك التي
انته عليها قال: فكشف لنا عن صورته فنظرنا فإذا شخص عليه شعر كثير رأسه
طويل، وعيناه في طول رأسه صغير الحدقتين، وله أسنان كأسنان السباع فالتفت
النبي (ص) إلى الأول وقال: سر مع أخينا عرفطة واحكم بينهم فاق ل: أين هم؟ قال:
هم تحت الأرض فقال: وكيف أطيق النزول تحت الأرض وكيف احكم بينهم ولا أحسن
كلامهم.
ثم التفت (ص) إلى الثاني والى الثالث فقالا مثل ذلك ثم استدعى بعلى بن أبي
طالب " ع " وقال: سر مع عرفطة واحكم بين قومه فقام أمير المؤمنين " ع " وتقلد
سيفه ولبس درعه ومضى مع عرفطة، قال سلمان: فمضيت معهما حتى صعدا على الصفا
وانشق الصفا وهبطا فلما أراد ان ينزل على " ع " بكيت من فراقه فودعني ونزل فرجعت
حزينا كئيبا وابطا على " ع " عن موعده فاضطرب رسول الله (ص) اضطرابا شديدا
فجلس ثلاثة أيام وجلس وهو ينتظره حتى انشق الصفا وطلع أمير المؤمنين " ع " وسيفه
يقطر دما ومعه عرفطة فقام النبي (ص) وقبل بين عينه وجبينه وقال: ما الذي حبسك
عن إلى هذا الوقت؟ فقال " ع ": صرت إلى جن كثير وقد بغوا على عرفطة وقومه
398

فدعوتهم إلى الايمان بك أو الجزية والصلح فأبوا وجردت سيفي ولا غمدته حتى قتلت منهم
ثمانين ألفا فآمنوا واسلموا.
يا قطب دائرة الحرب ورحاها، يا مورى نار الوغى ومطفاها، أين كنت عن
ولدك الغريب أبى عبد الله، مضى على " ع " لنجاة عرفطة وقومه وخلصهم ورجع
وليس هذا بعجب أعجب من هذا ما صدر من الحسين " ع " يوم عاشوراء مضى لنجاة
ملك الصين من الأسد ونجاه ورجع إلى مركزه كما في الخبر. الخ.
مقدمة
في كتاب (تظلم الزهراء) عن كتاب (المنتخب) كان النبي (ص) جالسا ذات يوم
وعنده علي بن أبي طالب " ع " إذ دخل الحسين " ع " فاخذه النبي صلى الله عليه وسلم وجعله في حجره
وقبل بين عينيه وقبل شفتيه، وكان للحسين ست سنين، فقال على " ع ": يا رسول الله
أتب ولدى الحسين؟ قال: كيف لا أحبه وهو عضو من أعضائي، فقال يا رسول الله
أينا أحب إليك انا أم الحسين؟ فقال الحسين " ع " يا أبة، من كان اعلا شرفا كان أحب
إلى رسول الله وأقرب إليه منزلة، فقال علي " ع " أتفاخرني يا حسين قال: نعم ان شئت
يا أبتاه، فقال " ع " انا أمير المؤمنين، انا لسان الصادقين، انا وزير المصطفى
انا مفتاح الهدى، حتى عد من مناقبه نيفا وسبعين منقبة ثم سكت فقال رسول الله (ص)
للحسين أسمعت يا أبا عبد الله، وهو عشر معشار ما قاله من فضائله ومن الف الف
فضيلة وهو فوق ذلك وأعلا، فقال للحسين الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده
المؤمنين وعلى جميع المخلوقين ثم قال: اما ما ذكرت يا أبة يا أمير المؤمنين فأنت فيه
صادق امين، فقال النبي: أذكر أنت فضائلك يا ولدى فقال " ع " انا الحسين بن علي بن أبي
طالب، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وجدى محمد المصطفى سيد بنى ادم
أجمعين، لا ريب فيه يا أبة أمي أفضل من أمك عند الناس أجمعين وجدى خير من جدك
وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين، وأبى خير من أبيك عند الله وعند الناس أجمعين
وانا ناغاني في المهد جبرائيل، وتلقاني إسرائيل، يا أبة أنت عند الله أفضل منى
وانا أفخر منك بالآية والأمهات والأجداد.
ثم إنه اعتنق أبا يقبه وعلى " ع " أيضا يقبله: زادك الله شرفا وتعظيما
399

وفخرا وعلما وحلما ولعن الله قاتلك يا عبد الله، رجع الحسين إلى جده والقى بنفسه
في حجره فضمه النبي (ص) إلى صدره، هذا يوم ذكره الحسين " ع " نسبه لأبيه ويوم
آخر ذكر نسبه لأهل الكوفة. الخ.
مقدمة
ولما جيئ بسبايا طي إلى المدينة وادخل السبي على النبي صلى الله عليه وسلم دخلت سفانة بنت
حاتم الطائي فعجب الحاضرون من حسنها وجمالها، فلما تكلمت نسوا حسنها وجمالها
لعذوبة منطقها قالت: أي محمد، مات الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلى
عنى ولا تشمت بي الأعداء، أو احياء العرب، فإني ابنة سيد قوم، وان أبى كان
يحب مكارم الأخلاق وكان يطعم الجائع ويفك العاني ويكسوا العاري، وما أتاه طالب
حاجة إلا ورده بها، فقال النبي (ص): يا جارية هذه صفات المؤمنين حقا لو كان أبوك
مسلما لترحمنا عليه، ثم قال النبي: أطلقوها كرامة لأبيها فقالت: انا ومن معي قال
النبي: أطلقوا من معها كرامة لها.
ثم قال (ص): ارحموا ثلاثا، وحق لهم ان يرحموا: عزيزا ذل من بعد عزه
وغنيا افتقر من بعد غناه، وعالما ضاع ما بين الجهال، ثم قالت: سفانة يا رسول الله
أتأذن لي بالدعاء لك، قال النبي (ص): نعم فقالت: أصاب الله ببرك مواقعه، ولا جعل
لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة قوم إلا جعلك سببا لردها، قال النبي: آمين
ثم أمر النبي لها بإبل وغنم سدت ما بين الجبلين فعجبت من ذلك وقالت: يا رسول الله
هذا عطاء من لا يخاف الفقر قال: هكذا أدبني ربى ثم قالت: أتأذن لي بالذهاب إلى
منازل؟ قال النبي: لا، أنت في ضيافتي إلى أن يأتي من بنى عمومتك من تثقين به
فمكثت في ضيافة النبي إلى أن أقبلت ذات يوم وقالت: يا رسول الله اقبل من بنى عمومتي
من أثق به، فأمر النبي إلى أن قبلت ذات يوم وقالت: يا رسول الله اقبل من بنى عمومتي
من أثق به، فامر النبي ان يهيؤا لها هودجا جعل غشائه خزا مبطنا وسيرها النبي معي بنى
عمومتها، وكانت طول طريقها إذا رفعت رأسها رأت السيوف مسلولة في حراستها.
وزينب، لما سارت إلى الشام كلما أخرجت رأسها رأت رأس أخيها على رأس رمح
طويل، ولما وصلت سفانة إلى ديارها قالت لأخيها عدى بن حاتم: يا اخى الحق بهذا
الرجل - يعنى رسول الله (ص) - فانى اتيته فرأيته نبي حق ورسوله صدق فاسلم. تجهز
400

عدى حتى وصل إلى المدينة: ودخل على النبي في مسجده فلما رآه النبي قال:
من أنت قال: عدى بن حاتم، فقام النبي وفرش له عبائه واجلسه عليها وجلس النبي
بين يدين فلما رأى ذلك عدى أسلم وآمن برسول الله، هذا اكرام النبي عن عدى بن حاتم
لما دخل عليه مع أنه كافر ولم يسلم بعد، وأهل الكوفة لعنهم الله هجموا على امامنا
زين العابدين " ع " وهو إذ ذاك مريض على نطع من الأديم، فأقبلوا واخذوا النطع من
تحته ورموا به على وجه الأرض:
قلبوه عن نطع مسجي فوقه * وبكت له أملاك سبع شداد
مقدمة
أعطيت في الفضل ما لم يعطه أحد * كذا روى خلف منا عن السلف
كالجام والسطل والمنديل يحمله * جبريل ما أحد فيه بمختلف
يقول الاخر: علي شكى فوت الصلاة فجاءه * وضوء بمنديل كما قيل معلم
إمام الذي حمال ماء طهوره * هو الروح جبريل الأمين إلى الرسل
هو الآية الكبرى هو الحجة التي * بها احتج على الخلق بالظل
(في المناقب) عن أنس بن مالك، صلى رسول الله مع أصحابه فلما ركع ابطأ في
ركوعه حتى ظننا أنه نزل عليه الوحي فلما سلم واستند إلى المحراب نادى: أين علي بن
أبي طالب وكان في آخر الصف يصلي فأتاه فقال (ص): يا علي لحقت الجماعة؟ قال (ع):
يا رسول الله عجل بلال الإقامة فناديت الحسن بوضوء فلم أر أحدا فإذا بهاتف يهتف
يا أبا الحسن اقبل عن يمينك فالتفت فإذا أنا بقدس من ذهب مغطى بمنديل أخضر
معلقا فرأيت فيه ماء أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل، وألين من الزبد
وأطيب ريحا من المسك فتوضأت وشربت وقطرت على رأسي قطرة وجدت بردها في
فؤادي، ومسحت وجهي بالمنديل بعد ما كان الماء يصب على يدي، وما أرى شخصا
ثم جئت يا نبي الله ولحقت، فقال (ص) يا علي، القدس من أقداس الجنة، والماء
من الكوثر، والقطرة من تحت العرش، والمنديل من الوسيلة، والذي جاء به
جبرائيل، والذي صب الماء إسرافيل، والذي ناولك المنديل ميكائيل، وما زال
401

واضعا يده على ركبتي يقول: قف يا محمد قليلا حتى يجئ علي فيدرك معك الجماعة:
ومن وافاه جبريل بماء * من الفردوس فعل المكرمينا
وصب عليه إسرافيل منه * وكان به من المتطهرينا
وقال الآخر:
أيها الناصب جهلا * أنت عن رشدك غفل
من إليه جاء جبريل * بمنديل وسطل
عميت عيناك قل لي * أعلى قلبك قفل
وليس هذا بعجب لان الملائكة خدم علي وأولاده ويفتخرون بذلك:
وبكم تفخر أملاك العلى * إذ لكم أضحت عبيدا وخدم
وأما (الكوثر) فهو لعلي (ع) وأولاده وشيعته وعلي ساقيه، ولكن العجب كل
العجب ممن هو فلذة كبد أمير المؤمنين (ع) وهو يتلظى عطشا ويطلب جرعة من الماء
وهو على شاطئ الفرات.
أيقتل ظمآنا حسين بكربلاء * وفي كل عضو من أنامله بحر
ووالده الساقي على الحوض في غد * وفاطمة ماء البحار لها مهر
نعم كانت أصابعه الشريفة مجرى لجميع المياه كما ذكر في محله.
عذيري من ظام تلظى وعنده * من البارد السلسال أصفى رحيقه
ألا لعنة الله على القوم الظالمين.
مقدمة
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) ولم يزل
المتوكل جعفر بن المعتصم منذ عشرين سنة يأمر بخراب بنيان قبر الحسين (ع)، وحرث
مكانه: واجراء الماء عليه، ونبش قبره، ومحو أثره، وما ظفر بمقصوده، والقبر
على حاله لم يتغير لأنهم وأن هدموا بنيانه ولكن لما أجروا الماء عليه غار وحار واستدار
ولا يعلوه قطرة، لان موضع القبر ارتفع بقدرة الله وبإذن الله، ثم هموا بحرث القبر
وجاؤا بالبقر والآلات التي يحرثون بها.
قال الراوي: فصرت إلى الناحية وأمرت بالبقر فمرت على القبور كلها ولما بلغت
402

قبر الحسين (ع) لم تمر فيه، فأخذت العصا فما زلت اضربها حتى تكسرت العصا فوالله
ما جازت عن موقفها خطوة واحدة، ثم أمر اللعين وبعث من ينبش القبر وهو إبراهيم الديزج.
قال الراوي: فحكى لي إبراهيم الديزج في مرضه الذي مات فيه قال: كنت جاره
فدخلت عليه أعوده فوجدته بحال سوء فإذا هو كالمدهوش وعنده الطبيب ولم يعرف من
حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله فأشار إلى الطبيب فشعر الطبيب فقام وخرج فلما
خلا الموضع سألته عن حاله فقال: أخبرك والله واستغفر الله أن المتوكل أمرني
بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين (ع) لنبش القبر فأمرنا أن نطمس أثر القبر فوافيت
الناحية مساء ومعنا الفعلة والدركاريون، ومعهم المساحي والمرور، فتقدمت إلى
غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر
فنمت فذهب بي النوم فإذا ضوضاء شديدة، وأصوات عالية، وجعل الغلمان ينبهوني
فقمت وأنا ذعر فقلت لغلماني: ما شأنكم؟ قالوا: أعجب شأن قلت: وما ذاك؟ قالوا
إن بموضع القبر قوما قد حالوا بيننا وبين القبر وهم يرموننا مع ذلك بالنشاب فقمت
معهم لا تبين الامر فوجدته كما وصفوا، وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض فقلت
ارموهم فرموا فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهم منا إلا في صاحبه الذي رمى به فقتله.
أقول يا ليت أن سهام أهل الكوفة قد عادت إليهم فقتلتهم حين أحاطوا به والسهام
تأخذه من كل ناحية وهو يتقيها بنحره وصدره، وكانت السهام في درعه كالشوك في
جلد القنفذ ثم لم يزل يقاتل حتى اصابته جراحات عظيمة.
مقدمة
عن سعد بن عبد الله الأشعري (رض) في حكاية تشرفه بملاقات المهدي (ع)
وسؤالاته عنه قال: قلت أخبرني عن تأويل (كهيعص) قال (ع): هذه الحروف من
أنباء الغيب اطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد (ص) وذلك أن زكريا سأل ربه
أن يعلمه أسماء الخمسة فهبط عليه جبرئيل فعلمها إياه، وكان زكريا (ع) إذا ذكر محمد (ص)
وعليا وفاطمة والحسن عليهم السلام سرى عنه همه، وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم
الحسين (ع) خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة، فقال ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت
أربعا منهم تسليت خاطري بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور
403

زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال: (كهيعص) فالكاف اسم كربلا
والهاء هلاك العترة، والياء يزيد، وهو ظالم الحسين (ع)، والعين عطشه، والصاد
صبره.
يا قتيلا صبره الممدوح من رب العباد * حيث قال الله فيه (كاف وها يعص)
كربلا الكاف وقد حل بها كل البلا * قتلت فيه بيوم الطف سادات الملا
ويزيد يائها المعهود والعين تلا * عطش السبط وقد اضرم نارا للفؤاد
فلما سمع بذلك زكريا فارق مسجده ثلاثة أيام ومنع الناس من الدخول عليه واقبل
على البكاء والنحيب وكان يرثيه.
إلهي، أتفجع خير جميع خلقك بولده، إلهي أتنزل هذه الرزية بفنائه، إلهي
تلبس عليا وفاطمة ثوب هذه المصيبة، إلهي أتحل كربة هذه الفجعة بساحتها.
ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر، فإذا رزقتنيه فافتنى
بحبه ثم أفجعني به كما تفجع محمدا (ص) حبيبك بولده فرزقه الله يحيى وفجعه به، وكان
حمل يحيى ستة أشهر، وحمل الحسين (ع) أيضا ستة أشهر، ويحيى بشر به زكريا قبل
ولادته والحسين (ع) أيضا بشر به النبي (ص) قبل ولادته، يحيى رفعوه لتزوره الملائكة
يحيى كان يتكلم في بطن أمه، والحسين كان يتكلم في بطن أمه، يحيى لم يرتضع من ثدي
أمه ورضع من البان السماء، والحسين (ع) لم يرتضع من أنثى لا من أمه ولا من غيرها
رضع من ثدي الرسالة - يعني لسان الرسول (ص) - يحيى لم يسم بإسمه أحد قبله
والحسين (ع) ما سمى بإسمه أحد قبله، يحيى قتل مظلوما، والحسين قتل مظلوما يحيى
قاتله ولد زنا، والحسين قاتله ولد زنا، يحيى بكت عليه السماء والأرض، الحسين (ع)
بكت عليه السماء والأرض وما فيهن وما بينهن، يحيى أهدى برأسه إلى بغي من بغايا
بني إسرائيل والحسين (ع) أهدى برأسه إلى يزيد بن معاوية، يحيى وضع رأسه في طشت
بين يدي عدوه ونطق وقال: أيها الملك اتق الله فلا يجوز لك ولا يحل لك أن تأخذ
ربيبتك، ورأس الحسين (ع) وضع في طشت بين يدي يزيد بن معاوية وتلا هذه الآية
(وسيعلم الذين) الخ.
أقول: لا تقاس مصيبة يحيى بالحسين (ع) شتان بينه وبين الحسين ولقد أحسن وأجاد:
404

فإن تكن آل إسرائيل قد حملت * كريم يحيى على طشت من الذهب
فال سفيان يوم الطف قد حملوا * رأس ابن فاطمة فوق القنا السلب
وهل حملن ليحيى في السبا حرم * كزينب ويتاماها على القتب
ولان يحيى شبيه بالحسين (ع) كان الحسين يذكر يحيى وشهادته، كما قال علي بن
الحسين (ع): ما نزل أبي منزلا ولا ارتحل منها إلا وذكر قصة يحيى وقال: من هو أن الدنيا الخ
وقال (ع) لابن عمر عند خروجه من مكة: أما علمت أن من هوان الدنيا، الخ.
مقدمة
قال ذو النون المصري: دخلت المقبرة فرأيت امرأة شابة جالسة وبين يديها قبور
أربعة وهي تنشد هذه الأبيات:
صبرت وكان الصبر خير مطية * وهل جزع مني مجدي فاجزع
صبرت على ما لو تحمل بعضه * جبال برضوي أصبحت بتصدع
فسالت دموع العين ثم رددتها * إلى ناظري والعين في القلب تدمع
فقلت ما الذي نزل بك وما شأنك؟ قالت: أعجب شأن أصبحت ولي بنون ثلاثة
ولي زوج عطوف وأمسيت وقد فارقتهم جميعا أفنتهم أيدي الزمان قلت: وكيف ذلك؟
قالت: إن بعلي قام إلى شاة لنا في البيت فذبحها، وكان لي ابنان صغيران جعلا ينظران
إلى ما فعل أبوهما فلما خرج أبوهما قال أحدهما للاخر: هلم يا أخي حتى أذبحك كما ذبح
أبوك هذه الشاة فقال نعم قام إليه وأخذ السكين وذبحه، وأنا كنت مشغولا ببعض
الأمور فلما أتيت إذا به يخور في دمه، ويتمرغ فيه فصحت به ويلك ما صنعت بأخيك
ذبحته أف لك فارتعد واضطرب وخاف وهرب إلى الصحراء، فدخل أبوهما ووقف على
الامر ثم خرج إلى الصحراء يطلب ابنه وإذا هو بذئب قد وثب على الغلام ومزقه وتناول
لحمه وبقي بعض أعضائه فحمله أبوه ليدفعه، فبينما هو يسير أصابه عطش شديد وقد اشتد
حزنه على ولديه فسقط ومات، فبينما أنا باكية حزينة على ولدي المذبوح إذا أخبرت
وأنبأت بموت زوجي وولدي الاخر، فخرجت لاتبين الخبر وإذا هو كما قالوا، ولما
رجعت إلى الدار إذا بولد آخر لي وهو طفل صغير قد اقبل إلى القدر وهو على النار فوقع
في القدر ونضج ومات، وهذه قبورهم وأنا أصبر على ذلك لأني أعلم أن الصبر احجى
405

وأجمل ذكرني حال هذه المرأة الصالحة الصابرة حال أم البنين كانت تأتي إلى البقيع وتعمل
صور أربعة قبور وبين يديها يتيمي قمر بني هاشم العباس بن علي (ع) وهما عبيد الله
والفضل وتندب بينهما أشجى ندبة وترثيهم. الخ، المصيبة.
مقدمة
ومن معجزات سيدنا ومولانا الحسين (ع) في (البحار): أن مريضا شديد الحمى
عاده الحسين (ع) فلما دخل من باب الدار طارت الحمى عن الرجل فقال المريض له:
رضيت بما أوتيتم به حقا حقا والحمى تهرب عنكم فقال له الحسين: والله ما خلق الله شيئا
إلا وقد أمره بالطاعة لنا، ثم قال: أيتها الحمى فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى
الشخص يقول: لبيك لبيك يا أبا عبد الله قال: أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي
إلا عدوا لنا أو مذنبا لكي تكوني كفارة لذنوبه فما بال هذا؟
ومن معجزاته عليه السلام في (البحار): رجلان اختصما في زمن الحسين (ع) في
امرأة وولدها فقال: هذا لي وقال هذا لي فمر بهما الحسين (ع) وقال: فيما تمرحان
وتتنازعان قال: أحدهما إن الامرأة لي والولد لي وقال الآخر: إنهما لي فقال للمدعي
الأول: اقعد فقعد، وكان الغلام رضيعا فقال الحسين (ع) للمرأة: يا هذه صدقي من
قبل أن يهتك الله سترك فقالت: هذا زوجي والولد له ولا أعرف هذا، فالتفت
الحسين إلى الرضيع وقال: يا غلام ما تقول هذه انطق بقدرة الله وبإذن الله تعالى فقال
ما أنا لهذا ولا لهذا، وأما أبي الان راعي لآل فلان، فأمر (ع) برجم المرأة. قال
الراوي: فلم يسمع نطق ذلك الغلام بعدها.
ومن معجزاته عليه السلام، ما روى عن تهذيب الأحكام لشيخنا الطوسي (رض)
قال أبو عبد الله الصادق (ع): إن امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها
فمد الرجل بيده حتى وضعها على ذراعها فأثبت الله يد الرجل على ذراعها حتى قطع الطواف
وأرسل إلى الأمير واجتمع الناس وحضر الفقهاء والعلماء فجعلوا يقولون: اقطع يد
الرجل فهو الذي جنى الجناية فقال الأمير: أها هنا رجل من ولد محمد (ص) فقالوا:
نعم الحسين بن علي (ع) قدم الليلة فأرسل إليه الوالي ودعاه فقال: انظر ما لقى هذان
فما حكمهما فاستقبل الحسين (ع) الكعبة ورفع يديه فمكث طويلا يدعو ثم جاء إليهما حتى
406

خلص يده من يدها فقال الأمير: يا أبا عبد الله ألا نعاقبه بما صنع؟ قال (ع) لا.
أقول: يا ليت ما دعى الحسين (ع) وما خلصه حتى قطعت يد الرجل لأنه قيل
إن الرجل هو الجمال الذي قطع يد الحسين (ع) ليلة الحادي عشر، الخ.
مقدمة
عن كتاب (درر المطالب) أن عليا (ع) اجتاز على امرأة مسكينة لها أطفال صغار
يبكون من شدة الجوع وهي تشاغلهم وتلهيهم حتى ناموا فكانت أوقدت نارا تحت قدر
فيه ماء لا غير، وأوهمتهم أن فيه ما تطبخه لهم فعرف أمير المؤمنين (ع) حالها فمشى
ومعه قنبر إلى منزله فاخرج قوصرة تمر وجراب دقيق، وشيئا من الشحم والأرز والخبز
فحمله على كتفه الشريف فطلب قنبر حمله فلم يرض: ولم يفعل.
فلما وصل إلى باب دار المرأة استأذن عليها فأذنت بالدخول فرمى شيئا من الأرز
في القدر ومعه شيئا من الشحم فلما فرغ ونضج غرف منه للصغار، وأمرهم أن يأكلوا
فلما شبعوا قام عنهم وأخذ يطوف بالبيت ويبعبع لهم فأخذوا بالضحك فلما خرج قال له
قنبر: يا مولاي رأيت اليوم منك شيئا عجيبا قد علمت سببه وهو حملك الزاد طلبا للثواب
أما طوافك على يديك ورجليك والبعبعة فلا أدري سبب ذلك قال: يا قنبر إني دخلت
على هؤلاء الأطفال يبكون من شدة الجوع فأحببت أن أخرج عنهم وهم يضحكون مع
الشبع، هذا حال علي (ع) مع الأرامل والأيتام فهل من الانصاف أن يصبح عترة
أمير المؤمنين (ع) جوعا وعطاشا في ذل الأسر، ألا لعنة الله على القوم الظالمين.
مقدمة
بكى يعقوب على يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن واحدودب ظهره وأقبل
يرثيه ليلا ونهارا ويقول: حبيبي يوسف الذي كنت أوثره على نفسي وعلى جميع أولادي
فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت أرجوه من بين أولادي، فاختلس مني حبيبي
يوسف الذي كنت أوسده بيميني، وأدثره بشمالي، فاختلس مني حبيبي يوسف الذي
كنت أونس به وحدتي، فاختلس مني حبيبي يوسف ليت شعري في أي الجبال طرحوك
أم في أي البحار أغرقوك، حبيبي يوسف ليتني كنت معك فيصيبني الذي أصابك فسأل
407

ربه أن يهبط عليه ملك الموت فسأله وقال: أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة
أو متفرقة فقال: بل متفرقة روحا وروحا قال: فمر بك روح يوسف قال: لا
فعد ذلك علم إنه حي ولذا قال لولده اذهبوا فتجسسوا عن يوسف وأخيه هذا حاله في فقد
ولد واحد وهو يعلم إنه حي فيكف بمن نظر إلى ولده وهو مقطع بالسيف والرماح:
هذه المصائب لا ما كان في قدم * لآل يعقوب من حزن ومن كرب
أنى يضاحي ابن طه أو يماثله * في الحزن يعقوب في بدء وفي عقب
أن حدبت ظهره الأحزان أو ذهبت * عيناه في دمعه والرأس أن يشب
فان يوسف في الاحياء كان سوى * أن الفراق دهى أحشاه بالوصب
هذا ويحضره من ولده فئة * وأنه لنبي كان وابن نبي
فكيف حال ابن بنت الوحي حين رأى * شبيه أحمد في خلق وفي خطب
مقطعا جسمه بالبيض منفلقا * بضربة رأسه ملقى على الكثب
وقال الآخر:
يعقوب قد أوتى له * بقميص يوسف بالدما
من كيد أخوته افترى
أسفي على من جاء يوسفه رأى * من فيض منحره عبيطا قد جرى
مقدمة
(في علل الشرائع) سئل الصادق (ع) عن قول يعقوب: إني لاجد ريح يوسف
لولا أن تفندون، كيف وجد ريح يوسف من مسيرة عشرة أيام قال (ع): أتدري
ما قميص يوسف؟ قلت لا، قال (ع): إن إبراهيم لما القي في النار أتاه جبرئيل بثوب
من ثياب الجنة وألبسه إياه فلم يضره معه ريح ولا برد ولا حر فلما حضر إبراهيم الموت
جعله في عوذة وعلقه على ابنه إسحاق وعلق إسحاق على يعقوب فلما ولد ليعقوب يوسف
علقه عليه فكان في عضده حتى كان من أمره ما كان، فلما أخرج يوسف القميص من
العوذة ليرسل إلى يعقوب وجد يعقوب ريح القميص لأنه كان من الجنة ولذلك قال: إني
لاجد الآية، قال الراوي: جعلت فداك فإلى من صار القميص قال: إلى أهله وكل
نبي ورث علما وغيره فقد انتهى إلى محمد (ص) وإلى أهله.
408

والحاصل: فأرسل يوسف ذلك القميص إلى يعقوب على يد بشير، فلما إن جاء
البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا ثم كتب يوسف كتابا إلى يعقوب يستدعى منه قدومه
إلى مصر فمضى يعقوب مع أولاده إلى مصر، فلما صار قريبا من مصر خرج يوسف
ليستقبل أباه فلما رآه يوسف هم بان ينزل ليعقوب ثم نظر إلى ما هو فيه من الجلالة والعظمة
والملك فلم يفعل: فلما سلم على يعقوب نزل عليه جبرئيل وقال: يا يوسف إن الله تبارك
وتعالى يقول ما منعك أن تنزل إلى عبدي الصالح ابسط يدك فبسطها فخرج من بين أصابعه
نور فقال له: ما هذا النور يا جبرئيل؟ فقال: هذا نور النبوة أما إنه لا يخرج من
صلبك نبي أبدا عقوبة لك بما صنعت بيعقوب إذ لم تنزل إليه.
أقول: إن يوسف عظم نفسه طرفة عين فعاقبه الله بان سلب النبوة من ذريته
والحسين (ع) لما خضع وعرف الله من قلبه الخضوع جعل الأمانة في ذريته وأعطاه نور
الأمانة فأي قلب اخضع من قلبه بقي على الأرض صريعا، ووضع خده على التراب
وجعل يقول: صبرا على قضائك وبلائك الخ.
مقدمة
روى شيخنا الصدوق (رض) في (علل الشرائع) في تفسير قوله تعالى: (كذبت
قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد) سمى فرعون ذو الأوتاد، قال الصادق (ع)
لأنه إذا عذب رجلا بسطه على الأرض على وجهه ومد يديه ورجليه، فأوتدها بأربعة
أوتاد في الأرض، وربما بسطه على خشبة منبسطة فوتد رجليه ويديه بأربعة أوتاد
ثم تركه على حاله حتى يموت فسماه الله عز وجل فرعون ذو الأوتاد لذلك، وبهذه الكيفية
عذب آسية بنت مزاحم زوجته، وذلك إن آسية لما عاينت المعجزة والعصا من موسى
وغلبته على السحرة أسلمت فلما بان لفرعون نهاها فأبت فأوتد فرعون يديها ورجليها
بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس ثم أمر أن تلقى عليها صخرة من جبل عظيمة فلما قرب
أجلها قالت: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فارتفع لها الحجب فنظرت إلى منزلها في الجنة
فسرت وضحكت فرفعها الله تعالى إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب.
وعن الحسن (ع) أن فرعون كلما أراد أن يمسها تمثلت له شيطانة يقاربها. وفي خبر
كان فرعون يعذبها بالشمس فيبعث الله إليها الملائكة ليمنعون عنها الشمس ويظلونها.
409

أقول: بعث الله الملائكة لتتقي حرارة الشمس عن آسية، وانبت شجرة يقطين لتمنع
حرارة الشمس عن يونس لما أخرج من بطن الحوت، وأرسل الله سحابة على رأس
نبينا محمد (ص) لتظله وتمنع عنه حرارة الشمس. أفدى الامام الذي تظله عن الشمس
رماح أهل الكوفة وسيوفهم لما بقي صريعا على الأرض تصهره الشمس كما قال الشاعر:
وتظله شجر القنا حتى أبت * ارسال هاجرة إليه بريدا
تحمى أشعته العيون وكلما * حاولن نهجا خلنه مسدودا
يعني أن الشمس لم تصل حرارته إلى ذلك الجسد الطيب لما قد أظلته رماح أهل
الكوفة وسيوفهم، والحسين (ع) بينهم له نور وضياء قد حال بينه وبين أبصار أهل
الكوفة بحيث أنهم من كل جانب قصدوه زعموا أن الطريق مسدود عليهم فيقصدونه من
جانب آخر الخ.
مقدمة
(علل الشرائع) عن الصادق (ع) غار النيل على عهد فرعون فأتاه أهل مملكته
فقالوا أيها الملك أجر لنا النيل قال: إني لم أرض عنكم، ثم ذهبوا وأتوه فقالوا:
أيها الملك ماتت البهائم وهلكت المواشي ولان لم تجر لنا النهر لنتخذن إليها غيرك قال:
اخرجوا إلى الصعيد فخرجوا فتنحى عنهم حيث لا يرونه، ولا يسمعون كلام فرعون
فالصق خده إلى الأرض وأشار بالسبابة وقال: اللهم إني خرجت إليك خروج العبد
الذليل إلى سيده وإني اعلم إنه لا يقدر على اجراء النيل غيرك فأجره لهم فجرى النيل جريا
لم يجر مثله فأتاهم فقال لهم: إني قد أجريت لكم النيل فخروا له سجدا فعرض له جبرئيل
وقال: أيها الملك عبد لي ملكته على عبيدي وحولته مفاتيحي فعاداني وعادى من أحبني
وأحب من عاداني فما تقول فيه؟ قال: بئس العبد عبدك لو كان لي عليه سبيل لأغرقته
في بحر القلزم قال: أيها الملك اكتب لي بذلك كتابا فدعى بكتاب ودواة فكتب ما جزاء
العبد الذي يخاف سيده فأحب من عاداه، وعادى من أحبه إلا أن يغرق في بحر القلزم
قال: يا أيها الملك اختمه لي فختمه ثم دفعه إليه فلما كان يوم البحر أتاه جبرئيل بالكتاب
فقال له: خذ هذا هذا ما حكمت به على نفسك.
قال إبراهيم بن محمد الهمداني: قلت لأبي الحسن الرضا (ع) لأي علة أغرق
410

الله عز وجل فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده؟ قال: إنه آمن عند رؤية اليأس وهو
غير مقبول وذلك حكم الله تعالى في السلف والخلف، قال في كتابه: (فلما رأوا بأسنا
قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا)
وقال عز وجل: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانهم لم تكن آمنت من
قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) وهكذا كان إيمان فرعون لما أدركه الغرق قال: آمنت
إنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين فقيل: (الان وقد عصيت
قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) وقد كان فرعون من
قرنه إلى قدمه في الحديد قد لبسه على بدنه فلما أغرق ألقاه الله على ساحل البحر ليكون
عبرة للناس فيرونه مع ثقله بالحديد على مرتفع من الأرض، وسبيل الثقيل ان يرسب
في الماء ولا يرتفع فكان ذلك آية وعلامة.
ولعلة أخرى أغرق الله عز وجل فرعون وهو إنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق
ولم يستغث بالله فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى ما أغثت فرعون لأنك لم تخلقه
ولو استغاث بي لأغثته، نعم سبقت رحمته غضبه وهو الرؤف بعباده خلقهم ليكرمهم
لا ليعذبهم. أوحى الله إلى داود قل لعبادي: لم أخلقكم لأربح عليكم ولكن لتربحوا
علي وأن الله ليعجب من يأس العبد من رحمته، وقنوطه من عفوه مع عظيم سعة رحمته
قال رسول الله (ص): يقول الله عز وجل اخرجوا من النار من كان في قلبه
مقدار حبة من خردل إيمانا ثم يقول: وعزتي وجلالي لا اجعل من آمن بي ساعة من
ليل ونهار مع من لم يؤمن بي إلهنا وسيدنا فقد آمنا بك طول عمرنا، وحاشاك أن
تجاورنا مع من لم يؤمن بك طرفة عين، وكان طول عمره مد من على الفجور وشرب
الخمور وهو مع ذلك يدعى إنه خليفة المسلمين يجلس على سرير الملك وبين يديه رأس ابن
بنت رسول الله (ص).
مقدمة
لما خرج محمد بن جعفر الصادق عليه السلام بالمدينة بعث الرشيد الجلوذي لدفعه
وأمره أن ظفر بمحمد بن جعفر أن يضرب عنقه وأن يفتر على دور آل أبي طالب
وبني هاشم ويسلب بناتهم ولا يدع على واحدة منهن ثوبا واحدا، ففعل الجلوذي ذلك
إلى أن أتى على باب دار أبي الحسن الرضا (ع) فهجم على داره مع خيله، فلما نظر إليه
411

الرضا (ع) جعل النساء كلهن في بيت واحد، ووقف على باب البيت، فقال الجلوذي
لابد أن ادخل البيت وأسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين الرشيد، فقال الرضا: أنا أسلبهن
لك واحلف أن لا أدع عليهن شيئا إلا ثوبا واحدا، فلم يزل يطلب منه ويحلف له حتى
سكن الجلوذي، فدخل أبو الحسن (ع) فلم يدع على نسائه شيئا حتى أقراطهن وخلاخيلهن
وأزرارهن إلا أخذه منهن وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير.
أقول: لما هجموا على دار الرضا (ع) كان حاضرا واقفا وجعل يحامي عن حريمه
لكن لما هجموا على فسطاط زين العابدين (ع) وهو مريض لم يقدر أن يحامي عن
الفاطميات والهاشميات حتى جعل أهل الكوفة ينزعون الملاحف عن ظهور الهاشميات الخ.
مقدمة
قال الصادق (ع): مكة حرم الله والمدينة حرم رسول الله (ص) وقد لعن
رسول الله (ص) من يحدث في المدينة حدثا وجعلها حرما، ويزيد لما بلغه الخبر
إن أهل المدينة قد نقضوا عليه بيعته، واخرجوا عامله منها بعث إليهم مسلم بن عقبة في
جيش عظيم، وكان اللعين فاسقا فاجرا لا يصلي ولا يغتسل للجنابة، وكان يعترف
بربوبية يزيد فبعثه يزيد لعنه الله إلى المدينة، وقال له: إن ظفرت بهم فأبحها ثلاثة أيام
بما فيها من الرجال والنساء والأطفال والأموال والسلاح فإذا مضت ثلاثة أيام فاكفف
عنهم، ففعل اللعين ما أمره به يزيد بل وأسرف في جميع ذلك حتى سمى بمسرف بن عقبة
أباحها ثلاثة أيام، وقتل منها خلقا كثيرا، ونهب أموالهم وهتك اعراضهم حتى
ولد في المدينة من تلك الواقعة أربعة آلاف مولود لا يعرف لهم أب وشدوا الخيل إلى
أساطين مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الراوي: رأيت الخيل حول قبر النبي (ص) ثم بعد ذلك أخذ منهم البيعة على
أنهم عبيد ليزيد، قال سعيد بن المسيب: وكان زين العابدين (ع) في تلك الأيام على قلق
ووجل وهو يأتي قبر رسول الله (ص) ويدعو عنده وكنت أنا معه وهو يتكلم بكلام
لم أقف عليه فيحال بيننا وبين القوم، ونصلي وندعوا ونرى القوم وهم ولا يروننا وكان
رجل عليه حلل خضر وهو على فرس مجذوف اشهب بيده حربة مع علي بن الحسين (ع)
وهو يحفظه ويحرسه.
412

وإذا أشار بحربته إلى أحد من الخصوم يموت من غير أن يصيبه، فلما أن كفوا
عن المدينة ومضت ثلاثة أيام دخل علي بن الحسين (ع) على نسائه وعياله، وأخذ ما كان
عليهم من الحلي والحلل حتى لم يترك أقراطا في إذن صبي ولا حليا على امرأة ولا ثوبا إلا
أخرجه إلى الفارس، فقال له الفارس: يا بن رسول الله إني ملك من الملائكة لما أن
ظهر القوم بالمدينة استأذنت ربي في نصرتكم آل محمد لان أدخرها يدا عند الله تبارك
وتعالى وعند رسول الله (ص)، وعندكم أهل البيت إلى يوم القيامة. يا ليت هذا الملك
حضر يوم عاشوراء حين هجم القوم على زين العابدين عليه السلام الخ.
مقدمة
قال الله عز من قائل: (يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع
للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) قال رسول الله (ص): أشياء ثلاثة لا تدخل واحدة
منها بيتا إلا خرب ولم يعمر بالبركة، الخيانة، وشرب الخمر، والزنا، من شرب
الخمر في الدنيا سقاه الله في الآخرة شربة من سم العقارب يتساقط اللحم من وجهه في
الاناء قبل أن يشربها ويفسخ لحمه وجلده كالجيفة يتأذى بها أهل الجمع حتى يؤمر به إلى
النار، ألا ومن أسقاها يهوديا أو نصرانيا أو صابئيا فعليه كوزر من شربها
ألا ومن باعها أو اشتراها لغيره لم يقبل الله منه صلاة ولا صياما ولا حجا ولا اعتمارا
حتى يتوب منها. وأن مات قبل أن يتوب كان حقا على الله تعالى أن يسقيه بكل جرعة
شرب منها في الدنيا شربة من صديد جهنم.
ومن أدخل عرقا من عروقه شيئا مما يسكر كثيرة عذب الله ذلك العرق
ستين وثلاثمائة نوعا من العذاب، ألا وكل مسكر حرام، ألا وأن الله حرم الخمر
بعينها والمسكر شرابا.
عن أبي جعفر قال: لعن رسول الله (ص) في الخمرة عشرة: غارسها، وحارسها
وعامرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمول عليه، وبايعها، ومشتريها
وآكل ثمنها. والشيعي كيف يشرب الخمر وقد شربه يزيد على رأس الحسين عليه السلام
ولذا قال الرضا (ع): من كان من شيعتنا فليتورع من شراب الفقاع واللعب بالشطرنج
ومن لم يتورع فليس منا.
413

مقدمة
(في البحار) عن معلى بن خنيس قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد (ع)
يوم النيروز فقال (ع): أتعرف هذا اليوم؟ قلت: جعلت فداك هذا يوم تعظمه العجم
وتتهادى فيه، فقال أبو عبد الله (ع): والبيت العتيق الذي بمكة ما هذا إلا لأمر
قديم أفسره لك حتى تفهمه، قلت: يا سيدي إن أعلم هذا من عندك أحب إلي من
أن يعيش أمواتي وتموت أعدائي، فقال: يا معلى إن يوم النيروز هو اليوم الذي أخذ
الله فيه مواثيق العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وأن يؤمنوا برسله وحججه
وأن يؤمنوا بالأئمة عليهم السلام وهو أول يوم طلعت فيه الشمس، وهبت الرياح فيه
وخلقت فيه زهرة الأرض، وهو الذي استوت فيه سفينة نوح (ع) على الجودي، وهو
اليوم الذي أحيى الله فيه الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله:
موتوا ثم أحياهم، وقال: إن نبيا من الأنبياء سأل ربه كيف يحيي هؤلاء القوم الذين
خرجوا فأوحى الله إليه أن يصب الماء عليهم في مضاجعهم في هذا اليوم فصب عليهم
فأحياهم وهم ثلاثون أو سبعون ألفا، فصار صب الماء في النيروز سنة وهو اليوم الذي
نزل فيه جبرئيل على النبي (ص) - يعني بعث (ص) بالرسالة - وهو اليوم الذي حمل فيه
رسول الله أمير المؤمنين (ع) على منكبه حتى رمى أصنام قريش من فوق البيت الحرام
فهشمها، وكذلك إبراهيم وهو اليوم الذي أمر النبي أصحابه أن يبايعوا عليا (ع) بإمرة
المؤمنين، وهو الذي وجه النبي (ص) عليا (ع) إلى وادي الجن يأخذ عليهم البيعة له
وهو اليوم الذي بويع لأمير المؤمنين عليه السلام فيه البيعة الثانية، وهو اليوم الذي
ظفر أمير المؤمنين (ع) فيه بأهل النهروان، وقتل ذو الثدية.
أقول: عثرت على خبر أحببت إيراده، قال أبو ريحان البيروني قال بعض الحشوية:
إن سليمان بن داود (ع) لما افتقد خاتمه وذهب عنه ملكه ثم رد إليه بعد أربعين يوما عاد
إليه بهاؤه واتته الملوك وعكفت عليه الطيور، فقالت الفرس: (نوروز امد) - أي
جاء اليوم الجديد - فسمى (بالنوروز) وأمر سليمان الريح فحملته واستقبله الخطاف فقال
أيها الملك إن لي عشا فيه بيضات فاعدل فعدل.
414

ولما نزل حمل الخطاف في منقاره ماء فرشه بين يديه واهدى له رجل جرادة فذلك
سبب رش الماء والهدايا في النوروز. قال الصادق (ع): وهو اليوم الذي يظهر فيه
قائمنا (ع): وولاة الامر، وهو اليوم الذي يظفر فيه قائمنا بالدجال فيصلبه على
كناسة الكوفة، وما من يوم نوروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا وأيام
شيعتنا حفظته الشيعة وضيعتموه أنتم.
قوله (ع): نتوقع الفرج - يعني ظهور دولة الحق واضمحلال الباطل - ولا يكون
ذلك إلا بظهور الحجة (ع) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا
أقول: سيدي يا بن الحسن طال الانتظار * وقل الاصطبار متى الفرج يا فرج الله.
يا صاحب العصر مات التصبر في * انتظارك أيها المحي الشريعة
إلى آخر الأبيات الشريفة.
مقدمة
(في مدينة المعاجز) للسيد البحراني قدس سره: لما أراد أمير المؤمنين أن يسير
إلى النهروان لمحاربة الخوارج أمر أهل الكوفة أن يعسكروا بالمدائن فتخلف عنه شبث
ابن ربعي، والأشعث بن قيس الكندي، وجرير بن عبد الله البجلي، وعمرو بن
حريث، فقالوا يا أمير المؤمنين إن لنا حوائج نقضيها ونضع ما نريد ثم نلحق بك
قال (ع): افعلوا شوها لكم من مشايخ والله ما لكم من حاجة تتخلفون عليها ولكنكم
تتخلفون وتخلعون أخا رسول الله وابن عمره وصهره، وتنقضون ميثاقه الذي أخذه الله
ورسوله عليكم، وتبايعون الضب، وتحشرون يوم القيامة وامامكم الضب، لأني
سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليأتي كل قوم بمن يأتمون
به في الحياة الدنيا، وذلك قول الله عز وجل: (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) فمن أقبح
وجوها منكم عليكم الدمار وسوء الدار قالوا! يا أمير المؤمنين والله ما نريد إلا قضاء
حوائجنا ونحلق بك قال: ما قلت لكم إلا حقا فمضى أمير المؤمنين (ع) إلى معسكره
فخرج هؤلاء النفر للنزهة إلى الخورنق. وهيئوا طعاما في سفرة وبسطوها في الموضع
وجلسوا عليها يأكلون ويشربون الخمر، فعند ذلك مر بهم ضب فأمرا غلمانهم فصادوه
وجاؤا به إليهم وأوقفوه بين أيديهم وهم يقولون يا ضب أنت والله أحب إلينا من علي
415

ابن أبي طالب ابسط يدك نبايعك ما بيعنا لك ولعلي بن أبي طالب إلا واحدة فبسط لهم
الضب يده وبايعوا له وخلعوا أمير المؤمنين (ع) وقالوا: أنت والله إمامنا وكانوا كما
قال عز وجل: (بئس الظالمين بدلا) ثم لحقوا بأمير المؤمنين فلما وردوا عليه قال (ع)
فعلتم يا أعداء الله وأعداء رسوله ما أخبرتكم به خلعتموني وبايعتم الضب والله كأني أنظر
إليكم يوم القيامة والضب يسوقكم إلى النار، فأنكروا وحلفوا بالله ما فعلنا ذلك
قال (ع): والله لا غفرت لكم ذنوبكم وقد اخترتم علي مسخا، مسخه الله وجعله
آية للعالمين، فبعدا لكم وسحقا، ولان كان مع رسول الله (ص) منافقون فان معي
منافقين وأنتم هم.
أما والله يا شبث بن ربعي، وأنت يا عمرو بن حريث ومحمد، أنبئك يا أشعث
لتقتلن ابني الحسين هكذا حدثني حبيبي فالويل لمن كان خصمه رسول الله (ص) وفاطمة
وهؤلاء كلهم حضروا كربلا وحاربوا الحسين (ع) والحال انهم كتبوا إلى الحسين ودعوه
ومن الذين كتب كتابا إليه هذا اللعين - يعني شبث بن ربعي - ومعه ثلاثة نفر وكتب
هذا المضمون أما بعد، فقد اخضر الجناب واعشوشب الأرض الخ.
مقدمة
قال رسول الله (ص): نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات مباركات
مفليات، وأن الله تبارك وتعالى على الإناث ارق منه على الذكور، وما من رجل
يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرحه الله يوم القيامة، وإذا أصاب الرجل
ابنة بعث الله ملكا إليها فأمر جناحه على رأسها وصدرها وقال: ضعيفة خلقت من
ضعف، المنفق عليها معان إلى يوم القيامة، ومن عال ثلاث بنات أو مثلهن من
الأخوات وصبر على مشاقهن حتى يأتين إلى أزواجهن أو يمتن فيصرن إلى قبورهن كنت
أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار إلى السبابة والوسطى، يسأل يا رسول الله واثنتين؟
قال: واثنتين، قيل وواحدة؟ قال وواحدة.
ومن كان له ثلاث بنات وضع عنه الجهاد، ومن كان له أربع بنات فيا عباد الله
أعينوه، ويا عباد الله أقرضوه، يا عباد الله ارحموه، وكان رسول الله (ص) يكنى:
أبا البنات، لان له أربع بنات: رقية وأم كلثوم وزينب والصديقة، وكان جالسا يوما
416

فبشر بابنة فنظر إلى وجوه أصحابه فرأى الكراهة فيهم! فقال (ص): ما بالكم ريحانة
أشمها، ورزقها على الله عز وجل.
كتب يحيى بن زكريا إلى أبي الحسن الهادي إن لزوجتي حملا فادع الله أن يرزقني
ولدا. فكتب (ع): رب ابنة خير من ابن، فولدت له ابنة، وأقل الخيرات في البنت
أن لا يسأل الرجل عنها، كما في الخبر عن الصادق (ع) قال: البنات حسنات والبنون
نعمة، والحسنات يثاب عليها والنعمة يسئل عنها.
روى السكوني قال: دخلت على الصادق (ع) وأنا مغموم مكروب فقال (ع) لي
يا سكوني ما غمك؟ قلت: ولدت لي بنت فقال: يا سكوني على الأرض ثقلها، وعلى
الله رزقها تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك قال: فسرى والله غمي ثم قال
ما سميتها قلت: فاطمة قال آه آه ثم وضع يده على جبهته وكأني به قد بكى وقال:
إذا سميتها فاطمة فلا تسبها ولا تضربها ولا تلعنها، هذا الاسم محترم عند الله عز وجل
وهو اسم مشتق من اسمه العظيم لحبيبته الصديقة، وكان الامام لما سمع باسم فاطمة ذكر
جدته ومصائبها ولم يزل يذكر ويقول: وكان سبب وفاتها أن قنفذ مولى فلان الخ.
مقدمة
قال رسول الله (ص): أولادنا أكبادنا فإن عاشوا فتنونا، وإن ماتوا أحزنونا
ولأنهم بمنزلة الكبد من الوالدين فإذا مات أحدهم ترى الكبد ينصدع ويتألم ويوجع.
وهذا ظاهر حتى في الحيوانات كما في الخبر: جاء أعرابيان إلى رسول الله (ص)
يختصمان في ناقة كل منهما يقول: الناقة لي فقال أحدهما: يا رسول الله أأمر بنحر
الناقة فإن في كبدها صدعين فأمر النبي (ص) فنحروها واخرجوا كبدها فإذا فيه صدعان
فقال النبي (ص): من أين علمت أن في كبدها صدعين؟ قال: يا رسول الله إني نحرت
لها ولدين وأنا أدري إن فقد الولد يصدع كبد الوالدين إذا ساعد الله قلب الحسين (ع)
إذ قطعوا ولده عليا الأكبر بالسيف إربا إربا، ونحروا في حجره ولده الرضيع.
ويؤيد ما قلنا: إن شيخا من العلماء رأى الحسين (ع) في منامه مضطجعا على
مرقده الشريف وجراحاته تشخب دما فقال: يا سيدي ما هذا الجراحات؟ قال: هذه
الجراحات من ضرب سيوف بني أمية وطعن رماحهم فأنتبه العالم من نومه فزعا مرعوبا
417

فلما صار يوم الثاني رأى الحسين (ع) في منامه ولكن تلك الجراحات لم يجد لها أثرا فقال
يا سيدي ما صارت جراحاتك؟ فقال: إن زواري أخذوا علي بالبكاء فبرئت تلك
الجراحات لكنه بقي جراحتان في قلبي لما تندمل وهما لا من ضرب السيوف ولا من طعن
الرماح بل ظهر أحدهما حين سقط ولدي عن ظهر جواده ونادى رافعا صوته أبتاه عليك
مني السلام، والأخرى حين سقط العباس، ويظهر من الزيارة الواردة لعلي بن الحسين
الأكبر في تحفة الزائر أن الحسين (ع) لم يزل قلبه مقروح في مصيبة ولده إلى يوم القيامة
ومن جملة ما فيها ولا تسكن عليك من أبيك زفرة الخ الزيارة.
روى المفيد في (الارشاد) أن امرأتين تنازعتا على عهد عمر في طفل ادعته كل
واحدة منهما ولد لها بغير بينة فالتبس الحكم في ذلك على عمر وفزع فيه إلى
أمير المؤمنين (ع) فاستدعى المرأتين ووعظهما وخوفهما فأقامتا على التنازع والاختلاف
فقال (ع): إيتوني بمنشار فقالت المرأتان: ما تصنع فقال: أقده نصفين لكل واحدة
منكما نصفه فسكتت أحداهما وقالت الأخرى: الله يا أمير المؤمنين إن كان لابد من
ذلك فقد سمحت به لها فقال (ع): الله أكبر هذا ابنك دونها، ولو كان ابنها لرقت
وأشفقت فاعترفت المرأة الأخرى أن الحق مع صاحبها والولد لها فسر عمر، ودعا
لأمير المؤمنين بما فرج عنه في القضاء.
هذا حال أم الولد حين سمعت بالمنشار وأن ولدها يقد نصفين اضطربت وانقلبت
بمحض السماع فما حال ليلى حين نظرت إلى علي الأكبر مشقوق الرأس الخ.
مقدمة
(معالم العين) أوحى الله إلى بعض الصالحين أن لي عبادا من عبيدي يحبوني وأحبهم
ويشتاقون إلي واشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم، فان اخذت طريقهم أحببتك
وإن عدلت عنهم مقتك قال: يا رب وما علامتهم؟ قال: يراعون الضلال بالنهار
كما يراعى الشفيق غنمه، ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب
فإذا جن الليل واختلط الظلام وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلى كل حبيب بحبيبه
نصبوا إلى اقدامهم، وافترشوا إلي وجوههم وناجوني بكلامي، وتعلقوا بانعامي
ما بين صارخ وباك ومتأوه وشاك، وبين قائم وقاعد وراكع وساجد - يعني ما يتحملون
418

من أجلي - وبسمعي ما يشكون من حبي أقل ما أعطيهم ثلاثا: الأول اقذف من نوري
في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم، والثاني لو كانت السماوات والأرضون عن
حواريثهم لاستقللها لهم، والثالث أقبل بوجهي عليهم افترى من أقبلت عليه بوجهي
أيعلم أحد ما أريد أن أعطيه، وهؤلاء هم المتقون الذين وصفهم أمير المؤمنين (ع) بقوله
أما الليل فصافون اقدامهم، ولهذا كان أولياء الله يسهرون لياليهم في العبادة والمناجاة
وتلاوة القرآن.
قيل لعلي بن الحسين (ع): ما أقل ولد أبيك؟ فقال: العجب كيف ولدت له
وقد كان يصلي في اليوم والليلة الف ركعة، لما بلغ قتله أهل مكة صعد ابن الزبير المنبر
وخطب: وقال: أما والله لقد كان الحسين (ع) صواما بالنهار وقواما بالليل، والله
ما كان يستبدل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الخداء، ولا بالصيام
شرب الخمور، ولا بقيام الليل الزمور، ولا بمجالس الذكر الركض في طلب الصيود
واللعب بالقرود، أشار بهذا كلها إلى خصال يزيد لعنه الله، بأبي وأمي قال ليلة العاشر
من المحرم لأخيه العباس: أخي فان استطعت، الخ.
مقدمة
(إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة * يقاتلون في سبيل
الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا) ولا يخفى أن أفضل أهل الجنان هم الشهداء
لأنهم بذلوا مهجهم في سبيل الله وهي أعز الأشياء فجزاءهم من الله أحسن الجزاء. قال
رسول الله (ص): فوق كل بر بر حتى يقتل في سبيل الله فليس فوقه بر، وما من قطرة
أحب إلى الله من قطرة دم في سبيل الله، وللشهيد سبع خصال من الله: أول قطرة من
دمه مغفور له كل ذنب، والثانية: يقع رأسه في حجر زوجته من الحور العين وتمسحان
الغبار عن وجهه وتقولان له: مرحبا بك وهو يقول: مثل ذلك لهما، والثالث:
يكسى من كسوة الجنة، والرابعة: تبدره خزنة الجنة بكل ريح طيبة أيهم يأخذه معه
والخامس: أن يرى منزله في الجنة، كما أن أصحاب الحسين (ع) رأوا منازلهم حين أراهم
الامام، والسادسة: يقال لروحه اسرحي في الجنة حيث شئت، والسابعة: أن ينظر في
وجه الله تعالى وأنها لراحة لكل نبي وشهيد. وقال: الشهداء على نمارق النور بباب الجنة
419

في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا وهو قوله عز وجل:
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)
وما من أحد يفارق الدنيا يحب أن يرجع إلى الدنيا ساعة من النهار وأن له الدنيا وما فيها
إلا الشهيد فإنه يحب أن يرد إلى الدنيا فيقاتل في سبيل الله فيقتل مرة أخرى.
أسود الوغى غاياتهم أجم القنا * لهم في منون الصافنات مقيل
ليوث لهم بيض الصفاح مخالب * غيوث لهم صب الدماء مسيل
هذا مقامهم عند الله ولا يخفى أن أفضل الشهداء مقاما وأعلاهم مكانا أصحاب الحسين
كما قال رسول الله (ص) حين أخبر بشهادة أهل بيته: وأما الحسين (ع) تنصره عصابة
من المسلمين أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة، وفي خبر آخر في عصبة كأنهم
نجوم السماء يتهادون إلى القتل.
وفي خبر: ميثم أعلم أن الحسين (ع) سيد الشهداء يوم القيامة ولأصحابه على سائر
الشهداء فضلا ودرجة، وخبر آخر من أمير المؤمنين قال: وخير الخلق وسيدهم بعد
الحسن ابني أخوه الحسين (ع) المظلوم بعد أخيه المقتول في ارض كرب وبلا: ألا وإن
أصحابه من سادات الشهداء يوم القيامة. وفي خبر ورد علي (ع) بكربلا قال: ها هنا
والله مناخ ركاب ومصارع شهداء لا يسبقهم بالفضل من كان قبلهم، ولا يلحقهم من
كان بعدهم، ولأنهم أفضل الشهداء خصهم الله بكرامات من بين جميع الشهداء، منها
ما قاله الحسين لأصحابه: إن رسول الله قال لي: يا بني، إنك ستساق إلى العراق وهي
ارض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين، وهي ارض تدعى عمورا وإنك تستشهد بها
ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، وتلي رسول الله (يا نار
كوني بردا وسلاما) منها ما قال الصادق (ع): إنه كشف لهم الغطاء ورأوا منازلهم
من الجنة قبل برازهم، ومن أجل ذلك كان الرجل منهم يقدم على القتال ليبادر إلى منزله
وحوره وقصوره في الجنة.
منها خبر أم أيمن فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى الله قبض أرواحها
بيده. منها ما قال كعب الأحبار: إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله (ص)
يقتل ومعه أصحابه ولا يخف عرق دواب أصحابه حتى يدخلوا الجنة فيعانقوا حور العين
فمر بنا الحسن فقلنا هو هذا؟ قال: لا فمر بنا الحسين فقلنا هو هذا؟ قال: نعم منها
420

أن جاوروا الحسين في الدنيا بقبورهم، وفي الجنة قصورهم، ولقد أحسن وأجاد:
نصروا ابن بنت نبيهم طوبى لهم * نالوا بنصرته مراتب سامية
قد جاوروه ها هنا بقبورهم * وقصورهم يوم الجزاء متخاوية
مقدمة
روى الصدوق (رض) في (الأمالي) قال معاوية يوما لعمرو بن العاص:
يا أبا عبد الله أينا أدهى؟ قال عمرو: أنا للبديهة، وأنت للروية، قال معاوية:
قضيت لي على نفسك وأنا أدهى منك في البديهة، قال عمرو: فأين دهاؤك يوم رفعت
المصاحف؟ قال: بها غلبتني يا أبا عبد الله أفلا أسألك عن شئ تصدقني فيه؟ قال: والله
إن الكذب لقبيح فاسأل عما بدا لك قال: فهل غششتني منذ نصحتني؟ قال: لا قال: بلى
والله لقد غششتني أما إني لا أقول في كل موطن ولكن في موطن واحد، قال: وأي
موطن هذا؟ قال: يوما دعاني علي بن أبي طالب للمبارزة فاستشرتك فقلت ما تقول
يا أبا عبد الله فقلت: كفو كريم فأشرت علي بمبارزته وأنت تعلم من هو فعلمت إنك
غششتني.
قال: يا أمير المؤمنين دعاك رجل إلى مبارزته عظيم الشرف، جليل الخطر
فكنت من مبارزته على إحدى الحسنين: أما أن تقتله فتكون قد قتلت قتال الاقران
وتزداد شرفا إلى شرفك، وتخلوا بمكانك وملكك. وأما أن تعجل إلى مرافقة الشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا. قال معاوية: هذه شر من الأولى والله إني لا علم إني
لو قتلته دخلت النار، ولو قتلني دخلت النار، قال عمرو: فما حملك على قتاله؟ قال:
الملك عقيم ولن يسمعها أحد مني بعدك - يعني إن الملك والسلطنة سدت باب الرعاية
والمحافظة، وفي طلب الملك لا ينفع النسب والقرابة والصداقة، وقد يقتل الرجال أباه
وابنه طلبا للملك.
ولقائل أن يقول: ثكلتك أمك يا ابن هند تقاتل عليا (ع) لأجل الملك والسلطنة
فبعد علي قد استقر لك الملك وظفرت عليه، فماذا الذي أقدمك على قتل الحسن (ع)
وقد وداع لك الامر وعزل نفسه عن الخلافة، بعث اللعين إلى جعدة بنت الأشعث
زوجة الحسن (ع) مائة ألف درهم، * ومالا جسيما، وسما قتالا، الخ.
421

مقدمة
(في الأمالي) عن الصادق (ع) قال: إن داود خرج ذات يوم يقرأ الزبور وكان
إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر ولا سبع إلا وقد جاوبه، فما زال يمر
حتى انتهى إلى جبل فإذا عليه نبي عابد يقال له حزقيل. فلما سمع دوى الجبال وأصوات
السباع والطير علم إنه داود، قال حزقيل أتأذن لي فأصعد إليك؟ قال: لا، فبكى داود
فأوحى الله جل جلاله إليه يا حزقيل لا تعير داود وسلني العافية، فقام حزقيل واخذ
بيد داود فرفعه إليه فقال داود يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا، فقال:
فهل دخلك عجب مما أنت فيه من عبادة ربك؟ قال لا، قال: فهل ركنت إلى الدنيا
فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذتها؟ قال: بلى ربما عرض بقلبي ذلك قال: فماذا تصنع
إذا كان ذلك؟ قال: ادخل هذا الشعب فاعتبر بما فيه، قال: فدخل داود الشعب فإذا
سرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام فانية، وإذا لوح من حديد فيه كتابة فقرأه
داود فإذا هي أنا أروى ابن شلم ملكت الف سنة، وقتلت الف سلطان، وبنيت الف
مدينة، وافتضضت الف بكر.
فهذا آخر أمري إن صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي، والديدان والحيات
جيراني، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا - يعني لا يعتمد على الدنيا وزخارفها، ولا يركن
إلى الدنيا وملكها - لان جميع ما يتعلق بها فانية والكيس هو الذي يسعى في الآخرة
الباقية. قال (ص):
تحرز من الدنيا فان فنائها * محل فناء لا محل بقاء
فصفوتها ممزوجة بكدورة * وراحتها مقرونة بعناء
ولذا قال علي (ع): لو كانت الدنيا ذهبا والآخرة خزفا لاخذت خزف الآخرة
على ذهب الدنيا فإنه خزف باق، وذهب الدنيا فان، فكيف والآخرة ذهب باق
والدنيا خزف فان، ولذا كنيت الدنيا بأبي الفناء. قال (ع): كنية الدنيا أبو الفناء
وكنية الناس أبو الجفاء فلا تطمع من الفناء بقاءا، ومن الجفاء وفاءا.
دع الدنيا وزينتها لوغد * وحاذرها إذا كنت الرشيدا
أترجوا الخير من دنيا أهانت * حسين السبط واختارت يزيدا
422

يعني هذا من شأن الدنيا أن تصنع بابن رسول الله (ص) هكذا وبيزيد الفاسق
هكذا، يضع تاج الملك على رأس يزيد، ورأس الحسين (ع) في الطشت بين يدي يزيد.
مقدمة
(في أمالي الصدوق (رض)) عن الباقر (ع): في قول الله عز وجل (إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم راكعون) قال (ع):
إن رهطا من اليهود أسلموا منهم: عبد الله بن سلم، وأسد، وثعلبة، وابن يامين
وابن صوريا، فأتوا إلى النبي (ص) فقالوا: يا نبي الله إن موسى بن عمران أوصى إلى
يوشع بن نون فمن وصيك يا رسول الله ومن ولينا بعدك؟ فنزلت (إنما وليكم الله)
الآية فقال رسول الله (ص): قوموا فقاموا وأتوا إلى المسجد فإذا سائل خارج من
المسجد فقال له رسول الله: يا سائل أما أعطاك أحد شيئا قال: نعم هذا الخاتم ثم
قال (ص): من أعطاكه قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي وأشار إلى علي بن
أبي طالب، فقال له رسول الله (ص): على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعا
فكبر النبي (ص) وكبر أهل المسجد فقال النبي (ص): علي بن أبي طالب (ع) وليكم
بعدي، قالوا: رضينا بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبعلي بن
أبي طالب وليا فأنزل الله عز وجل (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب
الله هم الغالبون).
فروى من أن عمرو بن الخطاب قال: والله لقد تصدقت بأربعين خاتما وأنا راكع
لينزل في ما نزل في علي بن أبي طالب فما نزل. نعم إنما يتقبل الله من المتقين وليس في
الخبر إنه (ع) بيده اخراج الخاتم من إصبعه وأعطى السائل أم أشار إلى السائل وتقدم هو
وأخذه من أصبعه، فمن المعلوم أن كان السائل قد اخرج الخاتم من إصبعه الشريف
فأخرجه بلين ورفق وملايمة لئلا يصيبه ألم ووجع، أسفي عليك يا أبا عبد الله. قال
السيد في اللهوف: وأخذ خاتمه بجدل بن سليم لعنه الله وقطع إصبع الحسين (ع).
أتته بالسلب حتى ابتز خاتمه * ومثلت فيه حتى جز إصبعه
423

مقدمة
الصدوق في (الأمالي) قال الصادق (ع): شكى رجل من أصحاب أمير المؤمنين (ع)
نسائه فقام (ع) خطيبا وقال: معاشر الناس، لا تطيعوا النساء على حال، ولا تأمنوهن
على مال، ولا تذروهن يدبرن أمر العيال، فإنهن إن تركن وما أردن أو ردن المهالك
وعدون أمر المالك، فإنا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن، ولا صبر لهن عند
شهوتهن البذخ لهن لازم وان كبرن، والعجب لهن لاحق وإن عجزن، لا يشكرن الكثير
إذا منعن القليل، ينسين الخير ويحفظن الشر، يتهافتن بالبهتان، ويتمادين بالطغيان
ويتصدين للشيطان، فداروهن على كل حال، وأحسنوا لهن المقال، لعلهن يحسن
الفعال.
أقول: وجميع هذه العيوبات من نقصان عقولهن ولذلك سمين بنواقص العقول
وفي كلام آخر لأمير المؤمنين (ع) يقول: هن ناقصات العقول، وناقصات الحظوظ
أما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة في كل شهر أياما وعن صوم رمضان كذا
وأما نقصان حظوظهن فميراثهن نصف ميراث الرجل لقوله تعالى: (للذكر مثل حظ
الأنثيين) ومن نقصان حظهن أن يحرمن من ثواب الآخرة لان في الخبر أقل ساكني الجنة
النساء، ومن نقصان إيمانهن أن يعن الشيطان في إضلال العباد، كما في الخبر: النساء
خبائل الشيطان ومن نقصان عقولهن اقدامهن على كل قبيح ومكروه طلبا لمشتهيات
نفوسهن ولا يراعين حقا من الحقوق خوفا من إضاعة حظوظهن، وكل ما نقول
ما بلغت معشار ما قاله أمير المؤمنين (ع) في هذين البيتين:
دع ذكرهن فما لهن وفاء * ريح الصبا وعهودهن سواء
يكسرن قلبك ثم لا يجبرنه * وقلوبهن من الوفاء خلاء
وهذا كما قال (ع): قلوبهن خالية من الوفاء بالنسبة إلى كل أحد حتى البعل الذي هو
أقرب الناس إليها، وبمنزلة الثوب الذي تلبسها كما قال تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس
لهن) مع شدة احتياجها إليه وانقطاعهما عمن سواه فتارة تزلفا تعين على قتل بعلها طمعا
في أن يزوجها رجل آخر خيرا منه بزعمها أو لغرض آخر كما أن جعدة لعنها الله سمت
الحسن (ع) طمعا في أن يزوجها يزيد بن معاوية، والحمد لله الذي خيب رجاءها لان
424

معاوية سوغ لها المال ولم يزوجها من يزيد وقال: من ما وفت بالحسن فيكف تفي ليزيد
لعنه الله كما أن الحسن أخبرها بذلك لما جرى السم في بدنه، وقطع جميع أحشائه صاح (ع)
آه يا عدوة الله قتلتيني قتلك الله، والله لا تصيبن مني خلفا ولقد غرك وسخر منك والله
يخزيه ويخزيك.
لم أنس يوم عميد الدين دس به * لجعدة السم سرت عابد الوثن
فما مضى إلا هنيئة نادى إيتوني بطشت الخ.
مقدمة
قال الله عز من قائل: (فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندع
أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على
الكاذبين) في (المجمع) نبتهل - أي نلتعن - أي ندعو الله على الظالمين، يقال بهله
الله - يعني لعنة الله، ومنه المباهلة يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة، وقيل: الخامس
والعشرين، وصفة المباهلة أن تشبك أصابعك في أصابع من تباهله وتقول: اللهم رب
السماوات السبع والأرضين السبع، ورب العرش، إن كان فلانا جحد الحق وكفر به
فأنزل عليه حصاة من السماء وعذابا أليما، ووقت المباهلة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس. ونزلت هذه الآية في وفد نجران، وهي بلدة بين الحجاز والشام واليمن
وسميت باسم بانيها نجران بن زيد.
وفي الحديث: شر النصارى نصارى نجران: وجاؤا إلى رسول الله ومعهم من
العلماء رجلان يقال لهما: العاقب، والسيد ودعاهم النبي (ص) إلى المباهلة قالوا: حتى
نرجع وننظر فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقب: وكان ذا رأيهم، يا عبد المسيح
ما ترى؟ قال والله لقد عرفتم إن محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفضل من أمر صاحبكم
والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ونبت صغيرهم، فان أبيتم إلا ألف دينكم
فوادعوا الرجل وصالحوه، وانصرفوا إلى بلادكم. وذلك بعد أن غدا النبي (ص) آخذا
بيد علي والحسن والحسين عليهما السلام بين يديه وفاطمة عليها السلام خلفه، وخرج
النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة - فقال الأسقف: إني لأرى وجوها لو سألوا الله
أن يزيل جبلا لازاله بها فلا تباهلوا، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة
425

فقالوا: يا أبا القاسم إنا لا نباهلك ولكن نصالحك، فصالحهم رسول الله على أن يؤدوا
إليه في كل عام ألفي حلة، الف في صفر، والف في رجب. وعلى عارية ثلاثين درعا
وعارية ثلاثين فرسا وثلاثين رمحا.
وقال (ص): والذي نفسي بيده أن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولولا عنوا
لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولما حال الحول على النصارى
كلهم حتى يهلكوا. وهذه الآية أوضح دلالة على فضل أصحاب الكساء وعلو درجتهم
وبلوغ مرتبتهم في الكمال إلى حد لا يدانيهم أحد من الخلق.
أقول: ولنعم ما قال الأسقف أني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا
لازاله بها، نعم وهي أحب الوجوه وأقربهم إلى الله وهي مصابيح الدجى وكهوف في
الورى، وتدور الدنيا وهي المشكاة الباهرة النبوية، والدوحة المباركة الأحمدية والشجرة
الميمونة الرضية التي تنبع بالنبوة وتفرع بالرسالة، وتثمر بالإمامة وينابيع الحكمة:
ينابيع علم يستقيض بحكمة * هداة إذا ما جاء للعلم قابس
وقد توجوا بالعلم واستودعوا الهدى * بهم تحسن الدنيا وتزهو المجالس
وهي المعبر عن قول رسول الله (ص) بالشمس والقمر والزهرة والفرقدين
والنجوم الزاهرة. قال (ص): اقتدوا بالشمس، فإذا غابت الشمس فاقتدوا بالقمر
فإذا غاب القمر فاقتدوا بالزهرة، فإذا غابت الزهرة فاقتدوا بالفرقدين. فقالوا:
يا رسول الله فما الشمس القمر؟ وما الزهرة وما الفرقدين؟ فقال: أن الشمس
وعلي القمر، وفاطمة الزهرة، والفرقدان: الحسن والحسين.
(وفي رواية) فإذا افتقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة، وقال (ص):
وأما النجوم الزاهرة فالأئمة التسعة من صلب الحسين والتاسع مهديهم.
أقول: أما الشمس، النبوة، فغابت بقلب مكمد محزون مما قاسى من أمته
وأما الزهرة: التي هي الزهراء، فقد أخمدوا ضوءها وزهرتها باللطم والعصر بين الحائط
والباب. وأما القمر فلك الإمامة: فقد خسفوه بسيف عبد الرحمن بن ملجم وأما الفرقدان
فغاب أحدهما بقلب مسموم وقد تقئ كبده، وغاب الاخر بعد الظهر من يوم عاشوراء
وانكسفت الشمس، وأمطرت السماء بعد أن بدت نجومها الزاهرة فغابت في الثرى متشتتا:
بعض (بطيبة) مدفون وبعضهم * في (كربلا) وبعض في (الغريين)
426

مقدمة
قال رسول الله (ص): لا تزال أمتي في خير ما تحابوا وأدوا الأمانة، واجتنبوا الحرام
واقرؤا الضيف وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين
سأل نبي الله في المال حق سوى الزكاة؟ قال: نعم على المسلم أن يطعم الجائع إذا سأله، ويكسوا
العاري إذا سأله. قيل: إنه يخاف أن يكون كاذبا قال: أفلا يخاف صدقه، قال (ص):
إذا أراد الله بقوم خيرا أهدى إليهم هديته قالوا: وما تلك الهدية؟ قال: الضيف ينزل
برزقه ويرتحل بذنوب أهل البيت، فكل بيت لا يدخل فيه الضيف لا تدخله الملائكة
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.
قال أمير المؤمنين (ع): ما من مؤمن يسمع بهمس الضيف وفرح بذلك إلا
غفرت له خطاياه، وإن كانت مطبقة ما بين السماء والأرض، وما من مؤمن يحب
الضيف إلا ويقوم من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر فينظر إلى أهل الجمع فيقولون: ما هذا
إلا نبي مرسل، فيقول ملك من الملائكة هذا مؤمن يحب الضيف، ولا سبيل له إلا أن يدخل
الجنة الرزق إلى مطعم الطعام أسرع من السكين إلى ذروة البعير، وأن الله ليباهي بمطعم الطعام
الملائكة، وكان النبي (ص) والأئمة يكرمون الضيف غاية الاكرام ويحسنون ضيافته
كائنا من كان. لعن الله أهل الكوفة، إذا هم أضافوا ابن بنت نبيهم وكتبوا إليه كتبا
ومنعوه من الماء الذي تشربه اليهود، والمجوس، نادى (ع): ويلكم أما كتبتم إلي الخ.
مقدمة
(أنوار الهداية) عن كتاب (مصباح القلوب) إن رسول الله (ص) كان يحدث
ذات يوم، إن سليمان النبي قد جهز لابنه جهازا عظيما، وقد صاغ لصهره تاجا من
الذهب مكللا بسبعمائة جوهرة، وكان علي (ع) حاضرا في ذلك المجلس، فلما أتى إلى
منزله أخبر فاطمة بما سمع رسول الله من حديث جهاز ابنة سليمان، فخطر في قلب فاطمة
عسى أن يكون خطر في قلب أمير المؤمنين بأن سليمان كان نبيا عظيما جليلا، ونبينا
أجل قدرا وأعظم شأنا منه، وابنة سليمان النبي كان بها مثل ذلك الجهاز، وابنة نبينا
ليس لها شئ من الجهاز، وتاج ذلك الصهر مكلل بتلك الصفة وهذا الصهر في غاية الفقر
427

والحجة، لكن فاطمة البتول أخفته في قلبها وما أظهرته لاحد حتى قضت نحبها، فرآها
علي (ع) في بعض الليالي في المنام أنها في الجنة قاعدة على سرير، وحوالي سريرها الحور
العين واقفات في خدمتها منتظرين لأمرها، وجارية في غاية الحسن والكمال والجمال
وتمام الدلال، مزينة بالحلل الراقية على يدها طبقين لنثارها، واقفة بين يديها منتظرة
لأمرها.
فقال أمير المؤمنين (ع): يا فاطمة ومن هذه الجارية؟ قالت: هي ابنة سليمان
أوقفوها في خدمتي، واعلم يا علي إن ذلك اليوم ذكرت لي من أبي حديث جهاز ابنة
سليمان خطر في قلبي كذا وكذا فلذلك أوقفوها بين يدي كرامة لي وعوض لك من ذلك
التاج الذي صاغه سليمان لصهره إن جعل بيدك لواء الحمد يوم القيامة. نعم من المناقب
المسلمة لأمير المؤمنين (ع) عند الفريقين إن لواء الحمد يوم القيامة بيد علي بن
أبي طالب (ع) والحسين (ع) قال في آخر خطبته يوم العاشر كما في (اللهوف) قال (ع):
فبم تستحلون دمي وأبي صلوات الله عليه الذائد عن الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير
الصادر عن الماء، ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة.
أقول: يا محبين سمعتم أن من بعض شؤنها أن ابنة سليمان خادمة لها يعز على فاطمة
لو كانت حاضرة في مجلس يزيد لعنه الله حين قام الشامي وأشار إلى ابنة الحسين (ع).
مقدمة
ومن مناظرات فضال ابن الحسن بن فضال مع أبي حنيفة هذه المناظرة، سأله
الفضال عن قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم)
هذه الآية منسوخة أو غير منسوخة؟ قال أبو حنيفة: غير منسوخة قال: ما تقول في
خير الناس بعد رسول الله (ص) أبو بكر وعمر أم علي بن أبي طالب؟ فقال أبو حنيفة
أما علمت أنهما ضجيعا رسول الله في قبره فأي حجة تريد في فضلهما أفضل من هذه؟ فقال
له الفضال: لقد ظلما إذا أوصيا بدفنهما بغير إذنه في موضع ليس لهما حق لقوله تعالى:
(لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) وقد قلت هذه الآية غير منسوخة فإن قلت
كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله (ص). أقول: لقد أساءا إذا رجعا في هبتهما ونكثا
عهدهما، فاطرق أبو حنيفة ثم قال: لم يكن الموضع لهما خاصة ولكنهما نظرا في حق
428

عايشة وحفصة فاستحقا الدفن فيه لحقوق ابنتيهما بالإرث عن رسول الله. فقال له
فضال: أنت تعلم أن النبي (ص) مات عن تسع زوجات، وكان لهن الثمن مكان ابنته
فاطمة، فإذا لكل واحد منهن تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر والحجرة
كذا وكذا طولا وعرضا فيكف يتسحق الرجلان أكثر من ذلك وبعد فما بال عائشة
وحفصة ترثان من رسول الله (ص) وفاطمة بنت رسول الله (ص) منعت الميراث؟ فقال
أبو حنيفة: نحوه عني فإنه رافضي خبيث. يا لله من هذه المصيبة ترث عائشة من
رسول الله وهي زوجته، وتمنع فاطمة من الإرث وهي من رسول الله بضعة يدفن فلان
وفلان عند رسول الله ويمنع الحسن (ع) عن أن يدفن عند النبي وهو ريحانته وفلذة
كبده:
وأبو علي الحسن الزكي بان يرى * مثواه حيث محمد مقبور
مقدمة
روى أنه وجد مكتوب على باب مدينة: يا بن آدم، عاقص الفرصة عند امكانها
وكل الأمور إلى مدبرها، ولا تحمل على نفسك هم يوم لم يأتك، فإنه إن يكن من
أجلك يأتي الله فيه برزقك، ولا تكن عبرة للناظرين، وأسوة بالمغرورين في جمع
المال على المال فكم من جامع لبعل حليلته، وتقتير المرء على نفسه. توفير لخزانة غيره
إنما يجمع المرء المال لاحد ثلاثة كلهم أعداؤه، أما زوج امرأته، أو زوجة ابنته فمال
المرء لهؤلاء، إن تركه فالعاقل الناصح لنفسه الذي يأخذ معه زاد لاخرته، ولا يؤثر
هؤلاء على نفسه.
قال سويد بن غفلة: دخلت على أمير المؤمنين (ع) داره فلم أر في البيت شيئا فقلت
فأين الأثاث يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا بن غفلة، نحن أهل البيت لا نتأثث في الدنيا
تقلنا أجل متاعنا إلى الآخرة، فان مثلنا في الدنيا كراكب تحت شجرة ثم راح وتركها.
وقال سعد لسلمان (رض) في مرضه: كيف تجد نفسك؟ فبكى فقال: ما يبكيك؟
فقال: والله ما أبكى حزنا على الدنيا ولكن بكائي لان رسول الله (ص) قال: ليكن بلاغ
أحدكم من الدنيا كزاد الراكب فأخاف أن أكون قد تجاوزت ذلك وليس حوله في بيته
غير مطهرة وإجانة وقصعة، وقال ثوبان: يا رسول الله ما يكفيني من الدنيا؟ فقال:
429

ما سد جوعتك، وأروى عورتك، وأن كانت لك بيت فنج نج، وأنت مسؤول عما
بعد ذلك. نعم في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب. كما في
وصية الحسن لجنادة بن أبي أمية حين رمى بكبده في الطشت، الخ.
مقدمة
(في الاثنا عشرية) جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال: علمني عملا إذا عملته أحبني
الله والناس، ويثري مالي ويصح بدني ويطول عمري، ويحشرني الله معك فقال (ص):
هذه ست خصال إذا أردت أن يحبك الله فخافه واتقه، وإذا أردت أن يحبك الناس
فاقطع طمعك عما في أيديهم، وإذا أردت أن يثرى مالك فأكثر من الصدقة، وإذا
أردت أن يصح بدنك فأكثر من الصوم، وإذا أردت أن يطول عمرك فصل أرحامك
وإذا أردت أن يحشرك الله معي فأكثر من السجود بين يدي الواحد القهار، وليس في
الأعمال عمل أحب إلى الله من السجود بين يديه، ولذا كان أولياء الله لهم غاية اهتمام في
ذلك بحيث قيل في بعضهم ذو الثفنات لأنه من كثرة سجوده يسقط من مواضع سجوده
ثفنات يقطعها في كل سنة مرة أو مرتين وهو إمامنا السجاد، وبعضهم يكثر في السجدة
قيل فيه: حليف السجدة الطويلة كل يوم يسجد بعد إبياض الشمس إلى وقت الزوال
وهو إمامنا موسى بن جعفر المعذب في قعر السجون، وظلم المطامير.
مقدمة
(في البحار) عن تفسير العسكري (ع) قال: قال رسول الله (ص): إن الله لما خلق
العرش خلق له ثلاثمائة وستين الف ركن وخلق عند كل ركن ثلاثمائة الف ملك لو أذن
الله تعالى لأصغرهم فالتقم السماوات السبع والأرضين ما كان ذلك بين لهواته إلا كالرملة
في المفازة الفضاضة. فقال لهم الله: يا عباد الله احتملوا عرشي هذا فتعاطوه فلم يطيقوا
حمله ولا تحريكه، فخلق الله عز وجل مع كل واحد منهم واحدا فلم يقدروا أن يزعزعوه
فخلق الله مع كل واحد منهم عشرة فلم يقدروا أن يحركوه، فخلق الله بعدد كل واحد مثل
جماعتهم فلم يقدروا، أن يحركوه، فقال الله عز وجل لجميعهم: خلوه علي أمسكه
بقدرتي فخلوه فأمسكه الله عز وجل بقدرته، ثم قال لثمانية منهم: احملوه أنتم فقالوا:
430

يا ربنا لم نطقه وهذا الخلق الكثير، والجم الغفير، فيكف نطيقه الان دونهم؟
فقال الله عز وجل: لأني أنا الله المقرب للبعيد، والمخفف للشديد، والمسهل للعسير
أفعل ما شاء واحكم ما أريد أعلمكم كلمات تقولونها يخف بها عليكم فقالوا: وما هي؟ قال:
تقولون بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عن الصادق (ع): قال: من قال في اليوم عشر مرات: بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه، ودفع
الله عنه سبعين نوعا من البلاء من الجنون والاكلة والبرص والفلج، ووكل به سبعين
الف ملك يستغفرون له، ومن قال في اليوم مائة مرة: لا حول ولا قوة إلا بالله فقط
لا يصيبه فقر ولا فاقة ولا حاجة ولا هم ولا غم فقالوها فحملوه وخف على كواهلهم كشعرة
نابتة على كاهل رجل جلد قوي، فقال الله عز وجل: لسائر تلك الاملاك خلوا على
هؤلاء الثمانية عرشي ليحملوه، وطوفوا أنتم حوله وسبحوني مجدوني وقدسوني فانا
الله القادر المقتدر على ما رأيتم وعلى كل شئ قدير. والحمد لله رب العالمين، ويتزلزل
العرش في موارد: منها إذا رجل حلف باسم الله كاذبا، منها إذا رجل طلق امرأته
المطيعة، منها إذا سفك دم بحرام، منها إذا بكى اليتيم اهتز العرش ولقد اهتز العرش
كاد يخر يوم وقعت سكينة على جسد الحسين (ع)، الخ.
مقدمة
(في كشكول البهائي) سأل نبينا (ص) جبرئيل (ع) هل تضحك الملائكة وتبكي؟
قال: نعم تضحك الملائكة في ثلاث تعجبا، وتبكي في ثلاث ترحما، أما الأول:
فالرجل يلغو كل يوم ثم يصلي العشاء ويأخذ بعدها في اللغو فتضحك الملائكة وتقول:
لم تشبع في طول يومك يا غافل افتشبع في هذه الساعة، والثاني الدهقان يأخذ المر
ويضرب الجدر المشترك مرائيا إنه يعمر نصيبه ويزيل الحشيش وغرضه ان يزيد في كروته
فتضحك الملائكة وتقول: إنك ما شبعت من هذه الجريب افتشبع من هذا، والثالث
المرأة البارزة إذا ماتت فيسجى قبرها حتى يستوى عليه اللبن لئلا يطلع على حجمها
فتضحك الملائكة وتقول: حين كانت مشتهاة فما سجيتموها والآن صارت منفرة
فسجيتموها، وأما بكائهم في ثلاث فالأول الغريب إذا خرج لطلب العلم فأدركه الموت
431

والثاني الشيخ والشيخة إذا تمنيا ولدا، ورزقهما الله فرحا وقالا: هو خادمنا في آخر عمرنا
ومشيعنا جنازتنا ثم أدركه الموت في حياتهما فان الملائكة تبكي قبل بكائهما على ولدهما
والثالث اليتيم إذا استيقظ من منامه وأخذ يبكي لتسرع إليه أمه وهو لا يذكر موتها
فلما سمعت دايته بكاؤه صاحت عليه بصوت كريه ما هذا البكاء فلما سمع صوتها تذكر لموت
الوالدة فسكت آيسا، فعند ذلك تبكي الملائكة ليلة أخذت يتيمة الحسين (ع) بالبكاء
وجعلت تطلب أباها لأنها رأته في منامها.
مقدمة
(في البحار) روى عن سليمان الأعمش إنه قال: كنت نازلا بالكوفة وكان لي جار
كنت أحضر عنده الليالي واجلس معه وأحدثه ويحدثني، فأتيت إليه ليلة الجمعة فقلت له
يا هذا ما تقول في زيارة قبر الحسين (ع)؟ فقال لي: هي بدعة وكل بدعة ضلالة وكل
ذي ضلالة في النار، قال سليمان: فقمت من عنده وقد امتلأت غيظا عليه فقلت في نفسي
إذا كان وقت السحر آتيه واحدثه شيئا من فضائل الحسين (ع) وزيارته، فإن أصر على
العناد قتلته. قال سليمان: فلما كان وقت السحر أتيته وقرعت عليه الباب ودعوته بإسمه
وإذا بزوجته تقول لي: إنه قصد كربلا لزيارة الحسين (ع) في أول الليل قال سليمان:
فسرت في إلى زيارة الحسين (ع) فلما وصلت إلى الغاضرية إذا بالشيخ ساجد لله عز وجل
وهو يدعو ويبكي عند قبر الحسين (ع) ويسأل الله التوبة والمغفرة ثم رفع رأسه بعد
زمان طويل فرآني قريبا منه فقلت: يا شيخ بالأمس كنت تقول زيارة الحسين (ع)
بدعة، كل بدعة ضلالة، وكل ذي ضلالة في النار واليوم أتيت تزوره؟
فقال: يا سليمان لا تلمني فإني ما كنت أثبت لأهل البيت الإمامة حتى كانت ليلتي
تلك فرأيت رؤيا هالتني وروعتني. فقلت له: ما رأيت أيها الشيخ؟ قال: رأيت
رجلا جليل القدر لا بالطويل الشاهق، ولا بالقصير اللاصق لا أقدر على وصفه من
عظم جلاله وجماله وبهائه وكماله، وهو مع أقوام يحفون به حفيفا ويزفونه زفيفا وبين
يديه فارس وعلى رأسه تاج، وللتاج أربعة أركان، وفي كل ركن جوهرة تضئ من
مسيرة ثلاثة أيام، فقلت لبعض خدامه: من هذا؟ فقال: هذا محمد المصطفى قلت: ومن
هذا الآخر؟ فقال: علي المرتضى، ثم مددت نظري فإذا أنا بناقة من نور وفيها امرئتان
432

والناقة تطير بين السماء والأرض فقلت: لمن هذا الناقة؟ فقال: لخديجة الكبرى
وفاطمة الزهراء. فقلت: ومن هذا الغلام؟ فقال: هذا الحسن بن علي، فقلت وإلى
أين يريدون بأجمعهم؟ فقالوا: لزيارة المقتول ظلما شهيد كربلا الحسين بن علي
المرتضى عليه السلام.
ثم اني قصدت نحو الهودج الذي فيه فاطمة الزهراء وإذا أنا برقاع مكتوبة تتساقط
من السماء فسألت ما هذه الرقاع؟ فقال: هذه رقاع فيها أمان من النار لزوار الحسين (ع)
في ليلة الجمعة، فطلبت منه رقعة فقال لي: إنك تقول زيارة الحسين (ع) بدعة فلا تنالها
حتى تزور الحسين (ع) وتعتقد فضله وشرفه، فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا وقصدت
من وقتي وساعتي لزيارة سيدي ومولاي الحسين وأنا تائب إلى الله تعالى، فوالله
يا سليمان لا أفارق قبر الحسين (ع) حتى تفارق روحي جسدي. هذا حال كل من زاره
لو علم فضل زيارته - يعني من زار الحسين (ع) عارفا به وبفضله وثواب زيارته - فبالقطع
واليقين لا يرضى بان يفارقه حتى تفارق روحه جسده، أسئلكم بالله كان زائره لا يرضى
بان يفارقه فكيف بالحوراء زينب فما كان حالها حين فارقته كرها ولذا قيل إنها قالت:
أخي لو خيرت بين الرحيل والمقام عندك لاخترت المقام عندك لو أن السباع تأكل من
لحمي، الخ.
مقدمة
(في عاشر البحار) لما ورد نعي الحسين (ع) المدينة وقتل ثمانية عشر من أهل بيته
واثنين وسبعين رجلا من شيعته، وقتل علي ابنه بين يديه وسبي ذراريه. كتب
عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية أما بعد: فقد عظمت الرزية، وحدث في الاسلام
حدث عظيم ولا يوم كيوم الحسين (ع).
فكتب إليه يزيد أما بعد، يا أحمق فإننا جئنا إلى بيوت منجدة وفرش ممهدة
ووسائد منضدة فقاتلنا عنها، فان يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا، وإن يكن الحق لغيرنا
فأبوك أول من سن هذا، وابتز واستأثر بالحق على أهله، فوصل الكتاب فخرج
عبد الله إلى الشام، وفي رواية أخرى خرج عبد الله بن عمر من داره صارخا لاطما
وجهه شاقا جيبه يقول: يا معشر بني هاشم وقريش والمهاجرين والأنصار، يستحل
433

هذا رسول الله (ص) في أهله وذريته وأنتم أحياء ترزقون.
وخرج من المدينة تحت ليله لا يرد مدينة إلا صرخ فيها واستنفر أهلها على يزيد
فلم يمر بملا من الناس إلا تبعه، وقالوا: هذا عبد الله بن عمر بن خليفة رسول الله (ص)
ينكر فعل يزيد حتى ورد دمشق، وأتى باب يزيد في خلق من الناس واضطرب الشام
فاستأذن عليه. قال يزيد: فورة من فورات أبي محمد وعن قليل يفيق منها.
فأذن يزيد لعبد الله وحده فدخل صارخا يقول: لا دخل يا أمير وقد فعلت
باهل بيت محمد (ص) ما لو تمكنت الروم والترك ما استحلوا ما استحللت ولا فعلوا ما فعلت
قم عن هذا البساط حتى يختار المسلمون من هو أحق به منك، فرحب به يزيد وتطاول
له وضمه إليه وقال له: يا أبا محمد سكن من فورتك وبغيك واعقل وانظر بعينك، واسمع
باذنك ما تقول في أبيك عمر كان هاديا مهديا خليفة رسول الله (ص) ناصره ومصاهره
بأختك حفصة؟ فقال: هما كما وصفت، قال يزيد: أفترضى به وبعهده إلى أبي معاوية
أو ما ترضاه؟ قال: بل ارضى فضرب بيده على يد عبد الله وقال: قم حتى تقرأ. فقام
معه حتى ورد خزانة من خزائنه فدخلها ودعا بصندوق ففتحه واستخرج من تابوتا مقفلا
مختوما فاستخرج منه طومارا لطيفا في خرقة حرير سوداء فقال: هذا خط أبيك؟ قال:
إي والله فقال: اقرأ فقرأ فإذا هو قد ظهر فيه إنه على دين آبائه من عبادة الأوثان
وأن محمدا كان ساحرا غلب على الناس بسحره، وأوصاه بان يكرم أهل بيته ظاهرا
ويسعى في أن يبيدهم عن جديد الأرض. ولا يبقى لهم شيئا.
فلما قرأه ابن عمر رضى بذلك ورجع وجعل يظهر للناس أن يزيد كان محقا فيما أتى
به ومعذورا فيما فعله. أقول: ومن أجل هذا الطومار جعل يزيد ينشد:
لعبت هاشم بالملك الخ.
ولنعم ما قال المرحوم السيد جعفر الحلي يخاطب الحجة:
غصبوا الخلافة من أبيك وأعلنوا * أن النبوة سحرها مأثور
والبضعة الزهراء أمك قد قضت * قرحى الفؤاد وضلعها مكسور
مقدمة
قال الله عز وجل من قائل (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) عن ابن مسعود
434

أن للجنة ثمانية أبواب كلها تفتح وتغلق إلا باب التوبة، فإن عليها ملكا موكلا به لا يغلق
وفي الحديث: لو لم تذنبوا لخلق الله تعالى خلقا يذنبون فيغفر لهم وورد في بعض التفاسير
في تفسير قوله تعالى: (إنه كان للأوابين غفورا) أن الأواب هو رجل يذنب ثم يتوب
ثم يذنب ثم يتوب. قيل لاعرابي: كيف حالك؟ فقال: بخير أمزق ديني بالذنوب
وأرقعه بالاستغفار:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا * فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبد آثر الله ربه * وجاد بدنياه لما يتوقع
قال إبراهيم الأدهم: خلالي المطاف ليلة وكانت مظلمة مدلهمة فوقفت بالملتزم وقلت
يا رب اعصمني حتى لا أعصيك ابدا فهتف بي هاتف من البيت يا إبراهيم أنت تسألني
العصمة وكل عبادي المؤمنون يطلبون ذلك، فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل، ولمن أغفر
ومن هذا أخذ الخيام يقول بالفارسية:
ابادى خرابات زمى خوردن ما است * خون دو هزار توبه در گردن ما است
گر من نكنم كناه رحمت كه كند * آرايش رحمت از كنه كردن ما است
أقول: وأن الله تبارك وتعالى قد وعد القبول ووصف نفسه بقوله: غافر
الذنب وقابل التوبة، لكنه كما قال: شديد العقاب، ولا ينبغي أن يكون العبد مصرا على
الذنب لأنه وإن لم يذنب في يومه إلا ذنب واحد فيصير في شهره ثلاثين ذنبا ويصير في
السنة ثلاثمائة وستون ذنبا.
روى أن زاهدا محاسبا لنفسه في أكثر أوقاته ليله ونهاره فحسب يوما ما مضى
من عمره فإذا هو ستون سنة فحسب أيامه فكانت إحدى وعشرون الف يوم وخمسمائة يوم
فقال يا ويلتي القي مالكا بإحدى وعشرون الف ذنب ثم صعق صعقة كانت فيها نفسه.
(وفي الارشاد للديلمي) إذا أذنب العبد كان نقطة سوداء على قلبه، فان هو تاب
واقلع واستغفر صفا قلبه منها، وإن هو لم يتب ولم يستغفر كان الذنب على الذنب
والسواد على السواد حتى يغمر القلب فيموت بكثرة غطاء الذنوب عليه وذلك قوله تعالى:
(بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) يعني: الغطاء.
فالعاقل إذا صدر منه ذنب فينبغي أن يتوب منه ويستغفر حقيقة الاستغفار سمع
أمير المؤمنين (ع) رجلا يقول: استغفر الله فقال: ثكلتك أمك أو تدري ما حد
435

الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان: أولها الندم على
ما مضى، والثاني العزم على ترك العود إليه ابدا، والثالث أن يؤدي إلى المخلوقين حقوقهم
حتى يلقى الله أملس. الرابع أن تعمد إلى كل فريضة ضيعتها فتؤدي حقها. والخامس أن
تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت والمعاصي فتذيبه. والسادس أن تذيق الجسم ألم
الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك استغفر الله.
روى أن بعض الناس اجتاز على رجل وهو يقول: استغفر الله وهو يشتم الناس
ويكرر الاستغفار ويشتم فقال السامع له: استغفر الله من هذا الاستغفار وترجع بل أنت
تهزء بنفسك، وقال رسول الله (ص): أيها الناس توبوا إلى الله توبة نصوحا قبل أن
تموتوا وتوبة النصوح أن يتوب فلا يرجع فيما تاب عنه، والتائب من الذنب كمن
لا ذنب له، والمصر على الذنب مع الاستغفار يستهزء بنفسه ويسخر معه الشيطان
وأن الرجل إذا قال: استغفر الله يا رب وأتوب إليه ثم عاد ثم قال ثم عاد ثم قال كتب
في الرابعة من الكذابين.
في تفسير النيشابوري في تفسير هذه الآية (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده)
قيل علامة التوبة هجران اخوان السوء وقرناء الشر، ومجانبة البقعة التي باشر فيها الذنوب
والخطايا، وأن يبدل بالاخوان إخوانا، وبالأخدان أخدانا، وبالبقعة بقعة
ثم يكثر الندامة والبكاء على ما سلف منه، والأسف على ما ضيع من عمره وأيامه
ولا يفارقه حسرة على ما فرطه وأهمله في البطلان، ويرى نفسه مستحقة لكل عذاب
وسخط.
هذه الأمور علامات تدل على حقيقة التوبة وأنا لا أعلم تائبا قد تاب إلى الله ووجد
فيه جميع هذه الأمور إلا رجل واحد وهو الحر بن يزيد الرياحي لأنه لما تاب ظهر منه
العلائم المذكورة هجران اخوان السوء وهم أهل الكوفة، وقرناء الشر وهم يزيد وعمر
ابن سعد وعبيد الله بن زياد وأمثالهم، وترك البقعة والبلد وهجرها، واختار كربلا
وبدل بالإخوان إخوانا، وبالأخدان أخدانا وهم سيدنا ومولانا الحسين (ع) وأصحابه
وأهل بيته، وبكى وأكثر الندامة على ما سلف منه وهو يناجي ربه ويقول: اللهم
إليك انبت فتب علي قد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك الخ.
436

مقدمة
قال الله تعالى: (سئل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من ذي المعارج
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة فأصبر صبرا جميلا إنهم
يرونه بعيدا ونراه قريبا) (في جامع الأخبار) عن ابن مسعود قال: كنت جالسا عند
أمير المؤمنين (ع) فقال: في القيامة لخمسين موقفا لكل موقف الف سنة فأول موقف
حين خرجوا من القبر حبسوا الف سنة عراة حفاة جياعا عطاشا، فمن خرج من قبره
مؤمنا بربه، ومؤمنا بجنته وناره، ومؤمنا بالبعث والسحاب والقيامة، مقرا بالله
ومصدقا بنبيه، وبما جاء به من عند الله عز وجل نجا من الجوع والعطش قال الله تعالى:
(فتأتون أفواجا) يعني من القبور إلى الموقف أمما كل أمة مع إمامهم وقيل: جماعة مختلفة.
وعن معاذ إنه سأل رسول الله (ص): يحشر عشرة أصناف من أمتي بعضهم على
صورة قردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون على وجوههم وأرجلهم
فوق رؤسهم يسحبون على وجوههم، وبعضهم عميا، وبعضهم صما وبكما، وبعضهم
يمغضون ألسنتهم فهي مدلات على صدروهم يسيل القيح منهم يتأذى أهل الجمع منهم
وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع النار، وبعضهم
أشد نتنا من الجيفة، وبعضهم ملبسون جبابا سائغة من قطران لازقة بجلودهم.
وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت، وأما الذين على صورة القردة
العتاة من الناس، وأما الذين على وجوههم منكسون فآكلة الربا، وأما العمى فالذين
يجورون في الحكم، وأما الصم والبكم فالمعجبون بأعمالهم، وأما الذين يمغضون ألسنتهم
فهي مدلات على صدروهم يسيل القيح منهم يتأذى الجمع منهم فالمغتابون، وأما الذين
قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران، وأما المصلبون على جذوع من النار
فالسعاة بالناس إلى السلطان، وأما الذين أشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون
الشهوات واللذات، ومنعوا حق الله في أموالهم، وأما الذين يلبسون الجباب أهل
الكبر والفخر والخيلاء - يعني المتكبرون والمتجبرون.
وفي الخبر: إياك والكبر فإنها أعظم الذنوب والام العيوب، وآفة الشرف حيلة
437

إبليس كتب الصادق (ع) إلى جماعة من شيعته، إياكم والعظمة والكبر، فإن الكبر
رداء الله، فمن نازع رداء الله قصمه الله وأذله يوم القيامة، ولما كان الكبر والفخر
ممقوت عند الله احترز عنها أنبياء الله، والخضوع ممدوحة ائتزر بها أولياء الله، ولما
تواضعوا وخضعوا رفعهم الله في الدنيا والآخرة (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين
لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا).
توضع إذا ما شئت في الناس رفعة * فان رفيع الناس من يتواضع
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا * فكم تحتها قوم هم منك ارفع
ولما كان نبينا (ص) أشد الناس تواضعا رفعه الله رفعة لا يدانيه أحد في الرفعة
وقال تعالى: (ورفعنا لك ذكرك) ولذا لما قال يزيد لعنه الله لعلي بن الحسين (ع): أينا
غلب على صاحبه نحن أو أنتم؟ فقال (ع) إذا كان وقت الصلاة أذن وأقم - يعني الغلبة لمن
لا يجوز لك، ولا لاحد من المسلمين أن يصلي إلا ويبدء ويتكلم باسمه الشريف ويذكره بالرفعة.
أقول: يا للعجب يصلي عن المبعوث من آل هاشم، ويعزى بنوه إن ذا لعجيب.
مقدمة
عن مواعظ (البحار) روى أن عيسى بن مريم قال لامه: يا أماه إني وجدت
مما علمني الله هذه الدار دار فناء وزوال، والآخرة هي التي لا تخرب أبدا، تعالى أجيبيني
يا أماه نأخذ ن هذه الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية، فانطلقا إلى جبل لبنان، وكانا
فيه يصومان النهار ويقومان الليل، ويأكلان من ورق الأشجار، ويشربان من ماء
الأمطار فمكثا في ذلك زمانا طويلا، ثم إن عيسى هبط ذات يوم من الجبل إلى الوادي
يلتقط الحشيش والبقول لافطارهما، فلما هبط عيسى نزل ملك الموت على مريم وهي
معتكفة في محرابها فقال: السلام عليك فغشى عليها ثم أفاقت، فقالت: من أنت
يا عبد الله فقد اقشعر من صوتك جلدي، وارتعدت فرائصي وطار عقلي! فقال: أنا الذي
لا أرحم الصغير لصغر سنه، ولا أوقر الكبير لكبره، أنا الذي لا استأذن على
الملوك ولا أهاب الجبابرة أنا مخرب الدور والقصور، وعامر القبور، والمفرق بين
الجماعات والاخوة والأخوات والاباء والأمهات، أنا قابض الأرواح، أنا ملك الموت.
438

فقالت: جئتني زائرا أم قابضا؟ قال: بل جئتك قابضا فبكت وقالت: أمهلني
حتى يجئ ولدي عيسى فقال: لم أومر بذلك فقبض روحها، ولما جاءها عيسى (ع) وعلم
بموتها بكى وهبط من الجبل إلى قرية من قرى بني إسرائيل فنادى بصوت حزين السلام
عليكم، وأضاء وجهه لهم، قالوا له: من أنت؟ قال:
أنا روح الله عيسى بن مريم
أن أمي ماتت غريبة فأعينوني على غسلها وكفنها ودفنها فقالوا: يا روح الله ان هذا
الجبل كثير الأفاعي والحيات لم يسلكه آباؤنا وأجدادنا منذ ثلاثمائة سنة، فهذا الحنوط
والكفن فسر، فتولى عيسى " ع " غسلها فردا فرأى جبرئيل وميكائيل، وهبطت الحور
العين فتولوا أمرها، فلما كفنها عيسى رمى بنفسه عليها وهو يبكى حتى بكى الملائكة من
بكائه فجاء جبرئيل ورفعه، بكى الملائكة من بكاء عيسى وأعظم من ذلك على الملائكة يوم
أقبل الحسنان ووقعا على صدر أمهما وهما يناديان، يا أم الحسن ويا أم الحسين إذا لقيت
جدنا رسول الله فاقرئيه السلام، الخ.
مقدمة
(في الكافي) عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر " ع " يقول: قال
رسول الله (ص): من سر مؤمنا فقد سرني، ومن سرني فقد سر الله تعالى.
وفيه عن الصادق " ع " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب الأعمال إلى الله عز وجل
ادخال السرور على المؤمنين، اشباع جوعته أو تنفيس كربته، أو قضاء دينه وفيه
عنه أوحى الله إلى داود ان العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنتي، وقال
داود: يا رب وما تلك الحسنة؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سرورا ولو بتمرة
قال داود: يا رب حق لمن عرفك ان لا يقطع رجاءه منك.
وفيه عنه " ع ": إذا خرج المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدمه امامه كلما رأى
المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة قال له المثال: لا تفزع ولا تحزن، وأبشر بالسرور
والكرامة من الله عز وجل حتى يقف بين يدي الله عز وجل فتحاسبه حسابا يسيرا
ويأمر به إلى الجنة والمثال امامه فيقول له المؤمن: رحمك الله نعم الخارج خرجت معي
من قبري وما زلت تبشرني بالسرور والكرامة حتى رأيت ذلك فيقول فمن أنت؟ فيقول
انا السرور الذي أدخلته على أخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله عز وجل منه لأبشرك، بيان
439

المثال هو الصورة، في البحار عن الحسين بن علي " ع " إنه قال: صح عندي قول
النبي (ص) أفضل الأعمال بعد الصلاة ادخال السرور في قلب المؤمنين بما لا اثم فيه، فأتى
رأيت غلاما يؤاكل كلبا فقلت له ذلك فقال: يا بن رسول الله انى مغموم اطلب السرور
بسروره لان صاحبي يهودي أريد أفارقه فأتى الحسين " ع " إلى صاحبه بمائة دينار ثمنا له
فقال اليهودي: الغلام فداء لخطاك، وهذا البستان له ورددت عليك المال فقال " ع " وانا
قد وهبت لك المال قال اليهودي: قبلت المال ووهبته للغلام فقال الحسين " ع " أعتقت
الغلام ووهبت له جميعا، فقالت: امرأة اليهودي قد أسلمت ووهبت زوجي مهري
فقال اليهودي: وانا أيضا أسلمت وأعطيتها هذه الدار.
هذا اليهودي لما رأى إن الحسين " ع " واقفا على باب داره في حاجة عظيمة وبالغ في
تكريمه وتجليله حتى أسلم على يديه هو وزوجته سود الله وجه ذلك اللعين الذي كان يدعى
الاسلام، ويزعم إنه خليفة المسلمين، وقدم إليه رأس الحسين " ع " فوضعه في طشت
من الذهب، الخ،
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصلاة مرضات الله، وحب الملائكة، وسنة الأنبياء، ونور
المعرفة، واصل الايمان، وإجابة الدعاء، وقبول الأعمال، وبركة في الرزق
وراحة في البدن، وسلاح على الأعداء، وكراهة الشيطان، لان الشيطان يكره السجود
والصلاة مشتملة على الركوع والسجود، وإذا سجد ابن آدم اعتزال الشيطان يبكى ويقول
ويلاي أمر هذا العبد بالسجود فسجد، له الجنة، وأمرت انا بالسجود فعصيت فلى
النار، فقال رسول الله (ص): ما من مسلم يسجد الله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط
عنه بها سيئة، ويكون يوم القيامة في شفاعتي، وفى الجنة من رفقائي، هذا ثواب السجدة
الواحدة فكيف بمن صلى في اليوم والليلة إحدى وخمسين ركعة، ويسجد في كل ركعة
سجدتين فهناك لا يحصى ثوابه.
ومن هذا يظهر لك ما ورد في الاخبار: أفضل الأعمال الصلاة، وليس في
الفرائض والمستحبات والنوافل أفضل من الصلاة كما إنه لا يعاقب أحد بمثل تارك الصلاة
440

ويقال له كافر.
سئل الصادق " ع " ما بال الزاني لا يسمى كافرا وتارك الصلاة يسمى كافرا، قال " ع "
لا الزاني يعمل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه، وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافا
بها، في الخبر، لا تطعموا تارك الصلاة ولا تسقوه، فإذا مرض لا تعودوه، فإذا
مات لا تشيعوه ولا تدفنوه في مقابر المسلمين، وفى خبر آخر: لا تسلموا على تارك
الصلاة ولا تضحكوا في وجهه.
وفى كتاب (نصائح الشيعة) عن النبي صلى الله عليه وسلم: تارك الصلاة يبتلى باثنتي عشرة
عقوبة: ثلاث في الدنيا، وثلاث عند الموت، وثلاث عند القبر، وثلاث في القيامة
واما التي في الدنيا يقلع الله سيما الصالحين من وجهه، ولاحظ له في الاسلام، ولا يقبل
له شئ من أفعال الخير.
واما الثلاث التي عند الموت، يموت عطشانا جوعانا ذليلا وجل القلب.
واما الثلاث التي عند القبر: يضيق به لحده، ولا يلقن به الشهادتين عند منكر
ونكير ويسلط الله عليه ثعبانا اسمه شجاع الأقرع.
واما الثلاث التي في يوم القيامة: يحشر أسود الوجه، مكتوب على وجهه
مسحوب في عرصات القيامة إلى جهنم، ينادى عليه: هذا جزاء من ترك فرائض
الاسلام التي فرضها الله تعالى على عباده، وطائفة أخرى أيضا يحشرون يوم القيامة
سود الوجوه يسحبون على وجوههم حتى يدخلوا جهنم وهم قتلة الحسين " ع " وأعداء
آل محمد (ص) كما في الخبر، وان أعدائهم من بين مسحوب بناصيته إلى النار ومن قائل
ما لنا من شافعين ولا صديق حميم.
مقدمة
قال الله تعالى (إنه لقرآن كريم) سمى الله القرآن كريما كما في الآية الشريفة
وسماه حكيما، قال الله تعالى: (يس والقرآن الحكيم) وسماه مجيدا فقال تعالى:
(ق والقرآن المجيد) فهو النور المبين، والحق المستبين، لا شئ أسطع من اعلامه
ولا اصدع من احكامه، ولا أفصح من بلاغته، ولا أرجح من فصاحته، ولا أكثر
من إفادته، ولا ألذ من تلاوته ولنعم ما قيل: جميع الكتب يدرك من قراها ملالا
441

أو فتورا أو سآمة سوى هذا الكتاب، فإن فيه بدايع لا تمل إلى يوم القيامة.
قال رسول الله (ص): ان القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد قيل: يا رسول الله فما
جلاؤها؟ قال: قراءة القرآن وذكر الموت، اقرؤا القرآن أو ابكوا فإن لم تبكوا
فتباكوا، من قرأ سورة (الواقعة) كل ليلة لم تصبه فاقة، وخطب وقال (ص): لا خير
في العيش إلا لعالم ناطق أو مستمع واع، أيها الناس: انكم في زمان هدنة، وان السير
بكل موعود، فقال له المقداد يا نبي الله وما الهدنة؟ فقال دار بلاء وانقطاع، فإذا
التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع، وشاهد
صدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو أوضح
دليل إلى خير سبيل، ظاهره حكم، وباطنه علم، لا تحصى عجائبه، ولا تنقضي
غرائبه، وهو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، من قال به صدق، ومن حكم به
عدل، ومن عمل به فاز، فإن المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيب
وريحها طيب، وان الكافر كالحنظلة طعمها مر، ورائحتها كريهة (وننزل من القرآن
ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا).
وقال صلى الله عليه وسلم: القرآن على خمسة: حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال
فاعلموا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا
بالأمثال، وما امن بالقرآن من استحل محارمه، وشر الناس من يقرأ القرآن
ولا يرعى ما فيه.
أقول: وللسلف عادات مختلفة في المدة الذي يختمون القرآن فمنهم من يختم القرآن
في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثلاث ختمة، منهم علي بن موسى الرضا " ع "
ويقول: لو أردت ان اختمه في أقل من ثلاث لختمت ولكن ما مررت قط بآية
إلا فكرت فيها، وفى أي شئ نزلت، وفى أي وقعت نزلت، وكان كثيرون يختمون
القرآن في كل يوم ختمة منهم حبيب بن مظاهر الأسدي (رض)، وقف الحسين " ع "
وقال: لله درك يا حبيب لقد كنت فاضلا تختم القرآن في ليلة واحدة.
442

قال الله تعالى: (ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها) عن الصادق " ع "
قال: اتقوا الله وعليكم بأداء الأمانات إلى من ائتمنكم، فلو ان قاتل أمير المؤمنين " ع "
ائتمنني على أمانة لأديتها إليه، وقال زين العابدين لشيعته: عليكم بأداء الأمانة، فوالذي
بعث محمدا بالحق نبيا، لو أن قاتل أبى الحسين " ع " ائتمنني على السيف الذي قتله به
لأديته إليه، وقال الصادق " ع ": أحب العباد إلى الله رجل صدوق، وفى حديثه محافظ على صلواته، وما افترض الله عليه مع أداء الأمانة ثم قال: من ائتمن على أمانته
فأدها فقد حل الف عقدة من عنقه من عقد النار، فبادروا بأداء الأمانة فإن من ائتمن
على امامة وكل به إبليس مائة شيطان من مردة أعوانه ليضلوه ويوسوسوا إليه حتى يهلكوه
إلا من عصمه الله، قال " ع ": لا تنظروا إلى كثرة صلواتهم وصومهم وكثرة الحج
والمعروف، وطنطنتهم بالليل انظروا إلى صدق الحديث، وأداء الأمانة.
روى أن رجلا جاء إلى علي بن أبي طالب " ع " مع ابن له يشبه أباه جسدا فتعجب
على " ع " وقال: ما رأيت غرابا أشبه بغراب مثل هذا بأبيه! فقال الرجل
يا أمير المؤمنين إن لهذا الولد شأنا عجيبا إنه مكث في القبر تسعة أشهر وخرج بقدرة الله
تعالى، فوثب على " ع " وقال: أي شئ تقول أيها الرجل؟ قال! أردت ان أسافر
وولدي هذا في بطن أمه فتوضأت وصليت ركعتين ورفعت يدي إلى السماء وقلت:
يا إلهي أو دعت الولد الذي في بطن أمه عندك فرده إلى سالما إذا رجعت، ثم خرجت
إلى سفر ومكثت تسعة أشهر ثم رجعت فوجدت زوجتي قد ماتت فذهبت إلى قبرها
فعانقت القبر وبكيت كثيرا فسمعت صوت صبي من قبرها فتعجب فقلت: اكشف
رأس قبرها لكي انظر ما هذا الصوت الذي اسمع فكشفته فرأيت قد بليت جسدها
وتفسخت أعضائها، وما بقي سوى ثديها ورأيت هذا الغلام يرضع منه فرفعته وقلت
إلهي مننت على برد ولدى فلو رددت زوجتي لعظمت منتك على، فسمعت هاتفا يقول
أو دعت ولدك عند الله فرده إليك سالما، فلو أودعت زوجتك لردها إليك سالمة كما رد
إليك ولدك سالما، نعم من شأن الوديعة أن ترد إلى صاحبها سالمة لكن وديعة
رسول الله (ص) ردت إليه مكسورة الضلع، مسودة الكتف، مسقطة الجنين، الخ
443

مقدمة
قال النبي (ص): إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه وإلا فعليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعون، وخطب أمير المؤمنين " ع " فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما
بعد، فإنه إنما هلك من كان قبلكم حيث ما عملوا من المعاصي، ولم ينههم الربانيون
والأحبار عن ذلك، وانهم لما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك
نزلت بهم العقوبات فأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، اعلموا إن الامر
بالمعروف والنهى عن لمنكر لن يقربا أجلا، ولن يقطعا رزقا، ان الامر ينزل من
السماء إلى الأرض كقطر المطر إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة أو نقصان.
وروى الكليني عن الصادق " ع ": إن الله بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقبلها على
أهلها فلما انتهيا إلى المدينة وجدار جلا يدعو الله ويتضرع، فقال أحد الملكين لصاحبه
أما ترى هذا الداعي؟ فقال: قد رأيته ولكن امض لما أمر به ربى فقال: لا أحدث
شيئا حتى أراجع ربى فعاد إلى الله تبارك وتعالى فقال: يا رب انى انتهيت إلى المدينة
فوجدت عبدك فلانا يدعوك، ويتضرع إليك فقال: امض لما أمرتك به فان ذا رجل
لم يتمغر وجهه غيظا لي قط.
وعن الرضا " ع " قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أمتي تواكلت الامر
بالمعروف والنهى عن المنكر فليأذنوا بواقع من الله تعالى (بيان) تواكلت: أي اتكل
كل واحد على الاخر ووكل الامر إليه، والوقاع: النازلة الشديدة أو الحرب.
وروى عن أبي عبد الله " ع " قال: كان رجل شيخ ناسك يعبد الله في بني إسرائيل
فبينا هو يصلى وهو في عبادته إذ بصر بغلامين صبيين قد أخذا ديكا وهما ينتفان ريشه
فأقبل على ما هو فيه من العبادة ولم ينههما عن ذلك، فأوحى الله إلى الأرض ان سيخي
بعبدي فساخت به الأرض فهو يهوى في الدرك دون أبد الآبدين ودهر الداهرين.
وعنه " ع " قال: قال النبي (ص): كيف بكم إذا أفسدت نساؤكم، وفسق شبانكم
ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ فقال
نعم، وشر من ذلك فكيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، فقيل
يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال: نعم وشر من ذلك فكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا
444

والمنكر معروفا، وقال (ص): لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن
المنكر، وتعاونوا على البر فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على
بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض، ولا في السماء.
وقال أمير المؤمنين " ع " ليلة الحادي والعشرون من شهر رمضان في وصيته لولديه
الحسن والحسين " ع ": لا تتركوا الامر بالمعروف والنهى عن المنكر فيولى عليكم أشراركم
ثم تدعون فلا يستجاب لكم وله وصية طويلة في تلك الليلة لأولاده وهو في سكرة الموت
من تلك الضربة.
والمرتضى أردوه في محرابه * بيمين أشقى العالمين وألعن
مقدمة
(في الخصال) عن الصادق " ع " قال: الصداقة محدودة فمن لم تكن فيه تلك الحدود
فلا تنسبه إلى كمال الصداقة، ولا تنسبه إلى شئ من الصداقة، أولها: أن تكون
سريرته وعلانيته لك واحدة، والثانية: ان يرى زينك زينة، وشينك شينه والثالثة
لا يغيره مال ولا ولاية، والرابعة: لا يمنعك شيئا مما تصل إليه مقدرته، والخامسة
ان لا يسلك عند النكبات - يعنى إذا وقعت في شدة أو بلية ومصيبة لا يخذلك
ولا يوادعك - كما إنه ما كان يدعك في الرخاء والنعمة ولنعم ما قيل:
دعوى الإخاء على الرخاء كثيرة * بل في الشدائد تعرف الاخوان
فإذا أردت ان تعرف معنى الصداقة والمحبة والاخلاص والمودة انظر إلى ذلك
الحبشي الذي قتل مع الحسين " ع " يوم عاشوراء، لما قال له الحسين " ع ": أنت في اذن منى
إنما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا قال: سيدي انا في الرخاء الحس قصاعكم، وفى
الشدة أخذكم؟
مقدمة
(في الخصال) جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله (ص) علمت
ابني الكتابة ففي أي شئ أسلمه؟ قال (ص): لا تسلمه سباء. ولا صباغا ولا حناطا
ولا نخاسا ولا قصابا، فقال: يا رسول الله وما السباء؟ قال: الذي يبيع الا كفان
445

ويتمنى موت أمتي، وللمولود من أحب إلى مما طلعت عليه الشمس، واما الصباغ:
فإنه يعالج زين أمتي، واما الحناط: فإنه يحتكر الطعام على أمتي، ولان يلقى الله العبد
سارقا أحب إليه من أن يلقاه ق احتكر الطعام أربعين يوما، واما النخاس: فإنه اتاني
جبرئيل فقال: يا محمد شرار أمتك الذين يبيعون الناس، واما القصاب: فإنه يذبح حتى
تذهب منه الرحمة - يعنى يورثه القساوة، ولا يترحم على أحد، وان الله تعالى من
فرط رحمته وغاية رأفته وشفقته على العباد يحب ان يكون عباده يرحم بعضهم بعضا
أقول: ان القصاب تورثه القساوة لكثرة ما يذبح لكن مع ذلك لا يرضى ان يذبح
الحيوان إلا بعد سقيه الماء ولا يذبحه عطشانا وأهل الكوفة لعنهم الله ذبحوا ابن بنت
رسول الله (ص) عطشانا وهو بجنب الفرات ويطلب جرعة من الماء.
مقدمة
(في الارشاد) للديلمي) قال رسول الله (ص): أدلكم على أكسل الناس وابخل
الناس وأسرق الناس وأعجز الناس وأجفى الناس؟ قالوا بلى يا رسول الله، فقال (ص)
أكسل الناس: عبد الصحيح فارغ لا يذكر الله بشفته ولا بلسانه، وابخل الناس: رجل
اجتاز على مسلم فلم يسلم عليه، واما اسرق الناس: فرجل يسرق من صلاته يلف كما
يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه، وأجفى الناس، رجل ذكرت عنده وبين يديه فلم
يصلى الثوب الخلق فيضرب بها وجهه، وأجفى الناس، رجل ذكرت عنده وبين يديه فلم
يصلى على، وأعجز الناس، من عجز عن الدعاء ولا سيما إذا كان في مكان وعد الله فيه
الإجابة، منها حاير الحسين " ع " لنعم ما قيل:
بن تدرك المرضى بتربتك الشفاء * ويغدوا مجابا تحت قبتك الدعاء
في (مفتاح البكاء) عن (جامع الأخبار) روى أن رجلا فاسقا كان في بني إسرائيل
وعجزت أهل بلدته من فسقه وفجوره، فتضرعوا إلى الله تعالى، فأوحى إلى موسى ان
اخرج الشاب الفاسق عن بلدهم لئلا تقع النار عليهم بسببه، فجاء موسى " ع " فأخرجه
من القرية إلى القرى، فأوحى إلى تعالى إلى موسى ان يخرجه منها فأخرجه موسى
فخرج الشاب إلى مغارة ليس فيها خلق ولا طير ولا زرع ولا وحش، فمرض الشاب في
تلك المغارة وليس عنده معين يعينه فوقع على التراب ووضع وجهه عليها وقال: يا رب
لو كانت والدتي عند رأسي لرحمتني، وبكت على ذلي وغربتي، ولو كان والدي حاضرا
446

لغسلني وكفني وواراني، ولو كانت زوجتي وأولادي عند لبكوا على وقالوا: اللهم
اغفر لوالدنا الغريب الضعيف العاصي المطرود من بلد إلى بلد، ومن قرية إلى مغارة
ثم خرج من الدنيا آيسا من كل الأشياء: اللهم يا رب إذا قطعت بي وفرقت بيني وبين
والدي ووالدتي وزوجتي وأولادي فلا تقطعني يا رب، فأرسل الله إليه حوراء على صفة أمه،
وحوراء على صفة زوجته وغلمانا على صفة أولاده، وملكا على صفة أبيه فبكوا عليه
وجلسوا عنده فقال الشاب: هذا والدي ووالدتي حضروا عند فطاب قلبه وصار إلى
ربه، فأوحى الله إلى موسى يا موسى إنه قد مات ولى من أوليائي في موضع كذا فأذهب
إليه فغسله وكفنه وصل عليه وادفنه، فسار موسى " ع " إلى ذلك الموضع فرأى ذلك
الشاب الذي أخرجه من المدينة ومن القرية بعينه فعرفه ثم رأى الحور العين يبكين عليه
فقال: يا رب أليس هو ذلك الشاب الذي امرتني باخراجه من المدينة والقرية؟ فقال الله
يا موسى هو ذلك الشاب انى رحمته وتجاوزت عنه بأنينه في مرضه، بفرقته عن وطنه
وعن ولده ووالدته ووالده وزوجته، واعترافه بذنبه، وطلبه العفو منى والمغفرة
فأرسلت إليه الحوراء على صفة أمه، وحوراء على صفة زوجته، وغلمانا على صفة
أولاده وملكا على صفة والده وعفوت عنه وغفرت له لغربته وذله.
واعلم إنه يا موسى إذا مات الغريب بكت عليه ملائكة السماء وأهل الأرض رحمة له
ولغربته فكيف لا ارحمه وهو غريب وانا أرحم الراحمين، فإذا مات انسان غريبا بكته
السماوات وأهل الأرض ولو كان فاسقا، فيحق ان تمطر السماء دماء وتبكى
البحار والأشجار والأنهار والوحوش والطيور والجن والانس والاملاك لقتل من هو
فلذة كبد رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلوه عطشانا غريبا وحيدا فريدا وأوطأوا صدره
الشريف، الخ.
مقدمة
في (مفتاح البكاء) عن (الكشكول) للبهائي قدس الله سره: ان رجلا من
المنهمكين في الفساد مات في حوالي البصرة فلم تجد امرأته من يعينها إلى حمل جنازته لتنفر
الطباع منه، فاستأجرت من حملها إلى المصلى فما صلى عليه أحد، فحملوه إلى الصحراء
447

الدفن، وكان على جبل قريب من الموضح زاهد مشهور فرأوه كالمنتظر للجنازة فقصد
ليصلى على الجنازة، وقف ونادى أيها الناس الصلاة، فانتشر الخبر في البلدان فلان
الزاهد نزل يصلى على فلان، فخرج أهل البلد فصلوا معه على الجنازة وتعجب الناس من
صلاة الزاهد، فقيل له في ذلك؟ فقال: رأيت في المنام ان انزل في منزل الفلاني ترى
فيه جنازة ليس معها أحد إلا امرأة فصل عليه فإنه مغفور له، فتعجب الناس من ذلك
فاستدعى الزاهد امرأة الميت وسألها عن حاله فقالت: كان طول نهاره مشغولا بشرب
الخمر فقال لها: هل تعرفين له شيئا من اعمال الخير؟ قالت: نعم ثلاثة، الأول: انه
إذا افاق من سكره في أثناء الليل يبكى ويقول: يا رب أي زاوية من زوايا جهنم تريد
ان تملاها بهذا الخبيث، الثاني، إذا أصبح كل يوم ويفيق من سكره فيبدل ثيابه ويغتسل
ويتوضأ ويصلى الصبح، الثالث انه كان لا يخلو بيته من يتيم أو يتيمين وكان احسانه
إليهم أكثر من احسانه إلى أولاده فبهذه الثلاثة غفر الله له، وامر العابد ان يصلى عليه
فوقف العباد ونادى في الناس الصلاة، انتشر الخبر فحضر الناس وصلوا عليه ودفنوه.
يا للمسلمين اما حصل الغريب اما لغريب كربلا أحد ينادي الصلاة مات الغريب وهو إذ ذاك
سيد الخلق وأشرفهم واتقى الله، وهو أبو الأرامل واليتامى بقي ثلاثة أيام بلا غسل
ولا كفن ولا دفن.
بأبي القتيل وغسله علق الدما * وعليه من ارج الثنا كافور
مقدمة
وفيه عن كتاب (فتوحات القدس) ان موسى " ع ": رأى يوما ملك الموت فقال له
جئت لزيارتي أم لقبض روحي؟ فقال: لقبض روحك فقال موسى: أمهلني حتى اذهب
وأودع أهلي وعيالي فقال: لست مأمورا بالتأخير فقال: أمهلني حتى اسجد الله فأمهله
فسجد فقال في سجوده: إلهي ومعبودي قل لملك الموت ان يمهلني حتى أودع أهلي وعيالي
وأقربائي فأمر الله ملك الموت أن يمهله فجاء موسى إلى أمه فقال: يا أماه ان في قدامي
سفرا بعيدا اجعليني من حقوقك في حل فقالت: أي سفر هذا؟ فقال: سفر الآخرة
فبكت أمه وودعته، فجاء موسى " ع " عند عياله وأطفاله وودع كلا منهم وكان له طفل
صغير وكان يحبه حبا شديدا رأى الطفل وداع أبيه اخذ بطرف ثوبه يبكى واضطرب
448

اضطربا شديدا حتى لم يتمالك موسى نفسه وبكى بكاء شديدا فقال الله تعالى: يا بن عمران
تجيئ عندي فما سبب بكائك واضطرابك؟ فقال: يا رب جزعي واضطرابي لأجل أطفالي
فإني رحيم بهم، فقال الله تعالى: اضرب بعصاك البحر فضرب فانفلق فظهر حجر عظيم
ابيض فقال الله: اضرب بعصاك الحجر فضرب فانفلق فظهر حجر عظيم
ابيض فقال الله: اضرب بعصاك الحجر فضرب فانفلق فخرج دود ضعيف كان في فمه
ورق اخضر يأكله فقال الله: يا موسى انى ارزق هذا الدود الضعيف المستور في جوف
الحجر الكائن في وسط البحر فهل أنسى أطفالك فطب نفسا فأنى احفظهم حفظا حسنا
فقال موسى " ع " لملك المت: امض لما أمرت فقبض روحه الطيبة.
أقول: ان موسى " ع " لما تصرمت أيامه ودنى اجله كان يبكى لأهله ولعياله
ولأطفاله رأفة بهم وشفقة عليهم خوفا من أن يضيعوا، ليت شعري ما حال سيدنا
الحسين " ع " ساعة عزم على لقاء القوم بنفسه نظر إلى عياله وأطفاله وإذا هم بلا كفيل
ولا راع ولا محامي، وقد أحاط بهم العدو وهو يعلم ما يجرى عليهم من السبي والأسر
أقبل ليودعهم وقف ونادى يا زينب.
الخاتمة
وفيه عن كتاب (زهرة الرياض) إذا فارقت الروح من البدن نودي بثلاث صيحات
يا بن آدم تركت الدنيا أم الدنيا تركتك اجتمعت الدنيا أم الدنيا اجتمعتك قتلت الدنيا أم الدنيا قتلتك؟ وإذا
وضع على المغتسل نودي بثلاث: أين بدنك القوى ما أضعفك؟ وأين لسانك الفصيح
ما أسكتك؟ وأين أحباؤك ما أوحشك؟ وإذا لف في الكفن نودي بثلاث: تذهب إلى
سفر بغير زاد، وتخرج من منزلك فلا ترجع ابدا، وتصير إلى بيت ما أهواله
وإذا حمل على الجنازة نودي بثلاث طوبى لك ان كنت تائبا، وطوبى لك ان كنت تائبا، طوبى لك ان كنت تائبا، طوبى لك ان صحبك
رضوان الله، الويل لك ان صحبك سخط الله، وإذا وضعت الجنازة على شفير القبر
نودي بثلاث يا بن آدم ما تزودت من العمر ان لهذا الخراب، وما حملت من الغى لهذا
الفقر، وما حملت من النور لهذه الظلمة.
وإذا وضع في اللحد نودي بثلاث يا بن آدم كنت على ظهري فرحا وصرت في بطني
حزينا وكنت على ظهري ضاحكا فصرت في بطني باكيا وكنت على ظهري ناطقا
وصورت في بطني ساكتا، وإذا ادبر الناس عنه يقول الله: عبدي بقيت وحيدا فريدا
449

وتركوك في ظلمة القبر وقد عصيتني لأجلهم أرحمك رحمة يتعجب منها الخلائق
وانا أشفق عليك من الوالدة بولدها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا خرجت الروح من بدن بني آدم فإذا مضت ثلاثة أيام تقول
الروح: يا رب تأذن لي حتى أمشي وانظر إلى جسدي فأذن الله لها فتجئ إلى قبره
وتنظر إلى الجسد من بعيد وقد سال الماء من جسده وفمه فتبكى بكاء طويلا ثم تقول:
يا حبيبي هل تذكر أيام حياتك! هذا المنزل الوحشة والبلاء والكربة والحزن
والندامة ثم تمضى.
فإذا كانت خمسة أيام تقول: يا رب أتأذن لي حتى أتى وانظر إلى جسدي فيأذن الله
لها فتأتي إلى جسده وقبره فتنظر من بعيد وقد سام لادم والقيح من منخره ومن فمه ومن
اذنيه فتبكى بكاء ثم تقول: يا جسدي المسكين أتذكر أيام حياتك هذا المنزل والديدان
والعقارب، وأكل الديدان لحمك، ومزقت جلدك، وتفرقت أعضائك ثم تمضى
فإذا كان سبعة أيام فتقول: يا رب أتأذن لي حتى آتي وانظر إلى جسدي؟ فيأذن الله تعالى
لها فتأتي إلى قبره وتنظر من بعيد وقد وقع الدود في الجسد فتبكى بكاء شديدا وتقول:
ايا صاحبيك، أتذكر أيام حياتك وأولادك وأقربائك وعزتك ودارك وعقارك؟ أين
اخوتك وأصدقائك وجيرانك الذين يفرحون بك ويسرون بجوارك فأين هم حتى يبكوا
على وعليك.
(وفيه) إذا مات المؤمن دارت روحه حول داره شهرا تنظر من خلفه من عياله
وأوصى إليه كيف تؤدى عنه ديونه، وكيف يعمل بوصاياه، فإذا تم الشهر فتدور
حول قبره وتنظر من يدعو له ومن يحزن عليه هذا شأنه إلى سنة كاملة فإذا تمت سنة رفعت
روحه حيث تجتمع فيه الأرواح إلى يوم القيامة.
وفيه عن ابن عباس: إذا كان يوم العيد، أو يوم عاشوراء، أو يوم الجمعة
الأول من شعبان، أو ليلة الجمعة الأولى من رجب، أو ليلة النصف من شعبان
أو يوم الجمعة وليلته، تخرج الأموات من قبورهم فيقفون على أبواب بيوتهم ويقولون
ارحموا علينا في هذا الليلة بصدقة أو لقمة فانا محتاجون إليكم فإن لم تقدروا بها فاذكرونا
بركعتين في هذا الليلة المباركة هل من أحد يذكرنا؟ وهل من أحد يرحمنا؟ هل من أحد
يذكرنا غربتنا؟ يا من سكن دارنا، ونكح نسائنا، ويا من أقام في أوسع قصورنا
450

ونحن في أضيق قبورنا، ويا من قسم أموالنا، ويا من استحقر أيتامنا هل من أحد
يتفكر في غربتنا وفقرنا، وكتبنا مطوية وكتبكم منشورة؟ وليس للميت في اللحد ثواب
فلا تنسوني بكثرة خيركم ودعائكم، فإنا محتاجون إليكم ابدا فان وجد من الصدقة
أو الدعاء منهم يرجع فرحا مسرورا، وان لم يجده فيرجع محروما ومحزونا وآيسا.
أقول: ويظهر من الاخبار كما ذكرنا سابقا ان الميت يترصد وينتظر أمورنا ينتفع
بها، ويوسع عليه بها هي الصدقة والدعاء والترحم وتلاوة القرآن والحضور على قبره
وحفظ وصاياه - يعنى إذا أوصى بوصية فينبغي ان يعجل في انفاذه - لأنه ينتظر غاية
الانتظار متى تعمل بوصيته، وقل ما يتفق ان تنفذ وصيته بل تنسى كان لم يكن شيئا
مذكورا، وانا لا اعلم وصية أوصى بها أحد وأسرع انفاذا مما أوصى به سيدنا المظلوم
أبى عبد الله الحسين " ع " لأنه أوصى لشيعته بان يذكروه عند شرب الماء قال:
شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذكروني أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني
وأوصى بان يبكوا عليه ويندبوه، وقال لولده السجاد " ع ": ولدى إذا رجعت
إلى المدينة أبلغ شيعتي عنى السلام وقل لهم: ان أبى مات غريبا فأبكوه
ومضى شهيدا فاندبوه، بيض الله وجوه الشيعة إذا هم عملوا بوصيته
ما نسوه ولا ينسونه أبدا، إذا شربوا الماء ذكروه، وإذا
تذكروا وسمعوا مصائبه بكوا عليه وندبوه، والحمد لله أولا
وآخرا، قد تم الكتاب بعون الملك الوهاب، وأرجوا
بذلك منه أعظم الثواب والتفضل على في يوم الحساب
وجزيل الاجر في القيامة وفصل الخطاب
وأتمنى من إخواني المؤمنين الدعاء
وكف اللسان عن الملامة
والعتاب، والخطاب، فان
الانسان لا يخلوا عن الخطاء والنسيان
حرره الراجي عفو ربه الغني محمد مهدى الحايري مسكنا ومدفنا انشاء الله تعالى.
451