الكتاب: القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع
المؤلف: الأصبهاني
الجزء:
الوفاة: ١٣٣٩
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: الشيخ حسين الهرساوي وقدم له : الشيخ جعفر السبحاني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٢
المطبعة: اعتماد - قم
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
ردمك: ٩٦٤-٣٥٧-٠٢٤-×
ملاحظات: التوزيع : مكتبة التوحيد - ايران - قم - شارع الشهداء - تلفن : ٧٧٤٥٥٤٧ - ٢٩٢١٥٢ / البريد الإلكتروني : info@imamsadeq.org / العنوان في شبكة المعلومات : http://www.imamsadeq.org

القول الصراح
في
البخاري وصحيحه الجامع
دراسة فقهية، وأصولية في الحديث والرجال
وعقائد أهل السنة حول البخاري وكتابه الصحيح
فقيه الطائفة
شيخ الشريعة الإصبهاني
(1266 - 1339 ه‍)
قدم له
آية الله جعفر السبحاني
تحقيق
الشيخ حسين الهرساوي
تعريف الكتاب 1

شيخ الشريعة الاصفهاني، فتح الله بن محمد جواد، 1266 - 1339 ق
القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع: دراسة فقهية واصوليه في الحديث والرجال
وعقائد أهل السنة حول البخاري وكتابه الصحيح / شيخ الشريعة الأصبهاني; قدم له جعفر
السبحاني; تحقيق حسين الهرساوى. - قم: مؤسسه الامام الصادق - عليه السلام -، 1422 ق. = 1380
275 ص. ISBN 964 - 357 - 024 - X
كتابنامه: ص.] 241 [- 271; همچنين به صورت زير نويس.
1. بخارى، محمد بن إسماعيل، 194 - 256 ق. الجامع الصحيح - - نقد وتفسير. الف. بخارى،
محمد بن إسماعيل، 194 - 256 ق. الجامع الصحيح. ب. سبحانى تبريزى، جعفر، 1308 -. ج.
هرساوى، حسين، مصحح. د. مؤسسه الامام الصادق 7. ه‍. عنوان. و. عنوان: دراسة فقهية و
اصوليه في الحديث والرجال وعقائد أهل السنة حول البخاري وكتابه الصحيح.
208 ج 3 ب / 119 BP
211 / 297
اسم الكتاب:... القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع
المؤلف:... شيخ الشريعة الإصبهاني
تقديم:... آية الله جعفر السبحاني
تحقيق:... الشيخ حسين الهرساوي
الطبعة:... الأولى - 1422 ه‍
المطبعة:... اعتماد - قم
الكمية:... 1500 نسخة
الناشر:... مؤسسة الإمام الصادق - عليه السلام -
حقوق الطبع محفوظة للمؤسسة
توزيع
مكتبة التوحيد
إيران - قم؛ ساحة الشهداء
تلفن 7745547 - 2925152
9789643570248 EAN
info @ imamsadeg. org: البريد الإلكتروني
http: / / WWW. imamsadeg. org / (, net, com): العنوان في شبكة المعلومات
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه
للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)
البقرة: 159
تعريف الكتاب 3

بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم: آية الله جعفر السبحاني
مع الإمام البخاري في صحيحه
صحيح البخاري أحد الصحاح الذي حاز على منزلة كبيرة لدى أهل السنة، وقد نقلوا عن البخاري انه
قال: لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا وما تركت من الصحيح أكثر. (1)
وقال ابن حجر الهيتمي بأن صحيح البخاري وصحيح مسلم هما أصح الكتب بعد كتاب الله وإجماع
من يعتد به. (2)
إلى غير ذلك من كلمات الإطراء المبثوثة في المعاجم وكتب التراجم، ولسنا الآن في مقام البحث
والنقاش في مدى صحة هذه الكلمات، وكفانا في ذلك الكتاب الماثل بين يديك الذي يوقفك على
حقيقة الأمر، غير ان ثمة أمورا نقف عندها قليلا:
الأول: يوجد في صحيح البخاري روايات التجسيم والتشبيه بوفرة وإن حاول شراح الصحيح تأويلها
غير انها فشلت جميعا، لأن ظهورها بمكان يحد من تأويلها والتلاعب بها، والسبب وراء هذه الكثرة
من روايات التجسيم يعود

1. ابن حجر العسقلاني: هدى الساري: ص 7; مقدمة صحيح البخاري: 1 / 10.
2. الصواعق المحرقة: 18.
الف

إلى أن البخاري عاش في عصر المتوكل العباسي الذي استخدم طبقة من المحدثين ومنحهم الجوائز
في نقل الأحاديث التي تؤيد موقف المحدثين أمام أهل التنزيه من العدلية والمعتزلة.
يقول الذهبي: إن المتوكل أشخص الفقهاء والمحدثين; وكان فيهم: مصعب الزبيري، وإسحاق بن أبي
إسرائيل، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وعبد الله وعثمان ابني محمد بن أبي شيبة; فقسمت بينهم
الجوائز، وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس ويحدثوا بالأحاديث التي فيها
الرد على المعتزلة والجهمية، وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية.
فجلس عثمان بن محمد بن أبي شيبة في مدينة أبي جعفر المنصور، ووضع له منبر واجتمع عليه نحو
من ثلاثين ألف من الناس; وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة، وكان أشد تقدما من أخيه
عثمان، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألف. (1)
ولذلك فلا تعجب من كثرة روايات التجسيم والتشبيه في الصحيح، لأن بعض هؤلاء من رجال
صحيح البخاري.
الثاني: ان البخاري وإن ذكر شيئا من فضائل علي وأهل بيته إلا أن قلمه يرتعش عندما يصل إلى
فضائلهم فيعبث بالحديث مهما أمكن، وإليك نموذجا.
إن حديث الولاية يعني قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حق علي - عليه السلام -: «علي مني وأنا من
علي، وهو وليكم من بعدي» من الأحاديث المتضافرة الذي أخرجه غير واحد من أئمة الصحاح
والسنن وحفاظ الحديث، وقد نقله جم غفير من كبار

1. تاريخ الإسلام، وفيات عام 230 - 240; تاريخ بغداد: 10 / 66.
ب

أئمة الحديث في كتبهم، ربما يبلغ عددهم حسب ما استخرجه المحقق المتتبع السيد حامد حسين
اللكهنوي (المتوفى 1306 ه‍) في كتابه «عبقات الأنوار» إلى 65، وعلى رأسهم:
1. سليمان بن داود الطيالسي (المتوفى 204 ه‍).
2. أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (المتوفى 239 ه‍).
3. أحمد بن حنبل (المتوفى 241 ه‍).
4. محمد بن عيسى الترمذي (المتوفى 279 ه‍).
5. أحمد بن شعيب النسائي (المتوفى 303 ه‍).
إلى غير ذلك من أئمة الحفاظ والمحدثين (1)، وإليك نص الحديث:
1. أخرج النسائي في سننه قائلا: حدثنا واصل بن عبد الأعلى، عن ابن فضيل، عن الأعرج، عن عبد الله
بن بريدة، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى اليمن مع خالد بن الوليد وبعث عليا
على آخر، وقال: إن التقيتما فعلي على الناس، وإن تفرقتما فكل واحد منكما على جنده، فلقينا بني
زبيد من أهل اليمن، وظفر المسلمون على المشركين، فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي
جارية لنفسه من السبي، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمرني أن أنال منه.
قال: فدفعت الكتاب إليه ونلت من علي، فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقلت: هذا مكان
العائذ، بعثتني مع رجل وألزمتني بطاعته فبلغت ما أرسلت به. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لي:
«لا تقعن يا بريدة في علي، فإن عليا مني وأنا منه وهو وليكم بعدي». (2)

1. لاحظ نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار: 15 / 51 - 54.
2. خصائص علي بن أبي طالب: 75.
ج

2. وأخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس، عن بريدة، قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة،
فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم - يتغير، فقال: «يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»، قلت: بلى يا رسول الله، قال: «من
كنت مولاه فعلي مولاه». (1)
وما جاء في الحديث الذي أخرجه النسائي من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «علي مني وأنا من علي وهو
وليكم بعدي» لا ينافي المنقول في مسند أحمد ولعل الرسول جمع بين الكلمتين، أو ان الراوي نقل
بالمعنى فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
وعلى كل حال فالحديث كان مذيلا بما يدل على ولايته بعد رحيل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -.
ويؤيد ذلك ان الإمام أحمد أخرج الحديث عن عمران بن حصين بالشكل التالي:
3. قال: بعث رسول الله سرية وأمر عليهم علي بن أبي طالب - رضى الله عنه - فتعاقد أربعة من أصحاب
محمد أن يذكروا أمره لرسول الله، قال عمران: وكنا إذا قدمنا من سفرنا بدأنا برسول الله، فسلمنا عليه،
قال: فدخلوا عليه، فقام رجل منهم، فقال يا رسول الله: إن عليا فعل كذا وكذا فأعرض عنه.
ثم نقل قيام الثلاثة الباقين وتكرارهم ذلك القول وإعراض الرسول عنهم، حتى انتهى إلى قوله: فأقبل
رسول الله على الرابع وقد تغير وجهه، فقال: «دعوا

1. مسند أحمد بن حنبل: 5 / 347.
د

عليا، إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي». (1)
4. وأخرج الترمذي عن عمران بن حصين ونقل الحديث مثل ما نقل أحمد ابن حنبل إلى أن قال: فقام
الرابع، فقال مثل ما قالوا، فأقبل إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - - والغضب يعرف في وجهه - فقال:
«ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن
بعدي». (2)
ترى أن الرواية تنص على الولاية الدالة على أنه الإمام بعد رحيل الرسول لكن البخاري كعادته أخرج
الحديث عن بريدة، فذكر شيئا من الحديث وحذف بيت القصيد منه، فأخرج الحديث عن عبد الله بن
بريدة عن أبيه بالنحو التالي:
قال: بعث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليا إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا، وقد اغتسل،
فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا، فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذكرت ذلك له.
فقال: يا بريدة أتبغض عليا، فقلت: نعم، قال: «لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك». (3)
ترى أنه حذف الفقرة الأخيرة من الحديث التي هي بمنزلة بيت القصيد منه وهي: «ان عليا مني وأنا
منه، وهو وليكم بعدي».
هذان الأمران اللذين نوهنا إليهما يعربان عن موقف البخاري حيال

1. مسند أحمد: 4 / 438.
2. سنن الترمذي: 5 / 632.
3. صحيح البخاري: 5 / 163، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع.
ه‍

روايات التجسيم والتشبيه، كما يعربان عن مدى بخسه لأحاديث أهل البيت - عليهم السلام - وفضائلهم.
كيف لا وهو لم يرو حديث الغدير بتاتا، كما لم يرو عن الإمام الصادق - عليه السلام - حديثا واحدا مع أنه
نقل عن الخوارج والمجبرة والمشبهة؟!!
فهذا الكتاب الذي يعد أصح الكتب عند أهل السنة بعد كتاب الله بحاجة إلى تنقيب وبحث ودراسة
رجاله ودراسة مضمون الأحاديث الواردة فيه. وقد قام بهذا الأمر المهم غير واحد من أعلام الفريقين.
فمن أهل السنة الحافظ ابن الجوزي (510 - 597 ه‍) حيث ألف كتابا باسم «مشكل الحديثين أو مشكل
الصحاح» ولم يزل مخطوطا في أربعة أجزاء.
وأما من الشيعة، فقد قام فقيه الطائفة والمتتبع المتضلع الشيخ فتح الله النمازي الاصفهاني المشهور ب‍
«شيخ الشريعة» (1266 - 1339 ه‍) بدراسة صحيح البخاري في كتاب هو ماثل بين يديك وقد ألفه -
قدس سره - ولم يسمه باسم، غير ان تلميذه المتتبع الشيخ آقا بزرك الطهراني (1293 - 1389 ه‍) استكتبه
لنفسه وأسماه ب‍ «القول الصراح في نقد الصحاح»، وقد كانت النسخة منحصرة بما استكتب،
فاستدعيت من صديقنا العزيز المجاهد في سبيل الله آية الله الشهيد ميرزا علي الغروي - قدس سره -
مؤلف الموسوعة الفقهية باسم «التنقيح في شرح العروة الوثقى» أن يرسل لي صورة من نسخة الشيخ
آقا بزرك الطهراني المتوفرة في مكتبته، وقد لبى - قدس سره - طلبي هذا.
وقد قام بتحقيق الكتاب والتعليق عليه وإخراج مصادره الباحث المحقق الشيخ حسين غيب غلامي
الهرساوي، فعلق عليه تعاليق ثمينة، شكر الله
مساعيه الجميلة، وهو ممن قد خاض في عبارات هذه المباحث في غير واحد من تآليفه.
و

ولعل هناك من يعيب على هذا النوع من التأليف بأنه يثير حفيظة البعض، لأن كثيرا من أهل السنة تلقوا
صحيح البخاري كتابا صحيحا برمته يسمو عن البحث والنقد، ولكن الحق ان كل كتاب غير كتاب الله
خاضع للبحث والنقاش.
إن السنة النبوية تراث خالد للأمة الإسلامية تعد المصدر الثاني للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم
في مجالي العقيدة والشريعة.
فالسنة المحكية - أي قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفعله وتقريره - من الحجج القطعية التي لا
تخضع للتمحيص، كيف لا وهو كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟!
وإنما الخاضع للتحقيق والتنقيب هو السنة الحاكية عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا عتب على
باحث أن يقوم بدراسة الحديث دراسة موضوعية قائمة على أسس علمية وبلغة هادئة.
فهذا النمط من البحث لجدير بالاهتمام والعناية من قبل الباحثين والمحققين لما فيه من تقرير للسنة
النبوية، وتمحيصها عما ليس منها.
وها نحن بحمد الله لم نختلف فيما جاء به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولو كان هناك اختلاف فإنما هو
في ما روي عنه، وهذا هو الذي أرشدنا إليه الإمام أمير المؤمنين علي - عليه السلام -، عندما قال له بعض
اليهود:
ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه!!
فقال - عليه السلام - له: «إنما اختلفنا عنه، لا فيه، ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم:
«اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، فقال: إنكم قوم تجهلون». (1)

1. نهج البلاغة، قصار الكلمات، برقم 317.
ز

ترجمة المؤلف (1)
شيخ الشريعة الإصبهاني: من كبار المجتهدين والزعماء، الفقيه الأصولي الماهر،
الميرزا فتح الله بن محمد جواد الإصبهاني، ولد بإصبهان في الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1266 ه‍
وتوفي عام 1339 ه‍.
قال السيد الأمين: كان أحد أعلام علماء هذا العصر، أصله من مدينة شيراز، من أسرة كريمة
تعرف بالنمازية نسبة إلى جدهم المعروف باسم الحاج محمد علي النمازي الذي كان معروفا بالورع
والصلاح، ولكثرة مداومته على النوافل والصلوات عرف بالنمازي (2).
تلقى الشيخ مبادئ العلوم بأصبهان فحضر دروس المولى حيدر الإصبهاني، والمولى عبد
الجواد الخراساني، من أعلام تلامذة الشيخ

1. أنظر ترجمته: الأعلام للزركلي 5: 135، معجم المؤلفين 8: 52 - 53، أعيان الشيعة 8: 391 - 392، أحسن الوديعة
1: 171، مصفى المقال: 193، علماء معاصر: 122، مكارم الآثار 5: 1816، الذريعة 22: 283 رقم 7112، ريحانة الأدب
3: 206، معجم ما كتب عن الرسول وأهل بيته 9: 266 رقم 23180، معجم رجال الفكر في النجف خلال ألف عام
2: 767، مقدمة نخبة الأزهار في أحكام الخيار: 6 - 12، والكتب التاريخية التي ألفت في تاريخ العراق وثورة العشرين.
2. أعيان الشيعة 8: 391.
ح

محمد تقي الإصبهاني صاحب الحاشية، ودروس المولى أحمد السبزواري، والمولى محمد
صادق التنكابني، والمولى محمد تقي الهروي، وعند الشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد تقي
الإصبهاني في كثير من المباحث الفكرية والأصولية، وسمع عليه إفاداته في حجية الظنون.
سافر إلى مشهد الرضا - عليه السلام - زائرا وأقام بها مدة قليلة، جرت بينه وبين علمائها مباحث،
فظهر فضله في العلوم المتداولة، ثم عاد إلى إصبهان واشتغل بالتدريس.
ثم هاجر إلى النجف الأشرف في سنة 1295 ه‍ فاجتمع حوله طلاب
العلم وتصدى للتدريس والبحث، وفي أثناء ذلك حضر على الميرزا الرشتي وعلى الشيخ محمد
حسين الكاظمي، وكان يمتاز بمشاركته في فنون الفلسفة القديمة والحكمة الإلهية فضلا عن العلوم
الدينية والكلام، والحديث، والرجال، وخلافيات الفرق والمقالات، وما لها وما عليها من الحجج
والأدلة، وكان يحضر مجالس محاضراته وإفاداته العلماء وتلمذ عليه المئات من فضلاء العرب
والفرس، وقد كان جمع كثير من الناس يرجعون إلى فتاواه ويقلدونه
في أحكام مسائلهم، وبعد السيد اليزدي أقبل إليه الجمهور، وبعد وفاة
الميرزا الشيرازي أصبح المرجع الوحيد للشيعة في أغلب الأقطار وهذا قلما يصادف مثله (1).
وقد تصدى بجد لمواجهة الصراع الفكري فعقد المناظرات العميقة مع محمود شكري
الآلوسي ببغداد في إثبات الحجة ووجود المهدي - عليه السلام - وإمامته في

1. أعيان الشيعة 8: 391 - 392.
ط

ثلاث رسائل: صغير، ووسيط، وكبير (1)، وأخرى عند ما نظر إلى الكتب المشتهرة بالصحاح
والسنن لأهل السنة ولا سيما الصحيح لمحمد بن إسماعيل البخاري، الذي يعتمد في كثير من رواياته
على النواصب وأهل البدع وعلى الضعفاء، مع أنه لم يروي عن الإمام جعفر الصادق - عليه السلام - ابن
الإمام محمد بن علي الملقب على لسان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بباقر العلوم - عليه السلام -!
وأهمل الرواية عن أهل البيت، لتأثره بأمثال يحيى بن سعيد الناصبي.
ذكر في مقدمة نخبة الأزهار: يمتاز الشيخ على كثير من الفقهاء المعاصرين له بالموسوعية
والمطالعة الطويلة في العلوم التي لا تدخل في نطاق الفقه من قريب، فقد كان كما ينقل قوي الحافظة،
مرهف الشعور، سريع الإنتقال، كثير القراءة، ومداوم النظر في الكتب المتفرقة، وتجمع هذه الصفات
فيه خلقت منه عالما يلم بفروع العلوم المتداولة في بيئته وغير المتداولة.
ففي الفقه وأصوله كان بارعا لم يشق له غبار، وأذعن بتفوقه فيهما من أتى بعده من شيوخ
العلم في حوزة النجف وغيرها (2).
وقال أيضا: كان الشيخ أيام دراسته بأصبهان يمارس التدريس لحلقة من الطلاب، ولما عاد
من مشهد انقطع إلى التدريس كما ذكرنا، وعندما هاجر إلى

1. قال الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة: المناظرات مع ابن الآلوسي، في اثبات وجود الحجة وامامته لشيخنا
الحاج ميرزا فتح الله المشتهر بشيخ الشريعة بن الحاج ميرزا محمد جواد، وهي ثلاث رسائل، صغير، ووسيط، وكبير،
ومجموعها 3700 بيت في تحقيقات وتدقيقات رشيقة وجوابات كافية وافية، استنسخه صدر الإسلام الخوئي. الذريعة
إلى تصانيف الشيعة 22: 383 رقم 7112.
2. نخبة الأزهار في أحكام الخيار: 8، تقرير لأبحاث الشيخ صاحب الترجمة - رحمه الله - ألفها العالم الرباني آية الله الشيخ
محمد حسين السبحاني - قدس سره -.
ي‍

النجف زاول التدريس أيضا ضمن تتلمذه على أساتذتها حتى سنة 1313 ه‍، حيث رجع من
الحج، وفيها استقل بإلقاء محاضراته العالية في الفقه والأصول وغيرهما، معنيا بتربية رجال العلم
ومنصرفا إلى تنشئة العلماء والأفاضل، ويتفق مترجموه على أنه ربى مئات من أهل العلم في حوزة
أصبهان والنجف، وكانت حلقة درسه مرغوبا فيها، يتوافد عليها الطلاب والراغبون في الدرسات
العالية (1).
قال الزركلي في الأعلام: شيخ الشريعة فقيه إمامي من كبار المشاركين في ثورة العراق الأول
على الإنكليز أصله من شيراز من أسرة تعرف بالنمازية، ومنشأه بأصبهان، تفقه وقرأ علوم العربية
وانتقل إلى النجف فانتهت إليه رياسة علمائها (2).
وفي معجم المؤلفين: فتح الله بن محمد جواد النمازي الشيرازي الإصبهاني الغروي الملقب
بشريعة مدار، فقيه أصولي شارك في بعض العلوم، أصله من مدينة شيراز، وولد بأصبهان في 12 ربيع
الأول، وساهم في ثورة العراق أيام الاحتلال البريطاني سنة 1339 ه‍، ودعاه الحاكم المدني البريطاني
للتفاوض لوقف الثورة، فكتب المترجم إليه مشترطا: «منح العراق استقلاله التام» (2).
وقد استمر الجهاد حتى دخل الجيش البريطاني النجف فعند ذلك تفرق الناس، ولبث الشيخ
في بيته (4)، وحاولو بينه وبين من يريد اصلاح مجتمعه

1. نفس المصدر السابق. 2. الأعلام: 5 / 135.
2. معجم المؤلفين: 8 / 52 - 53. 4. معجم رجال الفكر: 2 / 767.
يا

وأمته، وقد نصبوا عليه العيون والمراصد على الداخل والخارج من بيته حتى خادمه وبعض
حفدته (1).
فأصيب الشيخ على أثر جهاده بمرض عضال في صدره، فكان طريح الفراش، واشتدت عليه
الآلام إلى أن اختار الله تعالى له الدار الآخرة، فتوفي في النجف الأشرف ليلة الأحد من شهر ربيع
الثاني سنة 1339 ه‍ ودفن في الصحن الغروي الشريف في أحد الغرف الشرقية.
شيخ الشريعة وثورة العشرين
عند ما يذكر تاريخ العراق المعاصر والحوادث التي جرت فيه منذ احتلال الانكليز للعراق، وحتى
اندلاع ثورة العشرين يبرز هذا الاسم الكريم في حركة الجهاد الإسلامي وقيادة الثورة بعد غياب الإمام
محمد تقي الشيرازي.
تولى شيخ الشريعة في غمرة تلك الظروف العاصفة المرجعية الدينية وقيادة الثورة العراقية الكبرى
وقد تم تشكيل قيادة عليا للثورة تضم رموزا من زعماء العشائر العراقية.
وعندما عرض الانكليز فكرة التفاوض وحدث الانقسام بين قادة الثورة كان شيخ الشريعة زعيما
للخط الذي رفض الفكرة وأصدر بيانه الشهير:
«لا مفاوضة قبل الجلاء» وانه سيستخدم المگوار (2) إذا أعوزهم السلاح (3).

1. معارف الرجال: 2 / 154 رقم 281.
2. المگوار: عصا غليظة ينتهي أحد طرفيها بكتلة من القار الصلد، وهو معروف جدا في جنوب العراق.
3. أنظر: تاريخ الحركة الإسلامية في العراق الجذور الفكرية والواقع التاريخي، لعبد الحليم الرهيمي.
يب

قال الزركلي في الأعلام: برز اسمه في ثورة العراق أيام الاحتلال البريطاني سنة 1920 م، وتناقل
الناس ما أصدره من الفتاوى فيها، وكان في بدئها عونا لآية الله محمد تقي الشيرازي سنة
1338 ه‍ انتقلت إليه الزعامة وانتقل مركز القيادة من كربلاء إلى النجف (1).
شيخ الشريعة وكتبه العلمية
ومن بين نشاطات الشيخ العلمية يبرز عدد من الكتب القيمة التي تتسم بالعمق في الموضوع وأحيانا
الإبتكار، وإليك أسماء ما وقفنا عليه من تلكم الدرر الغالية:
1 - إبانة المختار في ارث الزوجة من ثمن العقار، (مطبوع).
2 - ابرام القضاء في وسع القضاء.
3 - إفاضة القدير في أحكام العصير، (مطبوع).
4 - إنارة الحالك في قراءة «ملك» و «مالك».
5 - رسالة في علم الباري.
6 - رسالة في التفصيل بين جلود السباع وغيرها.
7 - رسالة في المتمم كرا.
8 - رسالة في العصير العنبي.
9 - تعاليق على الفصول في الأصول.
10 - صيانة الإبانة عن وصمة الرطانة.

1. الأعلام 5: 135.
يج

11 - قاعدة لا ضرر، (مطبوع).
12 - قاعدة الواحد البسيط.
13 - قاعدة الطهارة.
14 - القول الصراح في نقد الصحاح، (وهي هذه الرسالة القيمة بين يديك).
15 - المناظرات مع الآلوسي، وهي ثلاث رسائل، الصغير، والوسيط، والكبير.
هذا ما عدا حواشيه على كثير من الكتب الدراسية ورسائله العملية الفتوائية لعمل مقلديه،
وغيرها (1).
وقد ذكر المحقق منهجه في التحقيق وهو كما يلي:
كلمة المحقق
اعتمدنا في تحقيق هذا الأثر النفيس على النسخة التي كانت في مكتبة مؤسسة الأمام الصادق - عليه السلام
- المعمورة بإشراف صاحب السماحة العلامة آية الله الأستاذ الشيخ جعفر السبحاني دام ظله، فإنه من
علي بمخطوطها.
والنسخة كانت بخط نستعليق جيد ولكن فيها أخطاء كثيرة.
ويظهر منها أيضا; كما أشار إليها الشيخ صاحب الذريعة، أنها كانت سقيمة، فقد كتب على ظهر
النسخة بخطه: «استكتبته عن نسخة بخط المؤلف وهي ناقصة الآخر ولم يسمها طاب ثراه باسم
ولكن اخترت له هذا الاسم

1. مقدمة نخبة الأزهار: 10 و 11.
يد

الكاشف عن معناه، وكانت النسخة كراريس، ضاعت منها صفحات أردت إحياءها ولم تحصل لي
فرصة المقابلة والتصحيح الكامل وعملت له فهرس مطالبه تسهيلا للتناول».
ونحن بحمد الله وجدنا في أثناء التحقيق أكثر الموارد المفقودة التي أشار إليها الشيخ صاحب الذريعة
من المصادر المأخوذة المشار إليها في المتن، وأدرجناها بين [].
وأما الصفحات الضائعة المتعلقة بآخر الكتاب فإنه قد ألحقنا تتمة ما في ترجمة سبط ابن الجوزي،
وأضفنا عليه ما بعدها تحت عنوان «التكملة» في تراجم بعض رجال الحديث لكي يكمل المقصود
ويحصل المطلوب.
وأما المصادر والمآخذ المذكورة في الكتاب فكثيرة جدا، فما وصلنا إليها أدرجناه في التخريجات،
وما لم نصل، وكذا ما لم يكن له أهمية في التخريج سكتنا عنه».
o o o
هذا نص شيخنا المحقق ونحن بدورنا نتقدم بالشكر والثناء له ونرجو منه سبحانه أن يوفقه لإخراج ما
لعلمائنا من التراث الثمين.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
جعفر السبحاني
مؤسسة الإمام الصادق - عليه السلام -
22 رجب المرجب 1421 ه‍
يه

مقدمة المؤلف
بسم الله الرحيم الرحيم
الحمد لله تعالى والصلاة على رسوله وآله تتوالى.
قد بالغ علماء العامة في الثناء على الصحيحين أعني صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، وصحيح
مسلم بن الحجاج القشيري، وذكروا أنهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم والفرقان العظيم، وحكى
جماعة منهم اجماع الأمة على صحة الأحاديث المودعة فيهما، وتلقيهم إياهما بالقبول (1)، بل تعدى
جماعة من محققيهم لاثبات كون أخبارهما مقطوعة الصدور عن سيد البشر صلى الله عليه وآله، بل
ذكروا تصحيح النبي صلى الله عليه وآله، كتاب البخاري، وإذنه في روايته عنه، بل كتاب مسلم أيضا
كما ستعرف تفصيل ذلك كله، وشنع جماعة منهم على الشيعة في تركهم العمل بأخبارهما، وعدم
اعتمادهم عليهما، قال صاحب النواقض وهو الشهير: بالميرزا مخدوم الشريفي حفيد السيد الشريف
في كتابه: من هفواتهم يعني الشيعة إنكارهم كتب الأحاديث الصحاح التي تلقت الأمة بقبولها
منها: صحيحا البخاري، ومسلم الذين مر ذكرهما.
قال أكثر علماء المغرب: أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى صحيح مسلم بن الحجاج القشيري (2).

1. مقدمة ابن الصلاح: 22 - 24، صيانة صحيح مسلم له أيضا: 85.
2. تاريخ بغداد 13: 101، صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح: 67 - 71، مقدمة ابن الصلاح: 14 - 15، مقدمة النووي
على صحيح مسلم 1: 15، مقدمة فتح الباري: 8، تدريب الراوي 1: 93.
15

وقال الأكثرون من غيرهم: صحيح محمد بن إسماعيل البخاري هو الأصح، وما اتفقا عليه، هو ما اتفق
عليه الأمة، وهو الذي يقول فيه المحدثون كثيرا: صحيح متفق عليه، ويعنون به اتفاقهما، لا اتفاق
الأمة، وان لزمه ذلك (1)، واستدل (السيوطي) في الأزهار] المتناثرة في الأحاديث المتواترة، في
كثير من مواردها على الصحيحين، ثم قال في تدريبه بعد كلام النووي: «اتفاق الشيخين» وذكر
الشيخ: يعني ابن الصلاح (أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه)
قال: خلافا لمن نفى ذلك، محتجا بأنه لا يفيد إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول (2) لأنه يجب عليهم
العمل بالظن والظن قد يخطئ.
وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويما، ثم بان لي أن الذي اخترناه أولا هو الصحيح، لأن الظن من هو
معصوم من الخطاء لا يخطئ، والأمة في [(3)

1. انظر «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر 1: 371، التقييد والإيضاح: 41 - 42، ومقدمة شرح مسلم للنووي: 20،
ثمرات النظر في علم الأثر: 131.
2. أما نسبة القول إلى الأمة بتلقيهم بالقبول في الصحيحين فإنه يتعين على المدعي إقامة البرهان، ولا يخفى إن اقامته
على هذه الدعوى يعد أمرا مستحيلا، لأن الأمة تتألف من قسمين:
الأول: العامة من الناس وهم السواد الأعظم.
الثاني: الخواص من الناس، وهم العلماء والمجتهدون.
ومن البديهي أن القسم الأول خارج عن دائرة البحث، لأن فيهم من لا يعرف الصحيحين أصلا، وخروج هذا العدد الكبير
قد يضر بالاتفاق كما لا يخفى.
وأما القسم الثاني: فمن العلماء والمجتهدين طائفة انتقدوا الصحيحين لا سيما صحيح البخاري وبينوا موارد ضعفهما،
تارة في الإسناد وأخرى في المتون، وقد ذكرنا أسماء جملة من الناقدين في الفصل الرابع من التكملة فراجع.
ولا شبهة أيضا لدى الفقيه أن خروج هذه الطائفة من العلماء تضر بالاتفاق المزعوم حقيقة.
3. ما بين المعقوفتين بياض في نسخة الأصل وقد وصلناها بقرينة سياق الكلام من كتاب «الأزهار المتناثرة» و «تدريب
الراوي» للسيوطي.
16

إجماعها معصومة عن الخطاء، ولهذا كان الإجماع المبنى على الاجتهاد حجة مقطوعة بها، وقد قال
إمام الحرمين: لو حلف انسان بطلاق امرأة أن ما في الصحيحين مما حكما بصحته من قول النبي - صلى
الله عليه وآله وسلم - لزمه الطلاق لإجماع المسلمين على صحته (1)، ثم حكى السيوطي عن النووي انه
قال: خالفه (أي ابن الصلاح) المحققون والأكثرون فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر (2). وقال: تلقى
الأمة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيها من غير توقف على النظر فيه بخلاف غير هما فلا يعمل
به حتى ينظر فيه ويوجد فيه شروط الصحيح ولا يلزم من اجماع الأمة على العمل بما فيهما اجماعهم
على القطع بأنه كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد اشتد انكار ابن برهان على من قال بقول الشيخ،
وبالغ في تغليطه (3).
قال السيوطي: وكذا عاب ابن عبد السلام على ابن الصلاح هذا القول، ثم قال: قال البلقيني: ما قاله
النووي وابن عبد السلام ومن تبعهما ممنوع، فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين مثل قول ابن
الصلاح، عن جماعة من الشافعية كأبي إسحاق، وأبي حامد الإسفراييني والقاضي أبي الطيب،
والشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وعن السرخسي من الحنفية، والقاضي عبد الوهاب من المالكية،
وأبي يعلى وابن الزعواني من الحنابلة، وابن فورك وأكثر أهل الكلام من الأشعرية، وأهل الحديث
قاطبة، ومذهب السلف عامة بل بالغ ابن طاهر المقدسي في صحة التصوف: فالحق به ما كان على
شرطهما وإن لم يخرجاه، وقال شيخ الإسلام: ما ذكره النووي في شرح مسلم من جهة الأكثرين، أما

1. تدريب الراوي 1: 104.
2. المصدر السابق 1: 105.
3. متن تدريب الراوي: 105، ومزيد القول في التكملة فليراجع.
17

المحققون فلا، وقد وافق ابن الصلاح أيضا المحققون (1).
ثم قال السيوطي بعد حكايته عن ابن كثير أيضا موافقة ابن الصلاح قلت: وهو الذي اختاره ولا أعتقد
سواه. انتهى كلام السيوطي (2).
وقد ذهب ابن تيمية الذي يستندون بافاداته ويبتهجون بهفواته إلى قول ابن الصلاح أيضا على ما في
إمعان النظر.
وقال شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني في «شرح نخبة الفكر»: الخبر المحتف بالقرائن يفيد
العلم خلافا لمن أبى ذلك، قال: هو أنواع:
منها: المشهور إذا كانت له طرق متبائنة سالمة من ضعف الرواة والعلل.
منها: ما أخرجه الشيخان في صحيحهما ما لم يبلغ حد التواتر، فإنه احتف به قرائن.
منها: جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح عن غيرهما، وتلقي العلماء لكتابهما
بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر.
قال: وليس الاتفاق على وجوب العمل فقط، فإن الاتفاق حاصل على وجوب العمل بكل ما صح ولو
لم يخرجه الشيخان، فلم يبق للصحيحين في هذا مزية، والإجماع حاصل على أن لهما مزية فيما
يرجع إلى نفس الصحة، وممن صرح من أئمة الأصول بإفادة ما خرجه الشيخان العلم اليقيني النظري،
الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، ومن

1. تدريب الراوي 1: 105 - 106.
2. المصدر السابق 1: 106.
18

أئمة الحديث أبو عبد الله الحميدي، وأبو الفضل بن الطاهر انتهى (1).
وبالغ بعض أواخرهم في اثبات قطعية صدور أحاديثهما حتى ألف في ذلك رسالة مستقلة سماها
«غاية الإيضاح في المحاكمة بين النووي وابن الصلاح»، وأدرج هذه الرسالة في كتابه المسمى ب‍
«الدراسات»، وأطال فيه لكنه لم يأت في الاستدلال للطرفين بغير ما عرفت في عبارة السيوطي،
وحاصل تحريره لدليل ابن الصلاح: «أن تصحيح الحديث ملازم للظن بصدوره، فالإجماع على
الصحة معناه حصول الظن من جميع الأمة بالصدور، وظن الأمة بأجمعهم مقطوع العصمة عن
الخطاء بدليل قطعية الإجماعات الاجتهادية، ثم إنه أربى على من تقدم عليه فلم يرض بما استثناه
غيره مما انتقد أحد من الحفاظ، أو وقع التجانب بين مدلوليه، فذهب إلى أن الخبرين المتناقضين
كلاهما مقطوع الصدور، وعدم ظهور وجه الجمع بينهما لا يدل على عدمه في الواقع، وأما ما انتقد
عليهما، فهو أيضا لم ينزل عن أعلى درجات الصحة، وهي درجة ما أخرجه الشيخان، ونفي الريب
عن وجوب العمل بالمنتقد منهما من غير نظر ووقفة إلى ما يندفع به ذلك الانتقاد بمجرد
إخراجهما] له وجوبا مؤكدا لا يوجد في صحيح غيره فان حكم كل حديث صحيح ولو في أدنى
مراتب الصحة وجوب العمل لحصول الظن الغالب، ولكن بين ظن وظن ما يكاد يشيه ما بين اليقين
والشك، فوجوب العمل هذا بمجرد اخراجهما [(2)، فكيف إذا نظر فيما أجابوا عن ذلك، وبما
جعلوه هباءا منثورا، وتصدى جماعة للجواب عما

1. شرح نخبة الفكر: 26 - 27، ولكن ترتيب الوجوه المذكورة في شرح نخبة الفكر في نسخة المطبوعة يختلف مع ما
ذكر في المتن بالتقدم والتأخير.
2. ما بين [] على ما في دراسات اللبيب.
19

تكلم فيه من أحاديث الصحيحين أو أحدهما بل أفرد بعضهم كتابا في ذلك وهو العراقي، وأجاب
شيخ الإسلام في مقدمة شرحه عن جميع ما انتقد على البخاري» انتهى بمحصله (1).
وعثرت على كلام جماعة غير من تقدم يطول ذكرهم ذهبوا إلى ما ذهب إليه هؤلاء لا فائدة مهمة في
نقل خرافاتهم، وأطرف من هذا كله ما ذكره الشيخ أحمد النخلي مفتي الحنفية، المترجم في كتاب
«سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر» (2)، والكتاب موجود في خزانة كتب حرم المدينة المنورة،
حيث قال في رسالته التي ذكر فيها مشايخه ومروياته، والرسالة موجودة في خزانة كتب حرم مكة، ما
هذا لفظه:
أخبرنا شيخنا السيد السند أحمد بن عبد القادر، نفع الله تعالى به قال: أخبرنا جمال الدين القيرواني،
عن شيخه الشيخ يحيى الخطاب المالكي المكي، قال: أخبرنا عمي الشيخ بركات الخطابي، عن
والده، عن جده الشيخ محمد بن عبد الرحمن الخطاب شارح مختصر خليل، قال: مشينا مع شيخنا
العارف بالله الشيخ عبد المعطي التنوسي، لزيارة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلما قربنا من الروضة
الشريفة، ترجلنا فجعل الشيخ عبد المعطي يمشي خطوات ويقف، حتى وقف تجاه القبر الشريف
فتكلم بكلام لم نفهمه، فلما انصرفنا سألناه عن وقفاته؟ فقال: كنت أطلب الإذن من رسول الله - صلى الله
عليه وآله وسلم - في القدوم عليه، فإذا قال

1. دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب: 308 - 325، وهذه الأسطر القلائل حصيلة ما يقرب عشرين صفحة كما
تلاحظ وفيها مباحث دقيقة حول أخبار الصحيحين وما يترتب عليهما بعد فرض التناقض والتضاد بين مدلوليهما.
2. سلك الدرر 1: 171 والكتاب قد طبع في مجلدين.
20

لي أقدم، قدمت ساعة ثم وقفت، وهكذا حتى وصلت إليه فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كل
ما رواه البخاري عنك صحيح؟ فقال: صحيح، فقلت: أرويه عنك يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟
فقال: أروه عني، ثم حكى النخلي إجازة عبد المعطي للخطاب، وكذا كل واحد لمن بعده حتى وصل
إلى نفسه.
وأورد صاحب رسالة الدر الثمين في مبشرات النبي الأمين هذه الحكاية، ثم قال: ووجدت هذا
الحديث بخط الشيخ عبد الحق الدهلوي بإسناده له عن الشيخ عبد المعطي بمعناه وفيه: فلما فرغ من
الزيارة وما يتعلق بها سئل أن يروي عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - صحيح البخاري وصحيح مسلم؟ فسمع
الإجازة من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فذكر صحيح مسلم أيضا.
أقول: هذا كله مضافا إلى ما ذكروا في ترجمة البخاري ومسلم، وأثبتوا لهما من المحاسن الجليلة،
والمآثر الأصيلة، والمفاخر الأثيلة، والمدائح العظيمة، والمحامد الجسيمة، والمكارم الفخيمة،
وسنتلو عليك شطرا منها فيما بعد ان شاء الله تعالى.
21

الفصل الأول
الإلزامات
23

المعاند وروايات المناقب
ذكروا أن البخاري ألف صحيحه في بيت الحرام (1)، والتزم عند كتابة كل حديث أن يغتسل غسلا
ويصلي ركعتين ثم يكتب (2)، وقد سمع صحيحه منه تسعون ألفا، ورووا عنه، وأنت إذا سمعت هذا
كله، وأمعنت النظر فيها، وتأملت في مطاويها وحوافيها، فمن الآن فاستمع ما يتلى عليك ونحن نبدأ
أولا بذكر جملة من التعصبات فنقول:
قد أنكر كثير من أعيان علمائهم كثيرا من الأخبار الواضحة المتضافرة بل المتواترة بطرقهم المروية،
وجملة منها في صحاحهم لما رأوا فيها من الدلالة على الحق الواضح القويم، ويحسبونه هينا، وهو
عند الله عظيم، وهي على ما يظهر بالتتبع كثيرة، نذكر شطرا يسيرا.
منها: بعضها مذكور في الصحاح، وبعضها مشهور مأثور في كثير من كتبهم المعتبرة المعول عليها.
أما الكبرى: فادلتها مبسوطة مشروحة في كتب الفريقين، ولنكتف من الأخبار المذكورة في كتب
القوم مما يتعلق بالمقام بنبذ يسير، فالجرعة تدل على

1. وقد قيل أنه بعد ما خرج إلى خراسان صنف كتابه الصحيح، ولذلك قال ابن حجر: «... وخرج إلى خراسان ووضع
كتابه «الصحيح» فعظم شأنه وعلا ذكره»، تهذيب التهذيب 9: 47، ويؤيد ذلك قوله: صنفت كتابي الصحاح لست عشرة
سنة، وإقامته في الحجاز ومجاورته البيت أقل من ذلك، فراجع.
2. تاريخ بغداد 2: 9، تاريخ مدينة دمشق 52: 72.
25

القدير، فنقول: يدل عليها بعد قوله تعالى، في مواضع عديدة، فمن القرآن: (قل لا أسألكم عليه أجرا
الا المودة في القربى) (1)
وما تواتر في كتب الفريقين، من قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها
نجا، ومن تخلف عنها هلك.
وما رواه ابن حجر المتعصب في الصواعق، قال:
الحديث الرابع والثلاثون: أخرج الدارقطني، في الإفراد عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وآله
وسلم - قال: علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمنا، ومن خرج منه كان كافرا (2).
وفي مفتاح النجاة للبدخشاني، الذي هو من عظماء أهل السنة: أخرج الديلمي عن ابن عمر: علي
باب حطة، الحديث (3).
وأورد السيوطي هذا الحديث في الجامع الصغير الذي قال في وصفه: هذا الكتاب أودعت فيه من
الكلم النبوية ألوفا، ومن الحكم المصطفوية صنوفا، اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة، ولخصت
فيه من معادن الأثر ابريزه وبالغت في تحرير التخريج فتركت القشر وأخذت اللباب، وصنته عما تفرد
به وضاع أو كذاب، ففاق بذلك الكتب المؤلفة في هذا النوع كالفائق والشهاب (4)

1. الشورى: 23.
2. فردوس الاخبار 3: 90 رقم 3998.
3. المصدر السابق.
4. قال المناوي: والظاهر أن مراده بالفائق كتاب الفائق في اللفظ الرائق: تأليف ابن غنام جمع فيه أحاديث من الرقاق
على هذا النحو، وأما ما يتبادر إلى بعض الأذهان من إرادة فائق الزمخشري فلا يستقيم إذ المشار إليه بهذا النوع هو ايراد
متون الأحاديث مجردة عن الأسانيد مرتبة على الحروف، وفائق الزمخشري ليس إلا في شرح الألفاظ اللغوية والكلمات
العربية الواقعة في الحديث ولسان الصدر الأول من الصحب والتابعين الموثوق بعربيتهم المحتج باستعمالهم وبينه وبين
هذا الكتاب بون. فيض القدير للمناوي 1: 22.
26

وحوى من نفائس الصناعة الحديثية ما لم يودع قبله في كتاب (1).
وما تواتر أيضا عند الفريقين من قوله: «إني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي
أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (2).
وما رواه الحاكم في المستدرك، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من أطاعني فقد
أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع عليا فقد أطاعني ومن عصى عليا فقد عصاني وقال:
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (3).
وروى أيضا بسند آخر عن أبي ذر: من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني (4).

1. متن فيض القدير 1: 20.
2. مسند أحمد 3: 17 و 4: 366، سنن الترمذي 5: 662 رقم 3786، كتاب السنة لابن أبي عاصم: 629 رقم 1551،
و 630 رقم 1555، سنن الدارمي 2: 210 رقم 2319، المعجم الكبير 3: 63 رقم 2679، المعرفة والتاريخ 1: 536 بعدة
طرق، مشكل الآثار 2: 307 و 4: 368، مصابيح السنة 2: 206، مشكاة المصابيح 2: 258، حلية الأولياء 1: 355 و 9: 64،
تاريخ بغداد 8: 442، السنن الكبرى 2: 148 و 7: 30 و 10: 114، مجمع الزوائد 5: 195 و 9: 163 و 10: 363، المطالب
العالية 4: 65 رقم 1873، تهذيب الكمال 10: 51، تحفة الاشراف 2: 278 رقم 2615، أسد الغابة 3: 92 وفي طبعة
3: 139، المحرر الوجيز لابن عطية 1: 34، البحر المحيط لأبي حيان 1: 12، سمط النجوم العوالي للعصامي 2: 502 رقم
136.
3. المستدرك 3: 121 و 128.
4. المستدرك 3: 124.
27

وروى أيضا، عن عمرو بن شاس حديثا في آخره قال: يا عمرو أما والله لقد آذيتني فقلت: أعوذ بالله أن
أوذيك يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال: بلى من آذى عليا فقد آذاني، وقال هذا حديث صحيح
الاسناد ولم يخرجاه (1).
قد عقد البدخشاني في مفتاح النجاة بابا: في ان الحق مع علي يدور كيف ما دار. وأورد فيه أحاديث
كثيرة مما أخرجه الترمذي عن أبي يعلى والضياء عن أبي سعيد وابن مردويه عن عائشة أيضا، وعن
أبي موسى الأشعري وعن أم سلمة وعن شهر بن حوشب عن أم سلمة والطبراني في الأوسط
والصغير عن أم سلمة والديلمي عن عمار بن ياسر، وأبي أيوب، والحاكم، وغيرهم، وذكر بعض هذه
الاخبار أيضا الشيخ عبد الحق الدهلوي في رجال المشكاة في ترجمة الأمير - عليه السلام -.
و رواه الحاكم في المستدرك بسند متصل، إلى ان قال: حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن
الخطاب قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - علي بن أبي طالب بقتال الناكثين، والقاسطين،
والمارقين (2).
ورواه أيضا البدخشاني في مفتاح النجاة عن ابن مسعود، وفي كنز العمال أيضا عن ابن مسعود وفيه
أيضا عن زيد بن علي عن أبيه عن جده علي - عليه السلام - أمرني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقتال
الناكثين والمارقين والقاسطين، ورواه أيضا محمد بن طلحة الشافعي في كتاب مطالب السؤول
وغيرهم في غيرها والناكثون أصحاب وقعة الجمل، والمارقون أصحاب النهروان، والقاسطون
أصحاب صفين (2).

1. المصدر السابق. 2. المستدرك 3: 139.
2. مطالب السؤول: 117.
28

منها: حديث المنزلة، أعني قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأمير المؤمنين - عليه السلام -: «أنت مني بمنزلة
هارون من موسى».
حيث أنه مروي في صحاحهم وغيرها من الكتب التي يعسر تعدادها (1)، وسنفرد لذكرها بابا على
حدة، وذكره البخاري في موضعين من صحيحه بطرق ثلاثة (2)، وأورده مسلم (3)، والترمذي (4)
في صحيحهما، وابن ماجة في سننه وهو أحد الصحاح الست، على ما ذكره جماعة منهم: ابن
خلكان، وأورده الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (5)، والنسائي في خصائصه (6)، هؤلاء أرباب
الصحاح الست، وأورده غيرهم ممن لا يحصى، وكتب القاضي علي بن المحسن التنوخي وهو من
أعيان علمائهم كما يعرف من كتاب الأنساب

1. صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب رقم 3706 وكتاب المغازي باب غزوة تبوك
رقم 4416 وأورد أيضا في المغازي تعليقا، صحيح مسلم 4: 1870 رقم 2404، مسند أحمد 1: 175 و 182، سنن
الترمذي 5: 638 رقم 3724، سنن ابن ماجة 1: 115، خصائص النسائي: 70، مسند أبي داود 1: 28 رقم 209، مشكل
الآثار 2: 309، المعجم الكبير 12: 99، والمعجم الصغير 2: 22، الطبقات الكبرى 3: 24، شرح السنة 8: 85 رقم 3906،
صفة الصفوة 1: 312، تاريخ بغداد 11: 432، سيرة ابن هشام 4: 162، السنن الكبرى 9: 40، دلائل النبوة للبيهقي
5: 220، تهذيب التهذيب 7: 296، العقد الفريد 5: 61، المناقب للخوارزمي: 83، كفاية الطالب: 283 وقال فيه: اتفق
الجميع على صحته حتى صار ذلك اجماعا منهم.
2. صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب رقم 3706 وكتاب المغازي باب غزوة تبوك
رقم 4416 وأورد أيضا في المغازي تعليقا.
3. صحيح مسلم 2: 19 و 7: 119.
4. سنن الترمذي 5: 640 رقم 3728.
5. مسند أحمد 3: 56 - 94.
6. خصائص النسائي: 15 - 17.
29

للسمعاني، وتاريخ ابن خلكان، كتابا مستقلا في ذكر طرق هذا الحديث، ورواه عن أزيد من عشرين
صحابيا، واعترف بكثرة طرقه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (1) وابن حجر المكي في
الصواعق (2)، وقد صرح في الصواعق
بتواتر حديث تعددت طرقه لكن بأقل من طرق هذا الحديث بكثير، واعترف جماعة منهم بتواتر هذا
الحديث منهم العلامة السيوطي، وأورده في رسالة «الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة» (2)،
وذكره ابن تيمية في المنهاج (3)، مع ولعه بالمماراة واللجاج،] وقال: [ان هذا الحديث صحيح
بلا ريب.
ثم ان غاية الاستغراب ونهاية الاستعجاب أن جماعة من أساطينهم منعوا صحة هذا الحديث مع ما
عرفت أن اخراج أحد الشيخين له كاف في الحكم بصحته، وبكونه مقطوع الصدور، منهم: محققهم
المدقق رئيس الحذاق المتكلمين الآمدي، ومنهم: المحقق النحرير العضدي، قال: والجواب منع
صحة الحديث، ومنهم: شمس الدين الإصبهاني في شرح الطوالع، وفي شرح التجريد، قال: لا يصح
الإستدلال به من جهة السند، ولئن سلم صحة السند الخ.
وابن حجر المكي مع أنه ممن ادعى الإجماع على أن الصحيحين أصح الكتب بعد كلام الله (5)،
واعترف بما تقدم آنفا ذكر كلام الآمدي في مقام الجواب والرد على الشيعة، قال: وجوابها أن هذا
الحديث ان كان غير صحيح كما يقول الآمدي فظاهر... الخ (4).

1. فتح الباري 7: 60. 2. الصواعق المحرقة: 72.
2. الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة: 38 رقم 101.
3. منهاج السنة 4: 87. 5. الصواعق المحرقة: 18.
4. الصواعق المحرقة: 75.
30

ومنها: حديث الغدير، الذي لا يبلغ خبر من الأخبار درجته في كثرة الطرق، واجتمعت فيه أضعاف
أضعاف شروط التواتر، واعترف ابن حجر المكي بصحة أكثر طرقه (1).
ورواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (2)، والترمذي (3) في صحيحه، وغيرهم ممن يتعذر
استيفاء جميعهم، وقد صنف بعضهم فيه كتابا مفردا، بل عن أبي المعالي الجويني، انه يتعجب
ويقول: «رأيت ببغداد في يد صحاف مكتوب عليه: هذه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق حديث
«من كنت مولاه فعلي مولاه» ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون» (4)، وقد صرح العلامة السيوطي
بتواتر هذا الحديث أيضا في الأزهار، ومع هذا فقد كذب هذا الخبر كثير من أعيانهم وحكموا بأنه
موضوع، بل أقام جماعة كثيرة منهم أدلة عقلية ونقلية على بطلان هذا الخبر ووضعه.
منها: حديث «إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي»
رواه الترمذي (4)، والنسائي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وأبو عبد الله الحاكم (5)، وأبو يعلى
الموصلي، وأحمد بن حنبل، وابن عبد البر، وابن الأثير

1. المصدر السابق: 64.
2. مسند أحمد: 1: 84، 88، 118، 119، 152 و....
3. سنن الترمذي 5: 636. 4. ينابيع المودة: 36.
4. سنن الترمذي: 5 / 635 رقم 3719، مسند أحمد 4: 437 - 438، مسند أبي داود 3: 111، المستدرك 3: 110، حلية
الأولياء 6: 294، سير أعلام النبلاء 8: 199 فقال الذهبي: أخرجه الترمذي وحسنه النسائي كنز العمال 6: 399.
5. المصنف لابن أبي شيبة 7: 504 باب 18 رقم 58، المستدرك للحاكم 3: 11.
31

الجزري (1)، ومحب الدين الطبري، وابن حجر المكي (2)، وعلي المتقي (3)، ونور الدين
السمهودي، وغيرهم، وحكم ابن تيمية وصاحب الصواقع، بكذبه وبطلانه.
ومنها: الحديث المروي في شأن نزول قوله تعالى: (إنما وليكم الله...) الآية (4) وإنه في حق أمير
المؤمنين - عليه السلام -، رواه جمع كثير وجم غفير من أعيان علمائهم ومفسريهم ومحدثيهم، منهم
النسائي، وابن المغازلي، وابن الجوزي، والثعلبي، والواحدي، ومحب الدين الطبري، والعلامة
السيوطي، وعلي المتقي، وأبو الشيخ، وعبد الرزاق، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن مردويه،
والخطيب، وعبد بن حميد، وابن عساكر، والطبراني، والحافظ أبو نعيم، وغيرهم (5)، ومع هذا كله
حكم بوضعه وبطلانه جماعة، منهم: ابن تيمية وغيره.
ومنها: حديث الطير، وأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «اللهم جئني بأحب خلقك إليك فجاء
علي - عليه السلام -» (6).

1. جامع الأصول 9: 470، وأسد الغابة 4: 27.
2. الصواعق المحرقة: 122.
3. كنز العمال 6: 400.
4. المائدة: 61.
5. تفسير الطبري 6: 165، تفسير ابن كثير 2: 71، أسباب النزول للواحدي: 202 باب 190 رقم 397، تفسير الرازي
3: 431، البداية والنهاية 7: 357، الدر المنثور 2: 295، تذكرة الخواص: 9، مناقب الخوارزمي: 178، الرياض النضرة
2: 227، الفصول المهمة: 123، كنز العمال 6: 391، منتخب كنز العمال 5: 38، فتح القدير للشوكاني 2: 50، جامع
الأصول 9: 478 رقم 6503، كفاية الطالب: 250، مطالب السؤول: 144، نور الأبصار: 77.
6. سنن الترمذي 5: 636 رقم 3721، التاريخ الكبير 1: 357 رقم 1132، المستدرك 3: 130، المعجم الكبير 1: 253
رقم 730، تاريخ بغداد 3: 171، و 9: 369، تاريخ أصبهان 1: 232، أسد الغابة 4: 30، حلية الأولياء 6: 339، مجمع
الزوائد 9: 126، الرياض النضرة 2: 211.
32

رواه ابن الأثير في جامع الأصول: الستة ورزين في تجريد الصحاح الست، وأبو نعيم في حلية
الأولياء، والبلاذري في التاريخ، والسمعاني في الأنساب، وابن البيع في صحيحه، وأبو يعلى في
مسنده، والإمام أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة، والنطنزي (1) في الخصائص، والنسائي في
الخصائص، وابن عساكر، وابن النجار، والبغوي في المصابيح، وابن حجر في المنح المكية، ومحب
الدين الطبري في ذخائر العقبى، والعلامة السيوطي في جمع الجوامع، والعلامة المتقي في كنز
العمال، وابن المغازلي في المناقب، بأسانيد كثيرة، وألف ابن عقدة في طرق هذا الحديث كتابا
مستقلا، وأفرد ابن مردويه أيضا فيه كتابا (2)، ومع ذلك رده ابن تيمية في المنهاج، وحكم ببطلانه،
وفي صواقع الكابلي: الخبر - يعني خبر الطير - موضوع.
قال الشيخ العلامة امام أهل الحديث شمس الدين أبو عبد الله محمد بن

1. هو، أبو الفتح محمد بن علي بن إبراهيم النطنزي، قال السمعاني في الانساب: أفضل من بخراسان والعراق في اللغة
والأدب والقيام بصنعة الشعر قدم علينا مرو سنة احدى وعشرين وقرأت عليه طرفا صالحا من الأدب، واستفدت منه
واغترفت من بحره، ثم لقيته بهمدان ثم قدم علينا بغداد غير مرة في مدة مقامي بها وما لقيته الا وكتبت عنه واقتبست منه،
الانساب.
2. وقد أجاب ابن حجر العسقلاني أجوبة على رسالة أبو حفص القزويني في رده على بعض أحاديث كتاب «مصابيح
السنة» للبغوي، وفيه: الحديث السادس عشر: كان عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - طير، فقال: «اللهم ائتني بأحب
خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي فأكل معه» ثم قال: وقال الحاكم: رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا، ثم ذكر
له شواهد عن جماعة من الصحابة، وفي الطبراني منها عن سفينة، وعن ابن عباس، وسند كل منهما متقارب. الأجوبة ابن
حجر المطبوع في أواخر المجلد الأول من كتاب «مرقاة المفاتيح» لملا علي القاري: 547 رقم 6094.
33

أحمد الدمشقي الذهبي في تلخيصه: لقد كنت زمنا طويلا أظن أن حديث الطير لم يحسن للحاكم أن
يودعه في مستدركه، فلما علقت هذا الكتاب رأيت القول من الموضوعات التي فيه، وممن صرح
بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري (1).
ومنها: حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (2).
رواه كثير من الأعلام المحدثين وصرح جماعة منهم بصحته، وجماعة بحسنه، ورواه الترمذي في
صحيحه (3)، ومع ذلك ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وعن البخاري أنه قال: ليس له وجه
صحيح، وقال النووي أنه موضوع.
ومنها: حديث المؤاخاة (4)، المروي في مسند أحمد بن حنبل وصحيح

1. المستدرك 3: 141 رقم 4650، وفيه: فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهول من الموضوعات التي فيه، فإذا حديث
الطير بالنسبة إليها سماء، وقال في ترجمة الحاكم: وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جدا قد أفردتها بمصنف، تذكرة
الحفاظ 3: 1042.
2. سنن الترمذي 5: 637 رقم 3723، المستدرك 3: 226، تاريخ بغداد 4: 348، و 7: 172، و 11: 49، أسد الغابة 4: 22،
جامع الأصول 8: 657، الجامع الصغير: 107، فيض القدير 3: 46، شواهد التنزيل 1: 81، مجمع الزوائد 9: 114،
تهذيب التهذيب 6: 320 و 7: 427، كنز العمال 12: 201، وفتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي
للغماري، وهو أحسن كتاب جمع فيه أحاديث الباب.
3. سنن الترمذي 5: 637، حلية الأولياء 1: 64، مصابيح السنة 2: 275، وعنه في المشكاة: 563 ط لكنهو، وفي أجوبة
ابن حجر على القزويني كما ذكرنا في حديث الطير، قال: قلت: قد حدث عنه أبو معاوية بحديث «أنا مدينة العلم»
فقال: قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي وهو ثقة، ثم ساق الحاكم الحديث من طريق الفيدي المذكور وهو بفتح الفاء
بعدها ياء مثناة من تحت; وذكر له شاهدا من حديث جابر. مرقاة المفاتيح 1: 548 رقم 6096.
4. وهو الحديث الذي قال حذيفة بن يمان وجميع بن عمير: حين آخا رسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بين أصحابه،
جاء علي - عليه السلام - تدمع عيناه، فقال: مالي لم تؤاخ بيني وبين أحد من اخواني؟ قال: أنت أخي في الدنيا والآخرة،
وفي رواية حذيفة: آخا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بين أصحابه الأنصار والمهاجر، فكان يواخي بين الرجل
ونظيره، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي، سنن الترمذي 5: 300 رقم 3804، المستدرك 3: 14، الرياض
النضرة 2: 168، الإصابة 2: 234، أسد الغابة 3: 72، كنز العمال 6: 153، المناقب لابن المغازلي: 37، كفاية الطالب: باب
47: 192.
34

الترمذي والجمع بين الصحاح الستة للعبدري وكتاب المناقب لابن المغازلي وغيرها من الكتب
المعتمدة والأسفار المعتبرة، ومع ذلك ذكر ابن تيمية أن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث
لا يرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع، وأن واضعه جاهل (1). والعجب أنه مع كونه
حنبليا كيف رضي بخروج الإمام أحمد من زمرة أهل المعرفة بالحديث، مع كثرة اطرائه في مدحه،
واختياره على مثل أبي حنيفة، والشافعي، لكنه نشأ من قلة تتبعه وكثرة وقاحته.
ومنها: حديث «سد الأبواب إلا باب علي» (2).
المروي في كثير من كتبهم المعتمدة منها: صحيح الترمذي، وخصائص النسائي، ومسند الأمام
أحمد، ومسند البزار، وجمع الجوامع للسيوطي، وكنز العمال للمتقي، وتاريخ المدينة للسيد
نور الدين السمهودي، ورواه الطبراني في الكبير، والأوسط وغيرهم (3).

1. منهاج السنة 4: 96.
2. ومن أراد التحقيق في الحديث المذكور فعليه بالرسالتين لابن حجر أحدهما «القول المسدد في الذب عن أحمد» و
الثانية «أجوبة ابن حجر على رسالة القزويني» الأول وقد طبع في كراس مستقلة والثاني طبع في آخر المجلد الأول من
كتاب المرقاة في شرح المشكاة للقاري ط المحققة ت جميل العطار، دار الفكر 1412 ه‍.
3. سنن الترمذي 5: 641 رقم 3811، مسند أحمد 1: 175، 4: 379، الخصائص للنسائي: 13، المستدرك 3: 125،
حلية الأولياء 4: 153 السنن الكبرى للبيهقي 7: 65، مسند البزار كشف الأستار 3: 195، جامع الأصول 9: 473، البداية
والنهاية 7: 341، مجمع الزوائد 9: 114 القول المسدد في ذب عن أحمد: 17. فتح الباري 7: 12، عمدة القاري 7: 592،
ارشاد الساري 6: 81، الرياض النضرة 2: 192، تذكرة الخواص: 41، كفاية الطالب: 200، تاريخ المدينة المنورة
1: 337، أخبار القضاة 3: 149.
35

ذكر ابن تيمية أنه مما وضعه الشيعة على طريق المقابلة.
ومنها: حديث: «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى
موسى في بطشه، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب» (1).
رواه جماعة كثيرة، منهم باختلاف في بعض الألفاظ، منهم: البيهقي، والحاكم، والديلمي، وابن
شاهين، وعبد الرزاق، وابن بطة، وأبو نعيم، والحافظ عمر بن محمد بن جعفر، وأبو الخير الحاكمي،
والنطنزي، وابن المغازلي، ومحب الدين الطبري، والسيد على الهمداني، وغيرهم، ومع هذا حكم
جماعة منهم بأنه موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (2).
ومنها: حديث «لمبارزة علي يوم الخندق مع عمرو بن عبد ود، أفضل من أعمال أمتي إلى يوم
القيامة» (3).
رواه كثير منهم: أبو القاسم السهيلي في روض الأنف، والماوردي في

1. كنز العمال 1: 226، الرياض النضرة 2: 218، ذخائر العقبى: 93، البداية والنهاية 7: 356، المناقب
للخوارزمي: 49 و 245، مناقب ابن المغازلي: 212، كفاية الطالب: 121.
2. منهاج السنة 3: 128.
3. المستدرك 3: 32، السيرة الحلبية 2: 349، كنز العمال 6: 158، ولفظ الحديث: «لضربة علي خير من عبادة الثقلين»
و «قتل علي لعمرو أفضل من عبادة الثقلين» و «لمبارزة علي لعمرو بن ود أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة.
36

سيره، وبرهان الدين الحلبي الشافعي في انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون، (يعني النبي - صلى الله
عليه وآله وسلم -) بل أورده الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ونص على صحته واستدرك به على
الشيخين أنهما لم يخرجاه مع أنه على شرطهما (1).
وذكر ابن تيمية أنه من الأكاذيب الموضوعة، ولذا لم يروه أحد من العلماء المسلمين في شيء من
الكتب التي يعتمد عليها، بل ولا يجوز أن يكون قتل كافر أفضل من عبادة الجن والأنس، فإن ذلك
يدخل فيه عبادة الأنبياء، وقد قتل من الكفار من كان قتله أعظم من قتل عمرو بن عبد ود، وعمرو هذا
لم يكن فيه معاداة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومضارته له وللمؤمنين، مثل ما كان من صناديد قريش
الذين قتلوا ببدر مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط، وشيبة بن ربيعة، والنضر بن الحرث، وأمثالهم
الذين نزل فيهم القرآن، وعمرو هذا لم ينزل فيه شيء من القرآن ولا عرف له ذكر في غزاة بدر ولا أحد
ولا غير ذلك من مغازي قريش التي غزا فيها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا في سرايا، ولم يشتهر ذكره
إلا في قصة خندق.
ومع أن قصته ليست مذكورة في الصحاح ونحوها، كما نقلوا في الصحاح مبارزة الثلاثة يوم مبارزة
حمزة، وعبيدة، وعلي، مع عتبة، وشيبة، والوليد، وكتب التفسير والحديث مملوأة بذكر المشركين
الذين كانوا يؤذون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحرث،
وغيرهم وبذكر رؤساء الكفار مثل الوليد بن المغيرة وغيره، ولم يذكر أحد عمرو بن عبد ود، لا في
هؤلاء ولا في هؤلاء، ولا كان من مقدمي القتال، فكيف يكون قتل مثل هذا أفضل من عبادة الثقلين؟

1. المستدرك 3: 32.
37

ومن المنقول بالتواتر: أن الجيش لم ينهزم بقتله، بل بقوا بعده محاصرين مجدين كما كانوا قبل قتله
[(1).....
وبعد ما شاهدت في الكتب المعتبرة، وسمعت من قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذكر المناقب
والفضائل لعلي بن أبي طالب - عليه السلام - وحقانيته، ننظر بعين الانصاف، من دون عصبية، إلى ما في
البخاري من الإشكال، الموهن لأصحيته بين الكتب، وذلك في أمور (2).

1. منهاج السنة 4: 172، ما بين المعقوفتين كما ذكره المستنسخ قد سقط بقدر الصفحتين، وألحقناها على ما في المنهاج
كما نقل عنه المؤلف رحمه الله.
2. الظاهر أنه رحمه الله قد فرغ من الاستشهاد بروايات الفضائل، وأورد عليهم في الجرح والتعديل وألزمهم بما لا
يمكن التخلص منه، ولذلك ابتدأء بذكر الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
38

الأمر الأول: البخاري وعدم روايته عن الصادق - عليه السلام -
] ويعد من أشد تعصباتهم في الجرح والتعديل قولهم في الصادق - عليه السلام - [!
قال الذهبي في الكاشف: جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله الهاشمي المدني الصادق،
أحد الأعلام، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن
أبي بكر، ولهذا كان يقول: ولدني أبو بكر مرتين، روى عن أبيه وجده لأمه القاسم، وعبيد الله بن أبي
رافع، وعروة، وعطاء، ونافع، ومحمد بن المنكدر، وعنه خلائق لا يحصى منهم: ابنه موسى،
وشعبة، والسفيانان، مالك، ووهب، وحاتم بن إسماعيل، وعبد الوهاب الثقفي، وأبو عاصم، ويحيى
بن سعيد الأنصاري، وهو أكبر منه، ويحيى بن سعيد قال: ابن المديني سئل يحيى عن جعفر بن
محمد؟ فقال: في نفسي منه شيء (1).
وأقول: عدم اخراج البخاري لحديثه - عليه السلام - وعدم الإحتجاج به، واعتقاد عدم قابليته العياذ بالله،
للايداع في صحيحه السقيم، مع اخراجه مرويات كثير من الخوارج والنواصب والكذابين،
والوضاعين، والاحتجاج بهم وايداع أحاديثهم في كتابه، وان كان كافيا في الدلالة على نصبه وضلالته
وشقاءه، كالدلالة على ترجيح روايات هؤلاء الملاحدة الملاعين والعياذ بالله على رواياته - عليه السلام -
(2).

1. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة 1: 186 رقم 84 - 87.
2. فمن أراد أن يطلع على تفضيل ذلك فعليه بكتابنا: «الامام البخاري وصحيحه الجامع».
39

لكن صرح محققهم المدقق الذي يفتخرون بإفاداته أعني ابن تيمية بهذا المطلب، لكمال تورطه في
النصب والعداوة وتوغله في الوقاحة والشقاء، قال في المنهاج، مظهر المزيد اللجاج والاعوجاج ما
هذا نصه: وبالجملة فهؤلاء الأئمة الأربعة ليس منهم من أخذ عن جعفر قواعد الفقه، لكن رووا عنه
الأحاديث كما رووا عن غيره، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه، وليس بين الزهري وحديثه نسبة لا
في القوة ولا في الكثرة، وقد استراب البخاري في بعض حديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد فيه كلام
فلم يخرج له (1).
ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من يحتج بهم البخاري، وهذه العبارة تنادى على البخاري،
ويحيى بن معين، ويحيى بن سعيد، الذي هو أقدمهم وأعلمهم بالنصب والانحراف عن أهل البيت -
عليهم السلام - (2).

1. منهاج السنة 4: 143.
2. ومن المؤسف في ذلك الأمر بالتدوين في الحديث النبوي على رأس المائة الأولى ونشر الحديث والآثار من دون
مشاركة لأحد من أهل البيت الذين هم أعرف بالسنن من غيرهم لا سيما الصادقين عليهما الاسلام، حيث كانا من أحفظ
الناس وأعلمهم، كما في سير أعلام النبلاء 6: 257، فكيف لا يؤخذ عنهما الحديث والآثار؟
فالبخاري لا يروي عن الصادق - عليه السلام -; ويروي عن «مروان بن الحكم» الذي هو قاتل طلحة، وقال فيه ابن حبان
وغيره معاذ الله أن نحتج بخبر رواه مروان بن الحكم. الجرح والتعديل 8: 271، سير أعلام النبلاء 1: 36 و 3: 476، تهذيب
التهذيب 10: 91.
ولتلك المصيبة روى النسائي في سننه: عن ابن عباس قال: اللهم العنهم، قد تركوا السنة من بغض علي. سنن النسائي
5: 253، السنن الكبرى 5: 113.
وقال النيسابوري في ذلك في الجهر بالبسملة في الصلاة: ان عليا - عليه السلام - كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلما كان زمن
بني امية بالغوا في المنع عن الجهر سعيا في ابطال آثار علي. تفسير النيسابوري المطبوعة بهامش جامع البيان للطبري
1: 79.
وجعفر بن محمد هو الذي اعترف بإمامته وجلالته في العلم كبار أئمتهم، روى الذهبي عن عمرو بن أبي مقدام، قال: كنت
إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين وقد رأيته واقفا عند الجمرة يقول: سلوني، سلوني.
وعن صالح بن أبي الأسود، سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل
حديثي.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة، وسئل عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وسهيل عن أبيه، والعلاء عن أبيه، أيها أصح؟
قال:
لا يقرن جعفر إلى هؤلاء. وسمعت أبا حاتم يقول: جعفر لا يسأل عن مثله سير أعلام النبلاء 6: 257.
وقد عاصره أركان الحديث وأئمة المذاهب الحنفية والمالكية وكلهم اعترفوا بجلالته وعلو مقامه.
فيا عجبا من البخاري على ما ذكر في ترجمته: يتوضأ ويصلي عند كتابة كل حديث ثم يروي عن مروان بن الحكم، عدو
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، قاتل طلحة، ويروي عن طائفة غير معلومة الإسلام كما قاله يحيى بن سعيد شيخ
المشايخ وإمام الأئمة في حديث السنة.
وطائفة من الرجال ضعفهم نفس البخاري في كتابه «الضعفاء» وأورد أسمائهم، ثم خرج رواياتهم في الصحيح!!!
40

وأما شقاء ابن تيمية وضلالته فمما لا يحتاج إلى بيان، حيث لا يرضى بمساواة الصادق صلوات الله
عليه لسائر من روى عنهم البخاري، بل ادعى أولا: ترجيح الزهري (1) عليه - عليه السلام -.
وثانيا: امتناع أن يكون - عليه السلام - مثل من يحتج بهم البخاري، وستعرف أن البخاري احتج بجماعة
من الخوارج والنواصب المطعونين بالكذب والوضع عند أئمتهم (2)، فالثابت عن البخاري ترجيح
غيره عليه صلوات الله عليه.

1. أنظر كتاب «تدوين الأمويين للحديث النبوي ودور ابن شهاب الزهري»، فإنا قد استوفينا البحث في الزهري وبيان
خدمته للأمويين مدة خمس وأربعين سنة في تدوين الحديث، حيث قالوا فيه: أنه كان جنديا لهم، ومنديلا يمسحون به
أيديهم المتلطخة، وأفسد نفسه بصحبتهم، وقد جعلوه جسرا يعبرون به.
2. فمن أراد التفصيل فيما ذكر، فليراجع كتاب «الامام البخاري وصحيحه الجامع» باب: من روى عنهم في الصحيح
وضعفهم نفسه في ضعفائه، وكذا النواصب والمرجئة والخوارج ومن ضعف بضرب من الجرح في كلمات أئمتهم وكبار
مصنفيهم في الجرح والتعديل.
41

والثابت عن ابن تيمية استمالة ترجيحه على غيره بل امتناع مماثلته ومساواته لغيره في الحفظ وقد
علم مما سبق انحراف الذهبي ذهب الله بنوره أيضا عن أهل البيت - عليهم السلام - حيث أنه بعد أن التزم في
كتاب الميزان أن يذكر كل من تكلم فيه أئمة السند بتليين ما وأن لا يشذ عنه أحد مما ذكر في كتاب
البخاري وابن عدي في الرجال استثنى منهم الصحابة والأئمة الأربعة، يعني أبا حنيفة، وأحمد بن
حنبل، والشافعي ومالكا.
وقال: إنهم وإن تكلموا فيهم لكني لا أذكرهم في كتابي هذا لجلالتهم في الإسلام (1).
ومع هذا تعرض لذكر الصادق صلوات الله عليه في هذا الكتاب، وأما استثناءه فيمن استثنى فيدل على
أن الذهبي لم يعتقد مساواته لمالك وأبي حنيفة مثلا في الجلالة والعظمة.
ويدلك هذا وأمثاله على أن أعاظم قدمائهم وعلمائهم لم يزالوا منحرفين عن أهل البيت - عليهم السلام -،
وأن ما تصدى جماعة من متأخريهم لإثباته من أنهم لم يزالوا من أهل الولاء لهم والتمسك بحبلهم
والإستناد إلى أخبارهم وبذل أموالهم وأنفسهم في سبيل مودتهم إنما هو أكاذيب لفقوها فرارا عن
إلزامات الشيعة لهم.
هذا الذهبي على إمامته وجلالته عندهم تأنف من ذكر الصحابة في كتابه،

1. ميزان الاعتدال 1: 2.
42

وفيهم ضعفاء، مجروحون، مقدوحون، مطعونون ملعونون، ومن ذكر أئمتهم في الفروع مع ما هم
عليه من الضلال والفساد المذكور على لسان علمائهم النقاد كما ستعرف، وتعرض لذكره - عليه السلام -
في المقدوحين، والعياذ بالله، وان مدحه بأنه بر صادق كبير الشأن، قال في صدر كتاب الميزان:
«أما بعد هدانا الله وسددنا ووفقنا لطاعته، فهذا كتاب جليل مبسوط في ايضاح نقلة العلم النبوي
وحملة الآثار، ألفته بعد كتابي المنعوت بالمغني، وطولت العبارة، وفيه أسماء عدة من الرواة زائدا
على من في المغني، زدت معظمهم من الكتاب الحافل المذيل على الكامل لابن عدي، وقد ألف
الحفاظ مصنفات جمة في الجرح والتعديل ما بين اختصار وتطويل.
فأول من جمع كلامه في ذلك الإمام الذي قال فيه أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد
القطان، وتكلم في ذلك بعده تلامذته، يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمر
بن علي الفلاس، وأبو خيثمة، وتلامذتهم: كأبي زرعة، وأبي حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبي
إسحاق الجوزجاني السعدي، وخلق من بعدهم مثل: النسائي، وابن خزيمة، والترمذي، والدولابي،
والعقيلي، وله مصنف مفيد في معرفة الضعفاء، ولأبي حاتم بن حبان كتاب كبير عندي (1) في ذلك،
ولأبي أحمد بن عدي كتاب الكامل، هو أكمل الكتب وأجلها في ذلك، وكتاب أبي الفتح الأزدي،
وكتاب أبي محمد بن أبي حاتم في الجرح والتعديل، والضعفاء للدارقطني، والضعفاء للحاكم، وغير
ذلك.

1. والمراد به كتاب «المجروحين» المطبوع في ثلاثة أجزاء.
43

وقد ذيل ابن طاهر المقدسي على الكامل لابن عدي، بكتاب لم أره، وصنف أبو الفرج بن الجوزي
كتابا كبيرا في ذلك، كنت اختصرته أولا، ثم ذيلت عليه ذيلا بعد ذيل.
والساعة فقد استخرت الله عزوجل في عمل هذا المصنف ورتبته على حروف المعجم حتى في الآباء
ليقرب تناوله ورمزت على اسم الرجل من أخرج له في كتابه من الأئمة الستة البخاري، ومسلم،
وأبي داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة برموزهم السائرة، فإن اجتمعوا على اخراج رجل فالرمز
«ع» وان اتفق عليه أرباب السنن الأربعة فالرمز «عو».
وفيه من تكلم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لين، وأقل تجريح، فلولا أن ابن عدي أو غيره من مؤلفي
كتب الجرح والتعديل ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته، ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممن
له ذكر بتليين ما في كتب الأئمة المذكورين، خوفا من أن يتعقب علي، لا أني ذكرته لضعف فيه
عندي، إلا ما كان في كتاب البخاري وابن عدي وغيرهما، من الصحابة، فاني أسقطهم لجلالة
الصحابة، ولا أذكرهم في هذا المصنف; فإن الضعف إنما جاء من جهة الرواة إليهم، وكذا لا أذكر في
كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحدا لجلالتهم في الاسلام وعظمتهم في النفوس; فإن ذكرت
أحدا منهم فأذكره على الإنصاف وما يضره ذلك عند الله ولا عند الناس» (1).

1. ميزان الإعتدال 1: 1 - 3.
44

مع العترة الطاهرة
ولو تشبث ناصب عنيد ومتعصب جحيد، بأن اعراض البخاري عن الصادق - عليه السلام - وعن روايته
ليس لكونه ناصبا منحرفا، بل دعاه إلى ذلك مزيد التحقيق والتنقيد والتنقيح والتورع وصون الشريعة
المطهرة من إدخال ما ليس منها فيها.
قلنا له: هذا والله عين النصب والإنحراف، وللنواصب والخوارج أن يقولوا: ما دعانا إلى ما قلنا في حق
علي - عليه السلام - وأهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا مزيد التحقيق والتنقيد والتورع وصون الشرع
المقدس، ولذا صرفنا أعمارنا ووجهنا همنا إلى إسقاطهم واسقاط كلماتهم عن درجة الاعتبار حتى لا
يدخل في الشريعة ما ليس منها، نعوذ بالله من هذه الهذيانات.
ولنذكر هنا أمورا، ثم نتعرض للوجه الثاني من الوجوه الواردة على البخاري:
الأول: في بيان حال مجالد الذي قال القطان شيخ مشايخ البخاري: أنه أحب إلي من جعفر!
قال الذهبي في ميزان الإعتدال: مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني مشهور، صاحب حديث، على
لين فيه، روى عن قيس بن أبي حازم، والشعبي، وعنه يحيى القطان، وأبو أسامة وجماعة، قال ابن
معين وغيره: لا يحتج به (1).

1. سير أعلام النبلاء 6: 286.
45

وقال أحمد: يرفع كثيرا مما لا يرفعه الناس ليس بشيء.
وقال النسائي: ليس بالقوي (1)، وذكر الأشج: أنه شيعي; وقال الدار قطني: ضعيف، وقال البخاري:
كان يحيى بن سعيد يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه، وقال الفلاس: سمعت يحيى بن سعيد
يقول: لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل! (2)
وقيل لخالد الطحان: دخلت الكوفة فلم لم تكتب عن مجالد؟ قال: لأنه كان طويل اللحية!
قلت: من أنكر ما له من الشعبي عن مسروق عن عائشة مرفوعا: لو شئت لأجرى الله معي جبال
الذهب والفضة (3).
فظهر أن مجالد مطعون عند مهرة فن الرجال، وأن الإمام أحمد بن حنبل قال في حقه: ليس بشيء،
ويحيى بن معين قال: لا يحتج به، ويحيى بن سعيد القطان الفتان يرميه بالوضع، ويقول: لو شئت أن
يجعل مجالد هذه الأحاديث كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل; ومع هذا يقول هذا الفتان
الشقي: أنه أحب إلي من جعفر، نعوذ بالله ونشتكي إلى الله.
الثاني: أن جماعة من أعيان العامة ألفوا كتبا ورسائل في مناقب العترة العلوية، وذكروا فيها من
الأخبار والآثار المروية بطرقهم ما لا يحصى.
وذكروا أن مودة السادات من أجزاء الإيمان، ومن الفرائض الأكيدة،

1. المصدر السابق.
2. ميزان الإعتدال 4: 438 و 439.
3. ميزان الإعتدال 4: 438 - 439.
46

وقالوا بوجوب تعزير المستخف بهم، بل بكفره، وحكموا بحرمة إهانتهم، والوقيعة فيهم، وإن
أخطأوا في الإعتقاد، أو فسقوا بالجوارح.
وذكروا أن السادات يموتون على الإيمان كأزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والعشرة المبشرة، فهؤلاء
وإن وقع منهم ما وقع في الدنيا إلا أنهم حال الخروج منها يموتون مع كمال الإيمان، تصديقا لبشارة
رب العالمين.
والكلام في هذا المطلب طويل، من أراده فعليه المراجعة إلى كتبهم، ونحن لا نذكر منها إلا أحرفا
وأسطرا يسيرة.
والغرض أنه إذا كان إساءة الأدب والإيذاء بالنسبة إلى السادات العلوية بهذه المثابة، فكيف يكون حال
من استخف بسيدهم وإمامهم وحجتهم وعمادهم الذي تراب نعاله كحل الجواهر لأعين هؤلاء
السادات، وبشرف الانتساب إليه والانقياد له يرجون من الله رفع الدرجات ونيل المثوبات وغفران
السيئات.
وبالجملة فجماعة منهم ألفوا الكتب والرسائل في هذا المعنى فرارا عن إلزامات الشيعة، وإصلاحا
لحال أسلافهم، ودفعا لتشنيع الشيعة عليهم بالنصب والانحراف والبغض، ولن يصلح العطار ما
أفسده الدهر.
وعد صاحب الصواعق هذا الإلزام والتشنيع من جملة تعصبات الشيعة، قال في تعداد التعصبات.
التاسع عشر: أن أهل السنة أفرطوا بغض أهل البيت، ذكر ذلك ابن شهر آشوب، وكثير من
علمائهم، ولقبوهم بالنواصب وهو كذب صرد وعصبية ظاهرة، فإنهم يقولون: إن الله تعالى أوجب
محبة أهل بيت نبيه على جميع
47

بريته ولا يؤمن أحدكم حتى تكون عترة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحب إليه من نفسه، ويروون في
ذلك أحاديث.
منها: ما رواه البيهقي، وأبو الشيخ، والديلمي، أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى
أكون أحب إليه من نفسه.
ويكون عترتي أحب إليه من نفسه» (1).
وأخرج الترمذي، والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «أحبوا أهل بيتي
بحبي» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.
ويقولون: من ترك المودة في أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد خانه، وقد قال الله
تعالى: (لا تخونوا الله والرسول) (3)، ومن كره أهل بيته فقد كرهه - صلى الله عليه وآله وسلم - ولقد أجاد من
أفاد:
ولا تعدل بأهل البيت خلقا * فأهل البيت هم أهل السيادة
وبغضهم لأهل العقل خسر * حقيقي وحبهم عبادة (4)
ويوجبون الصلاة عليهم في الصلوات، قال الشيخ الجليل فريد الدين أحمد بن محمد النيسابوري
رحمه الله: من آمن بمحمد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن، أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم
ينكره أحد، انتهى كلام صاحب الصواعق.

1. مسند أحمد 3: 207، فردوس الأخبار 5: 154.
2. سنن الترمذي 5: 664 رقم 3789، المستدرك للحاكم 3: 150، المعجم الكبير للطبراني 10: 281 رقم 10664.
3. الأنفال: 28. 4. رشفة الصادي: 99.
48

وذكر ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي (1) في رسالة مناقب السادات: هم حجة الله على
الورى فيهم نزل، (هل أتى) (2)، و (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (3)، وعليه قول
الشاعر:
من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم
مودة القربى واجبة على المؤمن والسني بالنص الصريح ومن لم يقبل ولم يتبع فليس بمؤمن موحد
بل هو كافر ملحد ملعون مرتد
وقال المناوي في فيض القدير ما هذا نصه: أخلفوني، بضم الهمزة واللام، أي: يكونوا خلفائي في
أهل بيتي علي وفاطمة وابنيهما، فاحفظوا حقي فيهم، وأحسنوا الخلافة عليهم بإعظامهم واحترامهم
ونصحهم، والإحسان إليهم، وتوقيرهم والتجاوز عن مسيئهم، (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة
في القربى) (4).
قال المجد اللغوي: وما احتج به من رمي عوامهم بالابتداع وترك الاتباع، لا ينج فإنه إذا ثبت هذا في
معين لم يخرج عن حكم الذرية فالقبيح عمله لا ذاته.
وقد منع بعض العمال على الصدقات بعض الأشراف لكونه رافضيا فرأى تلك الليلة أن القيامة قد
قامت، ومنعته فاطمة من الجواز على الصراط فشكاها لأبيها، فقالت: منع ولدي رزقه.

1. شهاب الدين أحمد بن شمس الدين الزاولي الهندي الحنفي المتوفى 849 ه‍ مفسر، نحوي، عارف بالبلاغة، تولى
القضاء، ومن تصانيفه: شرح البزدوي في الأصول.
2. الدهر: 1.
3. الشورى: 23.
4. الشورى: 23.
49

فاعتل بأنه يسب الشيخين، فالتفتت فاطمة إليهما وقالت: أتؤاخذان ولدي؟ قالا: لا، فانتبه مذعورا
في حكاية طويلة.
ولما جرى على الإمام أحمد بن حنبل من الخليفة العباسي ما جرى، ندم وقال: اجعلني في حل،
فقال: ما خرجت من منزلي حتى جعلتك في حل، إعظاما لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لقرابتك منه.
وحكى المقريزي عن بعض العلماء أنه كان يبغض بعض أشراف المدينة لتظاهرهم بالبدع فرأى
المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - في النوم فعاتبه، فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حاشا لله ما
أكرههم وإنما كرهت تعصبهم على أهل السنة فقال: مسئلة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب؟
قال: نعم، قال: هذا ولد عاق (1).
أقول: الحكاية التي أجملها في منع بعض العمال هي التي ذكرها مفصلة، السيد نور الدين علي
السمهودي في جواهر العقدين.
وحكاها أيضا رضي الدين علي الحسيني الشامي في تنضيد العقود، نقلا عن السيد عبد الرحيم
السمهودي في كتاب الإشراف عن فضل الأشراف، قال السيد نور الدين المذكور: وهو من أعيان
علماء العامة كما يظهر من المراجعة إلى كتبهم، أخبرني الإمام الشيخ العلامة محقق المالكية في زمنه
شهاب الدين أحمد بن يونس القسطنطني المغربي نزيل الحرمين الشريفين في مجاورته بالمدينة
النبوية سنة خمس وسبعين وثلاثمائة.
أن بعض مشايخه ممن يثق به أخبره أن شخصا من أعيان المغاربة عزم على التوجه من بلاده للحج،
قال: حضر إليه شخص من أصحاب الثروة مبلغا

1. فيض القدير 1: 219 رقم 302.
50

أظنه مائة دينار، وقال له إذا وصلت إلى المدينة النبوية فسأل عن شخص من الأشراف بها يكون
صحيح النسب، فتدفع ذلك إليه عسى أن يكون لي بذلك وصلة بجده - صلى الله عليه وآله وسلم -
قال: فلما رجع إليهم ذلك المغربي أخبر: أنه قدم المدينة وسأل عن أشرافها، فقيل له: أن نسبهم
صحيح غير أنهم من الشيعة، الذين يسبون، قال: فكرهت دفع ذلك لأحد منهم.
قال: ثم جلس إلي واحد منهم، أو قال: جلست إليه فسألته عن مذهبه؟ فقال: شيعي.
فقلت له: لو كنت من أهل السنة لدفعت إليك مبلغا عندي، قال: فشكى فاقته وشدة احتياجه، وسئلني
شيئا منه، فقلت: لا سبيل إلي أن أعطيك شيئا.
فذهب عني فلما نمت تلك الليلة رأيت أن القيامة قد قامت والناس يجوزون على الصراط فأردت أن
أجوز فأمرت فاطمة - عليها السلام - يعني فمنعت، فصرت استغيث ولا أجد مغيثا حتى أقبل رسول الله -
صلى الله عليه وآله وسلم - فاستغثت به، وقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - منعتني فاطمة من الجواز
على الصراط! فالتفت إلي وقال: قد قالت: انك منعت ولدها رزقه.
فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والله ما منعته إلا لأنه يسب الشيخين، قال: فالتفتت فاطمة -
عليها السلام - إلى الشيخين وقالت لهما: تؤاخذان ولدي بذلك؟ فقالا: لا، بل سامحناه بذلك.
قال: فالتفت إلي وقال: ما الذي أدخلك بين ولدي وبين الشيخين؟ فانتبهت فزعا، وأخذت المبلغ
وجئت إلى ذلك الشريف فدفعته له، فتعجب من
51

ذلك، وقال: بالأمس سئلتك في يسير منه، فامتنعت، والآن كيف جئتني به؟ فقال: فقصصت عليه
القصة فبكى، وقال: أشهدك علي وأشهد الله ورسوله أني لا أسبهما أبدا ما حييت (1).
وقال في تنضيد العقود: وعدم الإنتقال لما يصدر من ذريته - صلى الله عليه وآله وسلم - من أجل القربات
وأعظم المثوبات.
ففي توثيق عرى الإيمان للبازري: أن من علامات محبته - صلى الله عليه وآله وسلم - محبة ذريته، واكرامهم
والاغضاء عن انتقادهم.
فمن انتقد ذرية محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يحب محمدا قط، وان يغض الإنسان من انتقاد ذرية
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأهل البيت لأنهم قوم شرفهم الله تعالى وأجلاهم، فلا تعيب عليهم
أفعالهم كما تعيب الأفعال فيمن أقدارهم بحسب أفعالهم.
وقال الشيخ عبد القادر العبدروسي في كتاب عقد اللئآل في فضائل الآل: حكى التقي المقريزي، عن
يعقوب المغربي، أنه كان بالمدينة النبوية في رجب سنة سبع عشرة وثمانمائة، فقال له الشيخ العابد
الفاسي: وهما بالروضة المكرمة.
إني كنت أبغض أشراف المدينة النبوية بني حسين، لتظاهرهم بالرفض، فرأيت وأنا نائم تجاه قبر
الشريف رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يقول: يا فلان باسمي: ما لي أراك تبغض أولادي؟
فقلت: حاشا لله ما أكرههم، وإنما كرهت ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة، فقال لي: مسألة فقهية،
أليس الولد العاق يلحق بالنسب؟ فقلت: بلى يا

1. جواهر العقدين للسمهودي: 353 - 355، فضل آل البيت للمقريزي: 111، رشفة الصادي
للحضرمي: 262.
52

رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: هذا ولد عاق فلما انتبهت صرت لا ألقى من بني حسين أحدا إلا
بالغت في اكرامه، ثم قال: قال التقي المقريزي: وعندي عدة حكايات صحيحة مثل هذا في حق بني
حسن، وبني حسين، فإياك والوقيعة فيهم وان كانوا على أي حالة لأن الولد ولد على كل حال صلح أو
فجر (1).
وأيضا في ذلك الكتاب، ورأى الشيخ المحقق العارف المدقق أبو العباس المديني المغربي: فاطمة
الزهراء رضي الله عنها كشفا، وهي تقول في أشراف يبغضون الشيخين: أنفك معك وإن كان أجذع.
وقال ملك العلماء شهاب الدين أحمد بن عمر الهندي الدولت آبادي صاحب «البحر المواج في
التفسير والإرشاد» في النحو، و «بديع البيان والمعاني» وغيرها، وهو من عظماء أهل السنة وعلمائهم
كما صرح به بعضهم، ويعرف أيضا من كتاب «كشف الظنون»، و «سبحة المرجان»، و «تسلية الفؤاد»،
وغيرها، قال في رسالة «مناقب السادات» ما هذا لفظه... (2).

1. فضل آل البيت للمقريزي: 111، رشفة الصادي: 263.
2. ذكر المؤلف فقرات باللغة الفارسية تعريبها كما يلي: لو أقر شخص على نفسه الإسلام وآمن بجميع شرائعه وعمل به
ثم أهان علويا وخاطبه بالتصغير «عليويا» فقد كفر.
وهكذا حال من أبغض محبوب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولو تقول بقوله استخفافا: «كان رسول الله - صلى الله عليه وآله
وسلم - يحب اليقطين وأنا لا أحب» فإنه أيضا كافر.
وعلى ذلك حال من تكبر على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وتكبر على أحد من أهله.
فاعلم، أن التكبر والتحقير والظلم بالنسبة إلى الولد يعود إلى الوالد بحكم العقل والشرع والدين والحس، وهو أمر ثابت
معلوم على كل ذي مسك، وعند كل من تربى في حجور الأمهات الصالحة بالتربية الصحيحة.
نعم الإهانة إلى العبد وإن كان نسله من الكفار يسري إلى صاحبه، ولا يخفى ذلك على أحد، لأنك لو سألت المبتدئين
المشتغلين بعلوم العربية وقراء الكافية في تركيب «زيدا ضربت غلامه» كانت في التقدير «أهنت» والإهانة يكون على زيد
في ضرب غلامه.
فما تقول، وما تحتسب!؟ أن الإهانة إلى خف العالم بأنه نجس، مع أنه يصنع من جلود البقر والحمار، وذلك أيضا كفر.
فكيف بإهانة أحد من أولاد المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي هو جزء له ومن صلبه ونسله؟!
حاش لله لا يظنه أحدا.
وفي كتاب «تذكرة الأولياء» يقول: من آمن بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا يؤمن بأولاده - أي يتكبر بالنسبة إلى أهل بيته
- فحكمه حكم من لم يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأن في كتاب «زاهدي» و «عياني» يقول: «المؤدة لأولاد النبي -
صلى الله عليه وآله وسلم - هي شرط الإيمان».
وهكذا فيه بعد ذكر حديث: «حبك في شيء يعمي ويصم ويبكم» يقول: ونتيجة الكلام أن المودة لأولاد النبي - صلى الله
عليه وآله وسلم - ضروري بالنسبة إلى جميع أولاده نسبا من دون خصوصية إلى أخيارهم لأن لفظة «القربى» في الآية
المباركة مطلقة، فلا تنحصر في خواصهم حتى يقول أحد: المقصود بلزوم المودة لأولاد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -
أعني، أخيارهم، وهكذا الامتثال لأمر الله المنزل في القرآن، وهذه المودة التي كانت من أصول الطاعة.
فلو نظرت إلى مسيئهم في ارتكاب المعاصي وصار ذلك إلى عدم رعاية حقوقهم وقد شبهت نفسك بمن جن عليه، ترك
الصوم والصلاة لما سبه شخص ولشدة غضبه عليه يترك الصوم والصلاة، لأنه يتدارك بذلك من خصومه!!
وكذا فيه: يقول الشيخ أحمد البخاري: من كان له محبة لأولاد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من فطرته وقلبه فيشمله
العطية والمغفرة من ربه، ومن لم يكن من فطرته وقلبه بل يكتسب ولم يتعب نفسه ولا يجهد فهو الذي باعد عن رحمة
الله وطرد مرجوما وإن كان يمسح جبينه على الأرض من الصباح إلى المساء، وعلم علم الأولين والآخرين لا ينفعه ولا
يعتمد عليه، فرب عالم زاهد لا يتقرب بذلك.
فمن علائم الإيمان مودة أولاد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومن آثار المودة أنه يسره رؤيتهم.
وفيه أيضا: أن ايذاء العلوية ايذاء لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. وفي الباب أحاديث كثيرة لا نذكرها اقتصارا.
فإيذاء أولاد الحسين - عليه السلام - ايذاء للنبي ولعلي وفاطمة، وايذاءهم بنص الأحاديث يوجب الكفر والملعنة اتفق أهل
السنة والجماعة على كفر واللعن على قاتل الحسين، وأمره هكذا في السنة والتشريع، وبعد ذكر الحديث: «يا علي أول من
يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن ايماننا، وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا» قال: لو سئل: ان تأويل
هذا الحديث هو أن المؤمنين أولاد المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - يدخلون الجنة خلف أزواج النبي.
نقول في جوابه: يحرم على المقلد تأويل الأحاديث، لأنه أقصر من القاصر، ولا يصح هذا التأويل حتى من المجتهدين
لأنه خلاف للبشارة من النبي، وموجب لإجمال كلامه - صلى الله عليه وآله وسلم - ويسقط بذلك، لأن البشارة لا يقبل
الاحتمال والترديد.
53

وليعلم، أن مولف هذه الرسالة أعني ملك العلماء عقد فيها بابا في اثبات عدم زوال الإيمان من جميع
أولاد رسولنا - صلى الله عليه وآله وسلم - وانهم لا يموتون مصرين على الكبيرة، واستدل فيها بالكتاب
والأخبار، وأطال في بيانها واقتصرنا من هذه الرسالة على هذا القدر، وهو كاف في المرام.
والغرض من هذا كله، انه إذا كان إساءة الأدب والإهانة وعدم المحبة بالنسبة إلى العترة العلوية بهذه
المثابة فكيف بالنسبة إلى الأئمة الاثني عشر عليهم صلوات الله الملك الأكبر، الذين هم أصفياء الله من
بين الورى وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى مفاخر آل عدنان والمفترض طاعتهم على
الإنس والجان ويفتخر هؤلاء العلوية بالانتساب إليهم، ونطق بشطر يسير من مناقبهم ومقاماتهم
وكراماتهم لسان المتعصبين والناصبين الجاحدين.
وذكر نبذة قليلة منها بعض علماء السنة في كتبهم، كفصل الخطاب، وشواهد النبوة للجامي،
والفصول المهمة، ومطالب السؤول، وتذكرة الخواص، وروضة الأحباب، وكتاب ابن روزبهان،
وغيرها.
ويعجبني أن أذكر في المقام كلاما ذكره إمامهم المتعصب المعاند والمشكك الناصب، الجاحد الذي
تمسك في كتبه لانتصار مذهبهم بكل
55

حشيش، وأنكر كثيرا مما ثبت بالضرورة، حماية للباطل وترويجا للفاسد الكاسد العاطل أعني
فخر الدين الرازي، فكلامه أدخل في الزام النواصب رماهم الله بعذاب واصب، قال في رسالته
الموضوعة لترجيح مذهب الشافعي، عند ذكر الحجية على ترجيحه:
الحجة السادسة: القول بأن الشافعي أخطأ في مسألة كذا، إهانة للشافعي القرشي، وإهانة قرشي غير
جائز فوجب أن لا يكون القطع بخطائه في شيء من المسائل، انما قلنا أن تخطئته اهانته، لأن اختيار
الخطاء ان كان للجهل فنسبة الإنسان إلى الجهل إهانة، وان كان مع العلم كانت مخالفة الحق مع العلم
بكونه حقا، من أعظم أنواع المعاصي، وكانت نسبة الإنسان إليه إهانة لله، وإنما قلنا أن إهانة القرشي
غير جائزة، لما روى الحافظ باسناده عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم - يقول: «من يرد هوان قريش أهانه الله» (1).
وروى أيضا باسناده، عن أبي هريرة أن سبيعة بنت أبي لهب جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
فقالت: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ان الناس يصيحون بي، ويقولون: انك ابنة حمالة حطب
النار، فقام - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو مغضب شديد الغضب، فقال: ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي،
فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله (2)، ومن آذى الله كان ملعونا لقوله تعالى: (إن الذين يؤذون الله
ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) (3).

1. مسند أحمد 3: 42، 89، 90، سنن الترمذي 2: 325، المستدرك 4: 74، مناقب الشافعي للبيهقي 1: 61.
2. رشفة الصادي: 106 - 107، أسد الغابة 5: 473، الإصابة 8: 76.
3. الأحزاب: 58.
56

فإذن ظهر وجه الإستدلال ظهورا لا يرتاب فيه عاقل، وكان الحاكم أبو عبد الله الحافظ يقول: يجب
على الرجل أن يحذر من معاندة الشافعي وبغضه وعداوته لئلا يدخل تحت هذا الوعيد (1).
أقول: وقد ظهر أيضا ظهورا لا يرتاب فيه عاقل كفر من خطأ أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين،
والأئمة الطاهرين وأهل البيت المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، وثبت انهم ملعونون في
كتاب الله وعلى لسان نبيه في الدنيا والآخرة، والأخبار متواترة مسطورة في كتبهم وصحاحهم بمنع
أبي بكر وعمر أمير المؤمنين عما يدعيه من فدك والخمس وغيرهما.
وقصارى ما ذكروا في تأويلها وتوجيهها لا تخرج عن تخطئتها لهما ومما يقضى منه العجب، أن
الرازي نفسه خطأ الشافعي في مواضع (من هذه الرسالة) فاستحق اللعن والطرد بمقتضى كلامه
واحتجاجه.
بل نسب إليه ما لا يجوز، وهو أعظم من التخطئة حيث ذكر في عدد الاعتراضات التي أوردها الشافعي
على الإمام مالك، ما هذا لفظه:
ومنها: أخبرنا مالك، عن أبي الزبير، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس أنه سئل عن رجل واقع
أهله وهو محرم بمنى قبل أن يفيض، فأمره أن ينحر بدنة. قال الشافعي وبه نأخذ.
وقال مالك: عليه عمرة وحجة تامة وبدنة.
ورواه عن ربيعة وعن ثور بن زيد عن عكرمة، فهو سيىء القول في عكرمة، ولا يرى لأحد أن يقبل
حديثه، وهو يروي بيقين عن عطاء

1. مناقب الشافعي للرازي: 126.
57

عن ابن عباس خلافه، وعطاء ثقة عنده، وعند الناس.
قال الشافعي: والعجب أنه يقول في عكرمة ما يقول، ثم يحتاج إلى شيء من علمه، يوافق قوله،
فيسميه مرة، ويسكت عنه أخرى، ويروي عن ثور بن زيد، عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى
العرب وغيره، ويسكت عن ذكر عكرمة، وإنما يحدثه ثور عن عكرمة، وهذا من الأمور التي ينبغي
لأهل العلم أن يتحفظوا فيها.
ثم قال الفخر: وأما الاعتراض الثاني: وهو أن مالكا إذا احتاج إلى التمسك بقول عكرمة ذكره، وإذا لم
يحتج اليه تركه، فهذا إن صح من مالك أورث ذلك طعنا في روايته وفي ديانته، ولو كان الأمر كذلك
فكيف جاز الشافعي أن يتمسك بروايات مالك؟ وكيف يجوز أن يقول: إذا ذكرت الأئمة فمالك
النجم.
ولا يخفى أن مقدم القضية الشرطية ثابت بنص الشافعي الذي لا يجوز لأحد التشكيك في صدقه
وأمانته، وصحة أقواله، فثبوت التالي واضح بلا مرية، وأمثال هذا كثير في كلامه.
وقد أبرز هذا الداء الدفين، والانحراف عن الأئمة الطاهرين جماعة من فضلائهم بل يحتج به الدواني
وجعله دليلا على حقية مذهبه.
قال جلال الدين الدواني في شرحه على العقائد العضدية عند ذكر الحديث المعروف: «ستفرق أمتي
ثلاثا وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» عند حصر الماتن الفرقة الناجية في الأشاعرة ما هذا لفظه:
فإن قلت: كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة، وكل فرقة تزعم أنها الناجية؟
58

قلت: سياق الحديث مشعر بأنهم مقتدون بما روى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه، وذلك
إنما ينطبق على الأشاعرة، فإنهم يتمسكون في عقائدهم بالأخبار الصحيحة المروية عنه عليه السلام
وعن أصحابه رضي الله عنهم لا يتجاوزون عن ظواهرها إلا بضرورة، ولا يسترسلون مع عقولهم
كالمعتزلة ومن يحذو حذوهم، ولامع النقل عن غيرهم كالشيعة المتشبثين بما روى عن أئمتهم
لاعتقادهم العصمة فيهم، انتهى.
وزاد حسين الخلخالي في حاشيته على شرح العقائد، وأظهر كمال العداوة والنصب الكائن في صدور
أعيانهم، وأتى بما يدل على صدور الكذب والافتراء والعياذ بالله عن أئمتنا الطاهرين حيث قال: قوله
المتشبثين بما روى عن أئمتهم من غير استنادهم المروي إلى النبي عليه السلام وأصحابه، وذلك
الاتباع منهم لأجل اعتقادهم العصمة في أئمتهم وعدم صدور الكذب والافتراء منهم.
وهذه الحاشية معروفة عندهم، مذكورة في كتاب كشف الظنون ويحتج بقراءتها إبراهيم بن حسن
الكردي، في كتاب «الأمم إلى إيقاظ الهمم»، ثم ان بعض المعاصرين من العامة لكثرة ما شاهد من
الزامات الشيعة، سلك في المقام سبيل الإنصاف واتخذ طريق المداهنة والمساهلة في اظهار مكنون
ضمائر اسلافه فقال في كتابه المسمى ب‍ «حل المعاقد» في شرح العقائد، قوله: كالشيعة الخ.
ههنا اختلاج فإنه إن أراد أن الشيعة يتبعون الأئمة الذين هم عترة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لكونهم
مجددي دين، لا لأنهم ناقلوه عن ناقل الدين فهو
59

افتراء، وإن أراد أن الشيعة يتبعون الأئمة لأنهم نقلوا الدين، وهم عدول الأمة حتى أثبتوا العصمة لهم.
فالطعن إما لعدم كون الأئمة عليهم السلام عدولا، فهو تزلزل الإيمان، أو لعدم صحة الاتباع بالأئمة،
وان كانوا عدولا فهو ترجيح بلا مرجح، فإن معاشر الأشاعرة إنما يتبعون الأشعري، والشافعي لأنهما
ناقلا الدين، عادلين فلا فرق فتدبر.
والعجب من كلام الدواني، ما ذكره محققهم الملقب بشيخ الإسلام، أعني ابن تيمية حيث نسب اتباع
أخبار الأئمة عليهم السلام إلى الضلال وشنع غاية التشنيع على اعتقاد حجية اجماعهم، واتحاد قولهم
مع قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في المنهاج:
وأما الفقه، فهم يعني الشيعة من أبعد الناس عن الفقه، وأصل دينهم في الشريعة هي مسائل ينقلونها
عن بعض علماء أهل البيت كعلي بن الحسين، وابنه أبي جعفر، وابنه جعفر بن محمد، وهؤلاء رضي
الله عنهم من أئمة الدين وسادات المسلمين لكن لا ينظرون في الإسناد إليهم هل يثبت إليهم أم لا فإنه
لا معرفة لهم بصناعة الحديث والإسناد.
ثم ان الواحد من هؤلاء إذا قال قولا لا يطلب دليله من الكتاب والسنة ولا ما يعارضه، ولا يردون ما
تنازع فيه المسلمون إلى الله والرسول كما أمر الله ورسوله بل قد اصلوا لهم ثلاثة أصول:
أحدها: أن هؤلاء معصومون.
والثاني: أن كل ما يقولونه فإنه نقل عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
60

والثالث: أن إجماع العترة حجة، وهؤلاء هم العترة، فصاروا لذلك لا ينظرون إلى دليل ولا تعليل.
قال: وإن كانت المسألة مما انفردوا بها اعتمدوا على الأصول الثلاثة التي فيها من الجهل والضلال ما لا
يخفى.
وكم لهذا الناصب العنيد من نظائر هذا الكلام لعلك ستطلع على بعضها في تضاعيف المباحث.
والإنصاف أن هذا النصب والعداوة مما توارثوا بينهم، وورثه خلفهم عن سلفهم ومتأخرهم عن
متقدمهم، فإنهم لم يزالوا منحرفين عن العترة الطاهرة - عليهم السلام - ومتخلفين عن سفينة نجاة الأمة.
هذا إمامهم الأعظم ومجتهدهم الأقدم أبو حنيفة مع أنه حكى عنه ملك العلماء في كتاب «هداية
السعداء» من شدة اعتقاده بالعترة الطاهرة - عليهم السلام - وانخفاضه لهم، قد وقع منه مع أبي عبد الله
الصادق صلوات الله عليه ما وقع مما يكشف عن بطلان ما نسبوه إليه من المودة والموالاة.
قال في «هداية السعداء» في شرح «ذخائر العقبى» في مناقب أولى القربى، قال: القاضي عز الحق
والدين الزرندي المدني الحنفي: نقل عن أبي حنيفة الكوفي: أنه مر يوما في سكة من سكك بغداد
فرأى بعض أولاد السادات يلعب بالجوز، فنزل من بغلته وأمر أصحابه بالنزول ومشي أربعين خطوة
ثم ركب وتوجه إلى أصحابه فقال: من جال في قلبه، أو من ظهر على لسانه أنه خير من صبي أو من
غلام من أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو عندي زنديق.
وهذه الحكاية المرسلة وإن كانت آثار الوضع عليها لائحة لكنها حجة عليه وعلى أتباعه.
61

ذكر قاضي القضاة أبو المؤيد محمد الخوارزمي في «جامع مسانيد أبي حنيفة» ما هذا لفظه:
«أبو حنيفة قال: جعفر بن محمد أفقه من رأيت، ولقد بعث إلي أبو جعفر المنصور، أن الناس قد فتنوا
بجعفر بن محمد; فهيأ له مسائل شدادا.
فلخصت أربعين مسألة وبعثت بها إلى المنصور بالحيرة، ثم أبرد إلي فوافيته على سريره وجعفر بن
محمد عن يمينه فوجدت من جعفر هيبة لم أجدها من المنصور.
فأجلسني ثم التفت إلى جعفر قائلا يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة، فقال: نعم أعرفه.
ثم قال المنصور: سله ما بدا لك يا أبا حنيفة، فجعلت أسأله ويجيب الإجابة الحسنة، ويفحم حتى
أجاب عن أربعين مسألة.
فرأيته أعلم الناس باختلاف الفقهاء، فلذلك أحكم أنه أفقه من رأيت، أخرجه الحافظ طلحة بن
محمد في مسنده عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد، عن جعفر بن محمد بن الحسين
الحازمي، عن أبي نجيح إبراهيم بن محمد عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة» (1).
وأمثال هذا وان كانت كثيرة في كتب الإمامية أيدهم الله وأخبارهم الصحيحة مفصحة عنها، إلا أن
العامة يحكمون بوضعها وبطلانها، وفي هذه الحكاية المسندة المعتبرة وجوه من الدلالة على خبث
سريرة الإمام الأعظم.

1. جامع المسانيد للخوارزمي 1: 222 - 223، المناقب للموفق بن أحمد: 173، سير أعلام النبلاء 6: 257.
62

ومنها: أنها تدل على أنه قصد بهذا الأمر الشنيع أن ينصرف وجوه الناس عن أبي عبد الله - عليه السلام -
وينفضوا من حوله ويصير - عليه السلام - خفيفا في أعينهم منحط الشأن عندهم واضح الجهل لديهم.
فإن المنصور لما رأى افتنان الناس به وانهماكهم في حسن الإعتقاد به طلب من أبي حنيفة مسائل
مشكلة ليصرف قلوب الناس عنه وبعث إليه أن الناس قد فتنوا بجعفر فهيأ له كذا فلخص له تلك
المسائل وبعث بها إليه ثم شافهه - عليه السلام - بها.
وفيه من الوجوه الدلالة على ضلالته وكفره مالا يخفى وقد عرفت سابقا في الجملة حال إهانة الذرية
العلوية بل يكفي في المقام أخبارهم المروية المتضمنة للذم واللوم على معاداة آحاد الناس وحسدهم
وترك النصيحة لهم.
ومنها: أنها تدل على أنه اعتقد عجز الإمام عليه السلام عن أسئلته، وأنه يفحم بمسائل أعدها وهيأها
مع قلة باعه في العلوم وعدم اشتغاله بمقدمات الفقه من العربية والنحو واعراضه عن الحديث، وغاية
بعده عن الروايات وعدم معرفته بما يعرفه أجلاف الأعراب.
مع أن علومهم لدنية ومعارفهم ربانية، وهذه المعارضة نظير معارضة يحيى بن أكثم المأبون قاضي
المأمون غير المأمون الذي هو من أفاضل قضاتهم وأعاظم ثقاتهم وأماثل هداتهم مع العسكري - عليه
السلام - وقصده الزامه وافحامه كما يعلم من المراجعة إلى كتب الخاصة والعامة، وممن أوردها منهم ابن
حجر المكي المتأخر المتعصب الباهت في الصواعق.
ومنها: أنها تدل على أنه من الصادين عن سبيل الله، إذ لا يخلو الأمر في الواقع من أن يكون معتقدا في
حق الإمام 7 أنه يدعو الناس والعياذ بالله إلى غير
63

دين الله ويرشدهم إلى غير أحكام الله، فأراد صرف قلوبهم عنه فهو أشد ضلالة من النواصب
والخوارج.
ويكفي في شناعة هذا الاعتقاد وضلالته وكفر صاحبه ما ملأت العامة به كتبهم ودساتيرهم وشحنوا به
دفاترهم وطواميرهم أو يعتقد أنه يدعوهم إلى الحق المبين ومع ذلك أراد صرفهم عنه فهو من
الملحدين بآيات الله والصادين عن سبيل الله أو يكون شاكا في ذلك فكذلك وعلى كل حال لا يخرج
من كونه صادا عن دين الله على جميع التقادير الثلاثة، إذ المدار في الصد على نفس الأمر، دون الاعتقاد
فيصير مصداقا لقوله تعالى (الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله
ويبغونها عوجا) (1).
ولمثل هذا ولظاهره حكم الإمام - عليه السلام - بأنه من الصادين، على ما رواه ثقة الإسلام أبو جعفر
الكليني في جامعه الكافي عن سدير، قال: سمعت أبو جعفر - عليه السلام - وهو داخل، وأنا خارج وأخذ
بيدي ثم استقبل القبلة فقال: يا سدير إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار، فيطوفوا بها ثم يأتونا
فيعلمونا ولايتهم لنا، وهو قول الله تعالى (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) (2).
ثم أومئ بيده إلى صدره، إلى ولايتنا، ثم قال: يا سدير أفأراك الصادين عن دين الله؟ ثم نظر إلى أبي
حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان، وهم حلق في المسجد، هؤلاء الصادين عن دين الله بلا هدى
من الله أو كتاب مبين (3).
ومما يقضى منه العجب أن بعضهم ذكر أن أبا حنيفة استشهد في طريق

1. إبراهيم: 4.
2. طه: 82.
3. أصول الكافي كتاب الحجة 1: 392 - 393 باب: ان الواجب على الناس بعد ما تفيضون مناسكهم ان يأتوا الامام، ح
3.
64

محبة مولانا الصادق - عليه السلام -، قال محمود القادري في كتاب حياة الذاكرين: قيل أن رجلا أتى أبا
حنيفة رحمة الله عليه وقال: أخي توفي وأوصى بثلث ماله لإمام المسلمين، إلى من أدفع؟
فقال له أبو حنيفة: أمرك بهذا السؤال أبو جعفر الدوانيقي وكان يبغض أبا حنيفة كبغض جماعة من
أشقياء بلدنا الإمام الشافعي، فحلف السائل كذبا أنه ما أوفى بهذا السؤال، فقال: أبو حنيفة: ادفع الثلث
إلى جعفر بن محمد الصادق فإنه هو الإمام الحق، انتهى.
وذكر صاحب كتاب غرة الراشدين: أن هذه الفتوى صارت سببا لحبه، أقول: ولا أدري كيف جمع أبو
حنيفة بين هذا التصديق والاعتراف وذاك التخلف والانحراف وبين هذا الاقرار والالتزام وذاك
الإعراض في جميع العقائد والأحكام وما قصده من الإفحام والإلزام.
اللهم إلا أن يقال: لا غرو، فقد جمع بين الإذعان بنبوة سيد المرسلين والمخالفة في أربعمائة مسألة من
مسائل الدين وقد ثبت بحمد الله زندقته وكفره باعترافه.
حيث انه إذا كان من جال في قلبه أنه خير من صبي من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - زنديقا،
بمقتضى صريح ما حكى من كلامه، فكيف حال من قصد الالزام والإفحام لأئمة الأعلام من أهل
البيت - عليهم السلام -، وبالجملة فشنائعه أكثر من أن تسطر وأشهر من أن تذكر، وقد]... [(1)
فيها رسالة مفردة حتى أن حجة الإسلام الغزالي مع احترازه عن لعن يزيد

1. بياض في الأصل.
65

عليه لعائن الله واحتياطه وتورعه، حكى في كتاب المنخول (1): أن أئمة السلف والخلف يلعنون
أبا حنيفة.
ولنختم هذا الأمر بكلام للناصب العنيد والمغصب الجحيد ابن روزبهان، قال في صدر كتابه: ومن
الغرائب أن هذا الرجل يعني العلامة وأمثاله ينسبون مذهبهم إلى الأئمة الاثني عشر - صلوات الله عليهم -
أجمعين وهم صدور إيوان الاصطفاء وبدور سماء الاجتباء، ومفاتيح أبواب الكرم، ومجاديح هواطل
النعم، ليوث غياض النبالة، وغيوث رياض الأبالة، وسباق مضامير السماحة، وخزان نقود الرماحة،
والأعلام الشوامخ في الإرشاد والهداية، والجبال الرواسخ في الفهم والدراية، وهم كما قلت فيهم:

1. المنخول في الأصول: قال السبكي: إنه، أي الغزالي، ألفه في حياة أستاذه امام الحرمين، والكتاب رد على أبي حنيفة
نعمان، وأول من أشار إلى أن الكتاب لا يمكن أن يكون للغزالي هو ابن حجر الهيتمي في كتابه: «الخيرات الحسان في
مناقب النعمان» حيث قال:
اعلم، أن بعض المتعصبين ممن لم يمنح توفيقا جاءني بكتاب منسوب للإمام الغزالي، فيه من التعصب الفظيع والحط
الشنيع على امام المسلمين وأوحد الأئمة المجتهدين أبي حنيفة رحمه الله ما تصم عنه الآذان.
وقال عبد الرحمن بدوي في كتابه «مؤلفات الغزالي»: مخطوط «المنخول» في دار الكتاب المصرية، برقم 188، 600،
وعلى صفحة العنوان: هذا كتاب المنخول في الأصول، لحجة الإسلام الغزالي.
وقال في «الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية»: رأيت رسالة له - للعمادي الكردري صاحب كتاب مناقب النعمان - في
الرد على منخول للإمام الغزالي المشتمل على التشنيع القبيح على الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. أنظر: الجواهر المضيئة
2: 82، الخيرات الحسان: 4، الفوائد البهية: 16، ومؤلفات الغزالي: 7 - 16.
66

شم المعاطس من أولاد فاطمة * علو رواسي طود الغر والشرف
فاقوا العرانين في نشر الندى كرما * بسمح كف خلا من هجنة السرف
تلقاهم في غداة الروع إذ رجفت * أكتاف اكفائهم في رحبة التلف
مثل الليوث إلى الأهوال سارعة * حماسة النفس لا ميلا إلى الصلف
بنو علي وصي المصطفى حقا * أخلاف صدق نموا من أشرف السلف
وقال في موضع آخر عند ذكر العلامة رحمه الله: نبذا من فضائل أهل البيت من طرق العامة ما هذا
لفظه: ما ذكر من فضائل آل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها وعلى سائر آل محمد والسلام، أمر
لا ينكر فإن الإنكار على البحر برمته، وعلى البر بسعته، وعلى الشمس بنورها، وعلى الأنوار
بظهورها، وعلى السحاب بجوده، وعلى الملك بسجوده انكار لا يزيد المنكر إلا الاستهزاء به، ومن
هو قادر على أن ينكر على جماعة هم أهل السداد وخزان معدن النبوة وحفاظ آداب الفتوة صلوات الله
وسلامه عليهم، ثم ذكر قصيدة مشتملة على التسليم على النبي وآله بأسمائهم إلى خاتم الأوصياء
صلوات الله عليهم.
أقول: ومن الغريب استغرابه لانتساب الإمامية إلى الأئمة الاثني عشر، فإنه لم تكن الإمامية مع افناء
أعمارهم في تتبع أحاديث الأئمة
67

وأخبارهم، المنتسبين إليهم، فهل يجوز لجاهل أن ينسب أبا حنيفة وسفيان الثوري إليهم؟ أو ينسب
مصنفوا صحاح العامة إليهم مع انحرافهم عنهم؟
هذا أجلهم البخاري، قالوا في حقه: أنه استراب في حق الإمام الصادق! فلم يرو له ولم يحتج بخبره،
ولم ير حديثه لائقا بالإيداع في صحيحه السقيم، وبالجملة فالفكر فيهم طويل والتعجب منهم غير
قليل.
68

الأمر الثاني: يحيى بن سعيد القطان (1)
في بيان حال القطان الفتان الذي تفوه بذلك الهذيان فتبعه البخاري، وتوضيح أنه من سادة العامة
وكبرائهم وقادتهم وعظمائهم، وأن أئمتهم إليه ينتسبون وبه ينتمون وينتهون.
فإذا تبين انحرافه عن أهل البيت - عليهم السلام - ثبت انحراف عظمائهم الأعلام، فنقول:
قال النووي في تهذيب الأسماء: يحيى بن سعيد القطان هو أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ
التميمي مولاهم البصري القطان، الإمام من تابعي التابعين، سمع يحيى بن سعيد الأنصاري، وحنظلة
بن أبي سفيان، وابن عجلان، وسيف بن سليمان، وهشام بن حسان، وابن جريج، وسعيد بن أبي
عروبة، وابن أبي ذوئيب، والثوري، وابن عيينة، ومالكا، ومسعرا، وشعبة، وخلائق وغيرهم.
وروى عنه الثوري وابن عيينة، وشعبة، وابن مهدي، وعفان، وأحمد بن

1. طبقات ابن سعد 7: 293، تاريخ خليفة: 468، طبقات خليفة: رقم 1909، التاريخ الكبير 8: 276، التاريخ الصغير 2: 283،
الجرح والتعديل 9: 150، حلية الأولياء 8: 380، تاريخ بغداد 14: 135، تهذيب الأسماء واللغات 2: 134، سير أعلام النبلاء
9: 175 رقم 53، تذكرة الحفاظ 1: 298، الكاشف 3: 256، العبر 1: 327، تهذيب التهذيب 11: 16، طبقات الحفاظ: 125،
شذرات الذهب 1: 355.
69

حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو
خيثمة، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومسدد، وعبيد الله بن عمر القواريري، وعمرو بن علي، وابن مثنى،
وابن بشار، وخلائق من الأئمة وغيرهم.
واتفقوا على إمامته وجلالته، ووفور حفظه وعلمه وصلاحه، قال أحمد بن حنبل: ما رأيت مثل يحيى
القطان في كل أحواله.
وقال يحيى بن معين: أقام يحيى القطان عشرين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة، ولم يفته الزوال
في المسجد أربعين سنة، وما رؤي يطلب جماعة قط نوى ما فاتته فيحتاج إلى طلبها.
وقال أحمد بن حنبل: يحيى القطان إليه المنتهى في الثبت بالبصرة، وهو أثبت من وكيع، وابن مهدي،
وأبي نعيم، ويزيد بن هارون، وقد روى عن خمسين شيخا ممن روى عنهم سفيان، قال: لم يكن في
زمان يحيى مثله.
وقال أبو زرعة: هو من الثقات الحفاظ.
وقال يحيى بن معين: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: لا ترى بعينك مثل يحيى القطان.
وقال ابن منجويه: كان يحيى القطان من سادات أهل زمانه حفظا وورعا، وفقها وفضلا ودينا وعلما،
وهو الذي مهد لأهل العراق رسم الحديث، وأمعن في البحث عن الثقات، وترك الضعفاء.
وقال بندار: كتب عبد الرحمن بن مهدي عن يحيى القطان ثلاثين ألفا وحفظها.
70

وقال زهير: رأيت القطان بعد وفاته وعليه قميص مكتوب بين كتفيه: بسم الله الرحمن الرحيم براءة
ليحيى بن سعيد من النار، وقال ابن سعد: توفي يحيى القطان في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة، وكان
مولده سنة عشرين ومائة، (1).
وقال السمعاني في الأنساب: القطان بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة في آخرها نون، هذه النسبة
إلى بيع القطن، والمشهور بها هو أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ الأحول القطان مولى بني تميم
من أئمة أهل البصرة.
يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وروى عنه أهل العراق، مات يوم الأحد سنة
198 ه‍ وكان إذا قيل له في علته يعافيك الله، قال: أحبه الي أحبه إلى الله عزوجل، وسرد جملة من
الأكاذيب السابقة، إلى أن قال: ذكر عمرو بن الفلاس: أن يحيى بن سعيد القطان كان يختم القرآن في
كل ليلة، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة (2).
وذكره الذهبي في الكاشف وأثنى عليه (3)، وحكى عن بندار: أنه قال: امام أهل زمانه يحيى
القطان (4)، واختلف اليه عشرين سنة فما أظن أنه عصى الله قط، وذكره في حاشية الكاشف واثنى
عليه ببعض ما تقدم ومثله.
وذكره محمد بن حبان في كتاب الثقات ومدحه بأمثال ما تقدم، قال: وصلى عليه إسماعيل بن جعفر
بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وهو أمير البصرة.

1. تهذيب الأسماء واللغات 2: 154 - 155 رقم 243.
2. الأنساب للسمعاني 4: 519.
3. الكاشف 3: 256.
4. سير أعلام النبلاء 9: 177.
71

وذكره اليافعي في مرآة الجنان (1)، وأثنى عليه ببعض ما ذكر، وكذا الشيخ عبد الحق في المشكاة
وغيرهم، وقد تقدم في الأمر الثاني كلام الذهبي وثنائه عليه وعرفت في كلامه أن يحيى بن معين
وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، وأبو خيثمة تلامذة القطان، وأن أبا
زرعة وأبا حاتم والبخاري ومسلما وأبا إسحاق الجوزجاني تلامذته.
والغرض من هذا كله ضعف ما أجاب به بعض متأخري العامة من أن أهل السنة ليسوا منحصرين في
القطان والبخاري حتى يثبت من انحرافهما انحرافهم، مع أنهما ليسا بشيء في جنب العلماء الذين
اعتمدوا على أقوال الأئمة الطاهرين من أهل السنة والجماعة.
ووجوه الضعف والفساد في هذا الكلام أظهر من أن ينبه عليه، ولنقصر في الكلام في الوجه الأول من
وجوه الطعن في البخاري على هذا المقدار وهو واف في اثبات المرام من ضلالته بانحرافه عن الإمام
الصادق - عليه السلام - وعدم الإحتجاج بأخباره وعدم اخراج رواياته في كتابه، وعدم اطمينانه بصدق
لهجته والعياذ بالله.
وإذ انضاف إلى ذلك ما سيأتي من وجوه القدح من كتابه من احتجاجه بروايات جماعة من الكذابين
والوضاعين والخوارج ممن قدح فيهم علماء الرجال من العامة إذ دار الأمر وضوحا وظهورا، وان لم
يهتد به من لم يجعل الله له نورا.

1. مرآة الجنان لليافعي 1: 459.
72

الأمر الثالث: اعتقاد البخاري بخلق القرآن
أنه كان قائلا بخلق اللفظ بالقرآن وهو ضلال وبدعة عند أكثر العامة، وكان قائلا بأن الإيمان مخلوق،
وحال القائل به أيضا كسابقه بل أفظع، ولذلك أخرجوه من بخارا، وخرج من نيسابور وتركه أبو زرعة
وأبو حاتم، وشنعا عليه (1)، ونهى محمد بن يحيى الذهلي عن الحضور عنده، وقال: من يحضر
عنده فلا يجالسنا ولا يحضر مجلسنا، فتركه المحدثون وانقطع عنه المختلفون اليه، فلما بلغه التشنيع
الذهلي عليه قال: حمله على ذلك الحسد على ما رزقني الله من العلم، ومع ذلك روى عن الذهلي في
صحيحه ولكن باخفاء وتدليس في اسمه وسيتضح ذلك كله.
فإن قلت: ألستم، يقولون: أن الرجل إذا كان فاسد العقيدة لكن كان صحيح النقل مثبتا في خبره بحيث
لا يحدث إلا عن ثقة يجوز الاحتجاج بخبره ويصح الاعتماد على روايته؟
وذكرتم أن جماعة من أرباب الأصول الأربعمائة وغيرها ينتحلون المذاهب الفاسدة لكن اعتمدنا
على روايتهم لأنهم رووها في حال استقامتهم، أو لأنهم كانوا ثقات في النقل.
واستندتم إلى ما روى في حق كتب بني فضال حيث أنه سئل

1. وقد تركه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيين عند قدومه بالري.
73

العسكري عليه السلام عن كتبهم؟ فقال - عليه السلام -: خذوا ما رووا وذروا ما رأوا.
فإذن ذهب ما توحشته في اثبات كون البخاري مبدعا هدرا، فإنه صحيح النقل وان كان فاسد العقيدة،
على أن ما حكى من القول السابق مما وافق فيه الإمامية، فلم تنقمونه عليه وتحكمون بفساد اعتقاده؟
فإذن ما أديتم في اثبات مدعاكم إلى ركن شديد، حيث لم يثبت به فساد في عقيدته ولا خلل في
روايته.
قلت: لسنا نحن الآن بصدد اثبات اختلال أخباره وضعف أحاديثه ايطالا للأمر على ما سيأتي بل بصدد
اثبات فساده في نفسه واختلال عقيدته ولو على مقتضى مذهبهم حيث أن الغرض الزام العامة.
ولا شبهة في أن اثبات اختلاله على أصولهم وقواعدهم أدخل في هذا المرام مضافا إلى فوائد أخر
ستعرفها في طي التفصيل.
منها: ثبوت حسد بعض كبرائهم على بعض وتضليل بعضهم بعضا وتكفيره، قبالا لما أورده الناصب
الشقي نصر الله الكابلي في الصواقع: حيث أنه من الوجوه العقلية على فساد مذهب الإمامية وعدم
جواز الاعتماد على أخبارهم، ان بعض قدمائهم وكبرائهم كهشام بن الحكم ضلل بعض أجلائهم
كهشام بن سالم ومؤمن الطاق على ما نسبه إلى النجاشي فلا يثبت بخبرهم حكم.
ونحن الآن نسرد عليك بعض ما ذكروه مما يتعلق بهذه الواقعة، قال العلامة المحدث ابن حجر
العسقلاني في مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري، ما هذا لفظه قال: حاتم بن أحمد بن محمود:
سمعت
74

مسلم بن الحجاج يقول: لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت عالما ولا واليا فعل به أهل
نيسابور ما فعلوا به فاستقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث فقال محمد بن يحيى الذهلي في
مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غدا فليستقبله فإني استقبله، فاستقبله محمد بن
يحيى وعامة علماء نيسابور فدخل البلد فقال: محمد بن يحيى لا تسألوه عن شيء من الكلام، فإن
أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه وشمتت بنا كل اباحتي وجهمي ومرجئي بخراسان.
فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل حتى امتلأت الدار والسطوح فلما كان اليوم الثاني أو الثالث
من قدومه قام رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن؟ فقال: لفظي بالقرآن مخلوق; وقال بعضهم: لم يقل،
فوقع بينهم في ذلك اختلاف حتى قام بعضهم إلى بعض فاجتمع أهل الدار فاخرجوهم.
وقال ابن حجر أيضا: قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخه: قدم البخاري بنيسابور سنة خمسين
ومائتين، فأقام بها مدة يحدث على الدوام، قال سمعت محمد بن حازم البزار يقول: سمعت الحسن
بن محمد بن جابر يقول: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم
فاسمعوا منه، قال: فذهب الناس اليه واقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن
يحيى، قال: فتكلم فيه، وقال أيضا:
وقال أبو أحمد بن عدي ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور واجتمع
الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت، فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن، مخلوق هو أو
غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ثلاثا، فالح عليه، فقال
75

البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة، فشغب الرجل
وقال: قد قال: لفظي بالقرآن مخلوق (1).
وقال أيضا الحاكم: لما وقع بين البخاري وبين محمد بن محمد بن يحيى في مسألة اللفظ انقطع الناس
عن البخاري إلا مسلم بن الحجاج، وأحمد بن سلمة، فقال الذهلي: ألا من قال باللفظ فلا يحضر
مجلسنا.
وقال أيضا: قال الحاكم أبو عبد الله: سمعت محمد بن صالح بن هاني يقول: سمعت أحمد بن سلمة
النيسابوري يقول: دخلت على البخاري فقلت: يا أبا عبد الله أن هذا الرجل مقبول بخراسان خصوصا
في هذه المدينة وقد لج في هذا الأمر حتى لا يقدر أحد منا ان يكلمه فيه فما ترى؟ قال: فقبض على
لحيته ثم قال: (وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد) (2) اللهم إنك تعلم اني لم أرد المقام
بنيسابور] اشراء ولا بطرا، ولا طلبا [(3) للرياسة وإنما أبت نفسي إلى الرجوع إلى الوطن لغلبة
المخالفين، وقد قصدني هذا الرجل حسدا لما أتاني الله لا غير، ثم قال لي: يا أحمد اني خارج غدا
لتختلصوا من حديثه لأجلي (4).
وقال الحاكم أيضا عن الحافظ أبي عبد الله بن الأخرم قال: لما قام مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة
في مجلس محمد بن يحيى بسبب البخاري قال

1. مقدمة فتح الباري: 491.
2. المؤمن: 48.
3. ما بين المعقوفتين بياض في الأصل.
4. سير أعلام النبلاء 12: 495.
76

الذهلي: لا يساكنني هذا الرجل في البلد، فخشي البخاري وسافر (1).
وقال أيضا: قال أبو حامد الشرقي (2) سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: القرآن كلام الله تعالى
غير مخلوق ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجالس ولا يكلم، ومن ذهب بعد هذا إلى
محمد بن إسماعيل فاتهموه، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مذهبه (3).
وقال تاج الدين عبد الوهاب السبكي في طبقات الشافعية في ترجمة البخاري: وقال أبو حامد
الشرقي (3) رأيت البخاري في جنازة سعيد بن مروان والذهلي يسأله عن الأسماء والكنى والعلل
ويمر فيه البخاري مثل السهم فما أتى على هذا شهر حتى قال الذهلي: ألا من يختلف إلى مجلسه فلا
يأتنا، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه يتكلم في اللفظ، ونهيناه فلم ينته فلا تقربوه.
قلت: وكان البخاري على ما روى وسنحكي ما فيه ممن قال لفظي بالقرآن مخلوق، وقال محمد بن
يحيى الذهلي من زعم أن لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجالس ولا يكلم، ومن زعم أن القرآن
مخلوق فقد كفر!
ثم اعلم أن علماء السنة فتحوا لتخليص البخاري من البدعة والضلالة أبوابا من صنوف الاحتيال
ووقفوه بغرائب الهفوات وتكلموا بعجائب الخرافات; منهم: علامتهم السبكي في الطبقات،
وحاصل جميع ما ذكره في دفع هذا الطعن وجوه ثلاثة:

1. المصدر السابق 12: 460 عن مقدمة فتح الباري: 492.
2. وفي «السير» الأعمشي 12: 455. 3. مقدمة الفتح: 491 - 492.
3. في «السير» الأعمشي.
77

الأول: أن الذهلي والبخاري كانا في هذه المسألة على رأي واحد وعقيدة متحدة إذ كيف يظن بالذهلي
اعتقاد ان اللفظ الخارج من بين شفته المحدثين قديم، وهو قول لا يشهد له معقول ولا منقول، ومن
زعمه فقد باء باثم عظيم.
وإنما أراد الذهلي النهي عن الخوض في مسائل الكلام والافصاح بهذا القول خشية أن يجر الكلام إلى
ما لا ينبغي كما أن نهي الإمام أحمد بن حنبل أيضا عن القول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق منزل على ما
ذكر.
وكلام البخاري عندنا محمول على ذكر ذلك عند الاحتياج فالكلام عند الاحتياج واجب والسكوت
عنه عند عدم الاحتياج سنة، وكيف يظن بالبخاري أنه يذهب إلى شيء من أقوال المعتزلة فضلا عن
الجهمية؟
وقد صح عنه أنه قال: إني لاستجهل من لا يكفر الجهمية، ومع ذلك فقد حكم الذهبي برجوع كلام
البخاري إلى قول الجهمية وهم شر من المعتزلة.
الثاني: أن الذهلي حمله الحسد على الوقيعة في البخاري! قال: ولا يرتاب المنصف في أن الذهلي
لحقه الحسد التي لم يسلم منها إلا أهل العصمة وقد سأل بعضهم البخاري عما وقع بينه وبين الذهلي
فقال البخاري: كم يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم، والعلم رزق الله يعطيه من يشاء.
الثالث: أن البخاري ما افصح بهذا القول فإنه قد ثبت أنه لما قال له أبو عمرو الخفاف أن الناس قد
خاضوا في قولك: «لفظي بالقرآن مخلوق» قال: يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك، من زعم من أهل
نيسابور وقومس والري وهمدان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقران
مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة، قال يعني اني ما
78

قلت ذلك الكلام لأنه خوض في صفات الله ولا ينبغي الا للضرورة ولكني قلت: أفعال العباد مخلوقة
وهو قاعدة مغنية عن التخصيص في هذه المسألة بالذكر، فان كل عاقل يعلم أن لفظنا من جملة أفعالنا
وأفعالنا مخلوقة، ولقد أفصح بهذا المعنى في رواية أخرى صحيحة عنه، رواها حاتم بن أحمد
الكيدري، فقال: سمعت مسلم بن الحجاج إلى آخر ما تقدم في كلام ابن حجر (1).
أقول: وفساد هذه الوجوه مما لا يخفى على ذي مسكة.
أما الأول: قلنا: فإنه تصريح ما حكى عن الذهلي أنه قال: من ذهب إلى محمد بن إسماعيل فاتهموه،
فإنه لا يحضر مجلسه الا من كان على مذهبه، وهل يمكن صرف هذا الكلام إلى ما هجر به السبكي؟
مضافا إلى ما هو صريح سائر الكلمات المتقدمة المنقولة عن الذهلي من تضليل البخاري والحكم بأنه
مبتدع والنهي عن الحضور عنده وغير ذلك، وكذا ما تقدم منه سابقا من استناده إلى ما كتبوا اليه من
بغداد.
وأما الثاني: ففيه أولا: أنه ينافي ظاهر ما حكى عن الذهلي من ترويجه للبخاري وأمر الناس
باستقباله عند قدومه، ثم أمرهم بالسماع منه ووصفه بالرجل الصالح، ونهيه الناس عن السؤال منه في
الكلام، لئلا يقع بينه وبين معاشرته معه بأحسن ما يكون، حتى ظهر من البخاري ما ظهر.
وكتبوا إلى الذهلي من بغداد ما كتبوا; ولو كان الذهلي حسودا لما وقع منه بعض هذا الأمور! بل كان
يأمر بالسؤال عنه في الكلام حتى لا يقبل أحد اليه مع أنه نهى عن ذلك، وقال: لا تسألوا عنه في الكلام
كما تقدم، مضافا إلى ما ذكروا

1. طبقات الشافعية 2: 228.
79

في حق الذهلي من المحامد العظيمة والمناقب الفخيمة، وأنه من أجلة شيوخ البخاري وأبي داود
والترمذي وابن ماجة والنسائي أصحاب الصحاح كما في تراجم الحفاظ.
وقال الصفدي في الوافي بالوفيات: محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الإمام الذهلي
مولاهم النيسابوري الحافظ، سمع من خلق كثير روى عنه الجماعة خلا مسلم.
قال: ارتحلت ثلاث رحلات وأنفقت مائة وخمسين ألفا.
قال النسائي: ثقة مأمون، قال أبو عمرو الخفاف: رأيت محمد بن يحيى في المنام فقلت ما فعل الله
بك؟ قال: غفر لي، قلت: ما فعل بحديثك؟ قال: كتب بماء الذهب ورفع في عليين.
وقال الذهبي في الكاشف: محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي أبو عبد الله
النيسابوري الحافظ، عن ابن مهدي وعبد الرزاق وأحمد وإسحاق وعنه (خ) أي البخاري، والأربعة،
وابن خزيمة، وأبو عوانه، وأبو علي الميداني.
ولا يكاد البخاري يفصح باسمه لما وقع بينهما! قال ابن أبي داود: حدثنا محمد بن يحيى وكان أمير
المؤمنين في الحديث.
وقال أبو حاتم: هو امام أهل زمانه توفي 258 ه‍ وله ست وثمانون.
وفي حاشية الكاشف روى عنه (خ) البخاري في صحيحه، فتارة يقول: حدثنا محمد فلا ينسبه،
وتارة يقول: حدثنا محمد بن عبد الله فينسبه إلى جده، وتارة يقول: حدثنا محمد بن خالد فينسبه إلى
جد أبيه ولم يقل في موضع
80

منها حدثنا محمد بن يحيى، ثم قال: قال ابن أبي حاتم: ثقة صدوق امام (1).
وقال النسائي: ثقة مأمون إلى غير ذلك مما ذكروه في حقه من جلائل الأوصاف.
وثانيا: ان هذه المعاندة، والمباغضة، واللداد، والحسد، سيما على العلم والحديث الذي هو من
رزق الله تعالى يعطيه من يشاء على ما نص عليه البخاري، مما يوجب الفسق والفجور، والضلال
سيما بملاحظة منشأه، وهو حب الرياسة، والشهرة، والتفرد بالأمر الذي نسبوه إلى الذهلي.
ومع ذلك كيف روى عنه البخاري في صحيحه واحتج بحديثه مع شهادته عليه بما سمعت!؟ وقد بلغ
من احتياطه! أنه والعياذ بالله، لم يحتج بخبر الأمام الصادق صلوات الله عليه، كما سمعت لما بلغه عن
يحيى بن سعيد.
ثم انه دلس في كتابه بأن لم يفصح باسم الذهلي (2) مع أنه معتمدا، ثقة، في الحديث عند البخاري،
فلا وجه لاخفاء اسمه إلا الحسد والبغض، كما ذكر الذهبي أن منشاءه ما كان بينهما، وان لم يكن ثقة
فاخفاء اسمه تدليس وخيانة صريحة، حتى يظن أنه غير الذهلي وأنه رجل موثوق به مسكون إلى
قوله (3).
وثالثا: بعد تسليم أن ما وقع من الذهلي وقع حسدا وبغضا للبخاري، وكذا ما وقع من البخاري نقول:
يثبت بذلك سقوط أخبارهما جميعا عن درجة

1. سير أعلام النبلاء 10: 379، رجال صحيح البخاري 2: 1122، تاريخ الإسلام سنوات 251 - 260 ص 342.
2. إكمال مبهمات البخاري لابن حجر: 76، طبقات المدلسين له أيضا: 24 رقم 23، تبيين أسماء المدلسين لابن العجمي
: 77 رقم 64.
3. وقد فصلنا البحث في ذلك في كتابنا: «الامام البخاري وصحيحه الجامع».
81

الاعتبار بناء على ما ذكره الكابلي في الصواقع حيث قال في بيان الأدلة العقلية على بطلان مذهب
الإمامية.
ورابعا: أن قدماءهم وقدوتهم ورواة الأخبار من الأئمة من الثقات الذين أخذوا عنهم الأصول
والفروع يكذب بعضهم بعضا كهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي وصاحب الطاق فان كلا
منهم ادعى الرواية عن علي بن الحسين وابنه محمد بن علي الباقر وابنه جعفر الصادق وأخذ المذهب
عنهم وضلل بعضهم بعضا.
وقد صنف هشام بن الحكم كتابا في الرد على الجواليقي وصاحب الطاق كما ذكره النجاشي، فلا يثبت
بخبرهم حكم انتهى.
مع أنه من المعلوم أن مجرد رد أحد لا يوجب قدحا ولا جرحا في من رد عليه ولا في الراد.
فكيف بالتضليل والحكم الابتداع والتكذيب؟
فنقول: ان قدماء العامة وقدوتهم ومن أخذوا عنهم الأحاديث والأصول والفروع يضلل بعضهم بعضا
ويحكم بأنه مبتدع يحرم مجالسته والتكلم معه والحضور عنده كما صدر من الذهلي بالنسبة البخاري
كما عرفت ومن أبي زرعة وأبي حاتم الرازيين أيضا بالنسبة إليه كما ستعرف فلا يثبت بخبرهم حكم.
وأما الثالث: ففيه ما لا يخفى بعد ما حكي من البخاري من الاهتمام في اثبات خلق اللفظ بالقرآن
والاستدلال عليه بالشكل الأول من الأشكال
82

المنطقية، لا سيما وقد اعترف السبكي بأنه أفصح بذلك، يعني بكلتا المقدمتين في رواية صحيحة
عنه.
وحكى هو أيضا كغيره عن البخاري أنه استدل على المقدمة الأولى أعني قوله: أفعال العباد مخلوقة،
وبما رواه عن حذيفة قال: قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ان الله يصنع كل صانع وصنعته.
والمقدمة الأخرى أعني قوله: ألفاظنا من جملة أفعالنا بديهية باعتراف السبكي.
والذي نقلنا عنه من قوله: بخلق القران والايمان، فهو أيضا ثابت عنه بلا مرية، وذهب كثير من سلف
العامة إلى كفر من قال بهذا القول، وممن نص على كفره زين الدين عبد الرحيم صاحب الفصول
العمادية، سبط صاحب الهداية، والشيخ أبو بكر بن حامد، والشيخ أبو حفص الزاهد، والشيخ أبو بكر
الإسماعيلي، ولنقل عبارة صاحب الفصول العمادية وهي هذه: من قال بخلق القرآن فهو كافر، وكذا
من قال بخلق الإيمان فهو كافر، وروى عن بعض السلف أنه روى عن أبي حنيفة رحمه الله أن الإيمان
غير مخلوق، وسئل الشيخ الامام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله عن الصلاة خلف من يقول بخلق
الايمان؟ قال: لا تصلوا خلفه.
وذكر أبو سهل بن عبد الله وهو أبو سهل الكبير عن كثير من السلف رحمهم الله ان من قال: القرآن
مخلوق فهو كافر، ومن قال: الإيمان مخلوق فهو كافر، وحكي أنه وقعت هذه المسألة بفرغانة فأتي
بمحضر منها إلى أئمة بخارى، فكتب فيه الشيخ الامام أبو بكر بن حامد والشيخ الامام أبو حفص
83

الزاهد والشيخ الامام أبو بكر الإسماعيلي رحمهم الله أن الايمان غير مخلوق، ومن قال بخلقه فهو
كافر.
وقد خرج كثير من الناس من بخارى منهم محمد بن إسماعيل صاحب الجامع بسبب قولهم الايمان
مخلوق، انتهى.
وهذا الرجل يعني صاحب الفصول من أعيان العامة وترجمته موجودة في كتاب «كتائب الاعلام
الأخيار» من مذهب النعمان المختار (1).
وأما ما حكينا عنه من كونه متروكا عند الرازيين فلأن الذهبي وهو الامام الحافظ المتقن المقدم في
علم الرجال والحديث ذكر البخاري في كتاب الضعفاء والمتروكين، وقال ما سلم من الكلام لأجل
مسألة اللفظ، تركه لأجلها الرازيان (2).
ويظهر من الذهبي أيضا في الميزان أن الرازيين تركا البخاري كما أن مسلما ترك علي بن المديني شيخ
البخاري، قال ما لفظه: علي بن عبد الله بن جعفر أبو الحسن الحافظ أحد الاعلام الأثبات وحافظ
العصر، ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء، فبئس ما صنع، فقال: جنح إلى ابن أبي داود والجهمية
وحديثه مستقيم ان شاء الله.
قال لي عبد الله بن أحمد: كان أبي حدثنا عنه، ثم امسك عن اسمه، وكان يقول: حدثنا رجل، ثم ترك
حديثه بعد ذلك.

1. من مصنفات الكفوي محمود بن سليمان الحنفي الرومي المتوفى 990 ه‍ وذلك في تراجم رجال الحنفية.
2. الجرح والتعديل 7: 191 رقم 1086، المغني في الضعفاء 2: 268 رقم 5312.
84

قلت: بل حديثه عنه في مسنده، وقد تركه إبراهيم الحربي، وذلك لميله إلى أحمد بن أبي داود; فقد
كان محسنا اليه، وكذا امتنع مسلم من الرواية عنه في صحيحه لهذا المعنى، كما امتنع أبو زرعة وأبو
حاتم من الرواية عن تلميذه محمد (1) لأجل مسألة اللفظ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كان أبو
زرعة ترك الرواية عن علي من أجل ما كان منه في المحنة انتهى (2). وجلالة الرازيين مما لا يخفى
على ناظر كتب القوم، م، ت، س، ق، فلنذكر شطرا منها:
أما أبو زرعة: (3) فهو شيخ النسائي، ومسلم، والترمذي، وابن ماجة، قال الذهبي في الكاشف: عبيد الله بن
عبد الكريم أبو زرعة الرازي الحافظ أحد الأعلام، روى عن أبي نعيم والفضل، وقبيصة، وطبقتهم في
الآفاق، وعنه م، ت، س، ق، وأبو زرعة، ومحمد بن الحسين القطان، وأمم (4).
قال ابن راهويه: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل (5)، مناقبه تطول.
وفي حاشية الكاشف: أنه أحد الأئمة المشهورين والأعلام المذكورين، الجوالين، المكثرين،
والحافظين، والمتقنين.

1. محمد بن إسماعيل البخاري.
2. ميزان الاعتدال 3: 138.
3. الجرح والتعديل 1: 328 - 349 و 5: 324 - 326، تاريخ بغداد 10: 326، طبقات الحنابلة 1: 199، المنتظم 5: 47، تذكرة
الحفاظ 2: 557، سير أعلام النبلاء 13: 65 رقم 48، العبر 2: 28، البداية والنهاية 11: 37، تهذيب التهذيب 7: 30، طبقات
الحفاظ: 249، شذرات الذهب 2: 148.
4. الكاشف 2: 201 رقم 3619.
5. تاريخ بغداد 10: 332، سير أعلام النبلاء 13: 71، العبر 1: 379 سنة 264.
85

روى عنه أبو زرعة الدمشقي الرازي وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، وهو من
شيوخه وابن أخيه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد الكريم الرازي، وأبو حاتم محمد بن إدريس
الرازي، وهو من اقرانه.
قال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: امام (1).
وقال أبو مصعب: رأيت مالكا وغيره، فما رأت عيناي مثله، وقال فضلك الصائغ: دخلت على الربيع
بمصر فقال لي من اين أنت؟ قلت: من الري من بعض شاكردي أبي زرعة، فقال: تركت أبا زرعة
وجئتني، ان أبا زرعة آية وليس له ثان (2).
وقال عبد الواحد بن غياث ما رأى أبا زرعة مثل نفسه أحدا (3).
وقال أبو زرعة: أنا أحفظ عشرة آلاف حديث في القراءات، وقال أيضا: كتبت عن إبراهيم بن موسى
الرازي مائة ألف حديث، وعن أبي بكر بن أبي شيبة مائة ألف حديث (4).
وقال محمد بن جعفر بن حمكويه: سئل أبو زرعة الرازي، عن رجل حلف بالطلاق ان أبا زرعة يحفظ
مائتي ألف حديث هل حنث؟ قال: لا. وقال:

1. تهذيب التهذيب 7: 28 رقم 63.
2. وفي سير أعلام النبلاء: ابن عدي: سمعت محمد بن إبراهيم المقرئ، سمعت فضلك الصائغ يقول: دخلت المدينة
فصرت إلى باب أبي مصعب، فخرج إلي شيخ مخضوب، وكنت ناعسا، فحركني وقال: يا مردريك! من أين أنت؟ أي
شيء تنام؟ قلت: أصلحك الله من الري، من بعض شاكردي أبي زرعة، فقال: تركت أبا زرعة وجئتني؟ لقيت مالكا
وغيره، فما رأت عيناي مثل أبي زرعة. 13: 73 - 74.
3. مقدمة الجرح والتعديل 341، و: 5: 325، سير أعلام النبلاء 13: 74.
4. المصدر السابق 13: 68.
86

أحفظ مائة ألف حديث كما يحفظ الانسان قل هو الله أحد، وفي المذاكرة: ثلاث مائة ألف
حديث (1).
وقال أبو بكر محمد بن عمر الرازي الحافظ: لم يكن في هذه الأمة أحفظ من أبي زرعة، كان يحفظ
مائة وأربعين ألفا في القراءات والتفسير وحفظ كتب الامام أبي حنيفة في أربعين يوما، وكان يسريها
مثل الماء.
وذكره ابن حجر العسقلاني في التقريب وقال: أنه امام حافظ، ثقة مشهور من الحادية عشر (2).
ذكره اليافعي في مرآة الجنان في وقائع سنة أربع وستين ومائتين وأثنى عليه، وذكره ابن جزلة الحكيم
في مختصر تاريخ بغداد وفيه أنه قال: أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الانسان قل هو الله
أحد (3).
وأما أبو حاتم الرازي: (4) فمناقبه مذكورة في تهذيب الكمال، والكاشف، وتذكرة الحفاظ، وتذهيب
التهذيب، وتهذيب التهذيب، وتقريب العسقلاني،

1. المصدر السابق 13: 68.
2. تقريب التهذيب 2: 410 رقم 4316.
3. تاريخ بغداد 10: 326 - 337، أنظر ترجمته: تاريخ الطبري 5: 476، الجرح والتعديل 5: 324 رقم 1543، الثقات
لابن حبان 8: 407، رجال صحيح مسلم لابن منجويه 2: 14 رقم 1029، طبقات الحنابلة 1: 199 رقم 271، صفة الصفوة
4: 88 رقم 673، المنتظم 5: 47 رقم 109، تذكرة الحفاظ 2: 557، تاريخ الاسلام، سنوات 271 - 280 ص: 124 رقم
100، البداية والنهاية 11، 37، مرآة الجنان 2: 176، طبقات الحفاظ: 249، شذرات الذهب 2: 148، المغني في معرفة
رجال الصحيحين: 164 رقم 1406.
4. الجرح والتعديل 1: 349 و 7: 204، تاريخ بغداد 2: 73، تذكرة الحفاظ 2: 567، سير أعلام النبلاء 13: 247 رقم 129،
الوافي بالوفيات 2: 183، طبقات السبكي 2: 207، البداية والنهاية 11: 59، تهذيب التهذيب 9: 31، طبقات الحفاظ: 255،
شذرات الذهب 2: 171.
87

وأنساب السمعاني، وتراجم الحفاظ والتبيان لابن ناصر الدين، وطبقات الفقهاء الشافعية للسبكي،
وغيرها (1).
ولنقصر على شطر يسير منها:
قال السمعاني في الأنساب في نسبة الحنظلي ما لفظه: وبالري درب مشهور يقال له درب حنظلة منها
أبو حاتم محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الرازي الحنظلي امام عصره والمرجوع اليه
في مشكلات الحديث، وهو من هذا الدرب، وكان من مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين
بالفضل والحفظ والرحلة، وسمع محمد بن عبد الله الأنصاري وأبا زيد النحوي وعبيد الله بن موسى،
وهوذة بن خليفة، وأبا مسهر الدمشقي، وعثمان بن الهيثم المؤذن وسعيد بن أبي مريم المصري، وأبا
اليمان الحمصي في أمثالهم.
وكان أول كتبه الحديث في سنة تسع ومائتين، روى عنه الأعلام الأئمة مثل يونس بن عبد الأعلى
والربيع بن سليمان المصريان وهما أكبر منه سنا وأقدم سماعا، وأبو زرعة الرازي والدمشقي ومحمد
بن عوف الحمصي وهؤلاء من أقرانه، وعلم لا يحصون، وذكر أبو حاتم وقال: أول سنة خرجت في
طلب الحديث أقمت سنين أحصيت ماشيا على قدمي زيادة على ألف فرسخ لم أزل أحصي حتى مما
زاد على ألف فرسخ تركته.
وقال أبو حاتم: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي، من أغرب علي

1. الجرح والتعديل 7: 204 رقم 1133، الثقات لابن حبان 9: 139، تاريخ بغداد 2: 73 رقم 455، طبقات الحنابلة
1: 284، تذكرة الحفاظ 2: 267، سير أعلام النبلاء 13: 247 رقم 129، طبقات الشافعية 1: 299، تهذيب التهذيب 9: 28
رقم 40، تقريب التهذيب 2: 210 رقم 5718، العبر 1: 398 سنة 277، طبقات الحفاظ: 255، شذرات الذهب 2: 171،
الأعلام 6: 250، معجم المؤلفين 9: 35.
88

حديثا غريبا مسندا صحيحا لم أسمع به فله علي درهم يتصدق به، وقد حضر على باب أبي الوليد
خلق من الخلق أبو زرعة فمن دونه، وانما كان مرادي أن يلقي علي ما لم أسمع به فيقولون: هو عند
فلان، فاذهب واسمع وكان مرادي أن استخرج منهم ما ليس عندي فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب علي
حديثا (1).
الأمر الرابع: التعريف بالبخاري
من وجوه الطعن في البخاري ما يدل على عدم ديانته ووثاقته وتدليسه، وأنه تصرف في مال الغير
بغير اذنه مع العلم بكراهته وعدم رضاه، وارتكب الكذب الصريح وأقدم على أمر قبيح، كما يظهر كله
مما قاله مسلمة بن قاسم في تاريخه على ما نقل عنه
قال: وسبب تأليف البخاري الكتاب الصحيح أن علي بن المديني ألف كتاب العلل وكان ضنينا به لا
يخرجه إلى أحد ولا يحدث به لشرفه وعظم خطره وكثرة فائدته، فغاب علي بن المديني في بعض
حوائجه فأتى البخاري إلى بعض بنيه فبذل له مائة دينار على أن يخرج له كتاب العلل ليراه ويكون
عنده ثلاثة أيام ففتنه المال وأخذ منه مائة دينار ثم تلطف مع أمه فأخرجت الكتاب فدفعه اليه، وأخذ
عليه العهود والمواثيق أن لا يحبسه عنده أكثر من الأمد الذي ذكر.
فأخذ البخاري الكتاب وكان مائة جزء فدفعه إلى مائة من الوراقين

1. الجرح والتعديل 1: 355، سير أعلام النبلاء 13: 255.
89

وأعطى كل رجل منهم دينارا على نسخه ومقابلته في يوم وليلة، فكتبوا له الديوان في يوم وليلة
وقوبل ثم صرفه إلى ولد علي بن المديني، وقال: انما نظرت إلى شيء فيه.
وانصرف علي بن المديني فلم يعلم بالخبر، ثم ذهب البخاري فعكف على الكتاب شهورا واستحفظ،
وكان كثير الملازمة لابن المديني، وكان ابن المديني يقعد يوما لأصحاب الحديث يتكلم في علله
وطرقه، فلما أتاه البخاري بعد مدة قال له: ما جلسك عنا؟ قال شغل عرض لي ثم جعل علي يلقى
الأحاديث ويسألهم عن عللها، فيبدر البخاري بالجواب بنص كلام علي في كتابه فعجب لذلك، ثم
قال له من اين علمت هذا؟! هذا قول منصوص، والله ما أعلم أحدا في زماني يعلم هذا العلم غيري،
فرجع إلى منزله كئيبا حزينا، وعلم أن البخاري خدع أهله بالمال حتى أباحوا له الكتاب.
ولم يزل مغموما بذلك ولم يثبت الا يسيرا حتى مات، واستغنى البخاري عن مجالسة علي والتفقه
عنده بذلك الكتاب، وخرج إلى خراسان وتفقه بالكتاب ووضع الكتاب الصحيح والتواريخ فعظم
شأنه وعلا ذكره، وهو أول من وضع في الاسلام كتاب الصحيح، فصار الناس له تباع بكتابه واشتهر
لدى العلماء في تأليف الصحيح انتهى (1).
ووجوه الطعن في البخاري من هذا الكلام ظاهرة الوجه.
الوجه الرابع: ما يدل على بلادته وبعده عن الفقه ذكر صاحب الكفاية في شرح الهداية في فقه
الحنفية، ما لفظه:

1. نقله ابن حجر بالاختصار في: تهذيب التهذيب 9: 46.
90

وإذا شرب صبيان بلبن شاة فلا رضاع بينها لأنه لا حرمة بين الآدمي والبهائم، لأن الحرمة لا تكون الا
بعد الأمية والبهيمة لا يتصور أن تكون أما للآدمي ولادا وكذا رضاعا، وكان محمد بن إسماعيل
صاحب الحديث يقول: يثبت به حرمة الرضاع، وانه دخل في بخارى في زمن الشيخ أبي حفص
الكبير وجعل يفتي فقال له الشيخ لا تفعل فلست هنالك فأبى أن يقبل نصيحته حتى استفتي عن هذه
المسألة إذا رضع صبيان بلبن شاة فافتى بثبوت الحرمة فاجتمعوا وأخرجوه من بخارى بسبب هذه
الفتوى (1).

1. المبسوط للسرخسي 30: 297، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 2: 641، وفى المبسوط: قال السرخسي:
ولو أن الصبيين شربا من لبن شاة أو بقرة لم تثبت به حرمة الرضاع لأن الرضاع معتبر بالنسب وكما لا يتحقق النسب بين
الآدمي وبين البهائم فلذلك لا يثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم، وكان محمد بن إسماعيل البخاري صاحب التاريخ
يقول يثبت الحرمة، وهذه المسألة كانت سبب إخراجه من بخارى فإنه قدم بخارى في زمن أبي حفص الكبير وجعل
يفتي، فنهاه أبو حفص وقال: لست بأهل له، فلم ينته حتى سئل عن هذه المسألة فأفتى بالحرمة فاجتمع الناس وأخرجوه.
وقال الإسكندراني في «المتواري في تراجم أبواب البخاري»: «وبلغني عن الإمام أبي الوليد الباجي أنه كان
يقول: «يسلم البخاري في علم الحديث، ولا يسلم في علم الفقه».
ويعلل ذلك بأن أدلته عن تراجمه متقاطعة، ويحمل الأمر على أن ذلك لقصور في فكرته وتجاوز عن حد فطرته، وربما
يجدون الترجمة ومعها حديث يتكلف في مطابقته لها جدا، ويجدون حديثا في غيرها هو بالمطابقة أولى وأجدى،
فيحملون الأمر على أنه كان يضع الترجمة ويفكر في حديث يطابقها، فلا يعن له ذكر الجلي فيعدل إلى الخفي... إلى غير
ذلك من التقادير التي فرضوها في التراجم التي انتقدوها فاعترضوها».
نعم! ومما اعترضوا على البخاري عدم معرفته بعلم الفقه، ويذكرون لذلك أمثلة:
منها: ما ذكره أبو البركات في «كشف الأسرار» من كتب الاصولية للحنفية، أنه قال: المحدث غير الفقيه يغلط كثيرا، فقد
روي عن محمد بن إسماعيل صاحب «الصحيح» أنه استفتي في صبيين شربا من لبن شاة، فأفتى بثبوت الحرمة بينهما.
واخرج به من بخارى، إذ الاختية تتبع الامية، والبهيمة لا تصلح اما للآدمي!.
وقد أجابوا في ذلك عند الدفاع عن البخاري، بأن هذه النسبة إلى البخاري لمختلقة، وسببها الحسد من ناحية أتباع أبي
حنيفة نصرة لإمامهم.
وقال في ذلك جمال الدين القاسمي في كتابه «حياة البخاري»: «إن المفتري لهذه الحكاية أراد أن يثأر لأبي حنيفة». حياة
البخاري للقاسمي: 48. وأبو البركات هو عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي الحنفي المتوفى 710 ه‍.
91

ويعلم حمقه اجمالا من المكاتبة الجارية بين الفاضل التفتازاني وأبي مسعود البخاري حيث كتب
البخاري إلى ذلك الفاضل شيئان لا يجتمعان: «الإنسانية والخراسانية» فكتب في جوابه: شيئان لا
يفترقان: الحمارية والبخارية، وكذا يعلم من شعر الذي نسبه مؤلف كتاب «روح الرواح» إلى
أبي الكاتب في ذم بخارى وهو:
لو الفرس العتيق أتى بخارى * لصار بطبعها منها حمارا
فلم تر مثلها عيني كنيفا * تبوأها أمير الشرق دارا
ومن أغلاطه الفاضحة التي يترتب عليه ما لا يحصى من المفاسد ما ذكر في باب الأنساب، من الغاية
للسخاوي الشافعي في شرح الهداية المنظومة للشيخ محمد الجزري الشافعي: أن أبا مسعود عقبة بن
عمرو البدري لم ينسب كذلك لشهوده بدرا في قول الجمهور، وان عده البخاري في صحيحه ممن
شهدها! وانما كان نازلا يعني ساكنا بها، فقد وقع لكبار أهل الحديث من ذلك أوهام انتهى.
ولا يخفى ان مثل هذا الغلط مع أنه باطل في نفسه يقود إلى غيره من الباطل العظيم فان البخاري إذا
توهم أن أبا مسعود شهد بدرا وقد تقرر عند القوم
92

أن أهل بدر كلهم كانوا عادلين فيعد جميع رواياته من الصحيح وهذا بلاء عظيم.
الوجه الخامس: ما يدل على خيانته الصريحة وضلالته القبيحة وان عادته أن يبتر الأحاديث النبوية الواردة
في حق أمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين مما صحت وثبتت عند أكابرهم المحققين وأعاظمهم
المنقدين، بل بتر في غير موضع من كتابه ما أورده من الحديث المتعلق بهذا المقام كما نبه عليه بعض
أكابرهم الاعلام.
قال العلامة ذو النسبين ابن دحية الكلبي وهو من أعيان علماء العامة كما يظهر من كتاب ابن خلكان
وبغية الوعاة، وحسن المحاضرة، وغيرها في كتب شرح أسماء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما
لفظه: ترجم البخاري في وسط المغازي ما هذا نصه:
بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع، حدثني أحمد بن عثمان، قال:
حدثنا شريح بن مسلمة، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، حدثني أبي عن
أبي إسحاق سمعت البراء بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم
بعث عليا بعد ذلك مكانه فقال: مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء
فليقبل فكنت ممن عقب معه، قال: فغنمت أواق ذوات عدد (1).
حدثني محمد بن بشار، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا علي بن سويد ابن منجوف، عن
عبد الله بن بريده، عن أبيه، قال: بعث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت
أبغض عليا وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
ذكرت له ذلك فقال: يا بريدة أتبغض عليا؟

1. صحيح البخاري كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب... رقم 4349.
93

فقلت: نعم، قال: لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك (1).
قال ذو النسبين: أورده البخاري ناقصا مبترا كما ترى، وهي عادته في ايراد الأحاديث التي من هذا
القبيل، وما ذاك الا لسوء رأيه في التنكب عن هذا السبيل، وأورده الإمام أحمد بن حنبل كاملا محققا
والى طريق الصحة فيه موفقا، فقال فيما حدثني القاضي العدل بقية مشايخ العراق تاج الدين أبو الفتح
محمد بن أحمد المنداني قراءة عليه بواسط العراق بحق سماعه، على الثقة الرئيس أبي القاسم بن
الحصين بحق سماعه على الثقة الواعظ أبي علي الحسين بن المذهب بحق سماعه على الثقة أبي بكر
أحمد بن جعفر بن حمدان الفطسي بحق سماعه من الامام أبي عبد الرحمن بن عبد الله بحق سماعه
على امام أهل السنة أبي عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عبد الجليل
قال: انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجاز وابنا بريدة، فقال عبد الله بن بريدة: قال أبي أبغضت عليا بغضا لم
أبغضه أحدا قط، قال: وأحببت رجلا لم أحبه إلا على بغضه عليا، قال: فبعث ذلك الرجل على خيل
فصحبه ما اصحبه إلا على بغضه عليا، قال: فأصبنا سبيا، فكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
ابعث علينا من تخميسه.
قال: فبعث الينا عليا في السبي وصيفة هي أفضل من السبي، قال: فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر
فقلنا يا أبا الحسن ما هذا؟ قال: ألم ترد إلى الوصيفة التي كانت في السبي، فانى قسمت وخمست
فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم صارت في آل علي
ووقعت بها.

1. المصدر السابق: رقم 4350
94

قال: فكتب الرجل إلى نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: قلت ابعثني فبعثني مصدقا، قال: فجعلت أقرأ
الكتاب وأقول صدق صدق فامسك يدي والكتاب، قال: أتبغض عليا؟ قال: قلت: نعم، قال: فلا
تبغضه وان كنت تحبه فازدد له حبا، فوالذي نفس محمد بيده نصيب آل علي في الخمس أفضل من
وصيفة، قال: فما كان من الناس أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أحب إلي من علي، قال
عبد الله فوالذي لا اله الا هو ما بيني وبين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث غير أبي بريدة (1).

1. والرواية قد جاءت في المتون الأخرى أكثر فائدة، وأوضح دلالة، من رواية البخاري، وقد يصح أن يستدل على
المحذوف منها في الوصاية والخلافة في مناقب علي بن أبي طالب - عليه السلام -.
وفي رواية النسائي: أخبرنا محمد بن العلاء، قال: أنا معاويد، قال: أنا الأعمش، عن سعيد، عن بريدة، عن أبيه، قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من كنت وليه، فعلي وليه».
وله أيضا: أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف، قال: ثنا أبو نعيم، قال: أنا عبد الملك بن أبي غنية، قال: ثنا الحكم عن سعيد
بن جبير، عن ابن عباس عن بريدة، قال: خرجت مع علي إلى اليمن، فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي - صلى الله عليه
وآله وسلم - فذكرت عليا فتنقصته، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يتغير وجهه، قال: «يا بريدة، ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم؟
قلت: بلى يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال: «من كنت مولاه، فعلي مولاه»
وله أيضا: أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: أنا جعفر، وهو ابن سليمان، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران
بن حصين، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إن عليا مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي». السنن
الكبرى 5: 45 رقم 8844 / 8.
وقال الحافظ الذهبي: أخبرنا إسحاق الصفار، أخبرنا يوسف الآدمي، أخبرنا أبو المكارم اللبان، أخبرنا أبو علي الحداد،
أخبرنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا مسدد، حدثنا جعفر بن سليمان، عن يزيد
الرشك، عن مطرف، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سرية، واستعمل عليهم عليا،
فأصاب جارية، فأنكروا عليه، قال: فتعقد أربعة من الصحابة، فقالوا: إذا لقينا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أخبرناه،
وكان المسلمون إذا قدموا من سفر، بدؤوا برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فسلموا عليه، فلما قدمت السرية سلموا
على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقام أحد الأربعة، فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ألم تر أن عليا صنع
كذا وكذا؟
فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يعرف الغضب في وجهه، فقال: «ما تريدون من علي، ما تريدون من علي،
ما تريدون من علي، إن عليا مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي»
تابعه قتيبة، وبشر بن هلال، عفان، وهو من أفراد جعفر أخرجه الترمذي وحسنه النسائي. سير أعلام النبلاء 8: 199،
أخرجه الترمذي رقم 3712، والمسند 4: 437 - 438.
وفي رواية الطبراني في «الأوسط»:... عن بريدة عن أبيه، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عليا أميرا على
اليمن، وبعث خالد بن الوليد على الجبل، فقال: إن اجتمعتما فعلي على الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا
مثله، وأخذ علي جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال: اغتنمها فأخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بما
صنع، فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في منزله وناس من أصحابه على بابه،
فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خير، فتح الله على المسلمين فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس
فجئت لأخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
قالوا فأخبره فإنه يسقطه من عين رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يسمع الكلام،
فخرج مغضبا وقال: ما بال أقوام ينتقصون عليا، من ينتقص عليا فقد تنقصني، ومن فارق عليا فارقني، إن عليا مني وأنا
منه، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم وذلك
يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وإنه وليكم من بعدي، فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
بالصحبة ألا بسطت يدك حتى أبايعك على الإسلام جديدا؟ قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام. المعجم الأوسط
للطبراني 7: 49 رقم 6081.
وفي المستدرك للحاكم:... قال بريدة: فقدمت على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يتغير فقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله - صلى
الله عليه وآله وسلم -، فقال: من كنت مولاه وذكر حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وفيه أيضا:... قال: فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا فأعرض
عنه، ثم قام الثاني فقال: مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال: مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم قام الرابع، فقال: يا
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا فاقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والغضب في
وجهه فقال: ما تريدون من علي إن عليا مني وأنا منه وولي كل مؤمن. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
المستدرك للحاكم 3: 110 - 111
والذهبي في تلخيصه للمستدرك:... فرأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يتغير فقال: يا بريدة ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
وله أيضا: بعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، الحديث بطوله، وفيه: «ما
تريدون من علي إن عليا مني وأنا منه وولي كل مؤمن. تلخيص المستدرك، ذيل المستدرك 3: 110 - 111، المصنف لابن
أبي شيبة 7: 504 باب 18 رقم 58.
95

ولا يخفى أن صريح هذا الكلام، أن هذا الحذف والاسقاط والتصرف والإختباط والتبديل، والتغيير،
والتنقيص، والتبتير، ليس مما يختص بهذا الحديث، بل هذه عادته في كل ما كان من هذا القبيل كما
صرح به ابن دحية وصرح أيضا في بتنكبه عن صراط الله القويم.
وقال: أيضا في موضع آخر بعد أن أورد من حديث مسلم حديثا، ثم أورده عن البخاري ما لفظه: بدئنا
بما أورده بكماله وقطعه البخاري واسقط منه على عادته كما ترى وهو مما عيب عليه في تصنيفه على
ما جرى ولا سيما اسقاطه لذكر علي رضي الله عنه.
وناهيك بهذا القول شاهدا على انحراف البخاري عن أمير المؤمنين عليه السلام وكفاك به دليلا على
سوء رأيه وقبح عقيدته وشناعة سريرته وانهماكه في التعصب المخزي بين الأنام، وأي خزي أعظم
من أن يبتر الانسان أحاديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بمحض هواه وسوء رأيه الجالب للهوان
والملام وقد ظهر لك انهم في رد الحق هائمون، حائرون، (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم
نوره ولو كره الكافرون) (1).

1. الصف: 8.
97

ثم ان جلالة ابن دحية مما لا يخفى على من راجع كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان، و «بغية الوعاة»
وغيرها.
قال الأول (1): أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن الجميل بن فرح بن خلف بن
قومس بن مزلال ابن ملال بن بدر بن دحية بن خليفة بن فروة الكلبي صاحب رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم - الكلبي المعروف بذي النسبين الأندلسي البلنسي الحافظ، إلى أن قال: كان يذكر أن أمه أمة
الرحمن بنت أبي عبد الله ابن أبي البسام موسى بن عبد الله بن الحسين بن جعفر بن علي بن محمد بن
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فلهذا
كان يكتب بخطه ذو النسبين بين دحية والحسين رضي الله عنهما، وكان يكتب أيضا: «سبط أبي
البسام» إشارة إلى ذلك وكان أبو الخطاب المذكور، من أعيان العلماء، ومشاهير الفضلاء، متقنا لعلم
الحديث النبوي وما يتعلق به، عارفا بالنحو واللغة، وأيام العرب، وأشعارها، واشتغل بطلب
الحديث، في أكثر بلاد الأندلس الإسلامية، ولقى بها علمائها ومشايخها، ثم رحل منها إلى برالعدوة
ودخل مراكش واجتمع بفضلائها، ثم ارتحل إلى إفريقية، ومنها إلى الديار المصرية، ثم إلى الشام
والشرق والعراق.
وسمع ببغداد من بعض أصحاب ابن الحصين، وسمع بواسط من أبي الفتح محمد بن أحمد ابن
الميداني، ودخل إلى عراق العجم وخراسان وما والاها، ومازندران، وكل ذلك في طلب الحديث
والاجتماع بأئمته والأخذ عنهم، وهو في تلك الحال يؤخذ عنه، ويستفاد منه; وسمع بأصبهان من
أبي

1. ابن خلكان.
98

جعفر الصيدلاني، وبنيسابور من منصور بن عبد المنعم الفراوي (1).
وأثنى عليه في بغية الوعاة وحسن المحاضرة بنظير ما ذكر وقال مات سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.
الوجه السادس: ما يدل على جهله وجحوده وتعصبه حيث أنه طعن في حديث الغدير وضعفه على ما حكاه
ابن تيمية عنه في المنهاج.
وذكر الفاضل البدخشاني وهو من عظماء أهل السنة في كتابه المسمى بنزل الأبرار بعد ذكر حديث
الغدير: هذا حديث صحيح مشهور لم يتكلم في صحته الا متعصب جاحد لا اعتبار بقوله.
فإن الحديث كثير الطرق جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد وقد نص الذهبي على كثير من
طرقه بالصحة، ورواه من الصحابة عدد كثير.
وقد نص كثير من أعاظمهم المنقدين وأفاضلهم المحققين على تواتر هذا الحديث فضلا عن صحته
كما لا يخفى على من راجع «الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة» للعلامة السيوطي مجدد دينهم
في المائة التاسعة، «والفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة» له أيضا، أو راجع «أسنى المطالب» لابن
الجزري أو شرح «الجامع الصغير» لنور الدين العزيري، أو «شرح الجامع الصغير» للمناوي، أو
«المرقاة (2)» لعلي القاري أو «الأربعين» لجلال الدين المحدث وغيرها، وقال العلامة التستري
رحمه الله بعد ذكر الحديث: وكيف لا يكون الحديث من الصحاح وقد رواه أحمد بن حنبل في
مسنده بأكثر من خمس

1. وفيات الأعيان 3: 122 رقم 469.
2. مرقاة المفاتيح شرح المشكاة كتاب المناقب رقم 6091.
99

عشرة طريقا، وابن عقدة في مائة وخمس طرق، وابن المغازلي في اثني عشر طريقا؟
وقال بعد روايته هذا الحديث، صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كذا رواه الثعلبي في تفسيره
وقد صنف الشيخ الفاضل ختم المحدثين محمد الجزري الشافعي في ذلك رسالة، وقد أثبت فيها
تواتر هذا الحديث من سبعين طريقا، ونسب منكره إلى الجهل والعصبية.
ولنذكر بعض ما قيل في حق ابن الجزري المذكور:
قال السخاوي في الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: بعد أن ذكر ترجمة مبسوطة وذكر مصنفاته
ومشايخه وشطرا من حالاته ما لفظه:
وقد ذكر الطاوسي في مشيخته وقال: أنه تفرد بعلو الرواية وحفظ الأحاديث والجرح والتعديل
ومعرفة الرواية من المتقدمين والمتأخرين إلى آخر ما ذكره.
وقال في مفتاح كنز الدراية: قال العلامة أبو القاسم عمر بن فهد في معجم شيوخ والده الحافظ تقي
الدين بن فهد: هو الامام العلامة أستاذ الأقراء أبو الخيرة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن محمد
بن محمد علي بن يوسف العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي الشهير بابن الجزري بفتح الجيم
والزاء وكسر الراء نسبة إلى جزيرة ابن عمر ببلاد بكر قرب الموصل.
كان والده تاجرا وبقي مدة من العمر لم يرزق ولدا فلما حج شرب ماء زمزم وسأل الله أن يرزقه ولدا
عالما، فولد له شيخنا هذا بعد صلاة الترويح من ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة
احدى وخمسين
100

وسبعمائة بدمشق ونشأ بها وتفقه بها على العماد بن كثير ولهج بطلب الحديث والقراآت. فسمع من
ابن أميلة والصلاح بن أبي عمرو بن كثير في آخرين.
وذكر له إجازة من الذين هم جماعة، ورحل إلى القاهرة والإسكندرية واعتنى بالقراءات وبرز فيها
وبنى مدرسة سماها دار القرآن ودخل بلاد الروم فنشر بها علم القراءات في البلاد الاسلامية.
وكان شكيلا حسنا، فصيحا، بليغا، وتلقب في بلاد الروم بالإمام الأعظم، وحج مرات واستقر أخيرا
بشيراز، وكان أوقاته بين قراءة قرآن واسماع حديث وغير ذلك، وبورك له فيها.
وكان مع ازدحام الناس عليه يؤلف قدر ما يكتب الناسخ، لا ينام عن قيام الليل في سفر ولا حضر، ولا
يترك صوم الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر.
وله المؤلفات العديدة الجامعة المفيدة، وعدد جملة منها إلى أن قال: ذكر منها ابن فهد تسعة وثلاثين
مؤلفا، توفي في يوم الجمعة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، (1).
ولنكتف بهذا النبذ اليسير فالجرعة تدل على القدير.
ولنشرع في ذكر وجوه القدح في صحيحه السقيم ونوردها في فصلين:
أولهما: في ذكر جملة من رواياته الموضوعة وأحاديثه الباطلة مما يجب الحكم بوضعها وبطلانها
ولو بنى على أصول العامة وقواعدهم، أو حكم

1. الضوء اللامع للسخاوي 9: 255 - 259 وهذه الترجمة تلخيص لما في الضوء اللامع.
101

علمائهم بوضعها وبطلانها أو استشكلوا فيها، وهي وان كانت كثيرة لا تحصيها هذه العجالة الا أنا نأتي
ببعضها ليستدل به على باقيها.
والثاني: في ذكر جملة من رواته الوضاعين الكذابين والخوارج والنواصب بمقتضى تصريحات
علمائهم وناقديهم في الحديث والرجال.
102

الفصل الثاني
الروايات المتكلم فيها
103

الفصل الأول: في نبذ من الروايات المشار إليها مع قطع النظر عن التعرض لحال رواتها مما يشهد
مضامينها بما فيها.
حديث: خطبة عائشة
فمنها: ما رواه في كتاب النكاح عن عروة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خطب عائشة، فقال له أبو بكر:
إنما أنا أخوك، فقال: «أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي حلال» (1).
واستشكل بعض علماء العامة، وهو المغلطاي بن قليج الحنفي، فإنه قال: في صحة هذا الحديث نظر،
لأن الخلة لأبي بكر إنما كانت بالمدينة وخطبة عائشة كانت بمكة! فكيف يلتئم قوله: إنما أنا أخوك؟
وأيضا: فالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما باشر الخطبة بنفسه كما أخرجه ابن أبي عاصم من طريق يحيى
بن عبد الرحمن بن خاطب عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي
بكر يخطب عائشة فقال لها أبو بكر وهي لا تصلح له انما هي بنت أخيه، فرجعت، فذكرت ذلك للنبي -
صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: ارجعي فقولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي.
فاتت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال: ادعي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فجاء فأنكحته (2).

1. صحيح البخاري كتاب النكاح باب تزويج الصغار رقم 5081.
2. فتح الباري 11: 26.
105

واثنى السيوطي في «حسن المحاضرة» على هذا الرجل، (1) وقال: الامام الحافظ علاء الدين، ولد
سنة تسع وثمانين وستمائة (2).
وكان حافظا عارفا بفنون الحديث، علامة في الأنساب، وله أكثر من مائة مصنف كشرح البخاري
وشرح ابن ماجة وغير ذلك مات في سنة 762 ه‍ (3).
وأجاب عن هذا الإشكال العسقلاني في فتح الباري بما لفظه، قلت: اعتراضه الثاني يرد اعتراضه
الأول بوجهين:
أحدهما: أن المذكور في الحديث الأخوة، وهي أخوة الدين والذي اعترض به الخلة، وهي أخص
من الاخوة، ثم الذي وقع بالمدينة هو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: لو كنت متخذا خليلا... الحديث.
الماضي في المناقب من رواية أبي سعيد فليس فيه اثبات الخلة إلا بالقوة لا بالفعل.
الوجه الثاني: أن في الثاني اثبات ما نفاه في الأول، والجواب عن اعتراضه بالمباشرة امكان الجمع،
بأنه خاطبه بذلك بعد أن أرسلها (4).

1. المغلطاي.
2. وقيل: سنة 690، وقيل غير ذلك.
3. مغلطاي بن قليج بن عبد الله علاء الدين، البكجري: امام وقته وحافظ عصره، صنف الكثير، فمن ذلك «شرح
البخاري» نحو عشرين مجلدا، و «اكمال تهذيب الكمال» ثلاثة عشر مجلدا، وشرح قطعة من سنن ابن ماجة في خمس
مجلدات، وغير ذلك من التصانيف، كان من علماء الحنفي المذهب، مات سنة 762 ه‍ وتصانيفه أكثر من مائة، وكان عارفا
بالأنساب معرفة جيدة. أنظر: الدرر الكامنة 4: 352، البداية والنهاية 14: 282، وتاج التراجم: 268 رقم 301، ذيل تذكرة
الحفاظ: 365، طبقات الحفاظ: 538، شذرات الذهب 6: 197، هدية العارفين 2: 467.
4. فتح الباري 11: 26.
106

أقول: توضيح ايراد المورد بحيث يظهر منه سقوط هذا الجواب وفساده، أن مراد أبي بكر بقوله: إنما
أنا أخوك ماذا؟
فإن أراد الأخوة الثابتة بمقتضى الاسلام، حيث أن المؤمنين بعضهم أخوة بعض، لزم منه اعتقاد بطلان
نكاح المسلمين والمسلمات، وبطلان الأنكحة السابقة الواقعة في هذه الشريعة، بل في جميع
الشرايع، وانسداد باب التناكح بين المسلمين بالمرة.
وهذا مما لا يمكن أن ينسب إلى بليد أحمق، ويتأنف عن احتماله كل سفيه أخرق، فكيف يعتقده
الخليفة الذي هو في غاية الدهاء والفراسة؟!
وان أراد منه الاخوة الثابتة له بالخصوص بتخصيص من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بذلك فهذا
التخصيص قد ثبت في حديث الخلة بالمدينة، وهو متأخر عن تزويج عائشة!
فكيف يقوله أبو بكر بمكة؟
وحديث الخلة، المشتمل على تخصيصه بالاخوة رواه البخاري في باب المناقب بطرق عديدة:
منها: ما عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لو كنت متخذا خليلا غير
ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الاسلام ومودته (1).
ومنها: ما عن ابن عباس: لو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي (2).

1. صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب 3، رقم 3654.
2. المصدر السابق: باب 5، رقم 3656.
107

وتوضيح الايراد الثاني: ان ظاهر ما رواه البخاري أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - باشر الخطبة بنفسه وهو
ينافي ما في الرواية الأخرى، أنه أرسل خولة لخطبتها، ولا يمكن الجمع أيضا، فإنه بعد أن عرف
أبو بكر أن أخوة الاسلام لا تمنع من التزويج بما ذكرت له خولة، وبلغت إليه من النبي - صلى الله عليه وآله
وسلم - كيف شافه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثانيا بهذا التوهم الفاسد والاعتقاد الكاسد؟
إذا عرفت هذا ظهر لك فساد ما أجاب به العسقلاني، فإن قوله المذكور في حديث الاخوة، وهي أخوة
الدين، والذي اعترض به الخلة وهي أخص من الاخوة، في غاية الضعف والبطلان، وناش من عدم
فهم مرام المورد، حيث أن المورد حمل الاخوة على الاخوة الخاصة الثابتة لأبي بكر لتخصيص لما
في الحمل على الاخوة العامة في الدين من الشناعة.
وذكر أن هذه الاخوة الخاصة ثابتة في حديث الخلة، وهو بالمدينة ولشهرة هذا الحديث اكتفى بقوله:
أن الخلة كانت بالمدينة، ولم يرد أن الخلة هي الاخوة حتى يورد عليه بأنها غيرها، وأنها أخص منها.
ولما رأى المورد ان رعاية جانب الخليفة أولى من البخاري احتمل أن يكون مراد الخليفة الاخوة في
الدين فاستشكل في حديث البخاري وصحته!
فان من ابتلى ببليتين يختار أهونهما، والعسقلاني غفل عن ذلك كله وتفوه بما لا محصل له.
بل يزيد الامر به شناعة، من أن المراد الاخوة في الدين، وأن الخلة غير الاخوة مع أن حديث الخلة مما
تعرض هو لشرحه، وكان حين الجواب بباله حتى أنه أشار اليه بقوله: الحديث الماضي في المناقب
عن أبي سعيد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
108

وأما جوابه عن الاشكال الثاني: بامكان الجمع، فقد عرفت ما فيه، فلابد له من تكذيب الحديث أو
تحميق الخليفة وتضليله، فإن اختار الأول فقد أجاد، وان أصر على العناد وقدح في الخليفة الغير
السالك مسلك السداد، فهذا هو عين المراد لأهل الرشاد وأشهى إلينا من تكذيب حديث صحيح
امامهم العماد.
نسبة الخلاف إلى إبراهيم
ومنها: ما أورده في مواضع عديدة من صحيحه.
منها: ما في كتاب التفسير: قال: حدثنا إسماعيل، قال حدثنا أخي عن ابن أبي ذئب، عن سعيد
المقبري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنك وعدتني
ألا تخزني يوم يبعثون فيقول الله: اني حرمت الجنة على الكافرين، وفي رواية أخرى: فيقول: يا رب
انك وعدتني ألاتخزني يوم يبعثون، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ (1).
ولا يخفى ما في هذا الافتراء من غاية الازراء بشأن إبراهيم - عليه السلام - ومخالفته لنص الكتاب الكريم.
أما أولا: فلخطائه في اعتقاد أن تعذيب أبيه خزي له بل خزي أعظم، وأي خزي أعظم من هذا.
فان ذلك مما لا يتخيله من له أدنى عقل ودراية فضلا عن النبي المعصوم المبعوث للهداية.
وثانيا: للجهل بالمراد من وعده تعالى بأن لا يخزيه.
وثالثا: مخالفته للدلائل العقلية الدالة على المنع من الاستغاثة للمشركين من بعد ما تبين لهم أنهم
أصحاب الجحيم.

1. صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء رقم 3350.
109

قال الرازي في تفسيره: وسبب هذا المنع ما ذكره الله تعالى في قوله: (من بعد ما تبين لهم أنهم
أصحاب الجحيم) (1)، وأيضا قال: (أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) (2) والمعنى أنه
تعالى لما أخبر عنهم انه يدخلهم النار وطلب الغفران لهم جار مجرى طلب أن يخلف الله وعده
ووعيده، وأنه لا يجوز.
وأيضا، لما سبق قضاء الله تعالى بأنه يعذبهم فلو طلبوا غفرانه لصاروا مردودين وذلك يوجب نقصان
درجة النبي وحط مرتبته.
وأيضا أنه قال: (ادعوني استجب لكم) (2) وقال عنهم أنهم أصحاب الجحيم فهذا الاستغفار
يوجب دخول الخلف في أحد هذين النصين وأنه لا يجوز.
ورابعا: مخالفته لأمر الله تعالى بل إصراره على المخالفة حيث لم ينته بنهي الله تعالى إياه في الدنيا عن
الاستغفار، وصرح بممنوعيته عن الاستغفار لأبيه الفخر الرازي في تفسيره (4) في قوله تعالى: (وما
كان استغفار إبراهيم لأبيه).
وخامسا: بمنافاة هذه الرواية لقوله تعالى (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه)، قال العسقلاني: قد
استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته، فقال بعد أن أخرجه:
«هذا حديث في صحته نظر من جهة أن إبراهيم عالم بأن الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما بأبيه
خزيا له مع علمه بذلك».

1. التوبة: 114. 2. النساء: 116.
2. المؤمن: 63. 4. التفسير الكبير 16: 212.
110

وقال غيره: هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة
وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) (1).
قال: والجواب عن ذلك، أن أهل التفسير اختلفوا في الوقت الذي تبرأ إبراهيم فيه من أبيه، فقيل: كان
ذلك في الحياة الدنيا لما مات مشركا، وهذا الوجه للطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد
بن جبير، عن ابن عباس، واسناده صحيح.
وفي الرواية فلما، مات لم يستغفر له، ومن طريق علي بن طلحة عن ابن عباس نحوه، قال: استغفر له
ما كان حيا فلما مات امسك.
وأورد أيضا، من طريق مجاهد وقتادة وعمرو بن دينار نحو ذلك، وقيل إنما تبرأ منه يوم القيامة لما
آيس منه حين مسخ على ما صرح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها، وهذا أخرجه الطبري أيضا
من طريق عبد الملك بن أبي سليمان سمعت سعيد بن جبير يقول: ان إبراهيم يقول يوم القيامة: رب
والدي، فإذا كانت الثالثة أخذ بيده فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرأ منه.
ومن طريق عبيد بن عمير قال: يقول إبراهيم لأبيه: اني كنت آمرك في الدنيا فتعصيني ولست تاركك
اليوم، فخذ بحقوتي فيأخذ بضبيعيه فيمسخ ضبعا، فإذا رآه إبراهيم مسخ تبرأ منه.
ويمكن الجمع بين القولين بأنه تبرأ منه لما مات مشركا، فترك الاستغفار لكن لما رآه يوم القيامة
أدركته الرقة والرأفة فسأل فيه، فلما رآه مسخ يئس منه حينئذ وتبرأ تبريا أبديا.

1. التوبة: 114.
111

وقيل أن إبراهيم لم يتيقن موته على الكفر لجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع إبراهيم على ذلك
ويكون وقت تبريه منه بعد اكالة التي وقعت في هذا الحديث (1).
هذا غاية ما تشبثوا به لدفع الطعن عن هذا الخبر وفسادها مما لا يخفى.
أما الأخير: الذي نسب إلى القيل: فيرده جميع رواياتهم التي اذعنوا بصحتها.
منها: ما نقله العسقلاني وقال: اسناده صحيح.
ومنها: ما أورده في الدر المنثور، قال: أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: (فلما تبين
له) (2) حين مات وعلم أن التوبة قد انقطعت منه.
وأخرج الفريابي وابن خزيمة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وأبو بكر الشافعي في
فوائده، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما تبين له
أنه عدو لله فتبرأ منه، يقول: لما مات على الكفر.
وأما ما ذكره بقوله: ويمكن الجمع، فلا معنى محصل له لان مناط الاشكال على أن إبراهيم بعد علمه
بأنه كان مشركا ومات عليه كما سلمه في هذا الجواب، كيف استغفر له ويشفع فيه مع علمه بأنه تعالى
لا يخلف الميعاد.
فإن أراد العسقلاني من قوله: لما رآه أدركته الرقة، بيان داعي الاستغفار فهو من قبيل أصوات
الحيوانات التي تصدر من غير ارتباط، حيث أن الكلام

1. فتح الباري تفسير سورة الشعراء 8: 405.
2. التوبة: 114.
112

والاشكال في عدم جواز الاستغفار، فالجواب عنه ببيان داعيه كما ترى، وان أراد أن الرقة والرأفة
يجوز ارتكاب المنهي عنه فهو مما لا يتفوه به عاقل فضلا عن فاضل.
وكيف لا يلتزم به في تجويز جميع الشنايع والقبائح والفسق والزنا واللواط فلو زنى أحد بامرأة شابة
دعته إلى الزنا من باب الرأفة والرقة لزمه الحكم بالجواز والإباحة؟!
وأما كلامه الأول: فحاصله الاختلاف في أن وقت التبري هل هو في الدنيا بعد موته أو في الآخرة بعد
مسخه؟
وتخيل أنه لو كان التبري في القيامة لم يلزم قبح، ووجوه الفساد في هذا الكلام أيضا واضحة، اما أولا:
فلأن صريح كتاب الله وقوع التبري من إبراهيم حيث قال: (تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) (1).
وأتى بصيغة الماضي الفعلين جميعا وصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل غير جائز.
وثانيا: ان من الواضح تعدد الروايات على وقوع التبري في الدنيا وفيها باعتراف العسقلاني بصحته
وهي موافقة لظاهر القرآن والروايات المخالفة أقل عددا غير موصوفة بالصحة مخالفة لظاهر القرآن.
ومن البين ترجيح الأولى فيزيد الاشكال لا أنه يندفع.
ثالثا: أنه على فرض ترجيح الروايات الثانية يندفع الاشكال الأخير الذي ذكره غير الإسماعيلي.

1. التوبة: 114.
113

وأما الأول: فباق مجاله حيث أن مناطه ليس على المخالفة لظاهر الآية، بل على أن إبراهيم بعد ما علم
شرك آزر وعلم ان الله لا يخلف الميعاد كيف جعل ما بابيه خزيا له؟
ورابعا: أن الأقوال الأخيرة التي نقلها عن سعيد بن جبير وعبيد الله بن عمير لا يدل على أن المراد من
التبري في الآية هو التبري في الآخرة، فإنهما اقتصرا على ذكر قصة إبراهيم من غير أن يفسر الآية
بذلك.
وخامسا: أن هذه الأقوال والروايات بعينها مما يستشكل فيها الإسماعيلي وغيره، إذ هي مثل ما في
البخاري ويرد عليها ما يرد عليه من طعن في حديث البخاري كيف لا يطعن عليها، وهل هذا الا مثل
أن يجاب عن الاشكال بإعادة حديث البخاري.
سادسا: أنه لو حمل حديث التبري يوم القيامة اختل نظم الآية وفات ما هو المقصود المهم منها، إذ
الغرض منها أن إبراهيم مع كونه أواها حليما موصوفا بشده الرقة والشفقة لما تبين له كفر أبيه تبرأ منه
ولم يستغفر له والمؤمنون أولى بان لا يستغفروا للمشركين، ولهذا ذكر هذه الآية عقيب قوله: (ما كان
للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) (1).
قال الرازي في تفسيره: في توصيف إبراهيم - عليه السلام - بالاواه والحليم ما لفظه: اعلم أنه تعالى انما
وصفه بهذين الوصفين في هذا المقام لأنه تعالى وصفه بشدة الرقة والشفقة والخوف والوجل، ومن
كان كذلك فإنه لعظيم رقته على أبيه

1. التوبة: 113.
114

وأولاده فبين تعالى أنه مع هذه العادة تبرأ من أبيه وغلظ قلبه عليه لما ظهر له اصراره على الكفر، فأنتم
بهذا المعنى أولى.
ولذلك وصفه أيضا بأنه حليم، لان أحد أسباب الحكم رقة القلب وشدة العطف لان المرء إذا كان حاله
هكذا اشتد حلمه عند الغضب (1).
وأنت خبير بان هذا الكلام انما يتم لو كان المراد التبري في الدنيا، إذ لو كان تبريه منه في الآخرة مع
استغفاره له في الدنيا حتى بعد موته لم يكن هذا مما يوجب امتناع المؤمنين عن الاستغفار لأقربائهم
من المشركين بل كان مؤيدا لجوازه إلى غير ذلك من وجوه الفساد في هذا الكلام.
نسبة الخلاف إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
ومنها: ما أورده في كتاب التفسير عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي، جاء ابنه عبد الله بن
عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه ثم سئله أن
يصلي عليه، فقام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله - صلى الله
عليه وآله وسلم - فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تصلي عليه؟! وقد نهاك ربك أن تصلي عليه.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: إنما خيرني الله، فقال: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر
لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)، وسأزيد على السبعين، قال: انه منافق، قال: فصلى عليه رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم -: فأنزل الله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (2) (2).

1. التفسير الكبير للرازي 16: 212. 2. التوبة: 84.
2. صحيح البخاري كتاب تفسير القران سورة التوبة رقم 4670، 4672، كتاب الجنائز باب الكفن في القميص رقم
1269، كتاب اللباس باب لبس القميص رقم 5796.
115

حكم الغزالي في المنخول (1) بان هذا الحديث كذب قطعا.
قال بعد ذكر الاحتجاجات الشافعية على حجية المفهوم وردها، ما هذا لفظه: على أن ما نقل في آية
الاستغفار، كذب قطعا، إذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة، فلا يظن برسول الله - صلى
الله عليه وآله وسلم - ذهول عنه.
وقال العسقلاني في شرح البخاري: وقد استشكل فهم التخيير من الآية على كثير، وسبق جواب
الزمخشري عن ذلك.
وقال صاحب الانصاف: مفهوم الآية مما زلت فيه أقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر الباقلاني صحة
الحديث، وقال: لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن رسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قاله.
وقال امام الحرمين في مختصره: هذا الحديث غير مخرج في الصحيح، وقال في البرهان: لا يصححه
أهل الحديث.
وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح، وقال الداوودي الشارح: هذا الحديث
غير محفوظ، وهذا عجيب.
وحكى ابن حجر في فتح الباري أيضا هذه الأقوال فراجع (2).
حديث: احراق بيت النملة
ومنها: رواه في كتاب بدء الخلق، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال حدثني مالك، عن أبي
الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: نزل نبي من الأنبياء تحت
شجرة فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر ببيتها فاحرق بالنار، فأوحى الله تعالى
إليه: فهلا نملة واحدة؟ (2)

1. أنظر تخريج المنخول: 39. 2. فتح الباري 10: 218 و 219.
2. صحيح البخاري كتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق رقم 3319.
116

ويكفي في بطلانه ما ذكره الفخر الرازي تشنيعا على الشيعة من أنهم في طعنهم على الصحابة أقل
ادراكا وشعورا من نملة سليمان حيث أنها علمت أن أصحاب سليمان بمجرد ادراكهم صحبته النبي
في مدة قليلة لا يعتمدون اهلاك النمل وحطمها، واحتملت أن يقع منهم لا عن التفات، فلذا قيده
بقولها: (وهم لا يشعرون) (1).
واستحسن هذا الكلام بعض أعيان متأخري العامة، وهو صاحب التحفة الاثني عشرية، قال في مقام
تسفيه من يطعن على الصحابة ما هذا لفظه:... (2).

1. النمل: 18. 2. النمل: 18.
2. تحفه اثنى عشرية: 193، وقد ذكر عبارته باللغة الفارسية نأتي بتعريبها: وفي هذا المقام للإمام الفخر الرازي كلام في
غاية المتانة، وأوقع في النفوس والأذهان، فإنه قال: أن الروافض عندي أقل قدرا من النملة التي كانت في قصة سليمان، من
جهة العقل وحسن الإعتقاد بنبيهم، لأنها قالت عند رؤية الجنود: (يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان
وجنوده وهم لا يشعرون) أي أدخلوا في مساكنكم حتى لا تقتلوا تحت أقدام جنود سليمان سهوا.
وقد علمت النملة أن جنود سليمان لا يتعمدون ولا يظلمون أحدا، لأنهم قد تهذبوا وتأدبوا بقليل صحبتهم النبي،
وبذلك لا يظلمون متعمدين النملة الضعيفة ولا يقتلونها.
وأما الروافض، فإنهم لا يفهمون ذلك أبدا، لأنهم يقولون: ان صحبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا تؤثر في
نفوس أصحابه بمثل ما تؤثر صحبة سليمان في جنوده، مع أنه كان أفضل الأنبياء فلابد أن تكون أكثر تأثيرا في نفوس
أصحابه لا سيما في كبارهم الملازمون له، حتى الذي كان معه في الغار ورفيقه في الشدائد، ولا تؤثر صحبته فيهم حتى
يذهب عنهم الشيطنة والشرارة، بل أنهم مع ذلك كله قد ارتكبوا أكثر من غيرهم الفضائح، حتى آذوا ابنته وصهره وبني
ابنته الذين كانوا من بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يتامى بلا ناصر ومعين، فظلموا وأوذوا بأيدي خيار أصحابه، أحرقوا
دارهم وهتكوا قدرهم، أخذوا ما بأيديهم من الأراضي والضياع وما تكون بها وجوه معائشهم، ولا يزال في إيذائهم. معاذ
الله من ذلك.
يلاحظ عليه: أن الفخر ومؤيده صاحب التحفة وغيرهما لا يفهمون أن في الموارد الكثيرة من الكتاب والسنة ما ينافي
ويناقض مدعاهم، لأن تمامية التأثير للمقتضي من دون نظر إلى فقد المانع غير معقول.
فإن التزم الفخر وغيره بتمامية التأثير للمقتضي دون فقد الموانع فقد التزموا في الواقع بأمور مستحيلة، ومثلها ما
في امرأة نوح وامرأة لوط اللتين (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما)، التحريم: 10 - وهكذا في الآية
المباركة (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) التحريم: 4 - على ما في تفسير الآية عن عمر بن الخطاب أنهما عائشة
وحفصة، ولا تؤثر فيهما صحبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهل ذلك لقصور المقتضي أعني وعظ النبي - صلى الله عليه
وآله وسلم - إياهما; أم لوجود المانع للإتعاظ فيهما؟
وهكذا قول أبي بكر: إن لي شيطانا يعتريني، فإن اعتراه الشيطان وارتكب متعمدا جناية فالارتكاب معلول
قصور المقتضي لوعظ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو لموانع في نفسه، حيث قال في أواخر أيامه: «وددت أني لم أكن
كشفت بيت فاطمة» المعجم الكبير للطبراني 1: 62، كتاب الأموال لأبي عبيد: 174، ميزان الإعتدال 3: 108، رقم 5763،
لسان الميزان 4: 706 رقم 5752.
وما ذكر في التفاسير المعتبرة من النفاق في جماعة أدركوا صحبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصلوا خلفه، ثم
تركوه واشتغلوا باللهو والتجارة كما في سورة الجمعة: (وتركوك قائما).
117

فإذا كان حطم النمل التي تقع تحت الاقدام ممتنعا من جنود النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عمدا فامتناع
اهلاكها واحراقها من نفس النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أولى، فلينظر العاقل أن هؤلاء القوم المصححين
لروايات البخاري الموجبة لاثبات أمثال هذا على الأنبياء عليهم السلام أولى بالتسفيه والتحميق أو
من يطعن على جماعة من الصحابة بالنصوص الثابتة الصحيحة عند الفريقين المروية في أسفار
الفريقين.
حديث: تفضيل الخلفاء وتكذيب رواته
ومنها: ما أورده في باب مناقب عثمان عن ابن عمر قال: كنا في زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا نعدل
بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا نفاضل بينهم (1).

1. صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب فضائل عثمان رقم 3698 وفي فضائل أبي بكر رقم 3655.
118

والدلائل على الكذب والبطلان في هذا الهذيان والبهتان أكثر من أن تحصى وأوفر من أن تستقصى إذ
قد ثبت بالأدلة الساطعة والبراهين القاطعة مما صحت من طرقهم ورويت في صحاحهم أفضلية علي -
عليه السلام - عن الشيخين فضلا عن الثالث.
ثم ان هذا الخبر مخالف لاجماعهم حيث أنهم مجمعون على أفضليته - عليه السلام - عن غير الثلاثة من
الصحابة، ولذا بالغ علامتهم المحدث ابن عبد البر في الاستيعاب في ابطال هذا الخبر، قال:
أخبرنا محمد بن زكريا ويحيى بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن يحيى قالوا حدثنا أحمد بن سعيد
بن حرم ثنا أحمد بن خلد ثنا مروان بن عبد الملك، قال سمعت هارون بن إسحاق يقول: سمعت
يحيى بن معين يقول: من قال أبو بكر وعمرو عثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب
سنة.
فذكرت له هؤلاء والذين يقولون: أبو بكر، وعمر، وعثمان ثم يسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ.
وكان يحيى بن معين يقول: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان.
وقال أبو عمرو: من قال بحديث ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أبو بكر،
ثم عمر، ثم عثمان ثم نسكت، يعني فلا نفاضل وهو الذي أنكر ابن معين وتكلم فيه بكلام غليظ، لأن
القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر، بأن
عليا أفضل الناس بعد عثمان، هذا مما لم يختلفوا فيه وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان،
واختلف السلف أيضا في تفضيل علي وأبي بكر.
119

وفي اجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أن حديث ابن عمر وهم وغلط وأنه لا يصح معناه وان كان
اسناده صحيحا (1).
ويلزم من قال به أن يقول بحديث جابر وحديث ابن سعيد: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم لا يقولون بذلك، فقد ناقضوا وبالله التوفيق.
حديث: ليلة الإسراء
ومنها: قصة الاسراء، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، قال: حدثني سليمان عن شريك بن عبد الله،
أنه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من مسجد الكعبة،
«أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام.
فقال: أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم.
فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه.

1. الاستيعاب 3: 1116. وفي الطعن على عبد الله بن عمر لحديثه هذا، قال القاضي أبو يعلى في «طبقات الحنابلة»: قال
أبو يحيى أيضا: سمعت أبا غسان الدوري يقول: كنت عند علي بن الجعد، فذكروا عنده حديث ابن عمر «كنا نفاضل على
عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فنقول: خير هذه الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أبو بكر، وعمر، وعثمان،
فيبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكر»! فقال علي: انظروا إلى هذا الصبي، هو لم يحسن يطلق امرأته، يقول: كنا
نفاضل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - طبقات الحنابلة 1: 158 رقم 213، سير أعلام النبلاء 10: 463 -
464.. وقد صنفت في ذلك رسالة مختصرة وسميته: «حديث التربيع».
120

وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه
منهم جبرئيل، فشق جبرئيل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم
بيده، حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة، فحشا به
صدره ولغاديده - يعني: عروق حلقه - ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها
فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبرئيل، فقالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد، قال: وقد بعث
إليه؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا إلى آخر ما ذكره (1).
وأورده مسلم أيضا في صحيحه، وقال النووي في شرح مسلم، قوله ذلك: قبل أن يوحي إليه: وهو
غلط لم يوافق عليه، فإن الاسراء أقل ما قيل فيه، أنه كان بعد مبعثه - صلى الله عليه وآله وسلم - بخمسة عشر
شهرا.
وقال الحربي: كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة.
وقال الزهري: كان ذلك بعد مبعثه بخمس سنين، وقال ابن إسحاق: أسري به وقد فشا الإسلام بمكة
والقبائل، وأشبه هذه الأقوال قول الزهري، وابن إسحاق، إذ لم يختلفوا أن خديجة رضي الله عنها
صلت معه بعد فرض الصلاة عليه، ولا خلاف في أنها توفيت قبل الهجرة بمدة ثلاث سنين وقيل
بخمس.

1. صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قوله تعالى (وكلم الله موسى تكليما) - النساء: 164 - رقم 7517، وكتاب
المناقب باب كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه، رقم 3570.
121

ومنها: أن العلماء مجمعون على أن فرض الصلاة كان ليلة الاسراء فكيف يكون هذا قبل أن يوحى
إليه؟!
وأما قوله: في رواية شريك، وهو نائم، وفي الرواية الأخرى: بينا أنا عند البيت، بين النائم واليقظان،
فقد يحتج به من يجعلها رؤية نوم، ولا حجة فيه، إذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه، وليس
في الحديث ما يدل على كونه نائما في القصة كلها.
هذا الكلام للقاضي رحمه الله، وهذا الذي قاله في رواية شريك، وان أهل العلم أنكروها، قد قاله
غيره، وذكر البخاري رواية شريك هذه عن أنس في كتاب التوحيد في صحيحه وأتى بالحديث
مطولا.
قال الحافظ عبد الحق في كتابه الجمع بين الصحيحين بعد ذكر هذه الرواية: هذا الحديث بهذا اللفظ
من رواية شريك بن أبي نمر، عن أنس وقد زاد فيه زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد
روى حديث الاسراء جماعة من الحفاظ المتقنين عن الأئمة المشهورين، كابن شهاب، وثابت
البناني، وقتادة، يعني عن أنس: فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك وشريك ليس بالحافظ عند أهل
الحديث، قال: والأحاديث التي تقدمت قبل هذا هي المعول عليها (1).
وقال الكرماني في الكواكب الدراري: قال النووي: جاء في رواية شريك أوهام أنكرها العلماء، في
جملتها أنه قال: «ذلك قبل أن يوحي اليه»، وهو غلط لم يوافق عليه.

1. صحيح مسلم بشرح النووي 2: 209 - 210.
122

وأيضا العلماء أجمعوا على أن فرض الصلاة كان ليلة الاسراء فكيف يكون قبل الوحي.
أقول: وقول جبرئيل في جواب بواب السماء، إذ قال: أبعث؟ قال: نعم، صريح في أنه كان بعده (1).
وقال ابن القيم في زاد المعاد: فصل قال الزهري: عرج برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى بيت
المقدس والى السماء قبل خروجه إلى المدينة بسنة.
وقال ابن عبد البر وغيره: كان بين الاسراء والهجرة سنة وشهران، وكان الاسراء مرة واحدة وقيل
مرتين، مرة يقظة ومرة مناما، وأرباب هذا القول كأنهم أرادوا أن يجمعوا بين حديث شريك وقوله: ثم
استيقظت، وبين سائر الروايات.
ومنهم من قال: بل كان هذا مرتين، مرة قبل الوحي بقوله: في حديث شريك: «وذلك قبل أن يوحى
اليه» ومرة بعد الوحي، كما دلت عليه سائر الأحاديث.
ومنهم من قال: بل ثلاث مرات، مرة قبل الوحي، ومرتين بعده.
وكل هذا خبط، وهذه طريقة ضعفاء الظاهرية من أرباب النقل الذين إذا رؤا في قصة لفظ تخالف سياق
بعض الروايات جعلوه مرة أخرى، فكلما اختلف عليهم الروايات عددوا الوقائع.
والصواب الذي عليه أئمة النقل أن الاسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة، ويا عجبا لهؤلاء الذين
زعموا أنه مرارا، كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في

1. الكواكب الدراري 25: 204.
123

كل مرة تفرض عليه الصلاة خمسين، ثم يتردد بين ربه وبين موسى، حتى تسير خمسا، ثم يقول:
«أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، ثم يعيدها في المرة الثانية إلى خمسين، ثم يحطها عشرا
عشرا، وقد غلط الحفاظ شريكا في ألفاظ من حديث الاسراء (1).
حديث: تفضيل زيد بن عمرو بن نفيل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
ومنها: ما أورده في كتاب الذبائح: «حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن
المختار: أخبرنا موسى بن عقبة قال: أخبرني سالم أنه سمع عبد الله يحدث عن رسول الله: أنه لقي زيد
بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح - وذاك قبل أن ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الوحي - فقدم
إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون
على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه»!!. (2)
وأورد هذا الحديث الامام أحمد بن حنبل وأبو يعلى والبزار وغيرهم من أكابر القوم مع التصريح بأكل
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مما ذبح على النصب، قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح
البخاري:
وقد وقع في حديث سعيد بن زيد الذي قهر منه وهو عند أحمد، فكان زيد يقول: عذت بما عاذ به
إبراهيم ثم يخر ساجدا للكعبة، قال: فمر بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وزيد بن حارثة وهما يأكلان من
سفرة لهما فدعياه.

1. زاد المعاد 3: 41 - 42.
2. صحيح البخاري 6: 225، كتاب الذبائح، باب: ما ذبح على النصب والأصنام ط باموق، فتح الباري 9: 518.
124

قال: يا بن أخي لا آكل مما ذبح على النصب، قال: فما رأي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يأكل مما ذبح
على النصب من يومه وذلك.
وفي حديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما، قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وآله
وسلم - يوما من مكة وهو مرد في مذبحنا شاة على بعض الأصنام فاذبحناها فلقينا زيد بن عمرو، فذكر
الحديث مطولا، فقال زيد: اني لا أكل مما لم يذكر اسم الله عليه (1).
وأورده البخاري أيضا في موضع آخر من صحيحه، لكن بتعبير وتبديل، قال في كتاب المناقب، باب
حديث زيد بن عمرو ابن نفيل: حدثني محمد بن أبي بكر، قال: حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا
موسى، حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لقى زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل
بلدح قبل أن ينزل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الوحي فقدمت إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سفرة
فأبى أن يأكل منها.
ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل الا ما ذكر اسم الله عليه، وان زيد بن
عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم، ويقول: الشاة خلقها الله تعالى وانزل لها من السماء الماء وانبت
لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله؟ انكارا لذلك واعظاما له (2).
وأيا من هذه الروايات قلنا به يوجب اثبات طعن عظيم على سيد النبيين وأفضل المرسلين واثبات
أعرفية زيد بالله وتعظيمه منه - صلى الله عليه وآله وسلم -.
ويدل على أن مثل هذا الامر الذي ارتكز قبحه في عقل زيد الغير المتدين

1. فتح الباري 9: 518.
2. صحيح البخاري كتاب المناقب، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل رقم 3826.
125

بدين وفي عقول المتقطنين وان لم يكونوا بالشرايع ملتزمين، قد خفي على سيد البشر نعوذ بالله من
هذه الهذيانات.
إذ لو قيل بموجب رواية أحمد وأبي يعلى والبزار من أكله مما ذبح على النصب بل مباشرته لهذا الذبح
مع زيد بن حارثة فالامر واضح، ولو قيل بموجب ما رواه البخاري في كتاب الذبائح فهو أيضا لا يخلو
من رضائه - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الامر الشنيع وحفظ هذا اللحم في السفرة وعدم ابائه عن أكله - صلى
الله عليه وآله وسلم - ودعوته لزيد في الاكل منه واباء زيد وأعرفيته بالله منه وأورعيته وأعقليته.
ولو قيل بموجب ما رواه في كتاب المناقب فكذلك اتحاد الحديثين، فلابد من ارجاع الضمير في
قوله: فأبى، إلى زيد كما هو سياق الكلام والمقام والحديث يفسر بعضه بعضا، كما صرح به أعيان
العامة فيلزم جميع ما ذكرنا.
ولو تعسف متعسف فارجع الضمير إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا أقل دعوة النبي - صلى الله عليه وآله
وسلم - زيدا إلى هذا الامر القبيح الذي تقررت حرمته في الشرايع السابقة بل في شريعة إبراهيم على ما
اعترف بعض أعيانهم وارتكز قبحه في العقول ولننقل بعض كلمات القوم مما يتعلق بالمقام.
فنقول من عجيب الأمر أن ابن روزبهان لابتلائه بضيق خناق الالزام والافحام من علامة العلماء
الاعلام حيث ذكر هذا الحديث بعين الالفاظ التي أوردها البخاري في كتاب الذبائح، من أن رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - لقى زيد بن عمرو فقدم اليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سفرة فيها لحم فأبى أن
يأكل منها ثم قال: اني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم! اضطرب واختل عقله وضاق عليه الامر
فاختلق تتمة لهذا الحديث غير مرتبطة به لفظا ولا معنى.
126

فقال: من غرائب ما يستدل به على ترك أمانة هذا الرجل وعدم الاعتماد والوثوق على نقله رواية هذا
الحديث، فقد روى بعض هذا الحديث ليستدل به على مطلوبه وهو الطعن في رواية الصحاح، وما
ذكر تمامه وتمام الحديث: «أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما قال لزيد بن عمرو بن نفيل هذا
الكلام، قال: وأنا أيضا لا آكل من ذبيحتهم ومما لم يذكر عليه اسم الله تعالى فاكلا معا».
وهذا الرجل لم يذكره التتمة ليتمكن من الطعن في الرواية، نسأل الله العصمة من التعصب فإنه بئس
الضجيع.
أقول: فيه أولا: ان هذه التتمة موضوعة مختلقة افتراها واخترعها هذا الناصب، ونسخ صحيح
البخاري موجودة منتشرة في شرق العالم وغربها ليس فيها من هذه التتمة عين ولا أثر فليراجع من
أراده.
وثانيا: انه إما أن يكون الضمير في الحديث في قوله: «فأبى» و «ثم قال» راجعا إلى الرسول أو إلى زيد،
فان كان راجعا إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فنفس العبارة المنقولة كافية في دفع الطعن، ولا يتمكن
من الطعن فيه وان لم تكن هذه التتمة موجودة مع أن صريح كلامه ابتناء عدم التمكن من الطعن ودفعه
على هذه التتمة وأيضا على التقدير فالضمير في هذه التتمة في قوله: «قال وأنا أيضا» ان كان راجعا إلى
الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا معنى له أصلا بل يصير من قبيل الهذيان، إذ بعد قول الرسول - صلى الله
عليه وآله وسلم - في الحديث: أنا لا آكل، فأي معنى لقوله ثانيا: وأنا أيضا لا آكل؟
وان كان إلى زيد فلهذه التتمة مدخلية في دفع الطعن عن زيد؟ والكلام لم يكن فيه، ولم يرده العلامة
قدس الله روحه حتى يحذف التتمة لأجله،
127

وان كان الضمير في الحديث في قوله: «فأبى ثم قال» راجعا إلى زيد فلا معنى لقوله: لما قال رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لزيد هذا الكلام.
فان هذا الكلام على هذا التقدير لم يقله رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل قاله زيد ولا شبهة في أن
هذا الكلام إشارة إلى الكلام المنقول في عبارة العلامة رحمه الله.
وبهذا التقرير يعلم خيانة ابن روزبهان في النقل وافترائه كما يعلم من سخافة عقله وقلة ادراكه، حيث
أنه اختلق عبارة لا يمكن ارتباطها بالحديث وقد اقتصر العلامة التستري نور الله مرقده لتوضيح الفقرة
الأولى أعني خيانته في النقل، دون الثانية قبالا لما تفوه به في حق العلامة، لامن جهة أنه خفي عليه ما
قررناه.
فقال رحمة الله عليه: من بدايع حيل هذا الناصب العاجز الكاذب الخائن أنه لما أراد التفصي عن
التشنيع المتوجه على أصحابه في هذه الرواية بضم بعض ما اخترعه من العبارات أرعد وأبرق أولا
تشدد في اظهار التعجب والغرابة ونسبة المصنف قدس الله روحه إلى الخيانة والتقصير، وختم ذلك
بسؤال العصمة عن التعصب ليسد بذلك باب رجوع الناظرين إلى مأخذ الرواية فلا يظهر خيانته فيها
بالزيادة عليها.
والحاصل إنا قد راجعنا صحيح البخاري فكان الحديث كما نقله المصنف تغمده الله بغفرانه، ولم
يكن من الإضافة التي ذكرها هذا الناصب الخائن الشقي عين ولا أثر، فمن أبى لحسن ظنه في هذا
الشقي السقيم فليراجع ذلك الصحيح، ليتضح له ما أتى به من الكذب الصريح.
ومن هاهنا أيضا يظهر صدق ما أشرنا إليه في بعض المباحث، من أن
128

أصحاب الناصب يعد ما نبههم الشيعة على شناعة بعض أحاديثهم، يزيدون على ذلك أو ينقصون عنه
على حسبما عرض لهم من ضيق الخناق فلا يعتد بما يرويه أهل الشقاق انتهى كلامه رفع مقامه.
وليعلم أن جماعة من أعيانهم كالجرجاني والإسماعيلي وغيرهما نقلوا ألفاظ الحديث المروي في
كتاب المناقب أيضا مطابقة لما في باب الذبائح.
قال في فتح الباري في شرح البخاري قوله: فقدمت بضم القاف، قوله إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
كذا الأكثر، وفي رواية الجرجاني، وكذا أخرجه الزبير بن بكار والفاكهي وغيرهما (1).
ولننقل بعض كلماتهم الأخر مما يتعلق بالمقام.
قال ابن حجر العسقلاني: قال الداودي: كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل البعث يجانب المشركين
في عباداتهم ولكن لم يكن يعلم ما يتعلق بأمر الذبائح، وكان زيد قد علم ذلك من أهل الكتاب الذين
لقيهم (2)، وسخافته ظاهرة.
وقال السهيلي في روض الانف بعد نقل الحديث: وفيه سؤال يقال: كيف وفق الله زيد إلى ترك أكل ما
ذبح على النصب وما لم يذكر اسم الله عليه! ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أولى بهذه الفضيلة في
الجاهلية لما ثبت الله له من عصمته!؟
فالجواب من وجهين:
الأول: انه ليس في الحديث حين لقيه ببلدح، فقدمت إليه السفرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
أكل منها، وانما في الحديث أن زيدا قال حين قدمت السفرة لا اكل مما لم يذكر اسم الله عليه.

1. فتح الباري 7: 112.
2. فتح الباري 7: 113 كتاب المناقب باب، حديث زيد بن عمرو بن نفيل.
129

الجواب الثاني: ان زيدا انما فعل ذلك برأي رآه لا بشرع متقدم، وإنما تقدم شرع إبراهيم بتحريم
الميتة لا بتحريم ما ذبح لغير الله، وانما نزل تحريم ذلك في الاسلام.
وبعض الأصوليين يقولون: الأشياء قبل ورود الشرع على الإباحة، فان قلنا بهذا وقلنا ان رسول الله -
صلى الله عليه وآله وسلم - كان يأكل مما ذبح على النصب، فإنما فعل مباحا، وان كان لا يأكل منها فلا اشكال،
وان قلنا أيضا، أنها ليست على الإباحة ولا على التحريم وهو الصحيح.
فالذبائح خاصة لها أصل في تحليل الشرع المتقدم، فالشاة والبعير ونحو ذلك مما أحله الله تعالى في
دين من قد كان قبلنا، ولم يقدح في ذلك التحليل المتقدم ما ابتدعوه حتى جاء الاسلام وأنزل الله
سبحانه: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) (1).
ألا ترى كيف بقيت ذبائح أهل الكتاب عندنا على أصل التحليل بالشرع المتقدم ولم يقدح في التحليل
ما أحدثوه من الكفر وعبادة الصلبان، فكذلك كان ما ذبحه أهل الأوثان محللا بالشرع المتقدم حتى
خصه القرآن بالتحريم (2).
وقال الزركشي، وهو من أكابر القوم، في كتاب التنقيح بعد نقل الحديث: ان قيل كان نبينا - صلى الله عليه وآله
وسلم - أولى بهذه الفضيلة، قلنا: ليس في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أكل من السفرة.
وأجاب السهيلي: بأن زيدا انما قال ذلك برأي منه لا شرع متقدم، وفي

1. الانعام: 121.
2. روض الأنف 2: 361 - 363.
130

شرع إبراهيم تحريم الميتة لا تحريم ما ذبح لغير الله وانما نزل تحريم ذلك في الاسلام، وهذا الذي
قاله ضعيف، بل كان في شريعة الخليل تحريم ما ذبح لغير الله، وقد كان عدو الأصنام، والله تعالى
يقول: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) (1).
وبالجملة فرواية نسبة أكل مما ذبح على النصب إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما صرح في رواية
أحمد وأبو يعلى والبزار وغيرهم أو دعوته غيره إلى أكله مع أنه مما يجتنب عنه اليهود والنصارى
ويختص بعابدي الأصنام مما لا تخفى.
حديث: «كذب إبراهيم ثلاث كذبات»
ومنها: ما يدل على صدور الكذب عن إبراهيم وهو مروي في الصحيحين والفاظه على ما في الجمع
بين الصحيحين هكذا:
ان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في صفة حال الخلق يوم القيامة: وانهم يأتون آدم ويسألونه
الشفاعة فيعتذر إليهم، فيأتون نوحا فيعتذر إليهم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله
وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، أما ترى ما نحن فيه، فيقول لهم ان ربي قد غضب غضبا لم
يغضب قبله ولن يغضب بعده مثله، واني قد كذبت ثلاث كذبات نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري (2).

1. النحل: 123.
2. صحيح البخاري كتاب تفسير القران، سورة بني إسرائيل رقم 4712، وفي كتاب أحاديث الأنبياء باب، (يزفون)
النسلان في المشي، رقم 3361، وفي النسخة التي كانت بأيدينا: فقال إبراهيم: نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى.
131

وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: لم يكذب إبراهيم النبي قط الا ثلاث كذبات ثنتين في ذات
الله وواحدة في شأن سارة (1).
وما ذكروا في توجيهه، من أن المراد «صورة الكذب» ينافي امتناعه من الشفاعة لأجلها وينافي غضب
الرب لأجلها.
قال الفخر الرازي: واعلم ان بعض الحشوية روى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: ما كذب
إبراهيم إلا ثلاث كذبات، فقلت: الأولى أن لا يقبل مثل هذه الاخبار، فقال على طريق الاستنكار: ان لم
نقبله لزمنا تكذيب الرواة، فقلت له: يا مسكين ان قلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم - عليه السلام -، وان
أردناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ولا شك أن صون إبراهيم عن الكذب أولى من صون طائفة من
المجاهيل عن الكذب (2).
حديث امتناع علي بن أبي طالب عن صلاة الليل
ومنها: ما أورده في غير موضع منه مما يدل على امتناع أمير المؤمنين علي - عليه السلام - عن صلاة الليل،
أعني التهجد، واحتجاجه على تركها بشبهة الجبرية التي لا يسوغ لأحد التمسك بها وان كان قائلا
بالخبر كما ستعرف في كلامهم.
قال البخاري في باب تحريص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على صلاة الليل والنوافل:
عن الزهري أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم - طرقه وفاطمة بنت النبي فقال: لا تصليان؟

1. نفس المصدر: كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى (واتخذ إبراهيم خليلا) رقم 3357، كتاب النكاح باب
اتخاذ السراري رقم 5084،
2. التفسير الكبير 22: 185 و 26: 148، وفيه لا يحكم بنسبة الكذب إليهم إلا الزنديق.
132

فقلت يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنفسنا بيد الله لو شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم - حين قلت له ولم يرجع الي، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه ويقول: كان الانسان أكثر
شيء جدلا (1)، وأورده أيضا في كتاب التفسير في باب «وكان الانسان أكثر شيء جدلا» (2).
وأورده أيضا في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (3).
وأورده أيضا في كتاب رد الجهمية وغيرهم في باب المشية والإرادة (4).
وذكر جماعة من متأخري العامة هذا الخبر الموضوع في مقابل الرواية الصحيحة الثابتة بطرقهم
وطرق الشيعة، من أن عمر رد على الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله: ايتوني بدواة وقرطاس
ونسبته إلى الهجر، فقالوا: كما وقع من عمر هذا فقد وقع من علي - عليه السلام -، فما هو الجواب هنا هو
جوابنا ثمة!.
ولعمري أن هذه المعارضة والمقابلة غاية الحماقة ونهاية الخرافة، إذ فيها مضافا إلى وجوه الفرق بين
القضيتين أن هذا الخبر من موضوعات عهد بني أمية ولم يرد في كتاب من كتب الشيعة.
والاستشهاد برواية البخاري كاستشهاد ابن آوى بذنبه، بل هو مخالف لما ثبت وصح في كتب
الفريقين من كثرة عبادته - عليه السلام - حتى قال جماعة من العامة، منهم ابن أبي الحديد: أن الناس
تعلموا منه المواظبة على صلاة الليل والعبادات.

1. صحيح البخاري باب 5، تحريص النبي على صلاة الليل رقم 1127.
2. نفس المصدر: سورة الكهف باب 1، رقم 4724.
3. نفس المصدر: باب 17، رقم 7347.
4. نفس المصدر: كتاب التوحيد باب 31، رقم 7465.
133

بل بعد تسليم الخبر أيضا لا معنى للمعارضة، قال ابن حجر ردا على ابن بطال، ما لفظه: ومن اين له أن
عليا لم يمتثل ما دعاه الله، فليس في القصة تصريح بذلك وانما أجاب علي بما ذكر اعتذارا عن تركه
القيام بغلبة النوم ولا يمتنع أنه صلى عقيب هذا المراجعة وليس في الخبر ما ينفيه.
ولننقل بعض كلمات ابن تيمية في المنهاج مما يعلم منه غاية نصبه وشقاوته وضلالته وانهماكه في
عداوته حيث أنه أطال الكلام في مواضع عديدة من كتابه في بطلان التمسك بشبهة القدر وأن بطلانها
ضروري ثم نسب صريحا التمسك بها إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - قال:
الاحتجاج بالقدر حجة باطلة داحضة باتفاق كل ذي عقل ودين من جميع العالمين والمحتج به لا يقبل
من غيره مثل هذه الحجة، إذا احتج بها في ظلم ظلمه اياه وترك ما يجب عليه من حقوقه، بل يطلب منه
ماله عليه ويعاقبه على عدوانه عليه، وانما هو من جنس شبه السوفسطائية التي تعرض في العلوم،
فكما انك تعلم فسادها بالضرورة وان كانت تعرض كثيرا لكثير من الناس حتى قد يشك في وجود
نفسه، وغير ذلك من المعارف الضرورية، فكذلك هذا يعرض في الاعمال حتى يظن أنها شبهة في
اسقاط الصدق والعدل الواجب وغير ذلك، وإباحة الكذب والظلم وغير ذلك.
ويعلم بالضرورة ان هذه شبهة باطلة، ولهذا لا يقبلها أحد عند التحقيق ولا يحتج بها أحد الا مع عدم
علمه بالحجة بما فعله، فإذا كان معه علم بان ما فعله هو المصلحة وهو المأمور، وهو الذي ينبغي
فعله، لم يحتج بالقدر وكذلك إذا كان معه علم بان الذي لم يفعله ليس عليه أن يفعله أو ليس بمصلحة
أو ليس هو مأمورا به لم يحتج بالقدر، بل اذا كان متبعا لهواه بغير علم احتج بالقدر، ولهذا
134

قال المشركون: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آبائنا ولا حرمنا من شيء) قال الله تعالى: (هل عندكم من
علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن وان أنتم إلا تخرصون قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم
أجمعين) (1)
فان هؤلاء المشركين يعلمون بفطرتهم وعقولهم أن هذه الحجة داحضة وباطلة فان أحدهم لو ظلم
الاخر، أو حرج في ماله، أو فرج امرأته، أو قتل ولده، أو كان مصرا على الظلم فنهاه الناس عن ذلك
فقال: لو شاء الله لم أفعل هذا، لم يقبلوا منه هذه الحجة ولا هو يقبلها من غيره، وانما يحتج بها المحتج
رفعا لللوم بلا وجه.
فقال الله لهم: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ بأن هذا الشرك والتحريم من أمر الله وأنه مصلحة
ينبغي فعله، ان تتبعون إلا الظن، فإنه لا علم عندكم بذلك، ان تظنون ذلك الا ظنا وان أنتم إلا تخرصون
تحرزون وتفترون، فعمدتكم في نفس الأمر ظنكم وخرصكم ليس في عمدتكم في نفس إلا وكون
الله شاء ذلك وقدره.
فإن مجرد المشية والقدرة لا تكون عمدة لأحد في الفعل ولا حجة لأحد على أحد ولا عذرا لأحد إذ
الناس كلهم مشتركون في القدر، فلو كان هذا حجة وعمدة لم يحصل فرق بين العادل والظالم
والصادق والكاذب والعالم والجاهل والبر والفاجر، ولم يكن فرق بين ما يصلح الناس من الاعمال
وما يفسدهم وما ينفعهم وما يضرهم.
وهؤلاء المشركون المحتجون بالقدر على ترك ما أرسل الله به رسله من

1. الانعام: 148 - 149.
135

توحيده والايمان به لو احتج به بعضهم على بعض في سقوط حقوقه ومخالفة أمره لم يقبله منه، بل
كان هؤلاء المشركون يذم بعضهم بعضا ويعادي بعضهم بعضا، ويقاتل بعضهم بعضا، على فعل (ما
يرونه) (1) تركا لحقهم أو ظلما، فلما جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يدعوهم إلى حق الله على
عبادة وطاعة أمره احتجوا بالقدر (2).
وقال في موضع آخر: وهذا السؤال أعني لزوم افحام الأنبياء في جواب الكفار، انما يتوجه على من
يسوغ الاحتجاج بالقدر ويقيم عذر نفسه أو غيره، إذا عصى بأن هذا مقدر علي، ويرى أن شهود هذا
هو شهود الحقيقة، أي الحقيقة الكونية.
وهؤلاء كثيرون في الناس وفيهم من يدعي أنه من الخاصة العارفين أهل التوحيد الذين فنوا في
توحيد الربوبية، ويقولون: أن العارف إذا فنى في شهود توحيد الربوبية، لم يستحسن حسنه ولم
يستقبح قبحه (2)، ويقول بعضهم من شهد الإرادة سقط عنه الأمر، ويقول بعضهم الخضر عليه
السلام سقط عنه التكليف لأنه شهد الإرادة.
وهذا الضرب كثير في متأخري الشيوخ النساك والصوفية والفقراء بل في الفقهاء والأمراء والعامة، ولا
ريب أن هؤلاء شر من المعتزلة والشيعة الذين يقرون بالامر والنهي وينكرون القدر وبمثل هؤلاء طال
لسان المعتزلة والشيعة في المنتسبين إلى السنة.

1. من يريد، ن خ. 2. منهاج السنة 2: 2 - 3.
2. سيئته، نخ.
136

فان من أقر بالأمر والنهي والوعد والوعيد وفعل الواجبات وترك المحرمات ولم يقل أن الله خلق
أفعال العباد ولا يقدر على ذلك ولا شاء المعاصي، هو قد قصد تعظيم الأمر وتنزيه الله تعالى عن الظلم
وإقامة حجة الله على نفسه لكن ضاق عطنه فلم يحسن الجمع بين قدرة الله التامة وبين المشية العامة،
وخلقه الشامل وبين عدله وحكمته، وأمره ونهيه، ووعده ووعيده، فجعل الله الحمد ولم يجعل له
تمام الملك.
والذين اثبتوا قدرته ومشيته، وخلقه وعارضوا بذلك أمره ونهيه ووعده ووعيده شر من اليهود
والنصارى كما قال هذا المصنف (1).
فان قولهم يقتضي افحام الرسل، ونحن انما نرد من أقوال هذا وغيره ما كان باطلا، وأما الحق فعلينا أن
نقبله من كل قائل وليس لأحد أن يرد بدعة ببدعة ولا يقابل باطلا بباطل.
والمنكرون للقدر وان كانوا في بدعة فالمحتجون به على الامر أعظم بدعة وان كان أولئك يشبهون
المجوس فهؤلاء يشبهون المشركين المكذبين للرسل، الذين قالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آبائنا
ولا حرمنا من دونه من شيء.
وقد كان في أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم جماعة من هؤلاء القدرية، وأما المحتجون بالقدر
على الامر فلا يعرف لهم طائفة من طوائف المسلمين معروفة وانما كثروا في المتأخرين (2).
وهذه الكلمات كلها كما ترى تسليم التشنيعات التي أوردها العلامة قدس

1. يعني العلامة رحمه الله.
2. منهاج السنة 2: 8.
137

سره على العامة أعني على الأشاعرة، منهم الذين هم الأكثرون عددا وعدة، ومع هذا كله قال هذا
الناصب ما نقلنا عنه، أولا ما هذا لفظه:
ثم يعلم ان هذه الحجة باطلة بصريح العقل، عند كل أحد مع الايمان بالقدر، وبطلان هذه الحجة لا
يقتضي التكذيب بالقدر، وذلك أن بني آدم مفطورون على احتياجهم إلى جلب المنفعة ودفع
المضرة، ولا يعيشون ولا يصلح لهم دين ولا دنيا إلا بذلك.
فلابد أن يتأمروا بما فيه محصل منافعهم ودفع مضارهم، سواء بعث إليهم رسول أم لم يبعث، لكن
علمهم بالمنافع والمضار بحسب عقولهم وقصودهم، والرسل صلوات الله عليهم، بعثوا بتحصيل
المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها.
فاتباع الرسل أكمل الناس في ذلك، والمكذبون للرسل انعكس الأمر في حقهم، فصاروا يتبعون
المفاسد ويعطلون المصالح، فهم شر الناس، ولابد لهم مع ذلك من أمور يجتلبونها وأمور يجتنبونها،
وأن يتدافعوا جميعا ما يضرهم من الظلم والفواحش ونحو ذلك.
فلو ظلم بعضهم بعضا في دمه، أو ماله، أو حرمه، فطلب المظلوم الاقتصاص والعقوبة، لم يقبل أحد
من ذوي العقول احتجاجه بالقدر، ولو قال: اعذروني، فان هذا كان مقدرا علي، لقالوا: وأنت لو فعل
بك ذلك، فاحتج عليك ظالمك بالقدر، لم تقبل منه، وقبول هذه الحجة يوجب الفساد الذي لا صلاح
معه، وان كان الاحتجاج بالقدر مردودا في فطر جميع الناس وعقولهم، مع ان جماهير الناس مقرون
بالقدر، علم أن الاقرار بالقدر لا
138

ينافي دفع الاحتجاج به، بل لابد من الايمان به، ولابد من رد الاحتجاج به.
ولما كان الجدل ينقسم إلى حق وباطل وكان من لغة العرب: أن الجنس، إذا انقسم إلى نوعين: أحدهما
أشرف من الآخر، خصوا الأشرف باسم الخاص، وعبروا عن الآخر، باسم العام، كما في لفظ الجائز
العام والخاص، والمباح العام والخاص، وذوي الأرحام العام والخاص، ولفظ الجواز، العام
والخاص، ويطلقون لفظ الحيوان على غير الناطق، لاختصاص الناطق باسم الانسان غلبوا في لفظ
الكلام والجدل، فلذلك يقولون: فلان صاحب كلام ومتكلم، إذا كان قد يتكلم بلا علم، ولهذا ذم
السلف، أهل الكلام والجدل.
فإذا لم يكن الكلام بحجة صحيحة، لم يكن الا جدلا محضا، والاحتجاج بالقدر من هذا الباب،
كما في الصحيح عن علي رضي الله عنه قال: طرقني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفاطمة فقال: ألا
تقومان فتصليان، فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، قال
فولى وهو يقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا، فإنه لما أمرهم بقيام الليل فاعتل علي بالقدر، وأنه
لو شاء الله لايقظنا، علم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ان هذا ليس فيه إلا مجرد الجدل الذي ليس بحق،
فقال: وكان الانسان أكثر شيء جدلا (1).
وأنا والله استحيي من بيان لوازم كلامه الميشوم سيما بعد ضم بعضها إلى بعض، وتعصبات هذا
الملحد الزنديق وتحاملاته كثيرة لم أر أحدا من علماء العامة بلغ مبلغه في التعصب وتجاسر على
بعض ما صدر عنه، وقد تقدم كلامه في حجية أقوال العترة الطاهرة.

1. منهاج السنة 2: 10 - 11.
139

وبلغ من تعصبه إلى أن صنف رسالته في فضل معاوية ويزيد، كما ذكره صلاح الدين في فوات
الوفيات المذيل على تاريخ ابن خلكان، فإنه اثنى عليه أولا بأوصاف جميلة، فقال: شيخنا الامام
الرباني امام الأئمة ومفتي الأمة وبحر العلوم سيد الحفاظ وفارس المعاني والالفاظ فريد العصر وقريع
الدهر شيخ الاسلام قدوة الأنام علامة الزمان وترجمان القرآن علم الزهاد وأوحد العباد قامع
المبتدعين وآخر المجتهدين نزيل دمشق صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها ثم ضيع ست
ورقات تقريبا في أحواله ثم عد من مصنفاته رسالة في فضل معاوية وابنه يزيد (1).
ابن تيمية وطاعة أولى الأمر
وقال في موضع من المنهاج: أبو بكر وعمر رضى الله عنهما وليا الامر، والله قد أمر بطاعة أولى الأمر،
وطاعة ولي الأمر طاعة الله ومعصيته معصية الله، فمن سخط أمره وحكمه فقد سخط أمر الله وحكمه،
وعلي وفاطمة ردا أمر الله وسخطا حكمه وكرها رضى الله، لان الله يرضيه طاعته وطاعة ولي الامر
طاعته فمن كره طاعة ولي الامر فقد كره رضوان الله، والله يسخط بمعصيته ومعصية ولي الامر
معصيته، فمن اتبع معصية ولي الامر فقد اتبع ما اسخط الله وكره رضوانه (2).
كفانا بهذا قدحا في أبي بكر وعمر حيث انهما أسخطا عليا وفاطمة صلوات الله عليهما ومن أسخطهما
فقد أسخط رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على ما في

1. فوات الوفيات 1: 74 - 77.
2. منهاج السنة 2: 171 - 172.
140

الصحيحين للبخاري ومسلم، قال الله تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا
والآخرة) (1).
ولينظر العاقل جسارة هذا الخبيث حيث نسب إلى أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة أنهما أسخطا الله
وكرها رضوانه مع ما ملؤا به كتبهم وطواميرهم من مناقبهما وفضائلهما ويستدل على ذلك بأنهما
سخطا حكم أبي بكر وهو ولي الامر.
ولا يعقل انه إذا ثبت انهما سخطاه ثبت انه ليس ولي الامر والشيعة يستدلون بأمثال هذا على أن أبا بكر
غاصب للامر، وكيف يجعل هذا الشقي كونه ولي الامر أمرا مفروغا عنه ويفرع عليه هذه الهذيانات،
ولذا ترى علماء السنة اعملوا كل حيلة في دفع هذا الطعن واثبات أنهما لم يسخطا على أبي بكر.
وذكر هذا الشقي في موضع آخر أن أمير المؤمنين عليا - عليه السلام - أخطأ في سبعة عشر موضعا وخالف
نص القرآن الكريم.
ولهذا وأمثاله صار مطعونا في عصره مخذولا في زمانه عند علماء السنة أيضا وأفتى جماعة من أهل
نحلته بكفره وزندقته.
وفي تاريخ اليافعي أنه نودي بدمشق وغيره، أن من كان على عقيدة ابن تيمية فدمه وماله حلال، وقال
ابن حجر المكي صاحب الصواعق في كتابه المسمى بأشرف الوسائل إلى فهم الشمائل، ما هذا
لفظه: قال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أنه ذكر شيئا بديعا، وهو أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لما رأى ربه
واضعا يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة (2) والشملة والستار.

1. الأحزاب: 57.
2. العذبة - كقصبة -: طرف كل شيء، ومنه الحديث: «أرخى عذبة العمامة بين كتفيه» أي أرسل طرفها. مجمع البحرين: 3
/ 141.
141

قال العراقي: لم نجد لذلك أصلا، أقول بل هذا من قبيل رأيهما وضلالهما، إذ هو مبني على ما ذهبنا إليه
وأطالا في الاستدلال له والحط على أهل السنة في نفيهم له، وهو اثبات الجهة والجسمية لله تعالى عما
يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا، ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما يصم منه
الاذان ويقضي عليه بالزور والكذب والضلال والبهتان، قبحهما الله وقبح من قال بقولهما، والامام
أحمد وأجلاء مذهبه مبرأون عن هذا الوصمة القبيحة كيف وهي كفر عند كثيرين.
وقال المحقق الدواني في شرح العقائد العضدية: ولابن تيمية أبي العباس أحمد وأصحابه ميل عظيم
إلى اثبات الجهة ومبالغة في القدح في نفيها، ورأيت في بعض تصانيفه: انه لا فرق عند بديهية العقل
بين ان يقال: هو معدوم أو يقال طلبته في جميع الأمكنة فلم أجده، ونسب النافين إلى التضليل; هذا مع
علو كعبه في العلوم النقلية والعقلية كما يشهد به من تتبع تصانيفه.
وقال أيضا عند ذكر القدم الجنسي للعالم: وقد قال به بعض المحدثين المتأخرين وقد رأيت في
بعض تصانيف ابن تيمية القول به في العرش.
ابن حجر العسقلاني ومعرفته بابن تيمية
وقال ابن حجر في «الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة»: وكان يعني، ابن تيمية يتكلم على المنبر
بطريقة المفسرين مع الفقه والحديث فيورد في ساعة من الكتاب والسنة والنظر ما لا يقدر أحد ان
يورده في عدة مجالس، كأن هذه العلوم بين عينيه فيأخذ منها ما يشاء ويذر.
142

ومن ثم نسب أصحابه إلى الغلو فيه واقتضى له ذلك العجيب بنفسه حتى رهل على أبناء جنسه
واستشعر أنه مجتهد، فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم قديمهم وحديثهم حتى انتهى إلى عمر
فخطأه في شيء، فبلغ الشيخ إبراهيم الرقي فأنكر عليه فذهب اليه واعتذر واستغفر.
وقال في حق علي خطأ في سبعة عشر أشياء ثم خالف فيها نص الكتاب منها: اعتداد المتوفى عنها
زوجها أطول الأجلين.
وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتى أنه سب الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه ولما
قدم غازان بجيوش التتار إلى الشام خرج إليه وكلمه بكلام قوي، فهم بقتله ثم نجى واشتهر أمره من
يومئذ، ثم ساق الكلام إلى أن قال: ضبطوا عليه كلمات في العقائد وقعت منه في مواعظه وفتاويه
فذكروا انه ذكر حديث النزول، فنزل عن المنبر درجتين فقال: كنزولي هذا، فنسب إلى التجسيم.
ورده من توسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو استغاث، فأشخص من دمشق...
ثم قال: وافترق الناس فيه شيعا فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكره في العقيدة الحموية والواسطية
وغيرهما من ذلك كقوله: ان اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله وأنه مستوى على العرش
بذاته، فقيل له: يلزم من ذلك التحيز والانقسام، فقال: أنا لا أسلم أن التحيز والانقسام من خواص
الأجسام، فالزم بأنه يقول بالتحيز في ذات الله تعالى.
ومنهم من ينسبه إلى الزندقة، لقوله: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يستغاث به وان في ذلك تنقيصا
ومنعا من تعظيم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وكان أشد الناس عليه في
143

ذلك النور البكري فإنه لما عقد له المجلس بسبب ذلك، قال بعض الحاضرين يعزر، فقال البكري
لا معنى لهذا القول فإنه ان كان تنقيصا يقتل وان لم يكن تنقيصا لا يعزر.
ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدم (1)، ولقوله: انه كان مخذولا حيث ما توجه وانه
حاول الخلافة مرارا فلم ينلها.
وانه قاتل للرياسة لا للديانة، ولقوله: انه يحب الرياسة، وان عثمان يحب المال.
ولقوله: أبو بكر أسلم شيخا يدري ما يقول; وعلي أسلم صبيا والصبي لا يصح اسلامه، على قول.
وكلامه في قصة خطبة بنت أبي جهل وما نسبه من الثناء على (2) قصة أبي العاص ابن الربيع وما
يؤخذ من مفهومها فإنه شنع في ذلك فالزموه بالنفاق لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يبغضك الا
منافق (3).
ونسبة قوم إلى أنه يسعى في الإمامة الكبرى فإنه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويطريه، فكان ذلك مولدا
لطول سجنه وله وقائع شهيرة، وكان إذا حوقق والزم يقول: لم أرد هذا انما أردت كذا فيذكر احتمالا
بعيدا (4).

1. سمي خطائه في سبعة عشر موضعا.
2. وفي الدرر الكامنة، بياض، وهكذا ورد فيه: وما نسبها نخ (نسيها) من الثناء على.... وقصة أبي العاص... الخ.
3. سنن الترمذي 5: 635.
4. الدرر الكامنة 1: 153 - 156.
144

ابن حجر المكي ومعرفته بابن تيمية
وقال ابن حجر (1) في رسالته المسماة ب‍ «الجوهر المنظم في زيارة المقبر المكرم»: فان قلت: كيف
تحكى الاجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر إليها وطلبها، وابن تيمية من متأخري الحنابلة
منكر لمشروعية ذلك كله كما رواه السبكي في حطه وأطال أعني ابن تيمية في الاستدلال لذلك بما
تمجه الاسماع وتنفر عنه الطباع بل زعم حرمة السفر إليها اجماعا وانه لا يقصر فيه الصلاة، وان جميع
الأحاديث الواردة فيها موضوعة وتبعه بعض من تأخر عنه من أهل مذهبه؟
قلت: من ابن تيمية حتى ينظر اليه أو يعول في شيء من أمور الدين عليه؟ وهل هو الا كما قال جماعة
من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتى أظهروا أعوار سقطاته وقبائح أوهامه
وغلطاته، كالعز بن جماعة عبد أضله الله وأغواه والبسه رداء الخزي وأرواه وبوأه من قوة الافتراء
والكذب ما اعقبه الهوان وأوجب له الحرمان.
ولقد تصدى شيخ الاسلام وعالم الامام المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وأمانته النقي السبكي
للرد عليه في تصنيف مستقل، أفاد فيه وأجاد فأصاب وأوضح بيان حججه طريق الصواب.
ومن عجائب الوجوه ما تجاسر عليه بعض السذجاء، من الحنابلة فغير في وجوه مخدراته الحسان
التي لم يطمثهن انس قبله ولا جان، وأتى بما دل على جهله، وأظهر به عوار غباوته وعدم فضله.

1. وهو ابن حجر المكي الهيتمي صاحب «الصواعق».
145

فليته إذا جهل استحيى من ربه وعساه، إذا فرط وافرط رجع إلى الله، لكن إذا غلبت الشقاوة
واستحكمت الغباوة، فعياذا بك اللهم من ذلك وضراعة إليك في ان نديم لنا سلوك أعظم المسالك.
هذا وما وقع من ابن تيمية مما ذكر، وان كان عثرة لا تقال أبدا ومصيبة لتستمر عليه شومها دواما
وسرمدا.
ليس بعجيب فإنه سولت له نفسه وهواه وشيطانه، انه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب وما درى
المحروم، انه أتى بأقبح المعائب إذ خالف اجماعهم في مسائل كثيرة وتدارك على أئمتهم سيما على
الخلفاء الراشدين باعترافات سخيفة شهيرة وأتى من نحو هذه الخرافات بما تمجه الاسماع وتنفر
عنه الطباع حتى تجاوز إلى الجانب الأقدس المنزه عن كل نقص والمستحق لكل كمال أنفس، فنسب
اليه العظايم والكبائر وخرق سباج عظمته وكبرياء جلالته بما أظهره للعلامة على المنابر من دعوى
الجهة والتجسيم والتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين حتى قام عليه علماء عصره
والزموا السلطان بقتله أو حبسه فقهره وحبسه إلى أن مات وخمدت تلك البدع، فزالت تلك
الظلمات، ثم انتصر له اتباع لم يرفع الله لهم رأسا ولم يظهر لهم جاها ولا بأسا بل ضربت عليهم الذلة
والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وما كانوا يعتدون.
وقال المولوي عبد الحليم في كتابه المسمى ب‍ «حل المعاقد» في شرح العقائد: كان تقي الدين ابن
تيمية حنبليا لكنه تجاوز عن الحد وحاول اثبات ما ينافي عظمة الحق تعالى وجلاله، فاثبت له الجهة
والجسم وله هفوات أخر كما يقول: وأن أمير المؤمنين سيدنا عثمان رضي الله عنه كان يحب المال،
وأن
146

أمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه ما صلح ايمانه فإنه آمن في حال صباه، وتفوه في حق أهل بيت
النبي ما لا يتفوه به المؤمن المحقق.
وقد وردت الأحاديث الصحاح في مناقبهم في الصحاح، وانعقد مجلس في قلعة جبل، وحضر
العلماء الاعلام والفقهاء العظام، ورئيسهم كان قاضي القضاة زين الدين المالكي، وحضر ابن تيمية،
فبعد القيل والقال بهت ابن تيمية.
وحكم قاضي القضاة بحبسه وكان ذلك سنة سبع مأة وخمس من الهجرة، ثم نودي بدمشق وغيره: من
كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه، كذا في مرآة الجنان للامام أبي محمد عبد الله اليافعي، ثم تاب
وتخلص من السجن سنة سبعمأة وسبع من الهجرة.
وقال: أبا أن يكون اشعريا: ثم نكث عهده وأظهر مكنونه ومرموزه فحبس حبسا شديدا مرة ثانية، ثم
تاب وتخلص من السجن وأقام بالشام، وله هناك واقعات، كتبت في كتب التواريخ ورد أقاويله وبين
أحواله الشيخ ابن حجر في المجلد الأول من الدرر الكامنة والذهبي في تاريخه وغيرهما من
المحققين.
هذا الكلام وقع في البين والمرام ان ابن تيمية لما كان قائلا بكونه تعالى جسما، قال بأنه ذو مكان فان
كل جسم لابد له من مكان على ما ثبت ولما ورد في الفرقان الحميد (الرحمن على العرش
استوى) (1)، قال ان العرش مكانه ولما كان الواجب أزليا عنده، وأجزاء العالم حوادث عنده فاضطر
إلى القول بأزلية جنس العرش وقدمه، وتعاقب أشخاصه الغير المتناهية، فمطلق التمكن له تعالى
أزلي والتمكنات المخصوصة حوادث عنده كما ذهب المتكلمون إلى حدوث التعلقات.

1. طه: 5.
147

وصنف بعض الأواخر كتابا سماه منتهى المقال في شرح حديث لا تشد الرحال، وأوضح فيه فساد ابن
تيمية وجمع فيه شطرا من مساويه ومعائبه وأغلاطه وكفرياته، وحكى فيه منشورا طويلا أمر به
السلطان، ودقته تنقل منه بعض ما يتضمن بيان اعتقاده بالجهة والتجسيم، وهي هذه.
وكان الشقي ابن تيمية في هذه المدة، قد بسط لسان قلمه، ومد عنان كلمه، وتحدث في مسائل
القرآن، والصفات، ونص في كلامه على أمور منكرات، وتكلم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون،
وفاه بما يمجه السلف الصالحون، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الاسلام، وانعقد على خلافه اجماع
العلماء الاعلام، واشتهر من فتاواه في البلاد ما استخف به عقول العوام، وخالف فيه علماء عصره
وفقهاء شامه ومصره، وبعث رسائله إلى كل مكان، وسمى كتبه أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، ولما
اتصل بنا ذلك ومن سلكه من هذه المسالك، وما أظهروا من هذه الأحوال، وأشاعوه وعلى أنه
استخف قومه فأطاعوه حتى اتصل بنا أنهم صرحوا في حق الله بالحرف والأصوات والتجسيم فقمنا
في حق الله تعالى، مشفقين من هذا النبأ العظيم، إلى آخر النشور الطويل.
وستعرف شطرا من تعصباته فيما سيأتي انشاء الله تعالى، وهذه الكلمات وان كانت خارجة عن
المقصود إلا انا اتينا به لفوائد:
منها: اظهار كون هذا الشقي من النواصب الطغام، والكفرة اللئام، واظهار ان من يلقبه بشيخ الاسلام
ويذكره في كتابه بتعظيم تام من متأخريهم الاعلام مثله في الضلالة والخروج عن الاسلام.
ومنها: تشفي قلوب المؤمنين إذا اطلعوا على شرحه على منهاج الكرامة للعلامة الحلي قدس الله
روحه وكثرة تشنيعه عليه فأحببت أن يطلعوا على شطر من أحواله ونبذ من محنه وابتذاله.
148

ومنها: ان يعلم صحة ما نسبه علماء الشيعة إلى الحنابلة من القول بالتجسيم وان انكار وجود هذا
القول بينهم كانكار ذو وجود أبي بكر وعمر ومن المجسمة امامهم المعول عليه في الحديث والرجال
الذهبي كما يعرف من طبقات السبكي، ومنهم: الحافظ ابن مندة كما يعرف من تاريخ اليافعي،
ومنهم: كهمس شيخ البخاري، ومضر وأحمد الجهمي كما يعرف من الشهرستاني في الملل والنحل،
وجماعة أخرى، ومع هذا كله يطعنون على الشيعة بأن هشام بن الحكم من المجسمة لقوله: أنه تعالى
جسم لا كالأجسام، مع براءته من هذا القول، وأنه انما أورده الزاما يعلم من كتب العامة كالملل والنحل
فضلا عن كتب الشيعة.
حديث: خطبة بنت أبي جهل
ومنها: أعني من رواياته الموضوعة ما يتضمن قصة خطبة بنت أبي جهل قال في كتاب الفضائل في
باب ذكر أصهار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثني
علي بن الحسين أن المسور بن مخرمة، قال: ان عليا خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة،
فأتت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالت: يزعم قومك انك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت
أبي جهل، فقام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فسمعته حين تشهد، يقول: أما بعد فاني أنكحت أبا
العاص ابن الربيع فحدثني وصدقني، وأن فاطمة بضعة مني وأني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وبنت عدو الله عند رجل واحد فترك علي الخطبة (1).

1. صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر أصهار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رقم 3729 وأطراف الحديث
كتاب الخمس رقم 3110، كتاب النكاح رقم 5230، وكتاب الطلاق رقم 5278.
149

وهذا الخبر من موضوعات عهد بني أمية أيضا، وهو الذي أشير إليه في تعصبات ابن تيمية أنه أخذ
بمفهومه وذكر ما يستحيى من ذكره وقال: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مدح صهره أبا العاص
المشرك في هذا الخبر، ثم تفوه بما (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا
) (1).
ويدل على هذا ما حكاه ابن أبي الحديد في الجزء الثالث من شرحه عن الشيخ أبي جعفر الإسكافي:
أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن
فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله.
فاختلفوا، ما أرضاه منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن
الزبير، روى الزهري عن عروة بن الزبير، قال: حدثتني عائشة قالت كنت عند رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم - إذ أقبل العباس وعلي فقال: يا عائشة ان هذين يموتان على غير ملتي، أو قال: ديني، إلى أن
قال.
وأما عمرو بن العاص فروى عنه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما مسندا متصلا
بعمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ان آل أبي طالب ليسوا بأوليائي
وانما وليي الله وصالح المؤمنين (2).

1. مريم: 90.
2. صحيح البخاري كتاب الأدب باب، يبل الرحم ببلالها، رقم 5990، مسلم كتاب الإيمان 1: 197 رقم 215، وقد وقع
الخلاف في بيان هذه الرواية، وتعددت النسخ فيها أيضا، تعرض ابن حجر في شرحه على البخاري على هذه الأقوال
فنذكر جملة من كلماتهم حتى يتبين كيف تبتلى السنة بالمعاريض، وتتلاعب بها أئمة الحديث في هذا الشأن:
أولا: أن الرواية على ما في أكثر النسخ الموجودة هكذا:
أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جهارا غير سر يقول: «ان آل أبي فلان» قال عمرو: في
كتاب محمد بن جعفر: «بياض ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين».
وليست في نسخة ابن حجر والحميدي لفظة «فلان» قال ابن حجر: قال أبو بكر ابن العربي في سراج المريدين: كان في
أصل حديث عمرو بن العاص: ان آل أبي طالب، فغير آل أبي فلان، كذا جزم به وتعقبه بعض الناس.
وقال أيضا: وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث لما نسب إلى بعض رواته من النصب وهو الانحراف عن علي
وآل بيته، ومما يضحك الثكلى قولهم: «آل أبي بياض» مع أنه لا يعرف في العرب قبيلة يقال لها: آل أبي بياض.
وقال النووي: هذه الكناية من بعض الرواة خشي أن يصرح بالاسم فيترتب عليه مفسدة، اما في حق نفسه أو في حق
غيره، وإما معا.
وقال عياض: ان المكنى عنه هنا هو الحكم بن أبي العاص، وقال ابن دقيق العيد: كذا وقع مبهما في السياق.
وحمله بعضهم على بني أمية، ولا يستقيم مع قوله: آل أبي، فلو كان آل بني لأمكن، ولا يصح تقدير آل أبي العاص لأنهم
أخص من بني أمية والعام لا يفسر الخاص... الخ فتح الباري 10: 344 - 346.
150

وأما أبو هريرة فروى قصة خطبة بنت أبي جهل، وان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خطب على المنبر
وذكر ما ذكر.
أقول: ثم ان جماعة من العامة ذكروا، أن رعاية الأدب يقتضي ترك رواية هذا الحديث.
وذكروا: ان نقله تنقيص لأمير المؤمنين - عليه السلام -، وفي كثير من كتبهم أن ابا حنيفة عاتب الأعمش
ولامه على رواية هذا الحديث، وقال: أنه وان كان صحيحا لكن لا يسوغ لك نقله، مع عدم ابتناء مسألة
دينية عليه.
وذكروا أن ابا حنيفة وشريك بن عبد الله وابن أبي شبرمة، وابن أبي ليلى، اتفقوا وذهبوا إلى دار
الأعمش ولاموه على روايته هذا الحديث.
151

وبعد هذا كله، فكيف يمكن التزام أن السيد السجاد زين العابدين - عليه السلام - روى هذا الحديث
واشاعه، فروى عنه الزهري أليس هو أولى برعاية أدب جده؟ أم لم يكن أعرف من أبي حنيفة وعسره
بمقام جده؟
وان نقل هذا الحديث تنقيص له بل استغرب ابن حجر من المسور انه كيف روى هذا الحديث لزين
العابدين - عليه السلام -؟ قال في فتح الباري:
ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصبه لعلي بن الحسين حتى قال: انه لو أودع عنده السيف
لا يمكن أحدا منه حتى تزهق روحه رعاية لكونه ابن ابن فاطمة محتجا بحديث الباب، ولم يراع
خاطره في أن ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن الحسين لما فيه من إيهام غض جده
علي بن أبي طالب حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة حتى اقتضي أن يقع من النبي - صلى
الله عليه وآله وسلم - في ذلك من الإنكار ما وقع (1).
حديث: الاستسقاء للكفار
ومنها: رواية ابن مسعود في استسقاء الكفار، وحكاه عن أسباط وهو غلط واختلاط، كما نبه عليه
جماعة منهم، وقالوا: ان ما رواه أسباط، وهم وتفصيله:
انه قال: عن مسروق، قال: أتيت ابن مسعود فقال: إن قريشا أبطؤوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي -
صلى الله عليه وآله وسلم - فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان فقال: يا
محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -! جئت تأمر بصلة الرحم; وإن قومك قد هلكوا فادع الله تعالى
فقرأ: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان

1. فتح الباري كتاب النكاح باب، ذب الرجل عن ابنته... 9: 268.
152

مبين) (1)، ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى: (يوم نبطش البطشة الكبرى) (2) يوم بدر، قال:
وزاد أسباط عن منصور فدعى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فسقوا الغيث فاطبقت عليهم سبعا
وشكى الناس كثرة المطر، فقال: «اللهم حوالينا لا علينا»، فانحدرت السحابة عن رأسه فسقوا الناس
حولهم (2).
وقد اعترض العيني في عمدة القاري على البخاري: بزيادته أسباط هذا!.
فقال الداودي: أدخل قصة المدينة في قصة قريش وهو غلط، وقال أبو عبد الملك: الذي زاده أسباط،
وهم أخلاط، لأنه ركب سند عبد الله بن مسعود على متن حديث أنس بن مالك وهو قوله: فدعى
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فسقوا الغيث إلى آخره.
وكذا قال الحافظ شرف الدين الدمياطي وقال: حديث عبد الله بن مسعود كان بمكة وليس فيه هذا،
والعجب من البخاري كيف أورد هذا، وكان مخالفا لما رواه الثقات، وقد ساعد بعضهم البخاري
بقوله: لا مانع أن يقع ذلك مرتين.
وفيه نظر لا يخفى، وقال الكرماني: فان قلت: قصة قريش والتماس أبي سفيان كانت في مكة لا في
المدينة قلت: القصة مكية الا القدر الذي زاد أسباط فإنه وقع في المدينة (3).

1. الدخان: 10. 2. الدخان: 16.
2. صحيح البخاري كتاب الاستسقاء باب إذا استشفع المشركون، رقم 1020 وأطرافه: رقم 1007، 4693، 4767،
4774، 4809، 4820، 4821، 4822، 4823، 4824، 4825.
3. عمدة القاري 7: 46.
153

حديث: أخذ الأجرة على القرآن
ومنها: ما رواه عن ابن عباس في كتاب الطب:
أن نفرا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مروا بماء فيهم لديغ - أو: سليم - فعرض لهم رجل
من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق؟ ان في الماء رجلا لديغا - أو: سليما - فانطلق رجل منهم فقرأ
بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله
أجرا؟ حتى قدموا المدينة، فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -! أخذ على كتاب الله أجرا، فقال
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ان أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله (1).
وهذا الخبر مروي عن عائشة أيضا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد عده ابن الجوزي في
«الموضوعات»، وأدرجها في الأحاديث الموضوعة والروايات المكذوبة قال: روى عمرو بن
المخرم البصري عن ثابت الحفار عن ابن مليكة عن عائشة قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم
- عن كسب المعلمين؟ فقال: ان أحق ما أخذ عليه الأجر كتاب الله (2).
قال ابن عدي: لعمرو أحاديث مناكير، وثابت لا يعرف والحديث منكر (3).
وفي الميزان: ثابت الحفار عن أبي مليكة بخبر منكر، قال ابن عدي لا يعرف (4).

1. صحيح البخاري كتاب الطب باب، شروط في الرقية بفاتحة الكتاب رقم 5737.
2. الموضوعات 1: 166.
3. الكامل في ضعفاء الرجال 5: 1801، الموضوعات 1: 166، ميزان الإعتدال 3: 287 رقم 6444، المغني في الضعفاء
2: 152 رقم 4708، ديوان الضعفاء رقم 3213، لسان الميزان 4: 376.
4. المغني في الضعفاء 1: 190 رقم 1050، ميزان الاعتدال 1: 369، اللآلي المصنوعة 1: 206، الموضوعات 1: 229،
لسان الميزان 2: 80.
154

حديث: فيه تكذيب (وإن طائفتان...)
ومنها: ما رواه في كتاب الصلح: ان أنسا قال قيل للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لو أتيت عبد الله بن أبي،
فانطلق إليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وركب حمارا، فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض
سبخة فلما أتاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال إليك عني! والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من
الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من
قومه فشتمه فغضب لكل منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها
نزلت: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) (1) (2).
قال الزركشي في التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح: فبلغنا أنها نزلت: وان طائفتان، قال ابن بطال:
يستحيل نزولها في قصة عبد الله بن أبي وأصحابه، لأن أصحاب عبد الله ليسوا بمؤمنين وقد تعصبوا له
في الإسلام في قصة الإفك.
وقد رواه البخاري في كتاب الاستيذان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
مر في مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين وعبدة الأوثان واليهود وفيهم عبد الله بن أبي
فذكر الحديث، فدل على أن الآية لم تنزل فيه وانما نزلت في قوم من الأوس والخزرج اختلفوا
فاقتتلوا بالعصى والنعال.
وقال ابن حجر: وقد استشكل ابن بطال نزول الآية المذكورة، وهي قوله تعالى: (وان طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا) (3) في هذه القصة لأن المخاصمة

1. الحجرات: 9.
2. صحيح البخاري كتاب الصلح باب ما جاء في الإصلاح بين الناس رقم. 269 وأطراف الحديث كتاب الجهاد والسير
رقم 2987، كتاب تفسير القرآن رقم 4566، كتاب اللباس رقم 5964، كتاب الأدب، رقم 6207، كتاب الاستيذان، رقم
6254.
3. الحجرات: 9.
155

وقعت بين من كان مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الصحابة وبين الصحابة وبين عبد الله بن أبي
وكانوا إذ ذاك كفارا فكيف ينزل فيهم طائفتان من المؤمنين؟
ولا سيما ان كانت قصة أنس وأسامة متحدة، فان في رواية أسامة فاستب المسلمون والمشركون،
قلت: يمكن ان يحمل على التغليب، مع ان فيها اشكالا من جهة أخرى، وهي أن حديث أسامة صريح
في ان ذلك كان قبل وقعة بدر وقبل أن يسلم عبد الله بن أبي وأصحابه، والآية المذكورة في الحجرات
ونزولها متأخر جدا وقت مجيء الوفود لكنه يحتمل ان يكون آية الاصلاح نزلت قديما فيندفع
الاشكال (1).
أقول: أما احتمال التغليب فمما لا يرضى به اللبيب الأديب، إذ لم يقع توصيف الكفار العابدين
للأصنام بالايمان ولو على سبيل التغليب في نظم ولا أثر ولا حديث ولا آية تحققت هذه الكلمة فيها،
ولم يجوزه أحد من العلماء، ولا شاهد على جوازه، ولو رفعنا اليد عن ظواهر الآيات والاخبار بمجرد
الاحتمالات البعيدة التي لا شاهد عليها ولا داعي إليها، لاندفع الأمان من جميع النصوص وانقلبت
الشريعة ظهرا لبطن.
وتصديق البخاري ليس بداع عقلي ولا ديني مع ما علم من حاله وسائر رواياته.
وأما احتمال تعدد النزول فهو مما لا يرضى به أكابرهم ولا يزالون يشنعون على علماء الامامية في
قولهم في بعض الآيات أنها وردت في كذا بأنها

1. فتح الباري كتاب الصلح 5: 228.
156

وردت في قصة أخرى ولا يحتملون تعدد النزول كما أورده في شأن نزول آية: (وآت ذا
القربى حقه) (1).
وكما أورده ابن تيمية في قوله تعالى: (سئل سائل بعذاب واقع) (2)، من ابطال نزولها في قصة
الحارث ابن النعمان الفهري بان السورة مكية وقد نزلت قبل ذلك بسنين.
أبو حنيفة يكذب حديث أبي هريرة
ومنها: ما أورده في كتاب الأشربة عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: لا يزني حين
يزني وهو مؤمن (2) الحديث.
وبالغ امامهم الأعظم أبو حنيفة في رد هذا الخبر وتكذيبه والطعن عليه، قال في كتاب العالم والمتعلم
من تصانيفه على ما نص عليه الكفوي في كتاب الاعلام الاخبار، ما لفظه: قال المتعلم أي أبو مطيع
البلخي: ما قولك في أناس رووا أن المؤمن إذا زنى خلع الايمان من رأسه كما يخلع القميص، ثم إذا
تاب أعاد إليه إيمانه؟ أتشك في قولهم أو تصدقهم؟ فان صدقت قولهم دخلت في قول الخوارج، وان
شككت في قول الخوارج ورجعت عن العدل الذي وضعت، وان كذبت قولهم الذي قالوا كذبت قول
النبي عليه السلام فإنهم رووا عن رجال شتى حتى ينتهى به رسول الله عليه السلام.
قال العالم اي أبو حنيفة: أكذب هؤلاء ولا يكون تكذيبي لهؤلاء وردي

1. الاسراء: 26. 2. المعارج: 1.
2. صحيح البخاري كتاب الأشربة رقم 5578، وأطرافه: كتاب المظالم رقم 2475، كتاب الحدود رقم 6772، كتاب
الحدود أيضا رقم 6810.
157

عليهم تكذيبا للنبي عليه السلام، إنما يكون التكذيب لقول النبي عليه السلام أن يقول الرجل أنا
مكذب للنبي عليه السلام.
وأما إذا قال: أنا مؤمن بكل شيء تكلم به النبي عليه السلام غير أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يتكلم
بالجور ولم يخالف القرآن فهذا من التصديق بالنبي والقرآن وتنزيه له من الخلاف على القرآن ولو
خالف النبي عليه السلام القرآن وتقول على الله لم يدعه تبارك وتعالى حتى يأخذه باليمين ويقطع منه
الوتين كما قال الله تعالى في القرآن (1).
والنبي عليه السلام لا يخالف كتاب الله، ومخالف كتاب الله لا يكون نبي الله وهذا الذي رووه خلاف
القرآن، ألا ترى إلى قوله: الزانية والزاني؟ ثم قال: واللذان يأتيانها منكم ولم يعن به من اليهود
والنصارى ولكن عنى به المسلمين فرد على كل رجل يحدث عن النبي عليه السلام بخلاف القرآن
وليس ردا على النبي ولا تكذيبا له ولكن ردا على من يحدث عن النبي عليه السلام بالباطل والتهمة
دخلت عليه لا على نبي الله.
كل شيء تكلم به النبي عليه السلام سمعنا به أو لم نسمعه فعلى الرأس والعين، وقد آمنا به ونشهد أنه
كما قال النبي عليه السلام، ونشهد أيضا على النبي عليه السلام، أنه لم يأمر بشيء نهى عنه يخالف أمر
الله تعالى ولم يقطع شيئا وصله الله تعالى، ولا وصف أمرا وصف الله تعالى، ذلك الأمر بخلاف ما
وصفه النبي عليه السلام، ونشهد أنه كان موافقا لله عزوجل في جميع الأمور فلم يبتدع

1. (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) الحاقة: 44 - 46.
158

ولم يتقول غير ما قال الله ولا كان من المتكلفين ولذلك قال الله تعالى: (من يطع الرسول فقد
أطاع الله) (1).
ونحن أوردنا هذا الكلام الزاما على العامة لا تصديقا لهذا الاحتجاج واعترافا بمتانة هذا الاستدلال من
مخالفة هذا الخبر لكتاب الله إذ فيه من وجوه النظر ما لا يخفى على من له أدنى تأمل.
ومن عجيب الامر أن العلامة التفتازاني حكم بان بعض روايات البخاري من موضوعات الزنادقة
حاكيا ذلك عن يحيى بن معين وهو المعول عليه في معرفة الصحيح من السقيم، قال في «التلويح
شرح التوضيح» قوله: وانما هذا خبر الواحد في معارضة الكتاب لأنه مقدم لكونه قطعيا متواتر النظم
لا شبهة في متنه ولا في سنده لكن الخلاف انما هو في عمومات الكتاب وظواهره، فمن يجعلها ظنية
يعتبر بخبر الواحد إذا كان على شرائطه عملا بالدليلين
ومن يجعل العام قطعيا فلا يعمل بخبر الواحد في معارضته، ضرورة أن الظني يضمحل بالقطعي فلا
ينسخ الكتاب به، ولا يزاد عليه أيضا لأنه بمنزلة النسخ واستدل على ذلك بقوله عليه السلام: تكثر لكم
الأحاديث من بعدي فإذا أروى لكم حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله فاقبلوه
وما خالفه فردوه (2).
وأجيب بأنه خبر واحد قد خص منه البعض اعني المتواتر والمشهور فلا يكون قطعيا فكيف يثبت به
مسألة الأصول على أنه مما يخالف عموم قوله

1. النساء: 80.
2. التلويح في شرح التوضيح 2: 397.
159

تعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه) (1) وقد طعن فيه المحدثون، بان في رواته يزيد بن ربيعة، وهو
مجهول وترك في اسناده واسطة بين الأشعث وثوبان، فيكون منقطعا.
وذكر يحيى بن معين أنه حديث وضعه الزنادقة، وايراد البخاري إياه في صحيحه (2) لا ينافي
الانقطاع وكون أحد رواته غير معروف بالرواية.
ابن حزم وتكذيب حديث المعازف
وكذا ابن حزم الأندلسي وهو من أعيان علماء العامة ويحتج بافاداته صاحب الامتاع، وذكر محي
الدين ابن العربي في «الباب الثالث والعشرين والمائتين» من الفتوحات: «رأيت النبي - صلى الله عليه وآله
وسلم - وقد عانق أبا محمد بن حزم المحدث فغاب الواحد في الاخر فلم يزالا واحدا وهو رسول الله -
صلى الله عليه وآله وسلم - فهذه غاية الوصلة وهو المعبر عنه بالاتحاد» (3).
وابن حزم هذا حكم بموضوعية بعض روايات البخاري أيضا.
قال في كتاب المحلى: ومن طريق البخاري «قال هشام بن عمار: أنا صدقة بن خالد أنا عبد الرحمن
بن يزيد بن جابر، أنا عطية بن قيس الكلابي، أنا عبد الرحمن غنم الأشعري، حدثني أبو عامر أو أبو
مالك الأشعري، والله ما كذبني أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ليكونن من أمتي أقوام
يستحلون الحرير

1. الحشر: 7.
2. والظاهر أن البخاري ذكره في تاريخه.
3. الفتوحات المكية 2: 519 ط، دار صادر، بيروت.
160

والخمر والمعازف» (1)، وهذا منقطع لم يتصل، ما بين البخاري وصدقة بن خالد، ولا يصح في هذا
الباب شيء أبدا، وكل ما فيه فموضوع (2).
ولنقتصر في ذكر رواياته الموضوعة التي تدل مضامينها على كذبها على القدر، فان الكلام في ذلك
يطول جدا.
وهذا شطر من موضوعاته التي لا توافق أصول العامة وقواعدهم أيضا، وأما الروايات المخالفة لما
ورد عن أهل بيت العصمة والطهارة، وصح عن معادن العلم والحكمة فمما لا تحصى، ولسنا نتعرض
لها في هذه الرسالة فإنها تحتاج إلى كتاب مفرد في ذلك.
فلنرجع إلى بيان أحوال يسير من رواة أحاديثه وممن احتج بهم واستدل لهم: فنقول في توضيح شنايع
بعض من روى عنه البخاري وغيره من أرباب الصحاح الست ولا نأتي في هذا الفصل أيضا إلا بما
كتب أعيان العامة وعلمائهم مما يتضح منه قدح رواتهم وكونهم ضالين مبدعين أو خارجين عن
الاسلام والدين أو كذابين وضاعين ولا نروي عن علماء الامامية في اثبات هذا الامر شيئا.
وليعلم ان التعرض لحال جميع رواته الموصوفين بما ذكر يحتاج إلى

1. صحيح البخاري كتاب الأشربة باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميها بغير اسمها 7: 193 رقم 5590.
2. المحلى كتاب البيوع 7: 565 رقم 1566، وقد رد على ابن حزم في قوله هذا، جماعة من مدافعي البخاري في كتبهم،
فمنهم ابن الصلاح، في صيانة صحيح مسلم: 82، 83، والعراقي، في التقييد والايضاح: 91، وابن حجر، في فتح الباري
10: 52، 53، والأثري، في الكاشف في تصحيح رواية البخاري لحديث تحريم المعازف.
161

مجلدات ضخام ويأبى عند المقام، فالأولى التعرض لحال مشاهير رواتهم وأعيان قادتهم وثقاتهم
ومن أكثروا عنه النقل والرواية في جميع كتبهم، فيعلم منه حال باقيهم ومن لم نسمهم.
ثم ان من كان من هؤلاء المشاهير صحابيا أو من التابعين فهو عند العامة معدل بنص الفرقان الكريم
وأحاديث الرسول الكريم وخير الأمة بمقتضي ما يرونه عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: خير
القرون الذي من بعدي، فإذا أوضحنا شنائع أمثال هؤلاء ومن كلمات علمائهم فالسكوت عن حال
الباقين أولى وأحرى.
162

الفصل الثالث
مشاهير الرواة
في حديث السنة
163

عبد الله بن عمر بن الخطاب
عقد له البخاري بابا مفردا في مناقبه، وروى فيه عن ابن عمر عن أخته حفصة: أن النبي - صلى الله عليه وآله
وسلم - قال: عبد الله رجل صالح (1).
ويكفي في الجزم بوصفه، كون راويه نفس عبد الله عن أخته!
وأما مطاعنه فكثيرة، فقد تغيظ عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما وقع منه في طلاق امرأته، ففي
الدر المنثور للسيوطي أخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق في المصنف وأحمد وعبد بن حميد،
والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو
يعلى، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر
لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فغيظ فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال: ليرجعها ثم يمسكها
حتى تطهر، فان بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها.
فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق بها النساء، وقرأ: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل

1. صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب 19 مناقب عبد الله بن عمر رقم 3738.
165

عدتهن، وفى نقل الخبر بطوله فائدة أخرى وهي أن يعلم أن القول بتحريف القرآن للذين لا يزالون
يشنعون به على الشيعة مما يدل عليه رواياتهم المتفق الموجودة في جميع صحاحهم.
ثم ذكر السيوطي روايات عديدة أخر أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: فطلقوهن قبل عدتهن، مع أن
الموجود في القرآن الذي بأيدينا اليوم: (فطلقوهن لعدتهن) (1).
وهذا الأمر أعني عدم قدرته على طلاق زوجته هو الذي منع أباه عمر أن يوصي إليه ويستخلفه، فإنه
لما قيل لعمر استخلف عبد الله ابنك، قال: لا يصلح لها لأنه لا يحسن أن يطلق امرأته كما في كثير من
كتب القوم.
عبد الله بن عمر لم يبايع علي بن أبي طالب
ثم ان ابن عمر ممن لم يبايع أمير المؤمنين، ولم يعتقد حقية خلافته وانكار خلافة أحد الخلفاء
الراشدين كفر وضلالة عند العلماء السنة.
وبايع يزيد بن معاوية، وهو أيضا كفر عندهم على ما نص به محمد بن شعيب الكشي من أكابر
الحنفية في كتاب التمهيد.
قال من رضي بامام باطل فإنه يكفر.
أما الفقرة الأولى: وهي امتناعه عن بيعة أمير المؤمنين - عليه السلام - فيدل عليها ما أورده أبو عبد الله
الحاكم في المستدرك، وهو ممن اتفقوا على أنه من أعظم الأئمة.
قال ثم بعث، إي علي - عليه السلام - إلى سعد بن وقاص، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلم، فقال: قد
بلغني عنكم هنات، فقال سعد: صدقوا لا أبايعك، ولا اخرج معك حيث تخرج حتى تعطني سيفا
يعرف المؤمن من الكافر.
وقال له ابن عمر أنشدك الله والرحم أن لا تحملني على ما لا أعرف، والله لا أبايع حتى يجتمع
المسلمون على ما جمعهم الله عليه.
ويدل عليها أيضا، ما ذكره سبط ابن الجوزي في التذكرة، قال: وقال ابن

1. الطلاق: 1.
166

جرير: وممن امتنع من بيعته أي علي بن أبي طالب - عليه السلام - حسان بن ثابت، وأبو سعيد الخدري،
والنعمان بن بشير، ورافع بن خديج، في آخرين، وفي زيد بن ثابت، ومحمد بن سلمة خلاف، وقال
غير ابن جرير: لم يباعه قدامة بن مظعون وعبد الله بن سلام، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن عمر،
وسعد، وصهيب، وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد، وكعب بن مالك، وهرب قوم إلى الشام وهؤلاء
يسمون العثمانية (1).
وفي بعض الروايات ما يدل على أنه بايع ثم استقال البيعة، فاقاله أمير المؤمنين - عليه السلام -.
عبد الله بن عمر وبيعته ليزيد والحجاج
وذكر ابن مسكويه في كتاب نديم الفريد، أن عبد الله بن حارث قال لعبد الله بن عمر: أتيت علي بن أبي
طالب وله قرابة وسابقة وفضائل عديدة فبايعته طائعا غير مكره، ثم جئته فقلت أقلني أقالك الله ثم
تدق الباب على أصحاب الحجاج تقول: خذوا بيعتي فإني سمعت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:
«من مات ليلة وليس في عنقه بيعة امام مات ميتة جاهلية» ثم اضطرب الحبل بالناس فزعمت انك
لا تعرف حقا فتنصره ولا باطلا فتقاتل أهله. الخبر.
ويدل على الثانية ما رواه البخاري في صحيحه الذي هو أصح الكتب بعد القرآن بزعمهم في كتاب
الفتن في باب: «إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه»: عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد
بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: اني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:
«ينصب لكل غادر لواء

1. تذكرة الخواص: 58.
167

يوم القيامة،» وأنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله وأني لا أعلم عذرا أعظم من أن يبايع رجل
على بيع الله ورسوله، ثم ينصب له القتال، واني لا أعلم أحدا منكم خلعه، ولا بايع في هذا الأمر إلا
كانت الفيصل بيني وبينه (1).
قال العسقلاني في شرحه: وكان ابن عمر لما مات معاوية كتب إلى يزيد ببيعته.
وقال ابن الملقن في شواهد التوضيح معنى الترجمة، انما هو في خلع أهل المدينة ليزيد بن معاوية
ورجوعهم عن بيعته، وما قالوا له، وقالوا بغير حضرته خلاف ما قالوا بحضرته، وذلك ان ابن عمر
بايعه، فقال عنده بالطاعة بخلافته، ثم خشي على بنيه وحشمه النكث مع أهل المدينة حتى نكثوا بيعة
يزيد، فوعظهم وجمعهم وأخبرهم أن النكث أعظم القدر.
والغرض من نقل هذه العبارة الرد على بعض متأخريهم حيث قال لم ينسب أحد من العلماء ابن عمر
إلى بيعة يزيد، وليس في الباب الا كلمة بايعنا وهو محمول على التغليب، ولذا لم ينسب شراح
البخاري البيعة إليه صريحا.
وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: ووقع عند الإسماعيلي من طريق سهل بن إسماعيل، عن
حماد بن زيد، في أوله من الزيادة عن نافع، ان معاوية أراد على ابن عمر ان يبايع ليزيد فأبى وقال: لا
أبايع لأميرين فأرسل إليه معاوية بمأة ألف درهم، فأخذها فدس إليه رجلا فقال له ما يمنعك أن تبايع
فقال: إن ذاك لذاك; يعني عطاء ذلك المال لأجل وقوع المبايعة، ان ديني عندي اذا الرخيص، فلما
مات معاوية كتب إلى يزيد ببيعته، فلما خلع أهل المدينة، الحديث.

1. صحيح البخاري كتاب الفتن رقم 7111 باب المذكور ح 1.
168

ويدل على الفقرتين معا ما ذكره سبط ابن الجوزي قال: قال الزهري: والعجب ان عبد الله بن عمر
وسعد بن أبي وقاص لم يبايعا عليا وبايعا يزيد بن معاوية ويرشد إليهما.
وأيضا ما ذكره القسطلاني في باب ما كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يواسي بعضهم بعضا في
الزراعة والتمرة من كتاب المزارعة في شرح حديث نافع ان ابن عمر كان يكري مزارعة على عهد
النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من امارة معاوية، قال: قوله: وصدرا من
امارة معاوية اي خلافته.
وانما لم يذكر ابن عمر خلافة علي لأنه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه كما هو مشهور في صحيح
الاخبار.
وكان رأى ابن عمر أنه لا يبايع لمن لا يجتمع عليه الناس، ولهذا لم يبايع أيضا لابن الزبير ولا
لعبد الملك في حال اختلافهما، وبايع ليزيد بن معاوية، ثم لعبد الملك بن مروان، بعد قتل ابن الزبير
(1).
وفي كثير من الكتب أن ابن عمر طرق الحجاج ليلا وقال هات يدك أبايعك لأمير المؤمنين عبد الملك
فاني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: من مات وليس عليه بيعة امام فموته جاهلية، فأنكر
عليه الحجاج مع كفره وعتوه وقال له: بالأمس تقعد عن بيعة علي بن أبي طالب وأنت اليوم تسألني
البيعة من عبد الملك بن مروان؟ يدي عنك مشغولة لكن هذا رجلي (2).

1. الطبقات الكبرى 4: 183 - 184، سير أعلام النبلاء 3: 231.
2. نثر الدر للآبي 2: 90، مجمع الزوائد 7: 117.
169

عبد الله بن عمر يخالف علي بن أبي طالب
ويدل عليها أيضا، بل وزيادة أن ابن عمر كان يعد الخلفاء الصالحين، ويعد منهم معاوية ويزيد، ولا
يعد أمير المؤمنين عليا - عليه السلام -.
وكفاه بهذا نصبا وشقاوة وكفرا وضلالة ولعمري أن هذا هو غاية الانهماك في معاداة الله ورسوله
وأوليائه، وموالاة أعدائه واربى في ذلك على الخوارج والنواصب، وكيف يتفوه من له شرذمة من
الحياء في حق يزيد بأنه صالح لا يوجد مثله، ويعتقد أنه خليفة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مع ما
وقع منه من وقعة الطفوف ووقعة المدينة ووقعة الحرة، وما تواتر منه من الولع على شرب الخمر
وأنواع الكبائر.
ولا يعتقد في حق أمير المؤمنين - عليه السلام - مع ما صلح وثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من طرقهم
في حقه من الفضائل والمناقب، والنصوص الدالة على خلافته، التي يحملها علماء السنة على ما بعد
الخلفاء الثلاث، ويقولون: ليس فيها التقييد بأنه خليفتي بلا فصل، والآيات الكريمة التي نزلت في
شأنه، وما دل على وجوب مودته، وفرض طاعته، مما لا تحصيها مجلدات ضخام، أنه خليفة رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
وقد بلغ شناعة معاوية ويزيد حدا لم يقدر علماء العامة على انكارها، واستنكفوا من القول الجميل
في حقهما.
قال ابن روزبهان المتعصب وغيره: أن معاوية لم يكن من الخلفاء حتى نذب عنه المطاعن، بل هو من
الملوك، بل يستدلون بما يرونه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم
يكون ملكا»، خصوصا على نفي الخلافة عنه.
170

وبالجملة، قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: أخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمر قال أبو بكر
الصديق: أصبتم اسم عمر الفاروق قرن من حديد، أصبتم اسم ابن عفان ذو النورين قتل مظلوما يؤتي
كفلين من الرحمة، ومعاوية وابنه ملكا لأرض المقدسة، والسفاح وسلام، والمنصور، وجابر،
ومهدي، والأمين، وأمير الغضب، كلهم من بني كعب بن لوي كلهم صالح، لا يوجد مثله، قال
الذهبي: له طرق عن ابن عمر لم يرفعه أحد (1).
والرواية ثابتة عن ابن عمر وله طرق عديد بنص الذهبي، وفي كنز العمال عن عبد الله بن عمر، يكون
على هذه الأمة اثنا عشر خليفة، أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم
اسمه، عثمان ذو النورين قتل مظلوما أو بي كفلين من الرحمة ملك الأرض المقدسة، ومعاوية وابنه،
ثم يكون السفاح، والمنصور، وجابر، والأمين، وسلام، وأمير الغضب، لا يرى مثل كلهم من بني
كعب بن لوي فيهم رجل من قحطان، منهم من لا يومين منهم من يقال له لتبايعنا أو ليقتلنك، فان لم
يبايعهم قتلوه (2).
وكفاه هذا الكلام خزيا وخسارة وعداوة لأهل بيت العصمة والطهارة.
وقد ناقض نفسه فبايع لعبد الملك ولم يكن من هؤلاء المعدودين ثم ان أم المؤمنين عائشة علامة
عصرها ومجتهدة دهرها التي حفظت أربعين ألف حديث بزعمهم كذبت ابن عمر وغلطه في
روايات عديدة وحكمت بافترائه على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
منها: ما في صحيح البخاري عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير

1. تاريخ الخلفاء: 167 - 168.
2. كنز العمال 11: 252 رقم 31421 وفيه: «أمير العصب».
171

المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا أناس يصلون في المسجد صلاة الضحى
قال: فسئلناه عن صلاتهم؟.
فقال: بدعة، ثم قال له: كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟.
قال: أربع، إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في
الحجرة، فقال عروة يا أماه، يا أم المؤمنين، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟
قالت: ما يقول؟ قال: يقول: ان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اعتمر أربع عمرات، إحداهن في
رجب، قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة الا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط (1).
وفي صحيح مسلم: أنها قالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر في
عمرة الا وأنا معه، قال: وابن عمر يسمع، فما قال لا، ولا نعم سكت.
ومنها: ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان، فجئنا
لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عباس، فقال عبد الله بن عمر: لعمرو بن عثمان ألا تنهى عن
البكاء؟ فان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، فقال ابن عباس: قد
كان عمر، يقول بعض ذلك،.... فذكر ذلك لعائشة فقالت: رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله - صلى
الله عليه وآله وسلم -: ان الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: إن
الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه.

1. صحيح البخاري كتاب العمرة باب، كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رقم 1774 و 1775.
172

قال: وقالت عائشة: حسبكم قران: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (1)... قال ابن أبي مليكة: والله ما قال
ابن عمر شيئا (2).
ومنها: ما رواه البخاري عن ابن عمر ان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا
واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم (3).
وروى البيهقي عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ابن ام مكتوم رجل
أعمى فإذا أذن فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال، وكان بلال يبصر الفجر وكانت عائشة تقول غلط ابن
عمر وذكر هذه الرواية ابن حجر في فتح الباري أيضا (4).
ومنها: ما رواه الطبراني في «الأوسط»: عن موسى بن طلحة، قال بلغ عائشة أن ابن عمر يقول: ان
موت الفجأة سخطة على المؤمنين، فقالت: يغفر الله لابن عمر إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:
«موت الفجأة تخفيف على المؤمنين وسخطة على الكافرين» (5).
ومنها: ما رواه الدار قطني في سننه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها بلغها قول ابن عمر في
القبلة الوضوء، فقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقبل وهو صائم ثم لا يتوضأ (6)، وكذا رد
عليه ابن عباس ترجمان القرآن.

1. الأنعام 164 وفاطر: 18.
2. صحيح البخاري كتاب الجنائز باب 32 رقم 1286 و 1287 و 1288.
3. صحيح البخاري كتاب الأذان باب الأذان قبل الفجر رقم 622 و 623 وأطرافه 617 و 1919.
4. السنن الكبرى للبيهقي 1: 382، فتح الباري 2: 80 - 81.
5. المعجم الأوسط 4: 104 رقم 3153.
6. سنن الدار قطني كتاب الطهارة 1: 142.
173

قال السيوطي في الاتقان: وان عبر واحد بقوله: نزلت في كذا، وصرح الآخر بذكر سبب خلافه فهو
المعتمد، وذاك استنباط مثاله ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: أنزلت: نساءكم حرث لكم في
اتيان النساء في أدبارهن (1).
وتقدم عن جابر التصريح بذكر سبب خلافه فالمعتمد حديث جابر كما أخرجه أبو داود والحاكم
(2).
وبعض ما ذكرنا كاف في سقوط أخباره عن درجة الاعتبار، وكيف يثق العاقل الحازم على أخبار هذا
المنهمك في الضلالة، المفارق عن طاعة الله ورسوله، الذي وقع وعلم منه امتناعه عن البيعة لعلي بن
أبي طالب، واقدامه على بيعة يزيد، وعده للخلفاء الصالحين، وما وقع وعلم منه تحريف الحديث
ووهمه فيه، سيما فيما خالف كتاب الله بنص عائشة.
ومما يقضي منه العجب أن ابن عمر هذا، ممن روى حديث باب حطة.
فقد أخرج الديلمي عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: علي باب حطة من دخل منه كان
مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا (3).

1. صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن باب «نسائكم حرث لكم...» رقم 4527، والجدير بالذكر ان في نسخة الأخيرة
من صحيح البخاري جعلوا النقطة بدل «أدبارهن»، أنظر طبعة دار الفكر للطباعة مع اشراف، صدقي جميل العطار.
وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي: قال: وأخرجه عبد الله بن عون عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم
حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوما، فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان، قال: أتدري فيم نزلت؟ فقلت: لا، قال: نزلت
في كذا وكذا ثم مضى. الجمع بين الصحيحين 2: 279 - 280 رقم 1440.
2. صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن رقم 4528.
3. فردوس الأخبار 3: 90 رقم 3998، كنز العمال 6: 153 رقم 2528.
174

فالحمد لله على ثبوت ما اعترف به نفسه.
عبد الله بن عمرو بن العاص
هو زاهد القوم!! روى البخاري في مواضع عديدة من صحيحه ما محصله:
انه سمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ان عبد الله بن عمرو بن العاص يصوم ولا يفطر ويصلي ولا
ينام.
فقال - صلى الله عليه وآله وسلم - له: ان لجسدك عليك حقا، وان لعينك عليك حقا، وان لزوجك عليك حقا،
وان لزورك عليك حقا، فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام، فان الحسنة بعشر أمثالها،
وذلك مثل صيام الدهر، فقال عبد الله: اني أطيق أفضل من ذلك، قال فصم يوما وأفطر يومين، قال: اني
أطيق أفضل من ذلك، فقال - صلى الله عليه وآله وسلم - فصم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود، وهو أفضل
الصيام فقلت: أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: لا أفضل من ذلك (1).
ومجمل أحواله انه أيضا ممن تخلف عن أمير المؤمنين - عليه السلام - وفارقه وخرج عن طاعته وعصاه
وآذاه وقاتله وحاربه وأعان أعداءه وأخذل أولياءه.
وكان على ميمنة عسكر معاوية، وتقلد سيفين من غاية حرصه على القتال.

1. صحيح البخاري كتاب الصوم باب صوم الدهر رقم 1976 وأطرافه رقم 1131، 1152، 1153، 1974، 1975،
1976، 1977، 1978، 1979، 1980، 3418، 3419، 3420، 5052، 5053، 5054، 5199، 6134، 6277.
175

وافتخر بارتكاب هذه العظائم الكبائر والانحراف عن امام الأبرار، وموالاة قدوة الأشرار والفجار،
وانشد في ذلك الاشعار.
وكل من اتصف ببعض هذه الصفات فضلا عن كلها فهو هالك كافر خارج عن طاعة الله عاص لله
ورسوله مؤذ لله مندرج في زمرة من أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بمقاتلته من القاسطين مفارق
لله ورسوله تارك لما أمر الله به في كتابه متهور في ضلالة، منهمك في الشقاوة، موصوف بكل رذيلة،
ويجب الاجتناب عنه والتحرز منه وعدم الاعتماد عليه، لما رواه الحاكم في المستدرك - وهو على ما
نص عليه علمائهم من أعظم الأئمة الذين حفظ الله بهم الدين وانتفع بتصانيفه أهل المشرق
والمغرب -.
قال: قال له: - اي لعبد الله بن عمرو بن العاص - أبوه يوم صفين أخرج فقاتل، قال: يا أبتاه أتأمرني أن
أخرج فأقاتل وقد كان من عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما قد سمعت؟!
قال: أنشدك بالله أتعلم ان ما كان من عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إليك; أنه أخذ بيدك فوضعها
في يدي فقال: اطع أباك عمرو بن العاص قال: نعم، قال: فإني آمرك أن تقاتل، قال فخرج يقاتل فلما
وضعت الحرب قال عبد الله:
لو شهدت جمل مقامي ومشهدي * بصفين يوما شاب منها الذوائب
عشية جاء أهل العراق كأنهم * سحاب ربيع زعزعته الجنائب
وجئناؤهم ندوي كأن صفوفنا * من البحر موج موجه متراكب
176

إذا قلت قد ولوا سراعا بدت * لنا كتائب منهم وارجحنت كتائب
فدارت رحانا واستدارت رحاهم * سراة النار ما تولي المناكب
فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا * عليا فقلنا: بل نرى ان نضارب (1).
وفي أسد الغابة لابن الأثير الجزري، قال في ترجمة ابن عمرو بن العاص:
وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك، وشهد معه أيضا صفين، وكان على الميمنة (2)، قال له أبوه: يا
عبد الله اخرج فقاتل، فقال: يا أبتاه أتأمرني ان أخرج فأقاتل؟ وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم
- بعهد إلي ما عهد، قال: اني أنشدك الله يا عبد الله ألم يكن آخر عهد إليك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
أن أخذ بيدك ووضعها في يدي؟ وقال: اللهم بلى، قال: فاني أغرم عليك ان تخرج فتقاتل فخرج
وتقلد سيفين (3).
وما ذكر من انه ندم بعد ذلك لا يفيد في اصلاح حاله فان التوبة عن حقوق الناس لا يكفي فيها مجرد
الندم، سيما انه ندم على القتال، لاعلى التخلف عن أمير المؤمنين ومفارقته، وهل يرجع بعد ذلك إلى
متابعته والتفرد بحاشيته.
وحسبك في هذا المقام شهادة عمرو بن العاص على ان الخروج على أمير المؤمنين خلع رقية الاسلام
وتهور في الضلالة وإعانة على الباطل.

1. المستدرك 3: 527، تاريخ مدينة دمشق 31: 278، وفيه زيادات مثل قوله:
وجئنائهم ندوي كأن صفوفنا * من البحر موج موجه متراكب
فدارت رحانا واستدارت رحاهم * سراة النار ما تولي المناكب
فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا * عليا فقلنا: بل نرى ان نضارب.
2. تاريخ مدينة دمشق 31: 271 - 272.
3. المصدر السابق
177

قال سبط ابن الجوزي، وهو من أئمة الحنفية ومن شراح الجامع الصغير وصحيح مسلم، ومحامده
موجودة في كتب القوم، قال في كتاب تذكرة خواص الأمة:
وفي هذا السنة وهي سنة ست ثلاثين، اتفق معاوية وعمرو بن العاص على قتال علي واصطلحا على
ذلك قبل نزول علي على النخيلة في أيام وقعة الجمل بعد ان كان معاوية قد يئس منه، وعزم عمرو
على المسير إلى نصرة علي، فأعطاه معاوية مصرا طعمة فمال إليه.
وقال أهل السير لما حصر عثمان خرج عمرو بن العاص إلى الشام فنزل فلسطين، وكان يؤلب على
عثمان لانحرافه عنه فأقام بفلسطين حتى قتل عثمان.
عمرو بن العاص ومعاوية
فقيل لمعاوية انه لا يتم ذلك الأمر الا بعمرو، فإنه دويهة العرب، فكتب إليه يستدعيه ويستعطفه،
ويعده المواعيد ان هو وافقه على قتال أمير المؤمنين، ويذكر ما جرى على عثمان، فكتب اليه عمرو:
«أما بعد فاني قرئت كتابك وفهمته، فأما ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي والتهون معك
في الضلالة واعانتي إياك على الباطل واختراط السيف في وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،
وهو أخو رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ووليه ووصيه، ووارثه، وقاضي دينه ومنجز وعده، وصهره
على ابنته سيدة نساء العالمين، وأبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة.
وأما قولك: انك خليفة عثمان فقد عزلت بموته، وزالت خلافتك.
178

وأما قولك: أن أمير المؤمنين أشلى الصحابة على قتل عثمان فهو كذب، وزور، وغواية، ويحك يا
معاوية أما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه لله تعالى، وبات على فراش رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
وقال فيه: من كنت مولاه فعلي مولاه، فكتابك لا يخدع ذا عقل وذا دين والسلام».
فلما قرء كتابه قال له عتبة بن أبي سفيان: لا تيأس منه، فكتب إليه وارغبه في الولاية وأشركه معه في
سلطانه وكان في أسفل كتابه:
جهلت ما تعلم محلك عندنا * فأرسلت شيئا من عتاب وما تدري
فثق بالذي عندي لك اليوم آنفا * من العز والاكرام والجاه والقدر
واكتب عهدا ترتضيه مؤكدا * واشعفه بالبذل مني وبالبر
فكتب اليه عمرو يقول:
أبى القلب مني أن يخادع بالمكر * بقتل بن عفان أجر إلى الكفر
واني لعمري ذو دهاء وفطنة * ولست أبيع الدين بالرشح والدفر
أليس صغيرا ملك مصر ببيعة * هي العار في الدنيا على الال من عمرو
وذكر سيف عن هشام بن محمد أنه كتب عمرو إلى معاوية:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
179

فان تعطني مصرا فاربح بصفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع
فكتب إليه معاوية: قد أقطعتك مصرا طعمة، واشهد عليه شهودا، وبات عمرو طول ليلته متفكرا
فدعى غلاما يقال له وردان، (وهو الذي ينسب إليه مكان بمصر يقال له سوق وردان) فقال له: ما ترى
يا وردان؟
فقال: ان مع علي آخرة ولا دنيا، وان مع معاوية دنيا ولا آخرة، فالتي مع علي تبقى، والتي مع معاوية
تفنى، فلما أصبح ركب فرسه ومعه عبد الله ابنه، وهو يقول له: لا تذهب إلى معاوية ولا تبع آخرتك
بدنيا فانية، وهو متحير فلم يزل حتى وصل إلى طريقين، أحدهما: تأخذ إلى المدينة، والأخرى: إلى
دمشق، فوقف عندهما، ثم ضرب رأس فرسه، نحو دمشق، وقال معاوية ارفق من علي وأتى
معاوية (1).
ثم ان عبد الله بن عمرو كان يحدث عن كتب اليهود والنصارى، التي حملها معه من الشام في وقعة
اليرموك، حتى أتقاه الناس، وقل حديثه مع أنه كان أكثر حديثا من أبي هريرة، وكانوا قد يقولون له:
حدثنا عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا تحدثنا عن الصحيفة.
وتفصيل الواقعة مذكور في كثير من الكتب، منها «شرح نخبة الفكر» لعلي القاري، ومنها: «حاشية
القالي المسمات بقضاء الوطر».

1. تذكرة الخواص: 86 - 87.
180

عبد الله بن عمرو بن العاص في كلام معاوية
ثم ان معاوية الذي عقد البخاري بابا في مناقبه، وروى في حقه أنه فقيه، كذب عبد الله بن عمرو.
وقد رواه البخاري أيضا، في صحيحه عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث، انه بلغ
معاوية وهو عنده في وفد من قريش، ان عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث، انه سيكون ملك من
قحطان، فغضب معاوية فقام، فاثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:
أما بعد فإنه بلغني ان رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله - صلى
الله عليه وآله وسلم -، فاؤلئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، فاني سمعت رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم - يقول: ان هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد الا كبه الله على وجهه، وما أقاموا الدين (1).
والرواية تدل على ان عبد الله بن عمرو كان عند معاوية من المضلين الجهال ولعمري ان هذا هو
مصداق المثل المعروف: ويل لمن كفره نمرود.
عبد الله بن الزبير
أثنى عليه علماء العامة في كثير من كتبهم ووصفوه بمحامد عظيمة ومحاسن فخيمة وعده جماعة
منهم من مصاديق الخلفاء الاثني عشر الذين ذكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - انه يكون الدين بهم
عزيزا.

1. صحيح البخاري كتاب المناقب باب مناقب قريش رقم 3500 وكتاب الاحكام باب الامراء من قريش رقم 7139.
181

ونقلوا من كثرة صلاته وعباداته أشياء، منها: انه قسم الدهر على ثلاث ليال: فليلة هو قائم حتى
الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح.
ومنها: انه كان يواصل الصوم سبعا، يصوم يوم الجمعة فلا يفطر الا يوم الجمعة الاخر، ويصوم
بالمدينة فلا يفطر الا بمكة، ويصوم بمكة فلا يفطر الا بالمدينة.
قالوا ولقد قام يوما إلى الصلاة فمر حجر من حجارة المنجنيق بلبنة مطبوخة من شرفات المسجد
فمرت بين لحيته وصدره فوالله ما خشع لها بصره، ولا قرائته، ولا ركع دون الركوع الذي كان يركع.
ولقد كان إذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء إليها، ولقد كان يركع في الصلاة فيقع الزحم على ظهره
ويسجد فكأنه مطروح، إلى غير ذلك كثيرة.
وهو أيضا لا يقصر في المطاعن عن أخويه المتقدمين بل يربوا عليهما بكثير بل لا يمكن استيفاء
جميع ما فيه في هذه الرسالة على بعضها.
وهو على ما نص عليه عمر بن الخطاب الذي يزعم علماء القوم انه كان مسددا، يقع في الخارج كلما،
يجري على لسانه وينزل الوحي على طبق رأيه: كان شيطانا كاملا، ففي محاضرات الراغب
الأصبهاني: «مر عمر رضي الله عنه بصبيان يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير فعدا، ووقف عبد الله بن
الزبير، فقال له عمر: ما لك لا تذهب مع الصبيان؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أجن إليك فاخافك، ولم
يكن في الطريق ضيق فأوسعه لك، فقال عمر: اي شيطان يكون هذا» (1).

1. محاضرات الراغب 1: 56.
182

والراغب هذا من أجلة علماء القوم، نقل السيوطي في بغية الوعاة عن الزركشي: أن فخر الدين
الرازي، عد الراغب من أئمة السنة، وقرنه بالغزالي، وقال: هذه فائدة حسنة، قال: وكنت أظنه معتزليا
فتحقق عندي خلافه بهذا الكلام (1).
ثم ان ابن الزبير الحد بمكة وعليه نصف عذاب العالم بمقتضى رواياتهم.
ففي كنز العمال: يلحد رجل من قريش بمكة يقال له عبد الله عليه شطر عذاب العالم.
وعن ابن عمر انه سيلحد في الحرم رجل لو توزع ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت (2).
وعن ابن عمر: يحلها وتحل به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتا (3).
وعن ابن عمر أيضا: يلحد بمكة كبش أي سيد من قريش اسمه عبد الله عليه مثل أوزار نصف
الناس (4).
وعن عثمان يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم (4).
وعن عثمان ورجال المحدثين ثقات، وذكر العلامة محمد بن علي

1. بغية الوعاة 2: 297 رقم 2015 وقد اختلفوا في اسم الراغب، وقد ذكره السيوطي في بغية الوعاة المفضل بن محمد،
والذهبي في السير الحسين بن محمد بن المفضل.
2. مسند أحمد 2: 219، سير أعلام النبلاء 3: 376.
3. المصدر السابق. 4. المصدر السابق.
4. المصدر السابق.
183

الحكيم الترمذي من أعيان العامة الذي قالوا فيه انه من الأوتاد الأربعة ومدائحه معلومة من فيض
القدير للمناوي، ذكر في كتاب نوادر الأصول:
حدثنا إبراهيم بن المستمر الهذلي قال: حدثني عبد الرحمن بن سليمان قال: سمعت أبي يذكر عن
أبيه قال: صحبت ابن عمر من مكة إلى المدينة فقال النافع لا تمر بي على المصلوب، يعني ابن الزبير
فما فجئه في جوف الليل الا ان صك محمد جذعه فجلس فمسح عينيه ثم قال: يرحمك الله يا أبا
خبيب ان كنت وان كنت، ولقد سمعت أباك الزبير يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: من يعمل
سوء يجز به في الدنيا أو في الآخرة، فان يك هذا بذاك فهه، فهه (1).
قال أبو عبد الله: فأما في التنزيل فقد احمله فقال: (من يعمل سوءا يجز به) (2)، دخل فيه البر
والفاجر، والولي والعدو، والمؤمن والكافر، ثم يقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث
بين الموطنين، فقال: يجزيه في الدنيا أو في الآخرة، وكأنه أخبر بأنه يجزي بذلك السوء في أحد
الموطنين، إما في الدنيا وإما في الآخرة.
وليس يجمع عليك الجزاء في الموطنين، ألا ترى إن ابن عمر قال: فان يك هذا بذاك فهه به، معناه انه
قاتل في حرم الله وأحدث حدثا عظيما فيها حتى أحرق البيت، ورمى الحجر الأسود بالمنجنيق،
فانصدع حتى صبب بالفصه، فهو إلى يومنا كذلك وسمع للبيت آمين.
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم فتح مكة أنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل

1. تاريخ مدينة دمشق 28: 240.
2. النساء: 123.
184

بعدي وانما أحلت بي ساعة من نهار، حرمت يوم خلقت السماوات والأرض.
ولما رأى ابن عمر فعله ثم رآه مقتولا مصلوبا، ذكر قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: من يعمل سوء
يجز به، ثم قال: ان يك هذا القتل بذلك الذي فعله فهه به، أي، ان كان جوزي بذلك السوء، السوء من
هذا القتل والصلب.
وروى العلامة السيوطي في جمع الجوامع عن إسحاق بن سعيد عن أبيه قال: أتى عبد الله بن عمر
عبد الله بن الزبير، فقال: يا بن الزبير اياك والالحاد في حرم الله تعالى، فاني سمعت رسول الله - صلى الله
عليه وآله وسلم - يقول سيلحد فيه رجل من قريش لو أن ذنوبه توزن بذنوب الثقلين لرجحت عليه فانظر
لا يكون.
ومن ظريف الأمر أن البخاري أيضا أورد في صحيحه، ما يدل على ان ابن الزبير أحل حرم الله، وهذه
ألفاظه في كتاب التفسير:
حدثني عبد الله بن محمد قال: حدثني يحيى بن معين، قال حدثنا حجاج، قال ابن جريج، قال ابن أبي
مليكة، وكان بينهما شيء فغدوت على ابن عباس فقلت: أتريد أن تقاتل ابن الزبير فتحل حرم الله؟
فقال: معاذ الله، ان الله كتب ابن الزبير وبني أمية محلين، واني والله لا أحله أبدا (1).
وفي فتح الباري للعسقلاني: ان الضمير في قوله: «بينهما» راجع إلى ابن عباس وابن الزبير قال: قوله:
«محلين» أي أنهم كانوا يحلون القتال في الحرم، وإنما نسب ابن الزبير إلى ذلك، وان كان بنو أمية هم
الذين ابتدأوه في القتال وحصروه.

1. صحيح البخاري كتاب التفسير باب، ثاني اثنين إذ هما في الغار... التوبة: 40، رقم 4665.
185

وإنما بدأ منه أولا دفعهم عن نفسه لأنه بعد أن ردهم الله عنه، حصر بني هاشم ليبايعوه فسرع فيما
يؤذن بإباحة القتال، وكان الناس يسمون ابن الزبير المحل لذلك (1).
ومن عجيب الأمر ما في هذه الرواية من ان ابن عباس يرى ابن الزبير أهلا للخلافة لشرف نسبه مع أنه
قد وقع منه بالنسبة إلى ابن عباس ما وقع كما سيأتي، ومع انه قد طعن فيه في صدر الرواية بما نقلنا
وفي ذيله بكلام آخر لم ننقله.
ومع ان جماعة منهم ذكروا انه قال: كانت في ابن الزبير ضلال لا تصلح معها للخلافة.
ومن اطلع على بعض ما وقع بين ابن عباس وابن الزبير من مشاجرات والمذاكرات جزم بان هذه
الجملة التي لم نوردها موضوعة على ابن عباس.
ومن شنائع أحواله انه كان يقاتل على الدنيا وتحمل وزر جميع من قاتل وقتل معه، والأخبار الواردة
في ذم التكالب على الدنيا وطلب الرياسة الباطلة ومقاتلة الناس عليها مما لا يمكن احصاؤها.
روى البخاري في كتاب الفتن عن أبي المنهال قال: لما كان ابن زياد ومروان بالشام ووثب ابن الزبير
بمكة ووثب القراء بالبصرة، فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو
جالس في ظل علية له من قصب، فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث، فقال: يا أبا برزة ألا ترى ما
وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلم به: إني إحتسبت عند الله أني أصبحت

1. فتح الباري 8: 262.
186

ساخطا على أحياء قريش، إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة
والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى بلغ بكم ما ترون، وهذه الدنيا
التي أفسدت بينكم، ان ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وان هؤلاء الذين بين أظهركم
والله إن يقاتلون إلا على الدنيا، وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا (1).
وفي فتح الباري: في معنى «ان ذاك الذي بمكة» زاد يزيد بن ذريع يعني ابن الزبير.
والحاكم في المستدرك أيضا أورد هذه الرواية، وفي فتح الباري في معنى قول أبي برزة: اني احتسبت
عند الله، ان معناه انه يطلب بسخطه على الطوائف المذكورين من الله أجرا على ذلك لان الحب في الله
والبغض في الله من الايمان (2).
فثبت بنص ابن حجر، ان البغض على ابن الزبير بغض في الله، وان السخط عليه يوجب الغفران، وان
حبه كما هو شعار السنية خروج عن الإيمان.
وقال ابن الملقن في شرحه: وأما قول أبي برزة: «واحتسابه سخطه على أخبار قريش عند الله تعالى»
فكأنه قال: اللهم لا أرضى ما يصنع قريش من القتال على الخلافة، فاعلم ذلك من نيتي واني أسخط
أفعالهم واستباحتهم للدماء والأموال، فأراد ان يحتسب ما يعتقده من انكار القتال في الإسلام عند الله
وذخرا، فانه لم يقدر من التعبير عليهم الا بالقول والنية التي بها يأجر الله عباده.

1. صحيح البخاري كتاب الفتن باب 21، رقم 7112.
2. فتح الباري 13: 62 كتاب الفتن.
187

وروى الحاكم في المستدرك باسناده، عن نافع عن ابن عمر، انه قال لرجل سأله عن القتال مع
الحجاج، أو مع ابن الزبير، فقال له ابن عمر: مع أي الفريقين قاتلت فقتلت ففي لظى، قال وهذا
حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (1).
ومن قبائحه التي لا تحصى الدفاتر الطوال، لوازم شناعتها انه كان ينقص أمير المؤمنين صلوات الله
وسلامه عليه وجميع بني هاشم، واغرى أباه الزبير على قتاله، وأغرى عائشة على وقعة الجمل،
وأهانها، وخوفها، بقوله:
أدركنا علي; وحلف يمينا كاذبة وسن سنة شهادة الزور، وهي أول شهادة زور وقعت في الاسلام على
ما نص عليه علماؤهم، وقاتل أمير المؤمنين - عليه السلام - وسبه وشتمه واسقط ذكر النبي - صلى الله عليه وآله
وسلم - عن الخطبة في الجمعة وغيرها، ولا يشك جاهل فضلا عن عالم في كفر من وصف ببعض هذه
الصفات فضلا عن جميعها، وضلالته وانهماكه في خسارته وشقاوته.
وأدلة الكبرى وان كانت بينة مبينة مشروحة ومبسوطة، إلا ونحن نأتي بجملة من الأخبار الواردة من
طرق القوم ثم نعطف على بيان الصغرى.
وحقيقة هذا الطعن تنحل إلى مطاعن لا تحصى، يليق أن يفرد كل منها بفصل وباب.
فنقول: يدل عليها مضافا إلى ما سبق، مما يدل على أن معصية علي معصية الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم
- وطاعته طاعته، ومفارقته مفارقته، وانه باب حطة من خرج عنه كان كافرا.

1. المستدرك 4: 171.
188

وما أورده البدخشاني من عظماء أهل السنة في مفتاح النجاة قال: أخرج مسلم والترمذي والنسائي
عن زر بن حبيش، قال: سمعت عليا - عليه السلام - يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي
الأمي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني الا منافق (1).
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
: «لا يحب عليا منافق ولا يبغض عليا مؤمن» (2).
وفي رواية ابن أبي شيبة: لا يبغض عليا الا مؤمن ولا يحبه منافق (3)، وعند الطبراني في الكبير عنها:
لا يحب عليا الا مؤمن ولا يبغض عليا الا منافق.
وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري والبزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما قالا: «كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليا» (4).
وأخرج الطبراني في الكبير عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لعلي:
«محبك محبي ومبغضك مبغضي» (5).
قال وأخرج الطبراني في الكبير عن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول

1. مسند أحمد 6: 292، صحيح مسلم 1: 86 رقم 78، سنن الترمذي 5: 643 رقم 3736، سنن النسائي 8: 116 و 117،
سنن ابن ماجة 1: 42 رقم 114، المعجم الأوسط 3: 89 رقم 2177، مصابيح السنة 4: 171 رقم 4763، مسند أبي يعلى
1: 250 رقم 291، تاريخ بغداد 14: 426، حلية الأولياء 4: 185، فتح الباري 7: 57، عارضة الأحوذي 13: 177،
الإستيعاب 3: 37، صفة الصفوة 1: 312.
2. مسند أحمد 1: 84، سنن النسائي كتاب الايمان، 8: 117، رقم 19 و 131، سنن الترمذي 5: 306.
3. جامع الأصول 9: 473، تيسير الوصول 3: 272، الرياض النضرة 2: 214.
4. سنن الترمذي 5: 635 رقم 3717،
5. المستدرك 3: 130، مجمع الزوائد: 9 / 132، تاريخ مدينة دمشق 42: 269 - 280.
189

الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد
أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله (1).
قال: وأخرج أبو يعلى والبزار عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من
آذى عليا فقد آذاني».
قال: وأخرج ابن عدي عن جابر رضي الله عنه: ان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لعلي: يا علي لو أن
أمتي أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار (2).
وأخرج الديلمي عن الحسين رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: لو أن عبدا عبد الله مثل
ما قام نوح في قومه، وكان له مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله، ومد في عمره حتى يحج ألف عام على
قدميه، ثم قتل بين الصفاء والمروة مظلوما، ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها (3).
وأخرج ابن مردويه عن عطية بن سعد قال: دخلنا على جابر بن عبد الله رضي الله عنه وهو شيخ كبير
فقلنا: أخبرنا عن هذا الرجل - علي بن أبي طالب - فرفع حاجبيه ثم قال: ذاك من خير البشر، فقيل له:
ما تقول في رجل يبغض عليا؟ قال: ما يبغض عليا الا كافر (4).

1. المستدرك 3: 141 رقم 4648، كشف الأستار 3: 201، مجمع الزوائد 9: 135، ذخائر العقبى: 65، تاريخ
الخلفاء: 173، كنز العمال 12: 202، تاريخ مدينة دمشق 42: 271.
2. تاريخ مدينة دمشق 42: 298.
3. فردوس الأخبار 3: 409 - 410 رقم 5141.
4. مسند أحمد 4: 438، سنن الترمذي 5: 635 رقم 3727، المعجم الكبير 23: 380 رقم 901، مسند أبي يعلى
12: 6904، تحفة الاشراف 13: 64 رقم 18295، تاريخ مدينة دمشق 42: 268 - 300، كفاية الطالب: 69، مطالب
السؤول: 87،
190

وأخرج عن سالم بن أبي الجعد، قال: تذاكروا فضل علي عند جابر بن عبد الله فقال: وتشكون فيه؟
فقال بعض القوم: انه أحدث، قال: وما يشك فيه الا كافر، أو منافق.
وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى وابن عدي والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن علي كرم الله
وجهه، قال: دعاني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: ان فيك مثلا من عيسى أبغضته اليهود حتى
بهتوا أمه، وأحبه النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به، ألا وانه يهلك في اثنان محب مفرط
يفرطني بما ليس في ومبغض يحمله شنآني على ان باهتني (1).
وروى البخاري في كتاب الايمان من صحيحه ان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: سباب المسلم فسق
وقتاله كفر، ورواه في كتاب الفتن وفي كتاب الأدب أيضا (2).
وروى الحاكم في المستدرك عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على أم سلمة رضي الله عنها
فقالت لي أيسب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيكم؟ فقلت: معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها،
قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: من سب عليا فقد سبني (3). هذا حديث صحيح
الاسناد ولم يخرجاه (4).

1. مسند أحمد 1: 160، المستدرك 3: 123، الرياض النضرة 2: 217، كفاية الطالب: 196، تاريخ مدينة دمشق
42: 293 - 296.
2. صحيح البخاري كتاب الايمان باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله رقم 48 وكتاب الأدب باب ما ينهى عنه من
السباب رقم 6044 وكتاب الفتن باب: لا ترجعوا بعدي كفارا رقم 7076.
3. مسند أحمد 10: 228 رقم 26810، جامع الصغير 6: 147 رقم 8736 المطبوع على متن فيض القدير للمناوي تاريخ
مدينة دمشق 42: 266.
4. المستدرك 3: 121 وفي طبعة 3: 131 رقم 4616.
191

وقد رواه أبو بكر بن عثمان البجلي عن أبي إسحاق بزيادة ألفاظ، قال: سمعت أبا عبد الله الجدلي
يقول: حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة وإذا الناس عنق واحد فاتبعتهم فدخلوا على أم سلمة
زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فسمعتها يقول: يا شبث (1) بن ربعي فأجابها رجل جلف جاف لبيك
يا أمتاه، قالت: يسب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في ناديكم؟ قال: وأنى ذلك؟ قالت: فعلي بن أبي
طالب، قال: انا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا، قالت: فاني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
يقول: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله تعالى (2).
وفي المستدرك أيضا، عن أبي مليكة قال: جاء رجل من أهل الشام فسب عليا عند ابن عباس، فحصبه
ابن عباس فقال: يا عدو الله آذيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم
الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) (3)، لو كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حيا لآذيته،
قال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (4).
ولنكتف بهذا المقدار فان الكلام في ذلك يطول جدا.
ولنذكر بعض ما صدر من هذا الشقي مما يعلم منه انطباق جميع أخبار الذم واللعن والطرد عليه.
فنقول: ذكر علامتهم المحدث ابن عبد البر في الاستيعاب قال علي بن

1. وفي المستدرك «شبيب».
2. فيض القدير 6: 147، المستدرك 3: 121.
3. الأحزاب: 57.
4. المستدرك 3: 121 وفي طبعة 3: 131 رقم 4618.
192

أبي طالب: ما زال الزبير يعد منا أهل البيت حتى نشأ عبد الله.
وذكر ابن الأثير الجزري في كتاب أسد الغابة: وكان علي رضي الله عنه يقول: ما زال الزبير منا أهل
البيت حتى نشأ له عبد الله (1)
وذكر سبط ابن الجوزي في التذكرة: وفي رواية، أن عليا لما التقى بالزبير، قال له: كنا نعدك في خيار
بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك السوء ففرق بيننا (2).
قال ابن أبي الحديد في أواخر شرحه: روى المسعودي عن سعيد بن جبير ان ابن عباس دخل على
ابن الزبير فقال له ابن الزبير: إلى م تؤتيني وتعنفي؟ قال ابن عباس: اني سمعت رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم - يقول: بئس المرء المسلم ليشبع ويجوع جاره، وأنت ذلك الرجل، فقال ابن الزبير لاكتم
بغضكم أهل البيت منذ أربعين سنة!
وتشاجرا فخرج من مكة فأقام بالطائف حتى مات.
قال وقطع عبد الله بن الزبير في الخطبة ذكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جمعا كثيرة فاستعظم الناس
ذلك فقال: اني لا أرغب عن ذكره، ولكن له أهيل سوء، إذا ذكرته اطلعوا أعناقهم فأنا أحب ان اكبتهم.
قال: لما كاشف عبد الله بن الزبير بني هاشم وأظهر بغضهم، وعابهم وهم بما هم به في أمرهم، ولم
يذكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في خطبته، لا يوم الجمعة ولا غيرها، عاتبه على ذلك قوم من
خاصتة، وتشاءموا بذلك منه، وخافوا عاقبته.
فقال: والله ما تركت ذلك علانية الا وأنا أقوله سرا وأكثر منه; لكني رأيت

1. أسد الغابة 3: 243 رقم 2947، الإستيعاب 3: 906 رقم 1535.
2. تذكرة الخواص: 71.
193

بني هاشم إذا سمعوا ذكره اشرأبوا وأحمرت ألوانهم، وطالت رقابهم والله ما كنت لآتي لهم سرورا وأنا
أقدر عليه، والله لقد هممت ان أحظر لهم حظيرة ثم أضرمها عليهم نارا!!
فاني لا أقتل منهم إلا آثما كفارا سحارا، لا إنماهم (1) الله، ولا بارك عليهم، بيت سوء، لا أول لهم ولا
آخر، والله ما ترك نبي الله فيهم خيرا، استفرع نبي الله صدقهم فهم أكذب الناس.
فقام اليه محمد بن سعد بن أبي وقاص فقال: وفقك الله يا أمير المؤمنين! أنا أول من أعانك في أمرهم،
فقام عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي، فقال: والله ما قلت صوابا، ولا هممت برشد، أرهط رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تعيب، وإياهم تقتل، والعرب حولك! والله لو قتلت عدتهم أهل بيت من الترك
مسلمين ما سوغه الله لك، والله لو لم ينصرهم الناس منك لنصرهم الله بنصره.
فقال: اجلس أبا صفوان فلست بناموس (2).
فبلغ الخبر عبد الله بن العباس، فخرج مغضبا ومعه ابنه حتى أتى المسجد فقصد المنبر فحمد الله فاثنى
عليه، وصلى على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال: أيها الناس ان ابن الزبير يزعم أن لا أول
لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا آخر، فيا عجبا كل العجب لافترائه ولكذبه! والله ان أول من أخذ
الإيلاف، وحمى عيرات قريش لهاشم، وإن أول من سقى بمكة عذبا، وجعل باب الكعبة ذهبا
لعبد المطلب، والله لقد نشأت ناشئتنا مع ناشئة قريش، وإن كنا لقالتهم إذا قالوا، وخطباءهم إذا خطبوا،

1. لا أكثر عددهم. 2. الناموس: الحاذق.
194

وما عد مجد كمجد أولنا، ولا كان في قريش مجد لغيرنا; لأنها في كفر ماحق، ودين فاسق، وضلة
وضلالة، في عشواء (1) عمياء، حتى اختار الله تعالى لها نورا، وبعث لها سراجا فانتجبه طيبا من
طيبين، لا يسبه بمسبة، ولا يبغي عليه غائلة، فكان أحدنا وولدنا، وعمنا وابن عمنا، ثم ان أسبق
السابقين إليه منا وابن عمنا (2) ثم تلاه في السبق، ثم أهلنا ولحمتنا واحدا بعد واحد.
ثم إنا لخير الناس بعده وأكرمهم أدبا، أشرفهم حسبا، وأقربهم منه رحما.
واعجبا كل العجب لابن الزبير! يعيب بني هاشم، وانما شرف هو وأبوه وجده بمصاهرتهم; أما والله انه
لمسلوب قريش، ومتى كان العوام بن خويلد يطمع في صفية بنت عبد المطلب! قيل للبغل: من أبوك
يا بغل؟ فقال: خالي الفرس، ثم نزل.
عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس
قال: خطب ابن الزبير بمكة على المنبر، وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر، فقال: ان ههنا
رجلا أعمى الله قلبه كما أعمى بصره، يزعم أن متعة النساء حلال من الله ورسوله، يفتي في القملة
والنملة، وقد احتمل مال البصرة بالأمس، وترك المسلمين بها يرتضجون (3) النوى، وكيف ألومه
في ذلك، وقد قاتل أم المؤمنين، وحواري رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن وقاه بيده.
فقال ابن عباس لقائده سعد بن جبير بن هشام مولى بني أسد بن خزيمة:

1. وهو سوء البصر بالليل والنهار.
2. علي بن أبي طالب.
3. يكسرونه.
195

استقبل بي وجه ابن الزبير، وارفع من صدري; وكان ابن عباس قد كف بصره فاستقبل به قائده وجه
ابن الزبير، وأقام قامته فحسر عن ذراعيه، ثم قال: يا بن الزبير:
قد أنصف القارة من راماها * إنا إذا مافئة نلقاها
يرد أولاها على أخراها * حتى تصير حرضا دعواها
يا بن الزبير، أما العمى فان الله تعالى يقول: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في
الصدور) (1)، وأما فتياى في القملة والنملة; فان فيها حكمين، لا تعلمها أنت ولا أصحابك.
وأما حمل المال فإنه كان مالا جبيناه فأعطينا كل ذي حق حقه، وبقيت بقية وهي دون حقنا في كتاب الله
فأخذناها بحقنا، وأما المتعة: فسل أمك أسماء إذا نزلت عن بردي عوسجة.
وأما قتالنا أم المؤمنين: فبنا سميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك; فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مده
الله عليها فهتكاه عنها، ثم أتخذاها فتنة يقاتلان دونها، وصانا حلائلهما في بيوتهما، فما أنصفا الله ولا
محمدا من أنفسهما أن أبرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما.
وأما قتالنا إياكم: فإنا لقيناكم زحفا، فان كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا، وان كنا مؤمنين فقد كفرتم
بقتالكم إيانا، وأيم الله لولا مكان صفية فيكم، ومكان خديجة فينا لما تركت لبني أسد بن عبد العزى
عظما إلا كسرته.

1. الحج: 46.
196

فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سألها عن بردي عوسجة؟ فقالت: ألم أنهك عن ابن عباس، وعن بني
هاشم! فإنهم كعم (1) الجواب إذا بدهوا، فقال: بلى وعصيتك، فقالت: يا بني احذر هذا الأعمى الذي
ما اطاقته الإنس والجن، واعلم أن عنده فضائح قريش ومخازيها بأسرها; فإياك وإياه آخر الدهر.
وهذه القضية تشهد على ابن الزبير بالكفر من وجوه عديدة لا تخفى، وليت شعري لم لم يوجد هذا
التكاذيب والتخاصم سقوط أخبارهما عن درجة الحجية والاعتبار عند العامة، وأوجب مجرد رد
هشام بن الحكم على هشام بن سالم مع عدم العلم بحقيقة سقوط أخبارهما جميعا عن الاعتبار
والحجية، كما ذكره المتعصب الكابلي.
وفيها أيضا شهادة على ان ابن عباس الملقب بترجمان القرآن عند القوم، والذي عقد البخاري بابا في
مناقبه وروى في حقه: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا له بان يعلمه الله الحكمة، يرى حلية المتعة.
وأما اقدام ابن الزبير على سب أمير المؤمنين - عليه السلام - فيعلم تفصيله من الرجوع إلى تاريخ روضة
الأحباب وهو من التواريخ المعتبرة للقوم.
عبد الله بن الزبير وخدعته لعائشة
وأما ما وقع منه في وقعة الجمل: فقد ذكر السمعاني في الانساب في نسبة الحوأبي وورد في حديث
عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عباس ان

1. كعم البعير: شد فاه لئلا يعض أو يأكل; والكعام: ما يجعل على فمه، والجمع: كعم، والمعنى أنهم ذوو أجوبة مسكتة
مخرسة، تلجم أفواه مناظريهم.
197

النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لنسائه: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأديب، وقيل الأحمر، تنحبها
كلاب الحوأب.
وروى إسماعيل بن أبي خالد، كذلك عن قيس بن أبي حازم، عن عائشة أنها مرت بماء فنبحتها كلاب
الحوأب فسألت عن الماء؟ فقالوا: هذه ماء الحوأب.
والقصة في ذلك أن طلحة والزبير بعد قتل عثمان وبيعة علي خرجا إلى مكة وكانت عائشة حاجة تلك
السنة بسبب اجتماع الفساد والغيث من البلاد بالمدينة بقتل عثمان، فخرجت عائشة هاربة من الفتنة.
فلما لحقها طلحة والزبير حملاها إلى البصرة في طلب دم عثمان من علي، وكان معها ابن الزبير عبد الله
ابن أختها أسماء ذات النطاقين، فلما وصلت عائشة معهم إلى هذا الماء نبحت الكلاب عليها فسألت
عن الماء واسمه؟ فقيل: لها الحوأب، فتوقفت على الرجوع فدخل عليها ابن أختها ابن الزبير وقال:
ليس هذا ماء الحوأب حتى قيل انه حلف على ذلك وكفر عن يمينه، والله أعلم، وتممت عائشة إلى
البصرة وكانت وقعة الجمل المعروفة (1).
وقال قاضي القضاة ابن الشحنة الحلبي في كتاب روض المناظر:
في سنة ست وثلاثين: أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى البلاد عماله فبعث عمار بن
شهاب إلى الكوفة، وكان من المهاجرين وولي عثمان بن حنيف الأنصاري البصرة، وعبيد الله بن
عباس اليمن، وقيس بن سعد الأنصاري مصر، وسهل بن حنيف الأنصاري الشام، فرجع من الطريق
لما سمع بعصيان

1. الأنساب 2: 286.
198

معاوية وكذلك عمارة لقيه طلحة بن خويلد الذي ادعى النبوة في خلافة أبي بكر فقال: ان أهل الكوفة
لا يستدلون بأبي موسى الأشعري، فرجع ولما وصل عبد الله إلى اليمن خرج الذي كان بها من قتل
عثمان وهو يعلى بن منبه بما بها من الأموال إلى مكة وصار مع عائشة وطلحة والزبير وجمعوا جمعا
عظيما وقصدوا البصرة، ولم يوافقهم عبد الله بن عمر.
وأعطى يعلى بن منبه لعائشة جملا كان اشتراه بمائة دينار اسمه عسكر، وقيل بثمانين وركبته ومروا
بمكان اسمه الحوأب فنبحتهم كلابه فقالت عائشة: أي ماء هذا؟
فقيل لها: هذا ماء الحوأب فصرخت وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله
وسلم - يقول وعنده نساؤه: ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب؟ ثم ضرب عضد بعيرها فاناخته،
وقالت: دونني فأقاموا يوما وليلة فقال لها عبد الله بن الزبير: انه كذب ليس هذا ماء الحوأب.
ولم يزل بها وهي تمتنع، فقال: النجا النجا فقد أدرككم علي، فارتحلوا فوصلوا البصرة (1).
وقال ابن قتيبة في «الإمامة والسياسة»: فلما انتهوا إلى ماء الحوأب في بعض الطريق ومعهم عائشة
تنبحها كلاب الحوأب، فقالت لمحمد بن طلحة: أي ماء هذا؟
قال: ماء الحوأب.
قالت: ما أراني إلا راجعة.

1. روض المناظر: 113.
199

قال: لم؟ قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول لنسائه: كأني باحديكن قد نبحها كلاب
الحوأب، وإياك أن تكون هي أنت يا حميراء!
فقال لها محمد بن طلحة: تقدمي رحمك الله، ودعي هذا القول.
فأتى عبد الله بن الزبير فحلف لها بالله لقد خلفته في أول الليل، وأتاها ببينة زور من الاعراب فشهدوا
بذلك.
وقال جمال الدين المحدث في «روضة الأخبار» نحو ما ذكروا: إنه لما امتنعت من الذهاب جاء ابن
الزبير بخمسين شاهد شهدوا أنه ليس بماء الحوأب.
وقالوا: هي أول شهادة زور أقيمت في الاسلام.
وأن عائشة ما قنعت بتلك الشهادة وكانت تجزع وتضطرب حتى صاح عبد الله بن الزبير من أخريات
الناس أدركنا علي.
فخافت عائشة وطلبت دليلا فقال لها طلحة: ان الدليل قد فر لغلطه وخطائه في تلك التسمية،
وبالجملة هذه القضية متواترة مذكورة في كتب الخاصة والعامة.
وفي التذكرة لسبط ابن الجوزي: نقلا عن ابن جرير أن طلحة والزبير قالا لها: ما هذا الحوأب;
وأحضرا خمسين رجلا فشهدوا بذلك وحلفوا، وأن الشعبي قال: هي أول شهادة زور أقيمت في
الاسلام (1).

1. تذكرة الخواص: 66، ولا يخفى أن أول شهادة زور أقيمت في الإسلام كما شهدت عليها بعض الروايات هي الشهادة
على عدم توريث الأنبياء عند مطالبة فاطمة نحلتها من فدك وغيرها من أبي بكر.
فإنه جمع أصحابه وشهدوا على قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث».
200

أقول: لا منافاة فان المقتضى الجمع بينها، ان الثلاثة اشتركوا في هذا الفعل القبيح، والصنيع الشنيع،
وإقامة شهود الزور.
وذكر أيضا حكاية طويلة محصلها أنه طلب أمير المؤمنين صلوات الله عليه الزبير ووعظه وزجره
وذكره قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال للزبير لتقابلن عليا وأنت ظالم له.
فقال الزبير: لو ذكرت هذا ما خرجت من المدينة ووالله لا أقاتلك.
وفي رواية: فما الذي أصنع وقد التقيا حلقتا البطان ورجوعي على عار، فقال علي - عليه السلام - له: ارجع
بالعار ولا تجمع بين العار والنار فأنشد الزبير في ذلك الاشعار، وعاد إلى عائشة وقال لها: ما كنت في
موطن منذ عقلت عقلي الا وأنا أعرف أمري الا هذا.
قالت له: فما تريد أن تصنع؟ قال: أذهب وادعهم، فقال له عبد الله ولده: جمعت هذين الفريقين حتى
إذا حد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب؟
أحسست برايات ابن أبي طالب فرأيت الموت الأحمر منها ومن تحتها، تحملها فئة انجاد سيوفهم
حداد؟!
فغضب الزبير وقال: ويحك قد حلفت أن لا أقاتله.
فقال: كفر عن يمينك، فدعا غلاما له يقال له مكحول فاعتقه.
وفي رواية أن الزبير لما قال له ابنه ذلك غضب وقال له: ابنه والله لقد فضحتنا فضيحة لا نغسل منها
رؤسنا أبدا، فحمل الزبير حملة منكرة.
201

باختصار فلينظر العاقل إلى هذا الشقي المنهمك في الضلالة كيف كان يغري عائشة وأباه إلى مقاتلة
نفس رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ووصيه وابن عمه ومن كان معصيته معصيته وطاعته طاعته،
وكيف كان بعد ترك مقاتلته فضيحة باقية في أعقابهم.
وفي الروايات المعتبرة أنه افتخر عند معاوية بأنه وقف في الصف بإزاء علي بن أبي طالب.
فقال له معاوية: لا جرم قتلك وأباك بيده اليسرى وبقيت اليمنى فارغة.
ومن نتائج بغضه انه كان يحب خروج سيد الشهداء صلوات الله عليه من مكة إلى العراق وكان عليه
السلام - أثقل خلق الله عليه لما علم أن أهل الحجاز لايبايعونه ما دام هو - عليه السلام - بالبلد وقد ينافق
فيظهر كراهته لخروجه.
وقال صلوات الله عليه: ان ابن الزبير ليس شيء من الدنيا أحب اليه من أن أخرج من الحجاز، وقد علم
أن الناس ما يعدلونه بي فود اني خرجت حتى يخلو له.
وقال ابن عباس له - عليه السلام - وقد رآه عارفا جازما على الخروج لقد أقررت عين ابن الزبير بالخروج
من الحجاز، وهو اليوم لا ينظر إليه أحد معك ومر ابن عباس بابن الزبير فقال: قرت عينك يا بن الزبير،
ثم قال:
يالك من قبرة بمعمر * خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت ان تنقري * هذا حسين سائر فأبشري
هذا حسين يخرج إلى العراق ويخليك والحجاز، ذكر هذا كله جماعة، منهم علامتهم المحدث عمر
بن فهد المكي في «اتحاف الورى» في
202

ضمن حكاية طويلة ومجدد دينهم في المأة التاسعة السيوطي: في «تاريخ الخلفاء» وغيرهما في
غيرهما.
ولعمري لو لم يكن لابن الزبير الا فرحته وسروره بمفارقة مثل أبي عبد الله - عليه السلام - وخروجه من
الحجاز لكفاه خزيا وخسارة وشقارا وضلالة، ولو كان له أدنى حظ من الايمان وأقل قسط من الايقان
لما صار قرير العين بمسير الحسين صلوات الله وسلامه عليه بل بكى وذاب ألما، وصار قلبه لذلك
مجروحا وعينه مقروحا وأطال الحزن والكآبة، ويعنى بالشجن والسامة وهل يسر بالفراق الا الشامت
الكاشح والمبغض الغير الناصح.
عبدلله بن الزبير ومحاصرته لبني هاشم
ومن شنائع أطواره وقبائح أفعاله ما صدر منه بالنسبة إلى سيدنا محمد بن الحنفية وابن عباس من
التشديد عليهما وايذائهما وحصرهما في الشعب واحضار الحطب لاحراقهما لامتناعهما من مبايعته
مع عدم صلاحيته للخلافة بنص علماء القوم.
قال في الاستيعاب: قال علي بن زيد الجدعاني: كان عبد الله بن الزبير كثير الصلاة شديد البأس كريم
الجدات، والامهات، والخالات الا انه كان فيه خلال لا تصلح للخلافة، لأنه كان بخيلا ضيق العطن
سيء الخلق، حسودا، كثير الخلاف أخرج محمد بن الحنفية، ونفى عبد الله بن عباس إلى الطائف (1).
وبعد ملاحظة ما تقدم من تصريحهم بأن من رضي بامام باطل فإنه يكفر

1. الاستيعاب 3: 906 رقم 1535.
203

يتضح غاية الوضوح كفر نفس الامام الباطل الذي لا يصلح للإمامة.
وفي تاريخ ابن خلكان في ترجمة سيدنا ابن الحنفية: ولما دعى ابن الزبير إلى نفسه وتابعه أهل
الحجاز بالخلافة دعى عبد الله ابن عباس ومحمد بن الحنفية رضي الله عنهما إلى البيعة فأبيا ذلك،
وقالا له: لا نبايعك حتى يجتمع لك البلاد ويتفق الناس فأساء جوابهم وحصرهم وآذاهم وقال لهما
والله لئن لم تبايعا أحرقتكما بالنار.
وذكر ابن حجر في فتح الباري في كتاب التفسير: كان ابن عباس وابن الحنفية بالمدينة ثم سكنا مكة
فطلب منهما ابن الزبير البيعة فابيا حتى يجتمع الناس على رجل فضيق عليهما فبعثا رسولا إلى العراق
فخرج اليهما جيش في أربعة آلاف، فوجدوهما محصورين وقد احضر الحطب على الباب يخوفهما
بذلك فاخرجوهما إلى الطائف.
وقال عمر بن فهد المكي في «اتحاف الورى» في وقائع سنة ست وستين: فيها دعى عبد الله بن الزبير
محمد بن الحنفية ومن معه من أهل بيته وسبعة عشر رجلا من وجوه أهل الكوفة منهم أبو الطفيل
عامر بن واثلة الصحابي ليبايعوه فامتنعوا وقالوا: لا نبايع حتى تجتمع الأمة فأكثر ابن الزبير الوقيعة في
ابن الحنفية، وذمه فاغلظ له عبد الله بن هاني الكندي وقال: لئن لم يضرك الا تركنا بيعتك لا يضرك
شيء، وان صاحبنا يقول لو بايعني الأمة كلها غير سعد مولى معاوية ما قتلته وانما عرض بذكر سعد
لأن ابن الزبير أرسل إليه فقتله فسب عبد الله، وسب أصحابه، وأخرجهم من عنده، فأخبروا ابن الحنفية
بما كان منهم ولم يلح عليهم ابن الزبير.
204

فلما استولى المختار على الكوفة، وصارت الشيعة تدعوا لابن الحنفية، خاف ابن الزبير ان يتداعي
الناس إلى الرماية فحينئذ ألح على ابن الحنفية وعلى أصحابه في البيعة له، فجلسهم بزمزم وتوعدهم
بالقتل والاحراق، وأعطى إليه عهدا ان لم يبايعوه ينفذ فيهم ما توعدهم به وضرب لهم على ذلك أجلا،
فأشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث إلى المختار والى من بالكوفة رسولا يعلمهم حالهم
وحال من معهم وما كان توعدهم به ابن الزبير.
فوجد ثلاثة نفر من أهل الكوفة حين نام الحرس على باب زمزم، وكتب معهم إلى المختار وإلى أهل
الكوفة يعلمهم حاله وحال من معه وما توعدهم به ابن الزبير من القتل والتحريق بالنار ويطلب منهم
النصرة، ويسألهم ان لا يخذلوه كما خذلوا الحسين - عليه السلام - وأهل بيته.
فقدموا على المختار فدفعوا اليه الكتاب فنادى في الناس فقرأ عليهم الكتاب إلى أن قال: فوجه
المختار أبا عبد الله الجدلي في سبعين راكبا من أهل القوة، ووجه ظبيان بن عمارة أخا بني تميم، ومعه
أربعمأئة، وبعث معه لابن الحنفية أربعمائة درهم وسير أبا معتمر في مأة وهاني بن قيس في مأة
وعمير ابن طارق في أربعين ويونس ابن عمران في أربعين وكتب إلى محمد بن علي مع الطفيل بن
عامر ومحمد بن قيس بتوجيه الجند اليه وخرج الناس أثرهم في أثر بعض.
وجاء أبو عبد الله الجدلي، حتى نزل ذات عرق في سبعين راكبا فأقام بها حتى أتاه عمير ويونس في
ثمانين راكبا فبلغوا مأة وخمسين رجلا، فسار بهم حتى دخلوا المسجد الحرام، ومعهم الكافر
كوبات، (1) وهم ينادون يا لثارات

1. هذه كلمة مركبة من كافر وكوبات وهي آلة الحرب نضرب بها الكفار، والكوبات فارسية.
205

الحسين - عليه السلام - حتى انتهوا إلى زمزم وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم، وكان قد بقي من الأجل
يومان فطردوا الحرس، وكسروا أعواد زمزم ودخلوا على ابن الحنفية، فقالوا: خل بيننا وبين عدو الله
ابن الزبير.
فقال لهم: اني لا استحل القتال في حرم الله، فقال ابن الزبير واعجبا لهذه الخشبية ينعون حسينا، ثم
كأني قتلته، والله لو قدرت على قتلته لقتلتهم، وانما قيل لهم خشبية لأنهم وصلوا إلى مكة وبأيديهم
الخشب كراهة اشهار السيوف في الحرم وقيل لأنهم أخذوا الحطب الذي أعده ابن الزبير وقال ابن
الزبير: أيحسبون أني أخلى سبيلهم دون أن أبايع ويبايعون؟!
فقال أبو عبد الله الجدلي: أي ورب الكعبة والمقام ورب الحل والحرام لتخل سبيلهم أو لنجادلنك
بأسيافنا جدالا يرتاب فيه المبطلون.
فقال ابن الزبير: هل أنتم والله الا أكلة رأس لو أذنت لأصحابي ما مضت ساعة حتى تعطف رؤسهم.
فقال له قيس بن مالك: أما والله اني لأرجو إذا رمت ذلك ان يرسل إليك قبل أن ترى ما تحب.
فكف ابن الحنفية أصحابه وحذرهم الفتنة، ثم قدم أبو المعتمر في مائة وهاني بن قيس في مائة
وظبيان ابن عمارة في مائتين، ومعه المال حتى دخلوا المسجد الحرام فكبروا وقالوا: «يا لثارات
الحسين - عليه السلام -» رآهم ابن الزبير وخافهم.
فخرج محمد بن الحنفية ومن معه إلى شعب علي وهم يسبون ابن الزبير ويستأذنون ابن الحنفية فيه،
فيأبى عليهم واجتمع مع محمد في الشعب أربعة
206

آلاف رجل، فقسم بينهم ذلك المال ثم ذكر مما يتعلق بهذه القصة أشياء كثيرة لم ننقلها اختصارا (1).
قال ابن أبي الحديد: قال المسعودي: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في
الشعب، وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول انما أراد بذلك أن ألا تنتشر الكلمة، ولا يختلف المسلمون،
وأن يدخلوا في الطاعة، فتكون الكلمة واحدة، كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن
بيعة أبي بكر، فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار. (2)
ولا ينبغي أن يفعل عما يفهم من هذا الاعتذار فإنه يدل على ان احضار عمر الحطب لاحراق بيت سيدة
النساء وأمير المؤمنين صلوات الله عليهم كان أمرا مسلما مفروغا عنه عند قدمائهم فلا يجدي انكار
متأخريهم طائلا.
ويدل على أن جسارة ذلك الشقي على أهل البيت أوجبت هذه الأمور وأثمرت هذه العظائم، وأنه لو لم
يجرأ أولا ذاك الملعون على ما فعل لما جرى على أهل البيت ما جرى.
اللهم العن أول من أسس أساس الظلم والجور عليهم، وآخر تابع له على ذلك.
ومما عيب على ابن الزبير أنه قال: لتنتهن عائشة عن بيع رباعها أو لأحجرن عليها، وكانت لا تمسك
شيئا مما يأتي في يدها بل تتصدق به. فنذرت عائشة ان لا يكلمه.

1. فتح الباري 8: 262.
2. مروج الذهب 3: 85، شرح ابن أبي الحديد 20: 147.
207

قال السيد السمهودي في «جواهر العقدين»: فان في قوله ذلك جرأة عليها وتنقيصا لقدرها بنسبتها
إلى ارتكاب التبذير الموجب لمنعها من التصرف مع كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه ولم يكن
أحد عندها في منزلته، فرأت ذلك منه نوع عقوق فجعلت مجازاته ترك مكالمته.
وقال ابن حزم في المحلى في «كتاب الحجر»: وأما الرواية عن ابن الزبير فطامة الأبد لا وما ندري كيف
استحل مسلم أن يحتج بخطيئة ووهلة وزلة كانت من ابن الزبير، والله تعالى يغفر له إذ أراد مثله في
كونه من أصاغر الصحابة أن يحجر على مثل أم المؤمنين التي أثنى الله عليها أعظم الثناء في بعض
القرآن، وهو لا يكاد ليجزي منها في الفضل عند الله تعالى ثم قال: ومعاذ الله من هذا ومن أن تكون أم
المؤمنين توصف بسفه وتستحق ان يحجر عليها نعوذ بالله من هذا القول. (1)
وأصل الرواية على ما ذكرها البخاري في كتاب البر والصلة: أن عائشة حدثت أن عبد الله بن الزبير قال:
في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهين عائشة أو لاحجرن عليها، قالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم
قالت،: هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة فقالت: لا
والله لا أشفع فيه أحدا ولا أتحنث إلى نذري فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن المخرمة
وعبد الرحمن بن الأسود ابن عبد يغوث وهما من بني زهرة وقال أنشدكما بالله لما أدخلتماني على
عائشة فإنها لا تحل لها أن تنذر قطيعتي فاقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بارديتهما حتى
استأذنا على

1. المحلى 8: 292 و 293 كتاب الحجر.
208

عائشة فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل؟ فقالت عائشة: أدخلوا، قالوا كلنا؟ قالت: نعم
أدخلوا كلكم ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعشق عائشة وطفق
يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا ما كلمت وقبلت منه، ويقولان ان النبي -
صلى الله عليه وآله وسلم - قد نهى عما عملت من الهجرة وانه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال،
فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتجريح، طفقت تذكرهما وتبكي وتقول اني نذرت والنذر
شديد فلم يزالا حتى كلمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد
ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها (1).
ولابن الزبير شنائع كثيرة غير ما قدمنا وفيما ذكرناه كفاية.
عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري
وهو وان بالغ القوم في ثنائه ومدحه وتوثيقه والاطراء عليه، لكن يعلم بأدنى تتبع أنه أيضا من
المنافقين (2)، الأشرار والملعونين بلسان - صلى الله عليه وآله وسلم - ووصيه

1. صحيح البخاري كتاب الأدب باب الهجرة رقم 6073، 6074، 6075، كتاب المناقب باب مناقب قريش رقم 3505.
2. روى الذهبي بسنده، عن الأعمش، عن شقيق، قال: كنا مع حذيفة جلوسا، فدخل عبد الله وأبو موسى المسجد
فقال: أحدهما منافق، ثم قال: إن أشبه الناس هديا ودلا وسمتا برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عبد الله. سير أعلام
النبلاء 2: 393 و 394، المعرفة والتاريخ 2: 771 تاريخ مدينة دمشق 32: 93.
وروى أيضا: عن الشعبي قال: كتب عمر في وصيته: ألا يقر لي عامل أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين.
وأيضا: الزهري، عن أبي سلمة: كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى، ربما قال له، ذكرنا يا أبا موسى فيقرأ. سير أعلام
النبلاء 2: 391.
209

سيد الأبرار، ومن المبغوضين، المنحرفين عن أهل البيت الأطهار صلى الله عليه وعليهم، ما تعاقبت
الادوار، ونص رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ضلالته واضلاله، ذكر محدثهم النحرير ابن عساكر الذي
اثنى عليه ابن خلكان، واليافعي في تاريخه عن أبي يحيى حكيم، قال: كنت جالسا مع عمار فجاءه أبو
موسى فقال: ما لي ولك ألست أخاك؟ قال: ما أدري ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
يلعنك ليلة الجمل قاله: انه قد استغفر لي قال عمار: قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار (1).
وهذا الحديث وان حكم ابن عدي وابن الجوزي بوضعه ونسبا الوضع إلى بعض رواته لكن رد عليهم
علامتهم المحض السيوطي في اللآلي المصنوعة قال:
قال ابن عدي: حدثنا أحمد بن الحسين الصوفي، ثنا محمد بن علي بن خلف العطار، ثنا حسين
الأشقر، عن قيس بن الربيع عن، عمران بن ظبيان، عن حكيم بن يحيى قال: كنت جالسا مع
عمار... الخ، قال: قال ابن عدي: والبلاء من العطار لا من حسين، قلت: العطار وثقه الخطيب في
تاريخه (2).
وفي لسان الميزان قال الخطيب: قال محمد بن منصور: كان - يعني العطار - ثقة، مأمونا حسن
العقل (3).
ثم لا يخفى ان كثيرا من علماء العامة صرحوا، بان لعن الكافر أيضا غير

1. تاريخ مدينة دمشق 32: 93.
2. اللآلي المصنوعة 1: 391.
3. تاريخ بغداد 3: 57، لسان الميزان 5: 328 رقم 988 / 7773.
210

جائز، حتى يثبت موته على الكفر، فيتضح حينئذ حال أبي موسى غاية الوضوح، وذكر ابن أبي
الحديد في مواضع من شرحه أن أمير المؤمنين - عليه السلام - يلعن أبا موسى في قنوت صلاته وفي كنز
العمال، وهو من الكتب التي عليها غاية اعتمادهم واستنادهم:
عن عبد الرحمن ابن معقل قال: صليت مع علي صلاة الغداة فقنت فقال: في قنوته اللهم عليك
بمعاوية وأشياعه وعمرو بن العاص وأشياعه وعبد الله بن قيس وأشياعه. (1)
وروى جماعة منهم البيهقي عن علي - عليه السلام - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ان بني
إسرائيل اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا، وأن هذه الأمة مختلفة فلا
يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وضل من اتبعهما.
وقال سبط ابن الجوزي: قال الشعبي: لما فصل الحكمان من دومة الجندل عزم علي كرم الله وجهه
ورضي الله تعالى عنه على قتالهم، فقام خطيبا وقال: أيها الناس قد كنت أمرتكم بأمر في هذه الحكومة
فخالفتموني وعصيتموني، ولعمري ان المعصية تورث الندم، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن:
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد
ألا ان هذين الحكمين، قد نبذا كتاب الله وراء ظهورهما، فأماتا ما أحيى القرآن، وأحييا ما أمات
القرآن، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله،

1. كنز العمال 8: 82 رقم: 21989.
211

فحكما بغير بينة ولا سنة ماضية، وكلاهما لم يرشدا فبرئا من الله ورسوله وصالح المؤمنين، فاستعدوا
الجهاد (1).
وذكر هذه الخطبة أيضا ابن الصباغ من علماء القوم في «الفصول المهمة» وقال محدثهم الحاوي
للمحاسن والمفاخر ابن عبد البر في «الاستيعاب»، في ترجمة أبي موسى الأشعري في الكنى:
ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة عثمان، ثم لما دفع أهل الكوفة حتى قتل عثمان ثم كان منه
بصفين.
وفي التحكيم ما كان، وكان منحرفا عن علي لأنه عزله ولم يستعمله، وغلبه أهل اليمن في إرساله
التحكيم.
وقال في باب الأسماء في ترجمة عبد الله بن قيس: وولاه عمر على البصرة في حين عزل المغيرة
عنها، فلم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان، فعزله عثمان عنها وولاه عبد الله بن عامر بن كريز،
فنزل أبو موسى حينئذ الكوفة وسكنها، فلما رفع أهل الكوفة سعيد بن العاص، ولوا أبا موسى وكتبوا
إلى عثمان يسألونه أن يوليه فأقره عثمان على الكوفة، إلى أن مات.
وعزله علي عنها، فلم يزل واجدا على علي - عليه السلام -، حتى جاء منه ما قال حذيفة، فقد روى فيه
الحذيفة كلام كرهت ذكره، والله يغفر له ثم كان من أمره يوم الحكمين ما كان (2).
والذي طوى ذكره من كلام حذيفة، فقد ذكره غيره، وهو أنه وصف

1. تذكرة الخواص: 103.
2. الاستيعاب 3: 979.
212

بعض الناس عند حذيفة أبا موسى بالدين، فقال حذيفة: أما أنتم فتقولون ذلك، وأما أنا فاشهد أنه
عدو لله ولرسوله، وحرب لهما في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، ويوم لا ينفع الظالمين
معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
وهذا الكلام وان أخفاه وستره وتأنف عن ذكره صاحب الاستيعاب، الا أنه يكفي في المقام ما صرح به
من انحراف أبي موسى عن علي - عليه السلام -، وحديث ما كنا نعرف المنافقين الا ببغضهم علي بن أبي
طالب، في غاية الاشتهار، وقد أورده في ترجمته - عليه السلام -.
وذكر ابن حجر في فتح الباري، في شرح ما رواه البخاري من أن عليا بعث عمارا والحسن إلى الكوفة
ليستنفروا ويستنهضا الناس.
وان أبا موسى أخذ في تخذيل الناس عن النهوض ناقلا عن عمر ابن شبه، والطبراني، بسندهما إلى
ابن أبي ليلى، وذكر عبد الله ابن مسلم ابن قتيبة الدينوري في كتاب الإمامة والسياسة ما لفظه:
وذكروا أن عليا لما نزل قريبا من الكوفة بعث عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر إلى أبي موسى
الأشعري، وكان أبو موسى عاملا لعثمان على الكوفة فبعثهما علي إليه وإلى أهل الكوفة يستنصرهم.
فلما قدما عليه قام عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر، فدعوا الناس إلى نصرة علي - عليه السلام - فلما
أمسوا دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى، فقالوا: ترى الخروج مع هذين الرجلين إلى
صاحبهما أم لا؟
قال أبو موسى: أما سبيل الآخرة ففي ان تلزموا بيوتكم; وأما سبيل
213

الدنيا وسبيل النار فالخروج مع من أتاكم فأطاعوه; فتباطأ الناس على علي - عليه السلام -، وبلغ عمارا
ومحمدا ما أشار به أبو موسى على أولئك فأتياه فأغلظا له في القول.
فقال أبو موسى: والله ان تبعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما; ولئن أرادنا للقتال ما لنا إلى قتال أحد
من سبيل حتى نفرغ من قتلة عثمان، ثم خرج أبو موسى وصعد المنبر ثم قال: أيها الناس ان أصحاب
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله وبرسوله ممن لم يصحبه، وان
لكم حقا علي أؤديه إليكم، ان هذه الفتنة، النائم فيها خير من اليقظان، والقائم فيها خير من الساعي
والساعي خير من الراكب، فاغمدوا سيوفكم حتى تخلى هذه الفتنة.
أبو موسى كان مخالفا لعلي بن أبي طالب
وروى الحاكم في المستدرك عن الشعبي قال: لما قتل عثمان وبويع لعلي رضي الله عنه، خطب أبو
موسى وهو على الكوفة: فنهى الناس عن القتال والدخول في الفتنة.
فعزله علي عن الكوفة من ذي قار وبعث إليه عمار بن ياسر والحسن بن علي فعزلاه (1).
وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة: قال سيف بن عمر: لما خرج علي من المدينة، وذلك في آخر شهر
ربيع الاخر سنة ست وثلاثين، كتب إلى أهل الكوفة يستنفرهم وكان أبو موسى الأشعري واليا عليها.
فجاء الناس يستشيرونه في الخروج فقال أبو موسى: ان أردتم الدنيا فأخرجوا وان أردتم الآخرة
فأقيموا.

1. المستدرك على الصحيحين: باب، معرفة الصحابة 3: 126 رقم 200.
214

وبلغ عليا قوله فكتب إليه: اعتزل عن عملنا مذموما مدحورا يا بن الحائك فهذا أول يومنا منك.
قال: وذكر المسعودي في مروج الذهب أن عليا كتب إلى أبي موسى انعزل عن هذا الأمر مذموما
مدحورا فان لم تفعل فقد أمرت من يقطعك اربا اربا يا بن الحائك ما هذا أول هناتك وان لك لهنات
وهنات، ثم بعث علي الحسن وعمارا إلى الكوفة فالتقاهما أبو موسى، فقال له الحسن لم ثبطت القوم
عنا فوالله ما أردنا الا الاصلاح.
فقال: صدقت ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ستكون فتنة يكون القاعد فيها
خيرا من القائم والماشي خيرا من الراكب فغضب عمار وسبه.
وروى البخاري في صحيحه بسنده إلى أبي وائل قال: دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار حيث
بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم، فقالا: ما رأيناك أتيت أمرا أكره عندنا من اسراعك في هذا الأمر
منذ أسلمت.
فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرا أكره عندي من ابطائكما عن هذا الأمر، وكساهما حلة،
حلة، ثم راحوا إلى المسجد (1). وروى أيضا بسند آخر عن شقيق ابن سلمة قال: كنت جالسا مع أبي
مسعود وأبي موسى وعمار، فقال أبو مسعود: ما من أصحابك أحد الا لو شئت لقلت فيه غيرك، وما
رأيت منك شيئا منذ صحبت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر،
فقال عمار: يا أبا مسعود! وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئا منذ صحبتما النبي - صلى الله عليه وآله
وسلم - أعيب عندي من أبطائكم في هذا الأمر، فقال أبو مسعود: وكان

1. صحيح البخاري كتاب الفتن باب 18، رقم 7102 و 7103 و 7104 و 7105 و 7106 و 7107.
215

مؤسرا يا غلام هات حلتين، فاعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمارا، وقال روحا فيه إلى
الجمعة (1).
وبالجملة فقد تواتر عن أبي موسى انحرافه عن أمير المؤمنين وبغضه له وتخذيل الناس عنه، والحكم
بان القتال معه دخول في الفتنة المنهية، وذم أمير المؤمنين - عليه السلام - له وبغض ما ذكر كاف في الدلالة
على شقاوته وضلالته عن النهج القويم وانحرافه عن الصراط المستقيم سيما إذا لوحظت الأخبار
الواردة من طرقهم في فضائله - عليه السلام -، وأنه مع الحق والحق معه، وان مواليه موالي الله، ومبغضه
مبغض لله ورسوله، وما ورد في خصوص محارباته من الأحاديث النبوية.
ومن طريف الأمر ان أبا موسى كان يعلم ذلك كله ويشهد به ووقع منه ما وقع، فقد روى ابن مردويه
على ما في مفتاح النجاة عن أبي موسى أنه قال: أشهد أن الحق مع علي، ولكن مالت الدنيا باهلها ولقد
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول له: «يا علي أنت مع الحق والحق بعدي معك».
وروى الحاكم في المستدرك عن عتاب بن ثعلبة، قال حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن
الخطاب قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - علي بن أبي طالب - عليه السلام - بقتال الناكثين،
والقاسطين، والمارقين، بالطرافات والنهروانات وبالسعفات قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
مع من نقاتل من هؤلاء الأقوام؟ قال: مع علي بن أبي طالب (2).

1. نفس المصدر السابق.
2. المستدرك 3: 150 رقم 4674.
216

وفي كنز العمال عن ابن مسعود، قال خرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فاتى منزل أم سلمة فجاء
علي - عليه السلام - فقال رسول الله: - صلى الله عليه وآله وسلم - يا أم سلمة هذا والله قاتل القاسطين، والناكثين،
والمارقين، من بعدي (1).
وروى أيضا، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: أمرني رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - بقتال عساكر الناكثين، والمارقين، والقاسطين.
ثم ان حديث خاصف النعل من الأحاديث المستفيضة التي أوردها جماعة لا تحصى في كتبهم،
كالحاكم في المستدرك، والنسائي في الخصائص وابن أبي شيبة في المصنف، وأحمد بن حنبل في
المسند، وأبو يعلى في مسنده وابن حبان في صحيحه، وأبو نعيم في الحلية، والضياء المقدسي في
المختارة والذهبي في المعجم المختصر، والمحب الطبري في الرياض النضرة، وذخائر العقبى وابن
مندة في كتاب الصحابة، وابن الأثير في أسد الغابة، والسيوطي في جمع الجوامع، وعلي المتقي في
كنز العمال، وغيرهم في غيرها، ولنكتف بعبارة بعضهم:
روى الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فانقطعت نعله
فتخلف علي يصلحها فمشى قليلا ثم قال: ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على
تنزيله فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر قال أبو بكر: أنا هو؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو؟
قال: لا، ولكن خاصف

1. شرح السنة 6: 168 رقم 2559، تاريخ بغداد 8: 340، تاريخ مدينة دمشق 42: 470، مطالب السؤول: 117.
217

النعل يعني عليا فاتياه فبشراه فلم يرفع رأسه كأنه قد سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، هذا
حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (1).
وفي كنز العمال ومسند أبي يعلى: كنا جلوسا في المسجد فخرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
فجلس الينا وكأن على رؤسنا الطير لا يتكلم منا أحد، فقال: ان منكم رجلا يقاتل على تأويل القرآن
كما قوتلتم على تنزيله فقام أبو بكر فقال: أنا هو يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قال: لا ولكنه
خاصف النعل في الحجرة، فخرج علينا علي - عليه السلام - ومعه نعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
يصلح منها، ش، حم، ع، حب، ك، حل، ض (2).
وبالجملة فالمطلب من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى اكثار الشواهد عليه.
وإذا لم يعتد أبو موسى بمدح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لحروبه وغزواته عليه السلام بل أمره به فياليته
اعتد واعتنى بما صدر عن شيخيه من التمني والشعف والغرام على أن يكون مصدرين لهذه الحروب.
ومن عجيب الامر أن رواية الفتنة التي قرئها على المنبر وخذل الناس بها عن النهوض انما وردت في
حقه، وقد صرف الكلام عن موضعه على ما يظهر من كنز العمال، حيث روى عن أبي مريم.
قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: يا أبا موسى أنشدك الله ألم تسمع

1. مسند أحمد 3: 31 و 33 و 82، المصنف 12: 64 رقم 12131، المستدرك 3: 122، مسند أبي يعلى 2: 341 رقم
1086، دلائل النبوة 6: 435، تاريخ بغداد 1: 217، شرح السنة 6: 167 رقم 2557.
2. ش، ابن أبي شيبة، حم، أحمد بن حنبل، ع، مسند أبي يعلى، حب، صحيح ابن حبان، ك، المستدرك للحاكم،
وحل، حلية الأولياء لأبي نعيم، و، الضياء المقدسي في المختارة.
218

رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»، وأنا سائلك عن
حديث فان صدقت والا بعثت عليك من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من يقررك به! أنشدك
الله أليس انما عناك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما أنت نفسك؟
فقال أنها ستكون فتنة بين أمتي أنت يا أبا موسى فيها، نائما خير منك قاعدا وقاعدا خير منك ماشيا،
فخصك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يعم الناس، فخرج أبو موسى ولم يرد فيها شيئا (1).
ومن أعظم الشواهد وأقوى الدلائل على ضلاله ونفاقه وعناده وشقاقه ما صدر منه في قضية التحكيم
حيث رأى عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي مر شطر من فضائحه وقبائحه أهلا للخلافة وخلع أمير
المؤمنين - عليه السلام - عن الإمامة وبلغ الغاية القصوى من الضلالة والجهالة والخباثة والعداوة
والشقاوة والخسارة والجسارة، وتفصيل القضية مذكور في كثير من كتبهم، منها كتاب سبط ابن
الجوزي والفصول المهمة وروضة الأحباب وشرح النهج وغيرها فراجع.
ومن طريف الامر أن عمرو بن العاص الداعي إلى النار شبه أبا موسى بالحمار الحامل للاسفار فاعقب
الحمار بذلك العار والشنار.
وقال عبد الله بن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة: ثم قام عمرو فقال: أيها الناس هذا أبو موسى شيخ
المسلمين وحكم أهل العراق، ومن لا يبيع الدين بالدينار، وقد خلع عليا وأثبت معاوية، فقال أبو
موسى: ما لك عليك لعنة الله ما أنت الا كمثل الكلب تلهث، قال عمرو: لكنك مثل الحمار يحمل
الاسفار واختلط الناس وهذه القضية بعينها مذكورة في الفصول المهمة وروضة

1. تاريخ مدينة دمشق 32: 92.
219

الأحباب وتذكرة سبط ابن الجوزي، ورسالة رفع الالتباس في ضرب المثل من القرآن، والإقتباس
للسيوطي فراجع.
ويظهر من هذه الترجمة شطر من فضائح عمرو بن العاص أيضا، وقد سبق في تضاعيف الكتاب
بعضها، ولذا أطوي عن التعرض له بترجمة مستقلة، وان كان ببالي سابقا.
وفي التذكرة لسبط ابن الجوزي أيضا، أنه كان علي إذا صلى الغداة، قنت ودعى ولعن معاوية،
وعمروا، وأبا الأعور السلمي، وحبيبا، وعبد الرحمن بن الخالد، والضحاك ابن قيس، والوليد بن
عقبة (1).
وفيها أيضا: أن عليا - عليه السلام - قال له يا ابن النابغة: متى لم تكن للفاسقين وليا وللمسلمين عدوا هل
تشبه الا أمك التي دفعت بك؟
فقام عمرو وقال: لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد اليوم، فقال علي: ان الله قد طهر مجلسي منك ومن
أشباهك (2).
وفيها أيضا: ان ابن عباس قال لأبي موسى: قبحك الله يا بن قيس، لقد حذرتك غدرة الفاسق الخبيث
فأبيت؟
فقال أبو موسى: ظننت انه ينصح الأمة، وما ظننت أنه يبيع الآخرة بالدنيا (3)، وقد ثبت ضلالته
واضلاله بنص النبوي المتقدم انفا حيث قال في وصف الحكمين أنهما ضلا وأضلا.

1. تذكرة الخواص: 102.
2. المصدر السابق: 97.
2. المصدر السابق: 102.
220

وروى امامهم الحافظ الثقة أبو يعلى الموصلي في الذي يعرف شطر من محامده ومحاسنه من
الرجوع إلى كتاب الثقات لابن حبان، وتاريخ الحاكم، وأنساب السمعاني وتذكرة الذهبي، و «مفتاح
كنز الدراية» وغيرها في مسنده بسنده المتصل عن أبي برزة قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
فسمع صوت غناء فقال: انظروا ما هذا؟ فنظرت فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان، فجئت
فأخبرت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: اللهم أركسهم في الفتنة ركسا اللهم دعهما النار دعا (1).
وروى هذا الحديث امام مذهبهم أحمد بن حنبل أيضا في مسنده الذي ستسمع شطرا مما أثنوا عليه،
وقالوا في صحته والاعتماد عليه وأنه الأصل في معرفة الصحيح من السقيم.
ورواه أيضا امامهم العلامة بقية الحفاظ أبو القاسم الطبراني في معجم الكبير بسنده المتصل عن ابن
عباس قال: سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صوت الرجلين يتغنيان وهما يقولان:
ولا يزال حواري يلوح حطامه * ذوى الحرب عنه ان يجن فيقبرا
فسأل عنهما فقيل له معاوية وعمرو بن العاص، فقال: اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ودعهما إلى النار
دعا (2).
وقبائح عمرو بن العاص لا تخفى على من له أدنى تتبع في الكتب، ولا تفي هذه الرسالة باحصائها.

3. مسند أحمد 4: 421، سير أعلام النبلاء 3: 132.
2. مسند أحمد 4: 421، سير أعلام النبلاء 3: 132.
221

والعجب ان القوم رووا عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه صلى عليه، ففي الرياض النضرة لمحب
الدين الطبري: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: اللهم صل على أبي بكر فإنه يحبك ويحب
رسولك، اللهم صل على عمر فإنه يحبك ويحب رسولك، اللهم صل على عثمان فإنه يحبك ويحب
رسولك، اللهم صل على أبي عبيدة ابن الجراح فإنه يحبك ويحب رسولك اللهم صل على عمرو بن
العاص فإنه يحبك ويحب رسولك أخرجه الخلعي (1).
فلينظر العاقل إلى هؤلاء الضالين المعاندين كيف لا يصلون على أمير المؤمنين وآله الطاهرين مع
اعترافهم بقضاء الأدلة على جوازها، ورجحانها، وكيف تركوا ذكر أمير المؤمنين - عليه السلام - في هذا
الرواية؟! وان لم يتركوه إلا تعصبا ونصبا، لكن نعم ما فعلوا، حيث لم يقرنوا اسمه الشريف بهذه
الأسامي الميشومة الملعونة، وكيف يروون في حق مثل هذا الشقي الملحد ان النبي صلى عليه؟
وشنع بعض متأخريهم غاية التشنيع، على ما رواه الكشي، وأورده القاضي في «مجالس المؤمنين»: من
أنه ذكر محمد بن أبي بكر عند الإمام الصادق صلوات الله عليه فقال - عليه السلام -: رحمه الله وصلى عليه.
ومن الطريف ان المخاطب الظريف لما سمع رواية الصلوات على محمد بن أبي بكر الذي كان ذا
سداد، ورشاد، وصاحب نسك وعبادة، واجتهاد، ولد في زمان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأثنى عليه
الوصي، وحزنت بجليل رزئه أم المؤمنين، ودعت على قاتله اللعين، حاد عنها وشغب عليها، فورم
أنفه وشخب وجهه والتاع قلبه

1. الرياض النضرة 1: 37، سير أعلام النبلاء 3: 65.
222

وتحارزت عيونه، وانتفخت أوداجه، ونظر شزار، واستشاط غيظا، وضاق ذرعا ولم يعلم أن أئمته
وشيوخه يردون الصلاة على من دعى عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
وذكر عماد الدين أبو الفداء إسماعيل في كتابه المسمى بالمختصر من أخبار البشر: انه لما بلغ عائشة
قتل أخيها محمد جزعت عليه وقنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية وعمرو بن العاص (1).
وروى الحاكم في المستدرك حديثا صحيحا يتضمن لعن عائشة على عمرو بن العاص!
فأخرج بسنده عن مسروق أنه ذكر عند عائشة أن عليا قتل ذا الثدية فقالت لي: إذا أنت قدمت الكوفة
فاكتب لي ناسا ممن شهد ذلك ممن تعرف من أهل البلد فلما قدمت وجدت الناس أشياعا.
فكتبت لها من كل شيع عشرة ممن شهد ذلك، قال: فأتيتها بشهادتهم، فقالت: لعن الله عمرو بن
العاص فإنه زعم لي انه قتله بمصر، قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (2).
وفي كثير من الكتب أنه يؤلب على عثمان ويفسد الأمر عليه، ذكر صاحب الاستيعاب في ترجمة
عبد الله بن أبي سرح انه لما ولاه اياه يعني مصرا عثمان وعزل عنها عمرو بن العاص يطعن على
عثمان ويؤلب عليه ويسعى في فساد أمره، فلما بلغه قتل عثمان وكان معتزلا بفلسطين قال: اني إذا
نكأت قرحة أدميتها أو نحو ذلك.

1. تاريخ أبي الفداء 1: 249.
2. المستدرك 4: 14 رقم 2342 - 6744.
223

وذكر ترجمة محمد بن أبي حذيفة، أنه كان محمد بن أبي حذيفة أشد الناس تأليبا على عثمان وكذلك
كان عمرو بن العاص منذ عزله عن مصر يعمل حيلته بالتاليب والطعن على عثمان.
وذكر في ترجمته أيضا نحو ذلك، وأورد نحوه السيوطي في «حسن المحاضرة» وابن ظهير في
«الفضائل الباهرة».
ومسألة خبث ولادته معروفة في كثير من الكتب، منها: «انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون»،
ومنها: كتاب «المستطرف»، ومنها: «تذكرة سبط ابن الجوزي» ومحصلها أن أمه كانت بغيا عند عبد الله
ابن صدعان فوطئها في طهر واحد أبو لهب وأمية بن سلف وأبو سفيان بن حرب والعاص بن الوائل
وادعي كلهم عمرو، فألحقته أمه بالعاص وقيل لها: لم اخترت العاص؟ فقالت: لأنه كان ينفق على
بناتي.
ويعجبني ما أورده عالمهم المحدث ابن الشحنة الجلبي في كتاب روض المناظر قال في سنة ستين
مات معاوية، وكان عمره خمسا وسبعين سنة، وكان يغلب حلمه على ظلمه، وكان داهية، يحسن
سياسة الملك.
دخلت عليه أروى بنت الحارث بن عبد المطلب فقال لها: مرحبا بك يا خالة كيف حالك؟
فقالت: بخير يا بن أختي لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك،
وأخذت غير حقك، وكنا أهل البيت أعظم الناس في هذا الدين بلاء، حتى قبض الله نبيه - صلى الله عليه وآله
وسلم - مشكورا سعيه، مرفوعا منزلته، فوثبت علينا بعده تميم وعدي وأمية، فابتزونا حقنا، وليتم
علينا، فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، وكان
224

علي بن أبي طالب بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى.
فقال لها عمرو بن العاص: كفي أيتها العجوز الضالة، واقصري عن قولك مع ذهاب عقلك، فقالت:
وأنت يا ابن النابغة (1)، تتكلم وأمك كانت أشهر بغي بمكة، وأرخصهن أجرة، فادعاك خمسة من
قريش، كل يقول هو لي، فسئلت أمك عن ذلك، فقالت: كلهم أتاني فانظروا أيهم أقرب شبها به وكان
أقربهم شبها بك العاص بن وائل فألحقوك به.
فقال لها معاوية عفى الله عما سلف، هاتي حاجتك، فقالت: أريد ألفي دينار اشتري بها فوارة في
أرض خوارة تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطلب، وألفي دينار أخرى أزوج بها فقراء بني
الحارث، وألفي دينار أخرى، أستعين بها على شدة الزمان، فأعطاه ستة آلاف دينار وانصرفت (2)،
وذكر هذه الحكاية أيضا بعينها أبو الفداء إسماعيل في المختصر (3).
وبالجملة فمطاعن هذا الشقي كثيرة لا يمكن استيفاؤها ويكفيه ما وقع منه في مقاتلته لنفس رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم -، ومن حربه حربه، وسلمه سلمه، وما تواتر منه من معاداته أولياء الله وموالاته
أعداء الله، وكونه من القاسطين ومن الفئة الباغية بنص النبوي المتواتر بين الفريقين في حق عمار
وغير ذلك.
ومما يقضي منه العجب أن جماعة من أساطينهم وأعيانهم رووا في حق هذا الملحد الكافر الملعون
أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مما تدل على صلاحه

1. الباغية.
2. روض المناظر: 120 - 121.
3. تاريخ أبي الفداء 1: 262 - 263.
225

وفضله: كأحمد بن حنبل، والترمذي، وابن عساكر، والطبراني، وأبو يعلى، والبيهقي، والحاكم وابن
سعد، وغيرهم، مضافا إلى ما مر من صلاة النبي عليه كما يعلم من المراجعة إلى «جمع الجوامع»،
و «كنز العمال» روى في الأخير: عمرو بن العاص من صالحي قريش (1).
والترمذي عن طلحة: أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص (2).
وفي مسند أحمد والترمذي عن عقبة بن عامر الاكمال: نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله
ابن عمرو بن العاص (3).
وابن عساكر عن عمرو بن دينار عن جابر ان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل على عمرو بن العاص
فقال: أن عمرو بن العاص لرشيد الأمر (4) وعن طلحة بن عبيد الله ان عمرو بن العاص لمن صالحي
قريش ونعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله: أحمد بن حنبل وابن عدي عن جابر يا عمرو انك لذي
رأي رشيد في الاسلام.
أبو هريرة الدوسي
الذي ملأوا كتبهم وطواميرهم من رواياته وقد سبق نقلا عن ابن أبي الحديد المعتزلي أن معاوية بذل
له مالا ليفتري على أمير المؤمنين صلوات الله عليه حديثا يدل على ذمه ففعل.

1. مسند أحمد 1: 161، سير أعلام النبلاء 3: 56.
2. مسند أحمد 4: 155، سنن الترمذي رقم 3844، سير أعلام النبلاء 3: 64.
3. مسند أحمد 1: 161، سنن الترمذي رقم 3845، سير أعلام النبلاء 3: 56.
4. سير أعلام النبلاء 3: 64.
226

ويعلم من كثير من كتب القوم أنه كان معروفا بالتساهل في الرواية والوضع والاختلاق، روى
الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عمر في الحديث الرابع والعشرين بعد
المائة: من المتفق عليه أي مما اتفق البخاري ومسلم على روايته، أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
أمر بقتل الكلاب الا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية، فقيل لابن عمر: أن أبا هريرة يقول: أو كلب
زرع، فقال ابن عمر: ان لأبي هريرة زرعا (1).
وروى في الحديث السادس والستين بعد المائة، في مسند أبي هريرة: من المتفق عليه أيضا عن أبي
رزين قال: خرج الينا أبو هريرة فضرب يده على جبهته وقال: ألا انكم تحدثون علي (2) أني أكذب
على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لتهتدوا وأضل، الحديث. (3)
وروى في الحديث الستين بعد المأة: من المتفق عليه في مسند أبي هريرة يروي عن النبي - صلى الله عليه
وآله وسلم -: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر.
فقال ابن عمر: قد أكثر علينا أبو هريرة (4).
وقال علي القاري من أجلاء علمائهم ونحارير محققيهم وفضلائهم في المرقاة شرح المشكاة: وعنه
أي عن أبي هريرة قال: إنكم - أي معشر التابعين وقيل الخطاب مع الصحابة المتأخرين - تقولون أكثر
أبو هريرة أي الرواية عن

1. الجمع بين الصحيحين للحميدي 2: 237.
2. ليست في النسخة المطبوعة لفظة «علي».
3. المصدر السابق رقم 2333.
4. المصدر السابق، برقم 2327، صحيح البخاري 3: 192 رقم 1323 - 1324، ومسلم 2: 653.
227

النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والله الموعد، أي موعدنا فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب لأن
الاسرار تنكشف هنالك.
وقال الطيبي: أي لقاء الله الموعد، أي موعدنا، يعنى به يوم القيامة فهو يحاسبني على ما أزيد أو أنقص
لا سيما على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى ما ذكر.
وفي المفاتيح للخلخالي، شرح المصابيح أيضا ما يقرب مما ذكر.
وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب الرد على من قال بتناقض الحديث: ما يدل على أن أمير
المؤمنين صلوات الله عليه وعمر وعثمان وعائشة كانوا يكذبون أبا هريرة واعتذر عنه بما لا يجدي،
قال: فأما طعنه على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة، فإن أبا هريرة صحب رسول الله -
صلى الله عليه وآله وسلم - نحوا من ثلاث سنين وأكثر الرواية عنه، وعمر بعده نحوا من خمسين سنة، وكانت
وفاته تسع وخمسين، وفيها توفيت أم سلمة زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وتوفيت عائشة قبلها
بسنة، فلما أتى من الرواية عنه، بما لم يأت بمثله من صحبه من أجلة أصحابه والسابقين الأولين إليه
اتهموه وأنكروا عليه وقالوا: كيف سمعت هذا وحدك ومن سمعه معك وكانت عائشة أشدهم انكارا
عليه، حتى تطاولت الأيام بها وبه وكان عمر شديدا على من أكثر الرواية.
وروى الطبراني في المعجم الأوسط ان أبا هريرة روى أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: من لم
يوتر فلا صلاة له، فقالت: ومن سمع هذا من أبي القاسم ما بعد العهد وما نسينا، إنما قال أبو القاسم:
من جاء بالصلوات الخمس يوم القيامة، حافظا على وضوئها ومواقيتها، وركوعها، وسجودها، لم
ينتقص منه شيئا كان
228

له عهد أن لا يعذبه، ومن جاء وقد انتقص منهن شيئا فليس له عهد عند الله ان شاء رحمه وان شاء
عذبه.
وروى شمس الأئمة في كتاب الأصول: أنه لما سمعت - أي عائشة - أبا هريرة يروى أن ولد الزنا شر
الثلاثة، قالت: كيف يصح هذا!؟ وقد قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى (رحمهما الله) (1).
وفي كنز العمال عن ميمون بن مهران أنه شهد ابن عمر صلى على ولد الزنا، فقيل له: أن أبا هريرة لم
يصل عليه، وقال: هو شر الثلاثة، فقال ابن عمر: هو خير الثلاثة.
وروى أيضا بعد الرواية السابقة، أن عائشة قالت: لابن أختها ألا تعجب من كثرة رواية هذا الرجل أي
أبي هريرة؟ ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حدث بأحاديث لو عدها عاد لأحصاها.
وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي أن أبا هريرة روى أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا
يمش أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا» (2).
وروى الحافظ أبو زرعة العراقي في كتاب شرح الاحكام عن ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن عبد
الرحمن بن القاسم عن أبيه ان عائشة كانت تمشي في خف واحد وتقول لاخيفن أبا هريرة قال
واسناده صحيح.

1. الاسراء: 15.
2. الجمع بين الصحيحين 3: 123 رقم 2333.
229

وروى أيضا في كتاب المذكور أنه روى ابن عبد البر في «التمهيد» عن عائشة رضي الله عنها أنها
أخبرت أبا هريرة يحدث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال الشوم في الثلاث: الفرس، والمرأة
والدار، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، ثم قالت: كذب والذي أنزل الفرقان على أبي
القاسم من حدث عنه بهذا؟ ولكن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يقول: كان أهل الجاهلية يقولون
الطيرة في المرأة والدار والدابة، ثم قرأت عائشة: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا
في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) (1) (2).
وذكر ابن الأثير في النهاية: ومنه حديث عائشة: «فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض» هو
مبالغة في الغضب والغيظ (3). وأورد هذا الحديث بعينه وبتمامه عبد الله بن قتيبة في كتاب الرد على
من قال بتناقض الحديث أيضا.
ورواه أيضا أحمد بن حنبل وابن خزيمة والحاكم قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: روى
أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان، أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة
فقالا: أن أبا هريرة قال: ان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: الطيرة في الفرس، والمرأة، والدار،
فغضبت غضبا شديدا وقالت: ما قاله؟ وانما قال: ان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك (4).

1. الحديد: 22.
2. التمهيد لما في الموطأ من المعاني 9: 289.
3. النهاية لابن الأثير 3: 151 في «طير» وفيها: ومنه حديث عائشة: أنها سمعت ان الشوم في الدار والمرأة، فطارت
شقة منها في السماء وشقة في الأرض» أي كأنها تفرقت وتقطعت قطعا، من شدة الغضب.
4. فتح الباري 6: 401.
230

وفي كتاب الأصول للسرخسي أنه لما بلغ عمر أن أبا هريرة يروي بعض مالا يعرف، قال: لتكفن عن
هذا أو لألحقنك بجبال دوس (1).
وفي كنز العمال عن السائب بن يزيد، قال سمعت عمر بن الخطاب، يقول لأبي هريرة: لتتركن
الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو لالحقنك بأرض دوس وقال لكعب لتتركن الحديث أو
لالحقنك بأرض القردة (2).
وذكر علامتهم الزمخشري في الفائق: أن أبا هريرة استعمله عمر على البحرين فلما قدم عليه قال: يا
عدو الله وعدو رسوله سرقت من مال الله فقال: لست بعدو الله ولا عدو رسوله، ولكني عدو من
عاداهما وما سرقت، ولكنها سهام اجتمعت ونتاج خيل فأخذ منه عشرة آلاف درهم فألقاها في بيت
المال ثم دعاه إلى العمل فأبى.
فقال عمر: فان يوسف قد سئل العمل، فقال: ان يوسف مني بريء وأنا منه برآء وأخاف ثلثا واثنتين،
قال: أفلا تقول خمسا؟ قال: أخاف أن أقول بغير حكم واقضى بغير علم، وأخاف أن يضرب ظهري
ويشتم عرضي ويؤخذ مالي.
البراء: البري المراد بالبراءة بعده عنه في المقايسة لقوة يوسف على الاستقلال بأعباء الولاية وضعفه
عنه، وأراد بالثلاث والاثنتين: الخلال المذكورة وانما جعلها قسمين لكون الثنتين وبالا عليه في
الآخرة والثلاث بلاء أو ضررا في الدنيا.
ويظهر من رسالة الفخر الرازي في تفضيل الشافعي، أن الحنفية كانوا

1. أصول السرخسي 1: 341.
2. تاريخ مدينة دمشق 67: 343.
231

يطعنون في أبي هريرة، قال: وأما أصحاب الرأي فان أمرهم في باب الخبر والقياس عجيب، فتارة
يرجحون القياس على الخبر، وتارة بالعكس.
أما الأول: فهو أن مذهبنا، أن التصرية سبب مثبت للرد، وعندهم ليس كذلك، ودليلنا: ما أخرج في
الصحيحين عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها
بعد، فإنه يخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثا ان رضيها أمسكها وان سخطها ردها، ورد معها وصاعا من
تمر (1).
واعلم أن الخصوم لما لم يجدوا لهذا الخبر تأويلا البتة بسبب، أنه مفسر في محل الخلاف، اضطروا
إلى أن يطعنوا في أبي هريرة، وقالوا: انه كان متساهلا في الرواية، وما كان فقيها، والقياس على خلاف
هذا الخبر، لأنه يقتضي تقدير خيار العيب بالثلاث، ويقتضي تقويم اللبن بصاع من تمر من غير زيادة
ولا نقصان، ويقتضي اثبات عوض في مقابلة لبن حادث بعد العقد، فهذه الاحكام مخالفة للأصول
فوجب رد ذلك الخبر لأجل القياس.
وذكر ابن حجر في فتح الباري في كتاب البيوع: أنه قال الحنابلة: واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث
المصراة باعذار شتى، فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة، ولم يكن كابن مسعود
وغيره من فقهاء الصحابة، فلا يؤخذ بما رواه مخالفا للقياس الجلي (2).

1. صحيح البخاري كتاب البيوع، باب النهي للبايع أن لا يحفل الإبل... رقم 2148 و 2150.
2. فتح الباري، كتاب البيوع 4: 290.
232

أبو حنيفة يطعن على أبي هريرة
وذكر الزندويستي (1) وهو من أجلة علماء الحنفية وأعاظم مشايخهم وأثنى عليه الكفوي في «كتائب
الاعلام الأخيار» في كتابه المسمى ب‍ «روضة العلماء» روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه سئل، فقيل
له: إذا قلت قولا وكان كتاب الله يخالف قولك؟ قال: أترك قولي بكتاب الله، فقيل: إذا كان خبر الرسول
يخالف قولك؟ قال: أترك قولي بخبر الرسول، فقيل: إذا كان قول الصحابي يخالف قولك؟ قال:
أترك قولي بقول الصحابي، فقيل له: إذا كان قول التابعين يخالف قولك؟ قال: إذا كان التابعي رجلا
فأنا رجل، ثم قال: أترك قولي بجميع قول الصحابة الا ثلاثة منهم: أبو هريرة، وأنس بن مالك، وسمرة
بن جندب.
قال: قال الفقيه أبو جعفر الهندواني: انما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنهم مطعونون إلى آخر ما
ذكره.
وحكى أيضا عن عيسى بن أبان أنه قال: أقلد أقاويل جميع الصحابة الا ثلاثة منهم: أبو هريرة، و
وابصة بن معبد (2)، وأبو سنابل بن بعكك.
والقضية السابقة أعني مطعونية أبي هريرة عند أبي حنفية مذكورة في «كتائب الأعلام الأخيار» أيضا.
ويظهر من ابن حزم الأندلسي من أعيان محققي القوم الذي ذكروا أنه بلغ

1. الحسين بن يحيى البخاري الزندويستي له كتاب روضة العلماء ونظم الفقه وترجمته في الجواهر المضية 1: 621
باسم «علي بن يحيى» والفوائد البهية: 225 وتاج التراجم: 94 رقم 103 وكشف الظنون 1: 928.
2. أسد الغابة 6: 156 رقم 5979.
233

رتبة الاجتهاد فكان لا يقلد أحدا من الأئمة الأربعة، وذكر محيى الدين في الفتوحات أنه رآه صار
متحدا مع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في كتاب «المحلى» في مسألة أحقية البايع بمتاع المبتاع إذا
أفلس: ان محمد بن الحسن الشيباني مقلد الحنفية وتلميذ إمامهم الأعظم، والذي نقلوا في حقه من
الشافعي: أن اليهود والنصارى لو نظروا في تصانيف محمد بن الحسن لآمنوا من غير اختيار، كان
يطعن في أبي هريرة، ولا يحتج بروايته.
قال ابن حزم: روينا من طرق أبي عبيدة، أنه ناظر في هذه المسألة، محمد بن الحسن، فلم يجد عنده
أكثر من أن قال: هذا من حديث أبي هريرة.
قال علي: نعم والله من حديث أبي هريرة البر الصادق، لا من حديث مثل محمد بن الحسن الذي قيل
لعبد الله بن المبارك: من أفقه أبو يوسف أو محمد بن الحسن؟ فقال: قل أيهما أكذب (1).
وليت شعري أن الحنفية لماذا يعتمدون على رواية أبي هريرة بعد ما صدر في حقه عن إمامهم الأعظم
وتلميذه الأفخم ما صدر؟!
ومن مطاعنه: أنه كان يلعب بالشطرنج، ذكر الدميري في حياة الحيوان في لغة العقرب ما لفظه: وروى
الصعلوكي تجويزه، أي الشطرنج عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، والحسن البصري، والقاسم بن
محمد، وأبي قلابة، وأبي مجلز، وعطاء، والزهري وربيعة بن عبد الرحمن، وأبي الزياد، والمروي،
عن أبي هريرة من اللعب به مشهور في كتب القوم.
وذكر ابن الأثير في النهاية: وفي حديث بعضهم قال رأيت أبا هريرة

1. المحلى، كتاب البيوع، باب: أحكام التفليس 8: 178 - 179.
234

يلعب السدر، السدر لعبة يقامر بها، تكسر سينها وتضم، وهي فارسية معربة عن ثلاثة أبواب (1)،
يعني «سه در».
وقال ابن تيمية المتعصب الناصب في منهاجه: ان مذهب جمهور العلماء أن الشطرنج حرام وقد ثبت
عن علي بن أبي طالب انه مر بقوم يلعبون الشطرنج فقال: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها
عاكفون)؟ (2).
وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة، وتنازعوا في
أن أيهما أشد تحريما؟ الشطرنج أو النرد، فقال مالك: الشطرنج أشد من النرد.
وهذا منقول عن ابن عمر لأنها تشغل القلب بالفكر، والذي يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وقال أبو
حنيفة وأحمد: النرد أشد (3).
واعترف بصحة هذا الحديث المروي عن أمير المؤمنين - عليه السلام -، ابن روزبهان في كتابه.
وفي كنز العمال: ملعون من لعب الشطرنج، والناظر إليها كالآكل للحم الخنزير، رواه عبدان،
وأبو موسى، وابن حزم، عن حبة بن مسلم وفيه أيضا: إذا أمرتم بهذا، الذين يلعبون بهذه الأزلام،
والشطرنج، والنرد، وما كان من هذه فلا تسلموا عليهم، وإن سلموا عليكم فلا تردوا عليهم.
والديلمي عن أبي هريرة: ويكفي في ذم اللعب به هذا الحديث الذي

1. النهاية لابن الأثير 2: 354.
2. الأنبياء: 52.
3. منهاج السنة 2: 98.
235

حدث به أبو هريرة نفسه، وروى في كنز العمال روايات أخر كثيرة دالة على حرمته وذم فاعله، و «أنه
من أهل النار»، و «انه من شرار خلق الله»، و «لا ينظر الله إليه يوم القيامة»، نقلا عن الديلمي وابن أبي
شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن ماجة، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وهؤلاء كلهم من
أساطين دينهم ومذهبهم، وسودوا في اثبات فضائلهم ومحامدهم أوراقا طويلة. ومن قبائح أبي
هريرة وشنائعه الفظيعة، انه كان منحرفا عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، موليا لعدوه، معاد لوليه.
ولما نبهه على ذلك الأصبغ بن نباته استرجع ولم يحر جوابا.
قال سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة: قال اصبغ: فقلت يا معاوية لا تقتل بقتلة عثمان، فإنك
لا تطلب إلا الملك والسلطنة، ولو أردت نصرته لفعلته، ولكنك تربصت به وتقاعدت لتجعل ذلك
سببا إلى الدنيا; فغضب، فأردت أن أزيده، فقلت يا أبا هريرة أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم
- أقسم عليك بالله الذي لا إله إلا هو، وبحق رسوله هل سمعت رسول الله يقول يوم غدير خم في حق
أمير المؤمنين: «من كنت مولاه فعلي مولاه»؟
فقال: إي والله لقد سمعته يقول ذلك.
فقلت: إذن أنت يا أبا هريرة واليت عدوه وعاديت وليه، فتنفس أبو هريرة وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون،
فتغير وجه معاوية، وقال: يا هذا كف عن كلامك فلا تستطيع أن تخدع أهل الشام عن الطلب بدم
عثمان، فإنه قتل مظلوما.
236

سبط ابن الجوزي
ومن المناسب جدا ان نتعرض هنا اجمالا لحال سبط بن الجوزي، وشطر من محامده واثبات انه من
أعاظم علماء القوم، وان تذكرته من الكتب المعتمدة، فإنا ننقل كثيرا عن تذكرته فربما يجر أحد
المتعصبين الجاهلين على ازرائه والقدح في جلالته أو في كتابه، أو عدم صحة انتساب الكتاب إليه.
فنقول: هو من أعيان علمائهم المحققين وأجلاء محدثيهم المنقدين ولا يزال سلف علمائهم
وخلفهم يستندون إلى إفاداته ويحتجون بكلماته كإمامهم الذهبي، وابن حجر العسقلاني،
والسيوطي والصفدي، وابن خلكان، وتقي الدين الفاسي، ونور الدين السمهودي، وصاحب
الصواعق، وغيرهم.
وقد اعتمد على كتابه المذكور جماعة، منهم: السمهودي وغيره، حتى أن علامتهم المتعصب نقل عن
كتابه هذا - أعني تذكرة خواص الأمة - في الصواعق.
واعتمد على كلامه جماعة، منهم: الحافظ أبو المؤيد الخوارزمي، من أوائل مسند أبي حنيفة، عند دفع
الإشكالات عن أبي حنيفة.
قال: وأما قوله: أن أبا حنيفة لحن حيث قال في مسألة: القتل بالقتل، ولو رماه بأباقبيس، فالجواب عنه
بوجوه ثلاثة: الأول: أنه ذكر الإمام الحافظ سبط بن الجوزي انه افتراء على أبي حنيفة.
وجعله الكابلي في الصواعق من قرناء الطبري، والبخاري، واحتج بكتاب تاريخه عند الجواب عن
طعن درء الحد عن المغيرة.
237

والذهبي أثنى عليه في العبر في أخبار من غبر (1) لكن عابه وازدري عليه في كتاب الميزان (2)،
وعابه في كتاب تاريخه، فقال: انه ألف مرآة الزمان فتراه يأتي بمناكير الحكايات، وما أظنه بثقة بل
يحيف ويجازف ثم انه يترفض.
وقال في موضع آخر كان حنبليا وتحول حنفيا للدنيا، وتعقبه العلامة الكفوي في كتائب الاعلام
الأخيار وقال: واعلم ان صاحب «مرآة الزمان» قد كان ناقلا عمن تقدمه في التاريخ ووظيفته الرواية
والعهدة على الراوي فنسبته إلى المجازفة جور عليه فان غالب التاريخ لا يشترط فيه الأسانيد التي لا
غبار عليها، على أن صلاح الدين الصفدي والشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي ومن بعدهما تطفلوا
على تاريخه ونقلوا من «مرآة الزمان» شيئا كثيرا فان لم يكن ثقة فهم ليسوا بثقات.
وقال ابن خلكان في تاريخه بعد ذكر عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي وكان سبطه شمس
الدين (3).... أبو المظفر يوسف بن قزغلي الواعظ المشهور، حنفي المذهب، وله صيت وسمعة في
مجالس وعظه مقبول عند الملوك وغيرهم، وصنف تاريخا كبيرا رأيته بخطه في أربعين مجلدا سماه

1. العبر 3: 274 سنة 654 ه‍، وفيه: وابن الجوزي العلامة الواعظ المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزأغلي
التركي ثم البغدادي العوني الهبيري الحنفي، سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي، سمعه جده منه، ومن ابن
كليب وجماعة، قدم دمشق سنة سبع وست مائة، فوعظ بها; وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة وعظه، وله
تفسير في «تسعة وعشرين» مجلدا و «شرح الجامع الكبير» وجمع مجلدا في «مناقب أبي حنيفة» ودرس وأفتى، وكان
في شبيبته حنبليا، توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجة وكان وافر الحرمة عند الملوك.
2. ميزان الإعتدال 4: 471 رقم 9880.
3. والنسخة التي كانت بأيدينا من الكتاب تختم بهذه الكلمة والأسف أنها سقيمة.
238

«مرآة الزمان» وتوفي ليلة الثلاثاء، حادي عشرين ذي الحجة سنة أربع وخمسين وستمائة بدمشق
بمنزله بجبل قاسيون ودفن هناك، ومولده سنة احدى وثمانين وخمسمائة ببغداد، رحمه الله
تعالى، وكان يقول: أخبرتني أمي أن مولدي سنة اثنتين وثمانين (1).
وذكره الذهبي في كتبه وأثنى عليه، قال في سيره: الشيخ العالم المتفنن الواعظ البليغ المؤرخ
الاخباري، واعظ الشام شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزغلي بن عبد الله التركي العوني الهبيري
البغدادي الحنفي سبط الامام أبي الفرج ابن الجوزي، انتهت إليه رئاسة الوعظ وحسن التذكير ومعرفة
التاريخ، وكان حلو الايراد، لطيف الشمائل، مليح الهيئة، وافر الحرمة، له قبول زائد، وسوق نافق
بدمشق، أقبل عليه أولاد الملك العادل، وأحبوه، وصنف «تاريخ مرآة الزمان» وأشياء، ورأيت له
مصنفا يدل على تشيعه، وكان العامة يبالغون في التغالي في مجلسه، سكن دمشق من الشبيبة، وأفتى
ودرس.
توفي بمنزله بسفح قاسيون، وشيعه السلطان والقضاة وكان كيسا ظريفا متواضعا، كثير المحفوظ،
طيب النغمة، عديم المثل، له تفسير كبير في تسعة وعشرين مجلدا، توفي في ذي الحجة سنة أربع
وخمسين وستمائة (2).

1. وفيات الأعيان 3: 142.
2. سير أعلام النبلاء 23: 296 رقم 203، وترجمته في ذيل مرآة الزمان 1: 39 - 43، تاريخ الاسلام للذهبي وفيات 650 -
660، العبر 4: 220، ميزان الاعتدال 4: 471، فوات الوفيات 4: 356 - 357 رقم 592، مرآة الجنان 4: 136، الجواهر
المضيئة 2: 230 - 232 رقم 719، البداية والنهاية 13: 194، العسجد المسبوك: 623، لسان الميزان 6: 328 رقم 1968،
النجوم الزاهرة 7: 39، شذرات الذهب 5: 266، الفوائد البهية: 183.
239

قد تمت الرسالة المسماة بالقول الصراح فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا بالشكر دائما ولاداء
الحق والتمسك بحبل الله المتين قائما على (ومن يهد الله فماله من مضل)
والحمد لله رب العالمين
* * *
240

المصادر والمراجع
القرآن الكريم:
1 - الإحكام في أصول الأحكام: لابن حزم أبي محمد علي بن حزم الظاهري المتوفى 456 ه‍.
2 - أحوال الرجال: لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني المتوفى 259 ه‍، ط. مؤسسة
الرسالة.
3 - أخبار أبي حنيفة وأصحابه: للكيرانوي الشيخ حبيب أحمد، ط. مكتبة الدراسات والبحوث
العربية - دار الفكر العربي - ط الاولى - 1989 م.
4 - أخبار القضاة: لمحمد بن خلف المعروف بوكيع المتوفى 306 ه‍ تحقيق مصطفى المراغي ط‍ عالم
الكتاب - بيروت.
5 - إختلاف العلماء: أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي المتوفى 294 ه‍، ط. عالم الكتب; بيروت -
ط الثانية - 1406 ه‍ تحقيق: السامرائي.
6 - الأدب المفرد: للبخاري محمد بن إسماعيل المتوفى 256 ه‍ ط. مكتبة الآداب القاهرة 1400 ه‍ /
1979 م.
7 - الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة: للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر
المتوفى 911 ه‍.
241

8 - الأساس في السنة وفقهها: سعيد حوى، ط. دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع; القاهرة -
1412 ه‍.
9 - أسامي من روى عنهم البخاري من مشايخه: لابن عدي أحمد بن عبد الله الجرجاني المتوفى
365 ه‍ تحقيق حماد بن محمد، ط. دار البخاري، المدينة المنورة.
10 - الإستيعاب: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر المتوفى 463 ه‍ ط. دار النهضة -
مصر الفجالة القاهرة، تحقيق علي محمد البجاوي.
11 - أسد الغابة: عز الدين أبو الحسن علي بن محمد الجزري ابن الأثير المتوفى 630 ه‍، ط. دار إحياء
التراث العربي - بيروت.
12 - أسباب رد الحديث: محمد محمود بكار، دار طيبة للنشر والتوضيح الرياض - ط الثانية -.
13 - أسباب النزول: لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري المتوفى 468 ه‍، ط. دار الكتب
العلمية - 1400 ه‍.
14 - الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير: لأبي شهبة محمد أبو شهبة، ط. دار الجيل -
بيروت.
15 - أسماء الضعفاء والكذابين: لابن شاهين، ط. كلية الحديث النبوي بالمدينة - ط الأولى - تحقيق
القشقري.
16 - الإصابة في تمييز الصحابة: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى 852 ه‍، ط.
دار الفكر للطباعة والنشر.
242

17 - أصول السرخسي: للسرخسي محمد بن أحمد بن أبي سهل المتوفى 490 ه‍، ط. دار الكتاب
العربي، ط الأولى - 1372 ه‍.
18 - أصول الكافي: للكليني محمد بن يعقوب المتوفى 329 ه‍، منشورات المكتبة الاسلامية.
19 - أعلام الموقعين: لابن القيم محمد بن أبي بكر المتوفى 751 ه‍، ط. دار الجيل للنشر والتوزيع
بيروت - علق عليه طه عبد الرؤف سعد.
20 - الأعلام: خير الدين محمود بن محمد الزركلي المتوفى 1396.
21 - الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ: السخاوي محمد بن عبد الرحمن المتوفى 2. 9 ه‍ تحقيق روز
نطال بغداد 1382 ه‍.
22 - الإبهاج في شرح المنهاج للبيضاوي: للسبكي علي بن عبد الكافي المتوفى 756 ه‍ تحقيق شعبان
محمد ط‍ مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة 1402 ه‍.
23 - الإحكام في بيان الأحكام: ابن حزم على بن أحمد بن سعيد الأندلسي المتوفى 456 ه‍، ط. دار
الحديث القاهرة - ط‍ الثانية - 1413 ه‍.
24 - إكمال مبهمات البخاري وفوائد فتح الباري: لابن حجر أحمد بن علي العسقلاني المتوفى 852 ه‍
، ط. دار الثقافة العربية 1415 ه‍ تحقيق عمروعلي عمر.
25 - أبو حنيفة حياته وعصره وآراؤه وفقهه: محمد أبو زهرة، ط دار الفكر العربي القاهرة.
26 - الإلزامات: للدارقطني علي بن عمر البغدادي المتوفى 385 ه‍ تحقيق:
243

مقبل بن هادي ط‍ المكتبة السلفية - المدينة المنورة.
27 - الإمام البخاري: للندوي تقي الدين المظاهري، ط. دار العلم دمشق - ط الثالثة - 1408 ه‍.
28 - الإمام الحميدي وكتابه المسند: عبد الرحمن الصويان، ط. دار المعراج، الرياض - ط الأولى -
1416 ه‍.
29 - الإكمال: لابن ماكولا على بن هبة الله المتوفى 475 ه‍، تحقيق المعلمي اليماني، بيروت - لبنان.
30 - الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء: ابن عبد البر، أبو عمرو يوسف بن عبد الله المتوفى 463 ه‍،
ط دارالكتب العلمية - بيروت - بدون تاريخ.
31 - الإمام الزهري: للضاري حارث سليمان، ط‍. مكتبة بسام - موصل - العراق، 1405 ه‍.
32 - الانتقاض في الرد على العيني: ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى 852 ه‍، ط. الرياض.
33 - أنساب الأشراف: للبلاذري أحمد بن يحيى المتوفى 279 ه‍، ط. دارالفكر - بيروت.
34 - الأنساب: للسمعاني عبد الكريم بن محمد بن منصور المتوفى 562 ه‍.
35 - الإنصاف في بيان أسباب الإختلاف: ولي الله الدهلوي أحمد بن عبد الرحيم المتوفى 1176، ط.
دار النفائس بيروت - ط الثالثة - 1406 ه‍.
244

36 - بحوث في تاريخ السنة: أكرم ضياء العمري، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت.
37 - بداية المجتهد: للقرطبي محمد بن الرشد المتوفى 595 ه‍، ط. التاسعة - 1409 ه‍ - دار المعرفة،
بيروت.
38 - البداية والنهاية: لابن كثير إسماعيل بن عمر الدمشقي المتوفى 774 ه‍، ط. دار الكتب العلمية -
بيروت.
39 - البدر الطالع: للشوكاني محمد بن علي المتوفى 1250 ه‍، ط. دار المعرفة - بيروت.
40 - البدايع والصنايع: الكاساني أبو بكر بن مسعود المتوفى 587 ه‍، ط. دار الكتب العلمية - بيروت ط‍
الثانية 1402 ه‍.
41 - بيان خطأ البخاري: لابن أبي حاتم الرازي صاحب الجرح والتعديل المتوفى 327 ه‍، ط‍. حيدر
آباد الهند - تحقيق المعلمي اليماني.
42 - بغية الوعاة: للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المتوفى 911 ه‍، ط. المكتبة العصرية
- بيوت تحقيق أبو الفضل إبراهيم. بيروت.
43 - البيان والتوضيح لمن أخرج في البخاري: أبو زرعة العراقي المتوفى 826 ه‍، ط. دار الجنان -
لبنان.
44 - تاج التراجم في من صنف من الحنفية: ابن قطلوبغا زين الدين قاسم الحنفي المتوفى 879 ه‍
تحقيق إبراهيم صالح ط. دار المأمون للتراث، دمشق وبيروت.
45 - تاريخ الإسلام: الذهبي محمد بن أحمد المتوفى 748 ه‍ ط دار الكتاب العربي - بيروت.
245

46 - تاريخ الأمم والملوك: للطبري محمد بن جرير المتوفى 310 ه‍ ط. مطبعة الإستقامة القاهرة
1358 ه‍ / 1939 م.
47 - تاريخ أهل الحديث: للدهلوي المدني احمد بن محمد المتوفى 1375 ه‍ - ط مكتبة الغرباء
الأثرية في المملكة العربية السعودية - 1417 ه‍ - تحقيق، الأثري.
48 - تاريخ بغداد: للخطيب البغدادي أحمد بن علي المتوفى 463 ه‍ ط دار الفكر للطباعة والنشر.
49 - تاريخ التراث العربي: فؤاد سزكين، ترجمة الدكتور محمود فهمي حجازي والدكتور أبو الفضل
ط الهيئة المصرية العامة للتأليف 1971 م، 1978 م.
50 - تاريخ التشريع: للخضري محمد الخضري ط الاستقامة بالقاهرة 1960 م.
51 - تاريخ الجهمية والمعتزلة: للقاسمي محمد جمال الدين.
52 - تاريخ الخلفاء: للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المتوفى 911 ه‍.
53 - تاريخ خليفة بن خياط: لأبي عمرو خليفة بن خياط شباب العصفري المتوفى 240 ه‍ تحقيق أكرم
ضياء العمري الدمشقي 1977 م.
54 - التاريخ الكبير: للبخاري محمد بن إسماعيل المتوفى 256 ه‍ ط دارالكتب العلمية بيروت.
55 - التاريخ الصغير والأوسط: للبخاري محمد بن إسماعيل المتوفى 256 ه‍ دارالوعي والتراث -
حلب.
56 - تاريخ ابن الوردي: عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي المتوفى 749 ه‍ - ط - دار الكتب العلمية -
بيروت 1417 ه‍.
246

57 - تاريخ أبي الفداء: إسماعيل بن علي بن محمد أبي الفداء المتوفى 732 ه‍ ط. دار المعرفة - بيروت.
58 - تاريخ مدينة دمشق: لابن عساكر علي بن الحسن المتوفى 571 ه‍، ط. دارالفكر للطباعة والنشر
تحقيق علي شيري ط الأولى 1417 ه‍.
59 - تأويل مختلف الحديث: لابن قتيبة عبد الله بن مسلم الدينوري المتوفى 276 ه‍ ط دار الكتب
العلمية - بيروت.
60 - التبيين لأسماء المدلسين: لسبط ابن العجمي - إبراهيم بن محمد المتوفى 841 ه‍ - تحقيق يحيى
شفيق، ط دار الكتب العلمية - بيروت 1406 ه‍، ط. الاولى.
61 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: عبد الله بن يوسف الزيلعي المتوفى 762 ه‍، ط. دار الكتب
العلمية بيروت 1420 ه‍.
62 - تحفه اثنا عشرية: عبد العزيز الدهلوي المتوفى 1239 ه‍، ط. باكستان.
63 - تحفة الأحوذي: لأبي العلى محمد بن عبد الرحمن المباركفوري المتوفى 1353 ه‍ تحقيق
عبد الرحمن محمد عثمان، ط مكتبة السلفية المدينة المنورة.
64 - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف: لأبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي المتوفى 742 ه‍
تحقيق عبد الصمد شرف الدين ط، ثانية 1403 ه‍ دار القيامة الهند - المكتب الإسلامي بيروت.
65 - تدريب الراوي: للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المتوفى 911 ه‍ ط دار الكتاب
العربي تحقيق أحمد عمر هاشم - 1409 ه‍.
247

66 - تذكرة الحفاظ: للذهبي محمد بن أحمد المتوفى 748 ه‍ ط دار الكتب العلمية - بيروت، تصحيح
المعلمي اليماني 1374 ه‍.
67 - تذكرة الخواص: لسبط بن الجوزي يوسف بن قزغلي المتوفى 654 ه‍ ط. بيروت.
68 - تاريخ التراث العربي: لفؤاد سزكين تعريب: محمود الحجازي ط‍ جامعة الإمام ابن سعود بالرياض
1403 ه‍.
69 - تاريخ القضاة في الإسلام: محمود بن محمد بن عرنوس ط‍ مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة.
70 - تذهيب التهذيب: أحمد بن عبد الله الخزرجي المتوفى 900 ه‍ تحقيق محمود عبد الوهاب فايد
مكتبة القاهرة.
71 - تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم: للحاكم النيسابوري المتوفى 405 ه‍ تحقيق كمال يوسف
الحوت - مؤسسة الكتب الثقافية - دار الجنان - بيروت - لبنان ط‍ الأولى 1407 ه‍.
72 - تقريب التهذيب: لابن حجر أحمد بن علي العسقلاني المتوفى 852 ه‍ ط دارالمعرفة، بيروت،
تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف.
73 - التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري: للباجي - سليمان بن خلف المتوفى 474 ه‍ ط - دار
اللواء الرياض - تحقيق أبو لبابة - 1406 ه‍.
74 - تغليق التعليق على صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى 852 ه‍ تحقيق
سعيد عبد الرحمن موسى ط المكتب الإسلامي دار عمار الأردن 1405 ه‍ الأولى.
248

75 - التفسير الكبير: للفخر الرازي محمد بن عمر المتوفى 606 ه‍ ط‍ دار احياء التراث العربي - بيروت.
76 - تفسير المنار: محمد عبده - محمد رشيد رضا ط‍ دار المعرفة، بيروت.
77 - تقييد العلم: للخطيب البغدادي أحمد بن علي المتوفى 463 ه‍ ط دار إحياء السنة - بيروت.
78 - التقييد والإيضاح: للعراقي زين الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين المتوفى 806 ه‍ تحقيق
عبد الرحمن محمد عثمان ط. الأولى 1389 ه‍ مكتبة السلفية المدينة المنورة.
79 - التمهيد لما في الموطأ: ابن عبد البر أبو عمرو يوسف بن عبد الله المتوفى 463 ه‍ تحقيق مصطفى
العلوي والبكري، 1387 ه‍ الرباط.
80 - التنكيل: للمعلمي اليماني عبد الرحمن بن يحيى المتوفى 1386 ه‍ ط المكتب الإسلامي - دمشق -
1406 ه‍ تحقيق زهير الشاويش، وناصر الدين الألباني.
81 - تهذيب الأسماء واللغات: للنووي أبو زكريا محيى الدين بن شرف المتوفى 676 ه‍ ط دارالكتب
العلمية - بيروت.
82 - تهذيب التهذيب: لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى 852 ه‍ ط دارالفكر للطباعة
والنشر - بيروت.
83 - تهذيب الكمال: للمزي أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المتوفى 742 ه‍ ط مؤسسة الرسالة،
تحقيق بشار عواد.
249

84 - توشيح الديباج وحلية الإبتهاج: بدر الدين القرافي المتوفى 946 ه‍ ط دار الغرب الإسلامي تحقيق -
أحمد شتيوي ط الأولى 1403 ه‍.
85 - التقييد والإيضاح: للعراقي زين الدين عبد الرحيم بن الحسين المتوفى 806 ه‍ تحقيق
عبد الرحمن محمد عثمان ط‍ مكتبة السلفية المدينة المنورة - 1389 ه‍.
86 - تلخيص المستدرك: للذهبي محمد بن أحمد بن عثمان المتوفى 748 ه‍ طبع ذيل المستدرك
للحاكم.
87 - توضيح المشتبه: لابن ناصر الدين محمد بن عبد الله الدمشقي المتوفى 842 ه‍ تحقيق محمد نعيم
العرقسوسي - مؤسسة الرسالة بيروت - ط‍ الثانية 1414 ه‍.
88 - التلويح في شرح التوضيح: للتفتازاني مسعود بن عمر بن عبد الله المتوفى 792 ه‍، ط. دار الكتب
العربية.
89 - توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار: الصنعاني محمد بن إسماعيل الأمير الحسني
المتوفى 1182 ه‍ ط‍ دار إحياء التراث العربي ط‍ الأولى 1366 ه‍.
90 - تيسير مصطلح الحديث: محمود الطحان ط‍ مكتبة المعارف الرياض - الطبعة السابعة.
91 - الثقات: محمد بن حبان بن أحمد بن أبي حاتم التميمي البستي المتوفى 354 ه‍ تحقيق محمود
إبراهيم زايد ط‍ دارالوعي - حلب 1366 ه‍.
92 - ثمرات النظر في علم الأثر: للأمير الصنعاني محمد بن إسماعيل المتوفى 1182 ه‍ ط‍ دار العاصمة
الرياض ط‍ الأولى 1417 ه‍.
250

93 - جامع الأصول في أحاديث الرسول: لابن الأثير المبارك بن محمد الجزري المتوفى 606 ه‍ ط
دار إحياء التراث العربي، ط الثانية 1403 ه‍ أشرف على طبعه الشيخ عبد المجيد سليم.
94 - جامع بيان العلم: لابن عبد البر يوسف بن عبد الله المتوفى 463 ه‍ مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.
95 - جامع التحصيل: للعلائي صلاح الدين خليل بن كيكلدي المتوفى 761 ه‍ تحقيق حمدي السلفي
ط‍ دار العربية للطباعة بغداد 1398 ه‍.
96 - الجامع في العلل ومعرفة الرجال: للامام أحمد بن حنبل المتوفى 241 ه‍، رواية عبد الله ابنه،
والمروزي والميموني - ط - مؤسسة الثقافية - بيروت - اعتنى به محمد حسام بيضون ط الأولى 1410
ه‍.
97 - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: الخطيب البغدادي أحمد بن علي المتوفى 463 ه‍ تحقيق
أحمد شاكر ط‍ مكتبة المعارف - الرياض.
98 - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير: للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر
المتوفى 911 ه‍، ط. دار الكتب العلمية بيروت ط الأولى.
99 - الجرح والتعديل: للرازي عبد الرحمن بن حاتم المتوفى 327 ه‍ ط دار إحياء التراث العربي عن
النسخة المطبوعة بحيدر آباد الهند - تحقيق، المعلمي اليماني.
100 - الجمع بين رجال الصحيحين: المقدسي محمد بن طاهر المتوفى 507 ه‍ ط دار الباز، مكة
المكرمة ط الثانية 1405 ه‍ ودارالكتب العلمية - بيروت.
251

101 - جلاء العينين، بتخريج روايات البخاري في رفع اليدين: للسندي أبو محمد بديع الدين شاه
الراشدي; ط مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت ط; الأولى 1407 ه‍.
102 - جواهر العقدين: للسمهودي ط. دارالكتب العلمية.
103 - الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية: عبد القادر محمد بن محمد الحنفي المتوفى 775 ه‍ تحقيق
عبد الفتاح الحلو، مطبعة عيسى البابي وشركائه، 1398 ه‍ 1978 م.
104 - حاشية الشلبي على شرح «كنز الدقائق»: فخر الدين الزيلعي ط دارالمعرفة - بيروت اعيد
بالأفست من الطبعة الأولى ببولاق مصر.
105 - الحث على حفظ العلم: لابن الجوزي عبد الرحمن بن علي أبو الفرج المتوفى 597 ه‍ ط الثانية
بيروت.
106 - الحجة على أهل المدينة: للشيباني محمد بن الحسن المتوفى 189 ه‍ ط عالم الكتب بيروت، ط
الثالثة 1403 ه‍.
107 - حسن المحاضرة: للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المتوفى 911 ه‍ تحقيق محمد
أبو الفضل إبراهيم، ط الأولى طبع عيسى البابي الحلبي وشركائه 1387 ه‍.
108 - حلية الأولياء: لأبي نعيم الإصبهاني أحمد بن عبد الله المتوفى 430 ه‍ ط دارالفكر للطباعة والنشر.
109 - حياة البخاري: للقاسمي جمال الدين محمد بن محمد سعيد الدمشقي ط‍ دار النفائس بيروت
1412 ه‍ تحقيق محمود الأرناؤوط.
252

110 - خلق أفعال العباد: للبخاري محمد بن إسماعيل المتوفى 256 ه‍، ط الدار السلفية، الكويت ط
الأولى 1405 ه‍.
111 - خير الكلام في القراءة خلف الإمام: للبخاري محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي المتوفى 256
ه‍، ط دار الكتب العلمية - بيروت - 1405 ه‍ - ط الأولى.
112 - دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب: محمد أمين السندي المتوفى 1161 ه‍، تحقيق
محمد عبد الرشيد النعماني، ط لجنة إحياء الأدب بكراتشي - باكستان. ط الأولى 1957 م.
113 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور: للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المتوفى 911
ه‍، ط. دار الفكر للطباعة والنشر، ط. الأولى 1403 ه‍ / 1983 م.
114 - الدرر الكامنة: ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى 852 ه‍ ط‍ دار الجيل بيروت 1414 ه‍.
115 - دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث: الدكتور إمتياز أحمد، عميد كلية المعارف الإسلامية
بجامعة كراتشي، نقله إلى العربية الدكتور أمين قلعجي ط الأولى القاهرة 1410 ه‍ ط دارالوفاء.
116 - ديوان الضعفاء والمتروكين: للذهبي أبو عبد الله محمد بن أحمد المتوفى 748 ه‍ تحقيق لجنة من
العلماء بإشراف الناشر، قدم له الشيخ خليل الميس ط دار القلم - بيروت، ط الأولى 1408 ه‍.
117 - ذخائر العقبى: محب الدين الطبري، ط. دار المعرفة بيروت.
253

118 - رجال صحيح البخاري: للكلاباذي أبو نصر أحمد بن محمد البخاري المتوفى 398 ه‍ ط
دارالمعرفة تحقيق عبد الله الليثي ط الأولى بيروت 1407 ه‍.
119 - رجال صحيح مسلم: ابن منجويه أحمد بن علي الإصبهاني المتوفى 428 ه‍ ط دارالمعرفة بيروت
1407 ه‍ تحقيق عبد الله الليثي ط الأولى.
120 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة: للكتاني محمد بن جعفر ط‍ بيروت
1332 ه‍.
121 - رشفة الصادي من بحر فضائل النبي الهادي: أبي بكر شهاب الدين الحضرمي، ط. الأولى، دار
الكتب العلمية بيروت، تحقيق السيد علي عاشور.
122 - روض المناظر في علم الأوائل والأواخر: لابن شحنة محمد بن محمد المتوفى 815 ه‍.
123 - روض الأنف: للسهيلي عبد الرحمن بن عبد الله المتوفى 581 ه‍ تحقيق عبد الرحمن الوكيل، ط.
القاهرة - مدينة الزهراء - حلوان.
124 - الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرين بالجنة: للطبري أحمد الشهير بالمحب الطبري - ط
دار الندوة الجديدة بيروت - ط الأولى 1408 ه‍.
125 - زاد المعاد في هدى خير العباد: لابن القيم الجوزية محمد بن أبي بكر المتوفى 751 ه‍ ط. دار
الفكر، بيروت.
126 - ذب ذبابات الدراسات: عبد الطيف بن الشيخ محمد هاشم الحارثي السندي المتوفى 1189 ه‍ ط.
لجنة احياء الأدب السندي - بندر رود - كراتشي. ط الأولى 1379 ه‍ 1959 م.
254

127 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آقا بزرگ الطهراني (1293 - 1389 ه‍) دار الأضواء، بيروت - 1403 ه‍
.
128 - ذيل تذكرة الحفاظ: محمد بن علي أبو المحاسن الحسيني المتوفى 765 ه‍ ط‍ دار الكتب العلمية
بيروت.
129 - سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر:
130 - سنن ابن ماجة: للقزويني محمد بن يزيد المتوفى 275 ه‍ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ط القاهرة.
131 - سنن أبي داود: للسجستاني سليمان بن الأشعث المتوفى 275 ه‍ تحقيق عزت عبيد الدعاس، ط
حمص سوريا 1388 ه‍.
132 - سنن الترمذي: لأبي عيسى الترمذي المتوفى 279 ه‍ تحقيق أحمد شاكر وجماعته.
133 - سنن الدارقطني: للدارقطني علي بن عمر المتوفى 385 ه‍ تحقيق عبد الله هاشم اليماني القاهرة
1386 ه‍.
134 - سنن الدارمي: للدارمي عبد الله بن عبد الرحمن المتوفى 255 ه‍ ط دارالمحاسن، القاهرة، تحقيق
عبد الله هاشم اليماني 1386 ه‍.
135 - السنن الكبرى: للبيهقي أحمد بن الحسين المتوفى 458 ه‍ ط دارالمعرفة بيروت، تحقيق يوسف
مرعشلي.
136 - سنن النسائي: للنسائي أحمد بن شعيب المتوفى 303 ه‍ مع حاشية زهر الربى للسيوطي وحاشية
السندي ط دار إحياء التراث العربي.
137 - سؤلات ابن جنيد ليحيى بن معين: إبراهيم الختلي، تحقيق الدكتور أحمد نور
255

سيف، ط مكتبة الدار المدينة النبوية ط الأولى 1408 ه‍ ط‍ مكتبة القرآن بالقاهرة.
138 - سؤلات البرقاني للدارقطني: أحمد بن محمد البرقاني أبو بكر الخوارزمي المتوفى 425 ه‍ تحقيق
مجدي سيد إبراهيم.
139 - سير أعلام النبلاء: للذهبي محمد بن أحمد المتوفى 748 ه‍ ط مؤسسة الرسالة
تحقيق شعيب الأرناؤوط.
140 - سيرة الإمام البخاري: للمباركفوري الشيخ عبد السلام ط الجامعة السلفية، بنارس الهند ط الثانية،
مقدمة، مقتدى حسن ياسين.
141 - عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: لابن العربي محمد بن عبد الله الإشبيلي المعروف بابن
العربي المالكي المتوفى 543 ه‍، ط دار الفكر - بيروت 1415 ه‍ ط الأولى - تحقيق العطار.
142 - شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة: للالكائي هبة الله الطبري ط دار طيبة - ط 1411 ه‍ طبعة
الثانية، تحقيق سعد حمدان.
143 - شرح الألفية: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم الحسين العراقي المتوفى 6. 8 ه‍ تحقيق أحمد
شاكر.
144 - شرح السنة: للبغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود المتوفى 516 ه‍ تحقيق شعيب الأرناؤوط ط.
المكتب الإسلامي بيروت.
145 - شرح كتاب الفقه الأكبر: للقاري ملا علي المتوفى 1014 ه‍ ط، دار الكتب العلمية، بيروت.
256

146 - شرح معاني الآثار: للطحاوي أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة المتوفى 321 ه‍ ط دارالكتب
العلمية ط الأولى 1399 ه‍، علق عليه محمد زهري النجار.
147 - شرح نخبة الفكر: لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى 852 ه‍ ط. دار الكتب العلمية
بيروت 1398 ه‍ / 1978 م.
148 - شروح البخاري: النووي والقسطلاني وعون الباري - ط - دار الكتب العلمية - بيروت بدون
تاريخ.
149 - شروط الأئمة الستة: أبو بكر محمد بن طاهر المقدسي المتوفى 7. 5 ه‍ ط‍ مكتبة عاطف بالقاهرة.
150 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن العماد عبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفى 1350 ه‍، ط
دار إحياء التراث العربي، بيروت.
151 - الشكوى والعتاب وما وقع للخلان والأصحاب: للثعالبي أبي منصور عبد الملك بن محمد
المتوفى 429 ه‍ ط. دار الصحابة بطنطا ط. الأولى 1412 ه‍ / 1992 م.
152 - الشمائل المحمدية: لأبي عيسى الترمذي تخريج عزت عبيد الدعاس، ط. الأولى 1406 ه‍ دار
الندوة الجديدة بيروت.
153 - صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي المتوفى 256 ه‍ ط باموق إستانبول، طبع
جميع مجلداته في مجلد واحد.
154 - صحيح مسلم: لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري المتوفى 261 ه‍ ط دار إحياء
الكتب العربية القاهرة، ت، محمد فؤاد عبد الباقي وبشرح النووي ط، دار إحياء التراث العربي ط
الثالثة.
257

155 - صفة الصفوة: لابن الجوزي، تحقيق محمد الفاخوري ود. محمد رواس القلعجي، ط. دار المعرفة
بيروت 1986 ه‍.
156 - الصواعق المحرقة: ابن حجر الهيتمي المكي تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، ط شركة الطباعة
الفنية المتحدة القاهرة 1965 م.
157 - صيانة صحيح مسلم من الإخلال: لابن الصلاح الشهرزوري المتوفى 643 ه‍ تحقيق موفق بن
عبد الله ط‍ دار الغرب الإسلامي 1404 ه‍.
158 - الضعفاء لأبي زرعة الرازي وأجوبته على أسئلة البرذعي: تحقيق سعدي الهاشمي ط‍ الجامعة
الإسلامية - بالمدينة المنورة - ط‍ الأولى 2. 14 ه‍.
159 - الضعفاء الصغير: للبخاري محمد بن إسماعيل المتوفى 256 ه‍ ط دار الوعي حلب 1396 ه‍، تحقيق
محمود إبراهيم زايد.
160 - الضعفاء الكبير: للعقيلي محمد بن عمرو المتوفى 322 ه‍ ط دارالكتب العلمية، 1404 ه‍ ت،
عبد المعطي أمين قلعجي.
161 - الضعفاء والكذابون: عن أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم، وأبي حاتم الرازيين، مما سألهما،
جمعه وألفه أبو عثمان البرذعي، تحقيق سعدي الهاشمي ط المجلس العلمي الجامعة الإسلامية
بالمدينة المنورة 1402 ه‍.
162 - الضعفاء والمتروكون: للنسائي أحمد بن شعيب المتوفى 303 ه‍ ط دارالقلم للطباعة، بيروت،
تحقيق الشيخ عبد العزيز عز الدين السيروان.
163 - الضعفاء والمتروكون: للدارقطني علي بن عمر المتوفى 385 ه‍ ط دار القلم للطباعة، بيروت،
تحقيق الشيخ عبد العزيز السيروان ط الأولى 1400 ه‍.
258

164 - الضعفاء والمتروكون: لابن الجوزي عبد الرحمن بن علي البغدادي المتوفى 597 ه‍ ط دارالكتب
العلمية، حققه أبو الفداء عبد الله القاضي.
165 - الضوء اللامع: للسخاوي محمد بن عبد الرحمن المتوفى 902 ه‍.
166 - الضعفاء لأبي نعيم: أبو نعيم أحمد بن عبد الله المتوفى 430 ه‍ ط دار البيضاء المغرب.
167 - طبقات الحفاظ: للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المتوفى 911 ه‍، ط، دارالكتب
العلمية 1403 ه‍، ط الأولى تحقيق لجنة التحقيق.
168 - طبقات الحنابلة: لأبي يعلى محمد بن أبي يعلى الحنبلي المتوفى 526 ه‍ ط، مطبعة السنة
المحمدية 1371 ه‍.
169 - طبقات الشافعية الكبرى: للسبكي عبد الوهاب بن علي المتوفى 771 ه‍ تحقيق محمود أحمد
الطناحي وعبد الفتاح الحلو مطبعة عيسى البابي الحلبي.
170 - طبقات الشافعية: للأسنوي عبد الرحيم بن الحسن المتوفى 772 ه‍ تحقيق عبد الله الجبوري.
171 - طبقات الفقهاء الشافعية: للعبادي محمد بن أحمد المتوفى 458 ه‍ تحقيق غوستا فيتسام، ليدن
1964 م.
172 - الطبقات الكبرى: لابن سعد محمد بن سعد المتوفى 230 ه‍ ط دار بيروت للطباعة والنشر
1405 ه‍، تحقيق إحسان عباس.
259

173 - طبقات المدلسين: لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى 852 ه‍ ط مكتبة المنار - الأردن
1404 ه‍ تحقيق القريوتي ط الأولى.
174 - العبر في خبر من غبر: للذهبي محمد بن أحمد المتوفى 748 ه‍ ط دار الكتب العلمية، تحقيق
بسيوني زغلول.
175 - العسجد المسبوك والجوهر المحكوك: للغساني الملك الأشرف المتوفى 803 ه‍.
176 - العقد الفريد: ابن عبد ربه أحمد بن محمد الأندلسي المتوفى 328 ه‍ ط‍ دارالكتب العلمية - تحقيق
مفيد محمد قميحة ط‍ الثانية 7. 14 ه‍.
177 - العلل ومعرفة الرجال: لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل المتوفى 241 ه‍ ط دار الخاني
الرياض.
178 - علوم الحديث ومصطلحه: ابن الصلاح عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المتوفى 643 ه‍ ط‍
دارالفكر المعاصر بيروت - سوريا تحقيق نور الدين عتر.
179 - علوم الحديث ومصطلحه: لصبحي الصالح ط. الرابعة دار العلم للملايين 1385 ه‍ 1966 م.
180 - عمدة القاري: للعيني بدر الدين محمود بن أحمد المتوفى 855 ه‍ ط دار الفكر.
181 - فتح الباري: لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى 852 ه‍ ط دار إحياء التراث العربي.
260

182 - فتح المغيث: للسخاوي محمد بن عبد الرحمن المتوفى 902 ه‍، ط دارالكتب العلمية - بيروت.
183 - الفتوحات المكية: لابن العربي محي الدين المتوفى 638 ه‍.
184 - فردوس الأخبار: للديلمي شيرويه بن شهردار المتوفى 509 ه‍ تحقيق فواز أحمد الزمرلي ط. دار
الكتاب العربي ط. الأولى 1407 ه‍ 1987 م.
185 - الفصل في الملل والأهواء والنحل: ابن حزم على بن أحمد بن سعيد المتوفى 456 ه‍ ط بإشراف
زيدان أبو المكارم حسن 1387 ه‍.
186 - الفضل المبين على عقد الجوهر الثمين في علوم الحديث: للقاسمي محمد جمال الدين ط - دار
النفائس بيروت - ط الثانية 1409 ه‍.
187 - فقه أهل العراق وحديثهم: للكوثري محمد زاهد ط‍ دار الثقافة الإسلامية - جدة - مؤسسة الريان -
المكتبة المكية 1418 ه‍ تحقيق - عبد الفتاح أبو غدة.
188 - الفلك الدوار في علوم الحديث والفقه والآثار: للسيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير،
تحقيق محمد يحيى سالم عزان، ط. دار التراث اليمني مطبعة صعدة صنعاء 1415 ه‍.
189 - الفوائد البهيئة في تراجم الحنفية: للكنوي ط مطبعة السعادة بالقاهرة 1324 ه‍ تحقيق المعلمي
اليماني ط ثانية بيروت 1392 ه‍.
190 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: للشوكاني محمد بن علي، تحقيق
261

عبد الرحمن يحيى المعلمي اليماني، ط. الأولى مطبعة السنة المحمدية القاهرة 1380 ه‍ 1960 م.
191 - فوات الوفيات: للكتبي محمد بن شاكر المتوفى 764 ه‍ ط دار الثقافة، بيروت تحقيق إحسان
عباس.
192 - فيض القدير شرح الجامع الصغير: لعبد الرؤوف المناوي المتوفى 1031 ه‍ ط. دار المعرفة بيروت
.
193 - قرة العينين برفع اليدين في الصلاة: للبخاري محمد بن إسماعيل المتوفى 256 ه‍
194 - قواعد في علوم الحديث: للتهانوي ظفر أحمد العثماني المتوفى 1394 ه‍ تحقيق عبد الفتاح أبو
غدة، ط مكتبة المطبوعات الإسلامية - القاهرة - 1404 ه‍ الطبعة الخامسة.
195 - القول المسدد في الذب عن أحمد: لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى 852 ه‍ ط عالم
الكتب بيروت ط الأولى 1404 ه‍ - 1984 م.
196 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة: للذهبي محمد ابن أحمد المتوفى 748 ه‍ ط
دارالكتب الحديثة، القاهرة تحقيق عزت عطية وموسى الموشي.
197 - الكاشف في تصحيح رواية البخاري لحديث تحريم المعازف: للأثري ط، المملكة السعودية.
262

198 - الكامل في ضعفاء الرجال: لابن عدي أحمد بن عدي المتوفى 365 ه‍ ط دارالفكر بيروت ط،
الأولى 1404 ه‍.
199 - الكامل في التاريخ: علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني المعروف بابن الأثير المتوفى
630 ه‍ ط. دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1407 ه‍ 1987 ه‍.
200 - كتب السنة دراسة توثيقية: عبد المطلب رفعت فوزي أبو شهبة ط‍ الأولى 1399 ه‍ مكتبة الخانجي
القاهرة.
201 - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي الحنفي: لعبد العزيز البخاري المتوفى 730 ه‍ ط
دار الكتاب الإسلامي - القاهرة - طبعة جديدة بالاوفست.
202 - كشف الإلتباس عما أورده البخاري على بعض الناس: للغنيمي عبد الغني الميداني المتوفى
1298 ه‍ ط مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب 1414 ه‍ اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة.
203 - كشف الظنون: مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة المتوفى 1067 ه‍، ط. دارالفكر بيروت
2. 14 ه‍.
204 - الكفاية في علم الرواية: للخطيب البغدادي أحمد بن علي المتوفى 463 ه‍ ط دارالكتب الحديثة،
القاهرة تحقيق محمد الحافظ التيجاني.
205 - كفاية الطالب: للكنجي الشافعي محمد بن يوسف، ط المطبعة الحيدرية - النجف، العراق.
263

206 - كنز العمال: علي بن حسان التقي الهندي المتوفى 975 ه‍ ط‍ مؤسسة الرسالة - بيروت 9. 14 ه‍
207 - الكواكب الدراري: للكرماني محمد بن يوسف المتوفى 786 ه‍ ط المطبعة البهية - بالقاهرة
1358 ه‍.
208 - كوثر المعاني الدراري: للشنقيطي محمد الخضر الجكني المتوفى 1354 ه‍، ط مؤسسة الرسالة
بيروت - 1415 ه‍.
209 - اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: ط. دار المعرفة بيروت 1983 م.
210 - اللباب في تهذيب الأنساب: عز الدين بن الأثير أخو صاحب النهاية المتوفى. 63 ه‍ ط‍ مكتبة
القدسي القاهرة 1393 ه‍.
211 - اللباب في شرح الكتاب: للغنيمي عبد الغني الميداني الحنفي المتوفى 1298 ه‍ ط دار احياء التراث
العربي بيروت تحقيق - محمود أمين النواوي 1412 ه‍.
212 - لسان الميزان: ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى 852 ه‍ ط ‍ دار احياء التراث
ا العربي بيروت ‍ تحقيق ‍ المرعشلي 1416 ه‍.
21 213 - المبسوط: شمس الدين السرخسي المتوفى 490 ه‍ ط‍ دار المعرفة - بيروت 1406 ه‍.
214 - المتواري على تراجم أبواب البخاري: للاسكندراني احمد بن محمد المعروف بابن المنير
المتوفى 683 ه‍ تحقيق صلاح الدين مقبول احمد، ط مكتبة المعلا الكويت 1407 ه‍ ط الأولى.
264

215 - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين: لابن حبان محمد بن حبان التميمي البستي
المتوفى 354 ه‍، ط 8 دارالوعي سوريا حلب، تحقيق محمود إبراهيم زايد ط الأولى 1396 ه‍.
216 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: لداماد أفندي - عبد الله بن محمد بن سليمان، ط - دار احياء
التراث العربي للنشر بهامشه بدر المتقى في شرح الملتقى.
217 - مجمع الزوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى 807 ه‍ ط. دارالكتاب العربي. بيروت. ط الثالثة
1402 ه‍ 1989 م.
218 - المجموع في شرح المهذب: للنووي أبو زكريا محيي الدين بن شرف المتوفى 676 ه‍ ط‍ دار الفكر
بيروت.
219 - المحاضرات: للراغب الإصبهاني.
220 - المحدث الفاصل: الرامهرمزي الحسين بن عبد الرحمن المتوفى 360 ه‍ محمد عجاج
الخطيب ط‍ الأولى دار الفكر للطباعة والنشر 1371 ه‍.
221 - المحلى: لابن حزم علي بن أحمد المتوفى 456 ه‍، ط مكتبة الجمهورية القاهرة بإشراف: زيدان
أبو المكارم.
222 - مختصر تاريخ دمشق: لابن منظور محمد بن مكرم المتوفى 711 ه‍ تحقيق إبراهيم الزيبق ط‍ دار
الفكر 1408 ه‍.
223 - المدونة الكبرى: للإمام مالك بن أنس، ط. دار صادر بيروت.
265

224 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان: لليافعي عبد الله بن أسعد المتوفى 768 ه‍، ط دار الكتاب الإسلامي،
القاهرة ط، الثانية 1413 ه‍.
225 - المستدرك على الصحيحين: أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى
504 ه‍ ط‍ دارالمعرفة - بيروت ‍ تحقيق المرعشلي.
226 - المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: لابن الدمياطي أحمد بن ايبك المتوفى 749 ه‍ ط‍ دار الكتب العلمية
- تحقيق قيصر أبو فرح.
227 - مسند أحمد بن حنبل: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل المتوفى 241 ه‍ المكتب الإسلامي، و
دارالصادر، بيروت 1398 ه‍.
228 - مسند أبي يعلى: أحمد بن علي بن المثنى التميمي المتوفى 307 ه‍ ط. ذار المأمون للتراث - دمشق
- بيروت تحقيق حسين سليم أسد، ط الثانية 1410 ه‍ 1989 م.
229 - مسند الحميدي: للحميدي عبد الله بن الزبير المتوفى 219 ه‍، ط، عالم الكتب بيروت ومكتبة
المثنى القاهرة، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
230 - مسند الشهاب: للقضاعي محمد بن سلامة المتوفى 454 ه‍ ط مؤسسة الرسالة بيروت - تحقيق
السلفي - ط - 1405 - ط الاولى.
231 - المسند الجامع لأحاديث الكتب الستة: بشار عواد وآخرون ‍ ط‍ الأولى - دارالجيل ‍ بيروت شركة
المتحدة - الكويت 1413 ه‍.
232 - مشكاة المصابيح: للخطيب التبريزي محمد بن عبد الله المتوفى 737 ه‍ ط.
266

المكتب الإسلامي تحقيق ناصر الدين الألباني ط الثانية 1405 ه‍ 1985 م.
233 - مشكل الآثار: للطحاوي المصري الحنفي محمد بن سلامة المتوفى 321 ه‍ ط. دار الباز دائرة
المعارف النظامية في الهند - حيدر آباد 1333 ه‍.
234 - مصابيح السنة: للبغوي الحسين بن مسعود الشافعي المتوفى 516 ه‍ تحقيق محمد حسن هيتو ط.
الأولى.
235 - المصنف: ابن أبي شيبة أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة المتوفى 235 ه‍ ط‍ دار
التاج بيروت ط‍ الأولى 1414 ه‍.
236 - المصنف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ‍ المتوفى 211 ه‍ ط‍ المكتب الإسلامي ‍ تحقيق ‍
حبيب الرحمن الأعظمي، ط‍ الثانية 3. 14 ه‍.
237 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: لابن طلحة كمال الدين بن محمد بن طلحة الشافعي
المتوفى 652 ه‍ تحقيق ماجد بن أحمد العطية ط. مؤسسة أم القرى 1420 ه‍.
238 - معاني الآثار: للطحاوي أبو جعفر أحمد بن محمد سلامة المتوفى 321 ه‍.
239 - معجم الأدباء: لياقوت الحموي المتوفى 626 ه‍، ط‍. دار المأمون مصر.
240 - معجم الأوسط: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى 360 ه‍، ط‍. مكتبة المعارف ‍
الرياض - تحقيق محمود الطحان ‍ ط‍ الأولى 1415 ه‍ / 1995 م.
241 - معجم البلدان: لياقوت الحموي الرومي البغدادي المتوفى 626 ه‍، ط‍. دار صادر بيروت 1399 ه‍.
242 - معجم الفرق الإسلامية: لشريف يحيى الأمين، ط. دار الأضواء بيروت 1986 م.
267

243 - معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة - ط‍ دار إحياء التراث العربي.
244 - المعجم الكبير: للطبراني سليمان بن أحمد المتوفى 360 ه‍، ط. الدار العربية للطباعة تحقيق
حمدي عبد المجيد السلفي.
245 - المعرفة والتاريخ: للفسوي يعقوب بن سفيان المتوفى 277 ه‍، ط مؤسسة الرسالة تحقيق أكرم
ضياء العمري.
246 - معرفة علوم الحديث: للحاكم النيسابوري محمد بن عبد الله المتوفى 405 ه‍، ط المكتب التجاري
للطباعة والنشر، تحقيق معظم حسين.
247 - المغني في الضعفاء: أبو عبد الله الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان المتوفى 748 ه‍ ط مؤسسة
الرسالة تحقيق شعيب الأرنؤوط.
248 - مقالات الأشعريين: للأشعري أبو الحسن البصري المتوفى 324 ه‍، ط. مكتبة النهضة المصرية،
ط. ثانية 1389 ه‍.
249 - المقنع: لابن الملقن عمر بن علي الأنصاري المتوفى 804 ه‍ تحقيق عبد الله بن يوسف الجديع ط‍
دارفواز للنشر السعودية.
250 - مناقب أبي حنيفة: للخوارزمي موفق بن أحمد المتوفى 568 ه‍ ط الكتاب العربي - بيروت -
1401 ه‍، ط الاولى.
251 - مناقب الشافعي: للبيهقي أحمد بن الحسين المتوفى 458 ه‍، ط دارالتراث القاهرة ط الأولى
1390 ه‍.
268

252 - مناهج المحدثين في رواية الحديث بالمعنى: عبد الرزاق بن خليفة الشايجي ط‍ دار ابن حزم
للطباعة والنشر - بيروت ط‍ 1419 ه‍.
253 - المنتظم: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المتوفى 597 ه‍ ط‍ دار الكتب العلمية بيروت
تحقيق ‍ محمد عبد القادر عطا، ط‍ الأولى 1412 ه‍ 1992 م.
254 - منتهى الآمال شرح حديث إنما الأعمال: للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المتوفى
911 ه‍.
255 - المنخول: للغزالي أبو حامد محمد بن محمد بن محمد، ط. دار الفكر بيروت.
256 - منهاج السنة: لابن تيمية احمد بن عبد الحليم المتوفى 728 ه‍ تحقيق محمد رشاد سالم.
257 - موضح أوهام الجمع والتفريق: للخطيب البغدادي أحمد بن علي المتوفى 463 ه‍، ط
دائرة المعارف العثمانية، تحقيق المعلمي اليماني.
258 - المؤتلف والمختلف: للدار قطني علي بن عمر البغدادي المتوفى 385 ه‍ تحقيق موفق بن عبد الله
ط‍ دار الغرب الإسلامي.
259 - موسوعة فلاسفة ومتصوفة اليهودية: عبد المنعم الحفني ط‍ المكتبة المدبولي.
260 - الموضوعات: لابن الجوزي أبي الفرج عبد الرحمن بن علي المتوفى 597 ه‍.
261 - ميزان الإعتدال: للذهبي محمد بن أحمد المتوفى 748 ه‍، ط دارالمعرفة، بيروت تحقيق
علي محمد البجاوي.
269

262 - النبذ في أصول الفقه الظاهري: لابن حزم علي بن أحمد الأندلسي المتوفى 456 ه‍ ط دار ابن حزم
- بيروت ط‍ الأولى 1413 ه‍.
263 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: لابن تغري يوسف بن تغري الأتابكي المتوفى 784 ه‍، ط
دارالكتب العلمية - القاهرة.
264 - نصب الراية لأحاديث الهداية: للزيلعي جمال الدين عبد الله بن يوسف الحنفي المتوفى 762 ه‍،
ط، دار احياء التراث العربي للطباعة والنشر - بيروت - ط الثانية 1407 ه‍.
265 - نثر الدر: لمنصور بن الحسين الآبي، ط. الهيئة المصرية للكتاب، مصر.
266 - نظرات جديدة في علوم الحديث: د. حمزة عبد الله المليباري ط. المكتبة المكية مكة المكرمة
السعودية ودار ابن حزم ط. الأولى 1416 ه‍ 1995 م.
267 - النكت على ابن الصلاح: لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى 852 ه‍ تحقيق ربيع بن
هادي ط‍ الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
268 - النهاية في غريب الحديث: لابن الأثير مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري
المتوفى 606 ه‍ ت، طاهر أحمد الزاوي محمود محمد الطناجي ط. الأولى.
269 - الوافي بالوفيات: خليل بن ايبك بن عبد الله الصفدي، المتوفى 764 ه‍ ط. هلموت ريتر، جمعية
المستشرقين الألمانية.
270

270 - وفيات الأعيان: لابن خلكان أحمد بن محمد المتوفى 681 ه‍، ط دار صادر - بيروت، تحقيق:
إحسان عباس.
271 - الهداية: للمرغيناني - علي بن أبي بكر الفرغاني المتوفى 593 - المطبوع مع نصب الراية.
272 - هدية العارفين: إسماعيل باشا البغدادي - 1951 م.
273 - هدى الساري: ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي المتوفى 852 ه‍، ط دار الإفتاء المملكة العربية
السعودية.
* * *
271