الكتاب: النص والإجتهاد
المؤلف: السيد شرف الدين
الجزء:
الوفاة: ١٣٧٧
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: تحقيق وتعليق : أبو مجتبى
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٤
المطبعة: سيد الشهداء عليه السلام - قم
الناشر: أبو مجتبى
ردمك:
ملاحظات:

النص والاجتهاد
تأليف
الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي
قدس الله سره
تحقيق وتعليق
أبو مجتبى
تعريف الكتاب 1

الكتاب: النص والاجتهاد
المؤلف: الإمام شرف الدين (قده)
المحقق: أبو مجتبى
الناشر: أبو مجتبى
الطبعة: الأولى 1404 ه‍
الطبع: 2000 نسخة
المطبعة: سيد الشهداء عليه السلام - قم
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين باري الخلائق أجمعين الذي سن لهم أحكاما
وتشريعات تعود عليهم بالنفع في عاجل الدنيا وآجل الآخرة وجعلها طبقا
لمصالح وعلل لا يعلمها إلا هو ومن ارتضاه من رسله وعباده المخلصين.
والصلاة والسلام على منقذ البشرية من الظلمات إلى النور، الذي حلاله
حلال أبدا إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة، الذي لا ينطق
عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله الغر الميامين أمناء الله على دينه
ومهبط وحيه ومعدن رحمته وخزان علمه.. والذين هم منتهى الحلم وأصول
الكرم وقادة الأمم وأولياء النعم وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار وساسة العباد
وأركان البلاد وأبواب الإيمان.، حجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى
المظهرين لأمر الله ونهيه وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره
يعملون.
مقدمة المحقق 3

[الحرية:]
الحرية هو شعار، كثيرا ما دفعته أديان ومذاهب وأحزاب وقوميات و
شخصيات في العصر الحديث وفي العصر القديم وجعل هذا الشعار هدفا و
مقصدا للانسان يسعى لتحقيقه ويتغنى به، وإذا أراد الانسان أن يبحث عن المبدأ
أو الفئة التي أعطت للانسان حريته وسعادته المنشودة لم يجد لها عين ولا أثر
على وجه البسيطة حتى المذاهب التي اتخذت الحرية شعارا أساسا لها
كالرأسمالية الغربية أو الاشتراكية الشرقية والذي يوجد عندها إنما هو لفظ
الحرية ومصداق العبودية بمعنى الكلمة وبما يحمل اللفظ من معنى لهذا رجع
الانسان من هذين المذهبين بل والمذاهب الأخرى الوضعية بخفي حنين إلا
العبودية الذليلة.
الانسان لا يجد حريته وسعادته إلا في الاسلام وهو الدين والمبدأ الوحيد
الذي ضمن للانسان سعادته وحريته الحقيقية في جميع المجالات: المبدأية
والاقتصادية والأخلاقية الفردية والاجتماعية، وهذه هي الحرية التي تعلو به
إلى ما يتناسب مع إنسانيته وكرامته بل وتعلو به إلى أعلى عليين حتى تقربه
من مولاه.
[حرية الفكر في الاسلام:]
من جملة الحريات التي منحها الاسلام للانسان هي حرية الفكر ودعاه
وحثه على التفكر في جميع المجالات بما فيها الكون والحياة والآخرة وما
سوف يؤول إليه وأشار إلى حقيقة قد تخفى على الانسان وهي إن الذي يستفيد
من الكون والحياة ويكون على سبيل نجاة هو الذي يفكر فيما حوله (إن
مقدمة المحقق 4

في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب
الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات
والأرض..) (1).
وأن الذي يأخذ عبرة من ذلك هو الانسان المفكر قال تعالى:
(وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات
لقوم يتفكرون) (2).
وفي الحث على الفكر وحريته فضله على كثير من العبادات فقد روي
عن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله قوله: " فكرة ساعة أفضل من عبادة سنة " (3).
وأرجحية التفكر على العبادة ليس إلا لأن في التفكر ميزة خاصة لا توجد
في كثير من العبادات الجوفاء عن المعرفة والهداية. تلك الميزة هي الوصول
إلى الحقيقة فكم إنسان قد اهتدى إلى الاسلام أو من الفسق والعصيان إلى
الإيمان وخرج من الظلمات إلى النور ومن الشقاء إلى السعادة. لأنه استعمل
فكره وعقله لفترة من الزمن وقد لا تتجاوز الساعات أو الدقائق فيرتبط مصيره
بهذه اللحظات القيمة.
والشواهد على ذلك كثيرة جدا فلنقتبس من باب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله بعضها
قال عليه السلام: " فكرك يهديك إلى الرشاد، ويحدوك على إصلاح المعاد " (4).
وقال أيضا: " لكل شئ دليل ودليل العاقل التفكر " (5).
وقال عليه السلام: مشيرا إلي أنه كل ما كان تفكير الانسان أكثر وأعمق كان صوابه

(1) سورة آل عمران: 190 - 191.
(2) الجاثية: 13.
(3) البحار 71 / 326.
(4) غرر الحكم ص 227.
(5) تحف العقول ص 285.
مقدمة المحقق 5

وقربه إلى الحق أكثر وكل ما قل تفكيره كثر خطائه وقرب نحو الباطل " طول
الفكر يحمد العواقب، ويستدرك فساد الأمور " (1).
وقال عليه السلام: " تفكرك يفيدك الاستبصار ويكسبك الاعتبار " (2).
وقال عليه السلام: " من فكر قبل العمل كثر صوابه " (3).
[المبدأ الأول وحرية الفكر:]
والاسلام حينما دعى إلى حرية الفكر وحث عليه لم يكن ذلك من باب
التسلية والشعار الفارغ وإنما رتب على ذلك الأثر كبقية الحقائق التي يدعو إليها.
فأهم شئ في وجهة نظر الاسلام بل في الوجود ككل هو معرفة المبدأ
الأول المنشئ لهذا الكون بما فيه وهذه الحياة التي يعيشها الانسان على هذا
الكوكب.
فالاسلام ابتدأ مع الانسان من هذه المهمة التي هي أول ما يحتاجه الانسان
ولا يمكن أن يستقل عنها أو ينفصل عن فيضها ولو لحظة واحدة، فنبه الاسلام
الانسان على أنه لا بد له من الاعتراف بوجود الله سبحانه وعدالته من طريق
العقل الحر والتفكير العميق ولا يكفي التقليد فيه وكذلك بقية أصول الدين
كالنبوة والإمامة والمعاد يلزم أن يعترف بها من طريق فكره وأدلتها متوفرة لجميع
الناس مهما اختلفت مستوياتهم ويكتفي من كل بحسب حاله، والآيات والروايات
التي تتحدث كأدلة ليست إلا محض إرشاد وإلا لحصلت المصادرة.
وهذا لا يمنع من أن الاسلام اتخذ موقفا آخر بالنسبة إلى فروع الدين
فقد فسح المجال للتقليد فيها لمن ليس أهلا للنظر والفحص وذلك لكثرتها وتشعب

(1) غرر الحكم ص 208.
(2) غرر الحكم ص 157.
(3) غرر الحكم ص 277.
مقدمة المحقق 6

أدلتها خصوصا مع البعد الزمني عن عصر الرسالة وتوقف النظام الاجتماعي لو
اشتغل الكل بتحصيل كل ما يحتاجه من مسائل الفقه.
[حرية اختيار الاسلام:]
بعد أن عرفنا أن معرفة المبدأ الأول لا بد أن يكون من طريق العقل
وحريته التامة. نعرف أن كل شئ مهما سما فهو دون المولى سبحانه حتى الاسلام
فاختياره يكون بتفكر الانسان وبحثه وتدقيقاته (لا إكراه في الدين قد تبين
الرشد من الغي) وعندما يستعمل عقله فالنتيجة هي الاعتراف بالاسلام ومباديه
لهذا نرى أن الاسلام يعطي الانسان حرية التفكير في بحثه وهو مطمأن أن
النتيجة هو الوصول إلى الحقيقة والواقع وتراه يضع للانسان الداعية الطرق
الحكيمة والخلقية عندما يدعو الانسان غيره ولا يحتاج لأن يستعمل الأساليب
الملتوية من الكذب والغش والبهتان والشتم والتعصب الأعمى (ادعو إلى
سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (1) (ولا
تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) (2).
وإننا على علم ويقين تامين أن الانسان مهما كان إذا استعمل فكره ولم
يتعصب إلى فكرة معينة أو تقليد أعمى لأبويه أو لبيئته التي يعيش فيها أو لحزب
ينتمي إليه أو لمذهب ينتسب إليه وصار موضوعيا في فكره وبحثه وأخلص النية
لله تعالى للحق في هدفه فإنه سوف يصل إلى الحقيقة وتنكشف له كما سوف
يتعرف على الباطل وموارد الاشتباه والالتباس عليه وذلك بعون الله وحسن لطفه
وعنايته.

(1) النحل: 125.
(2) العنكبوت: 46.
مقدمة المحقق 7

[منزلة العقل في الاسلام:]
فإذا عرفنا هذه الأهمية الكبرى للفكر في الاسلام نعرف أهمية العقل في
حياة الانسان وسعادته ووصوله إلى الواقع. فإن العقل أداة الفكر الذي يفكر
بها الانسان وقد وردت النصوص الكثيرة في مدح العقل وجعله حجة على
الناس كما أن الرسل حجة عليهم.
قال الإمام الكاظم عليه السلام:
" يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة. فأما
الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأما الباطنة فالعقول " (1).
بل جعل التمييز بين الخير والشر والنزوع عن الشر إنما هو بالعقل. فقد
روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله:
" إنما يدرك الخير كله بالعقل ولا دين لمن لا عقل له " (2).
وهكذا يتتابع المدح والثناء على العقل وما يلازمه من العلم والتفقه (إنما
يخشى الله من عباده العلماء) (3).
وقال الإمام الكاظم عليه السلام:
" تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة " (4).
وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
" أيها الناس لا خير في دين لا تفقه فيه " (5).

(1) الكافي ج 1 / 16.
(2) تحف العقول ص 44.
(3) فاطر: 28.
(4) تحف العقول ص 302.
(5) البحار ج 70 / 307.
مقدمة المحقق 8

[الموضوعية عند أهل البيت:]
لا نعجب لما نرى أئمة الهدى من آل الرسول صلى الله عليه وآله أن هدفهم هو الوصول
إلى الحق مهما كان طريقه مرا وشائكا وكؤودا وإننا بملاحظة تعاليمهم عليهم السلام
وتربيتهم لأمة جدهم نرى أروع الأمثلة في الموضوعية والتجرد عن التقليد
الأعمى والتعصب الجاهلي فمثلا نقرأ قول الإمام الهادي عليه السلام في مناجاته لربه
وتضرعه إليه:
" اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار
الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي إليك.. ".
فالميزان ليس الحسب أو النسب أو العشيرة أو تقليد الآباء مهما بلغوا في
عظمتهم وشهرتهم بل المقصد هو الوصول إلى الحق سبحانه والقرب إليه من
أي طريق وبأي ثمن وإنما يجب التمسك بالمبدأ المعين إذا كان موصلا إلى الله
تعالى ومقربا نحوه وإلا لا قيمة له، فالإمام الهادي عليه السلام يفترض - وفرض المحال
ليس بمحال - أنه لو وجد شخص أقرب إلى الله من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لوجب
التمسك به، وهذا غاية الموضوعية والاخلاص إلى الله سبحانه.
* * *
وأن الموضوعية في الأبحاث مهما كانت قد تبدو حساسة وشائكة وصعبة
إلا أنها سوف تكون عاملا مساعدا للوحدة ولم شعث الأمة الاسلامية ورص
صفوفها في قبال الكفر العالمي، وأما السكوت عن القضايا المذهبية والخلافية
أو إثارتها بالشتم والكذب والبهتان والتعصب فإنه لن يجدي نفعا للأمة الاسلامية
ووحدتها وعزها وكرامتها، بل يجب أن تتوحد الصفوف وتنصهر وتحابب
القلوب مهما كان بينها من خلاف أو تعدد في المذاهب والأفكار وتكون كالجسد
مقدمة المحقق 9

الواحد يتألم بعضه لبعض لتعود خير أمة أخرجت للناس.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا من جملة الكتب التي تعرض القضايا العلمية
والتاريخية والفقهية والكلامية ويبحثها بحثا موضوعيا بعيدا عن التعصب المذهبي
أو الطائفي بل أعطى للفكر مجاله في مناقشات الأبحاث التي تعرض لها.
وأول ما يلفت انتباهنا هو عنوان الكتاب (النص والاجتهاد) فماذا يراد بهذين
اللفظين وما هو مقدار الصلة والتقابل بينهما.
[النص:]
أصل النص في اللغة: أقصى الشئ وغايته ثم سمي به ضرب من السير
السريع. ونصصت الحديث إلى فلان: رفعته إليه (1).
[وللنص معنيان]
1 - أن يكون في مقابل المجمل أو الغير الظاهر فيكون النص: " ما دل
على معنى غير محتمل للنقيض بحسب الفهم " (2).
وقال صاحب المعارج: " هو الكلام الذي يظهر إفادته لمعناه ولا يتناول
أكثر مما هو مقول فيه " (3).
وهذا المعنى لم يكن محط لنظر المصنف.
2 - النص: المراد به الكتاب الكريم والسنة الشريفة بأقسامها الثلاثة:
أ - قول المعصوم. ب - وفعله. ج - وتقريره.

(1) راجع: الصحاح ولسان العرب.
(2) مجمع البحرين ج 4 / 186.
(3) معارج الأصول ص 105.
مقدمة المحقق 10

فقد أطلق على كل ذلك النص فإذا قيل عنده نص أي أحد هذه الأمور وإذا
قيل لم يكن عنده نص أي هذه الأمور منتفية فيرجع معنى النص إلى أنه:
" الدليل الدال على الحكم الشرعي والثابت عن الشارع من طريق القطع
أو الظن المعتبر سواء كان كتابا أو سنة ".
وهذا هو مراد المصنف كما هو واضح من ثنايا أبحاث الكتاب.
[الاجتهاد:]
والاجتهاد في اللغة مأخوذ من " الجهد " بالضم بمعنى الطاقة وبالفتح
بمعنى المشقة فهو بذل الوسع والطاقة والقيام بعمل ما مع المشقة.
وبهذا المعنى استعمل في القرن الأول الاسلامي فالنصوص التي قد وردت
وتحدثت عن الاجتهاد بناءا على صحة تلك النصوص فالمراد هو الاجتهاد
اللغوي ولم يكن لهم اصطلاح خاص غير المعنى اللغوي.
[في الاصطلاح:]
والاجتهاد في اصطلاح علماء الأصول قد تعدد تعريفه عندهم:
فقد عرفوه: " أنه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي
من الأصل فعلا أو قرة قريبة " كما عرفه البهائي بذلك.
وعرفه الغزالي بأنه: بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة ".
وعرفه ثالث: من أنه " الملكة التي يقتدر بها على ضم الصغريات
لكبرياتها لإنتاج حكم شرعي أو وظيفة عملية شرعية أو عقلية " (2).

(1) راجع كتب اللغة الصحاح ولسان العرب.
(2) الاجتهاد لبحر العلوم والأصول العامة للحكيم، ومقدمة الكتاب للحكيم أيضا.
مقدمة المحقق 11

وغيرها من عشرات التعاريف التي لا تتعدى أنها شرح للإسم وليست
تعاريف لحقيقة الاجتهاد خصوصا بعد تطوره واختلافه من زمن إلى آخر.
[التأويل:]
عرفنا فيما سبق أنه القرن الأول الاسلامي لم يستعمل الاجتهاد كمصطلح
خاص يغاير المعنى اللغوي بل يستعملونه في المعنى اللغوي فقط.
وهم يستعملون مكانه كمصطلح خاص لفظ " التأويل " فالشخص الذي
يرتكب مخالفة للكتاب أو السنة ويراد أن يعتذر عنه أو يصحح عمله يقال له تأول.
وأمثلة ذلك كثيرة في الصدر الأول:
منها: أن خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة عامل رسول الله على
صدقات قومه اعتذر خالد عن فعله وقال للخليفة أبي بكر:
" يا خليفة رسول الله إني تأولت وأصبت وأخطأت " (1).
ومنها: قول أبي بكر جوابا لعمر حين قال: " إن خالدا زنى فارجمه ":
" ما كنت أرجمه فإنه تأول فأخطأ " أو " هبه يا عمر، تأول فأخطأ.. " (2).
وهكذا كانوا يعتذرون لجملة من الصحابة في أعمالهم كإتمام الصلاة في
حال السفر لعائشة وعثمان والحروب التي دارت بين الصحابة (3).
وتطور الاعتذار إلى حد صار إلى كل جريمة ترتكب والمرتكب في نظرهم
مسكوت عنه.

(1) راجع ما يأتي ص 125.
(2) مقدمة مرآة العقول ج 1 / 67، وما يأتي من الكتاب ص 124.
(3) صحيح مسلم باب صلاة المسافر وقصرها، وما يأتي من الكتاب ص 405
و 412.
مقدمة المحقق 12

فقد اعتذر ابن حزم:
عن أبي الغادية قاتل عمار (رض) من أنه متأول مجتهد فحطي له أجر
واحد (1).
مع ما تواتر من قول النبي صلى الله عليه وآله في عمار أنه " تقتله الفئة الباغية " (2).
بل تمادوا في الاعتذار عن أشقى الأولين والآخرين ابن ملجم في الجريمة
التي هزت السماوات والأرض وهي قتله لسيد الوصيين عليه السلام.
اعتذروا لابن ملجم كما اعتذروا ليزيد بن معاوية في قتله لسيد شباب أهل
الجنة ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله وقرة عين الزهراء البتول الإمام الحسين سبط
الرسول عليه السلام (3).
اعتذروا لهم أنهم تأولوا فأخطأوا فلهم أجر واحد.
وإذا رجعنا إلى كتب اللغة في معنى التأويل لرأيناهم يذكرون أن: التأويل
هو بمعنى التفسير. وتفسير ما يأول إليه الشئ (4).
ولكن المعتذرين استعملوه في غير معناه اللغوي بل في الأفعال التي ارتكبت
مخالفة للنصوص الصريحة (5).
[مدرسة الرأي:]
وفي القرن الثاني تطورت أسباب الاعتذار والتبرير من " التأويل " إلى

(1) الفصل لابن حزم، والإصابة ج 4 / 151.
(2) راجع مصادر هذا الحديث في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات.
(3) المحلى لابن حزم ج 10 / 484 والجوهر النقي لابن التركمان بذيل سنن
البيهقي ج 8 / 58 وتاريخ ابن كثير ج 8 / 223.
(4) راجع كتب اللغة الصحاح ولسان العرب.
(5) راجع ما يأتي من أبحاث في الكتاب، ومقدمة مرآة العقول.
مقدمة المحقق 13

الرأي وكانت مدارس الرأي كثيرة ادعى بعضهم وجودها في زمن الصحابة في
الصدر الأول من الإسلام ولكن مدرسة الإمام أبي حنيفة المتوفى 150 ه‍
والمتواجدة في العراق فاقت بقية مدارس الرأي فقد بالغ بالأخذ به كمصدر أساسي
للأحكام الشرعية ودليل قاطع فقد روى الخطيب البغدادي في ترجمة أبي حنيفة
من تاريخ بغداد عن يوسف بن أسباط قال قال أبو حنيفة:
" لو أدركني رسول الله وأدركته لأخذ بكثير من قولي وهل الدين إلا
الرأي الحسن " (1).
ولهذا تشدد في أخذ النصوص من السنة النبوية إلى حد كان يرفض جملة
كبيرة منها، فقد روى الخطيب أيضا عن علي بن عاصم أنه قال:
حدثنا أبا حنيفة عن النبي فقال: لا آخذ به فقال: فقلت: عن النبي فقال:
لا آخذ به وروي أيضا عن أبي إسحاق الفزاري قال:
كنت آتي أبا حنيفة أسأله عن الشئ من أمر الغزو فسألته عن مسألة
فأجاب فيها فقلت له: إنه يروى فيه عن النبي كذا وكذا قال: دعنا عن هذا.
وقال أيضا:
كان أبو حنيفة يجيئه الشئ عن النبي صلى الله عليه وآله فيخالفه إلى غيره (2).
وعلى هذا المبنى فقد أفتى بجملة من الأحكام الشرعية التي توجد كثير من
الروايات على خلافها (3).
والحاصل: أن الرأي في مدرسة أبي حنيفة بل وفي غيرها يساوي الاجتهاد

(1) تاريخ بغداد ج 13 / 387 - 390.
(2) راجع هذه النصوص وغيرها في تاريخ بغداد للخطيب ج 13 / 387 - 390
وكتاب المجروحين لبستي ج 3 / 65 كما في مقدمة مرآة العقول ج 2.
(3) راجع ذلك في كتاب المحلى لابن حزم ج 7 / 81 و 111 و ج 8 / 351 و ج 10
/ 360 وبداية المجتهد ومقدمة مرآة العقول ج 2 / 40 - 46.
مقدمة المحقق 14

وهما بمعنى واحد يقول مصطفى عبد الرزاق:
" فالرأي الذي نتحدث عنه هو الاعتماد على الفكر في استنباط الأحكام
الشرعية وهو مرادنا بالاجتهاد " (1).
وهذا الاجتهاد عندهم على الأقل عدل للكتاب والسنة فكما أنهما مدركان
للأحكام الشرعية كذلك الرأي يقول الدواليبي في تقسيم الاجتهاد إلى ثلاثة:
أولا: البيان والتفسير لنصوص الكتاب والسنة.
ثانيا: القياس على الأشباه في الكتاب والسنة.
ثالثا: الرأي الذي لا يعتمد على نص خاص وإنما على روح الشريعة.. " (2).
ولعل الفقر العلمي الذي حصل لديهم وذلك من أن التلقي للأحاديث ومن
مصدرها قد انقطع بوفاة الرسول صلى الله عليه وآله لهذا مست الحاجة إلى مثل هذه الأمور
بعكسه لمدرسة أهل البيت مثلا التي ترى أن الأئمة عليهم السلام هم استمرار لحركة
الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وهم قد حفظوا جميع آثاره وهم لسانه الناطق فبوجودهم
عليهم السلام لا تحتاج شيعتهم إلى الرأي والقياس وما شاكلهما.
[مدرسة الحديث]
ولما انتشرت مدرسة الرأي خرجت في قبالها مدرسة الحديث وقد أخذت
هذه موقفا عكسيا لمدارس الرأي فقد اعتمدت هذه على ظواهر الحديث
وشجبت جميع القضايا العقلية كالقياس والاستحسان والرأي وتعبدت بظواهر
النصوص وكان من المؤيدين إلى هذه المدرسة الإمام مالك بن أنس ثم تم
تشييدها على يد داود بن علي الظاهري المتوفى سنة 270 ه‍ وسمي بالظاهري

(1) تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ص 138.
(2) المدخل إلى علم أصول الفقه ص 55.
مقدمة المحقق 15

لأنه كان يعتمد على ظواهر الكتاب والسنة ولم يعتمد على الإجماع إلا إذا
اتفق جميع العلماء على الحكم. وهذه المدرسة لم تتمكن من مصارعة مدرسة
الرأي بالرغم من وجود علماء وأنصار لها كابن حزم الأندلسي فقد انقرضت هذه
المدرسة في القرن الثامن الهجري.
[مدرسة أهل البيت:]
إن مدرسة أهل البيت في تلقي الأحكام الإلهية ونشرها لها مميزاتها ومباديها
الخاصة ولها الاستقلالية التامة عن جميع المدارس الأخرى التي حدثت وتعتقد
أن الأحكام الشرعية يجب أن تكون من مصدر إلهي ومن منبع الرسالة المحمدية
لا غير وأن علومهم علوم جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله ولهذا كثيرا ما يكررون ويؤكدون
أن حديثهم هو حديث جدهم سواء أسندوها إليه أم لا، وأنهم لا يقولون بآرائهم بل
علمهم موروث من جدهم إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ثم إلى الحسن ثم الحسين
ثم الأئمة من بعده واحدا بعد واحد فمثلا علوم سيد العترة الإمام أمير المؤمنين
عليه السلام مأخوذة من علم الرسول صلى الله عليه وآله فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله:
" إن الله علم رسول الله الحلال والحرام والتأويل وعلم رسول الله علمه
كله عليا " (1).
و (سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام - الإمام الصادق - عن مسألة فأجابه فيها،
فقال الرجل: أرأيت أن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ فقال له: مه ما
أجبتك من شئ فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله لسنا من أرأيت في شئ " (2).

(1) بصائر الدرجات ص 290 وسائل الشيعة، وراجع ما يأتي في الكتاب من
الأحاديث التي قد وردت عن طريق مدرسة الخلفاء بهذا الصدد ص 568 وغيرها.
(2) الكافي ج 1 / 58.
مقدمة المحقق 16

وفي حديث آخر للإمام الصادق عليه السلام:
" مهما أجبتك فيه بشئ فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله لسنا نقول برأينا من
شئ " (1).
وغيرهما من عشرات الأحاديث في هذا الموضوع التي تؤكد أن
مصدرهم هو جدهم الأعظم.
[موقف مدرسة أهل البيت من الرأي:]
إن مدرسة أهل البيت عليهم السلام وقفت من القياس والرأي والاستحسان موقفا سلبيا
بل ومن الاجتهاد الذي يساوي الرأي وأنكرته أشد الإنكار.
فقد ورد عنهم " أن دين الله لا يصاب بالمقائيس " و " أن دين الله لا يصاب بالقياس "
وقالوا " إن السنة لا تقاس ألا ترى أن امرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها يا أبان
إن السنة إذا قيست محق الدين " (2).
وكان موقف الإمام الصادق عليه السلام من مدرسة الرأي واضحا فقد أنكر على
رائديها وخصوصا أبي حنيفة وقد وصلت عدة مناقشات بين الإمام الصادق وأبي
حنيفة حصلت الغلبة فيها للصادق عليه السلام (3).
وكذلك علماء مدرسة أهل البيت أنكروا العمل بالرأي والاجتهاد الذي
يساويه.
وقد ألفوا الكتب في الرد على من عمل بالرأي أو القياس قبل الغيبة الصغرى

(1) بصائر الدرجات ص 301.
(2) راجع هذه الأحاديث في الكافي ج 1 / 56 و 57.
(3) حلية الأولياء ج 3 / 196 وإبطال القياس لابن حزم ص 71 وسائل الشيعة ج 19
/ 468 باب 44 من أبواب الديات.
مقدمة المحقق 17

وبعدها، فقد صنف عبد الله بن عبد الرحمن الزبيري كتابا أسماه:
" الاستفادة في الطعون على الأوائل والرد على أصحاب الاجتهاد والقياس "
وصنف هلال بن أبي الفتح المدني كتابا في الموضوع باسم: " الرد على من
رد آثار الرسول واعتمد على نتائج العقول " (1).
وكان الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضى ينكرون الاجتهاد
والرأي والقياس والاستحسان وأن هذه الأمور ليست من مذهب الإمامية (2).
ولهذا أنكروا على ابن أبي الجنيد عمله بالقياس إلى حد رفضوا فتاويه
مع أن الشيخ المفيد والسيد المرتضى من كبار المجتهدين.
فيعرف من هذا أن الاجتهاد له مفهومان: مفهوم خاص ومفهوم عام أما
المفهوم الخاص:
للاجتهاد فهو المفهوم الذي يساوي الرأي أو القياس أو الاستحسان يقول
الشافعي.
" في القياس؟ أهو الاجتهاد أم هما مفترقان قلت: هما اسمان بمعنى واحد " (3)
وهذا الاجتهاد هو الذي كانت تأخذ به مدارس الرأي والتي تجعله مصدرا
ودليلا للأحكام الشرعية كالكتاب والسنة، وهذا بعينه الاجتهاد المرفوض لدى
مدرسة أهل البيت وعلمائها رفضا باتا سواء كان في قباله نص صريح أم لا ولعل
بعض الأبحاث التي دار الحديث عنها في داخل الكتاب يكون من مصاديقه.

(1) رجال النجاشي، المعالم الجديدة للأصول ص 24.
(2) المعالم الجديدة ص 25، الذريعة للسيد المرتضى ج 2 / 308، الجواهر ج
40 / 89.
(3) الرسالة للشافعي ص 477.
مقدمة المحقق 18

[المفهوم العام للاجتهاد:]
وهو قريب من المعنى اللغوي إن لم يكن هو فإن هذا الاجتهاد هو أن يقوم
الفقيه بعملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها كالكتاب والسنة فبينما أصبح
الاجتهاد بالمعنى الخاص دليلا يعتمد عليه الشخص حينما يسأل ويقول اجتهادي
كان الاجتهاد بالمعنى العام هو بذل الجهد والطاقة في فهم الحكم الشرعي من
الكتاب أو السنة الشريفة وإن كان قد اختلف العناء والمشقة في استخراج
الحكم من ظاهر الآية أو الرواية فبينما كان في السابق لا يوجد فيها أي عناء
فلا يقال له اجتهاد بينما الآن أصبح العناء فيها شديدا جدا لما يبذله الفقيه من
جهد علمي لتحديد الحكم الشرعي فيصدق عليه أنه مجتهد.
ومع البعد الزمني أصبحت عملية الاستنباط ليست جائزة فحسب بل واجبة
وذلك لتوقف فهم الحكم الشرعي عليها وتحديد الوظيفة العملية للمكلف بها.
وبهذا يفسر موقف جملة من علمائنا الأخيار حيث شجبوا الاجتهاد.
واستدلوا على حرمته بالروايات السابقة وغيرها، فإنه قد حصل اللبس
والخلط بين المعنى الأول التي ترفضه مدرسة أهل البيت والمعنى الثاني التي
توجبه على نحو الكفاية.
[الاجتهاد في قبال النص:]
نعم مدرسة أهل البيت لا تجيز الاجتهاد مطلقا في ما إذا وجد نص على خلافه
بل تلزم بالبحث عن النص قبل الحكم خصوصا مع احتمال وجوده وعلى
هذا بنى المصنف كتابه هذا فإنما هذه الموارد المذكورة يوجد على خلافها
مقدمة المحقق 19

النصوص الصريحة الواضحة والتي كانت منتشرة في البلاد وبين أيديهم الكثير
منهم يعرفونها.
وعلى فرض عدم معرفتها لا بد من الفحص ليتأكد عدم وجود الدليل،
ومن الواضح جدا أن الرسول الأعظم حينما يحدث بحديث قد يكون عنده
شخص أو شخصان أو أكثر لأن أكثرية الصحابة مشغولون بأمورهم وترتيب
نظام اجتماعهم فيلزم بقية الصحابة الذين لم يحضروا وقت الحديث أن يفحصوا
عنه وإلا فلا يحق لهم الحكم بدون ذلك.
* * *
وهذا الكتاب لأهميته في الأوساط العلمية وفائدته الجليلة ولأنه يعالج
بعض القضايا بالرغم من كونها صعبة إلا أنها سوف تعود على الأمة الإسلامية
بالنفع الكثيرة وخدمتها وتوحيد كلمتها ولم شعثها خصوصا وأن مؤلفه الإمام
شرف الدين لم يألوا جهدا في جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم وكتاباته
في مراجعاته وفي فصوله المهمة تدل على ذلك لأجل ذلك وغيره طلب مني بعض
الفضلاء والسادة الأجلة منذ زمن بعيد وتكرر الطلب على أن أحققه وأعلق
عليه وبعد مد وجزر قمت بذلك وتم والحمد لله فأرجو من الله العلي القدير
أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى
الله بقلب سليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قم أبو مجتبى
مقدمة المحقق 20

النص والاجتهاد
تأليف
الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي
قدس الله سره
تحقيق وتعليق
أبو مجتبى
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
[خطبة الكتاب]
الحمد لله الذي اختص عبده ورسوله محمدا بما اختصه به من الكرامة
والمنزلة والزلفى لديه، فعلمه علم ما كان وعلم ما بقي، وآتاه من الفضل ما لم
يؤت أحدا من العالمين، و " الله أعلم حيث يجعل رسالته " فختم به النبوة
والوحي ونسخ بشريعته السمحة ما كان قبلها من شرائعه المقدسة المتعلقة بأفعال
المكلفين (2) فحلال محمد هو الحلال إلى يوم القيامة، وكذلك حرامه وسائر
أحكامه (1)، سواء أكانت تكليفية أم وضعية. وهذا مما أجمع عليه المسلمون

(1) بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد
والأئمة من آله شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء وعلى الصالحين من ذريتهم ومواليهم
في كل خلف ورحمة الله وبركاته (منه قدس).
(2) دون ما كان منها متعلقا بأصول الدين كالتوحيد والعدل والنبوة والبعث والجنة والنار
والثواب والعقاب، فإن هذه وأمثالها مما جاء به آدم وسائر من بعده من الأنبياء حتى
خاتمهم صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين (منه قدس).
(1) مضمون الحديث القائل: حلال محمد حلال إلى يوم القيامة.
وسائل الشيعة ج 18 / 124 ح 47.
1

كافة، كإجماعهم على نبوته صلى الله عليه وآله لم ينبس (1) منهم واحد بكلمة من خلاف
فيه، ولا رتم بها أبدا.
وقد علموا - ولله الحمد - أن الشرائع الإسلامية قد وسعت الدنيا والآخرة
بنظمها وقوانينها وحكمتها في جميع أحكامها وقسطها في موازينها، وأنها
المدنية الحكيمة الرحيمة الصالحة لأهل الأرض في كل مكان وزمان، على
اختلافهم في أجناسهم وأنواعهم وألوانهم ولغاتهم. لم يبق شارع الإسلام
" وهو علام الغيوب جل وعلا " غاية إلا أوضح سبيلها وأقام لأولي الألباب
دليلها، وحاشاه تعالت آلاؤه أن يوكل الناس إلى آرائهم، أو يذرهم
يسرحون في دينه على غلوائهم، بل ربطهم - على لسان عبده وخاتم رسالته -
بحبليه، وعصمهم بثقليه، وبشرهم بالهدى ما إن أخذوا بهديهما، وأنذرهم
الضلال إن لم يتمسكوا بهما، وأخبرهم أنهما لن يفترقا ولن تخلو الأرض
منهما حتى يردا عليه الحوض (2)، فهما معا مفزع الأمة ومرجعها بعد نبيها،
فالمنتهج نهجهما لاحق به، والمتخلف عنهما أو عن أحدهما مفارق له صلى
الله عليه وآله وسلم (3).

(1) أي ما تكلم، وكذا ما نبس ولا رتم (منه قدس).
(2) إشارة إلى حديث الثقلين الآتي مع مصادره تحت رقم - 15 -.
(3) مشيرا إلى قوله صلى الله عليه وآله في القرآن وعترته:
" فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم "
راجع الحديث في:
الصواعق المحرقة ص 148 و 226 ط المحمدية وص 89 و 136 ط الميمنية، مجمع
الزوائد ج 9 ص 163 ط بيروت، كنز العمال ج 1 ص 168 ح 958 ط 2، الدر المنثور
للسيوطي ج 2 ص 60 ط مصر، ينابيع المودة للقندوزي ص 41 و 355 ط الحيدرية وص
37 و 296 ط اسلامبول، الغدير للأميني ج 1 ص 34 و ج 3 ص 80 ط بيروت.
2

مثلهم في هذه الأمة كباب حطة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في
قومه (4)، فليس لأحد - وإن عظم شأنه - أن يتبع غير سبيلهم، (ومن يشاقق
الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى
ونصله جهنم) (5) وليس لأحد أن يحمل من المأثور عن الله تعالى آية أو
عن رسوله سنة إلا على ظاهرهما المتبادر منهما إلى الأذهان، وليس له أن
يحيد عن الظاهر المتبادر فضلا عن المنصوص عليه بصراحة، إلا بسلطان
مبين، فإن كان هناك سلطان يخرج به الظاهر عن ظاهره عمل بمقتضاه، وإلا
فقد ضل وابتدع.
هذا ما عليه الأمة المسلمة - أمة محمد صلى الله عليه وآله - بجميع مذاهبها، فإن
من دينهم التعبد بظواهر الكتاب والسنة، فضلا عن نصوصها الصريحة.
جروا في الأخذ بهما، والعمل على مقتضاهما مجرى أهل العرف من أهل
اللغات كلها، فإن أهل اللغات بأسرهم إنما يحملون ألفاظهم المطلقة على ما
يسبق منها إلى أذهانهم من المعاني، لا يتأولون منها - عند انطلاقها - شيئا،
ولا يحملونها على ما تقتضيه أغراضهم ومصالحهم، شخصية كانت أم عامة.
نعم رأيت - بكل أسف - بعض ساسة السلف وكبرائهم يؤثرون
اجتهادهم في ابتغاء المصالح على التعبد بظواهر الكتاب والسنة ونصوصهما

(4) مشيرا إلى حديث السفينة الآتي تحت رقم (17) فراجع.
(5) أخرج ابن مردويه في تفسير الآية: أن المراد بمشاققة الرسول هنا إنما هي
المشاققة في شأن علي وأن الهدى في قوله بعد ما تبين له الهدى إنما هو شأنه عليه السلام
وأخرج العياشي في تفسيره نحوه، والصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة، في أن
سبيل المؤمنين إنما هو سبيلهم عليهم السلام (منه قدس).
تفسير علي بن إبراهيم القمي ج 1 ص 152 ط النجف، البرهان في تفسير القرآن
ج 2 ص 415 ط طهران.
3

الصريحة يتأولونها بكل جرأة ويحملون الناس على معارضتهما طوعا وكرها
بكل قوة وهذا أمر ليس له قبلة ولا دبرة (1) فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد قال الله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا،
واتقوا الله إن الله شديد العقاب (2)) وقال عز سلطانه: (وما كان لمؤمن ولا
مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص
الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا (3)) (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك
فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (4))
(إنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين،
وما صاحبكم بمجنون (5)) (إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر
قليلا ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين (6))
(وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى) (7).
فنطقه صلى الله عليه وآله كالقرآن الحكيم (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل
من حكيم حميد) (8) فليس لمن يؤمن بهذه الآيات أو يصدق بنبوته صلى الله عليه وآله
أن يحيد عن نصوصه قيد شعرة فما دونها، وما كان القوم كحائدين، وإنما
كانوا كمجتهدين متأولين (وهم يحسبون أنهم يحسنون) فإنا لله وإنا إليه

(1) أي لا يعرف له وجه (منه قدس).
(2) الحشر آية 7.
(3) الأحزاب آية 36.
(4) النساء آية 65.
(5) التكوير آية 19.
(6) الحاقة آية 40.
(7) النجم آية 3.
(8) فصلت آية 42.
4

راجعون.
وإليك في كتابنا هذا (النص والاجتهاد) من موارد تأولهم للنصوص
واجتهادهم في إيثار المصلحة عليها ما تسعه العجالة وضعف الشيخوخة،
وبلابل المحن والإحن ونوائب الزمن، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
وإليه أنيب.
فخذها إليك مائة مورد في فصول سبعة لتسمعن بها ولك بعد ذلك رأيك،
والله الهادي إلى الحق والصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم
الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
5

[الفصل الأول]
[تأول أبي بكر وأتباعه]
[المورد (1) يوم السقيفة]
إذ بسط أبو بكر يده ليبايع بالخلافة عن رسول الله (ص) فبايعه من بايعه
طوعا، وبايعه - بعد ذلك - آخرون كرها (6) مع علمهم جميعا بعهد رسول

(6) وقد تخلف عن بيعة أبي بكر جماعة منهم:
1 - علي بن أبي طالب عليه السلام.
2 - العباس بن عبد المطلب 3 - الفضل بن العباس 4 - عتبة بن أبي لهب
5 - سلمان الفارسي 6 - أبو ذر الغفاري 7 - عمار بن ياسر
8 - المقداد 9 - البراء بن عازب 10 - أبي بن كعب 11 - سعد بن أبي وقاص
12 - طلحة بن عبيد الله 13 - الزبير بن العوام 14 - خزيمة بن ثابت
15 - فروة بن عمرو الأنصاري 16 - خالد بن سعيد بن العاص الأموي
17 - سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع حتى مات في خلافة عمر.
وجماعة من بني هاشم راجع:
العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 259 ط 2 بمصر و ج 2 ص 251 ط آخر و
ج 3 ص 64 ط آخر أيضا، عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 ص 105 ط 3 بيروت، شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 131 - 134 ط 1 بمصر، الغدير للأميني ج 5 ص 370
- 371 و ج 7 ص 76 و 77 ط بيروت، مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 301 ط دار
الأندلس بيروت، أسد الغابة لابن الأثير ج 3 ص 222 ط مصر، تاريخ الطبري ج 3 ص
208 ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 2 ص 325 و 331 ط
دار صادر، تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 103 و 105 ط الغري، سمط النجوم العوالي
للعاصمي المكي ج 2 ص 244 ط السلفية، السيرة الحلبية ج 3 ص 356 ط البهية بمصر.
استعمال القوة والاكراه في البيعة لأبي بكر.
راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 219 و ج 6 ص 9 و 11 و 19
و 40 و 47 و 48 و 49 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و ج 1 ص 74 و ج 2 ص 4 - 19
ط 1، وغيرها.
6

الله صلى الله عليه وآله بها إلى أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب، وقد رأوه وسمعوه
ينص عليه مستمرا في تكرار هذا النص من مبدأ أمره - في نبوته - إلى منتهى
عمره الشريف. ويورده بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.
ومن أراد التفصيل فعليه بكتابنا (المراجعات) (7) إذ استقصينا البحث
ثمة عن تلك النصوص، وعن كل ما هو حولها مما يقوله الفريقان في هذا
الموضوع، تبادلنا ذلك مع شيخنا شيخ الإسلام ومربي العلماء الأعلام الشيخ
سليم البشري المالكي شيخ الجامع الأزهر يومئذ رحمه الله تعالى، أيام كنا
في خدمته (1) وكان إذ ذاك شيخ الأزهر، فعني بي عنايته بحملة العلم عنه،
وجرت بيننا وبينه حول الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ونصوصها مناظرات

(7) وكتابنا (سبيل النجاة في تتمة المراجعات) المطبوع ملحقا بالمراجعات ط
بغداد والطبعة الثانية في بيروت 1402 ه‍.
(1) وذلك سنة 1329 والتي بعدها بعد رجوعنا من الجامعة العلمية في النجف الأشرف (منه قدس).
7

ومراجعات خطية، بذلنا الوسع فيها إيغالا في البحث والتمحيص، وإمعانا فيما
يوجبه الإنصاف والاعتراف بالحق، فكانت تلك المراجعات بيمن نقيبة الشيخ
سفرا من أنفع أسفار الحق، يتجلى فيها الهدى بأجلى مظاهره والحمد لله على
التوفيق (1).
وها هي تلك، منتشرة في طول البلاد وعرضها، تدعو إلى المناظرة
بصدر شرحه الله للبحث، وقلب واع لما يقوله الفريقان، ورأي جميع ولب
رصين، فلا تفوتنكم أيها الباحثون.
نعم لي رجاء أنيطه بكم فلا تخيبوه. أمعنوا في أهداف النبي صلى الله عليه وآله ومراميه من
أقواله وأفعاله. التي هي محل البحث بيننا وبين الجمهور، ولا تغلبنكم العاطفة
على أفهامكم وعقولكم، كالذين عاملوها معاملة المجمل أو المتشابه من القول،
لا يأبهون بشئ من صحتها، ولا من صراحتها، والله تعالى يقول: (إنه لقول
رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم
بمجنون) (8) فأين تذهبون، أيها المسلمون (إن هو إلا وحي يوحى علمه
شديد القوى) (9).
ما رأيت كنصوص الخلافة صريحة متواترة صودرت من أكثر الأمة، والجرح
لما يندمل والنبي لما يقبر.
على أن حياة النبي بعد النبوة كانت مليئة مفعمة بتلك النصوص منذ يوم الإنذار
في دار أبي طالب (10) فما بعده من الأيام حتى سجي صلى الله عليه وآله على فراش الموت

(1) وقد بلغت مائة واثنتي عشرة مراجعة (منه قدس).
(8) سورة التكوير آية: 19 - 22.
(9) سورة الحاقة آية: 3 - 5.
(10) إذا دعا عشيرته الأقربين لينذرهم، وكان آخر كلامه معهم أن أخذ بيد علي
فقال: إن هذا أخي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فلتراجع
المراجعة 20 والتي بعدها من المراجعات (منه قدس).
حديث الدار يوم الإنذار وفيه قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام:
" إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ".
راجع: تاريخ الطبري ج 2 ص 319 - 321 ط دار المعارف بمصر، الكامل في
التاريخ لابن الأثير الشافعي ج 2 ص 62 و 63 ط دار صادر في بيروت، شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد ج 13 ص 210 و 244 وصححه ط مصر بتحقيق أبو الفضل،
السيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج 1 ص 311 ط البهية بمصر، منتخب كنز العمال بهامش
مسند أحمد ج 5 ص 41 و 42 ط الميمنية بمصر، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1
ص 371 ح 514 و 580 ط 1 بيروت، كنز العمال ج 6 ص 392 ط 1 و ج 15 ص 115 ح 334
ط 2، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 1 ص
85 ح 139 و 140 و 141 ط 1 بيروت، حياة محمد لمحمد حسين هيكل ص 104 الطبعة
الأولى سنة 1354 ه‍ وفى الطبعة الثانية وما بعدها من طبعات الكتاب حذف من الحديث
قوله صلى الله عليه وآله: " وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم "! وأكبر شاهد مراجعة الطبعة
الأولى والطبعات الأخرى، جريدة السياسة المصرية لمحمد حسين هيكل ملحق عدد
- 2751 - بتاريخ 12 ذي القعدة 1350 ه‍ ص 5 وص 6 من ملحق عدد: - 2785 - ذكر
الحديث بتمامه، تفسير الخازن ج 3 ص 371 و 390 ط مصر، التفسير المنير لمعالم
التنزيل للجاوي ج 2 ص 118 ط 3، تفسير الطبري ج 19 ص 121 ط 2 ولكن المؤلف أو
الطابع حرف آخر الحديث فحذف قوله صلى الله عليه وآله: " ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم "
وذكر بدله " أن هذا أخي وكذا وكذا!! " فيا للعجب لهذه الأعمال التي تنطوي على
الحقد الدفين والحسد المشين مع أنه ذكر الحديث تاما في تاريخه ج 2 ص 219 كما
تقدم.
وبلفظ آخر: وفيه نزل قوله تعالى: " وأنذر عشيرتك الأقربين " الشعراء: 214
يوجد في:
شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص 372 ح 514 و ج 2 ص 420 ح 580 ط 1
بيروت، مسند أحمد ج 1 ص 111 ط الميمنية بمصر، كفاية الطالب للكنجي الشافعي
ص 204 - 206 ط الحيدرية وص 89 ط الغري، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي
الحنفي ص 38 ط الحيدرية وص 44 ط النجف، كنز العمال ج 6 ص 396 ط 1 و ج 15 ص
113 و 115 ط 2، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 ص 41 و 42 و 43 ط الميمنية
بمصر، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 105 ط اسلامبول وص 122 ط الحيدرية،
تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 119 ط القسطنطنية، الدر المنثور للسيوطي ج 5 ص 97 ط
مصر، تفسير ابن كثير ج 3 ص 351 ط مصر.
وبلفظ ثالث يوجد في:
خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 86 ط الحيدرية وص 30 ط بيروت، نظم
درر السمطين للزرندي الحنفي ص 83 ط النجف، مجمع الزوائد ج 8 ص 302 و ج 9
ص 113 ط القدسي.
ولأجل المزيد من المصادر راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات) تحت رقم
- 711 - ط بيروت.
8

والحجرة غاصة بأصحابه فقال: " أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا
فينطلق بي. وقد قدمت إليكم ألا أني مخلف فيكم كتاب الله عز وجل
وعترتي أهل بيتي ". ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: " هذا علي مع القرآن،
والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض " (11). وكفى بنصوص

(11) يوجد في:
الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص 124 ط المحمدية وص 75 ط الميمنية
بمصر، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 285 ط اسلامبول وص 342 ط الحيدرية.
وقوله صلى الله عليه وآله:
" علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا على الحوض " يوجد
في: المستدرك على الصحيحين للحاكم ج 3 ص 124 وصححه، تلخيص المستدرك
للذهبي مطبوع بذيل المستدرك ج 3 ص 124 وصححه أيضا، المناقب للخوارزمي الحنفي
ص 110 ط الحيدرية وص 107 ط تبريز، المعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 55 ط دار
النصر بالقاهرة، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 399 ط الحيدرية وص 254 ط الغري
مجمع الزوائد ج 9 ص 134 ط القدسي، الصواعق المحرقة ص 122 و 124 ط المحمدية
وص 74 و 75 ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 173 ط السعادة، إسعاف
الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص 157 ط السعيدية وص 143 ط العثمانية،
الغدير للأميني ج 3 ص 180 ط بيروت، نور الأبصار للشبلنجي ص 73 ط السعيدية،
ينابيع المودة للقندوزي ص 40 و 90 و 185 و 237 و 283 و 285 ط اسلامبول وص 44
و 103 و 219 و 281 و 339 و 342 ط الحيدرية و ج 1 ص 38 و 88 و ج 2 ص 10 و 61
و 108 و 110 ط العرفان بصيدا، فيض القدير للشوكاني ج 4 ص 358، الجامع الصغير
للسيوطي ج 2 ص 56 ط الميمنية، الفتح الكبير للنبهاني ج 2 ص 242 ط مصر، غاية
المرام ص 540 (باب) 45 ط إيران، أسنى المطالب للحوت ص 201 ح 898.
10

الثقلين حكما بين الفريقين (12)، وخصائص علي كل نص جلي: (إن في
ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (13).
استأثروا بالأمر يوم السقيفة، متأولين نصوص لا يلوون على شئ، وقد
قضوا أمرهم بينهم بدون أن يؤذنوا به أحدا من بني هاشم وأوليائهم (14)
وهم أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي
والتنزيل، حتى كأنهم عليهم السلام لم يكونوا ثقل رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه وسلم وأعدال كتاب الله عز وجل (15).

(12) سوف تأتي مصادره تحت رقم (15).
(13) سورة ق: 37.
(14) لم يحضر أحد من بني هاشم السقيفة بل كانوا متخلفين راجع المصادر
تحت رقم (6)
(15) إشارة إلى النصوص الصريحة في السنن الصحيحة، التي أنزلت العترة من
منزلة الكتاب فجعلتهما القدوة لأولي الألباب، وقد أخرجها مسلم في صحيحه، وأخرجها
الترمذي والنسائي والإمام أحمد في مسنده والطبراني في الكبير، والحاكم في مستدركه
والذهبي في تلخيص المستدرك، وابن أبي شيبة وأبو يعلى في سننهما، وابن سعد في
الطبقات، وغير واحد من أصحاب السنن بطرق متعددة وأسانيد كثيرة، والتفصيل في
المراجعة 8 من مراجعاتنا (منه قدس).
أقول: إشارة إلى مضمون الحديث المتواتر وهو حديث الثقلين قال (ص):
" يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي
أهل بيتي ".
راجع الحديث في:
صحيح الترمذي ج 5 ص 328 ط بيروت و ج 13 ص 199 ط الصاوي و ج 2 ص
308 ط بولاق بمصر، تفسير ابن كثير ج 4 ص 113 دار أحياء الكتب العربية بمصر،
مصابيح السنة للبغوي ص 206 ط القاهرة و ج 2 ص 279 ط محمد علي صبيح، جامع
الأصول لابن الأثير ج 1 ص 187 ط مصر، مشكاة المصابيح ج 3 ص 258 ط دمشق،
إحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف ص 114 ط الحلبي، الفتح الكبير للنبهاني ج 1
ص 503 و ج 3 ص 385 ط دار الكتب العربية، الشرف المؤبد للنبهاني أيضا ص 18
ط مصر، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 232 ط النجف، ينابيع المودة للقندوزي
الحنفي ص 33 و 45 و 445 ط الحيدرية وص 30 و 41 و 370 ط اسلامبول وبلفظ ثان قال صلى الله عليه وآله:
" إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر،
كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا
على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ".
راجع الحديث في:
صحيح الترمذي ج 5 ص 329 ط دار الفكر بيروت و ج 13 ص 200 ط الصاوي
و ج 2 ص 308 ط بولاق بمصر، نظم درر السمطين للزرندي ص 231 ط النجف، الدر
المنثور للسيوطي ج 6 ص 7 و 306 ط مصر، ذخائر العقبى ص 16 ط القدسي، الصواعق المحرقة
ص 89 ط الميمنية وص 147 و 226 ط المحمدية، أسد الغابة لابن الأثير ج 2 ص 12
ط مصر، المعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 135 ط دار النصر بمصر، ينابيع المودة
للقندوزي الحنفي ص 33 و 40 و 226 و 355 ط الحيدرية وص 30 و 36 و 191 و 296
ط اسلامبول، تفسير ابن كثير ج 4 ص 113 ط مصر، عبقات الأنوار ج 1 من حديث
الثقلين ص 25 ط أصفهان، كنز العمال ج 1 ص 44 ح 874 ط 1 و ج 1 ص 154 ط 2،
الفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 451 ط مصر، تفسير الخازن ج 1 ص 4 ط مصر، مصابيح
السنة للبغوي ج 2 ص 279 ط محمد علي صبيح وص 206 ط الخيرية، جامع الأصول
لابن الأثير ج 1 ص 187 ط مصر، مشكاة المصابيح للعمري ج 3 ص 258 ط دمشق.
وفي لفظ ثالث عن زيد بن ثابت قال:
" قال رسول الله صلى الله عليه وآله إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء
والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يتفرقا حتى يردا على
الحوض ".
راجع: الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ص 28 ح 56.
مسند أحمد بن حنبل ج 5 / 182 و 189 ط 1، فرائد السمطين للحمويني ج 2 /
144 عن زيد بن ثابت قال: قال النبي صلى الله عليه وآله:
" إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي ألا وهما الخليفتان
من بعدي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض ".
وعن أبي سعيد الخدري أيضا:
" إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء
إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض ".
الفضائل لأحمد بن حنبل ص 20 ح 35 ترجمة الحسين و ح 36.
ويوجد هذا الحديث بألفاظ أخرى متعددة ومصادر كثيرة جدا ولأجل المزيد من
الاطلاع راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم - 30 و 31 و 32 و 33 و 34
و 35 و 36 ط في بغداد وبيروت مع المراجعات).
11

وأمان الأمة من الاختلاف (16)

(16) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله: أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتهم
قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس. أخرجه الحاكم في ص 149 من الجزء
3 من المستدرك، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (منه قدس).
والصواعق المحرقة لابن حجر ص 91 و 140 ط الميمنية وص 150 و 234
ط المحمدية وصححه، إحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف ص 114 ط الحلبي
بمصر، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 ص 93 ط الميمنية بمصر، ينابيع
المودة للقندوزي الحنفي ص 298 ط اسلامبول وص 357 ط الحيدرية، جواهر البحار
للنبهاني ج 1 / 361.
ولأجل المزيد من المصادر راجع كتاب (سبيل النجاة في تتمة المراجعات طبع
ملحقا بالمراجعات في بغداد وبيروت تحت رقم - 41 -).
13

وسفينة نجاتها من الضلال (17).
وباب حطتها (18).

(17) إشارة إلى ما أخرجه الحاكم بالإسناد إلى أبي ذر ص 151 من الجزء 3 من
المستدرك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها
نجا ومن تخلف عنها غرق " (منه قدس).
وراجع أيضا: تلخيص المستدرك للذهبي، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي
ص 235 ط النجف، ينابيع المودة للقندوزي ص 30 و 370 ط الحيدرية وص 27 و 308
ط اسلامبول، الصواعق المحرقة ص 184 و 234 ط المحمدية وص 111 و 140
ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص، إسعاف الراغبين للصبان ص 109 ط السعيدية
و 102 ط العثمانية، جواهر البحار ج 1 / 361، الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام
الحسين ص 28 ح 55.
(18) إشارة إلى ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول: إنما مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق،
وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة بني إسرائيل من دخله غفر له (منه قدس).
راجع: كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 378 ط الحيدرية وص 234 ط
الغري، مجمع الزوائد ج 9 ص 168، المعجم الصغير للطبراني ج 2 ص 22 ط دار
النصر بمصر، إحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف ص 113 ط الحلبي، ينابيع
المودة ص 28 و 298 ط اسلامبول وص 30 و 358 ط الحيدرية، رشفة الصادي لأبي بكر
الحضرمي ص 79 ط مصر، الصواعق المحرقة ص 91 ط الميمنية وص 150 ط المحمدية
وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة وإن شئت المزيد فراجع (سبيل النجاة
في تتمة المراجعات تحت رقم - 39 و 40) ففيهما عشرات المصادر.
وفي لفظ آخر يقول صلى الله عليه وآله:
" مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ". يوجد
في: حلية الأولياء ج 4 ص 306 ط السعادة بمصر، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي
الشافعي ص 132 ح 173 و 176 ط 1 بطهران، ذخائر العقبى ص 20 ط القدسي، مجمع
الزوائد ج 9 / 168، إحياء الميت ص 113، الجامع الصغير للسيوطي ج 2 / 132 ط
الميمنية، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 92 ط الميمنية، الفتح الكبير
للنبهاني ج 3 / 123 ط مصر، ينابيع المودة ص 187 و 193 ط اسلامبول وص 221
و 228 ط الحيدرية، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 104 ط مطبعة الزهراء. وغيرها
من المصادر.
14

وكأنهم لم يكونوا من الأمة بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العينين
من الرأس (19)
بل كأنهم إنما كانوا ممن عناهم الشاعر في المثل السائر.

(19) نقل الإمام الصبان في كتابه - إسعاف الراغبين - والشيخ يوسف النبهاني في
- الشرف المؤبد - وغير واحد من الثقات بالإسناد إلى أبي ذر قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا
يهتدي الرأس إلا بالعينين، ومن أراد تفصيل هذه الأحاديث وما يجري مجراها فعليه
بمراجعاتنا، ولا سيما المراجعة 6 وما بعدها حتى المراجعة 13 (منه قدس).
راجع: إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 110 ط السعيدية وص
102 ط العثمانية، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 8 ط الحيدرية، مجمع
الزوائد ج 9 ص 172 ط بيروت، الشرف المؤبد للنبهاني.
15

ويقضى الأمر حين تغيب تيم * ولا يستأذنون وهم شهود (20) -
أجل قضي الأمر في السقيفة ورسول الله صلى الله عليه وآله لقى بين عترته الطاهرة
وأوليائهم ثلاثة أيام، وهم حوله يتقطعون حسرات، ويتصعدون زفرات قد
أخذهم من الحزن ما تنفطر به المرائر، ومن الهم والغم ما يذيب لفائف القلوب
، ومن الرعب والوجل ما تميد به الجبال ومن الهول والفرق ما أطار
عيونهم، وضيق الأرض برحبها عليهم.
وأولئك في معزل عن المسجى ثلاثا - بأبي وأمي - يرهفون لسلطانه
عزائمهم ويشحذون لملكه آراءهم، لم يهتموا في شئ من أمره، حتى
قضوا أمرهم مستأثرين به.
وما أن فاءوا إلى مواراته حتى فاجأوا أولياءه وأحباءه بأخذ البيعة منهم،
أو التحريق عليهم (21) كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته السائرة:

(20) هذا البيت.
(21) تهديدهم عليا بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي، وحسبك ما أخرجه أبو بكر
أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب (السقيفة) كما في ص 130 وفي ص 134
من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي. وأخرجه ابن جرير الطبري في موضعين في
أحداث السنة الحادية عشرة من تاريخ الأمم والملوك. وذكره ابن قتيبة في أوائل كتابه
- الإمامة والسياسة -. وابن عبد ربه المالكي في حديث السقيفة في الجزء الثاني من
العقد الفريد. والمسعودي في مروج الذهب نقلا عن عروة بن الزبير في مقام الاعتذار
عن أخيه عبد الله، إذ هم بالتحريق على بني هاشم حين تخلفوا عن بيعته. وابن الشحنة
حيث ذكر بيعة السقيفة في كتابه (روضة المناظر). وأبو الفداء حيث أتي على ذكر
أخبار أبي بكر في تاريخه الموسوم بالمختصر في أخبار البشر. ورواه الشهرستاني عن
النظام عند ذكره للفرقة النظامية من كتاب - الملل والنحل - ونقله العلامة الحلي في
(نهج الصدق) عن كتاب (المحاسن وأنفاس الجواهر) وغرر ابن خنزابة. وأفرد أبو
مخنف لبيعة السقيفة كتابا فيه التفصيل (منه قدس).
تهديد عمر عليا وفاطمة بالاحراق:
راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 / 12 ط مصر، العقد الفريد لابن عبد
ربه المالكي ج 4 / 259 و 60 ط 2 بمصر، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 /
134 و ج 2 / 19 ط 1 بمصر و ج 2 / 56 و ج 6 / 48 ط مصر بتحقيق أبو الفضل و ج 1 /
157 ط دار الفكر، تاريخ الطبري ج 3 / 202 ط دار المعارف بمصر، الملل والنحل
للشهرستاني ج 1 / 57 ط بيروت، تاريخ أبي الفداء ج 1 / 156، أعلام النساء ج 3 /
1207، تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ج 7 / 164، بحار الأنوار ج 28 / 328 و 339
ط الجديد، الغدير للأميني ج 7 / 77 ط بيروت، عبد الله بن سبأ ج 1 / 108 ط بيروت.
16

وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها -
حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها -
ما كان غير أبي حفص بقائلها * أمام فارس عدنان وحاميها (22) -
فلو فرض أن لا نص بالخلافة على أحد من آل محمد صلى الله عليه وآله، وفرض
كونهم مع هذا غير مبرزين في حسب أو نسب، أو أخلاق، أو جهاد، أو
علم، أو عمل، أو إيمان، أو إخلاص ولم يكن لهم السبق في مضامير كل
فضل، بل كانوا كسائر الصحابة، فهل كان من مانع شرعي أو عقلي أو عرفي،
يمنع من تأجيل عقد البيعة إلى فراغهم من تجهيز رسول الله صلى الله عليه وآله؟؟ ولو
بأن يوكل حفظ الأمن إلى القيادة العسكرية موقتا حتى يستتب أمر الخلافة؟
أليس هذا المقدار من التريث كان أرفق بأولئك المفجوعين؟ وهم وديعة
النبي لديهم، وبقيته فيهم، وقد قال الله تعالى: (لقد جاءكم رسول من
أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) (23)
أليس على حق هذا الرسول - الذي يعز عليه عنت الأمة، ويحرص على

(22) ديوان حافظ إبراهيم.
(23) سورة التوبة: 128.
17

سعادتها، وهو الرؤوف بها الرحيم لها - أن لا تعنت عترته فلا تفاجأ بمثل ما
فوجئت به، - والجرح لما يندمل، والنبي لما يقبر -؟!
وحسبها يومئذ فقد رسول الله صلى الله عليه وآله قارعة تفترش بها القلق، وتتوسد
الأرق، وتساور الهموم، وتسامر النجوم، وتتجرع الغصص، وتعالج البرحاء،
فالتريث الذي قلناه كان أولى بتعزيتها، وأدنى إلى حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله فيها،
وأجمع لكلمة الأمة، وأقرب إلى استعمال الحكمة، ولكن القوم صمموا على
صرف الخلافة عن آل محمد صلى الله عليه وآله مهما كلفهم الأمر، فخافوا من التريث أن
يفضي بهم إلى خلاف ما صمموا عليه، فإن آل محمد إذا حضروا المشورة
ظهرت حجتهم وعلت كلمتهم، فبادر القوم بعقد البيعة، واغتنموا اشتغال
الهاشميين برزيتهم، وانتهزوا انصرافهم بكلهم إلى واجباتهم بتجهيز جنازتهم
المفداة.
وأعان أولئك على ما دبروه دهشة المسلمين وذعرهم، وتزلزل أقدامهم،
واجتماع أكثر الأنصار في السقيفة يرشحون سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج،
لكن ابن عمه بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي وأسيد بن الحضير سيد
الأوس، كانا ينافسانه في السيادة فحسداه على هذا الترشيح وخافا أن يتم له
الأمر، فأضمرا له الحسيكة مجمعين على صرف الأمر عنه بكل ما لديهما من
وسيلة، وصافقهما على ذلك عويم بن ساعدة الأوسي، ومعن بن عدي
حليف الأنصار، وقد كان هذان على اتفاق سري مع أبي بكر وعمر وحزبهما،
فكانا من أولياء أبي بكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانا مع ذلك ذوي
بغض وشحناء لسعد بن أبي عبادة، فانطلق عويم إلى أبي بكر وعمر مسرعا
فشحذ عزمهما لمعارضة سعد، وأسرع بهما إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة،
وسالم مولى أبي حذيفة، ولحقهم آخرون من حزبهم من المهاجرين.
18

فاحتدم الجدال بين المهاجرين والأنصار، واشتدت الخصومة حتى
ارتفعت أصواتهم بها وكادت الفتنة أن تقع، فقام أبو بكر بكلام أثنى فيه على
الأنصار، واعترف لهم بالجميل خاطبا ودهم بلين ورقة، واحتج عليهم: بأن
المهاجرين شجرة رسول الله وبيضته التي تفقأت عنه، ورشحهم للوزارة إذا
تمت للمهاجرين الإمارة، ثم أخذ بضبعي عمر وأبي عبيدة فأمر المجتمعين
بمبايعة أيهما شاؤوا، وما أن فعل ذلك حتى تسابق إلى بيعته عمر وبشير، وما
أن بايعاه حتى تبارى إلى بيعته أسيد بن الحضير، وعويم بن ساعدة، ومعن
بن عدي، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولي أبي حذيفة، وخالد بن
الوليد (24) واشتد هؤلاء على حمل الناس على البيعة بكل طريق، وكان
أشدهم في ذلك عمر، ثم أسيد وخالد وقنفذ (1) بن عمير بن جدعان
التميمي (25) وما بويع أبو بكر حتى أقبلت به الفئة التي بايعته تزفه إلى مسجد

(24) ولأجل المزيد من المصادر راجع:
كتاب عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 82 - 132.
(1) كان هؤلاء مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمة عليها السلام وحسبك ما هو
منقول عنهم في ص 19 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي. وروى أحمد بن عبد
العزيز الجوهري - كما في ص 130 من المجلد الأول من شرح النهج - قال: لما بويع
أبو بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي وهو في بيت فاطمة
فخرج عمر حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله ما من أحد من الخلق أحب
إلينا من أبيك، ومنك بعد أبيك وأيم الله ما هذا بما نعى أن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن
آمر بتحريق البيت عليهم. (الحديث) (منه قدس).
(25) استعمال القوة والاكراه في البيعة لأبي بكر:
راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 219 و ج 6 / 9 و 11 و 19
و 40 و 47 و 48 و 49 ط مصر بتحقيق أبو الفضل و ج 1 / 74 و ج 2 / 4 - 19 ط 1
بمصر.
19

رسول الله صلى الله عليه وآله زفاف العروس (26) والنبي صلى الله عليه وآله ثمة لقي بين أولئك
المولهين والمولهات من الطيبين والطيبات، فما وسع أمير المؤمنين عليه
السلام حينئذ إلا التمثيل بقول القائل؟
وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا * ويطغون لما غال زيدا غوائل (27) -
وكان عليه السلام على علم من تصميم القوم على صرف الأمر عنه، وأنه
لو نازعهم فيه لنازعوه، ولو قاتلهم عليه لقاتلوه، وأن ذلك يوجب التغرير في
الدين والخطر بالأمة، فاختار الكف احتياطا على الإسلام، وإيثارا للصالح
العام، وتقديما للأهم على المهم، عهد معهود من رسول الله صلى الله عليه وآله. صبر أمير
المؤمنين على تنفيذه وفي العين قذى، وفي الحلق شجى (1). نعم قعد في بيته
ساخطا مما فعلوه، حتى أخرجوه كرها (28) احتفاظا بحقه المعهود به إليه

(26) نص على زفافه الزبير بن بكار في الموفقيات كما في ص 8 من المجلد الثاني
من شرح النهج (منه قدس). و ج 6 / 19 ط مصر بتحقيق أبو الفضل.
(27) نقل تمثله بهذا البيت أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب
- السقيفة - كما في ص 5 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي (منه قدس).
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 6 / 14 بتحقيق أبو الفضل.
(1) وتفصيل هذه الأمور كلها في رسالتنا - فلسفة الميثاق والولاية - وحسبك
المراجعة 82 و 84 من كتابنا - المراجعات - فإن فيهما من التفصيل ما يثلج الغليل.
وكذلك التنبيه المعقود في الفصل الثامن من - فصولنا المهمة - فراجع (منه قدس).
(28) أخرج أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة - كما في ص 19 من المجلد
الثاني من شرح النهج الحميدي - عن الشعبي حديثا قال فيه: فانطلق عمر وخالد بن
الوليد إلى بيت فاطمة فدخل عمر ووقف خالد على الباب، فقال عمر للزبير: ما هذا
السيف؟ قال: أعددته لأبايع عليا. قال وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد وجمهور
الهاشميين، فاخترط عمر السيف وضرب به صخرة في البيت فكسره ثم أخرجوا الزبير
إلى خالد ومن معه، وكان معه جمع كثير أرسلهم أبو بكر ردءا لعمر وخالد، ثم قال
عمر لعلي: قم فبايع. فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده فقال: قم، فأبى فحملوه ودفعوه إلى
خالد كما دفعوا الزبير وساقهما عمر ومن معه من الرجال سوقا عنيفا، واجتمع الناس
ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، فلما رأت فاطمة ما صنع عمر صرخت
وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها
ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله. والله لا أكلم عمر حتى
ألقي الله، (الحديث)، ومن استقصى ما كان منهم يومئذ تجلت له الحقيقة في قول أبي
بكر عند موته: وددت أني لم أكشف عن بيت فاطمة ولو أغلق على حرب.
وأخرج أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة أيضا من حديث أبي لهيعة عن أبي
الأسود: أن عمر وأصحابه اقتحموا الدار وفاطمة تصيح وتناشدهم الله، وأخرجوا عليا
والزبير يسوقهما عمر سوقا، وأخرج أبو بكر الجوهري: أن عمر جاء إلى بيت فاطمة في
رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى
البيعة أو لأحرقن البيت عليكم، فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف، فاجتمعوا عليه حتى
ندر السيف من يده، فضرب به عمر الحجر فكسره، ثم أخرجهم بتلابيبهم يسوقهم سوقا
عنيفا. (الحديث)، فراجعه في ص 19 من المجلد الثاني من شرح النهج، وكل ما
ذكرناه هنا تجده هناك (منه قدس).
إخراج الإمام أمير المؤمنين (ع) كرها لأجل البيعة:
راجع: العقد الفريد ج 4 / 335 ط لجنة التأليف والنشر في مصر و ج 2 / 285
ط آخر، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 / 415 ط أفست بيروت و ج 6 / 11
و 48 ط مصر بتحقيق أبو الفضل.
20

واحتجاجه على من استبد به (29) وما أبلغ حجته إذ قال مخاطبا لأبي بكر:
فأن كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولي بالنبي وأقرب -

(29) مطالبة الإمام (ع) بحقه واحتجاجه عليهم:
راجع: نهج البلاغة للإمام علي راجع الخطبة برقم: 2 و 3 و 6 و 26 و 87 و
143 و 149 و 166 و 167 و (باب الكلام) برقم: 71 و 161 و (باب الحكم) برقم:
21، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 138 و 205 و 223 و ج 2 / 20 و ج
6 / 384 و ج 9 / 84 و 132 و 241 و 305 و 306 و 307 و ج 11 / 109 و ج 16 /
148 و ج 18 / 132 ط مصر بتحقيق أبو الفضل، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 /
144 ط مصطفى محمد و ج 1 / 155 و 156 ط الحلبي و ج 1 / 134 ط سجل العرب،
تاريخ الطبري ج 4 / 236 ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ ج 3 / 74 ط دار
صادر، السقيفة والخلافة لعبد الفتاح عبد المقصود ص 15 - 17.
وراجع: الاحتجاج للطبرسي ج 1 و ج 2 ط النجف، بحار الأنوار للعلامة المجلسي
ج 28 باب - 4 - ص 175 وما بعدها ط الجديد، تلخيص الشافي للشيخ الطوسي ج
3 / 47 - 57 ط النجف.
وإن شئت المزيد من المصادر في ذلك فراجع كتابنا (سبيل النجاة في تتمة
المراجعات رقم: 631 و 633 و 634 و 635 و 636 و 892 و 898 و 899 و 900
و 901 و 902 و 903 و 904 و 905 و 906 و 907 و 908 و 909 و 110 طبع في
بغداد وبيروت مع المراجعات).
وكذلك أهل البيت وغيرهم احتجوا على القوم في أمر الخلافة راجع مصادر
ذلك في (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم: 911 - إلى - 925 و 829
و 625).
21

وإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب (1) -

(1) البيتان في نهج البلاغة، وقد علق عليهما كل من الشيخ محمد عبده وعبد
الحميد بن أبي الحديد في شرحيهما تعليقة يجدر بالباحثين أن يقفوا عليها، وقد نبهنا
إلى ذلك فيما علقناه عليهما حيث أوردناهما في المراجعة 80 من كتاب - المراجعات -
وللعباس بن عبد المطلب احتجاج على أبي بكر كأنه مأخوذ من هذين البيتين، وذلك إذ قال له
في كلام دار بينهما: فإن كنت برسول الله طلبت، فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين
طلبت، فنحن متقدمون فيهم، وإن كان هذا الأمر إنما يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا
كارهين. وقال له مرة أخرى - كما في ص 1 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي -
أما قولك نحن شجرة رسول الله، فإنما أنتم جيرانها ونحن أغصانها أه‍.
وهذا مضمون قول أمير المؤمنين: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة. وقال الفضل
ابن العباس - فيما رواه الزبير بن بكار في الموفقيات كما في ص 8 من المجلد الثاني
من شرح النهج الحميدي -: يا معشر قريش، وخصوصا يا بني تيم، إنما أخذتم الخلافة
بالنبوة ونحن أهلها دونكم ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا
أعظم من كراهتهم لغيرنا، حسدا منهم لنا، وحقدا علينا، وإنا لنعلم أن صاحبنا عهدا هو
ينتهي إليه ا ه‍، وقال عتبة ابن أبي لهب - كما في مختصر أبي الفداء، وآخر صفحة
8 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن -
أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعلم الناس بالقرآن والسنن -
وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له بالغسل والكفن -
من فيه ما فيهم لا يمترون به * وليس في القوم ما فيه من الحسن -
ماذا الذي ردهم عنه فنعلمه * ها أن ذا غبن من أعظم الغبن -
قال الزبير بن بكار - إذ نقل عنه هذه الأبيات في الموفقيات -: فبعث إليه على
فنهاه وأمره أن لا يعود. وقال عليه السلام: سلامة الدين أحب إلينا من غيرها. وروى
الزبير في الموفقيات أيضا - كما في ص 7 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي -
أن أبا سفيان بن حرب مر بالبيت الذي فيه على فوقف وأنشد:
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم * ولا سيما تيم بن مرة أو عدى -
فما الأمر إلا فيكم وإليكم * وليس لها إلا أبو حسن على -
أبا حسن فاشدد بها كف حازم * فإنك بالأمر الذي يرتجى ملى -
فلم يكن لكلامه أثر عند على، وكان مما قاله: إن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلى عهدا
فأنا عليه. قال الزبير: فتركه أبو سفيان وعدل إلى العباس بن عبد المطلب في منزله فقال:
يا أبا الفضل أنت لها أهل وأحق بميراث ابن أخيك، أمدد يدك لأبايعك، فضحك العباس
وقال: يدفعها علي ويطلبها العباس؟! فخرج أبو سفيان خائبا ا ه‍ (منه قدس).
22

وقد كانت بيعتهم فلتة، وقى الله المسلمين شرها كما زعموا (30)، لكن
تلك الوقاية إنما كانت على يد أمير المؤمنين بصبره على الأذى، وغمضه على
القذى، وتضحيته حقه في سبيل حياة الإسلام، فجزاه الله عن الإسلام وأهله
خير جزاء المحسنين.

[الفلتة:]
(30) قال أبو بكر: " إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها وخشيت الفتنة.. "
راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 132 و ج 2 / 19 ط 1 و ج 1 / 311
ط مكتبة دار الحياة و ج 2 / 50 و ج 6 / 47 ط مصر بتحقيق أبو الفضل و ج 1 / 154
ط بيروت، أنساب الأشراف للبلاذري ج 1 / 590 ط مصر.
وقال عمر:
" إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها.. " يوجد في:
صحيح البخاري ك الحدود باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ج 8 / 26 ط
دار الفكر على ط استانبول و ج 8 / 210 ط مطابع الشعب و ج 8 / 208 ط محمد على
صبيح و ج 4 / 179 ط دار إحياء الكتب و ج 4 / 119 ط المعاهد و ج 4 / 125 ط الشرفية
و ج 8 / 140 ط الفجالة و ج 4 / 110 ط الميمنية و ج 8 / 8 ط بمبي و ج 4 / 128 ط الخيرية
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 123 و 124 ط 1 و ج 2 / 23 و 26 و 29
ط مصر بتحقيق أبو الفضل و ج 1 / 292 ط مكتبة دار الحياة و ج 1 / 144 ط دار الفكر
بيروت، السيرة النبوية لابن هشام ج 4 / 226 ط دار الجيل وص 338 ط آخر، النهاية
لابن الأثير ج 3 / 466 ط بيروت، تاريخ الطبري ج 3 / 205 ط دار المعارف، الكامل
في التاريخ ج 2 / 327 ط دار صادر، الصواعق المحرقة ص 5 و 8 ط الميمنية وص 8
و 12 ط المحمدية، تاج العروس ج 1 / 568، لسان العرب ج 2 / 371، تاريخ الخلفاء
للسيوطي ص 67، السيرة الحلبية ج 3 / 360 و 363.
ولأجل المزيد من المصادر راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم:
826).
24

[المورد (2) -:]
يوم حضرت أبا بكر الوفاة، إذ عهد بالخلافة إلى عمر، وي. وي.
(فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا
ضرعيها) (31) وي. وي. كأن الرجل يملك الآخر عن مالكه! فعهد به إلى
من أراد لا يخشى عقابا، ولا حسابا، ولا عتابا، وي. وي كأنه نسي أو تناسى
عهد النبي بالخلافة عنه صلى الله عليه وآله إلى علي (32)؟! ثم من بعده إلى الأئمة من ولده
أحد الثقلين الذين لا يضل من تمسك بهما ولا يهتدي إلى الحق من لم ينتهج في الدين
نهجهما عدل القرآن في الميزان لن يفترقا حتى يردا عليه صلى الله عليه وآله الحوض (33).
وهم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وكباب حطة

(31) من خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام المسمات بالشقشقية وهي الخطبة
الثالثة من كتاب نهج البلاغة.
(32) نصوص الخلافة من النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام كثيرة جدا حتى بلغت حد
التواتر فراجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي
ج 1 / 77 ح 124 و 126 و 139 و 140 و 249 ط 1 بيروت، كفاية الطالب للكنجي
الشافعي ص 187 ط الحيدرية وص 79 ط الغري، المناقب للخوارزمي الحنفي ص 89
و 90، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 200 ح 238 و 313،
ذخائر العقبى ص 71، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 / 206 ح 269 وص 157
ح 211، الغدير للأميني ج 5 / 365.
وراجع حديث الدار يوم الإنذار وحديث الغدير وحديث الثقلين وحديث السفينة
وغيرها من عشرات بل مئات النصوص في ذلك.
وإن شئت المزيد من البحث والتنقيب عن الحقيقة فراجع:
كتاب الغدير للأميني وكتاب المراجعات لشرف الدين وكتاب سبيل النجاة في تتمة
المراجعات والعبقات ودلائل الصدق وإحقاق الحق للتستري وغيرها من عشرات المصادر.
(33) تقدم حديث الثقلين مع مصادره تحت رقم - 15 - فراجع.
25

من دخله غفر له (34).
وأمان أهل الأرض من العذاب، وأمن الأمة من الاختلاف [في الدين]
فإذا خالفتهم قبيلة اختلفت فصارت حزب إبليس (35) إلى آخر ما اقتضته
النصوص الصريحة، التي أوجبت لهم الحق بالخلافة عن رسول الله " ص "
على جميع الخلق، وقد أوردنا طائفة منها في كتاب - المراجعات -
فلتراجع (1).
[المورد (3) -]
غزوة مؤتة، وكانت في جمادي الأولى سنة ثمان استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله
على الجيش فيها زيد بن حارثة وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب،
فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، هذا ما يقوله جمهور المسلمين كافة،
ولعل الصواب ما يقوله أصحابنا الإمامية، إن الأول من هؤلاء الأمراء إنما هو جعفر
والثاني إنما هو زيد وثالثهم عبد الله بن رواحة وأخبارنا في هذا متظافرة من
طريق العترة الطاهرة (36).

(34) تقدم الحديث مع مصادره تحت رقمي - 17 و 18 - فراجع.
(35) تقدم الحديث مع مصادره تحت رقم 16 - فراجع.
(1) تجدونها في المراجعة 8 ص 20 (من الطبعة الثالثة) فما بعدها إلى منتهى
المراجعة 14 وقد احتدم النزاع في هذه المراجعات بيني وبين شيخ الإسلام البشري رحمه الله
تعالى، حتى قال في آخر ما كتبه إلى في هذا الموضوع: صعدت في كتابك الأخير نظري
وصوبته، فلمعت من مضامينه بوارق نجمك ولاحت لي أشراط فوزك. قلت: " والحمد
لله رب العالمين النجح والفوز " (منه قدس).
(36) الأمير الأول في مؤتة هو جعفر الطيار:
راجع: بحار الأنوار للمجلسي ج 1 / 55، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب
ج 1 / 205، إعلام الورى بأعلام الهدى ص 110 ط 2، أعيان الشيعة ج 2 / 324، تاريخ
اليعقوبي ج 2 / 65 ط دار صادر، دراسات وبحوث في التاريخ والاسلام ج 1 / 210،
كتاب سليم بن قيس ص 188 ط النجف، قاموس الرجال ج 6 / 40.
26

ويشهد لهذا ما رواه محمد بن إسحاق في مغازيه عن كل من حسان بن ثابت
وكعب بن مالك الأنصاريين من شعرهما في رثاء جعفر ومدحه إذ استشهد (37)
وكيف كان الواقع من ترتيب رسول الله لهؤلاء الأمراء الثلاثة فقد نص صلى الله عليه وآله
على تأمير زيد (38)، سواء أكان الأول منهم، أم كان الثاني، وسمعه الجيش وسائر
الصحابة يؤمره فلا وجه لطعن الطاعنين منهم بعد ذلك في تأميره (39) إلا إذا
جاز الاجتهاد من غير المعصوم، في مقابل النص من المعصوم.
وكان السبب في هذه الغزوة أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث من أصحابه الحرث
بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتاب يدعوه فيه إلى الله تعالى ورسوله
وطاعتهما ليكون من المسلمين له ما لهم، وعليه ما عليهم، فعرض له شرحبيل

(37) وقد أورد ابن أبي الحديد من شعرهما في هذا الموضوع في 607 والتي
بعدها من المجلد الثالث من شرح النهج. فليراجع (منه قدس).
المغازي لمحمد بن إسحاق، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 15 / 62 -
64 ط مصر بتحقيق أبو الفضل، ديوان حسان بن ثابت ج 1 / 98 ط دار صادر، السيرة
النبوية لابن هشام ج 2 / 384 - 387، البداية والنهاية ج 4 / 260 - 261، السيرة
الدحلانية ج 2 / 72، الإصابة ج 1 / 238، أعيان الشيعة ج 2 / 324 - 325، مقاتل
الطالبين ص 15، تهذيب ابن عساكر ج 1 / 150 - 151، دراسات وبحوث في التاريخ
والاسلام ج 1 / 212، الدرجات الرفيعة ص 77 - 78.
(38) تأمير زيد: ولا خلاف فيه راجع:
الكامل في التاريخ ج 2 / 234، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 15 / 61 و 62
تاريخ الطبري ج 3 / 36 و 40.
(39) وسوف يأتي تحت رقم (49) فراجع.
27

بن عمرو، فقال له: أين تريد؟ فقال الشام. قال: لعلك من رسل محمد؟ قال
نعم. فأمر به فأوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه. ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وآله
رسول غيره. وبلغ رسول الله ذلك فبعث هذا البعث (40)، وأمر عليه الأمراء
الثلاثة، ورتبهم حسب ما أسلفناه.
أرسل صلى الله عليه وآله هذا البعث، والبعث الآخر مع أسامة بن زيد لفتح الشام
فوقرت بهما مهابة الإسلام والمسلمين في الصدور، وامتلأت صدور الروم
هيبة وإجلالا بما رأته من رباطة الجأش وصدق اللقاء، والتفاني في الفتح،
والمسابقة إلى الموت في سبيله من كلا الجيشين.
ولله ذو الجناحين جعفر بن أبي طالب إذ اشتد بمن معه وهم ثلاثة آلاف
على عدوه هرقل وهو في مئتي ألف (41) وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وبارد شرابها -
والروم روم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها -
علي إذ لاقيتها ضرابها -
فلما اشتد القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم فقطعت
يداه وقتل. وكان جعفر أول من عقر فرسه في الإسلام، فوجدوا به بضعا

(40) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 15 / 61، السيرة الحلبية ج 3 / 77
ط مصطفى محمد.
(41) مئة ألف من الروم ومئة ألف من المستعربة من لخم وجذام وغيرهما. كما
في كامل ابن الأثير وغيره (منه قدس).
جعفر في ثلاثة آلاف وعدوه في مائة ألف:
راجع: الكامل في التاريخ ج 2 / 234 و 235، تاريخ الطبري ج 3 / 37، السيرة
النبوية لابن هشام ج 2 / 373 و 375، بحار الأنوار ج 21 / 55، السيرة الحلبية ج 3 /
77.
28

وثمانين جرحا بين رمية وضربة وطعنة (42).
ويؤثر عن رسول الله (1) أنه صلى الله عليه وآله قال: مر بي جعفر البارحة في نفر من
الملائكة له جناحان مخضب القوادم بالدم (43).
ولله موقف زيد بن حارثة وقد شاط في رماح القوم أعلى الله مقامه كما
شرف في الدنيا ختامه. وما أشرف موقف عبد الله بن رواحة إذ يشجع نفسه في
مقابلة مئتي ألف من عدوه فيقول:
يا نفس إن لم تقتلي تموتي * هذا حمام الموت قد صليت -
وما تمنيت فقد أعطيت * إن تفعلي فعلهما هديت -
وقال: أقسمت يا نفس لتنزلنه * طائعة أو لا لتكرهنه -
إن أجلب الناس وشدوا الرنة * مالي أراك تكرهين الجنة -
قد طالما قد كنت مطمئنة * هل أنت إلا نطفة في شنة -
ثم نزل عن فرسه وأتاه ابن عم له بعرق من لحم، فقال له: شد بهذا
صلبك فقد لقيت ما لقيت. فأخذه فانتهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية
العسكر فقال لنفسه: وأنت في الدنيا؟. ثم ألقاه وأخذ سيفه وتقدم فقاتل حتى
قتل (44).

(42) الكامل في التاريخ 2 / 236 مع تغيير يسير في اللفظ، تاريخ الخميس
ج 2 / 71، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 378.
(1) كما في غزوة مؤتة من كامل ابن الأثير وغيره من كتب الحديث والأخبار.
ولذا كان لقبه عند المسلمين كافة ذا الجناحين (منه قدس).
(43) الكامل 2 / 238، تاريخ الطبري 3 / 41.
(44) مقتل زيد بن حارثة:
راجع: الكامل 2 / 236 - 237، شرح النهج لابن أبي الحديد 15 / 69 -
70، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 379، تاريخ الطبري 3 / 39 - 40، تاريخ الخميس
ج 2 / 71 - 72.
29

وكان بعض المسلمين من هذا الجيش - إذ علم أن عدوهم الناهد إليهم
مئتا ألف - رأى أن يخبر رسول الله بذلك، فشجعهم عبد الله بن رواحة (على
المضي) بقوله:
" والله ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين،
الذي أكرمنا الله تعالى به، فانطلقوا فما هي إلا إحدى الحسنيين. أما ظهور
وأما شهادة " فقال الناس: صدق والله (45) وساروا فما ضعفوا وما استكانوا،
إن هذا والله لهو الشرف، يعلو جناح النسر، ويزحم منكب الجوزاء، أجل،
إنما هو الإيمان بالله ورسوله، فيا ليتنا كنا معهم فنفوز فوزا عظيما.
[المورد - (4) - سرية أسامة ابن زيد:]
إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد اهتم بهذه السرية اهتماما عظيما فأمر أصحابه
بالتهيؤ لها وحضهم على ذلك، ثم عبأهم بنفسه الزكية، إرهافا لعزائمهم،
واستنهاضا لهممهم، فلم يبق أحدا من وجوه المهاجرين والأنصار، كأبي بكر

(45) راجع: شرح النهج لابن أبي الحديد 15 / 67، تاريخ الطبري 3 / 38،
السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 375، بحار الأنوار ج 21 / 56 و 61، السيرة الحلبية
ج 3 / 77.
30

وعمر (46) وأبي عبيدة وسعد وأمثالهم إلا وقد عبأه بالجيش (1) وكان

(46) أجمع أهل السير والأخبار على أن أبا بكر وعمر كانا في الجيش، وأرسلوا ذلك
في كتبهم إرسال المسلمات وهذا ما لم يختلفوا فيه. فراجع ما شئت من الكتب المشتملة
على هذه السرية، كطبقات ابن سعد وتاريخي الطبري وابن الأثير والسيرة الدحلانية
وغيرها لتعلم ذلك.
وقد أو رد الحلبي ذكر هذه السرية في الجزء الثالث من سيرته حكاية طريفة
نوردها بعين لفظه. قال: إن الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى أياس بن معاوية،
الذي يضرب به المثل في الذكاء. وهو صبي ووراءه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة
فقال المهدي: أف لهذه العثانين - أي اللحى - أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا
الحدث! ثم التفت إليه المهدي وقال: كم سنك يا فتى؟ فقال أطال الله بقاء أمير المؤمنين
سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله جيشا فيه أبو بكر وعمر. فقال:
تقدم بارك الله فيك. (قال الحلبي): وكان سنه سبع عشرة سنة، أه‍ (منه قدس).
أبو بكر وعمر في جيش أسامة:
راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 190 و ج 4 / 66، تاريخ اليعقوبي ج 2 /
93 ط الغري و ج 2 / 74 ط بيروت، الكامل لابن الأثير ج 2 / 317، شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد ج 1 / 53 و ج 2 / 21 ط 1 و ج 1 / 159 و ج 6 / 52 بتحقيق أبو الفضل،
سمط النجوم العوالي للعاصمي ج 2 / 224، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة
الحلبية ج 2 / 339، كنز العمال ج 5 / 312 ط 1 و ج 10 / 570 ط حلب، منتخب كنز
العمال بهامش مسند أحمد ج 4 / 180، عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 71، أنساب الأشراف
للبلاذري ج 1 / 474، تهذيب ابن عساكر ج 2 / 391، أسد الغابة ج 1 / 68، السيرة
الحلبية ج 3 / 234، تاريخ أبي الفداء ج 1 / 156 ذكر عمر في السرية، مقدمة مرآة
العقول ج 1 / 58 و 59.
(1) كان عمر يقول لأسامة: مات رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت على أمير. نقل ذلك عنه
جماعة من الأعلام كالحلبي في سرية أسامة من سيرته الحلبية، وغير واحد من المحدثين
والمؤرخين (منه قدس).
31

ذلك لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشر للهجرة، فلما كان من الغد دعا
أسامة فقال له:
" سر إلى موضع قتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش،
فاغز صباحا على أهل أبني (1) وحرق عليهم، وأسرع السير لتسبق الأخبار،
فأن أظفرك الله عليهم، فأقل اللبث فيهم، وخذ معك الادلاء، وقدم العيون
والطلائع معك " (47).
فلما كان يوم الثامن والعشرين من صفر بدأ به صلى الله عليه وآله مرض الموت،
فحم - بأبي وأمي - وصدع، فلما أصبح يوم التاسع والعشرين ووجدهم
مثاقلين، خرج إليهم فحضهم على السير، وعقد صلى الله عليه وآله اللواء لأسامة بيده
الشريفة تحريكا لحميتهم، وإرهافا لعزيمتهم، ثم قال: " اغز باسم الله وفي
سبيل الله، وقاتل من كفر بالله " (48) فخرج بلوائه معقودا، فدفعه إلى بريدة
وعسكر بالجرف، ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا مع ما وعوه ورأوه من النصوص
الصريحة في وجوب إسراعهم كقوله صلى الله عليه وآله: اغز صباحا على أهل أبني،
وقوله: وأسرع السير لتسبق الأخبار إلى كثير من أمثال هذه الأوامر التي لم

(1) أبني، بضم الهمزة وسكون الباء ثم نون مفتوحة بعدها ألف مقصورة، ناحية
بالبلقاء من أرض سوريا، بين عسقلان والرملة، وهي قرب مؤتة التي استشهد عندها
جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين في الجنة عليه السلام، وزيد بن حارثة وعبد الله بن
رواحة رضي الله عنهما (منه قدس).
(47) الرسول صلى الله عليه وآله يحث على مسير جيش أسامة:
راجع: المغازي للواقدي ج 3 / 1117، السيرة الحلبية ج 3 / 207 ط البهية
و ج 3 / 234 ط مصطفى محمد، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية
ج 2 / 339، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 190.
(48) السيرة الحلبية ج 3 / 234.
32

يعملوا بها في تلك السرية.
وطعن قوم منهم في تأمير أسامة، كما طعنوا من قبل في تأمير أبيه، وقالوا
في ذلك، فأكثروا مع ما شاهدوه من عهد النبي له بالإمارة، وقوله صلى الله عليه وآله له
يومئذ: فقد وليتك هذا الجيش، ورأوه يعقد له لواء الإمارة: - وهو محموم -
بيده الشريفة، فلم يمنعهم ذلك من الطعن في تأميره، حتى غضب صلى عليه
وآله وسلم من طعنهم غضبا شديدا، فخرج - بأبي وأمي - معصب الرأس (1)
مدثرا بقطيفته محموما ألما، وكان ذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع
الأول، قبل وفاته - بأبي وأمي - بيومين (فيما يرويه الجمور) فصعد المنبر
فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال - فيما أجمع أهل الأخبار على نقله، واتفق
الخاصة والعامة من أولي العلم على صدوره منه صلى الله عليه وآله:
" أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم
في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله إن كان لخليقا
بالإمارة، وأن ابنه من بعده لخليق بها (49) " وحضهم على المبادرة إلى السير
فجعلوا يودعونه ويخرجون إلى العسكر بالجرف وهو يحضهم على التعجيل،
ثم ثقل - بأبي وأمي - في مرضه، فجعل يقول: " جهزوا جيش أسامة،

(1) كل من ذكر هذه السرية من المحدثين وأهل السير والأخبار نقل طعنهم في
تأمير أسامة، وأنه صلى الله عليه وآله غضب غضبا شديدا فخرج على الكيفية التي ذكرناها فخطب
الخطبة التي أوردناها، فراجع سرية أسامة من طبقات ابن سعد، وسيرتي الحلبي والدحلاني
وغيرهما من المؤلفات في هذا الموضوع (منه قدس).
(49) راجع المغازي للواقدي ج 3 / 1119، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 190،
شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 / 53 ط 1 و ج 1 / 159 ط مصر بتحقيق أبو الفضل
السيرة الحلبية ج 3 / 207 و ج 3 / 234 ط آخر، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش
الحلبية ج 2 / 339، عبد الله بن سبأ ج 1 / 70، كنز العمال ج 10 / 572 - 573، منتخب
كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 / 182.
33

أنفذوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة، يكرر ذلك " (50) وهم مثاقلون.
فلما كان يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول دخل أسامة من معسكره
على النبي صلى الله عليه وآله فأمره بالسير قائلا له: " أغد على بركة الله تعالى " (51)
فودعه وخرج إلى المعسكر، ثم رجع ومعه عمر وأبو عبيدة فانتهوا إليه
- بأبي وأمي - وهو يجود بنفسه، فتوفي - روحي وأرواح العالمين له الفداء -
في ذلك اليوم، فرجع الجيش باللواء إلى المدينة الطيبة، ثم عزموا على إلغاء
البعث بالمرة، وكلموا أبا بكر في ذلك وأصروا عليه غاية الاصرار (52).
مع ما رأوه من اهتمام النبي صلى الله عليه وآله في إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل
إرساله، ونصوصه المتوالية في الاسراع به، على وجه يسبق الأخبار، وبذله
الوسع في ذلك منذ عبأه بنفسه، وعهد إلى أسامة في أمره، وعقد لواءه بيده
إلى أن احتضر - بأبي وأمي - فقال: " أغد على بركة الله تعالى " كما سمعت
ولولا الخليفة لأجمعوا يومئذ على رد البعث وحل اللواء، لكنه أبى عليهم
ذلك فلما رأوا منه العزم على إرسال البعث، جاءه عمر بن الخطاب حينئذ

(50) الرسول يأمر بتنفيذ جيش أسامة:
راجع: كنز العمال ج 10 / 573، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 /
182.
(51) الرسول صلى الله عليه وآله يأمر أسامة بالذهاب إلى الحرب:
راجع: المغازي للواقدي ج 3 / 1120، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 191
السيرة الحلبية ج 3 / 208 و ج 3 / 235 ط آخر، السيرة النبوية الدحلانية بهامش الحلبية
ج 2 / 340، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 / 53 ط 1 و ج 1 / 160 بتحقيق أبو الفضل
كنز العمال ج 10 / 574.
(52) محاولة التراجع عن الغزو مع أسامة:
راجع: الكامل ج 2 / 334 - 335، كنز العمال ج 10 / 575، منتخب كنز
العمال بهامش مسند أحمد ج 4 / 183، السيرة الحلبية ج 3 / 236.
34

يلتمس منه بلسان الأنصار أن يعزل أسامة ويولي غيره.
هذا ولم يطل العهد منهم بغضب النبي وانزعاجه من طعنهم في تأمير
أسامة، ولا بخروجه من بيته بسبب ذلك محموما ألما، معصبا مدثرا، يرسف
في مشيته، ورجله لا تكاد تقله مما كان به من لغوب، فصعد المنبر وهو يتنفس
الصعداء، ويعالج البرحاء، فقال: " أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في
تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة، لقد طعنتم في تأميري أباه من
قبله، وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق بها " (53).
فأكد صلى الله عليه وآله الحكم بالقسم وإن، وإسمية الجملة، ولام
التأكيد ليقلعوا عما كانوا عليه فلم يقلعوا، لكن الخليفة أبى أن يجيبهم إلى
عزل أسامة، كما أبى أن يجيبهم إلى إلغاء البعث، ووثب فأخذ بلحية عمر (1)
فقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب، استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وتأمرني
أن أنزعه! " (54).
ولما سيروا الجيش - وما كادوا يفعلون - خرج أسامة في ثلاثة آلاف
مقاتل فيهم ألف فرس (2) وتخلف عنه جماعة ممن عبأهم رسول الله صلى الله عليه وآله في

(53) كما تقدم تحت رقم - 49 -.
(1) نقله الحلبي والدحلاني في سيرتهما، وابن جرير الطبري في أحداث سنة
11 من تاريخه، وغير واحد من أصحاب الأخبار (منه قدس).
(54) بين أبي بكر وعمر:
راجع: تاريخ الطبري ج 3 / 226، الكامل في التاريخ ج 2 / 335، السيرة الحلبية
ج 3 / 209 و ج 3 / 236 ط آخر، السيرة النبوية بهامش الحلبية ج 2 / 340.
(2) فشن الغارة على أهل أبني فحرق منازلهم وقطع نخلهم وأجال الخيل في
عرصاتهم وقتل من قتل منهم وأسر من أسر، وقتل يومئذ قاتل أبيه. ولم يقتل - والحمد
لله رب العالمين - من المسلمين أحد. وكان أسامة يومئذ على فرس أبيه وشعارهم يا منصور
أمت - وهو شعار النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر - وأسهم للفارس سهمين وللراجل سهما واحدا
وأخذ لنفسه مثل ذلك (منه قدس).
35

جيشه، وقد قال صلى الله عليه وآله - فيما أورده الشهرستاني في المقدمة الرابعة من كتاب
الملل والنحل - " جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه " (55).
وقد تعلم أنهم إنما تثاقلوا عن السير أولا، وتخلفوا عن الجيش أخيرا،
ليحكموا قواعد ساستهم، ويقيموا عمدها ترجيحا منهم لذلك على التعبد بالنص
حيث رأوه أولى بالمحافظة، وأحق بالرعاية، إذ لا يفوت البعث بتثاقلهم عن
السير، ولا بتخلف من تخلف منهم عن الجيش، أما الخلافة فإنها تنصرف
عنهم لا محالة إذا انصرفوا إلى الغزوة قبل وفاته صلى الله عليه وآله.
وكان - بأبي وأمي - أراد أن تخلو منهم العاصمة فيصفو الأمر من بعده
لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب على سكون وطمأنينة، فإذا رجعوا وقد
أبرم عهد الخلافة وأحكم لعلي عقدها، كانوا عن المنازعة والخلاف أبعد.
وإنما أمر عليهم أسامة وهو ابن سبع عشرة سنة (56) ليا لاعنة البعض
وردا لجماح أهل الجماح منهم، واحتياطا من الأمن في المستقبل من نزاع
أهل التنافس لو أمر أحدهم كما لا يخفى لكنهم فطنوا إلى ما دبر صلى الله عليه وآله، فطعنوا

(55) راجع: الملل والنحل للشهرستاني الشافعي ج 1 / 23 أفست دار المعرفة
في بيروت و ج 1 / 20 بهامش الفصل لابن حزم أفست دار المعرفة.
(56) على الأظهر وقيل كان ابن سنة 18 وقيل ابن 19 أو 20 سنة ولا قائل بأكثر من ذلك
(منه قدس).
أسامة عمره - 17 - سنة وهو أمير على شيوخ الصحابة:
راجع: السيرة الحلبية ج 3 / 234، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير
ج 1 / 64، الإصابة لابن حجر ج 1 / 46، الإستيعاب لابن عبد البر بذيل الإصابة ج 1
/ 34.
36

في تأمير أسامة، وتثاقلوا عن السير معه فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق
النبي بربه، فهموا حينئذ بالغاء البعث وحل اللواء تارة، وبعزل أسامة أخرى،
ثم تخلف منهم عن الجيش وفي أولهم أبو بكر وعمر (57).
فهذه خمسة أمور في هذه السرية، لم يتعبدوا فيها بالنصوص الجلية، إيثارا
لرأيهم في الأمور السياسية، وترجيحا لاجتهادهم فيها على التعبد بنصوصه صلى الله عليه وآله
اعتذر عنهم شيخ الإسلام البشري في بعض مراجعاتنا معه فقال: " نعم
كان رسول الله عليه السلام قد حضهم على تعجيل السير في غزوة أسامة،
وأمرهم بالإسراع كما ذكرت، وضيق عليهم في ذلك حتى قال لأسامة حين
عهد إليه: اغز صباحا على أهل أبني، فلم يمهله إلى المساء، وقال له: أسرع
السير فلم يرض منه إلا بالإسراع، لكنه عليه السلام تمرض بعد ذلك بلا فصل
فثقل حتى خيف عليه، فلم تسمح نفوسهم بفراقه وهو في تلك الحال، فتربصوا
ينتظرون في الجرف ما تنتهي إليه حاله.
وهذا من وفور إشفاقهم عليه، وولوع قلوبهم به، ولم يكن لهم مقصد
في تثاقلهم إلا انتظار إحدى الغايتين، أما قرة عيونهم بصحته، وأما الفوز
بالتشرف بتجهيزه، وتوطيد الأمر لمن يتولى عليهم من بعده، فهم معذورون

(57) ولا كان في بعث ابن زيد مؤمرأ * عليه ليضحى لابن زيد مؤمرا -
ولا كان يوم الغار يهفو جنانه * حذارا ولا يوم العريش تسترا -
ولا كان معزولا غداة براءة * ولا في صلاة أم فيها مؤخرا -
فتى لم يعرق فيه تيم ابن مرة * ولا عبد اللات الخبيثة أعصرا -
إمام هدى بالقرص آثر فاقتضى * له القرص رد القرص أبيض أزهرا -
يزاحمه جبريل تحت عباءة * لها قيل كل الصيد في جانب الفرا -
لابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي (منه قدس)
تخلف أبي بكر وعمر عن جيش أسامة معلوم بالوجدان بعد أن دل عليه التاريخ.
37

في هذا التربص، ولا جناح عليهم فيه.
وأما طعنهم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من
النصوص قولا وفعلا على تأميره، فلم يكن منهم إلا لحداثته، مع كونهم
بين كهول وشيوخ، ونفوس الكهول والشيوخ تأبى - بجبلتها - أن تنقاد إلى
الأحداث، وتنفر - بطبعها - من النزول على حكم الشبان، فكراهتهم لتأميره
ليست بدعا منهم، وإنما كانت على مقتضى الطبع البشري، والجبلة الآدمية.
وأما طلبهم عزل أسامة بعد وفاة الرسول، فقد اعتذر عنه بعض العلماء
بأنهم ربما جوزوا أن يوافقهم الصديق على رجحان عزله، لاقتضاء المصلحة
- بحسب نظرهم - لذلك.
(قال): والإنصاف إني لا أعرف وجها يقبله العقل في طلبهم عزله، بعد
غضب النبي من طعنهم في تأميره، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا
منددا بهم في خطبته تلك على المنبر التي كانت من الوقائع التاريخية الشائعة
بينهم، وقد سارت كل مسير، فوجه معذرتهم بعدها لا يعلمه إلا الله تعالى.
وأما عزمهم على إلغاء البعث، وإصرارهم علي الصديق في ذلك مع ما
رأوه من اهتمام النبي في إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه
المتوالية في ذلك، فإنما كان منهم احتياطا على عاصمة الإسلام أن يتخطفها
المشركون من حولهم إذا خلت من القوة، وبعد عنها الجيش، وقد ظهر النفاق
بموت النبي عليه السلام، وقويت نفوس اليهود والنصارى، وارتدت طوائف
من العرب، ومنع الزكاة طوائف أخرى، فكلم الصحابة سيدنا الصديق في
منع أسامة من السفر فأبي وقال: والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن ابدأ
بشئ قبل إنفاذ أمر رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا ما نقله أصحابنا
عن الصديق، وأما غيره فمعذور فيما أراد من رد البعث، إذا لم يكن له مقصد
38

سوى الاحتياط على الإسلام.
وأما تخلف أبي بكر وعمر وغيرهما عن الجيش حين سار به أسامة،
فإنما كان لتوطيد الملك الاسلامي، وتأييد الدولة المحمدية، وحفظ الخلافة
التي لا يحفظ الدين وأهله يومئذ إلا بها.
وأما ما نقلتموه عن الشهرستاني في كتاب الملل والنحل، فقد وجدناه
مرسلا غير مسند، والحلبي والسيد الدحلاني في سيرتيهما قالا: لم يرد فيه
حديث أصلا، فإن كنت سلمك الله تروي من طريق أهل السنة حديثا في ذلك
فدلني عليه أشكرك " (58).
قلنا في جواب الشيخ: " سلمتم - سلمكم الله تعالى - بتأخرهم في سرية
أسامة عن السير، وتثاقلهم في الجرف تلك المدة، مع ما قد أمروا به من
الاسراع والتعجيل.
وسلمتم بطعنهم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا
وفعلا على تأميره.
وسلمتم بطلبهم من أبي بكر عزله، بعد غضب النبي صلى الله عليه وآله من طعنهم في
إمارته، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا، منددا بهم في خطبته تلك
على المنبر التي قلتم إنها كانت من الوقائع التاريخية، وقد أعلن فيها كون
أسامة وأبيه أهلا للإمارة.
وسلمتم بطلبهم من الخليفة إلغاء البعث الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وحل
اللواء الذي عقده بيده الشريفة، مع ما رأوه من اهتمامه في إنفاذه، وعنايته
التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في وجوب ذلك.

(58) المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين ص 370 - 371 في مراجعة
- 91 - الطبعة الثانية في بيروت.
39

وسلمتم بتخلف بعض من عبأهم صلى الله عليه وآله في ذلك الجيش، وأمرهم بالنفوذ
تحت قيادة أسامة.
سلمتم بكل هذا كما نص عليه أهل الأخبار: واجتمعت عليه كلمة المحدثين
وحفظة الآثار، وقلتم أنهم معذورون في ذلك، وحاصل ما ذكرتموه من عذرهم
أنهم إنما آثروا في هذه الأمور مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم، لا بما
أوجبته النصوص النبوية، ونحن ما ادعينا - في هذا المقام - أكثر من هذا.
وبعبارة أخرى، موضوع كلامنا إنما هو في أنهم أهل كانوا يتعبدون في
جميع النصوص أم لا؟ اخترتم الأول، ونحن اخترنا الثاني. فاعترافكم الآن
بعدم تعبدهم في هذه الأوامر يثبت ما اخترناه، وكونهم معذورين أو غير
معذورين، خارج عن موضوع البحث كما لا يخفى.
وحيث ثبت لديكم إيثارهم في سرية أسامة مصلحة الإسلام بما اقتضته
أنظارهم على التعبد بما أوجبته تلك النصوص، فلم لا تقولون إنهم آثروا في
أمر الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد
بنصوص الغدير وأمثالها؟!.
اعتذرتم عن طعن الطاعنين في تأمير أسامة بأنهم إنما طعنوا بتأميره
لحداثته مع كونهم بين كهول وشيوخ، وقلتم: إن نفوس الكهول والشيوخ
تأبى بجبلتها وطبعها أن تنقاد إلى الأحداث فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لم
يتعبدوا بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي وهو شاب على كهول الصحابة
وشيوخهم، لأنهم - بحكم الضرورة من أخبارهم - قد استحدثوا سنه يوم
مات رسول الله صلى الله عليه وآله كما استحدثوا سن أسامة يوم ولاه صلى الله عليه وآله عليهم في تلك
السرية، وشتان بين الخلافة وإمارة السرية. فإذا أبت نفوسهم بجبلتها أن تنقاد
للحدث في سرية واحدة، فهي أولى بأن تأبى أن تنقاد للحدث مدة حياته في
40

جميع الشؤون الدنيوية والأخروية.
على ما ذكرتموه " من أن نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبيعتها من
الانقياد للأحداث " فممنوع إن كان مرادكم الإطلاق في هذا الحكم، لأن
نفوس المؤمنين من الشيوخ الكاملين في إيمانهم لا تنفر من طاعة الله ورسوله
في الانقياد للأحداث، ولا في غيره من سائر الأشياء (فلا وربك لا يؤمنون
حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت
ويسلموا تسليما) (59) (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (60)
" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة
من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " (61).
أما الكلمة المتعلقة فيمن تخلف عن جيش أسامة التي أرسلها الشهرستاني
إرسال المسلمات، فقد جاءت في حديث مسند أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد
العزيز الجوهري في كتاب السقيفة، أنقله لك بعين لفظه، قال:
" حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح عن أحمد بن يسار عن سعيد بن
كثير الأنصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وآله
في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين
والأنصار منهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن
عوف، وطلحة، والزبير وأمره أن يغير على مؤتة حيث قتل أبوة زيد وإن
يغزو وادي فلسطين فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله
في مرضه يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث، حتى قال له أسامة

(59) سورة النساء: 65.
(60) سورة الحشر: 7.
(61) سورة الأحزاب: 36.
41

بأبي أنت وأمي: أتأذن لي أن أمكث أياما حتى يشفيك الله تعالى.
فقال: اخرج وسر على بركة الله.
فقال: يا رسول الله إن أنا خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي
قلبي قرحة.
فقال: سر على النصر والعافية.
فقال: يا رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان.
فقال: انفذ لما أمرتك به.
ثم أغمي على رسول الله صلى الله عليه وآله، وقام أسامة فتجهز للخروج، فلما أفاق
رسول الله صلى الله عليه وآله سأل عن أسامة والبعث، فأخبر أنهم يتجهزون، فجعل يقول:
أنفذوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عنه، وكرر ذلك، فخرج أسامة واللواء
على رأسه، والصحابة بين يديه. حتى إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر
وعمر وأكثر المهاجرين، ومن الأنصار أسيد بن خضير وبشير بن سعد وغيرهم
من الوجوه، فجاءه رسول أم أيمن يقول له: ادخل فإن رسول الله يموت،
فقام من فوره فدخل المدينة واللواء معه فجاء به حتى ركزه بباب رسول الله،
ورسول الله قد مات في تلك الساعة " انتهى بعين لفظه (62)
وقد نقله جماعة من المؤرخين، منهم العلامة المعتزلي في آخر ص 20
والتي بعدها من المجلد الثاني من شرح نهج البلاغة، طبع مصر (63)
[المورد - (5) - سهم المؤلفة قلوبهم:]
وذلك أن الله تعالى فرض في محكم كتابه العظيم للمؤلفة قلوبهم سهما

(62) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 6 / 52.
(63) المراجعات مراجعة - 92 - ص 372 - 374 ط الثانية في بيروت مع
سبيل النجاة في تتمة المراجعات.
42

في الزكاة إذ يقول عز وجل (1): (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين
عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل
فريضة من الله والله عليم حكيم).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي المؤلفة قلوبهم هذا السهم من الزكاة وهم
أصناف، فمنهم إشراف من العرب كان صلى الله عليه وآله يتألفهم ليسلموا فيرضخ لهم،
ومنهم قوم أسلموا ونياتهم ضعيفة فيؤلف قلوبهم بإجزال العطاء، كأبي سفيان،
وابنه معاوية، وعيينة بن حصن، والأقرع ابن حابس، وعباس بن مرداس
ومنهم من يترقب - بإعطائهم - إسلام نظرائهم من رجالات العرب، ولعل
الصنف الأول كان يعطيهم الرسول صلى الله عليه وآله من سدس الخمس الذي هو خالص
ماله، وقد عد منهم من كان يؤلف قلبه بشئ من الزكاة على قتال الكفار (64)
هذه سيرته المستمرة مع المؤلفة قلوبهم منذ نزلت الآية الحكيمة عليه صلى الله عليه وآله
حتى لحق بالرفيق الأعلى، ولم يعهد إلى أحد من بعده بإسقاط هذا السهم
إجماعا من الأمة المسلمة كافة وقولا واحدا.
لكن لما ولي أبو بكر جاء المؤلفة قلوبهم لاستيفاء سهمهم هذا جريا على
عادتهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله فكتب أبو بكر لهم بذلك، فذهبوا بكتابه إلى
عمر ليأخذوا خطه عليه فمزقه وقال: لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام
وأغنى عنكم، فإن أسلمتم وإلا السيف بيننا وبينكم، فرجعوا إلى أبي بكر،
فقالوا له: أنت الخليفة أم هو؟. فقال: بل هو إن شاء الله تعالى وأمضى ما

(1) هي الآية 61 من سورة التوبة (منه قدس).
(64) المؤلفة قلوبهم من قبل الرسول صلى الله عليه وآله:
راجع: تفسير القرطبي ج 8 / 179 - 180، فتح القدير للشوكاني ج 2 / 355،
الدر المنثور للسيوطي ج 3 / 251.
43

فعله عمر (65).
فاستقر الأمر لدى الخليفتين، ومن يرى رأيهما من منع المؤلفة قلوبهم
من سهمهم هذا، وصرفه إلى من عداهم من الأصناف المذكورين في الآية.
ولبعض فضلاء الأصوليين هنا كلام يجدر بنا نقله وتمحيصه لما في ذلك
من الفوائد.

(65) تجد هذه القضية بألفاظها في كتاب الجوهرة النيرة على مختصر القدوري في
الفقه الحنفي ص 164 من جزئه الأول. وقد ذكرها غير واحد من أثباتهم في مناقب
الخليفتين وخصائصهما.
وكم لعمر من قضايا تشبه قضيته هذه، فمنها ما ذكره المؤرخون إذ قالوا: جاء
عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر فقالا له: إن عندنا أرضا سبخة ليس
فيها كلا ولا منفعة قال رأيت أن تقطعناها لعل الله ينفع بها بعد اليوم فقال أبو بكر لمن
حوله: ما تقولون؟ فقالوا: لا بأس فكتب لهم كتابا بها، فانطلقا إلى عمر ليشهد لهم ما فيه،
فأخذه منهم ثم تفل فيه فمحاه، فتذمرا وقالا له مقالة سيئة، ثم ذهبا إلى أبي بكر وهما
يتذمران. فقالا: والله ما ندري أأنت الخليفة أم عمر؟!. فقال: بل هو، وجاء عمر حتى
وقف على أبي بكر وهو مغضب. فقال: أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين أهي
لك خاصة أم بين المسلمين؟؟ فقال: بل بين المسلمين. فقال: ما حملك على أن تخص
بها هذين؟ قال: استشرت الذين حولي. فقال: أو كل المسلمين وسعتهم مشورة ورضى؟
فقال أبو بكر (رضي): فقد كنت قلت لك إنك أقوى على هذا الأمر مني لكنك غلبتني.
نقل هذه القضية ابن أبي الحديد في الجزء الثاني عشر من شرح النهج في ص
108 من المجلد الثالث. والعسقلاني في ترجمة عيينة من إصابته وغيرهما.
وليتهما يوم السقيفة وسعا كل المسلمين مشورة، ويا حبذا لو تأنيا حتى يفرغ بنو
هاشم من أمر النبي صلى الله عليه وآله ليحضروا الشورى، فإنهم أولى الأمة بذلك (منه قدس).
عمر يمنع سهم المؤلفة:
راجع: تفسير المنار ج 10 / 496، الدر المنثور للسيوطي ج 3 / 252.
44

قال الأستاذ المعاصر الدواليبي (1) في كتابه - أصول الفقه (2) -: " ولعل
اجتهاد عمر رضي الله عنه في قطع العطاء الذي جعله القرآن الكريم للمؤلفة
قلوبهم كان في مقدمة الأحكام التي قال بها عمر تبعا لتغير المصلحة بتغير الأزمان
رغم أن النص القرآني في ذلك الذي لا يزال ثابتا غير منسوخ إيثارا لرأيه
الذي أدى إلى اجتهاده " فتأمل فيما قال، ثم أمعن فيما يلي من كلامه.
قال: " والخبر في هذا إن الله سبحانه وتعالى فرض في أول الإسلام،
وعندما كان المسلمون ضعافا، عطاءا يعطى لبعض من يخشى شرهم ويرجى
خيرهم تألفا لقلوبهم، وذلك في جملة من عددهم القرآن لينفق عليهم من أموال
بيت المال الخاص بالصدقات. فقال: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن
السبيل). قال: وهكذا قد جعل القرآن الكريم المؤلفة قلوبهم في جملة
مصارف الصدقات، وجعل لهم بعض المخصصات على نحو ما تفعله الدول
اليوم في تخصيص بعض النفقات من ميزانياتها للدعاية السياسية (3) قال: " غير
أن الإسلام لما اشتد ساعده، وتوطد سلطانه رأى عمر رضي الله عنه حرمان
المؤلفة قلوبهم من هذا العطاء المفروض لهم بنصوص القرآن ".
قلت: أعاد الأستاذ تصريحه بأن عمر رضي الله عنه قطع العطاء الذي

(1) هو العلامة الشيخ محمد معروف أستاذ علم أصول الفقه والحقوق الرومانية
في كلية الحقوق بالجامعة السورية (منه قدس).
(2) حيث ذكر الأمثلة على تغير الأحكام بتغير الأزمنة ص 239 (منه قدس).
(3) لعلهم اقتبسوا ذلك من آية المؤلفة قلوبهم، فترى بريطانيا وأميركا وأمثالهما
يطعمون ويكسون الفقراء والمساكين من رعايا الدول الضعيفة وينعشونهم بمشاريع إصلاحية
من غير حاجة لهم إلى تلك الدول ورعاياها سوى الأخذ بالحكمة التي هي هدف القرآن
في إعطاء المؤلفة قلوبهم (منه قدس).
45

جعله القرآن الكريم بنصه الصريح حقا مفروضا للمؤلفة قلوبهم، إيثارا لرأي
رآه في ذلك، ثم اعتذر عن الخليفة.
فقال: " وليس معنى ذلك إن عمر قد أبطل أو عطل نصا قرآنيا، ولكنه
نظر إلى علة النص لا إلى ظاهره، واعتبر إعطاء المؤلفة قلوبهم معللا بظروف
زمنية أي موقتة وتلك هي تألفهم واتقاء شرهم عندما كان الإسلام ضعيفا، فلما
قويت شوكة الإسلام وتغيرت الظروف الداعية للعطاء، كان من موجبات النص
ومن العمل بعلته (1) أن يمنعوا من هذا العطاء ".
قلت: لا يخفى أن النص على إعطائهم مطلق، وإطلاقه جلي في الذكر
الحكيم وهذا مما لا خلاف ولا شبهة فيه، وليس لنا أن نعتبره مقيدا - والحال
هذه - أو معللا بشئ ما إلا بسلطان من الله تعالى أو من رسوله، وليس ثمة
من سلطان (2).
فمن أين لنا أن نعتبر إعطاءهم معللا بظروف زمنة موقتة، هي تألفهم
حينما كان الإسلام ضعيفا دون غيره من الأزمنة؟.
على أنا لو أمنا من شر المؤلفة قلوبهم في عهد ما فإن دخولهم في الإسلام

(1) لا علة هنا يدور الحكم مدارها وجودا وعدما، ليكون الأخذ بها من
موجبات النص، فإن تألف من جعل الله لهم هذا السهم في الصدقات ليس بعلة للحكم
الشرعي، وإنما هو من الحكم والمصالح التي لوحظت في اشتراعه والأصوليون يعلمون
أن العلة في الحكم شئ والحكمة التي هي المصلحة في اشتراعه شئ آخر. ألا ترى
أن المصلحة في وجوب العدة على المطلقات المدخول بهن إنما هي حفظ أنساب الأجنة
اللواتي قد يكن في أرحامهن؟!. ومع ذلك فعدة المدخول بها منهن مما لا بد منه إجماعا
حتى لو علم عدم حملها! (منه قدس).
(2) ونزول النص في أول الإسلام وعندما كان الإسلام ضعيفا ليس من تقييده في
شئ كما لا يخفى (منه قدس).
46

بسبب إعطائهم لا ينقطع بذلك، بل ربما اشتد بقوة سلطان الإسلام، وكفى
بهذا الأمل موجبا لتألفهم بالعطاء. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يؤلف بعطائه هذا
أصنافا متعددة، صنفا ليسلموا ويسلم قومهم بإسلامهم، وصنفا كانوا قد أسلموا
ولكن على ضعف الإيمان فيريد تثبيتهم بإعطائه، وصنفا يعطيهم لدفع شرهم
فلو فرضنا أنا أمنا شر أهل الشر منهم، فليعط هذا الحق لمن يرجى إسلامه،
أو إسلام قومه، ولمن يقوي إيمانه ويثبته الله عليه بسبب هذا العطاء، تأسيا
برسول الله صلى الله عليه وآله. وأحب العباد إلى الله تعالى المتأسي بنبيه والمقتص أثره.
على أن قوة الإسلام تلك التي قهرت عدو المسلمين وأمنتهم من شره قد
تغيرت إلى الضد مما كانت عليه. فاستحوذت عليهم الأجانب فاضطرتهم إلى
تألفها ومصانعتها بالعطاء وغيره، كما هو المشاهد العيان في هذا الزمان وما
قبله، وبهذا تبين أن إسقاط سهم المؤلفة قلوبهم يوم كان الإسلام قويا، إنما
كان عن اغترار بحالتهم الحاضرة في ذلك الوقت، لكن القرآن العظيم إنما
هو من لدن عليم حكيم (1).
والآن نستأنف البحث عن النص المطلق وتقييده بالمصلحة التي تختلف
باختلاف الأزمان، فيختلف الحكم الشرعي باختلافها. نبحث عن هذا الأصل
من حيث شروطه.
فنقول: نحن الإمامية إجماعا وقولا واحدا لا نعتبر المصلحة في تخصيص
عام ولا في تقييد مطلق إلا إذا كان لها في الشريعة نص خاص يشهد لها بالاعتبار
فإذا لم يكن لها في الشريعة أصل شاهد باعتبارها إيجابا أو سلبا كانت عندنا
مما لا أثر له، فوجود المصالح المرسلة وعدمها عندنا على حد سواء (66).

(1) بنص آية المؤلفة قلوبهم فراجعها وأمعن في هدفها الرفيع (منه قدس).
(66) وتفصيل ذلك في محله من كتبنا في أصول الفقه المنتشرة ببركة المطابع
(منه قدس).
الشيعة الإمامية لا تعتمد على المصالح المرسلة: ولأجل الاطلاع على ذلك
راجع: المعالم الجديدة للأصول للشهيد الصدر ص 36 - 40، كتاب الرسائل (فرائد
الأصول) للشيخ الأنصاري، كفاية الأصول ج 2، حقائق الأصول ج 2، دروس في علم
الأصول للشهيد الرابع الإمام الصدر الحلقة الثالثة ج 2.
47

وهذا هو رأي الطائفتين الشافعية والحنفية (1).
أما الحنابلة فإنهم وإن أخذوا بالمصالح المرسلة التي لا يكون لها في الشريعة
أصل يشهد لها، لكنهم مع ذلك لا يقفون بالمصالح موقف المعارضة من النصوص
بل يؤخرون المصلحة المرسلة عن النصوص (2) فهم إذن لا يقيدون بها نص
المؤلفة قلوبهم، فليعطفوا فيه وفي أمثاله على الإمامية والشافعية والحنفية.
وكذلك المالكية في نص المؤلفة قلوبهم وأمثاله، لأنهم وإن أخذوا
بالمصالح المرسلة، ووقفوا بها موقف المعارضة المنصوص، لكنهم إنما
يعارضون بها أخبار الآحاد وأمثالها مما لا يكون قطعي الثبوت، ويعارضون بها
أيضا بعض العمومات القرآنية التي لا تكون قطعية الدلالة علي العموم، أما ما
كان قطعي الثبوت وقطعي الدلالة كنص المؤلفة قلوبهم فلا يمكن عندهم أن
تقف المصالح المرسلة معارضة لها أبدا (3) لأنها قطعية الثبوت والدلالة معا.
وبالجملة فإن أصول الفقه على هذه المذاهب كلها لا تبيح حمل حرمان
المؤلفة قلوبهم على ما قد أفاده الأستاذ وقد فصلنا ذلك.
ولولا إجماع الجمهور (4) على أن الخليفتين رضي الله عنهما قد ألغيا

(1) نقله عنهم الفاضل الدواليبي ص 204 من كتابه أصول الفقه (منه قدس).
(2) فيما نقله عنهم الفاضل الدواليبي ص 206 من كتابه أصول الفقه (منه قدس).
(3) نقل ذلك عنهم الفاضل الدواليبي ص 207 من كتابه أصول الفقه (منه قدس).
(4) راجع من تفسير أبي السعود ما هو موجود في أول ص 150 من هامش الجزء
الخامس من تفسير الرازي تجد دعوى الإجماع. وراجع ص 502 من كتاب الفقه على
المذاهب الأربعة الذي أخرجته وزارة الأوقاف المصرية تحقيقا لرجاء الملك فؤاد
الأول - تجد القول بأن المؤلفة قلوبهم منعوا من الزكاة في خلافة الصديق مرسلا ذلك
أرسال المسلمات (منه قدس).
48

- بعد النبي صلى الله عليه وآله - سهم المؤلفة قلوبهم وأبطلا هذا الحق الواجب لهم بنص
القرآن (67) لكان من الوجاهة بمكان أن نقول: إنهما رضي الله عنهما لم يخالفا الآية
وإن لم يعطيا المؤلفة يومئذ لأن الله عز وجل إنما جعل الأصناف الثمانية في
الآية مصارف الصدقات على سبيل حصر الصرف فيها خاصة دون غيرهما لا
على سبيل توزيعها على الثمانية بأجمعها، وعلى هذا فمن وضع صدقاته كلها
في صنف واحد من الثمانية تبرأ ذمته، كما تبرأ ذمة من وزعها على الثمانية
وهذا مما أجمع عليه المسلمون وعليه عملهم في كل خلف منهم بعد رسول الله
فأي بأس بما فعله عمر وأمضاه أبو بكر، لولا القول بأنهما قد أبطلا هذا الحق
وألغياه رغم النص القرآني الذي لا يزال ثابتا غير منسوخ؟!.
وقبل أن نختم هذا البحث نرى لزاما علينا أن ننبه الأستاذ الدواليبي إلى
تدارك ما نقله عن الإمامية (1) من الأخذ بالمصالح المرسلة وتقديمهم إياه على
النصوص القطعية فإن هذا مما لا صحة له ولم يقل به منهم أحد، وسليمان الطوفي
من الغلاة الذين ما زالت خصومنا تحملنا أوزارهم.
ورأي الإمامية في هذه المسألة ما قد ذكرناه آنفا وعليه إجماعهم، وتلك
كتبهم في أصول الفقه (68) منتشرة فليراجعها الأستاذ وليعتمد عليها فيما ينقله

(67) سهم المؤلفة:
راجع: تفسير القرطبي ج 8 / 181، تفسير المنار ج 10 / 496، الدر المنثور
ج 3 / 252، الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 / 621، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
ج 12 / 83 ط أبو الفضل.
(1) ص 207 وفي أول ص 209 من كتابه أصول الفقه (منه قدس).
(68) تقدم تحت رقم - 66 - فراجع.
49

عن الإمامية بدلا من اعتماده في ذلك على كتاب ابن حنبل سامحه الله تعالى.
[المورد - (6) - سهم ذي القربى:]
المنصوص عليه بقوله عز من قائل: (واعلموا أنما غنمتم من شئ (1)
فإن لله خمسه (2) وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن
كنتم آمنتم بالله (3) وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان والله
على كل شئ قدير (4).
وقد أجمع أهل القبلة كافة على أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يختص بسهم من
الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه، وأنه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد
حتى دعاه الله إليه، واختاره الله إلى الرفيق الأعلى (69).

(1) الغنم والغنيمة والمغنم حقيقة عند العرب في كل ما يستفيده الانسان ومعاجم اللغة
صريحة في ذلك فلا وجه للتخصيص هنا بغنائم دار الحرب.
وقوله من شئ بيان ما الموصولة في قوله أنما غنمتم فيكون المعنى أن ما استفدتم
من شئ ما كثر أو قل حتى الخيط فإن لله خمسه (منه قدس).
(2) وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عن ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وآله قال لوفد
عبد القيس لما أمرهم بالإيمان بالله وحده -: أتدرون ما الإيمان بالله وحده - قالوا: الله
ورسوله أعلم. قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة
وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس (منه قدس).
(3) معنى هذا الشرط أن الخمس حق شرعي لأربابه المذكورين في الآية يجب
صرفه إليهم فاقطعوا عنه أطماعكم وأدوه إليهم إن كنتم آمنتم بالله، وفيه من البعث على
أداء الخمس والانذار لتاركيه ما لا يخفى (منه قدس).
(4) هذه الآية هي الآية 41 من سورة الأنفال (منه قدس).
(69) الرسول صلى الله عليه وآله وسهم ذي القربة:
راجع: الكشاف للزمخشري ج 2 / 158، فتح القدير للشوكاني ج 2 / 295،
تفسير القرطبي ج 8 / 10، تفسير الطبري ج 10 / 4 - 5 و 7، الدر المنثور للسيوطي ج
3 / 185 - 186، تفسير المنار ج 10 / 15 و 16، سنن النسائي ك الفئ ب - 1 -
ج 7 / 120 و 122، تاريخ الطبري ج 3 / 19، تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري
ج 10، الأموال لأبي عبيد ص 325 و 14، أحكام القرآن للجصاص ج 3 / 60، مقدمة
مرآة العقول ج 1 / 113، الأحكام السلطانية للماوردي ص 168 - 171، الأحكام
السلطانية لأبي يعلى ص 181 - 185، شرح صحيح مسلم للنووي ج 12 / 82 باب حكم
الفئ من كتاب الجهاد.
50

فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه تأول الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي
القربى بموته صلى الله عليه وآله ومنع - كما في الكشاف (1) وغيره - بني هاشم من الخمس،
وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم (70).
وقد أرسلت فاطمة عليها السلام تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء الله
عليه بالمدينة و " فدك " وما بقي من خمس " خيبر " فأبى أبو بكر أن يدفع إلى
فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى
توفيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا

(1) قال حول بحثه عن آية الخمس، وعن بن عباس أنه - أي الخمس - على
ستة أسهم لله ولرسوله سهمان، وسهم لأقاربه حتى قبض صلى الله عليه وآله فأجرى أبو بكر الخمس
على ثلاثة، وكذلك روى عن عمر ومن بعده من الخلفاء قال: وروي أن أبا بكر قد منع
بني هاشم من الخمس.. الخ (منه قدس).
(70) منع سهم ذي القربى:
راجع الكشاف ج 2 / 159، تفسير القرطبي ج 8 / 10، فتح القدير للشوكاني
ج 2 / 295، تفسير الطبري ج 10 / 6، الدر المنثور ج 3 / 187، سنن النسائي ك الفئ
ب - 1 - ج 7 / 121، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 / 230 و 231 و ج 12 /
83، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 144.
51

ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها. (الحديث) (71).
وفي صحيح مسلم عن يزيد بن هرمز. قال: كتب نجدة بن عامر الحروري
الخارجي إلى ابن عباس قال ابن هرمز: فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب
وحين كتب جوابه وقال ابن عباس والله لولا أن أرده عن نتن يقع فيه ما كتبت
إليه، ولا نعمة عين. قال فكتب إليه: إنك سألتني عن سهم ذي القربى الذين
ذكرهم الله من هم؟ وإنا كنا نرى أن قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله هم نحن فأبى ذلك
علينا قومنا. الحديث (72).

(71) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما بإسنادهما إلى عائشة. فراجع من
صحيح البخاري أواخر باب غزوة خيبر ص 36 من جزئه الثالث. وراجع من صحيح
مسلم باب لا نورث ما تركناه فهو صدقة ص 72 من جزئه الثاني. وتجده أيضا في مواضع
أخر من الصحيحين (منه قدس).
وجد فاطمة على أبي بكر فلم تكلمه حتى ماتت وذلك بعد أن طالبته ب‍ (فدك)
وما بقي من خمس (خيبر) وامتنع من دفعه إليها:
راجع: صحيح البخاري ج 5 / 177 ط دار مطابع الشعب و ج 3 / 55 ط دار إحياء
الكتب العربية مع حاشية السندي، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب - 16 - ج
3 / 1380 ط بيروت بتحقيق محمد فؤاد، مشكل الآثار ج 1 / 47 وقريبا منه أيضا رواه
البخاري ك فضائل أصحاب النبي ب - 12 - ج 5 / 25 مطابع الشعب ورواه أيضا بمعنى
آخر ك الفرائض ب - 3 - ج 4 / 164 ط دار إحياء الكتب العربية. ورواه في ك الخمس
ب - 1 - ج 2 / 186 ط دار إحياء الكتب العربية، مسند أحمد ج 1 / 6 و 9 و ج 2 /
353، سنن النسائي ك الفئ ب - 1 - ج 7 / 120، شرح النهج لابن أبي الحديد ج
16 / 217، صحيح الترمذي كتاب السير باب - 44 - ج 4 / 157.
(72) راجعه في باب النساء الغازيات يرضخ لهن وهو في آخر كتاب الجهاد
والسير ص 105 من جزئه الثاني (منه قدس).
صحيح مسلم ك الجهاد والسير ب - 48 - ج 3 / 1444 وفي طبع العامرة ج 5
/ 198، مسند أحمد ج 1 / 248 و 294 و 320، سنن النسائي ك الفئ ب - 1 - ج 7
/ 117، الدر المنثور ج 3 / 186، فدك للقزويني ص 125، سنن الدارمي ج 2 / 225
ك السير، مشكل الآثار للطحاوي ج 2 / 136 و 179، مسند الشافعي ص 183، حلية
الأولياء لأبي نعيم ج 3 / 205، الأموال لأبي عبيد ص 333.
وقريب منه أحاديث أخرى راجعها في:
مقدمة مرآة العقول ج 1 / 112 و 154.
52

وأخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس في أواخر ص 294 من الجزء
الأول من مسنده، ورواه كثير من أصحاب المسانيد بطرق كلها صحيحة، وهذا
هو مذهب أهل البيت المتواتر عن أئمتهم عليهم السلام.
لكن الكثير من أئمة الجمهور أخذوا برأي الخليفتين رضي الله عنهما
فلم يجعلوا لذي القربى نصيبا من الخمس خاصا بهم.
فأما مالك بن أنس فقد جعله بأجمعه مفوضا إلى رأي الإمام يجعله حيث
يشاء من مصالح المسلمين، لا حق فيه لذي قربى ولا ليتيم ولا لمسكين ولا
لابن سبيل مطلقا (73).
وأما أبو حنيفة وأصحابه فقد أسقطوا بعد النبي صلى الله عليه وآله سهمه وسهم ذي
قرباه وقسموه بين مطلق اليتامى والمساكين وابن السبيل على السواء، لا فرق
عندهم بين الهاشميين وغيرهم من المسلمين (74).
والشافعي جعله خمسة أسهم: سهما لرسول الله صلى الله عليه وآله يصرف إلى ما كان
يصرفه إليه من مصالح المسلمين كعدة الغزاة من الخيل والسلاح والكراع

(73) رأي مالك وأبي حنيفة في سهم ذي القربى:
راجع: فتح القدير للشوكاني ج 2 / 295، تفسير القرطبي ج 8 / 11، تفسير المنار
ج 10 / 16، الفقه على المذاهب الخمسة ص 188.
(74) نفس المصادر السابقة.
53

ونحو ذلك، وسهما لذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب دون بني عبد شمس
وبني نوفل يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والباقي للفرق الثلاث: اليتامى
والمساكين وابن السبيل مطلقا (75).
أما نحن - الإمامية - فنقسم (1) الخمس ستة أسهم: لله تعالى ولرسوله
سهمان وهذان مع السهم الثالث - سهم ذي القربى - للإمام القائم مقام رسول
الله صلى الله عليه وآله، والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل من آل محمد خاصة
لا يشاركهم فيها غيرهم، لأن الله سبحانه حرم عليهم الصدقات، فعوضهم عنها
الخمس (76) وهذا ما رواه الطبري في تفسيره عن الإمامين علي بن الحسين
زين العابدين وابنه محمد بن علي الباقر عليهما السلام (77).
[فائدة:]
أجمع علماؤنا رضي الله عنهم على أن الخمس واجب في كل فائدة

(75) نفس المصادر السابقة.
(1) رأينا في الخمس وغيره من فروع الدين وأصوله إنما هو تبع لرأي الأئمة
الاثني عشر من آل محمد (علي والأوصياء من بنيه) (منه قدس).
(76) رأي الشيعة في الخمس:
راجع وسائل الشيعة للحر العاملي ك الخمس ب - 1 - من أبواب قسمة الخمس
ج 6 / 355 - 362، جواهر الكلام ج 16 / 84 - 114، مستمسك العروة الوثقى ج 9
/ 567 - 596، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 2 / 78 - 86، العروة
الوثقى ج 2 / 403 - 407.
(77) رأي الإمام الباقر عليه السلام في الخمس:
راجع: تفسير الطبري ج 10 / 7، فتح القدير ج 2 / 295، تفسير المنار ج 10 /
15، تفسير القرطبي ج 8 / 10، مرآة العقول ج 1 / 115.
54

تحصل للانسان من المكاسب وأرباح التجارات والحرف ومن الزرع والضرع
والنخيل والأعناب ونحوها، وتجب في الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك
مما هو مذكور في فقهنا وحديثنا (78).
ويمكن أن يستدل عليه بهذه الآية واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن كلا
من الغنيمة والغنم والمغنم حقيقة في كل ما يستفيده الانسان، ومعاجم اللغة
صريحة في ذلك وتفصيل القول في هذا كله موكول إلى محله، وموضوع
البحث هنا إنما هو الاجتهاد في إسقاط سهم ذي القربى مع نص الآية بكل
صراحة.
[المورد - 7 - توريث الأنبياء:]
المنصوص عليه بعموم قوله عز من قائل (للرجال نصيب مما ترك الوالدان
والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا
مفروضا) (79).
وقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) (80)
إلى آخر آيات المواريث، وكلها عامة تشمل رسول الله صلى الله عليه وآله فمن دونه من
سائر البشر فهي على حد قوله عز وجل (كتب عليكم الصيام كما كتب على

(78) جواهر الكلام في شرح شرايع الإسلام ج 16 / 5 - 83، المستمسك للسيد
الحكيم ج 9 / 443 - 566، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 2 / 65 - 78
مسالك للشهيد الثاني ج 1 / 66، العروة الوثقى ج 2 / 366 - 403.
(79) سورة النساء: 7.
(80) سورة النساء: 11.
55

الذين من قبلكم) (الآية) (81). وقوله سبحانه وتعالى: (فمن كان منكم
مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (الآية) (82). وقوله تبارك وتعالى:
(حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة
والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم) (الآية) (83)
ونحو ذلك من آيات الأحكام الشرعية يشترك فيها النبي صلى الله عليه وآله وكل مكلف
من البشر، لا فرق بينه وبينهم، غير أن الخطاب فيها متوجه إليه ليعمل به وليبلغه
إلى من سواه، فهو من هذه الحيثية أولى في الالتزام بالحكم من غيره.
ومنها: قوله عز وعلا (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (84)
جعل الله عز وجل في هذه الآية الكريمة، الحق في الإرث لأولي قرابات
الموروث، وكان التوارث قبل نزولها من حقوق الولاية في الدين، ثم لما أعز
الله الإسلام وأهله نسخ بهذه الآية ما كان من ذي حق في الإرث قبلها، وجعل
حق الإرث منحصرا بأولي الأرحام الأقرب منهم للموروث فالأقرب مطلقا،
سواء أكان الموروث هو النبي صلى الله عليه وآله أم كان غيره، وسواء أكان الوارث من
عصبة الموروث أم من أصحاب الفرائض، أم كان من غيرهما عملا بظاهر الآية
الكريمة (1).
ومنها: قوله تعالى فيما اقتص من خبر زكريا: (إذ نادى ربه نداء خفيا

(81) سورة البقرة: 183.
(82) سورة البقرة: 182.
(83) سورة المائدة: 3.
(84) سورة الأنفال: 75.
(1) ومن راجع صحاح السنن الواردة في تشريع المواريث وجدها بأسرها عامة
تشمل النبي صلى الله عليه وآله وغيره على حد قوله صلى الله عليه وآله - من حديث أخرجه الشيخان كلاهما في
كتاب الفرائض من صحيحيهما -: " ومن ترك مالا فلورثته " (منه قدس).
56

قال إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا
وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا
يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) (85).
احتجت الزهراء والأئمة من بنيها بهذه الآية، على أن الأنبياء يورثون
المال، وأن الإرث المذكور فيها إنما هو المال لا العلم ولا النبوة، وتبعهم
في ذلك أوليائهم من أعلام الإمامية كافة. فقالوا: إن لفظ الميراث في اللغة (86)
والشريعة لا يطلق إلا على ما ينتقل من الموروث إلى الوارث كالأموال، ولا
يستعمل في غير المال إلا على طريق المجاز والتوسع، ولا يعدل عن الحقيقة
إلى المجاز بغير دلالة (87).
وأيضا فإن زكريا عليه السلام قال في دعائه: (واجعله رب رضيا)
أي اجعل يا رب ذلك الولي الذي يرثني مرضيا عندك. ممتثلا لأمرك، ومتى
حملنا الإرث على النبوة لم يكن لذلك معنى وكان لغوا عبثا ألا ترى أنه لا
يحسن أن يقول أحد: اللهم ابعث لنا نبيا واجعله عاقلا مرضيا في أخلاقه لأنه
إذا كان نبيا فقد دخل الرضا وما هو أعظم من الرضا في النبوة.
ويقوي ما قلناه أن زكريا عليه السلام صرح بأنه يخاف بني عمه بعده بقوله:

(85) سورة مريم: 3 - 6.
(86) راجع تاج العروس مادة - ورث - ج 1 / 652، الصحاح ج 1 / 296
وغيرهما.
(87) الإرث في الشريعة:
راجع تفسير البيان للشيخ الطوسي ج 8 / 94 - 95، تلخيص الشافي للطوسي
أيضا ج 3 / 132 - 136، مجمع البيان للطبرسي ج 6 / 503، شرح النهج لابن أبي
الحديد ج 16 / 241 - 244، تفسير الفخر الرازي ج 21 / 184، تفسير الطبري ج 16
/ 37.
57

(وإني خفت الموالي من ورائي) وإنما يطلب وارثا لأجل خوفه، ولا يليق
خوفه منهم إلا بالمال دون النبوة والعلم، لأنه عليه السلام كان أعلم بالله تعالى من أن
يخاف أن يبعث نبيا من هو ليس بأهل للنبوة، وأن يورث علمه وحكمته من
ليس لهما بأهل ولأنه إنما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس، فكيف يخاف
الأمر الذي هو الغرض في بعثته.
فإن قيل: هذا يرجع عليكم في وراثة المال لأن في ذلك إضافة البخل
إليه.
فالجواب: معاذ الله أن يستوي الأمران، فإن المال قد يرزقه المؤمن
والكافر والصالح والطالح، ولا يمتنع أن يأسى على بني عمه إذ كانوا من أهل
الفساد أن يظفروا بماله فيصرفوه فيما لا ينبغي، بل في ذلك غاية الحكمة، فإن
تقوية أهل الفساد، وإعانتهم على أفعالهم المذمومة محظورة في الدين والعقل
فمن عد ذلك بخلا فهو غير منصف.
وقوله: (خفت الموالي من ورائي) يفهم منه أن خوفه إنما كان من أخلاقهم
وأفعالهم، والمراد خفت الموالي أن يرثوا بعدي أموالي فينفقوها في معاصيك
فهب لي يا رب ولدا رضيا يرثها لينفقها فيما يرضيك.
وبالجملة لا بد من حمل الإرث في هذه الآية على إرث المال دون النبوة
وشبهها حملا للفظ يرثني من معناه الحقيقي المتبادر منه إلى الأذهان، إذ
لا قرينة هنا على النبوة ونحوها، بل القرائن في نفس الآية متوفرة على إرادة
المعنى الحقيقي دون المجاز.
وهذا رأي العترة الطاهرة في الآية (88). وهم أعدال الكتاب لا يفترقان
أبدا.

(88) راجع: الميزان في تفسير القرآن ج 14 / 9 - 15 وص 22 - 25.
58

وقد علم الناس ما كان بين الزهراء سيدة نساء العالمين، وبين أبي بكر،
إذ أرسلت إليه تسأله ميراثها من رسول الله [ص] فقال أبو بكر: إن رسول الله
قال: " لا نورث ما تركناه صدقة " (1) " قالت عائشة ": فأبى أبو بكر أن يدفع
إلى فاطمة منه شيئا، واستأثر لبيت المال بكل ما تركه النبي صلى الله عليه وآله من بلغة
العيش لا يبقي ولا يذر شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى
توفيت، وعاشت بعد النبي ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا - بوصية
منها (2) ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها. الحديث (89).

(1) هذا الحديث ردته الزهراء والأئمة من بنيها، وهو - بألفاظه هذه الثابتة في
باب غزوة خيبر من صحيح البخاري - لا يصلح لأن يكون حجة عليها. إلا أن يكون لفظه
صدقة مرفوعا على الإخبار به عن (ما) الموصولة في قوله ما تركنا، ولا سبيل إلى إثبات
ذلك إذ لعل (ما) هذه في محل النصب على المفعولية لتركنا وتكون صدقة حالا من
(ما)، فيكون المعنى أن ما نتركه في أيدينا من الصدقات لا حق لوارثنا فيه (منه قدس).
(2) كما اعترف به شارحا البخاري، القسطلاني في إرشاده، والأنصاري في
تحفته، فراجع ص 157 من المجلد الثامن من كل من الشرحين إذ ينتهيان فيهما إلى هذا
الحديث (منه قدس).
(89) أخرجه أصحاب الصحاح بأسانيدهم إلى عائشة فراجع منها ص 37 والتي
بعدها من الجزء الثالث من صحيح البخاري أثناء غزوة خيبر، وص 72 من الجزء الثاني
من صحيح مسلم في باب قول النبي: لا نورث ما تركنا فهو صدقة من كتاب الجهاد
والسير، وص 6 من الجزء الأول من مسند أحمد (منه قدس).
وجد فاطمة على أبي بكر:
تقدمت مصادر الحديث تحت رقم - 71 - وأيضا يوجد حديث مطالبتها بإرثها
في صحيح الترمذي ك السير ب - 44 - ج 4 / 157 ح 1608 و 1609، مسند أحمد ج
1 / 6 و 9 و ج 2 / 353، سنن النسائي ك الفئ ب - 1 - ج 7 / 120، تاريخ اليعقوبي
ج 2 / 127، فدك للقزويني ص 87، وفاء الوفاء ج 2 / 995، فتوح البلدان للبلاذري
ص 44.
59

ثم غضبت على إثارة (1) واستقلت غضبا (2) فلاتت خمارها واشتملت
بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها (3) ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم
مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله حتى دخلت على أبي بكر، وهو في حشد من
المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة ثم أنت أنة أجهش لها
القوم بالبكاء. وارتج المجلس، فأمهلتهم حتى إذا سكن نشيجهم، وهدأت
فورتهم افتتحت الكلام " بحمد الله عز وجل "، ثم انحدرت في خطبتها (90).
تعظ القوم في أتم خطاب * حكت المصطفى به وحكاها (91) -
فخشعت الأبصار، وبخعت النفوس، ولولا السياسة ضاربة يومئذ بجرانها
لردت شوارد الأهواء، وقادت حرون الشهوات، ولكنها السياسة توغل في
غاياتها لا تلوي على شئ، ومن وقف على خطبتها في ذلك اليوم (5) عرف

(1) إنما يقولون: غضب فلان على إثارة بالفتح إذا كان غضبه مسبوقا بغضب،
كغضب الزهراء لإرثها مسبوقا بغضبها لكشف بيتها، وذاك مسبوقا أيضا بما كان في السقيفة
(منه قدس).
(2) إنما يقولون: استقل غضبا إذا أشخصه فرط الغضب، كما أشخص الزهراء
من بيتها حتى دخلت على أبي بكر فخطبت محتجة بأشد لهجة (منه قدس).
(3) أي خادماتها (منه قدس).
(4) الملاءة الإزار. والريطة ذات لفقين. ونيطت علقت (منه قدس).
(90) من خطبة لسيدة النساء فاطمة الزهراء راجعها في:
بلاغات النساء لابن أبي طيفور المتوفى 280 ه‍ ص 12 - 19، أعلام النساء
لعمر كحالة ج 3 / 1208، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 16 / 211 - 213
و 249 - 253 ط مصر بتحقيق أبو الفضل، تلخيص الشافي للشيخ الطوسي ج 3 / 139.
(91) هذا البيت للشيخ كاظم الأزري من قصيدته العصماء في أهل بيت النبوة.
(5) السلف من بني علي وفاطمة يروي خطبتها في ذلك اليوم لمن بعده ومن بعده
رواها لمن بعده، حتى انتهت إلينا يدا عن يد، فنحن الفاطميين نرويها عن آبائنا،
وآبائنا يروونها عن آبائهم، وهكذا كانت الحال في جميع الأجيال، إلى زمن الأئمة
من أبناء علي وفاطمة، ودونكموها في كتاب الاحتجاج للطبرسي، وفي بحار الأنوار،
وقد أخرجها من إثبات الجمهور وأعلامهم أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في
كتاب السقيفة وفدك بطرق وأسانيد ينتهي بعضها إلى السيدة زينب بنت علي وفاطمة، وبعضها
إلى الإمام أبي جعفر محمد الباقر، وبعضها إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن يرفعونها
جميعا إلى الزهراء كما في ص 78 من المجلد الرابع من شرح النهج الحميدي، وأخرجها
أيضا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني بالإسناد إلى عروة بن الزبير عن عائشة
ترفعها إلى الزهراء كما في صفحة 93 من المجلد الرابع من شرح النهج، وأخرجها
المرزباني أيضا كما في صفحة 94 من المجلد المذكور بالإسناد إلى أبي الحسين زيد
ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده يبلغ فيها فاطمة عليها السلام
ونقل ثمة عن زيد أنه قال: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونها عن آبائهم ويعلمونها
أولادهم (منه قدس).
60

ما كان بينها وبين القوم (92).

(92) ومما كان بينها وبينهم أن قالت لأبي بكر حين منعها إرثها: لأن مت اليوم يا أبا بكر
من يرثك؟. قال: ولدى وأهلي. قالت: فلم أنت ورثت رسول الله دون ولده وأهله؟
قال: ما فعلت يا بنت رسول الله. قالت: بلى إنك عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله
فأخذتها منا، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا. الحديث أخرجه أبو بكر
ابن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة وفدك - كما في ص 87 من المجلد الرابع
من شرح النهج بسنده إلى مولى أم هاني. وأخرج الجوهري في كتابه المذكور - كما في
ص 82 من المجلد الرابع من شرح النهج - بالإسناد إلى أبي سلمة: أن فاطمة لما طلبت
إرثها قال لها أبو بكر: سمعت رسول الله يقول: إن النبي لا يورث، ولكن أعول على
من كان النبي يعوله، وأنفق على من كان النبي ينفق عليه، فقالت: يا أبا بكر أيرثك بناتك
ولا يرث رسول الله بناته؟ فقال هو ذاك. وأخرج الإمام أحمد بالإسناد إلى أبي سلمة نحوه
فراجع ص 10 من الجزء الأول من مسنده حيث أورد حديث أبي بكر.
وأخرج الجوهري في كتاب السقيفة وفدك أيضا - كما في ص 81 من المجلد الرابع
من شرح النهج - بالإسناد إلى أم هاني بنت أبي طالب: أن فاطمة قالت لأبي بكر من
يرثك إذا مت؟. قال: ولدي وأهلي. قالت: فما لك ترث رسول الله دوننا؟ قال:
يا بنت رسول الله ما ورث أبوك شيئا. قالت: بلى سهم الله الذي جعله لنا وصار فيأنا وهو
الآن في يدك. فقال لها: سمعت رسول الله يقول: إنما هي طعمة أطعمناها الله فإذا مت
كانت بين المسلمين. وعن أبي الطفيل فيما أخرجه الجوهري مثله. والأخبار في هذا
متواترة ولا سيما من طريق العترة الطاهرة. وحسبك خطبتها العصماء التي أشرنا إليها
في الأصل. ولها خطبة أخرى تتعلق بالخلافة أخرجها الجوهري في كتاب السقيفة وفدك
- كما في ص 87 من المجلد الرابع من شرح النهج الحميدي - بالإسناد إلى عبد الله
ابن الحسن بن الحسن عن أمة فاطمة بنت الحسين قالت: لما اشتد بفاطمة بنت رسول
الله الوجع وثقلت في علتها اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها: كيف
أصبحت يا ابنة رسول الله قالت: أصبحت والله عائفة لديناكن قالية لرجالكن..
(الخطبة) وهي من أبلغ المأثور عن أهل البيت عليهم السلام. وقد أخرجها أيضا الإمام
أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر في ص 23 من كتابه بلاغات النساء بالإسناد إلى الزهراء
وأصحابنا يروونها بالإسناد إلى سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي عن الزهراء. وقد
أوردها المجلسي في البحار والطبرسي في الاحتجاج. وغيرهما من الأثبات (منه
قدس).
بين الزهراء وأبي بكر:
راجع صحيح الترمذي ك السير باب - 44 - ج 4 / 157، شرح نهج البلاغة لابن
أبي الحديد ج 16 / 211 - 213 و 251، فدك للقزويني ص 43 و 87 و 126، وفاء
الوفاء ج 3 / 995، مشكل الآثار ج 1 / 47.
61

حيث أقامت على إرثها آيات محكمات، حججا لا ترد ولا تكابر، فكان مما
أدلت به يومئذ أن قالت: " أعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟
إذ يقول: (وورث سليمان داود). وقال فيما أقتص من خبر زكريا: (فهب
لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا).
62

وقال (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله).
وقال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).
وقال: (كتاب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية
للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين).
ثم قالت: أخصكم الله بآية أخرج بها أبي؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن
وعمومه من أبي وابن عمي؟! أم تقولون: أهل ملتين لا يتوارثان؟!
(الخطبة) (93).
فأنظر كيف احتجت أولا: على توريث الأنبياء بآيتي داود وزكريا
الصريحتين بتوريثهما. ولعمري أنها عليها السلام أعلم بمفاد القرآن ممن جاءوا
متأخرين عن تنزيله، فصرفوا الإرث هنا إلى وراثة الحكمة والنبوة دون الأموال،
تقديما للمجاز على الحقيقة بلا قرينة تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي المتبادر
منه بمجرد الإطلاق، وهذا مما لا يجوز، ولو صح هذا التكلف لعارضها به
أبو بكر يومئذ أو غيره ممن كان في ذلك الحشد من المهاجرين والأنصار
وغيرهم (1).
على أن هناك قرائن تعين وراثة الأموال كما بيناه سابقا.

(93) تقدمت مصادر الخطبة تحت رقم - 90 - فراجع.
(1) لكنهم لم يعارضوها يومئذ به ولا بشئ سوى المصادرة، إذ أجابها أبو بكر
بقوله: يا ابنة رسول الله، والله ما خلق الله خلقا أحب إلى من رسول الله أبيك صلى الله عليه وآله
ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك صلى الله عليه وآله، ووالله لأن تفتقر عائشة أحب
إلي من أن تفتقري أترينني أعطي الأبيض والأحمر حقه وأظلمك حقك؟ وأنت بنت رسول
الله! إن هذا المال لم يكن للنبي! وإنما كان مالا من أموال المسلمين! يحمل به النبي
الرجال وينفقه في سبيل الله فلما توفى وليته كما كان يليه؟. قالت. والله لا كلمتك أبدا
قال: والله لا هجرتك أبدا. قالت: والله لأدعون الله عليك. قال: والله لأدعون الله لك
فلما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها. الحديث أخرجه أبو بكر الجوهري بهذه
الألفاظ في كتاب السقيفة وفدك - كما في ص 80 من المجلد الرابع من شرح النهج
الحميدي - وتراه ما عارضها فيما فهمته من التوريث في آيتي داود وزكريا، وإنما
عارضها بدعواه أن هذا المال لم يكن للنبي فلم تقنع منه إذ هي أعلم بشؤون أبيها، ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (منه قدس).
63

واحتجت ثانيا: على استحقاقها الإرث من أبيها صلى الله عليه وآله بعموم آيات المواريث
وعموم آية الوصية، منكرة عليهم تخصيص العمومات بلا مخصص شرعي من
كتاب أو سنة.
وما أشد إنكارها إذ قالت أخصكم الله بآية أخرج بها أبي؟
فنفت بهذا الاستفهام الإنكاري وجود المخصص في الكتاب.
ثم قالت: أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟
فنفت بهذا الاستفهام التوبيخي وجود المخصص في السنة.
بل نفت وجوده مطلقا، إذ لو كان ثمة مخصص لبينه لها النبي والوصي
ويستحيل عليهما الجهل به لو كان في الواقع موجودا، ولا يجوز عليهما أن
يهملا تبيينه لها لما في ذلك من التفريط في البلاغ، والتسويف في الإنذار،
والكتمان للحق، والاغراء بالجهل، والتعريض لطلب الباطل، والتغرير
بكرامتها، والتهاون في صونها عن المجادلة والمجابهة والبغضاء والعداوة بغير
حق، وكل ذلك محال ممتنع عن الأنبياء وأوصيائهم.
وبالجملة كان كلف النبي صلى الله عليه وآله ببضعته الزهراء وإشفاقه عليها فوق كلف
الآباء الرحيمة، وإشفاقهم على أبنائهم البررة، يؤويها إلى الوارف من ظلال
رحمته، ويفديها بنفسه (1) مسترسلا إليها بأنسه.

(1) ذكرها صلى الله عليه وآله مرة فقال: فداؤها أبوها فداؤها أبوها - ثلاث مرات - في
حديث أخرجه الإمام أحمد بن حنبل ونقله عنه وعن غيره ابن حجر في الأمر الثاني من
الأمور التي ذكرها في خاتمة الآية الرابعة عشرة من الآيات التي أوردها في الفصل الأول
من الباب الحادي عشر من صواعقه ص 159 (منه قدس).
64

وكان يحرص بكل ما لديه على تأديبها وتهذيبها وتعليمها وتكريمها حتى
بلغ في ذلك كل غاية، يزقها المعرفة بالله والعلم بشرائعه زقا، لا يألو في ذلك
جهدا، ولا يدخر وسعا حتى عرج إلى أوج كل فضل، ومستوى كل كرامة
فهل يمكن أن يكتم عليها أمرا يرجع إلى تكليفها الشرعي؟ حاشا لله، وكيف
يمكن أن يعرضها - بسبب الكتمان - لكل ما أصابها من بعده في سبيل الميراث،
من الامتهان بل يعرض الأمة للفتنة التي ترتبت على منع إرثها.
وما بال بعلها خليل النبوة، والمخصوص بالأخوة، يجهل حديث " لا نورث "
مع ما آتاه الله من العلم والحكمة، والسبق، والصهر، والقرابة، والكرامة
والمنزلة، والخصيصة، والولاية، والوصاية، والنجوى، وما بال رسول الله صلى الله عليه وآله
يكتم ذلك عنه، وهو حافظ سره، وكاشف ضره وباب مدينة علمه، وباب
دار حكمته، وأقضى أمته، وباب حطتها، وسفينة نجاتها وأمانها من الاختلاف.
وما بال أبي الفضل العباس وهو صنو أبيه، وبقية السلف من أهله، لم يسمع بذلك الحديث.
وما بال الهاشميين كافة وهم عيبته وبيضته التي تفقأت عنه، لم يبلغهم
الحديث حتى فوجئوا به بعد النبي صلى الله عليه وآله.
وما بال أمهات المؤمنين يجلهنه فيرسلن عثمان يسأل لهن ميراثهن من
رسول الله (94).

(94) أزواج النبي صلى الله عليه وآله يرسلن عثمان حول ميراثهن:
راجع صحيح الترمذي ك السير باب - 44 - ج 4 / 157، شرح النهج لابن أبي
الحديد ج 16 / 220 و 223، الصواعق لابن حجر ص 22 ط الميمنية، معجم
البلدان للحموي ج 4 / 239، فتوح البلدان للبلاذري ص 43.
65

وكيف يجوز على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبين هذا الحكم لغير الوارث
ويدع بيانه للوارث؟.
ما هكذا كانت سيرته صلى الله عليه وآله إذ يصدع بالأحكام فيبلغها عن الله عز وجل،
ولا هذا هو المعروف عنه في إنذار عشيرته الأقربين، ولا مشبه لما كان يعاملهم
به من جميل الرعاية وجليل العناية.
بقي للطاهرة البتول كلمة استفزت بها حمية القوم، واستثارت حفائظهم،
بلغت بها أبعد الغايات ألا وهي قولها: " أم تقولون: أهل ملتين لا يتوارثان "
تريد بهذا أن عمومات المواريث لا تتخصص بمثل ما زعمتم، وإنما تتخصص
بمثل قوله صلى الله عليه وآله: " لا توارث بين أهل ملتين " وإذن فهل تقولون، إذ تمنعونني
الإرث من أبي: إني لست على ملته، فتكونون - لو أثبتم خروجي عن الملة -
على حجة شرعية فيما تفعلون. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
[المورد (8) نحلة الزهراء:]
وذلك أن الله عز سلطانه لما فتح لعبده وخاتم رسله حصون خيبر، قذف
الله الرعب في قلوب أهل فدك فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله صاغرين،
فصالحوه عن نصف أرضهم (1) فقبل ذلك منهم أفكان نصف فدك ملكا خالصا
لرسول الله صلى الله عليه وآله إذ لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، وهذا مما

(1) وقيل: بل صالحوه على جميعها (منه قدس).
66

أجمعت الأمة عليه بلا كلام لأحد منها في شئ منه (95).
ثم لما أنزل الله عز وجل عليه (وآت ذا القربى حقه) أنحل فاطمة فدكا،
فكانت في يدها (96) حتى انتزعت منها لبيت المال.
هذا ما ادعته الزهراء بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأوقفت في سبيله موقف المحاكمة
بإجماع الأمة، وإليك ما جاء في محاكمتها:
قال الإمام فخر الدين الرازي: فلما مات رسول الله صلى الله عليه وآله ادعت فاطمة
عليها السلام أنه كان ينحلها فدكا، فقال لها أبو بكر: أنت أعز الناس علي

(95) فدك ملك لرسول الله صلى الله عليه وآله:
راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 353، فدك للقزويني ص 29، شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد ج 16 / 210، تاريخ الطبري ج 3 / 20، الكامل في التاريخ
ج 2 / 224 و ج 2 / 152 ط آخر، معجم البلدان للحموي مادة - فدك - ج 4 / 238 -
240، وفاء الوفاء ج 3 / 997 و 998، فدك في التاريخ ص 20، فتوح البلدان للبلاذري
ص 42 و 43، سنن أبي داود ج 2 / 47 باب صفايا رسول الله ك الخراج، الأموال لأبي
عبيد ص 9، سيرة ابن هشام ج 2 / 408، الاكتفاء ج 2 / 259، الأحكام السلطانية للماوردي
ص 170، الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 185، المغازي للواقدي ص 706، إمتاع
الأسماع ص 331، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 133، شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 338
و 443.
(96) أئمة أهل البيت وشيعتهم كافة لا يرتابون في أن رسول الله صلى الله عليه وآله أنحل
بضعته الزهراء ما كان خالصا له من فدك، وأنه كان في يدها حتى انتزع منها، وحسبك
قول أمير المؤمنين عليه السلام فيما كتبه إلى عامله في البصرة عثمان بن حنيف: بلى
كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم
آخرين، ونعم الحكم الله.. إلى آخر كلامه وهو في نهج البلاغة، وفي معناه نصوص متواترة
عن أئمة العترة الطاهرة. والمحدثون الأثبات رووا بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري
أنه قال: لما نزل قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه) أعطى رسول الله فاطمة فدكا.
أخرجه الإمام الطبرسي في مجمع البيان فليراجع منه تفسير (وآت ذا القربى حقه) وهي
الآية 26 من سورة الإسراء. وتجد ثمة أن هذا الحديث مما ألزم المأمون برد فدك على
ولد فاطمة (منه قدس).
فدك في يد فاطمة:
راجع: شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 / 338 ح 467 و 468 و 469
و 470 و 471 و 472 و 473، الدر المنثور ج 4 / 177، مجمع الزوائد ج 7 / 49،
تفسير الطبري ج 15 / 82 ط 2، ينابيع المودة للقندوزي ص 49 و 140 ط الحيدرية وص
119 ط اسلامبول، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 1 / 228، إحقاق الحق ج
3 / 549، فضائل الخمسة ج 3 / 136، التبيان في تفسير القرآن للطوسي ج 6 / 468،
تلخيص الشافي له أيضا ج 2 / 121، مجمع البيان ج 6 / 411: شرح النهج لابن أبي
الحديد ج 16 / 268 و 275، كنز العمال ج 3 / 767 ح 8696، فتوح البلدان للبلاذري
ص 46 - 47، مقدمة مرآة العقول ج 1 ص 133، السبعة من السلف ص 35، الميزان
الذهبي ج 2 / 228 ط السعادة.
67

فقرا، وأحبهم إلي غنى، لكني لا أعرف صحة قولك (1) فلا يجوز أن أحكم
لك، [قال]: فشهدت لها أم أيمن ومولى لرسول الله (2) فطلب منها أبو بكر
الشاهد الذي يجوز قبول شهادته في الشرع فلم يكن. (انتهى بلفظه) (97).

(1) بجدك قل لي يا أبا بكر هل كنت في الواقع وحقيقة الأمر لا تعرف صحة
قولها ولا سيما بعد أن شهدت بصحته أم أيمن وشهد به أمير المؤمنين وهل كنت تراهم
جميعا من أهل الزور والعدوان أو أنهم كانوا جميعا من الخطأ بمكان كلا (بل سولت لكم
أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) (منه قدس).
(2) الشاهد لها مع أم أيمن إنما هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهذا مما
لا ريب فيه، وكأن الرازي استفظع رد شهادة علي فلم يصرح باسمه احتراما له ولأبي
بكر معا فكنى عنه بمولى رسول الله (منه قدس).
(97) فراجعه في تفسير آية الفئ من سورة الحشر تجده في ص 125 الجزء الثامن
من تفسيره مفاتيح الغيب (منه قدس).
شهادة أم أيمن وغيرها:
راجع: تفسير الفخر الرازي ج 29 / 284 ط 2. وممن ذكر أن الشاهد مع أم أيمن
هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي مع الحق والحق معه يدور حيث
دار. السمهودي في وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ج 3 / 999.
68

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي ما هذا لفظه: ودعوى فاطمة
أنه صلى الله عليه وآله نحلها فدكا لم تأت عليها إلا بعلي وأم أيمن فلم
يكمل نصاب البينة.. إلى آخر كلامه (1).
وهذا بعينه ما هو المنقول في هذا الموضوع عن ابن تيمية وابن القيم
وغيرهما من أعلام الجماعة (98).
قلت: عفا الله عنا وعنهم ورضي عن أبي بكر الصديق وأرضى عنه فاطمة
وأباها وبعلها وبنيها، ليته آثر ما هو الأليق به فلم يوقف وديعة رسول الله صلى الله عليه وآله
وهي ثكلى مواقفها تلك منه، تارة في سبيل إرثها، وأخرى في سبيل نحلتها،
وثالثة ورابعة في شؤون وشجون، وليته لم يدعها تنقلب عنه راغمة يائسة، ثم
تموت مدلهمة هاجرة له فتوصي بما أوصت.
سبحان الله وبحمده أين حلمه وأناته؟. وأين نظره البعيد في عواقب
الأمور؟. وأين احتياطه على ربح المسلمين؟.
فليته أتقى فشل الزهراء في مواقفها بكل ما لديه من سبل الحكمة، ولو
فعل لكان ذلك أحمد في العقبى، وأبعد عن مظان الندم، وأنأى عن مواقف

(1) فراجعه في آخر ص 21 أثناء كلامه في الشبهة السابعة من شبه الرافضة (منه
قدس).
(98) راجع: وفاء الوفا ج 3 / 999، فدك للقزويني، كتاب الخراج لأبي يوسف
24، سنن النسائي ج 2 / 179، الأموال لأبي عبيد ص 332، تفسير الطبري ج 10 /
6، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 151.
69

اللوم، وأجمع لشمل الأمة، وأصلح له بالخصوص.
وقد كان في وسعة أن يربأ بوديعة رسول الله ووحيدته عن الخيبة، ويحفظها
عن أن تنقلب عنه وهي تتعثر بأذيالها، وماذا عليه، إذ احتل محل أبيها، لو
سلمها فدكا من غير محاكمة؟! فإن للإمام أن يفعل ذلك بولايته العامة، وما
قيمة فدك في سبيل هذه المصلحة؟ ودفع هذه المفسدة.
وهذا ما قد تمناه لأبي بكر كثير من متقدمي أوليائه ومتأخريهم.
وإليك كلمة في هذا الموضوع لعيلم المنصورة الأستاذ محمود أبو رية
المصري المعاصر، قال: بقي أمر لا بد أن نقول فيه كلمة صريحة: ذلك هو
موقف أبي بكر من فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وما فعل معها
في ميراث أبيها، لأنا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي،
وأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله قد قال: " إنه لا يورث " وأنه لا تخصيص في عموم
هذا الخبر، فإن أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة رضي الله عنها بعض تركة
أبيها صلى الله عليه وآله كأن يخصها بفدك، وهذا من حقه الذي لا يعارضه فيه أحد، إذ يجوز
للخليفة أن يخص من يشاء بما شاء.
قال: وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام (1)، ومحمد بن مسلمة وغيرهما
ببعض متروكات النبي (2).
على أن فدكا هذه التي منعها أبو بكر لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان

(1) وكان صهره على أسماء أم عبد الله (منه قدس).
(2) قلت: وخص بنته أم المؤمنين بالحجرة فدفنته حين مات فيها إلى جنب
رسول الله ثم دفن فيها خليفته عمر برخصة منها، فلما توفي الحسن ريحانة رسول الله
أراد بنو هاشم تجديد العهد فيه بجده.
فكان ما كان مما لست أذكره * فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر -
فإنا لله وإنا إليه راجعون (منه قدس).
70

لمروان (99) هذا كلامه بنصه (100).
ونقل ابن أبي الحديد عن بعض السلف كلاما مضمونه العتب على الخليفتين
والعجب منهما في مواقفهما مع الزهراء بعد أبيها صلى الله عليه وآله. قالوا في آخره:
" وقد كان الأجل أن يمنعهما التكرم عما ارتكباه من بنت رسول الله فضلا عن
الدين ". فذيله ابن أبي الحديد بقوله (1): " وهذا الكلام لا جواب عنه ".
قلت: دعنا من مقتضيات التكرم، ولننظر في المسألة من حيث مقتضيات
المحاكمة فنقول: قد تمت الموازين الشرعية التي توجب الحكم للزهراء
بنحلتها وكانت مع تمامها متعددة كما لا يخفى على المنصفين من أولي الألباب.
وحسبهم منها علم الحاكم يومئذ أن هذه المدعية إنما هي بمثابة من

(99) عثمان يعطى فدكا لمروان بن الحكم.
راجع: المعارف لابن قتيبة ص 195، تاريخ أبي الفداء ج 1 / 169، سنن
البيهقي ج 6 / 301، العقد الفريد ج 4 / 283 ط لجنة التأليف والنشر، شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد ج 1 / 198، الغدير للأميني ج 7 / 195 و ج 8 / 236 - 238، وفاء
الوفاء ج 3 / 1000، فدك في التاريخ ص 20 - 21، سنن أبي داود ج 2 / 49.
وقيل إن الذي أقطعها لمروان هو معاوية بن أبي سفيان:
راجع: معجم البلدان للحموي ج 4 / 240، الغدير للأميني ج 7 / 195، وفاء
الوفاء ج 3 / 1000، فدك في التاريخ ص 21 - 22، فتوح البلدان للبلاذري ص 46.
(100) وقد نشرته مجلة الرسالة المصرية في عددها 518 من السنة 11 فراجعه في
ص 457 (منه قدس).
وقريب منه نقله في كتابه شيخ المضيرة أبو هريرة ص 169 ط 3.
(1) في ص 106 من المجلد الرابع من شرحه لنهج البلاغة حين أتى على شرح
قول أمير المؤمنين في كتابه لعثمان بن حنيف: بلى كانت في أيدينا فدك (منه قدس).
71

القدس تعدل بها مريم بنت عمران (1) وأنها أفضل منها (101) وأنها ومريم

(1) بحكم النصوص الصريحة في السنن المتظافرة الصحيحة. فمنها ما أخرجه
ابن عبد البر في ترجمة الزهراء من استيعابه وغيره من أعلام أثباتهم: أن النبي صلى الله عليه وآله
عادها وهي مريضة فقال: كيف تجدينك يا بنية؟ قالت: إني لوجعة وإنه ليزيدني إني
ما لي طعام آكله، قال: يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين. قالت: يا أبة فأين
مريم بنت عمران؟. قال: تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله
لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة ا ه‍ (منه قدس).
(101) تفضيلها على مريم عليها السلام أمر مفروغ منه عند أئمة العترة الطاهرة
وأوليائهم من الإمامية وغيرهم، وصرح بأفضليتها على سائر النساء حتى السيدة مريم
كثير من محققي أهل السنة والجماعة كالتقي السبكي، والجلال السيوطي، والبدر،
والزركشى، والتقي المقريزي، وابن أبي داود، والمناوي فيما نقله عنهم العلامة
النبهاني في فضائل الزهراء ص 59 من كتابه - الشرف المؤبد - وهذا هو الذي صرح
به السيد أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية، ونقله عن عدة من أعلامهم وذلك حيث
أورد تزويج فاطمة بعلي في سيرته النبوية فراجع (منه قدس).
فاطمة الزهراء عليها السلام أفضل من مريم بنت عمران.
راجع: نور الأبصار للشبلنجي ص 42 ط اليوسفية، الاستيعاب بذيل الإصابة ج
4 / 364، حلية الأولياء ج 2 / 42، جالية الكدر في شرح منظومة البرزنجي ص 202،
الأنوار المحمدية للنبهاني ص 150، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 79، مشكل الآثار
ج 1 / 48 و 50 و 52، ذخائر العقبى ص 42، المعتصر من المختصر للباجي ج 2 / 247
تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 / 91، نظم درر السمطين ص 179، طرح التثريب ج 1 /
149، الإصابة ج 4 / 275، وسيلة المآل ص 8، الثغور الباسمة للسيوطي ص 14،
ينابيع المودة ص 174، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج 2 / 6، مشارق
الأنوار للحمزواي ص 105، الشرف المؤبد ص، رشفة الصادي ص 226، أعلام
النساء لعمر كحالة ج 3 / 1215، كنز العمال ج 13 / 145.
72

وخديجة وآسية أفضل نساء الجنة (102) وأنها والثلاث خير نساء
العالمين (103)، وهي التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله:

(102) أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس في ص 293 من الجزء الأول من
مسنده، ورواه أبو داود كما في ترجمة خديجة من الاستيعاب، وقاسم بن محمد كما في ترجمة
الزهراء من الاستيعاب أيضا (منه قدس).
راجع مسند أحمد بن حنبل ج 1 / 293 و 322 ط الميمنية بمصر، الاستيعاب
بهامش الإصابة ج 4 / 284 و 376 ط السعادة، المستدرك للحاكم ج 3 / 160، تلخيص
المستدرك للذهبي بذيل المستدرك ج 3 / 160 وصححه، ذخائر العقبى ص 42، أسد
الغابة ج 5 / 447، الإصابة لابن حجر ج 4 / 378 ط السعادة و ج 4 / 366 ط مصطفى محمد
بمصر، ينابيع المودة ص 172 و 173 و 198 و 246 ط اسلامبول وص 202 و 204
و 234 ط الحيدرية، مشكل الآثار للطحاوي ج 1 / 48، الاعتقاد للبيهقي ص 165، تاريخ
الإسلام للذهبي ج 2 / 92، تذهيب التهذيب للذهبي ص 134، كنز العمال ج 13 / 143
منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 284، الخصائص الكبرى للسيوطي ج 2 /
265، الجامع الصغير للسيوطي ج 1 / 168، الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 214، البداية
والنهاية لابن كثير ج 2 / 59، تهذيب التهذيب لابن حجر ج 12 / 441، طرح التشريب
ص 169، إرشاد الساري ج 6 / 168، البيان والتعريف للحمزاوي ج 1 / 123، وسيلة
المال ص 80، حسن الأسورة ص 31، أرجح المطالب ص 240 و 243، جواهر البحار
للنبهاني ج 1 / 361، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 238 رقم 770.
(103) أخرجه أبو داود كما في ترجمة خديجة من الاستيعاب بالإسناد إلى أنس،
ورواه عبد الوارث بن سفيان كما في ترجمة الزهراء وخديجة من الاستيعاب (منه قدس).
راجع: الاستيعاب بهامش الإصابة ج 4 / 284 و 285 و 377 ط السعادة وبذيل
الإصابة ج 4 / 365 ط مصطفى محمد بمصر، الإصابة لابن حجر العسقلاني ج 4 / 378
ط السعادة و ج 4 / 366 ط مصطفى محمد بمصر، أسد الغابة ج 5 / 437، ذخائر العقبى
ص 44، ينابيع المودة ص 204 و 218 ط الحيدرية وص 173 ط اسلامبول، تاريخ بغداد
ج 9 / 404، البداية والنهاية ج 2 / 59، تفسير ابن كثير ج 2 / 224، منتخب كنز العمال
بهامش مسند أحمد ج 5 / 284، كنز العمال ج 13 / 143، سبيل النجاة في تتمة المراجعات
ص 239 رقم 771.
73

" يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه
الأمة " (104).

(104) أخرجه البخاري في ص 64 من الجزء الرابع من صحيحه، ومسلم في فضائل
فاطمة من الجزء الثاني من صحيحه، والترمذي في الصحيح، وصاحب الجمع بين
الصحيحين وصاحب الجمع بين الصحاح الستة، والإمام أحمد من حديث الزهراء ص
282 على الجزء السادس من مسنده وابن عبد البر في ترجمتها من استيعابه، ومحمد بن
سعد في ترجمتها من الجزء الثامن من طبقاته، وفي باب ما قاله النبي في مرضه من المجلد
الثاني من الطبقات أيضا. واللفظ الذي تسمعه للبخاري في آخر ورقة من كتاب الاستئذان
من الجزء الرابع من صحيحه، قال: حدثنا موسى عن أبي عوانة عن فراس، عن
عامر، عن مسروق، قال: حدثتني عائشة أم المؤمنين قالت: أنا كنا أزواج النبي عنده
جميعا لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي لا والله ما تخفي مشيتها من مشية رسول الله
صلى الله عليه وآله فلما رآها رحب، وقال: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم
سارها فبكت بكاءا شديدا، فلما رأى حزنها سارها الثانية، إذا هي تضحك، فقلت لها
أنا من بين نسائه: خصك رسول الله صلى الله عليه وآله بالسر من بيننا، ثم أنت تبكين؟! فلما قام
رسول الله صلى الله عليه وآله سألتها: عم سارك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله سره، فلما
توفي قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني، قالت: أما الآن فنعم
فأخبرتني. قالت: أما سارني في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبرئيل كان يعارضه بالقرآن
كل سنة مرة، وأنه عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتق
الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك، قالت فبكيت بكائي الذي رأيت. فلما رأى
جزعي سارني الثانية، قال: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو
نساء هذه الأمة أه‍. قلت: ولفظه فيما ذكره ابن حجر في ترجمتها من الإصابة، وغير
واحد من المحدثين: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟ وكيف كان فالحديث
صحيح، والنص في تفضيلها صريح. وأخرج ابن سعد في باب ما قاله النبي لها في
مرضه من المجلد الثاني من طبقاته بالإسناد إلى أم سلمة، قالت: لما حضر رسول الله
صلى الله عليه وآله الوفاة دعا فاطمة فناجاها فبكت، ثم ناجاها فضحكت، فلم أسألها حتى توفي
رسول الله صلى الله عليه وآله فسألتها عن بكائها وضحكها فقالت: أخبرني أنه يموت، ثم أخبرني أني
سيدة نساء أهل الجنة. الحديث أخرجه أيضا أبو يعلى - كما في ترجمة الزهراء من
الإصابة - بالإسناد إلى أم سلمة، ورواه عنها غير واحد من أهل الحديث (منه قدس).
فاطمة الزهراء سيدة نساء المؤمنين:
راجع: صحيح البخاري ك الاستئذان ب من ناجى بين يدي الناس ج 8 / 79 ط مطابع
الشعب و ج 4 / 96 ط الحلبي بحاشية السندي، صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب -
15 - فضائل فاطمة ج 4 / 1905 ط بتحقيق محمد فؤاد، سنن ابن ماجة ك الجنائز ب
64 ج 1 / 518 بتحقيق محمد فؤاد، الاستيعاب بذيل الإصابة ج 4 / 363، أسد الغابة
ج 5 / 522، التاج الجامع للأصول ج 3 / 371، حلية الأولياء ج 2 / 39، مسند أحمد
ج 6 / 282، نور الأبصار للشبلنجي ص 45، مسند أبي داود الطيالسي ص 196، الطبقات
الكبرى لابن سعد ج 8 / 26، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص، جواهر البحار
للنبهاني ج 1 / 360، المستدرك للحاكم ج 3 / 156، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 /
54، مصابيح السنة للبغوي ج ص، أسد الغابة ج 5 / 522، تاريخ الاسلامي للذهبي
ج 2 / 94، الخصائص الكبرى للسيوطي ج 2 / 265، كنز العمال ج 12 / 110، منتخب
كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 97 ينابيع المودة ص 260، إحقاق الحق ج 10 /
27، مشكل الآثار ج 1 / 48.
74

وقد علم المسلمون كافة أن الله عز وجل اختارها من نساء الأمة. كما اختار
ولديها من الأبناء، واختار بعلها من الأنفس، فهم الخيرة مع رسول الله
للمباهلة يوم أوحى الله سبحانه إليه (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من
العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم
نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (105).

(105) لنا في الفصل الأول من كلمتنا الغراء حول هذه الخصيصة - المباهلة -
مباحث جمة يجدر بكل بحاثة أن يقف عليها (منه قدس).
سورة آل عمران آية: 61.
أجمعت الأمة الإسلامية إن الآية نزلت في النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين
عليهم السلام راجع:
صحيح مسلم كتاب الفضائل باب من فضائل علي بن أبي طالب ج 2 / 360 ط
عيسى الحلبي و ج 15 / 176 ط مصر بشرح النووي و ج 7 / 120 ط محمد علي صبيح
و ج 4 / 1871 ط مصر بتحقيق محمد فؤاد، صحيح الترمذي ج 4 / 393 و ج 5 / 301
أفست بيروت، شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 120 - 129 ح 168 و 170 و 171
و 172 و 173 و 175، المستدرك على الصحيحين للحاكم ج 3 / 150 وصححه، تلخيص
المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 263
ح 310، مسند أحمد ج 1 / 185 ط الميمنية و ج 3 / 97 ح 1608 ط دار المعارف، كفاية
الطالب للكنجي ص 54 و 85 و 142 ط الحيدرية وص 13 و 28 - 29 و 55 و 59 ط
الغري، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 21 ح 30
و 271، تفسير الطبري ج 3 / 299 و 300 و 301 ط 2 و ج 3 / 192 ط الميمنية، الكشاف
للزمخشري ج 1 / 193 ط مصطفى محمد و ج 1 / 368 - 370 ط بيروت، تفسير ابن كثير
ج 1 / 370 - 371، تفسير القرطبي ج 4 / 104 ط 3، أحكام القرآن للجصاص ج 2 /
295 ط 2 بتحقيق القمحاوي وادعى عدم الاختلاف في ذلك، أحكام القرآن لابن عربي
ج 1 / 115 ط السعادة و ج 1 / 275 ط 2، التسهيل لعلوم التنزيل ج 1 / 109، فتح البيان
في مقاصد القرآن ج 2 / 72، زاد المسير لابن الجوزي ج 1 / 399، فتح القدير
للشوكاني ج 1 / 316 ط 1 و ج 1 / 347 ط 2، تفسير الفخر الرازي ج 2 / 699 ط دار
الطباعة العامرة بمصر و ج 8 / 85 ط البهية، تفسير أبي السعود بهامش تفسير الرازي ج
2 / 143 ط دار الطباعة بمصر، جامع الأصول ج 9 / 470، تفسير الخازن ج 1 / 302،
معالم التنزيل للبغوي بهامش تفسير الخازن، تفسير الجلالين للسيوطي ج 1 / 33 ط مصر
وص 77 ط بيروت، تفسير البيضاوي ج 2 / 22، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 169،
الصواعق المحرقة لابن حجر ص 72 و 87 و 93 ط الميمنية وص 119 و 143 و 153
ط المحمدية وفي المورد الأول من هذه الطبعة حذف اسم الإمام الحسن عليه السلام وهو
موجود في الطبعة الأولى ص 72 فراجع، الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ص 5،
السيرة الحلبية ج 2 / 212 ط البهية و ج 2 / 240 ط محمد علي صبيح، السيرة النبوية
لزين دحلان بهامش الحلبية ج 3 / 5 ط البهية، المناقب للخوارزمي ص 60 و 97،
الفصول المهمة لابن الصباغ ص 110، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 / 108 ط 1
و ج 16 / 291 ط مصر بتحقيق أبو الفضل، أسد الغابة ج 4 / 26، الإصابة لابن حجر
ج 2 / 509 ط السعادة و ج 2 / 503 ط مصطفى محمد، مرآة الجنان لليافعي ج 1 / 109،
مشكاة المصابيح ج 3 / 254، البداية والنهاية ج 5 / 54 ولم يذكر أمير المؤمنين،
الرياض النضرة ج 2 / 248، فضائل الخمسة ج 1 / 244، إحقاق الحق للتستري ج 3 /
46 - 62 و ج 9 / 70 - 71، شذرات الذهبية (الأئمة الاثنا عشر) ص 53، فرائد
السمطين ج 1 / 377 و ج 2 / 23 وألف بخصوص هذه الآية عدة مؤلفات منها المباهلة
للشيخ عبد الله السبيتي ط في النجف.
75

فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله كما نص عليه الإمام الرازي في تفسير الآية من
تفسيره الكبير وعليه مرط من شعر أسود وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن
وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول لهم: إذا أنا دعوت فأمنوا. فقال
أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا
لأزاله بها، فلا تباهلوهم فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم
القيامة (106).
وأيضا أجمع المسلمون كافة على أن الزهراء عليها السلام ممن أنزل الله
عز وجل فيهم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم

(106) وهذا الحديث ذكره المفسرون والمحدثون وأهل السير والأخبار، وكل
من أرخ حوادث السنة العاشرة للهجرة وهي سنة المباهلة، قال الرازي بعد إيراده في
تفسيره الكبير: واعلم أن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث.
قلت: أين كان الصديق عن هذه الوجوه يوم طالبته بالنحلة فرد دعواها ولم يقبل
شهادة من شهد يومئذ منهم (منه قدس).
تفسير الرازي ج 8 / 80، الميزان في تفسير القرآن ج 3 / 222 - 244.
77

تطهيرا) (107).

(107) كما فصلناه في الفصل الثاني من كلمتنا الغراء فليراجع بإمعان (منه قدس).
سورة الأحزاب آية: 33.
نزلت هذه الآية في النبي محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته وهم: على وفاطمة والحسن
والحسين عليهم السلام يوجد ذلك في:
صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب - فضائل أهل بيت النبي - ج 2 / 368 ط
عيسى الحلبي و ج 15 / 194 ط مصر بشرح النووي، صحيح الترمذي ج 5 / 30 و 328
ط أفست دار الفكر و ج 2 / 209 و 308 و 319 ط بولاق و ج 13 / 200 ط آخر
المستدرك للحاكم ج 3 / 133 و 146 و 147 و 158 و ج 2 / 416، تلخيص المستدرك
للذهبي بذيل المستدرك، المعجم الصغير للطبراني ج 1 / 65 و 135، شواهد التنزيل
للحسكاني الحنفي ج 2 / 11 - 92 حديث: 637 و 638 و 639 و 640 و 641 و 644
و 648 و 649 و 650 و 651 و 652 و 653 و 656 و 657 و 658 و 659 و 660 و 661
و 663 و 664 و 665 و 666 و 667 و 668 و 670 و 671 و 672 و 673 و 675 و 678
و 680 و 681 و 686 و 689 و 690 و 691 و 694 و 707 و 710 و 713 و 714 و 717
و 718 و 729 و 740 و 751 و 754 و 755 و 756 و 757 و 758 و 759 و 760 و 761
و 762 و 764 و 765 و 767 و 768 و 769 و 770 و 774، خصائص أمير المؤمنين
للنسائي ص 4 ط مصر و 8 ط بيروت وص 49 ط النجف، ترجمة الإمام علي بن أبي
طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 185 ح 250 و 272 و 320 و 321 و 322،
كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 54 و 372 و 174 و 375 وقد صححه و 376 ط الحيدرية
وص 13 و 227 و 230 وقد صححه و 231 و 232 ط الغري، مسند أحمد بن حنبل ج 1
/ 330 و ج 3 / 259 و 285 و ج 4 / 107 و ج 6 / 292 و 296 و 298، و 304 و 306 ط
الميمنية و ج 5 / 25 بسند صحيح ط دار المعارف بمصر، أسد الغابة ج 2 / 12 و 20 و ج
3 / 413 و ج 5 / 521 و 589، ذخائر العقبى ص 21 و 23 و 24، أسباب النزول للواحدي
ص 203، المناقب للخوارزمي ص 23 و 224، تفسير الطبري ج 22 / 6 و 7 و 8 ط 2،
الدر المنثور ج 5 / 198 و 199، أحكام القرآن للجصاص ج 5 / 230 ط عبد الرحمن
محمد و ج 5 / 443 ط القاهرة، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 301 ح
345 و 348 و 349 و 350 و 351، مصابيح السنة للبغوي ج 2 / 278 ط محمد علي صبيح
و ج 2 / 204 ط الخشاب، مشكاة المصابيح ج 3 / 254، الكشاف للزمخشري ج 1 / 193
ط مصطفى محمد و ج 1 / 369 ط بيروت، تفسير ابن كثير ج 3 / 483 و 484 و 485 ط
2، تفسير القرطبي ج 14 / 182، التسهيل لعلوم التنزيل ج 3 / 137، التفسير لمعالم
التنزيل للجاوى ج 2 / 183، الإتقان في علوم القرآن ج 4 / 240 ط المشهد الحسيني
بمصر وج 2 / 200 ط آخر، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 233، مطالب
السؤل ج 1 / 19 و 20 ط النجف وص 8 ط طهران، أحكام القرآن لابن عربي ج 2 /
166 ط مصر و ج 3 / 1526 ط آخر، الفصول المهمة لابن الصباغ ص 8، الإصابة لابن
حجر ج 2 / 502 و ج 4 / 367 ط مصطفى محمد و ج 2 / 509 و ج 4 / 378 ط السعادة،
فرائد السمطين للحمويني ج 2 / 9 و 22، ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن
عساكر ص 63 ح 113 - 128، الصواعق المحرقة ص 85 و 137 ط الميمنية وص 141
و 227 ط المحمدية، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 96، السيرة النبوية
لزين دحلان بهامش الحلبية ج 3 / 329 و 330 ط البهية و ج 3 / 365 ط محمد علي صبيح
إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 104 و 105 و 106 ط السعيدية وص 97 و 98
ط العثمانية، فتح القدير للشوكاني ج 4 / 279، نور الأبصار للشبلنجي ص 102 ط السعيدية
وص 101 ط العثمانية وص 112 ط مصطفى محمد، إحقاق الحق للتستري ج 2 / 502 -
547، فضائل الخمسة ج 1 / 224 - 243، الإستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة ج
3 / 37 ط السعادة و ج 3 / 37 ط مصطفى محمد، ينابيع المودة للقندوزي ص 107 و 108
و 228 و 229 و 230 و 244 و 260 و 294 ط اسلامبول وص 124 و 125 و 126 و 135
و 196 و 229 و 269 و 271 و 272 و 352 و 353 ط الحيدرية، العقد الفريد ج 4 / 311
ط لجنة التأليف والنشر بمصر و ج 2 / 394 ط دار الطباعة العامرة و ج 2 / 275 ط آخر
فتح البيان في مقاصد القرآن ج 7 / 363 و 364 و 365، الرياض النضرة ج 2 / 248
ط 2، الأنوار المحمدية للنبهاني ص 434، جواهر البحار للنبهاني ج 1 / 360، الفضائل
لأحمد بن حنبل ترجمة الإمام الحسين ص 28 ح 57، ولأجل المزيد من المصادر، وأن
أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين، دون نساء النبي باعتراف أم سلمة زوجة
الرسول وعائشة، وأن الرسول كان يمر على باب علي وفاطمة ستة أشهر ويقرء الآية.
راجع كل ذلك في كتابنا (سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 36 رقم 69 طبع في
بغداد وبيروت).
78

وأنها ممن افترض الله مودتهم على الأمة وجعلها أجر رسالته " ص " (108).

(108) كما فصلناه في الفصل الثالث من كلمتنا الغراء (منه قدس).
إشارة إلى قوله تعالى: " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى "
سورة الشورى آية: 23. هذه الآية نزلت في قربى الرسول وهم:
علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. راجع:
شواهد التنزيل للحسكاني ج 2 / 130 ح 822 و 823 و 824 و 826 و 827 و 828
و 832 و 833 و 834 و 838، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 307 ح 352
ذخائر العقبى ص 25 و 138، المستدرك للحاكم ج 3 / 172، تفسير الطبري ج 25 / 14
و 15 ط الميمنية و ج 25 / 25 ط 2، تفسير الكشاف للزمخشري ج 3 / 402 ط مصطفى
محمد و ج 4 / 220 ط بيروت، تفسير الفخر الرازي ج 7 / 405 - 406 ط الدار
العامرة و ج 27 / 166 ط عبد الرحمن محمد، تفسير البيضاوي ج 4 / 123 ط
مصطفى محمد و ج 5 / 53 ط بيروت وص 642 ط العثمانية، تفسير ابن كثير ج 4 / 112
ط 2، مجمع الزوائد ج 7 / 103 و ج 9 / 168، فتح البيان في مقاصد القرآن ج 8 / 372
تفسير القرطبي ج 16 / 22، فتح القدير للشوكاني ج 4 / 537، الدر المنثور ج 6 / 7،
تفسير النسفي ج 4 / 105، الصواعق المحرقة ص 101 و 135 و 136 ط الميمنية وص
168 و 225 ط المحمدية، مطالب السؤل لابن طلحة ص 8 ط طهران و ج 1 / 21 ط
النجف، الفصول المهمة لابن الصباغ ص 11، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 91
و 93 و 313 ط الحيدرية وص 31 و 32 و 175 و 178 ط الغري، مقتل الحسين للخوارزمي
ج 1 / 1 و 57، الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ص 5 و 13، إحياء الميت للسيوطي
بهامش الاتحاف ص 110، نظم درر السمطين ص 24، نور الأبصار ص 102 ط السعيدية
وص 106 ط العثمانية، تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بذيل المستدرك للحاكم ج
3 / 172، ينابيع المودة للقندوزي ص 106 و 194 و 261 ط اسلامبول وص 123
و 229 و 311 ط الحيدرية و ج 1 / 105 و ج 2 / 19 و 85 ط صيدا، حلية الأولياء ج 3 /
201، الغدير للأميني ج 2 / 306 - 311 ط بيروت، إحقاق الحق للتستري ج 3 / 2 - 22
و ج 9 / 92 - 101، فضائل الخمسة ج 1 / 259، الأنوار المحمدية للنبهاني ص 434.
80

وأنها ممن تعبد الله الخلق بالصلاة عليهم (109) كما تعبدهم بالشهادتين
في كل فريضة.
ولله ما قاله - الإمام الشافعي - كما في الصواعق المحرقة وغيرها:
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله -
كفاكم من عظيم القدر إنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له (110) -
وقال الشيخ ابن العربي - كما في الصواعق المحرقة وغيرها:
رأيت ولائي آل طه فريضة * على رغم أهل البعد يورثني القربى -

(109) وجوب الصلاة على آل محمد في أثناء الصلاة الواجبة:
راجع: الغدير للأميني ج 2 / 302، الصواعق لابن حجر ص 87 و 139 ط الميمنية
وص 144 - 145 و 231 ط المحمدية، تفسير الرازي ج 7 / 391 ط الدار العامرة
بمصر، ذخائر العقبى ص 19، المستدرك للحاكم ج 1 / 269، فضائل الخمسة ج 1 /
208.
ولأجل المزيد من المصادر وكيفية الصلاة على آل محمد ونزول آية (إن الله
وملائكته..) راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت تسلسل - 126 -).
(110) أبيات الإمام الشافعي في حب أهل البيت:
راجعها في: الصواعق المحرقة ص 88 ط الميمنية وص 146 ط المحمدية، ينابيع
المودة للقندوزي ص 354 ط الحيدرية وص 295 ط اسلامبول، إسعاف الراغبين بهامش
نور الأبصار ص 118 ط السعيدية وص 108 ط العثمانية، الاتحاف بحب الأشراف
ص 29، نور الأبصار للشبلنجي ص 105 ط السعيدية وص 103 ط العثمانية، السيرة النبوية
لزين دحلان بهامش الحلبية ج 3 / 332، الغدير للأميني ج 3 / 173. وغيرها من مصادر.
81

فما طلب الرحمن أجرا على الهدى * بتبليغه إلا المودة في القربى (111) -
وقال العلامة النبهاني في كتابه الشرف المؤبد.
آل طه يا آل خير نبي * جدكم خيرة وأنتم خيار -
أذهب الله عنكم الرجس أهل البيت قدما فأنتم الأطهار -
لم يسل جدكم على الدين أجرا * غير ود القربى ونعم الإجار (112) -
وأيضا فإن الزهراء لبرة الأبرار الذين قال الله عز وجل عنهم (إن الأبرار
يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها
تفجيرا، يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا، ويطعمون الطعام على
حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء
ولا شكورا) الآيات (1) إلى آخرها (113).

(111) الصواعق المحرقة لابن حجر ص 101 ط الميمنية، إسعاف الراغبين
للصبان بهامش نور الأبصار ص 117.
(112) الشرف المؤبد للنبهاني ص
(1) أجمع أصحابنا الإمامية تبعا لأئمتهم على أن هذه الآيات إنما نزلت في شأن
علي وفاطمة والحسن والحسين بسبب صدقة منهم آثروا بها المسكين واليتيم والأسير
على أنفسهم في ثلاث ليال متوالية لم يذوقوا فيها إلا الماء وصاموا أيامها الثلاثة وفاءا
بنذرهم. والقضية هذه أرسلها الزمخشري في سورة الدهر من كشافه عن ابن عباس وأخرجها
بالإسناد إليه كل من الإمام الواحدي في كتابه البسيط، والإمام أبي إسحاق الثعلبي في
تفسيره الكبير، والإمام أبي المؤيد موفق بن أحمد في كتابه الفضائل، وأرسلها إرسال
المسلمات في كتب المناقب جماعة من الثقات، وفي الفصل الرابع من كلمتنا الغراء
في تفضيل الزهراء تعليقات وتنبيهات ألفت إليها أولي البحث والتحقيق فلتراجع (منه
قدس).
(113) الآيات في سورة الدهر آية: 5 - 22. هذه الآيات نزلت في: علي
وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام بمناسبة قصة النذر راجع ذلك في:
شواهد التنزيل للحسكاني ج 2 / 298 ح 1042 و 1046 و 1047 و 1048 و 1051
و 1053 و 1054 و 1055 و 1056 و 1057 و 1058 و 1059 و 1061، المناقب
للخوارزمي ص 188 - 194، كفاية الطالب ص 345 - 348 ط الحيدرية وص 201
ط الغري، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 312 - 317، نور الأبصار للشبلنجي
ص 102 - 104 ط السعيدية وص 101 - 102 ط العثمانية، الجامع لأحكام القرآن
(تفسير القرطبي) ج 19 / 130 ط 3، الكشاف للزمخشري ج 4 / 197 ط مصطفى محمد و ج
4 / 670 ط بيروت و ج 2 / 511 ط آخر، روح المعاني للآلوسي ج 29 / 157، تفسير الفخر
الرازي ج 13 / 243 ط البهية و ج 8 / 392 ط الدار العامرة بمصر، تفسير أبي السعود
بهامش تفسير الرازي ج 8 / 393 ط الدار العامرة، التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ج 4 /
167، فتح القدير للشوكاني ج 5 / 349 ط 2 مصطفى محمد و ج 5 / 338 ط 1 الحلبي،
الدر المنثور ج 6 / 299 تفسير الخازن ج 7 / 159، معالم التنزيل للبغوي بهامش تفسير
الخازن ج 7 / 159، تفسير البيضاوي ج 5 / 165 ط بيروت و ج 4 / 235 ط مصطفى محمد
و ج 2 / 571 ط آخر، تفسير النسفي ج 4 / 318، أسد الغابة ج 5 / 530، أسباب النزول
للواحدي ص 251، ذخائر العقبى ص 88 و 102، مطالب السئول لابن طلحة ج 1 /
88، العقد الفريد ج 5 / 96 ط 2 لجنة التأليف والنشر و ج 3 / 45 ط آخر، الإصابة لابن
حجر ج 4 / 387 ط السعادة و ج 4 / 376 ط مصطفى محمد، اللآلي المصنوعة للسيوطي
ج 1 / 370، الغدير للأميني ج 3 / 107 - 111، إحقاق الحق للتستري ج 3 / 158 -
169 و ج 9 / 110 - 123، ينابيع المودة للقندوزي ص 93 و 212 ط اسلامبول وص
107 - 108 و 251 ط الحيدرية، نوادر الأصول للحكيم الترمذي ص 64، شرح
نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 21 و ج 13 / 276، الرياض النضرة ج 2 / 274
و 302 ط 2، فضائل الخمسة ج 1 / 254.
82

وبالجملة فإن للزهراء عليها السلام من منازل القدس عند الله عز وجل
ورسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين ما يوجب الثقة التامة في صحة ما تدعي، والطمأنينة
الكاملة بكل ما تقول، لا نحتاج في إثبات دعواها إلى شاهد، فإن لسانها ليتجافى
عن الباطل، وحاشا الله أن ينطق بغير الحق، فدعواها بمجردها تكشف عن
83

صحة المدعى به كشفا تاما ليس فوقه كشف، وهذا مما لا يرتاب فيه أحد ممن
عرفها عليها السلام وأبو بكر من أعرف الناس بها وبصدق دعواها ولكن الأمر
كما حكاه علي بن الفارقي وكان من أعلام بغداد. مدرسا في مدرستها الغربية،
وهو أحد شيوخ ابن أبي الحديد المعتزلي، إذ سأله.
فقال له: أكانت فاطمة صادقة - في دعواها النحلة -؟. قال: نعم.
قال له - ابن أبي الحديد -: فلم لم يدفع لها أبو بكر فدكا وهي عنده
صادقة؟ فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته.
قال: لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجأت إليه غدا وادعت لزوجها
الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه حينئذ الاعتذار بشئ، لأنه يكون
قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعى كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة
ولا شهود " (114).
قلت: وبهذا استباح أبو بكر رد شهادة علي بن أبي طالب لفاطمة بالنحلة
وإلا فإن يهود خيبر على لؤمهم وأن عليا دمرهم لينزهونه عن شهادة الزور
وبهذا أيضا لا بسواه استنوق الجمل فاعتبر ذات اليد المتصرفة مدعية فطالبها
بالبينة إنما هي عليه، الأمر الذي علمنا أنه دبر بليل.
وما ينس فلا ينس قوله في مجابهة فاطمة لست أعلم صحة قولك مع أن
قولها بمجرده من أوضح موازين الحكم لها بما ادعت.
ولو تنازلنا عن هذا كله وسلمنا أنها كسائر المؤمنات الصالحات تحتاج
في إثبات دعواها إلى بينة، فقد شهد لها علي وحسبها أخو النبي ومن كان منه

(114) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 / 284.
84

بمنزلة هارون من موسى (115) شاهد حق تشرق بشهادته أنوار اليقين وليس
بعد اليقين غاية يطلبها الحاكم في المرافعات ولهذا جعل رسول الله صلى الله عليه وآله شهادة
خزيمة بن ثابت كشهادة عدلين (116)، ولعمر الله أن عليا أولى بهذا من
خزيمة وغيره وأحق بكل فضيلة من سائر أبدال المسلمين.
ولو تنازلنا فسلمنا أن شهادة علي كشهادة رجل واحد من عدول المؤمنين
فهلا استحلف أبو بكر فاطمة الزهراء بدلا عن الشاهد الثاني، فإن حلفت وإلا
رد دعواها، ما رأيناه فعل ذلك! وإنما رد الدعوى ملغيا شهادة علي وأم
أيمن (117) وهكذا كما ترى مما لم يكن بالحسبان! بينا كان علي عدل

(115) كما سوف يأتي مع مصادره.
(116) شهادة خزيمة بشهادتين:
راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 / 273، فدك للقزويني ص 52، الإصابة
ج 1 / 425، الاستيعاب بذيل الإصابة ج 1 / 416، أسد الغابة ج 2 / 114، كنز العمال
ج 13 / 379 - 380، مسند أحمد بن حنبل ج 5 / 189 ط 1.
(117) هي مولاة النبي صلى الله عليه وآله وحاضنته اسمها بركة بنت ثعلبة وكان صلى الله عليه وآله يقول:
أم أيمن أمي بعد أمي. وكان إذا نظر إليها يقول: هذا بقية أهل بيتي. وقد أخبر عنها (كما
في ترجمتها من الإصابة) أنها من أهل الجنة. وترجم لها ابن حجر في إصابته، وابن
عبد البر في استيعابه وكل من ترجم للصحابة من أهل المعاجم فأثنوا عليها بامتيازها في
الدين والعقل وحسن السيرة، وابنها أيمن استشهد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة
خيبر فأحتسبته عند الله صابرة تبتغي الأجر والمثوبة (منه قدس).
شهادة علي وفاطمة وأم أيمن لفاطمة الزهراء:
شرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 / 214 و 216 و 225، فدك للقزويني ص 45
السيرة الحلبية ج 3 / 390، معجم البلدان للحموي ج 4 / 239، وفاء الوفاء ج 3 / 999
و 1000، فتوح البلدان للبلاذري ص 44.
كفاية شاهد ويمين: صحيح مسلم ك الأقضية ب - 2 - ج 3 / 1337، كنز العمال
ج 3 / 23 ح 17786.
85

القرآن في الميزان (118) وكان مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان (119)
وهو في آية التباهل نفس المصطفى ليس غيره إياها (120) إذا هو في هذه

(118) إشارة إلى الحديث المستفيض وقد أخرجه أصحاب الصحاح وغيرهم -
حديث الثقلين - أعني قوله صلى الله عليه وآله إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله
وعترتي. ولا كلام في أن إمام العترة وسيدها إنما هو علي عليه السلام (منه قدس).
تقدمت مصادر حديث الثقلين تحت رقم - 15 - فراجع.
(119) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله من حديث أم سلمة إذ قالت: سمعت رسول الله يقول:
" علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا على الحوض. أخرجه الحاكم
في باب علي مع القرآن والقرآن مع علي ص 124 من الجزء الثالث من مستدركه وقال:
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأورده الذهبي في تلخيصه مصرحا بصحته. وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وآله في مرض موته والحجرة غاصة بأصحابه: أيها الناس يوشك أن
أقبض قبضا سريعا فينطلق بي وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم إلا أني مخلف فيكم
كتاب ربي عز وجل وعترتي أهل بيتي. ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي مع
القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان. " (الحديث) تجده في الفصل 2 من الباب 9 من
الصواعق المحرقة ص 75 فراجع (منه قدس).
حديث الثقلين وكون علي مع القرآن والقرآن معه:
راجع: المعجم الصغير للطبراني ج 1 / 55، المناقب للخوارزمي ص 110، كفاية
الطالب ص 399 ط الحيدرية وص 254 ط الغري، مجمع الزوائد ج 9 / 134، الصواعق
المحرقة ص 122 و 124 ط المحمدية وص 74 و 75 ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي
ص 173، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 157 ط السعيدية وص 143 ط
العثمانية، نور الأبصار للشبلنجي ص 73 ط السعدية، الغدير للأميني ج 3 / 180، ينابيع
المودة للقندوزي ص 40 و 90 و 185 و 237 و 283 و 285 ط اسلامبول وص 44 و 103
و 219 و 281 و 339 و 342 ط الحيدرية.
راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم (11).
(120) البيت للشيخ كاظم الأزري. ديوانه الأزرية ص
لأجل المزيد من الاطلاع حول فدك يراجع:
مقدمة مرآة العقول ج 1 / 151 - 176.
86

المحاكمة ممن لا أثر لشهادتهم. يا لها مصيبة في الإسلام تلقيناها بقولنا إنا لله
وإنا إليه راجعون.
[المورد - (9) - إيذاء الزهراء:]
وذلك أنه بمجرده مخالف للنصوص الصريحة، بقطع النظر عما كان من
أسبابه ومقتضياته (1)، وحسبك منها ما أخرجه ابن أبي عاصم - كما في ترجمة
الزهراء من الإصابة - بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لفاطمة عليها السلام:
" إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك " (121).
قلت: وأخرجه الطبراني وغيره بإسناد حسن، - كما في أحوال الزهراء
من الشرف المؤبد للعالم النبهاني البيروتي -.

(1) فإن المباح في أصل الشرع قد يكون مع استلزامه للحرام حراما وفروض
ذلك في الإسلام كثيرة، وأقربها لما نحن فيه أنه يباح لك أن تصاحب من شئت من
إخوانك المؤمنين وتتزوج من أردت من غير محارمك فإذا استلزم فعلك هذا عقوق والديك
حرم ذلك عليك هذا هو الحكم التكليفي في هذه المسألة ونحوها فتأمل لتفهم (منه
قدس).
(121) راجع: الإصابة ج 4 / 366، كنز العمال ج 12 / 111 و ج 13 / 646،
المستدرك للحاكم ج 3 / 154، جواهر البحار للنبهاني ج 1 / 360، فرائد السمطين ج
2 / 46 ح 378، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 351 ح 401، أسد الغابة
ج 5 / 322، تهذيب التهذيب ج 12 / 441، ذخائر العقبى ص 39، مقتل الحسين للخوارزمي
ج 1 / 52، مجمع الزوائد ج 9 / 203، فضائل الخمسة ج 3 / 155، الغدير ج 3 / 180.
87

وأخرج الشيخان البخاري ومسلم - كما في ترجمة الزهراء من الإصابة
وغيرها - عن المسور قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول على المنبر: " فاطمة
بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها " (122).
ونقل الشيخ يوسف النبهاني في أحوال الزهراء - من كتابه الشرف
المؤبد - عن البخاري بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " فاطمة بضعة مني
يغضبني ما يغضبها - قال النبهاني -: وفي رواية فمن أغضبها أغضبني " (123)
(قال) وفي الجامع الصغير: " فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما
يبسطها " (124).
قلت: وقد قالت - بأبي وأمي - لأبي بكر وعمر (1). نشدتكما الله تعالى
ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من

(122) راجع: صحيح البخاري ك النكاح ب ذب الرجل عن ابنته ج 7 / 47 ط
مطابع الشعب، صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب 15 فضائل فاطمة ج 4 / 1902 ط
2 بتحقيق محمد فؤاد، صحيح الترمذي ك المناقب ب - 61 - فضل فاطمة ج 5 / 698
ح 3867، الإصابة ج 4 / 366، حلية الأولياء ج 2 / 40، سنن ابن ماجة ك النكاح ب
56 الغيرة ج 1 / 644 ح 1998، كنز العمال ج 12 / 107 و 112.
(123) غضب الرسول صلى الله عليه وآله لغضب فاطمة:
راجع: صحيح البخاري ك فضائل الصحابة ب مناقب قرابة رسول الله ج 5 / 26
وب مناقب فاطمة ج 5 / 36 ط مطابع الشعب، الجامع الصغير للمناوي ج 2 / 122،
الشرف المؤبد للنبهاني ص.
(124) الجامع الصغير للمناوي ج 2 / 122، كنز العمال ج 12 / 108 و 111،
المستدرك للحاكم ج 3 / 158.
(1) كما صرح به ابن قتيبة في أوائل كتابه الإمامة والسياسة وغير واحد من إثبات
أهل السير والأخبار (منه قدس).
88

سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن
أسخط فاطمة فقد أسخطني. قالا: نعم سمعناه من رسول الله " (125).
قلت: إن من أمعن في هذه الأحاديث فتدبرها ممن يقدر رسول الله صلى الله عليه وآله
حق قدره رآها ترمى إلى عصمتها لدلالتها بالالتزام على امتناع وقوع كل من
أذيتها وريبتها وسخطها ورضاها وانقباضها وانبساطها في غير محله، كما هو
الشأن في أذية النبي صلى الله عليه وآله وريبته ورضاه وسخطه وانقباضه وانبساطه وهذا هو
كنه العصمة وحقيقتها كما لا يخفى.
وأخرج جماعة من أئمتهم كالإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال (1):
نظر النبي إلى علي والحسن والحسين وفاطمة، فقال " أنا حرب لمن حاربكم
وسلم لمن سالمكم " (126).

(125) قول فاطمة لأبي بكر وعمر:
" نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: رضى فاطمة من رضاي وسخط
فاطمة من سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن
أسخط فاطمة فقد أسخطني. قالوا: نعم سمعناه من رسول الله. قالت فإني أشهد الله
وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه...
الخ.
راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص 14، فدك في التاريخ ص 92.
(1) كما في ص 442 من الجزء الثاني من مسنده (منه قدس).
(126) راجع: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 64، المستدرك للحاكم
ج 3 / 149، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، صحيح الترمذي ج 5 / 360
ط بيروت، سنن ابن ماجة ج 1 / 52 ح 145، أسد الغابة ج 3 / 11 و ج 5 / 523، ذخائر
العقبى ص 25، الصواعق المحرقة ص 112 ط الميمنية وص 185 ط المحمدية، مجمع
الزوائد ج 9 / 166 و 169، كفاية الطالب للكنجي ص 330 و 331 ط الحيدرية وص
188 و 189 ط الغري، ينابيع المودة للقندوزي ص 35 و 165 و 172 و 194 و 230
و 261 و 294 و 309 و 370 ط اسلامبول، شواهد التنزيل للحسكاني ج 2 / 27، المناقب
للخوارزمي ص 91، مقتل الحسين للخوارزمي أيضا ج 1 / 61 و 99، المعجم الصغير
للطبراني ج 2 / 3، الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 271، منتخب كنز العمال بهامش مسند
أحمد ج 5 / 92، إحقاق الحق ج 9 / 161 - 174، كنز العمال ج 13 / 640 الفضائل
لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ضمن مجموعة " الحسين والسنة " ص 10 ح 3. وسوف
يأتي مع مصادر أخرى تحت رقم (686).
89

قلت وأخرجه الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير بالإسناد إلى
أبي هريرة أيضا. وأخرج الترمذي من حديث زيد بن أرقم - كما في ترجمة
الزهراء من الإصابة أن رسول الله صلى الله عليه وآله ذكر عليا وفاطمة والحسن والحسين
عليهم السلام فقال: " أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم " (127).
وعن أبي بكر قال: رأيت رسول الله خيم خيمة (1) وهو متكئ على

(127) وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والضياء في مختارته
والطبراني وابن شيبة عن زيد بن أرقم أيضا، ورواه أبو يعلى في السنة، والضياء في
المختارة عن سعد ابن أبي وقاص ونقله جماعة من أعلام الفضل كالإمام علوي في ص 7
من الجزء 2 من قوله الفصل (منه قدس).
وراجع: الصواعق المحرقة ص 142 و 185 ط المحمدية وص 85 و 112 ط
الميمنية، الإصابة لابن حجر ج 4 / 378 ط السعادة، ينابيع المودة ص 229 و 294
و 309 ط اسلامبول، نظم درر السمطين ص 232 و 239، مصابيح السنة للبغوي ج 2 /
280، مشكاة المصابيح للعمري ج 3 / 258، ذخائر العقبى ص 23، الرياض النضرة ج
2 / 249 ط 2.
(1) لعل هذه الخيمة هي الكساء الذي جللهم به حين أوحي إليه فيهم: (إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وقد فصلنا ذلك في الفصل الثاني
من المطلب الأول من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء فليراجعها من أراد الشفاء من كل داء (منه قدس).
90

قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال صلى الله عليه وآله: " معشر
الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم
لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ
المولد " (128).
رواه الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد المصري المعاصر بعين لفظه
فليراجع في كتابه عبقرية محمد تحت عنوان النبي والإمام والصحابة.
وأخرج الإمام أحمد (1) عن عبد الرحمن الأزرق عن علي عليه السلام
قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا نائم على المنامة فاستسقى الحسن أو
الحسين، قال: فقام النبي صلى الله عليه وآله إلى شاة لنا بكئ (2) فحلبها فدرت، فجاءه
الحسن فنحاه النبي صلى الله عليه وآله فقالت فاطمة: يا رسول الله كأنه أحبهما إليك.
قال: لا ولكنه استسقى قبله، ثم قال: إني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان
واحد يوم القيامة أه‍ (129).

(128) راجع: فرائد السمطين ج 2 / 40 ح 373، المناقب للخوارزمي ص 211
سمط النجوم ج 2 / 488، الرياض النضرة ج 2 / 189 ط 1، الغدير للعلامة الأميني ج
4 / 323.
(1) في ص 101 من الجزء الأول من مسنده (منه قدس).
(2) أي قل لبنها وقيل انقطع وهذا الحديث أشار إليه صاحب لسان العرب في
مادة بكأ (منه قدس).
(129) كنز العمال ج 13 / 642، ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر
ص 117 ح 191 و 192 وقريب منه ح 182، فرائد السمطين ج 2 / 28، مسند أحمد ج 1
/ 101 ط 1 و ج 2 / 128 ح 792، الرياض النضرة ج 2 / 277، مجمع الزوائد ج 9 /
169، أسد الغابة ج 5 / 269، مسند أبي داود الطيالسي ص 29 رقم 190، ترجمة
الإمام الحسين من تاريخ دمشق لابن عساكر ص 111 ط 1، الإصابة ج 4 / 157 في
ترجمة أبي فاختة، وقد ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه ص 150، والشيخ الطوسي
في أماليه ج 2 / 206.
91

قلت: كان من حقهم على الأمة ولا سيما على أهل الحول والطول منها
أن لا يفاجأوا (أبان رزيتهم الكارثة) بما فوجئوا به من الاستئثار بمكانتهم في
الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله والاستغناء عنهم حتى في المشورة مع شدة الوطأة
عليهم في أمر البيعة والتنمر لهم في فيئهم وخمسهم وإرثهم ونحلتهم وسوقهم
مع سائر الرعايا بعصا واحدة والجرح لما يندمل والنبي لما يقبر.
وكان المستولون على الأمة يومئذ ومقوية سلطانهم أبرموا أمرهم على وجه
لم يبقوا لأحد من الأمة أن يخالف إلا أن تشق عصا المسلمين وبهذا آمنوا
من مقاومة علي وأوليائه وتفصيل ذلك كله في كتاب المراجعات فلا يفوتن
أهل البحث والتدقيق (130).
وكان من مبادئ القائمين بالأمر إذ ذاك شدة الوطأة في تنفيذ الأحكام من
غير فرق بين القريب والبعيد والشريف والدنئ وإيثار بيت المال بالوفر
والثراء والمساواة بين أهل السوابق وغيرهم في الأحكام.
وقد أعانهم على تنفيذ مبادئهم هذه بعدهم عن الطمع والاستكثار من
حطام الدنيا وتقشفهم في الحياة واستغناؤهم بالبلغة لهم ولمن إليهم وبهذا
أرضوا العامة فاستتب لهم الأمر. وحين جد الجد في محاكمة الزهراء كانت
بضعة النبي لديهم كسائر النساء لا ينزهن عن الافتراء (1).

(130) المراجعات ص 337 المراجعة 80 و 82 وراجع سبيل النجاة في تتمة
المراجعات ط بيروت.
(1) بل لم تعامل معاملتهن لأن المرأة المسلمة التي لا تتنزه عن الافتراء إذا أقامت
على دعواها شاهدا واحدا من عدول المسلمين يكتفى منها باليمين عوضا عن الشاهد الثاني
ولا ترد دعواها إلا بعد نكولها عن اليمين أما الزهراء فقد شهد لها على، وكان عليهم
أن يستحلفونها فإن نكلت ردوا حينئذ دعواها لكنهم أسرعوا في رد الدعوى ولم يطلبوا
منها اليمين.
على أنها عليها السلام كانت ذات اليد على فدك وذات التصرف فالبينة إنما هي
على المعارض لها المدعي عليها، عملا بقوله صلى الله عليه وآله: " البينة على من ادعى واليمين على
من أنكر " الحديث. وهذا من النصوص التي عارضوها بالاجتهاد كما لا يخفى (منه قدس).
92

[المورد - (10) -:]
يوم أمر النبي صلى الله عليه وآله الشيخين أبا بكر وعمر كليهما بقتل ذي الثدية لأول
مرة صدر منه الأمر بذلك فلم يقتلاه.
وذو الثدية هذا هو الخويصرة التميمي (1) حرقوص بن زهير ذو الثدية
رأس المارقة، أراد رسول الله صلى الله عليه وآله استئصال شأفة عيثه وفساده في الأرض
فأمر بقتله، لكن رياء هذا المارق بتخشعه في صلاته غر الشيخين فكرها قتله
وآثرا استحياءه!.
وحسبك في ذلك ما أخرجه جماعة من أهل السنن والمسانيد من الأئمة
وحفظة الآثار، واللفظ لأبي يعلى في مسنده - كما في ترجمة ذي الثدية من
إصابة ابن حجر - عن أنس، قال: كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله رجل يعجبنا
تعبده واجتهاده، وقد ذكرناه لرسول الله صلى الله عليه وآله باسمه فلم يعرفه، فوصفناه
بصفته فلم يعرفه، فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل علينا فقلنا: هو هذا. قال:

(1) ذكره ابن الأثير في أسد الغابة مستدركا على من لم يذكره في الصحابة،
وأورد في ترجمته ما أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد قال: بينا رسول الله يقسم
ذات يوم قسما، فقال ذو الخويصرة رجل من بني تميم: يا رسول الله أعدل، فقال:
ويلك من يعدل إذا لم أعدل وأخرجه مسلم أيضا (منه قدس).
93

إنكم لتخبروني عن رجل أن في وجهه لسفعة من الشيطان. فأقبل حتى وقف
عليهم ولم يسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أنشدك الله، هل قلت حين وقفت
على المجلس: ما في القوم أحد أفضل مني أو خير مني؟ قال: اللهم نعم.
ثم دخل يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يقتل الرجل؟ قال أبو بكر:
أنا. فدخل عليه فوجده يصلي، فقال: سبحان الله: أقتل رجلا يصلي؟ وقد
نهى رسول الله عن قتل المصلين؟ فخرج فقال رسول الله: ما فعلت؟ قال
كرهت أن أقتله وهو يصلي وقد نهيت عن قتل المصلين. قال رسول الله: من
يقتل الرجل؟ قال عمر: أنا فدخل فوجده واضعا جبهته، قال عمر: أبو بكر
أفضل مني. فخرج فقال النبي صلى الله عليه وآله: مهيم؟ قال: وجدته واضعا جبهته لله
فكرهت أن أقتله. فقال صلى الله عليه وآله: من يقتل الرجل؟ فقال علي: أنا. فقال (ص):
أنت إن أدركته. فدخل عليه فوجده قد خرج، قال صلى الله عليه وآله: لو قتل ما اختلف
من أمتي رجلان. (الحديث). (131).
وأخرجه الحافظ محمد بن موسى الشيرازي في كتابه الذي استخرجه
من تفاسير يعقوب ابن سليمان، ويوسف القطان، والقاسم بن سلام، ومقاتل
بن حياد، وعلي بن حرب، والسدي، ومجاهد، وقتادة، ووكيع، وابن
جريح وغيرهم.
وأرسله إرسال المسلمات جماعة من الأثبات كابن عبد ربه الأندلسي عند

(131) أمر الرسول بقتل ذي الثدية:
راجع: الإصابة لابن حجر ج 1 / 484 ط السعادة، حلية الأولياء ج 2 / 317 و ج
3 / 227، تاريخ ابن كثير ج 7 / 298، الغدير ج 7 / 216، الطرائف لابن طاووس ج
2 / 429 عن محمد بن مؤمن الشيرازي.
ويوجد الحديث عن أبي سعيد الخدري كما في مسند أحمد ج 3 / 15 ط 1.
94

انتهائه إلى القول في أصحاب الأهواء من أواخر الجزء الأول من عقده الفريد،
وقد جاء في آخر ما أورده. من هذا الحديث، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: هذا أول
قرن يطلع في أمتي لو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان، إن بني إسرائيل افترقت
اثنتين وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة، كلها في النار
إلا فرقة واحدة. (الحديث) (132).
[المورد - (11) -:]
يوم أمر النبي صلى الله عليه وآله كلا من الشيخين في المرة الثانية بقتل هذا المارق
فكان حالهما في هذه المرة كما كانت في المرة الأولى.
وذلك أن فيما حدثني من أثق به في فضله وورعه وتتبعه أن أبا بكر مر
بهذا المارق - بعد أن أمر بقتله فكره قتله - فوجده يصلي في بعض الأودية
حيث لا يطلع عليه سوى الله تعالى، فراقه خشوعه وتضرعه، فحمد الله تعالى
على عدم قتله، وأتى رسول الله صلى الله عليه وآله شافعا به وذكر له ما رآه من صلاته
ضارعا مبتهلا حيث لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، فلم يسمع رسول الله صلى الله عليه وآله
شفاعته، بل أمره على الفور بقتله، فلما لم يقتله أمر عمر ثم عليا بذلك وشدد
عليهم القول بوجوب قتله وقتل أصحابه، هذا ما حدثني به من أعرفه بالتقصي
في البحث والتنقيب (1) يرسله لي إرسال المسلمات، وقد فاتني سؤاله عن

(132) العقد الفريد ج 2 / 403 - 404 ط 2 و ج 1 / 167 ط آخر.
والفرقة الناجية هم علي وشيعته: راجع:
إحقاق الحق للتستري ج 7 / 184 نقله عن: الالزام للصيمري مخطوط، السيف
اليماني المسلول ص 169 وغيرها.
(1) هو شيخ المحدثين في عصره وصدوق حملة الآثار شيخنا ومولانا الأورع
الميرزا حسين النوري صاحب المستدركات على الوسائل (منه قدس).
95

مصدر حديثه هذا.
لكني - ولله الحمد - لم يفتني البحث عنه بنفسي حتى وجدته - والحمد
لله - في مسند أحمد ابن حنبل من حديث أبي سعيد الخدري ص 15 من
جزئه الثالث.
قال: إن أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني مررت
بوادي كذا وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله:
اذهب فاقتله. قال: فذهب إليه أبو بكر فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله،
فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: فقال النبي صلى الله عليه وآله لعمر: اذهب فاقتله.
فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر عليها، قال: فكره أن
يقتله. قال: فرجع فقال: يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعا، فكرهت أن
أقتله. قال: يا علي اذهب فاقتله. قال: فذهب علي فلم يره فرجع علي فقال:
يا رسول الله إنه لم يره. قال: فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن هذا وأصحابه يقرأون
القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم
لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية.
[تنبيه]
إن من أمعن في حديثي هذا المارق حديث أبي يعلى عن أنس الذي
أوردناه في المورد (10) وحديث الإمام أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الذي
أوردناه الآن في هذا المورد، علم أن لهذا المارق من رسول الله صلى الله عليه وآله يومين
أمر صلى الله عليه وآله في كل منهما بقتله فلم يقتل، وذلك أن الحديث الأول - حديث
أنس - صريح بأن النبي لم يكن مسبوقا بمعرفة هذا المارق وقد ذكروه
ووصفوه له فلم يعرفه، ولذا لم يأمر فيه بشئ حتى رآه وعرفه بسفعة من
96

الشيطان بين عينيه وبما هو عليه من العجب بنفسه. وحينئذ أمر بقتله، وكانت
صلاة هذا المارق التي أعجبت الشيخين يومئذ في المسجد بعد صدور الأمر
لهما بقتله.
أما حديث الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد فصريح بأن أبا بكر رأى
هذا المارق يصلي في بعض الأودية لا في المسجد فأعجبه خشوعه لله تعالى
حيث لا يراه سواه عز وجل فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك، فأمره فورا بقتله بدون
أن يراه وهذا ليس إلا لأنه كان محكوما عليه من قبل ذلك بالقتل كما لا يخفى،
فالحديثان في واقعتين متعددتين - بلا ريب - قوبل النص فيهما بالاجتهاد.
[فصل (1)]
الخوارج: هم الذين خرجوا عن الدين، بخروجهم على أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب، وقد أنكروا عليه التحكيم الذي اضطروه إليه، وكانوا ثمانية
آلاف أو أكثر، فاستدعاهم إليه ليذكرهم الله تعالى والدار الآخرة، وليبين
لهم خطأهم فيما رأوه، ويزيل شبهتهم التي تشبثوا بها (وإن أوهن البيوت
لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) فأبوا أن يأتوه، وكلفوه بأن يقر بالكفر
على نفسه ثم يتوب إلى الله منه. ولما لم يأتوه أرسل إليهم عبد الله بن العباس
فلم يأل جهدا، ولم يدخر وسعا في الاحتجاج عليهم وتسفيه رأيهم بكل حجة
بالغة، وبيان ناصع، والقوم مصرون على بغيهم وضلالهم كأن في آذانهم وقرا
وعلى قلوبهم أكنة (133).

(1) ترك " السيد " رحمه الله هذا الفصل كما جاء في الطبعة الأولى (النهج).
(133) سورة العنكبوت: 41 محاورة عبد الله بن عباس للخوارج توجد في:
الرياض النضرة ج 2 / 240 ط 1، الخصائص للنسائي ص 48 ط مصر.
97

وقد أجمعوا على تكفير كل من لا يرى رأيهم من المسلمين، وأباحوا
دمه وماله وأهله، وثاروا على المسلمين يقتلون من مر بهم كائنا من كان،
فكان ممن قتلوه عبد الله بن الخباب بن الأرت التميمي، وبقروا بطن زوجته
وهي حامل متم (134).
واستفحل شرهم، فأتاهم أمير المؤمنين ناصحا لله تعالى ولكتابه ولرسوله
وللمسلمين عامة ولهم خاصة، فأعذر إلى الله تعالى فيما أوضحه لهم من الخطأ
في خروجهم عليه وفيما احتج به عليهم مما يوجب رجوعهم إليه، وفيما أنذرهم
به إذا أصروا على البغي من سوء العاقبة في الدنيا بقتلهم، وفي الآخرة بمصيرهم
إلى النار وبئس القرار.
ولكنهم أصروا على بغيهم لا يفيئون إلى شئ من أمر الله عز وجل على
شاكلة من قوم نوح (إذ جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا
واستكبروا استكبارا) وبذلك قتلهم أمير المؤمنين (1) ولم ينج منهم عشرة،
ولم يقتل ممن كان معه عليه السلام عشرة وكان قد أخبرهم بذلك أثناء احتجاجه عليهم
فلم يرعووا.
ثم انضم إلى هذا النفر اليسير - الذي لم يقتل من الخوارج - جماعة
آخرون من أهل الضلال يرون رأيهم في التحكيم، والخروج على الولاة،
فلما ولي عبد الله بن الزبير ظهر منهم جماعة في العراق مع نافع بن الأزرق،

(134) مقتل ابن الخباب على أيدي الخوارج:
راجع: أسد الغابة ج 3 / 150، الإصابة ج 2 / 294.
(1) عملا بأوامر الكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله عز من قائل: (فقاتلوا التي
تبغى حتى تفئ إلى أمر الله) وقوله عز سلطانه: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
ويفسدون في الأرض أن يقتلوا) الآية وحسبك من أوامر السنة ما سأتلوه عليك في الأصل
(منه قدس).
98

وظهر باليمامة جماعة منهم آخرون مع نجدة بن عامر الحروري، وزاد نجدة
على مذهبهم أن من لم يخرج معهم لمحاربة المسلمين فهو كافر، وتوسعوا
حتى أبطلوا رجم المحصن، وأوجبوا قطع يد السارق من الإبط. وفرضوا
الصلاة على الحائض حال حيضها. إلى كثير من مبتدعاتهم التي ليس هذا محل
ذكرها.
وإن منهم إلى الآن لبقية من شراذم الفساد، في أنحاء من البلاد، مر بهم
في عمان (1) ابن بطوطة الرحالة في سياحته التي كانت في القرن الثامن للهجرة
وذكرهم في الجزء الأول من رحلته (2).
فقال: " هم أباضية المذهب، ويصلون الجمعة ظهرا أربعا، فإذا فرغوا
قرأ الإمام آيات من القرآن، ونثر كلاما شبه الخطبة يرضى فيه عن أبي بكر
وعمر ويسكت عن عثمان وعلي، وإذا أرادوا ذكر علي كنوا عنه: بالرجل،
ويرضون عن الشقي اللعين ابن ملجم ويقولون فيه العبد الصالح مع الفتنة قال:
ونساؤهم يكثرون الفساد، ولا غيرة عندهم ولا إنكار لذلك.
(قال): وكنت يوما عند سلطانهم أبي محمد بن نبهان وهو من قبيلة الأزد
فأتته امرأة صغيرة السن حسنة الصورة بادية الوجه فوقفت بين يديه وقالت له:
يا أبا محمد طغى الشيطان في رأسي. فقال لها: اذهبي واطردي الشيطان فقالت له:
لا أستطيع وأنا في جوارك. فقال اذهبي فافعلي ما شئت فذكر لي لما انصرفت
عنه: أن هذه ومن فعل فعلها تكون في جوار السلطان وتذهب للفساد، ولا يقدر
أبوها ولا ذوو قرابتها أن يغيروا عليها، وإن قتلوها قتلوا بها لأنها في جوار

(1) عمان سلطنة صغيرة واقعة في الجنوب الشرقي من بلاد العرب تمتد على
ساحل بحر العرب والخليج الفارسي. سلطانها اليوم سعيد بن تيمور (منه قدس).
(2) ص 172 والتي بعدها (منه قدس).
99

السلطان " انتهى كلامه بعين لفظه.
قلت: صدق الله عز وجل وبلغ رسوله صلى الله عليه وآله إذ قال:
" لا يبغضك يا علي إلا ابن زنا أو ابن حيضة أو منافق " (135).
[قتل الخوارج]
جاء في قتل الخوارج نصوص متضافرة، ولا سيما من طريق العترة
الطاهرة (136). وحسبك من طريق غيرهم، قول رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث (1)
وصفهم فيه فقال: " يقرأون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يقتلون أهل الإسلام،
ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية، لئن
أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " (137).
وفي حديث آخر (2) قال صلى الله عليه وآله: " لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود " (138).

(135) سورة نوح: 7.
راجع: ينابيع المودة للقندوزي ص 252، إحقاق الحق للتستري ج 7 / 222 نقله
عن المناقب المرتضوية ص 203، الغدير للأميني ج 4 / 322.
(136) البحار ج /، كشف الغمة ج 1 / 264.
(1) أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص 393
من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).
(137) صحيح مسلم ك الزكاة ب 47 ذكر الخوارج وصفاتهم ج 2 / 741.
(2) أخرجه مسلم من طريقين عن أبي سعيد في ص 394 من الجزء الأول من
صحيحه في باب ذكر الخوارج أيضا (منه قدس).
(138) صحيح مسلم ك الزكاة ب 47 ذكر الخوارج ج 2 / 742، كنز العمال
ج 11 / 308.
100

وقال صلى الله عليه وآله في وصفهم من حديث ثالث (1): " إنهم أحداث الأسنان،
سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم
أجرا لمن قيلهم عند الله يوم القيامة " (139) إلى كثير من أمثال هذه الصحاح
الواردة في التحريض على قتلهم، وحسبك في دلالتها على كفرهم، أن قتلهم
كقتل عاد وثمود.
[الخوارج شر الخلق والخليقة]
الأخبار في أن الخوارج شر الخلق والخليقة متواترة من طريق العترة
الطاهرة، وحسبك من طريق غيرهم ما أخرجه مسلم (2) عن أبي ذر ورافع بن
عمر الغفاريين عن رسول الله صلى الله عليه وآله إذ قال: " أن بعدي من أمتي، أو سيكون بعدي
من أمتي قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم (3) يخرجون من الدين كما
يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة " أه‍ (140).

(1) أخرجه مسلم عن علي عليه السلام في باب التحريض على قتل الخوارج ص
396 من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).
(139) صحيح مسلم ب 48 التحريض على قتل الخوارج ج 2 / 746، كنز
العمال ج 11 / 204 و 206.
(2) في باب الخوارج شر الخلق والخليقة ص 398 من الجزء الأول من صحيحه
(منه قدس).
(3) أي لا تفهمه قلوبهم، ولا ينتفعون بما يتلونه منه، ولا لهم حظ سوى تقطيع
حروفه في حلاقيمهم حين تلاوته، فقلوبهم غلف قد ران عليها ما يكسبون لا ينفذ إليها
شئ من نور القرآن لا تقبل لهم تلاوة ولا يصعد لهم عمل (منه قدس).
(140) صحيح مسلم ك الزكاة ب 49 الخوارج شر الخلق والخليقة ج 2 / 750،
كنز العمال ج 11 / 205 و 307.
101

وفي صحيح مسلم أيضا بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله
ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحالق.
قال: " هم شر الخلق، أو من أشر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق
قال: فضرب النبي صلى الله عليه وآله مثلا: الرجل يرمي الرمية. أو قال: الغرض فينظر
في النصل فلا يرى بصيرة، وينظر في النضي فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق
فلا يرى بصيرة " (1) الحديث (141).
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عن أبي برزة من طريقين (2) إليه،
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصف الخوارج فقال: " يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون فيه، سيماهم
التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال، فإذا لقيتموهم
فاقتلوهم، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق
والخليقة، هم شر الخلق والخليقة، هم شر الخلق والخليقة " (142).
قلت: إذا كانوا شر الخلق والخليقة، أو من أشرهم، لا تكون عبدة الأوثان
ولا منكروا الأديان شرا منهم، وكفى بهذا حجة على كفرهم.

(1) الحديث راجعه في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص 395 من جزئه الأول.
وأخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد أيضا في ص 5 من الجزء الثالث من مسنده
(منه قدس).
(141) صحيح مسلم ك الزكاة ب 47 ذكر الخوارج وصفتهم ج 2 / 745.
(2) أحدهما في آخر ص 424 والتي بعدها. وثانيهما في أول ص 422 من الجزء
الرابع من مسنده (منه قدس).
(142) كنز العمال ج 11 / 305 و 306، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج
5 / 433.
102

[مروق الخوارج
من الدين وأخباره صلى الله عليه وآله عنهم بالمغيبات]
تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله نصوص صريحة بمروق الخوارج من الدين
وحسبنا منها - مضافا إلى ما سمعته آنفا - ما أخرجه أصحاب الصحاح بأسانيدهم
الصحيحة، وطرقهم الكثيرة، وحيث لا يسعنا استقصاؤها في هذا الاملاء،
فلنكتف بما أخرجه الشيخان في صحيحيهما بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري (1)
واللفظ للبخاري.
قال: " بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو
الخويصرة (2) وهو رجل من بني تميم. قال: " يا رسول الله أعدل ". فقال
رسول الله: " ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل وقد خبت وخسرت إن لم أكن
أعدل " فقال عمر: " ائذن لي فأضرب عنقه (3) " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " دعه فإن
له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون

(1) أما البخاري فقد أخرجه في باب علامات النبوة في الإسلام من كتاب بدء
الخلق ص 184 من الجزء الثاني من صحيحه، وفي مواضع آخر من الصحيح، وأما
مسلم فقد أخرجه في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص 393 وما بعدها من الجزء الأول من
صحيحه (منه قدس).
(2) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء وكسر الصاد، واسمه حرقوص
ابن زهير (منه قدس).
(3) ليته ضرب عنقه حين أمر بذلك (منه قدس).
103

القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين (1) كما يمرق السهم من الرمية (2)
ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ (3) ثم، ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ،
ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد
فيه شئ، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي
المرأة، أو مثل البضعة تدردر (4). ويخرجون على حين (5) فرقة من الناس
قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله، وأشهد أن علي
بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتى نظرت

(1) أي يخرجون من دين الإسلام وهذه الكلمة من الأدلة على كفر الخوارج وعليه
إجماع الإمامية وإليه ذهب جماعة من أعلام الجمهور كالخطاب والقاضي أبي بكر ابن
العربي في شرح الترمذي لقوله صلى الله عليه وآله - كما في صحيح مسلم - " يمرقون من الإسلام "
(منه قدس).
(2) الرمية كفعيلة بمعنى مفعولة هي الصيد المرمى، والمروق سرعة نفوذ السهم
من الرمية حتى يخرج من الطرف الآخر ومنه مروق البرق لخروجه بسرعة، شبه صلى الله عليه وآله
مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه، ولشدة سرعة
خروجه لقوة ساعد الرامي لا يعلق على السهم يمرقون من الإسلام (منه قدس).
(3) ينظر بالبناء للمفعول والنصل حديدة السهم. أي لا يوجد فيها شئ ما من
الصيد مطلقا لا دم ولا غيره (منه قدس).
(4) تدردر فعل مضارع أصلها تتدردر حذفت إحدى التاءين تخفيفا - أي تتحرك
وتذهب وتجئ (منه قدس).
(5) قال النووي في تعليقه على هذا الحديث ص 86 من الجزء السادس من شرح
صحيح مسلم: ضبطوه في الصحيح بوجهين أحدهما: على حين فرقة بحاء مهملة ثم ياء
بعد نون. وثانيهما على خير فرقة بخاء معجمة مفتوحة بعدها ياء ثم راء. قلت: هذا
هو المأثور الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله والمراد بخير فرقة على وأصحابه كما لا يخفى (منه
قدس).
104

إليه على نعت النبي صلى الله عليه وآله الذي نعته " (143).
والأخبار عن الخوارج بهذا ونحوه - من أفعالهم وصفاتهم الخلقية
والخلقية - متواترة من طريقنا عن العترة الطاهرة، متضافرة من طريق الجمهور
عن رسول الله صلى الله عليه وآله - فلتراجع في مضانها من حديث الفريقين (144)
وأنها لمن أعلام النبوة وآيات الإسلام لما فيها من أنباء الغيب التي ظهرت بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله للناس كفلق الصبح، إذ رأى الناس مروق هؤلاء من الإسلام
بخروجهم على الإمام (3) وكان خروجهم على افتراق من الناس (4) وقد قتلوا

(143) تجد هذا الحديث عن أبي سعيد في مسند أحمد فراجعه ص 56 من الجزء
الثالث من مسنده (منه قدس).
أخبار النبي صلى الله عليه وآله بالمارقين وصفاتهم:
راجع صحيح البخاري ك بدء الخلق ب علامات النبوة في الإسلام ج 4 / 243 ط
مطابع الشعب، صحيح مسلم ك الزكاة ب 47 ذكر الخوارج ج 2 / 744، مسند أحمد
ج 3 / 56 و 65، خصائص النسائي ص 43 و 44 ط التقدم، المناقب للخوارزمي ص 182،
أسد الغابة ج 2 / 140، الأنوار المحمدية ص 487، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد
ج 5 / 432 و 433، كنز العمال ج 11 / 202 و 307.
(144) ولا سيما الصحاح الستة وغيرها من المسانيد التي هي مدار الجمهور في
علمهم وعملهم (منه قدس).
صفات الخوارج:
من طريق الجمهور فراجع:
كنز العمال ج 11 / 198 - 208 و 286 - 323، إحقاق الحق للتستري ج 8 /
475 - 522، المناقب للخوارزمي ص 182 - 185.
(3) كما أخبر به النبي عنهم إذا قال صلى الله عليه وآله: " يخرجون على خير " فرقة بكسر الفاء
- يعنى عليا وأصحابه - (منه قدس).
(4) كما أخبر به صلى الله عليه وآله إذ قال: " يخرجون على حين فرقة " بضم الفاء وكان خروجهم
في صفين والناس فئتان، إحداهما مع علي عليه السلام، وأخرى باغية مع معاوية (منه قدس).
105

وكان قاتلهم إمام الحق (145) وكانوا في بقية شؤونهم كما أخبر عنهم، يقتلون
أهل الإيمان، ويدعون عبدة الأوثان، ويتشددون في الدين في غير موضع
التشدد، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم. لأن قلوبهم غلف قد ران عليها
مروقهم من الدين، فلا ينفذ إليها شئ من نور القرآن يبالغون في الصلاة والصيام
لكنهم لا يقيمون حقوق الإسلام، لمروقهم منه غير متأثرين بشئ من هداه،
مروق السهم من الرمية، يسبق الفرث والدم.
وقد ظهرت للناظرين آيتهم الخاصة بهم، رجل أسود إحدى عضديه مثل
ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر كما أخبر صلى الله عليه وآله، وقد تضمنت أخباره
عن هذه المارقة بقاء الأمة بعده، وبقاء الشوكة والطول لها، على خلاف ما أرجف
المرجفون، وكل ذلك علم بالغيب، والله تعالى (لا يظهر على غيبه أحدا إلا
من ارتضى من رسول) (2).
ولنختم ما عنينا به من شؤون هذه المارقة بحديث أخرجه الطبراني في
الأوسط (3) عن جندب (4).

(145) كما أخبر به إذ قال صلى الله عليه وآله " يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " وقال في
حديث آخر أخرجه مسلم عن أبي سعيد: " يقتلهم أولى الطائفتين بالحق " (منه قدس).
(2) سورة الجن آية: 26 و 27.
الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام طبق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله
من أمر الخوارج:
راجع صحيح مسلم ك الزكاة ب 47 ج 2 / 745 و 746، كنز العمال ج 11 / 310
و 314 ذخائر العقبى ص 110.
(3) كما في ص 71 من الجزء السادس من كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال
وهو الحديث 1179 (منه قدس).
(4) هو جندب بن زهير بن الحارث بن كثير بن سبع بن مالك الأزدي الغامدي
كان من أصحاب أمير المؤمنين وخاصة أوليائه، وقد ذكره ابن حجر العسقلاني في القسم
الأول من إصابته. على أن في صحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله خلافا، لكنه لا كلام في كونه
من كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم شهد مع أمير المؤمنين حروبه أيام الجمل وصفين
والنهروان وكان في صفين على الرجالة. وعن أبي دريد في أماليه بسنده إلى أبي عبيدة
عن يونس قال: كان عبد الله بن الزبير اصطفنا يوم الجمل فخرج علينا صالح فقال: يا معشر
فتيان قريش أحذركم رجلين جندب ابن زهير والأشتر، فإنكم لا تقومون لسيوفهما قلت:
جندب بن زهير هذا غير جندب الذي قتل الساحر بين يدي الوليد بن عقبة، فإن قاتل
الساحر جندب بن كعب العبدي قتل بصفين مع علي عليه السلام نص على ذلك الزبير بن
بكار في كتابه الموفقيات، وهو المنقول عن ابن الكلبي وغيره (منه قدس).
106

قال: لما فارقت الخوارج عليا خرج في طلبهم وخرجنا معه، فانتهينا إلى عسكر
القوم. فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن وإذا فيهم من أصحاب
النقبات، وأصحاب البرانس، فلما رأيتهم دخلني من ذلك شدة، فتنحيت
فركزت رمحي، ونزلت عن فرسي، ونزعت برنسي، فنشرت عليه درعي،
وأخذت بمقود فرسي، فقمت أصلي إلى رمحي وأنا أقول: اللهم إن كان قتال
هؤلاء القوم لك طاعة فأذن لي فيه، وإن كان معصية فأرني براءك. فبينا أنا
كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب فلما دنا مني قال: تعوذ بالله يا جندب من
شر السخط، فجئت أسعى إليه، ونزل فقام يصلي، وإذا برجل أقبل.
فقال: يا أمير المؤمنين ألك حاجة في القوم؟
قال: وما ذاك؟
قال: قطعوا النهر فذهبوا.
قال: ما قطعوه.
قال: سبحان الله!
ثم جاء آخر فقال: قد قطعوا النهر فذهبوا.
107

قال: ما قطعوه.
قال: سبحان الله.
ثم جاء آخر فقال: قد قطعوا النهر فذهبوا.
قال علي: ما قطعوه ولا يقطعونه وليقتلن دونه عهد من الله ورسوله.
ثم ركب فقال لي: يا جندب إني باعث إليهم رجلا يدعوهم إلى كتاب
ربهم وسنة نبيهم، فلا يقبل عليهم بوجهه حتى يرشقوه بالنبل، يا جندب: أنه
لا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة.
ثم قال: من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى
كتاب الله وسنة نبيه وهو مقتول وله الجنة، فأجابه شاب من بني عامر بن
صعصعة فخرج الشاب بالمصحف إلى القوم. فلما دنا منهم نشبوه.
فقال علي: دونكم القوم.
قال جندب: فقتلت بكفي هذه ثمانية قبل أن أصلي الظهر، وما قتل منا
عشرة، وما نجا منهم عشرة كما قال علي " (146) والحمد لله.
[المورد - (12) -:]
قتال المتريثين في النزول على أمر أبي بكر في أمر الزكاة لارتيابهم في
ولايته عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا في افتراضها عليهم.
وكان أبو بكر (147) قد جمع الصحابة يستشيرهم في قتال هؤلاء فكان

(146) ظهور الحق لجندب بعد أن اطلع على حقائق الخوارج:
راجع: كنز العمال ج 11 / 289، مجمع الزوائد ج 6 / 242.
(147) فيما رواه الثقات الأثبات من حفظة الآثار فراجع الفصل الخامس أو ص 104
من كتاب الصديق للأستاذ الكبير المتتبع هيكل (منه قدس).
108

رأي عمر بن الخطاب وطائفة من المسلمين معه أن لا يقاتلوا قوما يؤمنون بالله
ورسوله صلى الله عليه وآله وأن يستعينوا بهم على عدوهم. ولعل أصحاب هذا الرأي كانوا
أكثر الحاضرين في حين كان الذين أشاروا بالقتال هم القلة، وأغلب الظن
أن المجادلة بين القوم في هذا الأمر البالغ الخطر طالت واحتدمت أيما احتدام
فقد اضطر أبو بكر أن يتدخل بنفسه فيها يؤيد القلة، ولقد اشتد في تأييد رأيه
في ذلك المقام.
يدل على ذلك قوله: " والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله لقاتلهم على منعه " (148) ولم يثن هذا المقال عمر عن أن يرى ما في
القتال من تعريض المسلمين لخطر تخشى مغبته، فقال في شئ من الحدة:
كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها
وحسابهم على الله "! (149).
لكن أبا بكر لم يتريث ولم يتردد في إجابة عمر فقال: " والله لأقاتلن
من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال " وقد قال: " إلا بحقها " (150).
قلت: عفى الله عن أبي بكر ما أراد أن يكون كالضارب بهذا النص عرض
الجدار فحمله بلباقة على ما تقتضيه سياسته مما كان عازما عليه من القتال. وإلا
فإن المؤمنين بالله ورسوله ممن قوتلوا يومئذ وقتلوا، فلم يكن منهم من يفرق

(148) صحيح مسلم ك الإيمان ب 8 ج 1 / 51.
(149) راجع: صحيح مسلم ك الإيمان ب 8 ج 1 / 51، سنن ابن ماجة ك الفتن
ب 1 ج 2 / 1295، خصائص النسائي ص، سنن البيهقي ج 8 / 19 و 196، الغدير للأميني
ج 7 / 163.
(150) نفس المصادر السابقة.
109

بين الصلاة والزكاة في شئ، وإنما كانوا متريثين في النزول على حكمه في
الزكاة وغيرها، إذ لم تكن نيابته عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الحكم حينئذ ثابتة
لديهم لشبهة دخلت عليهم (1) اضطرتهم إلى الارتياب فيها، فكانوا معذورين
في تريثهم بل مأجورين به (151).
وقد أدوا بتريثهم هذا أموالهم وحق زكاتها، فإن من حقهما أن لا ينزلوا
في كل منهما إلا على حكم الله ورسوله أو حكم من تثبت له الولاية عليهم من
قبل الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولو بلغ أبا بكر عذرهم هذا، لعده حجة عليه في إمهالهم يتريثون، لكن
أنى لهؤلاء المظلومين حينئذ بأبي بكر لينصفهم.
وأنت ترى صحاح السنن المتوالية (152) صريحة بعصمة دماء هؤلاء
المؤمنين وأمثالهم وأنها على كثرتها بين عام ومطلق وليس ثمة من مخصص
لعامها ومقيد لمطلقها ليتشبث به المبيح لقتالهم وقتلهم.

(1) كما سنوضحه فيما بعد إنشاء الله تعالى (منه قدس).
(151) وذلك بناءا على أن المنقاد إلى أمر الله تعالى أو برجاء المطلوبية يكون
مستحقا للثواب كالمطيع لأمره سبحانه لأن العلة فيهما واحدة وإن اختلفت في المصادفة
وعدمه كما ذكر وحقق في أصول الفقه.
(152) مصادر الأحاديث في حقن دماء المؤمنين:
كما تقدم تحت رقم - 149 - وراجع أيضا الغدير ج 7 / 163، الفصول المهمة
لشرف الدين ص 11 - 17 ط 5، صحيح البخاري ك الديات ب 6 ج 9 / 6 ط مطابع
الشعب، صحيح مسلم ك القسامة ب 6 ج 3 / 1302 ح 25 و 26 ط بيروت بتحقيق محمد
فؤاد عبدا لباقي، صحيح الترمذي ك الحدود ب 15 ج 4 / 49 ح 1444، مسند أحمد بن
حنبل ج 1 / 61 و 63 و 65 و 70 و 163 و 382 و 428 و 444 و 465 و ج 6 / 181 و 214
ط 1، سنن أبي داود ك الحدود ب 1، سنن الدارمي ك السير ب 11، سنن ابن ماجة ك
الحدود ب 1 ج 2 / 847 ح 2533 و 2534، كنز العمال ج 15 / 148.
110

أما ما ذكره أبو بكر من كون الزكاة حق المال فليس من التخصيص والتقييد
في شئ إذ لا يستفاد منه أكثر من وجوبها على المكلفين بها، وإن لولي الأمر
القائم مقام رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطالبهم بها ويأخذها منهم فإن امتنعوا عن دفعها
إليه طائعين أخذها منهم مرغمين بقوته القاهرة لهم مجردة عن القتال.
أما قتالهم عليها فمعارض لحقن دمائهم المنصوص على عصمتها في صحاح
عامة تأبى التخصيص بمجرد ما ظنه أبو بكر مخصصا كما بيناه.
وإليك منها ما تجده في باب فضائل علي من صحيح مسلم (1) من حديث
جاء فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين أعطاه الراية يوم خيبر قال له: " امش ولا تلتفت
وأنه مشى شيئا ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل
الناس؟ قال صلى الله عليه وآله: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله. فإن فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على
الله " (153).
وفي صحيحي البخاري ومسلم بالإسناد إلى أسامة بن زيد قال: بعثنا
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت

(1) ص 324 من جزئه الثاني (منه قدس).
(153) راجع: صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب 4 من فضائل علي بن أبي
طالب ج 4 / 1871 ح 33، مسند أحمد بن حنبل ج 2 / 384، مسند أبي داود الطيالسي
ص 320، الخصائص للنسائي ص، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص
186، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 28 ط العلمية، ذخائر العقبى ص 73،
كنز العمال ج 10 / 468 و ج 13 / 116، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 /
44، ينابيع المودة للقندوزي ص 49 ط اسلامبول، إحقاق الحق للتستري ج 5 /
384 - 390.
111

أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف
الأنصاري عنه فطعنته برمحي، فلما قدمنا بلغ النبي ذلك فقال: يا أسامة أقتلته
بعد ما قال لا إله إلا الله. قلت: كان متعوذا. فما زال يكررها حتى تمنيت أني
لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم " (154).
قلت: ما تمنى ذلك حتى ظن أن جميع ما عمله قبل هذه الواقعة من إيمان
وصلاة وزكاة وصوم وصحبة وجهاد وغيرها لا يمحو عنه هذه السيئة وأن أعماله
الصالحة بأجمعها قد حبطت بها، ولا يخفي ما في كلامه من الدلالة على أنه كان
يخشى أن لا يغفر له بعدها، ولذا تمنى تأخر إسلامه عنه، ليكون داخلا في حكم
قوله صلى الله عليه وآله: " الإسلام يجب ما قبله ". وناهيك بها حجة على احترام أهل لا إله إلا
الله وعصمة دمائهم.
وأخرج البخاري في باب بعث علي وخالد إلى اليمن من صحيحه أن رجلا
قام فقال: يا رسول الله اتق الله. فقال صلى الله عليه وآله: ويلك ألست أحق أهل الأرض أن
يتقي الله؟!. فقال خالد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال صلى الله عليه وآله: لا، لعله
أن يكون يصلي " (155).

(154) عدم رضا النبي صلى الله عليه وآله لما قتل أسامة رجلا قال لا إله إلا الله:
راجع: صحيح البخاري ك المغازي ب 45 ج 5 / 183 وك الديات ب 2 ج 9 / 4 ط
مطابع الشعب، صحيح مسلم ك الإيمان ب 41 ح 159 ج 1 / 97 تحقيق محمد فؤاد،
مسند أحمد بن حنبل ج 5 / 200، أسد الغابة ج 1 / 65.
(155) وهذا الحديث أخرجه أحمد من مسند أبي سعيد الخدري في ص 4 من الجزء
الثالث من مسنده. ومثله ما نقله العسقلاني في ترجمة سرحوق المنافق في الإصابة من أنه
أتي به ليقتل قال رسول الله: هل يصلي؟ قالوا: إذا رآه الناس. قال صلى الله عليه وآله: " إني
نهيت عن قتل المصلين. وكذلك ما أخرجه الذهبي في ترجمة عامر بن عبد الله بن يسار
من ميزانه عن أنس قال: ذكر عند النبي رجل فقيل ذلك كهف المنافقين فلما أكثروا فيه
رخص لهم في قتله ثم قال: هل يصلي؟ قالوا: نعم صلاة لا خير فيها قال صلى الله عليه وآله: إني نهيت عن قتل المصلين. قلت: ليت خالد بن الوليد احترم صلاة مالك بن نويرة، فانتهى بها
عن قتله، وقد شهد له عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري أن مالكا صلى صلاة الصبح
معهم يوم قتله، لكنه افتتن بعرس مالك كما قال معاصره أبو زهير السعدي:
قضى خالد بغيا عليه بعرسه * وكان له فيها هوى قبل ذلك -
(الأبيات) (منه قدس).
وراجع: صحيح البخاري ك المغازي ب 59 ج 5 / 207 ط مطابع الشعب، الفصول
المهمة لشرف الدين ص 14 ط 5.
112

وفي الصحيحين بالإسناد إلى ابن عمر قال: قال النبي " ص " وهو بمنى
وقد أشار إلى الكعبة: " أتدرون أي بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:
إن هذا بلد حرام، أتدرون أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال أنه
يوم حرام. أتدرون أي شهر هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهر حرام،
وإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في
شهركم هذا في بلدكم هذا " (156).
والصحاح وغيرها من كتب المسانيد مشحونة بهذه السنن ومضمونها مما

(156) راجع: صحيح البخاري ك الحج ب 132 ج 2 / 216 وك العلم ب 9 ج 1
/ 26 وك الأضاحي ب 5 ج 7 / 129 وك الحدود ب 9 ج 8 / 198 ط مطابع الشعب،
صحيح مسلم ك القسامة ب 8 ج 3 / 1305 ح 29 و 30، صحيح الترمذي ك الفتن ب 2
ج 4 / 461 ح 2159 وك التفسير ب 10 ج 5 / 273 ح 3087، سنن ابن ماجة ك المناسك
ب 76 ج 2 / 1015 ح 3055 و 3057 و 3058 وب 84 ح 3074 وك الفتن ب 2 ج 2 / 1297 ح
3931، مسند أحمد ج 1 / 230 و ج 3 / 80 و 313 و 371 و ج 4 / 76 و 305 و 337 و ج
5 / 30 و 37 و 39 و 40 و 49 و 68 و 72 و 411 و 412 ط 1، سنن أبي داود ك المناسك
ب 56، سنن الدارمي ك المناسك ب 31.
113

لا ريب فيه للمسلمين (157). وبها لا يحل قتال المسلم بمجرد تريثه في دفع
الزكاة إلى الإمام، ولا سيما إذا كان تريثه عن شبهة اضطرته إلى الريب في إمامته
كما كان هو الشأن في بعض القبائل يوم لحق رسول الله صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى،
فاحتدمت الفتنة يومئذ واستطار شرها في آفاق العرب، وارتد عن الإسلام
كثير منهم (158).
واختلف المهاجرون والأنصار في أمر الخلافة، فكان كل منهما على رأيين
وربما كان الأنصار على ثلاثة آراء (159)، وبويع أبو بكر أثناء هذه الشرور
فكانت بيعته - كما قيل - فلتة وقى الله المسلمين شرها (160).

(157) سنن ابن ماجة ك الفتن ب 2 ج 2 / 1297 - 1298، كنز العمال ج 15 /
146، الفصول المهمة لشرف الدين ص 11 - 17 ط 5.
(158) راجع كتب التاريخ والسير: المختصر لأبي الفداء ج 1 / 155 و 157.
(159) عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 /، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
ج 2 / 24 ط مصر بتحقيق أبو الفضل.
(160) قال أبو بكر في أوائل خلافته:
" إن بيعتي كانت فلتة، وقى الله شرها وخشيت الفتنة... "
راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 132 و ج 2 / 19 ط 1 بمصر
و ج 1 / 311 ط مكتبة دار الحياة و ج 2 / 50 و ج 6 / 47 ط مصر بتحقيق أبو الفضل و ج
1 / 154 ط دار الفكر، أنساب الأشراف للبلاذري ج 1 / 590 ط مصر.
وقال عمر بن الخطاب:
". إن بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها.. "
راجع: صحيح البخاري ك الحدود ب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ج 8 /
26 ط دار الفكر و ج 8 / 210 ط مطابع الشعب و ج 8 / 208 ط محمد علي صبيح و ج
4 / 179 ط دار إحياء الكتب و ج 4 / 119 ط المعاهد و ج 4 / 125 ط الشرفية و ج 8 / 140
ط الفجالة و ج 8 / 8 ط بمبي و ج 4 / 128 ط الخيرية، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
ج 1 / 123 و 124 ط 1 بمصر و ج 2 / 23 و 26 و 29 ط مصر بتحقيق أبو الفضل و ج 1 / 292
ط مكتبة دار الحياة و ج 1 / 144 ط دار الفكر، السيرة النبوية لابن هشام ج 4 / 226 ط دار
الجيل و ج 4 / 338 ط آخر، النهاية لابن الأثير ج 3 / 466، تاريخ الطبري ج 3 / 205،
الكامل لابن الأثير ج 2 / 327، الصواعق المحرقة ص 5 و 8 ط الميمنية وص 8 و 12 ط
المحمدية، تاج العروس ج 1 / 568، لسان العرب ج 2 / 371، تاريخ الخلفاء للسيوطي
ص 67، السيرة الحلبية ج 3 / 360 و 363، مسند أحمد ج 6 / 55، أنساب الأشراف
للبلاذري ج 5 / 15، تيسير الوصول ج 2 / 42 و 44، الرياض النضرة ج 1 / 161، تمام
المتون للصفدي ص 137. ولأجل المزيد من المصادر راجع: سبيل النجاة في تتمة
المراجعات ص 254 تحت رقم (826).
وقال عمر مرة أخرى:
" إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.. ".
راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 123 ط 1 و ج 2 / 26 بتحقيق
أبو الفضل، الصواعق المحرقة ص 21 ط الميمنية وص 34 ط المحمدية، الملل
والنحل ج 1 / 22 ط دار المعرفة.
114

فكان من الطبيعي يومئذ أن يقع الريب في صحة البيعة وانعقاد الإجماع
عليها والحال هذه (161).

(161) بل لا إجماع فإنه قد تخلف عن بيعة أبي بكر كثير من كبار الصحابة وأهل
الحل والعقد:
1 - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
2 - العباس بن عبد المطلب 3 - عتبة بن أبي لهب
4 - سلمان الفارسي 5 - أبو ذر الغفاري 6 - عمار بن ياسر
7 - المقداد 8 - البراء بن عازب 9 - أبي بن كعب
10 - سعد بن أبي وقاص 11 - طلحة بن عبيد الله 12 - الزبير بن العوام
13 - خزيمة بن ثابت 14 - فروة بن عمر الأنصاري 15 - خالد بن سعيد بن
العاص الأموي 16 - سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع حتى توفي
بالشام في أيام خلافة عمر.
115

بل كان الحال أبانئذ أفظع مما ذكرناه وأدعى إلى الارتياب والاضطراب.
وإذا لا جناح على أولئك المرتابين في خلافة الصديق من المؤمنين إذا
لم ينزلوا على حكمه في أمر الزكاة وغيرها حتى يحصل لهم العلم بقيامه شرعا
مقام رسول الله في أوامره ونواهيه صلى الله عليه وآله.
[المورد - (13) -:]
يوم البطاح، أو يوم مالك بن نويرة وقومه من خالد، وذلك أن القيادة
العامة كانت يومئذ لخالد بن الوليد، فكان يأمر بما يشاء ويحكم فيها بما يريد،
لم يقتصر يومئذ على قتل المؤمنين صبرا بل تجاوز ذلك إلى المثلة وسبي
المسلمات واستباحة ما حرم الله تعالى من الأموال والفروج وتعطيل الحدود
الشرعية في أحداث ما أظن أن لها نظيرا في الجاهلية (162).
[من هو مالك؟]
هو مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد بن عبد بن ثعلبة بن يربوع التميمي

17 - الفضل بن العباس. وجماعة من بني هاشم وغيرهم. راجع:
العقد الفريد ج 4 / 259، عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 105، شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد ج 1 / 131 ط 1، الغدير للأميني ج 5 / 370، مروج الذهب ج 2 / 301
أسد الغابة ج 3 / 222، تاريخ الطبري ج 3 / 208، الكامل لابن الأثير ج 2 / 325 و 331
تاريخ اليعقوبي ج 2 / 103 و 105، سمط النجوم العوالي ج 2 / 244، السيرة الحلبية
ج 3 / 356، المختصر لأبي الفداء ج 1 / 156.
(162) الغدير للأميني ج 7 / 158 وغيره ممن تحدث عن هذه الواقعة.
116

اليربوعي هامة الشرف في بني تميم وعرنين المجد في بني يربوع من علية
العرب وممن تضرب الأمثال بفتوته نجدة وكرما وحفيظة وشجاعة وبطولة بكل
معانيها، وهو من أرداف الملوك، أسلم وأسلم بنو يربوع بإسلامه وولاه
رسول الله صلى الله عليه وآله على صدقات قومه ثقة به واعتمادا عليه (163).
[جرم مالك وموقفه]
إنما كان جرمه تريثه في النزول على حكم أبي بكر في أمر الزكاة وغيرها
باحثا عن تكليفه الشرعي في ذلك ليقوم به على ما شرع الله عز وجل ورسوله
صلى الله عليه وآله.
أما موقفه فلم يكن عن ارتياب ولا عن شق عصا ولا ابتغاء فتنة ولا إرادة
قتال، وإنما فوجئ بهذه الغارة عليه من خالد في مستهل خلافة أبي بكر حيث
كان الخلاف محتدما بين السابقين الأولين في أمر الخلافة (164).
فأهل البيت وأولياؤهم كانوا فيها على رأى (165).
وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم وأتباعهم على رأي آخر (166).
وكذلك الأنصار (الذين آووا ونصروا) حتى غلب نقيبهم سعد بن

(163) أسد الغابة ج 4 / 295، عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 145، الإصابة
لابن حجر ج 3 / 336.
(164) عبد الله بن سبأ ج 1 / 90 - 100، تاريخ الطبري ج 3 / 264.
(165) عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 90 و 103 - 120، الإمامة والسياسة لابن
قتيبة ج 1 / 4 وراجع ما تقدم تحت رقم (161).
(166) عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 93 - 98، تاريخ الطبري ج 3 / 201
و 202 و 203.
117

عبادة على أمره فاعتزلهم واعتزل أمرهم يحلف بالله أنه لو وجد أعوانا عليهم
لقاتلهم ثم لم تجمعه جمعتهم ولم يفض بإفاضتهم حتى مات في حوران (167).
إلى كوارث أخر حول البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه أعني
البيوت التي قال الله عز وجل في حقها: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت
النبي حتى يؤذن لكم) (168) وحول وديعة رسول الله وزهرائه وحول إرثها
ونحلتها وخمسها ومجابهتها إياهم بكل حجة بالغة إلى غير ذلك من الأمور
التي أنذر بها القرآن الحكيم.
فكان من الطبيعي لمثل مالك في عقله ونبله ومكانته في قومه أن يتربص
- والحال هذه - في النزول على حكم من يظهر في المدينة ويقهر خصومه
على الخلافة حتى يتبين له أنه إنما قهرهم بالحق وظهر عليهم باجتماعهم عليه
بعد ذلك التنازع، وبهذا لا بسواه تريث مالك في دفع الزكاة باحثا عمن تبرأ
ذمته بدفعها إليه. فكان عليهم أن يمهلوه مدة تسع البحث عن هذه الحقيقة
الغامضة في تلك الأوقات ولا يعاجلوه مفاجئيه بتلك النكبات فإنه لم يكن ممن
أنكر الزكاة ولا ممن فرق بينها وبين الصلاة ولا ممن استحل قتال أبي بكر أو
غيره من المسلمين.
هذه هي الحقيقة في موقف مالك وأصحابه، يدل على ذلك نصحه لقومه
في تثبيته إياهم على الإسلام وعدم المناوأة لخالد وأمره إياهم بالتفرق لئلا
يصطدموا بجيشه الناهد إلى بطاحهم ونهيه إياهم عن الاجتماع في مكان ما

(167) عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 92 - 93، تاريخ الطبري ج 3 / 218 -
223.
(168) سورة الأحزاب آية: 53.
118

لئلا يظن أحد بأنهم معسكرون (169).
[زحف خالد إلى البطاح]
لما فرغ خالد من أسد وغطفان أزمع على المسير إلى البطاح يلقي فيها
مالك بن نويرة وقومه، وكان مالك أخلى له البطاح، وفرق قومه لما بيناه من
عزمه على السلام احتياطا منه على الإسلام في تلك الأيام. فلما عرف الأنصار
عزم خالد على المسير إلى مالك، توقفوا عن المسير معه وقالوا: " ما هذا
بعهد الخليفة إلينا إنما عهده أن نحن فرغنا من البزاخة واستبرأنا بلاد القوم
أن نقيم حتى يكتب إلينا ".
فأجابهم خالد: " أنه إن لم يكن عهد إليكم بهذا فقد عهد إلي أن أمضي
وأنا الأمير وإلي تنتهي الأخبار، ولو أنه لم يأتني كتاب ولا أمر، ثم رأيت
فرصة أن أعلمته بها فاتتني لم أعلمه حتى انتهزها، وكذلك إذا ابتلينا بأمر لم
يعهد لنا فيه لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به، وهذا مالك بن
نويرة بحيالنا وأنا قاصد له بمن معي (1) " ثم سار ومن معه يقصد البطاح،

(169) نص على ذلك كله الأستاذ هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر " فراجع منه
ما هو تحت عنوان مالك ينصح لقومه ص 144. وقال الأستاذ العقاد في عبقرية خالد سطر
14 ص 121 حيث ذكر موقف مالك: أنه ليس موقف عناد وتحفز لقتال. لكن العقاد
أخطأ في أبيات لمالك إذ حملها على غير معناها المتبادر منها إلى الأذهان كما لا يخفى
على من أمعن بها (منه قدس).
وراجع: الغدير للأميني ج 7 / 158 - 168، عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 145 - 149.
(1) ذكر هذه المحاورة (بألفاظها) بينه وبين من كان في جيشه من الأنصار كل من
هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر " ص 143 والتي بعدها، والعقاد في آخر ص 267
من عبقرية عمر وغيرهما من أهل الأخبار وقد استفاضت بينهم فلتراجع.
وترى كلام الأنصاري في هذه المحاورة صريحا بأن الخليفة لم يعهد إليهم بالزحف
على مالك، لكن خالدا أدعى العهد من الخليفة إليه خاصة وبناءا على هذا فالخليفة قد
استعمل اللياقة والحيلة في أن لا يكون مسؤولا من الناس عن جرائم يوم البطاح، وإنما
يكون المسؤول عنها خالدا وحينئذ يحفظه معتذرا بأنه تأول فأخطأ، وهذه الواقعة تدل
على تعمقه في السياسة إلى أبعد حد (منه قدس).
119

فلما بلغوها لم يجدوا فيها أحدا (170).
[مجيؤهم بمالك في نفر من قومه وقتلهم صبرا]
فلما لم يجدوا فيها أحدا أرسل خالد سراياه في أثرهم فجاءته بمالك بن

(170) كلمة أهل السير والأخبار كافة متفقة على أن خالدا حين احتل البطاح بجيشه
لم يجد فيها أحدا من أهلها، وأن مالكا قد فرق قومه من قبل في ديارهم قائلا لهم
إياكم والمناواة وناصحا لهم بالبقاء على الإسلام وأن يبقوا متفرقين حتى يلم الله هذا
الشعث، فراجع من كتاب الصديق أبو بكر ص 144 وغيره من مظان هذا الأمر (منه
قدس).
من مختلقات (سيف بن عمر التميمي) في ارتداد مالك بن نويرة:
هذه الرواية موجودة في تاريخ الطبري ج 3 / 276 وفي سند هذه (سيف بن عمر)
وهو من الرواة الوضاعين وقد حاول في قصة مالك بن نويرة أن يصوره مرتدا عن
الإسلام ويختلق المعاذير لجناية خالد فقد اختلق هذا الرجل روايات وحرف أخرى
في سبيل التوصل لرغباته الدنيئة ولأجل معرفة الروايات المتخلقة التي رواها سيف في
قصة مالك والروايات الأخرى التي رواها غيره راجع: كتاب عبد الله بن سبأ للعسكري
ج 1 / 145 - 155 ط بيروت، فسوف تجد الحقيقة سالمة.
ولأجل المزيد من الاطلاع على حياة (سيف بن عمر) ومعرفة حقيقته ومختلقاته
من الروايات والحوادث والأسانيد والبلدان وغيرها.
راجع: كتاب عبد الله بن سبأ للسيد مرتضى العسكري ج 1 و ج 2 ط بيروت، وكتاب
خمسون ومائة صحابي مختلق القسم الأول والثاني ط بيروت.
120

نويرة في نفر من بني يربوع فحبسهم، ثم كان ما كان من أمرهم مما سنأتي
على طرف منه بكل حسرة وأسف فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد روى الطبري بسنده إلى أبي قتادة الأنصاري وكان من رؤساء تلك
السرايا أنه كان يحدث، أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل، فأخذ
القوم السلاح (قال أبو قتادة) فقلنا: إنا المسلمون. (قال): فقالوا ونحن
المسلمون. قلنا: ما بال السلاح معكم؟ قالوا لنا: فما بال السلاح معكم؟
فقلنا: فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح، ثم صلينا وصلوا. ا ه‍ (171).
قلت: وبعد الصلاة خفوا إلى الاستيلاء على أسلحتهم وشد وثاقهم
وسوقهم أسرى إلى خالد وفيهم زوجة مالك ليلى بنت المنهال أم تميم، وكانت
كما نص عليه أهل الأخبار (واللفظ للأستاذ عباس محمود العقاد في عبقرية
خالد) من أشهر نساء العرب بالجمال، ولا سيما جمال العينين والساقين قال:
يقال أنه لم ير أجمل من عينيها ولا ساقيها.
ففتنت خالدا وقد تجاول في الكلام مع مالك وهي إلى جنبه، فكان مما
قاله خالد: إني قاتلك.
قال له مالك: أو بذلك أمرك صاحبك؟ (يعني أبا بكر).
قال: والله لأقتلك. وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري إذ ذاك
حاضرين، فكلما خالدا في أمره، فكره كلامهما.
فقال مالك: يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد
بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا، وألح عبد الله بن عمر وأبو قتادة

(171) الخدعة بمالك بن نويرة:
تاريخ الطبري ج 3 / 280 وهذه الرواية من الروايات التي لم يروها (سيف
المختلق)، عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1481 الغدير ج 7 / 159.
121

على خالد بأن يبعثهم إلى الخليفة فأبى عليهما ذلك.
وقال خالد: لا أقالني الله إن لم أقتله. وتقدم إلى ضرار بن الأزور الأسدي
بضرب عنقه. فالتفت مالك إلى زوجته، وقال لخالد: هذه التي قتلتني. فقال
له خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام.
فقال له مالك: إني على الإسلام.
فقال خالد: يا ضرار اضرب عنقه. فضرب عنقه (1) وقبض خالد على
زوجته فبنى بها في تلك الليلة (172).
وفي ذلك يقول أبو زهير السعدي:
ألا قل لحي أوطئوا بالسنابك * تطاول هذا الليل من بعد مالك -
قضى خالد بغيا عليه لعرسه * وكان له فيها هوى قبل ذلك -
فأمضى هواه خالد غير عاطف * عنان الهوى عنها ولا متمالك -
وأصبح ذا أهل وأصبح مالك * على غير شئ هالكا في الهوالك -
فمن لليتامى والأرامل بعده؟ * ومن للرجال المعدمين الصعالك؟ -
أصيبت تميم غثها وسمينها * بفارسها المرجو سحب الحوالك (173) -

(1) وجعل رأسه أثفية لقدر كما في ترجمة وثيمة بن الفرات من وفيات الأعيان
(منه قدس).
(172) أبو قتادة الأنصاري وعبد الله بن عمر يعترضان على خالد في قتله مالك
وكان السبب في قتل مالك هو جمال زوجته الذي كان مطمعا لخالد.
راجع: تاريخ أبي الفداء ج 1 / 158، وفيات الأعيان ترجمة وثيمة ج 6 / 14،
فوات الوفيات ج 2 /، عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 147، تاريخ اليعقوبي ج
، تاريخ ابن الشحنة هامش الكامل ج 11 / 114، الغدير للأميني ج 7 / 160.
(173) تاريخ أبي الفداء ج 1 / 158، وفيات الأعيان ج 6 / 15، تاريخ ابن
الشحنة هامش الكامل ج 11 / 114، عبد الله بن سبأ ج 1 / 148، الغدير للأميني ج 7 / 160.
122

وكان خالد قد أمر بحبس تلك السراة الأسرى من قوم مالك، فحبسوا
والبرد شديد فنادى مناديه في ليلة مظلمة أن أدفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة
كناية عن القتل فقتلوهم بأجمعهم.
وكان قد عهد إلى الجلادين من جنده، أن يقتلوهم عند سماعهم هذا النداء،
وتلك حيلة منه توصل بها إلى أن لا يكون مسؤولا عن هذه الجناية، لكنها لم
تخف على أبي قتادة وأمثاله من أهل البصائر وإنما خفيت على رعاع الناس
وسوادهم بقوة الساسة والسياسة.
هذه هي الحقيقة الواقعة بين خالد ومالك وقومه يلمسها من ممحصي
الحقائق كل من أمعن فيما سجلته كتب السير والأخبار عن يوم البطاح وسائر
ما إليه.
فلا يصدنك عنها ما تجده هناك من أقوال أخر متناقضة كل التناقض نسجتها
الأغراض الشخصية والتزلف إلى ولي الأمر يومئذ والقائد العام لجيوشه
تصحيحا لأعمالهم (174).
وقد أعطينا الامعان فيها حقه، فلم نر منها إلا الدلالة على تضييع الحقيقة
إخلاصا في الحب لخالد والدفاع عنه والله على ما يقول وكيل.
[ثورة أبي قتادة وعمر بن الخطاب]
قال الأستاذ هيكل في كتابه " الصديق أبو بكر (1) ": إن أبا قتادة الأنصاري

(174) وأكثر هذه الروايات إن لم يك كلها قد اختلقها (سيف بن عمر) الزنديق
المعروف بالكذب والوضع. راجع ترجمته في كتاب: عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 /
61 - 64، خمسون ومائة صحابي مختلق ج 1 و ج 2.
(1) ص 147 والتي بعدها (منه قدس).
123

غضب لفعلة خالد إذ قتل مالكا وتزوج امرأته فتركه منصرفا إلى المدينة مقسما
أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد، وأن متمم بن نويرة أخا مالك ذهب معه،
فلما بلغا المدينة ذهب أبو قتادة ولا يزال الغضب آخذا منه مأخذه فلقي أبا بكر
فقص عليه أمر خالد، وقتله مالكا وزواجه من ليلى، وأضاف أنه أقسم أن لا
يكون أبدا في لواء عليه خالد. قال: لكن أبا بكر كان معجبا بخالد وانتصاراته،
ولم يعجبه أبو قتادة، بل أنكر منه أن يقول في سيف الإسلام ما يقوله!
قال هيكل: أترى الأنصاري - يعني أبا قتادة - هاله غضب الخليفة فأسكته.
ثم قال: كلا فقد كانت ثورته على خالد عنيفة كل العنف لذلك ذهب إلى عمر
ابن الخطاب فقص عليه القصة، وصور له خالدا في صورة الرجل الذي يغلب
هواه على واجبه، ويستهين بأمر الله إرضاء لنفسه. قال: وأقره عمر على رأيه
وشاركه في الطعن على خالد والنيل منه، وذهب عمر إلى أبي بكر وقد أثارته
فعلة خالد أيما ثورة، وطلب إليه أن يعزله، وقال إن سيف خالد رهقا (1)
وحق عليه أن يقيده ولم يكن أبو بكر يقيد من عماله (2)، لذلك قال حين ألح
عمر عليه غير مرة: هبه يا عمر، تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد.
ولم يكتف عمر بهذا الجواب، ولم يكف عن المطالبة بتنفيذ رأيه فلما
ضاق أبو بكر ذرعا بالحاح عمر، قال: لا يا عمر ما كنت لاشيم (3) سيفا سله
الله على الكافرين.
قال هيكل: لكن عمر كان يرى صنيع خالدا نكرا فلم تطب نفسه ولم

(1) الرهق السفه والخفة وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم (منه قدس).
(2) وهذا من اجتهاده مقابل النص فإن الله تعالى يقول: " وكتبنا عليهم أن النفس
بالنفس " (الآية) (منه قدس).
(3) أشيم: أغمد والشيم يستعمل في كل من السل والإغماد (منه قدس).
124

يسترح ضميره.
" كيف إذن يسكت يذر في طمأنينته يشعر كأنه لم يأثم ولم
يجن ذنبا " قال: لا بد أن يعيد القول على أبي بكر، وأن يذكر له في صراحة
أن عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله ونزا على امرأته فليس من الإنصاف
في شئ أن لا يؤاخذ بصنيعه. قال: ولم يسع أبا بكر إزاء ثورة عمر إلا أن
يستقدم خالدا ليسأله ما صنع. قال: وأقبل خالد من الميدان إلى المدينة،
ودخل المسجد في عدة الحرب مرتديا قباءا له، صدأ الحديد، وقد غرز في
عمامته أسهما، وقام إليه عمر إذ رآه يخطو في المسجد، فنزع الأسهم من
رأسه وحطمها وهو يقول: قتلت امرؤا مسلما ثم نزوت على امرأته، والله
لأرجمنك بالأحجار (175).
قال: وأمسك خالد فلم يعتذر ودخل على أبي بكر فقص عليه قصة
مالك وتردده، وجعل يلتمس المعاذير فعذره أبو بكر وتجاوز عما كان منه في
الحرب، لكنه عنفه على الزواج من امرأة لم يجف دم زوجها، وكانت العرب
تكره النساء في الحرب وترى الاتصال بهن عارا أي عار.
قلت: والاسلام يحرم نكاح المتوفى عنها زوجها حتى تعتد فإن نكحت

(175) أبو قتادة وعمر يغضبان من فعل خالد بمالك:
راجع: عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 146 - 149، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 110،
تاريخ أبي الفداء ج 1 / 158، الطبري ج 3 / 280، الإصابة ج 3 / 336.
أبو قتادة وعبد الله بن عمر يشهدان لمالك بالاسلام:
راجع: تاريخ الطبري ج 3 / 280، عبد الله بن سبأ ج 1 / 146، كنز العمال ج 3
/ 132 ط 1، وفيات الأعيان لابن خلكان ج 5 / 66، فوات الوفيات ج 2 / 627، تاريخ
ابن شحنة بهامش الكامل ج 11 / 114.
125

وبنى بها الناكح وهي في العدة حرمت عليه مؤبدا، ولو فرضنا أن خالدا
اعتبرها سبية، فالسبية لا يحل وطؤها إلا بعد الاستبراء الشرعي، ولا استبراء
هنا وإنما قتل زوجها ووطئها في تلك الحال.
قال هيكل: على أن عمر لم يتزحزح عن رأيه فيما صنع خالد، فلما توفي
أبو بكر وبويع عمر خليفة له، كان أول ما صنع أن أرسل إلى الشام ينعي
أبا بكر، وبعث مع البريد الذي حمل النعي رسالة يعزل بها خالدا عن إمارة
الجيش.
قال الأستاذ هيكل: إجماع المؤرخين منعقد على أن عمر بقي متأثرا برأيه
في موقف خالد من مقتل مالك بن نويرة وزواجه امرأته وأن هذا الرأي له أثره
من بعد في عزل خالد.
[عجب وأي عجب]
إن من أعجب الأمور وأغربها، أن تذهب في عهد أبي بكر، تلك الدماء.
وهاتيك الأعراض والأموال هدرا، وأن تستباح تلك الحرمات، وتعطل
حدودها الشرعية، حتى يعزل خالد عن تلك الإمارة، ولم ينقص شئ من
صلاحياتها الواسعة، واستمر ماضيا فيها غلوائه حتى توفي الخليفة، فعزله
الخليفة الثاني بمجرد تبوئه الخلافة.
وأن رأي أبي بكر في الجناة يوم البطاح، لمن أوائل الآراء المخالفة
لنصوص الكتاب والسنة، قدم رأيه في المصلحة على التعبد بها (176).

(176) ولأجل المزيد من الاطلاع على ذلك راجع:
الغدير للأميني ج 7 / 158 - 169، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 64.
126

[بيان الرأي]
مثل الأستاذ هيكل " في كتابه الصديق " رأي أبي بكر وحجته فيه قال:
أما أبو بكر، فكان يرى الموقف، أخطر من أن يقام فيه لمثل هذه الأمور
وزن (1) قال: وما قتل رجل، أو طائفة من الرجال، لخطأ في التأويل أو لغير
خطأ، والخطر محيط بالدولة كلها، والثورة ناشبة في بلاد العرب من أقصاها
إلى أقصاها (2).
قال: وهذا القائد الذي يتهم بأنه أخطأ (3) من أعظم القوى التي يدفع

(1) لا تخفى المبالغة في هذه الكلمة، على أن الموقف كان خطرا، وخطرا إلى
الغاية، لكن لا يترك الميسور فيه تبعا للمعسور، وكان الميسور يومئذ في أقل الفروض،
عزل خالد وتولية غيره من الأكفاء كعمر أو أبي عبيدة أو معاذ بن جبل أو سعد أو غيرهم
وتأجيل محاكمة خالد إلى أول أزمنة الإمكان والحكم عليه حينئذ بما تقتضيه النصوص
الشرعية (منه قدس).
(2) وهذا الكلام لا يخلو من المبالغة أيضا، وقوله فيه لخطأ في التأويل أو غير
خطأ، لا يخلو من تخليط وتغليط فإن إسلام مالك إذ قتله خالد، مما لا يرتاب فيه، خالد
ولا أبو بكر، وأن البناء بزوجة مالك، وهي في العدة، لمما يستوجب الرجم بإجماع
المسلمين، وهذا هو الذي تأهب له عمر لو قدر عليه، ولا يخفى ما في قوله: وما قتل
رجل أو طائفة، من الاستخفاف بالقتل، والله تعالى يقول: " ومن قتل نفسا فكأنما قتل
الناس جميعا " " ومن قتل مؤمنا متعمد فجزاؤه جهنم خالدا فيها " (الآية) " والذين لا
يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل
ذلك يلق اثاما يضاعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيها مهانا " (منه قدس).
(3) لم يكن خالد في الواقع إلا قاتل نفس حرم الله قتلها، وناكح فرج حرم الله
نكاحه طلب هذا الحرام فلم يخطئه، بل أصابه مصرا عليه حتى إلى ما بعد أن نهاه
الخليفة (منه قدس).
127

بها البلاء ويتقي بها الخطر (1).
قال: وما التزوج من امرأة على خلاف تقاليد العرب، بل ما الدخول
بها قبل أن يتم إذا وقع ذلك من فاتح غزا فحق له بحكم الغزو أن تكون له
سبايا يصحبن ملك يمينه (2).
قال: فإن التزمنا في تطبيق التشريع، لا يجب أن يتناول النوابغ والعظماء
من أمثال خالد (3) قال: وبخاصة إذا كان ذلك يضر بالدولة أو يعرضها
للخطر (4).

(1) كان من الإمكان أن يستبدل بمن يسد فراغه، ويقوم مقامه، كواحد ممن ذكرناهم
(منه قدس).
(2) هذا الكلام وسابقه ولاحقه، مما أربا بأستاذنا الكبير هيكل عنه، فضلا عن
أبي بكر الصديق، وما أظن بالأستاذ أنه ممن يستخف بالفروج فيقول: وما التزوج من امرأة
إلى آخر كلامه. ولا أظنه يبيح لكل فاتح غزا ما قد أباحه في هذه العبارة لخالد. فإنه ممن
لا يخفى عليهم، أن هذا إنما قد يباح للغازي المسلم إذا فتح بلاد المحاربين للمسلمين الكافرين
برب العالمين، ولم يكن مالك وقومه إلا من المؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم بالآخرة يوقنون، وإنما تريث مستهل خلافة أبي بكر في النزول على حكمه
حتى يتجلى له الحق فيها (منه قدس).
(3) صدور هذه الكلمة من أمثال أستاذنا هيكل عجيب غريب. وما عشت أراك
الدهر عجبا، وأن تعجب فعجب قول هيكل بلسان أبي بكر الصديق أن الحدود الشرعية
لا يجب أن تتناول النوابغ من أمثال خالد، وأنه ليعلم أن الله عز وجل، خلق الجنة لمن
أطاعه ولو كان عبدا حبشيا والنار خلقها لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا. وأن ليس بين الله وبين
أحد من خلقه هوادة فيحابيه، والناس كلهم عنده سواء، فالعزيز ذليل حتى يؤخذ الحق
منه، ويقام الحد عليه، والذليل عزيز حتى يؤخذ له بحقه (منه قدس).
(4) إذا كان في إقامة الحدود الشرعية تعريض الخطر، وجب تأجيل إقامتها حتى
يزول الخطر، لكن لم نر الخليفة مؤجلا إقامتها ولا منتظرا في سبيل ذلك زوال الخطر
ليقيمها، وإنما كان عافيا عن تلك الخطايا، غافرا لتلك الجنايات، راضيا كل الرضا من
أولئك الجناة (منه قدس).
128

قال: ولقد كان المسلمون في حاجة إلى سيف خالد، وكانوا في حاجة
إليه يوم استدعاه أبو بكر وعنفه، أكثر من حاجتهم إليه من قبل، فقد كان
مسيلمة باليمامة، على مقربة من البطاح، في أربعين ألفا من بني حنيفة، وكانت
ثورته في الإسلام والمسلمين أعنف ثورة (1) فمن أجل مقتل مالك بن نويرة أم
من أجل ليلى الجميلة التي فتنت خالدا، وتتعرض جيوش المسلمين لتغلب
مسيلمة عليها (2)؟ ويتعرض دين الله لما يمكن أن يتعرض له، إن خالدا آية
الله، وسيفه سيف الله، فلتكن سياسة أبي بكر حين استدعاه إليه أن يكتفي
بتعنيفه (3) وأن يأمره في الوقت نفسه بالمسير إلى اليمامة ولقاء مسيلمة (177).
قال هيكل: ولعل أبو بكر إنما أصدر أمره إلى خالد يومئذ بالمسير للقاء
مسيلمة، ليرى أهل المدينة " ومن كان على رأي عمر منهم خاصة ". أن خالدا

(1) تكرر هذا المعنى من الأستاذ. وتكرر الجواب منا عنه والآن نعود فنقول:
كان في الإمكان استبداله. بقائد ممن هم أمثاله ولو فرض انحصار الأمر به فهل تبطل
حدود الله بذلك؟ كلا بل تؤجل، وإذا فما الوجه في تعطيلها بالمرة، حتى كأن لم يكن
هناك جناة ولم تكن جنايات! (منه قدس).
(2) نعم يعزل ويقتل فورا بحكم الله عز وجل على القاتل بالقتل والزاني المحصن
بالرجم فإذا كان في تعجيل إقامة الحد عليه خطر، تؤجل الحدود إلى أن يزول الخطر
ولا يجوز إلغاؤها إجماعا وقولا واحدا (منه قدس).
(3) لكن الله عز وجل لم يكتف بذلك، والنصوص صريحة بالقتل والرجم. لكن
أبا بكر الصديق تأولها فقدم في مقام العمل رأيه عليها وبهذا كانت من موارد موضوعنا
" الاجتهاد مقابل النص " (منه قدس).
(177) ولأجل معرفة بطلان هذه الأراجيف راجع: الغدير للأميني ج 7 / 161 -
169.
129

رجل الملمات، وأنه قذف به " حين أصدر إليه هذا الأمر " إلى جحيم أما
يبتلعه ويقضي عليه، فيكون ذلك خير عقاب له على ما صنع بأم تميم ليلى
وزوجها مالك (1) وأما يصهره النصر فيه ويطهره (2) فيخرج مظفرا غانما قد
سكن من المسلمين روعا لا تعد فعلته بالبطاح شيئا مذكورا إلى جانيه.
قال: وقد صهرت اليمامة خالدا وطهرته (3) وإن تزوج في أعقابها بنتا
كما فعل مع ليلى ولما تجف دماء المسلمين، ولا دماء أتباع مسيلمة، ولقد عنفه
أبو بكر على فعلته هذه، بأشد مما عنفه على فعلته مع ليلى (4).. إلى آخر
كلامه (5).

(1) أنظر معي وأمعن فيما يقوله هذا الأستاذ الكبير بلسان الصديق، فهل تراهما
يجهلان أن عقاب المحصن إذا زنى واجب على الحاكم الشرعي، وأن عقابه إنما هو
الرجم خاصة، لا إلقاؤه في جحيم اليمامة أو غيرها، وأنه لا تصهره ولا تطهره اليمامة
وأهوالها، وإنما تطهره التوبة والعمل الصالح بدليل قوله في سورة الفرقان " إلا من
تاب وآمن وعمل صالحا " (منه قدس).
(2) إنما يصهر المذنبين ويطهرهم، الرجوع إلى الله تعالى، بالإنابة والتوبة
والندم والعمل الصالح مخلصين لله تعالى وحده بذلك (منه قدس).
(3) إنا لنربأ بالأستاذ عن مثل هذه الأساليب فإنها بالحرص أشبه، وقد ثبت
الحسد والقود على خالد، فاليمامة وجحيمها لا ينسخان الحكم المبرم في كتاب الله عز وجل
وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فإن تعذر التعجيل في إقامة الحد وجب على الحاكم تنفيذه في أول
أزمنة الإمكان (منه قدس).
(4) لعل هذه البنت كانت ذات بعل فنزا عليها، ولذلك عنفه أبو بكر على فعلته
معها إلى أكثر مما عنفه على فعلته مع زوجة مالك ولو لم تكن محصنة ولم تكن من محارمه
لكانت الزيادة من أبي بكر في تعنيفه في غير محلها، بل لا وجه حينئذ للتعنيف أصلا
(منه قدس).
(5) فراجعه في ص 152 من كتاب الصديق أبو بكر (منه قدس).
130

وتراه قد أوضح بكل جلاء ما قد كان عليه الخليفة من إيثاره العمل بما
تقتضيه المصالح على العمل بما يقتضيه التعبد بالنصوص، وهذا رأي كثير
من الفضلاء الأزهريين في أبي بكر وعمر، شافهوني به إذا اجتمعت بهم في
الأزهر سنة 1329 والتي بعدها.
لكن عمر وإن أغرق نزعا في تأويل النصوص لم يوافق أبا بكر في عفوه
عن خالد كما سمعته مفصلا. وقد أعلن الأستاذ هيكل رأي عمر بتفصيل فقال
أما عمر، وكان مثال العدل الصارم، فكان يرى أن خالدا عدا على امرئ مسلم
ونزا على امرأته قبل انقضاء عدتها فلا يصح بقاؤه في قيادة الجيش حتى لا يعود
لمثلها فيفسد أمر المسلمين ويسئ إلى مكانتهم بين العرب قال: ولا يصح أن
يترك بغير عقاب على ما أثم مع ليلى، ولو صح أنه تأول فأخطأ في أمر مالك،
وهذا ما لا يجيزه عمر، وحسبه ما صنع مع زوجته ليقام عليه الحد، وليس
ينهض عذرا له أنه سيف الله، وأنه القائد الذي يسير النصر في ركابه، فلو
أن مثل هذا العذر يقبل، لأبيحت لخالد وأمثاله المحارم، ولكان ذلك أسوأ
مثل يضرب للمسلمين في احترام كتاب الله، لذلك لم يفتأ عمر يعيد على
أبي بكر، ويلح عليه، حتى استدعى خالدا وعنفه. هذا كلام الأستاذ هيكل
بعين لفظه في ص 151 من كتابه " الصديق أبو بكر " تحت عنوان رأي عمر
وحجته في الأمر.
[بعض الإنصاف]
إن الأستاذ العقاد، بعد أن ذكر الأقوال المتضاربة، حول مقتل مالك دفاعا
131

عن خالد، قال (1): وحسبنا من هذه الأقوال جميعا، أن نقف منها على الثابت
الذي لا نزاع فيه، أن وجوب القتل لم يكن صريحا قاطعا في أمر مالك بن
نويرة (2) وأن مالكا كان أحق بإرساله إلى الخليفة من زعماء فزارة وغيرهم،
الذين أرسلهم خالد بعد وقعة البزاخة، وأن خالدا تزوج امرأة مالك وتعلق بها
وأخذها معه إلى اليمامة بعد لقاء الخليفة (3).
قال: وأوجب ما يوجبه الحق علينا، بعد ثبوت هذا كله، أن نقول: إن
وقعة البطاح صفحة في تاريخ خالد، كان خيرا له (4) وأجمل لو أنها حذفت
ولم تكتب على قول من جميع تلك الأقوال.. إلى آخر كلامه.

(1) في ص 134 من عبقرية خالد (منه قدس).
(2) بل كانت حرمة قتله في غاية الصراحة والقطع، وكانت من الكبائر الموبقة
الموجبة للقصاص الشرعي، لأن إسلام مالك مما لا ريب فيه لكل منصف ألم بوقعة البطاح
على حقيقتها وعرف السر في ثورة عمر، وأبي قتادة، وأهل المدينة بكنهها، وقد كان
آخر ما تكلم به مالك في حياته إني على الإسلام. على أن الشيخين عمر وأبا بكر اتفقا
على موته مسلما، وذلك أن عمر إذ قال للخليفة: إن خالدا قد زنى فارجمه قال الخليفة:
ما كنت لأرجمه فإنه تأول فأخطأ قال عمر: إنه قتل مسلما فاقتله به. فلم يقل له: إنه
قتل مرتدا. وإنما قال: ما كنت لأقتله به فإنه تأول فأخطأ. وهذا اعتراف منه بإسلام
مالك. ولذلك وداه من بيت مال المسلمين، واعتبر السبايا والأسرى من آله أحرارا فخلى
سبيلهم، ولم يقر خالدا على سبيهم (منه قدس).
(3) هب أن خالدا إذ وطئ امرأة مالك متأولا فما عذره في تعلقه بها ولا سيما بعد
لقاء الخليفة، وما عذر الخليفة في إبقائه عليه بعد أخذها معه إلى اليمامة يسافحها وهو
محصن (منه قدس).
(4) بل كان خيرا للخليفة أولا وله ثانيا (منه قدس).
132

[ختام الكلام في هذا المقام]
نختم كلامنا في هذا الموضوع بالإشارة إلى من كتب في مالك، من
حيث مكانته في العروبة والاسلام، ومن حيث ما مني به وقومه يوم البطاح.
وحسبنا من ذلك تاريخ الأمم والملوك لمحمد بن جرير الطبري، وجمهرة
النسب لابن الكلبي، والكامل لابن الأثير (178)، وكتاب الردة والفتوح
لسيف بن عمر (179)، وكتاب الموفقيات للزبير بن بكار، وكتاب الأغاني

(178) تاريخ الطبري ج 3 / 276 - 280 وقد خلط فيه الحابل بالنابل والغث
بالسمين، الكامل ج 2 / 357 - 360 وهذا كسابقه، جمهرة النسب للكلبي.
(179) كتاب الفتوح والردة لسيف بن عمر التميمي المتوفى بعد 170 ه‍ وهذا
الكتاب قد أخذ عنه جملة من علماء التأريخ 1 - الطبري المتوفى 310 ه‍ في تاريخه
2 - ابن عساكر (ت 571) في تاريخ دمشق 3 - ابن أبي بكر (ت 741 ه‍) في كتاب
(التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان) 4 - الذهبي (ت 748) في كتابه تاريخ الإسلام
وغيرهم عنهم، حتى انتشرت رواياته في التاريخ الاسلامي. و (سيف بن عمر) هذا
من ضعفاء الحديث بل من الزنادقة والمختلقين للأحاديث والأسانيد والبقاع والحوادث.
قيمة أحاديث سيف، ورأي العلماء فيه:
قال يحيى بن معين (ت 233): " ضعيف الحديث فلس خير منه " يعني سيف بن
عمر.
وقال النسائي صاحب الصحيح (ت 303) " ضعيف متروك الحديث ليس بثقة ولا
مأمون ".
وقال أبو داود (ت 316 ه‍) " ليس بشئ كذاب ".
وقال ابن أبي حاتم (ت 327 ه‍) " متروك الحديث ".
وقال ابن السكن (ت 353 ه‍): " ضعيف ".
وقال ابن عدي (ت 365 ه‍): " ضعيف بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم
يتابع عليها ".
وقال ابن حبان (ت 354 ه‍): " يروي الموضوعات عن الأثبات، اتهم بالزندقة ".
وقال: " قالوا كان يضعف الحديث ".
وقال الحاكم (ت 405 ه‍) " متروك اتهم بالزندقة ".
وغيرهم من العلماء الذين نصوا على زندقته ووضعه واختلاقه للأحاديث راجع
ذلك: في ميزان الاعتدال للذهبي ج 2 / 255، آفة أصحاب الحديث لأبي الفرج عبد
الرحمن بن الجوزي الحنبلي المتوفى 597 ه‍ ص 85 و 89 و 91، عبد الله سبأ للعسكري
ج 1 / 62 - 63، خمسون ومائة صحابي مختلق ج 1 و ج 2 وبعد أن نقل الطبري وغيره من
المتقدمين عن سيف من الروايات انتشرت في أكثر المصادر الإسلامية إن لم يكن كلها
واختلط الغث بالسمين والحابل بالنابل وانتشرت من الخرافات والمختلقات ولأجل
المزيد من ذلك: راجع: كتاب عبد الله بن سبأ للسيد مرتضى العسكري ج 1 و 2 وكتاب
خمسون ومائة صحابي مختلق للسيد العسكري أيضا ج 1 و 2.
133

لأبي فرج الإصبهاني وكتاب الدلائل لثابت بن قاسم، ونزهة المناظر لابن
الشحنة، والمختصر لأبي الفداء، وما هو في أحوال عمر، من المجلد الأول
من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، وغيرها من كتب السير
والمعاجم في التراجم (180).
وهاك الآن ما ذكره القاضي ابن خلكان " في ترجمة وثيمة بن موسى بن
الفرات الوشاء الفارسي من وفيات الأعيان نقلا عن كتابي وثيمة والواقدي "
إذ قال: كان مالك بن نويرة رجلا سريا نبيلا يردف الملوك. قال: وللردافة
موضعان، أحدهما أن يردفه الملك على دابته في صيد أو غيره من مواضع
الأنس، والموضع الثاني انبل وهو أن يردف الملك إذا قام عن مجلس الحكم
فينظر ما بين الناس بعده. قال: وهو الذي يضرب به المثل، فيقال مرعى
ولا كسعدان، وماء ولا كصداء وفتى ولا كمالك. قال: وكان فارسا شاعرا

(180) تلخيص الشافي للطوسي ج 3 / 188 - 195، المختصر لأبي الفداء ج
1 / 158، نزهة الناظر لابن الشحنة، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 /
179.
134

مطاعا في قومه، وكان فيه خيلاء وتقدم، وكان ذا لمة كبيرة، وكان يقال له
الجفول (1). قال: وقدم على النبي صلى الله عليه وآله فيمن قدم من العرب فأسلم فولاه
النبي صلى الله عليه وآله صدقات قومه. إلى آخر ما روي عنه وعن موقفه مع خالد بن
الوليد يوم البطاح وأنهما تجاولا في الكلام طويلا فقال له خالد: إني قاتلك.
قال مالك: أو بذلك أمرك صاحبك؟. - يعني أبا بكر - قال والله لأقتلنك،
وكان عبد الله ابن عمر وأبو قتادة إذ ذاك حاضرين، فكلما خالدا في أمره فكره
كلامهما فقال مالك: يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا
فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا فقال خالد: لا أقالني الله إن لم
أقتلك. وتقدم إلى ضرار بن الأزور بضرب عنقه. فالتفت مالك إلى زوجته
أم تميم وقال لخالد. هذه التي قتلتني. قال ابن خلكان: وكانت في غاية
الجمال. فقال له خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام فقال مالك: إني
على الإسلام. فقال خالد يا ضرار أضرب عنقه. قال: فضرب عنقه وجعل رأسه
أثفية لقدر. قال: قال ابن الكلبي في جمهرة النسب: قتل مالك يوم البطاح
وقبض خالد امرأته فتزوجها، وفي ذلك يقول أبو زهير السعدي: ألا قل لحي
أوطئوا بالسنابك (181).
قلت وذكر الأبيات الستة الآنفة الذكر.
ثم ذكر ابن خلكان بعد هذا ثورة عمر على خالد وقوله لأبي بكر: إن
خالدا قد زنى فارجمه. قال: ما كنت لأرجمه فإنه تأول فأخطأ. قال: إنه

(1) الجفول هو ذو النجدة والحفائظ والغيرة الممسك بعنان فرسه في سبيل ذلك
فإذا سمع بهيعة طار إليها (منه قدس).
(181) وفيات الأعيان لابن خلكان ترجمة وثيمة ج 6 / 13 - 15 وقد ترك المصنف
بعض الحديث.
135

قتل رجلا مسلما فاقتله به. فقال: ما كنت لأقتله به فإنه تأول فأخطأ. قال:
فاعزله. قال: ما كنت لاشيم سيفا سله الله عليهم. واسترسل ابن خلكان فيما
هو حول هذه القضية فذكر وقوف متمم بن نويرة بحذاء أبي بكر، متكئا
على سية قوسه ينشد قوله:
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت * خلت البيوت قتلت يا ابن الأزور -
أدعوته بالله ثم غدرته * لو هو دعاك بذمة لم يغدر -
قال: وأومأ إلى أبي بكر، فقال أبو بكر: فوالله ما دعوته ولا غدرته. ثم
أنشد:
ولنعم حشو الدرع كان وحاسرا * ولنعم مأوى الطارق المتنور -
لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه * حلو شمائله عفيف المئزر -
ثم بكى وانحط عن سية قوسه (182).
إلى آخر ما في وفيات الأعيان من هذا الموضوع. وقد ذكر من شجاعة
مالك وحفيظته وسخائه ومكانته ما يجدر بالباحثين أن يقفوا عليه.
وممن ذكر مالكا من أهل المعاجم وإثبات السير والأخبار، أبو الفضل
أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني في القسم الأول من الإصابة
في تمييز الصحابة (1).
فقال: (مالك) ابن نويرة بن حمزة بن شداد بن عبد بن ثعلبة بن يربوع
التميمي اليربوعي يكنى أبا حنظلة ويلقب بالجفول

(182) وفيات الأعيان ج 6 / 15، المختصر لأبي الفداء ج 1 / 158.
(1) وذكره الطبري في معجمه فقال - كما في ترجمة متمم من الاستيعاب -:
مالك بن نويرة بن حمزة التميمي بعثه النبي صلى الله عليه وآله على صدقة بني يربوع وكان قد أسلم
هو وأخوة متمم. الخ (منه قدس).
136

(قال) قال المرزباني كان شاعرا شريفا فارسا معدودا في فرسان بني
يربوع في الجاهلية وأشرافهم وكان من - أرداف الملوك وكان النبي صلى الله عليه وآله -
استعمله على صدقات قومه فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وآله أمسك عن الصدقة (1)
وقال في ذلك:
فقلت خذوا أموالكم غير خائف -
ولا ناظر فيما يجئ من الغد (2) -
فإن قام بالدين المخوف قائم - أطعنا (183) وقلنا الدين دين محمد -

(1) قلت: أمسك عن أخذها من قومه بعد لحاقه صلى الله عليه وآله بالرفيق
الأعلى تورعا منه واحتياطا وكان ينتظر من يثبت لديه قيامه شرعا مقام رسول الله لينزل
على حكمه في الصدقة وغيرها كما يدل عليه شعره الذي ستسمعه الآن فأمعن به وبما
سنعلقه عليه (منه قدس).
(2) إنما فرقها في الفقراء والمساكين من قومه لأنه قبضها منهم وله الولاية عليها
من رسول الله وكان صلى الله عليه وآله حينئذ حيا، وبذلك رأى أن له التصرف بها فوضعها مواضعها
الشرعية. وكان معروفا بالعاطفة على اليتامى والأرامل والمساكين يدل على ذلك قول
معاصره في رثائه وقد مر عليك آنفا في الأصل:
فمن لليتامى والأرامل بعده * ومن للرجال المعدمين الصعالك -
أراد بهذا البيت أنه لم يقترف في أموالهم (حيث جمها منهم ولا حيث فرقها فيهم)
خيانة يخشاها ولا إثما يخافه في غده إذا بعث (منه قدس).
(183) أورد الإمام العسقلاني هذا البيت بلفظ أطعنا ونقله بهذا اللفظ عن ابن سعد
عن الواقدي كما تراه في ترجمة مالك بن نويرة من الإصابة طبع سنة 1328 وفي هامشها
كتاب الإستيعاب لابن عبد البر وأورده بلفظ أطعنا علم الهدى الشريف المرتضى في
كتابه (الشافي) مع أبيات أخر لمالك استدل بها على أنه حين بلغه وفاة النبي صلى الله عليه وآله أمسك عن
أخذ الصدقة من قومه قائلا لهم: تربصوا حتى يقوم قائم بعده صلى الله عليه وآله
وننظر ما يكون من أمره قال: وصرح مالك بذلك في شعره حيث يقول:
وقال رجال سدد اليوم مالك * وقال رجال مالك لم يسدد -
فقلت دعوني لا أبا لأبيكم * فلم أخط رأيا في المقام ولا الندى -
وقلت خذوا أموالكم غير خائف * ولا ناظر فيما يجئ من الغد -
فدونكموها إنما هي مالكم * مصورة أخلاقها لم تجدد -
سأجعل نفسي دون ما تحذرونه * وأرهنكم حقا بما قلته يدي -
فإن قام بالأمر المجدد قائم * أطعنا وقلنا الدين دين محمد -
لكن الأستاذين هيكل في كتاب الصديق أبو بكر، والعقاد في عبقرية خالد أوردا
البيت بلفظ (منعنا) وأظن أنهما رويا البيت عن بعض المتحاملين على مالك المتعصبين
لخالد أو للصديق وعلى كلا الروايتين في البيت ما يوجب ردة ولا دونها، أما على فرض
قوله أطعنا فواضح وأما على فرض منعنا (وما أظن له صحة) فلأن الدين دين محمد وقد
ولاه صلى الله عليه وآله على صدقات قومه ولم يعزله، ولم تثبت له خلافة القائم
مقامه لينزل على حكمه. فهو متريث باحث بكل مالديه من جهود عمن له الأمر بعد محمد
شرعا لينزل على حكمه وقد طلب من خالد أن يرسله إلى أبي بكر ليبحث معه عن هذه
المهمة فأبى إلا قتله (منه قدس).
راجع: الإصابة لابن حجر ج 3 / 336 ط مصطفى محمد، تلخيص الشافي للطوسي
ج 3 / 192، معجم الشعراء للمرزباني ص 260.
137

فقتل صبرا هو وأصحابه، ومثل به وبرأسه بعد القتل، ووطئت زوجته،
وعطلت في ذلك كله حدود الله، وانتهكت حرماته، والعذر في ذلك كله
أنهم تأولوا فأخطأوا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
[المورد - (14) -:]
في منع كتابة العلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك أن الحاكم أخرج في
138

تاريخه بالإسناد إلى أبي بكر عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " من كتب علي علما
أو حديثا لم يزل يكتب له الأجر ما بقي ذلك العلم أو الحديث " (184)
ومع ذلك لم يدون أيام أبي بكر وعمر شئ من السنن.
وقد كان أبو بكر أجمع أيام خلافته على تدوين الحديث عن رسول الله
صلى الله عليه وآله فجمع خمسمائة حديث فبات ليلته يتقلب كثيرا،
قالت عائشة: فغمني تقلبه، فلما أصبح قال لي: أي بنية هلمي الأحاديث التي
عندك فجئته بها فأحرقها.. (الحديث) (185).

(184) كل ما روت الأمة عن أبي بكر من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله إنما هو مائة
واثنان وأربعون حديثا، وقد أوردها الحافظ السيوطي في فصل خاص بها في أحوال أبي بكر
من كتابه - تاريخ الخلفاء - فكان هذا الحديث هو الحديث التاسع والثمانين منها،
وربما أيدوا مضمونه بما رووه عن كل من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعبد الله بن
عمر وعبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وأنس بن مالك ومعاذ بن
جبل وأبي هريرة من طرق كثيرة متنوعة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من حفظ على أمتي
أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء، وفي رواية: بعثه الله فقيها
عالما، وفي رواية أبي الدرداء. كنت له يوم القيامة شاهدا وشفيعا. وفي رواية ابن
مسعود قيل له: ادخل من أي أبواب الجنة شئت وفي رواية ابن عمر: كتب في زمرة
العلماء وحشر في زمرة الشهداء.
وربما أيدوه أيضا بقوله صلى الله عليه وآله ليبلغ الشاهد منكم الغائب. وبقوله صلى الله عليه وآله نضر الله
امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها (منه قدس).
تاريخ الخلفاء للسيوطي ص.
(1) أخرجه عماد الدين بن كثير في مسند الصديق عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوري
ورواه القاضي أبو أمية الأحوص بن المفضل الغلابي وهو الحديث 4845 في ص 237
من الجزء الخامس من كنز العمال (منه قدس).
كنز العمال ج 10 / 285 ح 29460 ط 2، تذكرة الحفاظ ج 1 / 5، وقد أحرقها
عمر بن الخطاب أيضا:
راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج 5 / 188، مقدمة الدارمي ص 126.
139

وعن الزهري عن عروة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستفتى
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق عمر يستخير الله فيها
شهرا، ثم أصبح يوما [وقد عزم الله له] فقال: إني كنت أريد أن أكتب
السنن، وإني ذكرت قوما قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله،
وإني والله ولا أشوب كتاب الله بشئ أبدا (186).
وعن أبي وهب قال سمعت مالكا يحدث أن عمر بن الخطاب أراد أن
يكتب هذه الأحاديث أو كتبها، ثم قال: لا كتاب مع كتاب الله (187).
وعن يحيى بن جعدة قال أراد عمر أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها،

(186) هذا هو الحديث 4860 من أحاديث الكنز ص 239 من جزئه الخامس وأخرجه
ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله فراجع من مختصره ص 33. وأخرجه ابن
سعد أيضا من طريق الزهري كما في ص 239 من الجزء الخامس من الكنز (منه قدس).
عمر يمنع كتابة العلم والحديث:
راجع: تنوير الحوالك شرح موطأ مالك ج 1 / 4 ط الحلبي، الإمام الصادق
والمذاهب الأربعة ج 4 / 543 ط بيروت، جامع أحاديث الشيعة ج 1 / 2 - 3، كنز العمال
ج 10 / 291 ح 2974، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 / 77، الغدير للأميني
ج 6 / 297، الطبقات لابن سعد ج 5 / 188، مقدمة الدارمي ص 126، مقدمة مرآة
العقول ج 1 / 29، أضواء على السنة المحمدية ص 47.
(187) وهذا هو الحديث 4861 في الصفحة المتقدمة الذكر من الكنز. ورواه
ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله فراجع من مختصره ص 32 (منه قدس).
جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 / 77، كنز العمال ج 10 / 292 ح
29475.
140

ثم كتب في الأمصار: من كان عنده شئ فليمحه (188).
وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: إن الأحاديث كثرت على عهد
عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها..
(الحديث) (189).
وعن ابن عمر أن عمر أراد أن يكتب السير (السنن خ ل) فاستخار الله شهرا
فأصبح وقد عزم له، ثم قال: إني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتابا فأقبلوا
عليه وتركوا كتاب الله (190).
وفي أيام عمر جاء رجل من أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين، إنا لما فتحنا
المدائن أصبنا كتبا فيها من علوم الفرس وكلام معجب. قال: فدعا بالدرة
فجعل يضربها بها حتى تمزقت، ثم قرأ: نحن نقص عليك أحسن، ويقول:
ويلك أقصص أحسن من كتاب الله؟. (الحديث) (191).

(188) أخرجه ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله. ورواه ابن خيثمة وهو
الحديث 4862 في الصفحة المتقدمة الذكر من الكنز (منه قدس).
وراجع: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 / 87، كنز العمال ج 10 / 292
ح 29476.
(189) أخرجه ابن سعد في ترجمة القاسم بن محمد بن أبي بكر ص 140 من الجزء
الخامس من طبقاته (منه قدس).
وراجع: الطبقات لابن سعد ج 5 / 188 ط بيروت في ترجمة القاسم بن محمد بن
أبي بكر، تقييد العلم للبغدادي ص 52، أضواء على السنة المحمدية ص 47.
(190) أخرجه السلفي في الطيوريات بسند صحيح. ونقله السيوطي في أخبار عمر
وقضاياه من كتابه تاريخ الخلفاء (منه قدس).
وراجع: كنز العمال ج 10 / 293 ح 29480.
(191) أخرجه أصحاب السنن. وأورده ابن أبي الحديد في أحوال عمر ص 122 من
المجلد الثالث من شرح النهج. وقد كان الواجب هنا من حق هذه الكتب وحق الأمة
أن يأمر الخليفة بتمحيصها فيخص بالتمزيق مالا فائدة به أما ذو الفائدة كعلم الطب والعلوم
الرياضية وعلم طبقات الأرض - الجلوجيا - والجغرافيا والعلم بأخبار الماضين من الأمم
الماضية والقرون الخالية وما أشبه ذلك مما يبيحه الإسلام فلا وجه لتمزيقه. وقد قال أمير
المؤمنين عليه السلام العلم ضالة المؤمن فخذوه ولو من المشركين.. (الحديث).
وقال: الحكمة ضالة المؤمن يطلبها ولو من أيدي الشرط. روي هذين القولين عن علي
عليه السلام أبو عمر ابن عبد البر في باب الحال التي تنال به العلم من كتابه - جامع
بيان العلم وفضله - فراجع ص 51 من مختصره (منه قدس).
وراجع: الغدير للأميني ج 6 / 297 - 298، كنز العمال ج 10 / 292 ح 29479،
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 / 101 ط أبو الفضل.
141

والأخبار متواترة في منعه الناس عن تدوين العلم، وردعه إياهم عن جمع
السنن والآثار، وربما حظر عليهم الحديث عن رسول الله مطلقا، وحبس
أعلامهم في المدينة الطيبة لكيلا يذيعوا الأحاديث في الآفاق (192).
ولا يخفى ما قد ترتب على هذا من المفاسد التي لا تتلافى أبدا، فليت الخليفتين

(192) فمنهم عبد الرحمن بن عوف. قال: والله ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب
رسول الله فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذيفة وأبي الدرداء وأبي ذر وعقبة بن عامر
فقال: ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الآفاق، قالوا: تنهانا!
قال: لا. أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت. (الحديث)، أخرجه ابن إسحاق
وهو الحديث 4865 ص 239 من الجزء الخامس من الكنز (منه قدس).
وراجع: الغدير للأميني ج 6 / 294 - 297، سنن الدارمي ج 1 /، سنن ابن
ماجة ج 1، مستدرك الحاكم ج 1 / 102 و 110، جامع بيان العلم ج 2 / 147 وما بعدها
تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 / 4 و 7، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 / 61،
مقدمة مرآة العقول ج 1 / 29، تاريخ ابن كثير ج 8 / 107، تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 /
3، تاريخ التشريع الاسلامي للخضري ج 1 / 7 و 123، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
ص 161، أضواء على السنة المحمدية ص 53.
142

صبرا نفسيهما مع علي بن أبي طالب (193) وسائر الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي
يريدون وجهه من آل محمد صلى الله عليه وآله والخيرة من أصحابه فيحبساهم على جمع
السنن والآثار النبوية وتدوينها في كتاب خاص يرثه عنهم من جاء بعدهم من
التابعين فتابعيهم في كل خلف من هذه الأمة، شأن الذكر الحكيم والفرقان
العظيم، فإن في السنة ما يوضح متشابه القرآن، ويبين مجمله، ويخصص عامه
ويقيد مطلقه، ويوقف أولي الألباب على كنهه، فيحفظها حفظه، وبضياعها
ضياع لكثير من أحكامه، فما كان أولاها بعناية الخليفتين واستفراغ وسعهما في
ضبطها وتدوينها، ولو فعلا ذلك لعصمة الأمة والسنة من معرة الكاذبين بما افتأتوه
على رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ لو كانت السنن مدونة من ذلك العصر في كتاب
تقدسه الأمة لارتج على الكذابين باب الوضع، وحيث فاتهما ذلك كثرت
الكذابة على النبي صلى الله عليه وآله ولعبت في الحديث أيدي السياسة، وعاثت به السنة
الدعاية الكاذبة، ولا سيما على عهد معاوية وفئته الباغية، حيث سادت فوضى
الدجاجيل، وراج سوق الأباطيل (194).

(193) تقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وشيعته في تدوين
علوم الإسلام راجع: كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للسيد حسن الصدر ط في
العراق، الشيعة وفنون الإسلام للصدر أيضا، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 4 /
546 - 555، المراجعات ص 335، سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم
(970 و 973 إلى 1028) طبع ملحقا بالمراجعات، جامع أحاديث الشيعة ج 1 / 7 -
11.
(194) وضع الأحاديث كذبا على الرسول صلى الله عليه وآله:
راجع: الغدير للأميني ج 5 / 297 - 375 و ج 7 / 87 - 114 و 237 - 329
و ج 8 / 30 - 96 و ج 9 / 218 - 396 و ج 10 / 67 - 137 و ج 11 / 74 - 195،
كتاب أبو هريرة للسيد شرف الدين، شيخ المضيرة أبو هريرة للشيخ أبي رية، أضواء
على السنة المحمدية لأبي رية، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 / 63 و 64 و 67
و 69 و 73 و ج 11 / 44 و ج 13 / 219 و 223 ط أبو الفضل، سبيل النجاة في تتمة
المراجعات ص 173 تحت رقم (614 و 701) ط بيروت.
143

وقد كان في وسع الخليفتين وأوليائهما أن يكفوا الأمة شر هؤلاء بتدوين السنن
على نحو ما ذكرناه، وما كان ليخفى عليهم رجحان ذلك، ولعلك تعلم أنهم كانوا
أعرف منا بلزومه، لكن مطامعهم التي تأهبوا وأعدوا وتعبأوا لها، لا تتفق مع
كثير من النصوص الصريحة المتوافرة التي لا بد من تدوينها لو أبيح التدوين
لكونها مما لا يجحد صدوره ولا يكابر في معناه (195) ومن هاهنا أتينا فإنا لله
وإنا إليه راجعون.
أما رسول الله صلى الله عليه وآله فقد استودع كلا من الكتاب والسنة ومواريث الأنبياء
وصيه ووليه علي بن أبي طالب، وبذلك أحصاها في إمام مبين لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه، وعهد إليه أن يحصيها فيمن بعدة من الأئمة (196)
وهكذا يكون إحصاؤها في أئمة العترة إماما بعد إمام ثقل رسول الله وأعدال
كتاب الله لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول الله.
وقد صحح عنه صلى الله عليه وآله قوله: " علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا
حتى يردا علي الحوض " (197).

(195) مثل حديث الغدير المتواتر وغيره من الأحاديث راجع: كتاب المراجعات
لشرف الدين، سبيل النجاة في تتمة المراجعات طبع مع المراجعات في بغداد وبيروت
عبقات الأنوار ط الهند وإيران وبيروت، دلائل الصدق للمظفر، الغدير للأميني.
(196) جامع أحاديث الشيعة ج 1 / 126 - 319، وراجع ما تقدم من حديث
الثقلين تحت رقم (15) وحديث السفينة وغيره تحت رقم (16 و 17 و 18 و 19).
(197) أخرجه الحاكم بالإسناد الصحيح إلى أم سلمة عن رسول الله في باب مع
القرآن على من كتاب معرفة الصحابة ص 124 من الجزء الثالث من المستدرك ثم قال:
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه قلت: وأورده الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته
ومما يجدر بنا أن نلفت القراء هنا إلى هذه المعية المقدسة المتبادلة بين القرآن وعلى
سبيل الدوام والاستمرار في كل لحظة حتى يردا على الحوض.
وإلى نفي الافتراق بينهما بلن دون لا وغيرها من أدوات النفي، وإلى موت علي
قبل وروده مع القرآن على الحوض بمئات من السنين فكيف والحال هذه يتحقق عدم
افتراقهما. (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا
ما تذكرون تنزيل من رب العالمين) (منه قدس).
راجع مصادر الحديث أيضا في: تلخيص المستدرك للذهبي ج 3 / 124 بذيل
المستدرك وصححه، المناقب للخوارزمي ص 110، المعجم الصغير للطبراني ج 1
/ 55، كفاية الطالب ص 399 ط الحيدرية وص 254 ط الغري، مجمع الزوائد ج 9 /
134، الصواعق ص 122 و 124 ط المحمدية وص 74 و 75 ط الميمنية، تاريخ الخلفاء
للسيوطي ص 173، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 157 ط السعيدية و 143
ط العثمانية، نور الأبصار ص 73، الغدير للأميني ج 3 / 180، ينابيع المودة للقندوزي
ص 40 و 90 و 185 و 237 و 283 و 285 ط اسلامبول وص 44 و 103 و 219 و 281
و 339 و 342 ط الحيدرية و ج 1 / 38 و 88 و ج 2 / 10 و 61 و 108 و 110 ط صيدا،
غاية المرام ص 540 (باب) 45 ط إيران، فيض القدير للشوكاني ج 4 / 358، الجامع
الصغير للسيوطي ج 2 / 56، إحقاق الحق ج 5 / 640، فرائد السمطين ج 1 / 177 ح 140،
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 / 123 بالهامش، الفتح
الكبير للنبهاني ج 2 / 242، أسنى المطالب للحوت ص 201 ح 898، المناقب لابن
مردويه كما في الطرائف لابن طاوس ج 1 / 103، ولأجل المزيد من المصادر لهذا
الحديث راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (716) طبع ملحقا
بالمراجعات في بيروت وبغداد.
144

[المورد - (15) -:]
مجئ أناس من المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في مهمة لهم فأحالهم
فيها على صاحبيه ليعتذرا إليهم فكانا شافعين لا معتذرين، وذلك أن أناسا من
145

المشركين جاؤوا إليه صلى الله عليه وآله يقولون " يا محمد إنا جيرانك وحلفاؤك، وإن ناسا
من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين، ولا رغبة في الفقه، وإنما فروا من
ضياعنا وأموالنا فارددهم إلينا. فلم يجبهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ما أرادوا مخافة
أن يفتنوهم عن دينهم، لكنه صلى الله عليه وآله كره أن يكاشفهم فقال لأبي بكر: ما تقول يا
أبا بكر. أملا بأن يرد، طلبهم. فقال أبو بكر: صدقوا يا رسول الله فتغير وجه
النبي صلى الله عليه وآله إذ لم يكن جوابه موافقا لما يريده الله ورسوله فسأل عمر أملا بأن
يكاشفهم فقال: ما تقول يا عمر فقال: صدقوا يا رسول الله إنهم لجيرانك
وحلفاؤك فتغير وجه النبي صلى الله عليه وآله..
الحديث أخرجه أحمد من حديث علي (ع) في ص 155 من الجزء الأول
من مسنده وأخرجه النسائي في ص 11 من الخصائص العلوية. وإليك تمام
هذا الحديث بلفظ النسائي، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا معشر قريش والله
ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإيمان فيضربكم على الدين
قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله. قال: لا. ولكن ذلك الذي يخصف
النعل. وقد كان أعطى عليا نعلا يخصفها. انتهى بلفظ النسائي في خصائصه
العلوية (198).

(198) الرجل الذي أمتحن الله قلبه بالإيمان:
هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
وبما أن السيد قد نقل الحديث بغير ما هو موجود في النسخة التي هي بين أيدينا
فإليك نص الحديث بلفظ النسائي:
عن علي عليه السلام: قال جاء النبي أناس من قريش فقالوا يا محمد إنا جيرانك
وحلفائك وإن أناسا من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه إنما
فروا من ضياعنا وأموالنا فارددهم إلينا، فقال لأبي بكر: ما تقول؟ قال: صدقوا انهم
جيرانك وحلفائك. قال: فتغير وجه النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ثم قال لعمر: ما
تقول؟ قال: صدقوا إنهم لجيرانك وحلفائك، فتغير وجه النبي صلى الله عليه (وآله)
وسلم. فقال: يا معشر قريش، والله ليبعثن الله عليكم رجلا قد امتحن الله قلبه بالإيمان
فيضربكم على الدين، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله قال: لا. قال عمر: أنا يا رسول
الله، قال: لا، ولكن الذي يخصف النعل، وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها ".
خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 11 ط التقدم وص 68 ط الحيدرية وص 19
ط بيروت، مسند أحمد بن حنبل ج 2 / 338 ح 1335 بسند صحيح. مع حذف الآخر
ط دار المعارف بمصر، كنز العمال ج 15 / 112 ح 317 و 434 ط 2.
وقريب منه في: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر
ج 2 / 366 ح 866.
راجع: بقية اجتهاداته مقابل النص. في مقدمة مرآة العقول ج 1 / 60.
146

[الفصل الثاني]
[تأول عمر وأتباعه]
[المورد - (16) -: رزية يوم الخميس.]
وقد كانت سنة 11 للهجرة في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله قبيل وفاته (1) (بأبي
هو وأمي) بيسير.
[الحقيقة الثابتة في هذه الرزية]
والحقيقة هنا على سبيل التفصيل: ما قد أخرجه أصحاب الصحاح وسائر
أهل المسانيد، وأرسله أهل السير والأخبار إرسال المسلمات.
وإليك الآن بعض ما أخرجه البخاري (2) بسنده إلى عبيد الله بن عبد الله بن مسعود
عن ابن عباس. قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وفي البيت رجال فيهم عمر

(1) وكانت وفاته (بأبي وأمي) يوم الاثنين بعد هذه الرزية بأربعة أيام (منه قدس).
(2) راجع باب قول المريض: (قوموا عني) من كتاب المرضى من الجزء
الرابع من صحيحه وكتاب العلم من الجزء الأول من الصحيح (منه قدس).
148

ابن الخطاب. قال النبي صلى الله عليه وآله: " هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا (1) بعده. فقال
عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.
فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتابا
لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول: ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف
عند النبي قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: قوموا (عني خ ل) - قال عبيد الله بن
عبد الله بن مسعود -: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين
رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. أه‍
بنصه (199).
وهذا الحديث أخرجه مسلم في آخر الوصايا أوائل الجزء الثاني من
صحيحه. ورواه أحمد بن حنبل في مسنده من حديث ابن عباس (2) وسائر

(1) بحذف النون مجزوما لكونه جوابا ثانيا لقوله (هلم) (منه قدس).
(199) الرزية كل الرزية:
راجع: صحيح البخاري ك المرضى ب قول المريض قوموا عني ج 7 / 9 أفست
دار الفكر على ط استانبول و ج 7 / 156 ط محمد علي صبيح بمصر وطبع مطابع الشعب
و ج 4 / 7 ط دار إحياء الكتب و ج 4 / 5 ط المعاهد و ج 4 / 5 ط الميمنية و ج 6 / 97 ط
بمبي و ج 4 / 6 ط الخيرية.
وتوجد عين هذه الرواية في مواضع أخر من صحيح البخاري.
منها: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ب كراهية الخلاف ج 8 / 161 ط دار الفكر
و ج 8 / 64 ط بمبي و ج 4 / 194 ط الخيرية. ومنها: كتاب النبي إلى كسرى وقيصر ب
مرض النبي ووفاته، صحيح مسلم في آخر كتاب الوصية ج 5 / 75 ط محمد علي صبيح
و ط المكتبة التجارية و ج 2 / 16 ط عيسى الحلبي و ج 11 / 95 ط مصر بشرح النووي،
مسند أحمد ج 4 / 356 ح 2992 بسند صحيح ط دار المعارف بمصر.
(2) ص 325 من جزئه الأول (منه قدس).
149

أصحاب السنن والأخبار، وقد تصرفوا فيه فنقلوه بالمعنى، لأن لفظه الثابت:
" إن النبي يهجر " لكنهم ذكروا أنه قال: " إن النبي قد غلب عليه الوجع " تهذيبا
للعبارة، واتقاء فظاعتها.
ويدل على ذلك ما أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب
السقيفة (1) بالإسناد إلى ابن عباس، قال: لما حضرت رسول الله الوفاة وفي
البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال رسول الله: " ائتوني بدواة وصحيفة
أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده قال: فقال عمر كلمة معناها أن الوجع قد غلب
على رسول الله (ص) ثم قال: عندنا القرآن حسبنا كتاب الله. فاختلف من
في البيت واختصموا فمن قائل يقول: القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن
قائل يقول: القول ما قال عمر فلما، أكثروا اللغط واللغو والاختلاف غضب
صلى الله عليه وآله فقال: قوموا.. " (الحديث) (200). وتراه صريحا بأنهم
إنما نقلوا معارضة عمر بالمعنى لا بعين لفظه.
ويدلك على هذا أيضا أن المحدثين حيث لم يصرحوا باسم المعارض
يومئذ نقلوا المعارضة بعين لفظها. قال البخاري - في باب جوائز الوفد من
كتاب الجهاد والسير من صحيحه (2) -: حدثنا قبيصة حدثنا ابن عيينة عن سلمان
الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: " يوم الخميس وما يوم الخميس "
ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وجعه يوم

(1) كما في ص 20 من المجلد الثاني من شرح النهج للعلامة المعتزلي (منه قدس).
(200) ادعاء أن النبي يهجر:
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 6 / 51 ط أبو الفضل و ج 2 / 294 ط دار
مكتبة الحياة و ج 2 / 30 ط دار الفكر.
(2) ص 118 من جزئه الثاني (منه قدس).
150

الخميس، فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا
ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا: " هجر رسول الله صلى الله عليه وآله " قال صلى الله عليه وآله دعوني
فالذي أنا فيه خير مما تدعوني (1) إليه. وأوصى عند موته بثلاث: " أخرجوا
المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم (قال):
ونسيت الثالثة " أه‍ (201).
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضا في آخر كتاب الوصية من صحيحه،
وأحمد من حديث ابن عباس في مسنده (2) ورواه سائر المحدثين.
وأخرج مسلم في كتاب الوصية من الصحيح عن سعيد بن جبير من طريق
آخر عن ابن عباس، قال: " يوم الخميس وما يوم الخميس " ثم جعل تسيل

(1) تدعوني بالتشديد لأنها مرفوعة بثبوت النون فأدغمت نون الرفع بنون الوقاية
(منه قدس).
(201) ليست الثالثة إلا الأمر الذي أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يكتبه حفظا لهم من الضلال
لكن السياسة اضطرت المحدثين إلى ادعاء نسيانه كما نبه إليه مفتي الحنفية في (صور)
الشيخ أبو سليمان الحاج داود الدادا (منه قدس).
رزية يوم الخميس وتناسي الوصية:
راجع: صحيح البخاري ك الجهاد والسير ب جوائز الوفد ج 4 / 31 ط دار الفكر
و ج 4 / 85 ط مطابع الشعب و ج 2 / 178 ط دار إحياء الكتب و ج 2 / 120 ط المعاهد
و ج 2 / 125 ط الشرفية و ج 5 / 85 ط محمد علي صبيح و ج 4 / 55 ط الفجالة و ج 2 /
111 ط الميمنية و ج 3 / 115 ط بمبي.
صحيح مسلم ك الوصية ب ترك الوصية ج 2 / 16 ط عيسى الحلبي و ج 5 / 75 ط
محمد علي صبيح والمكتبة التجارية و ج 11 / 89 - 94 ط مصر بشرح النووي.
مسند أحمد ج 1 / 222 ط الميمنية و ج 3 / 286 ح 1935 بسند صحيح و ج 5 /
45 ح 3111 ط دار المعارف بمصر.
(2) ص 222 من جزئه الأول (منه قدس).
151

دموعه حتى رؤيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا
فقالوا: إن رسول الله يهجر " أه‍ (202).
ومن ألم بما حول هذه الرزية من الصحاح (203) يعلم أن أول من قال

(202) وأخرج هذا الحديث بهذه الألفاظ أحمد في مسنده ج 1 ص 355 وغير
واحد من إثبات السنن (منه قدس).
التطاول على الساحة المقدسة بدعواهم أن الرسول صلى الله عليه وآله يهجر:
صحيح مسلم ك الوصية ب ترك الوصية لمن ليس عنده شئ ج 2 / 16 ط الحلبي
و ج 5 / 75 ط صبيح و ج 11 / 94 ط مصر بشرح النووي.
مسند أحمد ج 5 / 116 ح 3336 بسند صحيح ط دار المعارف بمصر، تاريخ
الطبري ج 3 / 193، الكامل لابن الأثير ج 2 / 320.
(203) رزية يوم الخميس لها مصادر كثيرة غير ما تقدم راجع منها:
أ - صحيح البخاري ك العلم ب كتابة العلم ج 1 / 37 ط دار الفكر و ج 1 / 39 ط
مطابع الشعب و ج 1 / 14 ط بمبي و ج 1 / 32 ط دار إحياء الكتب و ج 1 / 22 ط المعاهد
و ج 1 / 22 ط الشرفية و ج 1 / 38 ط صبيح و ج 1 / 28 ط الفجالة و ج 1 / 20 ط الميمنية.
ب - صحيح البخاري أيضا كتاب النبي إلى كسرى وقيصر ب مرض النبي ووفاته
ج 6 / 11 ط مطابع الشعب و ج 5 / 40 ط بمبي و ج 3 / 66 ط الخيرية.
ج - صحيح البخاري أيضا ك الجزية ب إخراج اليهود من جزيرة العرب ج 4 /
65 ط دار الفكر و ج 4 / 12 ط بمبي و ج 2 / 132 ط آخر.
تاريخ الطبري ج 3 / 192 - 193، عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 79، شرح
نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 133 ط 1، الملل والنحل للشهرستاني ج 1 / 22،
الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 242 - 244.
فالمتتبع إذا راجع هذه المصادر مع ما تقدم يحصل له القطع أن القائل بأن النبي
صلى الله عليه وآله يهجر إنما هو عمر. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
152

يومئذ: " هجر رسول الله " إنما هو عمر (204). ثم نسج على منواله من
الحاضرين من كانوا على رأيه. وقد سمعت قول ابن عباس - في الحديث
الأول (1) -: فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب
لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر (205) - أي يقول:
هجر رسول الله - وفي رواية أخرجها الطبراني في الأوسط عن عمر (2) قال:
لما مرض النبي قال: ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده
أبدا. فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله؟
قال عمر: فقلت: إنكن صواحبات يوسف إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح
ركبتن عنقه؟ قال: فقال رسول الله: " دعوهن فإنهن خير منكم ". ا ه‍ (206).
وأنت ترى أنهم لم يتعبدوا هنا بنصه الذي لو تعبدوا به لآمنوا من الضلال
وليتهم اكتفوا بعدم الامتثال ولم يردوا قوله إذ قالوا: " حسبنا كتاب الله " حتى
كأنه لا يعلم بمكان كتاب الله منهم، أو أنهم أعلم منه بخواص الكتاب وفوائده.
وليتهم اكتفوا بهذا كله ولم يفاجئوه بكلمتهم تلك " هجر رسول الله "
وهو محتضر بينهم وأي كلمة كانت وداعا منهم له صلى الله عليه وآله وكأنهم - حيث لم

(204) قول عمر إن النبي صلى الله عليه وآله ليهجر صرح به كل من: السبط بن الجوزي في
كتابه تذكرة الخواص ص 62 ط الحيدرية، وأبي حامد الغزالي في كتابه سر العالمين
وكشف ما في الدارين ص 21 ط النعمان.
(1) الذي أخرجه البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود عن ابن عباس،
وأخرجه مسلم أيضا وغيره (منه قدس).
(205) تقدمت مصادر الحديث تحت رقمي (199 و 203) فراجع.
(2) كما في ص 138 من الجزء الثالث من كنز العمال (منه قدس).
(206) النساء خير من الرجال:
راجع: عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 / 79، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 243.
153

يأخذوا بهذا النص اكتفاء منهم بكتاب الله على ما زعموا - لم يسمعوا هتاف الكتاب
آناء الليل وأطراف النهار في أنديتهم (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم
عنه فانتهوا) (207) وكأنهم " حيث قالوا: هجر " لم يقرأوا قوله تعالى: (إنه
لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين. وما صاحبكم
بمجنون) (208) وقوله عز من قائل: (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر
قليلا ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين) (209)
وقوله جل وعلا: (ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا
وحي يوحى، علمه شديد القوى) (210).
على أن العقل بمجرده مستقل بعصمته، لكنهم علموا أنه صلى الله عليه وآله إنما أراد
توثيق العهد بالخلافة، وتأكيد النص بها على علي عليه السلام خاصة، وعلى الأئمة
من عترته عامة فصدوه عن ذلك، كما اعترف به الخليفة الثاني في كلام دار
بينه وبين ابن عباس (211).
وأنت إذا تأملت في قوله صلى الله عليه وآله: ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده
وقوله في حديث الثقلين: " إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب
الله وعترتي " (212) تعلم أن المرمى في الحديثين واحد، وأنه صلى الله عليه وآله لما أراد

(207) سورة الحشر آية: 7.
(208) سورة التكوير آية: 19 - 22.
(209) سورة الحاقة آية: 40 - 43.
(210) سورة النجم آية: 2 - 6.
(211) راجع شرح النهج الحديدي ج 3 / 114 س 27 طبع مصر (منه قدس).
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 / 79 بتحقيق أبو الفضل و ج 3 / 803
ط دار مكتبة الحياة و ج 3 / 167 ط دار الفكر.
(212) حديث الثقلين تقدم مع مصادره تحت رقم (15) فراجع.
154

في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين.
وإنما عدل عن ذلك، لأن كلمتهم تلك التي فاجأوه بها اضطرته إلى العدول
إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في أنه هل
هجر فيما كتبه " والعياذ بالله " أو لم يهجر. كما اختلفوا في ذلك فاختصموا
وأكثروا اللغو واللغط نصب عينيه فلم يتسن له يومئذ أكثر من قوله لهم:
قوموا كما سمعت، ولو أصر. فكتب الكتاب للجوا في قولهم هجر، ولأوغل
أشياعهم في إثبات هجره " والعياذ بالله " فسطروا به أساطيرهم، وملأوا
طواميرهم ردا على ذلك الكتاب، وعلى من يحتج به.
لهذا اقتضت الحكمة البالغة أن يضرب صلى الله عليه وآله عن ذلك الكتاب صفحا،
لئلا يفتح هؤلاء وأولياؤهم بابا إلى الطعن في النبوة " نعوذ بالله وبه نستجير "
وقد رأى أن عليا وأولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب، سواء عليهم،
أكتب أم لم يكتب، وغيرهم لا يعمل به، ولا يعتبره لو كتب، فالحكمة - والحال
هذه - توجب تركه، إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى.
[إعذار المعارضين وتزييفها]
وقد اعتذر شيخنا الشيخ سليم البشري المالكي (213) شيخ الجامع

(213) البشري شيخ الجامع الأزهر:
ولد سنة 1248 ه‍ وتوفي 1335 ه‍ وكان الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين
(قدس الله روحه) في أواخر سنة 1329 ه‍ قد سافر إلى مصر واجتمع بالشيخ النحرير
الشيح سليم وكان في ذلك الوقت شيخ الأزهر وقد دارت بين هذين العلمين مناظرات
ومباحثات علمية موضوعية وكان من نتائجها كتاب (المراجعات) الذي هو فريد في نوعه
وقد طبع أكثر من عشرين طبعة وترجم إلى عدة لغات وقد قام الأقل الحقير بتحقيقه
والتعليق عليه وقد طبع مع التعليق في بغداد وذلك برعاية وأمر السيد الأستاذ الشهيد
الإمام السيد محمد باقر الصدر (قدس) وطبع أخيرا في بيروت.
فمن أراد الاطلاع على الحقيقة الناصعة فعليه بمراجعة الكتاب مع تعليقته (سبيل
النجاة في تتمة المراجعات).
155

الأزهر في بعض " مراجعات " كانت بيني وبينه في مصر سنة 1329 والتي
بعدها.
فقال رحمه الله: لعل النبي عليه السلام حين أمرهم بإحضار الدواة والبياض
لم يكن قاصدا لكتابة شئ من الأشياء، وإنما أراد بكلامه مجرد اختبارهم لا
غير، فهدى الله عمر الفاروق لذلك دون غيره من الصحابة فمنعهم من
إحظارهما، فيجب - على هذا - عد تلك الممانعة في جملة موافقاته لربه تعالى
وتكون من كراماته رضي الله عنه.
قال رحمه الله: هكذا أجاب بعض الأعلام (ثم قال): لكن الإنصاف إن
قوله عليه السلام: لا تضلوا بعده يأبى ذلك، لأنه جواب ثان للأمر، فمعناه أنكم
إن أتيتم بالدواة والبياض وكتبت لكم ذلك الكتاب لا تضلوا بعده، ولا يخفى
أن الإخبار بمثل هذا الخبر لمجرد الاختبار إنما هو من نوع الكذب الواضح
الذي يجب تنزيه كلام الأنبياء عنه، ولا سيما في موضع يكون ترك إحضار
الدواة والبياض أولى من احضارهما.
(قال): على أن في هذا الجواب نظرا من جهات أخر، فلابد هنا من
اعتذار آخر.
قال: وحاصل ما يمكن أن يقال: إن الأمر لم يكن أمر عزيمة وإيجاب
حتى لا تجوز مراجعته ويصير المراجع عاصيا، بل كان أمر مشورة، وكانوا
يراجعونه عليه السلام في بعض تلك الأوامر ولا سيما عمر فإنه كان يعلم من
156

نفسه أنه موفق للصواب في إدراك المصالح، وكان صاحب إلهام من الله تعالى
وقد أراد التخفيف عن النبي إشفاقا عليه من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء
الكتاب في حال المرض والوجع وقد رأى رضي الله عنه أن ترك إحضار الدواة
والبياض أولى.
وربما خشي أن يكتب النبي عليه السلام أمورا يعجز عنها الناس فيستحقون
العقوبة بسبب ذلك، لأنها تكون منصوصة لا سبيل إلى الاجتهاد فيها.
ولعله خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب. لكونه في
حال المرض فيصير سببا للفتنة، فقال: حسبنا كتاب الله لقوله تعالى: (ما
فرطنا في الكتاب من شئ) (214) وقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم) (215)
وكأنه رضي الله عنه أمن من ضلال الأمة، حيث أكمل الله لها الدين وأتم عليها
النعمة.
قال رحمه الله: هذا جوابهم وهو كما ترى، لأن قوله عليه السلام: لا
تضلوا يفيد أن الأمر أمر عزيمة وإيجاب، لأن السعي فيما يوجب الأمن من الضلال
واجب مع القدرة بلا ارتياب، واستياؤه صلى الله عليه وآله منهم، وقوله لهم قوموا حين لم
يمتثلوا أمره دليل آخر على أن الأمر إنما كان للايجاب لا للمشورة.
قال: [فإن قلت:] لو كان واجبا ما تركه النبي عليه السلام بمجرد مخالفتهم، كما
أنه لم يترك التبليغ بسبب مخالفة الكافرين. فالجواب: أن هذا الكلام لو تم فإنما
يفيد كون كتابة ذلك الكتاب لم تكن واجبة على النبي بعد معارضتهم له عليه
السلام، وهذا لا ينافي وجوب الاتيان بالدواة والبياض عليهم حين أمرهم النبي
به، وبين لهم أن فائدته الأمن من الضلال إذ الأصل في الأمر إنما هو الوجوب

(214) سورة الأنعام: 38.
(215) سورة المائدة آية: 3.
157

على المأمور لا على الأمر، ولا سيما إذا كانت فائدته عائدة إلى المأمور خاصة
والوجوب عليهم هو محل الكلام، لا الوجوب عليه.
قال: على إنه يمكن أن يكون واجبا عليه أيضا، ثم سقط الوجوب عنه
بعدم امتثالهم وبقولهم هجر، حيث لم يبق لذلك الكتاب أثر سوى الفتنة كما
قلت حرسك الله.
قال رحمه الله: وربما اعتذر بعضهم بأن عمر رضي الله عنه ومن قالوا
يومئذ بقوله لم يفهموا من الحديث أن ذلك الكتاب سيكون سببا لحفظ كل
فرد من أفراد الأمة من الضلال على سبيل الاستقصاء، بحيث لا يضل بعده منهم
أحد أصلا، وإنما فهموا من قوله لا تضلوا أنكم لا تجتمعون على الضلال بقضكم
وقضيضكم، ولا تتسرى الضلالة بعد كتابة الكتاب إلى كل فرد من أفرادكم،
وكانوا رضي الله عنهم يعلمون أن اجتماعهم بأسرهم على الضلال مما لا يكون أبدا
وبسبب ذلك لم يجدوا أثرا لكتابته، وظنوا أن مراد النبي ليس إلا زيادة
الاحتياط في الأمر لما جبل عليه من وفور الرحمة، فعارضوه تلك المعارضة،
بناء منهم أن الأمر ليس للايجاب وأنه إنما هو أمر عطف ومرحمة ليس إلا،
فأرادوا التخفيف عن النبي بتركه. إشفاقا منهم عليه صلى الله عليه وآله. قال: هذا كل ما قيل
في الاعتذار عن هذه البادرة، لكن من أمعن النظر فيه جزم ببعده عن الصواب
لأن قوله عليه السلام: لا تضلوا يفيد أن الأمر للايجاب كما ذكرنا واستياؤه منهم
دليل على أنهم تركوا أمرا من الواجبات عليهم، وأمره إياهم بالقيام مع سعة
ذرعه وعظيم تحمله، دليل على أنهم إنما تركوا من الواجبات ما هو أوجبها
وأشدها نفعا، كما هو معلوم من خلقه العظيم.
قال: فالأولى أن يقال في الجواب: هذه قضية في واقعة كانت منهم على
158

خلاف سيرتهم كفرطة سبقت، وفلتة ندرت، لا نعرف وجه الصحة فيها على
سبيل التفصيل، والله الهادي إلى سواء السبيل (216).
قلت: قد استفرغ شيخنا وسعه في الاعتذار عن هذه المعارضة، وفي حمل
المعارضين فيها على الصحة، فلم يجد إلى ذلك سبيلا، لكن علمه واعتداله
وإنصافه وكل ذلك أبى عليه إلا أن يصدع برد تلك الترهات، ولم يقتصر في
تزييفها على وجه واحد حتى استقصى مالديه من الوجوه، شكر الله حسن بلائه
في ذلك.
[تزييف الأعذار من نواحي أخر]
وحيث كان لدينا في رد تلك الأعذار وجوه أخر، أحببت يومئذ عرضها
عليه، وجعلت الحكم فيها موكولا إليه.
فقلت: قالوا في الجواب الأول: لعله صلى الله عليه وآله حين أمرهم بإحضار الدواة
لم يكن قاصدا لكتابة شئ من الأشياء، وإنما أراد مجرد اختبارهم لا غير.
فنقول - مضافا إلى ما أفدتم -: إن هذه الواقعة إنما كانت حال احتضاره
- بأبي وأمي - كما هو صريح الحديث، فالوقت لم يكن وقت اختبار، وإنما
كان وقت أعذار وإنذار، ونصح تام للأمة، والمحتضر بعيد عن الهزل والمفاكهة
مشغول بنفسه ومهماته ومهمات ذويه ولا سيما إذا كان نبيا.
وإذا كانت صحته مدة حياته كلها لم تسع اختبارهم، فكيف يسعها وقت
احتضاره.
على أن قوله صلى الله عليه وآله - حين أكثروا اللغو واللغط والاختلاف عنده -:

(216) كتاب المراجعات لشرف الدين مراجعة - 87 - وص 357 - 360 ط
بيروت.
159

" قوموا " ظاهر في استيائه منهم، ولو كان الممانعون مصيبين لأستحسن ممانعتهم
وأظهر الارتياح إليها.
ومن ألم بأطراف هذا الحديث، ولا سيما قولهم: " هجر رسول الله "
يقطع بأنهم كانوا عالمين أنه إنما يريد أمرا يكرهونه، ولذا فاجؤوه بتلك
الكلمة وأكثروا عنده اللغو واللغط والاختلاف كما لا يخفى.
وبكاء ابن عباس بعد ذلك لهذه الحادثة وعدها رزية دليل على بطلان هذا
الجواب.
قال المعتذرون: إن عمر كان موفقا للصواب في أدراك المصالح، وكان
صاحب إلهام من الله تعالى. وهذا مما لا يصغى إليه في مقامنا هذا لأنه يرمي
إلى أن الصواب في هذه الواقعة إنما كان في جانبه، لا في جانب النبي، وأما
إلهامه يومئذ كان أصدق من الوحي الذي نطق عنه الصادق الأمين صلى الله عليه وآله.
وقالوا: بأنه أراد التخفيف عنه صلى الله عليه وآله إشفاقا عليه من التعب الذي يلحقه
بسبب إملاء الكتاب في حال المرض، وأنت تعلم أن في كتابة ذلك الكتاب راحة
قلب النبي، وبرد فؤاده وقرة عينه، وأمنه على أمته صلى الله عليه وآله من الضلال.
على أن الأمر المطاع، والإرادة المقدسة مع وجوده الشريف إنما هما
له، وقد أراد - بأبي وأمي - إحضار الدواة والبياض، وأمر به فليس لأحد
أن يرد أمره أو يخالف إرادته (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا
مبينا) (217).
على أن مخالفتهم لآمره في تلك المهمة العظيمة، ولغوهم ولغطهم واختلافهم
عنده كان أثقل عليه وأشق من إملاء ذلك الكتاب الذي يحفظ أمته من الضلال

(217) سورة الأحزاب آية: 36.
160

وإذا كان خائفا من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب، فلماذا
بذر لهم بذرة القدح، حيث عارض ومانع وقال: " هجر "؟!
وأما قولهم في تفسير قوله: " حسبنا كتاب الله ": إنه تعالى قال: (ما فرطنا
في الكتاب من شئ) وقال عز من قائل: (اليوم أكملت لكم دينكم) فغير
صحيح، لأن الآيتين لا تفيدان الأمن من الضلال، ولا تضمنان الهداية للناس،
فكيف يجوز ترك السعي في ذلك الكتاب اعتمادا عليهما؟ ولو كان وجود
القرآن العزيز موجبا للأمن من الضلال، لما وقع في هذه الأمة من الضلال
والتفرق ما لا يرجى زواله (1).
وقالوا في الجواب الأخير: إن عمر لم يفهم من الحديث أن ذلك الكتاب
سيكون سببا لحفظ كل فرد من أمته من الضلال، وإنما فهم أنه سيكون سببا
لعدم اجتماعهم - بعد كتابته - على الضلال. (قالوا): وقد علم رضي الله عنه
أن اجتماعهم على الضلال مما لا يكون أبدا، كتب ذلك الكتاب أو لم يكتب
ولهذا عارض يومئذ تلك المعارضة.
وفيه مضافا إلى ما أشرتم إليه: أن عمر لم يكن بهذا المقدار من البعد

(1) وأنت تعلم أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقل: أن مرادي أن أكتب الأحكام، حتى يقال
في جوابه: حسبنا في فهمها كتاب الله تعالى ولو فرض أن مراده كان كتابة الأحكام،
فلعل النص عليها منه كان سببا للأمن من الضلال، فلا وجه لترك السعي في ذلك النص
اكتفاء بالقرآن، بل لو لم يكن لذلك الكتاب إلا الأمن من الضلال بمجرده لما صح تركه
والإعراض عنه اعتمادا على أن كتاب الله جامع لكل شئ.
وأنت تعلم اضطرار الأمة إلى السنة المقدسة وعدم استغنائها عنها بكتاب الله وإن
كان جامعا مانعا، لأن الاستنباط منه غير مقدور لكل أحد، ولو كان الكتاب مغنيا عن بيان
الرسول لما أمر الله تعالى ببيانه للناس، إذ قال عز من قائل: (وأنزلنا إليك الذكر
لتبين للناس ما أنزل إليهم) (منه قدس).
161

عن الفهم، وما كان ليخفى عليه من هذا الحديث ما ظهر لجميع الناس، لأن
القروي والبدوي إنما فهما منه أن ذلك الكتاب لو كتب لكان علة تامة في
حفظ كل فرد من الضلال، وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث إلى إفهام
الناس.
وعمر كان يعلم أن الرسول صلى الله عليه وآله لم يكن خائفا على أمته أن تجتمع على
الضلال، إذ كان يسمع قوله صلى الله عليه وآله: لا تجتمع أمتي على الضلال، ولا تجتمع
على الخطأ، وقوله: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. (الحديث)
(218).
وقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم
في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى
لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا) (219)
إلى كثير من نصوص الكتاب والسنة الصريحة بأن الأمة لا تجتمع بأسرها على
الضلال، فلا يعقل مع هذا أن يسنح في خاطر عمر أو غيره أن النبي صلى الله عليه وآله
حين طلب الدواة والبياض كان خائفا من اجتماع أمته على الضلال.
والذي يليق بعمر أن يفهم من الحديث ما يتبادر منه الأذهان، لا ما تنفيه
صحاح السنة ومحكمات القرآن، على أن استياء النبي صلى الله عليه وآله منهم المستفاد
من قوله: " قوموا " دليل على أن الذي تركوه كان من الواجب عليهم، ولو
كانت معارضة عمر عن اشتباه منه في فهم الحديث كما زعموا، لا زال النبي

(218) قوله صلى الله عليه وآله: "... لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق... ".
راجع: كنز العمال ج 1 / 185 ح 1030 و 1031 ط 2 و ج 1 / 160 ح 910 ط 2،
الدر المنثور للسيوطي ج 2 / 222 ط 1.
(219) سورة النور آية: 55.
162

صلى الله عليه وآله شبهته، وأبان لهم مراده منه، بل لو كان في وسع النبي أن يقنعهم بما
أمرهم به لما آثر إخراجهم عنه.
وبكاء ابن عباس وجزعه من أكبر الأدلة على ما نقول.
والإنصاف إن هذه الرزية لمما يضيق عنها نطاق العذر، ولو كانت - كما
ذكرتم - قضية في واقعة، كفلتة سبقت، وفرطة ندرت، لهان الأمر، وإن كانت
بمجردها بائقة الدهر، وفاقرة الظهر (220)، والحق إن المعارضين إنما كانوا
ممن يرون جواز الاجتهاد في مقابل النص، فهم في هذه المعارضة وأمثالها
إذا مجتهدون، فلهم رأيهم ولله تعالى رأيه؟.
[أعجاب الشيخ بما قلنا]
وما أن وقف شيخنا على ما قلناه في رد تلك الأعذار، حتى كتب إلينا
ما يلي:
" قطعت على المعتذرين وجهتهم، وملكت عليهم مذاهبهم، وحلت بينهم
وبين ما يرومون، فلا موضع للشبهة فيما ذكرت، ولا مساغ للريب في شئ
مما به صدعت " إلى آخر ما قال (221).
[المورد - (17) - صلح الحديبية (1)]
آثر رسول الله صلى الله عليه وآله الصلح يوم الحديبية على الحرب وأمر به عملا بما

(220) كتاب المراجعات مراجعة - 88 - وص 360 - 364 ط بيروت.
(221) كتاب المراجعات ص 364 ط بيروت.
(1) الحديبية بالتخفيف تصغير حدباء، وتشديدها غلط، وهي بئر أو شجرة أو
قرية أو أرض على تسعة أميال من مكة أكثر أرضها في الحرم (منه قدس).
163

أوحى إليه ربه عز وعلا. وكانت المصلحة في الواقع ونفس الأمر توجبه،
لكنها خفيت على أصحابه فأنكره بعضهم عليه، وعارضه فيه علانية بكل مالديه
من قول، فلم يعبأ صلى الله عليه وآله بمعارضتهم ومضى قدما في تنفيذ ما كان مأمورا به،
فكانت عاقبته من أحسن عواقب الفاتحين والحمد لله رب العالمين.
[بيان هذه الحقيقة بشئ من التفصيل]
خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة يوم الاثنين مستهل ذي القعدة سنة 6
للهجرة يريد العمرة، وكان يخشى من قريش أن يتعرضوا له بحرب، أو يصدوه
عن البيت - كما فعلوا - فاستنفر الناس إلى العمرة معه، فلباه من المهاجرين
والأنصار وغيرهم من الأعراب ألف وأربعمائة رجل (1) فيهم مئتا فارس،
وساق معه الهدي سبعين بدنة، ولم يخرج بسلاح إلا سلاح المسافر - السيوف
في القرب - (2) فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأحرم هو وأصحابه منها، ليأمن
الناس حربه، وليعلموا أنه إنما خرج زائرا، ومعظما له.
ثم سار حتى إذا كان في بعض الطريق علم صلى الله عليه وآله أن خالد بن الوليد في

(1) وقيل أكثر من ذلك، وقيل أقل منه، وأخرج معه أم المؤمنين زوجته السيدة
أم سلمة رضي الله عنها، وتخلف عنه كثير من الأعراب منافقون ذمهم الله تعالى في سورة
الفتح المنزلة في هذه الواقعة بعد انتهائها (وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم
وساءت مصيرا).
وكان ممن خرج معه المغيرة بن شعبة وابن سلول وبايعاه مع من بايعه في الحديبية
تحت الشجرة (منه قدس).
(2) فقال له عمر بن الخطاب: أتخشى يا رسول الله أبا سفيان وأصحابه ولم تأخذ
للحرب عدتها؟ فقال صلى الله عليه وآله: " لا أحمل السلاح معتمرا " (منه قدس).
164

الغميم - موضع قرب مكة - في خيل لقريش فيها مئتا فارس، طليعتهم عكرمة
ابن أبي جهل فأخبر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه بذلك، وأمرهم أن يأخذوا ذات
اليمين ليسلك بهم غير طريق خالد، فسلكوا بين ظهري الحمض (1) فما شعر
بهم خالد: حتى رأى قترة جيشهم - غباره الأسود - ودنا خالد في خيله نحو
رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه، فأمر صلى الله عليه وآله عباد بن بشر فتقدم في خيله إزاء خالد
وخيله.
وحانت صلاة الظهر فصلاها رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه، فقال المشركون
لقد أمكنكم محمد وأصحابه من أنفسهم وهم في الصلاة، فقال خالد نعم قد
كانوا في غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم، وستأتي الساعة صلاة أخرى، هي
أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم، فأوحى الله عز وجل إلى نبيه صلى الله عليه وآله: (وإذا
كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا
سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك
وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم
فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم
مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا *
فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا
الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا * ولا تهنوا في ابتغاء
القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون
وكان الله عليما حكيما (2)).

(1) الحمض بفتح الحاء المهملة والضاد المعجمة موضع يخرج على مهبط الحديبية
(منه قدس).
(2) الآية 102 - 104 من سورة النساء (منه قدس).
165

فصلى رسول الله فريضة العصر بأصحابه صلاة الخوف المشروعة بهذه
الآيات (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا) (1).
[شراسة قريش وحكمة النبي صلى الله عليه وآله]
لقي رسول الله صلى الله عليه وآله في الحديبية حين أتاها أذى كثيرا من المشركين،
وغلظة وجفاء ومكاشفة له ولأصحابه في العداوة والبغضاء، ولقي المشركون
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ذلك وأشد عملا منهم رضي الله عنهم بقوله
تعالى: (وليجدوا فيكم غلظة)، لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسع المشركين
بحلمه الموحي يومئذ إليه من ربه عز وعلا بحكمته التي فطر عليها، وبخلقه
العظيم الذي فضله الله به على سائر النبيين والمرسلين عليه وآله وعليهم السلام.
صده المشركون عن مكة صدا شكسا شرسا لئيما، فما استخفه بذلك
غضب، ولا روع حلمه رائع، كان يأخذ الأمور - مع أولئك الجفاة - بالملاينة
والإغماض، وله في شأنهم كلمات متواضعة، على أن فيها من الرفعة والعلاء ما
يريهم إياه فوق الثري، ويريهم أنفسهم تحت الثرى، وفيها من النضج لهم و
الاشفاق عليهم ما لم يكن فيه ريب لأحد منهم، ومن الحكمة الإلهية ما يأخذ
بمجامع قلوبهم - على قسوتها وغلظتها - باجتياحهم إليه، ومن الوعيد والتهديد
باستئصال جذرتهم وبذرتهم ما يقطع نياط قلوبهم (222).

(1) سورة الأحزاب / 25.
(222) سياسة الرسول صلى الله عليه وآله مع قريش:
راجع: السيرة الحلبية ج 2 / 692 و 693 - 697 و 699، السيرة النبوية لابن
كثير ج 3 / 315 و 316 و 317، الكامل في التاريخ ج 2 / 136 ط دار الكتاب العربي،
الطبقات لابن سعد ج 2 / 96.
166

وإليك بعض المأثور عنه من ذلك. فأمعن به لتقف على أهدافه، قال صلى الله عليه وآله:
" يا ويح قريش نهكتهم الحرب فماذا عليهم لو خلوا بيني وبين العرب، فإن هم
أصابوني كان الذي أرادوه، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين،
وإن أبوا قاتلوني وبهم قوة؟ فما تظن قريش فوالله الذي لا إله إلا هو لا أزال
أجاهد على الذي بعثني به ربي حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة! " (223) -
وهي صفحة العنق كناية عن قتله -.
وقال صلى الله عليه وآله يطمعهم في خلقه الكريم وفضله العميم: " والذي نفس محمد
بيده لا تدعوني اليوم قريش إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم
إياها " (224).
أعلن رحمته هذه بكلماته هذه الحكيمة الرحيمة، ثم جمع أصحابه يستشيرهم
في حرب قريش إذا أصروا على صده عن البيت، فكان جلهم - إن لم يكونوا
كلهم - متأهبين للقتال، متعبئين لجهاد قريش وغيرها، مندفعين إلى ذلك، و
نهض المقداد أثناء إندفاعهم يتكلم بلسان الجميع، فقال: " يا رسول الله نحن لا
نقول لك ما قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: إذهب أنت وربك فقاتلا إنا
هيهنا قاعدون، وإنما نقول: إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، والله

(223) راجع: السيرة الحلبية ج 2 / 692، الكامل في التاريخ ج 2 / 136 ط دار
الكتاب العربي.
(224) راجع: السيرة الحلبية ج 2 / 693، الكامل في التاريخ ج 2 / 136 ط
دار الكتاب العربي.
وقريب منه في: الطبقات لابن سعد ج 2 / 96.
167

يا رسول الله لو سرت بنا إلى برد الغماد (1) لسرنا معك ما بقي منا رجل " (225)
فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم أخذ منهم البيعة فبايعوه بأجمعهم على الموت في نصرته، وكانوا ألفا وأربعمائة
رجل، فيهم كهف المنافقين ابن سلول (2) لم يتخلف منهم عن هذه البيعة إلا

(1) حصن في اليمن من أمنع حصون العرب كان مسيرهم إليه مسيرا إلى الموت
لا محالة لشدة حصانته في نفسه وفي بأس حاميته - وكانت يومئذ على الشرك - مضافا
إلى وعورة طرقه، وحزونة ما حوله من الجبال (منه قدس).
(225) موقف مقداد المشرف:
قال: " يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو
إسرائيل لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ولكن اذهب أنت وربك
فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - يعنى مدينة
الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم خيرا
ودعا له بخير ".
راجع: تاريخ الطبري ج 2 / 273 ط دار القلم، الكامل في التاريخ ج 2 / 83 ط
دار الكتاب العربي، السيرة الحلبية ج 2 / 692 ط مصطفى الحلبي.
(2) ذكر أهل السير والأخبار ممن أرخ غزوة الحديبية - واللفظ للحلبي في
سيرته -: إن قريشا بعثت إلى ابن سلول - وهو مع رسول الله في الحديبية - إن
أحببت أن تدخل - مكة - تطوف بالبيت فافعل. فقال له ابنه عبد الله رضي الله عنه يا
أبت أذكرك الله أن لا تفضحنا في كل موطن فتطوف ولم يطوف رسول الله؟ فأبى الرجل
حينئذ وقال: لا أطوف حتى يطوف رسول الله، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك رضى
عنه وأثنى عليه، فابن سلول إذا ممن بايع تحت الشجرة إذ لم يتخلف أحد عن هذه
البيعة ممن كان مع رسول الله في الحديبية إلا الجد بن قيس الأنصاري بإجماع أهل
الأخبار (منه قدس).
168

رجل يدعى الجد بن قيس الأنصاري (1) دون غيره من أمثاله (226).
[رعب المشركين وطلبهم للصلح]
ما بلغ قريشا هذه البيعة - وهي بيعة الرضوان (2) - حتى انخلعت قلوبهم،
وملئت صدورهم رعبا، ولا سيما بعد خروج عكرمة بن أبي جهل على المسلمين
يومئذ في خمسمائة فارس، فبعث النبي صلى الله عليه وآله - كما في الكشاف - من هزمه

(1) ففي السيرة الحلبية عن سلمة بن الأكوع، قال: بايعنا الرسول على الموت
ولم يتخلف إلا الجد بن قيس لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته يستتر بها من الناس
(منه قدس).
(226) مبايعة الصحابة للرسول ما عدى الجد بن قيس الأنصاري:
راجع: السيرة الحلبية ج 2 / 701 ط الحلبي، السيرة النبوية لابن كثير ج 3 / 319،
الكامل في التاريخ ج 2 / 138 ط دار الكتاب العربي، الطبقات لابن سعد ج 2 / 100.
(2) كانت تحت شجرة من سمر فقيل عنها بيعة الشجرة وأضيفت إلى الرضوان
لقوله تعالى في شأن المؤمنين من المبايعين يومئذ: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك
تحت الشجرة) إلى قوله عز من قائل في آخر السورة عنهم: (وعد الله الذين آمنوا
وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما).
بخ بخ طوبى وحسن مآب للمقيمين من هؤلاء على الإيمان والعمل الصالح حتى
لقوا ربهم عز وجل اختصهم الله تعالى بالرضا عنهم والثناء العظيم في محكمات القرآن
عليهم، ووعدهم - دون غيرهم من المبايعين - بالمغفرة والأجر العظيم. فالآية هذه هي
على حد قوله عز وجل في آية أخرى تختص بأمهات المؤمنين (وإن كنتن تردن الله
ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) وهدفها إنما هو الهدف
الذي يرمي إليه قوله عز من قائل: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم
الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)، وما أغنى أولياء
الله عما افتأته لهم المفتئون من أحاديث يضرب بها عرض الجدار بمخالفتها لمحكمات
القرآن الحكيم (منه قدس).
169

وأصحابه وأدخلهم حيطان مكة، وعن ابن عباس أظهر الله المسلمين عليهم
بالحجارة حتى أدخلوه البيوت، وعلموا أنهم لا قبل لهم بمحمد صلى الله عليه وآله و
أصحابه. (1)
فاضطر حينئذ أهل الرأي والمشورة منهم إلى طلب الصلح من رسول الله
وكان قد بلغهم قوله: " والذي نفس محمد بيده لا تدعوني اليوم قريش إلى
خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها " فأرسلوا إليه عدة من كبارهم
كان على رأسهم سهيل بن عمرو بن عبد ود العامري يمثلهم جميعا لدى رسول
الله صلى الله عليه وآله في طلب المهادنة على شروط اشترطوها كانت ثقيلة على المسلمين
إلى الغاية، فأبوها كل الآباء، وأسرف بعضهم في إنكارها. لكن المشركين
تشبثوا في اشتراطها بإطلاق الخطة التي وعد رسول الله صلى الله عليه وآله بإعطائهم إياها
متى دعوه إلى ذلك، وكان صلى الله عليه وآله مأمورا بهذا الوعد، وبالعمل على مقتضاه
وإنما قبل شروطهم على ما فيها من الشدة عملا بالوحي، وبما توجبه المصلحة
التي كان الله عز وجل بها عليما، وقد علمها الجميع بعد ذلك واعترفوا بها
(227)، ستسمعه إن شاء الله تعالى.
[أنفة عمر من شروط الصلح]
وما أن تقرر الصلح بين الفريقين على تلك الشروط حتى وثب عمر بن
الخطاب وقد أدركته الحمية، ونزت في رأسه سورة الآنفة فأتى أبا بكر وقد
استشاط غيظا وغضبا. فقال (2): " يا أبا بكر أليس هو برسول الله؟. قال: بلى

(1) الكشاف للزمخشري ج 3 / 547.
(227) السيرة الحلبية ج 2 / 705 - 706.
(2) كما في السيرة الحلبية وغيرها من كتب الأخبار (منه قدس).
170

قال أو لسنا بالمسلمين؟. قال: بلى. قال: أليسوا بالمشركين؟. قال: بلى
قال: فعلى م نعطي الدنية في ديننا. فقال له أبو بكر: أيها الرجل إنه رسول الله
وليس يعصي ربه، وهو ناصره استمسك بغرزه (1) حتى تموت، فأني أشهد
أنه رسول الله (2).. (الحديث) (228).
وأخرج مسلم - في باب صلح الحديبية من الجزء الثاني من صحيحه -
أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: " ألسنا على حق وهم على الباطل؟. قال رسول الله
بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟. قال: بلى. قال: ففيم
نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟!. فقال صلى الله عليه وآله:
يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا. (قال): فانطلق عمر فلم
يصبر متغيظا فأتى أبا بكر فقال يا أبا بكر ألسنا على حق وهم على باطل؟! قال: بلى
قال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟! قال: بلى. قال: فعلى م نعطي
الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟. فقال يا بن الخطاب إنه

(1) الغرز ركاب من جلد يضع الراكب رجله فيه فيكون المعنى اعتلق به وأمسكه
واتبع قوله وفعله ولا تخالفه، فاستعار له الغرز كالذي يمسك بركاب الراكب ويسير
بسيره، وفي القاموس غرز كسمع أطاع السلطان بعد عصيان، وعلى هذا فلفظ غرزه هنا مصدر
غرز فيكون المعنى استمسك بطاعته بعد هذا العصيان (منه قدس).
(2) وي كأنه أوجس منه شكا في الرسالة (منه قدس).
(228) راجع: السيرة الحلبية ج 2 / 706 ط الحلبي، السيرة النبوية لابن كثير
ج 3 / 320، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 2 / 177 و 184 ط
البهية بمصر.
وقريب منه في: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 / 59 ط بتحقيق أبو
الفضل.
171

رسول الله ولن يضيعه أبدا " (229) (الحديث). وأخرجه غير واحد من أصحاب
المسانيد بلهجة أشد من هذا.
وأخرج البخاري - في آخر كتاب الشروط من صحيحه (1) - حديثا جاء
فيه أنه قال: فقلت ألست نبي الله حقا.
قال: بلى.
قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟
قال: بلى.
قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟
قال صلى الله عليه وسلم: إني رسول الله ولست أعصيه (2) وهو ناصري.
(قال) قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به.
قال: بلى. أفأخبرتك أنا نأتيه العام؟
قلت: لا.
قال: فإنك آتيه ومطوف به (3).

(229) راجع: صحيح مسلم ك الجهاد والسير ب 34 ج 3 / 1412 ح 1785،
صحيح البخاري ك التفسير سورة 48 ج 6 / 170 ط مطابع الشعب، تفسير القرطبي ج
16 / 277، فتح القدير للشوكاني ج 5 / 55، الطرائف لابن طاوس ج 2 / 440 عن عدة
مصادر.
(1) ص 81 من جزئه الثاني (منه قدس).
(2) قوله: ولست أعصيه صريح بما قلناه آنفا من أنه كان مأمورا من الله تعالى
بالصلح على الوجه الذي وقع (منه قدس).
(3) فلما كان عام الفتح وأخذ المفتاح قال صلى الله عليه وآله - كما في السيرة الحلبية
وغيرها -: ادعوا لي عمر بن الخطاب فلما أتاه قال: يا عمر هذا الذي قلت لكم،
ولما كان في حجة الوداع ووقف صلى الله عليه وآله بعرفة استدعى عمر أيضا فقال له: هذا الذي
قلت لكم أه‍. (منه قدس).
172

قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى. قلت:
ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في
ديننا إذا؟. قال: أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه (1) وهو ناصره
فاستمسك بغرزه، فوالله إنه لعلى الحق. (قال) فقلت: أليس كان يحدثنا أنا
سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى. أفأخبرتك إنك تأتيه العام. (قال) قلت:
لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال عمر: فعملت لذلك أعمالا (2).
قال: فلما فرغ - رسول الله صلى الله عليه وآله - من الكتاب - الذي كتب يومئذ في
الصلح - قال صلى الله عليه وآله لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا (قال): فوالله ما قام
منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات (3) فلما لم يقم منهم أحد دخل خباءه
ثم خرج فلم يكلم أحدا منهم بشئ حتى نحر بدنة بيده، ودعا حالقه فحلق
رأسه، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى
كاد بعضهم يقتل بعضا ". (230) الحديث. وأخرجه الإمام أحمد - من
حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم - في مسنده.

(1) قول أبي بكر هنا: وليس يعصي ربه دليل على أنه كان عالما بأن رسول الله
صلى الله عليه وآله كان مأمورا بالصلح على الذي وقع (منه قدس).
(2) لا تخفى دلالة كلمته هذه على أن أعماله كانت عظيمة في مصادرة الصلح وبسببها
لم يمتثلوا أمره صلى الله عليه وآله إياهم بالنحر حتى أمرهم بذلك ثلاثا كما ستسمعه بالأصل (منه
قدس).
(3) ابتلى الإمام أبو محمد الحسن الزكي السبط سيد شباب أهل الجنة في صلحه
مع معاوية بمثل ما ابتلى به جده صلى الله عليه وآله في هذا الصلح وله فيه أسوة حسنة (منه قدس).
(230) راجع: صحيح البخاري ك الشروط باب الشروط في الجهاد ج 2 / 122
ط دار الكتب العربية بحاشية السندي و ج 3 / 256 ط مطابع الشعب، مسند أحمد ج 4
/ 330 ط 1.
173

ونص الحلبي في غزوة الحديبية من سيرته وغير واحد من أهل الأخبار:
أن عمر جعل يرد على رسول الله الكلام. فقال له أبو عبيدة ابن الجراح: ألا
تسمع يا ابن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ما يقول نعوذ بالله من الشيطان
الرجيم (231) (قال الحلبي وغيره) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ: يا عمر اني
رضيت وتأبى (232)! ونقل الحلبي وغيره: أن عمر كان بعد ذلك يقول ما
زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق مخافة كلامي الذي تكلمت به (233).
إلى آخر ما هو مأثور عنه في هذه القضية.
[تنفيذ خطة الصلح]
لكن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأبه يومئذ لمعارضة من عارضه في إنقاذ الخطة
التي كان مأمورا بها - خطة الصلح بتلك الشروط الثقيلة - فاستدعى عليا
لتسجيل كتابها. فقال له: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن
عمرو: لا نعرف هذا فليكتب باسمك اللهم. فضج المسلمون وقالوا: والله
لا يكتب إلا ما أمر به رسول الله لكن رسول الله قطع النزاع بقوله لعلي: اكتب
باسمك اللهم. فكتبها علي ممتثلا أمره صلى الله عليه وآله ثم قال له النبي: اكتب هذا ما
صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو.
فقال سهيل: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ولا صددناك عن البيت،
ولكن ليكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، سهيل بن عمرو، فقامت
قيامة المسلمين في الإنكار على سهيل بذلك وأبوا إلا أن يكتب رسول الله كل

(231) السيرة الحلبية ج 2 / 706.
(232) السيرة الحلبية ج 2 / 706، السيرة النبوية لابن كثير ج 3 / 320.
(233) السيرة الحلبية ج 2 / 706.
174

الإباء، وكادت الفتنة أن تقع لولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أنا محمد رسول
الله، وإن كذبتموني، وأنا محمد بن عبد الله، فاكتب يا علي: هذا ما صالح
عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو فكتبها علي متغيضا متزفرا. فقال له
رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لك يا أبا الحسن مثلها أو أنه قال: ستسام يا أبا الحسن مثلها
فتجيب وأنت مضطهد (234).
وكان الصلح على أن يرجع رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه من الحديبية، فإذا
كان العام القابل تخرج قريش من مكة فيدخلها رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه فيقيم
بها ثلاثا، وليس معه من السلاح سوى السيوف في القرب، وأن توضع الحرب
بينه وبينهم عشر سنين (1) يأمن فيها الناس، ويكف فيها بعضهم عن بعض، وأنه
من أحب من العرب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب
أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه (2) وأن يكون بين الفريقين عيبة

(234) هذه الكلمة من رسول الله صلى الله عليه وآله معدودة عند المسلمين كافة من أعلام النبوة
وآيات الإسلام والتفصيل في السيرة الحلبية والدحلانية وغيرهما من كتب السير والأخبار
فلتراجع (منه قدس).
راجع: السيرة الحلبية ج 2 / 706 - 707، الكامل في التاريخ ج 2 / 138 ط
دار الكتاب العربي، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج 2 / 177 - 178 ط
البهية بمصر.
وقريب منه في: الكشاف ج 3 / 549، الطبقات لابن سعد ج 2 / 97.
(1) وقيل سنتين، وفي رواية صححها الحاكم أربع سنين (منه قدس).
(2) فدخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وعهده، وكانوا من قبل حلفاء جده
عبد المطلب، ودخلت بكر في عقد قريش وعهدها، ثم كان بين خزاعة وبكر حرب أمدت
قريش فيه حلفاءها - أعني بني بكر - على حلفاء رسول الله - أعني خزاعة - وبذلك
نقضت قريش ما عاهدت عليه رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية، وبهذا استباح رسول الله
صلى الله عليه وآله غزو قريش فكان الفتح المبين والنصر العزيز والحمد لله رب العالمين (منه قدس).
175

مكفوفة: " أي صدور منطوية على ما فيها لا تبدي عداوة " وأنه لا إسلال ولا
إغلال (أي لا سرقة ولا خيانة) وأنه من أتى محمدا من قريش ممن هو على
دين محمد بغير إذن وليه رد إليه، ومن أتى قريشا ممن كان مع محمد فارتد
عن الإسلام لا ترده قريش إليه، فقال المسلمون: سبحان الله كيف نرد للمشركين
من جاءنا منهم مسلما؟! وعظم عليهم هذا الشرط، فقالوا: يا رسول الله أتكتب
هذا على نفسك؟! قال: نعم انه من ذهب منا مرتدا أبعده الله، ومن جاءنا مسلما
فرددناه إليهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا.
فبينا رسول الله صلى الله عليه وآله هو وسهيل بن عمرو يكتبان الكتاب بالشروط
المذكورة إذ جاء أبو جندل - واسمه العاص - بن سهيل بن عمرو إلى المسلمين
يرسف في قيوده، وكان أسلم بمكة قبل ذلك، فمنعه أبوه من الهجرة وحبسه
موثوقا، وحين سمع أن النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه في الحديبية احتال حتى خرج
من السجن، وتنكب الطريق في الجبال حتى هبط على المسلمين ففرحوا به
وتلقوه، لكن أخذه أبوة بتلابيبه يضرب وجهه ضربا شديدا (1) وهو يقول:
يا محمد هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي.
فقال له النبي صلى الله عليه وآله: إنا حتى الآن لم نفرغ من كتابة الكتاب.
قال سهيل: إذن لا أصالحك على شئ.
فقال له النبي صلى الله عليه وآله: فأجره لي.
قال: ما أنا بمجيره لك. قال: بلى فافعل. قال: ما أنا بفاعل. فقال مكرز بن
حفص وحويطب بن عبد العزى وهما من وجوه قريش. قد أجرناه لك يا محمد

(1) والمسلمون يبكون رحمة له متذمرين إلى الغاية (منه قدس).
176

فأخذاه وأدخلاه فسطاطا وكفا أباه عنه. ثم قال سهيل: يا محمد قد تمت القضية
ووجبت بيني وبينك قبل أن يأتي ابني إليك. قال: صدقت. وحينئذ قال صلى الله عليه وآله
لأبي جندل. اصبر واحتسب فقد تم الصلح قبل أن تأتي، ونحن لا نغدر وقد
تلطفنا بأبيك فأبى، وأن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا.
وهنا وثب عمر بن الخطاب إلى أبي جندل يغريه بقتل أبيه، ويدني إليه
السيف. قال عمر - كما في السيرة الدحلانية وغيرها -. رجوت أن يأخذ
السيف فيضرب به أباه وجعل يقول له: أن الرجل يقتل أباه، والله لو أدركنا
آباءنا لقتلناهم، لكن أبا جندل لم يجبه إلى قتل أبيه خشية الفتنة (1) وعملا بما
أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله من الصبر والاحتساب (2) وقال لعمر. مالك لا تقتله
أنت؟ قال عمر. نهانا رسول الله عن قتله وقتل غيره (3) فقال أبو جندل. ما أنت
أحق بطاعة رسول الله مني (4).
ورجع مع أبيه إلى مكة في جوار مكرز وحويطب فأدخلاه مكانا وكفا

(1) إذ لو قتل يومئذ سهيل لكان بين قريش والمسلمين فتنة تجتاحهما جميعا ويكون
شرها مستطيرا فالحمد لله على العافية (منه قدس).
(2) لا يخفى ما في إغراء أبي جندل بقتل أبيه من المعارضة لرسول الله صلى الله عليه وآله في
أمره إياه بالصبر والاحتساب (منه قدس).
(3) لا يخفى ما في إغراء أبي جندل بقتل أبيه من معارضة رسول الله صلى الله عليه وآله في نهيه
إياهم عن قتل سهيل وغيره، فهنا معارضتان لرسول الله صلى الله عليه وآله إحداهما في أمره، والثانية
في نهيه (منه قدس).
(4) ولأبي جندل هذا أخ هو عبد الله بن سهيل بن عمر، كان إسلامه سابقا على
إسلام شقيقه أبي جندل، لأن عبد الله خرج مع المشركين إلى بدر، وكان قبل ذلك مسلما
لكنه كتم إسلامه حتى أتى بدرا فانحاز فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وشهد معه بدرا
والمشاهد كلها، أما أبو جندل فأول مشاهده الفتح (منه قدس).
177

عنه أباه وغيره، وفاء بالجوار، وجعل الله بعد ذلك له ولسائر المستضعفين
من المؤمنين فرجا ومخرجا، (235) كما ستسمعه إن شاء الله تعالى قريبا،
والحمد لله الذي نصر عبده، وأنجز وعده.
[عائدة الصلح]
كفى بالصلح عائدة أنه كان سببا في اختلاط المسلمين بالمشركين، فكان
المشركون يأتون بعده إلى المدينة، كما أن المسلمين كانوا يأتون مكة.
فإذا جاء المشركون إلى المدينة، ورأوا رسول الله بهرهم صلى الله عليه وآله بأخلاقه
وقدسي سيرته، وعظم في أنفسهم أمره، هديا ورأيا وسمتا ونعتا، وقولا وفعلا
وراقهم الإسلام بشرائعه وأحكامه، من حلاله وحرامه، وعباداته ومعاملاته،
وسائر نظمه، وبالغ حكمه، وملكهم القرآن بآياته وبيناته، فأخذ بسمعهم و
أبصارهم وأفئدتهم، وأدهشهم أصحاب رسول الله بتعبدهم بأوامره وزواجره
فإذا هؤلاء على مقربة من الإيمان، بعد أن كانوا قبل صلح الحديبية في منتهى
العمة والطغيان، وإذا هم يرجعون إلى أهليهم كمبشرين بمحمد ومنذرين
بفتحه.
وإذا أتى المسلمون مكة وخلوا بأرحامهم وأصدقائهم لا يألونهم نصحا
ودعاية إلى الله ورسوله بما يوقفونهم عليه من أعلام النبوة وآيات الإسلام، وما في

(235) صبر أبي جندل في سبيل الله:
راجع: السيرة الحلبية ج 2 / 708 - 711، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش
السيرة الحلبية ج 2 / 182 ط البهية.
وقريب منه: في الكامل لابن الأثير ج 2 / 139 ط دار الكتاب العربي، الطبقات
لابن سعد ج 2 / 97.
178

القرآن الحكيم من علم وحكمة، ونظم اجتماعية، وسنن وفرائض وآداب
وأخلاق، ومواعظ وعبر، وأخبار الأمم الماضية، والقرون الخالية، فإذا هؤلاء
أيضا مبشرون - ببطن مكة - ومنذرون، وقد كان لعملهم هذا أثره العظيم في
تسهيل أمر الفتح، بلا قتال ولا ممانعة، والحمد لله.
وهناك من فوائد الصلح ما حصل بمجرد اجتماع المشركين مع رسول الله
صلى الله عليه وآله في الحديبية، ووقوفهم على هديه وخلقه بإمعان،
وكان أكثر قريش - إذ ذاك - لا يعرفون منهما شيئا، ولا سيما شبابهم، إذ كان
أبو جهل والوليد وأبو سفيان وشيبة وعتبة وأمثالهم من مشيخة الأوثان والجاهلية
أرجفوا برسول الله صلى الله عليه وآله وتسنى لهم تسميم الرأي العام الجاهلي فيه، وقد
أجلبوا عليه بكل ما لديهم من حول وطول، وبكل ما يستطيعونه من فعل وقول،
ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
قصدوه وهو في دار هجرته محاربين ليقتلوه وأصحابه، وليستأصلوا شأفة
الذين آووه ونصروه بغيا وعدوانا، فنصره الله عليهم في بدر وأحد والأحزاب
(فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) (236).
لكن ظل أهل مكة - بعد هذه الحروب - على ضلال رأيهم المسموم في
رسول الله صلى الله عليه وآله إذ لم تره أعينهم بعد الهجرة، ولم يبلغهم عنه إلا ما سمعوه
من أولئك المرجفين، فلما كان يوم الحديبية، واختلطوا به وبأصحابه، رأوا
منه خلقا عظيما.
كانوا كلما تبغضوا إليه بجفاء وسوء صنع، تحبب إليهم بحنو وعاطفة
وحسن صنع، فإذا قسوا وأغلظوا له لأن وخفض لهم جناح الرحمة، مستمرا

(236) سورة الأنعام: 45.
179

معهم على هذه الحال، يقابل إساءتهم باللقيا عليهم، والاحسان إليهم؟ عملا
بقوله تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي
حميم، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (237).
كان النبي صلى الله عليه وآله يومئذ قادرا على دخول مكة وزيارة البيت عنوة، بدليل
قوله تعالى في هذه الواقعة: (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم
لا يجدون وليا ولا نصيرا) (238) وقوله فيها أيضا عز من قائل (وهو الذي
كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد ما أظفركم عليهم) (239).
وكان المشركون على يقين من ظفره عليهم لو قاتلهم صلى الله عليه وآله وقد علموا
بإصرار أصحابه عليه في القتال، وأنه أبى عليهم ذلك كل الإباء، إيثارا للسلم
وحسن عواقبه، وحقنا للدماء، واحتراما للحرم، واحتياطا على حرماته،
وأدركت قريش إشفاقه عليها، ورعايته لحقوقها الرحيمة منه، وأنه لذلك
" قبل المهادنة على ما فيها من الشروط القاسية " لم تأخذه الآنفة من صدهم
إياه عن المسجد الحرام، وإرجاعه - على حافزته بأصحابه رغما لكثير منهم -
إلى المدينة.
وهذا ما كان في نظر قريش كفارة له عما كان في بدر وأحد والأحزاب،
إذ تجلى يومئذ لهم - بكفه عن قتالهم - أنه غير مسؤول عن شئ من ذلك،
وإنما المسؤول عن تلك الدماء المسفوكة إنما هم مشائخ قريش كأبي سفيان
وأبي جهل وأضرابهما الذين غزوه - وهو في مهجره الذي فر منه إليه - فاضطروه
إلى دفع عدوانهم عنه وعن أصحابه، ولو كفوا عنه وعن الذين آووه ونصروه

(237) سورة فصلت: 34 و 35.
(238) سورة الفتح: 22.
(239) سورة الفتح: 24.
180

لكف عنهم مقتصرا في دعوته إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة.
أطفأ رسول الله صلى الله عليه وآله - في الحديبية - وقدة قلوب هؤلاء المشركين،
واستل سخائمهم، وأزال أضغانهم، وأغراهم بسادتهم وكبرائهم، حتى أيقنوا
بعدوانهم عليه، وجنايتهم على أنفسهم، وبهذا لانت قلوبهم مطمئنة بحسن
عواقبهم معه إذا انضموا إلى لوائه، معتصمين بولائه، حكمة بالغة، أعقبت
الفتح المبين، والنصر العزيز، ودخول الناس في دين الله أفواجا (240).
[رجوعه صلى الله عليه وآله إلى المدينة]
كانت إقامته في الحديبية تسعة عشر يوما، قفل بعدها إلى المدينة، فلما
كان بكراع الغميم - موضع بين الحرمين - نزلت عليه سورة الفتح، وعمر
لا يزال حينئذ آسفا من صد المشركين إياهم عن مكة ورجوعهم وهم على
خلاف ما كانوا يأملون من الفتح، فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله حين نزلت عليه السورة
أن يزيل بث عمر، ويذهب برحاء صدره.
فقال له - كما في صحيح البخاري بالإسناد إليه (1) - " لقد أنزلت علي
سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس " ثم قرأ: (إنا فتحنا لك فتحا
مبينا). فقال رجل من أصحابه " ما هذا بفتح (2) لقد صددنا عن البيت، وصد
هدينا، ورد رجلان من المؤمنين كانا خرجا إلينا " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ": بئس

(240) السيرة الحلبية ج 2 / 711.
(1) من حديث تجده في باب غزوة الحديبية من الجزء الثالث من الصحيح (منه
قدس).
(2) يا سبحان الله يقول الله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) إلى آخر السورة،
ويتلوها رسول الله صلى الله عليه وآله نفسه عن الله عز وجل، وهذا الرجل يقول: ما هذا بفتح؟! فمن
هو هذا الرجل يا ترى؟! ليتكم تعرفونه (منه قدس).
181

الكلام هذا بل هو أعظم الفتح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالبراح
عن بلادهم، ويسألوكم القضية، ويرغبوا إليكم في الأمان، وقد رأوا منكم
ما كرهوا، وأظفركم الله عليهم، وردكم سالمين مأجورين، فهو أعظم الفتوح
أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟
أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار
وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا؟ ".
فقال المسلمون: صدق الله ورسوله، والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت
فيه، ولأنت أعلم بالله وبأوامره منا (241).
لكن قال عمر حينئذ: يا رسول الله ألم تقل إنك تدخل مكة آمنا؟
قال: بلى، أفقلت لكم من عامي هذا؟ قال: لا.. الحديث (242).
وعن سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى الشعبي في قوله تعالى: (إنا
فتحنا لك فتحا مبينا) قال: لم يكن في الإسلام فتح قبله أعظم منه، فإنه لما
كانت الهدنة ووضع الحرب، وأمن الناس بعضهم بعضا؟ والتقوا وتفاوضوا
في الحديث والمنازعة، لم يكلم أحد من المسلمين ذا عقل في تلك المدة

(241) راجع قصة الحديبية من السيرة النبوية الدحلانية وغيرها تجد كلما قلناه
بنصه (منه قدس).
معارضة الرسول صلى الله عليه وآله:
الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 105.
(242) تجده في السير الحلبية وغيرها (منه قدس).
صحيح البخاري، السيرة الحلبية ج 2 / 715، السيرة النبوية لزين دحلان.
وذكر صدره في: الكشاف ج 3 / 541، تفسير القرطبي ج 16 / 260، سورة الفتح
آية: 1.
182

بالاسلام إلا دخل فيه، وقد دخل في تينك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام
قبل ذلك أو أكثر (قال): ويدلك عليه أنه صلى الله عليه وآله خرج إلى الحديبية في ألف
وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرة آلاف (قال): ومما
ظهر من مصلحة الصلح أنه كان مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي دخل الناس
عقبه في دين الله أفواجا فكان صلح الحديبية مقدمة الفتح، فسميت فتحا إذ
مقدمة الظهور ظهور " ا ه‍ (243).
[الفرج الذي وعد به المستضعفون]
مر عليك حديث أبي جندل، إذ احتال حتى خرج من السجن وتنكب
الطريق يرسف في قيوده، حتى هبط على النبي صلى الله عليه وآله وهو في الحديبية مستغيثا
به، وحيث لم يتمكن يومئذ من إغاثته اعتذر إليه وعزاه، وأمره بالصبر والاحتساب،
فكان مما قاله له: " إن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا و
مخرجا " (244).
وكان في المستضعفين المعذبين في مكة رجل من أبطال المسلمين يدعى
أبا بصير (245) احتال حتى خرج من السجن ففر هاربا إلى رسول الله و

(243) السيرة النبوية لابن كثير ج 3 / 324، الكامل لابن الأثير ج 2 / 139 ط دار
الكتاب العربي.
(244) الرسول صلى الله عليه وآله يعد المستضعفين بالفرج:
الكامل لابن الأثير ج 2 / 139 ط دار الكتاب، الطبقات لابن سعد ج 2 / 97، السيرة
النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 2 / 192 ط البهية.
(245) واسمه عتبة بن أسيد بن جارية بن أسيد الثقفي ترجم له أبو عمر يوسف بن
عبد البر في الكنى من استيعابه وغير واحد من أصحاب المعاجم، وقصته هذه ذكرها ابن
إسحاق وغيره من أهل السير والأخبار وهي من أشهر القضايا نقلناها عن الحلبي في سيرته
(منه قدس).
راجع: الإستيعاب لابن عبد البر في ترجمة أبي بصير ج 4 / 20، الكامل لابن
الأثير ج 2 / 139 ط دار الكتاب العربي.
183

هو في المدينة بعد رجوعه من الحديبية، فكتبت قريش في رده، كتابا بعثت به
رجلا من بني عامر يقال له خنيس ومعه مولى يهديه الطريق، فقدما على رسول
الله بالكتاب فإذا فيه " قد عرفت ما شارطناك عليه من رد من قدم عليك من أبنائنا
فابعث إلينا أبا بصير ".
فقال النبي صلى الله عليه وآله: " يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، و
لا يصح الغدر منا فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا
فانطلق راشدا ".
قال: " يا رسول الله إنهم يفتنوني عن ديني ".
قال صلى الله عليه وآله: " يا أبا بصير انطلق فأن الله سيجعل لك ولمن حولك من
المستضعفين فرجا ومخرجا " فودع الرجل رسول الله وانطلق معهما، حتى إذا
كانوا بذي الحليفة جلس إلى جدار ومعه صاحباه. فقال لأحدهما: " أصارم
سيفك هذا يا أخا بني عامر؟ " قال: " نعم " قال أبو بصير: " أرنيه " فناوله إياه
فاستله أبو بصير، ثم علاه فإذا هو يتشحط بدمه. ثم هم بالثاني فهرب منه حتى
أتى رسول الله، فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله والحصى يطير من تحت قدميه من شدة
عدوه، وأبو بصير في أثره.
قال صلى الله عليه وآله: " قد رأى هذا ذعرا " فلما انتهى إلى النبي قال له صلى الله عليه وآله: " ويحك؟
مالك؟ " قال " إن صاحبك قتل صاحبي وأفلت منه ولم أكد، وإني لمقتول
فأغثني يا محمد " فأمنه رسول الله، وإذا بأبي بصير يدخل متوشحا سيفه يقول:
184

" بأبي أنت وأمي يا رسول الله وفيت ذمتك أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت
منهم بديني أن أفتن فيه أو يفتن بي ". فقال له: " اذهب حيث شئت " فقال:
" يا رسول الله هذا سلب العامري الذي قتلته، رحله وسيفه فخمسه ".
فقال له صلى الله عليه وآله: " إذا خمسته رأوني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه ولكن
شأنك بسلب صاحبك " وعند ذلك هب أبو بصير إلى محل من طريق تمر
به عيرات قريش، واجتمع إليه جمع من المسلمين المستضعفين الذين كانوا
قد احتبسوا بمكة إذ بلغهم خبره، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في حقه: " إنه
مسعر حرب لو كان معه رجال " فتسللوا حينئذ إليه، وانفلت أبو جندل بن سهيل
ابن عمرو، وخرج من مكة في سبعين فارسا أسلموا فلحقوا بأبي بصير،
وكرهوا أن يقدموا على رسول الله في تلك المدة - مدة المهادنة - وانضم
إليهم ناس من غفار، وجهينة، وأسلم، وطوائف أخر من العرب حتى بلغوا
ثلاثمائة مقاتل، فقطعوا مارة قريش، لا يظفرون بأحد منها إلا قتلوه، ولا مر
بهم عير إلا أخذوها، ومنعوا الدخول إلى مكة والخروج منها، فاضطرت
قريش أن تكتب لرسول الله تسأله بالأرحام التي بينه وبينها، إلا آواهم،
وأرسلت أبا سفيان بن حرب في ذلك، فأبلغه أبو سفيان: " إنا أسقطنا هذا الشرط
من شروط الهدنة، فمن جاءك منهم فأمسكه من غير حرج " وحينئذ كتب
رسول الله إلى أبي جندل وأبي بصير أن يقدما عليه، وأن يلحق من معهما من
المسلمين بأهليهم، ولا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش ولا لعيراتهم، فقدم
كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله عليهما وأبو بصير (رضي الله عنه) يموت، فمات والكتاب
في يده، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدا، وقدم أبو جندل على
رسول الله صلى الله عليه وآله مع ناس من أصحابه، ورجع باقيهم إلى أهليهم، وأمنت
قريش على عيراتهم.
185

وحينئذ عرف الصحابة الذين عظم عليهم رد أبي جندل إلى قريش مع
أبيه - إن طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله خير مما أحبوه، وعلموا أن الحكمة كانت
في الحديبية توجب الصلح فرضا على التعيين، وأنه صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى
وندموا كل الندم على ما بدر منهم من هناة معترفين بالخطأ، وقدرت قريش
موقفه يومئذ معها في حقن دمائها، وحسن عواقبها، وعرفوه صادق الضمير،
مخلص السريرة ودودا مشفقا، والحمد لله رب العالمين (246).
[المورد - (18) - صلاته صلى الله عليه وآله على " ابن أبي " المنافق:]
وقد عارضه صلى الله عليه وآله بغلظة وعنف، وحسبك من عنفه يومئذ ما أثبته أهل
الصحاح والمسانيد، وأرسله أهل الأخبار والسير إرسال المسلمات (247).
وإليك منه ما أخرجه البخاري في كتاب اللباس من صحيحه (1) بسنده
إلى عبد الله بن عمر قال لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه فقال: يا رسول الله

(246) السيرة الحلبية ج 2 / 718 - 721، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 4 / 20،
السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج 2 / 192 - 193.
وقريب منه في:
الكامل لابن الأثير ج 2 / 139، الطبقات لابن سعد ج 4 / 134.
(247) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 / 87 ط أبو الفضل، الطرائف
لابن طاوس ج 2 / 443 عن الجمع بين الصحيحين.
(1) في ص 18 من جزئه الرابع، وأخرجه أيضا في باب قوله تعالى: (استغفر
لهم أو لا تستغفر لهم)، من تفسير سورة التوبة ص 92 من الجزء الثالث من الصحيح.
ورواه الإمام أحمد وغير واحد من حديث عبد الله بن عمر وغيره في مسانيدهم فراجع
(منه قدس).
186

أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه (1) وقال له
إذا فرغت منه فآذنا، فلما فرغ منه آذنه به، فجاء صلى الله عليه وآله ليصلي عليه، فجذبه
عمر فقال له: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟! فقال لك (استغفر
لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم). (قال ابن
عمر) فنزلت (بعد ذلك) (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على
قبره) (قال): فترك الصلاة عليهم بعد نزولها (248).
كأن عمر فهم النهي عن الصلاة على المنافقين من قوله تعالى: (استغفر
لهم أو لا تستغفر.) (الآية) - وهذا خطأ في فهمها كما سنوضحه - وكأن
هذه الآية نزلت قبل الصلاة على هذا المنافق، فلما رأى عمر رسول الله صلى الله عليه وآله
واقفا ليصلي عليه، توهم أنه خالف النهي، فلم يتمالك من غضبه وإنكاره،
فجذبه من موقفه منكرا عليه ما توهمه من المخالفة.
حاشاه، وحاشا لله، ومعاذ الله ونعوذ بالله. فإن قوله تعالى: (استغفر لهم
أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ليس من النهي
في شئ ما أصلا، وإنما هو مجرد إخبار بعدم انتفاعهم باستغفاره لهم، وأن
استغفاره لهم وإن كثر، وعدم استغفاره لهم بالمرة على حد سواء في عدم
المغفرة لهم.

(1) وقد قيل له لم أعطيته قميصك؟ فقال صلى الله عليه وآله: " إن قميصي لم تغن عنه من الله
شيئا، وأنى أرجوا أن يدخل به في الإسلام خلق كثير ".
قلت: وقد حقق الله بذلك رجاءه (منه قدس).
(248) صحيح البخاري ك اللباس، صحيح البخاري أيضا ك التفسير باب تفسير
سورة التوبة، مسند أحمد عن عبد الله بن عمر، صحيح مسلم ك صفات المنافقين ج 8 /
120، الكامل لابن الأثير ج 2 / 199 ط دار الكتاب العربي.
187

والأمة مجمعة على أن النهي عن الصلاة على المنافقين إنما كان بقوله
تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره)، وأن ذلك إنما
نزل بعد هذه الواقعة بالاجماع على أن الحديث - حديث ابن عمر الذي
تلوناه عليك الآن - بمجرده صريح في ذلك، فتدبر آخره تجده نصا في تأخره
عن هذه الواقعة.
لذلك لم يأبه رسول الله صلى الله عليه وآله لهذه المعارضة، لكنه وسعها بحلمه
العظيم، وحكمته البالغة جريا على عادته المستمرة، فلما أكثر عمر عليه واقفا
إزاء صدره يمنعه من الصلاة بكلام كنا نربأ بمثله أن يواجه به رسول الله
قال صلى الله عليه وآله - من حديث صحيح -: أخر عني يا عمر إني خبرت، قيل لي:
(استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) فلو
أعلم أني إن زدت على السبعين غفر الله له لزدت، ثم صلى عليه، ومشى خلفه
وقام على قبره.. (الحديث) (249).
قلت: جرى صلى الله عليه وآله في صلاته على " ابن أبي ". حسبما اقتضاه يومئذ تكليفه
من المعاملة على مقتضى الظاهر، ولم يكن " ابن أبي " في عداد الكافرين
الذين أبوا الدعوة إلى الإسلام فردوها وإنما كان ممن أجاب الدعوة في ظاهر
حاله، ونطق بالشهادتين ولم يتظاهر بالردة. وإنما نافق، ولم يكن حينئذ نهى
عن الصلاة على المنافقين كما سمعت فصلى عليه صلى الله عليه وآله جريا على ظاهر حكم

(249) أخرجه بالإسناد إلى عمر كل من البخاري ومسلم والترمذي والإمام أحمد
وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهم فيما نقله المتقي الهندي عنهم جميعا في أول
ص 247 من الجزء الأول من كنز العمال. وهو الحديث 4403 من أحاديث الكنز (منه
قدس).
وراجع: الكامل في التاريخ ج 2 / 199 ط بيروت.
188

الإسلام، واستئلافا لقومه الخزرج، وقد أسلم بذلك منهم ألف رجل، فكان
قميص النبي صلى الله عليه وآله وصلاته هذه مما فتح الله به على المسلمين فتحا مبينا والحمد
لله رب العالمين (250).
وحينئذ ندم عمر على تسرعه، وكان بعد ذلك يقول - من حديث له -:
أصبت في الإسلام هفوة ما أصبت مثلها قط، أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلي
على عبد الله بن أبي فأخذت بثوبه فقلت له: والله ما أمرك الله بهذا لقد قال الله
لك: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)
(قال) فقال رسول الله: خيرني ربي فقال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم
فاخترت.. (الحديث) (251).
[المورد - (19) صلاته على بعض المؤمنين.]
وذلك فيما أو رد ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي عطية من الجزء الرابع
من إصابته، إذ قال: أخرج البغوي، وأبو أحمد الحاكم من طريق إسماعيل
بن عياش، وروى الطبراني من طريق بقية، كلاهما عن بحير بن سعد عن
خالد بن معدان عن أبي عطية:
" أن رجلا توفى على عهد رسول الله فقال بعضهم - يعني عمر -: يا رسول
الله لا تصل عليه. فقال رسول الله: هل رآه أحد منهم على شئ من أعمال
الخير؟. فقال رجل حرس معنا ليلة كذا وكذا. فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله

(250) وأما الشيعة الإمامية فيرون أن الرسول صلى الله عليه وآله دعا عليه وهي صلاة صورية
كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام راجع وسائل الشيعة ج 2 ص 770،
الجواهر ج 13 ص 50.
(251) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن عمر وهو الحديث 4404 من
أحاديث الكنز فراجع هذا والذي قبله في كل من الكنز ومنتخبه المطبوع في هامش مسند
الإمام أحمد (منه قدس).
189

ثم مشى معه إلى قبره، ثم حثا عليه وهو يقول: إن أصحابك يظنون أنك من
أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمر:
إنك لا تسأل عن أعمال الناس، وإنما تسأل عن الغيبة.. (الحديث) (252).
وأورده أيضا في ترجمة أبي المنذر من الإصابة، إذ قال: أخرج مطين
عن محمد بن حرب الواسطي عن حماد بن خالد عن هشام بن سعد، عن
يزيد بن ثعلب عن أبي المنذر: أن النبي صلى الله عليه وآله حثا في قبره ثلاث حثيات.
(قال): وأخرجه الطبراني مطولا عن عمرو بن أبي الطاهر بن السرح
عن أبيه عن عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد: إن رجلا جاء إلى النبي فقال:
يا رسول الله إن فلانا هلك فصل عليه. فقال عمر: إنه فاجر فلا تصل عليه فقال
الرجل: يا رسول الله أرأيت الليلة التي أصبحت فيها في الحرس فإنه كان فيهم
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أتبعه حتى إذا فرغ منه، حثا عليه ثلاث حثيات،
وقال: يثني الناس عليه شرا، وأثني عليه خيرا، فقال عمر: وما ذاك يا رسول
الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: دعنا منك يا عمر من جاهد في سبيل الله وجبت
له الجنة (قال): أبو موسى في الذيل تقدم هذا المتن من حديث أبي عطية:
" قال ابن حجر في أبي المنذر " قلت: وحديث أبي المنذر أخرجه أبو داود
في كتاب المراسيل عن أحمد بن منيع عن حماد بن خالد كرواية ابن نافع،
ولم يذكره أبو أحمد في الكنى (قال) وأما حديث أبي عطية فقد تقدم كما
قال أبو موسى في ترجمته (قال) وذكره الحاكم أبو أحمد وقال: أخلق بهذا
أن يكون صحابيا، لكن مخرج الحديثين مختلف وإن تقاربا في سياق المتن.
انتهى بلفظ الإصابة في ترجمة أبي المنذر (253).

(252) الإصابة لابن حجر ج 4 / 134 ط 1 بمصر.
(253) الإصابة لابن حجر ج 4 / 185 ط 1 بمصر ترجمة أبي المنذر.
190

[المورد (20) -]
تبشيره صلى الله عليه وآله بالجنة لكل من لقي الله عز وجل بالتوحيد، مطمئنا به قلبه.
وذلك حيث اقتضت حكمة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله أن يؤذن في الناس
بهذه البشرى، تبيانا للحقيقة من عاقبة الموحدين، وكشفا عن الواقع من
أمرهم، وتنشيطا لأهل الإيمان، وترغيبا فيه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله أبا هريرة
بذلك فقال له: اذهب فمن لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره
بالجنة. فكان أول من لقيه عمر فسأله عن شأنه، فأخبره بما أمره به رسول الله
صلى الله عليه وآله قال أبو هريرة - فيما أخرجه بالإسناد إليه مسلم في
صحيحه (1) -. فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لأستي، فقال: ارجع يا أبا
هريرة، فرجعت إلى رسول الله فأجهشت بكاء، وركبني عمر وإذا هو على أثري.
فقال لي رسول الله: مالك يا أبا هريرة؟ فقلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني
به فضرب بين ثديي ضربة فخررت لأستي فقال ارجع. فقال له رسول الله
صلى الله عليه وآله: يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ قال يا رسول الله أبعثت أبا هريرة بأن من
لقى الله يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه يبشره بالجنة؟ قال رسول الله: نعم.
قال: لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول الله:
فخلهم ا ه‍ (254).

(1) راجع باب (من لقى الله تعالى بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم
على النار) من أوائل جزئه الأول (منه قدس).
(254) راجع: صحيح مسلم ج 1 / 44، الغدير ج 6 / 176، سيرة عمر لابن
الجوزي ص 38، شرح ابن أبي الحديد ج 3 / 108 و 116 ط 1، فتح الباري ج 1 /
184، الطرائف لابن طاوس ج 2 / 437 عن الجمع بين الصحيحين.
191

وللنووي هنا عذر عن هذه المعارضة، نقله عن القاضي عياض وغيره،
حاصله: إن عمر لم يكن في هذه الواقعة معترضا على رسول الله، أو رادا عليه
فيما بعث به أبا هريرة من تبشير المؤمنين بالجنة، ولكنه خشي أن يتكل المؤمنون
على البشرى إذا بلغتهم، ويتركوا العمل، فرأى أن كتمها عنهم أصلح لهم،
وأعود عليهم بالخبر من إبلاغهم إياها، وهذا ما دعاه إلى ضرب أبي هريرة
وإرجاعه على حافرته، وهو الذي حمله على القول لرسول الله صلى الله عليه وآله لا تفعل،
نهيا له عما كان قد أصدر أمره به من تبشير المؤمنين بالجنة (255).
وأنت تعلم أن عذرهم هذا لا يعدو ما قلناه من اجتهاده في مقابل النص،
وتقديمه الرأي الاجتهادي في مقام العمل على التعبد بالنصوص.
على أنه في هذه الواقعة لم يقتصر على نفسه في مقابلة النص، حتى حمل
عليها أبا هريرة بالعنف مهانة وضربا خر به لإسته، ولم يقف على هذا الحد
حتى كلف رسول الله صلى الله عليه وآله بالعدول عما كان قد أصدر به أمره إذ قال بكل جرأة
وصراحة: لا تفعل.
لكنه صلى الله عليه وآله وسعه بحلمه وطول أناته، وكان كما قال الله تعالى: (فبما
رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف
عنهم واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله
يحب المتوكلين) (256).
لم يكن لهذه المعارضة عنده صلى الله عليه وآله أي أثر، وقد بلغ تلك البشرى للأمة
بنفسه متوكلا على الله، فسمعها منه عمر نفسه، وعثمان بن عفان، ومعاذ بن جبل

(255) شرح النووي على صحيح مسلم ج 1 ص.
(256) سورة آل عمران: 159.
192

وعبادة بن الصامت. وعتبان بن مالك (1) وغيرهم حتى تجاوزت حد التواتر،
فكانت من الضروريات بين المسلمين على اختلافهم في المذاهب و
المشارب (257).
وأن مما يدهش العقلاء، قول هؤلاء العلماء الأجلاء - العلامة النووي و
القاضي عياض وأمثالهما -: إن الصواب في هذه الواقعة إنما كان في جانب
عمر وادعوا أن النبي صلى الله عليه وآله صوبه حين عرض عليه رأيه، فحق لنا بهذا، أن
نعوذ بالله من كل محال، ونبرأ إليه من كل باطل.
وإليك كلام النووي قال (2): وفي هذا الحديث - أي حديث أبي هريرة
في هذه الواقعة - دليل على أن الإمام والكبير مطلقا إذا رأى شيئا ورأى بعض
أتباعه خلافه، ينبغي للتابع أن يعرضه على المتبوع لينظر فيه، فإن ظهر له ما
قاله التابع هو الصواب، رجع المتبوع إليه، وإلا بين للتابع جواب الشبهة
التي عرضت له.
قلت: إنما يصغى بهذا الكلام إذا لم يكن المتبوع نبيا بحق، أما إذا
كان نبيا فليس لأحد من الأمة كافة إلا السمع والطاعة والإيمان الخالص
من كل شبهة (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله

(1) وحديث هؤلاء موجود في باب (من لقى الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل
الجنة) من أوائل صحيح مسلم (منه قدس).
(257) صحيح مسلم ج 1 / 41 ط مشكول.
وراجع أيضا:
الغدير ج 6 / 176.
(2) في ص 404 من الجزء الأول من شرحه لصحيح مسلم المطبوع في هامش
شرحي البخاري - إرشاد الساري، وتحفة الباري - (منه قدس).
193

إن الله شديد العقاب) (258) (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي
العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون) (259) (إنه لقول
رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون
تنزيل من رب العالمين) (260) (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي
يوحى علمه شديد القوى) (261) (فأين تذهبون إن هو إلا ذكر
للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين)
(262).
[المورد - (21) - متعة الحج إذ نهى عنها عمر:]
وقد عملها رسول الله صلى الله عليه وآله وأمر بها عن الله عز وجل، وهي مما نص الذكر
الحكيم [عليها ظ] بقوله عز من قائل في سورة البقرة: (فمن تمتع بالعمرة
إلى الحج فما استيسر من الهدي (1) فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج (2)

(258) سورة الحشر آية: 7 - 8.
(259) سورة التكوير آية: 19 - 22.
(260) سورة الحاقة آية: 40 - 43.
(261) سورة النجم آية: 2 - 6.
(262) سورة التكوير آية: 26 - 29.
(1) أي فعليه ما تيسر له على الهدي (منه قدس).
(2) أي فمن لم يجد الهدي ولا ثمنه فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج هي يوم السابع
من ذي الحجة ويوم الثامن منه وهو يوم التروية ويوم التاسع وهو يوم عرفة، وإن
صام أول العشرة جاز له ذلك رخصة، وإن صام يوم التروية ويوم عرفة قضى يوما آخر
بعد انقضاء أيام التشريق، وإن فاته صوم يوم عرفة أيضا صام الأيام الثلاثة بعد أيام
التشريق متتابعات (منه قدس).
194

وسبعة إذا رجعتم (1) تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد
الحرام) (263).
[صفة هذا التمتع]
أما صفة التمتع بالعمرة إلى الحج، فهي أن ينشئ المتمتع بها إحرامه
في أشهر الحج (2) من الميقات فيأتي مكة ويطوف بالبيت ثم يسعى بين الصفا
والمروة: ثم يقصر ويحل من إحرامه فيقيم بعد ذلك حلالا، حتى ينشئ في
تلك السنة نفسها إحراما آخر للحج من مكة، والأفضل من المسجد، ويخرج
إلى عرفات، ثم يفيض إلى المشعر الحرام، ثم يأتي بأفعال الحج على ما هو
مفصل في محله. هذا هو التمتع بالعمرة إلى الحج (264).
قال الإمام ابن عبد البر القرطبي: لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد
بقوله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) هو
الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج (265) قلت: وهو فرض من نأى عن

(1) أي رجعتم إلى بلادكم (منه قدس).
(263) أي ذلك الذي تقدم ذكره حول التمتع بالعمرة إلى الحج ليس لأهل مكة
ومن يجري مجراهم في القرب إليها كما بيناه في الأصل (منه قدس).
سورة البقرة آية: 196 وراجع: مقدمة مرآة العقول ج 1 / 205، تفسير القرطبي
ج 2 / 388.
(2) وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة (منه قدس).
(264) راجع: العروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي ج 2 / 540، اللمعة الدمشقية
ج 2 / 304، جواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفي ج 18 / 2 - 5، مجمع البيان ج
2 / 291.
(265) نقل الفاضل النووي هذا القول عن ابن عبد البر في بعض بحثه عن حج
التمتع من شرحه لصحيح مسلم، وشرح مسلم مطبوع على هامش شرحي البخاري فراجع
منه ما هو في هامش ص 46 من الجزء السابع من الشرحين (منه قدس).
تفسير القرطبي ج 2 / 391.
195

مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب على الأصح (266).
وإنما أضيف الحج بهذه الكيفية إلى التمتع، أو قيل عنه: التمتع بالحج،
لما فيه من المتعة: أي اللذة بإباحة محظورات الاحرام في المدة المتخللة بين
الاحرامين وهذا ما كرهه عمر وبعض أتباعه، فقال قائلهم - كما أخرجه أبو
داود في سننه (1). -: أننطلق إلى منى وذكورنا تقطر؟ (267).

(266) للأخبار الصحيحة الدالة عليه، وقيل يعتبر بعده عن مكة بإثنى عشر ميلا من
كل جانب حملا للثمانية والأربعين على كونها موزعة على الجهات الأربع (منه قدس).
لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وغيرها.
راجع: وسائل الشيعة ج 8 / 187 ك الحج ب 6 من أبواب أقسام الحج، العروة
الوثقى ج 2 / 535، جواهر الكلام ج 18 / 6، اللمعة الدمشقية ج 2 / 204، جامع
أحاديث الشيعة ج 10 / 345.
(1) سنن أبي داود مطبوعة في هامش شرح الزرقاني لموطأ مالك وهذا الحديث
تجده بعين لفظه في هامش ص 103 من الجزء الثاني من شرح الزرقاني فراجع (منه
قدس).
(267) سنن أبي داود ج 2 / 213 ح 1789 تحقيق محمد عبد الحميد، تفسير
القرطبي ج 2 / 395، صحيح مسلم ك الحج باب وجوه الاحرام ج 4 / 37 ط العامرة،
صحيح البخاري ك التمني باب لو استقبلت من أمري ما استدبرت ج 1 / 213 و ج 4 / 166
، مسند أحمد ج 3 / 305 ط 1، سنن البيهقي ج 5 / 3 باب من اختار الإفراد و ج 4 / 338
زاد المعاد ج 1 / 246 فصل في إحلال من لم يكن ساق الهدي، مقدمة مرآة العقول ج
1 / 214.
وفي لفظ عمر: تقطر رؤسهم. راجع: صحيح مسلم ج 4 / 46.
196

وفي مجمع البيان. إن رجلا قال: أنخرج حجاجا ورؤوسنا تقطر؟ وإن
النبي صلى الله عليه وآله قال له: إنك لن تؤمن بها أبدا (268).
وعن أبي موسى الأشعري. أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل. رويدك
ببعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين - عمر - في النسك بعدك،
حتى لقيه أبو موسى بعد فسأله عن ذلك، فقال عمر: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وآله
قد فعله هو وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا بهن معرسين في الأراك ثم
يروحون بالحج تقطر رؤوسهم (269).
وعن أبي موسى من طريق آخر أن عمر قال: هي سنة رسول الله - يعني
المتعة - لكني أخشى أن يعرسوا بهن تحت الأراك ثم يروحون بهن حجاجا
(270).

(268) راجع تفسير الآية 195 من سورة البقرة من المجمع " فمن تمتع بالعمرة
إلى الحج " (منه قدس).
مجمع البيان ج 2 / 291، وسائل الشيعة ج 8 / 151 ك الحج أبواب أقسام الحج
ب 2 ح 4 و 14، جامع أحاديث الشيعة ج 10 / 332، جواهر الكلام ج 18 / 3.
(269) أخرجه الإمام أحمد من حديث عمر في ص 50 من الجزء الأول من مسنده
(منه قدس).
وراجع: مسند أحمد ج 1 / 50، سنن ابن ماجة ج 2 / 229 وفي طبع محمد فؤاد عبدا لباقي
ج 2 / 992 ح 2979، صحيح مسلم ج 1 / 472، سنن البيهقي ج 5 / 20، سنن النسائي
ج 5 / 153، تيسير الوصول ج 1 / 288، شرح الموطأ للزرقاني ج 2 / 179، الغدير
ج 6 / 200.
(270) أخرجه الإمام أحمد من حديث عمر في ص 49 من الجزء الأول من مسنده
(منه قدس).
مسند أحمد ج 1 / 49، الغدير ج 6 / 202 عن المسند.
وعن ابن عباس قال:
" سمعت عمر يقول: والله إني لأنهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله ولقد فعلتها
مع رسول الله صلى الله عليه وآله يعني العمرة في الحج ".
راجع: سنن النسائي ج 2 / 16، تاريخ ابن كثير ج 5 / 109.
اعتراف عمر أن الرسول صلى الله عليه وآله فعل متعة الحج وهي في كتاب الله:
صحيح مسلم ص 896 ح 157، مسند الطيالسي ج 2 / 70 ح 516، مسند أحمد ج
1 / 49 و 50 ط 1، سنن ابن ماجة ص 692 ح 2979، كنز العمال ج 5 / 86 ط 1، مقدمة
مرآة العقول ج 1 / 225، حلية الأولياء ج 5 / 205.
197

وعن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهي عنها
قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع
رسول الله صلى الله عليه وآله فلما قام عمر - أي بأمر الخلافة - قال: إن الله كان يحل
لرسوله ما شاء بما شاء، وأن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة كما
أمركم الله (1) وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل
إلا رجمته بالحجارة (271).

(1) ما أدري والله ما المراد بهذا الكلام فهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتم الحج
والعمرة على خلاف ما أمر الله؟!. وهل كان هو ومخاطبوه أعرف منه صلى الله عليه وآله بأوامر الله
ونواهيه؟! (منه).
(271) راجع من صحيح مسلم الباب في المتعة بالحج ص 467 من جزئه الأول تجد
هذا الحديث وتجد بعده بلا فصل حديثا آخر هو أصرح في زجره عن التمتع بالعمرة
إلى الحج (منه قدس).
وراجع: صحيح مسلم باب المتعة في الحج ج 1 / 467 وفي طبع العامرة ج 4 /
38، سنن البيهقي ج 5 / 21 وفي ج 7 / 206 بتفصيل أكثر، أحكام القرآن للجصاص ج
2 / 178، تفسير الرازي ج 3 / 26، كنز العمال ج 8 / 293، الدر المنثور ج 1 / 216،
الغدير ج 6 / 210، البيان للخوئي ص 319 عن مسلم والبيهقي، مسند الطيالسي ص
247 ح 1792، الدر المنثور ج 1 / 216.
198

وقد خطب الناس ذات يوم فقال وهو على المنبر بكل حرية وكل صراحة
" متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما: متعة
الحج ومتعة النساء " (272).
وفي رواية أخرى (1) أنه قال: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله
وأنا أنهي عنهن، وأحرمهن، وأعاقب عليهن: متعة الحج، ومتعة النساء،
وحي على خير العمل " (273).

(272) هذا القول مستفيض عنه (وقد نقله الإمام الرازي حول تفسير قوله تعالى:
فمن تمتع بالعمرة إلى الحج. من سورة البقرة. ونقله أيضا في تفسير قوله عز من قائل:
فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن. من سورة النساء فراجع (منه قدس).
راجع: تفسير الرازي ج 2 / 167 و ج 3 / 201 و 202 ط 1، شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد ج 12 / 251 و 252 و ج 1 / 182، البيان والتبيان للجاحظ ج 2 / 223،
أحكام القرآن للجصاص ج 1 / 342 و 345 و ج 2 / 184، تفسير القرطبي ج 2 / 270 وفي
طبع آخر ج 2 / 39، المبسوط للسرخسي الحنفي باب القرآن من كتاب الحج وصححه
ج، زاد المعاد لابن القيم ج 1 / 444 فقال ثبت عن عمر وفي طبع آخر ج 2 / 205 فصل
إباحة متعة النساء، كنز العمال ج 8 / 293 و 294 ط 1، ضوء الشمس ج 2 / 94، سنن
البيهقي ج 7 / 206، الغدير للأميني ج 6 / 211، المغني لابن قدامة ج 7 / 527، المحلي
لابن حزم ج 7 / 107، شرح معاني الآثار باب مناسك الحج للطحاوي ص 374، مقدمة مرآة
العقول ج 1 / 200.
وفي رواية أخرى قال عمر: " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعلى عهد أبي بكر رضي الله عنه وأنا أنهي عنهما ".
راجع: وفيات الأعيان لابن خلكان ج 2 / 359 ط إيران، الغدير ج 6 / 211.
(1) أرسلها الإمام القوشجي إرسال المسلمات فراجعها في أواخر مباحث الإمامة
من كتابه (شرح التجريد) وهو من أئمة المتكلمين من الأشاعرة، وقد اعتذر بأن هذا
القول إنما كان من عمر عن اجتهاد (منه قدس).
(273) راجع: شرح التجريد للقوشجي ط إيران ص 484، الغدير ج 6 / 213
عن المستبين للطبري، كنز العرفان ج 2 / 158.
السبب في المنع عن عمرة التمتع:
عن الأسود بن يزيد قال:
" بينما أنا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشية عرفة فإذا هو برجل مرجل شعره
يفوح منه ريح الطيب فقال له عمر: أمحرم أنت؟ قال: نعم. فقال عمر: ما هيئتك بهيئة
محرم إنما المحرم الأشعث الأغبر الأذفر قال: إني قدمت متمتعا وكان معي أهلي وإنما
أحرمت اليوم فقال عمر عند ذلك لا تتمتعوا في هذه الأيام فإني لو رخصت في المتعة لهم
لعرسوا بهن في الأراك، ثم راحوا بهن حجاجا ".
راجع: زاد المعاد ج 1 / 258 و 259 وقال ابن القيم بعد هذه الرواية:
وهذا يبين أن هذا من عمر رأي رآه، قال ابن حزم: وكان ماذا وحبذا ذلك وقد
طاف النبي صلى الله عليه وآله على نسائه ثم أصبح محرما ولا خلاف أن الوطئ مباح قبل الاحرام بطرفة
عين. وراجع أيضا: كنز العمال ج 5 / 86 ط 1، حلية الأولياء ج 5 / 205.
199

[فصل]
وقد أنكر عليه في هذا أهل البيت كافة، وتبعهم في ذلك أولياؤهم
جميعا (274).
ولم يقره عليه كثير من أعلام الصحابة وأخبارهم في ذلك متواترة (275).
وحسبك منها ما أخرجه مسلم في باب جواز التمتع من كتاب الحج من

(274) راجع: جامع أحاديث الشيعة ج 10 / 329 - 343، وسائل الشيعة ج
8 / 151 ك الحج ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 4 و 14، مجمع البيان ج 2 / 291.
(275) كما سوف يأتي جملة منها.
وقد أنكر عليه أيضا النظام أستاد الجاحظ وأحد رؤساء المعتزلة كما في الملل
والنحل ج 1 / 78 ط مصر 1368 ه‍.
200

صحيحه (1) فإن فيه عن شقيق، قال: كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان علي
يأمر بها، فقال عثمان لعلي كلمة.
ثم قال علي: لقد علمت - يا عثمان - إنا تمتعنا على عهد رسول الله.
فقال عثمان: أجل ولكنا كنا خائفين! (276).
وفيه عن سعيد بن المسيب، قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان، فكان عثمان
ينهى عن المتعة والعمرة.
فقال له علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله تنهى عنه؟
فقال عثمان: دعنا منك.
فقال علي: إني لا أستطيع أن أدعك.. (الحديث) (277).
وفيه عن غنيم بن قيس، قال: سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة،

(1) ص 472 وما بعدها إلى ص 475 من جزئه الأول فراجع (منه قدس).
(276) صحيح مسلم ك الحج ج 1 / 472 وفي طبع العامرة ج 4 / 46 أنا قد تمتعنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أجل، كنز العمال ج 3 / 33 ط 1، مسند أحمد ج
1 / 97 ح 756 وص 60 ح 431 و 432 ط 2، سنن البيهقي ج 5 / 22، المنتقى ح 2382،
مقدمة مرآة العقول ج 1 / 229.
(277) صحيح مسلم ج 1 / 349 وفي طبع العامرة ج 4 / 46 فكان عثمان ينهى عن
المتعة أو العمرة.
وقريب منه في:
صحيح البخاري ج 3 / 69 و 71، سنن النسائي ج 5 / 148 و 152، مستدرك الحاكم
ج 1 / 472، سنن البيهقي ج 5 / 22 و ج 4 / 352، تيسير الوصول ج 1 / 282، الغدير
ج 6 / 219، مسند الطيالسي ج 1 / 16، مسند أحمد ج 1 / 136 ح 1146، منحة المعبود
ج 1 / 210 باب ما جاء في القرآن ح 1005، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 231.
201

فقال: فعلناها وهذا (1) كافر بالعرش (278).
وفيه عن أبي العلاء عن مطرف، قال: قال لي عمران بن حصين إني
لأحدثك بالحديث اليوم، ينفعك الله به بعد اليوم. واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قد أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم ينه عنه حتى
مضي لوجهه، ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي (279).
وفيه عن حميد بن هلال عن مطرف، قال: قال لي عمران بن حصين
أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به، أن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين حجة

(1) الإشارة (بهذا) إلى معاوية بن أبي سفيان إذ كان حينئذ ينهى عن المتعة بالعمرة
إلى الحج تبعا لعمر وعثمان، والمراد بالكفر هنا دين الجاهلية كما صرح به القاضي
عياض فيما نقله النووي عنه في تعليقته على هذا الحديث من شرحه للصحيح (قال):
والمراد بالمتعة العمرة التي كانت سنة سبع للهجرة (قال): وكان معاوية يومئذ كافرا، وإنما
أسلم بد ذلك عام الفتح وفي قوله وهذا كافر بالعرش المضاف إليه محذوف تقديره وهذا
كافر برب العرش (منه قدس).
(278) صحيح مسلم ك الحج باب جواز المتعة ج 4 / 47 ط العامرة وص 898 ح
164 ط آخر، وبشرح النووي ج 7 / 304، المنتقى ح 2386، تاريخ ابن كثير ج 5 /
127 و 135، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 237.
(279) صحيح مسلم ج 4 / 47 ط العامرة و ج 1 / 474 ط آخر وفي ثالث ح 165،
سنن ابن ماجة ج 2 / 991 ح 2978.
وقال ابن حاتم في روايته ارتأى رجل برأيه ما شاء يعني عمر.
راجع: صحيح مسلم أيضا ج 4 / 47.
وراجع أيضا:
سنن ابن ماجة ج 2 / 229 ح 2978، مسند أحمد ج 4 / 434 و 429 و 436 و 438
ط 1، سنن البيهقي ج 4 / 344 و ج 5 / 14، فتح الباري ج 3 / 338، الغدير ج 6 / 200،
سنن الدارمي ج 2 / 35، صحيح البخاري ك الحج باب التمتع ج 1 / 190، المنتقى
ح 2380 و 2381، زاد المعاد ج 1 / 217 و 220، تاريخ ابن كثير ج 5 / 126 و 137.
202

وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه. الحديث (280).
وفيه عن قتادة عن مطرف، قال: بعث إلي عمران بن حصين في مرضه
الذي توفي فيه فقال: إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي
فإن عشت فأكتم عني، وإن مت فحدث بها إن شئت... واعلم أن نبي الله
قد جمع بين حج وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وآله.
قال رجل فيها برأيه ما شاء (281).
وفيه من طريق آخر عن قتادة عن مطرف بن الشخير عن عمران بن حصين
قال: إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب
ولم ينهنا عنها. قال فيها رجل برأيه ما شاء (282).
وفيه من طريق عمران بن مسلم عن أبي رجاء. قال: قال عمران بن
حصين. نزلت آية المتعة في كتاب الله يعني متعة الحج فأمرنا بها رسول الله
صلى الله عليه وآله ثم لم ينزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله حتى مات
قال رجل برأيه بعد ما شاء (283).

(280) صحيح مسلم ج 4 / 47 ط العامرة، سنن الدارمي ج 2 / 35، الغدير ج 6
/ 200.
(281) صحيح مسلم ك الحج ج 1 / 474 وفي طبع العامرة ج 4 / 48 إن شئت أنه
قد سلم على. وفي طبع آخر ص 899 ح 168 وبشرح النووي ج 7 / 305، مسند أحمد
ج 4 / 428، سنن النسائي ج 5 / 149، الغدير ج 6 / 201.
(282) صحيح مسلم ك الحج ج 1 / 474 وفي طبع العامرة ج 4 / 48 ولم ينهنا
عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي السند: قتادة عن مطرف بن عبد الله بن
الشخير، تفسير القرطبي ج 2 / 365، كنز العمال ج /، الغدير ج 6 / 198.
(283) صحيح مسلم ك الحج ج 1 / 274، وفي طبع العامرة ج 4 / 48 قال رجل
برأيه بعد ما شاء، كنز العمال ج /، تفسير القرطبي ج 2 / 265 وفي طبع آخر ج 2 /
388، الغدير للأميني ج 6 / 198.
203

قلت: ولهذا الحديث طرق أخر في صحيح مسلم عن عمران بن حصين
اكتفينا عنها بما أوردناه، وقد أخرجه البخاري أيضا عن عمران بن حصين
في باب التمتع من كتاب الحج من صحيحه فراجعه في ص 187 من جزئه الأول.
وفيما جاء في التمتع من موطأ مالك (1) عن محمد بن عبد الله بن الحارث
بن نوفل بن عبد المطلب أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج
معاوية بن أبي سفيان، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحاك
بن قيس: لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله عز وجل، فقال سعد: بئس ما قلت
يا ابن أخي، فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك، فقال
سعد: قد صنعها رسول الله وصنعناها معه (284).
وفي مسند الإمام أحمد من حديث ابن عباس (2) قال: تمتع النبي صلى الله عليه وآله فقال
عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: ما يقول

(1) ص 130 من جزئه الأول (منه قدس).
(284) إن للزرقاني في ص 178 من الجزء الثاني من شرحه لموطأ مالك كلاما في
شرح هذا الحديث لا يستغني عنه الباحثون فليراجع. صرح فيه بأن صنع رسول الله صلى الله عليه وآله
وصنع أصحابه معه هو الحجة المقدمة على الاستنباط بالرأي (منه قدس).
راجع موطأ مالك ص 235 ح 767، كتاب الأم للشافعي ج 7 / 199، سنن
النسائي ج 5 / 52، صحيح الترمذي ج 1 / 157 وفي ط آخر ج 4 / 38، تفسير القرطبي
ج 2 / 365 وفي طبع آخر ج 2 ص 388 وقال هذا حديث صحيح، زاد المعاد لابن القيم
ج 1 ص 84 وذكر تصحيح الترمذي له، المواهب اللدنية للقسطلاني ج ص، شرح
المواهب للزرقاني ج 8 ص 153، الغدير ج 6 ص 201، بدائع المنن ح 903، تاريخ
ابن كثير ج 5 ص 127 و 135.
(2) ص 337 من جزئه الأول (منه قدس).
204

عرية (1). قال: يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: أراهم
سيهلكون. أقول: قال النبي، ويقولون نهي أبو بكر وعمر (285).
وعن أيوب قال: عروة لابن عباس: ألا تتقي الله؟ ترخص في المتعة؟!
قال ابن عباس سل أمك يا عرية. قال عروة: أما أبو بكر وعمر فلم يفعلاها فقال
ابن عباس: والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله تعالى، نحدثكم عن النبي
صلى الله عليه وآله وتحدثوننا عن أبي بكر وعمر. الحديث (286).
وفي باب متعة الحج من كتاب الحج من صحيح مسلم (2) عمن سأل ابن
عباس عن متعة الحج فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها فقال - ابن
عباس - هذه أم ابن الزبير تحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص
فيها فادخلوا عليها، قال: فدخلنا عليها فإذا هي امرأة ضخمة عمياء، فقالت:

(1) تصغير عروة (منه قدس).
(285) هذا الحديث أخرجه الإمام ابن عبد البر النمري الأندلسي القرطبي في سفره
الجليل - جامع بيان العلم وفضله - فراجع منه باب فضل السنة ومباينتها لأقاويل علماء
وراجع هذا الباب من مختصره للعلامة المحمصاني البيروتي ص 226 (منه قدس).
وراجع: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 2 ص 239 و 240، تذكرة الحفاظ
للذهبي ج 3 ص 53، زاد المعاد لابن القيم ج 1 ص 219، الغدير ج 6 ص 202، مسند
أحمد ج 1 ص 337 ط 1، مقدمة مرآة العقول ج 1 ص 242.
(286) راجعه في الباب المذكور في التعليقة من كل من كتاب جامع بيان العلم
ومختصره (منه قدس).
جامع بيان العلم ج 2 ص 239.
(2) تجد هذا الحديث في الباب الذي عنوانه (باب في متعة الحج) من كتاب
الحج ص 479 من جزئه الأول وبعد هذا الحديث حديث هو أصرح منه فليراجع (منه
قدس).
205

قد رخص رسول الله صلى الله عليه وآله فيها (287).
وفي صحيح الترمذي (1) أن عبد الله بن عمر سئل عن متعة الحج، قال:
هي حلال، فقال له السائل: إن أباك قد نهى عنها، فقال: أرأيت إن كان أبي
نهى عنها وصنعها رسول الله أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال الرجل
بل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله. قال لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وآله (288). إلى كثير من
أمثال هذه الصحاح الصراح في إنكار النهي عنها (289).
على أن في حجة الوداع بلاغا لقوم يؤمنون، فراجع حديثها في باب حجة
النبي من صحيح مسلم (2) تجده صلى الله عليه وآله قد أعلنها على رؤوس الأشهاد، وكانوا

(287) صحيح مسلم ك الحج باب في متعة الحج ج 4 ص 55 طبع العامرة، سنن
البيهقي ج 5 ص 21 و 22.
(1) ص 157 من جزئه الأول (منه قدس).
(288) راجع: صحيح الترمذي ج 1 ص 157 وفي طبع آخر ج 4 ص 38،
تفسير القرطبي ج 2 ص 365 وفي طبع 2 ببيروت ج 2 ص 388، زاد المعاد لابن القيم
ج 1 ص 194، وفي هامش شرح المواهب للزرقاني ج 2 ص 252.
(289) بل عمر هو اعترف بمشروعيتها: قال والله إني لأنهاكم عن المتعة وإنها
لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني العمرة في الحج ".
راجع: سنن النسائي ج 5 ص 153.
وقال عمر: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه ولكن كرهت
أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤسهم ".
راجع: صحيح مسلم ك الحج ج 4 ص 46 ط العامرة.
وراجع بقية الروايات والمصادر: في الغدير ج 6، مقدمة مرآة العقول ج 1 ص
205 - 249.
(2) فراجعه في ص 467 وما بعدها إلى ص 470 من جزئه الأول تجد ثمة فوائد
جمة لا يستغني عنها الباحثون (منه قدس).
206

أكثر من مائة ألف رجالا ونساء من أمته قد اجتمعوا ليحجوا معه من سائر الأقطار
وحين أعلن ذلك قام سراقة بن مالك بن خثعم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا
التمتع أم للأبد؟ فشبك أصابعه واحدة بعد الأخرى وقال: دخلت العمرة في
الحج دخلت العمرة في الحج لأبد أبد (290).
وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وآله فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا
صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فذهبت
إلى رسول الله مستفتيا فأخبرته. فقال: صدقت صدقت.. (291).
[المورد - (22) -: متعة النساء]
وقد شرعها الله ورسوله، وعمل بها المسلمون على عهده صلى الله عليه وآله حتى لحق
بالرفيق الأعلى ثم عملوا بها بعده على عهد أبي بكر حتى مضى لسبيله، فقام

(290) راجع: صحيح البخاري ك الحج باب عمرة التنعيم ج 3 ص 148، مسند
أحمد ج 3 ص 388 و ج 4 ص 175 ط 1، سنن أبي داود ج 2 ص 282، صحيح النسائي
ج 5 ص 178، صحيح مسلم ك الحج ج 1 ص 346، وفي طبع العامرة ج 4 ص 40، سنن
البيهقي ج 5 ص 19، الطبقات لابن سعد ج 2 ص 188، وراجع الغدير ج 6 ص 214 -
215، سنن ابن ماجة ج 2 ص 1022، سنن الدارمي ج 2 ص 44، وقريب من هذا
اللفظ في سنن البيهقي ج 5 ص 6، المحلى لابن حزم ج 7 ص 100، مقدمة مرآة العقول
ج 1 ص 211.
(291) صحيح مسلم ك الحج باب حجة النبي ج 4 ص 40 ط العامرة، كنز العمال
ج ص.
ولأجل المزيد من الاطلاع في الموضوع راجع:
الغدير للأميني ج 6 ص 213 - 220، زاد المعاد لابن القيم الجوزية ج 1 ص
177 - 225، المحلى لابن حزم ج 7 ص 101، مقدمة مرآة العقول ج 1 ص 200 -
272.
207

بعده عمر، وهم مستمرون على العمل بها حتى نهى عنها بقوله وهو على المنبر
" متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج
ومتعة النساء " (292).
وحسبك من الذكر الحكيم والفرقان العظيم نصا في إباحتها قوله عز من
قائل: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) (293). والأنكحة

(292) حتى احتج الرازي على تحريم المتعة بهذا القول من عمر وهو على المنبر
فراجع من تفسيره الكبير ما هو حول قوله تعالى في سورة النساء (فما استمتعتم به منهن
فآتوهن أجورهن فريضة) (منه قدس).
تقدمت مصادر القول تحت رقم (272) فراجع.
(293) في الآية 34 من سورة النساء (منه قدس).
المتعة في القرآن:
أجمعت الأمة الإسلامية على أصل مشروعية متعة النساء وإنما الخلاف الذي وقع
هل أنها منسوخة أم لا؟ قال مشهور علماء السنة بالأول وأجمعت الشيعة على الثاني.
أما أصل مشروعيتها فقد دل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية أما القرآن:
فقوله تعالى " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة " النساء آية: 24.
راجع نزول هذه الآية في متعة النساء:
تفسير القرطبي ج 5 ص 130، مصنف عبد الرزاق ج 7 ص 497 و 498، الايضاح
لابن شاذان ص 440، تفسير ابن كثير ج 1 ص 474، تفسير الرازي ج 3 ص 200 و 201
ط العامرة بمصر، تفسير الطبري ج 5 ص 9 ط قديم، شرح النووي على صحيح مسلم ك
النكاح ج 9 ص 181، تفسير أبي السعود هامش تفسير الرازي ج 3 ص 251، الدر المنثور
ج 2 ص 140، مستدرك الحاكم ج 2 ص 305، أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 178،
الزواج الموقت في الإسلام ص 32 و 33، البيان للخوئي ص 313، تفسير النيشابوري
هامش الطبري ج 5 ص 18، سنن البيهقي ج 7 ص 205، الكشاف للزمخشري ج 1 ص
498 ط بيروت، تفسير الخازن ج 1 ص 357، الطرائف لابن طاوس ص 459، التسهيل
ج 1 ص 137، نيل الأوطار ج 6 ص 270 و 275، تفسير الآلوسي ج 5 ص 5، بداية
المجتهد ج 2 ص 178، البغوي بهامش تفسير الخازن ج 1 ص 423، الجواهر ج 30 ص
148 ط النجف، كنز العرفان ج 2 ص 151، المتعة للفكيكي، دلائل الصدق للمظفر
ج 3، الفصول المهمة، مسائل فقهية لشرف الدين، الغدير ج 6 ص 229 - 235،
مسند أحمد ج 4 ص 436 ط قديم، تفسير أبي حيان ج 3 ص 218، أحكام القرآن لأبي
بكر الأندلسي القاضي ج 1 ص 162 - تفسير البيضاوي ج 1 ص 259.
متعة النساء غير منسوخة:
راجع: الغدير ج 6 ص 223، البيان للخوئي ص 214، الزواج الموقت في
الإسلام ص 34 - 66، الفصول المهمة ص 60، الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 140.
وقد نسب القول بجواز المتعة:
1 - إلى الإمام مالك:
راجع: الهداية في شرح البداية ص 385 ط بولاق مع فتح القدير، البيان
للخوئي ص 314، الغدير ج 6 ص 223.
2 - إلى أحمد بن حنبل عند الضرورة:
راجع: تفسير ابن كثير ج 1 ص 474، البيان للخوئي ص 314، القراءة:
وبعض الصحابة كابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد وسعيد ابن جبير وابن مسعود
والسدي وغيرهم كانوا يقرءون " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ".
راجع: المصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج 7 ص 497 و 498، تفسير الطبري ج
5 ص 9، أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 147، سنن البيهقي ج 7 ص 205، شرح
النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 179، الكشاف للزمخشري ج 1 ص 519، تفسير القرطبي
ج 5 ص 130، الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 140 - 141.
208

في الإسلام أربعة، شرعها الله في أربع آيات من سورة النساء كما فصلناه
فيما كتبناه في المتعة فلتراجع (294).
أما نصوص السنن فقد أخرجها أصحاب الصحاح بكل ارتياح، وحسبنا
منها حديث أبي نضرة فيما أخرجه مسلم في باب التمتع بالحج ص 467 من

(294) كما في الفصول المهمة ص 54 - 67، الغدير للأميني ج 6 ص 229.
209

الجزء الأول من صحيحه إذ قال: " كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير
ينهى عنها، فذكر ذلك لجابر فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول
الله صلى الله عليه وآله فلما قام عمر (1) قال: " إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء (2) فأتموا الحج والعمرة وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل
إلا رجمته بالحجارة " (295).
وحسب الباحثين بدقة، المتتبعين بامعان، ما قد فصلناه من هذا الموضوع
في كل من فصولنا المهمة، ومسائلنا الفقهية الخلافية، وأجوبة موسى جار الله،
وما نشرته مجلة العرفان في الجزء العاشر من مجلدها السادس والثلاثين (296)

(1) أي فلما قام بأمر الخلافة وهذا صريح بأن هذه الأحداث النهي والتحريم
والانذار لم تكن من قبل قيامه (منه قدس).
(2) ليت أحدا من الناس يعرف لهذه الكلمة وجها يقتضي تحريم المتعة أتراه كان
يراها أنها من خواص الرسول أو أنها كانت من خواص زمانه، كلا إن حلال محمد حلال
إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة (منه قدس).
(295) الرجم حد من حدود الله عز وجل لا يشترعه إلا نبي، على أن القائل بالمتعة
مستنبط إباحتها من الكتاب والسنة فإن كان مصيبا فيهما أخذ، وإن كان مخطئا فإنما هو
مشتبه لأحد عليه لو فعلها: فإن الحدود تدرأ بالشبهات (منه قدس).
تقدمت مصادره تحت رقم - 271 - فراجع.
(296) مصادر في المتعة:
الفصول المهمة لشرف الدين ص 54 - 67، مسائل فقهية لشرف الدين ص 106
البيان في تفسير القرآن للخوئي ص 313 - 330، الغدير للأميني ج 6 ص 205 - 240
المتعة للفكيكي طبع عدة طبعات، المتعة في الإسلام للسيد حسين مكي ط بيروت،
الزواج الموقت للسيد محمد تقي الحكيم ط بيروت، الزواج الموقت في الإسلام للسيد
جعفر مرتضى ط قم، مقدمة مرآة العقول ج 1 ص 273.
سبب نهي عمر عن متعة النساء:
عن جابر بن عبد الله قال:
" كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر حتى
نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ".
راجع: صحيح مسلم ك النكاح باب نكاح المتعة ج 4 ص 131 ط العامرة وفي
طبع آخر ص 1023 ح 1405 وبشرح النووي ج 9 ص 183، المصنف لعبد الرزاق ج
7 ص 500، سنن البيهقي ج 7 ص 237، مسند أحمد ج 3 ص 304، فتح الباري ج 11
ص 76، زاد المعاد لابن القيم ج 1 ص 205، كنز العمال ج 8 ص 293.
وتوجد روايات أخرى في سبب منعه في عمرو بن حريث وغيره راجعها في:
المصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 496 و 500 و 501، كنز العمال ج 8 ص 294،
مسند الشافعي ص 132، الإصابة ج 1 ص 514 و ج 4 ص 324 و ج 2 ص 61، الأم
للشافعي ج 7 ص 219، الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 141.
210

حيث استوفينا القول فيها من كل النواحي، وكان ذلك في فصول ثمانية.
1 - حقيقة هذا النكاح بكنه ولوازمه الشرعية.
2 - إجماع الأمة على اشتراعه في الدين الاسلامي.
3 - دلالة الكتاب على اشتراعه.
4 - اشتراعه بنصوص السنن.
5 - القول بنسخه وحجة القائلين بذلك والنظر فيها.
6 - صحاح تنم على الخليفة بأنه هو الذي نسخها.
7 - المنكرون عليه في ذلك من الصحابة والتابعين (297).

(297) كان منهم عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أبو خالد المكي المولود سنة
ثمانين والمتوفى سنة تسع وأربعين ومائة، وكان من أعلام التابعين ترجمه ابن خلكان في
وفياته وابن سعد في ص 361 من الجزء الخامس من طبقاته. وقد احتج به أهل الصحاح
وترجمه ابن القيسراني في ص 314 من كتابه " الجمع بين رجال الصحيحين " وأورده
الذهبي في ميزانه فقال: إنه أحد الأعلام الثقات مجمع على ثقته مع كونه قد تزوج نحوا
من تسعين امرأة بنكاح المتعة وأنه كان يرى الرخصة في ذلك وكان فقيه أهل مكة في
زمانه.
وممن أنكرها المأمون أيام خلافته كما في ترجمة يحيى بن أكثم لابن خلكان وأمر
أن ينادي بتحليلها فدخل عليه محمد بن منصور وأبو العيناء فوجداه يستاك ويقول وهو
متغيظ: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعهد أبي بكر وأنا أنهي عنهما! قال:
ومن أنت يا جعل حتى تنهي عما فعله رسول الله وأبو بكر؟! فأراد محمد بن منصور أن
يكلمه فأومأ إليه أبو العيناء وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن؟!
فلم يكلماه، قال: ودخل عليه يحيى بن أكثم فخلا به وخوفه من الفتنة، إلى آخر ما قال
ابن خلكان في وفياته (منه قدس).
الصحابة والتابعون الذين قالوا بحلية متعة النساء منهم:
1 - عمران بن الحصين:
صحيح مسلم ك الحج ج 1 ص 474، صحيح البخاري ك التفسير سورة البقرة ج 7
ص 24 ط سنة 1277 ه‍، تفسير القرطبي ج 2 ص 265 و ج 5 ص 33، تفسير الرازي ج 3
ص 200 و 202 ط 1، تفسير أبي حيان ج 3 ص 218، تفسير النيسابوري بهامش تفسير
الرازي ج 3 ص 200، السنن الكبرى للبيهقي ج 5 ص 20، سنن النسائي ج 5 ص 155،
مسند أحمد ج 4 ص 436 ط 1 بسند صحيح، فتح الباري ج 3 ص 338، الغدير للأميني
ج 6 ص 198 - 201، المحبر لابن حبيب ص 289، المتعة للفكيكي ص 64، الزواج
الموقت في الإسلام ص 124.
2 - جابر بن عبد الله الأنصاري:
عمدة القارئ للعيني ج 8 ص 310، بداية المجتهد لابن رشد ج 2 ص 58، صحيح
مسلم ك النكاح ب نكاح المتعة ج 1 ص 395 وفي طبع ج 4 ص 131، مسند أحمد ج 3
ص 380، تبيان الحقائق شرح كنز الدقائق ج ص، سنن البيهقي ج 7 ص 206، الغدير
للأميني ج 6 ص 205 و 206 و 208 و 209 - 211، جامع الأصول لابن الأثير، تيسير
الوصول لابن الديبع ج 4 / 262، زاد المعاد لابن القيم ج 1 / 144، فتح الباري لابن
حجر ج 9 / 141، و 150 و ج 9 ص 172 و 174 ط دار المعرفة، كنز العمال ج 8 / 294 ط 1،
هامش المنتقي للفقي ج 2 / 520، المحلى لابن حزم ج 9 / 519، نيل الأوطار ج 6 / 270،
السرائر ص 311، الجواهر ج 30 / 150، مستدرك الوسائل ج 2 / 595، الزواج الموقت
في الإسلام ص 124، المتعة للفكيكي ص 44 أجوبه مسائل جار الله لشرف الدين ص 111،
المصنف لعبد الرزاق ج 7 / 496.
قيل إنه أفتى بالحرمة وهو غير صحيح راجع: مقدمة مرآة العقول ج 1 / 269.
3 - عبد الله بن مسعود:
صحيح البخاري ك النكاح ج، صحيح مسلم ج 4 / 130، أحكام القرآن للجصاص
ج 2 / 184، سنن البيهقي ج 7 / 200، تفسير القرطبي ج 5 / 130، تفسير ابن كثير ج 2
/ 87، الدر المنثور ج 2 / 307 نقلا عن تسعة من الحفاظ، الغدير ج 6 / 220، المحلى
لابن حزم ج 9 ص 519، شرح الموطأ للزرقاني ج نص الأخيران على بقائه على الحلية،
هامش المنتقى ج 2 / 520، البيان للخوئي ص 320، زاد المعاد ج 4 / 6 و ج 2 / 184،
شرح اللمعة ج 5 / 282، فتح الباري ج 9 / 102 و 150 و ج 9 ص 174 ط دار المعرفة،
شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 254، السرائر ص 311، الجواهر ج 30 / 150، مستدرك
الوسائل ج 2 ص 595.
4 - عبد الله بن عمر:
روى الترمذي في صحيحه: عن ابن عمر وقد سأله رجل من أهل الشام عن متعة
النساء فقال هي حلال فقال: إن أباك قد نهى عنها فقال ابن عمر: " أرأيت إن كان أبي
نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وآله يترك السنة وتتبع قول أبي " كذا " عن متعة النساء "
رواها كل من ابن طاوس في الطرائف ص 460 ط قم، والشهيد الثاني في شرح اللمعة
ج 5 / 283، والنجفي في جواهر الكلام ج 30 / 145، والعلامة في نهج الحق ضمن
دلائل الصدق ج 3 / 97، والمجلسي في البحار ج 8 / 286 ط قديم عن الشهيد والعلامة
عن صحيح الترمذي.
ولكن لم نجد هذه الرواية في صحيح الترمذي بهذه الكيفية وإنما وجدت رواية
قريبة منها في متعة الحج حيث سئل عن متعة الحج.
راجع: صحيح الترمذي ج 1 / 157 وفي طبع آخر ج 3 / 184.
فلعل الرواية الأولى حذفت عنه أو حرفت والله العالم.
وعن الأعرجي قال: سأل رجل ابن عمر عن المتعة وأنا عنده متعة النساء فقال:
" والله ما كنا على عهد رسول الله زانين ولا مسافحين ".
راجع: مسند أحمد ج 2 / 95 ح 5694 و ج 2 / 104 ح 5808، مجمع الزوائد
ج 7 / 332 - 333، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 295.
ونقل عن ابن عمر أنه يقول بالتحريم: راجع مجمع الزوائد ج 4 / 265 وضعف
الرواية، المصنف لعبد الرزاق ج 7 / 502، مصنف ابن أبي شيبة ج 4 / 293، تفسير
السيوطي ج 2 / 140، سنن البيهقي ج 7 / 206، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 295 وما بعدها.
5 - معاوية بن أبي سفيان:
راجع: المحلى لابن حزم ج 9 ص 519، هامش المنتقى للفقي ج 2 / 520، البيان
للخوئي ص 314، الطرائف لابن طاوس ص 458، الغدير ج 6 / 221، جواهر الكلام
ج 30 / 150، شرح الموطأ للزرقاني، المصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 496 و 499 باب
المتعة، فتح الباري ج 9 ص 174 ط دار المعرفة.
6 - أبو سعيد الخدري:
راجع: المحلى لابن حزم ج 9 / 519، عمدة القاري للعيني ج 8 / 310، هامش
المنتقى للفقي ج 2 / 520، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 / 254، فتح الباري
ج 9 ص 174 ط دار المعرفة، السرائر لابن إدريس ص 311، البيان للخوئي ص 514،
الغدير ج 6 / 208 و 221، جواهر الكلام ج 30 ص 150، الزواج الموقت في الإسلام
ص 125، الزيلعي، الفكيكي في المتعة، مسند أحمد ج 3 / 22، مجمع الزوائد ج 4
/ 264، مصنف عبد الرزاق ج 7 / 458، المغنى لابن قدامة ج 7 / 571.
7 - سلمة بن أمية بن خلف:
راجع: المحلى لابن حزم ج 9 / 519، شرح الموطأ للزرقاني ج، الإصابة ج
2 / 63، هامش المنتقى ج 2 / 520، البيان للخوئي ص 314، الغدير ج 6 / 221،
الجواهر ج 30 ص 150، الزواج الموقت في الإسلام ص 127، الفكيكي في المتعة،
فتح الباري ج 9 ص 174 ط دار المعرفة، نيل الأوطار، الإصابة ج 2 / 61 و ج 4 / 324،
211



المصنف لعبد الرزاق ج 7 / 499.
8 - معبد ابن أمية:
راجع: المحلى لابن حزم ج 9 / 519، شرح الموطأ للزرقاني ج، هامش المنتقى
ج 2 / 520، الغدير ج 6 / 221، الجواهر ج 30 / 150، الزواج الموقت في الإسلام
ص 137، الفكيكي في المتعة، المصنف لعبد الرزاق ج 7 / 499 وفيه أن معبد قد ولد
من نكاح المتعة. فتح الباري ج 9 ص 174 دار المعرفة.
9 - الزبير بن العوام: وقد تمتع بأسماء بنت أبي بكر وأولدها عبد الله. راجع:
المحاضرات للراغب الأصفهاني ج 2 / 94، العقد الفريد ج 2 / 139، مسند أبي داود
الطيالسي ج / 227، الغدير ج 6 / 208 و 209، مروج الذهب ج 3 / 81، الزواج
الموقت في الإسلام ص 127 و 101، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 20 / 130.
10 - خالد بن مهاجر بن خالد المخزومي:
صحيح مسلم ك النكاح باب نكاح المتعة ج 4 / 133 ط العامرة، سنن البيهقي ج 7
/ 205، الغدير ج 6 / 221، المصنف لعبد الرزاق ج 7 / 502.
11 - عمرو بن حريث:
فتح الباري ج 9 / 141 و ج 11 / 76 وفي طبع محمد فؤاد ج 9 / 174، كنز العمال
ج 8 / 293، هامش المنتقى ج 2 / 520، البيان للخوئي ص 314، الغدير ج 6 / 221،
صحيح مسلم ك النكاح باب المتعة ج 4 / 131 ط العامرة، المصنف لعبد الرزاق ج 7 / 500
وفيه عمرو بن حوشب وهو تحريف عمرو بن حريث.
12 - أبي بن كعب:
تفسير الطبري ج 5 / 9 في قراءة أبي الآية إلى أجل، الغدير ج 6 / 221، الجواهر
ج 30 / 150، أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 147.
13 - ربيعة بن أمية:
الموطأ لمالك ج 2 / 30 وطبع آخر ص 542 ح 42، كتاب الأم للشافعي ج 7 /
219، السنن الكبرى للبيهقي ج 7 / 206، الغدير ج 6 / 221، الجواهر ج 30 / 150،
مسند الشافعي ص 132، مصنف عبد الرزاق ج 7 / 503، الإصابة ج 1 / 514، تفسير
السيوطي ج 2 / 141، أجوبة مسائل جار الله لشرف الدين ص 116.
14 - سمير - ولعله سمرة بن جندب -:
الإصابة لابن حجر ج 2 / 81، الغدير ج 6 / 221.
15 - سعيد بن جبير:
المحلى لابن حزم ج 9 / 519، تفسير الطبري ج 5 / 9، الغدير ج 6 / 221، تفسير
ابن كثير، المصنف لعبد الرزاق ج 7 / 496 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12
ص 254.
16 - طاوس اليماني:
المحلى لابن حزم ج 9 / 519، هامش المنتقى للفقي ج 2 / 520، الغدير ج 6 /
222، المغني لابن قدامة ج 7 / 571.
17 - عطاء أبو محمد المدني:
المصنف لعبد الرزاق ج 7 / 497 ط بيروت، بداية المجتهدين لابن رشد ج 2 /
63، المحلى لابن حزم ج 9 / 519، الغدير ج 6 / 222، الدر المنثور ج 2 / 140،
مختصر جامع بيان العلم ص 196 كما نقله في أجوبة موسى جار الله ص 105 راجع
دراسات وبحوث في التاريخ والاسلام ج 1 / 14، ولكن السعودية حذفت الحديث من
أصل كتاب جامع بيان العلم وفضله عندما طبعته سنة 1388 ه‍.
18 - السدي:
كما في تفسيره، الغدير ج 6 / 222، تفسير ابن كثير.
19 - مجاهد:
تفسير الطبري ج 5 / 9، الغدير ج 6 / 222، تفسير ابن كثير شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد ج 12 ص 254.
20 - زفر بن أوس المدني:
البحر الرائق لابن نجيم ج 3 / 115، الغدير ج 6 / 222.
21 - عبد الله بن عباس:
راجع: تفسير الطبري ج 5 / 9، أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 147، سنن البيهقي
ج 7 / 205، الكشاف للزمخشري ج 1 / 519، تفسير القرطبي ج 5 / 130 و 133، المحلى
لابن حزم ج 9 / 519، المغني لابن قدامة ج 7 / 571 فتح الباري ج 9 / 172 ط دار المعرفة
وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 254.
وقيل إنه يقول بالتحريم وهو غير صحيح راجع: مقدمة مرآة العقول ج 1 / 196.
22 - أسماء بنت أبي بكر:
مسند الطيالسي ح 1637، المحلى لابن حزم ج 9 / 519، شرح نهج البلاغة لابن
أبي الحديد ج 20 / 130.
قال ابن حزم في المحلى ج 9 / 519 بعد عده جملة ممن ثبت على إباحة المتعة من
الصحابة: ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي
بكر وعمر إلى قرب خلافة عمر ثم قال: ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء
وساير فقهاء مكة.
وقال أبو عمر صاحب " الاستيعاب " أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن
كلهم يرون المتعة حلالا على مذهب ابن عباس وحرمها سائر الناس.
وراجع: تفسير القرطبي ج 5 / 133، فتح الباري ج 9 / 142 و ج 9 / 173 ط
دار المعرفة، هامش المنتقى ج 2 / 520 وقال القرطبي في تفسيره ج 5 / 132: أهل مكة
كانوا يستعملونها كثيرا.
وقال الرازي في تفسيره ج 3 / 200 في آية المتعة:
اختلفوا في أنها نسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأمة إلى أنها صارت
منسوخة. وقال السواد منهم إنها بقيت مباحة كما كانت.
وقال أبو حيان في تفسيره ج ص بعد نقل حديث إباحتها: وعلى هذا جماعة من أهل
البيت والتابعين.
وقد ذهب إلى إباحة المتعة ابن جريح عبد الملك بن عبد العزيز المكي المتوفى
150 ه‍ قال الشافعي استمتع ابن جريح بسبعين امرأة. وقال الذهبي تزوج نحوا من
تسعين امرأة نكاح المتعة.
راجع: تهذيب التهذيب ج 6 / 406، ميزان الاعتدال ج 2 / 151.
وممن قال بجواز المتعة الإمام مالك بن أنس.
المبسوط للسرخسي ج ص. تبيان الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي ج ص، فتاوى
الفرغاني، خزانة الروايات للقاضي جكن الحنفي، الكافي في الفروع الحنفية، وفى
العناية شرح الهداية، ويظهر من شرح الموطأ للزرقاني أنه أحد قولي مالك ج 3 / كما
في الغدير ج 6 / 222 - 223، تفسير القرطبي ج 5 / 130.
ومن أراد الاطلاع على بطلان دعوى نسخها وبطلان تحريمها وعدم مشروعيتها
فليراجع كتاب الغدير ج 6 / 223 - 240، البيان للسيد للخوئي ص 315، مقدمة
مرآة العقول ج 1 / 273 - 325.
وأما مذهب أهل البيت جميعا وعلى رأسهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فهو
الجواز وهذا معلوم بالتواتر وقد اشتهر عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله الصحيح:
" لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي " راجع في ذلك:
تفسير الطبري ج 5 / 9 بإسناد صحيح، تفسير الرازي ج 3 / 200، تفسير ابن حيان
ج 3 / 218، تفسير النيسابوري بهامش تفسير الرازي ج 3 /، الدر المنثور ج 2 / 140
كنز العمال ج 8 / 294، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 253 و 254.
وأما أحاديثهم من طريق الشيعة في الحلية فهي كالشمس في رابعة النهار، راجع:
وسائل الشيعة ج 14 ص 436 وما بعدها.
211

8 - رأي الإمامية فيها وحجتهم عليه.
كان - كما يشهد الله - رائدنا الحق في هذه الفصول وما حولها مجردا
عن كل ما عدا الدليل الشرعي من كتاب أو سنة، وأصل من الأصول التي
أجمعت الأمة على العمل بمقتضاه، فلا يفوتن باحثا ومدققا من أمة محمد أن
يمعن فيما كتبناه عن هذه الموضوع، وله الحكم بعد ذلك بما يطمئن به من
حل أو حرمة.
212

[المورد (23) -: التصرف في الأذان باشتراع فصل فيه:]
وذلك إنا تتبعنا السنن المختصة بفصول الأذان والإقامة على عهد رسول
الله صلى الله عليه وآله فلم يكن فيها (الصلاة خير من النوم) بل لم يكن هذا الفصل على
عهد أبي بكر، كما يعلمه جهابذة السنن ونقدة الحديث، وإنما أمر به عمر
بعد مضي شطر من خلافته، حيث استحبه واستحسنه في أذان الفجر فاشترعه
حينئذ وأمر به، والنصوص في ذلك متواترة عن أئمة العترة الطاهرة (298).

(298) جامع أحاديث الشيعة ج 4 / 622 و 672 - 687، وسائل الشيعة ك الصلاة
ب 19 من أبواب الأذان والإقامة ج 4 / 642، الجواهر ج 9 / 81، الحدائق ج 9 / 398.
218

وحسبك من غيرها ما تراه في سنن غيرهم من حفظة الآثار كالإمام مالك
في موطئه: " إذ بلغه أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح
فوجده نائما. فقال: الصلاة خير من النوم. فأمره عمر أن يجعلها في نداء
الصبح " (299). انتهى بلفظه.
قال الزرقاني في تعليقه على هذه الكلمة من شرحه للموطأ ما هذا لفظه (1)
هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنفه عن العمري
عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال وأخرج عن سفيان عن محمد بن عجلان
عن نافع عن ابن عمر أنه قال لمؤذنه: إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر
فقل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم.
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة، ورواه غير واحد
من إثبات أهل السنة والجماعة (300).
ولا وزن لما جاء عن محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي عن أبيه عن
عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وآله استشار
الناس لما يهمهم إلى الصلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكروا
الناقوس فكرهه من أجل النصارى، فأري النداء في تلك الليلة رجل من الأنصار
يقال له عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب، فطرق الأنصاري رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ليلا، فأمر رسول الله بلالا فأذن به.
(قال): قال الزهري وزاد بلال في نداء صلاة الغداة: الصلاة خير من

(299) الموطأ للإمام مالك ص 58 ح 151 ط بيروت.
(1) راجع منه ما جاء في النداء للصلاة ص 25 من جزئه الأول (منه قدس).
(300) المصنف لابن أبي شيبة ج.
219

النوم، فأقرها النبي صلى الله عليه وآله.. (الحديث). أخرجه ابن ماجة في باب الأذان
من سننه (301).
وحسبك في بطلانه أنه من حديث محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي
الذي قال فيه يحيى كان رجل سوء، وقال مرة: هو لا شئ، وقال ابن عدي
أشد ما أنكر عليه أحمد ويحيى روايته عن أبيه ثم له مناكير غير ذلك، وقال
أبو زرعة: ضعيف، وقال يحيى بن معين: محمد ابن خالد بن عبد الله كذاب إن
لقيتموه فاصفعوه.
قلت: وذكره الذهبي في ميزانه فنقل عن أئمة الجرح والتعديل ما قد
ذكرناه فراجع (302).
ونحو هذا الحديث في البطلان ما قد جاء عن أبي محذورة، إذ قال:
قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي وقال: تقول الله أكبر
الله أكبر ترفع بها صوتك، ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد
أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخلص بها صوتك، ثم ترفع
صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا
رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة، حي
على الفلاح، حي على الفلاح، فإن كانت لصلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم
الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله (303) أخرجه أبو

(301) سنن ابن ماجة ج 1 / 233 ح 707، الطبقات لابن سعد ج 1 / 147.
(302) الميزان للذهبي ج 3 / 51، الغدير ج 5 / 257.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 حول الحديث: في إسناده محمد بن
خالد ضعفه: أحمد، وابن معين، وأبو زرعة، وغيرهم.
(303) سنن أبي داود ج 1 / 196 ح 500 و 501 ط السعادة.
220

داود عن أبي محذورة من طريقين: (أحدهما) عن محمد بن عبد الملك بن
أبي محذورة عن أبيه عن جده. ومحمد بن عبد الملك هذا ممن لا يحتج بهم
بنص الذهبي إذ أورده في ميزان الاعتدال (304).
(ثانيهما) عن عثمان بن السائب عن أبيه. وأبوه من النكرات المجهولة
بنص الذهبي حيث أورده في الميزان (305).
على أن مسلما أخرج هذا الحديث (1) بلفظه عن أبي محذورة نفسه، ولا
أثر فيه لقولهم: الصلاة خير من النوم (306).
وستسمع قريبا ما أخرجه أبو داود وغيره عن محمد بن عبد الله بن زيد
من فصول الأذان الذي قام به بلال يمليه عليه عبد الله بن زيد، وليس فيه الصلاة
خير من النوم، مع أنه إنما كان لصلاة الصبح.
على أن أبا محذورة إنما كان من الطلقاء والمؤلفة قلوبهم في الإسلام بعد
فتح مكة، وبعد أن قفل رسول الله صلى الله عليه وآله من حنين منتصرا على هوازن، ولم
يكن شئ أكره إلى أبي محذورة يومئذ من رسول الله صلى الله عليه وآله ولا مما يأمر به.
وكان يسخر بمؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله فيحكيه رافعا صوته استهزاءا، لكن صرة
الفضة التي اختصه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وغنائم حنين التي أسبغها على الطلقاء
من أعدائه ومحاربيه، وأخلاقه العظيمة التي وسعت كل من اعتصم بالشهادتين
من أولئك المنافقين مع شدة وطأته على من لم يعتصم بها، ودخول العرب
في دين الله أفواجا كل ذلك ألجأ أبا محذورة وأمثاله إلى الدخول فيما دخل

(304) الميزان للذهبي.
(305) الميزان للذهبي.
(1) في باب صفة الأذان من صحيحه (منه قدس).
(306) صحيح مسلم ك الصلاة باب صفة الأذان ج 2 / 3 ط العامرة.
221

فيه الناس: ولم يهاجر حتى مات في مكة (1) والله يعلم بواطنه (307).
على أن لرسول الله كلمة قالها لثلاثة: أبي محذورة، وأبي هريرة، وسمرة
بن جندب، حيث أنذرهم بقوله آخركم موتا في النار (308).
وهذا أسلوب حكيم من أساليبه صلى الله عليه وآله في إقصاء المنافقين عن التصرف
في شؤون الإسلام والمسلمين، فإنه صلى الله عليه وآله لما كان عالما بسوء بواطن هؤلاء
الثلاثة أراد أن يشرب في قلوب أمته الريب فيهم، والنفرة منهم، إشفاقا عليها
أن تركن إلى واحد منهم في شئ مما يناط بعدول المؤمنين وثقاتهم، فنص
بالنار على واحد منهم وهو آخرهم موتا، لكنه صلى الله عليه وآله أجمل القول فيه على
وجه جعله دائرا بين الثلاثة على السواء، ثم لم يتبع هذا الاجمال بشئ من
البيان وتمضي الأيام والليالي على ذلك، ويلحق صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى ولا
بيان، فيضطر أولي الألباب من أمته إلى إقصائهم جميعا عن كل أمر يناط
بالعدول والثقات من الحقوق المدنية في دين الإسلام، لاقتضاء العلم الاجمالي
ذلك بحكم القاعدة العقلية في الشبهات المحصورة، فلولا أنهم في وجوب
الإقصاء على السواء لاستحال عليه - وهو سيد الحكماء - عدم البيان في مثل
هذا المقام.
فإن قلت: لعله صلى الله عليه وآله بين هذا الاجمال بقرينة خفيت علينا بتطاول
المدة.

(1) كل ما نقلناه هنا عن أبي محذورة موجود في ترجمته من الاستيعاب بهامش
الإصابة وغيرها وهو مما لا خلاف فيه (منه قدس).
(307) الاستيعاب بهامش الإصابة ج 4 / 179 ط 1.
(308) كما في ترجمة سمرة من الاستيعاب والإصابة وغيرهما (منه قدس).
الإصابة ج 2 / 79، الإستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة ج 2 / 78.
222

قلنا: لو كان ثمة قرينة ما كان كلا من هؤلاء الثلاثة في الوجل من هذا الإنذار
على السواء (1).
على أنه لا فرق في هذه المشكلة بين عدم البيان واختفائه بعد صدوره
لاتحاد النتيجة فيهما بالنسبة إلينا، إذ لا مندوحة لنا عن العمل بما يوجبه العلم
الاجمالي من تنجيز التكليف في الشبهة المحصورة على كلا الفرضين.
فإن قلت: إنما كان المنصوص عليه بالنار منهم مجملا قبل موت الأول
والثاني ولسبقهما إلى الموت تبين وتعين أنه إنما هو الباقي بعدهما بعينه دون
سابقيه وحينئذ لا إجمال ولا إشكال.
قلنا. أولا: أن الأنبياء عليهم السلام كما يمتنع عليهم ترك البيان مع
الحاجة إليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة، ووقت الحاجة هنا متصل
بصدور هذا الإنذار لو كان لواحد من الثلاثة شئ من الاعتبار، لأنهم منذ
أسلموا كانوا محل ابتلاء المسلمين في الحقوق المدنية شرعا كالإمامة في
الصلاة جماعة، وقبول الشهادة في المرافعات الشرعية ونحوها، وكالإفتاء و
القضاء، مع استجماعهم لشروطهما، ونحو ذلك مما يشترط فيه العدالة والورع
فلولا وجوب إقصائهم عنها ما أخر صلى الله عليه وآله البيان اتكالا على صروف الزمان،
وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يقصي أحدا عن حقه طرفة عين، ومعاذ الله أن
يخزي من لا يستحق الخزي ثم يبقيه على خزيه حتى يموت مخزيا إذ لا نعرف
براءته - بناء على هذا الفرض الفاسد - إلا بتقدم موته.
وثانيا: أنا (شهد الله) بذلنا الطاقة بحثا وتنقيبا فلم يكن بالوسع أن نعلم
أيهم المتأخر موتا، لأن الأقوال في تاريخ وفياتهم بين متناقض متساقط (2) وبين

(1) كما يعلمه متتبعوا شؤونهم حول هذا الوعيد (منه قدس).
(2) أما تناقضها فلأن بعضها نص بموت سمرة سنة ثمان وخمسين وموت أبي هريرة
سنة تسع وخمسين وهذا منقوض بالقول بأن موت أبي هريرة كان سنة سبع وخمسين وهكذا
بقية الأقوال في موت الثلاثة. وأما المجمل المتشابه منها فكالقول بموت الثلاثة كلهم
في سنة تسع وخمسين، من غير بيان الساعة واليوم والشهر الذي وقع فيه الموت (منه
قدس).
223

مجمل متشابه لا يركن إليه كما يعلمه المتتبعون (309).
وثالثا: لم يكن من خلق رسول الله صلى الله عليه وآله - وهو العزيز عليه عنت المؤمنين
الحريص عليهم الرؤوف بهم الرحيم لهم - أن يجابه بهذا القول من يحترمه
وما كان (وإنه لعلى خلق عظيم) (310) ليفاجئ به غير مستحقه، ولو أن في
واحد من هؤلاء الثلاثة خيرا ما أشركه في هذه المفاجئة القاسية، والمجابهة
الغليظة، لكن اضطره الوحي إلى ذلك نصحا لله تعالى وللأمة (وما ينطق عن
الهوى) (311).
[تنبيه]
إن من عرف رأي إخواننا - من أهل المذاهب الأربعة - في بدء الأذان
والإقامة واشتراعها لا يعجب من استسلامهم للزيادة فيهما أو للنقيصة منهما،
فإنهم - هدانا الله وإياهم - لا يرون أن الأذان والإقامة مما شرعه الله تعالى
بوحيه إلى النبي صلى الله عليه وآله ولا مما ابتدأ به النبي صادعا به عن الله عز وجل كسائر
النظم والأحكام، وإنما كان طيف رآه بعض الصحابة في المنام كما صرحوا به

(309) راجع: شيخ المضيرة أبو هريرة ط 3، أبو هريرة لشرف الدين.
(310) مضمون الآية الكريمة " وإنك لعلى خلق عظيم " القلم: 4.
(311) لهذا الكلام بقية فلتراجع في خاتمة كتابنا (أبو هريرة) (منه قدس).
سورة النجم آية: 3 وراجع: كتاب " أبو هريرة " لشرف الدين.
224

ونقلوا الإجماع عليه ورووا فيه أحاديث صححوها وادعوا تواترها (312).
وإليك منها ما هو من أصحها عندهم، فعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له
من الأنصار، قال: اهتم النبي صلى الله عليه وآله للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له:
أنصب راية فإذا رأوها أذن بعضهم فلم يعجبه ذلك فذكروا له القبع - يعني
الشبور شبور اليهود - فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، فذكروا له
الناقوس، فقال هو من أمر النصارى - وكأنه كرهه أولا ثم أمر به فعمل من
خشب - فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وآله فأري الأذان
في منامه. قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره فقال له: يا رسول الله إني
لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب قد
رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما، ثم خبر به النبي صلى الله عليه وآله فقال له: ما منعك أن
تخبرني؟ فقال سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا
بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله، قال: فأذن بلال. (الحديث) (313)

(312) راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم ص 81، عن سنن أبي داود ج 1
/ 335 - 338، المصنف لعبد الرزاق ج 1 / 455 - 465، السيرة الحلبية ج 2 / 93
- 97، تاريخ الخميس ج 1 / 359، الموطأ ج 1 وشرحه للزرقاني ج 1 / 120 - 125،
صحيح الترمذي ج 1 / 358 - 361، مسند أحمد ج 4 / 42، سنن ابن ماجة ج 1 / 124،
سنن البيهقي ج 1 / 390، سيرة ابن هشام ج 2 / 154 و 155 و 125، نصب الراية ج 1
/ 259 - 261، فتح الباري ج 2 / 63 - 66، الطبقات لابن سعد ج 1 قسم 2 ص 8،
البداية والنهاية ج 3 / 232 - 233 المواهب اللدنية ج 1 / 71، منتخب كنز العمال بهامش
مسند أحمد ج 3 / 273 و 275، تبيين الحقائق للزيلعي ج 1 / 90، الروض الآنف ج 2 /
285 - 286، حياة الصحابة ج 3 / 131، كنز العمال ج 4 / 263، سنن الدارقطني ج
1 / 241 و 242 و 245 وغير ذلك من مصادر.
(313) أخرجه أبو داود في باب بدء الأذان من الجزء الأول من سننه، ورواه غير
واحد من أصحاب السنن والمسانيد وأرسله أهل السير والأخبار منهم إرسال المسلمات
فراجع (منه قدس).
راجع: سنن أبي داود ج 1 / 194 ط السعادة، كنز العمال.
225

وعن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري عن أبيه عبد الله بن زيد قال: لما
أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمعهم للصلاة طاف
بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت له: أتبيع هذا الناقوس؟ قال:
وما تصنع به؟ فقلت: ندعوا به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من
ذلك؟ فقلت: بلى. فقال: تقول الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد
أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن
محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح،
حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله الله (1). قال: ثم استأخر عني
غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا
إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على
الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، لا إله
إلا الله.
فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بما رأيت، فقال: إنها لرؤيا
حق إن شاء الله تعالى، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به أندى صوتا
منك، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن
الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول

(1) هذا الأذان كان - بزعم المحدثين به عن عبد الله بن زيد - أول أذان في الإسلام
وهو كما تراه ليس فيه (الصلاة خير من النوم) مع كونه إنما كان لصلاة الفجر فمن أين
جاء هذا الفصل يا مسلمون؟! (منه قدس).
226

الله لقد رأيت مثل ما رأى.. (الحديث) (314).
واختصره الإمام مالك في ما جاء في النداء للصلاة من موطئه، فحدث عن
يحيى بن سعيد أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله أراد أن يتخذ خشبتين (1).
يضرب بهما ليجمع الناس للصلاة فأري عبد الله بن زيد الأنصاري من بني
الحارث بن الخزرج خشبتين في النوم، فقال: إن هاتين الخشبتين لنحو مما
يريد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يجمع به الناس للصلاة، فقيل له: ألا تؤذنون
للصلاة؟ وأسمعه الأذان، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله حين استيقظ فذكر له ذلك
فأمر رسول الله بالأذان: انتهى ما في الموطأ مختصرا مرسلا (315).
وقال الإمام ابن عبد البر: روى قصة عبد الله بن زيد هذه في بدء الأذان
جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة، ومعان متقاربة، والأسانيد في ذلك متواترة

(314) أخرجه أبو داود السجستاني في باب كيف الأذان من سننه، والترمذي في
صحيحه وقال: حسن صحيح، ورواه كل من ابن حيان وابن خزيمة وصححاه وابن ماجة
في باب بدء الأذان من سننه وغير واحد من أصحاب السنن والأخبار (منه قدس).
راجع: سنن أبي داود ج 1 / 195 ط السعادة، صحيح الترمذي، سنن ابن ماجة ج 1 /
232 ح 706، الطبقات لابن سعد ج 1 / 246 ونقله العلامة في تذكرة الفقهاء ج 1 / 104
ط قديم.
(1) قال الزرقاني في تعليقه على هذا الحديث من شرحه للموطأ: هما الناقوس
وهي خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها فيخرج منهما صوت (قال) كما في الفتح وغيره.
قلت: وللزرقاني هنا (حول حديث عبد الله بن زيد في الأذان والإقامة) كلام ألفت
إليه الباحثين فليراجعوه في ص 120 إلى منتهى ص 125 من الجزء الأول من شرح الموطأ
(منه قدس).
(315) والتفصيل في شرح الزرقاني فليراجع (منه قدس).
راجع: موطأ مالك ص 55 ح 144 وفي طبع محمد فؤاد عبدا لباقي ج 1 / 67.
227

وهي من وجوه حسان (316). هذا كلامه بلفظه (1).
قلت. في ثبوت هذه الأحاديث نظر من وجوه:
(أحدها) أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن ليؤامر الناس في اشتراع الشرائع الإلهية،
وإنما كان يتبع فيها الوحي (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى *
علمه شديد القوى (2)). والأنبياء كلهم صلوات الله وسلامه عليهم لا يؤامرون
أممهم فيما يشترعون (بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (3))
وحسبنا قوله عز وجل لعبده وخاتم رسله: (قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي
هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (4)) (قل ما يكون لي أن
أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب
يوم عظيم (5)). (قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم
إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين (6)). وقد حظر، عز سلطانه،
عليه العجل ولو بحركة اللسان فقال جل وعلا: (لا تحرك به لسانك لتعجل
به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه (7)). و
أثنى جل ثناؤه على قول رسوله صلى الله عليه وآله فقال وهو أصدق القائلين: (إنه لقول
رسول كريم، وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون،

(316) الطبقات لابن سعد ج 1 / 246 وغيره.
(1) نقله الزرقاني عنه فيما تقدمت الإشارة إليه من شرح الموطأ (منه قدس).
(2) الآية - 3 و 4 و 5 - من سورة النجم.
(3) الآية - 26 و 27 - من سورة الأنبياء.
(4) في آخر سورة الأعراف آية: 402.
(5) الآية - 15 - من سورة يونس.
(6) الآية - 9 - من سورة الأحقاف.
(7) الآية - 16 - 19 - من سورة القيامة.
228

تنزيل من رب العالمين (1)) (إنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش
مكين، مطاع ثم أمين، وما صاحبكم بمجنون (2)).
(ثانيهما) إن الشورى المذكورة في هذه الأحاديث لمما يحكم العقل مستقلا
بعدم اعتبارها في تشريع الشرائع الإلهية فالعقل بمجرده يحيل وقوعها من
رسول الله صلى الله عليه وآله وهل رأي الناس فيها إلا تقول محض على الله تعالى؟ (ولو
تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم
من أحد عنه حاجزين (3)).
نعم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألف أصحابه بمشورتهم في أمور الدنيا،
كلقاء العدو ومكائد الحرب ونحوها عملا بقوله تعالى: (وشاورهم في الأمر
فإذا عزمت فتوكل على الله (4)). وفي مثل ذلك يجوز عليه أن يتألفهم
بمشاورتهم فيها مع استغنائه بالوحي عن آرائهم، لكن شرائع الدين لا يجوز
فيها عليه إلا اتباع الوحي المبين.
(ثالثها) أن هذه الأحاديث تضمنت من حيرة النبي صلى الله عليه وآله ما لا يجوز على
مثله من المتصلين بالله عز وجل، حتى مثلته وقد ضاق في أمره ذرعا فاحتاج
إلى مشورة الناس، وأنه كره الناقوس أولا، ثم أمر به بعد تلك الكراهة، وأنه
صلى الله عليه وآله بعد أن أمر به عدل عنه إلي ما اقتضته رؤيا عبد الله بن زيد، وأن عدوله
عن الناقوس كان قبل حضور وقت العمل به. وهذا من البداء المستحيل على
الله تعالى وعلى موضع رسالته، ومختلف ملائكته، ومهبط وحيه وتنزيله، وسيد

(1) الآية - 40 - 43 - من سورة الحاقة.
(2) الآية - 19 - 22 - من سورة التكوير.
(3) الآية 44 إلى 47 من سورة الحاقة.
(4) من الآية 159 من سورة آل عمران.
229

أنبيائه وخاتم رسله.
على أن رؤيا غير الأنبياء لا يبتني عليها شئ من الأشياء بإجماع الأمة
(317).
(رابعها) أن في أحاديثهم هذه من التعارض ما يوجب سقوطها، وحسبك
منها الحديثان اللذان أوردناهما آنفا - حديث أبي عمير بن أنس عن عمومة
له من الأنصار، وحديث محمد ابن عبد الله بن زيد عن أبيه - (318) فأمعن
فيما يتعلق منهما برؤيا عمر تجد التعارض بينا بأجلى مظاهره.
وأيضا فإن هذين الحديثين المشار إليهما يقصران الرؤيا على ابن زيد
وابن الخطاب، لكن حديث الرؤيا للطبراني في الأوسط (319) صريح في
صدورها من أبي بكر أيضا، وهناك من أحاديثهم ما هو صريح بأن تلك الرؤيا
كانت من أربعة عشر رجلا من الصحابة، كما في شرح التنبيه للجبيلي، وروي
أن الرائين تلك الليلة كانوا سبعة عشر من الأنصار، وعمر وحده من المهاجرين
وفي رواية أن بلالا ممن رأى الأذان أيضا وثمة متناقضات في هذا الموضوع
أورد الحلبي منها ما يورث العجب العجاب، وحاول الجمع بينها فحبط
عمله (320).

(317) تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ج 1 / 104 و 105 ط قديم، فتح الباري ج
2 / 62.
(318) قد تقدم الحديثان تحت رقم (304 و 305) فراجع وراجع أيضا: الصحيح
من سيرة النبي ج 3 / 81.
(319) المعجم الأوسط للطبراني مخطوط، الصحيح من سيرة النبي ج 3 / 81.
(320) فلتراجع في باب بدء الأذان ومشروعيته من الجزء الثاني من سيرته الحلبية،
فإن هناك ما يوجب العجب والاستغراب (منه قدس).
السيرة الحلبية ج 2 / 296 وما بعدها، الصحيح من سيرة النبي ج 3 / 82.
230

إذ قال يجمع شملا غير مجتمع * منها ويجبر كسرا غير منجبر -
(خامسها) أن الشيخين - البخاري ومسلما - قد أهملا هذه الرؤية بالمرة
فلم يخرجاها في صحيحيهما أصلا، لا عن ابن زيد، ولا عن ابن الخطاب،
ولا عن غيرهما، وما ذاك إلا لعدم ثبوتها عندهما. نعم أخرجا في باب بدء
الأذان من صحيحيهما عن ابن عمر، قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة
يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوما في ذلك.
فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقا مثل
بوق اليهود. فقال عمر: ألا تبعثون رجلا ينادي للصلاة؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فناد الصلاة. فنادى بالصلاة. ا ه‍ (321).
هذا كل ما في صحيحي البخاري ومسلم مما يتعلق ببدء الأذان ومشروعيته
وقد اتفق الشيخان على إخراجه كما اتفقا على إهمال ما عداه مما يتعلق بهذا
الموضوع، وكفى به معارضا لما رووه من أحاديث الرؤيا كلها، لأن مقتضى
هذا الحديث أن بدء الأذان إنما كان برأي عمر لا برؤياه، ولا برؤيا عبد الله بن
زيد ولا غيرهما، ومقتضى تلك أن بدئه وبدء الإقامة إنما كان بالرؤيا التي سبق
فيها عبد الله بن زيد، عمر بن الخطاب: ولذلك يدعى عندهم برائي الأذان
وربما قالوا صاحب الأذان.
وأيضا فإن حديث الشيخين هذا صريح في أن النبي صلى الله عليه وآله إنما أمر بلالا
- بالنداء للصلاة - في مجلس التشاور، وعمر حاضر عند صدور الأمر منه
صلى الله عليه وآله، وتلك الأحاديث أحاديث الرؤيا كلها - صريحة
بأنه صلى الله عليه وآله إنما أمر بلالا بالنداء عند الفجر إذ قص ابن زيد عليه رؤياه، وذلك

(321) صحيح مسلم ك الصلاة باب بدء الأذان ج 2 / 2 ط العامرة.
231

بعد الشورى بليلة في أقل ما يتصور ولم يكن عمر حينئذ حاضرا وإنما سمع
الأذان وهو في بيته فخرج آنذاك يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق
يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى.
بجدك قل لي هل يمكن الجمع بين هذا وتلك؟ كلا. وشرف الإنصاف،
وعلو الحق. وعزة ربنا عز سلطانه.
على أن الحاكم قد أهمل أحاديث رؤيا الأذان والإقامة، فلم يرو في
مستدركه منها شيئا أصلا، كما أهملها الشيخان فلم يرويا في الصحيحين شيئا
منها بالمرة، هذا مما يلمسك سقوطها عن درجة الصحة عندهما، وذلك لأن
الحاكم قد أخذ على نفسه أن يستدرك عليهما كل ما لم يخرجاه في صحيحيهما
من السنن الصحاح من شرطهما، وقد قام في مستدركه بما أخذه على نفسه
أتم قيام، وحيث - أنه مع ذلك كله - لم يخرج من أحاديث الرؤيا في
المستدرك شيئا، علمنا أنه لم يثبت منها على شرط الشيخين شئ لا في
صحيحيهما ولا في غير الصحيحين كما لا يخفى.
وللحاكم هنا كلمة تفيد جزمه ببطلان أحاديث الرؤيا وأنها كأضاليل ألا
وهي قوله: وإنما ترك الشيخان حديث عبد الله بن زيد في الأذان والرؤيا لتقدم
موت عبد الله. قلت: هذا لفظه بعينه (1).
ويؤيد ذلك أن ابتداء الأذان عند الجمهور إنما كان بعد وقعة أحد. وقد
أخرج أبو نعيم في ترجمة عمر بن عبد العزيز من كتاب حلية الأولياء بسند
صحيح (2) عن عبد الله العميري، قال: دخلت ابنة عبد الله بن زيد بن ثعلبة

(1) فراجعه في باب رد الصدقة ميراثا، من كتاب الفرائض ص 348 من جزئه
الرابع (منه قدس).
(2) صرح بصحته ابن حجر العسقلاني إذ نقله عن الحلية في ترجمة عبد الله بن
زيد الأنصاري في إصابته فراجع (منه قدس).
232

على عمر بن عبد العزيز فقالت له: أنا ابنة عبد الله ابن زيد شهد أبي بدرا
وقتل بأحد، فقال سلي ما شئت فأعطاها (322). قلت: لو كان عبد الله بن زيد
كما يقولون أنه رأى الأذان لذكرت ابنته ذلك عنه كما نقلت حضوره بدرا
وشهادته في أحد كما لا يخفى.
(سادسها) أن الله عز وجل حظر على الذين آمنوا أن يتقدموا بين يدي
الله ورسوله وأن يرفعوا أصواتهم فوق صوته وأن يجهروا له بالقول كجهر
بعضهم لبعض، وأنذرهم بحبوط أعمالهم الصالحة إذا ارتكبوا شيئا من ذلك
فقال عز من قائل: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا
الله إن الله سميع عليم، يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت
النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم
لا تشعرون) (323) (الآيات).
وكان سبب نزولها أن قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله ركب من بني تميم
يسألونه أن يؤمر عليهم رجلا منهم، فقال أبو بكر - فيما أخرجه البخاري في
تفسير الحجرات من الجزء الثالث من صحيحه ص 127 يا رسول الله أمر
عليهم القعقاع بن معبد متقدما بقوله هذا ومبادرا برأيه، فقال عمر على الفور
من قول صاحبه: بل أمر الأفرع بن حابس أخا بني مجاشع يا رسول الله فقال
أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، وتماريا جدالا وخصومة، وارتفعت أصواتها
في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآيات الحكيمة بسبب تسرعهما في الرأي،
وتقدمهما فيه بين يدي رسول الله ورفع أصواتهما فوق صوته صلى الله عليه وآله (324).

(322) حلية الأولياء ج، الإصابة لابن حجر ج 2 / 312 ط 1.
(323) سورة الحجرات آية: 1 - 2.
(324) صحيح البخاري، تفسير القرطبي ج 16 / 300.
233

خاطب المؤمنين كافة بهذه الآيات لتكون قانونهم المتبع وجوبا في
آدابهم وأخلاقهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله. وهذه الآيات كلها كما تراها قد منعت كل
مؤمن ومؤمنة عن كل افتئات على رسول الله صلى الله عليه وآله وكل إقدام على أمر بين
يديه، فإن معنى قوله تعالى: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) أن لا تفتئتوا
عندهما برأي ما حتى يقضي الله على لسان نبيه ما شاء، وكأن المقترحين المتقدمين
بين يديه كانا قد جعلا لأنفسهما وزنا ومقدارا ومدخلا في الشؤون العامة،
فنبه الله المؤمنين على خطأهما فيما رأياه، وأوقفهما على حدهما الذي يجب أن
يقفا عليه.
وقوله تعالى: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) نهى عن القول
المشعر بأن لهم مدخلا في الأمور، أو وزنا عند الله ورسوله، لأن من رفع
صوته فوق صوت غيره فقد جعل لنفسه اعتبارا خاصا، وصلاحية خاصة، وهذا
مما لا يجوز ولا يحسن من أحد عند رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومن أمعن في قوله تعالى: (واتقوا الله إن الله سميع عليم)، وقوله
عز من قائل: (أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) علم الحقيقة بكنهها.
ومن علم أن الله ما أقر أبا بكر الصديق وعمر الفاروق على تقدمهما بين
يدي الله ورسوله لا يقران الناس على تشاورهم في اشتراع شرائعه، ونظمه
وأحكامه، بطريق أحق لو كان قومنا يعلمون.
(سابعها) أن الأذان والإقامة من معدن الفرائض اليومية نفسه، فمنشئها هو
منشئ الفرائض نفسه، بحكم كل نسابة للألفاظ والمعاني، خبير بأساليب
العظماء وأهدافهم، وأنهما لمن أعظم شعائر الله عز وجل، امتازت بهما الملة
الإسلامية على سائر الملل والأديان، إذ جاءت آخرا ففاقت مفاخرا فليمعن
معي الممعنون من أولي الألباب بما في فصولهما من بلاغة القول وفصاحته،
234

وفخامة المعاني وسموها، وشرف الأهداف، وإعلان الحق بكل صراحة - الله
أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله - مع الدعوة إليه
بكل ترغيب فيه، وكل ثناء عليه. حي على الصلاة حي على الفلاح، حي
على خير العمل، لا تأخذ الداعي لومة لائم ولا سطوة مخالف غاشم.
تلك دعوة حية - كما قال عنها بعض الأعلام - كأنما تجد الاصغاء والتلبية
من عالم الحياة بأسرها، وكأنما يبدأ الانسان في الصلاة من ساعة مسراها إلى
سمعه، ويتصل بعالم الغيب من ساعة إصغائه إليها.
دعوة تلتقي فيها الأرض والسماء، ويمتزج فيها خشوع المخلوق بعظمة
الخالق، وتعيد الحقيقة الأبدية إلى الخواطر البشرية في كل موعد من مواعيد
الصلاة، كأنها نبأ جديد.
الله أكبر الله أكبر - لا إله إلا الله لا إله إلا الله -.
تلك هي دعوة الأذان التي يدعو بها المسلمون إلى الصلاة، وتلك هي
الدعوة الحية التي تنطق بالحقيقة الخالدة ولا تومي إليها، وتلك هي الحقيقة
البسيطة غاية البساطة، العجيبة غاية العجب، لأنها أغنى الحقائق عن التكرار
في الأبد الأبيد، وأحوج الحقائق إلى التكرار بين شواغل الدنيا وعوارض
الفناء.
المسلم في صلاة منذ يسمعها تدعوه للصلاة، لأنه يذكر بها عظمة الله،
وهي لب لباب الصلوات.
وتنفرج عنها هدأة الليل فكأنها ظاهرة من ظواهر الطبعية الحية تلبيها
الأسماع والأرواح وينصت لها الطير والشجر، ويخف لها الماء والهواء،
وتبرز الدنيا كلها بروز التأمين والاستجابة منذ تسمع هتفة الداعي الذي يهتف
235

بها.. إلى آخر كلامه (1).
وبالجملة فإن الأذان والإقامة لمما لا يأتي به البشر ولو اجتمعوا له، فنعوذ
بالله من مخ الحقائق الناصعة ولا سيما إذا كانت من شرائع الله السائغة، وآياته
البالغة.
(ثامنها) إن سنهم في بدء الأذان والإقامة كلها يناقض المأثور الثابت عن
أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولا وزن عندنا لما خالف الثابت عنهم من رأي
أو رواية مطلقا.
ففي باب الأذان والإقامة من كتاب وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة بالسند
الصحيح عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام، قال: لما هبط
جبرائيل على رسول الله بالأذان أذن جبرئيل وأقام، وعندها أمر رسول الله
صلى الله عليه وآله عليا أن يدعو له بلالا فدعاه فعلمه رسول الله الأذان وأمره به، وهذا ما رواه
كل من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، والصدوق محمد بن علي بن
بابويه القمي، وشيخ الإمامية محمد بن الحسن الطوسي، وناهيك بهؤلاء صدقا
وورعا (325) وروى شيخنا الشهيد السعيد محمد بن مكي في كتابه (الذكرى) أن
الصادق - الإمام جعفر بن محمد الباقر - ذم قوما زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ
الأذان عن عبد الله بن زيد الأنصاري، فقال: ينزل الوحي به على نبيكم فتزعمون

(1) فراجعه في ص 136 إلى ص 142 من كتاب - داعي السماء - لكاتب الشرق
الأستاذ العقاد (منه قدس).
(325) الأذان بوحي من الله: ونص الرواية هي: عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لما هبط جبرئيل عليه السلام بالأذان على رسول الله كان رأسه في حجر علي عليه
السلام فأذن جبرئيل وأقام، فلما انتبه رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا علي
سمعت؟ قال: نعم. قال: حفظت؟ قال: نعم، قال: ادع لي بلالا نعلمه فدعا علي
عليه السلام بلالا فعلمه ".
راجع: وسائل الشيعة للحر العاملي ك الصلاة باب 1 من أبواب الأذان والإقامة.
الكافي لثقة الإسلام الكليني المتوفى 328 أو 329 ه‍ ج 3 / 302، من لا يحضره الفقيه
للشيخ الصدوق المتوفى 381 ه‍ ج 1 / 282 ح 865، التهذيب للشيخ الطوسي المتوفى
460 ه‍ ج 2 / 277 ح 2640، جامع أحاديث الشيعة ج 4 / 622.
236

أنه أخذه عن عبد الله بن زيد! (326).
وعن أبي العلاء - كما في السيرة الحلبية - قال: قلت لمحمد بن الحنفية
إنا لنتحدث أن بدء الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، قال:
ففزع ذلك محمد بن الحنفية فزعا شديدا. وقال عمدتم إلى ما هو الأصل في
شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعتم أنه كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار
في منامه تحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام، قال: فقلت له
هذا الحديث قد استفاض في الناس، قال: هذا والله هو الباطل. إلى آخر
كلامه (327).
وعن سفيان بن الليل، قال: لما كان من الحسن بن علي ما كان قدمت عليه
المدينة قال: فتذاكروا عنده الأذان، فقال بعضنا إنما كان بدء الأذان، برؤيا
عبد الله بن زيد فقال له الحسن بن علي: إن شأن الأذان أعظم من ذلك، أذن
جبرائيل في السماء مثنى مثنى وعلمه رسول الله، وأقام مرة مرة فعلمه رسول الله
.. (الحديث) (1).
وعن هارون بن سعد عن الشهيد زيد بن الإمام علي بن الحسين عن آبائه

(326) الذكرى للشهيد الأول ص 16، جامع أحاديث الشيعة ج 4 / 623، البحار
ج 18 / 354، علل الشرايع ص 112، الكافي ج 3 /، الجواهر ج 9 ص 8.
(327) السيرة الحلبية ج 2 / 300 ط مصطفى الحلبي وفي طبع آخر ج 2 / 96.
(1) أخرجه الحاكم في كتاب معرفة الصحابة من المستدرك ص 171 من جزئه
الثالث (منه قدس).
237

عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم الأذان ليلة أسري به وفرضت عليه الصلاة
(328).
[المورد - (24) -: إسقاط " حي على خير العمل " من الأذان الإقامة]
وذلك أن هذا الفصل كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله جزءا من الأذان ومن
الإقامة (329) لكن أولي الأمر على عهد الخليفة الثاني كانوا يحرصون على

(328) أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار، وابن مردويه فيما نقله المتقي الهندي
ص 277 من الجزء السادس من كنز العمال وهو الحديث 397 من أحاديث الكنز (منه
قدس).
من يقول إن الأذان كان بالوحي:
الصحيح من سيرة النبي ج 3 / 84 نقله عن كل من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
وابن عمر والإمام الباقر وعايشة.
راجع: منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 3 / 273، السيرة الحلبية ج 1 /
373 و ج 2 / 93 و 95، مجمع الزوائد ج 1 / 329، نصب الراية ج 1 / 262 و 260،
والمواهب اللدنية ج 1 / 71، فتح الباري ج 2 / 63، الروض الآنف ج 2 / 285 و 286
البداية والنهاية ج 3 / 233.
(329) " حي على خير العمل " كان في الأذان على عهد الرسول صلى الله عليه وآله:
وبه قالت الإمامية بل عندهم إجماعي كما عن السيد المرتضى في الانتصار ص
39 الجواهر ج 9 ص 81 وغيرهما، بل اعترف به غيرهم:
راجع: سنن البيهقي ج 1 / 524 - 525، السيرة الحلبية ج 2 / 105 ط 1382 ه‍
سعد السعود ص 100، مقاتل الطالبيين ص 297، جامع أحاديث الشيعة ج 4 / 685 -
686، البحار ج 84 / 107، جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار
ج 2 / 291 و 192، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 5 / 283، ميزان الاعتدال
للذهبي ج 1 / 139، لسان الميزان ج 1 / 268، نيل الأوطار للشوكاني ج 2 / 32، دعائم
الإسلام ج 1 / 45، البحار ج 84 / 179، الروض النضير ج 1 / 542 و ج 2 / 42، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 3 / 276، كنز العمال ج 4 / 266، دلائل الصدق ج 3 /
99 و 100 عن مبادئ الفقه الاسلامي للعرفي ص 38، سيرة المصطفى للسيد هاشم معروف
ص 274.
238

أن تفهم العامة أن خير العمل إنما هو الجهاد في سبيل الله ليندفعوا إليه، وتعكف
هممهم عليه، ورأوا أن النداء على الصلاة بخير العمل مقدمة لفرائضها الخمس
ينافي ذلك (330).
بل أوجسوا خيفة من بقاء هذا الفصل في الأذان والإقامة أن يكون سببا
في تنشيط العامة عن الجهاد، إذ لو عرف الناس أن الصلاة خير من العمل مع
ما فيها من الدعة والسلامة لاقتصروا في ابتغاء الثواب عليها وأعرضوا عن خطر
الجهاد المفضول بالنسبة إليها.
وكانت همم أولي الأمر يومئذ منصرفة إلى نشر الدعوة الإسلامية، وفتح
المشارق والمغارب.
وفتح الممالك لا يكون إلا بتشويق الجند إلى التورط في سبيله بالمهالك
بحيث يشربون في قلوبهم الجهاد، حتى يعتقدون أنه خير عمل يرجونه يوم
المعاد.

(330) السبب في حذف " حي على خير العمل " من الأذان؟
عن عكرمة قال: قلت لابن عباس أخبرني لأي شئ حذف من الأذان " حي على
خير العمل " قال: أراد عمر أن لا يتكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد فلذلك حذفها
من الأذان. راجع:
دراسات وبحوث في التاريخ والاسلام 1 / 238 عن الايضاح ص 201 - 202،
دعائم الإسلام ج 1 / 144، البحار ج 84 / 156 و 140، علل الشرائع ج 2 / 56، دلائل
الصدق ج 3 / 100 عن مبادئ الفقه الاسلامي للعرفي ص 38، الروض النضير ج 2 / 42
سيرة المصطفى للسيد هاشم معروف ص 274، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 /
97.
239

ولذا ترجح في نظرهم إسقاط هذا الفصل تقديما لتلك المصلحة على التعبد
بما جاء به الشرع الأقدس. فقال الخليفة الثاني وهو على المنبر - فيما نص عليه
القوشجي (1) في أواخر مبحث الإمامة من شرح التجريد، وهو من أئمة المتكلمين
على مذهب الأشاعرة -: " ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أنهى
عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير
العمل " (331).
وتبعه في إسقاطها عامة من تأخر عنه من المسلمين، حاشا أهل البيت ومن

(1) القوشجي هو علاء الدين علي بن محمد ذكره طاش كبرى زاده في كتابه
(الشقائق النعمانية) وغير واحد من أصحاب المعاجم فذكروا أنه قرأ على علماء سمرقند
وأخذ العلوم الرياضية عن المولى الفاضل القاضي زاده الرومي وعلى الأمير الغ بنك، ثم
ذهب إلى بلاد كرمان فقرأ على علمائها، ثم عاد إلى سمرقند، ثم أتى القسطنطينية على
عهد السلطان محمد خان فأكرمه وأعطاه مدرسة أيا صوفيا ورتب له في كل يوم مائتي
درهم، وعين لكل من أولاده وأتباعه منصبا.
وله من التصانيف شرح التجريد المشهور بالشرح الجديد في علم الكلام، والرسالة
المحمدية في علم الحساب نسبها إلى السلطان محمد خان، والرسالة الفتحية في علم
الهيئة سماها بذلك لفتح السلطان محمد خان عراق العجم، وله حاشية على أوائل شرح
الكشاف للتفتازاني وقد جمع عشرين متنا في عشرين علما سماه محبوب الحمائل. كان
بعض تلامذته يحمله ولا يفارقه.
أما شرحه للتجريد - تجريد الخواجة نصير الدين الطوسي أعلى الله مقامه - فمن
أحسن الشروح علما وهو منتشر بطبعه، وتوفي القوشجي في القسطنطينية سنة 879 ودفن
بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما (منه قدس).
(331) واعتذر بعد أن أرسله عنه إرسال المسلمات بأنه قد اجتهد في ذلك (منه قدس).
راجع: شرح التجريد للقوشجي ط إيران ص 484 مبحث الإمامة، كنز العرفان للسيوري
ج 2 / 158 عن الطبري في المستنير، الغدير ج 6 / 213، جواهر الأخبار والآثار ج 2 /
192 عن التفتازاني في حاشيته على شرح العضدي، الصراط المستقيم للبياضي ج.
240

يرى رأيهم " حي على خير العمل " من شعارهم، كما هو بديهي من مذهبهم،
حتى أن شهيد فخ - الحسين بن علي بن الحسن بن أمير المؤمنين عليهم السلام -
لما ظهر بالمدينة أيام الهادي من ملوك العباسيين، أمر المؤذن أن ينادي بها
ففعل. نص على ذلك أبو الفرج الإصبهاني حيث ذكر صاحب فخ ومقتله في
كتابه مقاتل الطالبين (332).
وذكر العلامة الحلبي في باب بدء الأذان ومشروعيته ص 110 على الجزء
الثاني من سيرته أن ابن عمر (رض) والإمام زين العابدين علي بن الحسين
عليهما السلام، كان يقولان في الأذان - بعد حي على الفلاح - حي على خير
العمل. أه‍ (333).

(332) وكل من ذكر شهيد فخ - وثورته المبرورة على الظلم والظالمين - نص
على ذلك (منه قدس).
الذي أمر هو عبد الله بن الحسن وليس الحسين بن علي راجع:
مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الإصبهاني ص 446 وفي طبع الحيدرية ص 297،
دراسات وبحوث في التاريخ والاسلام ج 1 / 237 - 238.
(333) السيرة الحلبية ج 2 / 305 ط مصطفى الحلبي.
القائلون بحي على خير العمل في الأذان من الصحابة والتابعين:
1 - عبد الله بن عمر:
سنن البيهقي ج 1 / 424 و 425، دلائل الصدق ج 3 / 100 عن مبادئ الفقه الاسلامي
للعرفي ص 38، مصنف عبد الرزاق ج 1 / 464 و 460، جامع ابن أبي شيبة ج 1 / 145،
الروض النضير ج 1 / 192، دراسات وبحوث في التاريخ والاسلام ج 1 / 234، المحلى
لابن حزم ج 3 / 160، جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة بحر الزخار للصعيدي
ج 2 / 192، السيرة الحلبية ط 1382 ه‍ ج 2 / 105، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج
3 / 89.
2 - علي بن الحسين (ع):
سنن البيهقي ج 1 / 425، دلائل الصدق ج 3 / 100 عن مبادئ الفقه الاسلامي
للعرفي ص 38، جواهر الأخبار والآثار ج 2 / 192، المحلى لابن حزم ج 3 / 160،
دعائم الإسلام ج 1 / 145، البحار ج 84 / 179، السيرة الحلبية ج 2 / 105 ط 1382 ه‍
باب الأذان، الصحيح من سيرة النبي ج 3 / 96.
3 - سهل بن حنيف:
سنن البيهقي ج 1 / 425، دلائل الصدق ج 3 / 100 عن مبادئ الفقه الاسلامي
للعرفي ص 38، المحلى لابن حزم ج 3 / 160، الصحيح من سيرة النبي ج 3 / 91.
4 - بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وآله:
منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 3 / 276، دلائل الصدق ج 3 / 99، كنز
العمال ج 4 / 266، الصحيح من سيرة النبي ج 3 / 91.
5 - الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
جواهر الأخبار والآثار ج 2 / 191، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 5 / 284.
6 - أبي محذورة أحد مؤذني رسول الله صلى الله عليه وآله:
البحر الزخار ج 2 / 191 و 192، وجواهر الأخبار والآثار هامش نفس الصفحة،
ميزان الاعتدال ج 1 / 139، لسان الميزان ج 1 / 268.
7 - زيد بن أرقم:
الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 5 / 283.
8 - الإمام الباقر عليه السلام:
البحر الزخار وجواهر الأخبار والآثار ج 2 / 192، دعائم الإسلام ج 1 / 145،
البحار ج 84 / 156.
9 - الإمام الصادق عليه السلام:
دعائم الإسلام ج 1 / 142، البحار ج 84 / 156.
ولأجل المزيد من الاطلاع على هذا الموضوع:
راجع: دراسات وبحوث في التاريخ والاسلام ج 1 / 233 - 241، الصحيح
من سيرة النبي ج 3 / 88 وما بعدها.
241

قلت: وهذا متواتر عن أئمة أهل البيت، فراجع حديثهم وفقههم لتكون
على بصيرة من رأيهم وروايتهم عليهم السلام (334).
[فصل]
فصول الأذان عندنا ثمانية عشر، الله أكبر أربعا، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على خير
العمل، الله أكبر. لا إله إلا الله. كل منها مرتان.
وفصول الإقامة سبعة عشر، هي فصول الأذان غير أنها مثنى مثنى إلا " لا
إله إلا الله " فمرة واحدة، ويزاد فيها " بعد الحيعلات الثلاث قبل التكبير " قد
قامت الصلاة، مرتين (335).
ويستحب الصلاة على محمد وآل محمد بعد ذكره صلى الله عليه وآله كما يستحب
إكمال الشهادتين بالشهادة لعلي بالولاية لله تعالى وإمرة المؤمنين في الأذان
والإقامة.
وقد أخطأ وشذ من حرم ذلك، وقال بأنه بدعة فإن كل مؤذن في الإسلام

(334) راجع: وسائل الشيعة للحر العاملي ك الصلاة باب 19 من أبواب الأذان
والإقامة ح 5 و 6 و 8 و 9 و 12، جامع أحاديث الشيعة ج 4 / 665 و 673 و 674 و 676
679 و 680 و 683 و 684 و 685، بحار الأنوار ج 84 / 136 و 140 و 141 و 149
و 150 و 154 و 156 و 171. وراجع أيضا الكافي للكليني، التهذيب والاستبصار
للطوسي، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ج 1 / 290 ح 897.
وراجع من كتب الفقه:
جواهر الكلام ج 9 / 81 - 92، الحدائق ج 7 / 398، تذكرة الفقهاء ج 1 / 104
ط قديم.
(335) راجع المصادر المتقدمة تحت رقم (334).
243

يقدم كلمة للأذان يوصلها به كقوله: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا) (الآية)،
(336) أو نحوها ويلحق به كلمة يوصله بها كقوله: (الصلاة والسلام عليك يا
رسول الله) أو نحوها. وهذا ليس من المأثور عن الشارع في الأذان، وليس
ببدعة ولا هو محرم قطعا لأن المؤذنين كلهم لا يرونه من فصول الأذان، وإنما
يأتون به عملا بأدلة عامة تشمله وكذلك الشهادة لعلي بعد الشهادتين في الأذان
فإنما هي عمل بأدلة عامة تشملها.
على أن الكلام القليل من سائر كلام الآدميين لا يبطل به الأذان ولا الإقامة
ولا هو حرام في أثنائها، فمن أين جاءت البدعة والحرام؟ وما الغاية بشق عصا
المسلمين في هذه الأيام؟.
[المورد - (25) - الطلاق وما أحدثوا فيه بعد النبي صلى الله عليه وآله:]
وذلك أن الطلاق الثلاث الذي لا تحل المطلقة بعده لمطلقها إلا بالمحلل
الشرعي المعروف، إنما هو الطلاق الثالث، المسبوق برجعتين مسبوقتين
بطلاقين، وذلك بأن يطلقها أولا ثم يرجعها، ثم يطلقها ثانيا ثم يرجعها، ثم
يطلقها ثالثا وحينئذ لا تحل له حتى يأتي بالمحلل المعلوم. هذا هو الطلاق
الثالث الذي لا تحل المطلقة بعد لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره، وبه جاء
التنزيل: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) إلى أن قال عز
من قائل: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) (الآية) (337)

(336) سورة الأسراء: 111.
راجع: البحار ج 84 / 111، الحدائق ج 7 / 403.
(337) سورة البقرة: 229 و 230.
244

وإليك ما قاله أئمة العربية في تفسيرها، واللفظ للزمخشري في كشافه جعله
كشرح مزجي، قال: (الطلاق) بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم (مرتان)
أي التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والارسال
دفعة واحدة. ولم يرد بالمرتين التثنية ولكن أراد التكرير كقوله: (ثم ارجع
البصر كرتين) أي كرة بعد كرة. إلى أن قال: وقوله تعالى (فإمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان) تخيير لهم - بعد أن علمهم كيف يطلقون - بين أن يمسكوا
النساء بحسن المعاشرة والقيام بواجبهن، وبين أن يسرحوهن السراح الجميل
الذي لهن عليهم. قال: وقيل معناه الطلاق الرجعي مرتان - مرة بعد مرة -
لأنه لا رجعة بعد الثلاث. إلى أن قال: (فإن طلقها) الطلاق المذكور
الموصوف بالتكرار في قوله تعالى: (الطلاق مرتان) واستوفى نصابه أو فإن
طلقها مرة ثالثة بعد المرتين (فلا تحل له من بعد) أي بعد ذلك التطليق (حتى
تنكح زوجا غيره).. الخ (338).
قلت: هذا هو معنى الآية وهو المتبادر منها إلى الأذهان وبه فسرها
المفسرون كافة، ولا يمكن أن يكون قوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد)
متناولا لقول القائل لزوجته (أنت طالق ثلاثا) إلا أن يكون قبل ذلك قد تكرر
منه طلاقها مرتين بعد كل مرة منهما رجعة كما لا يخفى.
لكن عمر رأى أيام خلافته تهافت الرجال على طلاق أزواجهم ثلاثا
بإنشاء واحد فألزمهم بما ألزموا به أنفسهم عقوبة أو تأديبا، والسنن صريحة في
نسبة ذلك إليه (339).

(338) الكشاف للزمخشري ج، أحكام القرآن للجصاص ج 1 / 447، الغدير ج
6 / 181.
(339) الغدير للأميني ج 6 / 178 - 179، صحيح مسلم ك الطلاق باب طلاق
الثلاث، سنن أبي داود ج 1 / 344، أحكام القرآن للجصاص، سنن النسائي، سنن البيهقي،
الدر المنثور ج 1 / 279، تيسير الوصول، عمدة القاري للعيني ج 20 / 233، كنز العمال.
245

وحسبك منها ما عن طاووس من أن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من
هناتك ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر واحدة؟
فقال: قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم
انتهى بلفظ مسلم في صحيحه (340).
وعن ابن عباس من عدة طرق كلها صحيحة، قال: كان الطلاق على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال
عمر بن الخطاب: أن الناس قد استعجلوا في أمر قد كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه
عليهم، فأمضاه عليهم. انتهى بلفظ مسلم في صحيحه (341).
وأخرجه الحاكم في مستدركه مصرحا بصحته على شرط الشيخين،
وأورده الذهبي، في تلخيص المستدرك معترفا بصحته على شرطهما أيضا (3).

(340) في باب طلاق الثلاث من كتاب الطلاق ص 575 من الجزء الأول من صحيحه
وأخرجه البيهقي ص 336 من الجزء السابع من سننه. وأبو داود في كتاب الطلاق من
السنن فراجع منه الحديث الأخير من باب نسخ المراجعة بعد الثلاث تطليقات (منه قدس).
صحيح مسلم ك الطلاق باب طلاق الثلاث ج 4 / 184 ط العامرة، سنن أبي داود
ج 1 / 574، الغدير ج 6 / 179.
(341) في باب طلاق الثلاث من كتاب الطلاق من جزئه الأول (منه قدس).
صحيح مسلم ك الطلاق باب طلاق الثلاث ج 4 / 184 ط العامرة، إرشاد الساري
ج 8 / 127، الدر المنثور ج 1 / 279، الغدير ج 6 / 178، مسند أحمد ج 1 / 314،
سنن البيهقي ج 7 / 336، تفسير القرطبي ج 3 / 130.
(3) راجع من كل من المستدرك وتلخيصه كتاب الطلاق ص 196 من الجزء الثاني
فإن هذين الكتابين مطبوعان معا وصحائفهما متحدة (منه قدس).
246

وأخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس في مسنده (1). ورواه غير واحد
من أصحاب السنن وإثبات السنن (2).
ونقله العلامة الشيخ رشيد رضا في ص 210 من المجلد الرابع من مجلته
" المنار " عن كل من أبي داود والنسائي والحاكم والبيهقي ثم قال - ما هذا
لفظه -: ومن قضاء النبي صلى الله عليه وآله بخلافه ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس (3)
قال: طلق ركانة زوجته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله
رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف طلقتها؟. قال ثلاثا. قال صلى الله عليه وآله: في مجلس واحد؟.
قال نعم. قال صلى الله عليه وآله: فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت. ا ه‍ (342).
وأخرج النسائي من رواية مخرمة بن بكير عن أبيه عن محمود بن لبيد أن
رسول الله صلى الله عليه وآله أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام صلى الله عليه وآله
غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم!. حتى قام رجل، فقال
يا رسول الله ألا نقتله؟ (343) إلى آخر ما جاء من السنن الصحيحة صريحا

(1) راجع من المسند ص 314 من جزئه الأول (منه قدس).
(2) كالبيهقي ص 336 من الجزء السابع من سننه، والقرطبي في الجزء الثالث
ص 130 من تفسيره جازما بصحته وغير هؤلاء من أمثالهم (منه قدس).
(3) ذكره ابن إسحاق في ص 191 من الجزء الثاني من سيرته (منه قدس).
(342) بداية المجتهد ج 2 / 61، الغدير ج 6 / 182.
(343) وقد نقله قاسم بك أمين المصري ص 172 من كتابه - تحرير المرأة - عن
النسائي والقرطبي والزيلعي لكن بالإسناد إلى ابن عباس، وربما دل هذا الحديث على
فساد الطلاق الثلاث بالمرة لكونه لعبا، وبذلك قال سعيد بن المسيب وجماعة من
التابعين، لكن الصواب أن اللعب إنما هو في قول ثلاثا فيلغى، وأما قوله أنت طالق يؤثر
أثره لأنه جد لا لعب فيه (منه قدس).
سنن النسائي ج 6 / 142، تيسير الوصول ج 3 / 160، تفسير ابن كثير ج 1 / 377،
إرشاد الساري ج 8 / 128، الدر المنثور ج 1 / 283، الغدير ج 6 / 181.
247

في ذلك ولذا ترى علماء الإسلام وأثباتهم يرسلونه إرسال المسلمات.
وحسبك منهم الأستاذ الكبير خالد محمد خالد المصري المعاصر وقد
قال في كتابه " الديمقراطية ": ترك عمر بن الخطاب النصوص الدينية المقدسة
من القرآن والسنة عندما دعته المصلحة لذلك، فبينا يقسم القرآن للمؤلفة
قلوبهم حظا من الزكاة ويؤديه الرسول وأبو بكر، يأتي عمر فيقول: لا نعطي
على الإسلام شيئا، وبينا يجيز الرسول وأبو بكر بيع أمهات الأولاد يأتي عمر
فيحرم بيعهن، وبينا الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع واحدا بحكم السنة
والاجماع جاء عمر فترك السنة وحطم الإجماع.
هذا كلامه بعين لفظه فراجعه في ص 150 من " ديمقراطيته ".
وقال الأستاذ الدكتور الدواليبي - حيث ذكر عمر وإيقاعه الطلاق الثلاث
بكلمة واحدة في كتابه أصول الفقه (1) ما هذا لفظه -: " ومما أحدثه عمر رضي
الله عنه تأييدا لقاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان، هو إيقاعه الطلاق الثلاث بكلمة
واحدة، مع أن المطلق في زمن النبي صلى الله عليه وآله وزمن خليفته أبي بكر وصدرا
من خلافة عمر كان إذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد جعلت واحدة كما
ثبت ذلك في الخبر الصحيح عن ابن عباس، وقد قال عمر بن الخطاب: إن
الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.
قال: وقال ابن القيم الجوزية في ذلك: ولكن أمير المؤمنين عمر رضي
الله عنه رأى أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق، وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة
فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم فإذا علموا ذلك كفوا عن الطلاق
فرأى عمر أن هذه مصلحة لهم في زمانه. ورأى أن ما كان عليه في عهد النبي
وعهد الصديق وصدرا من خلافته كان الأليق بهم لأنهم لم يتتابعوا فيه، وكانوا

(1) فراجع منه آخر ص 246 والتي بعدها (منه قدس).
248

يتقون الله في الطلاق.
إلى أن قال: فهذا مما تغيرت به الفتوى لتغير الزمان (1) (قال): وعلم
الصحابة حسن سياسة عمر وتأديبه لرعيته في ذلك فوافقوه على ما ألزم به (2)
وصرحوا لمن استفتاهم بذلك (3) (قال): غير أن ابن القيم نفسه جاء فأبدى
ملاحظته بالنسبة لزمنه، رغبة في الرجوع بالحكم إلى ما كان عليه في عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله لأن الزمن قد تغير أيضا، وأصبح إيقاع الطلاق الثلاث بكلمة
واحدة مدعاة لفتح باب التحليل الذي كان مسدودا على عهد الصحابة (4)
وقال: بأن العقوبة إذا تضمنت مفسدة أكثر من الفعل المعاقب عليه كان تركها
أحب إلى الله ورسوله (5).
(قال): وقال ابن تيمية: ولو رأى عمر رضي الله عنه عبث المسلمين
في تحليل المبانة لمطلقها ثلاثا لعاد إلى ما كان عليه الأمر في عهد الرسول.
(قال): وإن ما أبداه ابن تيمية من الملاحظات القيمة قد كان مدعاة لعودة
المحاكم الشرعية في مصر الآن إلى ما كان عليه الحكم في عهد الرسول عملا
بقاعدة تغير الأزمان (344).

(1) سبحانك اللهم إذا صح للمجتهدين تغيير أمثال هذه الفتوى بتغيير الزمان
حتى في هذه الفترة الوجيزة الكائنة بين خلافة الخليفتين، فعلى أحكام الكتاب والسنة
ونصوصهما السلام. وي. وي. ما أفظع هذا الخطر إذا بنى المجتهدون على مثل هذه
القاعدة التي ما أنزل الله بها من سلطان (منه قدس).
(2) هذا مما لا دليل عليه. بل الأدلة قائمة على خلافه (منه قدس).
(3) قل هاتوا برهانكم (منه قدس).
(4) لم يكن في الزمن تغير ولا تغير الزمن يوجب تغير الحكم الشرعي المنصوص
عليه في الكتاب أو السنة وإنما عمل ابن القيم به علما منه أنه حكم الله تعالى (منه قدس)
(5) سبحان الله ما هذا التلاعب (منه قدس).
(344) بل عملا بنص الكتاب وصريح السنة (منه قدس).
ولأجل الاطلاع على الموضوع بصورة أوسع راجع:
الغدير ج 6 / 178 - 183.
249

[المورد - (26) - صلاة التراويح:]
وذلك أن صلاة التراويح ما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله ولا كانت على عهده
بل لم تكن على عهد أبي بكر ولا شرع الله الاجتماع لأداء نافلة من السنن
غير صلاة الاستسقاء.
وإنما شرعه في الصلوات الواجبة كالفرائض الخمس اليومية، وصلاة
الطواف، والعيدين والآيات وعلى الجنائز.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقيم ليالي رمضان بأداء سننها في غير جماعة، وكان
يحض على قيامها، فكان الناس يقيمونها على نحو ما رأوه صلى الله عليه وآله يقيمها.
وهكذا كان الأمر على عهد أبي بكر حتى مضى لسبيله سنة ثلاثة عشر
للهجرة (1) وقام بالأمر بعده عمر بن الخطاب، فصام شهر رمضان من تلك السنة
لا يغير من قيام الشهر شيئا، فلما كان شهر رمضان سنة أربع عشرة أتى المسجد
ومعه بعض أصحابه، فرأى الناس يقيمون النوافل وهم ما بين قائم وقاعد وراكع
وساجد وقارئ ومسبح ومحرم بالتكبير ومحل بالتسليم في مظهر لم يرقه،
ورأى من واجبه إصلاحه فسن لهم التراويح (2) أوائل الليل من الشهر وجمع
الناس عليها حكما مبرما، وكتب بذلك إلى البلدان ونصب للناس في المدينة

(1) وكان ذلك ليلة الأربعاء لثمان بقين من ج 2 وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر
وعشرة أيام (منه قدس).
(2) التراويح هي النافلة جماعة في ليالي شهر رمضان، وإنما سميت تراويح
للاستراحة فيها بعد كل أربع ركعات. ونحن الإمامية لا تفوتنا والحمد لله نؤديها كما كان
يؤديها رسول الله كما وكيفا عملا بقوله صلى الله عليه وآله: صلوا كما رأيتموني أصلى (منه قدس).
250

إمامين يصليان بهم التراويح إماما للرجال وإماما للنساء، وهذا كله أخبار
متواترة (345).
وحسبك منها ما أخرجه الشيخان في صحيحهما (1) من أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: من قام رمضان - أي بأداء سننه - إيمانا واحتسابا غفر الله ما تقدم من
ذنبه، وأنه صلى الله عليه وآله توفي والأمر كذلك - أي وأمر القيام في شهر رمضان لم يتغير
عما كان عليه قبل وفاته صلى الله عليه وآله - ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر
وصدرا من خلافة عمر ا ه‍ (346).
وأخرج البخاري في كتاب التراويح أيضا من الصحيح عن عبد الرحمن
ابن عبد القاري (2) قال: خرجت مع عمر ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا

(345) عمر يضع إماما لصلاة التراويح:
الكامل في التاريخ ج 3 / 31، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 / 281 وذكر أن ذلك
كان سنة 14 للهجرة.
وذكر النظام أن عمر هو الذي أبدع صلاة التراويح كما في: الملل والنحل
للشهرستاني ج 1 / 78 ط 1368 ه‍.
(1) فراجع من صحيح البخاري كتاب صلاة التراويح ص 233 من جزئه الأول.
وراجع من صحيح مسلم باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح من كتاب صلاة
المسافرين وقصرها ص 283 والتي بعدها من جزئه الأول (منه قدس).
(346) في عهد الرسول صلى الله عليه وآله صلاة التراويح كانت فرادى:
صحيح مسلم ك الصلاة باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح ج 2 / 177
ط العامرة، صحيح البخاري ج 2 / 251، الطرائف لابن طاوس ج 2 / 454 عن الجمع
بين الصحيحين، موطأ مالك ج 1 / 113.
(2) عبد القاري بتنوين عبد وتشديد ياء القاري نسبة إلى قارة وهو ابن ديش بن
ملحم ابن غالب المدني. كان هذا عامل عمر على بيت المال وهو حليف بني زهرة.
روى عن عمر وأبي طلحة، وأبي أيوب، وأبي هريرة. وروى عنه ابنه محمد، والزهري
ويحيى بن جعدة بن هبيرة. مات سنة ثمانين. وله ثمان وسبعون سنة (منه قدس).
251

الناس أوزاع متفرقون، إلى أن قال: فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء
على قارئ واحد كان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب (قال): ثم
خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم. قال عمر: نعمت البدعة
هذه.. (347).
قال العلامة القسطلاني في أول الصفحة الرابعة من الجزء الخامس من
إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري عند بلوغه إلى قول عمر في هذا
الحديث: نعمت البدعة هذه، ما هذا لفظه: سماها بدعة لأن رسول الله صلى الله عليه وآله
لم يسن لهم، ولا كانت في زمن الصديق رضي الله عنه. ولا أول الليل، ولا
هذا العدد.. الخ. وفي تحفة الباري وغيره من شرح البخاري مثله فراجع.
وقال العلامة أبو الوليد محمد بن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر في حوادث
سنة 23 من تاريخه - روضة المناظر -: هو أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد،
وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز، وأول من جمع الناس
من إمام يصلي بهم التراويح.. الخ (348).
ولما ذكر السيوطي في كتابه - تاريخ الخلفاء - أوليات عمر نقلا عن
العسكري (1) قال: هو أول من سمي أمير المؤمنين، وأول من سن قيام شهر

(347) صحيح البخاري ك التراويح ج 2 / 252، موطأ مالك ج 1 / 114، الطرائف
لابن طاوس ص 445 عن الجمع بين الصحيحين.
(348) أول من جعل إماما للتراويح عمر:
روضة الناظرين لابن الشحنة بهامش الكامل ط قديم، إرشاد الساري في شرح صحيح
البخاري ج.
(1) العسكري هو الحسن بن عبد الله بن سهيل بن سعيد بن يحيى يكنى أبا اللغوي
له كتاب الأوائل فرغ من تأليفه يوم الأربعاء لعشر خلت من شعبان سنة 395 (منه قدس).
252

رمضان - بالتراويح - وأول من حرم المتعة، وأول من جمع الناس في صلاة
الجنائز على أربع تكبيرات.. الخ (349).
وقال محمد بن سعد - حيث ترجم عمر في الجزء الثالث من الطبقات -:
وهو أول من سن قيام شهر رمضان - بالتراويح - وجمع الناس على ذلك،
وكتب به إلى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة، وجعل للناس
بالمدينة قارئين قارئا يصلي التراويح بالرجال، وقارئا يصلي بالنساء..
الخ (350).
وقال ابن عبد البر في ترجمة عمر من الاستيعاب: وهو الذي نور شهر
الصوم بصلاة الإشفاع فيه (351).
كان هؤلاء عفا الله عنهم وعنا، رأوه رضي الله عنه قد استدرك (بتراويحه)
على الله ورسوله حكمة كانا عنها غافلين.
بل هم بالغفلة - عن حكمة الله في شرائعه ونظمه - أحرى، وحسبنا في
عدم تشريع الجماعة في سنن شهر رمضان وغيرها انفراد مؤديها - جوف
الليل في بيته - بربه عز وعلا يشكو إليه بثه وحزنه، ويناجيه بمهماته مهمة
مهمة حتى يأتي على آخرها ملحا عليه، متوسلا بسعة رحمته إليه، راجيا لاجئا،
راغبا، منيبا تائبا، معترفا لائذا عائذا، لا يجد ملجأ من الله تعالى إلا إليه، ولا
منجى منه إلا به.

(349) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص، الكامل في التاريخ ج 3 / 31.
(350) صلاة التراويح جماعة كانت سنة 14 ه‍:
الطبقات لابن سعد ج 3 / 281، تاريخ الطبري ج 3 / 22 ط الحسينية، الكامل لابن
الأثير ج 3 / 31 ط دار الكتاب العربي، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 / 75.
(351) الإستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة ج 2 / 460 ط 1.
253

لهذا ترك الله السنن حرة من قيد الجماعة ليتزودوا فيها من الانفراد بالله
ما أقبلت قلوبهم عليه، ونشطت أعضاؤهم له، يستقل منهم ما يستقل، ويستكثر
من يستكثر، فإنها خير موضوع، كما جاء في الأثر عن سيد البشر.
أما ربطها بالجماعة فيحد من هذا النفع، ويقلل من جدواه.
أضف إلى هذا أن إعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظها من
البركة والشرف بالصلاة فيها، ويمسك عليها حظها من تربية الناشئة على حبها
والنشاط لها، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء والأمهات والأجداد والجدات،
وتأثيره في شد الأبناء إليها شدا يرسخها في عقولهم وقلوبهم، وقد سأل عبد الله
ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وآله أيما أفضل: الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟.
فقال صلى الله عليه وآله: " ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد فلإن أصلي في بيتي أحب
إلي من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة " رواه أحمد وابن
ماجة وابن خزيمة في صحيحه كما في باب الترغيب في صلاة النافلة من كتاب
الترغيب والترهيب للإمام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري
(352). وعن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " صلوا أيها الناس في بيوتكم
فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة " رواه النسائي وابن خزيمة
في صحيحه. (353).
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أكرموا بيوتكم ببعض

(352) يستحب صلاة النافلة في البيت:
مسند أحمد ج، سنن ابن ماجة ج 1 / 439 ح 1378 صحيح ابن خزيمة ج،
الترغيب والترهيب للمنذري ج 1 / 279، مجمع الزوائد وصححه.
(353) الترغيب والترهيب للمنذري ج 1 / 380، الفتح الكبير للنبهاني ج 2 /
190.
254

صلاتكم " (354). وعنه صلى الله عليه وآله: " مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي
لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت " أخرجه البخاري ومسلم (355). وعن
جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل
لبيته نصيبا من صلاته، وأن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا " رواه مسلم
وغيره ورواه ابن خزيمة في صحيحه بالإسناد إلى أبي سعيد. (356) والسنن
في هذا المعنى لا يسعها هذا الاملاء (357).
لكن الخليفة رضي الله عنه رجل تنظيم وحزم، وقد راقه من صلاة الجماعة
ما يتجلى فيها من الشعائر بأجلى المظاهر إلى ما لا يحصى من فوائدها الاجتماعية
التي أشبع القول علماؤنا الأعلام ممن عالجوا هذه الأمور بوعي المسلم
الحكيم وأنت تعلم أن الشرع الاسلامي لم يهمل هذه الناحية، بل اختص
الواجبات من الصلوات بها، وترك النوافل للنواحي الأخر من مصالح البشر
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من
أمرهم) (358).

(354) الترغيب والترهيب ج 1 / 280، الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 227.
(355) صحيح مسلم ك الصلاة باب استحباب صلاة النافلة في بيته ج 2 / 188 ط
العامرة، الفتح الكبير ج 3 / 128، الترغيب والترهيب ج 1 / 278.
(356) صحيح مسلم ك الصلاة باب استحباب صلاة النافلة في بيته ج 2 / 187 ط
العامرة، صحيح ابن خزيمة، الفتح الكبير ج 1 / 142، الترغيب والترهيب ج 1 / 278.
(357) راجع: صحيح مسلم ك الصلاة باب استحباب صلاة النافلة في بيته ج 2
/ 187.
(358) سورة الأحزاب: 36.
255

[المورد - (27) - صلاة الجنائز:]
وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله كان يكبر على الجنائز خمسا، لكن الخليفة الثاني
راقه أن يكون التكبير في الصلاة عليها أربعا فجمع الناس على الأربع، نص
على ذلك جماعة من أعلام الأمة كالسيوطي (نقلا عن العسكري) حيث ذكر
أوليات عمر من كتابه " تاريخ الخلفاء " وابن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر سنة
23 من كتابه " روضة المناظر " المطبوع في هامش تاريخ ابن الأثير وغيرهما
من أثبات المتتبعين (359).
وحسبك ما في كتاب الديمقراطية لمؤلفه الأستاذ خالد محمد خالد مما
أوردناه آنفا في مبحث الطلاق الثلاث فراجع.
وقد أخرج الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم عن عبد الاعلى، قال:
صليت خلف زيد ابن أرقم على جنازة فكبر خمسا، فقام إليه أبو عيسى عبد
الرحمن بن أبي ليلى فأخذ بيده فقال: أنسيت؟ قال: لا، ولكني صليت خلف
أبي القاسم خليلي صلى الله عليه وآله فكبر خمسا فلا أتركه أبدا انتهى (1).
قلت: وصلى زيد بن أرقم على سعد بن جبير المعروف بسعد بن حبتة وهي
أمه، وهو من الصحابة فكبر على جنازته خمسا، فيما رواه ابن حجر في ترجمة
سعد من إصابته. ورواه ابن قتيبة في أحوال أبي يوسف من معارفه، (360)

(359) راجع: روضة الناظر لابن الشحنة بهامش الكامل ج 1 / 203 ط قديم،
الكامل في التاريخ ج 3 / 31، الغدير ج 6 / 245.
(1) راجعه في ص 370 من الجزء الرابع من المسند (منه قدس).
(360) الإصابة لابن حجر ج 2 / 22، المعارف لابن قتيبة ص، الطبقات لابن
سعد.
256

وكان سعد هذا جد أبي يوسف القاضي.
وأخرج الإمام أحمد من حديث حذيفة من طريق يحيى بن عبد الله الجابر
قال صليت خلف عيسى مولى لحذيفة بالمدائن على جنازة فكبر خمسا، ثم
التفت إلينا فقال: ما وهمت ولا نسيت ولكن كبرت كما كبر مولاي وولي نعمتي
حذيفة بن اليمان صلى على جنازة وكبر خمسا ثم التفت إلينا فقال: ما نسيت
ولا وهمت ولكن كبرت كما كبر رسول الله صلى الله عليه وآله (الحديث) (361).
[المورد - (28) - اشتراط التوارث بين الأخوة والأخوات أن لا يكون
للموروث منهم ولد]
قال الله تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة أن امرؤا هلك ليس
له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا
اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ
الأنثيين، يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم) (362) الآية صريحة
في اشتراط التوارث بين الأخوة والأخوات، أن لا يكون للموروث منهم ولد
والبنت ولد لغة وعرفا (363).

(361) راجعه في أول ص 406 من الجزء الخامس من المسند. ورواه الحافظ الذهبي
في ترجمة يحيى بن عبد الله الجابر من ميزان الاعتدال عن جرير الضبي عن يحيى الجابر
(منه قدس).
عمدة القاري ج 4 / 129، الغدير ج 6 / 245.
(362) سورة النساء: 176.
(363) ومعاجم اللغة كلها تشهد بذلك: وحسبك (يوصيكم الله في أولادكم للذكر
مثل حظ الأنثيين) وبشر بعض العرب ببنت فقال: والله ما هي بنعم الولد (منه قدس).
مجمع البحرين ج 3 / 165، معجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني
ص 569.
257

لكن عمر بن الخطاب حمل الولد في الآية على الذكر خاصة فواسى في
الميراث بين بنت الميت وأخته لأبيه وأمه، فجعل لكل منهما النصف مما ترك،
وتبعه في ذلك أهل المذاهب الأربعة (364).
أما أئمة العترة الطاهرة وأولياؤهم الإمامية فقد أجمعوا بأن لا حق للأخوة
وسائر العصبة مطلقا مع وجود الولد ذكرا كان أم أنثى متعددا كان أم منفردا
محتجين بهذه الآية، وبقوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله) ولهم في سقوط العصبة مع وجود الولد ولو كان بنتا واحدة لهجة
شديدة يعرفها من راجع نصوصهم في المواريث، ودونه كتاب وسائل الشيعة
إلى أحكام الشريعة وسائر مسانيدهم (365).
وقد سئل ابن عباس عن رجل توفي وترك بنته وأخته لأبيه وأمه فقال:
ليس لأخته شئ والبنت تأخذ النصف فرضا والباقي تأخذه ردا قال السائل:

(364) العصبة:
الفقه على المذاهب الخمسة ص 514 ط دار العلم للملايين، الفقه على المذاهب
الأربعة ج ص.
وكان الخليفة الثاني يجهل تفسير هذه الآية وحكم الكلالة وقد وردت على لسانه
عدة روايات في ذلك.
راجع: صحيح مسلم ك الفرائض باب ميراث الكلالة ج 5 / 61، وراجع بقية
الروايات في الغدير ج 6 / 127 ومع هذا فقد حكم الخليفة عمر بأن الذكر في الطبقة اللاحقه
يشارك الأنثى في الطبقة السابقة.
(365) أهل البيت لا يقولون بالعصبة:
وسائل الشيعة ك الفرائض والمواريث باب 17 من أبواب ميراث الأبوين ح 3
و 6 وباب 19 ح 1 و 2 و 3 و 4 و 6 وباب 1 من أبواب ميراث الأخوة والأجداد ح 1 و 2
و 3 و 4 و 5 و 7 و 8 و 9 و 12 وباب (2) أن الأخ إذا انفرد فله المال ح 2 و 5 إلى غير
ذلك من الأحاديث.
258

فإن عمر قضى بغير ذلك. قال ابن عباس: أأنتم أعلم أم الله؟. قال السائل:
ما أدري وجه هذا؟ حتى سألت ابن طاووس فذكرت له قول ابن عباس، فقال:
أخبرني أبي أنه سمع ابن عباس يقول: قال الله عز وجل: (إن امرء هلك
ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك)، فقلتم أنتم: لها نصف ما ترك وإن
كان لها ولد (366).
[المورد - (29) - عول الفرائض]
اختلف المسلمون في جواز العول وعدمه، وحقيقة العول أن تنقص التركة
عن ذوي السهام كأختين وزوج فإن للأختين الثلثين وللزوج النصف، وقد
التبس الأمر فيها على الخليفة الثاني فلم يدر أيهم قدم الله فيها ليقدمه، وأيهم
أخر ليؤخره، فقضى بتوزيع النقص على الجميع بنسبة سهامهم، وهذا
غاية ما يتحراه من العدل مع التباس الأمر عليه (367).
لكن أئمة أهل البيت وعلماؤهم عرفوا المقدم عند الله فقدموه، وعرفوا
المؤخر فأخروه - وأهل البيت أدرى بالذي فيه -.

(366) أخرج هذا الحديث جماعة من حفظة السنن وهو موجود في كتاب الفرائض
ص 339 من الجزء الرابع من مستدرك الحاكم. وقد صرح ثمة بأنه صحيح على شرط
الشيخين وأورده الذهبي في تلخيص المستدرك حاكما بصحته على شرطهما أيضا فراجع
(منه قدس).
وراجع: الفقه على المذاهب الخمسة ص 514.
(367) العول:
الفقه على المذاهب الخمسة ص 519، جواهر الكلام في شرح شرايع الإسلام ج
39 / 106 - 109.
259

قال: الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: كان أمير المؤمنين - علي عليه
السلام - يقول: " إن الذي أحصى رمل عالج ليعلم أن السهام لا تعول على ستة (1)
لو يبصرون وجهها " (368).
وكان ابن عباس يقول: من شاء باهلته عند الحجر الأسود إن الله لم يذكر
في كتابه نصفين وثلثا، وقال أيضا: سبحان الله العظيم أترون أن الذي أحصى
رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا، هذان النصفان قد ذهبا بالمال
فأين موضع الثلث؟. فقيل له يا أبا العباس فمن أول من أعال الفرائض؟ فقال:
لما التفت الفرائض عند عمر ودفع بعضها بعضا، قال: والله ما أدري أيكم
قدم الله وأيكم أخر، وما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال
بالحصص قال ابن عباس: وأيم الله لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر
الله ما عالت الفريضة، فقيل له: أيها قدم الله وأيها أخر.، فقال: كل فريضة لم
يهبطها الله إلا إلى فريضة، فهذا ما قدم الله وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت
عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي، فتلك التي أخر قال: فأما التي قدم فالزوج
له النصف، فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شئ ومثله

(1) كان الناس على عهده عليه السلام يفرضون كل شئ ستة أجزء كل جزاء سدس
كما يفرضون اليوم في عرفنا أربعة وعشرين قيراطا، وعليه فيكون مراده عليه السلام
أنكم لو تبصرون وجوه السهام إذا تعارضت لم تتجاوز السهام عن الستة، وحيث أنكم
لم تبصروا طرقها فقد تجاوزن عن الستة إذ أنكم تزيدون على الستة بقدر الناقص، مثلا
إذا اجتمع أبوان وبنتان وزوج فللأبوين اثنان من الستة وللبنتين أربعة منها فتمت الستة
فتزيدون على الستة واحدا ونصفا للزوج فتتجاوز السهام من الستة إلى سبعة ونصف.
وهذا ممتنع ولا يجوز على الله تعالى أن يفرضه أبدا (منه قدس).
(368) وسائل الشيعة ج 17 / 423 ح 9 و 14، الجواهر ج 39 / 106.
260

الزوجة والأم قال: وأما التي أخر ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان،
فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلا ما بقي (قال): فإذا اجتمع
ما قدم الله وما أخر بدئ بما قدم فأعطي حقه كاملا فإن بقي شئ كان لما أخر.
الحديث أورده شيخنا الشهيد الثاني في الروضة قال: وإنما ذكرناه على طوله
لاشتماله على أمور مهمة (369).
قلت: وأخرج الحاكم في كتاب الفرائض ص 340 من الجزء الرابع
من المستدرك عن ابن عباس أنه قال: أول من أعال الفرائض عمر وأيم الله
لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة، فقيل له: وأيها قدم
الله، وأيها أخر، فقال: كل فريضة لم يهبطها الله عز وجل عن فريضة إلا إلى
فريضة، فهذا ما قدم الله عز وجل كالزوج والزوجة والأم وكل فريضة إذا زالت
عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي فتلك التي أخر الله عز وجل كالأخوات والبنات
فإذا اجتمع من قدم الله عز وجل ومن أخر بدئ بمن قدم فأعطى حقه كاملا، فإن
بقي شئ كان لمن أخر.. (الحديث) (370).
وعلى هذا فإذا اجتمع الزوج والأم والبنات بدئ بالزوج والأم فأعطيا

(369) أهل البيت لا يعترفون بالعول:
راجع: الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 8 / 88 - 92، الكافي
للكليني ج 7 / 79 - 80 ح 2، من لا يحضره الفقيه ج 4 / 187، كنز العمال ج 11 / 19 -
20 ح 121، وسائل الشيعة ج 17 / 426 ب 7 من أبواب موجبات الإرث ح 6، جواهر
الكلام ج 39 / 106، الطرائف لابن طاوس ج 2 / 469 عن أبي هلال العسكري.
(370) قال الحاكم بعد إيراده: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه،
قلت: والذهبي لم يتعقبه إذ أورده في التلخيص إذعانا بصحته. ولنا حول العول في
أجوبة موسى جار الله أبحاث دقيقة فليراجعها كل ولوع بتمحيص الحقيقة (منه قدس).
وراجع: أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 109، السنن الكبرى ج 6 / 253، الغدير
ج 6 / 270، أجوبة مسائل جار الله ص 88 ط 2.
261

فريضتهما الثانية الربع للزوج والسدس للأم كاملين، وأعطي الباقي للبنتين
بالسواء، ولو اجتمع الأختان مع هؤلاء لم يكن لهما شئ أصلا، لأن مراتب
الإرث بالنسب عند أئمة أهل البيت وأوليائهم ثلاث " المرتبة الأولى ": الآباء
والأمهات دون آبائهم وأمهاتهم، والأبناء والبنات على ما هو مفصل في محله،
" المرتبة الثانية ": الأخوة والأخوات والأجداد والجدات على ما هو مبين في مظانه
من كتب الفقه والحديث. " المرتبة الثالثة " الأعمام والعمات والأخوال والخالات
على ما هو مفصل في فقهنا وحديثنا فلا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود
أحد من سابقتها (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (371).
هذا مذهب الأئمة من العترة التي جعلها الله ورسوله بمنزلة الكتب إلى
يوم الحساب، وعليه إجماع الإمامية. فالأختان من أهل المرتبة الثانية كما
بيناه فلا ترثان مع وجود الأم. والله تعالى أعلم (372).
[المورد - (30) - ميراث الجد مع الأخوة]
أخرج البيهقي في سننه وفي شعب الإيمان كليهما (1) أن عمر سأل النبي صلى
الله عليه وآله وسلم عن ميراث الجد مع الأخوة فقال له: ما سؤالك عن هذا
يا عمر؟ إني أظنك تموت قبل أن تعلمه، قال راوي هذا الحديث - سعيد بن
المسيب - فمات عمر قبل أن يعلمه (373).

(371) سورة الأنفال: 75.
(372) جواهر الكلام ج 39 / 111 - 195، الروضة البهية في شرح اللمعة
الدمشقية ج 8 / 22 - 24.
(1) وأخرجه الشيخ في فرائضه. ونقله المتقي الهندي في ص 15 من ج 6 من كنز
العمال (منه قدس).
(373) الغدير للأميني ج 6 / 116.
262

قلت: وقد اضطرب في هذه المسألة أيام خلافته حتى قضى فيها - فيما قيل
عنه - بسبعين حكما. قال عبيدة السلماني (1): لقد حفظت لعمر بن الخطاب
في الجد مائة قضية مختلفة (374).
وعن عمر قال (2): إني قضيت في الجد قضيات لم آل فيها عن الحق.
ورجع أخيرا في هذه المعضلة إلى زيد بن ثابت (375).
قال طارق بن شهاب الزهري (3): كان عمر بن الخطاب قضى في ميراث
الجد مع الأخوة قضايا مختلفة، ثم أنه جمع الصحابة وأخذ كتفا ليكتب فيه
وهم يرون أنه يجعله أبا فخرجت حية فتفرقوا فقال: لو أراد الله تعالى أن
يمضيه لأمضاه ثم أنه أتى إلى منزل زيد بن ثابت فقال له: جئتك في أمر الجد
وأريد أن أجعله أبا، فقال زيد: لا أوافقك على أن تجعله أبا فخرج عمر مغضبا
ثم أرسل إليه في وقت آخر فكتب زيد مذهبه فيه في قطعة قتب، فلما أتى عمر
كتاب زيد خطب الناس ثم قرأ قطعة القتب عليهم (ثم قال): إن زيدا قد قال:
في الجد قولا قد أمضيته (376).

(1) فيما أخرجه عنه ابن أبي شيبة والبيهقي في سننهما وابن سعد في طبقاته
ونقله صاحب كنز العمال في الفرائض ص 15 من جزئه السادس (منه قدس).
(374) سنن البيهقي ج 6 / 245، الجامع لابن أبي شيبة، الطبقات الكبرى لابن
سعد ج 2 / 336، الغدير للأميني ج 6 / 116 و 117.
(2) فيما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان كما في ص 15 من ج 6 من كنز العمال
(منه قدس).
(375) الغدير للأميني ج 6 / 117.
(3) فيما نقله الدميري في تتمة مادة الحية من حياة الحيوان. ومن أراد الوقوف
على ارتباك عمر في هذه القضية فعليه بالوقوف على ما حولها من صحاح السنة ومسانيدها
وحسبك ما في الفرائض من كنز العمال ومن مستدرك الحاكم (منه قدس).
(376) حياة الحيوان للدميري.
263

[المورد - (31) - الفريضة المشتركة وتعرف بالحمارية]
مجمل هذه الفريضة أن امرأة ماتت عن زوج وأم، وأخوين لأمها دون أبيها
وأخوين آخرين لأمها وأبيها معا، وذلك على عهد الخليفة الثاني فرفعت إليه
هذه القضية مرتين، فقضى في المرة الأولى بإعطاء زوجها فرضه وهو النصف
وإعطاء أمها فرضها وهو السدس، وإعطاء أخويها لأمها خاصة الثلث لكل منهما
السدس فتم المال، وأسقط أخويها الشقيقين.
وفي المرة الثانية أراد أن يحكم بذلك أيضا فقال له أحد الشقيقين:
هب أن أبانا كان حمارا فأشركنا في قرابة أمنا، فأشرك بينهم بتوزيع الثلث على
الأخوة الأربعة بالسواء، فقال له رجل: إنك لم تشركهما عام كذا، فقال عمر:
تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما قضينا الآن (377).
وتعرف هذه المسألة بالفريضة الحمارية؟ لقوله: هب أن أبانا كان حمارا

(377) أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة في سننهما، وعبد الرزاق في جامعه كما في
أول الصفحة الثانية من فرائض كنز العمال وهو الحديث 110 من أحاديث الكنز في
ص 7 من جزئه السادس، وذكر في هذه القضية الفاضل الشرقاوي في حاشيته على التحرير
للشيخ زكريا الأنصاري، ونقل صاحب مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: أن عمر
كان أولا يقول بعدم التشريك ثم رجع. قال: وسبب رجوعه إنه سئل عن هذه المسألة
فأجاب كما هو مذهبه فقام واحد من الأولاد لأب وأم وقال: يا أمير المؤمنين لئن سلمنا
أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة فأطرق رأسه مليا وقال: صدقت لأنكم بنو أم واحدة
فشركهم في الثلث. أه‍، وهذه الواقعة نقلها أحمد أمين بهذه الكيفية على سبيل
الاختصار في ص 285 من الجزء المختص بالحياة العقلية وهو الجزء الأول من فجر
الإسلام (منه قدس).
راجع: سنن البيهقي ج 6 / 255.
264

وربما سميت بالحجرية واليمية، إذ روى أن بعضهم قال: هب أن أبانا كان
حجرا ملقى في اليم، وقد تسمى العمرية لاختلاف قولي عمر فيها، ويقال لها
المشتركة (1) وهي من المسائل المعروفة عند فقهاء المذاهب الأربعة، وهم
مختلفون فيها فأبو حنيفة وصاحباه، وأحمد بن حنبل وزفر، وابن أبي ليلى،
يرون حرمان الأخوين الشقيقين على ما قضى به عمر أولا، بخلاف مالك والشافعي
فإنهما يشركان الشقيقين مع الأخوين لأم في الثلث (2) على ما قضى به خيرا (378)
أما أئمة أهل البيت وشيعتهم الإمامية فإنهم كما بيناه آنفا يجعلون الورثة
بالنسب ثلاث طبقات مرتبة لا يرث واحد من الطبقة اللاحقة مع وجود وارث
واحد من الطبقة السابقة مطلقا، والأم عندهم من الطبقة الأولى بخلاف الأخوة
والأخوات مطلقا فإنهم من الطبقة الثانية كما هو مفصل في فقههم، وعليه فالحكم
في هذه المسألة عندهم أن يأخذ الزوج فرضه وهو النصف، والباقي للأم فرضا
وردا، وليس لواحد من الأخوة مطلقا مع وجودها شئ (379).

(1) وبهذه المناسبة ذكرها الواسطي في تاج العروس في مادة شرك تجدها مفصلة
(منه قدس).
(2) كما قال بعضهم:
وأن تجد زوجا وأما ورثا * وإخوة للأم حازوا الثلثا -
وإخوة أيضا لأم وأب * واستغرقوا المال بفرض النصب -
فاجعلهم كلهم لأم * واجعل أباهم حجرا في اليم -
واقسم على الأخوة ثلث التركة * فهذه المسألة (المشتركة) -
(منه قدس)
(378) الفقه على المذاهب الخمسة ص 539، المغني لابن قدامة ج 6 / 180 ط 3.
(379) جواهر الكلام ج 39 / 112، تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج 2 / 378
وما بعدها، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 8 / 94.
265

[المورد - (32) - إن نصيب الورثة (مما ترك الوالدان والأقربون)
مطلق من حيث العروبة وغيرها.]
قال الله عز من قائل: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون،
وللنساء نصيب مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) (1) وقال سبحانه وتعالى:
(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) (2) وآيات الفرائض
والمواريث كلها على هذا النسق في إطلاقها وهي في سورة النساء فلتراجع،
ومثلها السنن المأثورة في هذا الموضوع، وعلى ذلك إجماع الأمة بأسرها
نصا وفتوى.
قال الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق عليه السلام: " الإسلام شهادة أن لا إله
إلا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح
والمواريث " (380).
وقال الإمام أبو جعفر محمد الباقر في صحيح حمران من كلام له: " والاسلام
ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق الإسلامية
كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح، واجتمعوا
على الصلاة والزكاة وصوم الشهر وحج البيت، فخرجوا بذلك عن الكفر
وأضيفوا إلى الإيمان " (381).

(1) الآية 6 من سورة النساء.
(2) الآية 10 من سورة النساء.
(380) الإرث والعروبة:
راجع: الكافي ك الإيمان والكفر ضمن مرآة العقول ج 7 / 151 ط جديد، صحيح
الكافي ج 1 / 69 ط بيروت.
(381) جامع أحاديث الشيعة ج 1 / 468 ب 20 ح 24 الكافي ضمن مرآة العقول
ج 7 / 155، الغدير ج 6 / 187.
266

لكن حدث مالك في الموطأ عن الثقة عنده أنه سمع سعيد بن المسيب
يقول: أبى عمر ابن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم (1) إلا أحدا ولد
في العرب، قال مالك: وإن جاءت امرأة حامل من أرض العدو فوضعته
في أرض العرب فهو ولدها يرثها أن ماتت وترثه أن مات ميراثها في كتاب الله
انتهى بعين لفظه (2).
[المورد - (33) - إرث الخال لابن أخته:]
أخرج سعيد بن منصور في سننه: أن رجلا عرف أختا له سبيت له في
الجاهلية فوجدها بعد ذلك ومعها ابن لها لا يدري من أبوه، فاشتراهما ثم
أعتقهما، فأصاب الغلام مالا ثم مات، فأتوا ابن مسعود فذكروا له ذلك. فقال:
أئت عمر فسله ثم ارجع إلي فأخبرني بما يقول لك، فأتى عمر فذكر ذلك له
فقال: ما أراك عصبته ولا بذي فريضة ولم يورثه، فرجع إلى ابن مسعود فأخبره،
فانطلق ابن مسعود معه حتى دخل على عمر فقال له كيف أفتيت هذا الرجل؟.
قال: لم أره عصبة ولا بذي فريضة ولم أر وجها لتوريثه، فما ترى أنت يا عبد الله
قال: أراه ذا رحم (لكونه خاله) وولي نعمة - لكونه معتقا - وأرى أن يورث
به، فأبطل عمر حكمه الأول وورثه به (382).

(1) لعل إباء عمر عن توريث أولئك الأعاجم مسبب عن عدم ثبوت كونهم من
ورثته شرعا، أما لكون ميتهم مسلما وهم كفار أو لكونهم لم يثبت لديه أنهم من أرحامه
الوارثين له والله تعالى أعلم (منه قدس).
(2) فراجعه في كتاب الفرائض ص 11 من ج 2 قبل الكلام في ميراث من جهل
أمره بالقتل (منه قدس).
(382) الفقه على المذاهب الخمسة ص 554.
267

نقل هذه الواقعة صاحب كنز العمال في كتاب الفرائض ص 8 من الجزء
السادس من كنزه، وإنما تصح فتوى ابن مسعود إذا كانت أم الغلام متوفاة قبل
ولدها.
[المورد - (34) - عدة الحامل يتوفى عنها زوجها:]
ذكر البيهقي في شعب الإيمان إن امرأة استفتت عمر فقالت له: وضعت
حملي بعد وفاة زوجي قبل انقضاء العدة، فأفتاها بوجوب التربص إلى أبعد
الأجلين، فعارضه أبي بن كعب بمحضر من المرأة، وروى له: أن عدتها أن
تضع حملها، وأباح لها أن تتزوج قبل الأربعة أشهر والعشر فلم يقل عمر لها
سوى: أني أسمع ما تسمعين (383) وعدل عن فتواه متوقفا، لكنه بعد ذلك
وافق أبي بن كعب فقال، بأنها لو وضعت ذا بطنها وزوجها على السرير لم
يدفن حلت للأزواج (1) وعلى هذا المنهاج سلك أهل المذاهب الأربعة إلى
هذه الأيام (384).
لكنا نحن الإمامية وجدنا في القرآن الحكيم آيتين تتعارضان في عدة
المتوفى عنها زوجها وهي حبلى، وهما قوله عز من قائل، (وأولات الأحمال

(383) وهذا الحديث هو الحديث 3376 في ص 166 من ج 5 من كنز العمال
فراجع (منه قدس).
عدة الحامل يتوفى عنها زوجها: كنز العمال ج.
(1) هذه الفتوى أخرجها عنه بالإسناد إليه كل من البيهقي وابن أبي شيبة في
سننهما وهي الحديث 3379 في ص 166 من الجزء الخامس من الكنز (منه قدس).
(384) الفقه على المذاهب الخمسة ص 433.
268

أجلهن أن يضعن حملهن) (385) وقوله تبارك وتعالى: (والذين يتوفون
منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (386) فالحبلى
المتوفي عنها زوجها إذا أخذت بالآية الأولى حلت للأزواج بوضع حملها
وإن لم تمض المدة المضروبة في الآية الثانية، وإن أخذت بالآية الثانية حلت
للأزواج بمضي المدة المضروبة فيها وإن لم تضع حملها، وعلى كلا الفرضين
تكون مخالفة لإحدى الآيتين، ولا يمكنها الأخذ بكلتيهما معا إلا إذا تربصت
إلى أبعد الأجلين، فإذا لا مندوحة لها عن ذلك، وهذا هو المروي عن أمير
المؤمنين علي (ع) وابن عباس (1) وعليه الإمامية عملا بنصوص أئمتهم عليهم
السلام (387).
[فصل]
اختلف المسلمون في ابتداء عدة الوفاة التي هي أربعة أشهر وعشر،
فالذي عليه الجمهور أن ابتداءها إنما هو موت زوجها سواء أعلمت بموته
إذ مات أم لم تعلم لغيبته عنها أو لسبب آخر (388).

(385) سورة الطلاق: 4.
(386) سورة البقرة: 234.
(1) رواه عنهما الزمخشري في الكشاف فراجع منه تفسير قوله تعالى (وأولات
الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) من سورة الطلاق وهذا مذهب أهل البيت عليهم السلام
وهو الأحوط (منه قدس).
(387) راجع: وسائل الشيعة ج 15 / 455 ك الطلاق باب 31 من أبواب العدد
جواهر الكلام ج 32 / 275، الروضة البهية للشهيد الثاني ج 6 / 62، الفقه على المذاهب
الخمسة ص 434، كشف اللثام ج 1 / 134 ك الطلاق.
(388) الفقه على المذاهب الخمسة ص 435.
269

أما ما نحن عليه من الرأي والعمل في هذه العدة، فإنما ابتداؤها علم
الزوجة بوفاة زوجها فلو تأخر علمها بذلك مهما تأخر فلا تتزوج حتى تمضي
عليها - بعد علمها بالوفاة - أربعة أشهر وعشر، وحينئذ تحل للأزواج عملا
بالتربص الذي هو صريح الآية، وأخذا بالحداد الواجب على المرأة بموت
زوجها (389).
[المورد - (35) - تزويج زوجة المفقود.]
قال الفاضل الدواليبي (1): وكذلك اجتهد عمر في زوجة المفقود حيث
حكم بأن لزوجة المفقود بعد أن يمضي أربع سنوات على فقدانه أن تتزوج
بعد أن تقضي عدتها، وإن لم يثبت موت زوجها، وذلك دفعا لضرر بقاء الزوجة
معلقة مدى العمر.
(قال): وبذلك أخذ الإمام مالك خلافا لمذهب الحنفية والشافعية الذين
قالوا ببقاء الزوجة في عصمة زوجها المفقود حتى تثبت وفاته أو تموت أقرانه
لأن الأصل النظري في ذلك اعتبار الاستمرار في حياته حتى يقوم دليل على
انقطاعها.
(قال): غير أن رأى عمر رضي الله عنه أجدر بالاعتبار لما فيه من دفع
ضرر ظاهر عن زوجة المفقود، وفيه كما ترى إطلاق النكاح لها خلافا لظواهر
نصوص الشريعة التي أخذ بها بقية الأئمة.

(389) تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج 2 / 340، جواهر الكلام ج 32 / 372،
الروضة البهية للشهيد الثاني ج 6 / 82، الفقه على المذاهب الخمسة ص 433.
(1) في ص 241 والتي بعدها من كتابه أصول الفقه (منه قدس).
270

(قال): وما هذا إلا تغيير للأحكام تبعا للأحوال، وذلك تقدير لظروف
خاصة لا بد من تقديرها دفعا للضرر والحرج، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" لا ضرر ولا ضرار " (390) وقال الله سبحانه وتعالى: (وما جعل عليكم
في الدين من حرج) (391) (قال): وليس ذلك في الحقيقة تعطيل للنصوص
بل أعمال لها على ضوء المصلحة والظروف. انتهى بلفظه.
قلت: أما نحن الإمامية فإن لدينا عن أئمة العترة الطاهرة. نصوصا تحكم
على الأصل النظري في ذلك، لتصريحها بأن المفقود إذا جهل خبره، وكان
لزوجته من ينفق عليها، وجب عليها التربص إلى أن يحضر، أو تثبت وفاته،
أو ما يقوم مقامهما. وإن لم يكن ثمة من ينفق عليها فلها أن ترفع أمرها إلى
الحاكم الشرعي، فإن فعلت بحث الحاكم عن أمره أربع سنين من حين رفع
أمرها إليه، في الجهة التي فقد فيها إن كانت معينة وإلا ففي الجهات الأربع،
ثم يطلقها الحاكم نفسه، أو يأمر الولي. والأحوط تقديم أمر الولي به فإن
امتنع طلق الحاكم لأنه مدلول الأخبار الصحيحة، وإنما يصح هذا الطلاق
بعد المدة، ورجوع الرسل أو ما في حكمه، وتعتد بعده عدة الوفاة أربعة أشهر
وعشرا، وتحل بعد العدة للزواج، فإن جاء المفقود في العدة فهو أملك بها،
وإلا فلا سبيل له عليها، سواء أوجدها قد تزوجت أم لا. هذا مذهب الإمامية
في المسألة تبعا لأئمتهم عليهم السلام (392).

(390) قاعدة لا ضرر ولا ضرار:
القواعد الفقهية للبجنوردي ج 1 / 176، وقد أورد الشيخ الأنصاري هذا الحديث
بطرق متعددة في رسالة خاصة طبعت ملحقا في آخر المكاسب له طبع إيران، القواعد
الفقهية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ص 22.
(391) سورة الحج: 78.
(392) تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج 2 / 340، جواهر الكلام ج 32 / 288
الروضة البهية للشهيد الثاني ج 6 / 65، وسائل الشيعة ج 14 ك النكاح باب - 44 -
من أبواب ما يحرم بالمصاهرة و ج 15 / 389 باب - 23 - من أبواب أقسام الطلاق.
271

[المورد - (36) - بيع أمهات الأولاد:]
تصافق الجمهور أعني أهل المذاهب الأربعة من المسلمين على أن الذي
حرم بيع أمهات الأولاد ونهى عنه إنما هو عمر، وأن بيعهن كان مباحا، على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعهد أبي بكر وفي شطر من خلافة عمر وعدوا ذلك
في مناقبه (1) كما عدوا التراويح وأمثالها (393).
لكن الباحثين عن حقيقة هذا الأمر وجدوا في السنن الثابتة عن رسول
الله صلى الله عليه وآله ما هو ظاهر في تحريم بيعهن، فعلموا أن عمر إنما أخذ بتلك السنن
وعمل على مقتضاها، وحسبك من علمه بها ما حدث به ابنه عبد الله أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أم الولد لا تباع ولا توهب ولا تورث ولا توقف، يستمتع
بها " أي مالكها " مدة حياته، فإذا مات عتقت بموته (394).
وحدث ابن عباس فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيما أمة ولدت من سيدها
فهي حرة عن دبره (395).
وهذان الحديثان أوردهما بعين لفظهما عن ابن عمر وابن عباس، شيخ
الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب أمهات الأولاد وهو في

(1) وحسبك في ذلك ما قاله خالد محمد خالد مما نقلناه عنه في مبحث الطلاق
الثلاث على كتابنا هذا فراجع (منه قدس).
(393) الكامل في التاريخ ج 3 / 31، الطبقات لابن سعد ج 3 / 281.
(394) الخلاف للشيخ الطوسي ج.
(395) الخلاف للشيخ الطوسي ج.
وقريب منه في: الفتح الكبير ج 1 / 262.
272

آخر المجلد الثاني من كتاب الخلاف، وعلى مقتضى الظاهر منهما، أن منع
عمر لم يكن عن رأي رآه، وإنما كان منه عملا بحديث ابنه عبد الله وحديث
ابن عباس ولعل هذا لا يخفى.
لكن الشيخ قد اضطرته نصوص الأئمة من أهل البيت في هذا الموضوع
إلى تأويل الحديثين بحملهما على ما يقتضيه مذهبهم عليهم السلام كما سنتلوه
عليك من كلامه. وإليك نصه:
قال: إذا استولد الرجل أمة في ملكه ثبت لها حرمة الاستيلاد، ولا يجوز
بيعها ما دامت حاملا، فإذا ولدت لم يزل الملك عنها ولم يجز بيعها ما دام ولدها
باقيا إلا في ثمن رقبتها، فإن مات ولدها جاز بيعها على كل حال، فإن مات
سيدها جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه، فإن لم يخلف غيرها عتق منها
نصيب ولدها واستسعت لباقي الورثة.
(قال) وبه قال علي عليه الصلاة والسلام، وابن الزبير، وابن عباس، وأبو
سعيد الخدري، وابن مسعود، والوليد ابن عقبة وسويد بن غفلة، وعمر بن
عبد العزيز وابن سيرين، وعبد الملك بن يعلى من أهل الظاهر.
(قال): وقال داود: يجوز التصرف فيها على كل حال ولم يفصل.
(قال) وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك: لا يجوز بيعها ولا التصرف
في رقبتها بوجه وتعتق عليه بوفاته.
(قال): دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فلا خلاف أنه يجوز وطؤها
بالملك فلو كان الملك قد زال لما جاز ذلك، وأيضا فلا خلاف أنه يجوز عتقها،
فلو كان زال الملك عنها لما جاز ذلك، وأيضا فالأصل كونها رقا فمن ادعى
زوال ذلك وثبوت عتقها بعد وفاته فعليه الدلالة.
(قال): وما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " أيما أمة ولدت من
273

سيدها فهي حرة عن دبره " فمحمول على أنه إذا مات سيدها فحصلت لولدها
فإنها تنعتق عليه.
(قال): وما رواه عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " أم الولد لا تباع
ولا توهب ولا تورث ولا توقف. يستمتع بها مدة حياته فإذا مات عتقت بموته ".
فالمعنى فيه أن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيا فإذا مات سيدها انعتقت على
ما قلناه في الخبر الأول. هذا كلام الشيخ بنصه أعلى الله مقامه (396).
[المورد - (37) - وجوب التيمم للصلاة ونحوها مع فقد الماء.]
حسبك من النصوص على ذلك قوله عز من قائل في سورة المائدة:
(يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا
وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء
فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) (397)
وقوله سبحانه وتعالى في سورة النساء: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا
الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى
تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم
النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله

(396) الخلاف للشيخ الطوسي ج.
وراجع: جواهر الكلام ج 22 / 374، الروضة البهية في شرح اللمعة ج 3 / 256.
(397) وجوب التيمم عند فقد الماء:
سورة المائدة: 6.
274

كان عفوا غفورا) (398).
والسنن المأثورة في ذلك صحاح متضافرة، والمسألة مما أجمعت الأمة
عليه، لم ينقل فيها مخالفة (399) إلا عن عمر بن الخطاب، فإن المشهور عنه (1)
سقوط الفريضة عمن فقد الماء حتى يجده (400).
وقد أخرج البخاري ومسلم في التيمم من صحيحيهما عن سعيد بن عبد
الرحمن بن أبزي عن أبيه: أن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء
فقال: لا تصل - وكان عمار بن ياسر إذ ذاك حاضرا - فقال: عمار: أما تذكر
يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل،
وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي صلى الله عليه وآله: إنما كان يكفيك أن
تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك. فقال عمر:
اتق الله يا عمار. قال: إن شئت لم أحدث به (2)!. فقال عمر نوليك ما توليت "

(398) سورة النساء: 43.
(399) صحيح البخاري ج 1 / 129، صحيح مسلم ك الطهارة باب التيمم ج 1 /
191، مسند أحمد ج 4 / 434، سنن البيهقي ج 1 / 216 و 217 و 219 و 220، تاريخ
بغداد ج 8 / 377، الغدير ج 6 / 85 - 92.
(1) نقل عنه هذه الشهرة عدة من الأعلام كالقسطلاني في مباحث التيمم ص 131
من الجزء الثاني من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري (منه قدس).
(400) عمر وسقوط الفريضة عند عدم الماء:
راجع: الغدير للأميني ج 6 / 84 و 85، عمدة القاري للعيني ج 2 / 172، فتح
الباري ج 1 / 352، صحيح مسلم ج 1 / 193.
(2) إنما قال ذلك خوفا بدليل قول عمر له. نوليك ما توليت تهديدا له (منه
قدس).
275

انتهى واللفظ لمسلم (401).
وقيل: مال إلى رأي عمر في هذه المسألة ابن مسعود، إذ أخرج البخاري
وغيره من أصحاب الصحاح والسنن واللفظ للبخاري من طريق شقيق بن
سلمة (1) قال: كنت عند عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو موسى
يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب المكلف فلم يجد ماء كيف يصنع؟ قال عبد الله: لا
يصلي حتى يجد الماء. فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له
النبي صلى الله عليه وآله: كان يكفيك؟ قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك. فقال أبو موسى:
دعنا من قول عمار فما تصنع بهذه الآية - وتلا عليه آية المائدة - قال: فما درى
عبد الله ما يقول.. (الحديث) (402).
قلت: إنما كان ابن مسعود في كلامه هذا مع أبي موسى متقيا من عمر ومن
صاحبه أبي موسى، لا ريب في ذلك والله تعالى أعلم.
[المورد - (38) -: التطوع بركعتين بعد العصر.]
أخرج مسلم في صحيحه (2) عن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت:

(401) صحيح مسلم ك الطهارة باب التيمم ج 1 / 193، صحيح البخاري ج 1 /
87، الطرائف لابن طاوس ص 464 عن الجمع بين الصحيحين، سنن أبي داود ج 1 /
53، سنن ابن ماجة ج 1 / 200، مسند أحمد ج 4 / 265، سنن النسائي ج 1 / 59 و 61،
سنن البيهقي ج 1 / 209، الغدير ج 6 / 83.
(1) في ص 50 من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).
(402) ابن مسعود والتيمم:
صحيح البخاري ج 1 / 128، صحيح مسلم ج 1 / 110 وطبع العامرة ج 1 / 192،
سنن أبي داود ج 1 / 53، تيسير الوصول ج 3 / 97، سنن البيهقي ج 1 / 226.
(2) راجع باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي بعد العصر ص 309
والتي بعدها من جزئه الأول تجد ثمة هذا الحديث والحديثين اللذين بعده (منه قدس).
276

ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتين بعد العصر عندي قط (403).
وأخرج أيضا عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: صلاتان
ما تركهما رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي قط سرا ولا علانية، ركعتان قبل الفجر
وركعتان بعد العصر (404).
وأخرج أيضا عن الأسود ومسروق. قالا: نشهد على عائشة أنها قالت:
ما كان يومه الذي يكون عندي إلا صلاهما رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي تعني
الركعتين بعد العصر. انتهى بلفظه (405).
لكن عمر بن الخطاب كان ينهى عنهما ويضرب من يقيمهما من المسلمين
أخرج الإمام مالك في الموطأ (1) عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد:
أنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المكندر (2) في الصلاة بعد العصر.
وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد (3) أن عمر رآه وهو خليفة ركع

(403) التطوع عند العصر:
صحيح مسلم ك الصلاة باب معرفة الركعتين اللتين بعد العصر ج 2 / 211.
(404) صحيح مسلم ج 2 / 211، الغدير ج 6 / 185.
(405) صحيح مسلم ج 2 / 211.
(1) راجع من الموطأ آخر موارد النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر.
وراجع من شرح الموطأ للزرقاني آخر الجزء الأول منه (منه قدس).
(2) المكندر هو ابن محمد بن المكندر القرشي التيمي المدني المتوفى سنة
ثمانين للهجرة كما في شرح الموطأ للزرقاني. وتوفي أبوه محمد بن المكندر فيما نص
عليه القيسراني في كتابه الجمع بين رجال الصحيحين سنة 130 للهجرة أي بعد وفاة ابنه
بخمسين سنة (منه قدس).
(3) فيما نقله الزرقاني في آخر الجزء الأول من شرح الموطأ وغير واحد من
الأثبات (منه قدس).
277

بعد العصر فضربه فذكر الحديث. وفيه فقال عمر: يا زيد لولا أني أخشى أن
يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما (406).
وروي عن تميم الداري نحو ذلك وفيه: ولكني أخاف أن يأتي بعدكم
قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة (1) التي نهى النبي
صلى الله عليه وآله أن يصلي فيها انتهى بلفظه (407).
[المورد - (39) - تأخير مقام إبراهيم عن موضعه:]
مقام إبراهيم عليه السلام وهو الحجر الذي يصلي الحاج عنده بعد الطواف
عملا بقوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وكان إبراهيم وإسماعيل
عليهما السلام - لما بنيا البيت وارتفع بناؤه - يقفان عليه لمناولة الحجر و
الطين، وكان ملصقا بالكعبة أعزها الله تعالى، لكن العرب بعد إبراهيم وإسماعيل
أخرجوه إلى مكانه اليوم، فلما بعث الله محمد صلى الله عليه وآله وفتح له ألصقه بالبيت،
كما كان على عهد أبويه إبراهيم وإسماعيل، فلما ولي عمر أخره إلى موضعه

(406) مجمع الزوائد ج 2 / 222 وحسن سنده، الغدير ج 6 / 184.
(1) أراد بالساعة التي نهى النبي صلى الله عليه وآله عن الصلاة فيها ساعة الغروب، والحديث
في ذلك ثابت في الصحاح ولفظه عند الإمام مالك في الموطأ بالإسناد إلى ابن عمر
مرفوعا لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها.. (الحديث) والحكمة فيه أن لا تشبه الأمة
في عبادتها بالمجوس يعبدون الشمس عند طلوعها وعند الغروب وقد احتاط الخليفة
فنهي عن الصلاة بعد العصر مطلقا غير مقتصر على وقت الغروب، فخالف بذلك من
حيث يريد الطاعة كما ترى. وليته اكتفى بمجرد النهي ولم يضرب عباد الله وهم
ماثلون بين يديه عز وجل محرمين في الصلاة (منه قدس).
(407) الغدير ج 6 / 183.
278

اليوم وكان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر ملصقا بالبيت (408).
وفي السنة السابعة عشرة للهجرة وسع عمر المسجد الحرام بإضافة دور
جماعة من حوله إليه، وكانوا أبوا بيعها فهدمها عليهم (1) ووضع أثمانها في
بيت المال حتى أخذوها (409).
[المورد - (40) - البكاء على الموتى:]
حزن الانسان عند موت أحبته، وبكاؤه عليهم من لوازم العاطفة البشرية،
وهما من مقتضيات الرحمة، ما لم يصحبهما شئ من منكرات الأقوال أو
الأفعال.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث عنه صحيح أخرجه الإمام أحمد عن ابن

(408) كما نص عليه ابن سعد في ترجمة عمر من طبقاته في صفحة 204 من جزئه
الثالث، والسيوطي في أحوال عمر من كتابه - تاريخ الخلفاء - صفحة 53 منه، وابن
أبي الحديد في أحوال عمر صفحة 113 من المجلد الثالث من شرح نهج البلاغة،
والدميري في مادة الديك من كتابه حياة الحيوان، وأبو الفرج ابن الجوزي أول صفحة
60 من كتابه - تاريخ عمر - (منه قدس).
عمر زحزح مقام إبراهيم عن موضعه:
الطبقات لابن سعد ج 3 / 284، تاريخ الخلفاء ص 137، روضة الكافي ص 58 -
63، جامع أحاديث الشيعة ج 10 / 55 ب 9 ح 7 و 8 و 9 و 10، مقدمة مرآة العقول ج
2 / 128.
(1) كما نص عليه ابن الأثير في حوادث تلك السنة من كامله، وغير واحد من
أهل السير والأخبار (منه قدس).
(409) الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 2 / 376، تاريخ الخلفاء ص 137،
روضة الكافي ص 58، مقدمة مرآة العقول ج 2 / 128، تاريخ الطبري في حوادث سنة 17 ه‍،
الغدير ج 6 / 266.
279

عباس (1) مهما يكن من القلب والعين فمن الله والرحمة ومهما يكن من اليد
واللسان فمن الشيطان (410).
والسيرة القطعية بين المسلمين وغيرهم مستمرة على ذلك من غير نكير
وأصالة الإباحة تقتضيه.
على أن النبي صلى الله عليه وآله نفسه بكى في مقامات عديدة، وأقر غيره على البكاء
في موارد، واستحسنه في موارد أخر، وربما دعا إليه (411).

(1) في صلى الله عليه وآله 335 من الجزء الأول من مسنده (منه قدس).
(410) البكاء على الميت:
الغدير للأميني ج 6 / 159، السنن الكبرى ج 4 / 70.
البكاء على الميت سنة طبيعية
1 - بكاء آدم على ابنه هابيل:
وقال: ومالي لا أجود بسكب دمع * وهابيل تضمنه الضريح -
راجع: العرائس للثعالبي ص 64 ط بمبي، دعوة الحسينية ص 75.
2 - بكاء إبراهيم على إسماعيل:
راجع: العرائس ص 130، دعوة الحسينية ص 75.
3 - بكاء إسماعيل:
العرايس ص 130، دعوة الحسينية ص 75.
4 - بكاء يعقوب على يوسف:
الآيات القرآنية في سورة يوسف، العرايس ص 155.
5 - بكاء زكريا وزوجته على يحيى:
راجع: دعوة الحسينية ص 76.
(411) 6 - بكاء الرسول صلى الله عليه وآله على جده عبد المطلب:
راجع: تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي في ذكر والد علي بن أبي طالب،
دعوة الحسينية ص 48.
بكاء الرسول صلى الله عليه وآله على عمه أبي طالب:
راجع الطبقات لابن سعد ج 1 / 123 ط بيروت، دعوة الحسينية ص 48.
بكاء الرسول صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام:
عن ابن عباس: قال: خرجت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه
في حيطان المدينة فمررنا بحديقة فقال علي رضي الله عنه: ما أحسن هذه الحديقة يا رسول
الله؟ فقال حديقتك في الجنة أحسن منها، ثم أومأ بيده إلى رأسه ولحيته ثم بكى حتى
علا بكاه. قيل ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني ".
وفي لفظ عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ".. فلما خلا له الطريق أعتقني
وأجهش باكيا!!
فقلت: يا رسول الله ما يبكيك؟
قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا بعدي!!
فقلت: في سلامة من ديني؟
قال: في سلامة من دينك ".
وفي لفظ عن أنس ابن مالك:
".. ثم وضع النبي رأسه على إحدى منكبي علي فبكى!
فقال له: ما يبكيك يا رسول الله؟ صلى الله عليك.
قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق الدنيا.. ".
المصادر:
سيرتنا وسنتنا للأميني ص 29، فرائد السمطين ج 1 / 152 ح 114، المصنف لابن
أبي شيبة باب فضائل علي عليه السلام ج 6، كنز العمال ج 15 / 146، ترجمة الإمام
علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 327 ح 831، مجمع الزوائد ج
9 / 118، الفضائل لأحمد بن حنبل ح 231، المستدرك للحاكم ج 3 / 139، تاريخ بغداد
ج 12 / 398، المناقب للخوارزمي ص 26، دعوة الحسينية ص 65، ينابيع المودة ص
53.
بكاء الرسول على أمة:
زار الرسول صلى الله عليه وآله قبر أمه وبكى عليها وأبكى من حوله:
راجع: سنن البيهقي ج 4 / 70، تاريخ بغداد للخطيب ج 7 / 279، الغدير ج 6 /
165.
بكاء الرسول صلى الله عليه وآله على أهل بيته:
راجع: ينابيع المودة ص 135 باب 45، فرائد السمطين ج 2 / 34 ح 371، سيرتنا
وسنتنا ص 112، المصنف لابن أبي شيبة ج 12، سنن ابن ماجة ج 2 / 518، المستدرك
للحاكم ج 4 / 464، مقاتل الطالبيين ص 290 ط الحيدرية.
بكاء الرسول صلى الله عليه وآله على فاطمة:
فرائد السمطين ج 2 / 34.
بكاء الرسول على الإمام الحسن:
فرائد السمطين ج 2 / 34، المستدرك للحاكم ج 4 / 464.
بكاء الرسول صلى الله عليه وآله علي الإمام الحسين:
راجع: سيرتنا وسنتنا ص 34 و 35 و 38 و 39 و 47 و 55 و 64 و 66 و 74 و 75 و 78
و 79 و 82 و 97 و 103 و 106 و 108 و 113 و 115 و 116 و 119، مقتل الحسين للخوارزمي
ج 1 / 87 و 88 و 158 و 159 و 162 و 170 و ج 2 / 167، ذخائر العقبى ص 119 و 147
و 148، فرائد السمطين ج 2 / 104 ح 412 وص 172 ح 460، دلائل النبوة للبيهقي في
ترجمة الإمام الحسين، ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق لابن عساكر ح 629 و 630
و 631 و 622 و 626 و 627 و 628 و 611 و 612 و 613 و 614، الفصول المهمة ص
154 و 145، الصواعق ص 115 ط 1 وص 190 ط المحمدية، الخصائص الكبرى ج
2 / 125 و 126، المستدرك ج 3 / 176، المعجم الكبير للطبراني ترجمة الإمام الحسين،
كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للكنجي الشافعي ص 279 ط الغري، مجمع
الزوائد ج 9 / 187 و 188 و 189 و 179، أعلام النبوة الماوردي ص 83 ب 12، جوهرة
الكلام ص 117 و 120، كنز العمال ج 6 / 223 ط 1 و ج 13 / 112 ط 2 و ج 3 / 108 ط
1، المصنف لابن أبي شيبة ج 12، نظم درر السمطين للزرندي ص 215، الطبقات
الكبرى لابن سعد بترجمة الإمام الحسين مخطوط، المسند لأحمد بن حنبل ج 2 / 60
و 61 ط 2، البداية والنهاية لابن كثير ج 6 / 230 و ج 8 / 199، الروض النضير ج 1 /
89 و 92 و 93، المعجم الكبير للطبراني ترجمة الإمام الحسين طبع ضمن مجموعة
" الحسين والسنة " ص 122 ح 45 و 48 و 51 و 53 و 54 و 95، طرح التثريب للعراقي
ج 1 / 42، المواهب اللدنية ج 2 / 195، تذكرة الخواص ص 142، السراط السوي
للشيخاني ص 93، أمالي الشجري ص 163 و 166 و 181 و 169، تهذيب التهذيب ج
2 / 347، فضائل أحمد بن حنبل ترجمة الحسين، ينابيع المودة ص 220 و 318 و 320
تاريخ الإسلام للذهبي ج 3 / 10، سير أعلام النبلاء ج 3 / 193 و 194.
بكاء الرسول على عثمان بن مضعون:
راجع: سيرتنا وسنتنا ص 162، المستدرك للحاكم ج 3 /، سنن أبي داود ج 2 / 63،
سنن ابن ماجة ج 1 / 445، الغدير ج 7 / 214 عن سنن البيهقي ج 3 / 406، حلية الأولياء
280



ج 1 / 105، الاستيعاب ج 2 / 495، الإصابة ج 2 / 464، أسد الغابة ج 3 / 387، سنن
الترمذي أبواب الجنائز، دعوة الحسينية ص 53.
بكاء الصحابة بمحضر الرسول صلى الله عليه وآله علي الإمام الحسين:
مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 163.
بكاء الرسول علي رقية:
راجع: الغدير ج 7 / 214 و ج 3 / 24، الروض الآنف ج 3 / 24، مستدرك الحاكم
ج 4 / 47، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 2 / 348 وصححه، الإصابة ج 4 / 304 و 489
الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 288 و ج 4 / 15، الطبقات لابن سعد ج 8 / 38،
ذخائر العقبى ص 166 وفيه أم كلثوم، قاموس الرجال ج 10 / 439 و 440.
7 - بكاء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على فاطمة:
راجع: فرائد السمطين ج 2 / 88 ح 405، مروج الذهب للمسعودي ج 2 / 298
دعوة الحسينية ص 65، مستدرك الحاكم ج 3 ك معرفة الصحابة.
بكاء الإمام علي عليه السلام على الإمام الحسين:
راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد بترجمة الإمام الحسين مخطوط، سيرتنا
وسنتنا ص 116 و 117 و 119 و 120 و 121 و 123 و 163، المعجم الكبير للطبراني
ج 1، تذكرة الأمة للسبط بن الجوزي ص 142، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 162،
مجمع الزوائد ج 9 / 191، دعوة الحسينية ص 116.
بكاء الإمام أمير المؤمنين على ولده حين مر بكربلاء:
راجع: ينابيع المودة ص 319 و 320، دعوة الحسينية ص 96 و 97.
بكاء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على عمه حمزة:
راجع: فرائد السمطين ج 2 / 127 ح 427.
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يأمر بالبكاء على مالك الأشتر:
قال في حقه: " على مثل مالك فلتبك البواكي ".
راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 / 30 ط 1 و ج 6 / 77 بتحقيق أبو
الفضل، الكامل لابن الأثير ج 3 / 178 وفي طبع آخر ج 3 / 153، تاج العروس ج 2
/ 454، لسان العرب ج 4 / 336.
8 - فاطمة الزهراء تبكي على أبيها:
راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 311 و 312، صحيح البخاري باب
مرض النبي ووفاته، سنن أبي داود ج 2 / 197، سنن النسائي ج 4 / 13، مستدرك
الحاكم ج 3 / 163، تاريخ بغداد ج 7 / 289، صحيح مسلم ك الفضائل باب فضائل
فاطمة، سنن الترمذي أبواب المناقب باب مناقب فاطمة ج 5 ص 361 ح 3964، خصائص
النسائي ص 48 ط النجف، دعوة الحسينية، البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي
ص 80 - 81 ط 1 النجف، المناقب للخوارزمي ص 62، ينابيع المودة ص 80 و 81 و 265.
وروي ابن عساكر في " التحفة " قال: جاءت فاطمة رضي الله عنها فوقفت على
قبره صلى الله عليه وسلم وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعت على عينيها وبكت وأنشأت
تقول: ماذا على من شم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا -
صبت على مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا -
راجع: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ج 4 / 1405، السيرة النبوية لابن سيد
الناس ج 2 / 340، الشمائل للقاري ج 2 / 210، الاتحاف للشبراوي ص 9، صلح الإخوان
ص 57، مشارق الأنوار للحمزاوي ص 63، السيرة النبوية لزين دحلان ج 3 / 391،
أعلام النساء لعمر رضا كحالة ج 3 / 1205، الغدير ج 5 / 147 وغيرهم.
9 - بكاء أم سلمة على الإمام الحسين عليه السلام:
راجع: سيرتنا وسنتنا ص 62 و 129 و 130 و 131 و 134، الصواعق المحرقة
ص 115 ط 1، صحيح الترمذي ج 13 / 193، دلائل النبوة للبيهقي باب رؤية النبي في
المنام، ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق لابن عساكر ص، المستدرك للحاكم ج
4 / 19، دعوة الحسينية ص 101، كفاية الطالب للكنجي ص 286 ط الغري، جامع
الأصول ج، أسد الغابة ج 2 / 22، تيسير الوصول لابن الديبع ج 3 / 277، نظم درر
السمطين للزرندي ص 217، مطالب السئول لابن طلحة ص 71، مشكاة المصابيح ج 2 /
171، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 139، الخصائص الكبرى للسيوطي ج 2 / 126،
شرح بهجة المحافل ج 2 / 236، نور العين في مشهد الحسين للإسفراييني ص 70، ينابيع
المودة ص 331.
بكاء أم سلمة على الوليد بن الوليد:
قالت أم سلمة بنت أبي أمية: جزعت حين مات الوليد بن الوليد جزعا لم أجزعه
على ميت فقلت لأبكين عليه بكاءا تحدث به نساء الأوس والخزرج، وقلت غريب توفي
في بلاد غربة، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي في البكاء... ".
راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج 4 / 133.
وقريب منه في:
وسائل الشيعة ج 2 / 922 ك التجارة ب 17 من أبواب ما يكتسب به ح 2.
10 - بكاء أم أيمن على الرسول صلى الله عليه وآله:
راجع: صحيح مسلم ج 7 ك الفضائل فضائل أم أيمن، الطبقات الكبرى لابن سعد
ج 2 / 311.
وقالت ترثيه:
عين جودي فإن بذلك للدمع شفاء، فأكثر م البكاء -
حين قالوا: الرسول أمسى فقيدا ميتا كان ذاك كل البلاء -
وأبكيا خير من رزئناه في الدن‍ * يا ومن خصه بوحي السماء -
بدموع غزيرة منك حتى * يقضي الله فيك خير القضاء -
راجع: الطبقات ج 2 / 332 و 333، سيرة ابن هشام ج 4 / 346.
11 - الجن تبكي على الإمام الحسين عليه السلام:
راجع: المعجم الكبير للطبراني ترجمة الإمام الحسين ضمن " الحسين والسنة "
ص 141 ح 96 و 99 و 100 و 101 و 102، كفاية الطالب ص 442 - 443 باب الحسين
وشهادته، دعوة الحسينية ص 103، ينابيع المودة ص 319 و 320.
280



12 - الصحابة يبكون على الإمام الحسين في مجلس الرسول صلى الله عليه وآله:
راجع: مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي ج 1 / 163، سيرتنا وسنتنا ص 47.
13 - الناس يبكون على أمير المؤمنين عليه السلام:
راجع: أنساب الأشراف ج 3 / 29 ح 43.
14 - نساء آل البيت يبكين الإمام الحسين عند الوداع:
راجع: دعوة الحسينية ص 111.
15 - الإمام الحسين يبكي على أبيه عليه السلام:
راجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 / 304
ح 1404.
16 - الإمام الحسين يبكي على طفله الرضيع:
راجع: تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 252، دعوة الحسينية ص 111.
الإمام الحسين يبكي على ابنه على الأكبر:
راجع: دعوة الحسينية ص 111، ينابيع المودة ص.
17 - الإمام علي بن الحسين يقيم المأتم على أبيه في كربلاء بعد رجوعه:
راجع: نور العين في مشهد الحسين للإسفراييني، دعوة الحسينية ص 117.
الإمام علي بن الحسين يبكي على أبيه:
راجع: نور العين في مشهد الحسين للإسفراييني، ينابيع المودة، حلية الأولياء
لأبي نعيم، دعوة الحسينية ص 116 و 121، وسائل الشيعة ج 2 / 922 ك الطهارة ب 87
من أبواب الدفن ح 7 و 10 و 11، اللهوف لابن طاوس ص 80، مثير الأحزان ص 92،
مقدمة مرآة العقول ج 2 / 318.
18 - ابن عباس يبكي الإمام الحسن عليه السلام:
راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 / 144، الغدير ج 11 / 12.
ابن عباس يبكي الإمام الحسين عليه السلام:
راجع: الصواعق لابن حجر ب 11 فصل 3 ص 194، دعوة الحسينية ص 98،
تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 206 - 207، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 152
ط الحيدرية.
19 - محمد بن الحنفية يبكي على أخيه الحسن:
راجع: مروج الذهب ج 2 / 429 ط دار الأندلس وفيه رثاه بقوله:
سأبكيك ما ناحت حمامة أيكة * وما خضر في دوح الحجاز قضيب -
محمد بن الحنفية يبكي على أخيه الحسين:
راجع: أنساب الأشراف للبلاذري ترجمة الإمام الحسين ضمن " الحسين والسنة "
ص 52، نور العين في مشهد الحسين للإسفراييني، دعوة الحسينية ص 97، ينابيع المودة
ص 334 - 337، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 137.
20 - بكاء زينب على أخيها الإمام الحسين:
راجع: ينابيع المودة ص 163 ب 61، دعوة الحسينية ص 99 و 112.
21 - سكينة تبكي أباها:
راجع: دعوة الحسينية ص 112.
22 - أم كلثوم تبكي على أبيها:
راجع: ينابيع المودة ص 163، دعوة الحسينية ص 74.
أم كلثوم تبكي على أخيها الحسين:
راجع: دعوة الحسينية ص 119، مقتل الحسين لأبي مخنف.
23 - نساء آل البيت يبكين على الأكبر:
راجع: دعوة الحسينية ص 111.
24 - النساء والصبيان والرجال يبكون الإمام الحسن سبعة أيام:
راجع: ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر ص 235 ح 373.
25 - فاختة بنت قرظة تبكي الإمام الحسن:
راجع: مروج الذهب ج 2 / 430 ط دار الأندلس.
26 - سودة بنت عمارة تبكي أمير المؤمنين عليه السلام:
راجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 / 345
ح 1503.
27 - سائر الناس يبكون على الإمام الحسين عند شهادته:
راجع: أنساب الأشراف للبلاذري ج 3 / 6، شرح ابن أبي الحديد ج 16 / 11،
ترجمة الإمام الحسن من تاريخ ابن عساكر ص 236 ح 374، تهذيب تاريخ ابن عساكر
ج 3 / 265.
28 - المسلمون يبكون حمزة:
راجع: شرح ابن أبي الحديد ج 15 / 38، دعوة الحسينية ص 79.
29 - الحارث بن الصمة يبكي على حمزة:
راجع: فرائد السمطين ج 2 / 127 ح 427.
30 - أبو هريرة يبكي على الإمام الحسن:
راجع: ترجمة الإمام الحسن من تاريخ ابن عساكر ص 229 ح 367.
31 - بكاء بلال على الرسول صلى الله عليه وآله:
راجع: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ج 4 / 1356 و 1405، شفاء السقام
للسبكي ص 39 و 40، الغدير ج 5 / 147، أسد الغابة ج 1 / 208، صلح الأخوان ص
57، مشارق الأنوار للحمزاوي ص 57، المواهب اللدنية.
32 - الإمام الشافعي يرثي الإمام الحسين:
راجع: معراج الوصول للزرندي، ينابيع المودة ب 62، دعوة الحسينية ص
122 و 123.
33 - الزهري يبكي إذا ذكر السجاد عليه السلام:
راجع: حلية الأولياء ج 3 / 135، ينابيع المودة ص 378 ط اسلامبول، كفاية
الطالب ص 299 ط الغري، إثبات الهداة ج 3 / 30 ط جديد.
34 - ابن الهبارية يبكي الإمام الحسين:
راجع: تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي، دعوة الحسينية ص 122.
35 - سليمان بن قتة يبكي الإمام الحسين:
راجع: الإستيعاب لابن عبد البر في ترجمة سليمان المذكور، دعوة الحسينية
ص 123.
36 - بكاء حمنة بنت جحش على زوجها وتقرير الرسول صلى الله عليه وآله ذلك:
راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 15 / 18، سيرة ابن هشام ج 3 /
104 غزوة أحد.
37 - أنس بن مالك يبكي علي الإمام الحسين:
راجع: الصواعق لابن حجر ص عن الترمذي، ينابيع المودة ص، دعوة الحسينية
ص 113.
38 - زيد بن أرقم يبكي الإمام الحسين:
راجع: الصواعق لابن حجر ص، ينابيع المودة ص، دعوة الحسينية ص 113.
39 - راهب يبكى على الإمام الحسين ثم يسلم:
راجع: رشفة الصادي لأبي بكر الحضرمي، الصواعق لابن حجر، ينابيع المودة،
تذكرة الخواص، دعوة الحسينية ص 114 - 117، مقتل الحسين لأبي مخنف.
280



40 - الحسن البصري يبكي على الإمام الحسين:
راجع: تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي، دعوة الحسينية ص 117، الإستيعاب لابن عبد
البر.
41 - أهل المدينة يبكون على الإمام الحسين:
راجع: نور العين في مشهد الحسين للإسفراييني ص، دعوة الحسينية ص 117،
ينابيع المودة، مقتل الحسين لأبي مخنف.
42 - فاطمة بنت عقيل تبكي إخوتها:
راجع: دعوة الحسينية ص 122.
43 - صفية بنت عبد المطلب تبكي الرسول صلى الله عليه وآله وتقول:
أفاطم بكي ولا تسأمي * بصبحك ما طلع الكوكب -
هو المرء يبكي وحق البكاء * هو الماجد السيد الطيب.. الخ -
وقالت أيضا:
أعيني جودا بدمع سجم * يبادر غربا بما منهدم -
أعيني فاسحنفرا واسكبا * بوجد وحزن شديد الألم -
وقالت أيضا:
عين جودي بدمعة تسكاب * للنبي المطهر الأواب -
واندبي المصطفى فعمى وخصى * بدموع غزيرة الإسراب -
عين من تندبين بعد نبي * خصه الله ربنا بالكتاب -
راجع بقية أشعارها في:
الطبقات لابن سعد ج 2 / 328 و 329 و 330.
44 - هند بنت الحارث بن عبد المطلب تبكي الرسول صلى الله عليه وآله وتقول:
يا عين جودي بدمع منك وابتدري * كما تنزل ماء الغيث فانشعبا -
الطبقات لابن سعد ج 2 / 330.
45 - أبو الطفيل يبكي على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
راجع: المناقب للخوارزمي ص 239، دعوة الحسينية ص 70.
46 - الخضر يبكي على الرسول صلى الله عليه وآله:
صحيح مسلم ك الفضائل فضائل أم أيمن، دلائل البيهقي.
47 - أروى بنت عبد المطلب تبكي الرسول صلى الله عليه وآله بقولها:
ألا يا عين ويحك أسعديني * بدمعك ما بقيت وطاوعيني -
ألا يا عين ويحك واستهلي * على نور البلاد واسعديني.. الخ -
راجع: الطبقات لابن سعد ج 2 / 325.
48 - عاتكة بنت عبد المطلب تبكي الرسول صلى الله عليه وآله وتقول:
يا عين جودي ما بقيت بعبرة * سحا على خير البرية أحمد -
يا عين فاحتفلي وسحى واسجمي * وابكي على نور البلاد محمد -
إلى أن قالت:
فأبكي المبارك والموفق ذا التقى * حامى الحقيقة ذا الرشاد المرشد -
وقالت:
عيني جودا طوال الدهر وانهمرا * سكبا وسحا بدمع غير تعذير -
يا عين فاسحنفرى بالدمع واحتفلي * حتى الممات بسجل غير منزور -
يا عين فانهملي بالدمع واجتهدي * للمصطفى دون خلق الله بالنور -
راجع: الطبقات لابن سعد ج 2 / 326.
وقالت أيضا:
أعيني جودا بالدموع السواجم * على المصطفى بالنور من آل هاشم -
راجع: نفس المصدر.
49 - هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب تبك الرسول صلى الله عليه وآله وتقول:
ألا يا عين بكي لا تملي * فقد بكر النعي بمن هويت -
الطبقات لابن سعد ج 2 / 331.
50 - عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل تبكي الرسول صلى الله عليه وآله وتقول:
أمست مراكبه أوحشت * وقد كان يركبها زينها -
وأمست تبكي على سيد * تردد عبرتها عينها -
الطبقات لابن سعد ج 2 / 332.
51 - بكاء زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب على قتلا الطف وتقول:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم وكنتم آخر الأمم -
بأهل بيتي وأنصاري وذريتي * منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم -
ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم * أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم -
راجع: المعجم الكبير للطبراني ترجمة الإمام الحسين طبع ضمن " الحسين والسنة "
ص 137 ح 87، دعوة الحسينية ص 121 و 124، ينابيع المودة باب 60.
51 - أبو بكر يبكي على رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول:
يا عين فابكى ولا تسأمي * وحق البكاء على السيد -
راجع: الطبقات لابن سعد ج 2 / 319.
وذكر بكائه على الرسول في: الغدير ج 7 / 214 عن صحيح البخاري ك المغازي
ج 6 / 281، سيرة ابن هشام ج 4 / 334، طبقات ابن سعد ط مصر رقم التسلسل 785،
تاريخ الطبري ج 3 / 198، صحيح مسلم ج 7 ك الفضائل فضائل أم أيمن.
52 - عبد الله بن أنيس يقول في رثاء الرسول صلى الله عليه وآله:
ولكنني باك عليه ومتبع * مصيبته إني إلى الله راجع -
راجع: الطبقات لابن سعد ج 2 / 321.
53 - حسان بن ثابت يرثي الرسول صلى الله عليه وآله قال:
يا عين جودي بدمع منك إسبال * ولا تملن من سح وإعوال -
وقال أيضا:
يا عين فابكي رسول الله إذ ذكر * ذات الإله فنعم القائد الوالي -
راجع: الطبقات لابن سعد ج 2 / 323 و 324.
54 - كعب بن مالك يبكي الرسول صلى الله عليه وآله ويقول:
يا عين فابكى بدمع ذرى * لخير البرية والمصطفى -
وابكي الرسول وحق البكاء * عليه لدي الحرب عند اللقا -
راجع: الطبقات لابن سعد ج 2 / 324.
55 - بكاء عمر بن الخطاب على شيخ قد مات:
راجع: الرياض النضرة ج 2 / 54 ط 1، الغدير ج 6 / 164 و ج 5 / 155، الصحيح
من سيرة النبي الأعظم ج 4 / 310.
بكى عمر على النعمان بن مقرن الذي توفي سنة 21 ه‍:
وهذا يدل على أن الأسباب السياسية التي دعت إلى المنع عن البكاء في هذا
الوقت قد ارتفعت. وإلا لماذا يصعد المنبر ويضع يده على رأسه ويبكي على النعمان؟
راجع في بكائه على النعمان: الإستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة ج 1 / 297
بترجمة النعمان، الغدير ج 6 / 164 و ج 5 / 155.
56 - ابن عمر يبكي على رسول الله صلى الله عليه وآله:
الطبقات لابن سعد ج 2 / 312.
280

بكى على عمه الحمزة أسد الله وأسد رسوله، قال ابن عبد البر (1) وغيره
لما رأى النبي صلى الله عليه وآله حمزة قتيلا بكى، فلما رأى ما مثل به شهق (412).
وذكر الواقدي (2): أن النبي صلى الله عليه وآله كان يومئذ إذا بكت صفية يبكي وإذا
نشجت ينشج (قال): وجعلت فاطمة تبكي، فلما بكت بكى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم (413).

(1) في ترجمة حمزة من الاستيعاب (منه قدس).
(412) بكاء النبي صلى الله عليه وآله على عمه حمزة:
الإستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة ج 1 / 275 ط 1، الغدير للأميني ج 6 /
165، الإمتاع للمقريزي ص 154، الكامل في التاريخ ج 2 / 170، مجمع الزوائد ج
6 / 120، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 4 / 307 و 310، ذخائر العقبى ص 180،
دعوة الحسينية ص 80، سيرة ابن هشام ج 3 / 105 غزوة أحد.
وروى ابن مسعود قال: " ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله باكيا قط أشد من بكائه على حمزة
ابن عبد المطلب لما قتل. - إلى أن قال - ووضعه في القبر ثم وقف صلى الله عليه
وسلم على جنازته وانتحب حتى نشغ من البكاء... ".
ذخائر العقبى ص 181 قال محب الدين الطبري في شرح الحديث: النشغ:
الشهيق حتى يبلغ به الغشي.، السيرة الحلبية ج 2 / 246.
(2) كما في أوائل الجزء الخامس عشر من شرح النهج الحميدي في أواخر ص
387 من ج 3 (منه قدس).
(413) اشتمل هذا الحديث على بكاء النبي وتقريره صلى الله عليه وآله كما لا يخفى (منه قدس).
الرسول يبكي مع صفية على حمزة:
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 15 / 17، الإمتاع للمقريزي ص 154،
الغدير ج 6 / 165، السيرة الحلبية ج 2 / 247.
293

وعن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وآله - إذ كان جيش المسلمين في مؤتة -: أخذ
الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة
فأصيب. وأن عيني رسول الله صلى الله عليه وآله لتذرفان.. (الحديث) (414).
وذكر ابن عبد البر في ترجمة زيد من استيعابه: أن النبي (ص) بكى
على جعفر وزيد، وقال: أخواي ومؤنساي ومحدثاي (415).
وعن أنس من حديث أخرجه البخاري في صحيحه (1) قال فيه. ثم دخلنا
عليه صلى الله عليه وآله وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله تذرفان فقال له
عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله! فقال: يا بن عوف أنها رحمة،
ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وآله: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا

(414) أخرجه البحتري في باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه صفحة 148 من
الجزء الأول من صحيحه المطبوع سنة 1334 بالمطبعة الملجية، وأخرجه أيضا في باب
غزوة مؤتة أواخر صفحة 39 من جزئه الثالث (منه قدس).
بكاء الرسول على جعفر:
الكامل ج 2 / 161 ط دار الكتاب العربي، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 8 / 282،
أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 43، صحيح البخاري ك الجنائز باب الرجل ينعى إلى
أهل الميت وكتاب فضل الجهاد والسير باب من تأمر في الحرب بغير إمرة وكتاب
المغازي باب غزوة مؤتة، ابن أبي الحديد ج 15 / 71.
(415) بكاء النبي صلى الله عليه وآله على جعفر وزيد:
الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 548، سنن البيهقي ج 4 / 70، وسائل الشيعة ج
2 / 922 ك الطهارة ب 87 من أبواب جواز البكاء ح 6، صحيح البخاري ك المناقب
باب علامات النبوة في الإسلام، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 / 47، أنساب الأشراف
للبلاذري ج 2 / 43، شرح ابن أبي الحديد ج 15 / 73.
(1) راجع باب قول النبي إنا بك لمحزونون من أبواب الجنائز ص 154 والتي
بعدها من ج 1 (منه قدس).
294

ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون (416).
وعن أسامة بن زيد قال: أرسلت ابنة النبي إليه إن ابنا لي قبض فأتنا فقام
ومعه سعد بن عبادة، ومعاذة بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت فرفع
الصبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ونفسه تتقعقع ففاضت عينا رسول الله، فقال سعد:
يا رسول الله ما هذا؟ فقال صلى الله عليه وآله: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما
يرحم الله من عباده الرحماء.. (الحديث) (417).
وعن عبد الله بن عمر قال: أشتكي سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي
يعوده ومعه عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود
فوجده في غاشية أهله فقال قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي صلى الله عليه وآله
فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وآله بكوا فقال: ألا تسمعون، إن الله لا يعذب بدمع
العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم

(416) بكاء النبي صلى الله عليه وآله على ابنه إبراهيم:
صحيح البخاري ك الجنائز باب قول النبي إنا بك لمحزونون، وسائل الشيعة ج 2 /
921 ب 87 من أبواب جواز البكاء ك الطهارة ح 3 و 4 و 8، سنن أبي داود ج 3 / 58،
سنن ابن ماجة ج 1 / 482، الغدير ج 6 / 164، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 1 / 137
و 138 و 139 و 140 و 142 و 143 و 144، ذخائر العقبى ص 153 و 155، دعوة
الحسينية ص 50 و 51.
(417) أخرجه الشيخان في صحيحيهما، فراجع من صحيح البخاري صفحة 152 من
جزئه الأول ومن صحيح مسلم باب البكاء على الميت من جزئه الأول (منه قدس).
بكاء النبي صلى الله عليه وآله على ابن بنته:
راجع: سنن أبي داود ج 2 / 63، الغدير للأميني ج 6 / 165، سنن ابن ماجة ج
1 / 481، صحيح البخاري ك الجنائز، دعوة الحسينية ص 48، صحيح مسلم ك الجنائز
باب البكاء على الميت ج 3 / 39 ط العامرة.
295

.. (الحديث) (418).
وفي ترجمة جعفر من الاستيعاب قال: لما جاء النبي صلى الله عليه وآله نعي جعفر، أتى
امرأته أسماء بنت عميس فعزاها، قال: ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول:
واعماه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " على مثل جعفر فلتبكي البواكي " (419).
وذكر أهل السير والأخبار كابن جرير وابن الأثير وابن كثير وصاحب
العقد الفريد وغيرهم، ما قد أخرجه الإمام أحمد بن حنبل من حديث ابن عمر
في ص 40 من الجزء الثاني من مسنده: من أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من
أحد جعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن، قال: فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله: ولكن حمزة لا بواكي له. قال: ثم نام فانتبه وهن يبكين، قال فهن
اليوم إذا يبكين يندبن حمزة (420).

(418) أخرجه البخاري في باب البكاء عند المريض من أبواب الجنائز صفحة 155
من الجزء الأول من صحيحه، وأخرجه أيضا مسلم في باب البكاء على الميت صفحة 341
من الجزء الأول من صحيحه (منه قدس).
بكاء النبي صلى الله عليه وآله وجملة من الصحابة على سعد بن عبادة:
راجع: صحيح البخاري ك الجنائز باب البكاء عند الميت، صحيح مسلم ك الجنائز
باب البكاء على الميت ج 3 / 40 ط العامرة، دعوة الحسينية ص 52.
(419) تضمن هذا الحديث تقريره صلى الله عليه وآله على البكاء وأمره به على أن مجرد صدوره
من سيدة النساء حجة (منه قدس).
بكاء فاطمة الزهراء على جعفر وأمر النبي به:
الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 211، أسد الغابة ج، الطبقات الكبرى لابن سعد
ج 8 / 282، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 42 ط بيروت.
(420) أي يبكينه ويعددن محاسنه (منه قدس).
النبي صلى الله عليه وآله يعتب على الأنصار لعدم البكاء على حمزة:
الكامل لابن الأثير ج 2 / 113، السيرة النبوية لابن هشام ج 3 / 104، الغدير
للأميني ج 6 / 165، مجمع الزوائد ج 6 / 120، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 44
و ج 3 / 11 و 17، وسائل الشيعة ج 2 / 922 ك الطهارة ب 88 من أبواب الدفن ح 3.
296

وفي ترجمة حمزة من الاستيعاب نقلا عن الواقدي، قال: لم تبك امرأة من
الأنصار على ميت - بعد قول رسول الله صلى الله عليه وآله لكن حمزة لا بواكي له - إلى
اليوم، ألا بدأن بالبكاء على حمزة (421).
قلت: حسبك تلك السيرة المستمرة على بكاء حمزة من عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله وعهد أصحابه والتابعين لهم بإحسان، وكفى بها في رجحان البكاء على
من هو كحمزة وإن بعد العهد بموته.
ولا تنسى ما في قوله صلى الله عليه وآله: لكن حمزة لا بواكي له من العتب عليهن
لعدم نياحتهن عليه والبعث لهن على ندبه وبكائه. وحسبك به وبقوله صلى الله عليه وآله:
" على مثل جعفر فلتبك البواكي " دليلا على الاستحباب.
ومع ذلك كله فقد كان من رأي الخليفة عمر بن الخطاب النهي عن البكاء
على الميت مهما كان عظيما حتى أنه كان يضرب فيه بالعصا ويرمي بالحجارة،
ويحثي بالتراب (1) يفعل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله واستمر عليه طيلة
حياته (422).

(421) نساء الأنصار يبدئن بالبكاء على حمزة قبل البكاء على موتاهن:
راجع: الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 275، أسد الغابة ج، الطبقات الكبرى
لابن سعد ج 2 / 44 و ج 3 / 11 و 17 و 18 و 19، ذخائر العقبى ص 183، السيرة النبوية
لابن هشام ج 3 / 104، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 15 / 42.
(1) تجد فعله هذا كله في آخر باب البكاء عند المريض ص 255 من ج 1 من
صحيح البخاري (منه قدس).
(422) زجر وضرب عمر لمن يبكي على ميته:
راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 / 68، الغدير للأميني ج 6 /
160، السنن الكبرى للبيهقي ج 4 / 70، المستدرك للحاكم ج 1 / 181 و ج 3 / 191،
سنن ابن ماجة ج 1 / 181، مسند أحمد ج 3 / 333 و ج 1 / 237 و 335، عمدة القاري
ج 4 / 87، مسند الطيالسي ص 351، الاستيعاب بهامش الإصابة ترجمة عثمان بن مظعون
ج 2 / 482، مجمع الزوائد ج 3 / 17، الطبقات لابن سعد ج 8 / 37.
297

وقد أخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس (1) من جملة حديث ذكر
فيه موت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وبكاء النساء عليها، قال: فجعل عمر يضربهن
بسوطه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: دعهن يبكين، وقعد على شفير القبر وفاطمة إلى
جنبه تبكي، قال فجعل النبي صلى الله عليه وآله يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها. ا ه‍ (423).
وأخرج أيضا في مسند أبي هريرة (2) حديثا جاء فيه: أنه مر على رسول
الله صلى الله عليه وآله جنازة معها بواكي فنهرهن عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " دعهن فإن
النفس مصابة، والعين دامعة " (424).
وكانت عائشة وعمر في هذه المسألة على طرفي نقيض، فكان عمر وابنه

(1) في ص 335 من الجزء الأول من مسنده (منه قدس).
(423) النساء يبكين على رقية وعمر يضربهن:
راجع: مسند أحمد ج 1 / 335 ط 1، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ج 3 / 894،
سنن البيهقي ج 4 / 70، الغدير ج 6 / 159، الطبقات لابن سعد ج 8 / 37.
(2) في ص 333 من الجزء الثاني من مسنده (منه قدس).
(424) وسمع يوما نائحة في بيت فدخل عليها - وذلك في عهد خلافته - فمال
عليهن ضربا بدرته حتى بلغ النائحة فضربها حتى سقط خمارها ثم قال لغلامه: اضرب
النائحة ويلك اضربها فإنها نائحة لا حرمة لها إلى آخر ما كان منه يومئذ مما ذكره ابن
أبي الحديد من هذه الواقعة ص 111 من المجلد الثالث من شرح النهج (منه قدس).
السنن الكبرى للبيهقي ج 4 / 70، مسند أحمد ج 2 / 408، الغدير ج 6 / 160.
298

عبد الله يرويان عن النبي أنه صلى الله عليه وآله قال: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه (425).
وفي رواية: ببعض بكاء أهله عليه (426).
وفي ثالثة: ببكاء الحي عليه (427).
وفي رابعة: يعذب في قبره بما ينح عليه (428).
وفي رواية خامسة: من يبك عليه يعذب (429). وهذه الروايات كلها
خطأ من راويها بحكم العقل والنقل.
قال الفاضل النووي (حيث أورد هذه الروايات في باب الميت يعذب
ببكاء أهله عليه من شرح صحيح مسلم): هذه الروايات كلها من رواية عمر
بن الخطاب وابنه عبد الله (قال): وأنكرت عائشة عليهما ونسبتهما إلى النسيان
والاشتباه واحتجت بقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (430).
قلت: وأنكر هذه الروايات أيضا ابن عباس (431). وأئمة أهل البيت

(425) صحيح مسلم ك الجنائز باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه ج 3 / 41 و 43
ط العامرة.
(426) صحيح مسلم ج 3 / 43.
(427) صحيح مسلم ج 3 / 41.
(428) صحيح مسلم ج 3 / 41.
(429) صحيح مسلم ج 3 / 42.
(430) سورة الأنعام: 164.
(431) ابن عباس ينكر روايات المنع عن البكاء:
صحيح مسلم ج 1 / 42 و 43، اختلاف الحديث للشافعي في هامش كتاب الأم ج
7 / 266، صحيح البخاري في أبواب الجنائز، مسند أحمد ج 1 / 41، سنن النسائي ج
4 / 18، سنن البيهقي ج 4 / 73، الغدير ج 6 / 159.
299

كافة واحتجوا على خطأ راويها (432)، وما زالت عائشة وعمر في هذه المسألة
على طرفي نقيض (433) حتى ناحت على أبيها يوم وفاته، فكان بينها وبينه ما
قد أخرجه الطبري عند ذكر وفاة أبي بكر في حوادث سنة 13 من الجزء الرابع
من تاريخه بالإسناد إلى سعيد بن المسيب.

(432) أهل البيت ينكرون روايات منع البكاء:
وقد روت الشيعة عدة روايات في جواز البكاء على الميت ما لم يقل ما يسخط الرب.
راجع: وسائل الشيعة ك الطهارة ب 87 و 88 من أبواب الدفن ج 2 / 920،
جامع أحاديث الشيعة ج 3 / 469 ب 6.
(433) عائشة تنكر روايات عمر وابنه في المنع عن البكاء وتخطؤهما في
ذلك:
راجع: صحيح مسلم ج 3 / 42 و 43 و 44 و 45، الغدير ج 6 / 160 عن المستدرك
للحاكم ج 1 / 381، اختلاف الحديث للشافعي بهامش كتاب الأم ج 7 / 266، صحيح
البخاري أبواب الجنائز، مسند أحمد ج 1 / 41، جامع بيان العلم ج 2 / 105، سنن
النسائي ج 4 / 18، سنن البيهقي ج 4 / 73، مختصر المزني هامش كتاب الأم ج 1 /
187، الموطأ لمالك ج 1 / 96، دعوة الحسينية للهمداني ص 23.
سنن الترمذي ك الجنائز باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت ج 2 / 236
ح 1009 وقال هذا الحديث صحيح و ح 1010 (وقال بعده): حديث عائشة حديث حسن
صحيح وقد روي من غير وجه عن عائشة.
(وقال) وقد ذهب أهل العلم إلى هذا وتأولوا هذه الآية (ولا تزروا وازرة وزر أخرى)
وهو قول الشافعي.
وقد رجح الشافعي في اختلاف الحديث حديث عائشة على أحاديث عمر.
عمر لا يمنع عن البكاء في موت خالد بن الوليد المتوفى 22 ه‍:
راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 4 / 308 عن الإصابة ج 1 / 415،
صفة الصفوة ج 1 / 655، أسد الغابة ج 2 / 96، حياة الصحابة ج 1 / 465، تاريخ
الخميس ج 2 / 247.
النبي صلى الله عليه وآله ينهي عمر عن التعرض للذين يبكون موتاهم:
راجع: الغدير ج 6، مسند أحمد ج 1 / 237 و 335 و ج 2 / 408 و ج 3 / 333،
مستدرك الحاكم ج 3 / 191 وصححه و ج 1 / 381، تلخيص المستدرك للذهبي، مسند أبي
داود الطيالسي ص 351، الاستيعاب بهامش الإصابة بترجمة عثمان بن مضعون ج 2 / 482
مجمع الزوائد ج 3 / 17، سنن البيهقي ج 4 / 70، عمدة القاري ج 4 / 87، سنن ابن ماجة
ج 1 / 481، دعوة الحسينية ص 16، كنز العمال ج 8 / 117 ط 1.
300

قال: لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فأقبل عمر بن الخطاب
حتى قام ببابها فنهاهن عن البكاء عليه، فأبين أن ينتهين فقال عمر لهشام بن
الوليد: أدخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة، فقالت عائشة لهشام حين سمعت
ذلك من عمر: إني أحرج عليك بيتي. فقال عمر لهشام: ادخل فقد أذنت
لك، فدخل هشام فأخرج أم فروة أخت أبي بكر إلى عمر فعلاها بالدرة فضربها
ضربات فتفرق النوح حين سمعوا ذلك. ا ه‍ (434).
وهنا نلفت أولي الألباب إلى البحث عن السبب في تنحي الزهراء عن
البلد في نياحتها على أبيها صلى الله عليه وآله وخروجها بولديها في لمة من نسائها إلى البقيع
يندبن رسول الله صلى الله عليه وآله في ظل أراكة كانت هناك فلما قطعت بنى لها علي بيتا

(434) عمر يضرب النساء في البكاء على أبي بكر:
كنز العمال ج 8 / 119، الإصابة لابن حجر ج 3 / 606، الغدير ج 6 / 161،
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
عمر يسمح لعائشة فقط أن تبك على أبيها:
كنز العمال ج 8 / 119، الإصابة لابن حجر ج 3 / 606، الغدير ج 6 / 161.
ولأجل المزيد من الاطلاع على جواز البكاء راجع: كتاب دعوة الحسينية إلى
مواهب الله السنية للشيخ محمد باقر الهمداني ففيه مباحث جيدة ومفيدة.
301

في البقيع كانت تأوى إليه للنياحة يدعي بيت الأحزان (435) وكان هذا البيت
يزار في كل خلف من هذه الأمة كما تزار المشاهد المقدسة حتى هدم في هذه
الأيام بأمر الملك عبد العزيز بن سعود الجندي لما استولى على الحجاز وهدم
المقدسات في البقيع عملا بما يقتضيه مذهبه الوهابي وذلك سنة 1344 للهجرة
وكنا سنة 1339 تشرفنا بزيارة هذا البيت (بيت الأحزان) إذ من الله علينا
في تلك السنة بحج بيته وزيارة نبيه ومشاهد أهل بيته الطيبين الطاهرين في
البقيع عليهم السلام (436).

(435) راجع: كشف الارتياب للسيد محسن الأمين ص 55 و 287 ط 2، وسائل
الشيعة ج 2 / 922 ك الطهارة ب 87 من أبواب الدفن.
(436) آل سعود يمحون الآثار الإسلامية في مكة والمدينة:
فقد هدم آل سعود:
1 - البيت الذي ولد فيه النبي محمد صلى الله عليه وآله بشعب الهواشم بمكة المكرمة.
2 - هدموا بيت السيدة خديجة أم المؤمنين وأول امرأة آمنت بالرسول صلى الله عليه وآله
والرسالة الإسلامية وبذلت كل أموالها في سبيل الدعوة الإلهية.
3 - هدموا البيت الذي ولدت فيه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء.
4 - هدم آل سعود بيت أبي بكر ويقع بمحلة المسفلة بمكة.
5 - هدم آل سعود بيت حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله أسد الله وأسد
رسوله ويقع بيته في المسفلة بمكة.
6 - هدم آل سعود بيت الأرقم وهو أول بيت تكونت فيه خلايا الثورة الإسلامية
وكان الرسول صلى الله عليه وآله يجتمع فيه مع أصحابه سرا وهذا البيت يقع بجوار الصفا بمكة..
أما الآن فقد شيد في مكانه قصر أعطى لتاجر الفتاوى السعودية الباطلة عبد الملك بن
إبراهيم ليتاجر به وذريته ويفسدون.
7 - هدم آل سعود قبور الشهداء الواقعة في المعلى بأعلى مكة وبعثروا رفاتها.
8 - هدم آل سعود قبور الشهداء في بدر.
9 - هدم آل سعود البيت الذي ولد فيه الحسن والحسين عليهما السلام في
المدينة.
10 - سرق آل سعود الذهب الموجود في القبة الخضراء. في المدينة.
11 - دمر آل سعود بقيع الغرقد الذي يرقد فيه الأئمة الأربعة من أهل البيت
وهم الحسن بن علي وزين العابدين والإمام الباقر والإمام الصادق عليهم السلام، وزوجات
النبي صلى الله عليه وآله وبناته وأولاده وجملة كبيرة من أصحابه.
12 - هدموا بيت الأحزان الذي بناه الإمام على سيدة النساء فاطمة الزهراء
لتبكي على أبيها فيه.
13 - طموا المكان الذي ربضت فيه ناقة الرسول صلى الله عليه وآله عند قدومه إلى المدينة.
14 - مكتبات من أثمن المكتبات في العالم أحرقتها الهمجية السعودية بمكة
والمدينة:
فقد أحرق آل سعود " المكتبة العربية " الأثرية الإسلامية التاريخية العلمية التي
كانت في مكة المكرمة وهي التي تعد من أثمن المكتبات في العالم إذ لا تقدر بالمال
أبدا، ولا بمليارات العملات. لقد كان بهذه المكتبة (000 و 60) من الكتب النادرة
الوجود الجامعة لمختلف المناهل العلمية والتاريخية. وفيها (000 و 40) مخطوطة نادرة
الوجود من مخطوطات " جاهلية " خطت كمعاهدات بين طغات قريش واليهود وتكشف
الغدر اليهودي وعدم ارتباط اليهود بالدين والوطن من قديم الزمان وتكشف مؤامرات
اليهود على - النبي محمد صلى الله عليه وآله - وفيها وثائق خطت قبل الثورة المحمدية بمئات السنين
وفيها ما يعطي فكرة ممتازة عن تلك الحضارات العربية القديمة.
وفي هذه المكتبة وغيرها من مكتبات المدينة بعض المخطوطات المحمدية التي كتبت
بخط النبي محمد في أيام كفاحه السري وهناك ما هو بخط علي بن أبي طالب وأبي بكر وعمر
وخالد بن الوليد وطارق بن زياد وعدد من الصحابة، ومن هذه المخطوطات ما يسجل
العديد من الخطط الحربية التي أرسلها خالد بن الوليد لعمر بن الخطاب والتي أرسلها
- عمر - لخالد والتي يظهر بعضها بعض الخلاف الاجتهادي في وجهات النظر. ومن تلك
المخطوطات ما هو مخطوط على جلود الغزلان وعلى فرش من الحجارة وألواح من عظام
فخوذ الإبل وغيرها من الوسائل القابلة للكتابة كالألواح الخشبية والفخارية والطين
المصهور بالأفران..
والمكتبة العربية التاريخية في مكة المكرمة بالإضافة إلى كونها مكتبة نادرة فهي متحف
أيضا يحتوي على مجموعة آثار ما قبل الإسلام وبعده، وأنواع من أسلحة النبي محمد
صلى الله عليه وآله وفيها آخر الأصنام المعبودة التي حطمتها الثورة المحمدية، مثل اللات، والعزى،
ومناة، وهبل.. وغيرها..
ويقول ناصر السعيد المختطف حاليا من قبل السلطات اليهودية السعودية: ويحدثنا
أحد المشايخ المؤرخين المعاصرين (ونمتنع عن ذكر اسمه خشية عليه من جهنم آل
سعود) فيقول:
وكنت أزور هذه المكتبة مع والدي قبل الاحتلال السعودي وكان يرتادها العديد
من الدارسين، فتقدم بعضهم بشكوى للحسين بن علي يطلبون منه " إحراق بعض المخطوطات
النادرة لأن فيها كفريات " فقال لهم: (أي الشريف حسين): " إنني معكم قد لا أؤيد
هذه الكفريات وبعض هذه المخطوطات هي ليست من حقي أو حقكم أو حق أي كائن
من البشر إحراق التاريخ "!. وقال إن في هذه المكتبة وثائق تكشف أصل آل سعود
بأنهم من اليهود الذين أسلموا..
وأن فيها مخطوطات بأقلام مجموعة من الصحابة ومنهم عبد الله بن مسعود سجلوا
فيها عددا من الآيات القرآنية الكريمة التي دار الصراع عليها وقال التجار إنها
" منسوخة " وقال الفقراء في اللجنة إنها غير " منسوخة " من القرآن الكريم، وفي تلك
المخطوطات اتهام واضح لعثمان بن عفان في محاولاته حذف آيات من القرآن الكريم
ويرى عدم تسجيلها في المصحف الذي شكلت لجنة لتحقيقه الذي أمر بجمعه - في عهده -
من أفواه وصدور الرواة من حفظة القرآن ومن السجلات الجلدية وغيرها.
ويتابع الثائر المقدام ناصر السعيد نقلا عن ذلك المؤرخ قائلا: وقال المؤرخ:
إن من هذه الآيات التي رأى عثمان عدم إثباتها في القرآن واعتبارها آيات منسوخة تلك
الآيات التي تقطع في إعطاء الفقراء حقوقهم ودعوتهم للقتال من أجلها، وكذلك مساواة
النساء بالرجال ومساواة الناس أجمعين ودعوة المغلوبين على أمرهم لأخذ حقوقهم بقوة
القتال، وإن من تمتع بحقوق الناس فهو باغ وإن الناس شركاء في الخير والشر والسراء
والضراء، وإن ملكية الأشياء والأرض مشاعة، وإن الملوك بغاة.. إلى غير ذلك..
وقال ناصر السعيد نقلا عن ذلك المؤرخ: وقال: إن بعض هذه المخطوطات
كانت بخط الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود وهو من أوائل الذين رافقوا النبي محمد
صلى الله عليه وآله ومن المسؤولين عن " لجنة " أو جماعة الأشراف التي تشكلت في عهد عثمان لجمع
القرآن في كتاب موحد، وكان ابن مسعود ممن يعبرون عن رأي محمد وعلي والكادحين
لكونه من رعاة الأغنام فشهر ابن مسعود سيفه بوجه " يمين " اللجنة وبحضور عثمان
وقال: ما معناه والله لا أعيدن سيفي إلى غمده حتى تعيدون للقرآن آية - الكنز التي تأمر
بحرق أصحاب الأموال بالنار -... (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل
الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم
هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) " انتهى كلامه. راجعه في كتابه تاريخ
آل سعود ج 1 / 158 - 160 ط بيروت.
وكذلك راجع جملة من جرائمهم في كتاب: كشف الارتياب في أتباع محمد بن
عبد الوهاب ص 55 و 187 و 324 و 86، أعيان الشيعة ج 2 / 7، الصحيح من سيرة النبي
الأعظم ج 1 / 81، آل سعود من أين إلى أين ص 47، مذكرات مستر هنفر.
أقول: في سنة 1389 ه‍ تشرفت بزيارة الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته ورأيت جملة من
الأماكن المقدسة والآثار القديمة والتي الآن أعفي أثرها ومن جملتها: أنى زرت قبر السيدة
فاطمة بنت أسد أم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والتي ربت الرسول صلى الله عليه وآله بعد والدته
وجده وكان يعبر عنها بأمه قال السمهودي: " لما استقر بفاطمة وعلم بذلك رسول الله
صلى الله عليه وآله قال إذا توفيت فأعلموني، فلما توفيت خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر بقبرها فحفر
في موضع المسجد الذي يقال له اليوم قبر فاطمة، ثم لحد لها لحدا، ولم يضرح لها
ضريحا فلما فرغ منه نزل فاضطجع في اللحد وقرأ فيه القرآن ثم نزع قميصه فأمر أن
تكفن فيه، ثم صلى عليها عند قبرها فكبر تسعا وقال: ما أعفي أحد من ضغطة القبر إلا
فاطمة بنت أسد...
قال السمهودي قلت: وقوله في موضع المسجد إلى آخره يقتضي أنه كان على
قبرها مسجد يعرف به في ذلك الزمان ".
وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ج 3 / 897.
أقول: زرت هذا المرقد الطاهر الذي شرفه الرسول صلى الله عليه وآله بالاضطجاع فيه وكان
هذا المرقد حجرة مبنية من الطين قد أردمت من جوانبها الأربع وفي سنة 1400 ه‍
تشرفت بزيارة الرسول صلى الله عليه وآله أيضا ومررت على هذا المكان فلم أرى أثرا لذلك القبر
الشريف فقد حرثه آل سعود وأنشأوا مكانه عمارات شاهقة فنادق وغيرها وهذا مرقد
وأثر واحد من مئات بل آلاف الأماكن المقدسة التي كانت في مكة والمدينة لا نجد لها
في يومنا هذا عين ولا أثر فبعد احتلال آل سعود.. مكة والمدينة اذهبوا بتلك الآثار
والأماكن المشرفة وحققوا أهداف أجدادهم اليهود في القضاء على الإسلام ومآثره.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
من أراد مزيد الاطلاع على فساد مذهب الوهابية، وجواز زيارة القبور، والدعاء
عندها، والتبرك بها، والنذور، وجواز نقل الميت، وجرائم آل سعود من حرقهم
للآثار الإسلامية، وهدم القبور وعمالتهم للاستعمار وغيرها من الجرائم.
فليرجع إلى: تاريخ آل سعود ج 1 ط بيروت لناصر السعيد، كشف الارتياب
للسيد محسن الأمين ط بيروت، هكذا رأيت الوهابيين، هذه هي الوهابية، الغدير
للأميني ج 5 / 66 - 207، مذكرات مستر هنفر الجاسوس البريطاني في البلاد الاسلامية
وغيرها من عشرات المصادر.
302

[المورد - (41) -: نصه على صدق حاطب ونهيه صلى الله عليه وآله إياهم عن
أن يقولوا له إلا خيرا]
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي عوانة عن حصين، قال: تنازع أبو
عبد الرحمن وحبان بن عطية، فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت الذي
جرأ صاحبك على الدماء - يعني عليا - قال: ما هو؟ لا أبا لك. قال: شئ
سمعته يقوله. قال: ما هو؟. قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله والزبير وأبا مرثد،
وكلنا فارس، قال: حتى تأتوا روضة حاج (1) (قال أبو سلمة هكذا قال أبو
عوانة حاج) فإن فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين
فأتوني بها، فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله
تسير على بعير لها، وكان حاطب كتب إلى أهل مكة بمسير رسول الله صلى الله عليه وآله
إليهم، فقلنا: أين الكتاب الذي معك؟. قالت: ما معي كتاب. فأنخنا بها بعيرها
فابتغاه في رحلها فما وجدنا شيئا، فقال صاحباي: ما نرى معها كتابا. قال: فقلت
لقد علمنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم حلف علي: والذي يحلف به لتخرجن
الكتاب أو لأجردنك (2) فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت
الصحيفة فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله و
رسوله والمؤمنين دعني فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا حاطب ما
حملك على ما صنعت؟. قال يا رسول الله مالي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله،

(1) لعل الصواب روضة خاخ وهو موضع بين الحرمين بخاءين معجمتين (منه
قدس).
(2) إنما تهددها بتجريدها من حجزتها التي كانت محتجزة بها وهي الكساء وقد
كان الكتاب في تلك الحجيزة (منه قدس).
307

ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي، وليس
من أصحابك أحد إلا له هناك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله، قال:
صدق لا تقولوا له إلا خيرا، قال فعاد عمر فقال: يا رسول الله قد خان الله و
رسوله والمؤمنين دعني فلأضرب عنقه. (الحديث) (437).
قلت: كان الواجب أن لا يقولها عمر بعد أن أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بصدق
الرجل ونهيه إياهم عن أن يقولوا له إلا خيرا.
[المورد - (42) - كتابه صلى الله عليه وآله إلى أمرائه فيمن يبردونه إليه:]
أخرج الإمام مالك والبزاز - كما في مادة لقحة (1) بوزن بركة من حياة
الحيوان - للدميري - عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كتب إلى أمرائه إذا أبردتم
إلي بريدا فأبردوه حسن الاسم حسن الوجه، فقام عمر حين علم بذلك قائلا:
لا أدري أقول أم أسكت؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله: بل قل يا عمر فقال: كيف نهيتنا
عن الطيرة وتطيرت؟ فقال: ما تطيرت ولكن اخترت. ا ه‍ (438).
[المورد - (43) - لمزه صلى الله عليه وآله في الصدقات:]
أخرج الإمام أحمد من حديث عمر في مسنده (2) عن سلمان بن ربيعة،

(437) فراجعه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم من ج 4 من
صحيحه (منه قدس).
مجمع البيان للطبرسي ج 9 / 269، الكامل في التاريخ ج 2 / 163، السيرة
الحلبية ج 3 / 75، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج 2 / 245.
(1) اللقحة هي الناقة الحلوب (منه قدس).
(438)
(2) ص 20 من جزئه الأول (منه قدس).
308

قال: سمعت عمر يقول: قسم رسول الله صلى الله عليه وآله قسمة، فقلت: يا رسول الله لغير
هؤلاء أحق منهم، أهل الصفة. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنكم تسألوني
بالفحش، وتبخلوني ولست بباخل. ا ه‍ (439).
قلت: وأتم القسمة على ما أراد الله ورسوله، وعن أبي موسى أن عمر سأل النبي
عن أشياء يكرهها رسول الله فغضب صلى الله عليه وآله حتى رأى عمر ما في وجهه من
الغضب. (الحديث) (440) أخرجه البخاري في باب، الغضب في الموعظة
والتعليم إذا رأى ما يكره، من أبواب كتاب العلم ص 19 من الجزء الأول من
صحيحه.
[المورد - (44) - قوله صلى الله عليه وآله لعمر حين أسلم: استر إسلامك:]
روى شيخ العرفاء محي الدين ابن العربي (1) أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال
لعمر بن الخطاب حين أسلم: أستر إسلامك وأن عمر أبى إلا إعلانه (441)

(439) صحيح مسلم ج 2 / 730 ط محمد فؤاد و ج 3 / 103 ط مشكول، الطرائف
ص 465.
وهناك أحاديث أخرى في الاعتراض على النبي صلى الله عليه وآله في القسمة ولا يعتبر عدالة
النبي صلى الله عليه وآله إلا أنه لقضايا سياسية لم يصرح باسم قائلها.
راجع هذه الأحاديث في: صحيح مسلم ج 3 / 109 ط مشكول.
(440)
(1) فيما نقلة عنه الكاتب محمد لطفي المصري في تاريخ فلسفة الإسلام ص 301
(منه قدس).
(441) اختلاف في أي وقت أسلم عمر فهل أسلم قبل انتشار الدعوة أم بعد
انتشارها وظهورها ولعل الصحيح أنه أسلم قبل هجرة الرسول إلى المدينة بقليل فقد روى
البخاري في صحيحه ج 5 / 163 ط مشكول عن نافع قال إن الناس يتحدثون أن ابن عمر
أسلم قبل عمر. الخ.
وابن عمر أسلم وعمره عشر سنين قبيل الهجرة.
فيكون هذا المورد من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.
راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 4 / 93.
309

قلت: كانت الحكمة يومئذ تضطر إلى الكتمان، وكانت الدعوة إلى الله
ورسوله لا سبيل إليها إلا بالتستر، لكن بطولة عمر تأبى عليه إلا الصراحة
برأيه وإن خالف النص.
[المورد - (45) - ما كان في بدء الإسلام مما يتعلق بالصيام:]
وذلك أن الصائم كان إذا أمسى حل له في شهر رمضان الأكل والشرب
والنساء وسائر المفطرات إلى أن يصلي العشاء الآخرة أو يرقد فإذا صلاها أو
رقد حرم عليه ما حرم على الصائم إلى الليلة القابلة (442).
لكن عمر أتى أهله بعد العشاء واغتسل فندم على ما فعل، فأتى النبي صلى الله عليه وآله
قائلا: يا رسول الله إني اعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة، وأخبره
بما فعل، وحينئذ قام رجال فاعترفوا بأنهم كانوا يصنعون كما صنع عمر بعد
العشاء، فأنزل الله عز وجل (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، هن
لباس لكم وأنتم لباس لهن. علم الله إنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم
وعفا عنكم، فآلان باشروهن وابتغوا ما كتب لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين
لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل (1))

(442) راجع: الميزان في تفسير القرآن ج 2 / 45، تفسير القمي، الدر المنثور
وغيرها.
(1) وهي الآية 187 من سورة البقرة، فليراجع تفسيرها في الكشاف وغيره من
سائر التفاسير، وقد أخرجه الإمام الواحدي في كتابه أسباب النزول ص 33 منه (منه
قدس).
310

الآية (443) وإن كانت صريحة بأنهم كانوا يختانون أنفسهم غير مرة، لكنها
نص بالتوبة عليهم والعفو عنهم وقد وسع الله عليهم، وخفف مما كان قد كلفهم
به. فالحمد لله على عفوه ومغفرته، وله الآلاء على سعة رحمته.
[المورد - (46) - حول الخمر وتحريمها.]
وذلك أن الله عز وجل أنزل في الخمر ثلاث آيات، الأولى قوله تعالى:
(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) (444)..
(الآية)، فكان من المسلمين شارب وتارك إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة
فهجر، فنزل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى
حتى تعلموا ما تقولون) (445).. (الآية)، فشربها بعد من شربها من المسلمين
وتركها من تركها، قال أهل الأخبار حتى شربها عمر بن الخطاب فأخذ
بلحي بعير وشج به رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر
بشعر الأسود بن يعفر إذ يقول:
وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والعرب الكرام -
أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام -

(443) ذكرت أن السبب في ذلك عمر عدة روايات:
راجع: مجمع البيان للطبرسي ج 2 / 280، تفسير الطبري، الدر المنثور،
الميزان في تفسير القرآن ج 2 / 50.
(444) سورة البقرة: 219.
(445) سورة النساء: 43.
311

أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي -
ألا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام -
فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي -
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج مغضبا يجر ردائه فرفع شيئا كان في
يده فضربه به فقال: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فأنزل الله تعالى:
(إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العدواة والبغضاء في الخمر والميسر و
يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) (446) قال: فقال عمر
انتهينا انتهينا (447).

(446) سورة المائدة: 91.
(447) تجد هذه القضية بلفظها في الباب الرابع والسبعين المختص بتحريم الخمر
وذمها والنهي عنها من الجزء الثاني من كتاب المستطرف في كل فن مستظرف للإمام
شهاب الدين الأبشيهي وهو من الكتب المنتشرة، ونقلها جماعة من الأثبات عن ربيع
الأبرار للزمخشري. وقد ألمع الإمام الرازي إلى شئ منها في تفسير قوله تعالى: (إنما
يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر) من سورة المائدة،
في ص 446 من الجزء الثالث من تفسيره الكبير إذ قال: روى أنه لما نزل قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) قال عمر بن الخطاب: اللهم بين لنا
في الخمر بيانا شافيا، فلما نزلت هذه الآية: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة
والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل منتهون). قال عمر:
انتهينا يا رب (منه قدس).
الغدير للأميني ج 6 / 251، عن المستطرف ج 2 / 291، ربيع الأبرار للزمخشري
مخطوط، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 4 / 48 وغيرها.
ومن أراد مزيد اطلاع على هذا الموضوع فليراجع كتاب الغدير ج 6 /
251 فقد نقل شرب الخليفة في الجاهلية ولم ينته عن شربه إلا بعد نزول آية (فهل أنتم
منتهون) التي في سورة المائدة، والمائدة آخر سورة نزلت في القرآن والتي نزلت
على الرسول في حجة الوداع. ثم بعد ذلك صار يشرب النبيذ الشديد وكان يقول:
إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا.. الخ وقد
" شرب شخص من النبيذ الذي كان يشرب منه فأسكره فأقام عليه الخليفة الحد قال الشعبي:
شرب إعرابي من أدواة عمر فأغشي فحده عمر. ثم قال وإنما حده للسكر لا للشرب ".
العقد الفريد ج 3 / 416.
وقريب منه في: أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 565.
لأجل المزيد من الاطلاع على هذا الموضوع راجع الغدير ج 6 / 257.
ناد الخمر في دار أبي طلحة:
ولعل الآية الأخيرة نزلت بسبب نادي الخمر الذي عقد في دار أبي طلحة وكان
يضم أحد عشر رجلا من كبار الصحابة:
ذكر الطبري في تفسيره ج 2 / 203 وفي طبعة أخرى ج 2 / 211 عن أبي القموص
قال: أنزل الله عز وجل في الخمر ثلاث مرات فأول ما نزل قال الله: (يسألونك عن
الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) قال: فشربها
من المسلمين ما شاء الله منهم على ذلك حتى شرب رجلان فدخلا في الصلاة فجعلا يهجران
كلاما لا يدري - عوف - ما هو فأنزل الله عز وجل فيها: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا
الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فشربها من شربها منهم وجعلوا يتقونها عند
الصلاة حتى شربها فيما زعم أبو القموص رجل فجعل ينوح على قتلى بدر:
تحيى بالسلامة أم عمرو * وهل لك بعد رهطك من سلام؟ -
ذريني اصطبح بكرا فإني * رأيت الموت نقب عن هشام -
وود بنو المغيرة لو فدوه * بألف من رجال أو سوام -
كأني بالطوى طوى بدر * من الشيزى يكلل بالسنام -
كأني بالطوى طوى بدر * من الفتيان والحلل الكرام -
قال فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء فزعا يجر رداءه من الفزع حتى انتهى إليه فلما
عاينه الرجل فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا كان بيده ليضربه قال أعوذ بالله من غضب الله
ورسوله والله لا أطعمها أبدا فأنزل الله تحريمها (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر
والأنصاب والأزلام رجس.. - إلى قوله - فهل أنتم منتهون) فقال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه: انتهينا. انتهينا.
وفي هذه الرواية تحريف من الطبري أو غيره فحذف اسم (أبو بكر) وجعل مكانه
(رجل) وفي الأبيات حذف اسم (أم بكر) وجعل مكانه (أم عمرو) والذي قال الأبيات
هو أبو بكر كما في مجمع الزوائد ج 5 / 51 وذكر القصة كل من:
الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 66، وابن حجر في الإصابة ج 4 / 22،
وابن حجر في فتح الباري ج 10 / 30، والعيني في عمدة القاري ج 10 / 82. وكان
النادي يضم أحد عشر رجلا وهم:
1 - أبو بكر وهو الذي قرأ الأبيات. 2 - عمر 3 - أبو عبيدة بن الجراح.
4 - أبو طلحة زيد بن سهل صاحب النادي 5 - سهيل بن بيضاء 6 - أبي بن
كعب 7 - أبو دجانة سماك بن خرشة 8 - أبو أيوب الأنصاري 9 - أبو بكر
ابن شغوب 10 - أنس بن مالك ساقي القوم ذكر هؤلاء ابن حجر في فتح الباري
ج 10 / 30 وغيره 11 - معاذ بن جبل كما في صحيح مسلم ج 6 / 88 وغيره.
وكانت هذه الحادثة في سنة 8 ه‍ عام الفتح راجع: في خصوصيات هذه الحادثة
مع مصادرها والآراء في تحريم الخمر ومتى كان. الغدير للعلامة الأميني ج 7 / 95 -
102، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 4 / 50 وغيرهما.
312

[المورد - (47) - النهي عن قتل العباس وغيره (1).]
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأصحابه وقد حمي الوطيس يوم بدر:
عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم أخرجوا كرها لا حاجة لهم لقتالنا، فمن

(1) أما نهيه صلى الله عليه وآله عن قتل العباس فمما لا ريب فيه. والأخبار فيه متواترة،
والصحاح مشحونة به، وكل من أرخ بدرا من أهل السير نص عليه. وعلى النهى عن
قتل بني هاشم كافة (منه قدس).
314

لقي أحدا من بني هاشم فلا يقتله (448) ومن لقي أبا البختري بن هشام بن
الحارث بن أسد فلا يقتله (449) ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول
الله صلى الله عليه وآله فلا يقتله، فإنه خرج مستكرها (450).
تراه صلى الله عليه وآله نهى عن قتل بني هاشم عامة، ثم نهى عن قتل عمه العباس
بالخصوص، تأكيدا للمنع من قتله، وتشديدا ومبالغة في ذلك، ولما أسر

(448) الكامل في التاريخ ج 2 / 89، تاريخ الطبري ج 2 / 281، الصحيح من
سيرة النبي الأعظم ج 3 / 172، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 281 ط بيروت، السيرة
الحلبية ج 2 / 168، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 14 ص 182.
449 تجد هذا في غزوة بدر العظمى ص 284 والتي بعدها من جزء 3 من البداية
والنهاية لابن كثير، وفي غيرها من كتب السير والأخبار كسيرة بن إسحاق وغيرها وإنما
نهي عن قتل أبي البختري لأنه كان ممن قام في نقض الصحيفة، وكان لا يؤذي رسول
الله ولم يبلغه عنه شئ يكرهه، فكان صلى الله عليه وآله يؤثر بقاؤه حيا أملا بتوفيقه وهدايته إلى الله
تعالى ورسوله، لكن لقيه في حومة الحرب المجذر بن زياد البلوى حليف الأنصار،
فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وآله نهانا عن قتلك، ومع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة،
وهو جنادة بن مليحة من بني ليث قال: وزميلي؟. قال له المجذر: لا والله ما نحن بتاركي
زميلك، ما أمرنا رسول الله إلا بك وحدك، قال: لا والله إذن لأموتن وهو جميعا لا تتحدث
عني نساء قريش بمكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة. فاقتتلا فقتله المجذر ثم
أتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فأتيك به
فأبى إلا أن يقاتلني فقاتلته فقتلته (منه قدس).
الكامل في التاريخ ج 2 / 89، تاريخ الطبري ج 2 / 282، الصحيح من سيرة
النبي الأعظم ج 3 / 172، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 281، السيرة الحلبية ج 2 /
168، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 14 / 133 و 183.
(450) الكامل في التاريخ ج 2 / 89، الدرجات الرفيعة ص 80، تاريخ الطبري
ج 2 / 282، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 172، السيرة النبوية لابن هشام ج
2 / 281، السيرة الحلبية ج 2 / 168، شرح النهج الحديدي ج 14 / 183.
315

العباس بات رسول الله صلى الله عليه وآله ساهرا أرقا فقال له أصحابه - كما نص عليه
كل من أرخ وقعة بدر من أهل السير والأخبار - يا رسول الله ما لك لا تنام؟
قال صلى الله عليه وآله سمعت تضور عمي العباس في وثاقه فمنعني النوم، فقاموا إليه فأطلقوه
فنام رسول الله صلى الله عليه وآله (451).
وعن يحيى بن أبي كثير: أنه لما كان يوم بدر أسر المسلمون من
المشركين سبعين رجلا، فكان ممن أسر العباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله فولي
وثاقه عمر بن الخطاب، فقال العباس: أما والله يا عمر ما يحملك على شد وثاقي
إلا لطمي إياك في رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يسمع أنين
العباس فلا يأتيه النوم. فقالوا: يا رسول الله ما يمنعك من النوم؟. فقال رسول
الله: كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي. فأطلقه الأنصار.. (الحديث) (452).
وكان أصحاب رسول الله كافة من مهاجرين وأنصار وغيرهم يعلمون ما لأبي
الفضل العباس من المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وحب السلامة له والكرامة،
ولما بلغه صلى الله عليه وآله كلمة أبي حذيفة ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس - وكان معه في
بدر - إذ قال أنقتل آبائنا وإخواننا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف
ساءه صلى الله عليه وآله ذلك من أبي حذيفة فاستنجد بعمر يقول له مثيرا حفيظته: يا أبا حفص
أيضرب وجه عم الرسول بالسيف؟. قال عمر: والله إنه لأول يوم كناني فيه

(451) الكامل لابن الأثير ج 2 / 89، الدرجات الرفيعة ص 80، مجمع البيان
ج 4 / 559، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 14 / 182.
(452) تجده في ج 5 / 272 من الكنز وهو حديث 5391 وقد أخرجه ابن عساكر
(منه قدس).
وراجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 520 عن جملة من المصادر.
316

رسول الله بأبي حفص (453).
وما أن وضعت الحرب أوزارها - ونصره الله عبده، وأعز جنده وقتل
الطواغيت سبعين وأسر سبعين آخرين. وجئ بهم موثوقين - حتى قام أبو
حفص يحرض على قتلهم بأشد لهجة قائلا: يا رسول الله إنهم كذبوك وأخرجوك
وقاتلوك فمكني من فلان - لقريب أو نسيب له - فأضرب عنقه، ومكن عليا من
أخيه عقيل فيضرب عنقه، ومكن حمزة من أخيه العباس فيضرب عنقه (454).
قلت: يا سبحان الله لم يكن عباس ولا عقيل ممن كذبوا رسول الله، ولا
ممن أخرجوه، ولا ممن آذوه، وقد كانوا معه في الشعب أيام حصرهم فيه
يكابدون معه تلك المحن، وقد أخرجا إلى بدر كرها بشهادة رسول الله صلى الله عليه وآله
لهما بذلك. ونهى رسول الله عن قتلهم والحرب قائمة على ساقها، فكيف يقتلان
وهما أسيران؟. وإذا كان تضور العباس أقلق رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعه النوم،
فما ظنك بقتله صبرا بلا مقتض لذلك، فإن العباس كان من قبل ذلك مسلما،
وإنما كتم إسلامه لحكمة كان لله ورسوله فيها رضا، وله وللأمة فيها صلاح (455)

(453) نقل ذلك عنه ابن إسحاق وغيره من أهل السير والأخبار فراجع ص 285 من
الجزء 3 من البداية والنهاية (منه قدس).
أقول وراجع أيضا: الكامل في التاريخ ج 2 / 89، تاريخ الطبري ج 2 / 282، السيرة
النبوية لابن هشام ج 2 / 281، السيرة الحلبية ج 2 / 168، ابن أبي الحديد ج 14 / 183.
(454) الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 249، صحيح مسلم ك الجهاد والسير
باب الإمداد بالملائكة ج 6 / 157، الدرجات الرفيعة ص 82، السيرة الحلبية ج 2 /
190 و 191، ابن أبي الحديد ج 14 / 183.
(455) قال مفتي الشافعية في عصره السيد أحمد زيني دحلان حيث ذكر العباس في
غزوة بدر من سيرته النبوية ص 504 من جزئه الأول المطبوع في هامش السيرة الحلبية
نقلا عن المواهب ما هذا لفظه: وكان العباس فيما قاله أهل العلم بالتاريخ قد أسلم قديما
وكان يكتم إسلامه، وكان يسره ما يفتح الله على المسلمين، وكان النبي صلى الله عليه وآله يطلعه على
أسراره حين كان بمكة وكان يحضر مع النبي حين كان يعرض نفسه على القبائل، وكان
يحثهم ويحرضهم على مناصرته كما تقدم ذلك في حضوره بيعة العقبة التي كانت مع
الأنصار، فهذا كله يدل على إسلامه.
(قال): وكان النبي صلى الله عليه وآله أمره بالمقام بمكة ليكتب له أسرار قريش وأخبارهم،
ولما أرادت قريش الخروج إلى بدر واستنفرت الناس لم يمكنه التخلف عنها، ولهذا
قال النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر: من لقى العباس فلا يقتله فإنه خرج مستكرها.
(قال) ولا ينافي ذلك قوله صلى الله عليه وآله لما طلب منه الفداء: ظاهر أمرك أنك كنت علينا
لأن كونه عليهم في الظاهر لا ينافي كونه مكرها في الباطن، وإنما عامله النبي صلى الله عليه وآله
بظاهر حالة تطييبا لقلوب الصحابة حيث فعل مثل ذلك بآبائهم وأبنائهم وعشائرهم.
(قال) وكان للعباس مال وديون في قريش وكان يخشى إن أظهر إسلامه ضياعها
عندهم، فكان يخفي إسلامه بأذن من النبي صلى الله عليه وآله ولم يظهر النبي للصحابة إسلام عمه رفقا
به وخوفا على ضياع ماله.
(قال) وللنبي صلى الله عليه وآله غرض في إخفاء إسلامه ليكون عينا له ينقل أخبار القوم إليه
ومن ثم لما قهرهم الإسلام يوم فتح مكة أظهر إسلامه، فهو لم يظهر إسلامه إلا يوم فتح
مكة.
(قال) وكان العباس كثيرا ما يطلب الهجرة إلى رسول الله، فكتب النبي صلى الله عليه وآله له:
مقامك بمكة خير لك.
(قال) وفي رواية كتب إليه: يا عم أقم مكانك الذي أنت فيه، فإن الله عز وجل
يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة، فكان الأمر كذلك فقد كان آخر المهاجرين لأنه
التقى بالنبي صلى الله عليه وآله في الأبواء ولا علم له بخروج النبي لفتح مكة فرجع معه إلى آخر
كلامه، وللحلبي في سيرته كلام أصرح في تقدم إسلام العباس وزوجته أم الفضل على
الهجرة، فليراجعه من شاء التتبع، وليراجع نصوص العلماء في هذا الموضوع (منه
قدس).
الدرجات الرفيعة ص 80، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 301، الصحيح من
سيرة النبي الأعظم ج 3 / 242.
317

[المورد - (48) - أخذ الفداء من الأسرى يوم بدر:]
لما نصر الله عز وجل عبده ورسوله يوم الفرقان يوم التقى الجمعان في
بدر، وجئ بالأسرى إليه، علم من عزمه أنه سيبقي عليهم، أملا بأن يهديهم
الله - فيما بعد - لدينه، ويوفقهم لما دعا إليه من سبيله - كما وقع ذلك
والحمد لله - وهذا هو النصح لله تعالى ولعباده.
لكن قرر رسول الله صلى الله عليه وآله - مع العفو عنهم - أخذ الفداء منهم ليضعفهم
عن مقاومته، ويقوى به عليهم، وهذا هو الأصح - في الواقع للفريقين، وفيه
النصح لله تعالى ولعباده أيضا كما لا يخفى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا
وحي يوحى) (456) على أنه صلى الله عليه وآله كان مطبوعا على الرحمة ما وجد إليها
سبيلا.
وكان من رأي عمر بن الخطاب أن يقتلوا، بأجمعهم، جزاء بما كذبوا
وآذوا وهموا بما لم ينالوا، وأخرجوا وقاتلوا، وكان قوي العزيمة شديد
الشكيمة في استئصالهم قتلا بأيدي أرحامهم من المسلمين، حتى لا يبقى منهم
أحد (457).
لكن رسول الله صلى الله عليه وآله مثل فيهم كلمته التي حكاها الله تعالى عنه في محكم
فرقانه العظيم (1) ألا وهي قوله: (إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن

(456) سورة النجم: 3.
(457) الدرجات الرفيعة ص 82، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 242،
صحيح مسلم ج 5 / 157.
(1) هي الآية 16 من سورة يونس (منه قدس).
319

عصيت ربي عذاب يوم عظيم).
فخلى سبيلهم - عفوا عنهم وكرما - بعد أن أخذ منهم الفداء، فكان الجاهلون
بعصمته وحكمته بعد ذلك (لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من
المس ذلك بأنهم قالوا) إنما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بقياه عليهم، وأخذه
الفداء منهم مجتهدا (1) وكان الصواب قتلهم، واستئصال شأفتهم، محتجين
بأحاديث مفتاتة لا يجيزها عقل ولا نقل.
فمنها: أن عمر غدا على رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أخذه الفداء فإذا هو وأبو بكر
يبكيان فقال: ما يبكيكما فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله: إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل عذاب ما
أفلت منه إلا ابن الخطاب (458).
(قالوا) وأنزل الله تعالى (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في

(1) نقل ذلك عنهم السيد الدحلاني في السطر الأخير من ص 512 من الجزء
الأول من سيرته النبوية المطبوعة في هامش السيرة الحلبية (منه قدس).
(458) تجد هذا اللفظ في ص 512 من الجزء الأول من السيرة النبوية للدحلاني
وتجد غيره مما هو في معناه فيها وفي السيرة الحلبية، وفي البداية والنهاية لابن كثير نقلا
عن كل من الإمام أحمد ومسلم وأبي داود والترمذي بالإسناد إلى عمر بن الخطاب (منه
قدس).
راجع: صحيح مسلم ج 5 / 157، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 243 عن: تاريخ
الطبري ج 1 / 169، الكامل في التاريخ ج 2 / 136، السيرة الحلبية ج 2 / 190، أسباب
النزول للواحدي ص 137، حياة الصحابة ج 2 / 42، كنز العمال ج 5 / 265 عن عدة
كتب، الدر المنثور ج 3 / 201 - 203، مشكل الآثار ج 4 / 291، المغازي للواقدي
ج 1 / 107، فواتح الرحموت بهامش المستصفى للغزالي ج 2 / 267، تاريخ الخميس
ج 1 / 393، المستصفى للغزالي ج 2 / 356.
320

في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب
من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) الآيات (459).
(وما قدروا الله حق قدره) (460) إذ أمعنوا في التيه. فجوزوا الاجتهاد
على رسول الله صلى الله عليه وآله والله تعالى يقول: (إن هو إلا وحي يوحى) وقد أو غلوا
في الجهل إذ نسبوا إليه الخطأ، وتسكعوا في الضلال، إذ آثروا قول غيره،
واشتبهت عليهم - في هذه الآية - معالم القصد، وعميت لديهم - فيها - وجوه
الرشد، فقالوا بنزولها في التنديد برسول الله وأصحابه، حيث آثروا - بزعم
هؤلاء الحمقى - عرض الدنيا على الآخرة فاتخذوا الأسرى، وأخذوا منهم
الفداء قبل أن يثخنوا في الأرض، وزعموا أنه لم يسلم يومئذ من هذه الخطيئة
إلا عمر، وأنه لو نزل العذاب لم يفلت منه إلا ابن الخطاب.
وكذب من زعم أنه اتخذ الأسرى وأخذ منهم الفداء قبل أن يثخن في الأرض
فإنه صلى الله عليه وآله إنما فعل ذلك بعد أن أثخن في الأرض، وقتل صناديد قريش وطواغيتها
كأبي جهل بن هشام، وعتبة، وشيبة بن أبي ربيعة، والوليد بن عتبة، والعاص
بن سعيد، والأسود بن عبد الأسد المخزومي، وأمية بن خلف، وزمعة بن الأسد،
وعقيل بن الأسود، ونبيه، ومنبه، وأبي البختري، وحنظلة بن أبي سفيان، وطعيمة
بن عدي بن نوفل، ونوفل بن خويلد، والحارث ابن زمعة، والنظر بن الحارث
بن عبد الدار، وعمير بن عثمان التميمي، وعثمان ومالك أخوي طلحة، ومسعود
بن أمية بن المغيرة، وقيس بن الفاكه بن المغيرة، وحذيفة بن أبي حذيفة ابن
المغيرة، وأبي قيس بن الوليد بن المغيرة، وعمرو بن مخزوم، وأبي المنذر بن

(459) سورة الأنفال: 67.
(460) سورة الأنعام: 91.
321

أبي رفاعة، وحاجب بن السائب بن عويمر، وأوس بن المغيرة بن لوذان، وزيد
بن مليص، وعاصم بن أبي عوف، وسعيد بن وهب حليف بن عامر، ومعاوية
بن عبد القيس، وعبد الله بن جميل بن زهير بن الحارث بن أسد، والسائب بن
مالك، وأبي الحكم بن الأخنس، وهشام بن أبي أمية بن المغيرة. (461) إلى
سبعين من رؤس الكفر، وزعماء الشرك كما هو معلوم بالضرورة، فكيف يمكن
بعد هذا أن يكون صلى الله عليه وآله قد أخذ الفداء قبل أن يثخن في الأرض لو كانوا يعقلون؟
وكيف يتناوله هذا اللوم بعد إثخانه يا مسلمون؟! وقد تنزه رسول الله وتعال
الله عن ذلك علوا كبيرا.
والصواب أن الآية إنما نزلت في التنديد بالذين كانوا يودون العير وأصحابه
على ما حكاه الله تعالى عنهم في قوله - عن هذه الواقعة - عز من قائل: (وإذ يعدكم
الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن
يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) (1) وكان صلى الله عليه وآله قد
استشار أصحابه فقال لهم (2): إن القوم قد خرجوا على كل صعب وذلول فما تقولون؟
العير أحب إليكم أم النفير؟. قالوا: بل العير أحب إلينا من لقاء العدو، وقال
بعضهم حين رآه صلى الله عليه وآله مصرا على القتال: هلا ذكرت لنا القتال لتتأهب له؟
أنا خرجنا للعير لا للقتال، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله تعالى: (كما
أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في

(461) الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 192 وما بعدها، شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد ج 14 / 208 - 212، المغازي للواقدي ص 143 - 151.
(1) الآية 7 من سورة الأنفال (منه قدس).
(2) كما في السيرتين الحلبية والدحلانية وغيرهما من الكتب المشتملة على هذه
الواقعة (منه قدس).
322

الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) (1).
وحيث أراد الله عز وجل أن يقنعهم بمعذرة النبي صلى الله عليه وآله في إصراره على
القتال، وعدم مبالاته بالعير وأصحابه قال عز من قائل (ما كان لنبي) من الأنبياء
المرسلين قبل نبيكم محمد صلى الله عليه وآله (أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)
فنبيكم لا يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض على سنن غيره من الأنبياء
الذين اتخذوا أسرى أبي سفيان وأصحابه حين هربوا بعيرهم إلى مكة، لكنكم
أنتم (تريدون) إذ تودون أخذ العير وأسر أصحابه (عرض الدنيا والله يريد الآخرة)
باستئصال ذات الشوكة من أعدائه (والله عزيز حكيم) والعزة والحكمة تقتضيان
يومئذ اجتثاث عز العدو، وإطفاء جمرته، ثم قال تنديدا بهم (لولا كتاب من
الله سبق) في علمه الأزلي بأن يمنعكم من أخذ العير، وأسر أصحابه لأسرتم
القوم وأخذتم عيرهم، ولو فعلتم ذلك (لمسكم فيما أخذتم) قبل أن تثخنوا
في الأرض (عذاب عظيم).
هذا معنى الآية الكريمة، ولا يصح حملها على غيره، على أني لا أعلم أحدا
سبقني إليه، إذ أوردت الآية وفسرتها في الفصول المهمة (2).
[المورد - (49) - أسرى حنين:]
لما نصر الله عبده ورسوله صلى الله عليه وآله على هوازن يوم حنين، وفتح الله له
يومئذ فتحه المبين نادى مناديه: أن لا يقتل أسير من القوم، فمر عمر بن الخطاب
برجل من الأسرى يعرف بابن الأكوع وهو مغلول، وكانت هذيل بعثته يوم الفتح
إلى مكة عينا لها على رسول الله يتجسس أخباره وأخبار أصحابه، فيخبرها

(1) الآية 5 و 6 من سورة الأنفال (منه قدس).
(2) راجع منها الفصل الثامن (منه قدس).
323

بما يكون منهم قولا وفعلا، فلما رآه عمر قال - كما نص عليه شيخنا المفيد
في غزوة حنين من إرشاده -: هذا عدو الله كان عينا، علينا ها هو أسير فاقتلوه
فضرب بعض الأنصار عنقه، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله لامهم على قتله، وقال:
ألم آمركم أن لا تقتلوا أسيرا. ا ه‍ (462).
وقتلوا بعده من أسرى حنين - كما في إرشاد شيخنا المفيد أيضا - جميل
بن معمر بن زهير (قال) فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الأنصار وهو مغضب يقول
لهم: ما حملكم على قتله، وقد جاءكم رسولي أن لا تقتلوا أسيرا؟ فاعتذروا
بأنا إنما قتلناه بقول عمر، فأعرض رسول الله صلى الله عليه وآله حتى كلمه عمير بن وهب
في الصفح عن ذلك (463).
قلت: وممن قتل في حنين امرأة من هوازن قتلها خالد بن الوليد فساء
رسول الله صلى الله عليه وآله قتلها إذ مر بها والناس مجتمعون عليها، فقال لبعض أصحابه:
أدرك خالدا فقل له: إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا - أي
أجيرا - هكذا رواه ابن إسحاق منقطعا (464).
وقد قال الإمام أحمد (1): حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو وحدثنا
المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد قال حدثني المرقع بن صيفي عن جده
رباح بن ربيع أخي بني حنظلة الكاتب أنه أخبره أنه رجع رسول الله صلى الله عليه وآله

(462) الإرشاد للشيخ المفيد ص 76 ط الحيدرية.
(463) غضب النبي على بعض أصحابه:
الإرشاد للشيخ المفيد ص 76 ط الحيدرية.
(464) النبي يستاء من خالد:
الكامل لابن الأثير ج 2 / 180، السيرة النبوية لابن هشام ج 4 / 100.
(1) فيما نقله ابن كثير في آخر غزوة حنين من كتابه البداية والنهاية (منه قدس).
324

في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها ويتعجبون
من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وآله على راحلته، فانفرجوا عنها فوقف
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ما كانت هذه لتقاتل، فقال لأحدهم: الحق خالدا فقل
له: لا تقتلن ذرية ولا عسيفا، وكذلك رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من
حديث المرقع بن صيفي (465).
[المورد - (50) - فرار من فر منهم من الزحف:]
حسب المسلم نصا على تحريم الفرار من الزحف مطلقا قوله عز من قائل
وقد نادى المؤمنين كافة: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا
فلا تولوهم الأدبار، ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة
فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) (466).
نص صريح مطلق (1) في آية محكمة من آيات الذكر الحكيم والفرقان
العظيم، وتأوله من الصحابة من يؤثر رأيه - في مقام العمل - على التعبد
بالنصوص، ثم لم يكن ذلك منهم في مقام واحد، بل كان في مواقف عديدة.

(465) سنن ابن ماجة ج 2 / 948 ح 2842.
وقريب من هذا في: الغدير ج 7 / 168.
الفرار من الزحف
(466) سورة الأنفال: 15.
(1) لم يتقيد ولم يتخصص، حتى لو سلمنا نزول الآية يوم بدر، لأن إطلاقها
وعمومها مما لا ريب فيه، كما أنه لا ريب في أن المورد لا يقيد الوارد ولا يتخصصه باتفاق
أهل العلم (منه قدس).
325

فمنها: يوم أحد إذ حمل ابن قمئة على مصعب بن عمير (ره) فقتله، وهو
يظنه رسول الله صلى الله عليه وآله فرجع إلى قريش يبشرهم بقتل محمد فجعل المشركون
يبشر بعضهم بعضا يقولون: قتل محمد قتل محمد، قتله ابن قمئة، فانخلعت
قلوب المسلمين، وأوغلوا في الهرب مولهين مدلهين لا يلوون على أحد، كما
حكاه الله عز وجل عنهم حيث قال: (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول
يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم) الآية (467).
والاصعاد هو الذهاب في الأرض والأبعاد فيها، يقال: صعد في الجبل
وأصعد في الأرض إذ أبعد، وكان الرسول يدعوهم فيقول: إلي عباد الله إلي
عباد الله أنا رسول الله من كر فله الجنة، كان يدعوهم بهذا ونحوه، وهو في
أخراهم، أي في ساقتهم وجماعتهم المتأخرة، يقال: جئت في آخر الناس
وأخراهم، كما تقول في أخراهم وأولاهم، وهم لا يلوون على أحد، أي
لا يلتفتون إلى أحد مطلقا.
قال ابن جرير وابن الأثير في تاريخيهما: وانتهت الهزيمة بجماعة المسلمين
وفيهم عثمان بن عفان وغيره إلى الأعوص فأقاموا بها ثلاثا، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وآله
فقال لهم حين رآهم: لقد ذهبتم فيها عريضة (468).

(467) سورة آل عمران: 153.
راجع: الكامل لابن الأثير ج 2 / 108.
(468) انتهاء الهزيمة بهؤلاء إلى الأعوص ورجوعهم بعد ثلاث ليال وقول النبي
صلى الله عليه وآله لهم: لقد ذهبتم فيها عريضة مما لا يخلو منه كتاب يفصل غزوة أحد من كتب أهل
الأخبار (منه قدس).
فرار عثمان وغيره في أحد ثلاثة أيام:
تاريخ الطبري ج 2 / 203، الكامل لابن الأثير ج 2 / 110، السيرة الحلبية ج 2 /
227 قال: وكان من جملة من انهزم عثمان بن عفان.. الخ، سيرة المصطفى لهاشم
معروف ص 411، مجمع البيان ج 2 / 524، الإرشاد للشيخ المفيد ص 48، البحار ج
20 / 84، البداية والنهاية ج 4 / 28، السيرة النبوية لابن كثير ج 3 / 55، شرح النهج
للمعتزلي ج 15 / 21 وقال ج 15 / 20 مع اتفاق الرواة كافة على أن عثمان لم يثبت، الدر
المنثور ج 2 / 89.
فرار عثمان يوم حنين:
دلائل الصدق ج 3 ق 1 ص 362، وذكر ابن هشام في السيرة النبوية ج 4 / 85
أسماء من ثبت مع الرسول ولم يكن عثمان منهم.
326

وذكر ابن جرير الطبري وابن الأثير الجزري في تاريخيهما: أن أنس بن
النضر وهو عم أنس بن مالك انتهى إلى عمر وطلحة في رجال من المهاجرين
قد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يحبسكم. قالوا: قتل النبي. قال: فما تصنعون
بالحياة بعده؟ موتوا على ما مات عليه النبي. ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل،
فوجد به سبعون ضربة وطعنة وما عرفته إلا أخته. عرفته بحسن بنانه.
(قالوا) وسمع أنس بن النضر نفرا من المسلمين - الذين فيهم عمر وطلحة -
يقولون لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وآله قتل: ليت لنا من يأتي عبد الله بن أبي سلول
ليأخذ لنا أمانا من أبي سفيان قبل أن يقتلونا، فقال لهم أنس: يا قوم إن كان
محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد اللهم إني
أعتذر إليك مما يقول هؤلاء وأبرء إليك مما جاء به هؤلاء، ثم قاتل حتى
استشهد (1) رضوان الله وبركاته عليه (469).

(1) هذه الحكاية عن أنس بن النضر رحمه الله تعالى نقلها كل من فصل غزوة أحد
من المحدثين وأهل الأخبار (منه قدس).
(469) فرار عمر يوم أحد:
راجع: شرح النهج الحديدي ج 14 / 276 و ج 15 / 20 و 21 و 22 و 24 و 25، لباب
الآداب ص 179 حياة محمد لهيكل ص 265، الإرشاد للمفيد ص 48، البحار ج 20 / 24
و 53، تفسير الرازي ج 9 / 67، سيرة المصطفى لهاشم معروف ص 411، الصحيح من
سيرة النبي الأعظم ج 4 / 246 عن، الدر المنثور ج 2 / 80 و 88، دلائل الصدق ج 2 /
358، كنز العمال ج 2 / 242، حياة الصحابة ج 3 / 497، المغازي للواقدي ج 2 / 609،
تفسير القمي ج 1 / 114، الكامل في التاريخ ج 2 / 108.
327

ومنها: يوم حنين (إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا (1) وضاقت
عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين، ثم أنزل الله سكينته على رسوله
وعلى المؤمنين) (470) الذين ثبتوا معه صلى الله عليه وآله حين فر عنه أصحابه وولوا
الدبر، وكان فيهم عمر بن الخطاب. كما نص عليه البخاري (2) في حديث
أخرجه عن أبي قتادة الأنصاري إذ قال: وانهزم المسلمون - يوم حنين -
وانهزمت معهم فإذا عمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس،
قال: أمر الله. (الحديث) (471).

(1) كان الجيش يومئذ اثنى عشر ألفا فيهم ألفان من مسلمة الفتح. فقال أبو بكر:
لن نغلب اليوم من قلة (منه قدس).
(470) سورة التوبة: 24.
الذي أعجبه الكثرة هو أبو بكر. راجع: الإرشاد للشيخ المفيد ص 74.
(2) في باب قوله تعالى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) من الجزء الثالث من
صحيحه ص 46 وذكر ابن كثير في غزوة حنين من كتابه - البداية والنهاية - نقلا عن
البخاري ومسلم وغيره فراجع ص 329 من جزئه الرابع (منه قدس).
(471) فرار عمر يوم حنين:
صحيح البخاري ك التفسير باب قوله تعالى: ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم،
دلائل الصدق ج 3 ق 1 ص 362، سيرة المصطفى لهاشم معروف ص 618.
لم يثبت في أحد غير علي عليه السلام:
شرح التجريد للقوشجي ص 486، دلائل الصدق ج 2 / 357 عنه، نور الأبصار
للشبلنجي ص 87، الإرشاد للمفيد ص 49، البحار ج 20 / 69 و 86 و 87 و 113، الاحتجاج ج 1 / 199، حياة محمد لمحمد حسين هيكل.
فرار أبي بكر يوم أحد:
عن عائشة: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ثم قال: ذاك كان يوم طلحة..
ثم أنشأ يحدث قال كنت أول من فاء يوم أحد فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت
كن طلحة حيث فاتني ما فاتني يكون رجلا من قومي ".
راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 15 / 23 و 24، سيرة المصطفى
لمعروف ص 411 و 414، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 4 / 243 عن منحة المعبود
في تهذيب مسند الطيالسي ج 2 / 99، طبقات ابن سعد ج 3 / 155 و ط دار صادر ج 3
/ 218، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 / 58، تاريخ الخميس ج 1 / 431، البداية
والنهاية ج 4 / 29، كنز العمال ج 10 / 268 و 269، حياة الصحابة ج 1 / 272، دلائل
الصدق ج 2 / 359.
وهناك نصوص أخرى تدل على فراره يوم أحد راجعها في:
مستدرك الحاكم ج 3 / 27، تلخيص الذهبي للمستدرك نفس الصفحة، مجمع
الزوائد ج 6 / 112، لباب الآداب ص 179، حياة محمد لهيكل ص 265، سيرة المصطفى
لهاشم معروف ص 411. راجع بقية المصادر في الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 4 /
244.
فرار أبي بكر يوم حنين:
راجع: شرح النهج للمعتزلي ج 13 / 293، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج
3 / 282، دلائل الصدق ج 3 ق 1 ص 360.
328

ومنها: يوم سار النبي صلى الله عليه وآله إلى خيبر، فبعث أبا بكر إليها فسار بالناس
فانهزم حتى رجع (472).

(472) هذا حديث أخرجه الحاكم في غزوة خيبر ص 37 من الجزء 3 من المستدرك
بعين لفظه الذي أوردناه. ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأورده
الذهبي بعين لفظه في تلخيصه للمستدرك مصرحا بصحته (منه قدس).
فرار أبي بكر وعمر يوم خيبر:
راجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 169
ح 233 و 234 و 235 و 236 و 240 و 241 و 247 و 261 و 262 ط 1، مناقب علي بن
أبي طالب لابن المغازلي ص 181 ح 217 ط 1، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 52 و 53،
أسد الغابة ج 4 / 21، مسند أحمد ج 6 / 353، البداية والنهاية ج 4 / 186، الغدير ج
1 / 38، مجمع الزوائد ج 9 / 122 و 124، مصنف ابن أبي شيبة ج 6 / 154، الصحيح
من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 282، تذكرة الخواص، مسند البزاز ج 1، الكامل لابن
الأثير ج 2 / 149.
329

وعن علي سار النبي (ص) إلى خيبر، فلما أتاها بعث عمر وبعث معه
الناس إلى مدينتهم، أو قصرهم، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاؤوا
يجبنونه.. ويجبنهم. (الحديث) (473).
وعن جابر بن عبد الله من حديث طويل أخرجه الحاكم وصححه في
المستدرك (1) قال فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لأبعثن غدا رجلا يحب الله
ورسوله، ويحبانه، لا يولي الدبر يفتح الله على يديه، فتشرف لها الناس،
وعلي يومئذ أرمد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله سر. فقال يا رسول الله ما أبصر
موضعا. فتفل في عينيه، وعقد له، ودفع إليه الراية. فقال علي: يا رسول الله
على م أقاتلهم؟! فقال صلى الله عليه وآله: على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وإني رسول الله،
فإذا فعلوا ذلك فقد حقنوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقهما وحسابهم على
الله عز وجل، قال: فلقيهم ففتح الله عليه ". ا ه‍ (474).

(473) أخرجه الحاكم في المستدرك أيضا بعين لفظه. ثم قال: هذا حديث صحيح
الإسناد ولم يخرجاه. وأورده الذهبي بلفظه في تلخيصه معترفا بصحته (منه قدس).
فرارهما أيضا بروايات أخرى:
راجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 177
ح 242 و 243 و 247، شذرات الذهبية لابن طولون ص 52.
(1) راجعه في كتاب المغازي ص 38 من جزئه الثالث (منه قدس)،
(474) قول الرسول صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام يوم خيبر:
" لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار " فدفعها
إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وكان أرمد العين فتفل صلى الله عليه وآله فيها فبرأت.. الخ.
حديث الراية في خيبر:
1 - برواية جابر بن عبد الله الأنصاري:
فرائد السمطين ج 1 / 259 ح 200، المعجم الصغير للطبراني ج 2 / 100، مجمع
الزوائد ج 6 / 151، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1
/ 205 ح 269، المستدرك للحاكم ج 3 / 38، عيون الأثر ج 2 / 132، إحقاق الحق ج
5 / 400، فرائد السمطين ج 1 / 260 ح 200 و 202.
2 - برواية أبي هريرة:
ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 157 ح 219 و 220 و 221
و 222 و 223 و 225 و 226 و 227، مسند أحمد ج 2 / 384 ط 1، صحيح مسلم ج 7 /
121 ط العامرة، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 93، خصائص النسائي ص 7 ط مصر
وص 58 ط الحيدرية، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 181 ح 217 و 221،
مسند أبي داود الطيالسي ص 320، إحقاق الحق ج 5 / 410، الطبقات لابن سعد ج 2 /
110 ط دار صادر، ينابيع المودة ص 49 ط اسلامبول، نزل الأبرار ص 43.
3 - برواية سهل بن سعد الساعدي:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 163 ح 227
و 228 و 229 و 230 و 231، فرائد السمطين ج 1 / 253 ح 196، تذكرة الخواص
للسبط بن الجوزي ص 24 ط الحيدرية، صحيح البخاري ج 5 / 22، صحيح مسلم ج 7 /
121 ط العامرة بمصر، خصائص النسائي ص 55 ط الحيدرية، السنن الكبرى للبيهقي ج
9 / 106، حلية الأولياء ج 1 / 62، ينابيع المودة ص 48 ط اسلامبول، أسنى المطالب
للجزري ص 62 وقال الحديث متفق على صحته، فضائل الخمسة ج 2 / 161.
4 - برواية سلمة بن الأكوع:
صحيح البخاري ج 5 / 23 باب مناقب علي بن أبي طالب، صحيح مسلم باب
مناقب علي بن أبي طالب ج 7 / 122 ط العامرة، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 / 36،
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 168 ح 232 و 233
و 234 و 235 و 236 و 237 و 238، نزل الأبرار للبدخشاني ص 44.
5 - برواية بريدة الأسلمي:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 174 ح 239
و 240 و 241 و 242 و 243، المسند لأحمد ج 5 / 353 و 355 و 358 ط 1، أسد
الغابة ج 4 / 21، البداية والنهاية ج 4 / 182، تاريخ الطبري ج 2 / 300 ط الاستقامة و ج
3 / 11 ط دار المعارف، إحقاق الحق ج 5 / 415، مناقب علي بن أبي طالب لابن
المغازلي ص 187 ح 222، الخصائص للنسائي ص 5 ط مصر، المستدرك للحاكم ج 3 /
437، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 29، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج
2 / 149، ينابيع المودة للقندوزي ص 49 ط اسلامبول، تذكرة الخواص ص 25.
6 - برواية عبد الله بن عباس:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 182 ح 147
و 148 و 149 و 250 و 251، مجمع الزوائد ج 9 / 124، البداية والنهاية ج 7 / 337،
أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 106 ط 1.
7 - رواه ابن عباس ضمن حديث طويل راجع:
المستدرك للحاكم ج 3 / 132، وتلخيصه للذهبي، مسند أحمد ج 5 / 25 بسند
صحيح ط دار المعارف بمصر، خصائص النسائي ص 61 ط الحيدرية وص 15 ط بيروت
وص 8 ط التقدم بمصر، ذخائر العقبى ص 87، كفاية الطالب للگنجى الشافعي ص 240
ط الحيدرية وص 115 ط الغري، المناقب للخوارزمي ص 72، الإصابة لابن حجر ج
2 / 509، ينابيع المودة ص 34 ط اسلامبول وص 38 ط الحيدرية و ج 1 / 33 ط العرفان
الرياض النضرة ج 2 / 269 و 270 ط 2، فضائل الخمسة ج 1 / 230، الغدير ج 1 / 51
و ج 3 / 197، فرائد السمطين ج 1 / 328 ح 255، المراجعات ص 195 ط 2 المحققة،
سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 116 تحت رقم (468) ط 2 بيروت.
8 - برواية عمران بن حصين:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 191 ح 252
و 253 و 254 و 255، الخصائص للنسائي ص 7 ط مصر و 59 ط الحيدرية، البداية
والنهاية ج 7 / 338، المناقب لابن المغازلي ص 180 ح 215 ط 1، مجمع الزوائد ج 9
/ 124، التهذيب ج 3 / 237، تهذيب التهذيب ج 7 / 480، الروض الأنف للسهيلي
ج 2 / 229، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 / 194، صبح الأعشى ج 10 / 174.
9 - برواية أبي سعيد الخدري:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 193 ح 256
و 257 و 290، المسند لأحمد ج 3 / 16 ط 1، مجمع الزوائد ج 6 / 151 و ج 9 / 124،
البداية والنهاية ج 4 / 185 و ج 7 / 338، المناقب لابن المغازلي ص 184 ح 220، عمدة
القاري ج 16 / 216، الشافي لعلم الهدي ص 70، تلخيص الشافي للطوسي ج 3 / 13.
10 - برواية أبي ليلى الأنصاري:
التاريخ الكبير للبخاري ج 4 / 262، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ
دمشق لابن عساكر ج 1 / 195 ح 258 و 259 و 260 و 261 و 262 و 263 و 264،
الخصائص للنسائي ص 52 ط الحيدرية، المستدرك للحاكم ج 3 / 37، تذكرة الخواص
ص 25، الغدير ج 1 / 38، مجمع الزوائد ج 9 / 122، دلائل النبوة لأبي نعيم ص 397
ط حيدر آباد، العقد الفريد ج 2 / 194 ط الأشرفية، المسند لأحمد ج 1 / 78 و 99
و 133 ط 1، سنن ابن ماجة ج 1 / 56، كنز العمال ج 15 / 106 ط 2، فرائد السمطين ج
1 / 263 ح 205، أسنى المطالب للجزري ص 64، نزل الأبرار ص 43.
11 - برواية أم موسى:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 203 ح 265
و 266، مسند أبي داود الطيالسي ص 26 ط حيدر آباد، المناقب لابن المغازلي ص
179 ح 214، البداية والنهاية ج 7 / 339، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 / 193، فرائد
السمطين ج 1 / 262 ح 203، مسند أحمد ج 1 / 78 ط 1 و ج 2 / 27 ط 2، مجمع الزوائد
ج 9 / 122.
12 - برواية أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 204 ح 268
فرائد السمطين ج 1 / 261 ح 201، الكامل في التاريخ ج 2 / 149، تذكرة الخواص
ص 27.
13 - برواية سعد بن أبي وقاص:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 205 ح 270
و 271 و 272 و 273 و 274 - 280، المناقب للخوارزمي ص 59، الغدير ج 1 / 257
و ج 3 / 200، المناقب لابن المغازلي ص 188 ح 223، المسند لأحمد ج 1 / 185،
صحيح مسلم ج 7 / 119 ط صبيح وص 1871 ط محمد فؤاد و ج 7 / 120 ط العامرة و ج
2 / 360 ط الحلبي، صحيح الترمذي ج 13 / 171 ط الصاوي و ج 5 / 301 ط آخر،
الخصائص للنسائي ص 16 ط مصر، المستدرك للحاكم ج 3 / 108، فرائد السمطين ج
1 / 378 ح 307، شواهد التنزيل للحسكاني ج 2 / 19 ح 654 و 656، نظم درر السمطين
للزرندي ص 107، كفاية الطالب للگنجى ص 84 ط الحيدرية وص 28 ط الغري، أسد
الغابة ج 1 / 134 و ج 4 / 25، الإصابة لابن حجر ج 2 / 509، العقد الفريد ج 4 / 29 ط
لجنة التأليف و ج 2 / 144 ط آخر، وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 92 و 82، شرح
النهج لابن أبي الحديد ج 1 / 256 و 361 ط 1 و ج 3 / 100 و ج 4 / 72 ط مصر بتحقيق
أبو الفضل، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 63، سبيل النجاة في تتمة المراجعات
ص 218 ط 2 بيروت، كنز العمال ج 15 / 143 ط 2، مروج الذهب للمسعودي ج 3 /
14 ط دار الأندلس بيروت، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 2، ينابيع المودة ص 51
ط اسلامبول.
14 - برواية عمر بن الخطاب:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 119 ح 282
كنز العمال ج 15 / 102 و 108 ط 2 و ج 6 / 393 و 395 ط 1، منتخب كنز العمال بهامش
مسند أحمد ج 5 / 44 و 45 ط 1، مجمع الزوائد ج 9 / 120، المناقب للخوارزمي ص
102.
15 - برواية عبد الله بن عمر:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 220 ح 283
و 284 و 285 و 286 و 287 و 289 وص 180 ح 245 و 246، شواهد التنزيل للحسكاني
ج 2 / 197 ح 903، سمط النجوم ج 2 / 461، مجمع الزوائد ج 9 / 120 و 123.
16 - وقال عمر بن الخطاب: " لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاثا لأن تكون
لي واحد منها أحب إلي من حمر النعم: زوجته فاطمة بنت رسول الله، وسكناه المسجد
مع رسول الله يحل له ما يحل له في والراية يوم خيبر ".
يوجد في:
المستدرك للحاكم ج 3 / 125، مسند أحمد ج 2 / 26 ط 1 و ج 7 / 21 ح 4797
بسند صحيح ط دار المعارف بمصر، ينابيع المودة للقندوزي ص 210 ط اسلامبول
وص 248 ط الحيدرية، المناقب للخوارزمي ص 238 ط الحيدرية، ترجمة الإمام علي
بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 220 ح 283، الصواعق المحرقة
ص 76 ط 1 وص 125 ط المحمدية، مجمع الزوائد ج 9 / 120، تاريخ الخلفاء للسيوطي
ص 172 نظم درر السمطين ص 129، كنز العمال ج 15 / 101 ح 291 ط 2، الرياض
النضرة ج 2 / 254 ط 2، الغدير ج 3 / 204، فرائد السمطين ج 1 / 345 ح 268 ط 1،
فضائل الخمسة ج 2 / 250، أسنى المطالب للجزري ص 65.
330

قال الحاكم بعد إيراده: قد اتفق الشيخان على إخراج حديث الراية ولم
يخرجاه بهذه السياقة وكذلك قال الذهبي بعد إيراده في تلخيصه.
وعن أياس بن سلمة، قال: حدثني أبي. قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله
خيبر حين بصق في عيني علي فبرأتا فأعطا الراية، فبرز إليه مرحب وهو
يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب -
إذا الحروب أقبلت تلهب -
قال: فبرز إليه علي رضي الله عنه وهو يقول:
335

أنا الذي سمتني أمي حيدرة * كليث غابات كريه المنظرة -
أوفيكم بالصاع كيل السندرة (1) -
قال فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله، وكان الفتح (475).
ومنها: غزوة السلسلة بوادي الرمل. وهي كغزوة خيبر إذ بعث رسول الله
أو لا فيها أبا بكر فرجع بالجيش منهزما، ثم بعث عمر فرجع بمن معه كذلك،
فبعث بعدهما عليا ففتح الله عليه، ورجع بالغنائم والأسرى والحمد لله وقد
ذكر هذه الغزوة على سبيل التفصيل شيخنا المفيد أعلى الله مقامه في كتابه
- الإرشاد - فليراجعها من أراد الوقوف على كنهها بتفصيل (476).
وغزوة السلسلة هذه غير غزوة ذات السلاسل التي كانت سنة سبع للهجرة
وكانت إمرة الجيش فيها لعمرو بن العاص، وفي الجيش يومئذ أبو بكر وعمر
وأبو عبيدة كما نص عليه أهل السير والأخبار كافة (477).

(1) قال في أقرب الموارد: أكيلكم بالسيف كيل السندرة: أي أقتلكم قتلا
واسعا كبيرا ذريعا (منه قدس).
(475) أخرجه الحاكم بلفظه في غزوة خيبر من مستدركه ثم قال: هذا حديث صحيح
على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة، وصححه الذهبي على هذا الشرط إذ أورده
في التلخيص (منه قدس).
وراجع: المناقب للخوارزمي ص 103 ط الحيدرية، تذكرة الخواص ص 26 ط
الحيدرية مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 178 و 182، ترجمة أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 171 ح 237، صحيح مسلم ك الجهاد
والسير باب غزوة ذي قرد وغيرها ج 5 / 195 ط العامرة، الطبقات لابن سعد ج 2 / 112 ط دار
صادر، تاريخ الطبري ج 2 / 300، ينابيع المودة ص 49 ط اسلامبول، نزل الأبرار ص 44.
(476) الإرشاد للشيخ المفيد ص 60 - 61 ط الحيدرية.
(477) السيرة النبوية لابن هشام ج 4 / 272 و 274، الكامل لابن الأثير ج 2 /
156، السيرة الحلبية ج 3 / 190.
336

وكان بين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص هنات ذكرها الحاكم في
كتاب المغازي من الجزء الثالث من مستدركه ص 43 بالإسناد إلى عبد الله بن
بريدة عن أبيه. قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله عمرو بن العاص في غزوة ذات
السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر، فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو أن
لا ينوروا نارا فغضب عمر بن الخطاب وهم أن ينال منه فنهاه أبو بكر وأخبره
أنه لم يستعمله رسول الله عليك إلا لعلمه بالحرب فهدأ عنه عمر. ا ه‍.
قال الحاكم بعد إخراجه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد
أورده الذهبي في التلخيص مصرحا بصحته أيضا.
[تنبيه]
كان لرسول الله صلى الله عليه وآله في التنويه بعلي، وتفضيله على من سواه من أهل
السوابق لأساليب حكيمة عرفها متدبروا سيرته المقدسة (478).

(478) تفضيل الرسول صلى الله عليه وآله عليا (ع) على من سواه كثيرة جدا وفضائل أمير المؤمنين
علي ابن أبي طالب عليه السلام لا تعد ولا تحصى وقد ربت على حد التواتر وقد ألف في
فضائله عشرات الكتب بل المئات قديما وحديثا منها:
مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ط إيران، المناقب للخوارزمي
الحنفي ط النجف، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ط النجف، نور
الأبصار للشبلنجي، فرائد السمطين للحمويني ط بيروت، نظم درر السمطين للزرندي
الحنفي ط النجف، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب لابن عساكر الشافعي ج 1 و ج 2
و ج 3 ط بيروت، كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للگنجى الشافعي ط الغري
والحيدرية، الغدير للأميني ج 1 - ج 11 ط إيران وبيروت، فضائل الخمسة من الصحاح
الستة ط النجف وبيروت، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 و ج 2 ط بيروت، ينابيع
المودة للقندوزي الحنفي ط في اسلامبول وإيران والنجف وصيدا طبع 8 طبعات،
خصائص أمير المؤمنين للنسائي ط في مصر وبيروت والنجف، وغيرها من الكتب
المطبوعة والمخطوطة ولأجل المزيد من الاطلاع على ذلك راجع مقدمة ينابيع المودة
للقندوزي ط الحيدرية في النجف.
وقد ألف أبو جعفر الإسكافي المعتزلي المتوفى 240 ه‍ في خصوص أفضلية الإمام
علي بن أبي طالب عليه السلام على غيره كتابا أسماه " المعيار والموازنة " طبع في
بيروت.
337

فمنها: أنه لم يؤمر عليه أحدا أبدا لا في حرب ولا في سلم، وقد أمرت
الأمراء على من سواه (1) فأمر ابن العاص علي أبي بكر وعمر في غزوة ذات
السلاسل كما سمعت (479)، ولحق النبي صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى وأسامة بن زيد
- على حداثته - أمير على مشيخة المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وأبي
عبيدة وأمثالهم، وهذا معلوم بحكم الضرورة من أخبار السلف (480).

(1) سئل الحسن البصري عن علي عليه السلام، فقال: ما أقول فيمن جمع الخصال
الأربع إئتمانه على براءة وما قاله له رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك فلو كان يفوته شئ
غير النبوة لاستثناه، وقول النبي صلى الله عليه وآله الثقلان كتاب الله وعترتي، وأنه لم يؤمر عليه
أمير قط، وقد أمرت الأمراء على غيره. هذا كلامه بعين لفظه فراجعه في ص 369 من
المجلد الأول من شرح النهج نقلا عن الواقدي (منه قدس).
(479) أبو بكر وعمر في جيش عمرو بن العاص:
الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 131، الاستيعاب بهامش الإصابة، الكامل في
التاريخ ج 2 / 156، السيرة النبوية لابن هشام ج 4 / 272 و 274، السيرة الحلبية ج 3 /
190، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج 2 / 232، شرح نهج البلاغة لابن
أبي الحديد ج 6 / 319.
(480) أبو بكر وعمر في جيش أسامة الذي بعثه النبي صلى الله عليه وآله في مرضه يوجد في:
الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 190، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 93 ط الغري و ج
2 / 74 ط دار صادر، الكامل لابن الأثير ج 2 / 317، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
ج 1 / 159 و ج 6 / 52 بتحقيق أبو الفضل و ج 1 / 53 و ج 2 / 21 ط 1 بمصر، سمط النجوم
العوالي لعبد الملك العاصمي المكي ج 2 / 224، السيرة الحلبية ج 3 / 207، السيرة
النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج 2 / 339، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد
ج 4 / 180، المراجعات ص 365، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 268 تحت رقم
(862) ط 2 بيروت، عبد الله بن سبأ ج 1 / 71.
338

وكان صلى الله عليه وآله إذا أمر عليا في غزوة أو سرية ضم إلى لوائه من سواه من
أهل السوابق، فإذا أمر غيره استثناه مستأثرا به لنفسه (481).
وإذا بعث سريتين إحداهما معه والأخرى مع غيره عهد إليهما أنكما إذا
اجتمعتما فالإمارة لعلي وحده على السريتين كلتيهما، وإن افترقتما فكل منكما
على سريته (482).

(481) كما فعل صلى الله عليه وآله في غزوة خيبر إذ أمر أبا بكر ثم أمر عمر ولم يكن على معهما
فلما أمر عليا كانا معه حتى فتح الله عليه. والحمد لله على ذلك كله (منه قدس).
ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 /
156 - 225 وراجع ما تقدم من مصادر تحت رقم (474).
(482) أخرج الإمام أحمد من حديث بريدة ص 356 من المجلد الخامس من مسنده
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى
الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس، وإن افترقتما فكل واحد
منكما على جنده، قال: فلقينا بني زبيدة من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على
المشركين، فقلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى على امرأة من السبي لنفسه، قال
بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره بذلك، فلما أتيت النبي
صلى الله عليه وآله دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب على وجه رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: يا
رسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي، وأنه منى وأنا منه
وهو وليكم بعدي). انتهى بلفظ أحمد. وأخرجه غير واحد من أصحاب السنن والمسانيد
أشرنا إليهم في المراجعة 36 من كتابنا (المراجعات) فليراجع (منه قدس).
على هو الأمير في إذا كان في سرية:
راجع: خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي ص 24 ط مصر وص 98 ط
الحيدرية، مجمع الزوائد ج 9 / 127، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق
لابن عساكر ج 1 / 369 ح 466 و 467 و 468 و 469 و 473 - 482، شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 / 450 ط مصر و ج 9 / 170 بتحقيق أبو الفضل، فضائل
الخمسة ج 1 / 341، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 134 تحت رقم (530).
339

وربما بعث غيره في الغزوة فيرجع بجيشه غير فاتح ولا مفلح، فيبعث
عليا بعده فيظفر بالنصر العزيز والفتح المبين (483) وبذلك يظهر من فضله
ما لم يكن ليظهر منه لو بعثه من أول الأمر كما لا يخفى.
وربما بعث غيره في المهمة، تطاول إليها الأعناق، فيوحي الله عز وجل
إليه: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك يعني عليا، كما كانت الحال في براءة
الله ورسوله من المشركين ونبذ عهودهم يوم الحج الأكبر (484).

(483) كما كانت الحال في غزوة خيبر الآنفة الذكر، وفي غزوة السلسلة التي أحلناك
فيها على إرشاد شيخنا المفيد فراجع (منه قدس).
راجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 /
169 ح 233 - 236 و 240 و 241 و 247 و 261 و 262، الكامل في التاريخ ج 2 /
149. راجع ما تقدم تحت رقم (472).
(484) إن لنا في بعث براءة لبحثا وفقنا الله فيه للصواب، وقد أسفر فيه الحق به
لأولي الألباب، فراجعه في الحديث 18 ص 157 وما بعدها إلى ص 188 من كتاب - أبو
هريرة - (منه قدس).
أخذ الإمام علي عليه السلام سورة براءة من أبي بكر بأمر من الرسول صلى الله عليه وآله.
راجع: صحيح الترمذي ج 4 / 339 ح 3085، مسند أحمد ج 2 / 319 ح 1286
بسند صحيح و ج 2 / 322 ح 1296 ط دار المعارف بمصر و ج 1 / 3 و 150 و 331 و ج
3 / 212 و 283 ط الميمنية، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 91 و 92 ط الحيدرية
وص 33 و 34 ط بيروت، المستدرك للحاكم ج 2 / 51 و 331 و ج 3 / 51 و 52، الدر
المنثور ج 3 / 209 و 210، فضائل الخمسة ج 2 / 343، تفسير الطبري ج 10 / 64
و 65 ط 2، مجمع الزوائد ج 7 / 29، تفسير ابن كثير ج 2 / 333 و 334، الغدير للأميني
ج 3 / 245 و ج 6 / 338، ذخائر العقبى ص 69، الفصول المهمة لابن الصباغ ص 22،
تذكرة الخواص ص 42 ط النجف وص 37 ط الحيدرية، ينابيع المودة للقندوزي ص
88 و 89 ط اسلامبول وص 101 ط الحيدرية، التفسير المنير لمعالم التنزيل للجاوي ج
1 / 330، الكشاف للزمخشري ج 2 / 243 ط بيروت، شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 /
231 ح 309 - 318 و 322 - 327، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 155 ح 164
ط بيروت، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 6 / 45 بتحقيق أبو الفضل، ترجمة
الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 376 ح 871 - 882
و 883 و 885 و 886، كفاية الطالب للگنجى الشافعي ص 285 ط الحيدرية وص 152
ط الغري، المناقب للخوارزمي ص 99 - 100 و 223، مناقب علي بن أبي طالب لابن
المغازلي ص 116 ح 155، تاريخ الطبري ج 3 / 123، الكامل لابن الأثير ج 2 / 291،
الملل والنحل للشهرستاني ج 1 / 163، أبو هريرة لشرف الدين ص 120، الرياض
النضرة ج 2 / 227 - 229، تفسير الخازن ج 3 / 47، معالم التنزيل للبغوي بهامش تفسير
الخازن ج 2 / 49، جامع الأصول لابن الأثير ج 9 / 475، كنز العمال ج 15 / 95 ط 2،
سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 148 تحت رقم (567).
340

[المورد - (51) - نهيه صلى الله عليه وآله لأصحابه عن جواب أبي سفيان في
أحد.]
كان رسول الله صلى الله عليه وآله نزل يوم أحد بأصحابه - وهم
سبعمائة - في عدوة الوادي، وجعل ظهره إلى الجبل، وكان المشركون ثلاثة
آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائتا فارس، ومعهم خمسة عشر امرأة وفي المسلمين
مائتا دارع وفارسان.
وتعبأ الجيشان للقتال، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة، وترك أحدا
341

خلف ظهره، وجعل وراءه الرماة وهم خمسون راميا، أمر عليهم عبد الله بن
جبير وقال له: انضح عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا، واثبتوا مكانكم، إن
كانت لنا،
أو كانت علينا، فإنا إنما نؤتى من هذا الشعب شعب أحد (1).
وخرج طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين ينادي: يا معشر أصحاب
محمد أنكم تزعمون أن يعجلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة
فهل أحد منكم يعجله سيفي إلى الجنة، ويعجلني سيفه إلى النار؟
قال ابن الأثير في كامله: فبرز إليه علي بن أبي طالب فضربه فقطع رجله
فسقط وانكشفت عورته، فناشده الله فتركه - لما به يخور بدمه حتى هلك -
فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: كبش الكتيبة، وكبر المسلمون بتكبيره، وقال
لعلي: ما منعك أن تجهز عليه؟ فقال ناشدني الله والرحم فاستحييت منه.
وصمد علي بعده لأصحاب اللواء يحمل عليهم فيقتلهم واحدا بعد واحد.
قال ابن الأثير وغيره: وقد كان المسلمون قتلوا أصحاب اللواء وبقي مطروحا
لا يدنو منه أحد، فأخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته فاجتمعت قريش
حوله، وأخذه صواب عبد لبني عبد الدار - كان من أشد الناس قوة - فقتل عليه
(قال) وكان الذي قتل أصحاب اللواء علي بن أبي طالب، قاله أبو رافع.
واقتتل الناس قتالا شديدا. وأمعن حمزة وعلي وأبو دجانة في رجال من
المسلمين وأبلوا بلاء حسنا، وأنزل الله نصره عليهم وكانت الهزيمة على المشركين،
وهرب النساء مصعدات في الجبل، ودخل المسلمون عسكرهم ينهبون، فلما
نظر بعض الرماة إلى إخوانهم ينهبون، آثروا النهب على البقاء في الشعب،
ونسوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وحضهم عليه.
وحين رأى خالد بن الوليد قلة من بقي من الرماة حمل عليهم فقتلهم، وشد

(1) الشعب بالكسر ما انفرج بين الجبلين (منه قدس).
342

بمن معه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من خلفهم، وتبادر المنهزمون من
المشركين حينئذ بنشاط مستأنف لقتال المسلمين حتى هزموهم بعد أن قتلوا
سبعين من أبطالهم، فيهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب وقاتل
رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ قتالا شديدا، فرمى بالنبل حتى فني نبله وانكسرت سية
قوسه، وانقطع وتره، وأصيب بجرح في وجنته، وآخر في جبهته وكسرت
رباعيته السفلى، وشقت - بأبي هو وأمي - شفته، وعلاه ابن قمئة بالسيف.
وقاتل دونه علي، ومعه خمسة من الأنصار استشهدوا في الدفاع عنه رضي
الله عنهم وأرضاهم، وترس أبو دجانة رسول الله صلى الله عليه وآله بنفسه، فكان يقع النبل
بظهره وهو منحن عليه، وقاتل مصعب بن عمير فاستشهد، قتله ابن قمئة الليثي
وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وآله فرجع إلى قريش يقول لهم: قتلت محمدا، فجعل
الناس يقولون: قتل محمد، قتل محمد فأوغل المسلمون في الهرب على غير
رشد، وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وآله كعب بن مالك، فنادى بأعلى
صوته: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله حي لم يقتل فأشار إليه صلى الله عليه وآله
أن أنصت (1).
وحينئذ نهض علي بمن كان معه حتى خلصوا برسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشعب،
فتحصن النبي صلى الله عليه وآله به، وهم يحوطونه مدافعين عنه.
قال ابن جرير وابن الأثير في تاريخيهما وسائر أهل الأخبار: فأبصر
النبي صلى الله عليه وآله - أي وهو في الشعب - جماعة من المشركين، فقال صلى الله عليه وآله لعلي:
احمل عليهم، فحمل عليهم ففرقهم وقتل منهم، ثم أبصر جماعة أخرى،
فقال صلى الله عليه وآله: اكفنيهم يا علي فحمل عليهم وفرقهم وقتل منهم. فقال جبرائيل:
يا رسول الله هذه المواساة، فقال رسول الله [ص]: إنه مني وأنا منه. فقال

(1) مخافة أن يسمع العدو فيهجم عليه (منه قدس).
343

جبرائيل: وأنا منكما. (قالوا) وسمع صوت:
لا سيف إلا ذو الفقا * ر ولا فتى إلا علي (485) -
وجعل علي ينقل الماء لرسول الله صلى الله عليه وآله في درقته من المهراس يغسل به
جرح النبي فلم ينقطع الدم (1).
ووقعت هند وصواحباتها على الشهداء يمثلن بهم، فاتخذت من آذان
الرجال وآنافهم وأصابع أيديهم وأرجلهم ومذاكيرهم قلائد ومعاضد، وكانت
أعطت وحشيا معاضدها وقلائدها جزاء قتلة حمزة فلاكتها فلم تسغها فلفظتها (486).
ثم أشرف أبو سفيان على المسلمين، فقال: أفي القوم محمد؟ ثلاثا،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله (2): لا تجيبوه (3) فقال أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر أقتلنا

(485) لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي -
راجع: فرائد السمطين للحمويني الشافعي ج 1 / 257 ح 198، ترجمة الإمام
علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 1 / 148 ح 215، الكامل
في التاريخ ج 2 / 107، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 197، تذكرة
الخواص للسبط بن الجوزي ص 26، المناقب للخوارزمي ص 213 ط الحيدرية، السيرة
النبوية لابن هشام ج 3 / 106، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 14 / 251 وقد
نقل تصحيحه عن شيخه عبد الوهاب ابن سكينة.
(1) حتى أحرقت سيدة نساء العالمين بعد ذلك حصيرا وجعلت على الجرح من
رماده فانقطع الدم، وقد شهدت الواقعة عليها السلام فكانت تعانقه وهو مجروح وتبكي
(منه قدس).
(486) الكامل في التاريخ ج 2 / 111، الدرجات الرفيعة ص 66 - 69، السيرة
النبوية لابن هشام ج 3 / 96 - 97، السيرة الحلبية ج 2 / 246.
(2) كما في غزوة أحد من تاريخي ابن جرير وابن الأثير وطبقات ابن سعد
والسيرتين الحلبية والدحلانية وكتاب البداية والنهاية لأبي الفداء وسائر الكتب المشتملة
على غزوة أحد (منه قدس).
(3) كأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن آمنا من أبي سفيان وأصحابه أن يشدوا عليه
إذا علموا ببقائه حيا، ولذلك نهاهم عن جوابه، وكأن عمر إذ أجابه لم يكن خائفا ولم
يكن يرى لهذا الاحتياط وجها (منه قدس).
344

محمدا؟ قال عمر: اللهم لا وأنه ليسمع كلامك (487).
قلت: هذا محل الشاهد من هذه الحكاية إذ آثر رأيه في جواب أبي
سفيان على نهي النبي صلى الله عليه وآله إياهم عن جوابه كما ترى.
[المورد - (52) - التجسس مع النهي عنه:]
قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض
الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه
ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) (488).
وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم والظن، فإن الظن أكذب
الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا ولا تحاسد، ولا تدابروا،
ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا.. الحديث (489).
لكن عمر رأى في أيام خلافته أن بالتجسس نفعا للأمة وصلاحا للدولة،
فكان يعس ليلا، ويتجسس نهارا، حتى سمع هو يعس في المدينة صوت

(487) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 47، الكامل لابن الأثير ج 2 / 111،
السيرة الحلبية ج 2 / 245.
(488) سورة الحجرات: 12.
(489) مجمع البيان ج 9 / 137، صحيح مسلم ج 8 / 10 ط العامرة، صحيح
الترمذي ج 1 / 359، صحيح البخاري ج 3 / 431 و ج 4 / 128، مسند أحمد ج 2 / 245
و 287 و 265 و 517، الجامع الصغير ح 2901، وصحيح الجامع الصغير ح 2676،
أسنى المطالب ص 98، الفتح الكبير ج 1 / 490.
345

رجل يتغنى في بيته فسور عليه فوجد عنده امرأة وزقا من خمر، فقال: أي عدو
الله ظننت أن الله يسترك وأنت على معصية، فقال لا تعجل يا أمير المؤمنين إن
كنت أخطأت في واحدة، فقد أخطأت أنت في ثلاث. قال الله تعالى: (ولا تجسسوا)
فقد تجسست وقال: (وأتوا البيوت من أبوابها) وقد تسورت وقال: (إذا
دخلتم فسلموا) وما سلمت. فقال: هل عندك من خير إن عفوت عنك؟. قال
نعم. فعفا عنه وخرج (490).
وعن السدي قال: خرج عمر بن الخطاب فإذا هو بضوء نار ومعه عبد الله
بن مسعود واتبع الضوء حتى دخل الدار، فإذا سراج في بيت، فدخل وحده
وترك ابن مسعود في الدار، فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقينة تغنيه،
فلم يشعر حتى هجم عليه عمر، فقال: ما رأيت منظرا أقبح من شيخ ينتظر أجله
فرفع الشيخ رأسه فقال: بلى صنيعك أنت أقبح مما رأيت مني، إذ تجسست
وقد نهى الله عن التجسس، ودخلت بغير إذن، فقال عمر: صدقت ثم خرج
عاضا على ثوبه يبكي. وقال: ثكلت عمر أمه، إلى أن قال: وهجر الشيخ
مجلس عمر حينا، فبينا عمر بعد ذلك جالس إذ به قد جاء شبه المستخفي حتى
جلس في أخريات الناس فرآه عمر فقال: علي بهذا، فقيل له: أجب فقام وهو
يرى أن عمر سيسوءه بما رأى منه. فقال عمر: ادن مني فلا زال يدنيه حتى

(490) أخرجه الخرائطي في كتاب مكارم الأخلاق وهو الحديث 3696 من أحاديث
الكنز في ص 167 من جزئه الثاني، وأورده ابن أبي الحديد في ص 96 من المجلد الثالث
من شرح نهج البلاغة، وذكره الغزالي في ص 137 من كتابه إحياء العلوم (منه قدس).
الغدير للأميني ج 6 / 121، الرياض النضرة ج 2 / 46 ط 1، شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد ج 1 / 61 و ج 3 / 96 ط 1، الدر المنثور ج 6 / 93، الفتوحات الإسلامية
ج 2 / 477.
346

أجلسه بجنبه، فقال: ادن مني أذنك فالتقم أذنه فقال له. والذي بعث محمدا
بالحق ما أخبرت أحدا من الناس بما رأيت منك، ولا ابن مسعود فإنه كان معي
.. (الحديث) (491).
وعن الشعبي: أن عمر فقد رجلا من أصحابه، فقال لابن عوف: انطلق
بنا إلى منزل فلان فننظر فأتيا منزله فوجدا بابه مفتوحا وهو جالس وامرأته تصب
له في الإناء فتناوله إياه، فقال عمر لابن عوف: هذا الذي شغله عنا، فقال ابن
عوف لعمر: وما يدريك ما في الإناء؟. فقال عمر: أتخاف أن يكون هذا تجسسا؟
قال: بل هو التجسس. قال: وما التوبة من هذا؟. قال: لا تعلمه بما اطلعت عليه
من أمره!. (الحديث) (492).
وعن المسور بن مخرمة، عن عبد الرحمن بن عوف: أنه حرس المدينة مع
عمر بن الخطاب ليلة فبينا هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه فلما
دنوا منه فإذا باب مجاف - مغلق - على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فأخذ عمر
بيد عبد الرحمن بن عوف فقال له: هذا بيت ربيعة بن أمية، وهم الآن يشربون
الخمر فما ترى؟. قال أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه إذ تجسسنا، فانصرف
عنهم عمر وتركهم! (493).

(491) أخرجه أبو الشيخ في كتاب القطع والسرقة، ونقله صاحب كنز العمال
في ص 141 من جزئه الثاني وهو الحديث 3354 (منه قدس).
(492) أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وهو الحديث 3694 في ج 2 من الكنز
(منه قدس).
(493) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد والخرائطي في مكارم الأخلاق وهو الحديث
3693 من أحاديث الكنز في الجزء المتقدم ذكره. وأخرجه الحاكم أيضا وصححه في
باب النهي عن التجسس من كتاب الحدود صفحة 377 من الجزء الرابع من المستدرك
أورده الذهبي في تلخيصه مصرحا بصحته (منه قدس).
الغدير للأميني ج 6 / 122، سنن البيهقي ج 8 / 334، الإصابة ج 1 / 531، الدر
المنثور ج 6 / 93، السيرة الحلبية ج 3 / 293، الفتوحات الإسلامية ج 2 / 476.
347

وعن طاووس: أن عمر خرج ليلة فمر ببيت فين ناس يشربون فناداهم
أفسقا؟ أفسقا؟ فقال بعضهم: قد نهاك الله عن هذا، فرجع عمر وتركهم! (494).
وعن أبي قلابة: أن عمر حدث أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر في
بيته هو وأصحابه فانطلق عمر حتى دخل عليه، فقال أبو محجن: يا أمير المؤمنين
إن هذا لا يحل لك قد نهاك الله عن التجسس، أفسأل عمر زيد بن ثابت وعبد
الرحمن بن الأرقم فقالا: صدق يا أمير المؤمنين فخرج عمر وتركه! (495)
قلت: من تتبع ما جاء من الأخبار حول تجسسه رأى من نشاطه في سياسته
وعزائمه المبذولة في سبيلها ما هو ماثل بأجلى المظاهر (496).
وكأنه (رض) كان يرى أن الحدود الشرعية تدرأ بخطأ الحاكم في طريق
إثباتها، ولذلك لم يقم على واحد من هؤلاء المجرمين حدا، بل لم يؤذ منهم
أحدا، وما ندري كيف رضي أن لا يكون لتجسسه أثر، إلا تمرد المجرمين في
إجرامهم، بعد أن رأو هذا التسامح من أمامهم؟!.
[المورد - (53) - تشريع حد لمهور النساء]
يجب في المهر أن يكون مما يملكه المسلم، عينا كان أم دينا، أم منفعة،

(494).
(495) هذا الحديث وحديث طاووس موجودان في ج 2 / 141 من كنز العمال (منه
قدس).
مجمع البيان ج 9 / 135.
(496) الغدير للأميني ج 6 / 121، مجمع البيان ج 9 / 135.
348

وتقديره راجع إلى الزوجين فيما يتراضيان عليه، كثيرا كان أم قليلا، ما لم
يخرج بسبب القلة عن المالية كحبة من طعام مثلا، نعم يستحب في جانب
الكثرة أن لا يزيد على مهر السنة وهو خمسمائة درهم (497).
وكان عمر (رض) عزم على النهي عن الغلو في مهور النساء، تسهيلا
لأمر التناكح الذي به التناسل، وبه صون الأحداث عن الحرام وأن من تزوج
أحرز ثلثي دينه (498) فقام في بعض أيامه خطيبا في هذا المعنى، فكان مما
قاله في خطابه: لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق زوجات رسول الله
صلى الله عليه وآله إلا أرجعت ذلك منها. فقامت إليه امرأة فقالت: والله ما جعل الله ذلك
لك، أنه يقول: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا
فلا تأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا واثما مبينا، وكيف تأخذونه وقد أفضى
بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) (499) فعدل عن حكمه قائلا:
ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟! ناضلت إمامكم فنضلته (500).
وفي رواية (1) أنه قال: كل أحد أعلم من عمر، تسمعونني أقول مثل

(497) الوسائل باب - 2 - من أبواب المهور ح 1، جواهر الكلام ج 31 / 3
و 14 و 15، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 8 / 161 ط بيروت.
(498) مستدرك الوسائل ك النكاح باب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح ح 2
و 3، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 5 / 86.
(499) سورة النساء آية: 20.
(500) رواه بهذه الألفاظ كثير من حفظة السنن وسدنة الآثار، وأرسله ابن أبي الحديد
في أحوال عمر ص 96 من المجلد الثالث من شرح النهج - إرسال المسلمات (منه
قدس).
وراجع: الغدير للأميني ج 6 / 98، وشرح النهج الحديدي ج 1 / 61 و ج 3 / 96 ط 1.
(1) ذكرها الزمخشري في تفسير: وآتيتم إحداهن قنطارا من سورة النساء في
كشافه (منه قدس).
349

هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة ليست أعلم من نسائكم؟!
(501).
وفي رواية أخرى (1) فقامت امرأة فقالت: يا بن الخطاب الله يعطينا وأنت
تمنع وتلت هذه الآية، فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر ورجع عن
حكمه (502).
قلت: استدلوا بهذه الواقعة وأمثالها على إنصافه واعترافه، وكم له من
قضايا مع الخاصة والعامة من رجال ونساء تمثل له الإنصاف والاعتراف و
كان إذا أعجبه القول أو الفعل يستفزه العجب، وربما ظهر عليه الطرب.
كما اتفق له مع رسول الله صلى الله عليه وآله وقد سئل عن أشياء كرهها، فيما أخرجه
البخاري عن أبي موسى الأشعري إذ قال: سئل النبي عن أشياء كرهها لكونها

(501) الغدير للأميني ج 6 / 97، الكشاف للزمخشري ج 1 / 357 وفي طبع آخر
ج 1 / 514، شرح صحيح البخاري للقسطلاني ج 8 / 57.
(1) ذكرها الرازي في تفسير الآية آخر ص 175 من الجزء الثالث من تفسيره
الكبير، وله ثمة عثرة لليدين وللفم، إذ قال: وعندي أن الآية لا دلالة فيها على جواز
المنالاة. إلى آخر كلامه الملتوي عن الفهم الذي أراد به تخطئة المرأة دفاعا عن عمر
وقد زاد في طينته بلة من حيث لا يدري، فليراجع الباحثون كلامه ليعجبوا من إسفافه،
وفي ص 150 من تاريخ عمر بن الخطاب لأبي الفرج ابن الجوزي حديث عن عبد الله
ابن مصعب وآخر عن ابن الأجدع يتضمنان خطاب عمر في نهيه عن الغلو في مهور
النساء ورد المرأة عليه بما ألزمه بالرجوع عما نهى عنه معترفا بخطأه وصواب المرأة
(منه قدس).
(502) الغدير للأميني ج 6 / 98، تفسير القرطبي ج 5 / 99، تفسير النيسابوري
ج 1، تفسير الخازن ج 1 / 353، الفتوحات الإسلامية ج 2 / 477 وزاد فيه: حتى النساء.
وهناك روايات أخرى من أراد الاطلاع عليها مع مصادرها فليراجعها في الغدير
ج 6 / 95 وما بعدها.
350

مما لا يعني العقلاء بها، ولا هي مما بعث الأنبياء لبيانها، فلما أكثروا عليه غضب
لتعنتهم في السؤال، وتكلمهم فيما لا حاجة لهم به، ثم قال للناس. سلوني،
كأنه صلى الله عليه وآله رآهم فشلوا أو خجلوا حيث أغضبوه فتبسط لهم بقوله: سلوني،
رأفة بهم ورحمة، فقال رجل هو عبد الله بن حذافة: من أبي يا رسول الله؟ قال
صلى الله عليه وآله: أبوك حذافة، فقام آخر وهو سعد بن سالم فقال: من أبي يا رسول الله؟.
فقال: أبوك سالم مولى أبي شيبة. وكان سبب هذا السؤال منهما طعن الناس
في نسبيهما، فلما رأى عمر ما في وجه رسول الله من الغضب قال: يا رسول الله
إنا نتوب إلى الله عز وجل مما يوجب غضبك ا ه‍.
وسره من رسول الله إلحاق عبد الله بحذافة، وإلحاق سعد بسالم تصديقا
لأميهما في نسبيهما.
وفي صحيح البخاري أيضا عن أنس بن مالك أن عبد الله بن حذافة سأل
رسول الله فقال له: من أبي؟. فقال صلى الله عليه وآله: أبوك حذافة.
وفي صحيح مسلم: أنه كان يدعى لغير أبيه، فلما سمعت أمه سؤاله هذا،
قالت: ما سمعت بابن أعق منك أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء
الجاهلية فتفضحها على أعين الناس. فبرك عندها عمر على ركبتيه أمام رسول
الله فقال معجبا بتصديق النبي لأم عبد الله ابن حذافة في نسبه: رضينا بالله ربا،
وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا. (503) قالها طربا بستره صلى الله عليه وآله على كثير من
الأمهات المفارقات في الجاهلية وقد جب الإسلام ما قبله.

(503) تجد هذا الحديث في باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث،
وتجد قبله حديث أبي موسى في أواخر كتاب العلم صفحة 19 من الجزء الأول من صحيح
البخاري (منه قدس).
صحيح مسلم.
351

[المورد - (54) - استبدال الحد الشرعي بأمر آخر يختاره الحاكم]
وذلك أن غلمة الحاطب بن بلتعة، اشتركوا في سرقة ناقة لرجل من مرينة
فجيئ بهم إلى عمر فأقروا، فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم، فلما
ولي بهم ردهم عمر إليه ثم استدعى ابن مولاهم وهو عبد الرحمن بن حاطب
فقال له: أما والله لولا إنكم تستعملونهم وتجيعونهم لقطعت أيديهم. وأيم الله
إذ لم أفعل، لأغرمتك غرامة توجعك إلى آخر ما كان من هذه الواقعة فلتراجع
في ص 32 والتي بعدها من الجزء الثالث من أعلام الموقعين. ونقلها عنه
العلامة المعاصر أحمد أمين في ص 287 من (فجر الإسلام). وأشار إليها ابن
حجر العسقلاني في ترجمة عبد الرحمن بن حاطب، حيث أورده في القسم
الثاني من الإصابة فقال: وله قضية مع عمر (504).
قلت: لعل ما فعله عمر من درء الحد عن هؤلاء الغلمة وجها، وذلك حيث
لا تكون السرقة إلا عن مخمصة اضطرتهم إليها بقيا على رمقهم ليكونوا ممن
عناهم الله عز وجل بقوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)
(505).
لكنهم أقروا بالسرقة فثبتت عليهم ولم يدعوا الضرورة الملجئة إليها،
ولو فرض أنهم ادعوها، لكان على الحاكم أن يطالبهم بما يثبتها، لكنا لم نر
منه سوى أنه وسعهم بإشفاقه مشتدا على ابن حاطب، وما ندري من أين علم

(504) وقريب من هذا ما وقع منه مع المغيرة بن شعبة وذلك لما زنى المغيرة بأم
جميل فدرأ عنه الحد.
راجع تفصيل القضية في كتاب الغدير ج 6 / 137 - 144.
(505) سورة البقرة آية: 173.
352

أنهم كانوا يجيعونهم هذا الجوع؟.
[المورد - (55) - أخذ الدية حيث لم تشرع:]
وذلك أن أبا خراش الهذلي الصحابي الشاعر، أتاه نفر من أهل اليمن
قدموا عليه حجاجا، فأخذ قربته وسعى نحو الماء تحت الليل حتى أستقي لهم
ثم أقبل صادرا فنهشته حية قبل أن يصل إليهم، فأقبل مسرعا حتى أعطاهم الماء
وقال: اطبخوا شاتكم وكلوا. ولم يعلمهم ما أصابه، فباتوا على شأنهم يأكلون
حتى أصبحوا، وأصبح أبو خراش وهو في الموتى، فلم يبرحوا حتى دفنوه وقال
وهو يموت في شعر له:
لقد أهلكت حية بطن واد * على الإخوان ساقا ذات فضل -
فما تركت عدوا بين بصرى * إلى صنعاء يطلبه بذحل -
فبلغ خبره عمر بن الخطاب فغضب غضبا شديدا وقال: لولا أن تكون
سنة لأمرت أن لا يضاف يماني أبدا، ولكتبت بذلك إلى الآفاق. ثم كتب إلى
عامله باليمن أن يأخذ النفر الذين نزلوا على أبي خراش الهذلي فيلزمهم ديته
ويؤذيهم بعد ذاك بعقوبة يمسهم بها جزاء لفعلهم!؟ (506).
[المورد - (56) - إقامة حد الزنى حيث لم يثبت مقتضيه]
وذلك فيما أخرجه ابن سعد في أحوال عمر ص 205 من الجزء الثالث

(506) هذه القضية أوردها ابن عبد البر في أحوال أبي خراش الهذلي من كتابه
الاستيعاب وأورده الدميري في حياة الحيوان بمادة حية (منه قدس).
353

من طبقاته (1) بسند معتبر، أن بريدا قدم على عمر فنثر كنانته، فبدرت صحيفة
فأخذها فقرأها فإذا فيها:
ألا أبلغ أبا حفص رسولا * فدا لك من أخي ثقة أزاري -
قلائصنا هداك الله إنا * شغلنا عنكم زمن الحصار -
فما قلص وجدن معقلات * قفا سلع بمختلف البحار -
قلائص من بني سعد بن بكر * وأسلم أو جهينة أو غفار -
يعقلهن جعدة من سليم * معيدا يبتغي سقط العذار -
فقال: ادعوا لي جعدة من سليم. [قال] فدعوا به فجلده مائة معقولا ونهاه
أن يدخل على امرأة مغيبة. انتهى بلفظ ابن سعد (507).
قلت: لا وجه لإقامة الحد هنا بمجرد هذه الأبيات، إذ لم يعرف قائلها ولا
مرسلها، على أنها لا تتضمن سوى استعداء الخليفة على جعدة بدعوى أنه
تجاوز الحد مع فتيات من بني سعد ابن بكر، وسلم، وجهينة، وغفار، فكان
يعبث بهن فيعقلهن كما تعقل القلص، يبتغي بذلك سقط عذارهن، أي سقط
الحياء والحشمة، هذا كل ما في الأبيات مما نسب إلى جعدة. وهو لو ثبت شرعا
لا يوجب بمجرده إقامة الحد، نعم يوجب تربيته وتعزيره. ولعل ما فعله الخليفة
إنما كان من هذا الباب. وشتان ما كان منه هنا، وما كان منه مع المغيرة بن شعبة
مما ستسمعه قريبا إن شاء الله.
[المورد - (57) - درؤه الحد عن المغيرة بن شعبة:]
وذلك حيث فعل المغيرة (مع الاحصان) ما فعل مع أم جميل بنت عمرو

(1) وأخرجه ابن عساكر في تاريخه، وذكر جلده ونفيه إلى عمان (منه قدس).
(507) الطبقات الكبرى ج 2 / 285 ط دار صادر.
354

امرأة من قيس في قضية هي من أشهر الوقائع التاريخية في العرب، كانت
سنة 17 للهجرة لا يخلو منها كتاب يشتمل على حوادث تلك السنة، وقد شهد
عليه بذلك كل من أبي بكرة - وهو معدود في فضلاء الصحابة وحملة الآثار
النبوية - ونافع بن الحارث - وهو صحابي أيضا - وشبل بن معبد، وكانت
شهادة هؤلاء الثلاثة صريحة فصيحة بأنهم رأوه يولجه فيها إيلاج الميل في
المكحلة لا يكنون ولا يحتشمون، ولما جاء الرابع - وهو زياد بن سمية -
ليشهد، أفهمه الخليفة رغبته في أن لا يخزي المغيرة، ثم سأله عما رآه فقال:
رأيت مجلسا وسمعت نفسا حثيثا وانتهازا، ورأيته مستبطنها. فقال عمر: أرأيته
يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟. فقال لا لكن رأيته رافعا رجليها فرأيت
خصيتيه تتردد إلى ما بين فخذيها، ورأيت حفزا شديدا، وسمعت نفسا عاليا.
فقال عمر: رأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟. فقال: لا. فقال عمر:
الله أكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم. فقام يقيم الحدود على الثلاثة.
وإليكم تفصيل هذه الواقعة بلفظ القاضي أحمد الشهير بابن خلكان في
كتابه - وفيات الأعيان - إذ قال ما هذا لفظه: وأما حديث المغيرة بن شعبة
والشهادة عليه، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قد رتب المغيرة أميرا
على البصرة، وكان يخرج من دار الإمارة نصف النهار، وكان أبو بكرة يلقاه
فيقول: أين يذهب الأمير؟. فيقول: في حاجة. فيقول: إن الأمير يزار
ولا يزور.
[قال]: وكان يذهب إلى امرأة يقال لها أم جميل بنت عمرو وزوجها الحجاج
بن عتيك بن الحارث بن وهب الجشمي، ثم ذكر نسبها، ثم روى عن أبا بكرة بينما هو
في غرفته مع إخوته، وهم نافع، وزياد، وشبل بن معبد أولاد سمية فهم أخوة
لأم، وكانت أم جميل المذكورة في غرفة أخرى قبالة هذه الغرفة فضرب الريح
355

باب غرفة أم جميل ففتحه ونظر القوم فإذا هم بالمغيرة مع المرأة على هيئة
الجماع، فقال أبو بكرة: بلية قد ابتليتم بها فانظروا فنظروا حتى أثبتوا فنزل
أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة فقال له: إن كان من أمرك ما قد علمت
فاعتزلنا.
(قال) وذهب المغيرة ليصلي بالناس الظهر ومضى أبو بكرة. فقال أبو بكرة:
لا والله لا تصل بنا وقد فعلت ما فعلت. فقال الناس: دعوه فليصل فإنه الأمير
واكتبوا بذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتبوا إليه فأمرهم أن يقدموا عليه
جميعا، المغيرة والشهود، فلما قدموا عليه جلس عمر رضي الله عنه، فدعا
بالشهود والمغيرة، فتقدم أبو بكرة فقال له: رأيته بين فخذيها؟ قال: نعم والله
لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها، فقال له المغيرة ألطف النظر؟ فقال أبو بكرة:
لم آل أن أثبت ما يخزيك الله به. فقال عمر رضي الله عنه: لا والله حتى تشهد
لقد رأيته يلج فيه إيلاج المرود في المكحلة. فقال: نعم أشهد على ذلك. فقال:
اذهب مغيرة ذهب ربعك.
ثم دعا نافعا فقال له: على م تشهد؟ قال على مثل ما شهد أبو بكرة. قال:
لا حتى تشهد أنه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة. قال: نعم حتى بلغ قذذة
فقال له عمر رضي الله عنه: اذهب مغيرة قد ذهب نصفك.
ثم دعا الثالث فقال له: على م تشهد؟ فقال: على مثل شهادة صاحبي فقال
له عمر اذهب مغيرة فقد ذهب ثلاثة أرباعك. ثم كتب إلى زياد وكان غائبا وقدم
فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع عنده رؤوس المهاجرين والأنصار، فلما
رآه مقبلا قال: إلي أرى رجلا لا يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين،
ثم إن عمر رضي الله عنه رفع رأسه إليه فقال ما عندك يا سلح الحبارى؟
فقيل إن المغيرة قام إلى زياد. فقال: لا مخبأ لعطر بعد عروس.
356

فقال له المغيرة: يا زياد اذكر الله تعالى واذكر موقف يوم القيامة فإن الله
تعالى وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي إلا أن تتجاوز إلى ما لم تر
مما رأيت فلا يحملنك سوء منظر رأيته على أن تتجاوز إلى ما لم تر فوالله لو
كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أن يسلك ذكري فيها. قال: فدمعت عينا زياد
واحمر وجهه وقال: يا أمير المؤمنين أما أن أحق ما حقق القوم فليس عندي،
ولكن رأيت مجلسا وسمعت نفسا حيثيا وانتهازا ورأيته مستبطنها.
فقال له عمر رضي الله عنه: رأيته يدخله ويولجه كالميل في المكحلة فقال:
لا. وقيل قال زياد: رأيته رافعا رجليها فرأيت خصيتيه تردد ما بين فخذيها ورأيت
حفزا شديدا وسمعت نفسا عاليا. فقال عمر رضي الله عنه. رأيته يدخله ويولجه
كالميل في المكحلة. فقال لا، فقال عمر: الله أكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم
فقال إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين، وأعجبه قول زياد ودرأ
الحد عن المغيرة.
فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا. فهم عمر
أن يضربه حدا ثانيا، فقال له علي بن أبي طالب: أن ضربته فارجم صاحبك
فتركه واستناب عمر أبا بكرة فقال: إنما تستتبني لتقبل شهادتي. فقال: أجل.
فقال: لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا، فلما ضربوا الحد قال المغيرة:
الله أكبر الحمد لله الذي أخزاكم. فقال عمر رضي الله عنه: أخزى الله مكانا
رأوك فيه.
(قال) وذكر عمر بن شيبة في كتاب أخبار البصرة إن أبا بكرة لما جلد أمرت
أمه بشاة فذبحت وجعل جلدها على ظهره. فكان يقال: ما كان ذاك ألا من ضرب
شديد.
(قال) وحكى عبد الرحمن بن أبي بكرة: إن أباه حلف لا يكلم زيادا ما
357

عاش، فلما مات أبو بكرة كان قد أوصى أن لا يصلي عليه إلا أبو برزة الأسلمي
وكان النبي صلى الله عليه وآله آخى بينهما، وبلغ ذلك زيادا فخرج إلى الكوفة، وحفظ
المغيرة بن شعبة ذلك لزياد وشكره. ثم إن أم جميل وافت عمر بن الخطاب
رضي الله عنه بالموسم والمغيرة هناك، فقال له عمر: أتعرف هذه المرأة يا
مغيرة؟ فقال: نعم هذه أم كلثوم بنت على. فقال عمر: أتتجاهل علي والله ما
أظن أبا بكرة كذب فيما شهد عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أرمي بحجارة
من السماء.
(قال) ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في أول باب عدد الشهور في
كتابه المهذب: وشهد على المغيرة ثلاثة أبو بكرة، ونافع، وشبل بن معبد.
(قال) وقال زياد: رأيت استا تنبو ونفسا يعلو ورجلين كأنهما إذنا حمار
ولا أدري ما وراء ذلك فجلد عمر الثلاثة ولم يحد المغيرة.
(قال) قلت: وقد تكلم الفقهاء على قول علي رضي الله عنه لعمر: إن ضربته
فارجم صاحبك. فقال أبو نصر بن الصباغ: يريد أن هذا القول إن كان شهادة
أخرى فقد تم العدد، وإن كان هو الأولى فقد جلدته عليه والله أعلم. انتهت هذه
المأساة وما إليها بلفظ القاضي ابن خلكان عينا فراجعه في ترجمة يزيد بن زياد
الحميري من الجزء الثاني من وفيات الأعيان المنتشرة (508).
وأخرج الحاكم هذه القضية في ترجمة المغيرة ص 449 والتي بعدها من
الجزء الثالث من صحيحه المستدرك، وأوردها الذهبي في تلخيص المستدرك
أيضا، وأشار إليها مترجمو كل من المغيرة، وأبي بكرة، ونافع، وشبل بن

(508) وفيات الأعيان ج 2 / 455.
358

معبد، ومن أرخ حوادث سنة 17 للهجرة من أهل الأخبار (509).
[المورد - (58) - تشدده على جبلة بن الأيهم]
وذلك أنه وفد عليه في خمسمائة من فرسان عك وجفنة، تخب بهم مطهماتهم
العربية، وعليهم الوشي المنسوج بالذهب والفضة، وفي - مقدمتهم جبلة
وعلى رأسه تاجه وفيه قرط جدته مارية فأسلموا جميعا، وفرح المسلمون بهم
وبمن وراءهم من أتباعهم فرحا شديدا، وحضر جبلة بأصحابه الموسم من
عامهم ذاك مع الخليفة، فبينا جبلة يطوف بالبيت إذ وطأ إزاره رجل من فزارة
فحله فلطمه جبلة، فاستعدى الفزاري عمر، فأمر عمر جبلة أن يقيده من نفسه
أو يرضيه، وضيق عليه في ذلك حتى بلغ اليأس، فلما جنه الليل خرج بأصحابه
فأتوا القسطنطينية فتنصروا جميعا مرغمين، وقد نالهم ثمة من الخطوة بهرقل
ومن العز والأبهة فوق ما يتمنون (510) وكان جبلة مع هذا كله يبكي أسفا
على ما فاته من دين الإسلام. وهو القائل:

(509) الأغاني لأبي الفرج الإصبهاني ج 14 / 146، الغدير للأميني ج 6 / 137
- 144 و 274، فتوح البلدان للبلاذري ص 352، تاريخ الطبري ج 4 / 207، الكامل
لابن الأثير ج 2 / 378، البداية والنهاية لابن كثير ج 7 / 81، شرح نهج البلاغة لابن
أبي الحديد ج 3 / 161 ط 1 و ج 12 / 231 - 239 ط بتحقيق أبو الفضل، عمدة القاري
ج 6 / 240، سنن البيهقي ج 8 / 235.
(510) كما فصله ابن عبد ربه الأندلسي حيث ذكر وفود جبلة على عمر في كتابه
- الجمانة - في الوفود صفحة 187 من الجزء الأول من عقده الفريد. وتجد أيضا في
صفحة 62 من الجزء الأول من كتاب الدروس العربية للمدارس الثانوية المطبوع في
مطبعة الكشاف ببيروت نقلا عن الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (منه قدس).
وكذلك تغريبه: ربيعة بن أمية بن خلف إلى خيبر ثم دخل أرض الروم وارتد.
راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 / 282.
359

تنصرت الأشراف من أجل لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر -
تكنفني منها لجاج ونخوة * وبعت لها العين الصحيحة بالعور -
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القوم الذي قال لي عمر -
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة * وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر -
قلت: ليت الخليفة لم يحرج هذا الأمير العربي وقومه ولو ببذل كل ما
لديه من الوسائل إلى رضا الفزاري من حيث لا يدري ذلك الأمير أو من حيث
يدري، وهيهات أن يفعل عمر ذلك.
أنه أراد أن يقود جبلة في أول بادرة تبدر منه ببرة (1) الصغار، فيجدع
أنف عزه، وهذه سيرته مع كل عزيزي الجانب منيعي الحوزة كما يعلمه
متتبعو سيرته من أولي الألباب.
وقد مر عليك تشدده على خالد وهو من أخواله.
وشتان بين يوميه، يومه مع صاحبه المغيرة إذ درأ عنه حد الزنى محصنا
كما سمعته آنفا، ويومه مع خالد إذ أصر على رجمه ولولا أبو بكر لرجم،
كما سمعته أيضا، فإن قوة شكيمة خالد واعتداده بنفسه أوجبا شدة وطأة عمر
عليه، كما أن شمم جبلة وعزة نفسه أوجبا ذلك عليه أيضا، بخلاف المغيرة
فإنه كان - مع دهائه ومكره وحيله - أطوع لعمر من ظله، وأذل من نعله،
ولذلك استبقاه مع فجوره.
وكانت سياسته تقتضي إرهاب الرعية بالتشدد على من كان عزيزا كجبلة
وخالد، وربما أرهبهم بالوقيعة بذوي رحمه كما فعله بابنه أبي شحمة وبأم
فروة أخت أبي بكر وبمن لا فائدة له به ممن لا يكون في عير السياسة ولا في
نفيرها، كما فعله بجعدة السلمي، وضبيع التميمي، ونصر بن حجاج، وابن

(1) البرة حلقة من صفر أو نحوه توضع في أنف الجمل الشرود، فيربط بها حبل
يقاد به ذلك الجمل (منه قدس).
360

عمه أبي ذؤيب، وأبي هريرة المسكين وأمثالهم (511).
وقد اعتصم بتقشفه في مأكله ومشربه ومسكنه ومركبه، وأخذه بالصبر عن
الشهوات، والكف عن الملذات، والاكتفاء بالبلغة وإسباغه عطاياه على الأمة
من الغنائم، لا يؤثر نفسه وأهله بشئ منها، ووفره على بيت المال. وأخذه
بالحزم في محاسبة العمال. ومقاسمتهم إلى كثير من أمثال هذه الأمور التي
ساقت الأمة بعصاه. وأخرست الألسن وألجمت الأفواه. لم يسلم منه أحد من
عماله سوى معاوية على ما بينهما من تباين المشرب والسيرة. فإنه لم يحاسبه
في شئ ولا عاقبه في أمر. بل تركه يسرح ويمرح على غلوائه إذ قال له:
لا آمرك ولا أنهاك. ومن عرف عمر علم أنه لأمر ما آثر معاوية هذا الإيثار (512).
[المورد - (59) - تشدده على أبي هريرة]
وذلك أن عمر بعثه واليا على البحرين سنة إحدى وعشرين، فلما كانت
سنة ثلاث وعشرين عزله وولي عثمان بن أبي العاص الثقفي، ولم يكتف بعزله
حتى استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم أنه سرقها من مال الله في قضية
مستفيضة، وحسبك منها ما ذكره ابن عبد ربه المالكي (فيما يأخذ به السلطان
من الحزم والعزم من أوائل الجزء الأول من عقده الفريد) إذ قال - وقد ذكر
عمر - ثم دعا أبا هريرة فقال له: علمت أني استعملتك على البحرين وأنت
بلا نعلين؟.
ثم بلغني أنك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار!. قال: كانت لنا

(511) الغدير ج 6 / 316، راجع ما تقدم تحت رقم (434) والطبقات الكبرى
لابن سعد ج 3 / 285.
(512) شيخ المضيرة أبو هريرة ص 86.
361

أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت. قال: حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل
فأده قال: ليس لك ذلك. قال: بلى والله وأوجع ظهرك، ثم قام إليه بالدرة
فضربه حتى أدماه، ثم قال: ائت بها. قال: احتسبها عند الله. قال: ذلك لو
أخذتها من حلال وأديتها طائعا، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبى الناس
لك لا لله ولا للمسلمين؟ ما رجعت (1) بك أميمة إلا لرعية الحمر.
قال ابن عبد ربه: وفي حديث أبي هريرة: لما عزلني عمر عن البحرين
قال لي: يا عدو الله وعدو كتابه! سرقت مال الله؟. قال فقلت: ما أنا عدو الله
وعدو كتابه، ولكني عدو من عاداك وما سرقت مال الله، قال: فمن أين اجتمعت
لك عشرة آلاف؟. قال فقلت: خيل تناتجت، وعطايا تلاحقت، وسهام تتابعت.
قال: فقبضها مني فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين! (الحديث).
وقد أورده ابن أبي الحديد إذ ألم بشئ من سيرة عمر في المجلد الثالث
من شرح النهج (2) وأخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته الكبرى (3)
من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال لي عمر: يا عدو الله وعدو
كتابه أسرقت مال الله؟ إلى آخر الحديث.
وأورده ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي هريرة من إصابته فحوره
عطفا على أبي هريرة تحويرا خالف فيه الحقيقة الثابتة باتفاق أهل العلم، وذهل

(1) الرجع والرجيع العذرة والروث سميا رجعيا لأنهما رجعا من حالتهما الأولى
بعد أن كانا طعاما وعلفا، وأميمة أم أبي هريرة، وكلمة الخليفة هذه من أفظع كلمات
الشتم (منه قدس).
(2) ص 104 طبع مصر (منه قدس).
(3) ص 90 من قسمها الثاني من جزئها الرابع (منه قدس).
362

عما يستلزمه ذلك التحوير من الطعن بمن ضرب ظهره فأدماه وأخذ ماله وعزله
(513).
[المورد - (60) - تشدده على سعد بن أبي وقاص بتحريق قصره
عليه.]
وذلك أنه استعمله على الكوفة فبلغه أنه يحتجب في قصره عن الرعية،
فدعا محمد بن مسلمة فقال له: اذهب إلى سعد بالكوفة فحرق عليه قصره،
ولا تحدثن حدثا حتى تأتيني. فذهب محمد إلى الكوفة فأضرم النار في القصر
يفاجئ بذلك سعدا، فخرج سعد وهو يقول: ما هذا؟. فقال له محمد: هذا
حزم أمير المؤمنين، فتركه حتى أحرق ثم انصرف إلى المدينة (الحديث) (514).
[المورد - (61) - تشدده على خالد بن الوليد.]
وذلك إذ انتجعه (وهو على قنسرين من قبل عمر) الأشعث بن قيس فأجازه
بعشرة آلاف، فسمع بذلك عمر بن الخطاب، وكان لا يخفى عليه شئ من
عمله، فدعا عمر البريد، فكتب معه إلى أبي عبيدة - عامله على حمص -:
أن أقم خالدا على رجل واحدة معقول الأخرى بعمامته وانزع قلنسوته على
رؤس الأشهاد، من موظفي الدولة، ووجوه الشعب، حتى يعلمك من أين

(513) تاريخ الذهبي ج 2 / 338، سير أعلام النبلاء للذهبي ج 2 / 444، الغدير
للأميني ج 6 / 271، شيخ المضيرة أبو هريرة لأبي رية ص 79، فتوح البلدان للبلاذري
ص 82 ط أوربا.
(514) الكامل في التاريخ ج 2 / 369، فتوح البلدان للبلاذري ص 286، الغدير
ج 6 / 271.
363

أجاز الأشعث، أمن ماله، فهو الاسراف، والله لا يحب المسرفين، أم من مال
الأمة؟ فهي الخيانة، والله لا يحب الخائنين، واعزله على كل حال، واضمم
إليك عمله، فكتب أبو عبيدة إلى خالد. فقدم عليه، ثم جمع الناس، وجلس
لهم على المنبر في المسجد الجامع، فقام البريد فسأل خالدا من أين أجاز
الأشعث؟ فلم يجبه، وأبو عبيدة ساكت لا يقول شيئا، فقام بلال الحبشي فقال
إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا ونزع عمامته، ووضع قلنسوته، ثم
أقامه فعقله بعمامته، وقال: من أين أجزت الأشعث؟ أمن مالك؟ أم من مال
الأمة؟. فقال من مالي. فأطلقه وأعاد قلنسوته، ثم عممه بيده وهو يقول: نسمع
لولاتنا. ونفخم ونخدم موالينا، وأقام خالد متحيرا لا يدري أمعزول أم غير
معزول، إذ لم يعلمه أبو عبيدة بعزله تكرمة وتفخمة له، فلما تأخر قدومه على
عمر ظن الذي كان، فكتب إلى خالد إنك معزول فتنح، ثم لم يوله بعد ذلك
عملا حتى مضى لسبيله (515).
وقد ذكر العقاد هذه القضية كما في ص 245 من أصل الكتاب إلى آخر
المورد.
[المورد - (62) -: نفيه لضبيع التميمي وضربه إياه:]
وذلك أن رجلا جاء إليه فقال: إن ضبيعا التميمي لقينا فجعل يسألنا يا أمير
المؤمنين عن تفسير آيات من القرآن. فقال لي اللهم أمكني منه. فبينا هو
يوما جالس يغدي الناس إذ جاءه ضبيع وعليه ثياب وعمامة، فتقدم فأكل مع

(515) الكامل في التاريخ ج 2 / 375، الغدير ج 6 / 274، الحلبية ج 3 / 220،
البداية والنهاية ج 7 / 115.
364

الناس حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى: (والذاريات
ذروا فالحاملات وقرأ). فقال له ويحك: أنت هو؟. فقام إليه فحسر عن
ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فإذا له ضفيرتان، فقال: والذي نفس
عمر بيده لو وجدتك محلوقا ضربت رأسك.
ثم أمر به فحبس في بيت ثم كان يخرجه كل يوم فيضربه مائة! فإذا برئ
أخرجه فضربه مائة أخرى!! ثم حمله على قتب وسيره إلى البصرة، فكتب
إلى عامله أبي موسى يأمره أن يحرم على الناس مجالسته وأن يقوم في الناس
خطيبا يقول لهم: إن ضبيعا قد ابتغى العلم فأخطأه. فلم يزل بعدها ضبيع عند
الناس وفي قومه حتى هلك، وقد كان من قبل سيد قومه (516).
[المورد - (63) - نفيه نصر بن حجاج]
وذلك فيما رواه عبد الله بن بريد إذ قال (1) بينا عمر يعس ذات ليلة انتهى
إلى باب مجاف وامرأة تغني نسوة:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها * أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج -
فقال عمر: أما، ما عاشت فلا. فلما أصبح دعا نصر بن حجاج - وهو
نصر بن حجاج بن علابط البهزي السلمي - فأبصره وهو من أحسن الناس
وجها وأصبحهم وأملحهم حسنا فأمر أن يطم شعره فخرجت جبهته فازدادت
حسنا فقال له عمر اذهب فاعتم. فاعتم فبدت وفرته فأمره بحلقها فازداد حسنا.

(516) أخرجها أهل الأخبار مسندة وأرسلها المتتبع ابن أبي الحديد في أحوال
عمر ص 122 من المجلد الثالث من شرح النهج طبع مصر (منه قدس).
و ج 12 / 102 ط مصر بتحقيق أبو الفضل.
(1) كما في ص 99 من المجلد الثالث من شرح نهج البلاغة (منه قدس).
365

فقال له: فتنت نساء المدينة يا ابن حجاج لا تجاورني في بلدة أنا مقيم بها. ثم
سيره إلى البصرة فأقام بها أياما، ثم كتب لعمر كتابا فيه هذه الأبيات:
لعمري لئن سيرتني أو حرمتني * لما نلت من عرضي عليك حرام -
أئن غنت الدلفاء يوما بمنية * وبعض أماني النساء غرام -
ظننت بي الظن الذي ليس بعده * بقاء فما لي في الندي كلام -
وأصبحت منفيا على غير ريبة * وقد كان لي بالمكتين مقام -
فيمنعني مما تظن تكرمي * وآباء صدق سالفون كرام -
ويمنعها مما تغنت صلاتها * وحال لها في دينها وصيام -
فهاتان حالانا فهل أنت راجع * فقد جب مني كأهل وسنام -
فقال عمر: أما ولي ولاية فلا. فلما قتل عمر ركب نصر راحلته ولحق بأهله
في المدينة (517)
[المورد (64) - تجاوزه الحد الشرعي في الغلظة على ولده:]
وذلك أن ولده عبد الرحمن المكنى أبا شحمة شرب الخمر في مصر أيام
ولاية عمرو بن العاص عليها، فأمر به الوالي ابن العاص فحلق رأسه وجلد الحد
الشرعي بمحضر من أخيه عبد الله بن عمر، فلما بلغ عمر ذلك كتب إلى ابن
العاص أن يبعث به إليه في عباءة على قتب بغير وطاء وشدد عليه في ذلك،
وأغلظ له القول، فأرسله إليه على الحال التي أمر بها أبوه.
وكتب إلى عمر أني أقمت الحد عليه بحلق رأسه وجلده في صحن الدار،
وحلف بالله الذي لا يحلف بأعظم منه أنه الموضع الذي تقام فيه الحدود على

(517) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 / 285.
366

المسلمين والذميين، وبعث بالكتاب مع عبد الله بن عمر، فقدم عبد الله بن
عمر بالكتاب وبأخيه عبد الرحمن على أبيهما وهو في عباءة لا يستطيع المشي
لمرضه واعيائه ومما فيه من عقر القتب، فشدد أبوه عليه وقال: يا عبد الرحمن
فعلت وفعلت!. ثم صاح: السياط السياط. فكلمه عبد الرحمن بن عوف
وقال: يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد، وشهد بذلك أخوه عبد الله. فلم
يلتفت إليه وزبره، فأخذته السياط، وجعل يصيح: أنا مريض وأنت والله قاتلي.
فلم يرق له وتصام عن صياحه حتى استوفى الحد وحبسه بعده شهرا فمات (518).
ومحل الشاهد هنا أن ابن العاص، إن كان مأمونا على حدود الله وثقة في
نفس عمر فقد أخبره بإقامة الحد على ولده أبي شحمة بحضور أخيه عبد الله،
وكان عبد الله من أوثق آل الخطاب في نفس أبيه، وإذا فلا وجه لإقامة الحد

(518) هذه الواقعة من الوقائع المشهورة ذكرها أهل الأخبار في أحوال
عمر وخصائصه فلتراجع في ص 123 وما بعدها من المجلد الثالث من شرح النهج
الحميدي طبع مصر. وتجد في ص 127 من المجلد نفسه عن بعض أولياء عمر: أنه ضرب
ابنا له على الشراب فمات من ضربه. وكل من ذكر أبا شحمة ذكر ذلك حتى أن ابن عبد البر
أورد هذه القضية بنحو من التنسيق والتنميق في ترجمة عبد الرحمن الأكبر بن عمر هو
أخو أبي شحمة الذي هو عبد الرحمن الأوسط، ولهما أخ ثالث يدعى عبد الرحمن الأصغر
كما نقلها ابن عبد البر. وقال الدميري في مادة ديك من حياة الحيوان: وكان عمر قد
حد ابنه عبد الله على الشراب فقال له وهو يحده قتلتني يا أبتاه. (قال): والذي في كتب
السير أن المحدود في الشراب ابنه الأوسط أبو شحمة أه‍. وعقد ابن الجوزي بابا
مختصا بضرب عمر لولده على شرب الخمر، وهو الباب 77 من تاريخ عمر (منه قدس).
الغدير للأميني ج 6 / 316، سنن الكبرى للبيهقي ج 8 / 312، العقد الفريد ج
3 / 370، تاريخ بغداد للخطيب ج 5 / 455، سيرة عمر لابن الجوزي ص 170 وفي
طبع آخر ص 207، الرياض النضرة ج 2 / 32 ط 1، إرشاد الساري ج 9 / 439،
الاستيعاب بهامش الإصابة ج 2 / 394.
367

عليه مرة أخرى، وإن كان ابن العاص غير مأمون على حدود ولا صادق فيما
يخبر به حتى لو حلف الإيمان المغلظة كما فعل، فكيف يوليه مصر فيسلطه على
أحكام الله وحدوده؟ ودماء عباده؟ وأعراضهم وأموالهم؟!.
على أن المريض لا يحد قبل شفائه والمحدود لا يحبس بعد إقامة الحد عليه
ولا سيما إذا كان مريضا أو أضره الحبس، لكن عمر مولع بإيثار رأيه في
المصلحة على النصوص.
[المورد - (65) - قطعة شجر الحديبية:]
شجرة الحديبية هذه بويع رسول الله صلى الله عليه وآله بيعة الرضوان تحتها، فكان من
عواقب تلك البيعة أن فتح الله لعبده ورسوله فتحا مبينا، ونصره نصرا عزيزا،
وكان بعض المسلمين يصلون تحتها تبركا بها، وشكرا لله تعالى على ما بلغهم
من أمانيهم في تلك البيعة المباركة.
فبلغ عمر ما كان من صلاتهم تحتها فأمر بقطعها وقال (1): ألا لا أوتي منذ
اليوم بأحد عاد إلى الصلاة عندها إلا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد. ا ه‍ (519).
سبحان الله وبحمده والله أكبر!! يأمره بالأمس رسول الله بقتل ذي
الخويصرة وهو رأس المارقة فيمتنع عن قتله احتراما لصلاته (520) " ثم يستل

(1) كما في السطر الأخير من ص 59 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي
(منه قدس).
(519) الغدير للأميني ج 6 / 146، شرح النهج الحديدي ج 3 / 122، سيرة
عمر لابن الجوزي ص 107، الطبقات الكبرى لابن سعد، السيرة الحلبية ج 3 / 29،
فتح الباري ج 7 / 361 وقد صححه، إرشاد الساري ج 6 / 337، شرح المواهب للزرقاني
ج 2 / 207، الدر المنثور ج 6 / 73، عمدة القاري ج 8 / 284 وقال: إسناد صحيح.
(520) كما تقدم تحت رقم (131) فراجعه مع مصادره.
368

اليوم سيفه لقتل من يصلي من أهل الإيمان تحت الشجرة شجرة الرضوان؟! "
وي، وي ما الذي أرخص له دماء المصلين من المخلصين لله تعالى في
صلاتهم؟ إن هذه لبذرة أجذرت وآتت أكلها في نجد (حيث يطلع قرن
الشيطان) (521).
وكم لفاروق الأمة من أمثال هذه البذرة كقوله للحجر الأسود: " إنك
لحجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك... " (522).
ولقد كانت هذه الكلمة منه كأصل من الأصول العملية بني عليها بعض
الجاهلين تحريم التقبيل للقرآن الحكيم، والتعظيم لضريح النبي الكريم ولسائر
الضرائح المقدسة، ففاتهم العمل بكثير من مصاديق قوله تعالى: (ذلك ومن
يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من
تقوى القلوب (1)). ولم يكونوا في شغفهم بحب الله عز وجل على حد قول
القائل:
وما حب الديار شغفن قلبي * ولكن حب من سكن الديارا -

(521) صحيح البخاري ك الجهاد والسير باب ما جاء في بيوت أزواج النبي ج
4 / 46 ط استانبول و ج 4 / 10 ط مطابع الشعب.
(522) أخبار مكة للأزرقي ج 1 / 323 و 329 و 330 ط دار الأندلس، الغدير
ج 6 / 103، المستدرك للحاكم ج 1 / 457، سيرة عمر لابن الجوزي ص 106، إرشاد
الساري ج 3 / 195، عمدة القاري ج 4 / 606، شرح النهج الحديدي ج 3 / 122 ط 1
و ج 12 / 100 ط مصر بتحقيق أبو الفضل، الفتوحات الإسلامية ج 3 / 486، ترجمة
الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 / 40 ح 1073 ط بيروت.
(1) الآيتان في سورة الحج (منه قدس).
369

[المورد - (66) - يوم شكته أم هاني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله:]
أخرج الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن أم هاني
بنت أبي طالب عليه السلام أنها قالت: يا رسول الله إن عمر بن الخطاب لقيني
فقال لي: إن محمدا لا يغني عنك شيئا. فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقام خطيبا
فقال: ما بال أقوام يزعمون إن شفاعتي لا تنال أهل بيتي، وإن شفاعتي لتنال
حاء وحكم (523).
وغضب صلى الله عليه وآله في مقام آخر إذ توفي لعمته صفية ولد فعزاها صلى الله عليه وآله، فلما
خرجت لقيها رجل (1) فقال لها: إن قرابة محمد لن تغني عنك شيئا. فبكت
حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وآله صوتها ففزع من ذلك، فخرج إليها فسألها فأخبرته
فغضب فقال: يا بلال هجر بالصلاة، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال
أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع، إن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا
سببي ونسبي، وإن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة (524).

(523) قبيلتان في اليمن بعيدتا النسب من قريش (منه قدس).
ينابيع المودة للقندوزي ص 267 ط اسلامبول.
(1) هو عمر بن الخطاب بلا ريب (منه قدس).
(524) أخرجه المحب الطبري في ذخائر العقبى بالإسناد إلى ابن عباس (منه قدس).
مجمع الزوائد ج 8 / 216 وصرح بأن القائل هو عمر بن الخطاب، المعرفة
والتاريخ ج 2 / 499، ينابيع المودة ص 267 ط اسلامبول.
وقريب منه في:
فرائد السمطين ج 2 / 288 ح 548 و 549، المسند لأحمد ج 3 / 18 و 39 و 62
ط 1، تفسير ابن كثير ج 7 / 34، إحقاق ج 9 / 514، شرح نهج البلاغة ج 2 / 187 ط 2
القول الفصل للحداد ج 2 / 16.
قوله صلى الله عليه وآله: " كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي " عن عمر بن
الخطاب:
راجع: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 108 ح 150 و 151 و 152
و 153، تاريخ بغداد للخطيب ج 6 / 182، سنن البيهقي ج 7 / 63 و 64، حلية الأولياء
ج 7 / 314، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 / 124، تذكرة الحفاظ ج 3 / 117 وفي
ط 910، مجمع الزوائد ج 4 / 271 و ج 9 / 173، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 8 /
463 ط بيروت، ينابيع المودة ص 267 ط اسلامبول.
وعن ابن عباس:
تاريخ بغداد للخطيب ج 10 / 271، مجمع الزوائد ج 9 / 173 و ج 8 / 216، الجامع
الصغير ص 236، كفاية الطالب ص 380 ط الحيدرية، ينابيع المودة ص 267 ط اسلامبول.
370

[المورد - (67) - يوم النجوى:]
وقد فات الخير يومئذ جميع الناس حاشا عليا عليه السلام فإنه الفائز بخيرها
لا يشاركه فيه فاروق ولا صديق ولا غيرهما من سائر البشر. وإليك آيتها فتدبرها
ولا تكن ممن عناهم الله بقوله تعالى: أم على قلوب أقفالها. والآية في سورة
المجادلة وهي قوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا
بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر) فلم يعمل بها سوى علي بإجماع
هذه الأمة، كما تراه في تفسير الآية من كل من كشاف الزمخشري، والتفسير
الكبير للطبري، والتفسير العظيم للثعلبي، ومفاتيح الغيب للرازي، وسائر
التفاسير.
ودونك من الصحاح ما أخرجه الحاكم في تفسير الآية ص 842 من الجزء
الثاني من صحيحة المستدرك عن علي عليه السلام قال: إن في كتاب الله لآية
ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى، كان عندي
371

دينار فبعته بعشرة دراهم، فكنت كلما ناجيته صلى الله عليه وآله قدمت بين يدي نجواي
درهما ثم نسخت بقوله تعالى: (أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات (1)
فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله)
(525).
فشمل هذا التقريع عمر وغيره من سائر الصحابة حاشا عليا عليه السلام
فإنه ما أشفق من تقديم الصدقات ولا خاف الأمر ليحتاج إلى التوبة.
وقد قام الرازي هنا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنه

(1) قال الحاكم بعد إيراد هذا الحديث هنا بلفظه: هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه، قلت وصححه الذهبي من شرط الشيخين إذ أورده في تلخيص
المستدرك (منه قدس).
(525) آية النجوى لم يعمل به إلا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
راجع: شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 2 / 230 ح 949 و 950
و 951 و 952 و 953 و 954 و 955 و 956 و 957 و 958 و 959 و 960 و 961 و 962
و 963 و 964 و 965 و 966 و 967 ط 1، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص
325 ح 372 و 373 ط 1، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 322 و 357 ح 283 و 284
دلائل الصدق ج 2 / 104، نظم درر السمطين للزرندي ص 90، مقام أمير المؤمنين
للعسكري ص 58، ينابيع المودة للقندوزي ص 100 ط اسلامبول، المستدرك للحاكم ج
2 / 481، مسند أحمد ج 2 / 21 ط 1، المناقب للخوارزمي ص 196 ط الحيدرية، تفسير
الطبري ج 28 / 19، كفاية الطالب ص 135، سمط النجوم العوالي ج 2 / 474، تفسير
الحبري، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 39 ط مصر، تفسير ابن كثير ج 4 / 326،
صحيح الترمذي ج 5 / 80 رقم - 3355 - و ج 2 / 227 ط آخر الذهبي ج 3 / 146،
أحكام القرآن للجصاص ج 3 / 526، صحيح ابن حبان ج 2 / 180، المصنف لابن أبي
شيبة ج 6، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 2 / 21، تفسير النسفي بهامش تفسير
الخازن ج 4 / 242، تاريخ الطبري ج 8 / 184، دلائل الصدق ج 3 / 212، الاستيعاب
بترجمة معاوية.
372

قال: إن الآية تضيق قلب الفقير وتوجب حزنه لعدم تمكنه من الصدقة، وتوحش
الغني بما تشتمل عليه من التكليف، وتوجب طعن بعض المسلمين ببعض،
فالعمل بها يسبب فرقة ووحشة، وترك العمل بها يسبب ألفة، والذي يكون
سببا للألفة أولى مما يكون سببا للوحشة، إلى آخر هذيانه المعارض لقوله
تعالى: (ذلك خير لكم وأطهر). والمناقض لقوله عز اسمه: (فإذا لم تفعلوا
وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة) فراجع هذا الهذيان منه في ص 168 من
الجزء 8 من تفسيره الكبير مفاتيح الغيب.
ولم يبق عليه إلا أن يقول: إن الزكاة والحج مثلا يضيقان قلب الفقير
ويوجبان حزنه لعدم تمكنه من فعلهما، ويوحشان الغني بما يشتملان عليه من
التكليف، فالعمل بها يسبب فرقة ووحشة وترك العمل بهما يسبب ألفة ومحبة
والذي يكون سببا للألفة أولى من الذي يكون سببا للوحشة، فترك الزكاة
والحج أولى على قياس هذا الإمام، بل قياسه يوجب ترك الأديان كلها ترجيحا
للاتفاق على الاختلاف. نعوذ بالله من سبات العقل وخطل القول وبه نستجير
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[المورد - (68) - تسامحه مع معاوية إذ ولاه أمر الشام]
حيث أملى له في غيه، وخلا بينه وبين ما أراد، مطلقا له العنان، يفعل
ما يشاء ويحكم ما يريد، مسوما مترفا، راكبا سجيحة رأسه، لا يبالي في غير
ما يختاره لنفسه، على نقيض ما يعجب عمر من سيرة أمرائه، وقد رآه في الشام
أبهة كسروية، وأزياء تنفر منها جبلة عمر، ويبرأ منها فما قال له عندها سوى:
لا آمرك ولا أنهاك (أ)، يقلده حبله، ويقرطه عنانه، فعاث ما شاء أن يعيث
ولا راد لجماح غلوائه، ولا مقوم من صعره، فكانت عاقبة هذا الاملاء له ما
373

كان منه في صفين من بغيه على أمير المؤمنين، وبعدها ما كان منه في ساباط مع
سيد الأسباط.
وبهذا اتخذ بنو أمية مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا (526)
فإنا لله وإنا إليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
[المورد - (69) -]
أمره بما يخالف الشرع ورجوعه عن ذلك بعد تنبيه وموارد ذلك كثيرة:
أولا: ما أخرجه محمد بن مخلد العطار في فوائد (1): أن عمر (رض)
قد أمر برجم حبلى زنت. فقال له معاذ بن جبل منكرا عليه ذلك: إن يكن لك
عليها سبيل، فلا سبيل لك على ما في بطنها، فأبطل عمر حكمه. وقال: عجزت
النساء أن يلدن معاذ، ولولا معاذ لهلك عمر (527).
ثانيا: ما أخرجه الحاكم - في رفع عنه القلم من كتاب الحدود ص 389
الجزء الرابع من مستدركه - بالإسناد إلى ابن العباس. قال: أتى عمر بامرأة
مجنونة حبلى، فأراد أن يرجمها. فقال له علي: أو ما علمت أن القلم رفع عن
ثلاثة؟. عن المجنون حتى يعقل، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى

(526) شيخ المضيرة أبو هريرة ص 86 ط 3، المستدرك للحاكم ج 4 / 479
و 480، كنز العمال ج 6 / 39 ط 1، الغدير ج 8 / 250.
(1) كما نص عليه ابن حجر العسقلاني في ترجمة معاذ بن جبل من إصابته (منه
قدس).
(527) الإصابة لابن حجر ج 3 / 427 ط 1.
وروى أن الذي اعترض عليه هو الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
راجع: الغدير ج 6 / 110 و 111، الرياض النضرة ج 2 / 196 ط 1، ذخائر
العقبى ص 80 و 81، مطالب السئول ص 13، المناقب للخوارزمي ص 39 ط الحيدرية.
374

يستيقظ. فخلى عمر عنها (528).
قلت: هذه غير تلك التي نبهه فيها معاذ لم تكن مجنونة، فكان له عليها
سبيل، ولكن بعد وضع حملها، وإلا من عليه في حضانته بعد رجمها. أما هذه
فلا سبيل له عليها مطلقا لجنونها كما لا يخفى.
ولقاضي القضاة عبد الجبار في كتابه - المغني - كلام حول الأمر برجم
الحبلى كان محل البحث بينه وبين الشريف المرتضى في كتابه - الشافي -
وقد أورد كلاميهما ابن أبي الحديد في هذه المواضيع ص 150 إلى ص 152
من المجلد الثالث من شرح النهج طبع مصر.
ثالثا: ما أخرجه الإمام أحمد من حديث علي - ص 154 والتي بعدها من
الجزء الأول من مسنده - عن أبي ظبيان الجنبي (1) قال: إن عمر أتي بامرأة

(528) سنن أبي داود ج 2 / 227، الغدير ج 6 / 101، سنن ابن ماجة ج 2 / 227
المستدرك للحاكم ج 2 / 59 و ج 4 / 389 وصححه، السنن الكبرى للبيهقي ج 8 / 264،
تيسير الوصول ج 2 / 5، الرياض النضرة ج 2 / 196، ذخائر العقبى ص 81، إرشاد
الساري ج 10 / 9، فيض القدير ج 4 / 357، حاشية العزيزي على الجامع الصغير ج 2
/ 417، مصباح الظلام ج 2 / 56، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 147 ط
النجف، فتح الباري ج 12 / 101، عمدة القاري ج 11 / 151، المناقب للخوارزمي ص
38 ط الحيدرية، الطرائف لابن طاوس ج 2 / 473.
(1) أخرجه الحاكم بإسناده إلى ابن عباس بألفاظ تقارب ألفاظ أحمد. فراجع
باب من رفع عنه القلم من كتاب الحدود أول ص 389 من الجزء الرابع من المستدرك تجده
صحيحا على شرط الشيخين. وأورده الذهبي في تلخيصه مصرحا بصحته. واختصره
البخاري في كتاب الحدود من صحيحه فقال ما هذا لفظه: باب لا يرجم المجنون والمجنونة
وقال علي لعمر: أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى
يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ انتهى بلفظ البخاري في أول ص 117 من جزئه الرابع
(منه قدس).
375

قد زنت فأمر برجمها، فانتزعها علي من أيديهم وردهم بها، فرجعوا إلى عمر
فقالوا: ردنا علي بن أبي طالب. قال: ما فعل هذا إلا لشئ قد علمه، فأرسل
إلى علي فجاءه وهو شبه المغضب. فقال له عمر: مالك رددت هؤلاء؟. قال:
أما سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ،
وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل. قال: بلى. قال علي: فإن
هذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها. فقال عمر: لا أدري فلم يرجمها (529).
رابعا: ما ذكره ابن القيم في كتابه - الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية -:
أن امرأة جئ بها إلى عمر فأقرت بالزنى فأمر برجمها فاستمهله علي إذ لعل
لها عذرا يدرأ عنها الحد ثم قال لها: ما حملك على الزنى؟. قالت: كان لي
خليط، وفي إبله ماء ولبن، ولم يكن في إبلي ماء ولبن فظمئت فاستسقيته فأبى
أن يسقيني حتى أعطيه نفسي، فأبيت عليه ثلاثا، فلما ظمئت وظننت أن نفسي
ستخرج أعطيته الذي أراد فسقاني. فقال علي: الله أكبر، " فمن اضطر غير
باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم " (530).
وروى البيهقي في سننه (1) عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: أتي عمر
بامرأة جهدها العطش فمرت على راع فاستسقته فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه
من نفسها ففعلت. فشاور عمر الناس في رجمها فقال علي: هذه مضطرة أرى

(529) الغدير للأميني ج 6 / 101، المناقب للخوارزمي ص 38، تذكرة الخواص
للسبط بن الجوزي ص 147 ط الحيدرية.
(530) الآية 115 من سورة النحل (منه قدس).
كنز العمال ج 3 / 96، الغدير ج 6 / 120.
(1) فيما نقله ابن القيم في ص 53 من كتابه (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية)
(منه قدس).
376

أن يخلي سبيلها، ففعل عمر ذلك (531).
خامسا: ما ذكره ابن القيم في أول ص 55 من طرقه الحكيمة، إذ قال:
رفعت إلى عمر امرأة أخرى وقد زنت فأقرت لديه بذلك، وكررت الاقرار
به وأيدت ما فعلت من فجورها، وكان علي إذ ذاك حاضرا فقال: إنها لتستهل
به استهلال من لا يعلم أنه حرام، فدرأ الحد عنها (532).
قال ابن القيم: وهذا من دقيق الفراسة.
سادسا: ما نقله العلامة المعاصر أحمد أمين بك في ص 285 من كتابه
(فجر الإسلام) نقلا على كتاب (أعلام الموقعين) قال: رفعت إلى عمر
قضية رجل قتلته امرأة أبيه وخليلها. فتردد عمر في قتل اثنين بواحد. فقال له
علي: أرأيت لو أن نفرا اشتركوا في سرقة توجب القطع أكنت قاطعهم؟.
قال: نعم قال: فكذلك. فعمل برأي علي. وكتب إلى عامله أن اقتلهما فلو
اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم (533).
سابعا: ما قد رواه أهل السير والأخبار، واللفظ للمتتبع علامة المعتزلة
ابن أبي الحديد (1) إذ قال: استدعى عمر امرأة ليسألها عن أمر وكانت حاملا
فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها، فأجهضت به جنينا ميتا، فاستفتى أكابر الصحابة
في ذلك. فقالوا: لا شئ عليك، إنما أنت مؤدب. فقال له علي: إن كانوا

(531) سنن البيهقي ج 8 / 236، الغدير للأميني ج 6 / 119، الرياض النضرة
ج 2 / 196 ط 1، ذخائر العقبى ص 81.
(532)
(533)
(1) في ص 58 من ج 1 من شرح النهج الحديدي أثناء شرح الخطبة الشقشقية
(منه قدس).
377

راقبوك فقد غشوك، وإن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطأوا، عليك غرة، يعني
عتق رقبة، فرجع عمر والصحابة إلى قوله (534).
ثامنا: تحيره في أمر رجل من المهاجرين الأولين من أهل بدر، - وهو
قدامة بن مظعون: جئ به وقد شرب الخمر فأمر به عمر أن يجلد. فقال: لم
تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله عز وجل. فقال عمر: في أي كتاب الله إني
لا أجلدك؟. فقال: إن الله تعالى يقول في كتابه: (ليس على الذين آمنوا
وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية. فأنا من الذين آمنوا وعملوا
الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا. شهدت مع رسول الله بدرا
والحديبية والخندق والمشاهد - فلم يدر عمر ما يقول في رده - فقال: ألا
تردون عليه. فقال ابن عباس: إن هذه الآيات أنزلت عذرا للماضين، وحجة
على الباقين، لأن الله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر
والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان) ثم قرأ حتى أتم الآية الأخرى.
[ومنها] (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا
ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا) (1) فإن
الله عز وجل قد نهى عن أن يشرب الخمر فأين شاربها عن التقوى بعد أن نهى
عنها؟. فقال عمر: صدقت فماذا ترون: فأفتى علي بجلده ثمانين وجرى الأمر
على هذا من ذلك اليوم (535).

(534) الغدير للأميني ج 6 / 119، سيرة عمر لابن الجوزي ص 117، فضل
العلم لأبي عمر ص 146، كنز العمال ج 7 / 300 ط 1، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 /
178 ح 206 ط بيروت.
(1) الآية 90 - 93 من سورة المائدة.
(535) أخرجه الحاكم في باب مشورة الصحابة في حد الخمر من كتاب الحدود
4 / 376 من مستدركه مصرحا بصحته. وأورده الذهبي في التلخيص وصححه أيضا (منه
قدس).
المناقب للخوارزمي ص 53 ط الحيدرية.
378

تاسعا: ما نقله ابن القيم في ص 27 من كتابه (الطرق الحكمية) في قضية
امرأة تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه
فأخذت بيضة فألقت صفرتها وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها ثم جاءت
عمر صارخة تستعديه عليه فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في
أهلي، وهذا أثر ما فعله بي. فسأل عمر: النساء؟، فقلن له: إن ببدنها وثوبها
أثر المني. فهم بعقوبة الشاب، والشاب يستغيث ويقول: يا أمير المؤمنين
تثبت في أمري، فوالله ما أتيت بفاحشة، وما هممت بها ولقد راودتني عن نفسي
فاعتصمت. وكان علي حاضرا، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما؟
فنظر علي إلى الثوب ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصبه على الثوب فجمد
ذلك البياض ثم أخذه فشمه وذاقه فعرف طعم البيض وزجر المرأة فاعترفت (536).
عاشرا: ما ذكر ابن القيم في ص 30 والتي بعدها من طرقه الحكمية من
أن رجلين من قريش دفعا إلى امرأة مائة دينار وديعة وقالا لا تدفعيها إلى واحد منا
دون صاحبه، فلبثا حولا فجاء أحدهما فقال: إن صاحبي قد مات، فادفعي إلي
الدنانير. فأبت وقالت إنكما قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه فلست
بدافعتها إليك. فتوسل إليها بأهلها وجيرانها حتى دفعتها إليه. وبعد حول تام
جاء الآخر فقال: ادفعي إلي الدنانير. فقالت: إن صاحبك قد جاءني فزعم أنك
قدمت فطالبني بها، فدفعتها إليه. فترافعا إلى عمر: فأراد أن يقضي عليها.
فقالت: ارفعنا إلى علي بن أبي طالب، فرفعهما إليه، فعرف علي أنهما

(536) الغدير للأميني ج 6 / 126.
379

قد مكرا بها فقال للرجل أليس قلتما لها لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه؟.
قال: بلى. قال: فاذهب إذا فجئ بصاحبك تدفعه إليكما، وإلا فلا سبيل لك
عليها (537).
الحادي عشر: ما أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس ص 190 من
الجزء الأول من مسنده: أن عمر تحير في حكم الشك في الصلاة فقال له:
يا غلام هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله أو من أحد أصحابه إذا شك الرجل في
صلاته ماذا يصنع؟. قال: فبينا هو كذلك أقبل عبد الرحمن بن عوف. فقال:
فيم أنتما؟. فقال عمر: سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله أو أحد
أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع. فقال عبد الرحمن: سمعت رسول
الله يقول: إذا شك أحدكم في صلاته.. (الحديث) (538) وفيه فتوى عبد
الرحمن وهي على خلاف المأثور عن رسول الله عندنا فلتراجع (539).
وما أكثر أمثال هذه القضايا من نوادره الدالة على انقياده للحق في مثل
هذه المسائل إذا عرفه، واستسلامه إلى من ينبهه إليه إذا جهله (540) لكنه كان

(537) الغدير للأميني ج 6 / 126، الأذكياء لابن الجوزي ص 18، أخبار
الظراف لابن الجوزي ص 19، الرياض النضرة ج 2 / 197، ذخائر العقبى ص 80،
تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 148 ط الحيدرية، المناقب للخوارزمي ص 53
ط الحيدرية.
(538) الغدير للأميني ج 6 / 92، مسند أحمد ج 1 / 190 و 195، سنن البيهقي
ج 2 / 332.
(539) فإنه في فتوى عبد الرحمن البناء على الأقل. وأما عندنا فالبناء على
الأكثر إذا لم يكن مبطلا هذا في الركعات. راجع: جامع أحاديث الشيعة ج 5 / 591
- 614.
(540) الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 / 39، ذخائر العقبى ص 81 و 82، تذكرة
الخواص ص 144 - 148، كفاية الطالب للكنجي ص 192 ط الغري وص 334 ط
الحيدرية، الرياض النضرة ج 2 / 255 - 261، الفصول المهمة لابن الصباغ ص 17،
المناقب للخوارزمي ص 38 و 39 و 50 و 51 و 53 و 54، إحقاق الحق للتستري ج 8 /
182 - 242، فرائد السمطين ج 1 / 337 و 342 و 346 - 351 و 354، سبيل النجاة
في تتمة المراجعات ص 259 تحت رقم (836) ط بيروت.
380

مع ذلك يشهد فيما يبرمه من سياسته لا يلوي فيه على أحد. وكانت له وطأة على
ولاته في أنفسهم وأموالهم، إذ كان يقاسمهم فيها لبيت المال عنوة، ويسوقهم
بعصاه بكل قسوة، وربما حرق عليهم كما فعله مع عامله في الكوفة سعد بن
أبي وقاص إذ فاجأه بتحريق قصره عليه. وخفقه بالدرة مرة إذ زاحم الناس في
الوصول إليه. ورأى مرة أناسا يتبعون أبي بن كعب في الطريق، فرفع عليه
الدرة ليعلوه بها. فقال له أبي: اتق الله يا أمير المؤمنين. قال عمر: فما هذا
الجموع خلفك؟ يا بن كعب، أما علمت أنها فتنة للمتبوع ومذلة للتابع (541).
وكانت درته كسوط عذاب يخشاها أكابر الصحابة، حتى قيل (1) إنها كانت
أهيب من سيف الحجاج (542).
وقد أوجع عمر بها أم فروة بنت أبي قحافة، يوم مات أخوها أبو بكر، إذ
ناحت عليه في نسوة صحابيات ترأسهن عائشة، لم تأخذه في ذلك حرمتها،
ولا احترام عائشة ولا حفظها في عمتها، ولا حفظ أبي بكر في أخته إذ جرها
هشام بن الوليد سحبا إلى الطريق بكل امتهان، أخاف النسوة المجتمعات فإذا

(541) الغدير للأميني ج 6 / 271، الكامل ج 2 / 369، فتوح البلدان للبلاذري
ص 286.
(1) كما في ص 60 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي (منه قدس).
(542) وقريب منه في: الطبقات لابن سعد ج 3 / 282.
381

هن منهزمات (543) وكم له من قبل ومن بعد سطوة في سبيل مبدئه، لا تأخذه
فيه عاطفة، ولا يخاف في سبيله عاقبة.
وحسبك قوله لعلي ومن كان معه من أوليائه إذ قعدوا عن البيعة في بيت
الزهراء: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة، أو لأحرقن عليكم. فخرجت
وديعة رسول الله وبقيته صلى الله عليه وآله فيهم تبكي وتصيح (544) وفي رواية: أنها لما
رأت ما يصنع بعلي والزبير، وقفت على باب الحجرة وقالت: ما أسرع ما أغرتم
على أهل بيت رسول الله (545).
إلى كثير من أمثال هذه المواقف السياسية التي تمثل فيها قول علي (ع)
- وقد ذكر عهد أبي بكر إليه بالخلافة -: فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها (1)
ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب

(543) تاريخ الطبري في حوادث السنة - 13 -.
(544) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 / 21 ط مصطفى محمد بمصر، العقد الفريد
لابن عبد ربه ج 4 / 259 و 260 ط لجنة التأليف، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
ج 1 / 134 و ج 2 / 19 ط 1 و ج 2 / 56 و ج 6 / 48 ط بتحقيق أبو الفضل، تاريخ الطبري
ج 3 / 202، الملل والنحل للشهرستاني ج 1 / 57 ط دار المعرفة، بحار الأنوار ج 28 /
338 و 339 ط الجديد، الغدير ج 7 / 77، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 261
تحت رقم (842) ط بيروت.
(545) تجد هذا كله في شرح النهج لابن أبي الحديد عند انتهائه إلى قول علي
عليه السلام: " فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت " فراجع
من الشرح ج 1 / 134 (منه قدس).
الغدير للأميني ج 7 / 77، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 261 تحت رقم
(842) ط بيروت.
(1) الكلام بالضم: الأرض الغليظة (منه قدس).
382

الصعبة (1) إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس لعمر الله بخبط
وشماس (2) وتلون واعتراض. إلى آخر الخطبة الشقشقية (546).
[المورد - (70) - عهده بالشورى]
يوم دنى أجل عمر فجعلها في ستة، زعم أن أخا النبي ووصيه أحدهم
وهو بعد النبي خير البرايا * والسما خير ما بها قمراها -
وهو في آية التباهل نفس * المصطفى ليس غيره إياها -
وهما مقلتا العوالم يسرا * ها علي وأحمد يمناها -
إنما المصطفى مدينة علم * وهو الباب من أتاه أتاها (547) -
فيا لله والشورى، متى اعترض الريب فيه مع الأول منهم، حتى صار يقرن
إلى هذه النظائر، لكنه، - بأبي وأمي - أسف إذ أسفوا، فصغى رجل منهم
لضغنه - هو سعد - ومال الآخر - عبد الرحمن - لصهره - عثمان - مع هن
وهن (3).
إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه
يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز

(1) الصعبة من الإبل: ما ليست بذلول (منه قدس).
(2) الشماس بالكسر: إباء ظهر الفرس عن الركوب (منه قدس).
(546) فليراجع شرحها في المجلد الأول من شرح النهج، فهناك الفوائد، والعلم
الجم (منه قدس).
الموجودة في نهج البلاغة وهي الخطبة - 3 -.
(547) هذه الأبيات للشيخ كاظم الأزري من قصيدته الهائية المعروفة بالأزرية.
(3) إشارة إلى أحداث فظيعة كره عليه السلام التصريح بها. وهي كما قيل:
- على هنوات شوها متتابع - (منه قدس).
383

عليه عمله، وكبت به بطنته، وكانت الفتنة (548).
ولهذه الشورى لوازم سيئة، وعواقب شر، كانت من أضر العواقب في
الإسلام، وكان لعمر فيها متناقضات يربأ - بالفاروق - عن مثلها.
وذلك أنه لما طعن (1) ويئس من الحياة، وقيل له: لو استخلف. قال: لو
كان أبو عبيدة حيا استخلفته، لأنه أمين هذه الأمة (2) ولو كان سالم مولى أبي
حذيفة حيا استخلفته، لأنه شديد الحب لله تعالى (3) فذكر له ابنه عبد الله فأبى
أن يستخلفه فخرج القوم ثم رجعوا إليه فقالوا له: يا أمير المؤمنين لو عهدت
عهدا فقال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي الأولى أن أولي أمركم رجلا هو
أحراكم أن يحملكم على الحق، - يشير إلى علي عليه السلام - فقالوا له: ما
يمنعك منه؟. قال: لا أتحملها حيا وميتا!. ثم قال: عليكم بهؤلاء الرهط،
علي. وعثمان. وعبد الرحمن. وسعد. والزبير. وطلحة. فليتشاوروا بينهم،
وليختاروا واحدا منهم، فإذا ولوه فأحسنوا مؤازرته وأعينوه، ثم استدعى أولئك
الرهط فقال لهم: إذا أنا مت فليصل بالناس صهيب، وتشاوروا أنتم ثلاثة أيام

(548) من مضمون كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من خطبة الشقشقية.
راجع نهج البلاغة الخطبة - 3 - ص 34.
(1) صبح الأربعاء لأربع بقين من " حج " سنة 23 ومات بعد ثلاث ودفن يوم
الأحد (منه قدس).
(2) إن كان أبو عبيدة أمين هذه الأمة - كما يحدثون - فعلي عليه السلام أولى
بالأمة من نفسها كما يعلمون، وقد بخبخ له عمر يومئذ فيمن يبخبخون (منه قدس).
(3) ما أظنه نسي رجوعه بعد رجوع صاحبه باللواء من خيبر فشلين كئيبين، ولا نسي
بشارة النبي صلى الله عليه وآله بالفتح المبين على يد علي، ولا قوله صلى الله عليه وآله يومئذ معرضا: أما والله
لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. وفي
رواية: كرار غير فرار (منه قدس).
384

ولا يأت اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم.
ثم أمر أبا طلحة الأنصاري أن يختار خمسين رجلا من الأنصار يقومون
معه مسلحين على رؤوس الستة حتى يختاروا رجلا منهم في ثلاثة أيام من موته
وأمر صهيبا أن يصلي في الناس تلك المدة، وأن يدخل أولئك الستة بيتا
فيقوم عليهم بسيفه مع أبي طلحة وأصحابه، وقال له: إن اجتمع خمسة وأبى
واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربع وأبى اثنان فاضرب رأسيهما،
وإن افترقوا ثلاثة وثلاثة فالخليفة في الذين فيهم عبد الرحمن، واقتلوا أولئك
إن خالفوا، فإن مضت الثلاثة أيام ولم يتفقوا على واحد منهم فاضربوا أعناق
الستة (1)، ودعوا الأمر شورى بين المسلمين يختارون لأنفسهم من شاؤوا.
هذا ملخص عهد الشورى (549).
وإذا كان كارها لتحملها كما يقول، فلم زج نفسه بما فر منه، وألقى بيده
إليه، على أسوأ الوجوه، وأشدها ضررا وخطرا؟!. حيث اختص من الأمة

(1) وما يدريك لعلها استخفافه بدمائهم أوجب استخفاف قاتلي عثمان بدمه:
واستخفاف الخوارج يومي الجمل بالبصرة. وفي النهروان وصفين بقتال علي وقتله؟
واستخفاف يزيد بدم سيد الشهداء في كربلاء فإن الفاروق منزلته القدوة ولا سيما عند
هؤلاء كما لا يخفى (منه قدس).
(549) عهده في الشورى على هذه الكيفية التي لخصناها ثابت بالتواتر. وقد
ذكره ابن الأثير حيث ذكر قصة الشورى في حوادث سنة 23 من الجزء الثالث من كامله
وابن جرير في حوادث تلك السنة من كتابه تاريخ الأمم والملوك. وابن أبي الحديد في
شرح خطبة الشقشقية ص 62 من المجلد الأول من شرح النهج وسائر أهل الأخبار (منه).
تاريخ الطبري ج 5 / 33، الكامل لابن الأثير ج 3 / 34.
وقريب منه في: الطبقات لابن سعد ج 3 / 338.
385

كلها ستة، ووصفهم بما يمنع استخلافهم مما لم نذكره (550) ثم رتب الأمر
ترتيبا يوجب استخلاف عثمان على كل حال (1) وأي صور التحمل يكون
أكثر من هذا؟. وما الفرق بين أن يعهد بها إلى عثمان توا أو يفعل ما فعل
من الحصر والترتيب المؤدي إلى خلافة عثمان، وقتل من يخالف؟
وليته عهد بها إليه، أو إلى من يشاء ولم يوقف ذلك العبد صهيبا على
رؤوسهم مع أبي طلحة وشرطته مصلتي سيوفهم لقتلهم إذا خرجوا من تلك
الخطة الضيقة الحرجة التي خطها لهم.
ولو عهد بها توا إلى من شاء، ما رأته الأمة مستخفا بدمائهم، لا يتأثم ولا
يتحرج، ولا يأبه لسفكها (2) ولا رأته الأمة يمتهنهم بتقديم العبد صهيب في
الصلاة على جنازته، وفي الصلوات الخمس.
وكأنه ما اكتفى بما ألحق بهم من الهوان والامتهان، بقوله: لو كان أبو
عبيده حيا لاستخلفته، ولو كان سالما حيا لاستخلفته، تفضيلا لهم على الستة.

(550) راجع ما وصفهم به في ص 72 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي.
فهناك العجب العجاب (منه قدس).
تاريخ الطبري ج 5 / 35.
(1) فلهذا قال علي عليه السلام: عدلت عنا. فقال عمه العباس - كما في كامل
ابن الأثير وتأريخ ابن جرير وغيرهما -: وما علمك؟ قال قرن بي عثمان، وقال: كانوا
مع الأكثر، فإن اختار رجلان رجلا ورجلان رجلا آخر، فكانوا مع الذين فيهم عبد الرحمن، فسعد لا
يخالف عمه عبد الرحمن أبدا، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان أبدا، فلو كان الآخران
معي لم ينفعاني أه‍ (منه قدس).
(2) مع ما عظمه الله عز وجل من حرماتها في محكمات الكتاب، وصحاح السنن
المتواترة وإجماع الأمة على بكرة أبيها (منه قدس).
386

وفيهم أخو النبي (551) ووليه (552) ووارثه (553).

(551) قد تواتر الأحاديث بالمؤاخات بين النبي صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام.
راجع منها: صحيح الترمذي ج 5 / 300 ح 3804، كفاية الطالب ص 193 و 194
ط الحيدرية وص 82 و 83 ط الغري، الفصول المهمة لابن الصباغ ص 21، تذكرة
الخواص ص 20 - 24، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 37 ح 57 و 59
و 60 و 65، المناقب للخوارزمي ص 7، نظم درر السمطين للزرندي ص 94 و 95،
تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 170، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 108 ط بيروت،
أسد الغابة ج 2 / 221 و ج 3 / 137 و ج 4 / 29، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج
6 / 167 و ج 18 / 24 بتحقيق أبو الفضل و ج 2 / 61 و 450 ط 1 إلى غيرها من عشرات
المصادر ولأجل المزيد راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 113 تحت رقم
459 و 482 و 484 و 488 و 490 و 492 و 493 و 494 - 506 ط بيروت.
(552) علي ولي النبي صلى الله عليه وآله:
المستدرك للحاكم ج 3 / 132 وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك
وصححه، مسند أحمد ج 5 / 25 ح 3062 بسند صحيح ط دار المعارف، خصائص أمير
المؤمنين للنسائي ص 61 ط الحيدرية وص 15 ط بيروت وص 8 ط مصر، ذخائر العقبى
ص 87، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 240 ط الحيدرية وص 155 ط الغري،
المناقب للخوارزمي ص 72، الإصابة لابن حجر ج 2 / 509، ينابيع المودة ص 34 ط
اسلامبول وص 38 ط الحيدرية و ج 1 / 33 ط صيدا، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب
من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 183 ح 249 و 251، الرياض النضرة ج 2 /
269، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 106، فضائل الخمسة ج 1 / 230، الغدير ج 1 /
51 و ج 3 / 197، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 277 - ميزان الاعتدال ج
2 / 75، سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (503) ط بيروت.
(553) علي وارث النبي صلى الله عليه وآله:
كفاية الطالب للكنجي ص 261 ح 309، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من
تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 89 ح 141 و 148، ينابيع المودة ص 53 و 114 ط
اسلامبول وص 59 و 135 ط الحيدرية، فتح الملك بصحة حديث باب مدينة العلم علي
ص 19 ط الإسلامية وص 48 ط الحيدرية، الرياض النضرة ج 2 / 234. ولأجل المزيد
من المصادر راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (718 و 503).
387

ووصيه (554) وهارون هذه الأمة (555) وأقضاها (556).

(554) علي وصي النبي صلى الله عليه وآله:
تاريخ الطبري ج 2 / 319، الكامل لابن الأثير ج 2 / 62، شرح النهج لابن أبي
الحديد ج 13 / 210 و 244 وصححه بتحقيق أبو الفضل، السيرة الحلبية ج 1 / 311،
منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 41 و 42، شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 /
371 ح 514 و 580، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب لابن عساكر ج 1 / 85 ح 139
و 140 و 141. ولأجل المزيد من المصادر راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات
تحت رقم (459 و 717 و 718 و 719) وقد عقد القندوزي الباب الخامس عشر من
ينابيع المودة في وصية الرسول لعلي ص 78 ط اسلامبول.
(555) علي هارون هذه الأمة:
شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 368، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي
ص 328، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 107،
سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (473 و 374 و 375 و 376).
(556) علي أعلم الأمة وأقضاها:
قول الرسول صلى الله عليه وآله: " أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب ".
راجع: كفاية الطالب ص 332 ط الغري، المناقب للخوارزمي ص 39 و 40،
مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 43، كنز العمال ج 6 / 153 و 156، الغدير ج 3 / 96،
كنوز الحقائق ص 18، فرائد السمطين ج 1 / 97 ح 66.
قول الرسول صلى الله عليه وآله: " أقضى أمتي علي ":
يوجد في: المناقب للخوارزمي ص 41، الغدير ج 3 / 96، مصابيح السنة للبغوي
ج 2 / 277، الرياض النضرة ج 2 / 198، فتح الباري ج 8 / 136، بغية الوعاة ص
447، ينابيع المودة ص 75 اسلامبول.
قول الرسول صلى الله عليه وآله: " أقضاكم علي ":
يوجد في: الغدير ج 3 / 96، الاستيعاب هامش الإصابة ج 3 / 38، المواقف
للقاضي الإيجي ج 3 / 276، شرح ابن أبي الحديد ج 2 / 235 ط 1، مطالب السئول
ص 23، تمييز الطيب من الخبيث ص 25، كفاية الشنقيطي ص 46.
قول ابن عباس: " أعلمنا بالقضاء وأقرأنا للقرآن علي بن أبي طالب ".
يوجد في: شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 25 ح 21.
قول عمر بن الخطاب: " علي أقضانا ":
يوجد في: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 /
27 ح 1054 و 1055 و 1056 و 1057 و 1058 و 1059 و 1060 و 1061 و 1062 ط
بيروت، حلية الأولياء ج 1 / 65، صحيح البخاري ك التفسير ج 6 / 23، المستدرك
للحاكم ج 3 / 305، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 97 ح 21 و 23، إحقاق الحق ج
8 / 61، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 / 39 و 40، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 /
339 و 340، تذكرة الحفاظ ج 3 / 38، أخبار القضاة ج 1 / 88، المناقب للخوارزمي
ص 47، أسنى المطالب للجزري ص 72، البداية والنهاية ج 7 / 359، تاريخ الخلفاء
ص 115، الغدير ج 3 / 97.
قول عبد الله بن مسعود: " أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب ":
يوجد في: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 /
34 ح 1063 و 1064 و 1065 و 1066 و 1067 و 1068 و 1069 ط بيروت، أنساب
الأشراف للبلاذري ج 2 / 97 ح 22، الطبقات الكبرى ج 2 / 338، الاستيعاب بهامش
الإصابة ج 3 / 39 و 41، شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 24 ح 20، المستدرك للحاكم
ج 3 / 135، أخبار القضاة ج 1 / 89، إحقاق الحق ج 8 / 57، الرياض النضرة ج 2 /
209 ط 1، مجمع الزوائد ج 9 / 116، فتح الباري ج 8 / 59، المناقب للخوارزمي ص
47، أسنى المطالب للجزري ص 73، تمييز الخبيث من الطيب ص 25.
388

وباب دار الحكمة (557) وباب مدينة العلم (558) ومن عنده علم الكتاب (559).

(557) سوف يأتي مصادره تحت رقم (912).
(558) سوف يأتي مع مصادره تحت رقم (910).
(559) إشارة إلى الآية الكريمة:
(قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب).
سورة الرعد: 43.
والذي عنده علم الكتاب هو علي بن أبي طالب عليه السلام كما رواه عن الرسول
صلى الله عليه وآله كل من:
أبي سعيد الخدري، وابن عباس.
وروي أيضا عن أبي جعفر عليه السلام وابن الحنفية وأبي صالح.
راجع: شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 306 ح 422 و 423 و 424 و 425 و 426 و 427
المناقب لابن المغازلي ص 314 ح 358، تفسير القرطبي ج 9 / 336، ينابيع المودة
ص 102 ط اسلامبول، دلائل الصدق ج 2 / 134.
الإمام علي أعلم بعلوم القرآن من غيره:
فقد عقد الحاكم الحسكاني الحنفي في كتابه شواهد التنزيل فصلا خاصا بذلك
روى فيه عدة أحاديث فراجع ج 1 / 29 وما بعدها حديث: 28 و 29 و 30 و 31 و 32
و 33 و 34 و 35 و 36 و 37 و 38 و 39 و 40 و 41 - 48، ترجمة الإمام علي بن أبي
طالب من تاريخ دمشق ج 3 / 20 ح 1035 و 1036 و 1037 و 1038 و 1039 و 1040
و 1043 و 1044 و 1045 و 1046 و 1047 و 1048 و 1049 و 1050 و 1051 و 1052
وراجع أيضا: الغدير ج 6 / 193، تفسير ابن كثير ج 4 / 231، جامع بيان العلم
ج 1 / 114، الرياض النضرة ج 2 / 198، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 124، الاتقان ج
2 / 319، تهذيب التهذيب ج 7 / 338، فتح الباري ج 8 / 485، عمدة القاري ج 9 /
167، مفتاح السعادة ج 1 / 400، حلية الأولياء ج 1 / 68، ينابيع المودة ص 74 وص
274، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 338، أنساب الأشراف ج 2 / 98، مجمع
الزوائد ج 9 / 116 و 288، دلائل الصدق ج 2 / 335، أسنى المطالب للجزري ص 73
الغدير ج 3 / 99، الصواعق ص 76 ط 1.
389

على أن سالما لم يكن من قريش، ولا من العرب، وإنما هو أعجمي من
إصطخر أو من كرمد، وكان عبدا مملوكا لزوجة أبو حذيفة بن عتبة، واسمها
ثبية بنت يعار بن زيد بن عبيد ابن زيد الأنصاري الأوسي (1) وقد انعقد

(1) نص على ذلك ابن عبد البر في ترجمة سالم من الاستيعاب. وذكر أن هذا
لم يختلف فيه (منه قدس).
390

الإجماع نصا وفتوى على عدم جواز عقد الإمامة لمثله (560) فكيف مع هذا
يقول: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته (1)؟.
على أن هذه الشورى قد أنشأت بين رجالها الستة من التنافس والفتن ما قد
فرق جماعة المسلمين، وشق عصاهم، إذ رأى كل من رجالها نفسه كفؤا
للخلافة، ورأى أنه نظير الآخرين منها، ولم يكونوا قبل الشورى على هذا
الرأي، بل كان عبد الرحمن تبعا لعثمان، وسعد كان تبعا لعبد الرحمن، والزبير
إنما كان من شيعة علي، والقائمين بنصرته يوم السقيفة على ساق، وهو الذي
استل سيفه (561) ذودا عن حياض أمير المؤمنين وكان فيمن شيع جنازة

(560) صرح بانعقاد الإجماع نصا وفتوى على ذلك غير واحد من الأعلام كالفاضل
النووي في أول كتاب الإمامة من شرح صحيح مسلم (منه قدس).
والقاضي الإيجي في المواقف، وأبو الثناء في مطالع الأنظار ص 470 وراجع
الغدير ج 7 / 140.
(1) اعتذروا عنه بأنه إنما قال ذلك عن اجتهاد كان منه، ورأى أدى إليه نظرة.
وممن صرح بهذا العذر صاحب الاستيعاب في ترجمة سالم. فراجع لتعلم أنهم كانوا لا
توقفهم النصوص عما يرون (منه قدس).
(561) أخرج أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة حديثا طويلا
أورده ابن أبي الحديد في أول المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي جاء فيه ما هذا
لفظه: ذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة منهم أسيد بن خضير، وسلمة بن أسلم،
فقال لهم - أي لعلي ومن كان معه في البيت -: انطلقوا فبايعوا فأبوا عليه وخرج إليهم
الزبير بسيفه، فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم فأخذ السيف من يده
فضرب به الجدار.. الحديث (منه قدس).
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 219 و ج 6 / 9 و 11 و 19 و 40 و 47
و 48 و 49 ط بتحقيق أبو الفضل و ج 1 / 74 ط 1.
وكان الزبير في يوم السقيفة آخذ بقائم سيفه وهو يقول:
" لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب ".
راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 / 57، العقد الفريد ج 2 / 278، شرح
النهج الحديدي ج 2 / 81 ط 1، الغدير ج 9 / 106.
391

الزهراء عليها السلام، وحضر الصلاة عليها إذ دفنت سرا في ظلام الليل (1) بوصية
منها (562) وهو القائل على عهد عمر: والله لو مات عمر بايعت عليا (563)
لكن الشورى سولت له الطمع بالخلافة، ففارق عليا مع المفارقين، وخرج

(1) وصلى عليها علي عليه السلام، ولم يؤذن بها أبا بكر - كما أخرجه البخاري
في غزوة خيبر ص 39 من الجزء الثاني من صحيحه. وأخرجه مسلم في باب قول النبي:
لا نورث ما تركنا فهو صدقة ص 72 من الجزء الثاني من صحيحه (منه قدس).
(562) دفنت بضعت المصطفى سرا في ظلام الليل ولم يؤذن بها أبو بكر ولا
عمر:
راجع: الشرف المؤبد للنبهاني ص، الإصابة لابن حجر،
الاستيعاب، بهامش الإصابة ج، أسد الغابة، كشف الغمة ج 1 ص 504،
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 6 / 49 و 50 وقال: والصحيح عندي أنها ماتت
وهي واجدة على أبي بكر وعمر وأنها أوصت ألا يصليا عليها.
(563) أن لعمر كلاما طويلا أشاد به على المنبر فقال فيه: ثم أنه بلغني أن قائلا
منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي
بكر فلتة وتمت، ألا وإنها كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها إلى آخر كلامه. وقد
أخرجه البخاري عنه في باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت 119 من الجزء الرابع
من صحيحه. وذكر القسطلاني في شرح هذا الحديث من كتابه - إرشاد الساري - أن
الزبير بن العوام كان يقول: لو مات عمر بايعت عليا فقد كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت
فبلغ عمر قوله فغضب وخطب تلك الخطبة وهذا ما صرح به شارحوا البخاري أجمع
(منه قدس).
راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 / 23 و 26 و 29 بتحقيق أبو
الفضل، تاريخ الطبري ج 3 / 205، الكامل ج 2 / 327.
392

عليه يوم الجمل الأصغر (564) ويوم الجمل الأكبر مع الخارجين (565).
كما أن عبد الرحمن بن عوف ندم على ما فعله من إيثار عثمان على نفسه
بالخلافة، ففارقه وعمل على خلعه فلم يأل جهدا، ولم يدخر وسعا في ذلك.
لكنه لم يفلح (566).
وقد علم الناس ما كان من طلحة والزبير من التأليب على عثمان (567)
وانضمام عائشة في ذلك إليهما نصرة لطلحة، وأملا منها برجوع الخلافة إلى
تيم. وكانت تقول: " اقتلوا نعثلا فقد كفر " (568).

(564) تاريخ الطبري ج 4 / 474، أسد الغابة ج 2 / 38، شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 38 ط 1، أنساب الأشراف ج 2 / 288.
(565) راجع: كتاب صفين لنصر ابن مزاحم، أحاديث أم المؤمنين عائشة ق 1
ص 121 - 200.
(566) الغدير للأميني ج 9 / 86، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 57، العقد
الفريد ج 2 / 258 و 261 و 272، تاريخ أبي الفداء ج 1 / 166، تاريخ الطبري ج 5 /
113، الكامل لابن الأثير ج 3 / 70، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 65
و 66 و 165 و 63 و 64 ط 1.
(567) تأليب طلحة والزبير على عثمان:
راجع: الغدير للأميني ج 9 / 91 - 109، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
ج 2 / 506، تاريخ الطبري ج 5 / 139 و 122 و 43 و 165 و 154 راجع بقية المصادر
الغدير.
(568) إرجافها بعثمان وإنكارها عليه ونبذها إياه، وقولها اقتلوا نعثلا فقد كفر مما لا
يخلوا منه كتاب يشتمل على تلك الحوادث وقد أنبها بعض معاصريها فقال:
فمنك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر -
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا: إنه قد كفر -
إلى آخر الأبيات وهي في ص 80 من ج 3 من كامل ابن الأثير حيث ذكر وقعة
الجمل (منه قدس).
تاريخ الطبري ج 4 / 459، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3 / 206، تذكرة
الخواص للسبط بن الجوزي ص 61 و 64، الإمام والسياسة لابن قتيبة ج 1 / 49 وفيه
(فجر) بدل (كفر)، السيرة الحلبية ج 3 / 286، أحاديث أم المؤمنين عائشة للعسكري
ق 1 ص 105، المناقب للخوارزمي ص 117 ط الحيدرية، الغدير ج 9 / 80 و 81.
393

وقد عمل هؤلاء وأولياؤهم من الإنكار على عثمان، ما أهاب بأهل المدينة
وأهل الأمصار إلى خلعه وقتله (569) فلما قتل وبايع الناس عليا كان طلحة
والزبير أول من بايع (570) لكن مكانتها في الشورى أطمعتهما بالخلافة،
وحملتهما على نكث البيعة، والخروج على الإمام، فخرجا عليه، وخرجت
معهما عائشة طمعا باستخلاف طلحة، وكان ما كان في البصرة وصفين والنهروان
من الفتن الطاغية، والحروب الطاحنة: وكلها من آثار الشورى، حيث صورت
أندادا لعلي ينافسونه في حقه، ويحاربونه عليه، بل نهبت معاوية إلى هذا، وأطمعته
بالخلافة (1) فكان معاوية وكل واحد من أصحاب الشورى عقبة كؤودا في

(569) الغدير للأميني ج 9 / 198 وما بعدها وراجع بقية المصادر فيه.
(570) أول من بايع عليا طلحة والزبير:
راجع: المعيار والموازنة للإسكافي ص 22 و 51، تذكرة الخواص ص 57،
الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 / 31، تاريخ الطبري ج 5 / 152 و 157 و 199، الكامل
لابن الأثير ج 3 / 98 ط دار الكتاب العربي، مروج الذهب للمسعودي ج 2 / 364 ط
بيروت، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 205 ح 250 و 272 و 275 ط بيروت.
(1) أخرج أبو عثمان في كتاب السفيانية - كما في ص 62 من المجلد الأول من
شرح النهج الحميدي - عن معمر بن سليمان التميمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب
عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأهل الشورى: إنكم إن تعاونتم
وتوازرتم وتناصحتم أكلتموها وأولادكم، وإن تحاسدتم وتقاعدتم وتدابرتم وتباغضتم
غلبكم على هذا الأمر معاوية بن أبي سفيان، وكان معاوية يومئذ أمير الشام من قبل عمر.
ولا يخفى ما في هذه الكلمة من ترشيح معاوية وحمله على طلب الخلافة بكل ما لديه من
خول وطول، وفعل وقول، ومكر وخداع. على أن مصير الخلافة بعد عمر إلى عثمان
كاف في مصيرها بعد عثمان إلى معاوية، ولذلك رتب عمر عهده بالشورى ترتيبا ينتج
استخلاف عثمان كما بيناه. وبالجملة لم يقض عثمان نحبه حتى صور خمسة يكافئون عليا
وينافسونه في حقه، ويحاربونه عليه ولم يكتف بهذا حتى أغرى معاوية وأطعمه في الأمر
كما لا يخفى على أولي النظر (منه قدس).
394

سبيل ما يبتغيه الإمام من إصلاح الخلائق، وإظهار الحقائق (571).
على أن الشورى أغرت الأمة بعثمان (1) وبذرت بذورا أجذرت بعد قتله
فاستغلها الناكثون والقاسطون والمارقون (572).
والعجب العجاب أمره بقتل الستة - الذين رشحهم يوم الشورى لانتخاب
أحدهم خليفة عنه - إذا لم ينفذوا عهده هذا قبل انتهاء اليوم الثالث من وفاته.
وي، وي. ما كنا لنؤمن أو لنجوز عليه الأمر بقتل هؤلاء الستة، أو واحد
منهم بمجرد تأخر إنفاذ عهده عن اليوم الثالث من وفاته!!.

(571) الغدير ج 7 / 146، البيان والتبيين للجاحظ ج 2 / 85 راجع بقية المصادر
في الغدير.
(1) حيث أن عمر قال يوم عهده بالشورى لعثمان: كأني بك وقد قلدتك قريش
هذا الأمر، فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس، وآثرتهم بالفئ فسارت
إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا، والله لئن فعلوا لتفعلن، وإن
فعلت ليفعلن: ثم أخذ بناصية عثمان فقال: إذا كان كذلك فاذكر قولي فإنه كائن. أه‍.
(قال) ابن أبي الحديد بعد نقل هذا الخبر في ص 22 من المجلد الأول من شرح النهج
ذكر هذا الخبر كله شيخنا أبو عثمان في كتاب السفيانية، وذكره جماعة غيره في فراسة
عمر. (قلت): وهذا مما يؤيد نظرتنا في أن عمر إنما أراد من خلافة عثمان تمهيد الأمر
لمعاوية علما منه أنه سيقتل فيفتح لمعاوية طريقا مهيعا يوصله إلى الخلافة بل هو مجرد
خلافة عثمان طريق لحب يوصله إلى الخلافة (منه قدس).
(572) الناكثون: أصحاب الجمل. والقاسطون: أهل صفين. والمارقون: أهل
النهروان وقد وردت الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله بأمر الإمام علي بن أبي طالب بقتال هؤلاء الطوائف الثلاث:
راجع: المستدرك للحاكم ج 3 / 139، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من
تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 / 168 ح 1205 - 1208 المناقب للخوارزمي ص 110
و 122 و 125. راجع بقية المصادر، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 163 تحت
رقم (597)، المعيار والموازنة للإسكافي ص 37 و 55 وهذا الحديث من علامات النبوة
وقد عده أبو حاتم الرازي من علامات نبوته كما في كتابه أعلام النبوة فصل - 5 - ص
110.
395

لكن الحقيقة في الواقع أنه أمر بقتلهم مرتاحا إلى ذلك، مطمئنا إليه كل
الاطمئنان، وأوعز إلى أبي طلحة الأنصاري وجنوده بهذا الأمر، وشدد عليهم
وعلى صهيب في إنفاذه.
والمسلمون بمنظر وبمسمع * لا منكر منهم ولا متفجع -
وهذا غاية ما تمادى به الفاروق. ومضى فيه على غلوائه، وقد كان من
أعرف الناس بمكانة السنة من الصحبة، وشهد يومئذ بأن رسول الله صلى الله عليه وآله مات
راضيا عنهم (573).
على أن في الستة من هو من رسول الله كالصنو من الصنو، والذراع من
العضد (574) وكان منه بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بنبي (575) ولكنه

(573) تاريخ الطبري ج 5 / 34، الكامل في التاريخ ج 3 / 35.
(574)
(575) سوف تأتي مصادره وراجع سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 117
رقم (475) ط بيروت.
396

الوزير (576) والوصي (577) وأبو السبطين (578) وصاحب بدر وأحد
وحنين (579) ومن عنده علم الكتاب (580).
فما كان أغنى فاروق الأمة عن تعريضه وتعريض بقية الستة لهذا الخطر،
وهذه المهانة، وقد كان في وسعه أن لا يعهد إلى أحد ما فيذر الأمر شورى
بين أفراد الأمة كافة، يختارون لأنفسهم من شاؤوا، وحينئذ يكون قد صدق
في قوله لا أتحملها حيا وميتا.
أو يعهد إلى عثمان بكل صراحة، كما عهد أبو بكر إليه فيكون حينئذ
صريحا فيما يريد - غير مما كر ولا مداور - حيث رتب أمر الشورى ترتيبا

(576) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 11 ح 154، شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 / 261 ط 1 و ج 13 / 228 بتحقيق أبو الفضل، تذكرة
الخواص ص 43، المناقب للخوارزمي ص 62 و 250، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب
من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 89 ح 141 و 143 و 155 و 157 و 158، إحقاق
الحق للتستري ج 4 / 27، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 116 تحت رقم (468)
ط بيروت.
(577) سوف يأتي الحديث مع مصادره.
(578) هذا معلوم بالوجدان. وراجع سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص
229 تحت رقم (738).
(579) كتب السير والأخبار والتاريخ شاهد على ذلك. وراجع فرائد السمطين
ج 1 / 251 وما بعدها، المناقب للخوارزمي ص 102 وما بعدها، المناقب لابن المغازلي
ص 176 و 197 و 200، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر
ج 1 / 156 وما بعدها، سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (519 و 520) وراجع
ما تقدم تحت رقم (469 و 471 و 472 و 473 و 474)، أنساب الأشراف للبلاذري ج
2 / 94 و 106، الطبقات لابن سعد ج 3 / 23 ط بيروت، دلائل الصدق ج 2 / 353
(580) تقدم تحت رقم (559) فراجع.
397

يفضي إلى استخلاف عثمان لا محالة، فإن ترجيح عبد الرحمن على الخمسة
ليس إلا لعلمه بأنه سيؤثر بالأمر، وأن سعدا لا يخالف عبد الرحمن أبدا.
وقد علم الناس هذا من فاروقهم، وإن ظن أنه موه الأمر على الناس
وقال لا أتحملها حيا وميتا.
وما رأى المسلمين لو سمع رسول الله صلى الله عليه وآله عمر يأمر أبا طلحة فيقول:
" إن اجتمع خمسة وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة وأبي
اثنان فأضرب رأسيهما، وإن افترقوا ثلاثة وثلاثة فالخليفة في الذين فيهم عبد
الرحمن، واقتلوا أولئك إن خالفوا، فإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على واحد
منهم فاضربوا أعناق الستة " (581) أفتونا أيها المسلمون، وكونوا أحرارا
فيما تفتون. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

(581) تاريخ الطبري ج 5 / 35، الكامل لابن الأثير ج 3 / 35.
398

[الفصل الثالث]
[تأول عثمان وأتباعه]
[المورد - (70) - صلته لأرحامه:]
كان عثمان وصولا لأرحامه (582) [آل أبي العاص] (583) ولوعا بحبهم
وإيثارهم، حتى لم تأخذه في سبيلهم ملامة اللائمين، ولا ثورات الثائرين،
وقد استباح في صلتهم مخالفات كثيرة من أدلة الكتاب الحكيم، والسنن
المقدسة، والسيرة التي كانت مستمرة من قبله.

(582) إن له في سبيل أرحامه مخالفات لنصوص شتى، وموارده في ذلك لا تستقصى
في هذا الكتاب، ولعلها لا تنقص عن موارد الخليفتين السابقتين بأجمعها (منه قدس).
إعطائه الأموال وصلاته لأرحامه مما لا يشك فيه أدنى إنسان مطلع على التاريخ.
راجع: الغدير للأميني ج 8 / 286، شيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبي رية
المصري ص 166.
(583) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله
دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا، أخرجه الحاكم بالإسناد إلى كل من علي أمير
المؤمنين، وأبي ذر، وأبي سعيد الخدري، وصححه في ص 480 من الجزء الرابع من
مستدركه. واعترف بصحته الذهبي إذ أورده في تلخيص المستدرك. والصحاح في ذم
آل أبي العاص متواترة، وقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر هؤلاء المتغلبين من المنافقين
ولعنهم " ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة " وحسبك من إعلانه ما أخرجه
الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من صحيحه (المستدرك) ويكفيك ما أوردناه في كتابنا
(أبو هريرة) مما علقناه على الحديث الرابع عشر وهو في ص 118 إلى منتهى ص 128
فراجع (منه قدس).
لعن الرسول صلى الله عليه وآله آل أبي العاص في مواطن كثيرة:
راجع: الصواعق لابن حجر ص 179 ط المحمدية وص 108 ط الميمنية، تطهير
الجنان لابن حجر ص 63 ملحقا بالصواعق ط المحمدية وص 144 بهامش الصواعق ط
الميمنية، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 172، الدر المنثور للسيوطي ج 4 / 191 و ج
6 / 41، سير أعلام النبلاء ج 2 / 80، أسد الغابة ج 2 / 34، السيرة الحلبية ج 1 / 317
السيرة الدحلانية بهامش الحلبية ج 1 / 225 - 226، الغدير للأميني ج 8 / 245، شيخ
المضيرة أبو هريرة ص 160.
399

قال ابن أبي الحديد (1): وصحت فيه فراسة عمر، إذ قد أوطأ بني أمية
رقاب الناس، وأولادهم الولايات، وأقطعهم القطائع، وافتتحت أرمينيا في
أيامه، فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان فقال عبد الرحمن بن الحنبل الجمحي:
أحلف بالله رب الأنام * ما تر الله شيئا سدى
ولكن خلقت لنا فتنة * لكي نبتلي بك أو نبتلى
فإن الأمينين قد بينا * منار الطريق عليه الهدى
فما أخذا درهما غيلة * ولا جعلا درهما في هوى
وأعطيت مروان خمس البلاد * فهيهات سعيك من سعى (584)

(1) في ج 1 / 66 من شرحه للنهج طبع مصر، فراجع ما أورده ثمة من أحداث
عثمان (منه قدس).
(584) إعطائه خمس أرمينيا لمروان مشهور لا شك فيه:
400

قال ابن أبي الحديد: وطلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة، فأعطاه
أربعمائة ألف درهم (585) [قال]: وأعاد الحكم بن أبي العاص بعد أن سيره
رسول الله صلى الله عليه وآله ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر، وأعطاه مائة ألف درهم (586) وتصدق
رسول الله صلى الله عليه وآله بموضع سوق بالمدينة يعرف بنهروز على المسلمين، فأقطعه
عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم (587). وأقطع مروان فدكا
وقد كانت فاطمة طلبتها بعد وفاة أبيها رسول الله تارة بالميراث، وتارة

راجع: الغدير للأميني ج 8 / 257، المعارف لابن قتيبة ص 84، تاريخ أبي
الفداء ج 1 / 168، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 38، تاريخ الطبري ج 5 / 50.
(585) صلته لعبد الله بن خالد بن أسيد:
راجع: الغدير للأميني ج 8 / 276، العقد الفريد ج 2 / 261، المعارف لابن
قتيبة ص 84.
(586) إرجاعه للحكم بن أبي العاص:
راجع: الغدير للأميني ج 8 / 241 وما بعدها وفيه مصادر كثيرة، شيخ المضيرة
أبو هريرة ص 168.
وقد لعن الرسول الحكم بن أبي العاص وما يخرج من صلبه:
راجع: نفس المصادر التي تقدمت تحت رقم - 583 - مع نفس الصفحات لها
الغدير ج 8 / 245 عن مصادر متعددة.
(587) الغدير للأميني ج 8 / 268، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 169، العقد
الفريد ج 4 / 283، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 67 وفي لفظ شرح النهج
(بهزور) وهو تحريف بل في عقد الفريد (مهزور).
وراجع أيضا: محاضرات الراغب ج 2 / 211، المعارف لابن قتيبة ص 84،
الأحكام السلطانية للماوردي وأبي يعلى في بيان باب تركة الرسول، مقدمة مرآة العقول
ج 1 / 159.
401

بالنحلة فدفعت عنها (588).
(قال): وحمى المراعي حول المدينة كلها عن مواشي المسلمين كلهم إلا
عن بني أمية (589) (قال): وأعطى عبد الله ابن أبي سرح جميع ما أفاء الله
عليه من فتح إفريقية، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة، من غير أن يشرك
فيه أحدا من المسلمين (590).
(قال): وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال (591)
في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال، وقد كان
زوجه ابنته أم أبان، فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ووضعها

(588) عثمان يعطي فدكا لمروان:
راجع: المعارف لابن قتيبة ص 195، تاريخ أبي الفداء ج 1 / 169 وفي طبع آخر
ج 1 / 232، سنن البيهقي ج 6 / 301، العقد الفريد ج 4 / 283، وفاء الوفاء ج 3 /
1000، فدك في التاريخ ص 20، الغدير للأميني ج 7 / 195 و ج 8 / 236 - 238.
وراجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم - 99 - من هذا الكتاب. ومقدمة مرآة
العقول ج 1 / 158، الطبقات لابن سعد ج 5 / 388، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 169.
ويعطيه أيضا خمس الغز والثاني لإفريقيا:
راجع: تاريخ الذهبي ج 2 / 79، الكامل لابن الأثير ج 3 / 46، أنساب الأشراف
للبلاذري ج 5 / 25 و 28، تاريخ الخلفاء ص 156.
(589) الغدير للأميني ج 8 / 235، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 37، السيرة
الحلبية ج 2 / 87، شرح النهج الحديدي ج 1 / 67 و 235 وغيرها.
(590) عثمان يعطي بن أبي سرح خمس الغز والأول لإفريقيا:
الغدير للأميني ج 8 / 279، شرح النهج ج 1 / 67، تاريخ الذهبي ج 2 / 79،
الكامل لابن الأثير ج 2 / 46، أسد الغابة ج 3 / 173، تاريخ ابن كثير ج 7 / 152، أنساب
الأشراف للبلاذري ج 5 / 26.
(591) الغدير ج 8 / 277.
402

بين يدي عثمان وبكى. فقال عثمان: أتبكي أن وصلت رحمي! قال: لا! ولكن
أبكي لأني أظنك أنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله
في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا. فقال
عثمان ألق المفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيرك (592).
قال ابن أبي الحديد: وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها
كلها في بني أمية (593) وأنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة فأعطاه مائة ألف من
بيت المال أيضا بعد صرفه زيد بن أرقم عن خزنه (594) (قال): وانضم إلى
هذه الأمور أمور أخرى نقمها عليه المسلمون، كتسيير أبي ذر إلى الربذة (595)
وضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر أضلاعه (596)، وما أظهر من الحجاب

(592) الغدير للأميني ج 8 / 259، شرح النهج الحديدي ج 1 / 67، السيرة
الحلبية ج 2 / 87.
(593) شرح النهج الحديدي ج 1 / 67.
(594) وقيل ثلاث مائة ألف كما في أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 52 و 28،
الغدير ج 8 / 267.
وأما ثروة الخليفة نفسه:
فراجع: الغدير ج 8 / 285، مروج الذهب ج 2 / 332، الطبقات لابن سعد ج 3 /
58.
(595) الغدير للأميني ج 8 / 292 - 386، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 52
- 54، صحيح البخاري ك الزكاة والتفسير، الطبقات لابن سعد ج 4 / 232، مروج
الذهب ج 2 / 339، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 148 ط الغري، شرح ابن أبي الحديد ج
1 / 240 - 242 ط 1، فتح الباري ج 3 / 213، عمدة القاري ج 4 / 291.
(596) الغدير ج 9 / 3 - 14، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 36، تاريخ
اليعقوبي ج 2 / 147.
403

والعدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود، ورد المظالم، وكف الأيدي
العادية.
والانتصاب لسياسة الرعية، وختم ذلك بما وجدوه من كتابه إلى معاوية
يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين (597) فاجتمع عليه كثير من أهل المدينة
مع القوم الذين وصلوا من مصر لتعديد أحداثه عليه فقتلوه وقد كان الواجب
عليهم أن يخلعوه من الخلافة ولا يعجلوا بقتله (قال): وأمير المؤمنين أبرأ
الناس من دمه.
وقد صرح بذلك في كثير من كلامه، فمن ذلك قوله: والله ما قتلت عثمان
ولا مالأت على قتله. وقد صدق صلوات الله عليه.. إلى آخر ما قاله ابن أبي
الحديد فليراجع.
قلت: وبالجملة فإن أحداث [ذي النورين] كلها أو جلها متواترة عنه.
رواها المحدثون وأهل السير والأخبار بأسانيدهم متعددة الطرق المعتبرة،
وأرسلها الكثير منهم إرسال المسلمات فلتراجع (598).

(597) الغدير للأميني ج 9 / 177، مروج الذهب ج 2 / 344، أنساب الأشراف
للبلاذري ج 5 / 26، الإمامة والسياسة ص 33 - 37، تاريخ الطبري ج 5 / 119، الكامل
في التاريخ ج 3 / 85.
(598) وأن ممن أرسلها كمسلمات لا ريب فيها الشهرستاني في كتابه الملل والنحل
فليراجع الخلاف التاسع من الاختلافات التي أوردها في المقدمة الرابعة من المقدمات
التي جعلها في أول كتابه المذكور، وكم لذي النورين من أحداث غيرها نقمها عليه
المسلمون كإحراقه المصاحف جمعا للناس على قراءة واحدة واعطائه المقاتلة من مال
الصدقة مع أنهم ليسوا من الأصناف الثمانية التي حصر الله الصدقة بهم وقصرها عليهم
في قوله عز وجل: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " (الآية). وكضربه عمار بن
ياسر ذلك الضرب المبرح وعدم إقامته الحد على عبيد الله بن عمر إذ قتل الهرمزان وكتابه
إلى أهل مصر بقتل محمد بن أبي بكر وجماعة من المؤمنين معه (منه قدس).
ولأجل المزيد من الاطلاع:
راجع: الغدير للأميني ج 8 و 9 ط بيروت.
404

وحسبك ما في الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين عليه السلام وقد ذكره فيها
فقال: إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بيه نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه
يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث عليه فتله وأجهز
عليه عمله وكبت به بطنته (1).. إلى آخر كلامه وأنه عليه السلام لمن لا
يأثم فيمن يحب ولا يحيف على من يكره، يشهد له بذلك عدوه ووليه.
[المورد - (72) - صلاته في السفر:]
وذلك أن الصلاة الرباعية تقصر في السفر إلى ركعتين، سواء أكان ذلك
في حال الخوف، أم كان في حال الأمن، وقد ثبتت مشروعية التقصير بالكتاب
والسنة والاجماع. قال الله تعالى: [وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا] (599).
وعن يعلى بن أمية. قال قلت لعمر: ما لنا نقصر وقد أمنا فقال: عجبت مما
عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك. فقال صلى الله عليه وآله صدقة تصدق الله بها
عليكم فأقبلوا صدقته. أخرجه مسلم (600).

(1) قال ابن أبي الحديد في تعليقه على هذا الكلام من شرحه لنهج البلاغة:
هذا من ممض الذم وأشد من قول الحطيئة الذي قيل أنه أهجى بيت قالته العرب:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها * واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي -
(منه قدس)
(599) سورة النساء: 101.
(600) في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ص 258 من الجزء الأول من صحيحه
(منه قدس).
صحيح مسلم ج 1 / 191 - 192 وفي طبع العامرة ج 2 / 143، سنن أبي داود
ج 1 / 187، سنن ابن ماجة ج 1 / 329، سنن النسائي ج 3 / 116، سنن البيهقي ج 3 /
134 و 141، أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 308، المحلى لابن حزم ج 4 / 267، الغدير
ج 8 / 111.
405

وعن ابن عمر فيما أخرجه مسلم في صحيحه (1) قال: إني صحبت رسول
الله صلى الله عليه وآله في السفر فلم يزد على الركعتين حتى قبضه الله تعالى إليه، وصحبت
أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت عمر فلم يزد على
ركعتين حتى قبضه الله تعالى ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين (2).
وقد قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (601) وروى
ابن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " إن خيار أمتي من شهد أن لا إله إلا الله، وأن
محمدا رسول الله، والذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤا استغفروا، وإذا
سافروا قصروا " (602).
وعن أنس بن مالك - فيما أخرجه الشيخان في صحيحيهما - قال: خرجنا
مع النبي صلى الله عليه وآله من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا
إلى المدينة (603).

(1) ص 259 في كتاب صلاة المسافرين وقصرها (منه قدس).
(2) على هذا كان عمل عثمان حتى مضى من خلافته ست سنوات أو تسع ثم لم
يقصر وإنما كان يتم حتى مضى لسبيله كما سنبينه في الأصل (منه قدس).
(601) الغدير ج 8 / 111، مسند أحمد ج 2 / 45، سنن ابن ماجة ج 1 / 330،
سنن النسائي ج 3 / 123، أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 310، زاد المعاد هامش شرح
المواهب للزرقاني ج 2 / 29، صحيح مسلم ج 2 / 144 ط العامرة.
(602) المصنف لابن أبي شيبة.
(603) صحيح البخاري ج 2 / 153، صحيح مسلم ج 1 / 260 وفي طبع العامرة
ج 2 / 145، مسند أحمد ج 3 / 190، سنن البيهقي ج 3 / 136 و 145.
406

وعن ابن عباس - فيما أخرجه البخاري في صحيحه - قال: قام النبي في
مكة تسعة عشر يقصر.. " الحديث " (604) قلت: وإنما قصر مع إقامته تسعة
عشر يوما لعدم نية الإقامة.
وثبت عن رسول الله (ص) أنه كان يصلي بأهل مكة إماما بعد الهجرة
فيسلم في الرباعيات على رأس الركعتين الأوليين وكان قد تقدم إلى القوم بأن
يتموا صلاتهم أربع ركعات معتذرا عن نفسه وعمن جاء معه بأنهم قوم
سفر (605).
وعن أنس: قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر في المدينة أربعا،
وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين (606).
قلت: دلت الآية المحكمة على مشروعية القصر للمسافر في حال خوفه،
ودل ما بعدها من النصوص الصحاح المتظافرة على مشروعيته للمسافر مطلقا
وعلى ذلك إجماع الأمة، بلا خلاف ينقل عن أحد منها غير عائشة وعثمان، وقد
تواتر عنهما الاتمام في السفر. (607) وكان ذلك أول ما تكلم الناس فيه على

(604) تجده في باب ما جاء في التقصير من أبواب التقصير ص 131 من ج 1 من
صحيحه (منه قدس).
(605) سنن البيهقي ج 3 / 153، الغدير ج 8 / 100.
(606) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها من الجزء الأول من صحيحه
(منه قدس).
صحيح مسلم ج 2 / 144 ط العامرة.
(607) صحيح البخاري ج 2 / 154، صحيح مسلم ج 2 / 260 وفي طبع العامرة
ج 2 / 146، مسند أحمد ج 2 / 148 ط 1، سنن البيهقي ج 3 / 126، الموطأ ج 1 / 282
سنن النسائي ج 3 / 120. راجع بقية المصادر في الغدير ج 8 / 98 وما بعدها.
407

عثمان وعده المؤرخون من حوادث سنة تسع وعشرين للهجرة - (608)
ودلت عليه صحاح كثيرة.
فمنها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن نافع عن ابن عمر واللفظ
لمسلم قال: صلى رسول الله بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي
بكر وعثمان صدرا من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعا.. (الحديث)
(609).
ومنها ما أخرجاه أيضا عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال: صلى بنا عثمان
ابن عفان بمنى أربع ركعات، فقيل لعبد الله بن مسعود فاسترجع، ثم قال: صليت
مع رسول الله صلى الله عليه وآله بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر ركعتين، وصليت مع
عمر بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان (610).
وأخرجا أيضا عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: صلى بنا النبي والناس
أكثر ما كانوا فكانت صلاته ركعتين (611).

(608) فراجعها في كامل ابن الأثير ج 3 / 49 وفي ج 3 / 322 من تاريخ الطبري
(منه قدس).
الغدير ج 8 / 101، الكامل في التاريخ ج 3 / 51.
(609) صحيح البخاري ج 2 / 154، مسند أحمد ج 2 / 148، صحيح مسلم ج 1 /
260 وفي طبع العامرة ج 2 / 146، سنن البيهقي ج 3 / 126، الغدير ج 8 / 98.
(610) صحيح البخاري ج 2 / 154، الغدير ج 8 / 99، مسند أحمد ج 1، صحيح
مسلم ج 1 / 261 وفي طبع العامرة ج 2 / 146.
(611) وأن مما رواه حفظة الآثار في هذا الموضوع من أهل السنن والأخبار ما رواه
الإمام أحمد بن حنبل من حديث معاوية في مسنده ص 94 من جزئه الرابع بالإسناد إلى
عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد. قال لما قدم علينا معاوية حاجا قدمنا معه من مكة
(قال): فصلى بنا الظهر ركعتين (قال): وكان عثمان حين أتم الصلاة إذا قدم مكة مسافرا
صلى بنا الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعا أربعا، وإذا أتى منى أتم الصلاة (فيها وفي
عرفات). قال: فلما صلى بنا معاوية الظهر ركعتين، نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو
ابن عثمان فقالا له: ما عاب ابن عمك أحد بأقبح مما عبته به، فقال لهما: ومم ذلك؟
قال: فقالا له: ألا تعلم أنه أتم الصلاة (وهو إذ ذاك في سفر) قال: فقال لهما: ويحكما
وهل كان غير ما صنعت؟ وقد صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع أبي بكر وعمر قصرا.
قالا: لكن ابن عمك قد كان أتمهما، وأن خلافك إياه لعيب له. قال: فخرج معاوية إلى
العصر فصلاها أربعا، وكان قد صلى الظهر قصرا (منه قدس).
صحيح مسلم ج 2 / 147 ط العامرة.
408

وأخرج مسلم من عدة طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة: إن الصلاة
أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر، قال الزهري
فقلت لعروة ما بال عائشة تتم في السفر. قال: إنها تأولت كما تأول عثمان. انتهى
بلفظ مسلم في أول كتاب صلاة المسافرين ص 258 من جزئه الأول (612).
قلت: قال الفاضل النووي عند انتهائه إلى هذا الحديث من شرح مسلم:
اختلف العلماء في تأولهما فقيل: لأن عثمان أمير المؤمنين وعائشة أمهم فكأنهما
في منازلهما. قال: وأبطله المحققون بأن النبي صلى الله عليه وآله كان أولى بذلك منهما
وكذلك أبو بكر وعمر. قال: وقيل بأن عثمان تأهل بمكة. وأبطلوه بأن النبي
صلى الله عليه وآله سافر بأزواجه وقصر.
وقيل: فعلا ذلك من أجل الأعراب الذين حضروا معه لئلا يظنوا أن
فرض الصلاة ركعتان أبدا حضرا وسفرا. وأبطلوه بأن هذا المعنى كان موجودا
في زمن النبي صلى الله عليه وآله بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان وعائشة أكثر مما
كان (قال): وقيل لأن عثمان وعائشة نويا الإقامة بمكة بعد الحج. وأبطلوه بأن
الإقامة بمكة حرام على المهاجرين فوق ثلاث (قال): وقيل كان لعثمان أرض

(612) صحيح مسلم ج 2 / 143 ط العامرة.
409

بمنى. وأبطلوه بأن ذلك لا يقتضي الإتمام والإقامة، قال: والصواب أنهما رأيا
القصر جائزا، والاتمام جائزا فأخذا بأحد الجائزين (613).
قلت: والحق إن مخالفتهما للنصوص لم تكن مقصورة على هذا المورد،
على أنه مما لم تهتك به حرمات، ولم تسفك به دماء، ولم تبح به أموال وأعراض
كغيره من موارد تأولاتهما، فأمره سهل بالنسبة إلى ما سواه مما تأولا فيه
الأدلة (614).

(613) الغدير ج 8 / 115، الكامل في التاريخ ج 3 / 51.
(614) قضائه في امرأة ولدت لستة أشهر:
راجع: الغدير للأميني ج 8 / 97 و ج 6 / 94.
1 - إبطال عثمان الحدود وصلاة الوليد وهو سكران:
راجع: أنساب الأشراف ج 5 / 33، الغدير ج 8 / 120، الأغاني ج 4 / 178،
مسند أحمد ج 1 / 144، سنن البيهقي ج 8 / 318، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 142، الكامل
لابن الأثير ج 3 / 53، أسد الغابة ج 5 / 91 و 92، تاريخ أبي الفداء ج 1 / 176،
الإصابة ج 3 / 638 وغيرها.
2 - إحدوثة الأذان الثالث يوم الجمعة:
راجع: الغدير ج 8 / 125 عن مصادر كثيرة.
3 - توسعة المسجد الحرام:
راجع: تاريخ الطبري ج 5 / 47، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 142، الكامل ج 3 / 51
الغدير ج 8 / 129 عن مصادر أخرى:
4 - منعه عن متعة الحج:
راجع: صحيح البخاري ج 3 / 69 و 71، صحيح مسلم ج 1 / 349، مسند أحمد
ج 1 / 61 و 95، سنن النسائي ج 5 / 148 و 152، سنن البيهقي ج 4 / 352 و ج 5 / 22،
مستدرك الحاكم ج 1 / 472، تيسير الوصول ج 1 / 282، الغدير ج 8 / 130.
5 - تعطيل الخليفة القصاص.
تاريخ الطبري ج 5 / 42، الرياض النضرة ج 2 / 150، الإصابة ج 3 / 619، أنساب
الأشراف ج 5 / 24، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 141، طبقات ابن سعد ج 5 / 8 ط ليدن،
الغدير ج 8 / 132 عن مصادر أخرى.
6 - رأيه في الجنابة:
صحيح مسلم ج 1 / 142، الغدير ج 8 / 143 عن مصادر كثيرة:
7 - كتمان الحديث:
راجع: الغدير ج 8 / 151 عن مصادر عديدة.
8 - رأيه في زكاة الخيل:
أنساب الأشراف ج 5 / 26، الغدير ج 8 / 154 عن مصادر كثيرة.
9 - تقديم عثمان الخطبة على الصلاة في العيدين:
فتح الباري ج 2 / 361، الغدير ج 8 / 160 عن مصادر أخرى.
10 - رأي عثمان في القصاص والدية:
سنن البيهقي ج 8 / 33، الغدير ج 8 / 167 عن مصادر كثيرة.
11 - رأي عثمان في القراءة:
الغدير ج 8 / 173 عن مصادر متعددة.
12 - رأي عثمان في صلاة المسافر:
الغدير ج 8 / 185.
13 - رأي عثمان في صيد الحرم:
الغدير ج 8 / 186 عن مصادر كثيرة.
وراجع بقية أفعاله في كتاب الغدير ج 8 ط بيروت.
410

[الفصل الرابع]
[تأول عائشة وإثباتها]
[المورد - (73) - صلاة عائشة في السفر:]
شرع الله تقصير الفرائض الرباعية في السفر في محكم كتابه وعلى لسان
نبيه في الصحاح من سننه المقدسة، وعلى ذلك إجماع الأمة كما بيناه آنفا
بلا خلاف ينقل عن أحد منهما، غير عثمان وعائشة، وقد تواتر عنهما الاتمام
في السفر (615).
هذا مع ما أخرجه مسلم من عدة طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة نفسها:
إن الصلاة أول ما فرضت ركعتين. قالت عائشة: فأفردت صلاة السفر وأتممت
صلاة الحضر. هذا حديثها بعين لفظه (616).

(615) صحيح مسلم ج 2 / 143.
(616) فراجعه في أول ص 258 من الجزء الأول من صحيح مسلم المطبوع في
المكتبة العربية الكبرى بمصر سنة 1327 وأعمل بما روت، ودع عنك ما درت (منه قدس).
صحيح مسلم ج 2 / 143.
412

[المورد - (74) - يوم زفت أسماء بنت النعمان الجونية عروسا إلى
النبي صلى الله عليه وآله:]
وذلك فيما أخرجه حفظة الآثار بالإسناد إلى حمزة بن أبي أسيد الساعدي
عن أبيه وكان بدريا قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله أسماء بنت النعمان الجونية
فأرسلني فجئت بها، فقالت حفصة لعائشة: اخضبيها أنت! وأنا أمشطها! ففعلتا
ثم قالت لها إحداهما: إن النبي صلى الله عليه وآله يعجبه من المرأة إذ دخلت عليه أن
تقول: أعوذ بالله منك!. فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مد
يده إليها فقالت: أعوذ بالله منك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لكمه على وجهه فاستتر به، وقال: عذت بمعاذ ثلاث
مرات، ثم خرج إلى أبي أسيد فقال يا أبا أسيد ألحقها بأهلها ومتعها برازقيتين
يعني كرباسين. (وطلقها) فكانت تقول: ادعوني الشقية. قال ابن عمر قال هشام
ابن محمد فحدثني زهير بن معاوية الجعفي: أنها ماتت كمدا (617).
[المورد (75) -:]
يوم قال أهل الإفك والزور ما قالوا في إبراهيم بن رسول الله وأمه أم

(617) أخرجه بهذه الألفاظ كل من الحاكم في ترجمة أسماء بنت النعمان ص 37
من الجزء 4 من المستدرك، وابن سعد في الجزء 8 من طبقاته ص 104 وأخرجها ابن جرير
وغيره (منه قدس).
تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك للحاكم ج 4 / 37، الإصابة لابن حجر
ج 4 / 233، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 69، أحاديث أم المؤمنين عايشة ق 1 ص 21، تاريخ
الطبري ج ص، الطبقات لابن سعد ج 8 / 145 ط بيروت.
413

المؤمنين مارية.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل بعدها على عائشة بولده إبراهيم - وكان
فيه شبه من رسول الله صلى الله عليه وآله - فسألها عن ذلك؟. قالت: فحملني ما يحمل
النساء من الغيرة أن قلت: ما رأيت شبها!. أرادت بهذا تأييد إفك الآفكين
(نعوذ بالله) كما يدل عليه قولها فحملني ما يحمل النساء من الغيرة، لكن برأ
الله إبراهيم عليه السلام، وأمه على يد أمير المؤمنين براءة محسوسة بالباصرة
ملموسة باليد، يثبت ذلك كله ما أخرجه الحاكم في صحيحه المستدرك و
الذهبي في تلخيصه بالإسناد إلى عائشة نفسها فراجع (618).
[المورد - (76) - يوم المغافير:]
وحسبك منه ما أخرجه البخاري (1) عن عائشة نفسها، قالت: كان رسول الله
صلى الله عليه وآله يشرب عسلا عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة

(618) ص 39 من الجزء 4 من كل من المستدرك وتلخيصه وأعجب (منه قدس).
ومع اختلاف يسير يوجد في:
صحيح مسلم ج 8 / 119 ط مشكول، الاستيعاب هامش الإصابة ج 4 / 411 و 412
الإصابة ج 3 / 334، السيرة الحلبية ج 3 / 309 و 312، الكامل في التاريخ ج 2 / 212
أسد الغابة ج 5 / 542 و 544 و ج 4 / 268، الطبقات لابن سعد ج 1 / 137 و ج 8 / 214
مجمع الزوائد ج 9 / 161، الدر المنثور ج 6 / 240، البداية والنهاية ج 3 / 305،
تاريخ اليعقوبي ج 2 / 87 ط دار صادر، حديث الإفك ص 242 - 246.
ومن طريق الشيعة: تفسير القمي ج 2 / 99 و 318، تفسير البرهان ج 3 / 126 و ج
4 / 205، تفسير نور الثقلين ج 3 / 581، تفسير الميزان ج 15 / 103.
(1) في تفسير سورة التحريم ص 136 من جزئه الثالث. فراجع ولك الخيار أن
تعجب (منه قدس).
414

على أيتنا دخل عليها فلتقل له أكلت مغافير؟ قال: لا. ولكن أشرب عسلا عند
زينب بنت جحش، فلن أعود له، لا تخبري بذلك أحدا (619).
[المورد - (77) - تكليفهما بالتوبة]
وذلك لأن التوبة لا تطلب إلا من المذنب، بمخالفته لأوامر الله عز وجل
ونواهيه، فقوله تعالى: (إن تتوبا إلى الله) بمجرده دال على معصيتهما، على
أنه عز سلطانه صرح بمخالفتهما في قوله: (فقد صغت قلوبكما) أي عدلت
ومالت عن الحق الواجب عليهما (620).
[المورد - (78) - تظاهرهما على رسول الله صلى الله عليه وآله:]
وحسبك في ذلك قوله عز من قائل: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه
وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير، عسى ربه إن طلقكن أن
يبدله أزواجا خير منكن مسلمات مؤمنات) الآية (621).

(619) سنن النسائي ج 6 / 151 و ج 7 / 71، تفسير الطبري ج 28 / 156 - 158
ط 2، الدر المنثور ج 6 / 239، الكشاف للزمخشري ج 4 / 563، تفسير القرطبي ج 18 /
177، تفسير الفخر الرازي ج 8 / 231 ط العامرة.
(620) الكشاف للزمخشري ج 4 / 566 ط بيروت، التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي
ج 4 / 131، فتح البيان لصديق حسن خان ج 9 / 480، تفسير الرازي ج 8 / 332، تفسير
أبي السعود بهامش تفسير الرازي ج 8 / 332، الدر المنثور ج 6 / 239 و 342، تفسير
القرطبي ج 18 / 177 و 188، فتح القدير للشوكاني ج 5 / 250، تفسير ابن كثير ج 4 /
387 و 388.
(621) سورة التحريم: 3.
415

أخرج البخاري في تفسيرها من صحيحه (1) عن عبيد بن حنين أنه سمع
ابن عباس يحدث أنه قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية
فما أستطيع أن أسأله عنها هيبة لها حتى خرج حاجا فخرجت معه، فلما رجعت
وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، قال: فوقفت له حتى فرغ ثم
سرت معه فقلت: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وآله من أزواجه
فقال: تلك حفصة وعائشة. الحديث وهو طويل (622) فراجعه وأمعن في الآية
وما تعطيك من ابتلائه صلى الله عليه وآله وابتلاء وصيته من بعده في أمي المؤمنين اللتين
أعد الله لدفاعهما عن رسوله ما لا يعده لدفاع أهل الأرض في الطول والعرض
بل لا يعده لدفاع الثقلين من الإنس والجن ولحربهما جميعا.
[المورد (79) - المثل العظيم في آخر سورة التحريم:]
ألا وهو قوله تعالى: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة
لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله
شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة
فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) الآية (623) هذا ما ضربه
الله لهما مثلا لينذرهما به، ولتعلما أن الزوجية بمجردها لأي كان لا تنفع ولا تضر

(1) ص 136 من جزئه الثالث. وأخرجه أيضا في ص 137 في ج 3 من طريق
آخر (منه قدس).
(622) الكشاف ج 4 / 566 ط بيروت، التسهيل لعلوم التنزيل ج 4 / 131،
تفسير الرازي ج 8 / 332، تفسير القرطبي ج 18 / 202، فتح القدير ج 5 / 252، تفسير
ابن كثير ج 5 / 388.
(623) سورة التحريم آية: 10.
416

والنافع والضار للمرء إنما هو علمه (624).
[المورد (80) -:]
يوم أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يخطب لنفسه شراف أخت دحية الكلبي
وذلك أنه صلى الله عليه وآله بعث عائشة تنظر إليها، فذهبت ثم رجعت، فقال لها رسول الله
صلى الله عليه وآله ما رأيت؟. فقالت: ما رأيت طائلا!. فقال لها رسول الله لقد رأيت طائلا!
لقد رأيت خالا تجدها اقشعرت منه ذوائبك. فقالت: يا رسول الله ما دونك سر
ومن يستطيع أن يكتمك (625).
[المورد - (81) - يوم خاصمت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبيها:]
أخرج أهل السير والأخبار بالإسناد إلى عائشة قالت: خاصمت النبي إلى
أبي بكر فقلت: يا رسول الله أقصد (1)!. فلطم أبو بكر خدي وقال: تقولين
لرسول الله أقصد؟! وجعل الدم يسيل من أنفي. (الحديث) (626).

(624) تفسير القرطبي ج 18 / 202، فتح القدير للشوكاني ج 5 / 255.
(625) أخرج هذا الحديث أصحاب السنن والمسانيد كالمتقي الهندي عن عائشة
نفسها ص 294 من الجزء 6 من كنز العمال وهو الحديث 5084، وأخرجه ابن سعد في
ص 115 من الجزء 8 من طبقاته بالإسناد إلى عبد الرحمن بن ساباط (منه قدس).
الطبقات لابن سعد ج 8 / 161 ط دار صادر، تاريخ بغداد، ترجمة محمد بن
أحمد بن أبي بكر المؤدب، عيون الأخبار ك النساء، عبقات الأنوار (حديث الثقلين)
ج 2 / 334، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 246 تحت رقم (792).
(1) أقصد، من القصد وهو العدل (منه قدس).
(626) أخرجه أصحاب المسانيد بالإسناد إلى عائشة. وهو الحديث 1020 من
أحاديث الكنز ص 116. وأورده الغزالي في آداب النكاح ص 35 من الجزء الثاني من
أحياء القلوب ونقله أيضا في الباب 94 من كتابه مكاشفة القلوب آخر ص 238 فراجع
(منه قدس).
سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 246 تحت رقم (793).
417

[المورد (82) - يوم أغضبها رسول الله صلى الله عليه وآله:]
وذلك أنها خرجت عن الحشمة معه يومئذ، فكان مما قالت له: أنت الذي
تزعم أنك نبي الله!! (627).
أورده الغزالي في آداب النكاح ص 35 من الجزء الثاني من أحياء القلوب
وذكره في الباب 94 من كتابه مكاشفة القلوب ص 237 فراجع.
[المورد - (83) - ذمها لعثمان وأمرها بقتله.]
إن مما لا ريب فيه - لأحد من المؤرخين وأرباب السير والأخبار وأصحاب
المسانيد - ذم عائشة لعثمان، ونبزها إياه، وأمرها بقتله، وقد تظافرت الروايات
عنها بكل ذلك، مرسلة به إرسال المسلمات، ومسندة إليها السنن التي لا ريب
فيها (628).

(627) سبيل النجاة تحت رقم (794).
(628) ذم عايشة لعثمان:
راجع: أحاديث أم المؤمنين عائشة للعسكري ق 1 / 58 و 103 - 111، تاريخ
اليعقوبي ج 2 / 152 ط الغري، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 / 77 و 486 ط
1 و ج 6 / 215 - 216 بتحقيق أبو الفضل و ج 2 / 408 ط دار مكتبة الحياة، الاستيعاب
بهامش الإصابة ج 2 / 192، تذكرة الخواص ص 61 و 64، تاريخ الطبري ج 4 / 407
و 459 و 465، الكامل لابن الأثير ج 3 / 206، تاج العروس ج 8 / 141، لسان العرب
ج 14 / 193، الإمامة والسياسة ج 1 / 43 و 46 و 57، العقد الفريد ج 4 / 295 - 306
ط لجنة التأليف و ج 2 / 267 و 272 ط آخر، الغدير ج 9 / 77 وما بعدها، الطبقات
لابن سعد ج 5 / 25 ط لندن و ج 5 / 36 ط بيروت، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 70
و 75 و 91، تاريخ أبي الفداء ج 1 / 172.
418

قال ابن أبي الحديد - في المجلد الثاني من شرح النهج (1) -: كل من
صنف في السير والأخبار ذكر أن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان،
حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله فنصبته في منزلها وكانت
تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله لم يبل وعثمان قد أبلى سنته (قال)
وقالوا: أول من سمى عثمان نعثلا (2) عائشة. وكانت تقول: " اقتلوا نعثلا قتل
الله نعثلا " (629) (قال): وروى المدائني في كتاب الجمل قال: لما قتل عثمان
كانت عائشة بمكة، وبلغ قتله إليها فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر،
فقالت: بعدا لنعثل وسحقا. قال: وقد كان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح
بيت المال: وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره، ثم فسد أمره فدفعها إلى
علي.
(قال): قال أبو مخنف في كتابه: إن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة
أقبلت مسرعة وهي تقول: إيه ذا الإصبع لله أبوك، أما إنهم وجدوا طلحة لها

(1) ص 77 من شرح قوله عليه السلام من خطبته: معشر الناس إن النساء نواقص
الإيمان (منه قدس).
(2) النعثل: الكثير من شعر اللحية والجسد، وهذا لقب عثمان عند أمه: (بئس
الاسم الفسوق بعد الإيمان) (منه قدس).
(629) النهاية لابن الأثير الجزري ج 5 / 80، تاج العروس ج 8 / 141، لسان
العرب ج 14 / 193، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 / 77 ط 1 و ج 6 / 215
تحقيق أبو الفضل و ج 2 / 408 ط مكتبة الحياة و ج 2 / 121 ط دار الفكر، الغدير ج 9 /
80 و 81 و 84، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 181.
419

كفؤا. قال: وقد روى قيس بن أبي حازم أنه حج في العام الذي قتل فيه عثمان
وكان مع عائشة، قال فسمعها تقول في بعض الطريق. إيه ذا الإصبع، وإذا
ذكرت عثمان قالت: أبعده الله.
قال وروي من طريق آخر أنها قالت لما بلغها قتله أبعده الله قتله ذنبه، وأقاده
الله بعمله، يا معشر قريش لا يسوءنكم قتل عثمان كما ساء أوحيمر ثمود قومه.
أحق الناس بهذا الأمر لذو الإصبع - يعني طلحة - قال: فلما جاءت الأخبار
ببيعة علي عليه السلام قالت: تعسوا. تعسوا. لا يردون الأمر في تيم أبدا (630).
وستسمع قريبا إن شاء الله تعالى من أقوالها وأفعالها حول مقتل عثمان وبيعة
علي ما تستك منه المسامع، وتأباه الشرائع، بنصوصها الصريحة كتابا وسنة،
وأدلتها القطعية. عقلية ونقلية.
[المورد - (84) - بعض حديثها عن رسول الله صلى الله عليه وآله:]
وذلك أنها كانت كثيرا ما ترسل عنه صلى الله عليه وآله من الحديث ما لا يمكن أن يصح
بوجه من الوجوه.
فمن ذلك ما أخرجه البخاري وغيره في الصحاح إذ قالت: أول ما بدئ
به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل
فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، فجاءه الملك.
فقال: اقرأ. قال ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم
أرسلني. فقال: اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ
مني الجهد، ثم أرسلني. فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من

(630) سوف تأتي مصادره.
420

علق. إقرأ وربك الأكرم. قالت عائشة: فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وآله يرجف
بها فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زملوني. زملوني. فزملوه
فقال لخديجة وقد أخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا
والله لا يخزيك أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم،
وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. قالت عائشة فانطلقت به خديجة
حتى أتت به ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر، وكان يكتب الكتاب
العبراني، فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا
قد عمي. فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فأخبره رسول
الله صلى الله عليه وآله بما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى
يا ليتني فيها جذعا - شابا - ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال: أو مخرجي
هم؟. (الحديث) (1).
تراه نصا في أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان - والعياذ بالله - مرتابا في نبوته بعد
تمامها، وفي الملك بعد مجيئه إليه، وفي القرآن بعد نزوله عليه، وإنه كان من
الخوف على نفسه في حاجة إلى زوجته تشجعه، وإلى ورقة الهرم الأعمى الجاهلي
المتنصر يثبت قدمه، ويربط على قلبه، ويخبره عن مستقبله إذ يخرجه قومه،
وكل ذلك ممتنع محال.
وقد أمعنا في أخذ الملك لرسول الله صلى الله عليه وآله وغطه إياه مرتين يبلغ منه
الجهد فيأخذ نفسه ويرجف فؤاده، ويخيفه على مشاعره، فلم نجد له وجها
يليق بالله تعالى، ولا بملائكته، ولا برسله، ولا سيما مع اختصاص خاتم النبيين

(1) راجع من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ص 171 من جزئه الأول
(منه قدس).
421

بهذا، إذ لم ينقل عن أحد منهم عليهم السلام أنه جرى له مثل ذلك عند ابتداء
الوحي إليه، كما صرح به بعض شارحي هذا الحديث من صحيح البخاري (1).
وقد وقفنا على المحاورة التي جرت - بمقتضى هذا الحديث السخيف -
بين الملك والنبي فرأينا النبي صلى الله عليه وآله بعيدا كل البعد عن فهم مراد الملك من
تكليفه إياه بالقراءة، إذ قال له: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ، فإن مراد الملك
أن يتابعه النبي صلى الله عليه وآله فيما يتلوه عليه، لكن النبي إنما فهم منه أن ينشئ القراءة
في حال أنه لم يكن قارئا، وكأنه ظن - والعياذ بالله - أن يكلفه بغير المقدور
وكل ذلك ممتنع ومحال، وما من شك في أنه فرية ضلال، وهل يليق بالنبي
صلى الله عليه وآله أن لا يفهم خطاب الملك؟ أو يليق بالملك إن يكون قاصرا عن الأداء
فيما يوحيه عن الله، تعالى الله وملائكته ورسله عن ذلك.
فالحديث باطل من حيث متنه، وباطل من حيث سنده، وحسبك في بطلانه
من هذه الحيثية كونه من المراسيل، بدليل أنه حديث عما قبل ولادة عائشة
بسنين عديدة فإنها إنما ولدت بعد المبعث بأربع سنين في أقل ما يفرض، فأين
هي عن مبدء الوحي؟ وأين كانت حين نزول الملك في غار حراء على رسول
الله صلى الله عليه وآله؟
فإن قلت: أي مانع لها أن تسند هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله إذا سمعته
ممن حضر مبدأ الوحي.
قلنا: لا مانع لها من ذلك، غير أن هذا الحديث في هذه الصورة لا يكون
حجة، ولا يوصف بالصحة، وإنما يكون مرسلا، حتى نعرف الذي سمعته

(1) تجده في باب بدء الوحي من الجزء الأول من صحيح البخاري. وفي تفسير
سورة إقرأ من جزئه الثالث، وأخرجه أيضا في التعبير والإيمان. وتجده في الإيمان من
صحيح مسلم. وأخرجه الترمذي والنسائي في التفسير (منه قدس).
422

منه، ونحرز عدالته، فإن المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه وآله كانوا كثيرين، وكان
فيهم من يخفي نفاقه على عائشة، بل على رسول الله صلى الله عليه وآله (ومن أهل المدينة
مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) (631).
والقرآن الكريم يثبت كثرة المنافقين على عهد النبي، وإخواننا يوافقوننا
على ذلك، لكنهم يقولون: إن الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله بأجمعهم عدول، حتى
كأن وجود النبي صلى الله عليه وآله بين ظهرانيهم كان موجبا لنفاق المنافقين منهم، فلما
لحق بالرفيق الأعلى، وانقطع الوحي، حسن إسلام المنافقين، وتم إيمانهم،
فإذا هم أجمعون أكتعون أبصعون ثقات عدول مجتهدون، لا يسألون عما يفعلون
وإن خالفوا النصوص ونقضوا محكماتها.
وهذا الحديث يمثل سائر مراسيلها (يا ليت قومي يعلمون) (632).
[المورد - (85) - خروجها على الإمام:]
وحسبك خروجها على الإمام طلبا بدم عثمان، بعد تحاملها عليه، وإغرائها
الناس به وقولها فيه ما قالت (633).

(631) سورة التوبة: 101.
(632) سورة يس: 26.
(633) هنا نصوص شتى خالفتها أم المؤمنين في سيرتها مع علي وعثمان، لعلها
تربو في عددها على كل ما تقدمها من النصوص التي تأولها الخلفاء الثلاثة، فلم يعملوا
على مقتضاها، وحسبك من موارد مخالفتها ما تراه في أصل الكتاب كمورد واحد، ولا
تنس ما مر عليك آنفا مما أخرجه مسلم عنها من عدة طرق: أن الصلاة أول ما فرضت كانت
ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت الحضر، روت ذلك ثم لم تعمل به، بل تأولته كما
سمعت نصه في صحيح مسلم (منه قدس).
كما تقدم تحت رقم (568 و 628 و 629).
423

وقد قال الله تعالى فيما أمر به نساء النبي صلى الله عليه وآله في محكمات الكتاب من
سورة الأحزاب: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن
الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) (634)، لكن السيدة خرجت
على الإمام بعد انعقاد البيعة له، وإجماع أهل الحل والعقد عليه، وكان أول
من بايعه طلحة والزبير من السابقين الأولين إلى ذلك (635).
خرجت هذا الخروج من بيتها الذي أمرها الله أن تقر فيه، وكان خروجها
على قعود من الإبل، تقود ثلاثة آلاف من طغام الناس، وأوباش العرب،
وفيهم - بكل أسف - طلحة والزبير، وقد نكثا البيعة، فكانت تعلو بجيشها
الجبال، وتهبط الأودية، وتجوب الفيافي وتقطع المفاوز والقفار، حتى أتت
البصرة وعليها من قبل أمير المؤمنين عثمان بن حنيف الأنصاري، ففتحها بعد
تلك الدماء المسفوكة، والحرمات المهتوكة، وكان ما كان مما لم يكن في
الحسبان من فظائع وفجائع فصلها أهل السير والأخبار، وتعرف هذه الواقعة
عندهم بوقعة الجمل الأصغر، وكان لخمس بقين من ربيع الثاني سنة ست
وثلاثين للهجرة، وذلك قبل مجئ علي عليه السلام إلى البصرة (636).
ثم لما أتى إلى البصرة بمن معه نهدت إليه عائشة بمن معها تذوده عنها،

(634) سورة الأحزاب: 33.
(635) لأجل المزيد من الاطلاع حول خروجها على أمير المؤمنين:
راجع: أحاديث أم المؤمنين عائشة ق 1، كتاب الجمل للشيخ المفيد ط الحيدرية
وراجع ما تقدم تحت رقم (568 و 570 و 628).
(636) تاريخ الطبري ج 4 / 474، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 228،
أسد الغابة ج 2 / 38، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 / 481 ط 1. وراجع ما
تقدم تحت رقم (570)، سبيل النجاة في تتمة المراجعات رقم (443).
424

فكف يده ودعاها إلى السلام بكلام يأخذ بالأعناق إلى ذلك، لكنها أصرت
على الحرب وبدأته بالقتال، فلم يسعه حينئذ إلا العمل بقوله تعالى: (فقاتلوا
التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) (637) وبذلك فتح الله عليه، لكن بعد
جهاد عظيم أبلى فيه المؤمنون بلاء حسنا، وتسمى هذه الواقعة وقعة الجمل
الأكبر وكانت يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين
للهجرة. وهاتان الوقعتان متواترتان تواتر وقعات صفين والنهروان وبدر وأحد
والأحزاب، وقد فصلهما من فصل حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة (1)
وذكرهما أو أشار إليهما كل من أرخ حياة علي (ع) وعائشة وسائر من كان
مع كل منهما من الصحابة والتابعين من أهل المعاجم والتراجم (638).

(637) سورة الحجرات: 9.
(1) كهشام بن محمد الكلبي في كتابه الجمل. والطبري في تاريخ الأمم والملوك
وابن الأثير في كامله. والمدائني في كتابه الجمل وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين. ولا
يفوتنكم ما في المجلد الثاني من شرح النهج لابن أبي الحديد طبع مصر وعليكم منه
ص 77 وما بعدها إلى ص 82 إذ شرح قول أمير المؤمنين (النساء نواقص الحظوظ. إلى
آخره)، ولا تفوتنكم منه ص 496 وما بعدها إذ شرح قوله: فخرجوا يجرون حرمة رسول
الله. الخطبة (منه قدس).
(638) وحسبكم من ذلك الاستيعاب وأسد الغابة، والإصابة، وطبقات ابن سعد
وغيرها (منه قدس).
لأجل التفصيل حول ذلك وأسماء الصحابة الذين استشهدوا مع أمير المؤمنين
عليه السلام في يوم الجمل الأكبر:
راجع: أحاديث أم المؤمنين عائشة ق 1 / 121 - 200، الجمل للشيخ المفيد ط
الحيدرية، مروج الذهب ج 2 / 359 - 360، أسد الغابة ج 1 / 385 و ج 2 / 114 و 178
و ج 4 / 46 و 100 و ج 5 / 143 و 146 و 286، الإصابة ج 1 / 248 و 501 و ج 2 / 395،
سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 104 تحت رقم (444).
425

[حول هذه المأساة]
وقال كل من صنف في السير والأخبار " فيما نص عليه ابن أبي الحديد
في شرحه لنهج البلاغة (1) ": إن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان، حتى
أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله فنصبته في منزلها، وكانت تقول
للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله لم يبل، وعثمان قد أبلى سنته (639).
(قالوا): أن أول من سمى عثمان نعثلا لعائشة، وكانت تقول: " اقتلوا نعثلا
قتل الله نعثلا، اقتلوا نعثلا فقد كفر " (640) وكان طلحة والزبير من أشد المؤلبين
عليه وأشدهما كان طلحة (641) وروى المدائني في كتاب الجمل وغير واحد من
أثبات السير (قالوا): لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة، وحين بلغها قتله لم
تكن تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر، فقالت: بعدا لنعثل وسحقا، إيه ذا
الإصبع أيه أبا شبل إيه يا ابن عم، لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع (642)

(1) ص 77 من المجلد الثاني (منه قدس).
(639) تاريخ أبي الفداء ج 1 / 172، أنساب الأشراف ج 5 / 48 و 88، الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني ج 4 / 180، الغدير ج 8 / 123 و ج 9 / 77 وما بعدها وراجع ما
تقدم تحت رقم (628)، المعيار والموازنة ص 21، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 181.
(640) تقدما تحت رقمي (628 و 629).
(641) الغدير ج 9 / 91 - 109، شرح النهج الحديدي ج 2 / 506 ط 1، تاريخ
الطبري ج 5 / 139 و 122 و 143 و 165 و 154، الكامل لابن الأثير ج 3 / 87 ط بيروت
تاريخ بن خلدون ج 2 / 397، أنساب الأشراف ج 5 / 44 و 90 و 74 و 76 و 81، الإمامة
والسياسة ج 1 / 34، العقد الفريد ج 2 / 269. راجع بقية المصادر في الغدير ج 9.
(642) الغدير ج 9 / 82، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 217.
426

(قالوا): وكان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال، وأخذ نجائب كانت
لعثمان في داره، ثم لما فسد أمره دفعها إلى علي بن أبي طالب (ع) (643).
وروى الطبري (1) وغيره بالإسناد إلى أسد بن عبد الله عمن أدركهم من
أهل العلم: أن عائشة لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة، لقيها
عبد ابن أم كلاب، وهو عبد ابن أم سلمة ينسب إلى أمه، فقالت له: مهيم؟ قال:
قتلوا عثمان فمكثوا ثمانيا. قالت: ثم صنعوا ماذا. قال: أخذها أهل المدينة
بالاجماع، فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، اجتمعوا على علي بن أبي طالب
فقالت: والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك، ردوني ردوني
فارتدت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما، والله لأطلبن بدمه. فقال
لها ابن أم كلاب: ولم؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين
" اقتلوا نعثلا فقد كفر " قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي
الأخير من قولي الأول فقال لها ابن أم كلاب:
فمنك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر -
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا إنه قد كفر -
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر -
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم تنكسف شمسنا والقمر -
وقد بايع الناس ذا تدرؤا * يزيل الشبا ويقيم الصعر -
ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفي مثل من قد غدر (2) -

(643) الغدير ج 9 / 82.
(1) في ص 476 من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك (منه قدس).
(2) أورد ابن الأثير وغيره هذه القضية وهذه الأبيات، وهي من الشهرة بمكان
(منه قدس).
427

قال: فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد، فقصدت الحجر،
واجتمع الناس إليها فقالت: يا أيها الناس إن عثمان قتل مظلوما، والله لأطلبن
بدمه (644) وأثارتها فتنة عمياء بكماء انتقاما من علي خليل النبوة، والمخصوص
بالأخوة، وما كان بالقاتل لعثمان أو المحرض عليه، أو الراضي بقتله (645)
وكان مما قالته - كما في الكامل (1) لابن الأثير وغيره -: إن الغوغاء من أهل
الأمصار، وأهل المياه، وعبيد أهل المدينة، اجتمعوا على هذا الرجل فقتلوه
ظلما، ونقموا عليه استعمال من حدثت سنه.
وقد استعمل أمثالهم من كان قبله، ومواضع من الحمى حماها، فتاب
ونزع لهم عنها. فلما لم يجدوا حجة ولا غدرا بادره بالعدوان، فسفكوا الدم
الحرام، واستحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام، وأخذوا المال الحرام،
والله لأصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم، ووالله لو أن الذي اعتدوا
به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه، أو الثوب من درنه
إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء. فقال عبد الله بن عامر الحضرمي، وكان
عامل عثمان على مكة: ها أنا أول طالب. وتبعه بنو أمية على ذلك، وكانوا

(644) تاريخ الطبري ج 5 / 172، الكامل في التاريخ ج 3 / 105، الغدير ج 9 /
80، تذكرة الخواص ص 64.
(645) كما يعلمه كل مصنف من هذه الأمة وغيرها (منه قدس).
بل كان محايدا كما يشير إليه قوله: " لو أمرت به لكنت قاتلا أو نهيت عنه
لكنت ناصرا غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول خذله من أنا خير منه ومن خذله لا
يستطيع أن يقول نصره من هو خير مني وأنا جامع لكم أمره:
استأثر فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع ولله حكم واقع في المستأثر والجازع "
نهج البلاغة الخطبة - 30 -.
(1) ص 103 من جزئه الثالث (منه قدس).
428

هربوا من المدينة بعد قتل عثمان إلى مكة (646).
[موقف أم سلمة في هذه الفتنة]
ذكر أهل السير والأخبار - كما في ص 77 والتي بعدها من المجلد الثاني من
شرح النهج الحميدي -: أن عائشة جاءت إلى أم سلمة تخادعها على الخروج
للطلب بدم عثمان، فقالت لها: يا ابنة أبي أمية أنت أول مهاجرة من أزواج
النبي، وأنت أكبر أمهات المؤمنين، وكان رسول الله يقسم لنا في بيتك، وكان
جبرائيل أكثر ما يكون في منزلك. فقالت لها أم سلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة
فقالت عائشة: إن القوم استتابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائما في الشهر الحرام
وقد عزمت على الخروج إلى البصرة، ومعي الزبير وطلحة، فاخرجي معنا لعل
الله يصلح هذا الأمر على أيدينا. فقالت أم سلمة: إنك كنت بالأمس تحرضين
علي عثمان، وتقولين فيه أخبث القول، وما كان اسمه عندك إلا نعثلا، وإنك
لتعرفين منزلة علي عند رسول الله؟.
قالت: نعم. قالت: أتذكرين يوم أقبل ونحن معه حتى إذا هبط من قديد
ذات الشمال فخلا بعلي يناجيه فأطال، فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني
وهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية، فقلت: ما شأنك؟. فقلت: أتيتهما
وهما يتناجيان، فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام،
أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي؟. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله علي وهو محمر
الوجه غضبا فقال: ارجعي وراءك والله لا يبغضه أحد من الناس إلا وهو خارج
من الإيمان. فرجعت نادمة ساخطة.

(646) الكامل لابن الأثير ج 3 / 606، تاريخ الطبري ج 5 / 165.
429

فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك (647) قالت وأذكرك أيضا: كنت أنا
وأنت مع رسول الله، فقال لنا أيتكن صاحبة الجمل الأدب (1) تنبحها كلاب
الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط؟ فقلنا نعوذ بالله وبرسوله من ذلك فضرب
على ظهرك فقال: إياك أن تكونيها يا حميراء. قالت أم سلمة: أما أنا فقد أنذرتك
قالت عائشة: أذكر ذلك (648) فقالت أم سلمة: واذكري أيضا يوم كنت أنا
وأنت مع رسول الله في سفر له، وكان علي يتعاهد نعل رسول الله فيخصفها.
وثيابه فيغسلها، فنقب نعله فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل سمرة، وجاء
أبوك ومعه عمر، وقمنا إلى الحجاب ودخلا يحدثانه فيما أراد إلى أن
قالا: يا رسول الله، إنا لا ندري أمد ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا
ليكون لنا بعدك مفزعا. فقال لهما: أما أني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه
كما تفرق بنو إسرائيل عن هارون. فسكتا ثم خرجا، فلما خرجا خرجنا إلى
رسول الله فقلت له أنت وكنت أجرأ عليه منا: يا رسول الله من كنت مستخلفا
عليهم؟. فقال: خاصف النعل فنزلنا فرأيناه عليا فقلت: يا رسول الله ما أرى إلا
عليا.
فقال صلى الله عليه وآله: هو ذاك. قالت عائشة: نعم أذكر ذلك. فقالت لها أم سلمة:
فأي خروج تخرجين بعد هذا يا عائشة. فقالت: إنما أخرج للإصلاح بين
الناس (649).

(647) حديث مناجاة الرسول صلى الله عليه وآله مع علي عليه السلام ومجيئها إليهما
يوجد في:
(1) الأدب: الجمل الكثير الشعر (منه قدس).
(648) سوف يأتي هذا الحديث مع مصادره.
(649) مجئ عائشة إلى أم سلمة وطلبها الخروج معها يوجد في:
المعيار والموازنة للإسكافي المعتزلي ص 27 - 29، الغدير ج 2 / 319 و ج 9 /
83.
430

وجاءتها أم سلمة بعد هذا - فيما رواه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في
كتابه المصنف في غريب الحديث - فنهتها عن الخروج بكلام شديد جاء
فيه: أن عمود الإسلام لا يثأب بالنساء إن مال، ولا يرأب بهن إن صدع حماديات
النساء غض الأطراف، وخفر الأعراض، ما كنت قائلة لو أن رسول الله عارضك
في بعض هذه الفلوات، ناصة قلوصا من منهل إلى آخر؟ والله لو سرت
مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس، لاستحييت أن ألقى محمدا هاتكة
حجابا ضربه علي، إلى آخر كلامها (650) الذي لم تصغ إليه عائشة.
وحينئذ كتبت أم سلمة إلى علي عليه السلام من مكة.
أما بعد: فإن طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا
بعائشة ومعهم عبد الله بن عامر، يذكرون أن عثمان قتل مظلوما والله كافيهم بحوله
وقوته، ولولا ما نهانا الله عن الخروج، وأنت لم ترض به لم أدع الخروج إليك
والنصرة لك، ولكني باعثة إليك بابني وهو عدل نفسي عمر بن أبي سلمة يشهد
مشاهدك فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا، فلما قدم عمر على علي أكرمه،
ولم يزل معه حتى شهد مشاهده كلها (651).

(650) وقد أورده بتمامه علامة المعتزلة ابن أبي الحديد في ص 79 من المجلد الثاني
من شرح النهج، وفسر ثمة ألفاظه الغريبة فراجع. وقد أبلت أم سلمة بكلامها هذا
البلاء الحسن من النصح لله تعالى ولرسوله وللأمة ولعائشة بالخصوص وجاهدت به في
سبيل الله أتم الجهاد وأفضله، وشتان بين جهادها وجهاد تلك (منه قدس).
وقريب منه في:
تذكرة الخواص ص 65.
(651) المعيار والموازنة للإسكافي ص 30، الكامل في التاريخ ج 3 / 113،
تاريخ الطبري ج 5 / 167، تذكرة الخواص ص 65.
431

[موقف حفصة]
أرسلت عائشة حفصة وغيرها من أمهات المؤمنين (كما نص عليه غير
واحد من أثبات أهل الأخبار) تسألهن الخروج معها إلى البصرة (1) فما أجابها
إلى ذلك منهن إلا حفصة، لكن أخاها عبد الله أتاها فعزم عليها بترك الخروج،
فحطت رحلها بعد أن همت (652).
[موقف الأشتر]
وكتب الأشتر من المدينة إلى عائشة وهي بمكة: أما بعد فإنك ظعينة
رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد أمرك أن تقري في بيتك، فإن فعلت
فهو خير لك، وإن أبيت إلا أن تأخذي منسأتك، وتلقي جلبابك، وتبدي للناس
شعيراتك قاتلتك حتى أردك إلى بيتك، والموضع الذي يرضاه لك ربك (653).
[القيادة العامة في هذه الفتنة]
كانت القيادة العامة فيها لعائشة، تصدر الأوامر وتنظم العساكر، وتعين
الأمراء، وتعزل منهم من تشاء (2)، وتوجه الرسل بكتبها التي أشاعتها في

(1) وكن حينئذ معتمرات كما كانت عائشة وطلحة والزبير (منه قدس).
(652) كما في ص 80 من المجلد الثاني من شرح النهج (منه قدس).
تاريخ الطبري ج 5 / 167 و 169، الكامل في التاريخ ج 3 / 106.
(653)
(2) روى الشعبي عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه أبي بكرة (كما في ص 81 من
حديثا عن رسول الله كنت سمعته: " لن يفلح قوم تدبر أمرهم امرأة " فانصرفت عنهم
واعتزلتم. أه‍. قال ابن أبي الحديد. وقد روي هذا الخبر على صورة أخرى: إن قوما
يخرجون بعدي في فئة رأسها امرأة. قال وكان الجمل لواء البصرة لم يكن لواء غيره
(منه قدس).
432

المسلمين تؤلبهم على أمير المؤمنين، وتدعوهم إلى نصرتها عليه، فلباها من
لباها، ورد عليها جماعة من ذوي البصائر وأولي الألباب، لكن بني أمية بذلوا
لهذا الخروج أموالهم، وأقبلوا من كل حدب إلى حيث وقفت، وكان مروان
في جيشها، لكنه كان يرمي بنبله تارة جيشها وأخرى جيش علي ويقول أيهما
أصيب كان الفتح، حتى قيل هو الذي رمى طلحة فقتله (654).
[خروج عائشة من مكة إلى البصرة]
ولما أرادت عائشة الخروج من مكة إلى البصرة، جمعت إليها بني أمية
وأولياءهم فأداروا الرأي، فقال بعضهم: نسير إلى علي فنقاتله، فقالت عائشة
وجماعة آخرون: ليس لكم طاقة بأهل المدينة. وقال بعضهم: نسير إلى الشام.
فقالت عائشة وغيرها: يكفيكم الشام معاوية، ولكن نسير حتى ندخل البصرة

(654) مروان هو الذي قتل طلحة:
الغدير ج 9 / 96، تاريخ ابن عساكر ج 7 / 84، تذكرة الخواص ص 77، الإصابة
ج 2 / 230، المستدرك للحاكم ج 3 / 370، الرياض النضرة ج 2 / 259، مروج الذهب
ج 2 / 365، العقد الفريد ج 2 / 279، الكامل لابن الأثير ج 3 / 124، صفة الصفوة ج 1 /
132، أسد الغابة ج 3 / 61، دول الإسلام للذهبي ج 1 / 18، تاريخ ابن كثير ج 7 /
247، مرآة الجنان لليافعي ج 1 / 97، تهذيب التهذيب ج 5 / 51، تاريخ ابن الشحنة
بهامش الكامل ج 7 / 189.
433

والكوفة، ولطلحة في الكوفة هوى، وللزبير بالبصرة أولياء، فاتفقوا على
ذلك.
وحينئذ تبرع عبد الله بن عامر لهم في مال كثير، وابل كثيرة، وأعانهم
يعلى بن أمية بأربعمائة ألف، وحمل سبعين رجلا منهم، وحمل عائشة على جمل
يقال له عسكرا (655) وكان عظيم الخلق شديدا، فلما رأته أعجبها، وأنشأ
الجمال يحدثها بقوته وشدته، ويسميه في أثناء كلامه عسكرا، فلما سمعت هذه
اللفظة استرجعت وقالت: ردوه لا حاجة لي فيه، وذكرت أن رسول الله ذكره
لها بهذا الاسم ونهاها عن ركوبه. فطلب لها الناس غيره فلم يجدوا لها ما يشبهه
فغيروا لها جلاله وقالوا لها: أصبنا لك أعظم منه وأشد قوة. فهدأ روعها
ورضيت به (656) وما خرجت من مكة حتى استنفذت ما في وسع الأمويين
من نصرة لها ثم مضت على غلوائها.
[ماء الحوأب]
روى الأثبات من أهل الأخبار، عن عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن
عباس عن رسول الله أنه قال يوما لنسائه وهن جميعا عنده: أيتكن صاحبة الجمل
الأدب، تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم في
النار، وتنجو بعد ما كادت؟ (657).

(655) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 / 80 ط 1 و ج 6 / 224، نور
الأبصار ص 82، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 65، تاريخ الطبري ج 5 / 167
، الكامل لابن الأثير ج 3 / 107.
(656) تجد هذا في ص 80 من المجلد الثاني من شرح النهج الحديدي (منه قدس).
(657) تجد هذا الحديث بلفظه في ص 497 من المجلد الثاني من شرح النهج
الحديدي (منه قدس).
وراجع: الأعلام للماوردي ص 82، الفائق للزمخشري ج 1 / 190، النهاية لابن الأثير
ج 2 / 10، القاموس ج 1 / 65، كفاية الطالب ص 71 ط الغري وص 171 ط الحيدرية،
المواهب اللدنية ج 2 / 195، شرح الزرقاني ج 7 / 216، مجمع الزوائد ج 7 / 234
، كنز العمال ج 6 / 83، السيرة الحلبية ج 3 / 313، السيرة الدحلانية بهامش الحلبية
ج 3 / 193، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 67، الغدير للأميني ج 3 / 188.
434

وقد روى جميع أهل السير والأخبار: أن عائشة لما انتهت في مسيرها
إلى الحوأب، وهو ماء لبني عامر بن صعصعة، نبحتها الكلاب حتى نفرت صعاب
إبلها، فقال قائل من أصحابها: ألا ترون ما أكثر كلاب الحوأب وأشد نباحها.
فأمسكت أم المؤمنين بزمام بعيرها وقالت: وإنها لكلاب الحوأب؟! ردوني
ردوني فإني سمعت رسول الله يقول. وذكرت الحديث.
فقال لها قائل: مهلا يرحمك الله فقد جزنا ماء الحوأب: فقالت: هل من
شاهد؟ فلفقوا لها خمسين أعرابيا جعلوا لهم جعلا، فحلفوا لها إن هذا ليس
بماء الحوأب (1) فسارت لوجهها حتى انتهت إلى حفر أبي موسى قريبا من
البصرة (658).

(1) تجد ذلك كله بعين لفظه في آخر ص 80 من المجلد الثاني من شرح النهج
الحديدي، لكن إنذاره صلى الله عليه وآله بركوب الجمل والمرور على ماء الحوأب ونبح كلابه لمن
الحديث المستفيض عنه، المعدود في أعلام النبوة وآيات الإسلام، لا يجهله أحد من
خاصة هذه الأمة والكثير من عوامها في كل خلف منها حتى هذه الأيام (منه قدس).
(658) النبي يحذر عائشة من أن تنبحها كلاب الحوأب وقد نقل بألفاظ متعددة
راجع: العقد الفريد ج 4 / 332 ط 2 و ج 2 / 283 ط آخر، تاريخ الطبري ج 4 /
457 و 469 ط دار المعارف، النهاية لابن الأثير ج 1 / 456 و ج 2 / 96، كفاية الطالب
ص 171 ط الحيدرية وص 71 ط الغري، مجمع الزوائد ج 7 / 134، إسعاف الراغبين
بهامش نور الأبصار ص 64 ط العثمانية وص 65 ط السعيدية، المستدرك على الصحيحين
ج 3 / 120، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 4 / 361، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 /
59 ط مصطفى محمد، نور الأبصار ص 82 ط العثمانية تذكرة الخواص ص 66، تاريخ
اليعقوبي ج 2 / 157 ط الغري، الكامل لابن الأثير ج 3 / 107، مروج الذهب ج 2 / 357
، تاج العروس ج 1 / 244 و 195، الغدير للأميني ج 3 / 188 - 191.
435

[موقف أبي الأسود الدؤلي من عائشة وطلحة والزبير]
لما انتهت عائشة بجيشها إلى حفر أبي موسى، أرسل عثمان بن حنيف
وهو يومئذ عامل أمير المؤمنين على البصرة أبا الأسود الدؤلي إلى القوم ليعلم
له علمهم، فدخل على عائشة فسألها عن مسيرها. فقالت: أطلب بدم عثمان.
قال: إنه ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد. قالت: صدقت، ولكنهم مع علي
ابن أبي طالب في المدينة، وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله، أنغضب لكم
من سوط عثمان، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم؟! فقال لها: ما أنت من السوط
والسيف، إنما أنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله أمرك أن تقري في بيتك وتتلي
كتاب ربك، وليس على النساء قتال، ولا لهن الطلب بالدماء، وأن أمير المؤمنين
لأولى بعثمان منك وأمس رحما، فإنهما أبناء عبد مناف، فقالت: لست بمنصرفة
حتى أمضي لما قدمت إليه، أفتظن يا أبا الأسود أن أحدا يقدم على قتالي؟! قال
أما والله لنقاتلنك قتالا أهونه الشديد!.
ثم قام فأتى الزبير فقال: يا أبا عبد الله عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو
بكر آخذ بقائم سيفك تقول: لا أحد أولى بهذا الأمر من علي بن أبي طالب،
فأين هذا المقام من ذاك؟. فذكر له: دم عثمان. فقال: إنما أنت وصاحبك وليتماه
فيما بلغنا. قال فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول. فذهب إلى طلحة فوجده
436

سادرا في غيه مصرا على الحرب والفتنة، فرجع حينئذ إلى عثمان بن حنيف
فقال: إنها الحرب فتأهب لها (659).
[عائشة وابن صوحان]
كتبت عائشة - وهي في البصرة - إلى زيد بن صوحان العبدي: من عائشة
أم المؤمنين، بنت أبي بكر الصديق، زوجة رسول الله، إلى ابنها الخالص زيد
ابن صوحان، (أما بعد) فأقم في بيتك وخذل الناس عن ابن أبي طالب وليبلغني
عنك ما أحب فإنك أوثق أهلي عندي والسلام.
فأجابها - كما في شرح النهج الحديدي الحميدي -: من زيد بن صوحان
إلى عائشة بنت أبي بكر.
(أما بعد) فإن الله أمرك بأمر، وأمرنا بأمر، أمرك أن تقري في بيتك،
وأمرنا أن نجاهد، وقد أتاني كتابك تأمريني أن أصنع خلاف ما أمرني الله به،
فأكون قد صنعت ما أمرك به الله، وصنعت أنت ما به أمرني، فأمرك عندي غير
مطاع، وكتابك لا جواب له (660).
[جارية بن قدامة السعدي وعائشة]
روى الطبري، بالإسناد إلى القاسم بن محمد بن أبي بكر قال (1): أقبل

(659) الإمامة والسياسة ج 1 / 57، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 2 / 81 ط 1
، العقد الفريد ج 2 / 278، الغدير ج 9 / 106.
(660) شرح النهج لابن أبي الحديد، أحاديث أم المؤمنين عائشة
للعسكري، الكامل في التاريخ ج 3 / 110، تاريخ الطبري ج 5 / 183 و 188.
(1) في الجزء السادس من تاريخه ص 482 منه، وكذلك حكاية السعدي مع
طلحة والزبير ومحاورة الجهيني مع محمد بن طلحة (منه قدس).
437

جارية بن قدامة السعدي على عائشة فقال: يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن
عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح،
إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك، وأبحت حرمتك، إنه من
رأى قتالك فإنه يرى قتلك إن كنت أتيتنا طائعة فأرجعي إلى منزلك، وإن كنت
أتيتينا مستكرهة فاستعيني بالناس (661).
[شاب من بني سعد يؤنب طلحة والزبير فيقول لهما]
صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الإنصاف -
أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالايجاف -
غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والأسياف (662) -
[غلام من جهينة ومحمد بن طلحة]
أقبل الجهيني على محمد بن طلحة فقال: أخبرني عن قتلة عثمان. فقال:
نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة، وثلث على
صاحب الجمل الأحمر يعني أباه طلحة، وثلث على علي بن أبي طالب فضحك
الغلام الجهيني ولحق بعلي وهو يقول:
سألت ابن طلحة عن هالك * بجوف المدينة لم يقبر -
فقال ثلاثة رهط هم * أماتوا ابن عفان فاستعبر -
فثلث على تلك في خدرها * وثلث على راكب الأحمر -

(661) تاريخ الطبري ج 5 / 176، أحاديث أم المؤمنين عائشة للعسكري، تذكرة
الخواص ص 67، الإمامة والسياسة ج 1 / 60، الغدير ج 9 / 100.
(662) تاريخ الطبري ج 5 / 176، تذكرة الخواص ص 67.
438

وثلث علي ابن أبي طالب * ونحن بدوية قرقر -
فقلت صدقت على الأولين * وأخطأت في الثالث الأزهر (663) -
[الأحنف بن قيس وعائشة]
روى البيهقي في المحاسن والمساوي (ج 1 ص 35) عن الحسن البصري
أن الأحنف ابن قيس قال لعائشة يوم الجمل: يا أم المؤمنين هل عهد إليك
رسول الله هذا المسير؟ قالت: اللهم لا. قال: فهل وجدته في شئ من كتاب الله
جل ذكره. قالت: ما نقرأ إلا ما تقرأون. قال: فهل رأيت رسول الله عليه الصلاة
والسلام استعان بشئ من نسائه إذا كان في قلة والمشركون في كثرة قالت:
اللهم لا. قال الأحنف: فإذا ما هو ذنبنا؟ (664).
وفي رواية أخرى أنه قال لها: يا أم المؤمنين إني سائلك ومغلظ لك في
المسألة فلا تجدي علي. فقالت له: قل نسمع. قال: أعندك عهد من رسول
الله في خروجك هذا؟. فلم يكن في وسعها إلا أن تقول: لا. فقال: أعندك
عهد منه صلى الله عليه وآله أنك معصومة من الخطأ؟ قالت: لا. قال: صدقت إن الله رضي
لك المدينة فأبيت إلا البصرة، وأمرك بلزوم بيت نبيه صلى الله عليه وآله فنزلت بيت أحد
بني ضبة، ألا تخبريني يا أم المؤمنين أللحرب قدمت أم للصلح؟ أجابت وهي
متألمة: بل للصلح. فقال لها: والله لو قدمت وليس بينهم إلا الخفق بالنعال
والرمي بالحصى ما اصطلحوا على يديك فكيف والسيوف على عواتقهم؟

(663) تاريخ الطبري ج 5 / 176.
(664) وقريب منه في:
الغدير ج 9 / 81.
439

فأحرجها قائلة: إلى الله أشكو عقوق أبنائي (665).
[عبد الله بن حكيم التميمي وطلحة]
جاء عبد الله بن حكيم يناشد طلحة فيقول له (1): يا أبا محمد أما هذا كتبك
إلينا؟. قال طلحة: بلى قال: كتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله، حتى
إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه! فلعمري ما هذا رأيك، إن تريد إلا هذه الدنيا، فمهلا
مهلا. ولم قبلت من علي ما عرض عليك من البيعة، فبايعته طائعا راضيا، ثم
نكثت بيعتك، وجئت لتدخلنا في فتنتك؟ فقال: إن عليا دعاني إلى بيعته بعد ما
بايعه الناس (2)، فعلمت أني لو لم أقبل ما عرضه علي لم يتم لي الأمر، ثم
يغري بي من معه (666).
[حكيم من بني جشم ينصح أهل البصرة]
لما انتهت عائشة بمن معها إلى المربد - مكان من البصرة - قام الجشمي
يخاطب أهل البصرة وقد اجتمعوا هناك فيقول (3): أنا فلان بن فلان الجشمي
وقد أتاكم هؤلاء القوم، فإن أتوكم خائفين، فإنما أتوكم من المكان الذي
يأمن فيه الطير والوحش والسباع، وإن كانوا أتوكم بدم عثمان فغيرنا ولي

(665)
(1) كما في ص 500 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي (منه قدس).
(2) كذب هذا الناكث، إذ كان أول مبايع لعلي، نعوذ بالله من سوء الخاتمة
(منه قدس).
(666) الغدير ج 9 / 99.
(3) كما في أواخر ص 498 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي (منه قدس).
440

قتله، فأطيعوني أيها الناس وردوهم من حيث أقبلوا، فإنكم إن لم تفعلوا لم
تسلموا من الحرب الضروس، والفتنة الصماء، فحصبه من أهل البصرة أشياع
الجمل (667).
[خطاب عائشة في أهل البصرة]
ثم أقبلت عائشة على جملها عسكر، فنادت بصوت مرتفع (1): أيها الناس
أقلوا الكلام واسكتوا، فسكت الناس لها فقالت: أيها الناس إن أمير المؤمنين
عثمان كان قد غير وبدل، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا،
وإنما نقموا عليه ضربه بالسوط، وتأميره الشبان، وحمايته موضع الغمامة
فقتلوه محرما في حرمة الشهر وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل، ألا وإن
قريشا رمت غرضها بنبالها، وأدمت أفواهها بأيديها، وما نالت بقتلها إياه شيئا،
ولا سلكت به سبيلا قاصدا، أما والله ليرونها بلايا عقيمة تنبه القائم، وتقيم
الجالس، وليسلطن الله عليهم قوما لا يرحمونهم، يسومونهم سوء العذاب.
أيها الناس انه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل به دمه، ماصوه كما يماص
الثوب الرحيض، ثم عدوا عليه فقتلوه بعد توبته، وخروجه من ذنبه، وبايعوا
ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازا وغصبا، أترونني أغضب لكم
من سوط عثمان ولسانه، ولا أغضب لعثمان من سيوفكم! ألا إن عثمان قتل
مظلوما فاطلبوا قتلته، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثم اجعلوا الأمر شورى بين
الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك

(667) تاريخ الطبري ج 5 / 175.
(1) كما في ص 499 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي (منه قدس).
441

في دم عثمان.
قال أهل السير والأخبار: فماج الناس واختلفوا. فمن قائل: القول ما
قالت أم المؤمنين. ومن قائل يقول: ما هي وهذا الأمر إنما هي امرأة مأمورة
بلزوم بيتها. وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط، حتى تضاربوا بالنعال وتراموا
بالحصى، ثم تمايزوا فريقين، فريقا مع عثمان بن حنيف، وفريقا مع عائشة
وأصحابها (668).
[وقوف الفريقين للقتال]
ثم أصبح الفريقان من غد، فصفا للحرب، وخرج عثمان بن حنيف (1)
فناشد عائشة الله والاسلام، وأذكر طلحة والزبير بيعتهما عليا. فقالا: نطلب
بدم عثمان فقال لهما: وما أنتما وذاك، أين بنوه؟ أين بنو أعمامه الذين هم
أحق به منكم؟ كلا ولكنكما حسدتما عليا حيث اجتمع الناس عليه، وكنتما
ترجوان هذا الأمر، وتعملان له، وهل كان أحد أشد على عثمان قولا منكما؟!
فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه، فقال للزبير: لولا صفية ومكانها من رسول الله،
فإنها أدنتك إلى الظل، وأن الأمر بيني وبينك يا ابن الصعبة يعني طلحة.
ثم قال: اللهم إني قد أعذرت. ثم حمل فاقتتل الناس قتالا شديدا، ثم
تحاجزوا واصطلحوا على كيفية خاصة، فصلها المؤرخون، أرجأوا فيها الأمر
إلى ما بعد وصول أمير المؤمنين إلى البصرة، وأعطى الفريقان على ما كتبوه

(668) وقريب منه في:
الكامل لابن الأثير ج 3 / 109.
(1) كما في ص 500 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي (منه قدس).
442

من الصلح عهد الله وميثاقه، وأشد ما أخذه على نبي من أنبيائه من عهد وذمة
وميثاق، وختم الكتاب من الفريقين (669).
لكن عائشة وطلحة والزبير أجمعوا على مراسلة القبائل واستمالة العرب
ووجوه الناس وأهل الرئاسة والشرف، من حيث لا يشعر الأمير ابن حنيف
وأصحابه، فلما استوثق لأصحاب الجمل أمرهم، خرجوا في ليلة مظلمة ذات
ريح ومطر، وقد لبسوا الدروع وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا، إلى المسجد
وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه وأقيمت الصلاة فتقدم عثمان
ليصلي، فأخره أصحاب طلحة والزبير وقدموا الزبير، فجاءت الشرطة
وحرس بيت المال فأخرجوا الزبير وقدموا عثمان، ثم غلبهم أصحاب الزبير
وقدموه، فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس تطلع، فصاح بهم أهل
المسجد: ألا تتقون بالله يا أصحاب محمد؟ وقد طلعت الشمس، فغلب الزبير
وصلى بالناس.
فلما فرغ من صلاته صاح بأصحابه المسلحين: أن خذوا عثمان بن حنيف
فلما أسر ضرب ضرب الموت ونتفت لحيته وشارباه وحاجباه وأشفار عينيه،
وكل شعرة في رأسه ووجهه، وأخذوا الشرطة وحراس بيت المال وهم سبعون
رجلا من المؤمنين من شيعة علي فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة
فقالت لأبان بن عثمان: أخرج إليه فاضرب عنقه فإن الأنصار قتلوا أباك.
فنادى عثمان بن حنيف: يا عائشة ويا طلحة ويا زبير أن أخي سهلا خليفة علي
على المدينة، وأقسم بالله أن لو قتلت ليضعن السيف في نبي أبيكم ورهطكم
فلا يبقي ولا يذر. فكفوا عنه. وأمرت عائشة الزبير أن يقتل الشرطة وحراس
بيت المال وقالت له: قد بلغني الذي صنعوا بك، فذبحهم والله الزبير كما

(669) راجع: الكامل ج 3 / 110، مروج الذهب ج 2 / 358 ط بيروت.
443

يذبح الغنم، ولي ذلك منهم ابنه عبد الله وهم سبعون رجلا، وبقيت منهم طائفة
مستمسكين بيت المال قالوا: لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين. فسار
إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا.
فكان هذا الغدر بعثمان بن حنيف، أول غدر كان في الإسلام، وكان قتل الشرطة
وحراس بيت المال أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا، وكانوا مائة
وعشرين رجلا، وقيل كانوا (كما في 501 من المجلد الثاني من شرح النهج
الحميدي) أربعمأة رجل (670).
ثم طردوا عثمان بن حنيف فلحق بعلي، فلما رآه بكى وقال له: فارقتك
شيخا وجئتك أمرد. فقال علي: إنا لله وإنا إليه راجعون. يقولها ثلاثا (671)
وقد مني عليه السلام في هذه المأساة بغصة لا تساغ، كان يشكو بثه فيها وحزنه
إلى الله فيقول على المنبر: " اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم،
فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمرا
هو لي ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تتركه " (672)
(ثم ذكر أصحاب الجمل فقال): " فخرجوا يجرون حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله كما تجر
الأمة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا
حبيس رسول الله لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة
وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره فقدموا على عامل بها وخزان بيت مال المسلمين
وغيرهم من أهلها، فقتلوا طائفة صبرا وطائفة غدرا.. " الخطبة وهي في نهج

(670) مروج الذهب ج 2 / 358.
(671) تاريخ الطبري ج 5 / 186.
(672) نهج البلاغة الخطبة - 217 -.
444

البلاغة (673).
[موقف حكيم بن جبلة (1)]
لما بلغ حكيم بن جبلة ما صنع القوم بعثمان بن حنيف وخزان بيت مال
المسلمين وغيرهم خرج في ثلاثمائة من عبد القيس وكان سيدهم. فخرج القوم
إليه وحملوا عائشة على جمل، فسمي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر، ويومها مع
علي يوم الجمل الأكبر. وتجالد الفريقان بالسيوف وأبلى حكيم وأصحابه
بلاء حسنا، لكن شد رجل من الأزد من عسكر عائشة على حكيم فضرب رجل
فقطعها، ووقع الأزدي عن فرسه، فجثا حكيم فأخذ رجله المقطوعة فضرب بها
الأزدي فصرعه ثم دب إليه فقتله خنقا متكئا عليه حتى زهقت نفسه، فمر بحكيم
إنسان وهو يجود بنفسه فقال له: من فعل بك هذا؟ قال: وسادي فنظر فإذا
الأزدي تحته.
وكان حكيم من أبطال العرب وشجعان المسلمين المستبصرين في شأن أهل
البيت، وقد قتل معه ابنه الأشرف وإخوة له ثلاثة، وقتل معه أصحابه كلهم
وهم ثلاثمائة من عبد القيس وكلهم من الأخيار، وربما كان بعض المقتولين
يومئذ من بكر بن وائل.
فلما صفت البصرة لعائشة وطلحة والزبير بعد قتل حكيم وأصحابه، وطردا
ابن حنيف عنها. اختلف طلحة والزبير في الصلاة، وأراد كل منهما أن يؤم
بالناس، وخاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما له، ورضي بتقدمه،

(673) نهج البلاغة الخطبة - 172 -.
(1) فصله أهل السير والأخبار فراجعه في ص 501 من المجلد الثاني من شرح
النهج (منه قدس).
445

فأصلحت بينهما عائشة بأن جعلت الإمامة يوما لعبد الله بن الزبير، ويوما لمحمد
ابن طلحة ولما دخلوا بيت المال في البصرة ورأوا ما فيه من الأموال. قرأ الزبير
- وقد استفزه الفرح -: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فجعل لكم هذه)
فنحن أحق بها من أهل البصرة (674).
هذا مجمل ما كان في البصرة من الأحداث قبل وصول أمير المؤمنين إليها.
[وصول علي إلى البصرة والتقاء الجمعين]
ثم جاء علي بعدها إلى البصرة بمن معه فنهدت إليه عائشة بمن معها تذوده
عنها، وكانت رابطة الجأش، مشيعة القلب فكف يده عنها وعنهم باذلا وسعه
في إصلاح ذا البين على ما يرضي الله تعالى ورسوله، وبلغ في ذلك كل
مبلغ من قول أو فعل.
حتى روى ابن جرير الطبري (1) وغيره من أثبات أهل السير والأخبار:
أن عليا دعا إليه الزبير يومئذ فذكره بكلمة قالها النبي له بمسمع منه وهي قوله
صلى الله عليه وآله: " ليقاتلنك ابن عمتك هذا وهو لك ظالم " (675) فانصرف عنه الزبير

(674) اختلاف طلحة والزبير في الإمارة:
مروج الذهب ج 2 / 357، تاريخ الطبري ج 5 / 182.
(1) في خبر وقعة الجمل أواخر ص 519 من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك
(منه قدس).
(675) يوجد هذا الحديث بهذا اللفظ وقريب منه في كل من:
المستدرك للحاكم ج 3 / 366 وصححه هو والذهبي، الأغاني لأبي الفرج ج 16
/ 131 و 132، العقد الفريد ج 2 / 279، مروج الذهب ج 2 / 363، الكامل لابن الأثير
ج 2 / 122، مطالب السئول ص 41، الرياض النضرة ج 2 / 273، مجمع الزوائد ج 7
/ 235، فتح الباري لابن حجر ج 13 / 46، المواهب اللدنية للقسطلاني ج 2 / 195،
شرح المواهب للزرقاني ج 3 / 318 و ج 7 / 217، الخصائص الكبرى للسيوطي ج 2 /
137، السيرة الحلبية ج 3 / 315، شرح الشفا للخفاجي ج 3 / 165، الغدير للأميني ج
3 / 191 و ج 9 / 101، تاريخ الطبري ج 5 / 200 و 204، تذكرة الخواص ص 70.
446

وقال: فإني لا أقاتلك ورجع إلى ابنه عبد الله فقال: ما لي في هذا الحرب
بصيرة، فقال له ابنه: إنك قد خرجت على بحيرة ولكنك رأيت رايات ابن أبي
طالب وعرفت أن تحتها الموت فجبنت. فأحفظه ولده حتى أرعد وغصب وقال
ويحك إني قد حلفت له أن لا أقاتله، فقال ابنه: كفر عن يمينك بعتق غلامك
سرجس. فأعتقه وقام في الصف معهم (676).
وقال الطبري: وكان علي قال للزبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته
سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره (1)، ودعا علي طلحة فقال: يا طلحة جئت
بعرس رسول الله صلى الله عليه وآله تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت، أما بايعتني؟. قال:
بايعتك وعلى عنقي اللج، وأصر طلحة على الحرب.
وحينئذ رجع علي إلى أصحابه فقال لهم (فيما حكاه الطبري وغيره): أيكم
يعرض عليهم هذا المصحف (2) وما فيه، فإن قطعت يده أخذه بيده الأخرى
فإن قطعت أيضا أخذه بأسنانه. قال فتى شاب: أنا. فطاف علي على أصحابه
يعرض ذلك عليهم، فلم يقبله إلا ذلك الشاب. فقال له علي: أعرض عليهم هذا

(676) تاريخ الطبري ج 5 / 200، الكامل في التاريخ ج 3 / 123، مروج
الذهب ج 2 / 363، تذكرة الخواص ص 70.
(1) راجع ص 520 من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك، وقد استجاب
الله دعاء على فسلط الله على الزبير عمرو بن جرموز فقتله في ذلك اليوم (منه قدس).
(2) تنبغي الإشارة إلى أن ابن العاص أخذ حيلة المصاحف في صفين من هذه
الواقعة وأساء استخدامها كما لا يخفى (منه قدس).
447

وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره، والله الله في دمائنا ودمائكم. فلما
جاءهم الفتى حملوا عليه وفي يده المصحف فقطعوا يديه، فأخذه بأسنانه حتى
قتل، وعندئذ قال علي لأصحابه: قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم.
ورثت أم الغلام المرسل بالمصحف بقولها فيما رواه الطبري (1):
لا هم أن مسلما دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم -
وأمهم قائمة تراهم * يأتمرون الغي لا تناهم -
قد خضبت من علق لحاهم (677) -
وبرزت ربه الجمل والهودج إلى المعركة، وقد عصفت في رأسها النخوة
ونزت فيه سورة الآنفة، فأدركتها حمية منكرة، وكانت أجرأ من ذي لبدة،
قد جمعت ثيابها على أسد، تلهب حماسها في جيشها، فتدفعهم به إلى الموت
دون جملها، وقد نظرت عن يسارها فقالت: من القوم عن يساري؟. فأجابها
صبرة بن شيمان (كما في الكامل لابن الأثير وغيره): نحن بنوك الأزد.
فقالت: يا آل غسان حافظوا اليوم على جلادكم الذي كنا نسمع به في قول
القائل:
وجالد من غسان أهل حفاظها * وكعب وأوس جالدت وشبيب -
فكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون: بعر جمل أمنا ريحه ريح
المسك، وقالت لمن يمينها: من القوم عن يميني؟. قالوا: بكر بن وائل.
قالت: لكم يقول القائل:
وجاءوا إلينا في الحديد كأنهم * من العزة القعساء بكر بن وائل -

(1) راجع ص 522 من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك (منه قدس).
(677) تاريخ الطبري ج 5 / 204 و 206، تذكرة الخواص ص 71، مروج
الذهب ج 2 / 361.
448

إنما بإزائكم عبد القيس.
وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت: من القوم؟ قالوا: بنو ناجية. قالت:
بخ بخ سيوف أبطحية قرشية، فجالدوا جلادا يتفادى منه، فكأنما أشعلت فيهم
من الحماسة نارا تلظى. وتتابع حملة اللواء على خطام جملها مستميتين
يقولون:
يا أمنا يا زوجة النبي * يا زوجة المبارك المهدي -
نحن بنو ضبة لا نفر * حتى نرى جما جما تخر -
يخر منها العلق المحمر -
وما زالت تستفز حميتهم حتى عقر الجمل، بعد أن قتل على خطامه أربعون
رجلا وكانت الهزيمة بأذن الله. ولو عناية أمير المؤمنين ساعتئذ في حفظها،
ووقوفه بنفسه على صونها، لكان ما كان مما أعاذها الله منه في هذه الفتنة العمياء
التي شقت عصا المسلمين إلى يوم الدين، وعلى أسسها كانت صفين والنهروان
ومأساة كربلا وما بعدها. حتى نكبة فلسطين، في عصرنا هذا.
لكن أخا النبي وأبا سبطيه، وقف على الجمل بنفسه، حين أطفئت الفتنة
بعقره، وما أن هوى بالهودج حتى آواه - وفيه عائشة - إلى وارف من ظله
منيع، وجعل معها أخاها محمدا ليقوم بمهامها في نسوة من الصالحات، ومن
على محاربيه وتفضل عليهم، وأطلق الأسرى من أعدائه الألداء، واختص
عائشة من الكرامة بكل ما يناسب خلقه الكريم. وفضله العميم، وحكمته البالغة
وهذا كله معلوم بحكم الضرورة من كتب السير والأخبار.
وتسمى هذه الوقعة وقعة الجمل الأكبر. وكانت يوم الخميس لعشر خلون
من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين، وتفصيل الوقعتين في كتب السير والتواريخ
فلتراجع.
449

وقد كانت القتلى يوم الجمل الأكبر ثلاثة عشر ألفا من أبناء عائشة فيهم
طلحة والزبير بكل أسف، واستشهد يومئذ من أولياء علي اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه - ألف أو دونه أو أكثر منه (678).
هذا وقد كانت أم المؤمنين من أعلم الناس بأن عليا أخو رسول الله ووليه
ووارثه ووصيه (679) وأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (680) وأنه

(678) ولأجل المزيد من الاطلاع حول هذه الواقعة راجع:
أحاديث أم المؤمنين عائشة ق 1 / 121 - 200، الجمل للشيخ المفيد ط الحيدرية
، مروج الذهب ج 2 / 359 - 360، أسد الغابة ج 2 / 114 و 178 و ج 1 / 385 و ج 4 /
46 و 100 و ج 5 / 143 و 146 و 286، الإصابة ج 1 / 248 و ج 2 / 395، تاريخ الطبري
ج 5 / 163، الكامل لابن الأثير ج 3 / 105، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 / 149.
(679) كما تقدم تحت رقم (551 و 552 و 553 و 554).
(680) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 /
157 ح 219 و 220 و 221 و 222 و 227 و 232 و 238 و 240 و 242 و 243 و 244
و 245 و 246 و 247 و 248 و 252 و 253 و 254 و 255 و 260 و 262 و 263 و 264
و 270 و 271 و 273 و 275 و 276 و 278 و 279 و 289 و 290 ط 1، المستدرك للحاكم
ج 3 / 38، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 45، فرائد السمطين ج 1 / 253
، مصنف ابن أبي شيبة ج 6 / 154، مجمع الزوائد ج 9 / 123، الاستيعاب بهامش الإصابة
ج 3 / 36، تاريخ بغداد ج 8 / 5، إحقاق الحق ج 5 / 400، أنساب الأشراف للبلاذري
ج 2 / 93، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 181 ح 217 و 221 ط 1، السنن
الكبرى للبيهقي ج 9 / 106، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 55 و 56، ينابيع
المودة للقندوزي ص 48 ط اسلامبول، صحيح مسلم في باب مناقب علي بن أبي طالب
ج 7 / 121 ط العامرة بمصر، حلية الأولياء ج 1 / 62، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 /
110 ط دار صادر، السيرة النبوية لابن هشام، البداية والنهاية ج 4 / 186 و ج
7 / 336، صحيح البخاري باب مناقب علي بن أبي طالب ج 5 / 23، الكامل في التاريخ
ج 2 / 149، أسد الغابة ج 4 / 21، تذكرة الخواص ص 25، التاريخ الكبير للبخاري
ج 4 / 262، نزل الأبرار ص 43. راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم (474).
450

منه بمنزلة هارون من موسى إلا في النبوة (681) وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله "
(682)، " رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار " (683).

(681) حديث المنزلة:
من الأحاديث المتواترة ولأجل الاطلاع على مصادره راجع كتاب سبيل النجاة في
تتمة المراجعات ص 117 تحت رقم (475) ففيه الكفاية.
(682) حديث الموالاة:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 13 ح 508
و 513 و 514 و 523 و 544 و 562 و 569، كفاية الطالب ص 63 ط الحيدرية وص 17
ط الغري، كنز العمال ج 6 / 403 ط 1 و ج 15 / 115 ح 332 و 402 ط 2، شواهد التنزيل
للحسكاني ج 1 / 157 ح 211 وص 192 ح 250، مجمع الزوائد ج 9 / 105، إسعاف
الراغبين بهامش نور الأبصار ص 151 ط السعيدية وص 137 ط العثمانية، خصائص أمير
المؤمنين للنسائي ص 96 ط الحيدرية وص 26 و 27 ط مصر، الملل والنحل للشهرستاني
ج 1 / 163 ط بيروت وبهامش الفصل لابن حزم ج 1 / 220، شرح نهج البلاغة لابن أبي
الحديد ج 1 / 209 و 289 ط 1 و ج 2 / 289 و ج 3 / 208 بتحقيق أبو الفضل، منتخب
كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 32 ط الميمنية، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 /
112، نظم درر السمطين للزرندي ص 112، المناقب للخوارزمي ص 80 و 94 و 130،
ينابيع المودة للقندوزي ص 289 ط اسلامبول وص 297 ط الحيدرية، فرائد السمطين
للحمويني ج 1 / 69 ح 36 و 39 و 40، نزل الأبرار للبدخشاني ص 51 - 54، وراجع
بقية مصادر الحديث في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 182.
(683) حديث: " الحق مع علي ".
صحيح الترمذي ج 5 / 297 ح 3798، المستدرك للحاكم ج 3 / 124، المناقب
للخوارزمي ص 56، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج
3 / 117 ح 1159 و 1160، غاية المرام ص 539 (باب) 45، شرح النهج لابن أبي
الحديد ج 2 / 572 ط 1 و ج 10 / 270 بتحقيق أبو الفضل، منتخب كنز العمال بهامش
مسند أحمد ج 5 / 62، الفتح الكبير للنبهاني ج 2 / 131، جامع الأصول لابن الأثير ج
9 / 420، إحقاق الحق للتستري ج 5 / 626، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 176 ح
138، الغدير ج 3 / 179، دلائل الصدق ج 2 / 302، المعيار والموازنة للإسكافي
المعتزلي ص 35 و 119، نزل الأبرار للبدخشاني ص 56، راجع بقية المصادر في كتاب
سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 170 ط بيروت.
451

وقد شهدت حجة الوداع مع رسول الله فرأته يوم الموقف يشيد بفضله آمرا
أمته بالتمسك بثقليه تارة وبخصوص علي أخرى، منذرا بضلال من لم يأخذ
بهما معا (684).
ويوم الغدير رأته صلى الله عليه وآله وقد رقى منبر الحدائج يعهد إلى علي عهده،
ويوليه على الأمة بعده، بمسمع ومنظر من تلك الألوف المؤلفة قافلة من حجة
الوداع، حيث تفترق بهم الطرق إلى بلادهم (685).
ورأته وقد نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين يقول لهم: " أنا
حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم " أخرجه كل من الإمامين أحمد في
مسنده (1) والحاكم في صحيحه المستدرك، والطبراني في الكبير، ورواه
الترمذي بسنده الصحيح إلى زيد بن أرقم، كما في ترجمة الزهراء من الإصابة
(686).

(684) تقدم حديث الثقلين مع مصادره تحت رقم (15) وسوف يأتي أيضا.
(685) الغدير للأميني ج 1 / 9، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 73 ح 39.
ولأجل المزيد من الاطلاع على هذه الحادثة مع مصادرها راجع:
سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 173 تحت رقم (615 و 616 و 617 و 618
و 619 و 620 و 621 و 622) ففيها مئات المصادر لهذه الواقعة المباركة. وسوف يأتي
بعض منها.
(1) راجع من المسند ص 442 من جزئه الثاني بالإسناد إلى أبي هريرة (منه قدس).
(686) صحيح الترمذي ج 5 / 360 ح 3962، سنن ابن ماجة ج 1 / 52 ح 145،
المستدرك للحاكم ج 3 / 149، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، مناقب
علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 64 ح 90 ط 1، أسد الغابة ج 3 / 11 و ج 5 / 523
ذخائر العقبى ص 25، الصواعق المحرقة ص 112 ط الميمنية وص 185 ط المحمدية،
مجمع الزوائد ج 9 / 166 و 169، كفاية الطالب ص 330 و 331 ط الحيدرية وص 188
و 189 ط الغري، ينابيع المودة للقندوزي ص 35 و 165 و 172 و 194 و 230 و 261
و 294 و 309 و 370 ط اسلامبول، شواهد التنزيل للحسكاني ج 2 / 27، المناقب
للخوارزمي ص 91، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 61 و 99، المعجم الصغير للطبراني
ج 2 / 3، الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 271، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج
5 / 92، إحقاق الحق ج 9 / 161 - 174، نزل الأبرار ص 35 و 105، فرائد السمطين
للحمويني ج 2 / 39، سمط النجوم ج 2 / 488.
وقد تقدم مع مصادر أخرى تحت رقم (126).
452

ورأته صلى الله عليه وآله إذ جللهم بكسائه يقول حينئذ: " أنا حرب لمن حاربهم،
وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم " (687) إلى كثير من أمثال هذه
النصوص الصحيحة التي لم يخف شئ منها على أم المؤمنين فإنها عيبة الحديث
حتى قيل عنها:
حفظت أربعين ألف حديث * ومن الذكر آية تنساها (688) -
وحسبها ما قد رواه أبوها أبو بكر إذ قال: رأيت رسول الله خيم

(687) نقل ابن حجر الهيثمي في تفسير الآية من آيات فضلهم التي وردت في الفصل
الحادي عشر من صواعقه، وقد استفاض قوله صلى الله عليه وآله حرب علي حربي وسلمه سلمي (منه قدس).
الصواعق لابن حجر ص 142 و 185 ط المحمدية و 85 و 112 ط الميمنية،
الإصابة ج 4 / 378، ينابيع المودة ص 229 و 294 و 309 ط اسلامبول، نظم درر السمطين
ص 232 و 239، مصابيح السنة للبغوي ج 2 / 280، مشكاة المصابيح ج 3 / 258، ذخائر
العقبى ص 23، الرياض النضرة ج 2 / 249، وقد تقدم تحت رقم (128).
(688) هذا البيت للشيخ كاظم الأزري راجع الأزرية ص.
453

خيمة (1) وهو متكئ على قوس عربية، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن
والحسين، فقال صلى الله عليه وآله: " معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب
لمن حاربهم ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد. ولا
يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد " (689).
فهل يا ترى كانت أم المؤمنين في هذا الخروج وما إليه تريد الله ورسوله
والدار الآخرة، وأنها من المحسنات؟ تبتغي بذلك الأجر والثواب الذي وعد
الله به نساء نبيه إذ يقول: (وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة، فإن
الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) (690).
أم كانت ترى أن بينها وبين الله هوادة، تبيح لها ما قد حرمه الله على
العالمين؟ فارتكبت بخروجها - على الإمام - ما ارتكبت آمنة من وعيده إذ
يقول: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين

(1) لعل هذه الخيمة هي الكساء الذي جللهم به حين أوحى إليه فيهم: " إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ". وقد فصلنا ذلك في
الفصل الثاني من المطلب الأول من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء، فليراجعها من أراد
الشفاء من كل داء (منه قدس).
(689) تجد هذا الحديث منقولا عن أبي بكر الصديق في كتاب عبقرية محمد للأستاذ
الكبير عباس محمود العقاد بعين لفظه تحت عنوان - النبي والإمام والصحابة - فراجع
(منه قدس).
وأيضا في: فرائد السمطين للحمويني ج 2 / 40 ح 373، المناقب للخوارزمي ص 211،
مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 4، سمط النجوم ج 2 / 488 راجع بقية المصادر فيما تقدم
تحت رقم (128).
(690) سورة الأحزاب: 29.
454

وكان ذلك على الله يسيرا) (691).
أم أنها يا ترى رأت خروجها ذلك الخروج، عبادة لله وقنوتا منها له
ولرسوله وعملا صالحا؟ فاستأثرت به عملا بقوله تعالى: (ومن يقنت منكن لله
ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما) (692)!
أم أنها أرادت أن تمثل التقوى والورع بخروجها دون صواحبها من نساء
النبي صلى الله عليه وآله لتستأثر من بينهن بالعمل بقوله تعالى: (يا نساء
النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن) (693).
وهل رأت بيت ابن ضبة بيتها الذي أمرها الله أن تقرء فيه؟ ورأت قيادتها
لتلك الجيوش سرداقا ضربه طلحة والزبير عليها يصونها عن تبرج الجاهلية
الأولى؟ ويفرغها للصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله؟ (694).
ورأت أنها تكون بذلك كله نصب أمر الله ونهيه إذ يقول عز وجل: (وقرن
في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن
الله ورسوله) (695).
وماذا تقول؟ أو يقول أولياؤها؟ في خطاب الله لها ولصاحبتها بقوله:
(إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما (1) وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه

(691) سورة الأحزاب: 30.
(692) سورة الأحزاب: 31.
(693) سورة الأحزاب: 32.
(694) إشارة إلى البيت الذي استقرت فيه في البصرة. راجع: شرح ابن أبي
الحديد.
(695) سورة الأحزاب: 33.
(1) ثبت بهذه الآية صدور الذنب منهما، ووجوب التوبة عليهما (منه قدس).
455

وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا (1)، عسى ربه إن
طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات) (696).
وحسبهما من الله تعالى حجة عليهما، مثله العظيم، الذي ضربه لهما في
سورة التحريم، أعني قوله عز من قائل: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة
نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا
عنهما من الله شيئا، وقيل ادخلا النار مع الداخلين. وضرب الله مثلا للذين
آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون
وعمله، ونجني من القوم الظالمين) (697).
ولله قول من يقول من أبطال أهل البيت علما وعملا:
عائش ما نقول في قتالك * سلكت في مسالك المهالك -
وحسبك ما أخرج البخاري * من الصحيح مومئا للدار (2) -

(1) هذه هي الغاية في الاستعداد لمكافحتهما في نصرته والدفاع عنه صلى الله عليه وآله بحيث
لو تظاهر عليه أهل الأرض في الطول والعرض، ما أعد لمكافحتهم أكثر من هذه القوة كما
لا يخفى (منه قدس).
(696) سورة التحريم: 4 و 5. راجع ما تقدم من مصادر تحت رقم (620).
(697) سورة التحريم: 9 و 10. راجع:
تفسير القرطبي ج 18 / 202، فتح القدير للشوكاني ج 5 / 255.
(2) يشير في هذا البيت إلى ما أخرجه البخاري في باب ما جاء في بيوت أزواج
النبي من كتاب الجهاد والسير ص 125 من الجزء الثاني من صحيحه عن عبد الله قال:
قام النبي صلى الله عليه وآله فأشار إلى مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة ههنا الفتنة حيث يطلع قرن
الشيطان، ولفظه عند مسلم: خرج رسول الله (ص) من بيت عائشة فقال رأس الكفر من
ههنا حيث يطلع قرن الشيطان. فراجعه في كتاب الفتن وأشراط الساعة ص 503 من
الجزء الثاني من صحيحه (منه قدس).
456

قد قيل تبت وعلي غمضا * " فلم سجدت الشكر لما قبضا " (1) -
ولم ركبت البغل في يوم الحسن * تؤججين نار هاتيك الفتن (698) -

(1) إشارة إلى ما كان من أم المؤمنين، حين بلغها نعي علي عليه السلام من أنها
سجدت لله شكرا ثم رفعت رأسها قائلة:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر -
ثم سألت: من قتله؟. فقيل لها: رجل من مراد. فقالت:
فإن يك نائيا فلقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب -
فأنكرت عليها زينب بنت أم سلمة قائلة لها، ألعلي تقولين هذا يا عائش؟!. فأجابت
عائش: أني نسيت، فإذا نسيت فذكروني!! (منه قدس).
(698) كان الإمام أبو محمد الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة، أنذر الهاشميين
قبل وفاته بفتنة يخشاها من بني أمية إذا أراد الهاشميون دفنه عند جده رسول الله (ص)،
وعهد إلى أخيه سيد الشهداء أن يتدارك الشر إذا هبت عواصفه، بدفنه في البقيع عند
جدته فاطمة بنت أسد، وأقسم عليه أن لا يريق في سبيله ملء محجمة من دم.
فلما قضى (بأبي وأمي) نحبه، أراد الهاشميون أن يجددوا به العهد بجده رسول
الله، أو أنهم أرادوا أن يدفنوه عنده إذا أمنوا الفتنة، فقامت قيامة بني أمية، وأعدوا للحرب
عدتها متجهزين بجهازها، وعلى رأسهم مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، وكان
مروان ينادي يا رب هيجاء هي خير من دعة، أيدفن أمير المؤمنين (عثمان) في أقصى
المدينة، ويدفن الحسن مع رسول الله. وجاؤا بعائشة وهي على بغل، تذودهم عن بيتها
قائلة: لا تدخلوه بيتي.
ففي ترجمة الحسن من كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الأصفهاني المرواني
عن علي بن طاهر بن زيد يقول: لما أرادوا دفنه، أي الحسن، ركبت عائشة بغلا
واستعونت بني أمية ومروان ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول القائل: يوما على
بغل، ويوما على جمل.
وذكر المسعودي ركوب عائشة البغلة الشهباء، ليومها الثاني من أهل البيت قال:
فأتاها القاسم بن محمد بن أبي بكر فقال: يا عمة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر
أتريدين أن يقال: يوم البغلة الشهباء. أه‍. وفي ذلك يقول القائل:
تجملت تبغلت ولو عشت تفيلت * لك التسع من الثمن وفي الكل تصرفت -
ولنا هنا أن نبحث عن الوجه في كون بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بيتها تدخل فيه من
تحب، وتذود عنه من لا تحب؟ شأن المالك يتصرف في ملكه المطلق كيف يشاء، فهل
يا ترى ملكها رسول الله صلى الله عليه وآله بيته ببيع أو هبة أو نحوهما؟ كلا. وما أظن أن أحدا قال
ذلك أو توهمه. نعم أسكنها في حجرة من حجرات داره، كما أسكن غيرها من نسائه
في حجرات أخر، وكما يسكن كل رجل زوجته في بيته قياما بواجب المرأة على زوجها
فإن إسكانها من نفقاتها الواجبة لها عليه إجماعا وقولا واحدا. والمرأة إنما تسكن في بيت
زوجها. فيدها على مسكنها ليست من أمارات الملك في شئ، لأن المتصرف في مسكنها
في الحقيقة، إنما هو الرجل، حيث أنه هو الذي أسكنها فيه وحيث أنه كان يساكنها في
نفس البيت، ولو في يومها وليلتها في أقل الفروض.
على أنه لو سلمنا أن يد عائشة على حجرتها، أمارة تملكها، فلم لم تكن يد
الزهراء على فدك أمارة على تملكها؟! وشتان بين هاتين اليدين، فإن يد البنت على شئ
من أملاك أبيها تتصرف فيه على عهده بمنظر منه ومسمع، لمن أمارات الملك بلا كلام،
ولا سيما إذا كانت نازحة على بيت أبيها إلى بيت زوجها. بخلاف يد الزوجة على
حجرة من حجرات دار زوجها، ونحن نحكم العرف البشري في هذه الفرق بين هاتين
اليدين.
ولعل الخليفة يومئذ وهو أبوها، ملكها بيت رسول الله بعد وفاته صلى الله عليه وآله بولايته
العامة، وهذا ليس بالبعيد، لكنا كنا نأمل منه، أن يعامل بنت رسول الله فيما كان في يدها،
معاملة بنته، ولو فعل لكان ذلك أقرب إلى اجتماع الكلمة، ولم شعث الأمة، ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (منه قدس).
هذه الأبيات.
457

[الفصل الخامس]
[تأول خالد بن الوليد]
[المورد - (86) -:]
ذلك ما فعله خالد بن الوليد يوم فتح مكة، وقد نهاه رسول الله صلى الله عليه وآله
يومئذ عن القتل والقتال، كما نص عليه أهل السير والأخبار، ورواه أثبات
المحدثين بأسانيدهم الصحيحة، وقال صلى الله عليه وآله له يومئذ وللزبير: " لا تقاتلا إلا
من قاتلكما ". ولكن خالدا قاتل مع ذلك وقتل نيفا وعشرين رجلا من قريش
وأربعة نفر من هذيل فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله مكة، فرأى امرأة مقتولة، فسأل
حنظلة الكاتب: من قتلها؟: قال: خالد بن الوليد. فأمره أن يدرك خالدا فينهاه
أن يقتل امرأة أو وليدا، أو عسيفا - أي أجيرا - (699) إلى آخر ما تجده من
هذه القضية في " عبقرية عمر " للأستاذ العقاد ص 266.

(699) هذه الحادثة رواها ابن هشام في غزوة حنين في السيرة النبوية ج 14
100 ولعلها قد تكررت من خالد.
459

[المورد - (87) - بطشته الجاهلية في بني جذيمة:]
وقد أرسله صلى الله عليه وآله إليهم، داعيا لهم إلى الإسلام (1)، ولم يبعثه مقاتلا،
وكان بنو جذيمة قتلوا في الجاهلية عمه الفاكه بن المغيرة. فلما جاءهم بمن
معه قال لهم: ضعوا أسلحتكم فإن الناس قد أسلموا. فوضعوا أسلحتهم، وأمر
بهم فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم مقتلة عظيمة (2) فلما انتهى الخبر
إلى النبي صلى الله عليه وآله رفع يديه إلى السماء فقال - كما في باب بعث خالد بن
الوليد إلى بني جذيمة من كتاب المغازي من صحيح البخاري (3) -: " اللهم
إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد. مرتين " (700).
ثم أرسل عليا - كما في تاريخي ابن جرير وابن الأثير وغيرهما - ومعه
مال وأمره أن ينظر في أمرهم، فودى لهم الدماء والأموال حتى أنه ليدي

(1) في ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، وكان ذلك في شوال بعد فتح مكة وقبل
وقعة حنين (منه قدس).
(2) لم يقتصر خالد هنا على مخالفة النص الصريح في عهد النبي إليه في بني
جذيمة، بل كان في بطشته هذه بهم خارجا على عدة قواعد للاسلام الأساسية، كهدر
دماء الجاهلية، وككون الإسلام يجب ما قبله. وكقوله عز من قائل في محكم فرقانه العظيم
(ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) وقد أسرف هذا الرجل
في القتل على أن عمه كان مهدور الدم لا قيمة له، وعلى أنه لا ولاية له على عمه، ففعله
هذا مع كونه مرسلا من قبل رسول الله، من أفحش المنكرات التي لا تنسى إلى يوم القيامة
ولا تقل عن منكراته يوم البطاح (منه قدس).
(3) ص 48 من جزئه الثالث حيث أخرج البخاري حديث خالد مع بني جذيمة
وقتله إياهم، وأخرجه أيضا الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر في مسنده (منه قدس).
(700) الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 153، الغدير للأميني ج 7 / 168 و 169.
460

ميلغة الكلب وبقي معه من المال فضلة فقال لهم: هل بقي لكم مال أو دم لم
يؤد؟ قالوا لا. قال: فإني أعطيكم هذه البقية احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وآله ففعل
ثم رجع فأخبر النبي صلى الله عليه وآله فقال: أصبت وأحسنت - هذا ما نقله المؤرخون
ومترجمو خالد - حتى قال ابن عبد البر بعد أن أن ذكر هذا الخبر عنه في ترجمته
من الاستيعاب ما هذا لفظه: وخبره في ذلك من صحيح الأثر. أه‍. (701).
وأورد هذه القضية من أساتذة أهل الفضل وحفظة الآثار عباس محمود
العقاد في كتابه عبقرية " عمر " فقال: بعث رسول الله خالدا إلى بني جذيمة
داعيا إلى الإسلام، ولم يبعثه للقتال، وأمره ألا يقاتل أحدا إن رأى مسجدا أو
سمع أذانا. ثم وضع بنو جذيمة السلاح بعد جدال بينهم واستسلموا. فأمر
بهم خالد فكتفوا، ثم عرضهم السيف فقتل منهم، وأفلت من القوم غلام يقال
له السميدع حتى اقتحم على رسول الله وأخبره وشكاه إليه، فسأله رسول الله
هل أنكر عليه أحد ما صنع. قال نعم رجل أصفر ربعة، ورجل أحمر طويل..
وكان عمر حاضرا فقال: أنا والله يا رسول الله أعرفهما أما الأول: فهو ابني.
وأما الثاني: فهو سالم مولى أبي حذيفة. وظهر بعد ذلك أن خالدا أمر كل من
أسر أسيرا أن يضرب عنقه. فأطلق عبد الله بن عمر وسالم مولى أبي حذيفة
أسيرين كانا معهما.. فرفع رسول الله يديه حين علم ذلك وقال: " اللهم إني
أبرأ إليك مما صنع خالد ".. ثم دعا علي بن أبي طالب عليه السلام وأمره أن يقصد
إلى القوم ومعه إبل وورق، فودى لهم الدماء وعوضهم من الأموال (702).

(701) تاريخ الطبري ج 3 / 122، الكامل لابن الأثير ج 2 / 173، الاستيعاب
بهامش الإصابة ج 1 / 153، الغدير للأميني ج 7 / 169، دلائل الصدق ج 3 ق 1 ص 33
و 34.
(702) راجع قضية بني جذيمة في كل من:
الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 153، الإصابة ج 1 / 318 و 227 و ج 2 / 81،
السيرة النبوية لابن هشام ج 4 / 53، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 147، تاريخ أبي
الفداء ج 1 / 145، أسد الغابة ج 3 / 102، الغدير ج 7 / 168 - 169، صحيح
البخاري ك المغازي باب بعث خالد إلى بني جذيمة، دلائل الصدق ج 3 ق 1 ص 34.
461

قلت ولم يقتل صلى الله عليه وآله بقتلاهم أحدا، إذ كان القاتلون لهم من المسلمين،
والمقتولون لم يقولوا: أسلمنا. وإنما قالوا: صبأنا. وهي ليست صريحة في
إسلام، ولا يقتل مسلم بكافر.
وقد ارتكب خالد يوم البطاح من مالك بن نويرة وقومه ما قد أتينا على
كثير منه في الفصل الأول من هذا الكتاب ص 61، فليراجع بإمعان وتحرر (703)
ليعلم من المسؤول عن تلك الفظائع والفجائع، وكيف ذهبت أموال المسلمين
ودماؤهم وأعراضهم سدى، وفيم تعطلت حدود الله وانتهكت حرماته. وبم
هدأت ثورة الثائرين على خالد، وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب وبم كان خالد
في السقوط عن درجة الاعتبار لدى الخليفة الثاني بمثابة أوجبت عليه المبادرة
إلى عزله فعزله فورا وبعث بعزله وبنعي أبي بكر إلى الشام مع بريد واحد،
كما صرح به ابن الأثير وغيره (704).

(703) راجع في جرائم خالد بن الوليد:
الغدير للأميني ج 7 / 158 - 169، وما تقدم تحت رقم (171) وما بعده.
(704) الكامل لابن الأثير ج 2 / 293.
462

[الفصل السادس]
[في بعض ما كان من معاوية]
[المورد - (88) - إلحاق معاوية لزياد بأبي سفيان:]
وذلك أنه إنما ألحقه بأبيه أبي سفيان بدعوى أنه عاهر في الجاهلية سمية
وهي على فراش عبيد فحملت بزياد، مستندا في ذلك إلى شهادة أبي مريم،
المتجر بالخمر والقيادة - كما في المختصر لابن الشحنة - (705) وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " (706) وقال صلى الله عليه وآله من

(705) الكامل لابن الأثير ج 3 / 220، الغدير للأميني ج 10 / 223، الفصول
المهمة لشرف الدين ص 115، العقد الفريد ج 3 / 2، تاريخ ابن عساكر ج 5 / 409.
وراجع أيضا في استلحاق معاوية زيادا: دلائل الصدق ج 3 ق 1 ص 217.
(706) هذا الحديث مشهور بل متواتر فقد رواه أصحاب الصحاح الستة وغيرهم
عن أبي هريرة:
صحيح البخاري ك الفرائض ج 2 / 199، صحيح مسلم ك الرضاع ج 1 / 471،
صحيح الترمذي ج 1 / 150 و ج 2 / 34، سنن النسائي ج 2 / 110، سنن أبي داود ج 1 /
310، سنن البيهقي ج 7 / 402 و 412.
وعن عائشة: رواة الحفاظ إلا الترمذي كما في نصب الراية ج 3 / 236.
وعن عمر وعثمان: في سنن البيهقي ج 7 / 412.
وراجع أيضا: مسند أحمد ج 1 / 104 و ج 2 / 409 و ج 5 / 326.
الغدير للأميني ج 10 / 216، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق
لابن عساكر ج 2 / 52 ح 551، الفصول المهمة لشرف الدين ص 115.
463

حديث (1): ".. ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ".
وحسبنا قوله عز من قائل: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) (707).
وكان فعل معاوية هذا أول عمل جاهلي عمل به في الإسلام علانية، فأنكر
عليه كافة الناس فلم يرعوا ولم يبال بذلك، وكان يغضب إذا لم يدع زياد إلى
أبيه، فأنكر عليه بعض معاصر به فقال:
أتغضب أن يقال أبوك عف * وترضى أن يقال أبوك زان (708) -
[المورد - (89) - عهده بالخلافة إلى ابنه يزيد:]
عهد بها إليه وأنه للصبي الجاهل، يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب،
والقردة، ولا يعرف من الدين موطئ قدمه، مسرف في لهوه كل الإسراف، وأبوه
يعرف ليله ونهاره، وإعلانه وأسراره (709) ويعرف منزلة الحسين عليه السلام من الله

(1) أخرجه البخاري في باب النجش من كتاب البيوع ص 12 من الجزء الثاني
من صحيحه (منه قدس).
(707) سورة الأحزاب: 5.
(708) يروى هذا البيت لزياد (يزيد) بن ربيعة بن مفرغ الحميري الشاعر
الشهير وقيل لعبد الرحمن بن الحكم. راجع الغدير للأميني ج 10 / 220 - 221.
(709) مقتل الحسين للمقرم ص 12 و 13 - 16، الفصول المهمة لشرف
الدين ص 116، نيل الأوطار ج 7 / 147، روح المعاني للآلوسي ج 6 / 73 تفسير آية:
فهل عسيتم إن توليتم، النجوم الزاهرة ج 1 / 163، الإمامة والسياسة ج 1 / 153 و 155
الغدير ج 3 / 260: تاريخ الطبري ج 11 / 358 ط قديم، شيخ المضيرة أبو هريرة ص
163.
464

ومكانته من رسول الله [ص] ومحله في نفوس المؤمنين (710).
على أنه كان يومئذ في المهاجرين والأنصار - وبقية البدريين وأهل بيعة
الرضوان - (711) جم غفير، وعدة وافرة كلهم قارئ للقرآن، عالم بمواقع
الأحكام، خبير بالسياسة، حقيق (على رأي الجمهور) بالخلافة والرئاسة، فلم
يراع سابقتهم في الإسلام ولا عناءهم في تأييد الدين، وأمر عليهم شريره
المتهتك وسكيره المفضوح، فكان منه في طف كربلاء مع خامس أصحاب
الكساء، وسيد شباب أهل الجنة ما أثكل النبيين وأبكى الصخر الأصم دما،
ورمى المدينة الطيبة بمجرم بن عقبة، - بعهد إليه في ذلك من أبيه (712) -

(710) ويكفي في فضله ما تقدم من نزول آية التطهير والمودة وسورة هل أتى
وآية المباهلة وحديث الثقلين وحديث السفينة وغيرها فيه وفي أبيه وأمه وأخيه راجع ما
تقدم من مصادر تحت رقم (105 و 106 و 107 و 108 و 109 و 113 و 15 و 16 و 17).
(711) الفصول المهمة لشرف الدين ص 116، الغدير ج 3 / 255.
(712) كما نص عليه الإمام ابن جرير الطبري في الصفحة الأخيرة من حوادث سنة
63 من أوائل الجزء 7 على تاريخه، وابن عبد ربه المالكي حيث ذكر وقعة الحرة في الجزء
الثاني من عقده الفريد، ولم يبال يزيد ولا أبوة بقول رسول الله صلى الله عليه وآله: من أخاف المدينة
أخافه الله عز وجل وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة
صرفا ولا عدلا أخرجه الإمام أحمد من حديث السائب بن خلاد بطريقين إليه في ص 96
من الجزء 4 من مسنده (منه قدس).
ضرب الكعبة الكعبة بالمنجنيق وحرقها:
راجع: الفصول المهمة لشرف الدين ص 116، مقتل الحسين للمقرم ص 11،
رسائل الجاحظ ص 298، الرسالة الحادية عشر في بني أمية، سير أعلام النبلاء
للذهبي، وفاء الوفاء ج 1 / 127 وص 137.
وأما الأحاديث في حرمة المدينة ولعنة صلى الله عليه وآله من أخاف أهل المدينة وغير ذلك
فراجعها في:
الغدير للأميني ج 11 / 34 - 36، وفاء الوفاء ج 1 / 43 - 47.
465

فكانت أمور تكاد السماوات يتفطرن منها، وحسبك أنهم أباحوا المدينة الطيبة
ثلاثة أيام، حتى افتض فيها ألف عذراء (1) من بنات المهاجرين والأنصار،
وقتل يومئذ من المهاجرين والأنصار وأبنائهم وسائر المسلمين عشرة آلاف
وسبعمائة وثمانون رجلا، ولم يبق بعدها بدري (2) وقتل من النساء والصبيان
عدد كثير، وكان الجندي يأخذ برجل الرضيع فيجذبه من أمه ويضرب به
الحائط حتى ينثر دماغه على الأرض وأمه تنظر إليه (713) ثم أمروا بالبيعة ليزيد
على أنهم حول وعبيد، إن شاء استرق وإن شاء أعتق، فبايعوه على ذلك

(1) كما نص عليه السيوطي في تاريخ الخلفاء وعلمه جميع الناس حتى قال ابن
الطقطقي في ص 107 من تاريخه المعروف بالفخري ما هذا نصه: فقيل أن الرجل من
أهل المدينة بعد ذلك كان إذا زوج ابنته لا يضمن بكارتها، ويقول لعلها افتضت في وقعة
الحرة. أه‍، وقال الشبراوي في ص 66 من كتابه (الاتحاف) وافتض فيها نحو ألف بكر
وحمل فيها من النساء اللاتي لا أزواج لهن نحو من ألف امرأة. (قلت) وقال ابن خلكان
حيث ذكر وقعة الحرة في ترجمة يزيد بن القعقاع القارئ المدني من وفياته ما هذا
لفظه: كان يزيد بن معاوية في مدة ولايته قد سير إلى المدينة جيشا مقدمه مسلم بن عقبة
المري فنهبها وأخرج أهلها إلى هذه الحرة فكانت الوقعة فيها، وجرى فيها ما يطول شرحه
وهو مسطور في التواريخ، حتى قيل أن بعد وقعة الحرة ولدت أكثر من ألف بكر من
أهل المدينة بسبب ما جرى فيها من الفجور (منه قدس).
(2) نص على ذلك ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة وغير واحد من أهل الأخبار
(منه قدس).
(713) راجع ص 200 من كتاب الإمامة والسياسة للإمام ابن قتيبة الدينوري
(منه قدس).
وقعة الحرة:
قتل فيها من حملة القرآن سبعمائة نفس وقتل من وجوه قريش سبعمائة سوى من
قتل من الأنصار.
وممن قتل من الصحابة صبرا عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة وقتل معه ثمانية من
بنيه وقتل أيضا معقل بن سنان الأشجعي وعبد الله بن زيد، والفضل بن العباس بن ربيعة،
وإسماعيل بن خالد، ويحيى بن نافع، وعبد الله بن عتبة، والمغيرة بن عبد الله، وعياض
ابن حمير، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبد الله بن أبي عمرو، وعبيد الله وسليمان ابنا
عاصم، ونجا الله أبا سعيد وجابرا وسهل بن سعد.
راجع: الغدير ج 10 / 35، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 42، الاستيعاب
بهامش الإصابة ج 1 / 258، تاريخ ابن كثير ج 2 / 221، الإصابة ج 3 / 473.
وقال السمهودي: وقتل من سائر الناس أكثر من عشرة آلاف.
وذكر جرائم أخرى في هذه الواقعة ج 1 / 125 - 137 ط 3 بيروت.
466

وأموالهم مسلوبة، ورحالهم منهوبة، ودماؤهم مسفوكة، ونساؤهم مهتوكة،
وبعث مجرم بن عقبة برؤس أهل المدينة إلى يزيد. فلما ألقيت بين يديه تمثل
بقول القائل: ليت أشياخي ببدر شهدوا الأبيات (714).
ثم توجه مجرم لقتال ابن الزبير (وهو إذ ذاك في مكة) وقد بويع بالخلافة
فهلك المجرم في الطريق، وتأمر بعده الحصين بن نمير بعهد من يزيد، فأقبل
بجيشه حتى نزل على مكة المكرمة ونصب عليها العرادات والمجانيق، وفرض

(714) مقتل الحسين للمقرم ص 461، اللهوف في قتل الطفوف لابن طاوس ص
102، الفصول المهمة لشرف الدين ص 117، روح المعاني للآلوسي ج 6 / 73 في
تفسير آية: (فهل عسيتم أن توليتم)، الغدير للأميني ج 3 / 260، تاريخ الطبري ج 11 /
358 ط قديم.
وذكر السمهودي بايعوا على أنهم خول ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم
بما شاء. وفاء الوفاء ج 1 / 131.
467

على أصحابه عشرة آلاف صخرة في يوم يرمونها بها، فحاصروهم بقية
المحرم وصفر وشهري ربيع يغدون على القتال ويروحون حتى جاءهم موت
طاغيتهم يزيد، وكانت المجانيق أصابت البيت الحرام فهدمته مع الحريق الذي
أصابه (715).
وفظائع يزيد من أول عمره إلى انتهاء أمره أكثر من أن تحويها الدفاتر،
أو تحصيها الأقلام والمحابر، وقد شوهت وجه التاريخ، وسودت صحائف
السير، وكان أبوه معاوية يرى كلابه وقروده، وصقوره وفهوده، ويطلع على
خموره وفجوره، ويشاهد الفظائع من أموره، ويعاين لعبه مع الغواني
ويعرف لؤمه وخبثه بكل المعاني. ويعلم أنه ممن لا يؤتمن على نقير، ولا
يولى أمر قطمير، فكيف رفعه والحال هذه إلى أوج الخلافة عن رسول الله؟!
وأحله عرش الملك وإمامة المسلمين؟! وملكه رقاب الأمة؟! فغشها بذلك
(716) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله (فيما أخرجه البخاري من الورقة الأولى
من كتاب الأحكام ص 155 من الجزء 4 من صحيحه): " ما من وال يلي رعية من
المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة " أه‍. (1) وقال صلى الله عليه وآله
(فيما أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي بكر في الصفحة السادسة من الجزء

(715) شهداء الفضيلة للأميني ص 191، مقتل الحسين للمقرم ص 8 و 12، الإمامة
والسياسة لابن قتيبة، الفصول المهمة لشرف الدين ص 118، روح المعاني للآلوسي
ج 6 / 73 تفسير آية، (فهل عسيتم أن توليتم) رسائل الجاحظ ص 298، الرسالة الحادي
عشر في بني أمية.
(716) الفصول المهمة لشرف الدين ص 118، الغدير ج 3 / 260.
(1) وأخرجه مسلم في باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته ص 67 من ج 1 من
صحيحه (منه قدس).
468

الأول من مسنده): " من ولي من أمور المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة
فعليه لعنة الله، لا يقبل منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم ".
وقال صلى الله عليه وآله (فيما أخرجه البخاري في الورقة الآنفة الذكر من صحيحه):
" ما من عبد استرعاه الله رعيته فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة ".
[المورد - (90) - عيثه في اليمن:]
وذلك أن معاوية بعث بسر بن أرطاة إلى اليمن سنة أربعين ليعيث فيها،
وكان الوالي عليها يومئذ من قبل أمير المؤمنين ابن عمه عبيد الله بن العباس
وأهلها كانوا من أولياء أمير المؤمنين والمخلصين لله تعالى في ولايته. فسامهم بسر
سوء العذاب! يذبح أبناءهم! ويستحيي نساءهم!! على سنة من فرعون،
وعهد إليه بذلك من معاوية.
وحسبك ما أجمع أهل الأخبار على نقله، فراجع ما شئت من كتبهم مما
يشتمل على أحداث تلك السنة، لتعلم فظاعة هذه الواقعة، من قبل الشيوخ
الركع، وذبح الأطفال الرضع، ونهب الأموال، وسبي العيال (717).
وما ينسى فلن ينسى ما فعله بنساء همدان (بإخلاصهن لله في ولاية آل محمد)
إذ سباهن فأقامهن، (كما في ترجمة بسر من الاستيعاب) في السوق وكشف
عن سوقهن!! فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها!! قال ابن

(717) الفصول المهمة لشرف الدين ص 122، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2
/ 453 - 457، تاريخ الطبري ج 5 / 140، الكامل لابن الأثير ج 3 / 383، الغدير ج
11 / 16 و 20، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 65 و 66، وفاء الوفاء ج 1 / 31،
البداية والنهاية ج 7 / 319 - 322، تاريخ ابن عساكر ج 3 / 222 و 459.
469

عبد البر في الاستيعاب: كن أول مسلمات سبين في الإسلام (718).
وما أدري أهذه أفظع وأفجع وأوجع، أم فعله بطفلي عبيد الله بن العباس؟!
الوالي يومئذ على اليمن، فهرب من بسر واستخلف عبيد الله بن عبد المدان
الحارثي وهو جد الطفلين لأمهما، فقتله بسر فيمن قتلهم يومئذ من الألوف
المؤلفة من خيار المسلمين، وقتل ابنه وبحث عن الطفلين حتى وجدهما عند
رجل من كنانة في البادية، فلما أراد بسر قتلهما قال له الكناني (كما في تاريخ
ابن الأثير): لم تقتلهما وهما طفلان لا ذنب لهما؟! فإن كنت قاتلهما فاقتلني
قبلهما. فقتله! ثم ذبحهما بين يدي أمهما!! (كما نص عليه ابن عبد البر
في ترجمة بسر من الاستيعاب) فهامت أمهما على وجهها جنونا مما نالها،
وكانت تأتي الموسم تنشدهما فتقول:
يا من أحس بابني الذين هما * كالدرتين تشظي عنهما الصدف -
يا من أحس بابني الذين هما * مخ العظام فمخي اليوم مزدهف -
يا من أحس بابني الذين هما * قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف -
من دل والهة حيرى مدلهة * على صبيين ذلا إذ غدا السلف -
نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا * من إفكهم ومن الإثم الذي اقترفوا -
أحني (1) على ودجي ابني مرهفة * مشحوذة وكذاك الإثم يقترف (719) -

(718) الفصول المهمة لشرف الدين ص 122.
(1) كذا في رواية ابن الأثير، لكن في رواية الاستيعاب وأبي الفداء، أنحى
(منه قدس).
(719) الفصول المهمة لشرف الدين ص 122، الغدير ج 11 / 17، الأغاني ج
15 / 44، تاريخ ابن عساكر ج 2 / 223، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 65، النزاع
والتخاصم ص 13، تهذيب التهذيب ج 1 / 435.
470

وقالت له امرأة من كنانة لما ذبحهما (كما في تاريخ ابن الأثير): يا هذا
قتلت الرجال! فعلام قتلت هذين؟! والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية، والله
يا بن أبي أرطاة إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير، والشيخ الكبير
ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء. (إلى آخر ما أوردناه من هذه
الفظائع التي تربأ عنها البرابرة فلتراجع في الفصول المهمة) (720).
[المورد - (91) - قتله للصالحين من عباد الله:]
وحسبه ظلما وعدوانا أن قتل الحسن الزكي سيد أهل البيت في عصره،
وإمامهم بعد أبيه صلوات الله وسلامه عليهما بسم دسه إليه فسقته إياه جعدة
بنت الأشعث، والنصوص في ذلك متواترة عن أئمة العترة الطاهرة. وقد
اعترفت به جماعة من أهل الأخبار، قال أبو الحسن المدائني (كما في أوائل
الجزء 16 من شرح النهج الحديدي الحميدي في ص 4 من المجلد 4 طبع
مصر): كانت وفاة الحسن سنة 49، وكان مريضا 40 يوما وكان سنه 47 سنة،
دس إليه معاوية سما على يده جعدة بن الأشعث (قال) وقال لها: إن قتلتيه
بالسم فلك مائة ألف وأزوجك يزيد. فلما مات الحسن عليه السلام وفي لها
بالمال ولم يزوجها من يزيد، وقال: أخاف أن تصنعي بابني كما صنعت بابن
رسول الله صلى الله عليه وآله. ا ه‍.
ونقل المدائني عن الحصين بن المنذر الرقاشي (كما في ص 70 من
المجلد 4 من شرح النهج الحميدي طبع مصر أيضا) أنه كان يقول: والله ما
وفى معاوية للحسن بشئ مما أعطاه، قتل حجرا وأصحابه وبايع لابنه يزيد

(720) الفصول المهمة لشرف الدين ص 123، تاريخ الطبري ج 6 / 77، كامل
ابن الأثير ج 3 / 162، وفاء الوفاء ج 1 / 31، الغدير ج 11 / 20.
471

وسم الحسن. ا ه‍.
وقال أبو الفرج الأصفهاني المرواني في كتابه مقاتل الطالبين ما هذا لفظه:
وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن شئ أثقل عليه من أمر الحسن بن علي،
وسعد بن أبي وقاص، فدس إليهما سما فماتا منه.
وروى ابن عبد البر في ترجمة الحسن من استيعابه عن قتادة وأبي بكر بن
حفص: أن بنت الأشعث سقت الحسن بن علي السم، (قال): وقالت طائفة
كان ذلك منها بتسديس معاوية إليها (721).
وقد علم الناس ما ارتكبه في مرج عذراء من الفظاعة بقتل أولئك الأخيار
الأبرار صبرا وهم حجر بن عدي الكندي الصحابي وأصحابه، قتلهم إذ لم
يلعنوا له عليا عليه السلام، وكانوا من (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى
جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا
سبحانك فقنا عذاب النار) (722). وكان قتلهم سنة إحدى وخمسين للهجرة
المباركة وأنكرها على معاوية جميع من كان في ذلك العهد من الصحابة والتابعين
ومن كان بعدهم من أولي الألباب. وقد فصلها كل من أرخ حوادث تلك السنة

(721) وفي ص 17 من المجلد الرابع من شرح النهج لابن أبي الحديد طبع مصر
ما نلفت إليه المتتبعين. وما أولاهم بالوقوف عليه (منه قدس).
معاوية هو الذي قتل الإمام الحسن عليه السلام:
راجع: تاريخ اليعقوبي ج 2 / 191، مروج الذهب للمسعودي ج 2 / 427، صلح
الحسن للشيخ راضي آل ياسين ص 364 - 368، دلائل الصدق للمظفر ج 3 ق 1 / 233
الفصول المهمة لشرف الدين ص 120، مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني ص 73
تحقيق أحمد صقر، الغدير ج 11 / 8 - 15، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 16 /
49، نزل الأبرار بالهامش ص 142 عن عدة مصادر.
(722) سورة آل عمران: 191.
472

من المتقدمين والمتأخرين، فراجع منها ما شئت (723).
وما أخالك تنسى قتله عمرو بن الحمق الخزاعي (724) وكان بحيث أبلته

(723) راجع: الغدير للأميني ج 11 / 53، تاريخ الطبري ج 5 / 277، كنز
العمال ج 15 / 157 ح 445 ط 2، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 184.
بل قتل معاوية بن أبي سفيان خلقا كثيرا من شيعة آل محمد:
منهم:
1 - حجر بن عدي الكندي الصحابي الجليل وستة من أصحابه وهم:
2 - شريك بن شداد الحضرمي.
3 - وصيفي بن فسيل الشيباني.
4 - وقبيصة بن ضبيعة العبسي.
5 - ومحرز بن شهاب المنقري.
6 - وكدام بن حيان العنزي.
7 - وعبد الرحمن بن حسان العنزي. كلهم في مرج عذراء. وقد وفقنا الله في هذه
السنة في شوال 1403 ه‍ لزيارتهم والجمهورية الإسلامية مشغولة بتجديد ضريح لهم.
8 - وقتل أيضا عمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي العظيم وحمل رأسه وهو أول
رأس حمل في الإسلام.
9 - مسلم بن زيمر الحضرمي.
10 - عبد الله بن نجي الحضرمي.
11 - مالك بن الحارث الأشتر النخعي.
12 - محمد بن أبي بكر قتل ووضع في جيفة حمار ثم أحرق.
كل هؤلاء من أولياء الله ورسوله وعظماء الأمة.
راجع: تاريخ الطبري ج 5 / 253 - 280 و 95 - 105، عيون الأخبار لابن قتيبة
ج 1 / 147، الكامل لابن الأثير ج 3 / 352 - 357 و 482 - 488، الغدير للأميني ج
11 / 37 - 70، أحاديث أم المؤمنين عائشة للعسكري ج 1 / 257 - 260، الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني ج 16 / 2 - 11.
(724) راجع: الغدير ج 11 / 41.
473

العبادة، ورأسه أول رأس حمل في الإسلام، قتله وهو من خيار أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله، ولا ذنب له غير حبه علي بن أبي طالب عليه السلام، إذ أن عليا
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
ولم يقتصر معاوية على قتل أولياء الله، حتى قتل في ذلك أخص أوليائه
به، وأشدهم ملازمة له، عبد الرحمن بن خالد بن الوليد حارب معه في صفين،
وحالفه على عداوة أمير المؤمنين، ثم بعدها باعه بالتافه الزهيد، وقتله مخافة
أن ترغب الناس به عن يزيد، وقصته مشهورة عند أهل الأخبار، مستفيضة بين
أهل السير والآثار، فراجع ترجمة عبد الرحمن من الاستيعاب تجد التفصيل (725).
[المورد - (92) - بوائق أعماله وعماله:]
ولو أردنا أن نتصدى الأحكام التي بدلها، والحدود التي عطلها، والبوائق
التي ارتكبها، والفواقر التي احتقبها، والأحداث التي أحدثها في زمانه،
والغاشمين الذين أشركهم في سلطانه، كابن شعبه، وابن العاص، وابن
أرطاة، وابن جندب، ومروان، وابن السمط، وزياد، وابن مرجانة، والوليد
وأمثالهم ممن فعلوا الأفاعيل، وقهروا الأمة بالأباطيل وساموا عباد الله سوء
العذاب، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، لأفنينا المحابر، واستغرقنا
الصحف والدفاتر، وهيهات أن نبلغ غايتنا المقصودة أو نظفر (فيما بذلناه من
وسع) بضالتنا المنشودة (726) والحمد لله رب العالمين من المستبصرين
آل محمد صلى الله عليه وآله، وضلال أعدائهم.

(725) الفصول المهمة لشرف الدين ص 121، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 175.
(726) راجع: الغدير ج 11 / 16 - 36، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
ج 11 / 43، الفصول المهمة لشرف الدين ص 115 - 129، النصائح الكافية لمن
يتولى معاوية لمحمد بن عقيل، تقوية الإيمان في الرد علي بن أبي سفيان له أيضا،
صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين، المراجعات لشرف الدين ص 296 تحت رقم 700
وما بعده، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 215 تحت رقم (699) ط بيروت.
474

[المورد - (93) - بغضه عليا وعدوانه إياه:]
إن بغضه لعلي، وعداوته إياه، لمن المسلمات البديهيات لكل من يعرفهما
أو يسمع بهما من جميع أهل الأرض في الطول والعرض، على اختلافهم في
الأديان، والألسنة والألوان، فحكمهما في ذلك حكم آدم والشيطان بلا ريب
(727)، وإليك في هذه العجالة طرفا من النصوص الصريحة في حكمي حبه
وبغضه المتناقضين في دين الإسلام. فعن سلمان الفارسي (وقد قيل له: ما أشد
حبك لعلي) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " من أحب عليا فقد أحبني (1)
ومن أبغض عليا فقد أبغضني " (728).

(727) لأجل المزيد من ذلك راجع:
كتاب المراجعات لشرف الدين ص 296، الغدير للأميني ج 10 / 257، النصائح
الكافية لمن يتولى معاوية، تقوية الإيمان في الرد علي بن أبي سفيان، العتب الجميل
كلها لمحمد بن عقيل، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 11، شيخ المضيرة أبو
هريرة ص 174، الفصول المهمة لشرف الدين ص 115 - 129.
(1) أخرجه الحاكم في ص 130 من الجزء 3 من المستدرك. ثم قال: هذا
حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأورده الذهبي في تلخيص المستدرك
معترفا بصحته على شرطيهما (منه قدس).
(728) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 9 / 172 بتحقيق أبو الفضل و ج 2 /
431 ط أفست بيروت، الرياض النضرة ج 2 / 165 ط الخانجي و ج 2 / 218 ط 2 دار
التأليف بمصر، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30، مناقب علي بن أبي
طالب لابن المغازلي الشافعي ص 109 ح 151، الجامع الصغير للسيوطي ج 2 / 136
ط الميمنية و ج 2 / 479 ط مصطفى محمد، مجمع الزوائد ج 9 / 129 - 133، نور
الأبصار للشبلنجي ص 73 ط العثمانية وص 72 ط السعيدية، إسعاف الراغبين للصبان الشافعي
بهامش نور الأبصار ص 141 - 142 ط العثمانية وص 156 ط السعيدية، الصواعق
المحرقة لابن حجر ص 74 ط الميمنية وص 121 ط المحمدية، الاستيعاب بهامش الإصابة
ج 3 / 37، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 28، أسد الغابة ج 4 / 483، الميزان
للذهبي ج 2 / 128 ط السعادة، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 205 و 272 و 282
و 303 ط اسلامبول وص 242 و 325 و 338 ط الحيدرية، سبيل النجاة في تتمة المراجعات
ص 152 تحت رقم (572) ط بيروت، نزل الأبرار ص 55.
475

وعن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي: " يا علي
طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك " أخرجه
الحاكم في ص 135 من الجزء 3 من المستدرك ثم قال: هذا حديث صحيح
الإسناد ولم يخرجاه (729).

(729) نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 102، الفصول المهمة لابن
الصباغ المالكي ص 111 ط الحيدرية وص 109 ط الغري، ترجمة الإمام علي بن أبي
طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 2 / 211 ح 705 و 706، ذخائر العقبى
ص 92، المناقب للخوارزمي ص 30 و 66، مجمع الزوائد ج 9 / 132، ينابيع المودة
للقندوزي ص 91 و 213 ط اسلامبول وص 104 و 252 ط الحيدرية، نور الأبصار للشبلنجي
ص 74 ط العثمانية وص 73 ط السعيدية، الرياض النضرة ج 2 / 285 ط 2 و ج 2 / 214 ط
الخانجي، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 34، كنوز الحقائق للمناوي ص
303 ط بولاق وص 121 ط آخر، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 129 و 310 ح 248،
إحقاق الحق ج 7 / 271، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 154 تحت رقم (575)
ط بيروت، نزل الأبرار ص 67، تاريخ بغداد ج 9 / 71، أسد الغابة ج 4 / 23.
476

وعن أبي سعيد الخدري (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " والذي نفسي
لا يبغضنا أهل البيت إلا أدخله الله النار " (730).
وعن أبي ذر قال: " ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم رسول الله
والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب " (731).
وعن ابن عباس قال رضي الله عنه: " نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى علي فقال: يا
علي أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله
وعدوك عدوي وعدوي عدو الله عز وجل، والويل لمن أبغضك بعدي " (732).

(1) فيما أخرجه الحاكم في ص 150 من الجزء 3 من المستدرك ثم قال: هذا
حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وأورده الذهبي في تلخيصه ولم يناقش في
صحته (منه قدس).
(730) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 138 ح 181، جواهر البحار
للنبهاني ج 1 / 36، إحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف للشبراوي ص 111، إسعاف
الراغبين للصبان ص 104 ط العثمانية وص 112 ط السعيدية، الصواعق المحرقة لابن حجر
ص 172 و 237 ط المحمدية وص 104 و 143 ط الميمنية. وذكر تصحيحه للحديث في
المورد الأول، ينابيع المودة للقندوزي ص 104 ط اسلامبول وص 365 ط الحيدرية،
نظم درر السمطين للزرندي ص 106، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 94،
السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 3 / 333، إحقاق الحق للتستري ج
9 / 461، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 33 رقم (61)، نزل الأبرار ص 35.
(731) أخرجه الحاكم في أول ص 129 من الجزء الثالث من المستدرك، ثم قال:
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (منه قدس).
الرياض النضرة ج 2 / 215 ط 1، أسنى المطالب للجزري ص 57، الغدير ج 3 /
182، تاريخ بغداد ج 2 / 255، كنز العمال ج 6 / 394.
(4) أخرجه الحاكم في ص 128 من الجزء 3 من المستدرك، وقال: صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقد اعترف الذهبي على تشدده بوثاقة رواته كلهم حيث
أورد في تلخيصه (منه قدس).
المناقب للخوارزمي ص 234، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص
103، نور الأبصار للشبلنجي ص 74 ط العثمانية وص 73 ط السعيدية، الميزان للذهبي
ج 2 / 613، ينابيع المودة للقندوزي ص 91 و 248 و 314 ط اسلامبول وص 104 و 295
ط الحيدرية، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 9 / 171 بتحقيق أبو الفضل و ج 2 /
30 ط بيروت، الرياض النضرة ج 2 / 219 و 220، فرائد السمطين للحمويني ج 1 /
128، نزل الأبرار ص 66.
ولأجل المزيد من المصادر في ذلك راجع: كتاب المراجعات لشرف الدين مع
تعليقتنا عليه تحت رقم (49 و 572 و 577 و 751).
477

وعن عمرو بن شاس الأسلمي - وكان من أهل الحديبية - " قال: خرجت
مع علي إلى اليمن فجفاني في سفره ذلك، حتى وجدت في نفسي، فلما أقدمت
أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ رسول الله ذلك، فلما رآني أبد في عينيه
(أي حدد إلي النظر) حتى إذا جلست قال: يا عمرو أما والله لقد آذيتني. فقلت
أعوذ بالله أن أؤذيك يا رسول الله، قال: بلى، من آذى عليا فقد آذاني " (733).

(733) أخرجه الحاكم في ص 122 من الجزء الثالث من المستدرك ثم قال: حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه. واعترف الذهبي بصحته إذ أورده في تلخيص المستدرك
(منه قدس).
مسند أحمد بن حنبل ج 3 / 483 ط 1، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 298 ح
236، ذخائر العقبى ص 65، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن
عساكر ج 1 / 389 ح 496 - 499، البداية والنهاية ج 5 / 104 و ج 7 / 346.
ومثل هذا يوجد: عن بريدة الأسلمي وعن عمران بن حصين وعن وهب بن حمزة.
ولأجل المزيد في ذلك راجع تعليقتنا على المراجعات تحت رقم (520 و 526
و 531)، نزل الأبرار ص 54.
وأما آخر الحديث من قوله صلى الله عليه وآله: " من آذى عليا فقد آذاني " فهو من الأحاديث
المتواترة.
راجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 /
389 ح 495 - 502، شواهد التنزيل للحسكاني ج 2 / 98 ح 777 و 778، كفاية الطالب
للكنجي الشافعي ص 276 ط الحيدرية وص 144 ط الغري، مناقب علي بن أبي طالب
لابن المغازلي ص 52 ح 76، المناقب للخوارزمي ص 93، مجمع الزوائد ج 9 / 129،
نور الأبصار للشبلنجي ص 73، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 / 37، الصواعق المحرقة
لابن حجر ص 73 و 74 ط الميمنية وص 121 ط المحمدية، أنساب الأشراف للبلاذري ج
2 / 146 و 147، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 173، الإصابة لابن حجر ج 2 / 543،
تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 44، ينابيع المودة للقندوزي ص 181 و 187
و 205 و 272 و 282 و 303 ط اسلامبول وص 213 و 221 و 243 و 338 ط الحيدرية،
إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 156 ط السعيدية وص 141 ط العثمانية، كنوز
الحقائق للمناوي ص 144 ط بولاق وص 121 ط آخر، كنز العمال ج 15 / 125 ح 360
ط 2، الرياض النضرة ج 2 / 218 ط 2، الجامع الصغير للسيوطي 21 / 135، منتخب
كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة
الحلبية ج 3 / 332 ط البهية و ج 3 / 369 ط محمد علي صبيح، إحقاق الحق ج 6 / 381،
فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 298 ح 236، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 151
رقم (571).
478

وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " يا علي من فارقني فقد فارق الله
تعالى، ومن فارقك يا علي فقد فارقني " (734).

(734) أخرجه الحاكم في ج 3 ص 124 من المستدرك، ثم قال: صحيح الإسناد
ولم يخرجاه (منه قدس).
ذخائر العقبى ص 66، مجمع الزوائد ج 9 / 135، ترجمة الإمام علي بن أبي
طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 268 ح 789، مناقب علي بن أبي طالب لابن
المغازلي ص 241 ح 188، الرياض النضرة ج 2 / 220 ط 2، ينابيع المودة للقندوزي
ص 91 و 181 و 205 ط اسلامبول وص 105 و 214 و 243 ط الحيدرية، الميزان للذهبي
ج 2 / 18، إحقاق الحق ج 6 / 396، فرائد السمطين ج 1 / 300 ح 238، سبيل النجاة
في تتمة المراجعات ص 150 رقم (569)، المعيار والموازنة ص 224، نزل الأبرار
ص 56.
479

وقال الإمام الحافظ ابن عبد البر في ترجمة علي من الاستيعاب ما هذا لفظه
وقال صلى الله عليه وآله: " من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن
آذى عليا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله " (735).
وقال صلى الله عليه وآله - فيما أخرجه الطبراني وغيره من حفظة الآثار النبوية -: " ما
بال أقوام يبغضون (736) عليا ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن فارق عليا فقد
فارقني، إن عليا مني وأنا منه خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم (737)
ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، يا بريدة أما علمت أن لعلي أفضل من
الجارية التي أخذ وأنه وليكم بعدي " (838).
وشكا عليا إليه بعض أصحابه صلى الله عليه وآله وكانوا قد تعاقدوا على شكايته لتنمره
في ذات الله، فقال صلى الله عليه وآله: " ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، ما تريدون
من علي، إن عليا مني وأنا منه وهو وليكم بعدي " (739).

(735) ذخائر العقبى ص 65، المعيار والموازنة للإسكافي ص 224، نزل الأبرار
ص 55.
وصدر الحديث إلى - فقد أبغضني - تقدم مع مصادره تحت رقم (728) ووسطه
تحت رقم (733) فراجع.
(736) في الصواعق لابن حجر: ينتقصون بدل (يبغضون).
(737) في الصواعق زيادة وهي: وأنا أفضل من إبراهيم.
(738) الصواعق المحرقة لابن حجر ص 103 ط الميمنية وص ط المحمدية
مجمع الزوائد ج 9 / 128، ينابيع المودة للقندوزي ص 272 ط اسلامبول وص 326 ط
الحيدرية.
(739) صحيح الترمذي ج 5 / 296 ح 3796، خصائص أمير المؤمنين للنسائي
ص 97 ط الحيدرية وص 38 ط بيروت وص 23 ط التقدم بمصر، المناقب للخوارزمي
ص 92، المستدرك للحاكم ج 3 / 111 وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك،
الإصابة لابن حجر ج 2 / 509، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 / 450 ط 1،
نور الأبصار للشبلنجي ص 158 ط السعيدية، حلية الأولياء ج 6 / 294، نزل الأبرار
للبدخشاني ص 54، أسد الغابة ج 4 / 27، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ
دمشق لابن عساكر ج 1 / 381 ح 487 و 488، الرياض النضرة ج 2 / 225 ط 2،
مصابيح السنة للبغوي ج 2 / 275، جامع الأصول لابن الأثير ج 9 / 470، كنز العمال
ج 15 / 124 ح 359 ط 2 بحيدر آباد، ينابيع المودة للقندوزي ص 53 ط اسلامبول،
تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 36، الغدير ج 3 / 216، مطالب السئول لابن
طلحة ج 1 / 48، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 133 رقم (518) ط بيروت،
المراجعات ص 222، وفي بعض هذه المصادر: " ما تريدون " مرة واحدة بدل ثلاث.
480

وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت، أتاح لها لسان حسود -
وفي ترجمة علي من الاستيعاب ما هذا نصه: وروي طائفة من الصحابة:
أن رسول الله [ص] قال لعلي رضي الله عنه: " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك
إلا منافق " (740) (قال): وكان علي رضي الله عنه يقول " والله إنه لعهد النبي

(740) صحيح الترمذي ج 5 / 306 ح 3819، خصائص أمير المؤمنين للنسائي
ص 27 ط التقدم وص 105 ط الحيدرية وص 44 ط بيروت، سنن النسائي ج 8 / 116،
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 188 حديث 671
و 674 و 675 و 678 و 680 و 683 و 684 و 686 و 687 و 688 و 689 و 690 و 691
و 692 و 693 و 694 و 695 و 702 و 703، أسد الغابة ج 4 / 26، حلية الأولياء ج 4 /
185 وصححه وذكره بعدة طرق، ميزان الذهبي ج 2 / 41، الاستيعاب بهامش الإصابة
ج 3 / 37، مجمع الزوائد ج 9 / 133، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 / 520
ط 1 و ج 20 / 221 بتحقيق أبو الفضل، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص
190 ح 225 و 226 و 228 و 229 و 231، ينابيع المودة للقندوزي ص 47 و 48 و 182
ط اسلامبول وص 52 و 53 و 215 ط الحيدرية، كنوز الحقائق للمناوي ص 46 و 192 ط
بولاق وص 38 و 171 ط آخر، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30، كنز
العمال ج 15 / 157 ح 444 ط 2، الرياض النضرة ج 2 / 284 ط 2، فرائد السمطين
للحمويني ج 1 / 133، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 8 / 417 و ج 14 / 426، معالم
التنزيل للبغوي ج 6 / 180، لسان الميزان ج 2 / 446، الفتح الكبير للنبهاني ج 1 /
ج 1 / 446، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 272 رقم (884)، أضواء على السنة
المحمدية ص 217.
ونقله في إحقاق الحق ج 7 عن:
مسند أحمد ج 1 / 95 ط 1، علل الحديث لأبي حاتم ج 2 / 400 ط السلفية، سنن
البيهقي ج 2 / 271 ط الميمنية، طبقات الحنابلة ج 1 / 320 ط القاهرة. موضح الجمع
للبغدادي ص 468 ط حيدر آباد، سعد الشموس والأقمار ص 210 ط التقدم شرح ديوان
أمير المؤمنين للميبدي ص 191 مخطوط، الشفاء للقاضي عياض ج 2 / 41، تذكرة
الحفاظ للذهبي ج 1 / 10 ط حيدر آباد، نقد عين الميزان لمحمد بهجت ص 14 ط مجلة
القمرية، السيف اليماني المسلول ص 49.
481

الأمي، إنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق. أه‍. (741).

(741) صحيح مسلم ج 1 / 48 ط عيسى الحلبي و ج 1 / 60 ط محمد علي صبيح،
سنن النسائي ج 8 / 117، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 / 37، الفصول المهمة لابن
الصباغ ص 109، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 /
120 ح 166 و ج 2 / 191 ح 676 و 679 و 681 و 682 و 685، نور الأبصار للشبلنجي
ص 72 ط العثمانية و 71 ط السعيدية، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 28، شرح
نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 / 214 و 451 ط 1، ذخائر العقبى ص 91، ينابيع
المودة للقندوزي ص 47 و 48 و 213 و 282 ط اسلامبول و 52 و 53 و 252 و 337 ط
الحيدرية، سنن ابن ماجة ج 1 / 42 وص 114، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 27
ط التقدم وص 44 ط بيروت وص 104 و 105 ط الحيدرية، مطالب السئول لابن طلحة
الشافعي ج 1 / 48، نظم درر السمطين للزرندي ص 102، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص
170، الصواعق المحرقة ص 73 ط الميمنية وص 120 ط المحمدية، إسعاف الراغبين
بهامش نور الأبصار ص 154 ط السعيدية وص 140 ط العثمانية، كفاية الطالب للگنجى
الشافعي ص 68 ط الحيدرية وص 20 ط الغري، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي
الشافعي ص 192 ح 227 و 232، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 97 ح 20، مصابيح
السنة للبغوي ج 2 / 275، الرياض النضرة ج 2 / 284، كنوز الحقائق للمناوي ص 192
بولاق وص 203 ط آخر، جامع الأصول لابن الأثير ج 9 / 473 ح 6488، مشكاة المصابيح
ج 3 / 242، كنز العمال ج 15 / 105 ح 300 ط 2، الغدير للأميني ج 3 / 183، إحقاق
الحق ج 7 / 190، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 121 و 132، شذرات الذهبية لابن
طولون ص 56، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 153 رقم (173)، أسنى المطالب
للجزري ص 54، نزل الأبرار ص 55.
482

قلت: وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه: وتواتر قوله صلى الله عليه وآله:
" من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " (742) وأن

(742) هذا من الأحاديث المتواتر التي أطبق على روايته عموم المسلمين على
اختلاف مذاهبهم وإليك جملة من مصادره:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 211 ح 275
و ج 2 / 5 ح 501 و 502 و 503 و 504 و 505 و 506 و 512 و 526 و 527 و 532 و 535
و 539 و 543 و 545 و 546 و 549 و 561 و 566 و 567 و 568 و 570 و 571 و 572
و 573 و 580 و 583، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 96 و 100 و 104 ط الحيدرية
و 23 و 25 ط التقدم، كفاية الطالب للكنجي ص 56 و 59 و 62 ط الحيدرية وص 14 و 17
ط الغري، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 16 ح 23 و 26 و 27 و 29 و 33
و 37 و 38 و 155، أسد الغابة لابن الأثير ج 1 / 367 و ج 2 / 233 و ج 3 / 92 و 93
و 307 و 321 و ج 4 / 28، مسند أحمد ج 2 / ح 961 بسند صحيح ط دار المعارف
و ج 4 / 281 ط 1، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 1 / 190 ح 245 و 247 و 248
مجمع الزوائد ج 7 / 17 و ج 9 / 104 و 105 و 106 و 107 و 108، ينابيع المودة
للقندوزي ص 29 و 30 و 31 و 32 و 33 و 37 و 38 و 206 و 249 و 274 وصححه وص
281 ط اسلامبول وص 33 و 34 و 35 و 36 و 37 ط الحيدرية، أنساب الأشراف للبلاذري
ج 2 / 112، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 93 ط الغري، المستدرك للحاكم ج 3 / 116 و 371
مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 47، مناقب الكلابي من المسند ح 31 مطبوع في آخر
المناقب لابن المغازلي، نظم درر السمطين للزرندي ص 109، الفصول المهمة لابن
الصباغ ص 23 و 24، نزل الأبرار ص 51 - 54، ذخائر العقبى ص 67، المناقب
للخوارزمي ص 93، الحاوي للفتاوى ج 1 / 122، ميزان الذهبي ج 3 / 294، الاستيعاب
بهامش الإصابة ج 3 / 36، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 169، الصواعق لابن حجر ص
25 وصححه وص 73 ط الميمنية وص 41 و 120 ط المحمدية، شرح نهج البلاغة لابن
أبي الحديد ج 4 / 388 ط 1 و ج 19 / 217 بتحقيق أبو الفضل، تفسير الرازي ج 3 /
636 ط الدار العامرة بمصر و ج 12 / 50 ط البهية، مشكاة المصابيح للعمري ج 3 / 246،
كنز العمال ج 15 / 138 ح 400 و 401 و 426 و 430 ط 2، الرياض النضرة ج 2 / 223،
أخبار أصفهان لأبي نعيم ج 1 / 107 و ج 2 / 227، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 14 /
236، الشرف المؤبد للنبهاني ص 113، صفة الصفوة لابن الجوزي الحنبلي ج 1 / 121
ط حيدر آباد، نهاية العقول للفخر الرازي ص 199، المعتصر من المختصر ليوسف بن
موسى الحنفي ج 2 / 301، البداية والنهاية لابن كثير ج 5 / 210 و 211 و 213 و 219
و 366 و ج 7 / 346، وفاء الوفاء للسمهودي ج 2 / 173، أسنى المطالب للجزري ص 48
قال وهو متواتر أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله.
وفي إحقاق الحق ج 6 / 233 عن:
أرجح المطالب ص 213 و 560 و 562 و 563 و 572 و 574 و 577 و 580 و 679
ط لاهور، تفسير الثعلبي مخطوط، الاعتقاد على مذهب السلف للبيهقي ص 195، الكاف
الشاف لابن حجر العسقلاني ص 29 و 95 ط مصر، فضائل الصحابة للسمعاني مخطوط،
الروض الأزهر ص 100 ط حيدر آباد، سعد الشموس الأقمار ص 209 ط التقدم، درر
بحر المناقب ص 92 مخطوط، مفتاح النجا للبدخشي ص 57 وصححه مخطوط، نقد عين
الميزان للشيخ محمد بهجت ص 22 ط مجلة القمرية، تاريخ آل محمد لبهجت أفندي
ص 48 ط 4، مختلف الحديث لابن قتيبة الدينوري ص 276، معجم ما استعجم لأبي
عبيدة الأندلسي ج 2 / 368 ط لجنة التأليف والنشر في القاهرة، الشفاء للقاضي عياض
ج 2 / 41، روضات الجنات للأسفزاري ص 158 ط الحيدري في طهران، الكواكب
الدرية للمناوي ج 1 / 39 ط الأزهرية في مصر.
وغيرها من عشرات بل مئات المصادر.
وروى عنه صلى الله عليه وآله أنه قال في يوم غدير خم:
" من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره
وأخذل من خذله " سوف يأتي مع مصادره تحت رقم. ولأجل المزيد من الاطلاع على
باقي المصادر راجع سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 178 رقم (622).
483

مقامنا ليضيق عما جاء في وجوب موالاته، ولا يني باستيفاء ما دل على نفاق
معاداته، فنلفت الباحثين إلى ما أوردناه من الصحاح، في كتابنا سبيل المؤمنين
(743)، فإن فيه للحق المبين، والحمد لله رب العالمين.

(743) هذا الكتاب يقع في ثلاث مجلدات في أمامة أئمتنا الاثني عشر وأحوالهم
ومناقبهم وهديهم (ع) لا نظير له في موضوعه. كما عبر عنه مؤلفه.
ويا للأسف الشديد أن هذا الكتاب من جملة تسعة عشر كتابا للمؤلف قد أحرقت
وأتلفت من قبل الاستعمار الفرنسي حينما هجم وقتل وشرد أبناء جبل عامل.
قال المؤلف حول هذا الكتاب بعد تلفه:
نكبنا في سبيل المؤمنين - لا يخفى لطافة هذا التعبير - سنة 1920 غربية وهي سنة
1338 هجرية يوم رزئنا بجل ما ألفناه قبل تلك النازلة التي عمت أبناء عاملة واختصت
بهذا الضعيف حيث أوغل الغاشمون في طغيانهم ولجوا في عدوانهم ومضوا في التنكيل
والتقتيل والتشريد على غلوائهم وأطلقوا في البنادق والمشانق والنهب والضرب
والتحريق والتمزيق أعنة أهوائهم، ركبوا في ذلك رؤوسهم متهافتين في أعمالهم لا
يلوون على أحد، وكنت في طليعة من تبدد وتشرد. وليتهم كفوا عن تلك الكتب القيمة
واكتفوا بما سواها عند الله أحتسب تلك المؤلفات التي أفنيت فيها عمري ورهقني
بفقدها ما نقض مرة صبري فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أنشد الله امرءا وقع في يده شئ منها إلا أثلج به كبدي الحرى فإن لكل كبد
حرى أجرا.. الخ ثم عدد تلك المؤلفات العظيمة.
راجع: كتاب الكلمة الغراء في تفضيل فاطمة الزهراء مطبوع في آخر الفصول
المهمة ص 245 - 246.
وهكذا في هذه السنوات يقوم العتل الزنيم " صدام التكريتي " مقام الاستعمار
الفرنسي بل مقام الاستعمار العالمي في القضاء على العلم والعلماء فقد فتت وهدم
الحوزات العلمية في الأماكن المقدسة كالنجف الأشرف وكربلاء المقدسة والكاظميين
وسامراء فبعد أن كانت تعج بالآلاف المؤلفة من العلماء والمجتهدين والطلاب لم يبق
فيها إلا شرذمة قليلة بل ولم يبق في بعضها شئ من العلم والعلماء.
فقد هجر الآلاف من العلماء وصادر أموالهم وأحرق كتبهم وسجن المئات منهم
وأعدم العشرات من تلك الوجوه النيرة والبدور المشرقة والأنجم الزاهرة ثم لم يكتف
بذلك كله بل مد يده الأثيمة الكافرة بالتعاون والتواطي مع الدول الرجعية في المنطقة والدول
الاستعمارية على قدسية سيدنا واستاذنا الإمام العظيم والمرجع الشهير والفيلسوف
الكبير والمفكر الاسلامي والفقيه النحرير سماحة آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر
(قدس سره) فبعد اعتقاله في بيته ما يقرب من سنة وعزل الجماهير - المتعطشة إليه - عنه
أخذ إلى بغداد وبعد تعذيبه هو وأخته العلوية العالمة بنت الهدى نالا درجة الشهادة
الرفيعة على يد ألئم خلق الله وأقذر عميل للصهيونية والإستعمار العالمي " صدام التكريتي
الكافر " الذي لم يؤمن بالله طرفة عين ولم يبق للاسلام حرمة إلا استباحها ولا عرض
للمسلمين إلا هتكه.
فعليك يا سيدي يا أبا جعفر سلام الله ورضوانه يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث
حيا. فأنت قد ذهبت واسترحت من كرب الدنيا وبلائها ونلت درجة الشهادة وختمت
لك بالسعادة الأبدية.
وفي الأيام تمر علينا ذكرى استشهادك الثانية ونحن نقاسي ونتحمل من الآلام والمصائب
ما تكأدنا ثقلها من قبل عميل الإمبريالية والصهيونية " صدام الكافر " ومساعدة ومساندة
الرجعيين له في المنطقة.
فقد سفك دمائنا وسلب أموالنا وهتك أعراضنا ولم يسلم من تعذيبه حتى الشيخ
الهرم ولا المرأة المسنة بل حتى الطفل الرضيع فها هم يمزقون ويقطعون إربا إربا. ولا
من رادع ولا مانع بل الدول التي تدعي التقدم والتي تنادي بحقوق الانسان كأمريكا وغيرها
هي التي تمده بالسلاح والعتاد وتسانده ماديا وإعلاميا وها هو يعمل هذه الأعمال الانسانية
وبمسمع وبمرأى من منظمة الأمم المتحدة ومنظمة حقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية
ومجلس الأمن لم تنطق واحدة منها بكلمة واحدة في مقابله ولم تحرك قلما اتجاهه أليس
الحق أصبح باطلا عندها والباطل حقا بخدمتها للدول الكبرى والسير في فلكها وفي
مصالحها؟ ولماذا تريد دول عدم الانحياز أن تعقد مؤتمرها السنوي في بغداد أليس يعطيها
صفة عدم الانحياز إلا إلى الباطل ومقاومة الحق؟ أليس ذلك مساندة لصدام على ظلمه
وإجرامه؟
485

[المورد - (94) -:]
لعنه في قنوط الصلاة (744)، سادة تعبد الله المسلمين بالصلاة عليهم في
كل الصلوات، فرائضها ونوافلها (745).
أولئك الذين أذهب الله عنهم الرجس في محكم التنزيل، وهبط بتطهيرهم
جبرائيل (746)، وباهل بهم النبي أعداءه بأمر ربه الجليل (747)، وقد

(744) معاوية يسب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
راجع: العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 / 366 ط لجنة التأليف والنشر و ج 2 /
301 ط آخر، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 356 و ج 3 / 258 ط 1 و ج 4 /
56 و ج 13 / 220 بتحقيق أبو الفضل، الغدير ج 2 / 132، أسد الغابة ج 3 / 144، تاريخ
ابن عساكر ج 3 / 407، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 180 و 198، معاوية بن أبي سفيان
في الميزان ص 16.
(745) وجوب الصلاة عليهم عليهم السلام تقدم تحت رقم (109 و 110 و 112)
فراجع.
(746) تقدمت الآية مع مصادرها تحت رقم (107) فراجع.
(747) تقدمت الآية مع مصادرها تحت رقم (105) فراجع.
487

فرض الله مودتهم (748)، وأوجب الرسول عن الله تعالى ولايتهم (749)، وهم أحد الثقلين لا يضل من تمسك بهما، ولا يهتدي إلى الحق من ضل عنهما
(750)، ألا وهم علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين (751).

(748) تقدمت الآية مع مصادرها تحت رقم (108) فراجع.
(749) إشارة إلى قوله تعالى: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.. الخ " المائدة آية: 55 نزلت هذه الآية
في سيد العترة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو راكع في
الصلاة. راجع:
شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 1 / 161 - 184 ح 216 - 241، ترجمة
الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 409 ح 908 و 909، أسباب
النزول للواحدي ص 113 و 114، كفاية الطالب للگنجى ص 228 و 250 و 251 ط
الحيدرية وص 106 و 122 و 123 ط الغري، مناقب علي بن أبى طالب لابن المغازلي
ص 311 ح 354 و 355 و 356 و 357 و 358، ينابيع المودة للقندوزي ص 115 ط
اسلامبول وص 135 ط الحيدرية و ج 1 / 114 ط العرفان بصيدا، الكشاف للزمخشري ج 1
/ 649 ط بيروت و ج 1 / 624 ط مصطفى محمد بمصر، تفسير الطبري ج 6 / 288 و 289
ط 2، راجع بقية المصادر للآية الكريمة ونزولها في (الإمام علي عليه السلام) سبيل
النجاة في تتمة المراجعات ص 137 رقم (533).
(750) إشارة إلى حديث الثقلين وقد تقدم بألفاظ مختلفة مع مصادره تحت رقم
(15) فراجع.
(751) الوصية لعلي عليه السلام من قبل النبي صلى الله عليه وآله مما لا ريب فيها فقد بلغت
الأحاديث في ذلك حد التواتر من طريق العترة الطاهرة وأما من طريق غيرهم فراجع:
مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 89 ح 132 و 144 و 280
و 309 و 322 و 326 و 353، المناقب للخوارزمي ص 63 و 149 و 234، كفاية الطالب
للكنجي الشافعي ص 168 و 261 ط الحيدرية و 70 و 131 ط الغري، البيان في أخبار
صاحب الزمان له أيضا مطبوع في آخر كفاية الطالب ص 502 ط الحيدرية، الفصول
المهمة لابن الصباغ ص 281، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن
عساكر ج 1 / 87 ح 139 و 140 و 141 و 143 وص 239 ح 303 و ج 3 / 5 ح 1021
و 1022 و 1023، المستدرك للحاكم ج 3 / 172، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي
ص 43، مجمع الزوائد ج 8 / 253، ينابيع المودة للقندوزي ص 53 و 81 و 82 و 114
و 122 و 123 و 329 ط اسلامبول وص 59 و 89 و 90 و 91 و 92 و 93 و 98 و 135 و 145
ط الحيدرية، فرائد السمطين ج 1 / 150 و 272 و 315 و ج 2 / 35 ح 371 و 403 و 431
و 564. وغيرها من عشرات الكتب ولأجل المزيد من المصادر راجع: سبيل النجاة
في تتمة المراجعات تحت رقم (459 و 708 و 718 و 719 و 720 و 721 و 919 و 920
و 924 - 963) ففيها عشرات المصادر.
وأيضا راجع: علي والوصية للشيخ نجم الدين العسكري ط النجف.
488

أخو الرسول (752).

(752) المؤاخاة بين الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام راجع:
ذخائر العقبى ص 66، صحيح الترمذي ج 5 / 300 ح 3804، كفاية الطالب
للكنجي الشافعي ص 193 و 194 ط الحيدرية وص 82 و 83 ط الغري، الفصول المهمة
لابن الصباغ ص 21، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 20 و 22 و 23 و 24،
مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 37 ح 57 و 59 و 60 و 65، المناقب
للخوارزمي ص 7، نظم درر السمطين للزرندي ص 94 و 95، تاريخ الخلفاء للسيوطي
ص 170، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 108 ط بيروت، أسد الغابة ج 2 / 221 و ج 3
/ 137 و ج 4 / 29، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 18 / 24 و ج 6 / 167 بتحقيق
أبو الفضل و ج 2 / 61 و 450 ط 1، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 18، إسعاف الراغبين
بهامش نور الأبصار ص 140 ط العثمانية وص 154 ط السعيدية، مجمع الزوائد ج 9 /
112، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ص 48 ط الحيدرية وص 19 ط
مصر، الإصابة لابن حجر ج 2 / 507، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 / 35، ترجمة
الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 103 ح 143 و 144 و 148
و 150 و 167 و 168، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 / 22، منتخب كنز العمال بهامش
مسند أحمد ج 5 / 30 و 45 و 46، الرياض النضرة ج 2 / 220 و 221 و 222 و 277 ط 2،
جامع الأصول لابن الأثير ج 9 / 468، مصابيح السنة للبغوي ج 2 / 175، كنز العمال
ج 15 / 92 ح 260 و 271 و 286 و 299 و 304 و 325 و 334 و 350 و 355 و 365
و 383 ط 2 بحيدر آباد، فرائد السمطين ج 1 / 111 و 117 و 321، إحقاق الحق
للتستري ج 4 / 171 و ج 6 / 462، الغدير للأميني ج 3 / 113 وغيرها من مئات المصادر
ولأجل المزيد من الاطلاع على بقية المصادر راجع:
سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (459 و 482 و 484 و 488 و 490
و 492 و 493 و 494 و 495 و 496 و 497 و 498 و 499 و 500 و 501 و 502 و 504
و 505 و 506) ففيها ما يشفي الغليل.
489

ووليه (753)، وصاحب العناء وحسن البلاء بتأسيس دينه ووصيه، ومن
شهد الرسول بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (754)، وأنه منه

(753) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 278 ح 323، المستدرك
للحاكم ج 3 / 132، تلخيص المستدرك للذهبي بذيله، مسند أحمد بن حنبل ج 5 / 25
بسند صحيح ط دار المعارف بمصر، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 61 - 64 ط
الحيدرية وص 15 ط بيروت وص 8 ط التقدم بمصر، ذخائر العقبى ص 87.
راجع بقية المصادر في سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (468 و 741).
(754) هذا إشارة إلى الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله في يوم خيبر والمعروف
بحديث الراية وهو قوله: " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
ليس بفرار ولا يرجع حتى يفتح على يديه قال فدعى عليا عليه السلام فأعطاه الراية
فسار بها ففتح الله عليه ".
وهناك ألفاظ أخرى أيضا.
وهذا الحديث رواه عدة من أصحاب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله منهم:
عمران بن حصين، أبو هريرة، سلمة بن الأكوع، أبو سعيد الخدري، بريدة،
سعد بن أبي وقاص، سهل بن سعد الساعدي، أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، عكرمة
جابر بن عبد الله الأنصاري، أم موسى، علي بن أبي طالب، عبد الرحمن بن أبي ليلى.
راجع: صحيح مسلم ج 5 / 189 و ج 7 / 121 ط محمد علي صبيح وص 1440 -
1441 وص 1871 ط محمد فؤاد، الطبقات لابن سعد ج 2 / 111 ط مصر و ج 2 ق 1 / 80
- 81 ط لندن، مسند أحمد بن حنبل ج 1 / 185 و ج 4 / 52 و ج 5 / 353، مستدرك الحاكم
ج 3 / 38 و 437 و 108، سنن البيهقي ج 9 / 131، البداية والنهاية ج 4 / 186 و 188
و ج 7 / 338، نهاية الإرب ج 17 / 252، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص
176 ح 213 - 224، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 259 ح 200 و 201 و 202
و 203 و 204 و 205 و 206 ط 1 بيروت، تهذيب التهذيب ج 7 / 480، الروض الأنف
للسهيلي ج 2 / 2229، مجمع الزوائد ج 9 / 124، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 / 194،
صبح الأعشى ج 10 / 174، حلية الأولياء ج 1 / 62، عمدة القاري ج 14 / 313، السيرة
الحلبية ج 3 / 37، المناقب للخوارزمي ص 95، ينابيع المودة للقندوزي ص 95،
شيخ المضيرة أبو هريرة ص 194، كفاية الطالب للكنجي ص 38 ط الغري وص 16 ط
مصر و 21 ط إيران وص 98 و 104 ط الحيدرية، تاريخ بغداد ج 8 / 5، تاريخ الطبري
ج 3 / 11 ط دار المعارف و ج 2 / 300 ط دار الاستقامة، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي
ص 29، صحيح الترمذي ج 13 / 171 ط الصاوي، خصائص أمير المؤمنين للنسائي
رواه بعدة طرق، نزل الأبرار ص 43، أسد الغابة ج 4 / 21 و 334، السيرة النبوية لابن
هشام ج 2 / 330، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 /
157 وما بعدها، مسند الكلابي المعروف بابن أخت تبوك المطبوع بآخر المناقب لابن
المغازلي ص 443 ط طهران. راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقمي (474 و 680).
490

بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بنبي ولكنه وزير النبوة (755) وإمام الأمة

(755) إشارة إلى الحديث المتواتر عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام:
" أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
سوف يأتي مع مصادره. وراجع سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 117 رقم
(475) ط بيروت.
491

ووالد سبطي رسول الله (756) وريحانتيه من الدنيا (757)، الحسن والحسين

(756) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله:
" إن الله جعل ذرية كل نبي من صلبه وأن الله عز وعلا جعل ذرية محمد من صلب
علي بن أبي طالب عليه السلام " وغيره من الألفاظ المتعددة.
راجع: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 49 ح 72، فرائد السمطين
للحمويني ج 1 / 324، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر
ج 1 / 112 ح 152 و ج 2 / 159 ح 643، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 36 ط التقدم
وص 122 ط الحيدرية وص 85 ط بيروت، ينابيع المودة للقندوزي ص 53 ط اسلامبول
وص 59 ط الحيدرية، الرياض النضرة ج 2 / 221 ط 2، المناقب للخوارزمي ص 27،
المستدرك للحاكم ج 3 / 217، تلخيص المستدرك للذهبي بذيله، الفتح الكبير للنبهاني
ج 1 / 330، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 229 رقم (497 و 738)، ذخائر
العقبى ص 67.
(757) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله " إن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا ".
راجع: صحيح الترمذي ج 4 / 339 وبشرح الأحوذي ج 13 / 193، مسند أحمد
ابن حنبل تحت رقم (5568 و 5940 و 5975) ط دار المعارف بمصر، صحيح البخاري
ك الفضائل ب مناقب الحسن والحسين ج 5 / 33 وفي باب رحمة الولد ج 7 / 8 وباب الأدب
المفرد ص 14، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 124 ط الحيدرية، ترجمة الإمام
الحسين من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص ح 58، أنساب الأشراف للبلاذري ج 3 /
227 ح 85 ط 1، فرائد السمطين للحمويني ج 2 / 109 ح 415، فضائل الخمسة من
الصحاح الستة ج 3 / 83، الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 298، ترجمة الإمام الحسن من
تاريخ دمشق لابن عساكر ص 85 ح 144 ط بيروت، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 91،
ذخائر العقبى ص 124، نزل الأبرار ص 92.
492

سيدي شباب أهل الجنة (758)، شبر الأمة وشبيرها (759)، ولعن معهم
عبد الله بن عباس حبر الأمة وابن عم نبيها.

(758) قول الرسول صلى الله عليه وآله:
" الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " كما عن ابن عباس وبريدة وفي رواية
أخرى بزيادة: " وأبوهما خير منهما " كما عن ابن عمر وابن مسعود.
هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين الأمة الإسلامية أجمع.
راجع: فرائد السمطين للحمويني ج 2 / 98 ح 409 و 410 و 428، ترجمة الإمام
الحسين من تاريخ دمشق لابن عساكر ص 45 ح 66 - 71، المستدرك للحاكم ج 3 /
167، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 / 215، الفتح الكبير للنبهاني ج 2 / 80،
مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 92، ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر
ص 79 ح 138 و 139 و 140 و 141 و 142 و 143 ط بيروت بتحقيق المحمودي، أخبار
إصبهان ج 2 / 343، المسند لأحمد ج 3 / 62 و 82 ط 1، الإصابة ج 1 / 255، المعيار
والموازنة ص 206 و 151 ط بيروت، الخصائص للنسائي ص 118 ط الحيدرية، كنز
العمال ج 6 / 221 ط 1، أسنى المطالب في أحاديث مختلف المراتب للحوت ص 132
ح 589 ط بيروت، ذخائر العقبى ص 92 و 129، الجامع الصغير ح 3822، صحيح
الجامع الصغير للألباني ح 3177، الأحاديث الصحيحة للألباني ح 976، المقاصد
الحسنة للسخاوي ح 407، تمييز الطيب من الخبيث للشيباني ح 532، كشف الخفا
للعجلوني ح 1139، سنن ابن ماجة ح 108، حلية الأولياء ج 5 / 58 و 71 و ج 4 / 139
و 140، الدرر المتناثرة للسيوطي ح 187، تاريخ بغداد للخطيب ج 2 / 185 و ج 4 /
207 و ج 6 / 132 و ج 9 / 232 و ج 11 / 90، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 376، نزل
الأبرار للبدخشاني ص 93 عن عدة من الرواة.
(759) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله:
" سمى هارون ابنيه شبرا وشبيرا وإني سميت ابني الحسن والحسين بما سمى به
هارون ابنيه شبر وشبيرا " ويوجد بألفاظ أخرى.
راجع: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 379 ح 426، المستدرك
للحاكم ج 3 / 165 و 168، مسند أحمد ج 1 / 98 ط 1 و ج 2 / 155 ح 769 بسند صحيح
ط دار المعارف بمصر، الصواعق المحرقة لابن حجر ص 115 ط الميمنية وص 190 ط
المحمدية، مجمع الزوائد ج 8 / 52، الاستيعاب بذيل الإصابة ج 3 / 100 ط مصر
بتحقيق الزيني، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 193، الفتح الكبير للنبهاني
ج 2 / 161، ذخائر العقبى ص 120، ترجمة الإمام الحسن من تاريخ لابن عساكر ص 16
ح 19 و 20 و 21 و 22، ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق ص 19 ط 1.
493

لعنهم مع ما علم من وجوب تعظيمهم بحكم الضرورة من دين الإسلام،
ومع ما ثبت بالعيان والوجدان من شرف مقامهم لدى سيد الأنام، وكيف لا
يكونون كذلك وهم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة،
ومهبط الوحي والتنزيل، ومعدن العلم والتأويل (760).

(760) قد نزلت في فضلهم وعلو مقامهم مئات الآيات وآلاف الأحاديث وقد
ألفت في فضائلهم ومناقبهم مئات الكتب ذهب الكثير منها وبقي القليل وقد طبع منها
عشرات الكتب فعلى سبيل المثال راجع:
شواهد التنزيل في الآيات النازلة في أهل البيت للحاكم الحسكاني الحنفي من
أعلام القرن الخامس الهجري ذكر فيه (210) من الآيات التي نزلت في أهل البيت
بروايات متعددة تبلغ (1163) رواية طبع في بيروت، إحقاق الحق للقاضي التستري
مع تعاليق وملاحق آية الله العظمى المرعشي النجفي 1 - 16 ط طهران عبقات الأنوار
للسيد حامد الهندي ط في الهند وأصفهان وقد ترجم بعض أجزائه إلى العربية وطبع في
قم المقدسة وبيروت، الغدير للأميني 1 - 11 ط بيروت، ترجمة الإمام علي بن أبي
طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي 1 - 3 ط بيروت، مناقب علي بن أبي طالب
لابن المغازلي الشافعي ط 1 بطهران، فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول
والسبطين والأئمة من ذريتهم 1 - 2 ط بيروت، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ط في
اسلامبول وصيدا والنجف وإيران، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ط الحيدرية،
تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ط الحيدرية وغيرها، نور الأبصار للشبلنجي
إسعاف الراغبين للصبان ط مصر، المناقب للخوارزمي الحنفي ط الحيدرية، فضائل الخمسة
من الصحاح الستة ط النجف، خصائص أمير المؤمنين للنسائي الشافعي ط التقدم العلمية
بمصر و ط بيروت والنجف، نزل الأبرار ط طهران.
494

لم يكتف معاوية بذلك مقتصرا فيه على نفسه، حتى أمر الناس بلعن أخي
الرسول، وكفؤ البتول، وأبي الأئمة، وسيد الأمة لا يدافع، وحمل الناس
كافة على هذا المنكر طوعا وكرها بالترهيب والترغيب وجعله سنة يجهر بها
على منابر المسلمين في كل عيد وجمعة، وما زال الخطباء في جميع الأنحاء
تعد تلك المنكرة الفظيعة جزءا من خطبة الجمعة والعيدين إلى سنة 99 فأزالها
خير بني مروان عمر بن عبد العزيز جزاه الله خيرا، وهذا كله معلوم بالتواتر (761)

(761) العقد الفريد ج 2 / 301، أسد الغابة ج 1 / 134، الإصابة ج 1 / 77،
الغدير للأميني ج 10 / 260 و 265 و ج 8 / 164 - 167، المحلى لابن حزم ج 5 / 86.
الذين يلعنون علي بن أبي طالب عليه السلام امتثالا لأمر معاوية منهم:
1 - بسر بن أرطاة. تاريخ الطبري ج 6 / 96 ط مصر.
2 - كثير بن شهاب. الكامل لابن الأثير ج 3 / 179.
3 - المغيرة بن شعبة: المستدرك للحاكم ج 1 / 385، مسند أحمد ج 1 / 188 ط
1 و ج 4 / 369، الأغاني ج 16 / 2، شرح ابن أبي الحديد ج 1 / 360، شيخ المضيرة
أبو هريرة ص 198، الغدير ج 10 / 263 و ج 6 / 143، رسائل الجاحظ ص 92، الأذكياء
ص 98.
4 - مروان بن الحكم. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 127، الصواعق المحرقة
لابن حجر ص 33، الغدير ج 10 / 263.
5 - زياد بن سمية. الغدير ج 3 / 31.
6 - عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق. إرشاد الساري شرح صحيح البخاري ج
4 / 368، الغدير ج 10 / 264.
الذين أمرهم معاوية باللعن للإمام أمير المؤمنين (ع) وامتنعوا منهم:
1 - سعد بن أبي وقاص. سوف تأتي مصادره.
2 - عقيل بن أبي طالب. العقد الفريد ج 2 / 144، المستطرف ج 1 / 54.
3 - عبيد الله بن عمر بن الخطاب. وقعة صفين لنصر ابن مزاحم ص 92، شرح
النهج لابن أبي الحديد ج 1 / 256.
4 - صيفي بن فسيل. تاريخ الطبري ج 6 / 149، الغدير ج 10 / 262.
5 - حجر بن قيس المدري. المستدرك ج 2 / 358، الغدير للأميني ج 10 / 257.
6 - الأحنف بن قيس. العقد الفريد ج 2 / 144 ط قديم، المستطرف ج 1 / 54،
الغدير ج 10 / 261. وكان جملة من الأشخاص يلعنون عليا راجع ذلك في: الغدير ج 5 / 294.
كان في عهد بني أمية سبعون ألف منبر يلعن عليها سيد الوصيين وأخي رسول رب
العالمين وحبيب إله العالمين الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
راجع: الغدير ج 2 / 102 و ج 10 / 266 نقلا عن الزمخشري في ربيع الأبرار عن السيوطي
والشيخ أحمد الحفظي الشافعي.
والذي يظهر من التأريخ أن عمر بن عبد العزيز منع عن لعن أمير المؤمنين عليه
السلام في الخطبة فحسب وأما مطلق اللعن فلم يعلم أنه منع عنه وعاقب عليه.
راجع: مروج الذهب ج 2 / 167، تاريخ اليعقوبي ج 3 / 48 ط الغري، الكامل
في التاريخ ج 7 / 17، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 161، الغدير ج 10 / 266.
ومهما يكن من قصده في نهيه فإنها تعد من حسناته.
وقال السبط بن الجوزي في تذكرة خواص الأئمة ص 63 نقلا عن الغزالي:
استفاض لعن علي عليه السلام على المنابر ألف شهر وكان ذلك بأمر معاوية أتراهم
أمرهم بذلك كتاب أو سنة أو إجماع؟ ".
495

فراجع ما شئت من كتب الأخبار (1) تعرف الحقيقة فيما قلناه.
وكان الحسن عليه السلام قد شرط على معاوية حيث اصطلحا شروطا منها أن لا

(1) لعلك تراجع كلام الشارحين لنهج البلاغة عند انتهائهم من شروحهم إلى
قول أمير المؤمنين عليه السلام: أما أنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق
البطن يأمركم بسبي والبراءة مني. الخ، وإياكم أن يفوتكم شرح ابن أبي الحديد
لهذا الكلام فعليكم منه ص 463 والتي بعدها من المجلد الأول طبع بيروت ففيه العجب
العجاب وأفحش ما يكون من السباب (منه قدس).
496

يشتم أباه، فلم يجبه إلى هذه وأجابه إلى ما سواها، فطلب الحسن عليه السلام عندها
أن لا يسمعه شتم أبيه، قال ابن الأثير في كامله، وابن جرير في تاريخ الأمم
والملوك، وأبو الفداء وابن الشحنة، وكل من ذكر صلح الحسن ومعاوية:
فأجابه إلى ذلك ثم لم يف له به. أه‍. (762) - بل شتم عليا والحسن على
منبر الكوفة، فقام الحسين عليه السلام ليرد عليه فأجلسه الحسن سلام الله عليه
ثم قام - بأبي وأمي - ففضح معاوية وألقمه حجرا، ذكر هذه القضية أبو الفرج
الأصفهاني المرواني في مقاتل الطالبيين، وغير واحد من أهل السير والأخبار
(763).
ولم يزل معاوية يلعن أمير المؤمنين ويبرأ منه أمام البر والفاجر، ويحمل
عليهما الأكابر والأصاغر، حتى أمر بذلك الأحنف بن قيس (764) فلم
يجيبه وطمع في عقيل بن أبي طالب فكلفه به فلم يفعل (765).

(762) تاريخ الطبري ج 6 / 92 ط قديم، الكامل لابن الأثير ج 3 / 175 ط قديم
البداية والنهاية ج 8 / 14، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 113، الاتحاف
للشبراوي ص 10، المختصر في أخبار البشر ج، الغدير ج 10 / 262، ترجمة
الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر ص 186، مقاتل الطالبيين ص 45.
(763) مقاتل الطالبيين ص 46 ط الحيدرية. شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 /
16 ط 1، الغدير للأميني ج 10 / 160، الاتحاف بحب الأشراف ص 10، المستطرف
ج 1 / 157.
(764) نص على ذلك أبو الفداء في أحداث سنة 67 فراجع (منه قدس).
وراجع: العقد الفريد ج 2 / 144 ط قديم، المستطرف ج 1 / 54، الغدير ج 10 /
161، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 195.
(765) العقد الفريد ج 2 / 144 ط قديم، المستطرف ج 1 / 54، الغدير 10 /
260.
497

وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص، (فيما أخرجه مسلم في باب فضائل
علي من صحيحه) قال: أمر معاوية سعد بن أبي وقاص فقال له: ما منعك أن
تسب أبا تراب؟. فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن أسبه لأن تكون
لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول له
وقد خلفه في بعض مغازيه. فقال له: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى
إلا أنه لا نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله. (قال) فتطاولنا لها فقال: ادعو لي عليا. فأتي به
أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه. (قال) ولما نزلت هذه
الآية: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله عليا وفاطمة وحسنا
وحسينا. فقال: اللهم هؤلاء أهلي أه‍ (766).

(766) وقد أخرجه النسائي في الخصائص العلوية والترمذي في صحيحه وصاحب
الجمع بين الصحيحين وصاحب الجمع بين الصحاح الستة (منه قدس).
صحيح مسلم ج 2 / 360 ط الحلبي بمصر و ج 7 / 120 ط صبيح وص 1871 ط
محمد فؤاد، صحيح الترمذي ج 5 / 301 ح 3808 ط دار الفكر و ج 13 / 171 ط مع
شرح الأحوذي، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 /
206 ح 271 و 272، المستدرك للحاكم ج 3 / 108 و 150، خصائص أمير المؤمنين
للنسائي ص 48 و 81 ط الحيدرية، نظم درر السمطين للزرندي ص 107، كفاية الطالب
للكنجي ص 84 - 86 ط الحيدرية وص 27 ط الغري، المناقب للخوارزمي ص 59،
أسد الغابة ج 4 / 25، الإصابة ج 2 / 509، جامع الأصول لابن الأثير ج 9 / 469،
الرياض النضرة ج 2 / 247 ط 2، فرائد السمطين ج 1 / 378 ح 307، شواهد التنزيل
للحاكم الحسكاني ج 2 / 19 ح 654، مروج الذهب للمسعودي ج 3 / 14 ط بيروت، الغدير
ج 1 / 257 و ج 3 / 200، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 2 ط الزهراء، أضواء على السنة
المحمدية ص 217.
وراجع ما تقدم تحت رقم (474).
وتوجد هذه الرواية بطرق مختلفة:
راجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ج 1 / 209 ح 273 -
281، الغدير ج 10 / 257، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 218 رقم (703).
498

وقد علم أهل الأخبار كافة أن معاوية لم يقتل حجرا وأصحابه الأبدال إلا
لامتناعهم عن لعن أمير المؤمنين، ولو أجابوه لحقنت دماؤهم فراجع مقتل
حجر من أوائل الجزء 16 من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وأحداث
سنة 51 من تاريخي ابن جرير وابن الأثير (767) وغيرهما لتعلم الحقيقة وتعرف
أن عبد الرحمن بن حسان العنزي لما أبى أن يلعن عليا في مجلس معاوية أرسله
إلى زياد وأمره أن يقتله قتلة ما قتلها أحد في الإسلام، فدفنه زياد حيا (768)،
وما زال معاوية يحمل الناس على لعن أمير المؤمنين بكل طريق (769)، وقد
قال له قوم من بني أمية - كما في أواخر ص 463 من المجلد الأول من شرح
النهج الحميدي طبع بيروت -: يا أمير المؤمنين إنك قد بلغت ما أملت فلو كففت
عن لعن هذا الرجل. فقال: لا والله حتى يربو عليها فالصغير، ويهرم عليها الكبير
ولا يذكر له ذاكر فضلا.
هذا مع ما صح من نص رسول الله صلى الله عليه وآله إذ قال: " من سب عليا فقد
سبني " (770) أخرجه الحاكم وصححه. وأخرج الإمام أحمد (في ص 323

(767) تاريخ الطبري ج 5 / 95 - 105 و 253 - 280، الكامل لابن الأثير ج
3 / 352 - 357 و 472 - 488.
وراجع بقية المصادر تحت رقم (683) والغدير ج 10 / 160، الإمامة والسياسة
ج 1 / 131 وفي طبع آخر ص 148، جمهرة الرسائل ج 2 / 67.
(768) الغدير ج 11 / 52.
(769) الغدير ج 10 / 257 - 267 وراجع ما تقدم تحت رقم (761).
(770) ذخائر العقبى ص 66، سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (570)
وراجع ما يأتي قريبا تحت رقم (772).
499

من الجزء 6 من مسنده) من حديث أم سلمة عن عبد الله أو أبي عبد الله (771)
قال: " دخلت على أم سلمة فقالت لي: أيسب رسول الله فيكم؟!. قال قلت:
معاذ الله، أو سبحان الله، أو كلمة نحوها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: " من سب عليا فقد سبني " (772).

(771) هذه هو الصحيح وهو أبو عبد الله الجدلي أحد عظماء التابعين ومن كبار
رجالات الشيعة نص على توثيقه أحمد بن حنبل وكان صاحب راية المختار وقد أنقذ
محمد بن الحنفية وبني هاشم من الحرق بالنار والحصار الذي وضعه عليهم عبد الله بن
الزبير.
راجع: الميزان للذهبي ج 4 / 544، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 6 / 159،
الملل والنحل للشهرستاني ج 1 / 190 ط بيروت، المعارف لابن قتيبة ص 624.
وقد روى عنه في سنن أبي داود ج 3 / 180 ح 3081.
(772) المستدرك للحاكم ج 3 / 121، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 184 ح 660،
فرائد السمطين ج 1 / 302 ح 240، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 24 ط التقدم
وص 99 ط الحيدرية وص 39 ط بيروت، المناقب للخوارزمي ص 82 و 91، مجمع الزوائد
ج 9 / 130، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 73، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص
141 ط العثمانية وص 156 ط السعيدية، ينابيع المودة للقندوزي ص 48 و 187 و 246
و 282 ط اسلامبول، نور الأبصار للشبلنجي ص 73 ط العثمانية، الصواعق المحرقة لابن
حجر ص 74 ط الميمنية وص 121 ط المحمدية، الرياض النضرة ج 2 / 220 ط 2، مشكاة
المصابيح ج 3 / 245، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30، الفتح الكبير
للنبهاني ج 3 / 196.
وعن ابن عباس في حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أكبه الله على منخريه
في النار "
راجع: فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 302 ح 241، مناقب علي بن أبي طالب
لابن المغازلي الشافعي ص 394 ح 447، كفاية الطالب للكنجي ص 83 ط الحيدرية
وص 27 ط الغري، الرياض النضرة ج 2 / 219 ط 2، الفصول المهمة لابن الصباغ ص
111، أخبار شعراء الشيعة للمرزباني ص 30 ط الحيدرية، ذخائر العقبى ص 66، ينابيع
المودة للقندوزي ص 205 ط اسلامبول، نور الأبصار ص 100، المناقب للخوارزمي ص
81، نظم درر السمطين للزرندي ص 105.
500

وقال ابن عبد البر في ترجمة علي من استيعابه ما هذا لفظه: قال صلى الله عليه وآله:
" من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن آذى عليا فقد
آذاني ومن آذاني فقد آذى الله " (773) والصحاح في ذلك متواترة ولا سيما
من طرقنا عن العترة الطاهرة (774).
على أن من البديهيات أن " سباب المسلم فسق " (775) بإجماع أهل
القبلة وفي صحيح مسلم: " سباب المسلم فسق وقتاله كفر " (776) (ألا لعنة الله
على الكافرين).

(773) ذخائر العقبى ص 65.
وتقدم صدره ووسطه تحت رقم (728 و 733).
(774) راجع البحار للعلامة المجلسي، غاية المرام للبحراني، بصائر الدرجات
للصفار ط تبريز، كشف الغمة للأربلي ج 1 / 90 وما بعدها.
(775) حديث مروي عن النبي صلى الله عليه وآله أخرجه:
البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد، والبيهقي،
والطبري، والدارقطني، والخطيب، وغيرهم من طريق: ابن مسعود، وأبي هريرة،
وسعد بن أبي وقاص، وجابر، وعبد الله بن مغفل، وعمرو بن النعمان.
راجع: الغدير ج 10 / 267، الفتح الكبير للنبهاني ج 2 / 150 و 151.
(776) الغدير ج 10 / 272، الفتح الكبير ج 2 / 150 و 151، أسنى المطالب
للحوت ص 168 ح 746، الجامع الصغير ح 4634، صحيح الجامع الصغير ح 3580
التمييز بين الخبيث والطيب ح 702، تاريخ بغداد ج 5 / 144 و ج 10 / 86 و ج 13 /
185، صحيح البخاري ج 7 / 769 ك الأدب، حلية الأولياء ج 5 / 23 و 24 و ج 6 / 204
و 343 و ج 8 / 123 و 359 و ج 10 / 215.
501

[المورد - (95) - حربه عليا:]
زحف مغيرا بطغام أهل الشام على أمير المؤمنين [عليه السلام] بعد انعقاد البيعة له.
فأججها نارا حامية، أثار بها كمين ضغنه، وبعث دفين حقده، ماضيا فيها على
غلوائه، مطلقا لنفسه عنان هواه. وأمير المؤمنين عليه السلام يدعوه إلى الله تعالى،
ومعه البقية الباقية من أهل بدر وأحد والأحزاب، وبيعة الرضوان، وجم غفير
من صالحي المؤمنين (777)، وكلهم دعاة إلى الله عز وجل، وإلى طاعة أمير

(777) كان مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفين (100) من
البدريين كما في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 238، شرح نهج البلاغة لابن أبي
الحديد ج 1 / 474 ط 1 و ج 5 / 191 بتحقيق أبو الفضل، الغدير ج 2 / 362.
و (800) من أهل بيعة الشجرة قتل منهم (360) نفسا.
راجع: الإصابة ج 2 / 381 ط مصطفى محمد و ج 2 / 389 ط السعادة، الاستيعاب
بذيل الإصابة في ترجمة عمار ج 2 / 471 ط مصطفى محمد، المستدرك للحاكم ج 3 /
104، الغدير ج 9 / 362.
وقد استشهد منهم خلق كثير منهم:
1 - عمار بن ياسر 2 - ثابت بن عبيد الأنصاري 3 - خزيمة ذو الشهادتين 4 -
أبو الهيثم بن التيهان 5 - أبو عمرة الأنصاري 6 - أبو فضالة الأنصاري 7 - بريدة
الأسلمي 8 - جندب بن زهير الأزري 9 - حازم بن أبي حازم الأحمسي 10 - سعد
ابن الحارث الأنصاري 11 - سهل بن عمرو الأنصاري 12 - صفر بن عمرو بن محصن
13 - عائذ المحاربي الجسري 14 - عبد الله بن بديل الخزاعي 15 - عبد الله بن كعب
المرادي 16 - عبد الرحمن بن بديل الخزاعي 17 - عبد الرحمن الجمحي 18 - الفاكه
ابن سعد الأنصاري 19 - قيس بن المكشوح المرادي 20 - محمد بن بديل الخزاعي
21 - المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي 22 - هاشم المرقال 23 - أبو شحر
الأبرهي 24 - أبو ليلى الأنصاري. وغيرهم.
راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (445)، مروج الذهب ج 2 /
352.
وقد ذكر العلامة الأميني 145 اسما من أسماء الصحابة الذين كانوا مع الإمام
أمير المؤمنين في حرب صفين. راجع الغدير ج 9 / 362 - 368.
502

المؤمنين عليه السلام. لكن في أذني معاوية وقرا عن دعوتهم فهو أصم عنهم أصلخ (1)
مصر على بغيه، لا يألو في ذلك، ولا يدخر وسعا، حتى قتل يومئذ من
المسلمين (2) عدة ما قتل مثلها من قبل في فتنة أصلا (778).
وقد قاله رسول الله صلى الله عليه وآله - فيما أخرجه الشيخان في صحيحيهما (3) -:
" سباب المسلم فسق، وقتاله كفر " (779).
وقال صلى الله عليه وآله - فيما أخرجه مسلم في باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو

(1) يقال في توكيد الصمم: أصم أصلخ. وأصم أصلج (منه قدس).
(778) وفي جملة المقتولين كثير من أهل السوابق في الإسلام من وجوه أصحاب
الرسول (منه قدس).
عدد القتلى في صفين:
من أهل العراق:
خمسة وعشرون ألف.
ومن أهل الشام:
سبعون ألف. وقيل غير ذلك.
راجع: تذكرة خواص الأئمة للسبط بن الجوزي ص 81.
(3) راجع من صحيح البخاري باب قول النبي صلى الله عليه وآله: لا ترجعوا بعدي كفارا
يضرب بعضكم رقاب بعض، من كتاب الفتن آخر ص 147 من جزئه الرابع. وراجع
من صحيح مسلم كتاب الإيمان ص 44 من جزئه الأول (منه قدس).
(779) تقدم الحديث مع مصادره تحت رقم (776) فراجع.
503

مجتمع من كتاب الإمارة من صحيحه -: " من أتاكم وأمركم جميع على
رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه. أه‍ (780).
وقال ابن عبد البر - في ترجمة علي من الاستيعاب - ما هذا لفظه: وروي
من حديث علي، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي أيوب الأنصاري
- يعني عليا - أمر بقتال الناكثين - يوم الجمل - والقاسطين - يوم صفين -
والمارقين - يوم النهروان - (781) وروي عنه أنه عليه السلام قال: " ما وجدت

(780) صحيح مسلم ج 6 / 23، سنن البيهقي ج 8 / 169، تيسير الوصول ج 2 /
35، المحلى لابن حزم ج 9 / 630، الغدير ج 10 / 28، الفتح الكبير للنبهاني ج 3 /
146.
(781) هذا الحديث ورد عن عدة من الصحابة منهم:
1 - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام راجع:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 / 158 ح
1195 - 1202، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 435 و 437، مجمع
الزوائد ج 7 / 238 و ج 5 / 186، إحقاق الحق ج 6 / 68، المناقب للخوارزمي ص 125،
البداية والنهاية ج 7 / 305، تاريخ بغداد ج 8 / 340 و ج 12 / 187، كنز العمال ج 15
/ 98 ط 2 و ج 6 / 392 ط 1، الغدير ج 3 / 193، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 379
ح 217 و 224، المعيار والموازنة للإسكافي ص 37 و 54 ط بيروت، أعلام النبوة
لأبي حاتم الرازي ص 210.
2 - عن عبد الله بن مسعود:
راجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 /
162 ح 1203 و 1204، مجمع الزوائد ج 7 / 238، إحقاق الحق ج 4 / 244، الاستيعاب
بهامش الإصابة ج 3 / 53، الرياض النضرة ج 2 / 240 ط 1، تاريخ ابن كثير ج 7 / 305
مطالب السئول ص 24، كنز العمال ج 6 / 391، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 282
ح 223 و 257.
3 - عن عبد الله بن عباس:
كفاية الطالب للگنجى ص 167 ط الحيدرية وص 69 ط الغري، فرائد السمطين
ج 1 / 150 ح 113.
4 - عن أبي أيوب الأنصاري:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 / 168 ح 1206
و 1207 و 1208، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 281 ح 221 و 222، شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 / 207، البداية والنهاية ج 7 / 306، كنز العمال ج 6 / 88،
الغدير ج 3 / 192 و ج 1 / 337، تاريخ بغداد ج 13 / 187، الاستيعاب بهامش الإصابة
ج 3 / 53، المستدرك للحاكم ج 3 / 139، الخصائص للسيوطي ج 2 / 138.
5 - عن أبي سعيد الخدري:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 / 168 ح
1205، المناقب للخوارزمي ص 121، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 281 ح 220،
كفاية الطالب للگنجى ص 72 ط الغري وص 172 ط الحيدرية، البداية والنهاية ج 7 /
305، الغدير ج 3 / 192.
6 - عن عمار بن ياسر:
مجمع الزوائد ج 7 / 238، شرح ابن أبي الحديد ج 3 / 293، الغدير ج 3 /
192، المعيار والموازنة للإسكافي ص 119.
504

إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله تعالى " أه‍ (782).
وحسبه عليه السلام في قتاله لمعاوية وغيره قوله عز سلطانه (وإن طائفتان
من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا
التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) (783).

(782) فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 279 ح 217، ترجمة الإمام علي بن
أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 / 174 ح 1211 و 1212، المستدرك للحاكم
ج 3 / 115، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 236 ط 1، المعيار والموازنة للإسكافي
ص 54.
(783) سورة الحجرات: 9.
505

ولا ريب ببغي معاوية وأصحابه، فإن بغيهم مما أجمعت الأمة عليه. وقد
أنذر به رسول الله صلى الله عليه وآله فيما صح عنه من حديث أبي سعيد الخدري قال:
كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمر به النبي
صلى الله عليه وآله ومسح عن رأسه الغبار وقال: " ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم
إلى الله تعالى ويدعونه إلى النار " (784).

(784) أخرجه البخاري بهذا الإسناد وبهذه الألفاظ في باب مسح الغبار عن الناس
في السبيل من كتاب الجهاد والسير ص 93 من الجزء الثاني من صحيحه. وأخرجه أيضا
بهذا الإسناد في باب التعاون في بناء المساجد من كتاب الصلاة ص 61 من الجزء الأول
من صحيحه إلا أن لفظه هنا: يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار (منه قدس).
وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة وعن الرسول الأعظم كما نص عليه ابن
حجر في الإصابة وابن عبد البر في الاستيعاب، وهو من الأحاديث عن الأخبار بالغيب.
فبالإضافة إلى رواية أبي سعيد الخدري رواه جملة من الصحابة:
كعثمان بن عفان، عمرو بن العاص، معاوية بن أبي سفيان، حذيفة بن اليمان،
عبد الله بن عمر، خزيمة بن ثابت، كعب بن مالك، جابر بن عبد الله، عبد الله بن عباس،
أنس بن مالك، أبي هريرة، عبد الله بن مسعود، أبي أمامة، أبي رافع، أبي قتادة،
زيد بن أبي أوفى، عمار بن ياسر، عبد الله بن أبي هذيل، أبي اليسر، زياد بن الفرد،
جابر بن سمرة، عبد الله بن عمرو بن العاص، أم سلمة، عائشة.
راجع: صحيح الترمذي ج 5 / 333 ح 3888، المستدرك للحاكم ج 2 / 148
و 149 و ج 3 / 386 و 387 و 391 و 397، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 132 -
135 ط الحيدرية وص 67 - 69 ط بيروت، حلية الأولياء ج 4 / 172 و 361 و ج 7 /
197 و 198، مجمع الزوائد ج 7 / 240 و 242 و 244 و ج 9 / 295 وحكم بصحة جل
طرقه، تاريخ الطبري ج 5 / 39 و 41 و ج 10 / 59، أسد الغابة ج 2 / 114 و 143 و 217
و ج 4 / 46، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 / 117 ط مصطفى محمد، تاريخ اليعقوبي ج
2 / 164 ط الغري، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 313 و 314 و 317، وقعة صفين
لنصر بن مزاحم ص 341 و 343، العقد الفريد ج 4 / 341 و 343، المناقب للخوارزمي
ص 57 و 123 و 124 و 159 و 160، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3 / 310 و 311،
أحكام القرآن لابن عربي ج 4 / 1705 ط 2، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 128
و 129 ط 1 اسلامبول وص 151 و 152 ط الحيدرية و ج 1 / 128 و 129 ط العرفان، تذكرة
الخواص للسبط بن الجوزي ص 93 و 94، كفاية الطالب للگنجى ص 172 - 175 ط
الحيدرية وص 71 - 73 ط الغري، نور الأبصار ص 17 و 89 ط السعيدية، سيرة ابن
هشام ج 2 / 102 ط دار الجيل، شرح ابن أبي الحديد للنهج ج 8 / 10 و 17 و 19 و 24
و ج 15 / 177 بتحقيق أبو الفضل و ج 2 / 274 ط 1، المعجم الصغير للطبراني ج 1 / 187
الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 / 251 و 252، الغدير للأميني ج 9 / 21، إحقاق الحق
ج 8 / 422، الإصابة لابن حجر ج 2 / 512 ط السعادة و ج 2 / 506 ط مصطفى محمد،
الإستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة ج 2 / 436 ط السعادة، المعيار والموازنة للإسكافي
ص 96، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 108 ط بيروت، الفتح الكبير ج 3 / 304.
506

وناهيك في معاوية أن يكون بحكم هذا الحديث من مصاديق قوله تعالى
(وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون. وأتبعناهم في هذه
الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين (1)).
يا لها نصوصا صريحة من كتاب الله عز وجل وسنن نبيه صلى الله عليه وآله الصحيحة،
لا ريب فيها هدى للمتقين. فأمعن معي أيها المؤمن ولك الخيار في رأيك
فيها. ولا تنس قوله صلى الله عليه وآله: " حرب علي حربي وسلمه سلمي " (785) وقوله

(1) الآيتان في سورة القصص: 41 و 42 (منه قدس).
(785) حرب علي حرب الرسول وسلمه سلم الرسول صلى الله عليه وآله:
راجع: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 50 ح 73 و 285، المناقب
للخوارزمي ص 76، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 / 221 ط 1 ونقل أن النبي
صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام في ألف مقام " أنا حرب لمن حاربت وسلم لمن سالمت "
و ج 17 / 24 بتحقيق محمد أبو الفضل ولكن في هذه الطبعة يوجد تحريف حيث أزيد
قبل قول النبي كلمة " لو " وهو خطأ، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 233.
507

صلى الله عليه وآله يوم جلل الخمسة بالكساء: " أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم
وعدو لمن عاداهم " (786) وقوله صلى الله عليه وآله في علي: " اللهم وال من والاه، وعاد
من عاداه، وأنصر من نصره، وأخذل من خذله " (787) إلى ما لا يحصى من
أمثال هذه النصوص المتواترة في كل خلف من هذه الأمة.
[المورد - 96 - وضع الحديث في ذم أمير المؤمنين (ع):]
ذكر شيخ المعتزلة الإمام أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى - فيما نقله
عنه ابن أبي الحديد (1) -: أن معاوية حمل قوما من الصحابة، وقوما من
التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة

(786) تقدم هذا الحديث بضمير الخطاب وبضمير الغائب تحت رقمي (126
و 127) فراجع.
(787) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 13
ح 508 و 513 و 514 و 515 و 523 و 544 و 562 و 569، كفاية الطالب ص 63 ط
الحيدرية وص 17 ط الغري، كنز العمال ج 6 / 403 ط 1 و ج 15 / 115 ح 332 و 402
ط 2، شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 157 ح 211 وص 192 ح 250، مجمع الزوائد
للهيثمي ج 9 / 105، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 151 ط السعيدية وص 137
ط العثمانية، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 96 ط الحيدرية وص 26 و 27 ط التقدم
بمصر، الملل والنحل للشهرستاني ج 1 / 163 ط بيروت وطبع بهامش الفصل لابن حزم
ج 1 / 220 ط مصر، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 209 و 289 ط 1 بمصر و ج
2 / 289 و ج 3 / 208 ط مصر بتحقيق أبو الفضل، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد
ج 5 / 32، نظم درر السمطين للزرندي ص 112 ط النجف، المناقب للخوارزمي ص 80،
و 94 و 130، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 249 ط اسلامبول وص 297 ط الحيدرية
أسنى المطالب للجزري ص 48 و 49 قال: وهو أيضا متواتر عن النبي صلى الله عليه وآله.
(2) في شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام: أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل
رحب البلعوم يدعوكم إلى مسبتي والبراءة مني ص 358 والتي بعدها من ج 1 من شرح
النهج (منه قدس).
508

منه، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا له ما أرضاه.
(قال): منهم أبو هريرة (788)

(788) أبو هريرة:
لم يختلف الناس في اسم أحد - في الجاهلية والاسلام - كما اختلفوا في اسم
" أبي هريرة " فلا يعرف أحد على التحقيق الاسم الذي سماه به أهله ليدعى بين الناس
به. كما أنه لم يعلم عن نشأته وأصله شئ.
قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله في السنة - 7 ه‍ - في شهر صفر. وبقي في الصفة إلى
شهر ذي القعدة سنة 8 ه‍ ثم انتقل إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي فيكون مدة إقامته
في المدينة سنة وتسعة أشهر وكان في البحرين مع العلاء بن الحضرمي مؤذنا حيث لا يحسن
غيره ومات سنة 59 ه‍ ومع هذا فقد كان أكثر الصحابة رواية فقد ذكر ابن مخلد الأندلسي
في مسنده لأبي هريرة (5374) حديثا روى منها البخاري (446).
وكان كبار الصحابة يكذبونه في أحاديثه وعلى رأسهم عمر بن الخطاب فإنه كان
سيئ الرأي فيه حتى ضربه بالدرة على روايته للأحاديث ولم يتمكن أبو هريرة أن يحدث
في زمان عمر ولو مات أبو هريرة في زمان عمر لما وصلتنا الآلاف من أحاديثه.
وكذلك أكذبه علي أمير المؤمنين عليه السلام وعثمان وكانت عائشة أشدهم
إنكارا عليه لتطاول عمرها وعمره.
وكان مؤيدا ومشايعا لبني أمية وبالخصوص معاوية بن أبي سفيان فكان يضع الحديث
على رسول الله صلى الله عليه وآله في مدحه وفضائله ويضع الذم والقدح في سيد الوصيين وإمام
المتقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
وكان أبو هريرة: أول راوية اتهم في الإسلام، كما قال ابن قتيبة.
هذا ما استخلصناه من كتاب، شيخ المضيرة أبو هريرة للعلامة الشيخ محمود أبو
رية وهو أحسن كتاب ألف في دراسة شخصية " أبي هريرة " الطبعة الثالثة طبع دار
المعارف بمصر.
ولأجل التوسع في " أبي هريرة " راجع:
كتاب " أبو هريرة " للسيد عبد الحسين شرف الدين طبع عدة طبعات، أضواء على
السنة المحمدية لأبي رية ص 194 - 223.
509

وعمرو بن العاص (789) والمغيرة بن شعبة (790) ومن التابعين:

(789) ابن النابغة:
وهو عمرو بن العاص بن وائل أبو محمد وأبو عبد الله.
أبوه: هو الأبتر بنص الذكر الحكيم (إن شانئك هو الأبتر) كما ذكره الرازي في
تفسيره: روى أن العاص بن وائل كان يقول: إن محمدا أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده
فإذا مات انقطع ذكره واسترحتم منه.
أمه: ليلى وتسمى النابغة وكانت أشهر بغي بمكة وأرخصهن اجرة ولما وضعته ادعا
خمسة كلهم أتوها غير أن ليلى ألحقته بالعاص لكونه أقرب شبها به وأكثرهم نفقة عليها.
والذين وقعوا عليها في طهر واحد: العاص وأبو سفيان وأبو لهب وأمية بن خلف
وهشام بن المغيرة فولدت عمروا فاختلفوا فيه فلحقته بالعاص.
وقد انتحل الإسلام لأغراض دنيوية ولم يعتنق الدين اعتناقا صحيحا.
فقد كان متصفا بالرذائل ومساوئ الأخلاق متصفا بالوضاعة والغواية والغدر والنفاق
والمكر والحيلة والخيانة والفجور ونقض العهد وكذب القول وخلف الوعد وقطع الإل
والحقد والوقاحة والحسد والرياء والشح والبذاء والسفه والوغد والجور والظلم
والمراء والدناءة واللئم والملق والجلافة والبخل والطمع واللدد وعدم الغيرة على حليلته.
وهذه إن دلت فإنما تدل على عدم الإسلام المستقر وانتفاء الإيمان بالله وبما جاء به النبي
صلى الله عليه وآله. فلا غرو حينئذ أن يكون زائغا عن الإسلام ناكبا عن الصراط المستقيم منحرفا عن
سيد الوصيين عليه السلام يضع فيه الأحاديث الباطلة زورا وبهتانا. وقد كان سببا في
خذلان الحق وإضعافه ومشيدا لأركان الباطل وإسناده وقد قتل عشرات الآلاف من المسلمين
فجرائمه وبوائقه لا تعد ولا تحصى يكل عنها اللسان وتعجز عنها الأقلام وتجل عنها الكتب
والمؤلفات.
راجع: مخازيه ولؤمه ونفاقه ورذائله في كتاب: الغدير للعلامة الأميني ج 2 /
120 - 176 فقد بسط القول في ترجمته.
(790) وهو من شيعة بني أمية والمؤيدين لهم في جرائمهم ولما تولى الإمام أمير
المؤمنين الخلافة الظاهرية بعد قتل عثمان أشار عليه المغيرة أن يبقى معاوية أميرا على
الشام ولكن الإمام لم يوافقه في ذلك ولم يرض ببقائه ولا ساعة واحدة لأنها مساعدة
للظالم في ظلمه.
وكان المغيرة قد غدر بجماعة في سفر كان معهم فيه كما ذكره ابن سعد في طبقاته
ج 4 / 286.
وكان أميرا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب فزنا بأم جميل من بني هلال وجاء
الشهود وشهدوا عليه بالزنا ولكن الخليفة حاول أن يدرأ عنه الحد بتشكيك الشاهد الرابع
وبالأحرى الإشارة إليه بعدم ذكر الشهادة تامة كما تقدم تحت رقم (508 و 509).
كما أنه من المتحاملين على إمام المتقين وسيد الوصيين الإمام أمير المؤمنين عليه
السلام فكان يسب الإمام ويلعنه جهرة على المنابر كما تقدم تحت رقم (761).
والذي خبث لا يخرج إلا نكدا فلا عجب أن يختلق الأحاديث في ذم أمير المؤمنين
عليه السلام والتقليل من شأنه ومقامه.
راجع: الغدير ج 6 / 137 - 144.
510

عروة بن الزبير (791) (قال) وروى الزهري: أن عروة بن الزبير حدثه
فقال: حدثتني عائشة قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل
العباس وعلي، فقال لي صلى الله عليه وآله: " يا عائشة إن هذين يموتان على غير ملتي. أو

(791) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن
كلاب.
وأمه: أسماء ابنة أبي بكر. وقد تمتع بها الزبير وأولدها عبد الله كما ذكره
الراغب الأصفهاني في المحاضرات ج 2 / 94، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج 20
/ 130، مروج الذهب ج 3 / 81 وقد تقدم ص 215 عن عدة مصادر.
وكان عروة من المنحرفين عن إمام المتقين عليه السلام وتأييده لخالته عائشة في
جميع أفعالها ومنها خروجها على إمام زمانها وعداوتها له.
وكان بينه وبين ابن عباس محاورات ومحاججات في المتعتين وكان يستدل على
حرمتهما بقول أبي بكر وعمر وابن عباس يستدل على حليتهما بقول رسول الله صلى الله عليه وآله
وفعله. راجع: مقدمة العقول ج 1 / 242.
فهو علي شاكلة أخيه عبد الله في قتاله لإمام زمانه أمير المؤمنين عليه السلام توفي
عروة سنة 94 كما في الطبقات لابن سعد ج 5 / 182.
511

قال: على غير ديني " (792). [قال] وروى عبد الرزاق عن معمر قال: كان عند

(792) كيف يصح مثل هذا القول في العباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كان صلى
الله عليه وآله يتضور لأجل أنين العباس عند أسره يوم بدر ولما هدد أبو حذيفة بن عتبة
بقتل العباس تأذى رسول الله صلى الله عليه وآله. راجع ما تقدم تحت رقم (450 و 451 و 452
و 453).
وكيف يصح هذا القول في أخي النبي وابن عمه ووصيه وأبي ولده وسبطيه
وزوج ابنته سيدة نساء العالمين وأنه منه بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العين من الرأس
وبمنزلة هارون من موسى غير النبوة وفيه وفي ذريته نزلت سورة هل أتى وآية التطهير
وآية المودة وهو أحد الثقلين الذي أمرنا أن نتمسك بهما، وغير ذلك من الآيات
والروايات.
وقد صح فيه قوله صلى الله عليه وآله: " أنا وهذا - يعني عليا - حجة على أمتي يوم القيامة "
راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (586) عن مصادر متعددة.
وقال صلى الله عليه وآله: مخاطبا عليا:
" أن الأمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي، من أحبك
أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وأن هذه ستخضب من هذا - يعني لحيته من رأسه - ".
راجع: كنز العمال ج 6 / 157، المستدرك للحاكم ج 3 / 147 واعترف بصحته،
تلخيص المستدرك للذهبي واعترف بصحته أيضا، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد
ج 5 / 435، إحقاق الحق ج 7 / 237، فضائل الخمسة ج 3 / 52، سبيل النجاة في تتمة
المراجعات تحت رقم (593).
وقوله صلى الله عليه وآله لعلي أيضا:
" أما أنك ستلقى بعدي جهدا، قال في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من
دينك ".
راجع: المستدرك للحاكم ج 3 / 140 واعترف بصحته، تلخيص المستدرك
للذهبي واعترف بصحته أيضا، نظم درر السمطين ص 118، منتخب كنز العمال بهامش
مسند أحمد ج 5 / 34، فضائل الخمسة ج 3 / 52، إحقاق الحق ج 7 / 329، فرائد
السمطين ج 1 / 377 ح 318. وغيرها من مئات الأحاديث.
512

الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي عليه السلام فسألته عنهما يوما
فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما؟. الله أعلم بهما وبحديثهما أني لأتهمهما في بني
هاشم. قال: فأما الحديث الأول فقد ذكرناه. وأما الحديث الثاني فهو: أن
عروة زعم أن عائشة حدثته قالت: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله فأقبل العباس وعلي.
فقال: يا عائشة إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين
قد طلعا فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب " (793) (قال) وأما عمرو بن
العاص فروى فيه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسندا
متصلا بعمرو بن العاص. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " إن آل
أبي طالب ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين " (794). (قال)
وأما أبو هريرة فروى عنه الحديث الذي معناه أن عليا عليه السلام خطب ابنة
أبي جهل في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فأسخطه، فخطب [ص] على المنبر وقال:
لاها الله لا تجتمع ابنة ولي الله وابنة عدو الله أبي جهل، إن فاطمة بضعة مني
يؤذيني ما يؤذيها، فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي، وليفعل ما
يريد (795) (قال) والحديث مشهور في رواية الكرابيسي. (قال) قلت: وهذا

(893) هذا القول كسابقه في دلالته على نفاق قائله وزندقته.
(794) هذا القول يراد به الانتقاص والتقليل من شأن سيد الوصيين (ع) وأبيه
حام الرسول صلى الله عليه وآله أبي طالب عليه السلام، وقد بكى الرسول صلى الله عليه وآله على عمه أبي
طالب وحزن عليه حزنا شديدا كما تقدم في مورد البكاء. وسمى ذلك العام الذي توفى
فيه عام الحزن بالإضافة إلى ذلك فبطلانه من أوضح الواضحات.
(795) أصل الحادثة لم تقع وإنما يراد تشويه سمعة الإمام أمير المؤمنين ومحاولة
دفع غضب فاطمة على أبي بكر وعمر باختلاق هذه الأكاذيب. وإلا فإن فاطمة أجل من
أن تعترض على حق من حقوق زوجها شرعا. كما أن الرسول صلى الله عليه وآله كيف يشرع الجواز
لغيره ثم لا يقبل به على ابنته وهذا في الحقيقة يراد به الطعن في علي بن أبي طالب (ع)
وهو طعن في سيدة نساء العالمين وأبيها خاتم المرسلين.
513

الحديث مخرج أيضا في صحيح مسلم والبخاري عن المسور بن مخرمة الزهري
فقد ذكره المرتضى في كتابه المسمى - تنزيه الأنبياء والأئمة - (796) وذكر
أنه من رواية حسين الكرابيسي (797)، وأنه مشهور الانحراف عن أهل
البيت (ع) وعداوتهم والمناصبة لهم فلا تقبل روايته، - إلى أن قال أبو جعفر -
وروى الأعمش قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء
إلى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب
صلعته مرارا وقال: يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على الله ورسوله وأحرق
نفسي بالنار؟. والله لقد سمعت رسول الله يقول: إن لكل نبي حرما وإن
المدينة حرمي، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
[قال]: وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها؟ فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه
وولاه إمارة المدينة. أه‍.؟ (798).
وروى سفيان الثوري - كما في ص 360 من المجلد الأول من شرح النهج
عن عبد الرحمن بن قاسم عن عمر بن عبد الغفار: أن أبا هريرة لما قدم الكوفة

(796) تنزيه الأنبياء للسيد المرتضى ص ط الحيدرية.
(797) أبو علي الحسين بن علي الكرابيسي الشافعي المتوفى 245 ه‍ أو 248 ه‍
وكان من المتحاملين حتى على أحمد بن حنبل فضلا عن أهل البيت عليهم السلام فقد
تكلم على إمام الحنابلة ويقول لما سمع قوله في القرآن: أيش نعمل بهذا الصبي؟ أن قلنا
القرآن مخلوق. قال: بدعة، وإن قلنا: غير مخلوق قال: بدعة. راجع: تاريخ
بغداد للخطيب ج 8 / 64، الغدير ج 5 / 287.
(798) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 / 63 - 73 ط مصر بتحقيق أبو
الفضل، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 236، قبول الأخبار لأبي قاسم البلخي (مخطوط).
514

مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ويجلس الناس إليه فجاءه شاب من
الكوفة - لعله الأصبغ بن نباتة - فجلس إليه فقال: يا أبا هريرة أنشدك الله أسمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم وال من والاه، وعاد من
عاداه؟، فقال: اللهم نعم. قال فأشهد بالله لقد واليت عدوه، وعاديت وليه.
ثم قام عنه وانصرف (799).
وبالجملة فإن معاوية لم يدع طريقا من ظلم أمير المؤمنين عليه السلام إلا
سلكه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
[المورد - (97) -:]
نقض العهود والمواثيق التي أعطاها لسيد شباب أهل الجنة يوم الصلح:
وذلك أنه دعا الحسن إلى الصلح، فلم يجد الحسن بدا من إجابته،
وكان التسليم أقل الشرين، وأهون المحذورين المحظورين (1) ولا سيما بعد

(799) وهذا الاحتجاج نقله ابن أبي الحديد عن كتاب المعارف لابن قتيبة
الدينوري ولكن الأيدي الأثيمة قد لعبت بكتاب المعارف عند طبعه وحذفت هذه المناشدة
كما قد لعبت في مواضع أخرى منه.
راجع: الغدير ج 1 / 192 و 204.
وقد تزلف كثير من أهل الحديث الذين يعبدون المادة فينعقون مع كل ناعق فيضعون
الأحاديث تقولا وزورا وكذبا واختلافا على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.
راجع: الغدير للأميني ج 5 / 208 - 356 و ج 7 / 87 - 114 وص 237 - 329
و ج 8 / 30 - 96 و ج 9 / 218 - 396 و ج 10 / 67 - 137 و ج 11 / 74 - 195، شرح
نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 / 358 و ج 3 / 15 و 258 ط 1 بمصر و ج 4 / 63 و ج
11 / 44 و ج 13 / 219 بتحقيق أبو الفضل، كتاب " أبو هريرة " للسيد عبد الحسين شرف
الدين ص 132.
(1) كما فصلناه فيما صدرنا به كتاب - صلح الحسن - لسماحة شيخنا الإمام
المقدس الشيخ راضي آل ياسين. فليراجع ثمة ما فصلناه بإمعان (منه قدس).
515

أن أعطاه معاوية في صلحه ما شاء من شرط يعاهد الله عليه، وقد ابتدأه في ذلك
في كلا المصرين، الشام والعراق.
وقد روى كثير من المؤرخين - فيهم ابن جرير (1) وابن الأثير (2) -: أن
معاوية أرسل إلى الحسن صحيفة بيضاء مختوما على أسفلها بخاتمه، وكتب
إليه: أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.
وأرسل كتابه هذا والصحيفة إلى الحسن عليه مع عبد الله بن عامر فلم يشأ
الحسن عليه أن تكون الشروط التي يشترطها على معاوية مكتوبة بخطه عليه
السلام، فأملاها على عبد الله بن عامر وعبد الله بن عامر كتبها كما أملاها عليه.
فكتب معاوية جميع ذلك بخطه، وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكدة
والإيمان المغلظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام، ووجه به إلى
عبد الله بن عامر، فأوصله إلى الحسن (800).
وختم هذه المعاهدة بقوله: وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله
وميثاقه وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء بما أعطى الله من نفسه (801).
لكن معاوية كان بالاستخفاف بما عاهد الله عليه أولى منه بالوفاء به، لذلك
جعل العهود والمواثيق تحت قدميه، وسب عليا والحسن بمحضر من سيدي

(1) ص 93 من الجزء 6 من كتابه الأمم والملوك (منه قدس).
(2) في ج 3 / 162 من تاريخه (منه قدس).
(800) روى هذا كله ابن قتيبة في ص 200 من كتابه الإمامة والسياسة فليراجع
(منه قدس).
وراجع نص المعاهدة في كتاب صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين ص 259 -
261، الغدير ج 11 / 6، مقاتل الطالبيين ص 43 ط الحيدرية.
(801) صلح الحسن ص 262.
516

شباب أهل الجنة في مسجد الكوفة، وهو إذ ذاك غاص بالمجتمعين احتفالا
بالصلح (802).
ثم تتابعت سياسته تتفجر بكل ما يخالف الكتاب والسنة، كل منكر في
الإسلام. قتلا للأبرار، وهتكا للأعراض، وسلبا للأموال، وسجنا للأحرار
وتشريدا للمصلحين، وتأميرا للمفسدين، الذين جعلهم وزراء دولته: كابن
العاص، وابن شعبة، وابن سعيد، وابن أرطاة، وابن جندب وابن السمط،
وابن الحكم الوزغ ابن الوزغ، وابن مرجانة، وابن عقبة، وابن سمية الذي
نفاه عن أبيه الشرعي عبيد، وألحقه بالمسافح أبيه أبي سفيان ليجعله صنوه،
يسلطه على الشيعة في العراق يسومهم سوء العذاب، يذبح أبناءهم، ويستحيي
نساءهم، ويشردهم عباديد تحت كل كوكب، ويحرق بيوتهم، ويصطفي
أموالهم، لا يألو جهدا في ظلمهم. يعين معاوية على الوفاء للحسن بشروطه؟!.
(803).

(802) فاجأ الناس بهذا المنكر استخفافا منه بهم، بل بالدين وسيد المرسلين،
بل برب العالمين جل جلاله، لكن الحسن عليه السلام لم تنل من صبره هذه الوقاحة،
ورقى بعدها المنبر، فلم يدع ولم يذر، مما يحق به الحق وأهله، ويبطل به الباطل
ودونكم الخطبة في آخر ص 279 وما بعدها إلى ص 282 من كتاب - صلح الحسن -
لشيخنا الإمام المقدس الشيخ راضي آل ياسين فلا تفوتكم، وامعنوا في مراميها السامية
وأهدافها الشريفة (منه قدس).
صلح الحسن ص 285، الغدير ج 11 / 7، مقاتل الطالبيين لابن الفرج الأصفهاني
ص 45 ط الحيدرية.
ثم خطب الإمام السبط خطبة رائعة في الرد على معاوية راجعها في:
صلح الحسن ص 286 - 289، الغدير ج 11 / 8، شرح النهج لابن أبي الحديد
ج 4 / 16 ط 1، مقاتل الطالبيين ص 46 ط الحيدرية. راجع ما تقدم تحت رقم (762
و 763).
(803) فساد معاوية وظلمه وهتكه لحرمات الإسلام وقتله للصالحين كثيرة بل
جرائمه لا تعد ولا تحصى وقد تقدم شطر كبير منها.
وراجع أيضا: الغدير للأميني ج 10 و 11، صلح الحسن لشيخ راضي آل ياسين
النصائح الكافية لمن يتولى معاوية لمحمد بن عقيل، تقوية الأيمان في الرد على تزكية
ابن أبي سفيان أيضا لمحمد بن عقيل، المراجعات لشرف الدين مع التتمة تحت رقم (700
و 701 و 703)، شيخ المضيرة أبو هريرة لأبي رية المصري ط مصر، دلائل الصدق ج 3
ق 1 / 209 وما بعدها وق 2 ج 3 / 4 وما بعدها.
517

وختم معاوية منكراته هذه بسم الحسن الزكي. تمهيدا لسلطان سكيره
المتهتك فكانت منه تلك الفظائع والفجائع في المدينة الطيبة، وفي مكة
المعظمة، وفي طف كربلاء، وفي كل يوم من أيام حياته الموبوءة المملوءة بمحاربة الله
عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله (804) نعوذ بالله، ونبرأ إلى الله تعالى منك وممن
ملكك - على علم - رقاب المسلمين (لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن
منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) (805).

(804) الغدير للأميني ج 11، صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين، مقتل
الحسين للمقرم ط النجف، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 174 - 200، مقاتل الطالبيين
لأبي الفرج الأصفهاني ص 73 تحقيق أحمد صقر.
(805) سورة مريم: 89.
518

[الفصل السابع]
[ما فعله جمهور الأمة]
[المورد - (98) -]
احتجاج الجمهور بمطلق من صحب النبي صلى الله عليه وآله مسلما:
نعم هذا دأبهم، وعليه سيرتهم، كأن الصحبة - بما هي من حيث هي -
تعصم الصحابي عما ينافي العدالة (806) وتوجد له إياها، لذلك اطمأنوا بكل

(806) قال النووي في شرح صحيح مسلم بهامش الإرشاد ج 8 / 22:
إن الصحابة رضي الله عنهم كلهم هم صفوة الناس وسادات الأمة وأفضل ممن
بعدهم وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم وإنما جاء التخليط ممن بعدهم وفيمن بعدهم
كانت النخالة. الغدير ج 10 / 267.
وحول عدالة الصحابة قاطبة أو في الجملة.
راجع: أضواء على السنة المحمدية فصل عدالة الصحابة ص 339 ط 5 دار
المعارف بمصر، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 288 ط 3 كلا الكتابين تأليف الشيخ محمود
أبو رية المصري، دلائل الصدق ج 3 ق 2 / 4.
519

ما يحدثهم الصحابي به عن رسول الله صلى الله عليه وآله من شرائع الله وأحكامه، يحتجون
به ويعملون على مقتضاه، من غير بحث منهم عن عدالته، ولا عن استقامته، ولا عن
صدقه وأمانته، وهذا ما لا يمكن أن يقوم على جوازه دليل من عقل أو نقل أبدا
فإن الصحبة بمجردها وإن كانت فضيلة لكنها مما لا دليل على عصمتها بلا ريب
فالصحابة من حيث العصمة إنما هم كسائر الناس، فيهم الثقة العدل النزيه عن
معصية الله تعالى وهم كثيرون، وفيهم العصاة العتاة، وفيهم مجهول الحال.
وقد قامت الأدلة الشرعية على اشتراط عدالة الراوي للخبر الواحد مطلقا
(807) وإن كان صحابيا، أما من لم يكن عدلا فلا وزن لحديثه بحكم الأدلة القطعية
مطلقا أيضا، ومجهول الحال - على الإطلاق - تتبينه حتى تثبت عدالته، فنحتج
حينئذ به في الفروع خاصة، دون أصول الدين، وإن لم تثبت عدالته، فلا
سبيل إلى العمل بما حدث.
وهذا ما نعلمه من رأي الجمهور في خبر الآحاد، لا خلاف بيننا وبينهم فيه
وإنما تجشموا في الاحتجاج بحديث الصحابة من غير بحث ولا تريث بناءا
على عدالتهم أجمعين أكتعين أبصعين، وكأنهم أرادوا تقديس رسول الله
صلى الله عليه وآله بتعديل أصحابه عامة، وحفظه فيهم كافة، وهذا خطأ واضح، وجهل
نربأ بهم عنه، فإن تنزيهه وحفظه صلى الله عليه وآله إنما يكون بتنزيه سنته وحفظهما من
تشويه الكذابة عليه، وقد أنذر أمته وحذرها بقوله صلى الله عليه وآله " ستكثر الكذابة علي

(807) كما ثبت ذلك في علم: أصول الفقه.
راجع: دروس في علم الأصول للسيد الشهيد الصدر (قدس)، الحلقة الثالثة ج 1 / 223
- 252، أصول الفقه للمظفر ج 3 / 69، أضواء على السنة المحمدية ص 331.
والصحيح هو اشتراط الوثاقة في قبول الخبر ولا يشترط العدالة كما عليه جمهور
المتأخرين من العلماء.
520

فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " (808).
ولو تدبر إخواننا - هداهم الله وإيانا - محكمات القرآن لوجداها مشحونة
بذكر المنافقين، وأذى النبي صلى الله عليه وآله منهم، وحسبك من سورة التوبة - الفاضحة
- وإذا جاءك المنافقون، والأحزاب. (وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب
الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا وإذ يقول
المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) إلى آخر
السورة (809).
وحسبك من آياته المحكمة قوله تعالى: (ومن أهل المدينة مردوا على
النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) (810) (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا
لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) (811) (وهموا بما
لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) (812).

(808) الفتح الكبير للنبهاني ج 3 / 234 - 235، الغيبة للنعماني ص 76.
وبروايات مختلفة راجع: أضواء على السنة المحمدية ص 59 وما بعدها.
(809) سورة الأحزاب: 10 - 12.
(810) من يتدبر هذه الآية وغيرها من أمثالها يحصل له العلم الاجمالي بوجود
المنافقين في غير معلومي الإيمان والعدالة، ونحن في غنى عن أطراف هذه الشبهة المحصورة
بحديث معلومي العدالة من الصحابة وهم علماؤهم وعظماؤهم وأهل الذكر الذين أمر
الله بسؤالهم، والصادقون الذين أمر الله سبحانه بأن نكون معهم. على أن في حديث
الأئمة من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل كفاية، فهم أعدال
الكتاب وبهم يعرف الصواب (منه قدس).
سورة التوبة: 101.
(811) سورة التوبة: 48.
(812) سورة التوبة: 74. وراجع فهرس بقية الآيات في كتاب أضواء على
السنة المحمدية ص 356.
521

فليتني أدري أين ذهب المنافقون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وكانوا قد جرعوه
الغصص مدة حياته، حتى دحرجوا الدباب (1) وصدوه عن الكتاب (813).
وقد أجمع أهل الأخبار أنه صلى الله عليه وآله خرج أحد بألف من أصحابه، فرجع منهم
قبل الوصول ثلاثمائة من المنافقين (814) وربما بقي من المنافقين من لم
يرجعوا خوف الشهرة. على أنه لو لم يكن في الألف إلا ثلاثمائة منافق لكفى دليلا
على أن النفاق كان زمن الوحي فاشيا بينهم، فكيف انقطع بمجرد انقطاع
الوحي، ولحوق النبي صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى؟. فهل كانت حياته سببا في نفاق
المنافقين؟ أو موته سببا في إيمانهم وعدالتهم، وصيرورتهم أفضل الخلائق
بعد الأنبياء؟. وكيف انقلبت حقائقهم بوفاته؟. فأصبحوا - بعد ذلك النفاق -
بمثابة من القدس لا يقدح لها فيها شئ مما ارتكبوه من الجرائم والعظائم؟؟.
وما المقتضي للالتزام بهذه المكابرات التي تنفر منها الأسماع والأبصار والأفئدة؟؟.
على أن في الكتاب والسنة ما يثبت بقاء المنافقين على نفاقهم، لا يؤوبون
إلى الله تعالى ولا يرعوون. وحسبك من محكمات الكتاب قوله عز من قائل:

(1) كان قوم من الصحابة دحرجوا الدباب ليلة العقبة لينفروا برسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ناقته فيطرحوه، وكان صلى الله عليه وآله إذ ذاك راجعا من وقعة تبوك التي استخلف
فيها عليا. وحديث أحمد بن حنبل في آخر الجزء الخامس من مسنده عن أبي الطفيل
في هذه الطامة طويل، وفي آخره: أن رهطا من الصحابة لعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ
هذا الحديث مشهور مستفيض بين المسلمين كافة (منه قدس).
(813) الذي أراد أن يكتبه الرسول صلى الله عليه وآله في مرضه: هو الأمان للأمة من الضلال
ولكن عمر بن الخطاب مانعه وزعم أن النبي صلى الله عليه وآله يهجر.
راجع: ما تقدم تحت رقم (199 - 206).
(814) نص على هذا كل من أرخ غزوة أحد من أهل السير والأخبار فراجع (منه قدس).
الكامل في التاريخ ج 2 / 105 وكان الذين رجعوا بقيادة عبد الله بن أبي.
522

(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)
(815).
ويكفيك من صحاح السنن ما أخرجه البخاري في باب الحوض وهو
في آخر كتاب الرقاق ص 94 من الجزء الرابع من صحيحه - بالإسناد إلى أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم، خرج
رجل من بيني وبينهم، قال: هلم (1) قلت: أين قال: إلى النار والله. قلت:
وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، ثم إذا زمرة حتى
إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، قال: هلم. قلت: أين؟. قال: إلى
النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري
فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم " (816).
وأخرج في آخر الباب المذكور عن أسماء بنت أبي بكر. قالت: قال
النبي صلى الله عليه وآله: " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ
ناس دوني. فأقول: يا رب مني ومن أمتي فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟

(815) سورة آل عمران: 144.
(1) هلم في لغة أهل الحجاز يستوي فيها المفرد والمثنى والجمع والمذكر
والمؤنث. تقول: هلم يا زيد. وهلم يا زيدان. وهلم يا زيدون وهلم يا هند. وهلم يا هندات.
فهي اسم فاعل وفاعلة ضمير مستتر تقديره في هذا الحديث: أنتم لأن المخاطبين بها إنما
هم الزمرة (منه قدس).
(816) قال السندي في تعليقته على صحيح البخاري: همل النعم بفتح الهاء والميم
الإبل بلا راع، أي لا يخلص منهم من النار إلا قليل (منه قدس).
أضواء على السنة المحمدية ص 354 ط 5 بمصر وفيه روايات أخرى أيضا،
دلائل الصدق ج 3 ق 2 / 11 عن الجمع بين الصحيحين للحميدي.
523

والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ
بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا " (817).
وأخرج في الباب المذكور أيضا عن ابن المسيب أنه كان يحدث عن
النبي صلى الله عليه وآله قال: " يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلأون عنه،
فأقول: يا رب أصحابي. فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا
على أدبارهم القهقري " (818).
وأخرج في الباب المذكور عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وآله:
" إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا. ليردن علي
أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان
ابن أبي عياش. فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أشهد
على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: فأقول إنهم مني. فيقال:
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟. فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي " (819).
وأخرج في الباب المذكور أيضا عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلأون على
الحوض فأقول: يا رب أصحابي. فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك،

(817) الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 455، أضواء على السنة المحمدية ص 355.
(818) الفتح الكبير للنبهاني ج 3 / 423.
(819) قال القسطلاني في شرح هذه الكلمة من إرشاد الساري ما هذا لفظه: لمن
غير بعدي أي دينه لأنه لا يقول في العصاة بغير الكفر: سحقا سحقا بل يشفع لهم ويهتم
بأمرهم كما لا يخفى (منه قدس).
الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 455، أضواء على السنة المحمدية ص 355،
دلائل الصدق ق 2 ج 3 / 2 عن الجمع بين الصحيحين أقول: والحديث متفق عليه.
524

إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقري " (820).
وأخرج في أول الباب المذكور عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " أنا
فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب
أصحابي، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " (821) قال البخاري: تابعه
عاصم عن أبي وائل وقال حصين: عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله.
وأخرج أيضا - في باب غزوة الحديبية ص 30 من صحيحه - عن العلاء
ابن المسيب عن أبيه. قال: لقيت البراء بن عازب. فقلت له: طوبى لك
صحبت النبي صلى الله عليه وآله وبايعته تحت الشجرة. فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري ما
أحدثنا بعده (822).
وأخرج أيضا - في أول باب قوله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلا)
من كتاب بدء الخلق ص 154 من جزئه الثاني - عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله
قال من حديث: " وأن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول:
صحابي أصحابي. فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
(الحديث) " (823).
[المورد - (99) -]
إعراضهم عن أئمة العترة الطاهرة في أصول الدين وفروعه وفيما هو إليهما.

(820) الفتح الكبير ج 3 / 423، أضواء على السنة المحمدية ص 355.
(821) الفتح الكبير ج 1 / 475، أضواء على السنة المحمدية ص 355.
(822) أضواء على السنة المحمدية ص 355.
(823) أضواء على السنة المحمدية ص 355.
وتوجد أحاديث أخرى غير هذه راجعها في:
دلائل الصدق ج 3 ق 2 / 9 وما بعدها، مسند أحمد ج 6 / 297، صحيح مسلم ك
الجنة وصفة نعيمها ج 2 / 350.
525

وذلك أنهم أخذوا أصول الدين عن أبي الحسن الأشعري والماتريدي
وأضرابهما. وأخذوا الفروع عن الفقهاء الأربعة مع ما يؤثرونه من النصوص
الصريحة التي أنزلت أئمة العترة الطاهرة منزلة الكتاب (لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه) (824) وجعلهم في هذه الأمة بمنزلة سفينة نوح في قومه،
من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وكباب حطة في بني إسرائيل من
دخله غفر له وكانوا في الأمة مكان الرأس من الجسد، بل مكان العينين من الرأس
إلى كثير من أمثال هذه النصوص (825).
وقد فصلنا القول في هذا المورد وما إليه في المقصد الأول من الفصل 12
من فصولنا المهمة، إذ ذكرنا إعراض الجمهور عن أهل البيت. والآن نتلو
عليك ما قد قلناه هناك إتماما للفائدة بنصه وعين لفظه.
فقلنا أعرض إخواننا أهل السنة عن مذهب الأئمة من أهل البيت،
فلم يعنوا بأقوالهم في أصول الدين وفروعه بالمرة، ولم يرجعوا إليهم
في تفسير القرآن العزيز - وهو شقيقهم - إلا دون ما يرجعون إلى مقاتل بن
سليمان المجسم المرجئ الدجال (826)، ولم يحتجوا بحديثهم إلا دون

(824) سورة فصلت: 42.
(825) تقدمت هذه النصوص وغيرها تحت رقم (15 و 16 و 17 و 18 و 19).
(826) مقاتل بن سليمان البلخلي المتوفى 150، كذاب دجال وضاع عده
النسائي من الكذابين المعروفين بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول لأبي
جعفر المنصور: أنظر ما تحب أن أحدثه فيك حتى أحدثه، وقال للمهدي: إن شئت وضعت
لك أحاديث في العباس؟ قال لا حاجة لي فيها.
راجع: تاريخ بغداد ج 13 / 168، تاريخ الشام لابن عساكر ج 5 / 160،
ميزان الاعتدال ج 3 / 196 ط 1، تهذيب التهذيب ج 10 / 284، اللئالي المصنوعة
للسيوطي ج 1 / 128 و ج 2 / 60 و 122.
وراجع أيضا: الغدير للأميني ج 5 / 266، الفصول المهمة لشرف الدين ص
212. بل هو أحد الأربعة المشهورين بوضع الأحاديث: راجع: أضواء على السنة
المحمدية ص 126.
526

ما يحتجون بالخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية، ولو أحصيت جميع
ما في كتبهم من حديث ذرية المصطفى صلى الله عليه وآله ما كان إلا دون ما أخرجه البخاري
وحده عن عكرمة البربري الخارجي المكذب (827) وأنكى من هذا كله عدم
احتجاج البخاري في صحيحه بأئمة أهل البيت النبوي، إذ لم يرو شيئا عن
الصادق (828)

(827) عكرمة البربري مولى ابن عباس: روى عنه أصحاب الصحاح الستة وهو
أحد الأشخاص المنحرفين عن أهل البيت وهو يرى رأى الحرورية من الخوارج بل
يرى رأى الأباضية الذين هم غلاة الخوارج وكان علي بن عبد الله بن عباس قد أوثقه
وثاقا لأنه كان يكذب على أبيه عبد الله بن عباس وفي رواية أنه يكذب أيضا علي ابن
مسعود. وكذبه ابن المسيب وابن عمر ويحيى بن سعيد وذكر عند أيوب أنه لا يحسن
الصلاة فقال: أيوب أو كان يصلي؟ وعن مطرف كان مالك يكره أن يذكره. وقال محمد
ابن سيرين كذاب. وقال ابن أبي ذؤيب: غير ثقة. وقال الشافعي قال مالك: لا أرى
لأحد أن يقبل حديثه. إلى غير ذلك مما ذكروه في ترجمته.
راجع: ميزان الاعتدال للذهبي ترجمة عكرمة، معجم الأدباء لياقوت الحموي
ترجمة عكرمة، تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني في ترجمته أيضا، الفصول المهمة
لشرف الدين ص 209 - 212، دلائل الصدق ج 1 / 48.
(828) الإمام الهمام أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين
ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام ولد في 17 من ربيع الأول وقيل في النصف من
رجب سنة 83 ه‍ وتوفي 25 من شوال سنة 148 ه‍ وهو أكبر الأئمة سنا ودفن بالبقيع.
عظمته: لا يقدر الكاتب والمفكر الإحاطة بعظمة هذا الرجل وفضله فقد حمل عنه
من العلم ما سارت به الركبان وقد تخرج عليه أكثر من أربعة آلاف عالم فيهم الفلاسفة
والمفكرون والمتكلمون كجابر بن حيان الكوفي وهشام بن الحكم وإمامي الحنفية والمالكية
أبو حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس وزرارة ومحمد بن مسلم والآلاف من أضرابهم
وقد فاق جميع أهل عصره في مختلف العلوم العقلية منها والنقلية.
الإرشاد للشيخ المفيد ص 270 - 287، كشف الغمة للأربلي ج 2 / 154 -
211 وقد ألف في ترجمة حياته عشرات الكتب:
منها: كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة للشيخ أسد حيدر 1 - 6 ط في
النجف وبيروت، الإمام الصادق ملهم الكيمياء طبع في العراق، الإمام الصادق لأبي زهرة
طبع في مصر وله ترجمة وافية في أعيان الشيعة للسيد الأمين ج 4 ق 2 / 29 - 79،
والجزء السابع والأربعون من البحار في الطبع الجديد يختص بحياة هذا الإمام العظيم.
وغيرها من عشرات الكتب.
527

والكاظم (829)، والرضا (830)

(829) هو الإمام أبو الحسن الأول موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب عليهم السلام الملقب بالكاظم وباب الحوائج والعالم والعبد الصالح.
ولد في يوم 7 من صفر سنة 128 ه‍ بالأبواء بين مكة والمدينة وتوفي مسموما في
حبس السندي بن شاهك بأمر من هارون الرشيد في 25 من رجب سنة 183 ه‍ ودفن
في بغداد حيث قبره الآن كان عليه السلام سابع أئمة الهدى من أهل البيت وقد عاش
مدة من حياته في زنزانات السجون ينقل من سجن إلى سجن وأقل رواية تقول إنه عاش
في السجن سبع سنين. وأكثر السادة الموجودين فعلا ينسبون إليه ويقال لهم الموسوية.
الإرشاد للشيخ المفيد ص 288 - 303، كشف الغمة ج 2 / 212 - 258، أعيان
الشيعة ج 4 ق 2 / 80.
وقد ألفت في حياته وجهاده وعبادته عدة تأليفات أشهرها:
حياة الإمام موسى بن جعفر للشيخ باقر القرشي 1 - 2 طبع في النجف وغيرها
والجزء الثامن والأربعون من البحار من طبع الجديد يختص بحياته.
(830) الإمام أبو الحسن الثاني علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم ثامن أئمة الهدى الملقب بالرضا.
ولد في 11 من ذي القعدة سنة 148 ه‍ بالمدينة المنورة وتوفي مسموما على يد
المأمون العباسي في 17 من صفر وقيل في 23 ذي القعدة سنة 203 ه‍ في خراسان ودفن
حيث قبره هناك.
الإرشاد للمفيد ص 304 - 316، كشف الغمة ج 2 / 259 - 342، أعيان الشيعة
ج 4 ق 2 / 102.
وقد ألف في حياته عدة مؤلفات منها:
الحياة السياسية للإمام الرضا للسيد جعفر مرتضى العاملي طبع، والجزء التاسع
والأربعون من البحار من الطبع الجديد يختص بحياة هذا الإمام.
528

والجواد (831)، والزكي العسكري (832) - وكان معاصرا له -

(831) الإمام أبو جعفر الثاني محمد بن علي موسى بن جعفر بن محمد بن علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام تاسع أئمة أهل البيت يلقب بالجواد
والتقي.
ولد في اليوم العاشر من شهر رجب وقيل في رمضان سنة 195 ه‍ بالمدينة المنورة
مات مسموما في آخر ذي القعدة 220 ه‍ على يد المعتصم العباسي بواسطة زوجته أم الفضل
في بغداد ودفن بجوار جده الإمام موسى بن جعفر الكاظم. وكان أقصر الأئمة عمرا.
الإرشاد للشيخ المفيد ص 316 - 326، كشف الغمة للإربلي ج 2 / 343 - 373،
أعيان الشيعة للسيد الأمين ج 4 ق 2 / 161، وكذلك له ترجمة ضافية في الجزء الخمسين من
البحار.
(832) الإمام أبو محمد الحسن بن علي النقي بن محمد بن علي بن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام الملقب بالزكي
والعسكري الحادي عشر من أئمة أهل بيت العصمة.
ولد في اليوم 4 وقيل في 10 من ربيع الثاني سنة 232 ه‍ في المدينة المنورة
مات مسموما على يد المعتمد العباسي في 8 ربيع الأول سنة 260 ودفن بسر من رأى حيث
قبره الآن.
وله من الفضائل والمزايا الكثيرة ويكفيه أن المهدي مصلح البشرية ولده.
راجع: الإرشاد للشيخ المفيد ص 334 - 346، كشف الغمة ج 2 / 402 - 435
أعيان الشيعة ج 4 ق 2 / 173، وفي البحار ج 50 / 235 - 337.
529

ولا روى عن الحسن (1) ابن الحسن (833) ولا عن زيد بن علي بن الحسين (834)

(1) الحسن هو الإمام بعد عمه الحسين السبط على رأي الشيعة الزيدية، وبعده
زيد، ثم من ذكرناهم بعد زيد وترتيبهم في الإمامة على حسب ما رتبناهم في الذكر (عليهم
السلام) (منه قدس).
(833) هو أبو محمد الحسن بن الإمام السبط الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام
المعروف بالحسن المثنى وقد شهد مشهد الطف مع عمه الإمام الطاهر وجاهد وأبلى
وارتث بالجراح فلما أرادوا أخذ الرؤوس وجدوا به رمقا فحمله خاله أبو حسان أسماء
ابن خارجة الفزاري إلى الكوفة وعالجه حتى برئ. ثم لحق بالمدينة. قال الشيخ
المفيد في الإشارد ص 196 كان جليلا رئيسا فاضلا ورعا وكان يلي صدقات أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام في وقته وله مع الحجاج بن يوسف خبر ذكره الزبير بن بكار
.. الخ.
قتل سنة 97 ه‍ حيث دس إليه السم سليمان بن عبد الملك.
راجع: الغدير للأميني ج 3 / 271 و 275، أعيان الشيعة للسيد الأمين ج 21 /
166 - 184 الإرشاد للمفيد ص 196، عمدة الطالب ص 98، إعلام الورى بأعلام الهدى ص 212.
(834) زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
أحد أباة الضيم وقد اكتنفته الفضائل من شتى جوانبه وأحد علماء أهل البيت علم
متدفق وورع موصوف وبسالة معلومة وشدة في البأس وقد وردت في مدحه والثناء عليه
الأحاديث ونص علماء الأمة على عظمته وجلالته كما رثته شعراء أهل البيت قديما وحديثا
وألف العلماء فيه الكتب أما الأحاديث فمنها:
قول الرسول صلى الله عليه وآله للحسين السبط: يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطا هو
وأصحابه رقاب الناس يدخلون الجنة بغير حساب.
وقول الإمام الصادق لما سمع قتله:
" إنا لله وإنا إليه راجعون عند الله أحتسب عمي أنه كان نعم العم، إن عمي كان
رجلا لدينانا وآخرتنا، مضى والله عمي شهيدا كشهداء استشهدوا مع رسول الله وعلي
والحسين مضى والله شهيدا ".
عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق. الباب (25).
وفي رواية صحيحة عن الإمام الصادق (ع) قال:
" إن زيدا كان عالما وكان صدوقا ولم يدعكم إلى نفسه وإنما دعاكم إلى الرضا
من آل محمد صلى الله عليه وآله ولو ظهر (ظفر) لوفي بما دعاكم إليه إنما خرج إلى
سلطان مجتمع لينقضه ". وسائل الشيعة ج 11 / 36 باب 13 من كتاب الجهاد وغيرها من
عشرات الأحاديث في مدحه وعظمته.
كما نص الشيخ المفيد في الإرشاد ص 268 على فضله وعظمته قال:
وكان زيد بن علي بن الحسين عين أخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم وكان عابدا ورعا
فقيها سخيا شجاعا وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطلب بثارات الحسين
عليه السلام " وكذلك نص كل من الخزار القمي في كفاية الأثر، والنسابة العمري في
المجدي، وابن داود في رجاله، والشهيد الأول في القواعد، وصاحب المعالم في شرح
الاستبصار، والاسترآبادي في رجاله، وابن أبي جامع في رجاله والعلامة المجلسي في
مرآة العقول، وميرزا عبد الله الإصبهاني في رياض العلماء ج 2 / 318، والكاظمي في
تكملة الرجال، والحر العاملي في خاتمة الوسائل ج 20 / 202، والسيد محمد جد آية
الله بحر العلوم في رسالته، والشيخ أبي علي في رجاله، والنوري في خاتمة المستدرك
والمامقاني في تنقيح المقال، والخوئي في معجم رجال الحديث، والتفريشي في نقد
الرجال ص 143، وابن مهنا في عمدة الطالب ص 255 على مدحه وتبجيله والثناء عليه.
واستشهد سنة 122 ه‍ وقيل 121 ه‍ وقيل 120 ه‍ وبقي مصلوبا بالكناسة أربع سنين.
ولأجل المزيد من الاطلاع على حاله راجع:
الغدير للأميني ج 3 / 69 - 76، كتاب زيد الشهيد للسيد عبد الرزاق المقرم ط
في النجف، عيون أخبار الرضا ب باب 25، معجم رجال الحديث في ترجمته، مقاتل
الطالبيين ص 86 - 102، عمدة الطالب ص 255.
530

ولا عن يحيى بن زيد (835)

(835) يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام
الشهيد بن الشهيد البطل العظيم وهو الذي يروي عن أبيه الطاهر إن الأئمة اثنا عشر وسماهم
بأسمائهم: وقال إنه عهد معهود عهد إلينا رسول الله.
قتله الوليد بن يزيد بن عبد الملك سنة 125 ه‍ والمباشر في قتله سلم بن أحوز
الهلالي.
راجع: الغدير ج 3 / 269 و 274، مقاتل الطالبيين ص 103 ط الحيدرية.
وحديث الأئمة أو الأمراء أو الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش. رواه البخاري
ومسلم وأحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم. أضواء على السنة المحمدية ص 233 ط
5، فرائد السمطين ج 2 / 134 و 139 و 153.
وراجع: كتاب طرق حديث الأئمة من قريش ص 7 - 21، ينابيع المودة
للقندوزي الحنفي ص 440 - 447 ط اسلامبول، دلائل الصدق ج 2 / 314.
531

ولا عن النفس الزكية محمد بن عبد الله الكامل بن الحسن الرضا بن الحسن السبط
(836) ولا عن أخيه إبراهيم بن عبد الله (837) ولا عن الحسين الفخي بن علي بن الحسن

(836) وسبب تلقيبه بالنفس الزكية لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
" تقتل بأحجار الزيت من ولدي نفس زكية " وهو المقتول بأحجار الزيت وكان
من أصحاب الإمام الصادق كما ذكره الطوسي في رجاله. وذكر ابن طاووس في الاقبال
ص 53: أنه خرج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه كان يعلم بقتله ويخبر به -
إلى أن قال - كل ذلك يكشف عن تمسكهم بالله والرسول صلى الله عليه وآله.
قتله حميد بن قحطبة سنة 145 ه‍ وجاء برأسه إلى عيسى بن موسى وحمله إلي أبي
جعفر المنصور فنصبه بالكوفة وطاف به البلاد.
الغدير ج 3 / 272، مقاتل الطالبيين ص 157، عمدة الطالب ص 104.
وراجع: الكامل لابن الأثير ج 5 / 2.
(837) المكنى بأبي الحسن قتيل " باخمرى " عده الشيخ الطوسي من رجال
الصادق عليه السلام في رجاله ص 143، وقال ابن المهنا في عمدة الطالب: كان من كبار
العلماء في فنون كثيرة. وذكره شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي في تائيته المشهورة -
مدارس آيات -.
قتله المنصور العباسي حيث ندب عيسى بن موسى من المدينة إلى قتاله فقاتل
ب‍ (باخمرى) حتى قتل سنة 145 ه‍ وجيئ برأسه إلى المنصور فوضعه بين يديه وأمر به فنصب
في السوق: ثم قال للربيع: احمله إلى أبيه عبد الله في السجن فحمله إليه.
راجع: الغدير ج 3 / 272 و 275، أعيان الشيعة ج 5 / 308، مقاتل الطالبيين
ص 210 - 256، الكامل في التاريخ ج 5 / 15، عمدة الطالب ص 108.
532

بن الحسن (838) ولا عن يحيى بن عبد الله بن الحسن (839) ولا عن أخيه

(838) بطل فخ الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي
طالب صاحب فخ.
كنيته: أبو عبد الله. استشهد في أيام الهادي العباسي بفخ يوم التروية سنة 169 ه‍
وقيل 170 ه‍.
وكانت مصيبته تشابه مصيبة الإمام الحسين في كربلاء ولولا مأساة كربلاء لحلت
محلها. ولما كانت بيعة الحسين بن علي صاحب فخ قال: أبايعكم على كتاب الله وسنة
رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أن يطاع الله ولا يعصى، وأدعوكم إلى الرضا من آل محمد..
وقد صارت حرب طاحنة بينه وبين موسى بن عيسى والحسين صاحب فخ قد أبلى
بلاءا حسن. ولكن خصمه لما كان طالب مالك كانت أعوان الظلمة معه. ذكر أبو العرجاء
الجمال: أن موسى بن عيسى دعاه فقال له أحضر لي جمالك. قال فجئته بمائة جمل
ذكر، فختم أعناقها وقال: لا أفقد منها وبرة إلا ضربت عنقك، ثم تهيأ للمسير للحسين
حتى تراه وتخبرني بكل ما رأيت. فمضيت فدرت فما رأيت خللا ولا فللا، ولا
رأيت إلا مصليا أو مبتهلا أو ناظرا في مصحف أو معدا للسلاح قال: فجئته فقلت: ما
أظن القوم إلا منصورين. فقال: وكيف يا بن الفاعلة؟ فأخبرته فضرب يدا على يد وبكى
حتى ظننت أنه سينصرف ثم قال: هم والله أكرم عند الله، وأحق بما في أيدينا منا، ولكن الملك
عقيم، ولو أن صاحب هذا القبر - يعني النبي صلى عليه وآله - نازعنا الملك ضربنا
خيشومه بالسيف، يا غلام اضرب بطبلك. ثم سار إليهم فوالله ما انثنى عن قتلهم.
مقاتل الطالبيين ص 301، بطل فخ للأميني ط الحيدرية، عمدة الطالب ص 183.
(839) يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام
ويكنى أبا الحسن.
وأمه: قريبة بنت عبد الله. قال أبو الفرج الأصفهاني: وكان حسن المذهب والهدي
مقدما في أهل بيته بعيدا مما يعاب على مثله.
روى عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وعن أبيه وعن أخيه محمد وعن أبان
ابن تغلب. وروى عنه مخول بن إبراهيم وبكار بن زياد ويحيى بن مساور وعمرو بن
حماد.
وبعد أن عاش مدة طويلة في السجن استشهد على يد هارون الرشيد فقيل
أنه بنى عليه في الأسطوانة وهو حي وقيل أدخل عليه رجلا وخنقه في السجن وقيل رماه
للسباع فأكلوا لحمه.
راجع: مقاتل الطالبيين ص 308 - 321، عمدة الطالب ص 151 - 153.
533

إدريس بن عبد الله (840) ولا عن محمد بن جعفر الصادق (841) ولا عن محمد

(840) إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم
السلام.
وأمه: عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث المحزومي.
وقد فلت من وقعت فخ وفر إلى مصر ثم إلى إفريقيا في طنجة حتى دس إليه
الرشيد العباسي سما على يد عملائه فنال درجة الشهادة.
راجع: مقاتل الطالبيين ص 324 - 326، عمدة الطالب ص 157.
(841) محمد بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. أمه: أم ولد. ويكنى أبا جعفر قال
أبو الفرج: كان فاضلا مقدما في أهله.
وقال المفيد: وكان محمد بن جعفر شجاعا وكان يصوم يوما ويفطر يوما ويرى رأى
الزيدية في الخروج بالسيف. قال أبو الفرج الأصفهاني كان رجل قد كتب كتابا في أيام
أبي السرايا يسب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وجميع أهل البيت، وكان محمد
ابن جعفر معتزلا تلك الأمور لم يدخل في شئ منها، فجاء الطالبيون فقرأوه عليه فلم يرد
عليهم جوابا حتى دخل بيته فخرج عليهم وقد لبس الدرع، وتقلد السيف...
وخرج على المأمون العباسي في سنة 199 ه‍ بمكة واتبعته الزيدية والجارودية
فخرج لقتاله عيسى الجلودي ففرق جمعه فأخده وأنفذه إلى المأمون. وتوفي بخراسان
أيام المأمون.
راجع: الإرشاد للمفيد ص 286، كشف الغمة للإربلي ج 2 / 181، مقاتل الطالبيين
ص 258، تاريخ الطبري ج 10 / 233 وقد ذكر أمورا لا تصح. وكذلك الكامل لابن
الأثير ج 5 / 177، مروج الذهب ج 3 / 439.
534

بن إبراهيم بن إسماعيل ابن إبراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا
(842) ولا عن أخيه القاسم الرسي (843) ولا عن محمد بن محمد بن زيد بن
علي (844) ولا عن محمد بن القاسم بن علي بن عمر الأشرف بن زين العابدين

(842) قيل إن الذي يعرف بطباطبا هو جده إسماعيل بن إبراهيم. وقيل والده
إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم فلهذا يقال لمحمد ابن طباطبا.
وقد ثار على طواغيت زمانه وذلك في يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى
سنة 199 ه‍ وكان يدعو إلى الرضا من آل محمد والعمل بالكتاب والسنة. كما ذكر
الطبري في تاريخه ج 10 / 227. وفي مقاتل الطالبيين ص 348 عن زيد بن علي بن
الحسين أنه قال: يبايع الناس لرجل منا عند قصر الضرتين سنة تسع وتسعين ومائة في
عشر من جمادى الأولى يباهي الله به الملائكة.
وفيه أيضا عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي قال: " يخطب على أعوادكم
رجل يا أهل الكوفة سنة تسع وتسعين ومائة في جمادى الأولى رجل منا أهل البيت،
يباهي الله به الملائكة ".
وقد خرج معه أبو السرايا وكانت بينهما وبين بني العباس مصادمات وحروب كان
النصر فيها لمحمد بن إبراهيم مع أبي السرايا حتى توفي محمد يوم الخميس لليلة
خلت من رجب سنة 199 ه‍ كما ذكره الطبري.
وكان يكنى بأبي عبد الله.
راجع: مقاتل الطالبيين ص 344 - 354، تاريخ الطبري ج 10 / 237، الكامل
لابن الأثير ج 5 / 173، مروج الذهب ج 3 / 439، عمدة الطالب ص 172.
(843) أبو محمد وكان ينزل جبل الرس وكان عفيفا زاهدا ودعا إلى الرضا من
آل محمد. عمدة الطالب ص 174.
(844) محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم
السلام.
وأمه: فاطمة بنت علي بن جعفر بن إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي
طالب.
وقد تولى الرئاسة بعد وفاة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن
بن الحسن المتقدم ذكره تحت رقم (842) وكان ذلك سنة 199 ه‍ وكان غلاما حدث
السن فقام مقام ابن عمه مع أبي السرايا. حتى استشهد على يد المأمون العباسي في سنة
(201 ه‍) وقيل 202 ه‍.
راجع: مقاتل الطالبيين ص 343 و 354 - 357، تاريخ الطبري ج 10 / 228
و 244، عمدة الطالب ص 299.
535

صاحب الطالقان (845) المعاصر للبخاري (1). ولا عن غيرهم من أعلام
العترة الطاهرة، وأغصان الشجرة الزاهرة. كعبد الله بن الحسن (846) وعلي

(845) أمه: صفية بنت موسى بن عمر بن علي بن الحسين. ويكنى أبا جعفر.
وقال أبو الفرج الأصفهاني: وكان من أهل العلم والفقه والدين والزهد وحسن
المذهب. خرج على طواغيت زمانه بالطالقان وكان في أيام المعتصم وبايعه أربعون ألف
أو أكثر وحصلت بينه وبين أعوان الظلمة حروب كان النصر فيها له. ثم أعطى بعض
الجواسيس خبره حتى قبض عليه في قرية (نسا) إحدى قرى خراسان وذلك بتدبير من عبد الله
ابن طاهر الوالي على (الرقة) حتى أتى به إلى المعتصم في بغداد في يوم الاثنين 14
شهر ربيع الآخر وقيل الأول سنة 219 ه‍.
قال أحد أعدائه والذي قبض عليه وهو إبراهيم بن غسان في حقه:
" ما رأيت قط أشد اجتهادا منه ولا أعف ولا أكثر ذكرا لله تعالى مع شهامة نفس
واجتماع قلب، ما ظهر منه جزع ولا انكسار ولا خضوع في الشدائد التي مرت به "
ثم دس إليه سم في حبسه في أيام المتوكل واستشهد على يد أعداء الله.
راجع: الكامل في التاريخ ج 5 / 231، مقاتل الطالبيين ص 382، تاريخ الطبري
ج 10 / 305، مروج الذهب ج 3 / 464، عمدة الطالب ص 305.
(1) قتل في العراق سنة 250 قبل وفاة البخاري بست سنوات (منه قدس).
(846) وهو ابن الحسن المثنى ويقال له عبد الله المحض وقد كان من أصحاب
الإمام الصادق والباقر عليهما السلام. ووصفه الإمام الصادق عليه السلام:
بالعبد الصالح ودعا له ولبني عمه بالأجر والسعادة. قال السيد ابن طاوس في
الاقبال ص 51 بعد هذا: وهذا يدل على أن الجماعة المحمولين - يعني عبد الله وأصحابه
الحسنيين - كانوا عند مولانا الصادق معذورين وممدوحين ومظلومين وبحقه عارفين وقد
يوجد في الكتب أنهم كانوا للصادقين عليهم السلام مفارقين وذلك محتمل للتقية لئلا
ينسب إظهارهم لانكار المنكر إلى الأئمة الطاهرين، ومما يدلك على أنهم كانوا عارفين
بالحق وبه شاهدين ما رويناه - وقال بعد ذكر السند وإنهائه إلى الصادق - ثم بكا (ع) حتى
علا صوته وبكينا ثم قال حدثني أبي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيه أنه قال: " يقتل منك
أو يصاب نفر بشط الفرات ما سبقهم الأولون ولا يعدلهم الآخرون " ثم قال:
أقول وهذه شهادة صريحة من طرق صحيحه بمدح المأخوذين من بني الحسن عليه
وعليهم السلام وأنهم مضوا إلى الله جل جلاله بشرف المقام والظفر بالسعادة والاكرام.
وقال ابن المهنا في العمدة في وصف عبد الله هذا:
كان يشبه رسول الله وكان شيخ بني هاشم في زمانه.. وكان يتولى صدقات أمير
المؤمنين عليه السلام بعد أبيه الحسن.
وعبد الله المحض كان المنصور العباسي يسميه: عبد الله المذلة قتله في حبسه
بالهاشمية سنة 145 ه‍ لما حبسه مع تسعة عشر من ولد الحسن ثلاث سنين وقد غيرت السياط
لون أحدهم وأسالت دمه وأصاب سوط إحدى عينيه فسالت وكان يستسقي الماء فلا يسقى
فردم عليهم الحبس فماتوا.
وقيل إنهم وجدوا مسمرين في الحيطان.
وعبد الله بن الحسن يكنى أبا محمد وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي
طالب عليهم السلام.
راجع: الغدير ج 3 / 371 و 375، الاقبال لابن طاوس ص 51، تاريخ اليعقوبي
ج 3 / 106، تذكرة السبط ص 217، مقاتل الطالبيين ص 121 - 125، تاريخ الطبري،
عمدة الطالب ص 101.
536

بن جعفر العريضي (847) وغيرهما من ثقل رسول الله وبقيته في أمته صلى الله عليه وآله،

(847) كنيته أبو الحسن وقد اتفق الفقهاء والمحدثون على ثقته وجلالته والاعتماد
على أخباره سكن في أول أمره العريض من نواحي المدينة فنسب هو وولده إليها.
قال الشيخ المفيد: وكان علي بن جعفر رضي الله عنه راوية للحديث سديد الطريقة
شديد الورع كثير الفضل ولزم أخاه موسى عليه السلام وروى عنه شيئا كثيرا من الأخبار "
الإرشاد ص 287.
وقال الطوسي:
" جليل القدر ثقة وله كتاب المناسك ومسائل لأخيه موسى الكاظم بن جعفر عليه
السلام سأله عنها... " ثم ذكر طرقه إليهما.
الفهرست للطوسي ص 87 و 88 وكتابه الفقهي مطبوع متداول. توفي 210 هجرية
وكان من الاشخاص الذين تعاونوا مع محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين
وقد قاتل هو وابن أخيه زيد بن موسى بن جعفر قاتلا وإلى البصرة الحسن بن علي
المعروف بالمأمون فهزموه.
راجع: مقاتل الطالبيين ص 355، عمدة الطالب ص 241.
537

حتى أنه لم يرو شيئا من حديث سبطه الأكبر وريحانته من الدنيا أبي محمد الحسن
المجتبى سيد شباب أهل الجنة (848) مع احتجاجه بداعية الخوارج وأشدهم
عداوة لأهل البيت - عمران بن حطان - القائل في ابن ملجم، وضربته لأمير
المؤمنين عليه السلام:
يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا -

(848) ثاني أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام. السبط الأول للرسول
الأعظم سيد شباب أهل الجنة ريحانة الرسول وقرة عين البتول.
كنيته: أبو محمد. وألقابه كثيرة منها:
المجتبى والمصلح.
ولد ليلة النصف من شهر رمضان سنة 3 من الهجرة وقيل في السنة الثانية.
قتله معاوية بن أبي سفيان بواسطة زوجته جعيدة بنت الأشعث في شهر صفر سنة
خمسين من الهجرة وله يومئذ ثمان وأربعون سنة وكانت خلافته عشر سنين.
وقد ألفت في أحواله عدة مؤلفات منها:
حياة الإمام الحسن للشيخ باقر القرشي 1 - 2، صلح الحسن للشيخ راضي آل
ياسين، وله ترجمة وافية في البحار ج 43 و 44 ط الجديد، وفي أعيان الشيعة ج 3 / 3 -
46.
538

إني لأذكره يوما فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا (849)
أما ورب الكعبة، وباعث النبيين، لقد وقفت هنا وقفة المدهوش، وقمت
مقام المذعور، وما كنت أحسب أن الأمر يبلغ هذه الغاية.
وقد باح العلامة ابن خلدون، بسرها المكنون، حيث قال - في الفصل
الذي عقده لعلم الفقه وما يتبعه من مقدمته الشهيرة بعد ذكر مذاهب أهل السنة
ما هذا لفظه: وشذ أهل أهل البيت بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به، بنوه على
مذهبهم في تناول بعض الصحابة (850) بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الأئمة
ورفع الخلاف عن أقوالهم، (قال) وهي كلها أصول واهية (1) (قال): وشذ

(849) الغدير ج 1 / 324 و ج 5 / 294، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 / 62.
وعمران بن حطان صاحب هذين البيتين رأس الخوارج وشاعرهم وهذين البيتين
يدلان على خبثه بل كفر قائلهما. ومع هذا وثقه العجلي وجعله البخاري من رجال صحيحه
وأخرج عنه الأحاديث. وقد رد على هذين البيتين جملة من الشعراء.
راجع: الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 / 62 - 63، الغدير ج 1 / 324 - 328
و ج 5 / 294، العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل لمحمد بن عقيل ط بيروت،
أضواء على السنة المحمدية ص 312.
(850) ما أدري كيف تبنى المذاهب الفقهية على تناول بعض الصحابة بالقدح، وما
عرفت كيف تستنبط الأحكام الشرعية الفرعية من تناول أحد من الناس، وابن خلدون
يعد من الفلاسفة، فما هذا الهذيان منه يا أولي الألباب (منه قدس).
الشيعة لا يقولون بعصمة كل الصحابة ولا عدالتهم كلهم بل فيهم المنافق والفاسق
وفيهم المؤمن التقي. راجع ما تقدم تحت رقم (807 - 823) وكتاب أضواء على
السنة المحمدية لأبي رية فصل عدالة الصحابة ص 339 ط 5.
(1) إن أصحابنا - الإمامية - أثبتوا في كتبهم الكلامية عصمة أئمتهم بالأدلة
العقلية والنقلية، والمقام لا يسع بيانها، ولو تصدينا لها لخرجنا عن موضوع هذه الرسالة
وحسبك دليلا على عصمتهم كونهم بمنزلة الكتاب الذي لا يأتيه الباطل، وكونهم أمان
هذه الأمة من الاختلاف فإذا خالفتهم قبيلة من العرب كانت حزب إبليس، وكونهم سفينة
النجاة، وباب حطة هذه الأمة، وكونهم النافين عن هذا الدين تحريف الضالين،
وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (منه قدس).
539

بمثل ذلك الخوارج (1) ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم، بل أوسعوها جانب
الإنكار والقدح، فلا نعرف شيئا من مذاهبهم (2)، ولا نروي كتبهم، ولا أثر
لشئ منها في مواطنهم (851) فكتب الشيعة في بلادهم، وحيث كانت دولتهم
قائمة في المغرب والمشرق واليمن، والخوارج كذلك، ولكل منهم كتب
وتآليف وآراء في الفقه غريبة هذا كلامه فتأمله وأعجب.
ثم رجع إلى مذاهب أهل السنة فذكر: انتشار مذهب أبي حنيفة في العراق
ومذهب مالك في الحجاز، ومذهب أحمد في الشام وفي بغداد. ومذهب الشافعي
في مصر. وهنا قال ما هذا لفظه: ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة
الرافضة، وتداول بها فقه أهل البيت (3) وتلاشى من سواهم، إلى أن ذهبت دولة

(1) أنظر كيف جعل أهل البيت " الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا "
شذاذ مارقة كالخوارج نعوذ بالله (منه قدس).
(2) كذب ابن خلدون نفسه في هذه الكلمة، فإنه إذا كان لا يعرف شيئا من مذاهبهم
ولا يروي كتبهم، ولا أثر لشئ منها عنده فمن أين عرف أنهم شذاذ ضلال مبتدعون؟ ومن
أين عرف أن أصولهم واهية؟. (قتل الخراصون) (منه قدس).
(851) كتب الشيعة منتشرة في العالم وقد ملئت الطوامير وصارت بوحدها مكتبات
وقد بلغت مئات الآلاف. فراجع أسمائها في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة للشيخ
آقا بزرگ الطهراني وقد طبع منه خمسة وعشرون مجلدا. وهو فهرست لأسماء كتب
الشيعة من زمان الرسول إلى القرن الرابع عشر الهجري.
(3) أنظر كيف اعترف بأن الرافضة يدينون الله بمذهب أهل البيت.
لكم ذخركم إن النبي ورهطه * وجيلهم ذخري إذا التمس الذخر
جعلت هواي الفاطميين زلفة * إلى خالقي ما دمت أو دام لي عمر
وكوفنى ديني على أن منصبي * شئام ونجري اية ذكر النجر
(منه قدس)
540

العبيديين من الرافضة من يد صلاح الدين يوسف بن أيوب، ورجع إليهم
فقه الشافعي.. الخ.
إذا وصف الطائي بالبخل ما در * وعير قسا بالفهاهة بأقل
وقال السهى للشمس أنت ضئيلة * وقال الدجى للصبح لونك حائل
وطاولت الأرض السماء سفاهة * وكاثرت الشهب الحصى والجنادل
وقال ابن خلدون وأمثاله: أنهم على الهدى والسنة، وأن أهل البيت شذاذ
ومبتدعة، وضلال رافضة:
فيا موت زر إن الحياة ذميمة * ويا نفس جدي إن سبقك هازل -
ولا غرو أن قام المسلم عند سماع هذه الكلمة وقعد، بل لا عجب إن مات
أسفا على الإسلام وأهله، إذ بلغ الأمر هذه الغاية، فلا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم.
أيقول ابن خلدون: أن أهل البيت شذاذ ضلال مبتدعون، وهم الذين
أذهب الله عنهم الرجس بنص التنزيل (852) وهبط بتطهيرهم جبرائيل،
وباهل بهم النبي صلى الله عليه وآله (1) بأمر ربه الجليل (853) وقد فرض القرآن

(852) إشارة إلى قوله " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا " فراجع ما علقناه على هذه الآية في الفصل الثاني من المطلب الأول من كلمتنا
الغراء (منه قدس)
تقدم نزول آية التطهير في أهل البيت مع مصادرها تحت رقم (107) فراجع.
(1) إشارة إلى قوله تعالى: " فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم
وأنفسنا وأنفسكم " (الآية) فراجع ما علقناه عليها في الفصل الأول من الكلمة الغراء
أيضا (منه قدس).
(853) تقدمت آية المباهلة مع مصادرها تحت رقم (105).
541

مودتهم (854) وأوجب الرحمن ولايتهم (855) وهم سفينة النجاة (1) إذا

(854) إشارة إلى قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.
فراجع ما علقناه عليها في الفصل الثالث من الكلمة الغراء (منه قدس).
تقدمت آية المودة مع مصادرها تحت رقم (108).
(855) إشارة إلى ما أخرجه الديلمي وغيره - كما في الصواعق المحرقة وغيرها -
عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " وقفوهم إنهم مسؤولون " عن ولاية علي.
وقال الإمام الواحدي - كما في تفسير هذه الآية من الصواعق أيضا - إنهم مسؤولون عن
ولاية علي وأهل البيت (منه قدس).
قوله تعالى: " وقفوهم إنهم مسؤولون " الصافات آية: 24.
مسؤولون عن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
راجع: شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 2 / 106 ح 785 - 789، كفاية
الطالب للگنجى ص 247 ط الحيدرية وص 120 ط الغري، نظم درر السمطين للزرندي
ص 109، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 17، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي
ص 112 و 114 و 270 و 295 ط اسلامبول وص 131 و 133 و 324 و 354 و 355 ط
الحيدرية، المناقب للخوارزمي ص 195، الصواعق المحرقة ص 147 ط المحمدية
وص 89 ط الميمنية، روح المعاني للآلوسي عند تفسير هذه الآية، فرائد السمطين للحمويني
ج 1 / 79.
(1) قال ابن حجر في ص 93 من صواعقه حيث تكلم في تفسير الآية 7 من الآيات
التي أوردها في الباب 11 من الصواعق ما هذا لفظه: وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها
بعضا " إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ". (قال) وفي رواية
مسلم ومن تخلف عنها غرق وهلك الخ (منه قدس).
542

طغت لحج النفاق (856) وأمان الأمة (1) إذا عصفت عواصف الشقاق (857)
وباب حطة (2) يأمن من دخلها (858) والعروة الوثقى لا انفصام لها (759) وأحد

(856) حديث السفينة تقدم مع مصادره تحت رقم (17) فراجع.
(1) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله: النجوم أمان لأهل الأرض من
الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتهم قبيلة من العرب، اختلفوا
فصاروا حزب إبليس. أخرجه الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وصححه على شرط البخاري
ومسلم - كما في ص 93 من الصواعق المحرقة لابن حجر حيث تكلم في الآية 7 من الباب
11، وأخرج ابن أبي شيبة ومسدد في مسنديهما. والترمذي في نوادر الأصول. وأبو
يعلى، والطبراني والحاكم عن سلمة بن الأكوع قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " النجوم أمان
لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي ". وقد نقله الحافظ السيوطي في كتابه أحياء الميت
بفضائل أهل البيت والنبهاني في أربعينه وغير واحد من العلماء (منه قدس).
(857) تقدم تحت رقم (16) فراجع وراجع أيضا كتاب المراجعات مع تتمته
تحت رقم (41).
(2) إشارة إلى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من
ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل ". أخرجه الحاكم عن
أبي ذر عليه الرحمة. وأخرجه الطبراني في الصغير والأوسط عن أبي سعيد. قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: " إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن
تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل، من
دخله غفر له " (منه قدس).
(858) تقدم ذلك تحت رقم (18) فراجع.
(859) قال القندوزي الحنفي وعن علي كرم الله وجهه قال قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: " من أحب أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم
بحبل الله المتين فليوالي عليا وليعاد عدوه وليأتم بالأئمة الهداة من ولده فإنهم خلفائي
وأوصيائي وحجج الله على خلقه من بعدي وسادات أمتي وقواد الأتقياء إلى الجنة حزبهم
حزبي وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان ".
راجع: ينابيع المودة ص 445 ط اسلامبول.
543

الثقلين (1) لا يضل من تمسك بهما (860) ولا يهتدي إلى الله من ضل عن أحدهما
وقد أمرنا صلى الله عليه وآله بأن نجعلهم منا مكان الرأس (2) من الجسد. بل مكان العينين

(1) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله: " إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي
الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف
تخلفوني فيهما ". أخرجه الترمذي والحاكم كما في إحياء الميت للسيوطي، وهو من
الأحاديث المستفيضة. رواه أكثر المحدثين بألفاظ متقاربة، وأسانيدهم فيه صحيحة. قال
ابن حجر - بعد نقله إياه عن الترمذي وغيره في أثناء تفسيره للآية الرابعة من الباب 11
من صواعقه - ما هذا لفظه: ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيف
وعشرين صحابيا (قال) ومر طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه، وفي بعض تلك الطرق
أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت
الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم وفي أخرى أنه قاله لما قام خطيبا
بعد انصرافه من الطائف (قال) ولا تنافي إذ لا مانع من أنه ذكر، عليهم ذلك في تلك
المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة إلى آخر كلامه فراجعه في
ص 92 من الصواعق (منه قدس).
(860) حديث الثقلين قد تقدم مع مصادره تحت رقم (15) فراجع.
(2) إشارة إلى ما نقله غير واحد من الأعلام كالعلامة الصبان في ص 114 من
إسعافه المطبوع في هامش نور الأبصار حيث قال ما هذا لفظه: وروى جماعة من أهل
السنن عن عدة من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها
نجا، ومن تخلف عنها هلك " (قال) وفي رواية غرق (قال) وفي رواية أخرى زج في
النار (قال) وفي أخرى عن أبي ذر زيادة وسمعته يقول: " اجعلوا أهل بيتي منكم مكان
الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس " (منه قدس).
544

من الرأس (861) ونهانا عن التقدم عليهم (1) والتقصير عنهم (862) ونص
على أنهم القوامون على الدين، النافون عنه في كل خلف من هذه الأمة (2)
تحريف الضالين (863) وقد أعلن صلى الله عليه وآله: بأن معرفتهم براءة من النار (3) وحبهم
جواز على الصراط، والولاية لهم أمان من العذاب (864) وأن الأعمال الصالحة

(861) قد تقدم هذا الحديث مع مصادره تحت رقم (19) فراجع.
(1) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله في حديث التمسك بالثقلين: فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا
تعلموهم فإنهم أعلم منكم. ونقله غير واحد من العلماء كالإمام أبي بكر العلوي في الباب
5 من رشفة الصادي. وابن حجر حيث تكلم في تفسير الآية الرابعة من الباب 11 من
صواعقه (منه قدس).
(862) راجع: مجمع الزوائد ج 9 / 163، ينابيع المودة للقندوزي ص 41
و 353 ط الحيدرية وص 37 و 296 ط اسلامبول، الدر المنثور للسيوطي ج 2 / 60، الغدير
ج 1 / 34 و ج 3 / 80، كنز العمال ج 1 / 168 ط 2، أسد الغابة ج 3 / 137، عبقات الأنوار
قسم حديث الثقلين ج 1 / 184 و ج 2 / 49.
(2) إشارة إلى ما أخرجه الملا في سيرته بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين
وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون "
وقد نقله ابن حجر في ص 92 من صواعقه (منه قدس).
(863) الصواعق ص 148 ط المحمدية، ينابيع المودة للقندوزي ص 226 و 326
- 327 ط الحيدرية وص 191 و 271 و 273 و 297 ط اسلامبول، ذخائر العقبى ص 17
المعيار والموازنة للإسكافي ص 204.
(3) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله: " معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد
جواز على الصراط والولاية لآل محمد أمان من العذاب ". رواه القاضي عياض في الفصل
الذي عقده لبيان: أن من توقيره وبره صلى الله عليه وآله بر آله وذريته من كتابه - الشفاء - فراجع
أول ص 41 من قسمه الثاني طبع الآستانة سنة 1328 (منه قدس).
(864) الاتحاف للشبراوي ص 4، ينابيع المودة للقندوزي ص 24 و 286 و 314
و 444 ط الحيدرية وص 22 و 241 و 263 و 370 ط اسلامبول، إحقاق الحق للتستري
ج 9 / 494 ط 1 بطهران، فرائد السمطين ج 2 / 257 ح 525.
545

لا تنفع عامليها إلا بمعرفة حقهم (865) ولا تزول يوم القيامة قدما أحد من
هذه الأمة (1) حتى يسأل عن حبهم (866) ولو أن رجلا أفنى عمره قائما وقاعدا

(865) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله: " الزموا مودتنا أهل البيت، فإنه من لقى الله وهو
يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا " أخرجه
الطبراني في الأوسط. ونقله السيوطي في أحياء الميت بفضائل أهل البيت. والنبهاني
في أربعينه (منه قدس).
إحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف ص 111، الصواعق المحرقة ص 138
ط الميمنية وص 230 ط المحمدية، ينابيع المودة للقندوزي ص 293 و 323 و 326
و 364 ط الحيدرية وص 246 و 272 و 303 - 304 ط اسلامبول، إسعاف الراغبين
بهامش نور الأبصار ص 111 ط السعيدية وص 103 ط العثمانية، مجمع الزوائد ج 9 /
172.
(1) إشارة إلى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع:
عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه، ومن أين اكتسبه،
وعن محبتنا أهل البيت ". أخرجه الطبراني عن ابن عباس مرفوعا، ونقله السيوطي في
إحياء الميت. والنبهاني في أربعينه (منه قدس).
(866) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 119 ح 157، إحياء الميت
للسيوطي بهامش الاتحاف ص 115، ينابيع المودة للقندوزي ص 113 و 270 و 271
ط اسلامبول وص 133 و 324 ط الحيدرية، المناقب للخوارزمي ص 53 - 56، مقتل
الحسين للخوارزمي ج 1 / 42، الفصول المهمة لابن الصباغ ص 109، مجمع الزوائد
ج 10 / 146.
وبلفظ آخر يوجد في:
كفاية الطالب للگنجى ص 324 ط الحيدرية وص 183 ط الغري، ترجمة الإمام
علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 159 ح 644، فرائد السمطين
ج 2 / 301 ح 557.
546

وراكعا وساجدا بين الركن والمقام ثم مات غير موال لهم دخل النار (867).

(867) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله من حديث أخرجه الطبراني والحاكم - كما في أحياء
الميت وأربعين النبهاني وغيرهما أ -: " فلو أن رجلا صفن - أي صف قدميه - بين
الركن والمقام فصلى وصام وهو مبغض لآل محمد دخل النار ". أه‍. وأخرجه الحاكم
وابن حبان في صحيحه - كما في أحياء الميت وأربعين النبهاني وغيرهما ب - عن أبي
سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا دخل
النار "، وأخرج الطبراني - كما في إحياء الميت للسيوطي ج - عن الحسن السبط أنه
قال لمعاوية بن خديج: " إياك وبغضنا، فإن رسول الله قال: لا يبغضنا، ولا يحسدنا أحد
إلا ذيد يوم القيامة بسياط من النار " أه‍. وأخرج الطبراني في الأوسط - كما في إحياء
الميت وأربعين النبهاني د - عن جابر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فسمعته وهو يقول:
" أيها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهوديا ". أه‍ (منه قدس).
مصادر هذه الأحاديث التي ذكرها في الهامش هي:
أ - المستدرك للحاكم ج 3 / 149 وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل
المستدرك، الصواعق لابن حجر ص 172 ط المحمدية وص 104 ط الميمنية، إحياء الميت
للسيوطي بهامش الاتحاف ص 111، ذخائر العقبى ص 18، ينابيع المودة للقندوزي
ص 226 و 331 ط الحيدرية وص 192 و 277 و 305 ط اسلامبول، إحقاق الحق ج 9 /
492، جواهر البحار للنبهاني ج 1 / 361.
ب - المستدرك للحاكم ج 3 / 150، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك
إحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف ص 111، اسعاف الراغبين ص 104 ط العثمانية
وص 112 ط السعيدية، الصواعق لابن حجر ص 172 و 237 ط المحمدية وص 104 وصححه
وص 143 ط الميمنية، ينابيع المودة للقندوزي ص 104 ط اسلامبول وص 365 ط الحيدرية،
نظم درر السمطين للزرندي ص 106، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 94
ط الميمنية، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 3 / 333، إحقاق الحق
للتستري ج 9 / 461، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 138 ح 181، جواهر
البحار للنبهاني ج 1 / 361.
ج - إحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف ص 111، إسعاف الراغبين بهامش
نور الأبصار ص 104 ط العثمانية وص 112 ط السعيدية، مجمع الزوائد ج 9 / 172،
الصواعق المحرقة ص 172 ط المحمدية وص 104 ط الميمنية، ينابيع المودة للقندوزي
ص 365 ط الحيدرية وص 304 ط اسلامبول.
د - إحياء الميت بهامش الاتحاف ص 112، مجمع الزوائد ج 9 / 172، ميزان
الاعتدال للذهبي ج 2 / 116، إحقاق الحق ج 9 / 468.
547

فهل يحسن من الأمة المسلمة بعد هذا أن تجري إلا على أسلوبهم وهل يتسنى
لمسلم يؤمن بالله ورسوله أن يستن بغير سننهم فكيف يعدهم ابن خلدون من
أهل البدع بكل صراحة ووقاحة من غير خجل ولا وجل.
أبهذا أمرته آية القربى (868) وآية التطهير (869) وآيتا أولي الأمر (870)
والاعتصام بحبل الله تعالى؟ (871) أم بهذا أمره الله سبحانه حيث يقول: (وكونوا

(868) تقدمت هذه الآية مع مصادرها تحت رقم (108).
(869) تقدمت هذه الآية مع مصادرها تحت رقم (107) فراجع.
(870) مشيرا إلى قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
وأولي الأمر منكم " سورة النساء آية 59.
أولي الأمر هم: على أمير المؤمنين والأئمة من أولاده عليهم السلام.
راجع: ينابيع المودة للقندوزي ص 134 و 137 ط الحيدرية وص 114 و 117
ط اسلامبول، شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 148 ح 202 و 203 و 204، تفسير الرازي
ج 3 / 357 ط 1 بمصر، إحقاق الحق ج 3 / 424، فرائد السمطين ج 1 / 314 ح 250.
(871) قوله تعالى: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " آل عمران آية:
103.
حبل الله هم أهل البيت. راجع:
شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 130 ح 177 و 178 و 179 و 180، الصواعق
المحرقة ص 149 ط المحمدية وص 90 ط الميمنية، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص
139 و 328 و 356 ط الحيدرية وص 119 و 274 و 297 ط اسلامبول، الاتحاف للشبراوي
ص 76، روح المعاني للآلوسي ج 4 / 16، نور الأبصار للشبلنجي ص 102 ط السعيدية
وص 101 ط العثمانية، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 107 ط السعيدية وص
100 ط العثمانية.
548

مع الصادقين)؟ (872) أم به صدع رسول الله صلى الله عليه وآله في نصوصه المجمع
على صحتها؟ وقد استقصيناها بطرقها وأسانيدها في كتابنا سبيل المؤمنين
واستقصتها علماؤنا الأعلام في مؤلفاتهم، فراجعها لتعلم حقيقة أهل البيت،
ومنزلتهم في دين الإسلام (873).

(872) قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين "
التوبة آية: 119.
أي مع علي عليه السلام وأصحابه. راجع:
شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 259 ح 350 - 356، كفاية الطالب للگنجى ص
236، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 421 ح
923، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 16، المناقب للخوارزمي ص 198،
نظم درر السمطين للزرندي ص 91، فتح القدير للشوكاني ج 2 / 414 ط 2 مصطفى
الحلبي، الصواعق المحرقة لابن حجر ص 150 ط المحمدية وص 90 ط الميمنية، ينابيع
المودة للقندوزي ص 136 و 140 ط الحيدرية وص 116 و 119 ط اسلامبول، الدر المنثور
للسيوطي ج 3 / 390، الغدير للأميني ج 2 / 305، روح المعاني للآلوسي ج 11 / 41
ط المنيرية، غاية المرام باب 42 ص 248 ط إيران، فرائد السمطين للحمويني ج 1 /
314 ح 250 وص 370 ح 299 و 300.
(873) الكتب التي ألفت في الحديث عن أهل البيت وفضائلهم وسجاياهم قديما
وحديثا تفوق حد الاطراء والعد من مختلف المذاهب فمنها على سبيل المثال:
شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي 1 - 2 طبع بيروت، ترجمة الإمام
علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 1 - 3 طبع بيروت، مناقب
علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ط 1 بطهران، المناقب للخوارزمي الحنفي ط
الحيدرية، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ط الحيدرية، ينابيع المودة للقندوزي
الحنفي ط الحيدرية وإسلامبول وغيرهما، ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري طبع
مكتبة القدسي، فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين للحمويني ج 1 -
2 ط بيروت، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ط النجف، مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي
ج 1 - 2 ط النجف، مطالب السئول لابن طلحة الشافعي ط إيران والنجف، نور الأبصار
للشبلنجي ط مصر، إسعاف الراغبين للصبان بهامش نور الأبصار، النصائح الكافية لمن
يتولى معاوية ط النجف، تقوية الإيمان في الرد على تزكية بن أبي سفيان ط النجف،
نزل الأبرار ط طهران. وغيرها من عشرات بل مئات الكتب في ذلك.
ومن الإمامية:
بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار المتوفى 290 ه‍ ط تبريز، بحار الأنوار
للعلامة المجلسي فيه عشرات المجلدات في مناقب وفضائل أهل البيت ط إيران الجديد،
غاية المرام للسيد البحراني ط إيران، الغدير للأميني ج 1 - 11 ط إيران وبيروت،
إحقاق الحق للتستري مع ملحقاته للسيد المرعشي النجفي 1 - 16 ط إيران. وغيرها من
مئات الكتب.
549

على أنهم لا ذنب لهم يستوجب الجفاء، ولا قصور بهم يقتضي هذا الإعراض
فليت أهل المذاهب الأربعة نقلوا في مقام الاختلاف مذهب أهل البيت كما
ينقلون سائر المذاهب التي لا يعملون بها، ما رأيناهم يعاملون أهل البيت هذه
المعاملة في عصر من الأعصار، وإنما يعاملونهم معاملة من لم يخلقه الله عز وجل
أو من لم يؤثر عنه شئ من العلم والحكمة.
نعم ربما تعرضوا لشيعتهم فنبزوهم بالرفض، وسلقوهم بألسنة الافتراء (874)
وقد ولى زمن الاعتداء، وأقبل عصر الإخاء، وآن لجميع المسلمين أن يدخلوا

(874) نبز الشيعة بالرفض وافتراء الأكاذيب عليهم:
راجعها مع أجوبتها في كتاب الغدير للأميني ج 3 / 78 وما بعدها. وقد صدر حديثا
كتاب للسيد الرضوي بعنوان: كذبوا على الشيعة فراجعه، أجوبة مسائل موسى جار الله.
550

مدينة العلم النبوي من بابها، ويلجوا من باب حطة، ويلجأوا إلى أمان أهل
الأرض بركوب سفينتهم، ومقاربة شيعتهم، فقد زال سوء التفاهم من البين،
وأسفر الصبح عن توثق الروابط بين الطائفتين. والحمد لله رب العالمين.
[المورد (100) - الدعوة إلى الصفاء:]
حتى م يا أخوتاه هذه الشحناء؟. وفي م هذه العداوة والبغضاء، نعوذ بالله
أليس الله عز وجل وحده لا شريك له ربنا جميعا؟. والاسلام ديننا؟. والقرآن
الحكيم كتابنا؟! والكعبة مطافنا وقبلتنا؟. وسيد النبيين وخاتم المرسلين محمد
بن عبد الله صلى الله عليه وآله نبينا؟. وقوله وفعله وتقريره سنتنا؟. والفرائض الخمسة اليومية
وصوم شهر رمضان المبارك، والزكاة المفروضة وحج البيت فرائضنا؟. والحلال
ما أحله الله ورسوله. والحرام ما حرماه، والحق ما حققاه، والباطل ما أبطلاه،
وأولياء الله ورسوله أولياءنا، وأعداء الله ورسوله أعداءنا وأن الساعة آتية
لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا
ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) (875) أليس الشيعيون والسنيون في
ذلك كله سواء؟. (كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من
رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) (876).
والنزاع بينهما في جميع المسائل الخلافية صغروي في الحقيقة، ولا
نزاع بينهما في الكبرى عند أهل النظر أبدا. ألا تراهما إذا تنازعا في وجوب
شئ، أو حرمته، أو في استحبابه، أو في كراهته، أو في إباحته، أو تنازعا في

(875) سورة النجم: 31.
(876) سورة البقرة: 285.
551

صحته أو بطلانه، أو في جزئيته أو في شرطيته أو في مانعيته، أو في غير ذلك،
كما لو تنازعا في عدالة شخص، أو فسقه، أو في إيمانه، أو في نفاقه أو في وجوب
موالاته، لأنه ولي الله، أو وجوب معاداته، لأنه عدو الله، فإنما يتنازعان في
ثبوت ذلك بالأدلة المثبتة شرعا - من كتاب أو سنة أو إجماع أو عقل - وعدم
ثبوته، فيذهب كل منهما إلى ما اقتضته الأدلة الشرعية. ولو علم الفريقان ثبوت
الشئ في دين الإسلام، أو علما جميعا عدم ثبوته في الدين الاسلامي أو شكا
كلاهما في ذلك لم يتنازعا ولم يختلفا أبدا.
وقد أخرج البخاري في صحيحه (1) عن أبي سلمة وغيره عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا حكم الحاكم واجتهد ثم أصاب فله أجران،
وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد " (877).
وقال ابن حزم حيث تكلم فيمن يكفر أو لا يكفر - ص 247 من الجزء
الثالث من كتابه - الفصل في الملل والنحل - ما هذا لفظه: وذهبت طائفة إلى
أنه لا يكفر، ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا، وأن كل من اجتهد في
شئ من ذلك، فدان بما رأى أنه الحق فإنه مأجور على كل حال. إن أصاب
فأجران، وإن أخطأ فأجر واحد. (قال): وهذا قول ابن أبي ليلى، وأبي حنيفة،
والشافعي، وسفيان الثوري، وداود بن علي، وهو قول كل من عرفنا له قولا
في هذه المسألة من الصحابة، لا نعلم منهم خلافا في ذلك أصلا إلى آخر

(1) راجع باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ. وهو في أواخر كتاب
الاعتصام بالكتاب والسنة قبل كتاب التوحيد بأقل من ورقتين تجده في ج 4 ص 177 من
الصحيح (منه قدس).
(877) ورواه أيضا مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة.
الفتح الكبير ج 1 / 102.
552

كلامه (878).
والذين صرحوا بهذا ونحوه من أعلام الأمة كثيرون. فأي وجه إذن لهذه
المشاغبات أيها المسلمون؟. والله عز وجل يقول: (إنما المؤمنون إخوة
فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) (879) (ولا تنازعوا
فتفشلوا وتذهب ريحكم) (880) (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من
بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) (881).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، وهم يد
على من سواهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين،
لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل (882).
والصحاح في هذا ونحوه متواترة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة.
وفي فصولنا المهمة ما يشرح صدور الأمة (883).

(878) بل اعتذروا لأشخاص صدرت منهم جرائم وأفعال سودت وجه التاريخ
وأخرجتهم من ربقة الإسلام.
اعتذروا لمعاوية في قتاله سيد الوصيين بالاجتهاد وكذلك ابنه يزيد في قتله
سبط الرسول صلى الله عليه وآله وابن ملجم قاتل إمام المتقين عليه السلام وقاتل عمار بن ياسر وطلحة
والزبير وعائشة وغيرهم.
اعتذروا لهم بالاجتهاد فلا جرم عليهم بل لهم أجر واحد.
راجع: الغدير ج 10 / 340 وما بعدها. وراجع ما تقدم من الأحاديث في حقن الدماء
تحت رقم (149 و 152).
(879) سورة الحجرات: 10.
(880) سورة الأنفال: 46.
(881) سورة آل عمران: 105.
(882) صحيح البخاري ك 58 ب 10 و 17 وك 96 ب 5، مسند أحمد ج 1 / 81
و ج 2 / 192 و 211 و 398 كما في مفتاح كنوز السنة.
(883) فلتراجع منها الفصول السبعة الأول، فإنها في 7 مواضيع (منه قدس).
الوحدة الإسلامية:
= الإسلام الذي جاء به سيد المرسلين من قبل رب العالمين هو دين الوحدة
والتعاطف والتكاتف والتحابب وحث على هذه الأمور بلا مزيد عليه في أي دين أو مذهب
كما أنه حذر من الاختلاف والتنازع والتباغض والتنابز وغيرها من الأمور التي تؤدي
إلى تفتيت الأمة وتمزيقها، وشدد النكير عليه.
قال تعالى:
(المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وقال تعالى: (واعتصموا بحبل الله
جميعا ولا تفرقوا) وقال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ
إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) وقال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم
من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).
وتوجد سورة في القرآن باسم " الصف " لأجل توحيد الصفوف وتراصها لما لها
من الموقعية والقوة فيقول فيها: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان
مرصوص).
وقد وردت عشرات الروايات إن لم تكن المئات بهذا الصدد ولنقتصر على جملة
منها:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شئ إذا
فعلتموه تحاببتم: افشوا السلام بينكم ".
وقال صلى الله عليه وآله: " الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة
المسلمين ولعامتهم والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ".
وقال صلى الله عليه وآله: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا
ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم
أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ".
وقال الصادق عليه السلام:
" المسلم أخو المسلم، هو عينه ومرآته ودليله لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا
يكذبه ولا يغتابه ".
إلى غير ذلك من الروايات التي بهذا المضمون.
ونحن نفهم من هذه النصوص الإسلامية وغيرها اهتمام الإسلام بالوحدة إن المؤمن
لا يكمل إيمانه إلا إذا كان يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه. وأن المسلمين جميعا كتلة
واحدة لا تتجزأ وهم كالجسد الواحد لانسان واحد فخالقهم واحد ودينهم واحد وكتابهم
واحد وقبلتهم واحدة وهم لأب واحد ولأم واحدة فما هذا الاختلاف والتشاجر والتناحر.
نعم الإسلام حذر المسلمين جميعا من الاختلاف والتنازع وطعن البعض في البعض
الآخر وجعل ذلك سببا للفشل والخذلان وعدم العز في الدنيا والعقاب في الآخرة فيقول
تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وذهاب الريح هنا هو ذهاب النصر الذي
يؤيد به المسلمين حالة قتالهم ومجابهتهم العدو فعدم نصرهم مسببا عن تنازعهم واختلافهم
وعن عبد المؤمن الأنصاري قال: دخلت على الإمام أبي الحسن (الكاظم) عليه
السلام وعنده محمد بن عبد الله الجعفري، فتبسمت إليه فقال عليه السلام: " أتحبه؟ قلت:
نعم وما أحببته إلا لكم. فقال عليه السلام:
هو أخوك والمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه ملعون ملعون من اتهم أخاه، ملعون ملعون
من غش أخاه، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه ملعون ملعون من استأثر على أخيه، ملعون
ملعون من اغتاب أخاه ".
بل في نصوص إسلامية أخرى قد سلبت عنوان الإسلام الحقيقي عن الشخص إذا لم
يهتم بأمر أخيه فضلا عن الطعن فيه ومحاولة هتك حرمته.
والإستعمار الشرقي والغربي لما أراد أن يستولي على بلاد المسلمين ويأخذ ثرواتهم
ويستعبدهم ويجعلهم طعمة سائغة درس حالتهم الاجتماعية والنفسية فرأى من أهم الأسباب
التي يتمكن بها على استعبادهم - بعد انحرافهم عن دينهم وعدم تمسكهم به -.
هي الفرقة والاختلاف فصدر القاعدة المعروفة " فرق تسد " وإلى يومنا هذا
الاستعمار يستعملها كسلاح فتاك لأجل تمزيق وحدة المسلمين وإذلالهم.
فها هي دويلة إسرائيل الصهيونية تغتصب الأراضي الإسلامية والعربية بما فيها
القدس الشريف القبلة الأولى للمسلمين وعددها لا يتجاوز المليونين بينما المسلمون مع
قوتهم وعددهم الذي يتجاوز مليار مسلم في أنحاء العالم وليس ذلك إلا لأجل تفرقهم
واختلاف كلمتهم وكل واحد يريد أن يأكل الآخر.
أليس من العار على العرب 18 سنة يهرجون ويطبلون ويرفعون عقيرتهم ليلا ونهارا
بأنهم يريدون أن يحرروا فلسطين ولم يتمكنوا أن يحرروا شبرا واحدا بل نرى إسرائيل
بين الفينة والفينة تستولي على أرض أخرى وتجعلها تحت سيطرتها. كيف يحررون
فلسطين وهم خدام وعملاء إلى الشرق أو الغرب ويأكل بعضهم البعض الآخر.
ومن أهم الأسلحة الفتاكة التي اتخذها الاستعمار في إضعاف المسلمين والاستيلاء
عليهم واستعبادهم هو التفرقة باسم السنة والشيعة فكان يثير التشاجر وكيل الاتهام لكل
طرف من الطرف الآخر والسباب والشتم والتكفير وغيرها ولعل هذه الأمور لا أصل ولا
موجب لها، بل لو رجعوا جميعا إلى الإسلام وإلى منابعه الأصلية الأولية مع الموضوعية
وعدم التعصب لمذهب معين أو لفئة أو لشخص لعاشوا بسلام ووئام وأن عمل كل على
حسب ما يؤدي إليه نظره وبحثه العلمي.
وهذا الكتاب الذي بين يديك بالرغم من أنه يتعرض إلى مواضيع حساسة جدا إلا
أنه يحاول أن يبحثها بحثا موضوعيا متجنبا التعصب المذهبي والتحيز القومي. فنرجوا
من الله أن يكون هذا سببا للتعرف على الحقيقة ووحدة المسلمين حتى ترجع إليهم
عزتهم ومجدهم التليد والحمد لله رب العالمين.
553

[خاتمة الكتاب]
نختتم كتابنا فيما افتتحناه به من البحث عن الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
لمكانها من عناية الله تعالى ورسوله، ومسيس حاجة الأمة إليها في دينها ودنياها
ولما بذله رسول الله صلى الله عليه وآله في سبيلها من النصح لربه عز وعلا، ولأمته لا يألو
في ذلك جهدا ولا يدخر وسعا.
ومن أحاط علما بسيرته صلى الله عليه وآله في تأسيس دولة الإسلام منذ قام بأعبائها
وجد عليا وزيره (884) من أهله وشريكه في أمره، وظهيره على عدوه (885)
وعيبة علمه ووارث حكمه (886) وولي عهده، وصاحب الأمر من بعده (887)

(884) لأجل الاطلاع على ذلك راجع كتاب: المراجعات وكتاب سبيل النجاة
في تتمة المراجعات تحت رقم (498 و 739) وسوف يأتي الحديث أيضا.
(885) كما في بدر الكبرى وأحد وحنين والأحزاب، وهو صاحب لوائه في كل
حروبه.
(886) راجع كتاب المراجعات وكتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت
رقم (558 و 559).
(887) راجع كتاب المراجعات لشرف الدين وكتاب سبيل النجاة في تتمة
المراجعات تحت رقم (517 و 518 و 520 و 521 و 523 و 524 و 525 و 526 و 527
و 537 و 622 و 626).
557

ومن ألم ممعنا في أقواله وأفعاله، في حله وترحاله، يجد الكثير منها متواليا
في الدلالة على ذلك، من أول أمره إلى منتهى عمره. وقد استمر في بثها
بأساليبه الحكيمة العظيمة ثلاثا وعشرين سنة، منذ بعث بالحق إلى أن لحق
بالرفيق الأعلى، يشيد بخصائصه فيرفع بذلك ذكره، ويوليه من الثناء عليه
في كل مناسبة ما يعظم به قدره.
وقد صدع بالنص عليه في أوائل بعثته صلى الله عليه وآله قبل ظهور دعوته في مكة،
حين أنذر عشيرته الأقربين على عهد شيخ البطحاء وبيضة البلد عمه أبي طالب
في داره، فقال لهم - وقد أخذ برقبة علي وهو أصغر القوم سنا -: " إن هذا أخي
ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.. " الحديث (888).

(888) أوردناه - مع الإشارة إلى أسانيده ومصادره من كتب الجمهور - في المراجعة
20 وأثبتنا تصحيح الجمهور له في المراجعة 22 من كتاب المراجعات، فلا يفوتن باحثا
مراجعتهما معا فإن هناك الفوائد والعوائد. ولا تنس ما في قوله صلى الله عليه وآله لعشيرته الأقربين -
وفيهم أعمامه أبو طالب وغيره -: فاسمعوا له وأطيعوا، من وجوب السمع والطاعة عليهم
كافة لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وآله الأمر الذي دل على أنه كان من يومئذ من رسول الله بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه ليس بنبي (منه قدس).
حديث الدار يوم الإنذار:
هذا من صحاح السنن المأثورة.
راجع: تاريخ الطبري ج 2 / 319 - 321، الكامل لابن الأثير ج 2 / 62 و 63،
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 13 / 210 و 244 وصححه ط مصر بتحقيق أبو
الفضل، السيرة الحلبية ج 1 / 311، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 41
و 42، شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 371 ح 514 و 580، كنز العمال ج 15 / 115
ح 334 ط 2، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي
ج 1 / 85 ح 139 و 140 و 141، حياة محمد لمحمد حسين هيكل ص 104 الطبعة الأولى
سنة 1354 ه‍ وفي الطبعة الثانية وما بعدها من طبعات الكتاب.
حذف من الحديث قوله صلى الله عليه وآله: " وأن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم ".
ومن راجع الطبعة الأولى والطبعات التي بعدها وراجع جريدة السياسة المصرية
لمحمد حسين هيكل ملحق عدد (2751) بتاريخ 12 ذي القعدة سنة 1350 ه‍ ص 5 وص
6 من ملحق عدد (2785) رأى الحقيقة كاملة فإنه في الطبعة الأولى والجريدة ذكر
الحديث تاما وفي الطبعات الأخرى من الكتاب حرفه.
كما أن الطبري ذكر هذا الحديث في تفسيره ج 19 / 121 ط 2 ولكن المؤلف أو
الطابع حرف آخر الحديث وذكر بدله " إن هذا أخي وكذا وكذا ".
وذكر الحديث أيضا:
الجاوي في التفسير المنير لمعالم التنزيل ج 2 / 118 ط 3، الخازن في تفسيره
ج 3 / 371 و 390. ولأجل المزيد على بقية المصادر راجع كتاب المراجعات وكتاب
سبيل النجاة تحت رقم (459) ففيه كفاية.
558

ولم يزل بعدها يدلل على خلافته، تارة بدلالة المطابقة نصا كقوله صلى الله عليه وآله
- حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك: - " إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت
خليفتي " (889).

(889) تجد هذا النص بعين لفظه في حديث صحيح عظيم فيه بضع عشرة خصيصة
من خصائص على كل خصيصة منها ترشحه أو تنص عليه بالإمامة، أوردناه في المراجعة
26 من كتاب المراجعات. وقد كان بيننا وبين شيخ الإسلام البشري رحمه الله تعالى
مناظرات ومحاضرات حول هذا الحديث من كل نواحيه تبادلنا فيها الإنصاف والحب
والاخلاص للفهم والعلم واتباع الحق لا نألوا جهدا ولا ندخر وسعا حتى لم نبق شبهة ولله
الحمد إلا أدينا فيها حقه، فلتراجع مناضراتنا هذه في المراجعة المذكورة وما بعدها
إلى نهاية المراجعة 34. ووصيتي إلى الباحثين من أولي الألباب أن لا يفوتنهم شئ من
ذلك إلا وسعوه تدبرا وإمعانا، فعسى أن تقر بذلك عيون المؤمنين وتنشرح صدورهم
في كل ما ثمة من أبحاث ولا سيما حول حديث المنزلة وعمومها ودلالته، وأنه صور
عليا وهارون في الأرض كالفرقدين في السماء (منه قدس).
المستدرك للحاكم ج 3 / 132 وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي وصححه
مطبوع بذيل المستدرك، مسند أحمد ج 5 / 25 ح 3062 بسند صحيح ط دار المعارف
بمصر، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 61 - 64 ط الحيدرية وص 15 ط بيروت وص
8 ط التقدم، ذخائر العقبى ص 87، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 240 ط الحيدرية
وص 115 ط الغري، المناقب للخوارزمي الحنفي ص 72، الإصابة لابن حجر ج 2 / 509
ينابيع المودة للقندوزي ص 34 ط اسلامبول وص 38 ط الحيدرية و ج 1 / 33 ط العرفان
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 183 ح 249 و 250
و 251، الرياض النضرة ج 2 / 269 و 270 ط 2، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 106
ح 43، فضائل الخمسة ج 1 / 230، الغدير للأميني ج 1 / 51 و ج 3 / 197، فرائد
السمطين ج 1 / 328 ح 255.
559

وأخرى بالالتزام البين بالمعنى الأخص كقوله صلى الله عليه وآله - وقد شكى بريدة
إليه عليا -: " لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي " هذا لفظه عند
الإمام أحمد (890).
أما عند النسائي فلفظه: " لا تبغضن لي يا بريدة عليا، فإن عليا مني وأنا منه
وهو وليكم بعدي " (891).
وقد أخرجه الطبراني على سبيل التفصيل فقال: قال صلى الله عليه وآله مغضبا: " ما بال
أقوام ينتقصون عليا، من أبغض عليا فقد أبغضني، ومن فارق عليا فقد فارقني.

(890) مسند أحمد ج 5 / 356 ط الميمنية، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص
24 ط التقدم وص 98 ط الحيدرية، مجمع الزوائد ج 9 / 127، ترجمة الإمام علي بن
أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 369 ح 466 و 467 و 468، شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 / 450 ط 1 و ج 9 / 170 بتحقيق أبو الفضل، فضائل
الخمسة ج 1 / 241 وراجع بقية المصادر في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت
رقم (520).
(891) خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 24 ط التقدم وص 98 ط الحيدرية.
560

ان عليا مني وأنا منه، خلق من طينتي، وأنا خلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل
من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، يا بريدة، أما علمت أن
لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وانه وليكم بعدي؟! " (892).
ومثله ما صح عن عمران بن حصين إذ روى: ان أربعة من أصحاب رسول
الله تعاقدوا على شكاية علي، فقام أحدهم فقال يا رسول الله: ألم تر ان عليا صنع كذا
وكذا فأعرض عنه، فقام الثاني فقال مثل ذلك فأعرض عنه، وقام الثالث فقال
مثل ما قال صاحباه فأعرض عنه، وقام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل رسول الله
صلى الله عليه وآله والغضب يبصر في وجهه فقال: " ما تريدون من علي؟ ان عليا مني وأنا
منه وهو ولي كل مؤمن بعدي " (893).
ونحوه حديث وهب بن حمزة قال: - كما في ترجمة وهب من الإصابة -

(892) مجمع الزوائد ج 9 / 128، ينابيع المودة للقندوزي ص 272 ط اسلامبول
وص 326 ط الحيدرية.
وقد تقدم تحت رقم (738).
(893) صحيح الترمذي ج 5 / 296 ح 3796 ط دار الفكر، خصائص أمير المؤمنين
للنسائي ص 97 ط الحيدرية وص 38 ط بيروت وص 23 ط مصر، المناقب للخوارزمي ص
92، المستدرك للحاكم ج 3 / 111 وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بذيل
المستدرك، الإصابة لابن حجر ج 2 / 509، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 /
450 ط 1، مسند أحمد ج 4 / 438، كنز العمال ج 6 / 400 ط 1 وج 15 / 124 ح 359
ط 2، ينابيع المودة للقندوزي ص 53 ط اسلامبول، نور الابصار للشبلنجي ص 158 ط
السعيدية، حلية الأولياء ج 6 / 294، أسد الغابة ج 4 / 27، ترجمة الامام علي بن أبى
طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 381 ح 487 و 488، الرياض النضرة ج 2 /
225 ط 2، مصابيح السنة للبغوي ج 2 / 275، جامع الأصول لابن الأثير ج 9 / 470،
تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 36 ط الحيدرية، الغدير ج 3 / 216، مطالب
السئول لابن طلحة الشافعي ج 1 / 48 وقد تقدم تحت رقم (739).
561

سافرت مع علي فرأيت منه جفاء، فلما رجعت ذكرت عليا لرسول الله فنلت
منه، فقال (ص): " لا تقولن هذا لعلي فإنه وليكم بعدي " (894).
وأخرجه الطبراني في الكبير عن وهب غير أنه قال: " لا تقل هذا لعلي
فهو أولى الناس بكم بعدي " (895).
وقد يختص صلى الله عليه وآله بالنص على علي بعض أوليائه من المخلصين كسلمان
فيما رواه الطبراني عنه في الكبير إذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله " ان وصيي،
وموضع سري، وخير من أترك بعدي، ينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي
طالب " (896).
وقد يختص بعض من في قلوبهم مرض كبريدة فيما أخرجه عنه محمد بن
حميد الرازي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " لكل نبي وصي ووارث،
وان وصيي ووارثي علي بن أبي طالب " (897).

(894) الإصابة لابن حجر ج 3 / 641 ط السعادة وج 3 / 604 ط مصطفى محمد،
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 385 ح 491،
ينابيع المودة للقندوزي ص 55 ط اسلامبول وص 61 ط الحيدرية، الغدير للأميني ج 3 /
216.
وقريب منه في:
أسد الغابة ج 5 / 94، مجمع الزوائد ج 9 / 109.
(895) شكاية كل من بريدة، والأربعة المتعاقدين عليها، ووهب بن حمزة وغضب
النبي منهم ورده عليهم كل ذلك في المراجعة 36 من كتاب المراجعات فلا تفوتن الباحثين
مراجعتها مع ما هو ثمة حولها (منه قدس).
كنز العمال ج 6 / 155 ح 2579 ط 1، مجمع الزوائد ج 9 / 109.
(896) مجمع الزوائد ج 9 / 113، كنز العمال ج 6 / 154 ح 2570 ط 1، منتخب
كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 32، إحقاق الحق ج 4 / 75.
(897) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 / 5
ح 1021 و 1022، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 200 ح
238 ط 1 بطهران، المناقب للخوارزمي ص 42، ذخائر العقبى ص 71، الميزان للذهبي
ج 2 / 273، ينابيع المودة للقندوزي ص 79 و 207 و 232 و 248 ط اسلامبول وص 90
و 275 و 295 ط الحيدرية و ج 1 / 77 و ج 2 / 56 و 72 ط العرفان بصيدا، علي والوصية
للشيخ نجم الدين العسكري ص 59، كفاية الطالب للگنجي الشافعي ص 620 ط
الحيدرية وص 131 ط الغري، شرح الهاشميات للرافعي ص 29 ط 2، الرياض النضرة
ج 2 / 234 ط 2، كنوز الحقائق للمناوي ص 130 ط بولاق وص 110 ط آخر، إحقاق الحق ج
4 / 72.
562

وكأنس فيما رواه عنه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء إذ قال. قال لي
رسول الله صلى الله عليه وآله: " يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين،
وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم الوصيين، وقائد الغر المحجلين،
قال أنس: فجاء علي فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وآله مستبشرا فاعتنقه وقال له: أنت
تؤدي عني وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي " (898).
وعن أنس أيضا، فيما أخرجه عنه الخطيب قال: " سمعت رسول الله يقول
أنا وهذا - يعني عليا - حجة على أمتي يوم القيامة " تجده في ص 157 من الجزء 6

(898) حديث أنس هذا واللذان قبله أعني حديث بريدة وحديث سلمان موجودة في
المراجعة 68 فلتراجع مع ما علقناه عليها (منه قدس).
حلية الأولياء لأبي نعيم ج 1 / 63، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 9 /
169 بتحقيق أبو الفضل و ج 2 / 430 ط 1، المناقب للخوارزمي ص 42، ترجمة الإمام
علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 487 ح 1005، كفاية الطالب
للگنجى الشافعي ص 212 ط الحيدرية وص 93 ط الغري، ميزان الإعتدال ج 1 / 64،
فضائل الخمسة ج 2 / 254، مطالب السئول لابن طلحة ص 21 ط طهران و ج 1 / 60 ط
النجف، ينابيع المودة للقندوزي ص 313 ط اسلامبول، فرائد السمطين ج 1 / 145.
563

من الكنز وهو الحديث 2632 (899).
وكم اختص بذلك أولات الفضل من النساء كزوجته أم المؤمنين أم سلمة
وأم الفضل زوجة عمه، وأسماء بنت عميس، وأم سليم الأنصارية، وأمثالهن.
وربما نوه بذلك على منبره الشريف. وربما أفضى به إلى بعض أصحابه في
البقيع (900) ونوه به يومي المؤاخاة وكانت الأولى (901) منهما في مكة
قبل الهجرة والثانية كانت بعدها في المدينة بين المهاجرين والأنصار (902)
وفي كلتا المرتين يصطفي لنفسه منهم عليا فيتخذه من دونهم أخاه، تفضيلا له
على من سواه، ويقول له " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي

(899) ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 45 ح 67 وص
197، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 273 ح
793 و 794 و 795، ينابيع المودة للقندوزي ص 239 ط اسلامبول وص 284 ط الحيدرية،
كنوز الحقائق للمناوي ص 38، الميزان للذهبي ج 4 / 128، منتخب كنز العمال بهامش
مسند أحمد ج 5 / 34.
وقريب منه في:
الرياض النضرة ج 2 / 254، الميزان للذهبي ج 4 / 127.
(900) لأجل المزيد من الاطلاع راجع كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات
خصوصا ما تحت رقم (465).
(901) تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 23، ترجمة الإمام علي بن أبي
طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 107 ح 148 و 150، ينابيع المودة للقندوزي
ص 56 و 57 ط اسلامبول وص 63 و 64 ط الحيدرية، كنز العمال ج 6 / 290 ح 5972
ط 1 و ج 15 / 92 ح 260 ط 2، الغدير للأميني ج 3 / 115، فرائد السمطين للحمويني ج
1 / 115 و 121.
(902) المناقب للخوارزمي ص 7، تذكرة الخواص ص 20، الفصول المهمة
لابن الصباغ ص 21.
564

بعدي " (903).
وكذلك فعل يوم سد الأبواب غير باب علي (904).

(903) هذا الحديث من الأحاديث المتواترة وقد صدر عن الرسول في عدة
موارد فقد رواه أكثر من خمس وعشرين صحابيا.
وقال شمس الدين الجزري الشافعي بعد ذكر الحديث: متفق على صحته.
بمعناه من حديث سعد بن أبي وقاص، قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: وقد روى
هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم عمر، وعلي،
وابن عباس، وعبد الله بن جعفر، ومعاذ، ومعاوية، وجابر بن عبد الله، وجابر بن سحرة،
وأبو سعيد، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وزيد بن أبي أوفي، ونبيط بن شريط،
وحبشي بن جنادة، وماهر بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأم سلمة،
وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت حمزة.
راجع: أسنى المطالب للجزري ص 53، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من
تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ط بيروت، وخرج هذا الحديث أبو حازم الحافظ بخمسة
آلاف إسناد كما ذكره الحسكاني في شواهد التنزيل ج 1 / 152. وأفرد فيه صاحب
عبقات الأنوار مجلدين ضخمين وأتى بما فوق المتوقع. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب
عند ترجمته لأمير المؤمنين: وهو - أي حديث المنزلة - من أثبت الآثار وأصحها.
وبما أن مصادره كثيرة جدا فمن أرادها فليراجعها في كتاب سبيل النجاة في تتمة
المراجعات تحت رقم (473 و 474 و 475 - 484) فتوجد مئات المصادر.
(904) حديث سد الأبواب هذا وحديث المؤاخاة أوردناهما في المراجعة 32 وهناك
سبعة موارد لحديث منزلة هارون من موسى. فلتراجع وما حولها (منه قدس).
أحاديث أبواب الصحابة الشارعة إلى المسجد ما عدى باب علي عليه السلام
كثيرة فراجعها مع مصادرها في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (507
و 508 و 509 و 510 و 511 و 512 و 513 و 514).
وعقد القندوزي الحنفي بابا خاصا بذلك فراجعه في ينابيع المودة ص 87 باب
17 ط اسلامبول.
565

ولم تنس الأمة ولن تنسى ما رواه أبو بكر - وهو الخليفة الأول - عن
رسول الله من قوله صلى الله عليه وآله: " علي مني بمنزلتي من ربي " (905).
وقوله صلى الله عليه وآله: " كفي وكف علي في العدل (1) سواء " (906).
وفسر صلى الله عليه وآله آية المنذر والهاد (من سورة الرعد) فقال: " أنا المنذر وعلي
الهاد، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي " (907).

(905) أخرجه ابن السماك، ونقله عن ابن حجر في المقصد الخامس من مقاصد،
الآية 14 من الآيات التي أوردها في الباب 11 من صواعقه فراجع منها ص 106 (منه).
ذخائر العقبى ص 64، الرياض النضرة ج 2 / 215 ط 2، الصواعق المحرقة
ص 106 ط الميمنية وص 175 ط المحمدية، إحقاق الحق ج 7 / 217.
(1) هذا هو الحديث 2539 في ص 153 من الجزء 6 من الكنز فراجع، وحديثا
أبي بكر هذان كلاهما في المراجعة 48 الحديث الأول منهما ص 167 والثاني ص 172
من كتاب المراجعات الطبعة الثالثة (منه قدس).
(906) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 129 ح 170، ترجمة الإمام علي
ابن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 438 ح 946، المناقب للخوارزمي
ص 211، ينابيع المودة للقندوزي ص 234 ط اسلامبول وص 277 ط الحيدرية و ج 2 /
58 ط العرفان بصيدا، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 31، فرائد السمطين
ج 1 / 50، تاريخ بغداد للخطيب ج 5 / 383.
(907) فيما أخرجه الديلمي من حديث ابن عباس وهو الحديث 2631 ص 157 من
الجزء السادس من كنز العمال (منه قدس).
شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 1 / 293 - 303 حديث 398 - 416،
كفاية الطالب للگنجى الشافعي ص 233 ط الحيدرية وص 109 ط الغري، تفسير الطبري
ج 13 / 108 ط 2، تفسير ابن كثير ج 2 / 502، تفسير الشوكاني ج 3 / 70 ط 2، تفسير
الفخر الرازي ج 5 / 271 ط 1 و ج 21 / 14 ط آخر، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من
تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 415 ح 913 و 914 و 915 و 916، الفصول المهمة لابن
الصباغ ص 107، المستدرك للحاكم ج 3 / 129، نور الأبصار للشبلنجي ص 71 ط
العثمانية، ينابيع المودة للقندوزي ص 115 و 121 ط الحيدرية وص 99 و 104 ط اسلامبول
الدر المنثور ج 4 / 45، زاد المسير لابن الجوزي ج 4 / 307، نظم درر السمطين للزرندي
ص 90، فتح البيان لصديق حسن خان ج 5 / 75، روح المعاني للآلوسي ج 13 / 97،
إحقاق الحق ج 3 / 88 - 93، فضائل الخمسة ج 1 / 266، فرائد السمطين ج 1 / 148،
منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 34.
566

وقال صلى الله عليه وآله فيما أخرجه الخطيب من حديث البراء والديلمي من حديث
ابن عباس، " علي مني بمنزلة رأسي من بدني " (908).
وقال صلى الله عليه وآله: " علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا

(908) ونقله ابن حجر في ص 75 من صواعقه وهو الحديث 35 من الأربعين حديثا
التي أوردها في الفصل الثاني من الباب 9 من الصواعق (منه قدس).
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 375 ح
870، الصواعق المحرقة لابن حجر ص 123 ط المحمدية وص 75 ط الميمنية، نور
الأبصار ص 73 ط السعيدية، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 158 ط السعيدية
وص 143 ط العثمانية، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 180 و 185 و 254 و 284
ط اسلامبول وص 212 و 219 و 303 و 341 ط الحيدرية و ج 2 / 4 و 10 و 79 و 109 ط
العرفان بصيدا، المناقب للخوارزمي ص 87 و 91، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي
ص 92 ح 135 و 136، الجامع الصغير للسيوطي ج 2 / 56 ط الميمنية و ج 2 / 140 ح
5596 ط مصطفى محمد، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30، الرياض
النضرة ج 2 / 214 ط 2. وفي إحقاق الحق ج 5 / 236 عن:
فردوس الأخبار للديلمي، المناقب المرتضوية ص 88 ط بمبي، كنوز الحقائق
ص 18 ط بولاق، مفتاح النجا في مناقب آل العبا للبدخشي ص 28 و 43 مخطوط، مشارق
الأنوار للحمزاوي ص 91 ط الشرفية، تاريخ بغداد للخطيب ج 7 / 12، انتهاء الأفهام
ص 213.
وقريب من هذا في: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 92 ح 135
و 136، ذخائر العقبى ص 63.
567

علي الحوض " (909).
قلت: حسبك من علي إنه عدل القرآن في الميزان، وأنهما لا يفترقان،
فأية حجة أبلغ من هذه في عصمته وافتراض طاعته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
يا مسلمون.
وقال صلى الله عليه وآله: " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب " (910)
أخرجه الطبراني عن ابن عباس كما في ص 107 من الجامع الصغير للسيوطي

(909) أخرجه الحاكم في كتاب معرفة الصحابة من المستدرك ص 124 من جزئه
الثالث وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأورده الذهبي في تلك الصفحة من تلخيصه
معترفا بصحته على تشدده، والحمد لله (منه قدس).
المعجم الصغير للطبراني ج 1 / 55، كفاية الطالب ص 399 ط الحيدرية وص 254
ط الغري، مجمع الزوائد ج 9 / 134، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق
لابن عساكر ج 3 / 123 بالهامش، الغدير ج 3 / 180.
وقد عقد القندوزي الحنفي في ينابيعه ص 90 الباب العشرين في هذا الحديث.
راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم (11 و 119 و 197) وراجع أيضا سبيل
النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (716) ط بيروت.
(910) وقد رواه عدة من الصحابة منهم:
1 - علي أمير المؤمنين عليه السلام:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 464 ح
984 و 998، ميزان الاعتدال ج 1 / 436، البداية والنهاية ج 7 / 358، شواهد التنزيل
للحسكاني ج 1 / 82 ح 119 و 120 و 121 وص 334 ح 459، مناقب علي بن أبي طالب
لابن المغازلي ص 81 ح 122 وص 185 ح 126، كفاية الطالب للگنجى ب 58 ص 220
ط الحيدرية وص 98 ط الغري، فتح الملك العلي للمغربي ص 22 و 23، ينابيع المودة
ص 72 و 73 و 183 و 210 و 282، ذخائر العقبى ص 77، تذكرة الخواص ص 47، نزل الأبرار ص 73.
2 - عبد الله بن عباس:
شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 81 ح 118، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من
تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 466 ح 985 و 986 و 987 و 988 - 994، اللآلي
المصنوعة ج 1 / 171، تاريخ جرجان ص 24، إحقاق الحق ج 5 / 470، المعجم الكبير
للطبراني ج 3 / 108، فتح الملك العلي ص 23 ط 2 وص 4 ط 1، كنز العمال ج 15 /
129 ط 2، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 81 ح 121 و 123 و 124،
تاريخ بغداد للخطيب ج 11 / 48 و ج 2 / 377، البداية والنهاية ج 7 / 358، الجامع
الصغير للسيوطي ج 1 / 374 ح 2705، الصواعق ص 37، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص
107، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 174، إحقاق الحق ج 5 / 483، المستدرك
للحاكم ج 3 / 126، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 43، تهذيب التهذيب ج 6 / 320،
تذكرة الحفاظ ج 4 / 28 ط حيدر آباد، فرائد السمطين ج 1 / 98، الفتح الكبير ج 1 /
276، المناقب للخوارزمي ص 40، مسند الكلابي مطبوع بآخر مناقب علي بن أبي
طالب لابن المغازلي ص 427 ط طهران، نزل الأبرار ص 73.
3 - جابر بن عبد الله الأنصاري:
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 476 ح 996
و 997، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 80 ح 120 و 125، كفاية الطالب
ح 58 ص 221، تاريخ بغداد ج 2 / 377، المستدرك للحاكم ج 3 / 127، ينابيع المودة
ص 72 و 234 و 254، ميزان الاعتدال رقم 429، لسان الميزان لابن حجر ج 1 / 197
برقم 620، الجامع الصغير ج 1 / 364 رقم 2705، منتخب كنز العمال بهامش مسند
أحمد ج 5 / 30، الفتح الكبير ج 1 / 276، أسنى المطالب للجزري ص 70 و 71 وقد
ذكر في مقدمة كتابه أنه لا يذكر فيه إلا الحديث المتواتر أو الصحيح أو الحسن، نزل
الأبرار ص 73.
وللحديث مصادر أخرى راجع:
دلائل الصدق ج 2 / 332، أسد الغابة ج 4 / 22، نظم درر السمطين ص 113،
فتح الملك العلي بصحة حديث مدينة العلم علي ط مصر وطبع في النجف وهو خاص بهذا
الحديث، فيض الغدير للشوكاني ج 3 / 46، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 / 38، الميزان
للذهبي ج 1 / 415 و ج 2 / 251 و ج 3 / 182، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 /
219 بتحقيق أبو الفضل و ج 2 / 236 ط أفست، جامع الأصول ج 9 / 473 ح 6489،
فضائل الخمسة ج 2 / 250، الغدير للأميني ج 6 / 61 - 81، كنز العمال ج 15 / 129
ح 378 ط 2، الرياض النضرة ج 2 / 255، سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم
(558)، عبقات الأنوار الجزء الخامس طبع في الهند وهو خاص بهذا الحديث.
568

وأخرجه الحاكم في مناقب علي ص 126 وص 127 من الجزء الثالث من صحيحة
المستدرك بسندين صحيحين، أحدهما عن ابن عباس من طريقين صحيحين
والثاني عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أقام الحاكم على صحة طرفه أدلة
قاطعة. وفراد الإمام أحمد بن محمد بن الصديق المغربي المعاصر نزيل القاهرة
لتصحيح هذا الحديث كتابا حافلا سماه - فتح الملك العلي بصحة حديث
باب مدينة العلم علي - وقد طبع سنة 1354 ه‍ بالمطبعة الإسلامية بمصر.
فحقيق بالباحثين أن يقفوا عليه فإن فيه علما جما، ولا وزن للنواصب وجرأتهم
على هذا الحديث الدائر - كالمثل السائر - على ألسنة الخاصة والعامة من أهل
الأمصار والبوادي، وقد نظرنا في طعنهم فوجدناه تحكما محضا لم يدلوا فيه
بحجة ما غير الوقاحة في التعصب كما صرح به الحافظ صلاح الدين العلائي
حيث نقل القول ببطلانه عن الذهبي وغيره فقال: ولم يأتوا في ذلك بعلة قادحة
سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر (911).

(911) وممن سار على شنشنة بطلان هذا الحديث المحدث شمس الدين ابن
طولون في كتابه شذرات الذهبية في ترجمة الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ص 56 ط
بيروت ولكنه لم يأت بطائل. بل دعوى بلا برهان وتهمة بلا وجدان. وكذلك غيره الذي
لم يكن عنده إنصاف أو إمتلئت قلوبهم حسدا وحقدا على سيد الوصيين عليه السلام
وأولاده المعصومين.
مع أنه قد صحح الحديث جماعة من أعلام السنة منهم:
1 - الحاكم النيسابوري في المستدرك ج 3 / 126.
2 - الجزري الشافعي في كتابه أسنى المطالب ص 70 و 71 وقد قال في مقدمة
كتابه أنه لا يذكر إلا الحديث المتواتر أو الصحيح أو الحسن كما حكى تصحيح
الحاكم له.
3 - محمد بن جرير الطبري المتوفى 310 ه‍. الغدير ج 6 / 62.
4 - الحسن بن أحمد السمرقندي المتوفى 491 ه‍. الغدير ج 6 / 64.
5 - عبد الكريم السمعاني المتوفى 562 ه‍. الغدير ج 6 / 64.
6 - الگنجي الشافعي المتوفى 658 ه‍. أخرجه في كفاية الطالب ص 98 - 102
ط الغري وقال بعد إخراجه بعدة طرق قلت: هذا حديث حسن عال - إلى أن قال:
ومع هذا فقد قال العلماء من الصحابة والتابعين وأهل بيته بتفضيل علي عليه
السلام وزيادة علمه وغزارته وحدة فهمه ووفور حكمته وحسن قضاياه، وصحة فتواه،
وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصحابة يشاورونه في الأحكام ويأخذون
بقوله في النقض والابرام، اعترافا منهم بعلمه، ووفور فضله، ورجاحة عقله، وصحة
حكمه، وليس هذا الحديث في حقه بكثير لأن رتبته عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين
من عباده أجل وأعلا من ذلك.
7 - الحافظ الذهبي المتوفى 748 ه‍. صححه في تذكرة الحفاظ ج 4 / 28.
8 - صلاح الدين العلائي الشافعي الدمشقي المتوفى 761 ه‍. صححه من طريق
ابن معين وانتقد كل من ضعف الحديث وقال لم يأتوا بجواب على هذه الروايات الصحيحة
راجع كلامه في اللآلي المصنوعة للسيوطي ج 1 / 333، الغدير ج 6 / 66 و 67.
9 - الزركشي المصري الشافعي المتوفى 794 ه‍ حسن الحديث. فيض القدير
ج 3 / 47، الغدير ج 6 / 67.
10 - مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي المتوفى 816 أو 817 ه‍ حسن
الحديث. الغدير ج 6 / 67.
11 - السخاوي المصري المتوفى 902 ه‍، حسن الحديث، ذكره في المقاصد الحسنة.
الغدير ج 6 / 68.
12 - جلال الدين السيوطي المتوفى 911 ه‍، حسنه في الجامع الصغير ج 1 /
474 ثم صححه في جمع الجوامع كما في كنز العمال ج 6 / 401، الغدير ج 6 / 68.
13 - فضل بن روزبهان. الغدير ج 6 / 69.
14 - محمد بن يوسف الشافعي المتوفى 942 ه‍، حسنه. الغدير ج 6 / 70.
15 - ابن حجر الهيثمي الشافعي المكي المتوفى 974 ه‍. حسنه كما في تطهير الجنان
بهامش الصواعق ص 74 ط 1، والفتاوى الحديثية ص 126 و 197، الغدير ج 6 / 70
و 71.
16 - جمال الدين محمد طاهر الهندي المتوفى 986 ه‍. الغدير ج 6 / 71.
17 - عبد الحق الدهلوي المتوفى 1052 ه‍. الغدير ج 6 / 73.
18 - السيد محمد بن السيد جلال بن حسن البخاري. صححه. الغدير ج 6 /
73.
19 - أبو الضياء الشبراملسي الشافعي المتوفى 1082 ه‍. حسنه. الغدير ج 6 /
73.
20 - الزرقاني المالكي المتوفى 1122 ه‍، حسنه كما في شرحه المواهب اللدنية
ج 3 / 143، الغدير ج 6 / 74.
21 - البدخشاني. صححه كما في نزل الأبرار ص 73، الغدير ج 6 / 74.
22 - محمد بن إسماعيل اليمني الصنعاني المتوفى 1182 ه‍. الغدير ج 6 / 74.
23 - محمد بن علي الصبان المتوفى 1205 ه‍. حسنه. إسعاف الراغبين بهامش
نور الأبصار ص 156.
24 - القاضي ثناء الله پانى پتى المتوفى 1225 ه‍، صححه. السيف المسلول،
الغدير ج 6 / 75.
25 - الشوكاني الصنعاني المتوفى 1250 ه‍، حسنه. الغدير ج 6 / 76.
وهناك جماعة كثيرة غير هؤلاء قالوا بصحته أو حسنه وبعضهم استدل به على فضل
أمير المؤمنين من أعلام القوم.
راجع: الغدير ج 6 / 61 - 77، عبقات الأنوار للسيد مير حامد حسين الموسوي
اللكهنوي المتوفى 1306 ه‍ الجزء الخامس من كتابه الكبير ط الهند.
570

وقال: صلى الله عليه وآله " أنا دار الحكمة وعلي بابها " (912).
وقال: صلى الله عليه وآله " يا علي أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي " (913).

(912) أخرجه الترمذي في صحيحه وابن جرير، ونقله عنهما غير واحد من الأعلام
كالمتقي الهندي في ص 401 من الجزء 6 من الكنز وهو الحديث 6069 (منه قدس).
صحيح الترمذي ج 5 / 301 ح 3807، حلية الأولياء ج 1 / 63، مناقب علي بن
أبي طالب لابن المغازلي ص 87 ح 129، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة
العلم على ص 22 و 23 ط مصر وص 45 و 53 و 55 ط الحيدرية، إسعاف الراغبين بهامش نور
الأبصار ص 140 ط العثمانية وص 154 ط السعيدية، ذخائر العقبى ص 77، الصواعق ص
73 ط الميمنية وص 120 ط المحمدية، ينابيع المودة ص 81 و 211 ط الحيدرية وص
71 و 183 ط اسلامبول، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر
ج 2 / 459 ح 983، فضائل الخمسة ج 2 / 248، كنوز الحقائق ص 46 ط بولاق وص
37 ط آخر، مصابيح السنة للبغوي ج 2 / 275، الرياض النضرة ج 2 / 255، الجامع
الصغير للسيوطي ج 1 / 93 ط الميمنية و ج 1 / 364 ح 2704 ط مصطفى محمد، منتخب
كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30، الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 272، أسنى
المطالب للجزري ص 70، تذكرة الخواص ص 48، دلائل الصدق ج 2 / 333.
(913) أخرجه الحاكم في ص 122 من الجزء الثالث من المستدرك من حديث أنس
ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (منه قدس).
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 488 ح
1007 و 1008 و 1009، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 86، المناقب للخوارزمي ص
236، كنوز الحقائق للمناوي ص 203 ط بولاق وص 170 ط آخر، ينابيع المودة ص
182 ط اسلامبول، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 33، إحقاق الحق
ج 6 / 53، ميزان الاعتدال ج 1 / 472، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 146 تحت
رقم (561) وفيه أيضا حديث قريب من هذا راجعه تحت رقم (554).
573

وقال: صلى الله عليه وآله " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ومن
أطاع عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد عصاني " (914).
إلى مالا تحصيه هذه العجالة من أمثال هذه السنن، وكلها تتساير في طريق
واحد، وتتوارد في سبيل فاصد، تواترت في معناه وإن اختلف لفظها، تعطي
عليا من منازل رسول الله صلى الله عليه وآله ما لا يجوز إعطاؤه من نبي إلا لولي عهده،
وخليفته من بعدها، هذا هو المتبادر منها إلى الأذهان، بحكم العرف واللغة من
أهل اللسان (915).
على أن في صحاح السنن لنصوصا أخر، بوأت عليا والأئمة من أوصيائه
مبوأ الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وفرضت على الأمة في كل خلف منها طاعتهم
إذ ربط صلى الله عليه وآله أمته فيها بحبليه، وعصمها إلى يوم القيامة بثقليه، علماؤها وجهلاؤها
أحرارها ومماليكها، ملوكها وسوقتها، لم يستثن من الأمة صديقا، ولا فاروقا،
ولا ذا نور، أو نورين، أو أكثر، ولا، ولا، (كتاب الله تعالى والأئمة من عترته)،
سواء في ذلك رجال الأمة ونساؤها، وأنذر الجميع من أمته بالضلال عن الحق
إن لم يأخذوا بهديها وأخبرهم أنهما لن يفترقا، ولن تخلو الأرض منهما،

(914) أخرجه الحاكم في ص 121 من الجزء الثالث من المستدرك، والذهبي في
تلك الصفحة من تلخيصه وصرح كل منهما بصحته على شرط الشيخين (منه قدس).
عن أبي ذر الغفاري:
يوجد في: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 268
ح 788 و 786 و 787، الرياض النضرة ج 2 / 220، ينابيع المودة ص 205 و 257،
ذخائر العقبى ص 66، نزل الأبرار ص 56، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 150
تحت رقم (568 و 747).
(915) راجع جملة من هذه الأحاديث في: سبيل النجاة في تتمة المراجعات ط
بيروت.
574

حتى يردا علي الحوض، وبهذا قد انحسر لثام الشك، وأسفر وجه اليقين،
والحمد لله رب العالمين.
على أنه صلى الله عليه وآله لم يكتف بمجرد سنن الثقلين حتى مثلهم في هذه الأمة تارة
بسفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وأخرى بباب
حطة في بني إسرائيل، من دخله غفر له، وجعلهم أمان أهل الأرض من الاختلاف
فإذا خالفتهم قبيلة اختلفت فصارت حزب إبليس (916).
وهذا غاية ما في وسعه صلى الله عليه وآله من إلزام أمته باتباعهم واقتفاء أثرهم. لم يبق
لأحد من جميع الناس مندوحة عن ذلك، لا مالكا ولا مملوكا ولا، ولا، ولا.
وأنى تكون لأحد مندوحة بعد أن كانوا كسفينة نوح لا يسلم إلا راكبها
وكباب حطة لا يغفر إلا لمن دخله، وكانوا عدل القرآن في الميزان، لا يجد
المسلم عنهم حولا ولا يرتضي بهم بدلا.
ولعل قائلا يقول: كيف يجوز على أصحاب رسول الله " لو نص صلى الله
عليه وآله وسلم على أمر " أن يخالفوا نصه؟.
ولم ترك علي حقه المعهود به إليه، فلم يدافعهم عنه ولم ينازعهم فيه،
وقعد في بيته مدة خلافة الخلفاء الثلاثة وبذل لهم من النصح جهده؟. وما تقول
الشيعة في قوله صلى الله عليه وآله: لا تجتمع أمتي على ضلال، ولا على
خطأ؟.
وهلا احتج علي وأولياؤه من الهاشميين وغيرهم يوم السقيفة على بيعتها؟
وهلا كان النص بالخلافة على علي من الله تعالى بآية من القرآن صريحة
جليلة في ذلك صراحة آيات التوحيد، والعدل والنبوة، والبعث، في مضامينها؟
فالجواب: أما عن مخالفتهم للنصوص، فتعرفه من موضوع كتابنا هذا؟

(916) تقدمت هذه الأحاديث مع مصادرها تحت رقم (15 و 16 و 17 و 18).
575

وفيه من موارد مخالفاتهم ما يتجلى به الحق بأجلى مظاهره.
وقد أفادتنا سيرة الحول القلب من الساسة وأهل الطموح وأوليائهم من
أصحاب رسول الله، أنهم إنما كانوا يتعبدون بالنصوص النبوية إذا كانت متمحضة
للدين كالصلاة وكونها إلى القبلة، والصوم وكونه في شهر رمضان وأمثال ذلك
دون ما كان متعلقا بالسياسات، كالولايات والتأميرات، وتدبير شؤون الدولة
والمملكة ونحو ذلك، فإنهم لم يكونوا يرون التعبد به واجبا، بل جعلوا لآرائهم
فيه مسرحا للبحث، كما بيناه على سبيل التفصيل في كتابينا - المراجعات
والفصول المهمة - (1).
وأما ترك علي حقه، وعدم نزاعه، وقعوده في بيته، ونصحه للخلفاء قبله
ورأي الشيعة في الإجماع. فقد استوفينا الكلام في كل منها بما لا مزيد عليه.
في كتاب " المراجعات " (2).
وأما الاحتجاج على البيعة يوم السقيفة وعدمه فقد استوفينا الكلام فيه في
المراجعة 102 من كتاب " المراجعات " فليراجع ثمة فإن فيه الشفاء من كل
داء.
وأما عدم النص على الإمامة بآية من الكتاب الحكيم صريحة فيه، صراحة
آيات كل من التوحيد، والعدل، والنبوة، والبعث بعد الموت. فنحيل السائل

(1) راجع المراجعة 84 ص 262 - 265 من كتاب المراجعات الطبعة الثالثة.
والفصل الثامن من الفصول المهمة ص 81 - 85 تحت عنوان تنبيه، الطبعة الثانية
(منه قدس).
(2) تجد ذلك كله في المراجعة 82 والمراجعة 84 مفصلا كل التفصيل، فلا يفوتن
باحثا على الحق فإنه ضالته، وبه يشرح الله صدره (منه قدس).
576

في الجواب على ما فصلناه في كلمتنا " فلسفة الميثاق والولاية " (1) إذ صرح
الحق ثمة عن محضه، وبين الصبح ولله الحمد لذي عينين. ولنرجع إلى ما كنا
فيه فنقول: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله بعد نصه في الدار يوم الإنذار (917) ويؤهل
عليا لمقامه في الأمة بعده، يدلل على ذلك بطرق له مختلفة في وضوح الدلالة
قوة وضعفا، حتى مرض مرض الموت، وسجي على فراشه في حجرته الشريفة
والحجرة غاصة بأصحابه فقال: " أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق
بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إني مخلف، فيكم كتاب الله
عز وجل وعترتي أهل بيتي " ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: " هذا علي مع القرآن
والقرآن مع علي لا يتفرقان حتى يردا علي الحوض.. " (الحديث) (918).
وحسبك في أمر الولاية " وحرصه صلى الله عليه وآله على تبليغها " أنه لما نعيت إليه نفسه
ودنا منه أجله، أذن في الناس بالحج (وما ينطق عن الهوى) فكانت حجة الوداع
أواخر حياته صلى الله عليه وآله، وقد خرج فيها من المدينة بتسعين ألفا وقيل أكثر - كما
في السيرة الحلبية والدحلانية وغيرهما - (919) غير الذين وافوه في الطريق
وفي عرفة، فلما كان يوم الموقف أهاب بالحجاج يوصيهم بوصاياه ووصايا

(1) فليراجع منها ما هو في ص 17 إلى منتهى الرسالة، ليرى الحق وقد خرج
من ظلمات الغموض، وانزاح عنه حجاب الشبهات، فخلص إلى نور اليقين والحمد لله
رب العالمين (منه قدس).
(917) تقدم الحديث مع مصادره تحت رقم (10) فراجعه.
(918) راجعه في ص 75 أواخر الفصل 2 من الباب 9 من الصواعق المحرقة لابن
حجر بعد الأربعين حديثا من الأحاديث المذكورة في ذلك الفصل (منه قدس).
تقدم الحديث مع مصادره تحت رقم (11 و 119 و 197).
(919) السيرة الحلبية ج 3 / 257، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج
3 / 331 ط البهية بمصر.
577

الأنبياء من قبله مبشرا ونذيرا، فكان مما قاله لهم يومئذ: " أيها الناس إني يوشك
أن أدعى فأجيب، وأني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي
أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني
فيهما " (920).
وكم له من موقف قبل هذا وبعده - كما سمعت - ربط فيه الأمة بحبليه
وعصمها في كل خلف منها بثقليه (كتاب الله والأئمة من عترته) يبشرها بالبقاء
على الهدى أن أخذت بهديهما وينذرها الضلال أن لم تتمسك بهما ويخبرها أنهما
لن يفترقا ولن تخلو الأرض منهما.
لكن مواقفه تلك في هذا المعنى لم تكن عامة، أما موقفه هذا يوم عرفات
والذي بعده يوم الغدير فقد كانا على رؤوس الأشهاد (1) من الأمة عامة (921).

(920) تقدم حديث الثقلين تحت رقم (11 و 15).
(1) قال ابن حجر إذ أورد حديث الثقلين في صواعقه: ثم اعلم أن لحديث
التمسك بهما طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا (قال): ومر له طرق مبسوطة
في حادي عشر الشبه. وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة. وفي
أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه. وفي أخرى أنه قال
ذلك بغدير خم. وفي أخرى أنه قال ذلك لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف. (قال):
ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن كلها وغيرها اهتماما بشأن
الكتاب العزيز والعترة الطاهرة.. إلى آخر كلامه فراجعه في ص 89 في تفسير الآية
الرابعة (وقفوهم إنهم مسؤلون) من الآيات التي ذكرناها في الفصل الأول من الباب 11
من الصواعق.
قلت: يعترف الرجل بأن النبي صدع بحديث الثقلين في هذه المواقف كلها وفي
غيرها، ثم يقول: إن طرقه وردت عن نيف وعشرين صحابيا، مع أنه لو لم يصدع
صلى الله عليه وآله إلا في أحد موقفيه أما عرفة أو الغدير لوجب أن يكون متواترا، لأن الذين حملوه عن
رسول الله في كل من اليومين كانوا تسعون ألفا على أقل الروايات (منه قدس).
(921) حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة والذي رواه أكثر من خمس وثلاثين
صحابيا وأكثر من مائتي عالم من علماء أهل السنة راجع:
كتاب عبقات الأنوار (قسم حديث الثقلين ج 1 و ج 2) ط قم. وقد ذكر تواتر
الحديث ج 1 / 11. وراجع أيضا: سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (28
و 29 و 30 و 31 و 32 - 37) ط بيروت.
578

ولم يفض صلى الله عليه وآله يومئذ من عرفة، حتى انبر راحلته
يهيب بأهل الموقف رافعا صوته وهم به محدقون يشخصون إليه أبصارهم
وأسماعهم وأفئدتهم، فإذا هو يقول لهم: " علي مني وأنا من علي ولا يؤدي
عني إلا أنا أو علي " (922).

(922) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في ص 164 من الجزء الرابع من مسنده من
حديث حبشي بن جنادة بطرق متعددة كلها صحيحة، وحسبك أنه رواه عن يحيى بن آدم
عن إسرائيل بن يونس عن جده إسحاق السبيعي عن حبشي، وكل هؤلاء حجج عند
الشيخين وقد احتجا بهم في الصحيحين، ومن راجع هذا الحديث في مسند أحمد علم
أن صدوره إنما كان في حجة الوداع. وقد أخرجه أيضا ابن ماجة في باب فضائل الصحابة
ص 92 من الجزء الأول من سننه، والترمذي والنسائي في صحيحهما وهو الحديث 2531
في ص 153 من الجزء السادس من كنز العمال (منه قدس).
صحيح الترمذي ج 5 / 300 ح 3803، سنن ابن ماجة ج 1 / 44 ح 119 ط دار
الكتب، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 20 ط التقدم وص 33 ط بيروت وص 90 ط
الحيدرية، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 378 ح
875 - 880، المناقب للخوارزمي ص 79، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي
ص 221 ح 267 و 272 و 273، ينابيع المودة للقندوزي ص 55 و 180 و 181 و 371
ط اسلامبول وص 60 و 61 و 212 و 219 و 246 ط الحيدرية، الصواعق المحرقة لابن
حجر ص 120 ط المحمدية وص 73 ط الميمنية، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص
140 ط العثمانية وص 154 ط السعيدية، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 36،
نور الأبصار للشبلنجي ص 72، مصابيح السنة للبغوي ج 2 / 275، جامع الأصول ج 9
/ 471 ح 6481، الجامع الصغير للسيوطي ج 2 / 56 ط الميمنية، الرياض النضرة ج
2 / 229 ط 2، مطالب السئول ص 18 ط طهران و ج 1 / 50 ط النجف، المشكاة للعمري
ج 3 / 243، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30، فرائد السمطين ج 1 / 58
و 59، نزل الأبرار ص 38.
وراجع بقية المصادر في سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (468).
579

يا له من عهد خفيف على اللسان، ثقيل في الميزان، جعل لعلي من صلاحية
الأداء عن رسول الله صلى الله عليه وآله عين الصلاحية الثابتة للنبي في
الأداء عن نفسه، وهذه رخصة له بتشريع ما استودعه إياه من أحكام شرعية لا
تكون محل ابتلاء الناس إلا بعدة صلى الله عليه وآله (1) أشركه بها في
أمره، وائتمنه على ما أوحي إليه من ربه، كما كان هارون من موسى إلا أن
عليا ليس بنبي وإنما هو وزير ووصي، يطبع على غراره، ويتعبد بآثاره،
ويؤدي عنه ما لا يؤديه عنه سواه مما استودعه إياه.
بهذا الشكل الحكيم بلغ النبي صلى الله عليه وآله أمر الولاية، وبهذه الطرق السائغة
بثها في أمته. تدرج فيها بأحاديثه المختلفة، وأساليبه المتنوعة على حسب مقتضيات
الأحوال في مقامات مختلفة ودواعي شتى.
لم يسد على المعارضين طرق التمويه، تمويه النصوص تضليلا عنها باسم
التأويل، حذرا من أن يحرجهم بذلك فيخرجهم على الله تعالى ورسوله، لذلك
جرى معهم على سنن الحكماء في استدراج المناوئ لهم، وتبليغه الأمر الذي
يأباه بلباقة في حكمة كانت من معجزاته صلى الله عليه وآله.

(1) هذه هو المراد بالأداء عن رسول الله صلى الله عليه وآله الثابت لعلي، المنفي عمن سواه
وإلا فالفقهاء يؤدون عن رسول الله فروع الدين والأصوليون يؤدون عنه أصوله:
والمحدثون يؤدون سننه، وحملة الآثار يؤدون آثاره، لا حرج على أحد في ذلك إلا أن
يكون مشرعا عن الله أو عن رسوله، ومن كذب على أحدهما فليتبوأ مقعده من النار
(منه قدس).
580

بهذا خفض من غلوائهم، وخدر من أعصابهم، فتدرجوا معه بالقبول
في الظاهر من أحوالهم شيئا فشيئا والقلوب منهم منطوية على الخلاف والمناوأة
وهذا ما أوجب شدة الاشفاق من رسول الله صلى الله عليه وآله على الدين والأمة، حتى قفل
صلى الله عليه وآله من حجة الوداع بمن معه من الحجاج، وهو يوجس
في نفسه خيفة عظيمة ضارعا إلى الله تعالى في أن يرحمه وأمته بالعصمة من
الناس، فما بلغ غدير خم حتى أوحى الله تعالى إليه: (يا أيها الرسول بلغ
ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس
إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (923).

(923) لا كلام عندنا في نزولها بولاية على يوم غدير خم وأخبارنا في ذلك متواترة
عن أئمة العترة الطاهرة، وحسبك مما جاء في ذلك طريق غيرهم ما أخرجه الإمام الواحدي
في تفسير الآية من سورة المائدة ص 50 من كتابه أسباب النزول من طريقين معتبرين عن
عطية عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من
ربك) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب قلت: وهذا هو الذي أخرجه الحافظ أبو
نعيم في تفسيرها من كتابه (نزول القرآن) بسندين أحدهما عن أبي سعيد، والآخر عن أبي
رافع، ورواه الإمام إبراهيم بن محمد الحمويني في كتابه (الفرائد) بطرق متعددة عن
أبي هريرة، وأخرجه الإمام أبو إسحاق الثعلبي في معنى الآية من تفسيره الكبير بسندين
معتبرين، وأخرج العياشي في تفسيره - كما في مجمع البيان - بإسناده عن ابن أبي
عمير عن ابن أذينة عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله
محمد صلى الله عليه وآله أن ينصب عليا للناس فيخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله أن يقولوا حابى
ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه هذه الآية، فقام صلى الله عليه وآله بولايته يوم
غدير خم (قال) في مجمع البيان: وهذا الخبر بعينه قد حدثناه السيد أبو الحمد عن
الحاكم أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل لقواعد
التفصيل والتأويل (قال) في المجمع: وفيه بالإسناد المرفوع إلى حيان (حبان) ابن علي
الغنوي (الغنزي) عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في علي فأخذ رسول
الله بيده فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.. " إلى
آخر ما في تفسير الآية من مجمع البيان من السنن في هذا المعنى فليراجع.
ومما يشهد له أن الصلاة قبل نزولها، والزكاة تجبى، وصوم رمضان يؤدى،
والبيت كان محجوجا، والحلال بينا، والحرام بينا، والحدود مقامة والشريعة متسقة،
والأحكام مستتبة، فأي شئ غير ولاية العهد يستوجب من الله هذا التأكيد ويقتضي الحض
على بلاغة بهذا التهديد الشديد، وأي أمر غير الخلافة يخشى النبي الفتنة بتبليغه ويحتاج
إلى العصمة من أذى الناس بأدائه، ويهدد المعارضين بقوله: (إن الله لا يهدي القوم الكافرين)
(منه قدس).
هذه الآية في سورة المائدة آية 67، وقد نزلت يوم (18) من ذي الحجة سنة 10 ه‍ في غدير خم حينما أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله أن ينصب عليا (ع) علما للناس وخليفة
من بعده وذلك يوم الخميس فقد نزل عليه جبرئيل بعد مضي خمس ساعات من النهار
فقال: " يا محمد إن الله يقرؤك السلام ويقول لك: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك...
الخ " وقد روى نزول هذه الآية في هذا اليوم وفي هذه المهمة عشرات من العلماء في
كتبهم كما روى نزولها عشرات من الصحابة الذين حضروا الحادثة وغيرهم منهم:
1 - عبد الله بن عباس:
شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 / 189 ح 245 و 249 و 250 ط 1 بيروت،
تفسير الثعلبي مخطوط، أسباب النزول للواحدي ص 115 ط الحلبي بمصر، أمالي المحاملي
كما في الغدير ج 1 / 51، ما نزل من القرآن في علي لأبي بكر الفارسي الشيرازي
المتوفى 407 أو 411 ه‍ كما في الغدير ج 1 / 216، كتاب الولاية لأبي سعيد السجستاني،
المتوفى 477 ه‍ كما في الطرائف لابن طاوس ج 1 / 121، تفسير الرازي ج 3 / 636 ط 1
مفتاح النجا للبدخشاني، كشف الغمة ج 1 / 311، الأربعين لجمال الدين الشيرازي
المتوفى 1000 ه‍ كما في الغدير ج 1 / 222، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 120
ط اسلامبول، دلائل الصدق ج 2 / 51.
2 - عبد الله بن أبي أوفى:
شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 / 190 ح 247.
3 - جابر بن عبد الله الأنصاري:
شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 192 ح 249.
4 - البراء بن عازب:
مودة القربى للسيد علي الهمداني المتوفى 786 ه‍، تفسير النيسابوري ج 6 / 170
كما في الغدير ج 1 / 221، تفسير عبد الوهاب البخاري عند تفسير آية المودة كما في
الغدير ج 1 / 221، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 249، دلائل الصدق ج 2 / 51.
5 - أبو هريرة:
شواهد التنزيل ج 1 / 187 ح 143، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 158 ح 120
ط 1 بيروت، ينابيع المودة ص 120.
6 - أبو سعيد الخدري:
شواهد التنزيل ج 1 / 188 ح 244، أسباب النزول للواحدي ص 115 ط الحلبي
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 86 ح 586، الدر
المنثور للسيوطي ج 2 / 298، فتح القدير للشوكاني ج 2 / 57، مطالب السئول ص 16
ط طهران و ج 1 / 44 ط النجف، الفصول المهمة لابن الصباغ ص 131، تفسير النيسابوري
ج 6 / 170 كما في الغدير ج 1 / 221، تفسير شاهي، روح المعاني للآلوسي ج 2 / 348
ينابيع المودة ص 120، دلائل الصدق ج 2 / 51.
7 - زيد بن أرقم:
كتاب الولاية في طرق حديث الغدير للطبري صاحب التاريخ المتوفى 310 ه‍
كما في الغدير ج 1 / 214.
8 - ابن مسعود:
الدر المنثور للسيوطي ج 2 / 298، كشف الغمة ج 1 / 319، مفتاح النجا للبدخشاني
مخطوط، روح المعاني للآلوسي ج 2 / 348، دلائل الصدق ج 2 / 51.
9 - الإمام محمد الباقر عليه السلام:
الكشف والبيان للثعلبي كما في الغدير ج 1 / 217، الخصائص العلوية لأبي فتح
النطنزي كما في الغدير ج 1 / 219، تفسير الرازي ج 3 / 636 ط 1، عمدة القاري في
شرح صحيح البخاري للعيني الحنفي المولود 762 والمتوفى 855 ه‍ ج 8 / 584، ينابيع
المودة للقندوزي ص 120، دلائل الصدق ج 2 / 51.
11 - عطية العوفي:
ما نزل من القرآن في علي لأبي نعيم الإصبهاني المتوفى 430 ه‍ كما في الغدير ج
1 / 218، الخصائص العلوية لأبي فتح النطنزي، دلائل الصدق ج 2 / 51.
راجع بقية المصادر للآية: في سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (626)
إحقاق الحق ج 6 / 347.
وأما من كتب الشيعة فراجع بحار الأنوار ج 37 ط طهران الجديد.
581

حسب الأمة - أمة الذكر الحكيم والفرقان العظيم - أن يتدبروا هذه الآية
وما فيها من الوعيد الشديد بقوله تعالى: (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) ولو
تدبروها لعلموا أن منزلة الولاية في دينهم الاسلامي الحنيف دون منزلة النبوة
بمرقاة، وأنها من فصيلتها ولا سيما بعد قوله عز وجل في ختامها: (إن الله لا
يهدي القوم الكافرين).
ألا ترون أن التهديد على تركها جرى في الذكر الحكيم مجرى التهديد
على ترك التوحيد (ولقد أوحينا إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت
ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) (924).
ولو أمعنت الأمة " أمة القرآن ومحمد " وتدبرت آية التبليغ، لعلمت أن
لوازم الوعيد فيها إنما هو متوجه إلى أولئك المعارضين لتبليغ الولاية، لا إلى
رسول الله، وحاشا لله أن يتوجه التهديد إليه نفسه، إنما هو على حد المثل العامي
" إياك أعني واسمعي يا جارة " وكذلك قوله تعالى (لئن أشركت ليحبطن
عملك) وإنما هو تهديد لمن يشرك بالله عز وجل، لا لسيد أنبيائه، وهذا أمر

(924) سورة الزمر: 65.
584

مفروغ عنه.
وبنزول الآية نزل صلى الله عليه وآله واستنزل من معه عن رواحلهم، فأرسل من
استرجع المتقدمين من الحجاج، وانتظر المتأخرين، حتى اجتمع الناس كلهم
في صعيد واحد، فصلى بهم فريضة الوقت، وعمل له منبر عال من حدائج
الإبل بين دوحتين من سمر ظللوا عليه من الشمس بينهما، فرقي ذروة المنبر
وأجلس عليا دونه بمرقاة، ووقف للخطابة عن الله عز وجل في تلك الجماهير
فابتدأ ببسم الله والحمد لله، والثناء على الله، والشكر لآلائه، فقال في ذلك
ما شاء أن يقول، ثم أهاب بالناس يسمعهم صوته، فقصروا عليه أسماعهم
وأفئدتهم صاغين، وإليكم نص بعض المأثور من خطابه يومئذ بعين لفظه:
" أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب (1) وإني مسؤول وإنكم مسؤولون (2) فماذا
أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت، فجزاك الله خيرا
فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته

(1) إنما نعى إليهم نفسه الزكية تنبيها إلى أن الوقت قد استوجب تبليغ عهده،
والأذان بتعيين الخليفة من بعده، وأنه لا يسعه تأخير ذلك مخافة أن يدعى فيجيب قبل
أحكام هذه المهمة التي لا مندوحة له عن أحكامها، ولا غنى لأمته عن إتمامها (منه قدس).
(2) لما كان عهده صلى الله عليه وآله إلى أخيه ثقيلا على أهل التنافس والحسد والشحناء
والنفاق، أراد صلى الله عليه وآله قبل أن ينادي به أن يتقدم بالاعتذار إليهم تأليفا لقلوبهم. فقال:
وإني مسؤول وإنكم مسؤولون، ليعلموا أنه مأمور به، ومسؤول عن بلاغة، وأنهم مأمورون
بالطاعة فيه ومسؤولون عنها، فلا سبيل إلى ترك البلاغ، كما لا مندوحة لهم عن البخوع
لأمر الله ورسوله.
وقد أخرج الديلمي وغيره - كما في الصواعق المحرقة وغيرها - عن أبي سعيد
أن النبي صلى الله عليه وآله قال: وقفوهم إنهم مسؤلون عن ولاية علي. (قال): الإمام الواحدي:
أنهم مسؤولون عن ولاية علي وأهل البيت (منه قدس).
585

حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن
الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟. قالوا: بلى نشهد
بذلك (1). قال: اللهم اشهد ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى
المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم (2) فمن كنت مولاه، فهذا علي مولاه،
اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم
واردون على الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء فيه عدد
النجوم قدحان من فضة، وأني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين كيف
تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله تعالى وطرفه
بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني
اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض ا ه‍.. (الحديث) (925).

(1) تدبر هذه الخطبة. فمن تدبرها وأعطى التأمل فيها حقه. علم أنها ترمى إلى
أن ولاية علي من أصول الدين كما عليه الإمامية، حيث سألهم أولا فقال: أليس تشهدون
أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله إلى أن قال: وأن الساعة آتية لا ريب فيها،
وأن الله يبعث من في القبور، ثم عقب ذلك بذكر الولاية ليعلم أنها على حد تلك الأمور
التي سألهم عنها فأقروا بها. وهذا ظاهر لكل من عرف أساليب الكلام ومغازيه من
أولي الأفهام (منه قدس).
(2) قوله: وأنا أولى قرينة لفظية على أن المراد من المولى إنما هو الأولى،
فيكون المعنى أن الله أولى بي من نفسي وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ومن كنت
أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه (منه قدس).
(925) هذا لفظ الحديث عن الطبراني وابن جرير والحكيم والترمذي عن زيد بن
أرقم. وقد نقله عن زيد غير واحد من أعلام الجمهور كابن حجر الهيثمي باللفظ الذي
أوردناه وأرسل صحته إرسال المسلمات فراجع من صواعقه ص 25 أثناء الشبهة 11 من
الشبه التي أوردها في الفصل الخامس من الباب الأول من الصواعق (منه قدس).
ذكر هذه الخطبة جماعة غير ابن حجر منهم:
الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 / 164، ابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن
أبي طالب من تاريخ دمشق ج 2 / 45 ح 545، المتقي الهندي في كنز العمال ج 1 /
168 ح 959 ط 2، الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 289 طبع مصر ويد الطبع
الأثيمة قد حذفت منه الحديث ولم تبق إلا الإشارة إليه وقد نقل عنه الحديث تاما البدخشاني
في كتابه نزل الأبرار ص 50 فراجع، القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص 37 ط
اسلامبول وص 41 ط الحيدرية، العلامة الأميني في الغدير ج 1 / 26 - 27، السيد حامد
الموسوي في عبقات الأنوار ج 1 / 156 (قسم حديث الثقلين) ط قم، سبيل النجاة في
تتمة المراجعات تحت رقم (615).
586

لا كلام في صحة هذا الحديث بلفظه، ولا ريب في تواتره من حيث المعنى
بألفاظ متقاربة (926) غير أن شيخ الإسلام شيخنا البشري رحمه الله تعالى

(926) وقد أثبتنا ذلك في المراجعة 56 من المراجعات بالحجة البالغة والحمد لله
فلتراجع بإمعان (منه قدس).
قد اعترف بتواتر هذا الحديث جملة من أعلام أهل السنة منهم:
1 - شمس الدين الجزري الشافعي في كتابه أسنى المطالب في مناقب سيدنا
علي بن أبي طالب ص 48 قال وهو متواتر أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله.
2 - جلال الدين السيوطي في الفوائد المتكاثرة.
3 - الملا علي القاري في المرقاة شرح المشكاة.
4 - جمال الدين عطاء الله الشيرازي في كتابه الأربعين.
5 - المناوي الشافعي في كتابه التيسير.
6 - محمد بن إسماعيل اليماني الصنعاني في: الروضة الندية.
7 - محمد صدر عالم. معارج العلى.
8 - الشيخ عبد الله الشافعي في كتابه الأربعين.
9 - الشيخ ضياء الدين المقبلي في الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة.
10 - ابن كثير الدمشقي في ترجمة ابن جرير الطبري.
11 - ميرزا مخدوم بن مير عبدا لباقي في كتابه نواقض الروافض.
راجع بقيتهم:
إحقاق الحق ج 2 / 423، الغدير ج 1، عبقات الأنوار.
587

قال فيما راجعنا به مما يتعلق بهذا الحديث: إن حمل الصحابة على الصحة
يستوجب تأويل هذا الحديث - حديث الغدير - متواترا كان أو غير متواتر،
ولذا قال أهل السنة لفظ المولى يستعمل في معاني متعددة، ورد بها في القرآن
العظيم، فتارة يكون بمعنى الأولى، كقوله تعالى مخاطبا للكفار (مأواكم
النار هي مولاكم) أي أولى بكم، وتارة بمعنى الناصر كقوله عز اسمه:
(ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) وبمعنى
الوارث كقوله سبحانه: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون)
أي ورثة، وبمعنى العصبة نحو قوله عز وجل: (وإني خفت الموالي من
ورائي) وبمعنى الصديق: (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا) وكذلك لفظ
الولي يجئ بمعنى الأولى بالتصرف، كقولنا: فلان ولي القاصر، وبمعنى
الناصر والمحبوب. قالوا: فلعل معنى الحديث، من كنت ناصره، أو صديقه،
أو حبيبه، فإن عليا كذلك وهذا المعنى يوافق كرامة السلف الصالح، وإمامة
الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم أجمعين.
فقلت له في الجواب: أنا أعلم بأن قلوبكم لا تطمئن بما نقلتموه ونفوسكم
لا تركن إليه، وإنكم تقدرون رسول الله صلى الله عليه وآله في حكمته البالغة، وعصمته
الواجبة، ونبوته الخاتمة، وأنه سيد الحكماء، وخاتم الأنبياء (وما ينطق عن
الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) فلو سألكم فلاسفة الأغيار
عما كان منه يوم غدير خم، فقال: لماذا منع تلك الألوف المؤلفة يومئذ عن
المسير؟ وعلى م حبسهم في تلك الرمضاء بهجير؟ وفيم اهتم بإرجاع من تقدم
منهم وإلحاق من تأخر؟ ولم أنزلهم جميعا في ذلك العراء على غير كلاء ولا
588

ماء؟ ثم خطبهم عن الله عز وجل في ذلك المكان الذي منه يتفرقون، ليبلغ
الشاهد منهم الغائب، وما المقتضي لنعي نفسه إليهم في مستهل خطابه؟ إذ قال:
يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني مسؤول، وإنكم مسؤولون، وأي
أمر يسأل النبي صلى الله عليه وآله عن تبليغه؟ وتسأل الأمة عن طاعتها فيه؟ ولماذا سألهم
فقال؟ ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وإن محمدا عبده ورسوله، وإن جنته حق
وأن ناره حق، وإن الموت حق، وإن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية
لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. ولماذا
أخذ حينئذ على سبيل الفور بيد علي فرفعها إليه حتى بان بياض إبطيهما؟ فقال
" يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين "، ولماذا فسر كلمته - وأنا
مولى المؤمنين - بقوله وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ ولماذا قال بعد هذا التفسير
" فمن كنت مولاه، فهذا مولاه، أو من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله؟ " ولم خصه بهذه
الدعوات التي لا يليق لها إلا أئمة الحق، وخلفاء الصدق؟ ولماذا أشهدهم من
قبل فقال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: بلى. فقال: من كنت مولاه،
فعلي مولاه، أو من كنت وليه، فعلي وليه، ولماذا قرن العترة بالكتاب، وجعلها
قدوة لأولي الألباب إلى يوم الحساب؟ وبم كانت لديه عدل القرآن؟ ولم أخبر
أنهما لا يفترقان؟ وفيم بشر بهدي من تمسك بهما، وأنذر بضلال من تخلف
عنهما؟ وعلى م هذا الاهتمام العظيم من النبي الحكيم (1)؟ وما المهمة التي

(1) سبحان الله وبحمده، ما أعجب نتيجة هذا الاهتمام العظيم، بينا يبوئ النبي
عليا والأئمة من عترته منزلة القرآن، ويجعلهم عدله في الميزان فيحق لهم الأمر والنهي
والقول الفصل، والحكم العدل، وتكون الناس تبعا لهم؟ فإذا هم من سوقة تيم وعدي
وآل أبي العاص وأضرابهم، وليس لهم من أمر الأمة شئ!! لا يعرج عليهم في فروع
من الدين، ولا في أصول منه، ولا في آية أو في رواية!! والمرجع في كل ذلك سواهم
وليتهم مع ذلك لم يكونوا بين ضحايا وسبايا، ولم يوقفوهم على درج الجامع في
دمشق والمسلمون بمنظر وبمسمع لا منكر منهم ولا متفجع (منه قدس).
589

احتاجت إلى هذه المقدمات كلها؟ وما الغاية التي توخاها في هذا الموقف
المشهود؟ وما الشئ الذي أمره الله تعالى بتبليغه إذ قال عز من قائل: (يا أيها
الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك
من الناس) وأي مهمة استوجبت من الله هذا التأكيد، واقتضت الحض على
تبليغها بما يشبه التهديد؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه؟ ويحتاج إلى عصمة
الله من أذى المنافقين ببيانه؟
أكنتم - بجدك لو سألكم عن هذا كله - تجيبونه بأن الله عز وجل ورسوله
صلى الله عليه وآله إنما أرادا بيان نصرة علي للمسلمين، وصداقته لهم
ليس إلا؟ ما أراكم ترتضون هذا الجواب، ولا أتوهم أنكم ترون مضمونه
جائزا على رب الأرباب، ولا على سيد الحكماء، وخاتم الرسل والأنبياء،
وأنتم أجل من أن تجوزوا عليه أن يصرف هممه كلها، وعزائمه بأسرها،
إلى تبيين شئ بين لا يحتاج إلى بيان، وتوضيح أمر واضح بحكم الوجدان
والعيان، ولا شك أنكم تنزهون أفعاله وأقواله عن أن تزدري بها العقلاء، أو
ينتقدها الفلاسفة والحكماء، بل لا ريب في إنكم تعرفون مكانة قوله وفعله من
الحكمة والعصمة، وقد قال الله تعالى: (انه لقول رسول كريم ذي قوة عند
ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون) فيهتم بتوضيح
الواضحات، وتبيين ما هو بحكم البديهيات، ويقدم لتوضيح هذا الواضح
مقدمات أجنبية لا ربط له بها، ولا دخل لها فيه، تعالى الله عن ذلك ورسوله
علوا كبيرا، وأنت - نصر الله بك الحق - تعلم أن الذي يناسب مقامه واهتمامه
590

في ذلك الهجير، ويليق بأقواله وأفعاله يوم الغدير، إنما هو تبليغ عهده،
وتعيين القائم مقامه من بعده، والقرائن القطعية، والأدلة العقلية، توجبان القطع
الثابت الجازم بأنه صلى الله عليه وآله ما أراد يومئذ إلا تعيين علي واليا لعهده
وقائما مقامه من بعده. فالحديث مع ما قد حف به من القرائن، نص جلي،
في خلافة علي، لا يقبل التأويل، وليس إلى صرفه عن هذا المعنى من سبيل،
وهذا واضح والحمد لله (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
على أن هذا الحديث لم يسلم من الاختصار بحذف شئ من نصوصه
قطعا لأن القوة الفعالة والأكثرية الساحقة يومئذ إنما كانتا في جانب المعارضين
الحول القلب، ولهم كانت الغلبة وعاقبة السلطة، ومع ذلك فإن الشذرة الباقية
من شذور الحديث كافية وافية والحمد لله، والعجب كل العجب من بقائها،
وإنما بقيت (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) (ولله الحجة
البالغة على الناس).
أما نحن الإمامية فقد تواتر لدينا من طريق الإمام أبي عبد الله الصادق عن
آبائه الميامين عليهم السلام عن جدهم صلى الله عليه وآله أنه نص على علي يوم الغدير بالخلافة
عنه صلى الله عليه وآله نصا صريحا بكل جلاء، وأنه أمر أصحابه يومئذ بأن يسلموا عليه
بإمرة المؤمنين، وأن البعض منهم سلم ولم يقل شيئا. والبعض إنما سلم بعد
أن قال للنبي صلى الله عليه وآله: أعن الله ورسوله ذلك يا رسول الله؟. فقال صلى الله عليه وآله نعم إنما
هو عن الله ورسوله (927). فصرح الحق يومئذ عن محضه. وأسفر

(927) أخرجه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي، وناهيك به
حجة (منه قدس).
الكافي للكليني ج 2 /، بحار الأنوار ج 37 ط طهران، إثبات الهداة للحر
العاملي ج 1.
591

الصبح والحمد لله لذي عينين. كما قال أبو تمام الطائي رحمه الله من قصيدة
له عصماء هي في ديوانه:
ويوم الغدير استوضح الحق أهله *
بفيحاء ما فيها حجاب ولا ستر -
يمد بضبعيه ويعلم أنه *
ولي ومولاكم فهل لكم خبر -
يروح ويغدو بالبيان لمعشر *
يروح بهم غمر ويغدو بهم غمر (1) -
فكان له جهر بإثبات حقه *
وكان لهم في بزهم حقه جهر (2) -
أثم جعلتم حظه حد مرهف *
من البيض يوما حظ صاحبه القبر (928) -

(1) الغمر من الناس: جماعتهم ولفيفهم (منه قدس).
(2) الضمير في له، عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، أي كان له جهر بإثبات حق
علي في الخلافة عنه صلى الله عليه وآله، وكان لهم، أي لأهل المعارضة منهم، جهر في بزهم إياه
هذا الحق (منه قدس).
(928) الأبيات من قصيدة تحتوي على 73 بيتا موجودة في ديوانه ص 143،
الغدير ج 2 / 330 و 331 وفيه بعد البيت الأول:
أقام رسول الله يدعوهم بها * ليقربهم عرف وينآهم نكر -
الشاعر:
أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الأشجع بن يحيى بن مزينا
... الخ ينتهي نسبه إلى يعرب بن قحطان.
وهو أحد رؤساء الإمامية كما قال الجاحظ والأوحد من شيوخ الشيعة في الأدب
في العصور المتقادمة ومن أئمة اللغة وكان يحفظ أربعة آلاف ديوان غير ألف أرجوزة
وأصله من الشام وكان من الموالين لأهل البيت والمتفانين في حبهم وله ديوان الحماسة
الذائع الصيت، والاختيارات من شعر الشعراء وغيرهما، وقد ألف في أخباره وحياته
عدة من العلماء منهم: 1 - ابن أبي طاهر ت 280 ه‍، 2 - الصولي ت 236 ه‍، 3 - أبو
القاسم الآمدي ت 371 ه‍، 4 - أبنا هاشم الخالديان: أبو بكر وأبو عثمان، 5 - المرزباني
ت 444 ه‍، 6 - المرزوقي ت 421 ه‍، 7 - السيد الأمين العاملي وغيرهم راجع البقية
في الغدير ج 2 / 340.
وتوجد ترجمته في:
طبقات ابن المعتز ص 33، فهرست ابن النديم ص 235، تاريخ الطبري ج 11 / 9
فهرست النجاشي ص 102، تاريخ الخطيب ج 8 / 248، مروج الذهب ج 3 / 474،
الغدير ج 2 / 329 - 343 ولها مصادر أخرى.
اختلف في ولادته: 172، 188، 190، 192 ه‍. وكذلك اختلف في وفاته
فقيل: 228 ه‍ وقيل 231 وقيل 232.
592

وقال الكميت بن زيد رحمه الله تعالى:
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الخلافة لو أطيعا
ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطرا مبيعا
ولم أر مثل ذاك اليوم يوما * ولم أر مثله حقا أضيعا
فلم أبلغ بها لعنا ولكن * أقول أساء أولهم صنيعا (929)

(929) هذه الأبيات من قصيدة عصما من غرر قصائد الكميت والمعروفة
ب‍ (الهاشميات) والتي تقدر ب‍ (578) بيتا، الغدير ج 2 / 180.
الشاعر:
أبو المستهل الكميت بن زيد بن حنيس بن مخلد.. ينتهي نسبه إلى مضر بن نزار
وكان شاعرا عالما بلغات العرب، خبيرا بأيامها. وقال الفرزدق يخاطبه: " أنت والله أشعر
من مضى وأشعر من بقي " وكان من الموالين لأهل البيت والمتفانين في حبهم وكان من
المعادين لبني أمية وأشياعهم ومن قوله في تشيعه:
فما لي إلا آل أحمد شيعة * وما لي إلا مشعب الحق مشعب -
وقد حضى بدعاء الأئمة الهداة عليهم السلام فقد دعى له الإمام الباقر والصادق
عليهما السلام بل النبي صلى الله عليه وآله دعى له كما في بعض المنامات. وقد تحمل أصناف العذاب
والتشريد في حب آل الرسول صلى الله عليه وآله حتى استشهد بأيدي أعوان الظلمة سنة 126 ه‍ في
خلافة مروان بن محمد. وقد ولد سنة 60 ه‍ سنة استشهاد الإمام السبط الحسين بن علي
عليه السلام راجع: ترجمته المفصلة في الغدير ج 2 / 180 - 212.
593

وقال الله تعالى: (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء
الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) (930).
ما كان المعارضون ليحسبوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله
سيقف موقفه الذي وقفه يوم الغدير أبدا، فلما فاجأهم به وأدى فيه عن الله ما أدى، رأوا
أن معارضته في آخر أمره وقد بخعت العرب لطاعته، ودخل الناس في دين
الله أفواجا لا تجديهم نفعا، بل تسبب لهم الويلات، لأنها تستلزم إما سقوطهم
بالخصوص، أو سقوط الإسلام والعرب عامة، وحينئذ يفوتهم الغرض الذي
كانوا يأملون، والمنصب الذي كانوا له يعملون.
لهذا رأوا أن الصبر عن الوثبة أحجى، فأجمعوا على تأجيلها إلى بعد
النبي صلى الله عليه وآله، لئلا يكون الخروج عليه نفسه، وهكذا كان الأمر منهم بكل لباقة
ممكنة، وكل عناية بالشعائر الإسلامية واحتياط عليها، وجهاد في سبيلها أبلوا
فيه بلاءا حسنا، وقد أوحى الله عز وجل إلى نبيه بما كانوا يضمرون، وأطلعه
على ما سيكون، لكن الدين لا بد من اكماله، والنعمة لا محيص من
اتمامها، والرسالة لا مندوحة من تبليغها، (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى

(930) سورة التوبة: 48.
594

من حي عن بينة) (931) (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) (932).
نعم عهد لوصيه وخليفته من بعده، أن يتغمدهم حين يعارضونه بسعة
ذرعه، ويتلقاهم بطول أناته، وأمره أن يصبر على استئثارهم بحقه، وأن يتلقى
تلك المحنة بكظم الغيظ والاحتساب، احتياطا على الإسلام، وإيثارا للصالح
العام، وأمر الأمة بالصبر على تلك الملمة - كما فصلناه في كتاب المراجعات -.
وحسبك مما صح من أوامره بذلك قوله صلى الله عليه وآله في
حديث حذيفة (1) ابن اليمان: " يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا
يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس
قال حذيفة: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك. قال: تسمع وتطيع
للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع له وأطع " (933).
ومثله قوله صلى الله عليه وآله في حديث عبد الله بن مسعود (2):
" ستكون بعدي إثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك

(931) سورة الأنفال: 42.
(932) سورة المائدة: 99.
(1) فيما أخرجه مسلم ص 120 من ج 2 من صحيحه، ورواه سائر أصحاب السنن
(منه قدس).
(933) أن من عرف ما ألم بالمسلمين عند فقد النبي، يعلم أن ذلك الوقت لا يسع نزاعا
ولا يليق به إلا الصبر على الأذى لأن النزاع يؤدي إلى ذهاب ريح المسلمين (منه قدس).
صحيح مسلم ك الإمارة ج 2 / 35 ط عيسى الحلبي و ج 6 / 20 ط صبيح و ج 12 /
238 بشرح النووي.
(2) أخرجه مسلم في ص 18 من الجزء الثاني من صحيحه (منه قدس).
595

منا ذلك؟. قال صلى الله عليه وآله: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم " (934)
وكان أبو ذر يقول (1): " إن خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله
أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف " (935).
وقال سلمة الجعفي فيما أخرجه عنه مسلم ص 119 من الجزء 2 من صحيحه
يا نبي الله أرأيت أن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم، ويمنعوننا حقنا فما تأمرنا
قال صلى الله عليه وآله: " اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم
ما حملتم " (936).
وعن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ستكون أمراء عليكم فتعرفون
وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم (2) قالوا أفلا نقاتلهم؟. قال لا

(934) صحيح مسلم ك الإمارة باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة ج 2 / 133 ط عيسى
الحلبي و ج 6 / 17 ط مشكول و ج 12 / 232 بشرح النووي، المعجم الصغير للطبراني ج
2 / 80.
(1) فيما أخرجه مسلم في الجزء الثاني من صحيحه (منه قدس).
(935) صحيح مسلم ك الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء ج 6 / 14 ط مشكول و ج
2 / 30 ط الحلبي و ج 12 / 225 ط مصر بشرح النووي.
(936) هذه الأحاديث كلها مستفيضة (منه قدس).
صحيح مسلم ج 6 / 19 ط مشكول و ج 2 / 134 ط الحلبي و ج 12 / 236 بشرح
النووي.
(2) هذا الحديث أخرجه مسلم في ص 122 من الجزء 2 من صحيحه والمراد
بقوله صلى الله عليه وآله فمن عرف برئ إن من عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صار له طريق إلى
البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو بلسانه فإن عجز فليكرهه ولينكره بقلبه.
انتهى ولله الحمد ما أردنا تعليقه على كتاب " النص والاجتهاد " بقلم مؤلفه الفقير
إلى الله عبده وابن عبديه المذنب الخاطئ عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي.
وكان الفراغ من هذه التعليقة يوم الفراغ من أصل الكتاب. والحمد لله أولا وآخرا
وصلى الله على محمد وآله وسلم (منه قدس).
596

ما صلوا " (937).
والصحاح في هذا المعنى متواترة، ولا سيما من طرق العترة الطاهرة.

(937) صحيح مسلم ج 6 / 22 ط مشكول و ج 2 / 137 ط الحلبي و ج 12 / 242 ط
مصر بشرح النووي.
الخلافة والعدالة:
هذا الحديث والأحاديث الأربعة التي قبله لا يمكن قبولها ويشك في صحتها كبقية
الأحاديث المدعاة على هذا الطراز ومن هذا المعنى كما في سنن البيهقي ج 8 / 159.
فإن هذه الأحاديث مخالفة لروح الدين الاسلامي وللعدالة الإسلامية التي اشترطت
في الخليفة بالاجماع قال القاضي عبد الرحمن الإيجي الشافعي المتوفى 756 ه‍ في كتابه
المواقف في شرائط الإمام " يجب أن يكون عدلا لئلا يجور "، وقال أبو الثناء في مطالع
الأنظار ص 470 في صفات الأئمة. " الرابعة: أن يكون الإمام عدلا لأنه متصرف في
رقاب الناس وأموالهم وأبضاعهم فلو لم يكن عدلا لا يؤمن تعديه. " الخ. وراجع تفسير
القرطبي ج 1 ص 231 و 232.
الحديث للسياسة:
بعد رحلة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى قام المنافقون وخدام السلاطين
ووعاظهم بوضع الحديث لصالحهم كما وقع في عهد الخليفة الثالث وبعدها تطور
الوضع وكثر في عهد معاوية بن أبي سفيان فصار طلاب الدنيا يضعون عشرات
الأحاديث في فضائله وفضائل بني أمية ويضعون الذم لأعدائه. راجع الغدير ج 9 /
264 - 396 و ج 10 و 11، أضواء على السنة المحمدية ص 126 - 134. وقال أبو
جعفر الإسكافي فيما نقله عنه ابن أبي الحديد أن معاوية حمل قوما من الصحابة، وقوما
التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل
لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله فاختلقوا له ما أرضاه (قال) منهم: أبو هريرة وعمرو بن
العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير ".
وفي دولة بني العباس لم يكن وضع الحديث أقل من الدور الذي كان في عهد
الدولة الأموية فقد وضع الوضاعون الحديث في فضائل بني العباس وأخبار النبي بدولتهم
راجع: أضواء على السنة المحمدية ص 135.
وهذه الأحاديث الخمسة وما شاكلها في الحقيقة قد وضعتها يد السياسة ومصلحة الملوك
والأمراء وتدعو إلى تأييدهم ودعمهم أو على الأقل إلى الغض عنهم مهم صدر منهم من جرائم
وانحراف عن الإسلام الحقيقي ما دام يقيمون الصلاة الشكلية أو حتى لو لم يقيموها وهذا
ما لا يقره الإسلام ولا يرضى به، وبنشر هذه الروايات " تمكن معاوية بن أبي سفيان من
أن يجلس بالكوفة للبيعة ويبايعه الناس على البراءة من علي بن أبي طالب " البيان والتبيين
للجاحظ ج 2 / 85.
وتمكن يزيد الفجور والكفر أن يكون أميرا على المسلمين وخليفة لهم كما تمكن
بنو أمية وبنو العباس من إقامة دولتيهما وادعاء الخلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله وجر ذلك على
الأمة الويلات والمصائب.
ولنأخذ لذلك مثالا في لمحة خاطفة إلى شخصية قد عاشت في صدر الإسلام
وصحبت النبي صلى الله عليه وآله حقبة من الزمن وكيف أنها تلونت بمختلف الأحوال ألا ذلك هو
الراوي المشهور عبد الله بن عمر.
عبد الله بن عمر والبيعة:
ابن عمر من الأشخاص الذين تخلفوا عن بيعة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
محتجا بعدم الإجماع على بيعته كما زعمه له ابن حجر في فتح الباري ج 5 / 19 و ج 13
/ 165. ولكن الصحيح أن السبب في عدم بيعته للإمام أمير المؤمنين هو نفس السبب
الذي كان عند والده وما يحمله أبوه من نفسية اتجاه الإمام علي (ع). وإلا فهل حصل
إجماع على بيعة أبي بكر؟ ألم يتخلف عنها بنو هاشم وعلى رأسهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
وجملة من الصحابة كعمار وأبي ذر والمقداد وسعد بن عبادة وغيرهم؟ ثم كسروا سيف
الزبير لتخلفه ولببوا الإمام علي عليه السلام بحمائل سيفه وأكرهوه على البيعة وألا يقتل وهل حصل
إجماع على البيعة لأبيه عمر؟ فيا عجبا بين هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد
وفاته.
ابن عمر يبايع ليزيد:
وبينما ابن عمر يتقاعس عن البيعة لإمام الحق يقوم بعد فترة من الزمن بالبيعة
لأخس خلق الله على وجه الأرض وهو يزيد بن معاوية يزيد الخمور والفجور والكفر
والالحاد فبايعه إزاء مائة ألف قدمها معاوية إليه. في حال حياته. ولما انتشر الحاده
للمجتمع وما فعل من أعمال منكرة وفي مقدمتها قتل سيد شباب أهل الجنة سبط الرسول
وقرة عين الرسول صلى الله عليه وآله. وقام أهل المدينة بخلع بيعة يزيد وقف ابن عمر في قبالهم
وصار يصف لهم الأحاديث لأجل دعم جرائم يزيد وأفعاله بهذه الأحاديث:
روى البخاري وغيره: عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع
ابن عمر حشمه ومواليه. وفي رواية سليمان: حشمه وولده وقال: إني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول: " ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة ". وزاد الزهري: وإنا قد بايعنا هذا
الرجل على بيعة الله ورسوله وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن تبايع رجلا على بيعة الله ورسوله
ثم تنصب له القتال وإني لا أعلم أحدا منكم خلع ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل
بيني وبينه ". صحيح البخاري ج 1 / 166، سنن البيهقي ج 8 / 159، مسند أحمد ج
2 / 96.
وقعة الحرة وابن عمر:
غار يزيد على المدينة المنورة وأباحها ثلاثة أيام حتى افتضت أكثر من ألف
بنت باكر وولدت أكثر من ألف امرأة من غير زوج وقتل أكثر من سبعمائة من حملة
القرآن من الصحابة والتابعين من المهاجرين والأنصار وأكثر من عشرة آلاف من سائر
الناس وفيهم النساء والصبيان في هذه الواقعة مع هذا يأتي ابن عمر ليحدث بحديث
ليدعم موقف يزيد ويبرر جرائمه. فقد روى مسلم ج 6 / 22 عن نافع: قال جاء عبد الله
ابن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال
اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال: إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات
وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ".
وبناء على ذلك فقد بايع سفاك الدماء في العراق الحجاج ببيعة هي الذلة والهوان
حيث مد ابن عمر يده ليبايع الحجاج فمد الحجاج رجله إليه وبايعه بها.
وهكذا في عصرنا الحاضر اتخذ سلاطين وشياطين الجور والفجور هذه الروايات
مدركا لتسلطهم على الشعوب الإسلامية وسفك دمائهم وبيع ثرواتهم إلى الاستكبار
العالمي وصاروا أداة قمع للكافر الأجنبي مثل الانكليز والامريكان والشيوعية ومن يدور
في فلكهم.
والعلاج أن تعي الشعوب إسلامها وتعرف مسؤليتها وذلتها وعزتها لتقوم بواجبها
وتثأر لكرامتها واسلامها وتقيم حكم الله في الأرض ليعم العدل الاجتماعي والسعادة
الأبدية.
597

ولذا صبروا عليهم السلام وفي العين منهم قذى، وفي الحلق شجي، عملا
بهذه الأوامر المقدسية، وغيرها مما عهد النبي إليهم بالخصوص، احتياطا
على الأمة، واحتفاظا بالشوكة، وإيثار للدين، وضنا بريح المسلمين، فكانوا
عليهم السلام كما قلناه (في المراجعات وغيرها من كتبنا) يتحرون للقائمين،
بأمور الأمة وجوه النصح، وهم - من استئثارهم - على أمر من العلقم ويتوخون
لهم مناهج الرشد وهم - من تبوئهم عرشهم - على آلم للقلب من حز الشفار
تنفيذا للعهد، وعملا بمقتضى العقد، وقياما بالواجب عقلا وشرعا من تقديم
الأهم (في مقام التعارض) على المهم، وبهذا محض أمير المؤمنين كلا من
الخلفاء الثلاثة نصحه، واجتهد لهم في المشورة، فإنه بعد أن يئس من حقه
في الخلافة شق بنفسه طريق الموادعة، وآثر مسالمة القائمين بالأمر، فكان يرى
عرشه - المعهود به إليه - في قبضتهم فلم يحاربهم عليه، ولم يدافعهم عنه،
احتفاظا بالأمة، واحتياطا على الملة، وضنا بالدين وإيثارا للأجلة على العاجلة،
وقد مني بما لم يمن به أحد، حيث وقف بين خطبين فادحين:
الخلافة بنصوصها وعهودها إلى جانب تستصرخه وتستفزه إليها بصوت
يدمي الفؤاد، وشكوى تفتت الأكباد، والفتن الطاغية، إلى جانب آخر
تنذره بانتقاض الجزيرة وانقلاب العرب، واجتياح الإسلام، وتهدده بالمنافقين
من أهل المدينة وقد مردوا على النفاق، وبمن حولهم من الأعراب وهم
منافقون بنص الكتاب، بل هم أشد كفرا ونفاقا، وأجدر ألا يعلموا حدود
600

ما أنزل الله على رسوله، وبأهل مكة الطلقاء مضمري العداوة والبغضاء ومن
كان على شاكلتهم من ضواري الفتنة، وطواغي الغي وسباع الغارة وأعداء
الحق، وقد قويت بفقد النبي صلى الله عليه وآله شوكتهم، إذ صار المسلمون بعده صلى الله عليه وآله
كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية بين ذئاب عادية ووحوش ضارية، ومسيلمة
الكذاب، وطليحة بن خويلد الدجال، وسجاح بنت الحارث الأفاكة، وأصحابهم
قائمون (في محق الإسلام وسحق المسلمين) على ساق.
والرومان والأكاسرة وغيرهما من ملوك الأرض كانوا للمسلمين بالمرصاد
إلى كثير من هذه العناصر الجياشة بكل حنق من محمد وآله وأصحابه صلى الله عليه وآله
وبكل حقد وحسيكة لكلمة الإسلام تريد أن تنقض أساسها، وتستأصل شأفتها
وأنها لنشيطة في ذلك مسرعة متعجلة، ترى أن الأمر قد استتب، لها وأن
الفرصة بفقد رسول الله صلى الله عليه وآله قد حانت، فأرادت أن تسخر تلك الفرصة وتنتهز
تلك الفوضى، قبل أن يعود الإسلام إلى قوة وانتظام، فوقف أمير المؤمنين
بين هذين الخطرين، فكان من الطبيعي له أن يضحي حقه قربانا لدين الإسلام
وإيثارا للصالح العام، لذلك قعد في بيته - فلم يبايع حتى أخرجوه كرها -
(938) احتفاظا بحقه واحتجاجا على المستأثرين به وعلى أوليائهم يوم القيامة
ولو أسرع إلى البيعة ما قامت له بعد حجة، ولا سطع لأوليائه برهان، لكنه
جمع فيما فعل بين حفظ الدين والمسلمين، والاحتفاظ بحقه في إمرة المؤمنين
فدل هذا على أصالة رأيه، ورجاحة حلمه، وسعة صدره، وإيثار المصلحة

(938) العقد الفريد ج 4 / 335، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 6 / 11
و 48 بتحقيق أبو الفضل وراجع ما تقدم تحت رقم (28 و 29).
والحمد لله رب العالمين تم في عصر يوم السبت 16 / جمادى الأولى / 1404 ه‍
في مدينة قم عش آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام. أبو مجتبى
601

العامة بحكمة بالغة، ومتى سخت نفس امرئ عن هذا الخطيب الجليل والأمر العظيم
ينزل من الله تعالى بغاية منازل الدين، وإنما كانت غايته مما فعل أربح الحالين له
وأعود المقصودين عليه بالأجر والثواب، والقرب من رب الأرباب (سبحان ربك
رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) وصلى
الله على سيد النبيين وخاتم المرسلين وآله الهداة الميامين.
تم هذا الاملاء بعون الله تعالى وتوفيقه وله الحمد والآلاء في مدينة (صور)
يوم الأربعاء عاشر رجب المرجب سنة 1375 بقلم الفقير إلى الله عز وجل
الراجي عفو الله وغفرانه، عبد الحسين، بن يوسف، بن الجواد، بن إسماعيل بن محمد،
بن محمد، بن إبراهيم وهو شرف الدين بن زين العابدين بن علي نور الدين
بن نور الدين علي، بن الحسين بن محمد، بن الحسين ابن علي، بن محمد
بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن بن محمد ولقبه شمس الدين، بن عبد الله
ويلقب جلال الدين، بن أحمد، بن حمزة، بن سعد الله، بن حمزة، بن أبي
السعادات محمد، ابن أبي محمد عبد الله نقيب نقباء الطالبين في بغداد، بن
أبي الحرث محمد، بن أبي الحسن علي المعروف بابن الديلمية، بن أبي طاهر
عبد الله، بن أبي الحسن محمد المحدث، بن أبي الطيب طاهر، بن الحسين
القطعي، بن موسى أبي سبحة، بن إبراهيم المرتضى، بن الإمام الكاظم، ابن
الإمام الصادق، بن الإمام الباقر، بن الإمام زين العابدين، بن الإمام أبي عبد الله
الحسين سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء سبط خاتم النبيين والمرسلين
وأبوه أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه
عليهم. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
602