الكتاب: خلاصة عبقات الأنوار
المؤلف: السيد حامد النقوي
الجزء: ٩
الوفاة: ١٣٠٦
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٥
المطبعة: سيد الشهداء - قم
الناشر: مؤسسة البعثة - قسم الدراسات الإسلامية - طهران - ايران
ردمك:
ملاحظات: عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار لحجة التاريخ والبحث والتحقيق الإمام السيد حامد حسين الكهنوي

خلاصة
عبقات الأنوار
في إمامة الأئمة الأطهار
حديث الغدير - الدلالة
(2)
بقلم
علي الحسيني الميلاني
1

عبقات الأنوار
في إمامة الأئمة الأطهار
حديث الغدير - الدلالة
(2)
تأليف
حجة التاريخ والبحث والتحقيق الإمام
السيد حامد حسين اللكهنوي
1246 - 1306
3

الكتاب: خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار
المؤلف: علي الحسيني الميلاني.
الطبعة: الأولى 1405 هجرية.
المطبعة: سيد الشهداء عليه السلام - قم.
الكمية: 2000 نسخة.
الناشر: مؤسسة البعثة - قسم الدراسات الإسلامية.
العنوان: طهران شارع سمية (بنياد بعثت) تلفون 821119 / 822244 /
833374.
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من
الأولين والآخرين.
5

عبقات الأنوار
" هو أجل ما كتب في هذا الباب من صدر الإسلام إلى الآن "
الشيخ آغا بزرك الطهراني
7

(7)
مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام الصحابة
عن حديث الغدير
9

ومن الأدلة على دلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة مناشدة أمير
المؤمنين عليه السلام صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حديث الغدير
وقوله " ص ": " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
ذكر من روى ذلك
وقد روى حديث المناشدة جمع كبير من كبار أعلام أهل السنة:
1 - إسرائيل بن يونس السبيعي.
2 - محمد بن جعفر الهذلي.
3 - عبد الله بن نمير أبو هشام الخارفي الكوفي.
4 - محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري الكوفي الحبال.
5 - يحيى بن آدم بن سليمان القرشي الأموي.
6 - أسود بن عامر شاذان أبو عبد الرحمن الشامي.
7 - عبد الرزاق بن همام الصنعاني.
8 - حسين بن محمد بن بهرام التميمي أبو أحمد.
9 - عبيد الله بن عمر القواريري.
10 - أحمد بن حنبل الشيباني.
11

11 - محمد بن المثنى العنزي.
12 - حسن بن علي بن عفان العامري.
13 - أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني.
14 - عبد الله بن أحمد بن حنبل.
15 - علي بن محمد بن أبي المضا المصيصي.
16 - أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار.
17 - أبو عبد الرحمن النسائي.
18 - أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي.
19 - أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة.
20 - أبو بكر محمد بن عبد الله البزار الشافعي.
21 - أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني.
22 - عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين.
23 - أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي.
24 - أبو الحسن علي بن محمد الجلابي المعروف بابن المغازلي.
25 - علي بن حسن بن حسين الخلعي.
26 - أحمد بن محمد العاصمي.
27 - الموفق بن أحمد المعروف بأخطب خوارزم.
28 - علي بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير.
29 - محمد بن طلحة القرشي.
30 - يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي.
31 - محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري
32 - إبراهيم بن عبد الله الوصابي اليمني.
33 - إسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير الدمشقي.
12

34 - أبو حفص عمر بن حسن المراغي.
35 - شمس الدين محمد بن محمد الجزري.
36 - نور الدين علي بن عبد الله السمهودي.
37 - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي.
38 - محمود بن محمد الشيخاني القادري.
39 - نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي.
40 - أحمد بن الفضل بن محمد باكثير المكي.
41 - محمد بن معتمدخان البدخشاني.
42 - محمد صدر العالم.
43 - محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير.
44 - المولوي ولي الله الكهنوي.
ولقد تقدم ذكر نصوص روايات أكثر هؤلاء، وإليك نصوص بعض رواياتهم:
رواية أبي بكر البزار
لقد روى أبو بكر محمد بن عبد الله البزار الشافعي مناشدة أمير المؤمنين
عليه السلام بسنده في (فوائده) (1) حيث قال: " حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث
ثنا عبيد الله بن موسى ثنا أبو إسرائيل الملائي عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن
عن زيد بن أرقم: أن عليا أنشد الناس من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) نقل هذا عن نسخة (الفوائد) الموجودة في مكتبة الحرم بمكة المكرمة وهي
منقولة عن نسخة الخطيب البغدادي وعليها صورة إجازة يوسف بن محمد بن مقلد الشافعي
لأبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة.
13

يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه. فقام ستة
عشر رجلا فشهدوا بذلك وكنت فيهم ".
ترجمة أبي بكر البزار
1 - السمعاني: " أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه ابن موسى
ابن بنان الجبلي الشافعي، من أهل بغداد، شيخ ثقة صدوق ثبت كثير الحديث
حسن التصنيف في عصره، أملى وحدث عن عامة شيوخ بغداد... كتب عنه
أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني وأبو عبد الله محمد بن عبد الله
الحافظ... ولما منعت الديلم ببغداد الناس أن يذكروا فضائل الصحابة وكتبت
سب السلف على المساجد كان أبو بكر الشافعي يتعمد في ذلك الوقت إملاء
الفضائل في جامع المدينة وفي مسجده بباب الشام ويفعل ذلك حسبة ويعده قربة.
وكان الدارقطني يقول: أبو بكر الشافعي ثقة مأمون ما كان في ذلك الزمان
أوثق منه، ما رأيت له إلا أصولا صحيحة متقنة وقد ضبط سماعه فيها أحسن الضبط.
ولد في جمادي سنة 260 بجبل ومات في ذي الحجة سنة 354 ببغداد " (1).
2 - الذهبي: " أبو بكر الشافعي الإمام الحجة المفيد محدث العراق...
قال الخطيب: كان ثقة ثبتا حسن التصانيف جمع أبوابا وشيوخا. حدثني ابن
نحلة أنه رأى مجلسا قد كتب عن الشافعي في حياة ابن صاعد. وقال حمزة
السهمي: سئل الدارقطني عن أبي بكر الشافعي فقال: ثقة مأمون جبل ما كان
في ذلك الوقت أحد أوثق منه. وقال الدارقطني: هو الثقة المأمون الذي لم
يغمز.

(1) الأنساب - الشافعي.
14

قلت: مات في ذي الحجة سنة 354... " (1).
3 - الذهبي: أيضا: " وفيها أبو بكر الشافعي... قال الخطيب: كان ثقة
ثبتا حسن التصنيف جمع أبوابا وشيوخا. قال: ولما منعت الديلم الناس من
ذكر فضائل الصحابة وكتبوا السب على أبواب المساجد كان يتعمد إملاء
أحاديث الفضائل في الجامع " (2).
رواية ابن المغازلي
وروى أبو الحسن الجلابي المعروف بابن المغازلي حديث المناشدة
حيث قال: " حدثني أبو القاسم الفضل بن محمد بن عبد الله الاصفهاني - قدم
علينا بواسط املاءا من كتابه لعشر بقين من شهر رمضان سنة 434 - قال حدثني محمد
ابن علي بن عمر بن مهدي قال: حدثني سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال
حدثني أحمد بن إبراهيم بن كيسان الثقفي الاصفهاني قال: حدثني إسماعيل بن
عمر البجلي قال حدثني مسعر بن كدام عن طلحة بن مصرف عن عمير بن
سعد قال:
سمعت عليا على المنبر ناشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من
سمع رسول الله " ص " يوم غدير خم يقول ما قال فليشهد. فقام اثنا عشر رجلا
منهم أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأنس بن مالك فشهدوا أنهم سمعوا رسول
الله " ص " يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
قال أبو الحسن ابن المغازلي قال أبو القاسم الفضل بن محمد: هذا حديث
صحيح عن رسول الله " ص ". وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله " ص "

(1) تذكرة الحافظ 3 / 880.
(2) العبر حوادث سنة 354.
15

نحو مائة نفس منهم العشرة. وهو حديث ثابت لا أعرف له علة. تفرد علي
بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد " (1).
رواية الخطيب الخوارزمي
ورواه أخطب خطباء خوارزم حيث قال: " وبهذا الاسناد عن أحمد بن
الحسين هذا قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري
ببغداد قال أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا أحمد بن منصور الرمادي
قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال حدثني سعيد بن
وهب وعبد خير: أنهما سمعا عليا برحبة الكوفة يقول: انشد بالله من سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فإن عليا مولاه. فقام
عدة من أصحاب النبي " ص " فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله " ص " يقول
ذلك.
يقال: نشدتك الله وناشدتك الله وأنشدتك الله أي سألتك بالله وطلبت
إليك وهو مجاز قولهم: نشد الضالة ينشدها إذا طلبها، وأنشدها عرضها قال:
يصيح للنبأة إسماعه إصاخة الناشد للمنشد " (2).
رواية أبي الحسن ابن الأثير
ورواه أبو الحسن علي بن محمد ابن الأثير الجزري حيث قال: " زيد بن
شراحيل، وقيل يزيد بن شراحيل الأنصاري أخبرنا أبو موسى كتابة أخبرنا

(1) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي: 27.
(2) مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي: 95.
16

حمزة بن العباس العلوي أبو محمد أخبرنا أبو بكر أحمد بن الفضل الباطرقاني
أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن شهدل المديني أخبرنا أبو
العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة أخبرنا
الحسن بن زياد بن عمر أخبرنا عمر بن سعيد البصري عن عمر بن عبد الله بن يعلى
ابن مرة عن أبيه عن جده يعلى بن مرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
قال: فلما قدم علي رضي الله عنه الكوفة نشد الناس من سمع ذلك من
رسول الله " ص " فانتشد له بضعة عشر رجلا منهم يزيد أو زيد بن شراحيل
الأنصاري. أخرجه أبو موسى " (1).
وقال ابن الأثير بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام: " أنبأنا أبو الفضل بن
أبي عبيد الله الفقيه بإسناده إلى أبي يعلى أحمد بن علي أنبأنا القواريري حدثنا
يونس بن أرقم حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت
عليا في الرحبة يناشد الناس انشد الناس من سمع رسول الله " ص " يقول يوم
غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام. قال عبد الرحمن فقام اثنا عشر
بدريا كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله
" ص " يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟
قلنا: بلى يا رسول الله. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه.
وقد روى مثل هذا عن البراء بن عازب. وزاد: فقال عمر بن الخطاب يا ابن
أبي طالب أصبحت اليوم ولي كل مؤمن " (2).

(1) أسد الغابة 2 / 233.
(2) أسد الغابة 4 / 28.
17

وقال بترجمة ناجية بن عمرو: " أخبرنا أبو موسى أيضا إجازة أخبرنا
الشريف أبو محمد بن حمزة بن العباس العلوي أخبرنا أحمد بن الفضل المقري
حدثنا أبو مسلم ابن شهدل حدثنا أبو العباس ابن عقدة حدثنا عبد الله بن إبراهيم
ابن قتيبة حدثنا حسن بن زياد عن عمرو بن سعد البصري عن عمر بن عبد الله بن
يعلى بن مرة عن أبيه عن جده يعلى قال: سمعت رسول الله " ص " يقول: من
كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلما قدم علي
الكوفة نشد الناس فانتشد له بضعة عشر رجلا فيهم أبو أيوب صاحب منزل
رسول الله " ص " وناجية بن عمرو الخزاعي أخرجه أبو نعيم وأبو موسى " (1).
وقال ابن الأثير: " أبو زينب بن عوف الأنصاري. روى الأصبغ ابن نباتة.
قال: نشد علي الناس من سمع رسول الله " ص " يقول يوم غدير خم ما قال إلا
قام؟ فقام بضعة عشر فيهم أبو أيوب الأنصاري وأبو زينب فقالوا: نشهد أنا
سمعنا رسول الله " ص " وأخذ بيدك يوم غدير خم فرفعها فقال: ألستم تشهدون
إني قد بلغت ونصحت؟ قال: ألا إن الله عز وجل وليي وأنا ولي المؤمنين
فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب
من أحبه وأعن من أعانه وابغض من أبغضه. أخرجه أبو موسى " (2).
وقال: " أبو قدامة الأنصاري. أورده ابن عقدة. أخبرنا أبو موسى إذنا
أخبرنا الشريف أبو محمد حمزة بن العباس العلوي أخبرنا أحمد بن الفضل
الباطرقاني أخبرنا أبو مسلم بن شهدل أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن
سعيد حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم الأشعري أخبرنا رجا بن عبد الله أخبرنا

(1) أسد الغابة 5 / 5 - 6.
(2) أسد الغابة 5 / 205.
18

محمد بن كثير عن فطر وابن الجارود عن أبي الطفيل قال: كنا عند علي رضي
الله عنه فقال:
أنشد الله تعالى من شهد يوم غدير خم إلا قام. فقام سبعة عشر رجلا منهم
أبو قدامة الأنصاري فقالوا: نشهد أنا أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
من حجة الوداع حتى إذا كان الظهر خرج رسول الله " ص " فأمر بشجرات
فشددن وألقي عليهن ثوب ثم نادى الصلاة، فخرجنا فصلينا ثم قام فحمد الله
تعالى وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا
مولى المؤمنين وأني أولى بكم من أنفسكم يقول ذلك مرارا؟ قلنا: نعم وهو
أخذ بيدك يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
ثلاث مرات.
قال العدوي: أبو قدامة بن الحارث شهد أحدا وله فيها أثر حسن وبقي
حتى قتل بصفين مع علي... أخرجه أبو موسى " (1).
رواية ابن حجر العسقلاني
ورواه ابن حجر العسقلاني حيث قال: " عبد الرحمن بن مدلج. ذكره
أبو العباس ابن عقدة في كتاب الموالاة وأخرج من طريق موسى بن النصر
الربيع الحمصي حدثني سعد بن طالب أبو غيلان حدثني أبو إسحاق حدثني
من لا أحصي: أن عليا أنشد الناس في الرحبة من سمع قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقام نفر منهم عبد الرحمن بن
مدلج فشهدوا أنهم سمعوا إذ ذاك من رسول الله " ص ". وأخرجه ابن شاهين

(1) أسد الغابة 5 / 275.
19

عن ابن عقدة واستدركه " (1).
وقال ابن حجر أيضا: " أبو قدامة الأنصاري ذكره أبو العباس ابن عقدة
في كتاب الموالاة الذي جمع فيه طرق حديث من كنت مولاه فعلي مولاه،
فأخرج فيه من طريق محمد بن كثير عن فطر عن أبي الطفيل قال: كنا عند
علي فقال: أنشد الله من شهد يوم غدير خم؟ فقام سبعة عشر رجلا منهم أبو قدامة
الأنصاري فشهدوا أن رسول الله " ص " قال ذلك. واستدركه أبو موسى. وسيأتي
في الذي بعد ما يؤخذ منه اسم أبيه وتمام نسبه " (2).
رواية الوصابي اليمني
وروى إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي الشافعي حديث المناشدة: " عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: سمعت عليا في الرحبة ينشد الناس:
أنشد الله من سمع رسول الله " ص " يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي
مولاه لما قام فشهد: فقام اثنا عشر بدريا فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله " ص "
يقول يوم غدير خم ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ فقلنا:
بلى. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند وأبو يعلى في المسند وابن جرير
في تهذيب الآثار والخطيب في تاريخه والضياء في المختارة " (3).
وفيه: " وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: نشد علي الناس من سمع

(1) الإصابة 2 / 421.
(2) الإصابة 4 / 159.
(3) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط.
20

رسول الله " ص " يقول يوم غدير خم ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من
عاداه. فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بذلك. أخرجه الطبراني في الكبير.
وعن عمير بن سعد قال: شهدت عليا على المنبر ناشد أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم من سمع رسول الله " ص " يقول يوم غدير خم ما قال. فقام
اثنا عشر رجلا منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك فشهدوا أنهم سمعوا
رسول الله " ص " يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد
من عاداه. أخرجه الطبراني في الأوسط.
وعنه رضي الله عنه قال: جمع علي الناس في الرحبة وأنا شاهد فقال: انشد
الله رجلا سمع رسول الله " ص " يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقام ثمانية
عشر رجلا شهدوا أنهم سمعوا النبي " ص " يقول ذلك أخرجه الطبراني في
الأوسط " (1).
رواية نور الدين السمهودي
وروى نور الدين علي بن عبد الله السمهودي " عن أبي الطفيل رضي الله
تعالى عنه أن عليا رضي الله عنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: انشد الله من شهد
يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم رجل يقول: إني نبئت أو بلغني إلا رجلا سمعت
أذناه ووعاه قلبه، فقام سبعة عشر رجلا منهم خزيمة بن ثابت وسهل بن سعد
وعدي بن حاتم وعقبة بن عامر وأبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو
شريح الخزاعي وأبو قدامة الأنصاري وأبو ليلى وأبو الهيثم بن التيهان ورجال
من قريش. فقال علي رضي الله عنه وعنهم: هاتوا ما سمعتم. فقالوا:

(1) المصدر نفسه - مخطوط.
21

نشهد إنا أقبلنا مع رسول الله " ص " من حجة الوداع حتى إذا كان الظهر
خرج رسول الله " ص " فأمر بشجرات فشذبن وألقي عليهن ثوب ثم نادى بالصلاة،
فخرجنا فصلينا ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما أنتم قائلون؟
قالوا: قد بلغت قال: اللهم اشهد - ثلاث مرات - قال: إني أوشك أن أدعى
فأجيب وإني مسؤول وأنتم مسؤولون. ثم قال: ألا إن دمائكم وأموالكم حرام
كحرمة يومكم وحرمة شهر كم هذا. أوصيكم بالنساء أوصيكم بالجار أوصيكم
بالمماليك أوصيكم بالعدل والاحسان. ثم قال:
أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض. نبأني بذلك اللطيف الخبير. وذكر الحديث
في قوله " ص " من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال علي: صدقتم وأنا على ذلكم
من الشاهدين. أخرجه ابن عقدة من طريق محمد بن كثير عن فطر وأبي الجارود
وكلاهما عن أبي الطفيل " (1).
دعاء علي على كتم الشهادة بالغدير
هذا ومن الواضح جدا دلالة واقعة المناشدة على أن حديث الغدير يدل على
إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وخلافته دلالة تامة، إذ لو كان المراد من حديث
الغدير كون علي عليه السلام ناصرا أو محبا أو محبوبا أو نحو ذلك فإن هذه الأوصاف
حاصلة لغيره عليه السلام من الصحابة أيضا ولا حاجة إلى المناشدة لأجل إثباتها،
بل لم يكن أحد من الناس ينكر حصول هذه الصفات له حتى يحتاج إلى المناشدة
والاستشهاد على ثبوتها... بخلاف مسألة الإمامة والخلافة، ولذا نجد في أحاديث

(1) جواهر العقدين - مخطوط.
22

وأخبار أهل السنة أن جماعة من الصحابة كتموا تلك الحقيقة الراهنة ولم يدلوا
بشهادتهم لها فلذا دعا الإمام عليه السلام عليهم وقد أجيبت دعوته في حقهم،
ولو كان المراد من حديث الغدير غير الإمامة والخلافة لما كتموها قطعا...؟
فقد جاء في (أسد الغابة) ما نصه: " عبد الرحمن بن مدلج. أورده ابن عقدة
وروى بإسناده عن أبي غيلان سعد بن طالب عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مرة
ويزيد بن يثبع وسعيد بن وهب وهاني بن هاني. قال أبو إسحاق وحدثني من
لا أحصي أن عليا نشد الناس في الرحبة من سمع قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام
نفر فشهدوا أنهم سمعوا ذلك من رسول الله " ص ".
وكتم قوم فما خرجوا من الدنيا حتى عموا وأصابتهم آفة، منهم يزيد بن
وديعة وعبد الرحمن بن مدلج. أخرجه أبو موسى " (1).
وجاء في (مسند أحمد): " حدثنا أحمد بن عمر الوكيعي قال حدثنا زيد
بن الحباب قال حدثنا الوليد بن عقبة بن نزار العنسي قال حدثني سماك بن عبيد
بن الوليد العبسي، قال دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدثني أنه شهد
عليا في الرحبة قال أنشد الله رجلا سمع رسول الله " ص " وشهد يوم غدير خم
إلا قام ولا يقوم إلا من رآه. فقام اثنا عشر رجلا فقالوا: قد رأيناه وسمعناه
حيث أخذ بيده يقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره
واخذل من خذله. فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته " (2).
وقد روى ابن كثير الدمشقي هذا الحديث عن المسند (3).

(1) أسد الغابة 4 / 321.
(2) مسند أحمد 1 / 119.
(3) تاريخ ابن كثير 5 / 211.
23

وفي (كنز العمال): " عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال خطب علي فقال
أنشد الله امرءا نشدة الإسلام سمع رسول الله " ص " يوم غدير خم أخذ بيدي
يقول ألست أولى بكم يا معشر المسلمين من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله
قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاده وانصر
من نصره واخذل من خذله إلا قام فشهد. فقام بضعة عشر رجلا فشهدوا وكتم
قوم فما فنوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا. قط في الأفراد " (1).
من أسماء الذين كتموا
لقد عرفت من الروايات المتقدمة أن جماعة كتموا تلك الشهادة، وقد جاء
فيها اسم (عبد الرحمن بن مدلج) و (يزيد بن وديعة).
ثم إن من جملة هؤلاء: (زيد بن أرقم) و (أنس بن مالك) و (البراء بن
عازب) وهم من أجلاء الصحابة:
قال الحلبي: " وقول بعضهم: إن زيادة اللهم وال من والاه إلى آخره
موضوعة مردود.. فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منهما، وقد
جاء إن عليا رضي الله عنه قام خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: أنشد
الله من شهد غدير خم إلا قام ولا يقوم رجل يقول نبئت أو بلغني إلا رجل سمعت
أذناه ووعى قلبه. فقام سبعة عشر صحابيا وفي رواية ثلاثون صحابيا، وفي المعجم
الكبير ستة عشر صحابيا وفي رواية اثنا عشر صحابيا. فقال هاتوا ما سمعتم
فذكروا الحديث ومن جملته: من كنت مولاه فعلي مولاه، وفي رواية: فهذا
مولاه، وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه: وكنت ممن كتم فذهب الله ببصري

(1) كنز العمال 15 / 115.
24

وكان علي كرم الله وجهه عنه دعى على من كتم " (1).
وقال ابن المغازلي: " أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الله بن شوذب
قال: حدثني أحمد بن يحيى بن عبد الحميد حدثني إسرائيل الملائي عن الحكم
ابن أبي سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم قال: نشد علي الناس في المسجد
أنشد رجلا سمع النبي " ص " يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال
من والاه وعاد من عاداه. فكنت أنا فيمن كتم فذهب بصري " (2).
وقال جمال الدين عطاء الله الشيرازي: " ورواه زر بن حبيش فقال خرج
علي من القصر فاستقبله ركبان متقلدي السيوف عليهم العمائم حديثي عهد بسفر.
فقالوا السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. السلام عليك يا مولانا
فقال علي بعد ما رد السلام من ههنا من أصحاب رسول الله " ص "؟ فقام اثنا عشر
رجلا منهم خالد بن زيد، أبو أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين
وثابت بن قيس بن شماس وعمار بن ياسر وأبو الهيثم بن التيهان وهاشم بن
عتبة بن أبي وقاص وحبيب بن بديل بن ورقاء. فشهدوا أنهم سمعوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.
الحديث.
فقال علي لأنس بن مالك والبراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما فتشهدا
فقد سمعتما كما سمع القوم؟ فقال: اللهم إن كانا كتماها معاندة فابلهما، فأما
البراء فعمي، فكان يسأل عن منزله فيقول: كيف يرشد من أدركته الدعوة؟ وأما
أنس فقد برصت قدماه، وقيل: لما استشهد علي عليه السلام قول النبي " ص "

(1) السيرة الحلبية 3 / 336 - 337.
(2) المناقب لابن المغازلي: 23.
25

من كنت مولاه فعلي مولاه اعتذر بالنسيان فقال: اللهم إن كان كاذبا فاضربه
ببياض لا تواريه العمامة، فبرص وجهه فسدل بعد ذلك برقعا على وجهه... " (1).
وفي رواية البلاذري: " قال علي على المنبر: انشد [نشدت] الله رجلا
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه إلا قام فشهد وتحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب
وجرير بن عبد الله [البجلي] فأعادها فلم يجبه أحد. فقال: اللهم من كتم هذه
الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها. قال:
فبرص أنس وعمي البراء ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته فأتى السراة فمات
في بيت أمه بالسراة " (2).
وذكر الحافظ أبو نعيم بترجمة أبي محمد طلحة بن مصرف - الذي وصفه
بالورع الكلف القاري الدنف أبو محمد طلحة بن مصرف كان ذا صدق ووفاء
وخلق وصفاء -: " حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن إبراهيم بن كيان ثنا
إسماعيل بن عمرو البجلي ثنا مسعر بن كدام عن طلحة بن مصرف عن عميرة
ابن سعد قال: شهدت عليا على المنبر ناشدا أصحاب رسول الله " ص " وفيهم
أبو سعيد وأبو هريرة وأنس بن مالك وهم حول المنبر وعلي على المنبر وحول
المنبر اثنا عشر رجلا هؤلاء منهم. فقال علي نشدتكم بالله هل سمعتم رسول الله
" ص " يقول من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقاموا كلهم فقالوا: اللهم نعم، وقعد
رجل، فقال: ما منعك أن تقوم؟ قال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت. فقال:
اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببلاء حسن. قال: فما مات حتى رأينا بين عينيه نكتة بيضاء

(1) الأربعين في فضائل أمير المؤمنين - مخطوط.
(2) أنساب الأشراف: 156 - 157.
26

لا تواريه العمامة... " (1).
نتائج البحث
فهذه روايات القوم حول قضية المناشدة، وكتم جماعة من الصحابة الشهادة
بحديث الغدير ودعاء الإمام عليه السلام عليهم، فخلاصة البحث هذا ونتائجه
أمور:
1 - إن الإمام عليه السلام ناشد الصحابة من شهد منهم يوم غدير خم بعينه
وحضره بنفسه وسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - بكل اهتمام
وإصرار على أن يدلوا بشهادتهم. وقد روى المناشدة هذه كبار الأئمة والعلماء
من أهل السنة.
2 - إن هذه المناشدة بهذه الكيفية ومع هذه الأحوال والقرائن تدل على
أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: " من كنت مولاه فهذا علي
مولاه " هو الإمامة و الخلافة، إذ لو كان المراد من (المولى) هو المحب أو
المحبوب أو الناصر أو نحو ذلك لما كان للمناشدة معنى، فإن هذه الأوصاف
ثابتة له باعتراف الجميع ولا ينكرها منكر أبدا، بل هي ثابتة لغيره من الصحابة.
3 - لقد كتم جماعة من الصحابة هذه الشهادة معاندة للإمام عليه السلام
وذلك أيضا مما يشهد بدلالة حديث الغدير على الإمامة، إذ لو كان المراد غيرها
من المعاني لما كان للكتمان مورد أبدا.
4 - لقد دعا الإمام عليه السلام على من كتم تلك الشهادة وقد أصابتهم دعوته،
ولو لم يكن معنى حديث الغدير هو الإمامة والخلافة لما دعا عليهم البتة.

(1) حلية الأولياء 5 / 26 - 27.
27

5 - إن أخبار المناشدة وكتم بعض الصحابة للشهادة تهدم أساس اعتقاد
أهل السنة بعدالة جميع الصحابة، لأن كتمان الشهادة من المعاصي الكبائر،
ومرتكب الكبيرة فاسق بلا ريب.
6 - لقد دلت تلك الأخبار على عداء جماعة من الأصحاب لأمير المؤمنين
عليه السلام، وقد بلغ عداؤهم له إلى حد كتمان الشهادة وارتكاب هذه المعصية
الكبيرة. وهذا المورد من الموارد التي تبطل دعوى (الدهلوي) بأن جميع
الصحابة كانوا يوالونه عليه الصلاة والسلام.
7 - إن هذه الأخبار تدل على بطلان ما ذكره أهل السنة من امتناع كتمان
الصحابة لم النص على خلافة الإمام عليه السلام، لأن حديث الغدير إن كان
نصا على خلافته - كما هو الواقع - فقد ثبت ما قلنا، لأنهم قد حاولوا كتم
هذا النص الصريح الذي صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك
المشهد العظيم حتى احتاج الإمام عليه السلام إلى استشهاد الصحابة ومناشدتهم
عليه، وإن لم يكن نصا في الإمامة والخلافة بل كان مراد النبي " ص " إيجاب
محبته عليه السلام فقد خالفوا فقد ثبت ما قلناه أيضا، لأن من يخفي ما يدل على
وجوب محبته - حسب هذا الفرض - يخفي ما يدل على إمامته وخلافته بالأولوية.
وجوه بطلان دعوى ابن روزبهان وضع حديث المناشدة
ومن ملاحظة هذه الأحاديث والأخبار يتضح تعصب ابن روزبهان وعناده
مع الحق وبطلان هفوته حول حديث المناشدة إذ ادعى كونه من موضوعات
الروافض!! وهذا نص كلامه: " وأما ما ذكر أن أمير المؤمنين استشهد من
أنس بن مالك فاعتذر بالنسيان فدعا عليه فالظاهر أن هذا من موضوعات
28

الروافض لأن خبر من كنت مولاه فعلي مولاه كان في غدير خم وكان لكثرة
سماع السامعين كالمستفيض، فأي حاجة إلى الاستشهاد من أنس؟ وإن فرضناه
أنه استشهد ولم يشهد أنس لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خدمه عشر سنين بالبرص ووضع
الحديث ظاهر " (1).
وهذا الكلام باطل من وجوه:
1 - استشهاد أنس وغيره متوتر
إن نفيه الحاجة إلى الاستشهاد من أنس بسبب استفاضة حديث الغدير
باطل، لأن استشهاد الإمام عليه السلام أنس بن مالك أمر ثابت مشهور بل متواتر
فتكذيب هكذا حديث بهذا التوهم أمر عجيب.
2 - حديث الغدير متواتر لا كالمستفيض
إن حديث الغدير الذي سمعه تلك الكثرة من السامعين حديث متواتر
وفي أعلى درجات التواتر، فجعله " كالمستفيض " مجانبة للإنصاف ومعاندة
للحق.
3 - من أمثلة دعاء النبي على المخالفين
وقول ابن روزبهان: " لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على... "
كلام باطل لأنه في الحقيقة طعن على الأنبياء والأوصياء، لأن الدعاء على

(1) إبطال نهج الباطل لابن روزبان الشيرازي.
29

المخالفين سنة من سنن الأوصياء والمرسلين في بعض الأحايين، ومن راجع
سيرة نبينا صلى الله عليه وآله ووقف على موارد عديدة من هذا القبيل ونحن
ننقل هنا بعض أمثلة ذلك:
فمن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم على المنافقين الذين أرادوا به
سوءا في ليلة العقبة، قال الحلبي: " فلما أصبح رسول الله " ص " جاء إليه أسيد
ابن حضير فقال يا رسول الله ما منعك البارحة من سلوك الوادي، فقد كان أسهل
من سلوك العقبة، فقال أتدري ما أراد المنافقون وذكر له القصة، فقال: يا رسول الله
قد نزل الناس واجتمعوا فمر كل بطن أن يقتل الرجل الذي هم بهذا فإن أحببت
بين بأسمائهم والذي بعثك بالحق لا أبرح حتى آتيك برؤوسهم، فقال " ص ":
إني أكره أن يقول الناس أن محمدا قاتل بقوم حتى أظهر الله تعالى بهم أقبل
عليهم يقتلهم، فقال يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحاب فقال رسول الله " ص "
أليس يظهرون الشهادة، ثم جمعهم رسول الله " ص " وأخبرهم بما قالوه وما أجمعوا
عليه، فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي ذكر فأنزل الله تعالى " يحلفون بالله
ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر " الآية. وأنزل الله تعالى " وهموا بما لم ينالوا.
ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال اللهم ارمهم بالدبيلة وهي
سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم انتهى. أي: وفي
لفظ شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلكه " (1).
ومن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم على من قطع صلاته. قال
الحلبي: " وفي الامتاع أن النبي " ص " وهو بتبوك صلى إلى نخلة فجاء شخص
فمر بينه وبين تلك النخلة بنفسه، وفي رواية وهو على حمار، فدعا عليه " ص "

(1) السيرة الحلبية 3 / 121 في غزوة تبوك.
30

فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره. فصار مقعدا " (1).
ومن ذلك: دعاؤه على من كان يحاكيه في مشيه " ص ". قال السيوطي:
" أخرج أبو الشيخ عن قتادة وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
كان رجل خلف النبي " ص " يحاكيه ويلبطه، فرآه النبي " ص " فقال: كذلك نكن.
فرجع إلى أهله فلبط به مغشيا شهرا ثم أفاق حين أفاق وهو كما حاكى رسول
الله " ص " (2).
4 - من أمثلة دعاء أمير المؤمنين (ع)
ومن أمثلة دعاء أمير المؤمنين علي عليه السلام: ما ذكره خواجة پارسا
بقوله: " روى الإمام المستغفري رحمه الله بإسناده أن أمير المؤمنين عليا رضي
الله عنه سأل رجلا عن حديث في الرحبة فكذبه. فقال: إنك كذبتني. قال:
ما كذبتك. قال: فادعو الله سبحانه عليك إن كنت كاذبا أن يعمى بصرك. قال:
فادع الله عز وجل. فدعا عليه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فعمى بصره، فلم
يخرج من الرحبة إلا وهو أعمى " (3).
ورواه عبد الرحمن الجامي عن المستغفري كذلك (4).
و " المستغفري " راوي هذه القصة من مشاهير علمائهم، ترجم له عبد القادر
القرشي بقوله: " جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر النسفي المستغفري
خطيب نسف، كان فقيها فاضلا ومحدثا مكثرا صدوقا حافظا لم يكن بما وراء
النهر في عصره مثله، وله تصانيف أحسن فيها. سمع أبا عبد الله محمد بن أحمد

(1) السيرة الحلبية 3 / 121
(2) الدر المنثور
(3) فصل الخطاب لمحمد خواجة پارسا الحافظي.
(4) نفحات الأنس: 25
31

غنجار الحافظ، وزاهر بن أحمد السرخسي. روى عنه أبو منصور السمعاني. مولده
سنة 350 ومات في سلخ جمادي الأولى سنة 432 بنسف " (1)
وترجم له محمود بن سليمان الكفوي بقوله: " الشيخ الإمام الخطيب
الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر بن الفتح
المستغفري النسفي. كان رحمه الله فقيها فاضلا محدثا صدوقا يرجع إلى معرفة
وفهم وإمعان، جمع الجموع وصنف التصانيف وأحسن فيهما، لم يكن بما وراء
النهر في عصره من يجري مجراه في الجمع والتصنيف وفهم الحديث...
ولد سنة 350. ومات سند 432.. " (2).
وقال جمال الدين الأسنوي بترجمته: " جعفر بن محمد.. الحافظ
المعروف بالمستغفري صاحب التصانيف الكثيرة ومحدث ما وراء النهر في
زمانه... " (3).
ومن ذلك: ما رواه أخطب خطباء خوارزم: " أخبرني سيد الحفاظ أبو
منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي... عن زاذان أبي عمر أن عليا سأل رجلا في الرحبة عن حديث فكذبه فقال علي: إنك قد كذبتني، فقال:
ما كذبتك. فقال: أدعو الله عليك إن كنت كذبتني أن يعمي بصرك. قال ادع الله
فدعا عليه، فلم يخرج من الرحبة حتى قبض بصره " (4).
ورواه الوصابي عن عمر ملا في سيرته (5).

(1) الجواهر المضية في طبقات الحنفية 1 / 180 - 181
(2) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط.
(3) طبقات الشافعية 2 / 403.
(4) المناقب للخوارزمي: 273.
(5) الاكتفاء في فضائل الخلفاء الأربعة - مخطوط.
32

وفي (الصواعق): " ومن كراماته أيضا أنه حدث بحديث فكذبه رجل، فقال
له: أدعو عليك إن كنت كاذبا. قال: ادع. فدعا عليه، فلم يبرح حتى ذهب بصره " (1).
وقال محمد صدر العالم في (معارج العلى في مناقب المرتضى): " ومنها
إنه رضي الله عنه حدث بحديث فكذبه رجل فقال له: أدعو عليك إن كنت
كاذبا. قال: أدع. فدعا عليه فلم يبرح حتى ذهب بصره " (2).
وقال ولي الله الدهلوي: " عن علي بن زاذان أن عليا حدث حديثا فكذبه
رجل، فقال علي رضي الله عنه: ادعوا عليك إن كنت صادقا؟ قال: نعم. فدعا
عليه فلم ينصرف حتى ذهب بصره ".
وقال ابن كثير: " وقال هيثم عن يسار عن عمار قال حدث رجل عليا
بحديث فكذبه، فما قام حتى عمي. وقال ابن أبي الدنيا حدثني سريح بن
يونس ثنا هيثم بن إسماعيل عن سالم بن عمار الحضرمي عن زاذان أبي عمر
أن رجلا حدث عليا بحديث، فقال علي: ما أراك إلا قد كذبتني. قال: لم أفعل.
قال: أدعو عليك إن كنت كذبت؟ قال: ادع. فدعا فما برح حتى عمي " (4).
ونحوه ما رواه عبد الرحمن الجامي في (شواهد النبوة) من دعاء الإمام
عليه السلام على من كان يكتب بأخباره إلى معاوية فعمي (5).
5 - أمثلة من دعاء الصحابة
وروى أحمد بن عطاء الله الإسكندري كرامة لسعد بن أبي وقاص إذ قال

(1) الصواعق المحرقة: 77.
(2) معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.
(3) إزالة الخفا في سيرة الخلفا.
(4) تاريخ ابن كثير 8 / 5.
(5) شواهد النبوة: 167.
33

بعد ذكر حكاية في دعاء إبراهيم بن أدهم: " قال الشيخ أبو العباس ليس هذا
عين الكمال، وما فعله سعد أحد العشرة هو عين الكمال: ادعت عليه امرأة أنه
احتاز شيئا من بستانها، فقال: اللهم إن كانت كاذبة فاعمها وأمتها في مكانها،
فعميت وجاءت تمشي يوما في بستانها فوقعت في بئر فماتت، فلو كان ما فعله
إبراهيم عين الكمال لكان الصحابي أولى به، ولكنه كان سعد أمينا من أمناء الله
نفسه ونفس غيره عنده سواء، فما دعا عليها لأنها آذته، ولكن دعا عليها لأنها
آذت صاحب رسول الله... " (1).
وقال أبو يوسف في (كتاب الخراج): " حدثني الليث بن سعد عن
حبيب بن أبي ثابت أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين أرادوا
عمر بن الخطاب أن يقسم الشام كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر،
وأنه كان أشد الناس عليه في ذلك الزبير بن العوام وبلال بن رباح. فقال عمر:
إذا أترك من بعد كم من المسلمين لا شئ لهم، ثم قال: اللهم اكفني بلالا
وأصحابه. قال: ورأى المسلمون أن الطاعون الذي أصابهم بعمواس كان عن
دعوة عمر. قال: وتركهم عمر ذمة يودون الخراج إلى المسلمين " (2).
وقال ولي الله الدهلوي: " وعن حبيب بن أبي ثابت أن أصحاب رسول
الله " ص " وجماعة من المسلمين أرادوا من عمر بن الخطاب أن يقسم الشام كما
قسم رسول الله " ص " خيبر، وأنه كان أشد الناس عليه في ذلك الزبير بن العوام
وبلال بن رباح. فقال عمر: إذا أترك من بعد كم من المسلمين لا شئ لهم!!
ثم قال: اللهم اكفني بلالا وأصحابه. قال: ورأى المسلمون أن الطاعون الذي
أصابهم بعمواس كان عن دعوة عمر. قال: وتركهم عمر ذمة يؤدون الخراج

(1) لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن - هامش لطائف
المنن للشعراني 1 / 143 - 144.
(2) الخراج لأبي يوسف: 26.
34

إلى المسلمين. أخرجه أبو يوسف " (1).
وفي كتاب (الروض الأنف): " ولما سار عمر إلى الشام وكان بالجابية
شاور فيما افتتح من الشام أيقسمها؟ فقال له معاذ: إن قسمتها لم يكن لمن يأتي
بعد من المسلمين شئ. أو نحو هذا. فأخذ بقول معاذ. فالح عليه بلال في
جماعة من أصحابه وطلبوا القسم، فلما أكثروا قال: اللهم اكفني بلالا وذويه
فلم يأت الحول ومنهم على الأرض عين تطرف " (2).
وقال فخر الدين الزيلعي: " ثم أرض السواد مملوكة لأهلها عنوة. وقال
الشافعي: ليست بمملوكة وإنما هي وقف على المسلمين، وأهلها مستأجرون
لها، لأن عمر استطاب قلوب الغانمين فاجرها.
وقال أبو بكر الرازي: هذا غلط بوجوه: أحدها أن عمر لم يستطب قلوبهم
فيه، بل ناظرهم عليه وشاور الصحابة على وضع الخراج، فامتنع بلال وأصحابه
فدعا عليهم. فأين الاسترضاء؟ " (3).
فائدتان من كلام ابن روزبهان
لقد ظهر بالوجوه المذكورة بطلان كلام ابن روزبهان، ولنعم ما قال في
(إحقاق الحق) في جوابه: " وأما استبعاده من أخلاق أمير المؤمنين عليه السلام
أن يدعو على صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخادمه بظهور البرص
عليه فهو تصوف بارذ، لأنه إذا لم يشهد أنس لإظهار حق قربى النبي صلى
الله عليه وآله وسلم بما علم يقينا فقد أخل بما وجب عليه من محبتهم بنص

(1) قرة العينين: 71.
(2) الروض الأنف 6 / 581:.
(3) شرح كنز الدقائق للزيلعي 3 / 282.
35

القرآن المجيد، وخلع ربقة متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأحبط
الله عمله وخدمته، فأقل مرتبة جزائه في الدنيا الدعاء عليه بالأمراض الساخرة
وسيذوق وبال أمره في الآخرة ".
ولكن في كلامه فائدتان:
(فالأولى) لقد استنكر ابن روزبهان الاستشهاد على ما كثر سامعوه وكان
" كالمستفيض " فنقول بناءا عليه: إن وجوب محبة علي عليه السلام أمر ثابت مستفيض
فالاستشهاد عليه باطل، لكن الإمام عليه السلام قد استشهد على حديث الغدير -
حسب روايات القوم كما عرفت - فظهر أنه لم يكن المراد من حديث الغدير إيجاب
المحبة والمودة له، بل كان المراد أمرا جليلا عظيما وقد أنكره أكثر الأصحاب
الذين سمعوه ووعوه فاحتاج عليه الصلاة والسلام إلى الاستشهاد عليه.
(والثانية) لقد اعترف ابن روزبهان في كلامه بكثرة سامعي خبر الحديث
فلا ريب في وقوع تلك الواقعة وثبوت هذا الخبر الشريف، وفي هذا رد على
من أنكر الحديث وكذبه من أهل العصبية والعناد.
اعتراف الحلبي بدلالة الاستشهاد
فثبت إلى الآن: استشهاد الإمام عليه السلام جماعة من الصحابة على حديث
الغدير، فمنهم من شهد ومنهم من كتم - وبهذا بطلت مناقشات ابن روزبهان
والفخر الرازي في نهاية العقول -، وثبت أن هذا الاستشهاد كان على أمر عظيم
جليل أنكره أكثر الصحابة وهو ليس إلا الخلافة، - إذ لو كان غيرها لما أنكروه
ولما كتم الشهادة به من كتم -.
ويشهد بما ذكرنا اعتراف الحلبي بأن الإمام عليه السلام قد احتج بحديث
الغدير ردا على من نازعه في الخلافة، وهذا نص كلامه: " وعلى تسليم أن
36

المراد أنه أولى بالإمامة، فالمراد في المآل لا في الحال، وإلا لكان هو الإمام
مع وجوده صلى الله عليه وسلم، والمال لم يعين له وقت، فمن أين أنه عقب
وفاته " ص "؟ جاز أن يكون بعد أن تنقد له البيعة ويصير خليفة. ويدل لذلك
أنه لم يحتج بذلك إلا بعد أن آلت إليه الخلافة ردا على من نازعه فيها كما
تقدم. فسكوته عن الاحتجاج بذلك إلى أيام خلافته قاض على كل من له أدنى
عقل فضلا عن فهم بأنه لا نص في ذلك على إمامته " (1).
مناشدة الإمام أبا بكر وأصحاب الشورى
وكلام الحلبي - وإن كان يتضمن اعترافا بالحق كما ذكرنا - يشتمل على
مزاعم واضحة البطلان:
(فالأولى) قوله: " فالمراد في المآل لا في الحال وإلا لكان هو الإمام مع
وجوده...... " وهذا باطل لعدم وجود قيد في الحديث يقتضي ذلك، بل
الحديث الشريف مطلق، فالمعنى: من كنت مولاه فعلي أولى منه بالإمامة.
وهذا ما يثبته الشيعة الإمامية قديما وحديثا، ويعانده المعاندون من أهل السنة
كذلك.
(والثانية) قوله: " جاز أن يكون بعد أن تنعقد له البيعة ويصير خليفة "
معناه حمل " الأولوية بالإمامة " على زمان بعد عثمان بن عفان، وهذا الحمل
فاسد جدا، لأن تهنئة الشيخين - كما في الصواعق وغيرها - يقلع أساسه الواهي
من الجذور، لأنهما قد اعترفا بكونه عليه السلام (مولى) كل مؤمن، فهو عليه
السلام مولاهما باعترافهما سواء كانا من المؤمنين أم لا، فهو (أولى) منهما

(1) السيرة الحلبية 3 / 338.
37

بالإمامة، فتقييدها بما بعد عثمان باطل حسب فهم الشيخين واعترافهما أيضا.
وأيضا فإنه لا ريب في دلالة هذا الحديث - بناءا على حمل (المولى) على
الأولى بالإمامة على الإمامة المطلقة لأمير المؤمنين عليه السلام، وبما أنه لا نص
على إمامة الثلاثة - وخلافتهم كما هو الثابت والمعترف به لدى القوم حتى
لقد اعترف بذلك (الدهلوي) نفسه - فإن مطلق النص على خلافة الإمام عليه
السلام يثبت خلافته بلا فصل لقبح تقديم غير المنصوص عليه على المنصوص
عليه.
(والثالثة) قوله: " ويدل لذلك أنه لم يحتج بذلك... فكونه عن الاحتجاج
بذلك إلى أيام خلافته " مردود بعدم تسليم الشيعة بسكوته عليه الصلاة والسلام
بل إنهم يكذبون هذه الدعوى ويستنكرونها، فدعوى الحلبي ذلك في مقابلة
الشيعة الإمامية لا تنفعه بحال ولا يسقط حديث الغدير عن الاحتجاج والاستدلال.
وإليك بعض روايات الشيعة الإمامية المتضمنة لمناشدة الإمام عليه السلام
أبا بكر وأصحاب الشورى بحديث الغدير:
1 - روى الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي:
أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر بن أبي قحافة: " ولكن أخبرني
عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه. فقال أبو بكر: بالنصيحة والوفاء ودفع
المداهنة والمحاباة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب وفصل الخطاب
مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وإنصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد
ثم سكت.
فقال علي عليه السلام: أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال
أو في؟
قال أبو بكر: بل فيك يا أبا الحسن.
38

قال: أنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل
ذكران المسلمين أم أنت؟
قال: بل أنت.
قال: فأنشدك بالله أنا الأذان لأهل الموسم ولجميع الأمة بسورة براءة أم
أنت؟
قال: بل أنت.
قال: فأنشدك بالله أنا وقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسي
يوم الغار أم أنت؟
قال: بل أنت.
قال: أنشدك بالله لي الولاية من الله مع ولاية رسوله في آية زكاة الخاتم
أم لك؟
قال: بل لك.
قال: أنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي يوم الغدير
أم أنت؟
قال: بل أنت " (1).
2 - وروى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي ما نصه:
" جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن علي بن مهدي املاءا من كتابه عن أبيه
عن أبي الحسن الرضا عن آبائه عليهم السلام، قال: لما أتى أبو بكر وعمر إلى
منزل أمير المؤمنين عليه السلام وخاطباه في أمر البيعة وخرجا من عنده خرج
أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد، فحمد الله وأثنى عليه بما اصطنع عندهم

(1) الخصال 2 / 549.
39

أهل البيت، إذ بعث فيهم رسولا منهم وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
ثم قال:
إن فلانا وفلانا أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا ابن عم
النبي وأبو بنيه والصديق الأكبر وأخو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقولها
أحد غيري إلا كاذب، وأسلمت وصليت قبل كل أحد، وأنا وصيه وزوج ابنته
سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد، وأبو حسن وحسين سبطي رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن أهل بيت الرحمة، بنا هداكم وبنا استنقذكم
من الضلالة، وأنا صاحب يوم الدوح، وفي نزلت سورة من القرآن، وأنا
الوصي على الأموات من أهل بيته، وأنا ثقته على الأحياء من أمته، فاتقوا الله
يثبت أقدامكم ويتم نعمته عليكم. ثم رجع إلى بيته " (1).
3 - وروى الشيخ حسن بن محمد الديلمي ما نصه: " روي عن الصادق
عليه السلام: إن أبا بكر لقي أمير المؤمنين عليه السلام في سكة بني النجار فسلم
عليه وصافحه وقال له: يا أبا الحسن أفي نفسك شئ من استخلاف الناس إياي
وما كان من يوم السقيفة وكراهتك البيعة؟ والله ما كان ذلك من إرادتي، إلا أن
المسلمين اجتمعوا على أمر لم يكن لي أن أخالف عليهم فيه...
فقال له أمير المؤمنين: يا أبا بكر فهل تعلم أحدا أوثق من رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وقد أخذ بيعتي عليك في أربعة مواطن وعلى جماعة معك وفيهم
عمر وعثمان: في يوم الدار، وفي بيعة الرضوان تحت الشجرة، ويوم جلوسه
في بيت أم سلمة، وفي يوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع. فقلتم بأجمعكم.
سمعنا وأطعنا الله ورسوله. فقال لكم: الله ورسوله عليكم من الشاهدين. فقلتم

(1) بحار الأنوار عن الأمالي للشيخ الطوسي.
40

بأجمعكم: الله ورسوله علينا من الشاهدين. فقال لكم: فليشهد بعضكم لبعض
وليبلغ شاهدكم غائبكم ومن سمع منكم فليسمع من لم يسمع. فقلتم: نعم
يا رسول الله، وقلتم بأجمعكم تهنئون رسول الله وتهنئوني بكرامة الله لنا، فدنى
عمر وضرب على كتفي وقال بحضرتكم: بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت
مولانا ومولى المؤمنين. لقد ذكرتني يا أمير المؤمنين أمرا لو يكون رسول الله
شاهدا فاسمعه منه " (1).
ولو أن أهل السنة أبوا عن قبول هذه الروايات فإنا نورد استدلال أمير المؤمنين
بالنص على إمامته في أيام أبي بكر من روايتهم، فقد روى أسعد بن إبراهيم
ابن الحسن بن علي الحنبلي في (أربعينه) عن أستاذه عمر بن الحسن المعروف
بابن دحية - الذي ترجم له ابن خلكان بما ملخصه: " أبو الخطاب عمر بن
الحسن - الأندلسي البلنسي الحافظ، كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء،
متقنا لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به، عارفا بالنحو واللغة وأيام العرب و
أشعارها، أكثر بطلب الحديث في أكثر بلاد الأندلس الإسلامية ولقي بها
علمائها ومشايخها، وهو في تلك الحال يؤخذ عنه ويستفاد منه. " (2) ما نصه:
" الحديث الثالث: يرويه الثوري عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال:
حضرت أنس بن مالك وهو مكفوف البصر وفيه وضح، فقام إليه رجل -
وكأنه كان بينه وبينه إحنة - وقال: يا صاحب رسول الله ما هذه السمة التي
أرادها بك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن البرص والجذام ما يبتلي بها
مؤمن؟
فأطرق أنس وعيناه تذرفان وقال: أما لو صح فإنه دعوة دعاها أمير المؤمنين

(1) إرشاد القلوب للديلمي.
(2) وفيات الأعيان 3 / 121.
41

علي بن أبي طالب.
فسأله جماعة أن يحدثهم بالحديث.
فقال: لما أنزلت سورة الكهف سأل بعض الصحابة أن يريهم أهل الكهف
فوعدهم ذلك، فأهدي بساط له وذكره الصحابة وعده، فقال: أحضروا عليا،
فلما حضر قال لي يا أنس أبسط البساط، فبسطته وأمر الصحابة أن يجلسوا
عليه، فلما جلسوا رفع البساط وسار في الهواء إلى الظهر، فوقف البساط ثم
قمنا نمشي على الأرض حتى شاهدنا الكهف، ورأينا قوما نياما تضئ وجوههم
كالقناديل وعليهم ثياب بيض وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد، فملئنا رعبا،
فتقدم أمير المؤمنين وقال: السلام عليكم، فردوا عليه السلام، وتقدم القوم
وسلموا، فلم يردوا عليهم السلام، فقال لهم علي: لم لا تردون على صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أحدهم: سل ابن عمك ونبيك. ثم قال
علي للجماعة: خذوا مجالسكم، فلما أخذوا قال علي: يا ملائكة الله ارفعوا
البساط، فرفع وسرنا في الهواء ما شاء الله. ثم قال: ضعونا لنصلي الظهر، فإذا
نحن في أرض ليس فيها ماء نشرب ولا نتوضأ، فوكز الأرض برجله فنبع الماء
العذب، فتوضأنا وصلينا وشربنا. فقال: ستدركون صلاة العصر مع رسول
الله وسار بنا البساط إلى العصر، وإذا نحن على باب المسجد، فلما رآنا قال:
تحدثوني أو أحدثكم؟ وجعل يحدثنا كأنه كان معنا، فقال له علي: لم ردوا
علي السلام ولم يردوا على أصحابي؟ فقال: إنهم لا يردون السلام إلا على
نبي أو وصي نبي. ثم قال: اشهد لعلي يا أنس.
فلما كان بعد يوم السقيفة استشهدني علي بيوم البساط فقلت: إني نسيت.
قال: إن كنت كتمتها بعد وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فرماك الله
42

ببياض في وجهك ولظى في جوفك وعمى في بصرك. فبرصت وتلظى جوفي
وعميت.
وكان أنس لا يطيق الصيام في شهر رمضان ولا في غيره من حرارة بطنه.
ومات بالبصرة، وكان يطعم كل يوم مسكينا عن يوم يفطر من رمضان " (1).
وأما عدم نقل أهل السنة احتجاج الإمام عليه السلام بحديث الغدير في
أيام أبي بكر ونحوها فلا يكون حجة على الشيعة أبدا، كما إن نقل أحد الفريقين
لا يكون حجة على الفريق لآخر.
هذا وقد ذكر الفخر الرازي في (نهاية العقول) في وجه الاستدلال بحديث
الغدير: " الثاني: إن عليا رضي الله عنه ذكره في الشورى عندما حاول ذكر
فضائله، ولم ينكره أحد، فعدم إنكارهم لذلك مع توفر الدواعي على القدح
فيما يفتخر به الإنسان على غيره دليل صحته " ثم أجاب عن هذا الاستدلال
بقوله: " وأما الوجه الثاني وهو المناشدة في الشورى فهو ضعيف، لأن الحاجة
إلى تصحيح هذه المناشدة كالحاجة إلى تصحيح أصل الحديث، بل ذلك
أولى، لأن أكثر المحدثين ينكرون تلك المناشدة، وبتقدير صحتها، فلا نسلم
انتهائها إلى جميع الصحابة، وبتقدير انتهائها إلى كلهم فلا نسلم أنه لم يوجد
فيهم من أنكر ذلك... ".
وفيه: كيف لا نسلم أنه لم يوجد فيهم من أنكر ذلك؟ مع توفر الدواعي
على نقل مثل هذا الانكار من أشياع المنحرفين عن أمير المؤمنين والحال أنه
لم ينقله أحد أبدا.
وإذا لم يكن عدم النقل دليلا على العدم في مثل هذا الأمر الذي توفرت
الدواعي على نقله فكيف يكون عدم نقل استدلال الإمام واحتجاجه بحديث

(1) نهاية العقول - مخطوط.
43

الغدير في زمان أبي بكر وغيره دليلا على العدم مع توفر الدواعي على عدم
نقله؟!
على أنك قد علمت فيما تقدم رواية الواحدي الأشعار التي أنشدها في
حضور أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم وضمنها جملة من فضائله وخصائصه ومنها
حديث الغدير. فدعوى سكوته في زمنهم كذب.
44

(8)
استنكار أبي الطفيل
لحديث الغدير
45

وإن استنكار أبي الطفيل واستبعاده لحديث الغدير من أقوى الأدلة على
دلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة، إذ لو كان لهذا الحديث معنى غير
الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن للاستنكار والشك وجه
فلقد جاء في رواية أحمد عن أبي الطفيل قوله: " فخرجت وكان في نفسي شيئا
فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليا يقول كذا وكذا. قال: فما
تنكر! قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له " (1).
وفي رواية النسائي: " فخرجت وفي نفسي منه شئ، فلقيت زيد بن أرقم
وأخبرته. فقال: ما تشك! أنا سمعته " (2).
وفي رواية ابن كثير: " فخرجت وكان في نفسي شئ، فلقيت زيد بن أرقم
فقلت له: إني سمعت عليا يقول كذا وكذا. قال: فما تنكر! لقد سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.
رواه النسائي من حديث حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عنه أتم من
ذلك " (3).

(1) مسند أحمد 4 / 370.
(2) الخصائص: 100.
(3) تاريخ ابن كثير 7 / 346.
47

وفي (زين الفتى) عنه: " فقمت وكان في نفسي شئ فلقيت زيد بن أرقم
فأخبرته بما قال علي. فقال: وما تنكر! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقوله " (1).
وفي (الرياض النضرة) بطريق ابن حبان: " فخرجت وفي نفسي من ذلك
شئ، فلقيت زيد بن أرقم فذكرت له ذلك. فقال: قد سمعناه من رسول الله
" ص " يقول له ذلك " (2).
فهل ترى أن يكون أبو الطفيل في شك من وجوب محبة علي عليه السلام
وأن يكون في نفسه شئ من كونه " ع " ناصرا ومحبا...؟! إن هذا لا يجوزه
عاقل في حق أبي الطفيل الذي يعد من أجلة الصحابة وعلمائهم:
ترجمة أبي الطفيل
فقد ترجم له ابن عبد البر بقوله: " أبو الطفيل عامر بن واثلة، ولد يوم
أحد، وأدرك من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين، نزل الكوفة
صحب عليا كرم الله وجهه في مشاهده كلها، فلما قتل علي رضي الله عنه انصرف
إلى مكة فأقام بها حتى مات سنة مائة.
وكان فاضلا عالما، حاضر الجواب، فصيحا، وكان يتشيع في علي كرم
الله وجهه ويفضله، ويثني على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويترحم
على عثمان رضي الله عنه.
قيل: قدم أبو الطفيل يوما على معاوية فقال له: كيف وجدك على خليلك
أبي الحسن؟ قال: كوجد أم موسى لموسى وأشكو إلى الله التقصير. وقال له

(1) زين الفتى بتفسير سورة هل أتى - مخطوط.
(2) الرياض النضرة في فضائل العشرة المبشرة 2 / 223.
48

معاوية: كنت فيمن حصر عثمان؟ قال: لا ولكني كنت فيمن حضره. قال: فما
منعك من نصره؟ قال: وأنت ما منعك من نصره إذ تربصت به ريب المنون
وكنت في أهل الشام وكلهم تابع لك فيما تريد؟ قال له معاوية: أو ما ترى
طلبي بدمه نصرة له؟ قال: بلى ولكنك كما قال أخو بني فلان:
لا ألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي " (1)
وقال ابن الأثير: " كان فاضلا عاقلا حاضر الجواب فصيحا وكان من شيعة
علي ويثني على أبي بكر وعمر وعثمان... " (2).

(1) الاستيعاب 4 / 1696.
(2) أسد الغابة لابن الأثير الجزري.
49

(9)
قول النبي " ص " في صدر الحديث
ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
51

لقد صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديث الغدير جملة هي
قوله: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم "، وهذا دليل واضح وبرهان قاطع
على أن (المولى) في حديث الغدير معناه (الأولى بالتصرف).
وهذا الدليل يتم باثبات أمور:
1 - ثبوت جملة " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ".
2 - دلالة هذه الجملة على أولوية النبي " ص " بالتصرف.
3 - دلالة مجئ هذه الجملة قبل حديث الغدير على كون المراد من (المولى)
في الحديث نفس المراد من (الأولى) في تلك الجملة.
ولنشرع في إثبات هذه الأمور حتى يتم الدليل:
1 - ذكر من روى جملة " ألست أولى... " في حديث الغدير
أما الجملة المذكورة فلا ريب في ثبوتها، وممن رواها مع حديث الغدير:
1 - معمر بن راشد أبو عروة الأزدي.
2 - عبد الله بن نمير الخارفي الكوفي.
3 - أبو نعيم فضل بن دكين شيخ البخاري.
4 - عفان بن مسلم.
53

5 - علي بن حكيم الأودي.
6 - عبد الله بن محمد بن أبي شيبة.
7 - عبيد الله بن عمر القواريري،
8 - قتيبة بن سعيد الثقفي البلخي البغلاني.
9 - أحمد بن حنبل الشيباني.
10 - أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني.
11 - عبد الله بن أحمد بن حنبل.
12 - أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار.
13 - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي.
14 - أبو العباس حسن بن سفيان بن عامر.
15 - أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي.
16 - محمد بن جرير الطبري الشافعي.
17 - محمد بن علي بن الحسين المعروف بالحكيم الترمذي.
18 - أبو زكريا يحيى بن عبد الله الغبري.
19 - دعلج بن أحمد السجزي.
20 - أبو حاتم محمد بن حبان البستي.
21 - أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني.
22 - أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني.
23 - أحمد بن محمد الثعلبي.
24 - إسماعيل بن علي بن حسين بن زنجويه المعروف بابن السمان.
25 - أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني.
26 - علي بن حسن بن حسين الخلعي.
54

27 - أحمد بن محمد العاصمي.
28 - عبد الكريم بن محمد المروزي السمعاني.
29 - الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي.
30 - عمر بن محمد بن خضر الأردبيلي المعروف بالملا.
31 - أبو موسى المديني محمد بن أبي بكر.
32 - أبو الفتوح أسعد بن محمود العجلي الاصفهاني.
33 - محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري.
34 - إبراهيم بن عبد الله الوصابي.
35 - إبراهيم بن محمد الحموئي الجويني.
36 - جمال الدين الزرندي.
37 - إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي.
38 - علي بن شهاب الدين الهمداني.
39 - أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي.
40 - نور الدين علي بن محمد المعروف بابن الصباغ.
41 - حسين بن معين الدين الميبدي.
42 - عبد الله بن عبد الرحمن المشهور بأصيل الدين المحدث.
43 - عطاء الله بن فضل الله المحدث الشيرازي.
44 - محمود بن محمد بن علي الشيخاني.
45 - نور الدين علي الحلبي.
46 - حسام الدين بن محمد بايزيد.
47 - ميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني.
48 - محمد صدر العالم.
55

49 - أحمد بن عبد القادر.
50 - المولوي محمد مبين.
ومن هنا يظهر سقوط مكابرة فخر الدين الرازي في قوله: " ثم إن سلمنا
صحة أصل الحديث ولكن لا نسلم صحة تلك المقدمة وهي قوله عليه السلام:
ألست أولى بكم من أنفسكم. بيانه: إن الطرق التي ذكرتموها في تصحيح
أصل الحديث لم يوجد في شئ منها هذه المقدمة، فإن أكثر من روى أصل
الحديث لم يرو تلك المقدمة، فلا يمكن دعوى إطباق الأمة على قبولها، لأن
من خالف الشيعة إنما يروون أصل الحديث للاحتجاج به على فضيلة علي رضي
الله عنه، ولا يروون هذه المقدمة. وأيضا فلم يقل أحد أن عليا رضي الله عنه
ذكرها يوم الشورى، فثبت أنه لم يحصل في هذه المقدمة شئ من الطرق
التي يثبتون أصل الحديث بها فلا يمكن إثبات هذه المقدمة " (1).
ولا يخفى عليك التهافت بين قوله: " فإن أكثر من روى هذا الحديث... "
وقوله: " لأن من خالف الشيعة إنما يروون... ".
كما يسقط إنكار إسحاق الهروي القائل: " ومن رواه لم يرو أول الحديث
أي قوله: ألست أولى بكم من أنفسكم. وهو القرينة على كون المولى بمعنى
الأولى... ".
بل يكفي في إبطال دعوى الرازي والهروي اعتراف (الدهلوي) حيث
ذكر: " إن قول النبي: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم مأخوذ من الآية
القرآنية، ومن هنا جعل ذلك من المسلمات لدى أهل الإسلام ثم فرع عليه
الحكم التالي له ".

(1) نهاية العقول - مخطوط.
56

2 - دلالة الجملة على أولوية النبي بالتصرف
وأيضا فلا ريب في دلالة مقدمة الحديث وهي قوله صلى الله عليه وآله:
وسلم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ على أنه " ص " أولى من المؤمنين
بالتصرف مطلقا، فإن هذه الجملة متخذة - كما اعترف (الدهلوي) - من الآية
الكريمة في القرآن العظيم... وهي تدل على الأولوية بالتصرف، وقد اعترف
بذلك كبار علماء أهل السنة ومشاهير أساطينهم في مختلف العلوم والفنون:
قال الواحدي: " قوله: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. أي إذا حكم
عليهم بشئ نفذ حكمه ووجب طاعته عليهم. قال ابن عباس: إذا دعاهم النبي
إلى شئ ودعتهم أنفسهم إلى شئ كانت طاعة النبي أولى بهم من طاعة
أنفسهم " (1).
وقال البغوي: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. أي من بعضهم ببعض
في نفوذ حكمه عليهم ووجوب طاعته عليهم. وقال ابن عباس وعطا: يعني إذا
دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعتهم أنفسهم إلى شئ كانت طاعة النبي
صلى الله عليه وسلم أولى بهم من طاعة أنفسهم. وقال ابن زيد: النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم فيما قضى فيهم كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه.
وقيل: أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه. وقيل: كان النبي
صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الجهاد فيقول قوم نذهب ونستأذن من أبنائنا
وأمهاتنا فنزلت الآية.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن
يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن محمد أنا أبو عامر أنا فليح عن هلال

(1) التفسير الوسيط - مخطوط.
57

ابن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: ما من مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة اقرأوا إن شئتم: النبي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا
ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه " (1).
وقال القاضي البيضاوي: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم في الأمور
كلها، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم، بخلاف النفس،
فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وأمره أنفذ فيهم
من أمرها وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها.
روي أنه صلى الله عليه وسلم أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج، فقال
ناس: نستأذن آبائنا وأمهاتنا فنزلت " (2).
وقال جار الله الزمخشري: " النبي أولى بالمؤمنين في كل شئ من أمور
الدنيا والدين من أنفسهم، ولهذا أطلق ولم يقيد، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم
من أنفسهم وحكمه أنفذ عليهم من حكمها وحقه آثر لديهم من حقوقها وشفقتهم
عليه أقدم من شفقتهم عليها، وأن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه إذا أعضل خطب
ووقاءه إذا ألقحت حرب، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم ولا ما تصرفهم
عنه ويتبعوا كلما دعاهم إليه رسول الله " ص " وصرفهم عنه... " (3).
وقال قاضي القضاة أبو العباس أحمد بن الخليل الخويي توجد ترجمته
في كتب الطبقات. قال ابن قاضي شهبة: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر
ابن عيسى المهلبي قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس الخويي. ولد بخوي

(1) معالم التنزيل للبغوي 5 / 191 بهامش الخازن.
(2) أنوار التنزيل للبيضاوي: 552.
(3) الكشاف للزمخشري: 3 / 523.
58

في شوال سنة 583... قال السبكي في الطبقات الكبرى: وقرأ الفقه على
الرافعي وقرأ علم الجدل على علاء الدين الطوسي وسمع الحديث من جماعة
... قال الذهبي: كان فقيها إماما مناظرا خبيرا بعلم الكلام أستاذا في الطب
والحكمة دينا كثير الصلاة والصيام. توفي في شعبان سنة 737... قال بتفسير
الآية المباركة:
" تقرير لصحة ما صدر منه صلى الله عليه وسلم من التزوج بزينب، وكان
هذا جواب عن سؤال وهو: إن قائلا لو قال: هب أن الأدعياء ليسوا بأبناء
كما قلت لكن من سماه غيره ابنا إذا كان لدعيه شئ حسن لا يليق بمروته أن
يأخذه منه ويطعن فيه عرفا.
فقال الله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين. جوابا عن ذلك السؤال وتقريره
هو: أن دفع الحاجات على مراتب: دفع حاجة الأجانب، ثم دفع حاجة
الأقارب الذين على حواشي النساء، ثم دفع حاجة الأصول والفصول، ثم
دفع حاجة النفس. والأول عرفا دون الثاني وكذلك شرعا، فإن العاقلة تتحمل
الدية منهم ولا تتحملها عن الأجانب، والثاني دون الثالث وهو ظاهر بدليل
النفقة، والثالث دون الرابع فإن النفس مقدم على الغير وإليه أشار النبي " ص "
بقوله: إبدأ بنفسك ثم بمن تعول.
إذا علمت هذا فالانسان إذا كان معه ما يغطي به أحد الرجلين ويدفع به
حاجة من شقي بدنه فأخذ العطاء من أحدهما وغطى به الأخرى لا يكون لأحد
أن يقول: لم فعلت؟ فضلا من أن يقول بئس ما فعلت. اللهم إلا أن يكون أحد
العضوين أشرف من الآخر، مثل ما إذا وقى الإنسان عينه بيده ويدفع البرد عن
رأسه الذي هو معدن حواسه ويترك رجله تبرد، فإنه الواجب عقلا. فمن يعكس
الأمر يقال له: لم فعلت؟
59

وإذا تبين هذا فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فلو دفع المؤمن حاجة
نفسه دون حاجة نبيه يكون مثله من يدهن شعره ويكشف رأسه في برد مفرط
قاصدا به تربية شعره ولا يعلم أنه يؤذي به رأسه الذي لا نبات لشعره إلا منه.
فكذلك دفع حاجة النفس لفراغها إلى عبادة الله ولا علم بكيفية العبادة إلا من
الرسول، فلو دفع الإنسان حاجة لا للعبادة فهو ليس دفعا للحاجة، إذ هو فوق
تحصيل المصلحة وهذا ليس فيه مصلحة فضلا من أن يكون حاجة وإن كان للعبادة
فترك النبي الذي منه يتعلم كيفية العبادة في الحاجة ودفع الحاجة مثل تربية
الشعر مع إهمال أمر الرأس. فبين أن النبي " ص " إذا أراد شيئا حرم على الأمة
التعرض إليه في الحكمة الواضحة " (1).
وقال النسفي: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أي أحق بهم في كل
شئ من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أن يبذلوا
نفسه دونه ويجعلوها فداءه، أو هو أولى بهم أي أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع
لهم " (2).
وقال النيسابوري: " ثم إنه كان لقائل أن يقول: هب أن الدعي لا يسمى
ابنا، أما إذا كان لدعيه شئ أحسن فكيف يليق بالمروة أن يطمع عينه إليه
وخاصته إذا كان زوجته، فلذلك قال في جوابه: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
والمعقول فيه: أنه رأس الناس ورئيسهم فدفع حاجته والاعتناء بشأنه أهم،
كما أن رعاية العضو الرئيس وحفظ صحته وإزالة مرضه أولى، وإلى هذا
أشار النبي " ص " بقوله: إبدأ بنفسك ثم بمن تعول.
ويعلم من إطلاق الآية أنه أولى بهم من أنفسهم في كل شئ من أمور

(1) التفسير الكبير لأبي العباس الخويي.
(2) مدارك التنزيل للنسفي 3 / 294.
60

الدنيا والدين. وقيل: إن أولى بمعنى أرأف وأعطف، كقوله: ما من مؤمن إلا أنا
أولى به في الدنيا والآخرة اقرأوا إن شئتم: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
فأيما مؤمن هلك وترك ما لا فليرثه عصبته من كانوا وإن ترك دينا أو ضياعا أي
عيالا فإلي " (1).
وقال المحلي: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيما دعاهم إليه ودعتهم
أنفسهم إلى خلافه " (2).
وقال الشربيني: " ولما نهى تعالى عن التبني وكان النبي صلى الله عليه
وسلم قد تبنى زيد بن الحارثة مولاه لما اختاره على أبيه وعمه كما مر، علل
تعالى النهي فيه بالخصوص بقوله تعالى دالا على أن الأمر أعظم من ذلك.
النبي أي الذي ينبئه الله تعالى بدقائق الأحوال في بدائع الأقوال ويرفعه دائما
في مراقي الكمال ولا يريد أن يشغله بولد ولا مال. أولى بالمؤمنين. أي
الراسخين في الإيمان فغيرهم أولى، في كل شئ من أمور الدين والدنيا، لما
حازه من الحضرة الربانية من أنفسهم فضلا عن آبائهم في نفوذ حكمه فيهم
ووجوب طاعته عليهم.
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي " ص " قال: ما من مؤمن إلا وأنا
أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرأوا إن شئتم: النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم، فأي مؤمن ترك ما لا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا
فليأتني فأنا مولاه.
وعن جابر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: أنا أولى بكل مؤمن من
نفسه، فأيما رجل مات وترك دينا فإلي ومن ترك ما لا فهو لورثته.

(1) غرائب القرآن للنيسابوري 21 / 77 - 78.
(2) تفسير الجلالين: 552.
61

وعن أبي هريرة قال: كان المؤمن إذا توفي في عهد رسول الله " ص "
يسأل هل عليه دين؟ فإن قالوا: نعم. قال: هل ترك وفاء لدينه؟ فإن قالوا: نعم
- صلى عليه - وإن قالوا: لا قال: صلوا على صاحبكم، وإنما لم يصل عليه
" ص " أولا فيما إذا لم يترك وفاءا لأن شفاعته " ص " لا ترد.
وقد ورد أن نفس المؤمن محبوسة عن مقامها الكريم ما لم يوف دينه.
وهو محمول على من قصر في وفائه في حال حياته، أما من لم يقصر لفقره
مثلا فلا، كما أوضحت ذلك في شرح المنهاج في باب الرهن.
وإنما كان صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم لأنه لا يدعوهم إلا
إلى العقل والحكمة، ولا يأمرهم إلا بما ينجيهم، وأنفسهم ربما تدعوهم إلى الهوى
والفتنة فتأمرهم بما يرديهم، فهو يتصرف فيهم تصرف الآباء بل أعظم بهذا
السبب الرباني، فأي حاجة إلى السبب الجسماني؟ " (1).
وقال ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي بشرح الحديث
الأول من كتاب الفرائض (وهو عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: أنا أولى الناس بالمؤمنين في كتاب الله عز وجل فأيكم ما ترك
دينا أو ضيعة فادعوني فأنا وليه وأيكم ما ترك ما لا فليورث عصبته من كان) قال:
" فيه فوائد: " الأولى " - أخرجه مسلم من هذا الوجه عن محمد بن رافع عن
عبد الرزاق. وأخرجه الأئمة الستة خلا أبا داود من طريق الزهري عن أبي سلمة
عن أبي هريرة... " الثانية " - قوله: أنا أولى الناس بالمؤمنين. إنما قيد
ذلك بالناس لأن الله تعالى أولى بهم منه، وقوله في كتاب الله عز وجل. إشارة
إلى قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وقد صرح بذلك في رواية
البخاري من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة... " الثالثة ": يترتب على كونه
عليه الصلاة والسلام أولى بهم من أنفسهم أنه يجب عليه إيثار طاعته على شهوات
62

أنفسهم وإن شق ذلك عليهم، وأن يحبوه أكثر من محبتهم لأنفسهم، ومن هنا
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده
ووالده والناس أجمعين. وفي رواية أخرى: من أهله وماله والناس أجمعين،
وهو في الصحيحين من حديث أنس. ولما قال له عمر رضي الله عنه: لأنت
أحب إلي من كل شئ إلا نفسي. قال له: لا والذي نفسي بيده حتى أكون
أحب إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي
فقال النبي " ص " الآن يا عمر. رواه البخاري في صحيحه. قال الخطابي: لم
يرد به حب الطبع، بل أراد حب الاختيار، لأن حب الإنسان نفسه طبع ولا
سبيل إلى قلبه. قال: فمعناه لا تصدق في حبي حتى تفني في طاعتي نفسك
وتؤثر رضاي على هواك وإن كان فيه هلاكك. " الرابعة ". استنبط أصحابنا
الشافعية من هذه الآية الكريمة أن له عليه الصلاة والسلام أن يأخذ الطعام
والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج عليه الصلاة والسلام إليهما،
وعلى صاحبهما البذل، ويفدي بمهجته مهجة رسول الله " ص ". وأنه لو قصده
عليه الصلاة والسلام ظالم لزم من حضره أن يبذل نفسه دونه وهو استنباط واضح
ولم يذكر النبي " ص " عند نزول هذه الآية ما له في ذلك من الحظ، وإنما
ذكر ما هو عليه فقال. وأيكم ما ترك دينا أو ضياعا فادعوني فأنا وليه وترك حظه
فقال: وأيكم ما ترك ما لا فليورث عصبته من كان " (1).
وقال البدر العيني بشرح قوله " ص ": وأنا أولى به في الدنيا والآخرة:
" يعني أحق وأولى بالمؤمنين في كل شئ من أمور الدنيا والآخرة من أنفسهم

(1) شرح الأحكام - كتاب الفرائض.
63

ولهذا أطلق ولم يعين، فيجب عليهم امتثال أو أمره واجتناب نواهيه " (1).
وقال الشهاب القسطلاني في كتاب التفسير: " النبي أولى بالمؤمنين في
الأمور كلها من أنفسهم. من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه ووجوب طاعته
عليهم. وقال ابن عباس وعطا: يعني إذا دعاهم النبي " ص " ودعتهم نفوسهم
إلى شئ كانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهم من طاعة أنفسهم
انتهى. وإنما كان ذلك لأنه لا يأمرهم ولا يرضى إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم
بخلاف النفس. وقوله: النبي... إلى آخره ثابت في رواية أبي ذر فقط.
... عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به. أي أحقهم به في كل شئ من أمور الدنيا
والآخرة، وسقط لأبي ذر لفظ الناس. اقرأوا إن شئتم قوله عز وجل: النبي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم. استنبط من الآية أنه لو قصده عليه السلام ظالم
وجب على الحاضر من المؤمنين أن يبذل نفسه دونه " (2).
وقال المناوي: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم في كل شئ لأني الخليفة
الأكبر الممد لكل موجود. فحكمي عليهم أنفذ من حكمهم على أنفسهم.
وذا قاله لما نزلت الآية... " (3).
وقال العزيزي: " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه كما قال الله تعالى: النبي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قال البيضاوي: أي في الأمور كلها فإنه لا يأمرهم
ولا يرضى عنهم إلا بما فيه صلاحهم بخلاف النفس، فيجب أن يكون أحب
إليهم من أنفسهم إلى آخره. فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا

(1) عمدة القاري 19 / 115.
(2) إرشاد الساري 7 / 280.
(3) التيسير في شرح الجامع الصغير 1 / 277.
64

احتاج إلى طعام أو غيره وجب على صاحبه المحتاج إليه بذله له " ص " وجاز
له " ص " أخذه، وهذا وإن كان جائزا لم يقع.... وأنا ولي المؤمنين. أي متولي
أمورهم، فكان صلى الله عليه وسلم يباح له أن يزوج ما شاء من النساء ممن يشاء
من غيره ومن نفسه وإن لم يأذن كل من الولي والمرأة وأن يتولى الطرفين بلا
إذن. حم م ن ة " (1).
هذا ولقد ذكر السيوطي الأحاديث الدالة على أولوية النبي صلى الله عليه
وآله وسلم من المؤمنين في الأمور كلها بتفسير قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم، حيث قال:
" قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. أخرج البخاري وابن
جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة. اقرأوا
إن شئتم: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته
من كانوا فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه.
وأخرج الطيالسي وابن مردويه عن أبي هريرة قال: كان المؤمن إذا توفي
في عهد رسول الله فأتي به النبي سأل: هل عليه دين فإن قالوا: نعم قال: هل
ترك وفاءا لدينه؟ فإن قالوا: نعم صلى عليه وإن قالوا: لا قال: صلوا على
صاحبكم، فلما فتح الله علينا الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن
ترك دينا فإلي ومن ترك مالا فللوارث.
وأخرج أحمد وأبو داود وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فأيما رجل
مات وترك دينا فإلي ومن ترك مالا فهو لوارثه.

(1) السراج المنير في شرح الجامع الصغير 1 / 320.
65

وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي عن بريدة رضي الله عنه قال: غزوت مع
علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغير وقال:
يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: من
كنت مولاه فعلي مولاه " (1).
ومن حديثه الأخير أيضا - بالخصوص - يظهر أن المعنى المقصود من
" ألست أولى... " هو نفس معنى الآية الكريمة: " النبي أولى... " وإلا لما
ذكره السيوطي هذا الحديث في ذيل الآية المذكورة.
فظهر بطلان منع (الدهلوي) كون معنى " ألست أولى بالمؤمنين... "
الأولوية بالتصرف في كل شئ من كلمات الواحدي والبغوي والزمخشري
والبيضاوي والخوئي والنسفي والنيسابوري والعراقي والعيني والقسطلاني و
المناوي والعزيزي والشربيني.
بل إن الكابلي أيضا لم يمنع ذلك وإنما قال: " إن المراد بالمولى المحب
والصديق. أما فاتحته فلا تدل على أن المراد به الإمام لأنه إنما صدره بها ليكون
ما يلقي إلى السامعين أثبت في قلوبهم ".
بل تتضح غرابة إنكار (الدهلوي) من كلام ابن تيمية الشهير بالتعصب
الشديد وعناده للحق وأهله، فقد قال ابن تيمية: " والنبي صلى الله عليه وسلم لم
يقل: من كنت واليه فعلي واليه، وإنما اللفظ: من كنت مولاه فعلي مولاه.
وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل. فإن الولاية تثبت من الطرفين
فإن المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم. وأما كونه أولى بهم من أنفسهم فلا يثبت
إلا من طرفه صلى الله عليه وسلم، وكونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص

(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 5 / 182.
66

نبوته، ولو قدر أنه نص على خليفة بعده لم يكن ذلك موجبا أن يكون أولى
بكل مؤمن من نفسه، كما أنه لا يكون أزواجه أمهاتهم، ولو أريد هذا المعنى
لقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه. وهذا لم يقله ولم ينقله
أحد ومعناه باطل قطعا " (1).
لأن ابن تيمية قد صرح بأن " كونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص
نبوته " ولو كان المراد من " الأولوية " هو " الأحبية " لم يكن هذا المعنى من
خصائص نبوته، لأن الأحبية، يثبتها أهل السنة للخلفاء وغيرهم ولو بالترتيب
فعلم أن المعنى أمر عظيم ومقام جسيم يكون من خصائص مقام النبوة ولا يناله
صاحب مقام الخلافة، ووجه ذلك: أن هذا المعنى - أي الأولوية بكل مؤمن
من نفسه - يقتضي العصمة والخلفاء ليسوا معصومين. لكن الأئمة من أهل
البيت عليهم السلام عصمتهم ثابتة فهذا المقام ثابت لهم، بل إن كلام ابن تيمية
هنا يثبت العصمة لأمير المؤمنين عليه السلام لثبوت هذه الأولوية له بالأدلة
السابقة واللاحقة.
3 - المراد من (المولى) في الحديث هو المراد من
(الأولى) في الصدر
وأما بيان أن المراد من (المولى) في قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" من كنت مولاه فعلي مولاه " هو المراد من (الأولى) في قوله في مقدم
الحديث: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟.. " فيتم بوجوه:
(الأول) قال كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام في
(فتح القدير): " قوله: وطلاق الأمة ثنتان حرا كان زوجها أو عبدا، وطلاق الحرة

(1) منهاج السنة 4 / 87.
67

ثلاثة حرا كان زوجها أو عبدا. وقال الشافعي رحمة الله عليه: عدد الطلاق معتبر
بالرجال، فإذا كان الزوج عبدا وهي حرة حرمت عليه بتطليقتين، وإن كان هو
حرا وهي أمة لا تحرم عليه إلا بثلاث... ويقول الشافعي قال مالك وأحمد وهو
قول عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وبقولنا قال الثوري وهو
مذهب علي وابن مسعود.
له ما روي عنه عليه الصلاة والسلام: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء قابل
بينهما واعتبار العدة بالنساء من حيث العدد، فكذا ما قوبل به تحقيقا للمقابلة،
فإنه حينئذ أنسب من أن يراد به الايقاع بالرجال، ولأنه معلوم من قوله تعالى:
فطلقوهن لعدتهن، وفي موطأ مالك رحمه الله أن نفيعا كان مكاتبا لأم سلمة...
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان، رواه
أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني عن عائشة ترفعه. وهو الراجح
الثابت، بخلاف ما رواه وما مهد من معنى المقابلة فإنه فرع صحة الحديث
أو حسنه، ولا وجود له حديثا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بطريق
يعرف.
وقال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي موقوف على ابن عباس. وقيل من
كلام زيد بن ثابت، وحديث الموطأ موقوف عليه وعلى عثمان وهو لا يرى
تقليد الصحابي، والالزام إنما يكون بعد الاستدلال، لأن حقيقته نقض مذهب
الخصم بما لا يعتقده الملزم صحيحا، وإلا يكون نقض مذهب خصمه فقط، فلا
يوجب صحة مذهب نفسه إلا بطريق عدم القائل بالفصل، وهذا لا يكون إلا
إذا كان ما نقض به مما يعتقده صحيحا وهو منتف عنده في مذهب الصحابي
فهو في معتقده غير منقوض فلم يثبت لمذهبه دليل يقاوم ما روينا " (1).

(1) فتح القدير في شرح الهداية 3 / 42.
68

فكما استدل الشافعي في تلك المسألة بالمقابلة المذكورة على ما ذهب
إليه نستدل نحن بالمقابلة الموجودة في حديث الغدير بين (من كنت مولاه
فعلي مولاه) و (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) فيلزم الاتحاد بين الجملتين
في المعنى ويتم الاستدلال.
وقد ذكر المولوي نظام الدين استدلال الشافعي المذكور عن فتح
القدير حيث قال: " ثم الحديث الأول يعني الطلاق بالرجال آخره والعدة
بالنساء أي العدد المتعلق بالعدة يزداد وينقص بشرف النساء وحسنها، فعلى
الأمة نصف ما على الحرة، فيكون معنى الطلاق بالرجال كذلك ليتلائم السياق
من السياق... " (1).
(الثاني) إن وجود " الفاء " في جملة " من كنت مولاه فعلي مولاه " في
طائفة من روايات حديث الغدير دليل صريح على كون هذه الجملة متفرعة
على الجملة السابقة لها:
ففي رواية أحمد بن حنبل من طريق ابن نمير: " فقال أيها الناس ألستم
تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي
مولاه " (2).
وفي روايته من طريق عفان بن مسلم: " فقال: ألستم تعلمون أو لستم
تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي
مولاه " (3).
وفي رواية النسائي من طريق قتيبة بن سعيد: " ثم قال: ألستم تعلمون أني

(1) صبح صادق - شرح المنار في الأصول.
(2) مسند أحمد 4 / 368.
(3) مسند أحمد 4 / 281.
69

أولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه؟ قالوا: بلى نشهد لأنت أولى بكل مؤمن
من نفسه. قال " ص " فإني من كنت مولاه فهذا علي مولاه وأخذ بيد علي " (1).
وفي رواية ابن كثير عن أبي يعلى والحسن بن سفيان: " فقال: ألست أولى
بكل امرء من نفسه؟ قالوا: بلى. قال فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه " (2).
وفيه عن عبيد الله بن عمر القواريري: " قالوا نشهد أنا سمعنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم
وأزواجي أمهاتهم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي
مولاه " (3).
وفي رواية السمهودي عن الطبراني في الكبير والضياء في المختارة من
حديث حذيفة بن أسيد الغفاري: " يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المسلمين
وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني عليا - اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه " (4).
وفي (كنز العمال) عن ابن جرير: " عن ميمون أبي عبد الله قال: كنت عند
زيد بن أرقم، فجاء رجل فسأل عن علي فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في سفر بين مكة والمدينة، فنزلنا مكانا يقال له غدير خم. فأذن الصلاة
جامعة، فاجتمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس ألست أولى
بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه؟ قلنا: بلى يا رسول الله نحن نشهد أنك أولى بكل

(1) الخصائص للنسائي: 95.
(2) تاريخ ابن كثير 7 / 210.
(3) المصدر نفسه.
(4) جواهر العقدين - مخطوط.
70

مؤمن من نفسه. قال: فإني من كنت مولاه فهذا مولاه. فأخذ بيد علي ولا أعلمه إلا
قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " (1).
وفيه عن المحاملي وغيره: " فقال: أيها الناس ألستم تشهدون أن الله
ورسوله أولى بكم من أنفسكم وأن الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى قال: فمن
كان الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه " (2).
وفيه عن الطبراني: " عن زيد بن أرقم قال: نشد علي الناس من سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: ألستم تعلمون أني أولى
بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه " (3).
وفي رواية السمعاني: " فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ثم قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن هذا مولى من أنا مولاه " (4).
وقال الملا عمر الأردبيلي: " ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: بلى. قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: أليس
أزواجي أمهاتكم؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا مولى من أنا مولاه " (5).
وفي رواية البدخشاني عن الطبراني والحكيم الترمذي من حديث أبي
الطفيل: " ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى
بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه " (6).

(1) كنز العمال 15 / 91.
(2) كنز العمال 15 / 122 - 123.
(3) كنز العمال 15 / 92.
(4) فضائل الصحابة - مخطوط.
(5) وسيلة المتعبدين - مخطوط.
(6) مفتاح النجا - مخطوط.
71

ولقد اعترف (الدهلوي) بتفرع حديث الغدير على الجملة السابقة لها حيث
قال: " وهذا الكلام من النبي: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، مأخوذ من
الآية القرآنية، ومن هنا جعل هذا الأمر من المسلمات لدى أهل الإسلام ثم
فرع عليه الحكم التالي له ".
وعلى أساس تفرع ما بعد " الفاء " على قبلها وتبعيته له في الحكم رد على
الشيعة الإمامية في ما ذهبوا إليه - حسب الأحاديث الواردة - من نزول قوله
تعالى: " فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة " في مورد نكاح المتعة (1).
فإذن يجب أن يكون حديث الغدير متفرعا على قوله صلى الله عليه وآله
وسلم: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " لمكان " الفاء " كما رأيت في
كثير من أخبار هذا الحديث الشريف، فثبت بطلان إنكار (الدهلوي) من كلامه
نفسه والحمد لله رب العالمين.
(الثالث) لقد استدل سبط ابن الجوزي - الذي احتج (الدهلوي) بكلامه
في الجواب عن المطعن السادس من مطاعن عمر، وكذا الكابلي في الصواعق
وقد عده محمد رشيد الدين الدهلوي من أئمة الدين وقدماء العلماء المعتمدين
لدى أهل السنة والجماعة - بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم " على أن المراد من (المولى) هو (الأولى) في حديث
الغدير. وسيأتي نص كلامه فيما بعد إنشاء الله تعالى.
(الرابع) لقد قال السيد شهاب الدين أحمد ما نصه: " وسمعت بعض أهل
العلم يقول: معناه من كنت سيده فعلي سيده مضي قوله. وتصدير القول بقوله صلى
الله عليه وبارك وسلم ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين يؤيد هذا القول والله

(1) التحفة الاثنا عشرية. باب الفقهيات.
72

سبحانه أعلم " (1).
(الخامس) لقد اعترف حسام الدين السهارنبوري بأن صدر الحديث قرينة
تقتضي إرادة معنى (الأولى) من (المولى) ثم زعم أن ذيل الحديث وهو قوله
" ص ": " اللهم وال من والاه... " قرينة تقتضي إرادة معنى (الناصر) و (المحبوب)
فيتعارض القرينتان، وإذا تعارضا بعدم مرجح تساقطا وإليك كلام السهارنبوري
معربا: " وأيضا: كما أن صدر الحديث قرينة تقتضي إرادة معنى الأولى، فإن
في آخره قرينة تقتضي إرادة معنى الناصر والمحبوب، فيتعارض القرينتان،
وإذا تعارضا بعدم مرجح تساقطا، فكان اللفظ المشترك يبقى بلا قرينة، ويكون
تعيين أحد معاني المشترك - خصوصا هذا المعنى في مورد النزاع - تحكما.
وأيضا فإن المعتبر عند التعارض هي القرينة الأقوى وهنا القرينة على كون
المراد هو الناصر والمحبوب أقوى، لأن الغرض من الخطبة هو الحث والترغيب
على محبة أهل البيت، وإن سبب إيرادها - كما ذكرنا سابقا - يرجح القرينة
على هذا المعنى ".
أقول: إن كلامه صريح في دلالة صدر الحديث على مطلوبنا.
وأما زعمه أن ذيله يقتضي إرادة معنى (الناصر والمحب) فيندفع بأن ذيل
الحديث جملة إنشائية، وقوله " من كنت مولاه فعلي مولاه " جملة خبرية.
" وأيضا " فإن الذيل خطاب مع الحق، وفي هذه الجملة الخطاب مع
الخلق، وأما صدر الحديث فهو جملة خبرية وهو خطاب مع الخلق. وعلى
ما ذكرنا من الوجهين - بالإضافة إلى تقدم الجملة المتصدرة للحديث - يتقدم
الصدر ويتأخر الذيل، ولا تعارض بين الصدر والذيل أبدا فلا تساقط.

(1) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.
73

" وأيضا ": مجئ (المولى) بمعنى (المحبوب) غير ثابت من كتب اللغة
فلو سلمنا كون الذيل قرينة على إرادة معنى المحبوب لزم العدول عنه لعدم
مساعدة اللغة.
" وأيضا ": قد علمت سابقا جعل التفتازاني والقوشجي ذيل الحديث قرينة
على إرادة معنى (الناصر والمحب) ومن الواضح مغايرة (المحب) للمحبوب
الذي ذكره صاحب المرافض وكيف يكون الشئ الواحد قرينة لشيئين
متغايرين؟
" وأيضا ": قوله " ص " في الذيل " وانصر من نصره " يقتضي إرادة معنى
(المنصور) لا (الناصر) فيلزم أن يكون (المولى) بمعنى (المنصور) وكون
أخذه بمعنى (الناصر) باطلا، لكن أحدا من اللغويين لم يذكر (المنصور) في
جملة معاني (المولى).
" وأيضا " لو كان المراد (المحبوب) وكان قوله " وانصر... " يقتضي إرادة
معنى (الناصر) للزم تساقط هاتين القرينتين لعدم جواز إرادة المعنيين من اللفظ
الواحد في الاستعمال الواحد حسب تصريح المحققين من الأصوليين، فيبقى
صدر الكلام بلا معارض.
ولعله من هنا لم يذكر الرازي لذيل الخبر إلا معنى (الناصر) وذلك حيث
قال: " ثم إن سلمنا أن تقديم تلك المقدمة يقتضي أن يكون المراد بالمولى
(الأولى)، ولكن الحديث مؤخره وهو قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم وال
من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله يقتضي أن يكون
المراد من المولى (الناصر). وإنما قلنا ذلك لأن من ألزم غيره شيئا بلفظ مشترك
بين ذلك الشئ وبين غيره ثم حث على التزام أحد معاني تلك اللفظة فإنه
يتبادر إلى الأفهام أنه إنما حث باللفظ المشترك على المعنى الذي صرح به
74

آخرا، ألا ترى أن الإنسان إذا قال لغيره: صل عند الشفق اللهم من (كذا) يصل
عند الشفق الأحمر. يحمل الشفق المأمور به على الشفق الأحمر. وإذا ثبت ذلك
فقوله: اللهم وال من والاه. حث منه على التزام ما ذكره من لفظة المولى.
فعلمنا أنه أراد بها الموالاة التي هي ضد العداوة. وأي شئ يقولون في هذه
المؤخرة نقوله في تلك المقدمة " (1).
وقد أفيد في (عماد الإسلام) في جوابه: " أقول: فيه وجوه من الكلام
وضروب من الملام " الأول ": إن قوله عليه السلام وال من والاه لو اقتضى
إرادة معنى المحبة من " من كنت مولاه " اقتضى قوله عليه السلام: " وانصر
من نصره " إرادة معنى النصرة، وحيث ثبت أن إرادة المعنيين من المشترك
في إطلاق واحد ممتنعة تعارض المعنيان، وإذا تعارضا تساقطا، فبقي إرادة معنى
الأولى من المولى بلا معارض.
" والثاني " أن قوله عليه السلام: " اللهم وال من والاه " خطاب مع الحق
بعد الفراغ عن الخطاب للخلق بقوله: " من كنت مولاه... " فلا يعارض القرينة
على إرادة معنى الأولوية التي هي أيضا خطاب مع الخلق.
" والثالث ": إن المولى قد جاء بمعنى أولى كما عرفت ولم يقل أحد أن
معنى المولى ووال واحد فلا مساواة بين القرينتين.
" والرابع " أنه لا خلاف بين الفريقين أن قوله عليه السلام: " فمن كنت
مولاه... " أمر وتكليف بصورة الأخبار، ولذا حمل الرازي قوله صلى الله عليه
وآله: " ألست أولى بالمؤمنين " على التذكير بوجوب طاعته تمهيدا لإظهار
وجوب طاعته صلى الله عليه وآله في باب التكليف المؤدي بقوله: " فمن كنت
مولاه " ولا شبهة في أنه إذا حملنا قوله " ص " من كنت مولاه فعلي مولاه " على

(1) نهاية العقول - مخطوط.
75

الناصر والمحب بقرينة الدعاء لم يصلح أن يكون تكليفا، لأن كونهما ناصرين
للخلق أو المحبين من فعلهما وصفاتهما دون الخلق.
" والخامس " أن الملائم للدعاء وتكليفه الناس أن يقول " ص " لو أراد إيجاب
المحبة أو النصرة على الخلق بالنسبة إلى علي عليه السلام: من كان مولاي
ومحبي وناصري فليكن مولى علي وناصره ومحبه اللهم وال من والاه وانصر
من نصره. لينتظم عبارته صلى الله عليه وآله من أوله إلى آخره. وبدون ذلك
لا يحسن التكلم بهذا الكلام كما لا يخفى. على أن القرائن المسطورة فيما قبل
لا يساعد شئ منها إرادة غير معنى الأولوية كما عرفت. وأما مثاله: صل عند
الشفق. فلا يطابق الممثل له بوجه ما، لأنه لا يجري في هذا المثال شئ مما
ذكرنا في الممثل له، وإلا كانت حاله كحاله ".
وأما زعم صاحب المرافض أن قرينة كون المراد معنى الناصر والمحبوب
أقوى لأن الغرض من الخطبة الحث والترغيب على محبة أهل البيت... فيندفع
بأن هذه الخطبة هي لأجل تشييد خلافة أمير المؤمنين وإمامته ويشهد بذلك وجود
حديث الثقلين فيها بعد حديث الغدير كما في الصواعق وغيره - وقد ذكر ذلك
صاحب المرافض نفسه - وقد ثبت أن حديث الثقلين من جملة الأدلة القوية
القويمة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم بلا فصل.
76

(10)
حديث الغدير بلفظ:
من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه
77

ولقد أخرج الحافظ الطبراني حديث الغدير بلفظ " من كنت أولى به من
نفسه فعلي وليه " فلقد ذكر محمد بن معتمدخان البدخشاني في كتابه (مفتاح
النجا) - الذي مدحه محمد رشيد الدهلوي وأثنى على مؤلفه - ما نصه: " وللطبراني
برواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم بلفظ: من كنت أولى به من نفسه
فعلي وليه " (1).
وقال في كتابه الآخر الذي التزم فيه بالصحة: " وعند الطبراني في رواية
أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما بلفظ: من كنت أولى
به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " (2).
وقال القاضي ثناء الله - تلميذشاه ولي الله الدهلوي: الذي وصفه (الدهلوي)
ببيهقي الزمان كما في إتحاف النبلاء -: " وجاء في بعض الروايات بلفظ:
من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه " (3).
وهذا اللفظ صريح في دلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة وبه أيضا
يعلم المراد من " من كنت مولاه فعلي مولاه " لأن الحديث يفسر بعضه بعضا.
ولقد روى سبط ابن الجوزي والسيد شهاب الدين أحمد عن أبي الفرج
يحيى بن سعيد الثقفي الأصبهاني حديث الغدير بلفظ: " من كنت وليه وأولى

(1) مفتاح النجا - مخطوط.
(2) نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار ص 21.
(3) سيف مسلول - مخطوط.
79

به من نفسه فعلي وليه " (1).
وهو أيضا يقضي بأن المراد من (المولى) هو (الأولى) لأن الحديث يفسر
بعضه بعضا، ولذا قال سبط ابن الجوزي بعد ذكر عدم جواز إرادة المعاني
الآخر غير الأولى من لفظ المولى: " فتعين العاشر ومعناه من كنت أولى به من
نفسه فعلي أولى، وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي
الأصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين، فإنه روى هذا الحديث بإسناده
إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي وقال: من
كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه " (2).
وقال شهاب الدين أحمد بعد ذكر حديث الغدير: " وسمعت بعض أهل
العلم يقول: معناه من كنت سيده فعلي سيده مضى قوله، وتصدير القول بقوله
صلى الله عليه وآله وبارك وسلم: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين يؤيد هذا
القول والله سبحانه أعلم.
وقال الشيخ الإمام جلال الدين أحمد السخجندي قدس سره: المولى
يطلق على معان: منها الناصر ومنها الجار بمعنى المجير لا المجار ومنها السيد
المطاع ومنها الأولى في مولاكم أي أولى بكم. وباقي المعاني لا يصلح اعتبارها
فيما نحن بصدده، فعلى المعنيين الأولين يتضمن الأمر لعلي رضي الله تعالى
عنه بالرعاية لمن له من النبي العناية، وعلى المعنيين الآخرين يكون الأمر
بإطاعته واحترامه واتباعه. وقد خرج أبو الفرج الاصفهاني في كتابه المسمى
بمرج البحرين قال: أخذ النبي " ص " بيد علي كرم الله تعالى وجهه وقال: من
كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه " (3).

(1) تذكرة خواص الأمة ص 29، توضيح الدلائل - مخطوط. عن مرج البحرين.
(2) تذكرة الخواص: 32.
(3) توضيح الدلائل - مخطوط.
80

(11)
سياق حديث الغدير
في المستدرك على الصحيحين
81

و أخرج الحاكم حديث الغدير بسياق ولفظ يدل بصراحة ووضوح على
إمامة أمير المؤمنين وخلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا من
جهة الدلالة، وأما من جهة السند فقد نص على أنه حديث صحيح الإسناد، وإليك
نص الحديث: " أخبرني محمد بن علي الشيباني بالكوفة ثنا أحمد بن حازم
الغفاري ثنا أبو نعيم ثنا كامل أبو العلاء قال سمعت حبيب بن أبي ثابت يخبر
عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى انتهينا إلى غدير خم، فأمر بدوح فكسح في يوم ما
أتى علينا يوم كان أشد حرا منه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس إنه
لم يبعث نبي قط إلا ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإني أوشك أن أدعى
فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده: كتاب الله عز وجل. ثم قام فأخذ
بيد علي رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا:
الله ورسوله أعلم. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. هذا حديث صحيح
الإسناد ولم يخرجاه " (1).
وهذا الحديث الصحيح يدل على أن المراد من (المولى) هو (الأولى)
بصراحة لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا الكلام في ذلك الحشد العظيم

(1) المستدرك على الصحيحين.
83

من الناس وفي يوم ما أتى عليهم يوم كان أشد حرا منه، وبعد أن ذكر لهم قرب
وفاته وبين لهم عدم ضلالهم بعد التمسك بكتاب الله آخذا بيد علي عليه السلام
بعد أن سألهم: " من أولى بكم من أنفسكم؟ "، وهل يتصور للفظ (المولى) في
هذا الحديث مع هذه الجهات والأحوال معنى غير المعنى المراد من " من أولى
بكم من أنفسكم؟ " كلا اللهم كلا، وقد عرفت وستعرف أيضا أن هذه الجملة
الكريمة مأخوذة من الآية المباركة وهي قوله تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم... " الدالة كما عرفت دلالتها على أولويته في كل شئ...
قال الشيخ عبد الحق الدهلوي: " فقال بعد أن جمع الصحابة: ألستم تعلمون
أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وفي بعض الروايات كرره للمسلمين وهم
بجيبون بالتصديق والاعتراف، يريد به قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم: الآية. أي في الأمور كلها، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه
صلاحهم ونجاحهم، بخلاف النفس، فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون
أحب إليهم من أنفسهم وأمره انفذ عليهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم
عليها.
روي أنه صلى الله عليه وسلم أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال
ناس: نستأذن آبائنا وأمهاتنا فنزلت. وقرئ: وهو أب لهم أي في الدين، فإن
كل نبي أب لأمته من حيث أنه أصل فيما به الحياة الأبدية، ولذلك صار
المؤمنون إخوة. كذا في تفسير البيضاوي.
وقوله: " إني أولى بكل مؤمن من نفسه تأكيد وتقرير يفيد كونه " (1) أولى
بكل واحد من المؤمنين، كما أن الأول يفيده بالنسبة إليهم جميعا.

(1) اللمعات شرح المشكاة لعبد الحق الدهلوي الهندي.
84

من ترجمة الحاكم:
ومن المناسب أن نذكر هنا بعض الثناء والمدح الوارد في حق الحاكم
النيسابوري من أعلام أهل السنة:
1 - ابن خلكان: " أبو عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم
النيسابوري الحافظ المعروف بابن البيع، إمام أهل الحديث في عصره، و
المؤلف فيه الكتب التي لم يسبق إلى مثلها، كان عالما عارفا واسع العلم،
تفقه على أبي سهل محمد بن سليمان الصعلوكي الفقيه الشافعي، ثم طلب
الحديث وغلب عليه، فاشتهر به وسمعه من جماعة لا يحصون كثرة، فإن معجم
شيوخه يقرب من ألفي رجل، حتى روى عمن عاش بعده، لسعة روايته وكثرة
شيوخه، وصنف في علومه ما يبلغ ألفا وخمسمائة جزء، منها الصحيحان، وأما
ما تفرد بإخراجه فمعرفة الحديث، وتاريخ علماء نيسابور، والمدخل إلى علم
لصحيح، والمستدرك على الصحيحين وما تفرد به كل واحد من الإمامين.
وكانت ولادته في شهر ربيع الأول سنة 321 بنيسابور. وتوفي بها يوم
الثلاثاء ثالث صفر سنة 405 " (1).
2 - الشيخ عبد الحق الدهلوي: " كان فريد عصره ووحيد وقته خاصة
في علوم الحديث، وروى عنه الدارقطني ومحمد بن أبي الفوارس، وكان ثقة " (2).
3 - الرازي: " وأما المتأخرون من المحدثين فأكثرهم علما وأقواهم قوة
وأشدهم تحقيقا في علم الحديث هؤلاء وهم: أبو الحسن الدارقطني والحاكم

(1) وفيات الأعيان 3 / 408 باختصار.
(2) رجال المشكاة لعبد الحق الدهلوي.
85

أبو عبد الله الحافظ... فهؤلاء العلماء صدور هذا العلم بعد الشيخين وهم بأسرهم
متفقون على تعظيم الشافعي... " (1)
4 - الأسنوي: " وبعد فإن الشافعي رضي الله عنه وأرضاه ونفعنا به وبسائر
أئمة المسلمين أجمعين قد حصل في أصحابه من السعادة أمور لم تتفق في أصحاب
غيره.... ومنها: إن كبار أئمة الحديث من جملة أصحابه الآخذين عنه أو عن
أتباعه كالإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن حبان
وابن خزيمة والبيهقي والحاكم والخطابي والخطيب وأبي نعيم وغيرهم إلى
زماننا " (2).
5 - ابن الأثير بعد ذكر شرط الصحيحين: " وهذا الشرط الذي ذكرناه
قد ذكره الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وقد قال غيره: إن هذا الشرط غير
مطرد في كتابي البخاري ومسلم، فإنهما قد أخرجا فيهما أحاديث على غير هذا
الشرط. والظن بالحاكم غير هذا، فإنه كان عالما بهذا الفن خبيرا بغوامضه
عارفا بأسراره. وما قال هذا القول وحكم على الكتابين بهذا الحكم إلا بعد
التفتيش والاختبار والتيقن لما حكم به عليهما " (3).
أقول: ونحن نقول في مورد حكم الحاكم بصحة هذا الحديث الذي ذكرناه
بأنه كان عالما بهذا الفن خبيرا بغوامضه عارفا بأسراره وما قال هذا القول وما
حكم على هذا الحديث بهذا الحكم إلا بعد التفتيش والاختبار والتيقن لما حكم
به عليه. ولله الحمد على ذلك.

(1) رسالة الرازي في فضائل الشافعي.
(2) طبقات الشافعية 1 / 3.
(3) جامع الأصول 1 / 92.
86

(12)
وحدة السياق بين حديث الغدير
وبين حديث أخرجه البخاري
87

أخرج البخاري في (صحيحه) الحديث التالي: " حدثني إبراهيم بن
المنذر قال نا محمد بن فليح قال حدثنا أبي عن هلال بن علي عن عبد الرحمن
بن أبي عمرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن
إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة. اقرأوا إن شئتم: النبي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم. فأيما مسلم ترك ما لا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا
فليأتني وأنا مولاه " (1).
وقد علمت سابقا أن هذا الحديث قد أخرجه مسلم أيضا، كما علمت من
(الدر المنثور) أنه قد أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه.
وهذا الحديث يماثل سياق حديث الغدير، فيلزم أن يكون المراد من (المولى)
في حديث الغدير نفس المعنى المراد منه في هذا الحديث.
وأما تماثل السياق فواضح جدا، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر
أولا أولويته بالمؤمنين من أنفسهم في الدنيا والآخرة ثم قال: " وأنا مولاه ".
وكذلك الأمر في حديث الغدير حيث بين فيه كونه أولى من المؤمنين من أنفسهم
ثم قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".

(1) صحيح البخاري تفسير سورة الأحزاب.
89

فبنفس الدليل الذي حملوا به (المولى) في حديث الصحيحين على معنى
(ولي الأمر) نحمل (المولى) في حديث الغدير عليه.
أما حملهم (المولى) على ذلك فقد عرفت من عبارة القسطلاني ذلك،
فإنه فسر " وأنا مولاه " بقوله: " أي ولي الميت أتولى عنه أموره ".
ونحوه عبارة الكرماني والنووي فراجع.
90

(13)
حديث الغدير بلفظ:
"... فإن عليا بعدي مولاه "
91

وجاء في (تاريخ ابن كثير) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
" من كنت مولاه فإن عليا بعدي مولاه " وإليك النص الكامل للحديث بسنده:
" قال عبد الرزاق: أنا معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت
عن البراء بن عازب قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند غدير
خم، فبعث مناديا ينادي، فلما اجتمعنا قال: ألست أولى بكم من آبائكم؟
قلنا: بلى يا رسول الله. قال ألست ألست؟ قلنا: بلي يا رسول الله. قال: من
كنت مولاه فإن عليا بعدي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
فقال عمر بن الخطاب: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كل
مؤمن " (1).
ولو أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من (الولي) الموالاة والمحبة لما
كان للتقييد بقوله " بعدي " وجه.
وبما ذكرنا صرح ابن تيمية حيث قال: " فقول القائل: علي ولي كل مؤمن
بعدي كلام يمتنع نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه إن أراد الموالاة لم
يحتج أن يقول بعدي، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقال: وال على كل

(1) تاريخ ابن كثير 7 / 349.
93

مؤمن " (1).
ومن الواضح أن لفظ (الولي) يرادف (المولى). فظهر أن ليس المراد
هو (الموالاة) وإلا لكان الإتيان بلفظ (بعدي) لغوا يمتنع نسبته إلى النبي صلى
الله عليه وآله وسلم.

(1) منهاج السنة 4 / 104.
94

(14)
كلام ابن حجر المكي استنادا إلى
فهم الشيخين
95

وقال ابن حجر المكي في الجواب عن حديث الغدير: " سلمنا أنه أولى
لكن لا نسلم أن المراد أنه أولى بالإمامة، بل بالاتباع والقرب منه، فهو كقوله
تعالى: أن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه. ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي
هذا الاحتمال، بل هو الواقع، إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر، وناهيك بهما
من الحديث، فإنهما لما سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل
مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني.
وأخرج أيضا أنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: إنه مولاي " (1).
أقول: وهل (الأولى بالاتباع) إلا الإمام؟

(1) الصواعق المحرقة: 26.
97

(15)
حديث مسلم:
[لا يقل العبد لسيده " مولاي " فإن مولاكم الله]
99

ومن الأدلة ما أخرجه مسلم في (صحيحه) بعد حديث:
" وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وأبو كريب قالا: نا أبو معاوية. ح وقال:
ثنا أبو سعيد الأشبح قال: نا وكيع كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد، وفي
حديثهما: ولا يقل العبد لسيده مولاي. وزاد في حديث أبي معاوية: فإن مولاكم
الله " (1).
وروي المولوي محمد إسماعيل: " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله. ولكن
ليقل سيدي. وفي رواية: لا يقل العبد لسيده مولاي فإن مولاكم الله " (2).
فمن منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن يقول العبد لسيده " مولاي "
يظهر أن المتبادر من (المولى) معنى وراء معنى المحب والناصر والمحبوب،
إذ لو كان المراد شئ من هذه المعاني لم يكن للمنع عن ذلك وجه.
ومن إطلاقه صلى الله عليه وآله وسلم (المولى) على نفسه وعلى أمير المؤمنين
عليه السلام يعلم أنه ليس مراده من ذلك المحب والناصر والمحبوب، وإنما

(1) صحيح مسلم 2 / 197 باب ألفاظ من الأدب.
(2) منصب إمامت.
101

المراد معنى لا يجوز إثباته لسائر الناس، وهو الأولوية بالتصرف، فإن هذا المعنى
ثابت لله عز وجل ثم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم لأمير المؤمنين عليه السلام
القائم مقامه.
102

(16)
قول سيدتنا فاطمة عليها السلام
" أنسيتم قول رسول الله يوم غدير خم... "
103

وروى شمس الدين ابن الجزري ما نصه: " وألطف طريق وقع لهذا
الحديث وأغربه ما حدثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ أبو بكر محمد بن عبد الله
ابن المحب المقدسي مشافهة. أخبرتنا الشيخة أم محمد زينب ابنة أحمد بن
عبد الرحيم المقدسية عن أبي المظفر محمد بن فتيان بن المثنى أخبرنا أبو موسى
محمد بن أبي بكر الحافظ أخبرنا ابن عمة والدي القاضي أبو القاسم عبد
الواحد بن محمد بن عبد الواحد المدني بقراءتي عليه أخبرنا ظفر بن داعي
العلوي باستراباد أخبرنا والدي وأبو أحمد بن مطرف المطرفي قالا حدثنا أبو
سعيد الإدريسي إجازة فيما أخرجه في تاريخ استراباد حدثني محمد بن محمد
ابن الحسن أبو العباس الرشيدي من ولد هارون الرشيد بسمرقند وما كتبنا
إلا عنه حدثنا أبو الحسن محمد بن جعفر الحلواني حدثنا علي بن محمد بن
جعفر الأهوازي مولى الرشيد حدثنا بكر بن أحمد القصري حدثتنا فاطمة بنت
علي بن موسى الرضا حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر
قلن حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق حدثتني فاطمة بنت محمد بن
علي حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن
علي عن أم كلثوم بنت فاطمة بنت النبي عليه السلام عن فاطمة بنت رسول الله صلى
الله عليه ورضي عنها قالت:
105

أنسيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم: من كنت مولاه
فعلي مولاه. وقوله صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون موسى.
هكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسى المديني في كتابه المسلسل بالأسماء
وقال: هذا الحديث مسلسل من وجه، وهو أن كل واحدة من الفواطم تروي
عن عمة لها، فهو رواية خمس بنات أخ كل واحدة منهن عن عمتها " (1).
وإن هذا الحديث يدل بوضوح على أن الصحابة لم يعملوا حسب مفاد
حديثي الغدير والمنزلة، فإن كان الحديثان يدلان على الإمامة والخلافة لأمير
المؤمنين عليه السلام فذاك المطلوب، وإن كانا بمعزل عن الدلالة على الإمامة
- لو فرض - بل يدلان على مجرد وجوب الموالاة فإن قولها عليها الصلاة
والسلام " أنسيتم " يدل على تركهم لمحبة أمير المؤمنين وموالاته بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن تركهم لمحبة علي عليه السلام بعد رسول الله " ص " وفي حياة الزهراء
عليها السلام لا يتصور إلا على تقدير كون علي عليه السلام هو الإمام والخليفة
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن الصحابة قد تركوا موالاته بسبب
صرفهم الخلافة عنه إلى غيره، إذ لو كان عملهم ذاك صحيحا وكانت خلافة
أبي بكر بحق لما تحقق من الصحابة ترك لموالاة علي عليه السلام في ذاك
الظرف - أي بعد وفاة النبي وفي حياة فاطمة -.
فهذا الحديث يدل على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام على كل تقدير
كما أوضحنا.

(1) أسنى المطالب.
106

(17)
حديث الغدير بلفظ:
" من وليكم؟... من كان الله وليه فهذا وليه "
107

وروى أبو عبد الرحمن النسائي حديث الغدير باللفظ الآتي مع سنده:
" أنبأنا زكريا بن يحيى ثنا يعقوب بن جعفر بن كثير عن مهاجر بن مسمار قال:
أخبرتني عائشة بنت سعد بن سعد قالت قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم بطريق مكة وهو متوجه إليها، فلما بلغ غدير خم وقف الناس، ثم رد من
مضى ولحقه من تخلف، فلما اجتمع الناس إليه قال: أيها الناس هل بلغت؟
قالوا: نعم، قال: اللهم ثلاث مرات يقولها. ثم قال: يا أيها الناس من وليكم؟
قالوا: الله ورسوله أعلم ثلاثا. ثم أخذ بيد علي فقال: من كان الله وليه فهذا
وليه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " (1).
أقول: إن كان معنى (الولي) هو المحب أو الناصر أو المحبوب لأجاب
القوم بذلك ولم يقولوا: " الله ورسوله أعلم "، لكن المراد من (الولي)
هو (ولي الأمر والمتصرف فيه) ولما كان عامة الناس يجهلون (المتصرف في
الأمر) بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلذا قالوا في جواب سؤاله
" ص " المكرر ثلاث مرات " الله ورسوله أعلم ".
حتى إذا أظهروا جهلهم وعجزهم عن الجواب عن هذا السؤال بين رسول

(1) الخصائص للنسائي: 101.
109

الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر قائلا - مع الأخذ بيد علي - " من كان الله
وليه فهذا وليه " أي: فمن كان الله ولي أمره. فعلي ولي أمره فهذه الرواية مثل
الرواية السابقة من مستدرك الحاكم.
110

(18)
حديث الغدير بلفظ يدل على
المطلوب من وجوه
111

وأخرج الطبراني في المعجم الكبير حديث الغدير بلفظ يدل على المطلوب
من وجوه، وإليك نصه كما في (كنز العمال): " عن جرير البجلي: قال: شهدنا
الموسم في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حجة الوداع، فبلغنا
مكانا يقال له غدير خم.
فنادى الصلاة جامعة. فاجتمع المهاجرون والأنصار، فقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم وسطنا، قال: يا أيها الناس بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا
الله. قال: ثم مه؟ قالوا: وأن محمدا عبده ورسوله. قال: فمن وليكم؟ قالوا:
الله ورسوله مولانا. ثم ضرب بيده إلى عضد علي فأقامه فنزع عضده فأخذ
بذراعيه فقال: من يكن الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه. اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه. اللهم من أحبه من الناس فكن له حبيبا ومن أبغضه فكن له مبغضا
اللهم إني لا أجد أحدا استودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين فاقض فيه
بالحسن. طب " (1).
وجوه دلالة هذا الحديث:
وهذا الحديث يدل على المطلوب من وجوه: " الأول " إن المتبادر من
" الولي " كما يظهر من جواب القوم لسؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياهم

(1) كنز العمال 15 / 12.
113

" فمن وليكم؟ " بقولهم " الله ورسوله مولانا " هو " ولي الأمر " وإلا لما خصوا
ذلك وحصروه في " الله ورسوله ".
وعليه فيجب حمل (الولي) على " ولي الأمر " في الأحاديث التي وردت هذه
اللفظة بحق أمير المؤمنين بعين ما حمل الصحابة هذه اللفظة في قول النبي صلى
الله عليه وآله وسلم: " فمن وليكم " على المتصرف في الأمور.
" الثاني " إن هذا الحديث ظاهر في أن (المولى) في قوله " ص ": " فإن هذا
مولاه " وفي قوله: " ص ": " من يكن الله ورسوله مولاه " بمعنى واحد، وقد علم
من جواب الأصحاب - حيث حصروا هذا المعنى في الله ورسوله - أنه ليس
المراد المحب أو الناصر أو المحبوب - لعدم كون هذه المعاني منحصرة لله
ورسوله - بل المراد هو الولاية في التصرف فإنها الثابتة لله ولرسوله ولا يستحقه
إلا الله ورسوله.
وأيضا: فإن جواب الأصحاب ظاهر في اتحاد (المولى) و (الولي) في
المعنى، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سألهم: " فمن وليكم؟ " فأجابوا
قائلين: " الله ورسوله مولانا ".
وهذا يبطل دعوى شاه ولي الله عدم مجئ (الولي) بمعنى (المولى).
" الثالث " إن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " اللهم إني لا أجد أحدا
استودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين فاقض فيه بالحسنى " يدل على أن
الشيخين لا يكونان خليفتين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلا لاستودع
" ص " عليا عليه السلام إياهما.
ولا يتوهم أنهما المراد من قوله " بعد العبدين الصالحين " فإنه توهم باطل
جدا، إذ لو كان كذلك لما امتنع عليه السلام من البيعة لأبي بكر حتى أجبروه
عليها وهددوه بالقتل إن لم يفعل كما سنشرح ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
114

(19)
الاستدلال بكلام ابن حجر المكي
على ضوء حديث الغدير
115

ومن وجوه دلالة حديث الغدير ما ذكره صاحب الصواعق بقوله: " على
إن كون المولى بمعنى الإمام لم يعهد لغة ولا شرعا. أما الثاني فواضح. وأما
الأول فلأن أحدا من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلا يأتي بمعنى أفعل. وقوله
تعالى: مأواكم النار هي مولاكم. أي مقركم أو ناصرتكم مبالغة في نفي
النصرة، كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له. وأيضا فالاستعمال يمنع من أن
مفعلا بمعنى أفعل، إذ يقال... هو أولى من كذا دون مولى من كذا، وأولى
الرجلين دون مولاهما.
وحينئذ فإنما جعلنا من معانيه المتصرف في الأمور نظرا للرواية الآتية:
من كنت وليه " (1).
أقول: فإذا كان (الولي) بمعنى (المتصرف في الأمور) في قوله صلى الله
عليه وآله وسلم: " من كنت وليه " فإن (المولى) في قوله " ص ": " من كنت مولاه "
يكون كذلك لأن الحديث يفسر بعضه بعضا.
وإن مجرد ثبوت إرادة معنى (المتصرف في الأمور) يكفي لإثبات الحق
ومرام أهله، ولله الحجة البالغة.

(1) الصواعق المحرقة: 25.
117

ولقد علمت سابقا أن هذا الحديث - الذي جهل ابن حجر (المتصرف
في الأمر) معنى (الولي) بالنظر إليه - من روايات أكابر أهل السنة ومشاهير
أئمتهم.
118

(20)
تصدير الحديث بقوله:
" إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم "
119

لقد تقدم على حديث الغدير في بعض ألفاظه المروي بسند صحيح قوله
صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم
من أنفسهم " ثم قال مباشرة: " فمن كنت مولاه فهذا مولاه " يعني عليا عليه
الصلاة والسلام، وإليك نص الحديث ضمن كلام لابن حجر:
" فالغرض من التنصيص على موالاته اجتناب بغضه، لأن التنصيص عليه
أو في بمزيد شرفه. وصدره بالست أولى بكم من أنفسكم ثلاثا ليكون أبعث
على قبولهم. وكذا بالدعاء له لأجل ذلك أيضا، ويرشد لما ذكرناه حثه صلى
الله عليه وسلم في هذه الخطبة على أهل بيته عموما وعلى علي خصوصا.
ويرشد إليه أيضا ما ابتدأ به هذا الحديث، ولفظه عند الطبراني وغيره بسند
صحيح أنه صلى الله عليه وسلم خطب بغدير خم تحت شجرات فقال: إنه قد
نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني
لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤلون فماذا أنتم قائلون؟
قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيرا. فقال: أليس
تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق وأن
الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله
يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم اشهد. ثم قال:
121

أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن
كنت مولاه فهذا مولاه - يعني عليا - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم
قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض حوض أعرض
مما بين بصرى إلى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين
تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله
عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا.
وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينفضا حتى يردا علي
الحوض " (1).
وفي (مفتاح النجا في مناقب آل العبا): " أخرج الحكيم في نوادر
الأصول والطبراني بسند صحيح في الكبير عن أبي الطفيل عن حذيفة ابن أسيد
رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بغدير خم تحت شجرة
فقال: أيها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر
الذي يليه من قبله وإني قد يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وإنكم مسؤلون
فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد إنك قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله
خيرا. فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته
حق وناره حق وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية
لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم
اشهد.
ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من
أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليا اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم
قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض حوض أعرض مما

(1) الصواعق المحرقة: 25.
122

بين بصرى إلى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة وإني سائلكم حين
تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله
عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيدكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا
وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني العليم الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي
الحوض " (1).
وقد ذكر صاحب (مرافض الروافض) هذا الحديث عن (الصواعق) فحرفه
ونقصه.
وهذا الحديث قد ذكر فيه (المولى) أربع مرات في سياق واحد وكلام
متصل منتظم فيلزم أن كله بمعنى واحد، وهذا الحديث الشريف نظير ما جاء في
ديوان الحماسة: وقال حريث بن جابر:
لعمرك ما أنصفتني حين سمتني * هواك مع المولى وأن لا هوى ليا
إذا ظلم المولى فزعت لظلمه * فحرك أحشائي وهر كلابيا
فقد تكرر لفظ (المولى) في هاتين البيتين وهو مقدر أيضا بعد قوله " لا هوى
ليا " أي مع مولاي، ومن الواضح أن (المولى) في هذه المواضع بمعنى واحد قطعا
ثم إن (المولى) في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله مولاي "
هو بمعنى (ولي الأمر)، إذ قد عرفت سابقا قول أبي الحسن الواحدي: " ثم
ردوا - يعني العباد يردون بالموت - إلى الله مولاهم الحق - الذي يتولى
أمورهم " (2).
وقال أبو الليث السمرقندي: " بل الله مولاكم يقول أطيعوا الله تعالى

(1) مفتاح النجا - مخطوط.
(2) التفسير الوسيط - مخطوط.
123

فيما يأمركم هو مولاكم يعني وليكم وناصركم " (1).
وقال الكواشي: " ولا يوقف على: أنت مولانا سيدنا ومتولي أمورنا
لوجود الفاء في قوله فانصرنا على القوم الكافرين لأنك سيدنا والسيد ينصر
عبيده " (2).
وقال السيوطي: " أنت مولانا. سيدنا ومتولي أمورنا " (3).
وقال أيضا: " فاعلموا أن الله مولاكم ناصركم ومتولي أموركم " (4).
وقال أيضا: " لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا إصابته هو مولانا ناصرنا ومتولي
أمورنا " (5).
فالمراد من (المولى) في جميع الحديث هو (الأولى بالتصرف) قطعا.
وقد جاء في بعض الألفاظ: " إن الله وليي " بدل " إن الله مولاي " ففي
(الخصائص) من طريق الحسين بن حريث: " إن الله وليي وأنا ولي المؤمنين
ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره "
وقد تكرر في هذا الحديث لفظ (الولي) أربع مرات كما تكرر لفظ (المولى)
في الحديث السابق أربع مرات، ولما كان المراد من (الولي) بالنسبة إلى الله
عز وجل هو (متولي أمور الخلق) فهو المراد أيضا بالنسبة إلى النبي عليه وآله
الصلاة والسلام فكذا ولاية علي.
وفي (كنز العمال): " ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن. من كنت

(1) تفسير أبي الليث - مخطوط.
(2) التلخيص في التفسير - مخطوط.
(3) الجلالين: 66.
(4) المصدر: 240.
(5) المصدر: 256.
124

مولاه فعلي مولاه. أبو نعيم في فضائل الصحابة عن زيد بن أرقم والبراء بن
عازب معا " (1).
ومن المعلوم أن المراد من كون الله تعالى (وليا) هو كونه (ولي الأمر
ومتوليه) قال النيسابوري: " الله ولي الذين آمنوا. أي متولي أمورهم وكافل
مصالحهم. فعيل بمعنى فاعل " (2).
وقال القاري بشرح هذا الدعاء: " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل
والجبن... " قال: " أنت وليها. أي المتصرف فيها ومصلحها ومربيها ومولاها
أي ناصرها وعاصمها. وقال الحنفي: عطف تفسيري " (3).
وكذا قال فخر الدين محب الله (4).
وجاء في بعض ألفاظ حديث الغدير التعبير ب‍ (المولى) عن الله تعالى،
وب‍ (الولي) عن النبي، ففي (الخصائص) للنسائي: " أنبأنا محمد بن المثنى قال
حدثنا يحيى بن حماد قال أخبرنا أبو عوانة عن سليمان قال حدثنا حبيب بن
أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله
عليه وسلم من حجة الوداع ونزل بغدير خم أمر بدوحات فقممن. ثم قال كأني
دعيت فأجبت. إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله
وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.
ثم قال: إن الله مولاي فأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت
وليه فهذا وليه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: أسمعته من

(1) كنز العمال 12 / 207.
(2) تفسير النيسابوري 3 / 21.
(3) الحرز الثمين - في شرح الحصن الحصين لملا علي القاري: 292.
(4) الحرز الوصين - شرح الحصن الحصين لفخر الدين محب الله.
125

رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه
وسمعه بإذنه " (1).
وفي (المستدرك) من طريق أبي الحسين محمد بن أحمد بن تميم
الحنظلي: " إن الله عز وجل مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال:
من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه " (2).
وفي (تاريخ ابن كثير) عن سنن النسائي من طريق محمد بن المثنى:
" قال: الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه
فهذا وليه " (3).
وفي (كنز العمال) عن ابن جرير: " إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن،
ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فعلي وليه اللهم وال من والاه وعاد من
عاداه " (4).
ومن الواضح أن المراد من كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وليا)
هو كونه (متولي أمور المسلمين والمتصرف فيها) كما عرفت من كلام ابن حجر
حيث حمل حديث: " من كنت وليه " على (المتصرف في الأمور) وقال
العزيزي بشرح: " أنا ولي المؤمنين " قال: " أي متولي أمورهم " (5).
وإذ كانت ولاية الله والرسول بمعنى " ولاية الأمر " فكذا ولاية أمير المؤمنين
عليه الصلاة والسلام.

(1) الخصائص: 93.
(2) المستدرك للحاكم.
(3) تاريخ ابن كثير 5 / 209.
(4) كنز العمال 15 / 91.
(5) السراج المنير بشرح الجامع الصغير 1 / 320.
126

وأيضا قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه
الطبراني والحكيم الترمذي: " وأنا أولى بهم من أنفسهم " يفسر قوله: " وأنا
مولى المسلمين ".
فظهر أن المراد من (مولى المؤمنين) كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
وقد عرفت سابقا أنه أولويته بالمؤمنين من أنفسهم تستتبع وجوب إطاعته.
قال العسقلاني بشرح حديث أبي هريرة: " إن النبي " ص " قال: ما من مؤمن
إلا وأنا أولى... " قال: " ويترتب على كونه أولى بهم من أنفسهم أنه يجب
عليهم إيثار طاعته على شهوات أنفسهم وإن شق ذلك عليهم، وأن يحبوه أكثر
من محبتهم لأنفسهم... " (1).
وقال بشرحه في كتاب الفرائض: " أي أحق بهم في كل شئ من أمور
الدين والدنيا وحكمه أنفذ عليهم من حكمها " (2).
ثم إنه صلى الله عليه وآله وسلم قد جمع في حديث الطبراني والحكيم
الترمذي - الصحيح سندا - وفي غيره أيضا بين حديث الغدير وحديث الثقلين
وحديث الثقلين يفيد وجوب متابعة أهل البيت والانقياد لهم كما هو ظاهر جدا
ومسلم عند (الدهلوي) أيضا حيث اعترف به في الباب الرابع من (التحفة)،
ولا ريب في أن وجوب المتابعة والانقياد يفيد الإمامة والخلافة بلا فصل بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك يبطل خلافة غيره لأن التابع لا يكون إماما
للمتبوع.
وأيضا فإن حديث الثقلين يدل على عصمة أهل البيت عليهم السلام فمع
وجود أمير المؤمنين المعصوم لا يكون غيره مستحقا للإمامة قطعا، والعجب

(1) إرشاد الساري - شرح صحيح البخاري - كتاب الاستقراض.
(2) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري - كتاب الفرائض.
127

من صاحب (المرافض) الذي أورد حديث الطبراني عن (الصواعق) مع إسقاط
جملة: " وقد نبأني اللطيف الخبير.. " الدال على عدم افتراق الثقلين والصريح
في عصمة أمير المؤمنين وأفضليته.
ومن الطريف جعل صاحب (الصواعق) حديث الثقلين قرينة على عدم
دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه السلام، وما علم أن حديث الثقلين يثبت
إمامته بسبب دلالته على عصمته " ع ".
ولقد ذكر نور الدين السمهودي بعض الروايات التي جاء فيها حديث
الثقلين مع حديث " من كنت مولاه فعلي مولاه " فقد ذكر: " عن حذيفة بن
أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: لما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم من
حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهن،
ثم بعث إليهن فقم ما تحتهن من الشوك وعمد إليهن فصلى تحتهن ثم قام فقال:
يا أيها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف الذي
يليه من قبله وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأجيب وأني مسؤول وأنكم مسؤولون
فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد إنك قد بلغت وجهدت ونصحت، فجزاك
الله خيرا. فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
وجنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة
آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال:
اللهم اشهد. ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا ولي المؤمنين وأنا أولى
بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليا اللهم وال من والاه وعاد
من عاداه. ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض
حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة،
وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل
128

الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا
تضلوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن
ينقضيا حتى يردا علي الحوض.
أخرجه الطبراني في الكبير والضياء في المختارة من طريق سلمة بن كهيل
عن أبي الطفيل وهما من رجال الصحيح عنه بالشك في صحابته. وأخرجه أبو
نعيم في الحلية وغيره من حديث زيد بن الحسن الأنماطي وقد حسنه الترمذي
وضعفه غيره عن معروف ابن خربوذ عن أبي الطفيل وهما من رجال الصحيح
عن حذيفة وحده من غير شك به " (1).
وروى السمهودي أيضا: " عن عامر بن أبي ليلى بن ضمره وحذيفة ابن أسيد
رضي الله عنهما قالا لما صدر رسول الله " ص " من حجة الوداع ولم يحج غيرها
أقبل حتى إذا كان بالجحفة نهى عن شجرات بالبطحاء متقاربات لا ينزلوا تحتهن
حتى إذا نزل القوم وأخذوا منازلهم سواهن أرسل إليهن فقم ما تحتهن وشذ بن
عن رؤس القوم، حتى إذا نودي للصلاة غدا إليهن فصلى تحتهن ثم انصرف
إلى الناس وذلك يوم غدير خم - وخم من الجحفة وله بها مسجد معروف -
فقال: أيها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر
الذي يليه من قبله وإني لأظن أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وأنتم مسؤولون هل
بلغت فما أنتم قائلون؟ قالوا: نقول قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيرا
قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وأن
ناره حق والبعث بعد الموت حق؟ قالوا: بلى نشهد. قال: اللهم اشهد. ثم قال
يا أيها الناس ألا تسمعون، ألا فإن الله مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم ألا ومن كنت

(1) جواهر العقدين - مخطوط.
129

مولاه فهذا مولاه. وأخذ بيد علي فرفعها حتى عرفه اليوم أجمعون. ثم قال
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: أيها الناس إني فرطكم وأنتم وارد
ون علي الحوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء فيه عدد نجوم السماء قدحان
من فضة، الأواني سائلكم حين تردون علي من الثقلين فانظروا كيف تخلفوني
فيهما. قالوا: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه
بيد الله وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا وعترتي فإني قد نبأني
الخبير أن لا يتفرقا حتى يلقياني. وسالت الله ربي لهم ذلك فأعطاني فلا تسبقوهم
فتهلكوا ولا تعلموهم فهم أعلم منكم.
أخرجه ابن عقدة في الموالاة من طريق عبد الله بن سنان عن أبي الطفيل
عنهما به. ومن طريق ابن عقدة أورده أبو موسى المديني في فضائل الصحابة.
وقال: إنه غريب جدا. والحافظ أبو الفتوح العجلي في كتابه الموجز في فضائل
الخلفاء " (1).
ومن هذا الحديث تثبت عصمة أمير المؤمنين وأعلميته من غيره.
وأورد السمهودي حديثا آخر عن أبي الطفيل قائلا: " وعن أبي الطفيل أن
عليا رضي الله عنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: انشد الله من شهد غدير
خم إلا قام ولا يقوم رجل يقول نبئت أو بلغني الأرجل سمعت أذناه ووعاه قلبه.
فقام سبعة عشر رجلا منهم خزيمة بن ثابت وسهل بن سعد وعدي بن حاتم
وعقبة بن عامر وأبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو شريح الخزاعي
وأبو قدامة الأنصاري وأبو ليلى وأبو الهيثم بن التيهان ورجال من قريش. فقال
علي رضي الله عنه وعنهم: هاتوا ما سمعتم. فقالوا: نشهد أنا أقبلنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع حتى إذا كان الظهر خرج رسول الله " ص "

(1) جواهر العقدين - مخطوط.
130

فأمر بشجرات فشذبن وألقى عليهن ثوب ثم نادى بالصلاة، فخرجنا فصلينا.
ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما أنتم قائلون؟ قالوا: قد بلغت.
قال: اللهم اشهد - ثلاث مرات - قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب وأني
مسؤول وأنتم مسؤولون.
ثم قال: ألا إن دمائكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا وحرمة شهر كم
هذا. أوصيكم بالنساء. أوصيكم بالجار. أوصيكم بالمماليك. أوصيكم
بالعدل والاحسان.
ثم قال: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما
لن يفترقا حتى يردا على الحوض. نبأني بذلك العليم الخبير وذكر الحديث
في قوله " ص ": من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال علي: صدقتم وأنا على ذلك
من الشاهدين.
أخرجه ابن عقدة من طريق محمد بن كثير عن فطر وأبي الجارود كلاهما
عن أبي الطفيل " (1).

(1) جواهر العقدين - مخطوط.
131

(21)
قول أبي أيوب وجماعة:
" السلام عليك يا مولانا " مستندين إلى حديث الغدير
133

وجاء في (مسند أحمد) ما نصه: " حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن
آدم ثنا حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رباح بن الحارث
قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا. قال: وكيف
أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فهذا مولاه.
قال رباح: فلما مضوا تبعتهم وسالت من هم؟ قالوا: نفر من الأنصار
فيهم أبو أيوب الأنصاري.
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد ثنا حنش عن رباح بن الحارث
قال: رأيت قوما من الأنصار قدموا على علي في الرحبة فقال: من القوم؟
قالوا: مواليك يا أمير المؤمنين فذكر معناه " (1).
وأخرج أبو القاسم الطبراني: " ثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ح
وثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا شريك عن
حنش بن الحارث عن رياح بن الحارث قال: بينما علي رضي الله عنه جالس
في الرحبة إذ جاء رجل وعليه أثر السفر فقال: السلام عليك يا مولاي - فقيل:
من هذا؟ فقال: أبو أيوب الأنصاري. فقال أبو أيوب: سمعت رسول الله

(1) مسند أحمد 5 / 419.
135

صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه " (1).
وأخرج أيضا: " ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا علي بن حكيم الأودي
ثنا شريك عن حنش بن الحارث وعن الحسن بن الحكم عن رياح ابن الحارث
وثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا يحيى بن الحماني ثنا شريك عن الحسن
بن الحكم عن رياح بن الحارث النخعي قال: كنا قعودا مع علي رضي الله
عنه، فجاء ركب من الأنصار عليهم العمائم فقالوا: السلام عليكم يا مولانا.
فقال علي رضي الله عنه: أنا مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: نعم. سمعنا
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه - إلى - عاداه. وهذا أبو أيوب
بيننا، فحسر أبو أيوب العمامة عن وجهه ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول من كنت مولاه - إلى - عاداه " (2).
وقال سبط ابن الجوزي: " الباب الثاني - في فضائله. فضائله كرم الله
وجهه أشهر من الشمس والقمر وأكثر من الحصى والمدر، وقد اخترت منها
ما ثبت واشتهر. وهي قسمان: قسم مستنبط من الكتاب والثاني من السنة
الظاهرة التي لا شك فيها ولا ارتياب.
قال أحمد في الفضائل: حدثنا يحيى بن آدم ثنا حنش بن الحارث ابن
لقيط النخعي عن رباح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي فقالوا: السلام
عليك يا مولانا. وكان بالرحبة. فقال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟
قالوا: سمعنا رسول الله " ص " يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه.
قال رباح: فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري

(1) المعجم الكبير للطبراني - مخطوط.
(2) المعجم الكبير - مخطوط.
136

صاحب رسول الله " ص " " (1).
وأورد محب الدين الطبري: " عن رياح بن الحارث قال: جاء رهط إلى
علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا. قال: كيف أكون مولاكم وأنتم
عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله " ص " يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه.
قال رياح: فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم
أبو أيوب، خرجه أحمد.
وعنه قال: بينما علي جالس إذ جاء رجل فدخل وعليه أثر السفر فقال: السلام
عليك يا مولاي. قال: من هذا؟ فقال: أبو أيوب الأنصاري. قال علي: فرجوا له
ففرجوا. فقال أبو أيوب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من
كنت مولاه فعلي مولاه. خرجه البغوي في معجمه " (2).
وقال ابن كثير الدمشقي: " قال أحمد ثنا يحيى بن آدم...
ورواه ابن أبي شيبة عن حنش عن رياح بن الحارث قال: بينما نحن
جلوس في الرحبة مع علي... " (3).
وقال عطاء الله المحدث الشيرازي: " ورواه زر بن حبيش فقال: خرج
علي عليه السلام من القصر فاستقبله ركبان متقلدي السيوف عليهم العمائم
حديثي عهد بسفر فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته،
السلام عليك يا مولانا. فقال علي عليه السلام بعد ما رد السلام: من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقام اثنا عشر رجلا منهم خالد بن زيد أبو
أيوب الأنصاري وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وثابت بن قيس بن شماس وعمار

(1) تذكرة خواص الأمة: 13.
(2) الرياض النضرة 2 / 222 - 223.
(3) تاريخ ابن كثير 7 / 347 - 348.
137

ابن ياسر وأبو الهيثم بن التيهان وهاشم بن عقبة وسعد بن أبي وقاص وحبيب
ابن بديل بن ورقاء فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم
غدير خم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث " (1).
وقال القاري: " وفي الرياض عن رياح بن الحارث قال: جاء رهط إلى
علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا... أخرجه أحمد " (2).
فهذا الحديث الذي أخرجه أئمة أهل السنة كما رأيت من الأدلة الواضحة
الدلالة على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.
لأنه لو كان المراد من (المولى) في حديث الغدير هو الناصر أو نحوه لما كان
لقوله عليه السلام: " كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب " معنى صحيح، لأنه
يكون حينئذ: كيف أكون محبكم أو ناصركم أو محبوبكم وأنتم قوم عرب؟
وهل يعقل نسبة هكذا كلام إلى أمير المؤمنين وهو أفصح الناس بعد رسول الله؟
إذن لا يبقى ريب في أن مراد أبي أيوب وجماعته من قولهم: " يا مولانا " هو
الولاية بمعنى الأولوية في التصرف في الأمور. فقال لهم الإمام: " كيف أكون... "
حتى يحملهم على ذكر حديث الغدير ويعترفوا بهذه الحقيقة الراهنة على رؤس
الاشهاد.

(1) الأربعين في فضائل أمير المؤمنين - مخطوط.
(2) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 574.
138

(22)
قيل لعمر:
تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب
النبي فقال: إنه مولاي.
139

ومن الأدلة ما رواه القوم من أنه " قيل لعمر إنك تصنع بعلي شيئا ما تصنعه
بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إنه مولاي ".
وممن رواه الموفق بن أحمد حيث قال: " أخبرنا العلامة فخر خوارزم أبو
القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي قال: أخبرنا الأمين أبو الحسن
علي بن مردك الرازي قال: أخبرنا الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين
السمان قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن الحسين القرشي ابن الصباغ بالكوفة
بقراءتي عليه حدثنا الحسن بن محمد الكوفي قال حدثنا الحضرمي قال حدثنا محمد
ابن سعيد المحاربي قال حدثنا حسين الأشقر عن قيس بن عمار الدهني عن سالم
قال: قيل لعمر: نراك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم. قال: إنه مولاي " (1).
ومنهم: محب الدين الطبري، رواه عن ابن السمان عن سالم: " قيل لعمر:
إنك تصنع بعلي شيئا ما تصنع بأحد من أصحاب رسول الله " ص ". فقال: إنه
مولاي " (2).
ومنهم: ابن حجر المكي حيث قال: " وأخرج أيضا - أي الدارقطني - إنه قيل

(1) مناقب الخوارزمي: 97.
(2) الرياض النضرة 2 / 224.
141

لعمر: إنك تصنع بعلي شيئا ما تفعله ببقية الصحابة. فقال إنه مولاي " (1).
ومنهم: شمس الدين المناوي. رواه عن الدارقطني: " قيل لعمر: إنك
تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من الصحابة. قال: إنه مولاي " (2).
ومنهم: أحمد بن الفضل حيث قال: " وأخرج - أي الدارقطني - أيضا عن
سالم بن أبي جعد قال: قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنك تصنع بعلي شيئا
لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي " ص ". فقال: إنه مولاي " (3).
ومنهم: محمد صدر العالم: " أخرج الدارقطني إنه قيل لعمر إنك تصنع
بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي " ص ". فقال: إنه مولاي " (4).
ومنهم: أحمد بن عبد القادر العجيلي: " وقيل لعمر إنك تصنع بعلي شيئا ما
تفعله ببقية الصحابة. فقال: إنه مولاي " (5).
وجه الدلالة: إن هذا صريح في أن كون علي عليه السلام (مولى) لعمر
ابن الخطاب كان سببا لتعظيمه وتقديمه على بقية الصحابة عند عمر، فإن كان
المراد من (المولى) هو الولاية في التصرف فذاك المطلوب، وإن كان المراد
معنى آخر يقتضي أفضليته وتقديمه ثبت المطلوب كذلك، لأن الأفضلية تقتضي
إمامته وخلافته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكل وضوح.
هذا وقد تقدم عن ابن حجر المكي في كتاب (الصواعق المحرقة)
التصريح بأن الشيخين فهما من (المولى) معنى (الأولى بالاتباع والقرب) ثم

(1) الصواعق المحرقة: 26.
(2) فيض القدير - شرح الجامع الصغير 6 / 218.
(3) وسيلة المال - مخطوط.
(4) معارج العلى - مخطوط.
(5) ذخيرة المآل - شرح عقد جواهر اللآل - مخطوط.
142

إنه استشهد لذلك بهذا الحديث الذي قال فيه عمر: " إنه مولاي " ولا باس بنقل
كلام ابن حجر هنا ليتم المرام، وهذا نصه:
" سلمنا أنه أولى، لكن لا نسلم أن المراد أنه أولى بالإمامة، بل بالاتباع
والقرب منه، فهو كقوله تعالى: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه.
ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع، إذ هو
الذي فهمه أبو بكر وعمر، وناهيك بهما في الحديث، فإنهما لما سمعاه قالا
له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني.
وأخرج أيضا إنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: إنه مولاي ".
فنحن ندين هؤلاء من أفواههم، ونحاكمهم بما حكمت به أفهامهم،
ونؤاخذهم بما سطرته أقلامهم، ونقول:
سلمنا أن احتمال كون المراد " الأولى بالاتباع " هو الواقع، والدليل
على ذلك فهم أبي بكر وعمر، لأن فهمهما في الحديث حجة!! فما معنى هذه
الأولوية بالاتباع التي حملت عمر على أن يصنع بأمير المؤمنين عليه السلام
ما لم يكن يصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من التقديم
والتكريم والاحترام والتبجيل حتى تعجب الناس وسألوه عن ذلك فأجاب
ب‍ " أنه مولاي "؟
إنه يكون معنى حديث الغدير بحسب فهم أبي بكر وعمر: من كنت أولى
بالاتباع بالنسبة إليه فعلي الأولى بالاتباع بالنسبة إليه... أي: إن عليا يقوم مقام
النبي في الأولوية بالاتباع... ومعنى هذه الأولوية موجود في القرآن الكريم
قال الله تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم... " وقال عز من قائل: " وما
كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ".
143

وهل هذا المعنى إلا الأولوية بالتصرف؟
وهل هذه الأولوية إلا الولاية الإمامة؟
وهل الولاية العامة إلا العامة؟
ثم إنه لما ثبت تقدم أمير المؤمنين عليه السلام على عمر بن الخطاب
ثبت تقدمه على أبي بكر بن أبي قحافة بالاجماع المركب.
ولو تنزلنا عن هذا فإن تقدم علي على عمر يثبت بطلان خلافته، وبطلان
خلافة عمر يثبت بطلان خلافة أبي بكر.
وأيضا: تقدم علي على بقية الصحابة يفيد أفضليته من عثمان فثبت بطلان
خلافة عثمان وهو مستلزم لبطلان خلافة الأولين.
وأيضا: يدل هذا الحديث على أن ترك استخلاف عمر لعلي وجعله الأمر
شورى ظلم وجور، والجائر لا يستحق الإمامة، وإذا ثبت بطلان خلافته ثبت
بطلان من تقدم عليه وهو أبو بكر ومن تأخر عنه وهو عثمان.
144

(23)
قول عمر لمن استنكف من قضاء علي
" ويحك ما تدري من هذا؟! هذا مولاي... "
145

ومن الأدلة ما رواه الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي قائلا بعد حديث:
" وبهذا الإسناد عن أبي سعيد هذا قال أخبرنا طاهر بن محمد بن سمعان
الجوالقي بعسكر مكرم بقراءتي عليه قال حدثنا أبو طاهر عبد الرحمن بن عبد
الوارث بن إبراهيم العسكري قال حدثني أبي قال حدثنا عمر قال حدثنا إبراهيم
ابن محمد بن إسماعيل الزبيدي عن إبراهيم بن حيان عن أبي جعفر قال: جاء
أعرابيان إلى عمر يختصمان، فقال عمر: يا أبا الحسن اقض بينهما، فقضى
علي على أحدهما. فقال المقضي عليه: يا أمير المؤمنين هذا يقضي بيننا.
فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه ثم قال: ويحك ما تدري من هذا!! هذا مولاي
ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن " (1).
ورواه محب الدين الطبري في (الرياض النضرة) بقوله: " وعن عمر رضي
الله عنه وقد جاءه أعرابيان يختصمان فقال لعلي: اقض بينهما يا أبا الحسن.
فقضى علي بينهما. فقال أحدهما للآخر: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر
رضي الله عنه وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى
كل مؤمن ومؤمنة ومن لم يكن [علي] مولاه فليس بمؤمن [أخرجه ابن
السمان في الموافقة] " (2).
ورواه في (ذخائر العقبى) أيضا (3).

(1) مناقب الخوارزمي: 97.
(2) الرياض النضرة 2 / 224 - 225.
(3) ذخائر العقبى 67 - 68.
147

ورواه ابن حجر المكي قائلا: " أخرج أيضا - يعني الدارقطني - أنه
جاءه - يعني عمر - أعرابيان يختصمان، فأذن لعلي في الفضاء بينهما. فقال
أحدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري
من هذا؟ هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن " (1).
ورواه أحمد بن الفضل: " وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد
جاءه أعرابيان يختصمان، فقال لعلي كرم الله وجهه: اقض بينهما يا أبا الحسن
فقضى علي رضي الله عنه بينهما. فقال أحدهما للآخر كالمستهزئ: هذا يقضي
بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا
مولاي ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. أخرجه ابن السمان
في كتاب الموافقة " (2).
وكذا رواه محمد بن إسماعيل الأمير اليماني نقلا عن المحب الطبري (3).
ورواه أحمد بن عبد القادر العجيلي عن الدارقطني (4).
ومن الواضح أنه لا مجال في هذا المقام لذكر معنى المحب والناصر
والمحبوب، لأن الأعرابي قد استنكف عن قبول قضاء الإمام عليه السلام فلا بد
- عند الجواب على كلامه - من ذكر ما يثبت صلوحه عليه السلام لمنصب القضاء،
وكونه ناصرا أو محبا أو محبوبا لا يفيد الصلاحية للقضاء كما هو واضح.
فالمراد من كلام عمر معنى آخر وراء هذه المعاني هو الولاية في الحكم
والتصرف في الأمور وهو المطلوب.

(1) الصواعق: 107.
(2) وسيلة المآل - مخطوط.
(3) الروضة الندية.
(4) ذخيرة المآل - مخطوط.
148

(24)
التهنئة في يوم الغدير
" بخ بخ لك يا علي... "
149

لقد هنا عمر بن الخطاب عليا عليه السلام يوم الغدير بمناسبة كونه (مولى)
من كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مولاه، وقد روى الدارقطني - كما
في الصواعق - والعاصمي كما في زين الفتى مشاركة أبي بكر لعمر في تلك
التهنئة.
ذكر من روى حديث تهنئة عمر
وقد روى حديث تهنئة عمر جماعة كبيرة من أعلام أهل السنة وكبار أئمتهم
ومنهم:
1 - عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي.
2 - أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني.
3 - عبد الله بن أحمد بن حنبل.
4 - أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي.
5 - عبد الملك بن محمد أبو سعد الخركوشي.
6 - أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي النيسابوري.
7 - إسماعيل بن علي بن حسين المعروف بابن السمان.
8 - عبد الكريم بن محمد المروزي السمعاني.
151

9 - الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي.
10 - عمر بن محمد بن خضر الملا الأردبيلي.
11 - يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي.
12 - محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري.
13 - إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الجويني.
14 - محمد بن عبد الله ولي الدين الخطيب.
15 - جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي.
16 - إسماعيل بن عمر الشهير بابن كثير الدمشقي.
17 - علي بن شهاب الدين الهمداني.
18 - أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي.
19 - نور الدين علي بن محمد المعروف بابن الصباغ.
20 - حسين بن معين الدين اليزدي الميبدي.
21 - عبد الله بن عبد الرحمن الحسيني المشتهر بأصيل الدين الواعظ.
22 - محمود بن محمد بن علي الشيخاني القادري المدني.
23 - محمد بن عبد الرسول البرزنجي المدني.
24 - محمد بن معتمد خان البدخشاني.
25 - محمد صدر العالم.
26 - محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليماني الصنعاني.
وجه الدلالة
إن هذه التهنئة تدل على حصول مرتبة عظيمة لأمير المؤمنين عليه السلام
في يوم غدير خم هي فوق جميع المراتب والمناصب، ويشهد بذلك أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكر لعلي عليه السلام فضائل ومناقب في مقامات
152

ومواضع كثيرة، ولم يرو في شئ منها أن الصحابة هنأوه بما قال " ص " فيه.
ولو كان المراد مجرد كونه ناصرا أو محبا أو محبوبا لزم أن يكون هذا
أعظم فضائل الإمام عليه السلام، لكن هناك فضائل ومناقب رواها الثقات هي
أعظم من هذه المعاني والمناقب قطعا. فالمراد إذن معنى آخر وراء هذه المعاني
وليس إلا الولاية في التصرف.
فإن قيل: المراد هي المحبوبية المطلقة، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
قد أثبت وأوجب لعلي عليه السلام يوم الغدير المحبوبية المطلقة مثل المحبوبية
المطلقة الحاصلة لنفسه، وهذه مرتبة جليلة جدا ولذا هناه الشيخان بها.
قلنا: إن هذه المحبوبية المطلقة المساوية للمحبوبية المطلقة للنبي " ص "
تثبت العصمة والأفضلية له على سائر الصحابة، لعدم الشك في أن محبوبيتهم
ليست على حد محبوبية النبي " ص ". وحينئذ يثبت المطلوب وهو الإمامة
والخلافة لأمير المؤمنين بلا فصل.
ولقد ثبت أن هذه التهنئة كانت من غير الشيخين أيضا، فقد هناه يوم الغدير
سائر الصحابة بل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا، كما لا يخفى على
من راجع (مرآة المؤمنين) و (معارج النبوة) وغيرهما.
وقد نقل في (معارج النبوة) عن (روضة الصفا) و (حبيب السير) أنه قد
نصب لعلي عليه السلام بعد خطبة الغدير خيمة جلس تحتها وأقبل القوم عليه
يهنئونه بهذه المناسبة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمهات
المؤمنين أن يذهبن إلى علي ويهنئنه، وكان من جملة الأصحاب عمر بن الخطاب
إذ دخل عليه فقال: بخ بخ لك... (1).
ومن هذه الأمور أيضا يتضح أن الأمر في يوم الغدير كان عقد الإمامة

(1) معارج النبوة 2 / 318.
153

لعلي عليه السلام وأن النبي " ص " قد أمر القوم بالحضور عنده والمثول بين
يديه لأجل البيعة.
اعتبار (معارج النبوة) و (حبيب السير) و (روضة الصفا)
وإذ كان النقل في هذا المقام من كتب (معارج النبوة) و (حبيب السير)
و (روضة الصفا) فإن من المناسب إثبات اعتبار هذه الكتب الثلاثة، ويكفي
لذلك اعتماد (الدهلوي) على هذه الكتب في (باب المطاعن) من كتابه (التحفة)
فقد اعتمد على (المعارج) و (حبيب السير) في الجواب على المطعن الرابع
من مطاعن أبي بكر.
واعتمد في جواب المطعن الثالث من مطاعن أبي بكر على (روضة الصفا)
و (حبيب السير).
وقد صرح (الدهلوي) بكون هذه الكتب من الكتب المعتبرة.
وكذا تجد الاستناد والاعتماد على هذه الكتب في الجواب عن المطعن
الحادي عشر من مطاعن أبي بكر.
كما يثبت اعتبار (حبيب السير) و (معارج النبوة) من كلمات حسام الدين
السهارنبوري في (مرافض الروافض)، كما لا يخفى على من راجعه في جوابه
عن مطعن عزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر عن إبلاغ سورة البراءة.
كما أن السهارنبوري ذكر الكتب الثلاثة المذكورة في مقدمة كتابه
المذكور ضمن المصادر التي اعتمد عليها ونقل عنها مع التنصيص على كونه
كتبا معتبرة.
وأيضا: اعتمد على (روضة الصفا) و (حبيب السير) صاحب كتاب (مرآة
الأسرار) ونقل عنهما في الكتاب المذكور.
وفي (كشف الظنون) في ذكر (حبيب السير): " من الكتب الممتعة المعتبرة ".
154

(25)
قول النبي " ص "
" من كنت مولاه فعلي مولاه أوحي إلي في
علي أنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين "
155

أخرج أبو العباس ابن عقدة في (كتاب الولاية) قائلا: " حدثنا مثنى بن
القاسم الحضرمي عن هلال بن أيوب الصيرفي عن أبي كثير الأنصاري عن
عبد الله بن أسعد بن زرارة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من
كنت مولاه فعلي مولاه أوحي إلي في علي أنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين
وقائد الغر المحجلين " (1).
وإن واحدا من هذه الأوصاف الجليلة لكاف في الدلالة على إمامة أمير
المؤمنين عليه السلام وخلافته بعد رسول الله بلا فصل، فكيف في صورة اجتماعها
في حديث واحد.
ثم إن هذه الصفات تقوي دلالة (من كنت مولاه فعلي مولاه) على الإمامة
والخلافة.
وأخرج أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في (كتاب الولاية) قائلا:
" أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البزاز فيما قرء عليه في بغداد. قال
حدثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن هارون بن محمد الصيني إملاء في صفر
سنة 393 قال حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الحافظ سنة

(1) كتاب الولاية لابن عقدة. وكان هذا الكتاب موجودا عند السيد علي ابن طاوس
الحلي وقد روى عنه الحديث المذكور في كتاب اليقين.
157

330. وأخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن علي الشروطي قال أخبرنا أبو
الحسين محمد بن عمر بن بهثة وأبو عبد الله الحسين بن مروان بن محمد القاضي
الصيني وأبو محمد عبد الله بن محمد بن الفضل بن إبراهيم الأشعري قال حدثنا
أبي قال حدثنا المثنى بن قاسم الحضرمي عن هلال بن أيوب الصيرفي عن ابن
أبي كثير الأنصاري عن عبد الله بن أسعد بن زرارة عن أبيه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه. فهذا آخر حديث البزاز.
وزاد الشروطي في روايته: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوحي إلي
في علي ثلاث: أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين " (1).
هذا وقد تقدم في الكتاب ترجمة (ابن عقدة) و (أبي سعيد السجستاني)
فليراجع.

(1) كتاب الولاية لأبي سعيد السجستاني كان هذا الكتاب موجودا عند السيد علي بن
طاوس الحلي وقد نقل عنه الحديث المذكور في كتاب اليقين.
158

(26)
خطبة الغدير كما في (توضيح الدلائل)
159

وروى السيد شهاب الدين أحمد خطبة يوم غدير خم باللفظ الآتي:
" الحمد لله على آلائه في نفسي وبلائه في عترتي وأهل بيتي، استعينه
على نكبات الدنيا وموبقات الآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد
الفرد الصمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا ولا عمدا، وأني عبد من عبيده
أرسلني برسالته إلى جميع خلقه ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن
بينة، واصطفاني على العالمين من الأولين والآخرين، وأعطاني مفاتيح خزائنه
ووكد علي بعزائمه واستودعني سره وأمدني فأبصرت له، فأنا الفاتح وأنا
الخاتم ولا قوة إلا بالله.
اتقوا الله أيها الناس حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا
أن الله بكل شئ محيط، وأنه سيكون من بعدي أقوام يكذبون علي فيقبل
منهم، ومعاذ الله أن أقول على الله إلا الحق أو أنطق بأمره إلا الصدق، وما
آمركم إلا ما أمرني به ولا أدعوكم إلا إلى الله، وسيعلم الذين ظلموا أي
منقلب ينقلبون.
فقام إليه عبادة بن الصامت فقال: ومتى ذاك يا رسول الله؟ ومن هؤلاء؟
عرفناهم لنحذرهم. قال: أقوام قد استعدوا لنا من يومهم وسيظهرون لكم إذا
بلغت النفس ههنا - وأوما صلى الله عليه وبارك وسلم إلى حلقه - فقال عبادة:
161

إذا كان ذلك فإلى من يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وبارك وسلم: عليكم
بالسمع والطاعة للسابقين من عترتي والآخذين من نبوتي، فإنهم يصدونكم
عن الغي ويدعونكم إلى الخير، وهم أهل الحق ومعادن الصدق، يحيون
فيكم الكتاب والسنة، ويجنبونكم الالحاد والبدعة، ويقمعون بالحق أهل الباطل
لا يميلون مع الجاهل.
أيها الناس: خلقني وخلق أهل بيتي من طينة لم يخلق منها غيرها، كنا أول
من ابتدأ من خلقه، فلما خلقنا نور بنورنا كل ظلمة وأحيى بنا كل طينة - ثم
قال صلى الله عليه وسلم - هؤلاء خيار أمتي وحملة علمي وخزانة سري وسادة
أهل الأرض، الداعون إلى الحق المخبرون بالصدق غير شاكين ولا مرتابين
ولا ناكصين ولا ناكثين. هؤلاء الهداة المهتدون والأئمة الراشدون، المهتدي
من جاءني بطاعتهم وولايتهم، والضال من عدل منهم وجاءني بعداوتهم، حبهم
إيمان وبغضهم نفاق، هم الأئمة الهادية وعرى الأحكام الواثقة، بهم يتم الأعمال
الصالحة، وهم وصية الله في الأولين والآخرين، والأرحام التي أقسمكم الله
بها إذ يقول: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
ثم ندبكم إلى حبهم فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.
هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم من النجس، الصادقون إذا نطقوا
العالمون إذا سئلوا، الحافظون لما استودعوا. جمعت فيهم الخلال العشر لم
تجمع إلا في عترتي وأهل بيتي: الحلم والعلم والنبوة والنبل والسماحة
والشجاعة والصدق والطهارة والعفاف والحكم. فهم كلمة التقوى ووسيلة
الهدى والحجة العظمى والعروة الوثقى، هم أولياؤكم عن قول ربكم، وعن
قول ربي ما آمرتكم.
ألا من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر
162

من نصره واخذل من خذله. أوحي إلي من ربي فيه ثلاث: إنه سيد المسلمين
وإمام الخيرة المتقين وقائد الغر المحجلين وقد بلغت عن ربي ما أمرت
واستودعهم الله فيكم واستغفر الله لي ولكم ".
وقد جمع في هذه الخطبة بين " من كنت مولاه فعلي مولاه " وبين " أنه
سيد المسلمين وإمام الخيرة المتقين وقائد الغر المحجلين " وأنت تعلم أن
واحدا من هذه الصفات يكفي لأن يستدل به على ثبوت الإمامة والخلافة له
دون غيره.
وجوه دلالة الخطبة على إمامة أهل البيت
هذا بالإضافة إلى دلالة هذه الخطبة على إمامة أهل البيت عليهم الصلاة
والسلام من وجوه:
الأول: إنه أمر أمته بالسمع والطاعة لهم. وهذا يستلزم الإمامة والخلافة
بلا ريب، إذ لا يعقل أن يكون المأمور بالإطاعة إماما والمطاع مأموما.
وأيضا: هذا الأمر يقتضي أفضلية المطاع وهي تستلزم الإمامة.
وأيضا: هذا الأمر دليل العصمة وهي تستلزم الإمامة.
الثاني: وصفهم بالسابقين. وهذا الوصف يستلزم الأفضلية وهي تستلزم
الإمامة.
الثالث: قوله " فإنهم يصدونكم عن الغي ويدعونكم إلى الخير " معناه
أنهم الذين يأمرون الصحابة بالمعروف وينهونهم عن المنكر، فكون واحد من
الصحابة خليفة دونهم - والحال هذه - يستلزم انعكاس الموضوع.
الرابع: قوله " يحيون فيكم الكتاب والسنة ويجنبونكم الالحاد والبدعة
ويقمعون بالحق أهل الباطل لا يميلون مع الجاهل " يدل على الأفضلية بوضوح.
163

الخامس: قوله " خلقني وخلق أهل بيتي من طينة لم يخلق منها غيرها "
دليل على الأفضلية.
السادس: قوله " كنا أول من ابتدأ من خلقه " دليل على الأفضلية كذلك.
السابع: قوله " نور بنورنا كل ظلمة " دليل على الأفضلية.
الثامن: قوله " هؤلاء خيار أمتي " دليل على الأفضلية.
التاسع: قوله " حملة علمي... " دليل على الأفضلية والأعلمية.
العاشر: قوله " سادة أهل الأرض " صريح في الأفضلية.
الحادي عشر: قوله " هؤلاء الهداة المهتدون والأئمة الراشدون " نص
صريح في أنهم الأئمة.
الثاني عشر: قوله " المهتدي من جاءني بطاعتهم " صريح في أنه تجب
طاعة أهل البيت، فيكونون مطاعين للصحابة لا بالعكس.
الثالث عشر: قوله " هم الأئمة الهادية " نص صريح في الإمامة.
الرابع عشر: قوله " جمعت فيهم الخلال العشر... " دليل الأفضلية
المطلقة.
وتدل الجمل الأخرى من الخطبة على إمامة المؤمنين وأهل البيت عليهم
السلام وذم من خالفهم وعاداهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
الثناء على صاحب توضيح الدلائل
وإن السيد شهاب الدين صاحب توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل
من أكابر علماء أهل السنة، ومن هنا نجد المولوي شاه سلامة الله في كتابه
(معركة الآراء) يعجز عن إنكار رواياته ويجعل كتابه دليلا على رواية أهل السنة
لفضائل أمير المؤمنين عليه السلام.
164

والسيد شهاب الدين المذكور هو سبط قطب الدين الإيجي كما يظهر من
قوله: " وإني قد وجدت هذين البيتين بشريف خط جدي الإمام المالك من
السنة بالزمام قطب الحق والدين الإيجي روح روحه في دار السلام:
ولايتي لأمير المؤمنين علي * بها بلغت الذي أرجوه من أملي
تحققا إنني لولا ولايته * ما كان ذو العرش مني قابلا عملي "
ترجمة الشيخ سلامة الله البدايوني
وإن رأي الشيخ سلامة الله هذا بوحده يكفينا لأن نحتج ونستشهد بما جاء
في كتاب (توضيح الدلائل). وذلك لأن شاه سلامة الله البدايوني أحد العلماء
المشهورين بالهند، ومن تلامذة المولوي عبد العزيز الدهلوي صاحب التحفة
الاثني عشرية، وكان - كما زعم صاحب نزهة الخواطر - " يتكلم مع الشيعة
ويناظرهم، ويفحم الكبار منهم ".
جاء ذلك بترجمة - ج 7 / 202 - حيث عنونه بقوله: " الشيخ الفاضل
سلامة الله بن بركة الله الصديقي البديواني ثم الكانپوري أحد العلماء المشهورين
ولد ونشأ ببدايون، وقرأ النحو والصرف على الشيخ أبي المعالي بن عبد
الغني العثماني، وبعض رسائل المنطق والحكمة على مولانا ولي الله تلميذ
الشيخ باب الله الجونپوري. ثم لازم السيد مجد الدين الشاهجانپوري ببلدة
بريلي، وقرأ عليه سائر الكتب الدرسية. ثم سافر إلى دهلي واستفاض عن
الشيخ رفيع الدين وصنوه الكبير عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي، وأسند
الحديث عن الشيخ عبد العزيز المذكور، وأخذ الطريقة عن السيد آل أحمد
الحسيني المارهروي، ثم رجع إلى لكهنو وتصدر بها للدرس والإفادة.
وكان له ذوق سليم في المناظرة، كان يتكلم مع الشيعة ويناظرهم ويفحم
165

الكبار منهم، حتى بهت مجتهدهم ولم يقدر على الذب عن نحلته فقضى عليه
بالجلاء، فذهب إلى كانپور وسكن بها.
قال صاحبه الشيخ محسن بن يحيى الترهتي في اليانع الجني: إنه جامع
بين أنواع العلوم من القرآن والحديث والفقه وأصوله والتصوف والكلام
وغيره من العلوم النظرية، مارسها أحسن ما يكون من الممارسة، حصلت له
الإجازة من قبل عبد العزيز المسند، واجتمع به بآخر عمره، وكتب له رفيع
الدين الإجازة من قبل أخيه فيما أظن.
له كتب ورسائل... ومنها في الجدل مع الرافضة مثل كتابه معركة الآراء
... مات يوم السبت لثلاث خلون من رجب سنة 1271 بكانپور ".
فمن كان بصدد الرد على الشيعة، يتكلم معهم ويناظرهم، ويفحم الكبار
منهم!! لا ينسب كتابا لشيعي أو لمائل إلى التشيع إلى أهل السنة، ولا يوافق
على أخباره ورواياته.
166

(27)
قول رسول الله في يوم الغدير:
" لكن علي بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه "
167

ومن الأدلة ما رواه ابن المغازلي بقوله: " أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان
قال حدثني الحسين بن محمد العلوي العدل قال حدثني علي بن عبد الله بن
ميسرة قال حدثني أحمد بن منصور الرمادي قال حدثني عبد الله بن صالح عن
ابن لهيعة عن أبي هبيرة وبكر بن سوادة عن قبيصة بن ذويب وأبي سلمة بن
عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بخم، فتنحى الناس عنه، وأمر عليا
فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم وهو متوسد يد علي بن أبي طالب، فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه قد كرهت تخلفكم عني حتى خيل لي أنه
ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني. ثم قال: لكن علي بن أبي طالب
أنزله الله مني بمنزلتي منه، فرضي الله عنه كما أنا راض عنه، فإنه لا يختار
على قربي ومحبتي شيئا. ثم رفع يديه فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه،
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
قال: فابتدر الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكون ويتضرعون
ويقولون: يا رسول الله ما تنحينا عنك إلا كراهية أن نثقل عليك، فنعوذ بالله من
سخط رسوله - فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم عند ذلك " (1).

(1) المناقب لابن المغازلي: 25.
169

فنقول: ما هي منزلة رسول الله صلى الله علية وآله وسلم من الله عز وجل؟
إن منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه عز وجل تعلم من آيات
القرآن الكريم، فهو خليفة الله في الأرض ومجعول حاكما على الناس من قبله،
قال الله تعالى لداود: " إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالعدل
... " ونبينا أفضل من داود عليه السلام. وهو رسول الله وشاهده والمبشر والنذير
من قبله، قال عز وجل: " إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا... " ومقرون طاعته
بطاعته ومعصيته بمعصيته بقوله: " من يطع الرسول فقد أطاع الله " " ومن
يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب " ومجعول أولى بالمؤمنين من أنفسهم
- بقوله: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم... ". إلى غير ذلك مما يعتقده
كل مسلم ولو أنكر لكفر.
وعلي عليه السلام أنزله الله من رسول الله " ص " منزلته منه، فيكون حائزا
لتلك المنازل، وبها يكون الحاكم على الناس كلهم، والمولى الواجب إطاعته
واتباعه على جميعهم، والأولى بهم من أنفسهم، وهذه هي الإمامة العظمى
والخلافة الكبرى.
170

(28)
قول رسول الله يوم الغدير:
" هذا وليي والمؤدي عني "
171

ومن الأدلة ما رواه الحافظ ابن كثير بقوله:
" قال ابن جرير حدثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء ثنا محمد بن خالد بن
عتمة ثنا موسى بن يعقوب الربعي - وهو صدوق - حدثني مهاجر بن مسمار عن
عائشة بنت سعد سمعت أباها يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب ثم قال: أيها الناس إني وليكم. قالوا:
صدقت. فرفع يد علي فقال: هذا وليي والمؤدي عني وإن الله موال من والاه
ومعاد من عاداه.
قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث حسن غريب.
ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر بن أبي كثير عن مهاجر
ابن مسمار. فذكر الحديث وأنه عليه السلام وقف حتى لحقه من بعده وأمر
برد من كان تقدم فخطبهم الحديث. " (1)
وقد أخرجه النسائي قائلا: " أنبأنا أبو عبد الرحمن زكريا بن يحيى
السجستاني قال حدثني محمد بن الرحيم قال أنبأنا إبراهيم قال ثنا معن قال ثني
موسى بن يعقوب عن المهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد بن سعد وعامر بن
سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: أما بعد أيها الناس

(1) تاريخ ابن كثير 5 / 212
173

فإني وليكم. قالوا: صدقت. ثم أخذ بيد علي فرفعها قال: هذا وليي والمؤدي
عني وال اللهم من والاه وعاد اللهم من عاداه " (1)
أقول: ويفهم من هذا الحديث - بقرينة لفظة " والمؤدي عني " - أن المراد
من (الولي) ليس المحب والناصر ونحوهما، بل إن المراد منه هو الخليفة والإمام،
لأنه الذي يؤدي الأحكام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والأصرح من هذا الحديث هو الحديث الآخر الذي رواه ابن كثير أيضا
حيث قال: " قال الإمام أحمد ثنا يحيى بن آدم وابن أبي بكر قالا ثنا إسرائيل
عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة. قال يحيى بن آدم: وكان قد شهد حجة
الوداع - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي مني وأنا منه ولا يؤدي
عني إلا أنا أو علي " (2).

(1) الخصائص: 100
(2) تاريخ ابن كثير 5 / 213
174

(29)
قول رسول الله (ص):
" من كان الله وأنا مولاه فهذا علي مولاه
يأمركم وينهاكم "
175

ومن الأدلة ما رواه السيد علي بن شهاب الدين الهمداني: " عن أبي الحمراء
رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد كبر سنه لواحد
من رفقائه لأحدثنك ما سمعت أذناي ورأت عيناي: أقبل رسول الله صلى الله
عليه وسلم حق دخل على عائشة فقال لها: ادعي لي سيد العرب، فبعثت إلى
أبي بكر فدعته فجاء حتى كان كرأي العين علم أن غيره دعي. فخرج من عندها
حتى دخل على حفصة فقال لها: ادعي لي سيد العرب فبعثت إلى عمر فدعته
حتى إذا صار كرأي العين علم أن غيره دعي، فخرج من عندها حتى إذا دخل
على أم سلمة رضي الله عنها وكانت من خيرهن وقال: ادعي لي سيد العرب فبعثت
إلى علي فدعته. ثم قال لي: يا أبا الحمراء رح ائتني بمائة من قريش وثمانين
من العرب وستين من الموالى وأربعين من أولاد الحبشة، فلما اجتمع الناس
قال ائتني بصحيفة من أديم فأتيته بها، ثم أقامهم مثل صف الصلاة فقال:
معاشر الناس! أليس الله أولى بي من نفسي يأمرني وينهاني مالي على الله
أمر ولا نهي؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من كان الله وأنا مولاه فهذا علي
مولاه يأمركم وينهاكم مالكم عليه من أمر ولا نهي، اللهم وال من والاه وعاد
من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. اللهم أنت شهيدي عليهم أني
قد بلغت ونصحت، ثم أمر فقرأت الصحيفة علينا ثلاثا ثم قال: من شاء أن
177

يقيله ثلاثا. فقلنا: نعوذ بالله وبرسوله أن نستقيله ثلاثا ثم أدرج الصحيفة وختمها
بخواتيمهم. ثم قال: يا علي خذ الصحيفة إليك فمن نكث فاتل الصحيفة فأكون
أنا خصيمه. ثم تلا هذه الآية: ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله
عليكم كفيلا. فتكونوا كبني إسرائيل إذ شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم،
ثم تلا فمن نكث فإنما ينكث على نفسه. الآية " (1).
وهذا الحديث من أقوى الأدلة على أن (المولى) في حديث الغدير بمعنى
الإمامة والأولوية في التصرف.

(1) مودة القربى. أنظر ينابيع المودة.
178

(30)
قول رسول الله " ص "
" من كنت وليه فعلي وليه ومن كنت
إمامه فعلي إمامه "
179

وروى السيد علي الهمداني المذكور: " عن فاطمة عليها السلام قالت قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت وليه فعلي وليه ومن كنت إمامه فعلي
إمامه " (1).
وهذا الحديث أيضا صريح في المطلوب.
ترجمة السيد علي الهمداني
والسيد علي الهمداني من أكابر علماء أهل السنة ومن مشاهير عرفائهم وقد
أثنى عليه علمائهم مثل عبد الرحمن بن أحمد الجامي في كتاب (نفحات الأنس
من حضرات القدس) ومحمود بن سليمان الكفوي في كتاب (كتائب الأعلام
الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار) ونور الدين جعفر البدخشاني في كتاب
(خلاصة المناقب) والشيخ أحمد القشاشي في كتاب (السمط المجيد في سلاسل
أهل التوحيد) وشاه ولي الله الدهلوي في كتاب (الانتباه في سلاسل أولياء الله).
وقد توفي السيد علي الهمداني في السادس من ذي الحجة سنة ست وثمانين
وسبعمائة.

(1) مودة القربى أنظر ينابيع المودة: 250.
181

وقد وصفه الكفوي بقوله: " لسان العصر سيد الوقت المنسلخ عن إليها كل
الناسوتية والمتوصل إلى السبحات اللاهوتية الشيخ العارف الرباني والعالم
الصمداني أمير سيد علي بن شهاب بن محمد بن محمد الهمداني قدس الله تعالى سره.
كان جامعا بين العلوم الظاهرة والباطنة وله مصنفات كثيرة في علم التصرف ".

(1) وفي نزهة الخواطر 2 / 84 ما ملخصه بلفظه: " الشيخ علي بن شهاب الهمداني
الشيخ العالم الكبير الرحالة. ولد في 12 رجب وأدرك المشايخ الكبار واستفاد منهم،
بلغ عددهم إلى أربعمائة وألف من رجال العلم والمعرفة، فقدم كشمير فأسلم على يده
غالب أهلها.
وله مصنفات كثيرة ممتعة.
وكانت وفاته في سنة 786 ه‍ ".
182

اعترافات مشاهير علماء أهل السنة
بمفاد حديث الغدير
183

وبالإضافة إلى تلك الوجوه السديدة والأدلة الباهرة التي يكفي كل واحد
منها لإثبات مطلوب أهل الحق لو أنصف المنصفون، فقد رأينا جماعة كبيرة
من أساطين علماء أهل السنة يصرحون بدلالة حديث الغدير على إمامة أمير
المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وينصون على مطلوب أهل الحق بكل وضوح،
وأن كل كلمة من كلمات هؤلاء ليكفي لدفع شكوك المشككين وتأويلات
الجاحدين، وإليك نصوص عبارات طائفة منهم:
(1)
محمد بن محمد الغزالي
قال أبو حامد الغزالي: " اختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها
لمن آل أمرها إليه، فمنهم من زعم أنها بالنص، ودليلهم في المسألة قوله
تعالى: (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد فقاتلوهم
أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل
يعذبكم عذابا أليسا). وقد دعاهم أبو بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى الطاعة فأجابوه. وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: وإذ
أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا. قال: في الحديث: إن أباك هو الخليفة
من بعدي يا حميراء. وقالت امرأة: إذا فقدناك فإلى من نرجع؟ فأشار إلى
185

أبي بكر. ولأنه أم بالمسلمين على حياة رسول الله، والإمامة عماد الدين.
هذا جملة ما يتعلق به القائلون بالنصوص.
ثم تأولوا وقالوا: لو كان علي أول الخلفاء لا نسحب عليهم ذيل الفناء، ولم
يأتوا بفتوح ولا مناقب، ولا يقدح في كونه رابعا كما لا يقدح في نبوة رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا كان آخرا. والذين عدلوا عن هذا الطريق زعموا أن
هذا تعلق فاسد وما يتعلق به فاسد، وتأويل بارد جاء على زعمكم وأهويتكم،
وقد وقع الميراث في الخلافة والأحكام مثل داود وزكريا وسليمان ويحيى،
قالوا: كان لأزواجه ثمن الخلافة، فبهذا تعلقوا وهذا باطل إذ لو كان ميراثا
لكان العباس أولى.
لكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته
في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال
عمر: بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
فهذا تسليم ورضى وتحكيم.
ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة وحمل عمود الخلافة وعقود البنود
وخفقان الهوى في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم
كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به
ثمنا قليلا فبئس ما يشترون " (1).
وقد أورد سبط ابن الجوزي كلام الغزالي هذا حيث قال: " وذكر أبو حامد
الغزالي في كتاب سر العالمين وكشف ما في الدارين ألفاظا تشبه هذا. فقال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي
مولاه. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى

(1) سر العالمين للغزالي
186

كل مؤمن ومؤمنة. قال: وهذا تسليم ورضى وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى
حبا للرياسة وعقد البنود وخفقان الرايات وازدحام الخيول في فتح الأمصار
وأمر الخلافة ونهيها، فحملهم على الخلاف فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به
ثمنا قليلا فبئس ما يشترون " (1).
كتاب " سر العالمين " للغزالي
وقد عرفت من عبارة سبط ابن الجوزي ثبوت هذا الكتاب لأبي حامد
الغزالي وصحة نسبته إلى مؤلفه.
وأيضا يشهد بذلك عبارة الحافظ الذهبي حيث قال: " الحسن بن الصباح
الإسماعيلي الملقب بالكيا صاحب الدعوة النزارية وجد أصحاب قلعة الموت. كان
من كبار الزنادقة ومن دهاة العالم، وله أخبار يطول شرحها لخصتها في تاريخي
الكبير في حوادث سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وأصله من مرو، وقد أكثر
التطواف ما بين مصر إلى بلد كاشغر، يغوي الخلق ويضل الجهلة، إلى أن
صار منه ما صار، وكان قوي المشاركة في الفلسفة والهندسة، كثير المكر والحيل،
بعيد الغور، لا بارك الله فيه.
قال أبو حامد الغزالي في كتاب سر العالمين: شاهدت قصة الحسن بن
الصباح لما تزهد تحت حصن الموت، فكان أهل الحصن يتمنون صعوده إليهم
فيمتنع فيقول: أما ترون المنكر كيف فشا وفسد الناس، فتبعه خلق، ثم خرج أمير
الحصن يتصيد، فنهض أصحابه فتملكوا الحصن، ثم كثرت قلاعهم... " (2)

(1) تذكرة خواص الأمة: 62
(2) ميزان الاعتدال 1 / 500
187

ترجمة الغزالي
ومن المناسب أن نورد هنا طرفا من كلمات القوم في تعظيم الغزالي
والثناء عليه وتبجيله:
1 - اليافعي بعد ذكر نبذ من فضائل الغزالي في نحو من ثلاث ورقات
كبيرة: " قلت: وفضائل الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رضي الله عنه
أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تشهر. وقد روينا من الشيخ الفقيه الإمام
العارف بالله، رفيع المقام الذي اشتهرت كرامته العظيمة وترادفت وقال للشمس
يوما قفي فوقفت، حتى بلغ المنزل الذي يريد من مكان بعيد، أبي الذبيح
إسماعيل ابن الشيخ الفقيه الإمام العارف ذي المناقب والكرامات والمعارف
محمد بن إسماعيل: أنه سأل بعض الطاعنين في الإمام أبي حامد المذكور
رضي الله عنه في فتيا أرسل بها إليه هل يجوز قراءة كتب الغزالي؟
فقال رضي الله عنه في الجواب: إنا لله وإنا إليه راجعون، محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء، ومحمد بن إدريس سيد الأئمة، ومحمد بن
محمد الغزالي سيد المصنفين. هذا جوابه رحمة الله عليه.
وقد ذكرت في كتاب الارشاد: إنه سماه سيد المصنفين، لأنه تميز عن
المصنفين بكثرة المصنفات البديعات، وغاص في بحار العلوم واستخرج عنها
الجواهر النفيسات، وسحر العقول بحسن العبارة وملاحة الأمثلة، وبداعة
الترتيب والتقسيمات والبراعة في الصناعة العجيبة مع جزالة الألفاظ وبلاغة
المعاني الغريبة، والجمع بين علوم الشريعة والحقيقة، والفروع والأصول،
والمعقول والمنقول، والتدقيق والتحقيق، والعلم والعمل، وبيان معالم العبادات
والعادات والمهلكات والمنجيات، وإبراز محاسن أسرار المعارف المحجبات
188

العاليات، والانتفاع بكلامه علما وعملا لا سيما أرباب الديانات، والدعاء إلى
الله سبحانه برفض الدنيا والخلق، ومحاربة الشيطان والنفس بالمجاهدة و
الرياضات، وإفحام الفرق أيسر عنده من شرب الماء بالبراهين القاطعات وتوبيخ
علماء السوء الراكبين إلى الظلمة والمائلين إلى الدنيا الدنية أولى الهمم
الدنيات، وغير ذلك مما لا يحصى مما جمع في تصانيفه من المحاسن الجميلات
والفضائل الجليلات مما لا يجمعه مصنف فيما علمنا ولا يجمعه فيما يظن ما دامت
الأرض والسماوات.
فهو سيد المصنفين عند المنصفين، وحجة الإسلام عند أهل الاستسلام،
لقبول الحق من المحققين في جميع الأقطار والجهات وليس يعني أن تصانيفه
أصح فصحيحا البخاري ومسلم أصح الكتب المصنفات... " (1)
2 - السيوطي: " وعلى رأس الخامسة الإمام أبو حامد الغزالي وذلك
لتميزه بكرة المصنفات البديعات، وغوصه في بحور العلم، والجمع بين علوم
الشريعة والحقيقة، والفروع والأصول والمعقول والمنقول، والتدقيق والتحقيق
والعلم والعمل، حتى قال بعض العلماء الأكابر الجامعين بين العلم الظاهر
والباطن: لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي لكان الغزالي، وأنه يحصل
ثبوت معجزاته ببعض مصنفاته " (2).
3 - الزرقاني: " ذكر له الأسنوي في المهمات ترجمة حسنة منها: هو
قطب الوجود والبركة الشاملة لكل موجود، وروح خلاصة أهل الإيمان،
والطريق الموصل إلى رضا الرحمن، يتقرب به إلى الله تعالى كل صديق،
ولا يبغضه إلا ملحد أو زنديق، قد انفرد في ذلك العصر عن الزمان كما انفرد في

(1) مرآة الجنان حوادث سنة 505.
(2) التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة للسيوطي.
189

هذا الباب فلا يترجم معه فيه لانسان. انتهى. وله كتب نافعة مفيدة خصوصا
الإحياء فلا يستغني عنه طالب الآخرة مات بطوس سنة 505 " (1).
(2)
أبو المجد مجدود بن آدم
المعروف بالحكيم السنائي
وقال أبو المجد الحكيم السنائي في مدح سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام
" نائب مصطفى بروز غدير * كرده بر شرع خود مر اورا مير " (2)
فإنه صريح في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل عليا عليه السلام
في يوم الغدير نائبا له ونصبه أميرا على شرعه.
و " الحكيم السنائي " من كبار علماء وعرفاء أهل السنة. وقد أثنى عليه
عبد الرحمن بن أحمد الجامي في (نفحات الأنس)، وذكر كتابه (حديقة الحقيقة)
مقرظا إياه.
(3)
فريد الدين العطار
وقال الشيخ فريد الدين العطار الهمداني في واقعة غدير خم ومعنى حديث
الغدير:
" چون خدا گفته است در خم غدير * با رسول الله ز آيات منير

(1) شرح المواهب اللدنية 1 / 36.
(2) حديقة الحقيقة للحكيم السنائي.
190

أيها الناس أين بود الهام أو * ز انكه از حق آمده پيغام أو
گفت رو كن با خلائق أين ندا * نيست أين دم خود رسولم بر شما
هر چه حق گفته است من خود آن كنم * بر تو من اسرار حق آسان كنم
چونكه جبرئيل آمد وبر من بگفت * من بگويم با شما راز نهفت
ايچنين گفته است قهار جهان * حق وقيوم خداى غيب دان
مرتضى والى در أين ملك من است * هر كه أين سر را نداند أو زنست " (1)
في هذه الأشعار: إن حديث الغدير كان بأمر من الله عز وجل، وإن معناه هو
أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الوالي لمملكة النبي صلى الله عليه وآله
وسلم.
الثناء على العطار والاعتماد عليه
هذا والشيخ فريد الدين المذكور من كبار المشايخ الموصوفين بالعلم
والمعرفة لدى علماء أهل السنة، فقد ترجم له وأثنى عليه الشيخ عبد الرحمن
الجامي (2) واستند إلى كلامه نصر الله الكابلي حيث قال: " قال الشيخ الجليل
فريد الدين أحمد بن محمد النيسابوري: من آمن بمحمد ولم يؤمن باهل بيته
فليس بمؤمن أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد " (3).
بل ذكر (الدهلوي) في الباب الحادي عشر من كتابه (التحفة) ما ترجمته:
" وأيضا: إنهم يعلمون بأن أهل السنة يجعلون حب الأمير وذريته الطاهرة من
فرائض الإيمان. قال حضرة فريد الدين أحمد بن محمد النيسابوري المعروف

(1) مثنوى مظهر حق للعطار النيسابوري.
(2) نفحات الأنس: 599.
(3) الصواقع لنصر الله الكابلي.
191

بالعطار في أشعاره العربية:
فلا تعدل باهل البيت خلقا * فأهل البيت هم أهل السعادة
فبغضهم من الإنسان خسر * حقيقي وحبهم عبادة
وقد أورد الشيخ بهاء الدين العاملي هذه الأشعار في كشكوله.
وينقل عن الشيخ المذكور أيضا أنه كان يقول: من آمن بمحمد ولم يؤمن
باهل بيته فليس بمؤمن ".
(4)
ابن طلحة الشافعي
وقال الشيخ محمد بن طلحة الشافعي ما نصه: " وأما مؤاخاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم إياه وامتزاجه به وتنزيله إياه منزلة نفسه وميله إياه وإيثاره
إياه فهذا بيانه:
فإنه قد روى الإمام الترمذي في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم أنه قال:
لما آخا رسول " ص " بين أصحابه جاءه علي تدمع عيناه. فقال: يا رسول الله
آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد. قال: فسمعت رسول الله " ص "
يقول: أنت أخي في الدنيا والآخرة.
وروى بسنده أيضا: أن رسول الله " ص " قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
وهذا اللفظ بمجرده رواه الترمذي ولم يزد عليه. وزاد غيره ذكره اليوم
والموضع. فذكر الزمان وهو عند عود رسول الله " ص " من حجة الوداع
في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. وذكر المكان وهو ما بين مكة والمدينة
يسمى خما في غدير هناك، فسمي ذلك اليوم يوم غير خم. وقد ذكره عليه
السلام في شعره الذي تقدم. وصار ذلك اليوم عيدا وموسما لكونه كان وقتا
192

خص فيه رسول الله " ص " عليا بهذه المنزلة العلية وشرفه بها دون الناس
كلهم.
ونقل عن زاذان قال: سمعت عليا في الرحبة وهو ينشد الناس من شهد
منكم رسول الله " ص " يوم غدير خم وهو يقول ما قال. فقام ثلاثة عشر رجلا
فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله " ص " يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.
زيادة تقرير: نقل الإمام أبو الحسن علي الواحدي في كتابه المسمى بأسباب
النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نزلت هده الآية:
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. يوم غدير خم في علي بن أبي
طالب. فقوله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه قد اشتمل على
لفظة " من " وهي موضوعة للعموم فاقتضى أن كل إنسان كان رسول الله " ص "
مولاه كان علي مولاه.
واشتمل على لفظه " المولى " وهي لفظة مستعملة بإزاء معان متعددة قد ورد
القرآن الكريم بها فتارة تكون بمعنى " أولى " قال الله تعالى في حق المنافقين:
مأواكم النار هي مولاكم. معناه: أولى بكم. وتارة بمعنى الناصر. قال الله
تعالى: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم.
معناه: إن الله ناصر المؤمنين وإن الكافرين لا ناصر لهم. وتارة بمعنى الوارث
قال الله تعالى: ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون. معناه: وارثا.
وتارة بمعنى العصبة. قال الله تعالى: وإني خفت الموالي من ورائي. معناه
عصبتي. وتارة بمعنى الصديق والحميم قال الله تعالى: يوم لا يغني مولى عن
مولى شيئا، معناه حميم عن حميم وصديق عن صديق وقرابة عن قرابة. وتارة
بمعنى السيد المعتق وهو ظاهر.
وإذا كانت واردة لهذه المعاني فعلى أيها حملت؟ أما على كونه أولى كما
193

ذهبت إليه طائفة أو على كونه صديقا حميما، فيكون معنى الحديث: من كنت
أولى به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإن عليا منه كذلك، وهذا
صريح في تخصيصه لعلي بهذه المنقبة العلية وجعله لغيره كنفسه بالنسبة إلى من
دخلت عليهم كلمة " من " التي هي للعموم بما لم يجعله لغيره.
وليعلم أن هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى في آية المباهلة: فقل
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم. والمراد نفس
علي على ما تقدم، فإن الله جل وعلا لما قرن بين نفس رسول الله " ص " وبين
نفس علي وجمعهما بضمير مضاف إلى رسول الله " ص " أثبت رسول الله " ص "
لنفس علي بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموما، فإنه أولى
بالمؤمنين وناصر المؤمنين وسيد المؤمنين. وكل معنى أمكن إثباته مما دل
عليه لفظ " المولى " لرسول الله " ص " فقد جعله لعلي عليه السلام. وهي مرتبة
سامية ومنزلة شاهقة ودرجة علية ومكانة رفيعة خصه صلى الله عليه وسلم بها
دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه " (1).
ترجمة ابن طلحة
وابن طلحة المذكور من كبار الفقهاء ومشاهير المحققين، فقد ترجم له
وأثنى عليه اليافعي (2). وذكره الأسنوي في (طبقات فقهاء الشافعية) بقوله: " الكمال
النصيبي أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي الملقب كمال
الدين، كان إماما بارعا في الفقه والخلاف، عالما بالأصلين، رئيسا كبيرا معظما،
ترسل عن الملوك وأقام بدمشق بالمدرسة الأمينية، وعينه الملك الناصر صاحب

(1) مطالب السئول 44 - 45.
(2) مرآة الجنان حوادث سنة 562.
194

دمشق للوزارة وكتب تقليده بذلك فنصل منه واعتذر فلم يقبل منه، فباشرها
يومين ثم ترك أمواله وموجوده وغير ملبوسه وذهب فلم يعرف موضعه. سمع
وحدث. وتوفي بحلب في السابع والعشرين من رجب سنة 652. وقد جاوز
السبعين. ذكره في العبر مختصرا " (1).
وقال ابن قاضي شهبة بترجمته: " أحد الصدور والرؤساء المعظمين ولد
سنة 582 وتفقه وشارك في العلوم. وكان فقيها بارعا عارفا بالمذهب والأصول
والخلاف، ترسل عن الملوك وساد وتقدم وسمع الحديث وحدث ببلاد كثيرة
... قال السيد عز الدين: أفتى وصنف وكان أحد العلماء المشهورين والرؤساء
المذكورين... " (2).
وذكره عبد الغفار بن إبراهيم العلوي العكي العد ثاني بقوله: " محمد بن
طلحة كمال الدين أبو سالم القرشي العدوي النصيبي مصنف كتاب العقد الفريد
كان أحد العلماء المشهورين " (3).
(5)
سبط ابن الجوزي
وقال يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي في كتابه (تذكرة خواص الأمة
في معرفة الأئمة) الذي نقل عنه ابن حجر في (صواعقه) والسمهودي في (جواهر
العقدين) وغيرهما: " اتفق علماء السير أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي

(1) طبقات الشافعية للأسنوي 2 / 503.
(2) طبقات الشافعية لابن قاضي شبهة - مخطوط.
(3) عجالة الراكب وبلغة الطالب - مخطوط.
195

صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة. جمع
نص صلى الله عليه وسلم على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة.
الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث.
وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده أن النبي " ص " لما قال ذلك
طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار، وبلغ ذلك الحارث بن نعمان الفهري
وأتاه على ناقة له، فأناخها على باب المسجد ثم عقلها، وجاء فدخل المسجد
فجثا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنك أمرتنا أن
نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ذلك. ثم لم ترض بهذا حتى
رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته على الناس وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه.
فهذا شئ منك أو من الله تعالى؟ فقال رسول الله " ص " - وقد احمرت عيناه -:
والله الذي لا إله إلا هو إنه من الله وليس مني. قالها ثلاثا.
فقام الحارث وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأرسل علينا
حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. قال: فوالله ما بلغ ناقته حتى رماه الله
بحجارة من السماء فوقع على هامته فخرج من دبره ومات وأنزل الله تعالى:
سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع.
فأما قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال علماء العربية: لفظ " المولى "
يرد على وجوه " أحدها " بمعنى المالك ومنه قوله تعالى: ضرب الله مثلا عبدا
مملوكا لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه. أي على مالك رقه " والثاني "
بمعنى المعتق " والثالث " بمعنى المعتق بفتح التاء " والرابع " بمعنى الناصر
ومنه قوله تعالى: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم.
أي لا ناصر لهم " والخامس " بمعنى ابن العم قال الشاعر:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا * لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
196

وقال آخر:
هم الموالي حنقوا علينا * وإنا من لقائهم لزور
وحكى صاحب الصحاح عن أبي عبيدة أن قائل هذا البيت عني بالموالي
بني العم. قال: وهو كقوله تعالى: ثم نخرجكم طفلا.
" السادس " الحليف. قال الشاعر:
موالي حلف لا موالي قرابة * ولكن قطينا يسئلون الأثاويا
يقول: هم حلفاء لا أبناء عم. قال في الصحاح: وأما قول الفرزدق.
ولو كان عبد الله مولى هجوته * ولكن عبد الله مولى المواليا
فلأن عبد الله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين، وهم حلفاء بني عبد شمس
ابن عبد المناف. والحليف عند العرب مولى، وإنما نصب الموالي لأنه رده
إلى أصله للضرورة، وإنما لم ينون مولى لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي
لا ينصرف.
" والسابع " المتولي لضمان الجريرة وحيازة الميراث. وكان ذلك في
الجاهلية ثم نسخ بآية المواريث. " والثامن " الجار. وإنما سمي به لما له
من الحقوق بالمجاورة - " والتاسع " السيد المطاع وهو المولى المطلق. قال
في الصحاح: كل من ولى أمر أحد فهو وليه " العاشر " بمعنى الأولى قال
الله تعالى: فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي
مولاكم. أي أولى بكم.
... والمراد من الحديث: الطاعة المخصوصة فتعين العاشر. ومعناه: من
كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به. وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج
يحيى بن سعيد الثقفي الأصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين، فإنه روى
هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله " ص " بيد علي
197

وقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه. فعلم أن جميع المعاني
راجعة إلى الوجه العاشر.
ودل عليه أيضا قوله عليه السلام: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وهذا
نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته. وكذا قوله صلى الله عليه وسلم:
وأدر الحق معه حيث دار. فيه دليل على أنه ما جرى خلاف بين علي وبين أحد
من الصحابة إلا والحق مع علي. وهذا بإجماع الأمة. ألا ترى أن العلماء
استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفين.
وقد أكثرت الشعراء في يوم غدير خم. فقال حسان بن ثابت:
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم فأسمع بالرسول مناديا
وقال فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت ولينا * ومالك منا في الولاية عاصيا
فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا
ويروى أن النبي " ص " لما سمعه ينشد هذه الأبيات قال له: يا حسان لا تزال
مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا أو نافحت عنا بلسانك.
وقال قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وأنشدها بين يدي علي بصفين:
قلت لما بغي العدو علينا * حسبنا ربنا ونعم الوكيل
علي إمامنا وإمام * لسوانا به أتى التنزيل
يوم قال النبي من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل
إن ما قاله النبي على الأمة * حتم ما فيه قال وقيل
198

وقال الكميت:
نفى عن عينك الأرق الهجوعا * وهما يمترى عنه الدموعا
لدى الرحمن يشفع بالمثاني * فكان لنا أبو حسن شفيعا
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا
ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطرا مبيعا
ولهذه الأبيات قصة عجيبة، حدثنا بها شيخنا عمر بن صافي الموصلي
رحمه الله تعالى. قال: أنشد بعضهم هذه الأبيات وبات مفكرا، فرأى عليا كرم
الله وجهه في المنام فقال له: أعد علي أبيات الكميت، فأنشده إياها حتى بلغ
إلى قوله " خطرا مبيعا " فأنشد علي بيتا آخر من قوله زيادة فيها:
فلم أر مثل ذاك اليوم يوما * ولم أر مثله حقا أضيعا
فانتبه الرجل مذعورا.
وقال السيد الحميري:
يا بائع الدين بدنياه * ليس بهذا أمر الله
من أين أبغضت عليا الرضا * وأحمد قد كان يرضاه
من الذي أحمد بن بينهم * يوم غدير الخم ناداه
أقامه من بين أصحابه * وهم حواليه فسماه
هذا علي بن أبي طالب * مولى لمن قد كنت مولاه
فوال من والاه يا ذا العلا * وعاد من قد كان عاداه
وقال بديع الزمان أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمداني:
يا دار منتجع الرسالة * بيت مختلف الملائك
يا ابن الفواطم والعواتك * والترائك والآرائك
199

إنما حائك إن لم * مولى ولائك وابن حائك " (1).
هذا كلام سبط ابن الجوزي، وقد وفى الحق حقه وأيده بأشعار الكميت
وقيس بن سعد والحميري وغيرهم، فماذا بعد الحق إلا الضلال.
وحيث أنه ذكر أشعار الكمت الصريحة في دلالة حديث الغدير على
إمامة أمير المؤمنين عليه السلام فقد كان من المناسب أن نورد هنا بعض
الكلمات في مدح الكميت والثناء عليه.
ترجمة الكميت
قال عبد الرحيم بن عبد الرحمن العباسي في (معاهد التنصيص) بترجمة
الكميت: " الكميت هو ابن زيد الأسدي شاعر مقدم عالم بلغات العرب خبير
بأيامها، فصيح من شعراء مضر وألسنتها، والمتعصبين على القحطانية،
المقاربين المقارعين لشعرائهم العلماء بالمثالب والأيام المفاخرين بها، وكان
في أيام بني أمية ولم يدرك الدولة العباسية ومات قبلها. وكان معروفا بالتشيع
لبني هاشم مشهورا بذلك. وقصائده الهاشميات من جيد شعره ومختاره.
قال ابن قتيبة: وكان بين الكميت وبين الطرماح خلطة ومودة وصفاء لم
يكن بين اثنين... قال: وهذه الأحوال بينهما على تفاوت المذاهب والعصبية
والديانة. كان الكميت شيعيا عصبيا عدنانيا من شعراء مضر متعصبا لأهل الكوفة.
والطرماح خارجي صفري قحطاني عصبي لقحطان من شعراء اليمن متعصب
لأهل الشام. فقيل له: فيم اتفقتما هذا الاتفاق مع سائر اختلاف الأهواء؟
قالا: اتفقنا على بغض العامة.
وحدث محمد بن أنس السلامي الأسدي قال: سئل معاذ الهراء من أشهر

(1) تذكرة خواص الأمة 30 - 34.
200

الناس؟ قال: أمن الجاهليين أم من الاسلاميين؟ قال: بل من الجاهليين. قال:
امرؤ القيس وزهير وعبيد بن الأبرص. قالوا: فمن الاسلاميين؟ قال: الفرزدق
وجرير والأخطل والراعي. قال: فقيل له: يا أبا محمد ما رأيناك ذكرت الكميت
فيمن ذكرت؟ قال: ذاك أشعر الأولين والآخرين.
وحدث محمد النوفلي قال: لما قال الكميت بن زيد الشعر كان أول ما قاله
الهاشميات فسترها. ثم أتى الفرزدق وقال: يا أبا نواس إنك شيخ مضر وشاعرها
وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسدي. قال له: صدقت أنت ابن أخي فما
حاجتك؟ قال: نفث على لساني فقلت شعرا فأحببت أن أعرضه عليك، فإن كان
حسنا أمرتني بإذاعته وإن كان قبيحا أمرتني بستره وكنت أول من ستره علي.
فقال له الفرزدق: أما عقلك فحسن وأني لأرجو أن يكون شعرك على قدر
عقلك. فأنشدني ما قلته. فأنشدته: طربت وما شوقا إلى البيض أطرب...
فقال له الفرزدق: أذع ثم أذع فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي.
وحدث إبراهيم بن سعد الأسدي قال: سمعت أبي يقول: رأيت النبي " ص "
في النوم فقال لي: من أي الناس أنت؟ قلت: من العرب. قال: أعلم فمن
أي العرب أنت؟ قلت: من بني أسد. قال: أسد بن خزيمة؟ قلت: نعم. قال
أتعرف الكميت بن زيد؟ قلت: يا رسول الله ابن عمي ومن قبيلتي. قال:
أتحفظ من شعره شيئا؟ قلت: نعم. قال أنشدني: طربت وما شوقا إلى البيض
أطرب. قال: فأنشدته حتى بلغت قوله:
فما لي إلا آل أحمد شيعة * وما لي إلا مشعب الحق مشعب
فقال لي صلى الله عليه وسلم: إذا أصبحت فاقرأ عليه السلام وقل له: قد
غفر الله لك بهذه القصيدة.
وحدث نصر بن مزاحم المنقري: أنه رأى النبي " ص " في النوم وبين
201

يديه رجل ينشده: من لقلب متيم مستهام. قال: فسألت عنه. فقيل لي: هذا
الكميت بن زيد الأسدي. قال: فجعل النبي " ص " يقول: جزاك الله خيرا.
وأثنى عليه.
وحدث محمد بن سهل صاحب الكميت قال: دخلت مع الكميت
على أبي عبد الله جعفر بن محمد في أيام التشريق، فقال له: جعلت فداك ألا
أنشدك! قال: إنها أيام عظام. قال: إنها فيكم. قال: هات، وبعث أبو عبد الله
إلى بعض أهل فقرب ما أنشده، فكثر البكاء حتى أتى على هذا البيت.
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم * فيا آخر أسدى له الغي أوله
فرفع أبو عبد الله يديه فقال: اللهم اغفر للكميت ما قدم وما أخر وما أسر
وما أعلن وأعطه حتى يرضى.
وحدث صاعد مولى الكميت قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي
فأنشده الكميت قصيدته التي أولها: من لقلب متيم مشتاق. فقال: اللهم اغفر
للكميت اللهم اغفر للكميت. قال: ودخل يوما عليه فأعطاه ألف دينار وكسوة
فقال له الكميت: والله ما جئتكم للدنيا ولو أردت الدنيا لأتيت من هي في يده
ولكنني جئتكم للآخرة، فأما الثياب التي أصابت أجسامكم فأنا أقبلها لبركاتها
وأما المال فلا أقبله ورده وقبل الثياب.
قال: ودخلنا على فاطمة بنت الحسين فقالت: هذا شاعرنا أهل البيت
وجاءت بقدح فيه سويق فحركته بيدها وسقته الكميت فشربه. ثم أمرت له
بثلاثين دينار ومركب فهملت عيناه وقال: لا والله لا أقبلها إني لم أحبكم
للدنيا " (1).

(1) معاهد التنصيص في شواهد التحليص 381 - 388.
202

ترجمة السبط والثناء عليه
وسبط ابن الجوزي فقيه، مؤرخ، واعظ مشهور، أثنى عليه علماء أهل
السنة واعتمدوا عليه ونقلوا عنه ووثقوه وأطروه.
1 - ابن خلكان بترجمة جده: " وكان سبطه شمس الدين أبو المظفر
يوسف بن قزغلي الواعظ المشهور حنفي المذهب وله صيت وسمعة في مجالس
وعظه وقبول عند الملوك وغيرهم، وصنف تاريخا كبيرا رأيته بخطه في أربعين
مجلدا سماه مرآة الزمان في تاريخ الأعيان. وتوفي ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين
من ذي الحجة سنة 654 بدمشق بمنزله بجبل قاسيون ودفن هناك. ومولده في
سنة 581 ببغداد وكان هو يقول: أخبرتني أمي أن مولدي سنة 82. رحمه
الله تعالى ".
وقال ابن خلكان بترجمة الحلاج: " قلت: ذكر صاحبنا شمس الدين
أبو المظفر يوسف الواعظ سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي
الواعظ المشهور في تاريخه الكبير الذي سماه مرآة الزمان أخبار ابن المقفع
وما جرى له وقتله في سنة 146. ومن عادته أن يذكر كل واقعة في السنة التي
كانت فيها. فيدل على أن قتله في السنة المذكورة " (1).
2 - اليافعي: " العلامة الواعظ المؤرخ... أسمعه جده منه ومن جماعة
وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها وحصل له القبول العظيم للطف شمائله
وعذوبة وعظه. وله تفسير في تسعة وعشرين مجلدا، وشرح الجامع الكبير
وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة ودرس وأفتى، وكان في شبيبته حنبليا،

(1) وفيات الأعيان 1 / 405.
203

ولم يزل وافر الحرمة عند الملوك " (1).
3 - الأزنيقي: " شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزغلي الواعظ
المشهور، حنفي المذهب، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه وقبول عند
الملوك وغيرهم، روى عن جده ببغداد، وسمع أبا الفرج ابن كليب وابن
طبرزد، وسمع بالموصل ودمشق وحدث بها وبمصر... " (2).
4 - الذهبي: " ابن الجوزي العلامة الواعظ المؤرخ... درس وأفتى،
وكان في شبيبه حنبليا. توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجة، وكان وافر
الحرمة عند الملوك " (3).
5 - محمود بن سليمان الكفوي: " يوسف بن قزغلي بن عبد الله البغدادي
سبط الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي صاحب مرآة الزمان في التاريخ
ذكره الحافظ شرف الدين في معجم شيوخه... تفقه وبرع وسمع من جده
... وكان إماما عالما فقيها، واعظا جيدا نبيها، يلتقط الدرر من كلمه ويتناثر الجوهر
من حكمه، يصلح المذهب القاصي عندما يلفظ ويتوب الفاسق العاصي حينما
يعظ، يصدع القلب بخطابه ويجمع العظام النخرة بجنابه، لو استمع له الصخر
لانفلق والكافر الجحود لآمن وصدق. وكان طلق الوجه دائم البشر حسن
المجالسة مليح المحاورة يحكي الحكايات الحسنة، وينشد الأشعار المليحة،
وكان فارسا في البحث عديم النظير مفرط الذكاء، إذا سلك طريقا ينقل فيها
أقوالا ويخرج أوجهها. وكان من وحداء الدهر بوفور فضله وجودة قريحته
وغزارة علمه وحدة ذكائه وفطنته، وله مشاركة في العلوم ومعرفة بالتواريخ،

(1) مرآة الجنان 654.
(2) مدينة العلوم للأزنيقي.
(3) العبر حوادث 654.
204

وكان من محاسن الزمان وتواريخ الأيام، وله القبول التام عند العلماء والأمراء
والخاص والعام، وله تصانيف معتبرة مشهورة... " (1).
6 - ابن الوردي: " الشيخ شمس الدين يوسف سبط جمال الدين ابن
الجوزي واعظ فاضل، له: " مرآة الزمان " تاريخ جامع، قلت: وله تذكرة
الخواص من الأمة في مناقب الأئمة. والله أعلم " (2).
7 - أبو المؤيد الخوارزمي: " أما المسند الأول وهو مسند الأستاذ أبي محمد
الحارثي البخاري، فقد أخبرني الأئمة بقراءتي عليهم: الإمام أقضى قضاة الأنام
أخطب خطباء الشام جمال الدين أبو الفضائل عبد الكريم ابن عبد الصمد بن
محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني، والشيخ الثقة صفي الدين إسماعيل
ابن إبراهيم بن يحيى الداجي القرشي المقدسي بقراءتي عليها بجامع دمشق،
والشيخ الإمام شمس الدين يوسف بن عبد الله سبط الإمام الحافظ أبي الفرج ابن
الجوزي بقراءتي عليه... " (3).
اعتماد العلماء على السبط
هذا ولقد اعتمد على رواياته جمهور علماء أهل السنة، بل لقد احتج
بأقواله ورواياته جماعة من متعصبيهم في مقابل الإمامية، كالخواجة الكابلي في
(صواقعه) و (الدهلوي) في كتابه (التحفة) والقاضي في (السيف المسلول)
حيث استندوا إلى روايته - إلى جنب كبار المؤرخين والأئمة كالبخاري والطبري
وابن كثير وابن الجوزي - في الجواب عما طعن به عمر بن الخطاب من درء
الحد عن المغيرة بن شعبة.

(1) كتائب أعلام الأخيار - مخطوط.
(2) تتمة المختصر حوادث 656
(3) جامع مسانيد أبي حنيفة 1 / 70
205

وقد نص محمد رشيد الدين الدهلوي في (إيضاح لطافة المقال) على كون
سبط ابن الجوزي من قدماء أئمة الدين المعتمدين عند أهل السنة.
(6)
محمد بن يوسف الكنجي الشافعي
وقال محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي بعد ذكر حديث فيه أنه
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: " لو كنت مستخلفا أحدا لم يكن
أحد أحق منك " قال ما نصه: " وهذا الحديث وإن دل على عدم الاستخلاف
لكن حديث غدير خم دال على التولية وهي الاستخلاف. وهذا الحديث أعني
حديث غدير خم ناسخ لأنه كان في آخر عمره " ص " (1).
(7)
سعيد الدين الفرغاني
وقال سعيد الدين الفرغاني بشرح قول ابن الفارض:
" وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا * علي بعلم ناله بالوصية "
قال: " وكذلك هذا البيت مبتدأ محذوف الخبر تقديره: وبيان علي كرم
الله وجهه وإيضاحه بتأويل ما كان مشكلا من الكتاب والسنة بوساطة علم ناله
بأن جعله النبي صلى الله عليه وسلم وصيه وقائما مقام نفسه بقوله: من كنت مولاه
فعلي مولاه. وذلك كان يوم غدير خم على ما قاله كرم الله وجهه في جملة أبيات
منها قوله:

(1) كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 166 - 167.
206

وأوصاني النبي على اختياري * لأمته رضى منه بحكمي
وأوجب لي ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم
وغدير خم ماء على منزل من المدينة على طريق يقال له الآن طريق المشاة
إلى مكة. كان هذا البيان بالتأويل بالعلم الحاصل بالوصية من جملة الفضائل
التي لا تحصى، خصه بها رسول الله " ص " فورثها منه عليه الصلاة والسلام " (1).
وقال الفرغاني: " وأما حصة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: فالعلم
والكشف وكشف معضلات الكلام العظيم والكتاب الكريم الذي هو من أخص
معجزاته " ص " بأوضح بيان بما ناله بقوله " ص " أنا مدينة العلم وعلي بابها.
وبقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. مع فضائل أخر لا تعد ولا تحصى ".
ترجمة الفرغاني وكتابه
وقد ذكر كاشف الظنون شرح الفرغاني على التائية. قال: " تائية في التصوف
للشيخ أبي حفص عمر بن علي بن الفارض الحموي المتوفى سنة 576...
ولها شروح منها: شرح السعيد محمد بن أحمد الفرغاني المتوفى في حدود
سنة 700. وهو الشارح الأول لها وأقدم الشايعين له، حكى أن الشيخ صدر
الدين القونوي عرض لشيخه محي الدين ابن عربي في شرحها فقال للصدر:
لهذه العروس بعل من أولادك، فشرحها الفرغاني والتلمساني وكلاهما من تلاميذه
... " (2).
وقد ترجم للفرغاني:
1 - عبد الرحمن الجامي: ووصفه بأنه من أكمل أرباب العرفان وأكابر

(1) شرح تائية ابن الفارض للفرغاني.
(2) كشف الظنون 2 / 265.
207

أصحاب الذوق والوجدان، لم يضبط أحد مسائل الحقيقة بأحسن بيان مثله...
ثم ذكر شرحه على التائية وغيره من مصنفاته... (1).
2 - محمود بن سليمان الكفوي: " الشيخ الفاضل الرباني والمرشد
الكامل الصمداني سعيد الدين الفرغاني، هو من أعزة أصحاب الشيخ صدر
الدين القونوي مريد الشيخ محي الدين العربي، كان من أكمل أرباب العرفان
وأفضل أصحاب الذوق والوجدان، وكان جامعا للعلوم الشرعية والحقيقية،
وقد شرح أحسن الشروح أصول الطريقة، وكان لسان عصره وبرهان دهره
ودليل طريق الحق وسر الله بين الخلق، بسط مسائل علم الحقيقة وضبط
فنون أصول الطريقة في ديباج شرح القصيدة التائية الفارضية... " (2).
3 - الذهبي في (العبر في خبر من غبر) (3).
(8)
تقي الدين المقريزي
وقال تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي ما نصه: " وقال ابن
زولاق: وفي يوم ثمانية عشر من ذي الحجة سنة 362 وهو يوم الغدير يجتمع
خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء، لأنه يوم عيد، لأن رسول الله
(ص) عهد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيه واستخلفه. فأعجب المعز
ذلك من فعلهم، وكان هذا أول ما عمل بمصر " (4).

(1) نفحات الأنس: 559.
(2) كتائب أعلام الأخيار - مخطوط.
(3) العبر حوادث 699.
(4) المواعظ والاعتبار بذكر الحطط والآثار 2 / 220.
208

ترجمة المقريزي
وترجم جلال الدين السيوطي المقريزي بقوله: " المقريزي تقي الدين
أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد مؤرخ الديار المصرية. ولد سنة 769
واشتغل بالفنون وخالط الأكابر وولي حسبة القاهرة ونظم ونثر وألف كتبا
كثيرة منها: درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة. والمواعظ والاعتبار
بذكر الخطط والآثار. وعقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط.
وإيقاظ الحنفا بأخبار الفاطميين الخلفا. والسلوك بمعرفة دول الملوك. والتاريخ
الكبير. وغير ذلك. مات سنة 840 " (1).
ترجمة ابن زولاق
وابن زولاق الذي نقل المقريزي كلامه المذكور من مشاهير المؤرخين
المعتمدين:
1 - ابن خلكان: " أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن الحسين بن الحسن
ابن علي بن خالد بن راشد بن عبد الله بن سليمان بن زولاق الليثي مولاهم المصري
كان فاضلا في التاريخ وله فيه مصنف جيد، وله كتاب في خطط مصر استقصى
فيه. وكتاب أخبار قضاة مصر جعله ذيلا على كتاب أبي عمر محمد بن يوسف
ابن يعقوب الكندي الذي في أخبار قضاة مصر وانتهى منه إلى سنة 246 فكمله
ابن زولاق المذكور... " (2).
2 - السيوطي: " ابن زولاق أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسن
المصري المؤرخ صنف كتابا في فضائل مصر وذيلا على قضاة مصر للكندي

(1) حسن المحاضرة 1 / 557.
(2) وفيات الأعيان 1 / 370.
209

مات في ذي القعدة سنة 387 عن إحدى وثمانين سنة " (1).
3 - ابن الوردي كذلك (2).
هذا وقد ذكر في كشف الظنون ذيله على تاريخ مصر.
(9)
شهاب الدين الدولت آبادي
وصريح كلمات شهاب الدين الدولت آبادي - توجد ترجمته في (سبحة
المرجان بذكر مآثر هندوستان) و (أخبار الأخيار) وغيرهما - أن حديث
الغدير يدل على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ونيابته عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، وأنه يدل على وجوب إطاعة علي ولزوم اتباعه عليه
السلام. كما لا يخفى على من لاحظ كلماته في " الهداية الرابعة عشر " (3).
(10)
شهاب الدين أحمد
وقد تقدم في الكتاب سابقا نص عبارة شهاب الدين أحمد صاحب
(توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل) الذي رجح فيه أن يكون المراد من
(المولى) في حديث الغدير معنى (السيد) من بين معانيه المتعددة، ناقلا
ذلك عن بعض أهل العلم. ثم قال إن قوله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر
الحديث: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين " يؤيد هذا القول.

(1) حسن المحاضرة 1 / 553.
(2) تتمة المختصر حوادث سنة 387.
(3) من كتابه هداية السعداء - مخطوط.
210

ثم إنه نقل كلام الشيخ جلال الدين الخجندي. وأيضا نقل حديثا عن كتاب
(مرج البحرين) واستنتج من كل ذلك دلالة حديث الغدير على الإمامة والأولوية
في الطاعة والاتباع.
(11)
محمد بن إسماعيل الأمير
وقال محمد بن إسماعيل الأمير اليماني بعد ذكر طرق عديدة من طرق
حديث الغدير: " وتكلم الفقيه حميد على معانيه وأطال، وننقل بعض ذلك
قال رحمه الله: منها - فضل العترة عليهم السلام ووجوب رعاية حقهم حيث
جعلهم أحد الثقلين اللذين يسأل عنهما، وأخبر بأنه سأل لهم اللطيف الخبير
وقال: فأعطاني، يعني استجاب لدعائه فيهم، ناصرهما ناصري وخاذلهما
خاذلي ووليهما لي ولي وعدوهما لي عدو، وهذا يقضي بأنهم قائلون
بالصدق وقائمون بالحق، لأنه قد جعل ناصرهما - يعني الكتاب والعترة -
ناصرا له عليه السلام وخاذلهما خاذلا له، ونصرته صلى الله عليه وآله وسلم
واجبة وخذلانه حرام عند أهل الإسلام فكذلك يكون حال العترة الكرام عليهم
السلام، وهذا يوجب أنهم لا يتفقون على ضلال ولا يدينون بخطأ، إذ لو جاز
ذلك عليهم حتى يعمهم كان نصرهم حراما وخذلانهم فرضا وهذا لا يجوز،
لأن خبره فيهم عام يتناول جميع أحوالهم ولا يدل على التخصيص، وزاده بيانا
وأردفه برهانا بقوله: ووليهما لي ولي وعدوهما لي عدو، وهذا يقتضي كونهم
على الصواب وأنهم ملازمون الكتاب حتى لا يحكمون بخلافه، وفيه أجلى
دلالة على أن إجماعهم حجة يجب الرجوع إليها، حيث جمع الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم بينهم وبين الكتاب، وفيه أو في عبرة لمعتبر في عطب
211

معاوية ويزيد وأتباعهم وأشياعهم من سائر النواصب الذين جهدوا في عداوة
العترة النبوية والسلالة العلوية.
ومنها - قوله: أخذ بيده ورفعها وقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، والمولى
إذا أطلق من غير قرينة فهم منه أنه المالك للتصرف، وإذا كان في الأصل يستعمل
لمعان عديدة: منها المالك للتصرف، ولهذا إذا قيل: هذا مولى القوم سبق
الأفهام أنه المالك المتصرف في أمورهم. ومنها: الناصر، قال تعالى: ذلك
بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم. ومنها: ابن العم قال الله
تعالى: وإني خفت الموالي من ورائي. أراد بني العم بعدي. ومنها بمعنى
المعتق والمعتق، ومنها بمعنى الأولى قال تعالى: مأواكم النار هي مولاكم.
أي أولى بكم وبعذابكم.
وبعد فلو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة مولى السابق المالك للتصرف
لكانت منسوبة إلى المعاني كلها على سواء، وحملناها عليها جميعا إلا ما يتعذر
في حقه عليه السلام، من المعتق والمعتق، فيدخل في ذلك المالك للتصرف
والأولى المفيد ملك التصرف على الأمة، وإذا كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم
كان إماما، وتفصيل ذلك مودع في موضعه.
ومنها - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت وليه فهذا وليه، والولي
المالك للتصرف بالسبق إلى الفهم وإن استعمل في غيره، وعلى هذا قال صلى
الله عليه وآله وسلم: السلطان ولي من لا ولي له. يريد ملك التصرف في
عقد النكاح، يعني أن الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة. ثم لو سلمنا احتمال
الولي لغير ما ذكرناه على حده فهو كذلك يجب حمله على الجميع بناءا على
أن كل لفظة احتملت معنيين بطريقة الحقيقة فإنها يجب حملها عليهما أجمع إذا
لم يدل دليل على التخصيص.
212

ومنها - قوله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وهذا يشهد بفضل
علي عليه السلام وبراءته من الكبائر، حيث دعا النبي إلى الله بأن يوالي من
والاه ويعادي من عاداه، ولو جاز أن يرتكب كبيرة لو جبت معاداته، ومتى
وجبت معاداته لم يكن الله ليعادي من عاداه كما لا يعادي من عادى مرتكبي
الكبائر، بل هومن أوليائه في الحقيقة، فلما قضى صلى الله عليه وآله وسلم بأنه
يعادي من عاداه مطلقا من غير تخصيص دل على حالة لا يقارف فيها كبيرة. فبهذا
يظهر أن معاوية قد عاداه على الحقيقة، لأن المعلوم بلا مرية بأنه كان معاديا
لعلي عليه السلام، ومن عاداه أنزله الله دار عذابه وهي دار البوار جهنم يصلونها
وبئس القرار، ومن كان عدو الله كيف يجوز الترحم عليه والتولي له؟ لولا
عمى الأخبار وخبث الظواهر والسرائر والانحراف عن العترة الأطهار وإمام
الأبرار؟! ولو لم يرو إلا حديث الغدير في مناقب علي عليه السلام لكفى في
رفع درجته وعلو منزلته، وقضى له بالفضل على سائر الصحابة. انتهى كلامه
رحمه الله مع اختصار منه ".
(12)
المولوي محمد إسماعيل الدهلوي
ابن أخ (الدهلوي)
وللمولوي محمد إسماعيل ابن أخ مخاطبنا (الدهلوي) الذي يقتدي به
ويعتقده جمع كثير وجم غفير من أهالي هذه الديار في رسالته التي صنفها في
بيان حقيقة الإمامة كلام صريح في دلالة حديث الغدير على ما ترتأيه الإمامية،
فقد قال في بيان الأمور التي يقوم فيها الإمام مقام النبي: " ومنها: ثبوت الرئاسة
أي فكما أن لأنبياء الله نوعا من الرئاسة الثابتة لهم بالنسبة إلى أممهم وهي
213

الرئاسة التي تنسب تلك الأمة إلى رسولها والرسول إلى أمته، وبالنظر إليها
يكون للرسول تصرف في كثير من أمورهم الدنيوية كما قال الله تعالى: النبي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ويكون له أيضا ولاية في بعض الأمور الأخروية
قال الله تعالى: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا
كذلك الإمام، فإنه يكون له مثل تلك الرئاسة على تلك الأمة في الدنيا والآخرة
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: بلى. فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه. وقال الله تعالى: يوم ندعو
كل أناس بإمامهم. وقفوهم إنهم مسؤولون. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
إنهم مسؤولون عن ولاية علي ".
بل إن كلام ابن أخ (الدهلوي) يدل على ما تذهب إليه الشيعة الإمامية من
جهات عديدة لا تخفى على من تأمل فيها، وتوجد ترجمة هذا الرجل مفصلة في
كتاب (إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين) للمولوي صديق
حسن القنوجي (1).

(1) وتوجد ترجمة مطولة للشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن ولي الله الدهلوي في نزهة
الخواطر 7 / 56 - 61 وصفه في أولها " بالشيخ العالم الكبير العلامة المجاهد في سبيل
الله الشهيد... أحد أفراد الدنيا في الذكاء والفطنة والشهامة وقوة النفس والصلابة في
الدين " قال: " وقد وقع مع أهل عصره قلاقل وزلازل، وصار أمره أحدوثة، وجرت
فتن عديدة في حياته وبعد مماته، والناس قسمان في شانه " ثم ذكر مختاراته في المسائل
الشرعية، ومصنفاته، وقد عد منها: " منصب إمامت ". وذكر أنه قتل في سنة 1246 في
معركة.
214

دحض مناقشات الدهلوي
في دلالة الحديث
215

[1] احتمال إرادة الأولوية في التعظيم
قوله:
" إذ يحتمل أن يكون المراد الأولى بالمحبة والأولى بالتعظيم ".
هذا يفيد الإمامة
أقول: وهذا الاحتمال أيضا يفيد الإمامة ويبطل مذهب أهل السنة، لأنه
إذا كان أمير المؤمنين عليه السلام الأولى بالمحبة والأولى بالتعظيم على الإطلاق
والعموم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عليه السلام الأفضل من الشيوخ
الثلاثة، والأفضلية شرط الإمامة والخلافة بلا كلام ولا شبهة.
وأما ثبوت الأفضلية بالأولوية بالمحبة والتعظيم ففي غاية البداهة، إذ الأولى
بالمحبة والتعظيم أفضل ممن ليس كذلك، ولا يجوز في العقل أن يكون المفضول
أولى بالتعظيم من الفاضل، إذ لا تدور الأولوية في المحبة والتعظيم إلا مدار
الأكثرية في الفضيلة والشرف الديني، فمن كان أفضل كان أولى بالمحبة والتعظيم،
ودلالة التعظيم على الفضل ظاهرة من كلام (الدهلوي) في رسالته المسماة
(بالسر الجليل) حيث قال: " كل من أمرنا بتعظيمه فهو ذو فضل... ".
217

ولا مجال هنا لأن يتوهم تخصيص هذه الأولوية بالنسبة إلى الشيخين، لما
تقدم عن ابن حجر المكي سابقا من أن الشيخين قد فهما من حديث الغدير
أولوية أمير المؤمنين عليه السلام بالاتباع والقرب، ولذا خاطباه بقولهما: " أمسيت
يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة ". ويدفعه أيضا قول عمر بن الخطاب
لعلي عليه السلام: " أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ". وأيضا حديث مخاطبة
جبرئيل لعمر حول الولاية نص صريح في بطلان هذا التوهم بالنسبة إلى عمر
وكذلك أبو بكر بن أبي قحافة للاجماع المركب، فكيف يجعلون الشيخين
أولى بالمحبة والتعظيم، ويزعمون أفضليتهما ويدينون بخلافتهما مع كونهما مفضولين؟
ومن العجيب أيضا تجويز (الدهلوي) هنا إرادة (الأولى بالمحبة) و
(الأولى بالتعظيم) من حديث الغدير ثم دعواه أفضلية الشيخين في رسالته
(السر الجليل في مسألة التفضيل) التي ألفها بعد (التحفة الاثنا عشرية).
وقال الفاضل النحرير باقر علي خان في (الحجج الباهرة) في هذا المقام:
" ولو فرض كون المقصود هو الأولى بالمحبة والتعظيم لم يناف ما ندعيه،
لأن الأولى بالمحبة الدينية والتعظيم الشرعي هو الأفضل من الكل، والأفضل
أحق بالخلافة من المفضول، قال في الصواعق: سئل شيخ الإسلام محقق عصره
أبو زرعة الولي العراقي عمن اعتقد في الخلفاء الأربعة الأفضلية على الترتيب
المعلوم، ولكن يحب أحدهم أكثر هل يأثم؟ فأجاب بأن المحبة قد تكون لأمر
ديني وقد تكون لأمر دنيوي، فالمحبة الدينية لازمة للأفضلية، فمن كان أفضل
كان محبتنا الدينية له أكثر، فمتى اعتقدنا في واحد منهم أنه أفضل ثم أحببنا
غيره من جهة الدين أكثر كان تناقضا، نعم إن أحببنا غير الأفضل أكثر من محبة
الأفضل لأمر دنيوي كقرابة وإحسان ونحوه فلا تناقض في ذلك ولا امتناع،
فمن اعترف بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا " ص " أبو بكر ثم عمر ثم عثمان
218

ثم علي لكنه أحب عليا أكثر من أبي بكر مثلا فإن كانت المحبة المذكورة
محبة دينية فلا معنى لذلك، إذ المحبة الدينية لازمة للأفضلية كما قررناه، وهذا
لم يعترف بأفضلية أبي بكر إلا بلسانه لا بقلبه، فهو مفضل لعلي لكونه أحبه محبة
دينية زائدة على محبة أبي بكر وهذا لا يجوز، وإن كانت المحبة المذكورة
دنيوية لكونه من ذرية علي أو لغير ذلك من المعاني فلا امتناع فيه ".
فتلخص أن فرار (الدهلوي) من (الأولى بالتصرف) إلى (الأولى بالمحبة
والتعظيم) لا ينفعه.
[2] النقض بقوله تعالى: إن أولى الناس بإبراهيم...
قوله: " وأي ضرورة لأن يحمل لفظ (الأولى) على (الأولوية بالتصرف)
في كل مورد؟ قال تعالى: إن أولى لناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي
والذين آمنوا. وواضح أن أتباع إبراهيم لم يكونوا أولى بالتصرف منه ".
بطلان هذا النقض
أقول: في قوله تعالى: " إن أولى الناس بإبراهيم... " قرينة تمنع من
الحمل على (الأولوية بالتصرف) بخلاف ما نحن فيه فلا يقاس أحدهما على
الآخر. ومتى كان (المولى) بمعنى (الأولى) وكان مطلقا غير مقيد بقيد فإنه
يحمل على الأولوية في جميع الأمور، وإذا ثبتت الأولوية في جميع الأمور
تحققت الأولوية بالتصرف بالضرورة.
أما حمل (الأولى) على الأولوية في جميع الأمور بسبب عدم تقييده بقيد
فهو ثابت من كلمات كبار علماء أهل السنة المحققين، إذ قد عرفت سابقا قول
الزمخشري والنيسابوري والبيضاوي والعيني وغيرهم بتفسير قوله عز وجل:
219

" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " أنه صلى الله عليه وآله وسلم أولى بهم
من أنفسهم في جميع الأمور لإطلاق لفظة " الأولى " في الآية الكريمة، فكذلك
لفظة " المولى " في حديث الغدير تحمل على العموم والاطلاق لعدم تقيدها
بقيد، فثبتت الأولوية بالتصرف وبطلت كلمات المشككين وتأويلاتهم الباردة
للحديث الشريف.
على أنه لا ريب في أن المراد من (المولى) في " فعلي مولاه " نفس المراد
منه في " من كنت مولاه " وقد اعترف (الدهلوي) نفسه بأن الكلام مسوق لتسوية
الولايتين في جميع الأوقات ومن جميع الوجوه، فإذا كان المراد أولوية رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت أولويته في جميع الأمور بعين ما ذكره أساطين
المفسرين في قوله تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " فكذلك أولوية
سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام فبطلت أوهام المنكرين.
[3] جعل ذيل الحديث قرينة على إرادة المحبة
قوله: " ثالثا: إن القرينة المتأخرة تدل بصراحة على أن المراد من الولاية
المستفادة من لفظ (المولى) أو (الأولى) - أيا ما كان - هو معنى المحبة وتلك
القرينة قوله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
الجواب عن ذلك
أقول: لقد اضطرب أهل السنة واختلفت كلماتهم في تأويل حديث الغدير
بغية صرفه عن مدلوله الحقيقي، فمنهم من أوله بجعل المراد من (المولى) فيه
هو (الناصر) و (المحب) كالقوشجي الذي قال: " وبعد صحة الرواية فمؤخر
الخبر أعني قوله: اللهم وال من والاه. يشعر بأن المراد بالمولى هو الناصر
220

والمحب " (1) وكالحلبي القائل: " بل معنى ذلك عند العلماء الذين هم أهل هذا
الشأن وعليهم الاعتماد في تحقق ذلك: من كنت ناصره ومواليه ومحبه ومصافيه
فعلي كذلك " (2).
وهذا التأويل عجيب للغاية إذ لا يعقل أن يكون ذاك الاهتمام الذي عرفته
لمجرد بيان كون علي عليه السلام محبا وناصرا لمن كان النبي صلى الله عليه
وآله وسلم محبا وناصرا له، فلا يجوز نسبة إرادة هذا المعنى إلى الرسول
الأعظم، إلا إذا أريد المحبة والنصرة الخاصة للخليفة والوصي من بعده فعلى ذلك
يتم المطلوب لأهل الحق.
ومن هنا ترى أن بعض أكابرهم يستبعد هذا التأويل، فقد قال الحافظ محب
الدين الطبري: " قد حكى الهروي عن أبي العباس: أن معنى الحديث من
أحبني ويتولاني فليحب عليا وليتوله. وفيه عندي بعد، إذ كان قياسه على هذا
التقدير أن يقول: من كان مولاي فهو مولى علي، ويكون المولى ضد العدو
فلما كان الإسناد في اللفظ على العكس بعد هذا المعنى " (3).
وأما قول الطبري: " نعم يتجه ما ذكره من وجه آخر بتقدير حذف في
الكلام على وجه الاختصار، تقديره: من كنت مولاه فسبيل المولى وحقه أن
يحب ويتولى، فعلي أيضا مولى القربة مني ومكانته من تأييد الإسلام فليحبه
وليتوله كذلك " (4). فسقوطه قي غاية الوضوح، لأن حديث الغدير ظاهر في
معنى يوافق استعمال الكتاب والسنة واللغة، وقد فهم كبار الأصحاب منه هذا

(1) شرح التجريد للقوشجي: 403
(2) السيرة الحلبية 3 / 340
(3) الرياض النضرة 1 / 205
(4) المصدر 1 / 205
221

المعنى ونص عليه أكابر العلماء ودلت عليه القرائن والأخبار الأخرى، لكن
(الدهلوي) يناقش في دلالته على هذا المعنى مع وجود هذه الأمور، فكيف
يرتضي عاقل تأويل الطبري وهو تأويل ركيك محتاج إلى الحذف والتقدير
ولا يوافقه الاستعمال ولا يخطر ببال أحد أبدا؟
ومنهم من اخترع معنى آخر للفظة (المولى) لما رأى عدم تمامية حمله
على (المحب والناصر) وهو (المحبوب)، وممن قال ذلك: ابن حجر المكي
والكابلي صاحب (الصواقع) وشاه ولي الله الدهلوي في (إزالة الخفا).
ولكنها دعوى مجردة عن الدليل فليس في كتب اللغة المشهورة أمثال
(الصحاح) و (القاموس) و (الفائق في غريب الحديث) و (النهاية الأثيرية)
و (مجمع البحار) و (المفردات) و (أساس البلاغة) و (المغرب) و (المصباح
المنير) وغيرها ذكر (للمحبوب) في معاني لفظة (المولى).
ألا سائل يسألهم! ما الذي حملهم على الإعراض عن معنى يوافقه الكتاب
والسنة، ويساعده استعمال أهل اللسان، ويفهمه القريب والبعيد، ويذعن به
الموافق والمخالف، والاعتماد على معنى مخترع من عندهم، لم يذكره
اللغويون، ولا تثبته القرائن، ولا تشهد به وقائع القضية!!
لكن الكابلي وبالرغم من أنه يعد (المحبوب) من جملة معاني (المولى)
حيث يقول: " ولأن المولى مشترك بين معان كالمالك والعبد وهو المعتق
والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف والصديق والناصر
والمنعم والمنعم عليه والرب والنزيل والمحب والمحبوب والتابع والظهير "
يحمل (المولى) في الحديث على (المحب والناصر) حيث يقول: " وخاتمة
الحديث وهي الجملة الدعائية قرينة واضحة على أن المراد بالمولى المحب
والصديق ".
222

ولعل ذلك من جهة عدم تجاسره على حمل كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم
على معنى مخترع مكذوب، ومن هنا يتضح تخليط (الدهلوي) وتلبيسه حيث
اكتفى بدعوى أن المراد من الولاية المستفادة من حديث الغدير هي (المحبة)
ولم يوضح مراده من هذه المحبة وأنه هل يحمل (المولى) على (المحب)
أو (المحبوب)؟! والسبب في ذلك هو محاولة الفرار عن الإشكال، لأنه إن
صرح بالأول أورد عليه باستحالة إرادة هذا المعنى من حديث الغدير، وإن
صرح بالثاني أورد عليه بعدم ثبوت هذا المعنى في معاني لفظة (المولى).
ومنهم من ذكر (16) معنى للفظة (المولى) ثم جوز حملها في قوله صلى
الله عليه وآله وسلم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " على أكثر تلك المعاني،
كابن الأثير الجزري في كتابه (النهاية في غريب الحديث) (1). وهذا من عجائب
الأمور، لوضوح عدم جواز حمل الحديث المذكور على أكثر تلك المعاني،
وقد نقل محمد رشيد الدين الدهلوي عبارة النهاية أيضا ولم يلتفت إلى الخلل
الموجود فيها... وكالفتني صاحب (مجمع البحار) حيث قال: " وقد تكرر ذكر
المولى في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة، فهو الرب والمالك
والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف
والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه... ومنه الحديث: من كنت
مولاه فعلي مولاه. يحمل على أكثر الأسماء المذكورة " (2).
وصاحب (الصواعق) - وإن ذكر (المحبوب) في جملة المعاني الحقيقية
للفظة (المولى) صحح إرادة (الحب) بالكسر، وادعى إجماع الفريقين على
ذلك حيث قال: " ونحن وهم متفقون على صحة إرادة الحب بالكسر، وعلي

(1) النهاية في غريب الحديث: " ولى "
(2) مجمع البحار: " ولى "
223

رضي الله عنه سيدنا وحبنا " (1).
ولم يتضح لنا وجه الحمل على (الحب) دون (المحبوب) مع أنه مرادف
له لغة وقد عده من المعاني الحقيقية للفظة (المولى)!! على أن مجئ (المولى)
بمعنى (الحب بالكسر) محتاج إلى دليل، والأعجب دعوى إجماع الفريقين
على صحة إرادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى من حديث الغدير
وإلا عجب من الكل استناد محمد رشيد الدين خان الدهلوي إلى هذا الكلام
في مقابلة أهل الحق.
ثم إن الحمل على (المحبة) والقول بأن المراد من حديث الغدير
إيجاب محبة علي عليه السلام يبطل أساس مذهب أهل السنة الذي بنوا عليه
مسائل مهمة ومعتقدات كثيرة، ألا وهو الاعتقاد بعدالة الصحابة أجمعين أكتعين.
فإذا وجبت محبة علي عليه السلام من حديث الغدير فقد حرمت مقاتلته
بالأولوية القطعية، وبذلك يظهر حال معاوية وعائشة وطلحة والزبير وعمرو بن
العاص وأمثالهم من مئات الصحابة.
وبعد فإن الجملة الأخيرة من حديث الغدير التي زعموا أنها قرينة على
تأويلهم قد كذبها ابن تيمية الحراني حيث قال: " الوجه الخامس: إن هذا
اللفظ وهو قوله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل
من خذله كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث. وأما قوله: من كنت مولاه فعلي
مولاه فلهم فيه قولان سنذكر ذلك في موضعه إنشاء الله تعالى.
الوجه السادس: إن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم مجاب وهذا الدعاء
ليس بمجاب، فعلم أنه ليس من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه من المعلوم
أنه لما توفي كان الصحابة وسائر المسلمين ثلاثة أصناف، صنف قاتلوا معه

(1) الصواعق المحرقة: 25.
224

وصنف قاتلوه وصنف قعدوا عنه، هذا وأكثر السابقين الأولين من القعود،
وقد قيل: إن بعض السابقين الأولين قاتلوه. وذكر ابن حزم: إن عمار بن ياسر
قتله أبو الغادية، وإن أبا الغادية هذا من السابقين الأولين ممن بايع تحت الشجرة
وأولئك جميعهم قد ثبت في الصحيحين أنه لا يدخل النار منهم أحد " (1).
قوله:
" ولو كان المولى بمعنى المتصرف في الأمر، أو كان المراد بالأول هو
الأولى بالتصرف، لكان المناسب أن يقول: اللهم أحب من كان تحت تصرفه
وابغض من لم يكن تحت تصرفه ".
أقول:
هذا عجيب من فهم (الدهلوي)، فأي ملازمة بين الكون تحت التصرف
وبين الإطاعة والاعتقاد بالإمامة؟ قد يكون مخالفوا الإمام الحق تحت تصرفه
بحسب نفوذ أحكامه فيهم، لكنهم في الباطن لا يعتقدون بكونه إماما حقا، بل
قد يتظاهرون باعتقادهم لكن لا مناص لهم من الكون تحت تصرفه، كما هو
الشأن في قضية أهل الذمة فإنهم واقعون تحت تصرف النبي أو الإمام مع عدم
الاعتقاد بنبوته أو إمامته.
إذن لا ملازمة بين الأمرين حتى يستحق من كان تحت التصرف للدعاء
المذكور، نعم من كان كذلك مع الاعتقاد بالإمامة ووجوب الطاعة يستحقه
بلا ريب، فظهر أن المناسب ما كان لا ما توهمه (الدهلوي).
قوله:
" فذكر محبته ومعاداته دليل صريح على أن المقصود إيجاب محبته

(1) منهاج السنة 4 / 16.
225

والتحذير من معاداته لا التصرف وعدم التصرف ".
أقول:
لقد دلت الألفاظ العديدة من حديث الغدير كبعض الأحاديث الأخرى
على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخشى من تكذيب القوم إياه،
فقد عرفت سابقا قوله " ص " في حديث: " رأيت الناس حديثي عهد بكفر ومتى
أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمه " (1). وقوله " ص " في حديث آخر:
" وعرفت أن الناس مكذبي " (2). وقوله " ص " في ثالث: " يا رب إنما أنا واحد
كيف أصنع يجتمع علي الناس " (3). ومن هنا تتضح المناسبة التامة بين دعائه
صلى الله عليه وآله وسلم لمن والى عليا وعلى من عاداه وبين إمامته عليه الصلاة
والسلام.
قال الحافظ محب الدين الطبري في الجواب عن حديث " علي مني وأنا
منه وهو ولي كل مؤمن بعدي " قال: " وأما الحديث الثالث. فقوله: فتعين
حمل المولى على الناصر والمتولي إلى آخر ما قرر. قلنا: الجواب عنه من
وجهين، الأول - القول بالموجب على المعنيين مع البيان بأنه لا دليل لكم
فيه، أما على معنى الناصر فلما بيناه في الحديث قبله، وأما بمعنى المتولي فقد
كان ذلك وإن كان بعد من كان بعده، إذ يصدق عليه بعده حقيقة. ومثل هذا قد
ورد. وسيأتي في مناقب عثمان أن النبي " ص " رأى في منامه حورية فقال لها:
من أنت؟ قالت: للخليفة من بعدك عثمان.
ويكون فائدة ذلك التنبيه على فضيلته والأمر بالتمرن على محبته، فإنه سيلي

(1) الأربعين للمحدث الشيرازي - مخطوط.
(2) الدر المنثور 2 / 298.
(3) المصدر 2 / 298.
226

عليكم ويتولى أمركم ومن يتوقع إمرته، فالأولى أن يموت القلب على مودته
ومحبته ومجانبة بغضه، ليكون أدعى على الانقياد وأسرع للطواعية وأبعد من الخلف.
ويشهد لذلك أن هذا القول يعني أن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي،
صدر حين وقع فيه من وقع وأظهر بغضه من أظهر على ما تضمنه الحديث،
فأراد نفي ذلك عنهم والتمرن على خلافته لحاجتهم إليه وحاجته إليهم " (1).
ثم ماذا يقول (الدهلوي) في مقابلة ما فهمه الشاعر الصحابي حسان بن ثابت
من حديث الغدير، وقال على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ورضيتك
من بعدي إماما وهاديا "؟ هل يتجاسر على القول بأن حسانا قد حمل الحديث
على غير محمله الصحيح؟ هل يتجاسر على أن يقول ذلك ولا سيما مع تقرير
النبي " ص " لشعر حسان وسروره به؟
وماذا يقول في مقابلة مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام الناس بحديث
الغدير في مقام إثبات إمامته وخلافته بعد رسول الله " ص "؟
وماذا يقول في مقابلة أشعار قيس بن سعد بن عبادة؟
وماذا يقول في مقابلة كلمات أكبار علماء طائفته؟
[4] إرادة الإمامة منه تخالف طريقة النبي في بيان الواجبات والسنن
قوله:
" ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد بلغ أدنى الواجبات
بل السنن بل آداب القيام والقعود والأكل والشرب بوجه يفهم الكل سواء
الحاضر والغائب ممن عرف لغة العرب المعاني المقصودة من ألفاظه بلا تكلف "

(1) الرياض النضرة 1 / 205
227

النقض بحديث الاثنا عشر خليفة
أقول:
إن هذا الكلام في الحقيقة طعن في الصحابة والعلماء الذين أثبتوا إمامة
أمير المؤمنين عليه السلام من حديث الغدير، بل إنه طعن في تبليغ النبي صلى
الله عليه وآله وسلم وأدائه الرسالة الإلهية...
لقد غفل (الدهلوي) أو تغافل عما ذكر علماء مذهبه في معنى حديث " الاثنا
عشر خليفة " من الكلمات المشوشة والأقاويل المضطربة من أجل صرفه عن
مدلوله الواقعي، معرضين عن الأحاديث المفسرة الواردة بطرق أهل الحق بل
بطرقهم.
لقد كثرت تأويلاتهم الركيكة وتوجيهاتهم السخيفة لهذا الحديث الشريف
الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فقد اعترف بعض
أعاظم علمائهم بالعجز عن بيان معناه وأعرض عن تأويله، قال ابن حجر
العسقلاني: " قال ابن بطال عن المهلب: لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث
يعني بشئ معين " (1). قال: " وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: قد أطلت
البحث عن معنى هذا الحديث وتطلبت مظانه وسالت عنه فلم أقع على
المقصود به، لأن الألفاظ مختلفة ولا أشك أن التخليط فيها من الرواة " (2).
وقال أبو بكر ابن العربي: " ولم أعلم للحديث معنى " وهذا نص كلامه
في شرح الحديث: " روى أبو عيسى عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: يكون بعدي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش. صحيح

(1) فتح الباري - شرح البخاري - كتاب الفتن 16 / 338.
(2) المصدر نفسه 16 / 339.
228

فعددنا بعد رسول الله " ص " من ملك باسم الملك العام اثنى عشر أميرا، فوجدنا
أبا بكر، عمر، عثمان، علي، الحسن، معاوية، يزيد بن معاوية، معاوية بن
يزيد، مروان، عبد الملك بن مروان، الوليد، سليمان، عمر بن عبد العزيز،
هشام بن عبد الملك، يزيد بن عبد الملك، مروان بن محمد بن مروان، السفاح
المنصور، المهدي، الهادي، الرشيد، الأمين، المأمون، المعتصم، الواثق
المتوكل، المنتصر، المستعين، المعتز، المهتدي، المعتمد، المعتضد،
المكتفي، المقتدر، القاهر، الراضي، المتقي، المستكفي، المطيع، الطائع
القائم، المهتدي وأدركته سنة 484، وعهد إلى المستظهر أحمد ابنه. وتوفي
في المحرم سنة 86. ثم بايع المستظهر لابنه أبي المنصور المفضل وخرجت
عنهم سنة 95.
وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان بن عبد الملك
وإذا عددناهم بالمعنى كان معنى منهم خمسة: الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد
العزيز.
ولم أعلم للحديث معنى، ولعله بعض حديث. وقد ثبت أن النبي " ص "
قال: كلهم من قريش " (1).
ثم إن كلام (الدهلوي) هذا يقتضي أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم عدم البلاغة وقصور البيان في كل كلام له تحيرت في فهمه الأفهام
والأفكار، بل يقتضي نسبة هذا النقص إلى القرآن الكريم لاختلاف العلماء
والفقهاء وتحيرهم في فهم كثير من آيات الأحكام، ونعوذ بالله عز وجل من
التفوه بمثل هذا الكلام.
إن (الدهلوي) يريد دفع دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه

(1) عارضة الأحوذي في شرح الترمذي 9 / 67 - 69.
229

الصلاة والسلام، وإن استلزم ذلك الأباطيل المنكرة بل الطعن في كلمات
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل القرآن العظيم، ولكن تلميذه محمد رشيد
الدين الدهلوي ينص على أن ثبوت خلافة الأمير من حديث الغدير لا ينافي
مذهب أهل السنة، وأنه لا حاجة إلى تمهيد المقدمات المطولة لهذا الدليل
المختصر (1). وكلام الرشيد الدهلوي هذا يوضح مدى تعصب (الدهلوي)
وأسلافه وارتكابهم الأكاذيب والخرافات في رد حديث الغدير، ولقد اعترف
- ولله الحمد - بدلالة الحديث المذكور على مطلوب أهل الحق.
واعترف ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي بدلالة حديث الغدير
على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، قال: " قال أهل السنة المراد من
الحديث من كنت مولاه فعلي مولاه. أي في وقت خلافته وإمامته " (2).
فهم يعترفون بدلالته على الإمامة والخلافة، وهذا يبطل تأويل (الدهلوي)
وبعض أسلافه، أما حمل معنى الحديث على الإمامة والخلافة في وقتها فيبطله
فهم الأصحاب وتهنئة الشيخين وغيرهما وغير ذلك.
قوله:
" وفي ذلك - في الحقيقة - كمال البلاغة، وهو مقتضى منصب الارشاد
والهداية ".
أقول:
فأين كان مقتضى منصب الارشاد والهداية في حديث " سيكون بعدي اثنا
عشر خليفة كلهم من قريش " الذي زعموا عدم وضوح معناه ولم يخل وجه من
الوجوه التي ذكروها في شرحه من نقد وإشكال، ولم يتم له توجيه يقبله أهل

(1) إيضاح لطافة المقال.
(2) هداية السعداء - مخطوط.
230

الفضل والكمال؟
قوله:
" فدعوى الاكتفاء حينئذ بمثل هذا الكلام الذي لا تساعده قواعد لغة
العرب يستلزم إثبات قصور البيان والبلاغة، بل المساهلة في أمر التبليغ والهداية
في حق النبي. والعياذ بالله من ذلك ".
النقض بحديث خوخة أبي بكر
أقول:
أولا: إن دعوى عدم مساعدة قواعد اللغة العربية لاستفادة الإمامة من
حديث الغدير من عجائب التقولات، لثبوت دلالته من استشهاد أمير المؤمنين
عليه السلام ومناشدته، ومن صريح أشعار حسان بن ثابت مع تقرير النبي " ص "
وأشعار قيس بن سعد بن عبادة، ومن تصريحات كبار أئمة أهل السنة كما علمت
آنفا.
إن نفي دلالة حديث الغدير على الإمامة يساوق نفي دلالة " لا إله إلا الله "
على التوحيد، ويساوق نفي دلالة " محمد رسول الله " على الرسالة.
ثم إن كلام (الدهلوي) هذا ينتقض بحديث خوخة أبي بكر المزعوم، ذاك
الحديث الذي جعلوه من أدلة خلافة أبي بكر، فإنا نقول لمخاطبنا: إن لم
يدل حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام مع وجود تلك القرائن
والشواهد فأي علاقة بحديث خوخة أبي بكر مع خلافته حتى جعلوه من أدلتها؟
قال القاري بشرح حديث: " لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي
بكر " قال: " قال التوربشتي: وهذا الكلام كان في مرضه الذي توفي فيه في
آخر خطبة خطبها، ولا خفاء بأن ذلك تعريض بأن أبا بكر هو المستخلف بعده
231

وهذه الكلمة إن أريد بها الحقيقة فكذلك لأن أصحاب المنازل اللاصقة بالمسجد
قد جعلوا من بيوتهم مخترقا يمرون فيه إلى المسجد أو كوة ينظرون إليها منه،
وأمر بسد جملتها سوى خوخة أبي بكر تكريما له بذلك أولا، ثم تنبيها للناس
في ضمن ذلك على أمر الخلافة حيث جعله مستحقا لذلك دون الناس.
وإن أريد به المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد باب المقالة دون التطرق
إليها والتطلع عليها، والمجاز فيه أقوى، إذ لم يصح عندنا أن أبا بكر كان له
منزل بجنب المسجد، وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة. ثم إنه
مهد المعنى المشار إليه وقرره بقوله: ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر
خليلا. ليعلم أنه أحق الناس بالنيابة عنه، وكفانا حجة على هذا التأويل تقديمه
إياه في الصلاة وإباءه كل الآباء أن يقف غيره ذلك الموقف " (1).
وقال القاري أيضا: " قال أبو حاتم: وفي قوله: سدوا... دليل على
حسم أطماع الناس كلهم من الخلافة إلا أبا بكر " (2).
فأي علاقة بين " الخوخة " و " الخلافة " يا منصفون؟
وأي الحديثين أولى بالاستدلال: حديث الغدير لإمامة علي أو حديث
الخوخة لإمامة أبي بكر يا منصفون؟
ولما رأى الحافظ الطبري عدم دلالة حديث خوخة أبي بكر فإنه لم يجد
بدا من الاعتراف بذلك فصرح بأنه " لا ينهض في الدلالة، وإنما بانضمام
القرائن الحالية إليه " وهذا نص كلامه حيث قال: " عن ابن عباس: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه، فجلس
على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد آمن علي

(1) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 524.
(2) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 525.
232

بنفسه وماله من ابن أبي قحافة، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر لكن
خلة الإسلام سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر. خرجه
أحمد والبخاري وأبو حاتم واللفظ له. وقال في قوله: سدوا عني كل خوخة
إلى آخره دليل على حسم أطماع الناس كلهم من الخلافة إلا أبا بكر.
قلت: وهذا القول وحده لا ينهض في الدلالة وإنما بانضمام القرائن الحالية
إليه حصلت، وذلك بارتقائه المنبر في حال المرض ومواجهة الناس بذلك
وتعريفهم بحق أبي بكر وتفضيله بذكر الخلة، وذلك تنبيه على أنه الخليفة من
بعده. وكان هذا القول كالتوصية لهم به لأنه قرب الموت، وكذلك فهمه
الصحابة من القال والحال " (1).
أقول: فإذا كان حديث الخوخة يدل على خلافة أبي بكر بانضمام القرائن
من ارتقاء المنبر ومواجهة الناس والتعريف بحق أبي بكر وتفضيله... كما
قال المحب الطبري، فإن حديث الغدير - بغض النظر عن دلالته بوحده -
يدل على إمامة وخلافة أمير المؤمنين بانضمام تلك القرائن إليه، من ارتقاء
المنبر قرب الموت، والتعريف بحق علي وأهل البيت عليهم السلام، وأنه مولى من
كان النبي " ص " مولاه - وهو يفيد التساوي من جميع الوجوه وتفضيل علي
بذلك كما فهمه الدهلوي - ونزول الآيات الكريمة من القرآن الكريم في تلك
الواقعة، وشدة اهتمام النبي " ص " بالأمر، وخوفه من شر المخالفين، وكون
الواقعة في زمان ومكان لم يتعارف فيه هكذا اجتماع، ثم أمره " ص " برد من
تقدم والحاق من تخلف، وصنعه منبرا له من أقتاب الإبل، ثم رفعه لعلي حتى
رآه الناس كلهم، مع تغيير ملابسه وتعميمه إياه بيده، ثم تهنئة الشيخين وعامة
الأصحاب والأزواج لعلي، وترتب الثواب العظيم على صوم هذا اليوم المبارك
إلى غير ذلك..

(1) الرياض النضرة 1 / 112.
233

ذكر من روى تعميم النبي عليا يوم الغدير بيده
وقد روى حديث تعميم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده عليا
عليه السلام يوم غدير خم جماعة من أكابر أئمة أهل السنة أمثال:
1 - سليمان بن داود بن الجارود أبو داود الطيالسي.
2 - عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي.
3 - أحمد بن منيع البغوي.
4 - أحمد بن الحسين بن علي البيهقي.
5 - محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري.
6 - إبراهيم بن محمد الحمويني.
7 - محمد بن يوسف الزرندي.
8 - علي بن محمد المعروف بابن الصباغ.
9 - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي.
10 - جمال الدين عطاء الله بن فضل الله المحدث.
11 - علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي.
12 - محمود بن علي الشيخاني القادري.
13 - أحمد بن محمد القشاشي.
قال علي المتقي: " عن علي قال: عممني رسول الله " ص " يوم غدير خم
بعمامة فسدلها خلفي. وفي لفظ: فسدل طرفيها على منكبي. ثم قال: إن الله
أمدني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمون هذه العمة. وقال: إن العمامة حاجزة
بين الكفر والإيمان. وفي لفظ بين المسلمين والمشركين، ورأى رجلا يرمي
بقوس فارسية فقال: ارم بها. ثم نظر إلى قوس عربية فقال: عليكم بهذه وأمثالها
234

ورماح القنا، فإن بهذه يمكن الله لكم في البلاد ويؤيد لكم. ش. ط وابن منيع
ق " (1).
وقال محب الدين الطبري: " ذكر تعميمه إياه بيده. عن عبد الأعلى بن
عدي البهراني: أن رسول الله " ص " دعا عليا يوم غدير خم فعممه وأرخى عذبه
من خلفه " (2).
وقال شهاب الدين أحمد: " عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي
الله تعالى عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وبارك وسلم عمم علي بن
أبي طالب كرم الله تعالى وجهه عمامته السحابة وأرخاها من بين يديه ومن
خلفه، ثم قال " ص ": أقبل فأقبل. ثم قال " ص ": أدبر فأدبر. فقال صلى الله
عليه وآله وبارك وسلم: هكذا جائتني الملائكة ثم قال " ص ": من كنت مولاه
فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من
خذله " (3).
وقال الحمويني: " أخبرنا القاضي جلال الدين أبو المناقب محمود بن
مسعود بن أسعد بن العراقي الطاووس القرويني إجازة بروايته عن الشيخ إمام
الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم إجازة قال: أنبأنا أبو منصور شهردار
ابن شيرويه ابن شهردار الحافظ إجازة قال: أنبأنا أبو زكريا يحيى بن عبد
الوهاب بن الإمام أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة الحافظ
بقراءتي عليه بأصفهان في داره، أنبأنا أبو عمر عثمان بن محمد بن أحمد بن

(1) كنز العمال للملا علي المتقي. والمراد من " ش " هو ابن أبي شيبة. ومن " ط "
أبو داود الطياسي. ومن " ق " البيهقي.
(2) الرياض النصرة 2 / 289.
(3) توضيح الدلائل - مخطوط.
235

سعيد الخلال، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ابن
جميل، أنبأنا جدي إسحاق، أخبرنا أحمد بن منيع عن علي بن هاشم عن
أشعث بن سعيد عن عبد الله بن بشر عن أبي راشد عن علي بن أبي طالب قال
قال رسول الله " ص ": إن الله عز وجل أيدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين
هذه العمة، والعمة الحاجز بين المسلمين والمشركين. قاله " ص " لعلي لما
عممه يوم غدير خم بعمامة سدل طرفها على منكبيه " (1).
وقال أيضا: "... عن جعفر بن محمد قال: حدثني أبي عن جدي أن
رسول الله " ص " عمم علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمامته السحاب فأدخلها
من بين يديه ومن خلفه، ثم قال: أقبل فأقبل ثم قال: أدبر فأدبر، قال: هكذا
جاءتني الملائكة " (2).
وقال أيضا: "... عن علي بن أبي طالب قال: عممني رسول الله " ص "
يوم غدير خم بعمامة فسدل طرفها على منكبي وقال: إن الله أمدني يوم بدر
بملائكة معتمين بهذه العمامة " (3).
روى محمد بن يوسف الزرندي الحديث الثاني المذكور عن جعفر ابن
محمد عن أبيه عن جده وأضاف: " ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله... " (4).
ورواه نور الدين ابن الصباغ: " عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قال: عممني رسول الله " ص " يوم غدير خم بعمامة فسدل نمرقها على منكبي

(1) فرائد السمطين 1 / 75.
(2) المصدر 1 / 76.
(3) المصدر 1 / 76.
(4) نظم در السمطين 112.
236

وقال: إن الله تعالى أمدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين هذه العمامة " (1).
وقال المحدث الشيرازي: " ورواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم
السلام وفيه من الزيادة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمم علي بن
أبي طالب عمامته السحابة أرخاها بين يديه ومن خلفه. ثم قال: أقبل فأقبل،
ثم قال: أدبر فأدبر. فقال: هكذا جاءتني الملائكة يوم بدر ثم قال: من كنت
مولاه فعلي مولاه. الحديث " (2).
وقال محمود بن محمد بن علي الشيخاني القادري المدني: " وفي الفصول
المهمة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: عممني رسول الله " ص " يوم
غدير خم بعمامة فسدل نمرقها على منكبي وقال: إن الله تعالى أمدني يوم بدر
وحنين بملائكة معتمين هذه العمامة " (3).
وقال أحمد القشاشي: "... فقد روينا بالسند السابق إلى الحافظ جلال
الدين السيوطي أنه قال في الجامع الكبير معزوا إلى ابن أبي شيبة والطيالسي
وابن منيع والبيهقي ما نصه: عن علي رضي الله عنه قال: عممني رسول الله... " (4).
ترجمة أحمد القشاشي
والشيخ أحمد القشاشي من أعاظم مشايخ والد (الدهلوي) في الإجازة،
وقد ترجم له المحبي في (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر) ذاكرا
فضائله منوها بمقاماته وجلالته... فراجع (5).

(1) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي.
(2) الأربعين للمحدث الشيرازي - مخطوط.
(3) الصراط السوي - مخطوط.
(4) السمط المجيد في سلاسل التوحيد: 99.
(5) خلاصة الأثر للمحبي 1 / 343.
237

قوله: " فقد ظهر أن غرضه " ص " إفادة هذا المعنى الذي يفهم من هذا
الكلام بلا تكلف، أي أن محبة علي فرض كمحبة النبي ومعاداته محرمة كمعاداة
النبي، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وهو المطابق لفهم أهل البيت ".
أقول: لقد ظهر مما ذكرنا سابقا أن غرضه صلى الله عليه وآله وسلم
إفادة ما هو الظاهر المفهوم من كلامه بلا تكلف، أي كون أولوية أمير المؤمنين
عليه السلام بالتصرف مثل أولوية رسول الله صلى الله عليه وآله بالتصرف، وأن
طاعته فرض واجب مثل إطاعة النبي " ص " وهذا هو مذهب أهل الديانة وهو
المطابق لفهم أهل البيت عليهم السلام.
معنى حديث الغدير عند أهل البيت والأصحاب
فقد روى العلامة المجلسي: " عن أبي إسحاق قال: قلت لعلي بن الحسين
عليه السلام: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه
فعلي مولاه؟
قال: أخبرهم أنه الإمام بعده " (1).
ومثله روايات عديدة في (بحار الأنوار) وغيره من كتب الأخبار، ونحن
نكتفي بالخبر المذكور لغرض المعارضة به مع الخبر الذي سيذكره (الدهلوي)
عن طريق أهل مذهبه، على أن الخبر الذي ذكرناه له شواهد تصدقه وهي إشعار
أمير المؤمنين، وأشعار حسان بن ثابت - التي قالها في حضور النبي " ص "
ومع تقريره - وأشعار قيس بن سعد... وغير ذلك من الشواهد والقرائن
المذكورة سابقا.
ومع ذلك كله ترى الفضل ابن روزبهان يقول في جواب (نهج الحق وكشف

(1) بحار الأنوار للعلامة محمد باقر المجلسي.
238

الصدق): " والعجب أن هذا الرجل لا ينقل حديثا إلا من جماعة أهل السنة،
لأن الشيعة ليس لهم كتاب ولا رواية ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار
فهو في إثبات ما يدعيه عيال على كتب أهل السنة ".
وقد جهل هذا الرجل أو تجاهل أن نقل الشيعة الحديث عن جماعة أهل
السنة هو لأجل الافحام والالزام كما هو قاعدة البحث والمناظرة، وهذا لا يدل
على أن الشيعة ليس لهم كتاب ولا رواية ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار.
إذن يجوز للشيعة الاحتجاج بأحاديثهم بل قد يجب عليهم ذلك أحيانا لأغراض
عديدة ومنها إثبات أن لهم كتبا وروايات وعلماء.
وبنقل الحديث المذكور عن الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام ثبت
أن الذي فهمه أئمة أهل البيت عليهم السلام من حديث الغدير هو الأولوية بالإمامة
والخلافة لأمير المؤمنين عليه السلام، فظهر بطلان دعوى (الدهلوي).
[5] التمسك بكلام يروونه عن الحسن المثنى
قوله: " أخرج أبو نعيم عن الحسن المثنى ابن الحسن السبط رضي الله
عنهما أنه سئل: هل حديث من كنت مولاه نص على خلافة علي رضي الله عنه؟
فقال: لو فان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بذلك الخلافة لأفصح لهم
بذلك، فإن رسول الله " ص " كان أفصح الناس، ولقال لهم: يا أيها الناس هذا
والي أمركم والقائم عليكم بعدي فاسمعوا له وأطيعوا.
ولو كان الأمر أن الله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم اختار عليا
لهذا الأمر وللقيام على الناس بعده فإن عليا أعظم الناس خطيئة وجرما إذ ترك
أمر رسول الله " ص " أن يقوم فيه كما أمره ويعذر إلى الناس.
فقيل له: ألم يقل النبي " ص " لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه؟
فقال: أما والله لو يعني رسول الله " ص " بذلك الأمر والسلطان لأفصح به
239

كما أفصح بالصلاة والزكاة ولقال يا أيها الناس إن عليا والي أمركم من بعدي
والقائم في الناس ".
أقول: احتجاج (الدهلوي) بهذه الرواية الموضوعة باطل لوجوه:
1 - هذه الرواية من متفردات الجماعة
إن هذه الرواية لم ينقلها الشيعة، وإنما هي من متفردات أهل السنة
والجماعة، وأنت تعلم أن روايات كل طائفة لا تكون حجة على الطائفة الأخرى
في مقام البحث والمناظرة والاستدلال، فإن جعلت روايات أهل السنة حجة
على الشيعة فلتجعل روايات الشيعة على أهل السنة حجة كذلك.
2 - استدلاله بها يخالف ما التزم به
ثم إن (الدهلوي) قد خالف وعده ونكث عهده بالاستدلال بهذه الرواية
وذلك لأنه قد التزم في كتابه (التحفة) بأن ينقل في باب الإمامة من كتب أهل
الحق فقط، فقال - بعد ذكر الآيات التي استدل بها بزعمه على خلافة أبي
بكر -. " وأما أقوال العترة فإن المروي منها من طريق أهل السنة خارج عن
حد الحصر والاحصاء فلتلحظ في ذاك الكتاب (يعني إزالة الخفاء) ولما
وقع الالتزام في هذه الرسالة بعدم التمسك بغير روايات الشيعة في جميع
المسائل فإنه يذكر من أقوال العترة في هذا الباب ما جاء منها في كتبهم المعتبرة
ومروياتهم الصحيحة ".
فنقول: العجب أن (الدهلوي) يلتزم هنا بأن لا ينقل من أقوال العترة حديثا
إلا من كتب الشيعة المعتبرة ومروياتهم الصحيحة، ومع ذلك يخالف في هذا
المقام ومقامات كثيرة غيره ما التزم به " ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ".
240

3 - اعترافه بعدم حجية روايات فرقة على أخرى
وقال (الدهلوي) في صدر كتابه (التحفة): " وفي نقل مذهب الشيعة وبيان
أصولهم وما يمكن إلزامهم به فقد التزم في هذه الرسالة بعدم النقل من غير كتبهم
المعتبرة، كما أن إلزام أهل السنة يجب أن يكون بحسب روايات أهل السنة،
وإلا توجه إلى كل واحد من الطرفين التهمة بالتعصب والعناد ولم يتحقق الاعتماد
والوثوق بينهما ".
وهذا الكلام صريح في عدم حجية روايات كل فرقة من الفرقتين على
الفرقة الأخرى، فالعجب أن هذا الرجل يقول هذا الكلام ثم ينسى أو يتناسى
ما قاله فيخالفه في موارد عديدة من البحث والكلام، ومن ذلك احتجاجه بهذا
الحديث الذي رواه أبو نعيم عن الحسن المثنى، وهو حديث مزعوم موضوع
لم يروه إلا أهل السنة.
4 - ليس هذا الحديث في الكتب الصحيحة
وهذا الحديث المزعوم لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الصحاح عند
أهل السنة، أو الكتب التي التزم فيها بالصحة، ولا هو من الأحاديث الصحيحة
سندا، وقد ذكر (الدهلوي) في كتاب (التحفة) في باب الإمامة عند الجواب
عن الحديث السادس فيه: " إن القاعدة المقررة لدى أهل السنة هي: إن كل
حديث رواه بعض أئمة فن الحديث في كتاب لم يلتزم فيه بصحة ما فيه مثل
البخاري ومسلم وبقية أصحاب الصحاح أولم يصرح بصحة ذاك الحديث صاحب
الكتاب أو غيره من المحدثين الثقات فهو غير قابل للاحتجاج ".
فهذه هي القاعدة المقررة لدى أهل السنة كما يقول (الدهلوي) فكيف
يحتج بهذا الحديث المزعوم الذي ليس مصداقا لهذه القاعدة؟!.
241

5 - ما لا سند له لا يصغى إليه
ومن القواعد المقررة لدى أهل السنة - كما ذكر (الدهلوي) أنهم لا
يصغون إلى الحديث الذي لا سند له، وعلى هذا الأساس حاول (الدهلوي)
نفسه الجواب على المطعن الثالث من مطاعن أبي بكر بعد إنكاره قول النبي
صلى الله عليه وآله وسلم: " لعن الله من تخلف عنها " وإن كان الشهرستاني
صاحب (الملل والنحل) من رواته... فقال: إن كل حديث لم يكن في الكتب
المسندة للمحدثين مع الحكم بالصحة فلا يصغى إليه.
وعلى ضوء ما ذكر (الدهلوي) في ذاك المقام نعترض عليه استناده إلى
هذا الحديث المزعوم في محل الكلام، لأنه ليس حديثا مسندا في كتب
المحدثين فضلا عن كونه صحيحا عندهم فيلزم أن لا يصغى إليه فكيف يستند
إليه والحال هذه؟
ونظير المقام استناده إلى الحديث المختلق: " ما صب الله في صدري شيئا
إلا وصببته في صدر أبي بكر " وهو أيضا لا سند له أبدا...
6 - احتجاج الدهلوي بهذا الحديث تعسف
إن (الدهلوي) يرد في باب الإمامة أحاديث عديدة يرويها أكابر أئمة أهل
مذهبه ومشاهير محدثيهم بالأسانيد المتكررة والطرق المختلفة، أمثال حديث
الطائر وحديث " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وحديث الأشباه، بل إن هذه
الأحاديث الثلاثة المذكورة يرويها والده أيضا في جملة فضائل أمير المؤمنين
عليه السلام.
فالعجب من هذا الرجل الذي يرد هكذا أحاديث صحيحة مستفيضة بل
متواترة كيف يستند إلى حديث أبي نعيم في هذا المقام؟
242

وأيضا نرى (الدهلوي) يستهزء بالشيعة ويطعن فيهم لأنهم يحتجون
بحديث " أنا مدينة العلم وعلي بابها " - مع أنه حديث متواتر يرويه كبار أئمة
المحدثين والحفاظ من أهل السنة ويثبته والده الشاه ولي الله الدهلوي - لأنه
بزعمه حديث موضوع!! وهو في نفس الوقت يحتج برواية أبي نعيم
التي لا تبلغ درجة حديث " أنا مدينة العلم " " ونحوه من أحاديث فضائل الإمام
عليه السلام!!
ألا يتوجه عليه ما تلفظ به بالنسبة إلى الشيعة من ألفاظ الاستهزاء و
السخرية؟!
7 - بطلان المعارضة من كلام والد الدهلوي
وكما ثبت بطلان استدلال (الدهلوي) برواية أبي نعيم من كلام نفسه فإنه
يثبت بطلان استدلاله بهذه الرواية من كلام والده الشاه ولي الله. فإنه قد نص
في آخر كتابه (قرة العينين في تفضيل الشيخين) على عدم جواز المناظرة مع
الزيدية بل الإمامية بأحاديث الصحيحين فضلا عن غيرها.
فنقول: فاستناد ولده إلى رواية أبي نعيم في هذا المقام تعسف باطل
ومخالفة للقواعد المقررة وعقوق لوالده.
8 - بطلان المعارضة من كلام تلميذه
وكما بطل استناد (الدهلوي) إلى رواية أبي نعيم من كلام والده فهو باطل
لدى تلميذه محمد رشيد الدين خان الدهلوي الذي ذكر في كتابه (الشوكة
العمرية) أن أخبار كل فرقة لا تصلح للاعتبار والاعتماد في مقام البحث والنقاش
مع غيرها من الفرق، لأن رواة أخبار كل فرقة مقدوحون لدى علماء الفرقة
243

الأخرى.
أقول: فحديث أبي نعيم لا يجوز الاحتجاج به في مقابلة الشيعة الإمامية
فكيف بدعوى التعارض بينه وبين حديث متواتر لدى الفريقين؟
وعلى ما ذكره رشيد الدين الدهلوي فإنه يلزم على أهل السنة التسليم
والاذعان باستدلال الشيعة بأحاديث فضائل أمير المؤمنين عليه السلام المخرجة
في كتب أهل السنة، وبهذا تسقط مكابرات (الدهلوي) وأسلافه كابن حجر
وابن تيمية وأمثالهما، لأن استدلال الشيعة كان مطابقا للقواعد المقررة المتبعة
في مقام المناقشة والمناظرة، فيجب على من خالفهم التسليم والقبول.
9 - اعتراضهم على تمسك الإمامية برواية أبي نعيم
وهل من العدل والانصاف اعتراضهم على الإمامية التمسك برواية أبي
نعيم لفضائل أمير المؤمنين عليه السلام وهم في نفس الوقت يستندون إلى
حديث يرويه أبو نعيم في مقابلة حديث الغدير المتواتر؟!
لقد قال ابن تيمية: " فإن أبا نعيم روي كثيرا من الأحاديث التي هي ضعيفة
بل موضوعة باتفاق علماء الحديث وأهل السنة والشيعة ".
وقال أيضا: " مجرد رواية صاحب الحلية ونحوه لا يفيد ولا يدل على الصحة
فإن صاحب الحلية قد روى في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والأولياء
وغيرهم أحاديث ضعيفة بل موضوعة باتفاق أهل العلم ".
10 - تنصيص الدهلوي على عدم اعتبار تصانيف أبي نعيم
وقال (الدهلوي) في رسالته في أصول الحديث في بيان طبقات كتب الحديث
نقلا عن والده ما تعريبه: " الطبقة الرابعة: الأحاديث غير المعروفة في القرون
244

السابقة والتي رواها المتأخرون، فلا يخلو حالها عن أحد أمرين فأما قد تفحص
عنها السلف ولم يقفوا لها على أصل حتى يروونها، وأما وقفوا لها على أصل
لكن رأوا فيه علة أوجبت ترك جميع تلك الأحاديث، وعلى كل حال فإن هذه
الأحاديث لا يجوز الاعتماد عليها والتمسك بها في عقيدة أو عمل. ولنعم ما قال
بعض الشيوخ في أمثال هذا:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة * وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
ولقد قطع هذا القسم من الأحاديث الطريق على كثير من المحدثين،
واغتروا بكثرة طرقها الواردة في هذا القسم من الكتب فحكموا بتواترها وتمسكوا
بها في مقام القطع واليقين، خلافا لما تدل عليه الأحاديث في الطبقة الأولى والثانية
والثالثة.
وقد تضمنت كتب كثيرة لهذا القسم من الأحاديث وهذه أسامي بعضها:
كتاب الضعفاء لابن حبان، تصانيف الحاكم، كتاب الضعفاء للعقيلي، كتاب
الكامل لابن عدي، تصانيف الخطيب، تصانيف ابن شاهين، تفسير ابن جرير،
الفردوس للديلمي بل جميع تصانيفه، تصانيف أبي نعيم، تصانيف الجوزجاني،
تصانيف ابن عساكر، تصانيف أبي الشيخ، تصانيف ابن النجار.
وإن أكثر المساهلة والوضع هو في باب المناقب والمثالب والتفسير وأسباب
النزول و... ".
أقول: على ضوء هذا الكلام: إن الحديث الذي استند إليه (الدهلوي)
في مقابلة استدلال الإمامية بحديث الغدير المتواتر هو من الأحاديث المجهولة
في القرون السابقة، ولا يخلو أمره من أحد الأمرين اللذين ذكرهما، وعلى كل
حال لا يجوز الاستناد إليه والاعتماد، فالعجب أن هذا الرجل يعتمد على حديث
يراه هو والده حديثا باطلا لا يجوز التمسك به فناسب أن نقول له:
245

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة * وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
بل إنه يدري فالمصيبة أعظم...
11 - طعن ابن الجوزي في أبي نعيم
ولقد بالغ الحافظ ابن الجوزي في ذم أبي نعيم والطعن عليه وإليك نص
عبارته: " وجاء أبو نعيم الأصبهاني فصنف لهم - أي للصوفية - كتاب الحلية
وذكر في حدود التصوف أشياء قبيحة ولم يستحي أن يذكر في الصوفية أبا بكر
وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وسادات الصحابة رضي الله عنهم فذكر عنهم
فيه العجب " (1).
12 - ومن رواته " فضيل بن مرزوق "
ومن رواة هذا الخبر هو " فضيل بن مرزوق " كما في (الاكتفاء) حيث
جاء فيه: " وروى عن فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن - أي المثنى ابن
الحسن السبط - وقال له رجل: ألم يقل رسول الله " ص ": من كنت مولاه
فعلي مولاه.؟ قال: بلى. أما والله لو يعني بذلك الإمارة والسلطان لأفصح لهم
بذلك كما أفصح بالصلاة والزكاة والصيام والحج، فإن رسول الله " ص " كان
أفصح الناس للمسلمين، ولقال لهم: يا أيها الناس هذا والي الأمر والقائم عليكم
من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا " (2).
و " فضيل بن مرزوق " وإن وثقه غير واحد فقد تكلم فيه جماعة من الأعلام

(1) تلبيس إبليس: 159
(2) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط.
246

قال الذهبي: " قال النسائي: ضعيف، وكذا ضعفه عثمان بن سعيد " (1).
قال: " قال أبو عبد الله الحاكم: فضيل بن مرزوق ليس من شرط الصحيح
عيب على مسلم إخراجه في الصحيح. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا
كان ممن يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات " (2).
وذكره الذهبي في (المغني في الضعفاء) قائلا: " فضيل بن مرزوق الكوفي
عن أبي حازم الأشجعي والكبار. وثقه غير واحد، وضعفه النسائي وابن معين
أيضا. قال الحاكم: عيب على مسلم إخراجه في الصحيح " (3).
وقال ابن حجر: " قال عبد الخالق بن منصور عن ابن معين: صالح
الحديث صدوق يهم كثيرا يكتب حديثه. قلت: يحتج به؟ قال: لا، وقال
النسائي: ضعيف... قال مسعود عن الحاكم: ليس هو من شرط الصحيح وقد
عيب على مسلم إخراجه لحديثه. قال ابن حبان في الثقات: يخطئ، وقال في
الضعفاء: يخطئ على الثقات. وروى عن عطية الموضوعات. وقال ابن
شاهين في الثقات: اختلف قول ابن معين فيه، وقال في الضعفاء قال أحمد بن
صالح حدث فضيل عن عطية عن أبي سعيد حديث أن الذي خلقكم من ضعف
ليس له عندي أصل ولا هو بصحيح. وقال ابن رشدين: لا أدري من أراد
أحمد بن صالح بالتضعيف أعطية أم فضيل بن مرزوق " (4).
هذه كلمات القوم في " فضيل بن مرزوق "

(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3 / 362.
(2) المصدر 3 / 362.
(3) المغني في الضعفاء 2 / 515.
(4) تهذيب التهذيب 7 / 298:
247

13 - اشتمال الحديث على فرية قبيحة
لقد ظهر إلى الآن أن هذا الكلام موضوع على الحسن المثنى وأنه لم يقله
قطعا، وقد اشتمل في رواية محب الدين الطبري على فرية أخرى عليه إذ جاء
فيه: " ويحكم لو كان نافعا بقرابة رسول الله " ص " بغير عمل بطاعته لنفع بذلك
من هو أقرب إليه منا أباه وأمه ".
وهذا نص ما ذكره بتمامه: " ذكر ما روي عن الحسن بن الحسن أخي
عبد الله بن الحسن أنه قال لرجل ممن يغلو فيهم: ويحكم أحبونا بالله فإن أطعنا
الله فأحبونا وإن عصينا الله فأبغضونا. فقال له رجل: انكم ذوو قرابة من رسول
الله " ص " وأهل بيته. قال: ويحكم لو كان نافعا بقرابة رسول الله " ص " بغير عمل
بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أباه وأمه، والله إني أخاف أن يضاعف
الله للعاصي منا العذاب ضعفين، والله إني لأرجو أن يؤتى المحسن منا أجره
مرتين.
قال: ثم قال: لقد أساءنا آباؤنا وأمهاتنا إن كان ما تقولون من دين الله ثم
لم يخبرونا به ولم يطلعونا عليه ولم يرغبوا فيه، ونحن كنا أقرب منهم قرابة
منكم وأوجب عليهم وأحق أن يرغبونا فيه منكم، ولو كان الأمر كما تقولون إن
الله جل وعلا ورسوله " ص " اختار عليا لهذا الأمر وللقيام على الناس بعده فإن
عليا أعظم الناس خطيئة وجرما، إذ ترك أمر رسول الله " ص " أن يقوم فيه كما أمره
ويعذر إلى الناس فقال له الرافضي: ألم يقل النبي " ص " لعلي: من كنت مولاه
فعلي مولاه؟ فقال: أما والله لو يعني رسول الله " ص " بذلك الأمر والسلطان
والقيام على الناس لا فصح كما أفصح بالصلاة والزكاة والصيام والحج، ولقال
أيها الناس إن هذا الولي بعدي فاسمعوا وأطيعوا.
248

خرج جميع الأذكار عن أهل البيت الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن
الحسن السمان الرازي، في كتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة رضوان الله
عليهم أجمعين " (1).
وإن نفي انتفاع والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هذه القرابة
من رسول الله من أوضح الأباطيل عند المسلمين قاطبة، كما لا يخفى على من
طالع رسائل الحافظ السيوطي في هذا الباب.
فنسبة هذا الكلام إلى الحسن المثنى فرية شنيعة، ووجوده في هذا الحديث
قرينة أخرى على وضع الحديث وبطلانه من أصله.
14 - اشتماله على فرية أخرى
وما جاء في هذا الحديث من أنه " لو كان الأمر كما تقولون... فإن عليا
أعظم الناس خطيئة وجرما إذ ترك أمر رسول الله... " فرية أخرى على الحسن
المثنى، فإن هذا الكلام من عجائب الخرافات، لأن أمير المؤمنين عليه السلام
قد طالب بحقه مرارا وامتنع عن البيعة مع أبي بكر، فلما لم يعط عليه السلام
حقه ولم يعنه الناس على قيامه على الظالمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فما ذنبه؟!
ويكون هذا الكلام في البطلان كما لو قال المنكرون لنبوة الأنبياء في
حق الأنبياء الذين ظلموا واستشهدوا على أيدي الأمم السالفة ولم يتمكنوا من
إنفاذ الشرايع السماوية: أنه لو كانوا أنبياء الله حقا فإنهم أعظم الناس خطيئة
لعدم قيامهم بما بعثهم الله عليه...
وقال ابن حجر المكي: " تنبيه - استدل أهل السنة بمقاتلة علي لمن خالفوه

(1) الرياض النضرة 1 / 60.
249

من أهل الجمل والخوارج وأهل صفين مع كثرتهم، وبإمساكه عن مقاتلة
المبايعين لأبي بكر والمستخلفين له، مع عدم إحضارهم لعلي رضي الله عنه
وعدم مشاورتهم له في ذلك، مع أنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وزوج بنته رضي الله عنها، والمحبو منها بمزايا ومناقب لا توجد في غيره، ومع
كونه الشجاع القرم والعالم الذي يلقى كل منهم إلى علمه السلم والفائق لهم
في ذلك، المحتمل عنهم مشقة القتال في أوعر المسالك، وبإمساكه أيضا عن
مقاتلة عمر المستخلف له أبي بكر ولم يستخلف عليا كرم الله وجهه، وعن
مقاتلة أهل الشورى ثم ابن عوف المنحصر أمرها فيه باستخلافه لعثمان، على
أنه لم يكن عنده علم ولا ظن بأنه " ص " عهد له صريحا ولا إيماء بالخلافة،
وإلا لم يجز له عند أحد من المسلمين السكوت على ذلك لما يترتب عليه من
المفاسد التي لا تتدارك، لأنه إذا كان خليفة بالنص ثم مكن غيره من الخلافة
كانت خلافة ذلك الغير باطلة وأحكامها كلها كذلك، فيكون إثم ذلك كله على
علي كرم الله وجهه، وحاشاه من ذلك.
وزعم أنه إنما سكت لكونه كان مغلوبا على أمره. يبطله أنه كان يمكنه
أن يعلمهم باللسان ليبرأ من آثام تبعة ذلك، ولا يتوهم أحد أنه لو قال: عهد إلي
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالخلافة فإن أعطيتموني حقي
وإلا صبرت أنه يحصل له بسبب هذا الكلام لوم من أحد من الصحابة بوجه
وإن كان أضعفهم، فإذا لم يقل ذلك كان سكوته عنه صريحا في أنه لا عهد عنده
ولا وصية إليه بشئ من أمور الخلافة، فيبطل ادعاء كونه مغلوبا " (1).

(1) تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه بثلب معاوية بن أبي سفيان - هامش
الصواعق 84.
250

أقول: فإذا كان أعلام الصحابة بالنص كافيا لأن يبرأ عليه الصلاة والسلام
من آثام تبعة السكوت، فإن الإمام قد أعلم المتغلبين بوجود النصوص النبوية
بشأن إمامته وخلافته كما تقدم نموذج ذلك من رواية الواحدي وأسعد الأربلي
وسيجئ الباقي فيما بعد إن شاء الله تعالى، وقد برأ عليه الصلاة والسلام - حسب
كلام ابن حجر - من تبعات الآثام، وبذلك يظهر بطلان هذا الكلام المنسوب
إلى الحسن المثنى.
15 - إفصاح النبي " ص " بأمر خلافة علي " ع "
ثم إن ما جاء في هذا الحديث من قوله: " أما والله لو يعني رسول الله " ص "
بذلك الأمر والسلطان والقيام على الناس لأفصح به... " تبطله الوجوه العديدة
التي أقمناها سابقا على دلالة حديث الغدير على إمامته عليه السلام بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد بلغت دلالة الحديث على ذلك مبلغا جعلت
حسان بن ثابت يفصح عن معنى هذا الحديث عن لسان النبي " ص " وفي
حضوره مع تقريره " ص " لكلامه فيقول: " رضيتك من بعدي إماما وهاديا "
... ولم نجد أحدا من الصحابة ينكر عليه هذا القول،... فالإفصاح قد تحقق
بأحسن ما يمكن وأتم ما يرام، وبطلت شبهات المنكرين ووساوس الشياطين.
والخلاصة: أنه متى أفاد الكلام - ولو بلحاظ القرائن - المعنى المطلوب
فقد تمت به الحجة وكملت النعمة، وكان نصا قطعيا ثابتا لا يعتريه ريب، ولا تمنع
عن دلالته الاحتمالات البعيدة التي يبديها المتعصبون، لأنه لو جاز الاصغاء
إلى تلك الاحتمالات البعيدة التي يذكرها بعض أهل السنة حول مفاد حديث
الغدير لم يبق مصداق للنص ولسقطت جميع النصوص عن الدلالة حتى أمثال
" قو هو الله أحد " و " محمد رسول الله ".
251

قال الغزالي: " ولو شرط في النص انحسام الاحتمالات البعيدة كما قال
بعض أصحابنا لم يتصور لفظ صريح، وما عدوه من الآيات والأخبار يتطرق إليها
احتمالات، فقوله: قل هو الله أحد يعني آله الناس دون الجن، وقوله: محمد
رسول الله أي محمد؟ وإلى أي إقليم؟ وفي أي زمان؟ وقوله: يجزي عنك
أي يثاب عليه، وقوله: إن اعترفت فارجمها. أي إذا لم تتب. فهذه احتمالات
بعيدة تتطرق إليها " (1).
16 - تأييد هذا الحديث للمذهب الحق بوجوه
وبالرغم من أن أهل السنة ينسبون هذا الكلام إلى الحسن المثنى للرد به
على المذهب الحق بزعمهم، إلا أنه يظهر بالتأمل تأييده للحق بوجوه عديدة:
(الأول): إنه يفيد أن عبارة " يا أيها الناس إن عليا والي أمركم من بعدي
والقائم في الناس " نص صريح في الإمامة والخلافة كنصوصه الواردة في
الصلاة والزكاة والصيام والحج، فكانت تلك العبارة واضحة الدلالة بالنصوصية
على خلافة علي عليه السلام مثل عباراته الواردة في الصلاة والزكاة وغيرهما
من الواجبات الدينية، ولا يكون في دلالتها قصور أو التباس أو إبهام.
أقول: ولو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك أيضا لما خضع
المتعصبون المتسولون له، ولما آمنوا وسلموا، بل يذكرون له الاحتمالات
البعيدة، فيقولون مثلا أن المراد من " الأمر " هو المحبة والنصرة لا الإمارة
والخلافة، أو أن المراد مقام القطبية والإمامة في الباطن، بأن يكون القيام في
الناس بمعنى أن يأخذوا منه العلوم الباطنية ويقتدون به في تلك الجهات فحسب
... وبذلك يخرج هذا الكلام عن كونه نصا صريحا في الإمامة والخلافة،

(1) المنخول في علم الأصول - مخطوط.
252

وحينئذ ينسب إلى النبي " ص " التقصير في إبلاغ الرسالة الإلهية والقصور
في بياناته الشريفة حول المسائل المهمة الأساسية، وحيث يراد تنزيه مقام النبوة
من هذه النقائص تدفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطيعة الحافة بالكلام ويقال
بوجوب حمل " الأمر " في " أمركم " على الإمامة والخلافة.
ونحن على ضوء هذه المقدمة نقول: إن حديث الغدير نص في الإمامة،
ولو أن المتعصبين حاولوا صرفه عن الدلالة على ذلك بذكر الاحتمالات البعيدة
فإنا ندفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطعية.
فعلم أن هذا الكلام المنسوب إلى الحسن المثنى يؤيد مرام أهل الحق
وإن من احتج به فقد غفل أو تغافل عن ذلك.
(الثاني) إنه يثبت دلالة " من بعدي " على الاتصال دلالة صريحة لا يعتريها
ريب ولا يشوبها شك، وبذلك يبطل حمل بعضهم هذا القيد الموجود في قوله
" ص ": " علي وليكم بعدي " ونحوه على الانفصال، وكفى الله المؤمنين
القتال.
(الثالث): إنه لما كانت هذه العبارة: " يا أيها الناس إن عليا والي أمركم
من بعدي والقائم عليكم في الناس بأمري " نصا صريحا في الإمامة والخلافة
وتدل على المطلوب بلا ريب أو شبهة بحيث لا يبقى مجال لأي تأويل أو احتمال
... فإن سائر نصوص إمامة أمير المؤمنين المشتملة على لفظة " الإمامة " أو
" الخلافة " التي سمعت بعضها تكون دالة على المطلوب بالقطع واليقين،
وبذلك تذهب تأويلات المتأولين واحتمالات المتعصبين أدراج الرياح.
17 - معارضة ما نسبوه إلى الحسن المثنى بما رووه عن حفيده
ثم إن هذا الحديث الذي نسبوه إلى الحسن المثنى - لو سلم صدقه
253

وجواز الاستدلال به - يعارضه ما رووه عن حفيده (محمد بن عبد الله بن الحسن
المثنى). فقد ذكر فخر الدين الرازي بتفسير قوله تعالى [وأولوا الأرحام
بعضهم أولى ببعض] ما نصه: " تمسك محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن
ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم في كتابه إلى أبي جعفر المنصور بهذه
الآية في أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب
فقال: قوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض يدل على ثبوت الأولوية
وليس في الآية شئ معين في ثبوت هذه الأولوية، فوجب حمله على الكل
إلا ما خصه الدليل، وحينئذ يندرج فيه الإمامة، ولا يجوز أن يقال: إن أبا بكر
كان من أولي الأرحام. لما نقل أنه " ص " أعطاه سورة براءة ليبلغها إلى القوم
ثم بعث عليا خلفه، وأمر بأن يكون المبلغ هو علي وقال: لا يؤديها إلا
رجل مني. وذلك يدل على أن أبا بكر ما كان منه. فهذا وجه الاستدلال بهذه
الآية " (1).
لكن ما نسبوه إلى الحسن مكذوب عليه قطعا ولا يجوز الاستدلال به
البتة...
وقال أبو العباس المبرد: " ونحن ذاكرون الرسائل بين أمير المؤمنين المنصور
وبين محمد بن عبد الله بن حسن العلوي كما وعدنا في أول الكتاب. ونختصر
ما يجوز ذكره منه ونمسك عن الباقي، فقد قيل الراوية أحد الشاتمين. قال:
لما خرج محمد بن عبد الله على المنصور كتب إليه المنصور:
بسم الله الرحمن الرحيم - من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله:
أما بعد: فإنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا
أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض

(1) تفسير الرازي 15 / 213.
254

ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل
أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم. ذلك عهد الله وذمته وميثاقه وحق
نبيه إن تبت من قبل أن أقدر عليك أو منك على نفسك وولدك وإخوتك ومن
بايعوك وتابعوك وجميع شيعتك، وإن أعطيك ألف ألف درهم، وأنزلك من
البلاد حيث شئت، وأقضى ما شئت من الحاجات، وأطلق من سجني أهل بيتك
وشيعتك وأنصارك، ثم لا أتبع أحدا منكم بمكروه. فإن شئت أن تتوثق لنفسك
فوجه إلي من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت والسلام.
فكتب إليه محمد بن عبد الله: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله محمد
المهدي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن محمد - أما بعد: طسم تلك آيات الكتاب
المبين. نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون. إن فرعون علا
في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحيي
نساءهم إنه كان من المفسدين. ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض
ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان
وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون.
وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الذي أعطيتني، فقد تعلم أن الحق حقنا
وإنكم طلبتموه بنا ونهضتم فيه بشيعتنا وحظيتموه بفضلنا، وإن أبانا عليا كان
الوصي والإمام، فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء؟! ولقد علمتم أنه ليس أحد
من بني هاشم يمت بمثل فضلنا ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا ونسبنا وسببنا،
وإنا بنو أم الرسول صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت عمرو في الجاهلية دونكم،
وبنو فاطمة بنت رسول الله " ص " في الإسلام من بينكم، فإنا أوسط بني هاشم
نسبا وخيرهم أما وأبا، لم تلدني العجم ولم تعرق في أمهات الأولاد، وإن
الله تبارك وتعالى لم يزل يختار لنا، فولدني من النبيين أفضلهم محمد " ص "
255

ومن الأصحاب أقدمهم اسلاما وأوسعهم علما وأكثرهم جهادا علي بن أبي طالب،
ومن نسائه أفضلهن سيدة نساء الجاهلية خديجة بنت خويلد رضي الله عنها أول
من آمن بالله من النساء وصلى إلى القبلة، ومن بناته أفضلهن وسيدة نساء أهل
الجنة... ".
فقد نص في هذا الكتاب على " أن أبانا عليا كان الوصي والإمام ".
وجاء في جواب المنصور قوله: " ولقد طلب بها أبوك بكل وجه فأخرجها
[يعني الزهراء عليها السلام] تخاصم ومرضها سرا ودفنها ليلا فأبى الناس إلا
تقديم الشيخين " وهذا نص كتاب المنصور كما روى المبرد:
" فكتب إليه المنصور: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين
إلى محمد بن عبد الله. أما بعد: فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فإذا جل
فخرك بالنساء لتضل به الجفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة ولا
الآباء كالعصبة والأولياء، ولقد جعل العم أبا وبدأ به على الوالد الأدنى فقال
جل ثناؤه عن نبيه: واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب.
ولقد علمت أن الله بعث محمدا وعمومته أربعة فأجابه اثنان وكفر اثنان. وأما
ما ذكرت من النساء وقراباتهن فلو أعطين على قرب الأنساب وحق الأحساب
لكان الخير كله لآمنة بنت وهب، ولكن الله يختار لدينه من يشاء من خلقه. فأما
ما ذكرت من فاطمة أم أبي طالب فإن الله لم يهد أحدا من ولدها إلى الإسلام ولو
فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكل خير في الآخرة والأولى وأسعدهم
بدخول الجنة غدا، ولكن الله أبى ذلك فقال: إنك لا تهدي من أحببت ولكن
الله يهدي من يشاء، وأما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب
وفاطمة أم الحسن والحسين وإن هاشما ولد عليا مرتين وإن عبد المطلب ولد
الحسن مرتين فخير الأولين والآخرين رسول الله لم يلده هاشم إلا مرة واحدة.
256

وأما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله فإن الله جل وعز أبى ذلك فقال:
ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ولكنكم بنو
بنته وإنها لقرابة قريبة، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث ولا تؤم فكيف تورث
الإمامة من قبلها، ولقد طلب بها أبوك بكل وجه فأخرجها تخاصم ومرضها سرا
ودفنها ليلا فأبى الناس إلا تقديم الشيخين. ولقد حضر أبوك وفاة رسول الله
فأمر بالصلاة غيره ثم أخذ الناس رجلا رجلا فلم يأخذوا أباك فيهم " (1).
هذا وقد روى هذه الكتب ابن الأثير وابن خلدون أيضا في تاريخيهما.
18 - طعن علماء أهل السنة في أئمة أهل البيت
وأهل السنة في مثل هذا المورد الذي يريدون فيه التغلب على أهل الحق
يحترمون الحسن المثنى ويوجبون متابعته والانقياد له، والحال أن المتعصبين
منهم يقدحون في الأئمة الاثني عشر المعصومين أنفسهم، ويسقطون إجماعهم
عن الاعتبار، ويطعنون في عدالتهم.
فهذه عقيدة متعصبيهم - كوالد الدهلوي في (قرة العينين) - في الأئمة
أنفسهم - وفي سيدهم أمير المؤمنين عليه السلام - الذين تعتقد الإمامية العصمة
فيهم وتوجب إطاعتهم والانقياد لهم، فهل يجوز لمن يطعن في هؤلاء الأئمة
الأطهار أن يلزم شيعتهم بكلام ينسبونه إلى أحد أولادهم؟! وهل يجوز الاصغاء
إلى هكذا استدلال من هكذا أناس؟!.
19 - طعنهم في أولاد الأئمة
وهكذا شان أهل السنة مع أولاد الأئمة، فإنهم متى أرادوا التغلب على

(1) الكامل للمبرد 2 / 382.
257

أهل الحق - بزعمهم - عن طريق التشبث بكلام لواحد من المنتمين إلى أهل
البيت قد قاله أو وضع على لسانه، ذكروا ذلك الكلام مع مزيد التكريم والاحترام
لقائله، ليتم لهم الالزام به كما يريدون.
ولكنهم يطعنون في كثير من أولاد أئمة أهل البيت ويجرحونهم في الكتب
الرجالية، ويسقطون أخبارهم عن درجة الاعتبار:
فقال الذهبي في (محمد بن جعفر بن محمد بن علي): " تكلم فيه " وهذا
نص كلامه: " محمد بن جعفر بن محمد بن علي الهاشمي الحسيني. عن أبيه.
تكلم فيه... ذكره ابن عدي في الكامل، وقال البخاري: أخوه إسحاق أوثق
منه... " (1).
وقال ابن حجر: " وقول المؤلف: إنه مات ببغداد غير مستقيم، فقد روى
الخطيب في ترجمته: إنه لما ظفر به أصعد المنبر فقال: يا أيها الناس إني قد
حدثتكم بأحاديث زورتها، فشق الناس الكتب والسماع الذي كانوا سمعوه منه
ثم خرج إلى المأمون بخراسان فمات عنده، وتولى المأمون دفنه وهو أخو
موسى كاظم بن جعفر الصادق " (2).
وقال في حديث وقع محمد بن جعفر في طريقه: " ومحمد بن جعفر هذا هو
أخو موسى الكاظم، حدث عن أبيه وغيره، روى عنه إبراهيم بن المنذر وغيره
وكان قد دعا لنفسه بالمدينة ومكة وحج بالناس سنة 200 وبايعوه بالخلافة
فحج المعتصم فظفر به، فحمله إلى أخيه المأمون بخراسان فمات بجرجان
سنة 203. وذكر الخطيب في ترجمته أنه لما ظفر به صعد المنبر فقال: أيها
الناس إني قد كنت حدثتكم بأحاديث زورتها، فشق الناس الكتب التي سمعوها

(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3 / 500
(2) لسان الميزان 5 / 103.
258

منه، وعاش سبعين سنة قال البخاري: أخوه إسحاق أوثق منه، وأخرج له
الحاكم حديثا قال الذهبي إنه ظاهر النكارة في ذكر سليمان بن داود عليهما
السلام " (1).
وقال الذهبي في (علي بن جعفر): " علي بن جعفر بن محمد الصادق عن
أبيه وأخيه موسى والثوري وعنه عبد العزيز الأويسي ونصر بن علي الجهضمي
وأحمد البري وجماعة، ما هو من شرط كتابي، لأني ما رأيت أحدا لينه ولا من
وثقه، لكن حديثه منكر جدا ما صححه الترمذي ولا حسنه، رواه نصر بن علي
عنه عن موسى عن أبيه عن أجداده. أخبرني ابن قدامة إجازة أنا عمر بن محمد أنا
ابن ملوك وأبو بكر القاضي قال أنا أبو الطيب الطبري أنا أبو أحمد الغطريفي ثنا
عبد الرحمن بن المغيرة ثنا نصر بن علي أنا علي بن جعفر بن محمد حدثني أخي
موسى عن أبيه عن أبيه محمد عن أبيه علي عن جده علي رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد الحسن والحسين فقال: من أحبني وأحب
هذين وأبويهما كان معي في درجتي يوم القيامة. قال الترمذي: لا نعرفه إلا من
هذا الوجه " (2).
وقال الذهبي في (حسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله
ابن الحسين بن زين العابدين علي بن الحسين): " الحسن بن محمد بن يحيى
ابن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن زين العابدين علي ابن الشهيد
الحسين العلوي. ابن أخي أبي طاهر النسابة. عن إسحاق الديري.
روى بقلة حياء عن الديري عن عبد الرزاق بإسناد كالشمس: علي خير
البشر.

(1) الإصابة لابن حجر العسقلاني - ترجمة خضر عليه السلام 1 / 428.
(2) ميزان الاعتدال 3 / 117.
259

وعن الديري عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن عبد الله بن الصامت
عن أبي ذر مرفوعا قال: علي وذريته يختمون الأوصياء إلى يوم القيامة.
فهذان دالان على كذبه ورفضه. عفا الله عنه " (1).
و " حسن بن زيد " قال ابن المديني: " فيه ضعف " (2).
[6] ليس في الحديث تقييد بلفظ " بعدي "
قوله: " وأيضا ففي الحديث ما يدل بصراحة على اجتماع الولايتين في
زمان واحد، إذ لم يقع فيه التقييد بلفظ بعدي ".
أقول: لقد علمت سابقا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بعد نزول
قوله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم " في واقعة غدير خم قال: " الحمد لله
على كمال الدين وتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي "
وتقييده الولاية هنا بلفظ " من بعدي " دليل صريح على أن مراده من قوله: " من
كنت مولاه " هو هذا المعنى أيضا.
وأيضا: شعر حسان بن ثابت صريح في أن المراد من حديث الغدير هو
الإمامة والولاية لأمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، فإنه قد جاء في شعره: " رضيتك من بعدي إماما وهاديا ".
وأيضا: رواية عبد الرزاق لحديث الغدير - الواردة في تاريخ ابن كثير -
هي بلفظ: " من كنت مولاه فإن عليا بعدي مولاه ".
ومتى ورد هذا القيد في لفظ حمل عليه سائر ألفاظ الحديث التي لم يرد
فيها القيد لأن الحديث يفسر بعضه بعضا كما في (فتح الباري) وغيره.

(1) ميزان الاعتدال 1 / 521.
(2) المصدر 1 / 492.
260

هذا وفي بعض طرق حديث الغدير قوله صلى الله عليه وآله وسلم " هذا
وليكم بعدي " ففي كتاب (فضائل أمير المؤمنين للسمعاني): " عن البراء أن
النبي صلى الله عليه وسلم نزل بغدير خم وأمر فكسح بين شجرتين وصيح
بالناس فاجتمعوا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من
أنفسهم؟ قالوا: بلى فدعا عليا فأخذ بعضده ثم قال: هذا وليكم من بعدي
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام عمر إلى علي فقال: ليهنئك يا ابن أبي
طالب أصبحت أو قال أمسيت مولى كل مؤمن ".
حديث تسمية علي بأمير المؤمنين.. وآدم بين الروح والجسد
ومع ذلك كله: فإنه لا يلزم محذور من اجتماع الولايتين في الزمان
الواحد، ولا يلزم من ذلك أمر محال أبدا، كيف؟ والأحاديث الدالة على ثبوت
إمامة علي عليه السلام في زمن النبي " ص " كثيرة، وأهل السنة وإن حاولوا
إخفاء تلك الأحاديث وإنكارها لكن الحق يعلو ولا يعلى عليه:
فقد روى الحافظ شيرويه الديلمي عن حذيفة بن اليمان حديثا هذا نصه:
" حذيفة: لو علم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمي
أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال الله تعالى: وإذ أخذ من بني آدم
من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم. قالت الملائكة بلى
فقال: أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم " (1).
وروى السيد علي الهمداني: " عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: لو علم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا

(1) فردوس الأخبار - مخطوط.
261

فضله، سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد " (1).
وروى عنه أيضا " قال قال عليه السلام: لو علم الناس متى سمي علي
أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد
قال الله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على
أنفسهم ألست بربكم قالت الملائكة بلى. فقال الله تبارك وتعالى أنا ربكم
ومحمد نبيكم وعلي أميركم " (2).
وروى الحاج عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين بن أحمد في تفسيره:
" عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم
الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمي بذلك وآدم بين
الروح والجسد حين قال تعالى ألست بربكم قالوا: بلى. فقال الله تعالى أنا
ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم. رواه صاحب الفردوس " (3).
وروى السيد علي بن شهاب الدين الهمداني أيضا: " عن أبي هريرة قال:
قيل يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال: قبل أن يخلق الله آدم وينفخ
الروح فيه وقال: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم
على أنفسهم ألست بربكم قالت الملائكة بلى. فقال: أنا ربكم ومحمد نبيكم
وعلي أميركم " (4).
وقال أبو علي أحمد بن محمد المرزوقي: " روى لنا أبو الحسن البديهي
قال سمعت أبا عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي يقول: وأخبر أن

(1) المودة في القربى، انظر ينابيع المودة 248.
(2) روضة الفردوس الباب الرابع عشر - مخطوط.
(3) تفسير الحاج عبد الوهاب - بتفسير آية المودة.
(4) المودة في القربى. انظر ينابيع المودة: 248.
262

النبي صلى الله عليه وسلم تولى دفن فاطمة بنت أسد وكان أشعرها قميصا له،
فسمع " ص " وهو يقول: ابنك ابنك، فسئل " ص " فقال: إنها سئلت عن ربها
فأجابت، وعن نبيها فأجابت، وعن إمامها فلجلجت فقلت: ابنك ابنك " (1).
وقال عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني: " أبو عبد الله الرازي -
حدث بقزوين عن محمد بن أيوب. قال ميسرة في المشيخة: ثنا أبو عبد الله
الرازي الشيخ الصالح في الجامع بقزوين ثنا محمد بن أيوب ثنا علي بن
المؤمن ثنا إسماعيل بن أبان عن ناصح أبي عبد الله عن سماك بن حرب عن
جابر بن سمرة قال: كان علي رضي الله عنه يقول: أرأيتم لو أن نبي الله صلى
الله عليه وسلم قبض من كان أمير المؤمنين إلا أنا. قال: وربما قيل له يا أمير
المؤمنين والنبي " ص " ينظر إليه ويتبسم، ويمكن أن يكون هذا أبا عبد الله
الأرنبوي الذي روى عنه أبو الحسن القطان وذكر حديثه عن يحيى بن درست
وأبي مصعب وغيرهما " (2).
وروى جمال الدين المحدث الشيرازي - من مشايخ والد (الدهلوي) -
في روضة الأحباب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: " علي خليفتي
عليكم في حياتي ومماتي فمن عصاه فقد عصاني " (3).
وروى عن أم سلمة أنها قالت سمعت رسول الله " ص ": " علي خليفتي
عليكم في حياتي ومماتي فمن عصاه فقد عصاني " ثم قالت لعائشة: وهل
تشهدين بذلك يا عائشة؟ قالت: نعم ".
ولا يخفى أن المراد من إمامة علي في حياة النبي " ص " هو وجوب إطاعته
وامتثال أوامره ونواهيه على جميع المسلمين كما هو الأمر بالنسبة إلى النبي

(1) كتاب الأزمنة والأمكنة. الباب الحادي والخمسون.
(2) التدوين في ذكر علماء قزوين - مخطوط.
263

" ص "، والمراد من إمامته " ع " بعد رسول الله " ص " هو كون تنفيذ الأحكام
الشرعية والقيام بأمور الرعية والتصرف في شؤونهم منصبا خاصا به، فإن هذا
للنبي " ص " في حياته، ولو أنه عليه السلام قام بأمر من أمور المسلمين نيابة عن
للنبي " ص " في حال حياته وجب عليهم امتثاله.
بل إن طريق إثبات إمامة علي " ع " في حال حياة النبي " ص " بل في الزمان
السابق عليها - كما يدل عليه خبر الفردوس - هو نفس طريق إثبات النبوة
للنبي " ص " قبل الوجود الظاهري، قال محمد بن يوسف الشامي في (سبل الهدى
والرشاد): " ويستدل بخبر الشعبي وغيره مما تقدم في الباب السابق على أنه
" ص " ولد نبيا، فإن نبوته وجبت له حين أخذ الميثاق، حيث استخرج من
صلب آدم، فكان نبيا من حينئذ، لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة
عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه نبيا، كمن يولى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في
زمن مستقبل، فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته وإن كان تصرفه يتأخر إلى
حين مجئ الوقت، والأحاديث السابقة في باب تقدم نبوته صريحة في ذلك ".
وحديث الشعبي الذي أشار إليه هو ما رواه ابن سعد " عن الشعبي مرسلا
قال رجل: يا رسول الله متى استنبئت؟ قال: " ص ": وآدم بين الروح والجسد
حين أخذ مني الميثاق ".
قوله:
" بل سوق الكلام هو للتسوية بين الولايتين في جميع الأوقات ومن
جميع الوجوه ".
أقول: إنه وإن قصد (الدهلوي) من هذا الكلام إبطال الحق، لكنه كلام
يفيد مطلوب أهل الحق بأدنى تأمل، لأنه إذا كانت محبة أمير المؤمنين مساوية
لمحبة النبي عليهما السلام من جميع الوجوه فقد ثبتت أفضلية الأمير عليه السلام
264

لأن هذه المرتبة غير حاصلة لغيره.
وأيضا لا ريب في كون محبة النبي " ص " مطلقة، بمعنى وجوبها على كل
الأحوال ومن جميع الوجوه وفي كل الأزمنة، وهذه المحبوبية بهذه الكيفية
غير واجبة إلا بالنسبة إلى المعصوم، وإذا ثبتت هذه المرتبة للأمير عليه السلام
فقد ثبتت عصمته من هذا الطريق أيضا وفيه المطلوب.
ثم هل يخرج (الدهلوي) الصحابة الذين عادوا أمير المؤمنين عليه السلام
وقاتلوه وشهروا سيوفهم في وجهه من زمرة المسلمين من جهة كون عداوته
كعداوة النبي " ص " المستلزمة للخروج من الدين، أو أن (الدهلوي) يقلد
أسلافه فيرفع اليد عما ذكره هنا واعترف به حماية لأولئك الأصحاب وتجنبا
عن أن يلزم فيهم بلازم كلامه؟!
قوله:
" لوضوح امتناع كون علي شريكا للنبي في كل ما يستحق النبي التصرف
فيه في حال حياته ".
أقول: لا خفاء في عدم امتناع شركة أمير المؤمنين عليه السلام مع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التصرف في حال حياته، لأن المراد من
هذه المشاركة هي المشاركة من حيث النيابة والخلافة لا من حيث الاستقلال
والأصالة.
وإذا ثبت له التصرف في شؤون الرعية من هذا الحيث في حال حياة
النبي " ص " فلا يلزم أي محذور، وليس لمن يدعي امتناع ذلك دليل يصغى إليه.
قوله:
" فهذا أدل دليل على أن المراد وجوب المحبة إذ لا مانع من اجتماع
المحبتين ".
265

أقول: هذا أدل دليل على أن غرض (الدهلوي) هو تلبيس الأمر على العوام
وسفهاء الأحلام، لأن صحة ما ذكره تتوقف على إثبات امتناع استحقاق الأمير
عليه السلام للتصرف، و (الدهلوي) لم يذكر لهذه الدعوى دليلا بل اكتفى
بدعوى امتناع اجتماع التصرفين في زمان واحد.
قوله:
" بل إن كلا منهما مستلزم للآخر ".
أقول: إذا كان بين محبة الأمير ومحبة النبي " ص " تلازم كما اعترف
(الدهلوي) فقد ثبت أن من فقد محبة الأمير عليه السلام فقد فقد محبة النبي
" ص " فظهر - ولله الحمد - حقيقة حال معاوية الذي كان يعادي أمير المؤمنين
عليه السلام كما نص عليه الأمير نفسه كما في (تاريخ الخلفاء للسيوطي) وغيره
وكذلك ظهر حال أشياع معاوية وأتباعه، وحال عائشة بنت أبي بكر وطلحة
والزبير ومن واقفهم وتابعهم.
قوله:
" أما في اجتماع التصرفين فالمحاذير كثيرة ".
أقول: من العجب دعواه كثرة المحذورات وعدم ذكره محذورا واحدا
منها، ومن الواضح أن الدعوى المجردة عن الدليل يكفي الجواب عنها بمجرد
المنع.
والواقع والحقيقة أنه لا يلزم أي محذور من اجتماع التصرفين، قال في
(إحقاق الحق) بعد بيان ثبوت إمامة الأمير عليه السلام في حياة رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم " لا يقال: كيف يمكن التزام ذلك مع امتناع اجتماع أوامر
الخليفة مع أوامر المستخلف بحسب العرف والعادة. لأنا نقول: الامتناع
ممنوع، وذلك لأنه إن أراد أنه يمتنع اجتماعهما لاختلاف مقتضى أوامرهما
266

فبطلانه فيما نحن فيه ظاهر، لأن ذلك الاختلاف إنما يحصل إذا حكموا
بموجب اشتهائهم كالحكام الجائرة وبالاجتهاد الذي لا يخلو عن الخطأ، وليس
الحال في النبي " ص " ووصيه المعصوم كذلك، لأن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم إنما ينطق عن الوحي، وأمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة علمه وعيبة
سره فلا اختلاف. وإن أراد أنه يمتنع اجتماعهما بمعنى أنه لا يتصور في كل
حكم صدور الأمر منهما معا فهذا غير لازم في تحقق الخلافة، بل يكفي في ذلك
كون الخليفة بحيث لو لم يبادر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى إنفاذ الحكم
الخاص لكان له أن يبادر إلى إنفاذه. ولا امتناع في ذلك عقلا ولا عرفا ".
قوله:
" فإن قيدناه بما يدل على إمامته في المآل دون الحال فمرحبا بالوفاق،
لأن أهل السنة قائلون بذلك في حين إمامته ".
وجوه إبطال تقييد ولاية الأمير بزمان ما بعد عثمان
أقول: إن هذا تأويل سخيف لهذا الحديث الشريف، ولقد كان الأحرى
(بالدهلوي) أن لا يتفوه به، لأنه لا يناسب المقام العلمي الذي يدعيه لنفسه
ويحاول أتباعه وأنصاره إثباته له،...
إن هذا التأويل باطل لوجوه عديدة نذكرها فيما يلي، لئلا يغتر بهذا الكلام
الفاسد أحد فيما بعد، فيحسبه تحقيقا علميا في هذا المقام:
1 - لا نص على خلافة الثلاثة
إن هذا الكلام من (الدهلوي) اعتراف بكون حديث الغدير نصا في إمامة
أمير المؤمنين عليه السلام (غير أنه يدعي تقييده بالمآل دون الحال) وهذا يكفي
267

لهدم بنيان خلافة الثلاثة من أسه وأساسه، فيكون الأمير عليه السلام الخليفة
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا خليفة غيره، وذلك لأنه عليه السلام
خليفة منصوص عليه من قبل النبي " ص "، وقد ثبت بالأدلة القاطعة والبراهين
الساطعة عدم صدور نص منه في خلافة الثلاثة، بل إن هذا المعنى من الأمور
المسلم بها لدى الفريقين، وقد صرح بذلك ونص عليه أعلام أهل السنة، ويوضحه
النظر في أخبار سقيفة بني ساعدة وقصة الشورى وغير ذلك، وحتى أن
(الدهلوي) نفسه من المعترفين بعدم صدور النص في خلافة الثلاثة، كما تجد
كلامه في أول الباب السابع من (التحفة).
فنقول للدهلوي: لقد اعترفت بوجود النص على خلافة علي وبعدم
وجوده بالنسبة إلى خلافة الثلاثة، فكيف تصح خلافة أولئك؟ وكيف يجوز
تقدم غير المنصوص عليه على المنصوص عليه؟
وإذا بطلت خلافة القوم وتقدمهم عليه بطل تقييدك الإمامة والخلافة بما
ذكرت...
2 - عموم " من كنت مولاه " للثلاثة
إن لفظة " من " في الحديث الشريف حيث يقول صلى الله عليه وآله
وسلم " من كنت مولاه فعلي مولاه " من ألفاظ العموم كما تقرر في علم الأصول،
ومن هنا استند (الدهلوي) نفسه بهذه القاعدة المقررة في علم الأصول في
مقام الاستدلال على خلافة أبي بكر بقوله تعالى: " من يرتد منكم عن دينه " كما
لا يخفى على من راجعه.
فنقول: هل نسي (الدهلوي) أو تناسى وجود هذه اللفظة الدالة على العموم
في حديث الغدير، أو أنه يدعي دلالتها على العموم في تلك الآية لأنه يريد
268

الاستدلال بها على خلافة أبي بكر وعدم دلالتها عليه في هذا الحديث لأنه يدل
على إمامة علي عليه السلام؟
نعم في حديث الغدير توجد لفظة " من " الدالة على العموم الشامل للثلاثة،
فسيدنا أمير المؤمنين عليه السلام مولى الثلاثة قطعا، وقد عرفت دلالة حديث
الغدير على الإمامة، فعلي عليه السلام مولى الثلاثة وإمامهم، فهم ليسوا بخلفاء
لرسول الله " ص " حتى تقيد خلافة علي عليه السلام بزمان ما بعد ثالثهم.
3 - بطلانه من كلام بعض أكابر علمائهم
ولقد اعترف بعض أكابر علماء السنة ببطلان التأويل المذكور وصرح
بالحق الحقيق بالقبول، وقال بأن كلمة " من " عامة، فتكون ولاية علي عليه
السلام عامة كولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيجب أن يكون علي هو
الولي لأبي بكر دون العكس، وإليك نص كلام الملا يعقوب اللاهوري في
(شرح تهذيب الكلام) فإنه قال:
[ولما تواتر من قوله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه
وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي].
بيان التمسك بالحديث الأول: إنه " ص " جمع الناس يوم غدير خم
- وغدير خم موضع بين مكة والمدينة بالجحفة، وذلك اليوم كان بعد رجوعه
عن حجة الوداع - ثم صعد النبي " ص " خطيبا مخاطبا معاشر المسلمين: ألست
أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
وهذا الحديث أورده علي رضي الله عنه يوم الشورى عندما حاول ذكر
فضائله، ولم ينكره أحد. ولفظ (المولى) جاء بمعنى المعتق الأعلى والأسفل
269

والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرف، وصدر الحديث يدل
على أن المراد هو الأخير، إذ لا احتمال لغير الناصر والأولى بالتصرف ههنا.
والأول منتف لعدم اختصاصه ببعض دون بعض بل يعم المؤمنين كلهم، قال الله
تعالى: والمؤمنون بعضهم أولياء بعض.
وبيان التمسك بالثاني: أن لفظ المنزلة اسم جنس، وبالإضافة صار عاما
بقرينة الاستثناء كما إذا عرف باللام، فبقي شاملا لغير المستثنى وهو النبوة، ومن
جملة ما يدخل تحت ذلك اللفظ الرياسة والإمامة.
وإلى الأول يشير قوله: [لأن المراد المتصرف في الأمر] إذ لا صحة
لكون علي معتقا وابن عم مثلا لجميع المخاطبين [ولا فائدة لغيره] ككونه
جارا أو حليفا، لأنه ليس في بيانه فائدة، أو ناصرا الشمول النصرة جميع
المؤمنين.
وإلى الثاني يشير قوله [ومنزلة هارون عامة أخرجت منه النبوة فتعينت
الخلافة].
[ورد بأنه لا تواتر] فيما ادعى الخصم فيه التواتر بل هو خبر الواحد
[ولا حصر في علي]. يعني: إن غاية ما لزم من الحديث ثبوت استحقاق علي
رضي الله عنه للإمامة، وثبوتها في المآل، لكن من أين يلزم نفي إمامة الأئمة
الثلاثة.
وهذا الجواب من المصنف، وتوضيحه: أنه لم يثبت له الولاية حالا بل
مآلا، فلعله بعد الأئمة الثلاثة، وفائدة التنصيص لاستحقاقه الإمامة الالزام على
البغاة والخوارج.
أقول: يرد عليه أنه كما كانت ولاية النبي عامة كما يدل عليه كلمة (من)
الموصولة فكذا ولاية علي، فيجب أن يكون علي هو الولي لأبي بكر دون
العكس ".
270

هذا والعجب من التفتازاني الذي يعد من أكابر أئمة العربية كيف يتشبث
بهذا التأويل الفاسد ويغفل عما ينبه عليه الملا اللاهوري ويتنبه إليه كل
ناظر في الحديث بأدنى تأمل؟!
ترجمة ملا يعقوب
والملا يعقوب من مشاهير علماء أهل السنة، وقد وصفه (الدهلوي) نفسه
في البحث حول حديث الثقلين بكونه من علماء أهل السنة ونقل كلامه معتمدا
عليه.
كما أثنى عليه محمد صالح المؤرخ في كتابه (عمل صالح).
وترجم له شاه نوازخان في كتابه (مرآة آفتاب نما) وأثنى عليه ووصفه
بالأوصاف الحميدة، ثم نقل عن المولوي رزق الله الملقب بحافظ عالم خان
أنه ذكر الملا يعقوب في الطبقة التاسعة من كتابه (الأفق المبين في أحوال
المقربين) قائلا:
" والمولى الأعز قدوة العلماء وأسوة الصلحاء مولانا محمد يعقوب
البنباني رحمة الله عليه. وهو من أكابر المشايخ، كان عالما وعارفا، جمع بين
المعقول والمنقول، وحوى بين الفروع والأصول، كان أوحد العلماء في وقته
وكان يعتقد في التصوف طريق صاحب كتاب عوارف المعارف وصاحب كتاب
كشف المحجوب وتحرير طريق كتاب فصوص الحكم. ولي التدريس
بالمدرسة الشاهجانية، وانتفع به كثير من طلبة العلم، وكان ثقة وحجة دينا،
وشفيقا على الطلبة غاية الشفقة. وله تصانيف كثيرة، من أشهرها كتاب الخير
الجاري في شرح البخاري، وكتاب المسلم في شرح صحيح الإمام أبي
الحسين مسلم قدس سره، وكتاب المصفى في شرح الموطأ، وشرح تهذيب
271

الكلام، وشرح الحسامي في أصول الفقه وشرح شرعة الإسلام، وكتاب أساس
العلوم في علم الصرف، وحاشية الرضي، وله باع طويل في علم الحديث،
ورأيته في درسه كان يعرض بتعريضات على الفاضل السيالكوتي رحمه الله
هكذا يقول بعض الناس فاندفع ما قيل مرارا. وله أيضا حاشية على شرح
العضدي والبيضاوي، وكان وفاته في شاهجهان آباد، وحول داره قبره مشهور
يزار ويتبرك به. رحمه الله رحمة واسعة ونفعنا به منفعة كاملة " (1).
4 - قول عمر لعلي: أصبحت مولاي...
إن هذا التأويل العليل ينافي قول عمر بن الخطاب لسيدنا أمير المؤمنين
عليه السلام يوم غدير خم " هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي
ومولى كل مؤمن ومؤمنة " رواه أحمد في الفضائل على ما نقله سبط ابن
الجوزي.
وهل يجوز للدهلوي أن يكذب إمامه عمر بن الخطاب بهذا التأويل
الفاسد؟
ولقد أرسل الفخر الرازي قول عمر هذا إرسال المسلم حيث قال في
(نهاية العقول) بجواب حديث الغدير: " ثم إن سلمنا دلالة الحديث من
الوجه الذي ذكر تموه على الإمامة. ولكن فيه ما يمنع من دلالته وهو من وجهين

(1) وله ترجمة في نزهة الخواطر 5 / 439 قال: " الشيخ العالم المحدث أبو
يوسف يعقوب البنباني اللاهوري أحد الرجال المشهورين في الفقه والحديث والفنون
الحكمية، ولد ونشأ بلاهور، وقرأ العلم على أساتذة عصره، وبرع في كثير من العلوم
والفنون..
مات سنة 1098 ".
272

(وقال بعد بيان الوجه الأول):
والثاني: إن عمر قال له: أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، مع
أنهم لم يصبح إماما لهم، فعلمنا أنه ليس المراد من المولى الإمامة. لا يقال:
إنه لما حصل الاستحقاق في الحال للتصرف في ثاني الحال حسنت التهنية
لأجل الاستحقاق الحاضر. لأنا نقول: إنا لا نحتج بحسن التهنية بل نحتج بأن
قوله أصبحت مولاي يقتضي حصول فائدة المولى في ذلك الصباح، مع أن
الإمامة غير حاصلة في ذلك الصباح، فعلمنا أن المراد من المولى غير الإمامة
ولا يمكن حمل المولى على المستحق للإمامة، لأن المولى وإن كان حقيقة في
الإمامة لكنه غير حقيقة في المستحق للإمامة بالاتفاق. فحمل اللفظ على هذا
المعنى يكون على خلاف الأصل ".
5 - كلام جبرئيل في يوم الغدير برواية عمر
روى السيد علي الهمداني: " عن عمر بن الخطاب قال: نصب رسول الله
صلى الله عليه وسلم عليا علما. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره، اللهم أنت شهيدي
عليهم، قال: وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيب الريح. فقال: يا عمر، لقد
عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم عقدا لا يحله إلا منافق، فاحذر أن تحله.
قال عمر: فقلت يا رسول الله إنك حيث قلت في علي كان في جنبي شاب
حسن الوجه طيب الريح قال كذا وكذا، فقال: يا عمر إنه ليس من ولد آدم
لكنه جبرئيل أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي " (1).
ومن هذه الرواية يظهر عموم " من " في " من كنت مولاه فعلي مولاه "

(1) المودة في القربى انظر ينابيع المودة 249.
273

لعمر بن الخطاب - وللأول والثالث أيضا بالاجماع المركب - من تأكيد النبي
صلى الله عليه وآله وسلم وجبرئيل عليه السلام.
فهذا التأويل محاولة لإخراج الثلاثة من تحت هذا العام تحكما وزورا...
6 - أحاديث عدم موافقة النبي لاستخلاف الشيخين
إن هذا التأويل يبتنى على رضا النبي صلى الله عليه وآله وسلم باستخلاف
الشيخين والثالث، لكن الأحاديث التي يرويها ثقات أهل السنة أنفسهم صريحة
في عدم موافقته " ص " مع ذلك، وإليك بعضها:
روى بدر الدين محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي بعد ذكر اجتماع النبي
صلى الله عليه وآله وسلم مع الجن وحضور ابن مسعود هناك: " وقد ورد ما
يدل على أن ابن مسعود حضر ليلة أخرى بمكة غير ليلة الحجون فقال أبو نعيم:
حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا علي بن الحسين
ابن أبي بردة البجلي حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن حرب بن صبيح حدثنا
سعيد بن مسلم عن أبي مرة الصنعاني عن أبي عبد الله الجدلي عن عبد الله بن
مسعود قال: استتبعني رسول الله " ص " ليلة الجن، فانطلقت حتى بلغنا أعلى
مكة، فخط علي خطا وقال: لا تبرح، ثم انصاع في الجبال، فرأيت الرجال
ينحدرون عليه من رؤس الجبال حتى حالوا بيني وبينه، فاخترطت السيف
وقلت: لأضربن حتى استنقذ رسول الله " ص " ثم ذكرت قوله لا تبرح حتى آتيك
قال: فلم أزل كذلك حتى أضاء الفجر، فجاء النبي " ص " وأنا قائم فقال: ما
زلت على حالك؟ قلت: لو مكثت شهرا ما برحت حتى تأتيني، ثم أخبرته
بما أردت أن أصنع، فقال: لو خرجت ما التقيت أنا وأنت إلى يوم القيامة، ثم
شبك أصابعه في أصابعي وقال: إني وعدت أن تؤمن بي الجن والإنس، فأما
274

الإنس فقد آمنت بي، وأما الجن فقد رأيت وما أظن أجلي إلا وقد اقترب. قلت:
يا رسول الله ألا تستخلف أبا بكر؟ فأعرض عني، فرأيت أنه لم يوافقه. قلت:
يا رسول الله ألا تستخلف عمر؟ فأعرض عني، فرأيت أنه لم يوافقه. قلت: يا
رسول الله ألا تستخلف عليا؟ قال: ذاك والذي لا إله غيره لو بايعتموه وأطعتموه
أدخلكم الجنة أكتعين " (1).
ورواه باختلاف يسير أحمد بن حنبل - الذي قال سبط ابن الجوزي:
وأحمد مقلد في الباب متى روى حديثا وجب المصير إلى روايته، لأنه إمام
زمانه وعالم أوانه، والمبرز في علم النقل على أقرانه، والفارس الذي لا يجارى
في ميدانه - فقد قال الشبلي المذكور: " قد روى الإمام أحمد عن عبد الرزاق
عن أبيه عن مينا عن عبد الله بن مسعود قال: كنت مع النبي " ص " ليلة وفد
الجن فتنفس، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود
قلت: استخلف، قال: ومن؟ قلت أبو بكر. قال: فسكت، ثم مضى ساعة
ثم تنفس، قلت: ما شأنك بابي وأمي يا رسول الله؟ قال: نعيت إلي نفسي يا
ابن مسعود. قلت: استخلف، قال: من؟ قلت عمر، فسكت، ثم مضى ساعة
ثم تنفس، قلت: ما شأنك؟ قال: نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود. قلت: فاستخلف،
قال: من؟ قلت: علي. قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلون
الجنة أكتعين " (2).
آكام المرجان ومؤلفه
والشبلي مؤلف كتاب (آكام المرجان في أحكام الجان) من كبار علماء أهل

(1) آكام المرجان في أحكام الجان: 52.
(2) المصدر: 48.
275

السنة الأعيان ومن فقهائهم ومحدثيهم المشهورين، قال الذهبي: " محمد بن
عبد الله الفقيه العالم المحدث بدر الدين أبو البقاء الشبلي السابقي الدمشقي
الحنفي من نبهاء الطلبة وفضلاء الشباب، سمع الكثير وعني بالرواية وقرأ على
الشيوخ وسمع في صغره من أبي بكر بن عبد الدائم وعيسى المطعم. ألف
كتابا في الأوائل. مولده سنة 712. كتب عني " (1).
وفي هامشه بخط الميرزا محمد بن معتمد خان: " وكانت وفاة الشبلي هذا
في سنة 769. أرخها السخاوي في ذيل دول الإسلام ".
وذكر في (كشف الظنون) كتاب (آكام المرجان) بقوله: " آكام المرجان
في أحكام الجان للقاضي بدر الدين محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي المتوفى
سنة 769. أوله: الحمد لله خالق الإنس والجن. رتبه على مائة وأربعين بابا
في أخبار الجن وأحوالهم " (2).
وقد اعتمد على الكتاب المذكور السيوطي في (تحفة الجلسا برؤية الله
للنسا) والعزيزي في (السراج المنير في شرح الجامع الصغير).
والحديث المذكور الذي أخرجه أحمد وأبو نعيم رواه الموفق بن أحمد
المعروف بأخطب خوارزم بقوله: " أنبأني الإمام الحافظ أبو العلاء الحسن
ابن أحمد العطار والإمام الأجل نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن
محمد البغدادي قالا أنبأني الشريف الإمام الأجل نور الهدى أبو طالب الحسين
ابن محمد بن علي الزينبي عن الإمام محمد بن أحمد بن علي بن حسين بن
شاذان حدثنا سهل بن أحمد عن علي بن عبد الله عن الديري إسحاق بن إبراهيم
قال حدثني عبد الرزاق بن همام عن أبيه عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف

(1) المعجم المختص - مخطوط.
(2) كشف الظنون 1 / 141.
276

عن عبد الله بن مسعود قال: كنت مع رسول الله " ص " وقد أصحر فتنفس الصعداء
فقلت يا رسول الله مالك تنفس؟ قال: يا ابن مسعود نعيت إلي نفسي. قلت:
استخلف يا رسول الله. قال: من؟ قلت: أبا بكر. فسكت، ثم تنفس، فقلت:
مالي أراك تنفس يا رسول الله؟ قال: نعيت إلي نفسي، قلت: استخلف يا
رسول الله، قال: من؟ قلت: عمر بن الخطاب فسكت. ثم تنفس، فقلت
مالي أراك تنفس يا رسول الله؟ قال: نعيت إلي نفسي. فقلت: استخلف يا
رسول الله، قال: من؟ قلت: علي بن أبي طالب. قال: أوه ولن تفعلوا إذا
أبدا، والله لئن فعلتموه ليدخلنكم الجنة وإن خالفتموه ليحبطن أعمالكم " (1).
وفي (وسيلة المتعبدين للملا عمر): " عن ابن مسعود قال: كنت مع
رسول الله " ص " ليلة الجن، فتنفس، فقلت يا رسول الله ما شأنك؟ قال: نعيت
إلي نفسي. قلت: فاستخلف. قال: من؟ قلت: أبا بكر، قال: فسكت ساعة
ثم تنفس فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: نعيت إلي نفسي. قلت: استخلف
قال: من؟ قلت: عمر، فسكت حتى ذهب ساعة ثم تنفس. فقلت: ما شأنك؟
قال: نعيت إلي نفسي. فقلت: استخلف، قال: من؟ قلت: علي بن أبي
طالب. قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعون " (2).
وقال شهاب الدين أحمد: " عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يحكي
عن ليلة الجن... ثم شبك صلى الله عليه وسلم أصابعه في أصابعي وقال إني
وعدت أن يؤمن بي الجن والإنس، فأما الإنس فقد آمنت، وأما الجن فقد
رأيت وما أظن أجلي إلا قد اقترب، قلت: يا رسول الله ألا تستخلف أبا بكر؟

(1) المناقب للخوارزمي: 64.
(2) وسيلة المتعبدين - مخطوط.
277

فأعرض عني، فرأيت أنه لم يوافقه. قلت: يا رسول الله ألا تستخلف عمر؟
فأعرض عني، فرأيت أنه لم يوافقه. قلت: يا رسول الله ألا تستخلف عليا؟
قال صلى الله عليه وسلم: ذاك والذي لا إله غيره لو بايعتموه أدخلكم الجنة
أجمعين أكتعين. رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه دلائل النبوة " (1).
وقال عبد القادر بن محمد الطبري (2): " وفي دلائل النبوة عن عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه قال: استتبعني النبي " ص " ليلة، فانطلقت معه حتى بلغت
أعلى مكة، فخط علي خطة فقال لا تبرح، ثم انصاع في الجبال فرأيت الرجال
ينحدرون عليه من رؤس الجبال حتى حالوا بيني وبينه، فاخترطت السيف
وقلت لأضربن حتى استنقذ رسول الله " ص ". ثم ذكرت قوله لا تبرح حتى
آتيك. قال: فلم أزل كذلك حتى أضاء الفجر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
وأنا قائم فقال: ما زلت على حالك؟ قلت: لو كنت شهرا ما برحت حتى تأتيني
ثم أخبرته بما أردت أن أصنع فقال: لو خرجت ما التقيت أنا ولا أنت إلى يوم
القيامة. ثم شبك أصابعه في أصابعي وقال: إني وعدت أن يؤمن بي الجن
والإنس، فأما الإنس فقد آمنت بي، وأما الجن فقد رأيت وما أظن أجلي إلا
وقد اقترب. فقلت: يا رسول الله ألا تستخلف أبا بكر؟ فأعرض عني فرأيت أنه
لم يوافقه. قلت: يا رسول الله ألا تستخلف عمر؟ فأعرض عني فرأيت أنه لم
يوافقه. قلت: يا رسول الله ألا تستخلف عليا؟ قال: ذلك والذي لا إله غيره لو
بايعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنة أكتعين.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أيضا قال: كنت مع النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ليلة وفد الجنة، فتنفس، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: نعيت

(1) توضيح الدلائل - مخطوط.
(2) ترجمته في خلاصة الأثر 2 / 457.
278

إلي نفسي يا ابن مسعود. فقلت: استخلف. قال: من؟ قلت: أبا بكر، فسكت
ثم مضى ساعة ثم تنفس، فقلت: ما شأنك بأبي أنت وأمي؟ قال: نعيت إلي
نفسي يا ابن مسعود. قلت: فاستخلف. قال: من؟ قلت: عمر، ثم مضى ساعة
ثم تنفس فقلت: ما شأنك؟ قال: نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود. قلت:
فاستخلف، قال: من؟ قلت: علي بن أبي طالب. قال: أما والذي نفسي بيده
لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين.
وبالجملة فعلي بن أبي طالب هو الصديق الأكبر وخليفة رسول الله الأطهر
فعن أبي رافع رضي الله عنه أنه قال: أتيت أبا ذر أودعه فقال: إنه ستكون
فتنة ولا أراكم إلا إنكم ستدركون كونها، فعليكم بالشيخ علي بن أبي طالب،
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنت أول من آمن بي وأول
من يصافحني يوم القيامة وأنت الصديق الأكبر وأنت الفاروق الأعظم، تفرق
بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين وأنت أخي ووزيري وخليفتي في
أهلي. وخير من أخلف من بعدي. تقضي ديني وتنجز عدتي " (1).
قوله:
" ووجه تخصيص المرتضى بذلك علمه " ص " عن طريق الوحي بوقوع
البغي والفساد في زمان المرتضى، وإن بعض الناس سينكرون إمامته ".
أقول: وهذا الوجه الذي ذكره مخدوش بوجوه:
الأول: إن البغي والفساد وإنكار الإمامة لم يكن في زمن سيدنا أمير
المؤمنين عليه السلام خاصة، بل قد وقع ذلك كله في زمن الأول وبلغ أقصى
الشدة في زمن الثالث كما هو معلوم، بل لقد استنكر طلحة وجماعة من الصحابة
على أبي بكر استخلافه عمر بن الخطاب أيضا، اللهم إلا أن يقول (الدهلوي)

(1) حسن السريرة في حسن السيرة لعبد القادر الطبري.
279

بعدم كون هذه الوقائع بغيا وفسادا، وهذا عين المرام.
والثاني: إن حاصل هذا الوجه - مع الالتفات إلى عدم تنصيص
النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خلافة الثلاثة كما اعترف بذلك (الدهلوي)
أيضا - هو أن النبي " ص " نص على خلافة أمير المؤمنين لعلمه بوقوع البغي
والفساد في زمن خلافته وترك ما كان عليه من التنصيص على خلافة الثلاثة
المتقدمين عليه، مع وقوع البغي والفساد في زمنهم كذلك ولا ريب في علمه
بذلك أيضا... وحينئذ يرد على هذا الوجه ما زعم (الدهلوي) وردوه على أهل
الحق في استدلالهم بحديث الغدير من لزوم نسبة التقصير والمساهلة في أمر
تبليغ الأحكام والأوامر الإلهية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من جهة أنه
" ص " ترك التنصيص على الثلاثة وخص أمير المؤمنين عليه السلام مع أن
الوجه الذي ذكره لهذا التخصيص موجود بالنسبة إلى أولئك المتقدمين أيضا.
والثالث: أنه إذا كان ما ذكره هو الوجه في التنصيص على خلافة أمير
المؤمنين عليه السلام فإن عائشة وطلحة والزبير ومعاوية وأتباعهم الذين بغوا
على أمير المؤمنين عليه السلام وأفسدوا عليه الأمر وأنكروا إمامته خارجون
عن دين الإسلام، وهذا ما يبطل مذهب أهل السنة ويهدم أساس اعتقاداتهم،
فلا مناص (للدهلوي) من رفع اليد عن هذا الوجه الذي ذكره أو الالتزام بما
يترتب عليه.
[7] التشكيك في دلالة صدر الحديث
قوله:
" ومن الطريف أن بعض علمائهم تمسك لإثبات أن المراد من المولى
هو الأولى بالتصرف باللفظ الواقع في صدر الحديث وهو قوله: ألست أولى
280

بالمؤمنين من أنفسهم ".
أقول: كان (الدهلوي) يزعم أن الاستدلال بصدر الحديث يختص بالامامية
فيشكك في دلالته على الأولوية بالتصرف غير مبال بصرف الكلام الإلهي عن
مدلوله الحقيقي، إلا أنك قد عرفت سابقا تمسك سبط ابن الجوزي والسيد
شهاب الدين أحمد بصدر الحديث.
والجدير بالذكر هنا أن (الدهلوي) يناقش في دلالة صدر الحديث على
مطلوب أهل الحق، ولا ينكر ثبوته وصدوره من رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم... خلافا للفخر الرازي وبعض مقلديه الذين حملتهم العصبية العمياء إلى
المناقشة في صدوره.
قوله:
" فيعود الإشكال بأنهم متى سمعوا لفظ الأولى حملوه على الأولى بالتصرف ".
أقول: إن هذه الجملة من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم مأخوذة
- باعتراف (الدهلوي) - من قوله تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم "
وقد نص أئمة التفسير وجهابذة المحققين على أن المراد في هذه الآية هو
الأولوية في جميع الأمور، فيكون هذا المعنى هو المراد في كلام النبي " ص "
المذكور، وإذا ثبتت الأولوية في جميع الأمور ثبتت الأولوية بالتصرف
بالبداهة. وهو المطلوب.
قوله:
" فما الدليل على هذا الحمل في هذا المورد؟ ".
أقول: لا بد من حمل هذا اللفظ على الأولى بالتصرف بالضرورة، لأن
(الأولى) محمول حسب تصريحات أئمة القوم على العموم، أي: إن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم في جميع الأمور، كما
281

نص على ذلك أئمة التفسير في تفسير " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم "،
وذكروا دلالة الآية المباركة على لزوم نفوذ أوامره في حق المؤمنين ووجوب
إطاعتهم له على كل حال، وحينئذ يثبت لأمير المؤمنين عليه السلام كلما ثبت
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالآية المباركة بنص من النبي " ص " نفسه
وهذا هو معنى الإمامة والخلافة.
قوله:
" بل المراد هنا أيضا هو: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم في المحبة ".
أقول: ما الدليل على هذا التقييد؟ أليس هو من التفسير بالرأي المنهي
عنه بالاجماع؟ وبالجملة فهو يخالف تصريحات كبار أئمة التفسير من علماء
طائفته، فلا عبرة بما ذكر ولا يصغى إليه.
قوله:
" بل إن الأولى ههنا مشتق من الولاية بمعنى المحبة، يعني ألست أحب
إلى المؤمنين من أنفسهم ".
أقول: ما أسرع ذهول (الدهلوي) وشدة غفلته عما ذكره آنفا!!
أما قال في مقام تخطئة مجئ (المولى) بمعنى (الأولى) بأنه إذا جاز ذلك
لزم جواز أن يقال (فلان مولى منك) بدل (فلان أولى منك) قال: وهو باطل
بالاجماع؟!
فكيف يفسر (ألست أولى بالمؤمنين...) بقوله: (ألست أحب إلى
المؤمنين...) مع أنه إذا كان (الأولى) بمعنى (الأحب) لزم جواز أن يقال
(أولى إليكم) كما يقال (أحب إليكم)!!
والواقع أن تفسير (الأولى) ب‍ (الأحب) بالإضافة إلى أنه يناقض كلامه
السابق مردود بأنه غير مناسب للمقام وغير منسبق إلى الأذهان.
282

قوله:
" حتى يحصل التلائم بين أجزاء الكلام والتناسق بين جمله ".
أقول: إن نظم هذا الكلام وتناسق أجزائه وجمله يكون في صورة
إرادة معنى الإمامة والإمارة منه كما عرفت من المباحث السابقة، وإلا يلزم أن
ننسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وحسان بن ثابت، وقيس بن سعد بن عبادة
وكبار علماء أهل السنة الذين فسروا الحديث بالإمامة والخلافة إخراج كلام
النبي " ص " عن النظم والتنسيق إلى الركاكة والاختلاط، ولا نجد مسلما يتجاسر
على هذه النسبة إلا (الدهلوي).
وأما كلمات علماء أهل السنة الذين فسروا حديث الغدير بإرادة الخلافة
فقد تقدمت نصوصها، ونكتفي هنا بذكر كلمة شهاب الدين الدولت آبادي
حيث قال: " واحتجوا بخبر المولى. وتمام الحديث ذكرناه في الجلوة
الخامسة من الهداية التاسعة. قال أهل السنة يحمل في وقت خلافته ".
فإن هذه العبارة ظاهرة في أن أهل السنة يرون دلالة حديث الغدير في الإمامة
والخلافة، ثم إنهم يحملونها على الخلافة في وقت خلافته، أي في المرتبة
الرابعة بعد عثمان، وقد ذكرنا عدم الدليل على هذا التقييد بل بطلانه بوجوه
عديدة، فكلمات (الدهلوي) في صرف دلالته على الإمامة والخلافة باطلة على
كل حال.
قوله: " ويكون حاصل معنى هذه الخطبة: يا أيها المسلمون عليكم أن
تجعلوني أحب إلى أنفسكم من أنفسكم، وأن من يحبني يحب عليا، اللهم
أحب من أحبه وأبغض من أبغضه ".
أقول: من الغريب جدا فرار (الدهلوي) عن بيان المعنى الذي يزعمه للفظة
(المولى) في قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من كنت مولاه فعلي مولاه " بعد
283

نفيه دلالته على (الأولى) مكابرة وعنادا للحق وأهله... ففي كلماته السابقة اكتفى
بالقول بأن (الولاية) هي بمعنى (المحبة) ساكتا عن المعنى المراد من
(المولى) أهو (المحب)؟ أو (المحبوب)؟ وهنا يكتفي ببيان حاصل معنى
الخطبة حسب زعمه!!.
إن جعل (الدهلوي) لفظة (المولى) بمعنى (المحب) فواضح أنه ليس
معنى " من كنت مولاه فعلي مولاه " ما ذكره من أن من أحبني فقد أحب عليا،
بل يكون المعنى بالعكس، وهو أنه يجب على أمير المؤمنين عليه السلام أن يجب
الآخرين.
وإن جعل (المولى) بمعنى (المحبوب) فلا بد أولا من أن يثبت مجئ
(المولى) بهذا المعنى من كلمات أئمة اللغويين، بحيث لا يرد عليه ما زعموا
وروده على كونه بمعنى (الأولى)، ثم يدعي كون حاصل معنى الخطبة ما ذكره.
قوله: " وكل عاقل يصدق بصحة هذا الكلام وحسن انتظامه ".
أقول: نعم ينبغي للعاقل أن يتأمل في مدى تعصب (الدهلوي) وعناده
للحق، فهو يدعي بطلان ما يذكره أهل الحق بالاستناد إلى الأدلة القويمة والبراهين
القاطعة، ثم يدعي إفادة " من كنت مولاه فعلي مولاه " معنى لا سبيل إلى إثباته
إن جعل (المولى) فيه بمعنى (المحبوب) لعدم مساعدة اللغة، وإن جعله بمعنى
(المحبوب) فهو يفيد عكس ما ذكره، فمن أين يثبت هذا الذي ذكره؟!
على أنك قد عرفت رواية السيد علي الهمداني الحديث بلفظ " ألست أولى
بكم من أنفسكم آمركم وأنها كم ليس لكم علي أمر ولا نهي؟ " فإنه صريح
في أن المراد من (المولى) هو (الأولى) بالمؤمنين من أنفسهم بالتصرف والأمر
والنهي.
قوله: " وإن قول النبي: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم مأخوذ من
284

الآية القرآنية، ومن هنا جعل هذا المعنى من المسلمات لدى أهل الإسلام،
وفرع عليه الحكم اللاحق له ".
أقول: إنا نحمد الله ونشكره على إلجائه (الدهلوي) على الاعتراف بهذا الأمر
الذي يقوله أهل الحق ويثبت على ضوئه مطلوبهم، فإن هذه الفقرة لما كانت مأخوذة
من الآية المباركة، وقد عرفت دلالتها على الأولوية بالتصرف في عامة الأمور حسب
تصريحات جهابذة المحققين من أهل السنة، تكون قرينة على أن المراد من " من
كنت مولاه فعلي مولاه " نفس ذلك المعنى وهو الأولوية بالتصرف في جميع
أمور المؤمنين عامة.
فاعترافه المذكور ينتهي إلى الاستدلال المطلوب لأهل الحق ولله الحمد.
قوله: " ولقد وقع هذا اللفظ في القرآن في موقع لا يصح أن يكون معناه
الأولى بالتصرف أصلا... ".
أقول: إن كلام (الدهلوي) هذا من أقوى الشواهد على متابعته للكابلي
في خرافاته التي سطرها في كتابه، فلم يراجع كتب الحديث والتفسير ولم
يلاحظ كلمات أئمة طائفته في تفسير الآية المباركة هذه، وكان أكبر همه وأكثر
سعيه مصروفا إلى الرد على استدلالات أهل الحق، مع التعسف والمكابرة وإنكار
الحقائق الراهنة.
وإنا نقول هذا وننبه عليه حتى لا يغتر الناظرون في كتابه، من أوليائه ومقلديه
وغيرهم بما تفوه به وسطرته يده تبعا لهواه، بل يجب عليهم التفحص والتوقف
والدقة والتأمل، ثم الأخذ بما يقتضيه الانصاف وتساعده الأدلة والبراهين.
وبعد فقد عرفت من كلمات أئمة القوم وأكابر المفسرين كالواحدي والبغوي
والزمخشري والبيضاوي والنسفي والخوئي والنيسابوري والشربيني أن المراد
من الأولوية في الآية المباركة " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " أولوية النبي
285

صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين في جميع الأمور، وفي وجوب الطاعة
ونفوذ الحكم ولزوم الانقياد والاتباع...
وكما أن (الدهلوي) غفل أو تغافل عما قاله المفسرون في تفسير الآية، كذلك
غفل أو تغافل عما قاله المحدثون وشراح الحديث: كالعراقي والعيني والقسطلاني
والمناوي والعزيزي...
فنعوذ بالله من شرور أنفسنا وغفلاتها وحصائد ألسنتنا وهفواتها.
قوله:
" فإن سوق هذا الكلام هو لنفي نسبة المتبنى إلى المتبني، ولبيان النهي
من أن يقال لزيد بن حارثة: زيد بن محمد... ".
أقول: إن سوق هذا الكلام هو لتخديع العوام، وهو من التفسير بالرأي
الوارد فيه الوعيد الشديد من النبي عليه السلام، فقد عرفت أن هذه الآية -
حسب الرواية التي رواها البغوي والبيضاوي - واردة في شان من لم يمتثل
أمر النبي " ص " بالجهاد إلا أن يأذن لهم آباؤهم وأمهاتهم...
فليس شان نزول الآية ما ذكروه (الدهلوي).
ولو سلمنا ارتباط هذه الآية بما تقدم عليها فإنه ليس المراد ما اخترعه
(الدهلوي) من المعنى، بل إنه حينئذ لدفع أمر مقدر، ومحمول على المعنى
الذي تعتقده الشيعة الإمامية كما عرفت من تقرير أحمد بن خليل ونظام الدين
النيسابوري.
قوله:
" ولا دخل للأولى بالتصرف في المقصود في هذا المقام. فكذلك الأمر
في الحديث، والمراد في الآية هو المراد فيه ".
أقول: هذا الكلام مخدوش بوجوه:
286

(الأول) إنه ليس هذا الكلام إلا معاندة ومكابرة، فأي مناسبة وارتباط أقوى
وأوضح من هذا الكلام، وهو أن يثبت النبي " ص " الأولوية لنفسه بالتصرف
في أمور المؤمنين من أنفسهم ثم يقول: فمن كنت مولاه - أي أولى بالتصرف
في أموره من نفسه - فعلي مولاه أي أولى بالتصرف في أموره منه؟ إن هذا
الكلام في غاية المتانة والانتظام، ألا فلا يوجد في العالم كلام متناسقة ألفاظه
ومترابطة جمله أبدا.
(الثاني) لقد نص حسام الدين السهارنبوري على كون صدر الحديث قرينة
على إرادة معنى (الأولى) من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " من كنت مولاه
فهذا علي مولاه " فمن العجب أن يقلد (الدهلوي) هذا الرجل في مواضع، وينتحل
خرافاته في بعض الأبحاث، ثم يدعي في هذا الموضع خلاف ما نص عليه
السهارنبوري وكأنه أشد منه تعصبا وأكثر عنادا للحق وأهله!!
(الثالث) لقد عرفت سابقا أن سبط ابن الجوزي يستند إلى قوله " ص ":
" ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم... " في حمل (المولى) على (الأولى)
في قوله " ص " " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
(الرابع) لقد عرفت سابقا أن السيد شهاب الدين أحمد صاحب (توضيح
الدلائل) نقل عن بعض العلماء أنه جعل قوله " ص ": " ألستم تعلمون أني
أولى بالمؤمنين " قرينة على إرادة معنى (السيد) من (المولى) ثم وافقه على
ذلك.
(الخامس) لقد أثبتنا سابقا لزوم حمل (المولى) في " من كنت مولاه فعلي
مولاه " على المعنى المراد من " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " بنص حديث
صحيح أخرجه الحاكم في المستدرك فلا حظ.
(السادس) لقد جاء في بعض طرق حديث الغدير لفظ " من كنت أولى به
من نفسه " بدل " من كنت مولاه "، فقد قال البدخشاني في (مفتاح النجا):
287

" وللطبراني برواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم بلفظ: من كنت
أولى به من نفسه فعلي وليه ".
وقال القاضي ثناء الله: " وفي بعض الروايات: من كنت أولى به من نفسه
فعلي وليه ".
وذكر سبط ابن الجوزي والسيد شهاب الدين أحمد عن أبي الفرج يحيى
ابن سعيد الثقفي في (مرج البحرين) أنه روى حديث الغدير بلفظ " من كنت
وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه ".
فظهر أن المراد من هذا القول نفس المراد من " ألست أولى بالمؤمنين
من أنفسهم " فلا يرتكب الفصل والتفريق إلا من يستنكف عن الإيمان والتصديق
والله ولي التوفيق.
قوله:
" ولو سلمنا كون المراد من صدر الحديث هو الأولى بالتصرف، فإنه
لا وجه لحمل المولى على الأولى بالتصرف كذلك، لأنه إنما صدر الحديث
بتلك العبارة لينبه السامعين، كي يتلقوا الكلام بكل توجه وإصغاء... ".
أقول: الحديث الذي أخرجه الطبراني بلفظ صحيح يشتمل كغيره على
ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل جملة " ألست أولى... " جملا فيها
الاقرار بالوحدانية والرسالة والبعث والمعاد والجنة والنار قائلا: " أليس تشهدون
أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله... " ثم إنه قال: " يا أيها الناس إن
الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا
مولاه يعني عليا ". وكل ذلك صريح في أن الغرض من تقديمه " ص " أولوية
نفسه بالمؤمنين من أنفسهم هو حمل (المولى) على (الأولى). وليس الغرض
ما ذكره (الدهلوي)، إذ لو كان الغرض ما ذكره لكان قوله: " ألستم تشهدون أن
288

لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله " فقط وافيا بهذا الغرض.
قوله:
" وأما أخذ لفظة واحدة من الحديث وجعلها فقط مورد العلاقة والربط
بعبارة الصدر فمن كمال السفاهة، بل يكفي الارتباط الموجود بين جميع الكلام
مع هذه العبارة ".
أقول: لقد عرفت المناسبة التامة والعلاقة الكاملة بين جملتي " ألست أولى
بالمؤمنين... " و " من كنت مولاه... " وأن سبط ابن الجوزي وشهاب الدين
أحمد وصاحب مرافض الروافض قد صرحوا بذلك وجعلوا الجملة السابقة
قرينة على المراد في الجملة اللاحقة، ولكن (الدهلوي) يسفه هؤلاء وغيرهم
كما هو صريح عبارته.
بل لقد صرح بما ذكرنا من المناسبة بعض المشاهير من أئمة الحديث
وشراحه كالطيبي حيث قال بشرح حديث الغدير: " قوله: إني أولى بالمؤمنين
من أنفسهم. يعني به قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. أطلق فلم
يعرف بأي شئ هو أولى بهم من أنفسهم، ثم قيد بقوله: وأزواجه أمهاتهم.
ليؤذن بأنهن بمنزلة الأمهات، ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: النبي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم. وقال مجاهد: كل نبي فهو أبو أمته،
ولذلك صار المؤمنون إخوة. فإذن وقع التشبيه في قوله: من كنت مولاه فعلي
مولاه في كونه كالأب، فيجب على الأمة احترامه وتوقيره وبره، وعليه رضي الله
عنه أن يشفق عليهم ويرأف بهم رأفة الوالد على الأولاد، ولذا هناه عمر بقوله
يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة " (1).

(1) الكاشف - شرح المشكاة - مخطوط.
289

قوله:
" والأغرب من ذلك استدلال بعض مدققيهم على عدم إرادة المحبة... "
أقول: إن الذي يقوله المدققون من أهل الحق هو أنه لما كان وجوب
مودة أمير المؤمنين عليه السلام سواء بالخصوص أو في ضمن العموم أمرا
ثابتا بالآيات والأحاديث الكثيرة، ومشتهرا بين جميع الناس من الخواص
والعوام، ولم يكن هذا الأمر - وهو وجوب المودة - عند أهل السنة مختصا
به وحده، بل كان يشاركه فيه سائر الصحابة أيضا كان هذا الاهتمام بهذا الأمر
- الثابت لدى الجميع والمشترك فيه جميع الأصحاب كما عليه الجماعة - أمرا
غير معقول.
بل إنه بناءا على مذهب أهل السنة القائلين بأفضلية الشيخين بل الثلاثة
من علي عليه السلام يكون مودة الثلاثة - لا سيما الشيخين - آكد وألزم
وأهم من محبة علي عليه السلام، فترك الأهم وإيثار غير الأهم مع هذا الاهتمام
البالغ يستحيل صدوره ووقوعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فبالنظر إلى جميع ما ذكر مع الالتفات إلى ذاك الاهتمام البالغ الذي كان
من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ الأمر يوم غدير خم مع تلك
الأحوال والمقارنات والخصوصيات - التي من أهمها قرب وفاة النبي " ص " -
يعلم أن النبي " ص " كان بصدد تبليغ أمر مهم يختص بعلي عليه السلام وحده
ولا يشاركه فيه أحد من القوم، ولا يكون ذلك الأمر إلا الخلافة والإمامة.
ولو أن ملكا من الملوك كان في سفر فتوقف عن السير في وسط الطريق
فجأة، وأمر من كان معه - وهم ألوف - بالوقوف في مكان ليس فيه أبسط
وسائل الراحة مع حرارة الجو، ثم أمر بأن يصنع له من أقتاب الإبل منبرا
فصعد المنبر وعرف من معه بقرب وفاته، وذكرهم بأولويته بالتصرف في
290

أنفسهم، ثم أثبت لأحد أقاربه مقاما كان قد أثبته قبل ذلك له مرارا وسمعه القوم
منه تكرارا، وكان ذلك الشأن والمقام غير مختص بهذا الشخص بل كان جل
الحاضرين أو كلهم يشاركونه فيه بل كان بعضهم أجل شانا... كان هذا العمل
من هذا الملك في غاية الغرابة وبعيدا عن الحكمة والصواب والسياسة كل
البعد... لا سيما لو كان في أقربائه أو أصحابه من هو أليق وأولى بالاهتمام في
إثبات ذلك المقام له.
قوله:
" ولم يعلم هؤلاء بأن الدلالة على محبة شخص بدليل عام أمر، وإيجاب
محبته بدليل خاص أمر آخر... ".
أقول: من العجب أن يغفل (الدهلوي) عن أن إيجاب المودة لأمير المؤمنين
عليه السلام بالخصوص، مع كونه عند أهل السنة أقل شانا من الشيخين بل من
عثمان بن عفان، لا يستحق هذا الحد من الاهتمام بحيث يأمر النبي صلى الله عليه
وآله وسلم الناس بالوقوف في مكان شديد الحر وأن يصنعوا له منبرا من
أقتاب الإبل، فيرقى المنبر ويطلب عليا فيعممه بيده ويأخذ بعضده فيبين وجوب
مودته بعد ذكر قرب وفاته ورحيله... فلو كان الغرض من ذلك كله ما ذكروا
للزم اللغو والعبث، ونحن نعوذ بالله من نسبة العبث إلى رسوله صلى الله عليه
وآله وسلم.
بل إن تركه إيجاب مودة الثلاثة والتأكيد عليه، والاهتمام بشأن علي
المفضول عند أهل السنة أمر لا يعقل نسبته إليه " ص " على مذهب أهل
السنة.
فمع التأمل في هذه الجهات يظهر صحة استدلال المدققين من أهل
الحق، واستهزاء (الدهلوي) بما ذكروه إما غفلة لقصور فهم، وإما تغافل عن
291

عناد.
قوله:
" فالمراد من الحديث إيجاب محبة علي بشخصه وإن تقدم ما يدل على
وجوب محبته ضمن عموم المؤمنين ".
أقول: من هذا الكلام يثبت أن مودة أمير المؤمنين عليه السلام مثل مودة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنه قد بلغت مودته في الأهمية والعظمة
مرتبة لا تكفي معها مودته عليه السلام من باب المودة في عموم المؤمنين، بل
إن مثله كمثل من آمن بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ضمن الإيمان
بجميع أنبياء الله ورسله، فإنه حينئذ لا يعتبر مؤمنا ومسلما.
إذن تجب مودة علي عليه السلام بالخصوص كما يجب الإيمان بنبينا صلى
الله عليه وآله وسلم بالخصوص، فمودة علي كالإيمان بمحمد عليهما وآلهما
الصلاة والسلام في الوجوب والمرتبة، ومن كانت مودته بهذه المثابة كان أفضل
ممن لم يكن كذلك قطعا، وإذا ثبتت أفضليته ثبت تعينه للإمامة والخلافة، لاستلزام
الأفضلية للإمامة والخلافة بالأدلة القاطعة التي اضطر والد (الدهلوي) إلى
الاعتراف بها في كتابه (إزالة الخفا).
وقد أذعن الكابلي في (الصواقع) بأن " من أمر الله النبي صلى الله عليه وآله
وسلم أن يسأله أن يهديه إلى حبه فهو أفضل الناس وأنه حقيق بالزعامة الكبرى "
وهذا نص كلامه: " الرابع والخمسون: إشاعة ما يروون من الموضوعات: أن
الله تعالى أمر نبيه سيد الرسل أن يسأله أن يهديه إلى حب علي كما يجئ
إن شاء الله تعالى، فينخدع الخدوع ويوقن أن من أمر الله سيد رسله أن يسأله
أن يهديه إلى حبه فهو أفضل الناس وأنه حقيق بالزعامة الكبرى، وأن الخلفاء
غصبوا حقه، فيضل عن سواء السبيل ضلالا بعيدا، ولا يدري أنه من كذباتهم
292

ومفترياتهم الواضحة، كيف؟ وهو ناص على أن عليا أفضل من خاتم النبيين
صلى الله عليه وآله أجمعين، وهو باطل " (1).
فإذا كان ما ذكره نصا في أنه أفضل الناس كان إيجاب المودة - مع هذا
الاهتمام العظيم على الثلاثة وغيرهم، حتى قال ثانيهم مهنئا إياه " أصبحت
مولاي ومولى كل مؤمن " وقاله أولهم أيضا كما في (الصواعق) وغير - ه دليلا
على الأفضلية بالأولوية القطعية.
قوله:
" وعلى تقدير وحدة المضمون في الآية والحديث، فأي قبح فيه؟ إن شأن
النبي هو التأكيد على مضامين الآيات والتذكير بها ".
أقول: ذكر (الدهلوي) في باب المكائد من (التحفة) أن التأكيد دليل قطعي
وبرهان يقيني على وقوع التغافل والتساهل، ومن هنا حكم بوضع أخبار نسب
روايتها إلى أهل الحق، من دون أن يذكر رواتها والكتب المخرجة فيها ولو
بالاجمال فضلا عن نقل العبارة.
وإن كلامه في هذه المكيدة (وهي المكيدة السادسة والأربعون) - الذي ذكره
تبعا للكابلي وزاد عليه أشياء أخرى من عنده - صريح في أن تأكيد أمر بالنسبة
إلى شخص دليل على عدم حصول ذلك الأمر لذلك الشخص وقصور الشخص
وإهماله وتغافله عن الأمر المطلوب منه.
وعلى ضوء هذا الكلام يثبت أن الصحابة الحاضرين في حجة الوداع
المخاطبين بحديث الغدير - وفيهم الثلاثة فمن دونهم - لم يكونوا واجدين
لمحبة علي عليه السلام ومودته حتى ذلك الحين (الأمر الذي يكشف عنه تكرار

(1) الصواقع الموبقة، الباب الرابع والخمسون.
293

النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمر بمحبة علي وولايته بخطبته في يوم الغدير،
الدال على وجوب محبته في أقل تقدير) وأنهم كانوا مهملين لهذا الأمر البالغ
الأهمية.
ولو أن (الدهلوي) التفت إلى ما يستلزمه كلامه في هذا المقام ولا سيما مع
النظر إلى ما ذكره في باب المكائد لما تفوه به قطعا.
قوله:
" لا سيما متى رأى تهاونا من المكلفين في العمل بموجب القرآن. قال تعالى:
" وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ".
أقول: ظاهر هذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجد من
صحابته تهاونا في الالتزام والعمل بما حكم وأوجب عليهم من قبل الله تعالى
في حق سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام في وجوب محبته ولزوم مودته.. فهذا
ظاهر كلام (الدهلوي) في هذا المقام.
وحينئذ يبطل جميع كلمات (الدهلوي) واستدلالاته في مقام تنزيه الصحابة
عن المخالفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في باب الخلافة والإمامة،
ورفع شانهم عن المطاعن المتوجهة إليهم، وصدور الفضائح والقبائح منهم..
لأن هؤلاء الصحابة إذا كانوا متساهلين ومتهاونين في مجرد مودة علي أمير
المؤمنين فلا غرابة في تهاونهم وتساهلهم تجاه أوامر النبي " ص " وإرشاداته
في باب الإمامة والخلافة التي هي أعظم شانا وأكبر مقاما من مجرد المودة
والمحبة.
قوله:
" وما من شئ دلت عليه وآية من القرآن إلا وأكدت عليه الآيات الأخرى
294

ثم الأحاديث على لسان النبي حتى تتم النعمة والحجة ".
أقول: فيه أولا: منع هذه الكلية، ووجه المنع ظاهر على من قرأ القرآن.
وثانيا: إن من العجيب تأكيد (الدهلوي) في هذا المقام على حسن
التكرار وإثباته الفائدة له باهتمام عظيم، ثم غفلته أو تغافله عما ذكره هنا في باب
المطاعن، فإنه يبذل هناك قصارى جهده لإثبات أن لا فائدة في التأكيد، وعلى
هذا الأساس يبرر منع عمر بن الخطاب عن كتابة النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وصيته في الساعات الأخيرة من حياته قائلا: إن رسول الله قد غلبه الوجع
وعندنا كتاب الله حسبنا.
فما هذا التهافت والتناقض في كلمات (الدهلوي)؟ أفهل من الصحيح أن
يقرر أمرا في مقام ويؤكد عليه ثم ينكره مقام آخر ويصر على إنكاره ونفيه؟!
لقد أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب في وصيته أمرا أو أمورا
ذكرها للأمة في خلال حياته الكريمة لغرض التأكيد، فإذا كان للتأكيد هذه
الفوائد التي ذكرها (الدهلوي) هنا فلماذا يدافع عن منع عمر بن الخطاب عن
تأكيد النبي " ص " لما أراد التأكيد عليه بكتابة الوصية؟
لكن لا ريب في جناية عمر على الأمة في ذلك اليوم وشناعة كلامه في ذلك
الموقف، وأما توجيهات (الدهلوي) لصنيع عمر فباطلة، بل إن كلامه هنا
يتضمن وجوها توضح فساد تلك التوجيهات:
(الأول): إنه يقول بأن عمل النبي " ص " وشأنه هو التأكيد على ما جاء في القرآن
والتذكير به... فيكون عمر الذي حال دون كتابة النبي " ص " وصيته قد منع
النبي " ص " من القيام بأمر واجب عليه، ويكون (الدهلوي) الذي برر عمل عمر
شريكا مع عمر في صنيعه.
(الثاني): إنه يقول بأن التأكيد يفيد الالزام بالحجة وإتمام النعمة... فيكون
295

المانع من كتابة الوصية مانعا من الالزام بالحجة وإتمام النعمة، ويكون (الدهلوي)
الذي أيده في صنيعه شريكا معه في هذه الجريمة... هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: أنه لو دار الأمر بين الاعتقاد بإمامة المانع من الالزام
بالحجة وإتمام النعمة، والاعتقاد بإمامة من كان نصبه يوم الغدير سببا لإكمال
الدين وإتمام النعمة، فإنه لا يستريب عاقل في أن الثاني أولى بها من الأول...
(الثالث): إنه يقول - كما سيأتي - بأن من لاحظ القرآن والحديث لا يقول
مثل هذا الكلام الفارغ، وهذا الكلام صريح في أن إنكار حسن التأكيد كلام
فارغ مخالف للكتاب والسنة، فمن كلام نفسه تظهر قيمة كلماته في الدفاع عن
من حال دون كتاب النبي " ص " وصيته!!...
(الرابع): إنه يقول - كما سيأتي - بأن إنكار حسن التأكيد يستلزم لغوية
تأكيدات النبي صلى الله عليه وآلة وسلم في أبواب الصيام والصلاة والزكاة
وتلاوة القرآن.
فثبت أن منع الوصية وتأييد هذا المنع يستلزم الاعتقاد بلغوية تأكيدات
النبي " ص " في الأبواب والأحكام المذكورة وغيرها...
قوله:
" وإن من نظر في القرآن والحديث لا يتفوه بمثل هذا الكلام الفارغ... "
أقول: إن من لاحظ الكتاب والسنة لا يتفوه بهكذا الكلام الفارغ، فينفي دلالة
حديث الغدير على الإمامة والخلافة لعلي عليه السلام، بالرغم من نزول قوله
تعالى: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته "
وقوله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
الإسلام دينا " في واقعة غدير خم، وبالرغم من تصريح حسان بن ثابت بإمامة علي
عليه السلام في أشعاره نقلا عن لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبالرغم
296

من تصريح الإمام عليه السلام نفسه بثبوت إمامته وخلافته في يوم الغدير...
إن من لاحظ الكتاب والسنة لا يتجاسر على نفي دلالة حديث الغدير على
الإمامة بالرغم من كل هذه الأدلة وغيرها... ومن هنا ترى بعض علماء أهل السنة الذين
وقفوا على حقيقة الأمر يعترفون ببطلان إنكار دلالة حديث الغدير على إمامة أمير
المؤمنين عليه السلام، وإن حاولوا اللجوء إلى تأويل مدلول الحديث وحملوه
على إرادة الإمامة والخلافة بعد عثمان بن عفان. وقد عرفت فساد هذا الحمل
وبطلانه.
قوله:
" ويكون التنصيص على إمامة الأمير - كما يدعيه الشيعة - مرة بعد أخرى
والتأكيد عليه لغوا باطلا. معاذ الله من ذلك ".
أقول: وهذا التوهم مخدوش بوجوه:
(الأول): إنه وإن كان أمر الإمامة مبينا مرارا - لكن الذي كان يوم غدير
خم كان أمرا جديدا، فقد وقع في هذا اليوم الاستخلاف العلني الرسمي بحضور
الآلاف المؤلفة من الأمة، وأخذ البيعة منهم، مع قرب وفاة النبي صلى الله عليه
وآله ورحلته عن الدنيا إلى الرفيق الأعلى.
(الثاني): إن أهل السنة يزعمون تقدم الثلاثة على أمير المؤمنين عليه السلام
في لزوم المحبة ووجوب المودة، وإن محبة علي عليه السلام تأتي في المرتبة
الرابعة، فهذا من جهة.
ومن جهة أخرى: لا ريب في تأخر عمر بن الخطاب عن أبي بكر رتبة و
مقاما، بل لقد وصل تأخر عمر عنه حدا بحيث كان يود أن لو كان شعرة في صدر
أبي بكر، فقد روي: " عن عمر قال: وددت أني شعرة في صدر أبي بكر.
297

مسدد عن عمر " (1).
بل " عن الحسن قال قال عمر: وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر. ش " (2).
بل " عن ضبة بن محصن الغنوي قال: قلت لعمر بن الخطاب: أنت خير
من أبي بكر. فبكى وقال: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر عمر،
هل لك أن أحدثك بليلته ويومه؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: أما ليلته
فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هاربا من أهل مكة خرج ليلا، فتبعه
أبو بكر، فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا
من فعلك. فقال: يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب
فأكون خلفك، ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك، لا آمن عليك. فمشى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه،
فلما رآه أبو بكر قد حفيت رجلاه حمله على كاهله يشتد به حتى أتى به فم
الغار فأنزله. ثم قال:
والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله، فإن كان فيه شئ نزل بي قبلك
فدخل فلم ير شيئا، فحمله فأدخله، وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاعي،
فخشي أبو بكر أن يخرج منهن شئ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فألقمه قدمه، فجعلن يضربنه ويلسعنه الحيات والأفاعي، وجعلت دموعه تنحدر
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا، فأنزل
الله سكينة طمأنينة لأبي بكر. فهذه ليلته.
وأما يومه فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب فقال
بعضهم: لا نصلي ولا نزكي، فأتيته ولا آلوه نصحا، فقلت: يا خليفة رسول

(1) كنز العمال 14 / 138.
(2) كنز العمال 14 / 137.
298

الله تألف الناس وارفق بهم. فقال: جبار في الجاهلية خوار في الإسلام!
فبماذا أتألفهم؟ أبشعر مفتعل أو سحر مفترى؟ قبض النبي صلى الله عليه وسلم
وارتفع الوحي، فوالله لو منعوني عقالا مما كانوا يعطون رسول الله صلى الله
عليه وسلم لقاتلتهم عليه. فقاتلنا معه وكان والله رشيد الأمر. فهذا يومه. الدينوري
في المجالسة وأبو الحسن بن بشران في فوائده ق في الدلائل واللالكائي في
السنة. كر " (1).
وفي (كنز العمال) أيضا " عن محمد بن سيرين قال: ذكر رجال على عهد
عمر فكأنهم فضلوا عمر على أبي بكر، فبلغ ذلك عمر فقال: والله لليلة من
أبي بكر خير من آل عمر، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر، لقد خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي
ساعة بين يديه وساعة خلفه حتى فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا
أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي؟ فقال: يا رسول الله أذكر
الطلب فامشي خلفك وأذكر الرصد فامشي بين يديك. فقال: يا أبا بكر لو كان
شئ أحببت أن يكون بك دوني؟ قال: نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون
مثلة إلا أن تكون بي دونك. فلما انتهى إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول
الله حتى أستبرئ لك الغار. فدخل واستبرأه حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه
لم يستبرء الحجر، فدخل واستبرأ ثم قال. انزل يا رسول الله فنزل. قال عمر
والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر. ك ق في الدلائل " (2).
وأيضا: فمن المعلوم أن مرتبة عثمان بن عفان أدنى بمراتب كثيرة من

(1) كنز العمال 14 / 135.
(2) المصدر 14 / 134.
299

مرتبة عمر بن الخطاب، فبناء على كون عثمان أفضل من علي عليه السلام -
معاذ الله من ذلك - تكون مرتبة علي أدنى من مرتبة أبي بكر بمراتب لا تعد
ولا تحصى، فيكون لزوم محبته أقل من لزوم محبة أبي بكر بمراتب لا تعد
ولا تحصى، وحينئذ فإن صرف هذا الاهتمام البالغ في بيان وجوب المودة
المفضولة بهذه الكيفية وترك الاهتمام بالمودة الفاضلة غريب في غاية الغرابة.
لكن هذا الاستغراب لا يكون في صورة تكرير النص أبدا.
ومن الأمور الغريبة أن (الدهلوي) صرح في جواب الاستدلال بآية التطهير
" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " بأن إرادة
الباري عز وجل إذهاب الرجس عن أهل البيت عليهم السلام وتطهيرهم دليل
على عصمة أهل البيت، وقال بأن دعاء النبي " صلى الله عليه وآله وسلم "
بإذهاب الرجس في حق أم سلمة تحصيل للحاصل.
وقد غفل (الدهلوي) عن أن الأمة الإسلامية تكرر سورة الفاتحة في كل
ليل ونهار عشرة مرات في الأقل، وقد جهل أو تجاهل عن أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم مع حصول الهداية له - وهدايته هو للآلاف المؤلفة - إلى
الصراط المستقيم يطلب من الله سبحانه الهداية إلى الصراط المستقيم في كل
ليل ونهار خمس مرات في الأقل!! وهل يقول (الدهلوي) أن الهداية لم تحصل
له " ص " مع هذا الطلب؟ أو أن طلبه كان عبثا وتحصيلا للحاصل ونعوذ بالله
من كل ذلك؟
وأيضا فقد جعل في باب المكائد سؤال سيدنا إبراهيم عليه السلام في ليلة
المعراج أن يكون من شيعة علي عليه السلام مع كونه من شيعته منذ نبوته
من قبل تحصيل الحاصل، ليتمكن من تكذيب رواية السؤال المذكور من هذا
الطريق... فعلى هذا يمتنع حمل حديث الغدير على إيجاب المودة، لأن
300

الحمل على إيجاب المودة الثابت في المقامات العديدة الكثيرة من قبل يستلزم
تحصيل الحاصل المحال.
(الثالث) إنه يظهر من الأحاديث العديدة المذكور بعضها سابقا والتي
سنذكر بعضا آخر منها إن شاء الله تنصيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على
إمامة أمير المؤمنين عليه السلام مرارا عديدة، وهذه الأحاديث أخرجها كبار
أساطين أهل السنة، فرواية تكرير النص على إمامة علي عليه السلام وتأكيده
لا تختص بالشيعة كما لا يخفى على من راجعها.
[8] دعوى أن سبب الخطبة وقوع بعضهم في علي، وجعل
ذلك قرينة على إرادة المحبة
قوله: " وإن سبب هذه الخطبة - كما روى المؤرخون وأهل السير - يدل
بصراحة على أن الغرض إفادة محبة الأمير.
وذلك أن جماعة من الأصحاب الذين كانوا معه في اليمن مثل بريدة الأسلمي
وخالد بن الوليد وغيرهما من المشاهير، جعلوا يشكون لدى رجوعهم من الأمير
عند النبي " ص " شكايات لا مورد لها، فلما رأى رسول الله " ص " شيوع تلك
الأقاويل من الناس، وإنه إن منع بعضهم عن ذلك حمل على شدة علاقته بالأمير
ولم يفد في ارتداعهم. لهذا خطب خطبة عامة وافتتح كلامه بنص من القرآن
قائلا: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. يعني: إنه كلما أقوله لكم ناشئ
من شفقتي عليكم ورأفتي بكم. وليس الغرض الحماية عن أحد، وليس ناشئا
عن فرط المحبة له.
وقد روى محمد بن إسحاق وغيره من أهل السير هذه القصة بالتفصيل ".
أقول: إن هذا الكلام ساقط بوجوه عديدة:
301

1 - الاستدلال برواية ابن إسحاق في غير محله
إن الاستدلال برواية محمد بن إسحاق في مقابلة أهل الحق في غير محله،
لوضوح أن ابن إسحاق من أهل السنة لا من أهل الحق الإمامية، وقد عرفت
مرارا من كلام (الدهلوي) نفسه وكلام والده وغيرهما أن من قواعد المناظرة
في العلوم والمسائل الخلافية أن يستند الخصم في مقام المناظرة إلى روايات
الطرف الآخر لا روايات علماء طائفته وكتب قومه، فصنيع (الدهلوي) هذا
خروج عن القواعد المقررة في علم المناظرة.
2 - ابن إسحاق مقدوح عند بعضهم
على أن محمد بن إسحاق لم يجمع أهل السنة وأبناء مذهبه على توثيقه
وقبول رواياته، فقد عرفت سابقا طعن جماعة من أعلام أهل السنة في محمد
ابن إسحاق وقدحهم له، فبالإضافة إلى عدم جواز استناد (الدهلوي) إلى روايته
لما ذكر في الوجه الأول، فإنه رجل ضعيف غير قابل للاعتماد والاستناد عند
جماعة من أهل السنة.
3 - زعم الرازي عدم رواية ابن إسحاق لحديث الغدير
بل إن الفخر الرازي ذكر أن محمد بن إسحاق لم يرو حديث الغدير،
فقد تقدم في الكتاب أن الرازي استند - بصدد الجواب عن حديث الغدير
بزعمه - إلى عدم نقل الشيخين والواقدي وابن إسحاق لهذا الحديث جاعلا
ذلك دليلا على القدح فيه، فإذا لم يكن ابن إسحاق من رواة الحديث من
302

أصله فقد بطل نسبة القول بأن سبب إيراد حديث الغدير هو شكاية بعض الأصحاب
من علي إلى محمد بن إسحاق.
4 - ليس في سيرة ابن هشام ما نسب الدهلوي إلى ابن إسحاق
هذا وفي سيرة ابن هشام التي هي خلاصة سيرة ابن إسحاق ما نصه:
" موافاة علي رضي الله عنه في قفوله من اليمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الحج.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان بعث عليا رضي الله عنه إلى نجران، فلقيه بمكة وقد أحرم، فدخل
على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدها قد حلت وتهيأت.
فقال: مالك يا بنت رسول الله؟ قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
نحل بعمرة فحللنا. قال: ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من
الخبر عن سفره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق فطف بالبيت
وحل كما حل أصحابك. قال: يا رسول الله إني أهللت كما أهللت فقال:
ارجع فاحلل كما حل أصحابك. قال: يا رسول الله إني قلت حين أحرمت:
اللهم إني أهل بما أهل به نبيك وعبدك ورسولك محمد. قال: فهل معك من
هدي؟ قال: لا. فأشركه صلى الله عليه وسلم في هديه وثبت على إحرامه مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرغ من الحج ونحر رسول الله صلى الله
عليه وسلم الهدي عنهما.
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة
عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن
ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تعجل إلى رسول الله " ص "
303

واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى
كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي رضي الله عنه، فلما دنا
جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل. قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم
ليتجملوا به إذا قدموا في الناس. قال: ويلك انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم. قال: فانتزع الحلل من الناس، فردها في البز. قال:
وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن
سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي
سعيد الخدري - عن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى الناس عليا رضي الله عنه
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فسمعته يقول: أيها الناس لا
تشتكوا عليا فوالله لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله " (1).
هذه رواية ابن إسحاق، فأين ما نسبه (الدهلوي) إليه؟
5 - دلالة كلام الدهلوي على حمل الصحابة أوامر النبي على
الأغراض النفسانية
إن مفاد كلام (الدهلوي) هذا هو أن الصحابة كانوا يحملون أوامر النبي
صلى الله عليه وآله وسلم ونواهيه على الأغراض النفسانية، ولا يعتقدون بكونها
مطابقة للواقع والحق وأنها أحكام يجب إطاعتها والانقياد لها.
وإذا كان هذا حال الصحابة في قبال محبة أمير المؤمنين عليه السلام التي
قال بوجوبها أهل السنة ودلت عليها الأحاديث المتكثرة والآثار النبوية المؤكدة،
بل كان الإيمان بوجوب مودة أمير المؤمنين عليه السلام على حد الإيمان

(1) سيرة ابن هشام 2 / 603.
304

بوجوب مودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما نص عليه (الدهلوي) نفسه
... إذا كان هذا حالهم بالنسبة إلى هذا الأمر وأنهم يحملون أمر النبي صلى
الله عليه وآله وسلم به على الأغراض النفسانية والعلائق الشخصية فلماذا يحاول
أهل السنة إثبات الفضائل والمناقب لهكذا أناس، ويقولون باستحالة وقوع
الشنائع وصدور القبائح منهم؟! ولماذا يصرون على امتناع مخالفتهم لأوامر
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وللنصوص الصادرة منه...
والواقع أن أوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجبة الامتثال سواء كان
المخاطب بها واحدا أو اثنين أو كل المسلمين، وسواء صدر الأمر منه علانية
أو في الخفاء، ومن أعرض عن شئ من أوامره ونواهيه ولم يمتثل فقد كفر
كائنا من كان، وكيفما كان الحكم الصادر منه " ص "، لأن كلماته " ص " من حيث
الشرع لا يختلف حكمها باختلاف الأحوال، وهكذا كان حال الصحابة المؤمنين
حقا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واعتقادهم به وبأقواله وأفعاله، وأما
المنافقون الذين كانوا حوله وكانوا يعرضون عن أحكامه وأقواله لعدم إيمانهم
القلبي سواء كانت صادرة إليهم في ملاء من الناس أو خفية، ويحملونها على
الأغراض النفسانية مطلقا.
فظهر أن الفرق الذي ذكره (الدهلوي) من أنه لو خاطب الواحد والاثنين
من الصحابة لحمل كلامه على العلاقة الشخصية، وأما إذا خاطب القوم كلهم
حملوه على الواقع، لا نصيب له من الواقع والحقيقة مطلقا.
6 - منع النبي خصوص بريدة من الوقوع في علي
لقد ذكر (الدهلوي) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يمنع الشخص
الواحد الذي وقع في علي عليه السلام وتكلم فيه عند رسول الله صلى الله عليه
305

وآله وسلم لعلمه بأن ذلك لا يجدي بل يحمل على المحبة الشخصية له بالنسبة
إلى علي عليه السلام... لكن الموجود في روايات أهل السنة وأكابر محدثيهم
أنه منع بريدة بالخصوص من ذلك قائلا له " لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو
وليكم بعدي " كما في (مسند أحمد بن حنبل (1)) وفي (إنسان العيون): " يا بريدة
لا تقع في علي فإن عليا مني وأنا منه... " (2).
وقال ابن حجر المكي: " وأيضا فسبب ذلك كما نقله الحافظ شمس
الدين الجزري عن ابن إسحاق: إن عليا تكلم فيه بعض من كان معه في اليمن
فلما قضى صلى الله عليه وسلم حجه خطبها تنبيها على قدره وردا على من تكلم
فيه كبريدة، لما في البخاري أنه كان يبغضه، وسبب ذلك ما صححه الذهبي أنه
خرج معه إلى اليمن فرأى منه جفوة فنقصه للنبي صلى الله عليه وسلم، فجعل
يتغير وجهه ويقول: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قال: بلى يا
رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه " (3).
7 - حديث الغدير كان بأمر من الله
لقد دلت روايات وكلمات أكابر محدثي أهل السنة وأئمتهم أمثال ابن أبي
حاتم الرازي وأحمد الشيرازي وأبي بكر ابن مردويه وأبي إسحاق الثعلبي
وأبي نعيم الأصبهاني وأبي الحسن الواحدي ومسعود السجستاني والقاضي
عبد الله الحسكاني وابن عساكر الدمشقي والفخر الرازي وفريد الدين العطار
ومحمد بن طلحة الشافعي وعبد الرزاق الرسعني ونظام الدين النيسابوري والسيد

(1) مسند أحمد بن حنبل 5 / 356.
(2) إنسان العيون 3 / 338.
(3) الصواعق المحرقة: 25.
306

علي الهمداني والحسين الميبدي وابن الصباغ المالكي وبدر الدين العيني
وجلال الدين السيوطي ومحمد محبوب العالم والحاج عبد الوهاب وجمال
الدين المحدث الشيرازي والسيد شهاب أحمد والميرزا محمد بن معتمدخان.
لقد دلت كلمات هؤلاء المؤيدة بالروايات الكثيرة الواردة من طريق أهل
الحق على أن سبب حديث الغدير لم يكن شكوى إنسان من علي عليه السلام،
بل كان ذلك بأمر من الله سبحانه ووحي أكيد نزل به جبرئيل على رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، فهو يدل دلالة صريحة على أن مراد النبي صلى الله
عليه وآله وسلم في هذا الحديث الشريف هو النص على إمامة سيدنا أمير
المؤمنين عليه السلام.
8 - واقعة الغدير متأخرة عن قضية شكوى بريدة
وإن المستفاد من روايات أهل السنة أن قضية شكوى بريدة عليا عليه
السلام عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنعه " ص " إياه عن الوقوع والتكلم
في علي كانت قبل واقعة غدير خم التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". فهما قضيتان كما يدل على ذلك كلام
نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي في سيرته حيث قال في وجوه الجواب
على الاستدلال بحديث الغدير: " ثانيها - إن اسم المولى يطلق على عشرين معنى
منها: السيد الذي ينبغي محبته ويجتنب بغضه، ويؤيد إرادة ذلك أن سبب إيراد
ذلك أن عليا تكلم فيه بعض من كان معه باليمن من الصحابة وهو بريدة لما قدم
هو وأتاه صلى الله عليه وسلم في تلك الحجة التي هي حجة الوداع جعل
يشكو له صلى الله عليه وسلم منه، لأنه حصل له منه جفوة، فجعل يتغير وجه
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا بريدة لا تقع في علي، فإن عليا مني
وأنا منه، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قال: نعم يا رسول الله. فقال
307

رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه فقال ذلك لبريدة
خاصة.
ثم لما وصل إلى غدير خم أحب أن يقول ذلك للصحابة عموما. أي فكما
عليهم أن يحبوني فكذلك ينبغي أن يحبوا عليا " (1).
فظهر أن دعوى سببية شكوى بريدة من علي لحديث الغدر دعوى بلا
دليل، وتخرص غير قابل للتعويل.
9 - على فرض الاتحاد فالدلالة محفوظة
وعلى فرض الاتحاد بين القضيتين، وأن سبب الحديث الشريف هو تكلم
بريدة أو غيره في علي عليه السلام، فمن أين يثبت (الدهلوي) إرادته صلى الله عليه
وآله المحبة والمودة لا الإمامة والخلافة؟ إن ما يقوله (الدهلوي) دعوى مجردة
عن الدليل والبرهان، فيكفي في الجواب عنه المنع المجرد كذلك...
10 - (بطلان كلام الدهلوي من قاضي القضاة عبد الجبار
على أن بطلان ما قاله (الدهلوي) من دلالة صدور هذا الحديث الشريف
في مورد النهي عن التكلم في علي على إرادة النبي " ص " المحبة والمودة،
دون الإمامة والخلافة ثابت من صريح كلام قاضي القضاة عبد الجبار حيث قال
بأن ذلك لو صح لم يمنع من التعلق بظاهر الحديث وما يقتضيه لفظه... وإليك
نص عبارته في الجواب عن حديث الغدير: " وقد قال شيخنا أبو الهذيل في
هذا الخبر: إنه لو صح لكان المراد به الموالاة في الدين.
وذكر بعض أهل العلم حمله على أن قوما نقموا على علي بعض أموره،

(1) السيرة الحلبية 3 / 338.
308

فظهرت مقالاتهم له وقولهم فيه، فأخبر " ص " بما يدل على منزلته وولايته دفعا
لهم عما خاف فيه الفتنة.
وقال بعضهم في سبب ذلك: أنه وقع بين أمير المؤمنين وبين أسامة بن زيد كلام
فقال له أمير المؤمنين: أتقول هذا لمولاك؟ فقال: لست مولاي وإنما مولاي
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت
مولاه فعلي مولاه. يريد بذلك قطع ما كان من أسامة وبيان أنه بمنزلته في كونه
مولى له.
وقال بعضهم مثل ذلك في زيد بن حارثة، وأنكروا أن خبر الغدير بعد
موته.
والمعتمد في معنى الخبر على ما قدمناه، لأن كل ذلك لو صح وكان الخبر
خارجا عليه فلم يمنع من التعلق بظاهره وما يقتضيه لفظه، فيجب أن يكون الكلام
في ذلك دون بيان السبب الذي وجوده كعدمه في أن وجود الاستدلال بالخبر
لا يتغير " (1).
ترجمة القاضي عبد الجبار
فهذا كلام القاضي عبد الجبار الذي طالما اقتفى القوم أثره في المناقشة
مع الإمامية وارتضوا أجوبته وشبهاته حول استدلالات أهل الحق، في مباحث
الإمامة والكلام، وقد أثنوا عليه بالغ الثناء في كتب التراجم:
قال أبو بكر ابن قاضي شهبة: " عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن
أحمد بن الخليل القاضي أبو الحسن الهمداني قاضي الري وأعمالها. وكان
شافعي المذهب وهو مع ذلك شيخ الاعتزال، وله المصنفات الكثيرة في

(1) المغني للقاضي عبد الجبار بن أحمد.
309

طريقهم وفي أصول الفقه. قال ابن كثير في طبقاته: ومن أجل مصنفاته وأعظمها
(دلائل النبوة) في مجلدين. أبان فيه عن علم وبصيرة حميدة. وقد طال عمره
ورحل الناس إليه من الأقطار واستفادوا به. مات في ذي القعدة سنة 415 " (1).
وقال الأسنوي: " القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار
الاسترآبادي إمام المعتزلة، كان مقلدا للشافعي في الفروع وعلي رأي المعتزلة
في الأصول، وله في ذلك التصانيف المشهورة، تولى قضاء القضاة بالري.
ورد بغداد حاجا وحدث بها عن جماعة كثيرين. توفي في ذي القعدة سنة 415
ذكره ابن الصلاح " (2).
وقال اليافعي: " القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار. من رؤس
أئمة المعتزلة وشيوخهم صاحب التصانيف والخلاف العنيف " (3).
11 - دلالته على الإمامة حتى إذا كان في جواب شكوى بريدة
ثم إن حديث الغدير يدل على الإمامة حتى في صورة كونه جوابا على
شكوى بريدة، وذلك لأن شكوى بريدة من علي عليه السلام كانت عند رجوعه
من سفره معه إلى اليمن، فشكى عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم اصطفاء
أمير المؤمنين عليه السلام لنفسه جارية من السبايا، فذكر رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في جوابه ولاية علي عليه السلام، فما معنى ذلك؟ أن معنى ذلك
والغرض منه إثبات أولوية علي عليه السلام بالتصرف في جميع الأمور، وإن
من كان أولى بالتصرف من غيره في الأمور. فليس لأحد أن يعترض عليه أو

(1) طبقات الشافعية - مخطوط.
(2) طبقات الشافعية للأسنوي 1 / 354.
(3) مرآة الجنان. حوادث سنة 415.
310

يتكلم فيه أو ينازعه في أمر من الأمور، بل يجب على الكل متابعته والانقياد له
وقد ورد في حديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لبريدة: " يا بريدة: إن
عليا وليكم بعدي، فأحب عليا، فإنه يفعل ما يؤمر. الديلمي عن علي ".
دل هذا الحديث على ولايته عليه السلام وعصمته كما هو واضح.
فإذا كان سبب حديث الغدير شكوى بريدة لأجل الواقعة المذكورة كما
يزعم بعضهم، فقد دلت الواقعة وصدور الحديث الشريف فيها على الإمامة والخلافة
وهو المطلوب.
وأيضا فقد رووا عن بريدة أنه قال بعد أن نهاه النبي صلى الله عليه وآله
وسلم عن بغض علي عليه السلام وتنقيصه: " فما كان من الناس من أحد بعد
قول النبي أحب إلي من علي " أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده (1) والحافظ
ابن كثير عن أحمد (2) والشيخ عبد الحق الدهلوي في معارج النبوة والسيد شهاب
الدين أحمد (3) والبرزنجي (4) وغيرهم.
ولا ريب في دلالة مثل هذا الكلام على الأفضلية، قال اللاهوري في (شرح
تهذيب الكلام للتفتازاني) في ذكر أفضلية أبي بكر: " ولقوله صلى الله عليه
وسلم: والله ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أحد أفضل
من أبي بكر. ومثل هذا الكلام لبيان الأفضلية، إذ الغالب من حال كل اثنين
هو التفاضل دون التساوي، فإذا نفى أفضلية أحدهما ثبت أفضلية الآخر ".
وإذا ثبتت الأفضلية لعلي عليه السلام فإن الأفضلية تثبت إمامته وتبطل
خلافة المتقدمين عليه.

(1) مسند أحمد بن حنبل.
(2) تاريخ ابن كثير 7 / 345.
(3) توضيح الدلائل - مخطوط.
(4) نواقض الروافض - مخطوط.
311

12 - اختلافهم في سبب الحديث دليل الاختلاق
هذا ولقد اضطرب أهل السنة في بيان سبب حديث الغدير فذكروا وجوها
متضاربة وأسبابا مختلفة، الأمر الذي يدعو كل منصف إلى الاعتقاد بأن جميع
ما ذكروه مفتعل ومختلق، ولا نصيب لشئ من تلك الوجوه من الصحة أبدا.
فتارة يجعلون السبب شكوى بريدة، وأخرى يجعلونه الكلام الذي وقع
بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين أسامة بن زيد، وثالثة يجعلونه الكلام الذي
وقع بين زيد بن حارثة وبين أمير المؤمنين عليه السلام.
فأما الأول فقد ذكره ابن حجر في الصواعق وتبعه عليه البرزنجي وعبد
الحق الدهلوي وصاحب المرافض وأمثالهم، واختاره (الدهلوي) مضيفا إليه
شكوى خالد بن الوليد وغيره.
وأما الثالث فقد ذكره القاضي عبد الجبار في المغني بعضهم. وقد
اختاره الفخر الرازي حيث قال: " سلمنا أنه محمول على الأولى، لكن لا
نسلم أنه يجب أن يكون أولى بهم في كل شئ، بل يجوز أن يكون أولى بهم
في بعض الأشياء، وهو وجوب محبته وتعظيمه والقطع على سلامة باطنه، فإنه
روي أنه عليه السلام إنما قال هذا الكلام عند منازعة جرت بين زيد وعلي فقال
علي لزيد: أنت مولاي، فقال زيد: لست مولى لك إنما أنا مولى رسول الله
عليه السلام. فقال عليه السلام هذا الكلام عند هذه الواقعة، فينصرف الأولوية
إلى حكم هذه الواقعة. وهو أن من كنت أولى به في المحبة والتعظيم والقطع
على سلامة الباطن فعلي أولى به في هذه الأحكام " (1).
وأما الثاني فقد ذكره القاضي عبد الجبار عن بعضهم، واختاره يوسف الأعور

(1) الأربعين للرازي: 463.
312

الواسطي حيث قال: " الرابع قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه.
قلنا: لا دلالة في هذا الحديث على إمامة علي، لأنه جاء لسبب نزاع زيد بن
حارثة عند النبي صلى الله عليه وسلم مع علي حين قال: أتنازعني وأنا مولاك؟
فشكى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه ولا شك أن أقارب الإنسان موالي عتيقه... " (1)
وكان ابن روزبهان علم بأن هذه الأسباب مخترعة، وأنها على فرض صحتها
لا تنافي مطلوب أهل الحق من حديث الغدير، فلذا أعرض عن ذكرها وذكر
سببا آخر يغايرها فقال: " إن واقعة غدير خم كان في مرجع رسول الله صلى الله عليه
وسلم عام حجة الوداع، وغدير خم محل افتراق قبائل العرب، وكان النبي
صلى الله عليه وسلم يعلم أنه آخر عمره وأنه لا يجتمع العرب بعد هذا عنده مثل
هذا الاجتماع، فأراد أن يوصي العرب بحفظ محبة أهل بيته وقبيلته، ولا شك
أن عليا كرم الله وجهه كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد بني هاشم
وأكبر أهل البيت، فذكر فضائله وساواه بنفسه في وجوب الولاية والنصرة
والمحبة، ليأخذه العرب سيدا ويعرفوا فضله وكماله " (2).
قلت: وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد " ساواه بنفسه في
وجوب الولاية والنصرة والمحبة " فهل لأحد أن يدعي التقدم عليه لأحد في هذه
الأمور وغيرها؟ إن هذا الكلام يفيد أفضلية أمير المؤمنين ممن تقدم عليه،
والأفضلية دليل الأحقية بالإمامة والخلافة.
وكذا قوله: " ليأخذه العرب سيدا ويعرفوا فضله وكماله " فليتأمل.

(1) رسالة يوسف الأعور في الرد على الإمامية.
(2) إبطال الباطل لابن روزبهان الشيرازي.
313

13 - الاعتراف بدلالة الحديث على الإمامة يفند هذه الشبهة
وبالتالي فإن اعتراف كبار العلماء من أهل السنة أمثال ابن زولاق المصري
وأبي حامد الغزالي والحكيم السنائي وفريد الدين العطار ومحمد بن طلحة
الشافعي وأبي المظفر شمس الدين سبط ابن الجوزي ومحمد بن يوسف الكنجي
وسعيد الدين الفرغاني وملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي ومحمد بن
إسماعيل الأمير اليماني والمولوي محمد إسماعيل الدهلوي بدلالة حديث
الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام يكفي بوحده لإبطال هذه الشبهة
التي ذكرها (الدهلوي) تبعا لابن حجر المكي.
ولقد تقدمت نصوص كلمات هؤلاء الأعلام في غضون الكتاب، ونضيف
إليها هنا:
(1) كلام الشيخ علاء الدولة أبي المكارم أحمد بن محمد السمناني حيث
قال:
" وقال لعلي عليه السلام وسلام الملائكة الكرام: أنت مني بمنزلة هارون
من موسى ولكن لا نبي بعدي. وقال في غدير خم بعد حجة الوداع على ملأ
من المهاجرين والأنصار آخذا بكتفه: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال
من والاه وعاد من عاداه. وهذا حديث متفق على صحته، فصار سيد الأولياء
وكان قلبه على قلب محمد عليه التحية والسلام، وإلى هذا السر أشار سيد
الصديقين صاحب غار النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر حين بعث أبا عبيدة
ابن الجراح إلى علي لاستحضاره: يا أبا عبيدة أنت أمين هذه الأمة أبعثك إلى
من هو في مرتبة من فقدناه بالأمس، ينبغي أن تتكلم عنده بحسب الأدب " إلى
314

آخر مقالته (1).
فترى الشيخ علاء الدولة السمناني يقول: " وهذا حديث متفق على صحته
فصار سيد الأولياء وكان قلبه على قلب محمد " فهذا مدلول حديث الغدير عند
أعلام أهل السنة المحققين، فيكون الإمام عليه السلام في مرتبة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، ويكون على هذا أفضل من كل من تقدم على النبي
" ص " وجميع من تأخر، وهذا يوجب تعينه للخلافة عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، وبه ينهدم أساس تأويلات المؤلين وتلفيقاتهم في مقابلة الاستدلال
بهذا الحديث الشريف.
ترجمة علاء الدين السمناني
والشيخ علاء الدولة من أكابر علماء أهل السنة وعرفائهم المشاهير، وقد
ترجموه بكل ثناء وتبجيل، قال الحافظ ابن حجر: " أحمد بن محمد بن أحمد بن
السمناني البياضي المكي يلقب علاء الدين وركن الدين، ولد في ذي الحجة
سنة 59 وتفقه وطلب الحديث وسمع من الرشيد بن أبي القاسم وغيره،
وشارك في الفضائل وبرع في العلم، واتصل بأرغون بن الغانم، تاب وأناب
ولازم الخلوة، وصحب ببغداد الشيخ عبد الرحمن، وخرج عن بعض ماله،
وحج مرارا، وله مدارج المعارج.
قال الذهبي: كان إماما جامعا كثير التلاوة، وله وقع في النفوس، وكان
يحط على ابن العربي ويكفره، وكان مليح الشكل حسن الخلق، عزيز الفتوة
كثير البر، يحصل له من أملاكه في العام نحو تسعين ألفا فينفقها في القرب،
أخذ عنه صدر الدين بن حمويه وسراج الدين القزويني وإمام الدين علي بن

(1) العروة الوثقى.
315

مبارك البكري. وذكر: أن مصنفاته تزيد على ثلاثمائة، وكان مليح الشكل كثير
البر والايثار. وكان أولا قد داخل التتار ثم رجع وسكن تبريز وبغداد ومات
في رجب ليلة الجمعة من سنة 736 " (1).
وقال ابن قاضي شهبة: " أحمد بن محمد بن أحمد الملقب بعلاء الدولة
وعلاء الدين أبو المكارم السمناني.
ذكره الأسنوي في طبقاته وقال: كان عالما مرشدا له كرامات وتصانيف
كثيرة في التفسير والتصوف وغيرهما. توفي قبل الأربعين وسبعمائة بقليل " (2).
وقال محمود بن سليمان الكفوي: " الشيخ العارف الرباني والمرشد
الكامل الصمداني ركن الدين أبو المكارم علاء الدولة أحمد بن محمد البيانانكي
السمناني... " (3).
(2) كلام أبي شكور محمد بن عبد السعيد بن محمد الكشي السالمي الحنفي
فإنه قال: " وقالت الروافض: الإمامة منصوصة لعلي بن أبي طالب رضي الله
عنه بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله وصيا لنفسه وجعله خليفة من
بعده حيث قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا
نبي بعدي. ثم هارون عليه السلام كان خليفة موسى عليه السلام فكذلك علي
رضي الله عنه.
والثاني: وهو أن النبي عليه السلام جعله وليا للناس لما رجع من مكة
ونزل في غدير خم، فأمر النبي أن يجمع رحال الإبل، فجعلها كالمنبر وصعد

(1) الدرر الكامنة 1 / 250.
(2) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة - مخطوط -.
(3) كتائب أعلام الأخيار للكفوي - مخطوط -.
316

عليها فقال: ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: نعم. فقال عليه السلام:
من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره
واخذل من خذله. والله جل جلاله يقول: إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون الآية. نزلت في
شان علي رضي الله عنه. دل أنه كان أولى الناس بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ".
ثم قال أبو شكور المذكور في الجواب عما ذكره: " وأما قوله بأن النبي
عليه السلام جعله وليا قلنا: أراد به في وقته يعني بعد عثمان رضي الله عنه وفي
زمن معاوية رضي الله عنه، ونحن كذا نقول، وكذا الجواب عن قوله تعالى:
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا. الآية. فنقول: إن عليا رضي الله عنه
كان وليا وأميرا بهذا الدليل في أيامه ووقته وهو بعد عثمان رضي الله عنه، وأما
قبل ذلك فلا " (1).
إذن حديث الغدير يدل على إمامة الأمير عليه السلام، وكذا الآية
المباركة: " إنما وليكم الله... " حيث أن المراد من " الولاية " فيها هي " الإمامة
والإمارة ".
فهذا صريح كلامه، وأما تقييد مدلول الآية المباركة والحديث الشريف
بما ذكره من كونه أمرا وإمامة بعد عثمان فقد عرفت بطلانه بوجوه عديدة
وبراهين سديدة، منها قول عمر بن الخطاب نفسه يوم الغدير " أصبحت مولاي
ومولى كل مؤمن ومؤمنة ".
ولعمري أن هذا التأويل مثل تأويل النصارى نبوة نبينا صلى الله عليه وآله

(1) التمهيد في بيان التوحيد.
317

وسلم مع الاعتراف بها بأنه مبعوث إلى العرب خاصة.
قال الكابلي في (الصواقع): " وقد اعترف اليهود والعيسوية وجم غفير
من الفادريين من النصارى ومن تبعهم من نصارى إفرنج بنبوته. إلا أنهم
يزعمون أنه مبعوث إلى العرب خاصة. وقد سألت فادريا عنه عليه السلام
فقال: هو نبي واسمه في كتبنا. فقلت: لم لا تؤمنون؟ فقال: رسولنا فوق رؤسنا
إلى السماء ".
فتأويل هؤلاء مثل تأويل أهل الكتاب حذو النعل بالنعل وحذو القذة
بالقذة.
14 - أشعار الأمير وحسان وقيس والأدلة الأخرى
هذا وفضلا عن الأدلة العديدة والبراهين السديدة التي أقمناها على دلالة
حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وخلافته بعد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل، فإنها - ولا سيما أشعار سيدنا أمير المؤمنين
وحسان بن ثابت وقيس بن سعد التي هي نصوص صريحة في دلالة الحديث
الشريف على الإمامة والخلافة - كلها تبطل هذه الشبهة وسائر شبهات
(الدهلوي) وغيره من المتعصبين والمعاندين للحق وأهله، التي ذكرناها في
غضون الكتاب بالتفصيل وتكلمنا عليها.
وقد بقيت شبهة أخرى... فلنذكرها... ولنتكلم عليها...
318

إبطال حمل الإمامة
على إمامة التصوف
319

وهذه الشبهة ذكرها المولوي سلامت علي... وهي الأخرى تتضمن
الاعتراف بدلالة حديث الغدير على الإمامة لسيدنا أمير المؤمنين عليه السلام.
ولكن هذا الرجل لما لم ترق له الشبهات التي حيكت والتقولات التي قيلت
حول حديث الغدير لصرفه عن الدلالة على المطلوب الحق... ومن جهة
أخرى لم يتمكن من نفي دلالة الحديث على الإمامة... حمل الإمامة المستفادة
من هذا الحديث الشريف على إمامة التصوف... فقال هذا الرجل ما تعريبه:
" لا شك عند أهل السنة في إمامة أمير المؤمنين وإن ذلك عين الإيمان،
لكن ينبغي أن يكون مفاد أحاديث الغدير الإمامة المعنوية لا الخلافة، وهذا
المعنى هو المستفاد من كلام أهل السنة وعلماء الصوفية، ومن هنا كانت بيعة
جميع السلاسل منتهية إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعن طريقه تتصل
برسول الثقلين " (1).
إلا أن هذا التأويل عليل بوجوه:
1 - لو جاز تأويل دليل الإمامة لجاز تأويل دليل النبوة
لأن الوجه الذي يمكن لأهل الإسلام إلزام منكري نبوة الرسول محمد

(1) التبصرة للمولوي سلامت علي الهندي.
321

صلى الله عليه وآله وسلم هو البشارات الدالة على نبوته " ص " في كتب الملل
السابقة، فإن هذه البشارات التي استخرجها علماء الإسلام من تلك الكتب لا
مناص للمخالفين من قبولها، لأنها مستخرجة من كتبهم وواضحة الدلالة على
نبوة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله أجمعين.
وحينئذ نقول: إذا جاز لأهل السنة تأويل حديث الغدير وحمله على
الإمامة الباطنية لجاز لأهل الكتاب تأويل ما يدل على نبوة رسول الإسلام
وحمله على الرفعة وهو المعنى اللغوي للفظ، وبذلك يمتنع إلزامهم بما
ورد في كتبهم، وينسد طريق البحث معهم، وهدايتهم إلى الدين الحق وخاتمة
الشرائع السماوية.
فيكون حمل إمامة أمير المؤمنين عليه السلام على الإمامة في التصوف
مثل حمل منكري الإسلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على النبوة
بالمعنى اللغوي لا المعنى المصطلح، وكما أن هذا باطل فكذلك ذاك.
2 - هذا التأويل فرع كون الأمير " ع " من الصوفية
وحمل " الإمامة " التي يدل عليها حديث الغدير على الإمامة الباطنية
التي يقول بها الصوفية يتفرع على كون أمير المؤمنين عليه السلام من الصوفية.
وقد أنكر الحافظ ابن الجوزي أن يكون هو عليه السلام وسائر الصحابة من
الصوفية، واستنكر على أبي نعيم الأصبهاني ذكره إياهم في الصوفية حيث قال
" وجاء أبو نعيم الاصفهاني فصنف لهم [الصوفية] كتاب الحلية، وذكر في
حدود التصوف أشياء قبيحة، ولم يستحي أن يذكر في الصوفية با بكر وعمر
وعثمان وعلي بن أبي طالب وسادات الصحابة رضي الله عنهم " (1).

(1) تلبيس إبليس 159.
322

أقول: وإذا كان ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في الصوفية من
عدم الحياء فإن حمل ما يدل على إمامته على إمامة التصوف من عدم الحياء
كذلك.
3 - ردود الشاه ولي الله على عقائد الصوفية
وقد بالغ الشاه ولي الله الدهلوي والد مخاطبنا (الدهلوي) في رد عقائد
الصوفية وإبطال مقالاتهم، واستيصال مطالبهم وبيان عدم ثبوتها من الشرع
الشريف في كتابه (قرة العينين) فمن شاء الوقوف على كلامه فليراجع الكتاب
المذكور فإنه كلام طويل. وما أظن أن أحدا يقف على هذا الكلام وتسول له
نفسه لأن يحمل حديث الغدير على هذا المحمل الفاسد.
4 - الإمامة مبنية على الاظهار خلافا لسائر المقامات
وذكر المولوي إسماعيل في (رسالة الإمامة) أن الإمامة هي ظل الرسالة
ومبناها على الاظهار لا الاخفاء، وليس كذلك سائر أرباب الولاية، وعلى هذا
فلا يجوز حمل الكلمات الصادرة من الأئمة في بيان إمامتهم على تزكية النفس
ونحو ذلك.
ويفيد هذا الكلام أن الإمامة التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام في
أشعاره وأظهرها وأبدى اعتزازه بها ليست الإمامة الباطنية وإلا لما أظهرها ولما
ادعاها.
5 - نص (الدهلوي) على لزوم حمل كلام الله
والرسول والمرتضى على الظاهر
وفي الباب الأول من (التحفة) نص (الدهلوي) على أن من مذهب
323

أهل السنة هو حمل كلمات أمير المؤمنين عليه السلام على الظاهر، كما هو
الشأن بالنسبة إلى كلام الله وكلام الرسول، فإنها جميعا تحمل على ما هي
ظاهرة فيه.
أقول: لقد ورد لفظ الإمامة في أشعار أمير المؤمنين عليه السلام، ولا ريب
في أن " الإمامة " ظاهرة في المعنى المصطلح لا إمامة التصوف، فصرف
اللفظ عن معناه الظاهر فيه غير جائز عند (الدهلوي)، بل غير جائز في مذهب
أهل السنة والجماعة كما هو صريح كلامه.
6 - نص (الدهلوي) على أن نصوص الكتاب والسنة
محمولة على ظواهرها
وقال في باب النبوة: " العقيدة الثانية عشرة: إن نصوص الكتاب وأحاديث
الرسول صلى الله عليه وسلم كلها جميعا محمولة على المعاني الظاهرة، وقال
السبعية - من الإسماعيلية - والخطابية والمنصورية والمعمرية والباطنية
والقرامطة والرزامية - من فرق الشيعة - بأن ما ورد في الكتاب والسنة من
ألفاظ الوضوء والتيمم والصلاة والصوم والزكاة والحج والجنة والنار والقيامة
والحشر غير محمولة على ظواهرها، بل هي إشارات إلى أشياء أخر لا يعلمها
إلا الإمام المعصوم... " ثم ذكر أمثلة من مقالات هذه الفرق في هذا المقام،
وذكر أن صرف نصوص القرآن والأحاديث عن ظواهرها من عمل الملاحدة
والزنادقة، وأنه يترتب على هذا الأمر الشنيع شنائع وفضائح كثيرة، وينهدم
بذلك دعائم الدين - والعياذ بالله -.
أقول: فيكون تأويل حديث الغدير وصرفه عن معناه الظاهر فيه، وكذا
أشعار أمير المؤمنين وحسان وقيس بن سعد، وسائر الأحاديث الدالة على إمامة
324

أمير المؤمنين... من أظهر مصاديق ما ذكره (الدهلوي) في أنه من صنيع
الملاحدة والزنادقة وموجب لهدم أساس الدين الحنيف والعياذ بالله.
7 - استدلال أبي بكر بحديث " الأئمة من قريش " على خلافته
على أن هذا التأويل يخالف مقتضى استدلال أبي بكر بحديث " الأئمة
من قريش " على خلافته في مقابلة الأنصار، فإن مقتضى ذلك كون الحديث
وفيه مادة " الإمامة " ظاهرا في الإمامة والخلافة عن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، أي المعنى المصطلح لا الإمامة في التصوف، وإن أبا بكر قد
استند إلى هذا الظهور واحتج به... إذ لو لم تكن " الإمامة " دالة على " الخلافة "
لما استند إلى هذا الحديث لإثبات خلافته عن رسول الله " ص ".
وأما احتجاجه بالحديث المذكور للخلافة فمذكور في كتب السير
والتواريخ وغيرها.
8 - " الإمامة " ترادف " الخلافة " عند أهل السنة
بل أن " الإمامة " مرادفة ل‍ " الخلافة " عند أهل السنة كما نص عليه شاه
ولي الله الدهلوي (1). وعليه يكون المراد من " الإمام " في أشعار أمير المؤمنين
عليه السلام وحسان وقيس هو " الخليفة " لا " إمام التصوف ". وبهذا أيضا يبطل
تأويل حديث الغدير، ويظهر أنه مخالف لمذهب أهل السنة ومعتقدهم.
9 - " الإمامة " رياسة في الدين والدنيا
وهذه " الإمامة " المصطلحة التي هي مرادفة " للخلافة " عند أهل السنة هي

(1) إزالة الخفا. المقصد الأول من الفصل السابع.
325

" رياسة في الدين والدنيا عامة "... نص على ذلك كبار علماء أهل السنة،
قال الرازي: " الإمامة رياسة في الدين والدنيا عامة لشخص من الأشخاص،
وإنما قلنا عامة احترازا عن الرئيس والقاضي وغيرهما، وإنما قلنا لشخص من
الأشخاص احترازا عن كل الأمة إذا عزلوا الإمام عند فسقه، فإن كل الأمة ليس
شخصا واحدا " (1)..
وقال التفتازاني: " والإمامة رياسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن
النبي... " (2).
وكذا في (شرح التجريد للقوشجي) وغيره.
وبه قال (الدهلوي) في أول باب الإمامة من (التحفة).
أقول: وحيث ثبتت إمامة أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير بنص أشعار
الأمير عليه السلام نفسه وحسان وقيس... وثبتت إمامته لجميع المسلمين - ومنهم
الشيخان - كما يدل عليه قول عمر: " هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي
ومولى كل مؤمن ومؤمنة "... لم يبق ريب في ثبوت الإمامة العامة له عليه
الصلاة والسلام، لأنه إن كان المراد من تلك الإمامة الإمامة العامة فذاك المطلوب،
وإن كان المراد الإمامة في بعض الأمور دون بعض وكان ذلك البعض من أمور
الدين أو الدنيا فإنه على التقادير كلها يكون ثبوت الإمامة له ولو في أمر من
الأمور ولو كان واحدا مستلزما لبطلان خلافة الثلاثة، لأن إمامته ولو في أمر
من الأمور معناها عدم إمامة الثلاثة في ذلك الأمر فيكونون مأمومين له، فثبت
عموم إمامته عليه الصلاة والسلام وبطل عموم إمامتهم، وإذا ثبت بطلان عموم

(1) نهاية العقول - مخطوط.
(2) شرح المقاصد. باب الإمامة.
326

إمامتهم ثبت بطلان تقدمهم على الأمير عليه السلام، لعدم جواز تقدم المأموم
على إمامه.
فظهر أن التأويل المذكور لحديث الغدير لا ينفع مرام أهل السنة لا من
قريب ولا من بعيد، ولله الحمد على ذلك حمدا جميلا.
10 - الإمامة مستلزمة للعصمة
وبالتالي فقد ثبتت إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من أشعاره وأشعار حسان
ابن ثابت وقيس بن سعد بن عبادة، وإذا كان إماما فهو معصوم من جميع
الذنوب، وإذا كان معصوما فقد ثبتت خلافته وبطلت خلافة من تقدم عليه، لقبح
تقدم غير المعصوم على المعصوم بل هو من أقبح القبائح.
وأما دلالة لفظ " الإمام " على " العصمة من جميع الذنوب " فقد اعترف
بها فخر الدين الرازي حيث قال:
" قوله تعالى: إني جاعلك للناس إماما ". يدل على أنه عليه الصلاة والسلام
كان معصوما عن جميع الذنوب، لأن الإمام هو الذي يؤتم به ويقتدى، فلو
صدرت المعصية منه لم يجب علينا الاقتداء به في ذلك وإلا فيلزم أن يجب
علينا فعل المعصية وذلك محال، لأن كونه معصية عبارة عن كونه ممنوعا
عن فعله، ووجوبه عبارة عن كونه ممنوعا من تركه. والجمع بينهما محال " (1).
(قال الميلاني):
الحمد لله حمد الشاكرين على أن وفقنا لإتمام مجلد (حديث الغدير)
من هذه الموسوعة، ونسأله تعالى أن يتقبل هذا العمل وسائر أعمالنا بفضله
وكرمه وأن يجعلها ذخيرة ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون. بمحمد وآله الطاهرين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(1) تفسير الرازي 4 / 43.
327