الكتاب: لواعج الأشجان
المؤلف: السيد محسن الأمين
الجزء:
الوفاة: ١٣٧١
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٣١
المطبعة: مطبعة العرفان - صيدا
الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم
ردمك:
ملاحظات:

لواعج الأشجان
في
مقتل الحسين
تأليف
العلامة المجاهد الكبير الحجة
السيد محسن الأمين العاملي
قدس سره
ويليه كتاب
أصدق الاخبار في قصة الاخذ بالثار للمؤلف
وكتاب النصاريات
للشيخ محمد النصار قده
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل أعظم الناس بلا الأنبياء وأوصياءهم ثم
الأمثل فالأمثل من سائر طبقات الورى، نحمده تعالى على ما بلى
وأبلى وأخذ وأعطى والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله حجج
الله على أهل الدنيا، الذين امتحنوا بأعظم المصائب فصبروا على ما قدر
الله وقضى، وبذلوا أنفسهم في سبيل الله واحياء دينه بذل الأسخياء
فرفعهم الله بذلك إلى الدرجات العلى، وضاعف الاجر لمن ذكر أو ذكر
عنده مصابهم فبكى أو تباكى أو ابكى، وبعد فيقول العبد الجاني المتمسك
بالعروة الوثقى من ولاء أهل بيت النبي المجتبى صلى الله عليه وعليهم
ما أظلم ليل فدجى، وطلع فجر فاضا، انى جامع في هذا الكتاب
المسمى (بلواعج الأشجان) خبر مقتل الامام أبي عبد الله
الحسين عليه السلام سيد الشهدا، وخامس أصحاب العبا، وأحد ريحانتي
الرسول المصطفى، وشبلي الامام المرتضى، وقرتي عين البتول الزهراء
وما يرتبط بذلك من أمور شتى، على وجه لا يخل ايجازه عند
ذوي النهى، ولا يمل اطنابه من استمع أو تلى، قضاء لحق المودة في
2

القربى، وتعرضا لمثوبته تعالى في الدار الأخرى، وشفاعة رسوله وأوليائه
في يوم الجزاء، اخذا ذلك من الكتب الموثوق بها والروايات المعتمد
عليها بين العلما، ورتبته على مقدمة وثلاثة مقاصد وخاتمة سائلا منه
جل وعلا ان يجعله خالصا لوجهة وينفع به طول المدى، ومنه تعالى
نستمد التوفيق والهداية والعصمة وهو حسبنا وكفى
مقدمة
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال كل عين باكية الا
عين بكت على مصاب الحسين عليه السلام فإنها ضاحكة مستبشرة
بنعيم الجنة وقال الرضا عليه السلام للريان بن شبيب ان سرك أن تكون
معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا
وعليك بولايتنا فلو أن رجلا تولى حجرا حشره الله معه يوم القيامة
وقال الحسين عليه السلام ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت
عيناه فينا دمعة الا بوأه الله تعالى بها في الجنة حقبا وقال الصادق عليه
السلام كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين
عليه السلام وكان علي بن الحسين عليهما السلام يقول أيما مؤمن
دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام دمعا حتى تسيل على خده بوأه
3

الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتى
تسيل على خده لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله تعالى مبوأ
صدق في الجنة " الحديث " وقال الصادق عليه السلام لفضيل تجلسون
وتتحدثون قال نعم جعلت فداك قال أن تلك المجالس أحبها فأحيوا
أمرنا يا فضيل رحم الله من أحيا أمرنا يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا
عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت
أكثر من زبد البحر وقال عليه السلام لأبي عمارة المنشد أنشدني في
الحسين بن علي قال فأنشدته فبكى ثم أنشدته فبكى فوالله ما زلت أنشده ويبكى حتى
سمعت البكاء من الدار فقال يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي
عليهما السلام فأبكى خمسين فله الجنة ومن أنشد في الحسين " ع " شعرا
فأبكى ثلاثين فله الجنة ومن أنشد في الحسين " ع " شعرا فأبكى
عشرين فله الجنة ومن أنشد في الحسين " ع " شعرا فأبكى عشرة فله
الجنة ومن أنشد في الحسين " ع " شعرا فبكى فله الجنة ومن أنشد
في الحسين (ع) شعرا فتباكى فله الجنة وعن آل الرسول " ص " انهم
قالوا من بكى وأبكى فينا مائة ضمنا له على الله الجنة ومن بكى
وأبكى خمسين فله الجنة ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة ومن بكى
وأبكى عشرة فله الجنة ومن بكى وأبكى واحدا فله الجنة رواه
في اللهوف وقال الرضا عليه السلام كان أبي إذا دخل شهر المحرم
4

لا يرى ضاحكا وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضى منه عشرة أيام
فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه
" الحديث " وقال الرضا عليه السلام من تذكر مصابنا وبكى لما
ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ومن ذكر بمصابنا فبكى
وأبكى لم تبك عينه يوم تبكى العيون ومن جلس مجلسنا يحيى فيه
أمرنا لم يمت يوم تموت القلوب وقال الصادق عليه السلام نفس المهموم
لظلمنا تسبيح وهمه لنا عباده وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله وقال الحسين
عليه السلام انا قتيل العبرة قتلت مكروبا وحقيق على الله ان لا يأتيني
مكروب الا ورده الله إلى أهله مسرورا وفي خبر آخر انا قتيل العبرة
لا يذكرني مؤمن الا استعبر وقال أمير المؤمنين عليه السلام ان
الله اطلع إلى الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون
لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منا والينا
فصل
ويستحب ترك السعي في الحوائج يوم عاشورا وترك ادخار
شئ والتفرغ للحزن والبكاء كما هي سيرة الشيعة المأخوذة عن أهل البيت
عليهم السلام وتدل عليه بعض الأحاديث السابقة واما اتخاذ
يوم عاشورا يوم عيد وفرح وسرور فهي سنة أموية وقد اتبعها من
5

اتبعها غفلة عن الحال والا فلا يظن بمسلم انه يفرح في يوم قتل ابن
بنت نبيه الذي لو كان حيا لكان هو المعزى به وهو الباكي عليه
كما بكى عليه في حياته وروى الصدوق في الأمالي بسنده عن الرضا
عليه السلام قال من ترك السعي في حوائجه يوم عاشورا قضي الله
له حوائج الدنيا والآخرة ومن كان عاشورا يوم مصيبته وحزنه
وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت بنا
في الجنان عينه ومن سمى يوم عاشورا يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئا
لم يبارك له فيما ادخر وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد
وعمر بن سعد إلى أسفل درك من النار
فصل
ولد الحسين عليه السلام بالمدينة في شعبان يوم الثالث منه وقيل
لخمس خلون منه سنة ثلاث وقيل أربع من الهجرة وقيل في أواخر
شهر ربيع الأول وقيل لثلاث أو خمس خلون من جمادى الأولى
وكانت مدة حمله عليه السلام ستة أشهر ولم يولد لستة أشهر الا عيسى
ابن مريم والحسين بن علي قيل ويحيى بن زكريا عليهم السلام فلما ولد
هبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله ومعه الف ملك يهنونه
بولادته ولما ولد جئ به إلى جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
6

فاستبشر به واذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وحنكه بريقه وتفل
في فمه فلما كان اليوم السابع سماه حسينا وعق عنه بكبش وامر أمه
ان تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن
فامتثلت ما أمرها به وقال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه
وآله يحبه ويحمله على كتفه ويقبل شفتيه وثناياه قال ودخل عليه يوما
جبرئيل وهو يقبله قال اتجه قال نعم قال إن أمتك ستقتله قالت أم
الفضل بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب رأيت فيما يرى
النائم كان عضوا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وآله سقط في
بيتي وفي رواية في حجري فقلت يا رسول الله رأيت حلما منكرا قال
وما هو قلت إنه شديد قال وما هو فقصصته عليه فقال خيرا رأيت
تلد فاطمة غلاما فترضعينه فولدت فاطمة الحسين عليه السلام فكفلته
أم الفضل قالت فأتيت به يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فبينا
هو يقبله إذ بال على ثوبه فقرصته قرصة بكى منها فقال كالمغضب
مهلا يا أم الفضل آذيتني و أبكيت ابني فهذا ثوبي يغسل وفي رواية لقد
أوجع قلبي ما فعلت به قالت فتركته عند جده ومضيت لآتيه بماء
فجئت إليه فوجدته يبكى فقلت مما بكاؤك يا رسول الله فقال إن جبرئيل
اتاني فأخبر أن أمتي تقبل ولدى هذا لا انا لهم الله شفاعتي يوم القيامة
وفي رواية واتاني بتربة من تربته حمراء فلما أتت على الحسين عليه
7

السلام سنة كاملة هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر
ملكا أحدهم على صورة الأسد والثاني على صورة الثور والثالث
على صورة التنين (1) والرابع على صورة ولد آدم والثمانية الباقون
على صور شتى محمرة وجوههم باكية عيونهم قد نشروا أجنحتهم
وهم يقولون يا محمد انه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل
من قابيل وسيعطى مثل اجر هابيل ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل
ولم يبق في السماوات ملك الا ونزل إلى النبي صلى الله عليه وآله كل
يقرئه السلام ويعزيه بالحسين عليه السلام ويخبره بثواب ما يعطى
ويعرض عليه تربته والنبي صلى الله عليه وآله يقول اللهم اخذل من
خذله واقتل من قتله ولا تمتعه بما طلبه فلما اتى على الحسين عليه السلام
من مولده سنتان خرج النبي صلى الله عليه وآله في سفر له فوقت
في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال هذا
جبرئيل يخبرني عن ارض بشط الفرات يقال لها كربلا يقتل فيها
ولدي الحسين ابن فاطمة فقيل ومن يقتله قال رجل يقال له يزيد
وكأني انظر إلى مصرعه ومدفنه ثم رجع من سفرة ذلك مهموما مغموما
فصعد المنبر فخطب ووعظ والحسن والحسين بين يديه فلما فرغ من
خطته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس

(1) التنين كسكيت حية عظيمة " قاموس "
8

الحسين عليهما السلام ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم ان محمدا
عبدك ورسولك ونبيك وهذان أطائب عترتي وخيار ذريتي وأرومتي
ومن أخلفهما وقد اخبرني جبرئيل ان ولدى هذا مقتول مخذول
اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء اللهم ولا تبارك
في قاتله وخاذله فضج الناس بالبكاء في المسجد فقال النبي صلى الله
عليه وآله أتبكون ولا تنصرونه ثم رجع وهو متغير اللون محمر الوجه
فخطب خطبة أخرى موجزة وعيناه تهملان دموعا ثم قال أيها الناس
اني خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ومزاج مائي
وثمرتي لن يفترقا حتى يردا على الحوض وانى لا أسألكم في ذلك
الا ما امرني أن أسألكم المودة في القربى فانظروا أن لا تلقوني
غدا على الحوض وقد أبغضتم عترتي وظلمتموهم الا وأنه سترد على
يوم القيامة ثلاث وايات من هذه الأمة الأولى راية سوداء مظلمة
قد فزعت لها الملائكة فتقف علي فأقول من أنتم فينسون ذكري
ويقولون نحن أهل التوحيد من العرب فأقول لهم انا احمد نبي العرب
والعجم فيقولون نحن من أمتك يا احمد فأقول لهم كيف خلفتموني من
بعدي في أهلي وعترتي وكتاب ربي فيقولون اما الكتاب فضيعناه
واما عترتك فحرصنا على أن نبيدهم عن جديد الأرض فأولي عنهم
وجهي فيصدرون ظماء عطاشى مسودة وجوههم ترد على راية أخرى
9

أشد سوادا من الأولى فأقول كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر
والأصغر كتاب ربي وعترتي فيقولون اما الأكبر فخالفناه واما
الأصغر فخذلناه ومزقناهم كل ممزق فأقول إليكم عنى فيصدرون
ظماء عطاشى مسودة وجوههم ثم ترد علي راية أخرى تلمع وجوههم نورا
فأقول لهم من أنتم فيقولون نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى نحن أمة
محمد المصطفى نحن بقية أهل الحق حملنا كتاب ربنا فحللنا حلاله وحرمنا
حرامه واحببنا ذرية نبينا محمد صلى الله عليه وآله فنصرناهم من كل
ما نصرنا منه أنفسنا وقاتلنا معهم من ناواهم فأقول لهم أبشروا فانا
نبيكم محمد " ص " ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ثم أسقيهم من
حوضي فيصدرون مرويين وكان الناس يتعاودون ذكر قتل الحسين
عليه السلام ويستعظمونه ويترقبون قدومه
فصل
قال رسول الله صلى الله عليه وآله حسين منى وانا من حسين
أحب الله من أحب حسينا وقال " ص " من أحب ان ينظر إلى
أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى الحسين " ع " وقال " ص " في الحسن والحسين عليهما السلام هما ريحانتاي من الدنيا
وقال " ص " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وقال " ص "
10

فيهما هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني
وقال " ص " فيهما اللهم إني أحبهما فأحبهما وكان النبي صلى الله عليه
وآله يصلى فإذا سجد وثب الحسنان عليهما السلام على ظهره فإذا
أرادوا ان يمنعوهما أشار إليهم ان دعوهما فلما قضى الصلاة وضعهما في
حجره وقال من أحبني فليحب هذين وكان " ص " يصلي فكان إذا
سجد جاء الحسين " ع " فركب ظهره فإذا رفع النبي " ص " رأسه
اخذه فوضعه إلى جانبه فإذا سجد عاد على ظهره فلم يزل يفعل ذلك
حتى فرغ النبي " ص " من صلاته وكان " ص " يجثو للحسنين عليهما
السلام فيركبان على ظهره ويقول نعم الجمل جملكما ونعم العدلان
أنتما وحملهما " صلى الله عليه وآله وسلم " مرة على عاتقة فقال رجل نعم الفرس لكما فقال
" صلى الله عليه وآله وسلم " ونعم الفارسان هما وسمع (صلى الله عليه وآله وسلم) بكاءهما وهو على المنبر فقام
فزعا ثم كان قال أيها الناس ما الولد الا فتنة لقد قمت إليهما وما معي عقلي
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب على المنبر فجاء الحسنان (عليه السلام) وعليهما قميصان أحمران
يمشيان ويعثران فنزل (صلى الله عليه وآله وسلم) من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم
قال إنما أموالكم وأولادكم فتنة وكان؟؟؟ يخطب على المنبر إذ خرج الحسين
(عليه السلام) فوطا في ثوبه فسقط فبكى فنزل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المنبر فضمه
إليه وقال قاتل الله الشيطان ان الولد لفتنة والذي نفسي بيده ما دريت
اني نزلت عن منبري ومر (صلى الله عليه وآله وسلم) على بيت فاطمة (عليهما السلام) فسمع الحسين
11

(عليه السلام) يبكى فقال ألم تعلمي ان بكاءه يؤذيني وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ان الله
تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة وجعل ذريتي من صلب
علي بن أبي طالب وكانت الزهراء عليها السلام ترقص الحسن
(عليه السلام) وتقول
أشبه أباك يا حسن * واخلع عن الحق الرسن
واعبد آلها ذا منن * ولا توال ذا الإحن
وقالت للحسين عليه السلام
أنت شبيه بأبي * لست شبيها بعلي
وحج الحسنان عليهما السلام ماشيين فلما يمرا برجل راكب
الا نزل يمشى فقال بعضهم لسعد قد ثقل علينا المشي ولا نستحسن ان
نركب وهذان السيدان يمشيان فرغب إليهما سعد في أن يركبا فقال
الحسن (عليه السلام) لا نركب قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت الله الحرام
على اقدامنا ولكننا نتنكب عن الطريق فأخذا جانبا من الناس
وحج الحسين (عليه السلام) خمسا وعشرين حجة ماشيا وان النجائب لتقا دمعه
وأقام بعد وفاة أخيه الحسن عليه السلام يحج في كل عام من المدينة
إلى مكة ماشيا واجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن (عليه السلام) على فخذه النبي
والحسين على فخذه اليسرى واجلس عليا وفاطمة عليهما السلام بين
يديه ثم لف عليهما كساءه أو ثوبه ثم قرأ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
12

أهل البيت ويطهركم تطهيرا ثم قال هؤلاء أهل بيتي حقا وكان ابن
عباس مع علمه وجلالة قدره يمسك بركاب الحسنين عليهما السلام
حتى يركبا ويقول هما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي
وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام انا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم
ونظر (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الحسن والحسين (عليه السلام) فقال من أحب هذين وأباهما
وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة وعن تاريخ البلاذري عن
محمد بن يزيد المبرد النحوي في اسناد ذكره قال انصرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى منزل فاطمة (عليهما السلام) فرآها قائمة خلف بابها فقال ما بال حبيبتي ههنا
فقالت ابناك خرجا غدوة وقد غبي علي خبرهما فمضى رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) يقفو آثار هما حتى صار إلى كهف جبل فوجد هما نائمين وحية
مطوقة عند رأسيهما فاخذ حجرا واهوى إليها فقالت السلام عليك
يا رسول الله ما نمت عند رأسيهما الا حراسة لهما فدعا لها بخير ثم حمل
الحسن على كتفه اليمنى والحسين على كتفه اليسرى فنزل جبرئيل
فاخذ الحسين وحمله فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن حملني خير
أهل الأرض ويقول الحسين حملني خير أهل السماء وفي ذلك يقول
حسان بن ثابت
فجاء وقد ركبا عاتقيه * - ه فنعم المطية والراكبان
وما عسى ان يقول القائل فيمن جده محمد المصطفى وأبوه علي
13

المرتضى وأمه فاطمة الزهراء وجدته خديجة الكبرى واخوه الحسن
المجتبى وعمه جعفر الطيار مع ملائكة السما والبيت من هاشم أهل
المكارم والعلى مع ماله في نفسه من الفضائل التي لا تحصى
(شعر) اتاه المجد من هنا وهنا وكان له بمجتمع السيول
" فصل " دخل الحسين (ع) على أسامة بن يزيد وهو مريض وهو يقول
واغماه فقال له الحسين (ع) وما غمك يا أخي قال ديني وهو ستون
ألف درهم فقال الحسين (ع) هو علي قال إني أخشى ان أموت
فقال الحسين (ع) لن تموت حتى أقضيها عنك فقضاها قبل موته وكان
(ع) يقول شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء والقسوة على الضعفاء
والبخل عن الاعطاء
ولما اخرج مروان الفرزدق من المدينة اتى الفرزدق الحسين
(ع) فأعطاه الحسين (ع) أربعمائة دينار فقيل له انه شاعر فاسق فقال
(ع) ان خير مالك ما وقيت به عرضك وقد أثاب رسول الله (ص)
كعب بن زهير وقال في العباس بن مرداس اقطعوا لسانه عني ووفد
اعرابي إلى المدينة فسأل عن أكرم الناس بها فدل على الحسين (ع)
فدخل المسجد فوجده مصليا فوقف بإزائه وأنشأ يقول
لم يخب الان من رجاك ومن * حرك من دون بابك الحلقة
أنت جواد وأنت معتمد * أبوك قد كان قاتل الفسقه
14

لولا الذي كان من أوائلكم * كانت علينا الجحيم منطبقة
فسلم الحسين (ع) وقال يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شئ
قال نعم أربعة آلاف دينار فقال هاتها قد جاء من هو أحق بها منا
ثم نزع بردته ولف الدنانير فيها واخرج يده من شق الباب حياء
من الاعرابي وأنشأ
خذها فاني إليك معتذر * واعلم بأني عليك ذو شفقة
لو كان في سيرنا الغداة عصا (1) * أمست سمانا عليك مند فقه
لكن ريب الزمان ذو غير * والكف مني قليلة النفقة
فاخذها الاعرابي وبكى فقال له لعلك استقللت ما أعطيناك قال
لا ولكن كيف يأكل التراب جودك وبعضهم يروى ذلك عن
الحسن (عليه السلام) ووجد على ظهر الحسين (عليه السلام) يوم الطف اثر فسألوا زين
العابدين (عليه السلام) عن ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره
إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين وعلم عبد الرحمن السلمى

(1) في البحار لعل العصا كناية عن الامارة والحكم اي لو كان في سيرنا هذه
الغداة ولاية وحكم أو قوة " وفيه " ان ذكر السير والغداة حينئذ لا يبقى له مناسبة
ويحتمل ان يراد بالسير واحد السيور التي تقد من الادم فإنه إذا كان فيه عصا
اي كان مشدودا بطرف عصا صار سوطا قابلا للضرب به فيصح أن تكون
كناية عن الحكم والقوة " منه "
15

ولدا للحسين (عليه السلام) الحمد فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار وألف
حلة وحشا فاه درا فقيل له في ذلك فقال وأين يقع هذا من عطائه
يعني تعليمه وانشد الحسين (عليه السلام)
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها * على الناس طرا قبل ان تتفلت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت * ولا البخل يبقيها إذا ما تولت
ومر (عليه السلام) بمساكين وهم يأكلون كسر أعلى كساء فسلم عليهم فدعوه
إلى طعامهم فجلس معهم وقال لولا أنه صدقة لا كلت معكم ثم قال قوموا إلى
منزلي فأطعمهم وكسا هم وامر لهم بدار هم ودخلت على الحسين (عليه السلام)
جارية فحيته بطاقة ريحان فقال لها أنت حرة لوجه الله تعالى فقيل
له تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها قال كذا أدبنا الله قال الله تعالى
وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها وكان أحسن منها عتقها
وقال عليه السلام صاحب الحاجة لم يكر م وجهه عن سؤالك فأكرم وجهك
عن رده وجاء اعرابي إلى الحسين بن علي عليهما السلام فقال يا ابن رسول الله
قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائها فقلت في نفسي اسأل أكرم الناس
وما رأيت أكرم من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال الحسين (عليه السلام)
يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل فأن أجبت عن واحدة
أعطيتك ثلث المال وان أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال وان
أجبت عن الكل أعطيتك الكل فقال الاعرابي يا ابن رسول الله
16

أمثلك يسأل مثلي وأنت من أهل العلم والشرف فقال الحسين (عليه السلام)
بلى سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول المعروف بقدر المعروفة فقال
الاعرابي سل عما بذلك فأن أجبت والا تعلمت منك ولا قوة الا بالله
فقال الحسين (ع) اي الأعمال أفضل فقال الاعرابي الايمان بالله فقال
الحسين (ع) فما النجاة من المهلكة فقال الاعرابي الثقة بالله فقال
الحسين (ع) فما يزين الرجل فقال الاعرابي علم معه حلم فقال فأن
أخطأه ذلك فقال مال معه مروءة فقال فأن أخطأه ذلك فقال فقر
معه صبر فقال الحسين (ع) فأن أخطأه ذلك فقال الاعرابي فصاعقة
تنزل من السماء وتحرقه فإنه أهل لذلك فضحك الحسين (ع) ورمى
إليه بصرة فيها ألف دينار وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مأتا درهم
وقال يا اعرابي اعط الذهب إلى غرمائك واصرف الخاتم في نفقتك
فاخذ الاعرابي ذلك وقال الله اعلم حيث يجعل رسالته وقيل للحسين
(ع) ما أعظم خوفك من ربك فقال لا يأمن يوم القيامة الا من خاف
الله في الدنيا وجنى غلام له جناية توجب العقاب فامر بضربه فقال
يا مولاي والكاظمين الغيظ قال خلوا عنه فقال يا مولاي والعافين عن
الناس قال قد عفوت عنك قال يا مولاي والله يحب المحسنين قال
أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك وقيل لعلي بن الحسين
عليهما السلام ما أقل ولد أبيك فقال العجب كيف ولدت كان يصلى
17

في اليوم والليلة الف ركعة ذكره صاحب العقد الفريد
فصل
خطب الحسين عليه السلام فقال أيها الناس نافسوا في المكارم
وسارعوا في المغانم ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه واكسبوا الحمد
بالنجح ولا تكسبوا بالمطل ذما فمهما يكن لاحد عند أحد صنيعة له
رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافاته فإنه اجزل عطاء وأعظم اجرا
واعلموا ان حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم
فتحور نقما واعلموا ان المعروف مكسب حمدا ومعقب اجرا فلو
رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين ولو رأيتم
اللؤم رأيتموه سمجا مشوها تنفر منه القلوب وتغض دونه الابصار
أيها الناس من جاد ساد ومن بخل رذل وان أجود الناس من أعطي
من لا يرجوه وان أعفي الناس من عفا عن قدره وان أوصل الناس
من وصل من قطعة والأصول على مغارسها بفروعها تسمو فمن تعجل
لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا ومن أراد الله تبارك وتعالى
بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته وصرف عنه من بلاء
الدنيا ما هو أكثر منه. ومن نفس كربة مؤمن فرج الله عنه كرب
الدنيا والآخرة ومن أحسن أحسن الله إليه والله يحب المحسنين
18

وخطب عليه السلام أيضا فقال إن الحلم زينة والوفاء مروءة والصلة
نعمه والاستكبار صاف والعجلة سفه والسفه ضعف والغلو ورطة
ومجالسة أهل الدناءة شر ومجالسة أهل الدناءة شر ومجالسة أهل الفسق ريبة ومما ينسب إلى
الحسين من الشعر قوله
ذهب الذين أحبهم * وبقيت فيمن لا أحبه
فيمن أراه يسبني * ظهر المغيب ولا أسبه
يبغي فسادي ما استطاع * وأمره مما أربه (1)
حنقا يدب إلى الضراء * وذاك مما لا أدبه
ويرى ذباب الشر من * حولي يطن ولا يذبه
وإذا خبا وغر الصدور * فلا يزال به يشبه
أفلا يعيج بعقله * أفلا يثوب إليه لبه
أفلا يرى أن فعله * مما يسور إليه غبه
حسبي بربي كافيا * ما اختشي والبغي حسبه
لقل من يبغي عليه * فما كفاه الله ربه
وقوله عليه السلام
إذا ما عضك الدهر * فلا تجنح إلى خلق
ولا تسأل سوى الله * تعالى قاسم الرزق

(1) رب الامر واربه أصلحه " منه "
19

فلو عشت وطوفت * من الغرب إلى الشرق
لما صادفت من يقدر * ان يسعد أو يشقى
وقوله عليه السلام
الله يعلم أن ما * بيدي يزيد لغيره
وبأنه لم يكتسبه * بغيره وبميره (1)
لو أنصف النفس الخؤون * لقصرت من سيرة
ولكان ذلك منه * أدنى شره من خيره
فصل
روى الصدوق عليه الرحمة في الأمالي بسنده عن الصادق عليه
السلام قال كان النبي صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة فقال لها
لا يدخل على أحد فجاء الحسين " ع " وهو طفل فما ملكت معه شيئا
حتى دخل على النبي " ص " فدخلت أم سلمة على اثره فإذا الحسين " ع " على
صدره وإذا النبي (ص) يبكى وبيده شئ يقلبه فقال النبي (ص) يا أم
سلمة هذا جبرئيل يخبرني أن أبني هذا مقتول وهذه التربة التي يقتل
عليها فضعيها عندك فإذا صارت دما عبيطا فقد قتل حبيبي فقالت أم

(1) يقال غار الرجل أهله غيرا ومارهم ميرا كلاهما من باب سار إذا اتاهم بالميرة
بكسر الميم وهي الطعام فالغير والمير متحدان وزنا ومعنى (منه).
20

سلمة يا رسول الله سل الله أن يدفع ذلك عنه قال قد فعلت فأوحى
الله عزو جل إلي ان له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين وان له شيعة
يشفعون فيشفعون وأن المهدى من ولده فطوبى لمن كان من أولياء
الحسين (ع) وشيعته والله الفائزون يوم القيامة وروي عن أم سلمة
رضوان الله عليها انها قالت بينا رسول الله (ص) ذات يوم جالس
والحسين (ع) جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع فقلت يا رسول
الله مالي أراك تبكي جعلت فداك فقال جاءني جبرئيل فعزاني بابني
الحسين وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله لا انا لهم الله شفاعتي وعن أم
سلمة (رض) أيضا انها قالت خرج رسول الله (ص) من عندنا ذات
ليلة فغاب عنا طويلا ثم جاءنا وهو أشعث اغبر ويده مضمومة فقلت
له يا رسول الله مالي أراك أشعث مغبرا فقال اسرى بي في هذا الوقت
إلى موضع من العراق يقال له كربلا فأريت فيه مصرع الحسين ابني
وجماعة من ولدي وأهل بيتي فلم أزل القط دماءهم فها هي في يدي
وبسطها إلي فقال خذيها واحتفظي بها فاخذتها فإذا هي شبه تراب
احمر وفي رواية انه (ص) أعطاها ترابا من تربة الحسين " ع " وحمله إليه
جبرئيل (ع) وقال لها إذا صار هذا التراب دما فقد قتل الحسين " ع "
قالت أم سلمة فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت به فلما
خرج الحسين (ع) من مكة متوجها نحو العراق كنت اخراج تلك
21

القارورة في كل يوم وليلة فاشمها وانظر إليها ثم ابكى لمصابة فلما كان
اليوم العاشر من المحرم وهو اليوم الذي قتل فيه (ع) أخرجتها في
أول النهار وهي بحالها ثم عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط
فضججت في بيتي وبكيت وكظمت غيظي مخافة ان يسمع أعداءهم
بالمدينة فيسرعوا بالشماتة فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء
الناعي ينعاه فحقق ما رأيت وعن بعضهم قال دخلت على رسول الله صلى
الله عليه وآله وعيناه تفيضان فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله
ما لعينيك تفيضان أغضبك أحد قال لابل كان عندي جبرئيل فأخبرني
ان الحسين (ع) يقتل بشاطئ الفرات فقال هل لك ان تشم من
تربته قلت نعم فأخذ قبضة من تراب وأعطانيها فلم أملك عيني ان
فاضتا واسم الأرض كربلا وروى أن النبي صلى الله عليه وآله كان
ذات يوم جالسا وحوله علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام
فقال لهم كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى فقال له الحسين (ع)
أنموت موتا أو نقتل قتلا فقال بل تقتل يا بنى ظلما ويقتل أخوك ظلما وتشرد
ذراريكم في الأرض فقال الحسين (ع) ومن يقتلنا يا رسول الله قال شرار
الناس قال فهل يزورنا بعد قتلنا أحد قال نعم يا بني طائفة من أمتي
يريدون بزيارتكم بري وصلتي فإذا كان يوم القيامة جئتهم إلى الموقف
حتى آخذ بأعضادهم فأخلصهم من أهواله وقال الصادق عليه السلام
22

زيارة الحسين (ع) واجبة على كل من يعتقد ويقر للحسين (ع) بالإمامة
من الله عز وجل وقال عليه السلام زيارة الحسين (ع) تعدل مائة حجة
مبرورة ومائة عمرة وعن النبي صلى الله عليه وآله من زار الحسين
(ع) بعد موته فله الجنة والاخبار في ذلك كثيرة
المقصد الأول
في الأمور المتقدمة على القتال
لما مات معاوية (1) وذلك في النصف من رجب سنة ستين من
الهجرة وتخلف بعده ولده يزيد كتب يزيد إلى ابن عمه الوليد بن
عتبة بن أبي سفيان وكان واليا على المدينة مع مولى لمعوية يقال له
ابن أبي زريق يأمره بأخذ البيعة على أهلها (2) وخاصة على الحسين

(1) كان الوالي في ذلك الوقت على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.
وعلى مكة عمر بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق وهو من بنى أمية. وعلى الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري. وعلى البصرة عبيد الله بن زياد " منه " (2) كان
معاوية حذر يزيد من أربعة الحسين بن علي عليهما السلام وعبد الله بن الزبير
وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر ولا سيما من الحسين " ع " وابن
الزبير اما ابن الزبير فهرب إلى مكة على طريق الفرع هو واخوه جعفر ليس
معهما ثالث وأرسل الوليد خلفه أحد وثمانين راكبا فلم يدركوه وخرج بعده الحسين
" ع " وكان عبد الله بن عمر بمكة ولما بلغ يزيد ما صنع الوليد عزله عن المدينة
وولاها عمرو بن سعيد الأشدق فقدمها في رمضان " منه "
23

عليه السلام ولا يرخص له في التأخر عن ذلك ويقول إن أبي عليك
فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه فاحضر الوليد مروان بن الحكم
واستشاره في أمر الحسين " ع " فقال إنه لا يقبل ولو كنت مكانك
لضربت عنقه فقال الوليد ليتني لم أك شيئا مذكورا ثم بعث إلى الحسين
" ع " في اليل فاستدعاه فعرف الحسين " ع " الذي أراد فدعا بجماعة
من أهل بيته ومواليه وكانوا ثلاثين رجلا وأمرهم بجمل السلاح
وقال لهم ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست آمن ان
يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه وهو غير مأمون فكونوا معي فإذا
دخلت إليه فاجلسوا على الباب فأن سمعتم صوتي قد علا فأدخلوا
عليه لتمنعوه عني فصارا الحسين " ع " إلى الوليد فوجد عنده مروان
ابن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاستر جع الحسين " ع " ثم قرأ عليه
كتاب يزيد وما امره فيه من اخذ البيعة منه ليزيد فقال الحسين
عليه السلام اني أراك لا تقنع ببيعتي سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف
ذلك الناس فقال له الوليد اجل فقال الحسين " ع " تصبح وترى رأيك
في ذلك فقال له الوليد انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة
الناس فقال له مروان والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع
لا قدرت منه على مثلها ابدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ولكن
احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه فوثب
24

الحسين " ع " عند ذلك وقال ويلي عليك يا ابن الرزقاء (1) أنت تأمر
بضرب عنقي وفي رواية أنت تقتلني أم هو كذبت والله ولؤمت
ثم اقبل على الوليد فقال أيها الأمير انا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة
ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب
الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله ولكن
نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة ثم خرج
يتهادى بين مواليه وهو يتمثل بقول يزيد بن المفرغ
لا ذعرت السوام في غسق (2) الصبح * مغيرا ولا دعيت يزيدا
يوم أعطي مخافة الموت (3) ضيما * والمنايا يرصدنني ان أحيدا
حتى اتى منزله وقيل إنه أنشدهما لما خرج من المسجد الحرام
متوجها إلى العراق وقيل غير ذلك فقال مروان للوليد عصيتني
لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه ابدا فقال له الوليد ويحك انك
أشرت علي بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب ان أملك الدنيا
بأسرها واني قتلت حسينا سبحان الله اقتل حسينا لما أن قال لا أبايع
والله ما أظن أحدا يلقي الله بدم الحسين الا وهو خفيف الميزان لا ينظر
الله إليه اليوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب اليم فقال مروان فإذا كان

(1) هي جدة مروان وكانت مشهورة بالفجور " منه " (2) شفق خ ل
فلق خ ل (3) من المهانة خ ل
25

هذا رأيك فقد أصبحت فيما صنعت يقول هذا وهو غير حامد له على
راية فأقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت
لثلاث بقين من رجب سنة ستين فلما أصبح خرج من منزله يستمع
الاخبار فلقيه مروان فقال له يا أبا عبد الله اني لك ناصح فأطعني ترشد
فقال الحسين عليه السلام وما ذاك قل حتى اسمع فقال مروان اني
امرك ببيعة يزيد بن معاوية فإنه خير لك في دينك ودنياك فقال
الحسين عليه السلام انا لله وانا عليه راجعون وعلى الاسلام السلام إذ
قد بليت الأمة براع مثل يزيد ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول الخلافة محرمة على آل أبي سفيان وطال الحديث بينه
وبين مروان حتى انصرف مروان وهو غضبان فلما كان اخر نهار
السبت بعث الوليد الرجال إلى الحسين عليه السلام ليحضر فيبايع
فقال لهم الحسين (ع) أصبحوا ثم ترون ونرى فكفوا تلك الليلة عنه
ولم يلحوا عليه فخرج في تلك الليلة وقيل في غداتها وهي ليلة الأحد
ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة (1) وقال محمد بن أبي طالب

(1) قال ابن نما ان توجهه إلى مكة كان لثلاث مضين من شعبان وستعرف ان
وصوله عليه السلام إلى مكة كان بذلك التاريخ ولعله وقع اشتباه بينهما كما أن
ابن نما قال إن وصول كتاب يزيد إلى الوليد كان في أول شعبان ومقتضي
ما تقدم ان يكون وصوله في أواخر رجب لثلاث أو أربع بقين منه " منه "
26

خرج الحسين (ع) من منزلة ذات ليلة واقبل إلى قبر جده صلى الله
عليه وآله فقال السلام عليك يا رسول الله انا الحسين بن فاطمة فرخك
وابن فرختك وسبطك الذي خلفتني في أمتك فاشهد عليهم يا نبي الله
انهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني وهذه شكواي إليك حتى
ألقاك ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا وساجدا فلما كانت الليلة
الثانية خرج إلى القبر أيضا وصلى ركعات فلما فرغ من صلاته جعل
يقول اللهم هذا قبر نبيك محمد وانا ابن بنت نبيك وقد حضرني من
الامر ما قد علمت اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر وانا
أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق القبر ومن فيه الا اخترت لي ما هو
لك رضا ولرسولك رضا ثم جعل يبكى عند القبر حتى إذا كان قريبا
من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى فإذا هو برسول الله (ص)
قد اقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتى
ضم الحسين (ع) إلى صدره وقبل بين عينيه وقال حبيبي يا حسين
كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك مذبوحا بأرض كرب وبلاء
من عصابة من أمتي وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى وظلمان لا تروى
وهم مع ذلك يرجون شفاعتي لا انا لهم الله شفاعتي يوم القيامة حبيبي
يا حسين ان أباك وأمك وأخاك قدموا علي وهم مشتاقون إليك
وان لك في الجنان لدرجات لا تنالها الا بالشهادة فجعل الحسين (ع)
27

في منامه ينظر إلى جده ويقول يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى
الدنيا فخذني إليك وادخلني معك في قبرك فقال له رسول الله صلى
الله عليه وآله لابد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما
قد كتبت الله لك فيها من الثواب العظيم فإنك وأباك وأخاك وعمك
وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة
فانتبه الحسين (ع) من نومه فزعا مرعوبا فقص رؤياه على أهل بيته
وبنى عبد المطلب فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم
أشد غما من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أكثر باك
ولا باكية منهم ولما عزم الحسين عليه السلام على الخروج من المدينة
مضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودعها ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن (ع)
ففعل كذلك وخرج معه بنو أخيه واخوته وجل أهل بيته الا محمد
بن الحنفية فإنه لما علم عزمه على الخروج من المدينة لم يدر أين يتوجه
فقال له يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ولست والله ادخر
النصيحة لاحد من الخلق وليس أحد أحق منك لأنك مزاج
مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي ومن وجبت طاعته في
عنقي لان الله قد شرفك علي وجعلك من سادات أهل الجنة تنح
ببيعتك عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى
الناس فادعهم إلى نفسك فأن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله
28

على ذلك وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك
ولا عقلك ولا تذهب به مروؤتك ولا فضلك اني أخاف عليك ان
تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة
معك وأخرى عليك فيقتلون فتكون لأول الأسنة غرضا فإذا
خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا واما أضيعها دما وأذلها أهلا فقال له
الحسين عليه السلام فأين اذهب يا أخي قال تخرج إلى مكة فان
اطمأنت بك الدار بها فذاك وان تكن الأخرى خرجت إلى بلاد
اليمن فأنهم أنصار جدك وأبيك وهم أرأف الناس وأرقهم قلوبا
وأوسع الناس بلادا فأن اطمأنت بك الدار والا لحقت بالرمال
وشعف (1) " وشعوب خ ل " الجبال وجزت من بلد إلى بلد حتى تنظر
ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين فإنك
أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الامر استقبالا فقال الحسين عليه
السلام يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت
يزيد بن معاوية فقطع محمد بن الحنيفة عليه الكلام وبكي فبكى
الحسين عليه السلام معه ساعة ثم قال أخي جزاك الله خيرا فقد
نصحت وأشفقت وأرجو ان يكون رأيك سديدا موفقا وانا عازم
على الخروج إلى مكة وقد تهيأت لذلك انا واخوتي وبنو أخي وشيعتي

(1) الشعف كغرف والشعاف جمع شعفه كغرفه رأس الجبل " منه "
29

أمرهم امرى ورأيهم رأيي واما أنت يا أخي فلا عليك ان تقيم بالمدينة
فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عنى شيئا من أمورهم ثم دعا الحسين
عليه السلام بداوة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسن بن علي بن أبي
طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنيفة ان الحسين عليه السلام
يشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله
جاء بالحق من عند الحق وان الجنة حق وان الساعة آتية لا ريب
فيها وان الله يبعث من في القبور واني لم اخرج أشر أولا بطرا ولا مفسدا
ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي أريد ان آمر
بالمعروف وانهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي
طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا
اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين وهذه
وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب ثم
طوى الكتاب وختمه بخاتمة ثم دفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه وخرج
من المدينة وأقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للناحية لما بلغهن
ان الحسين عليه السلام يريد الشخوص من المدينة حتى مشى فيهن
الحسين " ع " فقال أنشد كن الله ان تبدين هذا الامر معصية الله ولرسوله
قالت له نساء بني عبد المطلب فلمن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا
30

كيوم مات فيه رسول صلى الله عليه وآله وفاطمة والحسن
ورقية وزينب وأم كلثوم جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار
من أهل القبور وأقبلت بعض عماته تبكى وتقول اشهد يا حسين لقد
سمعت الجن ناحت بنوحك وهم يقولون
وان قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقابا من قريش فذلت
واتته أم سلمة فقالت يا بني لا تحزن بخروجك إلى العراق فاني سمعت
جدك (ص) يقول يقتل ولدى الحسين بأرض العراق بأرض يقال لها
كربلا فقال لها يا أماه وانا والله أعلم ذلك واني مقتول لا محالة وليس
لي من هذا بد واني والله لا عرف اليوم الذي اقتل فيه واعرف من
يقتلني وأعرف البقعة التي أدفن فيها وأعرف من يقتل من أهل بيتي
وقرابتي وشيعتي وان أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي ثم أشار
إلى جهة كربلا فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع
عسكره وموقفه ومشهده فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا
وسلمت أمرها إلى الله تعالى فقال لها يا أماه قد شاء الله ان يراني مقتولا
مذبوحا ظلما وعدوانا وقد شاء ان يرى حرمي ورهطي ونسائي
مشردين وأطفالي مذبوحين مأسورين مظلومين مقيدين وهم يستغيثون
فلا يجدون ناصرا ولا معينا وخرج عليه السلام من المدينة في جوف
الليل وهو يقرأ فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم
31

الظالمين ولزم الطريق الأعظم فقال له أهل بيته لو تنكبت الطريق
الأعظم كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب فقال لا والله لا أفارقه
حتى يقضي الله ما هو قاض فلقيه عبد الله بن مطيع فقال له جعلت
فداك أين تريد قال اما الان فمكة واما بعد فأنى أستخير الله قال خار
الله لك وجعلنا فداك فإذا اتيت مكة فإياك ان تقرب الكوفة فإنها
بلدة مشؤومة بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على
نفسه الزم الحرم فأنت سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدا ويتداعى
إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي
فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك وكان دخوله عليه السلام إلى
مكة يوم (ليلة خ ل) الجمعة لثلاث مضين من شعبان فيكون مقامه
في الطريق نحوا من خمسه أيام لأنه خرج من المدينة لليلتين بقيتا
من رجب كما مر ودخلها وهو يقرأ ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي
ان يهديني سواء السبيل فأقام بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا
القعدة ثماني ليال من ذي الحجة واقبل أهل مكة ومن كان بها من المعتمرين
وأهل الآفاق يختلفون إليه وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو
قائم يصلي عندها عامة النهار ويطوف ويأتي الحسين عليه السلام فيمن
يأتيه اليومين المتواليين وبين كل يومين مرة ولا يزال يشير عليه
بالرأي وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير لأنه قد علم أن أهل
32

الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين عليه السلام باقيا في البلد وان الحسين
عليه السلام أطوع في الناس منه وأجل ولما بلغ أهل الكوفة موت
معاوية وامتناع الحسين عليه السلام من البيعة أرجفوا بيزيد واجتمعت
الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فلما تكاملوا قام سليمان فيهم
خطيبا وقال في آخر خطبته يا معشر الشيعة انكم قد علمتم بان معاوية قد
هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه ابنه يزيد وهذا
الحسين بن علي عليهما السلام قد خالفه وصار إلى مكة هاربا من
طواغيت آل أبي سفيان وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله وقد احتاج
إلى نصرتكم اليوم فان كنتم تعلمون ناصروه ومجاهدوا عدوه
فاكتبوا إليه وان خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه
قالوا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه فأرسلوا وفدا من قبلهم
وعليهم أبو عبد الله الجدلي وكتبوا إليه معهم (بسم الله الرحمن الرحيم)
للحسين بن علي عليهما السلام من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة (1)
ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وعبد الله بن وال
وشيعته من المؤمنين والمسلمين سلام عليك اما بعد فالحمد الله الذي
قصم عدوك وعدو أبيك من قبل الجبار العنيد الغشوم الظلوم الذي
انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيأها وتأمر عليها بغير

(1) بالنون والجيم والباء الموحدة المفتوحات (كامل ابن الأثير)
33

رضا منها ثم قتل خيارها واستسقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها
وعتاتها فبعدا له كما بعدت ثمود وانه ليس علنا امام غيرك فاقبل لعل
الله يجمعنا بك على الحق والنعمان بن بشير في قصر الامارة ولسنا
نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ولو قد بلغنا انك أقبلت
أخرجناه حتى يلحق بالشام أن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله
وبركاته يا ابن رسول الله وعلى أبيك من قبلك ولا حول ولا قوة
الا بالله العلي العظيم وقيل إنهم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع
الهمداني وعبد الله بن وال وأمروهما بالنجاء فخرجا مسرعين حتى
قدما على الحسين عليه السلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان
ثم لبثوا يومين وانفذوا قيس بن مسهر الصيداوي (1) وعبد الرحمن
بن عبد الله بن شداد الأرحبي وعمارة بن عبد الله السلولي إلى الحسين
عليه السلام ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين
والأربعة وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم فورد عليه في يوم واحد
ستمائة كتاب وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة
اثنا عشر الف كتاب ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هاني بن

(1) أحد بني صيدا قبيلة من بنى أسد وإياهم عنى الشاعر بقوله
يا بنى الصيداء ردوا فرسي * إنما يفعل هذا بالذليل " منه "
34

هاني السبيعي (1) وسعيد بن عبد الله الحنفي وكانا آخر الرسل وكتبوا
إليه (بسم الله الرحمن الرحيم) للحسين بن علي عليهما السلام من شيعته
من المؤمنين والمسلمين اما بعد فحيهلا (2) فان الناس ينتظرونك
لا رأى لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل والسلام ثم كتب
معهما أيضا شبث (3) بن ربعي وحجار بن أبجر (4) ويزيد بن الحارث
ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمر وبن الحجاج الزبيدي ومحمد
بن عمير التميمي (اما بعد) فقد اخضر الجناب وأينعت أثمار فإذا
شئت فاقبل على جند لك مجند والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
وعلى أبيك من قبلك وفي رواية ان أهل الكوفة كتبوا إليه ان لك
هنا مائة الف سيف فلا تتأخر وتلاقت الرسل كلها عنده فقال الحسين
عليه السلام لهاني وسعيد خبر اني من اجتمع علي هذا الكتاب الذي
سير إلى معكما فقالا يا بن رسول الله شبث بن ربعي وحجار بن أبجر
ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمر بن الحجاج (5)
ومحمد بن عمير بن عطارد فعندها قام الحسين عليه السلام فصلى

(1) نسبة إلى السبيع بوزن أمير أبو بطن من همدان " منه " (2) بمعنى أسرع
" منه " (3) بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة وآخره ثاء مثلثه " منه " (4) حجار
بوزن كتان وأبجر بوزن احمر " منه " (5) كل هؤلاء خرج لقتال الحسين عليه
السلام وهم من أعيان أهل الكوفة ووجوهها " منه "
35

ركعتين بين الركن والمقام وسأل الله الخيرة في ذلك ثم كتب هاني
ابن هاني وسعيد بن عبد الله (بسم الله الرحمن الرحيم) من الحسين
ابن علي إلى الملاء من المؤمنين والمسلمين اما بعد فان هانيا وسعيدا
قدما علي بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم وقد فهمت
كل اذى اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فاقبل
لعل الله ان يجمعنا بك على الحق والهدى وانا باعث إليكم أخي
وابن عمى وثقتي من أهل بيتي مسلما ابن عقيل فان كتب إلي انه
قد اجتمع رأى ملا كم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل
ما قدمت به رسلكم وقرات في كتبكم فاني أقدم إليكم وشيكا (1)
إن شاء الله تعالى فلعمري ما الامام الا الحاكم بالكتاب القائم
بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذلك الله والسلام
ودعا الحسين عليه السلام مسلما ابن عقيل وقيل إنه كتب معه
جواب كتبهم فسرحه مع قيس بن مسهر صيداوي وعمارة بن عبد
الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي امره بالتقوى
وكتمان امره والطف فان رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل
إليه بذلك فاقبل مسلم رحمة الله حتى اتى إلى المدينة فصلى في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وآله وودع من أحب من أهله واستأجر

(1) اي قريبا " منه "
36

دليلين من قيس فاقبل به يتنكبان الطريق وأصابهما عطش شديد
فعجزا عن السير فأوما له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهما ذلك
فسلك مسلم ذلك السنن ومات الدليلان عطشا فكتب مسلم إلى
الحسين عليه السلام من الموضع المعروف بالضيق مع قيس بن
مسهر اما بعد فأنى أقبلت من المدينة مع دليلين فحادا عن الطريق
فضلا واشتد علينا العطش فلم يلبثا ان ماتا واقبلنا حتى انتهينا إلى
الماء فلم ننج الا بحشاشة أنفسنا وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من
بطن الخبت وقد تطيرت من توجهي هذا فأن رأيت أعفيتني منه
وبعثت غيري والسلام فكتب إليه الحسين عليه السلام اما بعد فقد
خشيت ان لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه
الذي وجهتك له الا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك فيه والسلام
فلما قرأ مسلم الكتاب قال اما هذا فلست أتخوفه على نفسي فاقبل
حتى مر بماء لطئ فنزل ثم ارتحل عنه فإذا برجل يرمي الصيد فنظر إليه
وقد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه فقال مسلم نقتل عدونا إن شاء الله
ثم اقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة
الثقفي وقيل في غيرها وأقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما اجتمع إليه
منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام وهم يبكون وبايعه
الناس حتى بايعة منهم ثمانية عشر ألفا وفي رواية اثنا عشر ألفا فكتب
37

مسلم إلى الحسين عليه السلام كتابا يقول فيه اما بعد فان الرائد
لا يكذب أهله وان جميع أهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية
عشر ألفا (وفي رواية اثنا عشر ألفا) فعجل الاقبال حين تقرأ كتابي
هذا والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وأرسل الكتاب مع عابس
بن شبيب الشاكري وقيس بن مسهر الصيداوي وعن الشعبي انه بايع
الحسين عليه السلام أربعون ألفا من أهل الكوفة على أن يحاربوا
من حارب ويسلموا من سالم وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم حتى
علم بمكانه فبلغ النعمان بن بشير ذلك وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها وكان من الصحابة من الأنصار وحضر
مع معاوية حرب صفين وكان من اتباعه (1) فصعد المنبر وخطب
الناس وحذرهم الفتنة فقام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الخضرمي
حليف بني أمية فقال له انه لا يصلح ما ترى الا الغشم ان هذا الذي
أنت عليه رأى المستضعفين فقال له النعمان ان أكون من المستضعفين
في طاعة الله أحب إلى من أن أكون من الا عزين في معصية الله ثم
تزل فكتب عبد الله بن مسلم إلى يزيد يخبره بقدوم مسلم بن عقيل الكوفة
ومبايعة الناس له ويقول إن كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها
رجلا قويا ينفذ امرك ويعمل مثل عملك في عدوك فان النعمان بن

(1) وقتله أهل حمص في فتنة ابن الزبير وكان واليا عليها " منه "
38

بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف وكتب إليه عمارة بن الوليد بن
عقبه عمر بن سعد بنحو ذلك فدعى يزيد سرحون مولى معاوية
واستشاره فيمن يولي على الكوفة وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن
زياد وهو يومئذ وال على البصرة وكان معاوية قد كتب لابن زياد
عهدا بولاية الكوفة ومات قبل انفاذه فقال سرحون ليزيد لو نشر
لك معاوية ما كنت آخذا برأيه قال بلى قال هذا عهده لعبيد الله على
الكوفة فضم يزيد البصرة والكوفة إلى عبيد الله وكنب إليه بعهده
وسيره مع مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلى عبيد الله معه اما بعد
فإنه كتب إلى شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني ان ابن عقيل فيها
يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتى
الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو
تنفيه والسلام فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة
فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته والتهيأ والمسير إلى الكوفة من الغد
وكان الحسين عليه السلام قد كتب إلى جماعة من أشرف البصرة كتابا
مع دراع السدوسي وقيل مع مولى للحسين عليه السلام اسمه سليمان
ويكنى أبا رزين منهم. الأحنف بن قيس. ويزيد بن مسعود النهشلي.
والمنذر ابن الجارود العبدي. يقول فيه اني أدعوكم إلى الله والى نبيه فأن
السنة قد أميتت وان البدعة قد أحييت فان تجيبوا دعوتي وتطيعوا
39

أمري أهدكم سبيل الرشاد فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة
وبني سعد فلما حضروا قال يا بنى تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي
منكم فقالوا بخ بخ أنت والله فقره الظهر ورأس الفخر حللت في
الشرف وسطا وتقدمت فيه فرطا قال فاني قد جمعتكم لأمر أريد ان
أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه فقالوا انا والله نمنحك النصيحة ونجهد
لك الرأي فقل حتى نسمع فقال أن معاوية مات فأهون به والله هالكا
ومفقودا الا وانه قد انكسر باب الجور والاثم وتضعضعت أركان
الظلم وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أن قد احكمه وهيهات
الذي أراد اجتهد والله ففشل وشاور فخذل وقد قام ابنه يزيد شارب
الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم بغير
رضى منهم مع قصر حلم وقلة علم لا يعرف من الحق موطئ قدميه
فاقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين
وهذا الحسين بن علي بن رسول الله صلى الله عليه وآله ذو الشرف
الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو
أولى بهذا الامر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته يعطف على الصغير
ويحنو على الكبير فأكرم به راعي رعيه وامام قوم وجبت لله به
الحجة وبلغت به الموعظة فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا (1)

(1) التسكع التمادي في الباطل " منه "
40

في وهد الباطل فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها
بخروجكم إلى ابن رسول الله (ص) ونصرته والله لا يقصر أحد عن
نصرته الا أورثه الله تعالى الذل في ولده والقلة في عشيرته وها انا ذا قد
لبست للحرب لامتها وادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت ومن
يهرب لم يفت فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب فتكلمت بنو حنظلة فقالوا
يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ان رميت بنا أصبت
وان غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرة الا خضناها ولا تلقى
والله شدة الا لقيناها ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت فقم
وتكلمت بنو سعد بن يزيد فقالوا يا أبا خالد ان أبغض الأشياء إلينا
خلافك والخروج من رأيك وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك
القتال فحمدنا أمرنا (رأيه خ ل) وبقي عزنا فينا فأمهلنا نراجع الرأي
ونحسن المشورة ونأتيك برأينا وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا أبا خالد
نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى ان غضبت ولا نقطن ان ظعنت
والامر إليك فادعنا بخبك ومرنا نطعك والامر لك إذا شئت فقال والله
يا بنى سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم ابدا ولا ذال
سيفكم فيكم ثم كتب إلى الحسين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم
اما بعد فقد وصل إلي كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من
الاخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك وان الله لم
41

يخل الأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة وأنتم
حجة الله على خلقه ووديعته في ارضه تفرعتم من زيتونة أحمدية هو
أصلها وأنتم فرعها فاقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بنى
تميم وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظلماء لورود الماء يوم
خمسها وقد ذللت لك رقاب بنى سعد وغسلت درن صدورها بماء
سحابة مزن حين استهل برقها فلمع فلما قرأ الحسين عليه السلام
الكتاب قال مالك آمنك الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم
العطش الأكبر فلما تجهز المشار إليه للخروج إلى الحسين عليه السلام
بلغه قتله قبل أن يسير فجزع من انقطاعه عنه وكتب إليه الأحنف
اما بعد فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون واما
المنذر بن الجارود فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد
في عشية الليلة التي يريد ابن زياد ان يذهب في صبيحتها إلى الكوفة
لان المنذر خاف ان يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله وكانت
بحرية بنت المنذر زوجه عبيد الله فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه ثم إنه
خطب الناس وتوعدهم على الخلاف وخرج من البصرة واستخلف
عليها أخاه عثمان وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمر والباهلي
42

رسول يزيد وشريك (1) ابن الأعور الحارثي وقيل كان معه خمسمائة
فتأخروا عنه رجاء ان يقف عليهم ويسبقه الحسين عليه السلام إلى
الكوفة فلم يقف على أحد منهم وسار فلما أشرف على الكوفة نزل
حتى امسى ودخلها ليلا مما يلي النجف وعليه عمامة سوداء وهو متلثم
قال بعضهم انه دخلها من جهة البادية في زي أهل الحجاز ليوهم
الناس انه الحسين " ع " والناس قد بلغهم اقبال الحسين " ع " فهم
ينتظرونه فظنوا حين رأوا عبيد الله انه الحسين عليه السلام فقالت
امرأة الله أكبر ابن رسول الله (ص) فتصايح الناس وقالوا انا معك
أكثر من أربعين ألفا واخذ لا يمر على جماعة من الناس الا سلموا
عليه وقالوا مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى من
تباشرهم بالحسين (ع) ما ساءه وازدحموا عليه حتى اخذوا بذنب دابته
فحسر اللثام وقال انا عبيد الله فتساقط القوم ووطأ بعضهم بعضا
وفي رواية ان عبد الله بن مسلم قال لهم لما كثروا تأخروا هذا الأمير
عبيد الله بن زياد وسار حتى وافى القصر بالليل ومعه جماعة قد التفوا

(1) قال ابن الأثير كان كريما على ابن زياد وعلى غيره من الامراء وكان
شديد التشيع قد شهد صفين اه وله حكاية مع معاوية مشهورة حين قال له
أنت شريك وليس لله شريك وأبوه الحارث الأعور الهمداني من خواص أصحاب
أمير المؤمنين عليه السلام وهو الذي يقول له
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا " منه "
43

به لا يشكون انه الحسين (ع) فاغلق النعمان بن بشير عليه وعلى
خاصته فناداه بعض من كان مع ابن زياد ليفتح لهم الباب فاطلع
عليه النعمان وهو يظنه الحسين (ع) فقال أنشدك الله الا تنحيت
والله ما انا بمسلم إليك وأمانتي ومالي في قتالك من إرب فجعل لا يكلمه
ثم إنه دني فتدلى النعمان من شرف القصر فجعل يكلمه فقال ابن زياد
افتح لا فتحت فقد طال ليلك وسمعها انسان من خلفه فنكص إلى
القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنه الحسين فقال يا قوم ابن
مرجانة والذي لا آله غيره ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب
في وجوه الناس وانفضوا وأصبح ابن زياد فنادى في الناس الصلاة
جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اما بعد
فان أمير المؤمنين يزيد ولاني مصركم وثغركم وأمرني وفيئكم وأمرني بانصاف
مظلومكم واعطاء محرومكم والاحسان إلى سامعكم ومطيعكم
وبالشدة على مريببكم وعاصيكم وانا متبع فيكم امره ومنفذ فيكم عهده
فانا لمحسنكم ومطيعكم كالولد البر وسوطي وسيفي على من ترك أمري
وخالف عهدي فليتق امرؤ على نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد
ثم نزل وفي رواية أنه قال فأبلغوا هذا الرجل الهاشمي (يعنى مسلما بن
44

عقيل) ليتقي غضى واخذ العرفاء (1) والناس اخذا شديدا فقال اكتبوا
لي الغرباء ومن فيكم طلبه أمير المؤمنين (2) ومن فيكم من
الحرورية (3) وأهل الريب الذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق
ثم يجاء بهم لنرى رأينا فمن يجى لنا بهم فبري ومن لم يكتب لنا أحدا
فليضمن لنا من في عرافته ان لا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا
منهم باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمة وحلال لنا دمه وماله وأيما عريف
وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على
باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء ولما سمع مسلم بن عقيل
مجئ عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها وما اخذ به العرفاء
والناس خرج من دار المختار إلى دار هاني بن عروة في جوف الليل
ودخل في أمانه فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هاني على تستر
واستخفاء من عبيد الله وتواصوا بالكتمان والح عبيد الله في طلب
مسلم ولا يعلم أين هو وكان شريك بن الأعور الهمداني لما جاء من
البصرة مع عبيد الله بن زياد نزل دار هاني فمرض وكان شريك من

(1) جمع عريف كأمير وهو الرئيس والظاهر أنه كان يجعل لكل قوم
رئيس من قبل السلطان يطالب بأمورهم يسمى العريف كما هو متعارف إلى
اليوم وكان يجعل للعرفاء أيضا رؤساء يقال لهم المناكب " منه " (2) اي
الشيعة الذين بايعوا مسلما للحسين عليه السلام " منه " (3) قوم من الخوارج
كانوا في أول أمرهم اجتمعوا بموضع يقال له حروراء فنسبوا إليه " منه "
45

مجئ أمير المؤمنين " ع " وشيعته عظيم المنزلة جليل القدر فأرسل إليه
ابن زياد انه يريد ان يعوده فقال شريك لمسلم ان هذا الفاجر عائدي
فادخل بعض الخزائن فإذا جلس اخرج إليه فاقتله ثم اقعد في القصر
ليس أحد يحول بينك وبينه فأن برئت سرت إلى البصرة حتى أكفيك
أمرها وعلامتك ان أقول أسقوني ماء ونهاه هاني عن ذلك وكان
مسلم شجاعا مقداما جسورا فلما دخل عبيد الله على شريك وسأله
عن وجعه وطال سؤاله جعل يقول أسقوني ماء فلما رأى أن أحدا
لا يخرج خشي ان يفوته فاخذ يقول
ما الانتظار بسلمى ان تحييها * كأس المنية بالتعجيل اسقوها
فتوهم ابن زياد وخرج فلما خرج دخل مسلم والسيف في كفه
فقال له شريك ما منعك من قتله قال هممت بالخروج فتعلقت بي
امرأة وقالت لي نشدتك الله ان قتلت ابن زياد في دارنا وبكت في
وجهي فرميت السيف وجلست فقال هاني يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها
والذي فرت منه وقعت فيه وفي رواية أنه قال منعني من قتله خصلتان
كراهية هاني ان يقتل في داره وحديث ان الايمان قيد الفتك فقال
له هاني اما والله لو قتله لقلت فاسقا فاجرا كافرا ولما خفي على ابن
زياد حديث مسلم دعى مولى له يقال له معقل فأعطاه ثلاثة آلاف
أو أربعة آلاف درهم وأمره بحسن التوصل إلى أصحاب مسلم وان
46

يدفع إليهم المال ويقول لهم استعينوا به على حرب عدوكم ويعلمهم
انه من أهل حمص ويظهر لهم انه منهم وقال له انك لو قد أعطيتهم
المال اطمأنوا إليك ووثقوا بك فتردد إليهم حتى تعرف مقر مسلم وتدخل
عليه فجاء معقل حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد
الأعظم وهو يصلى فسمع قوما يقولون هذا يبايع للحسين (ع) فقال
له معقل اني امرؤ من أهل الشام أنعم الله على بحب أهل هذا
البيت ومن أحبهم وتباكى له وقال معي ثلاثة آلاف درهم أردت
بها لقاء رجل منهم بلغني انه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى
الله عليه وآله فاغتر ابن عوسجة بذلك فاخذ بيعة واخذ عليه المواثيق
المغلظة لينا صحن وليكتمن ثم ادخله على مسلم فاخذ بيعة وامر
أبا تمامة الصائدي بقبض المال منه وهو الذي كان يقبض أموالهم وما
يعين به بعضهم بعضا ويشترى لهم به السلاح وكان بصير أو فارسا من فرسان
العرب ووجوه الشيعة واقبل معقل يختلف إليهم فهو أول داخل وآخر
خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد فكان يخبره وقتا وقتا وبلغ الذين
بايعوا مسلما خمسة وعشرين الف رجل فعزم على الخروج فقال هاني
لا تعجل وخاف هاني عبيد الله على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه
وتمارض فسأل عنه ابن زياد فقيل هو مريض فقال عن علمت بمرضه لعدته
ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجه وعمرو بن الحجاج الزبيدي
47

وكانت رويحة بنت عمرو هذا تحت هاني فقال لهم ما يمنع هاني من
إتياننا ما ندري وقد قيل إنه مريض قال قد بلغني ذلك بلغني
انه برئ وانه يجلس على باب داره فالقوه ومروه ان لا يدع ما عليه
من حقنا فاني لا أحب ان يفسد عندي مثله من اشراف العرب فأتوه
ووقفوا عشية على بابه فقالوا له ما يمنعك من لقاء الأمير فإنه قد
ذكرك وقال لو اعلم أنه مريض لعدته فقال لهم المرض يمنعني فقالوا
انه قد بلغه انك تجلس كل عشية على باب دارك وقد استبطأك والابطاء
والجفاء لا يحتمله السلطان من مثلك لأنك سيد في قومك ونحن
نقسم عليك الا ركبت معنا فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلته فركبها حتى
إذا دنى من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذي كان فقال لحسان بن
أسماء بن خارجه يا ابن الأخ انى والله لهذا الرجل لخائف فما ترى قال
يا عم والله ما أتخوف عليك شيئا ولم تجعل على نفسك سبيلا ولم يكن
حسان يعلم مما كان محمد بن الأشعث عالما به فجاء هاني
والقوم معه حتى دخلوا على عبيد الله فلما طلع قال عبيد الله لشريح
القاضي وكان جالسا عنده
اتتك بخائن رجلاه تسعى * يقود النفس منها للهوان
فلما دنى من ابن زياد التفت إلى شريح وأشار إلى هاني وانشد
بيت عمرو بن معد يكرب الزبيري
48

أريد حياته (حباء ه خ ل) ويريد قتلى عذيرك من خليلك من مراد
وكان أول ما قدم مكر ماله ملطفا به فقال له هاني وما ذاك أيها
الأمير قال ايه يا هاني ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير
المؤمنين وعامة المسلمين جئت بمسلم ابن عقيل فأدخلته دارك وجمعت
له المجموع والسلاح في الدور حولك وظننت ان ذلك يخفي علي قال
ما فعلت ذلك وما مسلم عندي قال بلى قد فعلت فلما كثر ذلك بينهما
وأبى هاني الا مجاحدته ومنا كرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فقال
أتعرف هذا قال نعم وعلم هاني عند ذلك أنه كان عينا عليهم وانه قد
اتاه باخبارهم فسقط في يده (1) ساعة ثم راجعته نفسه فقال اسمع
مني وصدق مقالتي فوالله ما كذبت والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت
بشئ من أمره حتى جاءني يسألني النزول فاستحييت من رده
وداخلني من ذلك ذمام فضيفته وآويته وقد كان من امره ما قد
بلغك فأن شئت أعطيتك الان موثقا تطمئن به ورهينة تكون في
يدك حتى انطلق وأخرجه من دارى فاخرج من ذمامه وجواره فقال
له ابن زياد والله لا تفارقني ابدا حتى تأتيني به قال لا والله لا أجيئك
به ابدا أجيئك بضيفي تقتله قال والله لتأتيني به قال والله لا آتيك به
فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي وليس بالكوفة

(1) اي بهت وتحير ولا يكون الا مبنيا للمفعول (منه)
49

شامي ولا بصري غيره فقال أصلح الله الأمير خلني وإياه حتى أكمله
فقام فخلى به ناحية فقال له يا هاني أنشدك الله ان تقتل نفسك وان
تدخل البلاء في عشيرتك فوالله اني لأنفس بك عن القتل ان هذا
الرجل ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه فادفعه إليهم فإنه ليس
عليك بذلك مخزاة ولا منقصة إنما تدفعه إلى السلطان فقال هاني
والله ان علي في ذلك الخزي والعار ان ادفع جاري وضيفي وانا
صحيح اسمع وارى شديد الساعدين كثير الأعوان والله لو لم أكن
الا واحد أليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه فاخذ يناشده وهو
يقول والله لا أدفعه ابدا فسمع ابن زياد ذلك فقال أدنوه مني فأدنوه
منه فقال والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك فقال هاني إذا والله لتكثر
البارقة حول دارك فقال ابن زياد وا لهفاه عليك أبالبارقة تخوفني
وهاني يظن أن عشيرته سيمنعونه ثم قال ادنوه مني فادني منه فاستعرض
وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به انفه وجبينه وخده حتى كسر انفه
وسالت الدماء على ثيابه ووجهه ولحيته ونثر لحم جبينه وخده على
لحيته حتى كسر القضيب وضرب هاني يده على قائم سيف شرطي
وجاذبه الشرطي ومنعه فقال عبيد الله أحروري (1) سائر اليوم قد
حل دمك جروه فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار واغلقوا
.

(1) الحروري الخارجي نسبة إلى الحرورية وتقدم تفسيرهم " منه "
50

عليه بابه فقال اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام إليه أسماء بن
خارجة وقيل حسان بن أسماء فقال ارسل غدر سائر اليوم أمرتنا ان
نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت انفه ووجهه وسيلت دماءه
على لحيته وزعمت انك تقتله فقال له عبيد الله وانك لههنا فامر به
فضرب واجلس ناحية فقال انا لله وانا إليه راجعون إلى نفسي أنعاك
يا هاني فقال محمد بن الأشعث قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أم
علينا إنما الأمير مؤدب وفي رواية ان ابن زياد قال لهاني لما دخل عليه
يا هاني اما تعلم أن أبي قدم هذا البلد فلم يترك أحدا من هذه الشيعة
الا قتله غير أبيك وغير حجر وكان من حجر ما قد علمت ثم لم يزل يحسن
صحبتك ثم كتب إلى أمير الكوفة ان حاجتي قبلك هاني قال
نعم قال فكان جزائي ان خبأت في بيتك رجلا يقتلني قال ما فعلت
فعند ذلك اخرج الذي كان عينا عليهم وبلغ عمرو بن الحجاج ان
هانيا قد قتل فاقبل في مذحج حتى أحاط بالقصر ومعه جمع عظيم ثم
نادي وقال انا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع
طاعة ولم تفارق جماعة وقد بلغهم ان صاحبهم قد قتل فأعظموا ذلك
فقيل لابن زياد هذه فرسان مذحج بالباب فقال لشريح القاضي
ادخل على صاحبكم فانظر إليه ثم اخرج وأعلمهم انه حي لم يقتل فدخل
شريح فنظر إليه فقال هاني لما رأي شريحا يا لله يا للمسلمين أهلكت عشيرتي
51

ابن أهل المصر والدماء تسيل على لحيته إذ سمع الصيحة على باب
القصر فقال إني لأظنها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين انه أن
دخل علي عشرة نفر أنفذوني فلما سمع كلامه شريح خرج إليهم
فقال لهم ان الأمير لما بلغه كلامكم ومقالتكم في صاحبكم امرني
بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه فأمرني ان ألقاكم وأعرفكم انه حي
وان الذي بلغكم من قتله باطل فقال له عمرو بن الحجاج وأصحابه
أما إذا لم يقتل فالحمد لله ثم انصرفوا ولما ضرب عبيد الله هانئا وحبسه
خاف ان يثب به الناس فخرج فصعد المنبر ومعه اشراف الناس وشرطه
وحشمه فخطب خطبة موجزة وحذر الناس وهددهم فما نزل حتى
دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون ويقولون قد
جاء ابن عقيل فدخل عبيد الله القصر مسرعا وأغلق أبوابه قال عبد
الله ابن حازم انا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هاني
فلما ضرب وحبس ركبت فرسي فكنت أول داخل الدار على مسلم
ابن عقيل بالخبر فإذا نسوة من مراد مجتمعات ينادين يا عبر تاه يا ثكلاه
فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر فأمرني ان أنادي في أصحابه وقد
ملأ بهم الدور حوله وكانوا فيها أربعة آلاف رجل فقال لمناديه ناد
يا منصور أمت وكان ذلك شعارهم فنادي فتنادى أهل الكوفة
واجتمعوا عليه فاجتمع إليه أربعة آلاف فعقد لعبد الله بن عزيز
52

الكندي على ربع كنده وربيعة * وقال سر أمامي في الخيل وعقد لمسلم بن
عوسجة الأسدي على ربع مذحج واسد وقال انزل في الرجال وعقد
لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان وعقد لعباس بن جعدة
الجدلي على ربع المدينة وعبأ ميمنته وميسرته ووقف هو في القلب
واقبل نحو القصر وتداعي الناس واجتمعوا فما لبثنا الا قليلا حتى امتلأ
المسجد من الناس والسوق وما زالوا يتوثبون حتى المساء وبعث عبيد
الله إلى وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر وأحاط مسلم
بالقصر فضاق بعبيد الله امره وكان أكثر عمله ان يمسك باب القصر
وليس معه الا ثلاثون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من اشراف
الناس وأهل بيته وخاصته واقبل من نأى عنه من اشراف الناس
يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين وجعل من في القصر
مع ابن زياد يشرفون على أصحاب مسلم فينظرون إليهم وأصحاب
مسلم يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم ويفترون على عبيد الله وعلى أمه
وأبيه فدعا ابن زياد كثير بن شهاب واسره ان يخرج فيمن اطاعه من
مذحج فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب
ويحذرهم عقوبة السلطان وامر محمد بن الأشعث ان يخرج فيمن
اطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاء من الناس
وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي وشبث بن ربعي التميمي
53

وحجار بن أبجر السلمي (العجلي خ ل) وشمر بن ذي الجوشن
العامري (الضبابي خ ل) وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا
إليهم لقلة عدد من معه من الناس فخرج كثير بن شهاب يخذل
الناس عن مسلم وخرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني
عمارة فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث عبد الرحمن بن شريح
الشيباني فلما رأى ابن الأشعث كثرة من اتاه تأخر عن مكانه وجعل
محمد بن الأشعث وكثير بن شهاب والقعقاع وشبث بن ربعي
يردون الناس عن اللحوق بمسلم ويخوفونهم للسلطان حتى اجتمع إليهم
عدد كثير من قومهم وغيرهم فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار
الروميين فقال له كثير أصلح الله الأمير معك في القصر ناس كثير
فاخرج بنا إليهم فأبي عبيد الله وعقد شبث بن ربعي لواء فأخرجه
وقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء وأمرهم شديد فأمر
عبيد الله من عنده من الاشراف أن يشرفوا على الناس فيمنوا أهل
الطاعة الزيادة والكرامة ويخوفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة
ويعلموهم وصول الجند من الشام إليهم وتكلم كثير بن شهاب حتى
كادت الشمس ان تغرب فقال أيها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا
الشر ولا تعضوا أنفسكم للقتل فأن هذه جنود أمير المؤمنين
يزيد قد أقبلت وقد اعطى الله الأمير عهدا لئن أقمتم على حربه ولم
54

تنصرفوا من عشيتكم ان يحرم ذريتكم العطاء ويفرق مقاتليكم
في مغازي الشام وان يأخذ البرئ منكم بالسقيم والشاهد بالغائب
حتى لا يبقى له بقية من أهل المعصية الا أذاقها وبال ما جنت أيديها
وتكلم الاشراف بنحو من ذلك فلما سمع الناس مقالتهم اخذوا
يتفرقون وكان المرأة تأتي ابنها وأخاها فتقول انصرف الناس
يكفونك ويجئ الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول غدا يأتيك أهل الشام
فما تصنع بالحرب والشر انصرف فيذهب به فينصرف فما زالوا
يتفرقون حتى امسى أين عقيل في خمسمائة فلها اختلط الظلام جعلوا
يتفرقون فصلى المغرب وما معه الا ثلاثون نفسا في المسجد فلما رأى أنه
قد امسى وليس معه الا أولئك النفر خرج متوجها إلى أبواب
كنده فلم يبلغ الأبواب الا ومعه عشرة ثم خرج من الباب فإذا
ليس معه انسان فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق ولا
يدله على منزله ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو فمضى على وجهه
متحيرا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب حتى خرج إلى دور بني
جبلة من كندة فمضى حتى اتى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد
كانت للأشعث بن قيس فاعتقها وتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له
بلالا وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره فسلم عليها
ابن عقيل فردت عليه السلام وطلب منها ماء فسقته وجلس ودخلت
55

ثم خرجت فقالت يا عبد الله ألم تشرب قال بلى قالت فاذهب إلى أهلك
فسكت ثم أعادت مثل ذلك فسكت ثم قالت في الثالثة سبحان
الله يا عبيد الله قم عافاك الله إلى أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس على
بابي ولا أحله لك فقام وقال يا أمة الله مالي في هذا المصر أهل ولا عشيرة
فهل لك في اجر ومعروف ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم قالت يا عبد
الله وما ذاك قال انا مسلم بن قيل كذبني هؤلاء القوم وغروني
وأخرجوني قالت أنت مسلم قال نعم قالت ادخل فدخل إلى بيت
في دارها غير البيت الذي تكون فيه وفرشت له وعرضت عليه
العشاء فلم يتعش ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول
في البيت والخروج منه فقال لها والله انه ليريبني كثرة دخولك إلى
هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة ان لك لشأنا قالت له يا بني اله
عن هذا قال والله لتخبريني قالت له اقبل على شأنك ولا تسألني عن
شئ فالح عليها فقالت يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشئ مما
أخبرك به قال نعم فأخذت عليه الايمان فخلف لها فأخبرته فاضطجع
وسكت ولما تفرق الناس عن مسلم طال الامر على ابن زياد وجعل
لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع أولا فقال لأصحابه
أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا فاشرفوا فلم يجدوا أحدا قال
56

فانظروا هم لعلهم تحت الظلال (1) قد كمنوا لكم فنزعوا الأخشاب
من سقف المسجد وجعلوا يخفضون بشعل النار في أيديهم وينظرون
وكانت أحيانا تضيئ لهم وتارة لا تضيئ كما يريدون فدلوا القناديل
وأطنان القصب تشد بالحبال ثم تجعل فيها النيران ثم تدلي حتى تنتهي
إلى الأرض ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها فلا
يرون أحدا حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر فلما لم يروا شيئا اعلموا
ابن زياد بتفرق القوم ففتح باب السده (2) التي في المسجد ثم خرج
فصعد المنبر وخرج أصحابه معه وأمرهم فجلسوا قبيل العتمة (3) وامر
عمر بن نافع فنادي الا برئت الذمة من رجل من الشرط (4) أو
العرفاء (5) والمناكب (6) أو المقاتلة صلى العتمة الا في المسجد فلم

(1) الظلال بالكسر جمع ظلة والظلة بالضم مهيئة الصفة والصفة بناء في الدار
معروف " منه " (2) السدة بالضم سقيفة امام باب الدار وما يبقى من الطاق
المسدود وسدة المسجد الأعظم ما حوله من الرواق قالوا والسدة باب الدار
والبيت يقال رأيته قاعدا بسدة بابه وبسدة داره مع أن قولهم سدة بابه يدل
على أن السدة غير الباب " منه " (3) العتمة وقت صلاة العشاء الآخرة " منه "
(4) الشرط كصرد طائفة من أعوان الولاة معروفة واحدة شرطة بالضم
فالسكون وهو شرطي كتركي وشرطي كجهني سموا بذلك لأنهم اعلموا
أنفسهم بعلامات يعرفون بها " منه " (5) جمع عريف كأمراء وأمير وهو الرئيس
كما تقدم " منه " (6) المناكب رؤوس العرفاء كما مر " منه "
57

يكن الا ساعة حتى امتلاء المسجد من الناس ثم أمر مناديه فأقام
الصلاة وأقام الحرس خلفه وأمرهم بحراسته من أن يدخل إليه من
يغتاله وصلى بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اما بعد
فان ابن عقيل السفيه الجاهل قد اتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق
فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره ومن جاء به فله دينه اتقوا
الله عباد الله والزموا طاعتكم وبيعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا
يا حصين بن نمير وهو صاحب شرطته ثكلتك أمك ان ضاع باب
من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ولم تأتني به وقد سلطتك على
دور أهل الكوفة فابعث مراصد على أهل الكوفة ودورهم وأصبح
غدا واستبرأ الدور وحبس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل ثم دخل
القصر وقد عقد لعمر وبن حريث راية وأمره على الناس فلما أصبح
جلس مجلسه واذن للناس فدخلوا عليه واقبل محمد بن الأشعث فقال
مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم ثم اقعده إلى جنبه وأصبح ابن تلك
العجوز فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم
ابن عقيل من أمه فاقبل عبد الرحمن حتى اتى أباه وهو عند ابن زياد فساره
فعرف ابن زياد سراره فقال له ابن زياد في جنبه بالقضيب قم فأتني به
الساعة فقام وبعث معه قومه لأنه علم أن كل قوم يكرهون ان
58

يصاب فيهم مثل مسلم فبعث معه عبيد الله (1) بن العباس السلمي
في سبعين رجلا من قيس حتى اتوا الدار التي فيها مسلم فلما سمع مسلم
وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنه قد أتي فخرج إليهم بسيفه
واقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى
أخرجهم من الدار ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك فأخرجهم مرارا
وقتل منهم جماعة واختلف هو وبكر بن حمران الأحمري ضربتين
فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى
وفصلت لها ثنيتاه وضربه مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه بأخرى
على حبل العاتق كادت تطلع إلى جوفه فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه
من فوق البيت واخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطنان
القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت فلما رأى ذلك خرج عليهم
مصلتا سيفه في السكة فقال محمد بن الأشعث لك الأمان لا تقتل
نفسك وهو يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن
أقسمت لا اقتل الا حرا * وان رأيت الموت شيئا نكرا
أخاف ان اكذب أو أغرا * أو أخلط البارد سخنا مرا
59

رد شعاع الشمس فاستقرا * كل امرى يوما ملاقي شرا
أضربكم ولا أخاف ضرا
فقال له محمد بن الأشعث انك لا تكذب ولا تغر ولا تخدع
ان القوم بنو عملك وليسوا بقاتليك ولا ضائريك وكان قد أثخن
بالحجارة وعجر عن القتال فأسند ظهره إلى جنب تلك الدار فأعاد ابن
الأشعث عليه القول لك الأمان فقال آمن انا قال نعم فقال للقوم
الذين معه إلى الأمان قال القوم له نعم الا عبيد الله بن العباس
السلمي فإنه قال لا ناقة لي في هذا ولا جمل وتنحى فقال مسلم اما لو لم
تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم وفي رواية انه لم سمع وقع حوافر
الخيل لبس درعه وركب فرسه وجعل يحاربهم حتى قتل منهم جماعة
وفي رواية أحد وأربعين رجلا فنادي إليه ابن الأشعث لك الأمان
فقال وأي أمان للغدرة الفجرة واقبل يقاتلهم ويرتجز بالابيات المتقدمة
فنادوا إليه انك لا تكذب ولا تغر فلم يلتفت إلى ذلك وتكاثروا عليه
بعد أن أثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الأرض فاخذ أسيرا
قال الراوي فاتي ببغله فحمل عليها واجتمعوا حوله وانتزعوا
سيفه وكأنه عند ذلك يئس من نفسه فدمعت عيناه ثم قال هذا أول
الغدر فقال له محمد بن الأشعث أرجو ان لا يكون عليك بأس
قال وما هو الا الرجاء أين أمانكم انا الله وانا إليه راجعون وبكي فقال
60

له عبيد الله بن العباس ان من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به
مثل ما نزل بك لم يبك فقال والله ما لنفسي بكيت ولا لها من القتل
ارثي وان كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ولكني أبكي لأهلي
المقبلين إلى أبكي لحسين وآل حسين ثم اقبل على محمد بن الأشعث
فقال يا عبد الله اني أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير
تستطيع ان تبعث من عندك رجلا على لساني ان يبلغ حسينا فأني
لا أراه الا وقد خرج اليوم أو هو خارج غدا وأهل بيته ويقول له
ان ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في أيدي القوم لا يرى أنه يمسي
حتى يقتل وهو يقول لك ارجع فداك أبي وأمي باهل بيتك ولا
يغررك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم
بالموت أو القتل ان أهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي
فقال ابن الأشعث والله لأفعلن ولا علمن ابن زياد اني قد أمنتك
وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر واستأذن ودخل على
ابن زياد فأخبره خبر ابن عقيل وضرب بكر إياه وما كان من أمانه
فقال له عبيد الله وما أنت والأمان كأنه أرسلناك لتؤمنه إنما
أرسلناك لتأتينا به فسكت وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر وقد
اشتد به العطش وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الاذن فيهم
عمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن حريث ومسلم بن عمرو
61

الباهلي (1) وكثير بن شهاب وإذا قلة (2) فيها ماء بارد موضوعة على
الباب فقال مسلم أسقوني من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو بن أتراها
ما أبردها لا والله لا تذوق منها قطرة ابدا حتى تذوق الحميم في نار
جهنم فقال له مسلم ويلك من أنت فقال انا الذي عرف الحق
إذا أنكرته ونصح لامامه إذ غششته واطاعه إذ خالفته انا مسلم
بن عمرو الباهلي فقال له ابن عقيل لامك الثكل ما أفاك وأفظك
وأقسى قلبك أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم منى
ثم جلس فتساند إلى الحائط وبعث عمرو بن حريث وقيل عمارة بن
عقبة غلا ماله فاتاه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء فقال له اشرب
فاخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فمه فلا يقدر ان يشرب ففعل
ذلك مرة أو مرتين فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في
القدح فقال الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته وفي ذلك
يقول المؤلف من قصيدة يرثى بها مسلما رضي الله عنه
يا مسلم بن عقيل لا أغلب ثرى * ضريحك المن هطالا وهتانا
بذلت نفسك في مرضاة خالقها * حتى قضيت بسيف البغي ظمآنا
كأنما نفسك اختارت لها عطشا * لما درت ان سيقضى السبط عطاشا
فلم تطق ان تسيغ الماء عن ظلما * من ضربة ساقها بكر بن حمرانا

(1) هو والد قتيبة بن مسلم أمير خراسان المشهور " منه ".
(2) اي جره " منه ".
62

وخرج رسول ابن زياد فامر بادخاله إليه فلما دخل مسلم لم يسلم
عليه بالامرة فقال له الحرسي الا تسلم على الأمير فقال إن كان
يريد قتلي فما سلامي عليه وإن كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي
عليه فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن قال فدعني أوصي إلى بعض قومي
قال افعل فنظر مسلم إلى جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد فقال
يا عمر ان بيني وبينك قرابة ولي إليك حاجة وهي سر فامتنع عمران
يسمع منه فقال له ابن زياد ولم تمتنع ان تنظر في حاجة ابن عمك
فقام معه فجلس بحيث ينظر إليهما ابن زياد فقال له ان علي بالكوفة
دينا سبعمائة درهم فبع سيفي ودرعي فاقضها عني وإذا قتلت فاستوهب
جثتي من ابن زياد فوارها وابعث إلى الحسين عليه السلام من يريده
فأني قد كتبت إليه اعلمه ان الناس معه ولا أراه الا مقبلا فقال عمر
لابن زياد أتدري أيها الأمير ما قال لي انه ذكر كذا وكذا فقال ابن
زياد لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن اما ماله فهو لو ولسنا
نمنعك ان تصنع به ما أحب واما جثته فأنا لن نشفعك فيها وفي رواية
فانا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها
واما حسين فإنه ان لم يردنا لم نرده وفي رواية انه حين
دخل قال له الحرسي سلم على الأمير فقال اسكت ويحك والله ما هو لي
بأمير، فقال ابن زياد لا عليك سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول، فقال
63

له مسلم ان قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني. فقال
له ابن زياد قتلني الله ان لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الاسلام.
فقال له مسلم اما انك أحق من الحدث في الاسلام ما لم يكن وانك
لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لاحد
أولى بها منك. فقال ابن زياد يا عاق يا شاق خرجت على امامك
وشققت عصى المسلمين وألقحت الفتنة. فقال مسلم كذبت إنما شق
عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد واما الفتنة فإنما ألقحتها أنت وأبوك
زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف وانا أرجو ان يرزقني الله
الشهادة على يدي شر بريته. فقال له ابن زياد منتك نفسك أمرا حال الله
دونه وجعله لأهله، فقال له مسلم ومن أهله يا ابن مرجانة إذا لم نكن نحن
أهله، فقال ابن زياد أهله أمير المؤمنين يزيد. فقال مسلم الحمد لله
على كل حال رضينا بالله حكما بيننا وبينكم. فقال له ابن زياد أتظن
ان لك في الامر شيئا فقال له مسلم والله ما هو الظن ولكنه اليقين
وقال له ابن زياد ايه ابن عقيل اتيت الناس وهم جميع وأمرهم ملتئم
فشتت أمرهم بينهم وفرقت كلمتهم وحملت بعضهم على بعض. قال
كلا لست لذلك اتيت ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف
وتأمرتم على الناس بغير رضي منهم وحملتموهم على غير ما امركم الله
به وعملتم فيهم باعمال كسرى وقيصر فاتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف
64

وننهى عنى المنكر وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنة وكنا أهل
ذلك، فقال له ابن زياد وما أنت وذاك يا فاسق لم لم تعمل بذلك إذ
أنت بالمدينة تشرب الخمر، قال مسلم انا اشرب الخمر اما والله ان
الله ليعلم انك تعلم انك غير صادق وان أحق بشرب الخمر مني
وأولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا فيقتل النفس التي حرم الله
قتلها ويسفك الدم الذي حرم الله على الغضب والعداوة وسوء الظن
وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا، فاقبل ابن زياد يشتمه ويشتم
عليا والحسن والحسين وعقيلا واخذ مسلم لا يكلمه " وفي رواية " أنه قال
له أنت وأبوك أحق بالشتيمة فاقض ما أنت قاض يا عدو الله (ثم) قال
ابن زياد إصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده فقال
مسلم والله لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني (1) فقال ابن زياد أين
هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف فدعي بكر بن حمران
فقال له اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه فصعد به وهو يكبر
ويستغفر الله ويسبحه ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وآله
ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا فضرب
عنقه واتبع رأسه جثته ونزل بكر الذي قتله مذعورا فقال له ابن
زياد ما شأنك فقال أيها الأمير رأيت ساعة قتله رجلا اسود شنئ

(1) قيل إنه يشير إلى أنه كأبيه دعيان وليسا من قريش " منه "
65

الوجه حذائي عاضا على إصبعه أو قال على شفته ففزعت منه فزعا لم افزعه
قط فقال ابن زياد لعلك دهشت (فقام) محمد بن الأشعث إلى عبيد الله
ابن زياد فكلمه في هاني بن عروة فقال إنك قد عرفت منزلة هاني
في المصر وبيته في العشيرة وقد علم قومه اني وصاحبي سقناه إليك
وأنشدك الله لما وهبته لي فأني أكره عداوة المصر وأهله فوعده ان
يفعل ثم بداله وامر بهاني في الحال وقال أخرجوه إلى السوق فاضربوا
عنته فاخرج هاني حتى اتي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه
الغنم وهو مكتوب فجعل يقول وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم
يا مذحجاه يا مذحجاه أين مذحج فلما رأي ان أحدا لا ينصره جذب
يده فنزعها من الكتاف ثم قال اما من عصى أو سكين أو حجارة أو
عظم يحاجز بها رجل عن نفسه ووثبوا إليه فشدوه وثاقا ثم قيل له
امدد عنقك فقال ما انا بها سخي وما انا بمعينكم على نفسي فضربه مولى
لعبيد الله بن زياد تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع شيئا فقال
له هاني إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك ورضوانك ثم ضربه أخرى
فقتله وبصر عبد الرحمن بن الحصين المرادي بعد ذلك بقاتل هاني فحمل عليه
بالرمح فطعنه فقتله واخذ بثار هاني " وفي " مسلم وهاني رحمهما الله
تعالى يقول عبد الله بن الزبير (1) الأسدي ويقال انها للفرزدق

(1) بفتح الزاي وليس للعرب زبير بفتح الزاي غيره " منه "
66

وقيل إنها لسليمان
فأن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل
إلى بطل قد هشيم السيف وجهه * وآخر يهوي من طمار (1) قتيل
أصابهما فرخ البغي (2) فأصبحا * أحاديث من يسري بكل سبيل
تري جسدا قد غير الموت لونه * ونضح دم قد سال كل مسيل
فتى كان أحيى من فتاة حيية * واقطع من ذي شفرتين صقيل
أيركب أسماء (3) الهماليج (4) آمنا * وقد طلبته مذحج بذحول
تطوف (5) حواليه (6) مراد وكلهم * على رقبة (7) من سائل ومسول
فأن أنتم لم تثأروا (8) بأخيكم * فكونوا بغايا (9) أرضيت بقليل

(1) الطمار بفتح الطاء وكسرها المكان المرتفع " منه " (2) هو ابن زياد
لان أمه مرجانة وجدته سميه كانتا كذلك وفي نسخة أمر اللعين " منه " (3) هو
أسماء بن خارجة أحد الثلاثة الذين ذهبوا بهاني إلي ابن زياد " منه " (4) جمع هملاج
وهو نوع من البراذين " منه " (5) مضارع طاف وفي نسخة تطيف مضارع أطاف
" منه " (6) اي حوالي هاني وهو إشارة إلى اجتماعهم حول القصر لتخليص هاني
وفي نسخة حفافيه جمع حفاف وهو الجانب " منه " (7) الرقبة بالفتح الارتقاب
والانتظار وبالكسر التحفظ اي كلهم مرتقب منتظر لتخليصه أو متحفظ مستعد
للقتال وبعضهم يسأل بعضا عن حاله وشأنه " منه " (8) اي تطلبوا بثاره
والخطاب لمذحج " منه " (9) اي زواني وفي نسخة أيامي " منه "
67

" وقال آخر " يخاطب محمد بن الأشعث
وتركت عمك لم تقاتل دونه * فشلا ولولا أنت كان منيعا
وقتلت وافد حزب آل محمد * وسلبت أسيافا له ودروعا
وكان ابن زياد لما حوصر في القصر اتي برجل يسمى عبد الاعلى
الكلبي كان قد خرج لنصرة مسلم بن عقيل فاخذه كير بن شهاب
وبعث به إلى ابن زياد فقال لابن زياد إنما أردتك فامر به فحبس واتي
برجل آخر يقال له عمارة الأزدي كان خرج أيضا لنصرة مسلم بن
عقيل فحبسه ابن زياد أيضا فلما قتل مسلم وهانئ دعا ابن زياد بعبد
الاعلى فقال له خرجت لأنظر ما يصنع الناس فاخذني كثير بن شهاب
فطلب منه ابن زياد ان يحلف على ذلك بالايمان المغلظة فلم يحلف فامر ابن
زياد ان يذهبوا به إلى جبانة السبيع ويضربوا عنقه فانطلقوا به إليها
وقتلوه وامر بعمارة الأزدي ان يذهبوا به إلى قومه فضربت عنقه
فيهم " وكان " خروج مسلم في الكوفة يوم الثلاثا لثمان مضين من ذي
الحجة يوم التروية وقتله يوم الأربعاء يوم عرفة لتسع خلون منه على
رواية المفيد، وفي رواية " ان قتله كان يوم التروية " وامر " ابن زياد بجثة
مسلم وهاني فصلبتا بالكناسة وبعث برأسيهما إلى يزيد بن معاوية مع
الزبير بن الا روح التميمي وهاني بن أبي حية الوداعي وأخبره بأمرهما
" وكان " رأس مسلم أول رأس حمل من رؤوس بني هاشم وجثته
68

أول جثة صلبت " فأعاد " يزيد الجواب إليه يشكره على فعله وسطوته
ويقول له قد بلغني ان حسينا قد سار إلى الكوفة وقد ابتلي به زمانك
من بين الأزمان وبلدك من بين البلدان وابتليت به من بين العمال
وعندها تعتق أو تعود عبدا فظع المناظر والمسالح واحبس على الظنة
وخذ على التهمة واكتب إلي في كل ما يحدث " وكان " يزيد بن معاوية
قد انفذ عمرو بن سعيد بن العاص من المدينة إلى مكة في عسكر
عظيم وولاه أمر الموسم وأمره على الحاج كلهم فحج بالناس وأوصاه
بقبض الحسين عليه السلم سرا وان لم يتمكن منه يقتله غيلة وأمره
ان يناجز الحسين عليه السلام القتال ان هو ناجزه فلما كان يوم التروية
قدم عمرو بن سعيد إلى مكة في جند كثيف " ثم " ان يزيد دس مع
الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية وأمرهم
بقتل الحسين عليه السلام على اي حال اتفق (1) فلما علم الحسين عليه
السلام بذلك عزم على التوجه إلى العراق وكان قد أحرم بالحج وقد
وصله قبل ذلك كتاب مسلم بن عقيل ببيعة أهل الكوفة له فطاف

(1) نقل انفاذ عمرو بن سعيد ودس الثلاثين رجلا صاحب البحار وقال إنه
رآه في بعض الكتب المعتبرة ونقل انفاذ عمر ووصوله يوم التروية ابن طاوس في
اللهوف عن معمر بن المثنى في مقتل الحسين عليه السلام وعمرو هذا كان أميرا على
مكة ثم ولاه يزيد المدينة كما مر ثم انفذه من المدينة إلى مكة وأمره على الحاج " منه "
69

بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وقصر من شعره وأحل من احرام
الحج وجعلها عمرة مفردة لأنه لم يتمكن من اتمام الحج مخافة ان
يقبض عليه فخرج من مكة يوم الثلاثا وقيل يوم الأربعاء يوم
التروية لثمان مضين من ذي الحجة فكان الناس يخرجون إلى منى
والحسين عليه السلام خارج إلى العراق وقيل خرج عليه السلام يوم
الثلاثا لثلاث مضين من ذي الحجة ولم يكن علم بقتل مسلم بن
عقيل لان مسلما قتل في ذلك اليوم الذي خرج فيه الحسين عليه السلام
إلى العراق أو بعده بيوم أو بخمسة أيام أو ستة ولما عزم الحسين عليه السلام
على الخروج إلى العراق قام خطيبا " فقال " الحمد لله وما شاء الله ولا
قوة الا بالله وصلى الله على رسوله خط الموت على ولد آدم مخط
القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى اسلافي اشتياق يعقوب إلى
يوسف وخير لي مصرع انا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات
بين النوا ويس وكربلا فيملان مني أكراشا جوفا وجربة سغبا
لا محيص عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت نصير على
بلائه ويوفينا أجور الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي
مجموعة له في حظيرة القدس تقربهم عينه وينجز بهم وعده من كان
باذلا فينا مهجته وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنني راحل
مصبحا أن شاء الله تعالى " وجاءه " أبو بكر عمر بن عبد الرحمن بن
70

الحارث بن هشام المخزومي فنهاه عن الخروج إلى العراق فقال له
الحسين " ع " جزاك الله خيرا يا ابن عم قد اجتهدت رأيك ومهما
يقض الله يكن وجاءه عبد الله بن عباس فنهاه عن الخروج أيضا
فقال أستخير الله وانظر ما يكون " ثم " اتاه مرة ثانية فأعاد عليه
النهي وقال إن أبيت الا الخروج إلى اليمن فقال الحسين عليه
السلام يا ابن عم اني والله لاعلم انك ناصح مشفق وقد أزمعت
وأجمعت المسير ثم خرج ابن عباس فمر بابن الزبير وانشد
يا لك من قبرة بمعمر * خلالك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت ان تنقري * هذا حسين خارج فأبشري
" وجاءه " عبد الله بن الزبير فأشار عليه بالعراق ثم خشي ان
يتهمه فقال لو أقمت لما خالفنا عليك فلما خرج ابن الزبير قال الحسين عليه
السلام ان هذا ليس شئ أحب إليه من أن اخرج من الحجاز " وجاءه "
عبد الله بن عباس وعبدا الله بن الزبير فأشارا عليه بالامساك عن
المسير إلى الكوفة فقال لهما ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد امرني
بأمر وانا ماض فيه فخرج ابن عباس وهو يقول وا حسيناه " ثم " جاءه
عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح اله الضلال وحذره من القتل
والقتال فقال له يا أبا عبد الرحمن اما علمت أن من هو ان الدنيا على الله
ان رأس يحي بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل اما
71

تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن
لم يصنعوا شيئا فلم يجعل الله عليهم بل اخذهم بعد ذلك اخذ عزيز
ذي انتقام اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي وكان الحسين
عليه لاسلام يقول وأيم الله لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام
لاستخرجوني حتى يقتلوني والله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في
السبت والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا
فعلوا ذلك سلط الله عليهم ومن يذلهم حتى يكونوا أذل من فرام (1).
المرأة " وجاءه " محمد بن الحنفية في الليلة التي أراد الحسين عليه
السلام الخروج في صبيحتها عن مكة فقال له يا أخي ان أهل الكوفة
قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت ان يكون حالك كحال
من مضي فأن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم وامنعه فقال يا أخي
قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم فأكون الذي يستباح به
حرمة هذا البيت فقال له ابن الحنفية فان خفت ذلك فصر إلى اليمن
أو بعض نواحي البر فإنك امنع الناس به ولا يقدر عليك أحد فقال
أنظر فيما قلت فلما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام فبلغ ذلك
ابن الحنفية فاتاه فأخذ بزمام ناقته وقد ركبها فقال يا أخي ألم تعدني
.

الفرام خرقة الحيض " منه ".
72

النظر فيما سألتك قال بلى قال فما حداك على الخروج عاجلا قال اتاني
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما فارقتك فقال يا حسين اخرج فأن
الله قد شاء ان يراك قتيلا فقال محمد بن الحنفية انا لله وانا إليه
راجعون فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك وأنت تخرج على
مثل هذا الحال فقال إن الله قد شاء ان يراهن سبايا فسلم عليه ومضى
" وفي " رواية ان محمد بن الحنفية كان يومئذ بالمدينة فبلغه خبر
الحسين عليه السلام وهو يتوضأ في طست فبكى حتى سمع وكف
دموعه في الطست " قال " أبو محمد الواقدي وزرارة بن خلج (1) لقينا
الحسين بن علي عليهما السلام قبل ان يخرج إلى العراق فأخبرناه
ضعف الناس بالكوفة وان قلوبهم معه وسيوفهم عليه فأومى بيده
نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيه
الا الله عز وجل فقال لولا تقارب الأشياء وحبوط الاجر لقاتلتهم
بهاء ولا ولكن اعلم علما ان من هناك مصعدي وهناك مصارع أصحابي
لا ينجو منهم الا ولدي علي " وسمع " عبد الله بن عمر بخروجه فقدم
راحلته وخرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل فقال ابن تريد
يا ابن رسول الله قال العراقي مهلا ارجع إلى حرم جدك فأبي

(1) ذكر ذلك في اللهوف عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري الامامي
في دلائل الإمامة عن أبي محمد سفيان بن وكيع عن أبيه وكيع عنهما " منه ".
73

الحسين عليه السلام فلما رأى ابن عمر إباءه قال يا أبا عبد الله الكشف
لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبله منك
فكشف الحسين عليه السلام عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى
وقال استودعك الله يا أبا عبد الله فإنك في وجهك هذا
" وفي رواية " انه قبل ما بين عينيه وبكى وقال استودعك الله من قتيل
" ولما " خرج الحسين عليه السلام من مكة اعترضته رسل عمرو بن
سعيد بن العاص أمير الحجاز من قبل يزيد (1) عليهم اخوه يحيي بن
سعيد ليردوه فأبى عليهم وتدافع الفريقان وتضاربوا بالسياط ثم امتنع
عليهم الحسين عليه السلام وأصحابه امتناعا شديدا ومضى الحسين (ع).
على وجهه فبادروا وقالوا يا حسين الا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق
بين هذه الأمة فقال لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما اعمل وانا
برئ مما تعملون " وعن " علي بن الحسين عليهما السلام قال خرجنا مع
الحسين (ع) فما نزل منزلا ولا ارتحل منه الا ذكر يحيى بن زكريا وقتله
وقال يوما ومن هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا أهدي
إلى بغي من بغايا بني إسرائيل وعن الصادق عليه السلام قال لما سار
أبو عبد الله الحسين بن علي صلوات عليهما من مكة ليدخل

(1) وذلك لأنه كان بمكة عند سفر الحسين عليه السلام إلى العراق كما
مر في الحواشى السابقة " منه "
74

المدينة لقيته أفواج من الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم
الحراب على نجب من نجب الجنة فسلموا وقالوا بالحجة الله على
خلقه بعد جده وأبيه ان الله عز وجل امد جدك رسول الله صلى الله
عليه وآله بنا في مواطن كثيرة وان الله أمدك بنا فقال لهم الموعد
حفرتي وبقعتي التي استشهد فيها وهي كربلا فإذا وردتها فاتوني فقالوا
يا حجة الله ان الله أمرنا ان نسمع لك ونطيع فهل تخشى من عدو
يلقاك فنكون معك فقال لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة
أو أصل إلى بقعتي واتته الفواح من مؤمني الجن فقالوا له يا مولانا نحن
شيعتك وأنصارك فمرنا بما تشاء فلو امرتنا بقتل كل عدو لك وأنت
بمكانك لكفيناك ذلك فجزاهم خيرا وقال لهم اما قرأتم كتاب الله
المنزل على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله أينما تكونوا
يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وقوله قل لو كنتم في بيوتكم
لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم فإذا أقمت في مكاني فبماذا
يمتحن هذا الخلق المتعوس وبماذا يختبرون ومن ذا يكون ساكن
حفرتي وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحي الأرض وجعلها معقلا
لشيعتنا ومحبينا تقبل بها أعمالهم وصلواتهم ويجاب دعاؤهم وتسكن
إليها شيعتنا فتكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة ولكن تحضرون
يوم السبت وهو يوم عاشورا الذي في آخره اقتل ولا يبقي بعدي
75

مطلوب من أهلي ونسبي وإخواني وأهل بيتي ويسار برأسي إلى
يزيد بن معاوية فقالت الجن نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبة لولا
أن امرك طاعة وانه لا يجوز لنا مخالفتك لخالفناك وقتلنا جميع أعدائك
قبل ان يصلوا إليك فقال لهم لحن والله أقدر عليهم منكم ولكن ليهلك
من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة " وكتب " عمرو بن سعيد وهو والي
المدينة بأمر الحسين عليه السلام إلى يزيد فلما قرأ الكتاب تمثل بهذا البيت
فان لا تزر ارض العدو وتأته * يزرك عدو أو يلومنك كاشح
" ثم " سار عليه السلام حتى مر بالتنعيم فلقي هناك عيرا تحمل
هدية قد بعث بها بحير (1) بن ريسان الحميري عامل اليمن إلى
يزيد بن معاوية وعليها الورس والحلل فاخذ الهدية وقال لأصحاب
الجمال من أحب ان ينطلق معنا إلى العراق وفينا كراه وأحسنا معه
صحبته ومن أحب ان يفارقنا أعطيناه كراه بقدر ما قطع من الطريق
فمضى معه قومه وامتنع آخرون فمن فارق أعطاه حقه ومن سار معه
أعطاه كراه وكساه " ثم " سار عليه السلام حتى اتى الصفاح (2) فلقيه

(1) بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة " منه "
(2) الصفاح بوزن
كتاب قال ياقوت في معجم البلدان انه موضع بين حنين وأنصاب الحرم على
يسرة الداخل إلى مكة من مشاش وهناك لقي الفرزدق الحسين بن علي عليهما
السلام اه‍ وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص انه لقيه ببستان بني عامر " منه ".
76

الفرزدق الشاعر " قال " الفرزدق حججت بأمي سنة ستين ستين فبينما انا
أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين عليه السلام خارجا
من مكة معه أسيافه وأتراسه فقلت لمن هذا القنطار؟؟ فقيل للحسين
بن علي عليهما السلام فاتيته وسلمت عليه وقلت له أعطاك الله سؤلك
واملك فيما تحب بابي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج
فقال لو لم أعجل لاخذت ثم قال لي من أنت قلت رجل من العرب
فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك ثم قال لي اخبرني عن الناس
خلفك فقلت الخبير سألت قلوب الناس معك وأسيافهم عليك
والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء فقال صدقت لله الامر
من قبل ومن بعد وكل يوم ربنا هو في شان ان نزل القضاء بما نحب
فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وان حال
القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته
فقلت له اجل بلغك الله ما تجب وكفاك ما تحذر وسألته عن أشياء
من نذور ومناسك فأخبرني بها وحرك راحلته وقال السلام عليك
" والحق " عبد الله بن جعفر الحسين عليه السلام بابنيه عون ومحمد
وكتب على أيديهما إليه كتاب يقول فيه " اما بعد " فأني أسألك بالله لما
انصرفت؟ حين تنظر في كتابي فأني مشفق عليك من الوجه الذي
توجهت له ان يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك وان هلكت
77

اليوم طفئ نور الأرض فإنك علم المهتدين ورجاء المؤمنين فلا
تعجل بالمسير فأني في اثر كتابي والسلام وصار عبد الله إلى عمرو بن
سعيد فسألته ان يكتب للحسين عليه السلام أمانا ويمنيه البر والصلة
فكتب له وأنفذه مع أخيه يحيي بن سعيد فلحقه يحيي وعبد الله بن
جعفر بعد نفوذ ابنيه وجهدا به في الرجوع فقال إني رأيت رسول
الله صلى الله عليه وآله في المنام وأمرني بما انا ماض له فقالا له فما
تلك الرؤيا قال ما حدثت بها أحدا وما انا محدث بها أحدا حتى القى
ربي عز وجل فلما أيس منه عبد الله بن جعفر أمر بنيه عونا ومحمد
بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع هو إلى مكة وسار الحسين
عليه السلام نحو العراق مسرعا لا يلوي على شئ حتى بلغ وادي
العقيق فنزل ذات عرق فلقيه رجل من بني أسد يسمى بشر بن غالب
واردا من العراق فسأله عن أهلها فقال خلفت القلوب معك والسيوف
مع بني أمية فقال صدق أخو بني أسد ان الله يفعل ما يشاء ويحكم
ما يريد " ولما " بلغ الحسين عليه السلام إلى الحاجز من بطن الرمة (1).
كتب كتابا إلى جماعة من أهل الكوفة منهم سليمان بن صرد الخزاعي
والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وغيرهم وأرسله مع قيس بن مسهر
الصيداوي وذلك قبل ان يعلم بقتل مسلم يقول فيه * بسم الله الرحمن

(1) بتخفيف الميم (منه عفي عنه).
78

الرحيم من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام
عليكم فأني احمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو " اما بعد " فأن كتاب مسلم
ابن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملاكم على نصرنا
والطلب بحقنا فسألت الله ان يحسن لنا الصنيع وان يثيبكم على
ذلك أعظم الاجر وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثا لثمان
مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا
في امركم وجدوا فاني قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء الله تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (وكان) مسلم بن عقيل قد كتب
إليه قبل ان يقتل بسبع وعشرين ليلة فاقبل قيس بكتاب
الحسين عليه السلام إلى الكوفة (وكان) ابن زياد لما بلغه مسير
الحسين عليه السلام من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير
صاحب شرطته حتى نزل القادسية ونظم الخليل ما بين القادسية إلى
خفان وما بين القادسية إلى القطقطانه (القطقطانيه خ ل) والى جبل
لعلع قال الناس هذا الحسين يريد العراق (فلما) انتهى قيس إلى
القادسية اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه فاخرج قيس الكتاب وخرقه
فحمله الحصين إلى ابن زياد فلما مثل بين يديه قال له من أنت قال
انا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه قال فلما ذا
خرقت الكتاب قال لئلا تعلم ما فيه قال وممن الكتاب ولى؟ من
79

قال من الحسين عليه السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا اعرف
أسماء هم فغضب ابن زياد وقال والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء
هؤلاء القوم أو تصعد المنبر فتسب الحسين بن علي وأباه وأخاه
والا قطعتك إربا إربا فقال قيس اما القوم فلا أخبرك بأسمائهم واما
سب الحسين وأبيه وأخيه فافعل (وفي رواية) أنه قال له اصعد المنبر
فسب الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي فصعد قيس فحمد الله
وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وأكثر من الترحم على
علي والحسن والحسين ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ولعن عتاة بني
أمية ثم قال أيها الناس ان هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وانا رسوله إليكم وقد خلفته بالحاجز
فأجيبوه فأمر به ابن زياد فرمي من أعلى القصر فتقطع فمات فبلغ
الحسين عليه السلام قتله فاسترجع واستعبر بالبكاء ولم يملك دمعته ثم
قرأ فمنهم من قضى نخبه؟ ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ثم قال جعل
الله له الجنة ثوابا اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريما واجمع بيننا
وبينهم في مستقر من رحمتك وغائب (1) مذخور ثوابك انك على كل
شئ قدير ثم اقبل الحسين عليه السلام من الحاجز يسير نحو العراق
حتى انتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عبد الله بن مطيع
العدوي وهو نازل به فلما رأي الحسين عليه السلام قام إليه فقال بأبي

(1) در غائب " خ ل ".
80

أنت وأمي أيا ابن رسول الله ما أقدمك واحتمله فأنزله فقال له الحسين
" ع " كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلي أهل العراق
يدعونني إلى أنفسهم فقال له عبد الله أذكرك الله يا ابن رسول الله
وحرمة الاسلام ان تنتهك أنشدك الله في حرمة قريش أنشدك الله
في حرمة العرب فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ولئن
قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا ابدا والله انها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة
قريش وحرمة العرب فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك
لبني أمية فأبي الحسين عليه السلام الا ان يمضي (وكان) عبيد الله
ابن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة
فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج واقبل الحسين عليه السلام
لا يشعر بشئ حتى لقي الاعراب فسألهم فقالوا لا والله ما ندري غير
انا لا نستطيع ان نلج ولا نخرج فسار تلقاء وجهه (وكان) زهير بن
القين البجلي قد حج في تلك السنة وكان عثمانيا فلما رجع من الحج
جمعه الطريق مع الحسين عليه السلام (فحدث) جماعة من فزارة وبجيلة
قالوا كنا مع زهير بن القين حين اقبلنا من مكة فكنا نساير الحسين
عليه السلام فلم يكن شئ أبغض إلينا من أن نسير معه في مكان
واحد أو ننزل معه في منزل واحد فإذا سار الحسين تخلف زهير بن
القين وإذا نزل الحسين تقدم زهير فنزلنا يوما في منزل لم بخد بدا من
81

أن ننزل معه فيه فنزل هو في جانب ونزلنا في جانب آخر فبينا نحن
جلوس نتغدى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى
سلم ثم دخل فقال يا زهير ان أبا عبد الله بعثني إليك لتأتيه فطرح كل
انسان منا ما في يده كأن على رؤسنا الطير كراهة ان يذهب زهير
إلى الحسين عليه السلام فقالت له امرأته وهي ديلم بنت عمرو سبحان
الله أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه فلو اتيته فسمعت من
كلامه ثم انصرفت فاتاه زهير على كره فما لبث ان جاء مستبشرا قد
أشرق وجهه فار بفسطاطه وثقله ورحله فحول إلى الحسين عليه
السلام ثم قال لامرأته أنت طالق الحقي باهل فأني لا أحب ان
يصيبك بسببي الا خيرا وقد عزمت علي صحبة الحسين عليه السلام
لأفديه بروحي واقيه بنفسي ثم أعطاها مالها وسلمها إلى بعض بني
عمها ليوصلها إلى أهلها فقامت إليه وبكت وودعته وقالت خار الله
لك أسئلك ان تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام وقال
لأصحابه من أحب منكم ان يتبعني والا فهو آخر العهد مني اني
سأحدثكم حديثا انا غزونا بلنجر (1) وهي بلدة ببلاد الخزر ففتح
الله علينا وأصبنا غنائم ففرحنا فقال لنا سلمان الفارسي إذا أدركتم قتال
.

(1) في القاموس بلنجر كغضنفر بلدة بالخزر خلف باب الأبواب اه‍ وفي
بعض النسخ غزونا وهو تصحيف من النساخ " منه "
82

شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالهم معهم مما أصبتم من الغنائم
فاما انا فأستودعكم الله ولزم الحسين عليه السلام حتى قتل معه " ولما
نزل الحسين عليه السلام الخزيمية أقام بها يوما وليلة فلما أصبح أقبلت
إليه أخته زينب فقالت يا أخي ألا أخبرك بشئ سمعته البارحة فقال
الحسين عليه السلام وما ذاك فقالت خرجت في بعض الليل لقضاء
حاجة فسمعت هاتفا يهتف ويقول
الا يا عين فاحتفلي بجهد * ومن يبكي على الشهداء بعدي
على قوم تسوقهم المنايا * بمقدار إلى انجاز وعد
فقال لها الحسين عليه السلام يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن
" ثم " سار عليه السلام حتى نزل الثعلبية (1). وقت الظهيرة وقيل
ممسيا فوضع رأسه فرقد ثم استيقظ فقال رأيت هاتفا يقول أنتم
تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنة فقال له ابنه علي يا ابه أفلسنا على
الحق فقال بلى يا بني والذي إليه مرجع العباد فقال يا ابه إذا لا نبالي
بالموت فقال الحسين عليه السلام جزاك الله يا بني خير ما جزى ولدا
عن والده ثم بات في الموضع فلما أصبح إذا برجل من أهل الكوفة
يكنى أبا هرة الأزدي قد اتاه فسلم عليه ثم قال يا ابن رسول الله
ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمد صلى الله عليه وآله

(1) بالثاء المثلثة والعين المهملة (منه).
83

فقال الحسين عليه السلام ويحك يا أبا هرة ان بني أمية اخذوا مالي
فصبرت وشتموا عرضي فصبرت وطلبوا دمي فهربت وأيم الله
لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا وليسلطن
الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبا إذ ملكتهم امرأة
فحكمت في أموالهم ودمائهم (وروى) عبد الله بن سليمان والمنذر
ابن المشمعل الا سديان قالا لما قضينا حجنا لم تكن لنا همة الا اللحاق
بالحسين عليه السلام لننظر ما يكون من امره فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا
مسرعين حتى لحقناه بزرود فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة
قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين عليه السلام فوقف
الحسين كأنه يريده ثم تركه ومضى ومضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه
اذهب بنا إلى هذا لنسئله فأن عنده خبر الكوفة فمضينا إليه فقلنا
السلام عليك فقال وعليكما السلام قلنا ممن الرجل قال أسدي قلنا له
ونحن أسديان فمن أنت قال انا بكر بن فلان وانتسبنا له ثم قلنا له
أخبرنا عن الناس من ورائك قال لم اخرج من الكوفة حتى قتل
مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق
فأقبلنا حتى لحقنا الحسين عليه السلام فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا
فجئنا حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له رحمك الله ان
عندنا خبرا ان شئت حدثناك علانية وان شئت سرا فنظر إلينا والى
84

أصحابه ثم قال ما دون هؤلاء سر فقلنا له رأيت الراكب الذي
استقبلته عشية أمس قال نعم وقد أردت مسألته فقلنا قد والله استبرأنا
لك خبره وكفينا مسألته وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل
وانه حدثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهاني ورآهما
يجران في السوق بأرجلهما فقال انا لله و انا إليه راجعون رحمة الله عليهما
يردد ذلك مرارا فقلنا له ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك الا
انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل
نتخوف ان يكونوا عليك فنظر إلى بني عقيل فقال ما ترون فقد قتل
مسلم فقالوا والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق فأقبل
علينا الحسين عليه السلام وقال لاخير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا
انه قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار الله لك فقال رحمكما الله فقال
له أصحابه انك والله ما أنت مثل مسلم ولو قدمت الكوفة لكان
الناس إليك أسرع فسكت وارتج الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن
عقيل وسالت الدموع عليه كل مسيل ثم انتظر حتى إذا كان السحر
قال لفتيانه وغلمانه أكثروا من الماء فاستقوا وأكثروا وكان لا يمر بماء
الا اتبعه من عليه (ثم) ارتحلوا فسار حتى انتهى إلى زبالة فأتاه بها خبر
عبد الله بن يقطر وهو أخو الحسين عليه السلام من الرضاعة وكان
سرحه إلى مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا يعلم بقتله فاخذته خيل
85

الحصين فسيره من القادسية إلى ابن زياد فقال له اصعد فوق القصر
والعن الكذاب ابن الكذاب ثم انزل حتى أرى فيك رأيي فصعد
فاعلم الناس بقدوم الحسين عليه السلام ولعن ابن زياد وأباه فألقاه
من القصر فتكسرت عظامة وبقي به رمق فاتاه رجل يقال له عبد
الملك بن عمير اللخمي فذبحه فعيب عليه فقال أردت ان أريحه فلما
بلغ الحسين عليه السلام خبره اخرج إلى الناس كتابا فقرأ عليهم وفيه
بسم الله الرحمن الرحيم " اما بعد " فإنه قد أتاني خبر فظيع قتل مسلم
ابن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا فمن
أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام
فتفرق الناس عنه واخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين
جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه وكان قد اجتمع إليه
مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة وإنما
فعل ذلك لعلمه بأن أكثر من اتبعوه إنما اتبعوه ظنا منهم انه يقدم
بلدا قد استقامت له طاعة أهله فكره ان يسيروا معه الا وهم يعلمون
ما يقدمون عليه وقد علم أنه إذا بين لهم لم يصحبه الا من يريد
مواساته والموت معه (وقيل) ان خبر مسلم وهاني اتاه في زبالة
86

أيضا (وقال) السيد (1) ان الفرزدق لقي الحسين عليه السلام فسلم عليه
وقال يا ابن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا
ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا
ثم قال رحم الله مسلما فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحياته ورضوانه
اما انه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ثم أنشأ يقول.
فان تكن الدنيا تعد نفسية * فان ثواب الله أعلى وانبل
وان تكن الأبدان للموت أنشئت * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل
وان تكن الأرزاق قسما مقدرا * فقلة حرص المرء في السعي أجمل
وان تكن الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل
(فلما) كان وقت السحر أمر الحسين عليه السلام أصحابه فاستقوا
ماء وأكثروا ثم سار من زبالة حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه
شيخ من بني عكرمة يقال له عمرو بن يوذان (لوذان خ ل) فسأله
أين تريد فقال له الحسين عليه السلام الكوفة فقال الشيخ أنشدك
الله لما انصرفت فوالله ما تقدم الا على الأسنة وحد السيوف وان
هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطأوا
.

(1) ظاهر كلام السيد ان لقاء الفرزدق للحسين عليه السلام كان بعد خروجه
من زبالة وقد تقدم انه لقيه في الحرم وهي رواية المفيد ويمكن ان يكون
لقاء الفرزدق له ثانيا بعد رجوعه من الحج (منه)
87

لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فاما على هذا الحال التي
تذكر فاني لا أرى لك أن تفعل فقال له الحسين عليه السلام يا عبد الله
ليس يخفى علي الرأي ولكن الله تعالى لا يغلب على امره ثم قال عليه
السلام والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا
فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم (ثم)
سار عليه السلام من بطن العقبة حتى نزل شراف فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ثم سار منها حتى انتصف النهار
فبينا هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه فقال الحسين عليه السلام
الله أكبر لم كبرت قال رأيت النخل فقال له جماعة من أصحابه والله
ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط فقال لهم الحسين عليه السلام فما
ترونه قالوا نراه والله أسنة الرماح وآذان الخيل فال وانا والله أرى
ذلك ثم قال عليه السلام مالنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا
ونستقبل القوم بوجه واحد فقالوا له بلى هذا ذو جشم (حسم خ ل)
خشب خ ل) وهو جبل إلى جنبك فمل إليه عن يسارك فان سبقت
إليه فهو كما تريد فاخذ إليه ذات اليسار وملنا معه فما كان بأسرع
من أن طلعت علينا هوادي (1) الخيل فتبيناها وعدلنا فلما رأونا

(1) جمع هادي وهو العنق (منه).
88

عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب (1) وكأن
راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذي جشم (خشب خ ل) فسبقناهم
إليه وامر الحسين عليه السلام بأبنيته فضربت وجاء القوم زهاء (2)
الف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل
الحسين عليه السلام في حر الظهيرة والحسين عليه السلام وأصحابه
معتمون متقلدو أسيافهم فقال الحسين عليه السلام لفتيانه اسقوا
القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا اي اسقوها قليلا
فاقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا
عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوها عن
آخرها فقال علي بن الطعان المحاربي كنت مع الحر يومئذ فجئت في
آخر من جاء من أصحابه فلما رأى الحسين عليه السلام مابي وبفرسي
من العطش قال انخ الراوية والراوية عندي السقاء ثم قال يا ابن الأخ
انخ الجمل فأنخته (3) فقال اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من
السقاء فقال الحسين عليه السلام أخنث السقاء اي أعطفه فلم ادر
.

(1) جمع يعسوب وهو أمير النحل وذكرها وضرب من الحجلان وطائر
صغير " منه ".
(2) اي قدر " منه "
(3) الراوية في لسان أهل الحجاز اسم للجمل
الذي يستقي عليه وفي لسان أهل العراق اسم للسقاء الذي فيه الماء فلذلك لم يفهم
مراد الحسين عليه السلام حتى قال له أنخ الجمل " منه "
89

كيف افعل فقام فخنثه بيده فشربت وسقيت فرسي وكانت ملاقاة
الحر للحسين عليه السلام على مرحلتين من الكوفة " ولما " التقي الحر
مع الحسين عليه السلام قال له الحسين (ع) ألنا أم علينا فقال بل
عليك يا أبا عبد الله فقال الحسين (ع) لاحول ولا قوة الا بالله العلي
العظيم " وكان " مجئ الحر من القادسية " وكان " عبيد الله بن زياد
بعث الحصين بن نمير وأمره ان ينزل القادسية وتقدم الحر بين يديه
في الف فارس يستقبل بهم الحسين عليه السلام فلم يزل الحر موافقا
للحسين عليه السلام حتى حضرت صلاة الظهر فامر الحسين عليه
السلام الحجاج بن مسروق ان يؤذن فلما حضرت الإقامة خرج
الحسين " ع " في ازار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها
الناس انها معذرة إلى الله واليكم اني لم آتكم حتى اتتني كتبكم وقدمت
علي رسلكم ان أقدم علينا فإنه ليس لنا امام لعل الله ان يجمعنا بك
على الهدي والحق فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما اطمئن
إليه من عهودكم ومواثيقكم وان لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين
انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم فسكتوا فقال
للمؤذن أقم فأقم الصلاة فقال للحر التريد ان تصلي بأصحابك قال لا
بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين عليه السلام ثم
دخل فاجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه الذي كان فيه
90

فدخل خيمة قد ضربت له واجتمع إليه جماعة من أصحابه وعاد
الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعدوه ثم اخذ كل رجل منهم
بعنان دابته وجلس في ظلها " فلما " كان وقت العصر أمر الحسين عليه
السلام ان يتهيأوا للرحيل ففعلوا ثم أمر مناديه فنادي بالعصر وأقام
فاستقدم الحسين عليه السلام وقام فصلى ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اما بعد أيها الناس فإنكم ان تتقوا الله
وتعرفوا الحق لأهله يكن ارضى لله عنكم ونحن أهل بيت محمد
أولى بولاية هذا الامر علكيم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم
والسائر بن فيكم بالجور والعدوان وان أبيتم الا الكراهية لنا والجهل
بحقنا وكان رأيكم الان غير ما اتتني به كتبكم وقدمت به علي
رسلكم انصرفت عنكم قتال له الحر انا والله ما أدري ما هذه
الكتب والرسل التي تذكر فقال الحسين (ع) لبعض أصحابه يا عقبة
ابن سمعان (1) اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي فاخرج خرجين
مملؤين صحفا فنثرت بين يديه فقال له الحر انا لسنا من هؤلاء
.

(1) هو مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكلبية زوجة الحسين " ع " ولما
قتل الحسين " ع " اخذه عمر بن سعد فقال ما أنت فقال انا عبد مملوك فخلى سبيله
ولم ينج من أصحابه الحسين عليه السلام غيره وغير رجل آخر ولذلك كان
كثير من روايات الطف منقولا عنه " منه "
91

الذين كتبوا إليك وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ان لا نفارقك حتى
نقدمك الكوفة على عبيد الله فقال له الحسين عليه السلام الموت
أدنى إليك من ذلك ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا وانتظر
حتى ركبت نساؤه فقال لأصحابه انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا
حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين عليه السلام للحر
ثكلتك أمك ما تريد فقال له الحر اما لو غيرك من العرب يقولها لي
وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكرا مه بالثكل كائنا
من كان ولكن مالي إلى ذكر أمك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه
فقال له الحسين عليه السلام فما تريد قال أريد ان انطلق بك إلى
الأمير عبيد الله ابن زياد فقال إذا والله لا أتبعك فقال إذا والله
لا أدعك فترادا القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له
الحراني لم أؤمر بقتالك إنما أمرت ان لا أفارقك حتى أقدمك
الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى
المدينة يكون بيني وبينك نصفا حتى اكتب إلى الأمير عبيد الله بن
زياد فلعل الله ان يرزقني العافية من أن ابتلى بشئ من امرك فخذ
ههنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية فتياسر الحسين " ع " وسار
والحر يسايره " ثم " ان الحسين عليه السلام خطبهم (1) فحمد الله وأنثى

(1) روى الطبري في تاريخه وابن الأثير في الكامل. وفي المناقب
ان الحسين عليه السلام كتب من كربلا أول نزوله بها لا اشراف الكوفة
ممن كان يظن أنه على رأيه بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى سليمان
بن صرد والمسيب بن نجبه ورفاعة بن شداد وعبد الله بن وال وجماعة المؤمنين
اما بعد فقد علمتهم ان رسول الله (ص) قد قال في حياته من رأى سلطانا جائرا
الخ وانه ارسل الكتاب مع قيس بن مسهر الصيداوي ثم ذكر قصة قيس المتقدمة
وذكر لفظة والسلام في آخر الكلام على رواية الطبري وابن الأثير يؤيد أنه
كتاب لا خطبة لان ذلك متعارف في الكتب لافي الخطب ولكن كثيرا من
الروايات دل على أن ارسال قيس كان من الطريق لامن كربلا مع أن التمكن من ارساله
من كربلا بعيد والله أعلم اي ذلك كان " منه "
92

عليه ثم قال أيها الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من
رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول
الله صلى الله عليه وآله يعمل في عبدا الله بالاثم والعدوان فلم يغير
بقول ولا فعل كان حقا على الله ان يدخله مدخله الاوان هؤلاء
قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن وأظهروا الفساد
وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ وأحلوا الحرام الله وحرموا حلاله
واني أحق بهذا الامر (لقرابتي من رسول الله " ص " خ) وقد اتتني
كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني ولا تخذلوني
فأن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم وانا الحسين بن
93

علي ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ونفسي مع أنفسكم
وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم ولكم بي أسوة وان لم تفعلوا
ونقضتم عهدي وخلعتم ببيعتي فلعمري ما هي منكم بنكر لقد فعلتموها
بأبي وأخي وابن عمي مسلم بن عقيل والمغرور من اغتر بكم فحظكم
أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فأنما ينكث على نفسه وسيغني
الله عنكم والسلام " فقال " له الحراني أذكرك الله في نفسك فأني اشهد
لئن قاتلت لتقتلن فقال له الحسين عليه السلام أفبالموت تخوفني وهل
يعدو بكم الخطب ان تقتلوني وسأقول كما قال أخو الأوس لابن
عمه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله فخوفه ابن عمه
وقال أين تذهب فإنك مقتول فقال
سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وواسي الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وودع مجرما
أقدم نفسي لا أريد بقاءها * لتلقي خميسا في الوغى وعرمرما
ان عشت لم أندم وان مت لم ألم * كفى بك ذلا ان تعيش وترغما
" فلما " سمع الحر ذلك تنحى عنه وجعل يسير ناحية عن الحسين عليه السلام
" ولم " يزل الحسين عليه السلام سائرا حتى انتهوا إلى عذيب
الهجانات (1) فإذا هم بأربعة قد اقبلوا من الكوفة لنصرة الحسين

(1) العذيب موضع كان النعمان بن المنذر يضع فيه هجانه لترعى فسمى عذيب الهجانات " منه ".
94

عليه السلام على رواحلهم وفيهم نافع بن هلال البجلي وهو يجنب
فرسا له يقال له الكامل ومعهم دليل يقال له الطرماح بن عدي (حكم خ ل)
الطائي وكان قد أمتار لأهله من الكوفة ميرة فأراد الحر حبسهم
أو ردهم إلى الكوفة فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك وقال
لأمنعنهم مما امنع منه نفسي إنما هؤلاء أنصاري وهم بمنزلة من
جاء معي فان بقيت على ما كان بيني وبينك والا ناجزتك فكف
الحر عنهم ثم سئلهم الحسين عليه السلام عن خبر الناس فقالوا اما
الاشراف فقد استمالهم ابن زياد بالأموال فهم الب واحد عليك
واما سائر الناس فأفئدتهم لك وسيوفهم مشهورة عليك قال فهل
لكم علم برسولي قيس بن مسهر قالوا نعم قتله ابن زياد فترقرقت عينا
الحسين عليه السلام ولم يملك دمعته ثم قال منهم من قضى نحبه ومنهم
من ينتظر وما بدلوا تبديلا اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا واجمع
بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك " وقال "
له الطرماح بن عدي أذكرك الله في نفسك لا يغرنك أهل الكوفة
فوالله ان دخلتها لتقتلن واني لأخاف ان لا تصل إليها وما أرى معك
كثير أحد ولو لم يقاتلك الا هؤلاء لكفى ولقد رأيت قبل خروجي
من الكوفة جمعا عظيما يريدون المسير إليك فأنشدك الله ان قدرت
ان لاتقدم إليهم شبرا فافعل وطلب منه ان يذهب معه إلى بلاد
95

قومه (1) حتى يرى رأيه وان ينزل جبلهم أجاء ويبعث إلى من بأجاء وسلمى
وهما جبلان لطئ تكفل له بعشرين الف طائي يضربون بين يديه
بأسيافهم فجزاه الحسين عليه السلام وقومه خيرا وقال له أين بيننا وبين
القوم قولا لا نقدر معه على الانصراف فأن يدفع الله عنا فقديما
ما أنعم علينا وكفى وان يكن مالابد منه ففوز وشهادة إن شاء الله
وسار الطرماح مع الحسين عليه السلام ثم ودعه ووعده ان يوصل
الميرة لأهله ويعود لنصره فلما علا بلغه خبر قتله في عذيب الهجانات
فرجع وقال الحسين عليه السلام لأصحابه هل فيكم أحد يعرف
الطريق على غير الجادة فقال الطرماح بن عدي نعم يا ابن رسول الله
انا أخبر الطريق قال سر بين أيدينا فسار الطرماح امامهم وجعل
يرتجز ويقول
يا ناقتي لا تذعري من زجر * وامضي بنا قبل طلوع الفجر
بخير فتيان وخير سفر * آل رسول الله آل الفخر
السادة البيض الوجوه الزهر * الطاعنين بالرماح السمر
الضاربين بالسيوف البتر * حتى تجلي بكريم النجر

(1) وهي المعروفة الان بجبل شمر وحيث انها على طريق الذاهب إلى
العراق فلا يمنعهم الحر من التوجه نحوها بعدان رضى بأخذهم طريقا لا يدخلهم
الكوفة ولا يرجعهم إلى المدينة " منه ".
96

الماجد الجدار الرحيب الصدر * اصابه الله بخير أمر
عمره الله بقاء الدهر * يا مالك النفع معا والضر
أين؟ حسينا سيدي بالنصر * على الطغاة من بقايا الكفر
على اللعينين سليلي صخر * يزيد لا زال حليف الخمر.
وابن زياد العهر بن العهر
" ولم يزل الحسين عليه السلام سائرا حتى انتهى إلى قصر بني
مقاتل (1) فنزل به وقيل إلى القطقطانه (2) فرأى فسطاطا مضروبا
فسأل عنه فقيل إنه لعبيد الله بن الحر الجعفي وكان من شجعان أهل الكوفة
فأرسل إليه الحسين عليه السلام يدعوه فاسترجع وقال والله
ما خرجت من الكوفة الا كراهية ان يدخلها الحسين وانا بها وأبي
ان يأتي فجاء إليه الحسين السلام ودعاه إلى نصرته فاستعفاه فقال

(1) في معجم البلدان قصر مقاتل بين عين التمر والشام وقال السكوني
هو قرب القطقطانة وهو منسوب إلى مقاتل بن حسان انتهى المعجم ولم يذكر
قصر بني مقاتل فاما ان لفظة بني من زيادة النساخ أو انه صار أخيرا ينسب
إلى بني مقاتل وعين التمر هي المعروفة الان بشفاثا " منه ".
(2) بقافين مضمومين بينهما
طاء ساكنة فطاء فألف فنون فهاء قال ياقوت ورواه الأزهري بالفتح موضع
قرب الكوفة من جهة البرية بالطف كان به سجن النعمان بن المنذر وقال أبو
عبيد الله السكوني القطقطانة بالطف بينهما وبين الرهيمة مغربا نيف وعشرون
ميلا إذا خرجت من القادسية تريد الشام ومنه إلى قصر مقاتل " منه "
97

له الحسين (ع) فأن لم تكن ممن ينصرنا فاتق أن تكون ممن يقاتلنا
فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا الا هلك فقال اما هذا فلا
يكون ابدا إن شاء الله تعالى " وفي رواية " أنه قال للحسين عليه السلام
ولكن هذا فرسي خذه إليك فوالله ما ركبته قط وانا أروم شيئا
الا بلغته ولا أرادني أحد الا نجوت عليه فاعرض عنه الحسين عليه
السلام بوجهه وقال لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك ثم تلا وما كنت
متخذ المضلين عضدا " فلما " كان آخر الليل أمر الحسين عليه السلام
فتيانه فاستقوا من الماء ثم أمر بالرحيل فارتحل من قصر بني مقاتل
ليلا قال عقبة بن سمعان فسرنا معه ساعة فخفق وهو على ظهر فرسه
خفقته ثم انتبه وهو يقول انا الله وانا إليه راجعون والحمد لله رب
العالمين ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فاقبل إليه ابنه علي بن الحسين
فقال يا أبه جعلت فداك مم حمدت واسترجعت قال يا بني اني خفقت
خفقة فعن لي فارس على فرس وهو يقول القوم يسيرون والمنايا تسير
إليهم فعلمت انها أنفسنا نعيت إلينا فقال له ابه لا أراك الله سوءا
السنا على الحق قال بلى والذي إليه مرجع العباد قال إذا لا نبالي
ان نموت محقين فقال له الحسين عليه السلام جزاك الله من ولد خير
ما جزي ولدا عن والده " فلما " أصبح نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب
فاخذ يتياسر بأصحابه يريد ان يفرقهم فيأتيه الحر فيرده وأصحابه
98

فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه وارتفعوا فلم
يزالوا يتياسرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى فإذا راكب على نجيب
له عليه السلام متنكب قوسا مقبل من الكوفة وهو مالك بن بشير (1) الكندي فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على
الحر وأصحابه ولم يسلم على الحسين (ع) وأصحابه ودفع إلى الحر
كتابا من ابن زياد فإذا فيه اما بعد فجعجع (2) بالحسين حين يبلغك
كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله الا بالعراء (3) في غير حصن وعلى
غير ماء وقد أمرت رسولي ان يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك
امرى والسلام فعرض لهم الحر وأصحابه ومنعوهم من السير
واخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا قرية فقال
له الحسين (ع) ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق قال بلى ولكن كتاب
الأمير عبيد الله قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك وقد جعل علي
عينا يطالبني بذلك فقال له الحسين عليه السلام دعنا ويحك ننزل

(1) لعل صوابه مالك بن بشير؟ فيكون هو الذي ضرب الحسين عليه السلام
على رأسه وسلبه البرنس فالظاهر أنه صحف أحدهما بالآخر " منه ".
(2) في الصحاح الجعجعة الحبس وكتب عبيد الله بن زياد عليه ما يستحق
إلى عمر بن سعد عليه اللعنة ان جعجع بحسين قال الأصمعي يعني احبسه وقال
ابن الاعرابي يعني ضيق عليه انتهي " منه ".
(3) في الصحاح العراء الفضاء لاستربه " منه "
99

في هذه القرية أو هذه يعني نينوى والغاضرية أو هذه يعني شفية
فقال لا أستطيع هذا رجل قد بعث علي عينا " فقال " زهير بن القين
للحسين (ع) اني والله لا أرى ان يكون بعد الذي ترون الا أشد
مما ترون يا ابن رسول الله ان قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من
يأتينا بعدهم فلعمري ليأتينا من بعدهم مالا قبل لنا به فقال الحسين (ع)
ما كنت لابدأهم بالقتال فقال له زهير سربنا إلى هذه القرية حتى
تنزلها فإنها حصينة وهي على شاطئ الفرات فان منعونا قاتلناهم فقتالهم
أهون علينا من قتال من يجئ بعدهم فقال الحسين عليه السلام ما هي
قال العقر قال اللهم أعوذ بك من العقر وفي رواية " ان زهيرا قال
له فسر بنا يا ابن رسول الله حتى ننزل كربلا فإنها على شاطئ الفرات
فنكون هناك فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم قال فدمعت
عينا الحسين عليه السلام ثم قال اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء
" ثم " قام الحسين عليه السلام خطيبا في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه
" ثم قال " انه قد نزل بنا من الامر ما قد ترون وان الدنيا تغيرت
وتنكرت وادبر معروفها واستمرت حذاء (1) ولم يبق منها الا صبابة (2)
كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل (3) الا ترون إلى

(1) لعله من قولهم رحم حذاء وجذاء بالحاء والجيم اي لم توصل " منه
(2) الصبابة بالضم بقية من الماء في الاناء " منه " (3) الوخيم (منه)
100

الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء
ربه محقا فاني لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما (1)
" وقيل " انه خطب بهذه الخطبة بذي جشم حين التقى مع الحر
وقيل بكربلا والله أعلم فقام زهير بن القين فقال قد سمعنا هداك
الله يا بن رسول الله مقاتلك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها
مخلدين لاثرنا النهوض معك على الإقامة فيها " ووثب " هلال بن
نافع (نافع بن هلال خ ل) البجيلي فقال والله ما كرهنا لقاء ربنا
وانا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك " وقام
برير بن خضير (2) فقال والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا
ان نقاتل بين يديك وتقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا
يوم القيمة " ثم " ان الحسين عليه السلام قام وركب وكلما أراد المسير
يمنعونه تارة ويسايرونه أخرى حتى بلغ كربلاء يوم الخميس الثاني
من المحرم سنة إحدى وستين فلما وصلها قال ما اسم هذه الأرض
فقيل كربلا فقال اللهم أين أعوذ بك من الكرب والبلاء " ثم " اقبل على
.

(1) البرم بالتحريك ما يوجب السآمة والضجر (منه).
(2) برير بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وسكون الياء المثناة
من تحت وآخره راء مهملة وخضير بالخاء والضاد المعجمتين (منه)
101

أصحابه فقال الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه
ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون " ثم " قال أهذه
كربلا قالوا نعم يا ابن رسول الله فقال هذا موضوع كرب وبلاء
أنزلوا ههنا مناخ ركبنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا
فنزلوا جميعا ونزل الحر وأصحابه ناحية " ثم " ان الحسين عليه السلام
جمع ولده واخوته وأهل بيته ثم نظر إليهم فبكى ساعة ثم قال اللهم
انا عترة نبيك محمد (ص) وقد أزعجنا وطردنا وأخرجنا عن حرم
جدنا وتعدت بنو أمية علينا اللهم فخذلنا بحقنا وانصرفا على القوم
الظالمين " وجلس " الحسين عليه السلام يصلح سيفه ويقول
يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيل
من طالب وصاحب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وكل حي سالك سبيلي * ما أقرب الوعد من الرحيل
وإنما الامر إلى الجليل
" فسمعت " أخته زينب بنت فاطمة ذلك فقالت يا أخي هذا كلام
من أيقن بالقتل فقال نعم يا أختاه فقالت زينب وا ثكلاه ينعى الحسين
إلي نفسه وبكى النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب " وجعلت
أم كلثوم تنادي وا محمداه وا علياه وا أماه وا أخاه وا حسيناه وا ضيعتنا
بعدك يا أبا عبد الله " فقال " لها الحسين عليه السلام يا أختاه تعزي
102

بعزاء الله فان سكان السماوات يفنون وأهل الأرض كلهم يموتون
وجميع البرية يهلكون " ثم " قال يا أختاه يا أم كلثوم وأنت يا زينب
وأنت يا فاطمة وأنت يا رباب انظرن إذا انا قتلت فلا تشققن علي جيبا
ولا تخمشن علي وجها ولا تقلن هجرا " وفي رواية " عن زين العابدين
عليه السلام ان الحسين عليه السلام قال هذه الأبيات عشية اليوم
التاسع من المحرم قال علي بن الحسين عليهما السلام آني لجالس في
تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني إذ
اعتزل أبي في خباء له وعنده جون مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج
سيفه ويصلحه وأبي يقول (يا دهر أف لك من خليل) إلى آخر
الأبيات المتقدمة فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعرف ما أراد
فخنقتني العبرة فرددها ولزمت السكوت وعلمت ان البلاء قد نزل
واما عمتي فإنها لما سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء
الرقة والجزع لم تملك نفسها ان وثبت تجر ثوبها حتى انتهت إليه ونادت
وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي
علي وأخي الحسن يا خليفة الماضي وثمال الباقي فنظر إليها الحسين عليه
السلام فقال لها يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان فقالت بابي وأمي تستقل
نفسي لك الفداء فردت عليه غصته وترقرقت عيناه بالدموع ثم قال
(لو ترك القطا ليلا لنام) فقالت يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا
103

فذلك اقرح لقلبي وأشد على نفسي ثم لطمت وجهها وأهوت إلى
جيبها فشقته وخرت مغشية عليها فقام إليها الحسين عليه السلام فصب
على وجهها الماء حتى أفاقت ثم عزاها بما مر ثم قال وكل شئ هالك
الا وجهه الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعيدهم وهو فرد
وحده جدي خبر مني وأبي خير مني وأخي خير مني ولي
ولكل مسلم برسول الله صلى الله عليه وآله أسوة فعزاها بهذا ونحوه
وقال لها يا أختاه اني أقسمت عليك فأبري قسمي لا تشقي علي جيبا
ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا انا هلكت
" وكتب " الحر إلى عبيد الله بن زياد يعلمه بنزول الحسين عليه السلام
بكربلا " فكتب " ابن زياد إلى الحسين عليه السلام " اما بعد " فقد
بلغني يا حسين نزولك بكربلا وقد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد
ان لا أتوسد الوثير (1) ولا أشبع من الحمير أو ألحقك باللطيف
الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد والسلام " فلما " قرأ الحسين
عليه السلام الكتاب ألقاه من يده وقال لا أفلح قوم اشتروا مرضاة
المخلوق بسخط الخالق فقال له الرسول الجواب يا أبا عبد الله فقال
ماله عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب فرجع الرسول
.

(1) في الصحاح الوثير الفراش الوطئ (منه)
104

إلى ابن زياد فأخبره فاشتد غضبه وجهز إليه العساكر وجمع الناس
في مسجد الكوفة وخطبهم ومدح يزيدا وأباه وذكر حسن سيرتهما
ووعد الناس بتوفير العطاء وزادهم في عطائهم مائة مائة وامر بالخروج
إلى حرب الحسين عليه السلام
(المقصد الثاني في صفة القتال)
فلما كان من الغد وهو اليوم الثالث من المحرم قدم عمر بن
سعد بن أبي وقاص في أربعة آلاف وكان ابن زياد قد ولاه الري
وأرسل معه أربعة آلاف لقتال الديلم فلما جاء الحسين عليه السلام
قال له سر إليه فإذا فرغت سرت إلى عملك فاستعفاه فقال نعم على أن
ترد إلينا عهدنا فاستمهله واستشار نصحا فنهوه عن ذلك فبات
ليلته مفكرا فسمعوه وهو يقول
دعاني عبيد الله من دون قومه * إلى خطة فيها خرجت لحيني (1)
فوالله لا أدري واني لواقف * على خطر لا أرتضيه ومين (2)
أأثرك ملك الري والري رغبة * أم ارجع مذموما بقتل حسين
وفي قتله النار التي ليس دونها * حجاب وملك الري قرة عين
وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته فقال له أنشدك
.

(1) الحين بالفتح الهلاك " منه ".
(2) أفكر في أمري علي خطرين خ ل
105

الله يا خال ان تصير إلى الحسين فتأثم عند ربك تقطع رحمك فوالله
لان تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها لو كان لك خير
لك من أن تلقى الله بدم الحسين فقال له ابن سعد فاني افعل إن شاء الله
(وجاء) ابن سعد إلى ابن زياد فقال إنك وليتني هذا العمل يعني الري
وتسامع به الناس فان رأيت أن تنفذ لي ذلك وتبعث إلى الحسين من
اشراف الكوفة من لست خير منه وسمى له أناسا فقال له ابن زياد
لست أستشيرك في من ابعث ان سرت بجندنا والا فابعث إلينا
بعهدنا قال فاني سائر
وقبل ان يحارب الحسين عليه السلام " قال " سبط ابن الجوزي
قال محمد بن سيرين وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالب عليه
السلام في هذا فإنه لقي عمر بن سعد يوما وهو شاب فقال ويحك
يا ابن سعد كيف بك إذا قمت يوما مقاما تخير فيه بين الجنة والنار
فتختار النار " وسار " ابن سعد إلى قتال الحسين عليه السلام بالأربعة
آلاف التي كانت معه " وانضم " إليه الحر وأصحابه فصار في خمسة
آلاف (ثم) جاءه شمر في أربعة آلاف " ثم " اتبعه ابن زياد بيزيد
ابن ركاب الكلبي في الفين والحصين بن نمير السكوني في أربعة
آلاف وفلان المازني في ثلاثة آلاف ونصر ابن فلان في الفين
" فذلك " عشرون الف فارس تكملت عنده إلى ست ليال خلون من
106

المحروم وبعث كعب بن طلحة في ثلاثة آلاف وشبث بن ربعي الرياحي
في الف وحجار بن أبجر في الف فذلك خمسة وعشرون ألفا
وما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون ألفا ما بين
فارس وراجل (ثم) كتب إليه اني لم اجعل لك علة في كثرة الخيل
والرجال فانظر لا أصبح ولا امسى الا وخبرك عندي غدوة وعشية
وكان يستحثه لستة أيام مضين من المحرم " وقال " حبيب بن مظاهر
للحسين عليه السلام يا ابن رسول الله ههنا حي من بني أسد بالقرب
منا تأذن لي في المصير إليهم لأدعوهم إلى نصرتك فعسى الله ان
يدفع بهم عنك فاذن له فخرج إليهم في جوف الليل وعرفهم بنفسه
انه أسدي وقال إني قد اتيتكم بخير ما اتى به وافد إلى قوم اتيتكم
أدعوكم إلى نصر ابن بنت نبيكم فإنه في عصابة من المؤمنين
الرجل منهم خير من الف رجل لن يخذلوه ولن يسلموه ابدا وهذا
عمر بن سعد قد أحاط به وأنتم قومي وعشيرتي وقد اتيتكم بهذه
النصيحة فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا والآخرة
فاني أقسم بالله لا يقتل أحد منكم في سيل الله مع ابن بنت رسول
الله صابرا محتسبا الا كان رفيقا لمحمد صلى الله عليه وآله في عليين
فوثب إليه رجل منهم اسمه عبد الله بن بشر فقال انا أول من يجيب
إلى هذه الدعوة ثم جعل يرتجز ويقول
107

قد علم القوم إذا توا كلوا * واحجم الفرسان أو تثاقلوا
اني شجاع بطل مقاتل * كأنني ليث عرين باسل
ثم تبادر رجال الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا فاقبلوا يريدون
الحسين عليه السلام وخرج رجل في ذلك الوقت من الحي إلى ابن
سعد فأخبره بالحال فأرسل إليهم أربعمائة فارس مع الأزرق فالتقوا
معهم قبل وصولهم إلى الحسين عليه السلام بيسير فتناوشوا واقتتلوا
فصاح حبيب بالأزرق ويلك مالك وما لنا انصرف عنا ودعنا يشقى
بنا غيرك فأبى الأزرق ان يرجع وعلمت بنو أسد انه لا طاقة لهم
بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيهم وارتحلوا في جوف الليل خوفا
من ابن سعد ان يبيتهم ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه
السلام فأخبره فقال لاحول ولا قوة الا بالله وأراد ابن سعدان
يبعث إلى الحسين عليه السلام رسولا يسأله ما الذي جاء به فعرض
ذلك على جماعة من الرؤساء فكلهم أبى استحياء من الحسين عليه
السلام لأنهم كاتبوه فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي وكان فارسا
شجاعا لا يرد وجهه شئ فقال انا اذهب إليه والله لان شئت لأفتكن
به فقال عمر ما أريد ان تفتك به ولكن اذهب فسله ما الذي جاء
به فأقبل فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين عليه السلام أصلحك
الله يا أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض وأجرأه على دم وافتكه
108

وقام إليه فقال له ضع سيفك قال لا والله ولا كرامة إنما انا رسول
فان سمعتم مني والا انصرفت قال فآخذ بقائم سيفك ثم تكلم قال
لا والله لا تمسه قال اخبرني بما جئت به وانا ابلغه عنك ولا أدعك
تدنو منه فإنك فاجر فاستبا وانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره فأرسل
قرة بن قيس الحنظلي فلما رآه الحسين عليه السلام مقبلا قال أتعرفون
هذا قال حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من حنظلة تميم وهو ابن
أختنا وقد كنت اعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد
فجاء حتى سلم على الحسين عليه السلام وبلغه رسالة عمر بن سعد
فقال له الحسين عليه السلام كتب إلي أهل مصركم هذا ان أقدم فأما
إذا كرهتموني فاني انصرف عنكم فقال له حبيب بن مظاهر ويحك
يا قرة أين يرجع إلى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه
أيدك الله بالكرامة فقال له ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته وارى
رأيي فانصرف إلى ابن سعد فأخبره فقال أرجو ان يعافيني الله من
امره وكتب إلى ابن زياد بذلك فلما قرأ الكتاب قال
الان إذ علقت مخالبنا به (1) يرجو النجاة (2) ولات حين مناص
ثم كتب إلى ابن سعد ان اعرض على الحسين ابن يبايع ليزيد
هو وجميع أصحابه فإذا هو فعل ذلك رأينا رأينا فقال ابن سعد قد
.

(1) الان حين تعلقته حبالنا خ ل.
(2) الخلاص خ ل
109

خشيت ان لا يقبل ابن زياد العافية " وورد " كتاب ابن زياد في الأثر إلى
ابن سعد ان حل بين الحسين وأصحابه وبين المآ فلا يذوقوا منه
قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان فبعث عمر في الوقت عمرو بن
الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين
عليه السلام وأصحابه وبين الماء ومنعوهم ان يستقوا منه قطرة وذلك
قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة أيام " ونادي " عبد الله بن حصين
الأزدي بأعلى صوته يا حسين تنظرون إلى الماء كأنه كبد السماء والله
لا تذوقون منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشا فقال الحسين عليه السلام
اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له ابدا. قال حميد بن مسلم والله لعدته
بعد ذلك في مرضه فوالله الذي لا اله غيره لقد رأيته يشرب الماء
حتى يبغر (1) ثم يقئ ويصيح العطش ثم يعود فيشرب الماء
حتى يبغر ثم يقيئه ويتلظى عطشا فما زال ذلك دأبه حتى هلك " فلما "
اشتد العطش على الحسين " ع " وأصحابه أمر أخاه العباس بن علي عليهما
السلام فسار في عشرين راجلا يحملون القرب وثلاثين فارسا فجاءوا
حتى دنوا من الماء ليلا وامامهم نافع بن هلال البجلي يحمل اللواء
فقال عمرو بن الحجاج من الرجل قال نافع قال ما جاء بك قال جئنا
.

(1) بغر البعير كفرح ومنع شرب ولم يرو فاخذه داء من الشرب والبغر
بالتحريك كثرة شرب الماء أو داء وعطش كذا في القاموس (منه)
110

نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه قال فاشرب هنيئا قال لا والله
لا اشرب منه قطرة والحسين عطشان هو وأصحابه فقالوا لا سبيل
إلى سقي هاء ولاء إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء فقال نافع
لرجاله املاوا قربكم فملا وها وثار إليهم عمر بن الحجاج وأصحابه
فحمل عليهم العباس ونافع بن هلال فكشفوهم واقبلوا بالماء ثم عاد
عمرو بن الحجاج وأصحابه وأرادوا ان يقطعوا عليهم الطريق فقاتلهم
العباس وأصحابه حتى ردوهم وجاءوا بالماء إلى الحسين عليه السلام
" وضيق " القوم على الحسين عليه السلام حتى نال منه العطش ومن
أصحابه فقال له يزيد بن الحصين (1) الهمداني يا ابن رسول الله أتأذن
لي ان اخرج إلى القوم فاذن له فخرج إليهم فقال يا معشر الناس ان
الله عز وجل بعث محمدا (ص) بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه
وسراجا منيرا وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه وقد
حيل بينه وبين ابنه فقالوا يا يزيد قد أكثرت الكلام فاكفف والله
ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله فقال الحسين عليه السلام اقعد
يا يزيد (ثم) وثب الحسين عليه السلام متوكئا على قائم سيفه ونادى

(1) كذا وجد ويحتمل ان يكون الصواب برير بن خضير وقد وقع في
عدة مواضع برير بن خضير في بعض الكتب ويزيد بن حصين في بعض آخر
فالظاهر أنه صحف أحدهما بالآخر والتعدد ممكن " منه "
111

با على صوته فقال أنشدكم الله هل تعرفونني قالوا نعم أنت
ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسبطه قال أنشدكم الله هل تعلمون
ان جدي رسول الله (ص) قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون
ان أمي فاطمة بنت محمد (ص) قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل
تعلمون ان أبي علي بن طالب عليه السلام قالوا اللهم نعم قال
أنشدكم الله هل تعلمون ان جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء
هذه الأمة اسلاما قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون ان سيد
الشهداء حمزة عن أبي قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل
تعلمون ان الطيار في الجنة عمي قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم الله
هل تعلمون ان هذا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله انا متقلده
قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون ان هذه عمامة رسول الله
صلى الله عليه وآله انا لابسها قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون
ان عليا كان أول القوم اسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلما وانه ولي
كل مؤمن ومؤمنة قالوا اللهم نعم قال فبم تستحلون دمي وأبي
الذائد عن الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن
الماء ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة قالوا قد علمنا ذلك كله
ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا " فلما " خطب هذه
الخطبة وسمع بنانه وأخته زينب كلامه بكين وارتفعت أصواتهن
112

فوجه إليهن أخاه العباس وعليا ابنه وقال لهما سكتاهن فلعمري
ليكثرن بكاؤهن " وأرسل " الحسين عليه السلام إلى عمر بن سعد مع
عمر بن قرطة الأنصاري اني أريد ان أكلمك فالقني الليلة بين عسكري
وعسكرك فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج الحسين عليه السلام
في مثلها فامر الحسين (ع) أصحابه فتنحوا وبقي معه اخوه العباس
وابنه علي الأكبر وامر ابن سعد أصحابه فتنحوا وبقي معه ابنه
حفص وغلام له فقال له الحسين عليه السلام ويلك يا ابن سعد اما
تتقي الله الذي إليه معادك أتقاتلني وانا ابن من علمت ذر هؤلاء
القوم وكن معي فإنه أقرب لك إلى الله فقال ابن سعد أخاف ان
تهدم داري فقال الحسين عليه السلام انا ابنيها لك فقال أخاف ان
تؤخذ ضيعتي فقال الحسين عليه السلام انا اخلف عليك خيرا منها
من مالي بالحجاز فقال لي عيال وأخاف عليهم ثم سكت ولم يجبه
إلى شئ فانصرف عنه الحسين عليه السلام وهو يقول مالك ذبحك
الله علي فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك فوالله اني لأرجو
ان لا تأكل من بر العراق الا يسيرا فقال في الشعير كفاية عن البر
مستهزءا بذلك القول " وفي رواية " انه (ع) لما رأي نزول العساكر
مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله انفذ إلى عمر بن سعد اني
أريد ان ألقاك فاجتمعا ليلا بين العسكرين وتناجيا طويلا ثم التقي
113

الحسين عليه السلام وعمر بن سعد مرارا ثلاثا أو أربعا ثم كتب عمر
إلى ابن زياد " اما بعد " فان الله قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح
أمر الأمة هذا الحسين قد أعطاني ان يرجع إلى المكان الذي منه
اتى أو ان يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له
مالهم وعليه ما عليهم أو ان يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في
يده فيرى فيما بينه وبنيه رأيه وفي هذا لك رضا وللأمة صلاح " وعن "
عقبة بن سمعان أنه قال والله ما أعطاهم الحسين عليه السلام ان يضع
يده في يد يزيد ولا يسير أن إلى ثغر من الثغور ولكنه قال دعوني ارجع
إلى المكان الذي أقبلت منه أو اذهب في هذه الأرض العريضة
" يقول المؤلف " وهذا هو الذي يقوي في نفسي " قال " فلما قرأ ابن
زياد الكتاب قال هذا كتاب ناصح لأميره مشفق على قومه فقام
إليه شمر بن ذي الجوشن وقال أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك
والى جنبك والله لان رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن
أولى بالقوة والعزة ولتكونن أولى بالضعف والعجز ولكن لينزل
على حكمك هو وأصحابه فان عاقبت فأنت أولى بالعقوبة وان
عفوت كان ذلك لك فقال له ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رأيك
اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه
النزول على حكمي فإذا فعلوا فليبعث بهم إلي سلما وان أبوا فليقاتلهم
114

فان فعل فاسمع له واطع وان أبى فأنت أمير الجيش فاضرب عنقه
وابعث إلي برأسه وكتب إلى ابن سعد اني لم أبعثك إلى الحسين (ع)
لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر عنه
ولا لتكون له عندي شافعا انظر فان نزل الحسين وأصحابه على
حكمي واستسلموا فابعث بهم إلى سلما وان أبوا فازحف إليهم حتى
تقتلهم وتمثل بهم فأنهم لذلك مستحقون فان قتلت الحسين (ع) فاوطئ
الخيل صدره وظهره فإنه عاق شاق قاطع ظلوم ولست أرى ان هذا
يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلت هذا به فان
أنت مضيت لامرنا جزيناك جزاء السامع المطيع وان أبيت فاعتزل
عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد
أمرناه بأمرنا والسلام فلما قرأ ابن سعد الكتاب قال له مالك ويلك
لأقرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي والله اني لأظنك
أنت نهيته ان يقبل ما كتبت به إليه وأفسدت علينا أمرا كنا قد
رجونا ان يصلح لا يستسلم والله حسين ان نفس أبيه لبين جنبيه فقال
له شمر بن ذي الجوشن أخبرني بما أنت صانع أتمضي لأمر أميرك
وتقاتل عدوه والا فخل بيني وبين الجند والعسكر قال لا ولا
كرامة لك ولكن انا أتولى ذلك فدونك فكن أنت على الرجالة
" ونهض " عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام عشية يوم الخميس
115

لتسع مضين من المحرم " وجاء " شمر حتى وقف على أصحاب الحسين
" ع " فقال أين بنو أختنا يعني العباس وجعفر و عبد الله وعثمان أبناء
علي عليه السلام فقال الحسين عليه السلام أجيبوه وإن كان فاسقا
فإنه بعض أخوالكم (1) فقالوا له ما تريد فقال لهم أنتم يا بني أختي
آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين عليه السلام والزموا
طاعة يزيد فقالوا له لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله
لا أمان له " وفي رواية " فناداه العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام
تبت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله أتأمرنا ان نترك
أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء
فرجع الشمر إلى عسكره مغضبا " وكان " ابن خالهم عبد الله بن أبي
المحل بن حزام وقيل جرير بن عبد الله بن مخلد الكلابي قد اخذ
لهم أمانا من ابن زياد وأرسله إليهم مع مولى له وذلك أن أمهم أم البنين
بنت حزام زوجة علي عليه السلام هي عمة عبد الله هذا فلما رأوا الكتاب
قالوا لا حاجة لنا في أمانكم أمان الله خير من أمان ابن سمية " ثم "
نادي عمر بن سعد يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري فركب الناس ثم
زحف نحوهم بعد العصر والحسين عليه السلام جالس امام بيته
.

(1) وذلك أن أمهم أم البنين كانت من بني كلاب والشمر من بني كلاب " منه "
116

محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه فسمعت أخته زينب الضجة
فدنت من أخيها فقالت يا أخي اما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت
فرفع الحسين عليه السلام رأسه فقال إني رأيت رسول الله صلى الله
عليه وآله الساعة في المنام فقال إنك تروح إلينا فاطمة أخته وجهها
ونادت بالويل فقال لها الحسين عليه السلام ليس لك الويل يا أخيه
اسكتي رحمك الله " وفي رواية " انه عليه السلام جلس فرقد ثم استيقظ
وقال يا أختاه رأيت الساعة جدي محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي
الحسن وهم يقولون يا حسين انك رائح إلينا عن قريب " وفي " بعض
الروايات غدا فلطمت زينب وجهها وصاحت فقال لها الحسين عليه
السلام مهلا لا تشمتي القوم بنا " وقال " له العباس يا أخي اتاك القوم
فنهض ثم قال يا عباس اركب أنت حتى تلقاهم وتقول لهم ما بالكم
وما بدا لكم وتسألهم عما جاء بهم فأتاهم في نحو عشرين فارسا فيهم
زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا قد جاء أمر الأمير ان
نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه أو نناجزكم قال فلا تعجلوا حتى
ارجع إلى أبي عبد الله فاعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا ورجع العباس
إليه بالخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن
قتال الحسين عليه السلام فلما اخبره العباس بقولهم قال له ارجع إليهم
فان استطعت ان تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلى
117

لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم اني كنت أحب الصلاة له
وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار وأراد الحسين عليه السلام
أيضا ان يوصي أهله فسألهم العباس ذلك فتوقف ابن سعد فقال
له عمرو بن الحجاج الزبيدي سبحان الله والله لو أنهم من الترك أو
الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف وهم آل محمد وقال
له قيس بن الأشعث بن قيس أجبهم لعمري ليصبحنك بالقتال فأجابوهم
إلى ذلك " فجمع " الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء؟؟ " قال "
علي بن الحسين عليهما السلام فدنوت منه لاسمع ما يقول لهم وانا إذ ذاك
مريض فسمعت أبي يقول لأصحابه: اثني على الله أحسن الثناء واحمده
على السراء والضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا
القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة فاجعلنا
لك من الشاكرين " اما بعد " فاني لا اعلم أصحابا اوفي ولا خيرا من
أصحابي ولا أهل بيت ابر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني
خيرا الا واني لأظن يوما لنا من هاء ولاء الا واني قد أذنت لكم
فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم
فاتخذوه جملا وليأخذه كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي
وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهاء ولاء القوم فأنهم لا يريدون
غيري فقال له اخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر
118

ولم نفعل ذلك لنبقي بعدك لا أرانا الله ذلك ابدا بدأهم بهذا القول
العباس بن أمير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه
" ثم " نظر إلى بني عقيل فقال حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم
اذهبوا فقد أذنت لكم قالوا سبحان الله فما يقول الناس لنا وماذا
تقول انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم
معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري
ما صنعوا لا والله ما نفعل ولكنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا
ونقاتل معك حتى ترد موردك فقبح الله العيش بعدك " وقام " إليه
مسلم بن عوسجة الأسدي فقال انحن نخلي عنك وقد أحاط بك
هذا العدو وبما نعتذر إلى الله في أداء حقك والله لا يراني الله ابدا
وانا افعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي
ما ثبت قائمه بيدي ولم لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة
ولم أفارقك أو أموت معك " وقام " سعيد بن عبد الله الحنفي فقال
لا والله يا ابن رسول الله لا نخليك ابدا حتى يعلم الله انا قد حفظنا
فيك وصية رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم والله لو علمت اني اقتل فيك ثم أحيا
ثم أحرق حيا ثم اذرى يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى
القي حمامي دونك وكيف لا افعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم
؟؟ نال الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا " وقام " زهير بن القين وقال والله
119

يا ابن رسول الله صلى الله لوددت اني قتلت ثم نشرت الف مرة وان الله تعالى
يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من إخوانك
وولدك وأهل بيتك " وتكلم " جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا
وقالوا أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا فإذا نحن قتلنا بين
يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا " ووصل " الخبر إلى محمد
بن بشير الحضرمي في تلك الحال بأن ابنه قد أسر بثغر الري فقال
عند الله احتسبه ونفسي ما كنت أحب ان يؤسر وأبقى بعده فسمع
الحسين عليه السلام قوله فقال رحمك الله أنت في حل من بيعتي
فاعمل في فكاك ابنك فقال اكلتني السباع حيا ان فارقتك قال فاعط
ابنك هذا هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه فأعطاه
خمسة أثواب برود قيمتها ألف دينار فحملها مع ولده وامر الحسين عليه
السلام أصحابه ان يقربوا بين بيوتهم ويدخلوا الاطناب بعضها في
بعض ويكونوا بين يدي البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد
والبيوت من ورائهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم الا الوجه
الذي يأتيهم منه عدوهم " وقام " الحسين عليه السلام وأصحابه الليل
كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون وباتوا ولهم دوي
كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد
سمة العبيد من الخشوع عليهم * لله ان ضمتهم الأسحار
120

فإذا ترجلت الضحى شهدت لهم * بيض القواضب انهم أحرار
فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون
رجلا " قال " بعض أصحاب الحسين عليه السلام مرت بنا خيل لابن
سعد تحرسنا وكان الحسين عليه السلام يقرأ ولا يحسبن الذين كفروا
إنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين
ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب
فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبد الله بن سمير فقال نحن ورب
الكعبة الطيبون ميزنا منكم فقال له برير بن خضير يا فاسق أنت
يجعلك الله من الطيبين فقال له من أنت ويلك قال انا برير بن خضير
فتسابا " فلما " كان وقت السحر خفق الحسين عليه السلام برأسه خفقة
ثم استيقظ فقال رأيت كأن كلا با قد شهدت لتنهشني وفيها كلب
أبقع رأيته أشدها علي وأظن أن الذي يتولى قتلي رجل أبرص ثم
اني رأيت جدي رسول الله (ص) ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول
يا بني أنت شهيد آل محمد وقد استبشر بك أهل السماوات وأهل الصفيح
الاعلى فليكن افطارك عندي الليلة عجل ولا تتأخر فهذا ملك قد
نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء " وأصبح " الحسين عليه
السلام فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة " وكان " معه اثنان وثلاثون
فارسا وأربعون راجلا وقيل ثمان وأربعون راجلا " وفي رواية " ثمانون
121

راجلا " وعن " الباقر عليه السلام انهم كانوا خمسة وأربعين فارسا
ومأة راجل " وقيل " كانوا سبعين فارسا ومأة راجل " فجعل " زهير
ابن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة وأعطى رايته العباس
أخاه وجعلوا البيوت في ظهورهم " وامر " بحطب وقصب كان من
وراء البيوت ان يترك في خندق كانوا قد حفروه هناك في ساعة
من الليل وان يحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم فنفعهم ذلك
" وأصبح " ابن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة أو يوم السبت
فعبأ أصحابه فجعل على ميمنته عمرو بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن
ذي الجوشن وعلى الخيل عروة (عزرة خ ل) بن قيس وعلى الرجالة
شبث بن ربعي وأعطى الراية دريدا مولاه وجعل على ربع أهل المدينة
عبد الله الأزدي وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث
وعلى ربع مذحج واسد عبد الرحمن الجعفي وعلى ربع تميم وهمدان
الحر بن يزيد الرياحي " وامر " الحسين عليه السلام بفسطاط فضرب
وامر بجفنة فيها مسك كثير وعجل عندها نورة ثم دخل ليطلي
فروي ان برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري
وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن
فقال له عبد الرحمن يا برير ما هذه ساعة باطل فقال برير لقد علم قومي
اني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا وإنما افعل ذلك استبشارا بما نصير
122

إليه فوالله ما هو الا ان نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها
ساعة ثم نعانق الحور العين " ثم " ركب الحسين عليه السلام دابته
ودعا بمصحف فوضعه امامه فروي عن علي بن الحسين عليهما السلام
أنه قال لما صبحت الخيل الحسين (ع) رفع يديه وقال اللهم أنت ثقتي
في كل كرب وأنت رجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر
نزل بي ثقة وعدة كم من كرب يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة
ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك
رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته عني وكشفته فأنت ولي
كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة " وركب " أصحاب عمر
ابن سعد واقبلوا يجولون حول بيوت الحسين عليه السلام فيرون
الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان
القي فيه فنادي شمر با على صوته يا حسين أتعجلت النار قبل يوم القيمة فقال
الحسين (ع) من هذا كأنه شمر فقالوا نعم قال يا ابن راعية المعزى أنت
أولى بها صليا ورام مسلم بن عوسجة ان يرميه بسهم فمنعه الحسين
عليه السلام من ذلك فقال له دعني حتى أرميه فإنه الفاسق من أعداء
الله وعظما الجبارين وقد أمكن الله منه فقال له الحسين عليه السلام
لا ترمه فأني أكره ان أبدأهم بقتال " واقبل " رجل من عسكر ابن
سعد يقال له ابن أبي جويرية المزني فلما رأي النار تتقد نادي يا حسين
123

أبشروا
بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا فقال الحسين عليه السلام اللهم
أذقه عذاب النار في الدنيا فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق
" ثم " برز تميم بن حصين الفزاري فنادي يا حسين ويا أصحاب حسين
اما ترون ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات والله لا ذقتم منه قطرة
حتى تذوقوا الموت جرعا فقال الحسين عليه السلام هذا وأبوه من
أهل النار اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم فخنقه العطش حتى
سقط عن فرسه ووطأته الخيل بسنابكها فمات " ولما " ركب أصحاب
ابن سعد قرب إلى الحسين عليه السلام فرسه فاستوى عليه وتقدم
نحو القوم في نفر من أصحابه وبين يديه برير بن خضير فقال له
الحسين عليه السلام كلم القوم فتقدم برير فقال يا قوم اتقوا الله فان
ثقل محمد صلى الله عليه وآله قد أصبح بين أظهركم هاء ولاء ذريته
وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون ان تصنعوه
بهم فقالوا نريد ان نمكن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم فقال
لهم برير أفلا تقبلون منهم ان يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه
ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها
وأشهدتم الله عليها يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم انكم
تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا أتوكم أسلمتموهم وحلئتموهم (1)

(1) طردتموهم ومنعتموهم " منه "
124

عن ماء الفرات يئس ما خلفتم نبيكم في ذريته مالكم لا سقاكم الله
يوم القيمة فبئس القوم أنتم " فقال " له نفر منهم يا هذا ما ندري ما تقول
فقال برير؟؟ الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة اللهم إني ابرا إليك من
فعل هؤلاء القوم اللهم الق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم
غضبان ذحبل القوم يردونه بالسهام فرجع إلى ورائه " وتقدم " الحسين
عليه السلام حتى وقف بإزاء القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم
السيل ونظر إلى ابن سعد واقفا في صنا ديد الكوفة " فقال " الحمد
لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة باهلها حالا بعد
حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا
فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد
اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم واعرض بوجهه الكريم
عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد
أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد (ص) ثم انكم زحفتم على
ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم
ذكر الله العظيم فتبا لكم ولما تريدون انا لله وانا إليه راجعون هاء ولاء
قوم كفروا بعد ايمانهم فبعدا للقوم الظالمين " فقال " ابن سعد ويلكم
كلموه فإنه ابن أبيه والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما
انقطع ولما حصر " فتقدم " شمر فقال يا حسين ما هذا الذي تقول
125

أفهمنا حتى نفهم فقال أقول اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني فإنه لا يحل
لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي فاني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة
زوجة نبيكم ولعله قد بلغكم قول نبيكم الحسن والحسين سيدا
شباب أهل الجنة (1) " وفي رواية " انه دعاء الحسين براحلته فركبها
ونادي يا علي صوته يا هل العراق وكلهم (وجلهم خ ل) يسمعون فقال
أيها الناس اسمعوا قولي ولا تجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي وحتى
اعذر إليكم فان أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد وان لم تعطوني
النصف عن أنفسكم فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن امركم عليكم غمة
ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو
يتولى الصالحين فلما سمع أخواته وبناته كلامه هذا صحن وبكين
وارتفعت أصواتهن فأرسل إليهن أخاه العباس وابنه عليا وقال
اسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن ثم إنه حمد الله واثني عليه وذكره
بما هو أهله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ملائكته
وأنبيائه وقال مالا يحصي كثرة فلم يسمع متكلم قط قبله ولابعده
أبلغ في منطق منه
له من علي في الحروف شجاعة * ومن احمد عند الخطابة قيل

(1) وسيأتي تمام كلامه عليه السلام في الرواية الآتية بعد هذا " منه عفي عنه "
126

ثم قال اما بعد فانسبوني فانظروا من انا ثم ارجعوا إلى أنفسكم
وعاتبوها فانظروا هل يصلح ويحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي الست
ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق
برسول الله صلى الله عليه وآله وبما جاء به من عند ربه أوليس حمزة
سيد الشهداء عمي أوليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي أولم
يبلغكم ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي هذان سيدا
شباب أهل الجنة فان صدقتموني بما أقول وهو الحق والله ما تعمدت
كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله وان كذبتموني فأن فيكم
من أن سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري
وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي والبرآء بن عازب (1)
وزيدا بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم انهم سمعوا هذه المقالة من
رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي اما في هذا حاجز لكم
عن سفك دمي فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على
حرف إن كان يدري ما تقول " فقال " له حبيب بن مظاهر والله اني
لأراك تعبد الله على سبعين حرفا (سبعين الف حرف خ ل) وانا
اشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك " ثم قال " لهم
الحسين عليه السلام فان كنتم في شك من هذا أفتشكون في اني

(1) البراء موجود في مقتل ابن نما خاصة " منه "
127

ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري
فيكم ولا في غيركم ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم
استهلكته أو بقصاص من جراحة فاخذوا لا يكلمونه " فنادي "
يا شبث بن ربعي ويا حجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد
ابن الحارث ألم تكتبوا إلى أن قد أينعت الثمار واخضرت الجنان وإنما
تقدم على جند لك مجندة فقال له قيس بن الأشعث ما ندري ما تقول
ولكن نزل علي حكم بني عمك فإنهم لن يروك الا ما تجب " فقال " له
الحسين عليه السلام لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا أفر فرار
(أقر اقرار خ ل) العبيد " ثم نادي يا عباد الله اني عذت بربي وربكم
ان ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب
" ثم " انه أناخ راحلته وامر عقبة بن سمعان فعقلها ثم ركب فرسه
وتهيأ للقتال " وفي رواية " انه عليه السلام ركب ناقته وقيل فرسه وخرج
إلى الناس فاستنصتهم فأبوا ان ينصتوا (1) حتى قال لهم ويلكم
ما عليكم ان تنصتوا لي فتسمعوا قولي وإنما ادعو كم إلى سبيل الرشاد
فمن أطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين
.

(1) رواية ابن طاوس في اللهوف فاستنصتهم فانصتوا ويمكن حملها
على أنهم انصتوا بعد أن قال لهم ما ذكر ان ابن طاوس " ره " كثير
الاختصار " منه "
128

وكلكم عاص لامري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من
الحرام وطبع علي قلوبكم ويلكم الا تنصتون الا تسمعون فتلاوم
أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا انصتوا له فحمد الله واثني عليه
وذكره بما هو أهله وصلى على محمد " ص " وعلى الملائكة والأنبياء
والرسل وأبلغ في المقال ثم قال تبا (1) لكم أيتها الجماعة وترحا (2) أحين
استصرختمونا والهين (3) (ولهين متحيرين خ ل) فأصرخناكم
موجفين (4) (مؤدين (5) مستعدين خ ل) سللتم علينا سيفا لنا في
ايمانكم وحششتم (6) علينا نارا قدحناها (أججناها خ ل) على عدوكم
وعدونا فأصبحتم البا (7) على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم بغير
عدل أفشوه فيكم ولا امل أصبح لكم فيهم الا الحرام من الدنيا
أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه من ير حدث كان منا ولا رأي
تفيل (8) لنا فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا وتركتمونا تجهزتموها (9)

(1) التب الهلاك " منه ".
(2) الترح محركة الهم (منه).
(3) الوله
بالتحريك الحزن " منه ".
(4) وجيف الفرس والبعير عدوه وأوجفته
أعديته " منه "
(5) يقال آدى للسفر بالمد اي تهيأ فهو مؤده وآداه على
كذا اعانه وفلان مؤداي شاك في السلاح " منه "
(6) أوقدتم " منه "
(7) مجتمعين " منه ".
(8) اي ضعف وأخطأ " منه ".
(9) الضمير
للحرب أو الفتنة والتجهز التهيؤ اي هلا أظهرتم إرادة الحرب من أول الأمر
حيث كانت الحال قابلة للتدارك وكان القياس تجهزتم لها لان تجهز لا يتعدى
بنفسه ولم صحت روايتها عنه عليه السلام لكفي بها شاهدا على الجواز لكن
احتمال الخطأ من النساخ موجود " منه ".
129

والسيف مشيم (1) (لم يشهر خ ل) والجأش (2) طامن (3) والرأي لما
يستحصف (4) ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا (5) وتداعيتم إليها
كتداعي (كتهافت خ ل) الفراش فسحقا (فقبحا خ ل) لكم يا عبيد الأمة
(فإنما أنتم من طواغيت الأمة خ ل) وشذاذ (6) الأحزاب ونبذة
الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرفي الكتاب (الكلم خ ل)
ومطفئي السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومبيدي عترة الأوصياء وملحقي
العهار (7) بالنسب ومؤذي المؤمنين وصراخ أئمة المستهزئين الذين
جعلوا القرآن عصين ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم
خالدون وأنتم ابن حرب وأشياعه تعضدون (أهؤلاء تعضدون خ ل)
وعنا تخاذلون اجل والله الخذل فيكم معروف (غدر فيكم قديم خ ل)
وشجت عليه أصولكم وتأزرت عليه فروعكم (وشجت عليه
عروقكم وتوارثته أصولكم وفروعكم خ ل) وثبتت عليه قلوبكم
وغشيت صدوركم فكنتم أخبث ثمر (شئ خ ل) شجا للناظر وأكلة

(1) مغمد " منه ".
(2) الجأش
بالهمز والجأش بدونه رواغ القلب إذا اضطرب عند الفزع ونفس الانسان " منه ".
(3) مطمئن " منه ".
(4) استحصف الرأي استحكم " منه "
(5) الدبا
بالفتح الجراد قبل ان يطير " منه ".
(6) شذاذ الناس الذين يكونون في
القوم وليسوا من قبائلهم " منه ".
(7) عاهرها عهارا أتاها للفجور " منه ".
130

للغاصب الا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الايمان بعد توكيدها
وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فأنتم والله هم الا ان المدعي ابن الدعي
قد ركز بين اثنتين بين السلة (1) والذلة وهيهات منا الذلة (وهيهات
ما آخذ الدنية خ ل) يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وجدود
(وحجور خ ل) طابت وحجور (وحجر خ ل) طهرت وأنوف حمية
ونفوس أبية لا تؤثر (من أن تؤثر خ ل) طاعة اللئام على مصارع
الكرام الا قد أعذرت وأنذرت الا واني زاحف بهذه الأسرة
مع قلة العدد (العتاد خ ل) وكثرة العدو وخذلان الناصر (وخذلة
الأصحاب (الناصر خ ل) ثم وصل عليه السلام كلامه بابيات فروة
بن مسيك المرادي فقال
فان نهزم فهزامون قدما * وان نغلب فغير مغلبينا (2)
وما إن طبنا (3) جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا
إذا ما الموت رفع عن أناس * كلا كله (4) انا خ بآخرينا
فأفنى ذلكم سروات قومي * كما أفنى القرون الأولينا
فلو خلد الملوك اذن خلدنا * ولو بقي الكرام اذن بقينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا

(1) السلة بالفتح والكسر استلال السيوف " منه ".
(2) وان نهزم فغير
مهزمينا خ ل.
(3) بالكسر عادتنا " منه ".
(4) جمع كلكل وهو الصدر " منه ".
131

" ثم " قال اما والله لا تلبثون بعدها الا كريث (1) ما يركب الفرس
حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور (2) عهد عهده
إلي أبي عن جدي فاجمعوا امركم وشركائكم ثم لا يكن امركم
عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون (ثم كيدوني جميعا فلا تنظرون
خ ل) اني توكلت على الله ربي وربكم مامن دابة الاهو آخذ بناصيتها
ان ربي على صراط مستقيم اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم
سنين كسني يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف (3) يسقيهم كأسا مصبرة
ولا يدع فيهم أحدا الا قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي
وأهل بيتي وأشياعي منهم فإنهم غرونا وكذبونا وخذلونا وأنت ربنا
عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير ثم قال ادعوا لي عمر بن سعد
فدعي له وكان كارها لا يجب ان يأتيه فقال يا عمر أنت تقتلني وتزعم ان
يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الري وجرجان والله لا تتهنى بذلك
ابدا عهدا معهودا فاصنع ما أنت صانع فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا
آخرة ولكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة يتراماه الصبيان
ويتخذونه غرضا بينهم فاغتاظ ابن سعد من كلامه ثم صرف بوجهه
عنه ونادي بأصحابه ما تنتظرون به احملوا بأجمعكم إنما هي اكلة واحدة
.

(1) كمقدار " مئة ".
(2) المحور كمنبر العود الذي تدور عليه البكرة
وربما كان من حديد " منه ".
(3) هو المختار بن أبي عبيدة الثقفي " منه "
132

" ثم " ان الحسين عليه السلام نزل عن راحلته ودعا بفرس رسول الله
صلى الله عليه وآله المرتجز فركبه " وخرج " زهير بن القين على فرس له
ذنوب شاك في السلاح فقال يا أهل الكوفة بدار (نذار خ ل) لكم من عذاب
الله بدار (نذار خ ل) ان حقا على المسلم نصيحة المسلم ونحن حتى الان
اخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف فإذا وقع السيف
انقطعت العصمة وكنا نحن أمة وأنتم أمة ان الله قد ابتلانا (1) وإياكم بذرية
محمد صلى الله عليه وآله لينظر ما نحن وأنتم عاملون انا ندعوكم إلى نصره
وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد فسبوه واثنوا على ابن زياد فقال
لهم يا عباد الله ان ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية فان
كنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله ان تقتلوهم فلعمري ان يزيد
يرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه السلام فرماه شمر بسهم
وقال اسكت اسكت الله نامتك (2) ابر متنا (3) بكثرة كلامك
فقال زهير يا ابن البوال على عقبيه ما إياك أخاطب إنما أنت بهيمة والله
ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين وأبشر بالخزي يوم القيمة والعذاب
الأليم فقال شمر ان الله قاتلك وصاحبك عن ساعة قال أفبالموت
تخوفني والله لموت معه أحب إلي من الخلد معكم ثم رفع صوته

(1) اختبرنا " منه " (2) في الصحاح قولهم اسكت الله نامته اي
ما ينم عليه من حركته " منه " (3) يقال أبرمه اي أمله وأضجره " منه "
133

وقال عباد الله لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي فوالله لا تنال
شفاعة محمد قوما اهرقوا دماء ذريته وأهل بيته وقتلوا من نصرهم
وذب عن حريمهم فأمره الحسين عليه السلام فرجع " ولما " رأى الحر
ابن يزيد ان القوم قد صمموا على قتال الحسين عليه السلام قال لعمر
ابن سعدا مقاتل أنت هذا الرجل قال اي والله قتالا أيسره ان تسقط
الرؤس وتطيح الأيدي قال فمالكم فيما عرضه عليكم رضى قال
اما لو كان الامر إلي لفعلت ولكن أميرك قد أبي فاقبل الحر حتى
وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس
فقال له يا قرة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال فما تريد ان
تسقيه قال قرة فظننت والله انه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال فكره
ان أراه حين يصنع ذلك فقلت له لم اسقه وانا منطلق فأسقيه فاعتزلت
ذلك المكان الذي كان فيه فوالله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت
معه إلى الحسين عليه السلام فاخذ الحر يدنو من الحسين عليه السلام
قليلا قليلا فقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أتريد ان تحمل
فلم يحبه واخذه مثل الا فكل وهي الرعدة فقال له المهاجر ان امرك
لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من
أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك فقال الحر
اني والله أخير نفسي بين الجنة والنار فوالله اني لاختار على الجنة
134

شيئا ولو قطعت وحرقت ثم ضرب فرسه قاصدا إلى الحسين عليه
السلام ويده على رأسه وهو يقول اللهم إليك أنيب فتب علي فقد
أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك وقال للحسين عليه السلام
جعلت فداك يا ابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع
وسايرتك في الطرق وجعجعت بك في (إلى خ ل) هذا المكان وما
ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه
المنزلة والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل
الذي ركبت واني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي مواسيا لك
بنفسي حتى أموت بين يديك فهل ترى لي من توبة فقال له الحسين
عليه السلام نعم يتوب الله عليك فأنزل قال انا لك فارسا خير مني
واجلا أقاتلهم علي فرسه ساعة والى النزول يصير آخر أمري فقال
له الحسين عليه السلام فاصنع يرحمك الله ما بدا لك فاستقدم امام
الحسين عليه السلام فقال يا أهل الكوفة لامكم الهبل (1) والعبر
أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا جاءكم أسلمتموه وزعمتم انكم
قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لقتلوه وأمسكم بنفسه واخذتم
بكظمه وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله
العريضة فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعنا ولا يدفع

(1) الهبل الثكل " منه ".
135

عنها ضرا وحلا تموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري
يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه
فهاهم قد صرعهم العطش بئس ما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله
يوم الظلما فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فرجع حتى وقف امام الحسين
عليه السلام " وروى " ابن نما أنه قال للحسين عليه السلام لما وجهني
عبيد الله إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي ابشر يا حر
بخير فالتفت فلم أر أحدا فقلت والله ما هذه بشارة وانا أسير إلى.
الحسين عليه السلام وما كنت أحدث نفسي باتباعك فقال لقد
أصبت اجرا وخيرا " ونادي " عمر بن سعد يا دريد ادن رأيتك فأدناها
ثم وضع سهما في كبد قوسه فرمى به نحو عسكر الحسين عليه السلام
وقال اشهدوا لي عند الأمير اني أول من رمي وأقبلت السهام من
القوم كأنها القطر فلم يبق من أصحاب الحسين عليه السلام أحد الا
اصابه من سهامهم فقال " عليه السلام لأصحابه قوموا رحمكم الله
إلى الموت الذي لابد منه فان هذه السهام رسل القوم إليكم
فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة حتى قتل من أصحاب الحسين
عليه السلام جماعة فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده على لحيته
وجعل يقول اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا واشتد
غضبه على النصاري إذ جعلوه ثالث ثلاثة واشتد غضبه على المجوس
136

إذ عبدوا الشمس والقمر دونه واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على
قتل ابن بنت نبيهم اما والله لا أجيبهم إلى شئ مما يريدون حتى القي
الله تعالى وانا مخضب بدمي " فروي " عن مولانا الصادق عليه السلام
أنه قال سمعت أبي يقول لما التقي الحسين عليه السلام وعمر بن سعد
وقامت الحرب على ساق النزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين
عليه السلام ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله فاختار لقاء
الله ثم صاح الحسين عليه السلام اما من مغيث يغيثنا لوجه الله اما
من ذاب يذب عن حرم رسول الله (ص) " وكان " يزيد بن زياد بن
المهاجر (مهاصر خ ل) الكندي ويكني أبا الشعثاء في أصحاب ابن
سعد فلما ردوا على الحسين عليه السلام ما عرضه عليهم عدل إليه فقاتل
بين يديه وجعل يرتجز ويقول
انا يزيد وأبي المهاجر (1) * أشجع من ليث بغيل خادر
يا رب اني للحسين ناصر * ولابن سعد تارك وهاجر
وجثا بين يدي الحسين عليه السلام فرمى بمأة سهم ما سقط
منها خمسة أسهم وكان راميا وكلما رمى يقول له الحسين عليه السلام
اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة فقتل خمسة من أصحاب عمر
بالنشاب وكان أول من قتل (ثم) ارتمى الناس وتبارزوا فكان أصحاب

(1) (مهاصر خ ل)
137

الحسين عليه السلام كما قيل فيهم
قوم إذا نودوا لدفع ملمة * والخيل بين مدعس ومكردس
لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا * يتهافتون على ذهاب الأنفس
" فبرز " يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد وقالا
من يبارز فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير فقال لهما الحسين
عليه السلام اجلسا فقام عبد الله بن عمير الكلبي فاستأذن الحسين عليه
السلام في مبارزتهما وكان طويلا بعيد ما بين المنكبين فنظر إليه
الحسين عليه السلام وقال إني احسبه للاقران قتالا واذن له وكان
قد خرج من الكوفة ليلا ومعه امرأته أم وهب إلى الحسين عليه السلام
لأنه لما رأي العساكر تعرض بالنخيلة لتسير إلى حرب الحسين عليه
السلام قال والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا واني لأرجو
ان لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أقل ثوابا
عند الله من جهاد المشركين فأخبر زوجته فقالت أصبت اخرج وأخرجني
معك فلما برز قال له يسار من أنت فانتسب له فقال له لست أعرفك
ليخرج إلي زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن خضير فقال
له ابن عمير يا ابن الفاعلة وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس
ولا يبرز إليك أحد الا وهو خير منك ثم شد عليه فضربه بسيفه
حتى برد وهو أول من قتل من أصحاب ابن سعد فإنه لمشتغل بضربه
138

إذ شد عليه سالم مولى عبيد الله فصاحوا به قد رهقك العبد فلم يعبأ
به حتى غشيه فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسري
فأطارت أصابع كفه ثم شد عليه ابن عمير فضربه حتى قتله فرجع وقد
قتلهما جميعا وهو يرتجز ويقول إن
تنكروني فانا ابن كلب * حسبي ببيتي في عليم حسبي
اني امرؤ ذو مرة (1) وعضب (2) * ولست بالخوار (3) عند النكب (4)
اني زعيم (5) لك أم وهب * بالطعن فيهم صادقا (6) والضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب
ثم قاتل قتالا شديدا حتى قتل رجلين آخرين فقتله هاني بن ثبيت
الحضرمي وبكير بن حي التيمي وخرجت امرأته فجلست عند رأسه
تمسح التراب عن وجهه وتقول هنيئا لك الجنة فامر شمر غلاما
له يقال له رستم فضرب رأسها بالعمود فماتت مكانها (7) " وبرز " عمر بن

(1) المرة بالكسر قوة الخلق وشدته والعقل؟؟ والاحكام والقوة " منه "
(2) العضب الطعن والضرب " منه ".
(3) الخوار الضعيف " منه ".
(4) النكب
المصيبة " منه ".
(5) كفيل " منه ".
(6) (مقدما خ ل).
(7) الظاهر أنه
وقع خلط من المؤرخين بين قصة وهب بن حباب الكلبي الآتي ذكره
وقصة عبيد الله هذا كما يظهر من التتبع فالطبري وابن الأثير نسبا قتل غلام
شمر للمرأة إلى زوجة عبيد الله كما ذكرناه هنا وبعض نسبه إلى زوجة وهب
ونسبا أيضا اخذ العمود إلى آخر القصة الآتية عند ذكر وهب بن حباب إلى
زوجة عبيد. وابن طاوس وغيره يسبوا اخذ العمود إلى زوجة وهب والطبري
وابن الأثير قالا إن زوجة عبيد الله اسمها أم وهب فيحتمل الاشتباه بأم وهب
ابن حباب وان يكونا اخذا ذلك من بعض الأراجيز المنسوبة لعبيد الله وفيها
اني زعيم لك أم وهب. كما نقلناه هنا. والمفيد لم يذكر في رجز عبيد الله اني
زعيم البيت وحسبي بيتي الخ واقتصر على الباقي ولعله أقرب إلى الصواب
والطبري نسب إلى عبيد الله الرجز كما نسبناه هنا وعنه نقلناه وكذا ابن نما عدا
الشطر الأخير، وبعضهم نسب إلى وهب أنه ارتجز وقال إني
زعيم لك أم وهب * بالطعن فيهم تارة والضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب * حتى يذيق القوم مر الحرب
اني امرؤ ذو مرة وعضب * ولست بالخوار قبل النكب
حسبي الهي من عليم حسبي
مع أن أكثر ذلك هو في الرجز المنسوب إلى عبيد الله والله أعلم " منه "
139

خالد الصيداوي فقال له الحسين عليه السلام تقدم فانا لاحقون بك
عن ساعة فحمل هو وسعد مولاه وجبار بن الحارث السلماني ومجمع
بن عبيد الله العائذي فأوغلوا في أصحاب عمر بن سعد فعطف عليهم
أصحاب ابن سعد فقطعوهم عن أصحابهم فحمل العباس بن علي عليهما
السلام فاستنقذهم وقد جرحوا ثم حملوا فقاتلوا حتى قتلوا في مكان واحد
وحمل عمرو بن الحجاج على ميمنة أصحاب الحسين عليه السلام
فيمن كان معه من أهل الكوفة فلما دنا من أصحاب الحسين عليه السلام
جثوا له على الركب واشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على
140

الرماح فذهب الخيل ترجع فرشقهم أصحاب الحسين عليه السلام
بالنبل فصرعوا منهم رجالا وجرجوا آخرين " وجاء " رجل من بني
تميم يقال له عبد الله بن حوزة فقال يا حسين ابشر بالنار فقال له الحسين
عليه السلام كذبت بل أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع ثم رفع
الحسين عليه السلام يديه فقال اللهم حزه (جره خ ل) إلى النار فاضطرب
به فرسه في جدول فوقع وتعلقت رجله اليسري بالركاب وارتفعت
اليمنى فشد عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمني فطارت وعدا به
فرسه يضرب رأسه بكل حجر ومدر حتى مات وعجل الله بروحه
إلى النار " وكان " مسروق بن وائل الحضرمي قد خرج مع ابن سعد
وقال لعلي أصيب رأس الحسين فأصيب به منزلة عند ابن زياد فلما
رأي ما صنع بابن حوزة بدعاء الحسين عليه السلام رجع وقال لقد
رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم ابدا " ونشب " القتال " فخرج "
برير بن خضير الهمداني وكان زاهدا عابدا وكان اقرأ أهل زمانه وكان
يقال له سيد القراء وهو يقول
انا برير وأبي خضير * لاخير فيمن ليس فيه خير
" وجعل " يحمل على القوم وهو يقول اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين
اقتربوا مني يا قتلة أولاد البدريين اقتربوا مني يا قتلة أولاد رسول رب
العاملين وذرية الباقين فخرج إليه يزيد بن معقل لبرير هل تذكر
141

وأنت تقول ان فلانا كان على نفسه مسرفا وان معاوية ضال مضل وان
امام الهدي والحق علي بن أبي طالب فقال له برير اشهد ان هذا رأيي
وقولي فقال يزيد اشهد انك من الضالين فقال له برير هلم أبا هلك
ولندع الله ان يلعن الكاذب منا وان يقتل المحق منا المبطل فتباهلا
ثم تبارزوا فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة فلم يضره
شيئا وضربه برير ضربة قدت المغفر ووصلت إلى دماغه فسقط
والسيف في رأسه فحمل عليه رضي بن منقذ العبدي فاعتنق بريرا
واعتركا ساعة ثم إن بريرا رمي به إلى الأرض وقعد على صدره
فحمل كعب بن جابر الأزدي على برير وطعنه بالرمح في ظهره فنزل
برير عن ابن منقذ بعد أن عض انفه فقطعه واقبل إليه كعب بن جابر
فضربه بسيفه حتى قتله رضوان الله عليه " وفي " بعض الروايات ان بريرا
قتل ثلاثين رجلا فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته أعنت على
ابن فاطمة وقتلت بريرا سيد القراء لا أكلمك ابدا " وقيل " ان الذي قتل
بريرا رجل يقال له بحير بن أوس الضبي فلما قتله يقول وقيل
بل قالها كعب بن جابر
سلي تخبري عني وأنت ذميمة * غداة حسين والرماح شوارع
ألم آت أقصى ما كرهت ولم يخل * غداة الوغى والروع ما انا صانع
معي مزني لم تخنه كعوبه * وأبيض مشحوذ الغرارين قاطع
142

فجردته في عصبة ليس دينهم * كديني واني بعد ذاك (1) لقانع
ولم تر عيني مثلهم في زمانهم * ولا قبلهم في الناس إذا انا يافع
أشد قراعا بالسيوف لدى الوغى * الاكل من يحمي الذمار مقارع
وقد صبروا للطعن والضرب حسرا * وقد جالدوا لو أن ذلك نافع
فابلغ عبيد الله إذ ما لقيته * باني مطيع للخليفة سامع
قتلت بريرا ثم جلت بهمة * غداة الوغى لما دعا من يقارع
(قتلت بريرا ثم حملت نعمة * أبا منقذ لما دعا من يماصع خ ل)
" ثم " ذكر له بعد ذلك أن بريرا كان من عباد الله الصالحين " وجاء "
ابن عم له وقال ويحك يا بحير قتلت بريرا بن خضير فبأي وجه تلقى
ربك غدا فندم الشقي وقيل إن رضي بن منقذا جاب كعب بن جابر فقال
فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم * ولا جعل النعماء عندي ابن جابر
لقد كان ذا عارا علي وسبة * يعيرها الأبناء عند المعاشر
فياليت اني كنت في الرحم حيضة * ويوم حسين كنت ضمن المقابر
فيا سوأتا ماذا أقول لخالقي * وما حجتي يوم الحساب القماطر
" ثم برز " وهب بن حباب الكلبي (2) ويقال انه كان نصرانيا فاسلم

(1) (بابن حرب خ ل).
(2) قد عرفت ان الظاهر وقوع خلط من
المؤرخين بين قصة الكلبي هذا وعبيد الله الكلبي المتقدم قاتل يسار وسالم
فراجع (منه).
143

على يدي الحسين عليه السلام وكانت معه أمه وزوجته فقالت أمه
قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال افعل
يا أماه ولا اقصر فبرز وهو يقول إن
تنكروني فانا ابن الكلبي * سوف تروني وترون ضربي
وحملتي وصولتي في الحرب * أدرك ثاري بعد ثار صحبي
وادفع الكرب امام الكرب * ليس جهادي في الوغى باللعب
" ثم " حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل جماعة ثم رجع إلى امرأته وأمه
وقال يا أماه أرضيت فقالت ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين
عليه السلام فقالت امرأته بالله عليك لا تفجعني بنفسك فقالت له أمه
يا بني أعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل
شفاعة جده يوم القيمة فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه
واخذت امرأته عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول فداك أبي وأمي
قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى الله عليه وآله فاقبل كي
يردها إلى النساء فأخذت بجانب ثوبه وقالت لن أعود دون ان
أموت معك فقال الحسين عليه السلام جزيتم من أهل بيت خيرا
ارجعي إلى النساء رحمك الله فانصرفت إليهن ولم يزل الكلبي يقاتل
حتى قتل رضوان الله عليه " وقال " الحر للحسين عليه السلام فإذا
كنت أول من خرج عليك فأذن لي ان أكون أول قتيل بين
144

يديك (1) لعلي أكون ممن يصافح جدك محمدا صلى الله عليه وآله
غدا في القيمة فحمل على أصحاب عمر بن سعد وهو يتمثل بقول عنترة
ما زلت أرميهم بغرة وجهه * ولبانه (2) حتى تسربل بالدم
ثم جعل يرتجز ويقول
اني انا الحر ومأوي الضيف * اضرب في أعناقكم (3) بالسيف
عن خير من حل بأرض الخيف * أضربكم ولا أرى من حيف
* وروى أنه كان يرتجز أيضا ويقول
آليت لا أقتل حتى أقتلا * ولن أصاب اليوم الا مقبلا
أضربهم بالسيف ضربا معضلا (4) * لأنا كلا عنهم ولا معللا (5)
لا عاجزا عنهم ولا مبدلا * أحمي الحسين الماجد المؤملا
وقاتل قتالا شديدا " فروي " انه لما لحق بالحسين عليه السلام قال
رجل من بني تميم بني تميم الحرث يقال له يزيد بن سفيان اما والله

(1) (1) لا يخفى ان مقتضى بعض الروايات انه قتل جماعة قبل الحر وهو المستفاد
من تاريخ ابن الأثير فلذلك حمل على أن المراد أول قتيل من المبارزين
ويمكن كون الحر أول المقتولين وعدم صحة ما دل على خلاف ذلك كما لعله
يفهم من تاريخ المفيد فإنه لم يذكر ان أحدا تقدم الحر في القتل سوى ان
ابن عوسجة صرع قبله " منه ".
(2) اللبان الصدر " منه ".
(3) اعراضكم
خ ل.
(4) (مقصلا خ ل).
(5) مهللا خ ل.
145

لو لحقته لاتبعته السنان فبينما الحر يقاتل وان فرسه لمضروب على
اذنيه وحاجبيه وان الدماء لتسيل إذ قال الحصين يا يزيد هذا
الحر الذي كنت تتمناه قال نعم فما لبث الحر ان قتله وقتل
أربعين فارسا وراجلا حتى عقر فرسه فقاتلهم راجلا قتالا شديدا وهو يقول إن
تعقروا بي فانا ابن الحر * أشجع من ذي لبد هزبر
وفي رواية انه كان يرتجز ويقول
اني انا الحر ونجل الحر * أشجع من ذي لبد هزبز
ولست بالجبان عند الكر * لكنني الوقاف عند الفر
وجعل يضربهم بسيفه حتى قتل نيفا وأربعين رجلا " وفي " رواية
ثمانية عشر رجلا " وكان " يحمل هو وزهير بن القين فإذا حمل أحدهما
وغاص فيهم حمل الاخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة وفي ذلك
يقول عبيد الله بن عمرو البدائي من بني البداء وهم من كندة
سعيد بن عبد الله لا تنسينه * ولا الحر إذ آسى زهيرا على قسر
" ثم " حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه فاشترك في قتله أيوب
ابن مسرح ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة فاحتمله
أصحاب الحسين عليه السلام حتى وضعوه بين يدي الحسين عليه
السلام وبه رمق فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول أنت الحر
كما سمتك أمك حر في الدنيا والآخرة " وروي " انه اتاه
146

الحسين عليه السلام ودمه يشخب فقال بخ بخ لك يا حر أنت حر
كما سميت في الدنيا والآخرة " وخرج " من أصحاب الحسين عليه
السلام نافع بن هلال البجلي وقيل هلالي بن نافع قتالا شديدا
وجعل يقول
انا ابن هلال البجلي * انا علي دين علي * ودينه دين النبي
" فبرز " إليه رجل من بني فظيعة يقال له مزاحم (واجم خ ل)
بن حريث فحمل عليه نافع فقتله وكان قد كتب اسمه على فوق (1)
نبله وكانت مسمومة فقتل بها اثني عشرا وثلاثة عشر رجلا سوى
من جرح فجعل يقول
ارمي بها معلمة أفواقها * والنفس لا ينفعها اشفاقها
مسمومة تجري بها اخفاقها * ليملأن أرضها رشاقها
فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه ثم ضرب يده إلى سيفه فأشتله
وجعل يقول
انا الغلام اليمني البجلي * ديني على دين حسين وعلي
ان اقتل اليوم فهذا املي * فذلك رأيي وألاقي عملي
فكسروا عضديه واخذ أسيرا فأخذه شمر واتي به إلى ابن سعد
فقال له ابن سعد ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك قال
.

(1) الفوق بالضم موضع الوتر من السهم والجمع أفواق " منه "
147

ان ربي يعلم ما أردت والدماء تسيل على وجهه ولحيته وهو يقول
لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت ولو بقيت لي
عضد وساعد ما أسرتموني فانتضى شمر سيفه ليقتله فقال له نافع والله
لو كنت من المسلمين لعظم عليك ان تلقى الله بدمائنا فالحمد لله
الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه فقتله شمر " وخرج " عمرو
ابن قرطة الأنصاري فاستأذن الحسين عليه السلام فاذن له فبرز وهو يرتجز ويقول
قد علمت كتيبة الأنصار * اني سأحمي حوزة الذمار
ضرب غلام غير نكس شاري (1) دون حسين مهجتي وداري (2)
فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء
حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد وجمع بين سداد وجهاد
وكان لا يأتي إلى الحسين عليه السلام سهم الا اتقاه بيده ولا سيف الا
تلقاه بمهجته فلم يكن يصل إلى الحسين عليه السلام سوء حتى أثخن
بالجراح فالتفت إلى الحسين عليه السلام وقال يا ابن رسول الله أوفيت
قال نعم أنت امامي في الجنة فاقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله
.

(1) ليس بالفرار خ ل (2) قال ابن نما عليه الرحمة قوله وداري أشار إلى
عمر بن سعد لما التمس منه الحسين عليه السلام المهادنة فقال داري اه‍ وهو
استنباط حسن " منه "
148

عني السلام واعلمه اني في الأثر فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه
" وكان " له أخ مع عمر بن سعد فقال للحسين عليه السلام أضللت أخي
وغررته حتى قتلته فقال الحسين عليه السلام ان الله لم يضل أخاك
بل هداه وأضلك قال قتلني الله ان لم أقتلك أو أموت دونك فحمل
واعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه نافع فصرعه فحمل أصحابه
فاستنقذوه " وبرز " جون مولى أبي ذر الغفاري وكان عبدا اسود
فقال له الحسين عليه السلام أنت في اذن مني فإنما تبعتنا للعافية
فلا تبتل بطريقتنا فقال يا ابن رسول الله انا في الرخاء الحسن قصاعكم
وفي الشدة اخذ لكم والله ان ريحي لنتن وان حسبي لئيم وان لوني
لأسود فتنفس علي بالجنة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض
وجهي لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم
ثم برز وهو يقول
كيف ترى الكفار ضرب الأسود * بالسيف ضربا عن بني محمد
أذب عنهم باللسان واليد * أرجو به الجنة يوم المورد
ثم قاتل حتى قتل فوقف عليه السلام فقال اللهم
بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع الأبرار وعرف بينه وبين محمد
وآل محمد " وعن " الباقر عليه السلام ان الناس كانوا يحضرون المعركة
ويدفنون القتلى فوجدوا جونا بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة المسك
149

" وبرز عمرو بن خالد الصيداوي فقال للحسين عليه السلام يا أبا عبد
الله قد هممت ان الحق بأصحابي وكرهت ان أتخلف واراك وحيدا
من أهلك قتيلا فقال له الحسين عليه السلام تقدم فانا لاحقون بك
عن ساعة فتقدم حتى قتل " وجاء " حنظلة بن سعد (أسعد خ ل)
الشبامي و 1) فوقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام والرماح
والسيوف بوجهه ونحره فما أحقه بقول عرقلة بن حسان الدمشقي
ويرد صدر السمهري بصدره * ماذا يؤثر ذابل في يذبل
وكأنه والمشرفي بكفه * بحر يكر على الكماة بجدول
واخذ ينادي يا قوم اني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب
مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما
للعباد يا قوم اني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم
من الله من عاصم يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد
خاب من افترى فقال له الحسين يا ابن سعد (أسعد خ ل) رحمك الله انهم
قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق
ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك فكيف بهم الان وقد قتلوا
إخوانك الصالحين قال صدقت جعلت فداك أفلا نروح إلى ربنا
ونلحق بإخواننا قال بلى رح إلى ما هو لك خير من الدنيا وما

(1) نسبة إلى شبام بالشين المعجمة المكسورة والباء الموحدة بطن من همدان " منه "
150

فيها والى ملك لا يبلى فقال السلام عليك يا ابن رسول الله صلى الله
عليك وعلى أهل بيتك وجمع (وعرف خ ل) بيننا وبينك في الجنة
فقال الحسين عليه السلام آمين آمين وتقدم فقاتل قتالا شديدا فحملوا
عليه فقتلوه " وجاء " رجل فقال أين الحسين فقال ها انا ذا قال ابشر
بالنار تردها الساعة قال ابشر برب رحيم وشفيع مطاع من أنت قال
انا محمد بن الأشعث قال اللهم إن كان عبدك كاذبا فخذه إلى النار
واجعله اليوم آية لأصحابه فما هو الا ان ثنى عنان فرسه فرمي
به وثبتت رجله في الركاب فضربه حتى قطعه ووقعت مذاكيره
في الأرض قال الراوي فوالله لقد عجبنا من سرعة إجابة دعائه
" وفي رواية " ان محمد بن الأشعث قال يا حسين اي حرمة لك من
رسول الله " ص " ليست لغيرك فتلا الحسين عليه السلام ان الله اصطفى آدم
ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض
ثم قال وأن محمدا لمن آل إبراهيم وان العترة الهادية لمن آل محمد
ثم رفع الحسين عليه السلام رأسه إلى السماء فقال اللهم أر محمدا بن
الأشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد ابدا فعرض له عارض
فخرج من العسكر يتبرز فسلط الله عليه عقربا فلدغه فمات بادي
العورة " ثم " جاء آخر فقال أين الحسين فقال ها انا ذا قال ابشر بالنار
قال ابشر برب رحيم وشفيع مطاع من أنت قال انا شمر بن ذي
151

الجوشن قال الحسين عليه السلام الله أكبر قال رسول الله صلى الله
عليه وآله رأيت كأن كلبا أبقع يلغ في دماء أهل بيتي وقال الحسين
عليه السلام رأيت كأن كلابا تنهشني وكان فيها كلب أبقع كان أشدها
علي وهو أنت وكان شمر أبرص " وبرز " مسلم بن عوسجة وهو
يرتجز ويقول إن
تسألوا عني فاني ذو لبد * من فرع قوم من ذرى بني أسد
فمن بغانا حائد عن الرشد * وكافر بدين جبار صمد
فقاتل قتالا شديدا " وصاح " عمرو بن الحجاج بالناس يا حمقاء
أتدرون من تقاتلون تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوما
مستميتين لا يبرز إليهم منكم أحد والله لو لم ترموهم الا بالحجارة
لقتلتموهم فقال ابن سعد صدقت ثم ارسل إلى الناس من يعزم عليهم
ان لا يبارز رجل منكم رجلا منهم " وصاح " عمرو بن الحجاج
يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم لا ترتابوا في قتل من
مرق من الدين وخالف الامام فسمعه الحسين عليه السلام فقال
يا عمروا علي تحرض الناس انحن مرقنا من الدين أم أنتم والله لتعلمن
لو قبضت أرواحكم ومتم على أعمالكم أينا المارق " ثم " حمل عمرو
ابن الحجاج في أصحابه على الحسين عليه السلام من نحو الفرات
فاضطربوا ساعة " فصرع " مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه
152

وبقي به رمق وانصرف عمرو بن الحجاج وأصحابه وانقطعت الغبرة
فإذا مسلم صريح فمشي إليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن
مظاهر فقال الحسين عليه اللام رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ودنا منه حبيب بن مظاهر
فقال عز علي مصرعك يا مسلم ابشر بالجنة فقال له مسلم قولا ضعيفا
بشرك الله بخير ثم قال له حبيب لولا أني اعلم اني في الأثر من ساعتي هذه
لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك فقال له مسلم فأني أوصيك
بهذا وأشار إلى الحسين عليه السلام فقاتل دونه حتى تموت فقال له
حبيب لأنعمنك عينا ثم مات رضوان الله عليه وصاحت جارية له
يا سيداه يا ابن عوسجاه فنادي أصحاب ابن سعد مستبشرين قتلنا
مسلما ابن عوسجة فقال شبث بن ربعي ثكلتكم أمهاتكم اما انكم
تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلون أنفسكم لغيركم أتفرحون بقتل
مسلم بن عوسجة اما والذي أسلمت له لرب موقف له في المسلمين
كريم لقد رأيته يوم آذربايجان قتل ستة من المشركين قبل ان
تلتئم خيول المسلمين " ثم " تراجع القوم إلى الحسين عليه السلام
فحمل شمر في الميسرة على ميسرة أصحاب الحسين عليه السلام
فثبتوا له وطاعنوه وحملوا على الحسين عليه السلام وأصحابه من
كل جانب وقاتلهم أصحاب الحسين عليه السلام قتالا شديدا فأخذت
153

خيلهم تحمل وإنما هي اثنان وثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب من
خيل الكوفة الا كشفته فلما رأى ذلك عروة (غزرة خ ل) بن قيس
وهو على خيل أهل الكوفة بعث إلى ابن سعد اما ترى ما تلقى خيلي
هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة ابعث إليهم الرجال والرماة وقاتل
أصحاب الحسين عليه السلام القوم أشد قتال خلقه الله حتى انتصف
النهار فبعث ابن سعد الحصين بن نمير في خمسماية من الرماة فاقتتلوا
حتى دنوا من الحسين عليه السلام وأصحابه فلما رأوا صبر أصحاب
الحسين عليه السلام تقدم الحصين إلى أصحابه ان يرشقوا أصحاب
الحسين عليه السلام بالنبل فرشقوهم فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم
وجرحوا الرجال وبقي الحسين عليه السلام وليس معه فارس واشتد
القتال بينهم فقاتلوهم أشد قتال خلقه الله ولم يقدروا ان يأتوهم الا من
جانب واحد لاجتماع أبيتهم وتقارب بعضها من بعض فأرسل عمر بن
سعد الرجال ليقوضها عن ايمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم واخذ
الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين عليه السلام يتخللون
البيوت فيقتلون الرجال وهو يقوض وينهب فيرمونه عن قريب
فيصرعونه فيقتلونه فقال ابن سعد احرقوها بالنهار فأحرقت فقال
لهم الحسين عليه السلام دعوهم يحرقوها فأنهم إذا فعلوا ذلك لم
يجوزوا إليكم فكان كما قال " وقيل " ان شمرا حمل حتى بلغ فسطاط
154

الحسين عليه السلام فطعنه بالرمح ونادي علي بالنار حتى أحرق هذا
البيت على أهله فصاحت النساء وخرجن وصاح به الحسين عليه السلام
أنت تحرق بيتي على أهلي أحرقك الله بالنار فقال حميد بن مسلم
أتقتل الولدان والنساء والله ان في قتل الرجال لما يرضى به
أميرك فلم يقبل فاتاه شبث بن ربعي فقال أفزعنا النساء ثكلتك
أمك فاستحيا وانصرف وحمل شمر بن ذي الجوشن في أصحابه
على أصحاب الحسين عليه السلام فحمل عليهم زهير بن القين في
عشرة رجال من أصحاب الحسين عليه السلام فكشفوهم عن البيوت
وقتلوا أبا عذرة (عزرة خ ل) الضبابي من أصحاب شمر وعطف
عليهم شمر فقتل منهم ورد الباقين إلى مواضعهم " وكان " يقتل من
أصحاب الحسين عليه السلام الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم
لقلتهم ويقتل من أصحاب ابن سعد العشرة فلا يبين ذلك فيهم
لكثرتهم " وقتل " أبو ثمامة الصائدي ابن عم له كان عدوه " وحضر "
وقت صلاة الظهر فقال أبو ثمامة الصيداوي للحسين عليه السلام
يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله
لا تقتل حتى اقتل دونك وأحب ان القى الله ربي وقد صليت هذه
الصلاة فرفع الحسين عليه السلام رأسه إلى السماء وقال ذكرت
الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها ثم قال
155

سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا فقال لهم الحصين بن نمير
انها لا تقبل فقال له حبيب بن مظاهر زعمت لا تقبل الصلاة من آل
رسول الله صلى الله عليه وآله وأنصارهم وتقبل منك يا خمار فحمل
عليه الحصين وحمل عليه حبيب فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف
فشب به الفرس ووقع عنه الحصين فاستنقذه أصحابه وشدوا على
حبيب فقتل رجلا منهم " وقال " الحسين عليه السلام لزهير بن القين
وسعيد بن عبد الله الحنفي تقدما امامي حتى أصلي الظهر فتقدما امامه
في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى
الحسين عليه السلام سهم فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه من
النبال بنفسه ما زال ولا تخطى فما زال يرمى بالنبل حتى سقط إلى
الأرض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم أبلغ نبيك عني
السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت ثوابك في نصر
ذرية نبيك " وفي رواية " أنه قال اللهم لا يعجزك شئ تريده فابلغ محمدا
صلى الله عليه وآله نصرتي ودفعي عن الحسين عليه السلام وارزقني
مرافقته في دار الخلود ثم قضى نحبه رضوان الله عليه فوجد فيه
ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح " وقيل
صلى الحسين عليه السلام وأصحابه فرادى بالايماء " وتقدم " سويد
ابن عمرو بن أبي المطاع وكان شريفا كثيرا الصلاة ثم جعل يرتجز ويقول
156

أقدم حسين اليوم تلقى احمد * وشيخك الحبر عليا ذا الندى
وحسنا كالبدر وافي الا سعدا * وعمك القرم الهام الأرشدا
حمزة ليث الله يدعي أسدا * وذا الجناحين تبوأ مقعدا
في جنة الفردوس يعلو صعدا
فقاتل قتال الأسد الباسل وبالغ في الصبر على الخطب النازل
حتى سقط بين القتلي وقد أثخن بالجراح فلم يزل كذلك وليس به
حراك حتى سمعهم يقولون قتل الحسين (ع) فتحامل واخرج سكينا
من خفه وجعل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه فكان آخر من
بقي من أصحاب الحسين عليه السلام " وخرج " زهير بن القين
وهو يرتجز ويقول
انا زهير وانا ابن القين * أذودكم (1) بالسيف عن حسين
ان حسينا أحد السبطين * من عترة البر التقي الزين
ذاك رسول الله غير المين * أضربكم ولا أرى من شين
يا ليث نفسي قسمت قسمين
ثم قال مخاطبا للحسين عليه السلام (2)
أقدم هديت هاديا مهديا * اليوم تلقى جدك النبيا

(1) أردكم خ ل.
(2) سيأتي نسبة أبيات تشبه هذه الأبيات مع بعض
التغيير إلى الحجاج بن مسروق " منه ".
157

وذا الجناحين الفتى الكميا * واسد الله الشهيد الحيا
وحسنا والمرتضى عليا
فقاتل قتالا شديد حتى قتل على رواية تسعة عشر رجلا وعلى
رواية أخرى مائة وعشرين رجلا فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي
ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه فقال الحسين عليه السلام حين صرع
زهير لا يبعدك الله يا زهير ولعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة
وخنازير " وجاء " عابس بن شبيب (أبي شبيب خ ل) الشاكري ومعه
شوذب مولى بني شاكر فقال يا شوذب ما في نفسك ان تصنع قال
ما اصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله
حتى اقتل قال ذلك الظن بك فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتى
يحتسبك كما احتسب غيرك وحتى أحتسبك انا فان هذا يوم ينبغي
لنا ان نطلب فيه الاجر بكل ما نقدر عليه فإنه لاعمل بعد اليوم
وإنما هو الحساب " وتقدم " شوذب فقال السلام عليك يا أبا عبد الله
ورحمة الله وبركاته استودعك الله ثم قاتل حتى قتل " وتقدم " عابس
فقال يا أبا عبد الله اما والله ما امسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد
أعز علي ولا أحب إلى منك ولو قدرت على أن ادفع عنك الضميم
أو القتل بشئ أعز من نفسي ودمي لفعلت السلام عليك يا أبا عبد
الله اشهد الله اني على هداك وهدي أبيك ثم مضى بالسيف مصلتا
158

نحوهم وبه ضربة على جبينه قال ربيع بن تميم الحارثي فلما رأيته
مقبلا عرفته وقد كنت شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس
فقلت أيها الناس هذا الأسد الأسود هذا ابن شبيب (أبي شبيب خ ل)
القوي لا يخرجن إليه أحد منكم ارموه بالحجارة فرموه حتى قتل
" وفي رواية " انه اخذ ينادي الأرجل لرجل فتحاماه الناس لشجاعته
فقال لهم ابن سعد ارضخوه بالحجارة فرموه بالحجارة من كل جانب
فلما رأي ذلك القي درعه ومغفرة وشد على الناس فهزمهم بين يديه
قال الراوي فوالله لقد رأيته يطرد أكثر من مأتين من الناس ثم
أحاطوا به من كل جانب فقتلوه فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي
عدة كل يقول انا قتلته فقال ابن سعد لا تختصموا هذا لم يقتله انسان واحد
حتى فرق بينهم بهذا القول (وبرز) حبيب بن مظاهر الأسدي وهو يقول
انا حبيب وأبي مظاهر * فارس هيجاء وحرب تسعر
أنتم أعد عدة وأكثر * ونحن أعلى حجة واظهر
وأنتم عند الوفاء أغدر * ونحن أوفى منكم واصبر
حقا واتقى منكم واعذر
وقال أيضا
أقسم لو كان لكم اعدادا * وشطركم وليتم الأكتادا (1)

(1) جمع كتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر " منه ".
159

ياشر قوم حسبا وآدا (1) * وشرهم قد علموا أندادا
فقاتل قتالا شديدا فقتل رجلا من بني تميم اسمه بدليل بن صريم
وحمل عليه آخر من تميم فطعنه فذهب ليقوم فضربه الحصين بن
نمير على رأسه بالسيف فوقع ونزل إليه التميمي فاحتز رأسه فهد
مقتله الحسين عليه السلام وقال عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي
" وقال " الحصين للتميمي انا شريكك في قتله قال لا والله قال اعطني
الرأس أعلقه في عنق فرسي ليرى الناس اني شاركتك في قتله ثم
خذه فلا حاجة لي فيما يعطيك ابن زياد فأعطاه الرأس فجال به في
الناس ثم رده إليه فلما رجع إلى الكوفة علقه في عنق فرسه " وكان "
لحبيب ابن يسمى القاسم قد راهق فجعل يتبع الفارس الذي معه
رأس أبيه فارتاب به فقال مالك تتبعني قال إن هذا الرأس الذي
معك رأس أبي فاعطني إياه حتى أدفنه فقال إن الأمير لا يرضى ان
يدفن وأرجو ان يثيبني فقال لكن الله لا يثيبك الا أسوأ الثواب
وبكى الغلام ثم لم يزل يتبع اثر قاتل أبيه بعد ما أدرك حتى قتله
واخذ بثار أبيه وذلك أنه كان في عسكر فهجم عليه وهو في خيمة
له نصف النهار فقتله واخذ رأسه وقيل إن حبيبا قتل من أصحاب
ابن سعد اثنين وسبعين رجلا " وبرز " عمرو بن خالد الأزدي
وهو يقول

(1) الآد الصلب كأنه اردا ان أصلاب ابائهم التي خرجت منها نطفهم خبيثة " منه ".
160

إليك يا نفس إلى الرحمن * فأبشري بالروح والريحان
اليوم تجزين على الاحسان * قد كان منك غابر الزمان
ما خط في اللوح لدى الديان * لا تجزعي فكل حي فاني
والصبر أحظى لك بالأمان * يا معشر الأزد بني قحطان
ثم قاتل حتى قتل رحمة الله " فتقدم " ابنه خالد بن عمرو
وهو يرتجز ويقول:
صبرا على الموت بني قحطان * كيما تكونوا في رضى الرحمن
ذي المجد والعزة والبرهان * وذي العلى والطول والاحسان
يا أبتا قد صرت في الجنان * في قصر در حسن البنيان
ثم تقدم فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى " وبرز " سعد بن
حنظلة التميمي وهو يقول
صبرا على الأسياف والأسنة * صبرا عليها لدخول الجنة
وحور عين ناعمات هنه * لمن يريد الفوز لا بالظنة
يا نفس للراحة فأجهدنه * وفي طلاب الخير فأرغبنه
ثم حمل وقاتل قتالا شديدا حتى قتل رضوان الله عليه " وخرج "
عمير بن عبد الله المذحجي وهو يرتجز ويقول
قد علمت سعد وحي مذحج * اني لدي الهيجاء ليث محرج
أعلو بسيفي هامة المدجج * واترك القرن لدى التعرج
161

فريسة الضع الأذل الأعرج
ولم يزل يقاتل حتى قتله مسلم الضبابي وعبد الله البجلي " وخرج "
عبد الرحمن بن عبد الله اليزني وهو يقول
انا ابن عبد الله من آل يزن * ديني على دين حسين وحسن
أضربكم ضرب فتى من اليمن * أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن
ثم حمل فقاتل حتى قتل " وخرج " يحيى بن سليم المازني وهو يرتجز ويقول
لأضربن القوم ضربا فيصلا * ضربا شديدا في العداة معجلا
لا عاجزا فيه ولا مولولا * ولا أخاف اليوم موتا مقبلا
لكنني كالليث أحمي اشبلا
تم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله " وخرج " قرة بن أبي قرة
الغفاري وهو يرتجز ويقول (1)
قد علمت حقا بنو غفار * وخندف بعد بني نزاد
بأني الليث لدي الغبار * لأضربن معشر الفجار
بكل عضب ذكر بتار * ضربا وجيعا عن بني الأخيار
رهط النبي السادة الأبرار
ثم حمل فقاتل حتى قتل " وخرج " مالك بن انس المالكي (الكاهلي
خ ل) وقيل انس بن حارث الكاهلي وهو يرتجز ويقول

(1) سيأتي أبيات لبعض الغفاريين فيها بعض من هذه (منه)
162

قد علمت مالك (1) والذودان (2) * والخندفيون وقيس عيلان
بان قومي آفة الاقران (3) * لدى الوغى وسادة الفرسان
مباشر الموت بطعن ان (4) * لسنا نرى العجز عن الطعان
آل علي شيعة الرحمن * آل زياد (5) شيعة الشيطان
ثم حمل فقاتل حتى قتل على رواية ابن شهرآشوب أربعة عشر
رجلا وعلى رواية الصدوق في الأمالي ثمانية عشر رجلا ثم قتل
رحمه الله " وخرج " عمرو بن مطاع الجعفي وهو يقول
انا ابن جعف وأبي مطاع * وفي يميني مرهف قطاع
واسمر في رأسه لماع * يرى له من ضوئه شعاع
اليوم قد طاب لنا القراع * دون حسين الضرب والسطاع (كذا)
يرجى بذاك الفوز والدفاع * عن حر نار حين لا انتفاع
ثم حمل فقاتل حتى قتل " وخرج " أنيس بن معقل الأصبحي وهو يقول
انا أنيس وانا ابن معقل * وفي يميني نصل سيف مصقل
أعلو به الهامات وسط القسطل * عن الحسين الماجد المفضل
ابن رسول الله خير مرسل

(1) كاهلنا خ ل.
(2) كاهلها وذودان خ ل.
(3) يا قوم كونوا
كأسود خفان * واستقبلوا القوم بطعن آن خ ل.
(4) اي حان (منه).
(5) وآل حرب خ ل.
163

فقاتل حتى قتل (1) " وخرج " الحجاج بن مسروق الجعفي وهو
مؤذن الحسين عليه السلام وهو يقول (2).
أقدم حسينا هاديا مهديا * اليوم نلقي جدك النبيا
ثم أباك ذا الندي عليا * ذاك الذي نعرفه وصيا
والحسن الخير الرضا الوليا * وذا الجناحين الفتى الكميا
واسد الله الشهيد الحيا
ثم حمل فقاتل حتى قتل (3) " وخرج " شاب قتل أبوه في المعركة
وكانت أمه معه فقالت له أمه اخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن رسول
الله فخرج فقال الحسين عليه السلام هذا شاب قتل أبوه ولعل أمه
تكره خروجه فقال الشاب أمي امرتني بذلك فبرز وهو يقول
أميري حسين ونعم الأمير * سرور فؤاد البشير النذير
علي وفاطمة والدا * ه فهل تعلمون له من نظير
له طلعة مثل شمس الضحى * له غرة مثل بدر منير
وقاتل حتى قتل وحز رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه
السلام فحملت أمه رأسيه وقالت أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرة
.

(1) بعد أن قتل على رواية ابن شهرآشوب نيفا وعشرين رجلا (منه)
(2) قد تقدم نسبة بعض هذه الأبيات إلى زهير بن القين (منه)
(3) بعدان قتل على رواية ابن شهرآشوب خمسا وعشرين رجلا (منه)
164

عيني ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته واخذت عمود خيمة وحملت
عليهم وهي تقول
انا عجوز سيدي ضعيفة * خاوية بالية نحيفه
أضربكم بضربة عنيفة * دون بني فاطمة الشريفة
وضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها
" وخرج " جنادة بن الحارث الأنصاري وهو يقول
انا جناد وانا ابن الحارث
لست بخوار ولا بناكث
عن بيعتي حتى يرثني وارث * اليوم شلوي في الصعيد ماكث
وحمل فلم يزل يقاتل حتى قتل (1) * وخرج عمرو بن جنادة وهو يقول
أضق الخناق من ابن سعد وارمه * من عامه بفوارس الأنصار
ومهاجرين مخضبين رماحهم * تحت العجاجة من دم الكفار
خضبت على عهد النبي محمد * فاليوم تخضب من دم الفجار
ثم قاتل حتى قتل رحمه الله تعالى " ولما " رأي أصحاب الحسين
عليه السلام انهم قد غلبوا وانهم لا يقدرون ان يمنعوا الحسين عليه
السلام ولا أنفسهم تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه " فجاءه " عبد الله
وعبد الرحمن أبناء عروة (غزرة خ ل) الغفاريان فقالا يا أبا عبد الله
عليك السلام قد حازنا الناس إليك فأحببنا ان نقتل بين يديك قال
.

(1) بعد أن قتل على رواية ابن شهرآشوب ستة عشر رجلا " منه "
165

مرحبا بكما ادنوا مني فدنوا منه وجعلا يقاتلان وجعل عبد الرحمن
يرتجز ويقول
قد علمت حقا بنو غفار * وخندف بعد بني نزار
لنضر بن معشر الفجار * بكل عضب ذكر (2) بتار
يا قوم ذودوا عن بني الأخيار (1) * بالمشرفي والقنا الخطار
فقاتل حتى قتل " وفي " رواية الصدوق في الأمالي انه برز
عبد الله بن عروة الغفاري وهو يقول
قد علمت حقا بنو غفار * اني أذب في طلاب الثار
بالمشرفي والقنا الخطار
(وأتاه) فتيان وهما سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد
الله بن سريع الجابريان (3) وهما أبناء عم واخوان لام وهما يبكيان
فقال لهما يا ابني أخي (صح) ما يبكيكما فوالله اني لأرجو ان تكونا بعد ساعة قريري
العين فقالا جعلنا الله فداك والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي
عليك نراك وقد أحيط بك ولا نقدر على أن ننفعك (نمنعك خ ل) فقال جزا كما الله يا ابني أخي بوجد كما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما
أحسن جزاء المتقين (4) ثم استقدما وقالا السلام عليك يا ابن رسول

(1) الأحرار خ ل.
(2) صارم خ ل.
(3) نسبة إلى بني جابر من بطن
همدان " منه ".
(4) في رواية ان هذا الكلام كان منه عليه السلام مع الغفاريين (منه).
166

الله فقال وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته فقاتلا حتى قتلا " وخرج "
غلام تركي كان للحسين عليه السلام وكان قارئا للقرآن فجعل
يقاتل ويرتجز ويقول
البحر من طعني وضربي يصطلي؟ * والجو من سهمي ونبلي يمتلي
إذا حسامي في يميني ينجلي * ينشق قلب الحاسد المبجل
فقتل جماعة (1) ثم سقط صريعا فجاء إليه الحسين عليه السلام
فبكي ووضع خده على خده ففتح عينيه فرأي الحسين عليه السلام
فتبسم ثم صار إلى ربه " وحدث " مهران مولى بني كاهل قال شهدت
كربلا مع الحسين عليه السلام فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا لا يحمل
على قوم الا كشفهم ثم يرجع إلى الحسين عليه السلام وهو يرتجز ويقول
ابشر هديت الرشد تلقى أحمدا * في جنة الفردوس تعلو صعدا (2)
فقلت من هذا فقالوا أبو عمر النهشلي وقيل الخثعمي فاعترضه
عامر بن نهشل فقتله واختز رأسه وكان أبو عامر هذا متهجدا كثير
الصلاة " وبرز " مالك بن ذودان وأنشأ يقول
.

(1) في رواية ابن شهرآشوب انه قتل سبعين رجلا " منه ". (2) تقدمت
أبيات منسوبة إلى سويد بن عمرو وفيها الشطر الثاني وقريب من الشطر الأول
كما انا بعدان وجدناها منسوبة إلى سويد المذكور وجدنا ابن شهرآشوب نسبها
إلى سعيد بن عبد الله الحنفي " منه "
167

إليكم من مالك الضرغام * ضرب فتى يحمي عن الكرام
يرجو ثواب الله ذي الانعام
فقاتل حتى قتل " وبرز " إبراهيم بن الحصين الأسدي وهو يرتجز ويقول
اضرب منكم مفصلا وساقا * ليهرق اليوم دمي اهراقا
ويرزق الموت أبو إسحقا * أعني بني الفاجرة الفساقا (1)
وقاتل حتى قتل " وكان " يأتي الرجل بعد الرجل إلى الحسين
عليه السلام فيقول السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه الحسين
عليه السلام ويقول وعليك السلام ونحن خلفك ثم يقرأ فمنهم من
قضى نحبه ومنهم من ينتظر حتى قتلوا عن آخرهم ولم يبق مع الحسين
عليه السلام سوى أهل بيته وهم ولد علي وولد جعفر. وولد
عقيل. وولد الحسن. وولد الحسين فاجتمعوا يودع بعضهم بعضا
وعزموا على الحرب " وكانوا " سبعة عشر رجلا في المتفق عليه (2) وقيل
أزيد من ذلك وفيهم يقول سراقة الباهلي
عين بكي بعبرة وعويل * واندبي ان ندبت آل الرسول
.

(1) فقتل على رواية ابن شهرآشوب أربعة وثمانين رجلا " منه ".
(2) في حديث الرضا عليه السلام مع ابن شبيب وقتل معه من أهل بيته
ثمانية عشر رجلا فيمكن ان يكون عد معهم مسلما بن عقيل فإنه وان لم
يقتل مع الحسين عليه السلام فكأنه قتل معه " منه ".
168

سبعة (1) منهم لصلب علي * قد أبيدوا وسبعة (2) لعقيل
وابن عم النبي عونا أخاهم * ليس فيما ينوبهم بخذول
واندبي كلهم فليس إذا ما * ضن بالخير كلهم بالخيل (4)
وسمي النبي غودر فيهم * قد علوه بصارم مسلول
لعن الله حيث حل زيادا * وابنه والعجوز ذات البعول (3)
" فخرج علي بن الحسين الأكبر وقيل الأصغر وأمه ليلى
بنت أبي قرة (مره خ ل) بن عروة بن مسعود الثقفية وأمها ميمونة
بنت أبي سفيان بن حرب وكان من أصبح الناس وجها وأحسنهم
خلقا وكان عمره تسع عشرة سنة وقيل ثمان عشرة سنة وقيل خمس
وعشرون سنة وهو أول قتيل يوم كربلا من آل أبي طالب فاستأذن
أباه في القتال فاذن له ثم نظر إليه نظرة آيس منه وأرخي عينيه
فبكى ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال اللهم كن أنت الشهيد عليهم
فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك وكنا
إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه اللهم أمنعهم بركات الأرض وفرقهم
تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم
ابدا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا وصاح يا ابن سعد
.

(1) تسعة خ ل.
(2) وستة خ ل وخمسة خ ل.
(3) وهي سمية أم زياد
أو مرجانة أم عبيد الله وكانتا من البغايا وقصتهما مشهورة (منه).
(4) - الصواب تقديم البيت الخامس على الرابع.
169

قطع الله رحمك ولا بارك لك في امرك وسلط عليك من يذبحك
بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول
الله (ص) ثم رفع صوته وتلا ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم
وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم فشد
علي على الناس وهو يقول
انا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله (1) اولي بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي * اضرب بالسيف أحامي عن أبي
ضرب غلام هاشمي علوي
فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلى أبيه فيقول يا أباه العطش فيقول
له الحسين عليه السلام اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى يسقيك رسول
الله صلى الله عليه وآله بكأسه " وفي رواية " أنه قال يا ابه العطش قتلني
وثقل الحديد أجهدني فهل إلى شربة من الماء سبيل فبكي الحسين
عليه السلام وقال وا غوثاه يا بني من أين آتي لك بالماء قاتل قليلا فما أسرع
ما تلقى جدك محمد صلى الله عليه وآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة
لا تظمأ بعدها ابدا فجعل يكر كرة بعد كرة وأهل الكوفة يتقون
قتله فقتل أربعة وأربعين رجلا على رواية الصدوق في الأمالي وعلى
رواية محمد بن أبي طالب تمام المأتين ولم يذكره غيره فيما علمناه فنظر
.

(1) ورب البيت خ ل
170

إليه مرة بن منقذ العبدي فقال علي آثام العرب ان هو فعل مثل ما
أراه يفعل ومربي ان لم أثكله أمه فمر يشد على الناس كما كان يفعل
فاعترضه مرة بن منقذ وطعنه بالرمح وقيل بل رماه بسهم فصرعه
فنادي يا أبتاه عليك السلام هذا جدي يقرئك السلام ويقول لك
عجل القدوم علينا واعتوره الناس فقطعوه بأسيافهم فجاء الحسين
عليه السلام حتى وقف عليه وقال قتل الله قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم
على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا وخرجت
زينب بنت علي عليهما السلام وهي تنادي يا حبيباه ويا ابن أخاه
وجاءت فأكبت عليه فجاء الحسين عليه السلام فاخذ بيدها وردها
إلى الفسطاط واقبل بفتيانه وقال احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه
حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون امامه " وبرز "
عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمه رقية بنت علي بن أبي
طالب عليه السلام وهو يرتجز ويقول
اليوم القى مسلما وهو أبى * وفتية بادوا على دين النبي
ليسوا عرفوا بالكذب * لكن خيار وكرام النسب
من هاشم السادات أهل الحسب
فقتل ثلاثة رجال (1) فرماه عمرو بن صبيح الصيداوي (الصدائي

(1) قال ابن شهرآشوب انه قتل ثمانية وتسعين رجلا في ثلاث حملات
ولم يذكر ذلك غيره فيما علمناه " منه "
171

خ ل) بسهم فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم
كفه ونفذ إلى جبهته فسمرها فلم يستطع ان يحركها ثم طعنه أسيد
ابن مالك بالرمح في قلبه فقتله وعمرو بن صبيح هذا اخذه المختار
وطعنه بالرماح حتى مات " وقيل " ان قاتل عبد الله بن مسلم زيد بن
رقاد (ورقاء خ ل) وكان يقول رميته بسهم وكفه على جبهته يتقى
النبل فأثبت كفه في جبهته فما استطاع ان يزيل كفه عن جبهته وقال
حين رميته اللهم انهم استقلونا واستذلونا فاقتلهم كما قتلونا ثم رماه
بسهم آخر وكان يقول جئته وهو ميت فنزعت سهمي من جوفه ولم
أزل أنضنض الاخر عن جبهته حتى اخذته وبقي النصل وهذا اتاه
أصحاب المختار فلم يطعنوه ولم يضربوه ولكن جعلوا يرمونه
بالنبل والحجارة حتى سقط فأحرقوه حيا " وخرج " محمد بن مسلم بن
عقيل بن أبي طالب فقاتل حتى قتل قتله أبو جرهم الأزدي ولقيط
ابن ياسر الجهني " وخرج " محمد بن أبي سعيد بن قيل بن أبي طالب
فقاتل حتى قتل رماه لقيط بن ياسر الجهني بسهم فقتله " وخرج " جعفر
بن عقيل بن أبي طالب وهو يرتجز ويقول
انا الغلام الأبطحي الطالبي * من معشر في هاشم وغالب
ونحن حقا سادة الذوائب * هذا حسين أطيب الأطائب
172

من عترة البر التقي الغالب
فقتل خمسة عشر فارسا على رواية محمد بن أبي طالب ورجلين
على رواية ابن شهرآشوب فقتله عبد الله بن عروة الخثعمي وقيل
بشر بن سوط (حوط خ ل) الهمداني " وخرج " عبد الرحمن بن
عقيل بن أبي طالب وهو يقول
أبي عقيل فاعرفوا مكاني * من هاشم وهاشم إخواني
كهول صدق سادة الاقران * هذا حسين شامخ البنيان
وسيد الشيب مع الشبان
فقتل على رواية محمد بن أبي طالب وابن شهرآشوب
سبعة عشر فارسا فحمل عليه عثمان بن خالد الجهني وبشر بن سوط
(حوط خ ل) الهمداني فقتلاه وهذان اخذهما المختار فضرب أعناقهما
وأحرقهما بالنار " وخرج " عبد الله الأكبر بن عقيل بن أبي طالب (1)
فقتله عثمان بن خالد وبشر بن سوط (حوط خ ل) أيضا وقيل عمرو بن
صبيح " وحمل " الناس على الحسين عليه السلام وأهل بيته من كل
جانب فخرج " محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأمه زينب
بنت أمير المؤمنين عليه السلام وقيل الخوصاء من بني تيم اللات بن

(1) على هذا يكون المقتول بالطف من ولد عقيل ستة وبعضهم اقتصر
على ذكر أربعة " منه ".
173

ثعلبة وهو يقول
أشكو إلى الله من العدوان * قتال قوم في الردي عميان
قد تركوا معالم القرآن * ومحكم التنزيل والتبيان
وأظهروا الكفر مع الطغيان
ثم قاتل حتى قتل عشرة أنفس فحمل عليه عامر بن نهشل التميمي
فقتله " وخرج " اخوه عون بن عبد الله بن جعفر (ع) وأمه أيضا زينب
بنت أمير المؤمنين عليه السلام وقيل جمانة بنت المسيب بن نجبة
وهو يقول إن
تنكروني فأنا ابن جعفر * شهيد صدق في الجنان أزهر
يطير فيها بجناح اخضر * كفي بهذا شرفا في المحشر
ثم قاتل حتى قتل على رواية ابن شهرآشوب ثلاثة فوارس
وثمانية عشر رجلا فحمل عليه عبد الله بن قطبة الطائي فقتله (1)
" وخرج " أخوهما عبيد الله بن عبد الله بن جعفر (2) فقاتل حتى قتل
" وخرج " القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وأمه
أم ولد وهو غلام لم يبلغ الحلم فلما نظر الحسين عليه السلام

(1) في تاريخ الطبري ان قاتله عامر بن نهشل وقاتل أخيه عبد الله
بن قطبة عكس ما ذكرنا " منه ".
(2) ذكره أبو الفرج ولم يذكره
غيره من الرواة والمؤرخين بل اقتصروا على ذكر عون ومحمد " منه ".
174

إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غشي عليها ثم استأذن عمه
في المبارزة فأبى ان يأذن له فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتى اذن
له فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول إن
تنكروني ابن (1) الحسن * سبط النبي المصطفى والمؤتمن
هذا حسين كالأسير المرتهن * بين أناس لا سقوا صوب المزن
فقاتل قتالا شديدا حتى قتل على صغر سنه على بعض الروايات
خمسة وثلاثين رجلا وعلى رواية الصدوق في الأمالي انه برز وهو يقول
لا تجزعي نفسي فكل فاني * اليوم تلقين ذوي الجنان
فقتل منهم ثلاثة " قال " حميد بن مسلم خرج علينا غلام كأن وجهه
شقة قمر وفي يده سيف وعليه قميص وازار ونعلان قد انقطع شسع
أحدهما ما انسى انها كانت اليسرى فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل
الأزدي والله لاشدن عليه فقلت سبحان الله وما تريد بذلك والله لو
ضربني ما بسطت إليه يدي دعه يكفيكه هؤلاء الذين تراهم قد
احتوشوه فقال والله لاشدن عليه فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه
بالسيف ففلقه ووقع الغلام إلى الأرض لوجهه ونادي يا عماه فجلى
الحسين عليه السلام كما يجلي الصقر ثم شد شدة ليث اغضب فضرب
عمرو بن سعد بن نفيل بالسيف فاتقاها بالساعد فقطعها من لدن
175

المرفق فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ثم تنحى عنه الحسين عليه
السلام وحمل أهل الكوفة ليستنقذوه فوطئت الخيل عمرا بأرجلها
حتى مات وانجلت الغبرة فإذا بالحسين عليه السلام قائم على رأس
الغلام وهو يفحص برجليه والحسين عليه السلام يقول بعدا لقوم
قتلوك ومن خصمهم يوم القيمة فيك جدك وأبوك ثم قال عليه السلام
عزو الله على عمك ان تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك صوت
والله كثر واتره وقل ناصره ثم حمله ووضع صدره على صدره وكأني
انظر إلى رجلي الغلام يخطان الأرض فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي
والقتلى من أهل بيته ثم قال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر
منهم أحدا فسألت عنه فقيل لي هو القاسم بن الحسن بن علي بن
أبي طالب عليهم السلام " وصاح " الحسين عليه السلام في تلك الحال
صبرا يا بني عمومتي صبرا يا أهل بيتي فوالله لا رأيتم هو انا بعد هذا
اليوم ابدا " وخرج " أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأمه
أم ولد فقاتل حتى قتل رماه عبد الله بن عقبة الغنوي وقيل حرملة بن
كاهل بسهم فقتله " وخرج " عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب
عليهم السلام وأمه أم ولد فقاتل حتى قتل رماه حرملة بن كاهل بسهم
فقتله " وتقدمت " اخوة الحسين عليه السلام عازمين على أن يموتوا
176

دونه " فأول " من خرج منهم أبو بكر (1) بن علي واسمه عبيد الله
وأمه ليلى بنت مسعود من بني نهشل فتقدم وهو يرتجز ويقول
شيخي علي ذو الفخار الأطول * من هاشم الصدوق الكريم المفضل
هذا حسين ابن النبي المرسل * عنه نحامي بالحسام المصقل
تفديه نفسي من أخ مبجل
فلم يزل يقاتل حتى قتله زجر بن بدر النخعي " ثم " برز من
بعده اخوه عمر بن علي وهو يقول
أضربكم ولا أرى فيكم زجر * ذاك الشقي بالنبي قد كفر
يا زجر يا زجر تداني من عمر * لعلك اليوم تبوء من سقر
شر مكان في حريق وسعر * لأنك الجاحد ياشر البشر
ثم حمل على زجر قاتل أخيه فقتله واستقبل القوم وجعل يضرب
بسيفه ضربا منكرا وهو يقول
خلوا عداة الله خلوا عن عمر * خلوا الليث الهصور المكفهر
يضربكم بسيفه ولا يفر * وليس فيها كالجبان المنحجر
فلم يزل يقاتل حتى قتل " وخرج " محمد الأصغر بن علي بن أبي
طالب وأمه أم ولد فرماه رجل من تميم من بني أبان بن دارم فقتله
وجاء برأسه " وخرج " عبد الله بن علي وأمه ليلى بنت مسعود

(1) قال الطبري في تاريخه وابن الأثير في الكامل وقد شك في قتله " منه ".
177

النهشلية (1) فقاتل حتى قتل " ولما " رأي العباس بن علي كثرة القتلي
من أهله قال لاخوته من أبيه وأمه وهم عبد الله وجعفر وعثمان
وأمهم أم البنين بنت خالد بن حزام الكلابية واسمها فاطمة يا بني
أمي تقدموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله فإنه لا ولد لكم
" فبرز " عبد الله بن علي وكان عمره خمسا وعشرين سنة وهو يقول
انا ابن ذي النجدة والافضال * ذلك علي الخير ذو الفعال
سيف رسول الله ذو النكال * في كل يوم ظاهر الأهوال
فاختلف هو وهاني بن ثبيت (2) الحضرمي ضربتين فقتله هاني
" ثم " برز بعده اخوه جعفر بن علي وكان عمره تسع عشرة سنة وهو يقول
اني انا جعفر ذو المعالي * ابن علي الخير ذي النوال
حسبي بعمي شرفا وخالي
فحمل عليه هاني بن ثبيب الحضرمي أيضا فقتله وجاء برأسه وقيل
رماه خولي فأصاب شقيقته أو عينه " ثم " برز بعده اخوه عثمان بن علي
فقام مقام اخوته وكان عمره أحدي وعشرين سنة وهو يقول

(1) فهو أخو أبي بكر بن علي لامه وأبيه وهو غير عبد الله بن علي أخي
العباس لامه وأبيه وقد صرح بذلك المفيد في ارشاده " منه ".
(2) بضم الثاء المثلثة وبفتح الباء للوحدة وسكون الياء المثناة من تحتها وآخره تاء مثناة
من فوقها " كامل ابن الأثير "
178

اني انا عثمان ذو المفاخر * شيخي علي ذو الفعال الطاهر
هذا حسين خيرة الأخاير * وسيد الصغار والأكابر
(وسيد الكبار والأصاغر خ ل) بعد الرسول والوصي الناصر
فرماه خولي بن يزيد الأصبحي على جبينه فسقط عن فرسه
وحمل عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وجاء برأسه " وبرز " من
بعدهم أخوهم العباس بن علي وهو أكبرهم ويكنى أبا الفضل ويلقب
بالسقا وقمر بني هاشم وهو صاحب لواء الحسين عليه السلام وكان
العباس عليه السلام وسيما جميلا يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان
في الأرض فيروي انه خرج يطلب الماء وحمل على القوم وهو يقول
لا أرهب الموت إذا الموت رقا حتى أوارى في المصاليت لقا
نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا * اني انا العباس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقى
ففرقهم وضربه زيد بن ورقاء على يمينه فقطعها فاخذ السيف
بشماله وحمل وهو يرتجز ويقول
والله ان قطعتهم يميني * اني أحامي أبدا عن ديني
وعن امام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين
فضربه حكيم بن الطفيل على شماله فقطعها فقال
يا نفس لا تخشي من الكفار * وابشري برحمة الجبار
179

مع النبي السيد المختار * قد قطعوا ببغيهم يساري
فاصلهم يا رب حر النار
فضربه آخر بعمود من حديث فقتله فبكى الحسين عليه السلام
لقتله بكاء شديدا ولنعم ما قال القائل
أحق الناس ان يبكى عليه * فتى ابكى الحسين بكربلاء
اخوه وابن والده علي * أبو الفضل المضرج بالدماء
ومن واساه لا يثنيه شئ * وجاد له على عطش بماء
وللمؤلف " أيضا من قصيدة أخرى
واذكر أبا الفضل هل تنسى فضائله * في كربلا حين جد الامر والتبسا
واسى أخاه وفاداه بمهجته * وخاض في غمرات الموت منغمسا
آلى بان لا يذوق الماء وهو يرى * أخاه ظمآن من ورد له يئسا
ففز أبا الفضل بالفضل الجسيم بما * أسديته فعليك الفضل قد حبسا
" ويروي " في كيفية قتله عليه السلام غير ذلك وسيأتي قريبا " وكانت

(1) وإنما قد منا ذكره هنا حتى يرتبط بمقتل اخوته لامه " منه ".
(2) ترك هنا بيت برمته وهو:
قضيت حق الاخا والدين مبتذلا * للنفس في سقى أطفال له ونسا
180

أم البنين أم هؤلاء الاخوة الأربعة القتلى تخرج إلى البقيع فتندبهم
أشجى ندبة واحرقها فيجتمع الناس إليها فكان مروان بن الحكم
يجئ فيمن يجئ فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي " وبرز " أحمد بن
محمد الهاشمي وهو يقول
اليوم أبلو حسبي وديني * بصارم تحمله يميني
فقاتل حتى قتل " وخرج " غلام من خباء من أخبية الحسين عليه السلام
وفي اذنيه درتان فاخذ بعود من عيدانه وهو مذعور فجعل يلتفت
يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي
فضربه بالسيف وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي
فضربه بالسيف فقتله فصارت أمه شهر بانويه تنظر إليه ولا تتكلم
كالمدهوشة " ونادي " الحسين عليه السلام هل من ذاب يذب عن
حرم رسول الله صلى الله عليه وآله هل من موحد يخاف الله فينا
هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا هل من معين يرجو ما عند الله في
إعانتنا فارتفعت أصوات النساء بالعويل " فتقدم " إلى باب الخيمة وقال
لزينب ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه فأتي بابنه عبد الله وأمه
الرباب بنت امرى القيس فأخذ واجلسه في حجره وأومأ إليه ليقبله
فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه فقال
لزينب خذيه ثم تلقى الدم بكفيه فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء
ثم قال هون علي ما نزل به انه بعين الله. وفي رواية أنه قال اللهم
181

لا يكن أهون عليك من فصيل " قال " الباقر عليه السلام فلم يسقط
من ذلك الدم قطرة إلى الأرض وفي رواية انه صبه في الأرض
ثم قال يا رب ان كنت حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك
لما هو خير منه وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين ثم حمله حتى
وضعه مع قتلى أهل بته " وفي رواية " انه حفر له بجفن سيفه ورمله
بدمه فدفنه وحرملة هذا اخذه المختار فقطع يديه ثم احرقه بالنار
" وعطش " الحسين عليه السلام حتى اشتد عليه العطش فدنا ليشرب
من الماء فرماه الحصين بن نمير بسهم فوقع في فمه الشريف فجعل
يتلقى الدم من فمه ويرمي به إلى السماء " وحمل " القوم على الحسين
عليه السلام فغلبوه على عسكره وقد اشتد به العطش فركب المسناة
يريد الفرات وبين يديه العباس اخوه فاعترضتهما خيل ابن
سعد وفيهم رجل من بني أبان بن دارم فقال لهم ويلكم حولوا بينه وبين
الفرات ولا تمكنوه من الماء فحالوا بينه وبين الفرات فقال الحسين
عليه السلام اللهم أظمأه وفي رواية اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له فغضب
الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه الشريف فانتزع الحسين عليه
السلام السهم وبسط يديه تحت حنكه فامتلأت راحتاه من الدم
فرمى به نحو السماء ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال اللهم إني أشكو
إليك ما يفعل بابن بنت نبيك اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا
182

تبق منهم أحدا " فمكث " ذلك الرجل يسيرا ثم صب الله عليه الظما
فجعل لا يروى وكان يصيح من الحر في بطنه والبرد في ظهره وبين
يديه المراوح والثلج وخلفه كانون وكان برد له الماء فيه السكر
وعساس فيها اللبن وهو يقول أسقوني أهلكني العطش فيؤتي بالعس
أو القلة فيه الماء واللبن والسويق يكفي جماعة فيشربه ويضطجع
هنيئته ثم يقول أسقوني قتلني الظما فما زال كذلك حتى انقدت بطنه
انقداد بطن البعير ذكر ذلك الطبري وأبو الفرج بن عبد الرحمن
الجوزي وابن الأثير في الكامل بتفاوت يسير وغيرهم " ثم " ان
الحسين عليه السلام رجع إلى مكانه وقد اشتد به العطش وأحاط القوم
بالعباس فاقتطعوه عنه فجعل العباس عليه السلام يقاتلهم وحده حتى
قتل وكان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنيفي وحكيم بن الطفيل
السنبسي بعد أن أثخن بالجراح فلم يستطع حراكا فبكى الحسين
لقتله بكاء شديدا " ثم " ان الحسين عليه السلام دعا الناس إلى البراز
فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة ثم حمل على
الميمنة وهو يقول
القتل أولى من ركوب العار * والعار أولى من دخول النار
والله ما هذا وهذا جارى
ثم حمل على الميسرة وهو يقول
183

انا الحسين بن علي * آليت ان لا أنثني
أحمي عيالات أبي * امضي على دين النبي
" ولما " بقي الحسين عليه السلام في ثلاثة أو أربعة من أصحابه
وفي رواية ثلاثة رهط من أهله قال ابغوني ثوبا لا يرغب فيه أحد
اجعله تحت ثيابي لئلا اجرد منه بعد قتلي فاني مقتول مسلوب فأتي
بتبان قال لا ذاك لباس من ضرب على الذلة ولا ينبغي لي ان
ألبسه وفي رواية أنه قال هذا لباس أهل الذمة فاخذ ثوبا خلقا فخرقه
وجعله تحت ثيابه وفي رواية انه اتي بشئ أو سع منه دون السراويل
وفوق التبان فلبسه فلما قتل جردوه منه " ثم " استدعي بسراويل من
حبرة يمانيه يلمع فيها البصر ففزرها ولبسها وإنما فزرها لئلا يسلبها
بعد قتله فلما قتل عليه السلام سلبها منه بحر (أبجر خ ل) بن كعب
وتركه مجردا فكانت يدا بحر بعد ذلك تيبسان في الصيف كأنهما
عودان وترطبان في الشتاء فتنضحان دما وقيحا إلى أن أهلكه الله
تعالى واقبل الحسين عليه السلام على القوم يدفعهم عن نفسه والثلاثة
الذين معه يحمونه حتى قتل الثلاثة وبقي وحده وقد أثخن بالجراح
في رأسه وبدنه فجعل يضاربهم بسيفه وحمل الناس عليه عن يمينه
وشماله فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا ثم حمل على الذين عن
يساره فتفرقوا " قال " بعض الرواة فوالله ما رأيت مكثورا قط قد
184

قتل ولده وأهل بيته وأصحابه اربط جاشا ولا امضى جنانا ولا اجراء
مقدما منه والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله وان كانت الرجالة لتشد
عليه فيشهد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف
المعزى إذا شد فيها الذئب ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين
ألفا فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مركزه
وهو يقول لاحول ولا قوة الا بالله " فلما " رأي شمر ذلك استدعى
الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة وامر الرماة ان يرموه فرشقوه
بالسهام حتى صار كالقنفذ فأحجم عنهم فوقفوا بإزائه وجاء شمر في
جماعة من أصحابه فحالوا بينه وبين رحله الذي فيه ثقله وعياله
" فصاح " الحسين عليه السلام ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ان لم يكن
لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم هذه
وارجعوا إلى أحسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون فناداه شمر ما تقول
يا ابن فاطمة فقال أقول اني أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن
جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي
ما دمت حيا فقال شمر لك ذلك يا ابن فاطمة ثم صاح إليكم عن
حرم الرجل واقصدوه بنفسه فلعمري هو كفو كريم فقصدوه
بالحرب وجعل شمر يحرضهم على الحسين عليه السلام فجعلوا يحملون
على الحسين (ع) والحسين يحمل عليهم فينكشفون عنه وهو في ذلك
185

يطلب شربة من ماء فلا يجد وكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه
بأجمعهم حتى أجلوه عنه " ولما " أثخن بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه
صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط عليه السلام من
فرسه إلى الأرض على خده الأيمن ثم قام وخرجت أخته زينب إلى
باب الفسطاط وهي تنادي وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه ليت السماء
أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل " وقد " دنا
عمر بن سعد فقالت يا عمر أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه فدمعت
عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته وصرف وجهه عنها ولم
يجيبها بشئ فنادت ويلكم اما فيكم مسلم فلم يجبها أحد بشئ
" وقاتل " عليه السلام راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص
العورة ويشد على الخيل وهو يقول أعلى قتلي تجتمعون اما والله
لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله الله اسخط عليكم لقتله مني وأيم الله
اني لأرجو ان يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث
لا تشعرون اما والله لو قتلتموني لا لقي الله بأسكم بينكم وسفك
دماءكم ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم
" وكان " على الحسين عليه السلام جبة من خز وكان معتما مخضوبا
بالوسمة " ولم " يزل يقاتل حتى اصابه اثنان وسبعون جراحة
فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال فبينا هو واقف إذا اتاه
186

حجر فوقع على جبهته فأخذ الثوب ليسمح الدم عن جبهته فاتاه
سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال عليه السلام بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم رفع رأسه إلى السماء
وقال آلهي تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت
نبي غيره ثم اخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنه
ميزاب فضعف ووقف " ولما " رجع الحسين عليه السلام من المسناة
إلى فسطاطه بعد قتل أخيه العباس اقبل الشمر في جماعة من أصحابه
فأحاطوا به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي
فشتم الحسين عليه السلام وضربه على رأسه الشريف بالسيف وكان
على رأسه برنس وقيل قلنسوة فقطع البرنس ووصل السيف إلى
رأسه فامتلأ البرنس دما فقال له الحسين عليه السلام لا اكلت بيمينك
ولا شربت بها وحشرك الله مع القوم الظالمين ثم القى البرنس أو
القلنسوة ودعا بخرقة فشد بها رأسه واستدعي بقلنسوة أخرى فلبسها
واعتم عليها " واخذ " الكندي البرنس وكان من خز فلما قدم على أهله
اخذ يغسل عنه الدم فقالت له امرأته اسلب ابن رسول الله تدخل
بيتي أخرجه عني " فلم " يزل ذلك الرجل فقيرا بشر طول عمره " وهذا "
اخذه المختار وقطع يديه ورجليه وتركه يضطرب حتى مات " ورجع
شمر ومن معه عن الحسين عليه السلام إلى مواضعهم فمكثوا هنيئة
187

ثم عادوا إليه فاخذ الحسين عليه السلام يشد عليهم فينكشفون عنه
ثم إنهم أحاطوا به " فخرج " عبد الله بن الحسن بن علي عليهما السلام
وهو غلام لم يراهق من عند النساء فلحقته زينب بنت علي عليهما السلام
وهو غلام لم يراهق من عند النساء فلحقته زينب بنت علي عليهما السلام
لتحبسه فقال لها الحسين عليه السلام احبسيه يا أختي فأبى وامتنع عليها
امتناعا شديدا وجاء يشتد إلى عمه الحسين حتى وقف إلى جنبه
وقال لا أفارق عمي فاهوى بحر (أبجر خ ل) بن كعب إلى الحسين
عليه السلام بالسيف فقال له الغلام ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمي
فضربه بحر (أبجر خ ل) بالسيف فاتقاها الغلام بيده فإنها إلى الجلد
فإذا هي معلقة فنادي الغلام يا عماه أو يا أماه فاخذه الحسين عليه السلام
فضمه إلى صدره وقال يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في
ذلك الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين برسول الله صلى الله عليه وآله وعلى وحمزة وجعفر والحسن صلى الله عليهم أجمعين فرماه
حرملة بسهم فذبحه وهو في حجر عمه فرفع الحسين عليه السلام يده
وقال اللهم أمسك عنهم قطر السماء وامنعهم بركات الأرض اللهم فان
متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة
منهم ابدا فأنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلوا ثم ضارب عدوا علينا فقتلونا ثم ضارب
رجالة حتى انكشفوا عنه وكان قد ضعف عن القتال " وتحاماه "
الناس فمكث طويلا من النهار وكلما جاءه أحد انصرف عنه كراهية
188

ان يلقي الله بدمه " قال " هلال بن نافع اني لواقف مع أصحاب عمر
ابن سعد إذ صرخ صارح ابشر أيها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين
فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وانه ليجود بنفسه فوالله ما رأيت
قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه ولا انور وجها ولقد شغلني نور وجهه
وجمال هيئته عن الفكرة في قتله فاستسقى في تلك الحال ماء فسمعت
رجلا يقول والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها
فسمعته يقول انا أرد الحامية فاشرب من حميمها لا والله بل أرد على
جدي رسول الله صلى الله عليه وآله واسكن معه في داره في مقعد
صدق عند مليك مقتدر واشرب من ماء غير آسن وأشكو إليه
ما ارتكبتم مني وفعلتم بي فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في
قلب أحد منهم من الرحمة شيئا " وصاح " شمر بالفرسان والرجالة
ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم فحملوا عليه
من كل جانب فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى وضرب
الحسين عليه السلام زرعة فصرعه وضربه آخر على عاتقه المقدس
بالسيف ضربة كبا بها لوجهه وكان قد أعيا وجعل يقوم ويكبو
وطعنه سنان بن انس النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في
بواني (1) صدره ورماه بسهم فوقع في نحره فسقط وجلس قاعدا

(1) البواني أضلاع الزور كذا في القاموس " منه ".
189

فنزع السهم من نحره وقرن كفيه جميعا فكلما امتلأتا من دمائه خضب
بها رأسه ولحيته وهو يقول: هكذا القى الله مخضبا بدمي مغصوبا
علي حقي " وقال " عمر بن سعد لرجل عن يمينه انزل ويحك إلى الحسين
فأرحه " وقيل " بل قال سنان لخولي بن يزيد احتز رأسه فبدر خولي
ليحتز رأسه فضعف وارعد فقال له سنان وقيل شمر فت الله في
عضدك مالك ترعد ونزل سنان وقيل شمر إليه فذبحه ثم احتز رأسه
الشريف وهو يقول والله اني لأحتز رأسك واعلم انك السيد
المقدم وابن رسول الله وخير الناس أبا وأما ثم دفع الرأس الشريف
إلى خولي فقال احمله إلى الأمير عمر بن سعد وفي ذلك يقول الشاعر
فأي رزية عدلت حسينا * غداة تبيره كفا سنان
" وسنان " هذا اخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة ثم قطع يديه
ورجليه وأغلى له قدرا فيها زيت ورماه فيها وهو يضطرب وجاءت
جارية من ناحية خيم الحسين عليه السلام فقال رجل يا أمة الله ان
سيدك قتل قالت الجارية فأسرعت إلى سيداتي وانا أصيح فقمن في
وجهي وصحن " وارتفعت " في السماء عند قتل الحسين عليه السلام
غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا يري فيها عين ولا اثر
حتى ظن القوم ان العذاب قد جاء هم فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت
عنهم " وفي رواية " انها اظلمت الدنيا ثلاثة أيام بعد قتل الحسين عليه السلام
190

السلام ثم ظهرت الحمرة في السماء " ولم " تر الحمرة في السماء قبل قتل
الحسين عليه السلام وقال السدي لما قتل الحسين عليه السلام بكت
السماء وبكاؤها حمرتها " وأمطرت " السماء دما يوم قتله وبقي اثره
في الثياب مدة حتى تقطعت وكان جماعة في سفر قالوا فمطرنا مطرا
بقي اثره في ثيابنا مثل الدم وما قلع حجر بالشام وفي رواية في الدنيا
الا وجد تحته دم عبيط ومكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنما تلطخ
الحيطان بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع وفي رواية من صلاة
الفجر إلى غروب الشمس " وقال " عبد المطلب بن مروان للزهري اي
رجل أنت ان أخبرتني اي علامة كانت يوم الحسين بن علي عليهما
السلام قال لا يرفع حصاة بيت المقدس الا وجد تحتها دم عبيط فقال
عبد الملك اني وإياك في هذا الحديث غريبان " وروي " عن أبي حباب
الكلبي قال حدثنا الجصاصون قالوا كنا نخرج إلى الجبانة في الليل.
عند مقتل الحسين عليه السلام فنسمع الجن ينوحون عليه ويقولون
مسح النبي جبينه * فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش * وجده خير الجدود
" ورأي " ابن عباس النبي صلى الله عليه وآله في الليلة التي قتل
فيها الحسين عليه السلام وبيده قارورة وهو يجمع فيها دما قال
فقلت يا رسول الله ما هذا قال هذه دماء الحسين عليه السلام وأصحابه
191

ارفعها إلى الله تعالى فأصبح ابن عباس واعلم الناس بقتل الحسين
عليه السلام وقص روياه فوجد قد قتل في ذلك اليوم " وكان " سن
الحسين عليه السلام يوم قتل سبعا وخمسين سنة أو ستا وخمسين سنة
وخمسة أشهر وسبعة أيام أو خمسة أيام أو تسعة أشهر وعشرة أيام أو
ثمانية أشهر وسبعة أيام أو خمسة أيام على اختلاف الروايات والأقوال
المتقدمة في مولده عليه السلام " وقيل " ثمان وخمسون سنة وقيل خمس
وخمسون سنة وستة أشهر
المقصد الثالث في الأمور المتأخرة عن قتله (ع)
واقبل القوم على سلب الحسين عليه السلام فاخذ قميصه اسحق
ابن حويه الحضرمي فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره ووجد في
قميصه (ع) مأة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة وضربة وقيل وجد
في ثيابه مأة وعشرون رمية بسهم وفي جسده الشريف ثلاث
وثلاثون طعنه برمح وأربع وثلاثون ضربة بسيف " وعن " الصادق
عليه السلام انه وجد بالحسين عليه السلام ثلاث وثلاثون طعنة
وأربع وثلاثون ضربة (1) وعن الباقر عليه السلام انه وجدبه

(1) لا يخفي ان هذه الرواية لا تنافي ما سبق وما يأتي من الأقوال والروايات
لأنه لم يعين فيها قدر الرميات بل هي من المؤيدات (منه).
192

ثلاثمأة وبضعة وعشرون جراحة " وفي " رواية ثلاثمأة وستون جراحه
واخذ سراويله بحر (أبجر خ ل) بن كعب التميمي فصار زمنا مقعدا
من رجليه " واخذ " ثوبه أخ لإسحاق بن حويه ولبسه فتغير
وجهه وحص شعره وبرص بدنه " واخذ " قطيفة له كانت من خز
قيس بن الأشعث بن قيس " واخذ " عمامته الأخنس بن مرثد وقيل
جابر بن يزيد فاعتم بها فصار معتوها " واخذ " برنسه مالك بن النسر
كما مر (واخذ) نعليه الأسود بن خالد (واخذ) درعه البتراء عمر بن
سعد فلما قتل عمر أعطاها المختار لقاتله (واخذ) سيفه الفلافس النهشلي
من بني دارم وقيل جميع بن الخلق الأودي وقيل الأسود بن حنظلة
التميمي (واخذ) القوس والحلل الرجيل بن خيثمة الجعفي (واخذ) خاتمه
بجدل بن سليم الكلبي وقطع إصبعه مع الخاتم وهذا اخذه المختار
فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك (ومال) الناس
على الفرش (الورس خ ل) والحلل والإبل فانتهبوها وانتهبوا رحله
وثقله وسلبوا نساءه ونحرت الإبل التي كانت مع الحسين عليه السلام
فلم يوء كل لحمها لأنه كان أمر من الصبر " وروي " انه لما جعل
اللحم في القدر صار نارا " وكان " مع الحسين عليها السلام ورس
وطيب فاقتسموه فلما صاروا إلى بيوتهم صار دما " وعن " مشائخ
من طئ انهم قالوا وجد شمر بن ذي الجوشن في رحل الحسين عليه السلام
193

السلام ذهبا فدفع بعضه إلى ابنته فدفعته إلى صائغ يصوغ منه حليا
فلما ادخله النار صار نحاسا وقيل نارا " وما " تطيبت امرأة من ذلك
الطيب الا برصت " قال " حميد بن مسلم رأيت امرأة من بكر بن
وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد فلما رأت القوم قد
اقتحموا على نساء الحسين عليه السلام في فسطاطهن وهم يسلبونهن
اخذت سيفا وأقبلت نحو الفسطاط وقالت يا آل بكر بن وائل
أتسلب بنات رسول الله لاحكم الا لله يا لثارات رسول الله فاخذها
زوجها وردها إلى رحله " وانتهوا " إلى علي بن الحسين زين العابدين
عليه السلام وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض وكان مريضا
بالذرب اي الاسهال وقد أشرف على الموت ومع شمر جماعة من
الرجالة فقالوا له الا نقتل هذا العليل فأراد شمر قتله فقال له حميد
ابن مسلم سبحان الله أتقتل الصبيان إنما هو صبي وانه لما به فلم يزل
يدفعهم عنه حتى " جاء " عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين
فقال لأصحابه لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء ولا تتعرضوا
لهذا الغلام المريض ومن اخذ من متاعهن شيئا فليرده فلم يرد أحد
شيئا " وفي رواية " انهم أشعلوا النار في الفسطاط فخرجن منه النساء
باكيات مسلبات " ونادي " عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين
فيوطئ الخيل ظهره وصدره فانتدب منهم عشرة وهم إسحاق بن
194

حويه (حياة خ ل) الذي سلب قميص الحسين عليه السلام، والا خنس
ابن مرثد الذي سلب عمامة الحسين عليه السلام، وحكيم بن الطفيل
الذي اشترك في قتل العباس عليه السلام، وعمرو بن صبيح الصيداوي
الذي رمي عبد الله بن مسلم بسهم فسمر يده في جبهته. ورجاء بن
منقذ العبدي، وسالم بن حثيمة الجعفي، وصالح بن وهب الجعفي.
وواحظ بن غانم. وهاني بن ثبيت الحضرمي الذي قتل جماعة من
الطالبيين كما مر. وأسيد بن مالك فداسوا الحسين عليه السلام
بحوافر خيلهم حتى رضوا ظهره وصدره " وجاء " هؤلاء العشرة
حتى وقفوا على ابن زياد فقال أسيد بن مالك أحدهم
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر * بكل يعبوب شديد الأسر
فقال ابن زياد من أنتم قالوا نحن الذين وطأنا بخيولنا ظهر
الحسين عليه السلام حتى طحنا جناجن صدره فأمر لهم بجائزة يسيرة " قال "
أبو عمرو الزاهد فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد
زنا وهؤلاء اخذهم المختار فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد
وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا وفي خبر ان أحدهم وهو
الأخنس كان واقفا بعد ذلك في قتال فجاء سهم لم يعرف راميه
ففلق قلبه فهلك " وسرح " عمر بن سعد من يومه ذلك وهو يوم عاشورا
برأس الحسين عليه السلام مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن
195

مسلم الأزدي إلى عبيد الله بن زياد " قال " الطبري وابن الأثير فوجد
القصر مغلقا فاتي بالرأس إلى منزله فوضعه تحت إجانة ودخل فراشه
وقال لامرأته النوار جئتك بغني الدهر هذا رأس الحسين عليه السلام
معك في الدار فقالت ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت
برأس ابن رسول الله صلى الله عليه وآله والله لا يجمع رأسي
ورأسك بيت وقامت من الفراض فخرجت إلى الدار قالت فما زالت
انظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجانة ورأيت طيرا
ابيض يرفرف حولها " وذكر " ابن نما نحوا من ذلك " وخولى " هذا
قتله أصحاب المختار وأحرقوه وكان مختفيا في مخرجه فدلت عليه
امرأته العيوب بنت مالك وكانت تعاديه منذ جاء برأس الحسين عليه
السلام فلما سألوها عنه قالت لا أدري وأشارت بيدها إلى المخرج
" وامر " ابن سعد برؤوس الباقين من أصحاب الحسين عليه السلام
وأهل بيته فقطعت (فنظفت خ ل) وكانت اثنين وسبعين رأسا
وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث بن قيس وعمرو
ابن الحجاج فاقبلوا حتى قدموا بها علي ابن زياد " وروي " ان الرؤوس
كانت سبعين رأسا " وروي " ثمانية وسبعين رأسا فاقتسمتها القبائل
لتتقرب بها إلى ابن زياد والى يزيد لعنهما الله تعالى فجاءت كندة
بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث. وجاءت هوازن بأثني
196

عشر رأسا. وقيل بعشرين وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن وجاءت
تميم بسبعة عشر رأسا. وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا وقيل بستة
أرؤس. وجاءت مذحج بسبعة أرؤس. وجاء سائر الناس بثلاثة
عشر رأسا وقيل بسبعة " ثم " ان ابن سعد صلى على القتلى من أصحابه
ودفنهم وترك الحسين عليه السلام وأصحابه بغير دفن وأقام بقية اليوم
العاشر واليوم الثاني إلى زوال الشمس ثم نادي في الناس بالرحيل
وتوجه إلى الكوفة وحمل معه نساء الحسين عليه السلام وبناته
وأخواته ومن كان معه من الصبيان وفيهم علي بن الحسين
عليهما السلام قد نهكته العلة والحسن بن الحسن المثني وكان قد واسى
عمه في الصبر على ضرب السيوف وطعن الرماح وكان قد نقل
من المعركة وقد أثخن بالجراح وبه رمق فبرأ واخواه زيد وعمر أبناء الحسن
السبط عليه السلام " وتدل " بعض الروايات على وجود الباقر عليه
السلام معهم وساقوهم كما يساق سبي الترك والروم " فقال " النسوة
بحق الله الا ما مررتم بنا على مصرع الحسين عليه السلام فمروا بهم
على الحسين " ع " وأصحابه وهم صرعى فلما نظر النسوة إلى القتلي
صحن وضربن وجوههن " قال " الراوي فوالله لا أنسى زينب بنت
علي وهي تندب الحسين " ع " وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب
يا محمداه صلى عليك مليك السماء هذا حسينك مرمل بالدماء مقطع
197

الأعضاء وبناتك سبايا إلى الله المشتكى والى محمد المصطفى والى علي
المرتضى والى فاطمة الزهراء والى حمزة سيد الشهداء يا محمداه هذا
حسين بالعرى تسفى عليه ريح الصبا قتيل أولاد البغايا وا حزناه
وا كرباه عليك يا أبا عبد الله اليوم مات جدي رسول الله يا أصحاب
محمد هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا " وفي " بعض
الروايات وا محمداه بناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح
الصبا وهذا حسين محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والردي
بابي من أضحى عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فسطاطه مقطع
العرى بأبي من لا غائب فيرتجي ولا جريح فيداوي بأبي من نفسي له
الفدى بابي المهموم حتى قضى بابي العطشان حتى مضي بابي من شيبته
تقطر بالدما بابي من جده رسول آله السما بابي من هو سبط نبي
الهدي بابي محمد المصطفى بابي خديجة الكبرى بابي علي المرتضى
بابي فاطمة الزهراء بابي من ردت له الشمس حتى صلى " قال " فأبكت
والله كل عدو وصديق ثم إن سكينة بنت الحسين " ع " اعتنقت
جسد أبيها فاجتمع عدة من الاعراب حتى جروها عنه " ولما " رحل
ابن سعد عن كربلا خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية
إلى الحسين عليه السلام وأصحابه فصلوا على تلك الجثث الطواهر
ودفنوها فدفنوا الحسين عليه السلام حيث قبره الان ودفنوا ابنه
198

عليا الأكبر عند رجليه وحفروا للشهداء من أهل بيته ولأصحابه
الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السلام فجمعوهم
فدفنوهم جميعا في حفيرة واحدة وسووا عليهم التراب " ويقال " ان
أقربهم دفنا إلى الحسين عليهم السلام ولده علي الأكبر فيزورهم
الزائر من عند قبر الحسين عليه السلام ويومي إلى الأرض التي نحو
رجليه بالسلام عليهم ودفنوا العباس بن علي عليهما السلام في موضعه
الذي قتل فيه على المسناة بطريق الغاضرية حيث قبره الان ودفنوا
بقية الشهداء حول الحسين عليه السلام في الحائر " قال " المفيد عليه
الرحمة ولسنا نحصل لهم أجداثا على التحقيق والتفصيل الا انا لا نشك
ان الحائر محيط بهم رضي الله عنهم وأرضاهم " وسار ابن سعد بسبايا
أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله فلما قاربوا الكوفة اجتمع
أهلها للنظر إليهن فأشرفت امرأة من الكوفيات وقالت من اي
الأسارى أنتن فقلن لها نحن أسارى آل محمد " ص " فنزلت من سطحها
فجمعت لهن ملاء وإزرا ومقانع وجعل أهل الكوفة ينوحون
ويبكون فقال علي بن الحسين عليهما السلام أتنوحون وتبكون
من اجلنا فمن ذا الذي قتلنا قال بشر بن خزيم الأسدي ونظرت إلى
زينب بنت علي عليهما السلام يومئذ فلم أر خفرة أنطق منها كأنها
تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام وقد أومأت إلى الناس
199

ان اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس (1) ثم قالت:
(خطبة زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السلام بالكوفة)
الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطاهرين " اما بعد " يا أهل الكوفة
يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا قطعت
الرنة إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون
ايمانكم دخلا بينكم الا وهل فيكم الا الصلف (2) النطف (3)
والصدر الشنف (4) (الا الصلف والعجب والشنف والكذب
خ ل) وملق (5) الإماء وغمز (6) الأعداء أو كمرعى على دمنة (7)
أو كفضة على ملحودة (8) الا ساء ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط
الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون وتنتحبون اي والله
فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فلقد ذهبتم بعارها وشنارها (9) ولن
ترحضوها (10) بغسل بعدها ابدا واني ترحضون قتل سليل خاتم
النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ حيرتكم

(1) جمع جرس وهو الصوت أو خفيه (منه).
(2) الصلف بفتحتين ادعاء الانسان
فوق ما فيه تكبرا وهو صلف ككتف (منه).
(3) النطف بالتحريك التلطخ بالعيب وهو
نطف اي متلطخ بالعيب " منه ".
(4) الشنف بالتحريك البغض والتنكر وصدر شنف
اي مبغض متنكر " منه "
(5) الملق ان تعطي باللسان ما ليس في القلب " منه "
(6) الغمز الطعن " منه ".
(7) الدمنة بالكسر الموضع القريب من الدار (منه).
اي ميتة موضوعة في اللحد " منه ".
(9) الشنار العيب " منه ".
(10) تغسلوا " منه ".
200

ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم (محجتكم خ ل) ومدرة (1) سنتكم
الا ساء ما تزرون وبعدا لكم وسحقا فلقد خاب السعي وتبت الأيدي
وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة
والمسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون اي كبد لرسول الله صلى
الله عليه وآله فريتم (فرثتم خ ل) (2) وأي كريمة له أبرزتم وأي دم
له سفكتم وأي حرمة له انتهكتم لقد جئتم بها صلعا (3) عنقاء (4)
سوءاء (5) فقهاء (6) نأنأء (7) وفي رواية خرقاء (8) شوهاء (9)
كطلاع الأرض (10) أو ملئ السماء أفعجبتم ان مطرت السماء دما
فلعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون فلا يستخفنكم المهل فإنه
لا يحفزه (11) البدار ولا يخاف فوت الثار وان ربكم لبالمرصاد
" قال " فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا
أيديهم في أفواههم ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى اخضلت
لحيته وهو يقول بابي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم

(1) المدرة بالكسر زعيم القوم والمتكلم عنهم والذي يرجعون إلى
رأيه " منه ".
(2) الفري القطع والفرث التفتيت " منه ".
(3) الصلعاء الداهية
القبيحة المكشوفة " منه ".
(4) العنقاء الداهية " منه ".
(5) قبيحة " منه.
(6) عظيمة " منه ".
(7) النأنأة العجز والضعف " منه ".
(8) الخرق ضد الرفق " منه ".
(9) قبيحة " منه ".
(10) اي ملئها " منه ".
(11) لا يعجله " منه ".
201

خير الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزي ولا
يبزي (1) " وروي " زيد بن موسى عن أبيه عن جده عليهم السلام
قال خطبت فاطمة الصغرى بعد أن وردت من كربلا فقالت:
(خطبة فاطمة الصغرى عليها السلام بالكوفة)
الحمد لله عدد الرمل والحصى وزنة العرش إلى الثرى أحمده
وأؤمن به وأتوكل عليه واشهد ان لا آله الا الله وأن محمدا عبده
ورسوله وان أولاده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات اللهم إني
أعوذ بك ان افتري عليك الكذب أو ان أقول عليك خلاف
ما أنزلت عليه من اخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالب (ع) المسلوب
حقه المقتول من غير ذنب كما قتل ولده بالأمس في بيت (2) من
بيوت الله فيه معشر مسلمة بألسنتهم تعسا لرؤوسهم ما دفعت عنه
ضيما في حياته ولا عند مماته حتى قبضته إليك محمود النقيبة (3) طيب
العريكة (4) معروف المناقب مشهور المذاهب لم تأخذه فيك اللهم
لومة لائم ولا عذل عاذل هديته اللهم للاسلام صغيرا وحمدت مناقبه
كبيرا ولم يزل ناصحا لك ولرسولك حتى قبضته إليك زاهدا في
الدنيا غير حريص عليها راغبا في الآخرة مجاهدا لك في سبيلك

(1) اي لا يغلب ولا يقهر " منه ".
(2) متعلق بالمقتول (منه).
(3) النفس " منه ".
(4) الطبيعة " منه ".
202

رضيته فهديته إلى صراط مستقيم " اما بعد " يا أهل الكوفة يا أهل
المكر والغدر والخيلاء فانا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا
فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا فنحن عيبة علمه
ووعاء فهمه وحكمته وحجته على الأرض في بلاده لعباده أكرمنا
الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله على كثير ممن
خلق تفضيلا بينا فكذبتمونا وكفرتمونا ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا
نهبا كأنا أولاد ترك أو كابل كما قتلتم جدنا بالأمس وسيوفكم تقطر
من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم قرت لذلك عيونكم وفرحت
قلوبكم افتراء (اجتراء خ ل) على الله ومكرا مكرتم والله خير
الماكرين فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا
ونالت أيديكم من أموالنا فان ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزء
العظيم في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير لكيلا
تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم والله لا يحب كل مختال
فخور تبا لكم فانتظروا اللعنة والعذاب فكأن قد حل بكم وتواترت
من السماء نقمات فتسحتكم (1) بما كسبتم (فيسحتكم بعذاب خ ل)
ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة
بما ظلمتمونا الا لعنة الله على الظالمين ويلكم أتدرون اية يد طاعنتنا
.

(1) سحته استأصله " منه "
203

منكم واية نفس نزعت إلى قتالنا أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون
محاربتنا والله قست قلوبكم وغلظت أكبادكم وطبع على أفئدتكم
وختم على سمعكم وعلى بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون فتبا لكم
يا أهل الكوفة اي ترات لرسول الله صلى الله عليه وآله قبلكم
وذحول له لديكم بما غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب جدي وبنيه
وعترته الطيبين الأخيار وافتخر بذلك مفتخر من الظالمين فقال
نحن قتلنا عليا وبني علي * بسيوف هندية ورماح
وسبينا نساء هم سبي ترك * ونطحناهم فأي نطاح
بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب (1) افتخرت بقتل قوم
زكاهم الله وطهرهم واذهب عنهم الرجس فاكظم (2) واقع (3)
كما اقعى أبوك فإنما لكل امرء ما اكتسب وما قدمت يداه أحسدتمونا
ويلكم على ما فضلنا الله عليكم
فما ذنبنا ان جاش دهرا بحورنا * وبحرك ساج (4) ما يواري الدعا مصا (5)
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله له نورا فما له
.

(1) الكثكث والأثلب بالضم والكسر فيهما فتات الحجارة والتراب (منه).
(2) اسكت على غيضك (منه).
(3) الاقعاء جلوس الكلب على استه (منه).
(4) ساكن (منه).
(5) جمع دعموص وهي دويبة تغوص في الماء والبيت
للأعشى (منه)
204

من نور (فارتفعت) الأصوات بالبكاء والنحيب وقالوا حسبك يا ابنة
الطيبين فقد أحرقت قلوبنا وأنضجت نحورنا وأضرمت أجوافنا
فسكتت (وخطبت) أم كلثوم بنت علي عليهما السلام في ذلك اليوم
من وراء كلتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت:
* (خطبة أم كلثوم عليها السلام بالكوفة) *
يا أهل الكوفة سوأة لكم مالكم خذلتم حسينا وقتلتموه
وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه فتبا لكم وسحقا
لكم اي دواه دهتكم وأي وزر على ظهوركم حملتم وأي دماء
سفكتموها وأي كريمة أصبتموها وأي صبية سلبتموها وأي أموال
انتهبتموها قتلتم خير رجالات بعي النبي صلى الله عليه وآله ونزعت
الرحمة من قلوبكم الا ان حزب الله هم المفلحون الشيطان
هم الخاسرون ثم قالت:
قتلتم أخي ظلما فويل لامكم * ستجزون نارا حرها يتوقد
سفكتم دماء حرم الله سفكها * وحرمها القرآن ثم محمد
فضج الناس بالبكاء والنحيب ونشر النساء شعورهن ووضعن
التراب على رؤسهن وخمشن وجوههن ولطمن خدودهن ودعون
بالويل والثبور وبكى الرجال فلم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم
ثم إن زين العابدين عليه السلام أوما الناس ان اسكتوا فسكتوا
205

فقام قائما فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وآله بما هو
أهله فصلى عليه ثم قال:
(خطبة علي بن الحسين عليه السلام بالكوفة)
أيها الناس من عرفني فقد عرفي ومن لم يعرفني فانا اعرفه
بنفسي انا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب انا ابن من انتهك
حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله انا ابن المذبوح بشط
الفرات من غير ذحل ولا ترات انا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك
فخرا أيها الناس ناشدتكم بالله هل تعلمون انكم كتبتم إلى أبي
وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه
وخذلتموه فتبا لما قد متم لأنفسكم وسوأة لرأيكم بأية عين تنظرون
إلى رسول الله صلى الله على وآله إذ يقول لكم قتلتم عترتي وانتهكتم
حرمتي فلستم من أمتي (فارتفعت) أصوات النساء بالبكاء من كل ناحية
وقال بعضهم لبعض هلكتم وما تعلمون فقال عليه السلام رحم الله
امرءا قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله ورسوله وأهل بيته فان
لنا في رسول الله أسوة حسنة " فقالوا " بأجمعهم نحن كلنا سامعون
مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك
فمرنا بأمرك يرحمك الله فانا حرب لحربك وسلم لسلمك لنأخذن
يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا " فقال " عليه السلام هيهات هيهات
206

أيها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين أنفسكم أتريدون
ان تأتوا إلي كما اتيتم إلى آبائي من قبل كلا ورب الراقصات فان
الجرح لما يندمل قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه ولم ينسني ثكل
رسول الله صلى الله عليه وآله وثكل أبي وبني أبي ووجده بين
لهاتي (1) ومرارته بين حناجري وحلقي وغصصه تجري في فراش (2)
صدري ومسألتي ان لا تكونوا لنا ولا علينا ثم قال:
لا غرو ان قتل الحسين فشيخه * قد كان خير من حسين وأكرما
فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي * أصاب حسينا كان ذلك أعظما
قتيل بشط النهر روحي فداؤه * جزاء الذي اراده نار جهنما
ثم قال رضينا منكم رأسا برأس فلا يوم لنا ولا علينا " وجاء "
سنان بن انس النخعي إلى باب ابن زياد فقال
أوقر ركابي فضة أو ذهبا * اني قتلت السيد المحجبا
قتلت خير الناس اما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا
فلم يعطه ابن زياد شيئا " وقيل " ان سنانا أنشد هذه الأبيات
على باب فسطاط عمر بن سعد فحذفه بالقضيب وقال أبو مجنون أنت
والله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك " وقيل " المنشد لها عند ابن

(1) اللهاة اللحمة في أقصى الفم (منه).
(2) الفراش كل عظم رقيق يقال
فراش وفراشة كسحاب وسحابة (منه).
207

سعد هو الشمر " وقيل " ان قاتل الحسين عليه السلام انشدها عند
يزيد لعنه الله والله أعلم (ثم) ان ابن زياد لعنه الله جلس في قصر
الامارة واذن للناس اذنا عاما وامر باحضار رأس الحسين عليه السلام
فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويتبسم وكان في يده قضيب فجعل
يضرب به ثناياه ويقول إنه كان حسن الثغر (وفي) رواية أنه قال
لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله ثم قال يوم بيوم بدر
" وكان " عنده انس بن مالك فبكى وقال كان أشبههم برسول الله
صلى الله عليه وآله وكان مخضوبا بالوسمه " وكان " إلى جانبه زيد بن
أرقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو شيخ كبير فلما رآه
يضرب بالقضيب ثناياه قال له ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين
فوالله الذي لا آله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه
وآله مالا أحصيه كثرة يقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد ابكى
الله عينيك أتبكي لفتح الله والله لولا انك شيخ قد خرفت وذهب
عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى
منزله (وفي رواية) انه نهض وهو يقول أيها الناس أنتم العبيد بعد
اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة والله ليقتلن خياركم
وليستعبدن شراركم فبعدا لمن رضي بالذل والعار ثم قال يا ابن زياد
لأحدثنك حديثا أغلظ عليك من هذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله
208

اقعد حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على فخذه اليسرى
ثم وضع يده على يافوخيهما ثم قال اللهم إني استودعك إياهما وصالح
المؤمنين فكيف كانت وديعة رسول الله صلى الله عليه وآله عندك
يا ابن زياد " وادخل " نساء الحسين عليه السلام وصبيانه على ابن زياد
فلبست زينب عليها السلام أرذل ثيابها وتنكرت ومضت حتى جلست
ناحية من القصر وحف بها إماؤها فقال ابن زياد من هذه فلم تجبه
فأعاد الكلام ثانيا وثالثا يسأل عنها فلم تجبه فقال له بعض إمائها هذه
زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فاقبل عليها
ابن زياد فقال لها الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم
فقالت زينب الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله
وطهرنا من الرجس تطهيرا إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر
وهو غيرنا فقال كيف رأيت فعل الله بأخيك وأهل بيتك فقالت
ما رأيت الا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى
مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم (فتتحاجون إليه
وتختصمون عنده خ ل) فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك أمك يا ابن
مرجانة فغضب ابن زياد واستشاط وكأنه هم بها فقال عمرو بن
حريث أيها الأمير انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها
ولا تذم على خطائها فقال لها ابن زياد لقد شفى الله قلبي (نفسي خ ل)
209

من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك فرقت زينب
وبكت وقالت له لعمري لقد قتلت كهلي وأبرزت أهلي وقطعت
فرعي واجتثثت أصلي فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت فقال ابن
زياد هذه سجاعة (1) ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا فقالت
ما للمرأة والسجاعة ان لي عن السجاعة لشغلا ولكن صدري نفث
بما قلت ولنعم ما قال الشاعر
تصان بنت الدعي في كلل الملك وبنت رسول الله تبتذل
يرجي رضى المصطفى فواعجبا * تقتل أولاده ويحتمل
" وعرض " عليه علي بن الحسين عليهما السلام فقال من أنت فقال
انا علي بن الحسين فقال أليس قد قتل الله عليا بن الحسين فقال له
علي قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس فقال بل الله قتله فقال علي
ابن الحسين الله يتوفى الأنفس حين موتها فغضب ابن زياد وقال
وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي اذهبوا به فاضربوا عنقه
فتعلقت به عمته زينب وقالت يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته
وقالت لا والله لا أفارقه فان قتلته فاقتلني معه فنظر ابن زياد إليها
واليه ساعة ثم قال عجب للرحم والله اني لا ظنها ودت اني قتلتها معه

(1) في نسخة شجاعة بالشين والمعجمة وكذا ما بعدها (منه)
210

دعوه فاني أراه لما به (1) " وفي رواية " ان عليا بن الحسين عليهما السلام
قال لعمته اسكتي يا عمه حتى أكلمه ثم اقبل عليه فقال أبالقتل تهددني
يا ابن زياد اما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة ثم أمر ابن
زياد بعلي بن الحسين " ع " وأهل بيته فحملوا إلى دار بجنب المسجد
الأعظم فقالت زينب بنت علي عليهما السلام لا تدخلن علينا عربية
الا أم ولد أو مملوكة فإنهن سبين كما سبينا (قال) ابن الأثير قال بعض
حجاب ابن زياد دخلت معه القصر حين قتل الحسين عليه السلام
فاضطرم في وجهه نارا فقال بكمه هكذا على وجهه وقال لا تحدثن
بهذا أحدا ثم إن ابن زياد قام من مجلسه ودخل المسجد فصعد المنبر
فقال الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد
وحزبه وقتل الكذاب بن الكذاب وشيعته فما زاد على هذا الكلام
شيئا حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي وكان من خيار الشيعة
وزهادها وكانت عينه اليسرى ذهبت في يوم الجمل والأخرى في
يوم صفين وكان يلازم المسجد الأعظم يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف
فقال يا ابن مرجانة ان الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن
استعملك وأبوه يا عدو الله أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا
الكلام على منابر المسلمين " فغضب " ابن زياد وقال من هذا التكلم

(1) اي هو شديد المرض (منه).
211

فقال انا المتكلم يا عدو الله أتقتل الذرية الطاهرة التي قد اذهب الله
عنها الرجس وطهرهم تطهيرا وتزعم انك على دين الاسلام وا غوثاه
أين أولاد المهاجرين والأنصار ينتقمون منك ومن طاغيتك اللعين
ابن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين " فازداد " غضب ابن
زياد حتى انتفخت أوداجه وقال علي بن فتبادرت إليه الجلاوزة من
كل ناحية ليأخذوه فنادى بشعار الأزد يا مبرور وفي الكوفة يومئذ
من الأزد سبعمائة مقاتل فاجتمعوا وانتزعوه من الجلاوزة وقيل
وثب إليه فتيان منهم وقيل قامت الاشراف من الأزد من بني عمه
فخلصوه منهم وأخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به إلى منزله
" فقال " ابن زياد اذهبوا إلى هذا الأعمى أعمى الأزد أعمى الله قلبه كما
أعمى عينيه فأتوني به فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا واجتمعت معهم
قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم وبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر
وضمهم إلى محمد بن الأشعث وأمره بقتال القوم فاقتتلوا قتالا شديدا
حتى قتل بينهم جماعة من العرب ووصل أصحاب ابن زياد إلى دار
عبد الله بن عفيف فكسروا الباب واقتحموا عليه فصاحت ابنته
اتاك القوم من حيث تحذر فقال لا عليك ناوليني سيفي فناولته إياه
فجعل يذب عن نفسه ويقول
انا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر * عفيف شيخي وابن أم عامر
212

كم دارع من قومكم وحاسر * وبطل جدلته مغاور
وجعلت ابنته تقول يا أبت كنت رجلا أخاصم بين يديك
اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة. وجعل القوم يدورون
عليه من كل جهة وهو يذب عن نفسه فليس يقدم عليه أحد وكلما
جاءوه من جهة قالت ابنته يا ابه جاءوك من جهة كذا حتى تكاثروا عليه
وأحاطوا به فقالت ابنته وإذ لا ه يحاط بابي وليس له ناصر يستعين به فجعل
يدير سيفه ويقول
أقسم لو يفسح لي عن بصري * ضاق عليكم موردي ومصدري (1)
فقال له ابن زياد يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان قال يا عبد
بني علاج يا ابن مرجانة وشتمه ما أنت وعثمان اساءه أم أحسن وأصلح
أم أفسد والله تبارك وتعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل
والحق ولكن سلني عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه فقال ابن زياد
والله لا أسألك عن شئ أو تذوق الموت غصة بعد غصة فقال عبد
الله بن عفيف الحمد لله رب العالمين اما اني قد كنت اسأل الله ربي
ان يرزقني الشهادة من قبل ان تلدك أمك وسألت الله ان يجعل
ذلك على يد العن خلقه وابغضهم إليه فلما كف بصري يئست من
الشهادة إلى الان فالحمد لله الذي رزقنيها بعد الياس منها وعرفني
الإجابة منه في قديم فقال ابن زياد اضربوا عنقه فضربت

(1) هذه العبارة من متن الكتاب: قال فما زالوا به حتى اخذوه ثم حمل
فأدخل على ابن زياد فلما رآه قال الحمد لله
الذي أخزاك فقال له عبد الله يا عدو الله وبماذا أخزاني والله لو فرج لي عن بصري
ضاق عليكم وردي ومصدري
213

عنقه وصلب في السبخة ثم دعا ابن زياد بجندب بن عبد الله الأزدي
وكان شيخا فقال يا عدو الله الست صاحب أبي تراب قال بلى لا اعتذر
منه قال ما أراني الا متقربا إلى الله بدمك قال اذن لا يقربك الله
منه بل يباعدك قال شيخ قد ذهب عقله وخلى سبيله (ولما) أصبح
ابن زياد أمر برأس الحسين عليه السلام فطيف به في سكك
الكوفة كلها وقبائلها " فروي " عن زيد بن أرقم أنه قال مر به علي
وهو على رمح وانا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ (أم حسبت
ان أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) فقف والله شعري
وناديت رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب واعجب ولما فرغ القوم
من التطواف به في الكوفة ردوه إلى باب القصر ويحق التمثل
هن بقول بعض الشعراء يرثي قتيلا من آل رسول الله صلى الله عليه وآله
رأس ابن بنت محمد ووصيه * للناظرين على قناة يرفع
والمسلمون بمنظر وبسمع * لا منكر منهم ولا متفجع
كحلت بمنظرك العيون عماية * واصم رزؤك كل اذن تسمع
أيقظت أجفانا وكنت لها كرى * وأنت عينا لم تكن بك تهجع
ما روضة الا تمنت انها * لك حفرة ولخط قبرك مضجع
ثم إن ابن زياد نصب الرؤوس كلها بالكوفة على الخشب
وهي أول رؤوس نصبت في الاسلام بعد رأس مسلم بن عقيل
214

بالكوفة. (وكتب) ابن زياد إلى يزيد يخبروه بقتل الحسين عليه السلام
وخبر أهل بيته " وتقدم " إلى عبد الملك بن الحارث السلمي فقال
انطلق حتى تأتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة (وكان أميرا عليها
وهو من بني أمية) فتبشره بقتل الحسين عليه السلام وقال لا يسبقنك
الخبر إليه قال عبد الملك فركبت راحلتي وسرت نحو المدينة فلقيني
رجل من قريش فقال ما الخبر قلت الخبر عند الأمير تسمعه قال انا لله
وانا إليه راجعون قتل والله الحسين " ولما " دخلت على عمرو بن سعيد
قال ما وراءك فقلت ما يسر الأمير قتل الحسين بن علي فقال اخرج
فناد بقتله فناديت فلم اسمع واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم
على الحسين بن علي حين سمعوا النداء بقتله فدخلت على عمرو بن
سعيد فلما رآني تبسم إلي ضاحكا ثم تمثل بقول عمرو بن معديكرب
الزبيدي وقيل إنه لم سمع أصوات نساء بني هاشم ضحك وتمثل
بذلك فقال
عجت نساء بني زياد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب (1)
" ثم " قال عمرو هذه واعية عثمان ثم صعد المنبر وخطب
الناس وأعلمهم قتل الحسين عليه السلام وقال في خطبته انها الدمة
بلدمة وصدمة بصدمة كم خطبة بعد خطبة وموعظة بعد موعظة حكمة

(1) الأرنب وقعة كانت لبني زبيد علي بني زياد من بني الحارث بن كعب " منه ".
215

بالغة فما النذر والله لوددت أن رأسه في بدنه وروحه في جسده
أحيانا كان يسبنا ونمدحه ويقطعنا ونصله كعادتنا وعادته ولم يكن
من امره ما كان ولكن كيف نصنع بمن سل سيفه يريد قتلنا الا ان
ندفعه عن أنفسنا " فقام " عبد الله بن السائب فقال لو كانت فاطمة حية
فرأت رأس الحسين عليه السلام لبكت عليه فجبهه عمرو بن سعيد وقال
نحن أحق بفاطمة منك أبوها عمنا وزوجها أخونا وابنها ابننا لو كانت
فاطمة حية لبكت عينها وحرت كبدها وما لامت من قتله ودفعه عن
نفسه " وخرجت " أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي
الحسين عليه السلام حاسرة ومعها أخواتها أم هاني وأسماء ورمله
وزينب بنات عقيل بن أبي طالب تبكي قتلاها بالطف وهي تقول
ماذا تقولون ان قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وباهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * ان تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
" فلما " كان الليل من ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد
سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي يسمعون صوته ولا
يرون شخصه
أيها القاتلون جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم * من نبي وملاك وقبيل
216

قد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى وصاحب الإنجيل
رواه الطبري وغيره " ودخل " بعض موالي عبد الله بن جعفر
فنعي إليه ابنيه عونا وجعفرا فاسترجع وجعل الناس يعزونه فقال
مولى له يسمى أبو السلاسل هذا ما لقينا من الحسين فحذفه عبد الله
ابن جعفر بنعله ثم قال يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته
لأحببت ان لا أفارقه حتى اقتل معه والله انه لمما يسخي نفسي ظ عنهما
ويهون علي المصاب بهما انهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له
صابرين معه " ثم " اقبل على جلسائه فقال الحمد لله عز علي مصرع الحسين
ان لا أكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولداي (ولدي خ ل) " وقال "
شهر بن حوشب بينما انا عند أم سلمة إذ دخلت صارخة تصرخ وقالت
قتل الحسين (ع) قالت أم سلمة فعلوها ملا الله قبورهم نارا ووقعت
مغشيا عليها " واما يزيد " فإنه لما وصله كتاب ابن زياد اجابه عليه
يأمره بحمل رأس الحسين عليه السلام ورؤوس من قتل معه وحمل
اثقاله ونسائه وعياله " فأرسل " ابن زياد الرؤوس مع زجر بن قيس
وانفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان في جماعة
من أهل الكوفة إلى يزيد " ثم " أمر ابن زياد بنساء الحسين عليه
السلام وصبيانه فجهزوا وأمر بعلي بن الحسين عليهما السلام فغل بغل
إلى عنقه " وفي رواية " في يديه ورقبته ثم سرح بهم في اثر الرؤوس
217

مع محفر (1) بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن وحملهم على
الاقتاب وساروا بهم كما يسار بسبايا الكفار فانطلقوا بهم حتى لحقوا
بالقوم الذين معهم الرؤوس فلم يكلم علي بن الحسين عليه السلام
أحدا منهم في لا طريق بكلمة حتى بلغوا الشام " فلما " انتهوا إلى باب
يزيد رفع محفر بن ثعلبة صوته فقال هذا محفر بن ثعلبة اتى أمير
المؤمنين باللثام الفجرة فاجابه علي بن الحسين عليهما السلام ما ولدت
أم محفر أشر والام " وعن " الزهري انه لما جاءت الرؤوس كان يزيد
في منظرة على جيرون فأنشد لنفسه
لما بدت تلك الحمول وأشرقت * تلك الشموس على ربي جيرون
نعب الغراب فقلت صح أولا تصح (2) * فلقد قضيت من الغريم ديوني
ولما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر فقالت له لي إليك
حاجة فقال ما حاجتك قالت إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب
قليل النظارة وتقدم إليهم ان يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل
وينحونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذه الحال
فأمر في جواب سؤالها ان تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط
المحامل بغيا منه وكفرا وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة حتى

(1) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الفاء المكسورة وآخره راء كذا
في الكامل لابن الأثير " منه ".
(2) نح أولا تنح " منه "
218

اتى بهم باب دمشق " فوقفوا " على درج باب المسجد الجامع حيث يقام
السبي " وجاء " شيخ فدنا من نساء الحسين عليه السلام عياله وقال
الحمد لله الذي أهلككم وقتلكم وأراح البلاد من رجالكم
وأمكن أمير المؤمنين منكم فقال له علي بن الحسين يا شيخ هل
قرأت القرآن قال نعم قال فهل عرفت هذه الآية قل لا أسئلكم
عليه اجرا الا المودة في القربى قال قد قرأت ذلك فقال له علي
فنحن القربى يا شيخ فهل قرأت في بني إسرائيل وآت ذا القربى
حقه فقال قد قرأت ذلك فقال علي فنحن القربى يا شيخ فهل قرأت
هذه الآية واعلموا إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى قال نعم فقال له علي فنحن القربى يا شيخ ولكن هل
قرأت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا قال قد قرأت ذلك فقال علي فنحن أهل البيت الذين
اختصنا الله بآية الطهارة يا شيخ قال فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما
تكلم به وقال بالله انكم هم فقال علي بن الحسين عليهما السلام
تالله انا لنحن هم من غير شك وحق جدنا رسول الله (ص) انا لنحن
هم فبكى الشيخ ورمي عمامته ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم إني
أبرأ إليك من عدو آل محمد من جن وانس ثم قال هل لي من
توبة فقال له نعم ان تبت تاب الله عليك وأنت معنا فقال انا تائب
219

فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فامر به فقتل " وعن " سهل بن
سعد أنه قال خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام فإذا انا
بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار وقد علقوا الستور والحجب
والديباج وهم فرحون مستبشرون وعندهم نساء يلعبن بالدفوف
والطبول فقلت في نفسي ترى لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن فرأيت
قوما يتحدثون فقلت يا قوم لكم بالشام عيدا لا نعرفه نحن قالوا
يا شيخ فذاك غريبا فقلت انا سهل بن سعد قد رأيت محمدا صلى الله
عليه وآله قالوا يا سهل ما أعجبك السماء لا تمطر دما والأرض لا يخفف
باهلها قلت ولم ذاك فالوا هذا رأس الحسين عترة محمد صلى الله عليه وآله
وأهله يهدي من ارض العراق فقلت واعجبا يهدي رأس الحسين
عليه السلام والناس يفرحون قلت من اي باب يدخل فأشاروا
إلى باب يقال له باب الساعات فبينا انا كذلك حتى رأيت الرايات
يتلو بعضها بعضا فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه
رأس من أشبه الناس وجها برسول الله صلى الله عليه وآله فإذا من
ورائه نسوة على جمال بغير وطاء فدنوت من أولهن فقلت يا جارية
من أنت فقالت انا سكينة بنت الحسين فقلت لها الك حاجة إلي
فانا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمعت حديثه قالت يا سهل قل
لصاحب هذا الرأس ان يقدم الرأس امامنا حتى يشتغل الناس
220

بالنظر إليه ولا ينظروا إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وآله قال
سهل فدنوت من صاحب الرأس فقلت له هل لك ان تقتلني حاجتي
وتأخذ مني أربعمائة دينار قال ما هي قلت تقدم الرأس امام الحرم
ففعل ذلك ودفعت إليه ما وعدته " وروي " ان بعض فضلاء التابعين
وهو خالد بن معدان لما شاهد رأس الحسين عليه السلام بالشام
اخفى نفسه شهرا من جميع أصحابه فلما وجدوه بعد إذ فقدوه سألوه
عن سبب ذلك فقال ألا ترون ما نزل بنا ثم أنشأ يقول
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد * مترملا بدمائه ترميلا
وكأنما بك يا ابن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا
قتلوك عطشانا ولما يرقبوا * في قتلك التأويل والتنزيلا
ويكبرون بان قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا
ثم ادخل ثقل الحسين عليه السلام ونساؤه ومن تخلف من
أهله على يزيد وهم مقرنون في الحبال وزين العابدين عليه السلام
مغلول فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال قال له علي بن الحسين
عليه السلام أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله صلى الله عليه وآله
لو رآنا على هذه الصفة فلم يبق في القوم أحد الا وبكى فأمر
يزيد بالجبال فقطعت وامر بفك الغل عن زين العابدين عليه السلام
" ثم " وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه واجلس النساء
221

خلفه لئلا ينظرن إليه " وفى رواية " انه لما ادخل نساء الحسين عليه
السلام على يزيد والرأس بين يديه جعلت فاطمة وسكينته يتطاولان
لينظران إلى الرأس وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس فلما رأين
الرأس صحن فصاح نساء يزيد وولولت بنات معاوية فقالت فاطمة
بنت الحسين عليه السلام أبنات رسول الله سبايا يا يزيد فبكى
الناس وبكى أهل داره حتى علت الأصوات ورآه علي بن الحسين
عليهما السلام فلم يأكل الرؤوس بعد ذلك ابدا " واما " زينب عليها
السلام فإنها لما رأته أهوت إلى جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين
يقرح القلوب يا حسيناه يا حبيب رسول الله يا ابن مكة ومنى يا ابن
فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن بنت المصطفى فأبكت والله كل
من كان حاضرا في المجلس ويزيد ساكت ثم جعلت امرأة من بني
هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين عليه السلام وتنادي يا حبيباه
يا سيد أهل بيتاه يا ابن محمداه يا ربيع الأرامل واليتامى يا قتيل
أولاد الأدعياء فابتكت كل من سمعها " وكان " في السبايا الرباب
بنت امرئ القيس زوجة الحسين عليه السلام وهي أم سكينة
بنت الحسين " ع " وهي التي يقول فيها الحسين " ع ".
لعمرك انني لأحب دارا * تحل بها سكينة والرباب
أحبهما وابذل فوق جهدي * وليس لعاذل عندي عتاب
222

ولست لهم وان عتبوا مطيعا * حياتي أو يغيبني التراب
" فقيل " ان الرباب اخذت الرأس ووضعته في حجرها وقبلته وقالت
وا حسينا فلا نسيت حسينا * أقصدته أسنة الأعداء
غادروه بكربلاء صريعا * لا سقى الله جانبي كربلاء
" والرباب " هذه بعد رجوعها إلى المدينة خطبها الاشراف من
قريش فقالت والله لا كان لي حمو بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
وعاشت بعد الحسين عليه السلام سنة ثم ماتت كمدا على الحسين عليه
السلام ولم تستظل بعده بسقف " ولما " وضعت الرؤوس بين يدي
يزيد وفيها رأس الحسين عليه السلام جعل يتمثل بقول الحصين بن الحمام المري
صبرنا وكان الصبر منا سجية * بأسيافنا تفرين هاما ومعصما
أبي قومنا ان ينصفونا فأنصفت * قواضب في ايماننا تقطر الدما
نفلق (1) هاما من رجال أعزة * علينا (2) وهم كانوا أعق وأظلما
" ودعا " بقضيب خيزران وجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه
السلام ثم قال يوم بيوم بدر " وكان " عنده أبو برزة الأسلمي فقال
ويحك يا يزيد أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة اشهد لقد رأيت
النبي صلى الله عليه وآله يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول أنتما
سيدا شباب أهل الجنة فقتل الله قاتلكما ولعنه واعد له جهنم وساءت

(1) يفلقن خ ل.
(2) أحبة إلينا خ ل.
223

مصيرا فغضب يزيد وامر باخراجه فاخرج سحبا " وفي رواية " أنه قال
اما انك يا يزيد تجئ يوم القيمة وابن زياد شفيعك ويجي هذا
ومحمد شفيعه ثم قام فولى " وقال " يحيى بن الحكم أخو مروان بن
الحكم وكان جالسا مع يزيد
لهام بجنب (1) الطف أدنى قرابة * من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل (2)
سمية أضحى نسلها عدد الحصى * وبنت رسول الله ليس لها نسل
فضرب يزيد في صدره وقال اسكت " وفي رواية
انه أسر إليه وقال سبحان الله أفي هذا الموضع ما يسعك السكوت
" وكان " يحيى قد سأل أهل الكوفة الذين جاءوا بالسبايا
والرؤوس ما صنعتم فأخبروه فقال حجبتم عن محمد صلى الله عليه
وآله يوم القيامة أجامعكم على أمر ابدا " وفي رواية " ان يزيد
دعا اشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ثم دعا بعلي بن الحسين
وصبيان الحسين ونسائه فأدخلوا عليه والناس ينظرون ثم قال يزيد
لعلي بن الحسين عليهما السلام يا ابن الحسين أبوك قطع رحمي وجهل
حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت فقال علي بن الحسين
عليهما السلام ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم الا
في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا

(1) بأدنى خ ل.
(2) الرذل.
224

علي ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم والله لا يحب كل مختال فخور
فقال يزيد لابنه خالد أردد عليه فلم يدر خالد ما يرد عليه فقال له
يزيد ما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير
فقال علي بن الحسين (ع) يا ابن معاوية وهند وصخر لم تزل النبوة والامرة
لآبائي وأجدادي من قبل ان تولد ولقد كان جدي علي بن أبي
طالب في يوم بدر واحد والأحزاب في يده راية رسول الله صلى الله عليه
وآله وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار ثم قال علي بن الحسين
(ع) ويلك يا يزيد انك لو تدري ماذا صنعت وما الذي ارتكبت
من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي إذا لهربت في الجبال وافترشت
الرماد ودعوت بالويل والثبور ان يكون رأس أبي الحسين بن
فاطمة وعلي منصوبا على باب مدينتكم وهو وديعة رسول الله صلى
الله عليه وآله عليكم فأبشر بالخزي والندامة إذا اجتمع الناس ليوم
القيمة " وفي رواية " انه لما أنشد يزيد الأبيات السابقة قال له علي بن
الحسين عليهما السلام بل ما قال الله أولى ما أصاب من مصيبة في
الأرض ولا في أنفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها فقال يزيد
ما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرة " وجعل "
يزيد يتمثل بابيات ابن الزبعري وزاد يزيد فيها البيتين الأخيرين (1)

(1) كذا رواه سبط بن الجوزي عن الشعبي وينبغي ان يكون زاد فيها البيت
الثاني أيضا ولكنه غير مذكور في رواية ابن الجوزي " منه ".
225

ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
فأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلناه (1) ببدر فاعتدل
(فجزيناهم ببدر مثلها * وأقمنا ميل بدر فاعتدل خ ل)
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل
لست من خندف (2) ان لم انتقم * من بني احمد ما كان فعل
" فقامت " زينب بنت علي عليه السلام فقالت (3)
(خطبة زينب عليها السلام بالشام)
الحمد لله رب العالمين وصلى الله عليه رسوله وآله أجمعين (4)
صدق الله (سبحانه خ) كذلك حيث يقول ثم كان عاقبة الذين أساءوا
السؤى ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون أظننت يا يزيد
حيث (حين خ ل) اخذت علينا أقطار الأرض وآفاق (5) السماء
.

(1) وعدلنا ميل بدر خ ل.
(2) عتبة خ ل.
(3) هذه رواية السيد
ابن طاوس ورواها الطبرسي في الاحتجاج بتفاوت كثير أشرنا إليه في الهامش
" منه ".
(4) على جدي رسول الله سيد المرسلين خ ل.
(5) وضيقت
علينا آفاق خ ل
226

فأصبحنا نساق كما يساق الإماء (1) ان بنا هوانا على الله وبك عليه
كرامة (2) وان ذلك لعظم خطرك (3) عنده فشمخت بانفك ونظرت
في عطفك (4) جذلان مسرورا حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة
والأمور (5) متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا (6) فمهلا مهلا (لا تطش
جهلا خ) أنسيت قول الله تعالى ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا
لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين امن العدل يا ابن الطلقاء
تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله (ص) سبايا قد هتكت
ستورهن وأبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد
ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل (7) ويتصفح وجوههن القريب
والبعيد (8) الدني والشريف ليس معهن من حماتهن حمي ولامن رجالهن
ولي (9) وكيف ترتجى مراقبة ابن من لفظ (10) فوه أكباد الأزكياء (11)

(1) فأصبحنا لك في أسار نساق إليك سوقا في قطار وأنت علينا ذو
اقتدار خ ل.
(2) ان بنا من الله هو انا وعليك منه كرامة وامتنانا خ ل.
(3) وجلالة قدرك خ.
(4) تضرب اصدريك فرحا وتنفض مذرويك
مرحا حين رأيت خ.
(5) لديك خ.
(6) وخلص لك سلطاننا خ ل.
(7) ويستشرفهن
أهل المناقل ويبرزن لأهل المناهل خ ل.
(8) والغائب والشهيد والشريف والوضيع
والدني والرفيع خ.
(9) وليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حميم عتوا
منك على الله وجحودا لرسول الله صلى الله عليه وآله ودفعا لما جاء به من عند الله ولا غرو
منك ولا عجب من فعلك خ ل.
(10) واني يرتجى من لفظ خ ل.
(11) الشهداء خ ل.
227

ونبت لحمه بدماء الشهداء (1) وكيف يستبطي (2) في بغضنا أهل البيت
من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان (3) ثم تقول
غير متأثم (4) ولا مستعظم.
لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل
منحنيا على ثنايا أبي عبد الله (5) سيد شباب أهل الجنة تنكتها
بمخصرتك (6) وكيف لا تقول ذلك وقد (7) نكأت القرحة
واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله
ونجوم الأرض من آل عبد المطلب (8) وتهتف بأشياخك زعمت أنك
تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن انك شللت وبكمت

(1) السعداء خ ل ونصب الحرب لسيد الأنبياء وجمع
الأحزاب وشهر الحراب وهز السيوف في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله
أشد العرب لله جحودا وأنكرهم له رسولا وأظهرهم له عدوانا وأعتاهم على
الرب كفرا وطغيانا الا انها نتيجة خلال الكفر وضب يجرجر في الصدر لقتلي يوم بدر (خ) الضب الحقد الكامن في الصدر " منه ".
(2) فلا
يستبطئ خ ل.
(3) من كان نظره إلينا شنفا وشنآنا واحنا واضغانا
يظهر كفره برسوله ويفصح ذلك بلسانه وهو يقول فرحا بقتل ولده وسبي
ذريته خ.
(4) متحوب خ ل.
(5) ومكان مقبل رسول الله صلى الله
عليه وآله خ. (6) ينكتها بمخصرته قد التمع السرور بوجهه خ ل.
(7) لعمري لقد خ ل.
(8) بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنة وابن
يعسوب العرب وشمس آل عبد المطلب خ ل.
228

ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت (1) اللهم خذ لنا بحقنا وانتقم
ممن ظلمنا واحلل غضبك بمن (2) سفك دماءنا (3) وقتل حماتنا (4) فوالله
ما فريت (5) الا جلدك ولا حززت الا لحمك ولتردن (6) على رسول
الله صلى الله عليه وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته (7) وانتهكت
من حرمته في عترته ولحمته (8) حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم
ويأخذ بحقهم (9) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء
عند ربهم يرزقون (10) وحسبك بالله حاكما (11) وبمحمد (12) خصيما
وبجبرئيل ظهيرا وسيعلم من سول سلك (13) ومكنك من رقاب
المسلمين بئس (14) للظالمين بدلا وأيكم شر مكانا واضعف جندا (15).

(1) وهتفت بأشياخك وتقربت بدمه إلى الكفرة من أسلافك ثم صرحت
بذلك ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك ووشيكا تشهدهم ولن يشهدوك ولتودن
يمينك كما زعمت شلت بك عن مرفقها وجذت وأحببت أمك لم تحملك واباك
لم يلدك حين تصير إلى سخط الله ويخاصمك رسول الله " ص " خ ل.
(2) على من خ ل.
(3) ونقض ذمامنا خ.
(4) وهتك عنا سدولنا خ
(5) وفعلت فعلتك التي فعلت وما فريت خ ل.
(6) وسترد خ ل
(7) من ذريته خ ل.
(8) وسفكت من دماء عترته ولحمته خ ل
(9) حيث يجمع به شملهم ويلم به شعثهم وينتقم من ظالمهم ويأخذ لهم
بحقهم من أعدائهم فلا يستفزنك الفرح بقتله خ ل.
(10) فرحين بما اتاهم
الله من فضله خ.
(11) وليا وحاكما خ ل.
(12) وبرسول الله خ ل.
(13) بواك خ ل.
(14) ان بئس خ ل.
(15) وأضل؟؟ سبيلا خ ل.
229

ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك اني لأستصغر قدرك واستعظم
تقريعك واستكبر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى (1)
الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء
فهذه الأيدي تنطف من دمائنا والأفواه تتحلب من لحومنا وتلك
الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفرها أمهات الفراعل (2)
ولئن اتخذتنا مغنما لتجدننا وشيكا مغرما حين لا تجد الا ما قدمت
يداك وما ربك بظلام للعبيد فإلى الله المشتكى وعليه المعول (3)
فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا
.

(1) وما استصغاري قدرك ولا استعظامي تقريعك توهما لانتجاع الخطاب
فيك بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى وصدورهم عند ذكره حرى
فتلك قلوب قاسية ونفوس طاغية وأجسام محشوة بسخط الله ولعنة الرسول
صلى الله عليه وآله قد عشش فيها الشيطان وفرخ ومن هناك مثلك ما درج
ونهض خ ل.
(2) فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء
وسليل الأوصياء بأيدي الطلقاء الخبيثة ونسل العهرة الفجرة تنظف أكفهم من
دمائنا وتتحلب أفواههم من لحومنا وللجثث الزاكية على الجنوب الضاحية
تنتابها العواسل وتعفرها الفراعل خ ل العواسل جمع عاسل وهو الذئب من
عسل الذئب إذا اضطرب في عدوه والفراعل جمع فرعل بالضم وهو ولد
الضبع وأم فرعل اسم للضبع والجمع أمهات فراعل " منه ".
(3) واليه الملجأ
والموئل خ.
230

تميت وحينا ولا تدرك أمدنا (1) ولا ترحض عنك عارها وهل رأيك
الا فند وأيامك الا عدد وجمعك الا بدد يوم ينادي المنادي الا
لعنة الله على الظالمين (2) فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة
ولآخرنا بالشهادة والرحمة ونسئل الله ان يكمل لهم الثواب ويوجب
لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة انه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم
الوكيل (3) فقال يزيد مجيبا لها
يا صيحة تحمد من صوائح * ما أهون النوح على النوائح
" واستشار " يزيد أهل الشام فيما يصنع بهم فقال له بعضهم لا تتخذ
من كلب سؤ جروا فقال له النعمان بن بشير انظر ما كان رسول الله
صلى الله عليه وآله يصنعه بهم فاصنعه بهم " ونظر " رجل من أهل الشام
احمر إلى فاطمة بنت الحسين عليهما السلام فقال يا أمير هب لي
هذه الجارية قالت فاطمة فارتعدت وظننت ان ذلك جائز عندهم

(1) ثم كد كيدك واجهد جهدك فوالذي شرفنا بالوحي والكتاب
والنبوة والانتجاب لا تدرك أمدنا ولا تبلغ غايتنا ولا تمحو ذكرنا خ ل.
(2) الا لعن الله الظالم خ ل.
(3) فالحمد لله الذي حكم لأوليائه
بالسعادة وختم لأصفيائه ببلوغ الإرادة ونقلهم إلى الرحمة والرأفة والرضوان
والمغفرة ولم يشق بهم غيرك ولا ابتلى بهم سواك ونسئله ان يكمل لهم الاجر
ويجزل لهم الثواب والذخر ونسئله حسن الخلافة وجميل الإنابة انه رحيم
ودود خ ل.
231

فأخذت بثياب عمتي زينب وقلت يا عمتاه أو تمت واستخدم وكانت
عمتي تعلم أن ذلك لا يكون فقالت عمتي لا حبا ولا كرامة لهذا
الفاسق وقالت للشامي كذبت والله ولؤمت والله ما ذاك لك ولا
له فغضب يزيد وقال كذبت ان ذلك لي ولو شئت ان افعل لفعلت
قالت زينب كلا والله ما جعل الله لك ذلك الا ان تخرج من ملتنا
وتدين بغيرها فاستطار يزيد غضبا وقال إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من
الدين أبوك وأخوك قالت زينب بدين الله ودين أبي ودين أخي
اهتديت أنت وجدك وأبوك ان كنت مسلما قال كذبت يا عدوة الله
قالت له أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك فكأنه استحيا وسكت
فعاد الشامي فقال هب لي هذه الجارية فقا له يزيد أعزب وهب
الله لك حتفا قاضيا " وفي رواية " فقال الشامي من هذه الجارية
فقال هذه فاطمة بنت الحسين عليه السلام وتلك زينب بنت علي
فقال الشامي الحسين بن فاطمة وعلي بن أبي طالب فقال نعم فقال
الشامي لعنك الله يا يزيد تقتل عترة نبيك وتسبي ذريته والله ما توهمت
الا انهم سبي الروم فقال يزيد والله لألحقنك بهم ثم أمر به فضربت
عنقه " ثم " دخل نساء الحسين عليه السلام وبناته على نساء يزيد فقمن
إليهن وصحن وبكين وأقمن المأتم على الحسين عليه السلام " ثم " أمر
لهم يزيد بدار تتصل بداره " وقيل " أمر بهم إلى منزل لا يكنهم من
232

حر ولا برد فأقاموا فيه حتى تقشرت وجوههم " وكانوا " مدة مقامهم
بالشام ينوحون على الحسين عليه السلام " وامر " يزيد بمنبر وخطيب
وامر الخطيب ان يصعد المنبر فيذم الحسين وأباه صلوات الله عليهما
فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم بالغ في ذم أمير المؤمنين
والحسين الشهيد واطنب في مدح معاوية ويزيد فذكرهما بكل جميل
ولقد أجاد ابن سنان الخفاجي حيث يقول
يا أمة كفرت وفي أفواهها * القرآن فيه ضلالها ورشادها
أعلى المنابر تعلنون بسبه * وبسيفه نصبت لكم أعوادها
تلك الخلائق بينكم بدرية * قتل الحسين وما خبت أحقادها
" فصاح " به علي بن الحسين عليهما السلام ويلك أيها الخاطب
اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوء مقعدك من النار
" ثم قال " علي بن الحسين عليهما السلام يا يزيد أتأذن لي حتى اصعد
هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضاه ولهؤلاء الجلساء فيهن
اجر وثواب فأبى يزيد عليه ذلك فقال الناس يا أمير المؤمنين ائذن
له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا فقال إنه ان صعد لم ينزل الا
بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان فقيل له وما قدر ما يحسن هذا
فقال إنه من أهل بيت زقوا العلم زقا فلم يزالوا به حتى اذن له
فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم خطب خطبة ابكى فهيا العيون
233

وأوجل منها القلوب ثم قال
* (من خطبة لزين العابدين عليه السلام بالشام) *
أيها الناس أعطينا ستا وفضلنا بسبع أعطينا العلم والحلم
والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين
وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا صلى الله عليه وآله ومنا الصديق
ومنا الطيار ومنا أسد الله واسد رسوله ومنا سبطا هذه الأمة. من
عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي أيها الناس انا ابن
مكة ومنى انا ابن زمزم والصفا انا ابن من حمل الركن بأطراف
الردا انا ابن خير من ائتزر وارتدي وانا ابن خير من انتعل واحتفى
وانا ابن خير من طاف وسعى انا ابن خير من حج ولبي انا ابن من
حمل على البراق في الهوا انا ابن من أسري به من المسجد الحرام
إلى المسجد الأقصى انا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى
انا ابن من دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى انا ابن من صلى
بملائكة السما انا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى انا ابن محمد
المصطفى انا ابن علي المرتضى انا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى
قالوا لا إله إلا الله انا ابن من ضرب بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وآله بسيفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين وبايع البيعتين
وقاتل ببدر وحنين ولم يكفر بالله طرفة عين انا ابن صالح المؤمنين
234

ووارث النبيين وقامع المحدثين ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين
وزين العابدين وتاج البكائين واصبر الصابرين وأفضل القائمين من
آل يس رسول رب العالمين انا ابن المؤيد بجبرئيل المنصور بميكائيل
انا ابن المحامي عن حرم المسلمين وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين
والمجاهد أعداءه الناصبين وأفخر من مشى من قريش أجمعين وأول
من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين وأول السابقين
وقاصم المعتدين ومبيد المشركين وسهم من مرامي الله على المنافقين
ولسان حكمة العابدين وناصر دين الله وولي أمر الله ولسان حكمة
الله وعيبة علمه سمح سخي بهي بهلول زكي أبطحي رضي مقدام همام
صابر صوام مهذب قوام قاطع الأصلاب ومفرق الأحزاب أربطهم
عنانا وأثبتهم جنانا وأمضاهم عزيمة وأشدهم شكيمة أسد باسل
يطحنهم في الحروف إذا ازدلفت الأسنة وقربت الأعنة طحن الرحى
ويذروهم ذرو الريح الهشيم ليث الحجاز وكبش العراق مكي
مدني حنيفي عقبي بدري أحدي شجري مهاجري من العرب سيدها
ومن الوغى ليثها وارث المشعرين وأبو السبطين الحسن والحسين
ذاك جدي علي بن أبي طالب عليه السلام ثم قال انا ابن فاطمة
الزهراء انا ابن سيدة النساء " فلم " يزل يقول انا انا حتى ضج الناس
بالبكاء والنحيب وخشي يزيد ان يكون فتنة فأمر المؤذن فقطع
235

عليه الكلام فلما قال المؤذن الله أكبر الله أكبر قال علي عليه السلام
لا شئ أكبر من الله فلما قال اشهد أن لا إله إلا الله قال علي بن
الحسين شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي فلما قال المؤذن
اشهد ان محمد رسول الله التفت من فوق المنبر إلى يزيد فقال محمد
هذا جدي أم جدك يا يزيد فان زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت
وان زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته ولله در القائل
يصلي على المبعوث من آل هاشم * ويغزى بنوه ان ذا لعجيب
" وعن " ابن لهيعة عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال
لقيني رأس الجالوت فقال والله ان بيني وبين داود لسبعين أبا وان
اليهود تلقاني فتعظمني وأنتم ليس بين ابن نبيكم وبينة الا أب واحد
قتلتم ولده " وعن " زين العابدين عليه السلام قال لما اتي برأس الحسين
عليه لاسلام إلى يزيد كان يتخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين
عليه السلام ويضعه بين يديه ويشرب عليه فحضر ذات يوم في مجلسه
رسول ملك الروم وكان من اشراف الروم وعظمائهم فقال يا ملك
العرب هذا رأس من فقال له يزيد مالك ولهذا الرأس فقال إني إذا
رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شئ رأيته فأحببت ان اخبره
بقصة هذا الرأس وصاحبه حتى يشاركك في الفرح والسرور فقال
يزيد هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب فقال الرومي ومن
236

أمه فقال فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال النصراني
أف لك ولدينك لي دين أحسن من دينك ان أبي من حوافد داود
وبيني وبينه آباء كثيرة والنصارى يعظمونني ويأخذون من تراب
قدمي تبركا بي بان أبي من حوافد داود وأنتم تقتلون ابن بنت
رسول الله صلى الله عليه وآله وما بينه وبين نبيكم الا أم واحد فأي
دين دينكم ثم قال ليزيد هل سمعت حديث كنيسة الحافر فقال له
قل حتى اسمع فقال إن بين عمان والصين بحرا مسيرة ستة أشهر
ليس فيها عمران الا بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخا
في ثمانين فرسخا ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها ومنها يحمل
الكافور والياقوت أشجارهم العود والعنبر وهي في أيدي النصاري
لا ملك لاحد من الملوك فيها سواهم وفيها كنائس كثيرة أعظمها
كنيسة الحافر في محرابها حقة ذهب معلقة فيها حافر يقولون إن هذا
حافر حمار كان يركبه نبيهم عيسى عليه السلام وقد زينوا حول الحقة
بالذهب والديباج يقصدها في كل عام عالم من النصاري يطوفون
حولها ويقبلونها ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى هذا شأنهم ودأبهم
بحافر يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيهم وأنتم تقتلون
ابن بنت نبيكم فلا بارك الله فيكم ولا في دينكم فقال يزيد
اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده فلما أحسن النصراني
237

بذلك قال له أتريد ان تقتلني قال نعم قال اعلم اني رأيت البارحة
نبيكم في المنام يقول يا نصراني أنت من أهل الجنة فتعجبت من كلامه
وانا اشهد ان لا آله الا الله وأن محمدا رسول الله ثم وثب إلى
رأس الحسين عليه السلام فضمه إلى صدره وجعل يقبله ويبكي حتى
قتل " وخرج " زين العابدين عليه السلام يوما يمشي في أسواق دمشق
فاستقبله المنهال بن عمرو فقال له كيف أمسيت يا ابن رسول الله قال
أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبنائهم ويستحيون
نسائهم يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بان محمدا عربي
وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بان محمدا منها وأمسينا معشر
أهل بيته ونحن مغصوبون مقتولون مشردون انا لله وانا إليه راجعون
مما أمسينا فيه يا منهال ولله در مهيار حيث قال
يعظمون له أعواد منبره * وتحت أرجلهم أولاده وضعوا
بأي حكم بنوه يتبعونكم * وفخركم انكم صحب له تبع
" ودعا " يزيد يوما بعلي بن الحسين عليهما السلام وعمرو بن الحسن
عليه السلام وكان عمرو غلاما صغيرا يقال إن عمره أحدي عشرة
سنة فقال له أتصارع هذا يعني ابنه خالدا فقال له عمرو لا ولكن
اعطني سكينا واعطه سكينا ثم أقاتله فقال يزيد (شنشنة أعرفها
من أخزم هل تلد الحية الا حية) " وكان " يزيد وعد عليا بن الحسين
238

عليهما السلام يوم دخولهم عليه ان يقضي له ثلاث حاجات فقال
له أذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن فقال له " الأولى "
ان تريني وجه سيدي ومولاي وأبي الحسين عليه السلام فأتزود منه
وانظر إليه وأودعه " والثانية " ان ترد علينا ما اخذ منا " والثالثة " ان
كنت عزمت علي قتلي ان توجه مع هؤلاء النساء من يردهن إلى
حرم جدهم صلى الله عليه وآله فقال اما وجه أبيك فلن تراه ابدا
واما قتلك فقد عفوت عنك واما النساء فما يردهن غيرك إلى المدينة
واما ما اخذ منكم فانا أعوضكم عنه اضعاف قيمته فقال عليه السلام
اما مالك فلا نريده وهو موفر عليك وإنما طلبت ما اخذ منا لان
فيه مغزل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله ومقنعتها وقلادتها
وقميصها فامر برد ذلك وزاد فيه من عنده مأتي دينار فاخذها زين
العابدين وفرقها في الفقراء والمساكين " وفي رواية " ان يزيد قال
لعلي بن الحسين عليهما السلام ان شئت أقمت عندنا فبررناك وان
شئت رددناك إلى المدينة فقال لا أريد الا المدينة ثم إن يزيد " لع " أمر
برد السبايا والا ساري إلى المدينة وأرسل معهم النعمان بن بشير
الأنصاري في جماعة " فلما " بلغوا إلى العراق قالوا للدليل مر بنا على
طريق كربلا فلما وصلوا إلى موضع المصرع وجدوا جابرا بن عبد الله
الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل الرسول " ص " قد
239

وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام فتوافوا في وقت واحد وتلاقوا
بالبكاء والحزن واللطم وأقاموا المأتم واجتمع عليهم أهل ذلك السواد
وأقاموا على ذلك أياما " وعن " كتاب بشارة المصطفى وغيره بسنده
عن الأعمش بن (عن خ ل) عطية العوفي قال خرجت مع جابر بن
عبد الله الأنصاري رضي الله عنه زائرا قبر الحسين عليه السلام فلما وردنا
كربلا دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم أتزر بازار وارتدى
بآخر ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه ثم لم يخط خطوة الا
ذكر الله تعالى حتى إذا دنا من القبر قال ألمسنيه فألمسته إياه فخر على
القبر مغشيا عليه فرششت عليه شيئا من الماء فلما افاق قال يا حسين
ثلاثا ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه ثم قال واني لك بالجواب وقد
شخبت أوداجك على أثباجك وفرق بين بدنك ورأسك اشهد انك
ابن خير النبيين وابن سيد المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل
الهدى وخامس أصحاب الكسا وابن سيد النقبا وابن فاطمة سيدة
النساء ومالك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين
وربيت في حجر المتقين ورضعت من ثدي الايمان وفطمت بالاسلام
فطبت حيا وطبت ميتا غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك
ولا شاكة في حياتك فعليك سلام الله ورضوانه واشهد انك
مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا ثم جال ببصره حول
240

القبر وقال السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلت بفناء الحسين عليه
السلام وانا أخت برحله اشهد انكم أقمتم الصلاة واتيتم الزكاة وأمرتم
بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى
اتاكم اليقين والذي بعث محمدا بالحق لقد شاركنا كم فيما دخلتم فيه
قال عطية (ابن عطية خ ل) فقلت لجابر فكيف ولم نهبط واديا ولم
نعل جبلا ولم نضرب بسيف والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم
وأوتمت أولادهم وأرملت الأزواج فقال لي يا عطية (يا ابن عطية خ ل)
سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من أحب قوما
حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم والذي بعث محمدا
صلى الله عليه وآله بالحق ان نيتي ونية أصحابي على ما مضي عليه الحسين
عليه السلام وأصحابه قال عطية (ابن عطية خ ل) فبينما نحن كذلك
وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام فقلت يا جابر هذا سواد قد طلع من ناحية الشام فقال جابر لعبده انطلق إلى هذا
السواد وأتنا بخبره فان كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا
لعلنا نلجأ إلى ملجأ وإن كان زين العابدين فأنت حر لوجه الله تعالى
قال فمضي العبد فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول يا جابر قم
واستقبل حرم رسول الله هذا زين العابدين قد جاء بعماته وأخواته
فقام جابر يمشي حافي الاقدام مكشوف الرأس إلى أن دنا من زين
العابدين عليه السلام فقال الامام أنت جابر فقال نعم يا ابن رسول
241

الله فقال يا جابر ههنا والله قتلت رجالنا وذبحت أطفالنا وسبيت
نساؤنا وحرقت خيامنا " ثم " انفصلوا من كربلا طالبين المدينة " قال "
بشير بن جذلم فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين عليهما السلام فحط
رحله وضرب فسطاطه وانزل نساءه وقال يا بشير رحم الله أباك لقد
كان شاعرا فهل تقدر على شئ منه قلت بلي يا ابن رسول الله اني
لشاعر قال فادخل المدينة وانع أبا عبد الله قال بشير فركبت فرسي
وركضت حتى دخلت المدينة لما بلغت مسجد النبي صلى الله عليه وآله
رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلا مضرج * والرأس منه على القناة يدار
ثم قلت يا أهل المدينة هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته
قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم وانا رسوله إليكم أعرفكم
مكانه قال فما بقيت بالمدينة مخدرة ولا محجبة الا برزن من خدورهن
مكشوفة شعورهن مخمشة وجوههن ضاربات خدودهن وهن
يدعون بالويل والثبور ولم يبق بالمدينة أحد الا خرج وهم يضجون
بالبكاء فلم أر باكيا أكثر ممن ذلك اليوم ولا يوما أمر على المسلمين
منه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسمعت جارية تنوح على
الحسين عليه السلام وتقول
242

نعي سيدي ناع نعاه فأوجعا * وأمرضني ناع نعاه فافجعا
فعيني جودا بالدموع واسكبا * وجودا بدمع بعد دمعكما معا
على من دهى عرش الجليل فزعزعا * فأصبح هذا المجد والدين أجدعا
على ابن نبي الله وابن وصيه * وإن كان عنا شاحط الدار أشسعا
ثم قالت أيها الناعي جددت حزننا بابي عبد الله (ع) وخدشت
منا قروحا لما تندمل فمن أنت رحمك الله فقلت انا بشير بن جذلم
وجهني مولاي علي بن الحسين عليهما السلام وهو نازل بموضع كذا
وكذا مع عيال أبي عبد الله الحسين عليه السلام ونسائه قال فتركوني مكاني
وبادروني فضربت فرسي حتى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا
الطرق والمواضع فنزلت عن فرسي وتخطأت رقاب الناس حتى
قربت من باب الفسطاط وكان علي بن الحسين عليهما السلام داخلا
فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه وخلفه خادم معه كرسي فوضعه
له وجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة وارتفعت أصوات الناس
بالبكاء من كل ناحية يعزونه فضجت تلك البقعة ضجة شديدة فأومأ
بيده ان اسكتوا فسكنت فورتهم فقال
(خطبة زين العابدين عليه السلام بالمدينة)
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين بارى
243

الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلى وقرب فشهد
النجوي نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور والم الفجائع
ومضاضة اللواذع وجليل الرزء وعظيم المصائب الفاضعة الكاظة
الفادحة الجائحة الجائحة أيها القوم ان الله وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة وثلمة
في الاسلام عظيمة قتل أبو عبد الله وعترته وسبي نساؤه وصبيته
وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان وهذه الرزية التي
لا مثلها رزية أيها الناس فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم
اي فؤاد لا يحزن من اجله أم اي عين منكم تحبس دمعها وتضن عن
انهما لها فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها
والسماوات بأركانها والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها والحيتان
في لجج البحار والملائكة المقربون وأهل السماوات أجمعون يا أيها
الناس اي قلب لا ينصدع لقتله أم اي فؤاد لا يحن إليه أم اي سمع
يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام ولا يصم أيها الناس أصبحنا
مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأمصار كأنا أولاد ترك
وكابل من غير جرم اجترمناه ولا مكروه ارتكبناه ولا ثلمة في
الاسلام ثلمناها ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ان هذا الاختناق والله
لو أن النبي صلى الله عليه وآله تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم
في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا فانا لله إليه راجعون من
244

مصيبة ما أعظمها وأوجعها واكظها وأفظعها وأمرها وأفدحها
فعند الله نحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا انه عزيز ذو انتقام " فقام "
صوحان بن صعصعة بن صوحان وكان زمنا فاعتذر إليه بما عنده من
زمانة رجليه فاجابه بقبول معذرته وحسن الظن فيه وترحم على أبيه
" ثم " دخل زين العابدين عليه السلام إلى المدينة قرأها موحشة باكية
ووجد ديار أهله خالية تنعى أهلها وتندب سكانها ولنعم ما قال الشاعر
مررت على أبيات آل محمد * فلم أرها أمثالها يوم حلت
فلا يبعد الله الديار وأهلها * وان أصبحت منهم برغم تخلت
وقال آخر
ولما وردنا ماء يثرب بعدما * أسلنا على السبط الشهيد المدامعا
ومدت لما نلقاه من ألم الجوى * رقاب المطايا واستلانت خواضعا
وجرع كأس الموت بالطف أنفس * كرام وكانت للرسول ودائعا
وبدل سعد الشم من آل هاشم * بنحس فكانوا كالبدور طوالعا
وقفنا على الاطلال نندب أهلها * أسى ونبكي الخاليات البلاقعا
" ولم " يزل زين العابدين عليه السلام وهو ذو الحلم الذي لا يبلغ الوصف
إليه حزينا باكيا على تلك الرزية العظيمة حتى قبضه الله تعالى إليه
" وعن " الصادق عليه السلام أنه قال إن زين العابدين عليه السلام بكى
على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فإذا حضره الافطار جاء غلامه
245

بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول كل يا مولاي فيقول قتل ابن
رسول الله جائعا قتل ابن رسول الله عطشانا فلا يزال يكرر ذلك
ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل
كذلك حتى لحق بالله عز وجل " وفي رواية " انه كان إذا حضر الطعام
لافطاره ذكر قتلاه وقال وا كرباه يكرر ذلك ويقول قتل ابن رسول
الله جائعا قتل ابن رسول الله عطشانا حتى يبل بالدموع ثيابه " وحدث "
مولى له انه برز يوما إلى الصحراء قال فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة
خشنة فوقفت وانا اسمع شهيقه وبكاءه وأحصيت عليه الف مرة وهو يقول
(لا آله الا الله حقا حقا لا آله الله تعبدا ورقا لا آله الا الله ايمانا وصدقا)
ثم رفع رأسه من سجوده وإذا لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموع
عينيه فقلت يا سيدي اما آن لحزنك ان ينقضي ولبكائك ان يقل
فقال لي ويحك ان يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبيا ابن نبي له
اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منه فشاب رأسه من الحزن واحد ودب
ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا
وانا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعي مقتولين
فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي.
246

(خاتمة فيها فصلان)
(فصل في مدفن رأس الحسين عليه السلام)
اختلاف الروايات والأقوال في ذلك على وجوه " الأول " انه
عند أبيه أمير المؤمنين عليه السلام بالنجف ذهب إليه بعض علماء
الشيعة استنادا إلى اخبار وردت بذلك في الكافي والتهذيب وغيرهما
من طرق الشيعة عن الأئمة عليهم السلام " وفي " بعضها ان الصادق
عليه السلام قال لولده إسماعيل انه لما حمل إلى الشام سرقه مولى لنا
فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه السلام وهذا القول مختص بالشيعة
" الثاني " انه مدفون مع جسده الشريف " وفي " البحار انه المشهور بين
علمائنا الامامية رده علي بن الحسين عليهما السلام " انتهي " " وفي "
اللهوف انه أعيد فدفن بكربلا مع جسده الشريف وكان عمل
الطائفة علي هذا المعني المشار إليه " انتهي " واعتمده هو أيضا في
كتاب الاقبال " وقال " ابن نما الذي عليه المعول من الأقوال انه
أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه " انتهي "
وعن المرتضى في بعض مسائله انه رد إلى بدنه بكربلا من الشام
وقال الطوسي ومنه زيارة الأربعين " وقال " سبط بن الجوزي في
247

تذكرة الخواص اختلفوا في الرأس على أقوال أشهرها انه يعني
يزيد رده إلى المدينة مع السبايا ثم رد إلى الجسد بكربلا فدفن معه
قاله هشام وغيره انتهى فهذا القول مشترك بين الشيعة وأهل السنة
" الثالث " انه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين عليه السلام
رواه في الكافي بسنده عن الصادق عليه السلام " الرابع " انه دفن
بالمدينة المنورة عند قبر أمه فاطمة عليها السلام وان يزيد أرسله إلى
عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فدفن عند أمه الزهراء عليها السلام
وان مروان بن الحكم كان يومئذ بالمدينة فاخذه وتركه بين يديه وقال
يا حبذا بردك في اليدين * ولو نك الأحمر في الخدين
والله لكأني انظر إلى أيام عثمان. حكاه سبط بن الجوزي في
تذكرة الخواص عن ابن سعد في الطبقات " الخامس " انه بدمشق قال
سبط بن الجوزي حكى ابن أبي الدنيا قال وجد رأس الحسين عليه
السلام في خزانة يزيد بدمشق فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس
وكذا ذكر البلاذري في تاريخه قال هو بدمشق في دار الامارة
وكذا ذكر الواقدي أيضا انتهى " ويروى " ان سليمان بن عبد الملك
قال وجدت رأس الحسين عليه السلام في خزانة يزيد بن معاوية
فكسوته خمسة أثواب من الديباج وصليت عليه في جماعة من أصحابي
وقبرته " وفي رواية " انه مكث في خزائن بني أمية حتى ولي سليمان
248

ابن عبد الملك فطلب فجئ به وهو عظم ابيض فجعله في سفط وطيبه
وجعل عليه ثوبا ودفنه في مقابر المسلمين بعد ما صلى عليه فلما ولي عمر
بن عبد العزيز سأل عن موضعه فنبشه واخذه والله أعلم ما صنع به
" وقال " بعضهم الظاهر من دينه انه بعث به إلى كربلا فدفنه مع الجسد
الشريف " وروي " ابن نما عن منصور بن جمهور انه دخل خزانة يزيد
لما فتحت فوجد بها جونة حمراء فقال لغلامه سليم اختفظ بهذه الجونة
فإنها كنز من كنوز بني أمية فلما فتحها إذ فيها رأس الحسين عليه
السلام وهو مخضوب بالسواد فلفه في ثوب ودفنه عند باب الفراد يس
عند البرج الثالث مما يلي المشرق انتهى " أقول " وكأنه هو الموضع
المعروف الان بمسجد أو مقام أو مشهد رأس الحسين عليه السلام
بجانب المسجد الأموي بدمشق وهو مشهد مشيد معظم " السادس "
انه بمسجد الرقة على الفرات بالمدينة المشهورة حكى سبط بن الجوزي
عن عبد الله بن عمر الوراق ان يزيد لعنه الله قال لأبعثنه إلى آل أبي معيط
عن رأس عثمان وكانوا بالرقة فبعثه إليهم فدفنوه في بعض دورهم
ثم أدخلت تلك الدار في المسجد الجامع قال وهو إلى جنب سدرة
هناك وعليه شبه النيل لا يذهب شتاء ولا صيفا " السابع " انه بمصر
نقله الخلفاء الفاطميون من باب الفراديس إلى عسقلان ثم نقلوه إلى
القاهرة وله فيها مشهد عظيم يزار نقله سبط بن الجوزي " أقول "
249

حكى غير واحد من المؤرخين ان الخليفة العلوي بمصر ارسل إلى
عسقلان وهي مدينة كانت بين مصر والشام والآن هي خراب
فاستخرج رأسا زعم أنه رأس الحسين عليه السلام وجئ به إلى مصر
فدفن فيها في المشهد المعروف الان وهو مشهد معظم يزار والى
جانبه مسجد عظيم رأيته في سنة إحدى وعشرين بعد الثلثمائة والف
والمصريون يتوافدون إلى زيارته أفواجا رجالا ونساء ويدعون
ويتضرعون عنده. واخذ العلويين لذلك الرأس من عسقلان ودفنه
بمصر كأنه لا ريب فيه لكن الشأن في كونه رأس الحسين عليه
السلام " وهذه " الوجوه الأربعة الأخيرة كلها من روايات أهل السنة
وأقوالهم خاصة والله أعلم
فصل
قد يسئل عن وجه خروج الحسين عليه السلام باهله وعياله
إلى الكوفة وهي في يد أعدائه وقد علم صنع أهلها بأبيه وأخيه
مع أن جميع نصحائه كانوا يشيرون عليه بعدم الخروج ومنهم ابن
عباس وكثير ممن لاقاه في الطريق وكيف لم يرجع حين علم بقتل
مسلم بن عقيل " وكيف " استجاز ان يحارب بنفر قليل جموعا عظيمة
لها مدد " ولم " القى بيده إلى التهلكة وما الجمع بين فعله وفعل أخيه
250

الحسن عليهما السلام الذي سلم الامر إلى معاوية بدون هذا الخوف
" وهذا السؤال يتوجه على مذهب القائلين بعصمة الأئمة عليهم السلام
فيسئل عن وجه ذلك حتى لا ينافي العصمة ويتوجه على مذهب القائلين
بعدم العصمة فيقال ان مثل ذلك ما كان ليخفى على مثل الحسين عليه
السلام وفضله مسلم عند الكل ولو فرض عدم القول بالعصمة وقد
أورد هذا السؤال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب تنزيه
الأنبياء عليهم السلام " وأجاب " عنه بما حاصله ان الحسين عليه السلام
غلب على ظنه بمقتضى ما جرى من الأمور انه يصل إلى حقه بالمسير
فوجب عليه وذلك بمكاتبة وجوه الكوفة واشرافها وقرائها مع تقدم
ذلك منهم في أيام الحسن عليه السلام وبعد وفاته واعطائهم العهود
والمواثيق طائعين مبتدئين مكررين للطلب مع تسلطهم على واليهم
في ذلك الوقت وقوتهم عليه وضعفه عنهم وقد جرى الامر في أوله
على ما ظنه عليه السلام ولاحت أسباب الظفر فبايع مسلما أكثر أهل الكوفة
وكتب إلى الحسين عليه السلام بذلك وتمكن مسلم من
قتل ابن زياد غيلة في دار هاني لكنه لم يفعل معتذرا؟ بأن الاسلام
قيد الفتك ولما حبس ابن زياد هانيا حصره مسلم في قصره وكاد يستولي
عليه لكن الاتفاق السئ عكس الامر " اما " الجمع بين فعله وفعل
أخيه الحسن عليهما السلام فالحسن عليه السلام لما أحسن بالغدر من
251

أصحابه سلم كفا للفتنة وابقاء على نفسه وأهله وشيعته والحسين
عليه السلام طلب بحقه حين قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه وعاهده
ورأي قوة أنصار الحق وضعف أنصار الباطل فلم انعكس الامر
رام الرجوع فمنع منه وطلب الموادعة والتسليم كما فعل اخوه الحسن
عليهما السلام فلم يجب وطلبت نفسه فمنع منها بجهده حتى مضى كريما
إلى جوار جده صلى الله عليه وآله انتهى ملخص جواب السيد رحمة
الله عليه بتصرف " والامر " كما ذكره رحمه الله تعالى من أنهم لم يجيبوه
إلى الموادعة بل طلب ابن زياد ان ينزل هو وأصحابه على حكمه
ولو فعل ذلك لكان المظنون قويا ان يقتله ابن زياد مع أصحابه
صبرا فاختار عليه السلام الموت عزيزا في مجال الطراد على ميتة الذل
بيد ابن زياد " بل " المتيقن من حال ابن زياد في خبثه وعداوته لأهل
البيت الطاهر ونسبه المعلوم انه لابد ان يفعل ما قلناه لو نزل الحسين
عليه لاسلام على حكمه " وفي بعض المخاطبات طلب ابن زياد ان
يبايع هو وأصحابه ليزيد فإذا فعل ذلك رأى ابن زياد رأيه " هذا "
ولكن الذي يظهر من تصفح مجموع ما جرى للحسين عليه السلام
هو خلاف ما أجاب به السيد قدس سره إذ يظهر منه ان الحسين
عليه السلام كان عازما على عدم مبايعة يزيد على كل حال ولو أدى ذلك
إلى قتله وكان مقدما على ذلك في حالة ظن السلامة ان وجدت وفي
252

حال ظن العطب بل تيقنه لأنه كان مأمورا بذلك من قبل جده
صلى الله عليه وآله وأبيه عليه السلام بأمر آلهي كما تدل عليه الأخبار الكثيرة
كما أن أخاه الحسن عليه السلام كان مأمورا بالصلح
والتسليم عند خوف القتل ولا يلزم ان يكون تكليفهما في ذلك
واحدا لجواز اختلاف الاحكام بحسب الأوقات لاختلاف الحكم
والمصالح كما أنه لا يجب اتفاقنا معهم في الاحكام التي من هذا القبيل
ولا مانع عقلا ولا شرعا من اختلافنا معهم في ذلك وهذه الأنبياء
عليهم السلام كانت تبعث فرادى إلى الألوف من الكفرة تدعوهم
إلى دينها وتسب آلهتهم وتصبر على أنواع الأذى وألوان العذاب
والقتل والحرق والمثلة " مع " امكان دعوى ظهور الحكمة في فعل
الحسن وفعل أخيه الحسين عليهما السلام باختلاف حالة معاوية وولده
يزيد الظاهرية في الجملة فلو بايع الحسين عليه السلام يزيدا وسلم
إليه الامر ولم ينازعه لخفي حاله على أكثر الناس واعتقدوه امام حق
فكان يتمكن من تبديل الدين وقلب الشريعة ظهرا لبطن وطمس
اعلام النبوة ومحو اثرها ويأتي من بعده فيبنون على ما أسس ويضيفون
إلى ما فعل فالحسين عليه السلام قد فدى دين جده بنفسه وأهله وولده
" وما " تزلزلت أركان دولة بني أمية الا بقتل الحسين عليه السلام
ولا ظهر للناس حالهم الا بعد شهادته " ومما " يدل على أن الحسين عليه
253

السلام كان موطنا نفسه على القتل وظانا أو عالما في بعض الحالات
بأنه يقتل في سفره ذلك " خطبته " التي خطبها حين عزم على الخروج إلى
العراق التي يقول فيها خط الموت على ولد آدم الخ فان أكثر فقراتها يدل على ذلك
" ونهى " عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام له بمكة عن
الخروج وإقامته البرهان على أن ذلك ليس من الرأي بقوله انك تأتى
بلدا فيه عماله وأمراؤه ومعهم بيوت الأموال وإنما الناس عبيد
الدينار والدرهم فلا آمن عليك ان يقاتلك من وعدك نصره ومن
أنت أحب إليه ممن يقاتلك معه وعدم اخذ الحسين عليه السلام بقوله
مع اعتذاره إليه واعترافه بنصحه " ونهي " ابن عباس له أيضا محتجا
بنحو ذلك من أن الذين دعوه لم يقتلوا أميرهم وينفوا عدوهم ويضبطوا
بلادهم بل دعوه وأميرهم عليهم قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم فكأنهم
دعوه إلى الحرب ولا يؤمن ان يخذلوه ويكونوا أشد الناس
عليه " ومعاودته " للنهي ذاكرا له نحو من ذلك ومشيرا عليه باليمن
فلم يقبل " وجوابه " لمحمد بن الحنفية حين أشار عليه بعدم الخروج
إلى العراق فوعده النظر ثم ارتحل في السحر فسأله ابن الحنفية فقال
له الحسين عليه السلام اتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما فارقتك
فقال يا حسين اخرج فأن الله قد شاء ان يراك قتيلا قال ما معنى حملك
هذه النسوة معك قال إن الله قد شاء ان يراهن سبايا " وقول " ابن
254

عمر له حين نهاه عن الخروج فأبي انك مقتول في وجهك هذا فإنه
دال على أن ظاهر الحال كان كذلك وما ظهر لابن عمر ما كان ليخفى على
الحسين عليه السلام " وقول " الفرزدق له قلوب الناس معك وأسيافهم
عليك " وقول " بشر بن غالب له اني خلفت القلوب معك والسيوف
مع بني أمية وتصديق الحسين عليه السلام له " ونهى " عبد الله بن جعفر
له وقوله اني مشفق عليك من هذا الوجه ان يكون فيه هلاكك
واستئصال أهل بيتك وقول الحسين عليه السلام له اني رأيت رسول
الله صلى الله عليه وآله في المنام وأمرني بما انا ماض له وامتناعه من أن
يحدث بتلك الرؤيا " ونهي " عبد الله بن مطيع له وقوله والله لئن
طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك واباء الحسين عليه السلام الا ان
يمضي " وقول " الاعراب له انا لا نستطيع ان نلج ولا نخرج القاضي
باستيلاء بني أمية استيلاء تاما وخطورة الامر " واخبار " أخته زينب
عليها السلام بما سمعته حين نزل الخزيمية " وما " رآه في منامه بالثعلبية
" وقوله " لأبي هره وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية " ونظره " إلى بني عقيل
حين اخبره الأسديان بقتل مسلم وهاني وأشارا عليه بالرجوع وأخبراه
انه ليس له بالكوفة ناصر بل هو عليه وقوله لهم ما ترون فقد مسلم
وامتناعهم عن الرجوع حتى يموتوا أو يدركوا ثارهم وقوله للأسديين
لاخير في العيش بعد هؤلاء.
255

فان الذي يظهر انه عليه السلام كان يريد ان يجيبوا بالامتناع عن الرجوع
ليعتذر بذلك إلى الأسديين وانه عازم على عدم الرجوع على كل حال
" وقوله " لأصحابه حين جاءه خبر مسلم وهاني وعبد الله بن يقطر انه قد خذلنا
شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف " وعدم " رجوعه بعد
تفرقهم عنه وبقائه في أصحابه الذين صحبوه من المدينة ويسير من
غيرهم " وإشارة " عمرو بن يوذان عليه بالرجوع وقوله له والله ما تقدم
الا على الأسنة وحد السيوف ونهيه إياه عن المسير لان الذين
كتبوا إليه لم يكفوه مؤنة القتال وقول الحسين عليه السلام له
ليس يخفى على الرأي ولكن الله تعالى لا يغلب على امره وقوله عليه
السلام والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي " وقوله
عليه السلام وأيم الله لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني
حتى يقتلوني " وكتابه " الذي كتبه إلى بني هاشم حين توجه إلى العراق
اما بعد فإنه من لحق بي استشهد ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح إلى
غير ذلك مما يقف عليه المتتبع المتأمل وهذه كلها ما بين صريح أو
ظاهر في المطلوب كما لا يخفى " والى " هذا الذي ذكرناه ذهب ابن
طاوس عليه الرحمة أيضا في اللهوف حيث قال الذي تحققناه ان
الحسين عليه السلام كان عالما بما انتهت حاله إليه وكان تكليفه
ما اعتمد عليه ثم أورد بعض الأخبار الدالة على ذلك ثم قال لعل
256

بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد ان الله
لا يتعبد بمثل هذه الحالة ورده بأن الله تعالى تعبد قوما بقتل أنفسهم
فقال فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم
انتهى ملخصا " مع " انه إذا كان في ذلك من الفوائد مثل احياء الدين
وكشف قبائح المنافقين وردع الناس عن الاقتداء بهم كان التعبد به
أولى من التعبد بقتل النفس عند التوبة ولا يقصر عن التعبد به في
الجهاد والقصاص " اما " توهم ان ذلك القاء باليد إلى التهلكة ففاسد
لان بذل النفس في سبيل الله تعالى للحصول على الحياة الدائمة والنعيم
الخالد القاء باليد إلى أعظم السعادات " واما " ما جاء في بعض الروايات
من أن الحسين عليه السلام طلب منهم أحد أمور اما ان يرجع إلى
المكان الذي منه اتى أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا
من المسلمين أو ان يأتي يزيد فيضع يده في يده فلم يثبت وقد جاء في
بعض الأخبار ما يكذبه ويدل على ذلك الاعتبار أيضا وملاحظة
سائر الأحوال قال ابن الأثير في الكامل وقد روي عن عقبة بن سمعان
أنه قال صحبت الحسين من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى
العراق ولم أفارقه حتى قتل وسمعت جميع مخاطباته الناس إلى يوم
مقتله فوالله ما أعطاهم ما يتذاكر به الناس انه يضع يده في يد يزيد
ولا ان يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال دعوني ارجع
257

إلى المكان الذي أقبلت منه أو دعوني اذهب في هذه الأرض العريضة
حتى ننظر إلى ما يصير إليه الناس فلم يفعلوا انتهى " واما " دعاؤه
الناس إلى نصرته مثل عبد الله بن الحر الجعفي وغيره وكتابه إلى أهل
البصرة فكل ذلك من باب إقامة الحجة وقطع المعذرة
والحمد لله الذي وفق لجمع هذا الكتاب المميز بين القشر
واللباب والحاوي من شوارد الاخبار ما لم يجتمع مثله في
كتاب مع مراعاة الحد الوسط بين الايجاز والاطناب
والقارئ المنصف يعلم امتيازه عن غيره مما صنف في هذا الباب
فاسأله تعالى ان يكون وسيلة لشفاعة الحسين وجده وأبيه وأهل بيته
عليهم السلام في يوم الحساب وامنا من العقاب وزيادة في الثواب
وقد فرغ من تسويده جامعه العبد الجاني على نفسه محسن بن
المرحوم السيد عبد الكريم الحسيني العالمي نزيل دمشق الشام
عفى الله عن جرائمه عصر يوم الجمعة المبارك الحادي عشر من
شهر ذي القعدة الحرام الذي هو من شهور سنة تسع وعشرين
بعد الألف وثلاثمائة من هجرة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم
ببلدة دمشق الشام صانها الله عن طوارق الحدثان والحمد لله وحده
(وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم)
(تم كتاب لواعج الأشجان)
258