الكتاب: أصدق الأخبار
المؤلف: السيد محسن الأمين
الجزء:
الوفاة: ١٣٧١
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٣١
المطبعة: مطبعة العرفان - صيدا
الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم
ردمك:
ملاحظات:

أصدق الاخبار
في قصة الأخذ بالثار
(تأليف المولى الفقيه العلامة المحقق المدقق الأديب)
(الماهر المتتبع السيد محسن بن المرحوم السيد)
(عبد الكريم الحسيني العاملي نزيل دمشق)
(المحروسة دام ظله العالي)
(آمين)
حقوق (الطبع المحفوظة له
طبع بمطبعة للعرفان * صيداء. سنة 1331 هجرية
منشورات
مكتبة بصيرتي
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ولي المؤمنين وقاصم الجبارين. والمنتقم
من الظالمين. ولو بعد حين. الذي يهلك ملوكا ويستخلف آخرين.
وصلى الله عليه سيدنا محمد خاتم النبيين. وآله الطاهرين المظلومين
(وبعد) فاني مورد في هذا الكتاب المسمى (بأصدق الاخبار
في قصة الاخذ بالثار) خلاصة ما ذكره المؤرخون والمحدثون من
اخبار الذين طلبوا بدم مولانا الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما
السلام وتتبعوا قاتليه حتى قتلوهم وشفوا النفوس منهم وظهر بذلك
تصديق قول الحسين (ع) في الدعاء على أهل الكوفة الذين حاربوه
(وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبره ولا يدع فيهم أحدا الا
قتله قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي
منهم) وغلام ثقيف هو المختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي اخذ بثار الحسين
عليه السلام وقتل قاتليه. وقوله (ع) لعمر بن سعد انك لا تفرح بعدي
بدنيا ولا آخرة ولكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة
يتراماه الصبيان ويتخذونه غرضا بينهم وقوله (ع) له أيضا قطع الله رحمك
وسلط عليك من يذبحك على فراشك. وقوله " ع " اللهم احصهم عدد
2

واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا. متعمدا في ذلك على الكتب الموثوق
بها راجيا بذلك شفاعة الحسين وجده وأبيه وأهل بيته عليهم السلام
في الدار الآخرة وعلى الله أتوكل وبه اعتصم وهو حسبي ونعم الوكيل
(ذكر التوابين وطالبهم بثار الحسين " ع ")
لما قتل الحسين " ع " ندم من بالكوفة من الشيعة على تركهم
نصرته وتلاوموا فيما بينهم ورأوا ان قد أخطأوا خطأ كبيرا وانه
لا يكفر عنهم الذنب ويغسل العار غير الطلب بثاره
(وكان) من جملة من تداخله الندم على ذلك عبد الله بن الحر
الجعفي وكان حين مجئ الحسين " ع " إلى العراق خارج الكوفة في
موضع يقال له قصر بني مقاتل فندبه الحسين (ع) إلى الخروج معه
فلم يفعل ثم ندم بعد قتل الحسين " ع " وجعل يقول
فيا لك حسرة ما دمت حيا * تردد بين حلقي والتراقي
حسين حين يطلب بذل نصري * على أهل الضلالة والنفاق
غداة يقول لي بالقصر قولا * أتتركنا وتزمع بالفراق
ولو أني أواسيه بنفسي * لنلت كرامة يوم التلاق
مع ابن المصطفى نفسي فداه * تولى ثم ودع بانطلاق
فلو فقل التلهف قلب حي * لهم اليوم قلبي بانفلاق
فقد فاز الأولى نصروا حسينا * وخاب الآخرون إلى النفاق
3

فاجتمعت الشيعة إلى خمسة نفر من رؤسائهم وهم (سليمان)
بن صرد الخزاعي وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وهو من المهاجرين وكان اسمه يسارا فسماه رسول الله (ص) سليمان
وكان له سن عالية وشرف في قومه فلما قبض رسول الله (ص) تحول
فنزل الكوفة وشهد مع أمير المؤمنين (ع) الجمل وصفين وكان من
جملة الذين كتبوا للحسين (ع) غير أنه لم يقاتل معه خوفا من ابن زياد
(والمسيب) بن نجبة الفزاري وكان من أصحاب علي " ع " (وعبد الله)
بن سعد بن نفيل الأزدي (ورفاعة) بن شداد البجلي (وعبد الله)
بن وال التيمي (1) وكان هؤلاء الخمسة من خيار أصحاب علي " ع "
فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فخطبهم المسيب فقال
بعد حمد الله والثناء عليه (اما بعد) فانا قد ابتلينا بطول العمر
والتعرض لأنواع الفتن فنرغب إلى ربنا ان لا يجعلنا ممن يقول له غدا
أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر فان أمير المؤمنين عليا عليه السلام
قال العمر الذي اعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة وليس فينا رجل
الا وقد بلغه وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا فوجدنا الله كاذبين في نصر
ابن بنت نبيه " ص " وقد بلغنا قبل ذلك كتبه ورسله واعذر إلينا فسألنا
نصره فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل إلى جانبنا لا نحن نصرناه بأيدينا
.

(1) من بني تيم اللات بن ثعلبة " منه "
4

ولا جادلنا عنه بألسنتنا ولا قويناه بأموالنا ولا طلبنا له النصرة إلى
عشائرنا فما عذرنا عند ربنا وعند لقاء نبينا وقد قتل فينا ولد حبيبه وذريته
ونسله لا والله لا عذر دون ان تقتلوا قاتله أو تقتلوا في طلب ذلك
فعسى ربنا ان يرضى عنا عند ذلك أيها القوم ولوا عليكم رجلا
منكم فإنه لابد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفون بها.
وقام رفاعة بن شداد فقال (اما بعد) فان الله قد هداك لأصوب
القول وبدأت بأرشد الأمور بدعائك إلى جهاد الفاسقين والى التوبة من
الذنب العظيم فمسموع منك مستجاب إلى قولك وقلت ولوا امركم رجلا
فان تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيا وان رأيتم ولينا هذا
الامر شيخ الشيعة وصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وذا السابقة
والقدم سليمان بن صرد الخزاعي المحمود في باسه ودينه الموثوق بحزمه
فقال المسيب قد أصبتم فولوا امركم سليمان بن صرد (فخطب)
سليمان وقال في جملة كلامه انا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل بيت نبينا " ص "
نمنيهم النصرة ونحثهم على القدوم فلما قدموا ونينا وعجزنا وأذهلنا
حتى قتل فينا ولد نبينا وسلالته وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ
ويسأل النصف فلا يعطى اتخذه الفاسقون غرضا للنبل ودريئة للرماح
الا انهضوا فقد سخط عليكم ربكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء
حتى يرضى الله والله ما أظنه راضيا دون ان تناجزوا من قتله الا
5

لا تهابوا الموت فما هابه أحد قط الا ذل وكونوا كبني إسرائيل إذ قال
لهم نبيهم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا
أنفسكم ففعلوا (ثم قال) أحدوا السيوف وركبوا الأسنة واعدوا
لهم ما استطعتم من القوة ومن رباط الخيل حتى تدعوا الناس وتستفزوهم
(فقال) خالد بن نفيل اما انا فوالله لم اعلم أنه ينجيني من ذنبي
ويرضي ربي عني قتل نفسي لقتلتها وانا اشهد كل من حضر أن كل
ما أملكه سوى سلاحي صدقة على المسلمين أقويهم به على قتال الفاسقين
وقال غيره مثل ذلك (فقال) لهم سليمان بن صرد كل من أراد المعونة
بشئ من ماله فليأت به إلى عبد الله بن وال فإذا اجتمع ذلك عنده
جهزنا به الفقراء من أصحابنا، وكتب سليمان بن صرد إلى سعد بن
حذيفة بن اليمان ومن معه من الشيعة بالمدائن كتابا مع عبد الله بن مالك
الطائي يعلمه بما عزموا عليه ويدعوهم إلى مساعدته " فقرأ " سعد
كتاب على الشيعة الذين بالمدائن فأجابوا إلى ذلك فكتب سعد إلى
سليمان يعلمه بعزمهم فقرأ سليمان كتاب حذيفة على أصحابه فسروا
بذلك " وكتب " سليمان أيضا إلى المثني بن مخزمة العبدي بالبصرة بمثل
ذلك وبعث الكتاب مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد
" فكتب " إليه المثني الجواب يقول اما بعد فقد قرأت كتابك وأقرأته
إخوانك فحمدوا رأيك واستجابوا لك ونحن موافوك إن شاء الله تعالى
6

للأجل الذي ضربت والسلام وكتب في أسفل الكتاب
تبصر كأني اتيتك معلما * على أتلع الهادي (1) أجش هزيم
طويل القرا نهد أحق (2) مقلص * ملح على فاس (3) اللجام رؤوم
بكل فتى لا يملأ الروع قلبه (4) * محش لنار الحرب غير سؤوم
أخي ثقة ينوي الا له بسعيه * ضروب بنصل السيف غير أثيم
" وكان " ابتداء تحرك الشيعة للاخذ بثار الحسين عليه السلام في السنة
التي قتل فيها الحسين عليه السلام وهي سنة أحدي وستين من الهجرة
فما زالوا يستعدون للحرب ويجمعون السلاح ويدعون الناس في السر
إلى الطلب بدم الحسين عليه * السلام إلى أن هلك يزيد
بن معاوية في سنة أربع وستين وكان بين قتل الحسين عليه السلام
وموت يزيد ثلاث سنين وشهران وأربعة أيام " فلما " مات يزيد جاء
أصحاب سليمان بن صرد إليه وقالوا له قد هلك هذا الطاغية وامر
بني أمية ضعيف فدعنا نظهر الطلب بدم الحسين عليه السلام ونقتل
قاتليه وندعوا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم المدفوعين
عن حقهم فقال لهم سليمان لا تعجلوا اني نظرت فيما ذكرتم فوجدت
قتلة الحسين عليه السلام هم اشراف الكوفة وفرسان العرب ومتى
.

(1) الهادي العنق " منه ".
(2) أشق خ ل نهد الشواء خ ل.
(3) قاري خ ل.
(4) الدرع نحره خ ل
7

علموا مرادكم كانوا أشد الناس عليكم ونظرت فيمن تبعني منكم
فوجدتهم قليلين فلو خرجوا لم يدركوا ثارهم ولم يشفوا نفوسهم
وقتلوا ولكن الرأي ان تبثوا دعاتكم في الناس وتنظروا حتى يكثر
جمعكم ففعلوا ما أشار به واتبعهم ناس كثير بعد هلاك يزيد اضعاف
من كان اتبعهم قبل ذلك وقال عبد الله بن الأحمر يحرض على الخروج
والقتال شعرا
صحوت وودعت الصبا والغوانيا * وقلت لأصحابي أجيبوا المناديا
وقولوا له إذ قا يدعو إلى الهدى * وقبل الدعا لبيك لبيك داعيا
الا وانع خير الناس جدا ووالدا * حسينا لأهل الدين ان كنت ناعيا
ليبك حسينا مر مل ذو خصاصة * عديم واما (كذا) تشكى المواليا
فاضحي حسين للرماح دريئة * وغودر مسلوبا لدى الطف ثاويا
فيا ليتني إذ ذاك كنت شهدته * فضاربت عنه الشانئين الا عاديا
سقى الله قبرا ضمن المجد والتقى * بغربية الطف الغمام الغواديا
فيا أمة تاهت وضلت سفاهة * أنيبوا فارضوا الواحد المتعاليا
" واما " عبيد الله بن زياد فإنه كان عند موت يزيد واليا على البصرة
وكان عمرو بن حريث واليا على الكوفة بالنيابة عن ابن زياد " فجاء "
الخبر إلى ابن زياد بالبصرة بموت يزيد واختلاف الناس بالشام فجمع
الناس وأخبرهم بموت يزيد وجعل يذمه وطلب منهم ان يبايعوا
8

رجلا يقوم بأمرهم فبايعوه ثم انصرفوا ومسحوا أيديهم بالحيطان
وقالوا أيظن ابن مرجانة اننا ننقاد له في جميع الأوقات " وأرسل " ابن
زياد رسولين إلى أهل الكوفة يدعوهم إلى البيعة فقام يزيد بن رويم
فقال الحمد لله الذي أراحنا من ابن سمية انحن نبايعه لا ولا كرامة
لا حاجة لنا في بني أمية ولا في امارة ابن مرجانة ومرجانة أم عبيد
الله وسميته أم زياد وحصب الرسولين اي رماهما بالحصا فحصبهما الناس
فرجع الرسولان إلى ابن زياد وأخبراه بذلك فقال أهل البصرة
أيخلعه أهل الكوفة ونوليه نحن فضعف سلطانه عندهم وخاف
على نفسه فاستجار ببعض رؤساء البصرة ثم هرب إلى الشام
" ثم " ان أهل الكوفة طردوا عمرو بن حريث عامل ابن زياد عنهم
وأرادوا ان ينصبوا لهم أميرا إلى أن ينظروا في أمرهم فأشار بعضهم
بعمر بن سعد قاتل الحسين عليه السلام فأقبلت نساء من همدان وغيرهم
حتى دخلن المسجد الجامع صارخات باكيات معمولات يندبن الحسين
عليه السلام ويقلن اما يرضى عمر بن سعد بقتل الحسين عليه السلام
حتى أراد ان يكون أميرا علينا على الكوفة فبكى الناس واعرضوا
عن عمر وكان الفضل في ذلك لنساء همدان وهمدان هم الذين يقول
فيهم أمير المؤمنين علي عليه السلام
فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
9

" ثم " ان أهل الكوفة بايعوا لابن الزبير وأرسل
إليهم ابن الزبير واليا من قبله على الكوفة يسمى عبد الله
بن يزيد الأنصاري وأرسل معه إبراهيم بن محمد بن طلحة الصحابي
أميرا على الخراج فوصلا إلى الكوفة لثمان بقين من شهر رمضان سنة
أربع وستين وسليمان وأصحابه يدعون الناس للاخذ بثار الحسين
عليه السلام " وكان " عبد الله بن الزبير دعا الناس إلى نفسه في حياة
يزيد واظهر الطلب بثار الحسين عليه السلام وكذلك أهل المدينة
كانوا قد خلعوا طاعة يزيد فأرسل إليهم يزيد جيشا فحاربهم وغلهم
واستباح المدينة ثلاثة أيام وهي وقعة الحرة المشهورة وكان أمير
الجيش مسلم بن عقبة المري ثم توجه الجيش إلى مكة لحرب
ابن الزبير فمات مسلم بن عقبة في الطريق واستخلف على الجيش
الحصين بن نمير فلما هلك يزيد كان الحصين في عسكر الشام يحاصرون
ابن الزبير بمكة فلما علموا بموت يزيد رجعوا إلى المدينة واجترأ عليهم
أهل المدينة وأهانوهم ثم توجهوا إلى الشام وخرج معهم بنو أمية
الذين كانوا بالمدينة وفيهم مروان بن الحكم " وبويع " بالخلافة في
الحجاز والعراق وغيرها لعبد الله بن الزبير " ولما " مات يزيد اعرض
عبد الله بن الزبير عن اظهار الطلب بدم الحسين عليه السلام " وكان "
أهل الشام بعد موت يزيد بايعوا معاوية بن يزيد بالخلافة فمات بعد
10

ثلاثة أشهر وقيل بعد أربعين يوما بعد أن خلع نفسه من الخلافة وقيل
أن بني أمية قتلوه بالسم " وكان " مروان بن الحكم قد عزم على أن
يسير إلى ابن الزبير فيبايعه بالخلافة فلما قدم عبيد الله بن زياد إلى الشام
قلبه عن رأيه وقوى عزمه على طلب الخلافة ثم بايعه الناس بالخلافة
" ثم " ان مروان بن الحكم بعث عبيد الله بن زياد في جيش إلى
قتال أهل الجزيرة وأمره إذا فرغ منها ان يسير إلى العراق " واما "
سليمان بن صرد وأصحابه فما زالوا يتجهزون ويشترون السلاح إلى
سنة خمس وستين وبعث سليمان إلى رؤساء أصحابه فأتوه وخرج في
أول ليلة من شهر ربيع الاخر فعسكر بالنخيلة قريب الكوفة وجعل
يدور في عسكره فوجده قليلا فأرسل رجلين من أصحابه في خيل إلى الكوفة
وأمرهم ان ينادوه في الكوفة يا لثارات الحسين وان ينادوا بذلك
في المسجد الأعظم وكانوا أول من نادي بذلك فسمع النداء عبد الله
بن حازم الأزدي وعنده ابنته وامرأته سهلة ابنة سبرة وكانت من
أجمل النساء وأحبهم إليه ولم يكن دخل مع القوم فوثب إلى ثيابه
فلبسها والى سلاحه وفرسه فقالت له زوجته ويحك أجننت قال لا
ولكني سمعت داعي الله عز وجل فانا مجيبه وطالب بدم هذا الرجل
حتى أموت فقالت إلى من تودع بنيك هذا قال إلى الله اللهم إني
استودعك ولدي وأهلي اللهم احفظني فيهم وتب علي مما فرطت
11

في نصر ابن بنت نبيك " طافت " الخيل تلك الليلة بالكوفة ينادون
يا لثارات الحسين ونادوا في المسجد الجامع والناس يصلون العشاء الآخرة
يا لثارات الحسين " وكان " في المسجد كرب بن نمران يصلي فقال يا لثارات
الحسين وخرج حتى اتى أهله فلبس سلاحه ودعا بفرسه ليركبه
فقالت له ابنته يا أبت مالي أراك تقلدت سيفك ولبست سلاحك
فقال يا بنية ان أباك يفر من ذنبه إلى ربه ثم خرج فلحق بالقوم " فلما "
كان من الغد جاء إلى سليمان من الكوفة بقدر من كان معه حتى
صار معه أربعة آلاف فنظر في ديوانه وهو الدفتر الذي يكتب فيه
أسماء العسكر فوجد أن الذين بايعوه ستة عشر ألفا وقيل ثمانية عشر
ألفا فقال سبحان الله ما وافانا من ستة عشر ألفا الا أربعة آلاف
" وأقام " بالنخيلة ثلاثة أيام يبعث إلى من تخلف عنه فخرج إليه نحو من
الف رجل فصار معه خمسة آلاف " فقال " له المسيب بن نجبة انه لا ينفعك
الكاره للخروج ولا يقاتل معك الا من خرج على بصيرة
محبا للخروج فلا تنتظر أحدا فقال له سليمان نعم ما رأيت
(ثم خطب سليمان أصحابه وهو متوكأ على قوس له عربية (فقال) أيها
الناس من كان خرج يريد بخروجه وجه الله والآخرة فذلك منا
ونحن منه فرحمة الله عليه حيا وميتا ومن كان إنما يريد الدنيا فوالله
ما يأتي فئ نأخذه ولا غنيمة نغنمها ما خلا رضوان الله وما معنا من
12

ذهب ولا فضة ولا متاع الا سيوفنا على عواتقنا ورماحنا في أكفنا
وزاد قدر البلغة فمن كان ينوي هذا فلا يصحبنا فتنادي أصحابه من
كل جانب انا لا نطلب الدنيا وليس لها خرجنا إنما خرجنا نطلب
التوبة والطلب بدم ابن بنت رسول الله نبينا صلى الله عليه وآله وسلم
(فلما) عزم سليمان على المسير قال له عبد الله بن سعد بن نفيل انا خرجنا
نطلب بدم الحسين عليه السلام والذين قتلوه كلهم بالكوفة منهم
عمر بن سعد واشراف القبائل وليس في الشام سوى عبيد الله فقال
سليمان ابن الذي قتله وعبى الجنود إليه هذا الفاسق ابن الفاسق ابن
مرجانة عبيد الله بن زياد فسيروا إليه على بركة الله فان ينصركم الله
رجونا ان يكون من بعده أهون علينا منه ورجونا ان يطيعكم
أهل مصركم يعنى الكوفة بغير قتال فتنظرون إلى كل من شرك
في دم الحسين عليه السلام فتقتلونه وان تستشهدوا فما عند الله خير
للأبرار فاستخيروا الله وسيروا (ارسل) عبد الله بن يزيد أمير الكوفة
وإبراهيم بن محمد بن طلحة أمير خراجها رسولا إلى سليمان انهما
يريدان ان يأتيا إليه فقال سليمان لرفاعة بن شداد قم فأحسن تعبية
الناس ودعاء رؤساء أصحابه فجلسوا حوله وجاء عبد الله وإبراهيم
ومعهما اشراف أهل الكوفة سوى من شرك في قتل الحسين " ع "
فان عبد الله قال لكل من شرك في قتل الحسين عليه السلام من
13

المعروفين ان لا يخرجوا معهم خوفا من سليمان وأصحابه " وكان "
عمر بن سعد في تلك الأيام يبيت في قصر الامارة خوفا منهم فأشار
عبد الله وإبراهيم على سليمان وأصحابه ان يقيموا ولا يستعجلوا فإذا
علموا ان عبيد الله بن زياد سار إليهم تهيأوا وساروا إليه جميعهم وجعلا
لسليمان وأصحابه خراج جوخى ان أقاموا فلم يقبلوا وقالوا انا ليس
للدنيا خرجنا فقال لهم عبد الله أقيموا حتى نرسل معكم جيشا كثيفا
فلم يقم سليمان وأصحابه (ونظروا) فإذا شيعتهم من أهل البصرة
والمدائن لم يوافوهم لميعادهم فجعل بعضهم يلومونهم فقال سليمان
لا تلوموهم فإنهم سيلحقونكم قريبا متى بلغهم خبر مسيركم وما أراهم
تأخروا الا لقلة النفقة ثم خطبهم سليمان فقال في خطبته ان للدنيا تجارا
وللآخرة تجارا فاما تاجر الآخرة فساع إليها لا يشتري بها ثمنا لا يري
الا قائما وقاعدا وراكعا وساجدا لا يطلب ذهبا ولا فضة ولا دنيا
ولا لذة واما تاجر الدنيا فمكب عليها راتع فيها لا يبتغي بها بدلا
فعليكم بطول الصلاة في جوف الليل وبذكر الله كثيرا على كل حال
وتقربوا إلى الله بكل خير قدرتم عليه حتى تلقوا هذا العدو المحل
القاسط فتجاهدونه فإنكم لن تتوسلوا إلى ربكم بشئ هو أعظم
عنده ثوابا من الجهاد والصلاة (وساروا) عشية الجمعة لخمس مضين
من ربيع الاخر سنة خمس وستين يقدمهم رؤساؤهم المذكورون
14

فباتوا بمكان يقال له دير الأعور وقد تخلف عنهم ناس كثير فقال
سليمان بن صرد ما أحب ان لا يتخلفوا ولو خرجوا فيكم ما زادوكم
الا خبالا ان الله كره انبعاثهم فثبطهم وخصكم بالفضل دونهم ثم
سار فنزل على أقساس بني مالك على شاطئي الفرات ثم أصبحوا عند
قبر الحسين عليه السلام فلما وصلوا صاحوا صيحة واحدة وضجوا
بالبكاء والعويل فلم ير يوم أكثر باكيا من ذلك اليوم وترحموا على
الحسين " ع " وتابوا عند قبره وأقاموا عنده يوما وليلة يكون
ويتضرعون ويستغفرون ويترحمون على الحسين " ع " وأصحابه
(وكان) من قولهم عند ضريحه اللهم الرحمن حسينا الشهيد ابن
الشهيد المهدي ابن المهدي الصديق ابن الصديق اللهم انا نشهدك انا
على دينهم وسبيلهم وأعداء قاتليهم وأولياء محبيهم اللهم انا خذلنا ابن
بنت نبينا صلى الله عليه وآله فاغفر لنا ما مضى ما وتب علينا وارحم
حسينا وأصحابه الشهداء الصديقين وانا نشهدك انا على دينهم وعلى
ما قتلوا عليه وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين وزادهم
النظر إلى القبر الشريف حنقا ثم ودعوا القبر الشريف وازدحموا
عليه عند الوداع أكثر من الازدحام على الحجر الأسود وكان الرجل
يعود إلى ضريحه كالمودع له حتى بقي سليمان في نحو ثلاثين من
أصحابه آخر الناس فأحاطوا بالقبر وقال سليمان الحمد لله الذي لو شاء
15

أكرمنا بالشهادة مع الحسين عليه السلام اللهم إذ حرمتناها معه فلا
تحرمناها فيه بعده وتكلم الرؤساء من أصحاب سليمان فأحسنوا
وقام في تلك الحال وهب بن زمعة الجعفي باكيا على القبر الشريف
وانشد أبيات عبيد الله بن الحر الجعفي.
تبيت النشاوى من أمية نوما * وبالطف قتلي ما ينام حميمها
وما ضيع الاسلام الا قبيلة * تأمر نوكاها ودام نعيمها
وأضحت قناة الدين في كف ظالم * إذا أعوج منها جانب لا يقيمها
فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة * وعيني تبكي لا تجف سجومها
حياتي أو تلقى أمية خزية * يذل لها حتى الممات قرومها
وكان مع الناس عبد الله بن عوف الأحمر على فرس كميت
يتأكل تأكلا وهو يقول
خرجن يلمعن بنا ارسالا * عوابسا يحملننا ابطالا
نريد ان نلقى بها الاقيالا * القاسطين (1) الغدر الضلالا
وقد رفضنا الأهل (2) والأموالا * والخفرات البيض والحجالا
نرجو به التحفة والنوالا * لنرضي المهيمن المفضالا (3)
ثم ساروا على الأنبار وكتب إليهم عبد الله يزيد والى الكوفة كتابا
يطلب فيه منهم الرجوع فقال سليمان وأصحابه قد اتانا هذا ونحن في

(1) الفاسقين خ ل.
(2) الولد خ ل.
(3) نرضي به ذا النعم المفضالا خ ل.
16

مصرنا فحين وطنا أنفسنا على الجهاد ودنونا من ارض عدونا نرجع
ما هذا برأي وكتب إليه سليمان يشكره ويقول إن القوم قد استبشروا
ببيعهم أنفسهم من ربهم وتوجهوا إلى الله وتوكلوا عليه ورضوا
بما قضى الله عليهم فقال عبد الله قد استمات القوم والله ليقتلن كراما
مسلمين (ثم) ساروا حتى أتوا هيت ثم خرجوا حتى انتهوا إلى
قرقيسيا وبها زفر بن الحارث الكلابي (وكان) زفر هذا بعد
هلاك يزيد بقنسرين من بلاد الشام يبايع لابن الزبير فلما بويع مروان
ابن الحكم وتغلب على بلاد الشام هرب زفر من قنسرين واتى إلى
قرقيسيا وعليها عياض الحرشي كان يزيد ولاه إياها فطلب منه ان
يدخل الحمام وحلف له بالطلاق والعتاق على أنه لما يخرج من الحمام
لا يقيم بها فاذن له فدخلها وغلب عليها تحصن بها ولم يدخل حمامها
" فتحصن " زفر من سليمان وأصحابه " فأرسل " سليمان المسيب بن نجبة
إلى زفر يطلب إليه ان يخرج لهم سوقا فجاء المسيب إلى باب المدينة
وطلب الاذن على زفر فجاء هذيل بن زفر إلى أبيه وقال بباب المدينة
رجل حسن الهيئة اسمه المسيب بن نجبة يستأذن عليك فقال له أبوه اما
تدري يا بني من هذا هذا فارس مضرا الحمراء كلها إذا عد من اشرافها
عشرة كان هو أحدهم وهو متعبد ناسك له دين ائذن له فلما دخل
عليه المسيب أجلسه إلى جانبه وأخبره المسيب بما عزموا عليه فقال
17

له زفر انا لم نغلق؟ أبواب المدينة الا لنعلم أيانا تريدون أم غيرنا وما
نحب قتالكم وقد بلغنا عنكم صلاح وسيرة جميلة وامر ابنه ان
يخرج لهم سوقا وامر للمسيب بألف درهم وفرس فرد المال واخذ
الفرس وقال لعلي احتاج إليه إذا عرج فرسي وبعث زفر إلى المسيب
وسليمان كل واحد عشرين جزورا والى عبد الله بن سعد وعبد الله بن
وال ورفاعة كل واحد بعشر جزر وبعث إلى العسكر بخبز كثير
وعلف ودقيق وجمال وقال انحروا منها ما شئتم حتى استغنى الناس
عن السوق الا إن كان الرجل يشتري سوطا أو ثوبا " ثم " ارتحلوا
من الغد وخرج إليهم زفر يشيعهم وقال لسليمان انه خرج خمسة امراء
من الرقة منهم عبيد الله بن زياد في عدد كثير مثل الشوك والشجر
وعرض عليهم ان يدخلوا المدينة وتكون يدهم واحدة فإذا جاء
العدو قاتلوهم جميعا فقال سليمان قد طلب منا أهل مصرنا ذلك فأبينا
قال زفر فاسبقوهم إلى عين الوردة وتسمى رأس عين أيضا فاجعلوا
المدينة في ظهوركم فيكون البلد والماء والمؤن في أيديكم وما بيننا
وبينكم فأنتم آمنون منه فوالله ما رأيت جماعة قط أكرم منكم
فاطووا المنازل فاني أرجو ان تسبقوهم ولا تقاتلوهم في فضاء فإنهم
أكثر منكم ولا آمن ان يحيطوا بكم فيصرعوكم ولا تصفوا لهم
فاني لا أري معكم رجالة ومعهم الرجالة والفرسان يحمي بعضهم بعضا
18

ولكن القوهم في الكتائب ثم بثوها فيما بين ميمنتهم وميسرتهم
واجعلوا مع كل كتيبة كتيبة أخرى إلى جانبها فان حملوا على إحدى
الكتيبتين تقدمت الأخرى وعاونتها وفرجت عنها ومتى شاءت إحدى
الكتائب ارتفعت ومتى شاءت انحطت ولو كنتم صفا واحدا فزحفت
إليكم الرجالة فدفعتكم عن الصف انتقض فكانت الهزيمة ثم ودعهم
ودعا لهم وعدوا له واثنوا عليه " ثم " ساروا مجدين فجعلوا يقطعون كل
مرحلتين في مرحلة حتى وردوا عين الوردة فنزلوا غربيها واستراحوا
خمسة أيام وأراحوا دوابهم واقبل عبيد الله بن زياد في عساكر الشام
حتى كانوا من عين الوردة على مسيرة يوم وليلة " فقام " سليمان بن صرد
خطيبا في أصحابه فوعظهم وذكرهم الدار الآخرة ورغبهم فيها ثم
قال " اما بعد " فقد اتاكم عدوكم الذي دأبتم إليه في السير اناء الليل
والنهار فإذا لقيتموهم فأصدقوهم القتال واصبروا أن الله مع الصابرين
ولا يولينهم امرؤ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ولا تقتلوا
مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تقتلوا أسيرا من أهل دعوتكم
اي من المسلمين الا ان يقاتلكم بعد أن تأسروه فأن هذه كانت
سيرة علي عليه السلام في أهل هذه الدعوة " ثم " قال إن انا قتلت
فأميركم المسيب بن نجبة فان قتل فالأمير عبد الله بن سعد بن نفيل
فان قتل فالأمير عبد الله بن وال فان قتل فالأمير رفاعة بن شداد
19

رحم الله امرءا صدق ما عاهد الله عليه " ثم " بعث المسيب في أربعمائة
فارس وقال سر حتى تلقى أول عساكرهم فشن الغارة عليهم فأن
رأيت ما تحبه من النصر والا رجعت وإياك ان تنزل أو تترك واحدا
من أصحابك ان ينزل واخر ذلك حتى لا تجد منه بدا " قال " حميد بن
مسلم كنت معهم يومئذ فسرنا يومنا كله وليلتنا حتى إذا كان وقت
السحر نزلنا ونمنا قليلا ثم صلينا الصبح وركبنا ففرق المسيب العسكر
وبقي معه مائة فارس وأرسل أصحابه في الجهات ليأتوه بمن يلقونه
فرأوا أعرابيا يطرد حمرا وهو يقول
يا مال لا تعجل إلى صحبي * واسرح فإنك آمن السرب
فقال عبد الله بن عوف بشري ورب الكعبة وقال للاعرابي
ممن أنت قال من بني تغلب قال غلبناهم ورب الكعبة إن شاء الله
ثم اتوا بالاعرابي إلى المسيب وأخبروه بما قال فسر بذلك وقال كان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه الفال ثم قال للاعرابي كم
بيننا وبين أدنى القوم فقال ميل (والميل نحو من مسير نصف ساعة) هذا
شراحيل بن ذي الكلاع منك على رأس ميل ومعه أربعة آلاف ومن
ورائهم الحصين بن في أربعة آلاف ومن ورائهم الصلت بن ناجية
الغلابي في أربعة آلاف وجمهور العسكر مع عبيد الله بن زياد بالرقة
" وكان ابن زياد توجه من الشام في عسكر عظيم كما تقدم فلما وصل
20

إلى الرقة ارسل هوء لاء امامه مقدمة له " فسار " المسيب ومن معه
مسرعين حتى أشرفوا على عسكر أهل الشام وهم آمنون غير مستعدين
فقال المسيب لأصحابه كروا عليهم فحملوا في جانب عسكرهم
فانهزم عسكر أهل الشام وقتل المسيب وأصحابه منهم وجرحوا
كثيرا واخذوا الدواب وخلى الشاميون معسكرهم وانهزموا فغنم
منه أصحاب المسيب ما أرادوا ثم صاح في أصحابه الرجعة انكم قد
نصرتم وغنمتم وسلمتم فانصرفوا إلى سليمان موفورين غانمين " ووصل
الخبر إلى عبد الله بن زياد " فأرسل " إليهم الحصين بن نمير مسرعا في
اثني عشر ألفا وقيل في عشرين ألفا وعسكر العراق يومئذ ثلاثة
آلاف ومائة لاغير فتهيأت العساكر للقتال وذلك يوم الأربعاء لأربع
وقيل لثمان بقين من جمادى الأولى سنة خمس وستين " فجعل " آهل العراق
على ميمنتهم المسيب بن نجبة وعلى ميسرتهم عبد الله بن سعد وقيل
بالعكس وعلى الجناح رفاعة بن شداد والأمير سليمان بن صرد في
القلب " وجعل " أهل الشام على ميمنتهم عبد الله بن الضحاك بن قيس
الفهري وقيل جبلة بن عبد الله وعلى ميسرتهم ربيعة بن المخارق الغنوي
وعلى الجناح شراحيل بن ذي الكلاع وفي القلب الحصين بن نمير
" ودنا " بعضهم من بعض فدعاهم أهل الشام إلى الدخول في طاعة
عبد الله بن مروان وكان مروان قد مات في شهر رمضان من
21

هذه السنة وبويع بالخلافة ولده عبد الملك " وقيل " بل كان مروان
حيا ودعاهم أصحاب سليمان إلى تسليم عبيد الله بن زياد إليهم والخروج
من طاعة عبد الملك وآل الزبير ورد الامر إلى أهل بيت النبي صلى
الله عليه وآله فأبى الفريقان وحمل بعضهم على بعض وجعل سليمان بن
صرد يحرضهم على القتال ويبشرهم بكرامة الله ثم كسر جفن سيفه
وتقدم نحو أهل الشام وجعل يرتجز ويقول
إليك ربي تبت من ذنوبي * وقد علاني في الوري مشيبي
فارحم عبيدا غير ما تكذيب * واغفر ذنوبي سيدي وحوبي
فحملت ميمنة سليمان على ميسرة الحصين وميسرته على ميمنته
وحمل سليمان في القلب على جماعتهم فانهزم أهل الشام إلى معسكرهم
وظفر بهم أصحاب سليمان وما زال الظفر لأصحاب سليمان إلى أن
حجز بينهم الليل فلما كان الغد وصل إلى الحصين جيش مع ابن
ذي الكلاع عدده ثمانية آلاف كان أمدهم به عبيد الله بن زياد
فصاروا عشرين ألفا وخرج أصحاب سليمان عند الصباح فقاتلوهم
قتالا لم يكن أشد منه لم ير الشيب والمراد مثله جميع النهار ولم
يحجز بينهم الا الصلاة فلما أمسوا تحاجزوا وقد كثرت الجراح في
الفريقين " وكان " في أصحاب سليمان ثلاثة من القصاص وهم الذين
يحفظون القصص والاخبار منهم رفاعة بن شداد وأبو جويرية العبدي
22

فجعلوا يطفون على أصحاب سليمان يحرضونهم " وكان " جويرية يدور
فيهم ويقول أبشروا عباد الله بكرامة الله ورضوانه فحق والله لمن
ليس بينه وبين لقاء الأحبة ودخول الجنة الا فراق هذه النفس الامارة
بالسوء ان يكون بفراقها سخيا وبلقاء ربه مسرورا " فلما " أصبح أهل الشام
أتاهم أدهم بن محرز الباهلي في نحو من عشرة آلاف أمدهم
بهم ابن زياد فصاروا ثلاثين ألفا فاقتتلوا اليوم الثالث وهو يوم الجمعة
قتالا شديدا إلى وقت الضحى " ثم " ان أهل الشام تكاثروا عليهم
وأحاطوا بهم من كل جانب فلما رأى سليمان رحمه الله ذلك نزل
ونادى يا عباد الله من أراد البكور إلى ربه والتوبة من ذنبه فإلي ثم
كسر جفن سيفه ونزل معه ناس كثير وكسروا جفون سيوفهم ومشوا
معه فقاتلوا حتى قتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة وجرجوا فيهم
فأكثروا الجراح فلما رأى الحصين صبرهم وبأسهم بعث الرجالة ترميم
بالنبل فأتت السهام كالشرار المتطاير واكتنفتهم الخيل والرجال فقتل
سليمان رحمه الله تعالى رماه يزيد بن الحصين بن نمير بسهم فوقع ثم
وثب ثم وقع " وكان " عمره يوم قتل ثلاثا وتسعين سنة فلما قتل سليمان
اخذ الراية المسيب بن نجبة؟ " وكان " من وجوه أصحاب علي عليه
السلام وترحم على سليمان ثم تقدم إلى القتال وكر على القوم وجعل
يرتجز ويقول
23

قد علمت ميالة الذوائب * واضحة الخدين (1) والترائب
اني غداة الروع والتغالب (2) * أشجع من ذي لبدة مواثب
قصاع اقران مخوف الجانب
فقاتل بها ساعة ثم رجع ثم حمل فلم يزل يحمل ويقاتل ثم يرجع
حتى فعل ذلك مرارا وقتل جمعا كثيرا ثم تكاثروا عليه فقتل رضي الله عنه
" فلما " قتل اخذ الراية عبد الله بن سعيد بن نفيل وترحم على
سليمان والمسيب ثم قرأ فمنهم من قضي نحبه ومنهم ينتظر وما
بدلوا تبديلا ثم حمل على القوم وجعل يرتجز ويقول
ارحم آلهي عبدك التوابا * ولا تؤاخذه فقد أنابا
وفارق الاهلين والأحبابا * يرجو بذلك الفوز والثوابا
وحف به من كان معه من الأزد (فبينما) هم في القتال اتاهم فرسان
ثلاثة وهم عبد الله بن الخضل الطائي وكثير بن عمرو المزني وسعر
بن أبي سعر الحنفي وقد أرسلهم سعد بن حذيفة فأخبروا بمسيرة من
المدائن في سبعين ومائة من أهل المدائن وأخبروا بمسير أهل البصرة
مع المثنى بن مخزمة العبدي في ثلاثمائة فسر الناس بذلك فقال عبد
الله بن سعد ذلك لو جاؤونا ونحن احياء فلما نظر الرسل إلى مصارع
إخوانهم ساءهم ذلك واسترجعوا وقاتلوا معهم فكان أول من استشهد

(1) اللبات خ ل.
(2) والمقانب خ ل
24

في ذلك الوقت من الثلاثة كثير بن عمرو المزني وطعن الحنفي
فوقع بين القتلى ثم برء بعد ذلك وكان الطائي فارسا شاعرا؟ فجعل يقول
قد علمت ذات القوام الرود * ان لست بالواني ولا الرعديد
يوما ولا بالفرق الحيود
وقاتل قتالا شديد وطعن فقطع انفه " وقاتل " عبد الله بن سعد
بن نفيل فاختلف هو وربيعة بن المخارق ضربتين فلم يصنع سيفاهما
شيئا واعتنق كل واحد منهما صاحبه فوقعا إلى الأرض ثم قاما
فاضطربا وحمل ابن أخ لربيعة على عبد الله بن سعد فطعنه في ثغرة
نحره فقتله فحمل عبد الله بن عوف بن الأحمر على ربيعة فطعنه فصرعه
ثم قام ربيعة فكر عليه عبد الله بن عوف في المرة الثانية فطعنه
أصحاب ربيعة فصرعوه ثم إن أصحابه استنقذوه " وقال " خالد بن سعد
بن نفيل أروني قاتل أخي فاروه إياه فحمل عليه فقنعه بالسيف فاعتنقه
الاخر فخر إلى الأرض فحمل أهل الشام فخلصوه بكثرتهم وقتلوا
خالدا " وبقيت الراية ليس عندها أحد فنادوا عبد الله بن وال فإذا هو
يحارب في جانب آخر في عصابة معه فحمل رفاعة بن شداد فكشف
أهل الشام عنه فاتى واخذ الراية وقاتل مليا حتى قطعت يده اليسرى
ثم استند إلى أصحابه ويده تشخب ثم كر عليهم وهو يقول
نفسي فداكم اذكروا الميثاقا * وصابروهم واحذروا النفاقا
25

لا كوفة نبغي ولا عراقا * لابل نريد الموت والعناقا
وفي رواية ثم قال لأصحابه من أراد الحياة التي ليس بعدها
موت والراحة التي ليس بعدها نصب والسرور الذي ليس بعده
حزن فليتقرب إلى الله يقتال هؤلاء الرواح إلى الجنة وذلك عند
العصر فحمل هو وأصحابه فقتلوا رجالا وكشفوهم ثم إن أهل الشام
تعطفوا عليهم من كل جانب حتى ردوهم إلى المكان الذي كانوا فيه
وكان مكانهم لا يؤتي الا من وجه واحد فلما كان المساء تولى قتالهم
أدهم بن محرز الباهلي فحمل عليهم في خيله ورجله فوصل إلى ابن
وال وهو يتلو ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء
عند ربهم يرزقون فغاظ ذلك أدهم فحمل على ابن وال فضرب يده
فأبانها ثم تنحى وقال إني أظنك تتمنى أن تكون عند أهلك قال ابن
وال بئسما ظننت والله ما أحب ان يدك كانت قد قطعت مكان يدي الا
ان يكون لي من الاجر مثل ما في قطع يدي ليعظم وزرك ويعظم
أجري فغاظه ذلك أيضا فحمل عليه وطعنه فقتله وهو مقبل ما يزول
" وكان " ابن وال من الفقهاء العباد " فلما " قتل عبد الله بن وال اتوا إلى
رفاعة بن سداد وطلبوا منه ان يأخذ الراية فأشار عليهم بالرجوع
لما رأي انه لا طاقة لهم باهل الشام وقال لعل الله يجمعنا ليوم هو شر
لهم فقال له عبد الله بن عوف بن احمر ليس هذا برأي لئن انصرفنا
26

ليتبعوننا فلا نسير فرسخا حتى نقتل عن آخرنا وان نجا منا أحد
اخذته العرب يتقربون به إليهم فيقتل صبرا ولكن هذه الشمس قد
قاربت الغروب فنقاتلهم على خيلنا فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا أول
الليل وسرنا حتى نصبح ونسير على مهل ويحمل الرجل صاحبه وجريحه
ونعرف الجهة التي نتوجه إليها فقال رفاعة نعم ما رأيت واخذ الراية
وقاتلهم قتالا شديدا وجعل يرتجز ويقول
يا رب اني تائب إليكا * قد اتكلت سيدي عليكا
قدما أرجي الخير من يديكا * فاجعل ثوابي أملي لديكا
ورام أهل الشام استئصالهم قبل الليل فلم يقدروا لشدة قتالهم
وقوة بأسهم (وتقدم) عبد الله بن عزيز الكناني فقاتل أهل الشام
ومعه ولده محمد وهو صغير فنادي بني كنانة من أهل الشام وسلم
ولده إليهم ليوصلوه إلى الكوفة فعرضوا عليه الأمان فأبى واخذ ابنه
يبكي في اثر أبيه وبكى الشاميون رقة له ولابنه فقال يا بني لو كان
شئ آثر عندي من طاعة ربي لكنت أنت ثم اعتزل ذلك الجانب
وقاتل حتى قتل " ولما " علم كريب بن زيد الحميري ما عزم عليه رفاعة
من الرجوع جمع إليه رجالا من حمير وهمدان وقال عباد الله روحوا
إلى ربكم والله ما في شئ من الدنيا خلف من رضا الله وقد بلغني
ان طائفة منكم يريدون الرجوع فاما انا فوالله لا اولي هذا
27

العدو ظهري حتى أرد مورد إخواني فأجابوه وقالوا رأينا مثل رأيك
فتقدم عند المساء في مائة من أصحابه فقاتلهم أشد القتال فعرض ابن
ذي الكلاع الحميري عليه وعلى أصحابه الأمان فقال قد كنا آمنين
في الدنيا وإنما خرجنا نطلب أمان الآخرة فقاتلوهم حتى قتلوا (وتقدم)
صخر (صحير خ ل) ابن حذيفة بن هلال المزني في ثلاثين من مزينة
فقال لهم لا تهابوا الموت في الله فإنه لاقيكم ولا ترجعوا إلى الدنيا
التي خرجتم منها إلى الله فإنها لا تبقى لكم ولا تزهدوا فيما رغبتم
فيه من ثواب الله فان ما عند الله خير لكم ثم مضوا فقاتلوا حتى قتلوا
(فلما) أمسوا رجع أهل الشام إلى معسكرهم (ونظر) رفاعة إلى كل
رجل قد عقربه فرسه أو جرح فدفعه إلى قومه ثم سار بالناس ليلته
كلها وجعل لا يمر بجسر الا قطعه خوفا ان يلحقهم الطلب وجعل
وراءهم أبا الجويرية العبدي في سبعين فارسا فإذا مروا برجل قد سقط
حمله أعانوه أو وجدوا متاعا قد سقط قبضوه حتى يوصلوه إلى صاحبه
(وأصبح) الحصين وأصحابه فلم يجدوهم فتركهم الحصين ولم يبعث
أحدا في اثرهم فلما ساروا وأصبحوا إذا عبد الله بن غزية في نحو من
عشرين رجلا قد أرادوا الرجوع إلى العدو مستقتلين فجاء رفاعة وأصحابه
وناشدوهم الله ان يفعلوا فلم يزالوا يناشدوهم حتى ردوهم الا رجل
من مزينة يسمى عبيدة بن سفيان فإنه انسل من بين الناس ورجع
28

بدون ان يعلم به أحد حتى لقي أهل الشام فشد عليهم بسيفه يضاربهم
حتى عقر فرسه فجعل يقاتل راجلا وهو يقول
اني من الله إلى الله أفر * رضوانك اللهم ابدي واسر
فقيل له من أنت قال من بني آدم لا أحب ان أعرفكم ولا ان
تعرفوني يا مخربي البيت الحرام فبرز إليه سليمان بن عمرو الأزدي وكان
من أشجع الناس وحمل كل منهما على صاحبه وكلاهما أثخن صاحبه
واصابه وشد الناس عليه من كل جانب فقتلوه (قال الراوي) فوالله
ما رأيت أحدا قط هو أشد منه " وساروا " حتى اتوا قرقيسيا فعرض
عليهم زفر الإقامة فأقاموا ثلاثة أيام فأضافهم وأرسل إليهم الأطباء
ثم زودهم وساروا إلى الكوفة " ثم " اقبل سعد بن حذيفة بن اليمان
في أهل المدائن حتى بلغ هيت فاتاه الخبر فيها فرجع فلقى المثنى بن
مخزمة العبدي في أهل البصرة بصندوداء (1) فأخبره الخبر فأقاموا
حتى اتاهم رفاعة فاستقبلوه وبكى بعضهم إلى بعض وأقاموا يوما
وليلة ثم تفرقوا فسار كل طائفة منهم إلى بلدهم " وقطع " أصحاب
ابن زياد رأس المسيب بن نجبة وسليمان بن صرد فبعث بهما ابن زياد
إلى مروان بن الحكم أو إلى ولده عبد الملك في الشام وقال
أعشى همدان يذكر الوقعة ويرثي من قتل من التوابين من

(1) قال في القاموس صندوداء موضع بالشام.
29

قصيدة انتخبنا منها هذه الأبيات
ألم خيال منك يا أم غالب * فحييت عنا من حبيب مجانب
فما أنسي لا انس انتقالك في الضحى * إلينا مع البيض الحسان (1) الخراعب
تراءت لنا هيفاء مهضومة الحشا * لطيفة طي الكشح ريا الحقائب
فتلك الهوى وهي الجوى لي والمنى * فاحبب بها من خلة لم تصاقب
ولا يبعد الله الشباب وذكره * وحب تصافي المعصرات الكواعب
فأني وان لم أنسهن لذاكر * رزيئة مخبات كريم المناصب
توسل بالتقوى إلى الله صادقا * وتقوى الآلة خير تكساب كاسب
وخلى عن الدنيا فلم يلتبس بها * وتاب إلى الله الرفيع المراتب
تخلى عن الدنيا وقال اطرحتها * فلست إليها ما حييت بآيب
وما انا فيما يكره (2) الناس فقده * ويسعى له الساعون فيها براغب
توجه من دون الثوية سائرا * إلى ابن زياد في الجموع الكتائب (3)
بقوم هم أهل النقيبة والنهى * مصاليت انجاد سراة مناجب
مضوا تاركي رأي ابن طلحة حسبة * ولم يستجيبوا للأمير المخاطب
فساروا وهم ما (4) بين ملتمس التقى * وآخر مما جر بالأمس تائب
فلاقوا بعين الوردة الجيش فاصلا * إليهم (5) فحيوهم (6) ببيض قواضب

(1) الوسام خ ل.
(2) يكبر خ ل.
(3) الكباكب خ ل.
(4) من خ ل.
(5) عليهم خ ل.
(6) فحسوهم خ ل.
30

يمانية تذري الأكف وتارة * نجيل؟ عتاق مقربات سلاهب
فجاءهم جمع من الشام بعده * جموع كموج البحر من كل جانب
فما برحوا حتى أبيدت سراتهم (1) * فلم ينج منهم ثم غير عصائب
وغودر أهل الصبر صرعي فأصبحوا * تعاورهم ريح الصبا والجنائب
وأضحى الخزاعي الرئيس (2) مجدلا * كأن لم يقاتل مرة ويحارب
ورأس بني شمخ (3) وفارس قومه * شنوأة (4) والتيمي (5) هادي الكتائب
(وعمرو بن بشر و الوليد (6) وخالد (7) * وزيد بن بكر والحليس بن غالب خ ل)
وضارب من همدان كل مشيع * إذا شد لم ينكل كريم المكاسب
ومن كل قوم قد أصيب زعيمهم * وذو حسب في ذروة المجد ثاقب
أبوا غير ضرب يفلق الهمام وقعه * وطعن بأطراف الا سنة صائب
فيا خير جيش للعراق وأهله * سقيتم روايا كل أسحم ساكب
فلا تبعدن فرساننا وحماتنا * إذا البيض أبدت عن خدام الكواعب
فان تقتلوا فالقتل أكرم ميتة * وكل فتى يوما لا حدى النوائب (8)
.

(1) جموعهم خ ل.
(2) هو سليمان بن صرد رحمه الله تعالى " منه ".
(3) هو المسيب بن نجبة بالنون والجيم والباء الموحدة المفتوحات الفزاري " منه ".
(4) هو عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي أزد شنوأة " منه ".
(5) هو عبد الله بن وال بن تيم اللات بن ثعلبة " منه ".
(6) هو الوليد بن عصير الكناني " منه ".
(7) هو خالد بن سعد بن نفيل أخو عبد الله " منه ".
(8) الشواعب خ ل
31

(ذكر المختار بن أبي عبيدة الثقفي وطلبه بثار الحسين عليه السلام)
لما بعث الحسين (ع) مسلم بن عقيل إلى الكوفة نزل دار المختار
فبايعه المختار في جملة من بايعه من أهل الكوفة وناصحه ودعا الناس
إليه فلما خرج مسلم كان المختار في قرية له خارج الكوفة لان
خروج مسلم كان قبل ميعاده بسبب ضرب ابن زياد لهاني وحبسه فجاء
الخبر إلى المختار عند الظهر بخروج مسلم فاقبل المختار في مواليه
حتى دخل الكوفة واتى إلى باب الفيل وهو من أبواب المسجد بعد
المغرب وكان ابن زياد قد عقد لعمرو بن حريث راية وأمره على
الناس واقعده في المسجد فمر بالمختار رجل من أصحاب ابن زياد يسمى
هانئ بن أبي حية الوداعي فقال للمختار ما وقوفك ههنا لا أنت مع
الناس ولا أنت في بيتك فقال له المختار أصبح رأي مرتجا لعظم
خطيئتكم فدخل هاني على عمرو بن حريث وأخبره بذلك فأرسل
عمرو إلى المختار رجلا يأمره ان لا يجعل على نفسه سبيلا فقال زائدة
بن قدامة بن مسعود لعمرو يأتيك المختار على أنه آمن قال عمرو أما مني
فهو آمن وان بلغ الأمير عبيد الله عنه شئ شهدت عنده ببرائته وشفعت
له أحسن الشفاعة فجاء المختار إلى ابن حريث وجلس تحت رايته حتى أصبح
. وجاء عمارة بن عقبة بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط فأخبر ابن زياد
بأمر المختار فلما اذن ابن زياد للناس دخل عليه المختار في جملة من
32

دخل فقال له ابن زياد أنت المقبل في الجموع لتنصر ابن عقيل فقال
لم افعل ولكني أقبلت وقعدت تحت راية عمرو بن حريث
إلى الصباح وشهد له عمرو بن حريث بذلك فضربه ابن
زياد بالقضيب على وجهه حتى أصاب عينه فشترها (1) وقال
والله لولا شهادة عمرو لك لضربت عنقك وأمر به إلى السجن
وحبس معه ميثم التمار صاحب أمير المؤمنين عليه لاسلام فقال ميثم
للمختار انك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين (ع) فتقتل هذا الذي
يقتلنا وتطأ بقدميك على وجنته وكان ميثم اخذ ذلك من أمير المؤمنين
عليه السلام (فلم) يزل المختار محبوسا حتى قتل الحسين " ع " فأرسل
المختار رسولا إلى عبد الله بن عمر يطلب منه ان يكتب إلى يزيد
ليكتب إلى ابن زياد باطلاق المختار فلما جاء الرسول إلى عبد الله بن
عمرو وعلمت زوجته صفية بحبس أخيها بكت وجزعت فرق لها عبد الله
وكتب إلى يزيد يطلب منه ان يكتب إلى ابن زياد باطلاقه فكتب
يزيد إلى ابن زياد (اما بعد) فخل سبيل المختار ابن أبي عبيد حين
تنظر في كتابي فدعا ابن زياد بالمختار فأخرجه ثم قال له قد أجلتك
ثلاثا فان أدركتك بالكوفة بعدها فقد برئت منك الذمة فلما
كان اليوم الثالث خرج المختار إلى الحجاز فلقيه ابن العرق مولى

(1) الشتر انقلاب جفن العين (منه).
33

ثقيف وراء واقصة فسلم عليه وسأله عن عينه فقال خبطها ابن الزانية
بالقضيب فصارت كما ترى ثم قال قتلني الله ان لم أقاطع أنامله وأعضاءه
أربا أربا ثم قال له إذا سمعت بمكان قد ظهرت به في عصابة من
المسلمين اطلب بدم الشهيد المظلوم المقتول بالطف سيد المسلمين
وابن سيدها وابن بنت سيد المرسلين الحسين بن علي فوربك
لأقتلن بقتله عدة القتلى التي قتلت على دم يحيى بن زكريا عليهما السلام
فجعل ابن العرق يتعجب من قوله ثم سار المختار حتى وصل إلى مكة
وابن الزبير يدعو إلى نفسه سرا فكتم امره عن المختار ففارقه المختار
وغاب عنه سنة فسأل عنه ابن الزبير فقيل له انه بالطائف ثم حضر المختار
وبايع ابن الزبير على شروط شرطها وأقام عنده وحارب معه
أهل الشام وقاتل قتالا شديدا وكان أشد الناس على أهل الشام
" فلما " هلك يزيد وأطاع أهل العراق ابن الزبير أقام المختار عنده
خمسة أشهر وأياما فقدم هاني بن أبي حية الوداعي إلى مكة يريد العمرة
في رمضان فسأله المختار عن أهل الكوفة فأخبره انهم على طاعة ابن
الزبير الا أن طائفة من الناس هو عدد أهلها لو كان لهم من يجمعهم
على رأيهم اكل بهم الأرض فقال المختار انا أبو إسحاق انا والله لهم
ان اجمعهم على الحق والقى بهم ركبان الباطل وأهلك بهم كل جبار عنيد
ثم ركب راحلته واقبل نحو الكوفة حتى وصل إلى نهر الحيرة يوم
34

الجمعة فاغتسل وادهن ولبس ثيابه واعتم وتقلد سيفه وركب راحلته
ودخل الكوفة وجعل لا يمر على مجلس الأسلم على أهله وقال أبشروا
بالنصرة والفلج اتاكم ما تحبون ولقيه عبيدة بن عمرو البدائي الكندي
وكان من أشجع الناس وأشعرهم وأشدهم تشيعا وحبا لعلي عليه السلام
فقال له ابشر بالنصر والفلج " وكان " سليمان بن صرد وأصحابه في
ذلك الوقت يستعدون للطلب بثار الحسين عليه السلام فلما خرج
سليمان وأصحابه نحو الشام على ما قدمنا ذلك قال عمر بن سعد وشبث
ابن ربعي ويزيد بن الحارث بن رويم وهم من قتلة الحسين عليه السلام
لعبد الله بن يزيد الخطمي وهو والي الكوفة من قبل ابن الزبير
وإبراهيم بن محمد بن طلحة وهو أمير الخراج ان المختار الشد عليكم
من سليمان بن صرد ان سليمان إنما خرج يقاتل عدوكم وان المختار
يريد ان يثب عليكم في مصركم فأوثقوه واسجنوه فأتوا وأخذوه
بغتة وأراد إبراهيم ان يقيده ويمشيه حافيا فلم يقبل عبد الله
واتي ببغلة دهماء فحمل عليها وقيل بل قيدوه " وكان " يقول وهو في
السجن اما ورب البحار والنخيل والأشجار والمهامه والقفار
والملائكة الأبرار والمصطفين الأخيار لأقتلن كل جبار بكل لدن
خطار ومهند بتار بجموع؟ الأنصار ليسوا بميل أغمار ولا بعزل أشرار
حتى إذا أقمت عمود الدين ورابت شعب صدع المسلمين وشفيت
35

غليل صدور المؤمنين وأدركت ثار النبيين لم يكبر علي زوال الدنيا
ولم أحفل بالموت إذا اتى " ولما " قدم أصحاب سليمان بن صرد إلى
الكوفة كتب إليهم المختار من الحبس " اما بعد " فان الله أعظم لكم
الاجر وحط عنكم الوزر بمفارقة القاسطين وجهاد المحلين انكم لم
تنفقوا نفقة ولم تقطعوا عقبة ولم تخطوا خطوة الا رفع الله لكم بها
درجة وكتب لكم حسنة فأبشروا فاني لو خرجت إليكم جردت
فيما بين المشرق والمغرب من عدوكم السيف بإذن الله فجعلتهم ركاما
وقتلتهم فذا وتوأما فرحب الله لمن قارب واهتدى ولا يبعد الله الا
من عصى وأبى والسلام يا أهل الهدى وأرسل إليهم الكتاب مع رجل يقال
له سيحان قد ادخله في قلنسوته بين الظهارة والبطانة فلما جاء الكتاب
ووقف عليه جماعة من رؤساء القبائل أعادوا إليه الجواب مع عبد
الله بن كامل وقالوا قل له قد قرأنا كتابك ونحن حيث يشرك فأن
شئت ان تأتيك حت نخرجك من الحبس فعلنا فاتاه فأخبره فسر لذلك
وأرسل إليهم لا تفعلوا هذا فاني اخرج في أيامي هذه وكان المختار
قد بعث غلاما له إلى عبد الله بن عمر زوج أخته وكتب إليه " اما بعد "
فاني قد حبست مظلوما وظن بي الولاة ظنونا كاذبة فاكتب في يرحمك
الله إلى هذين الظالمين يعني والى الكوفة وأمير خراجها كتابا لطيفا
عسى الله ان يخلصني من أيديهما بلطفك وبركتك ويمنك والسلام
36

فكتب إليهما عبد الله بن عمر " اما بعد " فقد علمتا الذي بيني وبين المختار
من الصهر والذي بيني وبينكما من الود فأقسمت عليكما بحق
ما بيني وبينكما لما خليتما سبيله حين تنظران في كتابي هذا والسلام
عليكما ورحمة الله وبركاته " فلما " اتاهما كتاب ابن عمر طلبا من المختار
كفلاء فاتي أناس كثير من اشراف الكوفة ليكفلوه فاختار عبد الله
بن يزيد منهم عشرة من الاشراف فضمنوه فدعا به عبد الله بن يزيد
وإبراهيم بن محمد بن طلحة وحلفاه ان لا يخرج عليهما فان خرج فعليه
الف بدنة ينحرها لدى رتاج الكعبة ومماليكه كلهم أحرار فحلف
لهما بذلك وخرج إلى داره " وكان " يقول بعد ذلك قاتلهم الله ما أحمقهم
حين يرون اني أفي لهم بايمانهم هذه اما حلفي بالله فاني إذا حلفت على
يمين فرأيت خيرا منها أكفر عن يميني وخروجي عليهم خير من كفي
عنهم واما هدى الف بدنة فهو أهون علي من بصقة واما عتق
مماليكي فوالله لوددت انه تم لي أمري ثم لم أملك مملوكا ابدا
" ولما " استقر المختار في داره اخذت الشيعة تختلف إليه واتفقوا على الرضا
به وكان أكثر من استجاب له همدان وقوم كثير من أبناء العجم الذين
كانوا بالكوفة وكانوا يسمون الحمراء الحمرة وجوههم وكان منهم بالكوفة
زهاء عشرين الف رجل " وكان " قد بويع للمختار وهو في السجن
ولم يزل أصحابه يكثرون وأمره يقوى حتى عزل ابن الزبير عبد الله
37

ابن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة وبعث عبد الله بن مطيع واليا
على الكوفة " فلما " قدمها جاءه اياس بن مضارب وقال له لست آمن
المختار ان يخرج عليك وقد بلغني ان امره قد تم فابعث إليه فاحبسه
فبعث إليه ابن مطيع زائدة بن قدامة وحسين بن عبد الله بن همدان
فقالا له أجب الأمير فدعا بثيابه وامر باسراج دابته وهم بالذهاب
معهما فلما رأى ذلك زائدة قرأ قوله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا
ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
ففهمها المختار فجلس ثم نزع ثيابه وقال ألقوا علي القطيفة ما أراني
الا قد وعكت أني لأجد قفقفة شديدة وتمثل بقول الشاعر
إذا ما معشر تركوا نداهم * ولم يأتوا الكريهة لم يهابوا
وقال للرسولين ارجعا إلى ابن مطيع فأخبراه بحالتي فرجعا فإذا
أصحابه على بابه وفي داره منهم جماعة كثيرة. وقال حسين الزائدة
اني قد فهمت قولك حين قرأت الآية فأنكر زائدة ان يكون
أراد شيئا فقال له حسين لا تحلف فما كنت لأبلغ عنك ولا عنه شيئا
تكرهانه فاقبلا إلى ابن مطيع فأخبراه بعلته فصدقهما وتركه وقيل إن
ابن مطيع بعث إلى المختار ما هذه الجماعات التي تغدو وتروح
إليك فقال المختار مريض يعاد. " وبعث " المختار إلى أصحابه فاخذ
يجمعهم في الدور حوله وأراد ان يثب بالكوفة في المحرم " فجاء " رجل
38

من شبام حي من همدان اسمه عبد الرحمن بن شريح وكان شريفا
فاجتمع مع أربعة من الشيعة وقال لهم ان المختار يريد ان يخرج بنا
ولا ندري أرسله ابن الحنفية أم لا فاتفق رأيهم على أن يأتوا ابن
الحنفية فان أمرهم باتباع المختار اتبعوه وان نهاهم عنه اجتنبوه
فأتوا المدينة وأخبروا ابن الحنفية بذلك فقال لهم والله لوددت أن
الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه فخرجوا من عنده وهم
يقولون قد اذن لنا ولو كره لقال لا تفعلوا " قال " ابن نما رحمه الله
تعالى وقد رويت عن والدي ان ابن الحنفية قال لهم قوموا بنا إلى
امامي وامامكم علي بن الحسين عليهما السلام فلما دخلوا عليه وأخبره
الخبر قال يا عم لو أن عبدا زنجيا تعصب لنا أهل البيت لوجب على
الناس موازرته وقد وليتك هذا الامر فاصنع ما شئت فخرجوا وهم
يقولون اذن لنا زين العابدين ومحمد بن الحنفية اه‍ " وروى " المسعودي
في مروج الذهب ان المختار كتب إلى علي بن الحسين السجاد عليه
السلام يربده على أن يبايع له ويقول بإمامته ويظهر دعوته وانفذ
إليه مالا كثيرا فأبي علي " ع " ان يقبل ذلك منه أو يجيبه عن كتابه
وسبه على رؤوس الاشهاد فلما يئس المختار من علي بن الحسين كتب
إلى محمد به الحنفية بمثل ذلك فأشار عليه علي بن الحسين ان لا يجيبه
إلى شئ من ذلك وان يتبرأ منه كما فعل هو فاستشار ابن عباس
39

فقال لا تفعل لأنك لا تدري ما أنت عليه من ابن الزبير فسكت عن
المختار اه‍ (ويمكن) الجمع بان يكون سب زين العابدين (ع) له جهارا
للتبري مما نسبه إليه من ادعاء الإمامة خوفا من بني أمية لما علمه عن
آبائه عن النبي (ص) من أنهم لابد ان يستولوا على الملك وإن كان
راضيا بطلبه بدم الحسين (ع) وبقتله لمن شرك في دمه ودماء أصحابه
" وكان " المختار علم بخروج من خرج إلى المدينة فشق ذلك عليه
خوفا من أن لا يجيبهم ابن الحنفية بما يحب فيتفرق عنه الناس فكان يريد
النهوض بأصحابه قبل قدومهم من المدينة فلم يتيسر له ذلك فلم يكن
الا شهرا وزيادة حتى قدموا الكوفة فدخلوا على المختار قبل دخولهم
إلى بيوتهم فقال لهم ما وراءكم فد فتنتم وارتبتم فقالوا له انا قد أمرنا
بنصرك فقال الله أكبر انا أبو إسحاق اجمعوا لي الشيعة فجمع منهم
من كان قريبا إليه فقال لهم ان نفرا قد أحبوا ان يعلموا مصداق
ما جئت به فرحلوا إلى امام الهدى والنجيب المرتضى ابن خير من مشي
حاشا النبي المجتبي فأعلمهم اني وزيره وظهيره ورسوله وأمركم باتباعي
وطاعتي فيما دعوتكم إليه من قتال المحلين والطلب بدماء أهل
بيت نبيكم المصطفين فقام عبد الرحمن بن شريح وأخبرهم ان ابن
الحنفية أمرهم بمظاهرته وموازرته وقال فليبلغ الشاهد الغائب
واستعدوا وتأهبوا وقام أصحابه فتكلموا بنحو من كلامه وكان
40

أول من أجاب المختار إلى ذلك عامر الشعبي وأبوه شراحيل " وقال "
جماعة للمختار ان اشراف أهل الكوفة مجتمعون على قتالك مع ابن
مطيع فان أجابنا إلى أمرنا إبراهيم بن مالك الأشتر رجونا القوة
على عدونا فإنه فتى رئيس وابن رجل شريف له عشيرة ذات عز وعدد
فقال لهم المختار فالقوه فادعوه واعلموه الذي أمرنا به من الطلب بدم
الحسين (ع) وأهل بيته فخرجوا إليه ومعهم الشعبي فاتوه واعلموه
عزمهم على الطلب بدماء أهل البيت (ع) وسألوه مساعدتهم على ذلك
وذكروا له ما كان أبوه عليه من ولاء علي (ع) وأهل بيته فقال لهم
اني قد أجبتكم إلى الطلب بدم الحسين (ع) وأهل بيته على أن تولوني
الامر فقالوا له أنت أهل لذلك ولكن ليس إلى ذلك سبيل هذا
المختار قد جاءنا من قبل امام الهدى ومن نائبه محمد بن الحنفية وهو
المأمور بالقتال وقد أمرنا بطاعته فسكت إبراهيم ولم يجبهم فانصرفوا
عنه وأخبروا المختار فمكث المختار ثلاثا ثم دعا جماعة من أصحابه
فدخلوا عليه وبيده صحيفة مختومة بالرصاص فدفعها إلى الشعبي وقال
لأصحابه انطلقوا بنا إلى إبراهيم بن الأشتر فسار في بضعة عشر رجلا
من وجوه أصحابه وفيهم الشعبي وأبوه فدخلوا على إبراهيم فالقي
لهم الوسائد فجلسوا عليها وجلس المختار معه على فراشه فقال له
المختار ان الله أكرمك وأكرم أباك من قبلك بموالاة بني هاشم
41

ونصرتهم ومعرفة فضلهم وما أوجب الله من حقهم وهذا كتاب محمد
بن علي أمير المؤمنين وهو خير أهل الأرض اليوم وابن خير أهل
الأرض كلها قبل اليوم بعد أنبياء الله ورسوله يأمرك ان تنصرنا
وتوازرنا فان فعلت اغتبطت وان امتنعت فهذا الكتاب حجة عليك
وسيغني الله محمدا وأهل بيته عنك ثم قال للشعبي ادفع الكتاب إليه
فدفعه إليه الشعبي فدعا بالمصباح وفض خاتمه وقرأه فإذا فيه بسم الله
الرحمن الرحيم من محمد المهدي إلى إبراهيم بن مالك الأشتر سلام
عليك فاني احمد إليك الله الذي لا إله إلا هو اما بعد فاني قد بعثت
إليكم وزيري وأميني الذي ارتضيته لنفسي وقد امرته بقتال عدوي
والطلب بدماء أهل بيتي فانهض معه بنفسك وعشيرتك ومن أطاعك
فإنك ان نصرتني وأجبت دعوتي كانت لك بذلك عندي فضيلة ولك
أعنة الخيل وكل جيش غاز وكل مصر ومنبر وثغر ظهرت عليه فيما
بين الكوفة وأقصى بلاد الشام فلما فرغ إبراهيم من قراءة الكتاب
قال قد كتب إلي ابن الحنفية قبل اليوم وكتبت إليه فلم يكتب إلي الا
باسمه واسم أبيه قال المختار ذلك زمان وهذا زمان قال إبراهيم فمن
يعلم أن هذا الكتاب فشهد جماعة ممن معه بذلك منهم يزيد بن انس
واحمر بن شميط وعبد الله بن كامل وسكت الشعبي وأبوه فتأخر
إبراهيم عند ذلك عن صدر الفراش واجلس المختار عليه وبايعه إبراهيم
42

فقال المختار أتأتينا أو نأتيك في أمرنا فقال إبراهيم بل انا آتيك كل
يوم ودعا بفاكهة وشراب من عسل فأكلوا وشربوا وخرجوا
فخرج معهم ابن الأشتر وركب مع المختار ثم رجع إبراهيم ومعه
الشعبي إلى دار إبراهيم فقال له يا شعبي اني قد رأيتك لم تشهد أنت ولا
أبوك افتري هؤلاء شهدوا على حق قال له الشعبي قد شهدوا على
ما رأيت وهم سادة القراء ومشيخة الصر وفرسان العرب ولا أرى مثل
هؤلاء يقولون الا حقا قال الشعبي قلت له هذه المقالة وانا والله
لهم على شهادتهم متهم غير أنه يعجبني الخروج وانا أرى رأي القوم
وأحب تمام ذلك الامر فلم اطلعه على ما في نفسي ثم كتب إبراهيم
أسماءهم وتركها عنده " وكان " إبراهيم رحمه الله تعالى ظاهر الشجاعة
وارى زناد الشهامة نافذ حد الصرامة مشمرا في محبة أهل البيت عن
ساقيه متلقيا غاية النصح لهم بكلتا يديه فجمع عشيرته وإخوانه ومن
اطاعه واقبل يختلف إلى المختار كل عشية عند المساء في نفز من
مواليه وخدمه يدبرون أمورهم فيبقون عامة الليل " وكان " حميد
بن مسلم الأسدي صديقا لإبراهيم بن الأشتر فكان يذهب به معه
إلى المختار واجتمع رأيهم على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة
بقيت من ربيع الأول وقيل الاخر سنة ست وستين فلما كانت ليلة
الثلاثاء وقيل الأربعاء عند المغرب قام إبراهيم فاذن وصلى المغرب
43

بأصحابه ثم خرج يريد المختار وعليه وعلى أصحابه السلاح وكان أياس
ابن مضارب صاحب شرطة عبد الله بن مطيع أمير الكوفة فاتاه فقال
له ان المختار خارج عليك في أحدي هاتين الليلتين فخذ حذرك منه
ثم خرج اياس فبعث ابنه راشدا إلى الكناسة واقبل يسير حول السوق
في الشرط ثم دخل على ابن مطيع فقال له اني قد بعثت ابني إلى الكناسة
فلو بعثت في كل جبانة عظيمة بالكوفة رجلا من أصحابك في
جماعة من أهل الطاعة لهاب المختار وأصحابه الخروج عليك فبعث
ابن مطيع إلى الجبانات من شحنها بالرجال وأوصى كلا منهم ان يحفظ
الجهة التي هو فيها. وبعث شبث بن ربعي إلى السبخة وقال إذا سمعت
صوت القوم فوجه نحوهم وكان ذلك يوم الاثنين. وخرج إبراهيم
ابن الأشتر يريد المختار ليلة الثلاثاء وقد بلغه ان الجبانات قد ملئت
رجالا وان اياس بن مضارب في الشرط قد أحاطوا بالسوق والقصر
فاخذ معه من أصحابه نحوا من مائة رجلا عليهم الدروع وقد لبسوا
عليها الأقبية وتقلدوا بالسيوف وقال له أصحابه تجنب الطريق فقال
والله لأمرن وسط السوق بجنب القصر ولأرعبن به عدونا ولأرينهم
هوانهم علينا فسار على باب الفيل ثم على دار عمرو بن حريث فلقيهم
إياس بن مضارب في الشرط مظهرين السلاح فقال لهم من أنتم فقال
له إبراهيم انا إبراهيم بن الأشتر فقال اياس ما هذا الجمع الذي معك
44

وما تريد والله ان امرك لمريب وقد بلغني انك تمر كل عشية من
هاهنا وما انا بتاركك حتى آتي بك الأمير فيرى فيك رأيه فقال
إبراهيم خل سبيلنا فقال لا أفعل " وكان " مع أياس ابن مضارب رجل من
همدان يقال له أبو قطن وكان يصحب امراء الشرطة فهم يكرمونه
وكان صديقا لابن الأشتر ومن عشيرته فقال له ابن الأشتر ادن
مني يا أبا قطن فظن أنه يريد ان يطلب منه ان يشفع له عند اياس
فدنا منه وكان معه أبي قطن رمح طويل فتناوله منه ابن الأشتر وهو
يقول إن رمحك هذا لطويل وحمل به على اياس فطعنه في ثغره نحره
فصرعه وامر رجلا من قومه فاحتز رأسه وانهزم أصحاب اياس
ورجعوا إلى ابن مطيع فاخبروه فبعث راشدا بن اياس مكان أبيه
على الشرط وبعث مكان راشد سويدا المنقري إلى الكناسة " واقبل "
ابن الأشتر إلى المختار وقال له انا اتعدنا الخروج في الليلة القابلة وقد
عرض أمر لابد معه من الخروج الليلة قال ما هو قال عرض لي
اياس في الطريق فقتلته وهذا رأسه مع أصحابي على الباب فاستبشر
المختار بذلك وتفأل بالنصر والظفر وقال هذا أول الفتح إن شاء الله
تعالى ثم قال قم يا سعيد بن منقذ واشعل النار في القصب ثم ارفعها
للمسلمين وامر مناديه ان ينادي يا لثارات الحسين ثم دعا بدرعه
وسلاحه فلبسه وهو يقول
45

قد علمت بيضاء حسنا الطلل * واضحة الخدين عجزا الكفل
اني غداة الروع مقدام بطل * لا عاجزا فيها ولا وغد فشل
ثم قال له إبراهيم ان هؤلاء الذين في الجبابين يمنعون أصحابنا
من إتياننا فلو سرت إلى قومي بمن معي فيأتيني كل من بايعني من
قومي وسرت بهم في نواحي الكوفة ودعوت بشعارنا لخرج إلينا
من أراد الخروج فمن اتاك أبقيته عندك فان جاءك عدو كان معك
من تمتنع به فإذا فرغت انا عجلت الرجوع إليك فقال له المختار
افعل وعجل وإياك ان تسير إلى أميرهم تقاتله ولا تقاتل أحدا إذا
أمكنك ان لا تقاتله الا ان يبدأك أحد بقتال. فخرج إبراهيم في
الكتيبة التي جاء بها حتى اتى قومه واجتمع إليه جل من كان اجابه
فسار بهم في سكك الكوفة طويلا من الليل وهو يتجنب المواضع
التي فيها الامراء الذين بعثهم ابن مطيع فلما وصل إلى مسجد السكون
اتاه جماعة من خيل زجر بن قيس ليس عليهم أمير فحمل عليهم إبراهيم
فكشفهم حتى أدخلهم جبانة كندة فقال إبراهيم من صاحب الخيل
في جبانة كندة فقيل له زجر بن قيس فشد إبراهيم وأصحابه عليهم
وهو يقول. اللهم انك تعلم انا غضبنا لأهل بيت نبيك وثرنا لهم
فانصرنا على هؤلاء وتمم لنا دعوتنا حتى انتهى إليهم هو وأصحابه
فكشفوهم وركب بعضهم بعضا كلما لقيهم زقاق دخل منهم طائفة فقال
46

إبراهيم لأصحابه انصرفوا بنا عنهم وسار إبراهيم حتى اتى جبانة
أثير فوقف فيها وتنادى أصحابه بشعارهم فاتاه سويد بن عبد الرحمن
المنقري ورجاء ان يصيبهم فيحظى بذلك عند ابن مطيع فلم يشعر
إبراهيم الا وهم معه فقال إبراهيم لأصحابه يا شرطة الله أنزلوا
فإنكم أولى بالنصر من هؤلاء الفساق الذين خاضوا في دماء أهل
بيت نبيكم فنزلوا ثم حمل عليهم إبراهيم حتى أخرجهم إلى الصحراء
وولوا منهزمين يركب بعضهم بعضا وهم يتلاومون فقال قائل منهم
ان هذا لأمر يراد ما يلقون لنا جماعة الا هزموهم. فلم يزل إبراهيم
يهزمهم حتى أدخلهم الكناسة فقال له أصحابه اتبعهم فاغتنم ما دخلهم
من الرعب فقال ولكن نأتي صاحبنا اي المختار يؤمن الله بنا وحشته
ويعلم ما كان من نصرنا له فيزداد هو وأصحابه قوة ولا آمن ان
يكون جاءه أعداؤه فسار إبراهيم حتى اتى باب المختار فسمع
الأصوات عالية والقوم يقتتلون وكان قد جاء شبث بن ربعي من
قبل السبخة فعبى له المختار يزيد بن انس. وجاء حجار بن أبجر فجعل
المختار في وجهه احمر بن شميط فبينما الانس يقتتلون إذ جاء إبراهيم
من قبل القصر فبلغ حجارا وأصحابه ان إبراهيم قد جاء هم من ورائهم
فتفرقوا في الأزقة قبل ان يأتيهم إبراهيم وجاء رجل من أصحاب
المختار اسمه قيس بن طهفة النهدي في قريب من مائة رجل من بني
47

نهد فحمل على شبث وهو يقاتل يزيد بن انس فخلى لهم شبث الطريق
حتى اجتمعوا جميعا وجاء عبد الله بن الحر الجعفي في قومه لنصرة المختار
. ثم إن شبثا ترك لهم السكة واقبل إلى ابن مطيع فقال له أجمع
الامراء الذين في الجبابين وجميع الناس ثم اخرج إلى هؤلاء
القوم فقاتلهم فان أمرهم قد قوي وقد خرج المختار وظهر وقوي
امره فلما بلغ المختار قوله خرج في جماعة من أصحابه حتى نزل في
ظهر دير هند في السبخة وخرج أبو عثمان النهدي من أصحاب المختار
فنادي في بني شاكر وهم مجتمعون في دورهم يخافون ان يظهروا
لقرب كعب الخثعمي منهم وهو من أصحاب اياس وكان قد اخذ
عليهم أفواه السكك فلما اتاهم أبو عثمان في جماعة من أصحابه نادي
يا لثارات الحسين يا منصور أمت يا أيها الحي المهتدون ان امين آل محمد
ووزيرهم قد خرج فنزل دير هند وبعثني إليكم داعيا ومبشرا
فاخرجوا رحمكم الله فخرجوا ينادون يا لثارات الحسين وقاتلوا
كعبا حتى خلوا لهم الطريق فاقبلوا إلى المختار فنزلوا معه وخرج
عبد الله بن قتادة (قراد خ ل) الخثعمي في نحو من مأتين فنزلوا مع
المختار وكان قد تعرض لهم كب فلما عرف انهم من قومه خلى عنهم
وخرجت شبام وهم حي من همدان من آخر ليلتهم فبلغ خبرهم
عبد الرحمن بن سعيد الهمداني فأرسل إليهم ان كنتم تريدون المختار
48

فلا تمروا من ناحيتنا فلحقوا بالمختار حتى اجتمع عنده ثلاثة آلاف
وثمانمائة قبل الفجر وكان قد بايعه اثنا عشر ألفا وكان ممن خرج معه
حميد بن مسلم. فأصبح المختار وقد فرغ من تعبئة جيشه فصلى
بأصحابه في الغلس (اي الظلمة) وأرسل ابن مطيع إلى من بالجبابين
ان يأتوا المسجد وامر راشدا بن اياس صاحب شرطته فنادي في
الناس برئت الذمة من رجل لم يأت المسجد الليلة فاجتمعوا فبعث
ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو ثلاثة آلاف إلى المختار وبعث
راشدا أيضا في أربعة آلاف من الشرط. هكذا ذكر الطبري وغيره
وزاد ابن نما رحمه الله انه بعث حجار بن أبجر في ثلاثة آلاف وثلاثة
آخرين في ثلاثة آلاف وتتابعت العساكر إلى نحو من عشرين ألفا
فلما صلى المختار الغداة سمعوا أصواتا مرتفعة فقال المختار من يأتينا
بخبر هؤلاء فقال له رجل انا أصلحك الله قال المختار فالق سلاحك
واذهب حتى تدخل فيهم كأنك منفرج وائتنا بخبرهم قال الرجل
فلما دنوت منهم إذا مؤذنهم يقيم وإذا شبث بن ربعي ومعه خيل
عظيمة فصلى بهم فقرأ إذا زلزلت الأرض زلزالها فقلت في نفسي
اما والله اني لأرجو ان يزلزل الله بكم ثم قرأ والعاديات ضبحا
فقال له أناس من أصحابه لو كنت قرأت أطول من هاتين السورتين
شيئا فقال ترون الديلم فد نزلت بساحتكم وأنتم تقولون لو قرأت
49

سورة البقرة وآل عمران مما دل على وقوع الرعب في قلبه فأقبل
الرجل إلى المختار وأخبره بخبر شبث وأصحابه واتاه أيضا سعر
الحنفي يركض وكان ممن بايع المختار فلم يقدر على الخروج معه ليلة
خرج خوفا من الحرس فلما أصبح اقبل على فرسه فاعترضه راشد بن
اياس وأصحابه فركض على فرسه وافلت منهم حتى اتى المختار
فأخبره بخبرهم فبعث المختار إبراهيم بن الأشتر إلى راشد بن اياس
في تسعمائة (سبعمائة خ ل) وقيل في ستمائة فارس وستمائة راجل
وبعث نعيم بن هبيرة أخا مصقلة بن هبيرة إلى شبث بن ربعي في
ثلاثمائة فارس وستمائة راجل وأمرهما بتعجيل القتال وان لا يقفا
مقابلة عدوهما لأنه أكثر منهما وقال لا ترجعا حتى تظهرا أو تقتلا.
فتوجه إبراهيم إلى راشد وتوجه نعيم بن هبيرة إلى شبث وقدم المختار
امامه يزيد بن انس في تسعمائة. فاما نعيم فجعل سعر الحنفي على الخيل
ومشى هو في الرجالة وقاتل شبثا قتالا شديدا حتى أشرقت الشمس
وانبسطت وضربهم أصحاب نعيم حتى ادخلوهم البيوت منهزمين
فناداهم شبث وحرضهم فرجع إليه منهم جماعة فحملوا على أصحاب
نعيم وقد تفرقوا فانهزم أصحاب نعيم وصبر هو فقتل واسر سعر
ومعه رجلان أحدهما مولى فقتله شبث وأطلق الآخرين لأنهما عربيان
فاتيا المختار فاغتم أصحاب المختار لذلك غما شديدا وأخبره أحد
50

الرجلين بما كان من امره فقال له اسكت فليس هذا بمكان الحديث
وجاء شبث حتى أحاط بالمختار ويزيد بن انس وبعث ابن مطيع يزيد
ابن الحارث بن رويم في الفين فوقفوا في أفواه السكك وولى المختار
يزيد بن انس على الخيل وخرج هو في الرجالة فحملت عليهم خيل
شبث حملتين فلم يبرحوا من مكانهم فقال لهم يزيد بن انس يا معشر
الشيعة قد كنتم تقتلون وتقطع أيديكم وأرجلكم وتسمل أعينكم
وترفعون على جذوع النخل في حب أهل بيت نبيكم وأنتم مقيمون
في بيوتكم مطيعون لعدوكم فما ظنكم بهؤلاء القوم ان ظهروا
عليكم اليوم إذا والله لا يدعون منكم عينا تطرف وليقتلنكم
صبرا ولترون منهم في أولادكم وأزواجكم وأموالكم ما الموت
خير منه والله لا ينجيكم منهم الا الصدق والصبر والطعن الصائب
في أعينهم والضرب الدراك على هامهم فتيسروا للشدة وتهيأوا للحملة
فإذا حركت رايتي مرتين فاحملوا فتهيأوا وجثوا على الركب
وانتظروا امره (واما إبراهيم) بن الأشتر فإنه اقبل نحو راشد بن
اياس فإذا معه أربعة آلاف فقال إبراهيم لأصحابه لا يهولنكم كثرة
هؤلاء فوالله لرب رجل خير من عشرة ولرب فئة قليلة قد غلبت
فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين. ثم قال لخزيمة بن نصر سر
إليهم في الخيل واخذ هو يمشي في الرجالة ويقول لصاحب رايته
51

تقدم برايتك امض بها قدما قدما واقتتل الناس قتالا شديدا وحمل
خزيمة بن نصر العبسي على راشد فطعنه فقتله ثم نادي قتلت راشدا
ورب الكعبة وانهزم أصحاب راشد واقبل إبراهيم بن الأشتر وخزيمة
ابن نصر ومن معهما بعد قتل راشدا نحو المختار وأرسل البشير إلى المختار
بقتل راشد فكبر هو وأصحابه وقويت نفوسهم ودخل أصحاب ابن
مطيع الفشل. وأرسل ابن مطيع حسانا العبسي في نحو من الفين ليعترض
إبراهيم بن الأشتر فتقدم إليهم إبراهيم فانهزموا من غير قتال واقبل
إبراهيم نحو المختار وشبث بن ربعي محيط به فلما رآه يزيد بن الحارث
الذي كان على أفواه السكك مقبلا نحو شبث اقبل نحوه ليرده عن
شبث وأصحابه فبعث إبراهيم إليه طائفة من أصحابه مع خزيمة بن
نصر وسار هو نحو شبث فيمن بقي معه فلما اقبل إبراهيم نحو شبث
جعل شبث وأصحابه ينكصون إلى الوراء قليلا قليلا فلما دنا منهم
إبراهيم حمل عليهم أمر يزيد بن انس ان يحمل عليهم ففعل فانهزموا
حتى وصلوا إلى بيوت الكوفة وحمل خزيمة بن نصر على يزيد بن
الحارث فهزمه وأصحابه وازدحموا على أفواه السكك وكان يزيد
ابن الحارث قد وضع الرماة على أفواه السكك فوق البيوت. واقبل
المختار فلما انتهى إلى أفواه السكك رمته الرماة بالنبل فصدوه عن
دخول الكوفة من ذلك الوجه. ورجع الناس منهزمين إلى ابن مطيع
52

وجاءه قتل راشد بن اياس فسقط في يده اي بهت وتحير فقال له عمرو
ابن الحجاج أيها الرجل لا تلق بيدك واخرج إلى الناس واندبهم إلى
عدوك فان الناس كثير وكلهم معك الا هذه الطائفة التي خرجت
والله يخزيها وانا أول منتدب فانتدب معي طائفة ومع غيري طائفة.
فخرج ابن مطيع فقام في الناس ووبخهم على هزيمتهم وأمرهم بالخروج
إلى المختار وأصحابه (واما المختار) فإنه لما منعه الرماة من دخول
الكوفة عدل إلى بيوت مزينة واحمس وبارق وبيوتهم منفردة
فاستقبلوه بالماء فشرب أصحابه ولم يشرب هو لأنه كان صائما فقال
احمر بن شميط لابن كامل أترى الأمير صائما قال نعم قال لو أفطر
كان أقوى له قال هو اعلم بما يصنع قال صدقت استغفر الله. فقال
المختار نعم المكان للقتال هذا فقال له إبراهيم قد هزمهم الله وفلهم
وادخل الرعب في قلوبهم وتنزل ههنا سربنا فوالله ما دون القصر
مانع فترك المختار هناك كل شيخ ضعيف وكل ذي علة وثقلهم
واستخلف عليهم أبا عثمان النهدي وقدم إبراهيم امامه وبعث ابن
مطيع عمرو بن الحجاج في الفين فخرج عليهم فبعث المختار إلى
إبراهيم ان اطوه ولا تقم عليه فطواه إبراهيم وامر المختار يزيد
ابن انس ان يصمد لعمرو بن الحجاج فمضى نحوه سار المختار خلف
إبراهيم ثم وقف المختار في موضع مصلى خالد بن عبد الله وامر
53

إبراهيم ان يمضي على وجهه حتى يدخل الكوفة من جهة الكناسة
فمضى فخرج إليه شمر بن ذي الجوشن في الفين فسرح إليه المختار
سعيد بن منقذ الهمداني فواقعه وأرسل إلى إبراهيم ان اطوه وامض
على وجهك فمضى حتى انتهى إلى سكة شبث فإذا نوفل بن مساحق
في الفين وقيل خمسة آلاف قال الطبري وهو الصحيح وكان ابن مطيع
أمر مناديا فنادي في الناس ان الحقوا بابن مساحق وخرج ابن مطيع
فوقف بالكناسة واستخلف شبث بن ربعي على القصر فدنا ابن الأشتر
من ابن مطيع فامر أصحابه بالنزول فنزلوا فقال قربوا خيولكم
بعضها من بعض ثم امشوا إليهم مصلتين بالسيوف ولا يهولنكم ان
يقال جاء آل فلان وآل فلان وسمى بيوتات أهل الكوفة. ثم قال إن
هؤلاء لو وجدوا حر السيوف لانهزموا عن ابن مطيع انهزام
المعزي من الذئب ففعلوا ذلك واخذ ابن الأشتر أسفل قبائه فادخله
في منطقته وكان قد لبس القباء فوق الدرع ثم قال لأصحابه شدوا
عليهم فدى لكم عمي وخالي فلم يلبثوا ان انهزموا يركب بعضهم بعضا
علي أفواه السكك وازدحموا وانتهى ابن الأشتر إلى ابن مساحق
فاخذ بلجام دابته ورفع السيف ليقتله فسأله ان يعفو عنه فخلى سبيله
وقال اذكرها لي فكان يذكرها له ودخلوا الكناسة في آثارهم حتى
دخلوا السوق والمسجد وحصروا ابن مطيع ومعه الاشراف غير
54

عمرو بن حريث فإنه خرج إلى البر وجاء المختار حتى نزل جانب السوق
وولى إبراهيم بن الأشتر حصار القصر ومعه يزيد بن انس واحمر
بن شميط فحصروا القصر من ثلاث جهات ثلاثة أيام. وأشرف رجل
من أصحاب ابن مطيع عشية على أصحاب المختار فجعل يشتمهم
فرماه رجل منهم بسهم فأصاب حلقه فقطع الجلد فوقع ثم برأ بعد
ذلك. وجعل ابن مطيع يفرق على أصحابه الدقيق وهو محصور واشتد
عليهم الحصار وأقبلت همدان حتى تسلقوا القصر بالحبال فلما رأى ابن
مطيع وأصحابه ذلك أشار عليه شبث ان يأخذ لنفسه أمانا فكره
ذلك فأشار عليه ان يخرج خفية إلى دار من دور الكوفة ثم يلحق
بابن الزبير فقبل وخرج ليلا فدخل دار أبي موسى وخلى القصر
ففتح أصحابه الباب. وجاء ابن الأشتر فطلب من بالقصر منه
الأمان فأمنهم فخرجوا فبايعوا المختار وجاء المختار حتى دخل القصر
فبات فيه وأصبح الاشراف في المسجد وعلى باب القصر وخرج المختار
فصعد المنبر وخطب الناس وقال انا المسلط على المحلين الطالب بدم
ابن نبي رب العالمين إلى أن قال ادخلوا فبايعوا بيعة هدى فوالله
ما بايعتم بعد بيعة علي بن أبي طالب (ع) وآل علي عليهم السلام اهدى
منها ثم نزل فدخل عليه اشراف الكوفة فبايعوه على كتاب الله وسنة
رسوله (ص) والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المحلين والدفع عن
55

الضعفاء وقتال من قاتلنا وسلم من سالمنا. وأحسن المختار السيرة
جهده وفي ذلك يقول الشاعر
ولما دعاء المختار جئنا لنصره * على الخيل تردي من كميت واشقرا
دعا بالثارات الحسين فأقبلت * تعادي بفرسان الصياح لتثأرا
وبلغه ان ابن مطيع في دار أبي موسى فأرسل إليه مائة ألف درهم
وقال تجهز بها وكان بينهما صداقة فاخذها ومضى إلى البصرة.
ووجد المختار في بيت المال تسعة آلاف درهم وفرق العمال على
أرمينية وأذربيجان والموصل والمدائن وحلوان والري وهمدان
وأصبهان وغيرها ودانت له البلاد كلها الا الحجاز والجزيرة والشام
ومصر والبصرة واستعمل على شرطته عبد الله بن كامل الشاكري
وعلى حرسه كيسان أبا عمرة مولى عرينة (بجيلة خ ل) وصار يجلس
للقضاء بين الناس ثم أقام شريحا للقضاء وكانوا يقولون إنه عثمان وانه
ممن شهد على حجر بن عدي وانه لم يبلغ عن هاني ابن عروة ما أرسله
به وان عليا عليه السلام عزله عن القضاء فأراد المختار عزله فتمارض
فعزله وجعل مكانه غيره. وقال عبد الله بن همام يذكر المختار
وأصحابه ويمدحهم
وفي ليلة المختار ما يذهل الفتى * ويلهيه عن رؤد الشباب شموع
دعا يا لثارات الحسين فأقبلت * كتائب من همدان بعد هزيع
56

ومن مذحج جاء الرئيس ابن مالك * يقود جموعا أردفت بجموع
ومن أسد وافى يزيد لنصره * بكل فتى حامي الذمار منيع
وجاء نعيم خير شيبان كلها * بأمر لدى الهيجا أحد جميع
وما ابن شميط إذ يحرض قومه * هناك بمخذول ولا بمضيع
وسار أبو النعمان لله سعيه * إلى ابن اياس مصحرا لوقوع
بخيل عليها يوم هيجا دروعها * أخرى حسورا غير ذات دروع
فكر الخيول كرة ثقفتهم * وشد بأولاها على ابن مطيع
فولى بضرب يشدخ الهام وقعه * وطعن غداة السكتين وجيع
فحوصر في دار الامارة بائيا * بذل وارغام له وخضوع
فمن وزير ابن الوصي عليهم * وكان لهم في الناس خير شفيع
وآب الهدى حقا إلى مستقرة * بخير إياب آبه ورجوع
إلى الهاشمي المهتدي المهتدي به * فنحن له من سامع ومطيع
(ذكر قتل المختار قتلة الحسين عليه السلام والمشايعين على قتله)
كان مروان بن الحكم بعد أن بويع له بالشام ارسل عبيد الله
ابن زياد في جيش إلى الجزيرة فإذا فرغ منها سار إلى العراق كما تقدم
وجعل له كل ما غلب عليه وأمره ان ينهب الكوفة ان ظفر باهلها
ثلاثا ثم كان من امره مع التوابين ما تقدم ذكره وكان زفر بن الحارث
الكلابي ومعه قبيلة تسمى قيس عيلان بالجزيرة على طاعة ابن الزبير
57

فلم يزل ابن زياد مشتغلا بهم عن العراق نحو سنة فهلك مروان وولي
بعده ابنه عبد الملك فاقر ابن زياد على ما كان أبوه ولاه فلما عجز ابن
زياد عن زفر ومن معه بالجزيرة اقبل إلى الموصل وهي للمختار فتنحى
عامل المختار إلى تكريت وكتب إلى المختار يخبره بذلك فكتب
إليه المختار يصوب رأيه ويأمره ان لا يفارق مكانه حتى يأتيه امره
وأرسل المختار يزيد بن انس الأسدي
وانتخب معه ثلاثة آلاف
فارس ووعده المدد متى احتاج وشيعه وقال إذا لقيت عدوك فلا
تناظرهم وإذا أمكنتك الفرصة فلا تؤخرها وليكن خبرك كل
يوم عندي وتكب إلى عامل الموصل ان يخلي بينه وبين البلاد فسار
حتى اتى ارض الموصل فبلغ خبره ابن زياد فقال لأبعثن إلى كل الف
الفين فأرسل إليه ستة آلاف ثلاثة مع ربيعة الغنوي وثلاثة مع عبد الله
ابن جملة الخثعمي فسار ربيعة قبل عبد الله بيوم حتى لقي يزيد بن
انس فخرج يزيد بن انس وهو مريض شديد المرض راكب على
حمار يمسكه الرجال فوقف على أصحابه وعباهم وحثهم على القتال
ثم وضع بين الرجال على سرير وقال قاتلوا عن أميركم ان شئتم أو
فروا عنه وجعل يأمر الناس بما يفعلونه ثم يغمى عليه ثم يفيق واقتتل
الناس عند فلق الصبح يوم عرفة فاشتد القتال إلى ارتفاع الضحى
فانهزم أهل الشام واخذ عسكرهم ووصل أهل العراق إلى أميرهم
58

ربيعة وقد انهزم عنه أصحابه وهو يناديهم ويحرضهم على القتال ويقول
إنما تقاتلون من خرج من الاسلام فاجتمع إليه جماعة فقاتلوا معه
واشتد القتال وخرج رجل من أهل العراق يعترض الناس بسيفه
وهو يقول
برئت من دين المحكمينا * وذاك فينا شر دين دينا
ثم انهزم أهل الشام وقتل أميرهم ربيعة فسار المنهزمون ساعة
فلقيهم عبد الله الخثعمي الأمير الثاني لأهل الشام في ثلاثة آلاف
فرد معه المنهزمين وجاء إلى الموضع الذي فيه أصحاب المختار فباتوا
ليلتهم يتحارسون فلما أصبحوا يوم عيد الأضحى خرجوا إلى القتال
واقتتلوا قتالا شديدا ثم نزلوا فصلوا الظهر ثم عادوا إلى القتال فانهزم
أهل الشام هزيمة قبيحة وقتلوا قتلا ذريعا وحوى أهل العراق عسكرهم
حتى انتهوا إلى أميرهم عبد الله فقتلوه وأسروا منهم ثلاثمائة أسير
فأمر يزيد بن انس بقتلهم وهو في آخر رمق فقتلوا ثم مات آخر
النهار فدفنه أصحابه وكسر قلوبهم موته وكان قد استخلف عليهم
ورقاء بن عازب الأسدي فقال لأصحابه ماذا ترون انه بلغني أن ابن
زياد قد اقبل إليكم في ثمانين ألفا واني لا أرى لنا بأهل الشام طاقة
فلو انصرفنا من تلقاء أنفسنا لقالوا إنما رجعنا عنهم لموت أميرنا ولم
يزالوا لنا هائبين فقالوا نعم ما رأيت فانصرفوا فبلغ ذلك المختار
59

وأهل الكوفة فأرجف الناس بالمختار وقالوا ان يزيد قتل ولم يصدقوا
انه مات فأرسل المختار إلى عامله بالمدائن يسأله عن ذلك فأخبره
بموته وان العسكر انصرف من غير هزيمة ولا كسرة فطاب قلب
المختار فدعا إبراهيم بن الأشتر وأرسله وقال إذا لقيت جيش يزيد
ابن انس فأنت الأمير عليهم فارددهم معك حتى تلقى ابن زياد وأصحابه
فتقاتلهم ثم ودعه وانصرف. فخرج إبراهيم فلما سار اجتمع اشراف
الكوفة عند شبث بن ربعي وقالوا ان المختار تأمر علينا بغير رضا
منا ولقد أدنى موالينا اي عبيدنا فحملهم على الدواب وأعطاهم فيئنا
فقال لهم شبث دعوني حتى ألقاه فذهب إليه فلم يدع شيئا أنكروه
الا ذكره له والمختار يقول انا أرضيهم وافعل كلما أحبوا ولم يكن
أصعب عليهم من مشاركة الموالي اي العبيد المعتقين لهم في الفئ
فقال المختار ان انا تركت مواليكم وجعلت فيئكم لكم تقاتلون معي
بني أمية وابن الزبير وتعطوني العهد على ذلك فقال شبث حتى ارجع
إلى أصحابي فأخبرهم فخرج ولم يرجع إلى المختار فأجمع رأيهم على قتاله
وكان بقي مع المختار أربعة آلاف. فقال عبد الرحمن الأسدي لأهل
الكوفة لا تخرجوا على المختار فاني أخاف ان تختلفوا وتتفرقوا ومع
الرجل شجعانكم ومواليكم وكلمتهم واحدة فانتظروا قليلا يكفيكم
ذلك أهل الشام وأهل البصرة فلم يقبلوا وخرجوا على المختار بعد
60

مسير إبراهيم بالجبانات كل رئيس بجبانة وجاهروا بالعصيان ولم يبق
أحد ممن شرك في قتل الحسين (ع) وكان مختفيا الا ظهر فلما بلغ ذلك
المختار ارسل رسولا مجدا إلى إبراهيم فلحقه وهو بساباط المدائن
قريب بغداد وكتب إليه المختار ان لا تضع كتابي من يدك حتى تقبل
إلي بجميع من معك وبعث إليهم المختار أخبروني ما تريدون فاني
اصنع كلما أحببتم قالوا نريد ان تعتزلنا فإنك زعمت أن محمد بن الحنفية
بعثك ولم يبعثك قال فأرسلوا إليه وفدا من قلبكم وأرسل إليه انا وفدا
وهو يريد ان يطاولهم حتى يقدم عليه إبراهيم وامر أصحابه ان يكفوا
أيديهم وقد اخذ عليهم أهل الكوفة بأفواه السكك فليس يصل
إليهم من الماء الا القليل. ولما سار رسول المختار وصل إلى ابن الأشتر
في عشية ذلك اليوم فرجع ابن الأشتر بقية عشيته تلك ثم نزل عند
المساء فتعشى أصحابه وأراحوا دوابهم قليلا ثم سار ليلته كلها واليوم
الثاني حتى وصل إلى الكوفة عند العصر وبات في المسجد ومعه من
أصحابه أهل القوة والجلد. ثم إن المختار عبا أصحابه وأرسل ابن
الأشتر إلى مضر وخشي ان يرسله إلى أهل اليمن فلا يبالغ في قتالهم
لأنهم قومه وسار المختار إلى أهل اليمن وقدم بين يديه احمر بن
شميط وعبد الله بن كامل وامر كلا بلزوم طريق مخصوص واسر
إليهما ان شباما قد أرسلوا إليه يخبرونه انهم يأتون القوم من ورائهم
61

فمضيا إلى اليمن واقتتلوا أشد قتال رآه الناس ثم انهزم أصحاب
احمر وأصحاب ابن كامل ووصلوا إلى المختار فردهم واقبل بهم نحو
القوم ثم ارسل عبد الله بن قراد الخثعمي في أربعمائة إلى ابن كامل
وقال له إن كان قد هلك فأنت مكانه فقاتل القوم وإن كان حيا فاترك
عنده ثلاثمائة وامض في مائة حتى تأتي جبانة السبيع فمضي فوجد ابن كامل
يقاتلهم في جماعة قد صبروا معه فترك عنده ثلاثمائة وسار في مائة
وبعث المختار مالك بن عمرو النهدي وكان شجاعا و عبد الله بن شريك
النهدي في أربعمائة إلى احمر بن شميط فوصلوا إليه وقد غلبه القوم
فاشتد قتالهم عند ذلك (واما ابن الأشتر) فإنه مضى ألم مضر فلقي
شبث بن ربعي ومن معه فقال لهم ويحكم انصرفوا فما أحب ان يصاب
من مضر على يدي أحد فلا تهلكوا أنفسكم فأبوا فقاتلهم إبراهيم
فهزمهم وأرسل إلى المختار يبشره بذلك فأرسل المختار إلى احمر بن شميط
وابن كامل يبشرهما فاشتد أمرهما. واجتمعت شبام ليأتوا اليمن من
ورائهم كما أرسلوا إلى المختار ورأسوا عليهم أبا القلوص فقال بعضهم
لو جعلتم جدكم على مضر أو ربيعة لكان أصوب فقال أبو القلوص قال
الله تعالى قاتلوا الذين يلونكم من الكفار فسار نحو أهل اليمن
فلقيهم الأعسر الشاكري فقتلوه ونادوه يا لثارات الحسين (ع)
فأجابهم أصحاب ابن شميط يا لثارات الحسين (ع) فنادي
62

يزيد بن عمير يا لثارات عثمان فقال لهم رفاعة بن شداد البجلي
وكان معهم على المختار لا أقاتل مع قوم يبغون دم عثمان ثم رجع عنهم
فقاتل مع المختار وهو يقول
انا ابن شداد على دين علي * لست لعثمان بن اروي بولي
لأصلين اليوم فيمن يصطلي * بحر نار الحرب غير مؤتلي
فقاتل حتى قتل
وانهزم أهل اليمن هزيمة قبيحة واستخرج من دور الوداعيين
خمسمائة أسير فأتي بهم إلى المختار مكتفين فقال اعرضوهم علي وانظروا
كل من شهد قتل الحسين (ع) فاعلموني به فقتل كل من شهد قتل
الحسين (ع) وقتل منهم مأتين وثمانية وأربعين رجلا في مجلس واحد
وأطلق الباقي (ونادي) منادي المختار من أغلق بابه فهو آمن الا
رجلا شرك في دم آل محمد
(هدم دور من شرك في قتل الحسين " ع ")
(وامر) المختار صاحب شرطته أبا عمرة ان يجمع الف رجل
من الفعلة بالمعاول ويتتبع دور من خرج إلى قتال الحسين (ع) فيهدمها
وكان أبو عمرة بذلك عارفا فجعل يدور بالكوفة على دورهم فيهدم
الدار في لحظة فمن خرج إليه منها قتله حتى هدم دورا كثيرة وقتل
أناسا كثيرا من قتلة الحسين (ع) وجعل يطلب ويستقصي فمن ظفر
63

به منهم قتله وجعل ماله وعطاءه لرجل من أبناء العجم الذين كانوا
معه (وتجرد) المختار لقتلة الحسين (ع) وقال مامن ديننا ان نترك قتلة
الحسين (ع) احياء بئس ناصر آل محمد (ص) انا انا إذا الكذاب كما
سموني واني استعين بالله عليهم فسموهم لي ثم اتبعوهم حتى تقتلوهم
فإنه لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض منهم
(قتل الذين رضوا جسد الحسين عليه السلام)
فأول من بدء به المختار الذين رضوا جسد الحسين عليه السلام
بخيولهم فاخذهم وطرحهم على ظهورهم وضرب سكك الحديد
في أيديهم وأرجلهم واجري الخيل عليهم حتى قطعتهم ثم احرقهم بالنار
(قتل عمرو بن الحجاج الذي كان موكلا بالمشرعة)
وكان عمرو بن الحجاج الزبيدي ممن شهد قتل الحسين (ع)
فركب راحلته واخذ طريق واقصة فلم يعلم له خبر حتى الساعة (وقيل)
أدركه أصحاب المختار وقد سقط من شدة العطش فذبحوه واخذوا
رأسه (وقيل) انه هرب يريد البصرة وكان من رؤساء قتلة الحسين (ع)
فخاف الشماتة فعدل إلى شراف فقال له أهل الماء ارحل عنا فإنا لا نأمن
المختار فارتحل عنهم فتلاوموا وقالوا قد أسأنا فركب جماعة منهم
ليردوه فلما رآهم ظن أنهم من أصحاب المختار فسلك الرمل بمكان
يدعي البييضه وذلك في أشد ما يكون من حرارة القيظ فيما بين
64

بلاد كلب وبلاد طئ فقال فيها فأهلكه ومن معه العطش. وعمرو
ابن الحجاج هذا هو الذي كان على المشرعة يمنع الحسين (ع) من الماء
فأهلكه الله تعالى عطشا في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى
(قتل خولي بن يزيد الذي جاء برأس الحسين عليه السلام)
وبعث المختار أبا عمرة فأحاط بدار خولي بن يزيد الأصبحي
الذي حمل رأس الحسين " ع " إلى ابن زياد فاختبى في بيت الخلاء
ووضع على رأسه قوصرة وهي ما يصنع من ورق النخل ليوضع
فيه التمر فدخلوا الدار ليفتشوا عليه فخرجت امرأته إليهم وهي
العيوف بنت مالك وقيل اسمها النوار وكانت محبة لأهل البيت
عليهم السلام وكانت قد نصبت له العداوة من يوم جاء برأس الحسين (ع)
فقالت ما تريدون فقالوا لها أين زوجك فقالت لا أدري أين هو
وأشارت بيدها إلى بيت الخلاء فدخلوا فوجدوه وقد وصع على
رأسه القوصرة فأخرجوه وكان المختار يسير في الكوفة فجاء في
اثرهم فأرسلوا إليه يخبرونه فرده حتى قتله إلى جانب أهله ثم احرقه بالنار ولم يبرح من مكانه حتى عاد رمادا
(قتل حكيم بن الطفيل)
وبعث المختار عبد الله بن كامل إلى حكيم بن الطفيل وهو
الذي سلب العباس (ع) ثيابه ورمي الحسين عليه السلام بسهم فكان يقول
65

تعلق سهمي بسر باله ولم يضره فاتاه ابن كامل فاخذه فذهب أهله إلى
عدي بن حاتم ليشفع فيه فلحقهم في الطريق فقالوا ليس امره إلينا
إنما امره إلى المختار فمضى إلى المختار وكان المختار قد شفعه في جماعة
من قومه أسروا يوم قتال المختار مع أهل الكوفة لم يكونوا نطقوا
بشئ من أمر الحسين " ع " وأهل بيته عليهم السلام فقال أصحاب
ابن كامل له انا نخاف ان يشفعه الأمير في هذا الخبيث وله من الذنب
ما قد علمت فدعنا نقتله قال نعم فأتوا به وهو مكتوف وقالوا له
سلبت ابن علي ثيابه والله لنسلبنك ثيابك وأنت حي تنظر فنزعوا
ثيابه وقالوا له رميت حسينا واتخذته غرضا لنبلك وقلت تعلق سهمي
بسر باله ولم يضره والله لنرمينك كما رميته بنبال ما تعلق بك منها
اجزاك فجعلوه غرضا للنبل ورموه رشقا واحدا حتى صار كالقنفذ
فخر ميتا. ودخل عدي على المختار فشفع فيه فقال له المختار أتستحل
ان تشفع في قتلة الحسين " ع " فقال إنه مكذوب عليه قال إذا ندعه
لك فدخل ابن كامل فأخبر المختار بقتله فاظهر لومهم على ذلك
ولكنه سر بقتله فقال ابن كامل غلبتني عليه الشيعة فقال عدي كذبت
ولكنك ظننت ان من هو خير منك سيشفعني فيه فقتلته فسبه ابن
كامل فنهاه المختار
66

(قتل مالك بن النسر ورجلين معه)
ودل المختار على عبد الله بن أسيد الجهني ومالك بن النسر البدائي
وحمل بن مالك المحاربي فبعث إليهم المختار مالك بن عمرو النهدي
وكان من رؤساء أصحابه فأتاهم وهم بالقادسية فاخذهم واقبل بهم
حنى ادخلهم على المختار عشاء فقال لهم المختار يا أعداء الله وأعداء
كتابه وأعداء رسوله وأهل رسوله أين الحسين بن علي أدوا إلي
الحسين قتلتم من أمرتم بالصلاة عليه في الصلاة فقالوا بعثنا ونحن
كارهون فامنن علينا واستبقنا فقال فهلا مننتم على الحسين ابن بنت
نبيكم واستبقيتموه وسقيتموه. ثم قال لمالك بن النسر أنت صاحب
برنس الحسين فقال له ابن كامل نعم هو هو فأمر بقطع يديه ورجليه
وتركه يضطرب فلم يزل ينزف الدم حتى هلك وامر بالرجلين الآخرين
فقتلا وعجل الله بأرواحهم إلى النار
(قتل شمر لعنه الله)
وكان شمر لعنه الله قد هرب من الكوفة ومعه جماعة ممن شرك
في قتل الحسين (ع) على خيول لهم مضمرة فأرسل إليه المختار عبدا
له اسود يقال له زربي وكان شجاعا وقيل إنه مولى بجيلة
ومعه مائة فارس على الخيل العتاق فجعل يجد السير حتى انقطع عن
أصحابه الا عشرة فوارس فقال شمر لأصحابه تباعدوا عني لعل العبد
67

يطمع في فتباعدوا عنه ولحقه العبد حتى إذا انقطع عن أصحابه حمل
شمر فقتله وانهزم أصحابه العشرة حتى لحق بهم الباقون ثم مضى
شمر وأصحابه حتى نزلوا قرية يقال لها الكلتانية قريبا من البصرة
على شاطئ نهر إلى جانب تل ثم اخذ شمر علجا من القرية ودفع إليه
كتابا وقال عجل به إلى مصعب الزبير بالبصرة وكتب عنوانه
للأمير مصعب من شمر بن ذي الجوشن فمضى العلج حتى دخل
قرية فيها أبو عمرة صاحب المختار وكان قد أرسله المختار إلى تلك
القرية في خمسمائة فارس ليكون مسلحة بينه وبين أهل البصرة فلقي
ذلك العلج علجا آخر من تلك القرية فجعل يشكو إليه ما لقي من
شمر فبينا هو يكلمه إذ مر به رجل من أصحاب أبي عمرة فرأي
الكتاب مع العلج وعنوانه إلى مصعب من شمر فسألوا العلج عن
مكان شمر فأخبرهم فإذا ليس بينه وبينهم الا ثلاثة فراسخ فاقبلوا
يسيرون إليه وكان أصحاب شمر قالوا له تلك الليلة لو ارتحلت بنا
من هذه القرية فانا نتخوف منها فقال كل هذا فزعا من الكذاب
يعني المختار والله لا أتحول منها ثلاثة أيام ملا الله قلوبكم رعبا فبينما
شمر وأصحابه نيام إذ سمع رجل من أصحابه كان بين النائم واليقظان
وقع حوافر الخيل فقال في نفسه هذا صوت الدبي وهو الجراد الصغير
وكان بذلك المكان دبى كثير ثم سمعه أشد من ذلك فانتبه ومسح
68

عينيه وقال والله ما هذا بالدبى وذهب ليقوم فإذا بالخيل قد أشرفت
عليهم من التل فكبروا وأحاطوا بالبيوت فهرب أصحاب شمر وتركوا
خيلهم وقام شمر وهو عريان مئتزر بإزار وكان أبرص وبرصه يبدو
من تحت الإزار وأعجلوه عن لبس ثيابه وسلاحه فجعل يقاتلهم
بالرمح ثم ألقاه واخذ السيف وجعل يقاتلهم به فلما بعد عنه أصحابه
سمعوا التكبير وقائلا يقول قتل الله الخبيث وقتله عبد الرحمن بن أبي
الكنود وهو الذي وجد الكتاب مع العلج ذبحه ذبحا كما ذبح الحسين
عليه السلام وأوطأوا الخيل صدر شمر وظهره ثم ألقيت جثته للكلاب
وباء في الدنيا قبل الآخرة بالذل وسوء العذاب وقطعوا رأسه
وأرسلوه إلى المختار فأرسله المختار إلى محمد بن الحنفية بالمدينة
(وقيل) جاءه من أصحاب المختار خمسون فارسا وامامهم نبطي يدلهم على
الطريق وذلك في ليلة مقمرة فلما أحس بهم شمر دعا بفرسه فركبه
وركب من كان معه ليهربوا فأدركهم القوم فقاتلوهم فقتل شمر
وجميع من كان معه واحتزوا رؤوسهم واتوا بها أمير هم فارسها إلى
المختار فنصبها المختار في رحبة الحذائين حذاء الجامع
(وفي البحار عن أمالي الشيخ قدس سره) ان المختار لما
طلب شمرا هرب إلى البادية فخرج إليه أبو عمرة في نفر من أصحابه
فقاتلهم قتالا شديدا وأثخنته الجراحة فاخذه أبو عمرة أسيرا وبعث
69

به إلى المختار فضرب عنقه وأغلى له دهنا في قدر فقذفه فيها فتفسخ
ووطئ مولى لآل حارثة بن المضرب وجهه ورأسه
(قتل حرملة بن كاهل)
وعن المنهال بن عمرو قال دخلت على زين العابدين عليه السلام
أو دعه وانا أريد الانصراف من مكة فقال يا منهال ما فعل حرملة بن
كاهل وكان معي بشر بن غالب الأسدي فأخبره انه حي بالكوفة
فرفع يديه وقال اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار. قال
المنهال وقدمت الكوفة وقد ظهر المختار وكان لي صديقا فركبت
إليه فلقيته خارجا من داره فقال يا منهال لم تشركنا في ولايتنا هذه
فعرفته اني كنت بمكة فمشى حتى اتى الكناس وقف كأنه ينتظر
شيئا فلم يلبث ان جاء قوم فقالوا الشر؟ أيها الأمير فقد اخذ حرملة
فجئ به فقال لعنك الله الحمد لله الذي أمكنني منك ثم قال الجزار
الجزار فأتي بجزار فأمره بقطع يديه ورجليه فقطعهما ثم قال النار النار
فاتي بنار وقصب فاحرقه فقلت سبحان الله سبحان الله فقال إن التسبيح
لحسن لم سبحت فأخبرته بقول زين العابدين عليه السلام فقال لي
أسمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول هذا فقلت والله لقد سمعته
فنزل عن دابته وصلى ركعتين وأطال السجود وركب وقد احترق
حرملة وسار فحاذى داري فطلب منه ان ينزل ويأكل من طعامي
70

فقال تعلمني ان علي بن الحسين (ع) دعا بأربع دعوات فاجابه الله
على يدي ثم تدعوني إلى الطعام هذا يوم صوم شكرا الله تعالى
فقلت أحسن الله توفيقك
(قتل الذين نهبوا الورس من رحل الحسين عليه السلام)
وبعث المختار أصحابه فاتوه بجماعة من الذين كانوا نهبوا من الورس
الذي كان مع الحسين عليه السلام وهم زياد بن مالك الضبعي وعمر
بن خالد العنزي وعبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي وعبد الله بن
قيس الخولاني فجاءوه بهم حتى ادخلوهم عليه فقال لهم يا قتلة الصالحين
وقتلة سيد شباب أهل الجنة الا ترون الله قد أقاد منكم اليوم لقد
جائكم الورس بيوم نحس ثم أمر بهم فاخرجوا إلى السوق
وضربت أعناقهم
(قتل جماعة آخرين ممن شرك في قتل الحسين (ع))
وأرسل المختار خيلا فاتوه بعبد الله وعبد الرحمن ابني صلخت
وحميد بن مسلم وعبد الله بن وهب ابن عم أعشى همدان فقبضوا
عليهم الا حميد بن مسلم فإنه هرب وجئ بهم إلى المختار فامر
بهم فقتلوا في السوق
71

(قتل من اشترك في قتل عبد الرحمن بن عقيل)
وبعث المختار عبد الله بن كامل في خيل إلى عثمان بن خالد الدهماني
وبشر بن سوط وكانا ممن شهدا قتل الحسين عليه السلام واشتركا في دم
عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب وسلبه فأحاط عبد الله بن كامل
عند العصر بمسجد بني دهمان وأقسم ان يضرب أعناقهم عن آخرهم
ان لم يأتوه بعثمان بن خالد فقالوا أمهلنا حتى نطلبه فخرجوا مع الخيل
في طلبه فوجدوه هو وبشر بن سوط جالسين في الجبانة وكانا يريد ان أن
يهربا إلى الجزيرة فاتي بهما عبد الله بن كامل فقال الحمد لله الذي كفى المؤمنين
القتال لو لم يجدوا هذا مع هذا لا تعبنا بالذهاب إلى منزله في طلبه
فالحمد لله الذي أمكن منك فخرج بهما وضرب أعناقهما في الطريق
ورجع فأخبر المختار فأمره ان يرجع إليهما ويحرقهما بالنار وقال
لا يدفنان حتى يحرقا فاحرقهما
(قتل عمر بن سعد لعنه الله)
وكان عمر قد اختفى حين ظهور أمر المختار وكان عبد الله بن
جعدة بن هبيرة ابن أخت أمير المؤمنين علي عليه السلام أكرم
الناس على المختار لقرابته من أمير المؤمنين علي (ع) فطلب عمر بن
سعد من عبد الله بن جعدة ان يأخذ له أمانا من المختار ففعل وكتب
له المختار أمانا وشرط فيه ان لا يحدث حدثا (قال الطبري) وغيره
72

فكان أبو جعفر محمد بن علي الباقر يقول إنما أراد المختار بقوله الا ان
يحدث حدثا هو ان يدخل بيت الخلاء ويحدث فلما كتب المختار
الأمان لابن سعد ظهر ابن سعد فكان المختار يدنيه ويكرمه
ويجلسه معه على سريره واتى يزيد بن شراحيل الأنصاري محمد بن
الحنفية رضي الله عنه فجري ذكر المختار فقال محمد يزعم أنه لنا
شيعة وقتلة الحسين (ع) عنده على الكراسي يحدثونه فلما قدم يزيد
الكوفة أخبر المختار بذلك فعزم على قتل عمر بن سعد (وكان)
أمير المؤمنين عليه السلام في جملة اخباره بالمغيبات قد أخبر ان
عمر بن سعد سيقتل الحسين عليه السلام (قال) ابن الأثير في تاريخه
قال عبد الله بن شريك أدركت أصحاب الأردية المعلمة وأصحاب
البرانس السود من أصحاب السواري إذا مر بهم عمر بن سعد قالوا
هذا قاتل الحسين (ع) وذلك قبل ان يقتله وقال ابن سيرين قال
علي (ع) لعمر بن سعد كيف أنت إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة
والنار فتختار النار اه‍ (ثم) ان المختار قال يوما لأصحابه لأقتلن
غدا رجلا عظيم القدمين غائر العينين مشرف الحاجبين يهمز الأرض
برجله يسر قتله المؤمنين والملائكة المقربين وكان عنده الهيثم
النخعي فوقع في نفسه انه يريد عمر بن سعد فبعث ولده العريان إلى
ابن سعد يعرفه ذلك فقال ابن سعد جزى الله أباك خيرا كيف يقتلني
73

بعد العهود والمواثيق ثم إن عمر بن سعد خرج ليلا فاتى حمامه
وأخبر مولى له بما كان من أمانه وبما بلغه عن المختار فقال له مولاه
وأي حدث أعظم مما صنعت تركت أهلك ورحلك واتيت إلى هنا
ارجع ولا تجعل للرجل عليك سبيلا فرجع إلى منزله. وجاء الخبر إلى
المختار بخروجه فقال كلا ان في عنقه سلسلة سترده (وقال) المرزباني ان
ابن سعد لما بلغه قول المختار عزم على الخروج من الكوفة فاحضر
رجلا من بني تيم اللات اسمه مالك وكان شجاعا فأعطاه أربعمائة
دينارا وقال هذه معك لحوائجنا وخرجا فلما كانا عند حمام عمر أو نهر
عبد الرحمن وقف عمر وقال أتدري لم خرجت قال لا قال خفت
المختار قال هو أذل من أن يقتلك وان هربت هدم دارك وانتهب
عيالك ومالك وخرب ضياعك وأنت أعز العرب فاغتر بكلامه
ودخل الكوفة مع الغداة (وقيل) ان عمر نام على الناقة فرجعت
به وهو لا يدري حتى ردته إلى الكوفة فأرسل عمر عند الصبح
ابنه حفصا إلى المختار ليجدد له الأمان فقال له المختار أين أبوك
فقال في المنزل ولم يكن عمر بن سعد وابنه حفص يجتمعان عند
المختار فإذا حضر أحدهما غاب الاخر خوفا ان يجتمعا فيقتلهما فقال
حفص أبي يقول أتفي لنا بالأمان قال اجلس وطلب المختار أبا عمرة
كيسان فاقبل رجل قصير يتخشخش في السلاح فاسر إليه المختار
74

ان يقتل عمر بن سعد وبعث معه رجلين آخرين وقال له إذا دخلت
ورأيته يقول يا غلام علي بطيلساني فإنه يريد السيف فبادره واقتله
فذهب أبو عمرة إلى ابن سعد وقال له أجب الأمير فقام عمر فعثر في
جبة له فضربه أبو عمرة بسيفه فقتله وقطع رأسه وحمله في طرف قبائه
حتى وضعه بين يدي المختار وظهر بذلك تصديق قول الحسين (ع)
لابن سعد وسلط الله عليك من يذبحك بعدي على فراشك فقال
المختار لابنه حفص أتعرف هذا الرأس فاسترجع وقال نعم ولا خير
في العيش بعده فقال له المختار صدقت وانك لا تعيش بعده فامر به
فقتل وإذا رأسه مع رأس أبيه. وقال المختار هذا بالحسين وهذا بعلي
ابن الحسين ولا سواء والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة
من أنامله. ثم بعث المختار برأسي عمر بن سعد وابنه إلى محمد بن
الحنفية وكتب إليه يعلمه انه قد قتل من قدر عليه وانه في طلب الباقين
ممن حضر قتل الحسين (ع) فبينما محمد بن الحنفية جالس مع أصحابه وهو
يتعتب على المختار فما تم كلامه الا والرأسان عنده فخر ساجدا
شكرا لله تعالى ثم رفع رأسه وبسط كفيه وقال اللهم لا تنس هذا
اليوم للمختار واجزه عن أهل بيت نبيك محمد خير الجزاء فوالله
ما على المختار بعد هذا من عتب
75

(ما جرى لمرة بن منقذ قاتل علي بن الحسين عليهما السلام)
وبعث المختار عبد الله بن كامل إلى مرة بن منقذ قاتل علي بن
الحسين عليهما السلام وكان شجاعا فاتاه بن كامل بخيله فأحاط بداره
فخرج إليهم وبيده الرمح وهو على فرس جواد فطعن رجلا من أصحاب
المختار فصرعه ولم يضره وضربه ابن كامل بالسيف فاتقاها بيده اليسرى
فأسرع السيف فيها وعدا به الفرس فأفلت وهرب إلى البصرة إلى
مصعب بن الزبير وشلت يده بعد ذلك
(قتل زيد بن رقاد قاتل عبد الله بن مسلم)
وبعث المختار عبد الله بن كامل إلى زيد بن رقاد قاتل عبد الله
ابن مسلم بن عقيل الذي رماه بسهم وهو واضح كفه على جبهته
فسمرها فلم يستطع تحريكها ثم رماه بسهم فقتله وجاءه وهو ميت
فنزع السهم من جوفه وجعل ينضنض السهم الذي في جبهته حتى
نزعه وبقي النصل في جبهته لم يقدر على نزعه فأحاط ابن كامل بداره
واقتحم الرجال عليه الدار فخرج إليهم بالسيف وكان شجاعا فقال
ابن كامل لا تضربوه بسيف ولا تطعنوه برمح ولكن ارموه بالنيل
وارجموه بالحجارة ففعلوا ذلك به فسقط فأحرقوه حيا
76

(قتل بجدل بن سليم الكلبي الذي أخذ خاتم الحسين عليه السلام
وقطع إصبعه مع الخاتم)
واتي المختار ببجدل بن سليم الكلبي وعرفوه انه اخذ خاتم
الحسين (ع) وقطع إصبعه فامر بقطع يديه ورجليه فلم يزل ينزف
الدم حتى مات
(قتل الذين اكلوا من لحوم إبل الحسين عليه السلام)
وكان شمر بن ذي الجوشن لعنه الله نهب من الإبل التي كانت
مع الحسين (ع) فلما قدم الكوفة نحرها وقسم لحومها على قوم من
أهل الكوفة فامر المختار فأحصوا كل دار دخلها ذلك اللحم
فقتل أهلها وهدمها
ولم يزل المختار يتتبع قتلة الحسين (ع) حتى قتل منهم خلقا كثيرا
وقتلت العبيد مواليها الذين شركوا في قتل الحسين (ع) وجاءوا إلى
المختار فاعتقهم وكان العبد يسعى بمولاه انه ممن شرك في قتل
الحسين (ع) فيقتله المختار حتى أن العبد كان يقول لسيده احملني
على عنقك فيحمله ويدلي رجليه على صدره إهانة له لخوفه من سعايته
به إلى المختار بأنه من قتلة الحسين (ع)
(قتل عمرو بن صبيح)
وطلب المختار عمرو بن صبيح وكان يقول لقد طعنت فيهم يعني
77

في أصحاب الحسين (ع) وجرحت وما قتلت منهم أحدا فاتوه ليلا
وهو على سطحه بعد ما هدأت العيون وسيفه تحت رأسه فأخذوه
واخذوا سيفه فجئ به إلى المختار فحبسه فلما أصبح اذن للناس
فدخلوا وجئ به وهو مقيد فقال المختار علي بالرماح فأتي بها فقال
اطعنوه حتى يموت فطعن بالرماح حتى مات
(قتل قيس بن الأشعث بن قيس الذي اخذ قطيفة الحسين (ع))
قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب الاخبار الطوال ان قيس
ابن الأشعث الذي اخذ قطيفة الحسين (ع) حين قتل فكان يسمي قيس
القطيفة انف من أن يأتي البصرة فيشمت به أهلها فاتى الكوفة
واستجار بعبد الله بن كامل وهو من أخص أصحاب المختار فاقبل
ابن كامل إلى المختار وأخبره بأنه استجار به وأجاره فسكت المختار
وشغله بالحديث ثم قال أرني خاتمك فناوله إياه فجعله في إصبعه ثم
دعا أبا عمرة فدفع إليه الخاتم وقال له سرا ان ينطلق إلى امرأة عبد
الله بن كامل فيقول لها هذا خاتم بعلك علامة لتدخليني إلى قيس بن
الأشعث فاني أريد مناظرته فيما فيه خلاصه من المختار فأدخلته إليه
فانتضى سيفه فضرب عنقه واخذ رأسه فأتى به المختار فألقاه بين
يديه فقال المختار هذا بقطيفة الحسين (ع) فاسترجع ابن كامل وقال
للمختار قتلت جاري فقال له المختار لله أبوك اسكت أتستحل ان
78

تجير قتلة ابن بنت نبيك
(قتل سنان بن انس النخعي)
وطلب المختار ابن انس النخعي فوجده قد هرب إلى البصرة
فهدم داره ثم خرج من البصرة نحو القادسية وكان عليه عيون فأخبروا
المختار فأرسل إليه فاخذه بين العذيب والقادسية فقطع أنامله ثم قطع
يديه ورجليه وأغلى له زيتا في قدر ورماه فيها
ذكر الذين هربوا من المختار فهدم دورهم من قتلة الحسين " ع ".
وكان محمد بن الأشعث بن قيس في قرية له إلى جنب القادسية
فبعث المختار إليه حوشبا في مائة فخرج حتى اتى قصره فأحاط به
وهرب محمد من القصر وهم لا يعلمون به فلحق بمصعب ثم دخلوا
القصر فوجدوه قد هرب فرجعوا إلى المختار فاخبروه فأمر بهدم
داره وقصره واخذ ما فيها وبني بلبن داره وطينها دار حجر بن عدي
الكندي وكان زياد بن سمية قد هدمها (وطلب) المختار أيضا عبد
الله بن عروة الخثعمي الذي كان يقول رميت فيهم يعني في أصحاب
الحسين " ع " باثني عشر سهما فهرب ولحق بمصعب بن الزبير فهدم
المختار داره (وطلب) المختار عبد الله بن عقبة الغنوي قاتل أبي بكر
ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فوجده قد هرب إلى
الجزيرة فهدم داره (وبلغ) المختار ان شبث بن ربعي في أناس من
79

اشراف الكوفة قد اخذوا طريق البصرة فأرسل خيلا في طلبهم
فقاتلوها ثم انهزموا (وكان) أسماء بن خارجة الفزاري ممن سعي في
قتل مسلم بن عقيل فقال المختار يوما أما ورب السماء ورب الضياء
لتنزلن نار من السماء دهماء حراء سحماء تحرق دار أسماء فبلغ ذلك
أسماء فقال سجع بي أبو إسحاق ليس ههنا مقام بعد هذا وكان المختار
يستعمل السجع في كلامه يذهب في ذلك مذهب الكهان وخرج
أسماء من داره هاربا إلى البادية فهدم داره ودور بني عمه (وهرب)
اشراف أهل الكوفة والوجوه فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة
(قتل عبيد الله بن زياد لعنهما الله)
ولما فرغ المختار من قتال الذين خالفوه من أهل الكوفة بعد
رجوع إبراهيم بن الأشتر بقي إبراهيم بن الأشتر بعد ذلك يومين
ثم وجهه المختار لقتال عبيد الله بن زياد وأهل الشام فسار إبراهيم
لثمان بقين من ذي الحجة سنة ست وستين وبعث معه المختار وجوه
أصحابه وفرسانهم وذوي البصائر منهم ممن قد شهد الحروب وجربها
. قال الشيخ رحمه الله في الا مالي انه خرج في تسعة آلاف وقيل
في اثني عشر ألفا اه‍ وقال ابن نما انه كان في أقل من عشرين ألفا
وخرج المختار مع إبراهيم يشيعه وأنشأ المختار يقول
أما ورب المرسلات عرفا * لنقتلن بعد صف صفا
80

وبعد الف قاسطين ألفا
وقال ابن نما رحمه الله تعالى ان إبراهيم جعل يرتجز ويقول
انا وحق المرسلات عرفا * حقا وحق العاصفات عصفا
لنعسفن من بغانا عسفا * حتى نسوم القوم منا خسفا
زحفا إليهم لا نمل الزحفا * حتى نلاقي بعد صف صفا
وبعد الف قاسطين ألفا * نكشفهم لدى الهياج كشفا
ثم إن المختار ودع إبراهيم وقال له خذ عني ثلاثا خف الله عز
وجل في سر امرك وعلانيتك وعجل السير وإذا لقيت عدوك فعجل
القتال ساعة تلقاهم ليلا كان أو نهارا ثم رجع المختار وسار إبراهيم يجد
السير ليلقى ابن زياد قبل ان يدخل ارض العراق وكان ابن زياد قد سار
في عسكر عظيم من الشام حتى وصل إلى الموصل وملكها فسار إبراهيم
حتى وصل إلى الأرض الموصل وجعل لا يسير الا على تعبية حتى
وصل إلى نهر الخازر فنزل قرية يقال لها باربيثا بينها وبين الموصل
خمسة فراسخ وجاء ابن زياد حتى نزل قريبا منهم على شاطئ نهر
الخازر في ثلاثين ألفا على رواية سبط ابن الجوزي وعلى رواية ابن
نما انهم كانوا ثلاثة وثمانين ألفا وأرسل رجل من رؤساء أصحاب
ابن زياد يسمى عمير السلمي إلى ابن الأشتر اني أريد ملاقاتك الليلة
وكانت عشيرة عمير هذا حاقدة على بني مروان من اجل بعض
81

الوقائع فاتى عمير إلى ابن الأشتر ومعه رجل يسمى فرات بن سالم
وكانا يمران بمسالح أهل الشام فيقولون لهما ما أنتما فيقولان طليعة
للأمير الحصين بن نمير فاتيا إبراهيم وقد أوقد النيران وهو قائم
يعبي أصحابه وعليه قميص اصفر هروي وملاءة موردة متوشحا بها
متقلدا سيفه فدنا منه عمير فصار خلفه واحتضنه من ورائه فلم يعبأ
به إبراهيم ولا تحلحل عن موضعه غير أنه امال رأسه وقال من هذا
قال انا عمير فقال اجلس حتى افرغ فجلس فقال عمير لصاحبه هل رأيت
رجلا اربط جاشا وأشد قلبا منه تراه تحلحل من مكانه أو اكترث بي
وانا محتضنه من خلفه فقال صاحبه ما رأيت مثله ثم بايعه عمير وأخبره
انه على ميسرة ابن زياد ووعده ان ينهزم بالناس عند الحرب بعدان
اختبره إبراهيم وعرف نصحه ثم انصرف عمير. وبث ابن الأشتر
الحرس تلك الليلة ولم يدخل عينه النوم فلما كان وقت السحر الأول
عبى أصحابه وكتب كتائبه وامر أمراءه فلما انفجر الفجر صلى
بأصحابه صلاة الصبح وقت الغلس ثم خرج بهم فصفهم والحق كل
أمير بمكانه ونزل هو يمشي وقال للناس ازحفوا فزحفوا وجعل
يحرضهم ويمنيهم الظفر وسار بهم رويدا حتى أشرف على تل عظيم
مشرف على أهل الشام واذاهم لم يتحرك منهم أحد بعد فأرسل
إبراهيم فارسا من أصحابه يأتيه بخبرهم فلم يلبث الا يسيرا حتى عاد
82

إليه وقال له قد خرج القوم على دهش وفشل لقيني رجل منهم
وليس له كلام الا يا شيعة أبي تراب يا شيعة المختار الكذاب فقلت
ما بيننا وبينكم اجل من الشتم ودعا ابن الأشتر بفرس له فركبه ثم
مر بأصحاب الرايات كلها فكلما مر على راية وقف عليها ثم قال
يا أنصار الدين وشيعة الحق هذا عبيد الله بن مرجانة قاتل الحسين بن علي
ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حال بينه وبين بناته
ونسائه وشيعته وبين ماء الفرات ان يشربوا منه وهم ينظرون إليه
ومنعه الذهاب في الأرض العريضة حتى قتله وقتل أهل بيته فوالله
ما عمل فرعون بنجباء بني إسرائيل ما عمل ابن مرجانة باهل بيت
رسول الله (ص) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فوالله
اني لأرجو ان يشفي الله صدوركم بسفك دمه على أيديكم فقد علم
الله انكم خرجتم غضبا لأهل بيت نبيكم فسار فيما بين الميمنة
والميسرة وسار في الناس كلهم يرغبهم في الجهاد ويحرضهم على القتال
ثم رجع إلى موضعه. وتقابل الجمعان فخرج من عسكر ابن زياد
رجل يقال له ابن ضبعان الكلبي ونادى يا شيعة المختار الكذاب
يا شيعة ابن الأشتر المرتاب وجعل يرتجز ويقول
انا ابن ضبعان الكريم المفضل * من عصبة يبرون من دين علي
كذاك كانوا في الزمان الأول
83

فخرج إليه الا حوص بن شداد الهمداني وهو يقول (1)
انا ابن شداد على دين علي * لست لعثمان بن اروى بولي
لأصلين اليوم فيمن يصطلي * بحر نار الحرب حتى تنجلي
فقال للشامي ما اسمك فقال منازل الابطال قال له الأحوص
وانا مقرب الآجال ثم حمل الأحوص عليه وضربه فسقط قتيلا ثم
نادى هل من مبارز فخرج إليه داود الدمشقي وهو يقول
انا ابن من قاتل في صفينا * قتال قرن لم يكن غبينا
بل كان فيها بطلا حرونا * مجربا لدى الوغى مكينا
فاجابه الأحوص يقول
يا ابن الذي قاتل في صفينا * ولم يكن في دينه غبينا
كذبت قد كنت بها مغبونا * مذبذبا في امره مفتونا
لا يعرف الحق ولا اليقينا * بؤسا له لقد قضى ملعونا
ثم التقيا فضربه الأحوص فقتله ثم عاد إلى صفه. وزحف ابن زياد
إلى ابن الأشتر فلما تدانى الصفان حمل الحصين بن نمير في ميمنة
أهل الشام على ميسرة إبراهيم وعليها علي بن مالك الجشمي فثبت
له هو بنفسه فقتل فاخذ رايته ولده قرة بن علي فقتل في رجال من

(1) قد تقدم ان رفاعة بن شداد ارتجز بهذه الأبيات بعينها سوى قوله
في البيت الأخير حتى تنجلي فذكر بدلها غير مؤتلي والله أعلم لأيهما هي " منه "
84

أهل الباس وانهزمت ميسرة إبراهيم فاخذ الراية عبد الله بن ورقاء
فاستقبل أهل الميسرة حين انهزموا فقال إلي يا شرطة الله فاقبل إليه
أكثرهم فقال هذا أميركم يقاتل ابن زياد ارجعوا بنا إليه فرجعوا
فإذا إبراهيم كاشف عن رأسه ينادي إلي يا شرطة الله انا ابن الأشتر
ان خير فراركم كراركم ليس مسيئا من اعتب فرجع إليه أصحابه
وحملت ميمنة إبراهيم على ميسرة ابن زياد وهم يرجون ان ينهزم عمير
صاحب ميسرة ابن زياد كما وعدهم فقاتلهم عمير قتالا شديد أو انف من
الفرار فلما رأى ذلك إبراهيم قال لأصحابه اقصدوا هذا السواد الأعظم
فوالله لئن هزمناه لا نجفل من ترونه يمنة ويسرة انجفال الطير إذا
ذعرته فمشى أصحابه إليهم فتطاعنوا بالرماح ثم تضاربوا بالسيوف
والعمد وكان يسمع ضرب الحديد على الحديد كأصوات القصار وجعل
إبراهيم يحمل على عسكر ابن زياد ويضرب فيهم بسيفه وهو يقول
قد علمت مذحج علما لاخطل * اني إذا القرن لقيني لا وكل
ولا جزوع عندها ولا نكل * أروع مقداما إذا النكس فشل
اضرب في القوم إذا جاء الاجل * واعتلي رأس الطرماح البطل
بالذكر البتار حتى ينجدل
وكان إبراهيم يقول لصاحب رايته انغمس فيهم فيقول
لا أقدر على التقدم فيقول له إبراهيم بلى فيتقدم فإذا تقدم شد إبراهيم
85

عليهم بسيفه فلا يضرب رجلا الا صرعه وجعل إبراهيم يطرد
الرجال بين يديه كالمعزي وحمل أصحابه حملة رجل واحد واشتد القتال
حتى صلوا صلاة الظهر بالتكبير والايماء وقتل من الفريقين قتلى
كثيرة وانهزم أصحاب ابن زياد. وكان أول من انهزم عمير الذي
وعد إبراهيم ان ينهزم كما تقدم وإنما قاتل أولا حتى يكون معذورا
وحمل إبراهيم على عبيد الله بن زياد وهو لا يعرفه فضربه إبراهيم
ضربة قده بها نصفين وذهبت رجلاه في المشرق ويداه في المغرب
وعجل الله بروحه إلى النار. فلما انهزم أصحاب ابن زياد قال إبراهيم
اني قتلت رجلا تحت راية منفردة على شاطئ نهر الخازر فالتمسوه
فاني شممت منه رائحة المسك شرقت يداه وغربت رجلاه فطلبوه فإذا
هو ابن زياد قتيلا بضربة إبراهيم فقد قدته نصفين فذهبت رجلاه
في المشرق ويداه في المغرب كما قال إبراهيم فاحتزوا رأسه واخذوه
وأحرقوا جثته. وكانوا قد احتفظوا بجسده طول الليل فلما أصبحوا
عرفه مهران مولى زياد فلما رآه إبراهيم قال الحمد لله الذي اجرى
قتله على يدي (وفي رواية) ان إبراهيم رحمه الله صلبه منكوسا.
وحمل شريك التغلبي على الحصين بن نمير وهو يظنه عبيد الله بن زياد
فاعتنق كل واحد منهما صاحبه فنادى التغلبي اقتلوني وابن الزانية
فقتلوا الحصين وكان من قتلة الحسين عليه السلام. وقيل إن
86

الحصين خرج وهو يقول
يا قادة الكوفة أهل المنكر * وشيعة المختار وابن الأشتر
هل فيكم قرم كريم العنصر * مهذب في قومه بمفخر
يبرز نحوي قاصدا لا يمتري
فخرج إليه شريك التغلبي وهو يقول
يا قاتل الشيخ الكريم الأزهر * بكربلا يوم التقاء العسكر
أعني حسينا ذا الثنا والمفخر * وابن النبي الطاهر المطهر
وابن علي البطل المظفر * هذا فخذها من هزبر قسور
ضربة قرم ربعي مضري
فالتقيا بضربتين وجدله التغلبي صريعا. وقتل شرحبيل بن ذي
الكلاع الحميري من رؤساء أهل الشام ولما انهزم أصحاب ابن
زياد تبعهم أصحاب إبراهيم فكان من غرق منهم أكثر ممن قتل
وانتهبوا عسكرهم وكان فيه من كل شئ وأرسل إبراهيم البشارة
إلى المختار وهو بالمدائن فكاد المختار يطير فرحا. وكانت الوقعة
يوم عاشورا سنة سبع وستين في اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه
السلام ولم يقتل من أهل الشام بعد صفين مثلما قتل في هذه الوقعة
(قال ابن نما رحمه الله تعالى) وجعلوا يعدون القتلى بالقصب يضعون
عند كل قتيل قصبة فكانوا سبعين ألفا. وفرق إبراهيم عماله
87

على بلاد الموصل وأقام هو بالموصل وقال سراقة بن مرداس البارقي
يمدح إبراهيم بن الأشتر وأصحابه في قتلهم لعبيد الله بن زياد
اتاكم غلام من عرانين مذحج * جري على الأعداء غير نكول
فيا ابن زياد بوء بأعظم هالك (1) * وذق حد ماضي الشفرتين صقيل
ضربناك بالعضب الحسام بحدة * إذا ما ابانا قاتلا بقتيل
جزى الله خيرا شرطة الله انهم * شفوا من عبيد الله أمس غليلي
وقال أبو السفاح الزبيدي في ذلك أيضا (2)
أتاكم غلام من عرانين مذحج * جري علي الأعداء غير نكول
اتاه عبيد الله في شر عصبة * من الشام لما ان رضوا بقليل
فلما التقى الجمعان في حومة الوغى * وللموت فيهم ثم جر ذيول
فأصبحت قد ودعت هندا وأصبحت * مولهة ما وجدها بقليل
واخلق بهند ان تساق سبية * لها من أبي إسحاق شر حليل
تولى عبيد الله خوفا من الردى * وخشية ماضي الشفرتين صقيل
جزى الله خيرا شرطة الله انهم * شفوا بعبيد الله كل غليل
يعني بقوله هند بنت أسماء بن خارجة زوجة عبيد الله بن زياد
وكانت معه فلما قتل حملها عتبة أخوها إلى الكوفة وأبو اسحق هو المختار

(1) (مالك خ ل)
(2) هكذا ذكره ابن نما رحمه الله تعالى ولا يخفي ان
فيها بعض أبيات سراقة ولعله توهم من الرواة (منه)
88

وقال عبيد الله بن الزبير الأسدي بفتح الزاي وقيل عبد الله
ابن عمرو الساعدي يمدح إبراهيم أيضا ويذكر هذه الرقعة
الله أعطاك المهابة والتقى * وأحل بيتك في العديد الأكثر
وأقر عينك يوم وقعة خازر * والخيل تعثر بالقنا المتكسر
من ظالمين كفتهم آثامهم * تركوا لعافية وطير حسر (1)
ما كان أجراهم جزاهم ربهم * شر الجزاء على ارتكاب المنكر
وقال يزيد بن المفرغ في قتل ابن زياد
ان المنايا إذا ما زرن طاغية * هتكن أستار حجاب وأبواب (2)
أقول بعدا وسحقا عند مصرعه * لابن الخبيثة وابن الكودن (3) الكابي
لا تقبل الأرض موتاهم إذا قبروا * وكيف تقبل رجسا بين أثواب
ان الذي عاش غدارا بذمته * ومات هزلا قتيل الله بالزاب
ما شق جيب ولا ناحتك نائحة * ولا بكتك جياد عند اسلاب
وقال عمير السلمي الذي كان على ميسرة ابن زياد يذم جيش ابن زياد
وما كان جيش يجمع الخمر والزنا * محلا إذا لاقى العدو لينصرا
وانفذ إبراهيم برأس عبيد الله بن زياد ورؤوس قواده وفيها رأس
الحصين بن نمير إلى المختار وفي آذانهم رقاع فيها أسماؤهم فقدموا

(1) لحاجلة وطير أعثر خ ل
(2) هتكن عنه ستورا بعد أبواب خ ل
(3) الكودن الفرس الهجين أي غير العتيق " منه "
89

عليه وهو يتغدى فحمد الله على الظفر فلما فرغ من الغداء قام فوطئ
وجه ابن زياد بنعله ثم رمى بها إلى غلامه وقال اغسلها فاني وضعتها
على وجه نجس كافر. وألقيت الرؤوس في القصر بين يديه فألقاها
في المكان الذي وضع فيه رأس الحسين (ع) ورؤوس أصحابه ونصب
المختار رأس ابن زياد في المكان الذي نصب فيه رأس الحسين (ع)
ثم ألقاه في اليوم الثاني في الرحبة مع الرؤوس. ولما وضع رأس
ابن زياد امام المختار جاءت حية دقيقة فتخللت الرؤوس حتى دخلت
في فم عبيد الله بن زياد ثم خرجت من منخره ودخلت في منخره
وخرجت من فيه فعلت هذا مرارا فقال المختار دعوها دعوها.
قال ابن الأثير اخرج هذا الترمذي في جامعه. وعن أبي الطفيل
عامر بن واثلة قال وضعت الرؤوس عند السدة بالكوفة عليها
ثوب ابيض فكشفنا عنها الثوب وحية تتغلغل في رأس عبيد الله
ونصبت الرؤوس في الرحبة قال عامر ورأيت الحية تدخل في منافذ
رأسه وهو مصلوب مرارا. قال سبط بن الجوزي وفي رواية
فعلت ذلك ثلاثة أيام. ثم إن المختار بعث برأس عبيد الله بن زياد
ورأس الحصين بن نمير ورأس شراحيل بن ذي الكلاع إلى مكة
إلى محمد بن الحنفية ومعها ثلاثون ألف دينار وكتب إليه. اني بعثت
أنصاركم وشيعتكم إلى عدوكم فخرجوا محتسبين آسفين فقتلوهم
90

فالحمد لله الذي أدرك لكم الثار وأهلكهم في كل فج عميق وشفي
الله صدور قوم مؤمنين فلما قدمت عليه خر ساجدا لله دعا للمختار
وقال جزاه الله خير الجزاء فقد أدرك لنا ثارنا ووجب حقه على كل
من ولده عبد المطلب بن هاشم ودعا لابن الأشتر أيضا. وبعث
برأس عبيد الله بن زياد ورأس آخر معه إلى علي بن الحسين عليه
السلام وكان يومئذ بمكة فادخل عليه وهو يتغدى فسجد شكرا
لله وقال الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من عدوي وجزى الله المختار
خيرا أدخلت على عبيد الله بن زياد وهو يتغدى ورأس أبي بين يديه
فقلت اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد. وعن الصادق عليه
السلام أنه قال ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ولا رؤي في دار
هاشمي دخان خمس سنين حتى قتل عبيد الله بن زياد. وعن فاطمة
بنت علي أمير المؤمنين عليه السلام انها قالت ما تحنأت امرأة منا
ولا أجالت في عينها مرودا ولا امتشطت حتى بعث المختار برأس
عبيد الله بن زياد
ووردت اخبار في ذم المختار والله أعلم بحقيقة امره وعلى كل
حال فقد شفى النفوس وأدرك الثار وانتقم الله به من الطغاة الفجار
(وروي) انه قتل في أيام ولايته وهي ثمانية عشر شهرا ثمانية عشر ألفا
ممن شرك في قتل الحسين عليه السلام
91

وقد تم والحمد لله ما أردنا جمعه من قصة الاخذ بالثار. وكان
الفراغ من تسويده عصر يوم الجمعة التاسع والعشرين
من شهر رجب المرجب سنة إحدى وثلاثين بعد
الألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية على
مهاجرها وآله أفضل الصلاة والسلام والتحية
والحمد لله وحده وصلى الله على نبيه
وآله وخيار أصحابه
وسلم تسليما
وقد تم طبعه في اليوم العاشر من شهر
شوال من السنة المذكورة
منشورات
مكتبة بصيرتي
الطبعة الثانية
ذي القعدة 1404 ه‍
92