الكتاب: أبو طالب حامي الرسول (ص) وناصره
المؤلف: نجم الدين العسكري
الجزء:
الوفاة: ١٣٩٠
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٠
المطبعة: مطبعة الآداب - النجف الأشرف
الناشر: مطبعة الآداب - النجف الأشرف
ردمك:
ملاحظات:

أبو طالب عليه السلام
حامي الرسول وناصره صلى الله عليه وآله وسلم
تأليف
نجم الدين العسكري
مطبعة الآداب في النجف الأشرف
1380 هج‍
1

بسم الله الرحمن الرحيم
أبو طالب عليه السلام حامي الرسول وناصره
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين نبي الرحمة الذي علمه الله
تبارك وتعالى علم الأولين والآخرين الحاوي جميع الكمالات والمنزه من كل
نقص وشين ثم الصلاة والسلام على أعمامه الغر الميامين، اللذين آمنوا به وبما
جاء به من عند رب العالمين.
وبعد يقول العبد الفاني نجم الدين الشريف العسكري، الداعي لتأليف
هذا المختصر وأمثاله هو ما عثرت عليه عند مطالعاتي لكتب بعض علماء
المسلمين من أمور نسبوها إلى نبيهم صلى الله عليه وآله والى أعمامه
الكرام عليهم السلام وهي أمور لو تتبع مصادرها ومسانيدها علم علم اليقين
ان جميع ذلك من حساد بني هاشم وأعدائهم كبني أمية واتباعهم ومن تلك
الأمور ما نسبوه إلى سيد البشر وسيد الأنبياء عليه وعليهم السلام انه كان
أميا يجهل القراءة والكتابة وبقي أميا إلى أن توفاه الله، وعثرت أيضا على
جمع من علماء المسلمين أنكروا ذلك وكتبوا ردا على قائله ومن بعض تلك
الأمور ما نسبوه إلى من رباه وحماه ونصره طول حياته إلى أن توفاه الله
وهو أبو طالب مؤمن قريش ومن بذل نفسه ونفيسه في نصرة الرسول
ونصرة الحق ونصرة ما جاء به من الله تعالى حتى انتشر ولولاه ما عرف
الحق وما اتبعه أحد من الخلق أجمعين وذلك أنه عليه السلام عرف الحق
وما تبعه وما آمن به إلى أن اتاه اليقين وقد أنكر ذلك جميع الامامية وجماعة
من غيرهم وكتبوا ردا على قائله وقد طبع بعض ذلك وبقى كتب كثيرة
2

منها لم يطبع فأحببت ان أجمع منها في هذا المختصر جمعا يناسب هذا العصر
حتى أنزه به ساحة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وابرء مقام عمه
الأكرم أبو طالب عليه السلام مما نسبوه إليه نصرة للحق وخدمة لمن بذلوا
نفسهم ونفيسهم في احياء الدين الحنيف والشريعة السهلة السمحة الذي
يصلح به جميع ما فسد من أمور الخلق أجمعين، فاحمد الله الرؤف الرحيم
على ما وفقني لجمع ما نزهت به سيد البشر وسيد الخلق أجمعين محمد
صلى الله عليه وآله وسميت ما جمعت (نبينا محمد صلى الله عليه وآله
يقرأ ويكتب) وقد طبع واشكر الله العلي القدير العظيم على ما وفقني لجمع
ما يبرء ساحة عم الرسول صلى الله عليه وآله وحاميه وناصره شيخ
أبطح ومؤمن قريش أبو طالب عليه السلام وهو هذا المختصر وسميته
(أبو طالب عليه السلام حامي الرسول صلى الله عليه وآله وناصره)
فأقول مستعينا بالله العلي العظيم ان من مختصات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليهما السلام.
3

(أحوال أبي طالب)
(حامي الرسول وناصره صلى الله عليهما وعلى آلهما)
نورد هنا بعض ما روي في أحوال والد أمير المؤمنين مؤمن قريش
وحامي رسول الله صلى الله عليه وآله وناصره طول حياته حتى
شاع وذاع دينه القويم وصراطه المستقيم.
(قال المؤلف) من راجع كتب التاريخ والحديث والتفسير لعلماء
أهل السنة والامامية عليهم الرحمة والرضوان يجد فيها أفعالا وأقوالا في النثر
والشعر، تدل على أن أبا طالب عليه السلام كان مؤمنا بالله موحدا ومؤمنا
بجميع الأنبياء آدم ومن بعده عليهم السلام وكان عالما بأنه سيبعث الله
تبارك وتعالى من بني هاشم نبيا ووصيا له وكان ينتظرهما طول حياته
عليه السلام فلما من الله تعالى على خلقه وولدا في أشرف بقعة من الدنيا
ومن أفضل والدين عرفهما وآمن بهما قبل كل أحد ولكن لمصلحة العصر
والوقت ولان يتمكن من حفظهما عليهما السلام وحفظ من آمن بهما أخفى
عن الناس وعلى الأخص من كفار قريش إيمانه بهما ولم يتابعهما في
العبادات التي كانا يقومان به، في الظاهر كل ذلك تقية أو اتقاء، وبالتأمل
فيما يأتي مما نذكره من أفعاله وأقواله عليه السلام يظهر صدق ما ذكرناه
فراجع وتأمل فيها بدقة واترك التعصب الباطل والتقليد لمن لا يستحق ذلك
(خرج) العلامة شيخ الاسلام الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه
(ينابيع المودة ص 255 طبع اسلامبول سنة 1301 ه‍) من المودة الثامنة
من كتاب مودة القربى تأليف العلامة السيد علي بن شهاب الهمداني الشافعي
وقد نقل جميع ذلك الكتاب في ينابيع المودة (من ص 242 إلى ص 266)
4

فقال ما هذا لفظه (عن) عباس بن عبد المطلب (عم النبي صلى الله
عليه وآله وسلم) قال لما ولدت فاطمة بنت أسد عليا (عليه السلام)
(في بيت الله الحرام) سمته باسم أبيها أسد، فلم يرض أبو طالب بهذا
الاسم فقال (لها) هلم حتى نعلو أبا قبيس ليلا وندعو خالق الخضراء
فلعله أن ينبئنا في اسمه فلما أمسيا خرجا وصعدا أبا قبيس، ودعيا الله تعالى
فأنشأ يقول أبو طالب:
يا رب هذا الغسق الدجي * والفلق المبتلج المضي
بين لنا عن أمرك المقضي * بما نسمي ذلك الصبي
فإذا خشخشة من السماء، فرفع أبو طالب طرفه، فإذا لوح مثل
الزبرجد الأخضر فيه أربعة أسطر فاخذه بكلتا يديه وضمه إلى صدره ضما
شديدا فإذا مكتوب (فيه).
خصصتما بالولد الزكي * والطاهر المنتجب الرضي
واسمه من قاهر علي * علي اشتق من العلي
فسر أبو طالب سرورا عظيما، وخر ساجدا لله تبارك وتعالى وعق
بعشرة من الإبل، وكان اللوح معلقا في بيت الله الحرام يفتخر به
بنو هاشم على قريش حتى غاب زمان قتال الحجاج بن الزبير.
(قال المؤلف) لم يغب بل سرق وستعرف سارقه فيما يأتي وقد نقل
الأبيات الكنجي الشافعي محمد ين يوسف بن محمد في كتابه كفاية الطالب
(ص 260) طبع النجف الأشرف، وفيها اختلاف في بعض الكلمات
وهذا نص ألفاظه:
يا رب هذا الغسق الدجي * والقمر المنبلج المضي
بين لنا من أمرك الخفي * ماذا ترى في اسم ذا الصبي
5

قال فسمع صوت هاتف يقول:
يا أهل بيت المصطفى النبي * خصصتم بالولد الزكي
إن اسمه من شامخ علي * علي اشتق من العلي
(قال المؤلف) وخرج الأبيات في المناقب (ج 1 ص 359)
عن أبي علي همام (قال): رفعه، أنه لما ولد علي عليه السلام أخذ أبو طالب
بيد فاطمة وعلي على صدره وخرج إلى الأبطح ونادى:
يا رب يا ذا الغسق الدجي * والقمر المنبلج المضي
بين لنا من حكمك المقضي * ماذا ترى في اسم ذا الصبي
قال فجاء شئ يدب على الأرض كالسحاب حتى حصل في صدر
أبي طالب فضمه مع علي إلى صدره، فلما أصبح إذا هو بلوح أخضر
فيه مكتوب:
خصصتما بالولد الزكي * والطاهر المنتجب الرضي
فاسمه من شامخ علي * علي اشتق من العلي
قال فعلقوا اللوح في الكعبة، وما زال هناك حتى اخذه هشام بن
عبد الملك،
(قال المؤلف): وهو السارق للوح كما أشرنا سابقا (ثم قال):
اجتمع أهل البيت (عليهم السلام) أنه (عليه السلام) (ولد) في الزاوية
اليمنى من ناحية البيت (أي الكعبة المشرفة).
(قال المؤلف) فأهل البيت أدرى بمن ولد في البيت، وفي اي
مكان منه ولد، والأولاد اعرف بأحوال آبائهم من غيرهم، وقد أمرنا
بالتمسك بهم، واتباعهم في جميع الأمور لأنهم أحد الثقلين اللذين تركهما
رسول الله صلى الله عليه وآله في أمته وقال: إني تارك فيكم الثقلين
كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وقد أثبتنا هذا
6

الحديث في الجزء الأول من كتابنا (محمد وعلي وبنوه الأوصياء) بطرق
عديدة من كتب علماء أهل السنة.
(ثم قال أعلى الله مقامه) فالولد الطاهر من النسل الطاهر ولد في
الموضع الطاهر، فأين توجد هذه الكرامة لغيره فأشرف البقاع الحرم، وأشرف
بقاع المسجد الكعبة، ولم يولد (قبله ولا بعده) فيه مولود سواه، فالمولود
فيه يكون في غاية الشرف، فليس المولد في سيد الأيام يوم الجمعة في
الشهر الحرام في البيت الحرام سوى أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب)
عليهما السلام.
(وفي المناقب ج 1 ص 358) عن يزيد بن قعنب وجابر الأنصاري
(قالا) إنه كان راهب يقال له المثرم بن دعيب قد عبد الله مائة وتسعين
سنة ولم يسأله حاجة فسأل ربه ان يريه وليا له، فبعث الله بابي طالب
إليه فسأله عن مكانه وقبيلته، فلما أجابه وثب إليه وقبل رأسه وقال:
الحمد لله الذي لم أمت حتى أراني وليه، ثم قال: ابشر يا هذا ان الله
ألهمني أن ولدا يخرج من صلبك هو ولي الله، اسمه علي، فان أدركته
فاقرأه مني السلام، فقال ما برهانه؟ قال: ما تريد قال: طعام من
الجنة في وقتي هذا، فدعا الراهب بذلك، فما استتم دعاؤه حتى أتي بطبق
عليه من فاكهة الجنة رطب وعنب ورمان، فتناول رمانة فتحولت ماء في
صلبه فجامع فاطمة فحملت بعلي وأرتجت الأرض وزلزلت بهم أياما
وعلت قريش بالأصنام إلى ذروة أبي قبيس، فجعلت ترتج ارتجاجا تدكدكت
بهم صم الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجوهها فصعد أبو طالب
الجبل وقال: أيها الناس ان الله قد أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق
فيها خلقا إن لم تطيعوه وتقروا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم
فأقروا به فرفع يده وقال: آلهي وسيدي بالمحمدية المحمودة، وبالعلوية
7

العالية، وبالفاطمية البيضاء، إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة، فكانت
العرب تدعو بها في شدايدها في الجاهلية وهي لا تعلمها، فلما قربت ولادته
أتت فاطمة إلى بيت الله وقالت: ربي اني مؤمنة بك وبما جاء من عندك
من الرسل والكتب، مصدقة بكلام جدي إبراهيم، فبحق الذي بنى هذا
البيت، وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي، فانفتح البيت
(من ظهره) ودخلت فيه فإذا هي بحواء ومريم وآسية وأم موسى وغيرهن
فصنعن ما صنعن برسول الله صلى الله عليه وآله وقت ولادته
(الحديث) قال المؤلف: يعرف من هذا الحديث وأمثاله أن أبا طالب
وفاطمة بنت أسد كانا يعرفان الأنبياء ويؤمنان بهم.
(وخرج في المناقب أيضا ج 1 ص 359) عن شعبة عن قتادة عن
أنس العباس بن عبد المطلب، وفي رواية الحسن بن محبوب عن الصادق
عليه السلام، ومختصر الحديث انه انفتح البيت من ظهره ودخلت فاطمة
(بنت أسد) فيه ثم عادت الفتحة والتصقت وبقيت فيه (اي في الكعبة)
ثلاثة أيام فأكلت من ثمار الجنة، فلما خرجت (وعلي عليه السلام على
صدرها) قال علي: السلام عليك يا أبة ورحمة الله وبركاته (الحديث).
(وفي المناقب أيضا ج 1 ص 357) قال: وعن شيخ السنة القاضي
أبي عمرو، عثمان بن أحمد في خبر طويل أن فاطمة بنت أسد رأت
النبي صلى الله عليه وآله يأكل تمرا له رائحة تزداد على كل الأطايب
من المسك والعنبر، من نخلة لا شماريخ لها، فقالت ناولني أنل منها (اي
آكل منها) قال صلى الله عليه وآله لا تصلح (أن تأكلي منها)
8

إلا أن تشهدي معي أن لا إله إلا الله، وأني محمد رسول الله، فشهدت
الشهادتين فناولها (1).
فأكلت فازدادت رغبتها وطلبت أخرى لأبي طالب (فأعطاها) فعاهدها
أن لا تعطيه إلا بعد الشهادتين، فلما جن عليها الليل اشتم أبو طالب
نسما ما اشتم مثله قط فأظهرت ما معها فالتمسه منها، فأبت عليه إلا أن
يشهد الشهادتين، فلم يملك (أبو طالب) نفسه أن شهد الشهادتين، غير
أنه سألها أن تكتم عليه لئلا تعيره قريش فعاهدته على ذلك، فأعطته ما معها
(فاكله) وآوى إلى زوجته فعلقت بعلي عليه السلام في تلك الليلة، ولما
حملت بعلي عليه السلام ازداد حسنها فكان (الجنين الذي في بطنها) يتكلم
(وهو) في بطنها فكانت (يوما) في الكعبة فتكلم علي (وهو في بطن أمه)
مع جعفر (فاندهش) فغشي عليه فالتفتت (إلى) الأصنام (وقد) خرت
على وجوهها (تعظيما له) فمسحت على بطنها وقالت: يا قرة العين
سجدت لك الأصنام داخلا فكيف شأنك خارجا، وذكرت لأبي طالب
ذلك فقال: هو الذي قال لي أسد في طريق الطائف (أي أخبره بأحوال
ابنه علي عليه السلام جده أسد عليه السلام.
(قال المؤلف) فبالتأمل في كلام الراهب مثرم، وفي حديث قاضي
السنة أبي عمرو يثبت لك أن أبا طالب وزوجته فاطمة بنت أسد كانا
داخلين في الشريعة المحمدية معترفين برسالته بعد أن كانا على الشريعة
الإبراهيمية، وعندما اجتمع أبو طالب عليه السلام مع زوجته فاطمة بنت
أسد فحملت بعلي عليه السلام كانا مؤمنين موحدين مسلمين وكان ذلك

(1) (قال المؤلف إنما طلب النبي صلى الله عليه وآله الشهادتين
الشهادة بالتوحيد والشهادة برسالته للدخول في الشريعة الاسلامية بعد أن كانت
مؤمنة بشريعة أبيها إبراهيم عليه السلام).
9

بعد تزويج النبي صلى الله عليه وآله بخديجة عليها السلام بسنين على
اختلاف الروايات فأقلها تسع سنين وأكثرها سبع عشرة سنة.
(قال المؤلف) وبالتأمل في الحديث الآتي تعرف تاريخ حمل فاطمة
بنت أسد بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، كما تعرف تأريخ
دخولهما في الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وآله بعد أن كانوا
يعملون بشريعة أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام.
(وفي المناقب ج 1 ص 363) قال خرج الطبري في تأريخه، وكذلك
البلاذري والثعلبي في تفسيره (الكشف والبيان) والواحدي في تفسيره
وفي كتاب (شرف النبي) وأربعين الخوارزمي (وهو المعروف بالمناقب)
للموفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي المطبوع في إيران، وفي كتاب (الدرجات
لمحفوظ البستي) وفي مغازي محمد بن إسحاق، وفي غيرها من الكتب المعتبرة
والكل يروون عن مجاهد (أنه قال) كان من نعم الله على علي بن أبي
طالب أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة (اي قحط وغلاء) وكان أبو طالب
ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لحمزة والعباس
إن أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة
فانطلق بنا نخفف عن عياله، فدخلوا عليه وطالبوه بذلك فقال إذا تركتم
لي عقيلا فافعلوا ما شئتم فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب، ثم بقي
في مكة وحده إلى أن أخذوه يوم بدر، واخذ حمزة جعفرا فلم يزل عنده
في الجاهلية والاسلام إلى أن قتل حمزة، وأخذ العباس طالبا وكان معه
إلى أن أخرجوه يوم بدر ثم فقد فلم يعرف له خبر، وأخذ رسول الله
صلى الله عليه وآله عليا وهو ابن ست سنين كسنه (صلى الله عليه
وآله وسلم) يوم أخذه أبو طالب (من جده عبد المطلب) فربته خديجة
والمصطفى صلى الله عليه وآله إلى أن جاء الاسلام، وتربيتهما أحسن
10

من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد، فكان مع النبي صلى الله عليه وآله
وسلم إلى أن مضى (رسول الله صلى الله عليه وآله إلى دار البقاء)
وبقي علي عليه السلام بعده حافظا للمسلمين واماما ومرشدا لهم.
(وفيه أيضا ج 1 ص 363) قال: ذكر أبو القاسم في أخبار أبي
رافع من ثلاثة طرق: أن النبي صلى الله عليه وآله حين تزوج
خديجة قال لعمه (أبي طالب): إني أحب أن تدفع إلي بعض ولدك
يعينني على أمري ويكفيني وأشكر لك بلاءك عندي، فقال أبو طالب
خذ أيهم شئت فاخذ عليا (عليه السلام).
(وفي خطب نهج البلاغة) يشير إلى ما ذكرناه فيقول السيد الرضي
رحمه الله قال عليه السلام: وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره
وانا وليد، يضمني إلى صدره، ويلفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني
عرقه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا
خطلة في فعل (الخ).
(قال المؤلف) تقدم نقلا من المناقب (ج 1 ص 358) رواية
جابر بن عبد الله قضية مثرم بن دعيب الراهب وما فعله مع أبي طالب
عليه السلام، وهذه القضية ورواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه خرجها
الكنجي الشافعي في كفاية الطالب (ص 260) وفيه اختلاف، وله مقدمة
لم يذكرها في المناقب إليك نصها وقد تقدم.
(عن جابر بن عبد الله) قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم عن ميلاد علي بن أبي طالب فقال: لقد سألتني عن خير مولود ولد
في شبه المسيح (الحديث) وقد تقدم جميع ألفاظه والمقصود من ذكره
أن أبا طالب عليه الكلام كان عالما بأحوال ابن أخيه محمد صلى الله
11

عليه وآله وسلم وأحوال ولده علي بن أبي طالب قبل ولادتهما، وكان
مؤمنا بهما، معترفا برسالة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله
ووصاية ولده له، ولذلك لما جمعهم النبي صلى الله عليه وآله يوم
الانذار وأخبرهم بأنه رسول الله إليهم وأن عليا وصيه قبل ذلك أبو طالب
ولم يتكلم ولم يرد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما رد عليه غيره
فضحكوا على أبي طالب عليه السلام وقالوا له: ألا ترى ان محمدا يأمرك
باتباع ولدك؟.
(بعض ما روي في بدء الشريعة المحمدية ومعرفة)
(أبي طالب عليه السلام ذلك)
(قال المؤلف) ومما يؤيد ما ذكرناه وهو معرفة أبي طالب
عليه السلام بنبوة ابن أخيه صلى الله عليه وآله حديث أخرجه
فقيه الحنابلة إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري في كتابه، (نهاية الطلب
وغاية السؤول في مناقب آل الرسول) باسناده عن طاووس عن ابن عباس
أن النبي صلى الله عليه وآله قال للعباس رضي الله عنه: ان الله
أمرني باظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني، فما عندك؟ فقال له العباس
يا بن أخي تعلم أن قريشا أشد الناس حسدا لولد أبيك، وإن كانت هذه
الخصلة كانت الطامة الطماء، والداهية العظيمة، ورمينا عن قوس واحد
وانتسفونا نسفا، ولكن قرب إلى عمك أبي طالب فإنه كان أكبر أعمامك
إن لا ينصرك ولا يخذلك ولا يسلمك، فاتياه فلما رآهما أبو طالب
فقال: إن لكما لظنة وخبرا، ما جاء بكما في هذا الوقت؟ فعرفه العباس
ما قال له النبي صلى الله عليه وآله، وما أجابه به العباس، فنظر إليه
12

أبو طالب وقال له: أخرج ابن أبي، فإنك الرفيع كعبا، والمنيع حزبا
والأعلى أبا، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد، واجتذبه سيوف
حداد، والله لتذلن لك العرب ذل البهم لحاضنها، ولقد كان أبي
(عبد المطلب شيبة الحمد عليه السلام) يقرأ الكتاب جميعا، ولقد قال
إن من صلبي لنبيا لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به، فمن أدركه
من ولدي فليؤمن به.
(قال المؤلف) خرج هذا الحديث الشريف العلامة الحجة الأميني
في كتابه (الغدير ج 7 ص 348) ثم قال أدام الله بقاه: (أترى أن
أبا طالب يروي عن أبيه مطمئنا به، فلينشط رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم هذا التنشيط لأول يومه، ويأمره باشهار أمره والإشادة بذكر الله
وهو مخبت بأنه هو ذلك النبي الموعود بلسان أبيه والكتب السالفة، ويتكهن
بخضوع العرب له، أتراه سلام الله عليه يأتي بهذه كلها ثم لا يؤمن به
إن هذا إلا اختلاق)
(قال المؤلف) وممال يدل على أن أبا طالب كان عالما بنبوة ابن أخيه
قبل بعثته ولما بعث صلى الله عليه وآله آمن به وصدقه وحماه وأيده
ونصره، ما خرجه ابن عساكر الشافعي في تأريخه المختصر (ج 1 ص 267
طبع روضة الشام سنة (1329) ه‍) قال: إنه صلى الله عليه وآله
قدم بصرى من نواحي دمشق قبل أن يوحى إليه وهو صغير (على قول
كان له تسع سنين وعلى قول كان له اثنتا عشرة سنة) مع عمه أبي طالب
وقدمها مرة ثانية في تجارة لخديجة مع غلامها ميسرة، قال: روي عن
أبي موسى قال: خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب (بحيرا)
هبطوا وحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به
13

فلا يخرج إليهم، ولا يلتف، فبينما هم يحلون رحالهم إذ به قد جعل
يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين
(كل ذلك يسمعه أبو طالب) فقال له أشياخ من قريش: وما علمك
قال: انكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر الا خر ساجدا (له)
ولا يسجدون إلا لنبي، وإني لأعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف
كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع له طعاما فلما أتاهم به، وكان هو
في رعيه الإبل قال: أرسلوا إليه، فاقبل وعليه غمامة تظلله، فلما دنا من
القوم وجدهم قد سبقوا إلى فئ الشجرة، فلما جلس (صلى الله عليه
وآله وسلم مال فئ الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فئ الشجرة مال
عليه، قال: فبينما، هو قائم وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم فان
الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه، فالتفت فإذا هو بسبعة نفر قد
أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا إن النبي
خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق الا بعث إليه بأناس، وانا قد أخبرنا
خبره فبعثنا إلى طريقك هذا، قال فهل خلفتم خلفكم أحدا هو خير منكم؟
قالوا: لا، إنما اخترنا خيرة لطريقك هذا، قال: أفرأيتم إن أراد الله
أمرا أن يمضيه هل يستطيع أحد ان يرده؟ قالوا: لا قال: فبايعوه
فأقاموا معه، قال: فأتاهم فقال: أنشدكم الله أيكم وليه؟ قال أبو طالب
أنا فلم يزل يناشده حتى رده (إلى مكة.
(قال المؤلف) وإن كان هذا الحديث ضعيفا ولكن يؤخذ به في
باب الفضائل على القاعدة التي ذكرت في الحديث، وهو عند علماء أهل
السنة مجمع عليه كما ذكره ابن حجر في أول كتاب (تطهير الجنان)
المطبوع بهامش (ص 26) من الصواعق، وهذا الحديث هو حديث بحيرا
14

ولكن نقل بالمعنى وزيد فيه ما ليس منه.
(قال المؤلف) وقد أخرجنا حديثا نحوه مفصلا من الخصائص
الكبرى للسيوطي الشافعي في هذا المختصر، فيه دلالة واضحة على ما نحن
بصدده، وخرج في ذيل تاريخ ابن عساكر (ج 1 ص 268) أن الحديث
المتقدم خرجه الترمذي في كتابه، وذكره البزاز في مسنده مع اختلاف
وذكر في التأريخ أيضا (ج 1 ص 268) بسنده عن أبي مجلز (أنه قال)
لما مات عبد الله (عليه السلام والد النبي صلى الله عليه وآله)
عطف عبد المطلب أو أبو طالب على محمد (صلى الله عليه وآله)
فكان لا يسافر سفرا إلا كان معه فيه، فتوجه نحو الشام فنزل منزلا
فاتاه فيه راهب فقال: إن فيكم رجلا صالحا فقال: إن فينا من يقري
الضيف، ويفك الأسير، ويفعل المعروف، فقال: أرجو أعلى من هذا
ثم (أشار إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال: أين أبو هذا الغلام؟
فقيل له: هذا وليه، فقال له: احتفظ به ولا تذهب به إلى الشام
إن اليهود حساد، وإني أخشاهم عليه، قال ما أنت تقول ذلك ولكن الله
يقوله، فرده وقال: اللهم إني أستودعك محمدا ثم إن الراهب مات.
(قال المؤلف) ثم إن ابن عساكر ذكر قضية بحيرا الراهب واطعامهم
الطعام في (ج 1 ص 269 ص 271) وسيمر عليك تفصيل حديثه نقلا
من الخصائص، ولفظه يوافق لفظ السيوطي الشافعي في الخصائص، غير
أن السيوطي زاد كلمات في الحديث شرحا له، وذكر أن أبا طالب عليه السلام
قال في ذلك أبياتا، منها:
فما رجعوا حتى رأوا من محمد * أحاديث تجلو غم كل فؤاد
فذكر ستة أبيات بعده تراها بعد الحديث فيما يأتي، ولكن ابن عساكر
لما ذكر القضية بكاملها ذكر لأبي طالب عليه السلام أبياتا غير ما ذكره
15

جلال الدين السيوطي في الخصائص، ونحن نذكر الأبيات فقط دون القضية
قال ابن عساكر ثم نظر (بحيرا) إلى ظهره عليه السلام فرأى خاتم النبوة
بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده، فقال أبو طالب في ذلك:
ان ابن آمنة النبي محمدا * عندي يفوق منازل الأولاد (1)
لما تعلق بالزمام رحمته * والعيس قد قلصن بالأزواد
فارفض من عيني دمع ذارف * مثل الجمان مفرق الافراد
راعيت فيه قرابة موصولة * وحفظت فيه وصية الأجداد
وأمرته بالسير بين عمومة * بيض الوجوه مصالت انجاد
ساروا لابعد طية معلومة * فلقد تباعد طية المرتاد
حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا * لاقوا على شرك من المرصاد
حبرا فأخبرهم حديثا صادقا * عنه ورد معاشر الحساد
قوما يهودا قد رأوا لما رأى * ظل الغمام وعن ذي الأكباد
ساروا لقتل محمد فنهاهم * عنه واجهد أحسن الاجهاد
فثنى زبيرا من بحيرا فانثنى * في القوم بعد تجاول وبعاد
ونهى دريسا فانثنى عن قوله * حبر يوافق أمره برشاد
وقال (أبو طالب عليه السلام) أيضا في قضية سفره مع أن أخيه
صلى الله عليه وآله:
ألم ترني من بعدهم هممته * بفرقة حر الوالدين حرام
بأحمد لما أن شددت مطيتي * برحلي وقد ودعته بسلام
بكى حزنا والعيس قد فصلت بنا * وأخذت بالكفين فضل زمام
ذكرت أباه حين رقرق عبرة * تجود من العينين ذات سجام

(1) في رواية ابن عساكر في تاريخه (ج 1 ص 271) بدل الشطر الثاني
(عندي بمثل منازل الأولاد).
16

فقلت ترحل راشدا في عمومة * مواسين في البأساء غير لئام
وفي كتاب الحجة على الذاهب: (وقلت له رح راشدا في عمومة)
فرحنا مع العير التي راح أهلها * شآم الهوى والأصل غير شآم
وفي الديوان:
وجاء مع العير التي راح ركبها * شآمى الهوى والركب غير شآم
فلما هبطنا ارض بصرى تشرفوا * لنا فوق دور ينظرون عظام
فجاء بحيرا عند ذلك حاشدا * لنا بشراب طيب وطعام
فقال اجمعوا أصحابكم عندما رأى * فقلنا جمعنا القوم غير غلام
يتيم فقال ادعوه ان طعامنا * له دونكم من سوقة وإمام
وآلى يمنيا برة إن زادنا * كثير عليه اليوم غير حرام
فلو لا الذي خبرتم عن محمد * لكنتم لدينا اليوم غير كرام
فلما رآه مقبلا نحو داره * يوقيه حر الشمس ظل غمام
حنا رأسه شبه السجود وضمه * إلى نحره والصدر أي ضمام
واقبل ركب يطلبون الذي رأى * بحيرا من الاعلام وسط خيام
فذلك من اعلامه وبيانه * وليس نهار واضح كظلام
فثار إليهم خشية لعرامهم * وكانوا ذوي بغي لنا وعرام
دريسا وتماما وقد كان فيهم * زدير وكل القوم غير نيام
فجاؤوا وقد هموا بقتل محمد * فردهم عنه بحسن خصام
بتأويله التوراة حتى تيقنوا * فقال لهم ما أنتم بطغام
(قال المؤلف) ثم ذكر ابن عساكر البيت المتقدم ذكره (فذلك
من اعلامه وبيانه) الخ، ولكن في الديوان المطبوع في النجف الأشرف
جمع أبي هفان ذكر بيتا آخر وهو:
وإن الذي نختاره منه مانع * سيكفيه منكم كيد كل طغام
17

ثم ذكر البيت المتقدم (فذلك من إعلامه وبيانه) الخ، بعده
فالأبيات في الديوان (32) في القصيدتين، وقي تاريخ ابن عساكر (30)
بيتا، وفي (كتاب الغدير) للأميني (33)، وفي كتاب (الحجة على
الذاهب) لفخار بن معد (19) بيتا، وفي كتاب (أبو طالب مؤمن
قريش) للخنيزي (20) بيتا.
(قال المؤلف) خرج هذه الأبيات من القصيدتين جماعة أشرنا إليهم
وخرجهما السيد العلامة العاملي في الأعيان (ج 39 ص 147) وذكر
بعضها في معجم القبور (ج 1 ص 185) للسيد العلامة الحجة السيد محمد
مهدي الأصبهاني الكاظمي، وخرجها العلامة الخنيزي في كتابه (أبو طالب
مؤمن قريش (ص 134 ص 135) (ثم قال) ونعم ما قال:
لسنا نشك بعد هذا في أن أبا طالب عليه السلام كان ينظر إلى هذه
الارهاصات (ثم قال) فما هذه الملامح والدلالات التي كان يراها من ابن
أخيه صلى الله عليه وآله، بالتي يجدها عند غيره من هذا الحشد من
الناس (ثم قال) إنها لدلائل صارخة ليس له أن يخالجه فيها شك أو
يعارضه ريب في أن ابن أخيه سيكون نبيا ورسولا مبعوثا يجب طاعته
ويلزم نصرته، فقام عليه السلام بواجبه ورأي ذلك فوق طاقته وأمر
إخوانه وأولاده وساير عشيرته بمتابعته وتأييده ونصرته حتى يتمكن من
بث دعوته.
(قال المؤلف) وقال السيد العلامة الحجة السيد شمس الدين الموسوي ابن معد
في (الحجة على الذاهب ص 77): لما توفي عبد الله والد النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كفله جده عبد المطلب ثماني سنين ثم احتضر الموت فدعا
ابنه أبا طالب وقال له: يا بني تسلم ابن أخيك مني، فأنت شيخ قومك
وعاقلهم ومن أجد فيه الحجى (العقل خ ل) دونهم، وهذا الغلام تحدثت به
18

الكهان، وقد روينا في الاخبار، انه سيظهر من تهامة نبي كريم، وروي
فيه علامات قد وجدتها فيه، فأكرم مثواه، واحفظه من اليهود، فإنهم
أعداؤه، فلم يزل أبو طالب لقول عبد المطلب له حافظا، ولوصيته راعبا
ومن هنا قال (فيما تقدم) (وحفظت فيه وصية الأجداد) ثم أنه
أعلى الله مقامه ذكر بعض القصيدة الثانية إلى قوله (وليس نهار
واضح كظلام) ثم قال ومن قصيدة (له) في ذلك.
وما برحوا حتى رأوا من محمد * أحاديث تجلو غم كل فؤاد
ولم يذكر بقية القصيدة ولكن ذكرها غيره.
(قال المؤلف) وهذا البيت من قصيدة ذكرها جلال الدين السيوطي
الشافعي في الخصائص الكبرى (ج 1 ص 84 ص 85) وإليك نصها:
فما رجعوا حتى رأوا من محمد * أحاديث تجلو غم كل فؤاد
وحتى رأوا أحبار كل مدينة * سجودا له من عصبة وفراد
زبيرا وتماما وقد كان شاهدا * دريسا وهموا كلهم بفساد
فقال لهم قولا بحيرا وأيقنوا * له بعد تكذيب وطول بعاد
كما قال للرهط الذين تهودوا * وجاهدهم في الله كل جهاد
فقال ولم يترك له النصح رده * فان له إرصاد كل مصاد
فاني أخاف الحاسدين وإنه * لفي الكتب مكتوب بكل مداد
(قال المؤلف) ثم ذكر السيد شمس الدين بن معد في (الحجة على الذاهب
(ص 78) بعد ذكره البيت المتقدم: (وما برحوا حتى رأوا من محمد) الخ
وقال لما اشتد أذى أبي جهل بن هشام للنبي صلى الله عليه وآله
وعناده له، قال أبو طالب له متهددا، وبالحرب متوعدا ولرسول الله
صلى الله عليه وآله ولدينه محققا معتقدا.
صدق ابن آمنة النبي محمدا * فتميزوا غيظا به وتقطعوا
19

إن ابن آمنة النبي محمدا * سيقوم بالحق الجلي ويصدع
فأربع أبا جهل على ظلع فما * زالت جدودك تستخف وتظلع
سترى بعينك إن رأيت قتاله * وعناده من أمره ما تسمع
(ثم قال السيد أعلى الله مقامه) لله در أبي طالب كأنه أوحي إليه
ما يكون من أمر عدو الله أبي جهل إذ جد في عناد النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وقتاله، حتى أراه الله بعينه يوم بدر، وما وعده أبو طالب
من تعفير خده وإتعاس جده.
(قال المؤلف) ايذاء أبي جهل للنبي صلى الله عليه وآله
معروف مشهور ذكر ذلك أغلب المؤرخين ومن جملة أذاياه ما ذكره ابن
شهرآشوب في المناقب ج 1 ص 442 الطبع الثاني، قال: روي عن ابن عباس أنه قال
دخل النبي صلى الله عليه وآله الكعبة، وافتتح الصلاة فقال أبو جهل: من
يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري وتناول فرثا
ودما وألقى ذلك عليه فجاء أبو طالب وقد سل سيفه فلما رأوه جعلوا
ينهضون، فقال: والله لئن قام أحد جللته بسيفي، (ثم قال) يا بن أخي
من الفاعل بك هذا؟ قال: عبد الله، فأخذ أبو طالب فرثا ودما وألقى
عليه (قال): وفي رواية أمر عبيده أن يلقوا السلا عن ظهره ويغسلوه
ثم أمرهم أن يأخذوه (اي يأخذوا السلا) فيمروا على أسبلة القوم بذلك
(وفي رواية) إن فاطمة عليها السلام أماطته ثم أوسعتهم شتما وهم يضحكون
(قال) فلما سلم النبي صلى الله عليه وآله قال: اللهم عليك الملا
من قريش، اللهم عليك أبا جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة
ابن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف (قال): فوالله الذي
لا إله إلا هو ما سمى النبي صلى الله عليه وآله يومئذ أحدا إلا وقد
رأيته يوم بدر وقد أخذ برجله تجر إلى القليب مقتولا.
20

(قال المؤلف) إن أبا طالب وعد أبا جهل هذا اليوم وقد رأى
ما وعده عليه السلام.
(قال المؤلف) من جملة أذايا أبي جهل ما ذكره جمع من المحدثين
والمؤرخين، منهم ابن أبي الحديد، فقد خرج في شرحه على نهج البلاغة
(ج 14 ص 74 ط 2) قال: وقد جاء في الخبر أن أبا جهل بن هشام
جاء مرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ساجد وبيده حجر
يريد أن يرضخ به رأسه صلى الله عليه وآله فلصق الحجر بكفه فلم
يستطيع ما أراد، فقال أبو طالب في ذلك من جملة أبيات:
أفيقوا بني عمنا وانتهوا * عن الغي من بغض ذا المنطق
وإلا فاني إذا خائف * بوائق في داركم تلتقي
كما ذاق من كان من قبلكم * ثمود وعاد وماذا بقي
(قال) ومنها
وأعجب من ذاك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق
بكف الذي قام من حينه * إلى الصابر الصادق المتقي (1)
فأثبته الله في كفه * على رغم ذا الخائن الأحمق
(قال المؤلف) خرج العلامة السيد في (الحجة على الذاهب)
(ص 52) قضية أبي جهل وقصده أذية رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وقال: أخبرني الشيخ الفقيه شاذان رحمه الله، باسناده إلي أبي الفتح
الكراجكي رحمه الله يرفعه أن أبا جهل بن هشام جاء إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ومعه حجر، يريد أن يرميه به إذا سجد رسول الله
صلى الله عليه وآله فرفع أبو جهل يده فيبست على الحجر، فرجع
وقد التصق الحجر بيده، فقال له أشياعه من المشركين أجننت؟ قال: لا

(1) في شرح نهج البلاغة ج 3 ص 314 ط 1 قال (بكف الذي قام من خبثه).
21

ولكن رأيت بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه، فقال في ذلك أبو طالب
هذه الأبيات:
أفيقوا بني عمنا وانتهوا * عن الغي في بعض ذا المنطق
وإلا فاني إذا خائف * بوائق في داركم تلتقي
تكون لغابركم عبرة * ورب المغارب والمشرق (1)
كما ذاق من كان قبلكم * ثمود وعاد فمن ذا بقي (2)
غداة أتتهم بها صرصر * وناقة ذي العرش إذ تستقى
فحل عليهم بها سخطة * من الله في ضربة الأزرق
غداة يعض بعرقوبها * حسام من الهند ذو رونق
وأعجب من ذلك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق
بكف الذي قام في جنبه * إلى الصابر الصادق المتقى (3)
فأثبته الله في كفه * على رغم ذا الخائن الأحمق (4)
أحيمق مخزومكم إذ غوى * لغي الغواة ولم يصدق (5)
(قال المؤلف) وخرج السيد العلامة العاملي في كتاب أعيان الشيعة
(ج 39 ص 142 ص 143) بعض أبيات القصيدة المذكورة.
(قال المؤلف) وخرج ابن أبي الحديد في شرحه بعد نقله الأبيات المتقدمة
الذكر (في ج 14 ط 2 ص 73) و (ج 3 ط 1 ص 314) قد اشتهر

(1) (تكون لغيركم عبرة) الغدير، ج 7 ص 336، والديوان.
(2) (كما نال من لان من قبلكم) الغدير ج 7 ص 336 والديوان.
(3) (بكف الذي قام في خبثه) الغدير (ج 7 ص 336) وفي شرح
نهج البلاغة ط 1 (ج 3 ص 314).
(4) (على رغمه الجائر الأحمق) الغدير ج 7 ص 336، والديوان.
(5) هذا البيت من الديوان، وفي الغدير (ج 7 ص 337).
22

عن عبد الله المأمون انه كان يقول: أسلم أبو طالب والله بقوله:
نصرت الرسول رسول المليك * ببيض تلالا كلمع البروق
أذب وأحمي رسول الآله * حماية حام عليه شفيق
وما أن أدب لأعدائه * دبيب البكار حذار الفنيق
ولكن أزير لهم ساميا * كما زار ليث بغيل مضيق
(قال المؤلف): خرج أبو هفان (1) في الديوان (ص 34) طبع
النجف الأشرف الأبيات بزيادة بيت واحد فيها مع اختلاف في ترتيبها
وهذا نصه قال: وقال أبو طالب:
منعنا الرسول رسول المليك * ببيض تلالا لمع البروق
بضرب يذيب دون النهاب * حذار الوتائر والخنفنيق (2)
أذب وأحمي رسول الآله * حماية حام عليه شفيق
وما إن أدب لأعدائه * دبيب البكار حذار الفنيق
وقال (أبو طالب) أيضا:
ولكن أزير لهم ساميا * كما زار ليث بغيل مضيق
(قال المؤلف) خرج العلامة الحجة في المناقب (ج 1 ص 42)
بعض الأبيات وترك بعضها، وذكر لها مقدمة كانت سببا لانشاد أبي طالب
عليه السلام الأبيات، واليك المقدمة والابيات بنصها:
(قال عليه الرحمة) روى الطبري والبلاذري والضحاك (وقالوا):

(1) عبد الله بن أحمد المهزمي العبدي ابن حرب بن خالد اللغوي الشاعر المتوفي
سنة خمس وتسعين ومائة، كما في معجم الأدباء ج 12 ص 54 طبع دار الأمان، وله
ترجمة في تأريخ بغداد (ج 9 ص 370).
(2) (الخنفنيق) الداهية.
23

لما رأت قريش حمية قومه وذب عمه أبو طالب عنه جاؤوا إليه (أي إلى
أبي طالب عليه السلام) وقالوا: جئناك بفتى قريش جمالا وجودا، وشهامة
عمارة بن الوليد، ندفعه إليك يكون نصره وميراثه لك، ومع ذلك (نعطيك)
من عندنا مالا، وتدفع إلينا ابن أخيك الذي فرق جماعتنا وسفه
أحلامنا فنقتله، فقال (عليه السلام): والله ما أنصفتموني، أتعطونني
ابنكم أغذوه لكم، وتأخذون ابني تقتلونه، هذا والله ما يكون أبدا
أتعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لا تحن إلى غيره؟ ثم نهرهم، فهموا
باغتياله (أي اغتيال النبي صلى الله عليه وآله) فمنعهم من ذلك
وقال فيه:
حميت الرسول رسول الآله * ببيض تلالا مثل البروق
أذب وأحمي رسول الآله * حماية عم عليه شفيق
(ثم قال عليه الرحمة): وأنشد (أيضا أبو طالب عليه السلام)
وقال:
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى * وغالب لنا غلاب كل مغالب
وسلم إلينا أحمدا واكفلن لنا * بنينا ولا تحفل بقول المعاتب
فقلت لهم الله ربي وناصري * على كل باغ مولوي بن غالب
(قال المؤلف) قضية مجئ قريش إلى أبي طالب عليه السلام
وطلبهم منه تسليم ابن أخيه صلى الله عليه وآله إليهم ليقتلوه ذكرها
جمع كثير من علماء أهل السنة، وعلماء الإمامية عليهم الرحمة أما علماء
أهل السنة الذين خرجوا ذلك فهم جماعة:
(منهم) الطبري في تاريخه الكبير (ج 2 ص 220 ط م سنة 1326)
(ومنهم) قزاغلي سبط ابن الجوزي الحنفي (في تذكرة خواص
الأمة (ص 5 طبع إيران سنة 1385).
24

(ومنهم) العلامة الحلبي الشافعي في سيرته المعروفة بسيرة الحلبي
(ج 1 ص 306 ط م سنة 1308)
(ومنهم) العلامة السيد احمد زيني دحلان الشافعي في سيرته المعروفة
(بالسيرة النبوية المطبوعة بهامش السيرة الحلبية (ج 1 ص 91)
(ومنهم) ابن هشام في سيرته (ج 1 ص 246 طبع مصر سنة 1295)
وذكر معها قصيدة لأبي طالب عليه السلام، أولها، (الا قل لعمرو والوليد
ابن مطعم.) الخ، وهي في أحد عشر بيتا تأتي قريبا.
(ومنهم) محمد الصبان الشافعي في اسعاف الراغبين (ص 16) ط م
سنة 1328، المطبوع بهامش مشارق الأنوار.
(منهم) ابن سعد في الطبقات (ج 1 ص 134 ط ليدن سنة 1322) وذكرها غير هؤلاء أيضا.
(منهم) ابن حجر العسقلاني في الإصابة (ج 7 ص 115 ط م
سنة 1328).
(ومنهم) العلامة زيني دحلان الشافعي أيضا في أسنى المطالب (ص 6 طبع
مصر وطبع طهران ص 9).
(وصية أبي طالب لاقربائه ان يطيعوا النبي صلى الله)
(عليه وآله وسلم والخطبة التي خطبها في زواج)
(خديجة عليها السلام)
(قال المؤلف) ذكر زيني دحلان الشافعي قبل ذكره القضية في
(ص 8) من أسنى المطالب طبع طهران، وقال: قال أبو طالب
25

لاقربائه وأولاده: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره
فأطيعوه ترشدوا (قال) وقد نوه أبو طالب بنبوة النبي قبل أن يبعث
صلى الله عليه وآله لأنه ذكر في الخطبة التي خطب بها حين تزوج
صلى الله عليه (وآله وسلم) بخديجة رضي الله عنها، فقال في خطبته
تلك: " الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ
معد، وعنصر مضر، وجعلنا حفظة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا
بيتا محجوجا، وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخي
هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل إلا رجح شرفا ونبلا، وفضلا
وعقلا، وهو والله، بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جسيم " (قال): وكان
هذا (القول من أبي طالب عليه السلام) قبل بعثته صلى الله عليه وآله
وسلم بخمس عشرة سنة (قال) فانظر كيف تفرس فيه أبو طالب كل
خير قيل بعثته صلى الله عليه وآله، فكان الامر كما قال: وذلك
من أقوى الدلائل على إيمانه وتصديقه بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم
حين بعثه الله تعالى، ثم ذكر قضية مجئ قريش وشكايتهم عند أبي طالب
ابن أخيه صلى الله عليه وآله (قال): ثم إن أبا طالب قال للنبي
إن بني عمك هؤلاء يزعمون أنك تؤذيهم، فقال: لو وضعوا الشمس في
يميني والقمر في شمالي على أن اترك هذا الامر حتى يظهره الله أو أهلك
فيه ما تركته، ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وآله باكيا فقال
أبو طالب: يا بن أخي قل ما أحبيت، فوالله لا أسلمنك لهم ابدا، وقال
لقريش والله ما كذب ابن أخي قط، ثم أنشأ الأبيات المعروفة التي (منها):
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وأبشر بذلك وقر منه عيونا، الخ
وقد تقدم تمامها وسيأتي أيضا:
(قال المؤلف) فهل بعد ما مر عليك من التصريحات في الشعر
26

والنثر بان محمدا صلى الله عليه وآله رسول الآله ونبي مرسل من
الله جاء بالدين الصحيح، والشريعة الواضحة، والحق المبين الجلي من الواحد
الاحد العلي، وبعدما سمعه من الأحبار والرهبان ومن أبيه عبد المطلب
عليه السلام، يبقى مجال للترديد أو التوقف أو الشك في ايمان حامي الرسول
الباذل له نفسه ونفيسه في سبيل الدين أبي طالب عليه السلام.
(قال المؤلف) لما رأى المشركون وكفار قريش أن أبا طالب عليه السلام
لم يسلم ابن أخيه إليهم ليقتلوه اتفقوا على تركهم لأبي طالب مع تبعته
وكتبوا الصحيفة الملعونة.
(بعض ما ذكره المؤرخون في سبب كتابة الصحيفة)
(الملعونة التي كتبها أهل مكة من قريش وغيرهم)
قال الجزري في تاريخ الكامل (ج 2 ص 32 طبع مصر) ولما رأت
قريش الاسلام يفشو ويزيد وأن المسلمين قووا باسلام حمزة إئتمروا في أن
يكتبوا بينهم كتابا يتعاقدون فيه على أن لا ينكحوا بني هاشم وبني المطلب
ولا ينكحوا إليهم، ولا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم شيئا، فكتبوا بذلك
صحيفة وتعاهدوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا
لذلك الامر على أنفسهم، فلما فعلت قريش ذلك انحازت بنو هاشم وبنو
المطلب إلى أبي طالب. فدخلوا معه شعبه، واجتمعوا وخرج من بني هاشم
أبو لهب بن عبد المطلب إلى قريش فلقي هند بنت عتبة فقال: كيف رأيت
نصري للات والعزى قالت: لقد أحسنت فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا
(أو أربعا) حتى جهدوا لا يصل إلى أحد منهم شئ الا سرا، وذكروا
أن أبا جهل لقي حكيم بن حزام بن خويلد ومعه قمح يريد عمته خديجة وهي
27

عند رسول الله صلى الله عليه وآله في الشعب، فتعلق به وقال
والله لا تبرح حتى أفضحك، فجاء أبو البحتري بن هشام فقال: مالك
وله؟ عنده طعام لعمته أفتمنعه أن يحمله إليها، خل سبيله، فأبى أبو جهل
فنال منه فضربه أبو البحتري بلحى جمل فشجه ووطأه وطئا شديدا وحمزة
ينظر إليهم، وهم يكرهون أن يبلغ النبي صلى الله عليه وآله ذلك
فيشتمت به وهو والمسلمون، ورسول الله صلى الله عليه وآله يدعو
الناس سرا وجهرا، والوحي متتابع إليه فبقوا كذلك ثلاث سنين (أو
أربع سنين) كما في المناقب لابن شهرآشوب (ج 1 ص 46 من الطبع
الثاني سنة: 1317 ه‍) فقام في نقض الصحيفة نفر من قريش، وكان أحسنهم
بلاء فيه هشام بن عمرو بن الحرث بن عمرو بن لوي، وهو ابن أخي نضلة
ابن هشام بن عبد مناف لامه، كان يأتي بالبعير قد أوقره طعاما ليلا
ويستقبل به الشعب ويخلع خطامه فيه فيدخل الشعب فلما رأى ما هم فيه
وطول المدة عليهم مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي أخي أم
سلمة، وكان شديد الغيرة على النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين
وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فقال: يا زهير أرضيت أن تأكل
الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت، أما إني
أحلف بالله لو كان أخوالي أبا الحكم يعني أبا جهل ثم دعوته إلى مثل
ما دعاك إليه ما أجابك ابدا، فقال: فماذا أصنع وإنما أنا رجل واحد
والله لو كان معي رجل آخر لنقضتها، فقال قد وجدت رجلا، قال
ومن هو؟ قال انا، قال زهير أبغنا ثالثا قال قد فعلت، قال من هو؟
قال زهير بن أمية، قال: أيضا رابعا، قال: نعم، قال من هو؟
قال: انا وزهير والمطعم، قال أبغني خامسا فذهب إلى زمعة بن الأسود
ابن المطلب بن أسد فكلمه وذكره له قرابتهم، قال: وهل على هذا الامر
28

معين؟ قال: نعم، وسمى له القوم، فاتعدوا حطم الحجون الذي بأعلى
مكة، فاجتمعوا هنالك وتعاهدوا على القيام في نقض الصحيفة، فقال
زهير: أنا أبدؤكم فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم، وغدا زهير فطاف
بالبيت ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب
وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تشق
هذه الصحيفة القاطعة الظالمة قال أبو جهل: كذبت والله لا تشق، قال
زمعة بن الأسود أنت والله أكذب، ما رضينا بها حين كتبت، قال أبو
البحتري: صدق زمعة لا نرضى بما كتب فيها، قال المطعم بن عدي: صدقتما
وكذب من قال غير ذلك، وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك، قال
أبو جهل: هذا أمر قضي بليل وأبو طالب جالس في ناحية المسجد، فقام
المطعم إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها الا ما كان باسمك اللهم
(وهي كلمة) كانت تفتتح بها كتبهم وكان كاتب الصحيفة منصور
ابن عكرمة فشلت يده وقيل كان سبب خروجهم من الشعب ان الصحيفة
لما كتبت وعلقت بالكعبة اعتزل الناس بني هاشم وبني المطلب وأقام
رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو طالب ومن معهما بالشعب ثلاث
سنين فأرسل الله الأرضة وأكلت ما فيها من ظلم وقطيعة رحم وتركت ما فيها
من أسماء الله تعالى فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وآله فاعلمه بذلك، فقال
النبي صلى الله عليه وآله لعمه أبي طالب، وكان أبو طالب لا يشك في قوله فخرج من الشعب
إلى الرحم فاجتمع الملا من قريش، وقال: إن ابن أخي أخبرني أن الله
أرسل على صحيفتكم الأرضة فأكلت ما فيها من قطيعة رحم وظلم وتركت
اسم الله تعالى فأحضروها: فإن كان صادقا علمتم أنكم ظالمون لنا، قاطعون
لأرحامنا وإن كان كاذبا علمنا انكم على حق وأنا على باطل، فقاموا
سراعا وأحضروها فوجدوا الامر كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله
29

وسلم، وقويت نفس أبي طالب واشتد صوته وقال: قد تبين لكم أنكم
أولى بالظلم والقطيعة فنكسوا رؤوسهم، ثم قالوا: إنما تأتونا بالسحر
والبهتان، وقام أولئك النفر في نقضها كما ذكرنا، وقال أبو طالب في
أمر الصحيفة وأكل الأرضة ما فيها من ظلم وقطيعة رحم أبياتا منها
وقد كان في أمر الصحيفة عبرة * متى ما يخبر غائب يعجب
محا الله منهم كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من ناطق الحق معرب
فأصبح ما قالوا من الامر باطلا * ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
(قال المؤلف) هذه القضية ذكرت باختلاف في كتب التاريخ
مفصلا ومختصرا، والرواية الأخيرة التي ذكرها في الكامل أكثر ذكرا من
غيرها، والابيات التي ذكرها لها تتمة ذكرت في ديوان أبي طالب عليه
السلام، وفيها تصريح بالوحدانية والنبوة وغير ذلك من الأمور النافعة
المهمة، تثبت لمن تأملها أن أبا طالب عليه السلام كان موحدا مؤمنا بالنبي
الأمي، ابن أخيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، وإنما أخفى
عقيدته ولم يتظاهر بها كساير أصحاب النبي صلى الله عليه وآله لحفظ
نفسه وحفظ النبي وحفظ أصحابه، فحاله عليه السلام حال المؤمنين الذين
كتموا إيمانهم فكان لهم اجران، وبذلك حفظ النبي وأهل بيته ولم يتمكن
أحد من إيذائه رعاية له وخوفا منه، إلى أن توفي سلام الله عليه، ولما
توفي عليه السلام قامت قريش وغير قريش بايذاء رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ووصل إلى حد لم يتمكن صلى الله عليه وآله من البقاء في وطنه
فقر منها بأمر الله تعالى إلى يثرب، حيث كان له هناك أتباع وأنصار
قاموا بنصرته إلى أن قوي الدين وكثر المسلمون واستولوا على الكافرين
من قريش وغيرهم وتمكن من فتح مكة المكرمة ووطنه المبارك، واليك
30

القصيدة من الديوان. (1)
الا من لهم آخر الليل منصب * وشعب العصا من قومك المتشعب
وجربى أراها من لوي بن غالب * متى ما تزاحمها الصحيحة تجرب
إذا قائم في القوم بخطبة * أقاموا جميعا ثم صاحوا وأجلبوا
وما ذنب من يدعو إلى الله وحده * ودين قويم أهله غير خيب
وما ظلم من يدعوا إلى البر والتقى * ورأب الثأى بالرأي لا حين مشعب
وقد جربوا فيما مضى غب أمرهم * وما عالم أمرا كمن لم يجرب
وقد كان من أمر الصحيفة عبرة * اتاك بها من غاثب متعصب (2)
محا الله منها كفرهم وعقوقهم * وما تقموا من صادق القول منجب
وأصبح ما قولوا من الامر باطلا * ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
فأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا * على ساخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبونا خاذلين محمدا * لذي غربة منا ولا متقرب
ستمنعه منا يد هاشمية * مركبها في المجد خير مركب
وينصره الله الذي هو ربه * باهل العقير أو بسكان يثرب (3)
فلا والذي يحدى له كل مرثم * طليح بجنبي نخلة فالمحصب
يمينا صدقنا الله فيها ولم نكن * لنحلف بطلا بالعتيق المحجب
نفارقه حتى نصرع حوله * وما بال تكذيب النبي المقرب

(1) كان الديوان مخطوطا وكان تاريخ كتابته سنة 380 ه‍، ونقل من خط
الشيخ أبي الفتح عثمان بن جني النحوي، وأخيرا طبع في النجف الأشرف
سنة 1356 ه‍، وصححه وعلق عليه العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم.
(2) يريد عليه السلام الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وعلقوها
في الكعبة فمحا الله منها موضع عقوقهم.
(3) العقير مدينة في البحرين.
31

فيا قومنا لا تظلمونا فإننا * متى ما نخف ظلم العشيرة نغضب
وكفوا إليكم من فضول حلومكم * ولا تذهبوا في رأيكم كل مذهب
ولا تبدأونا بالظلامة والأذى * فنجزيكم ضعفا مع الام والأب
(قال المؤلف) ومن جملة من خرج بعض الأبيات المذكورة مؤلف
ناسخ التواريخ في ج 1 من الكتاب الثاني ص 260، وهذا نص ما أخرجه
بألفاظه:
ألا من لهم آخر الليل منصب * وشعب العصا من قومك المتشعب
وقد كان في أمر الصحيفة عبرة * متى ما يخبر غائب القوم يعجب
محا الله مها كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من ناطق الحق معرب
فكذب ما قالوا من الامر باطلا * ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا * على سخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبونا مسلمين محمدا * لذي غربة منا ولا متقرب
(قال المؤلف) ومن شعر أبي طالب عليه السلام الدال على أنه
كان مؤمنا بابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله ومعتقدا بنبوته
ورسالته ما خرجه ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة ج 14 ص 62
ط 2 وخرجه غيره:
ألا أبلغا عني لويا رسالة * بحق وما تغني رسالة مرسل
بني عمنا الادنين فيما يخصهم * وإخواننا من عبد شمس ونوفل
أظاهرتم قوما عليا سفاهة * وأمرا غويا من غواة وجهل
يقولون لو أنا قتلنا محمدا * أقرت نواصي هاشم بالتذلل
كذبتم ورب الهدي تدمى نحورها * بمكة والبيت العتيق المقبل
تنالونه أو تصطلوا دون نيله * صوارم تفري كل عضو ومفصل
فمهلا ولما تنتج الحرب بكرها * بخيل تمام أو بآخر معجل
32

وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا * على ربوة في رأس عنقاء عيطل
وتأوى إليه هاشم إن هاشما * عرانين كعب آخر بعد أول
فان كنتم ترجون قتل محمد * فروموا بما جمعتم نقل يذبل
فانا سنحميه بكل طمرة * وذي ميعة نهد المراكل هيكل
وكل رديني ظماء كعوبه * وعضب كايماض الغمامة مقصل
ثم قال ابن أبي الحديد: " قلت: كان صديقنا علي بن يحيى البطريق رحمه الله
يقول: لولا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب وهو شيخ
الأبطح وشيخ قريش ورئيسها وذو شرفها يمدح ابن أخيه محمدا وهو
شاب قد ربي في حجره وهو يتيمه. ومكفوله. وجار مجرى أولاده
مثل قوله:
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا * على ربوة في رأس عنقاء عيطل
وتأوي إليه هاشم إن هاشما * عرانين كعب آخر بعد أول
ومثل قوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يطيف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
فان هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابي من الناس
وإنما هو من مديح الملوك والعظماء، فإذا تصورت أنه شعر أبي طالب
ذاك الشيخ المبجل العظيم في محمد صلى الله عليه وآله وهو
شاب مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد رباه في حجره، غلاما
وعلا عاتقه طفلا، وبين يديه شابه، يأكل من زاده، ويأوي إلى داره
علمت موضع خاصية النبوة وسرها، وأن أمره كان عظيما، وأن الله
تعالى أوقع في القلوب والأنفس له منزلة رفيعة، ومكانا جليلا ".
(قال المؤلف) لقد انصف علي بن يحيى البطريق، وأظهر الحق
33

ولم يتعام كما تعامى صديقه ابن أبي الحديد الشافعي وقال: " إني في القول
بايمان شيخ قريش من المتوقفين "، ولم يتوقف إلا رعاية لخاله أمير الشام
حيث أنكر إيمانه عليه السلام حقدا وعداوة لولده علي عليه السلام الذي
قتل أشياخه ببدر وحنين، ولا يخفى على طالبي الحق أن هذه الأبيات من
شعر أبي طالب عليه السلام خرجها أبو هفان عبد الله بن أحمد المهزمي في
ديوان أبي طالب عليه السلام شيخ الأبطح ص 36 طبع النجف الأشرف
وفيه اختلاف في الألفاظ، وزيادة في الأبيات واليك نصها فتأملها واغتنم
ألا أبلغا عني لويا رسالة * بحق وما تغني رسالة مرسل
بني عمنا الادنين تيما نخصهم * وإخواننا من عبد شمس ونوفل
أظاهرتم قوما علينا أظنة * وأمر غوي من غواة وجهل
يقولون لو أنا قتلنا محمدا * أقرت نواصي هاشم بالتذلل
كذبتم وبيت الله يثلم ركنه * ومكة والاشعار في كل معمل
(قال) يروى يلثم ركنه اي ركن البيت، ويثلم ركنه، أي ركن
محمد صلى الله عليه وآله والاشعار علامة الهدي، قال الأصمعي
جاءت أم معبد الجهني الحسن فقالت: يا بن ميسان إنك قد أشعرت ابني
وبالحج أو بالنيب تدمى نحوره * بمدماه والركن العتيق المقبل
(قال) الناب المسن من الإبل أي تقاتلون حتى تثنى السيوف:
تنالونه أو تعطفوا دون قتله * صوارم تفري كل عظم ومفصل
وتدعوا بأرحام وأنتم ظلمتم * مصاليت في يوم أغر محجل
(قال) أي تدعوا بأرحام أنتم قطعتموها:
فمهلا ولما تنتج الحرب بكرها * ييتن تمام أو بآخر معجل
فانا متى ما نمرها بسيوفنا * نجالح فنعرك من نشاء بكلكل
(قال نجالح أي نكاشف، ويقال نصبر على حالين، والمجلاح
34

من النوق الذي يصبر على الحر والبرد:
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا * على ربوة في رأس عيطاء عيطل
(قال) أصل العيط طول العنق ثم استعير، وعيطل طويلة تامة:
وتأوي إليه هاشم إن هاشما * عرانين كعب آخرا بعد أول
فان كنتم ترجون قتل محمد * فروموا بما جمعتم نقل يذبل
فانا سنحميه بكل طمرة * وذي ميعة نهد المراكل هيكل
(قال) طمر الجرح إذا انتفخ. ونتاونزا، وطامر بن طامر البرغوث
لأنه كثير الوثب.
وكل رديني ظماء كعوبه * وعضب كايماض الغمامة مقصل
وكل جرور الذيل زغف مفاضة * دلاص كهزهاز الغدير المسلسل
(قال) المفاضة الواسعة التي تنصب على لابسها كانصباب الماء
الفائض. وهزهاز كثير الاهتزاز قال جرير:
ويجمعنا والغر من آل فارس * أب لا نبالي بعده من تغدرا
أي تخلف، وقال الراجز:
قد وردت مثل اليماني الهزهاز * تدفع من أعناقها بالاعجاز
أعيت على مقصدنا والرجاز
أي وردت ماء تجففه الرياح يهتز اهتزاز السيف اليماني، أي يكثر
لبنها فلا ننحرها، والمسلسل حسن المر.
بايمان شم من ذوائب هاشم * مغاوير بالاخطار في كل محفل
(قال) مغاوير ينقصون كل عز بغيرهم، قال المؤلف وفي نسخة:
بايمان شم من ذؤابة هاشم * مغادير بالابطال في كل جحفل
(قال المؤلف) ان مجموع الأبيات في ديوان شيخ الأبطح عليه السلام
الذي جمعه أبو هفان سبعة عشر بيتا، وما خرجه ابن ابن الحديد اثنا عشر
بيتا، والله أعلم بسبب تركه بقية الأبيات، ويعلم من توقفه في إيمان ناصر
35

الرسول صلى الله عليه وآله سبب تركه الأبيات الخمسة، ولا يخفى
أن هذه القصيدة خرجها في ديوان أبي طالب ص 137 ط بمبئي سنة 1326 ه‍
وهو غير ديوان أبي هفان عبد الله بن أحمد المهزمي، وقد نقل منه العلامة
الخنيزي في كتابه (أبو طالب مؤمن قريش).
(قال المؤلف) حديث شيخ السنة أبي عمرو عثمان بن أحمد الذي
خرجه في المناقب (ج 1 ص 357) وقد تقدم يثبت أن أبا طالب
وفاطمة بنت أسد عليهما السلام كانا مسلمين قائلين برسالة النبي الأكرم
صلى الله عليه وآله قبل انعقاد نطفة أمير المؤمنين عليه السلام، غير
أن أبا طالب عليه السلام كان يكتم إيمانه ولم يتظاهر بالاسلام كما كان
يتظاهر بها أولاده وإخوانه عليهم السلام، ليتمكن من حفظ النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، وحفظ من آمن به، والذب عنهم، ومع ذلك كله كان يأمر
أولاده وأقرباءه بمتابعة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله، وكان
يبين لهم في شعره ونثره أن ما أتى به ابن أخيه هو الدين الصحيح الحق
وأن ما سواه باطل، وإليك بعض أشعاره التي فيها تصريح بنبوة ابن أخيه
محمد صلى الله عليه وآله، وأشعاره الدالة على إيمانه واعترافه برسالة
ابن أخيه كثيرة، وقد خرجها علماء أهل السنة، وعلماء الإمامية عليهم الرحمة.
(منها) ما ذكره ابن أبي الحديد الشافعي في شرحه لنهج البلاغة
(ج 14 ص 77 طبع مصر سنة 1382 ه‍، قال: ومن شعره (أي من
شعر أبي طالب عليه السلام).
أنت النبي محمد * قرم أغر مسود
لمسودين أطائب * كرموا وطاب المولد
نعم الأرومة أصلها * عمرو الخضم الأوحد
هشم الربيكة في الجفا * ن وعيش مكة أنكد
36

فجرت بذلك سنة * فيها الخبيزة تثرد
ولنا السقاية للحجيج * بها يماث العنجد
والمأزمان وما حوت * عرفاتها والمسجد
أنى تضام ولم أمت * وأنا الشجاع العربد
وبطاح مكة لا يرى * فيها نجيع أسود
وبنو أبيك كأنهم * أسد العرين توقد
ولقد عهدتك صادقا * في القول لا يتريد
ما زلت تنطق بالصواب * وأنت طفل أمرد
(قال المؤلف) وخرج الأبيات العلامة السيد شمس الدين بن معد
الموسوي في كتابه (الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص 72
ص 73) مع اختلاف في بعض كلمات القصيدة وتقديم وتأخير في الأبيات
وزيادة بيت: فالابيات عند أبي الحديد اثنا عشر وعند السيد ثلاثة عشر
واليك نصها:
أنت النبي محمد * قرم أغر مسود
لمسودين أطائب * كرموا وطاب المولد
نعم الأرومة أصلها * عمرو الخضم الأوحد
هشم الربيكة في الجفا * ن وعيش مكة أنكد
فجرت بذلك سنة * فيها الخبيزة تثرد
ولنا السقاية للحجيج * بها يماث العنجد
والمأزمان وما حوت * عرفاتها والمسجد
أنى تضام ولم أمت * وأنا الشجاع العربد
وبنو أبيك كأنهم * أسد العرين توقد
شم قماقمة غيوث * ندى بحار تزبد
37

وبطاح مكة لا يرى * فيها نجيع أسود
ولقد عهدتك صادقا * في القول ما تتفند
ما زلت تنطق بالصواب * وأنت طفل أمرد
(ثم قال عليه الرحمة) ومن تدبر هذا القول ووعاه علم حقيقة ايمان
قائله بشهادته للنبي صلى الله عليه وآله بالصدق وقول الصواب، وفي
ذلك كفاية لأولي الألباب، وخرج الأبيات في كتاب (هاشم وأمية
(ص 173 ص 174) وخرجه في كتاب (شيخ الأبطح ص 28) وفي
(أعيان الشيعة ج 39 ص 143) وخرجها غيرهم.
(قال المؤلف) ومن أشعاره عليه السلام التي فيها تصريح بنبوة ابن
أخيه محمد صلى الله عليه وآله قوله كما في شرح نهج البلاغة
(ج 14 ص 78 طبع 2):
لقد أكرم الله النبي محمدا * فأكرم خلق الله في الناس أحمد
وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد
(قال المؤلف) أخرج السيد في (الحجة على الذاهب ص 74)
الاشعار باسنادها قال: أخبرني السيد النقيب أبو جعفر الحسيني يحيى بن
محمد بن أبي زيد العلوي الحسني البصري بمدينة السلام في شهر رمضان
سنة أربع وستمائة، قال: أخبرني والدي أبو طالب محمد بن محمد بن
أبي زيد البصري النقيب، قال: أخبرني تاج الشرف المعروف بابن السخطة
العلوي الحسيني البصري، قال: أخبرني السيد العالم النسابة الثقة أبو الحسن
علي بن محمد بن الصوفي العلوي العمري رحمه الله، قال: أنشدني أبو
عبد الله ابن معية الهاشمي معلمي رحمه الله بالبصرة (وقال إن) لأبي طالب
عليه السلام:
لقد أكرم الله النبي محمدا * فأكرم خلق الله في الناس أحمد
38

وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد
(واخرج) البيت الثاني ابن حجر العسقلاني الشافعي في الإصابة
(ج 7 ص 112) وقال: هي من قصيدة له، وترك البيت الأول لأنه
يثبت إيمان أبي طالب عليه السلام بنبوة ابن أخيه، وقال ابن حجر بعد
نقله البيت من قصيدته عليه السلام: قال ابن عيينة عن علي بن زيد:
ما سمعت أحسن من هذا البيت.
(قال المؤلف) جميع أشعاره عليه السلام قد شهد بحسنها علماء الأدب
ومن جملتهم ابن كثير، فقد صرح بذلك في البداية والنهاية (ج 3 ص 57)
وقال: قصيدته عظيمة بليغة جدا وهي أفحل من المعلقات السبع، وأبلغ
الخ) وخرج ابن عساكر الشافعي البيت الثاني وترك البيت الأول وقال:
قبل نقله البيت قال ابن عباس لما ولد النبي صلى الله عليه وآله
عق عنه عبد المطلب بكبش وسماه محمدا فقيل له يا أبا الحارث ما حملك
على أن تسميه محمدا ولم تسمه باسم آبائه؟ فقال: أردت أن يحمده الله
في السماء، ويحمده الناس في الأرض، وقال علي بن زيد بن جدعان
تذاكرنا الشعر فقال رجل: ما سمعنا شعرا أحسن من بيت أبي طالب:
وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد
(وخرج) في تأريخ الخميس (ج 1 231) أنه قيل لعبد المطلب
عليه السلام: ما سميته؟ قال: سميته محمدا قالوا: لم رغبت عن أسماء آبائه؟
قال: أردت أن يكون محمودا في السماء لله، وفي الأرض لخلقه (وفيه
أيضا) انه صلى الله عليه وآله ولد معذورا أي مختونا مقطوع
السرة، فاعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكونن لابني هذا
شأن (وفيه أيضا) بطرق عديدة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله
عليه (وآله) وسلم قال: من كرامتي على ربي اني ولدت مختونا ولم ير
39

أحد سوأتي (وفيه أيضا) عن ابن عمر قال: ولد النبي صلى الله عليه
وآله وسلم مسرورا مختونا (وفيه أيضا) قال الحاكم في المستدرك: تواترت
الاخبار أنه صلى الله عليه وآله ولد مختونا (وخرج ابن كثير)
البيت الثاني من شعر أبي طالب عليه السلام في تاريخه الكبير (ج 2 ص 266)
وقال قبل ذلك: قال بعض العلماء ألهم الله عز وجل أن سموه محمدا لما
فيه من الصفات الحميدة ليلتقي الاسم والفعل، ويتطابق الاسم والمسمى في
الصورة والمعنى، كما قال عمه أبو طالب.
وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد
(بعض اشعار أبي طالب عليه السلام الذي فيه اعتراف)
(برسالة ابن أخيه صلى الله عليه وآله)
(قال المؤلف) ومن أشعار أبي طالب عليه السلام التي فيها اعتراف
برسالة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله ما خرجه ابن أبي الحديد
في شرح نهج البلاغة (ج 14 ص 78 طبع 2)، قال ومن ذلك قوله:
إذا قيل من خير هذا الورى * قبيلا وأكرمهم أسرة
أناف لعبد مناف أب * وفضله هاشم العرة
لقد حل مجد بني هاشم * مكان النعائم والنثرة
وخير بني هاشم احمد * رسول الاله على فترة
(قال المؤلف) خرج الأبيات جماعة من علماء أهل السنة والامامية
عليهم الرحمة.
(منهم) العلامة شمس الدين بن معد الموسوي في كتابه (الحجة على
الذاهب ص 74) ولفظه يساوي لفظ ابن أبي الحديد الشافعي، غير أنه
40

قال (أتاف بعبد مناف أب) بالباء لا باللام، ثم قال عليه الرحمة: هذا
القول منه رضي الله عنه مطابق لقوله تعالى (قد جاءكم رسولنا يبين
لكم على فترة من الرسل) فإن لم يكن في قوله شهادة منه بالنبوة فليس
في ظاهر الآية شهادة، وفي هذا لمن اعتقده غاية الضلال وعظيم الوبال.
(قال المؤلف) ومن أشعار أبي طالب عليه السلام التي فيها تصريح
برسالة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله، ما خرجه ابن أبي الحديد
في نهج البلاغة (ص 76 طبع 2 م) قال: قالوا ومن شعر أبي طلب
يخاطب أخاه حمزة وكان يكنى أبا يعلى:
فصبرا أبا يعلى على دين أحمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
وحط من أتى بالحق من عند ربه * بصدق وعزم لا تكن حمز كافرا
فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن * فكن لرسول الله في الله ناصرا
وناد قريشا بالذي قد أتيته * جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا
(قال المؤلف) خرج الأبيات جماعة غير ابن أبي الحديد (منهم العلامة
السيد شمس الدين بن معد الموسوي في كتابه (الحجة على الذاهب ص 71)
وفيه اختلاف في بعض كلماته وهذا نصه بحذف السند:
فصبرا أبا يعلى على دين احمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
وحط من أتى بالدين من عند ربه * بصدق وحق لا تكن حمز كافرا
فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن * وكن لرسول الله في الله ناصرا
وناد قريشا بالذي قد أتى به * جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا
(ثم قال) عليه الرحمة، لم يكفه رضي الله عنه أمره لأخيه
بالصبر على عداوة قريش والنصرة للنبي صلى الله عليه وآله حتى
أمره باظهار الدين، والاجتهاد في حياطته، والدفاع عن بيضته، ثم يشهد
لأخيه حمزة أن محمدا صلى الله عليه وآله اتى بالدين من عند ربه
41

بصدق وحق، ثم يحذره الكفر في قوله (لا تكن حمز كافرا) ثم يقول له
(وقد سرني إذ قلت: إنك مؤمن) أفتراه يسر لأخيه بالايمان ويختار
لنفسه الكفر الموجب لغضب الجبار والخلود في النار؟ وهل يتصور مثل
هذا من ذي عقل، ثم يأمره بنصرة النبي صلى الله عليه وآله ويدعو
له بالتوفيق لنصرته في قوله (وكن لرسول الله وفقت ناصرا) ثم يأمره
بكشف أمره وإذاعة سره في قوله (وناد قريشا بالذي قد أتى به. جهارا)
أي لا تخفي ذلك (وقل ما كان أحمد ساحرا) كما زعمتم، بل كان نبينا
صادقا، وإن رغمتم، فهل يعلم الاسلام بشئ أبين من هذا.
(ومنهم) العلامة ابن شهرآشوب فقد خرج الأبيات في كتابه
(المناقب (ج 1 ص 43 ط 2) وذكر أولا سبب انشاد أبي طالب
عليه السلام لهذه الأبيات، وذكر سبب اسلام حمزة عليه السلام أيضا، وهذا
نص ألفاظه:
(مقاتل) أي خرج مقاتل، وقال: لما رأت قريش يعلو أمره
(أي أمر النبي صلى الله عليه وآله) قالوا: لا نرى محمدا يزداد
الا كبرا وتكبرا، وإن هو إلا ساحر أو مجنون، وتوعدوه، وتعاقدوا
لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل قريش كلها على قتله، وبلغ ذلك
أبا طالب، فجمع بني هاشم، وأحلافهم من قريش فوصاهم برسول الله
صلى الله عليه وآله وقال: إن ابن أخي كما يقول، وأخبرنا بذلك
آباؤنا، أن محمدا نبي صادق، وأمين ناطق، وإن شأنه أعظم
شأن، ومكانه من ربه أعلى مكان، فأجيبوا دعوته واجتمعوا على نصرته
وراموا عدوه من وراء حوزته، فإنه الشرف الباقي لكم مدى الدهر وأنشأ
يقول):
أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وعم الخير عباسا
42

وحمزة الأسد المخشي صولته * وجعفرا أن تذودوا دونه الباسا
وهاشما كلها أوصي بنصرته * أن يأخذوا دون حرب القوم امراسا
كونوا فداء لكم نفسي وما ولدت * من دون أحمد عند الروع أتراسا
بكل أبيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا
وخرج الأبيات صاحب ناسخ التواريخ (ج 1 ص 241) مع اختلاف
في بعض كلماته وهذا نصه:
أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وشيخ القوم عباسا
وحمزة الأسد الحامي حقيقته * وجعفرا ليذودوا دونه الناسا
كونوا فداء لكم أمي وما ولدت * في نصر احمد دون الناس أتراسا
بكل أبيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا
(ثم قال) مقاتل وحض أخاه حمزة على اتباعه إذ أقبل حمزة متوشحا بقوسه
راجعا من قنص له فوجد النبي صلى الله عليه وآله، في دار أخته
محموما وهي باكية، فقال: ما شأنك؟ قال ذل الحمى يا أبا عمارة
لو لقيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام، وجده
هاهنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره، فانصرف (حمزة) ودخل المسجد
وشج رأسه (اي رأس أبي الحكم) شجة منكرة، فهم أقرباؤه بضربه
فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة لكيلا يسلم، ثم عاد حمزة إلى النبي
صلى الله عليه وآله وقال: عز بما صنع بك، ثم أخبره بصنيعه فلم
يهش (اي يظهر النبي الفرح) وقال: يا عم لانت منهم (فلما سمع ذلك
من النبي صلى الله عليه وآله) أسلم حمزة فعرفت قريش ان رسول الله
صلى الله عليه وآله قد عز، وأن حمزة سيمنعه، قال ابن عباس
فنزل (قوله تعالى) في سورة (6) آية 22 (أو من كان ميتا فأحييناه، الآية)
وسر أبو طالب باسلامه (أي اسلام أخيه حمزة) وأنشأ يقول:
43

فصبرا أبا يعلى على دين أحمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
وحط من أتى بالدين من عند ربه * بصدق وحق لا تكن حمز كافرا
فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن * فكن لرسول الله في الله ناصرا
فناد قريشا بالذي قد أتيته * جهارا وقل ما كان احمد ساحرا (1)
(ثم قال عليه الرحمة) وقال لابنه طالب (وهو أكبر أولاده)
أبني طالب إن شيخك ناصح * فيما يقول مسدد لك راتق
فاضرب بسيفك من أراد مساته * ابدا وانك للمنية ذائق
هذا رجائي فيك بعد منيتي * وانا عليك بكل رشد واثق
فاعضد قواه يا بني وكن له * إني بجدك لا محالة لاحق
آها أردد حسرة لفراقه * إذ لم أجده وهو عال باسق
أترى أراه واللواء أمامه * وعلي ابني للواء معانق
أتراه يشفع لي ويرحم عبرتي * هيهات إني لا محالة زاهق
(قال المؤلف) خرج العلامة محمد بن علي بن شهرآشوب في
متشابهات القرآن (ج 2 ص 65) البيت الأول والبيت الثالث مما خاطب
به أبو طالب أخاه حمزة عليهما السلام، وخرج البيت السادس مما خاطب
به أبو طالب وترك البقية، وقد خرج عليه الرحمة من كل قصيدة
بيتا أو بيتين فمجموع ما خرج من أشعار أبي طالب على اختلافها لا
يزيد على أحد وعشرين بيتا، وسنشير إلى مجموع الأبيات بمناسبة المقام
إن شاء الله تعالى (وخرج الأبيات التي خاطب بها أبو طالب أخاه حمزة
عليه السلام جماعة آخرون).
(منهم) العلامة الحجة المجلسي في البحار (ج 6 ص 454 طبع أول).

(1) أخرج الأبيات في شرح نهج البلاغة ج 14 ص 76 ط 2 مع اختلاف
في بعض الكلمات، وفي عدد الأبيات سواء.
44

(ومنهم) السيد العلامة الحجة الأمين في أعيان الشيعة (ج 39
ص 144 ص 145).
(ومنهم) العلامة الحجة الطبرسي في تفسيره مجمع البيان (ج 2
ص 287 طبع أول مصر سنة 1354 ه‍) فقد خرج البيت الأول والبيت الثالث
وترك بقية الأبيات، واستشهد على إيمان أبي طالب عليه بتسعة عشر بيتا
من أشعاره من قصائد مختلفة، وسنذكر إن شاء الله ما خرجه بمناسبة المقام
(ومنهم) الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب ايمان أبي طالب
(طبع النجف الأشرف سنة 1372).
(ومنهم) السيد العلامة الحجة السيد المقرم في كتاب (العباس بن
أمير المؤمنين طبع النجف الأشرف).
(قال المؤلف) ومن أشعار أبي طالب عليه السلام التي فيها تصريح
بنبوة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله ما بينه عليه السلام في أحوال
ولديه علي وجعفر عليهما السلام وقال:
ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والنوب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
وقد خرج ذلك جماعة من علماء أهل السنة والامامية.
(منهم) ابن أبي الحديد الشافعي في شرح نهج البلاغة (ج 14
ص 76 ط 2) وخرجه أبو هفان فيما جمعه في ديوان أبي طالب (ص 36)
وقال: حدثني أبو العباس المبرد قال: حدثني ابن عائشة، قال: مر
أبو طالب برسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي وعلي عليه السلام
عن يمينه وجعفر مع أبي طالب يكتمه اسلامه فضرب عضده وقال: اذهب
فصل جناح ابن عمك وقال:
45

ان عليا وجعفرا ثقتي * عند احتدام الأمور والنوب
أراهما عرضة اللقاء لذا * ساميت أو أنتمي إلى حرب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
(قال المؤلف) ولم يذكر بقية الأبيات في هذه الرواية (وخرجها
السيد فخار بن معد في الحجة على الذاهب (ص 68 ط أول) في سبعة أبيات
بعد أن خرجها في رواية ثلاثة أبيات، وفيها اختلاف لما في الديوان في
الترتيب والألفاظ وذكر سبب انشاء أبي طالب عليه السلام لهذه الأبيات
قال: أخبرني الفقيه أبو الفضل شاذان بن جبرئيل رحمه الله باسناده
إلى الشيخ أبي الفتح الكراجكي رحمه الله قال: حدثني القاضي أبو الحسن
محمد بن علي بن صخر الآودي، قال: حدثنا عمر بن محمد بن سيف
بالبصرة سنة سبع وستين وثلاثمائة، قال: حدثنا محمد بن محمد بن سليمان
قال حدثنا ضوء بن صلصال بن الدلهمس بن جهل بن جندل، قال: حدثني
أبي ضوء بن صلصال بن الدلهمس، قال: كنت أنصر النبي صلى الله
عليه وآله وسلم مع أبي طالب قبل إسلامي، فاني يوما لجالس بالقرب من
منزل أبي طالب في شدة القيظ إذ خرج أبو طالب إلي شبيها بالملهوف
فقال لي: يا أبا الغضنفر، هل رأيت هذين الغلامين؟ يعني النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وعليا عليه السلام فقلت: ما رأيتهما مذ جلست، فقال: قم بنا
في الطلب لهما فلست آمن قريشا أن تكون اغتالتهما، قال: فمضينا حتى خرجنا
من أبيات مكة، ثم صرنا إلى جبل من جبالها فاسترقيناه إلى قلته، فإذا
النبي صلى الله عليه وآله وعلي عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس
يركعان ويسجدان فقال أبو طالب لجعفر ابنه وكان معنا صل جناح
ابن عمك، فقام إلى جنب علي فأحس بهما النبي صلى الله عليه وآله
فتقدمهما وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا مما كانوا فيه، ثم أقبلوا نحونا
46

فرأيت السرور يتردد في وجه أبي طالب ثم انبعث يقول:
ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والنوب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
والله لا اخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
(ثم ذكر السيد عليه الرحمة رواية أخرى في سبب الأبيات
وهذا لفظه: (أخبرني) السيد أبو علي عبد الحميد بن التقي الحسيني
رحمه الله باسناده إلى أبي علي الموضح يرفعه إلى عمران بن الحصين
الخزاعي قال: كان والله إسلام جعفر عليه السلام بأمر أبيه، ولذلك مر
أبو طالب ومعه ابنه جعفر برسول الله صلى الله عليه وآله وهو
يصلي، وعلي عليه السلام عن يمينه، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح
ابن عمك فجاء جعفر فصلى مع النبي صلى الله عليه وآله فلما قضى
صلاته قال له النبي صلى الله عليه وآله: يا جعفر وصلت جناح
ابن عمك ان الله يعوضك من ذلك جناحين تطير بهما في الجنة فانشأ أبو طالب
رضوان الله عليه (يقول):
ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والنوب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
إن أبا معتب قد أسلمنا * ليس أبو معتب بذي حدب
والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
حتى تروا الرؤس طائحة * منا ومنكم هناك بالقضب
نحن وهذا النبي أسرته * نضرب عنه الأعداء كالشهب
ان نلتموه بكل جمعكم * فنحن في الناس الام العرب (1)
قال السيد - عليه الرحمة: وقول أبي طالب إن أبا معتب يريد

(1) هذه الأبيات خرجها العسكري في كتاب الأوائل مع ما فيها من زيادة
47

أخاه أبا لهب، وكان يكنى أبا معتب، ثم ذكر السيد شرحا في سبب
تركه عليه السلام الصلاة مع ابن عمه صلى الله عليه وآله مع أنه كان
مؤمنا به فقال ما مختصره: إنما منعه من الصلاة معه التقية من صاحبه
الذي كان معه (أي ضوء بن صلصال) لأنه كما مر عليك ينصر
النبي صلى الله عليه وآله مع أنه كان غير مؤمن به، فأبو طالب
عليه السلام مراقبة لصاحبه واستبقاء لنصرته أظهر موافقته معه، وكان
ذلك خدعة منه لتقوى شوكته في نصرة ابن عمه فلو كان مصليا معه عرف
ذلك المشركون فصاروا يدا واحدة عليه لم يتمكن من حفظ ابن أخيه
وأصحابه.
(قال المؤلف) خرج ابن الأثير في أسد الغابة (ج 1 ص 287)
في ترجمة جعفر بن أبي طالب عليهما السلام قضية أمر أبي طالب عليه السلام
ابنه جعفر بان يصل جناح ابن عمه، وقال: ما هذا نصه:
(روي) أن أبا طالب رأى النبي صلى الله عليه وآله وعليا
رضي الله عنه يصليان وعلي عن يمينه فقال لجعفر رضي الله عنه صل
جناح ابن عمك وصل عن يساره، ولم يذكر اشعاره.
(وخرج) أبو بكر الشيرازي في تفسيره أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم لما نزل عليه الوحي أتى المسجد الحرام وقام يصلي فيه فاجتاز به علي
عليه السلام وكان ابن تسع سنين فناداه يا علي إلي أقبل، فاقبل إليه مليا
فقال له النبي: إني رسول الله إليك خاصة والى الخلق عامة، فقف عن
يميني وصل معي، فقال يا رسول الله حتى أمضي واستأذن أبا طالب والدي
فقال له: اذهب فإنه سيأذن لك، فانطلق إليه يستأذنه في اتباعه فقال
يا ولدي تعلم أن محمدا أمين الله منذ كان، إمض إليه واتبعه ترشد وتفلح
فأتى علي عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله قائم يصلي في
48

المسجد فقام عن يمينه يصلي معه فاجتاز أبو طالب بهما وهما يصليان، فقال
يا محمد ما تصنع قال أعبد إله السماوات والأرض ومعي أخي علي يعبد
ما أعبد، وأنا أدعوك إلى عبادة الواحد الاحد القهار فضحك أبو طالب
حتى بدت نواجده وأنشأ يقول:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أغيب في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك عضاضة * وأبشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك ناصحي * ولقد دعوت وكنت ثم أمينا
وفي رواية
ودعوتني وزعمت انك ناصحي * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
ولقد علمت بان دين محمد * من خير أديان البرية دينا
(قال المؤلف) زاد ابن كثير على الأبيات بيتا آخر، ولا يخفى أن
البيت الخامس الذي زاده ابن كثير وغيره كالقرطبي وأمثاله ليس من أبي
طالب عليه السلام، قال العلامة البرزنجي وغيره انه موضوع أدخلوه في
شعر أبي طالب وليس من كلامه، كما في أسنى المطالب (ص 18 طبع
طهران سنة 1382 ه‍) (ثم قال) ولو قيل إنه من كلامه فيقال أتى به
عليه السلام للتعمية على قريش وليوهم عليهم أنه معهم وعلى ملتهم، ولم
يتابع محمدا ليقبلوا حمايته ويمتثلوا أوامره.
(وقال) العلامة الحجة الأميني دام بقاه بعد نقله الأبيات مع
البيت الأخير ونعم ما قال قال: هب أن البيت الأخير من صلب ما
نظمه أبو طالب عليه السلام فان أقصى ما فيه أن العار والسبة اللذين كان
أبو طالب يحذرهما خيفة أن يسقط محله عند قريش فلا تتسنى له نصرة
الرسول المبعوث صلى الله عليه وآله، إنما منعاه عن الإبانة والاظهار
لاعتناق الدين وإعلان الايمان بما جاء به النبي الأمين، صلى الله عليه وآله
49

وهو صريح قوله (لوجدتني سمحا بذاك مبينا) أي مظهرا
وأين هو من اعتناق الدين في نفسه والعمل بمقتضاه من النصرة والدفاع
ولو كان يريد عدم الخضوع للدين لكان تهافتا بينا بينه وبين أبياته الأولى
المتقدمة، التي ينص فيها بان دين محمد صلى الله عليه وآله من خير
أديان البرية دينا، وأنه صلى الله عليه وآله صادق في دعوته أمين
على أمته.
(وذكر الأميني) أن الأبيات رواها الثعلبي في تفسيره (الكشف
والبيان) وقال: قد اتفق على صحة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب
(عليه السلام) مقاتل وعبد الله بن عباس والقسم بن مخيمرة وعطاء بن
دينار (وقال) ذكر الأبيات في خزانة الأدب للبغدادي (ج 1 ص 261
طبع ثاني سنة 1299 ه‍) وتأريخ ابن كثير (ج 3 ص 42) وتاريخ أبي
الفداء (ج 1 ص 120) وفتح الباري شرح صحيح البخاري (ج 7 ص 153
ص 155) والمواهب اللدنية (ج 1 ص 61) والسيرة الحلبية (ج 1
ص 305) وفي ديوان أبي طالب ص 12 طبع النجف الأشرف.
(قال المؤلف) ذكره فيه اختلاف في بعض ألفاظه، وهذا لفظه
قال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وآله لما أخافته قريش:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
فانفذ لأمرك ما عليك غضاضة * فكفى بنا دنيا لديك ودينا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح * فلقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت دينا قد علمت بأنه * من خير أديان البرية دينا
(قال المؤلف) ذكر ابن أبي الحديد وغيره أشعار أبي طالب عليه
السلام المتقدمة ولم يذكروا سبب انشاد أبي طالب عليه السلام لهذه الأبيات
ولو ذكروا سببه لكان موجبا لمعرفة معنى الأبيات وكان أليق وأقرب لفهم
50

المراد، ولكن القلوب القاسية والضماير الفاسدة لم تترك للناس أمانة فغيروا
وبدلوا وزادوا ونقصوا (يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره).
(قال ابن كثير) في البداية والنهاية (ج 3 ص 42) قبل نقله
الأبيات ولعله يريد بيان السبب لما أنشده أبو طالب عليه السلام (روى)
يونس بن بكير بن طلحة بن يحيى عن عبد الله بن موسى بنم طلحة، أخبرني
عقيل بن أبي طالب، قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: ان
ابن أخيك هذا، قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا، فقال يا عقيل
انطلق فأتني بمحمد، قال: فانطلقت إليه فاستخرجته من كنس، أو قال
خنس (هو بيت صغير) فجاء به في الظهيرة في شدة الحر فلما أتاهم
قال (أبو طالب له): ان بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم
ومسجدهم، فانته عن أذاهم، فحلق رسول الله صلى الله عليه وآله
ببصره إلى السماء، فقال: ترون هذه الشمس؟ قالوا: نعم، قال: " فما
انا بأقدر أن ادع ذلك منكم على أن تشتعلوا منه بشعلة " فقال أبو طالب
والله ما كذب ابن أخي قط فارجعوا، ثم روى الحديث بلفظ آخر
وقال إن قريشا حين قالت لأبي طالب هذه المقالة (اي شكايتهم
عنه) بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا ابن أخي إن
قومك قد جاؤني وقالوا: كذا وكذا، فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من
الامر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك
فظن رسول الله صلى الله عليه وآله أن قد بدا لعمه فيه، وأنه
خاذله ومسلمه، وضعف عن القيام معه، فقال رسول الله لو وضعت
الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الامر حتى يظهره الله
أو أهلك في طلبه، ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وآله فبكى
فلما ولى قال له (أبو طالب) حين رأى ما بلغ الامر برسول الله
51

صلى الله عليه وآله: يا ابن أخي فاقبل عليه فقال: امض على امرك
فافعل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشئ ابدا، قال ابن إسحاق: ثم قال
أبو طالب في ذلك:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
فامض لأمرك ما عليك غضاضة * أبشر وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك ناصحي * فلقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه * من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا
(قال المؤلف) ومن علماء الشافعية الذين خرجوا الأبيات زيني دحلان
الشافعي في (أسنى المطالب (ص 18) الطبع الثاني وذكر سببا آخر لانشاد
أبي طالب عليه السلام للابيات، وهذا نصه: قال (واجتمع) مرة كفار
قريش وجاؤا أبا طالب ومعهم عمارة بن الوليد بن المغيرة وكان من
أحسن فتيان قريش وقالوا لأبي طالب: خذ هذا بدل محمد، يكون
كالابن لك، وأعطنا محمدا نقتله، فقال ما أنصفتموني يا معشر قريش
آخذ ابنكم أربيه وأعطيكم ابني تقتلونه، ثم قال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وأبشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك صادق * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
ولقد علمت بان دين محمد * من خير أديان البرية دينا
(قال المؤلف) جعل زيني دحلان سبب انشاد أبي طالب عليه
السلام الأبيات قضية طلب قريش من أبي طالب عليه السلام مبادلة عمارة
بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقتلوه، وهذه القضية غير القضايا
السابقة التي ذكرت سببا لانشاد أبي طالب الأبيات، ومن الممكن أن
52

أبا طالب في جميع هذه القضايا أنشد هذه الأبيات التي مفادها طمأنينة قلب
الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بان أبا طالب عليه السلام يحاميه
حتى الموت، وأمره بالقيام بما أمر به، وأن لا يرتدع عما هو عليه من
تبليغ ما أرسل به بما يراه من الايذاء من مشركي قريش وغيرهم.
ومن علماء الشافعية الذين اخرجوا الأبيات المتقدمة زيني دحلان أيضا
في كتابه الآخر المعروف بالسيرة النبوية المطبوع بهامش السيرة الحلبية (ج 1
ص 97 وص 98) وخرجها في طلبة الطالب (ص 5) وفي بلوغ الإرب
(ج 1 ص 325) وفي السيرة الحلبية (ج 1 ص 312) ذكر بيتا واحدا
وترك البقية، وذكرها الآلوسي في بلوغ الإرب، وابن أبي الحديد
في شرحه لنهج البلاغة كما يلي:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب رهينا
فانفذ لأمرك ما عليك مخافة * وأبشر وقر بذاك منه عيونا
ودعوتني وزعمت انك ناصحي * ولقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت دينا قد علمت بأنه * من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا
(قال المؤلف) إن لهذه الأبيات التي انشدها أبو طالب مقدمة ذكرها
ابن أبي الحديد قبل هذه الأبيات (ج 14 ص 53 ص 54 الطبعة الثانية)
وهذا نصها:
قال محمد بن إسحاق: ولم تكن قريش تنكر أمره (أي أمر رسول الله
صلى الله عليه وآله) وهو ما كان يأمرهم بترك الشرك بالله والاعتراف
بالوحدانية، (لله تعالى) حينئذ كل الانكار حتى ذكر آلهتهم وعابها
فأعظموا ذلك وأنكروه، وأجمعوا على عداوته وخلافه، وحدب عليه عمه
أبو طالب فمنعه (من أن يصيبه بشئ) وقام دونه (يحميه ويذب عنه)
53

حتى بكون مظهرا لأمر الله لا يرده عنه شئ، قال: فلما رأت قريش
محاماة أبي طالب عنه، وقيامه دونه، وامتناعه من أن يسلمه (إليهم ليقتلوه)
مشى إليه رجال من أشراف قريش ذكر أسماءهم وهم ثمانية، فقالوا:
يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا
وضلل آراءنا، فاما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه،. فقال لهم
أبو طالب: قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه، ومضى
رسول الله صلى الله عليه وآله على ما هو عليه يظهر دين الله، ويدعو
إليه، ثم شرق (ثم شرى) الامر بينه وبينهم (أي تزايد) تباعدا
وتضاغنا (أي معاداة) حتى أكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بينها، وتذامروا فيه، وحض بعضهم بعضا عيله، فمشوا
إلى أبي طالب مرة ثانية، فقالوا: يا أبا طالب ان لك سنا وشرفا ومنزلة
فينا، وانا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وانا والله لا نصبر
على شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا، فاما ان تكفه عنا أو ننازله
وإياك (أي نحاربكما) حتى يهلك أحد الفريقين، ثم انصرفوا، فعظم
علي أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم تطب نفسه باسلام ابن أخيه
لهم وخذلانه فبعث إليه، فقال يا ابن أخي إن قومك قد جاؤني فقالوا لي
كذا وكذا للذي قالوا فابق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الامر
ما لا أطيقه، قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قد
بدا لعمه فيه بداء، وانه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته
والقيام دونه، فقال: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر
في شمالي على أن اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك، ثم
استعبر باكيا وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب: أقبل يا ابن أخي، فاقبل
راجعا فقال له اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشئ
54

أبدا، ثم أنشد الأبيات المتقدمة.
(قال المؤلف) خرج الأبيات المتقدمة جمع كثير من علماء السنة
والامامية عليهم الرحمة غير من تقدم ذكرهم، ومن علماء السنة الذين
أخرجوا الأبيات القرطبي في تفسيره (ج 6 ص 406) فإنه خرجها مع
اختلاف قي بعض كلماتها وهذا نصها.
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * إبشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وزعمت انك ناصحي * فلقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه * من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة * لوجدتني سمحا بذاك يقينا
(قال المؤلف) هذه الألفاظ أوضح وأصرح في الاعتراف بنبوة
سيد المرسلين، ولا فرق في الاعتراف بالاسلام في النثر أو الشعر، فأبو
طالب عليه السلام في شعره هذا اعترف بصدق ما جاء به ابن أخيه محمد
صلى الله عليه وآله والاعتراف هو الاسلام، ولكن يعتذر عليه السلام
من المشاركة معه في العبادة والصلاة في الظاهر حتى يتمكن من حفظه
وحفظ أصحابه فحاله عليه السلام حال أصحاب الكهف الذين كانوا يخفون
الاسلام والتدين بدين نبي عصرهم الذي كان يجب عليهم اتباعه فأعطاهم الله
اجرهم مرتين.
(ومنهم) الزمخشري في تفسير الكشاف ج 1 ص 448 فقد خرج
الأبيات، وقال في مقدمتها: روي أنهم (أي كفار قريش) اجتمعوا
إلى أبي طالب وأرادوا برسول الله صلى الله عليه وآله سوء فقال
الأبيات، ولفظه يقرب من لفظ القرطبي، وفيه اختلاف، وهذا نصه:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
55

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وأبشر بذاك وقر منه عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا لا محالة أنه * من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا
ومن العلماء الذين خرجوا الأبيات العلامة محمد بن علي بن شهرآشوب
فإنه خرج الأبيات الخمسة، ولفظه يقرب لفظ الزمخشري مع اختلاف
يسير، وقال في البيت الخامس.
لولا المخافة أو يكن معرة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا
(قال المؤلف) لو فرضنا صحة نسبة البيت الخامس إلى أبي طالب
عليه السلام لكان لفظه في البيت الأخير أحسن الألفاظ وأصحها، والله العالم.
(ومنهم) علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي المعروف
بالخازن، فقد أخرج الأبيات في تفسيره (لباب التأويل في معاني التنزيل)
ج 2 ص 10، وقال: روي أن النبي صلى الله عليه وآله دعا أبا
طالب إلى الايمان فقال: لولا تعيرني قريش لأقررت بها عينك، ولكن
أذب عنك ما حييت، وقال في ذلك (ثم ذكر الأبيات) ولفظه يقرب
من لفظ ابن أبي الحديد إلا في البيت الثاني فإنه قال:
(فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة)
وقال ابن أبي الحديد:
(فانفذ لأمرك ما عليك مخافة)
وقال في البيت الخامس:
(لولا الملامة أو حذار مسبة)
وقال ابن أبي الحديد:
(لولا الملامة أو حذاري سبة)
56

(ومنهم) أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب الكاتب المعروف
بابن واضح الاخباري المتوفي سنة 292 فإنه خرج الأبيات في كتابه
المعروف بتأريخ اليعقوبي (ج 2 ص 22 طبع النجف الأشرف)، ولم
يذكر إلا ثلاثة أبيات، وذلك يدل على أن البيت الأخير ليس من أبياته
قال: وهمت قريش بقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأجمع
ملاها على ذلك وبلغ أبا طالب فقال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا قد علمت بأنه * من خير أديان البرية دينا
ثم قال اليعقوبي فلما علمت قريش أنهم لا يقدرون على قتل رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وأن أبا طالب لا يسلمه، وسمعت بهذا من
قول أبي طالب، كتبت الصحيفة القاطعة الظالمة. أن لا يبايعوا أحدا من
بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يعاملوهم حتى يدفعوا إليهم محمدا فيقتلوه
فتعاقدوا على ذلك، وتعاهدوا، وختموا على الصحيفة بثمانين خاتما، وكان
الذي كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار
فشلت يده، ثم حصرت قريش رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وأهل بيته من بني هاشم وبني عبد المطلب بن عبد مناف في الشعب الذي
يقال له شعب بني هاشم (وكان ذلك) بعد ست سنين من مبعثه (صلى الله
عليه وآله وسلم) فأقام ومعه جميع بني هاشم وبني المطلب في الشعب ثلاث
سنين. حتى أنفق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ماله وأنفق
أبو طالب ماله وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها، وصاروا إلى حد الضر
والفاقة، ثم نزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقال: إن الله بعث الأرضة على صحيفة قريش فأكلت كل ما فيها
57

من قطيعة وظلم: إلا المواضع التي فيها ذكر الله، فخبر رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) أبا طالب بذلك، ثم خرج أبو طالب ومعه رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته حتى صاروا إلى الكعبة فجلس
بفنائها. وأقبلت قريش من كل أوب فقالوا: قد آن لك يا أبا طالب
أن تذكر العهد وأن تشتاق إلى قومك وتدع اللجاج في ابن أخيك، فقال
لهم: يا قوم أحضروا صحيفتكم، فلعلنا أن نجد فرجا وسببا لصلة الأرحام
وترك القطيعة، وأحضروها وهي بخواتيمهم فقال: هذه صحيفتكم على العهد
لم تنكروها؟ قالوا: نعم، قال: فهل أحدثتم فيها حدثا؟ قالوا: اللهم
لا، قال فان محمدا أعلمني عن ربه أنه بعث الأرضة فأكلت كل ما فيها
إلا ذكر الله، أفرأيتم إن كان صدقا ماذا تصنعون؟ قالوا: نكف
ونمسك: قال: فإن كان كاذبا دفعته إليكم تقتلونه: قالوا قد أنصفت
وأجملت: وفضت الصحيفة فإذا الأرضة قد أكلت كل ما فيها إلا مواضع
بسم الله عز وجل. فقالوا: ما هذا إلا سحر، وما كنا قط أجد في
تكذيبه منا ساعتنا هذه، وأسلم يومئذ خلق من الناس عظيم، وخرج بنو
هاشم من الشعب وبنو عبد المطلب فلم يرجعوا إليه.
(قال المؤلف) رأيت في مطالعاتي لكتب التفسير عند ذكرهم الآية
المباركة في سورة الأنعام آية (26) (وهم ينهون عنه وينأون) ذكروا
أن الأبيات التي أنشدها أبو طالب عليه السلام كانت ثلاثة وزيدت عليها
يد الكذب والظلم البيت الخامس أو البيت الأخير وهو: (لولا الملامة، الخ)
فكثر عجبي من ذلك فلما راجعت تأريخ اليعقوبي فإذا الأبيات التي يذكرها
ثلاثة ليس فيها البيت الرابع والخامس فتحقق لدي أن البيت الخامس من
زيادة المحرفين من أعداء أبي طالب وأولاده، ويؤيد ما قلنا في الأبيات
من أن البيت الأخير من زيادة الأعداء، ما خرجه العلامة الملك المؤيد
58

إسماعيل أبو الفدا صاحب حماه المتوفي سنة 732 ه‍، كما في كشف الظنون
(ص 401) واسم التاريخ (المختصر في أخبار البشر) فقد خرج في الجزء
الأول (ص 122) الأبيات وقال (ذكر وفاة أبي طالب) ثم قال
توفي في شوال سنة عشر من النبوة، ولما اشتد مرضه قال له رسول الله
صلى الله عليه وآله: يا عم أقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة
(يعني الشهادة) فقال أبو طالب: يا بن أخي لولا مخافة السبة وأن تظن
قريش إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها (قال): فلما تقارب من أبي طالب
الموت جعل يحرك شفتيه فأصغى إليه العباس باذنه وقال: والله يا بن
أخي لقد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها، فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم الحمد لله الذي هداك يا عم، هكذا روي عن ابن عباس
ثم قال: ومن شعر أبي طالب مما يدل عل أنه كان مصدقا لرسول الله
صلى الله عليه وآله قوله:
ودعوتني وعلمت أنك صادق * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
ولقد علمت بأن دين محمد * من خير أديان البرية دينا
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
قال: توفي وكان عمر أبي طالب بضعا وثمانين سنة.
(قال المؤلف) لو كان للابيات بقية لذكرها الملك المؤيد أبو الفداء
فعدم ذكره البيت الخامس أو الأخير دليل على أن البيت من زيادة الأعداء
ومن تأمل في البيت الأخير وكان من أهل البصيرة بالشعر والأدب عرف
أن البيت الأخير يختلف مع الأبيات المتقدمة في أسلوبه الشعري، وليس
فيه لطافة كما في الأبيات الثلاثة المتقدمة، واختلاف النقل في البيت دليل
آخر على أنها موضوعة منسوبة إليه، وليست من أشعاره عليه السلام
وقد صرح بان البيت الرابع أو الخامس من زيادة المحرفين المفسر المعروف
59

العلامة أبو الفتوح عليه الرحمة في تفسيره الكبير المطبوع بالفارسية
(ج 2 ص 265) قال ما هذا نصه بالفارسية: (وأين بيت بازپسين
(أي الأخير) همه عقلا دانند كه مجانس آن نيست، بل مناقض أو است
وچون أو مردي محال است كه در چند بيتي مناقضه كويد (وقال ما نصه)
هر عاقل أين أبيات را تأمل كند داند كه بيت آخرين ملحق است ونه
ملايم أبيات أول است، نه بقوت ومتانت، ونه بمعنى، ومناقضه كه
حاصل است ميان أين بيت با أبيات أول) ثم أخذ في بيان معنى الأبيات
وقال ما معناه: أنه عليه السلام: ذكر أنه ينصره ويحاميه من كيد الكافرين
ما دام حيا، وفي البيت الثاني يأمره بأداء الرسالة ويحرضه على ذلك ويبشره
بما جاءه من النبوة والرسالة، وفي البيت الثالث صرح بأنه مؤمن به ومصدق
له فقال: لا فرق بين أن يقول الرجل آمنت بك أو صدقت بك، وبين
أن يقول أنت صادق في دعواك، قال: وفي قوله عليه السلام (ولقد
علمت بان دين محمد، من خير أديان) تصديق آخر وايمان آخر غير
الذي اعترف به في البيت السابق عليه، وممن أنكر أن يكون البيت الرابع
من أبي طالب عليه السلام زيني دحلان في كتابه أسنى المطالب (ص 18)
قال: قيل إنه موضوع أدخلوه في شعر أبي طالب وليس من كلامه، وقد
تقدم ذلك منه.
(ومن اشعار أبي طالب عليه السلام) التي انشدها في أمر الصحيفة
الملعونة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم، ما أخرجه ابن كثير (في
البداية والنهاية (ج 3 ص 87) قال: قال ابن إسحاق: فلما اجتمعت
على (قطيعة بني هاشم) قريش وصنعوا فيه الذي صنعوا، قال أبو طالب
إلا أبلغا عني على ذات بيننا * لويا وخصا من لوي بني كعب
ألم تعلموا إنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب
60

وإن عليه في العباد محبة * ولا خير ممن خصه الله بالحب
وإن الذي ألصقتموا من كتابكم * لكم كائن نحسا كراغية السقب
أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي ذنب
ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا * أواصرنا بعد المودة والقرب
وتستجلبوا حربا عوانا وربما * أمر على من ذاقه حلب الحرب
فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا * لعزاء من عض الزمان ولا كرب
ولما تبن منا ومنكم سوالف * وأيد أترت بالقساسية الشهب
بمعترك ضيق ترى كسر القنا * به والنسور الضخم يعكفن كالشرب
كأن ضحال الخيل في حجراته * ومعمعة الابطال بمعركة الحرب
أليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا * ولا نشتكي ما قد ينوب من النكب
ولكننا أهل الحفائظ والنهى * إذا طار أرواح الكماة من الرعب
(قال المؤلف) قد خرج هذه الأبيات التي أنشدها أبو طالب
عليه السلام وبين فيها الخير والصواب، واعترف فيها بنبوة ابن أخيه
صلى الله عليه وآله، جماعة من علماء أهل السنة والامامية عليهم الرحمة
منهم من تقدم.
(ومنهم) ابن الحديد الشافعي فقد خرج الأبيات في (ج 14 ص 72
الطبعة الثانية) من شرحه على نهج البلاغة وقد وافق ابن كثير في عدد
الأبيات، وخالفه في كثير من ألفاظه ولذلك نذكر ألفاظه بنصوصها.
قال في شرح نهج البلاغة (ج 14 ص 72): ومن شعر أبي طالب
في أمر الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم).
ألا أبلغا عني على ذات بينها * لويا وخصا من لوي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * رسولا كموسى في أول الكتب
61

وإن عليه في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحب
وإن الذي رقشتم في كتابكم * يكون لكم يوما كراغية السقب
أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي ذنب
ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا * أواصرنا بعد المودة والقرب
وتستجلبوا حربا عوانا وربما * أمر على من ذاقه حلب الحرب
فلسنا وبيت الله نسلم أحمدا * لعزاء من عض الزمان ولا كرب
ولما تبن منا ومنكم سوالف * وأيد أترت بالمهندة الشهب
بمعترك ضيق ترى قصد القنا * به والضباع العرج تعكف كالشرب
كأن مجال الخيل في حجراته * وغمغمة الابطال معركة الحرب
أليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا * ولا نشتكي مما ينوب من النكب
ولكننا أهل الحفائظ والنهى * إذا طار أرواح الكماة من الرعب
(ومنهم) أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المغافري
كان من أهالي مصر، وأصله من البصرة وقد توفي سنة 213 ه‍، وقد
جمع سيرة الرسول الأكرم من المغازي والسير لابن إسحاق وهذبها ولخصها
وقال أحمد بن يونس صاحب تأريخ مصر: إنه توفي سنة 218 ه‍ بمصر
وقال إنه ذهلي، وكتابه معروف بسيرة ابن هشام طبع في ثلاثة اجزاء
بمصر سنة 1329.
(قال المؤلف) خرج ابن هشام الأبيات في سيرته (ج 1 ص 318
طبع مصر سنة 1329) ولفظه يساوي لفظ ابن كثير، وقد تقدم لفظه وقد
زاد فيه بيتين (ثم قال) ابن هشام فأقاموا على ذلك (أي على القطيعة)
سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا لا يصل إليهم شئ إلا سرا مستخيفا من أراد
صلتهم من قريش.
62

(ومنهم) السيد أحمد زيني دحلان الشافعي فإنه خرج الأبيات في
كتابه (أسنى المطالب في تجاه أبي طالب) ص 13 طبع مصر وص 17
طبع طهران) ولفظه يقرب من لفظ ابن أبي الحديد المتقدم، وقال في
البيت الثاني.
ألم تعلموا انا وجدنا محمدا * رسولا كموسى صح ذلك في الكتب
(ثم قال) ويروى أنه عليه السلام قال:
(نبيا كموسى خط ذلك في الكتب).
(قال): ومنها (أي من القصيدة):
وإن عليه في العباد مودة * ولا خير ممن خصه الله بالحب
فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا * لعزاء من عض الزمان ولا كرب
(قال المؤلف) ولم يذكر زيني دحلان بقية القصيدة للاختصار
ولكن أخذ يستدل بابيات أخرى في إثبات ايمان أبي طالب عليه السلام
وقال: ومن شعره:
وشع له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد
(ثم قال) هكذا نسب الحافظ ابن حجر في الإصابة هذا البيت
لأبي طالب، قال: وقيل إنه لحسان بن ثابت الأنصاري (قال البرزنجي)
ولا مانع أن يكون لأبي طالب وأخذه حسان بن ثابت فضمنه شعره.
(قال المؤلف) لا شك في أن البيت المتقدم من شعر أبي طالب
عليه السلام، وقد خرجه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج 14
ص 78) وقال ومن شعر أبي طالب:
لقد أكرم الله النبي محمدا * فأكرم خلق الله في الناس أحمد
وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد
(قال المؤلف) ذكر ابن حجر في الإصابة (ج 7 ص 112)
63

ما ذكر زيني دحلان الشافعي في أسنى المطالب من شعر أبي طالب عليه السلام
ونسبه إليه، ولكن ترك البيت الأول لان فيه تصريحا بنبوة نبينا محمد
صلى الله عليه وآله، وابن حجر من الجماعة القائلين بعدم ايمان أبي
طالب فخاف لو ذكر البيت الأول أثبت خلاف عقيدته، فجزاه الله
ما يستحقه وحشره مع من يتولاه، والعجب من ابن أبي الحديد كيف
ذكر البيت الأول مع أنه من المتوقفين في إيمان أبي طالب عليه السلام
وهذا البيت يثبت إيمانه بنبوة ابن أخيه محمد صلى الله عليه ه آله وسلم
وهو من أقوى الأبيات الدالة على ايمانه، ومن أوضح أشعاره عليه السلام
الدالة على اسلامه، إذ لا فرق بين أن يقول الشخص محمد نبي أو يقول
أنت النبي محمد، أو وأكرم الله النبي محمدا صلى الله عليه وآله.
(قال المؤلف) خرج ما خرجه ابن الحديد جماعة من علماء السنة
واليك أسماءهم بالاختصار: ابن هشام في (ج 1 ص 318) من سيرته طبع
مصر سنة 1329 وفيه مع زيادة بيتين في آخره، وابن دحلان الشافعي في
أسنى المطالب (ص 10 طبع مصر سنة 1305) والآلوسي البغدادي في
كتابه بلوغ الإرب (ص 325 طبع مصر سنة 1342) وعبد القادر
البغدادي في (ج 1 ص 261) من خزانة الأدب طبع مصر سنة 1299
وقال ابن دحلان بعد ذكره بعض القصيدة هذا البيت من قصيدة
بليغة غراء قالها زمن محاصرة قريش لهم في الشعب، وهذه القصيدة تدل
على غاية محبته للنبي صلى الله عليه وآله وتدل على التصديق بنبوته
وشدة حمايته له، والذب عنه (سلام الله عليه وعلى آله الطيبين) وفي
(ج 7 ص 333) من الغدير ذكر الأبيات كما في سيرة ابن هشام، وقال
خرجه في الروض الأنف (ج 1 ص 220) وحرجه ابن كثير في تاريخه
(ج 3 ص 87) وخرجه في طلبة الطالب (ص 10).
64

(قال المؤلف) وخرجه السيد في (الحجة على الذاهب ص 39)
وذكره في كتاب هشام وأمية (ص 172) وذكره في كتاب إيمان أبي
طالب (ص 15) وخرجه في المناقب (ج 1 ص 44 من الطبع الثاني)
وفي (شيخ الأبطح ص 35) وخرجه السيد في (أعيان الشيعة (ص 140
ص 141 من ج 39) وفي (متشابهات القرآن ج 2 ص 65) خرج
بعض أبياتها في ضمن أبيات كثيرة فيها تصريح منه عليه السلام بأنه آمن
برسالة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله.
(قال المؤلف) فهل بعد اعترافه بالرسالة في الأبيات السابقة، وبعد
اعترافه بالنبوة في الأبيات اللاحقة يبقى مجال للشك في ايمانه عليه السلام؟
والعجب ممن ينقل هذه الأبيات وأمثالها لأبي طالب عليه السلام ومع ذلك
ينكر أو يتوقف في القول بايمانه عليه السلام، راجع شرح النهج لابن
أبي الحديد (ج 14 ص 82 الطبعة الثانية) تعرف المتوقف والمنكر.
(ومن جملة أشعاره عليه السلام) الدالة على أيمانه وإسلامه أبيات
بعثها عليه السلام إلى النجاشي ملك الحبشة يحرضه على نصرة النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، خرجها صاحب ناسخ التواريخ (ج 1) من الكتاب
الثاني منه (ص 252) وهذا نصها:
تعلم مليك الحبش إن محمدا * نبي كموسى والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به * فكل بأمر الله يهدي ويعصم
وإنكم تتلونه في كتابكم بصدق حديث لا حديث المرجم
وإنك ما يأتيك منا عصابة * بفضلك الا عاودوا بالتكرم
فلا تجعلوا لله ندا واسلموا * فان طريق الحق ليس بمظلم
(قال المولف) خرج الحاكم في المستدرك (ج 2 ص 623) طبع
حيدر آباد الأبيات وفيها تصحيف، وأسقط منها البيت الخامس، وهذا نصه:
65

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا
يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: قال أبو طالب أبياتا للنجاشي يحضه
على حسن جوارهم والدفع عنهم، وهي:
ليعلم خيار الناس أن محمدا * وزير لموسى والمسيح ابن مريم
أتانا بهدي مثل ما أتيا به * فكل بأمر الله يهدي ويعصم
وانكم تتلونه في كتابكم * بصدق حديث لا حديث المترجم
وانك ما تأتيك منا عصابة * بفضلك الا أرجعوا بالتكرم
(وترك البيت الخامس) وخرج ما خرجه الحاكم العلامة السيد شمس
الدين فخار بن معد المعاصر لابن أبي الحديد في كتابه الحجة على الذاهب
إلى تكفير أبي طالب (ص 56) ولفظه في البيت الأول يساوي لفظه
وفي بقية الأبيات يساوي لفظه لفظ صاحب ناسخ التواريخ، وفي أبياته
تقديم وتأخير، وفي بعض الكلمات اختلاف، وهذا نصه في (ص 56 إلى
ص 57).
تعلم خيار الناس أن محمدا * وزير لموسى والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به * فكل بأمر الله يهدي ويعصم
وإنكم تتلونه في كتابكم * بصدق حديث لا حديث المترجم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا * فان طريق الحق ليس بمظلم
وإنك ما تأتيك منا عصابة * لقصدك إلا أرجعوا بالتكرم
(قال المؤلف) ثم قال السيد شمس الدين: فانظر أيها المنصف
اللبيب، والحازم الا ريب، إلى هذه الشهادة لمحمد صلى الله عليه وآله
وسلم أنه وزير لموسى والمسيح عليهما السلام، وأنه أتى بالهدى مثل الذي
أتيا به، فهذا إيمان محض بالنبيين عليهم السلام واعتراف بما جاؤوا به من
الهدى (فكل بأمر الله يهدي ويعصم) أي كل من محمد صلى الله عليه
66

وآله وسلم وموسى والمسيح عليهما السلام يهدي ويعصم، وقوله للنجاشي
(وإنكم تتلونه في كتابكم) يريد أن الإنجيل، ذكر النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، وكان النجاشي على دين النصرانية، فهل فوق هذا التصديق
أو أعظم منه تحقيق؟ ثم يقول للنجاشي (فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا)
أليس هذا أمر صريح منه بالتوحيد لله تعالى والاسلام الذي جاء به ابن
أخيه صلى الله عليه وآله، صريح بالتوحيد، والنصرانية ليس فيها
التوحيد فإنهم يقولون بالتثليث (ولا تقولوا ثلاثة انتهوا) ثم يقول عليه
السلام (فان طريق الحق ليس بمظلم) أي ان طريق الحق الذي جاء به
ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله ليس بمظلم، فيا ليت شعري من
يرى طريق الحق ليس بمظلم وانه واضح، وهو سديد عاقل كيف يختار
الضلال، نعوذ بالله من اتباع الهوى المورد لظى النار، الموجب لغضب
الجبار (إنتهى كلام شمس الدين) وما وقع بين هلالين من زيادة المؤلف
للشرح والتوضيح.
(وخرج) العلامة ابن شهرآشوب في كتابه متشابهات القرآن
(ص 65) بيتين منها، ولفظه فيهما يختلف مع ما في ناسخ التواريخ وما
في مستدرك الحاكم، وما في (الحجة على الذاهب) وهذا نص ألفاظه:
تعلم أبيت اللعن أن محمدا * نبي كموسى والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به * فكل بحمد الله يهدي ويعصم
(قال المؤلف) لم يذكر العلامة ابن شهرآشوب بقية الأبيات لشهرتها
وخرج في كتابه المناقب (ج 1 ص 44) شطرا من البيت الأول قال:
وكتب (أبو طالب عليه السلام) إلى النجاشي: (تعلم أبيت اللعن ان
محمدا) الأبيات، فاسلم النجاشي، وكان قد سمع مذاكرة جعفر (بن
أبي طالب عليهما السلام) وعمرو بن العاص، ونزل فيه (وإذا سمعوا
67

ما أنزل إلى الرسول) إلى قوله (جزاء المحسنين) سورة المائدة (5) آية
(86) إلى (88).
(قال المؤلف) ان مذاكرة جعفر بن أبي طالب عليهما السلام مع
عمرو بن العاص عند النجاشي في الحبشة ذكرها علماء أهل السنة والامامية
عليهم الرحمة في تفاسيرهم المفصلة، وذكرها جلال الدين السيوطي الشافعي
في (الدر المنثور: ج 2 ص 307) وذكرها أيضا العلامة السيد هاشم
البحراني في البرهان (ج 1 ص 302) طبع إيران، وذكرها غيرهما
والمقام لا يسع ذكرها لأنها مفصلة، ومن جملة من خرج الأبيات السيد
المقرم في كتابه العباس بن أمير المؤمنين (ص 22) طبع النجف الأشرف
، والعلامة الأمين العاملي في الأعيان (ج 16 ص 19) والطبرسي في مجمع
البيان (ج 7 ص 36) والمرحوم السيد محمد علي شرف الدين في كتابه
شيخ الأبطح (ص 87 ص 88) طبع بغداد سنة 1349 ه‍، وفي ايمان
أبي طالب (ص 18) للشيخ المفيد طبع النجف الأشرف سنة 1373 ه‍، وفي البحار
(ج 6 ص 521) طبع طهران، وخرجها الخنيزي في كتابه (أبو طالب
مؤمن قريش) ص 183 طبع ثاني بيروت سنة 1381 ه‍ والحقه ببيان
لطيف متين متقن يثبت ايمان أبي طالب عليه السلام لطالب الحق، راجعه
(قال المؤلف) إن أبا طالب عليه السلام إضافة إلى أنه كان يؤمن
بنبوة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله يطلب من ملك الحبشة
النجاشي الدخول في الاسلام فاسلم وترك الشرك، فهل ترى أحدا يشرك
بالله تعالى يرغب غيره في ترك الشرك والاعتراف بالاسلام وقبوله. كلا
ثم كلا، ومن المعلوم الواضح لدى من له اطلاع بالتاريخ وعلى الأخص
تاريخ حياة عبد المطلب وأبي طالب عليهما السلام أن أبا طالب وعبد
المطلب كانا مؤمنين متدينين بدين أبيهم إبراهيم عليه السلام إلى أن ولد
68

نبينا محمد صلى الله عليه وآله ولما ولد صلى الله عليه وآله
آمنا به وبما جاء به، لأنهم سمعوا من علماء عصرهم أنه يأتي رسول في
الحجاز من قريش أن أبويه يموتان ويبقى يتيما في حجر جده وعمه إلى أن
يبعث، فلذلك ما زالا يخبران الناس أنه صلى الله عليه وآله له
نبأ عظيم، وكانا يأمران أولادهما وأقرباءهما باتباعه، وكانا يصران على
ذلك، كما تقدم فيما ذكرناه من وصاياهما عليهما السلام، وحيث أنهما آمنا
بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله وماتا على ذلك كان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يخبر عن حالهما في الآخرة، وكان بين لأصحابه علو مقامهما
في الآخرة، فإليك بعض ذلك:
ففي كتاب (الدر المنثور ج 6 ص 409) طبع مصر سنة 1314 ه‍
خرج بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه
(وآله) وسلم: بعثت ولي أربعة عمومة، فأما العباس فيكنى بابي الفضل
إلى يوم القيامة، وأما حمزة فيكنى بابي بعلى فأعلى الله قدره في الدنيا
والآخرة، وأما عبد العزى فيكنى بابي لهب فادخله الله النار وألهبها عليه
وأما عبد مناف فيكنى بابي طالب فله ولولده المطاولة والرفعة إلى يوم
القيامة.
(قال المؤلف) تأمل في الحديث تعرف الحق وتعرف أحوال أعمام النبي
صلى الله عليه وآله بما بينه وصرح به صلى الله عليه وآله، فإنه
مدح المؤمنين منهم ودعا على الكافرين منهم، فلو كان أبو طالب عليه السلام
مشركا كأبي لهب لدعا عليه وذمه فإنه صلى الله عليه وآله كان في
بياناته مبينا للحق والصواب لم يراع القرابة، فلو كان يراعي القرابة لما ذم أبا
لهب ودعا عليه بما تقدم، وفي كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الشافعي
(ج 14 ص 68 طبع ثاني) قال احتجوا في اسلام آباء النبي صلى الله عليه
69

بما روي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال (قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم) يبعث الله عبد الله المطلب يوم القيامة وعليه سيماء الأنبياء
وبهاء الملوك.
(قال المؤلف) اختصر ابن أبي الحديد الحديث فنسبه إلى الإمام جعفر
بن محمد عليهما السلام، ولا يخفى أن علوم الأئمة كلهم كان
من علوم جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله، فتارة كانوا يقولون
قال رسول الله صلى الله عليه وآله كذا وكذا، وتارة كانوا
يذكرون الحديث من دون أن ينسبوه إلى جدهم صلى الله عليه وآله
وعلى كل حال يظهر من هذا الحديث ان لعبد المطلب عليه السلام مقاما
رفيعا عند الله، وذلك لايمانه بالله وإسلامه بدين أبيه إبراهيم عليه السلام
وكان عليه السلام يعترف بذلك حين يسأل وعند الممات، واليك بعض
ما كان يعرفه عبد المطلب عليه السلام من أحوال سبطه صلى الله عليه
وآله وسلم لعلك تعرف ما كان يعتقده من أحوال النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، وأنه كان مؤمنا به قبل بعثته صلى الله عليه وآله.
(في الخصائص الكبرى) لجلال الدين السيوطي الشافعي (ج 1
ص 81 ص 82) ذكر تحت عنوان (باب معرفة عبد المطلب بشأن
النبي صلى الله عليه وآله) قال: أخرج ابن إسحاق، والبيهقي، وأبو نعيم
من طريقه، قال: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله
قال: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، وكان لا يجلس
عليه أحد من بنيه إجلالا له، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله
يأتي حتى يجلس عليه فيذهب أعمامه يؤخرونه، فيقول جده عبد المطلب
دعوا ابني فيمسح على ظهره ويقول: ان لابني هذا لشأنا، قال: فتوفي
عبد المطلب والنبي صلى الله عليه وآله ابن ثمان سنين، وأوصى به
70

أبا طالب، قال: وأخرج أبو نعيم من طريق عطاء عن ابن عباس مثله
وزاد (عليه قوله) دعوا ابني يجلس عليه فإنه يحسن من نفسه بشئ
وأرجو أنه يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده.
(وفيه أيضا ج 1 ص 81) قال: اخرج ابن سعد (في الطبقات)
وابن عساكر (في تاريخه) عن الزهري ومجاهد ونافع بن جبير، قالوا:
كان النبي صلى الله عليه وآله يجلس على فراش جده فيذهب أعمامه
ليؤخروه فيقول عبد المطلب: دعوا ابني إنه ليونس ملكا، وقال قوم
من بني مدلج لعبد المطلب: احتفظ به فانا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في
المقام منه، وقال عبد المطلب لام أيمن: يا بركة لا تغفلي عنه فان أهل
الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة (واليك أيضا) بعض ما كان
يعرفه عبد المطلب عليه السلام من أحوال سبطه وابن ابنه صلى الله عليه
وآله وسلم غير ما تقدم. وإخبار الأسقف بنبوته.
(وفيه أيضا ج 1 ص 81) قال: خرج أبو نعيم من طريق الواقدي
عن شيوخه قالوا: بينا عبد المطلب يوما في الحجر وعنده أسقف نجران
وكان صديقا له وهو يحادثه. ويقول: انا نجد صفة نبي بقي من ولد
إسماعيل، هذا البلد مولده، من صفته كذا وكذا، وأتى رسول الله
صلى الله عليه وآله فنظر إليه الأسقف والى عينيه والى ظهره وإلى
قدميه. فقال: هو هذا، ما هذا منك؟ قال ابني قال: الأسقف لا
ما نجد أباه حيا قال: هو ابن ابني، وقد مات أبوه وأمه حبلى به، قال
صدقت، قال: عبد المطلب لبنيه تحفظوا بابن أخيكم. ألا تسمعون ما يقال فيه.
71

(اخبار سيف بن ذي يزن لعبد المطلب بنبوة)
(ابن ابنه بطريق آخر)
(وفيه أيضا ج 1 ص 82) قال: أخرج البيهقي، وأبو نعيم
وابن عساكر، من طريق عفير بن زرعة بن سيف بن ذي يزن عن أبيه
قال: لما ظهر سيف بن ذي يزن على الحبشة، وذلك بعد مولد النبي
صلى الله عليه (وآله) وسلم بسنتين أتاه وفود العرب لتهنيه، وأتاه وفد قريش
منهم عبد المطلب فقال له سيف: يا عبد المطلب اني مفض إليك من سر
علمي أمرا لو غيرك يكون لم أبح له به، ولكني رأيتك معدنه فأطلعتك
(أي أعلمتك سره) فليكن عندك مخبيا حتى يأذن الله فيه، إني أجد
في الكتاب المكنون والعلم المخزون، الذي ادخرناه لأنفسنا، واحتجبناه دون
غيرنا، خيرا عظيما، وخطرا جسيما، فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاة
للناس عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة، فقال عبد المطلب، ما هو؟
قال: إذا ولد بتهامة، غلام بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، ولكم
به الزعامة، إلى يوم القيامة، ثم قال: هذا حينه الذي يولد فيه، أو قد
ولد، اسمه محمد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، وقد ولدناه
مرارا، والله باعثه جهارا، وجاعل له منا أنصارا، يعز بهم أولياءه
ويذل بهم أعداءه، ويصرف بهم الناس عن عرض، ويستفتح بهم كرائم
أهل الأرض، يعبد الرحمن، ويدحر الشيطان، ويخمد النيران، ويكسر
الأوثان، قوله فصل، وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن
المنكر ويبطله، والبيت ذي الحجب، والعلامات على النقب، إنك جده
يا عبد المطلب غير كذب، فهل أحسست بشئ، مما ذكرت لك؟
72

قال نعم، أيها الملك، إنه كان لي ابن وكنت به معجبا، وعليه رفيقا
واني زوجته كريمة من كرائم قومي آمنة بنت وهب فجاءت بغلام فسميته
محمدا، مات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه، فقال له سيف إن الذي
قلت لك كما قلت، فاحفظه، واحذر عليه اليهود، فإنهم له أعداء
ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا، ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل
مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير يثرب دار ملكي، فاني أجد في
الكتاب الناطق، والعلم السابق، أن بيثرب استحكام أمره وأهل نصره
وموضع قبره، (وفي تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 10) قال: روي عن
رسول الله صلى الله عليه وآله) أنه قال: إن الله يبعث جدي
عبد المطلب أمة واحدة في هيئة الأنبياء وزي الملوك.
(قال المؤلف) فهل يبقى مجال للشك في إيمان عبد المطلب
برسول الله صلى الله عليه وآله بعدما سمعه من سيف بن ذي يزن من
أنه صلى الله عليه وآله نبي يرسل من بني هاشم وهو ابن ابن
عبد المطلب عبد الله عليهم السلام، والحق أن يقال إن عبد المطلب
وأبا طالب عليهما السلام آمنا به صلى الله عليه وآله قبل بعثته لما
علموا من أحواله من أخبار سيف بن ذي يزن وقول الأحبار والرهبان
وغيرهم، ولذلك، كانوا سلام الله عليهم يخبرون أولادهم وغيرهم بأنه
صلى الله عليه وآله له نبأ عظيم وشأن جسيم وأنه يبلغ من الشرف
ما لم يبلغه أي عربي قبله وبعده، وغير ذلك من كلماتهم الدالة على علو
شانه ورفيع مقامه، واليك بعض ما أخبر به أبو طالب عليه السلام
من أحوال النبي صلى الله عليه وآله.
73

(بعض ما أخبر به الأحبار والرهبان من أحوال النبي)
(صلى الله عليه وآله لعمه أبي طالب ولغيره)
(الخصائص الكبرى ج 1 ص 84) طبع حيدر آباد الدكن قال:
اخرج البيهقي عن ابن إسحاق قال: كان أبو طالب هو الذي يلي أمر
رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بعد جده، فخرج في ركب من
الناس إلى الشام وخرج به (صلى الله عليه وآله) معه فلما نزل
الركب بصرى وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان أعلم
أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب إليه يصير علمهم (1)
عن كتاب فيما يزعمون يتوارثونه، كابرا عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام
ببحيرا، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يتعرض لهم
حتى إذا كان ذلك العام، نزلوا قريبا من صومعته فصنع لهم طعاما
كثيرا، وذلك فيما يزعمون عن شئ رآه وهو في صومعته في الركب
حين أقبلوا وغمامة بيضاء تظله (صلى الله عليه وآله) من بين القوم
ثم اقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حين أظلت
الشجرة، وتهصرت (أي تدلت ومالت) أغصان الشجرة على رسول الله
صلى الله عليه (وآله) وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى ذلك بحيرا نزل
من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني
قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأنا أحب أن تحضروا كلكم
صغيركم وكبيركم وحركم، وعبدكم، فقال له رجل منهم: يا بحيرا

(1) أي لم يزل يكون في هذه الصومعة راهب ينتهي إليه علم
النصرانية.
74

إن لك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمر بك كثيرا
فما شأنك اليوم؟ فقال بحيرا: صدقت قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف
وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم
فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم من بين القوم
لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير
الصفة التي يعرفها ويجدها عنده، فقال: يا معشر قريش لا يتخلف أحد
منكم عن طعامي هذا، قالوا له: يا بحيرا ما تخلف عنك أحد ينبغي أن
يأتيك، إلا غلام هو أحدث القوم سنا تخلف في رحالهم، قال: فلا
تفعلوا أدعوه فليحضر هذا الطعام معكم، فقال رجل من قريش مع
القوم: واللات والعزى ان هذا للؤم بنا ان يتخلف ابن عبد الله
ابن عبد المطلب عن الطعام من بيننا، قال: ثم قام إليه عمه الحرث بن
عبد المطلب كما في السيرة النبوية بهامش ص 105 من السيرة الحلبية ط 2
سنة 1329 فاحتضنته ثم اقبل به حتى أجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرا
جعل يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء جسده قد كان يجدها عنده
في صفته حتى فرغ القوم من الطعام، وتفرقوا، قام بحيرا فقال له يا غلام
أسألك بالات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال له بحيرا ذلك
لأنه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا أن رسول الله (ص) مثلهم فقال له: لا تسألني
باللات والعزى شيئا قط فوالله ما أبغضت بعضهما شيئا قط، فقال له بحيرا:
فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال: سلني عما بدا لك، فجعل
يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله
صلى الله عليه (وآله) وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم
نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي
عنده، قال: فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا
75

الغلام منك؟ فقال: ابني، فقاله له بحيرا: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا
الغلام أن يكون أبوه حيا، قال: فإنه ابن أخي قال: فما فعل أبوه؟
قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، إرجع بابن أخيك إلى بلده
واحذر عليه اليهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا
فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن، فأسرع به إلى بلاده، فخرج به عمه
أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام، قال:
فزعموا فيما يتحدث الناس أن زبيرا وتماما ودريسا وهم نفر من أهل الكتاب
قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في ذلك السفر
الذي كان فيه مع عمه أبي طالب أشياء، فردهم عنه بحيرا، وذكرهم الله
وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا
لم يخلصوا إليه حتى عرفوا ما قال لهم، وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا.
وقال أبو طالب في ذلك أبياتا منها:
فما رجعوا حتى رأوا من محمد * أحاديث تجلو غم كل فؤاد
وحتى رأوا أحبار كل مدينة * سجودا له من عصبة وفراد
زبيرا وتماما وقد كان شاهدا * دريسا وهموا كلهم بفساد
فقال لهم قولا بحيرا وأيقنوا * له بعد تكذيب وطول عناد
كما قال للرهط الذين تهودوا * وجاهدهم في الله كل جهاد
فقال ولم يترك له النصح رده * فان له إرصاد كل مصاد
فاني أخاف الحاسدين وإنه * لفي الكتب مكتوب بكل مداد
قال جلال الدين السيوطي الشافعي في الخصائص (ج 1 ص 85)
طبع حيدر آباد كن: وأخرج أو نعيم عن الواقدي عن شيوخه مثله
(أي مثل ما أخرجه البيهقي) قال: وفيه هذه الزيادة: وجعل ينظر
إلى الحمرة في عينيه ثم قال لقومه: أخبروني عن هذه الحمرة تأتي وتذهب
76

أولا تفارقه، قالوا: ما رأيناها فارقته قط، وسأله عن نومه فقال:
تنام عيناي ولا ينام قلبي، قال: وفيه بعد قوله كائن لابن لأخيك
هذا شأن نجده في كتبنا وما ورثنا من آبائنا وقد أخذ علينا مواثيق قال
أبو طالب: من أخذ عليكم المواثيق قال: الله أخذا علينا ونزل به على
عيسى ابن مريم، قال: وأخرج ابن سعد مثله بطوله عن داود بن
الحصين، وفيه إن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم كان ابن ثنتي عشرة سنة
(أي حين سافر مع عمه إلى الشام)، وفي تاريخ أبي الفداء (ج 1 ص 119)
قال كان عمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ ذاك ثلاث عشرة سنة
وفي تاريخ اليعقوبي (ج 2 ص 10، قال خرج به (عمه أبو طالب)
إلى بصرى من أرض الشام وهو ابن تسع سنين، قال: والله لا اكلك
إلى غيري وفي التاريخ الكبير للطبري (ج 2 ص 195) خرج نحوه وقال:
خرجه هشام بن محمد، وفي أسنى المطالب (ص 13) أخرج ذلك وقال
إن أبا طالب سافر إلى الشام وكان عمر النبي صلى الله عليه وآله
إذ ذاك تسع سنين فصحبه معه فرآه بحيرا الراهب بفتح الباء ورأي
فيه علامات النبوة فأخبر عنه أبا طالب وأمره بارجاعه إلى مكة مخافة
عليه من اليهود، فرده إلى مكة.
(وفي الخصائص أيضا ج 1 ص 85) قال: أخرج أبو نعيم عن
علي قال: خرج أبو طالب في تجارة إلى الشام في نفر من قريش وأخذ
معه النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فلما أشرفوا على بحيرا الراهب في وقت
قيظ وحر رفع الراهب بصره فإذا غمامة تظل النبي صلى الله عليه (وآله)
وسلم من بين من معه من الشمس فصنع بحيرا طعاما ودعاهم إلى صومعته
فلما دخل النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم الصومعة أشرقت الصومعة نورا
فقال بحيرا: هذا نبي الله الذي يرسله من العرب إلى الناس كافة.
77

(وفيه أيضا ص 85) قال: أخرج ابن سعد وابن عساكر عن
عبد الله بن محمد بن عقيل قال: سار أبو طالب إلى الشام والنبي صلى
الله عليه (وآله) وسلم معه فنزلوا على صاحب دير فقال صاحب الدير
(لأبي طالب عليه السلام): ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني قال: ما هو
بابنك ولا ينبغي أن يكون له أب حي، قال فلم؟ قال لان وجهه وجه نبي
وعينه عين نبي قال: وما النبي؟ قال: الذي يوحى إليه من السماء فينبئ به
أهل الأرض، قال: الله أجل مما تقول، قال: فاتق عليه اليهود،
قال: ثم خرج حتى نزل براهب أيضا صاحب دير فقال: ما هذا الغلام
منك؟ قال ابني، قال: ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون له أب حي
قال؟ ولم ذاك؟ قال: لان وجهه وجه نبي وعينه عين نبي قال سبحان
الله، الله أجل مما تقول، قال: يا بن أخي ألا تسمع ما يقولون؟ قال: أي
عم لا تنكر لله قدره.
(قال المؤلف) يظهر من هذه الأحاديث أن أبا طالب عليه السلام
كان عالما بنبوة ابن أخيه قبل أن يبعثه الله، وكان يعتقد ذلك ولذلك
كان يوصي أولاده وأقرباءه بملازمته ونصرته في إثبات دعوته حين بعث
صلى الله عليه وآله، وكان يأمرهم باتباعه.
(قال المؤلف) ومن اشعاره عليه السلام الدالة على إيمانه وعلو
مقامه ما خرجه في المناقب وغيره وقال: روي عن علي عليه السلام أنه
قال: قال لي أبي: يا بني إلزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس
عاجل وآجل، ثم قال لي كما في شرح نهج البلاغة (ج 14 ص 85
طبع ثاني: ان الوثيقة في لزوم محمد * فاشدد بصحبته علي يديكا
(قال المؤلف) وقد تقدم أنه عليه السلام وصى عليا عليه السلام
78

وجعفرا معا بملازمة الرسول الأكرم ونصرته وعدم خذلانه، وقال:
إن عليا وجعفرا ثقي * عند ملم الزمان والنوب
وهذه الأبيات خرجها في ديوانه (ص 42) وهي ثلاثة أبيات وفيها
تصريح بنبوة النبي صلى الله عليه وآله، فهل يشك في إيمان من
كان كلامه هذا؟ وهل الاقرار بالنبوة في الشعر والنثر يختلف في الأثر
فلا يعتبر في الشعر؟ هذا وقد خرج الأبيات الثلاثة ابن أبي الحديد الشافعي
في شرحه لنهج البلاغة (ج 14 ص 26 طبع ثاني) ثم قال: وقد
جاءت، الرواية أن أبا طالب (عليه السلام) لما مات جاء علي
عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: فآذنه بموته، فتوجع
(رسول الله صلى الله عليه وآله) عظيما وحزن شديدا ثم قال له
(أي لعلي عليه السلام): إمض فتول غسله. فإذا رفعته على سريره
فأعلمني، ففعل (ذلك علي عليه السلام) فاعترضه (أي جاء إلى تشييعه)
رسول الله صلى الله عليه وآله وهو محمول على رؤوس الرجال.
فقال، وصلتك رحم يا عم، وجزيت خيرا، فلقد ربيت وكفلت
صغيرا، وآزرت كبيرا، ثم تبعه (مشيعا) إلى حفرته، فوقف عليه
فقال، أما والله لاستغفرن لك، ولأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان
ثم قال ابن أبي الحديد كلاما مفصلا.
ومن جملته انه لا يجوز للنبي أن يرق لكافر (كما تدعيه بنو أمية
وأتباعهم) ولا (يجوز للنبي صلى الله عليه وآله) أن يدعو له بخير
(أي لا يجوز للنبي صلى الله عليه وآله ان يدعو إلا لمسلم) ولا
(يجوز للنبي صلى الله عليه وآله) أن يعده (أي يعد من ليس بمؤمن)
بالاستغفار والشفاعة، قال، ولم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ولا على خديجة عليها السلام، لان صلاة الجنازة لم تشرع بعد
79

وإنما كان تشبيع ورقة ودعاء.
(قال المؤلف) يكفي في إثبات إيمان أبي طالب عليه السلام دعاؤه
صلى الله عليه وآله له إذ لو لم يكن مؤمنا ما كان يجوز له أن
يدعو له أو يرق عليه أو يشيعه، وفي تاريخ اليعقوبي (ج 2 ص 26)
خرج دعاء النبي صلى الله عليه وآله لعمه بعد موته ومشايعته له
وحزنه عليه، ويأتي ذلك مفصلا، ولا يخفى أن هذه الأبيات الثلاثة المتقدمة
أخرجها في ديوان أبي طالب عليه للسلام مع اختلاف وتقديم وتأخير، وهذا
نصه: قال أبو هفان عبد الله بن أحمد المهزمي: وأنشدني خالد بن حمل عن
عبد الكريم الباهلي لأبي طالب:
والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
إن عليا وجعفرا ثقة * وعصمة في نوائب الكرب
لا تقعدا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
(ثم قال) وحدثني أبو العباس المبرد، قال: حدثني ابن عائشة
قال: مر أبو طالب برسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي
وعلي عن يمينه وجعفر مع أبي طالب يكتمه إسلامه فضرب عضده وقال
اذهب فصل جناح ابن عمك، وقال:
ان عليا وجعفرا ثقتي * عند احتدام الأمور والكرب
أراهما عرضة اللقاء لذا * ساميت أو أنتمي إلى حرب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
(قال المؤلف) ومن اشعار أبي طالب عليه السلام وقد نسبه إليه
الطبري والبلاذري والضحاك، كما ذكره في المناقب لابن شهرآشوب
(ج 1 ص 42) وهذا نص ألفاظه.
قال الطيري والبلاذري والضحاك قالوا: لما رأت قريش حمية قومه
80

(أي قوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم) وذب عمه أبو طالب عنه
جاؤوا إليه وقالوا جئناك بفتى قريش جمالا وجودا وشهامة. عمارة بن الوليد
تدفعه إليك يكون نصره وميراثه لك وندفع مع ذلك من عندنا مالا. وتدفع
إلينا ابن أخيك الذي فرق جماعتنا وسفه أحلامنا فنقتله، فقال: والله
ما أنصفتموني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وتأخذون ابني تقتلونه؟ هذا
والله ما لا يكون أبدا، أتعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لا تحن إلى
غيره؟ ثم نهرهم فهموا باغتياله فمنعهم أبو طالب من ذلك وقال فيه:
حميت الرسول رسول الآله * بيض تلالا مثل البروق
أذب وأحمي رسول الآله * حماية عم عليه شفيق
ثم ذكر في المناقب (ج 1 ص 43 (وقال: وأنشد (أبو طالب
عليه السلام) وقال:
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى * وغالب لنا غلاب كل مغالب
وسلم إلينا أحمدا واكفلن لنا * بنيا ولا تحفل بقول المعائب
فقلت لهم الله ربي وناصري * على كل باغ من لوي بن غالب
(قال المؤلف) لا يخفى على أي عاقل تارك للتعصب تصريحات
أبي طالب عليه السلام برسالة ابن أخيه وإظهاره الايمان به علاوة على
ما أظهره من أنه يحاميه ولا يترك أحدا يؤذيه كائنا من كان، ولا يخفى
أيضا على من راجع تاريخ حياة أبي طالب عليه السلام وما كان يبديه
عليه السلام في نصرة ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله وأن
ما ذكره في المناقب ذكره غيره من علماء أهل السنة، وهم جماعة غير أنهم
ذكروا القضية ولم يذكروا أشعار أبي طالب عليه السلام المتقدمة.
(منهم) ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي فإنه خرج في شرحه
لنهج البلاغة (ج 14 ص 55) وقال: قال محمد بن إسحاق: ثم إن قريشا
81

حين عرفت أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم. وإسلامه إليهم، ورأوا جماعة على مفارقتهم وعداوتهم مشوا إليه
بعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان أجمل فتى في قريش
فقالوا له: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أبهى فتى في قريش وأجمله
فخذه إليك. فاتخذه ولدا فهو لك، وسلم لنا هذا ابن أخيك الذي
قد خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك لنقتله فإنما هو
رجل برجل، فقال أبو طالب: والله ما أنصفتموني، تعطوني ابنكم
أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله ما يكون أبدا، فقال له
المطعم بن عدي بن نوفل وكان صديقا مصافيا والله يا أبا طالب
ما أراك تريد أن تقبل من قومك شيئا، لعمري قد جهدوا في التخلص
مما تكره، وأراك لا تنصفهم، فقال أبو طالب: والله ما أنصفوني
ولا أنصفتني، ولكنك قد أجمعت على خذلاني، ومظاهرة القوم علي
فاصنع ما بدا لك.
(قال المؤلف) إلى هنا ذكر ابن أبي الحديد القضية وترك أشعار
أبي طالب عليه السلام.
(ومنهم) ابن هشام فإنه خرج ما خرجه ابن أبي الحديد مع
اختلاف في بعض ألفاظه، وفيه زيادة لا تغير المعنى فالأولى تركه فمن
أراد ألفاظه فليراجع سيرة ابن هشام (ج 1 ص 245 طبع مصر سنة 1329 ه‍)
ثم قال ابن هشام في سيرته بعد قوله لمطعم: فاصنع ما بدا لك أو كما
قالوا قال: فحقب الامر وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا
فقال أبو طالب عند ذلك يعرض بالمطعم بن عدي ويعم من خذله من
عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش ويذكر ما سألوه وما تباعد من
أمرهم.
82

ألا قل لعمرو والوليد بن مطعم * ألا ليت حظي من حياضكم بكر
من الخور حجاب كثير رغاؤه * يرش على الساقين من بوله قطر
تخلف خلف الورد ليس بلاحق * إذا ما علا الفيفاء قيل له وبر
أرى أخوينا من أبينا وأمنا * إذا سئلا قالا إلى غيرنا الامر
بلى لهما أمر ولكن تجر جما * كما جرجمت من رأس ذي علق صخر
أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا * هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمر
هما أغمزا للقوم في أخويهما * فقد أصبحا منهم أكفهم صفر
هما أشركا في المجد من لا أبا له * من الناس إلا أن يرس له ذكر
وتيم ومخزوم وزهرة منهم * وكانوا لنا مولى إذا بغي النصر
فوالله لا ينفك منا عداوة * ولا منهم ما كان من نسلنا شفر
فقد سفهت أحلامهم وعقولهم * وكانوا كجفر بئس ما صنعت جفر
قال ابن هشام: تركت منها بيتين أقذع فيهما، ثم قال ابن
إسحاق: ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله، الذين أسلموا معه، فوثب كل قبيلة
على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، ومنع الله
رسول الله صلى الله عليه وآله منهم بعمه أبي طالب، وقد قام
أبو طالب حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب
فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وآله
والقيام دونه فاجتمعوا إليه، وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه إلا
ما كان من أبي لهب عدو الله الملعون، فلما رأى أبو طالب من قومه
ما سره في جهدهم معه وحدبهم عليه، جعل يمدحهم ويذكر قديمهم
ويذكر فضل رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم، ومكانه منهم
ليشد لهم رأيهم وليحدبوا معه على أمره فقال:
83

إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر * فعبد مناف سرها وصميمها
فان حصلت أشراف عبد منافها * ففي هاشم أشرافها وقديمها
وإن فخرت يوما فان محمدا * هو المصطفى من سرها وكريمها
تداعت قريش غثها وثمينها * علينا فلم تظفر وطاشت حلومها
وكنا قديما لا نقر ظلامة * إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها
ونحمي حماها كل يوم كريهة * ونضرب عن أحجارها من يرومها
بنا انتعش العود الذواء وإنما * بأكنافنا تندى وتنمى أرومها
(قال المؤلف): قال ابن هشام في القطعة المتقدمة ترك مها بيتين
أقذع فيهما (أي أبو طالب عليه السلام) وقد ترك بيتين أيضا من هذه
القطعة مقد خرجهما في ديوانه (أبو هفان عبد الله بن أحمد) وهذا
لفظه فيهما:
هم السادة الأعلون في كل حالة * لهم صرمة لا يستطاع قرومها
يدين لهم كل البرية طاعة * ويكرمها ما الأرض عندي أديمها
(قال المؤلف): وأما القطعة السابقة فقد أخرجها أبو هفان في
ديوانه عليه السلام، وفيها زيادة في الأبيات واختلاف في الترتيب
واليك نصها:
ألا ليت حظي من حياطة نصركم * بان ليس لي نفع لديكم ولا ضر
وسار برحلي فاطر الناب جاشم * ضعيف القصيري لا كبير ولا بكر
الجاشم المتكاره علي السير والقصيري أضعف الأضلاع.
من الحور حتحات كثير رغاؤه * يرش على الحاذين من بوله قطر
(أي من نتاج الخوار، وهي الغزارة الواحدة خوارة، والحاذان
باطنا الفخذ.
يخلف خلف الورد ليس بلاحق * إذا ما علا الفيفاء قيل له وبر
84

(قال أبو محلم) لثقته أنه يلحق، وان قال ليس بلاحق، والفيفاء
الصحراء الممتدة، والوبرة دابة تكون بجبال تهامة وتجمع وبرا ووبارا
قال جرير:
تطلى وهي سيئة المعرى * بعين الوبر تحسبه ملابا
أرى أخوينا من أبينا وأمنا * إذا سئلا قالا إلى غيرنا الامر
(قال) يريد بني نوفل بن عبد مناف وعبد شمس بن عبد مناف.
بلى لهما أمر ولكن ترجما * كما رجمت من رأس ذي العلق الصخر
(قال) الترجم القول بالظن لأنه يرمى به على غرر كالحجر، والعلق
الذي يتعلق بحجارته في المرمى إليه.
أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا * هما نبذانا مثل ما نبذ الجمر
وما ذاك إلا سؤدد خصنا به * آله العبا واصطفانا له الفخر
هما غمزا للقوم في أخويهما * فقد أصبحا منهم أكفهم صفر
هما أشركا في المجد من لا أبا له * من الناس إلا أن يرس له ذكر
قال الرس هو الذكر الخفي أخذ من الرس وهو القبر والبرء
(قال) يريد الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن
يقظة بن مرة بن كعب بن لوي، وكان الوليد من العظماء المستهزئين
بالنبي صلى الله عليه وآله ومن الذين مشوا إلى أبي طالب في أمر
النبي صلى الله عليه وآله، ونزل فيه قوله تعالى (ذرني ومن خلقت
وحيدا) الآية في سورة المدثر (74) آية (11)
وتيم ومخزوم وزهرة منهم * وكانوا لنا أولى إذا بغي النصر
فقد سفهت أحلامها وعقولها * وكانوا كجعر بئسما صنعت جعر
(قال) يريد السلح أي هم قذرى كهذا
فوالله لا تنفك منا عداوة * ولا منهم ما دام من نسلنا شقر
85

(قال المؤلف) قال العلامة زيني دحلان الشافعي في كتابه أسنى
المطالب (ص 21 من الطبع الثاني): ومن غرر مدائح أبي طالب
للنبي صلى الله عليه وآله الدالة على تصديقه إياه قوله:
إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر * فعبد مناف سرها وصميمها
فخرج ثلاثة أبيات آخرها (هو المصطفى من سرها وكريمها) ولم
يخرج بقية الأبيات السبعة التي خرجها ابن هشام، وقد تقدمت جميعها
(ثم قال) زيني دحلان: وهذا موافق لقوله صلى الله عليه وآله
واصطفاني من بني هاشم (قال البرزنجي) وهذا نطق بالوحي قبل صدوره
من النبي صلى الله عليه وآله فإنه صلى الله عليه وآله أخبر
بذلك بعد مدة من قول أبي طالب، والحديث وحي كالقرآن فثبت بهذه
الاخبار والاشعار أن أبا طالب كان مصدقا بنبوة النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وذلك كاف في نجاته (قال القرافي) في شرح التنقيح عند
قول أبي طالب:
وقد علموا ان ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعزى لقول الا باطل
إن هذا تصريح باللسان واعتقاد بالجنان، وان أبا طالب ممن آمن
بظاهره وباطنه (برسالة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله) وكان
يقول: إني أعلم أن ما يقول ابن أخي حق (قال) ولم يذعن ظاهرا
خوفا من أن قريش لا تقبل حمايته (للنبي صلى الله عليه وآله) قال:
وقوله (في بعض الأحيان) لولا أخاف أن تعيرني نساء قريش (لتظاهرت
بالاسلام) إنما قال ذلك تعمية على قريش ليوهم عليهم أنه على دينهم
وهذا عذر صحيح بلغ به تمكين النبي صلى الله عليه وآله وتثبيت نبوته
والدعوة إلى ربه (ثم قال): وهذا الذي اخترناه من كون نجاة أبي طالب
لما كان عنده من التصديق الكافي في النجاة في الآخرة هو طريق المتكلمين
86

من أئمتنا الأشاعرة، وهو ما دلت عليه أحاديث الشفاعة، وأحاديث
الشفاعة كثيرة، وكلها فيها تصريح بأنها لا تنال مشركا: وقد نالت
الشفاعة أبا طالب فدل ذلك على عدم إشراكه.
(بعض ما قيل في الأحاديث المكذوبة في حق)
(مؤمن قريش)
(قال المؤلف) انتهى كلام العلامة زيني دحلان الشافعي مع
الاختصار، ومن أراد التفصيل فليراجع كتابه (أسنى المطالب) (ص 21)
فيراه يثبت ايمان أبي طالب بابن أخيه بأدلة عقلية ونقلية، ويؤل الأحاديث
التي استدلوا بها على ترك أبي طالب عليه السلام وعدم ايمانه، ولو أفسدها
بالجرح في أسانيد الأحاديث كان أولى وأثبت للمقصود، فان جميع
ما روي في عدم إيمان أبي طالب عليه السلام أسانيدها واهية ورواتها غير
مأمونين لأنهم من أعداء محمد وآل محمد صلى الله عليه وعليهم، ولو
راجعت أحوالهم تراهم من الكذابين والوضاعين منهم (محمد بن يحيى)
وهو ابن رزين المصيصي، وقد قال الذهبي في ميزان الاعتدال (ج 3
ص 147) في حقه أنه دجال يضع الحديث، وهذا نصه: قال ابن
حبان: محمد بن يحيى بن رزين يضع الحديث، روى عن عثمان بن عمرو
ابن فارس عن كهمس عن الحسن عن انس مرفوعا: كل ما في السماوات
والأرض وما بينهما فهو مخلوق غير الله والقرآن، وذلك أنه منه واليه
يعود، وسيجئ قوم من أمتي يقولون: القرآن مخلوق فمن قاله منهم فقد
كفر وطلقت امرأته منه (وهذا الحديث من موضوعاته).
(قال المؤلف) جميع علماء الإمامية وكثير من علماء السنة
87

قائلون بأن القرآن مخلوق وفي القرآن آيات عديدة تدل على ذلك، وهذا
المقام لا يناسب بيان ذلك، ومن علماء السنة القائلين بخلق القرآن المأمون
العباسي وجماعة آخرون. (ومن جملة) رواة حديث النفس الزكية كما
في كتاب (شيخ الأبطح) ص 81، هو عثمان بن سعيد بن سعد المدني
وهذا سعيد من مجاهيل الرواة.
(ومن جملة) رواة الحديث (محمد بن بشير) فقد ذكر في ميزان
الاعتدال (ج 3 ص 31) رجلين بهذا الاسم وكلاهما لا يعتمد عليهما
قال الذهبي: محمد بن بشير بن عبد الله القاص، قال ابن معين: ليس
بثقة و (محمد بن بشير بن مروان) قال يحيى: ليس بثقة، وقال الدارقطني
ليس بالقوي في حديثه، وأبو عبد الرحمن وابن أبي حرب والحاكم
ابن صدقة ليس لهم ذكر في كتب الرجال فهم مجهولون (قال المؤلف)
جميع ما روي في أبي طالب عليه السلام من الأحاديث المنافية لرفيع مقامه
عليه السلام مختلفة وأسانيدها واهية باعتراف علماء السنة،
والعجب كل العجب من مثل ابن أبي الحديد وزيني دحلان وأمثالهما
مع اطلاعهم على الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وعن
أهل البيت عليهم السلام في حق أبي طالب عليه السلام، وهي أحاديث
تثبت له المقام الرفيع في الدنيا والآخرة، ومع اطلاعهم على ما قام به
عليه السلام من بذل نفسه ونفيسه من أولاده وعشيرته في نصرة ابن أخيه
صلى الله عليه وآله ومشاركته في نشر ما جاء به من عند ربه من
الدين الحنيف وأمره أولاده وذويه في القيام معه في ترويج ما جاء به من
الشريعة الاسلامية، ومع ما عرفوه من أشعاره الكثيرة الصريحة في إيمانه
مع ذلك كله يتخذون الأحاديث المروية من أعداء أبي طالب عليه السلام
88

بل أعداء بن هشام صحيحة، ويتعسفون في توجيهها بتوجيهات واهية
فهذا العالم المطلع على حياة أبي طالب عليه السلام وعلى ما روي من أولاده
في حقه عليه السلام تراه يقول في شرحه لنهج البلاغة (ج 14 ص 82)
طبع ثاني، ما هذا نص ألفاظه. " فاما أنا فان الحال ملتبسة عندي، والاخبار
متعارضة ".
(قال ابن أبي الحديد): يقف في صدري رسالة النفس الزكية إلى
المنصور (العباسي) وقوله فيها، " فأنا ابن خير الأخيار، وأنا ابن شر
الأشرار وأنا ابن سيد أهل الجنة، وان ابن سيد أهل النار ".
(قال) فان هذه شهادة منه على أبي طالب وهو ابنه وغير متهم
عليه، وعهده قريب من عهد النبي صلى الله عليه وآله، ولم يطل
الزمان فيكون الخبر مفتعلا.
(قال المؤلف) النفس الزكية، هو محمد بن عبد الله بن الحسن
ابن الإمام السبط الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، لقب بالنفس
الزكية وقتل في سنة (145 ه‍) بأمر المنصور قتله ولي عهد المنصور
عيسى بن موسى كما في مقاتل الطالبين (ص 232) وذلك لما ثار على
المنصور بعد أن قتل أباه بالكوفة وقتل معه مائتين وخمسين رجلا من
أصحابه.
(قال المؤلف) بعد المراجعة إلى رواة هذا الحديث المختلق المكذوب
تراهم لا يزيدون على خمسة، وهم عثمان بن سعيد بن سعد، ومحمد بن
يحيى، وأبو عبد الرحمن، والحكم بن صدقة بن بزار وابن أبي حرب.
وقد طعن أهل الجرح والتعديل في هؤلاء، وقد تقدم ما قيل فيهم
نقلا من كتب الرجال لعلماء أهل السنة فلا فائدة في تكرار ذلك، هذا
أولا وثانيا اختلاف الحديث المروي في الباب دليل آخر على أنه مكذوب
89

ومنسوب إلى النفس الزكية راجع تاريخ الطبري (ج 6 ص 196) وتاريخ
الكامل لابن الأثير (ج 5 ص 5) وكامل المبرد (ج 3 ص 1274
ص 1275) وكتاب المحاضرات، وتاريخ الأمم والدولة العباسية (ص 65)
ترى الحديث مرويا فيها مع اختلاف في ألفاظه، وهو دليل آخر قوي على
أنه حديث مختلق مكذوب لأجل غاية كانوا يطلبونها من أمير الشام وهو
تشكيك الناس في إيمان مؤمن قريش عليه السلام الذي شاع الاسلام وبني
الدين على ما قام به من نصرة ابن أخيه صلى الله عليه وآله ولولاه
لما قام الدين، ولم يتمكن النبي صلى الله عليه وآله من نشر دعوته
الاسلامية، هذا ولو تأملت في ألفاظ الحديث المنسوب إلى النفس الزكية
تراها ركيكة واهية، فهل رأيت أحدا يفتخر بأهل النار ويقول أنا سيد
أهل النار، أو يفتخر بالأشرار، ويقول أنا ابن شر الأشرار، نعم
لا يصدر هذا الافتخار إلا من مجنون لا يعقل ما يقول، والنفس الزكية
عليه السلام لم يكن مجنونا، ولم تصدر منه هذه الكلمات، وعلى الأخص
في مقابل شخص كالمنصور الذي هو من أعدائه وأعداء آبائه عليهم السلام
وفي حال قيامه بالحرب معه، ونسأل المفتعل لهذا الحديث هل كان
أبو طالب عليه السلام شر الأشرار أو خير الأشرار؟ كما في بعض ألفاظ
الحديث، وهل في الشر خير حتى يكون أبو طالب عليه السلام خيرهم
وهل لأهل النار سيد حتى يكون أبو طالب عليه السلام سيدهم؟.
فهل يقال لمن نصر الرسول الأكرم، وقام في الذب عنه وحياطته
شر الأشرار؟ ولأبي لهب وأبي جهل خير الأخيار؟ وهما اللذان آذيا
الرسول صلى الله عليه وآله بأنواع الأذى، ولو تمكنوا على أكثر
مما عملوا ما قصروا عنه.
(قال المؤلف) فلنرجع إلى فول ابن أبي الحديد حيث قال: وهو
90

أي النفس الزكية غير متهم عليه، وعهده قريب من عهد النبي
صلى الله عليه وآله، ولم يطل الزمان فيكون الخبر مفتعلا، فيقال له
فهل الرسول الأكرم وأمير المؤمنين وأولاده غير النفس الزكية متهمون فيما
ذكروا وبينوا من أحوال جدهم أبي طالب عليه السلام؟ فهل الإمام الصادق
جعفر بن محمد عليهما السلام متهم فيما بينه في حق جده عليه السلام؟
فهل عهد أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده إلى الصادق عليه السلام عهدهم
بعيد من جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله ومن جدهم أبي طالب
عليه السلام، فهل النفس الزكية لم يكن معاصرا لامام زمانه جعفر بن
محمد الصادق عليه السلام؟ وهل يقاس النفس الزكية بأمير المؤمنين علي
بن أبي طالب أو بأحد من أولاده المعصومين عليهم السلام حتى يتوقف
لقوله؟ وكل فرد من أفراد المسلمين المطلعين على حياة أمير المؤمنين
وأولاده المعصومين عليهم السلام لا يتوقف لقول من خالفهم سواء كان
من أولادهم أو كان أجنبيا منهم، فان علماء المسلمين المعاصرين لأمير
المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين كالإمام الحسن، والإمام الحسين
، والإمام علي بن الحسين، والإمام محمد الباقر، والإمام جعفر بن
محمد الصادق عليهم السلام جميعهم يعترفون بفضلهم ورفيع مقامهم في
العلم إلا من اتبع هواه، وأطاع سلطان عصره من الأمويين العباسيين
الذين أظهروا عداءهم لهم، وشردوهم وقتلوهم حسدا لما أعطاهم الله من
المقام الرفيع في الدنيا في أنظار البشر، فكانوا عليهم السلام هم
السلاطين على قلوب البشر بل على جميع ما خلقه الله، فلو أنصف ابن أبي
الحديد لما تفوه بما قال: من أنه من المتوقفين في إيمان أكبر فرد من
المؤمنين، ومن لولاه ولولا سيف ولده عليهما السلام لما عرف الله
ووحد، ولما تمكن النبي صلى الله عليه وآله من بث دعوته
91

وإرشاد الناس إلى الدين الحنيف، وإن ابن أبي الحديد يعرف جميع ما ذكرناه
حق المعرفة، ويؤيد ما قلناه، ويشهد بذلك ما نسب إليه من شعره حيث
قال: مادحا لأبي طالب عليه السلام، وذلك لما أرسل معاصره السيد
العلامة شمس الدين فخار بن معد الموسوي ما كتبه في إيمان أبي طالب وهو
الكتاب الذي سماه (الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب) أرسله إليه
ليشهد على صحته وصحة ما فيه فكتب ابن أبي الحديد على ظهر الكتاب
الأبيات الآتية.
(قال المؤلف) وجدت في ترجمة المؤلف لكتاب (الحجة على
الذاهب إلى تكفير أبي طالب) ما هذا نصه: هو الامام شمس الدين أبو علي
فخار بن معد بن فخار بن أحمد بن محمد بن محمد، المكنى بأبي الغنائم
ابن الحسين شيتي بن محمد الحائري ابن إبراهيم المجاب ابن محمد العابد
ابن موسى الكاظم عليه السلام، كان عالما فقيها رجاليا نسابة راوية، أديبا
شاعرا كما ذكره الرجاليون والنسابون، توفي سنة (630) في اليوم السابع
عشر من شهر رمضان المبارك، وهدا ما وجد بخط حفيده علم الدين
المرتضى علي بن جلال الدين عبد الحميد بن فخار، قال عرض السيد
المؤلف لكتاب (الحجة) على عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي
الشافعي فكتب على ظهره في مدح أبي طالب عليه السلام (وابنه
أمير المؤمنين عليه السلام).
ولولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين شخصا فقاما
فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما
تكفل عبد مناف بأمر * وأودى فكان علي تماما
فقل في ثبير مضى بعدما * قضى ما قضاه وأبقى شماما
فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما
92

وما ضر مجد أبي طالب * مجهول لغا أو بصير تعامى
كما لا يضر إياة الصباح * من ظن ضوء النهار الظلاما
(قال المؤلف) اللهم انا نشهد بعلو مقام أبي طالب عليه السلام
وبايمانه معترفين، ونرجو شفاعته يوم الدين.
(قال المؤلف): ويؤيد كلام السيد أعلى الله مقامه ما ذكره ابن
أبي الحديد المعتزلي الشافعي المتوفي سنة 655 ه‍ في كتابه شرح نهج البلاغة
(ج 14 ص 83) طبع ثاني في المطلوب وهذا نصه:
صنف بعض الطالبيين في هذا العصر كتابا، في إسلام أبي طالب
وبعثه إلي، وسألني أن أكتب عليه بخطي نظما أو نثرا، أشهد فيه بصحة
ذلك، وبوثاقة الأدلة عليه، فتحرجت أن أحكم بذلك حكما قاطعا، لما
عندي من التوقف فيه، ولم أستجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب فاني
أعلم أنه لولاه لما قامت للاسلام دعامة، وأعلم أن حقه واجب، على
كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة، فكتب على ظاهر المجلد هذه
الأبيات السبعة:
ولولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين شخصا فقاما
فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما
إلى آخر الأبيات السبعة المتقدمة، ولفظه يساوي ما تقدم نقله من
ترجمة السيد العلامة فخار بن معد بلا اختلاف في ألفاظه، وقال بعد
ذكره الأبيات فوفيت حقه من التعظيم والاجلال ولم أجزم بأمر عندي
فيه وقفة.
(قال المؤلف) لو تأملت قليلا فيما كتبه ابن أبي الحديد في أحوال
أبي طالب عليه السلام تراه يتناقض في أقواله، فتارة يتكلم بما يظهر منه
أنه يعترف بايمان أبي طالب عليه السلام، وتارة يتكلم بما يظهر منه أنه
93

منكر لذلك، وتارة يصرح بأنه من المتوقفين في إيمان أبي طالب عليه السلام
والذي يقوى في نظري أن ابن أبي الحديد لا يظهر عقيدته في الامر المتنازع
فيه رعاية لأكثر علماء أهل نحلته حيث أنهم يصرحون بان أبا طالب
عليه السلام لم يمت على الايمان برسول الله صلى الله عليه وآله بل
مات وهو على دين أشياخه من قريش (عبد المطلب عليه السلام وأمثاله).
(قال المؤلف) بعد أن كتبت ما في نظري بالنسبة إلى ابن أبي الحديد
عثرت على كلام لاحد المعاصرين، وهو العلامة المحقق المدقق الأستاذ
الشيخ عبد الله الخنيزي دام بقاه، وقد وافق نظره نظري في أن ابن
أبي الحديد يوجد في بياناته التناقض الصريح في الفقرة التي قبل أبياته وبعد
أبياته، واليك نص كلامه في كتابه (أبو طالب مؤمن قريش ص 300).
قال حفظه الله وأيده: إننا لنجد التناقض صريحا في الفقرة التي قبل
أبياته، فهو يقول: إنه تحرج عن الحكم باسلام أبي طالب لتلك الوقفة
في نفسه، ولكنه لم يستجز العقود عن تعظيم من كان السناد لبناء صرح
الاسلام الشموخ، ومن لولاه لما كانت للاسلام دعامة قائمة، وحقه
واجب عى كل مسلم، في الدنيا وجد. أو كان في عالم الايجاد، حتى
فناء الدنيا، وقيام يوم الدين.
فهذان ضدان لا يجتمعان، أبو طالب كافر، ولكنه لو لم يكن لما
كان للاسلام دعامة، وبذلك له الحق المفروض في عنق كل من يمت
للاسلام بسبب، فأي كافر هذا؟ ومن أين له هذا الحق الرجيح؟ هل
كان من كفره؟ وكيف كان العضد والدعامة في بناء الاسلام، ذلك الكافر؟
ولكنه بعد ذلك كله كتب على الكتاب تلك الأبيات التي نطق بالحق فيها
فراح يعرض لما قام به أبو طالب وابنه الامام، من رفيع العلم، وفذ
النصرة، وهما دعامتا الاسلام اللتان لولاهما لما مثل الدين، وقامت له قائمة.
94

فالأب، بدأ العمل الرفيع، وأسس دعامة البناء.
والولد، أتم العمل، وزاد في البناء.
الأب، حاط الرسول (صلى الله عليه وآله) ونصره.
والولد، لاقى الحمام، حتى جس منه الملمس، في سبيله.
فالمهمة الفضلى التي تكفل بها الأب الكريم وأودى بعد أن لم
يصل الغاية كان لها الابن العظيم ذلك المتمم، فكان تماما للجهد الذي
الذي قام به الأب (عليه السلام).
فأبو طالب (عليه السلام) هو الفاتح للهدى، وابنه كان
الختام للمعالي.
ما تقول في هذا، (فلله ذا فاتحا للهدى) وما الهدى هذا؟ أليس
يعنى هدى الاسلام؟ فهل الفاتح لهدى الاسلام يكون ذاك الكافر الجاحد؟
استغفر الله.
ولكنه قد وفاه حقه من التعظيم والاجلال، كما يقول، لم يجزم
باسلامه، وقد وقف في حلقه ما وقف ولعله قد شرق بالماء، أو قد امتلأ به
فوه فلم يستطع النطق.
ولكننا نقف عند قوله:
وما ضر مجد أبي طالب * جهول لغا أو بصير تعامى
كما لا يضر إياة الصباح * من ظن ضوء النهار الظلاما
فأي ضرر على مجد أبي طالب (عليه السلام) الأثيل، وإيمانه
الرسيخ، واسلامه الثابت أن يتعامى عنه ابن أبي الحديد؟ (أو غيره ممن
هو على رأيه) وهو به ذلك البصير لأشياء قد نكون فرضت عليه أن يسلك
هذا الطريق المنآد ويتجنب المهيع الأبلج.
(قال المؤلف) نرجع إلى الكلام في شعر أبي طالب عليه السلام
95

الذي ذكرة ابن هشام في سيرته.
قال في السيرة (ج 1 صفحة 246) بعد ذكره القصيدة:
تركت منها بيتين أقذع فيهما (أي شتم) وقد اشتبه أو كذب فقد
ترك من القصيدة أربعة أبيات، ويمكن أن يقال: إن الأبيات التي وصلت
إليه كانت ثلاثة عشر وترك منها بيتين، لأنه عليه السلام أقذع فيها
(قال في مختار الصحاح قذعه وأقذعه رماه بالفحش وشتمه) فقوله
أقذع فيهما أي شتم، ولكن اشتبه ابن هشام في نسبة الفحش والشتم
إلى أبي طالب عليه السلام فان أبا طالب عليه السلام كان مؤدبا لا يصدر
منه الفحش في حق عدو أو محب، ولكنه عليه السلام بين الحقيقة في قوله
فجعل ابن هشام بيان الحقائق فحشا حيث لا يرضى بما ذكره أبو طالب
حمية لأعداء النبي صلى الله عليه وآله، ومن الممكن أن نقول: إن
من بين أبو طالب حقائقهم كانوا من أقرباء ابن هشام ومن عشيرته
فاخذته الحمية فما تمكن من ذكر ما بسوؤهم ولو كان أمرا صحيحا واقعا
وهذا بعيد لان ابن هشام حميري ومن ذكرهم أبو طالب من قريش
وحمير لم تكن من قريش، راجع كتاب أنساب العرب.
(قال المؤلف): ومن شعر أبي طالب عليه السلام الدال على
إيمانه بابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله وعلو مقامه ما خرجه ابن
أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (ج 14 ص 61 طبع ثاني:
وقالوا لأحمد أنت أمرؤ * خلوف الحديث ضعيف السبب
وإن كان أحمد قد جاءهم * بصدق ولم يأتهم بالكذب
فأنى ومن حج من راكب * وكعبة مكة ذات الحجب
تنالون أحمد أو تصطلوا * ظباة الرماح وحسد القضب
وتغترفوا بين أبياتكم * صدور العوالي وخيلا شزب
96

تراهن من بين ضافي السبب * قصير الحزام طويل اللبب
عليهما صناديد من هاشم * هم الأنجبون مع المنتجب
(قال المؤلف) التصديق بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم من دين وكتاب ليس هو الا الاسلام والايمان، ففي قوله عليه السلام
هذا اعتراف بالرسالة، وتصديق بما جاء به الرسول، فلو لا تصديقه
برسالته ما قام بنصرته بنفسه وولده وعشيرته، ما تحمل المشاق في حفظه
من المشركين والكافرين، ولا يخفى على طالبي الحق أن هذه القصيدة
خرجها أبو هفان في ديوان أبي طالب عليه السلام وفيها اختلاف وزيادة
في الأبيات وإليك نصها كما في (ص 25) منه طبع النجف الأشرف.
تطاول ليلي بهم نصب * ودمع كسح السقاء السرب
للعب قصي بأحلامها * وهل يرجع الحلم بعد اللعب
ونفي قصي بني هاشم * كنفي الطهاة لطاف الخشب
وقول لأحمد أنت أمرؤ * خلوف الحديث ضعيف السبب
وإن كان أحمد قد جاءهم * بحق ولم يأتهم بالكذب
على أن إخواننا وازروا * بني هاشم وبني المطلب
هما أخوان كعظم اليمين * أمرا علينا بعقد الكرب
فيا لقصي ألم تخبروا * بما حل بي من شؤون العرب
فلا تمسكن بأيديكم * بعيد الأنوف بعجم الذنب
إلى م إلى م تلا فيتم * بأمر مزاح وحلم عزب
زعمتم بأنكم جيرة * وأنكم إخوة في النسب
فكيف تعادون أبناءه * وأهل الديانة بيت الحسب
فأنى ومن حج من راكب * وكعبة مكة ذات الحجب
تنالون من أحمد أو تصطلوا * ظباة الرماح وحد القضب
97

وتعترفوا بين أبياتكم * صدور العوالي وخيلا عصب
إذ الخيل تمرغ في جريها * بسير العنيق وحث الخبب (1)
تراهن ما بين ضافي السبب * قصير الحزام طويل اللبب (2)
وجرداء كالظبي سمحوجة * طواها النقائع بعد الحلب (3)
عليها رجال بني هاشم * هم الأنجبون مع المنتجب
(قال المؤلف) فهذه تسعة عشر بيتا، خرج ابن أبي الحديد
الشافعي منها سبعة أبيات وترك البقية للاختصار أو لأمر آخر، وهو الذي
صار سببا في توقفه في ايمان من يعلن في شعره ونثره بقوة إيمانه، ومن
تأمل في أحوال أبي طالب عليه السلام وفيما قام به في نصرة سيد المرسلين
عرف حق اليقين بأنه عليه السلام من المؤمنين المتقين عليه وعلى آله أفضل
التحية والصلاة والسلام.
وصفة القرآن العظيم بصفة عجيب، لها نظيرها في القرآن ذاته
وذلك في حكايته عن مؤمني الجن (انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد
فآمنا به) سورة الجن (72) آية 1.
(قال المؤلف) إن أبا طالب عليه السلام كان ينصر ابن أخيه
صلى الله عليه وآله وكان ينصر من ينصره، وكل من اعتنق
ما جاء به من الشريعة الاسلامية السهلة السمحة، ومن جملة من قام بنصرته
أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، فإنه عليه الرحمة لما آذوه

(1) قال: العنيق أشد السير والخبب دونه
(2) قال: قصير الحزام، أي ليس بمنتفخ الجوف، وطويل اللبب
واسع الصدر
(3) قال: سمحج وسمحوجة طويلة، والنقيعة ما ينقع لها من شعير
وقيل من نقاع الماء والحليب واللبن.
98

ولم ير ناصرا التجأ إلى أبي طالب عليه السلام فأجاره وقام بنصرته أحسن
قيام، فلما أجاره ودافع عنه جاءت إليه رجال من المشركين وقالوا:
يا أبا طالب أنك نصرت ابن أخيك محمدا فما بالك تنصر أبا سلمة
فأجابهم عليه السلام إنه استجار بي وهو ابن أختي (وذلك لان أم
أبي طالب عليه السلام مخزومية) وإن أنا لم أمنع ابن أختي، لم امنع ابن
أخي فيرتفع للغط صدى، ويعلو للجدل صوت، ويخشى الوفد الفتنة
فيخاف وخيم العاقبة، فيعود فارغ اليد، مغلوبا على أمره، فاشل المسعى.
قال: وإذ رأى أبو طالب أن أبا لهب قد قال كلمة في هذه الحادثة
في جانب أبي طالب، فقد طمع فيه أبو طالب وراح يدعوه لنصرة
الرسول وأن يقف إلى جانبه في حماية الدين الجديد كما هو واقف، فراح
يدعوه لذلك، في قطعتين من شعره.
(قال المؤلف) إن العلامة الخنيزي ذكر الواقعة بالمعنى ولم يذكر
ألفاظهم، ولو ذكر ألفاظهم كان أوقع وأصرح، واليك قول ابن
أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج 3 ص 306 طبع أول، وفي ج 14
ص 56 طبع ثاني) في نفس القضية.
قال محمد بن إسحاق، فلم يؤثر عن أبي لهب خير قط، إلا ما روي
أن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي لما وثب عليه قومه ليعذبوه ويفتنوه
عن الاسلام هرب منهم، فاستجار بأبي طالب، وأم أبي طالب مخزومية
وهي أم عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وآله فأجاره
فمشى إليه رجال من بني مخزوم، وقالوا له يا أبا طالب، هبك منعت
منا ابن أخيك محمدا، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا؟ قال: إنه استجار بي
وهو ابن أختي، وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي، فارتفعت
أصواتهم وأصواته، فقام أبو لهب ولم ينصر أبا طالب قبلها ولا بعدها
99

فقال، يا معشر قريش، والله لقد أكثرتم على هذا الشيخ (أي أبا طالب)
لا تزالون تتوثبون عليه في جواره من بين قومه، أما والله. لتنتهن عنه
أو لنقومن معه فيما قام فيه، حتى يبلغ ما أراد قال: فقالوا: بل ننصرف
عما تكره يا أبا عتبة، فقاموا فانصرفوا وكان وليا لهم ومعينا على
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي طالب فاتقوه وخافوا أن
تحمله الحمية على الاسلام، فطمع فيه أبو طالب حيث سمعه قال ما قال
وأمل أن يقوم معه في نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال (أبو طالب) يحرضه على ذلك فأنشد هذه الأبيات.
وان امرأ أبو عتيبة عمه * لفي معزل من أن يسام المظالما
ولا تقبلن الدهر ما عشت خطة * تسب بها إما هبطت المواسما
أقول له وأين منه نصيحتي * أبا عتبة ثبت سوادك قاثما
وول سبيل العجز غيرك منهم * فإنك لم تخلق على العجز لازما
وحارب فان الحرب نصف ولن ترى * أخا الحرب يعطى الخسف حتى يسالما
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا * ولما تروا يوما من الشعب قائما
وقال (عليه السلام) يخاطب أبا لهب أيضا، ويحرضه على نصرة
النبي صلى الله عليه وآله: عجبت لحلم بابن شيبة عازب * وأحلام أقوام لديك سخاف
يقولون شايع من أراد محمدا * بظلم وقم في أمره بخلاف
أضاميم إما حاسد ذو خيانة * وإما قريب عنك غير مصاف
فلا تركبن الدهر منه ذمامة * وأنت أمرؤ من خير عبد مناف
ولا تتركنه ما حييت لمعظم * وكن رجلا ذا نجدة وعفاف
تذود العدى عن ذروة هاشمية * ألا فهم في الناس خير ألاف
100

فان له قربى لديك قريبة * وليس بذي حلف ولا بمضاف
ولكنه من هاشم ذي صميمها * إلى أبحر فوق البحور طواف
وزاحم جميع الناس عنه وكن له * وزيرا على الأعداء غير مجاف
وإن غضبت منه قريش فقل لها * بني عمنا ما قومكم بضعاف
وما بالكم تغشون منه ظلامة * وما بال أحقاد هناك خوافي
فما قومنا بالقوم يخشون ظلمنا * وما نحن فيما ساءهم بخفاف
ولكننا أهل الحفائظ والنهى * وعز ببطحاء المشاعر واف
(قال المؤلف) اخرج هاتين القصيدتين علماء التاريخ في موارد
عديدة، في شيخ أبطح ص 29، وفي السيرة النبوية ج 1، وفي السيرة
الهشامية ج 3، وفي أعيان الشيعة (ج 39 ص 130)، وخرجهما
السيد في (الحجة على الذاهب ص 104 وص 105) ولكن بتقديم
وتأخير في القصيدة، واختلاف في كثير من ألفاظه، ونقص في أبياتهما
واليك نصه مع المقدمة التي ذكرها وفيه (بعض ما قيل في سبب كتمان
مؤمن قريش أبي طالب إيمانه).
قال السيد فخار في ص 102 (من الحجة على الذاهب) إعلم أن
السبب الذي دعا أبا طالب إلى كتمان إيمانه وإخفاء إسلامه (وعدم
تظاهره به كغيره ممن آمن وأسلم) ذلك لأنه كان سيد قريش غير مدافع
ورئيسها غير منازع، وكانوا له ينقادون، ولامره يطيعون، وهم على
ذلك بالله تعالى كافرون، وللأصنام يعبدون، فلما أظهر الله دينه، وابتعث
نبيه صلى الله عليه وآله، شمر أبو طالب في نصرته وإظهار دعوته
وهو برسالته من المؤمنين، وببعثته من الموقنين، وهو مع ذلك كاتم
لايمانه، ساتر لاسلامه، لأنه لم يكن قادرا على القيام بنصر النبي صلى الله
101

عليه وآله وسلم، وتمهيد الأمور له بنفسه خاصة من دون أهل بيته
وأصحابه وعشيرته وأحلافه، وكانوا على منهاج قريش في الكفر، وكان
أبو طالب لا يؤمن إذا أظهر إيمانه وأفشى إسلامه أن تتمالأ قريش عليه
ويخذله حليفه وناصره، ويسلمه صميمه وصاحبه، فيؤدي فعله ذلك إلى
إفساد قاعدة النبي صلى الله عليه وآله، والتغرير به، فكتم إيمانه
استدامة لقريش على طاعته، والانقياد لسيادته ليتمكن من نصر النبي
صلى الله عليه وآله، وإقامة حرمته، والاخذ بحقه، وإعزاز كلمته
ولهذا السبب كان أبو طالب يخالط قريشا ويعاشرهم، ويحضر معهم
مآدبهم، ويشهد مشاهدهم، وهو مع ذلك يشوب هذه الأفعال بتصديق
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والحث على اتباعه، فلو أنه نابذ قريشا
وأهل مكة، وقام بمنابذتهم، كانوا كلهم يدا عليه وعلى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، ولكنه كان يخادعهم، ويظهر لهم انه معهم، حتى
تمت الرسالة، وانتشرت الكلمة، وشاعت الدعوة، ووضح الحق، وكثر
المسلمون وصاروا عصبة أولي بأس ونجدة، وحتى شاع ذكره في الآفاق
وجاءته الوفود، وعلم من لم يعلم بحاله، وعرفت اليهود مبعثه، ولذلك
لما قبض أبو طالب اتفق المسلمون على أن جبرئيل عليه السلام نزل على
النبي صلى الله عليه وآله، وقال له ربك يقرأ عليك السلام ويقول
لك: إن قومك قد عولوا على أن يبتوك، وقد مات ناصرك، فاخرج
عنهم، وأمره بالمهاجرة (إلى المدينة المنورة).
قال السيد فخار بن معد في (الحجة على الذاهب ص 104) طبع
أول بعد كلامه المتقدم: فتأمل إضافة الله تعالى أبا طالب رحمه الله
إلى النبي عليه السلام وشهادته له انه ناصره، فان في ذلك لأبي طالب
عليه السلام أوفى فخر، وأعظم منزلة، وقريش رضيت
102

من أبي طالب بكونه مخالطا لهم مع ما سمعوا من شعره وتوحيده وتصديقه
للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يمكنهم قتله والمنابذة له، لان قومه
من بني هاشم وإخوانهم من بني المطلب بن عبد مناف وأحلافهم ومواليهم
وأتباعهم كافرهم ومؤمنهم كانوا معه، ولو كان نابذ قومه لكانوا
عليه كافة، ولذلك قال أبو لهب لما سمع قريشا يتحدثون في شأنه
ويفيضون في أمره: دعوا عنكم هذا الشيخ فإنه مغرور بابن أخيه، والله
لا يقتل محمد حتى يقتل أبو طالب، ولا يقتل أبو طالب حتى يقتل
بنو هاشم كافة، ولا يقتل بنو هاشم حتى تقتل بنو عبد مناف، ولا
تقتل بنو عبد مناف حتى تقتل أهل البطحاء، فامسكوا عنه، وإلا ملنا
معه، فخاف القوم أن يفعل فكفوا، فلما بلغت أبا طالب عليه السلام
مقالته (أي مقاله أبي لهب) طمع في نصرته " فقال (هذه الأبيات)
يستعطفه ويرققه ".
عجبت لحلم يا بن شيبة حادث * وأحلام أو قوام لديك ضعاف
يقولون شايع من أراد محمدا * بسوء وقم في أمره بخلاف
أضاميم إما حاسد ذو خيانة * وإما قريب منك غير مصاف
فلا تركبن الدهر منه ظلامة * وأنت امرؤ من خير عبد مناف
يذود العدى عن ذروة هاشمية * إلا فهم في الناس خير إلاف
فان له قربى إليك قريبة * وليس بذي حلف ولا بمضاف
ولكنه من هاشم في صميمها * إلى أنجم فوق النجوم ضوافي
فان غضبت فيه قريش فقل لها * بني عمنا ما قومكم بضعاف
قال السيد عليه الرحمة فلما أبطأ عنه ما أراد منه (أي من
نصرة الرسول الأكرم صلى الله عليه (وآله) وسلم، قال يستعطفه
أيضا فقال:
103

وإن امرءا من قومه أبو معتب * لفي منعة من أن يسام المظالما
أقول له وأين منه نصيحتي * أبا معتب ثبت سوادك قائما
ولا تقبلن الدهر ما عشت خطة * تسب بها إما هبطت المواسما
وول سبيل العجز غيرك فيهم * فإنك لم تخلق على العجز دائما
وحارب فان الحرب نصف ولن ترى * أخا الحرب يعطي الخسف حتى يسالما (1)
(قال المؤلف) يظهر من كلام السيد فخار في (الحجة على الذاهب)
أن القصيدة التي ذكرها ابن أبي الحديد مؤخرا في شرح النهج هي متقدمة
كما ترى فيما ذكرناه نقلا من كتاب (الحجة على الذاهب) هذا علاوة
على ما فيها من الاختلاف في الكلمات، ولم يذكر السيد الأبيات كما
ذكره ابن أبي الحديد، بل نقص منها ستة أبيات لأجل الاختصار أو
لان الرواية التي وصلت إليه لم يكن فيها أزيد من ثلاثة عشر بيتا، هذا
وقد خرج الأبيات في كتاب (الحماسة) لابن الشجري (ص 16)
وخرجها ابن هشام في السيرة (ج 1 ص 332) طبع مصر سنة 1329 ه‍
وذكر المقدمة التي أنشد لها أبو طالب عليه السلام الأبيات، ومقدمته
تقرب مما ذكره ابن أبي الحديد مقدمة للابيات في (ج 14 ص 56)
طبع ثاني، ثم ذكر القصيدة الأولى بزيادة ثلاثة أبيات، على ما ذكر ابن
أبي الحديد، ولم يذكر القصيدة الثانية، وفيما ذكره اختلاف في الألفاظ
علاوة على الزيادة في الأبيات، وهذا نصها:
وان امرأ أبو عتيبة عمه * لفي روضة ما أن يسام المظالما
أقول له وأين منه نصيحتي * أبا معتب ثبت سوادك قائما
فلا تقبلن الدهر ما عشت خطه * تسب بها إما هبطت المواسما

(1) القصيدتان (13) بيتا وهما في شرح ابن أبي الحديد (19) بيتا.
104

وول سبيل العجز غيرك منهم * فإنك لم تخلق على العجز لازما
وحارب فان الحرب نصف وما ترى * أخا الحرب يعطي الخسف حتى يسالما
وكيف ولم يجنوا عليك عظمية * ولم يخذلوك غانما أو مغارما
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا * جماعتنا كيما ينال المحارما
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا * ولما تروا يوما لدى الشعب قائما
(قال المؤلف) ثم قال ابن هشام بقي منها بيت تركناه.
وخرج الأبيات أيضا ابن كثير في البداية والنهاية (ج 3 ص 93)
ولفظه لفظ ابن هشام في السيرة سواء، ولم يذكر القصيدة الأخرى التي
ذكرها ابن أبي الحديد، وأولها:
عجبت لحلم يا بن شيبة عازب * وأحلام أقوام لديك سخاف
(قال المؤلف) ومن أشعار أبي طالب عليه السلام التي فيها تصريح
على أنه كان مسلما مؤمنا بما جاء به ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله
وسلم، ما خرجه ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (ج 14 ص 78)
طبع ثاني، وخرجه أبو هفان في ديوانه (ص 75) واللفظ لابن أبي الحديد
الشافعي، قال عليه السلام،
يا شاهد الله علي فاشهد * إني على دين النبي أحمد
من ضل في الدين فاني مهتدي
(قال المؤلف) قال ابن أبي الحديد بعد نقله ما نسب إليه
عليه السلام من الاشعار فكل هذه الاشعار قد جاءت مجيئ التواتر
لأنه وان لم تكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشارك
وهو التصديق (بنبوة) محمد صلى الله عليه وآله، ومجموعها متواتر
كما أن كل واحدة من قتلات علي عليه السلام الفرسان منقولة آحادا
105

ومجموعها متواتر يفيدنا العلم الضروري بشجاعته عليه السلام، ثم قال
ابن أبي الحديد: واتركوا هذا كله جانبا، ما قولكم في القصيدة اللامية
التي شهرتها كشهرة (قفا نبك)، وإن جاز الشك فيها أو في شئ من
أبياتها جاز الشك في (قفا نبك) وفي بعض أبياتها (ثم قال): ونحن
نذكر منها هاهنا قطعة وهي قوله:
أعوذ برب البيت من كل طاعن * علينا بسوء أو يلوح بباطل
ومن فاجر يغتابنا بمغيبة * ومن ملحق في الدين ما لم نحاول
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل
وننصره حتى نصرع دونه * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وحتى نرى ذا الروع يركب درعه * من الطعن فعل الأنكب المتحامل
وينهض قوم في الحديد إليكم * نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل
وإنا وبيت الله من جد جدنا * لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
بكل فتى مثل الشهاب سميدع * أخي ثقة عند الحفيظة باسل
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا * يحوط الذمار غير نكس مواكل
وابيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
وميزان صدق لا يخيس شعيرة * ووزان صدق وزنه غير عائل
ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعبأ بقول الا باطل
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد * وأحببته حب الحبيب المواصل
وجدت بنفسي دونه فحميته * ودافعت عنه بالذرى والكواهل
فلا زال للدنيا جمالا لأهلها * وشينا لمن عادى وزين المحافل
وأيده رب العباد بنصره * وأظهر دينا حقه غير باطل
(قال المؤلف) خرج ابن أبي الحديد القصيدة في سبعة عشر
106

بيتا، وهي تزيد على المائة بيت، وقد خرج الأميني حفظه الله وأيده
من القصيدة أكثر مما خرجه في شرح نهج البلاغة، وهذا نص ما أخرجه
في الغدير (ج 7 صفحة 338) طبع ثاني، وفيه زيادة واختلاف في
الكلمات.
خليلي ما أذني لأول عاذل * بصغواء في حق ولا عند باطل
ولما رأيت القوم لا ود فيهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوة والأذى * وقد طاوعوا أمر العدو المزايل
وقد حالفوا قوما علينا أظنة * يعضون غيظا خلفنا بالأنامل
صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة * وأبيض عضب من تراث المقاول
أعوذ برب الناس من كل طاعن * علينا بسوء أو ملح بباطل
ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة * ومن ملحق في الدين ما لم نحاول
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق ليرقى في حراء ونازل
وبالبيت حق البيت من بطن مكة * وبالله إن الله ليس بغافل
وبالحجر المسود إذ يمسحونه * إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل
كذبتم وبيت الله نترك مكة * ونظعن إلا امركم في بلابل
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وينهض قوم بالحديد إليكم * نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل
وحتى نرى ذا الطعن يركب درعه * من الطعن فعل الأنكب المتحامل
وإنا لعمر الله إن جد ما أرى * لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
بكفي فتى مثل الشهاب سميدع * أخي ثقة حامي الحقيقة باسل
شهورا واياما وحولا مجرما * علينا وتأتي حجة بعد قابل
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا * يحوط الذمار غير ذرب مواكل
107

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في رحمة وفواضل
بميزان قسط لا يخيس شعيرة * له شاهد من نفسه غير عائل
ولقد سفهت أحلام قوم تبدلوا * بني خلف قيضا بنا والغياطل
ونحن الصميم من ذؤابة هاشم * وآل قصي في الخطوب الأوائل
وسهم ومخزوم تمالوا والبوا * علينا العدى من كل طمل وخامل
فعبد مناف أنتم خير قومكم * فلا تشركوا في أمركم كل واغل
ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا نعبأ بقول الا باطل
أشم من الشم إليها ليل ينتمي * إلى حسب في حومة المجد فاضل
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد * وأحببته حب الحبيب المواصل
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها * وزينا لمن والاه رب المشاكل
فأصبح فينا أحمد في أرومة * تقصر عنه سورة المتطاول
حدبت بنفسي دونه وحميته * ودافعت عنه بالذرى والكلاكل
فايده رب العباد بنصره * وأظهر دينا حقه غير باطل
(قال المؤلف) فهذه ثلاثة وثلاثون بيتا من القصيدة اللامية المنسوبة
إلى شيخ الأبطح أبي طالب عليه السلام، وقد خرجها ابن هشام في سيرته
(ج 1 ص 249 وص 255) وما خرج منها الا أربعة وتسعين بيتا وخرجها
ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية (ج 3 ص 53 وص 57) وما ذكر منها
الا اثنين وتسعين بيتا وخرجها أبو هفان العبدي فيما جمعه من شعر أبي طالب،
وهو معروف بديوان أبي طالب عليه السلام (من ص 2 إلى ص 12) طبع
النجف الأشرف في مائة واحد عشر بيتا وخرجناها في كتابنا (الشهاب الثاقب
لرجم مكفر أبي طالب عليه السلام) نقلا من كتب عديدة، وفيها زيادة
على جميع من ذكر القصيدة، وما ذكرناه مائة وستة عشرة بيتا واليك نصها:
108

خليلي ما أذني لأول عاذل * بصغواء في حق ولا عند باطل
خليلي إن الرأي ليس بشركة * ولا نهنه عند الأمور التلائل
ولما رأيت القوم لا ود عندهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل (1)
وقد صارحونا بالعداوة والأذى * وقد طاوعوا أمر العدو المزايل
وقد حالفوا قوما علينا أظنة * يعضون غيظا خلفنا بالأنامل
صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة * وأبيض عضب من تراث المقاول (2)
وأحضرت عند البيت رهطي واخوتي * وأمسكت من أثوابه بالوصائل
قياما معا مستقبلين رتاجه * لدى حيث يقضي حلفه كل نافل (3)
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم * بمفضى السيول من أساف ونائل
موسمة الاعضاد إذ قصراتها * محبسة بين السديس وبازل
ترى الودع فيها والرخام وزينة * بأعناقها معقودة كالعثاكل
أعوذ برب الناس من كل طاعن * علينا بسوء أو ملح بباطل
ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة * ومن ملحق في الدين ما لم نحاول (4)
وثور ومن أرسى ثييرا مكانه * وراق ليرقى في حراء ونازل (5)
وبالبيت حق البيت من بطن مكة * وبالله ان الله ليس بغافل (6)
وبالحجر المسود إذ يمسحونه * إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل

(1) ولما رأيت القوم لا ود فيهم " الديوان وسيرة ابن هشام "
(2) " وابيض ماض " الديوان
(3) " يقضي نسكه " الديوان وسيرة ابن هشام
(4) " ومن مفتر في الدين " الديوان
(5) " وعير وراق في حراء ونازل " الديوان
(6) " وبالبيت ركن البيت " الديوان
109

وموطئ إبراهيم في الصخر وطأة * على قدميه حافيا غير ناعل
وأشواط بين المروتين إلى الصفا * وما فيهما من صورة وتماثل
ومن حج بيت الله من كل راكب * ومن كل ذي نذر ومن كل راجل
وبالمشعر الأقصى إذا عمدوا له * إلال إلى مفضى الشراج القوابل
وتوقا فهم فوق الجبال عشية * يقيمون بالأيدي صدور الرواحل
وليلة جمع والمنازل من منى * وهل فوقها من حرمة ومنازل (1)
وجمع إذا ما القربات أجزنه * سراعا كما يخرجن من وقع وابل (2)
وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها * يؤمون قذفا رأسها بالجنادل
وكندة إذ هم بالحصاب عشية * تجير بهم حجاج بكر بن وائل (3)
حليفان شدا عقد ما اختلفا له * وردا عليه عاطفات الوسائل (4)
وحطمهم سمر الرماح وسرحة * وشبرقة وخد النعام الجوافل (5)
فهل بعد هذا من معاذ لعائذ * وهل من معيذ يتقي الله عاذل
يطاع بنا أمر العداة وإننا * تسد بنا أبواب ترك وكابل
كذبتم وبيت لله نترك مكة * ونظعن إلا أمركم في بلابل
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل
أقيم على نصر النبي محمد * أقاتل عنه بالقنا والقبائل

(1) " وما فوقها من حرمة " الديوان
(2) " كما يفزعن من وقع " الديوان
(3) " وكندة إذ ترمى الجمار " " تجيز بها " الديوان
(4) " عاطفات الذلائل " ديوان
(5) وحطمهم سمر الرماح مع الظبي * وانقاذهم ما ينتقى كل نابل
ومشيهم حول البسال وسرحه * وسلمية وخد النعام الجوافل
(ديون)
110

ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وينهض قوم بالحديد إليكم * نهوض الروايا تحت ظل الصلاصل
وحتى ترى ذا الضغن بركب ردعه * من الطعن فعل الأنكب المتخامل
وإنا لعمر الله إن جد ما أرى * لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
بكفي فتى مثل الشهاب سميدع * أخي ثقة حامي الحقيقة باسل
من السر من فرعي لوي بن غالب * منيع الحمى عند الوغى غير واكل
شهورا واياما وحولا مجرما * علينا وتأتي حجة بعد قابل
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا * يحوط الذمار غير ذرب مواكل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل (1)
يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في رحمة وفواضل (2)
لعمري لقد أجرى أسيد وبكرة * إلى بغضنا وجزا باكلة آكل (3)
جزت رحم عنا أسيدا وخالدا * جزاء مسيئ لا يؤخر عاجل
وعثمان لم يربع علينا وقنفذ * ولكن أطاعا أمر تلك القبائل
أطاعا أبيا وابن عبد يغوثهم * ولم يرقبا فينا مقالة قائل (4)
كما قد لقينا من سبيع ونوفل * وكل تولى معرضا لم يجامل
فان يلقيا أو يمكن الله منهما * نكل لهما صاعا بصاع المكايل (5)
وذاك أبو عمرو أبى غير بغضنا * ليظعننا قي أهل شاء وجامل
يناجى بنا في كل ممسي ومصبح * فناج أبا عمرو بنا ثم خاتل

(1) " ربيع اليتامى " ديوان
(2) " فهم عنده في نعمة وفواضل " ديوان
(3) " أسيد ورهطه " ديوان
(4) " أطاعا بنا الغاوين في كل وجهة " ديوان
(5) " نكل لهما صاعا بكيل المكايل " ديوان
111

ويؤلي لنا بالله ما إن يغشنا * بلى قد نراه جهرة غير خائل
أضاق عليه بغضنا كل تلعة * من الأرض بين أخشب فمجادل (1)
وسائل أبا الوليد ماذا حبوتنا * بسعيك فينا معرضا كالمخاتل
وكنت امرأ ممن يعاش برأيه * ورحمته فينا ولست بجاهل
فعتبة لا تسمع بنا قول كاشح * حسود كذوب مبغض ذي دغاول
ولست أباليه على ذات نفسه * فعش يا بن عمي ناعما غير ماحل
فقد خفت ان لم تزدجرهم وترتدع * تلاقي وتلقى مثل إحدى الزلازل (2)
ومر أبو سفيان عني معرضا * كما مر قبل من عظام المقاول (3)
يفر إلى نجد وبرد مياهه * ويزعم اني لست عنكم بغافل
ويخبرنا فعل المناصح أنه * شفيق ويخفي عارمات الدواخل
أمطعم لم أخذ لك في يوم نجدة * ولا مطعم عند الأمور الجلائل
ولا يوم خصم إذ أتوك الدة * أولي جدل مثل الخصوم المساجل (4)
أمطعم إن القوم ساموك خطة * واني متى أوكل فلست بوائل
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا * عقوبة شر عاجلا غير آجل
بميزان قسط لا يخيس شعيرة * له شاهد من نفسه غير عائل
لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا * بني خلف قيضا بنا والغياطل
ونحن الصميم من ذوابة هاشم * وآل قصي في الخطوب الأوائل
فكان لنا حوض السقاية فيهم * ونحن الذرى من غالب والكواهل

(1) " فالأجادل " ديوان
(2) " وقد خفت ان لم تزدجرهم وترعووا " ديوان
(3) " كأنك قيل في كبار المجادل " ديوان
(4) " ولا يوم قصم " ديوان
112

شباب من المطيبين وهاشم * كبيض السيوف بين أيدي الصياقل
فما أدركوا ذحلا ولا سفكوا دما * وما خالفوا إلا شرار القبائل
بضرب ترى الفتيان فيه كأنهم * ضواري أسود فوق لحم خرادل
بنى أمة محبوبة هندكية * بنى جمع عبد لقيس بن عاقل
وسهم ومخزوم تمالوا وألبوا * علينا العدى من كل طمل وخامل
وحث بنو سهم علينا عديها * عدي بني كعب احتبوا بالمحافل
يقصون من غيظ علينا أكفهم * بلا ترة بعد الحمى والنواصل
فبعد مناف أنتم خير قومكم * فلا تشركوا في أمركم كل واغل
لعمري لقد أوهنتم وعجزتم * وجئتم بأمر مخطئ للمفاصل
وكنتم حديثا حطب قدر وأنتم * الان حطاب أقدر ومراجل
ليهن بني عبد المناف عقوقها * وخذلانها وتركها في المعاقل
فان تك قوما نتئر ما صنعتم * وتحتلبوها لقحة غير باهل
وسائط كانت في لوي بن غالب * نفاهم إلينا كل صقر حلاحل
ورهط نفيل شر من وطأ الحصى * والام حاف من معد وناعل
فابلغ قصيا أن سينشر أمرنا * وبشر قصيا بعدنا بالتخاذل
ولو طرقت ليلا قصيا عظيمة * إذا ما لجأنا دونهم في المداخل
ولو صدقوا ضربا خلال بيوتهم * لكنا أسى عند النساء المطافل
فان تك كعب من كعوب كثيرة * فلا بد يوما أنها في مجاهل
وان تلك كعب أصبحت قد تفرقت * فلا بد يوما مرة من تخاذل
وكنا بخير قبل تسويد معشر * هم ذبحونا بالمدى والمعاول
بني أسد لا تطرفن على الأذى * إذا لم يقل بالحق مقول قائل
فكل صديق وابن أخت نعده * لعمري وجدنا غبة غير طائل
113

سوى أن رهطا من كلاب بن مرة * براء إلينا من معقة خاذل
وقفنا لهم حتى تبدد جمعهم * ويحسر عنا كل باغ وجاهل
ونعم ابن أخت القوم غير مكذب * زهير حساما مفردا من حمائل
أشم من الشم إليها ليل ينتمى * إلى حسب في حومة المجد فاضل
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد * واخوته دأب المحب المواصل
فايده رب العباد بنصره * وأظهر حقا دينه غير باطل
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها * وزينا لمن والاه رب المشاكل
فمن مثله في الناس أي مؤمل * إذا قاسه الحكام عند التفاضل
حليم رشيد عادل غير طائش * يوالي إلها ليس عنه بغافل
فوالله لولا أن أجئ بسبة * تجر على أشياخنا في المحافل
لكنا اتبعناه على كل حالة * من الدهر جدا غير قول التهازل
لقد علموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعني بقول الا باطل
فأصبح فينا أحمد في أرومة * تقصر عنها سورة المتطاول
وجدت بنفسي دونه وحميته * ودافعت عنه بالذرى والكلاكل
ولا شك أن الله رافع قدره * ومعليه في الدنيا ويوم التجادل
كما قد رأى في اليوم والامس جده * ووالده رؤياهما غير آفل
رجال كرام غير ميل نماهم * إلى الخير آباء كرام المحاصل
فان تك كعب من لؤي صقيبة * فلا بد يوما مرة من تزايل
(قال المؤلف) انتهى ما عثرنا عليه في تاريخ ابن كثر، وتاريخ
ابن هشام وناسخ التواريخ والديوان.
(قال المؤلف) بعد ما ذكر ابن كثير القصيدة اللامية التي هي من
انشاء أبي طالب عليه السلام قال ما هذا لفظه: هذه قصيدة عظيمة بليغة
جدا لا يستطيع أن يقولها إلا من نسبت إليه، وهي أفحل من المعلقات السبع
114

وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعها، قال: وقد أوردها الأموي في مغازيه
مطولة بزيادات أخر، وقال المعلق على كلام ابن كثير في ذيل (البداية
والنهاية ج 3 ص 57) ولهذه القصيدة نسخ مطبوعة على حدتها فليرجع
إليها من أراد ذلك، وقد طبعت في ديوان أبي هفان مشروحة وقد نقلنا
منها في هذا المختصر.
وقال ابن هشام في السيرة (ج 1 ص 249) في بيان سبب انشاء
هذه القصيدة: انه لما خشي أبو طالب دهماء العرب ان يركبوه مع قومه
قال قصيدته التي تعوذ فبها بحرم مكة وبمكانه منها وتودد فيها أشراف
قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره انه غير مسلم
رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا تاركه لشئ أبدا حتى يهلك
دونه، فقال أبو طالب (ثم ذكر القصيدة المتقدمة الذكر).
وقال في المواهب اللدنية (ج 1 ص 48): إن هذه القصيدة أكثر
من ثمانين بيتا (ثم قال) قال ابن التين (وهو عبد الواحد السفاقسي
وهو من شراح صحيح البخاري) عند ذكره أبياتا من القصيدة: ان في
شعر أبي طالب هذا دليلا على أنه كأنه يعرف نبوة النبي صلى الله عليه
(وآله) وسلم قبل أن يبعث (وذلك) لما أخبره به (بحيرا الراهب وغيره)
من شأنه مع ما شاهده من أحواله، ومنها الاستسقاء به في صغره قال:
ومعرفة أبي طالب بنبوته صلى الله عليه وآله جاءت في كثير من
الاخبار زيادة على اخذها، من شعره.
وقال العلامة السيد زيني دحلان الشافعي في أسنى المطالب (ص 18
طبع طهران) ومن شعره (أي من شعر أبي طالب عليه السلام قوله في
النبي صلى الله عليه وآله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
115

يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في رحمة وفواضل
(ثم قال) وهذان البيتان من قصيدة طويلة لأبي طالب، قيل إنها
ثمانون بيتا، (وقد) أفرد لها بعض العلماء شرحا مستقلا، وقيل إنها
تزيد على مائة بيت، قالها أبو طالب حين حصر قريش لهم في الشعب
وأخبر قريشا أنه غير مسلم محمدا رسول الله لاحد أبدا حتى يهلك دونه
ومدحه فيها مدحا بليغا، وأتى فيها بكلام صريح في أنه مصدق بنبوته
مؤمن به فمنها البيتان السابقان ومنها قوله.
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد * وأحببته حب المحب المواصل
وقد علموا ان ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعزى لقول الا باطل
فمن مثله في الناس أي مؤمل * إذا قاسه الحكام عند التفاضل
حليم رشيد عاقل غير طائش * يوالي إلها ليس عنه بغافل
وأصبح فينا احمد في أرومة * تقصر عنها سورة المتطاول
حدبت بنفسي دونه وحميته * ودافعت عنه بالذرى والكلاكل
(قال): وفي القصيدة أبيات كثيرة مثل هذه في المعنى والبلاغة.
(قال المؤلف) ذكر الصدوق عليه الرحمة في (أماليه) ص 366
باسناده عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس انه سأله رجل فقال له
يا بن عم رسول الله أخبرني عن أبي طالب. هل كان مسلما؟ قال: وكيف
لم يكن مسلما وهو القائل.
وقد علموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعبأ بقيل الا باطل
(ثم قال عليه الرحمة) إن أبا طالب كان مثله كمثل أصحاب الكهف
حين أسروا الايمان، وأظهروا الشرك فآتاهم الله اجرهم مرتين.
(قال المؤلف): وقال في أسنى المطالب ص 21: قال القرافي (في
شرح التنقيح) عند ذكره قول أبي طالب:
وقد علموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعزى لقول الا باطل
116

إن هذا تصريح باللسان واعتقاد بالجنان وان أبا طالب ممن آمن
بظاهره وباطنه غير أنه كفر ظاهرا (أي أظهر ما أظهر تقية حفظا لمقامه
لديهم ليتمكن من حفظ النبي صلى الله عليه وآله وحفظ اتباعه إلى (ان
يقول): وكان يقول (أبو طالب عليه السلام): اني لاعلم أن ما يقول
ابن أخي حق، ولولا أني أخاف ان تعيرني نساء قريش لاتبعته (أي
في الظاهر).
(ثم قال) ابن دحلان: وأجيب بأنه لم يذعن ظاهرا (بما جاء به
رسول الله صلى الله عليه وآله) خوفا من أن قريشا لا تقبل حمايته
(وقوله: لولا أني أخاف ان تعيرني نساء قريش) إنما قال ذلك، تعمية
على قريش ليوهم عليهم انه على دينهم، وهذا عذر صحيح، بلغ به
تمكين النبي صلى الله عليه وآله في (إثبات) نبوته والدعوة إلى ربه.
بعض الأخبار الدالة على ايمان
أبي طالب عليه السلام
(قال المؤلف): ومما يمكن الاستدلال به على علو مقام أبي طالب
عليه السلام علاوة على اسلامه وايمانه بابن أخيه صلى الله عليه وآله
الاخبار المروية في شأنه عليه السلام، وهي كثيرة، واليك بعضها.
قال في أسنى المطالب (ص 24) طبع ثاني: أخرج ابن سعد وابن
عساكر عن ابن عباس انه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله ما ترجو
لأبي طالب؟ قال: كل الخير أرجو من ربي (قال): ولا يرجى كل
الخير الا لمؤمن، ولا يجوز أنه يراد بهذا تخفيف العذاب فإنه ليس خيرا
فضلا عن أن يكون كل الخير، قال: والخير كل الخير دخول الجنة
117

(قال): وأخرج تمام الرازي في فوائده بسند يعتد به في المناقب عن
ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم
القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب واخ لي كان في الجاهلية.
(قال المؤلف) خرج هذا الحديث أو بمعناه جماعة من المؤرخين
المشهورين منهم، اليعقوبي في تاريخه المطبوع في النجف الأشرف سنة 1358 ه‍
(ج 2 ص 26) وقال: توفي أبو طالب بعد خديجة بثلاثة أيام وله
ست وثمانون سنة، وقيل تسعون سنة.
ولما قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: إن أبا طالب
قد مات عظم ذلك في قلبه، واشتد له جزعه، ثم دخل (عليه) فمسح
جبينه الأيمن أربع مرات، وجبينه الأيسر ثلاث مرات، ثم قال: يا عم
ربيت صغيرا، وكفلت يتيما، ونصرت كبيرا، فجزاك الله عني خيرا
ومشى بين يدي سريره، وجعل يعرضه، ويقول، وصلتك رحم
وجزيت خيرا.
وقال صلى الله عليه وآله: اجتمعت على هذه الأمة في
هذه الأيام مصيبتان لا أدري بأيهما أنا أشد جزعا يعني مصيبة (موت)
خديجة وأبي طالب عليهما السلام (قال) وروي عنه أنه قال: إن الله
عز وجل وعدني في أربعة، في أبي، وأمي، وعمي (أبي طالب) وأخ
كان لي في الجاهلية.
118

بعض الأحاديث الدالة على أن النبي
صلى الله عليه وآله دعا لأبي طالب وأنه يشفع
له حتى يرتفع مقامه في الجنة
في الخصائص الكبرى لجلال الدين السيوطي الشافعي (ج 1 ص 87)
خرج بسنده وقال: أخرج تمام في فوائده وابن عساكر عن ابن عمر قال:
قال صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي، وأمي
وعمي أبي طالب، وأخ لي كان في الجاهلية، وقد تقدم الحديث من
أسنى المطالب.
(وفيه أيضا) بسنده قال: أخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن
عباس (قال) سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: شفعت في
هؤلاء النفر، في أبي، وعمي أبي طالب، وأخي من الرضاعة، وخرج
الحديث محب الدين الطبري الشافعي في ذخائر العقبي (ص 7) وقال
خرجه تمام في فوائده عن ابن عمر.
(وفي السيرة الحلبية (ج 1 ص 382) قال: وفي لفظ عن ابن
عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة
شفعت لأبي، وأمي، وعمي أبي طالب، وأخ لي في الجاهلية (يعني أخاه
من الرضاعة وهو ابن حليمة السعدية).
(قال المؤلف) ثم خرج حديثا آخر، وقال: وفي لفظ آخر
شفعت في أبي وأمي وعمي، أبي طالب، وأخي من الرضاعة (يعني من
حليمة السعدية) ولا يخفى أن الشفاعة تكون يوم القيامة لأمور وليست
مختصة لطلب المغفرة فقط بل تكون لرفع الدرجات، ومقصود النبي
صلى الله عليه وآله من الشفاعة لأبيه وأمه وعمه لرفع الدرجات لا
119

لطلب المغفرة فإنهم عليهم السلام كانوا مؤمنين موحدين وماتوا على ذلك
وإنما يشفع لهم ليكونوا معه وفي درجته، وشفاعة النبي صلى الله عليه وآله
وسلم مقبولة نافعة لمن شفع له سواء كان من أرحامه أو لبعيد منه، وينال
المقام الرفيع في الجنة بذلك.
(وفي ذخائر العقبي) لمحب الدين الطبري الشافعي (ص 6) قال
روي عن جابر بن عبد الله قال: كان لآل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم خادم تخدمهم يقال لها بريرة، فلقيها رجل فقال لها: يا بريرة
غطي شعيفاتك فان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم لن يغني عنك من الله
شيئا قالت: فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخرج يجر رداءه محمارة
وجنتاه، وكنا معشر الأنصار نعرف غضبه بجر ردائه وحمرة وجنتيه، فاخذنا
السلاح ثم أتينا فقلنا: يا رسول الله مرنا بما شئت، والذي بعثك بالحق
نبيا لو أمرتنا بآبائنا وأمهاتنا وأولادنا لمضينا لقولك فيهم، ثم صعد المنبر
فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله، قال
نعم، ولكن من أنا؟ قلنا: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم
ابن عبد مناف، قال صلى الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم ولا
فخر، وأول من ينفض التراب عن رأسه ولا فخر، وأول داخل الجنة
ولا فخر، وصاحب لواء الحمد ولا فخر، وفي ظل الرحمن يوم لا ظلا إلا
ظله ولا فخر، ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع؟ بل تنفع حتى
تبلغ حكم وحاء وهم إحدى قبيلتين من اليمين اني اشفع فاشفع حتى
أن من اشفع له ليشفع فيشفع، حتى أن إبليس ليتطاول طمعا في الشفاعة
(أخرجه ابن البختري).
(وخرج فيه أيضا ص 7) ما تقدم نقله عن ابن عمر من كتاب
السيرة الحلبية (ج 1 ص 382) ولفظه يساوي لفظه، وقال: أخرجه
120

تمام الرازي في فوائده (وهو قوله صلى الله عليه وآله) إذا كان
يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب. وأخ لي في الجاهلية.
(وفيه أيضا) إن أبا هريرة قال: جاءت سبيعة بنت أبي لهب
إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله إن الناس يقولون
أنت بنت حطب النار، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وهو
مغضب فقال: ما بال أقوام يؤذوني في قرابتي، من آذى قرابتي فقد
آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله.
(قال المؤلف): وقال عز من قائل (إن الذين يؤذون الله ورسوله
لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) سورة (32)
الأحزاب آية (57)، (فنقول): فهل يتصور أذية فوق ما نسبوا
إلى أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وآله من أنه مات على غير
إيمان، وقد ثبت بأمور عديدة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان
يحب عمه أبا طالب حبا شديدا، وكان صلى الله عليه وآله يقول
لعقيل ابن عمه عليه السلام: إني أحبك لامرين، الأول إنك مؤمن
والثاني لحب عمي إياك، ولكثرة حبه له سمى العام الذي توفي فيه عمه
بعام الحزن.
(في الاستيعاب ج 2 صفحة 509) وذخائر العقبي (ص 222)
وتاريخ الخميس (ج 1 ص 163) ومجمع الزوائد (ج 9 ص 273)
وشرح نهج البلاغة (ج 3 ص 312 طبع أول)، واللفظ لمحب الدين
الطبري الشافعي قال: روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال له
(أي لعقيل): يا أبا يزيد إني أحبك حبين حبا لقرابتك مني، وحبا
لما كنت أعلم من حب عمي إياك (ثم قال): خرجه أبو عمر، والبغوي،
فهل يمكن أن نقول إن من نزل عليه قوله تعالى: (لا تجد قوما
121

يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم
أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) سورة المجادلة آية (22) ومن نزل عليه قوله
تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم
بالمودة وقد كفروا بما جاء من الحق) " سورة الممتحنة " آية " 60 "
ومن نزل عليه قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم
أولياء إن استحبوا الكفر على الايمان، ومن يتولهم منكم فأولئك هم
الظالمون) سورة التوبة آية (23) ومن نزل عليه قوله تعالى (ولو كانوا
يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) سورة المائدة
آية (81).
وهل يقبل عاقل أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله
الذي نزلت عليه هذه الآيات المباركات وكان يأمر الناس بالعمل بها
هو نفسه لا يعمل بها وكان عمله على خلافها، فأحب عمه أبا طالب مع
ما كان عليه على زعم أعدائه من عدم الايمان بابن أخيه صلى الله عليه
وآله وسلم، وعدم قبول ما جاء به، ما كان ذلك أبدا، بل كان صلى
الله عليه وآله وسلم يحبه حبا شديدا حيث أنه عليه السلام كان يؤمن به
ويعترف بان ما جاء به حق وصدق، وفيه صلاح الدنيا والآخرة، وقد
صرح عليه السلام بذلك في أقواله نثرا وشعرا، وقد مر عليك ذلك
فتأمل في معاملات الرسول الأكرم ومعاملات وصيه علي بن أبي طالب
مع شيخ الأبطح، مع ناصر الرسول وحاميه، مع من لولاه لما انتصر
الاسلام وعرفه من عرفه في حياته وبعد مماته، وفي ما بينه لامته المرحومة
في أحوال عمه أبي طالب عليه السلام.
قال ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (ج 3 ص 311)
طبع أول في (ج 14 ص 67) طبع ثاني: فاما الذين قالوا باسلام
122

أبي طالب أسندوا ذلك إلى خبر رواه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام
وهو أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال لي جبرئيل
إن الله مشفعك في ستة، بطن حملتك، آمنة بنت وهب، وصلب
أنزلك، عبد الله بن عبد المطلب، وحجر كفلك، أبي طالب، وبيت
آواك، عبد المطلب، وأخ كان لك في الجاهلية، وثدي أرضعتك، حليمة
بنت أبي ذؤيب (انتهى باختصار).
(وفيه أيضا) قال: قالوا المدعون لايمانه عليه السلام: قد نقل
الناس كافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: " نقلنا
(أي أنا ووصيي علي بن أبي طالب) من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام
الزكية " فوجب بمنطوق هذا الحديث أن يكون آباؤه كلهم منزهين عن
الشرك لأنه لو كانوا عبدة الأصنام لما كانوا طاهرين (قال عز من قائل
إنما المشركون نجس) انتهى نقلا بالمعنى.
بعض الأحاديث المروية في كتب علماء
أهل السنة الدالة على طهارة أبي طالب من الشرك
(قال المؤلف): ذكرنا أحاديث عديدة في إثبات أن أهل البيت
والنبي صلى الله عليه وآله خلقوا من نور واحد، وأنهم انتقلوا من
أصلاب طاهرة إلى أرحام مطهرة من لدن آدم إلى عبد الله وأبي طالب
عليهم السلام، راجع أول الجزء الثاني من كتابنا (محمد وعلي وبنوه الأوصياء)
وكتابنا الآخر (علي والوصية) ص 177، واليك بعض تلك الأحاديث
المستخرجة في الكتابين بحذف السند.
(في ينابيع المودة ص 256 طبع اسلامبول سنة 1301 ه‍) قال:
123

في مودة القربى في المودة الثامنة بسنده عن علي عليه السلام، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي خلقني الله وخلقك من نوره
فلما خلق آدم عليه السلام أودع ذلك في صلبه، ثم نزل أنا وأنت شيئا
واحدا، ثم افترقنا في صلب عبد المطلب، ففي النبوة والرسالة، وفيك
الوصية والإمامة (قال عز وجل ونرى تقلبك في الساجدين) فهل الذي
يسجد لله تبارك وتعالى يكون مشركا) يا ترى؟.
(وفيه أيضا ص 256) أخرج حديثا آخر عن عثمان رفعه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خلقت أتا وعلي من نور واحد
قبل أن يخلق آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق الله آدم ركب ذلك
النور في صلبه، فلم يزل شيئا واحدا حتى افترقنا في صلب عبد المطلب
ففي النبوة وفي علي الوصية.
(وفي كتاب علي والوصية ص 186) نقلا عن أرجح المطالب
ص 462 " لعبيد الله الحنفي الهندي المعروف بآمر تسري، خرجه من
كتاب زين الفتى في شرح سورة هل أتى تأليف أبي حاتم أحمد بن علي العاصمي
الشافعي، فإنه خرج بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: خلقت أنا وعلي من نور واحد يسبح الله عز وجل
في ميمنة العرش قبل خلق الدنيا، ولقد سكن آدم في الجنة، ونحن في
صلبه، ولقد ركب نوح السفينة ونحن في صلبه ولقد قذف إبراهيم
في النار ونحن في صلبه، فلم يزل ينقلنا الله عز وجل من أصلاب طاهرة
حتى إنتهى بنا إلى صلب عبد المطلب، فجعل ذلك النور بنصفين فجعلني
في صلب عبد الله، وجعل عليا في صلب أبي طالب (الحديث).
(وفي أرجح المطالب أيضا ص 459) قال، في رواية أبي الفتح
محمد بن علي بن إبراهيم النضيري، في الخصائص العلوية، خرج بسنده
124

عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول:
خلقت أنا وعلي من نور عن يمين العرش نسبح الله ونقدسه من قبل أن
يخلق الله عز وجل آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم نقلنا
إلى أصلاب الرجال وأرحام النساء الطاهرات، ثم نقلنا إلى صلب عبد المطلب
وقسمنا نصفين فجعل النصف في صلب عبد الله، وجعل النصف الآخر
في صلب أبي طالب، فخلقت من ذلك النصف، وخلق علي من النصف
الآخر، واشتق لنا من أسمائه، فالله المحمود وانا محمد، والله
الاعلى وأخي علي، والله فاطر وابنتي فاطمة، والله محسن وابناي الحسن
والحسين، فكان اسمي في الرسالة، وكان اسمه في الخلافة والشجاعة
فانا رسول الله، وعلي سيف الله.
(وفي أرجح المطالب أيضا ص 458) عن كتاب الشفاء وغيره من
كتب علماء أهل السنة قال: روي عن علي (عليه السلام) قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: خلقت أنا وعلي من نور واحد من
قبل أن يخلق أبونا آدم بألفي عام فلما خلق آدم صرنا في صلبه، ثم نقلنا
من كرام الأصلاب إلى مطهرات الأرحام حتى صرنا في صلب عبد المطلب
ثم انقسمنا نصفين فصرت في صلب عبد الله، وصار علي في صلب
أبي طالب، واختارني بالنبوة، واختار عليا بالشجاعة والعلم (الحديث).
(قال المؤلف) هذه الأحاديث الثلاثة تثبت مطلوبنا وهو أن صلب
أبي طالب كان طاهرا كما أن صلب عبد الله والد النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان طاهرا، وبالتأمل في الأحاديث تعرف أن الأحاديث
المذكورة حديث واحد، وإن كان رواتها مختلفين، ولكن يد التحريف
والخيانة أثرت فيها فغير وبدل ونقص وزاد عليها ما ليس فيها، هذا
والمطلب المهم الذي نحن بصدد إثباته هو أن صلب والد النبي صلى الله
125

عليه وآله وسلم وصلب والد علي عليه السلام كانا طاهرين، ولم يكونا
طاهرين لو كانا على ما كانت عليه قريش من عبادة الأصنام، فان صلب
عابد الأصنام لا يكون طاهرا لأنه مشرك، قال تعالى في كتابه الحكيم
(إنما المشركون نجس)، ومما يدل على علو مقام أبي طالب عليه السلام
علاوة على إيمانه ما يأتي.
(قال المؤلف): ومما يدل على أن أبا طالب عليه السلام كان مؤمنا
برسالة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله عارفا بمقامه الخطبة التي
ألقاها عليه السلام عند تزويجه صلى الله عليه وآله بخديجة عليها السلام
وقد خرج ذلك أغلب المؤرخين عند ذكرهم ما جرى في تزويجه بأم
المؤمنين خديجة عليها السلام.
(منهم) ابن أبي الحديد الشافعي فقد خرج في شرحه لنهج البلاغة
(ج 14 ص 70) طبع ثاني، ما هذا نصه:
قال: وخطبة النكاح مشهورة خطبها أبو طالب عند نكاح محمد
صلى الله عليه وآله خديجة، وهي، قوله:
الحمد الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وجعل لنا
بلدا حراما، وبيتا محجوجا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن محمدا
ابن عبد الله أخي، من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برا
وفضلا وحزما وعقلا، ورأيا، ونبلا وإن كان في المال قل، فإنما المال
ظل زائل، وعارية مسترجعة، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها
فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعلي، وله والله بعد نبأ شائع
وخطب جليل (ثم قال ابن أبي الحديد) قالوا، أفتراه، يعلم نبأه الشائع
وخطبه الجليل (وهو رسالته وبعثته) ثم يعانده ويكذبه، وهو (أي
أبو طالب) من أولي الألباب، هذا غير سائغ في العقول (ثم قال):
126

قالوا: وقد روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) إن
رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: إن أصحاب الكهف أسروا
الايمان، وأظهروا الكفر، فآتاهم الله أجرهم مرتين، وإن أبا طالب
عليه السلام أسر الايمان وأظهر الشرك، فآتاه الله أجره مرتين.
(قال المؤلف) ومما يدل على رفعة مقام أبي طالب عليه السلام
ما بينه النبي الأكرم صلى الله علبه وآله وسلم من أحوال عمه أبي طالب
المحترم حيث قال: لما سئل عن أحواله وعما سيفعله معه ويجازيه يوم القيامة
فقال كما في (كنز العمال ج 6 ص 229) لعلي المتقي الحنفي، وأسنى
المطالب (ص 26) طبع ثاني قال صلى الله عليه وآله: إن لأبي طالب
عندي رحما سابلها بيلالها (من تاريخ ابن عساكر برواية عمرو بن العاص)
قوله: بل رحمه أي وصلها، فهل يجوز للنبي صلى الله عليه وآله
أن يصل رحمه المشرك مع ما ورد في القرآن من النهي عن صلة الرحم
غير المؤمن، وهل فرق بين الأرحام، فكما أن أبا طالب عليه السلام
عمه كذلك أبو لهب (عليه اللعنة) عمه، فهل يوجد سبب للفرق بينهما
غير الايمان، لا ورب المؤمنين.
وفي (كنز العمال ج 6 ص 212) والخصائص الكبرى للسيوطي
الشافعي (ج 1 ص 87) قال إنه سأل بعض الصحابة رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عما يرجو لعمه أبي طالب فقال في جوابه: (كل
الخير أرجوه من ربي) فهل يرجي خير قليل للمشرك بالله دون الخير الكثير
(وفي كنز العمال أيضا ج 6 ص 229) وغيره من كتب علماء أهل السنة أن
النبي صلى الله عليه وآله شيع جنازة عمه أبي طالب ودعا له، وقال
وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم (من تاريخ ابن عساكر وكتاب تمام
والبيهقي) وفي طبقات ابن سعد (ج 1 ص 124) خرج أن رسول الله
127

صلى الله عليه وآله قال لعمه أبي طالب لما مات: رحمك الله، فهل
يترحم النبي لمن لم يكن من المؤمنين؟ حاشا، إن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم: لم يترحم على غير المؤمنين؟ فلو كان يترحم لترحم على عمه
أبي لهب لأنه كان يحاميه مدة من أيام حياته.
(وفي طبقات ابن سعد ج 1 ص 123 طبع بيروت سنة 1376 ه‍)
قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد، قال: حدثني معمر بن راشد عن
الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه، قال: لما حضرت أبا طالب
الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وآله، فوجد عنده عبد الله بن
أبي أمية وأبا جهل بن هشام (إلى أن يقول) فقالا له يا أبا طالب
أترغب عن ملة عبد المطلب، حتى قال آخر كلمة تكلم بها، أنا على ملة
عبد المطلب، ثم مات (و عبد المطلب عليه السلام كان على ملة إبراهيم
عليه السلام بلا شك (وفيه أيضا ج 1 ص 123) قال: أخبرنا محمد
ابن عمر قال: حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن
أبيه عن جده عن علي قال: أخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله
بموت أبي طالب، فبكى، ثم قال: اذهب فاغسله وكفنه، وواره غفر
الله له ورحمه، قال علي (عليه السلام) ففعلت ما قال، وجعل رسول الله
صلى الله عليه وآله يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته (حزنا عليه).
(قال المؤلف) أمر النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام
بتغسيل أبي طالب عليه السلام وتجهيزه، خرجه جماعة من علماء أهل السنة
غير من تقدم.
(منهم) ابن دحلان في أسنى المطالب (ص 27 طبع ثاني) وفي
السيرة النبوية (ج 1 بهامش ج 1 ص 96) من السيرة الحلبية طبع مصر
سنة 1329، قال: روى أبو داود والنسائي وابن الجارود وابن خزيمة
128

عن علي رضي الله عنه قال لما مات أبو طالب أخبرت النبي صلى الله عليه
(وآله) وسلم بموته، فبكى، وقال: اذهب فاغسله وكفنه وواره غفر الله
له ورحمه، قال: وإنما ترك الصلاة عليه لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذ.
(قال المؤلف): ليس في السيرة النبوية ما زاده في طبقات ابن سعد
في آخر الحديث، وهو من زيادة المحرفين بل نقص منه بعض ألفاظ
الحديث الذي فيه دلالة على علو مقام أبي طالب عليه السلام، واليك نص
ألفاظ الحديث برواية السيد فخار بن معد الموسوي في (الحجة على الذاهب
ص 67 طبع أول) قال عليه الرحمة: ومما رواه نقلة الآثار ورواة الاخبار
من فعل النبي صلى الله عليه وآله، عند موت عمه أبي طالب
رحمه الله وقوله اللذين يشهدان بصحة إسلامه وحقيقة إيمانه، ما حدثني به
مشايخي أبو عبد الله محمد بن إدريس، وأبو الفضل شاذان بن جبرئيل
وأبو العز محمد بن علي الفويقي رضوان الله عليهم بأسانيدهم إلى الشيخ
المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن نعمان رحمه الله يرفعه، قال:
لما مات أبو طالب رحمه الله أنى أمير المؤمنين علي عليه السلام النبي
صلى الله عليه وآله، فاذنه بموته، فتوجع توجعا عظيما، وحرن
حزنا شديدا ثم قال لأمير المؤمنين (علي بن أبي طالب عليهما السلام):
إمض يا علي فتول أمره وتول غسله وتحنيطه، وتكفينه، فإذا رفعته على
سريره فأعلمني ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه السلام: فلما رفعه على سريره
اعترضه النبي صلى الله عليه وآله، فرق وتحزن، وقال: وصلتك
رحم، وجزيت خيرا يا عم، فلقد ربيت وكفلت صغيرا، ونصرت
وآزرت كبيرا، ثم اقبل على الناس، وقال، أم والله لاشفعن لعمي
شفاعة يعجب بها أهل الثقلين أي الإنس والجن (ثم أخذ السيد في
شرح الحديث الشريف وقال): هذا الحديث يدل على إيمان أبي طالب
129

رحمه الله من وجهين (أحدهما) أمر النبي صلى الله عليه وآله
لأمير المؤمنين عليه السلام أن يفعل به ما يفعل بأموات المسلمين من الغسل
والتحنيط والتكفين دون الجاحدين من أولاده (وهما طالب وعقيل) إذ
كان من حضره منهم سوى أمير المؤمنين عليه السلام إذ ذاك مقيما على
الجاهلية، ولان جعفرا عليه السلام كان يومئذ عند النجاشي ببلاد
الحبشة (1) وكان عقيل وطالب يومئذ حاضرين وهما مقيمان على خلاف
الاسلام، ولم يسلم أحد منهما بعد، فخص صلى الله عليه وآله
أمير المؤمنين عليه السلام بتولية أمر أبيه لمكان إيمانه، ولم يتركه لهما
لمباينتهما له في معتقده، ولو كان أبو طالب مات كافرا لما أمر رسول الله
صلى الله عليه وآله، أمير المؤمنين عليه السلام بتولية أمره لانقطاع
العصمة بين الكافر والمسلم، ولتركه كما ترك عمه الآخر أبا لهب ولم يعبأ
بشأنه ولم يحفل بأمره، وفي حكمه صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين
عليه السلام بتولية امره وإجراء أحاكم المسلمين عليه من الغسل والتحنيط
والتكفين والموازرة من دون طالب وعقيل شاهد صدق على اسلامه (ع).
(قال السيد عليه الرحمة) " والوجه الآخر " قول النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، وصلتك رحم، وجزيت خيرا، ووعد أصحابه له
بالشفاعة التي تعجب بها أهل الثقلين، ومولاته بين الدعاء له والثناء عليه
وكذلك كانت الصلاة على المسلمين صدر الاسلام حتى فرض الله صلاة
الجنائز، وبمثل ذلك صلى النبي صلى الله عليه وآله، على خديجة
رضي الله عنها.

(1) وقد رجع جعفر من الحبشة عام فتح خيبر فقال النبي صلى الله عليه وآله عند
قدومه ما هو مشهور، ومضمونه: ما أدري بأيهما أشد فرحا بفتح خيبر أم
بقدوم جعفر.
130

بعض الأقوال والأوامر والافعال الصادرة
من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدالة على إيمان
عمه أبي طالب عليه السلام
(قال المؤلف): خرج سبط ابن الجوزي قزاوغلي الحنفي في كتابه
" تذكرة الخواص " " ص 6 طبع إيران " و " ص 10 طبع النجف
الأشرف " بسنده وقال: حدثني الواقدي قال: قال علي عليه السلام:
لما توفي أبو طالب أخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله، فبكى
بكاء شديدا، ثم قال: اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه
(قال): فقال له العباس: يا رسول الله إنك لترجو له؟ فقال: إي والله
إني لأرجو له، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يستغفر له
أياما لا يخرج من بيته (حزنا عليه) قال: قال الواقدي: قال ابن
عباس: عارض رسول الله صلى الله عليه وآله، جنازة أبي طالب
وقال: وصلتك رحم وجزاك الله يا عم خيرا، وقد تقدم ذلك من طبقات
ابن سعد بتحريف وإسقاط آخر الحديث، وزاد فيه ما ليس منه.
(قال المؤلف): هل من الجائز على مثل الرسول الأكرم صلى الله
عليه وآله وسلم، أن يبكي على من لا يؤمن برسالته ويعبد الأصنام
ويتخذ لله شريكا؟ وهل يجوز للنبي صلى الله عليه وآله، أن يشيع
جنازة غير الموحدين وأن يدعوا لهم ويستغفر لهم أياما وقد نهى عنه فيما
نزل عليه من القرآن الكريم في قوله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله
واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو
إخوانهم أو عشيرتهم (سورة المجادلة) آية (22) وفي قوله تعالى (يا أيها الذين
131

آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا
بما جاء من الحق) سورة الممتحنة آية (60).
(قال المؤلف): أخرج الحلبي في السيرة (ج 1 ص 382 طبع
مصر سنة 1329) ما أخرجه السيد في (الحجة على الذاهب) وغيره وهو
أن النبي صلى الله عليه وآله، لما سمع بموت عمه بكى عليه وأمر
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بتغسيل والده وتجهيزه
وشيع جنازته، ودعا له وهذا نص أقوال الحلبي في السيرة قال: روى
البيهقي أن عليا رضي الله عنه غسله (أي غسل والده عليه السلام)
بأمر النبي صلى الله عليه وآله له بذلك، ثم ذكر حديثا آخر وقال
وفي رواية عن علي رضي الله عنه لما أخبرت النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، بموت أبي طالب بكى، وقال اذهب فاغسله وكفنه وواره غفر الله
له ورحمه.
(وقال المؤلف): إلى هنا ينتهي الحديث ويظهر منه أن ما زاده في
الطبقات ليس من الحديث، وقد أسقط الحلبي من آخر الحديث.
(قال) وفي رواية أنه صلى الله عليه وآله، عارض جنازة عمه
أبي طالب فقال وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم.
(قال) وفي لفظ عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب وأخ
لي في الجاهلية، يعني أخاه من الرضاعة من حليمة السعدية.
(قال المؤلف): تقدم القول منا أن شفاعة الرسول الأكرم لأبيه
وأمه وعمه عليهم السلام ولأخيه من الرضاعة ليست للنجاة من النار أو
لغفران الذنوب، بل كانت شفاعته صلى الله عليه وآله، لهم صلة
للرحم وأداء لحقوق الوالدين، وعمه الأكرم الذي قام بنصرته ففداه بنفسه
132

وأولاده وماله حتى انتشر الدين الاسلامي والشريعة المحمدية، فان من المعلوم
الواضح المحقق أن والدي النبي صلى الله عليه وآله كانا مؤمنين لقوله
تعالى (وتقلبك في الساجدين) فالساجد لله لا يكون إلا مؤمنا موحدا
وإن أخاه من الرضاعة وهو ابن حليمة السعدية كان مسلما مؤمنا حتى
مات، وكذلك عمه وناصره وكافله أبو طالب عليه السلام كان مؤمنا
موحدا بتصريحاته في أقواله شعرا ونثرا، والشاهد على ذلك أقواله (ع)
القيمة في وصيته عند موته لأولاده وعشيرته من قريش وغيرهم، واليك
ما أوصى به أبو طالب عليه السلام وذكره الحلبي في سيرته (ج 1 383)
وذكره أيضا صاحب تاريخ الخميس (ج 1 ص 339) قال: إن أبا طالب
لما حضرته الوفاة جمع إليه وجهاء قريش فأوصاهم، وكان من وصيته أن
قال: يا معشر فريش أنتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب، فيكم
المطاع، وفيكم المقدم الشجاع، والواسع الباع، لم تتركوا للعرب في
المآثر نصيبا إلا أحرزتموه، ولا شرفا إلا أدركتموه، فلكم بذلك على
الناس الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، أوصيكم بتعظيم هذه البنية
(أي الكعبة) فان فيه مرضاة للرب، وقواما للمعاش، صلوا أرحامكم
ولا تقطعوها، فان في صلة الرحم منشأة (أي فسحة) في الاجل
(أي سبب لطول العمر) وزيادة في العدد، واتركوا البغي والعقوق ففيهما
هلكت القرون قبلكم، أجيبوا الداعي، وأعطوا السائل، فان فيهما شرف
الحياة والممات، وعليكم بصدق الحديث، وأداء الأمانة، فان فيهما محبة
في الخاص ومكرمة في العام، وإني أوصيكم بمحمد خيرا، فإنه الأمين
في قريش، وهو الصديق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيكم به
وقد جاء بأمر قبله الجنان وانكره اللسان مخافة الشنئان (أي البغض)
(وهو لغة في الشناآن) وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب
133

وأهل الوبر والأطراف، والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته
وصدقوا كلمته، وأعظموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، فصارت
رؤساء قريش وصناديدها أذنابا، ودورها خرابا، وضعفاؤها أربابا، وإذا
أعظمهم عليه أحوجهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب
ودادها (1)، وأعطته قيادها، دونكم يا معشر قريش كونوا له ولاة
ولحزبه حماة، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد
بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة، ولأجلي تأخر، لكففت عنه الهزاهز
ولدفعت عنه الدواهي.
(قال الحلبي) وفي رواية أو في لفظ آخر: أنه عليه السلام لما
حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب، فقال لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد
وما اتبعتم أمره، فأطيعوه ترشدوا.
(قال المؤلف): هل تصدره هذه المواعظ والنصائح القيمة من غير
المؤمن؟ وهل الايمان غير ما ذكره أبو طالب عليه السلام؟ وهل يأمر
الناس باتباع من في اتباعه رشد وسعادة وهو يترك ذلك؟ وهل يأمر
عشيرته باتباع ابن أخيه صلى الله عليه وآله ويقول: لا يأخذ أحد
بهديه إلا سعد، وهو يترك ذلك ويكون من الأشقياء؟ فهل من يعلم هذه
المغيبات ويعلم ذلك علم اليقين وهو لا يقبل ذلك؟ (إن هو الا بهتان
عظيم) صلى الله عليك يا أول مؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله
وأول مصدق به، وأول ناصر وحام لرسول الله صلى الله عليه وآله
وهل الايمان إلا التصديق بالجنان، والاعتراف باللسان، والعمل بالأركان؟
فاما الاعتراف والتصديق بالجنان فقد صرح به عليه السلام، واما الاعتراف
باللسان فقد اعترف به أيضا بتعبيرات مختلفة في موارد عديدة، تقدم

(1) وأصفت له فؤادها (نسخة تاريخ الخميس ج 1 ص 339)
134

جميع ذلك فيما ذكرنا من اشعاره وأقواله، واما العمل بالأركان فلم يتظاهر به
لمصلحة الوقت، ولأجل أن يتمكن من حفظ النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، وحفظ أتباعه، فلو تظاهر بالاعمال سقط عن الانظار، ولم يقبل
قوله، ولم يتمكن من الدفاع عن سيد المرسلين صلى الله عليه وآله
فوافق عليه السلام قريشا في عدم الاخذ بأقوال ابن أخيه في الظاهر خدعة
وسياسة لكي يتمكن من الدفاع عنه بتمام قواه، وبهذا القول صرح
جمع من علماء أهل السنة الذين تركوا التعصب، وصرحوا بالحق والصواب
قال ابن دحلان في السيرة النبوية المطبوعة بهامش السيرة الحلبية
(ج 1 ص 100): قالت الشيعة باسلامه تمسكا بذلك الحديث (أي حديث
شهادة العباس بأنه عليه السلام أتى بالشهادتين وتلكم بما أراد منه النبي
صلى الله عليه وآله كما في تاريخ الخميس (ج 1 ص 338 وغيره)
وبكثير من اشعاره، لكن مذهب أهل السنة على خلافه، ثم قال ابن دحلان:
وقد صرح إمام الأشاعرة الشعراني وجماعة آخرون من علماء أهل السنة
باسلام أبي طالب عليه السلام، وذكره في السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية
(ج 1 ص 100) وقال نقل الشيخ السحيمي في شرحه على شرح جوهرة
التوحيد عن الامام الشعراني، والسبكي وجماعة: أن ذلك الحديث أعني
حديث العباس ثبت عند بعض أهل الكشف وصح عندهم إسلامه (أي
إسلام أبي طالب عليه السلام) وإن الله تعالى أبهم أمره بحسب ظاهر
الشريعة تطييبا لقلوب الصحابة الذين كان آباؤهم كفارا، لأنه لو صرح
لهم (النبي صلى الله عليه وآله) بنجاته مع كفر آبائهم وتعذيبهم
لنفرت قلوبهم، وتوغرت وصدورهم، كما تقدم نظيره في الحديث الذي
قال لابن أبي قال (الشعراني والسبكي ومن وافقهما): وأيضا لو ظهر
لهم إسلامه لعادوه وقاتلوه مع النبي صلى الله عليه وآله، ولما تمكن
135

من حمايته والدفع عنه، فجعل الله ظاهر حاله كحال آبائهم وأنجاه في
باطن الامر لكثرة نصرته للنبي صلى الله عليه وآله وحمايته له ومدافعته
عنه (ثم قال): ولكن هذا القول أعني القول باسلامه عند بعض
أهل الحقيقة مخالف لظاهر الشريعة فلا ينبغي التكلم به بين العوام.
(قال المؤلف): تأمل في كلام هذا العالم الفاضل كيف خلط الحق
بالباطل وتكلم بكلام لا يقبله العاقل المنصف الخالي من التعصب، وتأمل
كيف ينسب إلى الله الظلم القبيح ويقول: إن الله تبارك وتعالى رعاية لحال
بعض خلقه ظلم أعظم شخصية عند الناس وعند النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من
لدنه اجرا عظيما (النساء) آية (44) تأمل في كلام هذا العالم الفاضل
كيف يقول: إن الله تبارك وتعالى عمل بالتقية لان يحفظ نبيه من شر أشرار
البرية (الله أكبر وجل جلاله) إن الله تبارك وتعالى كما أمر الخلق بترك
الظلم كذلك لا يظلم أي فرد من افراد خلقه، ولو كان كافرا فكيف
بمن كان مسلما وناصرا لنبيه ومحاميا له، آمن برسالة نبيه، وبذل نفسه
وأولاده في سبيل إعلاء كلمته وترك الشرك، واعترف بوحدانية ربه
تأمل في كلام هذا الفاضل كيف يقول: إن كلام أهل الحقيقية لا يؤخذ به
لمخالفته لظاهر الشريعة، فيقال له أولا من أين ثبت عندك أنه مخالف
لظاهر الشريعة، فهل هذه الشريعة التي تشير إليها توافق الكتاب المنزل
على صاحب الشريعة؟ أو توافق ما جاء به من الدين؟ فهل الشريعة
الاسلامية، تقول: إن من اعترف بنبوة محمد ورسالته صلى الله عليه وآله
وسلم، واعترف بان دينه خير الأديان لا يكون مسلما؟ فهل الشريعة
المحمدية صلى الله عليه وآله، تحكم على من عمل بالتقية ولم يتظاهر
بالاعمال المطلوبة في الاسلام لان يتمكن من حفظ محمد صلى الله عليه وآله
136

سيد الخلق وأشرف البرية تحكم بأنه لم يؤمن بالله ولم يكن مسلما مع ما ظهر منه من
الأقوال والافعال المثبتة لايمانه واسلامه؟ تأمل في كلام هذا الفاضل كيف يأمر
بان يسكت عن إظهار الحقايق، وتعليم الناس بما يجهلون به، وبما أشكل عليهم
معرفته معرفة صحيحة لاختلاف الناس فيه بحيث قدم الباطل وأخذ به وأخفى الحق
لدواع زمانية وملاحظات دنيوية (يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره).
(اعتراف سيد قريش العباس بن عبد المطلب عليه السلام
بان أخاه أبا طالب أتى بالشهادتين قبل موته وعندما
طلب منه النبي صلى الله عليه وآله ذلك منه)
قال السيد زيني دحلان الشافعي في أسنى المطالب (ص 25 طبع
طهران) لما تقارب من أبي طالب الموت نظر إليه العباس فرآه يحرك
شفتيه فأصغى إليه بأذنه، فسمع منه الشهادة فقال للنبي صلى الله عليه
(وآله) وسلم: يا بن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها
(قال) ولم يصرح العباس بلفظ لا إله الا الله لكونه لم يكن أسلم حينئذ.
(قال): وبعضهم ضعف هذا الحديث (فقال): فعلى تسليم
عدم الاعتداد بنطقه هذا وأن الحديث ضعيف فنقول (إنه عليه السلام
غير مؤمن باعتبار أحكام الدنيا) وأما عند الله فهو مؤمن ناج ممتلئ قلبه
ايمانا بدليل ما تقدم (من أفعاله وأقواله في الشعر والنثر).
(ثم قال): وإنه يمكن أن عدم نطقه بحضور أبي جهل وعبد الله
ابن أمية، حرصا منه على بقاء الحفظ للنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم
وصيانته من أذيتهم له بعد وفاته، فلا ينال النبي منهم أذى (قال):
وإذا كان هذا قصده كان معذورا، فتكون إجابته لهما بما أجابهم به مداراة لهما
لئلا ينفرهما، خشية أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بعد وفاته.
137

(ثم قال): على أنه يمكن الجمع بين امتناعه ونطقه، بأنه امتنع
بحضورهما مداراة لهما فلما انطلقا وذهبا نطق بهما، وأصغى إليه العباس فسمعه
ينطق بها (قال): ولهذا في الحديث السابق ما كلمهم به يعني أبا جهل
ومن كان معه ولم يقل آخر ما تكلم به مطلقا، فدل على أن قوله
(أي أبو طالب): هو على ملة عبد المطلب دليل على أنه على التوحيد لان
عبد المطلب كان على التوحيد (ولم يعبد قط صنما) كبقية آباء النبي
صلى الله عليه وآله كما حقق ذلك جلال الدين السيوطي الشافعي وغيره
في رسائل متعدد (قال): فأبهم أبو طالب عليهم الجواب ليرضيهم
ظاهرا وهو يعلم أن عبد المطلب (عليه السلام) كان على التوحيد (ونفى
الأضداد وعاملا بما كان يجب عليه في عصره).
(قال المؤلف): أنظر إلى ما في كلام هذا الفاضل زيني دحلان
من المناقضات حيث يقول: إنه عليه السلام كافر باعتبار أحكام الدينا،
ولكن مؤمن ناج ممتلئ قلبه إيمان، ويقول: إن أبا طالب أبهم عليهم
الجواب ليرضيهم فقال: أنا على ملة عبد المطلب وهو يعلم أن عبد المطلب
كان مؤمنا موحدا لأنه من آباء النبي صلى الله عليه وآله وإن آباء النبي صلى الله عليه وآله كانوا
مؤمنين موحدين على دين أبيهم إبراهيم عليه السلام ودينه كان الاسلام.
(قال المؤلف): إن زيني دحلان من الذين يعترفون بان أبا طالب
كان مؤمنا موحدا مات على الايمان والاسلام، ولكن كان يلاحظ علماء
أهل نحلته أهل السنة فلا يصرح لهم بمعتقده، ولكن العارف بالعربية لو
تأمل قليلا في كلمات ابن دحلان عرف أنه من المعتقدين بايمان أبي طالب
اعتقادا صحيحا كما تعتقد الامامية، ويؤيد ذلك توجيهاته للأحاديث الباطلة
التي روته علماء السنة في حق أبي طالب عليه السلام تراه يماشيهم ولا يصرح
ببطلان الأحاديث ولكن يوجهها توجيها لطيفا يثبت مقصوده من غير
138

معارضة لعلماء أهل ملته وطريقته، فقال في توجيه الحديث الذي سنده
غير سالم من المطعونين وهو حديث الضحضاح المعروف: ليس
من شأن من على الكفر أن يكون في ضحضاح من النار، بل شأنه أن
يكون في الدرك الأسفل من النار، فقبول الشفاعة فيه حتى صار في ضحضاح
دليل على عدم كفره، إذ لا تقبل في الكافر شفاعة الشافعين، قال الله
تبارك وتعالى في سورة المدثر آية (42) (في جنات يتساءلون عن المجرمين
ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا
نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم
شفاعة الشافعين).
فعلى قول من يقول بأن أبا طالب مات على غير إيمان وأنه ترك
الصلاة والعبادة مع ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله: بنص
القرآن لا تنفعه شفاعة أي شافع (قال): وقوله في الحديث المنسوب
إلى النبي صلى الله عليه وآله (لولا أنا كان في الدرك الأسفل من
النار) معناه لولا أن الله هداه بي للايمان لمات كافرا وكان في الدرك
الأسفل من النار: (فالحديث يثبت ايمانه لا كفره كما تخيله بعض الجهال)
(قال): فقوله صلى الله عليه وآله هذا نظير قوله صلى الله عليه
(وآله) وسلم في ولد اليهودي الذي زاره النبي صلى الله عليه (وآله)
وسلم في مرضه وعرض عليه الاسلام فاسلم ومات (فقال صلى الله عليه
وآله وسلم): الحمد لله الذي أنقذه بي من النار.
(قال): وحينئذ ظهر لنا معنى لطيف في هذا الحديث الآخر
(أيضا) وهو أنه كان (أبو طالب عليه السلام) في غمرات من النار
فشفعت له فاخرج إلى ضحضاح منها، وهو أن المعنى، كان (أبو طالب
عليه السلام) مشرفا على دخول الغمرات حيث أبى أن يشهد ثم تشفعت
139

فيه فهداه الله للايمان (ولم يمت كافرا) (وذلك لأنه شهد الشهادتين
وسمعهما منه أخوه العباس كما تقدم ذلك).
(قال المؤلف) لا يحتاج زيني دحلان ولا غيره إلى هذه التوجيهات
أو التعسفات بل الأولى النظر في سند الحديث فإن كان سالما يوجه أو
يسكت عنه، ولو كان الحديث غير صحيح بالاصطلاح فلا نحتاج إلى التعسف في
توجيهه، ولا شك ولا شبهة في أن جميع ما روي عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم في حق عمه الناصر له والمحامي عنه والذي رباه سنين عديدة
حتى كمل وبلغ عمره صلى الله عليه وآله خمسا وعشرين سنة وتزوج
بأم المؤمنين خديجة عليها السلام فان جميع ما روي منه في حقه وفيه تنقيص
لمقامه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله ورواته مطعونون
غير مقبول ما رووه في حقه منه بل المقبول في حقه ما روي من أولاده
وأهل بيته في حقه، فان الأولاد اعرف بأحوال آبائهم وأجدادهم وهم
غير متهمين فيما يروونه فيه من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أو من
غيره، وإليك بعض ما روي من أهل البيت في حق جدهم عليه السلام.
" بعض الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام
في حق جدهم أبي طالب عليه السلام "
قال السيد الحجة فخار بن معد في كتابه (الحجة على الذاهب إلى تكفير
أبي طالب) ص 16 بالاسناد إلى الكراجكي عن رجاله عن أبان عن محمد
ابن يونس عن أبيه عن أبي عبد الله (الصادق عليه السلام) أنه قال:
يا يونس ما تقول الناس في أبي طالب؟ قلت جعلت فداك يقولون:
هو في ضحضاح من نار وفي رجليه نعلان من نار تغلي منهما أم رأسه
فقال: كذب أعداء الله، إن أبا طالب من رفقاء النببين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
140

(وفيه أيضا ص 17) خرج بسنده المتصل عن الحسين بن أحمد
المالكي، قال: حدثنا أحمد بن هلال، قال: حدثني علي بن حسان عن
عمه عبد الرحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن الناس
يزعمون أن أبا طالب في ضحضاح من نار، فقال: كذبوا ما بهذا نزل
جبرئيل على التبي صلى الله عليه وآله، قلت: وبما نزل؟ قال:
أتى جبرئيل في بعض ما كان عليه، فقال: يا محمد إن ربك يقرئك
السلام ويقول لك: إن أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا الشرك
فآتاهم الله اجرهم مرتين، وإن أبا طالب أسر الايمان وأظهر الشرك
فآتاه الله اجره مرتين، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله
تعالى بالجنة، ثم قال (عليه السلام) كيف يصفونه بهذا الملاعين؟ وقد
نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمد أخرج من مكة فما لك
بها ناصر بعد أبي طالب.
(وفيه أيضا ص 18) بسنده المتصل عن أبي بصير ليث المرادي
قال: قلت لأبي جعفر (الباقر عليه السلام): سيدي إن الناس يقولون:
إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، فقال عليه السلام:
كذبوا والله، إن ايمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان وإيمان هذا
الخلق في كفة لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم، ثم قال (عليه السلام):
كان والله أمير المؤمنين يأمر أن يحج عن أبي النبي وأمه وعن أبي طالب
حياته، ولقد أوصى في وصيته بالحج عنهم بعد مماته.
(ثم قال السيد الحجة في (الحجة على الذاهب ص 18): فهذه
الأخبار المختصة بذكر الضحضاح من النار وما شاكلها من متخرصات
ذوي الفتن وروايات أهل الضلال وموضوعات بني أمية وأشياعهم
الناصبين العداوة لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، وهي في نفسها
141

تدل على أن مفتعلها والمجترئ على الله بتخرصها متحامل غمر جاهل، قليل
المعرفة باللغة العربية التي خاطب الله بها عباده وأنزل بها كتابه، لان
الضحضاح لا يعرف في اللغة إلا لقليل الماء فحيث عدل به إلى النار ظهرت
فضيحته واستبان جهله وتحامله.
(وقال السيد عليه الرحمة أيضا): إن لامة (الاسلامية) متفقة
على أن الآخرة ليس فيها نار (خاصة)، سوى الجنة والنار فالمؤمن
يدخله الله الجنة، والكافر يدخله الله النار فإن كان أبو طالب كافرا
على ما يقوله مخالفنا فما باله يكون في ضحضاح من نار من بين الكفار
ولماذا تجعل له نار وحده من بين الخلائق والقرآن متضمن أن الكافر يستحق
التأييد والخلود في النار.
(وقال عليه الرحمة أيضا): فان قيل (كما قيل) إنما جعل في
ضحضاح من نار لتربيته للنبي صلى الله عليه وآله وذبه عنه وشفقته
علبه ونصره إياه (قلنا) تربية النبي صلى الله علبه وآله وسلم والذب عنه
وشفقته عليه والنصرة له، طاعة لله تعالى يستحق في مقابلها الثواب
الدائم، فإن كان أبو طالب فعلها وهو مؤمن فما باله لا يكون في الجنة
كغيره من المؤمنين؟ وإن كان فعلها وهو كافر فإنها غير نافعة له (كما
لم تنفع أبا لهب نصرته للنبي صلى الله عليه وآله لأنه كان على كفره)
لان الكافر إذا فعل فعلا لله تعالى فيه طاعة لا يستحق عليه ثوابا لأنه لم
يوقعه لوجهه متقربا به إلى الله تعالى، من حيث إنه لم يعرف الله ليتقرب
إليه فيجب أن يكون عمله غير نافع له، فما استحق أن يجعل في ضحضاح
من نار، فهو إما مؤمن يستحق الجنة كما نقول وإما كافر يستحق التأييد
في الدرك الأسفل من النار على وجه الاستحقاق والهوان كغيره من الكفار.
(ثم اخذ السيد عليه الرحمة) في التكلم في سند الأحاديث المروية
142

في حديث الضحضاح وقال: إن الأحاديث المتضمنة أن أبا طالب في
ضحضاح من النار مختلفة (الألفاظ) وأصلها واحد وراويها (شخص
واحد) منفرد بها، لأنها جميعها تستند إلى المغيرة بن شعبة الثقفي، لا
يروي أحد منها شيئا سواه، وهو (أي المغيرة) رجل ظنين في حق
بني هاشم متهم فيما يرويه عنهم لأنه معروف بعداوتهم، مشهور ببغضه
لهم والانحراف عنهم، (وقد روي عنه في حق بني هاشم ألفاظ تدل
على شدة عدائه لهم) والمغيرة هذا له أعمال وأفعال قبيحة تعرف بالنظر
إلى تاريخ حياته وما صدر منه في زمان الخلفاء، وهو رجل فاسق معروف
بالفسق وقد ذكر ذلك جمع كثير من علماء أهل السنة مؤرخيهم ومحدثيهم
ومفسر بهم، واليك أسماء بعضهم وهم جماعة.
" بعض ما روي من قصة زناء المغيرة بن شعبة الثقفي "
(منهم) الطبري في تاريخه الكبير (ج 4 ص 207) في حوادث
سنة (17) قال بعد نقله زناء المغيرة ما هذا نصه: وارتحل المغيرة
وأبو بكرة، ونافع بن كلدة، وزياد، وشبل بن معبد البجلي، حتى قدموا
على عمر، فجمع بينهم، وبين المغيرة فقال المغيرة: سل هؤلاء الأعبد
كيف رأوني مستقبلهم، أو مستدبرهم، وكيف رأوا المرأة أو عرفوها
فان كانوا مستقبلي فكيف لم استتر، أو مستدبري فبأي شئ استحلوا
النظر إلي في منزلي على امرأتي، والله ما أتيت الا امرأتي، وكانت شبهها
فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه
كالميل في المكحلة، قال: كيف رأيتها؟ قال مستدبرهما، قال فكيف
استثبت رأسها؟ قال: تحاملت، ثم دعا بشبل بن مبعد فشهد بمثل ذلك
فقال استدبرتهما أو استقبلتهما؟ قال: استقبلتهما، وشهد نافع بمثل شهادة
143

أبي بكرة، ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم، قال: رأيته جالسا بين رجلي
امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، واستين مكشوفتين، وسمعت
خفزانا شديدا، قال: هل رأيت كالميل في المكحلة قال: لا، قال:
فهل تعرف المرأة؟ قال: لا ولكن أشبهها، قال فتنح، وأمر بالثلاثة
فجلدوا الحد ثم قرأ الآية المباركة، فقال المغيرة اشفني من الأعبد، فقال
اسكت أسكت الله نأمتك الخ.
(قال المؤلف) اختصر الطبري القصة لدواع معلومة ولكن ابن
الأثير في تاريخ الكامل ذكر للقصة مقدمة، وبعدها ذكر ما ذكره الطبري،
واليك ما ذكره في الكامل (ج 2 ص 209) قال (في قضية المغيرة):
كان بين المغيرة بن شعبة وبين أبي بكرة مجاورة وكانا في مشربتين
في كل واحدة منهما كوة مقابلة للأخرى، فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون
في مشربته فهبت ريح فتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليسده فبصر
بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي امرأة،
فقال للنفر: قوموا فانظروا فقاموا فنظروا، وهم أبو بكرة ونافع بن كلدة
وزياد ابن أبيه وهو أخو أبي بكرة لامه، وشبل بن معبد البجلي، فقال
لهم اشهدوا قالوا: ومن هذه؟ قال: أم جميل بن الأفقم، كانت من
بني عامر بن صعصعة، وكانت تغشى المغيرة والامراء، وكان بعض
النساء يفعلن ذلك في زمانها، فلما قامت عرفوها، فلما خرج المغيرة إلى
الصلاة منعه أبو بكرة، وكتب إلى عمر (قصته) فبعث عمر أبا موسى
أميرا على البصرة.
(قال المؤلف) ثم ذكر بقية القصة كما في تاريخ الطبري، ولو
تأمل أحد في مقدمة القضية يعرف حال زياد ابن أبيه ويعرف ما فعل
بالقضية وما غير وما بدل منها.
144

(قال المؤلف) بالنظر إلى اختلاف ألفاظ القضية يعرف العاقل
الدكي واقع الحال، ويعرف سبب الاختلاف في الشهادة، فعليك بالتأمل
في كلام أبي الفداء في تاريخه (ج 1 ص 171) قال:
وفي سنة سبع عشرة من الهجرة اختطت الكوفة، وتحول سعد إليها
واعتمر عمر وأقام بمكة عشرين ليلة، ووسع المسجد الحرام، وهدم منازل
قوم أبوا أن يبيعوها، وجعل أثمانها في بيت المال، وفي هذه السنة كانت
واقعة المغيرة بن شعبة، وهي أن المغيرة كان عمر قد ولاه البصرة، وكان
في قبالة العلية التي فيها المغيرة بن شعبة علية فيها أربعة وهو أبو بكرة
مولى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم، وأخوه لامه زياد ابن أبيه، ونافع
ابن كلدة، وشبل بن معبد، فرفعت الريح الكوة عن العلية فنظروا إلى
المغيرة وهو على أم جميل بنت الأرقم بن عامر بن صعصعة، وكانت
تغشى المغيرة فكتبوا إلى عمر بذلك فعزل المغيرة واستقدمه مع الشهود وولى
البصرة أبا موسى الأشعري فلما قدم إلى عمر شهد أبو بكرة ونافع وشبل
على المغيرة بالزنا (وكانت شهاداتهم موافقة) وأما زياد ابن أبيه فلم
يفصح شهادة الزنا، وكان عمر قد قال قبل ان يشهد أرى رجلا
أرجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله، فقال زياد:
رأيته جالسا بين رجلي امرأة ورأيت رجلين مرفوعتين كأذني حمار ونفسا
يعلوا واستا تنبو عن ذكر ولا أعرف ما وراء ذلك، فقال عمر: هل
رأيت المبل في المكحلة؟ قال: لا، فقال: هل تعرف المرأة؟ قال: لا ولكن
أشبهها فامر عمر بالثلاثة الذين شهدوا بالزنا أن يحدوا حد القذف فجلدوا
وكان زياد أخا أبي بكرة لامه فلم يكلمه أبو بكرة بعدها.
(قال المؤلف) تأمل في ألفاظ القضايا تعرف حقيقة الحال وتعرف
سبب تغيير زياد شهادته فسبب أن الشهود الثلاثة حدوا، وقد خرج
145

القضية ابن كثير في البداية والنهاية (ج 7 ص 81 ص 82) مفصلا
وهذا نصه:
قال: وفي هذه السنة (أي سنة سبع عشرة) ولى عمر أبا موسى
الأشعري البصرة وأمر أن يشخص إليه المغيرة بن شعبة في ربيع الأول
فشهد عليه فما حدثني معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، أبو بكرة
وشبل بن معبد البجلي، ونافع بن عبيد، وزياد، ثم ذكر الواقدي وسيف
هذه القصة، وملخصها: إن امرأة كان يقال لها أم جميل بنت الأفقم
من نساء بني عامر بن صعصعة، ويقال من نساء بني هلال وكان زوجها
من ثقيف قد توفي عنها، وكانت تغشى نساء الامراء والاشراف، وكانت
تدخل على بيت المغيرة بن شعبة وهو أمير البصرة، وكانت دار المغيرة
تجاه دار أبي بكرة وكان بينهما الطريق، وفي دار أبي بكرة كوة تشرف
على كوة دار المغيرة، فبينما أبو بكرة في داره وعنده جماعة يتحدثون في
العلية إذ فتحت الريح باب الكوة فقام أبو بكرة ليغلقها، فإذا كوة المغيرة
مفتوحة وإذا هو على صدر امرأة وبين رجليها وهو يجامعها، فقال أبو
بكرة لأصحابه: تعالوا فانظروا إلى أميركم يزني بأم جميل، فقاموا فنظروا
إليه وهو يجامع تلك المرأة، فقالوا لأبي بكرة ومن أين فلت إنها أم جميل
وكان رأسها من الجانب الآخر؟ فقال: انتظروا فلما فرغا قامت المرأة
فقال أبو بكرة: هذه أم جميل فعرفوها فيما يظنون، فلما خرج المغيرة
وقد اغتسل ليصلي بالناس منعه أبو بكرة أن يتقدم، وكتبوا إلى عمر في
ذلك، فولى عمر أبا موسى الأشعري أميرا على البصرة وعزل المغيرة فسار
إلى البصرة فنزل البرد، فقال المغيرة: والله ما جاء أبو موسى تاجرا
ولا زائرا ولا جاء إلا أميرا. ثم قدم أبو موسى على الناس وناول المغيرة
كتابا من عمر هو أوجز كتاب، فيه (أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم فبعثت
146

أبا موسى أميرا فسلم ما في يديك والعجل).
وكتب إلى أهل البصرة: إني قد وليت عليكم أبا موسى ليأخذ من
قويكم لضعيفكم، وليقاتل بكم عدوكم، وليدفع عن دينكم، وليجبي لكم
فيأكم ثم ليقسمه بينكم (قال):
وأهدى المغيرة لأبي موسى جارية من مولدات الطائف تسمى عقيلة
وقال: إني رضيتها لك وكنت فارهة: وارتحل المغيرة.
(قال المؤلف) بالتأمل في ألفاظ ابن كثير يظهر لك خيانة زياد
ابن أبيه لأخويه أبي بكرة وشبل بن معبد الصحابيين بحيث سبب ما عرفت
من فعل عمر بهما من إجراء الحد عليهما وهما صادقان فيما شهدا ولكن تغيير
زياد شهادته وقوله لعمر: إني لا أعرفها وهو يعرفها، وهذه ألفاظ ابن
كثير في القصة بنصها من دون تصرف فيها قال:
ارتحل المغيرة والذين شهدوا عليه (عند أبي موسى الأشعري) وهم
أبو بكرة، ونافع بن كلدة وزياد ابن أبيه، وشبل بن معبد العجلي، فلما
قدموا على عمر جمع بينهم وبين المغيرة، فقال المغيرة سل هؤلاء الأعبد
كيف رأوني مستقبلهم أو مستدبرهم، وكيف رأوا المرأة وعرفوها، فان
كانوا مستقبلي فكيف لم يستتروا، أو مستدبري فيكف استحلوا النظر في
منزلي على امرأتي، والله ما أتيت إلا امرأتي وكانت تشبهها، فبدأ عمر
بابي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل
في المكحلة، قال وكيف رأيتها؟ قال مستدبرها، قال فكيف استبنت
رأسها؟ قال تحاملت، ثم دعا شبل بن معبد فشهد بمثل ذلك فقال
استقبلتهما أم استدبرتهما؟ قال استقبلتهما، وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة
ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم، قال رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت
قدمين مخضوبتين تخفقان واستين مكشوفتين وسمعت حفزانا شديدا، وقال
147

هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا، قال: فهل تعرف المرأة؟
قال: لا، ولكن أشبهها، قال فتنح، ثم أمر بالثلاثة فجلدوا الحد.
(قال المؤلف) سبب زياد بن أبيه توهين صحابي شريف فاضل كما
صرح به في أسد الغبة (ج 5 ص 151) قال: وكان أبو بكرة من
فضلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو الذي شهد
على المغيرة بن شعبة وجلده عمر حد القذف وأبطل شهادته، وكذلك
شبل بن معبد البجلي، وكان من الصحابة وهو أخو أبي بكرة لامه وهم
أربعة اخوة لام واحدة اسمها سمية وهم الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا.
قال ابن الأثير في أسد الغابة (ج 2 ص 385) روى أبو عثمان
النهدي قال: شهد أبو بكرة ونافع يعني ابن علقمة وشبل بن معبد
على المغبرة أنهم نظروا إليه كما ينظر إلى المرود في المكحلة فجاء زياد
فقال عمر: جاء رجل لا يشهد إلا بحق فقال: رأيت مجلسا قبيحا ونهزا
فجلدهم عمر.
(قال المؤلف): خرج علي المتقي الحنفي رواية أبي عثمان في منتخب
كنز العمال المطبوع بهامش (ج 2 ص 413) من مسند أحمد بن حنبل
وخرج قبله القصة من البيهقي بسنده عن بسامة بن زهير، قال: لما كان
من شأن أبي بكرة والمغيرة الذي كان ودعا الشهود فشهد أبو بكرة
وشهد (شبل) بن معبد، ونافع بن عبد الحرث، فشق على عمر حين
شهد هؤلاء الثلاثة، فلما قام زياد (للشهادة) قال عمر: إني أرى غلاما
كيسا لن يشهد إن شاء الله إلا بحق، قال زياد: أما الزنا قلا أشهد
به، ولكن قد رأيت أمرا قبيحا، قال عمر: الله أكبر حدوهم
فجلدوهم، فقال أبو بكرة (ثانيا): أشهد أنه زان، فهم عمر أن
يعيد عليه الحد، فنهاه علي (عليه السلام) وقال: إن جلدته فارجم
148

صاحبك فتركه ولم يجلده (هق).
(قال المؤلف): تأمل دقيقا حتى تعرف الحقيقة وتعرف سبب
ترك زياد الشهادة وهو كان يعرف ذلك كما يعلم ذلك من حديث ابن كثير
وأبي الفداء المتقدمين وغيرهما، فسبب زياد ان الصحابة الفضلاء على قول
ابن الأثير حدوا حد القذف، وهذه القضية من الموارد التي راجع فيها
عمر بن الخطاب في حكمه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام.
" بعض علماء أهل السنة الذين ذكروا زناء المغيرة
ابن شعبة بالترديد والتحقيق واعتراض السيد المرتضى
وجواب قاضي القضاة "
(قال المؤلف) ذكر القصة جمع كثير من علماء أهل السنة والامامية
عليهم الرحمة وقد ذكرنا القصة برواية علي المتقي الحنفي، وابن الأثير
الشافعي وابن كثير الشافعي، وأبي الفداء، وابن الأثير الجزري الشافعي
في تاريخ الكامل، وابن جرير الطبري في تأريخه الكبير، وألفاظ الجميع
فيها اختلاف وفيها ما ليس في غيرها والكل لم يذكروا القصة بكاملها
بل زادوا ونقصوا وحرفوا وغيروا، ولكل منهم نظرة خاصة، ونظرة
مشتركة، وباعمال ذلك سبب غموض القصة، وعدم معرفة القصة بوضوح
ولم يذكر القصة بالتفصيل غير ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة
وغير السيد الحجة (في الحجة على الذاهب) فعليه نكتفي بما ذكرناه من
المختصرين للقصة، ونذكر إن شاء الله بعض ما ذكره ابن أبي الحديد
ثم نذكر بعض ما ذكره السيد في (الحجة على الذاهب).
(قال المؤلف) أغلب المؤرخين والمحدثين ذكروا القصة بعنوان
149

الوقايع في سنة (17) وقد خرج ابن أبي الحديد الشافعي المتوفي سنة 655
القصة في (ج 12 ص 237 ط 2) تحت عنوان خاص وهو (مطاعن
الخليفة الثاني)، وقال: (الطعن السادس) أنه (أي عمر بن الخطاب)
عطل حد الله في المغيرة بن شعبة لما شهد (شهدوا) عليه بالزنا. ولقن
الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة، اتباعا لهواه، فلما فعل ذلك، عاد
إلى الشهود فحدهم وضربهم (وفضحهم) فتجنب أن يفضح المغيرة وهو
واحد، وفضح الثلاثة (واثنان منهم من الصحابة الأخيار والفضلاء كما مر
في ترجمتهم) مع تعطيله لحكم الله، ووضعه في غير موضعه (ثم قال):
وأجاب قاضي القضاة (عن الطعن الذي وجه إلى عمر) فقال:
إنه لم يعطل الحد إلا من حيث لم تكمل الشهادة، وبإرادة الرابع (وهو
زياد ابن أبيه) لئلا يشهد لا تكمل البينة، وإنما تكمل بالشهادة.
وقال: إن قوله: (أي قول عمر) أرى وجه رجل لا يفضح الله به
رجلا من المسلمين (أو قوله، أرى رجلا أرجو أن لا يفضح الله به رجلا
من أصحاب رسول الله كما تقدم نقله من تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 171)
وغير ذلك يجري في أنه سائغ صحيح مجري ما روي عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم من أنه، أني بسارق، فقال: لا تقر: وقال عليه السلام
لصفوان بن أمية لما أتاه بالسارق وأمر بقطعه: فقال هو له: يعني ما
سرق: هلا قبل أن تأتيني به: فلا يمتنع من عمر إلا يحب أن تكمل
الشهادة: وينبه الشاهد على أن لا يشهد.
(وقال): إنه جلد الثلاثة من حيث صاروا قذفة وأنه ليس
حالهم: وقد شهدوا كحال من لم تتكامل الشهادة عليه، لان الحيلة في
إزالة الحد عنه ولما تتكامل الشهادة عليه ممكنة بتلقين وتنبيه غيره
ولا حيلة فيما قد وقع من الشهادة، فلذلك حدهم.
150

(قال): وليس في إقامة الحد عليهم من الفضيحة، ما في تكامل
الشهادة على المغيرة، لأنه يتصور بأنه زان، ويحكم بذلك، وليس كذلك
حال الشهود، لأنهم لا يتصورون بذلك، وإن وجب في الحكم أن يجعلوا
في حكم القذفة.
(قال) وحكي عن أبي علي، أن الثلاثة كان القذف قد تقدم منهم
للمغيرة بالبصرة، لأنهم صاحوا به من نواحي المسجد بأنا نشهد أنك
زان، فلو لم يعيدوا الشهادة (في المدينة) لكان يحدهم لا محالة، فلم
يمكن في إزالة الحد عنهم ما أمكن في المغيرة، وحكي عن أبي علي في
جواب اعتراضه عن نفسه بما روي عن عمر أنه كان إذا رآه (أي المغيرة)
يقول: لقد خفت أن يرميني الله عز وجل بحجارة من السماء، إن هذا
الخبر غير صحيح، ولو كان حقا لكان تأويله التخويف وإظهار قوة الظن
لصدق القوم الذين شهدوا عليه، ليكون ردعا له، وذكر أنه غير ممتنع
أن يحب (عمر) ألا يفتضح (المغيرة) لما كان متوليا للبصرة من قبله.
(قال) ثم أجاب عن سؤال من سأله عن امتناع زياد من الشهادة
وهل يقتضي الفسق أم لا؟ فان قال: لا نعلم أن كان يتمم الشهادة، ولو
علمنا ذلك لكان حيث ثبت في الشرع أن السكوت لا يكون طعنا، ولو
كان ذلك طعنا، وقد ظهر أمره لأمير المؤمنين عليه السلام لما ولاه فارس
ولما ائتمنه على أموال الناس ودمائهم.
قال) واعترض (السيد) المرتضى فقال: إنما نسب إلى تعطيل
الحد من حيث كان في حكم الثابت، وإنما بتلقينه لم تكمل الشهادة لان
زيادا ما حضر إلا ليشهد بما شهد به أصحابه، وقد صرح بذلك كما صرحوا
قبل حضورهم، ولو لم يكن هذا لما شهد القوم قبله وهم لا يعلمون
هل حاله في ذلك كحالهم؟ لكنه أحجم في الشهادة لما رأى كراهية
151

متولي الامر لكمالها، وتصريحه بأنه لا يريد أن يعمل بموجبها.
(قال السيد قدس سره): ومن العجائب أن يطلب الحيلة في
دفع الحد عن واحد (هو المغيرة) وهو لا يندفع إلا بانصرافه إلى ثلاثة
فإن كان درء الحد والاحتيال في دفعه من السنن المتبعة فدرؤه عن الثلاثة
أولى من درئه عن واحد.
(قال السيد قدس سره) وقوله: إن دفع الحد عن المغيرة ممكن
ودفعه عن الثلاثة وقد شهدوا غير ممكن، طريف، لأنه لو لم يلقن
الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة لا ندفع الحد عن الثلاثة، وكيف لا
تكون الحيلة ممكنة فيما ذكره.
(قال السيد قدس سره): وقوله: إن المغيرة يتصور بصورة زان
لو تكاملت الشهادة، وفي هذا من الفضيحة ما ليس في حد الثلاثة
غير صحيح، لان الحكم في الامرين واحد، لان الثلاثة إذا حدوا يظن
بهم الكذب، وإن جوز أن يكونوا صادقين، والمغيرة لو تكاملت الشهادة
عليه بالزنا لظن به ذلك مع التجويز لان يكون الشهود كذبة، وليس في
أحد إلا ما في الآخر.
(قال السيد قدس سره): وما روي عنه عليه السلام من أنه اتي
بسارق فقال له: (لا تقر) إن كان صحيحا لا يشبه ما نحن فيه لأنه
ليس في دفع الحد عن السارق إيقاع غيره في المكروه، وقصة المغيرة
تخالف هذا لما ذكرنا.
(قال السيد قدس سره): فاما قوله عليه السلام، هلا قبل أن
تأتيني به، فلا يشبه كل ما نحن فيه، لأنه بين أن ذلك القول يسقط
الحد لو تقدم وليس فيه تلقين يوجب إسقاط الحد.
(قال السيد قدس سره): فاما ما حكاه عن أبي علي من أن
152

القذف من الثلاثة كان قد تقدم، وأنهم لو لم يعيدوا الشهادة لكان يحدهم
لا محالة فغير معروف، والظاهر المروي خلافه، وهو أنه حدهم عند
نكول زياد عن الشهادة، وأن ذلك كان السبب في ايقاع الحد بهم.
(قال السيد قدس سره): وتأوله عليه (قول عمر) لقد خفت
أن يرميني الله بحجارة من السماء، لا يليق بظاهر الكلام (أي كلام عمر)
لأنه يقتضي التندم والتأسف على تفريط وقع، ولم يخاف أن يرمى بالحجارة
وهو لم يدرأ الحد عن مستحقه له.
ولو أراد الردع والتخويف للمغيرة لاتى بكلام بليق بذلك، ولا
يقتضي إضافة التفريط إلى نفسه، وكونه واليا من قبله لا يقتضي ان يدرأ
عنه الحد، ويعدل به إلى غيره.
(قال السيد قدس سره): وأما قوله إنا ما كنا نعلم أن زيادا
كان يتمم الشهادة، فقد بينا أن ذلك كان معلوما بالظاهر، ومن قرأ
ما روي في هذه القصة، علم بلا شك أن حال زياد كحال الثلاثة في أنه
إنما حضر للشهادة وإنما عدل عنها لكلام عمر (أي قوله أرى رجلا أرجو
أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله) كما في (تاريخ أبي
الفداء ج 1 ص 171) وغيره.
(قال السيد قدس سره): وقوله: إن الشرع يبيح السكوت
ليس بصحيح لان الشرع قد حظر كتمان الشهادة.
(قال السيد قدس سره): فاما استدلاله على أن زيادا لم يفسق
بالامساك عن الشهادة بتولية أمير المؤمنين عليه السلام له فارس، فليس
بشئ يعتمد، لأنه لا يمتنع أن يكون قد تاب بعد ذلك، فأظهر توبته
لأمير المؤمنين عليه السلام فجاز أن يوليه.
(قال السيد قدس سره): وقد كان بعض أصحابنا يقول في قصة
153

المغيرة شيئا طيبا (وإن كان معتلا في باب الحجة) قال: كان يقول إن
زيادا إنما امتنع من التصريح بالشهادة في الزنا (ولكن) قد شهد بأنه
شاهده بين شعبها الأربع.
(قال المؤلف) في الصفحة (237) من (ج 12) من المصدر المتقدم:
خرج عن أبي الفرج إنه قال: روى كثير من الرواة أنه (أي زياد ابن أبيه)
قال رأيته (أي المغيرة) رافعا رجليها (اي أم جميل) ورأيت خصيتيه
مترددتين بين فخذيها، وفي تلك الصفحة أيضا قال: وفي رواية أخرى قال
زياد بن أبيه في شهادته،: رأيته متبطنها، وقد تقدم ذلك في لفظ ابن كثير
ان زياد ابن أبيه قال: رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين
مخضوبتين يخفقان واستين مكشوفتين إلى غير ذلك.
قال (المؤلف) رجعنا إلى لفظ ابن أبي الحديد في (ج 12 ص 237)
من شرح نهج البلاغة، طبع ثاني، قال: وقد شهد زياد ابن أبيه بأنه
شاهده (أي المغيرة بن شعبة) بين شعبيها الأربع، وسمع نفسا عاليا، فقد
صح على المغيرة بشهادة الأربعة جلوسه منها مجلس الفاحشة إلى غير ذلك
من مقدمات الزنا وأسبابه، فهلا ضم عمر، إلى جلد الثلاثة تعزير هذا
الذي قد صح عنده بشهادة الأربعة ما صح من الفاحشة، مثل تعريك
اذنه أو ما يجري مجراه من خفيف التعزير ويسيره؟ وهل في العدول عن
ذلك حتى عن لومه وتوبيخه والاستخفاف به إلا ما ذكروه من السبب الذي
يشهد الحال به.
(قال المؤلف) ثم ذكر ابن أبي الحديد ما يعتقده في أحوال المغيرة بن
شعبة وما ثبت لديه من التواريخ.
154

(ابن أبي الحديد الشافعي يصرح بأن المغيرة
ابن شعبة كان زانيا)
قال: (قلت: أما المغيرة (بن شعبة) فلا شك عندي أنه زنى
بالمرأة (أم جميل) ولكن لست أخطئ عمر في درء الحد عنه (قال) وإنما
أذكر أولا قصته من كتابي أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، وأبي الفرج
علي بن الحسين الأصفهاني، ليعلم ان الرجل (المغيرة بن شعبة) زنى بها
(أي بأم جميل) لا محالة ثم اعتذر لعمر في درء الحد عنه.
(قصية زناء المغيرة برواية ابن جرير الطبري الشافعي في تاريخه)
قال الطبري في تاريخه الكبير (ج 4 ص 207) كانا (أي أبو بكرة
والمغيرة بن شعبة) متجاورين بينهما طريق وكانا في مشربتين متقابلتين لهما
في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى، فاجتمع إلى أبي بكرة
نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح ففتحت باب الكوة فقام أبو بكرة
ليصفقه فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح كوة مشربته، وهو بين رجلي
امرأة فقال للنفر: قوموا فانظروا فقاموا فنظروا ثم قال: اشهدوا، قالوا:
ومن هذه؟ قال: أم جميل ابنة الأرقم، وكانت أم جميل أحدى بني عامر
ابن صعصعة، وكانت غاشية للمغيرة وتغشى الامراء الاشراف، وكان
بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها، فقالوا إنما رأينا أعجازا ولا ندري
ما الوجه، ثم أنهم صمموا (على أنها أم جميل) حين قامت فلما خرج
المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة، وقال لا تصل بنا
فكتبوا إلى عمر بذلك وتكاتبوا فبعث عمر إلى أبي موسى فقال يا أبا موسى
إني مستعملك، إني أبعثك إلى ارض قد باض بها الشيطان وفرخ فالزم
155

ما تعرف ولا تستبدل فيستبدل الله بك، فقال: يا أمير المؤمنين أعني
بعدة من أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار فاني وجدتهم في هذه
الأمة وهذه الأعمال كالملح لا يصلح الطعام إلا به، قال؟ فاستغن بمن أحببت
فاستعان بتسعة وعشرين رجلا منهم أنس بن مالك وعمران بن حصين
وهشام بن عامر، ثم خرج أبو موسى فيهم، حتى أناخ بالبصرة بالمربد
وبلغ المغيرة أن أبا موسى قد أناخ بالمربد، فقال: والله ما جاء أبو
موسى زائرا ولا تاجرا ولكنه جاء أميرا، فإنهم لفي ذلك إذ جاء أبو موسى
حتى دخل عليهم، فدفع إليه أبو موسى كتابا من عمر وأنه لأوجز كتاب
كتب به أحد من الناس أربع كلم عزل فيها وعاتب واستحث وأمر
(صورة الكتاب): أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم، فبعثت أبا موسى، أميرا
فسلم ما في يدك، والعجل، وكتب إلى أهل البصرة: أما بعد فاني قد
بعثت أبا مؤسسي أميرا عليكم، ليأخذ لضعيفكم من قويكم وليقاتل بكم
عدوكم، وليدفع عن ذمتكم وليحصي فيأكم ثم ليقتسمه بينكم، ولينقي طرقكم
(قال): واهدى له (اي لأبي موسى) المغيرة وليدة من مولدات
الطائف تدعى عقيلة وقال: اني قد رضيتها لك، وكانت فارهة (أي
حسنة) (ثم ذكر ما تقدم نقله) وهو: (وارتحل المغيرة وأبو بكرة..
إلى قوله وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد).
(قال المؤلف): هذا لفظ الطبري في تاريخه المطبوع في المطبعة
الحسينية بمصر طبع أول، واما لفظه الذي خرجه ابن أبي الحديد في شرح
نهج البلاغة (ج 12 ص 231) ففيه اختلاف كثير مع ما تقدم، وقال
المعلق على الشرح هو يطابق تاريخ الطبري طبع أوربا (ج 9 ص 252
ص 261 منه) وفيه زيادات ليست في طبع مصر، ومن جملتها أن
المغيرة عندما كان أمير البصرة (كان) يختلف إليها (أي إلى أم جميل)
156

سرا فبلغ ذلك أهل البصرة فأعظموه. فخرج المغيرة يوما من الأيام إلى
المرأة فدخل عليها، وقد وضعوا عليهما الرصد فانطلق القوم الذين شهدوا
عند عمر فكشفوا الستر فرأوه قد واقعها، إلى غير ذلك.
" بعض ما نقله ابن أبي الحديد من الأغاني لأبي الفرج
الأصفهاني في أحوال المغيرة "
وفي شرح نهج البلاغة (ج 12 ص 234 طبع ثاني) قال: وأما
أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني فإنه ذكر في كتاب الأغاني (ج 16
ص 77 ص 100 طبع دار الكتب) أن أحمد بن عبد العزيز الجوهري
حدثه عن عمر بن شبة عن علي بن محمد عن قتادة قال: كان المغيرة بن
شعبة، وهو أمير البصرة يختلف سرا إلى امرأة من ثقيف يقال لها الرقطاء
(هي أم جميل) فلقيه أبو بكرة يوما فقال له أين تريد؟ قال: أزور
آل فلان فاخذ بتلابيبه وقال: إن الأمير يزار ولا يزور.
وفيه أيضا) قال أبو الفرج: وحدثني بحديثه جماعة ذكر أسماءهم
بأسانيد مختلفة لا نرى الإطالة بذكرها إن المغيرة كان يخرج من دار الامارة
وسط النهار، فكان أبو بكرة يلقاه فيقول له أين يذهب الأمير؟ فيقول
له إلى حاجة، فيقول حاجة ماذا؟ إن الأمير يزار ولا يزور قال (أبو
الفرج) وكانت المرأة التي يأتيها (المغيرة بن شعبة) جارة لأبي بكرة
فقال: فبينا أبو بكرة في غرفة له مع أخويه نافع وزياد ورجل آخر
يقال له، شيل بن معبد، وكانت غرفة جارته تلك محاذية غرفة أبي بكرة
فضربت الريح باب غرفة المرأة تفتحه، فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة
ينكحها (أي ينكح جارة أبي بكرة) فقال أبو بكرة: هذه بلية
157

قد ابتليتم بها، فانظروا، فنظروا حتى أثبتوا (أي تيقنوا بما فعل المغيرة)
فنزل أبو بكرة، فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال
أبو بكرة إنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا، فذهب المغيرة
وجاء ليصلي بالناس الظهر، فمنعه أبو بكرة، وقال: لا والله لا تصلي
بنا، وقد فعلت ما فعلت، فقال الناس: دعوه فليصل، إنه الأمير
واكتبوا إلى عمر، فكتبوا إليه فورد كتابه أن يقدموا عليه جميعا: المغيرة
والشهود.
(قال أبو الفرج): وقال المدائني في حديثه: فبعث عمر بابي موسى
وعزم عليه ألا يضع كتابه من يده حتى يرحل المغيرة.
(قال أبو الفرج) وقال علي بن أبي هاشم في حديثه: إن أبا موسى
قال لعمر لما أمره أن يرحل المغيرة من وقته: أو خير من ذلك يا أمير
المؤمنين تتركه فيتجهز ثلاثا ثم يخرج.
(قالوا): وجاء أبو موسى حتى دخل على المغيرة ومعه صحيفة ملء
يده فلما رآه قال أمير فأعطاه أبو موسى الكتاب فلما ذهب يتحرك عن
سريره قال له: مكانك تجهز ثلاثا.
(قال أبو الفرج): وقال آخرون: إن أبا موسى أمره أن يرتحل
من وقته، فقال المغيرة قد علمت ما وجهت له، فألا تقدمت وصليت
فقال: ما أنا وأنت في هذا الامر إلا سواء، فقال المغيرة: إني أحب أن
أقيم ثلاثا لا تجهز، فقال أبو موسى: قد عزم علي أمير المؤمنين ألا أضع
عهدي من يدي، إذا قرأته حتى أرحلك إليه، قال إن شئت شفعتني
وأبررت قسم أمير المؤمنين بان تؤجلني إلى الظهر وتمسك الكتاب بيدك.
(قالوا): فلقد رئي أبو موسى مقبلا ومدبرا، وإن الكتاب في
يده معلق بخيط، فتجهز المغيرة وبعث إلى أبي موسى، بعقيلة جارية
158

عربية من سبى اليمامة من بني حنيفة، ويقال: إنها مولدة الطائف، ومعها
خادم، وسار المغيرة حين صلى الظهر حتى قدم على عمر.
(قال أبو الفرج)، فقال محمد بن عبد الله بن حزم في حديثه:
إن عمر قال له (أي للمغيرة) لما قدم عليه: لقد شهد عليك بأمر
إن كان حقا لان تكون مت قبل ذلك كان خيرا لك.
(قال أبو الفرج): قال أبو زيد عمر بن شبة: فجلس له عمر
ودعا به وبالشهود فتقدم أبو بكرة، فقال: أرأيته بين.. فخذيها؟
قال: نعم والله، لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها (أي أم جميل)
قال المغيرة: لقد ألطفت النظر؟ قال أبو بكرة: لم آل أن أثبت ما
يخزيك الله به، فقال عمر: لا والله حتى تشهد: لقد رأيته يلج فيها كما
يلج المرود في المكحلة، قال: نعم أشهد على ذلك، فقا عمر: اذهب
عنك مغيرة، ذهب ربعك.
(قال): ثم دعا نافعا: فقال: علام تشهد؟ قال: على مثل
شهادة أبي بكرة: فقال عمر: لا حتى تشهد أنك رأيته يلج فيها ولوج
المرود في المكحلة، قال: نعم، حتى بلغ قذذه: فقال: اذهب عنك
مغيرة، ذهب نصفك، ثم دعا الثالث، وهو شبل بن معبد، فقال:
علام تشهد؟ قال: على مثل شهادتي صاحبي، فقال: اذهب عنك مغيرة
ذهب ثلاثة أرباعك.
(قال): فجعل المغيرة يبكي إلى المهاجرين، وبكى إلى أمهات
المؤمنين، حتى بكين معه: قال ولم يكن زياد حضر ذلك المجلس، فامر
عمر أن ينحى الشهود الثلاثة، وألا يجالسهم أحد من أهل المدينة، وانتظر
قدوم زياد، فلما قدم جلس في المسجد، واجتمع رؤس المهاجرين والأنصار
قال المغيرة: وكنت قد أعددت كلمة أقولها، فلما رأى عمر زيادا مقبلا
159

قال: إني أرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين.
(قال أبو الفرج) فلما جاء زياد، جاء شاب، يخطر بيديه، فرفع
عمر رأسه إليه وقال: ما عندك أنت يا سلح العقاب؟ (قال) وصاح
أبو عثمان النهدي صيحة تحكي صيحة عمر، قال عبد الكريم بن رشيد
لقد كدت أن يغشى علي لصيحته.
(قال أبو الفرج): فكان المغيرة يحدث قال: فقمت إلى زياد
فقلت: لا مخبأ لعطر بعد عروس، يا زياد أذكرك الله وأذكرك موقف
القيامة، وكتابه، ورسوله، أن تتجاوز إلى ما لم تر ثم صحت يا أمير
المؤمنين إن هؤلاء قد احتقروا دمي: قال: فتدفقت عينا زياد واحمر
وجهه، وقال: يا أمير المؤمنين، أما إن أحق ما حق القوم، فليس
عندي ولكني رأيت مجلسا قبيحا، وسمعت نفسا حثيثا وانتهازا، ورأيته
متبطنها، فقال عمر: أرأيته يدخل ويخرج كالميل في المكحلة؟ قال: لا.
(قال أبو الفرج)؟ وروى كثير من الرواة أنه قال (أي زياد
ابن أبيه) رأيته رافعا برجليها، ورأيت خصيتيه مترددتين بين فخذيها
وسمعت حفزا شديدا، وسمعت نفسا عاليا، فقال عمر: أرأيته يدخله
ويخرجه كالميل في المكحلة؟ قال: لا، فقال عمر: الله أكبر، قم
يا مغيرة إليهم فاضربهم، فجاء المغيرة إلى أبي بكرة فضربه ثمانين
وضرب الباقين (نافعا، وشبل بن معبد) (كذلك).
(قال أبو الفرج): وروى قوم إن الضارب لهم الحد لم يكن
المغيرة (قال): وأعجب عمر، قول زياد، ودرأ الحد عن المغيرة.
(قال أبو الفرج) فقال أبو بكرة بعد أن حد حد القذف: أشهد
أن المغيرة فعل كذا وكذا، فهم عمر بضربه (ثانيا) فقاله له علي عليه
السلام: إن ضربته رجمت صاحبك ونهاه عن ذلك (فانتهى) وقد تقدم
160

القول بان هذا المورد من الموارد التي رجع فيها عمر إلى فتوى أمير المؤمنين
عليه السلام.
(قال أبو الفرج): يعني إن ضربه يصير شهادته (أي شهادة
أبي بكرة) شهادتين (فيكمل أربع شهادات) فيوجب بذلك الرجم على
المغيرة.
(قال المؤلف) في المصدر المذكور ج 12 ص 238 من شرح نهج
البلاغة طبع 2): قال أبو الفرج وحج عمر بعد ذلك مرة، فوافق
الرقطاء (أم جميل) بالموسم فرآها، وكان المغيرة يومئذ هناك، فقال
عمر للمغيرة، ويحك أتتجاهل علي والله ما أظن أبا بكرة كذب عليك
وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء (أي حيث درأت الحد
منك لما شهدوا عليك بالزناء بالرقطاء (أم جميل).
(قال أبو الفرج): وكان علي عليه السلام بعد ذلك يقول إن
ظفرت بالمغيرة لاتبعته الحجارة (ولذلك انهزم إلى الشام).
(قال المؤلف): جميع ما تقدم من أحوال المغيرة في قصته المعروفة
لا نحتاج إليها فان زناء المغيرة أمر معروف مشهور يعرفه أهل كل مكان
حتى اعراب البوادي، وقد صرح بكونه أزنى الناس أهل المعرفة
بالتاريخ وغيره.
(قال) في المصدر المتقدم ج 12 ص 239 ط 2: روى المدايني
أن المغيرة كان أزنى الناس في الجاهلية، فلما دخل في الاسلام قيده الاسلام
وبقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته البصرة.
(وفيه أيضا) قال: روى أبو الفرج في كتاب الأغاني عن الجاحظ
أبي عثمان عمرو بن بحر، قال: كان المغيرة بن شعبة والأشعث بن قيس
وجرير بن عبد الله البجلي يوما متواقفين بالكناسة، في نفر، وطلع عليهم
161

أعرابي، فقال لهم، المغيرة دعوني أحركه، قالوا: لا تفعل فان للأعراب
جوابا يؤثر، قال: لابد قالوا: فأنت أعلم، فقال المغيرة له: يا أعرابي
أتعرف المغيرة بن شعبة؟ قال: نعم أعرفه. أعور زانيا، فوجم المغيرة
(الحديث).
(بعض ما روي في كتب علماء أهل السنة من أن
المغيرة بن شعبة وجماعة معه كانوا أعداء الهاشميين
وكانوا يضعون الأحاديث المكذوبة في حقهم)
(قال المؤلف): ذكر ابن أبي الحديد في المصدر المتقدم ج 12 ص 241
ط 2 ما هذا نصه: وإنما أوردنا هذين الخبرين (أي خبر الطبري وخبر
أبي الفرج في اثبات قصة المغيرة) لعلم السامع أن الخبر بزناه (اي زناء
المغيرة بن شعبة) كان شايعا مشهورا مستفيضا بين الناس.
(قال المؤلف) من طالع تاريخ حياة المغيرة بن شعبة عرف أمورا
كثيرة عجيبة من أحواله (منها) وأصغرها زناه، وإن من أعظمها على
المسلمين وعلى سيد المرسلين وعلى الأئمة الميامين هو ما كان عليه المغيرة
حتى مات موافقة لأمير الشام وهو سب سيد المؤمنين وسيد المتقين وسيد
الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام على المنابر في الكوفة
وقد ذكر ذلك جماعة من علماء أهل السنة في كتبهم المعتبرة.
(منهم) أبو عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم النيسابوري
الشافعي المتوفي سنة 405 ه‍ فإنه خرج في كتابه مستدرك الصحيحين
(البخاري ومسلم) ج 3 ص 450 طبع حيدر آباد الدكن سنة 1341 ه‍
وقال: قد صحت الروايات أن المغيرة ولي الكوفة سنة إحدى وأربعين
162

وهلك سنة خمسين (ثم قال):
حدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق (انا) موسى بن إسحاق الأنصاري
القاضي (ثنا) أحمد بن يونس (ثنا) أبو بكر بن عياش عن حصين عن
هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم (قال): كان المغيرة بن شعبة
ينال (أي يسب) في خطبته من علي (وما قنع بذلك) وأقام خطباء
ينالون منه، فبينا هو يخطب ونال من علي والى جنبي سعيد بن زيد بن
ابن عمرو بن نفيل العدوي قال: فضربني بيده وقال: ألا ترى ما يقول هذا؟
(ومنهم) الذهبي الشافعي فإنه خرج ذلك في تلخيص المستدرك
المطبوع بذيل المستدرك (ج 3 ص 450) وقال: أبو بكر بن عياش: عن
حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم، قال: كان المغيرة
ابن شعبة ينال في خطبته من علي وأقام خطباء ينالون منه (الحديث).
(قال المؤلف): فمن كان هذا حاله بالنسبة إلى خليفة رسول الله
صلى الله عليه وآله وصهره فهل يقبل حديثه في حق والد من كان
يسبه عشر سنين في خطبته على منابر المسلمين، هذا وقد روى السيد الحجة
في كتاب (الحجة على الذاهب) ص 19 وقال: وقد روي عنه (أي
عن المغيرة) انه شرب (الخمر) في بعض الأيام فلما سكر قيل (له)
ما تقول في بني هاشم؟ فقال: والله ما أردت لهاشمي قط خيرا.
(قال المؤلف): ومما يدل على أن المغيرة بن شعبة كان من أعداء
الهاشميين، وكان يروي الأحاديث الموضوعة في حقهم عليهم السلام، ما
ذكره ابن أبي الحديد الشافعي في شرح نهج البلاغة (ج 1 ص 358)
طبع أول مصر قال: وإن معاوية بن أبي سفيان وضع قوما من الصحابة
وقوما من التابعين على رواية اخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن
فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب فيه مثله، فاختلقوا
163

ما أرضاه (منهم) أبو هريرة (ومنهم) عمرو بن العاص (ومنهم)
المغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير.
(قال المؤلف) هذا المغيرة بن شعبة مع علمه بأحوال إمامه وأميره
معاوية بن أبي سفيان كان يظهر أعمالا يرضي بها معاوية، فكان يسب
عليا أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر ويأمر أصحابه بذلك، وما
كان ذلك منه إلا لعداوته لبني هاشم، وعداوته لهم كانت لتحصيل رضا
أميره الذي كان مطلعا على أحواله وديانته وعقيدته، وقد ذكر ابن أبي
الحديد في (ج 5 ص 129 ط 2) من شرحه لنهج البلاغة، طبع
بيروت سنة 1379 ه‍، بعض ما كان يعلمه المغيرة بن شعبة من أحوال
معاوية بن أبي سفيان، وهذا نص ألفاظه (قال):
روى الزبير بن بكار في (الموفقيات) وهو غير متهم على معاوية
ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة لما هو معلوم من حاله (أي من حال
الزبير بن بكار) من مجانبة علي عليه السلام والانحراف (وقال):
قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على معاوية، فكان
أبي يأتيه فيتحدث معه، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله، ويعجب
بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة، فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتما
فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت (يا أبة) ما لي
أراك مغتما منذ الليلة؟ فقال: يا بني جئت من عند أكفر الناس، وأخبثهم
قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له (أي لمعاوية) وقد خلوت به:
إنك قد بلغت سنة يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا وبسطت خيرا فإنك
قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم
فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه
فقال: هيهات هيهات، أي ذكر أرجو بقاءه، ملك أخو تيم فعدل وفعل
164

ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر
ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى
هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر، وإن ابن أبي كبشة ليصاح به
كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمدا رسول الله: فأي عمل يبقى، وأي
ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك، لا والله الا دفنا دفنا (ثم قال ابن
أبي الحديد الشافعي):
وأما أفعاله (أي أفعال معاوية) المجانبة للعدالة الظاهرة، من لبسه
الحرير، وشربه في آنية الذهب والفضة، حتى أنكر عليه أبو الدرداء
فقال له: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول:
إن الشارب فيهما ليجرجر في جوفه نار جهنم: فقال معاوية: أما أنا فلا
أرى بذلك بأسا، فقال أبو الدرداء: من عذيري من معاوية، أنا أخبره
عن الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو يخبرني عن رأيه، لا أساكنك
بأرض أبدا (ثم قال ابن أبي الحديد):
نقل هذا الخبر المحدثون والفقهاء في كتبهم. في باب الاحتجاج
على أن خبر الواحد معمول به في الشرع، وهذا الخبر يقدح في عدالته
(أي عدالة معاوية) كما يقدح أيضا في عقيدته، لان من قال في مقابلة
خبر قد روي عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: أما أنا فلا
أرى به بأسا فيما حرمه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، ليس
بصحيح العقيدة، ومن المعلوم أيضا من حاله (أي من حال معاوية)
استئثاره بمال الفئ، وضربه من لا حد له، واسقاطه الحد عمن يستحق
إقامة الحد عليه، وحكمه برأيه في الرعية، وفي دين الله، واستلحاقه زيادا
وهو يعلم قول رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: الولد للفراش
وللعاهر الحجر، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ولم يجب عليهم القتل
165

ومهانته لأبي ذر الغفاري رحمه الله جبهه وشتمه وأشخاصه إلى المدينة
على قتب بغير وطاء لانكاره عليه، ولعنه عليا والحسن والحسين
وعبد الله بن عباس على منابر الاسلام، وعهده بالخلافة إلى ابنه يزيد
مع ظهور فسقه (أي فسق يزيد) وشربه المسكر جهارا، ولعبه بالنرد
(القمار) ونومه بين القيان والمغنيات، واصطباحه معهن، ولعبه بالطنبور
بينهن، وتطريقه بني أمية للوثوب على مقام رسول الله صلى عليه (وآله)
وسلم وخلافته حتى أفضت إلى يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد المفتضحين
الفاسقين، صاحب حبابة وسلامة، والآخر رامي المصحف بالسهام، وصاحب
الاشعار في الزندقة والالحاد، ثم قال ابن أبي الحديد الشافعي:
ولا ريب أن الخوارج إنما برئ أهل الدين والحق منهم لأنهم فارقوا
عليا وبرئوا منه، وما عدا ذلك من عقائدهم نحو القول بتخليد الفاسق
في النار، والقول بالخروج على أمراء الجور، وغير ذلك من أقاويلهم
فان أصحابنا (أي الشافعية من أهل السنة) يقولون بها، ويذهبون إليها
فلم يبق ما يقتضي البراءة منهم إلا برأتهم من علي، وقد كان معاوية يلعنه
على رؤس الاشهاد وعلى المنابر في الجمع والأعياد.، في المدينة ومكة وفي
ساير مدن الاسلام، فقد شارك الخوارج في الامر المكروه منهم، وامتازوا
عليه باظهار الدين والتلزم بقوانين الشريعة والاجتهاد في العبادة وإنكار
المنكرات، وكانوا أحق بان ينصروا عليه من أن ينصر عليهم (انتهى
كلام ابن أبي الحديد).
(قال المؤلف: ومما يمكن الاستدلال به على علو مقام أبي طالب
عليه السلام علاوة على إيمانه وإسلامه قبل البعثة وبعد بعثة ابن أخيه محمد
صلى الله عليه وآله ما روي من أفعال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وأقواله في حق عمه وشقيق أبيه أبي طالب عليهما السلام
166

وما روى من أفعال الصحابة الكرام من الأقوال والافعال نثرا وشعرا في
حقه عليه السلام وهي كثيرة نذكر بعضها وفيها الكفاية لمن طلب الحق
وترك التعصب الأعمى وأخذ بالانصاف وبما يقبله العقل السليم.
(من جملتها) استسقاء رسول الله صلى الله عليه وآله
على المنبر في المسجد وهو مشهور ومعروف، أخرجه نور الدين علي بن
إبراهيم بن أحمد بن علي الحلبي الشافعي في السيرة الحلبية والعلامة زيني
دحلان الشافعي في السيرة النبوية بهامش ج 1 ص 92 من السيرة الحلبية
ط 1 سنة 1330 ه‍ في استسقاء النبي صلى الله عليه وآله في المدينة
فقد قالا: أخرج البيهقي عن أنس قال: جاء أعرابي إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله وشكا الجدب والقحط، وأنشد أبياتا فقام
رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر
فرفع يديه إلى السماء ودعا فما رد يديه حتى التقت السماء بابراقها ثم بعد
ذلك جاؤوا يضجون من المطر خوف الغرق، فضحك رسول الله صلى الله
عليه (وآله) وسلم حتى بدت نواجده، ثم قال: لله در أبي طالب
لو كان حيا لقرت عيناه، من ينشدنا قوله: فقال علي رضي الله عنه
كأنك تريد قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
(ومن جملتها) استسقاء أبي طالب عليه السلام بالنبي صلى الله عليه
وآله وسلم (قال المؤلف): خرج قضية استسقاء أبي طالب عليه السلام
بالنبي صلى الله عليه وآله العلامة زيني دحلان الشافعي مفتي مكة
المكرمة المتوفي سنة 1304 ه‍ في كتابه المعروف (بالسيرة النبوية) المطبوع
بهامش (السيرة الحلبية) ج 1 ص 92 طبع مصر سنة 1330 وقال: كان
167

يوضع لأبي طالب وسادة يجلس عليها فجاء النبي صلى الله عليه وآله
فجلس عليها فقال: إن ابن أخي ليحس بنعيم أي بشرف عظيم (قال):
وكان أبو طالب يحبه حبا شديدا لا يحب أولاده كذلك، ولذا
كان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرج به متى خرج (من مكة) قال:
وقد أخرج ابن عساكر عن جلهمة بن عرفطة، قال: قدمت مكة وهم
في قحط وشدة من احتباس المطر عنهم، فقائل منهم يقول: اعمدوا
اللات والعزى، وقائل منهم يقول، اعمدوا مناة الثالثة الأخرى، فقال
شيخ وسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون وفيكم باقية إبراهيم
وسلالة إسماعيل، قالوا: كأنك عنيت أبا طالب، فقال أيها فقاموا
بأجمعهم، فقمت معهم فدققنا الباب عليه فخرج إلينا، فثاروا إليه
فقالوا: يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم فاستسق إلينا
فخرج أبو طالب، ومعه غلام (وهو النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم)
كأنه شمس دجن (تجلت عنه سحابة) قتماء، وحوله أغيلمة فاخذه أبو طالب
فالصق ظهر الغلام بالكعبة، ولاذ الغلام (أي أشار) بإصبعه إلى السماء
كالمتضرع الملتجئ وما في السماء قزعة، فاقبل السحاب من هاهنا وهاهنا
واغدودق الوادي أي أمطر وكثر قطره، وأخصب النادي والبادي وفي
هذا يقول أبو طالب يذكر قريشا حين تمالؤا على أذيته صلى الله عليه
(وآله) وسلم، بعد البعثة، يذكرهم يده وبركته عليهم من صغره:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
(قال صاحب السيرة): فهذا الاستسقاء شاهده أبو طالب فقال
الأبيات بعد مشاهدته (إياها)، وقد شاهده مرة أخرى قبل هذه، فروى
الخطابي، حديثا فيه: إن قريشا تتابعت عليهم سنو جدب في حياة
168

عبد المطلب، فارتقى هو ومن حضره من قريش أبا قبيس، فقام عبد المطلب
واعتضده صلى الله عليه (وآله) وسلم فرفعه على عاتقه وهو يومئذ
قد أيفع أو قرب، ثم دعا فسقوا في الحال (1) فقد شاهد أبو طالب ما دله
على ما قال أعني قوله. وأبيض يستسقى البيت (قال) وهو من
أبيات من قصيدة طويلة نحو ثمانين بيتا لأبي طالب على الصواب، خلافا
لمن قال: إنها لعبد المطلب، فقد أخرج البيهقي عن أنس قال جاء
أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وشكا الجدب
والقحط وأنشد أبياتا، فقام رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم
(إلى آخر الحديث) الذي تقدم نقله من السيرة النبوية، فلما ذكر أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب الأبيات، قال صلى الله عليه (وآله) وسلم أجل
ثم قال زيني دحلان: فهذا نص صريح من الصادق صلى الله عليه
(وآله) وسلم بان أبا طالب منشئ البيت، وأول القصيدة.
ولما رأيت القوم لا ود عندهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد حالفوا قوما علينا أظنة * يعضون غيظا خلفنا بالأنامل
ثم ذكر زيني دحلان عشرين بيتا من القصيدة وترك البقية، والقصيدة
تزيد على مائة بيت وقد أخرجناها في كتابنا (الشهاب الثاقب لمكفر أبي
طالب عليه السلام)، وخرجها ابن كثير في البداية والنهاية (ج 2 ص 53
ص 57) وقال: قد أوردها الأموي في مغازيه مطولة بزيادات أخرى
وعدد الأبيات في البداية اثنان وتسعون بيتا وفي غيرها أكثر، ومن جملتها
ناسخ التواريخ،

(1) استسقاء عبد المطلب بالنبي صلى الله عليه وآله أخرجه الشهرستاني
(في الملل والنحل) المطبوع بهامش ج 3 (الفصل) ص 225 يناسب ذكر
ذلك في المقام.
169

(قال المؤلف) وخرجها ابن هشام في السيرة (ج 1 ص 249
ص 255) وعدد أبيات القصيدة فيها أربعة وتسعون بيتا وخرج جلال
الدين السيوطي الشافعي قضية الاستسقاء في كتابه الخصائص الكبرى ج 1
ص 124 طبع حيدر آباد الدكن وهذا نصه:
أخرج ابن عساكر في تاريخه عن جلهمة بن عرفطة قال انتهيت إلى
المسجد الحرام وإذا قريش عزين قد ارتفعت له ضوضاء يستسقون، فقائل
يقول: اعمدوا اللات والعزى، وقائل منهم يقول: اعمدوا المناة الثالثة
الأخرى، فقال شيخ منهم وسيم قسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون
وفيكم باقية إبراهيم وسلالة إسماعيل، قالوا له كأنك عنيت أبا طالب قال:
إيها فقاموا بأجمعهم، وقمت معهم فدققنا عليه بابه فخرج إلينا رجل
حسن الوجه مصفر عليه إزار قد اتشح به فثاروا إليه، فقالوا له: يا أبا
طالب قد أقحط الوادي وأجدب العيال، فهلم فاستسق (إلينا) فقال:
دونكم زوال الشمس، فلما زاغت الشمس، خرج أبو طالب ومعه غلام
كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة فاخذه أبو طالب فالصق ظهره
بالكعبة ولاذ بإصبعه الغلام وبصبصت الأغيلمة حوله، وما في السماء قزعة
فاقبل السحاب من هاهنا وهاهنا، واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب
النادي والبادي، ففي ذلك يقول أبو طالب.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
تطيف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
وميزان عدل لا يخيس شعيرة * ووزان صدق وزنه غير مائل
(قال المؤلف) هذه الأبيات من القصيدة الآتية التي تزيد على مائتي
بيت وقد خرجها جمع كثير من علماء السنة والامامية عليهم الرحمة.
وخرج جلال الدين السيوطي الشافعي في الخصائص أيضا (ج 1 ص 87)
170

قضية أخرى فيها دلالة على أن أبا طالب عليه السلام كان مؤمنا بالواحد
الاحد، وبالرسول الأمجد، ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله
وهذا نصه:
أخرج ابن عساكر عن أبي الزناد قال: اصطرع أبو طالب وأبو
لهب فصرع أبو لهب أبا طالب وجلس على صدره، فمد النبي صلى الله
عليه (وآله) وسلم بذؤابة أبي لهب والنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم
يومئذ غلام فقال له أبو لهب أنا عمك وهو عمك فلم أعنته علي؟ قال:
لأنه أحب إلي منك، فمن يومئذ عادى أبو لهب النبي صلى الله عليه
(وآله) وسلم واختبأ له هذا الكلام في نفسه.
(قال المؤلف): تأمل في هذه القضية وفيما تقدم عليها لترى شدة
محبة النبي صلى الله عليه وآله لعمه أبي طالب كما ترى محبة أبي
طالب عليه السلام لابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله
فهل يمكن أن يحب رسول الله صلى الله عليه وآله من حاد الله
وأشرك به وعبد الأصنام؟ وقد جاء في القرآن الكريم: " لا تجد قوما يؤمنون بالله
يوادون من حاد الله " (الآية) فهل يمنع الله من محبة من حاد الله
والنبي صلى الله عليه وآله يود من حاد الله؟ فليس هذا
بمعقول، فمحبة النبي صلى الله عليه وآله لعمه أبي طالب كان
في محله وإنما كان يحبه لايمانه وإسلامه غير أنه عليه السلام كان لا
يظهر ذلك لمصلحة الوقت ولكي يتمكن من حفظ النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وحفظ من أسلم وآمن به فحاله عليه السلام كحال مؤمن
آل فرعون حيث كتم إيمانه.
(قال المؤلف) ومما يمكن الاستدلال به على علو مقام مؤمن قريش
وإيمانه وإن كان عليه السلام أخفى ذلك لمصلحة الوقت كما أخفى
171

مؤمن آل فرعون شهادة أخيه العباس عليهما السلام بأنه أتى بما طلبه
منه ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله وهو التكلم بالشهادتين
وإنما طلب صلى الله عليه وآله منه ذلك على فرض صحة الرواية
ليكون آخر كلامه عليه السلام الشهادتين فإنه صلى الله عليه وآله
وسلم قال: (من كان آخر كلامه الشهادتين دخل الجنة) فلأجل
أن يكون عليه السلام مشمولا لهذا الحديث الشريف ولغير ذلك طلب
من عمه أن يصرح بالشهادتين ووعده أن يشفع له يوم القيامة حتى يرفع
مقامه في الآخرة ويصل إلى درجة الأنبياء والمرسلين بشفاعته، ولذلك
قال صلى الله عليه وآله وحلف على ذلك فقال (لاشفعن فيك
شفاعة يعجب لها الثقلان) يقصد صلى الله عليه وآله بذلك
الشفاعة التي بواسطتها يتمكن من الكون معه وفي درجته بشفاعته، وإنما
وعده أن يشفع له تلك الشفاعة وفاء لما قام به عليه السلام من بذل
نفسه ونفيسه في حفظه حتى تمكن من نشر دعوته، وتمكن صلى الله
عليه وآله وسلم بحمايته مقابلة المشركين وصرفهم عما كانوا عليه من
عبادة الأصنام، واعتنقوا الاسلام، وإليك ما أخبر به العباس رضي الله
عنه من أخيه أبي طالب شيخ الأبطح وسيد قريش ورئيسهم المطاع
وبما تكلم به عند وفاته، وقد ذكر ذلك جماعة من علماء أهل السنة (منهم)
ابن هشام في سيرته (ج 2 ص 21) قال: قال ابن إسحاق: حدثني
عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس، قال: مشوا إلى
أبي طالب فكلموه، وهم أشراف قومه، عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة
وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب، في رجال
من أشرافهم، فقالوا يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك
ما ترى، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه فخذ له منا
172

وخذ لنا منه ليكف عنا ونكف عنه، وليدعنا وديننا، وندعه ودينه
فبعث إليه أبو طالب فجاءه فقال: يا بن أخي هؤلاء أشراف قومك قد
اجتمعوا لك ليعطوك وليأخذوا منك، قال: فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يا عم كلمة واحدة بعطونيها يملكون بها العرب
وتدين لهم بها العجم، قال: فقال أبو جهل: نعم وأبيك، وعشر
كلمات، قال: تقولون لا آله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه
قال: فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلها
واحدا، إن أمرك لعجيب، ثم قال بعضهم لبعض: إنه والله ما هذا
الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم
الله بينكم وبينه، قال: ثم تفرقوا، قال: فقال أبو طالب لرسول الله
صلى الله عليه (وآله) وسلم: يا بن أخي ما رأيتك سألتهم شططا
(أي ما سألتهم فوق طاقتهم أي أمرا صعبا) وما ظلمتهم وما جرت
عليهم فيما طلبت منهم، قال: فجعل يقول له (أي لأبي طالب عليه
السلام): أي عم فأنت فقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة، قال:
فلما رأى حرص رسول الله - صلى الله عليه وآله عليه، قال
يا بن أخي، والله لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي لقلتها
لا أقولها إلا لأسرك بها، قال: فلما تقارب من أبي طالب الموت (وتفرق
الذين كانوا عنده من المشركين) نظر العباس إليه (أي إلى أبي طالب
عليه السلام) يحرك شفتيه قال: فأصغى إليه بأذنه (أي العباس) قال:
فقال يا بن أخي (يا محمد) والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن
يقولها، قال: وأنزل الله تعالى في الرهط الذين اجتمعوا إلى أبي طالب
وقال لهم النبي صلى الله عليه وآله ما قال وردوا عليه ما ردوا
سورة صلى الله عليه وآله والقرآن ذي الذكر) إلي قوله تعالى (إن هذا إلا
173

اختلاف) ثم توفي أبو طالب (عليه السلام) إنتهى باختصار في بعض
كلماته.
(قال المؤلف) على فرض صحة الحديث الذي ذكره ابن إسحاق
ونقله منه ابن هشام في السبرة، فترك أبي طالب عليه السلام التلفظ
بالشهادتين عند موته في حضور من حضر من المشركين كان لامرين الأول
خشية من أن ينسبوا إليه الجزع من الموت، والثاني وهو العمدة
المبالغة في حفظه صلى الله عليه وآله وسلم إذ لو عرفوا أنه كان
مؤمنا بابن أخيه وموحدا وتاركا لعبادة آلهتهم لسقط عن الانظار، ولم يبق
له عندهم حرمة فيلاحظوا ذلك فيتركوا أذاه، فترك النطق بالشهادتين في
حضورهم ولم يتظاهر به تقية منهم كما كان عليه قبل موته وفي حياته
الطويلة وفيما يزيد على خمسين سنة وإن كان عليه السلام أظهر ذلك في
أشعاره ونصايحه لقومه، وبما ذكرناه أشار السيد ابن دحلان في (أسنى
المطالب ص 29 طبع طهران) فقال ما هذا نص ألفاظه:
قال: قد مر أنه (أي أبو طالب) نطق بالوحدانية، وبحقيقة
الرسالة، وتصديق النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في أشعاره وإنما
طلب النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ذلك منه عند وفاته ليحوز
الايمان (عند) الوفاة أيضا (إلى أن قال): وإنما امتنع (أبو طالب
عليه السلام) من النطق به (أي بلفظ الشهادتين) خشية أن ينسبوه
إلى الجزع من الموت، والخوف من الموت عندهم عار (أي عند العرب)
وقد كانوا عريقين في السيادة والمفاخرة بحيث لا يرضون أن ينسب إليهم
أقل قليل مما يخالفهما (عقول ذلك العصر) فلا يبعد أن يكون ذلك
عندهم عظيما، وذلك عذر، وهذا بحسب الظاهر للامر، وأما في باطن
الامر، فالسبب الحقيقي في عدم نطقه (عليه السلام) بحضور القوم
174

المبالغة في المحافظة على حمايته النبي صلى الله عليه وآله ونصرته
لعلمه بأنه إذا نطق بذلك وعلموا أنه اتبع النبي صلى الله عليه وآله
لم يعتدوا بحمايته وجاهه عندهم، بل يخفرون ذمته، وينتهكون حرمته
ويبالغون في إيذاء النبي صلى الله عليه وآله وقد كان أبو طالب
حريصا على أن يكون أمر النبي صلى الله عليه وآله في دعوته
الخلق إلى الله تعالى باقيا بعد موته، فلذلك كان محافظا علي بقاء حرمته
في قلوب فريش، فلو نطق بالشهادتين وعلموا ذلك منه فإنه يفوت
غرضه، من كمال النصرة والحماية.
(قال المؤلف) ولأجل رعاية هذه النظرية لم ينطق بالشهادتين
كما ذكرنا سابقا في حضور المشركين، ولما ولوا وبقي أبو طالب
عليه السلام وحده مع أخيه العباس وأولاده، والنبي صلى الله عليه
وآله وسلم تكلم عليه السلام ونطق بالشهادتين حتى سمع ذلك منه
أخوه العباس رضي الله عنه وأخبر النبي صلى الله عليه وآله
بذلك، وقال العباس: والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها
وهي الشهادتان:
(قال المؤلف) ومما يدل عليه أن أبا طالب عليه السلام إنما امتنع
من التكلم بالشهادتين تقية من الذين كانوا حضورا عنده ما أخرجه ابن
كثير في البداية والنهاية (ج 3 ص 124 وخرجه غيره أيضا.
(قال): روى البخاري وقال: حدثنا محمود، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا:
معمر عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته
الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وآله وعنده أبو جهل
فقال: أي عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال
أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب
175

فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر ما كلمهم به: على ملة عبد المطلب، (أي
أنا على ملة عبد المطلب).
(قال) وروى مسلم عن إسحاق بن إبراهيم وعبد الله، عن عبد
الرزاق، وأخرجاه أيضا من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب. عن
أبيه نحوه وقال فيه: فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله
يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى قال آخر ما قال: على ملة
عبد المطلب (أي انا على ملة عبد المطلب) قال: وفي رواية على ملة
الأشياخ، وقال: آخر ما قال (هو على ملة عبد المطلب).
(قال المؤلف) فبهذه الروايات ثبت أن القوم المشركين كانوا
حضورا فلم ينطق بما طلب منه ابن أخيه صلى الله عليه وآله
ليبهم عليهم أنه منهم، ومع ذلك كله أجابهم بجواب مبهم، وهو قوله:
انا على ملة عبد المطلب وملة الأشياخ، ولا شك في أن عبد المطلب لم يعبد
صنما وإنما كان موحدا مؤمنا متبعا ملة أبيه إبراهيم عليه السلام كما
يعرف ذلك من أقواله عليه السلام، وقد صرح المؤرخون بأنه كان مؤمنا
موحدا لم يتخذ عبادة الأصنام كسائر قريش وأهل مكة.
(قال المؤلف) قال السيد ابن دحلان في (أسنى المطالب ص 26
طبع طهران): إن عدم نطقه (أي نطق أبي طالب عليه السلام)
بحضور أبي جهل وعبد الله بن أمية حرصا منه على بقاء الحفظ للنبي
صلى الله عليه وآله وصيانته من أذيتهم له بعد وفاته، فلا ينال
النبي صلى الله عليه وآله منهم أذى، وإذا كان هذا قصده
كان معذورا فتكون إجابته لهما بما أجابهم به مداراة لهما لئلا ينفرهما خشية
أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بعد وفاته (ثم
قال) على أنه يمكن الجمع بين امتناعه ونطقه بأنه امتنع (من النطق
176

بالشهادتين بحضورهما مداراة لهما فلما انطلقا وذهبا نطق بهما، وأصغى
إليه العباس فسمعه نطق بهما، ولهذا قال كما في الأحاديث السابقة ما
كلمهم به، يعني أبا جهل ومن كان معه ولم يقل آخر ما تكلم به مطلقا
فدل على أن قوله: هو علي ملة عبد المطلب، على أنه على التوحيد
لان عبد المطلب كان على التوحيد كبقية آبائه عليه السلام كما حقق
ذلك جلال الدين السيوطي وغيره في رسائل عديدة (قال): فأبهم
أبو طالب عليهم الجواب ليرضيهم ظاهرا وهو يعلم أن عبد المطلب كان
على التوحيد.
ومما يدل على علو مقام آباء النبي وآباء وصيه علي بن أبي طالب
صلى الله عليهم أجمعين الأحاديث الآتية.
(قال المؤلف) قد تقدم القول بان النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بين لامته في موارد عديدة وروي ذلك في أحاديث مختلفة أنهما
ما زالا ينقلان من أصلاب طاهرة إلى أرحام مطهرة، وهذا الكلام صريح
في أن آباءه وآباء وصيه وصهره وابن عمه علي بن أبي طالب جميعا كانوا
مؤمنين موحدين لان صلب المشرك ورحم الكافرة والمشركة لا يكونان
طاهرين (إنما المشركون نجس).
(بعض الأقوال الدالة على أن أبا طالب عليه السلام
أتى بالشهادة عند موته وقد ذكر ذلك علماء أهل السنة
ومن علماء أهل السنة الذين أخرجوا نطقه عليه السلام بالشهادتين
عند الوفاة الشبراوي الشافعي في كتابه الاتحاف بحب الاشراف (ص 11)
ولفظه يقرب من لفظ ابن هشام في السيرة.
177

(ومنهم) ابن حجر العسقلاني الشافعي فإنه خرج في كتابه الإصابة
ج 7 ص 113) نقلا من تاريخ ابن عساكر، ما أخرجه ابن هشام، ولفظه
يختلف مع ما تقدم نقله من سيرة ابن هشام في اللفظ دون المعنى، وهذا
نصه بحذف السند:
عن ابن عباس قال: لما أتى رسول الله صلى الله عليه (وآله)
وسلم أبا طالب في مرضه قال له: يا عم قل: لا إله إلا الله. كلمة
أستحل بها لك الشفاعة يوم القيامة، قال: يا بن أخي والله لولا أن تكون
علي وعلى أهلي من بعدي (المسبة) ويرون أني قلتها جزعا من الموت
لقلتها، لا أقولها إلا لأسرك بها، قال: فلما ثقل رؤي أبو طالب يحرك
شفتيه فأصغى إليه (أخوه) العباس فسمع قوله (يقول لا إله إلا الله)
فرفع رأسه عنه فقال: (يا بن أخي) قد قال والله الكلمة التي سألته عنها.
(ومنهم) ابن أبي الحديد الشافعي فإنه أخرج في شرحه لنهج
البلاغة (ج 3 ص 312 الطبع الأول) و (ج 14 ص 71 ط 2) ما يثبت
صحة قول العباس عم النبي صلى الله عليه وآله وقال ما هذا
نص ألفاظه:
قال: وقد روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب
وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة: أن أبا طالب ما مات حتى قال:
لا إله إلا الله محمد رسول الله (ثم قال): والخبر مشهور أن أبا طالب
عند الموت قال كلاما خفيا (حتى لا يسمعه من حضر) فأصغى إليه
أخوه العباس، ثم رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال: يا بن أخي والله لقد قالها عمك، ولكنه ضعف عن أن يبلغك صوته
(أي منعه من رفع صوته الضعف الذي عرضه عليه السلام من مرضه
أو لأنه لا يريد إسماع الحضور تقية.
178

(ومنهم) العلامة مؤلف روضه الصفا خواندشاه الشافعي المذهب
فإنه خرج في (ج 2 ص 46) من كتابه المذكور ما خرجه ابن أبي الحديد
من أن أبا طالب تكلم بالشهادتين، وروى ذلك عن ابن العباس حبر الأمة
وعن غيره.
(قال المؤلف) وأخرج ابن أبي الحديد بعد نقله الحديث المتقدم
بسنده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام أنه قال:
ما مات (أبي) أبو طالب حتى أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم من نفسه ما أرضاه (أي نطق بالشهادتين عند الموت إجابة لطلب
ابن أخيه صلى الله عليه وآله) وإنما طلب منه ذلك لنيله
الدرجة العالية من الايمان.
(قال المؤلف) ولو قيل بضعف حديث ابن المسيب الذي خرجه
ابن كثير عن العباس عم النبي صلى الله عليه وآله والذي ضعفه
هو في (ج 3 ص 123) من البداية والنهاية، ولكن إذا انضم إليه
حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام وحديث أبي بكر
يقوى الحديث، ويثبت على حسب أصول أهل الحديث، هذا أولا
وثانيا قد اعترف علماء أهل السنة بان الحديث الضعيف بالاجماع يؤخذ به
في باب الفضائل وثواب الأعمال، وبه قال بعض علماء الإمامية عليهم
الرحمة وقد صرح ابن كثير في المصدر المتقدم بعد تضعيفه للحديث فقال:
" ومثله يتوقف فيه لو انفرد، وقد ذكرنا أن رواية أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب المصدق في قوله وفيما ينسبه إلى أبيه عليه السلام ورواية
أبي بكر بن أبي قحافة يخرجان حديث العباس عن الانفراد، فالأخذ به
لا يكون خلاف القاعدة ولا غلوا كما قال به ابن كثير في (البداية والنهاية
ج 3 ص 123).
179

(بعض ما روي من اعتراف أبي بكر بن أبي قحافة
باسلام أبي طالب عليه السلام في كتب علماء أهل السنة)
(قال المؤلف) لعل مقصود من روى عن أبي بكر وغيره من أن
أبا طالب عليه السلام ما مات حتى آمن هو الحديث المشهور الذي
خرجه جماعة من علماء أهل السنة، وهو قول أبي بكر للنبي صلى الله
عليه وآله وسلم عند إسلام أبيه أبي قحافة: إني كنت باسلام أبي طالب
أفرح مني من إسلام أبي، وإليك لفظ الحديث من جمع كثير من علماء
أهل السنة الشافعية والحنفية وغيرهما.
(منهم) محب الدين الطبري الشافعي المتوفي سنة 694 فإنه خرج
في (الرياض النضرة (ج 1 ص 45) أن النبي صلى الله عليه وآله
لما فتح مكة ودخلها أتى أبو بكر بأبيه أبي قحافة عند النبي ليسلم على يديه
(صلى الله عليه وآله) وكان أبو قحافة أعمى وذا شيبة فلما أتى به
قال له النبي صلى الله عليه وآله - ألا تركت الشيخ (أي أباه)
حتى نأتيه، قال يا رسول الله أردت أن يأجره الله عز وجل، وفي رواية
هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه (ثم قال أبو بكر للنبي صلى الله
عليه وآله وسلم): أما والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا باسلام
أبي طالب مني باسلام أبي، ألتمس بذلك قرة عينك، قال: صدقت
(خرجه أحمد وأبو حاتم وابن إسحاق في فضائل أبي بكر).
(ومنهم) الشبراوي الشافعي في (الاتحاف بحب الاشراف ص 9)
قال: لما أسلم أبو قحافة قال الصديق للنبي صلى الله عليه وآله:
والذي بعثك بالحق لاسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه، وذلك
180

أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك.
(ومنهم) ابن أبي الحديد الشافعي فإنه خرج في شرحه لنهج
البلاغة (ج 14 ص 68 طبع 2) وقال: روي أن أبا بكر جاء بابي
قحافة إلى النبي صلى الله عليه وآله عام الفتح يقوده وهو شيخ
كبير أعمى، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألا تركت
الشيخ حتى نأتيه، فقال: أردت يا رسول الله أن يأجره الله، أما والذي
بعثك بالحق أنا كنت أشد فرحا باسلام عمك أبي طالب مني باسلام أبي
ألتمس بذلك قرة عينك قال: صدقت.
(ومنهم) ابن حجر العسقلاني الشافعي فإنه خرج في الإصابة (ج 7
ص 112 ص 116) ما أخرجه ابن أبي الحديد ولفظه يساوي لفظه
وأسنده عن ابن عباس حبر الأمة.
(قال المؤلف) خرج ابن حجر عند ذكر أحوال أبي طالب عليه
السلام أمورا كثيرة تدل على رفيع مقام أبي طالب إضافة إلى إيمانه
واسلامه وقال: إنه عليه السلام ولد قبل النبي صلى الله عليه وآله
بخمس وثلاثين سنة وهو شقيق عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وأمهما فاطمة بنت عمر بن عائذ المخزومية (ثم قال): واشتهر
(أي أبو طالب) بكنيته واسمه عبد مناف، وقيل: عمران.
(قال المؤلف) ذكر الثعلبي في تفسيره (الكشف والبيان) ما ذكره
ابن حجر في أن من أسمائه عليه السلام عمران، وذلك عند تفسيره
قوله تعالى " وآل عمران على العالمين ".
181

(بعض القضايا الدالة على أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان يحب عمه أبا طالب حبا شديدا
وذلك يدل على علو مقام عمه عليه السلام)
(قال المؤلف) ومما يدل على علو مقام أبي طالب عند الله وعند
رسوله صلى الله عليه وآله نبع الماء له عليه السلام عندما عطش
وهو في الصحراء، وقد ذكر ذلك جمع كثير من علماء أهل السنة وعلماء الإمامية
عليهم الرحمة وإليك أولا من خرجه من علماء الشافعية
والحنفية، وهم جماعة.
(منهم) جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفي سنة 911 فإنه خرج
ذلك في كتابه (الخصائص الكبرى (ج 1 ص 124 طبع حيدر آباد)
بسنده من كتاب ابن سعيد (الطبقات) خرجه تحت عنوان: (باب نبع
الماء من الأرض باعجازه لعمه أبي طالب، وقال ما هذا لفظه: قال ابن
سعد: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق، حدثنا عبد الله بن عوف، عن
عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخي يعني النبي صلى الله
عليه وآله وسلم فأدركني العطش فشكوت إليه فقلت: يا بن أخي قد
عطشت، وما قلت له ذلك وانا أرى أن عنده شيئا إلا الجزع، قال:
يا عم أعطشت؟ قلت نعم، فاهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء، فقال:
إشرب يا عم، قال: فشربت، أخرجه ابن عساكر، (قال) وله طريق
آخر أخرجه الخطيب وابن عساكر من طريق ابن جرير الطبري، حدثنا
سفيان بن وكيع، حدثنا أزهر بن سعد السمان، حدثنا ابن عوف، عن
عمرو بن سعد به.
182

(ومنهم ابن حجر العسقلاني فقد خرج ذلك في (الإصابة في تمييز
الصحابة ج 7 ص 116) ولفظه يختلف مع لفظ السيوطي في الحديث
والسند، وهذا نص ألفاظه:
(قال) ابن سعد في الطبقات: أخبرنا إسحاق الأزرق، حدثنا
عبد الله بن عون، عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال: كنت بذي
المجاز مع ابن أخي فأدركني العطش فشكوت إليه ولا أرى عنده شيئا، قال:
فثنى وركه ثم نزل فأهوى بعصاه إلى الأرض فإذا بالماء فقال: إشرب
يا عم فشربت.
(ومنهم) نور الدين علي بن إبراهيم بن أحمد بن علي الحلبي الشافعي
المتوفي سنة 1044 ه‍، فإنه أخرج نبع الماء بالاعجاز لعمه أبي طالب عليه
السلام في كتابه (إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون) المعروف بالسيرة
الحلبية (ج 1 طبع مصر سنة 1329 ه‍) قال (وروي) عن أبي طالب
(أنه) قال: كنا بذي المجاز (وهو موضع على فرسخ من عرفة كان
سوقا في الجاهلية) مع ابن أخي (يعني النبي صلى الله عليه وآله)
فأدركني العطش فشكوت إليه فقلت يا بن أخي قد عطشت، وما قلت له
ذلك وأنا أرى ان عنده شيئا إلا الجزع (أي لم يحملني على ذلك (أي
على الطلب بالماء) إلا الجزح وعدم الصبر) قال: فثنى وركه، أي
نزل عن دابته، ثم قال: يا عم عطشت؟ قلت: نعم، فأهوى بعقبه
الأرض (وفي رواية) إلى صخرة فركضها برجله وقال شيئا (لم أفهمه)
فإذا أنا بالماء لم أر مثله، فقال: إشرب فشربت حتى رويت، فقال:
أرأيت؟ قلت نعم، فركضها ثانية فعادت كما كانت (ثم قال):
وسافر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم مع عمه الزبير وله بضع
عشرة سنة والزبير أيضا شقيق عبد الله (والد النبي صلى الله عليه
183

وآله وسلم).
(ومنهم) السيد أحمد زيني دحلان الشافعي مفتي مكة المكرمة المتوفي
سنة 1304 ه‍، فإنه أخرج الواقعة في كتابه (السيرة النبوية المطبوعة
بهامش السيرة الحلبية المتقدم ذكره في هامش ج 1 ص 103، قال السيد
الحجة فخار بن معد ومن الارهاصات (اي المعجزات) التي ظهرت على
يديه صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو صغير: أنه كان مع عمه
أبي طالب بذي المجاز وهو موضع على فرسخ من عرفة كان سوقا للجاهلية
فعطش عمه أبو طالب فشكا إلى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم
وقال: يا بن أخي قد عطشت فاهوى بعقبه إلى الأرض (وفي رواية)
إلى صخرة فركضها برجله وقال شيئا (لم يفهمه أبو طالب عليه السلام)
قال أبو طالب: فإذا بالماء لم أر مثله، فقال: إشرب فشربت حتى
رويت فركضها فعادت كما كانت.
(قال المؤلف): بالتأمل في أحاديث الباب يظهر لك ما عمل في القضايا
والأحاديث من تغيير وتحريف وزيادة ونقصان، وذلك أمر سبب عدم
المعرفة بواقع القضايا كما كانت عليه ولاختلاف الحديث أخرجنا ما عثرنا عليه.
(قال المؤلف): وما يثبت رفيع مقام أبي طالب عليه السلام دعاء
النبي صلى الله عليه وآله له بالشفاء فشافاه الله ببركة دعائه
صلى الله عليه وآله فورا، وقد خرج ذلك علماء أهل السنة وعلماء الإمامية
عليهم الرحمة وإليك ما أخرجه علماء الشافعية والحنفية وهو جماعة:
(منهم) ابن حجر العسقلاني الشافعي المتوفي سنة 852 فقد خرج
في الإصابة (ج 7 ص 113) ما هذا نصه: بسنده عن أنس قال مرض
أبو طالب فعاده النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم، فقال يا بن أخي
أدع ربك الذي بعثك يعافيني فقال (صلى الله عليه وآله): اللهم
184

اشف عمي: فقام (أبو طالب عليه السلام) كأنما نشط من عقال، فقال
يا بن أخي إن ربك ليطيعك. قال: وأنت يا عماه لئن أطعت الله ليطيعنك
(ومنهم) جلال الدين السيوطي الشافعي فقد خرج هذه المعجزة في كتابه
(الخصائص ج 1 ص 124) تحت عنوان (باب دعائه صلى الله عليه
(وآله) وسلم لأبي طالب بالشفاء) وقال: أخرج ابن عدي، والبيهقي
وأبو نعيم من طريق الهيثم بن حماد، عن ثابت، عن انس أن أبا طالب
مرض فعاده النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فقال: يا بن أخي
أدع ربك الذي تعبد أن يعافيني فقال: اللهم اشف عمي، فقام أبو طالب
كأنما نشط من عقال، قال يا بن أخي إن ربك الذي تعبد ليطيعك، قال:
وأنت يا عماه لئن أطعت الله ليطيعك (ثم قال السيوطي تفرد به الهيثم
وهو ضعيف.
(قال المؤلف) لا يفوتنك التحريف والزيادة التي زادها جلال الدين
في حديثه فان الحديث الذي خرجه في الإصابة خال من هذه الزيادة وهذا
التحريف إذ فيه (أدع ربك الذي بعثك) وليس فيه (ادع ربك الذي
تعبد) وإنما غير الحديث وزاد عليه كلمة (تعبد) لغاية معلومة يعرفها
كل من طالع حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
وتاريخ حياة أمير الشام وهي تحصيل رضا أمير الشام وسائر بني أمية وأمثالهم
ولا يخفى أن جواب النبي لعمه عليه السلام جواب مهم عظيم، وقد
ورد ذلك في الكلمات القدسية وهي الكلمات التي خوطب بها النبي صلى الله
عليه وآله وسلم عندما عرج به إلى السماء، ومن جملتها ما كلمه الله بها
بقدرته وهو قوله تعالى عز وجل: (عبدي أطعني تكون مثلي (أو مثلي)
أقول للشئ كن فيكون وتقول للشئ كن فيكون) فالنبي الأكرم بين
لعمه المكرم: أنه إن أطاع الله يكن مثله في أن الله يستجيب دعاءه
185

بلا تأخير كما استجاب دعاءه بلا تعطيل.
(قال المؤلف) ومما يدل على قوة إيمانه عليه السلام بابن أخيه
صلى الله عليه وآله وصيته عليه السلام لبني هاشم بان يطيعوا
رسول الله صلى الله عليه وآله وإصراره على ذلك كما ذكر ابن
دحلان في السيرة النبوية المطبوع بهامش السيرة الحلبية (ج 1 ص 99
ص 100) وهذا نصه وقد تقدم بالمناسبة قال:
وفي الحديث إنهم اجتمعوا عند أبي طالب عند وفاته فأوصاهم
أبو طالب فقال: يا معشر بني هاشم أطيعوا محمدا وصدقوه تفلحوا
وترشدوا.
(قال المؤلف) أمر بني هاشم بالدخول في الاسلام وتصديق ما
جاء به ابن أخيه من الشريعة وبين لهم أن الفلاح والرشاد في طاعته.
(وقال) ابن دحلان أيضا: واجتمعوا مرة أخرى عند أبي طالب
فأوصاهم أبو طالب فقال: يا معشر العرب أنتم صفوة الله من خلقه
وقلب العرب، فيكم السيد المطاع، وفيكم المقدم الشجاع، والواسع الباع
واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه، ولا شرفا
إلا أدركتموه، فلكم بذلك على الناس الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة
والناس لكم حرب، وعلى حربكم ألب، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية
يعني الكعبة، فان فيها مرضاة للرب، وقواما للمعاش وثباتا للوطأة
صلوا أرحامكم، فان في صلة الرحم منشأة، اي فسحة في الاجل
وزيادة في العدد، واتركوا البغي والعقوق ففيهما هلكت القرون قبلكم
أجيبوا الداعي، وأعطوا السائل فان فيهما شرف الحياة والممات، وعليكم
بصدق الحديث وأداء الأمانة، فان فيهما محبة في الخاص، ومكرمة في
العام، وأوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمين في قريش، والصديق في العرب
186

وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به، وقد جاءنا بأمر قبله الجنان وانكره
اللسان مخافة الشنآن، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب، وأهل
الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته، وصدقوا كلمته
وعظموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، فصارت رؤساء قريش
وصناديدها أذنابا، ودورها خرابا، وضعفاؤها أربابا، وإذا أعظمهم عليه
أحوجهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها
وأعطته قيادها، يا معشر قريش كونوا له ولاة، ولحزبه حماة.
(قال): وفي رواية، دونكم ابن أبيكم كونوا له ولاة، ولحزبه
حماة، والله، لا يسلك أحد سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلا
سعد، ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز، ولدفعت
عند الدواهي.
(قال المؤلف): لو لم ينقل من أبي طالب عليه السلام غير
هذه الوصية لكفى في إثبات إيمانه وعلو شأنه ومقامه، وهل الاسلام
والايمان غير ما بين عليه السلام؟ في وصيته، وهل ما جاء به
ابن أخيه صلى الله عليه وآله غير ما أمر به ووصى به العرب
وعشيرته؟
ومن تفكر وتدبر في هذه الوصية حق التدبر عرف أن أبا طالب
عليه السلام كان يعرف المغيبات مما يكون بعد موته من الحروب
والانتصارات التي يراها ابن أخيه صلى الله عليه وآله وأعوانه
وأنصاره.
(قال المؤلف) وخرج ابن دحلان أيضا بهامش سيرة الحلبي في
سيرته (ج 1 ص 100) ما هذا معناه قال: وقال أبو طالب في وصيته
إلى العرب وبني هاشم: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره
187

فأطيعوه ترشدوا: (ثم قال) الدحلاني: قال الزرقاني: فانظر واعتبر
كيف وقع جميع ما قاله (أبو طالب) من باب الفراسة الصادقة، وكيف
هذه المعرفة التامة بالحق.
(قال المؤلف) خرج السيوطي هذه الرواية في الخصائص الكبرى
(ج 1 ص 87) وقال: أخرج ابن سعد عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير
العذري: أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال (في
وصيته لهم): لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتموه، واتبعتم
امره، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا.
(قال المؤلف) ينظر الزرقاني وأمثاله إلى أبي طالب عليه السلام
نظره إلى رجل عادي ولا يدري أنه عليه السلام وعبد المطلب كانا
يقرءان الكتب السالفة وكانا يتصلان بالعباد والزهاد والأحبار والرهبان
وكانوا يخبرونهما عن أحوال رسول الله صلى الله عليه وآله النبي
الهاشمي وما يكون له في حياته من الشؤون والأحوال، ومع قطع النظر
عن ذلك كله كان يظهر لهم في معاشرتهم مع الرسول الأكرم حال كونه
في دارهم وحال كونهم معه يخدمونه من الأمور الغريبة والعلوم النافعة
العجيبة ما لا يظهر لغيرهم لعدم اتصالهم به ومعاشرتهم إياه، فما أخبروا
به من الأمور الغيبية ليست من الفراسة كما قال به الزرقاني، بل جميعه
من تعليماته صلى الله عليه وآله لهم فان أبا طالب عليه السلام
كان له من العمر على حسب بعض الروايات تسعون سنة أو أزيد قضى
خمسون سنة أو أزيد من عمره عليه السلام مع ابن أخيه فعرف منه
وتعلم علما كثيرا نافعا بين لأولاد عبد المطلب بعضه وللعرب بعضه الآخر
بالمناسبة وبمقتضى الحال، تأمل في الوصية المتقدمة التي ذكرها زيني دحلان
وقد تقدمت وأولها (يا معشر العرب) تأمل فيها غاية التأمل يتضح لك
188

ما كان يعلم السيد المطاع مؤمن قريش وشيخ الأبطح عليه السلام تأمل
في هذه الكلمات خاصة (والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد، ولا يأخذ
أحد بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير لكففت عنه
الهزاهز، ولدفعت عنه الدواهي.
(قال المؤلف) نقول لأبي طالب عليه السلام ولو لم تكن بشخصك
في الحياة ولكن كنت في الحياة في قالب ولدك البطل الشجاع الذي كف
عن ابن أخيك صلى الله عليه وآله جميع الهزاهز ودفع عنه جميع
الدواهي، ويشهد بذلك التاريخ، ويعلمه كل خبير بأحواله.
189

(خاتمة)
تتضمن بعض الأحاديث المستخرجة في كتب الامامية بطرقهم المعتبرة
عن أهل البيت عليهم السلام في أحوال جدهم حامي سيد المرسلين، وناصر
سيد البشر، والذي بتأييده دين الاسلام انتشر، وبواسطته قام النبي
صلى الله عليه وآله بأداء واجبه محفوظا من كل خطر، سيد
البطحاء ووالد الأوصياء، ومن آمن بالرسول الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم قبل بعثته، والذي بنصرته تمكن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم من بث دعوته، هو أبو طالب عليه السلام ابن عبد المطلب بن
هاشم بن عبد مناف عليهم السلام.
(الحديث الأول)
(ما في الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب) ص 25 طبع
النجف الأشرف سنة 1351 ه‍ فقد خرج السيد شمس الدين فخار بن معد
قدس سره المتوفي سنة (630) بسنده عن أبي الفرج الأصفهاني، قال:
حدثني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثنا أبو الحسن
محمد بن علي المعمري الكوفي، قال: حدثنا علي بن مسعدة بن صدقة
عن عمه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، أنه قال:
كان أمير المؤمنين عليه السلام يعجبه أن يروى شعر أبي طالب عليه
السلام، وأن يدون، وقال تعلموه وعلموه أولادكم، فإنه كان على
دين الله وفيه علم كثير.
190

(الحديث الثاني)
(وفيه أيضا ص 27) خرج بسنده، عن السيد النقيب أبي جعفر
يحيى بن أبي زيد العلوي الحسني النقيب البصري بمدينة السلام سنة أربع
وستمائة، قال: أخبرني والدي محمد بن أبي زيد النقيب الحسني البصري
قال: أخبرني تاج الشرف محمد بن محمد بن أبي الغنايم المعروف بابن
السخطة العلوي الحسيني البصري النقيب، قال: أخبرني الشريف الامام
العالم أبو الحسن علي بن محمد الصوفي العلوي النسابة المشجر المعروف، قال:
حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد البصري، عن أبي الحسين يحيى بن
محمد الحضيني المدني، قال: رأيته بالمدينة سنة ثمانين وثلاثمائة، عن أبيه
عن أبي علي بن همام رضي الله عنه عن جعفر بن محمد الضراري، عن
عمران بن معافي، عن صفوان بن يحبى، عن عاصم بن حميد، عن
أبي بصير، عن محمد بن علي الباقر عليهما السلام، أنه قال: مات
أبو طالب بن عبد المطلب مسلما مؤمنا، وشعره في ديوانه يدل على إيمانه
ثم محبته وتربيته ونصرته ومعاداة أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وموالاة أوليائه، وتصديقه إياه فيما جاء به من ربه، وأمره لولديه
علي وجعفر عليهما السلام بأن يسلما ويؤمنا بما يدعو إليه. وأنه خير
الخلق، وأنه يدعو إلى الحق والمنهاج المستقيم، وأنه رسول رب العالمين
فثبت ذلك في قلوبهما، فحين دعاهما رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أجاباه في الحال، وما تلبثا لما قد قرره أبوهما عندهما من أمره
فكانا يتأملان أفعال رسول الله صلى الله عليه وآله فيجدانها كلها
حسنة تدعو إلى سداد ورشاد.
(قال المؤلف) تقدمت مضامين الحديث الأول والحديث الثاني
191

في أحاديث مروية من كتب علماء أهل السنة، فمن راجع ما جمعناه من حياة
أبي طالب عليه السلام ثبت له ما بيناه:
(وقال) السيد شمس الدين في كتاب (الحجة ص 28) بعد ختم
الحديث الثاني ما هذا نصه (وحسبك) ان كنت منصفا منه هذا أن يسمح
بمثل علي وجعفر ولديه وكانا من قلبه بالمنزلة المعروفة المشهورة لما يأخذان
به أنفسهما من الطاعة له والشجاعة وقلة النظير لهما ان يطيعا رسول الله
صلى الله عليه وآله فيما يدعوهما إليه من دين وجهاد وبذل أنفسهما
ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، من غبر حاجة إليه لا في مال
ولا في جاه ولا غيره، لان عشيرته أعداؤه والمال فليس له مال. فلم
يبق إلا الرغبة فيما جاء به من ربه، فهذا الحديث مروي عن الامام أبي
جعفر عليه السلام فلقد بين حال أبي طالب فيه أحسن تبيين ونبه على
إيمانه أجل تنبيه، ولقد كان هذا الحديث وحده كافيا في معرفة إيمان
أبي طالب عليه السلام اسكنه الله جنته ومنحه رحمته، لمن كان منصفا لبيبا عاقلا أديبا.
(الحديث الثالث)
في روضة الواعظين (ص 121) خرج بسنده عن الإمام الصادق
عليه السلام أنه قال: لما حضر أبو طالب (عليه السلام) الوفاة جمع
وجوه قريش وأوصاهم فقال: يا معشر قريش، أنتم صفوة الله من
خلقه، وقلب العرب، وأنتم خزنة الله في ارضه، وأهل حرمه، فيكم
السيد المطاع، الطويل الذراع، وفيكم المقدم الشجاع، والواسع الباع
إعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المفاخر نصيبا إلا حزتموه، ولا شرفا
إلا أدركتموه، فلكم على الناس بذلك الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة
والناس لكم حرب على حربكم إلب، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية
192

فان فيها مرضاة للرب، وقواما للمعاش، وثباتا للوطأة، صلوا أرحامكم
ولا تقطعوها، فان صلة الرحم منسأة في الاجل (إلى آخر الحديث)
وقد تقدم ذلك نقلا من السيرة الحلبية (ج 1 ص 383) وفيه اختلاف
لما روي في كتاب الحجة، وفيه زيادات مهمة، وخرج الحديث المجلسي
رحمه الله في البحار (ج 9 ص 23 طبع 1) و (ج 35 ص 106 طبع 2)
وخرجه في تاريخ الخميس (ج 1 ص 339) واختصره، وفي ألفاظه
اختلاف يسير مع ما في السيرة الحلبية، وهذا نصه:
في المواهب اللدنية: حكى عن هشام بن السائب الكلبي أو ابنه
أنه قال: لما حضرت: أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم
فقال: يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه (إلى أن قال): وإني
أوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمين في قريش، والصديق في العرب، وهو
الجامع لكل ما أوصيكم به، وقد جاء بأمر قبله الجنان، وانكره اللسان
مخافة الشنآن، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب، وأهل الوبر
والأطراف، والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته، وصدقوا كلمته
وأعظموا أمره، فخاص بهم غمرات الموت، وصارت رؤساء قريش
وصناديدها أذنابا، ودورها خرابا، وضعفاؤها أربابا، وإن أعظمهم عليه
أحوجهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها
وأصفت له فؤادها، وأعطته قيادها، يا معشر قريش كونوا له ولاة، ولحزبه
حماة، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه
إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة، ولأجلي تأخير، لكففت عنه الهزاهز
ولدفعت عنه الدواهي (ثم توفي عليه السلام).
(قال المؤلف) الحديث الذي خرجه في البحار يقرب من الحديث
الذي خرجه الكلي، وفيه زيادات نافعة مهمة (ثم قال المجلسي رحمه الله)
193

وروى بعض أرباب السير المعتبرة مثله (ثم قال): وفي لفظ آخر لما
حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من
محمد، وما اتبعتم أمره، فأطيعوه ترشدوا.
(قال المؤلف) أراد المجلسي رحمه الله بأرباب السير الحلبي
وأمثاله حيث خرجوا الحديثين المفصل والمختصر وقد تقدم لفظاهما فلا نحتاج
إلى تكرار ذكره، وقد خرج الحديث الثالث الآلوسي في بلوغ الإرب
(ج 1 ص 327) والدحلاني في السيرة النبوية المطبوع بهامش السيرة
الحلبية (ج 1 ص 99) وخرجه زيني دحلان أيضا في كتابه الآخر أسنى
المطالب (ص 5 طبع مصر) و (ص 7) طبع إيران مع الاختصار
للحديث.
(قال المؤلف): إن في هذه الوصية اعترافا بنبوة سيد الأنبياء
من عمه والد سيد الأوصياء، وفيه إخبار عن أمور غيبية عرفها شيخ
الأبطح عليه السلام من قول الأحبار والرهبان الذين رآهم قبل البعثة
لابن أخيه صلى الله عليه وآله وبشروا برسالة ابن أخيه، وأما
قوله عليه السلام " أنكره اللسان " فقد كان ذلك في الظاهر فلم يعلن
بما أعلن به أخوه حمزة وولداه جعفر وأمير المؤمنين علي عليهم السلام
وأما في الباطن فقد أتى بالشهادتين بأمر من الرسول الأكرم، وقبل
أن تنعقد نطفة أمير المؤمنين عليه السلام وذلك حين طلب من فاطمة
بنت أسد التمر الذي اخذته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت
له تكلم بالشهادتين حتى أعطيك ذلك، فتكلم عليه السلام بالشهادتين
فأعطته ذلك فاكل، ثم اجتمع معها فانعقدت في تلك الليلة نطفة سيد
الأوصياء وإمام الأتقياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام
وقد تقدم الحديث مفصلا نقلا من كبار علماء أهل السنة، هذا، وقد تكلم
194

بالشهادتين أيضا في خطبه وأشعاره مرارا عديدة، وقد تقدم جميع ذلك
(ومنها) ما تكلم به في آخر حياته وعند وفاته وذلك لما طلب منه النبي
صلى الله عليه وآله وسلم الاتيان بالشهادتين للفوز بالمقامات العالية
لا للدخول في الاسلام كما تخيله بعض الجاهلين بأحوال سيد قريش وأول
مؤمن منها بعد عبد المطلب عليهما السلام، وقد تقدم تفصيل ذلك أيضا
وذكرنا القائلين به.
(وقال) العلامة الحجة شيخنا الأميني دام الله بقاه في كتاب (الغدير)
ج 7 ص 367) بعد ذكره الوصية برواية جمع من علماء أهل السنة في
سبب عدم إظهاره عليه السلام التكلم بالشهادتين كما أظهره أخوه حمزة
وولداه عليهم السلام ما هذا نصه:
في هذه الوصية الطافحة بالايمان والرشاد دلالة واضحة على أنه
عليه السلام إنما أرجأ تصديقه باللسان إلى هذه الآونة التي يئس فيها
عن الحياة حذار شنان قومه المستتبع لانثيالهم عنه، المؤدي إلى ضعف
المنة وتفكك القوى. فلا يتسنى له حينئذ. الذب عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، وإن كان الايمان به مستقرا في الجنان من أول بومه
(كما أشرنا إليه) لكنه (عليه السلام) لما شعر بأزوف الاجل، وفوات
الغاية المذكورة، أبدى ما أجنته أضلاعه فأوصى بالنبي صلى الله عليه
وآله وسلم بوصيته الخالدة.
(الحديث الرابع)
(وصية أخرى) من مؤمن قريش وشيخ الأبطح ورئيسها المطاع
أبي طالب عليه السلام خرجها جمع كثير من علماء أهل السنة (منهم)
ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج 1 ص 123) وجلال الدين السيوطي
195

في الخصائص (ج 1 ص 87) وسبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة الخواص
(ص 10) وزيني دحلان في كتابيه السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية (ج 1 ص 99)
وأسنى المطالب (ص 8 ط 1 وص 10 طبع مصر) والحلبي الشافعي في
السيرة الحلبية (ج 1 ص 383) وفي تاريخ الخميس (ج 1 ص 339)
والعلامة ابن شهرآشوب في المناقب (ج 1 ص 43 طبع 2) وألفاظ الجميع
تختلف في بعض الألفاظ، وأما لفظ ابن شهرآشوب فهذا نصه
قال: اخرج مقاتل بسنده وقال: لما رأت قريش يعلوا أمره قالوا
لا نرى محمدا يزداد إلا كبرا وتكبرا، وإن هو إلا ساحر أو مجنون
وتوعدوه، وتعاقدوا لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل قريش كلها على
قتله، وبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم، وأحلافهم من قريش فوصاهم
برسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وقال إن ابن أخي كما يقول
وأخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا أن محمدا نبي صادق، وأمين ناطق، وأن
شأنه لعظيم، ومكانه من ربه أعلى مكان، فأجيبوا دعوته، واجتمعوا
على نصرته، وراموا عدوه من وراء حوزته، فإنه الشرف الباقي لكم
الدهر، وأنشأ يقول:
أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وعمي الخير عباسا
إلى آخر الأبيات المتقدمة، وأما لفظ زيني دحلان في أسنى المطالب
(ص 7 ص 8 طبع 2) قال: وقد أوصى قريشا باتباعه وقال: والله
لكأني به وقد غلب ودانت له العرب والعجم، فلا يسبقنكم إليه سائر
العرب، فيكونوا أسعد به منكم (قال): وهذه الوصية تكررت منه
مرارا تارة يوصي بها بني هاشم، وتارة يوصي بها كافة قريش (ثم ذكر
الحديث الأول) ثم قال: وقال لهم مرة: لن تزالوا بخير ما سمعتم من
محمد، وما اتبعتم أمره، فأطيعوه ترشدوا، وأما لفظ سبط ابن الجوزي
196

الحنفي في (تذكرة خواص الأمة (ص 10) فقد قال: قال ابن سعد:
حدثنا الواقدي، قال: دعا أبو طالب قريشا عند موته فقال: لن تزالوا
بخير ما سمعتم من محمد ابن أخي، وما اتبعتم أمره، فاتبعوه وأعينوه
ترشدوا.
وأما لفظ جلال الدين السيوطي الشافعي في الخصائص (ج 1 ص 87)
فقال: أخرج ابن سعد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري أن أبا طالب
لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من
محمد، وما اتبعتم أمره، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا.
وأما لفظ الحلبي في سيرته فقال: بعد ذكره الوصية السابقة الطويلة:
وفي لفظ آخر أنه لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال لن تزالوا
بخير ما سمعتم من محمد، وما اتبعتم أمره فأطيعوه ترشدوا.
وأما لفظ زيني دحلان في السيرة النبوية المطبوع بهامش السيرة
الحلبية (ج 1 ص 99) قال: وفي رواية أن أبا طالب قال عند موته:
يا معشر بني هاشم أطيعوا محمدا وصدقوه تفلحوا وترشدوا.
(قال المؤلف) وخرج زيني دحلان الوصية الأولى المفصلة
بعد هذه الوصية في تلك الصفحة (ص 99) وفي لفظه اختلاف يسير
مع ما تقدم نقله من السيرة الحلبية.
وذكر وصية أخرى بهامش (ص 100) وهذا لفظه، قال: وقال
لهم مرة (أخرى): لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد، وما اتبعتم أمره
فأطيعوه ترشدوا.
(قال المؤلف) خرج العلامة الحجة الأميني هذه الوصية في (الغدير)
ج 7 ص 367) نقلا من كتب عديدة لعلماء أهل السنة ثم قال دام
بقاه: رأى البرزنجي هذا الحديث دليلا على إيمان أبي طالب، ونعما
197

هو قال: قلت: بعيد جدا أن يعرف أن الرشاد في اتباعه ويأمر غيره
بذلك ثم يتركه، ثم ذكر الأميني بيانا جيدا واضحا يقبله من ترك
التعصب وقال ما هذا نصه:
ليس في العقل السليم مساغ للقول يان هذه المواقف كلها لم تنبعث
عن خضوع أبي طالب للدين الحنيف وتصديقه للصادع به صلى الله عليه وآله
وسلم، وإلا فماذا الذي كان يحدوه إلى مخاشنة قريش ومقاساة الأذى منهم
وتعكير الصفو من حياته؟، لا سيما أيام كان هو الصفوة من فئته في
الشعب، فلا حياة هنيئة، ولا عيش رغد، ولا أمن يطمأن به، ولا خطر
مدروء، يتحمل الجفاء والقطيعة والقسوة المؤلمة من قومه، فماذا الذي
أقدمه على هذه كلها؟ وماذا الذي حصره وحبسه في الشعب عدة سنين
تجاه أمر لا يقول بصدقه. ولا يخبت إلى حقيقته؟ لا ها الله، لم يكن
كل ذلك إلا عن إيمان ثابت، وتصديق وتسليم، وإذعان بما جاء به نبي
الاسلام، يظهر ذلك للقارئ المستشف لجزئيات كل من هذه القصص
ولم تكن القرابة والقومية بمفردها تدعوه إلى مقاساة تلكم المشاق، كما لم
تدع أبا لهب أخاه، وهب أن القرابة تدعوه إلى الذب عنه صلى الله
عليه وآله وسلم لكنها لا تدعو إلى المصارحة بتصديقه وأن ما جاء به
حق، وانه (نبي كموسى خط في أول الكتب) وأن من اقتص أثره
فهو المهتدي وأن الضال من أزور عنه وتخلف، إلى أمثال ذلك من
مصارحات قالها بملء فيه، ودعا إليه صلى الله عليه وآله فيها
بأعلى (صوته) وهتافه.
(الحديث الخامس)
ما أخرجه ابن حجر العسقلاني الشافعي في كتابه الإصابة (ج 7
198

ص 116) قال: ذكر ابن سعد عن الواقدي أنه عليه السلام (أي
أبو طالب) مات في نصف شوال (ثم قال): وقد وقعت لنا رواية
أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وآله فيما أخرجه الخطيب في
كتاب رواية الآباء عن الأبناء، من طريق أحمد بن الحسن المعروف بدبيس
حدثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم العلوي، حدثني عم أبي الحسين بن محمد
عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن الحسين
ابن علي، عن علي، قال: سمعت أبا طالب يقول: حدثني محمد ابن
أخي وكان والله صدوقا قال: قلت له: بما بعثت يا محمد؟ قال:
بصلة الأرحام، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.
(قال المؤلف): خرج زيني دحلان في أسنى المطالب (ج 9)
الحديث قال: وقد روى أبو طالب أحاديث عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وكلمات تدل على إيمانه، وامتلاء قلبه من التوحيد، فمن
ذلك ما رواه الخطيب البغدادي باسناده إلى جعفر الصادق، عن أبيه
محمد الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي بن
أبي طالب، قال: سمعت أبا طالب يقول: حدثني محمد ابن أخي وكان
والله صدوقا قال: فلت له: بم بعثت يا محمد؟ قال: بصلة الأرحام
وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.
(قال زيني دحلان): والمراد من الصلاة ركعتان قبل طلوع الشمس
وركعتان قبل غروبها، كانتا في أول الاسلام، أو المراد صلاة التهجد
فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعله من أول بعثته، ولا يصح
حمل الصلاة على الصلوات الخمس، لأنها إنما فرضت ليلة الاسراء، وكان
ذلك بعد موت أبي طالب بنحو سنة ونصف، وكان موت أبي طالب في
النصف من شوال في السنة العاشرة من البعثة. وعمره (عليه السلام)
199

بضع وثمانون سنة، والمراد من الزكاة مطلق الصدقة وإكرام الضيف
ونحو ذلك من الصدقات المالية، ومثل هذه الأشياء كان أبو طالب أسها
ومعدنها، وليس المراد الزكاة الشرعية المعروفة، ولا زكاة الفطرة، لان
ذلك إنما فرض بعد الهجرة في المدينة، وكل ذلك كان بعد موت أبي طالب
(عليه السلام).
(قال المؤلف) وخرج زيني دحلان أيضا حديثا آخر رواه
أبو طالب عن النبي صلى الله عليه وآله و (قال): أخرج
الخطيب أيضا بسنده إلى أبي رافع مولى أم هاني بنت أبي طالب، أنه
سمع أبا طالب يقول: حدثني محمد ابن أخي: أن الله أمره بصلة الأرحام
وأن يعبد الله لا يعبد معه أحدا، قال: ومحمد عندي الصدوق الأمين.
(وفيه أيضا) قال (أبو طالب) أيضا: سمعت ابن أخي يقول:
أشكر ترزق، ولا تكفر تعذب، وفي ذيل أسنى المطالب (ص 10)
قال: روى الشيخ إبراهيم الحنبلي في نهاية الطلب (بسنده) عن عروة
الثقفي قال: سمعت أبا طالب رضي الله عنه يقول: حدثني ابن أخي
الصادق الأمين وكان والله صدوقا أن ربه أرسله بصلة الأرحام
وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وكان يقول: أشكر ترزق، ولا تكفر
تعذب.
(قال المؤلف) خرج السيد شمس الدين فخار بن معد الموسوي
رحمه الله في كتابه (الحجة على الذاهب) أحاديث عديدة رواها
أبو طالب عليه السلام عن ابن أخيه صلى الله عليه وآله وألفاظها
تقرب تلك الأحاديث، واليك نصها بحذف السند.
(الحديث الأول في ص 26) بسنده عن إسحاق بن عيسى بن علي
ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، قال: سمعت أبي يقول: سمعت
200

المهاجر مولى بني نوفل اليماني يقول: سمعت أبا رافع يقول: سمعت
أبا طالب بن عبد المطلب يقول: حدثني محمد، أن ربه بعثه بصلة الأرحام
وأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه غيره، ومحمد عندي الصادق الأمين.
(الحديث الثاني) بسنده عن محمد بن عباد، عن إسحاق بن عيسى
عن مهاجر مولى بني نوفل، قال: سمعت أبا رافع يقول: حدثني محمد
أن الله أمره بصلة الأرحام، وأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه غيره
ومحمد عندي الصدوق الأمين.
(الحديث الثالث) بسنده عن أبي الفرج الأصفهاني، قال: حدثني
أبو بشر أحمد بن إبراهيم، عن هارون بن عيسى الهاشمي، عن جعفر بن
عبد الواحد الهاشمي قاضي قضاة البصرة بالثغر عن العباس بن الفضل الهاشمي
عن إسحاق بن عيسى الهاشمي، عن أبيه، قال سمعت المهاجر مولى بني نوفل
يقول: سمعت أبا رافع يقول: سمعت أبا طالب يقول: حدثني محمد
ابن عبد الله أن ربه بعثه بصلة الأرحام، وأن يعبد الله وحده لا شريك له
لا يعبد سواه، ومحمد الصدوق الأمين.
(قال المؤلف) خرج الحديث في الإصابة (ج 7 ص 113) عن
مهاجر مولى بني نفيل، ولفظه يساوي لفظ السيد فخار إلا في كلمة قال:
وأن يعبد الله وحده لا يعبد معه غيره، ومحمد الصدوق الأمين.
(قال المؤلف) خرج العسقلاني في الإصابة (ج 7 ص 116)
حديث محمد بن عباد المتقدم ولفظه يساوي لفظ السيد في كتاب الحجة إلا في
كلمة واحدة، وهذا نصه، قال: حدثني محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) إن الله أمره بصلة الأرحام، وأن يعبد الله وحده لا يعبد معه أحد
ومحمد عندي الصدوق الأمين.
وخرج ابن أبي الحديد في الشرح (ج 14 ص 69 ط 2) ما خرجه
201

السيد في (الحجة على الذاهب) وقال ما هذا نصه:
يروي قوم من الزيدية أن أبا طالب أسند المحدثون عنه حديثا ينتهي
إلى أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: سمعت
أبا طالب يقول بمكة: حدثني محمد بن أخي أن ربه بعثه بصلة الأرحام
وأن يعبده وحده لا يعبد معه غيره، ومحمد عندي الصادق الأمين.
(الحديث السادس)
في كتاب (الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص 24) قال:
أخبرني الصالح النقيب أبو منصور الحسن ابن معية العلوي الحسني رحمه الله
قال: أخبرني الشيخ الفقيه أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد الدوريستي
عن أبيه، عن جده، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن
موسى بن بابويه القمي، عن أبيه، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله
الرقي، عن خلف بن حماد الأسدي، عن أبي الحسن العبدي، عن الأعمش
عن عباية بن ربعي، عن عبد الله بن عباس، عن أبيه قال: قال أبو طالب
للنبي صلى الله عليه وآله بمحضر من قريش ليريهم فضله:
يا بن أخي الله أرسلك؟ قال: نعم قال: إن للأنبياء معجزا وخرق
عادة فأرنا آية، قال: أدع تلك الشجرة وقل لها يقول لك محمد بن
عبد الله: أقبلي بإذن الله، فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه، ثم
أمرها بالانصراف فانصرفت، فقال أبو طالب: أشهد أنك صادق، ثم
قال لابنه علي عليه السلام: يا بني إلزم ابن عمك.
(قال المؤلف) تقدم عند ذكرنا لاشعار أبي طالب الدالة على قوة
إيمانه عليه السلام بيت من شعره عليه السلام فيه وصيته لولده
عليه السلام بلزوم طريقة محمد صلى الله عليه وآله ذكره
202

ابن شهرآشوب في المناقب، وابن أبي الحديد في الشرح (ج 14 ص 75
ط 2) وهذا لفظه مع المقدمة:
قال: قالوا: وروي عن علي عليه السلام أنه قال: قال لي
أبي: يا بني إلزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل، ثم
قال شعرا:
إن الوثيقة في لزوم محمد * فاشدد بصحبته علي يديكا
(الحديث السابع)
أخرج العلامة شيخنا الفتال في روضة الواعظين (ص 121) وجمع
كثير من علماء أهل السنة والامامية عليهم الرحمة بأسانيد مختلفة عن
النبي صلى الله عليه وآله وعن أهل البيت عليهم السلام
ومنهم الإمام الصادق عليه السلام، قال: نزل جبرئيل عليه السلام
على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا محمد إن ربك يقرئك
السلام، ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك
وحجر كفلك، فالصلب صلب أبيه عبد الله بن عبد المطلب، والبطن
الذي حملك (بطن) آمنة بنت وهب، وأما حجر كفلك فحجر أبي
طالب (وفي رواية زاد) وفاطمة بنت أسد.
وخرج ذلك الكليني في أصول الكافي (ص 242)، وأبو الفتوح الرازي
في تفسيره (ج 4 ص 21) ولفظه يختلف مع ما تقدم، وهذا نصه:
إن الله عز وجل حرم على النار صلبا أنزلك، وبطنا حملك، وثديا أرضعك
وحجرا كفلك.
وخرج ذلك السيد في (الحجة) ص 8 ص 9) بسندين قال:
أخبرني الشيخ أبو عبد الله رحمه الله بهذا الاسناد إلى الشيخ أبي جعفر
203

محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله عن رجاله يرفعونه إلى إدريس وعلي
ابن أسباط جميعا، قالا: إن أبا عبد الله عليه السلام قال: أوحى الله
تعالى إلى النبي صلى الله عليه وآله: إني حرمت النار على صلب
أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك، وأهل بيت آواك، فعبد الله بن
عبد المطلب الصلب الذي أنزله، والبطن الذي حمله آمنة بنت وهب
والحجر الذي كفله فاطمة بنت أسد، واما أهل البيت الذي آواه فأبو طالب:
(والحديث الثاني) بسند آخر عن عبد الرحمن بن كثير، قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نزل جبرئيل على رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد إن الله تعالى يقرئك السلام
ويقول لك: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك، وعلى بطن حملك
وحجر كفلك، فقال: يا جبرئيل من تقول ذلك؟ فقال: أما الصلب
الذي أنزلك فصلب عبد الله بن عبد المطلب، وأما البطن الذي حملك
فآمنة بنت وهب، وأما الحجر الذي كفلك فعبد مناف بن عبد المطلب
وفاطمة بنت أسد، وعبد مناف بن عبد المطلب هو
أبو طالب (رضي الله عنه (قال السيد): فكيف يحرم الله النار على
هؤلاء المذكورين وهم به مشركون، وبوحدانيته كافرون، والله تعالى
يقول: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)
فتأمل هداك الله هذه الأخبار فإنها دالة على أن القوم لله تعالى عارفون
وبوحدانيته مؤمنون.
(قال المؤلف) تقدم نقل أحاديث بمضمون الحديث الذي خرجه
الفتال وغيره من كتب علماء أهل السنة (منهم) ابن أبي الحديد في الشرح
(ج 3 ص 311 ط 1) و (ج 14 ص 67 ط 2) قال: فاما الذين زعموا
أنه (عليه السلام) كان مسلما فقد رووا وأسندوا خيرا إلى أمير المؤمنين
204

عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال
لي جبرئيل: إن الله مشفعك في ستة بطن حملتك آمنة بنت وهب، وصلب
أنزلك عبد الله بن عبد المطلب، وحجر كفلك أبي طالب، وبيت آواك
عبد المطب، وأخ كان لك في الجاهلية، قيل: يا رسول الله وما كان
فعله؟ قال: كان سخيا يطعم الطعام ويجود بالنوال، وثدي أرضعتك
حليمة بنت أبي ذؤيب.
وخرج السيوطي في كتابه (التعظيم والمنة (ص 25) الحديث المتقدم
بروايته عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: أخرج
ابن الجوزي باسناده عن علي عليه السلام مرفوعا انه (قال) هبط جبرئيل
عليه السلام علي فقال: إن الله يقرئك السلام ويقول: حرمت النار
على صلب أنزلك، وبطن حملك وحجر كفلك، أما الصلب فعبد الله
وأما البطن فآمنة، فاما الحجر فعمه يعني أبا طالب وفاطمة بنت أسد.
(الحديث الثامن)
في أصول الكافي (ص 244) للكليني عليه الرحمة خرج بسنده
عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن مثل أبي طالب مثل
أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين
وإن أبا طالب أسر الايمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين.
(قال المؤلف) تقدمت الرواية عن عبد الله جعفر بن محمد عليهما
السلام برواية ابن أبي الحديد في الشرح (ج 3 ص 312 طبع 1 و ج 14
ص 7 الطبع الثاني) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
إن أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم
مرتين، وإن أبا طالب أسر الايمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين.
205

وخرج السيد شمس الدين فخار في كتاب (الحجة) ص 17 ط 1)
الحديث مسندا بسند متصل، عن علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن
ابن كثير قال: قلت لأبي عبد الله (الصدق) عليه السلام: إن الناس
يزعمون أن أبا طالب في ضحضاح من نار، فقال كذبوا ما بهذا نزل جبرئيل
على النبي صلى الله عليه وآله قلت: وبما نزل؟ قال: أتى
جبرئيل في بضع ما كان عليه فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام
ويقول لك: إن أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله
أجرهم مرتين، وإن أبا طالب أسر الايمان وأظهروا الشرك فآتاه الله أجره
مرتين، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله بالجنة (ثم قال):
كيف يصفونه بهذا الملاعين وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب، قال:
يا محمد أخرج من مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب.
(قال المؤلف): خرج ابن أبي الحديد الشافعي قول الإمام الصادق
عليه السلام: " وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب " بلفظ آخر
وقال ما هذا نصه:
" وفي الحديث المشهور أن جبرئيل عليه السلام قال له (أي للنبي
صلى الله عليه وآله) ليلة مات أبو طالب: أخرج منها (أي من
مكة) فقد مات ناصرك.
(الحديث التاسع)
خرج السيد شمس الدين فخار أيضا في كتاب (الحجة) ص 24)
بأسانيدهم عن أبي علي الموضح قال: تواترت الاخبار بهذه الرواية وبغيرها
عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمنا؟
فقال عليه السلام: نعم، فقيل له: إن هاهنا قوما يزعمون أنه كافر
206

فقال عليه السلام: واعجبا كل العجب أيطعنون على أبي طالب أو على
رسول الله صلى الله عليه وآله وقد نهاه الله أن يقر مؤمنة مع
كافر في غير آية من القرآن؟ ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد
رضي الله عنهما من المؤمنات السابقات فإنها لم تزل تحت أبي طالب
حتى مات أبو طالب رضي الله عنه.
(قال المؤلف) تقدم الكلام في أحوال فاطمة بنت أسد عليها السلام
وقد خرج ابن أبي الحديد الشافعي وغيره في (ج 14 ص 69) من الشرح
ان علي بن الحسين عليهما السلام سئل عن هذا (أي عن إيمان أبي طالب
عليه السلام) فقال: واعجبا إن الله تعالى نهى رسول الله أن يقر مسلمة
على نكاح كافر، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الاسلام
ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات.
(الحديث العاشر)
قال السيد فخار أيضا في كتاب (الحجة على الذاهب في تكفير
أبي طالب ص 15) بسنده عن الشيخ أبي الفتح الكراجكي رحمه الله
قال: حدثنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن
شاذان القمي رضي الله عنه قال: حدثنا جعفر بن محمد العلوي
قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن زياد، قال:
حدثنا مفضل بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين
عن أبيه أمير المؤمنين علي عليهم السلام، انه كان جالسا في الرحبة والناس
حوله، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله
وأبوك معذب في النار، فقال (عليه السلام): مه فض الله فاك، والذي
بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق نبيا لو شفع أبي في كل
207

مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم، أبي يعذب في النار وابنه قسيم
الجنة والنار؟ والذي بعث محمدا بالحق إن نور أبي طالب ليطفئ أنوار
الخلائق إلا خمسة أنوار، نور محمد ونور فاطمة ونور الحسن ونور الحسين
ونور ولده من الأئمة، ألا إن نوره من نورنا خلقه الله من قبل خلق
آدم بألفي عام.
(قال المؤلف): إن مولى المتقين وسيد الأوصياء أجمعين لم يذكر
نوره احتراما لمقام أبيه عليهما السلام، وسيجئ الكلام في إثبات أنه عليه
السلام قسيم الجنة والنار في الجزء الثالث من كتابنا هذا نقلا من كتب
علماء أهل السنة بطرق عديدة، فانتظره.
(الحديث الحادي عشر)
(وفيه أيضا ص 19) أخرج باسناده عن الكراجكي، قال: اخبرني
شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي المعروف بابن الواسطي
قال: أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثني أبو
علي بن همام، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد القمي الأشعري، قال:
منجح الخادم مولى بعض الطاهرية بطوس، قال: حدثني أبان بن محمد
قال: كتبت إلى الإمام الرضا علي بن موسى عليهما السلام: جعلت فداك
إني شككت في إيمان أبي طالب (قال) فكتب (عليه السلام): بسم الله
الرحمن الرحيم " ومن يبتغ غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى " إنك إن لم
تقر بايمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار.
(قال المؤلف): أخرج ابن أبي الحديد الشافعي ما أخرجه السيد
فخار رحمه الله وفي لفظه اختلاف في السند والمتن ولم يبين الراوي
وقال ما هذا نصه في (ج 14 ص 68 ط 2): وروي أن رجلا من
208

رجال الشيعة وهو أبان بن محمود كتب إلى علي بن موسى الرضا
عليه السلام، جعلت فداك إني قد شكت في إسلام أبي طالب، فكتب
إليه (الرضا عليه السلام): " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له
الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى " إنك إن لم تقر بايمان أبي
طالب كان مصيرك إلى النار (الآية في سورة النساء).
(قال المؤلف) ذكر ابن دحلان في أسنى المطالب (ص 41
ص 42 ط 3) من أقوال علماء أهل السنة ما يثبت منه أنهم كانوا
قائلين بنجاة أبي طالب عليه السلام وايمانه.
(تصريح بعض علماء أهل السنة بايمان آباء النبي
صلى الله عليه وآله وعمه أبي طالب عليه السلام
وأن بغض أبي طالب كفر)
قال في السيرة الحلبية (روي) عن ابن عباس أنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: يبعث جدي عبد المطلب يوم
القيامة في زي الملوك وأبهة الاشراف (ثم قال) قال البرزنجي ويروى
أن عبد المطلب يعطى نور الأنبياء وجمال الملوك ويبعث أمة واحدة (قال)
لأنه كان على التوحيد، وذلك كمن أخبر عنه النبي صلى الله عليه (وآله)
وسلم من أمثاله كزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل أنه يبعث
أمة واحدة، ومن يبعث أمة واحدة لا يبعد أنه يعطى نور الأنبياء لأنه
مستقل لا تابع، وأما كونه يعطى جمال الملوك فلانه كان سيد قريش في
زمانه، وهو ملحق بالملوك الذين عدلوا وما ظلموا، وهذا له شاهد فيما
209

رواه البيهقي وأبو نعيم عن كعب الأحبار أنه قال: في التوراة في صفة
أمة محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم أنهم في القيامة يعطون نور
الأنبياء (قال) وبالجملة فمن وقف على ما ذكره العلماء في ترجمته علم علما
يقينا أنه كان على التوحيد (أي عبد المطلب) وهكذا بقية آبائه إلى آدم
عليه السلام، (قال): وبهذا يعلم أن قول أبي طالب (عليه السلام):
" هو على ملة عبد المطلب " إشارة إلى أنه على التوحيد ومكارم الأخلاق
(قال): ولو لم يصدر من أبي طالب من الإشارات الدالة على توحيده
إلا قوله: (هو على ملة عبد المطلب " لكان ذلك كافيا (في إثبات
إيمانه وعلو مقامه)، ثم علق على كلام السيد البرزنجي، ومدحه على
حسن استدلاله على إيمان آباء النبي صلى الله عليه وآله وإيمان
أبي طالب عليه السلام، وقال: وبما ذكره البرزنجي يزول الاشكال في
إيمان آباء النبي صلى الله عليه وآله وإيمان عمه أبي طالب عليه
السلام، ويرتفع الجدال، ويحصل بذلك قرة عين النبي صلى الله عليه
وآله وسلم والسلام من الوقوع في تنقيص أبي طالب أو بغضه، فان
ذلك يؤذي النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وقد قال الله تعالى:
" ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا
مهينا " (سورة الأحزاب)، وقال تعالى في سورة التوبة: " والذين
يؤذون رسول الله لهم عذاب اليم ": (ثم قال): وقد ذكر الإمام أحمد
ابن الحسين الموصلي الحنفي: المشهور بابن وحشي في شرحه للكتاب
المسمى (بشهاب الاخبار) للعلامة محمد بن سلامة القضاعي المتوفي سنة 454)
أن بغض أبي طالب كفر، ونص على ذلك أيضا من أئمة المالكية العلامة
علي الأجهوري في فتاويه، والتلمساني: في حاشيته على الشفا (للقاضي
عياض) فقال عند ذكر أبي طالب: لا ينبغي أن يذكر إلا بحماية
210

النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم: لأنه حماه ونصره بقوله وفعله
وفي ذكره بمكروه أذية النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم، ومؤذي
النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم كافر، والكافر يقتل، وقال أبو
الطاهر: من أبغض أبا طالب فهو كافر. (قال):
والحاصل، إن ايذاء - النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كفر يقتل
فاعله إن لم يتب، وعند المالكية يقتل وان تاب، وروى الطبراني والبيهقي
أن ابنة أبي لهب واسمها سبيعة، وقيل درة قدمت المدينة مسلمة مهاجرة
فقيل لها: لا تغني عنك هجرتك، وأنت بنت حطب النار، فتأذت من
ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فاشتد غضبه، ثم
قام على المنبر، فقال: ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي فمن
آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى.
وأخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه (وآله) وسلم قال من آذى شعرة مني فقد آذاني
ومن آذاني فقد أذى الله تعالى (قال) فبغض أبي طالب والتكلم فيه (بما
ينقصه) يؤذي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ويؤذي أولاده
الموجودين في كل عصر، وقد قال صلى الله عليه (وآله) وسلم لا
تؤذي الاحياء بسب الأموات (ثم قال زيني دحلان): ومما يؤيد هذا
التحقيق الذي حققه العلامة البرزنجي في نجاة أبي طالب، أن كثيرا من
العلماء المحققين، وكثيرا من الأولياء العارفين أرباب الكشف (والكرامة)
قالوا بنجاة أبي طالب، منهم القرطبي (الشافعي)، والسبكي، والشعراني
وخلائق كثيرون، وقالوا هذا نعتقده وندين الله به (إن آباء النبي وعمه
أبا طالب صلى الله عليه وآله كانوا مؤمنين مسلمين).
(ثم قال زيني دحلان): فقول هؤلاء الأئمة بنجاة أبي طالب
211

أسلم للعبد عند الله تعالى، لا سيما مع قيام هذه الأدلة: والبراهين على
إيمانه وإسلامه (إنتهى كلام زيني دحلان في أسنى المطالب ص 43 الطبع
الثاني سنة (1382 ه‍).
(الحديث الثاني عشر)
أخرج السيد شمس الدين فخار بن معد المتوفي سنة 630 ه‍ في كتابه
(الحجة ص 24) باسناده عن أبي علي الموضح، قال: أخبرني
أبو الحسن محمد بن الحسن العلوي الحسيني، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى
الجلودي، قال: حدثنا أحمد بن محمد العطار، قال: حدثنا أبو عمر
حفص بن عمر بن الحرث النمري، قال: حدثنا عمر بن أبي زائدة، عن
عبد الله بن أبي الصقر، عن الشعبي، ويرفعه عن أمير المؤمنين علي عليه
السلام قال: كان والله عبد مناف بن عبد المطلب مؤمنا مسلما يكتم
إيمانه مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش، قال أبو علي الموضح:
ولأمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) عليهما السلام) في أبيه أبي طالب
رضي الله عنه يرثيه:
أبا طالب عصمة المستجير * وغيث المحول ونور الظلم
لقد هد فقدك أهل الحفاظ * فصلى عليك ولي النعم
ولقاك ربك رضوانه * فقد كنا للمصطفى خير عم
قال بعد ذكره الأبيات الثلاثة فتأمل فيما ضمنه أمير المؤمنين
عليه السلام أبياته هذه من الدعاء لأبي طالب (عليه السلام) فلو كان
(أبو طالب) مات كافرا لما كان أمير المؤمنين عليه السلام يؤبنه بعد
موته ويدعو له بالرضوان من الله تعالى، بل كان يذمه على قبيح فعله
وسالف كفره، ويفعل به ما فعل إبراهيم عليه السلام (بعمه) حيث
212

حكى الله عنه في قوله: " فلما تبين أنه عدو لله تبرأ منه ".
(قال المؤلف) أخرج قزأغلي سبط ابن الجوزي الحنفي رثاء
أمير المؤمنين عليه السلام لأبيه في كتابه تذكرة خواص الأمة (ص 6) وقال:
إن عليا عليه السلام قال في رثاء أبي طالب (عليه السلام):
أبا طالب عصمة المستجير * وغيث المحول ونور الظلم
لقد هد فقدك أهل الحفاظ * فصلى عليك ولي النعم
ولقاك ربك رضوانه * فقد كنت للطهر من خير عم
(قال المؤلف) وذكر في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب عليهما السلام أبيات للأمير عليه السلام أنشدها في رثاء
أبيه أبي طالب - عليه السلام وهذا نصها:
أرقت لنوح آخر الليل غردا * يذكرني شجوا عظيما مجددا
أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى * وذا الحلم لا خلفا ولم يك قعددا
أخا الملك خلى ثلمة سيسدها * بنو هاشم أو يستباح فيهمدا
فأمست قريش يفرحون بفقده * ولست أرى حيا لشئ مخلدا
أرادت أمورا زينتها حلومهم * ستوردهم يوما من الغي موردا
يرجون تكذيب النبي وقتله * وأن يفتروا بهتا عليه ويجحدا
كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم * صدور العوالي والصفيح المهندا
ويبدأ منا منظر ذو كريهة * إذا ما تسربلنا الحديد المسردا
فاما تبيدونا وإما نبيدكم * وإما تروا سلم العشيرة أرشدا
وإلا فان الحي دون محمد * بنو هاشم خير البرية محتدا
وإن له فيكم من الله ناصرا * ولست بلاق صاحب الله أوحدا
نبي أتى من كل وحي بخطة * فسماه ربي في الكتاب محمدا
213

أغر كضوء البدر صورة وجهه * جلا الغيم عنه ضوؤه فتوقدا
أمين على ما استودع الله قلبه * وإن كان قولا كان فيه مسددا
(إنتهى ما في الديوان) وعددها أربعة عشر بيتا، وخرجها ابن أبي
الحديد الشافعي وعددها ثمانية أبيات كما ذكره العلامة الحجة الأميني دام
بقاه في كتاب الغدير (ج 7 ص 379 الطبع الثاني) وفي ألفاظه اختلاف يسير مع
ما في الديوان، وقد خرجها (في تذكرة خواص الأمة) ص 6 طبع
إيران) وعدد الأبيات فيها ثمانية مع اختلاف في بعض ألفاظ الأبيات
وهذا نصه:
أرقت لطير آخر الليل غردا * يذكرني شجوا عظيما مجددا
أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى * جوادا إذا ما أصدر الامر أوردا
فأمست قريش يفرحون بموته * ولست أرى حيا يكون مخلدا
أرادوا أمورا زينتها حلومهم * سنوردهم يوما من الغي موردا
يرجون تكذيب النبي وقتله * وإن يفترى قدما عليه ويجحدا
كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم * صدور العوالي والحسام المهندا
فاما تبيدونا وإما نبيدكم * وإما تروا سلم العشيرة أرشدا
وإلا فان الحي دون محمد * بني هاشم خير البرية محتدا
إلى هنا تنتهي الأبيات عند سبط ابن الجوزي، والابيات ناقصة:
(الحديث الثالث عشر)
في تفسير أبي الفتوح (ج 4 ص 210) وتفسير البرهان (ج 3 ص 795)
وإكمال الدين (ص 104) للشيخ الصدوق خرجوا بأسانيدهم عن سيد الأوصياء
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام أنه قال: والله ما عبد
214

أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط، قيل له:
فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم
عليه السلام متمسكين به.
(الحديث الرابع عشر)
خرج السيد شمس الدين في (كتاب الحجة على الذاهب (ص 106) بسنده
عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليا عليه السلام يقول:
مر رسول الله صلى الله عليه وآله بنفر من قريش وقد نحروا جزورا
وكانوا يسمونها الفهيرة ويذبحونها على النصب، فلم يسلم عليهم (لأنهم
كانوا على المعصية) فلما انتهى إلى دار الندوة قالوا: يمر بنا يتيم أبي طالب
فلا يسلم علينا، فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه؟ فقال عبد الله بن الزبعري
السهمي: أنا أفعل، فاخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وهو ساجد فملا به ثيابه ومظاهره، فانصرف النبي
صلى الله عليه وآله حتى أتى عمه أبا طالب فقال: يا عم من
انا؟ فقال ولم يا بن أخي؟ فقص عليه القصة، فقال: وأين تركتهم؟
فقال: بالأبطح، فنادى في قومه: يا آل عبد المطلب يا آل هاشم
يا آل عبد مناف، فاقبلوا إليه من كل مكان ملبين، فقال: كم أنتم؟
قالوا: نحن أربعون، قال: خذوا سلاحكم، فاخذوا سلاحهم، وانطلق
بهم حتى انتهى إلى أولئك النفر فلما رأوه أرادوا أن يتفرقوا، فقال لهم:
: ورب هذه البنية لا يفرن منكم أحد إلا جللته بالسيف، ثم أتى إلى
صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلاثة أفهار، ثم
قال: يا محمد سألتني من أنت؟ ثم أنشأ يقول: ويومئ إلى النبي
صلى الله عليه وآله الأبيات المتقدمة ومنها:
215

أنت النبي محمد * قرم أغر مسود
وقد تقدمت الأبيات، وعددها اثنا عشر بيتا نقلا من شرح ابن
أبي الحديد الشافعي ومن غيره، ثم قال: يا محمد أيهم الفاعل بك (ذلك)؟
فأشار النبي صلى الله عليه وآله إلى عبد الله بن الزبعري السهمي
الشاعر، فدعاه أبو طالب فرجأ أنفه حتى أدماها، ثم أمر بالفرث والدم
فأمر على رؤس الملا كلهم، ثم قال: يا بن أخي أرضيت؟ ثم قال:
سألتني من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله، ثم نسبه إلى آدم عليه السلام
ثم قال: أنت والله أشرفهم حسبا، وأرفعهم منصبا، يا معشر قريش
من شاء منكم يتحرك فليفعل، انا الذي تعرفوني.
(قال المؤلف): خرج القضية القرطبي في تفسيره (ج 6 ص 40)
مع اختلاف واختصار وقد تقدم لفظه.
(إلى هنا) إنتهى الجزء الثاني من الكتاب والحمد لله وصلى الله
على محمد وآله الأطائب الأطهار والمنتجبين الأخيار
الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا
ويليه الجزء الثالث في أحوال الامام
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام
216

مصادر كتاب
أبي طالب حامي الرسول وناصره
انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون لعلي بن إبراهيم الحلبي المتوفي
سنة 1044 ه‍
أسنى المطالب في نجاة أبي طالب عليه السلام للشيخ نور الدين بن
دحلان الشافعي المتوفي سنة 1304 ه‍
أسد الغابة في معرفة الصحابة للشيخ عز الدين ابن الأثير الشافعي المتوفي
سنة 630 ه‍
ايمان أبي طالب للشيخ المفيد المتوفي سنة 431 ه‍
أعيان الشيعة للعلامة الحجة الأمين العاملي قدس سره
أمالي الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المتوفي سنة 381 ه‍
أبو طالب مؤمن قريش للعلامة المعاصر الخنيزي دام بقاه
الأوائل للعسكري
الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر المتوفي سنة 463
أرجح المطالب للشيخ عبيد الله الحنفي المتوفي سنة 1961 م
الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852 ه‍
بلوغ الإرب للآلوسي البغدادي المتوفي سنة 1324 ه‍
البداية والنهاية لابن كثير المتوفي سنة 774 ه‍
بحار الأنوار للعلامة الحجة خالنا المجلسي عليه الرحمة المتوفي سنة 1111
جامع الترمذي المتوفي سنة 279 ه‍
217

ديوان أبي طالب عليه السلام طبع بمبئي سنة 1326 ه‍ غير الدواوين
المعروفة
ديوان أبي طالب عليه السلام جمع أبي هفان
ديوان آخر لأبي طالب عليه السلام
هاشم وأمية
الحماسة لابن الشجري
الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب عليه السلام للعلامة السيد
فخار بن معد الموسوي
طلبة الطالب
طبقات ابن سعد المتوفي سنة 230
ينابيع المودة للشيخ سليمان القندوزي الحنفي المتوفي سنة 1293 ه‍
كامل المبرد
كفاية الطالب لمحمد بن يوسف الكنجي الشافعي المتوفي سنة 658 ه‍
الكشف والبيان وهو تفسير الثعلبي أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري
المتوفي سنة 437 ه‍
كتاب الدرجات لمحفوظ البستي.
مودة القربى للسيد على الهمداني شهاب الدين الشافعي المتوفي سنة 786 ه‍
مقتل الحسين عليه السلام لموفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي المتوفي
سنة 588 ه‍
مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام للخوارزمي أيضا
المتوفي سنة 588 ه‍
المحاضرات للشيخ علاء الدين السبكي الحنفي
مسند اليزار
218

المواهب اللدنية لشهاب الدين القسطلاني
متشابه القرآن للعلامة ابن شهرآشوب المتوفي سنة 588 ه‍
معجم الأدباء للحموي
معجم القبور للعلامة الحجة السيد محمد مهدي الأصبهاني المعاصر
مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري الشافعي المتوفي سنة 405 ه‍
ميزان الاعتدال للذهبي الشافعي المتوفي سنة 748 ه‍
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للشيخ نور الدين الشافعي المتوفي سنة 807 ه‍
ملاحم أحمد بن جعفر المناوي
نهج البلاغة
نهاية الطلب وغاية السؤول في مناقب آل الرسول لإبراهيم بن علي
الدينوري الحنيلي
ناسخ التواريخ
سيرة ابن هشام الحميري المتوفي سنة 213 ه‍
السيرة النبوية لزيني دحلان الشافعي المتوفي سنة 1304 ه‍
سنن البيهقي
سنن أبي عمرو الداني
الفوائد للرازي
فتح الباري شرح صحيح البخاري
الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي الشافعي
روض الانف للسهيلي
شرح التنقيح للقرافي
شرح جوهرة التوحيد للشيخ السحيمي
شيخ الأبطح للعلامة الحجة المرحوم السيد محمد علي شرف الدين
219

شرف النبي صلى الله عليه وآله
تاريخ الأمم والدولة العباسية
تاريخ بغداد للخطيب أبي بكر الشافعي المتوفي سنة 643 ه‍
تذكرة خواص الأمة للشيخ يوسف قزاوغلي سبط ابن الجوزي الحنفي
المتوفي سنة 654
تفسير أبي الفتوح الرازي المتوفي سنة 588
تفسير أبي بكر الشيرازي
تفسير مجمع البيان للطبرسي
تاريخ الكامل لابن الأثير مبارك بن محمد الشافعي المتوفي سنة 606 ه‍
تاريخ الخميس للشيخ حسين ابن محمد الديار بكري المتوفي سنة 966 ه‍
التاريخ الكبير للطبري محمد بن جرير الشافعي المتوفي سنة 310 ه‍
تاريخ هبة الله بن عساكر الشافعي المتوفي سنة 571 ه‍
تاريخ أبي الفداء للشيخ إسماعيل بن علي الشافعي المتوفي سنة 732 ه‍
ذخائر العقبي للشيخ محب الدين الطيري الشافعي المتوفي سنة 694 ه‍
الغدير العلامة الحجة الأميني دام بقاه.
220