الكتاب: بحار الأنوار
المؤلف: العلامة المجلسي
الجزء: ٧٤
الوفاة: ١١١١
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: علي أكبر الغفاري
الطبعة: الثالثة المصححة
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

بحار الأنوار
الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار
تأليف
العلم العلامة الحجة فخر الأمة المولى
الشيخ محمد باقر المجلسي
(قدس الله سره)
الجزء الرابع والسبعون
دار احياء التراث العربي
بيروت - لبنان
تعريف الكتاب 1

الطبعة الثالثة المصححة
1403 ه‍. 1983 م
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وخليفته في خليقته
محمد وآله الطاهرين.
أما بعد: فهذا هو المجلد السابع عشر من كتاب بحار الأنوار تأليف المولى
الأستاذ الاستناد مولينا " محمد باقر بن محمد تقي المجلسي " قدس الله روحهما ونور
ضريحهما (1) وهذا هو كتاب الروضة منه، وهو يحتوي على المواعظ والحكم
والخطب وأمثالها، المأثورة عن الله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله والسادة المعصومين
صلوات الله عليهم أجمعين، وعن أتباعهم عليهم السلام وما شاكل ذلك.
* ((أبواب)) *
* (المواعظ والحكم) *
* (باب 1) *
* " (مواعظ الله عز وجل في القرآن المجيد) " *
* الآيات *
النساء: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله
وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا 131
ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا 132 إن يشأ يذهبكم أيها

(1) قال المولى المتبحر النحرير الحاج الميرزا حسين النوري نور الله ضريحه: ان
المجلد السابع عشر من كتاب بحار الأنوار من المجلدات التي لم تخرج في حياة مصنفها
(العلامة المجلسي) إلى البياض وإنما أخرجه بعد وفاته تلميذه العالم الأجل والنحرير الأكمل
الميرزا عبد الله الأفندي رحمه الله
1

الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا 133 من كان يريد ثواب الدنيا
فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا 134 (1)
الانعام: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت
أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات
لعلهم يفقهون 66 (2).
وقال سبحانه: وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم
ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين 134 إنما توعدون لآت وما أنتم
بمعجزين 135 قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون 136 من
تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون 137 (3)
الأعراف: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون 4 فما
كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين 5 (4).

(1) قوله تعالى " ان تكفروا " أي تجحدوا وصيته. وقوله: " حميدا " أي مستوجبا
للحمد. قوله " يذهبكم " أي يهلككم. أصله ان يشأ اذهابكم يذهبكم. قوله: " على
ذلك قديرا " يعنى قادرا على الأفناء والايجاد.
(2) قوله تعالى: " أو يلبسكم شيعا " لبست عليه الامر إذا خلطت بعضه ببعض أي
يخلطكم فرقا مختلفين. وقوله: " يذيق بعضكم بأس بعض " أي يقتل بعضكم بعضا حتى يفنى
الكل. قوله: " نصرف الآيات " أي نظهر الآيات ونكررها مرة بعد أخرى حتى يزول الشبه
لكي يعلموا الحق.
(3) قوله: " وما أنتم بمعجزين " أي لستم بمعجزين الله عن الاتيان بالبعث والعقاب.
وقوله: " على مكانتكم " أي على قدر منزلتكم وتمكنكم من الدنيا ومعناه أثبتوا على الكفر.
وقوله: " من تكون " مفعول " تعلمون " وقرأ حمزه والكسائي " يكون " بالباء لان تأنيث
العاقبة ليس بحقيقي.
(4) قوله تعالى " بياتا " أي بائتين في الليل وهو مصدر وقع موقع الحال وقوله:
" أوهم قائلون عطف على " بياتا " أي وقت القيلولة وهو نصف النهار. وحذفت واو الحال
استثقالا لاجتماع الواوين. وقوله: " دعويهم " أي دعاؤهم أو استغاثتهم.
2

التوبة: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى
عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون 106 (1).
يونس: ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات
وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزى القوم المجرمين 14 ثم جعلناكم خلائف في الأرض
من بعدهم لننظر كيف تعملون 15.
وقال تعالى: والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم 26
- إلى قوله تعالى - وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم
الله شهيد على ما يفعلون 48 ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط
وهم لا يظلمون 49 - إلى قوله تعالى - قل أرأيتم إن أتيكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا
يستعجل منه المجرمون 52 أثم إذا ما وقع آمنتم به الان وقد كنتم به تستعجلون 53
ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون 54
- إلى قوله - وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا
كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض
ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين 62 (2).
وقال تعالى: ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون 83.
هود: ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد 103 وما ظلمناهم
ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شئ لما
جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب 104 وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي
ظالمة إن أخذه أليم شديد 105 إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك
يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود 106 وما نؤخره إلا لأجل معدود 107 يوم

(1) قوله تعالى: " فينبئكم بما كنتم تعملون " أي فيخبركم بما فعلتم ويجازيكم عليه.
(2) قوله تعالى: " إذ تفيضون فيه " أي تدخلون فيه والإفاضة الدخول في العمل على
جهة الانصباب إليه. والعزوب الذهاب عن المعلوم وضده حضور المعنى للنفس والمعنى ما
تغيب عن علم ربك من مثقال ذرة أي وزن نملة صغيرة.
3

يأت لا تكلم نفس إلا باذنه فمنهم شقي وسعيد 108 فأما الذين شقوا ففي النار لهم
فيها زفير وشهيق 109 خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن
ربك فعال لما يريد 110 وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت
السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ 111 إلى قوله تعالى وإن
كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير 114 فاستقم كما أمرت
ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير 115 (1).
الرعد: قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه
أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوى الأعمى والبصير أم هل تستوي
الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق
كل شئ وهو الواحد القهار 18 أنزل من السماء ماء فسألت أودية بقدرها فاحتمل
السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك
يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في
الأرض كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم
يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء

(1) قوله تعالى " منها قائم " أي باق كالزرع المحصود عافى الأثر. وقوله " تتبيب " أي
غير تخسير وقوله: " وما نؤخره الا لأجل معدود " أي وما نؤخر اليوم الا لانتهاء مدة معدودة
متناهية على حذف المضاف وإرادة مدة التأجيل كلها بالأجل لا منتهاها فإنه غير معدود.
قوله: " زفير وشهيق " الزفير اخراج النفس والشهيق رده والمراد شدة حالهم وكربهم وتشبيه
صراخهم بصوت الحمير. لان الزفير والشهيق أول نهاقه وآخره.
قوله: " ما دامت السماوات والأرض " ليس المراد السماء والأرض بعينها بل المراد
التبعيد فان للعرب ألفاظا للتبعيد في معنى التأبيد يقولون لافعل ذلك ما اختلف الليل والنهار
وما دامت السماوات والأرض وما تنبت النبت ظنا منهم أن هذه الأشياء لا يتغير ويريدون بذلك
التأبيد، فخاطبهم سبحانه بالمتعارف من كلامهم على قدر عقولهم. وقوله " عطاء غير
مجذوذ " أي غير مقطوع ولا ممنوع.
4

الحساب ومأويهم جهنم وبئس المهاد 19 أفمن يعلم أنما انزل إليك من ربك
الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الباب 20 (1).
إبراهيم: ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى
النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور 6.
وقال تعالى: قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم
ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى 12.
وقال تعالى: ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم
ويأت بخلق جديد 23 وما ذلك على الله بعزيز 24.
وقال تعالى: ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم
تشخص فيه الابصار 44 مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء 45
وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب 46
نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال 47 و
سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم
الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال 48
فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام 49. (2)

(1) قوله تعالى: " رابيا " أن طافيا عاليا فوق الماء. وقوله: " جفاء " أي يجفئ
به أي يرمى به السيل والفلز المذاب.
(2) قوله تعالى: " تشخص فيه الابصار " أي تفتح ولا تغمض. وقوله: " مهطعين مقنعي
رؤوسهم " أي مسرعين رافعي رؤوسهم. والاهطاع الاسراع، والاقناع رفع الرأس. وقوله:
" لا يرتد إليهم " أي لا يرجع إليهم أعينهم ولا يطبقونها ولا يغمضونها. قوله " هواء " أي خالية
من العقل لفزعهم. قوله: " وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم " أي مكروا بالأنبياء قبلك
ما أمكنهم من المكر كما مكروا بك فعصمهم الله من مكرهم كما عصمك. " وعند الله مكرهم " أي
جزاء مكرهم بحذف المضاف. وقوله: " مخلف وعده رسله " أصله مخلف رسله وعده تقدم
المفعول الثاني ايذانا بان الله لا يخلف الوعد أصلا، وإذا لم يخلف وعده أحدا كيف
يخلف رسله.
5

النحل: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل
الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 36 فأصابهم سيئات ما
عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن 37.
وقال تعالى: تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم
فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم 66 (1).
الاسرى: قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا 87 (2).
مريم: إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا 95
لقد أحصيهم وعدهم عدا 96 وكلهم آتيه يوم القيمة فردا 97 - إلى قوله تعالى -
وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا 98 (3).
الأنبياء: وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين 12
فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون 13 لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم
فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون 14 قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين 15 فما زالت تلك
دعويهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين 16 - إلى قوله تعالى - ولقد استهزئ
برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤن 43 قل من يكلؤكم
بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون 44 أم لهم آلهة تمنعهم
من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون 45 بل متعنا هؤلاء وآباءهم
حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم

(1) قوله: " فهو وليهم اليوم " عبر باليوم عن زمان الدنيا أو يوم القيامة على أنه
حكاية حال ماضية كما قاله البيضاوي.
(2) الشاكلة الطبيعة والخلقة أو الطريقة والمذهب أي كل واحد من المؤمن والكافر
يعمل على طبيعته وخلقته التي تخلق بها. وقيل على طريقته وسنته التي اعتادها.
(3) قوله تعالى: " هل تحس منهم من أحد " أي هل تشعر بأحد منهم وتراه. وقوله:
" ركزا " الركز الصوت الخفي واصل التركيب هو الخفاء ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه
في الأرض والركاز المال المدفون.
6

الغالبون 46 (1).
الحج: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم 2 يوم
ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس
سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد 3.
وقال تعالى: ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض
والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق
عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء 20 هذان خصمان
اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم
الحميم 21 يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد 22 كلما أرادوا
أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق 23 إن الله يدخل
الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من

(1) قوله تعالى: " وكم قصمنا " أي كم أهلكنا. والقصم بالفتح: الكسر، يقال: هو
قاصم الجبابرة. وقال البيضاوي هذه الآية واردة عن غضب عظيم لان القصم كسر يبين تلائم
الاجزاء بخلاف الفصم فإنه كسر بلا إبانة وقوله: " يركضون " أي يهربون سراعا والركض
العدو بشدة الوطي. وقوله " لا تركضوا " على إرادة القول أي قيل لهم استهزاء لا تركضوا
وقوله: " ما أترفتم فيه " الترفة النعمة والترف النعم. وقوله: حصيدا خامدين " أي مثل
الحصيد وهو البنت المحصود ولذلك لم يجمع. و " خامدين " أي ميتين من خمدت النار.
قوله: " وحاق بهم " أي حل بهم وبال استهزائهم وسخريتهم والفرق بين السخرية
والهزء أن في السخرية معنى طلب الذلة لان التسخير التذليل، واما الهزء فيقتضى طلب
صغر القدر بما يظهر في القول. قوله: " من يكلؤكم " أي يحفظكم والكلاءة الحفظ.
وقوله: " من الرحمن " أي من بأس الرحمن. وقوله: " معرضون " أي لا يخطرون ببالهم
فضلا ان يخافوا بأسه حتى إذا كلئوا منه عرفوا الكالئ وصلحوا للسؤال. وقوله: " ولاهم
منا يصحبون " قال ابن قتيبة أي لا يجيرهم منا أحد لان المجير صاحب الجار، تقول صحبك
الله أي حفظك الله واجارك.
7

أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير 24 وهدوا إلى الطيب من القول و
هدوا إلى صراط الحميد 25.
وقال تعالى: وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم
إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم
فكيف كان نكير 43 فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على
عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد 44 - إلى قوله تعالى - وكأين من قرية أمليت لها
وهي ظالمة ثم أخذتها وإلى المصير 47 (1).
المؤمنون: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال: رب ارجعون 102 لعلي
أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم
يبعثون 103 فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون 104 فمن ثقلت
موازينه فأولئك هم المفلحون 105 ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم

(1) قوله تعالى: " تذهل كل مرضعة " أي تنساه والذهول الذهاب عن الشئ دهشا
وحيرة. وقوله: " تضع كل ذات حمل حملها " أي لو كان ثم مرضعة لذهلت أو حامل لوضعت
وان لم يكن هناك حامل ولا مرضعة والمراد شدة هول القيامة. وقوله: " هذان خصمان
اختصموا في ربهم " أي فوجان مختصمان والخصم يستوى فيه المذكر والمؤنث والواحد
والجمع ولذلك قال: " اختصموا " لأنهما جمعان وليسا برجلين. قوله: " قطعت " أي قدرت
على مقادير جثتهم ثياب. وقوله: " يصهر به " الصهر الإذابة أي يذاب وينضج بذلك الحميم
ما في بطونهم من الأحشاء ويذاب به الجلود. قوله: " ولهم مقامع من حديد " جمع مقمعة أي
سياط يجلدون بها.
وقوله " ذوقوا " أي قيل لهم ذوقوا بحذف القول. قوله " من أساور " جمع أسورة وهي جمع
سوار. وهو صفة مفعول محذوف. قوله " فأمليت " أي فأمهلت يقال: أملى الله لفلان في العمر
إذا أخر عنه أجله. قوله " وكيف كان نكير " أي انكاري عليهم بتغيير النعمة محنة والحياة
هلاكا والعمارة خرابا. قوله " خاوية على عروشها " أي ساقطة حيطانها على سقوفها بان
تعطلت بنيانها فخرت سقوفها ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقف. " خاوية " بمعنى خالية
أي خالية مع بقاء عروشها وسلامتها فيكون الجار متعلقة بخاوية.
8

في جهنم خالدون 106 (1).
النور: ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم
ترجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شئ عليم 64 (2).
النمل: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ
وأمرت أن أكون من المسلمين 93 وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي
لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين 94 وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها
وما ربك بغافل عما تعملون 95.
القصص: ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر
للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون 43 - إلى قوله - ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول
عليهم العمر 44 (3).
الروم: قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان
أكثرهم مشركين 42 فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من
الله يومئذ يصدعون 43 من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون 44
ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين 45 - إلى

(1) قوله تعالى " ومن ورائهم " الوراء هنا بمعنى الامام كقوله تعالى " ومن ورائهم
ملك يأخذ كل سفينة " وقوله " برزخ " البرزخ الحاجز بين الشيئين. قوله " فلا انساب بينهم
يؤمئذ " أي لا يتواصلون بالأنساب ولا يتعاطفون بها مع معرفة بعضهم بعضا.
(2) قوله " ما أنتم عليه " أي من الخيرات والمعاصي والايمان والنفاق. و " يوم "
منصوب بالعطف على محذوف هو ظرف زمان والتقدير ما أنتم تثبتون عليه الان ويوم
يرجعون، خرج من الخطاب إلى الغيبة.
(3) قوله تعالى " بصائر للناس " البصائر الحجج والبراهين للناس والعبر يبصرون بها
وهي بدل من التوراة. والبصائر جمع البصيرة وهي نور القلب. قوله " فطال عليهم العمر " العمر
بضمتين: الحياة كما في القاموس أي فطال عليهم مدة انقطاع الوحي فاندرست الشرايع فأوحينا
إليك خبر موسى وغيره: فالمستدرك الوحي إليه فحذف وأقيم سببه مقامه.
9

قوله - ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين
أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين 47 (1).
التنزيل: أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم
إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون 26 (2).
سبأ: أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف
بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب 10.
وقال تعالى: وحيل بينهم وبين ما يشتهون 53 كما فعل بأشياعهم من قبل
إنهم كانوا في شك مريب 54 (3).
فاطر: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد 16 إن يشأ
يذهبكم ويأت بخلق جديد 17 وما ذلك على الله بعزيز 18 - إلى قوله - أولم يسيروا
في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله
ليعجزه من شئ في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا 43 (4).
يس: يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن 29
أولم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون 30 وإن كل لما جميع
لدينا محضرون 31.
وقال تعالى: ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون 66

(1) قوله " فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا - الآية " أي فانتقمنا من المذنبين
ودفعنا العذاب عن المؤمنين وكان واجبا علينا نصرهم.
(2) قوله تعالى " يمشون في مساكنهم " يعنى يمرون أهل مكة في متاجرهم على ديارهم
وقوله " أفلا يسمعون " أي سماع تدبر.
(3) قوله تعالى " كسفا " الكسفة: القطعة من الشئ. قوله " منيب " أي راجع إلى
ربه فإنه يكون كثير التأمل في أمره. وقوله " في شك مريب " أي في شك مشكك كما قالوا عجب
عجيب.
(4) قوله " ليعجزه من شئ " أي لم يكن الله يفوته شئ. قوله " من شئ " فاعل
ليعجزه و " من " مزيدة.
10

ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون 67 (1).
الزمر: قل إني أمرت أن أ عبد الله مخلصا له الدين وأمرت أن أكون
أول المسلمين 14 قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم 15 قل الله أعبد
مخلطا له ديني 16 فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا
أنفسهم وأهليهم يوم القيمة ألا ذلك هو الخسران المبين 17 لهم من فوقهم ظلل
من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون 18 والذين
اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين
يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الباب 19
أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار 20 لكن الذين اتقوا ربهم
لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد 21.
وقال تعالى: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيمة وقيل للظالمين ذوقوا
ما كنتم تكسبون 26 كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون 27
فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون 28.
وقال تعالى: ولو أن للذين ظلوا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به
من سوء العذاب يوم القيمة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون 48 وبدا لهم
سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن 49 (2).
المؤمن: أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من
قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من

(1) قوله " وان كل لما " ان مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة. و " ما " مزيدة للتأكيد
و " كل " أصله كلهم. ومعناه ان الأمم كلهم يوم القيامة يحضرون فيقفون على ما عملوه في الدنيا.
وقوله " لطمسنا " الطمس محو الشئ حتى يذهب أثره. قوله " فاستبقوا الصراط " انتصاب
الصراط بنزع الخافض أي إلى الطريق. قوله " مضيا ولا يرجعون " أي لم يقدروا على ذهاب
ولا مجئ.
(2) قوله تعالى " ان الخاسرين الذي خسروا أنفسهم " " الذين " خبر " ان " وقوله " لهم
من فوقهم ظلل " الظلل جمع الظلة وهي السترة العالية وهذا شرح لخسرانهم. والانقاذ: الانجاء.
11

الله من واق 22 ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه
قوي شديد العقاب 23.
وقال تعالى يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار 44 تدعونني
لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار 45 لاجرم أنما
تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن
المسرفين هم أصحاب النار 46 فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله
إن الله بصير بالعباد 47 فوقيه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء
العذاب 48 (1).
حم عسق: وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من
سبيل 44 وتريهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال
الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيمة ألا إن الظالمين
في عذاب مقيم 45 وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما
له من سبيل 46 استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله مالكم من
ملجأ يؤمئذ ومالكم من نكير 47. (2)
الزخرف: وكم أرسلنا من نبي في الأولين 6 وما يأتيهم من نبي إلا
كانوا به يستهزؤن 7 فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين - إلى قوله

(1) قوله تعالى " تدعونني لأكفر بالله " بدل أو بيان فيه تعليل والدعاء كالهداية في
التعدية بإلى واللام. وقوله " ما ليس لي به علم " أي بربوبيته علم والمراد نفى المعلوم والاشعار
بأن الألوهية لابد لها من برهان.
(2) قوله تعالى " ومن يضلل الله " أي من يخليه الله وضلاله ليس له معين من بعد خذلان
الله. وقوله " هل إلى مرد " أي رجوع ورد إلى الدنيا. وقوله " تريهم يعرضون عليها "
أي على النار ويدل عليها العذاب. وقوله " من طرف خفى " أي ضعيف النظر مسارقة و
" من " ابتدائية أو بمعنى الباء. وذلك لما عليهم من الهوان يسارقون النظر إلى النار
خوفا منها.
12

تعالى - وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا
آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون 23 قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم
عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون 24 فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة
المكذبين 25 (1).
الدخان: كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم 26 ونعمة كانوا
فيها فاكهين 27 كذلك وأورثناها قوم آخرين 28 فما بكت عليهم السماء والأرض
وما كانوا منظرين 29 (2).
الأحقاف: ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا و
أفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ إذ كانوا يجحدون
بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن 26 (3).
ق: وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من
محيص 35 إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد 36 (4).

(1) قوله تعالى " أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين " البطش الاخذ الشديد و " مضى "
أي وسلف في القرآن قصصهم العجيبة. وقوله " مترفوها " هم المتنعمون الذين آثروا
الترفة على طلب الحجة يريد الرؤساء، وتخصيص المترفين اشعار بان التنعم وحب البطالة
صرفهم عن النظر إلى التقليد.
(2) قوله تعالى " ونعمة " قال في القاموس النعمة بالكسر الدعة والمال والاسم النعمة
بالفتح. وقوله " منظرين " أي مهملين إلى وقت آخر.
(3) قوله تعالى " ولقد مكناهم فيما ان مكناكم " " ان " نافية بمعنى " ما " النافية، وهو
أي " ان " في النفي مع " ما " الموصولة بمعنى الذي أحسن في اللفظ من " ما " النافية.
(4) قوله تعالى " بطشا " أي قوة. وقوله " فنقبوا في البلاد " أي فتحوا المسالك في
البلاد لشدة بطشهم. وقوله " هل من محيص " أي هل وجدوا مفرا من الموت. وفى القاموس
محص منى أي هرب. وقوله: " من كان له قلب " أي عقل يتفكر ويتدبر. وقوله: " أو القى السمع "
أي أصغى لاستماعه. وقوله " هو شهيد " أي شاهد بصدقه فيتعظ بظواهره وينزجر بزواجره.
13

الواقعة: نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم
وننشئكم فيما لا تعلمون 61 (1).
التغابن: هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعلمون بصير 2
خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير 3 يعلم ما
في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور 4 ألم
يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم 5 ذلك بأنه
كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله
غني حميد 6 (2).
الطلاق: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا
وعذبناها عذابا نكرا 8 فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا 9 أعد الله لهم عذابا
شديدا فاتقوا الله يا اولي الألباب 10 (3).
الملك: فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم
به تدعون 27 قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من
عذاب أليم 28 قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال

(1) قوله تعالى: " وما نحن بمسبوقين " أي لا يسبقنا أحد فيهرب من الموت أو لا يسبقنا
أحد منكم على ما قدرنا له من الموت حتى يزيد في مقدار حياته، أولا يسبقنا خالق ولا مقدر
في الخلق والتقدير وفعلنا ما فعلنا ولم يكن لما فعلناه مثال وانا لقادرون. وقوله: " على
أن نبدل أمثالكم " أي لسنا بعاجزين على خلقكم وبعثكم ثانيا، أو على أن نبدل منكم أشباهكم
فنخلق بدلكم. وقوله: " ننشئكم " أي نوجدكم بعد أن نفنيكم وقوله " فيما لا تعلمون " أي في نشأة
لا تعلمون كيفيتها.
(2) قوله تعالى " فذاقوا وبال أمرهم " أي ضرر كفرهم في الدنيا واصل الوبال الثقل.
والنكر هو عذاب الاستيصال. وقوله: " حاسبناها حسابا شديدا " أي بالاستقصاء والمناقشة.
(3) قوله تعالى: " عتت عن أمر ربها " أي عتوا على الله ورسله وجاوزوا الحد
في المخالفة.
14

مبين 29 قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين 30 (1).
المعارج: أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم 38 كلا إنا خلقناهم
مما يعلمون 39 فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون 40 على أن نبدل
خيرا منهم وما نحن بمسبوقين 41 فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي
يوعدون 42 يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون 43
خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون 44 (2).
القيمة: وجوه يومئذ ناضرة 22 إلى ربها ناظرة 23 ووجوه يومئذ باسرة
تظن أن يفعل بها فاقره 25 كلا إذا بلغت التراقي 26 وقيل من راق 27 وظن أنه
الفراق 28 والتفت الساق بالساق 29 إلى ربك يومئذ المساق 30 فلا صدق ولا
صلى 31 ولكن كذب وتولى 32 ثم ذهب إلى أهله يتمطى 33 أولى لك فأولى 34
ثم أولى لك فأولى 35 أيحسب الانسان أن يترك سدى 36 ألم يك نطفة من
مني يمنى 37 ثم كان علقة فخلق فسوى 38 فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى
39 أليس ذلك بقادر على أن يحبي الموتى 40 (3).

(1) قوله تعالى " سيئت وجوه الذي كفروا " أي بان عليها الكآبة والحزن وساءتها
رؤية العذاب. وقوله: " تدعون " أي تطلبون وتستعجلون به، تفتعلون من الدعاء. أو به
تدعون، أو بسببه تدعون أن لا بعث فهو من الدعوى. قوله: " غورا " بمعنى غائرا مصدر وصف
به وقوله: " بماء معين " أي جار، أو ظاهر سهل التناول.
(2) قوله تعالى " لا أقسم " " لا " مزيدة للتأكيد والمراد بالمشارق: قيل للشمس ثلاثمائة
وستون مشرقا وثلاثمائة وستون مغربا، في كل يوم له مشرق ومغرب. قوله: " فذرهم
يخوضوا " أي اتركهم في باطلهم. قوله: " من الأجداث " أي من القبور. قوله: " سراعا "
أي مسرعين. قوله " كأنهم إلى نصب " أي إلى منصوبات للعبادة أو أعلام. " يوفضون " أي
يسرعون. قوله: " ترهقهم " أي تغشاهم.
(3) قوله تعالى: " ناضرة " أي حسنة مضيئة مشرقة " إلى ربها ناظرة " أي ينتظر ثواب
ربها. ورد في الحديث " ينتهى أولياء الله بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان
فيغتسلون فيه ويشربون منه فتبيض وجوههم اشراقا فيذهب عنهم كل قذى ووعث ثم يؤمرون
بدخول الجنة فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم قال فذلك قوله تعالى " إلى ربها ناظرة "
وإنما يعنى بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى وقال: والناظرة في بعض اللغة هي
المنتظرة ألم تسمع إلى قوله: " فناظرة بم يرجع المرسلون " أي منتظرة.
وقوله: " ووجوه يومئذ باسرة " أي كالحة شديدة العبوس. " تظن أن يفعل بها فاقرة "
أي تتوقع أرباب تلك الوجوه أو توقن أن يفعل بها داهية عظيمة تكسر قفار الظهر. وقوله:
" إذا بلغت التراقي " أي إذا بلغت النفس الترقوة (گلوگاه). وقوله: " وقيل من راق " أي يقال له:
من يرقيك مما بك؟ يعنى هل من طبيب؟.
وقوله: " وظن أنه الفراق " أي أيقن أن الذي نزل به فراق الدنيا ومحابها وعلم
بمفارقة الأحبة. قوله: " والتفت الساق بالساق " أي التوت شدة فراق الدنيا بشدة خوف
الآخرة، أو التوت إحدى ساقيه بالأخرى عند الموت. والمساق المصير. وقوله: " يتمطى " أي
يتبختر افتخارا في مشيته اعجابا بنفسه. قوله: " أولى لك " كلمه وعيد وتهديد أي بعدا
لك من خير الدنيا وبعدا لك من خير الآخرة. وقيل معناه: الذم أولى لك من تركه.
وقوله: " سدى " أي مهملا لا يحاسب ولا يسئل ولا يعاقب.
15

المرسلات: ألم نهلك الأولين 16 ثم نتبعهم الآخرين 17 كذلك نفعل
بالمجرمين 18 ويل يومئذ للمكذبين 19 (1).
النبأ: إنا أنذرناكم عذابا قريبا 40 يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول
الكافر يا ليتني كنت ترابا 41 (2).
عبس: فإذا جاءت الصاخة 33 يوم يفر المرء من أخيه 34 وأمه وأبيه 35
وصاحبته وبنيه 36 لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه 37 وجوه يومئذ مسفرة 38
ضاحكة مستبشرة 39 ووجوه يومئذ عليها غبرة 40 ترهقها قترة 41 أولئك هم

(1) قوله تعالى: " ويل يومئذ للمكذبين " الويل في الأصل مصدر منصوب باضمار فعله
عدل به إلى الرفع للدلالة على ثبات الهلاك للمدعو عليه و " يومئذ " ظرفه أو صفته.
(2) قوله: " يا ليتني كنت ترابا " أي في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف، أو في هذا اليوم
فلم أبعث لم وانشر.
16

الكفرة الفجرة 42 (1).
الانفطار: إن الأبرار لفي نعيم 13 وإن الفجار لفي جحيم 14 يصلونها
يوم الدين 15 (2).
المطففين: ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون 4 ليوم عظيم 5 يوم يقوم الناس
لرب العالمين 6.
الغاشية: هل أتيك حديث الغاشية 1 وجوه يومئذ خاشعة 2 عاملة ناصبة
تصلى نارا حامية 4 تسقى من عين آنية 5 ليس لهم طعام إلا من ضريع 6 لا يسمن ولا
يغني من جوع 7 وجوه يومئذ ناعمة 8 لسعيها راضية 9 في جنة عالية 10 لا تسمع
فيها لاغية 11 فيها عين جارية 12 فيها سرر مرفوعة 13 وأكواب موضوعة 14 و
نمارق مصفوفة 15 وزرابي مبثوثة 26 (3).

(1) قوله تعالى " فإذا جاءت الصاخة " أي النفحة وصفت بها مجازا لان الناس يصخون
لها. وقوله: " شأن يغنيه " أي يشغله عن غيره. قوله: " وجوه يومئذ مسفرة " أي مضيئة
بما ترى من النعم. و " وجوه يومئذ عليها غبرة " أي عليها غبار وكدورة و " ترهقها قترة " أي
يغشيها سواد وظلمة.
(2) قوله تعالى: " يصلونها يوم الدين " أي يدخلونها ويقاسون حرها ويلزمونها
بكونهم فيها. ويوم الدين أي يوم الجزاء والحساب.
(3) قوله تعالى: " الغاشية " يعنى القيامة لأنها تغشى الخلائق بأهوالها. قوله:
" ناصبة " أي عملت ونصبت في اعمال لا يعنيها أو نصب وتعب بالسلاسل والاغلال. قوله:
" آنية " أي شديدة الحرارة بلغت أناها في الحر، قوله " حامية " أي متناهية في الحر.
" الضريع " هو نوع من الشوك لا ترعاه دابة لخبثه، أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد
حرا من النار، سماه الله تعالى الضريع كما في الرواية. قوله " ناعمة " أي ذاب بهجة أو
متنعمة. وقوله: " لاغية " أي الهزل والكذب. وقوله: " ونمارق مصفوفة " أي وسائد مرتبة
بعضها بجنب بعض يستند؟؟ إليها. و " أكواب " جمع كوب أي أقداح لا عرى لها. قوله: " وزرابي
مبثوثة " أي بسط فاخرة مبسوطة لها خمل.
17

* (باب 2) *
* (مواعظ الله عز وجل في سائر الكتب السماوي وفى الحديث القدسي) *
" (وفى مواعظ جبرئيل عليه السلام) "
1 - عيون أخبار الرضا (ع): (1) تميم القرشي عن أبيه، عن الأنصاري، عن الهروي قال: سمعت علي
ابن موسى الرضا عليهما السلام يقول: أوحى الله عز وجل إلى نبي من أنبيائه إذا أصبحت
فأول شئ يستقبلك فكله، والثاني فاكتمه، والثالث فاقبله، والرابع فلا تؤيسه
والخامس فاهرب منه، قال: فلما أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظيم، فوقف و
قال: أمرني ربي عز وجل أن آكل هذا وبقي متحيرا، ثم رجع إلى نفسه فقال
ربي جل جلاله: لا يأمرني إلا بما أطيق فمشي إليه ليأكله فلما دنى منه صغر
حتى انتهى إليه فوجده لقمة فأكلها فوجدها أطيب شئ أكله، ثم مضى فوجد طستا
من ذهب فقال: أمرني ربي أن أكتم هذا فحفر له حفرة وجعله فيه وألقى عليه
التراب ثم مضى فالتفت فإذا الطست قد ظهر فقال: قد فعلت ما أمرني ربي عز وجل
فمضى فإذا هو بطير وخلفه بازي، فطاف الطير حوله، فقال: أمرني ربي عز وجل
أن أقبل هذا ففتح كمه فدخل الطير فيه فقال له البازي: أخذت صيدي وأنا خلفه
منذ أيام فقال إن ربي عز وجل أمرني أن لا أويس هذا، فقطع من فخذه قطعة
فألقاها إليه ثم مضى فلما مضى فإذا هو بلحم ميتة منتن مدود، فقال أمرني ربي
عز وجل أن أهرب من هذا، فهرب منه ورجع ورأي في المنام كأنه قد قيل له
إنك قد فعلت ما أمرت به فهل تدري ماذا كان؟ قال: لا، قيل له:
أما الجبل فهو الغضب، إن العبد إذا غضب لم ير نفسه وجهل قدره من عظم
الغضب فإذا حفظ نفسه وعرف قدره وسكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلها.

(1) عيون أخبار الرضا " ع " ص 152.
18

وأما الطست فهو العمل الصالح إذا كتمه العبد وأخفاه أبى الله عز وجل إلا
أن يظهره ليزينه به مع ما يدخر له من ثواب الآخرة.
وأما الطير فهو الرجل الذي يأتيك بنصيحة فاقبله واقبل نصيحته.
وأما البازي فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة فلا تؤيسه.
وأما اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها.
2 - عيون أخبار الرضا (ع): بالأسانيد الثلاثة (1) عن الرضا عليه السلام أن أباه عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم ما تنصفني أتحبب إليك بالنعم
وتتمقت إلي بالمعاصي، خيري عليك منزل وشرك إلي صاعد، ولا يزال ملك
كريم، يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح، يا ابن آدم لو سمعت وصفك من
غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف لسارعت إلى مقته.
أمالي الطوسي: (2) عن المفيد، عن عمر بن محمد الزيات، عن علي بن مهروية، عن
داود بن سليمان، عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله مثله، وفيه " في
كل يوم بعمل غير صالح ".
3 - معاني الأخبار، الخصال، أمالي الصدوق: (3) محمد بن أحمد الأسدي، عن محمد بن جرير، والحسن
ابن عروة وعبد الله بن محمد الوهبي (4) جميعا، عن محمد بن حميد، عن زافر بن سليمان، عن
محمد بن عينية، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي
صلى الله عليه وآله يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه

(1) العيون ص 197 وراجع في بيان المراد بالأسانيد الثلاثة المجلد الأول
ص 51 باب تلخيص المصادر.
(2) الأمالي ج 1 ص 126 و 281 و ج 2 ص 183.
(3) معاني الأخبار ص 178. الخصال ج 1 ص 7. الأمالي المجلس الحادي
والأربعون ص 141.
(4) في بعض النسخ " الدهني ".
19

واعمل ما شئت فإنك مجزي به (1) واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه
استغناؤه عن الناس.
4 - معاني الأخبار: (2) عن أبيه، عن سعد، عن البرقي، عن أبيه في حديث مرفوع
عن النبي صلى الله عليه وآله قال: جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله
إن الله تبارك وتعالى أرسلني إليك بهدية لم يعطها أحدا قبلك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله
قلت: وما هي؟ قال: الصبر وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال الرضا وأحسن منه،
قلت: وما هو؟ قال: الزهد وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: الاخلاص وأحسن
منه، قلت: وما هو؟ قال: اليقين وأحسن منه، قلت وما هو؟ قال جبرئيل إن
مدرجة ذلك التوكل على الله عز وجل فقلت: وما التوكل على الله عز وجل؟
فقال: العلم بأن المخلوق لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس
من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لاحد سوى الله، ولم يرج ولم يخف
سوى الله، ولم يطمع في أحد سوى الله فهذا هو التوكل.
قال: قلت: يا جبرئيل فما تفسير الصبر؟ قال: تصبر في الضراء كما تصبر
في السراء، وفي الفاقة كما تصبر في الغنى، وفي البلاء كما تصبر في العافية، فلا يشكو
حاله عند الخلق بما يصيب من البلاء. قلت: فما تفسير القناعة قال: يقنع بما يصيب
من الدنيا يقنع بالقليل ويشكر اليسير، قلت: فما تفسير الرضا؟ قال: الراضي
لا يسخط على سيده، أصاب الدنيا أم لا، ولا يرضى لنفسه باليسير من العمل، قلت:
يا جبرئيل فما تفسير الزهد؟ قال: الزاهد يحب من يحب خالقه ويبغض من يبغض
خالقه ويتحرج (3) من حلال الدنيا ولا يلتفت إلى حرامها فان حلالها حساب
وحرامها عقاب، ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه، ويتحرج من الكلام

(1) إلى هنا رواه الشيخ في أماليه ج 2 ص 203 من حديث جعفر بن محمد عن
آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله.
(2) معاني الأخبار ص 260.
(3) التحرج: التجنب.
20

كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها، ويتجرح عن حطام الدنيا (1) وزينتها
كما يتجنب النار أن تغشاه، ويقصر أمله وكان بين عينيه أجله، قلت: يا جبرئيل
فما تفسير الاخلاص؟ قال: المخلص الذي لا يسأل الناس شيئا حتى يجد وإذا وجد
رضي وإذا بقي عنده شئ أعطاه في الله فان من لم يسأل المخلوق فقد أقر لله عز
وجل بالعبودية وإذا وجد فرضي فهو عن الله راض والله تبارك وتعالى عنه راض، وإذا
أعطى الله عز وجل فهو على حد الثقة بربه عز وجل قلت: فما تفسير اليقين؟ قال
الموقن يعمل لله كأنه يراه فإن لم يكن يرى الله فان الله يراه، وأن يعلم يقينا أن
ما أصابه لم يكن ليخطيه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وهذا كله أغصان التوكل
ومدرجة الزهد.
5 - الخصال: (2) عن أبيه، عن علي بن موسى بن جعفر الكميداني، عن أحمد بن محمد
عن أبيه، عن عبد الله بن جبلة، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله لجبرئيل عليه السلام: عظني فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، و
أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه: شرف المؤمن صلاته
بالليل، وعزه كفه عن أعراض الناس.
6 - عن كتاب ارشاد القلوب للديلمي: (3) روي عن أمير المؤمنين عليه السلام
أن النبي صلى الله عليه وآله سأل ربه سبحانه ليلة المعراج فقال: يا رب أي الأعمال أفضل؟
فقال الله عز وجل: ليس شئ عندي أفضل من التوكل علي والرضى بما قسمت
يا محمد وجبت محبتي للمتحابين في ووجبت محبتي للمتعاطفين في، ووجبت
محبتي للمتواصلين في، ووجبت محبتي للمتوكلين علي، وليس لمحبتي علم (4)
ولا غاية ولا نهاية وكلما رفعت لهم علما وضعت لهم علما، أولئك الذين نظروا إلى

(1) الحطام الفتاة وما يحطم من عيدان الزرع إذا يبس. والمال القليل.
(2) الخصال ج 1 ص 7.
(3) الباب الرابع والخمسون هكذا بدون ذكر السند.
(4) بفتحتين كناية عن عدم المحدودية.
21

المخلوقين بنظري إليهم، ولا يرفعوا الحوائج إلى الخلق، بطونهم خفيفة من أكل
الحلال، نعيمهم في الدنيا ذكري، ومحبتي ورضاي عنهم
يا أحمد إن أحببت أن تكون أورع الناس فازهد في الدنيا وارغب في الآخرة
فقال: يا إلهي كيف أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة؟ قال: خذ من الدنيا خفا (1)
من الطعام والشراب واللباس ولا تدخر لغد، ودم على ذكري. فقال: يا رب و
كيف أدوم على ذكرك؟ فقال: بالخلوة عن الناس، وبغضك الحلو والحامض، و
فراغ بطنك وبيتك من الدنيا.
يا أحمد فاحذر أن تكون مثل الصبي إذا نظر إلى الأخضر والأصفر أحبه
وإذا أعطى شئ من الحلو والحامض اغتر به، فقال: يا رب دلني على عمل أتقرب
به إليك، قال: اجعل ليلك نهارا، ونهارك ليلا، قال: يا رب كيف ذلك؟ قال:
اجعل نومك صلاة، وطعامك الجوع.
يا أحمد وعزتي وجلالي ما من عبد مؤمن، ضمن لي بأربع خصال إلا أدخلته
الجنة: يطوي لسانه فلا يفتحه إلا بما يعنيه، ويحفظ قلبه من الوسواس، ويحفظ
علمي ونظري إليه، وتكون قرة عينه الجوع.
يا أحمد لو (2) ذقت حلاوة الجوع والصمت والخلوة وما ورثوا منها، قال:
يا رب ما ميراث الجوع؟ قال: الحكمة، وحفظ القلب، والتقرب إلي، والحزن
الدائم، وخفة المؤونة بين الناس، وقول الحق، ولا يبالي عاش بيسر أو بعسر.
يا أحمد هل تدري بأي وقت يتقرب العبد إلى الله؟ قال: لا يا رب، قال:
إذا كان جايعا أو ساجدا.
يا أحمد عجبت من ثلاثة عبيد: عبد دخل في الصلاة وهو يعلم إلى من يرفع
يديه وقدام من هو، وهو ينعس (3) وعجبت من عبد له قوت يوم من الحشيش أو غيره
وهو يهتم لغد، وعجبت من عبد لا يدري أني راض عنه أم ساخط عليه وهو يضحك.

(1) بكسر الخاء من الخفيف.
(2) للتمني.
(3) النعاس أول النوم وهو الحالة التي يحتاج الانسان فيها إلى النوم.
22

يا أحمد إن في الجنة قصرا من لؤلؤة فوق لؤلؤة، ودرة فوق درة ليس
فيها قصم ولا وصل، فيها الخواص، أنظر إليهم كل يوم سبعين مرة وأكلمهم، كلما
نظرت إليهم أزيد في ملكهم سبعين ضعفا، وإذا تلذذ أهل الجنة بالطعام والشراب
تلذذوا بكلامي وذكري وحديثي. قال: يا رب ما علامات أولئك؟ قال: هم في
الدنيا مسجونون، قد سجنوا ألسنتهم من فضول الكلام، وبطونهم من فضول الطعام.
يا أحمد إن المحبة لله هي المحبة للفقراء، والتقرب إليهم، قال: يا رب و
من الفقراء؟ قال: الذين رضوا بالقليل، وصبروا على الجوع، وشكروا على
الرخاء، ولم يشكروا جوعهم ولا ظمأهم، ولم يكذبوا بألسنتهم، ولم يغضبوا على ربهم
ولم يغتموا على ما فاتهم، ولم يفرحوا بما آتاهم.
يا أحمد محبتي محبة للفقراء فادن الفقراء وقرب مجلسهم منك ادنك، و
بعد الأغنياء، وبعد مجلسهم منك فان الفقراء أحبائي.
يا أحمد لا تتزين بلين اللباس، وطيب الطعام، ولين الوطاء، فان النفس
مأوى كل شر، وهي رفيق كل سوء، تجرها إلى طاعة الله، وتجرك إلى معصيته
وتخالفك في طاعته. وتطيعك فيما تكره، وتطغى إذا شبعت، وتشكو إذا جاعت، و
تغضب إذا افتقرت، وتتكبر إذا استغنت، وتنسى إذا كبرت، وتغفل إذا أمنت
وهي قرينة الشيطان، ومثل النفس كمثل النعامة تأكل الكثير وإذا حمل عليها
لا تطير، ومثل الدفلي (1) لونه حسن وطعمه مر.
يا أحمد أبغض الدنيا وأهلها وأحب الآخرة وأهلها، قال: يا رب ومن أهل
الدنيا ومن أهل الآخرة؟ قال: أهل الدنيا من كثر أكله وضحكه ونومه وغضبه
قليل الرضا لا يعتذر إلى من أساء إليه، ولا يقبل معذرة من اعتذر إليه، كسلان
عند الطاعة، شجاع عند المعصية، أمله بعيد وأجله قريب، لا يحاسب نفسه، قليل
المنفعة، كثير الكلام، قليل الخوف، كثير الفرح عند الطعام، وإن أهل الدنيا

(1) بكسر الدال وسكون الفاء والف مقصورة نبت زهره كالورد الأحمر. يقال له
بالفارسية (خر زهره) ورقها كورق الخلاف مر الطعم محلل نافع من الحكة والجرب.
23

لا يشكرون عند الرخاء، ولا يصبرون عند البلاء، كثير الناس عندهم قليل، يحمدون
أنفسهم بما لا يفعلون، ويدعون بما ليس لهم، ويتكلمون بما يتمنون، ويذكرون
مساوي الناس، ويخفون حسناتهم.
قال: يا رب هل يكون سوى هذا العيب في أهل الدنيا؟ قال: يا أحمد
إن عيب أهل الدنيا كثير فيهم الجهل، والحمق، لا يتواضعون لمن يتعلمون منه
وهم عند أنفسهم عقلاء وعند العارفين حمقاء.
يا أحمد إن أهل الخير وأهل الآخرة رقيقة وجوههم، كثير حياؤهم، قليل
حمقهم، كثير نفعهم، قليل مكرهم، الناس منهم في راحة وأنفسهم منهم في تعب
كلامهم موزون، محاسبين لأنفسهم، متعبين لها، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم،
أعينهم باكية وقلوبهم ذاكرة، إذا كتب الناس من الغافلين كتبوا من الذاكرين،
في أول النعمة يحمدون وفي آخرها، يشكرون، دعاؤهم عند الله مرفوع، وكلامهم
مسموع، تفرح الملائكة بهم، يدور دعاؤهم تحت الحجب، يحب الرب أن يسمع
كلامهم كما تحب الوالدة ولدها، ولا يشغلهم عن الله شئ طرفة عين، ولا يريدون
كثرة الطعام، ولا كثرة الكلام، ولا كثرة اللباس، الناس عندهم موتى، والله
عندهم حي قيوم كريم، يدعون المدبرين كرما، ويريدون المقبلين تلطفا،
قد صارت الدنيا والآخرة عندهم واحدة، يموت الناس مرة ويموت أحدهم في
كل يوم سبعين مرة من مجاهدة أنفسهم ومخالفة هواهم، والشيطان الذي يجري
في عروقهم، ولو تحركت ريح لزعزعتهم، وإن قاموا بين يدي كأنهم بنيان
مرصوص (1) لا أرى في قلبهم شغلا لمخلوق، فوعزتي وجلالي لأحيينهم حياة
طيبة، إذا فارقت أرواحهم من جسدهم، لا أسلط عليهم ملك الموت، ولا يلي قبض
روحهم غيري، ولا فتحن لروحهم أبواب السماء كلها، ولأرفعن الحجب كلها
دوني، ولآمرن الجنان فلتزينن، والحور العين فلتزفن (2) والملائكة فلتصلين

(1) أي مزلق بعضه إلى بعض ثابت، من الرص وهو اتصال بعض البناء ببعض.
(2) زففت العروس إلى زوجها أزف - بالضم - زفا وزفافا، وأزففتها أي أهديتها
إلى زوجها.
24

والأشجار فلتثمرن، وثمار الجنة فلتدلين (1) ولامرن ريحا من الرياح التي
تحت العرش فلتحملن جبال من الكافور والمسك الأذفر فلتصيرن وقودا من غير
النار، فلتدخلن به، ولا يكون بيني وبين روحه ستر فأقول له عند قبض روحه:
مرحبا وأهلا بقدومك علي، اصعد بالكرامة والبشرى والرحمة والرضوان، و
جنات لهم فيها نعيم مقيم، خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم. فلو رأيت
الملائكة كيف يأخذ بها واحد ويعطيها الاخر.
يا أحمد إن أهل الآخرة لا يهناؤهم الطعام منذ عرفوا ربهم، ولا يشغلهم
مصيبة منذ عرفوا سيئاتهم، يبكون على خطاياهم، يتعبون أنفسهم ولا يريحونها، وأن
راحة أهل الجنة في الموت، والآخرة مستراح العابدين، مؤنسهم دموعهم التي تفيض
على خدودهم، وجلوسهم مع الملائكة الذين عن أيمانهم وعن شمائلهم، ومناجاتهم
مع الجليل الذي فوق عرشه، وأن أهل الآخرة قلوبهم في أجوافهم قد قرحت (2)
يقولون متى نستريح من دار الفناء إلى دار البقاء.
يا أحمد هل تعرف ما للزاهدين عندي في الآخرة؟ قال: لا يا رب، قال:
يبعث الخلق ويناقشون بالحساب، وهم من ذلك آمنون، إن أدنى ما أعطي
للزاهدين في الآخرة أن أعطيهم مفاتيح الجنان كلها حتى يفتحوا أي باب شاؤوا
ولا أحجب عنهم وجهي ولأنعمنهم بألوان التلذذ من كلامي، ولأجلسنهم في مقعد
صدق وأذكرنهم ما صنعوا وتعبوا في دار الدنيا وأفتح لهم أربعة أبواب: باب تدخل
عليهم الهدايا منه بكرة وعشيا من عندي، وباب ينظرون منه إلي كيف شاؤوا
بلا صعوبة، وباب يطلعون منه إلى النار فينظرون منه إلى الظالمين كيف يعذبون
وباب تدخل عليهم منه الوصايف (3) والحور العين، قال: يا رب من هؤلاء الزاهدون
الذين وصفتهم؟ قال: الزاهد هو الذي ليس له بيت يخرب فيغتم بخرابه، ولا له

(1) أي فلترسلن وتنزلن.
(2) أي جرحت من الحزن والهم بالآخرة.
(3) الوصايف جمع الوصيفة وهي الخادمة.
25

ولد يموت فيحزن لموته، ولا له شئ يذهب فيحزن لذهابه، ولا يعرفه إنسان يشغله
عن الله طرفة عين، ولا له فضل طعام ليسأل عنه، ولا له ثوب لين.
يا أحمد وجوه الزاهدين مصفرة من تعب الليل وصوم النهار، وألسنتهم
كلال إلا من ذكر الله تعالى، قلوبهم في صدورهم مطعونة من كثرة ما يخالفون أهواءهم
قد ضمروا أنفسهم من كثرة صمتهم (1) قد أعطوا المجهود من أنفسهم لا من خوف نار ولا
من شوق جنة، ولكن ينظرون في ملكوت السماوات والأرض فيعلمون أن الله
سبحانه وتعالى أهل للعبادة كأنما ينظرون إلى من فوقها، قال: يا رب هل تعطي
لاحد من أمتي هذا، قال: يا أحمد هذه درجة الأنبياء والصديقين من أمتك
وأمة غيرك وأقوام من الشهداء. قال: يا رب أي الزهاد أكثر؟ زهاد أمتي أم زهاد
بني إسرائيل؟ قال: إن زهاد بني إسرائيل في زهاد أمتك كشعرة سوداء في بقرة
بيضاء، فقال: يا رب كيف يكون ذلك وعدد بني إسرائيل أكثر من أمتي؟ قال: لأنهم
شكوا بعد اليقين، وجحدوا بعد الاقرار. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فحمدت الله للزاهدين
كثيرا وشكرته ودعوت لهم فقلت: اللهم احفظهم وارحمهم واحفظ عليهم دينهم الذي
ارتضيت لهم، اللهم ارزقهم إيمان المؤمنين الذي ليس بعده شك وزيغ، وورعا ليس
بعده رغبة، وخوفا ليس بعده غفلة، وعلما ليس بعده جهل، وعقلا ليس بعده حمق
وقربا ليس بعده بعد، وخشوعا ليس بعده قساوة، وذكرا ليس بعده نسيان
وكرما ليس بعده هوان، وصبرا ليس بعده ضجر، وحلما ليس بعده عجلة، واملا
قلوبهم حياء منك حتى يستحيوا منك كل وقت، وتبصرهم بآفات الدنيا وآفات
أنفسهم ووساوس الشيطان، فإنك تعلم ما في نفسي وأنت علام الغيوب.
يا أحمد عليك بالورع فان الورع رأس الدين ووسط الدين وآخر الدين
إن الورع يقرب العبد إلى الله تعالى.
يا أحمد إن الورع كالشنوف (2) بين الحلي والخبز بين الطعام، إن الورع

(1) ضمر: هزل ودق وقل لحمه.
(2) جمع الشنف: ما علق في الاذن أو أعلاها من الحلى.
26

رأس الايمان وعماد الدين، إن الورع مثله كمثل السفينة كما أن في البحر لا
ينجو إلا من كان فيها كذلك لا ينجو الزاهدون إلا بالورع.
يا أحمد ما عرفني عبد وخشع لي إلا وخشعت له.
يا أحمد الورع يفتح على العبد أبواب العبادة، فتكرم به عند الخلق، ويصل
به إلى الله عز وجل.
يا أحمد عليك بالصمت فان أعمر القلوب قلوب الصالحين والصامتين، وإن
أخرب القلوب قلوب المتكلمين بما لا يعنيهم.
يا أحمد إن العبادة عشرة أجزاء تسعة منها طلب الحلال، فإذا طيبت مطعمك
ومشربك فأنت في حفظي وكنفي، قال: يا رب ما أول العبادة؟ قال: أول العبادة
الصمت والصوم، قال: يا رب وما ميراث الصوم؟ قال: الصوم يورث الحكمة
والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف
أصبح، بعسر أم بيسر، إذا كان العبد في حالة الموت يقوم على رأسه ملائكة
بيد كل ملك كأس من ماء الكوثر وكأس من الخمر يسقون روحه حتى تذهب سكرته
ومرارته ويبشرونه بالبشارة العظمى ويقولون له طبت وطاب مثواك (1) إنك تقدم
على العزيز الحكيم الحبيب القريب فتطير الروح من أيدي الملائكة فتصعد إلى الله
تعالى في أسرع من طرفة عين، ولا يبقى حجاب ولا ستر بينها وبين الله تعالى، والله
عز وجل إليها مشتاق، وتجلس على عين عند العرش ثم يقال لها: كيف تركت
الدنيا؟ فتقول: إلهي وعزتك وجلالك لا علم لي بالدنيا، أنا منذ خلقتني خائفة
منك، فيقول الله تعالى: صدقت عبدي كنت بجسدك في الدنيا وروحك معي فأنت بعيني
سرك وعلانيتك، سل أعطك وتمن علي فأكرمك، هذه جنتي فتجنح فيها وهذا
جواري فأسكنه. فتقول الروح: إلهي عرفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك
وعزتك وجلالك لو كان رضاك في أن اقطع إربا إربا واقتل سبعين قتلة بأشد ما
يقتل به الناس لكان رضاك أحب إلي، إلهي كيف أعجب بنفسي وأنا ذليل إن لم

(1) المثوى: المنزل والمكان.
27

تكرمني وأنا مغلوب إن لم تنصرني وأنا ضعيف إن لم تقوني وأنا ميت إن لم
تحيني بذكرك، ولولا سترك لافتضحت أول مرة عصيتك. إلهي كيف لا أطلب
رضاك وقد أكملت عقلي حتى عرفتك وعرفت الحق من الباطل والامر من النهي
والعلم من الجهل والنور من الظلمة، فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أحجب
بيني وبينك في وقت من الأوقات كذلك أفعل بأحبائي.
يا أحمد هل تدري أي عيش أهنأ وأي حياة أبقى؟ قال: اللهم لا، قال:
أما العيش الهنئ (1) فهو الذي لا يفتر صاحبه (2) عن ذكري ولا ينسى نعمتي ولا
يجهل حقي، يطلب رضاي في ليله ونهاره، وأما الحياة الباقية فهي التي يعمل لنفسه
حتى تهون عليه الدنيا وتصغر في عينه، وتعظم الآخرة عنده، ويؤثر هواي على
هواه ويبتغي مرضاتي ويعظم حق عظمتي ويذكر علمي به، ويراقبني بالليل والنهار
عند كل سيئة أو معصية، وينقى قلبه عن كل ما أكره، ويبغض الشيطان ووساوسه
ولا يجعل لإبليس على قلبه سلطانا وسبيلا، فإذا فعل ذلك أسكنت قلبه حبا حتى
أجعل قلبه لي وفراغه واشتغاله وهمه وحديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل
محبتي من خلقي، وأفتح عين قلبه وسمعه حتى يسمع بقلبه وينظر بقلبه إلى جلالي
وعظمتي، وأضيق عليه الدنيا وأبغض إليه ما فيها من اللذات واحذره من الدنيا
وما فيها كما يحذر الراعي غنمه من مراتع الهلكة فإذا كان هكذا يفر من الناس
فرارا، وينقل من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن دار الشيطان إلى دار الرحمن.
يا أحمد ولأزيننه بالهيبة والعظمة فهذا هو العيش الهنئ والحياة الباقية
وهذا مقام الراضين، فمن عمل برضاي ألزمه ثلاث خصال: اعرفه شكرا لا يخالطه
الجهل، وذكرا لا يخالطه النسيان، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين
فإذا أحبني أحببته، وأفتح عين قلبه إلى جلالي ولا أخفي عليه خاصة خلقي

(1) الهنئ: السائغ وما أتاك بلا مشقة.
(2) أي لا يمل ولا يكسل ولا يضعف.
28

وأناجيه في ظلم الليل ونور النهار حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين (1)، ومجالسته
معهم، وأسمعه كلامي وكلام ملائكتي واعرفه السر الذي سترته عن خلقي وألبسه
الحياء حتى يستحيي منه الخلق كلهم ويمشي على الأرض مغفورا له وأجعل قلبه
واعيا وبصيرا ولا أخفي عليه شيئا من جنة ولا نار، واعرفه ما يمر على الناس في
يوم القيامة من الهول والشدة، وما أحاسب الأغنياء والفقراء والجهال والعلماء
وأنومه في قبره وأنزل عليه منكرا ونكيرا حتى يسألاه، ولا يرى غمرة الموت
وظلمة القبر واللحد وهول المطلع (2) ثم أنصب له ميزانه وانشر ديوانه، ثم أضع
كتابه في يمينه فيقرؤه منشورا، ثم لا أجعل بيني وبينه ترجمانا فهذه صفات المحبين.
يا أحمد اجعل همك هما واحدا، فاجعل لسانك لسانا واحدا، واجعل
بدنك حيا لا تغفل عني، من يغفل عني لا أبالي بأي واد هلك.
يا أحمد استعمل عقلك قبل أن يذهب فمن استعمل عقله لا يخطي ولا يطغى.
يا أحمد ألم تدر لأي شئ فضلتك على ساير الأنبياء؟ قال: اللهم لا
قال: باليقين، وحسن الخلق، وسخاوة النفس، ورحمة الخلق، وكذلك أوتاد الأرض
لم يكونوا أوتادا إلا بهذا.
يا أحمد إن العبد إذا أجاع بطنه وحفظ لسانه علمته الحكمة وإن كان كافرا
تكون حكمته حجة عليه ووبالا، وإن كان مؤمنا تكون حكمته له نورا وبرهانا
وشفاء ورحمة، فيعلم ما لم يكن يعلم، ويبصر ما لم يكن يبصر، فأول ما أبصره
عيوب نفسه حتى يشتغل عن عيوب غيره، وابصره دقائق العلم حتى لا يدخل عليه
الشيطان.
يا أحمد ليس شئ من العبادة أحب إلي من الصمت والصوم، فمن صام
ولم يحفظ لسانه كان كمن قام ولم يقرأ في صلاته فاعطيه أجر القيام ولم اعطه
أجر العابدين.

(1) في بعض النسخ " من المخلوقين ".
(2) المطلع بشد الطاء المهملة وفتح اللام: المكان المشرف الذي يطلع منه.
29

يا أحمد هل تدري متى تكون العبد عابدا؟ قال: لا يا رب قال: إذا اجتمع
فيه سبع خصال: ورع يحجزه عن المحارم، وصمت يكفه عما لا يعنيه، وخوف
يزداد كل يوم من بكائه، وحياء يستحيي مني في الخلاء، وأكل ما لابد منه
ويبغض الدنيا لبغضي لها، ويحب الأخيار لحبي إياهم.
يا أحمد ليس كل من قال أحب الله أحبني حتى يأخذ قوتا، ويلبس دونا
وينام سجودا، ويطيل قياما، ويلزم صمتا، ويتوكل علي، ويبكي كثيرا، ويقل
ضحكا، ويخالف هواه، ويتخذ المسجد بيتا والعلم صاحبا، والزهد جليسا، والعلماء
أحباء، والفقراء رفقاء، ويطلب رضاي، ويفر من العاصين فرارا، ويشغل بذكري
اشتغالا، ويكثر التسبيح دائما، ويكون بالوعد صادقا، وبالعهد وافيا، ويكون
قلبه طاهرا، وفي الصلاة زاكيا، وفي الفرائض مجتهدا، وفيما عندي من الثواب
راغبا، ومن عذابي راهبا، ولأحبائي قرينا وجليسا.
يا أحمد لو صلى العبد صلاة أهل السماء والأرض، ويصوم صيام أهل السماء
والأرض، ويطوي من الطعام مثل الملائكة، ولبس لباس العاري، ثم أرى في قلبه
من حب الدنيا ذرة، أو سعتها، أو رئاستها، أو حليها، أو زينتها لا يجاورني في
داري، ولأنزعن من قلبه محبتي، وعليك سلامي ورحمتي والحمد لله رب العالمين.
أقول: ورأيت في بعض الكتب لهذا الحديث سندا هكذا قال الإمام أبو عبد الله
محمد بن علي البلخي، عن أحمد بن إسماعيل الجوهري، عن أبي محمد علي بن مظفر
ابن إلياس العبدي، عن أبي نصر أحمد بن عبد الله الواعظ، عن أبي الغنايم، عن
أبي الحسن عبد الله بن الواحد بن محمد بن عقيل، عن أبي إسحاق إبراهيم بن حاتم
الزاهد بالشأم، عن إبراهيم بن محمد، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله
عبد الحميد بن أحمد بن سعيد، عن أبي بشر، عن الحسن بن علي المقري، عن
أبي مسلم محمد بن الحسن المقري، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن
جده، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: هذا ما سئل رسول الله صلى الله عليه وآله ربه ليلة
المعراج، وذكر نحوه إلى آخر الخبر.
30

ووجدت في نسخة قديمة أخرى (1) قال الشيخ أبو عمرو عثمان بن محمد البلخي
أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسماعيل الجوهري قال: حدثنا أبو علي المطر بن إلياس
ابن سعد بن سليمان (*) قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله بن إسحاق الواعظ قال:
أخبرنا أبو الغنايم الحسن بن حماد المقري قراءة بأهواز في آخر شهر رمضان سنة
ثلاث وأربعين وأربعمائة قال: أخبرنا أبو مسلم محمد بن الحسن المقري قراءة عليه
من أصله قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عقيل قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم
ابن حاتم الزاهد بالشام قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أحمد قال: حدثنا إسحاق
ابن بشر، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليهما السلام
وذكر نحوه.
7 - الكافي: (2) علي، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن علي بن عيسى رفعه
قال: إن موسى عليه السلام ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته: يا موسى لا يطول
في الدنيا أملك فيقسو لذلك قلبك وقاسي القلب مني بعيد.
يا موسى كن كمسرتي فيك (3) فان مسرتي أن أطاع فلا اعصى، وأمت
قلبك بالخشية، وكن خلق الثياب (4) جديد القلب، تخفى على أهل الأرض،
وتعرف في أهل السماء، حلس البيوت (5) مصباح الليل، واقنت بين يدي قنوت
الصابرين، وصح إلي من كثرة الذنوب صياح المذنب الهارب من عدوه، و
استعن بي على ذلك فإني نعم العون ونعم المستعان.

(1) طبعت هذه الرسالة مع تحف العقول سنة 1297 ه‍. والسندان فيهما تصحيف
وتحريف ولا يسعني تصحيحهما.
* كذا.
(2) روضة الكافي ص 42.
(3) هذا تشبيه للمبالغة وحاصله كن على حال أكون مسرورا بفعالك فكأنك تكون
مسرورا.
(4) الخلق - ككتف - البالي.
(5) الحلس: بساط يبسط في البيت.
31

يا موسى إني أنا الله فوق العباد، والعباد دوني وكل لي داخرون (1) فاتهم
نفسك على نفسك، ولا تأتمن ولدك على دينك إلا أن يكون ولدك مثلك يحب
الصالحين.
يا موسى اغسل واغتسل واقترب من عبادي الصالحين.
يا موسى كن إمامهم في صلاتهم وإمامهم فيما يتشاجرون (2) واحكم بينهم
بما أنزلت عليك، فقد أنزلته حكما بينا وبرهانا نيرا ونورا ينطق بما كان في
الأولين، وبما هو كائن في الآخرين.
أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق با ابن البتول عيسى بن مريم صاحب
الأتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب (3). ومن بعده بصاحب الجمل
الأحمر الطيب الطاهر المطهر، فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب
كلها (4) وأنه راكع ساجد راغب راهب، إخوانه المساكين، وأنصاره قوم
آخرون (5) ويكون في زمانه أزل وزلزال (6) وقتل وقلة من المال، اسمه أحمد
محمد الأمين من الباقين، من ثلة الأولين الماضين (7) يؤمن بالكتب كلها،

(1) صاغرون عاجزون.
(2) التشاجر: التنازع والتخاصم.
(3) الأتان - بالفتح - الحمارة. والبرنس - بضم الباء والنون -: قلنسوة طويلة
كان النساك يلبسونها في صدر الاسلام. والمراد بالزيتون والزيت: الثمرة المعروفة ودهنها
لأنه " ص " كان يأكلهما. أو نزلتا له في المائدة من السماء، أو المراد بالزيتون مسجد دمشق
أو جبال الشام كما ذكره الفيروزآبادي أي اعطاء الله بلاد الشام. وبالزيت الدهن الذي
روى أنه كان في بني إسرائيل وكان غليانها من علامات النبوة والمحراب لزومه وكثرة
العبادة فيه (كما في المرآة).
(4) المهيمن هنا المشاهد والمؤتمن.
(5) أي ليسوا من قومه وعشيرته.
(6) الثلة الجماعة من الناس أي انه من سلالة اشراف الأنبياء.
(7) الأزل - بشد اللام -: الضيق والشدة.
32

ويصدق جميع المرسلين، ويشهد بالاخلاص لجميع النبيين، أمته مرحومة مباركة
ما بقوا في الدين على حقايقه، لهم ساعات موقتات يؤدون فيها الصلوات أداء العبد
إلى سيده نافلته، فبه فصدق ومناهجه فاتبع فإنه أخوك.
يا موسى إنه أمي، وهو عبد صدق مبارك له فيما وضع يده عليه، ويبارك عليه
كذلك كان في علمي، وكذلك خلقته، به أفتح (1) الساعة، وبامته أختم مفاتيح
الدنيا فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه، ولا يخذلوه وإنهم لفاعلون وحبه
لي حسنة فأنا معه وأنا من حزبه (2) وهو من حزبي، وحزبهم الغالبون. فتمت
كلماتي لأظهرن دينه على الأديان كلها، ولأعبدن بكل مكان ولأنزلن عليه
قرآنا فرقانا شفاء لما في الصدور من نفث الشيطان، فصل عليه يا ابن عمران فاني
أصلي عليه وملائكتي.
يا موسى أنت عبدي وأنا إلهك لا تستذل الحقير الفقير، ولا تغبط الغني
بشئ يسير، وكن عند ذكري خاشعا، وعند تلاوته برحمتي طامعا، وأسمعني
لذاذة التوراة بصوت خاشع حزين، اطمئن عند ذكري وذكر بي من يطمئن
إلي، واعبدني ولا تشرك بي شيئا، وتحر مسرتي (3) إني أنا السيد الكبير، إني
خلقتك من نطفة من ماء مهين (4) من طينة أخرجتها من أرض ذليلة ممشوجة (5)
فكانت بشرا فأنا صانعها خلقا فتبارك وجهي، وتقدس صنعي (6) ليس كمثلي شئ

(1) الباء للملابسة والغرض اتصال أمته ودولته ونبوته بقيام الساعة.
(2) أي انصره واعينه.
(3) التحري: الطلب أي اطلب ما يوجب رضاي عنك.
(4) المهين: الحقير والقليل والضعيف.
(5) أي مخلوطة من أنواع، والمراد انى خلقتك من نطفة واصل تلك النطفة حصل
من شخص خلقته من طينة الأرض وهو آدم عليه السلام واخذت طينته من جميع وجه الأرض
المشتملة على ألوان وأنواع مختلفة (كذا في المرآة).
(6) في بعض النسخ من المصدر " صنيعي ".
33

وأنا الحي الدائم الذي لا أزول.
يا موسى كن إذا دعوتني خائفا مشفقا وجلا، عفر وجهك لي في التراب و
اسجد لي بمكارم بدنك، واقنت بين يدي في القيام، وناجني حين تناجيني بخشية
من قلب وجل، وأحي بتوراتي أيام الحياة، وعلم الجهال محامدي، وذكرهم
آلائي ونعمتي، وقل لهم لا يتمادون في غي ما هم فيه فان أخذي أليم شديد.
يا موسى إذا انقطع حبلك مني لم يتصل بحبل غيري فاعبدني، وقم بين يدي
مقام العبد الحقير الفقير، ذم نفسك فهي أولى بالذم، ولا تتطاول بكتابي على بني
إسرائيل، فكفى بهذا واعظا لقلبك، ومنيرا وهو كلام رب العالمين جل وتعالى.
يا موسى متى ما دعوتني ورجوتني وإني سأغفر لك على ما كان منك، السماء
تسبح لي وجلا، والملائكة من مخافتي مشفقون، والأرض تسبح لي طمعا، وكل
الخلق يسبحون لي داخرين (1) ثم عليك بالصلاة الصلاة، فإنها مني بمكان ولها
عندي عهد وثيق، وألحق بها ما هو منها زكاة القربان من طيب المال والطعام فاني
لا أقبل إلا الطيب، يراد به وجهي، واقرن مع ذلك صلة الأرحام فإني أنا الله
الرحمن الرحيم، والرحم أنا خلقتها فضلا من رحمتي ليتعاطف بها العباد، ولها
عندي سلطان في معاد الآخرة، وأنا قاطع من قطعها، وواصل من وصلها، وكذلك
أفعل بمن ضيع أمري.
يا موسى أكرم السائل إذا أتاك برد جميل، أو إعطاء يسير، فإنه يأتيك
من ليس بأنس ولا جان ملائكة الرحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك،
وكيف مواساتك فيما خولتك (2) واخشع لي بالتضرع، واهتف لي بولولة
الكتاب (3) واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل، وذلك
من فضلي عليك وعلى آبائك الأولين.

(1) في بعض النسخ " داخرين " وهو حال عن الضمير في " يسبحون ".
(2) التخويل: التمليك.
(3) الولولة: صوت متتابع بالويل والاستغاثة.
34

يا موسى لا تنسني على كل حال، ولا تفرح بكثرة المال، فان نسياني
يقسي القلوب، ومع كثرة المال كثرة الذنوب، الأرض مطيعة، والسماء مطيعة
والبحار مطيعة، وعصياني شقاء الثقلين، وأنا الرحمن الرحيم، رحمن كل زمان
آتي بالشدة بعد الرخاء، وبالرخاء بعد الشدة، وبالملوك بعد الملوك، وملكي
قائم دائم لا يزول، ولا يخفى علي شئ في الأرض ولا في السماء، وكيف يخفى
علي ما مني مبتداه، وكيف لا يكون همك فيما عندي وإلي ترجع لا محالة؟.
يا موسى اجعلني حرزك، وضع عندي كنزك من الصالحات، وخفني ولا تخف
غيري إلي المصير.
يا موسى ارحم من هو أسفل منك في الخلق، ولا تحسد من هو فوقك فإن
الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
يا موسى إن ابني آدم تواضعا في منزلة لينالا بها من فضلي ورحمتي فقربا
قربانا ولا أقبل إلا من المتقين فكان من شأنهما ما قد علمت فكيف تثق بالصاحب
بعد الأخ والوزير.
يا موسى ضع الكبر، ودع الفخر، واذكر أنك ساكن القبر فليمنعك ذلك
من الشهوات.
يا موسى عجل التوبة وأخر الذنب وتأن في المكث بين يدي في الصلاة
ولا ترج غيري، اتخذني جنة للشدايد وحصنا لملمات الأمور.
يا موسى كيف تخشع لي خليقة لا تعرف فضلي عليها وكيف تعرف فضلي
عليها وهي لا تنظر فيه، وكيف تنظر فيه وهي لا تؤمن به؟ وكيف تؤمن به، وهي
لا ترجو ثوابا؟ وكيف ترجو ثوابا وهي قد قنعت بالدنيا واتخذتها مأوى، وركنت
إليها ركون الظالمين؟. (1)

(1) حاصله الركون إلى الدنيا والميل إليها واتخاذها وطنا ومأوى ينافي الخشوع
لله إذ الركون ملزوم بعدم رجاء الآخرة لان من يرجو لقاء الله يحقر الدنيا في عينه ومن
يؤمن بالله يرجو لقاءه.
35

يا موسى نافس في الخير أهله (1) فان الخير كاسمه، ودع الشر لكل مفتون.
يا موسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم (2) وأكثر ذكري بالليل، و
النهار تغنم، ولا تتبع الخطايا فتندم فان الخطايا موعدها النار.
يا موسى أطب الكلام لأهل الترك للذنوب، وكن لهم جليسا، واتخذهم
لغيبك إخوانا، وجد معهم يجدون معك (3).
يا موسى الموت لاقيك لا محالة، فتزود زاد من هو على ما يتزود وارد.
يا موسى ما أريد به وجهي فكثير قليله، وما أريد به غيري فقليل كثيره
وأن أصلح أيامك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو فأعد له الجواب فإنك موقوف
به ومسؤول، وخذ موعظتك من الدهر وأهله فان الدهر طويله قصير وقصيره طويل
وكل شئ فان، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة
لا محالة فان ما بقي من الدنيا كما ولى منها، وكل عامل يعمل على بصيرة و
مثال فكن مرتادا لنفسك (4) يا ابن عمران لعلك تفوز غدا يوم السؤال، فهنالك
يخسر المبطلون.
يا موسى ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ إلى سيده، فإنك
إذا فعلت ذلك رحمت وأنا أكرم القادرين.
يا موسى سلني من فضلي ورحمتي فإنهما بيدي لا يملكها أحد غيري وانظر
حين تسألني كيف رغبتك فيما عندي، لكل عامل جزاء، وقد يجزى الكفور بما سعى.
يا موسى طب نفسا عن الدنيا وانطو عنها (5) فإنها ليست لك ولست لها
ما لك ولدار الظالمين إلا العامل فيها بالخير فإنها له نعم الدار.

(1) أي بالغ في الخير وزد عليه.
(2) يعنى إذا أردت الكلام فابدأ باستعمال قلبك وعقلك.
(3) في بعض النسخ " وجد معهم يحودون معك ".
(4) الارتياد: الطلب.
يعنى اتركها وارغب عنها.
36

يا موسى ما آمرك به فاسمع ومهما أراه فاصنع (1) خذ حقايق التوراة إلى
صدرك وتيقظ بها في ساعات الليل والنهار ولا تمكن أبناء الدنيا من صدرك فيجعلونه
وكرا كوكر الطير (2).
يا موسى أبناء الدنيا وأهلها فتن بعضهم لبعض فكل مزين له ما هو فيه و
المؤمن من زينت له الآخرة، فهو ينظر إليها ما يفتر، قد حالت شهوتها بينه وبين
لذة العيش فأدلجته بالاسحار (3) كفعل الراكب السائق إلى غايته، يظل كئيبا
ويمسي حزينا (4) وطوبى له لو قد كشف الغطاء ماذا يعاين من السرور.
يا موسى الدنيا نطفة (5) ليست بثواب للمؤمن ولا نقمة من فاجر، فالويل
الطويل لمن باع ثواب معاده بلعقة لم تبق وبلعسة لم تدم (6)، وكذلك فكن

(1) أي كل وقت أرى وأعلم ما آمرك حسنا فافعل فيه أي افعل الأوامر في أوقاتها
التي آمرتك بأدائها فيها.
(2) الوكر والوكرة: عش الطائر.
(3) قال المصنف في المرآة: الادلاج: السير باليل وظاهر العبارة أنه استعمل هنا
متعديا بمعنى التسيير بالليل ولم يأت فيما عندنا من كتب اللغة قال الفيروزآبادي: الدلج
- محركة - والدلجة - بالضم والفتح -: السير من أول الليل وقد ادلجوا، فان ساروا من
آخره فادلجوا - بالتشديد. انتهى. ويمكن أن يكون على الحذف والايصال أي أدلجت
الشهوة معه وسيرته بالاسحار كالراكب الذي سائق قرينه إلى الغاية التي يتسابقان إليها
والغاية هنا الجنة والفوز بالكرامة والقرب والحب والوصال أو الموت وهو أظهر.
(4) الكآبة: الغم وسوء الحال والانكسار من الحزن والمعنى أنه يكون في نهاره
مغموما وفى ليله محزونا لطلب الآخرة ولكن لو كشف الغطاء حتى يرى ماله في الآخرة
يحصل له السرور ما لا يخفى.
(5) النطفة: ما يبقى في الدلو أو القربة من الماء كنى بها عن قلتها.
(6) اللعقة القليل مما يلعق. واللعس - بالفتح -: العض والمراد هنا ما يقطعه بأسنانه
وفى بعض نسخ المصدر " بلعقة لم تبق وبلعبة لم تدم ".
37

كما أمرتك وكل أمري رشاد.
يا موسى إذا رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب عجلت إلي عقوبته وإذا رأيت
الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين، ولا تكن جبارا ظلوما، ولا تكن
للظالمين قرينا.
يا موسى ما عمر وإن طال يذم آخره، وما ضرك ما زوى عنك إذا حمدت
مغبته (1).
يا موسى صرخ الكتاب إليك صراخا (2) بما أنت إليه صائر فكيف ترقد
على هذا العيون، أم كيف يجد قوم لذة العيش لولا التمادي في الغفلة والاتباع
للشقوة والتتابع للشهوة، ومن دون هذا يجزع الصديقون.
يا موسى مر عبادي يدعوني على ما كان بعد أن يقروا لي أني أرحم الراحمين
مجيب المضطرين، وأبدل الزمان، وآتي بالرخاء، وأشكر اليسير وأثيب
الكثير وأغني الفقير وأنا الدائم العزيز القدير، فمن لجأ إليك وانضوى (3) إليك
من الخاطئين، فقل: أهلا وسهلا يا رحب الفناء (4) بفناء رب العالمين، واستغفر
لهم وكن لهم كأحدهم، ولا تستطل عليهم بما أنا أعطيتك فضله، وقل لهم فليسألوني
من فضلي ورحمتي فإنه لا يملكها أحد غيري وأنا ذو الفضل العظيم، طوبى لك يا

(1) زوى عنك أي بعد عنك. والمغبة: العاقبة.
(2) في بعض نسخ المصدر " صرح الكتاب صراحا " وما في المتن أصوب.
(3) انضوى إليه: انضم، وفى بعض النسخ " وانطوى ".
(4) الرحب - بالضم -: السعة. وبالفتح -: الواسع. قيل: لعل المراد ان من لجأ
إليك يا موسى من عبادي الخاطئين لتستغفر له وتدخل باستشفاعك في زمره الساكنين في
جوار قبولي فلا ترد مسألته فان رحمتي قد سبقت غضبي، فقل له: أهلا وسهلا ومرحبا، فإنك
رحب الفناء بسبب كونك في فناء قبولي ورحمتي الواسعة، فآمنه من سخطي وأسكنه باستغفارك
وشفاعتك المقبولة في فناء فضلي ومغفرتي. كذا وجدته في هامش بعض النسخ المخطوطة
من الكافي وقد يقرء في بعض نسخ الحديث " يا رحب الفناء نزلت بفناء " والظاهر هو الأصح.
38

موسى كهف الخاطئين وجليس المضطرين، ومستغفر للمذنبين، إنك مني بالمكان
الرضي فادعني بالقلب النقي واللسان الصادق، وكن كما أمرتك أطع أمري
ولا تستطل على عبادي بما ليس منك مبتداه، وتقرب إلي فإني منك قريب فاني لم
أسألك ما يؤذيك ثقله ولا حمله، إنما سألتك أن تدعوني فأجيبك وأن تسألني
فأعطيك وأن تتقرب إلي بمأمني أخذت تأويله وعلي تمام تنزيله.
يا موسى انظر إلى الأرض فإنها عن قريب قبرك. وارفع عينيك إلى السماء
فإن فوقك فيها ملكا عظيما، وابك على نفسك ما دمت في الدنيا وتخوف العطب (1)
والمهالك ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها ولا ترض بالظلم ولا تكن ظالما فإني
للظالم رصيد حتى اديل منه المظلوم.
يا موسى إن الحسنة عشرة أضعاف ومن السيئة الواحدة الهلاك ولا تشرك بي
لا يحل لك أن تشرك بي، قارب وسدد (2) وادع دعاء الطامع الراغب فيما عندي، النادم
على ما قدمت يداه، فإن سواد الليل يمحوه النهار، وكذلك السيئة تمحوها
الحسنة، وعشوة الليل (3) تأتي على ضوء النهار، وكذلك السيئة تأتي على الحسنة
الجليلة فتسودها.
8 - قال السيد (4) قدس الله روحه في كتاب سعد السعود (5): رأيت في الزبور في
السورة الثالثة والثلاثين: ثياب العاصي ثقال على الأبدان ووسخ على الوجه ووسخ
الأبدان ينقطع بالماء ووسخ الذنوب لا ينقطع إلا بالمغفرة، طوبي للذين كان
باطنهم أحسن من ظاهرهم، ومن كانت له ودائع فرح بها يوم الآزفة، ومن عمل

(1) العطب - بالتحريك -: الهلاك.
(2) قال في النهاية وفيه " قاربوا وسددوا " أي اقتصدوا في الأمور كلها واتركوا
العلو فيها والتقصير. يقال قارب فلان في الأمور إذا اقتصد، وقال في السين والدال:
قاربوا وسددوا أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة وهو القصد في الامر والعدل فيه.
(3) عشوة الليل: ظلمته.
(4) يعنى ابن طاووس.
(5) المصدر ص 50.
39

بالمعاصي وأسرها من المخلوقين، لم يقدر على إسرارها مني، قد أوفيتكم ما وعدتكم
من طيبات الرزق ونبات البر وطير السماء ومن جميع الثمرات، ورزقتكم ما لم
تحتسبوا وذلك كله على الذنوب معشر الصوام، بشر الصائمين بمرتبة الفائزين وقد
أنزلت على أهل التوراة بما أنزلت عليكم، داود! سوف تحرف كتبي ويفترى علي
كذبا فمن صدق بكتبي ورسلي فقد أنجح وأفلح وأنا العزيز الحكيم. سبحان
خالق النور.
وفي السورة السابعة والستين: ابن آدم جعلت لكم الدنيا دلائل على الآخرة
وإن الرجل منكم يستأجر الرجل فيطلب حسابه فترعد فرائصه من أجل ذلك
وليس يخاف عقوبة النار وأنتم مكثرون التمرد وتجعلون المعاصي في الظلم الدجى
إن الظلام لا يستركم علي بل استخفيتم على الآدميين وتهاونتم بي، ولو أمرت
فطرات الأرض تبتلعكم فتجعلكم نكالا (1) ولكن جدت عليكم بالاحسان فان
استغفرتموني تجدوني غفارا، فان تعصوني اتكالا على رحمتي فقد يجب أن يتقى
من يتوكل عليه، سبحان خالق النور.
وفي الثامنة والستين: ابن آدم لما رزقتكم اللسان وأطلقت لكم الأوصال (2)
ورزقتكم الأموال. جعلتم الأوصال كلها عونا على المعاصي كأنكم بي تغترون و
بعقوبتي تتلاعبون، ومن أجرم الذنوب وأعجبه حسنه فلينظر الأرض كيف لعبت
بالوجوه في القبور وتجعلها رميما، إنما الجمال جمال من عوفي من النار. وإذا
فرغتم من المعاصي رجعتم إلي أحسبتم أني خلقتكم عبثا إني إنما جعلت الدنيا
رديف الآخرة، فسددوا وقاربوا واذكروا رحلة الدنيا وارجوا ثوابي، وخافوا
عقابي واذكروا صولة الزبانية وضيق المسلك في النار وغم أبواب جهنم وبرد
الزمهرير، ازجروا أنفسكم حتى تنزجر، وارضوها باليسير من العمل. سبحان خالق
النور.

(1) الفطر: الشق. والنكال العذاب واسم ما يجعل عبرة للغير.
(2) الأوصال: الأعضاء.
40

وفي الحادية والسبعين: طلب الثواب بالمخادعة يورث الحرمان، وحسن
العمل يقرب مني، أرأيتم لو أن رجلا أحضر سيفا لا نصل له أو قوسا لا سهم له أكان
يردع عدوه وكذلك التوحيد لا يتم إلا يتم إلا بالعمل، وإطعام الطعام لرضاي، سبحان
خالق النور.
وفي الرابعة والثمانين: مولج الليل في النهار ومغيب النور في الظلمة ومذل
العزيز ومعز الذليل وأنا الملك الاعلى، معشر الصديقين كيف مساعدتكم أنفسكم
على الضحك وأيامكم تفني والموت بكم نازل وتموتون وترعى الدود في أجسادكم
وتنساكم الأهلون والأقرباء، سبحان خالق النور.
وفي المائة: من فزع نفسه بالموت هانت عليه الدنيا، ومن أكثر الهم
والأباطيل اقتحم عليه الموت من حيث لا يشعر، إن الله لا يدع شابا لشبابه ولا شيخا
لكبره، إذا قربت آجالكم توفتكم رسلي وهم لا يفرطون فالويل لمن توفته رسلي
وهو على الفواحش لم يدعها، والويل كل الويل لمن تتبع عورات المخلوقين، و
الويل كل الويل لمن كان لاحد قبله تبعة خردلة حتى يؤديها من حسناته. والليل
إذا؟؟ أظلم والصبح إذا استنار (1) والسماء الرفيعة والسحاب المسخر ليخرجن
المظالم ولتؤدي كائنة ما كانت من حسناتكم أو من سيئات المظلوم تجعل على سيئاتكم
والسعيد من أخذ كتابه بيمينه وانصرف إلى أهله مضيئ الوجه، والشقي من أخذ
كتابه بشماله ومن وراء ظهره وانصرف إلى أهله باسر الوجه بسرا، قد شحب لونه
وورمت قدماه، وخرج لسانه دالعا على صدره (2) وغلظ شعره فصار في النار

(1) في المصدر " والنهار إذا أنار " بدل " والصبح إذا استنار ".
(2) بسر يبسر بسرا وبسورا من باب قعد أي عبس وجهه فهو باسر ومنه قوله تعالى " وجوه
يومئذ باسرة " وقوله " ثم عبس وبسر ". وشحب لونه أي تغير من جوع أو مرض ونحوهما
ودلع لسانه أي خرج من فمه. وقوله " دالعا لسانه على صدره " أي خارجا لسانه متدليا على
صدره.
41

محسورا مبعدا مدحورا (1) وصارت عليه اللعنة وسوء الحساب وأنا القادر القاهر الذي
أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنا السميع
العليم.
9 - من خط الشهيد رحمه الله قيل: في التوراة قل لصاحب المال الكثير: لا يغتر
بكثرة ماله وغناه فإن اغتر فليطعم الخلق غداء وعشاء، وقل لصاحب العلم: لا يغتر
بكثرة علمه فان اغتر فليعلم أنه متى يموت، وقل لصاحب العضد القوي: لا يغتر بقوته
فان اغتر بقوته فليدفع الموت عن نفسه.
10 - عدة الداعي (2) روى الحسن بن أبي الحسن الديلمي، عن وهب بن
منبه قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود من أحب حبيبا صدق قوله، ومن
رضي بحبيب رضي فعله، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه، ومن اشتاق إلى حبيب جد
في السير إليه، يا داود ذكري للذاكرين، وجنتي للمطيعين، وحبي للمشتاقين
وأنا خاصة للمحبين. وقال سبحانه: أهل طاعتي في ضيافتي وأهل شكري في زيادتي
وأهل ذكري في نعمتي وأهل معصيتي لا أو يسهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم
وإن دعوا فأنا مجيبهم وإن مرضوا فأنا طبيبهم، أداويهم بالمحن والمصائب لأطهرهم
من الذنوب والمعايب. اعلام الدين للديلمي مثله.
11 - وفيه: (3) قال كعب الأحبار مكتوب في التوراة: يا موسى من أحبني
لم ينسني، ومن رجا معروفي، ألح في مسألتي، يا موسى إني لست بغافل عن
خلقي ولكن أحب أن يسمع ملائكتي ضجيج الدعاء من عبادي وترى حفظتي
تقرب بني آدم إلي بما أنا مقويهم عليه ومسببه لهم، يا موسى قل لبني إسرائيل
لا تبطرنكم النعمة (4) فيعاجلكم السلب، ولا تغفلوا عن الشكر فيقارعكم الذل وألحوا

(1) المحسور الممنوع يعنى درمانده وأفسوس خورده. والمدحور المطرود:
رانده شده.
(2) المصدر ص 186.
(3) المصدر ص 143.
(4) البطر: الدهش عند هجوم النعمة.
42

في الدعاء تشملكم الرحمة بالإجابة وتهنيكم العافية.
12 - وروي (1) في زبور داود يقول الله تعالى: ابن آدم تسألني فأمنعك لعلمي
بما ينفعك، ثم تلح علي بالمسألة فأعطيك ما سألت فتستعين به على معصيتي، فأهم
بهتك سترك، فتدعوني فأستر عليك، فكم من جميل أصنع معك وكم قبح تصنع
معي، يوشك أن أغضب عليك، غضبة لا أرضي بعدها أبدا.
ومن الإنجيل: ألا تدينوا وأنتم خطأ فيدان منكم بالعذاب، لا تحكموا بالجور
فيحكم عليكم بالعذاب، بالمكيال الذي تكيلون يكال لكم، وبالحكم الذي تحكمون
يحكم عليكم.
ومن الإنجيل أيضا: احذروا الكذابة الذين يأتونكم بلباس الحملان فهم في
الحقيقة ذئاب خاطفة من ثمارهم تعرفونهم (*) لا يمكن الشجرة الطيبة أن تثمر ثمارا
ردية ولا الشجرة الردية أن تثمر ثمارا صالحة.
13 - الاختصاص (2): عن رفاعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في التوراة أربع
مكتوبات وأربع إلى جانبهن: من أصبح على الدنيا حزينا أصبح على ربه ساخطا
ومن شكى مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه ومن أتى غنيا فتضعضع له لشئ يصيبه
منه ذهب ثلثا دينه، ومن دخل من هذه الأمة النار ممن قرأ القرآن هو ممن يتخذ
آيات الله هزوا. والأربعة إلى جانبهن: كما تدين تدان، ومن ملك استأثر، ومن
لم يستشر يندم، والفقر هو الموت الأكبر.
14 - الحسين بن سعيد أو النوادر: (3) محمد بن سنان، عن يوسف بن عمران، عن يعقوب بن شعيب قال:

(1) عدة الداعي ص 152.
* كذا.
(2) الاختصاص ص 226. وسيأتي في باب مواعظ الصادق عليه السلام عن أمالي الشيخ
ج 1 ص 233 باسناده عن رفاعة مثله.
(3) هذا رمز إلى كتابي الحسين بن سعيد الأهوازي أو كتابه والنوادر وكلها مخطوط
والخبر رواه الصدوق - رحمه الله - في المجلس التاسع والثمانين من أماليه وفى معافى الاخبار
وعلل الشرايع ومن لا يحضره الفقيه. ورواه البرقي أيضا في المحاسن.
43

سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عز وجل أوحى إلى آدم أني جامع لك
الكلام كله في أربع كلم، قال: يا رب وما هن؟ فقال: واحدة لي وواحدة لك و
واحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين الناس، قال: يا رب بينهن لي
حتى أعمل بهن، قال: أما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا، وأما التي لك فأجزيك
بعملك أحوج ما تكون إليه، وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الإجابة
وأما التي بينك وبين الناس فترضى للناس ما ترضى لنفسك.
15 - كنز الكراجكي: (1) روي أن الله يقول: يا ابن آدم في كل يوم يؤتى
رزقك وأنت تحزن وينقص من عمرك وأنت لا تحزن، تطلب ما يطغيك وعندك
ما يكفيك.
* (باب 3) *
* " (ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله) " *
* " (إلى أمير المؤمنين عليه السلام) " *
1 - الخصال: (2) عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن مرار (3) عن يونس يرفعه
إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: كان فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام يا علي
أنهاك عن ثلاث خصال عظام: الحسد والحرص والكذب.
يا علي سيد الأعمال ثلاث خصال: انصافك الناس من نفسك، ومواساتك
الأخ في الله عز وجل، وذكرك الله تبارك وتعالى على كل حال.

(1) المصدر ص 140.
(2) الخصال ج 1 ص 62.
(3) يعنى إسماعيل بن مرار.
44

يا علي ثلاث فرحات للمؤمن في الدنيا: لقاء الاخوان، والافطار من الصيام
والتهجد في آخر الليل.
يا علي ثلاث من لم تكن فيه لم يقم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله
عز وجل، وخلق يداري به الناس، وحلم يرد به جهل الجاهل.
يا علي ثلاث خصال من حقايق الايمان: الانفاق في الاقتار (1) وانصاف
الناس من نفسك، وبذل العلم للمتعلم.
يا علي ثلاث خصال من مكارم الأخلاق: تعطي من حرمك، وتصل من قطعك
وتعفو عمن ظلمك.
2 - الخصال: (2) محمد بن علي بن الشاه، عن أحمد بن محمد بن الحسين، عن أحمد
ابن خالد الخالدي، عن محمد بن أحمد بن الصالح التميمي، عن أبيه، عن أنس بن
محمد أبي مالك، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب
عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في وصيته له: يا علي ثلاث من لقى الله بهن
فهو من أفضل الناس: من أتى الله بما افترض الله عليه فهو من أعبد الناس ومن ورع
عن محارم الله فهو من أورع الناس، ومن قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس.
يا علي ثلاث لا تطيقها هذه الأمة: المواساة للأخ في ماله، وانصاف الناس
من نفسه، وذكر الله على كل حال، وليس هو " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر " ولكن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف الله عز وجل عنده وتركه.
يا علي ثلاثة يتخوف منهن الجنون: التغوط بين القبور، والمشي في خف
واحد، والرجل ينام وحده.
يا علي ثلاث مجالستهم تميت القلب: مجالسة الأنذال (3) ومجالسة الأغنياء

(1) الاقتار الضيق في المعيشة.
(2) الخصال ج 2 ص 62.
(3) الأنذال جمع نذل بسكون الذال المعجمة وهو الساقط في الدين أو الحسب ومن
كان خسيسا. وفى بعض النسخ " الأرذال ".
45

والحديث مع النساء.
يا علي ثلاثة يزدن في الحفظ ويذهبن السقم: اللبان (1) والسواك، وقراءة
القرآن.
يا علي ثلاثة من الوسواس: أكل الطين، وتقليم الأظفار بالأسنان، وأكل
اللحية.
يا علي أنهاك من ثلاث خصال: الحسد، والحرص، والكبرياء.
يا علي ثلاث يقسين القلب: استماع اللهو، وطلب الصيد، وإتيان باب
السلطان.
يا علي العيش في ثلاثة: دار قوراء (2) وجارية حسناء، وفرس قباء. قال مصنف
هذا الكتاب رضي الله عنه (3): الفرس القباء الضامر البطن يقال: فرس أقب وقباء
لان الفرس يذكر ويؤنث ويقال للأنثى: قباء لا غير.
3 - مكارم الأخلاق: (4) عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يا علي أوصيك بوصية فاحفظها فلا تزال بخير ما حفظت
وصيتي. يا علي من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه أعقبه الله يوم القيامة أمنا، و
إيمانا يحد طعمه.
يا علي من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصا في مروته، ولم يملك
الشفاعة. يا علي أفضل الجهاد من أصبح لا يهم بظلم أحد.
يا علي من خاف الناس لسانه فهو من أهل النار.
يا علي شر الناس من أكرمه الناس اتقاء شره.
يا علي شر الناس من باع آخرته بدنياه، وشر من ذلك من باع آخرته
بدنيا غيره.

(1) هو ما يقال له بالفارسية (كندر).
(2) بفتح القاف ممدودا كحمراء: الواسعة.
(3) يعنى الصدوق نفسه.
(4) مكارم الأخلاق: ص 500.
46

يا علي من لم يقبل العذر من متنصل (1) صادقا كان أو كاذبا لم ينل شفاعتي.
يا علي إن الله عز وجل أحب الكذب في الصلاح وأبغض الصدق في الفساد
يا علي من ترك الخير لغير الله سقاه الله من الرحيق المختوم، فقال علي: لغير الله؟
قال: نعم والله من تركها صيانة لنفسه يشكره الله على ذلك.
يا علي شارب الخمر كعابد وثن، يا علي شارب الخمر لا يقبل الله عز وجل
صلاته أربعين يوما فان مات في الأربعين مات كافرا.
يا علي كل مسكر حرام وما أسكر كثيره فالجرعة منه حرام.
يا علي جعلت الذنوب كلها في بيت وجعل مفتاحها شرب الخمر.
يا علي تأتي على شارب الخمر ساعة لا يعرف فيها ربه عز وجل.
يا علي إن إزالة الجبال الرواسي أهون من إزالة ملك مؤجل لم تنقص
أيامه. يا علي من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته، ومن لم يوجب
لك فلا توجب له ولا كرامة (2).
يا علي ينبغي أن يكون في المؤمن ثمان خصال: وقار عند الهزاهز (3) و
صبر عند البلاء، وشكر عند الرخاء، وقنوع بما رزقه الله عز وجل، ولا يظلم الأعداء
ولا يتحامل على الأصدقاء (4) بدنه منه في تعب والناس منه في راحة.
يا علي أربعة لا ترد لهم دعوة إمام عادل، ووالد لولده، والرجل يدعو
لأخيه بظهر الغيب، والمظلوم، يقول الله جل جلاله وعزتي وجلالي لأنتصرن لك
ولو بعد حين.
يا علي ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم: الذاهب إلى مائدة لم

(1) تنصل إلى فلان من الجناية خرج وتبرأ عنده منها. وتنصل من كذا: خرج
وتنصل الشئ: أخرجه، وتنصل فلان من ذنبه تبرأ منه.
(2) أوجب لفلان حقه: راعاه.
(3) الهزاهز: الفتن التي تهز الناس من الشدائد والحروب.
(4) تحامل على فلان: جار ولم يعدل وكلفه ما لا يطيق. والأصدقاء جمع صديق.
47

يدع إليها، والمتأمر (1) على رب البيت، وطالب الخير من أعدائه، وطالب الفضل
من اللئام، والداخل بين اثنين في سر لم يدخلاه فيه، والمستخف بالسلطان، و
الجالس في مجلس ليس له بأهل، والمقبل بالحديث على من لا يسمع منه.
يا علي حرم الله الجنة على كل فاحش بذي (2) لا يبالي ما قال ولا ما
قيل له. يا علي طوبى لمن طال عمره وحسن عمله.
يا علي لا تمزح فيذهب بهاؤك، ولا تكذب فيذهب نورك، وإياك وخصلتين
الضجرة والكسل، فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤد حقا.
يا علي لكل ذنب توبة إلا سوء الخلق فان صاحبه كلما خرج من ذنب
دخل في ذنب.
يا علي أربعة أسرع شئ عقوبة: رجل أحسنت إليه فكافاك بالاحسان إساءة
ورجل لا تبغي عليه وهو يبغي عليك، ورجل عاهدته على أمر فوفيت له وغدر بك
ورجل وصل قرابته فقطعوه.
يا علي من استولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة.
يا علي اثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجل المسلم أن يتعلمها على المائدة: أربع
منها فريضة، وأربع منها سنة، وأربع منها أدب، فأما الفريضة فالمعرفة بما يأكل
والتسمية، والشكر، والرضا، وأما السنة فالجلوس على الرجل اليسرى، والاكل
بثلاث أصابع، وأن يأكل مما يليه، ومص الأصابع، وأما الأدب فتصغير اللقمة
والمضغ الشديد، وقلة النظر في وجوه الناس، وغسل اليدين.
يا علي خلق الله عز وجل الجنة من لبنتين لبنة من ذهب ولبنة من فضة
وجعل حيطانها الياقوت وسقفها الزبرجد وحصاها اللؤلؤ وترابها الزعفران
والمسك الأذفر (3)، ثم قال لها: تكلمي فقالت: " لا إله إلا هو الحي اليوم " قد

(1) تأمر عليه: تسلط وتحكم عليه.
(2) البذى على فعيل: الكلام القبيح. والذي تكلم بالفحش.
(3) ذفر المسك - من باب علم - ظهر رائحته واشتدت فهو أذفر.
48

سعد من يدخلني، قال الله جل جلاله: وعزتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر (1)
ولا نمام ولا شرطي (2) ولا مخنث ولا نباش ولا عشار ولا قاطع رحم ولا قدري.
يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة: القتات (3)، والساحر،
والديوث، وناكح المرأة حراما في دبرها، وناكح البهيمة، ومن نكح ذات
محرم، والساعي في الفتنة، وبايع السلاح من أهل الحرب، ومانع الزكاة، ومن
وجد سعة فمات ولم يحج.
يا علي لا وليمة إلا في خمس في عرس، أو خرس، أو عذار، أو وكار، أو
ركاز (4) فالعرس التزويج، والخرس النفاس، بالولد، والعذار الختان، والوكار
في شرى الدار، والركاز الرجل يقدم من مكة.
يا علي لا ينبغي للعاقل أن يكون ظاعنا (5) إلا في ثلاث مرمة لمعاش، أو
تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم.
يا علي ثلاثة من مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة: أن تعفو عمن ظلمك
وتصل من قطعك، وتحلم عمن جهل عليك.
يا علي بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك، وصحتك، قبل سقمك

(1) أدمن الخمر أي أدام شربها. ومدمن الخمر المداوم شربها.
(2) الشرطي: منسوب إلى الشرطة - كغرفة -: عون السلطان والوالي. وقيل
الطائفة من خيار أعوان الولاة ورؤساء الضابطة ورجالها، سموا بذلك لأنهم اعلموا أنفسهم
بعلامات يعرفون بها. وإنما لم يدخلوا الجنة لجورهم على الناس وظلمهم غالبا.
(3) القتات: النمام. وفى المصدر " القتال " وهو تصحيف.
(4) الخرس - بالضم - والخراس - بالكسر - طعام الولادة. والخرسة - بالصم
طعام النفساء نفسها. والعذار - بالكسر - طعام الختان أو البناء، وعذر الغلام عذرا - من
باب ضرب - ختنه. والوكار: الذي يدعى إليه الناس عند بناء الدار أو شرائها، والوكرة
طعام يعمل عند الفراق من البناء. كذا في كتب اللغة والركاز: الغنيمة.
(5) أي راحلا.
49

وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك.
يا علي كره الله عز وجل لامتي العبث في الصلاة، والمن في الصدقة
وإتيان المساجد جنبا، والضحك بين القبور، والتطلع في الدور، والنظر إلى
فروج النساء لأنه يورث العمى، وكره الكلام عند الجماع لأنه يورث الخرس
وكره النوم بين العشائين لأنه يحرم الرزق، وكره الغسل تحت السماء إلا
بمئزر، وكره دخول الأنهار إلا بمئزر فإن فيها سكانا من الملائكة، وكره
دخول الحمام إلا بمئزر، وكره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة،
وكره ركوب البحر في وقت هيجانه، وكره النوم فوق سطح ليس بمحجر، و
قال: من نام على سطح غير محجر فقد برئت منه الذمة، وكره أن ينام الرجل
في بيت وحده، وكره أن يغشى الرجل امرأته وهي حايض فإن فعل وخرج الولد
مجذوبا أو به برص فلا يلومن إلا نفسه. وكره أن يكلم الرجل مجذوما إلا
أن يكون بينه وبينه قدر ذراع، وقال عليه السلام: فر من المجذوم فرارك من الأسد
وكره أن يأتي الرجل أهله وقد احتلم حتى يغتسل من الاحتلام فان فعل وخرج
الولد مجنونا فلا يلومن إلا نفسه، وكره البول على شط نهر جار (1)، وكره
أن يحدث الرجل تحت الشجرة أو نخلة قد أثمرت، وكره أن يتنعل الرجل وهو
قائم، وكره أن يدخل الرجل بيتا مظلما إلا مع السراج.
يا علي آفة الحسب الافتخار.
يا علي من خاف الله عز وجل خاف منه كل شئ، ومن لم يخف الله أخافه
الله من كل شئ.
يا علي ثمانية لا يقبل منهم الصلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه
والناشز وزوجها عليها ساخط، ومانع الزكاة، وتارك الوضوء، والجارية المدركة
تصلي بغير خمار، وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون، والسكران والزبين (2)

(1) أي جانبه حال جريانه.
(2) الزبين - كسكين - مدافع الأخبثين أي البول والغائط أو ممسكهما على كره.
50

وهو الذي يدافع البول والغائط.
يا علي أربع من كن فيه بنى الله له بيتا في الجنة: من آوي اليتيم، ورحم
الضعيف، وأشفق على والديه، ورفق بمملوكه.
يا علي ثلاث من لقى الله عز وجل بهن فهو أفضل الناس: من أتى الله
بما افترض عليه فهو من أعبد الناس، ومن ورع عن محارم الله فهو من أورع الناس
ومع؟ قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس.
يا علي ثلاث لا يطيقها أحد من هذه الأمة: المواساة للأخ في ماله، وانصاف
الناس، من نفسه، وذكر الله على كل حال، وليس هو " سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر " ولكن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف الله عز وجل
عنده وتركه.
يا علي ثلاثة وإن أنصفتهم ظلموك: السفلة، وأهلك، وخادمك، وثلاثة
لا ينتصفون من ثلاثة حر من عبده، وعالم من جاهل، وقوي من ضعيف.
يا علي سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة الايمان، وأبواب الجنة مفتحة
له: من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله، وكف غضبه، وسجن
لسانه، واستغفر لذنبه، وأدى النصيحة لأهل بيت نبيه.
يا علي لعن الله ثلاثة آكل زاده وحده، وراكب الفلاة وحده، والنائم في
بيت وحده.
يا علي ثلاثة يتخوف منهن الجنون: التغوط بين القبور، والمشي في خف
واحد، والرجل ينام وحده.
يا علي ثلاثة يحسن فيهن الكذب (1): المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك

(1) لا يخفى أن الكذب حرام وفعله من المعاصي كسائر المحرمات ولا فرق بينه وبينها
ولكن إذا دار الامر بينه وبين الأهم منه فليقدم الأهم حينئذ؟؟ مهما كان لان العقل مستقل
بوجوب الأهم عند التزاحم كما إذا دار الامر بانقاذ غريق إلى ارتكاب حرام مثلا وتزاحم
الامر بينه وبين واجب اخر فليقدم الأهم منهما وقد دلت عليه الأدلة الأربعة. والموارد
الثلاث من هذه الموارد.
51

والاصلاح بين الناس، وثلاثة مجالستهم تميت القلب: مجالسة الأنذال، ومجالسة
الأغنياء، والحديث مع النساء.
يا علي ثلاثة من حقائق الايمان: الانفاق من الاقتار، وانصافك الناس من
نفسك، وبذل العلم للمتعلم.
يا علي ثلاث من لم يكن فيه لم يتم عمله: ورع يحجزه عن معاصي الله عز
وجل، وخلق يداري به الناس، وحلم يرد به جهل الجاهل.
يا علي ثلاث فرحات للمؤمن في الدنيا: لقاء الاخوان، وتفطير الصائم
والتهجد في آخر الليل.
يا علي أنهاك عن ثلاث خصال: الحسد، والحرص، والكبر.
يا علي أربع خصال من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وبعد الامل
وحب البقاء.
يا علي ثلاث درجات، وثلاث كفارات، وثلاث مهلكات، وثلاث منجيات
فأما الدرجات فاسباغ الوضوء في السبرات (1) وانتظار الصلاة بعد الصلاة والمشي
بالليل والنهار إلى الجماعات. فأما الكفارات: فإفشاء السلام، وإطعام الطعام
والتهجد بالليل والناس نيام. فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب
المرء بنفسه، وأما المنجيات: فخوف الله في السر والعلانية، والقصد في الغنى
والفقر، وكلمة العدل في الرضا والسخط.
يا علي لا رضاع بعد فطام، ولا يتم بعد احتلام.
يا علي سر سنتين بر والديك، سر سنة صل رحمك، سر ميلا عد مريضا، سر
ميلين شيع جنازة، سر ثلاثة أميال أجب دعوة، سر أربعة أميال زر أخا في الله،
سر خمسة أميال أغث الملهوف، سر ستة أميال انصر المظلوم، وعليك بالاستغفار.

(1) السبرات جمع سبرة - بالفتح - شدة البرد. وقيل الغداة الباردة. وفى بعض
نسخ المصدر " الشتوات ".
52

يا علي: للمؤمن ثلاث علامات: الصلاة، والزكاة، والصيام، وللمتكلف ثلاث
علامات: يتملق إذا حضر، ويغتاب إذا غاب، ويشمت بالمصيبة، وللظالم ثلاث
علامات: يقهر من دونه بالغلبة، ومن فوقه بالمعصية، ويظاهر الظلمة، وللمرائي
ثلاث علامات ينشط إذا كان عند الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويحب أن يحمد
في جميع أموره، وللمنافق ثلاث علامات إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا
ائتمن خان.
يا علي: تسعة أشياء تورث النسيان: أكل التفاح الحامض، وأكل
الكزبرة (1)، والجبن، وسؤر الفارة، وقراءة كتابة القبور، والمشي بين امرأتين
وطرح القملة، والحجامة في النقرة (2) والبول في الماء الراكد.
يا علي العيش في ثلاثة: دار قوراء، وجارية حسناء، وفرس قباء.
يا علي والله لو أن المتواضع في قعر بئر لبعث الله عز وجل إليه ريحا يرفعه
فوق الأخيار في دولة الأشرار.
يا علي: من انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله، ومن منع أجيرا أجره
فعليه لعنة الله، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله. فقيل: يا رسول الله
وما ذلك الحدث؟ قال: القتل.
يا علي المؤمن من أمنه المسلمون على أموالهم ودمائهم، والمسلم من سلم
المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر من هجر السيئات.
يا علي: أوثق عرى الايمان الحب في الله، والبغض في الله.
يا علي: من أطاع امرأته أكبه الله على وجهه في النار. فقال علي عليه السلام:
وما تلك الطاعة؟ قال: يأذن في الذهاب إلى الحمامات، والعرسات، والنائحات
ولبس ثياب الرقاق.
يا علي إن الله تبارك وتعالى قد أذهب بالاسلام نخوة الجاهلية وتفاخرهم

(1) يعنى گشنيز.
(2) النقرة: ثقب في القفاء. وثقب في وسط الورك.
53

بآبائهم ألا وإن الناس من آدم، وآدم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم.
يا علي من السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر الزانية
والرشوة في الحكم، وأجر الكاهن.
يا علي من تعلم علما ليماري به السفهاء أو يجادل به العلماء أو ليدعو الناس
إلى نفسه فهو من أهل النار.
يا علي إذا مات العبد قال الناس: ما خلف؟ وقالت الملائكة: ما قدم.
يا علي الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
يا علي موت الفجأة راحة المؤمن وحسرة الكافر.
يا علي أوحى الله تبارك وتعالى إلى الدنيا: أخدمي من خدمني وأتعبي
من خدمك.
يا علي إن الدنيا لو عدلت عند الله عز وجل جناح بعوضة لما سقى الكافر منها
شربة من ماء.
يا علي ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو يتمنى يوم القيامة أنه لم
يعط من الدنيا إلا قوتا.
يا علي شر الناس من اتهم الله في قضائه.
يا علي أنين المؤمن المريض تسبيح، وصياحه تهليل، ونومه على الفراش عبادة
وتقلبه من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله، فإن عوفي يمشي في الناس وما عليه
من ذنب.
يا علي لو أهدي إلي كراع لقبلت، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت.
يا علي ليس على النساء جمعة، ولا جماعة، ولا إقامة، ولا عيادة مريض، ولا
اتباع جنازة، ولا هرولة بين الصفا والمروة، ولا استلام الحجر، ولا حلق، ولا
تولى القضاء، ولا [أن] تستشار، ولا تذبح إلا عند الضرورة، ولا تجهر بالتلبية
ولا تقيم عند قبر ولا تسمع الخطبة، ولا تتولى التزويج، ولا تخرج من بيت زوجها
إلا بإذنه، فان خرجت بغير إذنه لعنها الله وجبرئيل وميكائيل، ولا تعطي من بيت
54

زوجها شيئا إلا بإذنه، ولا تبيت وزوجها عليها ساخط، وإن كان ظالما لها.
يا علي الاسلام عريان، ولباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروته العمل
الصالح، وعماده الورع، ولكل شئ أساس وأساس الاسلام حبنا أهل البيت.
يا علي سوء الخلق شؤم، وطاعة المرأة ندامة.
يا علي إن كان الشؤم في شئ ففي لسان المرأة.
يا علي نجى المخفون، وهلك المثقلون.
يا علي من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
يا علي ثلاثة يزدن في الحفظ، ويذهبن البلغم: اللبان، والسواك، وقراءة
القرآن.
يا علي السواك من السنة، ومطهرة للفم، ويجلو البصر، ويرضى الرحمن
ويبيض الأسنان، ويذهب بالبخر (1) ويشد اللثة، ويشهي الطعام، ويذهب
بالبلغم، ويزيد في الحفظ، ويضاعف الحسنات، وتفرح به الملائكة.
يا علي النوم أربعة: نوم الأنبياء عليهم السلام على أقفيتهم، ونوم المؤمنين على
أيمانهم، ونوم الكفار والمنافقين على أيسارهم، ونوم الشياطين على وجوههم.
يا علي ما بعث الله عز وجل نبيا إلا وجعل ذريته من صلبه، وجعل ذريتي
من صلبك، ولولاك ما كانت لي ذرية.
يا علي أربعة من قواصم الظهر: إمام يعصي الله عز وجل ويطاع أمره
وزوجة يحفظها زوجها وهي تخونه، وفقر لا يجد صاحبه مداويا، وجار سوء في
دار مقام.
يا علي إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله عز وجل
في الاسلام: حرم نساء الآباء على الأبناء فأنزل الله عز وجل " ولا تنكحوا ما نكح
آباؤكم من النساء " (2) ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به، فأنزل الله

(1) البخر - بالتحريك -: الريح المنتن في الفم.
(2) النساء: 26.
55

تبارك وتعالى " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه - الآية " (1) ولما حفر
زمزم سماها سقاية الحاج فأنزل الله تبارك وتعالى " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة
المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر - الآية " (2) وسن في القتل مائة من
الإبل فأجرى الله عز وجل ذلك في الاسلام. ولم يكن للطواف عدد عند قريش
فسن لهم عبد المطلب سبعة أشواط فأجرى الله عز وجل ذلك في الاسلام.
يا علي إن عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام، ولا يعبد الأصنام، ولا يأكل
ما ذبح على النصب، ويقول: أنا على دين أبي إبراهيم عليه السلام.
يا علي أعجب الناس إيمانا وأعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزمان لم
يلحقوا النبي، وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد على بياض.
يا علي ثلاث: يقسين القلب استماع اللهو، وطلب الصيد، وإتيان باب
السلطان.
يا علي لا تصل في جلد ما لا تشرب لبنه، ولا تأكل لحمه، ولا تصل في
ذات الجيش، ولا في ذات الصلاصل ولا في ضجنان (3).
يا علي كل من البيض ما اختلف طرفاه، ومن السمك ما كان له قشور
ومن الطير ما دف، واترك منه ما صف (4) وكل من طير الماء ما كانت له قانصة
أو صيصية (5).

(1) الأنفال: 42.
(2) التوبة: 19.
(3) ذات الجيش: واد قرب المدينة قيل بينها وبين ميقات أهل المدينة ميل واحد.
وذات الصلاصل: اسم موضع في طريق مكة. وضجنان - كسكران -: جبل قرب مكة.
والنهى تنزيهي يحمل على الكراهة.
(4) دف الطائر: حرك جناحيه كالحمام. وصف الطائر جناحيه: بسطهما ولم يحركهما.
(5) القانصة واحدة قوانص الطير - كفاصلة وفواصل - وقد اختلفوا فيها فقيل هي
للطير بمنزلة المصارين لغيرها وهذا القول ضعيف جدا لان المصارين هي الأمعاء، وقد ورد
في الخبر " كل من طير البر ما كانت له حوصلة ومن طير الماء ما كانت له قانصة " كقانصة الحمام لا معدة كمعدة الانسان والمعى موجود في الطيور كلها وقيل هي الحوصلة وقيل هي بمنزلة
معدة للانسان وهذان القولان معناهما واحد، لان الحوصلة للطيور بمنزلة المعدة للانسان
وهي التي يجتمع فيها كل ما تنقر من الحب وغيره ثم ينحدر إلى معي، وقيل: هي اللحمة
الغليظة جدا التي يجتمع فيها كل ما تنقر من الحصى الصغار بعد ما انحدر من الحوصلة يقال
لها بالفارسية سنگدان وهذا القول هو الصواب كما يظهر من الحديث (كذا في المعيار)
والصيصية هي الشوكة التي في رجل الطير في موضع العقب وهي الإصبع الزائد في باطن رجل
الطائر بمنزلة الابهام من بني آدم لأنها شوكته.
56

يا علي كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير فحرام أكله.
يا علي لا قطع في ثمر ولا كثر (1).
يا علي ليس على زان عقر (2) ولا حد في التعريض، ولا شفاعة في حد
ولا يمين في قطيعة رحم، ولا يمين لولد مع والده، ولا لامرأة مع زوجها، ولا
للعبد مع مولاه، ولا صمت يوما إلى الليل، ولا وصال في صيام، ولا تعرب
بعد هجرة.
يا علي لا يقتل والد بولده.
يا علي لا يقبل الله عز وجل دعا قلب ساه.
يا علي نوم العالم أفضل من عبادة العابد الجاهل.
يا علي ركعتان يصليهما العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد.
يا علي لا تصوم المرأة تطوعا إلا باذن زوجها، ولا يصوم العبد تطوعا إلا

(1) الثمر - بفتح المثلثة والميم - الرطب ما دام في رأس النخلة. ولا قطع أي
في سرقته، قال العلقمي: قال: شيخنا قال: الخطابي تأوله الشافعي على ما كان معلقا في
النخل قبل أن يجد ويحرز وقوله " ولاكثر " بفتح الكاف والمثلثة جمار النخل قال:
في النهاية هو شحمه الذي في وسط النخلة. قال المناوي وتمامه " الا ما آواه الجرين " فبين
الحالة التي فيها القطع وهو كون المال في حرز (السراج المنير في شرح الجامع الصغير).
(2) العقر - بالضم - صداق المرأة.
57

بإذن مولاه، ولا يصوم الضيف تطوعا إلا باذن صاحبه.
يا علي صوم يوم الفطر، وصوم يوم الأضحى حرام، وصوم الوصال حرام
وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام.
يا علي في الزناء ست خصال ثلاث منها في الدنيا وثلاث منها في الآخرة
أما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء، ويعجل الفناء، ويقطع الرزق، وأما التي في
الآخرة فسوء الحساب، وسخط الرحمن، والخلود في النار.
يا علي الربا سبعون جزءا فأيسره مثل أن ينكح الرجل أمه في بيت الله
الحرام.
يا علي درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم.
يا علي من منع قيراطا من زكاة ماله فليس بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة.
يا علي تارك الصلاة يسأل الرجعة إلى الدنيا، وذلك قول الله تعالى: " حتى
إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون - الآية " (1).
يا علي تارك الحج وهو يستطيع كافر قال الله تبارك وتعالى: " والله على الناس
حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين " (2).
يا علي من سوف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا.
يا علي الصدقة ترد القضاء الذي قد أبرم إبراما.
يا علي صلة الرحم يزيد في العمر.
يا علي افتتح بالملح، واختم بالملح فان فيه شفاء من اثنين وسبعين داء (3)
يا علي لو قدمت المقام المحمود لشفعت في أبي وأمي وعمي وأخ كان لي
في الجاهلية.
(*) يا علي لا صدقة وذو رحم محتاج.
يا علي درهم في الخضاب أفضل من ألف درهم ينفق في سبيل الله وفيه أربع عشرة خصلة: يطرد الريح من الاذنين، ويجلو البصر، ويلين الخياشيم، ويطيب النكهة ويشد اللثة
ويذهب بالصنان (4) ويقل وسوسة الشيطان، وتفرح به الملائكة ويستبشر به المؤمن و
يغيظ به الكافر، وهو زينة وطيب، ويستحيي منه منكر ونكير، وهو براءة له في قبره.
يا علي لا خير في قول إلا مع الفعل، ولا في منظر إلا مع المخبر (5)، ولا
في المال إلا مع الجود، ولا في الصدق إلا مع الوفاء، ولا في العفة إلا مع
الورع، ولا في الصدقة إلا مع النية، ولا في الحياة إلا مع الصحة، ولا في الوطن
إلا مع الامن والسرور. يا علي حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم، والمذاكير،
والمثانة، والنخاع، والغدد، والطحال، والمرارة.
يا علي لا تماكس في أربعة أشياء: في شراء الأضحية، والكفن، والنسمة
والكرى إلى مكة.
يا علي الا أخبرك بأشبهكم بي خلقا؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: أحسنكم
خلقا، أعظمكم حلما، وأبركم بقرابته، وأشدكم من نفسه انصافا.
يا علي أمان لامتي من الغرق إذا هم ركبوا السفن فقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم
" وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه
سبحانه وتعالى عما يشركون " (6) " بسم الله مجريها ومرسيها إن ربي لغفور رحيم " (7).
يا علي أمان لامتي من السرق " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا
فله الأسماء الحسنى " - إلى آخر السورة (8).
يا علي أمان لامتي من الهدم " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا
ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا " (9).
يا علي أمان لامتي من الهم " لا حول ولا قوة إلا بالله لا ملجأ ولا منجا من
الله إلا إليه ". يا علي أمان لامتي من الحرق " إن وليي الله الذي نزل الكتاب
وهو يتولى الصالحين " (10) " وما قدروا الله حق قدره " (11).
يا علي من خاف السباع فليقرأ " لقد جاءكم رسول من أنفسكم - إلى آخر
السورة (12). يا علي ومن استصعب عليه دابته فليقرأ في اذنها اليمنى " وله أسلم
من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون " (13).
يا علي من خاف ساحرا أو شيطانا فليقرء " إن ربكم الله الذي خلق السماوات
والأرض - الآية " (14).
يا علي من كان في بطنه ماء أصفر (15) فليكتب على بطنه آية الكرسي ويشربه
فإنه برء بإذن الله عز وجل.
يا علي حق الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه، ويضعه موضعا صالحا،
وحق الوالد على ولده أن لا يسميه باسمه ولا يمشي بين يديه ولا يجلس أمامه ولا
يدخل معه الحمام.
يا علي ثلاثة من الوسواس، أكل الطين، وتقليم الأظفار بالأسنان وأكل اللحية.
يا علي لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما.
يا علي يلزم الوالدين من ولدهما ما يلزم لهما من عقوقهما.
يا علي رحم الله والدين حملا ولدهما علي برهما. يا علي من أحزن والديه
فقد عقهما. يا علي من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذله
الله في الدنيا والآخرة.
يا علي من كفى يتيما في نفقة بماله حتى يستغني وجبت له الجنة البتة.
يا علي من مسح يده على رأس يتيم ترحما له أعطاه الله عز وجل بكل
شعرة نورا يوم القيامة.

(1) المؤمنون: 101.
(2) آل عمران: 91 - 92.
(3) الامر ارشادي وذلك لأنه كان منشأ أكثر الأمراض من الطعام وهضمه في المعدة
والملح قبل الطعام وبعده يؤثر في المعدة خشونة موجبة لهضم الطعام بسهولة فهذا تأثير طبيعي
موجب لحفظ البدن من الأمراض الكثيرة.
* سقطت هنا خمسة أسطر وتأتي بعد قوله يوم القيامة صدر ص 59.
(4) النكهة ريح الفم، والصنان رائحة معاطن الجسد إذا تغيرت وهي من أصن
اللحم إذا أنتن، والصنان ذفر الإبط والنتن عموما.
(5) في بعض النسخ " في نظر الا مع الخبرة ".
(6) الزمر: 67.
(7) هود: 43.
(8) الاسراء: 110 و 111.
(9) فاطر: 39.
(10) الأعراف: 196.
(11) الانعام: 91.
(12) التوبة: 128.
(13) آل عمران: 78.
(14) يونس: 3.
(15) ماء اصفر: صفرائيست كه بطريق ادرار دفع شود (بحر الجواهر)
58

يا علي أنا ابن الذبيحين (1) أنا دعوة أبي إبراهيم.
يا علي العقل ما اكتسب به الجنة وطلب به رضى الرحمن.
يا علي إن أول خلق خلقه الله عز وجل العقل فقال له: أقبل فأقبل ثم قال
له: أدبر فأدبر، وقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك، بك آخذ
وبك أعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب (2).
يا علي لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من
العجب، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف عن محارم الله وعما لا يليق، ولا حسب
كحسن الخلق، ولا عبادة مثل التفكر.
يا علي آفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الفترة، وآفة
الجمال الخيلاء، وآفة الحلم الحسد.
يا علي أربعة يذهبن ضياعا (3): الاكل على الشبع، والسراج في القمر
والزرع في السبخة (4) والصنيعة عند غير أهلها.
يا علي من نسي الصلاة علي فقد أخطأ طريق الجنة.
يا علي إياك ونقرة الغراب وفريسة الأسد (5).
يا علي لئن أدخل يدي في فم التنين (6) إلى المرفق أحب إلي من أن
أسأل من لم يكن ثم كان.

(1) يعنى بهما إسماعيل عليه السلام وعبد الله أباه صلى الله عليه وآله وإشارة إلى قول
إبراهيم عليه السلام " واجعل لي لسان صدق في الآخرين ".
(2) يعنى أن العقل هو موجب الاختيار وهو ملاك التكليف فافهم.
(3) أي مهملا ضايعا.
(4) السبخة: ارض ذات نز وملح. يعنى شوره زار. والصنيعة: الاحسان.
(5) فريسة الأسد هو ما يفترسه يعنى احذر منهما.
(6) التنين - كسكين -: الحية العظيمة. وقيل إنه أشر من الكوسج، في فمه أنياب
مثل أسنة الرماح، احمر العينين براق، طويل كالنخلة، واسع الفم والجوف، يبلع كثيرا
من الحيوان.
59

يا علي إن أعتى الناس على الله عز وجل القاتل غير قاتله، والضارب غير
ضاربه، ومن تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل الله عز وجل.
يا علي تختم باليمين فإنه فضيلة من الله عز وجل للمقربين قال: بم أتختم
يا رسول الله؟ قال: بالعقيق الأحمر فإنه أول جبل أقر لله عز وجل بالوحدانية
ولي بالنبوة، ولك بالوصية، ولولدك بالإمامة، ولشيعتك بالجنة، ولأعدائك
بالنار.
يا علي إن الله عز وجل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين
ثم أطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين، ثم أطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك
على رجال العالمين، ثم أطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين.
يا علي إني رأيت اسمك مقرونا باسمي في أربعة مواطن فآنست بالنظر إليه
إني لما بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرتها " لا إله إلا الله
محمد رسول الله أيدته بوزيره ونصرته بوزيره " فقلت لجبرئيل: من وزيري؟ فقال:
علي بن أبي طالب، فلما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها " إني أنا الله
لا إله إلا أنا وحدي، محمد صفوتي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره " فقلت
لجبرئيل عليه السلام: من وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب، فلما جاوزت السدرة انتهيت
إلى عرش رب العالمين جل جلاله فوجدت مكتوبا على قوائمه " أنا الله لا إله إلا أنا
وحدي، محمد حبيبي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره ".
يا علي إن الله تبارك وتعالى أعطاني فيك سبع خصال: أنت أول من ينشق
عنه القبر معي، وأنت أول من يقف على الصراط معي، وأنت أول من يكسى إذا
كسيت ويحيى إذا حييت، وأنت أول من يسكن معي عليين، وأنت أول من يشرب
معي من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك.
ثم قال صلى الله عليه وآله لسلمان الفارسي رحمة الله عليه: يا سلمان إن لك في علتك إذا
اعتللت ثلاث خصال: أنت من الله بذكر، ودعاؤك فيها مستجاب، ولا تدع العلة
عليك ذنبا إلا حطته، متعك الله بالعافية إلى انقضاء أجلك.
ثم قال صلى الله عليه وآله لأبي ذر رحمة الله عليه: يا أبا ذر إياك والسؤال فإنه ذل حاضر
60

وفقر متعجلة، وفيه حساب طويل يوم القيامة.
يا أبا ذر تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتدخل الجنة وحدك، ويسعد بك
قوم من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك.
يا أبا ذر لا تسأل بكفك، فان أتاك شئ فاقبله.
ثم قال لأصحابه: ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال:
المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العيب.
4 - تحف العقول (1): وصيته صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام: يا علي إن من اليقين
أن لا ترضي أحدا بسخط الله، ولا تحمد أحدا بما آتاك الله، ولا تذم أحدا على
ما لم يؤتك الله، فان الرزق لا يجره حرص حريص ولا تصرفه كراهة كاره،
إن الله بحكمه وفضله جعل الروح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن
في الشك والسخط.
يا علي إنه لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل (2) ولا وحدة
أوحش من العجب، ولا مظاهرة (3) أحسن من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا
حسب كحسن الخلق، ولا عبادة كالتفكر.
يا علي آفة الحديث الكذب على الله وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الفترة (4)
وآفة السماحة المن (5) وآفة الشجاعة البغي، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحسب الفخر.
يا علي عليك بالصدق، ولا تخرج من فيك كذبة أبدا، ولا تجترين على خيانة
أبدا، والخوف من الله كأنك تراه، وابذل مالك ونفسك دون دينك، وعليك بمحاسن
الأخلاق فاركبها، وعليك بمساوي الأخلاق فاجتنبها.

(1) تحف العقول ص 6.
(2) الاعود: الأنفع.
(3) المظاهرة: المعاونة.
(4) الفترة: الضعف وانكسار.
(5) السماحة: الجود.
61

يا علي أحب العمل إلى الله ثلاث خصال: من أتي الله بما افترض عليه فهو من
أعبد الناس، ومن ورع عن محارم الله فهو من أورع الناس، ومن قنع بما رزقه الله فهو
من أغنى الناس.
يا علي ثلاث من مكارم الأخلاق: تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو
عمن ظلمك.
يا علي ثلاث منجيات: تكف لسانك، وتبكي على خطيئتك، ويسعك بيتك.
يا علي سيد الأعمال ثلاث خصال: إنصافك الناس من نفسك، ومساواة الأخ
في الله، وذكر الله على كل حال.
يا علي ثلاثة من حلل الله: رجل زار أخاه المؤمن في الله فهو زور الله وحق
على الله أن يكرم زوره (1) ويعطيه ما سأل، ورجل صلى ثم عقب إلى الصلاة الأخرى
فهو ضيف الله وحق على الله أن يكرم ضيفه، والحاج والمعتمر فهما وفد الله وحق
على الله أن يكرم وفده (2).
يا علي ثلاث ثوابهن في الدنيا والآخرة: الحج ينفي الفقر، والصدقة تدفع
البلية، وصلة الرحم تزيد في العمر.
يا علي ثلاث من لم يكن فيه لم يقم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله
وعلم يرد به جهل السفيه، وعقل يداري به الناس.
يا علي ثلاثة تحت ظل العرش يوم القيامة: رجل أحب لأخيه ما أحب
لنفسه، ورجل بلغه أمر فلم يقدم فيه ولم يتأخر حتى يعلم أن ذلك الامر لله رضى أو
سخط، ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يصلح ذلك العيب عن نفسه، فإنه كلما
أصلح من نفسه عيبا بداله منها آخر، وكفى بالمرء في نفسه شغلا.
يا علي ثلاث من أبواب البر: سخاء النفس وطيب الكلام والصبر على الأذى.
يا علي في التوراة أربع إلى جنبهن أربع: من أصبح على الدنيا حريصا

(1) أي زائره وقاصده.
(2) الوفد: الضيف الوارد.
62

أصبح وهو على الله ساخط، ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه، ومن
أتى غنيا فتضعضع له (1) ذهب ثلثا دينه، ومن دخل النار من هذه الأمة فهو من
اتخذ آيات الله هزوا ولعبا.
أربع إلى جنبهن أربع: من ملك استأثر، ومن لم يستشر يندم، كما تدين
تدان، والفقر الموت الأكبر، فقيل له: الفقر من الدينار والدرهم؟ فقال: الفقر
من الدين.
يا علي كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة أعين: عين سهرت في سبيل الله (2)
وعين غضت عن محارم الله، وعين فاضت من خشية الله (3).
يا علي طوبى لصورة نظر الله إليها تبكي علي ذنب لم يطلع على ذلك الذنب
أحد غير الله.
يا علي ثلاث موبقات وثلاث منجيات: فأما الموبقات فهوى متبع، وشح
مطاع، وإعجاب المرء بنفسه. وأما المنجيات فالعدل في الرضى والغضب، والقصد في الغنى
والفقر، وخوف الله في السر والعلانية كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
يا علي ثلاث يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك
والاصلاح بين الناس.
يا علي ثلاث يقبح فيهن الصدق: النميمة، وإخبار الرجل عن أهله بما يكره
وترسك الرجل عن الخير (4).
يا علي أربع يذهبن ضلالا: الاكل بعد الشبع، والسراج في القمر، والزرع
في الأرض السبخة، والصنيعة عند غير أهلها.
يا علي أربع أسرع شئ عقوبة: رجل أحسنت إليه فكافاك بالاحسان إساءة

(1) تضعضع له أي ذل وخضع، وإنما ذلك إذا كان خضوعه له لغناه.
(2) سهر - كفرح - أي بات ولم ينم ليلا أي تركت النوم زائدا عن العادة.
(3) أي سال دمعها بكثرة.
(4) في المصدر " وتكذيبك الرجل عن الخير ".
63

ورجل لا تبغي عليه وهو يبغي عليك، ورجل عاقدته على أمر فمن أمرك الوفاء له
ومن أمره الغدر بك، ورجل تصل رحمه ويقطعها.
يا علي أربع من يكن فيه كمل إسلامه: الصدق، والشكر، والحياء
وحسن الخلق.
يا علي قلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر، وكثرة الحوائج إلى
الناس مذلة وهو الفقر الحاضر.
5 - تحف العقول (1) يا علي إن للمؤمن ثلاث علامات: الصيام والصلاة والزكاة
وإن للمتكلف من الرجال ثلاث علامات: يتملق إذا شهد ويغتاب إذا غاب ويشمت
بالمصيبة، وللظالم ثلاث علامات، يقهر من دونه بالغلبة، ومن فوقه بالمعصية، ويظاهر
الظلمة، وللمرائي ثلاث علامات: ينشط إذا كان عند الناس، ويكسل إذا كان وحده
ويحب أن يحمد في جميع الأمور، وللمنافق ثلاث علامات: إن حدث كذب، وإن
اؤتمن خان، وإن وعد أخلف، وللكسلان ثلاث علامات: يتواني حتى يفرط ويفرط
حتى يضيع، ويضيع حتى يأثم، وليس ينبغي للعاقل أن يكون شاخصا إلا في ثلاث
مرمة لمعاش، أو خطوة لمعاد، أو لذة في غير محرم.
يا علي إنه لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة
أوحش من العجب، ولا عمل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن
الخلق، إن الكذب آفة الحديث، وآفة العلم النسيان، وآفة السماحة المن.
يا علي إذا رأيت الهلال (2) فكبر ثلاثا وقل " الحمد لله الذي خلقني وخلقك
وقدرك منازل وجعلك آية للعالمين ".

(1) التحف ص 10.
(2) الهلال: غرة القمر أو لليلتين أو إلى ثلاث أو إلى سبع. قال: شيخنا البهائي
(قده): يمتد وقت قراءة الدعاء بامتداد وقت التسمية هلالا، والأولى عدم تأخيره عن
الليلة الأولى عملا بالمتيقن المتفق عليه لغة وعرفا، فإن لم يتيسر فعن الليلة الثانية لقول
أكثر أهل اللغة بالامتداد إليها، فان فاتك فعن الثالثة لقول كثير منهم بأنها آخر لياله.
64

يا علي إذا نظرت في مرآة فكبر ثلاثا وقل: " اللهم كما حسنت خلقي
فحسن خلقي ".
يا علي إذا هالك أمر فقل: " اللهم بحق محمد وآل محمد إلا فرجت عني ".
قال: علي عليه السلام قلت: يا رسول الله " فتلقى آدم من ربه كلمات " ما هذه الكلمات؟
قال: يا علي إن الله أهبط آدم بالهند وأهبط حواء بجدة والحية بأصفهان وإبليس
بميسان (1) ولم يكن في الجنة شئ أحسن من الحية والطاؤوس وكان للحية قوائم
كقوائم البعير، فدخل إبليس جوفها فغر آدم وخدعه فغضب الله على الحية وألقى
عنها قوائمها، وقال: جعلت رزقك التراب، وجعلت تمشين على بطنك، لا رحم الله
من رحمك. وغضب على الطاؤوس لأنه كان دل إبليس على الشجرة فمسخ منه
صوته ورجليه، فمكث آدم بالهند مائة سنة لا يرفع رأسه إلى السماء، واضعا يده
على رأسه يبكي على خطيئته، فبعث الله إليه جبرئيل فقال: يا آدم الرب عز وجل
يقرئك السلام ويقول: يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم
أسجد لك ملائكتي؟ ألم أزوجك حواء أمتي؟ ألم أسكنك جنتي؟ فما هذا البكاء
يا آدم؟ تتكلم بهذه الكلمات فان الله قابل توبتك قل " سبحانك لا إله إلا أنت عملت
سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم.
يا علي إذا رأيت حية في رحلك فلا تقتلها حتى تخرج عليها ثلاثا فان رأيتها
الرابعة فاقتلها فإنها كافرة.
يا علي إذا رأيت حية في طريق فاقتلها فاني قد اشترطت على الجن [أ] لا
يظهروا في صورة الحيات.
يا علي أربع خصال من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وبعد الامل، وحب
الدنيا من الشقاء.
يا علي إذا اثني عليك في وجهك فقل: " اللهم اجعلني خيرا مما يظنون

(1) ميسان كورة معروفة بين البصرة وواسط والنسبة ميسانى - كما في القاموس -
ولعل ذكر هذه المواضع كناية عن بعد المسافة بينها.
65

واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون ".
يا علي إذا جامعت فقل: " بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما
رزقتني " فإن قضى أن يكون بينكما ولد لم يضره الشيطان أبدا.
يا علي ابدأ بالملح واختم، فإن الملح شفاء من سبعين داء أولها الجنون
والجذام والبرص.
يا علي ادهن بالزيت فان من ادهن بالزيت لم يقربه الشيطان أربعين ليلة.
يا علي لا تجامع أهلك ليلة النصف ولا ليلة الهلال، أما رأيت المجنون يصرع
في ليلة الهلال وليلة الصنف؟؟ كثيرا (1).
يا علي إذا ولد لك غلام أو جارية فأذن في أذنه اليمنى وأقم في اليسرى فإنه
لا يضره الشيطان أبدا.
يا علي ألا أنبئك بشر الناس؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من لا يغفر
الذنب ولا يقيل العثرة. ألا أنبئك بشر من ذلك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من
لا يؤمن شره، ولا يرجى خيره.
6 - تحف العقول (2) يا علي إياك ودخول الحمام بغير مئزر فان من دخل الحمام
بغير مئزر ملعون الناظر والمنظور إليه.
يا علي لا تتختم في السبابة والوسطى فإنه كان يتختم قوم لوط فيهما ولا
تعر الخنصر (3).

(1) لما كان القمر يؤثر في الكرة الأرضية تأثيرا طبيعيا موجبا لبروز آثار في المواد
الأرضية فيمكن أن يؤثر في المزاج أيضا على نحو يظهر آثاره في الأولاد والأعقاب.
(2) التحف ص 13.
(3) نهيه صلى الله عليه وآله لأجل التشبه وهذا العنوان أحد موجبات الحرمة في
الاسلام، فكل عمل كان مثل ذلك فهو حرام ما دام هذا العنوان صادقا عليه وإذا لم يصدق
عليه لم يكن من هذه الجهة حرام كما سئل عن علي عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " غيروا
الشيب ولا تشبهوا باليهود " فقال عليه السلام: " إنما قال صلى الله عليه وآله ذلك والدين قل
فالآن قد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار ". والحاصل التشبه في المختصات
المذهبية متعمدا حرام.
66

يا علي إن الله يعجب من عبده إذا قال " رب اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا
أنت " يقول: يا ملائكتي عبدي هذا قد علم أنه لا يغفر الذنوب غيري اشهدوا أني قد
غفرت له.
يا علي إياك والكذب فان الكذب يسود الوجه ثم يكتب عند الله كذابا
وإن الصدق يبيض الوجه ويكتب عند الله صادقا، واعلم أن الصدق مبارك
والكذب مشؤوم.
يا علي احذر الغيبة والنميمة فان الغيبة تفطر والنميمة توجب عذاب القبر.
يا علي لا تحلف بالله كاذبا ولا صادقا من غير ضرورة، ولا تجعل الله عرضة ليمينك
فان الله لا يرحم ولا يرعى من حلف باسمه كاذبا.
يا علي لا تهتم لرزق غد فان كل غد يأتي برزقه.
يا علي إياك واللجاجة فان أولها جهل وآخرها ندامة.
يا علي عليك بالسواك فإن السواك مطهرة للفم، ومرضات للرب، ومجلاة للعين، و
الخلال يحببك إلى الملائكة فان الملائكة تتأذى بريح فم من لا يتخلل بعد الطعام.
يا علي لا تغضب فإذا غضبت فاقعد وتفكر في قدرة الرب على العباد وحلمه
عنهم وإذا قيل لك اتق الله فانبذ غضبك وراجع حلمك.
يا علي احتسب بما تنفق على نفسك تجده عند الله مذخورا.
يا علي أحسن خلقك مع أهلك وجيرانك ومن تعاشر وتصاحب من الناس
تكتب عند الله في الدرجات العلى.
يا علي ما كرهته لنفسك فأكره لغيرك وما أحببته لنفسك فأحبه لأخيك
تكن عادلا في حكمك مقسطا في عدلك، محبا (1) في أهل السماء مودودا (2)
في صدور أهل الأرض احفظ وصيتي إن شاء الله تعالى.

(1) في بعض النسخ " محببا ".
(2) مودودا من الود أي محبوبا.
67

7 - المحاسن: (1) أبيه عن أبيه، عن حماد بن عمرو، عن السري بن خالد، عن أبي عبد الله
عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: يا علي أوصيك بوصية فاحفظها
عني، فقال له علي: يا رسول الله أوص فكان في وصيته أن قال: إن اليقين أن
لا ترضي أحدا بسخط الله، ولا تحمد أحدا على ما آتاك الله، ولا تذم أحدا على ما لم
يؤتك الله، فان الرزق لا يجره حرص حريص ولا يصرفه كراهية كاره: إن الله
بحكمه وفضله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن في الشك
والسخط.
يا علي إنه لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش
من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا
حسب كحسن الخلق، ولا عبادة كالتفكر.
يا علي آفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الفترة، و
آفة الظرف الصلف (2) وآفة السماحة المن، وآفة الشجاعة البغي، وآفة الجمال
الخيلاء، وآفة الحسب الفخر.
يا علي إنك لا تزال بخير ما حفظت وصيتي أنت مع الحق والحق معك.
8 - الكافي: (3) محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن علي بن النعمان، عن معاوية
ابن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام
أن قال: يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني، ثم قال: اللهم أعنه:

(1) المحاسن ص 16 و 17.
(2) الظرف - بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء ككتف - أي البليغ. والصلف - بفتح
الصاد واللام - هو الغلو في الظرف والزيادة على المقدار مع تكبر. قال المناوي: الصلف
- بالتحريك - مجاوزة القدر، يعنى عاهة براعة اللسان وذكاء الجنان التطاول على الاقران
والتمدح بما ليس في الانسان، والمراد ان الظرف من الصفات الحسنة لكن له آفة رديئة
كثيرا ما تعرض له فإذا عرضت له أفسدته فليحذر ذو الظرافة تلك الآفة.
(3) روضة الكافي ص 79.
68

أما الأولى فالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا، والثانية الورع ولا تجتري
على خيانة أبدا، والثالثة الخوف من الله عز ذكره كأنك تراه، والرابعة كثرة
البكاء من خشية الله يبني لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة، والخامسة بذلك
ما لك ودمك دون دينك. والسادسة الاخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي أما
الصلاة فالخمسون ركعة، وأما الصيام فثلاثة أيام في الشهر، الخميس في أوله و
الأربعاء في وسطه والخميس في آخره، وأما الصدقة فجهدك حتى تقول: قد
أسرفت ولم تسرف، وعليك بصلاة الليل [وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة
الليل] (1) وعليك بصلاة الزوال، وعليك بصلاة الزوال، وعليك بصلاة الزوال:
وعليك بتلاوة القرآن على كل حال، وعليك برفع يديك في صلاتك وتقليبهما
وعليك بالسواك عند كل وضوء، وعليك بمحاسن الأخلاق فاركبها ومساوي
الأخلاق فاجتنبها، فإن لم تفعل فلا تلومن إلا نفسك.
الحسين بن سعيد أو النوادر: (2) ابن علوان، عن عمرو بن ثابت، عن جعفر، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي وذكر نحوه.
ووجدته منقولا من خط الشهيد (ره) نقلا من كتاب الحسين بن سعيد، عن
ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار مثله.
9 - أمالي الطوسي: (3) جماعة عن أبي المفضل، عن عبد الرزاق بن سليمان، عن الفضل بن الفضل
الأشعري، عن الرضا عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث عليا عليه السلام إلى اليمن
فقال له وهو يوصيه: يا علي أوصيك بالدعاء فإنه مع الإجابة وبالشكر فان معه
المزيد، وأنهاك من أن تخفر عهدا (4) وتعين عليه، وأنهاك عن المكر فإنه لا يحيق
المكر السيئ إلا بأهله، وأنهاك عن البغي فإنه من بغي عليه لينصرنه الله.

(1) بين القوسين ليس في المصدر.
(2) مخطوط (3) الأمالي ج 2 ص 210.
(4) أخفره نقض عهده.
69

* (باب 4) *
* " (ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله) " *
* " (إلى أبي ذر رحمه الله) " *
1 - معاني الأخبار، الخصال: (1) عن علي بن عبد الله الأسواري، عن أحمد بن محمد بن قيس السجزي
عن عمرو بن حفص، عن عبيد الله بن محمد بن أسد، عن الحسين بن إبراهيم، عن يحيى
ابن سعيد البصري، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير الليثي (2) عن أبي ذر
رحمه الله قال: دخلت يوما على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في المسجد جالس وحده فاغتنمت
خلوته فقال لي: يا أبا ذر إن للمسجد تحية، قلت: وما تحيته؟ قال: ركعتان
تركعهما، فقلت: يا رسول الله إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: خير
موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر، قلت: يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله
عز وجل؟ فقال: إيمان بالله وجهاد في سبيله [قلت أي المؤمنين أكمل إيمانا؟ قال:
أحسنهم خلقا، قلت: وأي المؤمنين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده، قلت
وأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السوء] قلت: فأي الليل أفضل؟ قال: جوف
الليل الغابر، قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، قلت: فأي الصدقة
أفضل؟ قال: جهد من مقل إلى فقير في سر (3) قلت: ما الصوم؟ قال: فرض

(1) معاني الأخبار ص 332، الخصال ج 2 ص 103 و 104.
(2) في الخصال عتبة بن عميد الليثي وهو تصحيف.
(3) في الخصال " إلى فقير ذي سن ". والجهد: الطاقة، وأقل الرجل صار إلى
القلة وهي الفقر والهمزة للصيرورة وربما يعبر بالقلة عن العدم فيقال قليل الخير أي لا يكاد
يفعله.
70

مجزي وعند الله أضعاف كثيرة، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنا
وأنفسها عند أهلها، قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه
في سبيل الله، قلت: فأي آية أنزلها الله عليك أعظم؟ قال آية الكرسي.
ثم قال: يا أبا ذر ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في
أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة.
قلت: يا رسول الله كم النبيون؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي
قلت: كم المرسلون منهم؟ قال: ثلاثة عشر جماء غفيراء (1) قلت: من كان أول
الأنبياء؟ قال آدم قلت وكان من الأنبياء مرسلا؟ قال: نعم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه.
ثم قال: يا أبا ذر أربعة من الأنبياء سريانيون: آدم وشيث واخنوخ - وهو
إدريس عليه السلام وهو أول من خط بالقلم - ونوح عليه السلام وأربعة من الأنبياء من العرب
هود، وصالح، وشعيب، ونبيك محمد، وأول نبي من بني إسرائيل موسى وآخرهم
عيسى [بينهما] ستمائة نبي.
قلت: يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب
أنزل الله على شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم
عشرين صحيفة، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، قلت: يا رسول الله
فما كانت صحف إبراهيم قال: كانت أمثالا كلها وكان فيها " أيها الملك المبتلى المغرور
إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم
فاني لا أردها وإن كانت من كافر. وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له
[أربع] ساعات ساعة يناجي فيها ربة عز وجل وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة

(1) قال الجوهري: جاؤوا جماء غفيراء - ممدودا - والجماء الغفير، وجم الغفير
وجماء الغفير أي جاؤوا بجماعتهم ولم يتخلف منهم أحد وكانت فيهم كثرة، وقال: الجماء
الغفير اسم وليس بفعل الا أنه تنصب المصادر التي هي في معناه كقولك جاؤوني جميعا وقاطبة
وطرا وكافة، وأدخلوا فيه الألف واللام كما أدخلوا في قولهم أوردها العراك أي أوردها
عراكا.
71

يتفكر فيما صنع الله عز وجل إليه، وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال، فان
هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب وتوزيع لها (1)، وعلى العاقل
أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، فان من حسب كلامه من
عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه، وعلى العاقل أن يكون طالبا (2) لثلاث مرمة
لمعاش أو تزود لمعاد، أو تلذذ في غير محرم.
قلت: يا رسول فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عبرا كلها وفيها:
" عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح، ولمن أيقن بالنار لم يضحك، ولمن يرى
الدنيا وتقلبها بأهلها لم يطمئن إليها، ولمن يؤمن بالقدر كيف ينصب (3)، ولمن
أيقن بالحساب لم لا يعمل ".
قلت: يا رسول الله هل في أيدينا مما أنزل الله عليك شئ مما كان في صحف
إبراهيم وموسى؟ قال: يا أبا ذر اقرأ " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى
بل تؤثرون الحياة الدنيا. والآخرة خير وأبقى. إن هذا (4) لفي الصحف الأولى
صحف إبراهيم وموسى " (5).
قلت: يا رسول الله أوصني قال: أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الامر كله
قلت: زدني قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله كثيرا فإنه ذكر لك في السماء
ونور لك في الأرض، قلت: زدني قال: الصمت فإنه مطردة للشياطين وعون لك
على أمر دينك، قلت: زدني قال: إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب [ويذهب
بنور الوجه] قلت: زدني قال: انظر إلى من هو تحتك، ولا تنظر إلى من هو
فوقك فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك، قلت: يا رسول الله زدني قال:

(1) الاستجمام التفريح، يقال: لاستجم قلبي بشئ من اللهو أي أنى لاجعل قلبي
يتفكه بشئ من اللهو، وقوله " وتوزيع؟ لها " كذا في الخصال وفى المعاني " وتفريغ لها ".
(2) كذا.
(3) أي يتعب نفسه بالجد والجهد وفى بعض نسخ المعاني " لم يغضب " ولعله الأصح.
(4) يعنى ذكر هذه الأربع آيات.
(5) الاعلى: 14 - 19.
72

صل قرابتك وإن قطعوك، قلت زدني قال: أجب المساكين ومجالستهم، قلت:
زدني قال: قل الحق وإن كان مرا، قلت: زدني قال: لا تخف في الله لومة لائم
قلت: زدني قال: ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك ولا تجد عليهم (1) فيما تأتي.
ثم قال: كفى بالمرء عيبا أن يكون فيه ثلاث خصال: يعرف من الناس
ما يجهل من نفسه، ويستحيي لهم مما هو فيه، ويؤذي جليسه بما لا يعينه.
ثم قال عليه السلام يا أبا ذر لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب
كحسن الخلق.
أمالي الطوسي: (2) مرسلا مثله.
أقول: ورواه الشيخ جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات مرسلا مثلهما
أيضا ولكن إلى قوله صلى الله عليه وآله: " وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك
الحلقة " وقال: اختصرناه وأخذنا منه موضع الحاجة.
2 - الخصال (3): عن الحسن بن علي بن محمد العطار، عن محمد بن محمود، عن محمد
ابن منصور الفقيه، وإسماعيل [و] المكي وحمدان جميعا، عن المكي بن إبراهيم
وحدثني محمد بن أبي عبد الله الشافعي، عن مجاهد بن أعين، عن عبد الصمد بن
الفضل البلخي، عن مكي بن إبراهيم، عن هشام بن حسان والحسن بن دينار، عن
محمد بن واسع، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر رضي الله عن قال: أوصاني
رسول الله عليه السلام بسبع: أوصاني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي
وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم، وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرا
وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت، وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم
وأوصاني أن أستكثر من قول " لا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم " فإنها من
كنوز الجنة.
3 - من كتاب مكارم الأخلاق (4) يقول مولاي أبي طول الله عمره الفضل

(1) أي لا تغضب.
(2) الأمالي ج 2 ص 138.
(3) الخصال ج 2 ص 3.
(4) المصدر ص 537.
73

ابن الحسن هذه الأوراق من وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي ذر الغفاري التي أخبرني
بها الشيخ المفيد أبو الوفاء عبد الجبار بن عبد الله المقري الرازي، والشيخ الأجل
الحسن بن الحسين بن الحسن بن بابويه رحمه الله إجازة قالا أملا علينا الشيخ الأجل
أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، وأخبرني بذلك الشيخ العالم الحسين بن الفتح
الواعظ الجرجاني في مشهد الرضا عليه السلام، قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو علي
الحسن بن محمد الطوسي قال: حدثني أبي: الشيخ أبو جعفر رحمه الله قال: أخبرنا
جماعة، عن أبي المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن المطلب الشيباني قال: حدثنا
أبو الحسين رجاء بن يحيى العبرتائي الكاتب (1) سنة أربع عشر وثلاثمائة وفيها
مات قال: حدثنا محمد بن الحسن بن شمون قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن
الأصم، عن الفضل بن يسار، عن وهب بن عبد الله الهنائي (2) قال: حدثني أبو حرب
ابن أبي الأسود الديلي، عن أبي الأسود قال: قدمت الربذة فدخلت على أبي ذر
جندب بن جنادة رضي الله عنه فحدثني أبو ذر.
قال: دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده فلم أر
في المسجد أحدا من الناس إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي إلى جانبه جالس فاغتنمت
خلوة المسجد فقلت: يا رسول الله بأبي أنت، وأمي أوصني بوصية ينفعني الله
بها، فقال: نعم وأكرم بك يا أبا ذر إنك منا أهل البيت وإني موصيك بوصية
فاحفظها فإنها جامعة لطرق الخير وسبله، فإنك إن حفظتها كان لك بها كفلان.
يا أبا ذر ا عبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك، واعلم أن أول عبادة
الله المعرفة به، فهو الأول قبل كل شئ فلا شئ قبله، والفرد فلا ثاني له، والباقي
لا إلى غاية، فاطر السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من شئ وهو الله اللطيف
الخبير وهو على كل شئ قدير، ثم الايمان بي والا قرار بأن الله تعالى أرسلني إلى
كافة الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه، وسراجا منيرا، ثم حب أهل بيتي

(1) سيأتي ضبط العبر تأتى بعد تمام الحديث.
(2) الهنائي - بضم الهاء ونون ومد - كما في التقريب.
74

الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
واعلم يا أبا ذر أن الله عز وجل جعل أهل بيتي في أمتي كسفينة نوح
من ركبها نجى ومن رغب عنها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله
كان آمنا.
يا أبا ذر احفظ ما أوصيك به تكن سعيدا في الدنيا والآخرة.
يا أبا ذر نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.
يا أبا ذر اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك
وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.
يا أبا ذر إياك والتسويف بأملك فإنك بيومك، ولست بما بعده فان يكن غد لك
فكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت
في اليوم.
يا أبا ذر كم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومنتظر غدا لا يبلغه.
يا أبا ذر لو نظرت إلى الأجل ومصيره لأبغضت (1) الامل وغروره.
يا أبا ذر كن كأنك في الدنيا غريب، أو كعابر سبيل، وعد نفسك من
أصحاب القبور.
يا أبا ذر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث
نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك فإنك لا تدري
ما اسمك غدا.
يا أبا ذر إياك أن تدركك الصرعة عند العثرة، فلا تقال العثرة (2) ولا
تمكن من الرجعة، ولا يحمدك من خلفت بما تركت، ولا يعذرك من تقدم عليه

(1) في بعض نسخ المصدر " لا نقصت الامل ".
(2) العثرة الزلة والخطيئة. والإقالة: فسخ البيع، وتقايلا إذا فسخا. والصرعة - بكسر
الصاد - المرة من الصرع.
75

بما اشتغلت به (1).
يا أبا ذر كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك.
يا أبا ذر هل ينتظر أحد إلا غنى مطغيا، أو فقرا منسيا، أو مرضا مفسدا،
أو هرما مفندا (2) أو موتا مجهزا، أو الدجال فإنه شر غائب ينتظر، أو الساعة
فالساعة أدهى وأمر.
يا أبا ذر إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه، ومن
طلب علما ليصرف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنة.
يا أبا ذر من ابتغى العلم ليخدع به الناس لم يجد ريح الجنة.
يا أبا ذر إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل: لا أعلمه تنج من تبعته، ولا تفت بما
لا علم لك به تنج من عذاب الله يوم القيامة.
يا أبا ذر يطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون: ما
أدخلكم النار وقد دخلنا الجنة لفضل تأديبكم وتعليمكم؟ فيقولون: إنا كنا
نأمر بالخير ولا نفعله.
يا أبا ذر إن حقوق الله جل ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد وإن نعم الله أكثر
من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين.
يا أبا ذر إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة
والموت يأتي بغتة، ومن يزرع خيرا يوشك أن يحصد خيرا، ومن يزرع شرا يوشك
أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع.
يا أبا ذر لا يسبق بطئ بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، ومن أعطى خيرا

(1) يعنى واظب نفسك أن لا يدركك الموت حين غفلتك واشتغالك بالدنيا فلا تتمكن
من الإقالة والرجعة ووارثك لا يحمدك بما تركت له. ولا يقبل الله العذر منك باشتغالك
بأمور الدنيا.
(2) يقال: فند من باب - علم - خرف وضعف عقله، وفى المصدر " مقعدا "، وقوله
" مجهزا " أجهز على الجريح شد عليه وأتم قتله، وجهز الميت أعد ما يلزمه.
76

فان الله أعطاه، ومن وقي شرا فان الله وقاه.
يا أبا ذر المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة، إن المؤمن ليرى
ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، وإن الكافر ليرى ذنبه كأنه ذباب
مر على أنفه.
يا أبا ذر إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا جعل ذنوبه بين عينيه ممثلة
والاثم عليه ثقيلا وبيلا (1) وإذا أراد بعبد شرا أنساه ذنوبه.
يا أبا ذر لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت.
يا أبا ذر إن نفس المؤمن أشد ارتكاضا من الخطيئة من العصفور حين يقذف به
في شركه (2).
يا أبا ذر من وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله
فإنما يوبخ نفسه (3).
يا أبا ذر إن الرجل ليحرم رزقه بالذنب يصيبه.
يا أبا ذر دع ما لست منه في شئ، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما
تخزن ورقك.
يا أبا ذر إن الله جل ثناؤه ليدخل قوما الجنة فيعطيهم حتى يملوا، وفوقهم
قوم في الدرجات العلى فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون: ربنا إخواننا كنا معهم
في الدنيا فبم فضلتهم علينا؟ فيقال: هيهات هيهات إنهم كانوا يجوعون حين
تشبعون، ويظمأون حين تروون، ويقومون حين تنامون، ويشخصون حين
تحفظون.
يا أبا ذر جعل الله جل ثناؤه قرة عيني في الصلاة وحبب إلي الصلاة كما
حبب إلى الجائع الطعام وإلى الظمآن الماء، وإن الجائع إذا أكل شبع وإن

(1) الوبيل الوخيم وزنا ومعنى.
(2) الارتكاض: الاضطراب، وارتكض الرجل في أمره تقلب فيه وحاوله. والشرك
- محركة - حبالة الصيد.
(3) أي عابها ولامها.
77

الظمآن إذا شرب روى، وأنا لا أشبع من الصلاة.
يا أبا ذر أيما رجل تطوع في يوم وليلة اثنتي عشر ركعة سوى المكتوبة كان
له حقا واجبا بيت في الجنة.
يا أبا ذر ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك الجبار، ومن يكثر قرع
باب الملك يفتح له.
يا أبا ذر ما من مؤمن يقوم مصليا إلا تناثر عليه البر ما بينه وبين العرش
ووكل به ملك ينادي يا ابن آدم لو تعلم مالك في الصلاة ومن تناجي ما انفتلت (1)
يا أبا ذر طوبى لأصحاب الألوية يوم القيامة يحملونها فيسبقون الناس إلى
الجنة ألا وهم السابقون إلى المساجد بالاسحار وغير الأسحار.
يا أبا ذر الصلاة عماد الدين واللسان أكبر والصدقة تمحو الخطيئة واللسان
أكبر، والصوم جنة من النار واللسان أكبر، والجهاد نباهة واللسان أكبر (2).
يا أبا ذر الدرجة في الجنة كما بين السماء والأرض وإن العبد ليرفع بصره
فيلمع له نور يكاد يخطف بصره فيفزع لذلك، فيقول: ما هذا؟ فيقال: هذا نور
أخيك، فيقول: أخي فلان كنا نعمل جميعا في الدنيا وقد فضل علي هكذا؟ فيقال
له: إنه كان أفضل منك عملا، ثم يجعل في قلبه الرضي حتى يرضى.
يا أبا ذر الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وما أصبح فيها مؤمن إلا حزينا
فكيف لا يحزن المؤمن وقد أوعده الله جل ثناؤه أنه وارد جهنم ولم يعده أنه صادر
عنها (3) وليلقين أمراضا ومصيبات وأمورا تغيظه وليظلمن فلا ينتصر يبتغي ثوابا
من الله تعالى فما يزال فيها حزينا حتى يفارقها، فإذا فارقها أفضى إلى الراحة
والكرامة.

(1) انفتل أي انصرف.
(2) النباهة الفتنة والشرف وضد الخمول.
(3) أشار إلى قوله تعالى في سورة مريم 72 و 73: " وان منكم الا واردها كان على
ربك حتما مقضيا. ثم ننجي الذين اتقوا - الآية ".
78

يا أبا ذر ما عبد الله عز وجل على مثل طول الحزن.
يا أبا ذر من أوتي من العلم ما لا يبكيه لحقيق أن يكون قد أوتي علم
ما لا ينفعه لان الله نعت العلماء فقال جل وعز: إن الذين أوتوا العلم من قبله
إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد لمفعولا
ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا " (1).
يا أبا ذر من استطاع أن يبكي فليبك، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن
وليتباك، إن القلب القاسي بعيد من الله تعالى ولكن لا تشعرون.
يا أبا ذر يقول الله تبارك وتعالى: لا أجمع على عبد خوفين ولا أجمع له أمنين
فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإذا خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة.
يا أبا ذر إن العبد ليعرض عليه ذنوبه يوم القيامة [فيمن ذنب ذنوبه] فيقول:
أما إني كنت مشفقا، فيغفر له.
يا أبا ذر إن الرجل ليعمل الحسنة فيتكل عليها ويعمل المحقرات حتى
يأتي الله وهو عليه غضبان وإن الرجل ليعمل السيئة فيفرق (2) منها فيأتي الله
عز وجل آمنا يوم القيامة.
يا أبا ذر إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة فقلت: وكيف ذلك بأبي
أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: يكون ذلك الذنب نصب عينيه تائبا منه، فارا إلى الله
عز وجل حتى يدخل الجنة.
يا أبا ذر الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه وهواها
وتمنى على الله عز وجل الأماني.
يا أبا ذر إن أول شئ يرفع من هذه الأمة الأمانة والخشوع حتى لا تكاد
ترى خاشعا.
يا أبا ذر والذي نفس محمد بيده لو أن الدنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضة

(1) الاسراء: 108 - 109.
(2) أي يدهش ويخاف ويضطرب.
79

أو ذباب ما سقى الكافر منها شربة من ماء.
يا أبا ذر الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا من ابتغى به وجه الله، وما من شئ
أبغض إلى الله تعالى من الدنيا، خلقها ثم عرضها فلم ينظر إليها ولا ينظر إليها
حتى تقوم الساعة، وما من شئ أحب إلى الله تعالى من الايمان به وترك ما أمر
بتركه.
يا أبا ذر إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى أخي عيسى عليه السلام: يا عيسى لا تحب
الدنيا فاني لست أحبها وأحب الآخرة فإنما هي دار المعاد.
يا أبا ذر إن جبرئيل أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء فقال لي: يا محمد
هذه خزائن الدنيا ولا ينقصك من حظك عند ربك فقلت: يا حبيبي جبرئيل لا حاجة
لي فيها، إذا شبعت شكرت ربي وإذا جعت سألته.
يا أبا ذر إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا فقهه في الدين وزهده في الدنيا
وبصره بعيوب نفسه.
يا أبا ذر ما زهد عبد في الدنيا إلا أنبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه
ويبصره عيوب الدنيا وداءها ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام.
يا أبا ذر إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه فإنه يلقى الحكمة
فقلت: يا رسول الله من أزهد الناس؟ قال: من لم ينس المقابر والبلى، وترك
فضل زينة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفنى، ولم يعد غدا من أيامه، وعد نفسه في
الموتى.
يا أبا ذر إن الله تبارك وتعالى لم يوح إلي أن أجمع المال ولكن أوحى
إلي أن " سبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ".
يا أبا ذر إني ألبس الغليظ، وأجلس على الأرض، وألعق أصابعي، وأركب الحمار
بغير سرج، وأردف خلفي، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
يا أبا ذر حب المال والشرف أذهب لدين الرجل من ذئبين ضاريين في زرب
80

الغنم (1) فأغارا فيها حتى أصبحا فماذا أبقيا منها.
قال: قلت: يا رسول الله الخائفون الخائضون المتواضعون الذاكرون الله
كثيرا أهم يسبقون الناس إلى الجنة؟ فقال: لا ولكن فقراء المسلمين فإنهم
يتخطون رقاب الناس فيقول لهم خزنة الجنة كما أنتم حتى (2) تحاسبوا فيقولون
بم نحاسب فوالله ما ملكنا فنجود ونعدل، ولا أفيض علينا فنقبض ونبسط ولكنا عبدنا
ربنا حتى دعانا فأجبنا.
يا أبا ذر إن الدنيا مشغلة للقلوب والأبدان وإن الله تبارك وتعالى سائلنا
عما نعمنا في حلاله فكيف بما نعمنا في حرامه.
يا أبا ذر إني قد دعوت الله جل ثناؤه أن يجعل رزق من يحبني الكفاف وأن
يعطي من يبغضني كثرة المال والولد.
يا أبا ذر طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، الذين اتخذوا
أرض الله بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، واتخذوا كتاب الله شعارا ودعاءه دثارا
يقرضون الدنيا قرضا.
يا أبا ذر حرث الآخرة العمل الصالح، وحرث الدنيا المال والبنون.
يا أبا ذر إن ربي أخبرني فقال: وعزتي وجلالي ما أدرك العابدون درك
البكاء وإني لابني لهم في الرفيق الاعلى قصرا لا يشاركهم فيه أحد.
قال: قلت: يا رسول الله أي المؤمنين أكيس قال: أكثرهم للموت ذكرا
وأحسنهم له استعدادا.
يا أبا ذر إذا دخل النور القلب انفسح القلب واستوسع، قلت: فما علامة ذلك بأبي
أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور
والاستعداد للموت قبل نزوله.
يا أبا ذر اتق الله ولا تري الناس أنك تخشى الله فيكرموك وقلبك فاجر.

(1) الزرب موضع المواشي.
(2) أي قفوا مكانكم ولا تبرحوا.
81

يا أبا ذر ليكن لك في كل شئ نية حتى في النوم والاكل.
يا أبا ذر ليعظم جلال الله في صدرك فلا تذكره كما يذكره الجاهل عند الكلب
اللهم اخزه وعند الخنزير اللهم اخزه.
يا أبا ذر إن لله ملائكة قياما من خيفته، ما رفعوا رؤوسهم حتى ينفخ في
الصور النفخة الآخرة فيقولون جميعا: سبحانك وبحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك
أن تعبد.
يا أبا ذر ولو كان لرجل عمل سبعين نبيا لاستقل عمله من شدة ما يرى يومئذ
ولو أن دلوا صبت من غسلين في مطلع الشمس لغلت منه جماجم من مغربها ولو
زفرت جهنم زفرة لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيا على ركبتيه (1)
يقول: رب نفسي نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحاق عليهما السلام يقول: يا رب أنا خليلك
إبراهيم فلا تنسني.
يا أبا ذر لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أطلعت من سماء الدنيا في ليلة
ظلماء لأضاءت لها الأرض أفضل مما يضيئها القمر ليلة البدر ولوجد ريح نشرها
جميع أهل الأرض ولو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة نشر اليوم في الدنيا لصعق من
ينظر إليه وما حملته أبصارهم.
يا أبا ذر اخفض صوتك عند الجنائز، وعند القتال، وعند القرآن.
يا أبا ذر إذا تبعت جنازة فليكن عقلك فيها مشغولا بالتفكر والخشوع واعلم
أنك لاحق به.
يا أبا ذر اعلم أن كل شئ إذا فسد فالملح دواؤه فإذا فسد الملح فليس
له دواء.
واعلم أن فيكم خلقين: الضحك من غير عجب والكسل من غير سهو.
يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.
يا أبا ذر الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو، ورب شهوة ساعة تورث حزنا

(1) جثى على ركبتيه أي جلس عليها أو قام على أطراف أصابعه يعنى بزانو در آمد.
82

طويلا (1).
يا أبا ذر لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس في جنب الله تبارك و
تعالى أمثال الأباعر (2) ثم يرجع إلى نفسه، فيكون هو أحقر حاقر لها.
يا أبا ذر لا تصيب حقيقة الايمان حتى ترى الناس كلهم حمقاء في دينهم عقلاء
في دنياهم.
يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب فهو أهون لحسابك غدا، وزن نفسك
قبل أن توزن، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى على الله خافية.
يا أبا ذر استحي من الله فاني والذي نفسي بيده لا ظل حين (3) أذهب إلى
الغائط متقنعا بثوبي استحي من الملكين اللذين معي.
يا أبا ذر أتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: نعم فداك أبي، قال: فاقصر من
الامل واجعل الموت نصب عينيك واستح من الله حق الحياء، قال: قلت: يا
رسول الله كلنا نستحي من الله؟ قال: ليس ذلك الحياء ولكن الحياء من الله أن
لا تنسى المقابر والبلى والجوف وما وعى والرأس ومن حوى، ومن أراد كرامة
الآخرة فليدع زينة الدنيا فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله.
يا أبا ذر يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح.
يا أبا ذر مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر.
يا أبا ذر إن الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده، ويحفظه في دويرته
والدور حوله ما دام فيهم.
يا أبا ذر إن ربك عز وجل يباهي الملائكة بثلاثة نفر: رجل في أرض قفر
فيؤذن ثم يقيم ثم يصلي فيقول ربك للملائكة انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه

(1) في المصدر " توجب حزنا طويلا ".
(2) الأباعر والأبعرة: جمع بعير: الجمل البازل أو الجذع للذكر والأنثى ويطلق أيضا
على كل ما يحمل.
(3) في المصدر " لا أزال ".
83

غيري، فينزل سبعين ألف ملك يصلون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك
اليوم. ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد فيقول الله تعالى
انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد. ورجل في زحف فر أصحابه وثبت
هو ويقاتل حتى يقتل.
يا أبا ذر ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها
يوم القيامة وما من منزل ينزله قوم إلا وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم.
يا أبا ذر ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض تنادي بعضها بعضا يا جار
هل مربك ذاكر لله تعالى أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله؟ فمن قائلة لا ومن
قائلة نعم، فإذا قالت نعم اهتزت وانشرحت وترى أن لها الفضل على جارتها.
يا أبا ذر إن الله جل ثناؤه لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن
في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة، فلم تزل الأرض والشجر
كذلك حتى تتكلم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة قولهم " اتخذ الله ولدا " فلما
قالوها اقشعرت الأرض وذهبت منفعة الأشجار.
يا أبا ذر إن الأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا.
يا أبا ذر إذا كان العبد في أرض قي [يعني قفر] فتوضأ أو تيمم ثم أذن وأقام
وصلى أمر الله عز وجل الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفاه يركعون بركوعه
ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه.
يا أبا ذر من أقام ولم يؤذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه.
يا أبا ذر ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها وأهرم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه
الله أجر اثنين وسبعين صديقا.
يا أبا ذر الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين.
يا أبا ذر الجليس الصالح خير من الوحدة والوحدة خير من جليس السوء
وإملاء الخير خير من السكوت والسكوت خير من إملاء الشر.
يا أبا ذر لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي ولا تأكل طعام
84

الفاسقين.
يا أبا ذر أطعم طعامك من تحبه في الله، وكل طعام من يحبك في الله
عز وجل.
يا أبا ذر إن الله عز وجل عند لسان كل قائل فليتق الله أمرء وليعلم ما يقول.
يا أبا ذر اترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك.
يا أبا ذر كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع.
يا أبا ذر ما من شئ أحق بطول السجن، من اللسان.
يا أبا ذر إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وإكرام حملة
القرآن العاملين، وإكرام السلطان المقسط.
يا أبا ذر ما عمل من لم يحفظ لسانه.
يا أبا ذر لا تكن عيابا ولا مداحا ولا طعانا ولا مماريا.
يا أبا ذر لا يزال العبد يزداد من الله بعدا ما ساء خلقه.
يا أبا ذر الكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة.
يا أبا ذر من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة
فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله كيف تعمر مساجد الله؟ قال: لا ترفع فيها
الأصوات ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشتر فيها ولا يباع واترك اللغو ما دمت فيها
فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك.
يا أبا ذر إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تنفست
درجة في الجنة وتصلي عليك الملائكة وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر
حسنات وتمحى عنك عشر سيئات.
يا أبا ذر أتعلم في أي شئ أنزلت هذه الآية " اصبروا وصابروا ورابطوا
واتقوا الله لعلكم تفلحون " (1) قلت: لا [أدري] فداك أبي وأمي، قال: في انتظار
الصلاة خلف الصلاة.

(1) آل عمران: 200.
85

يا أبا ذر إسباغ الوضوء في المكاره من الكفارات، وكثرة الاختلاف إلى
المساجد فذلكم الرباط.
يا أبا ذر يقول الله تبارك وتعالى: إن أحب العباد إلي المتحابون من أجلي
المتعلقة قلوبهم بالمساجد، والمستغفرون بالاسحار، أولئك إذا أردت بأهل الأرض
عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم.
يا أبا ذر كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة قراءة مصل أو ذكر الله أو
سائل عن علم.
يا أبا ذر كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل فإنه لا يقل عمل بالتقوى
وكيف يقل عمل يتقبل، يقول الله عز وجل: " إنما يتقبل الله من المتقين " (1).
يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة
الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه، أمن حل
ذلك أم من حرام.
يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عز وجل من أين
أدخله النار.
يا أبا ذر من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل.
يا أبا ذر إن أحبكم إلى الله جل ثناؤه أكثركم ذكرا له، وأكرمكم
عند الله عز وجل أتقيكم له وأنجاكم من عذاب الله أشدكم له خوفا.
يا أبا ذر إن المتقين الذين يتقون [الله عز وجل] من الشئ الذي لا يتقى
منه خوفا من الدخول في الشبهة.
يا أبا ذر من أطاع الله عز وجل فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته
للقرآن.
يا أبا ذر أصل الدين الورع ورأسه الطاعة.
يا أبا ذر كن ورعا تكن أعبد الناس، وخير دينكم الورع.

(1) المائدة: 30.
86

يا أبا ذر فضل العلم خير من فضل العبادة، واعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا
كالحنايا (1) وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ما ينفعكم ذلك إلا بورع.
يا أبا ذر إن أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله حقا.
يا أبا ذر من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر، قلت: وما الثلاث فداك
أبي وأمي؟ قال: ورع يحجزه عما حرم الله عز وجل عليه، وحلم يرد به
جهل السفيه، وخلق يداري به الناس.
يا أبا ذر إن سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإن سرك أن
تكون أكرم الناس فاتق الله، وإن سرك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله
عز وجل أوثق منك بما في يديك.
يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم " ومن يتق الله يجعل
له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ
أمره " (2).
يا أبا ذر يقول الله جل ثناؤه: وعزتي وجلالي لا يؤثر عبدي هواي على هواه
إلا جعلت غناه في نفسه وهمومه في آخرته وضمنت السماوات والأرض رزقه وكففت
عليه ضيعته (3) وكنت له من وراء تجارة كل تاجر.
يا أبا ذر لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه
كما يدركه الموت.
يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات ينفعك الله عز وجل بهن؟ قلت: بلى يا رسول
الله، قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء
يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله عز وجل، وإذا استعنت فاستعن بالله فقد جرى
القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فلو أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشئ لم

(1) الحنايا جمع حنية ما كان منحنيا كالقوس.
(2) الطلاق: 32.
(3) وقد يقرء في بعض النسخ " كففت عنه ضيقه ".
87

يكتب لك ما قدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروك بشئ لم يكتبه الله عليك ما
قدروا عليه، فان استطعت أن تعمل لله عز وجل بالرضى في اليقين فافعل، وإن لم
تستطع فان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وإن النصر مع الصبر والفرج مع
الكرب وإن مع العسر يسرا.
يا أبا ذر استغن بغنى الله يغنك الله، فقلت: وما هو يا رسول الله؟ قال، غداءة
يوم وعشاءة ليلة فمن قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس.
يا أبا ذر إن الله عز وجل يقول: إني لست كلام الحكيم أتقبل ولكن همه
وهواه، فإن كان همه وهواه فيما أحب وأرضى جعلت صمته حمدا لي وذكرا
[ووقارا] وإن لم يتكلم.
يا أبا ذر إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم (1) ولكن
ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
يا أبا ذر التقوى ههنا، التقوى ههنا - وأشار إلى صدره -.
يا أبا ذر أربع لا يصيبهن إلا مؤمن: الصمت وهو أول العبادة، والتواضع
لله سبحانه، وذكر الله تعالى على كل حال، وقلة الشئ يعني قلة المال.
يا أبا ذر هم بالحسنة وإن لم تعملها لكيلا تكتب من الغافلين.
يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه وبين لحييه دخل الجنة، قلت يا رسول الله
إنا لنؤخذ بما ينطق به ألسنتنا، قال: يا باذر وهل يكب الناس على مناخرهم في
النار إلا حصائد ألسنتهم، إنك لا تزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب لك
أو عليك.
يا أبا ذر إن الرجل يتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوى في جهنم
ما بين السماء والأرض.
يا أبا ذر ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له [ويل له].
يا أبا ذر من صمت نجا فعليك بالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا، قلت

(1) في بعض النسخ " أقوالكم ".
88

يا رسول الله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا؟ فقال: الاستغفار وصلوات الخمس
تغسل ذلك.
يا أبا ذر إياك والغيبة فان الغيبة أشد من الزنا، قلت: يا رسول الله ولم ذاك
بأبي أنت وأمي؟ قال: لان الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، والغيبة
لا تغفر حتى يغفرها صاحبها.
يا أبا ذر سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه من معاصي الله، وحرمة
ماله كحرمة دمه، قلت: يا رسول الله وما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قلت
يا رسول الله فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به؟ قال: اعلم أنك إذا ذكرته بما هو فيه
فقد اغتبته وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته.
يا أبا ذر من ذب عن أخيه المسلم الغيبة كان حقا على الله عز وجل أن يعتقه
من النار.
يا أبا ذر من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره نصره الله
عز وجل في الدنيا والآخرة، فان خذله وهو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا
والآخرة.
يا أبا ذر لا يدخل الجنة قتات، قلت: وما القتات؟ قال: النمام.
يا أبا ذر صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عز وجل في الآخرة.
يا أبا ذر من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا فهو ذو لسانين في النار.
يا أبا ذر المجالس بالأمانة وإفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك واجتنب
مجلس العشيرة.
يا أبا ذر تعرض أعمال أهل الدنيا على الله من الجمعة إلى الجمعة في يومين
الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كان بينه وبين أخيه شحناء (1)
فقال: اتركوا عمل هذين حتى يصطلحا.
يا أبا ذر إياك وهجران أخيك فان العمل لا يتقبل من الهجران.

(1) الشحناء: العداوة امتلئت منها النفس.
89

يا أبا ذر أنهاك عن الهجران وإن كنت لابد فاعلا فلا تهجره فوق ثلاثة أيام
[كملا] فمن مات فيها مهاجرا لأخيه كانت النار أولى به.
يا أبا ذر من أحب أن يتمثل له الرجال قياما (1) فليتبوأ مقعده من النار.
يا أبا ذر من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة إلا أن
يتوب قبل ذلك، فقال: يا رسول الله إني ليعجبني الجمال حتى وددت أن علاقة سوطي
وقبال نعلي حسن فهل يرهب على ذلك؟ قال: كيف تجد قلبك؟ قال: أجده عارفا
للحق مطمئنا إليه، قال: ليس ذلك بالكبر ولكن الكبر أن تترك الحق وتتجاوزه
إلى غيره وتنظر إلى الناس ولا ترى أن أحدا عرضه كعرضك ولا دمه كدمك.
يا أبا ذر أكثر من يدخل النار المستكبرون فقال رجل: وهل ينجو من الكبر
أحد يا رسول الله؟ قال: نعم من لبس الصوف وركب الحمار وحلب العنز (2)
وجالس المساكين.
يا أبا ذر من حمل بضاعته فقد برئ من الكبر، يعني ما يشتري من السوق.
يا أبا ذر من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله عز وجل إليه يوم القيامة.
يا أبا ذر أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ولا جناح عليه فيما بينه وبين كعبيه.
يا أبا ذر من رفع ذيله وخصف نعله وعفر وجهه فقد برئ من الكبر.
يا أبا ذر من كان له قميصان فليلبس أحدهما وليلبس الآخر أخاه.
يا أبا ذر سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم ويغذون به، همتهم ألوان
الطعام والشراب ويمدحون بالقول أولئك شرار أمتي.
يا أبا ذر من ترك لبس الجمال وهو يقدر عليه تواضعا لله عز وجل فقد كساه
حلة الكرامة.
يا أبا ذر طوبى لمن تواضع لله تعالى في غير منقصة وأذل نفسه في غير مسكنة
وأنفق ما لا جمعه في غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة

(1) مثل بين يديه مثولا: انتصب قائما.
(2) في المصدر " حلب الشاة ".
90

طوبى لمن صلحت سريرته وحسنت علانيته وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل
بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله.
يا أبا ذر البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب (1) لئلا يجد الفخر
فيك مسلكا.
يا أبا ذر يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم يرون
أن لهم الفضل بذلك على غيرهم أولئك تلعنهم ملائكة السماوات والأرض.
يا أبا ذر ألا أخبرك بأهل الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله؟ قال: كل أشعث
أغبر ذي طمرين لا يؤبه به (2) لو أقسم على الله لأبره.
أقول: وجدت في بعض نسخ الأمالي وكانت مصححة قديمة أملا علينا
الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن قدس الله روحه يوم الجمعة الرابع من المحرم سنة
سبع وخمسين وأربعمائة، قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل وساق الحديث إلى
آخره.
ورواه الشيخ في أماليه (3) عن جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا رجاء بن
يحيى أبو الحسين العبرتائي الكاتب (4) سنة أربع عشرة وثلاثمائة - وفيها مات - عن محمد
ابن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن الفضيل بن يسار، عن وهب
ابن عبد الله بن أبي ذبى الهنائي، عن أبي الحرب بن أبي الأسود الديلي مثله. ورواه
الورام في جامعه (5) أيضا.

(1) ثوب صفيق: كثيف نسجه.
(2) أي لا يلتفت إليه ولا يعتد به. والطمر - بالكسر - الثوب الخلق.
(3) الأمالي ج 2 ص 138.
(4) العبرتائي بالعين المهملة المفتوحة والباء الموحدة والراء المهملة والتاء
المثناة فوق. والكاتب كذا في (جشن وصه) بخط المصنف وفى هامش جامع الرواة قال وفى
نسخة من " صه " للشهيد الثاني " كايب بن يحيى " وضبطه بالباء بعد الياء.
(5) تنبيه الخواطر ج 2 ص 51.
91

* (باب 5) *
* " (وصية النبي صلى الله عليه وآله إلى عبد الله بن مسعود) " *
1 - مكارم الأخلاق (1): عن عبد الله بن مسعود (*) قال: دخلت أنا وخمسة رهط من أصحابنا
يوما على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أصابتنا مجاعة شديدة ولم يكن ذقنا منذ أربعة أشهر
إلا الماء واللبن وورق الشجر، قلنا: يا رسول الله إلى متى نحن على هذه المجاعة
الشديدة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تزالون فيها ما عشتم فأحدثوا لله شكرا فإني
قرأت كتاب الله الذي أنزل علي وعلى من كان قبلي فما وجدت من يدخلون الجنة
إلا الصابرون.
يا ابن مسعود قال الله تعالى: " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " (2)
" أولئك يجزون الغرفة بما صبروا " (3) " إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم
الفائزون " (4).
يا ابن مسعود قول الله تعالى: " وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا " (5) " أولئك
يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا " (6) يقول الله تعالى: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة
ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء " (7) " ولنبلونكم

* عبد الله بن مسعود من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله بجله وأطراه قوم و
جرحه آخرون.
(1) مكارم الأخلاق ص 519.
(2) الزمر: 14. وقوله " بغير حساب " أي لا يهتدى إليه حساب الحساب.
(3) الفرقان: 75. والغرفة أعلى درجات الجنة وذلك بما صبروا من المشاق.
(4) المؤمنون: 113.
(5) الدهر: 12. أي بما صبروا على أداء الواجبات واجتناب المحرمات " جنة "
أي بستانا و " حريرا " يلبسونه.
(6) القصص: 54.
(7) البقرة: 213. قوله " لما " أصله " لم " وزيدت " ما " وفيها توقع. والبأساء: الفقر
والضراء: الوجع.
92

بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر
الصابرين " (1) قلنا: يا رسول الله فمن الصابرون؟ قال صلى الله عليه وآله: الذين يصبرون
على طاعة الله وعن معصيته الذين كسبوا طيبا وأنفقوا قصدا وقدموا فضلا فأفلحوا
وأنجحوا.
يا ابن مسعود عليهم الخشوع والوقار والسكينة والتفكر واللين والعدل
والتعليم والاعتبار والتدبير والتقوى والاحسان والتحرج (2) والحب في الله
والبغض في الله وأداء الأمانة والعدل في الحكم وإقامة الشهادة ومعاونة أهل الحق
والبغية على المسئ (3) والعفو لمن ظلم.
يا ابن مسعود إذا ابتلوا صبروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا حكموا عدلوا
وإذا قالوا صدقوا، وإذا عاهدوا وفوا، وإذا أساؤا استغفروا، وإذا أحسنوا استبشروا
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين
يبيتون لربهم سجدا وقياما ويقولون للناس حسنا.
يا ابن مسعود والذي بعثني بالحق إن هؤلاء هم الفائزون.
يا ابن مسعود " فمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه " فان النور
إذا وقع في القلب انشرح وانفسح، فقيل يا رسول الله فهل لذلك من علامة؟ "
قال: نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد
للموت قبل نزول الفوت. فمن زهد في الدنيا قصر أمله فيها وتركها لأهلها.
يا ابن مسعود قول الله تعالى " ليبلوكم أيكم أحسن عملا " (4) يعني أيكم
أزهد في الدنيا، إنها دار الغرور ودار من لا دار له. ولها يجمع من لا عقل له. إن

(1) البقرة: 155.
(2) التحرج: التجنب.
(3) بغى يبغي بغاء - بضم الباء وبغيا - بفتحها - وبغى وبغية - بالضم - وبغية -
بالكسر - عليه تعدى وجنى واستطال عليه وظلمه.
(4) هود: 7. الملك: 2.
93

أحمق الناس من طلب الدنيا. قال الله تعالى: " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو
وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته
ثم يهيج فتريه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد " (1) قال الله تعالى
" وآتيناه الحكم صبيا " (2) يعني الزهد في الدنيا وقال الله تعالى لموسى يا موسى إنه
لن يتزين المتزينون بزينة أزين في عيني مثل الزهد، يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا
فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته.
يا ابن مسعود قول الله تعالى " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن
يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبوابا و
سررا عليها يتكؤن * وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند
ربك للمتقين " (3) وقوله: " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد
ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها و
هو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " (4).
يا ابن مسعود من اشتاق إلى الجنة سارع في الخيرات، ومن خاف النار
ترك الشهوات، ومن ترقب الموت أعرض عن اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت
عليه المصيبات.
يا ابن مسعود قوله تعالى " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين
والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة - الآية " (5).
يا ابن مسعود إن الله اصطفى موسى بالكلام والمناجاة حين ترى خضرة
البقل من بطنه من هزاله (6) وما سأل موسى حين تولى إلى الظل إلا طعاما

(1) الحديد: 19.
(2) مريم: 13.
(3) الزخرف: 32 - 34.
(4) الاسراء: 19 و 20.
(5) آل عمران: 12.
(6) الهزال: قلة اللحم والشحم، نقيض السمن.
94

يأكله من جوع. يا ابن مسعود إن شئت نبأتك بأمر نوح نبي الله عليه السلام إنه عاش ألف سنة إلا
خمسين عاما يدعو إلى الله، فكان إذا أصبح قال: لا أمسي وإذا أمسى قال: لا أصبح
فكان لباسه شعر وطعامه الشعير وإن شئت نبأتك بأمر داود عليه السلام خليفة الله في الأرض
وكان لباسه الشعر وطعامه الشعير. وإن شئت نبأتك بأمر سليمان عليه السلام مع ما كان
فيه من الملك، كان يأكل الشعير ويطعم الناس الحوارى (1) وكان لباسه الشعر
وكان إذا جنه الليل شد يده إلى عنقه فلا يزال قائما يصلي حتى يصبح، وإن شئت
نبأتك بأمر إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام كان لباسه الصوف وطعامه الشعير. وإن شئت
نبأتك بأمر يحيى عليه السلام كان لباسه الليف وكان يأكل ورق الشجر، وإن شئت نبأتك
بأمر عيسى بن مريم عليهما السلام وهو العجب كان يقول: إدامي الجوع وشعاري الخوف
ولباسي الصوف ودابتي رجلاي وسراجي بالليل القمر وصلاي (2) في الشتاء مشارق
الشمس وفاكهتي وريحانتي بقول الأرض مما يأكل الوحوش والانعام، وأبيت
وليس لي شئ وأصبح وليس لي شئ وليس على وجه الأرض أحد أغنى مني.
يا ابن مسعود كل هذا منهم يبغضون ما أبغض الله ويصغرون ما صغر الله
ويزهدون ما أزهد الله، وقد أثنى الله عليهم في محكم كتابه فقال لنوح: " إنه كان عبدا
شكورا " (3) وقال لإبراهيم: " اتخذ الله إبراهيم خليلا " (4) وقال لداود: " إنا
جعلناك خليفة في الأرض " (5) وقال لموسى: " وكلم الله موسى تكليما " (6) وقال
أيضا لموسى عليه السلام: " وقربناه نجيا " (7) وقال ليحيى عليه السلام: " وآتيناه الحكم

(1) الحوارى - بالضم وتشديد الواو المفتوحة: الدقيق الأبيض.
(2) في المصدر " اصطلائي في الشتاء " وصلى بالنار واصطلى استدفأ بها.
(3) الاسراء: 3.
(4) النساء: 124.
(5) ص: 25.
(6) النساء: 164.
(7) مريم: 53.
95

صبيا " (1) وقال لعيسى عليه السلام: " يا عيسى ابن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك
إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا - إلى قوله - وإذ تخلق من
الطين كهيئة الطير بإذني " (2) وقال: " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا
رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين " (3).
يا ابن مسعود كل ذلك لما خوفهم الله في كتابه من قوله: " إن جهنم لموعدهم
أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم " (4) قال الله تعالى: " وجئ
بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون " (5).
يا ابن مسعود النار لمن ركب محرما والجنة لمن ترك الحلال، فعليك بالزهد
فإن ذلك مما يباهي الله به الملائكة، وبه يقبل [الله] عليك بوجهه ويصلي عليك
الجبار.
يا ابن مسعود سيأتي من بعدي أقوام يأكلون طيب الطعام وألوانها ويركبون
الدواب ويتزينون بزينة المرأة لزوجها ويتبرجون تبرج النساء وزيهن مثل
زي الملوك الجبابرة وهم منافقوا هذه الأمة في آخر الزمان شاربون بالقهوات
لاعبون بالكعاب (6) راكبون الشهوات، تاركون الجماعات، راقدون عن العتمات (7)
مفرطون في العدوات يقول الله تعالى " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا
الشهوات فسوف يلقون غيا " (8).
يا ابن مسعود مثلهم مثل الدفلي (9) زهرتها حسنة وطعمها مر، كلامهم الحكمة

(1) مريم: 13.
(2) المائدة 109.
(3) الأنبياء: 90.
(4) الحجر: 43 و 44.
(5) الزمر: 69.
(6) القهوات جمع قهوة والمراد بها هنا الخمر ظاهرا والكعاب بالكسر خصوص
النرد، وفى بعض النسخ " شاربوا القهوات ".
(7) يعنى لم يصلوا العتمة وينامون عنها.
(8) مريم: 6.
(9) مر معناه سابقا أنه بالفارسية خر زهرة.
96

وأعمالهم داء لا يقبل الدواء " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ".
يا ابن مسعود ما يغني من يتنعم في الدنيا إذا أخلد في النار " يعلمون ظاهرا
من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ". يبنون الدور ويشيدون القصور ويزخرفون
المساجد وليست همتهم إلا الدنيا، عاكفون عليها، معتمدون فيها، آلهتهم بطونهم
قال الله تعالى: " وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين *
فاتقوا الله وأطيعون " (1) قال الله تعالى: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله
الله على علم وختم على سمعه وقلبه - إلى قوله - أفلا تذكرون " (2) وما هو إلا
منافق جعل دينه هواه وإلهه بطنه كلما اشتهى من الحلال والحرام لم يمتنع منه قال
الله تعالى " وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع " (3).
يا ابن مسعود محاريبهم (4) نساؤهم وشرفهم الدراهم والدنانير وهمتهم بطونهم
أولئك [هم] شر الأشرار الفتنة معهم وإليهم يعود.
يا ابن مسعود قول الله تعالى " أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا
يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " (5).
يا ابن مسعود أجسادهم لا تشبع، وقلوبهم لا تخشع.
يا ابن مسعود الاسلام بدء غريبا وسيعود غريبا كما بدء، فطوبى للغرباء، فمن
أدرك ذلك الزمان من أعقابكم فلا تسلموا في ناديهم، ولا تشيعوا جنائزهم، ولا
تعودوا مرضاهم، فإنهم يستنون بسنتكم، ويظهرون بدعواكم، ويخالفون أفعالكم
فيموتون على غير ملتكم أولئك ليسوا مني، ولا أنا منهم، فلا تخافن أحدا غير الله
فان الله تعالى يقول: " أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " (6)

(1) الشعراء: 129 - 131.
(2) الجاثية: 22.
(3) الرعد: 26.
(4) المحاريب: جمع محراب.
(5) الشعراء: 205 - 207.
(6) النساء 78.
97

ويقول: " يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم
- إلى قوله - وغركم بالله الغرور * فاليوم لا تؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا
مأويكم النار هي موليكم وبئس المصير " (1).
يا ابن مسعود عليهم لعنة الله مني، ومن جميع المرسلين، والملائكة المقربين
وعليهم غضب الله وسوء الحساب في الدنيا والآخرة، وقال الله تعالى: " لعن الذين
كفروا من بني إسرائيل - إلى قوله - ولكن كثيرا منهم فاسقون " (2).
يا ابن مسعود أولئك يظهرون الحرص الفاحش، والحسد الظاهر، ويقطعون
الأرحام، ويزهدون في الخير قال الله تعالى: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه
ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء
الدار " (3) ويقول الله تعالى: " مثل الذين حملوا التورية ثم لم يحملوها كمثل
الحمار يحمل أسفارا " (4).
يا ابن مسعود يأتي على الناس زمان الصابر على دينه مثل القابض على
الجمرة بكفه. يقول لذلك الزمان إن كان في ذلك الزمان ذئبا وإلا أكلته
الذئب (5).
يا ابن مسعود علماؤهم وفقهاؤهم خونة، فجرة، ألا إنهم أشرار خلق الله وكذلك
أتباعهم ومن يأتيهم ويأخذ منهم ويحبهم ويجالسهم ويشاورهم أشرار خلق الله، يدخلهم
نار جهنم " صم بكم عمي فهم لا يرجعون " (6) " ونحشرهم يوم القيمة على وجوههم
عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا " (7) " كلما نضجت جلودهم

(1) الحديد: 14 و 15.
(2) المائدة: 82 - 84.
(3) الرعد: 25.
(4) الجمعة: 5.
(5) كذا.
(6) البقرة: 17.
(7) الاسراء: 97: والخبوت: سكون النار.
98

بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " (1) " وإذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي
تفور * تكاد تميز من الغيظ " (2) " كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا
فيها و [قيل لهم] ذوقوا عذاب الحريق " (3) " لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون " (4)
يدعون أنهم على ديني وسنتي ومنهاجي وشرايعي أنهم مني براء وأنا منهم برئ.
يا ابن مسعود لا تجالسوهم في الملا ولا تبايعوهم في الأسواق ولا تهدوهم الطريق
ولا تسقوهم الماء قال الله تعالى: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم
أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون - الآية " (5) يقول الله تعالى: " من كان يريد حرث الدنيا
نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب " (6).
يا ابن مسعود ما بلوا أمتي بينهم العداوة والبغضاء والجدال أولئك أذلاء هذه
الأمة في دنياهم والذي بعثني بالحق ليخسفن الله بهم ويمسخهم قردة وخنازير.
قال: فبكى رسول الله وبكينا لبكائه وقلنا: يا رسول الله ما يبكيك قال رحمة
للأشقياء يقول الله تعالى: " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت واخذوا من مكان قريب " (7)
يعني العلماء والفقهاء.
يا ابن مسعود من تعلم العلم يريد به الدنيا وآثر عليه حب الدنيا وزينتها
استوجب سخط الله عليه وكان في الدرك الأسفل من النار مع اليهود والنصارى الذين
نبذوا كتاب الله تعالى قال الله تعالى: " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله
على الكافرين " (8).

(1) النساء: 55 وقوله تعالى " نضجت " أي احترقت.
(2) الملك: 6 و 7 والشهيق: الصوت المنكر كصوت الحمار. وهي تفور أي تغلى.
" تكاد تميز " أي تتقطع.
(3) الحج: 22.
(4) الأنبياء: 100 وقوله " زفير " صوت كصوت الحمار والمراد شدة تنفسهم.
(5) هود: 15.
(6) الشورى: 19.
(7) السبأ: 50.
(8) البقرة: 84.
99

يا ابن مسعود من تعلم القرآن للدنيا وزينتها حرم الله عليه الجنة.
يا ابن مسعود من تعلم العلم ولم يعمل بما فيه حشره الله يوم القيامة أعمى، ومن
تعلم العلم رياء وسمعة يريد به الدنيا نزع الله بركته وضيق عليه معيشته ووكله الله
إلى نفسه ومن وكله الله إلى نفسه فقد هلك قال الله تعالى: " من كان يرجوا لقاء ربه
فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " (1).
يا ابن مسعود فليكن جلساؤك الأبرار وإخوانك الأتقياء والزهاد لان الله
تعالى قال في كتابه " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " (2).
يا ابن مسعود اعلم أنهم يرون المعروف منكرا والمنكر معروفا ففي ذلك
يطبع الله على قلوبهم فلا يكون فيهم الشاهد بالحق ولا القوامون بالقسط، قال الله
تعالى " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " (3).
يا ابن مسعود يتفاضلون بأحسابهم وأموالهم يقول الله تعالى: " وما لاحد
عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى * ولسوف يرضى " (4).
يا ابن مسعود عليك بخشية الله وأداء الفرائض فإنه يقول: " هو أهل التقوى
وأهل المغفرة " (5) ويقول: " رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه " (6).
يا ابن مسعود دع عنك ما لا يعنيك وعليك بما يغنيك فان الله تعالى يقول:
" لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " (7).
يا ابن مسعود إياك أن تدع طاعة وتقصد معصية شفقة على أهلك لان الله

(1) الكهف: 110.
(2) الزخرف: 67. والاخلاء: الأحباء.
(3) النساء: 134. قوامين أي دائمين على القيام بالعدل.
(4) الليل: 19 - 21.
(5) المدثر: 55.
(6) البينة: 8.
(7) عبس: 37.
100

تعالى يقول: " يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده
ولا مولود هو جاز عن والده شيئا * إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا
يغرنكم بالله الغرور " (1).
يا ابن مسعود احذر الدنيا ولذاتها وشهواتها وزينتها وأكل الحرام والذهب
والفضة والمراكب والنساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والانعام
والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب * قل أؤنبئكم بخير من
ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج
مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد (2).
يا ابن مسعود لا تغترن بالله ولا تغترن بصلاتك وعملك وبرك وعبادتك.
يا ابن مسعود إذا تلوت كتاب الله تعالى فأتيت على آية فيها أمر ونهي فرددها
نظرا واعتبارا فيها ولا تسه عن ذلك فان نهيه يدل على ترك المعاصي وأمره يدل
على عمل البر والصلاح فان الله تعالى يقول: " فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه
ووفيت كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون " (3).
يا ابن مسعود لا تحقرن ذنبا ولا تصغرنه واجتنب الكبائر فان العبد إذا نظر
يوم القيامة إلى ذنوبه دمعت عيناه قيحا ودما يقول الله تعالى " يوم تجد كل نفس
ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا " (4).
يا ابن مسعود إذا قيل لك اتق الله فلا تغضب فإنه يقول: " وإذا قيل له اتق الله
أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم " (5).
يا ابن مسعود قصر أملك فإذا أصبحت فقل: إني لا أمسي وإذا أمسيت فقل
إني لا أصبح، واعزم على مفارقة الدنيا وأحب لقاء الله ولا تكره لقاءه فان الله

(1) لقمان: 32 و 33. والغرور بفتح الغين والمراد به الشيطان.
(2) مأخوذة من آل عمران: 12 و 13.
(3) آل عمران: 24.
(4) آل عمران: 28.
(5) البقرة: 202.
101

يحب لقاء من أحب لقاءه ويكره لقاء من يكره لقاءه.
يا ابن مسعود لا تغرس الأشجار ولا تجري الأنهار (1) ولا تزخرف البنيان
ولا تتخذ الحيطان والبستان فان الله يقول: " ألهاكم التكاثر " (2).
يا ابن مسعود والذي بعثني بالحق ليأتي على الناس زمان يستحلون الخمر
يسمونه النبيذ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، أنا منهم برئ وهم مني
برآء.
يا ابن مسعود الزاني بأمه أهون عند الله ممن يدخل في ماله من الربا مثقال
حبة من خردل، ومن شرب المسكر قليلا أو كثيرا فهو أشد عند الله من آكل
الربا لأنه مفتاح كل شر.
يا ابن مسعود أولئك يظلمون الأبرار ويصدقون الفجار والفسقة، الحق عندهم
باطل والباطل عندهم حق، هذا كله للدنيا وهم يعلمون أنهم على غير الحق ولكن
زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون. رضوا بالحياة الدنيا
واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون.
يا ابن مسعود قال الله تعالى من رد عن ذكري وذكر الآخرة (3) " نقيض
له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى
إذا جاءنا قال: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " (4).
يا ابن مسعود إنهم ليعيبون على من يقتدي بسنتي فرائض الله قال الله تعالى
" فاتخذتموهم سخريا حتى آنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون * إني جزيتهم
اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " (5).
ابن مسعود احذر سكر الخطيئة فان للخطيئة سكرا كسكر الشراب بل هي

(1) أي لاكثار الثروة لا مطلقا.
(2) التكاثر: 1.
(3) كذا وفى المصدر " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض - الآية " أي ومن يعرض
عن القرآن.
(4) الزخرف 35 - 37. وقوله " نقيض " أي نهيئ، وقيض الله فلانا لفلان أي أتاحه.
(5) المؤمنون 112 و 113.
102

أشد سكرا منه يقول الله تعالى: " صم بكم عمي فهم لا يرجعون " (1) ويقول: " إنا
جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا * وإن لجاعلون ما عليها
صعيدا جرزا " (2).
يا ابن مسعود الدنيا ملعونة ملعون من فيها، ملعون من طلبها وأحبها ونصب لها
وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى " كل من عليها فان ويبقى * وجه ربك ذو الجلال
والاكرام " (3)، وقوله " كل شئ هالك إلا وجهه " (4).
يا ابن مسعود إذا عملت عملا فاعمل لله خالصا لأنه لا يقبل من عباده الأعمال
إلا ما كان خالصا فإنه يقول " وما لاحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه
الاعلى * ولسوف يرضى " (5).
يا ابن مسعود دع نعيم الدنيا وأكلها وحلاوتها، وحارها وباردها، ولينها، و
طيبها، وألزم نفسك الصبر عنها فإنك مسؤول عن ذلك كله قال الله تعالى: " ثم
لتسئلن يومئذ عن النعيم " (6).
يا ابن مسعود فلا تلهينك الدنيا وشهواتها فان الله تعالى يقول: " أفحسبتم أنما
خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون " (7).
يا ابن مسعود إذا عملت عملا من البر وأنت تريد بذلك غير الله فلا ترج بذلك
منه ثوابا فإنه يقول " فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا " (8).
يا ابن مسعود إذا مدحك الناس فقالوا: إنك تصوم النهار وتقوم الليل وأنت
على غير ذلك فلا تفرح بذلك فان الله تعالى يقول: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا
ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " (9).

(1) البقرة: 17.
(2) الكهف: 6 و 7.
(3) الرحمن 26 و 27.
(4) القصص: 88.
(5) الليل: 19 - 21.
(6) التكاثر: 8.
(7) المؤمنون: 115.
(8) الكهف: 105.
(9) آل عمران: 185، والمفازة: المنجاة أي فائزين بالنجاة.
103

يا ابن مسعود أكثر من الصالحات والبر، فان المحسن والمسئ يندمان
يقول المحسن: يا ليتني ازددت من الحسنات ويقول المسئ: قصرت، وتصديق ذلك قوله
قوله تعالى " ولا أقسم بالنفس اللوامة " (1).
يا ابن مسعود لا تقدم الذنب ولا تؤخر التوبة ولكن قدم التوبة وأخر
الذنب فان الله تعالى يقول في كتابه " بل يريد الانسان ليفجر أمامه " (2).
يا ابن مسعود إياك أن تسن سنة بدعة فان العبد إذا سن سنة سيئة لحقه
وزرها ووزر من عمل بها قال الله تعالى: " ونكتب ما قدموا وآثارهم " (3) وقال سبحانه
" ينبؤا الانسان يومئذ بما قدم وأخر " (4).
يا ابن مسعود لا تركن إلى الدنيا ولا تطمئن إليها فستفارقها عن قليل، فان الله
تعالى يقول: " فأخرجناهم من جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم " (5).
يا ابن مسعود أذكر القرون الماضية والملوك الجبابرة الذين مضوا فان الله
يقول " وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا " (6).
يا ابن مسعود انظر أن تدع الذنب (7) سرا وعلانية، صغيرا وكبيرا، فان
الله تعالى حيث ما كنت يراك وهو معك فاجتنبها (7).
يا ابن مسعود اتق الله في السر والعلانية، والبر والبحر، والليل والنهار،
فإنه يقول: " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا
أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا " (9).

(1) القيامة: 2.
(2) القيامة: 5.
(3) يس: 11.
(4) القيامة: 13.
(5) مضمون مأخوذ من الآيات الواردة في سورة الشعراء: 147 و 148 وسورة
الدخان آية 24 و 25 لا لفظها وهذا من سهو الرواة واعتمادهم على حافظتهم.
(6) الفرقان: 38.
(7) في المصدر " إياك والذنب " وفى بعض نسخه مثل ما في المتن.
(8) في المصدر و " هو معكم أينما كنتم ".
(9) المجادلة: 8.
104

يا ابن مسعود اتخذ الشيطان عدوا فان الله تعالى يقول: " إن الشيطان لكم
عدو فاتخذوه عدوا " (1) ويقول عن إبليس: " ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن
خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " (2) ويقول " فالحق
والحق أقول لأملئن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين (3).
يا ابن مسعود [فانظر أن] لا تأكل الحرام ولا تلبس الحرام ولا تأخذ من الحرام
ولا تعص الله لان الله تعالى يقول لإبليس: " واستفزز من استطعت منهم بصوتك و
أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان
إلا غرورا " (4) وقال: فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " (5).
يا ابن مسعود لا تقربن من الحرام من المال والنساء (6) فان الله تعالى
يقول: " ولمن خاف مقام ربه جنتان " (7) ولا تؤثرن الحياة الدنيا على الآخرة
باللذات والشهوات فان الله تعالى يقول في كتابه " فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا
فان الجحيم هي المأوى " (8) يعني الدنيا الملعونة والملعون ما فيها إلا ما كان لله.
يا ابن مسعود لا تخونن أحدا في مال يضعه عندك أو أمانة ائتمنك عليها فان
الله يقول: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " (9).
يا ابن مسعود لا تتكلم إلا بالعلم بشئ سمعته ورأيته فان الله تعالى يقول:
" ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه

(1) فاطر: 6.
(2) الأعراف: 16.
(3) ص: 85.
(4) الاسراء: 66.
(5) لقمان: 33، وفاطر: 5.
(6) في المصدر " يا ابن مسعود خف الله في السر والعلانية " مكان " لا تقربن الخ ".
(7) الرحمن: 46.
(8) النازعات: 37 - 39.
(9) النساء: 58:
105

مسؤولا " (1) وقال: " ستكتب شهادتهم ويسئلون " (2) وقال: " إذ يتلقى المتلقيان عن
اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " (3) وقال: " ونحن
أقرب إليه من حبل الوريد " (4).
يا ابن مسعود لا تهتمن للرزق فان الله تعالى يقول: " وما من دابة في الأرض
إلا على الله رزقها " (5) وقال: " وفي السماء رزقكم وما توعدون " (6) وقال: " وإن
يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير " (7).
يا ابن مسعود والذي بعثني بالحق [نبيا] إن من يدع الدنيا ويقبل على
تجارة الآخرة فان الله تعالى يتجر له من وراء تجارته ويربح الله تجارته يقول الله
تعالى: " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون
يوما تتقلب فيه القلوب والابصار " (8).
قال ابن مسعود: بأبي أنت وأمي يا رسول الله كيف لي بتجارة الآخرة؟
فقال: لا تريحن لسانك عن ذكر الله، وذلك أن تقول: " سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر " فهذه التجارة المربحة، يقول الله تعالى: " يرجون تجارة
لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله " (9).
يا ابن مسعود كلما أبصرته بعينك واستحلاه قلبك فاجعله لله فذلك تجارة
الآخرة لان الله يقول: " ما عندكم ينفد وما عند الله باق " (10).
يا ابن مسعود وإذا تكلمت بلا إله إلا الله ولم تعرف حقها فإنه مردود عليك
ولا يزال " لا إله إلا الله " يرد غضب الله عن العباد حتى إذا لم يبالوا ما ينقص

(1) الاسراء 36.
(2) الزخرف: 18.
(3) ق: 16 و 17.
(4) ق: 15.
(5) هود: 6.
(6) الذاريات: 22.
(7) الانعام: 17.
(8) النور: 37.
(9) فاطر: 29 و 30.
(10) النحل: 98.
106

من دينهم بعد إذ سلمت دنياهم يقول الله تعالى: [كذبتم كذبتم لستم بها بصادقين فإنه
يقول الله تعالى] " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " (1).
يا ابن مسعود أحب الصالحين فان المرء مع من أحبه، فإن لم تقدر على
أعمال البر فأحب العلماء فان الله تعالى يقول: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع
الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقا " (2).
يا ابن مسعود إياك أن تشرك بالله طرفة عين وإن نشرت بالمنشار أو قطعت
أو صلبت أو أحرقت بالنار يقول الله تعالى: " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم
الصديقون والشهداء عند ربهم " (3).
يا ابن مسعود اصبر مع الذين يذكرون الله ويسبحونه ويهللونه ويحمدون
ويعملون بطاعته ويدعونه بكرة وعشيا فان الله يقول: " واصبر نفسك مع الذين
يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم " (4) " ما عليك من
حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين " (5).
يا ابن مسعود لا تختارن على ذكر الله شيئا فإنه يقول: ولذكر الله
أكبر " (6) ويقول: " فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون " (7) ويقول:
" إذا سئلك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " (8) ويقول: " ادعوني
أستجب لكم " (9).
يا ابن مسعود عليك بالسكينة والوقار وكن سهلا لينا عفيفا مسلما تقيا نقيا
بارا طاهرا مطهرا صادقا خالصا سليما صحيحا لبيبا صالحا صبورا شكورا مؤمنا ورعا

(1) فاطر: 11. وما بين القوسين ليس في المصدر.
(2) النساء: 69.
(3) الحديد: 18.
(4) الكهف: 27.
(5) الانعام: 52.
(6) العنكبوت: 44.
(7) البقرة: 152.
(8) البقرة: 186.
(9) المؤمن: 60.
107

عابدا زاهدا رحيما عالما فقيها يقول الله تعالى: إن إبراهيم لحليم أواه منيب " (1)
وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما *
والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما (2) (ويقولون للناس حسنا) وإذا مروا باللغو
مروا كراما [" والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا "]
والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما *
أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما * خالدين فيها حسنت
مستقرا ومقاما " (3) ويقول الله: " قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون *
والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكوة فاعلون * والذين هم لفروجهم
حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء
ذلك فأولئك هم العادون * والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون * والذين هم على صلواتهم
يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " (4)
يقول الله تعالى: " أولئك في جنات مكرمون " (5) وقال: " إنما المؤمنون الذين
إذا ذكر الله وجلت قلوبهم - إلى قوله - أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند
ربهم ومغفرة ورزق كريم " (6).
يا ابن مسعود لا تحملنك الشفقة على أهلك وولدك على الدخول في المعاصي
والحرام، فان الله تعالى يقول: " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب
سليم " (7) وعليك بذكر الله والعمل الصالح فان الله تعالى يقول: " والباقيات
الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا " (8).

(1) هود: 77، والأواه: كثير التأسف، والمنيب: الراجع إلى الله تعالى.
(2) الفرقان: 64 و 65.
(3) الفرقان 72 إلى 76.
(4) المؤمنون: 1 إلى 12.
(5) المعارج: 35.
(6) الأنفال: 2 - 6.
(7) الشعراء: 88 و 89.
(8) الكهف: 44.
108

يا ابن مسعود لا تكونن ممن يهدي الناس إلى الخير ويأمرهم بالخير وهو
غافل عنه يقول الله تعالى: " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " (1).
يا ابن مسعود عليك بحفظ لسانك فان الله تعالى يقول: " اليوم نختم على أفواههم
وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " (2).
يا ابن مسعود عليك بالسرائر فان الله تعالى يقول: " يوم تبلى السرائر * فما
له من قوة ولا ناصر " (3).
يا ابن مسعود احذر يوما تنشر فيه الصحائف وتظهر فيه الفضائح فان الله تعالى
يقول: " ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة
من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " (4).
يا ابن مسعود اخش الله تعالى بالغيب كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه
يراك يقول الله تعالى: " من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها
بسلام ذلك يوم الخلود " (5).
يا ابن مسعود أنصف الناس من نفسك وأنصح الأمة وارحمهم فإذا كنت كذلك
وغضب الله على أهل بلدة وأنت فيها وأراد أن ينزل عليهم العذاب نظر إليك فرحمهم
بك يقول الله تعالى: " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " (6).
يا ابن مسعود إياك أن تظهر من نفسك الخشوع والتواضع للادميين وأنت
فيما بينك وبين ربك مصر على المعاصي والذنوب يقول الله تعالى: " يعلم خائنة الأعين
وما تخفي الصدور " (7).
يا ابن مسعود فلا تكن ممن يشدد على الناس ويخفف على نفسه يقول الله

(1) البقرة: 41.
(2) يس: 65.
(3) الطارق: 9 و 10.
(4) الأنبياء: 48.
(5) ق: 32 و 33.
(6) هود: 119.
(7) المؤمن: 19.
109

تعالى " لم تقولون ما لا تفعلون " (1).
يا ابن مسعود إذا عملت عملا فاعمل بعلم وعقل وإياك وأن تعمل عملا بغير
تدبير وعلم فإنه جل وجلاله يقول: " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة
أنكاثا " (2).
يا ابن مسعود عليك بالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا وأنصف الناس
من نفسك وأحسن، وادع الناس إلى الاحسان، وصل رحمك ولا تمكر الناس، وأوف
الناس بما عاهدتهم فان الله تعالى يقول: " إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي
القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " (3) تمت الموعظة
وبالله التوفيق.
* (باب 6) *
* (جوامع وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله) *
* (ومواعظه وحكمه) *
1 - معاني الأخبار، الخصال، أمالي الصدوق (4) الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، عن محمد بن
الحسن بن دريد، عن أبي حاتم، عن العتبي يعني محمد بن عبد الله، عن أبيه، وأخبرنا عبد الله بن
شبيب البصري، عن زكريا بن يحيى المنقري، عن العلاء بن محمد بن الفضيل (5)
عن أبيه، عن جده قال: قال قيس بن عاصم: وفدت مع جماعة من بني تميم إلى
النبي صلى الله عليه وآله فدخلت وعنده الصلصال بن الدلهمش فقلت: يا نبي الله عظنا موعظة

(1) الصف: 2.
(2) النحل: 94.
(3) النحل: 92.
(4) المعاني ص 232. الخصال ج 1 ص 56. الأمالي المجلس الأول ص 3.
(5) في المعاني " العلاء بن فضيل " وفى الأمالي " العلاء بن محمد بن الفضل ". وفى
الخصال " العلاء بن الفضل ".
110

ننتفع بها فانا قوم نعير (1) في البرية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا قيس إن مع العز
ذلا، وإن مع الحياة موتا، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شئ حسيبا، وعلى
كل شئ رقيبا، وإن لكل حسنة ثوابا، ولكل سيئة عقابا، ولكل أجل كتابا
وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت
فإن كان كريما أكرمك، وإن كان لئيما أسلمك ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث
إلا معه، ولا تسأل إلا عنه فلا تجعله إلا صالحا فإنه إن صلح آنست به وإن فسد
لا تستوحش إلا منه وهو فعلك.
فقال: يا نبي الله: أحب أن يكون هذا الكلام في أبيات من الشعر نفخر به
على من يلينا من العرب وندخره، فأمر النبي صلى الله عليه وآله من يأتيه بحسان، قال قيس:
فأقبلت أفكر فيما أشبه هذه العظة من الشعر فاستتب (2) لي القول قبل مجئ
حسان فقلت: يا رسول الله قد حضرتني أبيات أحسبها توافق ما تريد، فقال النبي
صلى الله عليه وآله: قل يا قيس، فقلت:
تخير خليطا (3) من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
ولا بد بعد الموت من أن تعده * ليوم ينادى المرء فيه فيقبل
فان كنت مشغولا بشئ فلا تكن * بغير الذي يرضي به الله تشغل
فلن يصحب الانسان من بعد موته * ومن قبله إلا الذي كان يعمل
ألا إنما الانسان ضيف لأهله * يقيم قليلا بينهم ثم يرحل
2 - أمالي الصدوق: (4) السناني، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن محمد بن
سنان، عن المفضل، عن ابن ظبيان، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال:

(1) أي نذهب ونجئ ونردد في البرية أي الصحراء. وفى بعض النسخ " نعبر ".
(2) أي استقام، وفى بعض النسخ " استبان " أي ظهر.
(3) في المعاني " قرينا " مكان " خليطا ".
(4) الأمالي المجلس السادس ص 14. والمراد بالسناني: محمد بن أحمد.
وبالأسدي: محمد بن أبي عبد الله الكوفي.
111

الاشتهار بالعبادة ريبة، إن أبي حدثني، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام أن
رسول الله صلى الله صلى الله عليه وآله قال: أعبد الناس من أقام الفرائض، وأسخى الناس من أدى زكاة ماله
وأزهد الناس من اجتنب الحرام، وأتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه، وأعدل
الناس من رضي للناس ما يرضى لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه، وأكيس الناس من
كان أشد ذكرا للموت، وأغبط الناس من كان تحت التراب قد أمن العقاب يرجو
الثواب، وأغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال، وأعظم الناس في الدنيا
خطرا من لم يجعل للدنيا عنده خطرا، وأعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه
وأشجع الناس من غلب هواه، وأكثر الناس قيمة أكثرهم علما، وأقل الناس قيمة
أقلهم علما، وأقل الناس لذة الحسود، وأقل الناس راحة البخيل، وأبخل الناس من
بخل بما افترض الله عز وجل عليه، وأولى الناس بالحق أعلمهم به، وأقل الناس
حرمة الفاسق، وأقل الناس وفاء الملوك، وأقل الناس صديقا الملك، وأفقر الناس
الطامع، وأغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا، وأفضل الناس إيمانا أحسنهم
خلقا، وأكرم الناس أتقاهم، وأعظم الناس قدرا من ترك ما لا يعنيه، وأورع الناس
من ترك المراء وإن كان محقا، وأقل الناس مروة من كان كاذبا، وأشقى الناس
الملوك، وأمقت الناس المتكبر، وأشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب، وأحلم
الناس من فر من جهال الناس، وأسعد الناس من خالط كرام الناس، وأعقل
الناس أشدهم مدارة للناس، وأولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة، وأعتى
الناس من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة
وأحق الناس بالذنب السفيه المغتاب، وأذل الناس من أهان الناس، وأحزم الناس أكظمهم
للغيظ، وأصلح الناس أصلحهم للناس، وخير الناس من انتفع به الناس.
كتاب الغايات (1) روي عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
الاشتهار بالعبادة إلى آخره.

(1) تأليف أبي محمد بن أحمد بن علي القمي نزيل الري مخطوط.
112

معاني الأخبار (1): عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن أبيه، عن
ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي حمزة الثمالي، عن الصادق عليه السلام مثله.
كنز الكراجكي (2) مرسلا مثله.
3 - أمالي الصدوق (3): عن ابن ناتانة، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن
عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: طوبى لمن طال عمره وحسن عمله، فحسن منقلبه إذ رضي عنه ربه
عز وجل وويل لمن طال عمره وساء عمله، فساء منقلبه إذ سخط عليه ربه
عز وجل.
4 - أمالي الصدوق: (4) عن ابن إدريس، عن أبيه، عن أيوب بن نوح، عن محمد بن زياد
عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائهم عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحسن فيما بقي من عمره لم يؤاخذ بما مضى من ذنبه
ومن أساء فيما بقي من عمره اخذ بالأول والآخر.
5 - أمالي الصدوق (5): عن الطالقاني، عن محمد بن إسحاق بن بهلول، عن أبيه، عن علي
ابن يزيد الصدائي (6)، عن أبي شيبة الجوهري، عن أنس بن مالك قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنة: إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا
وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم
وكفوا أيديكم وألسنتكم.

(1) معاني الأخبار ص 195.
(2) كنز الفوائد ص 138.
(3) الأمالي المجلس الثالث عشر ص 35 والمراد بابن ناتانة الحسين بن إبراهيم.
(4) الأمالي المجلس الثالث عشر ص 35. والمراد بابن إدريس الحسين بن أحمد.
(5) المصدر المجلس العشرون ص 55. والمراد بالطالقاني محمد بن إبراهيم بن
إسحاق.
(6) في المصدر " الصيداوي ".
113

6 - أمالي الصدوق (1): عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن
الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: سمعت
جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لي: إعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس، وارض بقسم
الله تكن أغنى الناس، وكف عن محارم الله تكن أورع الناس، وأحسن مجاورة من
جاورك تكن مؤمنا، وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما.
7 - الخصال، أمالي الصدوق (2): عن محمد بن أحمد الأسدي، عن عبد الله بن سليمان، وعبد الله بن
محمد الوهبي، وأحمد بن عمير، ومحمد بن أبي أيوب قالوا: حدثنا عبد الله بن هاني
ابن عبد الرحمن قال: حدثنا أبي، عن عمه إبراهيم، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أصبح معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت
يومه فكأنما حيزت له الدنيا (3) يا ابن جعشم يكفيك منها ما سد جوعتك وواري
عورتك، فان يكن بيت يكنك فذاك، وإن تكن دابة تركبها فبخ بخ، وإلا فالخبز
وماء الحبر وما بعد ذلك حساب عليك أو عذاب.
8 - أمالي الصدوق: (4) عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن صفوان، عن الكناني قال: قلت
للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أخبرني عن هذا القول قول من هو؟ " أسأل الله الايمان
والتقوى وأعوذ بالله من شر عاقبة الأمور، إن أشرف الحديث ذكر الله، ورأس
الحكمة طاعته، وأصدق القول وأبلغ الموعظة وأحسن القصص كتاب الله، وأوثق العرى
الايمان بالله، وخير الملل ملة إبراهيم، وأحسن السنن سنة الأنبياء، وأحسن الهدى
هدى محمد صلى الله عليه وآله، وخير الزاد التقوى، وخير العلم ما نفع، وخير الهدى ما اتبع
وخير الغنى غنى النفس، وخير ما القي في القلب اليقين، وزينة الحديث الصدق

(1) المصدر المجلس السادس والثلاثون ص 121.
(2) الخصال ج 1 ص 77. والأمالي المجلس الحادي والستون ص 232.
(3) السرب - بكسر السين - النفس وبفتحها المسلك. وبفتحتين: البيت. وقوله
" حيزت " - بكسر المهملة والزاي المعجمة - (له الدنيا) أي ضمت وجمعت.
(4) المجلس الرابع والسبعون ص 292.
114

وزينة العلم الاحسان، وأشرف الموت قتل الشهادة، وخير الأمور خيرها عاقبة، وما
قل وكفى خير مما كثر وألهى، والشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ
بغيره، وأكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور، وشر الرواية رواية الكذب
وشر الأمور محدثاتها، وشر العمى عمى القلب، وشر الندامة ندامة يوم القيامة
وأعظم المخطئين عند الله عز وجل لسان كذاب، وشر الكسب كسب الربا، وشر
المأكل أكل مال اليتيم ظلما، وأحسن زينة الرجل السكينة مع الايمان. ومن
يبتغ السمعة يسمع الله به، ومن يعرف البلاء يصبر عليه، ومن لا يعرفه ينكره
والريب كفر، ومن يستكبر يضعه الله، ومن يطع الشيطان يعص الله، ومن يعص الله
يعذبه الله، ومن يشكر الله يزده الله، ومن يصبر على الرزية يغثه الله، ومن يتوكل
على الله فحسبه الله، لا تسخطوا الله برضا أحد من خلقه، ولا تتقربوا إلى أحد من
الخلق بتباعد من الله عز وجل فان الله ليس بينه وبين أحد من الخلق شئ يعطيه به
خيرا أو يصرفه به عنه السوء إلا بطاعته وابتغاء مرضاته، إن طاعة الله نجاح كل
خير يبتغى، ونجاة من كل شر يتقى، وإن الله يعصم من أطاعه ولا يعتصم منه من
عصاه، ولا يجد الهارب من الله مهربا، فان أمر الله نازل بإذلاله ولو كره الخلائق
وكل ما هو آت قريب، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، " تعاونوا على البر
والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب " قال:
فقال لي الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: هذا قول رسول الله صلى الله عليه وآله.
ين (1): عن الجوهري، وفضالة، عن أبان بن عثمان، عن الصباح بن سيابة
قال: سمعت كلاما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " السعيد من سعد في بطن أمه
وذكر نحوه إلى آخر الخبر.
9 - أمالي الصدوق (2): عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن هاشم، عن عبد الله بن ميمون
عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: استحيوا من الله

(1) كتاب الحسين بن سعيد الأهوازي مخطوط.
(2) الأمالي المجلس التسعون ص 366.
115

حق الحياء، قالوا: وما نفعل يا رسول الله؟ قال: فان كنتم فاعلين فلا يبيتن
أحدكم إلا وأجله بين عينيه، وليحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وليذكر
القبر والبلى، ومن أراد الآخرة فليدع زينة الحياة الدنيا.
قرب الإسناد: (1) عن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن ميمون مثله إلا أن فيه " حوى "
مكان " وعى " و " وعى " مكان " حوى ".
10 - تفسير علي بن إبراهيم (2): عن أبيه، عن حماد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي ما من دار فيها فرحة إلا يتبعها ترحة (3)
وما من هم إلا وله فرح إلا هم أهل النار، فإذا عملت سيئة فأتبعها بحسنته تمحها
سريعا، وعليك بصنايع الخير فإنها تدفع مصارع السوء.
قال المفسر: وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام على حد
التأديب للناس لا بأن لأمير المؤمنين عليه السلام سيئات عملها.
11 - تفسير علي بن إبراهيم (4): عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن سنان، عن
المفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما نزلت هذه الآية: " لا تمدن عينيك إلى
ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن رمى ببصره إلى
ما في يد غيره كثر همه ولم يشف غيظه، ومن لم يعلم أن لله عليه نعمة إلا في مطعم أو في
ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه، ومن أصبح على الدنيا حزينا أصبح على الله ساخطا
ومن شكى مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه، ومن دخل النار من هذه الأمة ممن
قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا، ومن أتي ذا ميسرة فيتخشع له طلبا لما
في يديه ذهب ثلثا دينه، ثم قال: ولا تعجل وليس يكون الرجل يسأل من الرجل

(1) قرب الإسناد ص 13.
(2) تفسير علي بن إبراهيم سورة الرعد ص 341.
(3) الترح: الحزن والهم.
(4) المصدر سورة الحجر آية 89 ص 356.
116

الرفق فيبجله (1) ويوقره فقد يجب ذلك له عليه، ولكن يريه أنه يريد بتخشعه
ما عند الله ويريد أن يختله عما في يديه (2).
12 - الخصال (3): عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن هاشم، عن النوفلي
عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
غريبتان فاحتملوها: كلمة حكم من سفيه فاقبلوها، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها.
13 - الخصال (4): عن محمد بن أحمد الأسدي، عن محمد بن أبي عمران، عن أحمد
ابن أبي بكر الزهري، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر
ابن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أخوف ما أخاف على أمتي الهوى وطول
الامل، أما الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الامل فينسي الآخرة، وهذه
الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وهذه الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحد منهما بنون
فان استطعتم أن تكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فافعلوا فإنكم
اليوم في دار عمل ولا حساب وأنتم غدا في دار حساب ولا عمل.
الخصال (5): ابن بندار، عن أبي العباس الحمادي، عن أحمد بن محمد الشافعي
عن عمه إبراهيم محمد، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن ابن المكندر، عن جابر
مثله.
14 - الخصال (6): الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، عن عبد الله بن محمد بن عبد

(1) التبجيل: التعظيم.
(2) ختله أي خدعه وماكره. ومعنى قوله " فقد يجب ذلك له عليه " أي قد يكون يجب
تعظيم بعض مسؤولين على السائل و " ذلك " إشارة إلى التبجيل والتوقير والضمير في " له " راجع
إلى المسؤول وفى " عليه " إلى السائل.
(3) الخصال ج 1 ص 19.
(4) المصدر ج 1 ص 27.
(5) الخصال ج 1 ص 27.
(6) المصدر ج 2 ص 84.
117

الكريم عن ابن عوف، عن مكي بن إبراهيم البلخي، عن موسى بن عبيدة، عن صدقة بن
يسار، عن عبد الله عمر قال: نزلت هذه السورة " إذا جاء نصر الله والفتح " على رسول
الله صلى الله عليه وآله في أوسط أيام التشريق فعرف أنه الوداع فركب راحلته العضباء فحمد
الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس كل دم كان في الجاهلية فهو هدر، وأول
دم هدر دم الحارث بن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في هذيل فقتله بنوا الليث أو
قال: كان مسترضعا في بني ليث فقتله هذيل - (1) وكل ربا كان في الجاهلية فموضوع
وأول رباء وضع ربا العباس بن عبد المطلب (2) أيها الناس إن الزمان قد استدار فهو
اليوم كهيئة يوم خلق السماوات والأرضين، وإن عدة الشهور عند الله اثنى عشر
شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم: رجب مضر الذي
بين جمادى وشعبان وذو القعدة وذو الحجة والمحرم " فلا تظلموا فيهن أنفسكم فان
النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤا
عدة ما حرم الله " فكانوا يحرمون المحرم عاما ويستحلون صفر ويحرمون صفر
عاما ويستحلون المحرم، أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلادكم آخر
الأبد ورضي منكم بمحقرات الأعمال، أيها الناس من كانت عنده وديعة فليؤدها إلى
من ائتمنه عليها، أيها الناس إن النساء عندكم عوار لا يملكن لأنفسهن ضرا ولا
نفعا، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله فلكم عليهن حق
ولهن عليكم حق، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئين فرشكم ولا يعصينكم في معروف
فإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، ولا تضربوهن. أيها الناس إني

(1) كان ابن ربيعة مسترضعا في بنى سعد فقتله بنو هذيل في الجاهلية. والترديد والوهم
من الراوي.
(2) إنما بدأ صلى الله عليه وآله بابطال الربا والدم من أهله وأقربائه ليعلم أنه ليس
في الدين محاباة.
118

قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله عز وجل فاعتصموا به، يا أيها
الناس أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام، ثم قال: يا أيها الناس فأي شهر هذا؟ قالوا
شهر حرام، ثم قال: يا أيها الناس أي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام قال: فان الله عز
وجل حرم عليكم دماءكم وأموالكم، وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم
هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، ألا فليبلغ شاهدكم غائبكم، لا نبي بعدي ولا أمة
بعدكم، ثم رفع يديه حتى أنه ليرى بياض إبطيه، ثم قال: اللهم اشهد أني قد
بلغت.
15 - قرب الإسناد (1): ابن ظريف، عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه، عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قلة العيال أحد اليسارين.
وقال صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى ينزل المعونة على قدر المؤونة، وينزل
الصبر على قدر قلة اليسار (2).
وقال صلى الله عليه وآله: الأمانة تجلب الغني، والخيانة تجلب الفقر.
16 - قرب الإسناد (3) علي، عن أخيه قال: ابتدر الناس إلى قراب سيف (4) رسول الله
صلى الله عليه وآله بعد موته فإذا صحيفة صغيرة وجدوا فيها: من آوى محدثا فهو
كافر، ومن تولى غير مواليه فعليه لعنة الله، وأعتى الناس (5) على الله عز وجل من
قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه.
17 - قرب الإسناد (6): ابن ظريف، عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال:

(1) قرب الإسناد ص 55 والمراد بابن ظريف - بالظاء المعجمة - الحسن بن ظريف
ابن ناصح ثقة (صه. حش).
(2) في المصدر " على قدر شدة البلاء ".
(3) المصدر ص 112.
(4) ابتدر القوم أمرا: بادر بعضهم بعضا إليه أيهم يسبق إليه أي أسرعوا. وقراب
السيف: جفنه وهو وعاء يكون فيه السيف بغمده وحمالته.
(5) عتى - كدعى - والمصدر عتو - كسمو - استكبر وجاوز الحد، فهو عات والجمع
عتاة كداع ودعاة.
(6) المصدر ص 50 والمراد بابن علوان الحسين بن علوان الكلبي عامي له كتاب
(ست، صه، حش).
119

وجد في غمد سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة مختومة ففتحوها فوجدوا فيها: من أعتى
الناس على الله القاتل غير قاتله، والضارب غير ضاربه، ومن أحدث حدثا (1) أو آوى
محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا: ومن
تولى إلى غير مواليه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله.
18 - عيون أخبار الرضا (ع) (2): بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: اختاروا الجنة على النار ولا تبطلوا أعمالكم فتقذفوا في النار منكسين خالدين
فيها أبدا.
19 - قرب الإسناد (3): هارون، عن ابن زياد، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: ثلاثة هن أم الفواقر (4) سلطان إن أحسنت إليه لم يشكر، وإن
أسأت إليه لم يغفر، وجار عينه ترعاك وقلبه تبغاك، إن رأى حسنة دفنها ولم يفشها
وإن رأى سيئة أظهرها وأذاعها، وزوجة إن شهدت لم تقر عينك بها، وإن غبت
لم تطمئن إليها.
20 - أمالي الطوسي (5): المفيد، عن محمد بن حسين الخلال، عن الحسن بن الحسين
الأنصاري، عن زفر بن سليمان، عن أشرس الخراساني، عن أيوب السجستاني
عن أبي قلابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أسر ما يرضى الله عز وجل أظهر الله
له ما يسره، ومن أسر ما يسخط الله تعالى أظهر الله تعالى له ما يحزنه، ومن كسب
مالا من غير حله أفقره الله عز وجل، ومن تواضع لله رفعه الله، ومن سعى في
رضوان الله أرضاه الله، ومن أذل مؤمنا أذله الله، ومن عاد مريضا فإنه يخوض في

(1) أي ابتدع بدعة.
(2) عيون أخبار الرضا " ع " ص 200.
(3) قرب الإسناد ص 40 والمراد بابن زياد مسعدة بن زياد الكوفي الربعي ثقة عين
روى عن أبي عبد الله عليه السلام (صه. فهرست النجاشي). له كتاب عنه هارون بن مسلم (ست).
(4) الفواقر جمع الفاقرة وهي الداهية.
(5) الأمالي ج 1 ص 185.
120

الرحمة - وأومأ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حقويه - فإذا جلس عند المريض غمرته الرحمة
ومن خرج من بيته يطلب علما شيعه سبعون ألف ملك يستغفرون له، ومن كظم
غيظ ملا الله جوفه إيمانا، ومن أعرض عن محرم أبدله الله به عبادة تسره، ومن
عفى من مظلمة أبدله الله بها عزا في الدنيا والآخرة، ومن بنى مسجدا ولو كمفحص
قطاة (1) بنى الله له بيتا في الجنة، ومن أعتق رقبة فهي فداء عن النار كل عضو منها
فداء عضو منه، ومن أعطى درهما في سبيل الله كتب الله له سبعمائة حسنة، ومن أماط (2)
عن طريق المسلمين ما يؤذيهم كتب الله له أجر قراءة أربعمائة آية، كل حرف
منها بعشر حسنات، ومن لقى عشرة من المسلمين فسلم عليهم كتب الله له عتق رقبة.
ومن أطعم مؤمنا لقمة أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه شربة من ماء سقاه الله
من الرحيق المختوم، ومن كساه ثوبا كساه الله من الإستبرق والحرير وصلى عليه
الملائكة ما بقي في ذلك الثوب سلك (3).
21 - أمالي الطوسي (4): عن المفيد، عن المظفر بن محمد البلخي، عن محمد بن همام، عن
حميد بن زياد، عن إبراهيم بن عبيد بن حنان، عن الربيع بن سلمان، عن
السكوني، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، عن جده عليه السلام قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: اعمل بفرائض الله تكن من أتقى الناس، وارض بقسم الله
تكن من أغنى الناس، وكف عن محارم الله تكن أورع الناس، وأحسن مجاورة من
يجاورك تكن مؤمنا، وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما.
22 - أمالي الطوسي (5): المفيد، عن محمد بن محمد بن طاهر، عن ابن عقده، عن محمد بن
إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر، عن الحسن بن موسى، عن أبيه، عن
جده، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الدنيا دول فما كان لك منها

(1) المفحص: الموضع الذي تفحص القطاة أي تكشف التراب عنه لتبيض فيه.
(2) أماط الأذى عن الطريق: أي أبعده.
(3) السلك: الخيط.
(4) الأمالي ج 1 ص 120.
(5) المصدر ج 1 ص 229.
121

أتاك على ضعفك، وما كان عليك لم تدفعه بقوتك، ومن انقطع رجاه مما فات
استراح بدنه، ومن رضى بما رزقه الله قرت عينه.
23 - أمالي الطوسي (1): عن ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن محمد بن عبد الملك، عن
هارون بن عيسى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن الرضا، عن أبيه، عن جده، عن
الباقر عليهم السلام، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في خطبته: إن أحسن
الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله، وشر الأمور محدثاتها، وكل
محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكان إذا خطب قال في خطبته: أما بعد، فإذا ذكر
الساعة اشتد صوته، واحمرت وجنتاه، ثم يقول: صبحتكم الساعة أو مستكم (2)
ثم يقول: بعثت أنا والساعة كهذه من هذه، ويشير بأصبعيه.
24 - أمالي الطوسي (3): عن ابن الحمامي، عن أحمد بن محمد بن عبيد الله القطان، عن
يعقوب بن إسحاق النحوي، عن عبد السلام بن مطهر، عن موسى بن خلف، عن
ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كن في الدنيا
كأنك غريب وكأنك عابري سبيل، وعد نفسك في أصحاب القبور. قال: قال
مجاهد: وقال لي عبد الله بن عمر وأنت يا عبد الله إذا أمسيت فلا تحدث نفسك أن
تصبح وإذا أصبحت فلا تحدث نفسك أن تمسي، وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك
لسقمك فإنك لا تدري ما اسمك غدا.
أمالي الطوسي (4): عن ابن حمويه، عن أبي الحسين، عن أبي خليفة، عن الحجبي، عن
حماد بن زيد، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر مثله.
25 - أمالي الطوسي (5) عن جماعة، عن أبي المفضل، عن أحمد بن عبيد الله بن سابور

(1) المصدر ج 1 ص 347.
(2) يقال صبحهم - بالتخفيف والتشديد - أي أتاهم صباحا.
(3) المصدر ج 1 ص 390.
(4) المصدر ج 2 ص 16.
(5) المصدر ج 2 ص 87.
122

عن أيوب بن محمد الرقي، عن سلام بن رزين، عن إسرائيل بن يونس الكوفي، عن
جده أبي إسحاق عن حارث الهمداني، عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالستهم زيادة، وأنتم في ممر الليل والنهار في آجال
منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتيكم بغتة، فمن يزرع خيرا يحصد غبطة
ومن يزرع شرا يحصد ندامة.
26 - أمالي الطوسي (1): عن جماعة، عن أبي المفضل، عن محمد بن جعفر الرزاز، عن
جده محمد بن عيسى، عن محمد بن الفضيل الصيرفي، عن الرضا، عن آبائه، عن
أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله علمني عملا صالحا
لا يحال بينه وبين الجنة؟ قال: لا تغضب، ولا تسأل شيئا، وارض للناس ما ترضى
لنفسك، فقال يا رسول الله زدني قال: إذا صليت العصر فاستغفر الله سبعا وسبعين مرة تحط
عنك عمل سبع وسبعين سيئة قال: مالي سبع وسبعون سيئة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله:
فاجعلها لك ولأبيك، قال: مالي ولأبي سبع وسبعون سيئة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله:
اجعلها لك ولأبيك ولأمك، قال: يا رسول الله مالي ولأبي وأمي سبع وسبعون سيئة
قال: اجعلها لك ولأبيك وأمك ولقرابتك.
27 - أمالي الطوسي (2): عن جماعة، عن أبي المفضل، عن الحسن بن علي بن سهل
العاقولي، عن موسى بن عمر بن يزيد، عن معمر بن خلاد، عن الرضا، عن آبائه
عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: جاء أبو أيوب خالد بن زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال: يا رسول الله أوصني واقلل لعلي أن أحفظ قال: أوصيك بخمس: باليأس عما
في أيدي الناس، فإنه الغنى، وإياك والطمع فإنه الفقر الحاضر، وصل صلاة مودع
وإياك وما تعتذر منه، وأحب لأخيك ما تحب لنفسك.
28 - أمالي الطوسي (3): عن جماعة، عن أبي المفضل، عن النعمان بن أحمد، عن محمد

(1) المصدر ج 2 ص 121.
(2) المصدر ج 2 ص 122.
(3) المصدر ج 2 ص 125.
123

ابن شبعة، عن حفص بن عمر، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب
عن الباقر، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله: من
كثر همه سقم بدنه، ومن ساء خلقه عذب نفسه، ومن لاحى الرجل سقطت مروته
وذهبت كرامته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لم يزل جبرئيل عليه السلام ينهاني عن ملاحاة
الرجال كما ينهاني عن شرب الخمر وعبادة الأوثان.
29 - الخصال (1): عن العطار، عن أبيه، عن سعد، عن البرقي، عن بكر بن صالح
عن الحسن بن فضال، عن عبد الله بن إبراهيم، عن الحسين بن زيد، عن أبيه، عن
جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أسرع الخير ثوابا
البر، وإن أسرع الشر عقابا البغي، وكفى بالمرء عيبا أن ينظر من الناس إلى ما يعمى
عنه من نفسه، ويعير الناس بما لا يستطيع تركه، ويؤذي جليسه بما لا يعنيه.
30 - معاني الأخبار (2): عن الوراق، عن سعيد، عن إبراهيم بن [معروف، عن إبراهيم
ابن] مهزيار، عن أخيه علي، عن الحسن بن سعيد، عن الحارث بن محمد بن النعمان
عن جميل بن صالح، عن أبي عبد الله الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل، ومن
أحب أن يكون أتقى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس
فليكن بما عند الله عز وجل أوثق منه بما في يده.
ثم قال عليه السلام: ألا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: من
أبغض الناس وأبغضه الناس، ثم قال: ألا أنبئكم بشر من هذا:؟ قالوا: بلى يا
رسول الله قال: الذي لا يقيل عثرة، ولا يقبل معذرة، ولا يغفر ذنبا. قال: ألا أنبئكم
بشر من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الذي لا يؤمن شره، ولا يرجى
خيره.
وإن عيسى بن مريم عليه السلام قام في بني إسرائيل فقال: يا بني إسرائيل لا تحدثوا

(1) الخصال ج 1 ص 54.
(2) معاني الأخبار ص 196 تحت رقم 2.
124

بالحكمة الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تعينوا الظالم على ظلمه
فيبطل فضلكم. الأمور ثلاثة أمر تبين لك رشده فاتبعه، وأمر تبين لك غيه فاجتنبه
وأمر اختلف فيه فرده إلى الله عز وجل.
31 - معاني الأخبار (1): عن ابن الوليد، عن ابن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن
فضالة، عن أبان، عن إسحاق بن إبراهيم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: وجد في ذؤابة
سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة فإذا فيها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم إن أعتى
الناس على الله يوم القيامة من قتل غير قاتله، ومن ضرب غير ضاربه، ومن تولى
غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه وآله ومن أحدث حدثا أو آوى
محدثا لم يقبل الله تعالى منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. قال: ثم قال: تدري ما يعني
بقوله " من تولى غير مواليه " قلت: ما يعني به؟ قال: يعني أهل الدين.
والصرف التوبة في قول أبي جعفر عليه السلام والعدل الفداء في قول أبي عبد الله عليه السلام.
32 - تحف العقول (2): قال النبي صلى الله عليه وآله: ما لي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير
من الناس حتى كأن الموت في هذا الدنيا على غيرهم كتب، وكأن الحق في
هذه الدنيا على غيرهم وجب، وحتى كأن ما يسمعون من خبر الأموات قبلهم
عندهم كسبيل قوم سفر عما قليل إليهم راجعون (3) تبوؤنهم أجداثهم وتأكلون
تراثهم، وأنتم مخلدون بعدهم، هيهات هيهات أما يتعظ آخرهم بأولهم، لقد جهلوا
ونسوا كل موعظة في كتاب الله، وأمنوا شر كل عاقبة سوء، ولم يخافوا نزول
فادحة (4) ولا بوائق كل حادثة.

(1) معاني الأخبار ص 379 تحت رقم 3.
(2) التحف ص 29.
(3) يعنى أنهم إذا سمعوا بموت فلان مثلا يظنون أنه قد سافر إلى مكان في الأرض
ثم يرجع إليهم ثانيا بعد مضى أيام. وقوله " تبوؤنهم أجداثهم " في الكافي " بيوتهم أجداثهم "
وسيأتي تفسيره.
(4) الفادحة: النازلة والفادح الصعب المثقل. والبوائق جمع البائقة وهي الداهية
والشر.
125

طوبى لمن شغله خوف الله عن خوف الناس.
طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت علانية، واستقامت خليقته
طوبى لمن أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله.
طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه.
طوبى لمن تواضع لله عز ذكره وزهد فيما أحل له من غير رغبة عن سنتي
ورفض زهرة الدنيا (1) من غير تحول عن سنتي، واتبع الأخيار من عترتي من
بعدي، وخالط أهل الفقه والحكمة، ورحم أهل المسكنة.
طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصيته، وعاد به على أهل
المسكنة (2) وجانب أهل الخيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا، المبتدعين خلاف
سنتي (3) العاملين بغير سيرتي.
طوبى لمن حسن مع الناس خلقه، وبذل لهم معونته، وعدل عنهم شره.
33 - تحف العقول (4): وصيته صلى الله عليه وآله لمعاذ بن جبل (5) لما بعثه إلى اليمن يا معاذ

(1) المراد بها بهجتها وغضارتها.
(2) يعنى صرفه فيهم.
(3) المبتدع صاحب البدعة.
(4) المصدر ص 25.
(5) معاذ بن جبل بضم الميم أنصاري خزرجي، يكنى أبا عبد الرحمن، أسلم وهو
ابن ثمان عشرة سنة، وشهد ليلة العقبة مع السبعين - من أهل يثرب (المدينة) - وشهد مع
رسول الله صلى الله عليه وآله المشاهد، وبعثه صلى الله عليه وآله إلى اليمن بعد غزوة تبوك، في سنة العاشر، وعاش
إلى أن توفى في طاعون عمواس بناحية الأردن سنة ثمان عشرة في خلافة عمر. ولما بعثه صلى الله عليه وآله
إلى اليمن شيعه صلى الله عليه وآله ومن كان معه من المهاجرين والأنصار - ومعاذ راكب، ورسول الله
صلى الله عليه وآله يمشى إلى جنبه، ويوصيه. فقال معاذ يا رسول الله: أنا راكب وأنت تمشى
ألا انزل فامشي معك ومع أصحابك؟ فقال: يا معاذ إنما أحتسب خطاى هذه في سبيل الله.
ثم أوصاه بوصايا - ذكرها الفريقين مشروحا وموجزا في كتبهم - ثم التفت صلى الله عليه وآله، فاقبل
بوجهه نحو المدينة، فقال: ان أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا.
126

علمهم كتاب الله وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة، وأنزل الناس منازلهم خيرهم
وشرهم (1) وأنفذ فيهم أمر الله ولا تحاش في أمره ولا ماله أحدا (2) فإنها ليست
بولايتك ولا مالك، وأد إليهم الأمانة في كل قليل وكثير، وعليك بالرفق والعفو في
غير ترك للحق (3) يقول الجاهل: قد تركت من حق الله، واعتذر إلى أهل عملك
من كل أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب (4) حتى يعذروك، وأمت أمر الجاهلية
إلا ما سنه الاسلام، وأظهر أمر الاسلام كله صغيره وكبيره، وليكن أكثر همك
الصلاة فإنها رأس الاسلام بعد الاقرار بالدين، وذكر الناس بالله واليوم الآخر
واتبع الموعظة فإنه أقوى لهم على العمل بما يحب الله، ثم بث فيهم المعلمين واعبد
الله الذي إليه ترجع، ولا تخف في الله لومة لائم.
وأوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وترك
الخيانة، ولين الكلام، وبذل السلام، وحفظ الجار، ورحمة اليتيم، وحسن العمل
وقصر الامل، وحب الآخرة، والجزع من الحساب، ولزوم الايمان، والفقه في
القرآن، وكظم الغيظ، وخفض الجناح (5) وإياك أن تشتم مسلما، أو تطيع آثما
أو تعصي إماما عادلا، أو تكذب صادقا، أو تصدق كاذبا، واذكر ربك عند كل
شجر وحجر، وأحدث لكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية.
يا معاذ لولا أنني أرى ألا نلتقي إلى يوم القيامة لقصرت في الوصية ولكنني

(1) أي أنزل الناس منازلهم على قدرهم وشؤونهم من الخير وشر.
(2) لا تحاش من حاش يحاش أي نزه والمراد أنك لا تكترث بما تفعله ولا تخاف من
أحد ولا تستوحش منهم.
(3) في بعض النسخ " من غير ترك للحق ".
(4) يعنى أن في كل أمر خشيت أن يسرع إليك عيب منه تقدم العذر قبل أن يعذروك.
(5) الخفض: الغض والاخفاء وأيضا خفض ضد رفع وبمعنى اللين والسهل، والجناح
ما يطير به الطائر وخفض الجناح كناية عن التواضع.
127

أرى أن لا نلتقي أبدأ (1) ثم اعلم يا معاذ إن أحبكم إلي من يلقاني على مثل الحال
التي فارقني عليها (2).
34 - تحف العقول (3): من كلامه صلى الله عليه وآله: إن لكل شئ شرفا وإن شرف المجالس
ما استقبل به القبلة، من أحب أن يكون أعز الناس فليتق الله، ومن أحب أن
يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما
في يد الله أوثق منه بما في يده.
ثم قال: ألا أنبئكم بشرار الناس؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من نزل
وحده، ومنع رفده (4) وجلد عبده، ثم قال: ألا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا:
بلى يا رسول الله، قال: من لا يرجي خيره، ولا يؤمن شره. ثم قال: ألا أنبئكم
بشر من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: من لا يقيل عثرة، ولا يقبل معذرة. ثم
قال: ألا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من يبغض الناس
ويبغضونه.
إن عيسى عليه السلام قام خطيبا في بني إسرائيل فقال: يا بني إسرائيل لا تكلموا
بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظلموا ولا تكافئوا

(1) هذا البيان تصريح بموته صلى الله عليه وآله وأن معاذا لن يراه بعد اليوم ومقامه هذا، فإنه
صلى الله عليه وآله ودعه وانصرف وسار معاذ إلى اليمن حتى أتى صنعاء اليمن فمكث أربعة
عشر شهرا ثم رجع إلى المدينة فلما دخلها فقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله.
(2) لعل في هذا البيان إشارة إلى معاذ بأنك لو تلقاني يوم القيامة على مثل هذه الحال
ولم تتغير حالك في مستقبل الزمان ولم تنحرف عن طريقي بعد وفاتي تكون محبوبا عندي
ولكن قيل في حقه: انه من أصحاب الصحيفة وهم الذين كتبوا صحيفة واشترطوا على أن
يزيلوا الإمامة عن علي عليه السلام. وممن قوى خلافة أبى بكر.
(3) التحف ص 27.
(4) الرفد بالسكر: العطاء والصلة وهو اسم من رفده رفدا من باب ضرب أي أعطاه
وأعانه. والظاهر أنه أعم من منع الحقوق الواجبة والمستحبة.
128

ظالما فيبطل (1) فضلكم يا بني إسرائيل الأمور ثلاثة أمر بين رشده فاتبعوه، وأمر
بين غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فردوه إلى الله. أيها الناس إن لكم معالم
فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين
أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه
فليأخذ العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشيبة قبل الكبر، ومن
الحياة قبل الموت، والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب (2) وما بعد الدنيا
دار إلا الجنة والنار.
35 - المحاسن (3): عن أبيه، عن يونس، عن عمرو بن جميع رفعه قال: قال
سلمان الفارسي (ره): أوصاني خليلي بسبعة خصال لا أدعهن على كل حال. أوصاني
أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أحب الفقراء وأدنو منهم
وأن أقول الحق وإن كان مرا، وأن أصل رحمي، وإن كانت مدبرة، ولا أسأل الناس شيئا
وأوصاني أن أكثر من قول " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " فإنها كنز من
كنوز الجنة.
36 - المحاسن (4): عن أبيه، عن القاسم، عن جده، عن الثمالي، عن أبي جعفر
عليه السلام قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله رجل فقال: علمني يا رسول الله فقال: عليك
باليأس عما في أيدي الناس فإنه الغنى الحاضر، قال: زدني يا رسول الله، قال:

(1) كافأ الرجل على ما كان منه جازاه. كافأ فلانا راقبه وقابله، صار نظيرا له
وساواه.
(2) المستعتب: طلب العتبى أي الاسترضاء والمراد أن بعد الموت لا يكون ما يوجب
الرضا لان زمان الأعمال قد انقضى وختم ديوانها ولعل أصل العتبى الرضا والفرح من
الرجوع عن الذنب والإساءة وهذا المعنى لا يمكن الوصول إليه الا في دار الدنيا، وقبل
الموت فليس بعد الموت من استرضاء بهذا المعنى.
(3) المحاسن ص 11 باب 7.
(4) المحاسن ص 16 باب 10.
129

إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر، قال: زدني يا رسول الله قال: إذا هممت بأمر
فتدبر عاقبته فان يك خيرا ورشدا فاتبعه، وإن يك غيا فدعه.
37 - المحاسن (1): عن أبيه، عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن أيوب بن عطية
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن عليا عليه السلام وجد كتابا في قراب سيف رسول
الله صلى الله عليه وآله مثل الإصبع فيه إن أعتى الناس على الله القاتل غير قاتله، والضارب غير
ضاربه، ومن والى غير مواليه فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله، ومن أحدث
حدثا أو آوى محدثا فلا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، ولا يجوز لمسلم أن يشفع
في حد.
38 - مجالس المفيد (2): عن محمد بن جعفر التميمي، عن هشام بن يونس النهشلي، عن
يحيى بن يعلى، عن أحمد بن محمد الأعرج، عن عبد الله بن حارث، عن عبد الله بن
مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عجب لغافل وليس بمغفول عنه، وعجب لطالب
الدنيا والموت يطلبه، وعجب لضاحك ملء فيه وهو لا يدري أرضي الله أم سخط له.
39 - مجالس المفيد (3): عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف
عن ابن مهزيار، عن محمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي خالد القماط
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم منى فقال: نضر الله (4) عبدا سمع
مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها، فكم من حامل فقه غير فقيه، وكم حامل
فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاثة لا يغل عليها قلب عبد مسلم (5) إخلاص العمل لله، و
النصيحة لائمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فان دعوتهم محيطة من ورائهم، المسلمون

(1) المحاسن ص 17 باب 10.
(2) مجالس المفيد ص 45.
(3) المصدر ص 110.
(4) في النهاية: نضره ونضره وأنضره أي نعمه ويروى بالتخفيف والتشديد من
النضارة وهي في الأصل حسن الوجه والبريق وإنما أراد حسن خلقه وقدره.
(5) الغل الخيانة والحقد.
130

إخوة تتكافئ دمائهم، وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم (1).
40 - كشف الغمة (2) من كتاب الحافظ عبد العزيز، عن سليمان بن بلال قال:
حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كانت خطبة
رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه ثم يقول أثر ذلك وقد علا
صوته واشتد غضبه واحمرت وجنتاه كأنه منذر جيش: صبحكم أو مساكم ثم
يقول: بعثت والساعة كهاتين ثم أشار بالسبابة والوسطى التي تلي الابهام ثم
يقول: إن أفضل الحديث كتاب الله عز وجل وخير الهدى هدى محمد، وشر
الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة،، فمن ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو
ضياعا فالي (3).
14 - جامع الأخبار (4): قال رسول الله صلى الله عليه وآله: العفاف زينة البلاء، والتواضع زينة
الحسب، والفصاحة زينة الكلام، والعدل زينة الايمان، والسكينة زينة العبادة،
والحفظ زينة الرواية، وحفظ الحجاج زينة العلم، وحسن الأدب زينة العقل، وبسط
الوجه زينة الحلم، والايثار زينة الزهد، وبذل الموجود زينة اليقين، والتقلل زينة
القناعة، وترك المن زينة المعروف، والخشوع زينة الصلاة، وترك ما لا يعني زينة
الورع.
42 - الكافي (5): عن العدة، عن سهل، عن ابن محبوب، عن الحسن بن السري
عن أبي مريم، عن أبي جعفر قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله
مر بنا ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته وذلك حين رجع من حجة الوداع

(1) سئل الصادق عليه السلام عن معناه فقال عليه السلام: لو أن جيشا من المسلمين
حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل منهم فقال: أعطوني الأمان حتى القى صاحبكم
أناظره فأعطاهم أدناهم الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به (مجمع البحرين).
(2) كشف الغمة ج 2 ص 375.
(3) كذا.
(4) جامع الأخبار ص 143 الفصل التاسع والسبعون.
(5) الكافي ج 8 ص 168 تحت رقم 190.
131

فوقف علينا فسلم ورددنا عليه السلام، ثم قال: مالي أرى حب الدنيا قد غلب على
كثير من الناس حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب، وكأن الحق
في هذه الدنيا على غيرهم وجب، وحتى كأن لم يسمعوا ويروا من خبر الأموات قبلهم
سبيلهم سبيل قوم سفر (1) عما قليل إليهم راجعون، بيوتهم أجداثهم، ويأكلون تراثهم
يظنون أنهم مخلدون بعدهم (2) هيهات هيهات أما يتعظ آخرهم بأولهم لقد جهلوا
ونسوا كل وعظ في كتاب الله، وأمنوا شر كل عاقبة سوء، ولم يخافوا نزول فادحة
وبوائق حادثة (3).
طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس.
طوبى لمن منعه عيبه، عن عيوب المؤمنين من إخوانه.
طوبى لمن تواضع لله عز ذكره وزهد فيما أحل الله له من غير رغبة عن
سيرتي، ورفض زهرة الدنيا من غير تحول عن سنتي، واتبع الأخيار من عترتي
من بعدي، وجانب أهل الخيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا، المبتدعين خلاف سنتي
العاملين بغير سيرتي.

(1) السفر جمع مسافر فيحتمل ارجاع الضمير في قوله: " سبيلهم " إلى الاحياء وفى
قوله: " إليهم " إلى الأموات أي هؤلاء الاحياء مسافرون يقطعون منازل أعمارهم من السنين
والشهور حتى يلحقوا بهؤلاء الأموات ويحتمل العكس في ارجاع الضميرين فالمراد أن سبيل
هؤلاء الأموات عند هؤلاء الاحياء لعدم اتعاظهم بموتهم وعدم مبالاتهم سبيل قوم كانوا ذهبوا إلى
سفر وعن قريب يرجعون إليهم ويؤيده ما في النهج وتفسير القمي " وكان الذي نرى من الأموات سفر عما
قليل إلينا راجعون ".
(2) الأجداث جمع الجدث وهو القبر أي يرون أن بيوت هؤلاء الأموات أجداثهم
ومع ذلك يأكلون تراثهم أو يريدون أن تراث هؤلاء قد زالت عنهم وبقى في أيديهم ومع ذلك
لا يتعظون ويظنون أنهم مخلدون بعدهم. والتراث: ما يخلفه الرجل لورثته. والضامر أنه
وقع في نسخ الكتاب تصحيف والأصوب ما في النهج " نبوؤهم أجداثهم ونأكل تراثهم " وفى التفسير
" ننزلهم أجداثهم ".
(3) الفادحة النازلة.
132

طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصية فأنفقه في غير معصية وعاد
به على أهل المسكنة.
طوبى لمن حسن مع الناس خلقه، وبذل لهم معونته، وعدل عنهم شره.
طوبى لمن أنفق القصد وبذل الفضل وأمسك قوله عن الفضول وقبيح الفعل.
43 - الاختصاص (1): خطب النبي صلى الله عليه وآله لما أراد الخروج إلى تبوك بثنية الوداع
فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أيها الناس إن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق
العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد صلى الله عليه وآله، وأشرف
الحديث ذكر الله، وأحسن القصص القرآن، وخير الأمور عزائمها، وشر الأمور
محدثاتها، وأحسن الهدى هدى الأنبياء، وأشرف القتل قتل الشهداء، وأعمى الهدى
الضلالة بعد الهدى، وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى
القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى،
وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا
يأتي الجمعة إلا نذرا، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا، ومن أعظم الخطايا اللسان
الكذوب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله
وخير ما القي في القلب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية
والغلول من جمر جهنم، والسكر جمر من النار، والشعر من إبليس، والخمر جماع
الآثام، والنساء حبالات إبليس، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب
الربا وشر المآكل أكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي
في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع، والامر إلى آخره،
وملاك العمل خواتيمه، وأربى الربا الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن
فسوق، وقتال المؤمن كفر وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن
مالا على الله يكذبه، ومن يعف يعفو الله عنه، ومن كظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر
على الرزية يعوضه الله، ومن يتبع السمعة يسمع الله به، ومن يصم بصره، ومن

(1) الاختصاص ص 342.
133

يعص الله يعذبه الله، اللهم اغفر لي ولامتي، اللهم اغفر لي ولامتي أستغفر الله
لي ولكم.
44 - الحسين بن سعيد أو النوادر: (1) عن ابن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن
آبائه، عن علي عليه السلام قال: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله
أوصني قال: أوصيك أن لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت بالنار، ولا تنهر
والديك وإن أمراك على أن تخرج من دنياك فاخرج منها، ولا تسب الناس وإذا لقيت
أخاك المسلم فالقه ببشر حسن، وصب له من فضل دلوك، أبلغ من لقيت من المسلمين
عني السلام، وادع الناس إلى الاسلام، واعلم أن لك بكل من أجابك عتق رقبة من
ولد يعقوب، واعلم أن الصغيراء عليهم حرام يعني النبيذ وهو الخمر وكل مسكر
عليهم حرام.
45 - الحسين بن سعيد أو النوادر (2): عن ابن أبي البلاد، عن أبيه، رفعه قال: جاء أعرابي إلى
النبي صلى الله عليه وآله فأخذ بغرز راحلته وهو يريد بعض غزواته فقال: يا رسول الله علمني
عملا أدخل الجنة؟ فقال: ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم، وما كرهت
أن يأتيه إليك فلا تأته إليهم، خل سبيل الراحلة.
46 - نوادر الراوندي: (3) باسناده، عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام
قال: قال علي: خطب بنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أيها الناس إنكم في زمان هدنة
وأنتم على ظهر سفر، والسير بكم سريع، فقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر
يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل وعد ووعيد، فأعدوا
الجهاز لبعد المجاز، فقام مقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله فما تأمرنا نعمل؟
فقال: إنها دار بلاء وابتلاء وانقطاع وفناء فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل
المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وما حل مصدق، من جعله أمامه قاده
إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، ومن جعله الدليل يدله على السبيل

(1) مخطوط.
(2) مخطوط.
(3) المصدر ص 21 و 22.
134

وهو كتاب تفصيل وبيان تحصيل، هو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن وظاهره
حكم الله وباطنه علم الله تعالى، فظاهره وثيق وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه
نجوم (1) لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل
على المعرفة لمن عرف النصفة، فليرع رجل بصره وليبلغ النصفة نظره ينجو من عطب
ويتخلص من نشب فان التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات، والنور
يحسن التخلص ويقل التربص (2).
47 - وبهذا الاسناد قال: قال علي عليه السلام: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال:
أيها الناس الموتة الموتة، الوحية الوحية (3) لا تردها سعادة أو شقاوة، جاء الموت بما
فيه بالروح والراحة لأهل دار الحيوان الذي كان لها سعيهم وفيها جاء الموت بما فيه
بالويل والحسرة والكرة الخاسرة لأهل دار الغرور الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم
بئس العبد عبد له وجهان يقبل بوجه ويدبر بوجه، إن اوتى أخوه المسلم خيرا حسده،
وإن ابتلى خذله، بئس العبد عبد أوله نطفة ثم يعود جيفة لا يدري ما يفعل به فيما
بين ذلك، بئس العبد عبد خلق للعبادة فألهته العاجلة عن الآجلة (4) فاز بالرغبة
العاجلة عن الأجلة وشقي بالعاقبة، بئس العبد عبد تجبر واختال ونسي الكبير المتعال
بئس العبد عبد عتى وبغى، ونسي الجبار الاعلى، بئس العبد عبد له هوى يضله ونفس
تذله، بئس العبد عبد له طمع يقوده إلى طبع.
48 - أمالي الطوسي (5): عن أحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن
الحسن بن فضال، عن العباس بن عمار، عن أحمد بن رزق، عن الفضيل بن يسار

(1) في المصدر " له تخوم وعلى تخومه تخوم ".
(2) كذا في المصدر.
(3) كذا والوحي الوحي - مقصورا -: أي البدار البدار، السرعة السرعة، العجلة
العجلة، وشئ وحى: مسرع، فعيل بمعنى فاعل ومنه موت وحى أي سريع وذكاة وحية
بهاء: سريعة. وتوحى على تفعل: أسرع.
(4) أي شغلته وصرفته حب الدنيا عن الآخرة أو الموت.
(5) الأمالي ج 2 ص 287.
135

قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: خرج رسول الله صلى عليه وآله يريد حاجة فإذا هو بالفضل
ابن العباس قال: فقال: احملوا هذا الغلام خلفي، فاعتنق رسول الله صلى الله عليه وآله من خلفه
على الغلام ثم قال: يا غلام خف الله تجده أمامك، يا غلام خف الله يكفك ما سواه
وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، ولو أن جميع الخلايق اجتمعوا
على أن يصرفوا عنك شيئا قد قدر لك لم يستطيعوا، ولو أن جميع الخلايق اجتمعوا
على أن يصرفوا إليك شيئا لم يقدر لك لم يستطيعوا، واعلم أن النصر مع الصبر
وأن الفرح مع الكرب، وأن اليسر مع العسر، وكل ما هو آت قريب إن الله
يقول ولو أن قلوب عبادي اجتمعت على قلب أشقى عبد لي ما نقصني ذلك من سلطاني
جناح بعوضة، ولو أن قلوب عبادي اجتمعت على قلب أسعد عبد لي ما زاد ذلك في
سلطاني جناح بعوضة، ولو أني أعطيت كل عبد ما سألني ما كان ذلك إلا مثل
إبرة جاءها عبد من عبادي فغمسها في البحر وذلك أن عطائي كلام وعدتي كلام
وإنما أقول لشئ كن فيكون.
49 - كتاب الإمامة والتبصرة (1): عن أحمد بن علي، عن محمد بن الحسن
الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد
عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " السعيد من وعظ بغيره ".

(1) قال المؤلف - رحمه الله - في المجلد الأول ص 7 في بيان الأصول والكتب
المأخوذ منها: " كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة للشيخ الأجل أبى الحسن علي بن الحسين
ابن موسى بن بابويه والد الصدوق - طيب الله تربتهما - وأصل آخر منه أو من غيره من
القدماء المعاصرين له. ويظهر من بعض القرائن أنه تأليف الشيخ الثقة الجليل هارون بن
موسى التلعكبري - رحمه الله - " انتهى.
أقول: وقال المولى الأستاذ الشيخ آغا بزرگ في الذريعة ج 2 ص 342 ما حاصله
هذا الكتاب لبعض قدماء الأصحاب المعاصرين للشيخ الصدوق ولا يمكن أن يكون من تأليفات
علي بن بابويه لأنه يروى مؤلفه فيه عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري المتوفى
سنة 385 وأيضا عن أبي المفضل الشيباني المتوفى سنة 387. وعن الحسن بن حمزة العلوي
وعن سهل بن أحمد الديباجي المتوفى بعد سنة 370. وعن أحمد بن علي الراوي عن
محمد بن الحسن بن الوليد الذي توفى سنة 343 فكيف يكون من يروى عن هؤلاء المشايخ
المتأخرين هو والد الصدوق الذي توفى سنة 329 فان رواية المتقدم عصرا عن المتأخر
وان وقعت في رواياتنا لكن المقام ليس منها بشهادة أن الشيخ الصدوق مع اكثاره في الرواية
عن والده في جميع مؤلفاته لم يذكر رواية واحدة عن أحد من هؤلاء المشايخ الذين مر ذكرهم
ممن يروى مؤلف الإمامة والتبصرة عنهم غالبا فيه.
136

* (باب 7) *
* (ما جمع من مفردات كلمات الرسول صلى الله عليه وآله) *
" (وجوامع كلمه) "
أقول: قد أورد القاضي القضاعي من العامة شطرا من كلماته صلى الله عليه وآله في كتاب
الشهاب ثم جمع بينها وبين كلمات علي عليه السلام الشيخ أبو السعادات أسعد بن عبد القاهر
الأصفهاني من أصحابنا في كتاب مجمع البحرين ومطلع السعادتين أيضا وأوردها أيضا
جماعة أخرى أيضا من الخاصة والعامة في مطاوي الكتب المؤلفة في ذكر جوامع كلماتهما و
كلمات سائر السادة المعصومين كما سيجئ الإشارة إليه في باب ما جمع من جوامع كلم
أمير المؤمنين عليه السلام.
1 - تحف العقول (1): قال النبي صلى الله عليه وآله كفى بالموت واعظا، وكفى بالتقى غنى، وكفى
بالعبادة شغلا، وكفى بالقيامة موئلا (2) وبالله مجازيا.
2 - وقال صلى الله عليه وآله: خصلتان ليس فوقهما من البر تفسير العياشي: الايمان بالله والنفع لعباد
الله، وخصلتان ليس فوقهما من الشر شئ الشرك بالله والضر لعباد الله.
3 - وقال له رجل: أوصني بشئ ينفعني الله به، فقال: أكثر ذكر الموت

(1) التحف ص 35.
(2) الموئل: الملجأ من وأل إليه وألاو وؤلا: إذا رجع إليه وطلب النجاة منه.
137

يسلك عن الدنيا (1) وعليك بالشكر يزيد في النعمة، وأكثر من الدعاء فإنك
لا تدري متى يستجاب لك، وإياك والبغي فان الله قضى أنه " من بغي عليه لينصرنه
الله " (2) وقال: " أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم " (3) وإياك والمكر فان الله
قضى " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " (4).
4 - وقال صلى الله عليه وآله: ستحرصون على الامارة تكون حسرة وندامة، فنعمت المرضعة
وبئست الفاطمة (5).
5 - وقال صلى الله عليه وآله: لن يفلح قوم أسدوا أمرهم إلى امرأة (6).
6 - وقيل له عليه السلام: أي الأصحاب أفضل؟ قال: إذا ذكرت أعانك، وإذا نسيت
ذكرك.
7 - وقيل: أي الناس شر؟ قال صلى الله عليه وآله: العلماء إذا فسدوا.
8 - وقال صلى الله عليه وآله: أوصاني ربي بتسع: أوصاني بالاخلاص في السر والعلانية
والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، وأن أعفو عمن ظلمني، وأعطي

(1) أي ينتزعك منها.
(2) مضمونها في سورة الحج: 60.
(3) يونس: 23.
(4) فاطر: 24.
وقوله " لا يحيق " أي لا يحيط و " الا بأهله " أي بالماكر.
(5) الفطم: القطع وفصل الولد عن الرضاع. ولعل المراد فنعمت الامارة التي
أرضعت الناس بلبنها واستفادوا منها. وبئست الامارة التي فطمت الناس عن ارضاعها. ولم
يستفادوا منها. وقال في النهاية: ضرب المرضعة مثلا للامارة وما توصله إلى صاحبها من
المنافع، وضرب الفاطمة مثلا للموت الذي يهدم عليه لذاته.
(6) في بعض نسخ المصدر " أسندوا " والمعنى واحد. والمراد بالامر الولاية وذلك
لنقصها وعجزها لان الوالي مأمور بالبروز للقيام بشأن الرعية والمرأة عورة لا تصلح لذلك
فلا يصح أن تتولى الامارة ولا القضاء وان ادعت القدرة على ذلك فنفس تلك الادعاء دليل
على عدم قابليتها.
138

من حرمني، وأصل من قطعني، وأن يكون صمتي فكرا، ومنطقي ذكرا، ونظري
عبرا (1).
9 - وقال صلى الله عليه وآله: قيدوا العلم بالكتاب (2).
10 - وقال صلى الله عليه وآله: إذا ساد القوم فاسقهم وكان زعيم القوم أذلهم، وأكرم الرجل
الفاسق فلينتظر البلاء.
11 - وقال صلى الله عليه وآله: سرعة المشي يذهب ببهاء المؤمن.
12 - وقال صلى الله عليه وآله: لا يزول المسروق منه في تهمة من هو برئ حتى يكون أعظم
جرما من السارق (3).
13 - وقال صلى الله عليه وآله: إن الله يحب الجواد في حقه.
14 - وقال صلى الله عليه وآله: إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم (4) وأمركم
شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم
بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها.
15 - وقال صلى الله عليه وآله: من أصبح وأمسى وعنده ثلاث فقد تمت عليه النعمة في الدنيا
من أصبح وأمسى معافا في بدنه، آمنا في سربه (5) عنده قوت يومه فان كانت عنده

(1) العبر جمع العبرة وهي الاعتبار والموعظة.
(2) قد كره كتابة الحديث جمع في الصدر الأول منهم ابن عباس - رضي الله عنه -
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وآله " لا تكتبوا عنى شيئا غير القرآن " كما رواه مسلم لكن هذه
الرواية على فرض صحتها لا تنافي قوله " قيدوا العلم بالكتاب " لان النهى فيها خاص بوقت
نزول القرآن وذلك لخوف أن يشتبه بالقرآن لأنه نزل نجوما ولعل النهى مقدم والاذن
ناسخ عند أمن اللبس. وبعض المتأخرين من العامة كره كتابة العلم وعلل بان الانسان
ربما يتكل عليها فلا يحفظ شيئا في ذهنه، وهذا التعليل عليل جدا.
(3) يعنى من سرق ماله قد يتهم زيدا وعمرا ومن هو برئ حتى صار جرمه أعظم
من السارق.
(4) السمحاء جمع السامح وهو الجواد.
(5) السرب بفتح السين وسكون الراء والباء الموحدة الوجهة والطريق والطريقة
يقال فلان آمن في سربه أي مطمئن في طريقته ومذهبه وقيل أي في نفسه.
139

الرابعة فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة، وهو الايمان.
16 - وقال صلى الله عليه وآله: ارحموا عزيزا ذل وغنيا افتقر، وعالما ضاع في زمان
جهال.
17 - وقال صلى الله عليه وآله: خلتان (1) كثير من الناس فيهما مفتون الصحة والفراغ.
18 - وقال صلى الله عليه وآله: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
19 - وقال صلى الله عليه وآله: إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.
20 - وقال صلى الله عليه وآله: ملعون من ألقى كله على الناس (2).
21 - وقال صلى الله عليه وآله: العبادة سبعة أجزاء، وأفضلها طلب الحلال.
22 - وقال صلى الله عليه وآله: إن الله لا يطاع جبرا، ولا يعصى مغلوبا، ولم يهمل العباد
من المملكة، ولكنه القادر على ما أقدرهم عليه، والمالك لما ملكهم إياه فان العباد
إن استمروا (3) بطاعة الله لم يكن منها مانع، ولا عنها صاد، وإن عملوا بمعصية فشاء
أن يحول بينهم وبينها فعل، وليس من [إن] شاء أن يحول بينك وبين شئ [فعل]
ولم يفعله فأتاه الذي فعله كان هو الذي أدخله فيه (4).
23 - وقال صلى الله عليه وآله لابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه: لولا أن الماضي فرط الباقي
وأن الآخر لاحق بالأول (5) لحزنا عليك يا إبراهيم، ثم دمعت عينه وقال: تدمع
العين ويحزن القلب ولا نقول إما لا يرضى الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.

(1) الخلة - بالفتح - الخصلة.
(2) الكل: الثقل والعيال والمؤونة.
(3) في بعض نسخ المصدر " ائتمروا " بدون الشرطية والايتمار الامتثال.
(4) توضيح ذلك أن مجرد القدرة على الحيلولة بين العبد وفعله لا يدل على كونه تعالى
فاعله إذ القدرة على المنع غير المنع ولا يوجب اسناد الفعل إليه سبحانه.
(5) الفرط - بفتحتين - السابق الوارد من القوم ليهيئ لهم الدلاء والارشاء والحياض
ويستقى وهو فعل بمعنى فاعل مثل تبع بمعنى تابع ومنه قوله صلى الله عليه وآله " أنا فرطكم
على الحوض " أي متقدمكم وسابقكم إليه.
140

24 - وقال صلى الله عليه وآله: الجمال في اللسان.
25 - وقال صلى الله عليه وآله: لا يقبض العلم انتزاعا من الناس ولكنه يقبض العلماء
حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، استفتوا فأفتوا بغير علم فضلوا و
أضلوا.
26 - وقال صلى الله عليه وآله: أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج (1).
27 - وقال صلى الله عليه وآله: مروتنا أهل البيت العفو عمن ظلمنا وإعطاء من حرمنا.
28 - وقال صلى الله عليه وآله: أغبط أوليائي عندي من أمتي رجل خفيف الحال (2)
ذو حظ من صلاة (3) أحسن عبادة ربه في الغيب، وكان غامضا في الناس (4) وكان
رزقه كفافا، فصبر عليه، إن مات قل تراثه وقل بواكيه (5).

(1) أي الترقب والتهيؤ له بحيث يصدق عليه اسم المنتظر وليس معناه ترك السعي والعمل
لأنه ينافي معنى الجهاد.
(2) الغبطة: حسن الحال والمسرة وأصله من غبطه غبطا إذا عظم نعمة في عينه
وتمنى مثل حاله من غير أن يريد زوالها عنه، ورجل خفيف الحال يعنى قليل المال والحظ
من الدنيا. والأصح " خفيف الحاذ " بالذال المعجمة أي خفيف الظهر من العيال كما
ذكره اللغويون لكن في جميع النسخ " الحال " ولعله تصحيف كما أن في بعض النسخ من
المصدر " حفيف الحال " بالحاء المهملة وهو أيضا بمعنى قليل المال والمعيشة.
(3) في بعض النسخ " ذو حظ من صلاح ".
(4) والغامض الضعيف والحقير وأصله المبهم والمخفى، يقال نسب غامض أي لا يعرف
وغامضا في الناس يعنى من كان خفيا عنهم لا يعرف سوى الله تعالى ومغمورا غير مشهور.
(5) في المصدر " فصبر عليه ومات - الخ " والتراث ما تخلفه الرجل لورثته من الميراث
وهو مصدر والتاء فيه بدل من الواو والبواكي جمع باكية، وقلة بواكيه لقلة عيالاته. ولله
در من نظم الحديث فقال:
أخص الناس بالايمان عبد * خفيف الحاذ مسكنه القفار
له في الليل حظ من صلاة * ومن صوم إذا طلع النهار
وقوت النفس يأتي من كفاف * وكان له على ذاك اصطبار
وفيه عفة وبه خمول * إليه بالأصابع لا يشار
فذاك قد نجا من كل شر * ولم تمسسه يوم البعث نار
وقل الباكيات عليه لما * قضى نحبا وليس له يسار
141

29 - وقال صلى الله عليه وآله: ما أصاب المؤمن من نصب ولا وصب (1) ولا حزن حتى
الهم يهمه إلا كفر الله به عنه من سيئاته.
30 - وقال صلى الله عليه وآله: من أكل ما يشتهي، ولبس ما يشتهي، وركب ما يشتهي لم
ينظر الله إليه حتى ينزع أو يترك.
31 - وقال صلى الله عليه وآله: مثل المؤمن كمثل السنبلة تخر مرة وتستقيم مرة (2)
ومثل الكافر مثل الأرزة لا يزال مستقيما لا يشعر. وسئل صلى الله عليه وآله من أشد الناس بلاء في الدنيا
فقال: النبيون ثم الأماثل فالأماثل ويبتلي المؤمن على قدر إيمانه وحسن عمله (3)
فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه، ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل
بلاؤه (4).
32 - وقال صلى الله عليه وآله: لو كانت الدنيا تعدل عند الله مثل جناح بعوضة ما أعطى

(1) النصب: - محركة - التعب. والوصب - محركة - أيضا المرض والوجع.
(2) السنبلة واحدة السنبل من الزرع ما كان في أعلا سوقه. والخر السقوط من علو
إلى سفل. والأرز شجر عظيم صلب كشجر الصنوبر. شجرة آرزة أي ثابتة ولعل المراد به
قلب المؤمن والكافر، فان قلب المؤمن لرقته يتقلب أحواله مرة يسهل ومرة يصعب، بخلاف
قلب الكافر فإنه لا يزال يصعب وهي كالحجارة بل أشد قسوة.
(3) البلاء ما يختبر ويمتحن به من خير أو شر وأكثر ما يأتي مطلقا الشر وما أريد به الخير
يأتي مقيدا كما قال تعالى " بلاء حسنا " وأصله المحسنة والله تعالى يبتلى عبده بالصنع الجميل
ليمتحن شكره وبما يكره ليمتحن به صبره. وفى النهاية " فيه أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل
فالأمثل " أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى في الرتبة والمنزلة. والأماثل جمع الأمثل.
وأماثل القوم خيارهم " انتهى.
(4) سخف - كقرب - نقص وضعف.
142

كافرا ولا منافقا منها شيئا.
33 - وقال صلى الله عليه وآله: الدنيا دول (1) فما كان لك أتاك على ضعفك وما كان منها
عليك لم تدفعه بقوتك، ومن انقطع رجاءه مما فات استراح بدنه، ومن رضي بما
قسمه الله قرت عينه.
34 - وقال صلى الله عليه وآله: إنه والله ما من عمل يقربكم من النار إلا وقد نبأتكم
به ونهيتكم عنه، وما من عمل يقربكم إلى الجنة إلا وقد نبأتكم به وأمرتكم (2)
به فان الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فأجملوا
في الطلب ولا يحملنكم استبطاء شئ من الرزق أن يطلبوا ما عند الله بمعاصيه،
فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته (3).
35 - وقال صلى الله عليه وآله: صوتان يبغضهما الله إعوال عند مصيبة، ومزمار عند نعمة (4).
36 - وقال صلى الله عليه وآله: علامة رضى الله عن خلقه رخص أسعارهم وعدل سلطانهم،

(1) الدول: جمع الدولة وهي ما يتداول من المال والغلبة. والدنيا دول يعنى
لاثبات لها ولا قرار، بل تتغير فتكون مرة لهذا ومرة لذاك.
(2) منقول في الكافي ج 2 - 74 بلفظ أفصح.
(3) النفث: الالقاء والالهام. والروع بالفتح فالسكون: الفزع وبالضم موضع الفزع
أعني القلب فالمعنى في الحقيقة واحد الا أن الروع بالفتح اسم للحدث أي الفزع وبالضم
اسم للذات أي القلب المفزع. وروح الأمين لقب جبرئيل عليه السلام لأنه يوحى وينفث
في القلب المفزع فيطمئنه ويأمنه من الفزع والاضطراب. ويستفاد منه أن الانسان وان بلغ
أقصى مراتب الكمال وقد يعرض عليه ما يفزعه. وقيل: أول موضع قال فيه رسول الله صلى الله
عليه وآله ذلك كان في إحدى غزواته لما رأى أصحابه يسرعون إلى جمع الغنائم قال صلى الله عليه وآله
ذلك. والاجمال في الطلب ترك المبالغة فيه.
(4) العول والعولة بالفتح فالسكون والاعوال: رفع الصوت بالبكاء. والمزمار:
ما يترنم به من الأناشيد. والآلة التي يزمر فيها.
143

وعلامة غضب الله على خلقه جور سلطانهم وغلاء أسعارهم (1).
37 - وقال صلى الله عليه وآله: أربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم: من كان عصمة
أمره شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله، ومن إذا أصابته مصيبة قال: إنا لله
وإنا إليه راجعون، ومن إذا أصاب خيرا قال: الحمد لله ومن إذا أصاب خطيئة قال:
أستغفر الله وأتوب إليه.
38 - وقال صلى الله عليه وآله: من أعطى أربعا لم يحرم أربعا: من أعطى الاستغفار لم يحرم
المغفرة ومن أعطى الشكر لم يحرم الزيادة، ومن أعطى التوبة لم يحرم القبول، و
من أعطى الدعاء لم يحرم الإجابة.
39 - وقال صلى الله عليه وآله: العلم خزائن ومفاتيحه السؤال فاسألوا رحمكم الله فإنه
يوجر أربعة: السائل، والمتكلم، والمستمع، والمحب لهم.
40 - وقال صلى الله عليه وآله: سائلوا العلماء، وخاطبوا الحكماء، وجالسوا الفقراء.
41 - وقال صلى الله عليه وآله: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة. وأفضل دينكم
الورع.
42 - وقال صلى الله عليه وآله: من أفتى الناس بغير علم لعنه ملائكة السماء والأرض.
43 - وقال صلى الله عليه وآله: إن عظيم البلاء يكافئ به عظيم الجزاء، فإذا أحب الله عبدا
ابتلاه فمن رضي قلبه فله عند الله الرضى، ومن سخط فله السخط (2).
44 - وأتاه رجل فقال: يا رسول الله أوصني فقال: لا تشرك بالله شيئا وإن
حرقت بالنار وإن عذبت وإلا وقلبك مطمئن بالايمان، ووالديك فأطعمهما و

(1) الرخص: ضد الغلاء وأصله السهل واليسر. والأسعار جمع السعر - بالكسر -
وهو الثمن.
(2) " يكافئ به " على بناء المفعول أي يجازى أو يساوى. في القاموس: كافأه مكافأة
وكفاء: جازاه، وفلانا ماثله ووافيه. " فإذا أحب الله عبدا " أي أراد أن يوصل الجزاء
العظيم إليه ويرضى عنه ووجده أهلا لذلك ابتلاه بعظيم البلاء من الأمراض الجسمانية
والمكاره الروحانية.
144

برهما حيين أو ميتين، فان أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فان ذلك
من الايمان، والصلاة المفروضة فلا تدعها متعمدا فإنه من ترك صلاة فريضة متعمدا
فان ذمة الله منه بريئة، وإياك وشرب الخمر وكل مسكر فإنهما مفتاحا كل شر
45 - وأتاه رجل من بني تميم يقال له أبو أمية فقال له: إلى ما تدعو الناس
يا محمد؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وأدعو لي
من إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك وإن استعنت به وأنت مكروب أعانك، وإن
سألته وأنت مقل أغناك، فقال: أوصني يا محمد، فقال: لا تغضب، قال: زدني، قال:
ارض من الناس بما ترضى لهم به من نفسك، فقال زدني، فقال: لا تسب الناس فتكتسب العداوة
منهم، قال: زدني، قال: لا تزهد في المعروف عند أهله، قال: زدني، قال: تحب
الناس يحبوك؟؟ وألق أخاك بوجه منبسط، ولا تضجر فيمنعك الضجر [حظك] من
الآخرة والدنيا. واتزر إلى نصف الساق، وإياك وإسبال الإزار (1) والقميص فان ذلك
من المخيلة والله لا يحب المخيلة.
46 - وقال صلى الله عليه وآله: إن الله يبغض الشيخ الزان والغني الظلوم والفقير المختال
والسائل الملحف، ويحبط أجر المعطي المنان، ويمقت البذخ الجري الكذاب (2).
47 - وقال صلى الله عليه وآله: من تفاقر افتقر.
48 - وقال صلى الله عليه وآله: مدارة الناس نصف الايمان، والرفق بهم نصف العيش.
49 - وقال صلى الله عليه وآله: رأس العقل بعد الايمان بالله مداراة الناس في غير ترك حق
ومن سعادة المرء خفة لحيته.
50 - وقال صلى الله عليه وآله: ما نهيت عن شئ بعد عبادة الأوثان ما نهيت عن ملاحاة
الرجال (3).

(1) يقال: أسبل ازاره إذا أرخاه وأسدله. والمخيلة: الكبر.
(2) المختال: المتكبر. والملحف: الملح في السؤال. والبذخ: الفخر والكبر.
والجرى على وزن فعيل من جرأ - ككرم - جراءة وجرأة فهو جرى. والمعنى لا يبالي
ما قال أو ما قيل فيه.
(3) الملاحاة: المنازعة والمخاصمة والمجادلة. ومنه " من لاحاك فقد عاداك ".
145

51 - وقال صلى الله عليه وآله: ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره.
52 - وقام صلى الله عليه وآله في مسجد الخيف فقال: نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها
وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه، رب حامل فقه إلى غير
فقيه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرء مسلم (1) إخلاص العمل لله، والنصيحة لائمة
المسلمين، ولزوم جماعتهم، المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم
يسعي بذمتهم أدناهم (2).
53 - وقال صلى الله عليه وآله: إذا بايع المسلم الذمي فليقل " اللهم خر لي وله " (3).
54 - وقال صلى الله عليه وآله: رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت عن سوء فسلم.
55 - وقال صلى الله عليه وآله: ثلاث من كن فيه استكمل خصال الايمان الذي إذا رضي
لم يدخله رضاه في باطل، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق، وإذا قدر لم
يتعاط ما ليس له (4).
56 - وقال صلى الله عليه وآله: من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين (5).
57 - وقال صلى الله عليه وآله: قراءة القرآن في صلاة أفضل من قراءة القرآن في غير صلاة
وذكر الله أفضل من الصدقة والصدقة أفضل من الصوم والصوم حسنة، ثم قال:
لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا
بإصابة السنة.

(1) الغل - بالكسر - الحقد، والغل - بالضم - طوق من حديد يجعل في العنق.
وغل غلولا من باب قعد خان في المغنم.
(2) تقدم معناه.
(3) يقال: خر لي واختر لي أي اجعل أمري خيرا وألهمني فعله واختر لي الأصلح.
(مجمع البحرين).
(4) لم يتعاط أي لم يأخذ ولم يتناول، وهذا الحديث أيضا مروى في الكافي في
باب المؤمن وصفاته - ج 2 ص 239 -.
(5) أي من توجه عليه التعزير فعلى الحاكم أن لا يبلغ به الحد، بل ينقص على أقل
حدود المعزر فإذا بلغ به الحد فهو من المعتدين وفى بعض نسخ المصدر " غير حق " والظاهر
أنه تصحيف.
146

58 - وقال صلى الله عليه وآله: الأناة من الله والعجلة من الشيطان (1).
59 - وقال صلى الله عليه وآله: إن من تعلم العلم ليماري به السفهاء (2) أو يباهي به العلماء
أو يصرف وجوه الناس إليه ليعظموه فليتبوأ مقعده من النار، فان الرئاسة لا تصلح
إلا لله ولأهلها، ومن وضع نفسه في غير الموضع الذي وضعه الله فيه مقته الله، ومن
دعا إلى نفسه فقال: أنا رئيسكم (3) وليس هو كذلك لم ينظر الله إليه حتى يرجع
عما قال، ويتوب إلى الله مما ادعى.
60 - وقال صلى الله عليه وآله: قال عيسى بن مريم للحواريين: تحببوا إلى الله وتقربوا
إليه، قالوا: يا روح الله بماذا نتحبب إلى الله ونتقرب؟ قال: ببغض أهل المعاصي
والتمسوا رضى الله بسخطهم قالوا: يا روح الله فمن نجالس إذا؟ قال: من يذكركم
الله رؤيته، ويزيد في عملكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله.
61 - وقال صلى الله عليه وآله: أبعدكم بي شبها البخيل البذي الفاحش (4).
62 - وقال صلى الله عليه وآله: سوء الخلق شؤم.
63 - وقال صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم الرجل لا يبالي ما قال أو ما قيل فيه فإنه لبغية
أو شيطان (5).
64 - وقال صلى الله عليه وآله: إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذي، قليل الحياء

(1) الأناة - كقناة -: الوقار والحلم.
(2) أي ليجادل ويخاصم، من المراء.
(3) في بعض نسخ المصدر " أنا وليكم ".
(4) البذى على فعيل: الذي تكلم بالفحش. والبذاء: الكلام القبيح.
(5) في بعض نسخ المصدر " لبغى ". وفى بعض الكتب " لغية " واللام للملكية المجازية
وهي بكسر المعجمة وتشديد الياء المفتوحة المثناة من تحت: الضلال، يقال: إنه ولد غية
أي ولد زنا، والغيى كالغنى: الدنى الساقط عن الاعتبار. ولعل ما في المتن تصحيف هنا و
ما يأتي.
147

لا يبالي ما قال وما قيل فيه، أما إنه إن تنسبه (1) لم تجده إلا لبغي أو شرك شيطان
قيل: يا رسول الله وفي الناس شياطين؟ قال: نعم أوما تقرء قول الله: " وشاركهم في
الأموال والأولاد " (2).
65 - وقال صلى الله عليه وآله: من تنفعه ينفعك، ومن لا يعد الصبر لنوائب الدهر يعجز
ومن قرض الناس قرضوه، ومن تركهم لم يتركوه (3) قيل: فأصنع ماذا يا
رسول الله؟ قال: أقرضهم من عرضك ليوم فقرك (4).
66 - وقال صلى الله عليه وآله: ألا أدلكم على خير أخلاق الدنيا والآخرة: تصل من
قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
67 - وخرج صلى الله عليه وآله يوما وقوم يدحون حجرا فقال: أشدكم من ملك نفسه
عند الغضب وأحملكم من عفا بعد المقدرة (5).
68 - وقال صلى الله عليه وآله: قال الله: هذا دين أرتضيه لنفسي ولن يصلحه إلا السخاء
وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه.
69 - وقال صلى الله عليه وآله: أفضلكم إيمانا أحسنكم أخلاقا.
70 - وقال صلى الله عليه وآله: حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، فقيل له:
ما أفضل ما أعطى العبد قال: حسن الخلق.
71 - وقال صلى الله عليه وآله: حسن الخلق يثبت المودة.
72 - وقال صلى الله عليه وآله: حسن البشر يذهب بالسخيمة (6).

(1) في بعض نسخ المصدر " ان تبينه ".
(2) سورة الإسراء آية 66.
(3) قرض فلانا: مدحه أو ذمه. وأقرضه أي أعطاه قرضا.
(4) العرض بالفتح: المتاع يقال: اشتريت المتاع بعرض أي بمتاع مثله.
(5) يقال: دحى الحجر بيده أي رمى به. وفى بعض نسخ المصدر " يدحرجون ".
وأحمله أي أعانه ويمكن أن يقرء " أحلمكم " بتقديم اللام.
(6) السخيمة: الضغينة والحقد الموجدة في النفس من السخمة وهي السواد.
148

73 - وقال صلى الله عليه وآله: خياركم أحسنكم أخلاقا الذين يألفون ويؤلفون.
74 - وقال صلى الله عليه وآله: الأيدي ثلاثة سائلة ومنفقة وممسكة، وخير الأيدي المنفقة.
75 - وقال صلى الله عليه وآله: الحياء حياءان حياء عقل وحياء حمق، فحياء العقل العلم،
وحياء الحمق الجهل.
76 - وقال صلى الله عليه وآله: من ألقى جلباب الحياء لا غيبة له.
77 - وقال صلى الله عليه وآله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد.
78 - وقال صلى الله عليه وآله: الأمانة تجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر.
79 - وقال صلى الله عليه وآله: نظر الولد إلى والديه حبا لهما عبادة.
80 - وقال صلى الله عليه وآله: جهد البلاء أن يقدم الرجل فتضرب رقبته صبرا (1) والأسير
ما دام في وثاق العدو، والرجل يجد على بطن امرأته رجلا.
81 - وقال صلى الله عليه وآله: العلم خدين المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله، والصبر
أمير جنوده، والرفق والده، والبر أخوه، والنسب آدم، والحسب التقوى، والمروة
إصلاح المال (2).
82 - وجاءه رجل بلبن وعسل ليشربه فقال صلى الله عليه وآله: شرابان يكتفى بأحدهما
عن صاحبه، أشربه ولا أحرمه ولكني أتواضع لله، فإنه من تواضع لله رفعه الله
ومن تكبر يضعه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله (3) ومن
أكثر ذكر الله آجره الله.

(1) الجهد: المشقة والصبر أصله الحبس. يقال: قتل صبرا أي حبس على القتل
أو قتل مكتوفا مغلولا لا يمكنه أن يدافع.
(2) الخدين. الصديق والرفيق من خادنه أي صادقه وصاحبه. يعنى ان من نسبه ينتهى
إلى آدم وآدم من طين، فلا يفتخر به. والمروة أصله المروءة فتقلب الهمزة واوا وتدغم
والمعنى كمال الرجولية. ونقل عن الشهيد (ره) في الدروس أنه قال: " المروءة تنزيه
النفس عن الدناءة التي لا يليق بها ".
(3) بذر من التبذير وهو تفريق المال في غير القصد.
149

83 - وقال صلى الله عليه وآله: أقربكم مني غدا في الموقف أصدقكم للحديث، وآداكم
للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقا، وأقربكم من الناس.
84 - وقال صلى الله عليه وآله: إذا مدح الفاجر اهتز العرش وغضب الرب.
85 - وقال له رجل: ما الحزم؟ قال صلى الله عليه وآله: تشاور امرءا ذا رأي ثم تطيعه.
86 - وقال صلى الله عليه وآله: يوما أيها الناس ما الرقوب فيكم؟ قالوا: الرجل يموت و
لم يترك ولدا (1) فقال: بل الرقوب حق الرقوب رجل مات ولم يقدم من ولده أحدا
يحتسبه عند الله وإن كانوا كثيرا بعده، ثم قال: ما الصعلوك فيكم؟ قالوا: الرجل
الذي لا مال له، فقال: بل الصعلوك حق الصعلوك من لم يقدم من ماله شيئا يحتسبه
عند الله وإن كان كثيرا من بعده، ثم قال: ما الصرعة فيكم؟ قالوا: الشديد القوي
الذي لا يوضع جنبه، فقال: بل الصرعة حق الصرعة رجل وكز الشيطان في قلبه،
واشتد غضبه وظهر دمه، ثم ذكر الله فصرع بحلمه غضبه.
87 - وقال صلى الله عليه وآله: من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح.
88 - وقال صلى الله عليه وآله: الجلوس في المسجد انتظارا للصلاة عبادة ما لم يحدث،
قيل: يا رسول الله وما يحدث؟ قال صلى الله عليه وآله: الاغتياب.
89 - وقال صلى الله عليه وآله: الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما.
90 - وقال صلى الله عليه وآله: من أذاع فاحشة (2) كان كمبدئها، ومن عير مؤمنا بشئ
لم يمت حتى يركبه.
91 - وقال صلى الله عليه وآله: ثلاثة وإن لم تظلمهم ظلموك: السفلة وزوجتك وخادمك (3).

(1) الرقوب وزان رسول الذي يراقب، من الرقبة بمعنى الانتظار والمرأة التي
تراقب موت زوجها أو ولدها فترثه. والصعلوك: الفقير. والصرعة بضم الأول وفتح الثاني
والثالث: الذي يصرع الناس وبالغ في الصرع، من صرعه أي طرحه على الأرض. والوكز:
الركز. يقال: وكزه في الأرض أي ركزه وغرزه فيه.
(2) الإذاعة: الانتشار.
(3) أي ولو لم تظلمهم أنت لكن ظلموك لدناءة أخلاقهم ونقصان عقولهم.
150

92 - وقال صلى الله عليه وآله: أربع من علامات الشقاء جمود العين، وقسوة القلب، وشدة
الحرص في طلب الدنيا، والاصرار على الذنب.
93 - وقال له رجل: أوصني فقال صلى الله عليه وآله: لا تغضب ثم أعاد عليه فقال: لا
تغضب ثم قال: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
94 - وقال صلى الله عليه وآله: إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا.
95 - وقال صلى الله عليه وآله: ما كان الرفق في شئ إلا زانه، ولا كان الخرق في شئ
إلا شانه (1).
96 - وقال صلى الله عليه وآله: الكسوة تظهر الغنى والاحسان إلى الخادم يكبت العدو.
97 - وقال صلى الله عليه وآله: أمرت بمداراة الناس كما أمرت بتبليغ الرسالة.
98 - وقال صلى الله عليه وآله: استعينوا على أموركم بالكتمان فإن كل ذي نعمة
محسود.
99 - وقال صلى الله عليه وآله: الايمان نصفان نصف في الصبر ونصف في الشكر.
100 - وقال صلى الله عليه وآله: حسن العهد من الايمان.
101 - وقال صلى الله عليه وآله: الاكل في السوق دناءة.
102 - وقال صلى الله عليه وآله: الحوائج إلى الله [و] أسبابها فاطلبوها إلى الله بهم فمن
أعطاكموها فخذوها عن الله بصبر.
103 - وقال صلى الله عليه وآله: عجبا للمؤمن لا يقضي الله عليه قضاء إلا كان خيرا له سره
أو ساءه، إن ابتلاه كان كفارة لذنبه، وإن أعطاه وأكرمه كان قد حباه (2).
104 - وقال صلى الله عليه وآله: من أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه جعل الله الغنى في
قلبه، وجمع له أمره، ولم يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، ومن أصبح وأمسى

(1) الخرق بضم الخاء المعجمة: ضد الرفق. وفى الحديث " الخرق شؤم والرفق يمن "
من خرقه خرقا من باب تعب إذا فعله فلم يرفق به فهو أخرق والأنثى خرقاء والاسم،
الخرق بالضم فالسكون.
(2) حباه أي أعطاه.
151

والدنيا أكبر همه جعل الله الفقر بين عينيه، وشتت عليه أمره، ولم ينل من الدنيا
إلا ما قسم له.
105 - وقال لرجل سأله عن جماعة أمته فقال: جماعة أمتي أهل الحق وإن
قلوا (1).
106 - وقال صلى الله عليه وآله: من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجز له، ومن أوعده
على عمل عقابا فهو فيه بالخيار.
107 - وقال صلى الله عليه وآله: ألا أخبركم بأشبهكم بي أخلاقا؟ قالوا: بلى يا رسول الله
فقال: أحسنكم أخلاقا، وأعظمكم حلما، وأبركم بقرابته، وأشدكم إنصافا من
نفسه في الغضب والرضا.
108 - وقال صلى الله عليه وآله: الطاعم الشاكر أفضل من الصائم الصامت (2).
109 - وقال: ود المؤمن في الله من أعظم شعب الايمان، ومن أحب في الله و
أبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء الله.
110 - وقال صلى الله عليه وآله: أحب عباد الله إلى الله جل جلاله أنفعهم لعباده وأقومهم
بحقه، الذين يحبب المعروف وفعاله.
111 - وقال صلى الله عليه وآله: من أتى إليكم معروفا فكافئوه (3) وإن لم تجدوا فأثنوا
فان الثناء جزاء.
112 - وقال صلى الله عليه وآله: من حرم الرفق فقد حرم الخير كله.
113 - وقال صلى الله عليه وآله: لا تمار أخاك (4) ولا تمازحه، ولا تعده فتخلفه.
114 - وقال صلى الله عليه وآله: الحرمات التي تلزم كل مؤمن رعايتها والوفاء بها حرمة
الدين، وحرمة الأدب، وحرمة الطعام.

(1) السؤال عن كمية الجماعة.
(2) يقال: رجل طاعم أي حسن الحال في المطعم. والمراد به هنا المفطر.
(3) فكافئوه أي جازوه من كافأ الرجل مكافأة بمعنى جازاه.
(4) المراء: الجدال.
152

115 - وقال صلى الله عليه وآله: المؤمن دعب لعب، والمنافق قطب وغضب (1).
116 - وقال صلى الله عليه وآله: نعم العون على تقوى الله الغنى.
117 - وقال صلى الله عليه وآله: أعجل الشر عقوبة البغي.
118 - وقال صلى الله عليه وآله: الهدية على ثلاثة وجوه: هدية المكافأة، وهدية،
مصانعة، وهدية لله.
119 - وقال صلى الله عليه وآله: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره.
120 - وقال صلى الله عليه وآله: من عد غدا من أجله (2) فقد أساء صحبة الموت.
121 - وقال صلى الله عليه وآله: كيف بكم إذا فسد نساؤكم، وفسق شبانكم (3) ولم
تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، قيل له: ويكون ذلك يا رسول الله قال: نعم
وشر من ذلك وكيف بكم إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، قيل: يا رسول
الله ويكون ذلك؟ قال: نعم وشر من ذلك، وكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا
والمنكر معروفا.
122 - وقال صلى الله عليه وآله: إذا تطيرت فامض، وإذا ظننت فلا تقض، وإذا حسدت
فلا تبغ.
123 - وقال صلى الله عليه وآله: رفع عن أمتي تسع الخطأ والنسيان (4) وما أكرهوا عليه

(1) الدعب - ككتف - اللاعب والممازح. والقطب أيضا - ككتف - العبوس والذي
زوى ما بين عينيه وكلح.
(2) من أجله أي من عمره.
(3) في بعض نسخ المصدر " شبابكم " وفى اللغة: الشباب بالفتح والتخفيف والشبان
بالضم والتشديد: جمع الشاب.
(4) قيل الخطأ والنسيان مرفوع اثمهما لا حكمهما إذ حكمهما من الضمان لا يرتفع. وقوله
" وما أكرهوا عليه " يستثنى منه القتل، وفيه نظر، والمسألة معنونة في كتب أصول الفقه
مبحث أصل البراءة مشروحة. والطيرة بكسر الطاء، وفتح الياء وسكونها -: ما يتشأم به
من الفأل الردى. أصله من الطير، لان أكثر تشأم العرب كان به خصوصا الغراب وكان
ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع حتى روى أن الطيرة شرك وإنما يذهبه التوكل
والمراد برفع المؤاخذة عن الحسد هو ما لم يظهره الحاسد كما ورد في الاخبار " ان المؤمن
لا يظهر الحسد "، فالظاهر أن جملة " ما لم ينطق بشفة ولا لسان " قيد للثلاثة الأخيرة ويؤيده ما
في الكافي ج 2 ص 463 " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " وضع عن أمتي تسع
خصال: الخطاء والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه
والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد ". ويحتمل أن يكون
المراد بالتفكر في الوسوسة التفكر فيما يوسوس الشيطان في النفس من أحوال المخلوقين
وسوء الظن به في أعمالهم وأحوالهم.
ويمكن أن يكون فيه تقديم وتأخير من النساخ والصحيح: " والوسوسة في التفكر
في الخلق " كما في الكافي وكما قيل: " وسوسة الشيطان للانسان عند تفكره في أمر الخلقة "
وروى " ثلاث لم يسلم منها أحد: الطيرة والحسد والظن ". الخبر " وأعلم ان هذه الموارد
لابد أن تكون في صورة التي لا يستقل العقل بقبحها كما إذا كان مقدماتها حصلت بيد المكلف
وتكون من قبله، حتى تكون رفعها منة على الأمة.
ونظيرها قوله تعالى في آخر سورة البقرة " ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ربنا ولا
تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به - الآية " وتفصيلها
تطلب في مبحث أصل البراءة من كتب أصول الفقه.
153

وما لا يعلمون وما لا يطيقون، وما اضطر وا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في
الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة ولا لسان.
124 - وقال صلى الله عليه وآله: لا يحزن أحدكم أن ترفع عنه الرؤيا فإنه إذا رسخ في
العلم رفعت عنه الرؤيا.
125 - وقال صلى الله عليه وآله: صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت
أمتي قيل: يا رسول الله ومن هم؟ قال: الفقهاء والامراء.
126 - وقال صلى الله عليه وآله: أكمل الناس عقلا أخوفهم لله وأطوعهم له، وأنقص الناس
عقلا أخوفهم للسلطان وأطوعهم له.
154

127 - وقال صلى الله عليه وآله: ثلاثة مجالستهم تميت القلب: الجلوس مع الأنذال (1)
والحديث مع النساء، والجلوس مع الأغنياء.
128 - وقال صلى الله عليه وآله: إذا غضب الله على أمة لم ينزل العذاب عليهم غلت أسعارها و
قصرت أعمارها، ولم تربح تجارتها، ولم تزك ثمارها، ولم تغزر أنهارها (2) وحبس
عنها أمطارها، وسلط عليها أشرارها.
129 - وقال صلى الله عليه وآله: إذا كثر الزنى بعدي كثر موت الفجأة (3) وإذا طفف
المكيال أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركاتها من
الزرع والثمار والمعادن، وإذا جاروا في الحكم تعاونوا على الظلم والعدوان، وإذا نقضوا
العهود سلط الله عليهم عدوهم، وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار
وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلط الله
عليهم أشرارهم فيدعوا عند ذلك خيارهم فلا يستجاب لهم.
130 - ولما نزلت عليه " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به، أزواجا منهم
زهرة - إلى آخر الآية " (4) قال: من لم يتعز بعزاء الله انقطعت نفسه حسرات على

(1) الأنذال - جمع النذل. والنذل: الخسيس والمحتقر في جميع أحواله. وفى
بعض النسخ هكذا " قال صلى الله عليه وآله: ثلاثة مجالستهم تميت القلب: الجلوس مع الأغنياء
والجلوس مع الأنذال، والحديث مع النساء ". ورواه الكليني في الكافي ج 2 ص 141 -
كما في المتن.
(2) غزر الماء - بالضم - أي كثر.
(3) الفجأة مصدر أي ما فاجأك يعنى ما جاءك بغتة من غير أن تشعر به. الطفيف:
النقصان والقليل والخسيس. والسنين: الجدب والقحط وقلة الأمطار والمياه. والمراد
بالنقص نقص ريع الأرض من الحبوب والثمرات قال الله تعالى في سورة الأعراف - 127
" ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ".
(4) سورة طه: 131.
155

الدنيا (1) ومن مد عينيه إلى ما في أيدي الناس من دنياهم طال حزنه، ومن سخط ما
قسم الله له من رزقه وتنغص عليه عيشه (2) ولم ير أن لله عليه نعمة إلا في مطعم أو
مشرب فقد جهل وكفر نعم الله وضل سعيه، ودنا منه عذابه.
131 - وقال صلى الله عليه وآله: لا يدخل الجنة إلا من كان مسلما.
فقال أبو ذر: يا رسول الله وما الاسلام؟ فقال: الاسلام عريان ولباسه التقوى
وشعاره الهدى (3) ودثاره الحياء، وملاكه الورع، وكماله الدين، وثمرته العمل
الصالح، ولكل شئ أساس وأساس الاسلام حبنا أهل البيت (4).
132 - وقال صلى الله عليه وآله: من طلب رضى مخلوق بسخط الخالق سلط الله عز وجل
عليه ذلك المخلوق.
133 - وقال صلى الله عليه وآله: إن الله خلق عبيدا من خلقه لحوائج الناس يرغبون في
المعروف ويعدون الجود مجدا والله يحب مكارم الأخلاق.

(1) المراد ان من لم يصبر ولم يتسل نفسه بما عند الله من الأجور والدرجات الرفيعة
وغير ذلك انقطعت نفسه حسرة على الدنيا وما فيها.
(2) يقال: تنغص عليه عيشه أي تكدر. وأنغص: منع نصيبه، من نغص أي لم يتم له
مراده وعيشه.
(3) الشعار - بالكسر -: ما يلي شعر الجسد. والدثار - بالكسر - ما يتدثر به الانسان
من كساء أو غيره فالشعار تحت الدثار والدثار فوق الشعار. والهدى - بالضم -: الرشاد.
(4) يعنى بيت النبوة وذلك لطهارة نفوسهم وحياتهم، قال الله عز وجل في سورة الأحزاب
" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ". ذلك البيت أسسه الله تعالى
وجعل أهله طاهرا مطهرا معصوما معيارا ليكونوا الميزان والمقتدى لمجتمع العالم الاسلامي
فيجب على المسلمين حبهم والاقتداء بهم حتى ينالوا السعادة والكمال في الدنيا والآخرة
ولا يبعد شمولها لغيرهم ممن اتصفوا بصفاتهم وأخلاقهم على حسب درجات ايمانهم كقول رسول
الله صلى الله عليه وآله لسلمان الفارسي: " سلمان منا أهل البيت ". قال الله العزيز في سورة
إبراهيم نقلا عن قوله: " فمن تبعني فإنه منى ".
156

134 - وقال صلى الله عليه وآله: إن لله عبادا يفزع إليهم الناس في حوائجهم أولئك هم
الآمنون من عذاب الله يوم القيامة.
135 - وقال صلى الله عليه وآله: إن المؤمن يأخذ بأدب الله إذا أوسع الله عليه اتسع وإذا
أمسك عنه أمسك.
136 - وقال: يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل ما تلف من دينه إذا
سلمت له دنياه.
137 - وقال صلى الله عليه وآله: إن الله جبل قلوب عباده على حب من أحسن إليها و
بغض من أساء إليها.
138 - وقال صلى الله عليه وآله: إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء،
قيل: يا رسول الله ما هن؟ قال: إذا أخذوا المغنم دولا (1)، والأمانة مغنما، و
الزكاة مغرما، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وبر صديقه، وجفا أباه، و
ارتفعت الأصوات في المساجد، وأكرم الرجل مخافة شره، وكان زعيم القوم أرذلهم
وإذا لبس الحرير، وشربت الخمر، واتخذ القيان والمعازف (2) ولعن آخر هذه الأمة
أولها فليرقبوا بعد ذلك ثلاث خصال: ريحا حمراء، ومسخا، وفسخا.
139 - وقال صلى الله عليه وآله: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
140 - وقال صلى الله عليه وآله: يأتي على الناس زمان يكون الناس فيه ذئابا فمن لم يكن
ذئبا أكلته الذئاب.
141 - وقال صلى الله عليه وآله: أقل ما يكون في آخر الزمان أخ يوثق به أو درهم من
حلال (3).

(1) في بعض النسخ " إذا اكلوا " والمغنم الغنيمة. والدول جمع دولة وهو ما يتداول فيكون
مرة لهذا ومرة لذاك، فتطلق على المال.
(2) القيان - جمع القينة -: المغنية؟. والمعازف جمع معزف: وهي من آلات
الطرب كالطنبور والعود ونحوه من عزف بمعنى صوت وغنى.
(3) أي لا يكون في آخر الزمان شئ أقل منهما.
157

142 - وقال صلى الله عليه وآله: احترسوا من الناس بسوء الظن (1).
143 - وقال صلى الله عليه وآله: إنما يدرك الخير كله بالعقل ولا دين لمن لا عقل له.
144 - وأثنى قوم بحضرته على رجل حتى ذكروا جميع خصال الخير، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف عقل الرجل؟ فقالوا يا رسول الله نخبرك عنه باجتهاده في
العبادة وأصناف الخير تسألنا (2) عن عقله؟ فقال عليه السلام: إن الأحمق يصيب بحمقه
أعظم من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزلفى من
ربهم على قدر عقولهم.
145 - وقال: قسم الله العقل ثلاثة أجزاء فمن كن فيه كمل عقله، ومن
لم تكن فيه فلا عقل له: حسن المعرفة لله، وحسن الطاعة لله، وحسن الصبر على
أمر الله.
146 - وقدم المدينة رجل نصراني من أهل نجران وكان فيه بيان وله وقار و
هيبة فقيل: يا رسول الله ما أعقل هذا النصراني، فزجر القائل وقال: مه إن العاقل
من وحد الله وعمل بطاعته (3).
147 - وقال صلى الله عليه وآله: العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله،
والعمل قيمه، والصبر أمير جنوده، والرفق والده، والبر أخوه، والنسب آدم، و
الحسب التقوى، والمروة إصلاح المال.
148 - وقال صلى الله عليه وآله: من تقدمت إليه يد كان عليه من الحق أن يكافئ، فإن لم
يفعل فالثناء، فإن لم يفعل فقد كفر النعمة.
149 - وقال صلى الله عليه وآله: تصافحوا فان التصافح يذهب السخيمة (4).
150 - وقال صلى الله عليه وآله: يطبع المؤمن على كل خصلة ولا يطبع على الكذب ولا
على الخيانة.

(1) الاحتراس والتحرس: التحفظ من حرسه حرسا أي حفظه.
(2) في بعض نسخ المصدر " تسأله ".
(3) " مه " بالفتح - اسم فعل بمعنى انكفف.
(4) التصافح: المصافحة. والسخيمة: الضغينة والحقد.
158

151 - وقال صلى الله عليه وآله: إن من الشعر حكما، - وروي حكمة - وإن من البيان
سحرا.
152 - وقال صلى الله عليه وآله لأبي ذر: أي عرى الايمان أوثق؟ قال: الله ورسوله أعلم
فقال: الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله.
153 - وقال صلى الله عليه وآله: من سعادة ابن آدم استخارته الله (1) ورضاه بما قضى الله
ومن شقوة ابن آدم (2) تركه استخارة الله وسخطه بما قضى الله.
154 - وقال صلى الله عليه وآله: الندم توبة.
155 - وقال صلى الله عليه وآله: ما آمن بالقرآن من استحل حرامه.
156 - وقال له رجل: أوصني فقال له: احفظ لسانك، ثم قال له: يا رسول
الله أوصني، قال: احفظ لسانك ثم قال: يا رسول الله أوصني، فقال: ويحك وهل
يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم (3).
157 - وقال صلى الله عليه وآله: صنايع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة الخفية
تطفئ غضب الله، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل
المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر
في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف.
158 - وقال صلى الله عليه وآله: إن الله يحب إذا أنعم على عبد [ه] أن يرى أثر نعمته
عليه ويبغض البؤس والتبؤس (4).

(1) في بعض نسخ المصدر " استخارة الله ".
(2) الشقوة: الشقاوة. والسخط: ضد الرضا. وسخط عليه أي غضب عليه.
(3) يقال: كب على وجهه: أي صرعه وقلبه. والمناخر جمع المنخر بفتح الميم
والخاء: وهو الانف من نخر - بالفتح - أي مد الصوت والنفس في خياشيمه. والحصائد -
جمع الحصد والحصيد والحصيدة -: من حصد الزرع أي قطع وحصائد ألسنتهم: ما يقولونه
من الكلام في حق الغير، لأنه حصد به.
(4) تباءس أي تفاقر وأرى تخشع الفقراء اخباتا وتضرعا.
159

159 - وقال صلى الله عليه وآله: حسن المسألة نصف العلم، والرفق نصف العيش.
160 - وقال صلى الله عليه وآله: يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان: الحرص والأمل (1).
161 - وقال صلى الله عليه وآله: الحياء من الايمان.
162 - وقال صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة لم تزل قدما عبد حتى يسأل عن
أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعما اكتسبه من أين اكتسبه،
وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت (2).
163 - وقال صلى الله عليه وآله: من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، و
وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته (3) وظهرت عدالته ووجبت اخوته (4)
وحرمت غيبته.
164 - وقال صلى الله عليه وآله: المؤمن حرام كله عرضه وماله ودمه.
165 - وقال صلى الله عليه وآله: صلوا أرحامكم ولو بالسلام.
166 - وقال صلى الله عليه وآله: الايمان عقد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان.
167 - وقال صلى الله عليه وآله: ليس الغنى من كثرة العرض (5) ولكن الغنى غنى النفس.
168 - وقال صلى الله عليه وآله: ترك الشر صدقة.
169 - وقال صلى الله عليه وآله: أربعة تلزم كل ذي حجى وعقل (6) من أمتي، قيل:
يا رسول الله ما هن؟ قال: استماع العلم، وحفظه، ونشره، والعمل به.
170 - وقال صلى الله عليه وآله: إن من البيان سحرا، ومن العلم جهلا، ومن القول
عيا (7).

(1) يعنى: ان ابن آدم إذا كبر وضعفت غرائزه وخلقته قوى فيه الحرص والأمل.
(2) السؤال على المحبة لأنها أساس الاسلام والدين. وقد مضى بيانه.
(3) المروة أصله المروءة. تقلب الهمزة واوا وتدغم.
(4) " ووجبت أخوته " في المصدر " وجب أجره " ولعل ما في المتن هو الصواب.
(5) العرض - محركة - المتاع وحطام الدنيا.
(6) الحجى بالكسر والقصر: العقل والفطنة. وأصله الستر.
(7) عيى في المنطق: حصر. وعيا تعيية الرجل: أتى بكلام لا يهتدى إليه. وقيل:
العي: التحير في الكلام وبالفتح العجز وعدم الاهتداء بوجه مراده. وفى بعض
نسخ المصدر " غيا " بالغين المعجمة مصدر من باب ضرب أي ضل وخاب وهلك، والغية بالفتح
والكسر: الضلال.
160

171 - وقال صلى الله عليه وآله: السنة سنتان سنة في فريضة الاخذ بعدي بها هدى،
وتركها ضلالة، وسنة في غير فريضة الاخذ بها فضيلة، وتركها غير خطيئة.
172 - وقال صلى الله عليه وآله: من أرضى سلطانا بما يسخط الله خرج من دين الله.
173 - وقال صلى الله عليه وآله: خير من الخير معطيه، وشر من الشر فاعله.
174 - وقال صلى الله عليه وآله: من نقله الله من ذل المعاصي إلى عز الطاعة أغناه بلا
مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس، ومن خاف الله أخاف منه كل شئ، ومن
لم يخف الله أخافه الله من كل شئ، ومن رضي من الله باليسر من الرزق رضي الله
منه باليسير من العمل، ومن لم يستحي من طلب الحلال من المعيشة خفت مؤنته و
رخى باله، ونعم عياله، ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها
لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار القرار.
175 - وقال صلى الله عليه وآله: أقيلوا ذوي الهنات عثراتهم (1).
176 - وقال صلى الله عليه وآله: الزهد في الدنيا قصر الامل، وشكر كل نعمة، والورع
عن كل ما حرم الله.
177 - وقال صلى الله عليه وآله: لا تعمل شيئا من الخير رياء ولا تدعه حياء.
178 - وقال صلى الله عليه وآله: إنما أخاف على أمتي ثلاثا شحا مطاعا وهوى متبعا
وإماما ضالا.
179 - وقال صلى الله عليه وآله: من كثر همه سقم بدنه، ومن ساء خلقه عذب نفسه، و
من لاحى الرجال ذهبت مروته وكرامته.
180 - وقال صلى الله عليه وآله: ألا إن شر أمتي الذين يكرمون مخافة شرهم، ألا

(1) الهناة: الداهية وهي المصيبة وجمعها هنوات. والعثرات جمع العثرة: وهي
السقطة والزلة والخطيئة والمعنى: تجاوزوا وتصفحوا عن زلات صاحب المصيبة.
161

ومن أكرمه الناس اتقاء شره فليس مني.
181 - وقال صلى الله عليه وآله: من أصبح من أمتي وهمته غير الله فليس من الله، ومن
لم يهتم بأمور المؤمنين فليس منهم، ومن أقر بالذل طائعا فليس منا أهل البيت (1).
182 - وكتب صلى الله عليه وآله إلى معاذ يعزيه بابنه (2) " من محمد رسول الله إلى معاذ بن
جبل سلام عليك فاني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بلغني جزعك
على ولدك الذي قضى الله عليه وإنما كان ابنك من مواهب الله الهنيئة (3) وعواريه
المستودعة عندك، فمتعك الله به إلى أجل وقبضه لوقت معلوم فانا لله وإنا إليه
راجعون، لا يحبطن جزعك أجرك، ولو قدمت على ثواب مصيبتك لعلمت أن المصيبة
قد قصرت لعظيم ما أعد الله عليها من الثواب لأهل التسليم والصبر، واعلم أن الجزع
لا يرد ميتا ولا يدفع قدرا فأحسن العزاء، وتنجز الموعود فلا يذهبن أسفك على

(1) قال السبط الشهيد المفدى سيد الشهداء الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليهما في
خطبته يوم عاشوراء إذ عرض عليه وأصحابه الأمان فأنف من الذل: " ألا وان الدعي ابن الدعي
قد ركز بين اثنتين بين الذلة والسلة، هيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، و
حجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبيه من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ألا
وانى زاحف بهذه الأسرة ومقلل من هذه الكثرة مع قلة العدد وخذلة الناصر " ولنعم ما قال الحميري:
طعمت أن تسومه الضيم قوم * وأبى الله والحسام الصنيع
كيف يلوى على الدنية جيدا * لسوى الله ما لواه الخضوع
فأبى أن يعيش الا عزيزا * أو تجلى الكفاح وهو صريع
فتلقى الجموع فردا ولكن * كل عضو في الروع منه جموع
زوج السيف بالنفوس ولكن * مهرها الموت والخضاب النجيع
(2) التعزية: التسلية من عزى يعزى من باب تعب: صبر على ما نابه والتعزي: التصبر
والتسلي عند المصيبة وشعاره أن يقول: " انا لله وانا إليه راجعون ". والعزاء ممدودا: الصبر
والتعزي يجيئ بمعنى النسبة من تعزى إلى فلان أي نسبه إليه.
(3) المواهب جمع الموهبة: العطية، الشئ الموهوب. والهنيئة: ما تيسر من
غير مشقة.
162

ما لازم لك ولجميع الخلق نازل بقدره، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ".
183 - وقال صلى الله عليه وآله: من أشراط الساعة كثرة القراء، وقلة الفقهاء، وكثرة
الامراء وقلة الامناء، وكثرة المطر، وقلة النبات.
184 - وقال صلى الله عليه وآله: أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته فإنه من
أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة (1).
185 - وقال صلى الله عليه وآله: غريبتان كلمة حكم من سفيه فاقبلوها وكلمة سيئة من
حكيم فاغفروها.
186 - وقال صلى الله عليه وآله: للكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط، ويفرط
حتى يضيع، ويضيع حتى يأثم.
187 - وقال صلى الله عليه وآله: من لم يستحي من الحلال نفع نفسه، وخفت مؤنته،
ونفى عنه الكبر، ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله عنه بالقليل من العمل
ومن يرغب في الدنيا فطال فيها أمله أعمى الله قلبه على قدر رغبته فيها، ومن زهد فيها
فقصر فيها أمله أعطاه الله علما بغير تعلم، وهدى بغير هداية، وأذهب عنه (2) العماء
وجعله بصيرا، ألا إنه سيكون بعدي أقوام لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والتجبر
ولا يستقيم لهم الغنى إلا بالبخل، ولا تستقيم لهم المحبة في الناس إلا باتباع الهوى
والتيسير في الدين (3) ألا فمن أدرك فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى و
صبر على الذل وهو يقدر على العز، وصبر على البغضاء في الناس وهو يقدر على
المحبة لا يريد بذلك إلا وجه الله والدار الآخرة أعطاه الله ثواب خمسين صديقا.

(1) سيأتي في كتاب عهد أمير المؤمنين عليه السلام للأشتر لما ولاه مصر: " قال: وتفقد أمور
من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية
والتواضع فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالاعذار إلى الله يوم تلقاه فان هؤلاء من بين
الرعية أحوج إلى الانصاف من غيرهم، وكل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه ".
(2) في بعض نسخ المصدر " فأذهب عنه ".
(3) أي المسامحة والمماطلة في أمر الدين.
163

188 - وقال صلى الله عليه وآله: إياكم وتخشع النفاق وهو أن يري الجسد خاشعا و
القلب ليس بخاشع.
189 - وقال صلى الله عليه وآله: المحسن المذموم مرحوم.
190 - وقال صلى الله عليه وآله: أقبلوا الكرامة وأفضل الكرامة الطيب، أخفه محملا و
أطيبه ريحا.
191 - وقال صلى الله عليه وآله: إنما تكون الصنيعة (1) إلى ذي دين أو ذي حسب، وجهاد
الضعفاء الحج، وجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها، والتودد نصف الدين، وما عال
امرء قط على اقتصاد (2) واستنزلوا الرزق بالصدقة، أبى الله أن يجعل رزق عباده
المؤمنين من حيث يحتسبون.
192 - وقال صلى الله عليه وآله: لا يبلغ عبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به
حذرا لما به البأس.
2 - عو (3) قال النبي صلى الله عليه وآله: إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له وزيرا صالحا
إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه. سيروا سير أضعفكم. الفرار مما لا يطاق. من استوى
يوماه فهو مغبون. الدنيا دار محنة، الدنيا ساعة فاجعلوها طاعة. مع كل فرحة
ترحة (4) استعينوا على الحوائج بالكتمان لها. لكل شئ سنام (5) وسنام القرآن سورة
البقرة، من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا. من سن سنه حسنة فله
أجرها وأجر من عمل بها. اختلاف أمتي رحمة (6) أبدء بنفسك. شر الناس من أكل وحده

(1) الصنيعة: الاحسان. وجمعها الصنائع.
(2) عال أي افتقر. وفى بعض النسخ " واستزادوا الرزق ".
(3) العوالي اللئالي لابن أبي جمهور مخطوط.
(4) الترح ضد الفرح وترح ترحا أي حزن. ومعنى الحديث أن مع كل سرور حزن
يعقبه حتى كأنه معه أي المشيئة الإلهية جرت بذلك لئلا تسكن نفوس العقلاء إلى نعيمها.
(5) سنام كل شئ أعلاه.
(6) أي تزاورهم وترددهم وضيافتهم كما في قوله تعالى " واختلاف الليل والنهار "
أي مجيئ كل واحد عقيب الاخر. وكما في قوله " ومختلف الملائكة " أي محل نزولهم
وصعودهم.
164

ومنع رفده، وجلد عبده. إذا تغير السلطان تغير الزمان. إذا كان الداء من السماء
فقد بطل هناك الدواء. الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر
اختلف. السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس. اجتنب خمسا
الحسد والطيرة والبغي وسوء الظن والنميمة. أنا عند ظن عبدي بي، من فتح له باب خير
فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه. الأمور بتمامها والأعمال بخواتمها. شاوروهن
وخالفوهن. حبك للشئ يعمي ويصم. المرأة كالضلع العوجاء. بلوا أرحامكم
ولو بالسلام (1) الفرار في وقته ظفر. الشباب شعبة من الجنون. لا خير في السرف ولا
سرف في الخير. إن الله يحب الفأل الحسن. رأس العقل بعد الايمان التودد إلى
الناس. المقدور كائن. والهم فاضل. الصدقة تزيد في العمر وتستنزل الرزق، و
وتقي مصارع السوء، وتطفئ غضب الرب. ترك الفرص غصص. الفرص تمر مر
السحاب. أضيق الامر أدناه من الفرج. حسن العهد من الايمان. من تعلمت منه
حرفا صرت له عبدا. الظفر بالجزم والحزم. إذا جاء القضاء ضاق الفضاء.
الدنيا سجن المؤمن. طالب العلم محفوف بعناية الله. الندم توبة. الحاسد مغتاظ
على من لا ذنب له. الحزم باجالة الرأي، والرأي بتحصين الاسرار. أعقل الناس
محسن خائف، وأجهلهم مسئ آمن. طالب العلم لا يموت أو يمتع جده بقدر كده.
المؤمنون عند شروطهم. الكعبة تزار ولا تزور. السكوت عند الضرورة بدعة.
السلطان ظل الله يأوي إليه كل مظلوم (2) العدل جنة واقية وجنة باقية. أصلح
وزيرك فإنه الذي يقودك إلى الجنة والنار. الجاه أحد الرفدين والاخر المال.
الأمور مرهونة بأوقاتها. الهدية تذهب السخيمة. تصافحوا فإنه يذهب بالغل.

(1) أي صلوا فشبه الرحم المقطوع الوصلة بأرض منقطع عنها الغيث. وقال العلقمي
أي ندوها بصلتها. وذلك لأنهم يطلقون النداوة على الصلة كما يطلقون اليبس على القطيعة
لأنهم لما رأوا بعض الأشياء تتصل وتختلط بالنداوة ويحصل منها التجافي والتفرق باليبس
استعاروا البلل للوصل واليبس للقطيعة. فذكر البلل تخييل.
(2) أخرجه البيهقي في شعب الايمان بسند ضعيف عن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
165

الهدية تورث المودة وتجدر الاخوة (1)، وتذهب الضغينة. تهادوا تحابوا. نعم
الشئ الهدية أمام الحاجة. اهد لمن يهديك. الهدية تفتح الباب المصمت. نعم
مفتاح الحاجة الهدية. المرء مخبو تحت لسانه (2). ما يصلح للمولى فعلى العبد
حزام. الهدايا رزق الله - من أهدي إليه شئ فليقبله. إن هذه القلوب تمل كما
تمل الأبدان فاهدوا إليها طرائف الحكم.
في حديث القدسي يا داود فرغ لي بيتا أسكنه: إن لله في أيام دهركم نفحات
ألا فترصدوا لها. السعيد من وعظ بغيره. من نظر في العواقب سلم في النوائب.
لا منع ولا إسراف، ولا بخل ولا إتلاف. خير الأمور أوسطها. ما العلم إلا ما حواه
الصدر. الدنيا دار بلية. تعمموا تزادوا حلما. العمامة من المروة، هذان
محرمان على ذكور أمتي يعني الذهب والحرير.
3 - الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة: (3) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: العلم
وديعة الله في أرضه، والعلماء امناؤه عليه، فمن عمل بعلمه أدى أمانته، ومن لم يعمل
بعمله كتب في ديوان الله من الخائنين.
قال صلى الله عليه وآله: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم.
وقال صلى الله عليه وآله: تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم فإنه من أقبل على الله تعالى
بقلبه جعل الله قلوب العباد منقادة إليه بالود والرحمة، وكان الله إليه بكل خير
أسرع.
وقال صلى الله عليه وآله: لا يريد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن
الرجل ليحرم الرزق بالذهب يصيبه.
وقال صلى الله عليه وآله: حسن الظن بالله من عبادة الله.
وقال صلى الله عليه وآله: لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل الذي يرى لنفسه.

(1) أي حوطها وحجزها. والضغينة: الحقد والشحناء.
(2) من خبأ يخبأ أي مستور.
(3) قال المؤلف في ج 1 ص 10 أنه للشيخ العلامة الشهيد محمد بن مكي (ره).
166

4 - أقول: وجدت بخط الشيخ الجليل محمد بن علي الجبعي رحمه الله هذه أحاديث
محذوفة الاسناد كتبها الشيخ ابن مكي رحمه الله من خط سديد الدين ابن مطهر
رحمه الله وأجازها له شيخه السيد المرتضى النقيب المعظم النسابة العلامة، مفخر
العترة الطاهرة، تاج الملة والدين: أبو عبد الله محمد بن السيد العلامة النقيب
الزاهد جلال الدين أبي جعفر القاسم ابن السيد النقيب فخر الدين أبي القاسم
الحسين ابن السيد نقيب جلال الدين أبي جعفر القاسم ابن أبي منصور الحسن ابن
رضي الدين محمد بن أبي طالب ولي الدين الحسن بن أحمد بن محسن بن الحسين
القصري ابن محمد بن الحسين بن علي بن الحسين الخطيب بالكوفة ابن علي المعروف
بابن المعية ابن الحسن بن إسماعيل الديباج ابن إبراهيم العمر بن الحسن المثنى
ابن الإمام السبط أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام عن شيوخه الثقات
وهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
الراحمون يرحمهم الرحمن يوم القيامة. أرحم من في الأرض يرحمك من
في السماء.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصوم جنة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة: إذا حدث
أحدكم فلا يكذب، وإذا ائتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف. غضوا أبصاركم
وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم.
قال أحمد بن أبي الحواري: تمنيت أن أرى أبي سليمان الداراني في المنام
فرأيته بعد سنة فقلت له: يا معلم ما فعل الله بك؟ فقال: يا أحمد جئت من باب الصغير
فلقيت وسق شيح (5) فأخذت منه عودا ما أدري تخللت به أو رميت به فأنا في حسابه
منذ سنة إلى هذه الغاية، تم الخبر والحمد لله رب العالمين.
وبخطه أيضا ما صورته وعلى هذه الأحاديث خط السيد تاج الدين ابن

(1) الوسق وقر النخلة، والشيح بالحاء المهملة: نبات أنواعه كثيرة كله طيب
الرائحة.
167

معية رحمه الله ما صورته: سمع هذه الأحاديث من لفظ مولينا الشيخ الامام العالم
الفاضل العامل الزاهد الورع، مفخر العلماء، سلالة الفضلاء، شمس الملة والحق
والدين محمد بن مكي أدام الله فضائله في يوم السبت حادي عشر شوال من سنة أربع
وخمسين وسبعمائة وأجزت له روايتها عني بالسند المتقدم وغيره من طرقي مشايخ
الحلة الذين رووها إلى آخر ما سيأتي في آخر مجلدات الكتاب.
وبخطه أيضا في أول هذه الأحاديث إجازة أخرى من السيد تاج الدين
أبي عبد الله مفخر العلماء والفضلاء شمس الحق والدين صحيح، وكتبه محمد بن معية
في حادي عشر شوال سنة أربع وخمسين وسبعمائة، والحمد لله وحده وصلى الله على
محمد وآله وسلم.
وبخطه نقلا من خط الشهيد - رحمهما الله - عن النبي صلى الله عليه وآله: إن أعمى
العمى الضلالة بعد الهدى، خير الغنى غنى النفس. من يعص الله يعذبه. عفو الملوك
بقاء الملك. لا يجني على المرء إلا يده ولسانه. صحبة عشرين سنة قرابة. خير
الرزق ما يكفي. الصحة والفراغ نعمتان مكفورتان.
5 - دعوات الراوندي: (1) قال أسود بن أصرم قلت: يا رسول الله أوصني
فقال: أتملك يدك؟ قلت: نعم، قال: فتملك لسانك؟ قلت: نعم، قال: صلى الله عليه وآله: فلا
تبسط يدك إلا إلى خير، ولا تقل بلسانك إلا معروفا.
6 - كنز الكراجكي: (2) قال النبي صلى الله عليه وآله: من سرته حسنة وساءته سيئة
فهو مؤمن. لا خير في عيش إلا لرجلين: عالم مطاع ومستمع واع. كفى بالنفس
غنى، وبالعبادة شغلا. لا تنظروا إلى صغر الذنب ولكن انظروا إلى من اجترأتم.
قال صلى الله عليه وآله: آفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الفترة
وآفة الظرف الصلف (3). لا حسب إلا بتواضع، ولا كرم إلا بتقوى، ولا عمل

(1) مخطوط.
(2) المصدر ص 13.
(3) تقدم معناه ص 68.
168

إلا بنية ولا عبادة إلا بيقين.
وقال صلى الله عليه وآله: (1) من أراد أن يكون أعز الناس فليتق الله عز وجل.
وقال صلى الله عليه وآله: من خاف الله سخت نفسه الدنيا، ومن رضي من الدنيا بما يكفيه
كان أيسر ما فيها يكفيه.
وقال صلى الله عليه وآله: الدنيا خضرة حلوة، والله مستعملكم فيها فانظروا كيف تعملون.
[وقال صلى الله عليه وآله: من ترك معصية الله مخافة من الله أرضاه الله يوم القيامة، ومن
مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الايمان.
وقال صلى الله عليه وآله: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإنك لن تجد فقد شئ تركته
لله عز وجل].
وقال صلى الله عليه وآله: باب التوبة مفتوح لمن أرادها فتوبوا إلى الله توبة نصوحا (2).
وقال صلى الله عليه وآله: بادروا بعمل الخير قبل أن تشغلوا عنه، واحذروا الذنوب فإن
العبد يذنب الذنب فيحبس عنه الرزق.
7 - ومنه: (3) قال من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله في الخصال من واحدة إلى عشرة
روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: خصلة من لزمها أطاعته الدنيا والآخرة، وربح
الفوز في الجنة. قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: التقوى من أراد أن يكون أعز
الناس فليتق الله عز وجل، ثم تلا: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من
حيث لا يحتسب " (4).
وقال صلى الله عليه وآله: المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه
وبين أجل قد بقي ما الله قاض فيه.
وقال صلى الله عليه وآله: من وقى شر ثلاث فقد وقى الشر كله: لقلقه وقبقبه وذبذبه

(1) المصدر ص 164.
(2) أي خالصا لله لا شوب فيه.
(3) المصدر ص 184.
(4) الطلاق: 2 و 3.
169

فلقلقه لسانه وقبقبه بطنه وذبذبه فرجه.
وقال صلى الله عليه وآله: أربع خصال من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، والاصرار
على الذنب، والحرص على الدنيا.
وقال صلى الله عليه وآله: خمس لا يجتمعن إلا في مؤمن حقا يوجب الله له بهن الجنة:
النور في القلب، والفقه في الاسلام، والورع، والمودة في الناس، وحسن السمت
في الوجه.
وقال صلى الله عليه وآله: اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا
حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا
أبصاركم، وكفوا أيديكم.
وقال صلى الله عليه وآله: أوصاني ربي بسبع: أوصاني بالاخلاص في السر والعلانية، وأن
أعفو عمن ظلمني، وأعطي من حرمني، وأصل من قطعني، وأن يكون صمتي فكرا، و
نظري عبرا.
وحفظ عنه صلى الله عليه وآله ثمان: قال: ألا أخبركم بأشبهكم بي خلقا؟ قالوا: بلى يا
رسول الله، قال: أحسنكم خلقا، وأعظمكم حلما، وأبركم بقرابته، وأشدكم حبا
لاخوانه في دينه، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفوا، وأشدكم
من نفسه إنصافا.
وقال صلى الله عليه وآله: الكبائر تسع أعظمهن الاشراك بالله عز وجل، وقتل النفس المؤمنة
وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين
واستحلال البيت الحرام، والسحر، فمن لقى الله عز وجل وهو برئ منهن كان معي
في جنة مصاريعها من ذهب (1).
وقال صلى الله عليه وآله: الايمان في عشرة: المعرفة، والطاعة، والعلم، والعمل، والورع
والاجتهاد، والصبر، واليقين، والرضا، والتسليم فأيها فقد صاحبه بطل نظامه.

(1) المصاريع جمع المصراع وهو إحدى عضادتي الباب.
170

وعن النبي صلى الله عليه وآله (1): قال: صل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك.
وقال صلى الله عليه وآله: قل الحق ولو على نفسك.
وقال صلى الله عليه وآله: اعتبروا فقد خلت المثلات (2) فيمن كان قبلكم.
وقال صلى الله عليه وآله: كن لليتيم كالأب الرحيم، واعلم أنك تزرع كذلك تحصد.
وقال صلى الله عليه وآله: أذكر الله عند همك إذا هممت، وعند لسانك إذا حكمت، وعند يدك
إذا قسمت.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (3) أحسنوا مجاورة النعم لا تملوها (4) ولا تنفروها فإنها
قل ما نفرت من قوم فعادت إليهم.
وقال عليه الصلاة والسلام: من قال: قبح الله الدنيا، قالت الدنيا: قبح الله
أعصانا للرب.
وقال صلى الله عليه وآله: من عف عن محارم الله كان عابدا، ومن رضي بقسم الله كان غنيا، ومن
أحسن مجاورة من جاوره كان مسلما، ومن صاحب الناس بالذي يجب أن يصاحبوه كان
عدلا.
وقال عليه وآله السلام: من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق (5)
من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت
سارع في الخيرات.
وقال عليه وآله السلام: اجتهدوا في العمل، فان قصر بكم الضعف فكفوا عن
المعاصي.

(1) المصدر ص 194 وفيه زيادة اختار المصنف بعضه.
(2) المثلات الدواهي والعقوبات.
(3) المصدر ص 271.
(4) النعم المجاورة أي الحاصلة وقوله " لا تملوها " أي لا تزجروها ولا تزيلوها لأنها
إذا زالت قل أن تعود.
(5) الاشفاق: الخوف.
171

8 - اعلام الدين: (1) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا عيش إلا لرجلين عالم ناطق و
متعلم واع.
وقال صلى الله عليه وآله: إن للقلوب صدأ كصدأ النحاس (2) فاجلوها بالاستغفار وتلاوة
القرآن.
وقال صلى الله عليه وآله: الزهد ليس بتحريم الحلال ولكن أن يكون بما في يدي الله أوثق منه
بما في يديه.
وقال صلى الله عليه وآله: خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الظن بالرزق.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن
كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب.
وقال صلى الله عليه وآله: كلمة الحكمة يسمعها المؤمن خير من عبادة سنة.
وقال صلى الله عليه وآله: صنايع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب
الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر وتدفع ميتة السوء وتنفي الفقر وتزيد في العمر.
ومن كف غضبه وبسط رضاه وبذل معروفه ووصل رحمه وأدى أمانته أدخله الله تعالى في
النور الأعظم، ومن لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات، ومن لم ير أن لله عنده
نعمة إلا في مطعم ومشرب قل عمله وكبر جهله، ومن نظر إلى ما في أيدي الناس طال
حزنه ودام أسفه.
وقال صلى الله عليه وآله: حسن الخلق وصلة الأرحام وبر القرابة تزيد في الاعمار وتعمر
الديار، ولو كان القوم فجارا.
وقال صلى الله عليه وآله: إن الله يحب الأتقياء الأخفياء، الذين إذا حضروا لم يعرفوا، و
إذا غابوا لم يفقدوا. قلوبهم مصابيح الهدى، منجون من كل غبراء مظلمة.

(1) تأليف أبى محمد الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي صاحب ارشاد القلوب
مخطوط.
(2) الصدأ - بفتح الصاد المهملة والدال والهمز - مادة لونها يأخذ من الحمرة،
والشقرة تتكون على وجه الحديد ونحوه بسبب رطوبة الهواء.
172

وقال صلى الله عليه وآله: الوحدة من قرين السوء، والحزم أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره.
وقال صلى الله عليه وآله: جاملوا الأشرار بأخلاقهم تسلموا من غوائلهم، وباينوهم بأعمالكم
كيلا تكونوا منهم.
وقال صلى الله عليه وآله لو أن المؤمن أقوم من قدح لكان له من الناس عامر (1) واعلموا أنكم
لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم.
وقال صلى الله عليه وآله: ما من أحد ولي شيئا من أمور المسلمين فأراد الله به خيرا إلا جعل الله
له وزيرا صالحا، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن هم بشر كفه وزجره.
وقال صلى الله عليه وآله: إن الله يبغض البخيل في حياته، السخي عند وفاته.
وقال صلى الله عليه وآله: ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من
قلب غافل.
وقال صلى الله عليه وآله: الامل رحمة لامتي ولولا الامل ما رضعت والدة ولدها، ولا غرس
غارس شجرا.
وقال صلى الله عليه وآله: إذا أشار عليك العاقل الناصح فاقبل. وإياك والخلاف عليهم
فان فيه الهلاك.
وعاد صلى الله عليه وآله رجلا من الأنصار فقال: جعل الله ما مضى كفارة وأجرا، وما بقي
عافية وشكرا.
وقال صلى الله عليه وآله: خلقان لا يجتمعان في مؤمن الشح وسوء الخلق.
وقال صلى الله عليه وآله: ويل للذين يجتلبون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن
من لين ألسنتهم كلامهم أحلا من العسل، وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله تعالى: أبي
يغترون أم علي يجترؤون، فوعزتي وجلالي لأبعثن عليهم فتنة تذر الحليم منهم حيران.
وكتب صلى الله عليه وآله إلى بعض أصحابه يعزيه أما بعد فعظم الله جل اسمه لك الاجر، و
ألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر، إن أنفسنا وأموالنا وأهالينا مواهب الله الهنيئة
وعواريه المستردة بها إلى أجل معدود، ويقبضها لوقت معلوم، وقد جعل الله تعالى علينا

(1) كذا.
173

الشكر إذا أعطى، والصبر إذا ابتلى، وقد كان ابنك من مواهب الله تعالى في غبطة و
سرور وقبضه منك بأجر مدخور، إن صبرت واحتسبت فلا تجزعن أن تحبط جزعك
أجرك، وأن تندم غدا على ثواب مصيبتك. فإنك لو قدمت على ثوابها علمت أن المصيبة
قد قصرت عنها، واعلم أن الجزع لا يرد فائتا، ولا يدفع حسن قضاء، فليذهب أسفك
ما هو نازل بك مكان ابنك والسلام.
9 - كتاب الإمامة والتبصرة: (2) عن هارون بن موسى، عن محمد بن علي، عن
محمد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن ابن فضال، عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه
عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: الشقي من شقي في بطن أمه.
ومنه بهذا الاسناد، عن النبي صلى الله عليه وآله: شر الرواية رواية الكذب، وشر الأمور
محدثاتها، وشر العمى عمى القلب، وشر الندامة يوم القيامة، وشر الكسب
كسب الربا، وشر المأكل أكل مال اليتيم ظلما.
ومنه بهذا الاسناد قال صلى الله عليه وآله: الشباب شعبة من الجنون.
ومنه بهذا الاسناد قال صلى الله عليه وآله: الشيخ شاب على حب أنيس وطول حياة،
وكثرة مال.
ومنه عن الحسن الحمزة العلوي، عن علي بن محمد بن أبي القاسم، عن أبيه
عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: صديق كل امرء عقله وعدوه جهله.
وقال صلى الله عليه وآله: صديق عدو علي عدو علي.
ومنه، عن سهل بن أحمد، عن محمد بن الأشعث، عن موسى بن إسماعيل بن
موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: العلم رائد، و
العقل سائق، والنفس حرون (2).

(1) مخطوط.
(2) الحرون - بفتح الحاء المهملة -: الفرس الذي لا ينقاد وإذا اشتد به الجري
وقف. والرائد: رسول الذي يرسله القوم لينظر لهم مكانا ينزلون فيه. والسائق فاعل من ساقه
يسوقه فهو سائق. ومعنى الكلام واضح.
174

ومنه بهذا الاسناد قال صلى الله عليه وآله: العقل هدية (1).
ومنه بهذا الاسناد قال صلى الله عليه وآله: عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت
فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه.
ومنه بهذا الاسناد: العلم رأس الخير كله، والجهل رأس الشر كله.
ومنه بهذا الاسناد: علموا ولا تعنفوا فان المعلم العالم خير من المعنف (2).
ومنه عن أحمد بن علي، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي
عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
غريبتان غريبة: كلمة حكم من سفيه فاقبلوها، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها.
10 - أعلام الدين: للديلمي أربعون حديثا رواها ابن ودعان بحذف الاسناد:
الأول عن أنس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله على ناقته العضباء فقال: أيها
الناس كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق على غيرنا وجب، وكان
ما نسمع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوؤهم أجداثهم، ونأكل
تراثهم كأنا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة (3) طوبى
لمن أنفق ما اكتسبه من غير معصية، وجالس أهل الفقه والحكمة، وخالط أهل الذلة
والمسكنة. طوبى لمن ذلت نفسه وحسنت خليقته، وصلحت سريرته، وعزل عن الناس
شره. طوبى لمن أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم
تشتهره البدعة (4).
الثاني عن علقمة بن الحصين قال: سمعت قيس بن عاصم المنقري يقول: قدمت
على رسول الله صلى الله عليه وآله في وفد من جماعة من بني تميم فقال لي: اغتسل بماء وسدر،

(1) كذا.
(2) العنف ضد الرفق والعتاب أي لا تشددوا بل ارفقوا بهم.
(3) الجائحة: الآفة.
(4) رواه الديلمي في الفردوس من حديث أنس بن مالك بسند حسن هكذا " وسعته
السنة ولم يعد عنها إلى البدعة ".
175

ففعلت ثم عدت إليه وقلت: يا رسول الله عظنا عظة ننتفع بها، فقال: يا قيس إن
مع العز ذلا، وإن مع الحياة موتا، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شئ
حسيبا، وعلى كل شئ رقيبا، وإن لكل حسنة ثوابا، ولكل سيئة عقابا، وإن
لكل أجل كتابا، وإنه يا قيس لابد لك من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن
معه وأنت ميت، فإن كان كريما أكرمك وإن كان لئيما أسلمك، لا يحشر إلا معك
ولا تحشر إلا معه ولا تسأل إلا عنه، ولا تبعث إلا معه، فلا تجعله إلا صالحا، فإنه
إن كان صالحا لم تأنس إلا به، وإن كان فاحشا لا تستوحش إلا منه وهو عملك.
فقال قيس: يا رسول الله لو نظم هذا شعر لافتخرت به على من يلينا من العرب،
فقال رجل من أصحابه يقال له الصلصال: قد حضر فيه شئ يا رسول الله أفتأذن لي
بانشاده؟ فقال: نعم فأنشأ يقول:
تخير قرينا من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
فلا بد للانسان من أن يعده * ليوم ينادى المرء فيه فيقبل
فان كنت مشغولا بشئ فلا تكن * بغير الذي يرضى به الله تشغل
فما يصحب الانسان من بعد موته * ومن قبله إلا الذي كان يعمل
ألا إنما الانسان ضيف لأهله * يقيم قليلا عندهم ثم يرحل
الثالث عن أبي الدرداء قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم جمعة فقال: أيها الناس
توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشتغلوا، وأصلحوا
الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا من الصدقة ترزقوا، وأمروا بالمعروف
تحصنوا، وانتهوا عن المنكر تنصروا، يا أيها الناس إن أكيسكم أكثركم ذكرا
للموت وإن أحزمكم أحسنكم استعدادا له، ألا وإن من علامات العقل التجافي
عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكني القبور، والتأهب ليوم
النشور (1).

(1) التأهب: التهيؤ والاستعداد.
176

الرابع: عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في خطبته: أيها
الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم،
إن المؤمن بين مخافتين يوم قد مضى لا يدري ما الله قاض فيه، ويوم قد بقي لا يدري
ما الله صانع به فليأخذ العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن شبابه لهرمه
ومن صحته لسقمه، ومن حياته لوفاته، فوالذي نفسي بيده وما بعد الموت من
مستعتب (1) ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.
الخامس: عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله قال في خطبته:
لا عيش إلا لعالم ناطق، أو مستمع واع، أيها الناس إنكم في زمان هدنة، وأن
السير بكم سريع، وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد، ويقربان كل
بعيد ويأتيان بكل موعود. فقال له المقداد: يا نبي الله وما الهدنة؟ فقال: دار بلاء
وانقطاع فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع
مشفع، وصادق مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه
إلى النار، وهو أوضح دليل إلى خير سبيل، من قال به صدق، ومن عمل به أجر،
ومن حكم به عدل.
السادس: عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يكمل عبد
الايمان بالله حتى يكون فيه خمس خصال: التوكل على الله، والتفويض إلى الله
والتسليم لأمر الله، والرضا بقضاء الله، والصبر على بلاء الله، إنه من أحب في الله
وأبغض في الله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الايمان.
السابع: عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في خطبته:
أيها الناس إن العبد لا يكتب من المسلمين حتى يسلم الناس من يده ولسانه، ولا ينال
درجة المؤمنين حتى يأمن أخوه بوائقه وجاره بوادره (2) ولا يعد من المتقين حتى

(1) استعتبه أي طلب منه العتبى أي استرضاه، يعنى ليس بعد الموت من استرضاء.
(2) البوائق جمع بائقة وهي الداهية والشر والغائلة، والبوادر جمع بادرة وهي
الغضب والحدة.
177

يدع ما لا بأس به حذارا عما به البأس. إنه من خاف البيات أدلج ومن أدلج (1)
المسير وصل، وإنما تعرفون عواقب أعمالكم لو قد طويت صحايف آجالكم، أيها
الناس إن نية المؤمن خير من عمله، ونية الفاسق شر من عمله.
الثامن: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من انقطع إلى الله كفاه كل
مؤونة، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها، ومن حاول أمرا بمعصية الله كان أبعد
له مما رجا وأقرب مما اتقى، ومن طلب محامد الناس بمعاصي الله عاد حامده
منهم ذاما، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله الله إليهم، ومن أرضى الله بسخط الناس
كفاه الله شرهم، ومن أحسن ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن
أحسن سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لاخرته كفى الله أمر دنياه.
التاسع: عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رحم الله عبدا تكلم
فغنم، أو سكت فسلم. إن اللسان أملك شئ للانسان، ألا وإن كلام العبد كله عليه
إلا ذكر الله تعالى أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو إصلاح بين المؤمنين، فقال له
معاذ بن جبل: يا رسول الله أنؤاخذ بما نتكلم؟ فقال: وهل يكب الناس على
مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم، فمن أراد السلامة فليحفظ ما جرى به لسانه
وليحرس ما انطوى عليه جنانه، وليحسن عمله وليقصر أمله، ثم لم يمض إلا أيام
حتى نزلت هذه الآية " لا خير في كثير من نجويهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو
إصلاح بين الناس " (2).
العاشر: عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تسبوا الدنيا
فنعمت مطية المؤمن، فعليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر، إنه إذا قال العبد:
لعن الله الدنيا قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه. فأخذ الشريف الرضي بهذا المعنى
فنظمه بيتا:
يقولون الزمان به فساد * فهم فسدوا وما فسد الزمان

(1) الادلاج السير إلى آخر الليل.
(2) النساء: 114.
178

الحادي عشر: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يرى جزاء ما قدم
وقلة غنا ما خلف (1) ولعله من حق منعه ومن باطل جمعه.
الثاني عشر:
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الناس إن
الرزق مقسوم لن يعدو امرء ما قسم له، فأجملوا في الطلب وإن العمر محدود لن
يتجاوز أحد ما قدر له فبادروا قبل نفاد الأجل، والأعمال المحصية.
الثالث عشر: عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في بعض
خطبه ومواعظه: أما رأيتم المأخوذين على العزة والمزعجين بعد الطمأنينة الذين أقاموا
على الشبهات، وجنحوا إلى الشهوات. حتى أتتهم رسل ربهم فلا ما كانوا أملوا أدركوا
ولا إلى ما فاتهم رجعوا، قدموا على ما عملوا، وندموا على ما خلفوا، ولن يغني الندم
وقد جف القلم، فرحم الله امرءا قدم خيرا وأنفق قصدا، وقال صدقا، وملك
دواعي شهوته ولم تملكه، وعصى أمر نفسه فلم تملكه.
الرابع عشر: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الناس لا تعطوا
الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تعاقبوا ظالما فيبطل
فضلكم، ولا تراؤوا الناس فيحبط عملكم، ولا تمنعوا الموجود فيقل خيركم، أيها
الناس إن الأشياء ثلاثة: أمر استبان رشده فاتبعوه، وأمر استبان غيه فاجتنبوه، و
أمر اختلف عليكم فردوه إلى الله، أيها الناس ألا أنبئكم بأمرين خفيف مؤونتهما
عظيم أجرهما لم يلق الله بمثلهما: طول الصمت، وحسن الخلق.
الخامس عشر: عن ابن عمر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله خطبة ذرفت منها
العيون ووجلت منها القلوب (2) فكان مما ضبطت منها: أيها الناس إن أفضل
الناس عبدا من تواضع عن رفعة، وزهد عن رغبة، وأنصف عن قوة، وحلم عن قدرة.
ألا وإن أفضل الناس عبد أخذ في الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزود
للرحيل، وتأهب للمسير، ألا وإن أعقل الناس عبد عرف ربه فأطاعه، وعرف
عدوه فعصاه، وعرف دار إقامته فأصلحها، وعرف سرعة رحيله فتزود لها. ألا وإن

(1) كذا.
(2) ذرفت أي سالت. ووجلت أي خافت.
179

خير الزاد ما صحبه التقوى، وخير العمل ما تقدمته النية، وأعلى الناس منزلة
عند الله أخوفهم منه.
السادس عشر: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما يؤتي الناس
يوم القيامة عن إحدى من ثلاث: إما من شبهة في الدين ارتكبوها، أو شهوة للذة
آثروها، أو عصبية لحمة اعملوها، فإذا لاحت (1) لكم شبهة في الدين فاجلوها
باليقين، وإذا عرضت لكم شهوة فاقمعوها بالزهد، وإذا عنت لكم غضبة لكم غضبة فأدوها
بالعفو، إنه ينادي مناد يوم القيامة من كان له على الله أجرا فليقم، فلا يقوم إلا
العافون ألم تسمعوا قوله تعالى " فمن عفا وأصلح فأجره على الله " (2).
السابع عشر: قال عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله تعالى: يا
ابن آدم تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن، وينقص كل يوم من عمرك وأنت
تفرح، أنت فيما يكفيك وتطلب ما يطغيك لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع.
الثامن عشر: عن أبي هريرة قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس إذا رأيناه
ضاحكا حتى بدت ثناياه، فقلنا: يا رسول الله مما ضحكت؟ فقال: رجلان من أمتي
جيئا بين يدي ربي فقال أحدهما: يا رب خذ لي بمظلمتي من آخر، فقال الله تعالى
أعط أخاك مظلمته، فقال: يا رب لم يبق من حسناتي شئ، فقال: يا رب فليحمل
من أوزاري، ثم فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إن ذلك اليوم ليوم تحتاج الناس
فيه إلى من يحمل عنهم أوزارهم، ثم قال الله تعالى للطالب بحقه: ارفع بصرك إلى
الجنة فانظر ماذا ترى، فرفع رأسه فرأى ما أعجبه من الخير والنعمة، فقال:
يا رب لمن هذا؟ فقال: لمن أعطاني ثمنه، فقال: يا رب ومن يملك ثمن ذلك؟
فقال: أنت، فقال: كيف بذلك؟ فقال: بعفوك عن أخيك، فقال: قد عفوت فقال الله
تعالى: فخذ بيد أخيك فادخلا الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " فاتقوا الله وأصلحوا
ذات بينكم ".

(1) أي ظهرت وبدت.
(2) الشورى: 40.
180

التاسع عشر: عن أنس بن مالك قال: قالوا: يا رسول الله من أولياء الله
الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ فقال: الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين
نظر الناس إلى ظاهرها، فاهتموا بآجلها حين اهتم الناس بعاجلها، فأماتوا منها
ما خشوا أن يميتهم، وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم، فما عرض لهم منها عارض
إلا رفضوه، ولا خادعهم من رفعتها خادع إلا وضعوه، خلقت الدنيا عندهم فما
يجد دونها، وخربت بينهم فما يعمرونها، وماتت في صدورهم فما يحبونها، بل
يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، نظروا إلى أهلها
صرعى قد حلت بهم المثلات، فما يرون أمانا دون ما يرجون، ولا خوفا دون
ما يحذرون.
العشرون: عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنما أنتم
خلف ماضين وبقية متقدمين كانوا أكبر منكم بسطة، وأعظم سطوة، فازعجوا عنها
أسكن ما كانوا إليها [وغدرت بهم] وأخرجوا منها أوثق ما كانوا بها، فلم يمنعهم
قوة عشيرة، ولا قبل منهم بذل فدية، فارحلوا أنفسكم بزاد مبلغ قبل أن تأخذوا
على فجأة، وقد غفلتم عن الاستعداد.
الحادي والعشرون: عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر قال: قال لي رسول
الله صلى الله عليه وآله: كن في الدنيا كأنك غريب وعابر سبيل، واعدد نفسك في الموتى، وإذا
أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ
من صحتك لسقمك، ومن شبابك لهرمك، ومن حياتك لو فاتك. فإنك لا تدري ما
اسمك غدا.
الثاني والعشرون: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض خطبه
أو مواعظه: أيها الناس لا يشغلنكم دنياكم؟ عن آخرتكم، فلا تؤثروا هواكم على
طاعة ربكم، ولا تجعلوا إيمانكم ذريعة إلى معاصيكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن
تحاسبوا ومهدوا لها قبل أن تعذبوا وتزودوا للرحيل قبل أن تزعجوا فإنها موقف عدل
واقتضاء حق، وسؤال عن واجب، وقد أبلغ في الاعذار من تقدم بالانذار.
181

الثالث والعشرون: عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول عند منصرفه من أحد والناس يحدقون به وقد أسند ظهره إلى طلحة: أيها
الناس أقبلوا على ما كلفتموه من إصلاح آخرتكم، وأعرضوا عما ضمن لكم من
دنياكم، ولا تستعملوا جوارحا غذيت بنعمته في التعرض لسخطه بنقمته، واجعلوا
شغلكم في التماس مغفرته، واصرفوا همتكم بالتقرب إلى طاعته، إنه من بدأ بنصيبه
من الدنيا فإنه نصيبه من الآخرة ولم يدرك منها ما يريد، ومن بدأ بنصيبه من الآخرة
وصل إليه من الدنيا.
الرابع والعشرون: عن أبي هريرة فال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم
وفضول المطعم فإنه يسم القلب بالقسوة (1)، ويبطئ بالجوارح عن الطاعة، ويصم
الهمم عن سماع الموعظة، وإياكم وفضول النظر فإنه يبدر الهوى (2) ويولد الغفلة
وإياكم واستشعار الطمع فإنه يشوب القلب شدة الحرص، ويختم على القلوب
بطابع حب الدنيا، وهو مفتاح كل سيئة، ورأس كل خطيئة، وسبب إحباط
كل حسنة.
الخامس والعشرون: عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
إنما هو خير يرجى أو شر يتقى أو باطل عرف فاجتنب، أو حق يتعين فطلب، وآخرة
أظل إقبالها فسعى لها، ودنيا عرف نفادها فأعرض عنها، وكيف يعمل للآخرة من
لا ينقطع من الدنيا رغبته، ولا تنقضي فيها شهوته، إن العجب كل العجب لمن
صدق بدار البقاء وهو يسعى لدار الفناء، وعرف أن رضى الله في طاعته، وهو يسعى
في مخالفته.
السادس والعشرون: عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: حلوا أنفسكم الطاعة، وألبسوها قناع المخالفة (3) فاجعلوا آخرتكم لأنفسكم
وسعيكم لمستقركم، واعلموا أنكم عن قليل راحلون، وإلى الله صائرون، ولا

(1) وسمه يسمه وسمة: أي كواه وأثر فيه وجعل له علامة يعرف بها.
(2) بدر يبدر بدورا الشئ: عاجله وسبقه.
(3) القناع: ما تغطي به المرأة رأسها.
182

يغني عنكم هنالك إلا صالح عمل قدمتموه، وحسن ثواب أحرزتموه، فإنكم إنما
تقدمون على ما قدمتم، وتجازون على ما أسلفتم فلا تخدعنكم زخارف دنيا دنية
عن مراتب جنات علية، فكان قد انكشف القناع وارتفع الارتياب، ولاقى كل
امرء مستقره، وعرف مثواه ومنقلبه (1).
السابع والعشرون: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبته: لا
تكونوا ممن خدعته العاجلة، وغرته الأمنية فاستهوته الخدعة فركن إلى دار السوء
سريعة الزوال وشيكة الانتقال (2) إنه لم يبق من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلا
كإناخة راكب أوصر حالب (3) فعلى ما تعرجون وماذا تنظرون؟ فكأنكم والله وما
أصبحتم فيه من الدنيا لم يكن، وما يصيرون إليه من الآخرة لم يزل، فخذوا
أهبة (4) لا زوال لنقله وأعدوا الزاد لقرب الرحلة، واعلموا أن كل امرء على
ما قدم قادم، وعلى ما خلف نادم.
الثامن والعشرون: عن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
أيها الناس بسط الامل متقدم حلول الأجل، والمعاد مضمار العمل، فمغتبط بما
احتقب غانم، ومتيسر بما فاته نادم (5) أيها الناس إن الطمع فقر، واليأس غنى،
والقناعة راحة، والعزلة عبادة، والعمل كنز، والدنيا معدن، والله ما يساوي ما مضى

(1) أي محل قراره وما انقلب إليه.
(2) الوشيك: السريع.
(3) أناخ فلان بالمكان: أقام به. وصر بالناقة: شد ضرعها بالصرار لئلا يرضع
ولدها. والحالب هو الذي يحلب الناقة أو الشاة أي أخرج ما في ضرعها من اللبن.
(4) الأهبة - بضم الهمزة وسكون الهاء والباء الموحدة -: العدة يقال أخذ للسفر
أهبته أي عدته.
(5) المغتبط: المسرور، واحتقب الشئ جمعه، وغانم فاعل من غنم يغنم. والمتيسر
هو الذي يمكنه أن يفعل ما يشاء من الخيرات.
183

من دنياكم هذه بأهداب بردي هذا (1)، ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء
وكل إلى بقاء وشيك وزوال قريب، فبادروا العمل وأنتم في مهل الأنفاس، وجدة
الأحلاس (2) قبل أن تأخذوا بالكظم (3) فلا ينفع الندم.
التاسع والعشرون عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
يكون أمتي في الدنيا على ثلاثة أطباق: أما الطبق الأول فلا يحبون جمع المال و
ادخاره، ولا يسعون في اقتنائه واحتكاره، وإنما رضاهم من الدنيا سد جوعة وستر
عورة، وغناهم فيها ما بلغ بهم الآخرة، فأولئك الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون.
وأما الطبق الثاني فإنهم يحبون جمع المال من أطيب وجوهه وأحسن
سبيله، يصلون به أرحامهم ويبرون به إخوانهم ويواسون به فقراءهم، ولعض
أحدهم على الرضيف (4) أيسر عليه من أن يكتسب درهما من غير حله، أو يمنعه
من حقه أن يكون له خازنا إلى حين موته، فأولئك الذين إن نوقشوا (5) عذبوا
وإن عفي عنهم سلموا.
وأما الطبق الثالث فإنهم يحبون جمع المال مما حل وحرم، ومنعه مما افترض
ووجب، إن أنفقوه أنفقوه إسرافا وبدارا (6)، وإن أمسكوه أمسكوه بخلا و

(1) الأهداب جمع هدب وهو خمل الثوب وطرته.
(2) جدة الثوب - بكسر الجيم وشد الدال - كونه جديدا. والاحلاس - بالحاء
المهملة - جمع حلس - بكسر الحاء - وهو ما يوضع على ظهر الدابة تحت السراج، والرحل
الذي يبسط في البيت على الأرض تحت حر الثياب والمتاع.
(3) الكظم - محركة -: مخرج النفس.
(4) عض الشئ: أمسكه بأسنانه، والرضيف بالراء المهملة والضاد المعجمة -
الحجارة المحماة.
(5) نافشه الحساب وفى الحساب: استقصى في حسابه. والمناقشة التشدد
في المحاسبة.
(6) بدارا أي سراعا.
184

احتكارا، أولئك الذين ملكت الدنيا زمام قلوبهم حتى أوردتهم النار بذنوبهم.
الثلاثون: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن من ضعف اليقين
أن ترضى الناس بسخط الله تعالى، وأن تحمدهم على رزق الله تعالى، وأن تذمهم
على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهة كاره
إن الله تبارك اسمه بحكمته جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن
في الشك والسخط. إنك إن تدع شيئا لله إلا أتاك الله خيرا منه، وإن تأتي شيئا تقربا
إلى الله تعالى إلا أجزل الله لك الثواب عنه فاجعلوا همتكم الآخرة لا ينفد فيها ثواب
المرضي عنه، ولا ينقطع فيها عقاب المسخوط عليه.
الحادي والثلاثون: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس شئ
تباعدكم من النار إلا وقد ذكرته لكم، ولا شئ يقربكم من الجنة إلا وقد دللتكم
عليه، إن روح القدس نفث في روعي أنه لن يموت عبد منكم حتى يستكمل رزقه
فأجملوا في الطلب فلا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوا شيئا من فضل الله بمعصيته
فإنه لن ينال ما عند الله إلا بطاعته، ألا وإن لكل أمرء رزقا هو يأتيه لا محالة، فمن
رضي به بورك له فيه ووسعه، ومن لم يرض به لم يبارك له فيه، ولم يسعه، إن
الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله.
الثاني والثلاثون: عن عيسى بن عمر، عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول في خطبة أحد العيدين: الدنيا دار بلاء ومنزل بلغة وعناء (1) قد نزعت عنها
نفوس السعداء، وانتزعت بالكرة من أيدي الأشقياء، فأسعد الناس بها أرغبهم عنها
وأشغلهم بها أرغبهم فيها، فهي الغاشة لمن استنصحها (2) والمغوية لمن أطاعها، والخاترة
لمن انقاد إليها (3)، والفائز من أعرض عنها، والهالك من هوى فيها، طوبى لعبد

(1) البلغة والبلاغ: ما يكفي من العيش ولا يفضل. والعناء: التعب.
(2) الغاش فاعل من غشه يغشه، واستنصحه أي عده نصيحا.
(3) الخاتر: الغادر.
185

اتقى منها ربه، وقدم توبته، وغلب شهوته من قبل أن تلقيه الدنيا إلى الآخرة
فيصبح في بطن موحشة غبراء مدلهمة ظلماء (1) لا يستطيع أن يزيد في حسنته ولا
ينقص من سيئته، ثم ينشر فيحشر إما إلى الجنة يدوم نعيمها، أو إلى النار لا ينفد
عذابها.
الثالث والثلاثون: عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
يا معشر المسلمين شمروا فإن الامر جد، وتأهبوا فإن الرحيل قريب، وتزودوا
فان السفر بعيد، وخففوا أثقالكم فان وراءكم عقبة كؤودا (2) ولا يقطعها إلا المخفون.
أيها الناس إن بين يدي الساعة أمورا شدادا، وأهوالا عظاما، وزمانا صعبا يتملك فيه
الظلمة، ويتصدر فيه الفسقة، ويضام فيه الآمرون بالمعروف ويضطهد (3) فيه الناهون
عن المنكر، فاعدوا لذلك الايمان، وعضوا عليه بالنواجذ (4) والجأوا إلى العمل
الصالح، وأكرهوا عليه النفوس تفضوا إلى النعيم الدائم (5).
الرابع والثلاثون: عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول
لرجل يعظه: ارغب فيما عند الله يحبك الله، وازهد ما في أيدي الناس يحبك الناس
إن الزاهد في الدنيا يريح، ويريح قلبه وبدنه في الدنيا والآخرة، والراغب فيها
يتعب قلبه وبدنه في الدنيا والآخرة، ليجيئن أقوام يوم القيامة لهم حسنات كأمثال
الجبال فيأمر بهم إلى النار، فقيل: يا بني الله أمصلون كانوا؟ قال: نعم، كانوا يصلون
ويصومون ويأخذون وهنا من الليل، لكنهم إذا لاح لهم شئ من أمر الدنيا وثبوا
عليه.

(1) أدلهم الليل أي أظلم واشتد سواده.
(2) كؤود وكأداء: صعبة شاقة المصعد.
(3) ضامه يضيمه ضيما قهره وظلمه. وضهده وأضهد به واضطهده: قهره وجار عليه
واذاه واضطره وحبسه بسبب المذهب أو الدين.
(4) النواجذ جمع الناجذ وهو أقصى الأضراس.
(5) أفضى إليه أي وصل وانتهى به إليه.
186

الخامس والثلاثون: عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
أيها الناس هذه دار ترح لا دار فرح (1) ودار التواء (2) لا دار استواء، فمن عرفها
لم يفرح لرجاء ولم يحزن لشقاء، ألا وإن الله خلق الدنيا دار بلوى والآخرة دار
عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا
عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي، وإنها لسريعة الذهاب ووشيكة الانقلاب
فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها (3) واهجروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها
ولا تسعوا في عمارة قد قضى الله خرابها ولا تواصلوها وقد أراد الله منكم اجتنابها
فتكونوا لسخطه متعرضين، ولعقوبته مستحقين.
السادس والثلاثون: عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، واسعوا في مرضاته، وأيقنوا من الدنيا بالفناء
ومن الآخرة بالبقاء، واعملوا لما بعد الموت فكأنكم بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم
تزل. أيها الناس إن من في الدنيا ضيف، وما في أيديهم عارية، وإن الضيف مرتحل،
والعارية مردودة. ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة
وعد صادق يحكم فيها ملك عادل قادر، فرحم الله امرءا ينظر لنفسه ومهد لرمسه (4)
ما دام رسنه مرخيا وحبله على غاربه ملقيا قبل أن ينفذ أجله وينقطع عمله.
السابع والثلاثون: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لرجل
وهو يوصيه: اقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر، واقلل من الذنوب يسهل عليك
الموت، وقدم مالك أمامك يسرك اللحاق به، وأقنع بما أوتيته يخف عليك الحساب
ولا تتشاغل عما فرض عليك بما قد ضمن لك فإنه ليس بفائتك ما قد قسم لك،

(1) الترح ضد الفرح.
(2) من - لوى يلوى ليا -: الحبل فتله وثناه. والتوى التواء مطاوع لوى.
(3) الفطام انقطاع الرضاع وفصل الولد عنه.
(4) الرمس مصدر بمعنى القبر مستويا لا يعلو عن وجه الأرض.
187

ولست بلاحق ما قد زوي عنك فلاتك جاهدا فيما أنصح نافدا (1) واسع لملك لا
زوال له، في منزل لا انتقال عنه.
الثامن والثلاثون: عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنه
ما سكن حب الدنيا قلب عبد إلا التاط (2) فيها بثلاث: شغل لا ينفد عناؤه، وفقر لا
يدرك غناه، وأمل لا ينال منتهاه، ألا إن الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان
فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى
يأخذه الموت بغتة، ألا وإن السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على فانية لا ينفد عذابها
وقدم لما تقدم عليه مما هو في يديه قبل أن يخلفه لمن يسعد بإنفاقه وقد شقي
هو بجمعه.
التاسع والثلاثون: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا إن الدنيا
قد ارتحلت مدبرة والآخرة قد احتملت مقبلة، ألا وإنكم في يوم عمل لا حساب فيه
ويوشك أن تكونوا في يوم حساب ليس فيه عمل، وإن الله يعطي الدنيا من يحب
ويبغض، ولا يعطي الآخرة إلا لمن يحب وإن للدنيا أبناء وللآخرة أبناء. فكونوا
من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، إن شر ما أتخوف عليكم اتباع
الهوى وطول الامل، فاتباع الهوى يصرف قلوبكم عن الحق، وطول الامل يصرف
هممكم إلى الدنيا، وما بعدهما لاحد من خير يرجاه في دنيا ولا آخرة.
الأربعون: عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه كل يوم خمس مرات فإذا وجد الانسان
قد نفد أجله وانقطع أكله ألقى عليه الموت فغشيته كرباته، وغمرته غمراته، فمن
أهل بيته الناشرة شعرها، والضاربة وجهها، الصارخة بويلها، الباكية بشجوها (3)

(1) كذا. ولعله " أصبح نافدا " فصحف. والمعنى ظاهر.
(2) التاط بقليى أي لصق به وأحببته.
(3) أي بحزنها وغصتها وهيجانها.
188

فيقول ملك الموت: ويلكم مم الجزع؟ وفيم الفزع؟ والله ما أذهب لاحد منكم
مالا، ولا قربت له أجلا، ولا أتيته حتى أمرت، ولا قبضت روحه حتى استأمرت
وإن لي إليكم عودة، ثم عودة، حتى لا أبقي منكم أحدا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله
والذي نفسي بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم وبكوا على
نفوسهم حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش وهو ينادي: يا
أهلي وولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعته من حله ومن غير حله وخلفته
لغيري، والمهنأ له والتبعات علي، فاحذروا، من مثل ما نزل.
11 - روى الشهيد الثاني - قدس الله روحه - في كتاب الغيبة (1) بإسناده عن
شيخ الطائفة، عن المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن أبيه
عن عبد الله بن سليمان النوفلي قال: كنت عند جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فإذا بمولى
لعبد الله النجاشي قد ورد عليه فسلم وأوصل إليه كتابه ففضه وقرأه إذا أول سطر فيه:
" بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاء سيدي وجعلني من كل سوء فداءه، ولا
أراني فيه مكروها، فإنه ولي ذلك والقادر عليه. إعلم سيدي ومولاي - إلى أن قال -
إني بليت بولاية الأهواز فإن رأى سيدي ومولاي أن يحد لي حدا أو يمثل لي
مثالا لاستدل به على ما يقربني إلى الله عز وجل وإلى رسوله ويلخص لي في كتابه
ما يرى لي العمل به وفيما أبذله وابتذله وأين أضع زكاتي وفيمن أصرفها وبمن آنس
وإلى من أستريح وبمن أثق وآمن، وألجأ إليه بسري، فعسى أن يخلصني الله
بهدايتك فإنك حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده لا زالت نعمته عليك ".
قال عبد الله بن سليمان فأجابه أبو عبد الله عليه السلام:
بسم الله الرحمن الرحيم جاملك الله بصنعه، ولطف بك بمنه، وكلاك برعايته
فإنه ولي ذلك، أما بعد فقد جاء إلي رسولك بكتابك فقرأته وفهمت جميع ما ذكرته
وسألت عنه وزعمت أنك بليت بولاية الأهواز فسرني ذلك وساءني وسأخبرك بما
ساءني من ذلك وما سرني إن شاء الله، فأما سروري بولايتك فقلت: عسى أن يغيث -

(1) المطبوع مع كشف الفوائد ص 264.
189

الله بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد عليهم السلام، ويعز بك ذليلهم، ويكسو بك عاريهم
ويقوي بك ضعيفهم ويطفي بك نار المخالفين عنهم، وأما الذي ساءني من ذلك
فإن أدنى ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فلا تشم حظيرة القدس فإني ملخص لك
جميع ما سألت عنه، إن أنت عملت به ولم تجاوزه رجوت أن تسلم إن شاء الله.
أخبرني يا عبد الله أبي عن آبائه، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله
إنه قال: " من استشاره أخوه المسلم فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبه " واعلم أني
سأشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت متخوفه، واعلم أن خلاصك
مما بك من حقن الدماء وكف الأذى عن أولياء الله والرفق بالرعية والتأني
وحسن المعاشرة مع لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، ومداراة صاحبك ومن يرد
عليك من رسله، وارتق فتق رعيتك (1) بأن توفقهم على ما وافق الحق والعدل
إن شاء الله.
إياك والسعاة وأهل النمائم فلا يلتزقن بك أحد منهم ولا يراك الله يوما
ولا ليلة وأنت تقبل منهم صرفا ولا عدلا، فيسخط الله عليك ويهتك سترك.
واحذر مكر خوز الأهواز (2) فان أبي أخبرني عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام
أنه قال: " الايمان لا يثبت في قلب يهودي ولا خوزي أبدا " فأما من تأنس به وتستريح
إليه وتلجئ أمورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الأمين الموافق لك على دينك.
وميز أعوانك (3) وجرب الفريقين، فإن رأيت هناك رشدا فشأنك وإياه.
وإياك أن تعطي درهما أو تخلع ثوبا أو تحمل على دابة في غير ذات الله لشاعر
أو مضحك أو متمزح إلا أعطيت مثله في ذات الله، ولتكن جوائزك وعطاياك وخلعك

(1) الرتق ضد الفتق أي أصلح ذات بينهم.
(2) الخوز بالمعجمتين وضم أولهما جيل من الناس واسم لجميع بلاد خوزستان.
(3) أي اجعل لهم علامة يعرفون بها وعلى هذا فمعنى " جرب الفريقين " أي جرب
من تأنس وأعوانك ويمكن أن يراد بتمييز الأعوان تشخيص العدو والصديق منهم فيكون التجربة
متعلقة بهما.
190

للقواد والرسل والاخبار وأصحاب الرسائل وأصحاب الشرط والأخماس: وما
أردت أن تصرفه في وجوه البر والنجاح والعتق والصدقة والحج والمشرب والكسوة
التي تصلى فيها وتصل بها والهدية التي تهديها إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وآله
من أطيب مكسبك ومن طرق الهدايا، يا عبد الله اجهد أن لا تكنز ذهبا ولا فضة فتكون
من أهل هذه الآية " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم
بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم
هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " (1).
ولا تستصغرن شيئا من حلو أو من فضل طعام وتصرفه في بطون خالية فسكن بها
غضب الرب تبارك وتعالى، واعلم أني سمعت أبي يحدث عن آبائه، عن أمير المؤمنين
عليهم السلام أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول لأصحابه يوما: " ما آمن بالله واليوم الآخر من بات
شبعانا وجاره جايع " فقلنا: هلكنا يا رسول الله فقال: " من فضل طعامكم ومن فضل
تمركم وورقكم وخليقكم وخرقكم (2) تطفئون بها غضب الرب " وسأنبئك بهوان
الدنيا وهوان زخرفها على من مضى من السلف والتابعين.
- ثم ذكر حديث زهد أمير المؤمنين عليه السلام في الدنيا وطلاقه لها (3) إلى أن
قال:
وقد وجهت إليك بمكارم الدنيا والآخرة عن الصادق المصدق رسول الله صلى الله عليه وآله
فإن أنت عملت بما نصحت لك في كتابي ثم كانت عليك من الذنوب والخطايا كمثل
أوزان الجبال وأمواج البحار رجوت الله أن يتجافى عنك جل وعز بقدرته.
يا عبد الله إياك أن تخيف مؤمنا فإن أبي محمد بن علي حدثني، عن أبيه، عن جده

(1) التوبة: 35 و 36.
(2) قوله " فقلنا هلكنا " أي هلكنا بما قلت أو نحن نشبع وجيراننا يبيتون جياعا وليس
عندنا ما يشبعهم فقال صلى الله عليه وآله: " من فضل طعامكم " أي انفقوا فضل طعامكم وفضل
ثيابكم وإن كان خلقا باليا خرقا، تسكن به غضب ربكم.
(3) كما يأتي عن قريب عن كتاب الأربعين في قضاء حقوق المؤمنين.
191

علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه كان يقول: " من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله
يوم لا ظل إلا ظله وحشره في صورة الذر لحمه وجسده، وجميع أعضائه حتى يورده
مورده.
وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
" من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه الله يوم لا ظل إلا ظله، وآمنه يوم الفزع الأكبر
وآمنه من سوء المنقلب، ومن قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيرة
إحداها الجنة، ومن كسى أخاه المؤمن من عرى كساه الله من سندس الجنة
واستبرقها وحريرها، ولم يزل يخوض في رضوان الله ما دام على المكسو منه سلك.
ومن أطعم أخاه من جوع أطعمه الله من طيبات الجنة، ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من
الرحيق المختوم رية، ومن أخدم أخاه أخدمه الله من الولدان المخلدين وأسكنه
مع أوليائه الطاهرين، ومن حمل أخاه المؤمن على راحلة حمله الله على ناقة من
نوق الجنة وباهى به الملائكة المقربين يوم القيامة، ومن زوج أخاه المؤمن
امرأة يأنس بها وتشد عضده ويستريح إليها زوجه الله من الحور العين، وآنسه بمن
أحبه من الصديقين من أهل بيته وإخوانه وآنسهم به، ومن أعان أخاه المؤمن
على سلطان جائر أعانه الله على إجازة الصراط عند زلة الاقدام، ومن زار أخاه
المؤمن إلى منزله لا حاجة منه إليه كتب من زوار الله، وكان حقيقا على الله أن
يكرم زائره.
يا عبد الله وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله
وهو يقول لأصحابه يوما: " معاشر الناس إنه ليس بمؤمن من آمن بلسانه ولم يؤمن
بقلبه فلا تتبعوا عثرات المؤمنين فإنه من اتبع عثرة مؤمن اتبع الله عثراته يوم القيامة
وفضحه في جوف بيته " وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام أنه قال: " أخذ الله ميثاق
المؤمن أن لا يصدق في مقالته، ولا ينتصف من عدوه، وعلى أن لا يشفى غيظه إلا بفضيحة نفسه
لان كل مؤمن ملجم، وذلك لغاية قصيرة وراحة طويلة، وأخذ الله ميثاق المؤمن على
192

أشياء أيسرها عليه مؤمن مثله يقول بمقالته يبغيه ويحسده، والشيطان يغويه ويضله،
والسلطان يقفو أثره، ويتبع عثراته، وكافر بالله الذي هو مؤمن به يرى سفك دمه
دينا، وإباحة حريمه غنما فما بقاء المؤمن بعد هذا ".
يا عبد الله وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " نزل
علي جبرئيل فقال: يا محمد إن الله يقرء عليك السلام ويقول: اشتققت للمؤمن اسما
من أسمائي، سميته مؤمنا، فالمؤمن مني وأنا منه، ومن استهان مؤمنا فقد استقبلني
بالمحاربة.
يا عبد الله وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال يوما: " يا علي لا تناظر رجلا حتى تنظر إلى سريرته، فان كانت سريرته
حسنة فان الله عز وجل لم يكن ليخذل وليه، وإن يكن سريرته ردية فقد يكفيه
مساويه، فلو جهدت أن تعمل به أكثر مما عمل في معاصي الله عز وجل ما قدرت عليه ".
يا عبد الله وحدثني أبي عن آبائه، عن علي عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
" أدنى الكفر أن يسمع الرجل من أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها
أولئك لا خلاق لهم " (1).
يا عبد الله وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: " من قال في مؤمن ما رأت
عيناه وسمعت أذناه ما يشينه ويهدم مروته فهو من الذين قال الله عز وجل: إن الذين
يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم " (2).
يا عبد الله وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: " من روى عن أخيه المؤمن
رواية يريد بها هدم مروته وثلبه أوبقه الله بخطيئته (3) حتى يأتي بمخرج مما قال،
ولن يأتي بالمخرج منه أبدا، ومن أدخل على أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل على أهل بيت

(1) أي لا نصيب لهم في الآخرة.
(2) النور: 19.
(3) ثلبه أي عابه ولامه واغتابه أو سبه. وأوبقه أي أهلكه، ذلله. وفي بعض النسخ
" بخطبه " والخطب الامر العظيم المكروه.
193

رسول الله سرورا، ومن أدخل على أهل البيت سرورا فقد أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله
سرورا، ومن أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله سرورا فقد سر الله، ومن سر الله فحقيق على
الله أن يدخله جنته ".
ثم إني أوصيك بتقوى الله وإيثار طاعته والاعتصام بحبله فإنه من اعتصم بحبل الله
فقد هدي إلى صراط مستقيم، فاتق الله ولا تؤثر أحدا على رضاه وهواه فإنه وصية الله
عز وجل إلى خلقه لا يقبل منهم غيرها ولا يعظم سواها، واعلم أن الخلايق لم يوكلوا بشئ
أعظم من التقوى فإنه وصيتنا أهل البيت، فان استطعت أن لا تنال من الدنيا شيئا تسأل
عنه غدا فافعل.
قال عبد الله بن سليمان فلما وصل كتاب الصادق عليه السلام إلى النجاشي نظر فيه وقال
صدق والله الذي لا إله إلا هو مولاي فما عمل أحد بما في هذا الكتاب إلا نجا، فلم يزل عبد الله
يعمل به أيام حياته.
12 - كتاب الأربعين (1): في قضاء حقوق المؤمنين لابن أخ السيد عز الدين
أبي المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني، عن الشريف أبي الحارث محمد بن الحسن
الحسيني، عن الفقيه قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي، عن الشيخ محمد بن علي بن
محسن الحلبي، عن الشيخ الفقيه أبي الفتح محمد بن علي الكراجكي قال: وأخبرني
الشيخ الفقيه أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي عن الشيخين أبي محمد عبد الله بن
عبد الواحد وأبي محمد عبد الله بن عمر الطرابلسي، عن القاضي عبد العزيز
أبي كامل الطرابلسي، عن الكراجكي، عن الشيخ أبي عبد الله المفيد محمد بن محمد
ابن النعمان، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه مثله وفيه بعد قوله " وهوان زخرفها
على من مضى من السلف والتابعين، فقد حدثني محمد بن علي بن الحسين قال: لما تجهز
الحسين عليه السلام إلى الكوفة فأتاه ابن عباس فناشده الله والرحم أن يكون المقتول باللطف
فقال: أنا أعرف بمصرعي منك وما كدي من الدنيا إلا فراقها ألا أخبرك يا ابن عباس
بحديث أمير المؤمنين عليه السلام والدنيا فقال: بلى لعمري إني لأحب أن تحدثني بأمرها

(1) مخطوط ظاهرا.
194

فقال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: سمعت أبا عبد الله الحسين عليه السلام يقول: حدثني
أمير المؤمنين عليه السلام قال: إني كنت بفدك في بعض حيطانها وقد صارت لفاطمة عليها السلام قال
فإذا أنا بامرأة قد هجمت علي وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها فلما نظرت إليها طار
قلبي، مما تداخلني من جمالها فشبهتها ببثينة بنت عامر الجمحي وكانت من أجمل نساء
قريش، فقالت يا ابن أبي طالب هل لك أن تتزوج بي فأغنيك عن هذه المسحاة وأدلك
على خزائن الأرض فيكون لك الملك ما بقيت ولعقبك من بعدك فقال لها عليه السلام: من
أنت حتى أخطبك من أهلك؟ قالت: أنا الدنيا قال: قلت لها: فارجعي واطلبي زوجا
غيري فلست من شأني، وأقبلت على مسحاتي وأنشأت أقول:
لقد خاب من غرته دنيا دنية * وما هي أن غرت قرونا بطائل
أتتنا على زي العزيز بثينة * وزينتها في مثل تلك الشمائل
فقلت لها غري سواي فإنني * عزوف عن الدنيا ولست بجاهل
وما أنا والدنيا فإن محمدا * أحل صريعا بين تلك الجنادل (1)
وهبها أتتنا بالكنوز ودرها * وأموال قارون وملك القبائل
أليس جميعا للفناء مصيرنا * ويطلب من خزانها بالطوائل (2)
فغري سوائي إنني غير راغب * بما فيك من عز وملك ونائل
فقد قنعت نفسي بما قد رزقته * فشأنك يا دنيا وأهل الغوائل
فإني أخاف الله يوم لقائه * وأخشى عذابا (3) دائما غير زائل
فخرج من الدنيا وليس في عنقه تبعة لاحد حتى لقى الله محمودا غير ملوم ولا مذموم
ثم اقتدت به الأئمة من بعده بما قد بلغكم لم يخلطوا بشئ من بوائقها عليه السلام
أجمعين وأحسن مثواهم.

(1) في بعض نسخ الحديث " رهين بقفر بين تلك الجنادل " والجنادل: الصخور.
(2) جمع طائلة وهي العداوة.
(3) في بعض نسخ الحديث " عتابا ".
195

* (باب 8) *
* " (وصية أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي عليهما السلام) " *
* " (والى محمد بن الحنفية) " *
1 - قال السيد بن طاووس في كتاب الوصايا (1):
وقد وقع في خاطري أن أختم هذا الكتاب بوصية أبيك أمير المؤمنين عليه السلام الذي
عنده علم الكتاب صلى الله عليه إلى ولده العزيز عليه ورسالته إلى الشيعة وذكر المتقدمين
عليه ورسالته في ذكر الأئمة من ولده، ورأيت أن يكون رواية الرسالة إلى ولده
بطريق المخالفين والموافقين، فهو أجمع على ما تضمنه من سعادة الدنيا والدين فقال
أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري في كتاب الزواجر والمواعظ في الجزء
الأول منه من نسخة تأريخها ذو القعدة سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ما هذا لفظه: وصية
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لولده ولو كان من الحكمة ما يجب أن يكتب
بالذهب لكانت هذه، وحدثني بها جماعة، فحدثني علي بن الحسين بن إسماعيل قال
حدثنا الحسن بن أبي عثمان الادمي قال: أخبرنا أبو حاتم المكتب يحيى بن
حاتم بن عكرمة قال: حدثني يوسف بن يعقوب بأنطاكية قال: حدثني بعض أهل
العلم قال: لما انصرف علي عليه السلام من صفين إلى قنسرين كتب به إلى ابنه الحسن بن
علي عليهما السلام من الوالد الفاني المقر للزمان. اه.
وحدثنا أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا سليمان بن الربيع النهدي قال:
حدثنا كادح بن رحمة الزاهدي قال: حدثنا صباح بن يحيى المزني.
وحدثنا علي بن عبد العزيز الكوفي الكاتب قال: حدثنا جعفر بن هارون بن
زياد قال: حدثنا محمد بن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جده جعفر الصادق، عن

(1) كشف المحجة لثمرة المهجة الفصل الرابع والخمسون والمائة ص 157. " ط "
النجف الأشرف.
196

أبيه، عن جده عليهم السلام أن عليا عليه السلام كتب إلى الحسن بن علي عليهما السلام.
وحدثنا علي بن محمد بن إبراهيم التستري قال: حدثنا جعفر بن عنبسة قال:
حدثنا عباد بن زياد قال: حدثنا عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر محمد بن علي عليها السلام
قال: كتب أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي عليهما السلام.
وحدثنا محمد بن علي بن زاهر الرازي قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا
عبد الله بن داهر، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: كتب
علي عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام.
كل هؤلاء حدثونا أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب بهذه الرسالة إلى الحسن عليه السلام.
وأخبرني أحمد بن عبد الرحمن بن فضال القاضي قال: حدثنا الحسن
ابن محمد بن أحمد، وأحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب عليهم السلام قال: حدثنا جعفر بن محمد الحسني قال: حدثنا الحسن بن عبدل قال:
حدثنا الحسن بن ظريف بن ناصح، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ
ابن نباتة المجاشعي قال: كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه محمد كذا.
واعلم يا ولدي محمد ضاعف الله جل جلاله عنايته بك ورعايته لك أن قد روى الشيخ
المتفق على ثقته وأمانته محمد بن يعقوب الكليني تغمده الله جل جلاله برحمته رسالة مولينا
أمير المؤمنين عليه السلام إلى جدك الحسن ولده سلام الله جل جلاله عليهما.
وروى رسالة أخرى مختصرة عن مولينا علي عليه السلام إلى ولده محمد بن الحنفية رضوان
الله جل جلاله عليه وذكر الرسالتين في كتاب الرسائل، ووجدنا نسخة عتيقة يوشك أن
يكون كتابتها في زمن حياة محمد بن يعقوب (ره) وهذا الشيخ محمد بن يعقوب (ره) كان حياته في
زمن وكلاء مولينا المهدي عليه السلام عثمان بن سعيد العمري وولده أبي جعفر محمد وأبي القاسم
الحسين بن روح وعلي بن محمد السمري وتوفي محمد بن يعقوب قبل وفاة محمد بن علي السمري
لان علي بن محمد السمري توفي في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وهذا محمد بن يعقوب
الكليني توفى ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة فتصانيف هذا الشيخ محمد بن يعقوب و
رواياته في زمن الوكلاء المذكورين يجد طريقا إلى تحقيق منقولاته وتصديق مصنفاته
ورأيت يا ولدي بين رواية حسن بن عبد الله العسكري مصنف كتاب الزواجر والمواعظ
197

الذي قدمناه وبين الشيخ محمد بن يعقوب في رسالة أبيك أمير المؤمنين عليه السلام إلى ولده تفاوتا
فنحن نوردها برواية محمد بن يعقوب الكليني فهو أجمل وأفضل فيما قصدناه، فذكر محمد بن
يعقوب الكليني في كتاب الرسائل باسناده إلى جعفر بن عنبسة عن عباد بن زياد الأسدي
عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما أقبل أمير المؤمنين عليه السلام من صفين
كتب إلى ابنه الحسن عليه [وعلى جده وأبيه وأمه وأخيه الصلاة و] السلام.
بسم الله الرحمن الرحيم من الوالد الفان، المقر للزمان (1) المدبر العمر
المستسلم للدهر (2) الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى، الظاعن عنها غدا (3)
إلى الولد المؤمل ما لا يدرك (4) السالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام، ورهينة
الأيام، ورمية المصائب (5) وعبد الدنيا، وتاجر الغرور، وغريم المنايا (6) وأسير الموت

(1) حذفت الياء ههنا للازدواج بين الفان والزمان. وقوله " المقر للزمان " أي المقر
له بالغلبة والقهر، المعترف بالعجز في يد تصرفاته كأنه قدره خصما ذا بأس. وقوله " المدبر
العمر " لأنه عليه السلام حين ذاك مضى من عمره أزيد من ستين سنة ولم يبق من عمره عليه السلام
الا أقل قليل.
(2) عبارة أخرى عن قوله " المقر للزمان " وهو آكد منه. لأنه قد يقر الانسان
لخصمه ولا يستسلم.
(3) يريد عليه السلام قرب الرحيل، والظاعن: الراحل.
(4) أي يؤمل البقاء في الدنيا وهو مما لا يدركه أحد من أبناء آدم وغيره من موجودات
هذا العالم.
(5) الرهينة: المرهونة أي أنه في قبضتها وحكمها: والرمية في الأصل اسم للصيد و
يجوز أن يكون اسما لما يرمى وما أصابه السهم. ولهذا الحق به الهاء كالذبيحة والانسان
كالهدف لا فات الدنيا ولا محالة يدركه الموت.
(6) قال ابن أبي الحديد قوله " عبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا " لان الانسان
طوع شهواته فهو عبد الدنيا، وحركاته فيها مبنية على غرور لا أصل له، فهو تاجر الغرور
لا محالة، ولما كانت المنايا (أي الموت والهلاك) تطالبه بالرحيل عن هذه الدار كانت غريما
له يقتضيه ما لا بد له من أدائه. انتهى.
198

وحليف الهموم، وقرين الأحزان، ورصيد الآفات، وصريع الشهوات (1) وخليفة
الأموات.
أما بعد فان فيما تبينت من إدبار الدنيا عني وجموح الدهر علي وإقبال الآخرة
إلي ما يزعني عن ذكر من سواي (2) والاهتمام بما ورائي غير أني حيث تفرد بي دون
هم الناس هم نفسي، فصدفني رأيي وصرفني عن هواي، وصرح لي محض أمري
فأفضى بي إلى جد لا يرى معه لعب، وصدق لا يشوبه كذب (3) وجدتك بعضي بل وجدتك
كلي (4) حتى كان شيئا لو أصابك أصابني، وحتى كان الموت لو أتاك أتاني، فعناني
من أمرك ما يعنيني عن أمر نفسي (5) فكتبت إليك كتابي، هذا مستظهرا به إن أنا بقيت
لك أو فنيت (6).
فأوصيك بتقوى الله يا بني، ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام
بحبله، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله جل جلاله إن أخذت به فأحي قلبك
بالموعظة، وأمته بالزهد، وقوة باليقين، ونوره بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرره
بالفناء (7) وأسكنه بالخشية، وأشعره بالصبر، وبصره فجائع الدنيا (8) وحذره صولة

(1) الحليف المحالف، والحلف - بالكسر وبالفتح -: المعاقدة والمعاهدة على
التعاضد والتساعد. والرصيد: الرقيب والذي يرصد. والصريع: الطريح.
(2) جمع الفرس إذا غلب على صاحبه فلم يملكه. ويزعني أي يمنعني ويصدني. و
لفظة " ما " مفعول " تبينت ".
(3) صدفه: صرفه والضمير للرأي، والمحض: الخالص، وأفضى أي انتهى. والشوب
المزج والخلط.
(4) إذ كان هو الخليفة له والقائم مقامه ووارث علمه وفضائله.
(5) عناني أي أهمنى من أمرك ما أهمنى من أمر نفسي.
(6) كتب عليه السلام إليه هذه الوصية ليكون له ظهرا ومستندا يرجع إلى العمل
بها في حالتي بقائه وفنائه عنه.
(7) أي اطلب منه الاقرار بالفناء.
(8) الفجائع جمع الفجيعة وهي المصيبة تفزع بحلولها.
199

الدهر، وفحش تقلبه، وتقلب الليالي والأيام (1) وأعرض عليه أخبار الماضين، وذكره
بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسر في ديارهم، واعتبر آثارهم، وانظر ما فعلوا وأين
حلوا ونزلوا، وعمن انتقلوا، فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة، وحلوا دار الغربة
وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم، فأصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك، ودع
القول فيما لا تعرف، والنظر فيما لا تكلف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فان
الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله، و
أنكر المنكر بلسانك ويدك، وباين من فعله بجهدك وجاهد في الله حق جهاده ولا تأخذك
في الله لومة لائم، وخض الغمرات إلى الحق حيث كان، وتفقه في الدين، وعود نفسك
التصبر على المكروه (2) فنعم الخلق الصبر، والجئ نفسك في الأمور كلها إلى الهك
فإنك تلجئها إلى كهف حريز (3) ومانع عزيز، وأخلص في المسألة لربك، فان بيده
العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة (4) وتفهم وصيتي ولا تذهبن عنك صفحا، فان
خير القول ما نفع (5) واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه.
يا بني إني لما رأيتك قد بلغت سنا، ورأيتني ازداد وهنا بادرت بوصيتي
إليك لخصال، منها أن يعجل بي أجلي دون أن أفضى إليك بما في نفسي أو أنقص
في رأيي كما نقصت في جسمي، أو أن يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا
وتكون كالصعب النفور (6) وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما القي فيها

(1) الصولة: السطوة والقدرة. والفحش بمعنى الزيادة والكثرة.
(2) التصبر: تكلف الصبر.
(3) الكهف: الملجأ. والحريز: الحصين.
(4) المراد بالاستخارة هنا: اجالة الرأي في الامر قبل فعله لاختيار أفضل الوجوه.
أو طلب الخير من الله تعالى. لا ما هو المشهور اليوم ويفعله أكثر المقدسين بالسبحة والمصحف.
(5) الصفح: الاعراض.
(6) إشارة إلى أن الصبي إذا لم يؤدب الآداب في حداثة سنه ولم ترض قواه لمطاوعة
العقل وموافقته ربما تميل به القوى الحيوانية إلى مشتهياتها وتصرفه عن وجه الصواب
وما ينبغي له، فيكون حينئذ كالصعب النفور من الإبل، ووجه التشبيه أنه يعسر حمله على الحق
وجذبه إليه كما يعسر قود الجمل الصعب النفور وتصريفه بحسب المنفعة. " ابن ميثم "
200

من شئ إلا قبلته، فبادر بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك، وتستقبل بجد
رأيك من الامر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته (1) فتكون قد كفيت مؤونة
الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما كنا نأتيه، واستبان لك
منها ما ربما أظلم علينا فيه (2).
يا بني إني وإن لم أكن قد عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمارهم، و
فكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي
من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من
ضرره، واستخلصت لك من كل أمر نخيله، وتوخيت لك جميله (3) وصرفت عنك
مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق، وأجمعت عليه (4) من
أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر مقبل الدهر، ذو نية سليمة، ونفس صافية، و
أن ابتدأك بتعليم كتاب الله عز وجل وتأويله وشرايع الاسلام وأحكامه وحلاله وحرامه
لا أجاوز بك ذلك إلى غيره، ثم أشفقت أن يلتبس ما اختلف الناس فيه من أهوائهم و
آرائهم مثل الذي التبس عليهم وكان إحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب
إلى من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك فيه الهلكة (5) ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك

(1) وذلك ليكون جد رأيك أي محققه وثابته مستعدا لقبول الحقايق التي وقف عليها
أهل التجارب وكفوك طلبها. والبغية - بالكسر -: الطلب.
(2) استبان أي ظهر ووضح وذلك لان العقل حفظ التجارب وإذا ضم رأيه إلى آرائهم
ربما يظهر له ما لم يكن ظهر لهم.
(3) النخيل: المختار المصفى وفى بعض النسخ " جليله ". وتوخيت أي تحريت.
(4) أجمعت أي عزمت، وهو عطف على " يعنى " و " أن يكون " في محل النصب على أنه
مفعول أول لرأيت ويكون هنا تامة. والواو في قوله " وأنت " للحال.
(5) أي أنك وأن كنت تكره أن ينبهك أحد لما ذكرت لك فانى أعد اتقان التنبيه
على كراهتك له أحب إلى من اسلامك أي القائك إلى أمر تخشى عليك فيه الهلكة.
201

وأن يهديك لقصدك، فعهدت إليك وصيتي بهذه.
واعلم مع ذلك يا بني أن أحب ما أنت آخذ به من وصيتي إليك تقوى الله
والاقتصار على ما فرضه الله عليك، والاخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك و
الصالحون من أهل بيتك فإنهم لن يدعوا أن ينظروا لأنفسهم كما أنت ناظر، وفكروا
كما أنت مفكر، ثم ردهم آخر ذلك إلى الاخذ بما عرفوا، والامساك عما لم يكلفوا
فان أبت نفسك عن أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك لذلك بتفهم و
تعلم لا بتورط الشبهات وعلو الخصومات، وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك
عليه والرغبة إليه وفي توفيقك ونبذ كل شائبة أدخلت عليك كل شبهة، أو أسلمتك
إلى ضلالة فان أيقنت أن قد صفا لك قبلك فخشع وتم رأيك فاجتمع، وكان همك في ذلك
هما واحدا، فانظر فيما فسرت لك، وإن لم يجتمع لك رأيك على ما تحب من نفسك
وفراغ نظرك وفكرك، فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء (1) [وتتورط
الظلماء] (2) وليس طالب الدين من خبط ولا خلط، والامساك عند ذلك أمثل (3).
وإن أول ما أبدؤك به في ذلك وآخره أني أحمد إليك الله إلهي وإله الأولين
والآخرين ورب من في السماوات والأرضين بما هو أهله، وكما يجب وينبغي له، ونسأله
أن يصلي على سيدنا محمد النبي صلى الله عليه وآله، وعلى أنبياء الله بجميع صلاة من صلى عليه من
خلقه، وأن يتم نعمته علينا بما وفقنا له من مسألته بالاستجابة لنا فان بنعمته تتم
الصالحات.
يا بني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وانتقالها وزوالها بأهلها، وأنبأتك عن
الآخرة وما أعد الله فيها لأهلها، وضربت لك أمثالا لتعتبر وتحذو عليها الأمثال

(1) العشواء: ضعيفة البصر أي تخبط خبط الناقة العشواء لا تأمن أن تسقط فيما
لا خلاص منه، واشعار لفظ الخبط له باعتبار أنه طالب للعلم من غير استكمال شرائط الطلب
وعلى غير وجهه فهو متعسف، سالك على غير طريق المطلوب كالناقة العشواء.
(2) أي تدخل في الورطة وهي الهلكة.
(3) لان كف النفس عن الخبط والخلط في أمر الدين أقرب إلى الخير وأفضل.
202

إنما مثل من أبصر الدنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جدب فأموا منزلا خصيبا
فاحتملوا وعثاء الطريق (1) وفراق الصديق، وخشونة السفر في الطعام والمنام
ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم فليس يجدون لشئ من ذلك ألما ولا يرون لنفقته
معزما ولا شئ أحب إليهم مما يقر بهم من منزلهم، ومثل من اغتر بها كقوم كانوا
في منزل خصيب فنبا بهم إلى منزل جدب فليس شئ أكره إليهم، ولا أهول لديهم
من مفارقة ما هم فيه إلى ما يهجمون عليه، ويصيرون إليه، ثم فزعتك بأنواع الجهالات
لئلا تعد نفسك عالما فان العالم من عرف أن ما يعلم فيما لا يعلم قليل فعد نفسه
بذلك جاهلا وازداد بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهادا فما يزال للعلم طالبا
وفيه راغبا، وله مستفيدا، ولأهله خاشعا، ولرأيه متهما، وللصمت لازما، وللخطأ
جاحدا، ومنه مستحييا وإن ورد عليه ما لا يعرف لا ينكر ذلك لما قد قدر به نفسه
من الجهالة، وأن الجاهل من عد نفسه بما جهل من معرفة العلم عالما وبرأيه
مكتفيا فما يزال من العلماء مباعدا، وعليهم زاريا، ولمن خالفه مخطيا، ولما لم يعرف
من الأمور مضللا، وإذا ورد عليه من الامر ما لا يعرفه أنكره وكذب به، وقال بجهالته
ما أعرف هذا، وما أراه كان، وما أظن أن يكون وأنى كان، ولا أعرف ذلك لثقته
برأيه، وقلة معرفته بجهالته فما ينفك مما يرى فيما يلتبس عليه رأيه، ومما لا يعرف
للجهل مستفيدا، وللحق منكرا، وفي اللجاجة متجريا، وعن طلب العلم مستكبرا.
يا بني تفهم وصيتي واجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك وأحب لغيرك
ما تحب لنفسك، وأكره له ما تكره لها، لا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن
كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح لنفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من
الناس ما ترضى لهم منك، ولا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كلما علمت مما لا تحب أن

(1) نبا الشئ: بعد وتأخر. والجدب ضد الخصب. وجدب المكان أي انقطع عنه
المطر. والخطب - بالكسر -: كثرة العشب ورجل خصيب كثير الخير. ووعثاء السفر:
مشقته. وفى بعض النسخ " جديب ".
203

يقال لك، واعلم أن الاعجاب ضد الصواب (1) وآفة الألباب، وإذا هديت لقصدك
فكن أخشع ما تكون لربك [وأسعى في كدحك، ولا تكن خازنا لغيرك].
واعلم يا بني إن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة، وأهوال شديدة، وإنه
لاغنا بك عن حسن الارتياد، وقدر بلاغك من الزاد (2) مع خفة الظهر، فلا
تحملن على ظهرك فوق بلاغك، فيكون ثقيلا ووبالا عليك، وإذا وجدت من أهل
الحاجة من يحمل لك زادك [إلى يوم القيامة] فيوافيك به [غدا] حيث تحتاج إليه
فاغتنمه، واغتنم من استقرضك في حال غناك وجعل قضاءه لك في يوم عسرتك [وحمله
إياه، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه فلعلك تطلبه فلا تجده] واعلم أن أمامك
عقبة كؤودا (3) لا محالة أن مهبطها بك على جنة أو نار، فارتد لنفسك قبل
نزولك.
وأعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة قد أذن لدعائك، وتكفل
لإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك وهو رحيم كريم، لم يجعل بينك وبينه من
يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة
ولم يعيرك بالإنابة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة
ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة، ولم يشدد عليك في التوبة، فجعل
توبتك التورع عن الذنب، وحسب سيئتك واحدة وحسنتك عشرا، وفتح لك باب
المتاب والاستعتاب، فمتى شئت سمع نداءك ونجواك فأفضيت إليه بحاجتك وأبثثته ذات
نفسك (4) وشكوت إليه همومك، واستعنته على أمورك، ثم جعل في يدك مفاتيح
خزائنه بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه، فألحح

(1) الاعجاب: استحسان ما يصدر عن النفس.
(2) الارتياد: الطلب أصله واوى من راد يرود، وحسن الارتياد: اتيانه من وجهه
والبلاغ - بالفتح - الكفاية أي ما يكفي من العيش ولا يفضل.
(3) الكؤود: صعبة شاقة المصعد.
(4) أفضيت: ألقيت وأبلغت إليه. وأبث فلانا الخير: اطلعه عليه.
204

عليه في المسألة يفتح لك أبواب الرحمة، لا يقنطك إن أبطأت عليك الإجابة فإن
العطية على قدر المسألة، وربما أخرت عنك الإجابة ليكون أطول للمسألة وأجزل
للعطية، ربما سألت الشئ فلم تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا أو صرت
إلى ما هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته وفيه هلاك دينك ودنياك لو أوتيته، ولتكن
مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله، والمال لا يبقى لك ولا تبقى
له، فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أو سيئا أو يعفو العفو الكريم.
واعلم يا بني إنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت
لا للحياة، وأنك في منزل قلعة، ودار بلغة (1) وطريق إلى الآخرة، وأنك طريد
الموت الذي لا ينجو هاربه، ولابد أنه مدركك يوما، فكن منه على حذر أن يدركك
على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك، فإذا
أنت قد أهلكت نفسك.
يا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه
واجعله أمامك حيث [تراه حتى] يأتيك وقد أخذت منه حذرك وشددت له أزرك، و
لا يأتيك بغتة فيبهرك (2) ولا يأخذك على غرتك، وأكثر ذكر الآخرة وما فيها من النعيم
والعذاب الأليم، فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويصغرها عندك.
وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها وتكالبهم عليها (3) وقد نبأك الله
جل جلاله عنها ونعت إليك نفسها وتكشفت لك عن مساويها، فإنما أهلها كلاب عاوية
وسباع ضارية يهر بعضها بعضا (4) ويأكل عزيزها ذليلها [ويقهر كبيرها صغيرها]

(1) القلعة - بالضم فالسكون - أي لا يصلح للاستيطان والإقامة، يقال منزل قلعة
أي لا يملك لنازله، ويقلع عنه ولا يدرى متى ينتقل عنه. والبلغة: ما يبلغ به من العيش
والمراد أنها دار تؤخذ فيها الكفاية للآخرة.
(2) أي يغلبك.
(3) التكالب: التواثب أي شدة حرصهم عليها.
(4) ضارية أي مولعة بالافتراس: ويهر أي يكره أن ينظر بعضها بعضا ويمقت.
205

وكثيرها قليلها، نعم معقلة وأخرى مهملة قد أضلت عقولها (1) وركبت مجهولها
سروح عاهة في داروعث (2) ليس لها راع يقيمها، ألعبتهم الدنيا فلعبوا بها، ونسوا
ما وراءها، رويدا حتى يسفر الظلام (3) كان ورب الكعبة يوشك من أسرع
أن يلحق.
واعلم أن كل من كانت مطيته الليل والنهار (4) فإنه يسار به وإن كان لا يسير،
أبى الله إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة.
يا بني فإن تزهد فيما زهدتك فيه وتعزف نفسك عنها (5) فهي أهل ذلك،
وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك ولا تعدو أجلك
فإنك في سبيل من كان قبلك فخفض (6) في الطلب، وأجمل في المكتسب فإنه رب
طلب قد جر إلى حرب (7) وليس كل طالب بناج، وكل مجمل بمحتاج، وأكرم

(1) النعم - محركة -: الإبل أي أهلها على قسمين، قسم كابل منعها عن الشر عقالها
وهم الضعفاء وأخرى مهملة تأتى من السوء ما تشاء وهم الأقوياء، و " معلقة " من العقال وعقل
البعير شد وظيفه إلى ذراعه. وقوله " أضلت عقولها " أي أضاعت عقولها وركبت طريقها
المجهول لها.
(2) السروح - بالضم - جمع سرح - بفتح السين وسكون الراء -: المال السائم من
الإبل ونحوها الماشية. والعاهة: الآفة. والوعث: الطريق العسر يصعب السير فيه.
(3) رويدا مصدر أرود، مصغرا تصغير الترخيم: مهلا. ويسفر أي يكشف والمعنى
عن قريب يكشف ظلام الجهل عما خفى من الحقيقة بحلول الموت.
(4) المطية: الدابة التي تركب.
(5) أي تزهد نفسك عنها ولا تشتهيها.
(6) أي فسهل من الخفض بمعنى السهل.
(7) الحرب - محركة -: سلب المال، من حرب الرجل: سلبه ماله وتركه
بلا شئ. وأيضا بمعنى الهلاك والويل.
206

نفسك عن دنية وإن ساقتك إلى الرغائب (1) فإنك لن تعتاض بما تبذل شيئا من
دينك وعرضك بثمن وإن جل، ومن خير حظ امرء قرين صالح، فقارن أهل الخير
تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم، لا يغلبن عليك سوء الظن فإنه لا يدع
بينك وبين صديق صفحا (2) بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم، والفاحشة
كاسمها، والتصبر على المكروه يعصم القلب، وإذا كان الرفق خرفا كان الخرق
رفقا (3) وربما كان الداء دواء، وربما نصح غير الناصح، وغش المستنصح (4)
وإياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى (5) ومطل عن الآخرة والدنيا (6)
زك قلبك بالأدب كما يذكى النار بالحطب، ولا تكن كحاطب الليل وغثاء
السيل (7).

(1) الدنية مؤنث الدنى: الساقط الضعيف والخصلة المذمومة والنقيصة. والمراد أن
طلب المال لصيانة النفس وحفظه فلو أتعبت وبذلت نفسك لتحصيل المال فقد ضيعت ما هو
المقصود منه فلا عوض لما ضيع. والرغائب: جمع الرغيبة وهي الامر المرغوب فيه، والعطاء
الكثير. وقوله " فإنك لن تعتاض " أي لن تجد عوضا عما تبذل.
(2) الصفح الاعراض.
(3) الخرق - بضم الخاء وسكون الراء - وبالتحريك ضد الرفق، والعنف يعنى إذا
كان العنف في مقام يلزمه لمصلحة كمقام التأديب واجراء الحدود يكون ابداله بالرفق
عنفا ويكون العنف في هذا المقام من الرفق. فلا يجوز وضع كل منهما موضع الاخر.
(4) المستنصح: المطلوب منه النصح.
(5) المنى جمع المنية - بالضم فالسكون -: ما يتمناه الانسان لنفسه ويعلل نفسه باحتمال
الوصول إليه. والبضائع جمع بضاعة وهي من المال ما أعد للتجارة. والنوكى - كسكرى -
جمع الأنوك أي الأحمق وأيضا المقهور والمغلوب والمراد هنا الضعيف النفس في الرأي
والعمل.
(6) المطل: التسويف والتعويق وفى المصدر " وتثبط في الآخرة والدنيا " وفى التحف
" وتثبط عن الآخرة والدنيا " ولعله هو الصواب والتثبط: أيضا التعويق.
(7) الحاطب الذي يجمع الحطب. وإذا كان ذلك في ظلمة الليل خلط الحابل بالنابل
وهو مثل يضرب لمن خلط في كلامه. والغثاء بالغين المعجمة والثاء المثلثة - الزبد و
البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل.
207

وكفر النعمة لؤم، وصحبته الجاهل شؤم، والعقل حفظ التجارب،
وخير ما جربت ما وعظك، ومن الكرم لين الشيم (1) بادر الفرصة قبل أن تكون
غصة، ومن الحزم العزم، ومن سبب الحرمان التواني، ليس كل طالب يصيب
ولا كل راكب يؤوب (2) ومن الفساد إضاعة الزاد، لكل امرء عاقبة، رب مصير
بما تصير (3) ولا خير في معين مهين، ولا تبيتن من أمر على عذر (4) من حلم ساد
ومن تفهم ازداد، ولقاء أهل الخير عمارة القلب، ساهل الدهر ما ذل لك قعوده (5).
وإياك أن تطيح بك مطية اللجاج (6) وإن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة
ولا تخن من ائتمنك وإن خانك، ولا تذع سره وإن أذاع سرك، ولا تخاطر بشئ
رجاء أكثر منه، واطلب فإنه يأتيك ما قسم لك، والتاجر مخاطر، وخذ بالفضل
وأحسن البذل، وقل للناس حسنا.
وأي كلمة حكم (7) جامعة أن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره
لها؟! إنك قل ما تسلم ممن تسرعت إليه، أو تندم إذا فضلت عليه، واعلم أن من

(1) الشيم - بالكسر فالفتح - جمع شيمة وهي الخلق والطبيعة والمراد الأخلاق الحسنة.
(2) آب يؤوب من السفر: رجع.
(3) في التحف " رب يسير أنمى من كثير ".
(4) وكذا في النهج، وفى التحف " ولا تبيتن من أمر على غرر " والغرر بالتحريك
المغرور به.
(5) القعود - بالفتح -: من الإبل ما يقتعده الراعي في كل حاجة أي يتخذ مركبا
ويقال للإبل: الفصيل من قياده.
(6) أطاحه: أهلكه وأذهبه، وفى التحف " أن تجمح بك ". يقال جمحت المطية:
تغلب على راكبه وذهب به وجمحت به أي طرحت به وحمله على ركوب المهالك. واللجاج
- بالفتح -: الخصومة. أي انى أحذرك من أن تغلبك الخصومات فلا تملك نفسك من الوقوع
في مضارها.
(7) وكذا في التحف، وفى المصدر " وأحسن كلمة حكم ".
208

الكرم الوفاء بالذمم، والصدود آية المقت (1) وكثرة العلل آية البخل، ولبعض
إمساكك على أخيك مع لطف خير من بذل مع جنف (2) ومن الكرم صلة الرحم
ومن يثق بك أو يرجو صلتك إذا قطعت قرابتك؟ (3) التجرم وجه القطيعة، احمل
نفسك من أخيك عند صرمه إياك على الصلة (4)، وعند صدوره على لطف المسألة، وعند
جموده على البذل (5) وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند تجرمه (6)
على الاعذار حتى كأنك له عبد وكأنه ذو النعمة عليك، وإياك أن تصنع ذلك
في غير موضعه، أو تفعله في غير أهله.
ولا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك، ولا تعمل بالخديعة فإنه خلق
لئيم، وامحض أخاك النصيحة، حسنة كانت أو قبيحة، وساعده على كل حال، وزل
معه حيث زال، ولا تطلبن مجازاة أخيك وإن حثا التراب بفيك (7) وجد على عدوك
بالفضل فإنه أحرى للظفر، وتسلم من الدنيا بحسن الخلق وتجرع الغيظ، فاني لم
أر جرعة أحلى منه عاقبة ولا ألذ منها مغبة (8) ولا تصرم أخاك على ارتياب ولا تقطعه

(1) الذمم - بكسر الأول وفتح الثاني -: جمع الذمة: العهد والأمان والضمان، والصدود
الاعراض والميل عن الشئ. والمقت شدة البغض.
(2) الجنف: الجور، وربما كان الامساك مع حسن الخلق خير من البذل مع الجور
قال الله تعالى في سورة البقرة: 265 " قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ".
(3) يعنى بعد إذ أنت قطعت رحمك فمن ذا الذي يثق بك أو يرجو صلتك؟. وقوله
" والتجرم وجه القطيعة " لان التجرم اتيان الجرم أو حصوله مرة بعد مرة وذلك موجب
للقطيعة.
(4) الصرم - بالضم أو الفتح - القطيعة. وقوله " على الصلة " متعلق باحمل نفسك أي
ألزم نفسك بصلة صديقك إذا قطعك وهكذا بعده.
(5) المراد بالجمود: البخل.
(6) التجرم: تفعل من باب جرم بمعنى حصول الجرم مرة بعد مرة.
(7) حثا التراب أي صبه.
(8) المغبة - بشد الباء الموحدة -: العاقبة. أي لكظم الغيظ لذة تجدها النفس عند الإفاقة
منه، وهي ألذ وأحلى من لذة الانتقام وهي الخلاص من الضرر المعقب لفعل الغضب.
209

دون استعتاب (1) ولن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك.
ما أقبح القطيعة بعد الصلة والجفاء بعد الإخاء، والعداوة بعد المودة، والخيانة
لمن ائتمنك، والغدر بمن استأمن إليك، وإن أرت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية
يرجع إليها إن بداله ولك يوما ما (2) ومن ظن لك خيرا فصدق ظنه (3) ولا تضيعن
حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه، ولا يكن أهلك
أشقى الناس بك، ولا ترغبن في من زهد فيك، ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك
على صلته (4) ولا تكونن على الإساءة أقوى منك على الاحسان، ولا على البخل أقوى
منك على البذل، ولا على التقصير أقوى منك على الفضل، ولا يكبرن عليك ظلم من ظلمك
وإنما يسعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء من سرك أن تسوءه، والرزق رزقان رزق
تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك (5).
واعلم يا بني أن الدهر ذو صروف (6) فلا تكن ممن يشتد لائمته ويقل عند
الناس عذره، ما أقبح الخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغنى، إنما لك من دنياك ما

(1) الارتياب: الاتهام والشك: والاستعتاب: طلب العتبى أي الاسترضاء.
(2) أي بقية من الصلة يسهل لك معها الرجوع إليه " ان بداله " أي ظهر له حسن
العودة يوما ما.
(3) أي بلزوم الخير الذي ظن بك.
(4) أمر عليه السلام بلزوم حفظ الصداقة. يعنى إذا أتى أخوك بالقطيعة فقابلها أنت
بالصلة حتى تغلبه ولا يكونن هو أقدر على ما يوجب القطيعة منك على ما يوجب الصلة، و
هكذا بعده.
(5) الرزق الطالب ما هو المقدر للانسان فإن لم يأته أتاه واما المطلوب ما كان
مبدؤه الحرص.
(6) صرف الدهر وصروفه: نوائبه وحدثانه يعنى أن الدهر بحقيقته متغير ومتبدل
ومتزلزل لا يثبت بحال ولا يدوم على وجه وقد اذن بقراقه ونادت بتغيره ونعت نفسه وأهله فلا يجوز
ان تشتد ذمه ولومه. واللائمة: اللوم والذم.
210

أصلحت به مثواك فأنفق في حق ولا تكن خازنا لغيرك، وإن كنت جازعا على ما تفلت
من بين يديك (1) فاجزع على [كل] ما لم يصل إليك واستدلل على ما لم يكن بما كان
فإنما الأمور أشباه، ولا تكفر ذا نعمة فان كفر النعمة من ألام الكفر، واقبل العذر
ولا تكونن ممن لا ينتفع من الغطة إلا بما لزمه إزالته فان العاقل يتعظ بالأدب، و
البهايم لا يتعظ إلا بالضرب، اعرف الحق لمن عرفه لك، رفيعا كان أو وضيعا، واطرح
عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين (2) من ترك القصد جار، ونعم حظ
المرء القنوع، ومن شر ما صحب المرء الحسد، وفي القنوط التفريط، والشح يجلب
الملامة، والصاحب مناسب (3) والصديق من صدق غيبه (4) والهوى شريك العمى (5)
ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة، ونعم طارد الهموم اليقين، وعاقبة الكذب الندم، وفي
الصدق السلامة، ورب بعيد أقرب من قريب، والغريب من لم يكن له حبيب، لا يعدمك
من شفيق سوء الظن، ومن حم ظمئ (6) ومن تعدى الحق ضاق مذهبه، ومن اقتصر
على قدره كان أبقى له، نعم الخلق التكرم (7) والام اللؤم البغي عند القدرة، والحياء
سبب إلى كان جميل، وأوثق العرى التقوى، وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله

(1) أي ما تملص وتخلص من اليد فلم يمكن أن يحفظه. والمراد لا تجزع على ما فاتك
فان الجزع على ما لم تصله، فالثاني لا يجوز لأنه لا يحصر فينال فالجزع عليه مذموم فكذا
الأول.
(2) العزائم جمع العزيمة وهي ما جزمت بها ولزمتها من الإرادة المؤكدة الراسخة.
(3) ينبغي أن يكون الصاحب كالنسبب المشفق ويراعى في المصاحب ما يراعى في
قرابة النسب.
(4) أي من حفظ لك حقك في ظهر الغيب.
(5) يعنى في كونهما موجبين للظلال وعدم الاهتداء معهما إلى ما ينبغي من المصلحة.
وفى بعض نسخ الحديث " والهوى شريك العناء " والعناء الشقاء والتعب.
(6) حم الرجل: أصابته الحمى وظمئ أي عطش. وفى بعض نسخ الحديث " من
حمى طنى " يعنى من منع نفسه عما يضره نال العافية.
(7) التكرم تكلف الكرم، وتكرم عنه: تنزه.
211

سرك من أعتبك (1) والافراط في الملامة يشب نيران اللجاجة، كم من دنف قد نجا (2)
وصحيح قد هوى، وقد يكون اليأس إدراكا إذا كان الطمع هلاكا (3) وليس كل
عورة تظهر ولا كل فريضة تصاب، وربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده
وليس كل من طلب وجد، ولا كل من توفى نجا، أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته
وأحسن إن أحببت أن يحسن إليك، واحتمل أخاك على ما فيه، ولا تكثر العتاب فإنه
يورث الضغينة (4) واستعتب من رجوت عتباه، وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل، ومن
الكرم منع الحزم، ومن كابر الزمان عطب (5) ومن ينتقم عليه غضب، ما أقرب النقمة
من أهل البغي وأخلق بمن غدر أن لا يوفى له، زلة المتوفي أشد زلة، وعلة الكذب
أقبح علة، والفساد يبير الكثير (6) والاقتصاد ينمى اليسير، والقلة ذلة، وبر الوالدين
من أكرم الطباع، والمخافة شر يخاف، والزلل مع العجل، ولا خير في لذة تعقب ندما
العاقل من وعظته التجارب، ورسولك ترجمان عقلك، والهدى يجلو العمى، وليس مع
الخلاف ائتلاف، من خير خوانا فقد خان، لن يهلك من اقتصد ولن يفتقر من زهد، ينبئ

(1) اعتبه: أعطاه العتبى وأرضاه أي ترك ما كان يغضب عليه من أجله ورجع إلى
ما أرضاه عنه بعد اسخاطه إياه عليه وحقيقته أزال عنه عتبه والهمزة فيه همزة السلب كما في
أشكاه والاسم العتبى. وقوله " شرك " في بعض نسخ الحديث " منك " بشد النون.
(2) الدنف - محركة -: المرض اللازم. والمريض الذي لزمه المرض بلفظ واحد
في الجميع. يقال: رجل دنف وامرأة دنف وهما دنف - مذكرا ومؤنثا - وهم وهن دنف
مصدر وصف به. والدنف - ككتف -: من لازمه المرض والجمع ادناف.
(3) يعنى إذا كان الطمع في الشئ هلاكا كان اليأس من ذلك الشئ ادراكا للنجاة.
(4) الضغينة: الحقد.
(5) عطب الرجل - كفرح - يعطب عطبا: هلك.
(6) أباره أهلكه.
212

عن امرء دخيله (1) رب باحث عن حتفه (2) لا يشوبن بثقة رجاء (3) وما كل ما يخشى
يضر، ولرب هزل قد عاد جدا، من أمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه، ومن
ترغم عليه أرغمه، ومن لجأ إليه أسلمه، وليس كل من رمى أصاب، وإذا تغير السلطان
تغير الزمان، خير أهلك من كفاك، المزاح تورث الضغائن، أعذر من اجتهد، وربما
أكدى الحريص (4).
رأس الدين صحة اليقين، تمام الاخلاص تجنب المعاصي، خير المقال ما صدقه
الفعال، السلامة مع الاستقامة، والدعاء مفتاح الرحمة، سل عن الرفيق قبل الطريق
وعن الجار قبل الدار، وكن عن الدنيا على قلعة (5) احمل من أدل عليك (6) واقبل
عذر من اعتذر إليك، وخذ العفو من الناس، ولا تبلغ من أحد مكروها (7) وأطع أخاك
وإن عصاك، وصله وإن جفاك، وعود نفسك السماح (8) وتخير لها من كل خلق
أحسنه، فان الخير عادة.
وإياك أن تكثر من الكلام هذرا وأن تكون مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك
وأنصف من نفسك، وإياك ومشاورة النساء فان رأيهن إلى الافن، وعزمهن إلى
الوهن (9) واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن فان شدة الحجاب خير لك

(1) الدخيل من دخل في قوم وانتسب إليهم وليس منهم. ودخيل الرجل داخلته
ودخيلة المرء: باطنه وضميره.
(2) الباحث الحافر. والحتف: الموت أي كم من حافر قبره بيده. يضرب لمن
يطلب ما يؤدى أي هلاكه.
(3) في بعض نسخ الحديث والتحف " لا تشترين بثقة رجاء ".
(4) أكدى الرجل أي لم يظفر بحاجته.
(5) أي على رحلة وعدم سكونك للتوطن.
(6) أدل عليه وثق بمحبته فأفرط عليه، واجترأ عليه والمراد هنا المعنى الثاني.
(7) في التحف " ولا تبلغ إلى أحد مكروهه ".
(8) أي صير نفسك معتادة بالسماحة والجود.
(9) الافن - بالتحريك -: ضعف الرأي. والوهن: الضعف.
213

ولهن من الارتياب وليس خروجهن بأشد من دخول من لا يوثق به عليهن (1) وإن
استطعت أن لا يعرفن غيرك من الرجال فافعل، ولا تملك المرأة من الامر ما جاوز
نفسها فان ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها فان المرأة ريحانة وليست
بقهرمانة ولا تعد بكرامتها نفسها (2) ولا تعطيها أن تشفع لغيرها فيميل من شفعت له عليك
معها ولا تطل الخلوة مع النساء فيمللنك وتمللهن (3) واستبق من نفسك بقية فان
إمساكك عنهن وهن ترين أنك ذو اقتدار خير من أن يعثرن منك على انكسار (4) و
إياك والتغاير في غير موضع الغيرة (5) فان ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم
ولكن أحكم أمرهن فان رأيت عيبا فعجل النكير على الكبير والصغير وإياك أن
تعاتب فيعظم الذنب ويهون العتب ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا، وما خير بخير
لا ينال إلا بشر ويسر لا ينال إلا بعسر (6) وإياك أن توجف بك مطايا الطمع (7) وإن

(1) أي ادخال من لا يوثق به عليهن اما مساو لخروجهن في المفسدة أو أشد وكل
ما كان كذلك لا يجوز الرخصة فيه، وإنما كان أشد في بعض الصور لان دخول من لا يوثق به
عليهن أمكن لخلوته بهن والحديث معهن فيها يزاد من الفساد.
(2) أي لا تكرمها بكرامة تتعدى صلاحها أولا تجاوز باكرامها نفسها فتكرم غيرها
بشفاعتها.
(3) أين هذه الوصية من حال الذين يصرفون النساء في مصالح الأمة ويعدون أنفسهم
- على ما يلهجون بها -: المصلح ويرفعون الأصوات بانتصار المرأة ومطالبة حقها في
الشؤون الاجتماعية ويزعمون أن العفاف اهتضام المرأة وصيانتها عن الفساد تضييع حقها
ويقولون كلمة حق أرادوا به الباطل، فأوقدوا نيران الشهوات وأفسدوا الأمة. وإذا قيل
لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.
(4) عثر يعثر عثورا على السر وغيره: اطلع عليه.
(5) التغاير: اظهار الغيرة على المرأة بسوء الظن في حالها من غير موجب.
(6) أي ان الخير الذي لا ينال الا بشر لا يكون خيرا بل يكون شرا لان طريقه شر
فكيف يكون خيرا. وهكذا ما لا ينال الا بعسر لا يكون يسرا. وقيل: إن العسر الذي يخشاه
الانسان هو ما يضطره لرذيل الفعال فهو يسعى كل جهده ليتحامى الوقوع فيه فان جعل الرذائل
وسيلة لكسب اليسر أي السعة فقد وقع أول الأمر فيما يهرب منه فما الفائدة في يسره وهو
لا يحميه من النقيصة.
(7) توجف أي تسرع سيرا سريعا. والمطايا جمع المطية وهي الدابة التي تركب.
والمناهل جمع منهل: موضع الشرب على الطريق وما ترده إبل ونحوها للشرب.
214

استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك وآخذ سهمك،
وإن اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من خلقه وإن كان كل منه، فان نظرت
- فلله المثل الاعلى - فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة لعرفت أن لك في يسير
ما تصيب من الملوك افتخارا، وإن عليك في كثير ما تطلب من الدناة عارا (1) إنك
ليس بايعا شيئا من دينك وعرضك بثمن، والمغبون من غبن نفسه من الله، فخذ من الدنيا
ما آتاك، وتول عما تولى عنك، فان أنت لم تفعل فأجمل في الطلب، وإياك ومقاربة من
رهبته على دينك وعرضك، وباعد السلطان لتأمن خدع الشيطان وتقول: متى أرى ما
أنكر نزعت، فإنه هكذا هلك من كان قبلك، إن أهل القبلة قد أيقنوا بالمعاد، فلو
سمت بعضهم ببيع آخرته بالدنيا لم تطب بذلك نفسا (2) وقد يتخيله الشيطان بخدعه
ومكره حتى يورطه في هلكة بعرض من الدنيا (3) يسير حقير وينقله من شئ إلى شئ
حتى يؤيسه من رحمة الله ويدخله في القنوط فيجد الراحة إلى ما خالف الاسلام وأحكامه
فان نفسك أبت إلا حب الدنيا وقرب السلطان فخالفتك إلى ما نهيتك عنه مما فيه
رشدك فأملك عليه لسانك فإنه لا ثقة للملوك عند الغضب، فلا تسأل عن أخبارهم ولا
تنطق بأسرارهم ولا تدخل فيما بينهم.
وفي الصمت السلامة من الندامة، وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراك
فائدة ما فات من منطقك، وحفظ ما في الوعاه بشد الوكاء، وحفظ ما في يديك أحب

(1) الدناءة: جمع دان أو الدنى وهو الخسيس.
(2) أي فلو عرضت للبيع من سام السلعة يسوم أي عرضها وذكر ثمنها. والمعنى أنك
لو عرضت ببعضهم بأن يبيع آخرته بالدنيا لم ترض بذلك ولم تطب نفسا بهذه التجارة.
(3) حتى يورطه أي يلقيه في الورطة ويوقعه في المهلكة. " بعرض الدنيا " أي بحطام
الدنيا ومتاعها. يعنى أن الشيطان ما زال يسول له بشئ حقير من متاع الدنيا حتى يئس من
رحمة الله ويخرجه منها فينجر الامر في متابعته إلى ما خالف الاسلام.
215

إليك من طلب ما في يد غيرك (1) ولا تحدث إلا عن ثقة (2) فتكون كذابا والكذب
ذل، وحسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الاسراف، وحسن اليأس خير
من الطلب إلى الناس، والعفة مع الحرفة خير من سرور مع فجور، والمرء أحفظ سره
ورب ساع فيما يضره، من أكثر هجر (3) ومن تفكر أبصر.
وأحسن المماليك الأدب، واقلل الغضب ولا تكثر العتب في غير ذنب فإذا استحق
أحد منك ذنبا فأن العفو مع العدل أشد من الضرب لمن كان له عقل، ولا تمسك
من لا عقل له، وخف القصاص، واجعل لكل امرء منهم عملا يأخذ منه فإنه أحرى
أن لا يتواكلوا (4) وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه
تصير وإنك بهم تصول (5) وبهم تطول اللذة عند الشدة وأكرم كريمهم وعد سقيمهم (6)
وأشركهم في أمورهم وتيسر عند معسورهم واستعن بالله على أمورك فإنه أكفى
معين. وأستودع الله دينك ودنياك وأسأله خير القضاء في الدنيا والآخرة.
أقول: إن الشيخ الحسن بن علي بن شعبة قد ذكر هذا الخبر في كتاب
تحف العقول (7) لكن باختلاف كثير فأردت أن أورده بهذه الرواية أيضا لأنه المسلك

(1) التلافي التدارك لاصلاح ما فسد أو كاد. والفرط: القصر والمراد أن سابق الكلام
لا يدرك فيسترجع بخلاف مقصر السكوت فسهل تداركه، والماء يحفظ في القربة بشد وكائها
أي رباطها فكذلك اللسان. وفيه تنبيه على وجوب ترجيح الصمت على كثرة الكلام وذلك
لان الكلام يسمع وينقل فلا يستطاع اعادته صمتا.
(2) أي لا تقل الا عن صدق وثقة، أول لا تحدث الا عمن تثق به.
(3) الهجر: الهذيان.
(4) كذا وفى التحف " واجعل لكل امرء منهم عملا تأخذه به، فإنه أحرى أن لا يتواكلوا "
ومثله في النهج. والتواكل أن يتكل بعضهم على بعض.
(5) الصولة: السطوة والقدرة أي بهم تسطو وتغلب على الغير. وفى النهج " يدك
التي بها تصول ".
(6) من عاد المريض يعوده عيادة أي زاره.
(7) التحف ص 68.
216

كلما كررته يتضوع.
2 - من الوالد الفان، والمقر للزمان، المدبر العمر، المستسلم للدهر، الذام
للدنيا، الساكن مساكن الموتى، الظاعن عنها إليهم غدا إلى المولود المؤمل
ما لا يدرك السالك سبيل من [قد] هلك، غرض الأسقام ورهينة الأيام ورمية
المصائب وعبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا وأسير الموت وحليف الهموم وقرين
الأحزان ونصب الآفات وصريع الشهوات وخليفة الأموات - أما بعد - فإن فيما
تبينت من إدبار الدنيا عني وجموح الدهر علي وإقبال الآخرة إلى ما يزعني عن
ذكر من سواي والاهتمام بما ورائي غير أنه حيث تفرد بي دون هموم الناس هم
نفسي فصدفني رأيي وصرفني هواي وصرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد
لا يكون فيه لعب وصدق لا يشوبه كذب. [و] وجدتك بعضي بل وجدتك كلي
حتى كأن شيئا [لو] أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من
أمرك ما يعنيني من أمر نفسي فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرا به إن أنا بقيت
لك أو فنيت (1).
فإني أوصيك بتقوى الله أي بني ولزوم أمره وعمارة قلبك بذكره والاعتصام
بحبله وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن [أنت] أخذت به.
أحي قلبك بالموعظة وموته بالزهد وقوه باليقين وذلله بالموت (2) وقرره
بالفناء وبصره فجائع الدنيا وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الليالي والأيام و
أعرض عليه أخبار الماضين وذكره بما أصاب من كان قبله وسر في بلادهم وآثارهم و
انظر ما فعلوا وأين حلوا وعمن انتقلوا فإنك تجدهم انتقلوا عن الأحبة وحلوا دار
الغربة وناد في ديارهم: أيتها الديار الخالية أين أهلك؟ ثم قف على قبورهم فقل: أيتها
الأجساد البالية والأعضاء المتفرقة كيف وجدتم الدار التي أنتم بها؟ أي بني و
كأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فأصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك ودع القول

(1) تقدم تفسير جملات الحديث في ما نقل عن كتاب كشف المحجة.
(2) في النهج " وأمته بالزهادة وقوه باليقين ونوره بالحكمة وذلله بذكر الموت ".
217

فيما لا تعرف والخطاب فيما لا تكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلاله فان الكف
عن حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله وأنكر
المنكر بلسانك ويدك وباين من فعله بجهدك وجاهد في الله حق جهاده ولا تأخذك
في الله لومة لائم، وخض الغمرات إلى الحق حيث كان (1) وتفقه في الدين وعود
نفسك التصبر (2) وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها إلى كهف
حريز، ومانع عزيز، وأخلص في المسألة لربك فان بيده العطاء والحرمان وأكثر
الاستخارة، وتفهم وصيتي ولا تذهبن [عنها] صفحا (3) فإن خير القول ما نفع، واعلم
أنه لا خير في علم لا ينفع ولا ينتفع بعلم حتى لا يقال به. (4).
أي بني إني لما رأيتك قد بلغت سنا (5) ورأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي
إياك خصالا منهن مخافة أن يعجل بي أجلي (6) دون أن أفضي إليك بما في نفسي أو أنقص
في رأيي كما نقصت في جسمي أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا فتكون
كالصعب النفور، وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما القي فيها من شئ قبلته
فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشغل لبك لتستقبل بجد رأيك من الامر
ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته (7) فتكون قد كفيت مؤونة الطلب وعوفيت

(1) في بعض نسخ الحديث " للحق " مكان " بالموت ". الغمرات: الشدائد.
(2) في النهج " وعود نفسك التصبر على المكروه ونعم الخلق التصبر ". والتصبر:
تكلف الصبر.
(3) الصفح: الاعراض. وفى بعض النسخ " لا تذهبن منك صفحا ".
(4) في النهج " ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه ". وذلك تنبيه على أن من العلوم ما لا خير
فيه وهي التي نهت الشريعة عن تعلمها كالسحر والكهانة والنجوم والنيرنجات ونحوها.
(5) في النهج " انى لما رأيتني قد بلغت سنا ".
(6) في النهج " بادرت بوصيتي إليك وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بي أجلى ".
(7) وذلك ليكون جد رأيك أي محققه وثابته مستعدا لقبول الحقائق التي وقف
عليها أهل التجارب وكفوك طلبها. والبغية بالكسر: الطلب. وفى بعض النسخ " تعقله وتجربته ".
218

من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك منه ما ربما أظلم
علينا فيه.
أي بني وإني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم
وفكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأني بما انتهى إلي
من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه
من ضره، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميله، وصرفت عنك
مجهوله ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك
أن يكون ذلك وأنت مقبل بين ذي النقية والنية وأن أبدأك بتعليم كتاب الله (1)
وتأويله وشرائع الاسلام وأحكامه وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره ثم
أشفقت أن يلبسك ما اختلف الناس فيه أهواؤهم مثل الذي لبسهم (2) وكان إحكام
ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك
فيه الهلكة، ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك وأن يهديك لقصدك فعهدت إليك
وصيتي هذه. واعلم مع ذلك (3):
أي بني أن أحب ما أنت آخذ به إلي من وصيتي تقوى الله والاقتصار على
ما افترض عليك والاخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك والصالحون من أهل
ملتك فإنهم لم يدعوا أن [ي‍] نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر وفكروا كما أنت مفكر
ثم ردهم آخر ذلك إلى الاخذ بما عرفوا والامساك عما لم يكلفوا، فإن أبت نفسك
أن تقبل ذلك دون أن تعلم [كما] كانوا علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم لا بتورط
الشبهات وعلو الخصومات، وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك عليه والرغبة

(1) في النهج " وأنت مقبل العمر، مقتبل الدهر، ذو نية سليمة ونفس صافية وأن أبتدئك
بتعليم كتاب الله ". وفى بعض نسخ الكتاب " ذي الفئة ".
(2) في النهج " أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي
التبس عليهم ".
(3) في المصدر وأحكم مع ذلك.
219

إليه في توفيقك وترك كل شائبة أدخلت عليك شبهة (1) وأسلمتك إلى ضلالة وإذا
أنت أيقنت أن قد صفا [لك] قلبك فخشع، وتم رأيك فاجتمع وكان همك في ذلك
هما واحدا فانظر فيما فسرت لك وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك من
[فراغ] فكرك ونظرك فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء، وليس طالب الدين
من خبط ولا خلط والامساك عند ذلك أمثل.
وإن أول ما أبدأ به من ذلك وآخره أني أحمد إليك إلهي وإلهك وإله
آبائك الأولين والآخرين ورب من في السماوات والأرضين بما هو أهله [و] كما
هو أهله وكما يحب وينبغي ونسأله أن يصلي عنا على نبينا صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته
وعلى أنبياء الله ورسله بصلاة جميع من صلى عليه من خلقه وأن يتم نعمه علينا فيما
وفقنا له من مسألته بالإجابة لنا فان بنعمته تتم الصالحات.
فتفهم أي بني وصيتي واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة وأن الخالق هو
المميت وأن المفني هو المعيد وأن المبتلي هو المعافي وأن الدنيا لم تكن لتستقيم إلا
على ما خلقها الله تبارك وتعالى عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد أو ما شاء
مما لا نعلم، فإن أشكل عليك شئ من ذلك فاحمله على جهالتك به وإنك أول
ما خلقت [خلقت] جاهلا ثم عملت وما أكثر ما تجهل من الامر ويتحير فيه رأيك
ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك، فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسواك فليكن
له تعمدك (2) وإليه رغبتك ومنه شفقتك.
واعلم [يا بني] أن أحدا لم ينبئ عن الله تبارك وتعالى كما أنبأ عنه نبينا
صلى الله عليه وآله فارض به رائدا (3) [وإلى النجاة قائدا] فإني لم آلك نصيحة (4)

(1) في النهج " أولجتك في شبهة أو أسلمتك إلى ضلالة ".
(2) في النهج " له تعبدك ".
(3) الرائد: هو الذي يذهب لطلب المنزل لصاحبه أو من ترسله في طلب الكلاء
ليتعرف موقعه والرسول قد عرف عن الله وأخبرنا بمرضاته، فهو رائد سعادتنا.
(4) أي لم اقصر في نصيحتك.
220

وإنك لم تبلغ في النظر لنفسك [وإن اجتهدت مبلغ] نظري لك، واعلم. [يا بني]
أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت صفته
وفعاله ولكنه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضاده في ذلك أحد ولا يحاجه وأنه
خالق كل شئ وأنه أجل من أن يثبت لربوبيته بالإحاطة قلب أو بصر (1) وإذا
أنت عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثك في صغر خطرك وقلة مقدرتك وعظم حاجتك إليه
أن يفعل مثله في طلب طاعته والرهبة له والشفقة من سخطه، فإنه لم يأمرك إلا بحسن
ولم ينهك إلا عن قبيح.
أي بني إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وزوالها وانتقالها بأهلها، وأنبأتك
عن الآخرة وما أعد لأهلها فيها وضربت لك فيها الأمثال، إنما مثل من أبصر الدنيا
كمثل قوم سفر نبابهم منزل جدب فأموا منزلا خصيبا [وجنابا مريعا] فاحتملوا
وعثاء الطريق (2) وفراق الصديق وخشونة السفر في الطعام والمنام (3) ليأتوا سعة
دارهم ومنزل قرارهم، فليس يجدون لشئ من ذلك ألما ولا يرون نفقته مغرما ولا
شيئا أحب إليهم مما قربهم من منزلهم، ومثل من اغتر بها كمثل قوم كانوا بمنزل
خصب فنبابهم إلى منزل جدب فليس شئ أكره إليهم ولا أهول لديهم من مفارقة
ما هم فيه إلى ما يهجمون عليه (4) ويصيرون إليه، وقرعتك بأنواع الجهالات لئلا تعد
نفسك عالما، فإن ورد عليك شي لا تعرفه أكبرت ذلك فان العالم من عرف أن ما يعلم
فيما لا يعلم قليل فعد نفسه بذلك جاهلا، فازداد بما عرف من ذلك في طلب العلم
اجتهادا، فما يزال للعلم طالبا، وفيه راغبا، وله مستفيدا، ولأهله خاشعا ولرأيه
متهما (5) وللصمت لازما، وللخطأ حاذرا، ومنه مستحييا.

(1) كذا وفى النهج " من أن يثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر ".
(2) الجناب: الناحية. والريع: كثير العشب. ووعثاء الطريق: مشقته.
(3) في النهج " خشونة السفر وجشوبة المطعم " والجشوبة بضم الجيم: الغلظ أو
كون الطعام بلا أدم.
(4) هجم عليه أي انتهى إليه بغتة.
(5) في المصدر " ولأهله خاشعا مهتما ".
221

وإن ورد عليه ما لا يعرف لم ينكر ذلك لما قرر به نفسه من الجهالة وإن
الجاهل من عد نفسه بما جهل من معرفة العلم عالما، وبرأيه مكتفيا، فما يزال
للعلماء مباعدا، وعليهم زاريا، ولمن خالفه مخطئا، ولما لم يعرف من الأمور
مضللا فإذا ورد عليه من الأمور ما لم يعرفه أنكره وكذب به وقال بجهالته:
ما أعرف هذا، وما أراه كان، وما أظن أن يكون، وأنى كان؟ وذلك لثقته
برأيه، وقلة معرفته بجهالته، فما ينفك بما يرى مما يلتبس عليه رأيه مما
لا يعرف للجهل مستفيدا وللحق منكرا، وفي الجهالة متحيرا وعن طلب العلم
مستكبرا.
أي بني تفهم وصيتي واجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب
لغيرك ما تحب لنفسك، وأكره له ما تكره لنفسك، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم
وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض
من الناس لك ما ترضى به لهم منك، ولا تقل بما لا تعلم، بل لا تقل كلما تعلم، ولا تقل
ما لا تحب أن يقال لك.
واعلم أن الاعجاب ضد الصواب وآفة الألباب، فإذا أنت هديت لقصدك
فكن أخشع ما تكون لربك.
واعلم أن أمامك طريقا ذا مشقة بعيدة، وأهوال شديدة، وأنه لا غنى بك
فيه عن حسن الارتياد (1) وقدر بلاغك من الزاد (2) وخفة الظهر، فلا تحملن على
ظهرك فوق بلاغك، فيكون ثقلا ووبالا عليك، وإذا وجدت من أهل الحاجة من
يحمل لك زادك فيوافيك به حيث تحتاج إليه فاغتنمه، واغتنم من استقرضك (3)

(1) الارتياد: الطلب أصله وأوى من راد يرود وحسن الارتياد: اتيانه من وجهه.
(2) البلاغ بالفتح: الكفاية أي ما يكفي من العيش ولا يفضل.
(3) في قوله: " من استقرضك الخ " حث على الصدقة والمراد انك إذا أنفقت المال
على الفقراء وأهل الحاجة كان أجر ذلك وثوابه ذخيرة لك تنالها في القيامة فكأنهم حملوا عنك
زادك ويؤدونه إليك وقت الحاجة.
222

في حال غناك واجعل وقت قضائك في يوم عسرتك (1).
واعلم أن أمامك عقبة كؤودا، لا محالة مهبطا بك على جنة أو على نار، المخف
فيها أحسن حالا من المثقل فارتد لنفسك قبل نزولك (2).
واعلم أن الذي بيده ملكوت خزائن الدنيا والآخرة قد أذن بدعائك وتكفل
بإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك وهو رحيم، لم يجعل بينك وبينه ترجمانا، ولم
يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع إليه لك، ولم يمنعك إن أسات التوبة (3)
ولم يعيرك بالإنابة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة، ولم
يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة، ولم يشدد عليك في التوبة فجعل النزوع
عن الذنب حسنة (4) وحسب سيئتك واحدة، وحسب حسنتك عشرا، وفتح لك باب
المتاب والاستيناف (5) فمتى شئت سمع نداءك ونجواك، فأفضيت إليه بحاجتك، وأنبأته
عن ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستعنته على أمورك وناجيته بما تستخفي
به من الخلق من سرك (6) ثم جعل بيدك مفاتيح خزائنه، فألحح في المسألة يفتح
لك باب الرحمة بما أذن لك فيه من مسألته.

(1) كذا وفى النهج " واغتنم من استقرضك في حال غناك ليجعل قضاءه لك في يوم
عسرتك ".
(2) فارتد لنفسك أصله من راد يرود إذا طلب وتفقد وتهيأ مكانا لينزل إليها والمراد
ابعث رائدا من قبلك من الأعمال الصالحة توقفك الثقة به على جودة المنزل. وفى النهج
" ولم يمنعك ان أسأت من التوبة ". والإنابة الرجوع إلى الله.
(3) التوبة مفعول لقوله عليه السلام " ولم يمنعك ".
(4) النزوع: الرجوع والكف.
(5) المتاب: التوبة. والاستئناف: الاخذ في الشئ وابتداؤه. وفى بعض النسخ
" استيتاب ".
(6) المناجاة: المكالمة سرا.
223

فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه، فألحح (1) ولا يقنطك إن أبطأت
عنك الإجابة فإن العطية على قدر المسألة، وربما أخرت عنك الإجابة ليكون
أطول للمسألة وأجزل للعطية، وربما، سألت الشئ فلم تؤته وأوتيت خيرا منه
عاجلا وآجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك
لو أوتيته، ولتكن مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله [أ] وينفى عنك وباله
والمال لا يبقى لك ولا تبقى له، فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أو سيئا أو
يعفو العفو الكريم.
واعلم أنك خلقت للآخرة لا للدنيا وللفناء لا للبقاء وللموت لا للحياة
وأنك في منزل قلعة ودار بلغة، وطريق إلى الآخرة، أنك طريد الموت الذي
لا ينجو [منه] هاربه ولابد أنه يدركك يوما، فكن منه على حذر أن يدركك على
حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة، فتحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت
قد أهلكت نفسك.
أي بني أكثر ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه، واجعله
أمامك حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك (2) ولا يأخذك على غرتك وأكثر ذكر
الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويصغرها
عندك، وقد نبأك الله عنها ونعتت لك نفسها (3) وكشفت عن مساويها، فإياك أن
تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها، وتكالبهم عليها (4) وإنما أهلها كلاب عاوية

(8) يقال: ألح في السؤال: ألحف فيه وأقبل عليه مواظبا.
(2) الحذر - بالكسر -: الاحتراز والاحتراس. والغرة - بالكسر فالتشديد -،
الغفلة.
(3) النعي: الاخبار بالموت والمراد أن الدنيا تخبر بحالها من التغير والتحول
عن فنائها.
(4) التكالب، التواثب وتكالبهم عليها أي شدة حرصهم عليها.
224

وسباع ضارية، يهر بعضها على بعض (1)، يأكل عزيزها ذليلها وكبيرها صغيرها
قد أضلت أهلها عن قصد السبيل، وسلكت بهم طريق العمى (2) وأخذت بأبصارهم عن
منهج الصواب، فتاهوا في حيرتها (3) وغرقوا في فتنتها، واتخذوها ربا، فلعبت
بهم، ولعبوا بها ونسوا ما وراءها.
فإياك يا بني أن تكون قد شانته كثرة عيوبها (4) نعم معقلة وأخرى مهملة
قد أضلت عقولها، وركبت مجهولها، سروح عاهة بواد وعث، ليس لها راع
يقيمها. رويدا حتى يسفر الظلام، كأن قد وردت الظعينة (5) يوشك من أسرع
أن يؤوب.
واعلم أن من كانت مطيته الليل والنهار، فإنه يسار به وإن كان لا يسير (6)
أبى الله إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة.
أي بني فإن تزهد فيما زهدك الله فيه من الدنيا وتعزف نفسك عنها، فهي
أهل ذلك، وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك
ولن تعدو أجلك وأنك في سبيل من كان قبلك، فاخفض في الطلب (7) وأجمل في

(1) الضارية: المولعة بالافتراس. يهر أي يكره أن ينظر بعضها بعضا ويمقت.
(2) العمى والعماءة: الغواية.
(3) فتاهوا أي ضلوا الطريق. والحيرة: التحير والتردد.
(4) الشين: ضد الزين. أي إياك أن تكون الذي شانته كثرة عيوب الدنيا. وعقل
البعير بالتشديد شد وظيفه إلى ذراعه. والنعم - محركة -: الإبل أي أهلها على قسمين
قسم كابل منعها عن الشر عقالها وهم الضعفاء وأخرى مهملة تأتى من السوء ما تشاء وهم
الأقوياء.
(5) الظعينة: الهودج. عبر به عليه السلام عن المسافرين في طريق الدنيا إلى الآخرة
كأن حالهم أن وردوا على غاية سيرهم. وقوله: " يؤوب " أي يرجع.
(6) وفى بعض النسخ " وإن كان واقعا لا يسير ".
(7) فاخفض أي وارفق من الخفض بمعنى السهل. وأجمل فيما تكتسب أي اسع سعيا
جميلا لا بحرص ولا بطمع.
225

المكتسب فإنه رب طلب قد جر إلى حرب، وليس كل طالب بناج وكل مجمل
بمحتاج. وأكرم نفسك كل دنية، وإن ساقتك إلى رغبة، فإنك لن تعتاض بما
تبذل من نفسك عوضا، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا، وما خير خير لا
ينال إلا بشر ويسر لا ينال إلا بعسر.
وإياك أن توجف بك مطايا الطمع، فتوردك مناهل الهلكة، وإن استطعت
أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك، وآخذ سهمك.
وإن اليسير من الله تبارك وتعالى أكثر وأعظم من الكثير من خلقه، وإن كان كل
منه ولو نظرت - ولله المثل الاعلى - فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة
لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخارا، وأن عليك في كثير ما تصيب
من الدناة عارا. فاقتصد في أمرك تحمد. مغبة علمك (1) إنك لست بائعا شيئا من
دينك وعرضك بثمن، والمغبون من غبن نصيبه من الله، فخذ من الدنيا ما أتاك
واترك ما تولى، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب
.
وإياك ومقارنة من رهبته على دينك وباعد السلطان ولا تأمن خدع الشيطان (2)
وتقول: متى أرى ما أنكر نزعت، فإنه كذا هلك من كان قبلك من أهل القبلة وقد
أيقنوا بالمعاد، فلو سمت بعضهم بيع آخرته بالدنيا لم يطب بذلك نفسا، ثم قد
يتخيله الشيطان بخدعه ومكره حتى يورطه في هلكته بعرض من الدنيا حقير
وينقله من شر إلى شر حتى يؤيسه من رحمة الله ويدخله في القنوط، فيجد الوجه
إلى ما خالف الاسلام وأحكامه، فإن أبت نفسك إلا حب الدنيا وقرب السلطان
فخالفت ما نهيتك عنه بما فيه رشدك، فأملك عليك لسانك فإنه لا بقية للملوك
عند الغضب، ولا تسأل عن أخبارهم، ولا تنطق عند أسرارهم، ولا تدخل فيما بينك
وبينهم.
وفي الصمت السلامة من الندامة، وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك

(1) كذا والمغبة: عاقبة الشئ.
(2) كذا. والخدع - بضمتين - جمع الخدوع وهو الكثير الخداع.
226

ما فات من منطقك [وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء] وحفظ ما في يديك أحب إلي
من طلب ما في يد غيرك، ولا تحدث إلا عن ثقة فتكون كاذبا والكذب ذل. وحسن
التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الاسراف، وحسن اليأس (1) خير من
الطلب إلى الناس، والعفة مع الحرفة خير من سرور مع فجور (2) والمرء
أحفظ سره (3).
ورب ساع فيما يضره (4). من أكثر [أ] هجر (5) ومن تفكر أبصر، ومن
خير حظ امرء قرين صالح، فقارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن
عنهم، ولا يغلبن عليك سوء الظن، فإنه لا يدع بينك وبين خليل صلحا وقد يقال:
من الحزم سوء الظن. بئس الطعام الحرام. وظلم الضعيف أفحش الظلم. والفاحشة كاسمها
والتصبر على المكروه يعصم القلب (6). وإن كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا، وربما
كان الدواء داءا والداء دواء، وربما نصح غير الناصح وغش المستنصح، وإياك
والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى، وتثبط عن خير الآخرة والدنيا، زك قلبك
بالأدب كما تذكي النار بالحطب، ولا تكن كحاطب الليل وعثاء السبيل (7) وكفر

(1) وفى النهج " مرارة اليأس ".
(2) وفى النهج " والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور ".
(3) أي الأولى أن لا تبوح بسرك إلى أحد فأنت احفظ من غيرك فان أذعته انتشر فلم
تلم الا نفسك لا نك كنت عاجزا عن حفظ سر نفسك فغيرك أعجز.
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه * فصدر الذي يستودع السر أضيق.
(4) ربما كان الانسان يسعى فيما يضره لجهله أو سوء قصده.
(5) يقال: فلان أهجر في منطقه أي تكلم بالهذيان، وكثير الكلام لا يخلو من الاهجار
وهجر في مرضه هذى.
(6) في المصدر " نقص للقلب ".
(7) يقال: " هو حاطب ليل " أي يخلط في كلامه. والوعثاء: التعب والمشقة. وفى
كشف المحجة " وغثاء السيل " وهو الصواب.
227

النعمة لؤم. وصحبة الجاهل شؤم، والعقل حفظ التجارب، وخير ما جربت ما وعظك
ومن الكرم لين الشيم.
بادر الفرصة قبل أن تكون غصة، من الحزم العزم، ومن سبب الحرمان التواني
ليس كل طالب يصيب، ولا كل راكب يؤوب، ومن الفساد إضاعة الزاد. ولكل
أمر عاقبة، رب يسير أنمى من كثير، سوف يأتيك ما قدر لك، التاجر مخاطر (1)
ولا خير في معين مهين، لا تبيتن من أمر على غرر (2) من حكم ساد، ومن تفهم
ازداد، ولقاء أهل الخير عمارة القلوب، ساهل الدهر ما ذل لك قعوده، وإياك
أن تجمح بك مطية اللحاج، وإن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة، ولا تخن من
ائتمنك وإن خانك، ولا تذع سره وإن أذاعه، ولا تخاطر بشئ رجاء أكثر منه
واطلب فإنه يأتيك ما قسم لك، خذ بالفضل وأحسن البذل، وقل للناس حسنا.
وأي كلمة حكم جامعة أن تحب للناس ما تحب لنفسك؟ وتكره لهم ما تكره
لها. إنك قل ما تسلم ممن تسرعت إليه أو تندم إن تتفضل عليه.
واعلم أن من الكرم الوفاء بالذمم، والدفع عن الحرم (3) والصدود آية
المقت، وكثرة العلل آية البخل، ولبعض إمساكك عن أخيك مع لطف خير من
بذل مع جنف، ومن التكرم صلة الرحم ومن يرجوك أو يثق بصلتك إذا قطعت
قرابتك؟ (4) والتحريم وجه القطيعة، احمل نفسك مع أخيك عند صرمه على الصلة
وعند صدوده على اللطف والمسألة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو

(1) أي بنفسه وماله. والمهين اما بضم الميم بمعنى فاعل الإهانة ولا يصلح لان يكون
معينا فيفسد ما يصلح، أو بفتحها بمعنى الحقير فإنه أيضا لا يصلح لضعف قدرته. وفى النهج بعد
هذا الكلام " ولا في صديق ظنين " والظنين - بالظاء: المتهم: - وبالضاد: البخيل.
(2) الغرر - بالتحريك - المغرور به. وفى النهج " ولا تبين من أمر على عذر ".
(3) الحرم - بضمتين -: جمع الحريم: ما يدافع عنه ويحميه.
(4) قوله عليه السلام ومن يرجوك استفهام، أو عطف على قوله: " الرحم " يعنى صلة
من يرجوك الخ. والتحريم من الصلة سبب لقطع القرابة.
228

وعند شدته؟؟ على اللين، وعند جرمه على الاعتذار، حتى كأنك له عبد، وكأنه
ذو نعمة عليك، وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه، وأن تفعله بغير أهله.
لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك، ولا تعمل بالخديعة فإنها
خلق اللئيم، وامحض أخاك النصيحة، حسنة كانت أو قبيحة، وساعده على كل
حال، وزل معه حيث زال، ولا تطلبن مجازاة أخيك ولو حثا التراب بفيك، وخذ
على عدوك بالفضل فإنه أحرى للظفر (1) وتسلم من الناس بحسن الخلق، وتجرع
الغيظ، فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذ مغبة، ولا تصرم أخاك على
ارتياب ولا تقطعه دون استعتاب، ولن لمن غالظك، فإنه يوشك أن يلين لك. ما
أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفاء بعد الإخاء، والعداوة بعد المودة، والخيانة لمن
ائتمنك، وخلف الظن لمن ارتجاك، والغدر بمن استأمن إليك، فإن أنت غلبتك
قطيعة أخيك فاستبق لها من نفسك بقية ترجع إليها إن بدا ذلك له يوما، ومن ظن
بك خيرا فصدق ظنه. ولا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، فإنه
ليس لك بأخ من أضعت حقه، ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك، ولا ترغبن فيمن
زهد فيك، ولا تزهدن فيمن رغب إليك إذا كان للخلطة موضعا، ولا يكونن أخوك
أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا يكونن على الإساءة أقوى منك على
الاحسان، ولا على البخل أقوى منك على البذل، ولا على التقصير أقوى منك على
الفضل، ولا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه إنما يسعى في مضرته ونفعك
وليس جزاء من سرك أن تسوءه، والرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن
لم تأته أتاك.
واعلم أي بني أن الدهر ذو صروف، فلا تكونن ممن تشتد لائمته، ويقل عند
الناس عذره، ما أقبح الخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغنى، إنما لك من دنياك
ما أصلحت به مثواك (2)، فأنفق في حق ولا تكن خازنا لغيرك، وإن كنت جازعا

(1) في النهج " فإنه أحلى الظفرين " أي ظفر الانتقام وظفر التملك بالاحسان.
(2) المثوى: المقام، أي حظك من الدنيا ما أصلحت به منزلتك من الكرامة في
الدنيا والآخرة.
229

على ما تفلت من يديك فاجزع على كل ما لم يصل إليك. واستدلل على ما لم يكن
بما كان، فإنما الأمور أشباه، ولا تكفرن ذا نعمة، فإن كفر النعمة من ألأم الكفر.
واقبل العذر، ولا تكونن ممن لا ينتفع من العظة إلا بما لزمه (1) فإن العاقل
ينتفع بالأدب، والبهايم لا تتعظ إلا بالضرب، اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا
كان أو وضيعا، واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين.
من ترك القصد جار، ونعم حظ المرء القناعة، ومن شر ما صحب المرء
الحسد. وفي القنوط التفريط. والشح يجلب الملامة. والصاحب مناسب، والصديق
من صدق غيبه، والهوى شريك العمى. ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة، ونعم
طاردا لهم اليقين. وعاقبة الكذب الذم، وفي الصدق السلامة، وعاقبة الكذب شر
عاقبة، رب بعيد أقرب من قريب وقريب أبعد من بعيد، والغريب من لم يكن له حبيب
لا يعدمك من حبيب سوء ظن، ومن حمى طنى (2) ومن تعدى الحق ضاق مذهبه
ومن اقتصر على قدره كان أبقى له، نعم الخلق التكرم، وألام اللؤم البغي عند
القدرة، والحياء سبب إلى كل جميل، وأوثق العرى التقوى، وأوثق سبب أخذت
به سبب بينك وبين الله. ومنك من أعتبك (3)، والافراط في الملامة تشب نيران
اللجاج، وكم من دنف قد نجا (4) وصحيح قد هوى. فقد يكون اليأس إدراكا إذا
كان الطمع هلاكا، وليس كل عورة [تظهر، ولاكل فريضة] تصاب. وربما أخطأ
البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده، ليس كل من طلب وجد، ولا كل من توقى

(1) وفى النهج " ممن لا تنفعه العظة الا إذا بالغت في إيلامه ".
(2) حمى الشئ يحميه حميا وحمى وحماية: منعه ودفعه عنه وحمى القوم حماية:
قام بنصرهم والمريض: ما يضره. وطنى اللديغ من لدغ العقرب: عوفي. وطنى فلانا: عالجه
من طناه والمعنى من منع نفسه عما يضره نال العافية.
(3) ولعل المعنى: من عليك من استرضاك ويؤيده ما في بعض نسخ الحديث: " سرك
من أعتبك ".
(4) الدنف - محركة - المريض الذي طال به المرض.
230

نجا (1) أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته (2) وأحسن إن أحببت أن يحسن إليك
واحتمل أخاك على ما فيه، ولا تكثر العتاب فإنه يورث الضغينة، ويجر إلى البغضة (3)
واستعتب من رجوت إعتابه، وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل، ومن الكرم منع
الحزم (4). من كابر الزمان عطب ومن ينقم عليه غضب (5). ما أقرب النقمة من
أهل البغي. وأخلق بمن غدر ألا يوفى له (6).
زلة المتوقي أشد زلة. وعلة الكذب أقبح علة. والفساد يبير الكثير. والاقتصاد يثمر
اليسير (7) والقلة ذلة، وبر الوالدين من كرم الطبيعة، والزلل مع العجل، ولا
خير في لذة تعقب ندما. والعاقل من وعظته التجارب، والهدى يجلو العمى. ولسانك
ترجمان عقلك، ليس مع الاختلاف ائتلاف، من حسن الجوار تفقد الجار، لن يهلك
من اقتصد، ولن يفتقر من زهد. بين عن امرء دخيله، رب باحث عن حتفه (8) لا
تشترين بثقة رجاء، ما كل ما يخشى يضر، رب هزل عاد جدا (9) من أمن
الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه (10) ومن ترغم عليه أرغمه، ومن لجأ

(1) توقى أي تجنب وحذر وخاف
(2) قيل: لان فرص الشر لا تنقضي لكثرة طرقه وطريق الخير واحد وهو الحق.
(3) البغضة - بالكسر -: شدة البغض.
(4) الحزم: ضبط الامر واحكامه والحذر من فواته والاخذ فيه بالثقة وهنا بمعنى
الشدة والغلظة.
(5) عطب الرجل - كفرح - يعطب عطبا: هلك وفى بعض النسخ " من تنقم عليه غضب ".
(6) الأخلق: الأجدر. يقال: هو خليق به أي جدير.
(7) في بعض نسخ الكتاب " يدبر الكثير ". وفى بعض نسخ الحديث " يبيد الكثير
والاقتصاد ينمى اليسير ".
(8) بحث في الأرض: حفرها. والحتف: الموت. وفى المثل " كالباحث عن حتفه
بظلفه " يضرب لمن يطلب ما يؤدى إلى تلف النفس. وفى بعض نسخ الحديث " لا تشوبن ".
(9) هزل في كلامه هزلا - كضرب -: مزح وهو ضد الجد.
(10) تنبيه على وجوب الحذر من الزمان ودوام ملاحظة تغيراته والاستعداد لحوادثه
قبل نزولها واستعار لفظ الخيانة باعتبار تغيره عند الغفلة عنه والامن فيه فهو في ذلك
كالصديق الخائن.
231

إليه أسلمه. وليس كل من رمى أصاب (1) إذا تغير السلطان تغير الزمان (2)
وخير أهلك من كفاك، والمزاح يورث الضغائن، وربما أكدى الحريص (3) رأس
الدين صحة اليقين، وتمام الاخلاص تجنبك المعاصي، وخير المقال ما صدقه
الفعال، والسلامة مع الاستقامة، والدعاء مفتاح الرحمة، سل عن الرفيق قبل
الطريق، وعن الجار قبل الدار، وكن من الدنيا على قلعة. احمل لمن أدل
عليك، واقبل عذر من اعتذر إليك، وخذ العفو من الناس، ولا تبلغ إلى أحد
مكروهه، أطع أخاك وإن عصاك وصله وإن جفاك. وعود نفسك السماح، وتخير
لها من كل خلق أحسنه. فان الخير عادة، وإياك أن تذكر من الكلام قذرا (4)
أو تكون مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك (5).
وأنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك (6) وإياك ومشاورة النساء فإن
رأيهن إلى أفن (7) وعزمهن إلى وهن، واكفف عليهن من أبصارهن بحجبك
إياهن فان شدة الحجاب خير لك ولهن.
وليس خروجهن بأشد من إذ خالك من لا يوثق به عليهن، وإن استطعت أن

(1) تنبيه على ما ينبغي من ترك الأسف على ما يفوت من المطالب والتسلي بمن أخطأ
في طلبه واليه أشار أبو الطيب:
ما كل من طلب المعالي نافذا * فيها ولا كل الرجال فحول
(2) تنبيه على أن تغير السلطان في رأيه ونيته وفعله في رعيته من العدل إلى الجور
يسلتزم تغير الزمان عليهم إذ يغير من الاعداد للعدل إلى الاعداد للجور.
(3) يقال: أكدى الرجل أي لم يظفر بحاجته.
(4) القذر: الوسخ، وفى بعض نسخ الحديث " هذرا " مكان " قذرا " وهذر في كلامه:
خلط وتكلم بما لا ينبغي.
(5) ذلك لاستلزامه الهوان وقلة الهيبة في النفوس.
(6) أي عامل الناس بالانصاف قبل أن يطلبوا منك النصف.
(7) الافن - بالتحريك -: ضعف الرأي. والوهن: الضعف.
232

لا يعرفن غيرك فافعل، ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فان ذلك أنعم لحالها
وأرخى لبالها، وأدوم لجمالها، فان المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة، ولا تعد
بكرامتها نفسها، ولا تطعمها أن تشفع لغيرها فتميل مغضبة عليك معها، ولا تطل
الخلوة مع النساء فيملكنك (1) أو تملهن واستبق من نفسك بقية من إمساكك عنهن
وهن يرين أنك ذو اقتدار خير من أن يظهرن منك على انتشار، وإياك والتغاير
في غير موضع غيرة فان ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم، ولكن أحكم أمرهن
فإن رأيت ذنبا فعاجل النكير على الكبير والصغير. وإياك أن تعاقب فتعظم الذنب و
تهون العتب. وأحسن للمماليك الأدب. وأقلل الغضب ولا تكثر العتب في غير ذنب،
فإذا استحق أحد منهم ذنبا فأحسن العدل فإن العدل مع العفو أشد من الضرب
لمن كان له عقل. والتمسك بمن لا عقل له أوجب القصاص (2).
واجعل لكل امرء منهم عملا تأخذه به، فإنه أحرى أن لا يتواكلوا، و
أكرم عشيرتك، فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير، وبهم تصول
وهم العدة عند الشدة (3) فأكرم كريمهم وعد سقيمهم، وأشركهم في أمورهم وتيسر
عند معسور [ل‍] - هم. واستعن بالله على أمورك، فإنه أكفى معين.
أستودع الله دينك ودنياك وأسأله خير القضاء لك في الدنيا والآخرة والسلام
عليك ورحمة الله.
فهرست النجاشي (4) الأصبغ بن نباتة المجاشعي كان من خاصة أمير المؤمنين عليه السلام وعمر
بعده، روى عنه عهد الأشتر ووصيته إلى محمد ابنه أخبرنا عبد السلام بن الحسين الأديب
عن أبي بكر الدوري، عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج، عن جعفر بن محمد الحسني
عن علي بن عبدل، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن
طريف عن الأصبغ بن نباته بالوصية.

(1) في بعض النسخ " فيملنك ".
(2) في الكشف " وخف القصاص ".
(3) العدة - بالضم - الاستعداد وبالكسر: الجماعة.
(4) رجال النجاشي ص 7.
233

بيان: قوله عليه السلام (1)
3 - العدد (2) من وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام: كيف وأنى بك
يا بني إذا صرت في قوم صبيهم غاو، وشابهم فاتك، وشيخهم لا يأمر بمعروف
ولا ينهى عن منكر، وعالمهم خب مواه (3) مستحوذ عليه هواه، متمسك بعاجل دنياه
أشدهم عليك إقبالا يرصدك بالغوايل، ويطلب الحيلة بالتمني، ويطلب الدنيا
بالاجتهاد، خوفهم أجل، ورجاؤهم عاجل، لا يهابون إلا من يخافون لسانه و [لا يكرمون
إلا من] يرجون نواله، دينهم الربا، كل حق عندهم مهجور، يحبون من غشهم
ويملون من داهنهم، قلوبهم خاوية، لا يسمعون دعاء، ولا يجيبون سائلا، قد استولت
عليهم سكرة الغفلة، إن تركتهم لم يتركوك، وإن تابعتهم اغتالوك، إخوان الظاهر و
أعداء السرائر، يتصاحبون على غير تقوى، فإذا افترقوا ذم بعضهم بعضا، تموت فيهم
السنن، وتحيى فيهم البدع، فأحمق الناس من أسف على فقدهم، أوسر بكثرتهم، فكن
عند ذلك يا بني كابن اللبون لا ظهر فيركب، ولا وبر فيسلب، ولا ضرع فيحلب،
فما طلابك لقوم إن كنت عالما عابوك، وإن كنت جاهلا لم يرشدوك، وإن طلبت
العلم قالوا: متكلف متعمق، وإن تركت طلب العلم قالوا: عاجز غبي (4) وإن تحققت
لعبادة ربك قالوا: متصنع مراء، وإن لزمت الصمت قالوا: ألكن، وإن نطقت قالوا:
مهذار، وإن أنفقت قالوا: مسرف، وإن اقتصدت قالوا: بخيل، وإن احتجت إلى
ما في أيديهم صارموك (5) وذموك، وإن لم تعتد بهم كفروك، فهذه صفة أهل زمانك

(1) كان هنا بياض مقدار نصف الصفحة.
(2) العدد القوية لدفع المخاوف اليومية تأليف الشيخ الفقيه رضى الدين علي بن يوسف
ابن المطهر الحلي. مخطوط.
(3) الخب - بتشديد الباء الموحدة -: الخداع. وموه الخبر: زوره عليه وزخرفه
ولبسه أو بلغه خلاف ما هو.
(4) الغبي ضد الذكي.
(5) أي قاطعوك. والصرم القطع.
234

فاصغاك (1) من فرغ عن جورهم، وأمن من الطمع فيهم، فهو مقبل على شأنه، مدار
لأهل زمانه.
ومن صفة العالم أن لا يعظ إلا من يقبل عظته، ولا ينصح معجبا برأيه، ولا يخبر
بما يخاف إذاعته.
ولا تودع سرك إلا عند كل ثقة، ولا تلفظ إلا بما يتعارفون به الناس، ولا
تخالطهم إلا بما يفعلون، فاحذر كل الحذر وكن فردا وحيدا.
واعلم أن من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره، ومن كابد الأمور عطب
ومن اقتحم اللجج غرق، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر
على الناس ذل. ومن مزح استخف به، ومن كثر من شئ عرف به، ومن كثر كلامه
كثر خطأوه، ومن كثر خطأوه قل حياءه، ومن قل حياؤه، قل ورعه، ومن قل
ورعه قل دينه، ومن قل دينه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار.
قيل: وقف رجل على الحسن بن علي عليهما السلام فقال: يا ابن أمير المؤمنين
بالذي أنعم عليك بهذه النعمة التي ما نلتها منه بشفيع منك إليه، بل إنعاما منه عليك
إلا ما أنصفتني من خصمي فإنه غشوم ظلوم، لا يوقر الشيخ الكبير ولا يرحم الطفل
الصغير.
وكان متكئا فاستوى جالسا وقال له: من خصمك حتى أنتصف لك منه؟
فقال له: الفقر، فأطرق عليه السلام ساعة ثم رفع رأسه إلى خادمه وقال: أحضر ما عندك
من موجود، فأحضر خمسة آلاف درهم فقال: ادفعها إليه، ثم قال: له بحق هذه
الأقسام التي أقسمت بها علي متى أتاك خصمك جائرا إلا ما أتيتني منه متظلما.
بيان: (2).

(1) كذا.
(2) كان هنا بياض مقدار صفحة.
235

* (باب 9) *
* (وصية أمير المؤمنين صلوات الله عليه) *
" (للحسين صلى الله عليه) "
1 - تحف العقول (1) يا بني أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضى و
الغضب، والقصد في الغنى والفقر، وبالعدل على الصديق والعدو، وبالعمل في
النشاط والكسل، والرضى عن الله في الشدة والرخاء.
أي بني ما شر بعده الجنة بشر، ولا خير بعده النار بخير، وكل نعيم دون
الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية.
واعلم أي بني أنه من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره، ومن تعرى من
لباس التقوى لم يستتر بشئ من اللباس، ومن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته
ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر بئرا لأخيه وقع فيها، ومن هتك حجاب
غيره انكشفت عورات بيته (2) ومن نسي خطيئة استعظم خطيئة غيره، ومن كابد الأمور
عطب (3) ومن اقتحم الغمرات غرق، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله
زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن خالط العلماء وقر، ومن خالط الأنذال
حقر (4) ومن سفه على الناس شتم (5) ومن دخل مداخل السوء اتهم، ومن مزح

(1) تحف العقول ص 88.
(2) في بعض النسخ " عوراته ".
(3) كابدها: أي قاساها وتحمل المشاق في فعلها بلا اعداد أسبابها. وعطب أي هلك
والغمرات الشدائد. وفى النهج " ومن اقتحم اللجج عرق ".
(4) الأنذال - جمع النذل: الخسيس من الناس، المحتقر في جميع أحواله والمراد
بهم ذوي الأخلاق الدنية.
(5) يعنى ومن عابهم شتم وسب بهم.
236

استخف به، ومن أكثر من شئ عرف به ومن كثر كلامه كثر خطأوه، ومن كثر
خطأوه (1) قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن
مات قلبه دخل النار.
أي بني من نظر في عيوب الناس ورضي لنفسه بها فذاك الأحمق بعينه، ومن
تفكر اعتبر، ومن اعتبر اعتزل، ومن اعتزل سلم، ومن ترك الشهوات كان حرا، ومن
ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس.
أي بني عز المؤمن غناه عن الناس، والقناعة مال لا ينفد، ومن أكثر
ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا
فيما ينفعه.
أي بني العجب ممن يخاف العقاب فلم يكف، ورجا الثواب فلم يتب و
يعمل.
أي بني الفكرة تورث نورا والغفلة ظلمة، والجد ال‍ [- ة] ضلالة، والسعيد
من وعظ بغيره، والأدب خير ميراث، وحسن الخلق خير قرين، ليس مع قطيعة
الرحم نماء، ولا مع الفجور غنى.
أي بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله، وواحد
في ترك مجالسة السفهاء.
أي بني من تزيا (2) بمعاصي الله في المجالس أورثه الله ذلا، ومن طلب
العلم علم.
يا بني رأس العلم الرفق وآفته الخرق (3) ومن كنوز الايمان الصبر على
المصائب. والعفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى، كثرة الزيارة تورث الملالة

(1) وفى بعض نسخ الحديث [خطؤه] في الموضعين والمعنى واحد.
(2) تزيا: أي صار ذا زي.
(3) الخرق: الشدة، ضد الرفق.
237

والطمأنينة قبل الخبرة ضد الجزم (1) وإعجاب المرء بنفسه يدل على ضعف عقله.
أي بني كم نظرة جلبت حسرة، وكم من كلمة سلبت نعمة.
أي بني لا شرف أعلى من الاسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل
أحرز من الورع (2) ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا مال
أذهب بالفاقة من الرضى بالقوت، ومن اقتصر على بلغة الكفاف تعجل الراحة
وتبوء خفض الدعة (3).
أي بني الحرص مفتاح التعب ومطية النصب (4) وداع إلى التقحم في
الذنوب، والشره جامع لمساوي العيوب (5) وكفاك تأديبا لنفسك ما كرهته من غيرك.
لأخيك عليك مثل الذي لك عليه، ومن تورط في الأمور بغير نظر في العواقب
فقد تعرض للنوائب، التدبير قبل العمل يؤمنك الندم، من استقبل وجوه الآراء
عرف مواقع الخطاء، الصبر جنة من الفاقة، البخل جلباب المسكنة، الحرص
علامة الفقر، وصول معدم خير من جاف مكثر (6) لكل شئ قوت وابن آدم

(1) الطمأنينة اسم من الاطمينان: توطين النفس وتسكينها. والخبرة: العلم بالشئ
والحزم: ضبط الامر واحكامه والاخذ فيه بالثقة.
(2) المعقل: الحصن والملجأ. والورع امنع الحصون واحرزها عن وساوس الشيطان
وعن عذاب الله. والنجاح: الظفر والفوز أي لا يظفر الانسان بشفاعة شفيع بالنجاة من سخط
الله وعذابه مثل ما يظفر بالتوبة.
(3) البلغة - بالضم -: ما يكتفى به من القوت ولا فضل فيه. والكفاف - بفتح الكاف -:
ما كفى عن الناس من الرزق واغنى. والخفض: لين العيش وسعته. والدعة - بالتحريك -:
الراحة والإضافة للمبالغة: أي تمكن واستقر في متسع الراحة.
(4) النصب - بالتحريك -: أشد التعب.
(5) الشره - بكسر الشين وشد الراء: الحرص والغضب والطيش والعطب وقد يطلق
على الشر أيضا، وفى بعض النسخ بدون التاء.
(6) الوصول - بفتح الواو -: الكثير الاعطاء. والمعدم: الفقير. والجاف: فاعل
من جفا يجفو جفاء المعرض والسئ الخلق. والمكثر: الذي كثر ماله، يعنى من يصل إلى
الناس بحسن الخلق والمودة مع فقره خير ممن يكثر في العطاء وهو جاف أي سيئ الخلق.
238

قوت الموت.
أي بني لا تؤيس مذنبا، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير، وكم من
مقبل على عمله مفسد في آخر عمره، صائر إلى النار، نعوذ بالله منها.
أي بني كم من عاص نجا، وكم من عامل هوى، ومن تحرى الصدق
خفت عليه المؤن (1) في خلاف النفس رشدها، الساعات تنقص الاعمار، ويل
للباغين من أحكم الحاكمين، وعالم ضمير المضمرين.
يا بني بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد، في كل جرعة شرق
وفي كل اكلة غصص (2) لن تنال نعمة إلا بفراق أخرى، ما أقرب الراحة من
النصب، والبؤس من النعيم، والموت من الحياة، والسقم من الصحة.
فطوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه و
صمته وفعله وقوله. وبخ بخ (3) لعالم عمل فجد، وخاف البيات فأعد واستعد، إن
سئل نصح وإن ترك صمت، كلامه صواب وسكوته من غير عي جواب (4) والويل
كل الويل لمن بلي بحرمان وخذلان وعصيان، فاستحسن لنفسه ما يكرهه من
غيره وأزرى على الناس بمثل ما يأتي (5).
واعلم أي بني أنه من لانت كلمته وجبت محبته، وفقك الله لرشده وجعلك
من أهل طاعته بقدرته إنه جواد كريم.
بيان: (6).

(1) التحري: القصد والاجتهاد في الطلب. والمؤن - بضم الميم وفتح الهمزة -:
جمع المؤونة وهي القوت أو الشدة والثقل.
(2) الشرق: الغصة وهي اعتراض الشئ في الحلق وعدم اساغته ويطلق الأول في
المشروبات والثاني في المأكولات.
(3) " بخ " اسم فعل للمدح واظهار الرضى بالشئ ويكرر للمبالغة، فيقال: بخ بخ
بالكسر والتنوين.
(4) العى: العجز عن الكلام.
(5) أزرى عليه عمله. أي عاتبه وعابه عليه.
(6) كان هنا بياض مقدار نصف صفحة.
239

* (باب 10) *
* (عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى الأشتر (ره) حين ولاه مصر) *
1 - تحف العقول: (1) هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر
في عهده إليه حين ولاه مصر، جباية خراجها ومجاهدة عدوها واستصلاح أهلها
وعمارة بلادها (2).
أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتباع ما أمره الله به في كتابه: من فرائضه وسننه
التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها. وأن ينصر الله
بيده وقلبه ولسانه، فإنه قد تكفل بنصر من نصره إنه قوي عزيز. وأمره أن يكسر
من نفسه عند الشهوات فان النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور
رحيم. وأن يعتمد كتاب الله عند الشبهات فإن فيه تبيان كل شئ وهدى ورحمة
لقوم يؤمنون. وأن يتحرى رضي الله، ولا يتعرض لسخطه، ولا يصر على معصيته،
فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه.
ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل
وجور وإن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك
ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم. وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله
لهم على ألسن عباده. فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح بالقصد

(1) تحف العقول ص 126.
(2) مختار هذا العهد منقول في النهج مع اختلاف يسير. والأشتر هو مالك بن الحارث
الأشتر النخعي من اليمن كان من أكابر أصحابه عليه السلام ذا النجدة والشجاعة روى أن
الطرماح لما دخل على معاوية قال له: قل لابن أبي طالب: انى جمعت العساكر بعدد حب
جاورس الكوفة وها أنا قاصده فقال له الطرماح: ان لعلى عليه السلام ديكا أشتر يلتقط جميع
ذلك. فانكسر من قوله معاوية.
240

فيما تجمع وما ترعى به رعيتك. فأملك هواك ولتسخ بنفسك عما لا يحل لك، فان
سخاء النفس الانصاف منها فيما أحببت وكرهت (1). وأشعر قلبك الرحمة للرعية
والمحبة لهم واللطف بالاحسان إليهم. ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم (2)
فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق، تفرط منهم الزلل (3)
وتعرض لهم العلل، ويؤتي على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك
مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفو [ه] فإنك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك
والله فوق من ولاك بما عرفك من كتابه وبصرك من سنن نبيه صلى الله عليه وآله. عليك بما
كتبنا لك في عهدنا هذا، لا تنصبن نفسك لحرب الله، فإنه لأيدي لك بنقمته (4) ولا
غنى بك عن عفوه ورحمته. فلا تندمن على عفو ولا تبجحن بعقوبة (5) ولا تسرعن
إلى بادرة وجدت عنها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع (6) فإن ذلك
إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرب من الفتن، فتعوذ بالله من درك الشقاء. وإذا
أعجبك ما أنت فيه من سلطانك فحدثت لك به أبهة أو مخيلة (7) فانظر إلى عظم

(1) في المصدر " وشح بنفسك عما لا يحل لك فان الشح الانصاف منها فيما أحببت و
كرهت " وكذا في النهج.
(2) الضاري من الكلاب: ما لهج بالصيد وتعوده أكله وأولع به أي السباع كالأسد
والنمر.
(3) تفرط: تسبق. والزلل: الخطأ. وأراد بالعلل الأمور الصارفة لهم عما ينبغي
من اجراء أو امر الوالي على وجوهها
.
(4) يعنى لا تخالف أمر الله بالظلم والجور فليس لك يد أن تدفع نقمته.
(5) بجح كفرح لفظا ومعنى.
(6) البادرة: حدة الغضب. والمندوحة: السعة والفسحة. والمؤمر - كمعظم -: المسلط.
والأدغال: الافساد. والنهك: الضعف ونهكه أضعفه.
(7) الأبهة - بضم الهمزة وفتح الباء مشددة وسكونها -: العظمة والكبرياء.
والمخيلة: الكبر والعجب.
241

ملك الله فوقك، وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فان ذلك يطامن
إليك من طماحك (1) ويكف عنك من غربك ويفئ إليك ما عزب من عقلك. و
إياك ومساماته في عظمته (2) أو التشبه به في جبروته، فان الله يذل كل جبار، و
يهين كل مختال فخور.
أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصتك ومن أهلك ومن لك فيه
هوى من رعيتك، فإنك إن لا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون
عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته (3) وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب.
وليس شئ أدعى إلى تغيير نقمة وتعجيل نقمة من إقامة على ظلم، فان الله
يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بمرصاد، ومن يكن كذلك فهو رهين هلاك في
الدنيا والآخرة.
وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها (4)
للرعية فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة (5) وإن سخط الخاصة يغتفر مع
رضى العامة، وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل له
معونة في البلاء، وأكره للانصاف، وأسأل بالالحاف (6) وأقل شكرا عند الاعطاء
وأبطأ عذرا عند المنع، وأكره للانصاف، وأضعف صبرا عند ملمات الأمور من الخاصة

(1) يطامن أي يخفض ويسكن. والطماح: الفخر والنشوز والجماح. وارتفاع البصر
والغرب: الحدة. ويفئ: يرجع ما غاب عن عقلك.
(2) المساماة: المفاخرة والمباراة في السمو أي العلو.
(3) أدحض: أبطل. وحربا أي محاربا. وينزع أي يقلع عن ظلمه. وأدعى: أي
أشد دعوة.
(4) في النهج " أجمعها لرضى الرعية ".
(5) يجحف أي يذهب برضى الخاصة.
(6) الالحاف: الالحاح والشدة في السؤال.
242

وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء أهل العامة من الأمة، فليكن
لهم صغوك (1) واعمد لاعم الأمور منفعة وخيرها عاقبة، ولا قوة إلا بالله.
وليكن أبعد رعيتك منك وأشنؤهم عندك أطلبهم لعيوب الناس، فان في الناس
عيوبا الوالي أحق من سترها فلا تكشفن ما غاب عنك. واستر العورة ما استطعت يستر الله
منك ما تحب ستره من رعيتك، وأطلق عن الناس عقد كل حقد (2) واقطع عنك
سبب كل وتر، واقبل العذر، وادرء الحدود بالشبهات. وتغاب عن كل ما لا يصح
لك [ولا تستر شبهة] (3) ولا تعجلن إلى تصديق ساع فان الساعي غاش وإن تشبه
بالناصحين (4).
لا تدخلن في مشورتك بخيلا يخذلك عن الفضل ويعدك الفقر (5)، ولا جبانا
يضعف عليك الأمور ولا حريصا يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجور و
الحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله كمونها في الأشرار (6) أيقن إن شر
وزرائك من كان للأشرار وزيرا ومن شركهم في الآثام وقام بأمورهم في عباد الله
فلا يكونن لك بطانة تشركهم في أمانتك (7) كما شركوا في سلطان غيرك فأردوهم

(1) الصغو: الميل. وفى بعض النسخ " صفوك ".
(2) أي أحلل عقد الأحقاد من قلوب الناس بحسن السيرة مع الناس. والوتر - بالكسر -:
العداوة أي اقطع عنك أسباب العداوات بترك الإساءة إلى الرعية.
(3) كذا. وليست هذه الجملة في المصدر.
(4) الساعي: النمام بمعايب الناس. والغاش: الخائن.
(5) في النهج " يعدل بك عن الفضل والفضل " هنا الاحسان بالبذل والجود. ويعدك
أي يخوفك. والشره - بالتحريك: أشد الحرص. وفى النهج " يضعفك عن الأمور " بمعنى
تحملك عن الضعف.
(6) أي يجتمع كلها فيهم سوء الظن بكرم الله وفضله. وفى بعض النسخ " كونها في
الأشرار "، وفى النهج " فان البخل والجبن والحرص ".
(7) البطانة - بالكسر -: الخاصة، من بطانة الثوب خلاف ظهارته.
243

وأوردوهم مصارع السوء ولا يعجبنك شاهد ما يحضرونك به فإنهم أعوان الاثمة
وإخوان الظلمة وعباب كل طمع ودغل (1) وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل
أرائهم ونفاذهم ممن قد تصفح الأمور فعرف مساويها بما جرى عليه منها (2) فأولئك
أخف عليك مؤونة، وأحسن لك معونة، وأحنى عليك عطفا (3) وأقل لغيرك إلفا.
لم يعاون ظالما على ظلمه، ولا آثما على إثمه، ولم يكن مع غيرك له سيرة أجحفت
بالمسلمين والمعاهدين (4) فاتخذ أولئك خاصة لخلوتك وملائك، ثم ليكن آثرهم
عندك أقولهم بمر الحق (5) وأحوطهم على الضعفاء بالانصاف وأقلهم لك مناظرة (6)
فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذلك من هواك حيث وقع فإنهم يقفونك
على الحق (7) ويبصرونك ما يعود عليك نفعه، وألصق بأهل الورع والصدق وذوي
العقول والأحساب، ثم رضهم على أن لا يطروك (8) ولا يبجحوك بباطل لم تفعله

(1) الأثمة: جمع آثم، كظلمة: جمع ظالم. والعباب - بضم العين -: معظم السيل
وعباب البحر: موجه.
(2) تصفح: تأمل ونظر مليا. والمساوي: جمع مساءة وهي القبيح. وفى النهج " و
أنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل آصارهم وأوزاهم ممن
لم يعاون ظالما على ظلمه ولا آثما على إثمه ".
(3) أحنى عليك: أي أشفق، و " عطفا " مصدر جيئ به من غير لفظ فعله. والألف
- بالكسر -: الألفة والمحبة.
(4) أجحف بهم. استأصلهم وأهلكهم. وفى النهج بعده: " فاتخذ أولئك خاصة
لخلواتك وحفلاتك " والمعاهدين: أهل الكتاب.
(5) أي ليكن أفضلهم لديك أكثرهم قولا بالحق المر.
(6) رفى النهج " مساعدة " وقوله: " فيما يكون منك " أي يقع ويصدر.
(7) أي لا يساعدك على ما كره الله حال كونه نازلا من ميلك إليه. ومن قوله عليه السلام
" ثم ليكن " إلى هنا تنبيه على من ينبغي أن يتخذ عونا ووزيرا، وميزه بأوصاف أخص.
(8) رضهم أي عودهم على أن لا يطروك أي يزيدوا في مدحك من أطرى اطراء:
أحسن الثناء وبالغ في المدح. ولا يبجحوك أي ولا يفرحوك بنسبة عمل إليك. قوله: " تدنى "
أي تقرب. والزهو: العجب. والغرة - بالكسر -: الحمية والأنفة. وهذا كله أمر بأن
يلازم أهل الورع والصدق منهم ثم أن يروضهم ويؤد بهم بالنهي عن الاطراء له أو يوجبوا له
سرورا بقول باطل ينسبونه فيه إلى فعل لا يفعله.
244

فان كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدنى من الغرة والاقرار بذلك يوجب المقت
من الله.
لا يكونن المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء فان في ذلك تزهيد لأهل
الاحسان في الاحسان، وتدريب لأهل الإساءة، فألزم كلا منهم ما ألزم نفسه (1)
أدبا منك، ينفعك الله به وتنفع به أعوانك.
ثم اعلم أنه ليس شئ بأدعى لحسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم و
تخفيفه المؤونات عليهم وقلة استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم، فليكن في
ذلك أمر يجتمع لك به حسن ظنك برعيتك، فان حسن الظن يقطع عنك نصبا
طويلا وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده (2) وأحق من ساء
ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده. فأعرف هذه المنزلة لك وعليك لتزدك بصيرة في
حسن الصنع واستكثار حسن البلاء عند العامة مع ما يوجب الله بها لك في المعاد.
ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت
عليها الرعية. ولا تحدثن سنة تضر بشئ مما مضى من تلك السنن، فيكون الاجر
لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها.
وأكثر مدارسة العلماء ومثافنة الحكماء (3) في تثبيت ما صلح عليه أهل بلادك
وإقامة ما استقام به الناس من قبلك، فان ذلك يحق الحق ويدفع الباطل ويكتفي
به دليلا ومثالا، لان السنن الصالحة هي السبيل إلى طاعة الله.

(1) التدريب: الاعتياد والتجري. وقوله: " وما ألزم نفسه " في مقابلة الاحسان
أو الإساءة بمثلها.
(2) أي اختبارك عنده.
(3) المثافنة: المجالسة والملازمة. وفى بعض نسخ النهج " ومنافثة " أي المحادثة.
245

ثم اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضا إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض
فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة. ومنها قضاة العدل، ومنها عمال
الانصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس (1)
ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها طبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة
وكلا قد سمي الله سهمه ووضع على حد فريضته في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله. وعهد
عندنا محفوظ (2).
فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبيل الامن
والخفض (3) وليس تقوم الرعة إلا بهم، ثم لأقوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم
من الخراج الذي يصلون به إلى جهاد عدوهم ويعتمدون عليه ويكون من وراء
حاجاتهم، ثم لا بقاء لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال و
الكتاب لما يحكمون من الأمور، ويظهرون من الانصاف، ويجمعون من المنافع،
ويؤتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها. ولاقوام لهم جميعا إلا بالتجار، وذوي
الصناعات فيما يجمعون من مرافقهم (4) ويقيمون من أسواقهم ويكفونهم من الترفق
بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم.

(1) " مسلمة الناس " قال بعض شراح النهج: هذا تفصيل لأهل الخراج ويجوز أن
يكون تفسيرا لأهل الجزية والخراج معا لان للامام أن يقبل أهل الخراج من سائر المسلمين
وأهل الذمة.
(2) أراد بالسهم الذي سماه الله الاستحقاق لكل من ذوي الاستحقاق في كتابه
اجمالا من الصدقات كالفقراء والمساكين وعمال الخراج والصدقة وفصله في سنة نبيه صلى الله
عليه وآله، وحده الذي وضع الله عليه عهدا منه إلى أهل بيت نبيه هو مرتبته ومنزلته من أهل
المدينة الذين لا يقوم الا بهم فان للجندي منزلة وحدا محدودا وكذلك العمال والكتاب و
القضاة وغيرهم فان لكل منهم حدا يقف عنده وفريضة يلزمها عليها عهد من الله محفوظ عند
نبيه وأهل بيته عليهم السلام.
(3) يعنى الراحة والسعة والعيش.
(4) المرافق: المنافع.
246

ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم (1) وفي
فئ الله لكل سعة، ولكل على الوالي حق بقدر يصلحه وليس يخرج الوالي من
حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسك على لزوم
الحق والصبر فيما خف عليه وثقل. فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله
ولامامك وأنقاهم جيبا (2) وأفضلهم حلما وأجمعهم علما وسياسة ممن يبطئ عن الغضب
ويسرع إلى العذر، ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء (3) ممن لا يثيره العنف ولا
يقعد به الضعف، ثم ألصق بذوي الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة
ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة، فإنهم جماع من الكرم (4) وشعب
من العرف، يهدون إلى حسن الظن بالله والايمان بقدره. ثم تفقد أمورهم بما
يتفقد الوالد من ولده، ولا يتفاقمن في نفسك شئ قويتهم به (5) ولا تحقرن لطفا
تعاهدتهم به وإن قل، فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة وحسن الظن بك. فلا تدع
تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها، فان لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به
وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه.

(1) الرفد: العطاء والمعونة.
(2) الجيب من القميص: طوقة. وأيضا: الصدر والقلب، يقال: فلان نقى الجيب
أي أمين الصدر والقلب. وأيضا: الأمين، يقال: رجل ناصح الجيب أي أمين لا غش فيه
وقد يقرء في بعض النسخ " اتقاهم ".
(3) النبو: العلو والارتفاع وينبو أي يشتد ويعلو عليهم ليكف أيديهم عن الظلم.
والعنف - مثلثة العين -: الشدة والمشقة، ضد الرفق. ويحتمل أن يكون بمعنى اللوم كما
جاء في اللغة أيضا.
(4) أي مجموع منه. والعرف: المعروف. ومراده عليه السلام شرح أوصاف الذين
يؤخذ منهم الجند ويكون منهم رؤساؤه.
(5) تفاقم الامر: عظم أي لا تعد ما قويتهم به عظيما ولا ما تلطفك حقيرا بل لكل
موضع وموقع.
247

وليكن آثر رؤوس جنودك من واساهم في معونته وأفضل عليهم في بذله ممن
يسعهم ويسع من ورائهم من الخلوف من أهلهم (1) حتى يكون همهم هما واحدا
في جهاد العدو، ثم واتر اعلامهم (2) ذات نفسك في إيثارهم، والتكرمة لهم، والأرصاد
بالتوسعة. وحقق ذلك بحسن الفعال والأثر والعطف، فإن عطفك عليهم يعطف
قلوبهم عليك. وإن أفضل قرة العيون للولاة استفاضة العدل في البلاد (3) وظهور
مودة الرعية لأنه لا يظهر مودتهم إلا سلامة صدورهم ولا تصح نصيحتهم إلا بحوطتهم
على ولاة أمورهم (4) وقلة استثقال دولتهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم (5) ثم لا تكلن
جنودك إلى مغنم وزعته بينهم بل أحدث لهم مع كل مغنم بدلا مما سواه مما أفاء
الله عليهم، تستنصر بهم به ويكون داعية لهم إلى العودة لنصر الله ولدينه، واخصص
أهل النجدة (6) في أملهم إلى منتهى غاية آمالك من النصيحة بالبذل وحسن الثناء
عليهم ولطيف التعهد لهم رجلا رجلا وما أبلى في كل مشهد، فإن كثرة الذكر

(1) آثر أي أكرم وأفضل وأعلى منزلة. من واساهم أي ساعدهم وعاونهم. وأفضل
عليهم أي أفاض وأحسن إليهم، فلا يقتر عليهم في الفرض ولا ينقص منهم شيئا ويجعل البذل
شاملا لمن تركوهم في الديار. والخلوف - بضمتين جمع خلف بفتح فسكون -: من
يخلف في الديار من النساء والعجزة.
(2) واتر: أمر من المواترة وهي ارسال الكتب بعضها أثر بعض. والاعلام: الاطلاع
ويحتمل أن يكون وآثر بالثاء: أمر من المفاعلة أي أكرم وفضل. والاعلام: جمع علم:
سيد القوم ورئيسهم.
(3) الاستفاضة: الانتشار والاتساع. وفى النهج " الاستقامة ".
(4) الحوطة: الحيطة: مصدر حاطه بمعنى حفظه وتعهده أي بحفظهم على ولاتهم و
حرصهم على بقائهم.
(5) استثقل الشئ: عده أو وجده ثقيلا. واستبطأ الشئ: عده أو وجده بطيئا، فيعدون
زمنهم قصيرا.
(6) النجدة: الشدة والبأس والشجاعة. والناكل: الجبان الضعيف والمراد هنا
المتأخر القاعد.
248

منك لحسن فعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله.
ثم لا تدع أن يكون لك عليهم عيون (1) من أهل الأمانة والقول بالحق
عند الناس، فيثبتون بلاء كل ذي بلاء منهم ليثق أولئك بعلمك ببلائهم. ثم أعرف
لكل امرء منهم ما أبلى ولا تضمن بلاء امرء إلى غيره ولا تقصرن به دون غاية
بلائه (2) وكاف كلا منهم بما كان منه، واخصصه منك بهزه. ولا يدعونك شرف
امرء إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرء (3) على أن تصغر من
بلائه ما كان عظيما. ولا يفسدن امرءا عندك علة إن عرضت له (4) ولا نبوة حديث
له قد كان له فيها حسن بلاء، فان العزة لله يؤتيه من يشاء والعاقبة للمتقين.
وإن استشهد أحد من جنودك وأهل النكاية في عدوك فأخلفه في عياله بما
يخلف به الوصي الشفيق الموثق به حتى لا يرى عليهم أثر فقده، فان ذلك يعطف
عليك قلوب شيعتك ويستشعرون به طاعتك ويسلسون لركوب معاريض التلف الشديد
في ولايتك (5).
وقد كانت من رسول الله صلى الله عليه وآله سنن في المشركين ومنا بعده سنن، قد جرت
بها سنن وأمثال في الظالمين ومن توجه قبلتنا وتسمى بديننا. وقد قال الله لقوم
أحب إرشادهم: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم
الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (6) " وقال: " ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي الامر

(1) العين: الرقيب والناظر والجاسوس.
(2) لا تضم عمل امرء إلى غيره ولا تقصر به في الجزاء دون ما يبلغ منتهى عمله. والهز التشويق.
(3) الضعة: من مصادر وضع - كشرف -: صار وضيعا أي دنيا.
(4) أي لا تفسدن عندك أحدا علة تعرض له. ونبوة الزمان: خطبه وجفوته.
(5) يسلسون: ينقادون ويسهل عليهم.
(6) سورة النساء: 62.
249

منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا
قليلا " (1) فالرد إلى الله الاخذ بمحكم كتابه (2) والرد إلى الرسول الاخذ
بسنته الجامعة غير المتفرقة (3) ونحن أهل رسول الله الذين نستنبط المحكم من كتابه
ونميز المتشابه منه ونعرف الناسخ مما نسخ الله ووضع إصره (4).
فسر في عدوك بمثل ما شاهدت منا في مثلهم من الأعداء وواتر إلينا الكتب
بالاخبار بكل حدث يأتك منا أمر عام (5) والله المستعان.
ثم انظر في أمر الاحكام بين الناس بنية صالحة فإن الحكم في إنصاف المظلوم
من الظالم، والاخذ للضعيف من القوي، وإقامة حدود الله على سنتها ومنهاجها
مما يصلح عباد الله وبلاده. فاختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك وأنفسهم
للعلم والحلم والورع والسخاء ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم (6) ولا
يتمادى في إثبات الزلة ولا يحصر من الفئ (7) إلى الحق إذا عرفه ولا تشرف نفسه

(1) سورة النساء: 85.
(2) محكم الكتاب: نصه الصريح.
(3) أي الاخذ بما أجمع عليه مما لا يختلف في نسبته إليه، فلا يكون مما افترق به
الآراء في نسبته إليه.
(4) الإصر: الثقل أي ثقل التكليف كما قال الله تعالى في سورة الأعراف: 156:
" ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم ".
(5) واتر: أمر من المواترة. والحدث - بفتحتين -: الحادثة أي الامر الحادث.
(6) لا تمحكه: لا تغضبه - من محك الرجل: نازع في الكلام وتمادى في اللحاجة
عند المساومة - أي ولا تحمله مخاصمة الخصوم عند اللحاجة على رأيه. والزلة:
السقطة والخطيئة.
(7) حصر: ضاق صدره أي إذا عرف الحق لا يضيق صدره من الرجوع إليه. وفى
بعض النسخ " في انبات الزلة ولا يحصر من العى ".
250

على طمع (1) ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه (2) وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم
بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصوم (3) وأصبرهم على تكشف الأمور، و
أصرمهم (4) عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء (5) ولا يستميله إغراق
ولا يصغى للتبليغ، فول قضاءك من كان كذلك وهم قليل. ثم أكثر تعهد قضائه (6)
وافتح له في البذل ما يزيح علته (7) ويستعين به، وتقل معه حاجته إلى الناس، و
أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال
إياه عندك، وأحسن توقيره في صحبتك، وقربه في مجلسك. وأمض قضاءه، وأنفذ
حكمه، واشدد عضده، واجعل أعوانه خيار من ترضى من نظرائه من الفقهاء وأهل
الورع والنصيحة لله ولعباد الله، ليناظرهم فيما شبه عليه، ويلطف عليهم لعلم ما غاب
عنه، ويكونون شهداء على قضائه بين الناس إن شاء الله.
ثم حملة الاخبار لأطرافك قضاة تجتهد فيهم نفسه (8) لا يختلفون ولا
يتدابرون في حكم الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله فإن الاختلاف في الحكم إضاعة للعدل
وغرة في الدين (9) وسبب من الفرقة. وقد بين الله ما يأتون وما ينفقون وأمر

(1) الاشراف على الشئ: الاطلاع عليه من فوق.
(2) أي ينبغي له التأمل في الحكم فلا يكتفى بما يبدو له بأول فهم.
(3) التبرم: الضجر. والملل.
(4) وأصرمهم: أقطعهم للخصومة عند وضوح الحكم.
(5) لا يزدهيه: افتعال من الزهو: العجب والفخر. والاطراء: المبالغة في المدح
أي لا تحمله على الكبر والعجب ولا يستخفه زيادة الثناء عليه. وفى النهج " ولا يستميله اغراء ".
(6) تعهد: تفقد وتحفظ.
(7) يزيح: يبعد ويزول وفى النهج " يزيل ". أي وسع له حتى يكون ما يأخذه
كافيا لمعيشته.
(8) كذا. وفى بعض النسخ " حملة الاختيار " وفى بعضها " حمل الاختيار ". ولعل
الصحيح " ثم اختيار حملة الاخبار لأطرافك قضاة تجتهد فيه نفوسهم ".
(9) الغرة - بالكسر -: الغفلة.
251

برد مالا يعلمون إلى من استودعه الله علم كتابه، واستحفظه الحكم فيه، فإنما
اختلاف القضاة في دخول البغي بينهم واكتفاء كل امرء منهم برأيه دون من فرض
الله ولايته، وليس يصلح الدين ولا أهل الدين على ذلك. ولكن على الحاكم
أن يحكم بما عنده من الأثر والسنة، فإذا أعياه ذلك (1) رد الحكم إلى أهله
فإن غاب أهله عنه ناظر غيره من فقهاء المسلمين ليس له ترك ذلك إلى غيره، وليس
لقاضيين من أهلة الملة أن يقيما على اختلاف في [ال‍] حكم دون ما رفع ذلك إلى ولي الأمر
فيكم فيكون هو الحاكم بما علمه الله، ثم يجتمعان على حكمه فيما وافقهما
أو خالفهما، فانظر في ذلك نظرا بليغا فان هذا الدين قد كان أسيرا بأيدي الأشرار
يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا، واكتب إلى قضاة بلدانك فليرفعوا إليك كل
حكم اختلفوا فيه على حقوقه. ثم تصفح تلك الأحكام فما وافق كتاب الله وسنة
نبيه والأثر من إمامك فأمضه واحملهم عليه، وما اشتبه عليك فاجمع له الفقهاء
بحضرتك فناظرهم فيه ثم أمض ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء بحضرتك من المسلمين
فان كل أمر اختلف فيه الرعية مردود إلى حكم الامام وعلى الامام الاستعانة بالله
والاجتهاد في إقامة الحدود وجبر الرعية على أمره، ولا قوة إلا بالله.
ثم انظر إلى أمور عمالك، واستعملهم اختبارا، ولا تولهم أمورك محاباة (2)
وأثرة، فإن المحاباة والاثرة جماع الجور والخيانة، وإدخال الضرورة على
الناس وليست تصلح الأمور بالادغال (3) فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع والعلم
والسياسة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم
في الاسلام، فإنهم أكرم أخلاقا، وأصح أعراضا، وأقل في المطامع إشرافا،

(1) أعياه: أعجزه ولم يهتد لوجه مراده.
(2) " محاباة " أي اختصاصا وميلا. والاثرة - بالتحريك -: اختصاص المرء نفسه
بأحسن الشئ دون غيره ويعمل كيف يشاء، يعنى استعمل عمالك بالاختبار والامتحان لا
اختصاصا واستبدادا.
(3) الأدغال: الافساد وادخال في الامر بما يخالفه ويفسده.
252

وأبلغ في عواقب الأمور نظرا من غيرهم، فليكونوا أعوانك على ما تقلدت.
ثم أسبغ عليهم في العمالات ووسع عليهم في الأرزاق فإن في ذلك قوة
لهم على استصلاح أنفسهم وغنى [لهم] عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن
خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك (1).
ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون عليهم من أهل الصدق والوفاء، فإن تعهدك
في السر أمورهم حدوة لهم (2) على استعمال الأمانة والرفق بالرعية، وتحفظ
من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها أخبار عيونك اكتفيت
بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته
بمقام المذلة فوسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة.
وتفقد ما يصلح أهل الخراج (3) فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم
ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لان الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، فليكن
نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج فإن الجلب لا يدرك
إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم له
أمره إلا قليلا، فاجمع إليك أهل الخراج من كل بلدانك ومرهم فليعلموك حال
بلادهم وما فيه صلاحهم ورخاء جبايتهم (4) ثم سل عما يرفع إليك أهل العلم به
من غيرهم، فان كانوا شكوا ثقلا (5) أو علة من انقطاع شرب أو إحالة أرض اغتمرها

(1) أي نقصوا وخانوا في أدائها وأحدثوا فيها.
(2) الحدوة: السوق والحث.
(3) في النهج " وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله ".
(4) الجباية: الخراج.
(5) أي من الخراج أو علة أخرى كانقطاع الشرب (بالكسر أي النصيب من الماء)
أو إحالة أرض يعنى تغييرها عما كانت عليه من الاستواء لأجل الاغتمرار أي الانغماس في الماء
بالغرق فلم ينجب زرعها ولا أثمر نخلها. وقوله: " أو أجحف بهم " أي ذهب بمادة الغذاء
من الأرض فلم تنبت.
253

غرق أو أجحف بهم العطش أو آفة خففت عنهم ما ترجو أن يصلح الله به أمرهم
وإن سألوا معونة على إصلاح ما يقدرون عليه بأموالهم فاكفهم مؤونته، فان عاقبة
كفايتك إياهم صلاحا، فلا يثقلن عليك شئ خففت به عنهم المؤونات، فإنه
ذخر يعودون به عليك لعمارة بلادك وتزيين ولايتك مع اقتنائك مودتهم وحسن
نياتهم (1) واستفاضة الخير وما يسهل الله به من جلبهم (2)، فان الخراج لا يستخرج
بالكد والاتعاب مع أنها عقد تعتمد عليها إن حدث حدث كنت عليهم معتمدا
لفضل قوتهم بما ذخرت عنهم من الحمام (3) والثقة منهم بما عودتهم من عدلك
ورفقك ومعرفتهم بعذرك فيما حدث من الامر الذي اتكلت به عليهم فاحتملوه بطيب
أنفسهم، فان العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب الأرض لاعواز (4)
أهلها وإنما يعوز أهلها لاسراف الولاة (5) وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر
.
فاعمل فيما وليت عمل من يحب أن يدخر حسن الثناء من الرعية والمثوبة من الله
والرضا من الامام. ولا قوة إلا بالله.
ثم انظر في حال كتابك فاعرف حال كل امرء منهم فيما يحتاج إليه منهم
فاجعل لهم منازل ورتبا، فول على أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل
فيها مكيدتك وأسرارك بأجمعهم (6) لوجوه صالح الأدب ممن يصلح للمناظرة في

(1) في بعض النسخ " نيتهم ". وفى النهج " مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة
العدل فيهم معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم ".
(2) في بعض النسخ " حليهم ".
(3) كذا وفى بعض النسخ " الجمام " وفى النهج " من اجمامك " والجمام: الراحة.
(4) فان العمران ما دام قائما فكل ما حملت أهله سهل عليهم أن يحملوه. والاعواز:
الفقر والحاجة.
(5) في النهج " لاشراف أنفس الولاة على الجمع ". أي لتطلع أنفسهم إلى جمع المال.
(6) بأجمعهم متعلق باخصص، أي ما يكون من رسائلك حاويا لشئ من المكائد و
الأسرار فاخصصه بمن كان ذا أخلاق وصلاح ورأي ونصيحة وذهن وغير ذلك من الأوصاف
المذكورة. وطوى الحديث: كتمه. وطوى كشحا عنه أي أعرض عنه وقاطعه. وبطر الرجل
يبطر بطرا - محركة - إذا دهش وتحير في الحق. وبالأمر ثقل به. وبطره النعمة: أدهشه
254

جلائل الأمور من ذوي الرأي والنصيحة والذهن، أطواهم عنك لمكنون الاسرار
كشحا ممن لا تبطره الكرامة ولا تمحق به الدالة (*) فيجترى بها عليك في خلاء أو
يلتمس إظهارها في ملاء، ولا تقصر به الغفلة (1) عن إيراد كتب الأطراف عليك، و
إصدار جواباتك على الصواب عنك، وفيما يأخذ [لك] ويعطى منك، ولا يضعف عقدا
اعتقده لك، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور،
فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل.
وول ما دون ذلك من رسائلك وجماعات كتب خرجك ودواوين جنودك قوما
تجتهد نفسك في اختيارهم، فإنها رؤوس أمرك أجمعها لنفعك وأعمها لنفع رعيتك.
ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك (2) وحسن الظن بهم، فإن
الرجال يعرفون فراساة الولاة بتضرعهم وخدمتهم (3) وليس وراء ذلك من النصيحة
والأمانة [شئ]. ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فأعمد لأحسنهم كان في
العامة أثرا وأعرفهم فيها بالنبل والأمانة (4) فإن ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن
وليت أمره، ثم مرهم بحسن الولاية ولين الكلمة واجعل لرأس كل أمر من أمورك
رأسا منهم، لا يقهره كبيرها (5) ولا يتشتت عليه كثيرها، ثم تفقد ما غاب عنك من
حالاتهم وأمور من يرد عليك رسله وذوي الحاجة وكيف ولايتهم وقبولهم وليهم

* الدالة: الجرأة.
(1) أي ولا تكون غفلته موجبة لتقصيره في اطلاعك على ما يرد من أعمالك ولا في
اصدار الأجوبة عنه على وجه الصواب.
(2) الفراسة - بالكسر -: حسن النظر في الأمور. والاستنامة. السكون والاستيناس
أي لا يكون انتخاب الكتاب تابعا لميلك الخاص.
(3) وفى النهج " بتصنعهم وحسن خدمتهم ".
(4) النبل - بالضم -. الذكاء و: النجابة والفضل.
(5) أي لا يقهره عظيم تلك الأعمال ولا يخرج عن ضبطه كثيرها.
255

وحجتهم (1) فإن التبرم والعز والنخوة من كثير من الكتاب إلا من عصم الله.
وليس للناس بد من طلب حاجاتهم، ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه
ألزمته (2) أو فضل نسب إليك مع مالك عند الله في ذلك من حسن الثواب.
ثم التجار وذوي الصناعات فاستوص وأوص بهم خيرا، المقيم منهم والمضطرب
بماله (3) والمترفق بيده فإنهم مواد للمنافع وجلابها في البلاد في برك وبحرك
وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها (4) ولا يجترئون عليها من بلاد
أعدائك من أهل الصناعات التي أجرى الله الرفق منها على أيديهم، فاحفظ حرمتهم
وآمن سبلهم، وخذلهم بحقوقهم، فإنهم سلم لا يخاف بائقته (5) وصلح لا تحذر
غائلته، أحب الأمور إليهم أجمعها للأمن، وأجمعها للسلطان، فتفقد أمورهم
بحضرتك وفي حواشي بلادك. واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا (6) و
شحا قبيحا، واحتكارا للمنافع، وتحكما في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، و
عيب على الولاية، فامنع الاحتكار فإن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عنه، وليكن البيع
والشراء بيعا سمحا (7) بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين مع البائع

(1) في بعض النسخ " وقبولهم ولينهم وحجتهم ". والتبرم: التضجر.
(2) تغابيت أي تغافلت عن عيب في كتابك يكون ذلك العيب لاصقا بك.
(3) المضطرب بماله: المتردد بأمواله في الأطراف والبلدان. والمترفق بيده: المكتسب
به وأصله ما به يتم الانتفاع كالأدوات. والجلاب: الذي يجلب الأرزاق والمتاع إلى البلدان.
(4) يلتئم: يجتمع وينضم أي بحيث لا يمكن اجتماع الناس في مواضع تلك المرافق
ولا يجترئون أي ولا يكون لهم الجرأة على الاقدام من تلك الأمكنة من بلاد الأعداء. والرفق
- بالفتح -: النفع.
(5) البائقة: الداهية والشر. والغائلة: الفتنة والفساد والشر. أي فان التجار و
الصناع مسالمون ولا تخشى منهم فتنة ولا داهية.
(6) الضيق: عسر المعاملة. البياعات: جمع بياعة: ما يباع.
(7) السمحة: السهلة التي لا ضيق فيها وبيع السماح: ما كان فيه تساهل في بخس الثمن
وفى الخبر " السماح رباح " أي المساهلة في الأشياء تربح صاحبها.
256

والمبتاع (1). فمن قارف حكرة بعد نهيك فنكل وعاقب في غير إسراف. فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله فعل ذلك.
ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين و
ذوي البؤس والزمني (2)، فإن في هذه الطبقة قانعا ومعترا (3) فاحفظ الله
ما استحفظك من حقه فيها واجعل لهم قسما من غلات صوافي الاسلام (4) في كل
بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكلا قد استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم
نظر (5) فإنك لا تعذر بتضييع الصغير لأحكامك الكبير المهم (6)، فلا تشخص همك
عنهم، ولا تصعر خدك لهم وتواضع لله يرفعك الله (7) واخفض جناحك للضعفاء
واربهم (8) إلى ذلك منك حاجة وتفقد من أمورهم ما لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه
العيون (9) وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك (10) من أهل الخشية والتواضع

(1) المبتاع: المشترى. وقارف: أي فعل وقارب وخالط. والحكرة - بالضم:
اسم من الاحتكار.
(2) البؤس - بضم الباء - وفى النهج " البؤسى " - كصغرى -: شدة الفقر. والزمني -
بالفتح جمع زمن - ككتف -: المصاب بالزمانة - بالفتح - وهي العاهة وتعطيل القوى و
عدم بعض الأعضاء.
(3) القانع - من قنع بالكسر كعلم -. إذا رضى بما معه وما قسم له. ومن قنع بالفتح
كمنع إذا سأل وخضع. والمعتر - بتشديد الراء، المتعرض للعطاء من غير أن يسأل.
(4) الصوافى. جمع صافية: الأرض التي جلا عنها أهلها أو ماتوا ولا وارث لهم. وصوافى
الاسلام هي ارض الغنيمة. وغلات: جمع غلة وهي الدخل الذي يحصل من الزرع. والتمر
واللبن والإجارة والبناء ونحو ذلك وغلات صوافي الاسلام: ثمراتها.
(5) في النهج " بطر ".
(6) في بعض النسخ " الكثير المهم ". " فلا تشخص " أي لا تصرف اهتمامك عن ملاحظة
شؤونهم.
(7) والصعر: الميل في الخد اعجابا وكبرا أي لا تعرض بوجهك عنهم.
(8) كذا. وفى نسخة " ارئهم ".
(9) تقتحمة العيون: تكره أن تنظر إليه احتقارا.
(10) " ففرغ " أي فاجعل للتفحص عنهم وعن حالهم أشخاصا ممن تثق بهم يتفرغون أنفسهم
لمعرفة أحوالهم ويبذلون جهدهم فيهم.
257

فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالاعذار إلى الله يوم تلقاه، فإن هؤلاء
أحوج إلى الانصاف من غيرهم وكل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه، وتعهد
أهل اليتم والزمانة والرقة في السن، ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه،
فاجر لهم أرزاقا فإنهم عباد الله فتقرب إلى الله بتخلصهم، وضعهم مواضعهم في أقواتهم
وحقوقهم، فإن الأعمال تخلص بصدق النيات، ثم إنه لا تسكن نفوس الناس أو
بعضهم إلى أنك قد قضيت حقوقهم بظهر الغيب دون مشافهتك بالحاجات (1) وذلك
على الولاة ثقيل. والحق كله ثقيل. وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة (2)
فصبروا نفوسهم ووثقوا بصدق موعود الله لمن صبر واحتسب فكن منهم واستعن بالله
واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك وذهنك من كل شغل،
ثم تأذن لهم عليك وتجلس لهم مجلسا تتواضع فيه لله الذي رفعك وتقعد عنهم جندك
وأعوانك (3) من أحراسك وشرطك تخفض لهم في مجلسك ذلك جناحك وتلين لهم
كنفك (4) في مراجعتك ووجهك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع (5)، فإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن: " لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها
حقه من القوي غير متعتع ". ثم احتمل الخرق منهم والعي (6) ونح عنك الضيق

(1) المشافهة: المخاطبة بالشفه أي من فيه إلى فيه والمراد حضورهم.
(2) في بعض النسخ " العافية ".
(3) تأمر بأن يقعد عنهم ولا يتعرض لهم. والأحراس: جمع حارس وهو من يحرس
الحاكم من وصول المكروه إليه. أي أعوان الحاكم. والشرط - بضم ففتح -: جمع
شرطة - بضم فسكون - وهم طائفة من أعوان الولاة وسموا بذلك لأنهم اعلموا أنفسهم بالعلامات
يعرفون بها. وهم المعروفون الان بالضابطة.
(4) الكنف - بالتحريك - الجانب، الظل.
(5) التعتعة في الكلام: التردد فيه من عى أو عجز والمراد غير خائف منك ومن أعوانك
وفى النهج " غير متتعتع " في الموضعين ولعله أصح.
(6) الخرق - بالضم -: العنف. والعى بالكسر -: العجز عن النطق أي أطق
واصبر، لا تضجر من هذا ولا تغضب لذاك.
258

والأنف (1) يبسط الله عليك أكناف رحمته (2) ويوجب لك ثواب أهل طاعته، فأعط
ما أعطيت هنيئا (3) وامنع في إجمال وإعذار وتواضع هناك، فان الله يحب المتواضعين؟؟
وليكن أكرم أعوانك عليك ألينهم جانبا، وأحسنهم مراجعة، وألطفهم بالضعفاء، إن
شاء الله.
ثم إن أمورا من أمورك لا بد لك من مباشرتها، منها إحابة عمالك ما
يعيى عنه كتابك (4)، ومنها إصدار حاجات الناس في قصصهم، ومنها معرفة ما يصل
إلى الكتاب والخزان مما تحت أيديهم، فلا تتوان فيما هنالك ولا تغتنم تأخيره
واجعل لكل أمر منها من يناظر فيه ولاته بتفريغ لقلبك وهمك، فكلما أمضيت
أمرا فأمضه بعد التروية (5) ومراجعة نفسك ومشاورة ولي ذلك، بغير احتشام ولا
رأي (6) يكسب به عليك نقيضه.
ثم أمض لكل يوم علمه فان لكل يوم ما فيه، واجعل لنفسك فيما بينك
وبين الله أفضل تلك المواقيت، وأجزل تلك الأقسام (7) وإن كانت كلها لله إذا صحت
فيها النية (8) وسلمت منها الرعية، وليكن في خاص ما تخلص لله به دينك إقامة
فرائضه التي هي له خاصة، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ما يجب، فان الله
جعل النافلة لنبيه خاصة دون خلقه فقال: " ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى

(1) المراد بالضيق: ضيق الصدر من هم أو سوء خلق. والأنف - بالتحريك -: الاستكبار
والترفع. أي بعد عن نفسك هذا وذلك.
(2) الأكناف: الأطراف.
(3) هنيئا: سهلا لينا أي لا تخشنه وإذا منعت فامنع بلطف وعذر.
(4) أي يعجز عنه.
(5) التروية: النظر في الامر والتفكر فيه.
(6) الاحتشام من الحشمة - بالكسر -: الاستحياء والانقباض والغضب.
(7) أجزل: أعظم.
(8) في النهج " إذا صلحت ".
259

أن يبعثك ربك مقاما محمودا " (1) فذلك أمر اختص الله به نبيه وأكرمه به ليس لأحد
سواه وهو لمن سواه تطوع فإنه يقول: " ومن تطوع خيرا فان الله شاكر
عليم (2) " فوفر ما تقربت به إلى الله وكرمه وأد فرائضه إلى الله كاملا غير مثلوب
ولا منقوص (3) بالغا ذلك من بدنك ما بلغ. فإذا قمت في صلاتك بالناس فلا تطولن
ولا تكونن منفرا ولا مضيعا (4) فان في الناس من به العلة وله الحاجة، وقد سألت
رسول الله صلى الله عليه وآله حين وجهني إلى اليمن: كيف أصلي بهم؟ فقال: " صل بهم كصلاة
أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما ".
وبعد هذا (5) فلا تطولن احتجابك عن رعيتك. فإن احتجاب الولاة عن
الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور. والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا
دونه فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب
الحق بالباطل (6) وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور و
ليست على القول سمات (7) يعرف بها الصدق من الكذب، فتحصن من الادخال
في الحقوق بلين الحجاب (8) فإنما أنت أحد رجلين: إما امرء سخت نفسك بالبذل
في الحق ففيم احتجابك، من واجب حق تعطيه؟ أو خلق كريم تسديه؟ وإما مبتلى

(1) سورة الإسراء: 81.
(2) سورة البقرة: 153. وفى النهج [ووف ما تقربت].
(3) المثلوب: المعيوب. وفى النهج " المثلوم " أي المخدوش. وبالغا أي وان بلغ
من اتعاب بدنك أي مبلغ.
(4) أي بالتطول والتنقص. والمطلوب المتوسط.
(5) وفى النهج " وأما بعد ".
(6) يشاب: يخلط.
(7) سمات: جمع سمة - بكسر السين -: العلامة. وفى النهج " وليست على الحق
سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب ".
(8) الادخال في الحقوق: الافساد فيها. ومن المحتمل " الأدغال في الحقوق ".
260

بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات
الناس إليك مالا مؤونة عليك فيه من شكاية مظلمة أو طلب إنصاف. فانتفع بما وصفت
لك واقتصر فيه على حظك ورشدك إن شاء الله.
ثم إن للملوك خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف (1) فاحسم
مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأشياء، ولا تقطعن لاحد من حشمك ولا حامتك
قطيعة (2) ولا تعتمدن في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك
يحملون مؤونتهم على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا
والآخرة (3)
عليك بالعدل في حكمك إذا انتهت الأمور وألزم الحق من لزمه من
القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرا محتسبا، وافعل ذلك بقرابتك حيث وقع
وابتغ عاقبته بما يثقل عليه منه (4) فان مغبة ذلك محمودة.
وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك (5) واعدل عنك ظنونهم

(1) الاستئثار: تقديم النفس على الغير. والتطاول: الترفع والتكبر.
(2) الحسم: القطع. والحشم - محركة -: الخدم. وفى النهج " حاشيتك ". والحامة
الخاصة. والقطيعة - من الاقطاع -: المنحة من الأرض.
(3) العقدة: الولاية على البلد، وما يمسك الشئ ويوثقه، وموضع العقد وهو ما عقد
عليه والضيعة، والعقار الذي اعتقده صاحبه ملكا، والبيعة المعقودة لهم، والمكان الكثير
الشجر أو النخل والكلاء الكافي للإبل. وفى النهج هكذا " ولا تقطعن لاحد من حاشيتك و
حامتك قطيعة ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس ". والمهنأ، ما يأتيك
بلا مشقة والمنفعة الهنيئة.
(4) في النهج " واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك
منه ". والمغبة: العاقبة.
(5) الحيف: الظلم. والاصحار: الابراز والاظهار. أي إذا فعلت فعلا وظنت الرعية
أنه ظلم فأبرز لهم عذرك وبينه. وعدل عنه: نحاه عنه.
261

بإصحارك، فان تلك رياضة منك لنفسك، ورفق منك برعيتك، وإعذار تبلغ
فيه حاجتك من تقويمهم على الحق في خفض وإجمال (1). لا تدفعن صلحا دعاك
إليه عدوك فيه رضى (2) فان في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمنا
لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر (3) من مقاربة عدوك في طلب الصلح فان
العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم وتحصن كل مخوف تؤتي منه. وبالله
الثقة في جميع الأمور. وإن لجت بينك (4) وبين عدوك قضية عقدت له بها صلحا
أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالأمانة واجعل نفسك جنة
دونه (5) فإنه ليس شئ من فرائض الله جل وعز الناس أشد عليه اجتماعا في تفريق
أهوائهم، وتشتيت أديانهم من تعظيم الوفاء بالعهود (6) وقد لزم ذلك المشركون
فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا (7) من الغدر والختر، فلا تغدرن بذمتك ولا تخفر
بعهدك (8) ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل، قد جعل الله عهده
وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته (9) وحريما يسكنون إلى منعته، ويستفيضون به

(1) الخفض: السكون والدعة.
(2) في النهج " ولله فيه رضى ".
(3) في النهج " ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه ".
(4) اللجاج: العناد والخصومة. لج في الامر: لازمه وأبى أن ينصرف عنه.
(5) أي دون ما أعطيت، كما في النهج.
(6) الناس مبتدأ وخبره أشد والجملة خبر ليس، يعنى ان الناس مع تفرق أهوائهم
وتشتت آرائهم لم يجتمعوا على فريضة أشد اهتماما من اجتماعهم على تعظيم الوفاء بالعهود حتى
أن المشركين التزموا به مع أنهم ليسوا من المسلمين.
(7) استوبلوا: استوخموا من عواقب الغدر والختر وهو الغدر أيضا.
(8) فلا تخفر أي فلا تنقض بعهدك وفى النهج " ولا تخيسن " من خاس بعهده أي خانه ونقضه.
(9) الافضاء أصله الاتساع وهنا محار ويراد به الافشاء والانتشار. والحريم: ما حرم
أن يمس. والمنعة: القوة التي تمنع من يريد بأحد سوءا.
262

إلى جواره، فلا خداع، ولا مدالسة، ولا إذ عال فيه (1).
فلا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله على طلب انفساخه، فان صبرك على
ضيق ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته (2) وأن تحيط بك
من الله طلبة [فيه]، ولا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك.
وإياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شئ أدعى لنقمة، ولا أعظم لتبعة
ولا أحرى لزوال نعمة، وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق. والله مبتدء
بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء، فلا تصونن سلطانك (3) بسفك دم
حرام، فان ذلك يخلقه ويزيله، فإياك والتعرض لسخط الله فان الله قد جعل
لولي من قتل مظلوما سلطانا قال الله: " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا
فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا (4) " ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد
لان فيه قود البدن (5). فان ابتليت بخطأ وفرط عليه سوطك أو يدك لعقوبة فان
في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أهل
المقتول حقهم دية مسلمة يتقرب بها إلى الله زلفى (6).
إياك والاعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الاطراء، فإن

(1) المدالسة: الخيانة. والأدغال: الافساد.
(2) التبعة: ما يترتب على الفعل من الخير أو الشر واستعماله في الشر أكثر. و " أن
تحيط " عطف على تبعة. والطلبة اسم من المطالبة أي وتخاف أن تتوجه عليك من الله مطالبة
بحقه في الوفاء الذي غدرته ولا يمكن أن تسأل الله أن يقيلك من هذه المطالبة بعفوه عنك.
(3) في النهج " ولا تقوين سلطانك ".
(4) سورة الاسرى: 43.
(5) القود - بالتحريك -: القصاص.
(6) " فرط عليه " عجل بما لم تكن تريده أي أردت تأديبا فاعقب قتلا. والوكزة:
الضربة بجمع الكف. وهي تعليل: لقوله " وفرط عليه ". قوله: " فلا تطمحن " جواب الشرط
أي لا يرتفعن بك كبرياء السلطان عن تأدية الدية إلى أهل المقتول في القتل الخطاء.
263

ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه (1) ليمحق ما يكون من إحسان المحسن.
وإياك والمن على رعيتك بإحسان أو التزيد فيما كان من فعلك (2) أو تعدهم
فتتبع موعدك بخلفك أو التسرع إلى الرعية بلسانك (3) فان المن يبطل الاحسان (4)
والخلف يوجب المقت، وقد قال الله جل ثناؤه: " كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا
تفعلون " (5).
إياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، والتساقط فيها عند زمانها (6) واللجاجة
فيها إذا تنكرت (7) والوهن فيها إذا أوضحت، فضع كل أمر موضعه، وأوقع كل
عمل موقعه.
وإياك والاستئثار بما للناس فيه الأسوة، والاعتراض فيما يعنيك، والتغابي
عما يعنى به (8) مما قد وضح لعيون الناظرين، فإنه مأخوذ منك لغيرك، وعما
قليل تكشف عنك أغطية الأمور، ويبرز الجبار بعظمته، فينتصف المظلومون من
الظالمين.
ثم أملك حمية أنفك (9) وسورة حدتك، وسطوة يدك، وغرب لسانك، و

(1) الاطراء: المبالغة في المدح والثناء. الفرص: جمع الفرصة - بالضم -: الوقت
المناسب للوصول إلى المقصد.
(2) التزيد - كالتقيد -: اظهار الزيادة وتكلفها في الأعمال عن الواقع منها.
(3) التسرع: المبادرة والتعجيل.
(4) في النهج بعد هذه العبارة " والتزيد يذهب بنور الحق ". والمقت: السخط والبغض.
(5) سورة الصف: 4.
(6) التساقط: تتابع السقوط والمراد به هنا التهاون وقيل: من ساقط الفرس إذا جاء
مسترخيا وفى النهج " التساقط فيها عند امكانها والوهن عنها إذا استوضحت ".
(7) أي لم يعرف وجه الصواب فيها. والوهن. الضعف.
(8) التغابى: التغافل عما يهتمم به و " يعنى " على صيغة المفعول.
(9) الحمية: الانفة والنخوة وفلان حمى الانف: إذا كان أبيا يأنف الضيم. والسورة
بفتح فسكون -: السطوة. والحدة - بالفتح - من الانسان: بأسه وما يعتريه من الغضب. والغرب:
الحدة والنشاط وأيضا بمعنى الحد.
264

احترس كل ذلك بكف البادرة (1) وتأخير السطوة، وارفع بصرك إلى السماء عندما
يحضرك منه حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار، ولن تحكم ذلك من نفسك حتى
تكثر همومك بذكر المعاد (2).
ثم اعلم أنه قد جمع ما في هذا العهد من صنوف ما لم آلك فيه رشدا إن أحب الله
إرشادك وتوفيقك أن تتذكر ما كان من كل ما شاهدت منا فتكون ولايتك هذه من
حكومة عادلة، أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبيك صلى الله عليه وآله، أو فريضة في كتاب الله فتقتدي
بما شاهدت مما عملنا به منها. وتجتهد نفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي و
استوثقت من الحجة لنفسي، لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها، فليس
يعصم من السوء، ولا يوفق للخير إلا الله جل ثناؤه. وقد كان مما عهد إلي رسول
الله صلى الله عليه وآله في وصايته تحضيضا على الصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم، فبذلك أختم
لك ما عهدت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأنا أسأل الله سعة رحمته وعظيم مواهبه وقدرته على إعطاء كل رغبة (3)
أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه (4)
مع حسن الثناء في العباد وحسن الأثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة (5) و
أن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة وإنا إليه راغبون والسلام على رسول الله وعلى
آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا.
فهرست النجاشي: (6) الأصبغ بن نباتة كان من خاصة أمير المؤمنين عليه السلام وعمر بعده

(1) البادرة: الحدة أو ما يبدر من اللسان عند الغضب من السب ونحوه.
(2) في النهج " بذكر المعاد إلى ربك ".
(3) أي أعطاه كل سائل ما سأله، كأنه قال: القادر على اعطاء كل سؤال.
(4) المراد من العذر الحجة الواضحة العادلة، يعنى فإنه حجة لك عند من قضيت عليه
وعذر عند الله فيمن أجريت عليه عقوبة أو حرمته من منفعة.
(5) أي زيادة الكرامة اضعافا.
(6) الرجال ص 7.
265

روى عنه عهد الأشتر ووصيته إلى محمد ابنه أخبرنا ابن الجندي، عن علي بن همام
عن الحميري، عن هارون بن مسلم، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن
الأصبغ بالعهد.
ايضاح: قوله عليه السلام (1).
* (باب 11) *
* " (وصيته عليه السلام لكميل بن زياد النخعي) " *
1 - بشارة المصطفى: (2) أخبرنا الشيخ أبو البقاء إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم البصري
بقراءتي عليه في المحرم سنة ست عشر وخمسمائة بمشهد مولينا أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام، عن أبي طالب محمد بن الحسن بن عتبة، عن أبي الحسن محمد بن الحسين
ابن أحمد، عن محمد بن وهبان الدبيلي، عن علي بن أحمد بن كثير العسكري، عن
أحمد بن أبي سلمة محمد بن كثير (3) عن أحمد بن أحمد بن الفضل الأصفهاني، عن أبي
راشد بن علي بن وائل القرشي، عن عبد الله بن حفص المدني، عن أبي (4) محمد بن
إسحاق، عن سعيد بن زيد بن أرطاة قال: لقيت كميل بن زياد وسألته عن فضل
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ألا أخبرك بوصية أوصاني بها يوما هي
خير لك من الدنيا بما فيها؟ فقلت: بلى فقال: أوصاني يوما فقال لي: يا كميل
ابن زياد سم كل يوم باسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وتوكل على الله، واذكرنا

(1) كان هنا بياض مقدار ورق. وذلك لان عمر المؤلف - رضوان الله عليه - لم يف
بترصيف بعض مجلدات الكتاب وبيان مشكله وتوضيح معضله ومنها هذا المجلد.
(2) بشارة المصطفى ص 29 الطبعة الأولى.
(3) في المصدر عن علي بن أحمد بن كثير العسكري، عن أحمد بن المفضل أبى سلمة
الأصفهاني قال أخبرني أحمد بن راشد بن علي بن وائل القرشي.
(4) في المصدر " عن محمد بن إسحاق ".
266

وسم بأسمائنا، وصل علينا واستعذ بالله ربنا وادرأ بذلك عن نفسك (1) وما تحوطه
عنايتك (2) تكف شر ذلك اليوم إن شاء الله.
يا كميل إن رسول الله صلى الله عليه وآله أدبه الله عز وجل وهو أدبني وأنا أؤدب
المؤمنين وأورث الأدب المكرمين.
يا كميل ما من علم إلا وأنا أفتحه وما من سر إلا والقائم عليه السلام يختمه.
يا كميل ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا.
يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة (3).
يا كميل إذا أكلت الطعام فسم باسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء وهو الشفاء
من جميع الأدواء (4).
يا كميل إذا أكلت الطعام فواكل به، ولا تبخل به فإنك لم ترزق الناس
شيئا، والله يجزل لك الثواب بذلك.
يا كميل أحسن خلقك وأبسط جليسك (5) ولا تنهرن خادمك
يا كميل إذا أنت أكلت فطول أكلك ليستوفى من معك ويرزق منه غيرك.
يا كميل إذا استوفيت طعامك فاحمد الله على ما رزقك، وارفع بذلك صوتك
ليحمده سواك، فيعظم بذلك أجرك.
يا كميل لا توقرن معدتك طعاما ودع فيها للماء موضعا وللريح مجالا (6).

(1) في التحف وفى بعض النسخ من الكتاب " أدر بذلك على نفسك " وأدر امر من درى
بالشئ أن توصل إلى عمله.
(2) تحوطه: تحفظه، وتعهده عنايتك.
(3) في بعض النسخ " إلى معونة ".
(4) في بعض النسخ " جميع الاسواء ".
(5) بسط الرجل -: سره. وفى المصدر " إلى جليسك " وفى بعض النسخ " لا تتهم
خادمك ".
(6) " لا توقرن " أي لا تثقلن معدتك من الطعام. وفى بعض النسخ " لا توفرن " بالفاء.
267

يا كميل لا تنقد طعامك فان رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينقده.
يا كميل لا ترفعن يدك من الطعام إلا وأنت تشتهيه فإذا فعلت ذلك فأنت
تستمرئه (1).
يا كميل صحة الجسم من قلة الطعام وقلة الماء.
يا كميل البركة في المال من إيتاء الزكاة ومواساة المؤمنين، وصلة الأقربين
وهم الأقربون [لنا].
يا كميل زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين وكن بهم أرأف و
عليهم أعطف، وتصدق على المساكين.
يا كميل لا تردن سائلا ولو بشق تمرة أو من شطر عنب.
يا كميل الصدقة تنمى عند الله.
يا كميل حسن خلق المؤمن من التواضع، وجماله التعفف، وشرفه الشفقة
وعزه ترك القال والقيل (2).
يا كميل إياك والمراء فإنك تغري بنفسك السفهاء إذا فعلت وتفسد الإخاء.
يا كميل إذا جادلت في الله تعالى فلا تخاطب إلا من يشبه العقلاء وهذا [قول]
ضرورة.
يا كميل هم على كل حال سفهاء كما قال الله تعالى " ألا إنهم هم السفهاء
ولكن لا يعلمون " (3).
يا كميل في كل صنف قوم أرفع من قوم، وإياك ومناظرة الخسيس منهم، و
إن أسمعوك فاحتمل وكن من الذين وصفهم الله تعالى بقوله " وإذا خاطبهم الجاهلون
قالوا سلاما " (4).

(1) استمرأ الطعام: استطيبه ووجده مرئيا.
(2) القال والقيل - مصدران -: ما يقوله الناس. وقيل: القال الابتداء والسؤال
والقيل الجواب.
(3) البقرة: 13.
(4) الفرقان: 64.
268

يا كميل قل الحق على كل حال، ووازر المتقين، واهجر الفاسقين.
يا كميل جانب المنافقين، ولا تصاحب الخائنين.
يا كميل إياك إياك والتطرق إلى أبواب الظالمين والاختلاط بهم والاكتساب
منهم وإياك أن تطيعهم وأن تشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك.
يا كميل إذا اضطررت إلى حضورهم فداوم ذكر الله تعالى والتوكل عليه و
استعذ بالله من شرهم، واطرق عنهم (1) وأنكر بقلبك فعلهم، واجهر بتعظيم الله تعالى
لتسمعهم فإنهم يهابوك وتكفي شرهم.
يا كميل إن أحب ما امتثله العباد إلى الله بعد الاقرار به وبأوليائه عليهم السلام
التجمل والتعفف والاصطبار.
يا كميل لا بأس بأن لا يعلم سرك.
يا كميل لا ترين الناس افتقارك واضطرارك، واصطبر عليه احتسابا بعز
وتستر.
يا كميل لا بأس بأن تعلم أخاك سرك.
يا كميل ومن أخوك؟ أخوك الذي لا يخذلك عند الشدة ولا يغفل عنك عند
الجريرة (2) ولا يخدعك حين تسأله ولا يتركك وأمرك حتى تعلمه فإن كان مميلا
أصلحه (3).
يا كميل المؤمن مرآة المؤمن [لأنه] يتأمله، ويسد فاقته، ويجمل حالته.
يا كميل المؤمنون إخوة، ولا شئ آثر عند كل أخ من أخيه (4).
يا كميل إذا لم تحب أخاك فلست أخاه.
يا كميل إنما المؤمن من قال بقولنا، فمن تخلف عنا قصر عنا، ومن قصر عنا

(1) أطرق الرجل: سكت ولم يتكلم وأرخى عينه ينظر إلى الأرض.
(2) الجريرة: الجناية، لأنها تجر العقوبة إلى الجاني.
(3) المميل - اسم فاعل من أمال -: صاحب ثروة ومال كثير.
(4) آثر أي أقدم وأكرم.
269

لم يلحق بنا، ومن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل من النار.
يا كميل كل مصدور ينفث فمن نفث إليك منا بأمر أمرك بستره فإياك أن
تبديه (1) فليس لك من إبدائه توبة فإذا لم تكن توبة فالمصير إلى لظى (2).
يا كميل إذاعة سر آل محمد عليهم السلام لا يقبل الله تعالى منها ولا يحتمل أحدا عليها.
يا كميل وما قالوه لك مطلقا فلا تعلمه إلا مؤمنا موفقا (3).
يا كميل لا تعلموا الكافرين من أخبارنا فيزيدوا عليها فيبدو كم بها [إلى] يوم
يعاقبون عليها.
يا كميل لا بد لماضيكم من أوبة (4) ولابد لنا فيكم من غلبة.
يا كميل سيجمع الله تعالى لكم خير البدء والعاقبة.
يا كميل أنتم ممتعون بأعدائكم، تطربون بطربهم، وتشربون بشربهم، و
تأكلون بأكلهم، وتدخلون مداخلهم، وربما غلبتم على نعمتهم إي والله على إكراه
منهم لذلك، ولكن الله عز وجل ناصركم وخاذلهم، فإذا كان والله يومكم، وظهر
صاحبكم لم يأكلوا والله معكم، ولم يردوا مواردكم، ولم يقرعوا أبوابكم، ولم
ينالوا نعمتكم أذلة خاسئين أينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا.
يا كميل احمد الله تعالى والمؤمنون على ذلك وعلى كل نعمة.
يا كميل قل عند كل شدة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم تكفها. و
قل عند كل نعمة الحمد لله تزد منها، وإذا أبطأت الأرزاق عليك فاستغفر الله يوسع
عليك فيها.

(1) المصدور: الذي يشتكى من صدره. وينفث المصدور أي رمى بالنفاثة. المراد
ان من ملا صدره من محبتنا وأمرنا لا يمكن له أن يقيها ولا يبرزها، فإذا أبرزها وأمر بسترها
فاسترها. وفى بعض النسخ " فمن نفث إليك منا بأمر فاستره ".
(2) اللظى: النار ولهبها.
(3) في المصدر " فلا يعلمه الا مؤمنا موفقا ".
(4) الاوب: الرجوع، آب يؤوب من سفر رجع.
270

يا كميل إذا وسوس الشيطان في صدرك فقل: أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي
وأعوذ بمحمد الرضي من شر ما قدر وقضى، وأعوذ بإله الناس من شر الجنة و
الناس أجمعين وسلم تكفي مؤونة إبليس والشياطين معه ولو أنهم كلهم أبالسة مثله.
يا كميل إن لهم خدعا وشقاشق (1) وزخازف ووساوس وخيلاء على كل
أحد قدر منزلته في الطاعة والمعصية، فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة.
يا كميل لا عدو أعدى منهم ولا ضار أضر بك منهم، أمنيتهم أن تكون معهم
غدا إذا اجتثوا في العذاب [الأليم] (2) لا يفتر عنهم بشرره، ولا يقصر عنهم خالدين
فيها أبدا.
يا كميل سخط الله تعالى محيط بمن لم يحترز منهم باسمه ونبيه وجميع عزائمه
وعوذه جل وعز وصلى الله على نبيه وآله وسلم.
يا كميل إنهم يخدعونك بأنفسهم، فإذا لم تجبهم مكروا بك وبنفسك بتحسينهم
إليك شهواتك (3) وإعطائك أمانيك وإرادتك ويسولون لك، وينسونك، وينهونك
ويأمرونك، ويحسنون ظنك بالله عز وجل حتى ترجوه فتغتر بذلك فتعصيه وجزاء
العاصي لظى.
يا كميل احفظ قول الله عز وجل " الشيطان سول لهم وأملى لهم " (4) و
المسول الشيطان والمملي الله تعالى.
يا كميل أذكر قول الله تعالى لإبليس لعنه الله " وأجلب عليهم بخيلك ورجلك
وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " (5).
يا كميل إن إبليس لا يعد عن نفسه، وإنما يعد عن ربه ليحملهم على معصيته
فيورطهم.

(1) الشقاشق: جمع شقشقة وهي شئ يخرجه البعير من فيه إذا هاج.
(2) اجتثوا أي اقتلعوا، وفى بعض النسخ " جثوا في العذاب ".
(3) في بعض النسخ " بتحبيبهم إليك ".
(4) محمد " ص ": 27.
(5) الاسراء: 66.
271

يا كميل إنه يأتي لك بلطف كيده فيأمرك بما يعلم أنك قد ألفته من طاعة لا
تدعها فتحسب أن ذلك ملك كريم، وإنما هو شيطان رجيم، فإذا سكنت إليه واطمأننت
حملك على العظائم المهلكة التي لا نجاة معها.
يا كميل إن له فخاخا ينصبها فاحذر أن يوقعك فيها (1).
يا كميل إن الأرض مملوة من فخاخهم فلن ينجو منها إلا من تشبث بنا
وقد أعلمك الله أنه لن ينجو منها إلا عباده وعباده أولياؤنا.
يا كميل وهو قول الله عز وجل " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " وقوله
عز وجل " إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " (2).
يا كميل انج بولايتنا من أن يشركك في مالك وولدك كما امر.
يا كميل لا تغتر بأقوام يصلون فيطيلون، ويصومون فيداومون، ويتصدقون
فيحسبون أنهم موقوفون (3).
يا كميل أقسم بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الشيطان إذا حمل
قوما على الفواحش مثل الزنى، وشرب الخمر، والربا، وما أشبه ذلك من الخنى (4)
والمأثم حبب إليهم العبادة الشديدة، والخشوع، والركوع، والخضوع والسجود
ثم حملهم على ولاية الأئمة الذين يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون.
يا كميل إنه مستقر ومستودع (5) واحذر أن تكون من المستودعين.
يا كميل إنما تستحق أن تكون مستقرا إذا لزمت الجادة الواضحة التي
لا تخرجك إلى عوج ولا تزيلك عن منهج ما حملناك عليه و [ما] هديناك إليه.

(1) الفخاخ جمع فخ وهو آلة الصيد.
(2) النحل: 102.
(3) أي موقوفون ومسئولون عنها فحسب دون ولاية الأئمة.
(4) الخنى: الفحش، والمأثم: الخطيئة.
(5) يعنى به الايمان فإنه مستقر ومستودع.
272

يا كميل لا رخصة في فرض ولا شدة في نافلة.
يا كميل إن الله عز وجل لا يسألك إلا عما فرض وإنما قدمنا عمل النوافل
بين أيدينا للأهوال العظام والطامة يوم القيامة.
يا كميل إن الواجب لله أعظم من أن تزيله الفرائض والنوافل وجميع الأعمال
وصالح الأموال (1) ولكن من تطوع خيرا فهو خير له.
يا كميل إن ذنوبك أكثر من حسناتك، وغفلتك أكثر من ذكرك، ونعم الله
عليك أكثر من كل عملك.
يا كميل إنه لا تخلو من نعمة الله عز وجل عندك وعافيته فلا تخل من تحميده
وتمجيده، وتسبيحه، وتقديسه، وشكره، وذكره على كل حال.
يا كميل لا تكونن من الذين قال الله عز وجل " نسوا الله فأنسيهم أنفسهم " (2)
ونسيهم إلى الفسق " أولئك هم الفاسقون ".
يا كميل ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق إنما الشأن أن تكون الصلاة
فعلت بقلب نقي وعمل عند الله مرضي وخشوع سوي، وإبقاء للجد فيها.
يا كميل عند الركوع والسجود وما بينهما تبتلت العروق والمفاصل حتى
تستوفى [ولاء] إلى ما تأتي به من جميع صلواتك.
يا كميل انظر فيم تصلي، وعلى ما تصلي، إن لم تكن من وجهه وحله فلا قبول.
يا كميل إن اللسان يبوح من القلب (3) والقلب يقوم بالغذاء، فانظر فيما
تغذي قلبك وجسمك، فإن لم يكن ذلك حلالا لم يقبل الله تعالى تسبيحك ولا شكرك.
يا كميل افهم واعلم أنا لا نرخص في ترك أداء الأمانات لاحد من الخلق
فمن روى عني في ذلك رخصة فقد أبطل وأثم وجزاؤه النار بما كذب، أقسم لسمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلاثا: يا أبا الحسن أد الأمانة
إلى البر والفاجر فيما قل وجل حتى في الخيط والمخيط.

(1) كذا. ولعل معناه حقوق الله لا يؤدى بهذه الأمور فحسب.
(2) سورة الحشر: 19.
(3) باح إليه بالسر. أظهره. وفى بعض النسخ " ينزح ".
273

يا كميل لا غزو إلا مع إمام عادل، ولا نفل (1) إلا مع إمام فاضل.
يا كميل أرأيت لو لم يظهر نبي (2) وكان في الأرض مؤمن تقي أكان في دعائه
إلى الله مخطئا أو مصيبا بلى والله مخطئا حتى ينصبه الله عز وجل [لذلك] ويؤهله له.
يا كميل الدين لله فلا تغترن بأقوال الأمة المخدوعة التي قد ضلت بعد ما
اهتدت، وأنكرت وجحدت بعد ما قبلت.
يا كميل الدين لله تعالى فلا يقبل الله تعالى من أحد القيام به إلا رسولا أو
نبيا أو وصيا.
يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة ولا بعد ذلك إلا متولين، ومتغلبين، و
ضالين، ومعتدين.
يا كميل إن النصارى لم تعطل الله تعالى، ولا اليهود، ولا جحدت موسى
ولا عيسى، ولكنهم زادوا ونقصوا وحرفوا وألحدوا فلعنوا ومقتوا ولم يتوبوا ولم
يقبلوا.
يا كميل " إنما يتقبل الله من المتقين ".
يا كميل إن أبانا آدم لم يلد يهوديا ولا نصرانيا ولا كان ابنه إلا حنيفا
مسلما، فلم يقم بالواجب عليه فأداه ذلك إلى أن لم يقبل الله قربانه بل قبل من
أخيه فحسده وقتله وهو من المسجونين في الفلق الذين عدتهم اثنا عشر: ستة من
الأولين، وستة من الآخرين، والفلق الأسفل من النار (3)، ومن بخاره
حر جنهم، وحسبك فيما حر جهنم من بخاره.
يا كميل نحن والله الذين اتقوا والذين هم محسنون.
يا كميل إن الله عز وجل كريم حليم عظيم رحيم دلنا على أخلاقه،

(1) النفل - محركة - الغنيمة.
(2) في المصدر " لو أن الله لم يظهر نبيا ".
(3) الفلق - محركة - عود يربط حبل من أحد طرفيه إلى الاخر وتجعل رجل
المجرم داخل ذلك الحبل وتشدا فيضرب عليهما.
274

وأمرنا بالأخذ بها، وحمل الناس عليها فقد أديناها غير مختلفين، وأرسلناها غير
منافقين، وصدقناها غير مكذبين، وقبلناها غير مرتابين، لم يكن لنا والله شياطين
نوحي إليها، وتوحي إلينا كما وصف الله تعالى قودا ذكرهم الله عز وجل بأسمائهم
في كتابه لو قرء كما أنزل " شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف
القول غرورا " (1).
يا كميل الويل لهم فسوف يلقون غيا.
يا كميل لست والله متملقا حتى أطاع ولا ممنا حتى أعصى (2) ولا مهانا لطعام
الاعراب حتى أنتحل إمرة المؤمنين (3) أو أدعي بها.
يا كميل نحن الثقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر، وقد أسمعهم رسول
الله صلى الله عليه وآله، وقد جمعهم فنادى الصلاة جامعة يوم كذا وكذا، وأيام سبعة وقت كذا
وكذا، فلم يتخلف أحد فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: معاشر الناس
إني مؤد عن ربي عز وجل ولا مخبر عن نفسي فمن صدقني فقد صدق الله، ومن
صدق الله أثابه الجنان، ومن كذبني كذب الله عز وجل، وكذب الله أعقبه النيران
ثم ناداني فصعدت فأقامني دونه ورأسي إلى صدره والحسن والحسين عن يمينه و
شماله، ثم قال: معاشر الناس أمرني جبرئيل عن الله عز وجل أنه ربي وربكم
أن أعلمكم أن القرآن هو الثقل الأكبر، وأن وصيي هذا وابناي من خلفهم
من أصلابهم حاملا وصاياي هم الثقل الأصغر، يشهد الثقل الأكبر للثقل الأصغر
ويشهد الثقل الأصغر للثقل الأكبر كل واحد منهما ملازم لصاحبه غير مفارق له
حتى يردا إلى الله فيحكم بينهما وبين العباد.
يا كميل فإذا كنا كذلك فعلام يتقدمنا من تقدم وتأخر عنا من تأخر؟.
يا كميل قد أبلغهم رسول الله صلى الله عليه وآله رسالة ربه ونصح لهم، ولكن لا يحبون
الناصحين.

(1) الانعام: 112.
(2) كذا وفى التحف " ولا ممنيا حتى لا اعصى ".
(3) انتحل الشعر أو القول ادعاه لنفسه. وانتحل مذهب كذا انتسب إليه.
275

يا كميل قال رسول الله صلى الله عليه وآله لي قولا والمهاجرين والأنصار متوافرون يوما
بعد العصر يوم النصف من شهر رمضان قائم على قدميه فوق منبره: علي [مني] وابناي
منه والطيبون مني وأنا منهم وهم الطيبون بعد أمهم، وهم سفينة من ركبها نجى
ومن تخلف عنها هوى الناجي في الجنة والهاوي في لظى.
يا كميل الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
يا كميل على م يحسدوننا والله أنشأنا قبل أن يعرفونا فتراهم بحسدهم إيانا
عن ربنا يزيلونا.
يا كميل من لا يسكن الجنة فبشره بعذاب أليم وخزي مقيم وأكبال ومقامع
وسلاسل طوال، ومقطعات النيران ومقارنة كل شيطان. الشراب صديد، واللباس
حديد، والخزنة فظظة (1) والنار ملتهبة والأبواب موثقة مطبقة ينادون فلا يجابون
ويستغيثون فلا يرحمون، نداهم يا مالك ليقض علينا ربك قال: إنكم ماكثون لقد
جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون.
يا كميل نحن والله الحق الذي قال الله عز وجل: " ولو اتبع الحق أهوائهم
لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ".
يا كميل ثم ينادون الله تقدست أسماؤه بعد أن يمكثوا أحقابا اجعلنا على
الرخاء فيجيبهم " اخسؤا فيها ولا تكلمون ".
يا كميل فعندها ييئسون من الكره، واشتدت الحسرة، وأيقنوا بالهلكة
والمكث جزاء بما كسبوا عذبوا.
يا كميل قل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين.
يا كميل أنا أحمد الله على توفيقه إياي، والمؤمنين على كل حال.
يا كميل إنما حظي من حظي بدينا زائلة مدبرة، فافهم وتحظى بآخرة
باقية ثابتة.

(1) الفظ: الغليظ، السئ الخلق.
276

يا كميل كل يصير إلى الآخرة والذي يرغب فيه منها ثواب الله عز وجل
والدرجات العلى من الجنة التي لا يورثها إلا من كان تقيا.
يا كميل إن شئت فقم.
أقول: وسيجئ في باب مواعظ أمير المؤمنين عليه السلام وخطبه وحكمه عين هذه
الوصية منه عليه السلام لكميل بن زياد هذا من كتاب تحف العقول أيضا لكن أخصر من
هذه الوصية، وسيأتي في باب ما جمع من جوامع كلم أمير المؤمنين عليه السلام وفي غيره أيضا
ما يناسب هذا الباب إن شاء الله تعالى (3).
* (باب 12) *
* " (كتاب كتبه عليه السلام لدار شريح) " *
1 - أمالي الصدوق (3) عن صالح بن عيسى العجلي، عن محمد بن محمد بن علي، عن محمد بن
الفرج، عن عبد الله بن محمد العجلي، عن عبد العظيم الحسني، عن أبيه، عن أبان مولى زيد
ابن علي، عن عاصم بن بهدلة قال: قال لي شريح القاضي: اشتريت دارا بثمانين
دينارا وكتبت كتابا، وأشهدت عدولا فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
فبعث إلي مولاه قنبرا فأتيته فلما أن دخلت عليه قال: يا شريح اشتريت دارا و

(1) المصدر ص 171.
(2) هنا بياض مقدار ورق.
(3) المجلس الحادي والخمسون ص 187. وشريح القاضي هو الذي استعمله عمر
ابن الخطاب على القضاء بالكوفة فلم يزل قاضيا ستين سنة الا ثلاث سنين في فتنة ابن الزبير
وقيل فلم يزل بالكوفة قاضيا من عهد عمر إلى مدة 75 سنة ولم يعطل فيها غير عامين أو أربعة
استعفى الحجاج بن يوسف في فتنة ابن الزبير فأعفاه ومات سنة 87 وعمره مائة وثمان سنين
وأدرك الجاهلية ولا يعد من الصحابة بل كان من التابعين، وقيل عزله علي عليه السلام عن
القضاء مدة عشرين يوما ثم نصبه.
277

كتبت كتابا وأشهدت عدولا ووزنت مالا؟ قال: قلت: نعم قال: يا شريح اتق الله
فإنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسئل عن بينتك، حتى يخرجك من دارك
شاخصا (1) ويسلمك إلى قبرك خالصا، فانظر أن لا تكون اشتريت هذه الدار من
غير مالكها، ووزنت مالا من غير حله، فإذا أنت قد خسرت الدارين جميعا الدنيا و
الآخرة، ثم قال عليه السلام: يا شريح فلو كنت عندما اشتريت هذه الدار أتيتني فكتبت
لك كتابا على هذه النسخة إذا لم تشترها بدرهمين.
قال: قلت: وما كنت تكتب يا أمير المؤمنين قال: كنت أكتب لك هذا
الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عبد ذليل من ميت أزعج بالرحيل (2)
اشترى منه دارا في دار الغرور، من جانب الفانين إلى عسكر الهالكين، وتجمع هذه
الدار حدودا أربعة فالحد الأول منها ينتهي إلى دواعي الآفات، والحد الثاني منها
ينتهى إلى دواعي العاهات، والحد الثالث منها ينتهي إلى دواعي المصيبات، والحد الرابع
منها ينتهي إلى الهوى المردي والشيطان المغوي، وفيه يشرع باب هذه الدار (3)،
اشترى هذا المفتون بالأمل، من هذا المزعج بالأجل، جميع هذه الدار بالخروج
من عز القنوع والدخول في ذل الطلب فما أدرك هذا المشتري [فيما اشتري منه]
من درك فعلى مبلي أجسام الملوك (4)، وسالب نفوس الجبابرة مثل كسرى وقيصر
وتبع وحمير (5) ومن جمع المال إلى المال فأكثر، وبنى فشيد، ونجد فزخرف (6)
وادخر بزعمه للولد، إشخاصهم جميعا إلى موقف العرض والحساب لفصل القضاء، و

(1) شاخصا أي ذاهبا مبعدا.
(2) أزعج على صيغة المجهول: أي اقلع.
(3) يشرع أي يفتح في الحد الرابع.
(4) كذا وفى بعض النسخ " مبلبل أجسام الملوك ". أي مهيج داءاتها، المهلكة لها.
(5) تبع: ملوك اليمن. حمير أبو قبيلة من اليمن.
(6) شيد أي رفع. ونجد بشد الجيم أي زين.
278

خسر هنالك المبطلون، شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى، ونظر بعين
الزوال لأهل الدنيا، وسمع منادي أهل الزهد ينادي في عرصاتها ما أبين الحق
لذي عينين، إن الرحيل أحد اليومين، تزودوا من صالح الأعمال وقربوا الآمال
بالآجال فقد دنا الرحلة والزوال.
بيان: قوله عليه السلام (1).
* (باب 13) *
* " تفسيره عليه السلام كلام الناقوس " *
أقول: قد مضى بعض أخبار هذا الباب في كتاب العلم في باب غرائب العلوم وفي
كتاب قصص الأنبياء في باب أحوال عيسى عليه السلام يعني أخبار هذا الباب فتذكر.
1 - مناقب ابن شهرآشوب: (2) وروى أنه عليه السلام يعني أمير المؤمنين قد فسر صوت الناقوس
ذكره صاحب مصباح الواعظ وجمهور أصحابنا عن الحارث الأعور، وزيد وصعصعة
ابنا صوحان والبراء بن مسيرة (3) والأصبغ بن نباتة، وجابر بن شرجيل، ومحمود
ابن الكوا أنه قال عليه السلام يقول:
سبحان الله حقا حقا، إن المولى صمد يبقى، يحلم عنا رفقا رفقا، لولا
عمله كنا نشقى، حقا حقا صدقا صدقا، إن المولى يسائلنا ويواقفنا ويحاسبنا، يا
مولينا لا تهلكنا وتداركنا واستخدمنا واستخلصنا، حلمك عنا قد جرأنا يا مولينا
عفوك عنا، إن الدنيا قد غرتنا وشغلتنا واستهوتنا واستلهتنا واستغوتنا، يا ابن
الدنيا جمعا جمعا يا ابن الدنيا مهلا مهلا يا ابن الدنيا دقا دقا، وزنا وزنا، تفني الدنيا
قرنا قرنا، ما من يوم يمضي عنا إلا يهوى منا ركنا، قد ضيعنا دارا تبقى،

(1) هنا بياض مقدار نصف صفحة.
(2) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب باب مسابقته بالعلم.
(3) كذا.
279

واستوطنا دارا تفنى، تفنى الدنيا قرنا قرنا كلا موتا كلا موتا، كلا موتا، كلا
دفنا، كلا فيها موتا (1) نقلا نقلا دفنا دفنا، يا ابن الدنيا مهلا مهلا، وزن ما يأتي وزنا
وزنا، لولا جهلي ما إن كانت عندي الدنيا إلا سجنا، خيرا خيرا شرا شرا شيئا شيئا
حزنا حزنا، ماذا من ذاكم ذا أم ذا، هذا أسنا ترجو تنجو تخشى تردى، عجل قبل
الموت الوزنا، ما من يوم يمضي عنا إلا أوهن منا ركنا إن المولى قد أنذرنا، إنا
نحشر غرلا بهما.
قال: ثم انقطع صوت الناقوس فسمع الديراني ذلك وأسلم وقال: إني
وجدت في الكتاب إن في آخر الأنبياء من يفسر ما يقول الناقوس (2).
(باب 14)
* " خطبه صلوات الله عليه المعروفة " *
1 - تحف العقول (3) خطبة الوسيلة: (4)
الحمد لله الذي أعدم الأوهام أن تنال إلى وجوده (5) وحجب العقول أن
تختال (6) ذاته لامتناعها من الشبه والتشاكل، بل هو الذي لا تتفاوت ذاته، ولا
تتبعض بتجزية العدد في كماله. فارق الأشياء لا باختلاف الأماكن، ويكون فيها

(1) كذا.
(2) هنا بياض مقدار صفحة.
(3) التحف ص 92.
(4) هذه الخطبة قد أخرجها الكليني - رحمه الله - في كتاب الروضة بتمامها مع اختلاف
كثير ولذلك تعرضنا لتلك الاختلافات في الهامش. والحراني رحمة الله عليه اختار منها ما اقتضاه
كتابه (تحف العقول) وقد صرح به.
(5) أعدم فلانا منه أي منع وفى الروضة " منع الأوهام ".
(6) في الروضة " أن يتخيل ".
280

لا على الممازجة. وعلمها لا بأداة، لا يكون العلم إلا بها. وليس بينه وبين معلومه
علم غيره (1) كان عالما لمعلومه. إن قيل كان فعلي تأويل أزلية الوجود. وإن
قيل: لم يزل فعلى تأويل نفي العدم (2) فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه،
فاتخد إلها غيره علوا كبيرا، نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله
على نفسه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
شهادتان ترفعان القول وتضعان العمل (3) خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان
توضعان فيه، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط وبالشهادة
تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة، فأكثروا من الصلاة على نبيكم " إن الله
وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ".
أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الاسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا
معقل أحرز من الورع. ولا شفيع أنجح من التوبة. ولا لباس أجل من العافية. ولا
وقاية أمنع من السلامة. ولا مال أذهب بالفاقة من الرضي والقنوع. ومن اقتصر على
بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة. والرغبة مفتاح التعب والاحتكار مطية النصب.
والحسد آفة الدين. والحرص داع إلى التقحم في الذنوب، وهو داع إلى الحرمان (4)
والبغي سائق إلى الحين. والشرة جامع لمساوئ العيوب (5). رب طمع خائب. و

(1) يحتمل الإفاضة والتوصيف فعلى الأول فالمراد أنه لا يتوسط بينه وبين معلومه علم
غيره وعلى الثاني فالمراد أن ذاته المقدسة كافية للعلم ولا يحتاج إلى علم أي صورة علمية
غير ذاته تعالى، بهذه الصورة العلمية وبارتسامها كان عالما بمعلومه كما في الممكنات.
(2) أي ليس كونه موجودا في الأزل عبارة عن مقارنته للزمان أزلا لحدوث الزمان
بل بمعنى أن ليس لوجوده ابتداء أو أنه تعالى ليس بزماني و " كان " يدل على الزمانية فتأويله
أن معنى كونه أزلا أن وجوده يمتنع عليه العدم ولعل المعنى الأخير في الفقرة الثانية متعين.
(3) تضعان خلاف ترفعان أي تثقلان. وفى الروضة " وتضاعفان العمل ".
(4) قد مضى هذه الكلمات مع اختلاف يسير في وصيته لابنه الحسين عليهما السلام.
(5) الحين - بفتح المهملة والمثناة التحتانية -: الهلاك والمحنة والشرة غلبة الحرص
والغضب والطيش والحدة والنشاط. وفى بعض النسخ " الشره " وهو الحرص أيضا.
281

أمل كاذب ورجاء يؤدي إلى الحرمان، وتجارة تؤول إلى الخسران. ألا ومن
تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب. وبئست القلادة
الدين للمؤمن (1).
أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم. ولا عز أنفع من الحلم. ولا حسب
أبلغ من الأدب. ولا نصب (2) أوجع من الغضب. ولا جمال أحسن من العقل. ولا
قرين شر من الجهل. ولا سوأة أسوء من الكذب (3) ولا حافظ أحفظ من الصمت.
ولا غائب أقرب من الموت.
أيها الناس إنه من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره. ومن رضي برزق
الله لم يأسف على ما في يد غيره. ومن سل سيف البغي قتل به. ومن حفر لأخيه بئرا
وقع فيها. ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته. ومن نسي زلته (4) استعظم
زلل غيره. ومن أعجب برأيه ضل. ومن استغنى بعقله زل. ومن تكبر على الناس
ذل. ومن سفه على الناس شتم. ومن خالط العلماء وقر. ومن خالط الأنذال حقر.
ومن حمل ما لا يطيق عجز.
أيها الناس إنه لا مال [هو] أعود من العقل (5). ولا فقر هو أشد من الجهل
ولا واعظ هو أبلغ من النصح (6) ولا عقل كالتدبير. وعبادة كالتفكر. ولا مظاهرة
أوثق من المشاورة (7). ولا وحدة أوحش من العجب. ولا ورع كالكف (8) ولا حلم

(1) وفى الروضة " وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن ".
(2) النصب: التعب والمشقة الذي يتفرع على الغضب وهو من أخس المتاعب إذ لا ثمرة
له ولا داعي إليه الاعدم تملك النفس وفى بعض نسخ الروضة " ولا نسب أوضع من الغضب ".
(3) السوأة: الخلة القبيحة والجمع سوءات.
(4) الزلة: السقطة والخطيئة. وفى بعض النسخ والروضة " ومن نسي زلله ".
(5) الاعود: الأنفع.
(6) النصح: الخلوص.
(7) المظاهرة: المعاونة. والعجب: الكبر واعجاب المرء بنفسه وبفضائله وأعماله.
(8) وفى الروضة " كالكف عن المحارم " وفى بعض نسخ الروضة " ولا حكم كالصبر
والصمت ". أي ولا حكمة.
282

كالصبر والصمت.
أيها الناس إن في الانسان عشر خصال يظهرها لسانه: شاهد يخبر عن الضمير
وحاكم يفصل بين الخطاب، وناطق يرد به الجواب. وشافع تدرك به الحاجة
وواصف تعرف به الأشياء وأمير يأمر بالحسن وواعظ ينهى عن القبيح ومعز تسكن
به الأحزان وحامد تجلى به الضغائن، ومؤنق يلهى الاسماع (1).
أيها الناس [إنه] لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول
بالجهل (2).
اعلموا أيها الناس أنه من لم يملك لسانه يندم. ومن لا يتعلم يجهل. ومن
لا يتحلم لا يحلم (3). ومن لا يرتدع لا يعقل. ومن لا يعقل يهن، ومن يهن لا يوقر و
من يتق ينج (4). ومن يكسب مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره (5).
ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم (6). ومن لم يعط قاعدا منع قائما (7).
ومن يطلب العز بغير حق يذل. ومن عاند الحق لزمه الوهن. ومن تفقه وقر.
وتكبر حقر. ومن لا يحسن لا يحمد.

(1) المعز من التعزية بمعنى التسلية، والضغائن جمع الضغينة بمعنى الحقد، وفى الروضة
وحاضر تجلى به الضغائن ". والمونق: العجب. وفى الروضة " ومونق يتلذذ به ".
(2) الحكم - بالضم -: الحكمة.
(3) أي لا يحصل ملكة الحلم الا بالتحلم وهو تكلف الحلم.
(4) الردع: الرد والكف. " ومن لا يرتدع " أي من لا ينزجر عن القبائح بنصح
الناصحين لا يكون عاقلا ولا يكمل عقله ولا يعقل قبح القبائح. وفى الروضة " ومن لا يوقر
يتوبخ ".
(5) أي فيما لا يوجر عليه في الدنيا والآخرة.
(6) أي من لا يترك الشر وما ينبغي على اختيار يدعه على اضطرار ولا يحمد بهذا الترك.
(7) أي من لم يعط المحتاجين حال كونه قاعدا يقوم عنده الناس ويسألونه؟ يبتلى بان
يفتقر إلى سؤال غيره فيقوم بين يديه ويسأله ولا يعطيه.
283

أيها الناس إن المنية قبل الدنية. والتجلد قبل التبلد (1) والحساب قبل
العقاب. والقبر خير من الفقر. وعمي البصر خير من كثير من النظر. والدهر
يوم لك ويوم عليك (2) فاصبر فبكليهما تمتحن.
أيها الناس أعجب ما في الانسان قلبه (3). وله مواد من الحكمة وأضداد
من خلافها. فإن سنح له الرجاء أذله الطمع (4). وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص
وإن ملكه اليأس قتله الأسف. وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ. وإن أسعد
بالرضى نسي التحفظ (5). وإن ناله الخوف شغله الحزن (6). وإن اتسع بالأمن
استلبته الغرة وإن جددت له نعمة أخذته العزة (7). وإن أفاد مالا أطغاه الغنى
وإن عضته فاقة (8) شغله البلاء. وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع. وإن أجهده
الجوع قعد به الضعف. وإن أفرط في الشبع كظته البطنة (9)، فكل تقصير به

(1) المنية: الموت. والدنية: الذلة يعنى أن الموت خير من الذلة، فالمراد بالقبلية
القبلية بالشرف. وفى النهج " المنية ولا الدنية والتعلل ولا التوسل " وهو أوضح. والتجلد:
تكلف الشدة والقوة. والتبلد ضده.
(2) زاد في الروضة " فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك - الخ " ولعله سقط من
قلم النساخ.
(3) في النهج " ولقد علق بنياط هذا الانسان بضعة هي أعجب ما فيه وذلك القلب ".
(4) سنح له: بدا وظهر.
(5) التحفظ: التوقي والتحرز من المضرات.
(6) وفى الروضة والنهج " شغله الحذر ".
(7) الغرة - بالكسر -: الاغترار والغفلة. واستلبته أي سلبته عن رشده ويمكن أن
تكون " العزة " بالاهمال والزاي.
(8) " أفاد مالا " أي أعطاه إياه. وعضته أي اشتد عليه الفاقة والفقر.
(9) وفى الروضة والنهج " وان جهده الجوع قعد به الضعف ". والكظة - بالكسر -:
ما يعتري الانسان عند الامتلائه من الطعام، يقال: كظ الطعام فلانا أي ملاءه حتى لا يطيق
التنفس. والبطنة بالكسر: الامتلاء المفرط من الاكل.
284

مضر وكل أفراط له مفسد.
أيها الناس من قل ذل. ومن جاد ساد. ومن كثر ماله رأس (1). ومن كثر
حلمه نبل (2). ومن فكر في ذات الله تزندق (3). ومن أكثر من شئ عرف به.
ومن كثر مزاحه استخف به. ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته. فسد حسب [من] ليس
له أدب، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال. ليس من جالس الجاهل بذي
معقول. من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال (4). لن ينجو من الموت غني
بماله. ولا فقير لاقلاله.
أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط (5).
فطنة الفهم للمواعظ مما يدعو النفس إلى الحذر من الخطأ (6). وللنفوس خواطر
للهوى والعقول تزجر وتنهى (7). وفي التجارب علم مستأنف. والاعتبار يقود إلى
الرشاد. وكفاك أدبا لنفسك ما تكرهه من غيرك (8). عليك لأخيك المؤمن مثل

(1) رأس بفتح الهمزة أي هو رئيس للقوم ويحتمل أن يكون من رأس يرؤس أي مشى
متبخترا أو أكل كثيرا.
(2) النبل: الفضل والشرف والنجابة.
(3) تزندق أي اتصف بالزندقة.
(4) في اللغة: يستعمل " القول " في الخير. " والقال والقيل والقالة " في الشر. والقول
مصدر والقال والقيل اسمان له. والقال الابتداء والقيل الجواب. والاقلال: قلة المال.
(5) المدرج والمدرجة: المذهب والمسلك يعنى أن للقلوب شواهد تعرج الأنفس عن
مسالك أهل التقصير إلى درجات المقربين.
(6) الفطنة: الحذق والفهم وهي مبدأ وخبره قوله: " مما يدعو " يعنى أن الفطنة هي
مما يدعو النفس إلى الحذر من المخاطرات.
(7) الخواطر، جمع خاطر: ما يخطر بالقلب والنفس من أمر أو تدبير والعقول
تزجر وتنهى عنها.
(8) وفى الروضة " وعليك ".
285

الذي لك عليه. لقد خاطر من استغنى برأيه (1).
[و] التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. ومن استقبل وجوه الآراء عرف
مواقف الخطاء (2). ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول (3). ومن حصر
شهوته فقد صان قدره. ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته (4). وفي تقلب الأحوال
علم جواهر الرجال. والأيام توضح لك السرائر الكامنة. وليس في البرق
الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة (5). ومن عرف بالحكمة لحظته العيون
بالوقار والهيبة. وأشرف الغنى ترك المنى. والصبر جنة من الفاقة. والحرص
علامة الفقر. والبخل جلباب المسكنة. والمودة قرابة مستفادة. ووصول معدم
خير من جاف مكثر (6).
والموعظة كهف لمن وعاها. ومن أطلق طرفه كثر أسفه (7). ومن ضاق خلقه

(1) يقال: خاطر بنفسه عرضها للخطر أي أشرف نفسه للهلاك.
(2) أي استشار الناس واقبل نحو آرائهم ولاحظها واحدا واحدا وتفكر فيها فمن
طلب الآراء من وجوهها الصحيحة انكشف له مواقع الخطاء واحترس منه.
(3) أي حكم القول بعدالة رأيه وصوابه.
(4) أمنه - بالفتح - أي أمن قومه من شره، ويحتمل بالمد من باب الافعال أي آمن
من شر قومه أو عد قومه أمينا ونال الحاجة التي توهم حصولها في اطلاق اللسان.
(5) يقال: خطف البرق البصر: استلبه بسرعة وذهب به. والمستمتع: المنتفع و
المتلذذ، يعنى لا ينفعك ما يبصر وما يسمع كالبرق الخاطف بل ينبغي أن تواظب وتستضئ
دائما بأنوار الحكم لتخرجك من ظلمات الجهل، ويحتمل أن يكون المراد لا ينفع ما يبصر
وما يسمع من الآيات والمواعظ مع الانغماس في ظلمات المعاصي والذنوب.
(6) قد مضى هذه العبارة وبيان ما فيها في وصيته عليه السلام لابنه الحسين سلام الله
عليه ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن الفقير المتودد خير من الغنى المتجافى. قوله:
" وعاها " أي حفظها وجمعها.
(7) الطرف - بسكون الراء: العين. و - بالتحريك: اللسان أي ومن أطلق عينه
ونظره كثر أسفه. وفى الروضة بعد هذا الكلام هكذا " وقد أوجب الدهر شكره على من نال
سؤله وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو احسان ".
286

مله أهله. ومن نال استطال (1). قل ما تصدقك الأمنية. التواضع يكسوك
المهابة. وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق (2). من كساه الحياء ثوبه خفي على
الناس عيبه. تحرى القصد من القول فإنه من تحرى القصد خفت عليه المؤن (3)
في خلاف النفس رشدها. من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد. ألا وإن مع
كل جرعة شرقا وفي كل اكلة غصصا. لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى. لكل
ذي رمق قوت. ولكل حبة آكل. وأنت قوت الموت (4).
اعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها.
والليل والنهار يتسارعان في هدم الاعمار.
أيها الناس كفر النعمة لؤم (5). وصحبته الجاهل شؤم. من الكرم لين
الكلام. إياك والخديعة فإنها من خلق اللئام. ليس كل طالب يصيب. ولا كل
غائب يؤوب. لا ترغب فيمن زهد فيك. رب بعيد هو أقرب من قريب. سل عن الرفيق
قبل الطريق وعن الجار قبل الدار. استر عورة أخيك لما تعلمه فيك (6). اغتفر زلة

(1) النيل: إصابة الشئ. يقال: نال من عدوه أي بلغ منه مقصوده يعنى من أصاب
شيئا من أسباب الشرف كالمال والعلم يتفضل ويترفع غالبا ويمكن أن يكون هذا نظير قوله:
" من جاد ساد " فالمراد أن الجود والكرم غالبا يوجبان الفخر والاستطالة. والأمنية: البغية
وما يتمنى الانسان، يعنى في الغالب أمنيتك كاذبة.
(2) وفى الروضة بعد هذا الكلام كذا " كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره ".
(3) أي أقصد الوسط العدل من القول وجانب التعدي والافراط والتفريط ليخف
عليك المؤونة.
(4) قد مضى هذه الكلمات في وصاياه عليه السلام أيضا.
(5) اللوم - بالفتح غير مهموز -: الملامة ومهموزا: ضد الكرم. واللئام: جامع الأخبار لئيم
و - بالضم -: الدنى وقد لؤم الرجل - بالضم - لؤما.
(6) في الروضة بعد هذه الجملة هكذا " ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل، استر
عورة أخيك كما يعلمها فيك ". وفى بعض النسخ " لما يعلمها ".
287

صديقك ليوم يركبك عدوك. من غضب على من لا يقدر أن يضره طال حزنه وعذب
نفسه. من خاف ربه كف ظلمه. ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة. إن
من الفساد إضاعة الزاد. ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا. وما مناكرتم إلا لما فيكم
من المعاصي والذنوب (1). ما أقرب الراحة من التعب. والبؤس من التغيير (2).
ما شر بشر بعده الجنة. وما خير بخير بعده النار. وكل نعيم دون الجنة محقور
وكل بلاء دون النار عافية. عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر (3). تصفية العمل
أشد من العمل. وتخليص النية عن الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد. هيهات
لولا التقى كنت أدهى العرب (4). عليكم بتقوى الله في الغيب والشهادة (5)، و
كلمة الحق في الرضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وبالعدل على العدو و
الصديق، وبالعمل في النشاط والكسل، والرضى عن الله في الشدة والرخاء. ومن
كثر كلامه كثر خطأوه، ومن كثر خطأوه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه.
ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار. من تفكر اعتبر. ومن اعتبر

(1) في الروضة " هيهات هيهات وما تناكرتم الا لما فيكم من المعاصي والذنوب "
أي ليس تناكرتم الا لذنوبكم وعيوبكم.
(2) وفى الروضة وبعض النسخ " من النعيم " والمراد بالتغيير سرعة تقلب أحوال الدنيا.
(3) أي إذا أراد الانسان تصحيح ضميره عن النيات الفاسدة والأخلاق الذميمة تظهر
له العيوب الكبيرة الكامنة في النفس والأخلاق الذمية التي خفيت عليه تحت أستار الغفلات.
(4) الدهاء جودة الرأي، والحذق وبمعنى المكر والاحتيال وهو المراد ههنا. وفى
الروضة " لولا التقى لكنت أدهى العرب " ومن كلام له عليه السلام " والله ما معاوية بأدهى
منى ولكنه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة
فجرة وكل فجرة كفرة. ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة. والله ما استغفل بالمكيدة
ولا استغمز بالتشديدة ".
(5) قد مضى هذا الكلام إلى آخر الخطبة في وصيته صلوات الله عليه لابنه الحسين
عليه السلام ولم يذكر في الروضة وفيها بعد هذا الكلام " أيها الناس ان الله عز وجل وعد
نبيه محمدا صلى الله عليه وآله الوسيلة ووعد الحق " إلى آخر ما خطبه عليه السلام.
288

اعتزل. ومن اعتزل سلم. ومن ترك الشهوات كان حرا. ومن ترك الحسد كانت له
المحبة عند الناس. عز المؤمن غناه عن الناس. القناعة مال لا ينفد. ومن أكثر
ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير. ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا
فيما ينفعه. العجب ممن يخاف العقاب فلا يكف، ويرجو الثواب ولا يتوب ويعمل.
الفكر تورث نورا. والغفلة ظلمة. والجهالة ضلالة. [و] السعيد من وعظ بغيره.
والأدب خير ميراث. حسن الخلق خير قرين. ليس مع قطيعة الرحم نماء. ولا مع
الفجور غنى. العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله [وحده] وواحد
في ترك مجالسة السفهاء. رأس العلم الرفق وآفته الخرق. ومن كنوز الايمان
الصبر على المصائب. والعفاف زينة الفقر. والشكر زينة الغنى. كثرة الزيارة
تورث الملالة: والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم. إعجاب المرء بنفسه يدل على
ضعف عقله. لا تؤيس مذنبا، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير. وكم من مقبل
على عمله مفسد في آخر عمره، صائر إلى النار. بئس الزاد إلى المعاد العدوان
على العباد.
طوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته
وفعله وقوله. لا يكون المسلم مسلما حتى يكون ورعا، ولن يكون ورعا حتى
يكون زاهدا ولن يكون زاهدا حتى يكون حازما، ولن يكون حازما حتى يكون
عاقلا، وما العاقل إلا من عقل عن الله وعمل للدار الآخرة. وصلى الله على محمد
النبي وعلى أهل بيته الطاهرين.
2 - تحف العقول (1): خطبته عليه السلام المعروفة بالديباج:
الحمد لله فاطر الخلق وخالق الاصباح ومنشر الموتى وباعث من في القبور
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله.
عباد الله! إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله جل ذكره الايمان بالله

(1) التحف: 149.
289

وبرسله وما جاءت به من عند الله والجهاد في سبيله، فإنه ذروة الاسلام (1) وكلمة
الاخلاص، فإنها الفطرة. وإقامة الصلاة فإنها الملة. وإيتاء الزكاة فإنها
فريضة. وصوم شهر رمضان، فإنه جنة حصينة. وحج البيت والعمرة، فإنهما ينفيان
الفقر ويكفران الذنب ويوجبان الجنة. وصلة الرحم، فإنها ثروة في المال (2) و
منسأة في الأجل وتكثير للعدد. والصدقة في السر فإنها تكفر الخطأ وتطفئ غضب
الرب تبارك وتعالى. والصدقة في العلانية، فإنها تدفع ميتة السوء. وصنايع المعروف
فإنها تقي مصارع السوء.
وأفيضوا في ذكر الله جل ذكره (3) فإنه أحسن الذكر وهو أمان من النفاق
وبراءة من النار وتذكير لصاحبه عند كل خير يقسمه الله جل وعز وله دوي تحت
العرش (4). وارغبوا فيما وعد المتقون، فإن وعد الله أصدق الوعد وكل ما وعد فهو
آت كما وعد، واقتدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله (5) فإنه أفضل الهدى. واستنوا
بسنته، فإنها أشرف السنن. وتعلموا كتاب الله تبارك وتعالى، فإنه أحسن
الحديث وأبلغ الموعظة، وتفقهوا فيه، فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه
شفاء لما في الصدور. وأحسنوا تلاوته، فإنه أحسن القصص، " وإذا قرئ (عليكم)
القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (6) " وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما
علمتم منه لعلكم تفلحون، فاعلموا عباد الله أن العالم العامل بغير علمه كالجاهل
الحائر الذي لا يستفيق من جهله (7) بل الحجة عليه أعظم وهو عند الله ألوم، والحسرة

(1) الذروة - بالكسر والضم -: من كل شئ أعلاه.
(2) الثروة: الكثرة. وفى النهج " مثراة ". المنسأة - من النساء -: التأخير.
(3) أفيضوا: أسرعوا واندفعوا.
(4) الدوى: الصوت.
(5) الهدى بالفتح: الطريقة والسيرة، وبالضم الرشاد.
(6) سورة الأعراف: 203.
(7) أي كالجاهل المتحير الذي لا أفاق من جهله.
290

أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه مثل ما على هذا الجاهل المتحير في جهله و
كلاهما حائر بائر مضل مفتون، مبتور ما هم فيه (1) وباطل ما كانوا يعملون.
عباد الله! لا ترتابوا فتشكوا. ولا تشكوا فتكفروا. ولا تكفروا فتندموا ولا
ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا (2) وتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة فتهلكوا. ولا
تداهنوا في الحق إذا ورد عليكم وعرفتموه فتخسروا خسرانا مبينا.
عباد الله! إن من الحزم أن تتقوا الله. وإن من العصمة ألا تغتروا بالله.
عباد الله! إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه وأغشهم لنفسه أعصاهم له.
عباد الله! إنه من يطع الله يأمن ويستبشر ومن يعصه يخب ويندم ولا يسلم.
عباد الله! سلوا الله اليقين، فان اليقين رأس الدين وارغبوا إليه في العافية، فان
أعظم النعمة العافية، فاغتنموها للدنيا والآخرة وارغبوا إليه في التوفيق، فإنه أس
وثيق (3) واعلموا أن خير ما لزم القلب اليقين، وأحسن اليقين التقى، وأفضل أمور
الحق عزائمها، وشرها محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وبالبدع
هدم السنن. المغبون من غبن دينه. والمغبوط من سلم له دينه وحسن يقينه. والسعيد
من وعظ بغيره. والشقي من انخدع لهواه.
عباد الله! اعلموا أن يسير الرياء شرك. وأن إخلاص العمل اليقين. والهوى
يقود إلى النار. ومجالسة أهل اللهو ينسي القرآن ويحضر الشيطان. والنسئ زيادة
في الكفر (4) وأعمال العصاة تدعوا إلى سخط الرحمن. وسخط الرحمن يدعو
إلى النار. ومحادثة النساء تدعو إلى البلاء ويزيغ القلوب. والرمق لهن يخطف

(1) البائر: الفاسد، الهالك، الذي لا خير فيه وفى المثل " حائر بائر " أي لا يطيع
مرشدا ولا يتجه لشئ. والمبتور: المقطوع.
(2) لا ترخصوا أي لا تجعله رخيصا والرخصة - بالضم -: التسهيل والتخفيف.
والادهان: المصانعة كالمداهنة أي المساهلة.
(3) الاس - بالتثليث: الأساس.
(4) النسيئ التأخير.
291

نور أبصار القلوب (1) ولمح العيون. مصائد الشيطان ومجالسة السلطان يهيج
النيران.
عباد الله! اصدقوا، فإن الله مع الصادقين. وجانبوا الكذب، فإنه مجانب
للايمان وإن الصادق على شرف منجاة وكرامة (2) والكاذب على شفا مهواة وهلكة
وقولوا الحق تعرفوا به. واعلموا به تكونوا من أهله. وأدوا الأمانة إلى من
أئتمنكم عليها. وصلوا أرحام من قطعكم. وعودوا بالفضل على من حرمكم. وإذا
عاقدتم فأوفوا. وإذا حكمتم فاعدلوا. وإذا ظلمتم فاصبروا. وإذا اسئ إليكم
فاعفوا واصفحوا كما تحبون أن يعفى عنكم. ولا تفاخروا بالاباء " ولا تنابزوا
بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان " ولا تمازحوا ولا تغاضبوا ولا تباذخوا (3)
" ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا (4) " ولا تحاسدوا
فان الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب ولا تباغضوا فإنها الحالقة (5)
وأفشوا السلام في العالم وردوا التحية على أهلها بأحسن منها. وارحموا الأرملة (6)
واليتيم وأعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين في سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي
الرقاب والمكاتب والمساكين، وانصروا المظلوم وأعطوا الفروض (7) وجاهدوا أنفسكم

(1) الرمق: طول النظر إلى الشئ وفعله من باب قتل واللمحة - بالفتح -: النظرة
بالعجلة والنظرة الخفيفة أي ونظر العيون إليهن بنظر خفيف من حبائل الشيطان ومكائده.
(2) الشرف - بالتحريك -: العلو والمكان العالي. والمنجاة - بالفتح -: الباعث على
النجاة ويقال: الصدق منجاة أي منج. وشفا كل شئ طرفه وجانبه. والمهواة: ما بين
الجبلين ونحوه.
(3) التمازح: التداعب والتلاعب، والتباذخ: التفاخر.
(4) سورة الحجرات: 12.
(5) الحالقة: الخصلة السيئة التي تحلق أي تهلك كل خصلة حسنة.
(6) الأرملة: الضعفاء. ويطلق أيضا على المسكين ومن لا أهل له ومن ماتت زوجها.
(7) في بعض النسخ " القروض ".
292

في الله حق جهاده. فإنه شديد العقاب وجاهدوا في سبيل الله. وأقروا الضيف (1).
وأحسنوا الوضوء. وحافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها فإنها من الله جل وعز
بمكان " ومن تطوع خيرا (فهو خير له) فإن الله شاكر عليم (2) " وتعاونوا على البر
والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان (3) ". و " اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن
إلا وأنتم مسلمون (4) ".
واعلموا عباد الله! أن الامل يذهب العقل ويكذب الوعد ويحث على الغفلة
ويورث الحسرة فاكذبوا الامل فإنه غرور وإن صاحبه مأزور (5) فاعملوا في
الرغبة والرهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا وأجمعوا معها رغبة فإن الله قد تأذن
للمسلمين بالحسنى (6) ولمن شكر بالزيادة فإني لم أر مثل الجنة نام طالبها ولا
كالنار نام هاربها، ولا أكثر مكتسبا ممن كسبه ليوم تذخر فيه الذخائر وتبلى فيه
السرائر.
وإن من لا ينفعه الحق يضره الباطل ومن لا يستقيم به الهدى (7) تضره
الضلالة ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك. وإنكم قد أمرتم بالظعن (8) ودللتم على
الزاد، ألا إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنان طول الامل واتباع الهوى. ألا وإن
الدنيا قد أدبرت وآذنت بانقلاع (9) ألا وإن الآخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع.

(1) قرى الضيف. أضافه.
(2) سورة البقرة: 153. وقوله: " تطوع " أي تبرع.
(3) سورة المائدة: 5.
(4) سورة آل عمران: 97.
(5) المأزور: الاثم - من وزر - وقياسه موزور.
(6) الحسنى: العاقبة الحسنة.
(7) لأنه ليس بين الهدى والضلالة شئ فان وراء الهدى ضلال كله. وفى النهج " ومن
لم يستقم به الهدى يجربه الضلال إلى الردى ".
(8) الظعن: الرحيل والامر تكويني والمراد بالزاد عمل الصالحات وترك السيئات.
(9) آذنت أي أعلمت واعلامها هو ما أودع في طبيعتها من التقلب والتحول ومن نظر
إليها يحصل له اليقين بفنائها. والطلاع من أطلع على فلان أي أشرف وأتاه ويفهم منه
الاتيان بفجأة. وفى النهج " ان الدنيا قد آذنت بوداع والآخرة قد أشرفت باطلاع ألا وان اليوم
المضمار وغدا السباق " والمضمار: الموضع الذي تضمر فيه الخيل. وتضميره أن تربط ويكثر
علفها وماؤها حتى تسمن ثم يقلل علفها وماؤها وتجرى في الميدان حتى تهزل وذلك في مدة
أربعين يوما وهذه المدة أيضا تسمى المضمار. والسباق: المسابقة واجراء الخيل في مضمار
فتسابق فيه. والسبقة - بفتح فسكون -: المرة من السبق - وبفتحتين -: الغاية المحبوبة
التي يحب السابق أن يصل إليها. و - بضم فسكون -: ما يتراهن عليه المتسابقون وهذا
الكلام على سبيل الاستعارة أي العمل في الدنيا للاستباق في الآخرة.
293

ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا، ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار.
ألا وإنكم في أيام مهل من ورائه أجل (1) يحثه [ال‍] - عجل. فمن أخلص لله عمله
في أيامه قبل حضور أجله نفعه عمله، ولم يضره أجله. ومن لم يعمل في أيام مهله
ضره أمله، ولم ينفعه عمله.
عباد الله! افزعوا إلى قوام دينكم (2) بإقام الصلاة لوقتها. وإيتاء الزكاة
في حينها والتضرع والخشوع. وصلة الرحم، وخوف المعاد. وإعطاء السائل، وإكرام
الضعفة [والضعيف] (3) وتعلم القرآن والعمل به، وصدق الحديث، والوفاء بالعهد
وأداء الأمانة إذا ائتمنتم، وارغبوا في ثواب الله وارهبوا عذابه، وجاهدوا في سبيل الله
بأموالكم وأنفسكم. وتزودوا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم. واعملوا بالخير
تجزوا بالخير يوم يفوز بالخير من قدم الخير. أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.
3 - من مناقب ابن الجوزي (4) الخطبة المنبرية:

(1) المهل - بالفتح -: المهلة. وأيضا. الرفق. وفى النهج " أمل ". أي الامل في
البقاء واستمرار الحياة.
(2) الافزاع: الإخافة، الإغاثة وإزالة الفزع " ضد ".
(3) في بعض النسخ " الضعيفة والضعيف ".
(4) المصدر ص 70.
294

روى مجاهد، عن ابن عباس قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام يوما على منبر
الكوفة فقال: الحمد لله وأحمده وأومن به وأستعينه وأستهديه، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره
على الدين كله ولو كره المشركون، ثم قال: أيتها النفوس المختلفة، والقلوب
المتشتة، الشاهدة أبدانهم، الغائبة عقولهم، كم أدلكم على الحق وأنتم تنفرون نفور
المعزى من وعوعة الأسد، هيهات أن أطلع بكم ذروة العدل أو أقيم اعوجاج الحق
اللهم إنك تعلم أنه لم يكن مني منافسة في سلطان، ولا التماس فضول الحطام، ولكن
لأرد المعالم من دينك، وأظهر الصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام
المعطلة من حدودك. اللهم إنك تعلم أني أول من أناب، وسمع فأجاب لم يسبقني
إلا رسولك.
اللهم لا ينبغي أن يكون الوالي على الدماء والفروج والمغانم والاحكام
ومعالم الحلال والحرام، وإمامة المسلمين [وأمور المؤمنين] البخيل لان تهمته
في جميع الأموال، ولا الجاهل فيدلهم بجهله على الضلال، ولا الجافي فينفرهم
بجفائه، ولا الخائف فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق
ولا المعطل للسنن فيؤدي ذلك إلى الفجور، ولا الباغي فيدحض الحق، ولا الفاسق
فيشين الشرع.
فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما تقول في رجل مات وترك امرأة
وابنتين وأبوين فقال: لكل واحد من الأبوين السدس وللابنتين الثلثان، قال:
فالمرأة قال: صار ثمنها تسعا وهذا من أبلغ الأجوبة.
4 - خطبة: (1) ويعرف بالبالغة:
روى ابن أبي ذئب عن أبي صالح العجلي قال: شهدت أمير المؤمنين كرم الله
وجهه وهو يخطب فقال: بعد أن حمد الله تعالى وصلى على محمد رسوله صلى الله عليه وآله: أيها -

(1) في المصدر ص 72 وسنده هكذا " القرشي " عن علي بن الحسين عليه السلام عن عبد الله
ابن صالح العجلي عن رجل من بنى شيبان قال.. ".
295

الناس إن الله أرسل إليكم رسولا ليزيح به علتكم، ويوقظ به غفلتكم، وإن
أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل، أما اتباع الهوى فيصدكم (1)
عن الحق، وأما طول الامل فينسيكم الآخرة. ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة
وإن الآخرة قد أقبلت مقبلة، ولكل واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة
ولا تكونوا من أبناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، و
اعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت، ومحاسبون على أعمالكم ومجازون
بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، فإنها دار بالبلاء محفوفة
وبالعناء والغدر موصوفة وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال (2)
لا تدوم أحوالها، ولا يسلم من شرها نزالها، بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم في
بلاء وغرور، العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، أهلها فيها أهداف وأغراض
مستهدفة (3) وكل فيها حتفه مقدور وحظه من نوائبها موفور، وأنتم عباد الله على
محجة من قد مضى، وسبيل من كان ثم انقضى (4) ممن كان أطول منكم أعمارا، و
أشد بطشا وأعمر ديارا، أصبحت أجسادهم بالية، وديارهم خالية وآثارهم عافية
فاستبدلوا بالقصور المشيدة، والنمارق الموسدة (5) بطون اللحود ومجاورة اللدود
في دار ساكنها مغترب، ومحلها مقترب. بين قوم مستوحشين متجاورين غير متزاورين
لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون تواصل الجيران. على ما بينهم من قرب الجوار
ودنو الدار، وكيف يكون بينهم تواصل، وقد طحنتهم البلى، وأظلتهم الجنادل و

(1) في المصدر " فيضلكم ".
(2) أي تارة لهم وتارة عليهم.
(3) زاد في المصدر " وأسبابها مختلفة ".
(4) في المصدر " واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد
مضى - الخ " وجعل ما في المتن نسخة.
(5) في المصدر " والنمارق الموسدة الصخور والأحجار في القبور التي خرب فناؤها
وتهدم بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب الخ ". والمغترب: الظاعن.
296

الثرى. فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، وبعد غضارة العيش رفاتا. قد فجع بهم الأحباب
وسكنوا التراب، وظعنوا فليس لهم إياب، وتمنوا الرجوع فحيل بينهم وبين ما
يشتهون " كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " (1).
وقد أخرج أبو نعيم طرفا من هذه الخطبة في كتابه المعروف بالحلية.
5 - خطبة: (2) في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله:
ذكرها الحسن بن عرفة، عن سعيد بن عمير قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام
فقال: الحمد لله داحي المدحوات (3) وداعم المسموكات، وجابل القلوب على فطرتها
شقيها، وسعيدها وغويها ورشيدها، اللهم واجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك
على سيدنا محمد عبدك ورسولك وحبيبك الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق، المعلن
بالحق، الناطق بالصدق، الدافع جيشات الأباطيل (4) والدامغ هيشات الأضاليل

(1) زاد في المصدر بعد قوله " يبعثون " " وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه وقدمتم
على ما قدموا عليه فكيف بكم إذا تناهت الأمور وبعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور ان
ربهم بهم يومئذ لخبير، وكأني والله بكم وقد وقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل
فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب وهبطت عنكم الحجب والأستار وظهرت العيوب
والاسرار، وزال الشك والارتياب هنالك تجزى كل نفس بما كسبت ان الله سريع الحساب
جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين لسنة رسوله، حتى يحلنا دار المقامة من فضله، انه
حميد مجيد برحمته وكرمه ".
(2) المصدر ص 74 و 75 وسنده هكذا " عبد الله بن أبي المجد، عن عبد الوهاب
ابن المبارك، عن أحمد بن محمد بن حداد، عن أبي بكر بن أحمد بن علي بن إبراهيم
ابن منحويه، عن محمد بن أحمد بن إسحاق، عن عبد الله بن سليمان، عن الحسن بن عرفة
عن عباد بن الحبيب، عن مجالد، عن سعيد بن عمير ".
(3) أي باسط المبسوطات. وقوله " داعم المسموكات " أي مقيمها وحافظها. وقوله
" جابل القلوب " أي خالقها.
(4) يأتي معنى الجيشاب والهيشات بعد تمام الخطبة.
297

فاضطلع قائما بأمرك (1) مستوفزا في مرضاتك، غير نأكل عن قدم (2) ولاواه في عزم
مراعيا لعهدك. محافظا لودك، حتى أوري قبس القابس وأضاء الطريق للخابط (3)
وهدى به الناس بعد خوض الفتن والآثام، والخبط في عشو الظلام، فأنارت
نيرات الاحكام بارتفاع الاعلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون،
وشهيد يوم الدين وحجتك على العالمين، وبعيثك بالحق ورسولك الصدق إلى الخلق
اللهم فافسح له مفسحا في ظلك. واجزه بمضاعفات الخير من فضلك، اللهم اجمع
بيننا وبينه في برد العيش، وقرار النعمة، ومنتهى الرغبة، ومستقر اللذة، ومنتهى
الطمأنينة، وأرجاء الدعة وأفناء الكرامة.
القدم (4) بتسكين الدال التقدم، والجيشات من جاشت القدر تجيش إذا غلت.
والهيشات الجماعات وهاشوا إذا تحركوا.
6 - خطبة: (5) أخرى في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام.
رواها أحمد بن عبد الله الهاشمي، عن الحسن بن علي بن محمد بن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام قال الحسين عليه السلام خطب أمير المؤمنين
خطبة بليغة في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه:
لما أراد الله أن ينشئ المخلوقات [ويبدع الموجودات] أقام الخلائق في صورة

(1) فاضطلع أي نهض قويا والضلاعة: القوة. والمستوفز: المسارع المستعجل.
(2) الناكل: الناكص والمتأخر. أي غير جبان يتأخر عند وجوب الاقدام. والواهي:
الضعيف.
(3) ورى الزند - كوعى - وورى - كولى -: خرجت ناره، واوريته ووريته
واستوريته. والقبس شعلة من النار والقابس الذي يطلب النار. والكلام تمثيل لنجاح طالب
الحق ببلوغ طلبتهم منه واشراق النفوس المستعدة لقبوله بما سطع من أنواره. والخابط:
الذي يسير ليلا على غير الجادة.
(4) هذا من كلام صاحب المناقب.
(5) في المصدر المطبوع ص 76 بزيادات واختلاف.
298

واحدة قبل دحو الأرض ورفع السماوات، ثم أفاض نورا من نور عزه فلمع قبسا من
ضيائه وسطع، ثم اجتمع في تلك الصورة، وفيها صورة رسول الله صلى الله عليه وآله (1) فقال
له تعالى: أنت المرتضى المختار، وفيك مستودع الأنوار، من أجلك أضع البطحاء
وأرفع السماء، وأجرى الماء، واجعل الثواب والعقاب والجنة والنار وأنصب أهل
بيتك علما للهداية، وأودع فيهم أسراري بحيث لا يغيب عنهم دقيق ولا جليل، ولا
يخفى عنهم خفي، اجعلهم حجتي على خليقتي، وأسكن قلوبهم أنوار عزتي، و
أطلعهم على معادن جواهر خزائني.
ثم أخذ الله تعالى عليهم الشهادة بالربوبية والاقرار بالوحدانية، وأن
الإمامة فيهم، والنور معهم، ثم إن الله سبحانه أخفى الخليقة في غيبه؟، وغيبها
في مكنون علمه، ونصب العوالم، وموج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان
فطفا عرشه على الماء، ثم أنشأ الملائكة من أنوار أبدعها وأنواع اخترعها، ثم
خلق المخلوقات فأكملها، ثم قرن بتوحيده نبوة نبيه، فشهدت له السماوات و
الأرض والملائكة والعرش والكرسي والشمس والقمر والنجوم [وما في الأرض]
بالنبوة والفضيلة، ثم خلق آدم وأبان للملائكة فضله وأراهم ما خصه به من سابق
العلم فجعله محرابا وقبلة لهم فسجدوا له وعرفوا حقه.
ثم إن الله تعالى بين لآدم عليه السلام حقيقة ذلك النور ومكنون ذلك السر
فأودعه شيئا وأوصاه وأعلمه أنه السر في المخلوقات، ثم لم يزل ينتقل من الأصلاب
الطاهرة إلى الأرحام الزكية إلى أن وصل إلى عبد المطلب فألقاه إلى عبد الله ثم
صانه الله عن الخثعمية حتى وصل إلى آمنة، فلما أظهره الله بواسطة نبينا صلى الله عليه وآله
استدعى الفهوم إلى القيام بحقوق ذلك السر اللطيف، وندب العقول إلى الإجابة
لذلك المعنى المودع في الذر قبل النسل، فمن واقفه قبس من لمحات ذلك النور
اهتدى إلى السر وانتهى إلى العهد المودع في باطن الامر وغامض العلم، ومن غمرته
الغفلة وشغلته المحنة عشى بصر قلبه عن إدراكه فلا يزال ذلك النور ينتقل فينا أهل

(1) في المصدر " وفيها هيئة نبينا صلى الله عليه وآله ".
299

البيت ويتشعشع في غرايزنا إلى أن يبلغ الكتاب أجله فنحن أنوار الأرض والسماوات
ومحض خالص الموجودات، وسفن النجاة، وفينا مكنون العلم، وإلينا مصير
الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج، فهو خاتم الأئمة، ومنقذ الأمة، ومنتهى النور
وغامض السر، فليهنأ من استمسك بعروتنا، وحشر على محبتنا.
7 - نهج البلاغة (1)، ومن كتاب عيون الحكمة والمواعظ لعلي بن محمد الواسطي
من خطبه صلوات الله عليه. الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ولا يحصى نعماءه
العادون ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص
الفطن (2) الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا
أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور
ميدان أرضه، أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق
به توحيده، وكمال توحيده الاخلاص له، وكمال الاخلاص [له] نفي الصفات
عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة،
فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه ومن
جزأه فقد جهله [ومن جهله فقد أشار إليه (3)].
ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، و
من قال علام فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ
لا بمقارنة، وغير كل شئ لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا
منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده.
أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا روية أجالها، ولا تجربة استفادها

(1) الخطبة الأولى. وكتاب عيون الحكمة مخطوط.
(2) الفطن: جمع فطنة. وغوصها: استغراقها في بحر المعقولات.
(3) هذه الجملة ليست في غير واحد من النسخ المخطوطة العتيقة ولا في شرحي ابن
ميثم وابن أبي الحديد. والظاهر أنها زيادة من النساخ وفى البحار الطبع المعروف بكمباني
خط عليها الكاتب بعد ما كتبها. وليس لها معنى مستقيما صحيحا الا بتكلف.
300

ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها (1)، أحال الأشياء لأوقاتها، و
لائم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها (2) عالما بها قبل ابتداءها
محيطا بحدودها وانتهائها، عارفا بقرائنها وأحنائها (3).
ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الارجاء، وسكائك الهواء، فأجرى (4)
فيها ماء متلاطما تياره (5) متراكما زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، و
الزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شده: وقرنها إلى حده، الهواء
من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق.
ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها، وأدام مربها (6) وأعصف مجراها، و
أبعد منشأها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وأثارة موج البحار، فمخضته مخض
السقاء (7) وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله إلى آخره، وساجيه إلى مائره
حتى عب عبابه (8) ورمى بالزبد ركامه. فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق (9)

(1) همامة نفس - بالفتح - اهتمامها بالأمور وقصدها إليه والاضطرب الحركة والحركة
في الهمامة الانتقال من رأى إلى رأى. والإحالة بمعنى التحويل والنقل.
(2) الأشباح: الأشخاص.
(3) الاحناء جمع حنو - بالكسر - أي الجانب وفى كلامه عليه السلام دلالة على
جواز اطلاق العارف عليه سبحانه.
(4) السكاكة - بالضم - الهواء الملاقى أعناق السماء جمعها سكائك.
(5) التيار: الموج. والمتراكم: ما يكون بعضها فوق بعض، والزخار الشديد الزخر
أي الامتداد والارتفاع.
(6) أي جعل هبوبها عقيما والريح العقيم التي لا تلقح سحابا ولا شجرا وكذلك كانت
تلك الرياح. والمرب مصدر ميمي من أرب بالمكان مثل الب به أي لازمه " فادام مربها "
أي ملازمتها أو ان ادام من أدمت الدلو ملأتها. والمرب. بكسر أوله المكان والمحل.
(7) التصفيق: التحريك. ومخضته: حركته بشدة.
(8) الساجي: الساكن. والمائر: الذي يذهب ويجئ أو المتحرك مطلقا. وعب
أي ارتفع، والعباب بالضم معظم الماء وكثرته وارتفاعه. والركام: ثبجه وما تراكم منه بعضه
على بعض.
(9) الانفهاق: الاتساع.
301

فسوى منه سبع سماوات، جعل سفلاهن موجا مكفوفا، (1) وعلياهن سقفا محفوظا
وسمكا مرفوعا، بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينتظمها (2) ثم زينها بزينة الكواكب و
ضياء الثواقب (3) وأجرى فيها سراجا مستطيرا وقمرا منيرا، في فلك دائر، وسقف
سائر، ورقيم مائر (4).
ثم فتق ما بين السماوات العلى، فملأهن أطوارا من ملائكته، منهم سجود
لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون (5)
لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان، ومنهم
امناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره، ومنهم الحفظة
لعباده، والسدنة لأبواب جنانه، ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، و
المارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم
العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم (6) مضروبة بينهم
وبين من دونهم حجب العزة، وأستار القدرة، لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا
يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالأماكن ولا يشيرون إليه بالنظائر.
ومنها في صفة خلق آدم عليه السلام:
ثم جمع سبحانه من حزن الأرض (7) وسهلها وعذبها وسبخها تربة سنها بالماء

(1) المكفوف: الممنوع من السيلان.
(2) يدعمها أي يسندها ويحفظها من السقوط. والدسار: المسمار أو الخيوط تشد بها
ألواح السفينة من ليف ونحوه.
(3) الثواقب: المنيرة المشرقة.
(4) مستطيرا أي منتشر الضياء وهو الشمس. والرقيم: اسم من أسماء الفلك أو هو
الكهكشان لأنه مرقوم بالكواكب. والمائر المتحرك.
(5) سجود جمع ساجد وكذا ركوع. سئم من الشئ مل منه.
(6) متلفعون من تلفعت بالثوب أي التحفت به.
(7) الحزن بالفتح فالسكون: المكان الغليظ الخشن كالجبل. والسبخ ما ملح من
الأرض.
302

حتى خلصت (1)، ولاطها بالبلة حتى لزبت (2)، فجبل منها صورة ذات أحناء
ووصول (3) وأعضاء وفصول، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت (4)
لوقت معدود، وأجل معلوم، ثم نفخ فيها من روحه، فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها
وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها (5) وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين
الحق والباطل، والأذواق والمشام والألوان والأجناس معجونا بطينة الألوان
المختلفة والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والاخلاط المتباينة، من الحر
والبرد والبلة والجمود [والمساءة والسرور] واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته
لديهم (6)، وعهد وصيته إليهم في الاذعان بالسجود له، والخشوع لتكرمته، فقال
سبحانه: " اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس " [وقبيله] اعترته الحمية، وغلبت
عليه الشقوة، وتعزز بخلقة النار، واستوهن خلق الصلصال. فأعطاه الله النظرة
استحقاقا للسخطة، واستتماما للبلية، وإنجازا للعدة، فقال: إنك من المنظرين
إلى يوم الوقت المعلوم " (7).

(1) سن الماء: صبه من غير تفريق واما الصب المتفرق فهو الشن بالمعجمة. وخلصت
أي صارت طينة خالصة. وفى بعض النسخ من النهج " حتى خضلت بتقديم الضاد المعجمة على
اللام أي ابتلت.
(2) لاطها أي خلطها وعجنها. ولزبت - بفتح الزاي - أي التصقت وثبتت.
(3) الوصول الفصول باعتبار.
(4) اصلدها أي جعلها صلبة. والصلد من الحجر الصلب الأملس. وقيل صلبت حتى
تسمع لها صلصلة إذا هبت عليها رياح فلذلك سماه الله الصلصال.
(5) أي يجعلها في مآربه وأوطارها كالخدم الذين تستعملهم في خدمتك.
(6) أي طلب منها أداءها.
(7) ص: 81 و 82.
303

8 - ومن خطبة له عليه السلام (1)
الحمد لله الذي بطن خفيات الأمور (2) ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع
على عين البصير فلا قلب من لم يره ينكره، ولا عين من أثبته تبصره، سبق في العلو فلا
شئ أعلا منه، وقرب في الدنو فلا شئ أقرب منه، فلا استعلاؤه باعده عن شئ من
خلقه، ولا قربه ساواهم في المكان به، لم يطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها
عن واجب معرفته، فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود (3)
تعالى الله عما يقول المشبهون به والجاحدون له علوا كبيرا.
9 - ومن خطبة له عليه السلام (4)
الحمد لله الذي لم تسبق له حال حالا (5) فيكون أولا قبل أن يكون آخرا
ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا (6) وكل مسمى بالوحدة غيره قليل (7) وكل
عزيز غيره ذليل، وكل قوي غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك، وكل عالم
غيره متعلم، وكل قادر غيره يقدر ويعجزه، وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات
ويصمه كبيرها، ويذهب عنه ما بعد منها، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان
ولطيف الأجسام، وكل ظاهر غيره غير باطن، وكل باطن غيره غير ظاهر، لم يخلق

(1) النهج تحت رقم 49.
(2) بطنت الامر أي عرفت باطنه.
(3) الجحود: الانكار مع العلم، وظاهر الكلام أن انكار الجاحد مقصور على اللسان
ولا ينكر أحد وجود الصانع بالقلب لظهور الأدلة.
(4) النهج تحت رقم 63.
(5) لأنه سبحانه ليس زمانيا وكذلك صفاته التي هي عين ذاته فلا يلحقها التقدم
والتأخر.
(6) أي العالم ببواطن الأشياء.
(7) أي متصف بالقلة. ووصف غيره سبحانه بالوحدة تقليل له وفى ذاته تعالى مشعر
بعلو الذات عن التركيب المشعر بلزوم الانحلال وتفردها بالعظمة والسلطان.
304

ما خلقه لتشديد سلطان، ولا تخوف من عواقب زمان، ولا استعانة على ند مثاور
ولا شريك مكاثر (1)، ولا ضد منافر، ولكن خلايق مربوبون، وعباد داخرون، لم
يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن، لم يؤده خلق
ما ابتدأ (2)، ولا تدبير ما ذرأ، ولا وقف به عجز عما خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيما
قضى وقدر، بل قضاء متقن وعلم محكم وأمر مبرم (3) المأمول مع النقم، المرهوب
مع النعم.
10 - ومن خطبة له عليه السلام (4)
الحمد لله المعروف من غير رؤية، والخالق من غير روية (5) الذي لم يزل
قائما دائما إذ لا سماء ذات أبراج، ولا حجب ذات أرتاج، ولا ليل داج، ولا
بحرساج (6) ولا جبل ذو فجاج، ولا فج ذو اعوجاج، ولا أرض ذات مهاد (7)، ولا
خلق ذو اعتماد، ذلك مبتدع الخلق ووارثه، وإله الخلق ورازقه، والشمس والقمر
دائبان في مرضاته، يبليان (8) كل جديد، ويقربان كل بعيد، قسم أرزاقهم، و
أحصى آثارهم وأعمالهم، وعدد أنفاسهم، وخائنة أعينهم، وما تخفي صدورهم من

(1) الند المثل والنظير. والمثاور: المواثب والمحارب. والشريك المكاثر أي
المفاخر بالكثرة والذي يريد الغلبة بالكثرة. والمنافرة أيضا المفاخرة.
(2) آده الامر أي أثقله.
(3) أبرم الحبل أي جعله طاقين ثم فتله.
(4) النهج تحت رقم 88.
(5) الروية الفكر وامعان النظر.
(6) الارتاج جمع رتج - بالتحريك - أي الباب العظيم. والداجي: المظلم. و
الساجي: الساكن. والفجاج: جمع فج وهو الطريق الواسع بين جبلين.
(7) المهاد - ككتاب -: الفراش.
(8) دئب عمله إذا جد وتعب. وابلاؤهما كل جديد انه يبلى بمضي الأيام والشهور
وكذلك تقريبهما كل بعيد.
305

الضمير، ومستقرهم ومستودعهم من الأرحام والظهور، إلى أن تتناهى بهم الغايات
هو الذي اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته، واتسعت رحمته لأوليائه في شدة
نقمته، قاهر من عازه، ومدمر من شاقه، ومذل من ناواه (1)، وغالب من عاداه
ومن توكل عليه كفاه، ومن سأله أعطاه، ومن أقرضه قضاه، ومن شكره
جزاه.
11 - ومن خطبة له عليه السلام (2)
الحمد لله خالق العباد، وساطح المهاد، ومسيل الوهاد (3) ومخصب النجاد
ليس لأوليته ابتداء، ولا لأزليته انقضاء، وهو الأول لم يزل، والباقي بلا أجل
خرت له الجباه، ووحدته الشفاه، حد الأشياء عند خلقه لها إبانة له من شبهها
لا تقدره الأوهام بالحدود والحركات، ولا بالجوارح والأدوات، لا يقال له " متى "
ولا يضرب له أمد ب‍ " حتى " الظاهر لا يقال له " مما " والباطن لا يقال " فيما " لا شبح
فيتقضى (4) ولا محجوب فيحوى، لم يقرب من الأشياء بالتصاق، ولم يبعد عنها بافتراق
لا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة (5) ولا كرور لفظة، ولا ازدلاف ربوة (6) ولا

(1) عازه فعزني أي غالبني فغلبني أي قهر من رام مشاركته في شئ من عزته. و
والتدمير الاهلاك. وناواه أي باعده وعاداه وخالفه.
(2) النهج تحت رقم 161.
(3) الوهاد جمع وهدة وهي الأرض المنخفضة. وساطح المهاد أي جاعله سطحا سهلا.
والنجاد: جمع نجد ما ارتفع منها. وتسييل الوهاد بمياه الأمطار وتخصيب النجاد بأنواع
النبات.
(4) أي ليس بجسم حتى يتطرق إليه الفناء. وقوله " ولا محجوب فيحوى " المحجوب
الذي ستره جسم فيكون الساتر حاويا له.
(5) أي امتداد بصر بلا حركة من جفن.
(6) ازدلاف الربوة: تقربها من النظر. أي تقدمها في النظر فان الربوة أول ما يقع
في العين من الأرض عند مد البصر.
306

انبساط خطوة، في ليل داج، ولا غسق ساج، يتفيؤ عليه القمر المنير (1) وتعقبه الشمس
ذات النور (2) في الأفول والكرور (3) وتقلب الأزمنة والدهور، من إقبال ليل
مقبل وإدبار نهار مدبر (4) قبل كل غاية ومدة، وكل إحصاء وعدة، تعالى عما
ينحله المحددون من صفات الاقدار (5)، ونهايات الأقطار، وتأثل المساكن (6)
وتمكن الأماكن، فالحد لخلقه مضروب، وإلى غيره منسوب، لم يخلق الأشياء من
أصول أزلية، ولامن أوائل أبدية (7) بل خلق ما خلق فأقام حده (8)، وصور
ما صور فأحسن صورته، ليس لشئ منه امتناع، ولا له بطاعة شئ انتفاع، علمه
بالأموات الماضين كعلمه بالاحياء الباقين، وعلمه بما في السماوات العلى كعلمه بما
في الأرضين السفلى.
12 - ومن خطبة له عليه السلام (9)
لا يشغله شأن، ولا يغيره زمان، ولا يحويه مكان، ولا يصفه لسان، ولا يعزب عنه
عدد قطر الماء (10) ولا نجوم السماء، ولا سوافي الريح في الهواء، ولا دبيب النمل

(1) أصل التفيؤ للظل نسخ نور الشمس، ولما كان الظلام بالليل عاما كالضياء بالنهار
عبر عن نسخ نور القمر له بالتفيوء، تشبيها له بنسخ الظل لضياء الشمس.
(2) الضمير في تعقبه راجع إلى القمر ويحتمل ان يعود إلى الغسق فان الشمس تسوقه
من موضع إلى موضع.
(3) الأفول: المغيب. والكرور: الرجوع بالشروق.
(4) الغرض بيان علمه تعالى بالجزئيات وأنه لا يغيب عنه شئ.
(5) أي عما ينسبه المحددون لذاته والمعرفون لها. " من صفات الاقدار " جمع قدر
- بسكون الدال - وهو حال الشئ من الطول والعرض والعمق والصغر والكبر. قوله:
" نهايات الأقطار " أي نهاية الابعاد الثلاثة.
(6) التأثل: التأصل.
(7) في قوله عليه السلام هذا إشارة إلى ابطال القول بان الأعيان الثابتات مندرجة
في غيب الذات اندراج الشجرة في النواة واللوازم في الملزومات.
(8) وإقامة حد الأشياء: اتقان الحدود على وفق الحكمة من المقادير والاشكال.
والنهايات والآجال.
(9) النهج تحت رقم 176.
(10) لا يعزب أي لا يخفى.
307

على الصفا (1) ولا مقيل الذر في الليلة الظلماء، يعلم مساقط الأوراق، وخفي طرف
الأحداق، وأشهد أن لا إله إلا الله غير معدول به (2) ولا مشكوك فيه، ولا مكفور
دينه ولا مجحود تكوينه، شهادة من صدقت نيته، وصفت دخلته (3) وخلص يقينه
وثقلت موازينه.
13 - ومن خطبة له عليه السلام (4)
فمنها لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركا ولم يلد فيكون موروثا
هالكا، ولم يتقدمه وقت ولا زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، بل ظهر للعقول بما
أرانا من علامات التدبير المتقن، والقضاء المبرم (5) فمن شواهد خلقه خلق السماوات
موطدات بلا عمد (6) قائمات بلا سند، دعاهن فأجبن طائعات مذعنات غير متلكئات
ولا مبطئات (7) ولولا إقرارهن له بالربوبية وإذعانهن بالطواعية (8) لما جعلهن

(1) السوافي الريح جمع سافية من سفت الريح التراب والورق أي حملته. والصفا
- مقصورا - جمع صفاة - وهي الحجر الأملس. والذر صغار النمل والذرة واحدة منها، ومقيلها
محل استراحتها، والتخصيص بالصفا لعدم التأثير بالدبيب كالتراب إذ يمكن في التراب
ونحوه ان يعلم الدبيب بالأثر.
(2) عدل بالله أي جعل له عديلا ونظيرا.
(3) الدخلة - بالكسر والضم - باطن الامر.
(4) النهج تحت رقم 180.
(5) تعاور القوم أي اختلفوا وتناوبوا. وتعاور الزيادة والنقصان من لواحق الامكان
ولما كان نفى الأمور المذكورة مستلزما لنفى الامكان والجسمية أضرب عليه السلام عن ظهوره
سبحانه على حذو الجسمانيات والممكنات بظهوره بالآثار والآيات البينات للعقول لا الحواس
والآلات. والتدبير في حقه سبحانه كون أفعاله على وفق الحكمة والمصلحة لا اجالة الفكر
والروية والمبرم: المحكم.
(6) وطدت الأرض كوعدت أطدها إذا أثبتها بالوطئ وغيرها حتى تتصلب. وتوطيد
السماوات أحكام خلقها وإقامتها في مقامها على وفق الحكمة.
(7) تلكأ: توقف وزنا ومعنى.
(8) الطواعية - كثمانية -: الطاعة.
308

موضعا لعرشه، ولا مسكنا لملائكته، ولا مصعدا للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه
جعل نجومها أعلاما يستدل به الحيران في مختلف فجاج الأقطار، لم يمنع ضوء نورها
ادلهمام، سجف الليل المظلم (1) ولا استطاعت جلابيب سواد الحنادس (2) أن ترد
ما شاع في السماوات من تلألؤ نور القمر.
فسبحان من لا يخفى عليه سواد غسق داج، ولا ليل ساج، في بقاع الأرضين
المتطأطئات، ولا في يفاع السفع المتجاورات (3) وما يتجلجل به الرعد في أفق
السماء، وما تلاشت عنه بروق الغمام (4) وما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها
عواصف الأنواء، وانهطال السماء (5) ويعلم مسقط القطرة ومقرها، ومسحب

(1) ادلهمام الظلمة كثافتها وشدتها، واسود مدلهم مبالغة. والسجف - بالكسر - الستر
كالسجف بالفتح.
(2) جلابيب جمع جلباب - بالكسر - ثوب واسع تغطي به المرأة ثيابها من فوق
كالملحفة وقيل هو الخمار. والحنادس جمع حندس - بكسر الحاء - الليل المظلم.
(3) طأطأ رأسه أي خفضه فتطأطأ أي تواضع وانحنى ووصف الأرضين بالمتطأطئات
لكونها موطأ للاقدام وتحت السماوات. واليفاع: التل أو مطلق مرتفع الأرض. والسفع
جمع سفعاء: السواد تضرب إلى الحمرة والمراد الجبال، والغرض إحاطة علمه بالسافل
والعالي.
(4) الجلجلة: صوت الرعد. وتلاشت أي اضمحلت أي يعلم ما يصوت به الرعد و
ما يضمحل عنه البرق.
(5) العواصف الرياح الشديدة. والأنواء جمع نوء - بالفتح - وهي ثمان وعشرون
منزلة ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها. ويسقط في المغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة
مع طلوع الفجر وتطلع أخرى مقابلتها ذلك الوقت في المشرق فينقضي جميعها مع انقضاء
السنة. وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر وينسبونه إليها
فيقولون مطرنا بنوء كذا، وإنما سمى نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع
بالمشرق أي نهض وطلع. وقيل: المراد بالنوء الغروب وهو من الأضداد، وإضافة العواصف
إلى الأنواء من الإضافة إلى الظرف لكثرة هبوب العواصف في أوقات الأنواء على مجرى العادة
لا لتأثير النوء في الرياح والأمطار كما كانت تزعمه العرب وكانوا يقولون مطرنا بنوء كذا.
وهطل المطر: نزل متتابعا متفرقا عظيم القطر. وانهطال المطر تتابعه. والمراد بالسماء
هنا المطر.
309

الذرة ومجرها (1)، وما يكفي البعوضة من قوتها، وما تحمل الأنثى في بطنها.
والحمد لله الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش، أو سماء أو أرض، أو جان أو
إنس لا يدرك بوهم، ولا يقدر بفهم، ولا يشغله سائل، ولا ينقصه نائل، ولا ينظر بعين
ولا يحد بأين، ولا يوصف بالأزواج، ولا يخلق بعلاج، ولا يدرك بالحواس، ولا
يقاس بالناس، الذي كلم موسى تكليما، وأراه من آياته عظيما، بلا جوارح ولا
أدوات، ولا نطق ولا لهوات (2) بل إن كنت صادقا أيها المتكلف لوصف ربك، فصف
جبرئيل أو ميكائيل وجنود الملائكة المقربين، في حجرات القدس مرجحنين، متولهة
عقولهم (3) أن يحدوا أحسن الخالقين، وإنما يدرك بالصفات ذووا الهيئات والأدوات
ومن ينقضي إذا بلغ أمد حده بالفناء، فلا إله إلا هو، أضاء بنوره كل ظلام، وأظلم
بظلمته كل نور.
14 - ومن خطبة له عليه السلام (4): في التوحيد وتجمع هذه الخطبة من
أصول العلم ما لا تجمعه خطبة. فمنها:
ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا إياه عنى من شبهه، ولا
صمده من أشار إليه وتوهمه (5)، كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه
معلول (6) فاعل بلا اضطراب آلة، مقدر لا بجول فكرة، غني لا باستفادة، لا

(1) سحبه: جره على وجه الأرض.
(2) اللهوات جمع لهاة - اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى الفم.
(3) المرجحن - كالمقشعر -: المائل لثقله والمتحرك يمينا وشمالا كناية عن انحنائهن
لعظمة الله سبحانه. والمتولهة: الحائرة أو متخوفة.
(4) النهج تحت رقم 184.
(5) صمده أي قصده.
(6) أي كل ما يحتاج في وجوده وتقومه إلى غيره كالاعراض فهو معلول محتاج إلى
العلة.
310

تصحبه الأوقات، ولا ترفده الأدوات (1) سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، و
الابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبمضادته بين الأمور عرف أن
لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والوضوح
بالبهمة، والجمود بالبلل، والحرور بالصرد، مؤلف بين متعادياتها، مقارن بين
متبايناتها، مقرب بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها، لا يشمل بحد، ولا يحسب
بعد، وإنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها، منعتها " منذ " القدمة
وحمتها " قد " الأزلية (2) وجنبتها " لولا " التكملة (3) بها تجلى صانعها للعقول، وبها
امتنع عن نظر العيون (4) لا يجري عليه السكون والحركة، وكيف يجري عليه
ما هو أجراه، ويعود فيه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه، إذا لتفاوتت ذاته و
لتجزأ كنهه، ولا امتنع من الأزل معناه، ولكان له وراء إذ وجد له أمام، ولا التمس
التمام إذ لزمه النقصان، وإذا لقامت آية المصنوع فيه، ولتحول دليلا بعد أن
كان مدلولا عليه، وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره.
الذي لا يحول ولا يزول ولا يجوز عليه الأفول، لم يلد فيكون مولودا، ولم
يولد فيصير محدودا، جل عن اتخاذ الأبناء، وطهر عن ملامسة النساء، لا تناله الأوهام
فتقدره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره، ولا تدركه الحواس فتحسه، ولا تلمسه
الأيدي فتمسه (5) ولا يتغير بحال، ولا يتبدل في الأحوال، ولا تبليه الليالي و

(1) رفده أي أعانه.
(2) حمى الشئ - كرضى - أي منعه.
(3) " لولا " لا يستعمل الا في ناقص عن بعض الوجوه. كما أن قولك عند نظرك إلى
المستحسنة من الأشياء والمتوقد من الأذهان: ما أحسنها لولا أن فيها كذا من قبول الفناء
وتوقف ادراكها على شروط كثيرة يجنبها ويبعدها عن كونها كاملة.
(4) أي بعقولنا حكمنا بامتناعه عن نظر عيوننا.
(5) لمسه - كنصره - أي أفضى إليه بيده. ومسسته أي لمسته.
311

الأيام (1) ولا يغيره الضياء والظلام (2) ولا يوصف بشئ من الاجزاء ولا بالجوارح
والأعضاء، ولا بعرض من الاعراض، ولا بالغيرية والابعاض، ولا يقال له حد
ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا أن الأشياء تحويه فتقله أو تهويه (3) أو أن
شيئا يحمله فيميله أو يعدله، وليس في الأشياء بوالج (4) ولا عنها بخارج، يخبر لا
بلسان ولهوات، ويسمع لا بخروق وأدوات (5) يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ
ويريد ولا يضمر، يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة، يقول
لما أراد كونه كن فيكون، لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه
فعل منه أنشأه، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا.
لا يقال كان بعد أن لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يكون بينها وبينه
فصل، ولاله عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع، ويتكافأ المبتدع والبديع.
خلق الخلايق على غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه، و
أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال (6) وأرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوائم
ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الأود والاعوجاج (7) ومنعها من التهافت و
الانفراج، أرسى أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض عيونها (8) وخد أوديتها

(1) لعل المعنى لو صدق اطلاق واحد من هذه الألفاظ عليه سبحانه لصدق البواقي، و
لا يصدق عليه شئ منها لاستلزام الجميع الجسمية، وليس الغرض الاستدلال على نفى بعضها
ببعض. وقوله " لا يتغير بحال " أي بتغير الأوصاف كالشباب والشيب، ولا يتبدل في الأحوال أي
لا يصير ظالما في حال الغضب، عادلا في غيره، جوادا في حال بخيلا في غيره.
(2) الظلام - بالفتح - ذهاب النور.
(3) أي لا يحويه جسم حتى يرتفع بارتفاعه وينخفض بانخفاضه.
(4) عدله - بالتخفيف والتشديد - أي أقامه والوالج: الداخل.
(5) اللهوات - بالفتح - جمع لهاة تقدم معناها أنها اللحمة في سقف أقصى الفم.
(6) أي لم يشغله امساكها عن غيره من الأمور.
(7) الاعوجاج عطف تفسير على الأود - وزان فرس -.
(8) الأوتاد: جمع وتد. والاسداد: جمع سد، والمراد بها الجبال. والخد - بتشديد
الدال - الشق.
312

فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه، هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن
لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كل شئ منها بجلاله وعزته، لا يعجزه شئ منها
طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذي
مال فيرزقه، خضعت الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من
سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفء له فيكافيه، ولا نظير له فيساويه
وهو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا
بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها، وكيف ولو اجتمع جميع حيوانها من
طيرها وبهائمها وما كان من مراحها وسائمها وأصناف أسناخها (1) وأجناسها ومتبلدة
أممها وأكياسها (2) على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، ولا عرفت كيف
السبيل إلى إيجادها ولتحيرت عقولها في علم ذلك، وتاهت (3) وعجزت قواها و
تناهت، ورجعت خاسئة حسيرة (4) عارفة بأنها مقهورة، مقرة بالعجز عن إنشائها مذعنة
بالضعف عن إفنائها.
وأنه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده، لا شئ معه كما كان قبل ابتدائها
كذلك يكون بعد فنائها، بلا وقت ولا مكان، ولا حين ولا زمان، عدمت عند ذلك
الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شئ إلا [الله] الواحد القهار
الذي إليه مصير جميع الأمور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان
فناؤها، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها، لم يتكأده صنع شئ منها إذ صنعه، ولم
يؤده منها خلق ما برأه وخلقه، ولم يكونها لتشديد سلطان، ولا لخوف من زوال

(1) مراحها - بضم الميم -: اسم مفعول من أراح الإبل، ردها إلى المراح - كالمناخ -
أي المأوى. والسائم: الراعي. يريد ما كان في مأواه وما كان في مرعاه. والأسناخ: الأصناف
والأنواع.
(2) المتبلدة: الغبية. والأكياس - جمع كيس - وهو الحاذق والعاقل.
(3) تاهت أي تحيرت وضلت.
(4) الخاسئ: الذليل الصاغر. وقيل هو البعيد مما يريده. والحسير: الكال المعيى.
313

ولا نقصان، ولا للاستعانة بها على ند مكاثر، ولا للاحتراز بها من ضد مثاور (1)،
ولا للازدياد بها في ملكه، ولا لمكاثرة شريك في شركه، ولا لوحشة كانت منه فأراد
أن يستأنس إليها، ثم هو يفتيها بعد تكوينها، لا لسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها
ولا لراحة واصلة إليه، ولا لثقل شئ منها عليه، لا يمله طول بقائها فيدعوه إلى
سرعة إفنائها، لكنه سبحانه دبرها بلطفه، وأمسكها بأمره، وأتقنها بقدرته، ثم
يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها، ولا استعانة بشئ منها عليها، ولا لانصراف
من حال وحشة إلى حال استئناس، ولا من حال جهل وعمى إلى علم والتماس، ولا
من فقر وحاجة إلى غنى وكثرة، ولا من ذل وضعة (2) إلى عز وقدرة.
15 - ومن خطبة له عليه السلام (3)
الحمد لله الذي أظهر من آثار سلطانه وجلال كبريائه ما حير مقل العيون
من عجائب قدرته (4)، وردع خطرات هماهم النفوس (5) عن عرفان كنه صفته
وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة إيمان وإيقان وإخلاص وإذعان. وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله، أرسله وأعلام الهدى دارسة، ومناهج الدين طامسة (6) فصدع بالحق، و
نصح للخلق، وهدى إلى الرشد، وأمر بالقصد صلى الله عليه وآله.
واعلموا عباد الله أنه لم يخلقكم عبثا، ولم يرسلكم هملا، علم مبلغ نعمه
عليكم، وأحصى إحسانه إليكم، فاستفتحوه واستنجحوه واطلبوا إليه واستميحوه (7)

(1) الند - بكسر النون وتشديد الدال - المثل والنظير. والمكاثرة: المغالبة
بالكثرة. والثور: الهيجان والوثب، ثاوره مثاورة وثوارا أي وثبه.
(2) الضعة - بالفتح - انحطاط الدرجة، ضد الرفعة.
(3) النهج تحت رقم 193.
(4) المقلة هي شحمة العين التي تجمع السواد والبياض.
(5) الهمهمة الكلام الخفي وصوت يسمع ولا يفهم محصوله وقيل: همومها في طلب العلم.
(6) طامسة أي مندرسة وممحوة. والصدع الشق.
(7) أي سلوه الفتح والنجاح وهو الفوز بالمقاصد. واستميحوه أي التمسوا منه العطاء.
314

فما قطعكم عنه حجاب، ولا أغلق عنكم دونه باب، فإنه لبكل مكان، وفي كل
حين وأوان، ومع كل إنس وجان، لا يثلمه العطاء، ولا ينقصه الحباء (1) ولا يستنفده
سائل، ولا يستقصيه نائل، ولا يلويه شخص عن شخص (2) ولا يلهيه صوت عن صوت
ولا تحجزه هبة عن سلب، ولا يشغله غضب عن رحمة، ولا تولهه رحمة عن عقاب (3)
ولا تجنه البطون عن الظهور، ولا تقطعه الظهور عن البطون، قرب فنأى (4) وعلا
فدنا، وظهر فبطن (5) وبطن فعلن، ودان ولم يدن، لم يذرء الخلق باحتيال، ولا
استعان بهم لكلال (6).
16 - وله عليه السلام من خطبة (7)
يعلم عجيج الوحوش في الفلوات، ومعاصي العباد في الخلوات، واختلاف النينان
في البحار الغامرات (8)، وتلاطم الماء بالرياح العاصفات.
17 - وله عليه السلام من خطبة (9) تعرف بخطبة الأشباح، هي من جلائل
خطبه.
روى مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام أن رجلا أتى أمير المؤمنين
عليا عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين صف لنا ربنا لنزداد له حبا وبه معرفة فغضب عليه السلام

(1) الحباء: العطاء.
(2) أي لا يميله أحد عن غيره.
(3) أي لا تغفله ولا تجعله والها متحيرا.
(4) أي قرب علما وقدرة ولطفا ورحمة فنأى جلالا وعظمة ومجدا.
(5) أي ظهر سبحانه من حيث الآلاء وبطن من حيث الذات " فعلن " أي من حيث السمات
و " دان ولم يدن " أي جازى وحاسب، ولم يحاسبه أحد.
(6) ذرأ أي خلق، والاحتيال: التفكر في العمل.
(7) النهج تحت رقم 196.
(8) العجيج رفع الصوت، والنينان جمع النون وهو الحوت.
(9) النهج تحت رقم: 88.
315

وصعد المنبر وهو مغضب (1) فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي.
وقال: الحمد لله الذي لا يفره المنع والجمود (2) ولا يكديه الاعطاء والجود
إذ كل معط مستقص سواه، وكل مانع مذموم ما خلاه (3) وهو المنان بفوائد النعم
وعوائد المزيد والقسم (4) عياله الخلائق ضمن أرزاقهم، وقدر أقواتهم، ونهج سبيل
الراغبين إليه والطالبين ما لديه، وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل، الأول
الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شئ بعده
والرادع أناسي الابصار عن أن تناله أو تدركه (5) ما اختلف عليه دهر فيختلف
منه الحال، ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال، ولو وهب تنفست عنه معادن الجبال
وضحكت عنه أصداف البحار (6) من فلز اللجين والعقيان، ونثارة الدر وحصيد
المرجان ما أثره ذلك في وجوده (7) ولا أنفد سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر

(1) لعل غضبه عليه السلام لعلمه بان غرض السائل وصفه بصفات الأجسام كما يزعم
أكثر العوام ويناسبه بعض كلمات الخطبة، أو لأنه سأل بيان كنه حقيقته سبحانه أو وصفه
بصفات أبلغ وارفع مما نطق به الكتاب والآثار لزعمه أنه لا يكفي في معرفة الله تعالى، ويشعر
بذلك بعض ألفاظ الخطبة.
(2) وفر الشئ: أتم وكمل. ولا يكديه أي لا يفقره.
(3) لأنه منع على وفق المصلحة.
(4) إضافة الفوائد إلى النعم بيانية؟، والعوائد إلى المزيد من قبيل إضافة الموصوف إلى
الصفة أي عوائده المزيدة على العباد.
(5) أناسي: جمع انسان، وانسان العين هو ما يرى وسط الحدقة ممتازا عنها في لونها.
(6) أبدع عليه السلام في تسمية انفلاق المعادن عن الجواهر تنفسا. كالحيوان يتنفس
فيخرج من صدره الهواء. فان أغلب ما يكون من ذلك بل كله عن تحرك المواد الملتهبة
في جوف الأرض إلى الخارج والتعبير بالتنفس يناسب تكون المعدنيات من بخار الأرض. كما
أبدع أيضا في تسمية انفتاح عن الدر ضحكا.
(7) العقيان: ذهب الخاص يثمو في معدنه. ونثارة الدر - بالضم - ما تناثر منه.
وحصيد المرجان: محصوده وذلك إشارة إلى أن المرجان نبات. وأنفده بمعنى أفناه.
316

الانعام ما لا تنفده مطالب الأنام، لأنه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين (1) ولا يبخل إلحاح الملحين.
ومنها:
لا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين، هو القادر الذي
إذا ارتمت الأوهام (2) لتدرك منقطع قدرته، وحاول الفكر المبرء من خطر الوساوس
أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته (3) وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفيات
صفاته، وغمضت (4) مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم ذاته ردعها
وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب، متخلصة إليه سبحانه (5) فرجعت إذ جبهت
معترفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته (6) ولا يخطر ببال أولى الرويات
خاطرة من تقدير جلال عزته، الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار

(1) أي لا يغيضه، من أغاضه الله. وفى بعض نسخ النهج المخطوطة " يغيظه ". والح
في السؤال أي بالغ فيه.
(2) ارتمت الأوهام أي ذهبت أمام الأفكار. وارتمى مطاوع رمى يقال: رماه فارتمى
الصيد رماه، ارتمت به البلاد: أخرجته. والأوهام خطرات القلب. ومنقطع قدرته أي
موضع الانقطاع.
(3) المراد بملكوته عزه وسلطانه. وتولهت أي اشتدت عشقها وحنت إليه.
(4) غمض الشئ - بفتح الغين المعجمة - أي خفى مأخذه، ومداخل العقل
طرق الفكر.
(5) أي ردها، والجملة جزاء للشرط السابق قوله " إذا ارتمت "، والضمير المنصوب
راجع إلى الأوهام وغيرها. والواد للحال. وتجوب أي تقطع. والمهاوي جمع مهواة وهي
الحفرة أوما بين الجبلين ويراد بها المهلكة. والسدف جمع سدفة وهي القطعة من الليل
المظلم. ومتخلصة أي متوجهة؟؟ إليه. وجبهه كمنعه - أي ضرب جبهته.
(6) الجور: العدول عن الطريق، والاعتساف قطع المسافة على غير جادة معلومة
والمراد بجور اعتسافها شدة جولانها في ذلك الملك الذي لا جادة له ولا يفضى إلى المقصود.
317

احتذى عليه من خالق معبود كان قبله (1)، وأرانا من ملكوت قدرته، وعجايب ما
نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قوته (2)
ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته، وظهرت في البدايع التي أحدثها آثار
صنعته، وأعلام حكمته، فصار كل ما خلق حجة له ودليلا عليه، وإن كان خلقا صامتا
فحجته بالتدبير ناطقة ودلالته على المبدع قائمة.
وأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة
لتدبير حكمتك (3) لم يعقد غيب ضميره على معرفتك، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا
ند لك، وكأنه لم يسمع تبرء التابعين من المتبوعين إذ يقولون " تالله إن كنا
لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين " كذب العادلون بك (4) إذ شبهوك
بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم (5) وجزؤوك تجزئة المجسمات
بخواطرهم وقدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم.
وأشهد أن من ساواك بشئ من خلقك فقد عدل بك والعادل بك كافر بما تنزلت
به محكمات آياتك، ونطقت عنه شواهد حجج بيناتك، وإنك أنت الله الذي لم
تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفا، ولا في رويات خواطرها فتكون
محدودا مصرفا (6).

(1) احتذى عليه أي قاس وطبق عليه. وفى بعض نسخ النهج " خالق معهود ".
(2) بمساك قوته - بالكسر - ما يمسك به. والموصول في " ما دلنا " مفعول ثان لارانا
وفيه دلالة على احتياج الباقي في بقائه إلى مؤثر.
(3) التلاحم التلاصق. والحقاق - بالكسر - جمع حق - بالضم - وهي في الأصل وعاء
من خشب. وحقاق المفاصل النقر التي يرتكز فيها العظام. واحتجابها استتارها بالجلد واللحم
والجار في قوله عليه السلام " لتدبر حكمتك " متعلق بالمحتجبة أي المستورة للتدبير الذي
اقتضته الحكمة، والمراد من شبهه بالانسان ونحوه.
(4) أي الذين عدلوا بك غيرك وشبهوك به.
(5) نحلوك أي أعطوك، وحلية المخلوقين صفاتهم الخاصة بهم.
(6) أي محاطا بالحدود.
318

ومنها:
قدر ما خلق فأحكم تقديره، ودبره فألطفت تدبيره، ووجهه لوجهته، فلم
يتعدد حدود منزلته، ولم يقصر دون الانتهاء إلى غايته، ولم يستصعب إذا مر بالمضي
على إرادته، وكيف صدرت الأمور عن مشيته، المنشئ أصناف الأشياء بلا روية فكر
آل إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من حوادث الدهور، ولا
شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور، فتم خلقه، وأذعن لطاعته، وأجاب إلى دعوته
ولم يعترض دونه ريث المبطئ، ولا أناة المتلكئ (1) فأقام من الأشياء أودها، و
نهج حدودها، ولاءم بقدرته بين متضادها، ووصل أسباب قرائنها (2) وفرقها أجناسا
مختلفات في الحدود والاقدار، والغرائز والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها
على ما أراد وابتدعها.
ومنها في صفة السماء:
ونظم بلا تعليق رهوات فرجها، ولاحم صدوع انفراجها، ووشج بينها وبين
أزواجها، وذلل للهابطين بأمره والصاعدين بأعمال خلقه حزونة معراجها (3) و
ناداها بعد إذ هي دخان، فالتحمت عرى أشراجها (4) وفتق بعد الارتتاق صوامت

(1) الريث البطوء، والأناة - كقناة - اسم من التأني في الامر أي تمكث ولم يعجل
والتلكؤ: التوقف والمعنى نفى الريث والأناة عن الأشياء في إجابة الدعوة والاذعان للطاعة.
(2) القرائن النفوس المقرونة بالأبدان واعتدال المزاج سبب بقاء الروح أي وصل
أسباب أنفسها بتعديل أمزجتها.
(3) الرهوات جمع الرهوة وهي المكان المرتفع والمنخفض ونظمها تصفيتها. قال
ابن الأثير في النهاية في حديث علي عليه السلام: ونظم رهوات فرجها أي المواضع المتفتحة منها
وهو مأخوذ من قولهم رها رجليه رهوا أي فتح. ولا حم أي ألصق. والصدوع جمع صدع
وهو الشق وإضافة الصدوع إلى الانفراج من إضافة الخاص إلى العام. ووشج بينها أي شبك
الهابطين والساعدين الأرواح العلوية والسفلية. والحزونة: الصعوبة.
(4) التهمت عرى أشراجها: الأشراج جمع شرج وهي مقبض الكوز، والدلو.
وتسمى مجرة السماء شرجا تشبيها بشرج العيبة، وأشراج الوادي ما انفسح منه.
319

أبوابها، وأقام رصدا من الشهب الثواقب على نقابها، وأمسكها من أن تمور في
خرق الهواء بأيده (1) وأمرها أن تقف مستسلمة لامره، وجعل شمسها آية مبصرة
لنهارها، وقمرها آية ممحوة من ليلها، فأجراهما في مناقل مجراهما، وقدر
سيرهما في مدارج درجهما، لتميز بين الليل والنهار بهما، وليعلم عدد السنين والحساب
بمقاديرهما، ثم علق في جوها فلكها، وناط بها زينتها من خفيات دراريها (2) و
مصابيح كواكبها، ورمى مسترقي السمع بثواقب شهبها، وأجراها على أذلال
تسخيرها، من ثبات ثابتها، ومسير سائرها، وهبوطها وصعودها ونحوسها وسعودها.
ومنها في صفة الملائكة عليهم السلام:
ثم خلق سبحانه لاسكان سماواته، وعمارة الصفيح الاعلى (3) من ملكوته
خلقا بديعا من ملائكته، ملا بهم فروج فجاجها، وحشى بهم فتوق أجوائها، وبين
فجوات تلك الفروج زجل المسبحين منهم في حظائر القدس (4) وسترات الحجب، و
سرادقات المجد، ووراء ذلك الرجيج الذي تستك منه الاسماع سبحات نور تردع
الابصار عن بلوغها (5) فتقف خاسئة على حدودها، أنشأهم على صور مختلفات، و
أقدار متفاوتات، اولي أجنحة تسبح جلال عزته، لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من

(1) وأمسكها من أن تمور أي تضطرب في الهواء. " بأيده " أي بقوته.
(2) دراريها: كواكبها وأقمارها.
(3) الصفيح: السماء.
(4) الزجل: رفع الصوت. والحظائر: جمع حظيرة وهي الموضع الذي يحاط عليه
لتأوى إليه الغنم، والإبل توقيا من البرد والريح وهو مجاز ههنا عن المقامات المقدسة
للأرواح الطاهرة.
(5) الرجيج: الاضطراب والزلزلة وفسروا السبحات بالنور والبهاء والجلال والعظمة
وقيل: سبحات الوجه محاسنه لأنك إذا رأيت الوجه. الحسن. قلت سبحان الله، ولعل المراد
بها الأنوار التي تحجب الابصار، ويعبر عنها بالحجب.
320

صنعه، ولا يدعون أنهم يخلقون شيئا معه مما انفرد به " بل عباد مكرمون لا يسبقونه
بالقول وهم بأمره يعملون " جعلهم فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه، وحملهم
إلى المرسلين " ودايع أمره ونهيه، وعصمهم من ريب الشبهات، فما منهم زائغ من
سبيل مرضاته، وأمدهم بفوائد المعونة، وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السكينة (1)
وفتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجيده (2) ونصب لهم منارا واضحة على أعلام توحيده
لم تثقلهم موصرات الآثام (3) ولم ترتحلهم عقب الليالي والأيام، ولم ترم الشكوك
بنوازعها عزيمة إيمانهم، ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم (4) ولا قدحت قادحة
الإحن فيما بينهم ولا سلبتهم الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم (5) وما سكن من

(1) الشعار من اللباس ما يلبس تحت الدثار، وأخبت الرجل إذا خضع وخشع
لله تعالى.
(2) الذلل بضمتين جمع ذلول وهو ضد الصعب. وفتح الأبواب المذكورة كناية عن
سهولة التمجيد لعدم معارضة شيطان أو نفس امارة بالسوء.
(3) موصرات الآثام: مثقلاتها.
(4) رحل البعير وارتحله حط عليه الرحل والرحل مركب للبعير. والعقبة - بالضم -:
النوبة والجمع عقب. أي لم يؤثر فيهم ارتحال الليالي والأيام كما يؤثر ارتحال الانسان
البعير في ظهره. والنوازع بالعين المهملة من نزع في القوس إذا جذبها ومدها ونوازع الشكوك
الشبهات. وقيل الشهوات. وفى بعض نسخ المصدر " النوازغ " بالغين المعجمة من نزغ
الشيطان بين القوم إذا أفسد، ويقال نزغه الشيطان أي وسوس إليه. والعزيمة: التصميم
والجزم على رأى. والمعترك موضوع العرك أي القتال. اعترك الإبل في الورد ازدحمت.
(5) قدح بالزند - كمنع - رام الايراء به. والإحن - جمع - إحنة وهي الحقد و
الحسد والغضب أي لا يثير الغضب فيما بينهم. ولاق الشئ بغيره: لصق ومنه ليقة الدواة لأنه
يلصق المداد بها والغرض نفى الحيرة عنهم كالإحنة لأنها لا تكون الاعن الشبه والوسواس. و
يحتمل أن يكون المراد بالحيرة الوله لشدة الحب وكمال المعرفة. وسيجئ اثبات؟؟ الوله
لهم في الكلمات الآتية.
321

عظمته وهيبة جلالته في أثناء صدورهم (1) ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها
على فكرهم منهم من هو في خلق الغمام الدلح (2) وفي عظم الجبال الشمخ، وفي
قترة الظلام الأيهم (3) ومنهم من قد خرقت أقدامهم تخوم الأرض السفلى، فهي
كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء وتحتها ريح هفافة (4) تحبسها على حيث
انتهت من الحدود المتناهية، قد استفرغتهم أشغال عبادته، ووصلت حقائق الايمان
بينهم وبين معرفته، وقطعهم الايقان به إلى الوله إليه. ولم تجاوز رغباتهم ما عنده
إلى ما عند غيره، قد ذاقوا حلاوة معرفته، وشربوا بالكأس الروية من محبته، و
تمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته، فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم، و
لم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم (5) ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم

(1) الأثناء - جمع ثنى - بالكسر - أي خلالها.
(2) فتقترع أي تضرب. والرين بالنون: الطبع، والتغطية، والدنس، ورانت النفس
أي خبثت. والدلح جمع دالح وهو الثقيل من السحاب.
(3) الشمخ - بالضم والتشديد - جمع شامخ وهو من الجبل العالي. والقترة - بالضم -
بيت الصايد يتستر به عند تصييده ويجمع على قتر مثل غرفة وغرف. والايهم الذي لا يهتدى
فيه ومنه فلاة يهماء. وفى بعض النسخ " الابهم " بالباء الموحدة وهم الملائكة المأمورون
بالمطر.
(4) التخوم - بضم التاء - معالم الأرض وحدودها وهي جمع تخم - بالضم -. ومخارق
الهواء: المواضع التي تمكنت فيها تلك الرايات بخرق الهواء. والريح الهفافة: الطيبة
الساكنة. وقوله " قد استفرغتهم " أي عن الاشتغال بأنفسهم.
(5) قوله " ع " " بالكاس " الباء بمعنى من والروية أي التي يزيل العطش، وسويداء
القلب وسوداؤه حبته. والوشيجة ليف يفتل ثم يشبك بين الخشبتين فينقل عليه البر المحصود
ونحوه. وشيجة القوم أي دخلاء فيهم. والوشيجة أيضا واحدة الوشائج وهي عروق الاذنين.
وحنيت الشئ عطفته. وقوله " ع " " مادة تضرعهم " أي الداعي إليه. فبقدر صعودهم إلى مدارج
الطاعة يزداد قربهم، وكلما ازداد قربهم ازداد علمهم بعظمة الله سبحانه: فلذلك لا ينقص
تضرعهم وخشوعهم.
322

ولم يتولهم الاعجاب (1) فيستكثروا ما سلف منهم، ولا تركت لهم استكانة الاجلال
نصيبا في تعظيم حسناتهم، ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم (2) ولم تغض
رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم ولم تجف لطول المناجاة أسلات ألسنتهم، ولا ملكتهم
الاشغال فتنقطع بهمس الجؤار إليه أصواتهم، ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم (3)
ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم، ولا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات
ولا تنتضل في هممهم خدائع الشهوات (4) قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم
ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم، لا يقطعون أمد غاية عبادته، ولا
يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه و
مخافته (5) لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينوا في جدهم (6) ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا

(1) أطلق الأسير أي حل اسره. والربق - بكسر الراء - جمع ربقة، وتولى
الامر تقلده.
(2) الدؤوب: التعب.
(3) الاسلات: الأطراف. والهمس الصوت الخفي. والجؤار - كغراب - رفع الصوت
بالدعاء والتضرع والاستغاثة أي ليس لهم أشغال خارجة عن العبادة. المراد بمقاوم الطاعة
صفوف العبادة وبعدم اختلاف مناكبهم عدم تقدم بعضهم على بعض في الصف أو عدم انحراف
صفوفهم.
(4) البلادة ضد الذكاوة والفطانة والمراد بالخدائع الوساوس الصارفة عن العبادة
وانتضالها تواردها وتتابعها.
(5) يمموه أي يقصدوه بالرغبة والرجاء. والامد: الغاية، المنتهى، " ويرجع "
فعل متعد ولازم تقول رجع زيد ورجعته. والاستهتار الولوع بالشئ والحرص عليه. والمادة
مشتقة من مد البحر وغيره إذا زاد، وكل ما أعنت به قوما في حرب وغيره فهو مادة لهم. و
المراد بالمادة المعين المقوى. و " من " في قوله " من قلوبهم " ابتدائية، أي مواد ناشئة من
قلوبهم؟؟ غير منقطعة، وفى قوله " من رجائه " بيانية، فتكون المواد عبارة عن الرجاء والخوف
الباعثين لهم على لزوم الطاعة.
(6) الونى: الفتور والتأني. و " لم تأسرهم " أي لم تجعلهم أسيرا وهو المقيد والمشدد.
323

وشيك السعي على اجتهادهم (1) ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم، ولو استعظموا
ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم، ولم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان
عليهم (2) ولم يفرقهم سوء التقاطع، ولا تولاهم غل التحاسد، ولا شعبتهم مصارف
الريب (3) ولا اقتسمتهم أخياف الهمم (4) فهم اسراء إيمان لم يفكهم من ربقته
زيغ ولا عدول ولا ونى ولا فتور، وليس في أطباق السماوات موضع إهاب إلا و
عليه ملك ساجد أو ساع حافد، يزدادون على طول الطاعة بربهم علما، وتزداد
عزة ربهم في قلوبهم عظما.
منها في صفة الأرض ودحوها على الماء:
كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة (5) ولجج بحار زاخرة، تلتطم
أواذي أمواجها وتصطفق متقاذفات أثباجها، وترغو زبدا كالفحول عند هياجها (6)

(1) والايثار الاختيار والوشيك: القريب والسريع أي ليسوا مأسورين في ربقة الطمع
حتى يختاروا السعي القريب في تحصيل المطموع الدنياوي الفاني على اجتهادهم الطويل في
تحصيل السعادة الباقية كما يفعله البشر.
(2) استعظام العمل هو العجب المنهى عنه ونسخ الشئ ازالته وابطاله والمراد بالرجاء
تجاوز الحد المطلوب منه ويعبر عنه بالاغترار والشفقات: تارات الخوف ومراته. والوجل:
الخوف. والاستحواذ: الاستيلاء.
(3) الغل: الحسد والحقد. والمصارف: الوجوه والطرق.
(4) أخياف الهمم أي الهمم المختلفة وأصله من الخيف محركة - وهو زرقة إحدى
العينين وسواد الأخرى في الفرس ومنه قيل لاخوة الام أخياف لان آباءهم شتى. والغرض
نفى الاختلاف بينهم والتعادى والتفرق بعروض الريب واختلاف الهمم.
(5) كبس الرجل رأسه في قميصه إذا أدخله فيه، كبس الأرض أي أدخلها الماء بقوة
واعتماد شديد وموز الأمواج تحركها. واستفحل الامر: اشتد وأمواج مستفحلة أي هائجة
هيجان الفحول وقيل: أي حائلة.
(6) ورغى اللبن صارت له رغوة أي زبد وهو محركة الذي يظهر فوق السيل، الرغاء
- بالضم - صوت الإبل وزبدا منصوب بمقدر أي ترغو قاذفة زبدا. والاواذى جمع آذى وهو
الموج الشديد وأعلى الموج. والصفق: الضرب يسمع له صوت واصطفقت الأمواج أي ضرب
بعضها بعضا. والتقاذف: الترامي بقوة. وثبج البحر - محركة -: معظمه ووسطه. واللطم
ضرب الخد بالكف والتطمت الأمواج ضرب بعضها بعضا.
324

فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها، وسكن هيج ارتمائه إذ وطئته بكلكلها وزل
مستخذيا إذ تمعكت عليه بكواهلها، فأصبح، بعد اصطخاب أمواجه ساجيا مقهورا، و
في حكمة الذل منقادا أسيرا (1) وسكنت الأرض مدحوة في لجة تياره
وردت من نخوة بأوه واعتلائه، وشموخ أنفه وسمو غلوائه، وكعمته على كظة
جريته فهمد بعد نزقاته، ولبد زيفان وثباته (2) فلما سكن هيج الماء من تحت أكنافها
وحمل شواهق الجبال الشمخ البذخ على أكتافها (3) فجر ينابيع العيون من عرانين
انوفها، وفرقها في سهوب بيدها وأخاديدها وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها (4)

(1) الكلكل في الأصل: الصدر. استعارة لما لاقى الماء من الأرض. ومستخذيا أي
منكسرا مسترخيا. وقوله " إذ تمعكت عليه " مستعار من تمعكت الدابة أي تمرغت في التراب
والمعك الدلك في التراب، والكاهل ما بين الكتفين. والاصطخاب افتعال من الصخب وهو
ارتفاع الصوت والمراد اضطراب الأصوات. والساجي الساكن، والحكمة - محركة -
حديدة في اللجام تكون على حنك الفرس تمنعه عن مخالفة راكبه.
(2) الدحو: البسط. والتيار: الموج، واللجة: معظم الماء. والبأو: الكبر والزهو.
والغلواء - بضم الغين وفتح اللام -: النشاط وتجاوز الحد. وكعم البعير - كمنع - شدفاه لئلا
يعض أو يأكل. والكظة - بالكسر -: ما يعرض من امتلاء البطن بالطعام ولعل المراد ما
يشاهد في جرى الماء من ثقل الاندفاع. لان كظة الجرية ما يشاهد من الماء الكثير في
جريانه من الثقل. همد: ذهب حرارته والنزق والنزقان: الطيش. ولبد - كفرح ونصر -
أي قام ووثب. والزيفان - محركة -: التبختر في المشي. والوثبة: الطفرة.
(3) الأكناف الجوانب. والشاهق المرتفع من الجبال. والبذخ: الشمخ الا أن فيه
ضخامة مع الارتفاع. و " حمل " عطف على أكتاف.
(4) عرانين جمع عرنين - بالكسر - وهو ما صلب من عظم الانف وهو الذي تحت
الحاجبين والمراد أعالي الجبال غير أن الاستعارة من ألطف أنواعها في هذا المقام.
والسهوب: جمع سهب - بالفتح - أي الفلاة البعيدة الأكناف. والبيد جمع بيداء وهي
الفلاة التي يبيد سالكها أي يهلك. والأخاديد جمع الأخدود وهو الشق في الأرض والمراد
مجاري الأنهار. والضمائر كلها راجع إلى الأرض. والراسيات: الثابتات، والجلاميد جمع
جلمود، وهو الحجر الصلد.
325

وذوات الشناخيب الشم من صياخيدها، فسكنت من الميدان لرسوب الجبال في قطع
أديمها وتغلغلها، متسربة في جوبات خياشيمها وركوبها أعناق سهول الأرضين و
جراثيمها (1)، وفسح بين الجو وبينها، وأعد الهواء متنسما لساكنها، وأخرج
إليها أهلها على تمام مرافقها، ثم لم يدع جرز الأرض التي تقصر مياه العيون عن
روابيها، ولا تجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها حتى أنشأ لها ناشئة سحاب
تحيي مواتها وتستخرج نباتها، ألف غمامها بعد افتراق لمعه، وتباين قزعه (2) حتى

(1) والشناخيب. جمع شنخوب - بالضم - أي رؤوس الجبال العالية. والشم:
المرتفعة العالية. والصياخيد جمع صيخود وهو الصخرة الشديدة. ورسب في الماء - كنصر -:
ذهب سفلا، وجبل راسب أي ثابت. والقطع - كعنب - جمع قطعة - بالكسر - وهي الطائفة
من الشئ والمراد بأديمها سطحها. والتغلغل الدخول ومبالغة فيه. وتسرب الوحش وانسرب
في حجره أي دخل. والجوبة: الحفرة. والخيشوم أقصى الانف وضمير " تغلغلها " للجبال
و " خياشيمها " للأرض والمجاز ظاهر. والجرثومة: قيل التراب المجتمع في أصول الشجر
ولعل المراد بجراثيمها المواضع المرتفعة منها. وركوب الجبال أعناق السهول: استعلاؤها
عليها، وأعناقها: سطوحها.
(2) المتنسم: موضع التنسم، وهو طلب التنسم وفائدته ترويح القلب حتى لا يتأذى بغلبة
الحرارة وفيه بقاء الحيوان. ومرافق الدار ما يستعان به ويحتاج إليه في التعيش. واخراج
أهل الأرض على تمام مرافقها ايجادهم واسكانهم في الأرض بعد تهيئة ما يصلحهم لمعاشهم و
التزود إلى معادهم، ومن جملة تلك المرافق سكون الأرض وكونها خارجة من الماء على
حد خاص من الصلابة والرخاوة، غير صقيل يتأذى أهلها بانعكاس الأشعة، قابلة لانفجار
وحفر الابار ونزول الأمطار وتكون المعادن وتولد أنواع الحيوانات والحياة بعد الموت
حتى يتجدد فيه الحبوب والثمار والأعشاب ونحو ذلك مما لا يحصيه الا الله عز وجل - والراوبي
جمع الرابية: ما ارتفع من الأرض.
والجدول النهر الصغير. والناشئة: ما ينشأ من السحاب أي يبتدى ظهوره. واللمعة
- بالضم - في الأصل: قطعة من النبت. والقزع جمع قزعة - محركة فيهما - وهي
القطعة من الغيم، وتباين القزع تباعدها. وتمخضت أي تحركت. والمخض تحريك السقاء
الذي فيه لبن ليخرج زبده. والضمير في " فيه " راجع إلى المزن أي تحركت فيه اللجة
المستودعة فيه.
326

إذا تمخضت لجة المزن فيه والتمع برقه في كففه، ولم ينم وميضه في كنهور ربابه
ومتراكم سحابه، أرسله سحا متداركا قد أسف هيد به (1) تمريه الجنوب
درر أهاضيبه، ودفع شآبيبه، فلما ألقت السحاب برك بوانيها وبعاع ما استقلت به
من العبء المحمول عليها (2) أخرج به من هوامد الأرض النبات، ومن زعر
الجبال الأعشاب، فهي تبهج بزينة رياضها، وتزدهي بما ألبسته من ريط أزاهيرها
وحلية ما سمطت به من ناضر أنوارها (3) وجعل ذلك بلاغا للأنام، ورزقا للانعام
وخرق الفجاج في آفاقها، وأقام المنار للسالكين على جواد طرقها.

(1) الوميض: اللمعان. كهنور - كسفرجل - قطع عظيمة من السحاب كالجبال وقيل:
المتراكم منه. والرباب - كسحاب - الأبيض منه. " سحا " أي متواصلا متلاحقا والمتدارك
من الدرك - محركة - وهو اللحاق. تدارك القوم إذا لحق آخرهم أولهم. وكففه: حاشيته
وجوانبه. وهيدبه ما تهدب أي تدلى، واسف الطائر دنا من الأرض.
(2) الأهاضيب: جمع أهضاب وهو جمع هضبة - كضربة - وهي المطرة. والشآبيب
جمع شؤبوب: وهو ما ينزل من المطر دفعة بشدة وكأنما ينصب من جانب لامن أعلى.
والبرك الصدر، والبواني قوائم الناقة والإضافة لأدنى ملابسة، وبناء الكلام على تشبيه السحاب
بالناقة المحمول عليها. البعاع - بالفتح -: ثقل السحاب من الماء وهو عطف على " برك ".
والعبء - بالكسر -: الحمل. والهوامد من الأرض التي لا نبات فيها.
(3) الزعر - محركة -: فتلة الشعر من الرأس، والازعر: الموضع الذي قل نباته
والجمع زعر كأحمر وحمر. والبهج - كالمنع - السرور والفرح. وتزدهى أي تكبر
وتعجب. الريط - كعنب - جمع ريطة - بالفتح - قيل هي كل ثوب رقيق لين. وسمطت
على صيغة المفعول أي علقت. وفى بعض نسخ المصدر بالشين المعجمة والشميط من النبات
ما كان فيه لون الخضرة مختلطا بلون الزهر. والأنوار: جمع نور - بفتح النون -
وهو الزهر.
327

فلما مهد أرضه وأنفذ أمره اختار آدم عليه السلام خيرة من خلقه، وجعله أول
جبلته، وأسكنه جنته، وأرغد فيها اكله، وأوعز إليه (1) فيما نهاه عنه، وأعلمه أن في
الاقدام عليه التعرض لمعصيته، والمخاطرة بمنزلته، فأقدم على ما نهاه عنه موافاة لسابق
علمه، فأهبطه بعد التوبة (2) ليعمر أرضه بنسله، وليقيم الحجة به على عباده، ولم يخلهم
بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته، ويصل بينهم وبين معرفته، بل تعاهدهم
بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه، ومتحملي ودائع رسالاته قرنا فقرنا حتى
تمت بنبينا محمد صلى الله عليه وآله حجته، وبلغ المقطع عذره ونذره، وقدر الأرزاق فكثرها
وقللها وقسمها على الضيق والسعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها
وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها، ثم قرن بسعتها عقابيل (3) فاقتها
وبسلامتها طوارق آفاتها، وبفرج أفراحها غصص أتراحها (4) وخلق الآجال
فأطالها وقصرها وقدمها وأخرها ووصل بالموت أسبابها وجعله خالجا لاشطانها
وقاطعا لمرائر أقرانها. عالم السر من ضمائر المضمرين، ونجوى المتخافتين، و
خواطر رجم الظنون (5) وعقد عزيمات اليقين، ومسارق إيماض الجفون، وما ضمنته

(1) أوعزت إلى فلان في فعل أو ترك أي تقدمت وأمرت.
(2) هذا الكلام صريح في أن الاهباط كان بعد التوبة. وهو ظاهر من قوله عليه السلام
في الخطبة الأولى من النهج " ثم بسط الله سبحانه في توبته ولقاه كلمة رحمته ووعده المرد إلى
جنته فأهبطه إلى دار البلية وتناسل الذرية " ويناسبه ترتيب الكلام في سورة طه وغيرها.
(3) العقابيل: الشدائد. جمع عقبولة - بالضم - وهي قروح صغار تخرج بالشفة
غب الحمى وبقايا المرض.
(4) الفرح: السرور، والفرج - كغرف - جمع فرجة وهي التفصي من الهم. و
الترح - بالتحريك -: الهم والهلاك والانقطاع.
(5) خالجا أي جازبا لاشطانها وهي جمع شطن - كسبب - وهو الحبل الطويل.
والمرائر: جمع مريرة وهي الحبال المفتولة على أكثر من طاق وقيل الحبال الشديدة
الفتل. والاقران جمع قرن - محركة - وهو في الأصل الحبل تجمع به البعيران ولعل
المراد بمرائر الأقران الآجال والأعمار التي يرجى امتدادها لقوة المزاج والبنية. و
التخافت: المكالمة السرية. والخواطر: ما يخطر في القلب من تدبير امر، يقال خطر
ببالي. ورجم الظنون كل ما يسبق إليه الظن من غير برهان.
328

أكنان القلوب، وغيابات الغيوب، وما أصغت لاستراقه مصائخ الاسماع، ومصائف
الذر، ومشاتي الهوام (1) ورجع الحنين من المولهات وهمس الاقدام، ومنفسح
الثمرة من ولائج غلف الأكمام، ومنقمع الوحوش من غيران الجبال وأوديتها، و
مختبئ البعوض بين سوق الأشجار وألحيتها، ومغرز الأوراق من الأفنان، ومحط
الأمشاج من مسارب الأصلاب (2) وناشئة الغيوم ومتلاحمها، ودرور قطر السحاب
في متراكمها، وما تسفي الأعاصير بذيولها، وتعفو الأمطار بسيولها،، وعوم نبات
الأرض في كثبان الرمال، ومستقر ذوات الأجنحة بذرى شناخيب الجبال، وتغريد
ذوات المنطق في دياجير الأوكار، وما أو عبته الأصداف، وحضنت عليه أمواج البحار
وما غشيته سدفة ليل، أو ذر عليه شارق نهار، وما اعتقبت عليه أطباق الدياجير، و
سبحات النور، وأثر كل خطوة، وحس كل حركة، ورجع كل كلمة (3)، و

(1) أومض البرق ايماضا إذا لمع لمعا خفيا. والكن - بالكسر - اسم لكل ما يستتر
فيه الانسان لدفع الحر والبرد من الأبنية. وغيابة كل شئ ما يسترك منه. والمصائخ جمع
مصاخ وهو مكان الاصاخة وهو ثقبة الاذن. أي خروقها التي تسمع. والمصائف محل الإقامة
في الصيف. والذر صغار النمل. والمشاتي محل الإقامة في الشتاء.
(2) والمولهات: الحزينات. ورجع الجنين: ترديده. والهمس أخفى ما يكون من
صوت القدم على الأرض. ومنفسح الثمرة: موضع نموها في الأكمام. الولائج جمع وليجة
بمعنى البطانة الداخلية. والغلف - بضمتين وبضمة - جمع غلاف ككتاب، والكم - بالكسر
وعاء الطلع وغطاء النور: والمنقمع: موضع الاخفاء. والمختبأ موضع الاختباء والاستتار.
وسوق الأشجار جمع ساق أي أسفلها الذي تقوم عليه فروعها، والألحية جمع لحاء وهو قشر
الشجرة. وغرزه في الأرض - كضربه - إذا أدخله، ومغرز الأوراق موضع وصلها والافنان
الغصون، والمسارب المواضع التي يختفى، والأمشاج قيل مفرد كاعشار وأكياش، وقيل جمع
مشج بالفتح أو مشج - محركة - أو مشيج على فعيل مثل يتيم وأيتام وأصله مأخوذ من مشج
إذا خلط لأنها مختلطة من جراثيم مختلفة كل منها يصلح لتكوين عضو من أعضاء البدن.
(3) التلاحم التلاؤم والالتصاق والاشتباك. ومتلاحم الغيوم ما التصق منها بعضها
ببعض. والدرور: السيلان، والقطر - بالفتح -: المطر والواحدة القطرة. وسفت الريح
التراب أي ذرته ورمت به. والأعاصير: جمع اعصار وهي ريح تثير السحاب أو تقوم على
الأرض كالعمود. و " تعفو " أي تمحو. والعوم: السباحة. والكثيب: التل من الرمل.
وذروة - بالضم والكسر - أعلاه جمعها ذرى. والشناخيب رؤوس الجبال كما مر. وغرد الطائر
- كفرح -: رفع صوته، وذوات المنطق من الطيور ماله صوت وغناء كأن غيرهم أبكم ولا يقدر
على النطق. والدياجير جمع ديجور وهو الظلمة. واوعبتة: أي جمعته. وحضنت عليه أي ربته
وما حضنته الأمواج العنبر والمسك وغيرهما. والسدفة - بالضم -: الظلمة. وذر: طلع.
وسبحات النور: درجاته وأطواره ومراته. والرجع ترديد الصوت.
329

تحريك كل شفة ومستقر كل نسمة، ومثقال كل ذرة، وهماهم كل نفس هامة،
وما عليها من ثمر شجرة، أو ساقط ورقة، أو قرارة نطفة، أو نقاعة دم ومضغة (1) أو
ناشئة خلق وسلالة، لم يلحقه في ذلك كلفة، ولا اعترضته في حفظ ما ابتدع من خلقه
عارضة، ولا اعتورته في تنفيذ الأمور (2) وتدابير المخلوقين ملالة ولا فترة، بل نفذ
[في‍] - هم علمه، وأحصاهم عدة، ووسعهم عدله، وغمرهم فضله مع تقصيرهم (3) عن
كنه ما هو أهله.
اللهم أنت أهل الوصف الجميل، والتعداد الكثير إن تؤمل فخير مأمول، وإن
ترج فأكرم مرجو، اللهم وقد بسطت لي [لسانا] فيما لا أمدح به غيرك، ولا
اثني به على أحد سواك، ولا أوجهه إلى معادن الخيبة ومواضع الريبة، وعدلت
بلساني عن مدائح الآدميين، والثناء على المربوبين المخلوقين، اللهم ولكل مثن
على من أثنى عليه مثوبة من جزاء أو عارفة من عطاء، وقد رجوتك دليلا على ذخائر
الرحمة وكنوز المغفرة، اللهم وهذا مقام من أفردك بالتوحيد الذي هو لك، و

(1) الهمهمة: الصوت الخفي أو ترديد الصوت في الحلق - و " هامة " أي ذات همة والضمير
في عليها راجع إلى الأرض وان لم يسبق ذكرها ويعتمد في مثله على فهم المخاطب كقوله
تعالى " كل من عليها فان ". والنقاعة نقرة يجمع فيها الدم، والمضغة عطف على " نقاعة " أي
يعلم مقر جميع ذلك " استفدنا كثيرا في شرح هذه الخطب من بهجة الحدائق للسيد محمد
ابن أمير شاه ".
(2) اعتورته أي تداولته وتناولته.
(3) غمرهم أي غطاهم وسترهم كما يغمر البحر ما غاص فيه.
330

لم ير مستحقا لهذه المحامد والممادح غيرك، وبي فاقة إليك لا يجبر مسكنتها إلا
فضلك، ولا ينعش من خلتها إلا منك وجودك (1) فهب لنا في هذا المقام رضاك،
وأغننا عن مد الأيدي إلى سواك، إنك على كل شئ قدير.
18 - جوابه عليه السلام لليهودي:
جاء رجل من اليهود إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين
متى كان ربنا عز وجل؟ فقال له عليه السلام: يا يهودي [ما كان] لم يكن ربنا فكان و
إنما يقال متى كان لشئ لم يكن فكان هو كائن بلا كينونة كائن لم يزل ليس له
قبل، هو قبل القبل، وقبل الغاية، انقطعت عنه الغايات، فهو غاية كل غاية.
19 - من كتاب مطالب السؤول (2)
لمحمد بن طلحة: من خطب أمير المؤمنين عليه السلام ما ذكر بعد انصرافه من صفين:
أحمده استتماما لنعمته، واستسلاما لعزته، واستعصاما من معصيته، وأستعينه
فاقة إلى كفايته إنه لا يضل من هداه، ولا يئل من عاداه، ولا يفتقر من كفاه، فإنه
أرجح ما وزن (3) وأفضل ما خزن، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة ممتحنا إخلاصها
معتقدا مصاصها، نتمسك بها أبدا ما أبقانا، وندخرها لأهوال ما يلقانا، فإنه
عزيمة الايمان، وفاتحة الاحسان، ومرضاة الرحمن، ومدحرة الشيطان (4).
وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثور، و
الكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع، والامر الصادع، إزاحة للشبهات
واحتجاجا بالبينات، وتحذيرا بالآيات، وتخويفا بالمثلات، والناس في فتن انجذم

(1) نعشه: رفعه. والخلة - بالفتح: الفقر. والمن: الاحسان.
(2) المصدر ص 58 وفى النهج تحت رقم 2.
(3) وأل يئل: نجى وخلص. والضمير في " انه " راجع إلى الحمد المفهوم من أحمده -
وقد يكون الضمير عائدا لله.
(4) مصاص كل شئ خالصه، والأهاويل جمع الأهوال، ودحره - كمنعه - طرده
وأبعده.
331

فيها حبل الدين، وتزعزعت سواري اليقين، فاختلف النجر (1) وتشتت الامر،
وضاق المخرج، وعمى الصدر، فالهدى خامل، والعمى شامل، عصي الرحمن
ونصر الشيطان، وخذل الايمان، فانهارت دعائمه، وتنكرت معالمه، ودرست سبله
وعفت شركه (2) أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه ووردوا مناهله، بهم سارت أعلامه
وقام لواؤه، في فتن داستهم بأخفافها، ووطئتهم بأظلافها، وقامت على سنابكها (3)
فهم فيها تائهون، حائرون جاهلون مفتونون، في خير دار وشر جيران، نومهم
سهود (4) وكحلهم دموع، بأرض عالمها ملجم، وجاهلها مكرم.
20 - ومنها (5) أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن
طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح، أو استسلم فأراح
ماء آجن، ولقمة يغص بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها (6) كالزارع
بغير أرضه.
فان أن أقل يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت
هيهات بعد اللتيا والتي والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه بل

(1) المثلات - بفتح فضم -: العقوبات، وانجذم أي انقطع، والسوارى جمع سارية
العمود والدعامة، وتزعزت أي اضطربت، والنجر - بفتح النون وسكون الجيم -: الأصل.
(2) انهارت أي هوت وسقطت، وتنكرت أي تغيرت من حال تسر إلى حال تكره.
ودرست كاندرست أي انطمست. والشرك - بضمتين - جمع شراك وهي الطريق.
(3) الأظلاف جمع ظلف - بالكسر - للبقر والشاة وشبههما كالخف للبعير، والقدم
للانسان. والسنابك جمع سنبك - كقنفد - وهو طرف الحافر.
(4) السهود عدم النوم وذلك كما يقال: جوده بخل، وهكذا بعده.
(5) المصدر ص 59.
(6) عرج عن الشئ: تركه، والظاهر أن المعنى فاز من قام في طلب المقصود
إذا تهيأ أسبابه، ووجد أعوانا، والجناح عبارة عنها أو انفاد لما يجرى عليه وقعد عن الطلب
رأسا إذا فقد أسبابه، والمراد بالماء الاجن الخلافة والامارة مطلقا والاجن: المتغير الطعم
واللون، لا يستساغ.
332

اندمجب على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي
البعيدة (1).
21 - ومن خطبه عليه السلام (2):
أما بعد فان الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت
باطلاع، ألا وإن اليوم المضمار، وغدا السباق، والسبقة الجنة، والغاية النار
أفلا تائب من خطيئته قبل منيته (3) ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه، ألا وإنكم في أيام
أمل من ورائه أجل، فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله ولم يضرره
أجله ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره أجله، ألا فاعملوا
في الرغبة كما تعملون في الرهبة، ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار
نام هاربها، ألا وإنه من لا ينفعه الحق يضرره الباطل، ومن لا يستقيم به الهدى يجر به
الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن (4) ودللتم على الزاد، وإن أخوف ما أخاف به
عليكم اتباع الهوى وطول الامل، تزودوا في الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا.
22 - ومن خطبه عليه السلام (5)
في استنفار الناس إلى أهل الشام وقد تثاقلوا:
أف لكم قد سئمت عتابكم، أرضيتم من الآخرة بالحياة الدنيا عوضا، وبالذل
من العز خلقا، إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارات أعينكم كأنكم؟؟ من الموت
في غمرة، ومن الذهول في سكرة ترتج عليكم حواري فتعمهون (6) فكأن قلوبكم

(1) اندمج الشئ إذ أدخل في شئ واستحكم فيه، والأرشية جمع رشاء بمعنى الحبل
والطوى: جمع طوية وهي البئر والبعيدة أي العميقة.
(2) مطالب السؤول ص 59. والنهج تحت رقم 28.
(3) المنية: الموت.
(4) الظعن: الرحيل.
(5) مطالب السؤول ص 59. والنهج تحت رقم 34.
(6) الغمرة: الشدة وغمرات الموت شدائده. ويرتج أي يغلق. والحوار: هو مراجعة
الكلام. والعمة: عمى البصيرة. أي لا تهتدون لفهمه. وتتحيرون وتترددون، والذهول:
النسيان لشغل والترك والغيبة عن الرشد.
333

مألوسة فأنتم لا تعقلون، ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، وما أنتم لي بركن يمال
بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم (1) ما أنتم إلا كابل ضل رعاتها، فكلما جمعت من
جانب انتشرت من جانب، لبئس لعمر الله سعر نار الحرب أنتم، تكادون ولا تقتدون (2)
وتنتقص أطرافكم ولا تمتعضون (3)، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، غلب والله
المتخاذلون، وأيم الله إني لأظل بكم أن لو حمس الوغى (4) واستحر الموت
فقد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس (5) والله إن امرءا يمكن عدوه من
نفسه يعرق لحمه ويهشم عظمه، ويفري جلده لعظيم عجزه، ضعيف قلبه (6)،
حرج صدره، أنت (7) فكن ذاك إن شئت فأما أنا فوالله دون أن أعطي ذاك ضرب
بالمشرفية تطير منه فراش الهام (8)، وتطيح السواعد والاقدام (9) ويفعل الله بعد
ذلك ما يشاء.

(1) المألوسة: المخلوطة بمس الجنون. وسجيس - بفتح فكسر - كلمة تقال بمعنى
أبدا وأصله من سجس الماء بمعنى تغير وكدر. أي انهم ليسوا بثقات عنده يركن إليهم أبدا.
وزوافر المجد: أسبابه وأعمدته. ومن البناء ركنه، ومن الرجل عشيرته وأنصاره. وقوله
" يمال بكم " أي يمال على العدو بعزكم وقوتكم، وهو وصف لهم بالضعف والذل.
(2) السعر: أصله مصدر " سعر النار " من باب نفع -: أوقدها أي لبئس ما توقد به
الحرب أنتم - ويقال: ان " سعر " جمع ساعر. وفى النهج " تكادون ولا تكيدون ".
(3) امتعض أي غضب.
(4) حمس - كفرح - اشتد وصلب. والوغى: الحرب.
(5) مثل لشدة التفرق يعنى أن الرأس إذا انفرج عن الجسد لا يعود إليه ثانيا.
(6) عرق اللحم - كنصر - أكله ولم يبق منه على العظم. والهشم: الكسر، وفراه
يفريه: مزقه. وفى النهج " ضعيف ما ضمنت عليه جوانح صدره ".
(7) الخطاب في " أنت " عام لكل من مكن عدوه من نفسه.
(8) " أنا " مبتدأ و " ضرب " خبره بمعنى الضارب و " أعطى " على صيغة المعلوم.
(9) أي لا يمكن عدوه من نفسه حتى يكون دون ذلك ضرب بالمشرفية. وهي السيوف
التي تنسب إلى مشارف وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف.
وقيل: إن المشرفية نسبة إلى موضع في بلاد اليمن لا إلى مشارف الشام. وفراش
الهام: العظام الرقيقة التي تلى القحف. وقوله " تطيح السواعد " أي تسقط وفعله كباع.
334

23 - ومن خطبة عليه السلام (1):
الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث الجليل (2) فإنه لا ينجو
من الموت من خافه، ولا يعطي البقاء من أحبه، ألا وإن الوفاء توأم الصدق، ولا
أعلم جنة أوقى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع (3) ولقد أصبحنا في زمان اتخذ
أكثر أهل الغدر كيسا ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم قاتلهم الله؟
قد يرى الحول القلب بوجه الحيلة، ودونها مانع من أمر الله تعالى ونهيه (4) فيدعها
رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين (5).
24 - ومن كلامه في بعض مواقف صفين (6):
معاشر المسلمين استشعروا الخشية، وتجلببوا السكينة، وعضوا على النواجذ
فإنه أنبى للسيوف عن الهام (7) وأكملوا اللامة، وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل

(1) مطالب السؤول ص 59.
(2) قولهم: جل الخطب أي عظم الامر والشأن. والفادح: الثقيل. والحدث: الامر
الحادث المنكر.
(3) المرجع اما مصدر أي علم كيف الرجوع إلى الله، أو اسم مكان أي علم بكيفية المعاد.
(4) رجل حول قلب - بضم الأول وتشديد الثاني من اللفظين -: أي بصير بتحويل
الأمور وتقليبها قد يرى وجه الحيلة في بلوغ مراده لكن يجد دون الوصول بمراده مانعا من
أمر الله ونهيه، فيدع الحيلة وهو قادر عليها وتركها خوفا من عقاب الله سبحانه.
(5) الانتهاز اغتنام الفرصة والحريجة - بالحاء المهملة -: التحرج أي التحرز
من الاثم.
(6) المصدر ص 51.
(7) استشعر: لبس الشعار، وهو ما يلي البدن من الثياب، والجلباب ما تغطي به
المرأة ثيابها من فوق. والنواجذ جمع الناجذ وهو أقص الأضراس والهام: الرأس.
335

سلها والحظوا الخزر، واطعنوا الشزر، ونافحوا بالظبى، وصلوا السيوف بالخطا، و
اعلموا أنكم يعين الله تعالى (1) ومع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله فعاودوا الكر واستحيوا
من الفر، فإنه عار في الأعقاب، ونار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم نفسا، و
امشوا إلى الموت مشيا سجحا (2)، وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب
فاضربوا ثبجه، فان الشيطان كامن في كسره، قد قدم للوثبة يدا، وأخر للنكوص
رجلا، فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم
أعمالكم (3).
25 - ومن كلامه في خطبة (4)
رحم الله امرءا تبع حكما فوعى، ودعي إلى رشاد فدنا، وأخذ بحجزة (5)

(1) اللامة - بفتح اللام والهمزة الساكنة - الدرع واكمالها أن يراد عليها البيضة
ونحوها وقد يراد بها آلات الحرب والدفاع واكمالها استيفاؤها. وفائدة القلقلة التحرز
من عدم خروجها حالة الحاجة. والخزر - محركة: النظر بلحظ العين. والشرر - بالفتح
الطعن عن اليمين والشمال. والمنافجة: المضاربة والمدافعة. والظبي - بالضم: جمع
ظبة - بالضم أيضا - وهي طرف السيف وحده. و " صلوا " من الوصل، أي اجعلوا سيوفكم
متصلة بخطا أعدائكم. أو إذا قصرت سيوفكم عن الوصول إلى أعدائكم فصلوها بخطاكم.
وقوله " بعين الله " أي ملحوظون بها.
(2) " طيبوا عن أنفسكم نفسا " أي ارضوا ببذلها فكم تبذلونها اليوم لتحرزوها غدا
والسجح - بضمتين وتقديم المعجمة -: السهل.
(3) والرواق ككتاب الفسطاط، والمطنب: المشدود بالاطناب. وثبج الشئ - بالتحريك -
وسطه. والكسر - بكسر الكاف - شقه الأسفل - وكمن - كنصر - أي استخفى، والمراد بالسواد
الأعظم أهل الشام وبالرواق المطنب معاوية نفسه، والشيطان الكامن لعله عمرو بن العاص.
وقوله فصمدا صمدا أي فاثبتوا على قصدكم، والصمد: القصد. ولن يتركم أي لا ينقصكم
شيئا.
(4) مطالب السؤول ص 59.
(5) الحجزة - بالضم -: موضع شد الإزار. ومعقده ومن السراويل موضع التكة و
المراد الاقتداء والتمسك.
336

هاد فنجا، وراقب ربه، وخاف ذنبه، وقدم خالصا، واكتسب مذخورا (1)
واجتنب محذورا، ورمى غرضا (2) وأحرز عوضا، وكابر هواه (3)، وكذب مناه
وجعل الصبر عطية نجاته، والتقوى عدة وفاته، وركب الطريقة الغراء، ولزم المحجة
البيضاء، واغتنم المهل (4) وبادر الأجل، وتزود من العمل قبل انقطاع الامل.
26 - ومن خطبه عليه السلام: (5)
يوبخ أهل الكوفة وقد تثاقلوا في الخروج إلى الخوارج معه: أيتها الفئة
المجتمعة أبدانهم المتفرقة أديانهم إنه والله ما غرت دعوة من دعاكم، ولا استراح
قلب من قاساكم (6) كلامكم يوهن الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم
المرتاب، إذا دعوتكم إلى أمر فيه صلاحكم والذب عن حريمكم اعتراكم الفشل
وجئتم بالعلل، ثم قلتم: كيت وكيت وذيت وذيت أعاليل بأضاليل وأقوال الأباطيل
ثم سألتموني التأخير، دفاع ذي الدين المطول (7) هيهات هيهات إنه لا يدفع الضيم -

(1) أي عمل بما افترض الله عليه ويذخر ثوابه ليوم حاجته.
(2) أي قصد إلى الحق فأصابه.
(3) كابره: غالبه وخالفه، والمكابرة: المغالبة.
(4) الغراء: النيرة الواضحة، والمحجة: جادة الطريق ومعظمه والمراد سبيل
الحق ومنهج العدل. والمهل هنا بمعنى مدة الحياة مع العافية.
(5) روى أن هذه الخطبة خطبها أمير المؤمنين عند إغارة الضحاك بن قيس بعد قصة
الحكمين وعزمه على المسير إلى قتال معاوية.
(6) قاساه - مقاساة - الألم: كابده وعالج شدته.
(7) " كيت وكيت " يكنى بهما عن الحديث والخبر، يقول فلان كيت وكيت. و
هكذا ذيت وذيت كناية عن الحديث والفعل. وقوله " أعاليل بأضاليل " خبر مبتدأ محذوف
أي وإذا دعوتكم إلى القتال تعللتم بأعاليل هي باطلة ضلالا عن سبيل الله. والمطول تطويل
الموعد والمطل فيه، والكثير المطل - بالفتح - وهو التسويف بالعدة أي دفاعكم كدفاعه.
337

الذل (1) ولا يدرك الحق إلا بالجد، فخبروني يا أهل العراق مع أي إمام بعدي
تقاتلون أم أية دار تمنعون، الذليل والله من نصرتموه، والمغرور من غررتموه
وأصبحت ولا أطمع في نصركم، ولا أصدق قولكم، فرق الله بيني وبينكم وأبدلكم
بي غيري وأبدلني بكم من هو خير لي منكم، أما إنه ستلقون بعدي ذلا شاملا وسيوفا
قاطعة، وأثرة قبيحة، يتخذها الظالمون عليكم سنة. فتبكي عيونكم، ويدخل
الفقر بيوتكم وقلوبكم، وتتمنون في بعض حالاتكم إنكم رأيتموني فنصرتموني، و
أرقتم دماءكم دوني فلا يبعد الله إلا من ظلم.
يا أهل الكوفة أعظكم فلا تتعظون، وأوقظكم فلا تستيقظون إن من فاز بكم
فقد فاز بالخيبة، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل، أف لكم لقد لقيت منكم
ترحا (2) يوما أناديكم ويوما اداجيكم (3) فلا أحرار عند النداء ولا ثبتة عند المصائب
فيالله ماذا منيت به منكم (4) لقد منيت بصم لا يسمعون وكمه لا يبصرون، وبهم
لا يعقلون، أما والله لو أني حين أمرتكم بأمري حملتكم على المكروه مني فإذا
استقمتم هديتم وإن أبيتم بدأت بكم لكانت الزلفى ولكني تواخيت لكم وتوانيت
عنكم وتماديت في غفلتكم فكنت أنا وأنتم كما قال الأول:
أمرتهم بأمري بمنعرج اللوى * فلم تستبينوا الرشد إلا ضحى الغد (5)

(1) كذا، والضيم: الظلم - وفى النهج وأمالي الشيخ ج 1 ص 183 " ولا يدفع الضيم
الذليل ". وهو الأصوب.
(2) الافوق من السهام: المكسور الفوق. والفوق موضع الوتر من السهم. والناصل:
العاري عن النصل ولا يخفى طيش السهم الذي لا فوق له ولا نصل فإنه لا يكاد يتجاوز عن
القوس، أي من رمى بهم فكأنما رمى بسهم لا يثبت في الوتر حتى يرمى، وان رمى به
لم يصب مقتلا إذا لا نصل له. والترح: ضد الفرح.
(3) أي أداريكم. وفى النهج " أناجيكم ".
(4) منيت أي بليت.
(5) البيت من قصيدة دريد بن الصمة. ومنعرج اللوى اسم مكان، وأصل اللوى من
الرمل: الجدد بعد الرملة. ومنعرجه: منعطفه يمنة ويسرة.
338

اللهم إن دجلة والفرات نهران أصمان أبكمان فأرسل عليهم ماء بحرك، و
انزع عنهم ماء نصرك، حبذا إخواني الصالحين، إن دعوا إلى الاسلام قبلوه، وقرؤا
القرآن فأحكموه، وندبوا إلى الجهاد فطلبوه، فحقيق لهم الثناء الحسن، وا شوقاه
إلى تلك الوجوه، ثم ذرفت عيناه ونزل عن المنبر، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون
إلى ما صرت إليه، صرت إلى قوم إن أمرتهم خالفوني وإن اتبعتهم تفرقوا عني
جعل الله لي منهم فرجا عاجلا.
ثم دخل منزله فجاءه رجل من أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس قد
ندموا على تثبطهم وقعودهم وعلموا أن الحظ في إجابتك لهم، فعاودهم في الخطبة
فلما أصبح من الغد دخل المسجد الأعظم ونودي في الناس فاجتمعوا فلما غص
المسجد بالناس صعد المنبر وخطب هذه الخطبة.
27 - فقال بعد أن حمد الله تعالى: أيها الناس ألا ترون إلى أطرافكم قد انتقصت
وإلى بلادكم تغرى، وأنتم ذو عدد جم وشوكة شديدة، فما بالكم اليوم لله أبوكم من
أين تؤتون ومن أين تسخرون، وأنى تؤفكون، انتبهوا رحكم الله وتحركوا
لحرب عدوكم فقد أبدت الرغوة عن الصريخ لذي عينين وقد أضاء الصبح لذي عشاء
فاسمعوا قولي هداكم الله إذا قلت، وأطيعوا أمري إذا أمرت فوالله لئن أطعتموني لن
تغووا، وإن عصيتموني لن ترشدوا، خذوا للحرب اهبتها (1) وأعدوا لها عدتها،
وأخرجوا لها فقد شبت وأوقدت نارها، وتحرك لكم الفاسقون لكي يطفئوا نور
الله ويغزوا عباد الله، فوالله أن لو لقيتم وحدي وهم أضعاف ما هم عليه لما كنت بالذي
أهابهم، ولا أستوحش [منهم و] من قتالهم، فإني من ضلالتهم التي هم عليها والحق
الذي [أنا عليه لعلى بصيرة ويقين، وإني إلى لقاء ربي لمشتاق، وبحسن ثوابه
لمنتظر، وهذا القلب الذي ألقاهم به هو القلب الذي] لقيت به الكفار مع رسول
الله صلى الله عليه وآله، وهو القلب الذي لقيت به أهل الجمل وأهل صفين ليلة الهرير
فإذا أنا نفرتكم فانفروا خفافا وثقالا، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله

(1) الأهبة: الأسباب والآلات.
339

ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، اللهم اجعلنا وإياهم على الهدى وجنبا وإياهم
البلوى، واجعل الآخرة لنا ولهم خيرا من الأولى، فلما فرغ من كلامه أجابه الناس
سراعا، فخرج بهم إلى الخوارج.
28 - ونقل: أن جماعة حضروا لديه وتذاكروا فضل الخط وما فيه فقالوا:
ليس في الكلام أكثر من الألف ويتعذر النطق بدونها فقال لهم في الحال هذه الخطبة
من غير سابق فكرة ولا تقدم روية، وسردها وليس فيها ألف.
حمدت من عظمت منته، وسبغت نعمته، وتمت كلمته، ونفذت مشيته، و
بلغت حجته، وعدلت قضيته، وسبقت غضبه رحمته، حمدته حمد مقر بربوبيته
متخضع لعبوديته، متنصل من خطيئته، معترف بتوحيده، مستعيذ من وعيده
مؤمل من ربه مغفرة تنجيه، يوم يشغل كل عن فصيلته وبنيه، ونستعينه ونسترشده
ونؤمن به ونتوكل عليه، وشهدت له شهود عبد مخلص موقن، وفردته تفريد مؤمن
متيقن، ووحدته توحيد عبد مذعن، ليس له شريك في ملكه، ولم يكن له ولي في
صنعه، جل عن مشير ووزير (1) وعون ومعين ونظير، علم فستر، وبطن فخبر، وملك
فقهر، وعصي فغفر، وعبد فشكر، وحكم فعدل، وتكرم وتفضل، لن يزول، ولم
يزل، ليس كمثله شئ، وهو قبل كل شئ، وبعد كل شئ، رب متفرد بعزته
متمكن بقوته، متقدس بعلوه، متكبر بسموه، ليس يدركه بصر، ولم يحط به
نظر، قوي منيع بصير سميع (2) رؤوف رحيم، عجز عن وصفه من وصفه، وضل
عن نعته من عرفه، قرب فبعد، وبعد فقرب، يجيب دعوة من يدعوه ويرزقه و
يحبوه، ذو لطف خفي، وبطش قوي، ورحمة موسعة، وعقوبة موجعه، رحمته
جنة عريضة مونقة، وعقوبته جحيم ممدودة موبقة، وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله
ونبيه وصفيه وحبيبه وخليله، بعثه في خير عصر وحين فترة وكفر، رحمة لعبيده
ومنة لمزيده، ختم به نبوته، ووضحت به حجته، فوعظ ونصح وبلغ وكدح، رؤوف

(1) وفى " كف " أي مصباح الكفعمي " وتنزه عن مثل - خ ل ".
(2) زاد في كف " على حكيم ".
340

بكل مؤمن، رحيم سخي رضي ولي زكي، عليه رحمة وتسليم، وبركة وتعظيم
وتكريم، من رب غفور رحيم، قريب مجيب حليم.
وصيتكم معشر من حضر بوصية ربكم وذكرتكم سنة نبيكم، فعليكم
برهبة تسكن قلوبكم، وخشية تدري دموعكم، وتقية تنجيكم قبل يوم يذهلكم و
يبتليكم.
يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته، وخف وزن سيئته، وعليكم بمسألة (1)
ذل وخضوع، وتملق وخشوع، وتوبة ونزوع وليغنم كل (2) منكم صحته قبل سقمه
وشيبته قبل هرمه، وسعته قبل فقره (3) وفرغته قبل شغله، وحضره قبل سفره، و
حياته قبل [موته، قبل] يهن ويهرم، ويمرض ويسقم، ويمله طبيبه، ويعرض عنه
حبيبه، وينقطع عمره، ويتغير عقله.
ثم قيل: هو موعوك وجسمه منهوك، ثم جد في نزع شديد، وحضره كل قريب
وبعيد، فشخص ببصره، وطمح بنظره، ورشح جبينه وخطفت عرينه، وجدبت نفسه
وبكت عرسه، وحضر رمسه، ويتم منه ولده، وتفرق عنه عدده، وفصم جمعه، و
ذهب بصره وسمعه، وجرد وغسل، وعري ونشف وسجى، وبسط له وهيئ، ونشر
عليه كفنه (4) وشد منه ذقنه، وحمل فوق سرير، وصلى عليه بتكبير بغير سجود وتعفير
ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وفرش منجدة (5) فجعل في ضريح ملحود
ضيق مرصود، بلبن منضود، مسقف بجلمود، وهيل عليه عفره، وحشى مدره، وتحقق
حذره، ونسي خبره، ورجع عنه وليه ونديمه ونسيبه وحميمه، وتبدل به قرينه
وحبيبه، فهو حشو قبر، ورهين حشر، يدب في جسمه دود قبره، ويسيل صديده من

(1) في بعض نسخ المصدر " ولتكن مسئلتكم مسألة ".
(2) زاد في كف " وندم ورجوع، وليغتنم كل مغتنم ".
(3) في كف " عدمه وخلوته قبل فقره ".
(4) زاد في كف " وقمص وعمم ولف وودع وسلم ".
(5) زاد في كف " وحجر منضدة ".
341

منخره، وتسحق تربته لحمه، وينشف دمه، ويرم عظمه، حتى يوم حشره فينشره
من قبره، وينفخ في صور، ويدعى لحشر ونشور، فثم بعثرت قبور، وحصلت سريرة
[في] صدور.
وجئ بكل نبي وصديق وشهيد ومنطيق، وقعد لفصل حكمه قدير (1)، بعبده
خبير بصير، فكم حسرة تضنيه (2) في موقف مهيل، ومشهد جليل، بين يدي ملك عظيم
بكل صغيرة وكبيرة عليم، فحينئذ يلجمه عرقه، ويخفره قلقه، فعبرته غير مرحومة
وصرخته غير مسموعة (3) وبرزت صحيفته، وتبينت جريرته، فنظر في سوء عمله (4)
وشهدت عينه بنظره، ويده ببطشه، ورجله بخطوه، وجلده بلمسه، وفرجه بمسه، و
يهدده منكر ونكير، وكشف له حيث يصير، فسلسل جيده، وغلت يده، فسيق يسحب
وحده.
فورد جهنم بكره شديد، وظل يعذب في جحيم، ويسقى شربة من حميم، تشوي
وجهه وتسلخ جلده (5) يستغيث فيعرض عنه خزنة جهنم، ويستصرخ فيلبث حقبه
بندم، نعوذ برب قدير من شر كل مصير، ونسأله عفو من رضي عنه، ومغفرة من قبل منه
وهو ولي مسألتي، ومنجح طلبتي، فمن زحزح عن تعذيب ربه جعل في جنته بقربه
وخلد في قصور (6) ونعمه، وملك بحور عين وحفدة، وتقلب في نعيم وسقى من تسنيم (7)
مختوم بمسك وعنبر (8) يشرب من خمر معذوب شربه، ليس ينزف لبه.

(1) في بعض نسخ المصدر " قعد وتولى لفصل حكمه عند رب قدير ".
(2) أي تهزله وتضعفه، وفى بعض نسخ المصدر " فكم زمرة تغنيه ".
(3) زاد في كف " وحجته مقبولة ".
(4) زاد في كف " فنطق كل عضو بسوء عمله ".
(5) زاد في كف " يضرب زبينه بمقمع من حديد يعود جلده بعد نضجه بجلد جديد "
والزبينة: الشرطي.
(6) زاد في كف " وطيف عليه بكؤوس وسكن حضيرة مشيدة ومكن فردوس ".
(7) زاد في كف " ويشرب من عين سلسبيل، ممزوجة بزنجبيل ".
(8) زاد في كف " مستديم للحبور مستشعر للسرور يشرب من خمور في روض مشرق
مغدق ليس يصدع من شربه ". والحبور: السرور.
342

هذه منزلة من خشي ربه وحذر نفسه، وتلك عقوبة من عصى منشئه، وسولت
له نفسه معصية مبدئه، لهو ذلك قول فصل، وحكم عدل، خير قصص قص، ووعظ به و
نص، تنزيل من حكيم حميد (1).
أقول: وهذه الخطبة قد نقلها الكفعمي في كتاب المصباح ولكن مع اختلاف
شديد ولذلك قد تعرضنا لتلك الاختلافات في الهامش.
29 - الكافي: من الروضة (2) عن أحمد بن محمد الكوفي، عن جعفر بن عبد الله المحمدي
عن أبي روح فرج بن قرة، عن جعفر بن عبد الله، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
النبي وآله. ثم قال: أما بعد فإن الله تبارك وتعالى لم يقصم جباري دهر إلا من
بعد تمهيل ورخاء، ولم يجبر كسر عظم من الأمم إلا بعد أزل وبلاء (3) أيها الناس
في دون ما استقبلتم من عطب واستدبرتم من خطب معتبر (4) وما كل ذي قلب بلبيب
ولا كل ذي سمع بسميع، ولا كل ذي ناظر عين ببصير، عباد الله أحسنوا فيما يعنيكم (5)
النظر فيه ثم انظروا إلى عرصات من قد أقاده الله بعلمه (6) كانوا على سنة من

(1) زاد في كف " نزل به روح قدس مبين على نبي مهتد مكين صلت عليه رسل سفرة
مكرمون بررة، عذت برب رحيم من شر كل رجيم فيتضرع متضرعكم وليبتهل مبتهلكم فنستغفر
رب كل مربوب لي ولكم ".
(2) ص 63 تحت رقم 22.
(3) الأزل: الشدة والضيق.
(4) الخطب الشأن والامر. وفى بعض نسخ المصدر. " ما استقبلتم من خطب واستدبرتم
من خطب ".
(5) أي فيما يهمكم. وفى بعض النسخ باعجام الغين وهو تصحيف.
(6) من القود فإنهم قد أصابوا دماء بغير حق.
343

آل فرعون، أهل جنات وعيون وزروع ومقام كريم، ثم انظروا بما ختم الله لهم بعد
النضرة والسرور والأمر والنهي، ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان والله مخلدون ولله
عاقبة الأمور.
فيا عجبا ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا
يقتفون (1) أثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي، ولا يؤمنون بغيب، ولا يعفون عن عيب
المعروف فيهم ما عرفوا، والمنكر عندهم ما أنكروا، وكل امرء منهم إمام نفسه
أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات، فلا يزالون بجور ولم يزدادوا
إلا خطأ، لا ينالون تقربا، ولن يزدادوا إلا بعدا من الله عز وجل، انس بعضهم
ببعض وتصديق بعضهم لبعض، كل ذلك وحشة مما ورث النبي الأمي، ونفورا مما
أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والأرض، أهل حسرات وكهوف شبهات، وأهل
عشوات وضلالة وريبة (2)، من وكله الله إلى نفسه ورأيه فهو مأمون عند من يجهله
غير المتهم عند من لا يعرفه، فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها، ووا أسفا من
فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا، وكيف
يقتل بعضها بعضا، المتشتت غدا عن الأصل النازلة بالفرع، المؤملة الفتح من غير جهته
كل حزب منهم آخذ [منه] بغصن أينما مال الغصن مال معه، مع أن الله وله الحمد
سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع قزع الخريف (3) يؤلف الله بينهم، ثم

(1) في بعض النسخ " لا يقتصون " وهو بمعناه.
(2) في بعض نسخ المصدر " أهل خسران وكفر وشبهات ". والعشوة - بالتثليث -:
ركوب الامر على غير بيان.
(3) القزع - بالقاف والزاي ثم العين المهملة -: قطع السحاب المتفرقة وإنما خص
الخريف لأنه أول الشتاء والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم ولا مطبق ثم يجتمع بعضه
إلى بعض بعد ذلك كما في النهاية.
344

يجعلهم ركاما كركام السحاب (1)، ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم (2)
كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه فارة فلم تثبت عليه أكمة، ولم يرد سننه
رض طود، يذعذعهم الله في بطون أودية، ثم يسلكهم ينابيع في الأرض، يأخذ بهم
من قوم حقوق قوم، ويمكن بهم قوما في ديار قوم تشريدا لبني أمية (3) ولكيلا
يغتصبوا ما غصبوا، يضعضع الله بهم ركنا، وينقض بهم طي الجنادل من إرم ويملا
منهم بطنان الزيتون (4) فوالذي فلق الحبة وبرئ النسمة ليكونن ذلك وكأني

(1) الركام: المراكب بعضه فوق بعض ونسبة هذا التأليف إليه تعالى مع أنه لم يكن
برضاه على سبيل المجاز تشبيها لعدم منعهم عن ذلك وتمكينهم من أسبابه وتركهم واختيارهم
بتأليفهم وحثهم عليه ونظير هذا كثير في الآيات والاخبار.
(2) أي محل انبعاثهم وتهييجهم وكأنه أشار عليه السلام بذلك إلى فتن أبى مسلم المروزي
واستئصالهم لبني أمية وإنما شبههم بسيل العرم لتخريبهم البلاد وأهلها الذين كانوا في خفض
ودعة، وأريد بالجنتين جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدتهم وجماعة عن شمالها
روى أنها كانت أخصب البلاد وأطيبها، لم تكن فيها عاهة ولا هامة. وفسر العرم تارة بالصعب
وأخرى بالمطر الشديد وأخرى بالجرذ وأخرى بالوادي وأخرى بالاحباس التي
تبنى في الأودية. ومنه قيل: إنه اصطرخ أهل سبأ، قيل: إنما أضيف السيل إلى الجرذ
لأنه نقب عليهم سدا ضربته لهم بلقيس فحقنت به الماء وتركت فيه ثقبا على مقدار ما يحتاجون
إليه أو المسناة التي عقدت سدا على أنه جمع عرمة وهي الحجارة المركومة وكان ذلك بين
عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعليه. (الوافي)
(3) الأكمة: التل. والرض: الدق الجريش. والطود: الجبل. وفى بعض النسخ
" رص طود " بالصاد المهملة فيكون بمعنى الالزاق والضم والشد ولعله الصواب والمجرور في
" سننه " يرجع إلى السيل أو إلى الله تعالى. والذعذعة - بالذالين المعجمتين والعينين المهملتين
التفريق. والتشريد: التنفير. وفى بعض النسخ " يدغدغهم ".
(4) التضعضع: الهدم. والجنادل جمع جندل وهو الصخر العظيم أي ينقص الله ويكسر
بهم البنيان التي طويت وبنيت بالجنادل والأحجار من بلاد ارم وهي دمشق والشام إذ كان
مستقر ملكهم في أكثر الأزمان تلك البلاد لا سيما زمانه صلى الله عليه وآله " قاله المؤلف
- رحمه الله -: " والمراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام أو بلد بالصين كما في
القاموس.
345

أسمع صهيل خيلهم، وطمطمة رجالهم (1) وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو
والتمكين في البلاد كما تذوب الالية على النار (2).
من مات منهم مات ضالا، وإلى الله عز وجل يفضي منهم من درج (3) و
يتوب الله عز وجل على من تاب. ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء
وليس لاحد على الله عز ذكره الخيرة بل لله الخيرة والامر جميعا.
أيها الناس إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير ولو لم تتخاذلوا عن مر
الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجع (4) عليكم من ليس مثلكم، ولم يقومن
قوي عليكم على هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها (5) لكن تهتم كما تاهت بنو
إسرائيل على عهد موسى [بن عمران] ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي
أضعاف ما تأهت بنو إسرائيل.
ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم
على سلطان الداعي إلى الضلالة وأحييتم الباطل وخلفتم الحق وراء ظهوركم، و
قطعتم الأدنى من أهل بدر، ووصلتم الابعد من أبناء الحرب لرسول الله صلى الله عليه وآله، و
لعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء، وقرب الوعد، وانقضت
المدة، وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق، ولاح لكم القمر المنير، فإذا
كان ذلك فراجعوا التوبة.

(1) الصهيل - كامير -: صوت الفرس. والطمطمة في الكلام أن يكون فيه عجمة.
(2) الالية: الشحمة.
(3) أي يرجع من مات. وفى بعض نسخ المصدر " يقضى " بالقاف بمعنى القضاء والمحاكمة.
(4) في بعض نسخ المصدر " يتخشع ".
(5) الازواء: الصرف.
346

واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول صلى الله عليه وآله
فتداويتم من العمى والصمم والبكم، وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف، ونبذتم الثقل
الفادح عن الأعناق (1) ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف، وأخذ ما ليس له
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
30 - الكافي: من الروضة (2)، عن علي بن الحسين المؤدب وغيره، عن أحمد
ابن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن عبد الله بن أبي الحارث الهمداني، عن
جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال:
الحمد لله الخافض الرافع، الضار النافع، الجواد الواسع، الجليل ثناؤه
الصادقة أسماؤه، المحيط بالغيوب وما يخطر على القلوب، الذي جعل الموت بين
خلقه عدلا وأنعم بالحياة عليهم فضلا فأحيا وأمات وقدر الأقوات، أحكمها بعلمه
تقديرا، وأتقنها بحكمته تدبيرا، إنه كان خبيرا بصيرا، هو الدائم بلا فناء، والباقي
إلى غير منتهى، يعلم ما في الأرض وما في السماء وما بينهما وما تحت الثرى.
أحمده بخالص حمده، المخزون بما حمده به الملائكة والنبيون، حمدا
لا يحصى له عدد، ولا يتقدمه أمد (3) ولا يأتي بمثله أحد أو من به، وأتوكل عليه
وأستهديه وأستكفيه وأستقصيه بخير وأسترضيه (4).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

(1) يقال: فدحه الدين أي أثقلة. أي طريق الديون المثقلة ومظالم العباد وإطاعة
أهل الجور وظلمهم عليكم عن أعناقكم (منه).
(2) ص 170 تحت رقم 193.
(3) في بعض النسخ " أحد " أي بالتقدم الزماني بأن يكون حمده أحد قبل ذلك، أو
بالتقدم المعنوي بان يحمد أفضل منه. والامد: الغاية.
(4) استقصيه - بالصاد المهملة - من قولهم استقصى في المسألة وتقصى إذا بلغ الغاية
وبالضاد المعجمة كما في بعض نسخ المصدر من قولهم: استقضى فلان أي طلب إليه أن يقضيه
وقوله " بخير " بسبب طلب الخير.
347

أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله
عليه وآله.
أيها الناس إن الدنيا ليست لكم بدار ولا قرار، إنما أنتم فيها كركب
عرسوا فأناخوا (1) ثم استقلوا فغدوا وراحوا، دخلوا خفافا وراحوا خفافا (2)
لم يجدوا عن مضي نزوعا (3) ولا إلى ما تركوا رجوعا، جد بهم فجدوا، وركنوا
إلى الدنيا فما استعدوا حتى إذا اخذ بكظمهم وخلصوا إلي دار قوم جفت أقلامهم (4)
لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر، قل في الدنيا لبثهم، وعجل إلى الآخرة بعثهم
فأصبحتم حلولا في ديارهم، ظاعنين على آثارهم، والمطايا بكم تسير سيرا، ما فيه
أين ولا تفتير، نهاركم بأنفسكم دؤوب، وليلكم بأرواحكم ذهوب (5) فأصبحتم تحكون
من حالهم حالا، وتحتذون من مسلكهم مثالا (6) فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنما
أنتم فيها سفر حلول (7) الموت بكم نزول، تنتضل فيكم مناياه (8) وتمضي بأخباركم

(1) الركب جمع راكب. والتعريس: نزول القوم في السفر في آخر الليل نزلة
للنوم والاستراحة. أناخوا أي أقاموا. و " استقلوا " أي مضوا وارتحلوا.
(2) أي دخلوا في الدنيا عند ولادتهم خفافا بلا زاد ولا مال وراحوا عند الموت كذلك
ويحتمل أن يكون كناية عن الاسراع.
(3) نزع عن الشئ نزوعا: كف وقلع عنه أي لم يقدروا على الكف عن المضي
والظرفان متعلقان بالنزوع والرجوع.
(4) أي جفت أقلام الناس عن كتابة آثارهم لبعد عهدهم ومحو ذكرهم.
(5) " حلولا " جمع حال. و " ظاعنين " أي سائرين. والأين: الاعياء " ولا تفتير " أي
ليست تلك الحركة موجبة لفتور تلك المطايا فتسكن عن السير زمانا. و " نهاركم بأنفسكم
دؤوب " أي نهاركم يسرع ويجد ويتعب بسبب أنفسكم ليذهبها. ويحتمل أن يكون الباء للتعدية
أي نهاركم يتعبكم في أعمالكم وحركاتكم وذلك سبب لفناء أجسادكم.
(6) " تحكون " أي أحوالكم تحكى وتخبر عن أحوالهم. والاحتذاء: الاقتداء.
(7) هما جمعان أي مسافرون حللتم بالدنيا. والنزول - بفتح النون - أي نازل.
(8) الانتضال: رمى السهام للسبق. والمنايا جمع المنية وهي الموت ولعل الضمير
راجع إلى الدنيا بتأويل الدهر أو بتشبيهها بالرجل الرامي أي ترمى إليكم المنايا في الدنيا
سهاما فتهلككم والسهام الأمراض والبلايا الموجبة للموت ويحتمل أن يكون فاعل تنتضل
الضمير الراجع إلى الدنيا ويكون المرمى المنايا والأول أظهر (منه).
348

مطاياه إلى دار الثواب والعقاب والجزاء والحساب.
فرحم الله امرءا راقب ربه، وتنكب ذنبه (1) وكابر هواه، وكذب مناه، امرء
أزم نفسه من التقوى بزمام، وألجمها من خشية ربها بلجام، فقادها إلى الطاعة
بزمامها، وقدعها عن المعصية بلجامها (2) رافعا إلى المعاد طرفه (3) متوقعا في كل
أوان حتفه (4) دايم الفكر، طويل السهر، عزوفا عن الدنيا، سأما كدوحا لاخرته
متحافظا (5) امرءا جعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة وفاته، ودواء أجوائه
فاعتبر وقاس، وترك الدنيا والناس، يتعلم للتفقه والسداد، وقد وقر قلبه ذكر المعاد
وطوى مهاده (6) وهجر وساده، منتصبا على أطرافه، داخلا في أعطافه، خاشعا
لله عز وجل، يراوح بين الوجه والكفين (7) خشوع في السر لربه، لدمعه صبيب ولقلبه
وجيب (8) شديدة أسباله، ترتعد من خوف الله جل ذكره أوصاله (9) قد عظمت

(1) تنكب أي تجنب. وكابر أي خالف وغالب. وفى بعض نسخ المصدر " كابد " أي
قاساه وتحمل المشاق في فعله.
(2) قدعه كمنعه -: كفه. وفى بعض نسخ المصدر " وقرعها ".
(3) طرفه أي عينه.
(4) الحتف: الموت.
(5) عزفت عن كذا أي زهدت فيه وانصرفت عنه. سأما أي ملولا. والكدح:
السعي والاهتمام.
(6) الجوى: الحرقة من وجد أو حزن. و " طوى مهاده " أي على اقدامه.
(7) أعطاف جمع عطاف وهو الرداء. " يراوح " أي يضع جبهته تارة للسجود ويرفع بدنه
تارة في الدعاء ففي اعمال كل واحد منهما راحة للأخرى.
(8) أي هو صاب كثير الصب لدمعه. ولقلبه وجيب أي اضطراب. واسبال جمع سبل - بالتحريك -
المطر والدمع إذا هطل.
(9) الأوصال: المفاصل.
349

فيما عند الله رغبته، واشتدت منه رهبته، راضيا بالكفاف من أمره (1) يظهر دون ما
يكتم، ويكتفي بأقل مما يعلم.
أولئك ودايع الله في بلاده، المدفوع بهم عن عباده، لو أقسم أحدهم على الله
جل ذكره وتعالى لأبره، أو دعا على أحد نصره الله، يسمع إذا ناجاه، ويستجيب
له إذا دعاه، جعل الله العاقبة للتقوى، والجنة لأهلها مأوى، دعاؤهم فيها أحسن
الدعاء " سبحانك اللهم " دعاهم المولى على ما آتاهم، وآخر دعواهم أن الحمد لله
رب العالمين.
31 - الكافي: من الروضة (2) عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب
عن محمد بن النعمان أو غيره، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه ذكر هذه الخطبة
لأمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمعة:
الحمد لله أهل الحمد ووليه، ومنتهى الحمد ومحله، البدئ البديع
الأجل الأعظم، الأعز الأكرم، المتوحد بالكبرياء، والمتفرد بالآلاء، القاهر
بعزه، والمسلط بقهره، الممتنع بقوته، المهيمن بقدرته، والمتعالي فوق كل
شئ بجبروته، المحمود بامتنانه وباحسانه، المتفضل بعطائه وجزيل فوائده، المتوسع
برزقه، المسبغ بنعمه، نحمده على آلائه، وتظاهر نعمائه، حمدا يزن عظمة جلاله
ويملأ قدر آلائه وكبريائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي كان في أوليته متقادما، وفي
ديموميته متسيطرا (3) خضع الخلايق لوحدانيته وربوبيته، وقديم أزليته، ودانوا
لدوام أبديته (4).
وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اختاره بعلمه، و

(1) زاد في الوافي " وان أحسن طول عمره ".
(2) ص 173 تحت رقم 194.
(3) أي هو في دوامه مسلط على جميع خلقه.
(4) أي أقروا وأذعنوا بدوام أبديته أو أطاعوا وخضعوا وذلوا لكونه دائم الأبدية.
350

اصطفاه لوحيه، وائتمنه على سره، وارتضاه لخلقه، وانتدبه لعظيم أمره، ولضياء
معالم دينه، ومناهج سبيله، ومفتاح وحيه، وسببا لباب رحمته، ابتعثه على حين
فترة من الرسل، وهدأة من العلم (1) واختلاف من الملل، وضلال عن الحق، وجهالة
بالرب، وكفر بالبعث والوعد، أرسله إلى الناس أجمعين رحمة للعالمين بكتاب كريم
قد فصله وفضله وبينه وأوضحه وأعزه، وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن
خلفه تنزيل من حكيم حميد.
ضرب للناس فيه الأمثال وصرف فيه الآيات لعلهم يعقلون، أحل فيه الحلال
وحرم فيه الحرام وشرع فيه الدين لعباده عذرا ونذرا لئلا يكون للناس على الله
حجة بعد الرسل، ويكون بلاغا لقوم عابدين، فبلغ رسالته وجاهد في سبيله وعبده
حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
أوصيكم عباد الله وأوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلمه، وإليه
يصير غدا ميعادها، وبيده فناؤها وفناؤكم، وتصرم أيامكم، وفناء آجالكم، وانقطاع
مدتكم، فكان قد زالت عن قليل عنا وعنكم كما زالت عمن كان قبلكم، فاجعلوا
عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير، ليوم الآخرة الطويل
فإنها دار عمل والآخرة دار القرار والجزاء فتجافوا عنها، فان المغتر من اغتر بها
لن تعدوا الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها، المحبين لها، المطمئنين
إليها، المفتونين بها أن تكون كما قال الله عز وجل " كماء أنزلناه من السماء
فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والانعام الآية (2) " مع أنه لم يصب امرء
منكم في هذه الدنيا حبرة إلا أورثته عبرة (3) ولا يصبح فيها في جناح أمن إلا وهو يخاف
فيها نزول جائحة (4) أو تغير نعمة أو زوال عافية ما فيه، مع أن الموت من وراء

(1) الهدأة - بفتح الهاء وسكون الدال -: السكون عن الحركات.
(2) يونس: 24. الحبرة بالفتح - النعمة. والعبرة: الدمعة.
(4) الجائحة: الآفة النبي تهلك الثمار والأموال. وكل مصيبة عظيمة.
351

ذلك وهول المطلع، والوقوف بين يدي الحكم العدل تجزى كل نفس بما عملت،
" ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ".
" فاتقوا الله عز ذكره وسارعوا إلى رضوان الله والعمل بطاعته والتقرب
إليه بكل ما فيه الرضا فإنه قريب مجيب، جعلنا الله وإياكم ممن يعمل بمحابه
ويجتنب سخطه، ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة، وأنفع التذكر كتاب الله
جل وعز: " وإذا قرء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " (1).
" أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم " بسم الله الرحمن الرحيم: والعصر إن
الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا
بالصبر " (2) " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و
سلموا تسليما " (3).
اللهم صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وتحنن (4) على
محمد وآل محمد، وسلم على محمد وآل محمد، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت
وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم أعط محمدا الوسيلة و
الشرف والفضيلة والمنزلة الكريمة، اللهم اجعل محمدا وآل محمد أعظم الخلائق كلهم
شرفا يوم القيامة، وأقربهم منك مقعدا، وأوجههم عندك يوم القيامة جاها، وأفضلهم
عندك منزلة ونصيبا، اللهم أعط محمدا أشرف المقام وحباء السلام (5) وشفاعة الاسلام
اللهم وألحقنا به غير خزايا ولا ناكبين (6) ولا نادمين ولا مبدلين إله الحق آمين.
ثم جلس قليلا ثم قام فقال:

(1) الأعراف: 203.
(2) العصر: إلى 3.
(3) الأحزاب: 56.
(4) التحنن: الترحم.
(5) الحباء: العطاء أي أعطه عطية سلامتك بأن يكون سالما عن جميع ما يوجب
نقصا أو خزيا. (منه)
(6) في بعض نسخ المصدر " ولا ناكثين ".
352

الحمد لله أحق من خشي وحمد، وأفضل من اتقي وعبد، وأولى من عظم و
مجد، نحمده لعظيم غنائه، وجزيل عطائه، وتظاهر نعمائه. وحسن بلائه. ونؤمن
بهداه الذي لا يخبو ضياؤه. ولا يتمهد سناؤه (1) ولا يوهن عراه، ونعوذ بالله من سوء
كل الريب. وظلم الفتن، ونستغفره من مكاسب الذنوب (2) ونستعصمه من مساوي
الأعمال ومكاره الآمال والهجوم في الأهوال ومشاركة أهل الريب (3) والرضا بما
بعمل الفجار في الأرض بغير الحق، اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، الاحياء
منهم والأموات، الذين توفيتهم على دينك وملة نبيك صلى الله عليه وآله، اللهم تقبل حسناتهم
وتجاوز عن سيئاتهم، وأدخل عليهم المغفرة والرحمة والرضوان، واغفر للاحياء
من المؤمنين والمؤمنات، الذين وحدوك، وصدقوا رسولك، وتمسكوا بدينك
وعملوا بفرائضك، واقتدوا بنبيك، وسنوا سنتك، وأحلوا حلالك، وحرموا
حرامك، وخافوا عقابك، ورجوا ثوابك، ووالوا أولياءك، وعادوا أعداءك، اللهم
اقبل حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم، وأدخلهم برحمتك في عبادك الصالحين، إله
الحق آمين.
32 - الكافي: من الروضة (4) خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام علي بن الحسن المؤدب
عن أحمد بن محمد بن خالد، وأحمد بن محمد (5)، عن علي بن الحسن التيمي جميعا
عن إسماعيل بن مهران قال: حدثني عبد الله بن الحارث، عن جابر، عن أبي جعفر

(1) في بعض نسخ المصدر " لا يهمد " والسنا مقصورا ضوء البرق وممدودا: الرفعة.
(2) أي من شر كل شك وشبهة يعترى في الدين.
(3) أي الذين يشكون ويرتابون في الدين أو الذين يريبون الناس فيهم بالخيانة
والسرقة.
(4) المصدر ص 352 تحت رقم 550.
(5) أحمد بن محمد عطف على علي بن الحسن وهو العاصمي، والتيمي هو ابن فضال وقل
من تفطن لذلك (قاله المؤلف) وفى بعض نسخ المصدر " أحمد بن محمد بن أحمد " وفى بعضها " عن علي
الحسين المؤدب ".
353

عليه السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس بصفين، فحمد الله وأثنى عليه
وصلى على محمد النبي صلى الله عليه وآله ثم قال:
أما بعد فقد جعل الله تعالى عليكم حقا بولاية أمركم ومنزلتي التي أنزلني
الله عز ذكره بها منكم، ولكم من الحق مثل الذي لي عليكم (1) والحق أجمل
الأشياء في التواصف وأوسعها في التناصف (2) لا يجري لاحد إلا جرى عليه، ولا
يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لاحد أن يجري ذلك له، ولا يجري عليه لكان
ذلك الله عز وجل خالصا دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في كل ما جرت عليه
ضروب قضائه (3) ولكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل كفارتهم (4)
عليه بحسن الثواب تفضلا منه وتطولا بكرمه، وتوسعا بما هو من المزيد له أهلا
ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافى (5) في وجوهها

(1) الذي له عليهم من الحق هو وجوب طاعته وامحاض نصيحته والذي لهم عليه من
الحق هو وجوب معدلته فيهم.
(2) التواصف أن يصف بعضهم لبعض والتناصف أن ينصف بعضهم بعضا وإنما كان الحق
أجمل الأشياء في التواصف لأنه يوصف بالحسن والوجوب وكل جميل وإنما كان أوسعها في
التناصف لان الناس لو تناصفوا في الحقوق لما ضاق عليهم أمر من الأمور وفى النهج " والحق
أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف " وهو أوضح ومعناه أن الناس كلهم يصفون
الحق ولكن لا ينصف بعضهم بعضا. وفى بعض نسخ المصدر " التراصف " موضع التواصف.
(3) أي أنواعه المتغيرة المتوالية. وفى بعض نسخ المصدر " صروف قضائه ".
(4) إنما سمى جزاؤه تعالى على الطاعة كفارة لأنه يكفر ما يزعمونه من أن طاعتهم له
تعالى حق لهم عليه يستوجبون به الثواب مع أنه ليس كذلك لان الحق له عليهم حيث أقدرهم
على الطاعة وألهمهم إياها ولهذا سماه التفضل والتطول والتوسع بالانعام الذي هو للمزيد منه
أهل لأنه الكريم الذي لا تنفد خزائنه بالاعطاء والجود تعالى مجده وتقدس. وفى نهج البلاغة
" وجعل جزاءهم عليه " وعلى هذا فلا يحتاج إلى التكلف.
(5) أي جعل كل وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله، فحق الوالي - وهو الطاعة من
الرعية - مقابل بمثله وهو العدل فيهم وحسن السيرة.
354

ويوجب بعضها بعضا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض (1) فأعظم مما افترض الله
تبارك وتعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي
فريضة فرضها الله عز وجل لكل على كل، فجعلها نظام ألفتهم، وعزا لدينهم (2)
وقواما لسنن الحق فيهم.
فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة
الرعية، فإذا أدت الرعية من الوالي حقه وأدى إليها الوالي كذلك عز الحق
بينهم، فقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن (3)
وصلح بذلك الزمان، وطاب بها العيش، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع
الأعداء وإذا غلبت الرعية على واليهم وعلا الوالي الرعية، اختلف هنالك الكلمة
وظهرت مطامع الجور، وكثر الأدغال في الدين، وتركت معالم السنن (4) فعمل
بالهوى، وعطلت الآثار، وكثر علل النفوس (5) ولا يستوحش لجسيم حق عطل
ولا لعظيم باطل اثل، فهنالك تذل الأبرار وتعز الأشرار، وتخرب البلاد (6)

(1) كما أن الوالي إذا لم يعدل لم يستحق الطاعة.
(2) فإنها سبب اجتماعهم به ويقهرون أعداءهم ويعز دينهم. وقوله: " قواما " أي به
يقوم جريان الحق فيهم وبينهم.
(3) في القاموس: ذل الطريق - بالكسر -: محجته. وأمور الله جارية اذلالها وعلى
أذلالها أي مجاريها جمع ذل - بالكسر -.
(4) الأدغال: بكسر الهمزة - وهو أن يدخل في الشئ ما ليس منه وهو الابداع
والتلبيس أو - بفتحها - جمع الدغل - بالتحريك: الفساد.
(5) قال البحراني: علل النفوس أمراضها بملكات السوء كالغل والحسد والعداوة
ونحوها وقيل: عللها وجوه ارتكابها للمنكرات فتاتي في كل منكر بوجه ورأي فاسد.
(6) التأثيل: التأصيل. ومجد مؤثل أي مجموع ذو أصل. وفى النهج " فعل " مكان أثل
والتبعة ما يتبع اعمال العباد من العقاب وسوء العاقبة.
355

وتعظم تبعات الله عز وجل عند العباد.
فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله عز وجل، والقيام بعدله، و
الوفاء بعهده، والانصاف له في جميع حقه، فإنه ليس العباد إلى شئ أحوج منهم
إلى التناصح في ذلك، وحسن التعاون عليه، وليس أحد وإن اشتد على رضى الله
حرصه، وطال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما أعطى الله من الحق أهله، ولكن
من واجب حقوق الله عز وجل على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم. والتعاون
على إقامة الحق فيهم، ثم ليس امرء وإن عظمت في الحق منزلته وجسمت
في الحق فضيلته، بمستغن عن أن يعان على ما حمله الله عز وجل من حقه،
ولا لامرء مع ذلك خسئت به الأمور، واقتحمته العيون (1) بدون ما أن يعين
على ذلك ويعان عليه وأهل الفضيلة في الحال وأهل النعم العظام أكثر في ذلك حاجة
وكل في الحاجة إلى الله عز وجل شرع سواء (2).
فأجابه رجل من عسكره لا يدرى من هو، ويقال: إنه لم ير في عسكره قبل

(1) " ولا لامرء " يعنى مع عدم الاستغناء عن الاستعانة وقوله: " خسئت به الأمور "
يقال: خسئت الكلب خسئا طردته وخسأ الكلب بنفسه يتعدى ولا يتعدى. وقد تعدى بالباء أي
طردته الأمور أو يكون الباء للسببية أي بعدت بسببه الأمور. وفى بعض نسخ المصدر " حست "
بالمهملتين أي اختبرته. واقتحمه: احتقره، وفى النهج " ولا امرء وان صغرته النفوس واقتحمته
العيون ". وقوله: " بدون ما أن يعين " أي بأقل من أن يستعان به ويعان والحاصل كما في الوافي أن
الشريف والوضيع جميعا محتاجون في أداء الحقوق إلى إعانة بعضهم بعضا واستعانة بعضهم
ببعض وكل من كانت النعمة عليه أعظم فاحتياجه في ذلك أكثر لان الحقوق عليه أوفر لازياد
الحقوق بحسب ازدياد النعم.
(2) " سواء " بيان لقوله: " شرع " وتأكيد وإنما ذكره عليه السلام ذلك لئلا يتوهم أنهم
يستغنون بإعانة بعضهم بعضا عن ربهم تعالى بل هو الموفق والمعين لهم في جميع أمورهم ولا
يستغنون بشئ عن الله تعالى وإنما كلفهم بذلك ليختبر طاعتهم ويثيبهم على ذلك واقتضت
حكمته البالغة أن يجرى الأشياء بأسبابها وهو المسبب لها والقادر على امضائها بلا سبب. (منه)
356

ذلك اليوم ولا بعده.
فقام وأحسن الثناء على الله عز وجل بما أبلاهم وأعطاهم من واجب حقه
عليهم والاقرار (1) بكل ما ذكر من تصرف الحالات به وبهم، ثم قال: أنت
أميرنا، ونحن رعيتك بك أخرجنا الله عز وجل من الذل، وبإعزازك أطلق عباده
من الغل (2)، فاختر علينا فأمض اختيارك، وائتمر فأمض ائتمارك (3) فإنك
القائل المصدق، والحاكم الموفق، والملك المخول (4)، لا نستحل في شئ من
معصيتك، ولا نقيس علما بعلمك، يعظم عندنا في ذلك خطرك (5)، ويجل عنه في
أنفسنا فضلك.
فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إن من حق من عظم جلال الله في نفسه و
جل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه، وإن أحق من كان
كذلك لمن عظمت نعم الله عليه، ولطف إحسانه إليه، فإنه لم تعظم نعم الله على أحد
إلا زاد حق الله عليه عظما، وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس (6)
أن يظن بهم حب الفخر، ويوضع أمرهم على الكبر، وقد كرهت أن يكون جال
في ظنكم أني أحب الاطراء (7) واستماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك، ولو

(1) " أبلاهم ": انعمهم. " من واجب حقه " يعنى من حق أمير المؤمنين " ع ".
(2) أشار به إلى قوله تعالى: " ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم " أي يخفف
عنهم ما كانوا به من التكاليف الشاقة.
(3) الايتمار بمعنى المشاورة.
(4) أي الملك الذي أعطاك الله للامرة علينا وجعلنا خدمك وتبعك.
(5) أي في العلم بأن تكون كلمة " في " تعليلية ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما دل
عليه من الكلام من اطاعته عليه السلام. والخطر: القدر والمنزلة.
(6) السخف: رقة العيش ورقة العقل، والسخافة رقة كل شئ، أي أضعف أحوال الولاة
عند الرعية أن يكونوا متهمين عندهم بهذه الخصلة المذمومة.
(7) جال بالجيم - من الحولان - بالواو -. والاطراء: مجاوزة الحد
في الثناء.
357

كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه (1) عن تناول ما هو أحق به
من العظمة والكبرياء، وربما استحلى الناس (2) الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء
لاخراجي نفسي إلى الله وإليكم (3) من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها و
فرائض لابد من إمضائها، فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة. ولا تتحفظوا مني
بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة (4) ولا تظنوا لي استثقالا

(1) أي تواضعا له تعالى وفى بعض نسخ المصدر القديمة " ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتناهيت
له أغنانا الله وإياكم عن تناول ما هو أحق به من التعاظم وحسن الثناء " والتناهي: قبول
النهى والضمير في " له " راجع إلى الله تعالى. وفى النهج كما في النسخ المشهورة.
(2) يقال: استحلاه أي وجده حلوا قال ابن ميثم رحمه الله: هذا يجرى مجرى تمهيد
العذر لمن أثنى عليه، فكأنه يقول: وأنت معذور في ذلك حيث رأيتني أجاهد في الله و
أحث الناس على ذلك ومن عادة الناس أن يستهل الثناء عند أن يبلو بلاءا حسنا في جهاد أو
غيره من سائر الطاعات ثم أجاب عن هذا العذر في نفسه بقوله: " ولا تثنوا على بجميل ثناء "
أي لا تثنوا على لأجل ما ترونه منى من طاعة الله فان ذلك إنما هو اخراج لنفسي إلى الله من حقوقه
الباقية على لم افرغ بعد أدائها وهي حقوق نعمه وفرائضه التي لابد من المضي فيها وكذلك
إليكم من الحقوق التي أوجبها الله على من النصيحة في الدين والارشاد إلى الطريق الأفضل
والتعليم لكيفية سلوكه.
(3) أي لاعترافي بين يدي الله وبمحضر منكم، ان على حقوقا في ايالتكم ورئاستي
عليكم لم أقم بها بعد وأرجو من الله القيام بها. وفى بعض نسخ المصدر " من التقية " يعنى من
أن يتقوني في مطالبة حقوق لكم لم افرغ من أدائها وعلى هذا يكون المراد بمستحلي الثناء
الذين يثنيهم الناس اتقاء شرهم وخوفا من بأسهم.
(4) أهل البادرة الملوك والسلاطين. والبادرة: الحدة والكلام الذي يسبق من
الانسان في الغضب أي لا تثنوا على كما يثنى على أهل الحدة من الملوك خوفا من سطوتهم
أو لا تحتشموا منى كما يحتشم من السلاطين والامراء كترك المسارة والحديث اجلالا وخوفا
منهم وترك مشاورتهم، أو اعلامهم ببعض الأمور والقيام بين أيديهم. والمصانعة: الرشوة
والمداراة.
358

في حق قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإنه من استثقل الحق أن يقال له، أو
العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفوا عن مقالة بحق، أو
مشورة بعدل، فاني لست في نفسي بفوق أن اخطئ ولا آمن ذلك من فعلي (1)
إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون
لرب لا رب غيره، يملك منا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه (2)
إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى.
فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل فقال: أنت أهل ما قلت، والله [والله]
فوق ما قلته، فبلاؤه عندنا ما لا يكفر (3) وقد حملك الله تبارك وتعالى رعايتنا، وولاك
سياسة أمورنا، فأصبحت علمنا الذي نهتدي به، وإمامنا الذي نقتدي به، وأمرك
كله رشد، وقولك كله أدب، قد قرت بك في الحياة أعيننا، وامتلأت من سرور بك
قلوبنا. وتحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل (4) عقولنا. ولسنا نقول لك

(1) هذا من قبيل هضم النفس، ليس بنفي العصمة مع أن الاستثناء يكفينا مؤونة ذلك
وقال المؤلف - رحمه الله -: هذا من الانقطاع إلى الله والتواضع الباعث لهم على الانبساط
معه بقول الحق وعد نفسه من المقصرين في مقام العبودية والاقرار بأن عصمته من نعمه
تعالى عليه.
(2) أي من الجهالة عدم العلم والمعرفة والكمالات التي يسرها الله تعالى لنا ببعثة
الرسول صلى الله عليه وآله، قال ابن أبي الحديد: ليس هذا إشارة إلى خاص نفسه عليه السلام
لأنه لم يكن كافرا فاسلم ولكنه كلام يقوله ويشير به إلى القوم الذين يخاطبهم في أفياء الناس
فيأتي بصيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسعا.
(3) أي نعمته عندنا وافرة بحيث لا نستطيع كفرها وسترها، أولا يجوز كفرانها وترك
شكرها.
(4) برع في الشئ فاق أقرانه فيه.
359

أيها الامام الصالح تزكية لك. ولا نجاوز القصد في الثناء عليك. ولم يكن (1)
في أنفسنا طعن على يقينك، أو غش في دينك فنتخوف أن يكون أحدثت بنعمة الله
تبارك وتعالى تجبرا، أو دخلك كبر، ولكنا نقول لك ما قلنا تقربا إلى الله عزو
جل بتوقيرك، وتوسعا بتفضيلك، وشكرا بإعظام أمرك، فانظر لنفسك ولنا، و
آثر أمر الله على نفسك وعلينا، فنحن طوع فيما أمرتنا، ننقاد من الأمور مع ذلك
فيما ينفعنا.
فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: وأنا أستشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم
فيما وليت به من أموركم وعما قليل يجمعني وإياكم الموقف بين يديه، والسؤال
عما كنا فيه، ثم يشهد بعضنا على بعض، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون
غدا، فان الله عز وجل لا يخفى عليه خافية، ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور
في جميع الأمور.
فأجابه الرجل - ويقال لم ير الرجل بعد كلامه هذا لأمير المؤمنين عليه السلام
فأجابه - وقد عال الذي (2) في صدره فقال والبكاء تقطع منطقه، وغصض الشجى
تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته، ووحشة من كون فجيعته (3).
فحمد الله وأثنى عليه ثم شكى إليه هول ما أشفى عليه (4) من الخطر العظيم
والذل الطويل في فساد زمانه، وانقلاب جده (5) وانقطاع ما كان من دولته، ثم

(1) قال المؤلف - رحمه الله: " لم يكن " على بناء المجهول من كننت الشئ:
سترته. أو - بفتح الياء وكسر الكاف - من وكنت الطائر بيضه يكنه إذا حضنه وفى بعض
نسخ المصدر " لم يكن " وفى النسخة القديمة " لن يكون ".
(2) عال - بالمهملة -: اشتد وتفاقم وغلبه وثقل عليه وأهمه.
(3) الغصة - بالضم -: ما اعترض في الحلق وكذا الشجا. والمرزئة: المصيبة وكذا الفجيعة
والضميران راجعان إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
(4) أي أشرف عليه، والضمير في قوله: " إليه " راجع إلى الله تعالى.
(5) الجد: البحت وقد يقر الحد وهو الحدود والاحكام والعقوبة وما يعترى الانسان من الغضب.
360

نصب المسألة إلى الله عز وجل بالامتنان عليه، والمدافعة عنه بالتفجع وحسن
الثناء.
فقال: يا رباني العباد، ويا سكن البلاد (1) أين يقع قولنا من فضلك، وأين
يبلغ وصفنا من فعلك، وأنى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصي جميل بلائك؟ و
كيف وبك جرت نعم الله علينا، وعلى يدك اتصلت أسباب الخير إلينا، ألم تكن لذل
الذليل ملاذا وللعصاة الكفار إخوانا (2) فبمن إلا بأهل بيتك وبك أخرجنا الله
عز وجل من فظاعة تلك الخطرات، أو بمن فرج عنا غمرات الكربات (3) وبمن
إلا بكم أظهر الله معالم ديننا، واستصلح ما كان فسد من دنيانا، حتى استبان بعد
الحور ذكرنا (4)، وقرت من رخاء العيش أعيننا، لما وليتنا بالاحسان جهدك
ووفيت لنا بجميع وعدك، وقمت لنا على جميع عهدك، فكنت شاهد من غاب منا
وخلف أهل البيت لنا، وكنت عز ضعفائنا، وثمال فقرائنا (5)، وعماد عظمائنا
يجمعنا في الأمور عدلك، ويتسع لنا في الحق تأنيك (6)، فكنت لنا انسا إذا

(1) السكن - بالتحريك: كل ما يسكن إليه وفى بعض نسخ المصدر " يا ساكن البلاد ".
(2) أي كنت تعاشر من يعصيك ويكفر نعمتك معاشرة الاخوان شفقة منك عليهم أو
المراد الشفقة على الكفار والعصاة والاهتمام في هدايتهم ويحتمل أن يكون المراد المنافقين
الذين كانوا في عسكره وكان يلزمه رعايتهم بظاهر الشرع هذا قول المؤلف والظاهر " ألم نكن "
بالنون على صيغة المتكلم مع الغير والمعنى كنا ملاذا لذل الذليل لا للذليل واخوانا للعصاة
والكفرة فبك وأهل بيتك دون غيركم أخرجنا الله من فظاعة؟.
(3) الفظاعة: الشناعة. وفظاعة تلك الخطرات: شناعتها وشدتها والغمرات الشدائد
والمزدحمات.
(4) قال الجوهري: نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من النقصان بعد الزيادة.
وفى بعض نسخ المصدر " بعد الجور " بالمعجمة.
(5) في النهاية الثمال - بالكسر -: الملجأ والغياث وقيل هو المطعم في الشدة.
(6) أي صار مداراتك وتأنيك وعدم مبادرتك في الحكم علينا بما نستحقه سببا لوسعة
الحق علينا وعدم تضيق الأمور بنا.
361

رأيناك، وسكنا إذا ذكرناك، فأي الخيرات لم تفعل، وأي الصالحات لم تعمل
ولو أن الامر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحويله جهدنا (1) وتقوى لمدافعته
طاقتنا، أو يجوز الفداء عنك منه بأنفسنا، وبمن نفديه بالنفوس من أبنائنا، لقدمنا
أنفسنا وأبناءنا قبلك، ولاخطرناها (2) وقل خطرها دونك، ولقمنا بجهدنا في
محاولة من حاولك، وفي مدافعة من ناواك (3) ولكنه سلطان لا يحاول، وعز لا
يزاول (4) ورب لا يغالب، فإن يمنن علينا بعافيتك، ويترحم علينا ببقائك، و
يتحنن علينا بتفريج (5) هذا من حالك إلى سلامة منك لنا، وبقاء منك بين أظهرنا
نحدث لله عز وجل بذلك شكرا نعظمه، وذكرا نديمه (6) ونقسم أنصاف أموالنا
صدقات، وأنصاف رقيقنا عتقاء (7) ونحدث له تواضعا في أنفسنا، ونخشع في جميع
أمورنا، وأن يمض بك إلى الجنان، ويجري عليك حتم سبيله، فغير متهم فيك
قضاؤه، ولا مدفوع عنك بلاؤه، ولا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأن اختياره لك ما
عنده على ما كنت فيه، ولكنا نبكي من غير إثم لعز هذا السلطان أن يعود ذليلا (8)

(1) في بعض نسخ المصدر " تحريكه جهدنا " أي تغييره وصرفه.
(2) أي جعلناها في معرض المخاطرة والهلاك أو صيرناها خطرا ورهنا وعوضا لك قال
الجزري: فيه " الأهل مشمر للجنة فان الجنة لا خطر لها " أي لا عوض لها ولا مثل. والخطر -
بالتحريك - في الأصل: الرهن وما يخاطر عليه ومثل الشئ وعدله ولا يقال الا في الشئ
الذي له قدر ومزية.
(3) " حاولك " أي قصدك. و " ناواك " أي عاداك. وقوله: " ولكنه " أي الرب تعالى.
(4) أي ذو عز وغلبة. وزاوله أي حاوله وطالبه.
(5) في بعض نسخ المصدر " بتصريح ".
(6) الضميران راجعان إلى الشكر والذكر.
(7) الرقيق: المملوك.
(8) في أكثر نسخ المصدر " لعز هذا السلطان " فقوله " لعز " متعلق بالبكاء و " أن يعود "
بدل اشتمال له أي نبكى لتبدل عز هذا السلطان ذلا. وفى بعض نسخ المصدر " لعن الله هذا
السلطان " أي هذه السلطنة التي لا تكون صاحبها.
362

وللدين والدنيا أكيلا (1) فلا نرى لك خلفا نشكو إليه ولا نظيرا نأمله ولا
نقيمه (2).
33 - الكافي: من الروضة (3) خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام:
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن علي جميعا عن إسماعيل بن مهران، و
أحمد بن محمد بن أحمد، عن علي بن الحسن التيمي، وعلي بن الحسين، عن أحمد بن
محمد بن خالد جميعا عن إسماعيل بن مهران، عن المنذر بن جيفر، عن الحكم بن
ظهير، عن عبد الله بن جرير (4) العبدي، عن الأصبغ بن نباتة قال: أتى أمير
المؤمنين عليه السلام عبد الله بن عمرو ولد أبي بكر وسعد بن أبي وقاص يطلبون منه التفضيل
لهم (5) فصعد المنبر ومال الناس إليه فقال: الحمد لله ولي الحمد ومنتهى الكرم لا
تدركه الصفات، ولا يحد باللغات، ولا يعرف بالغايات، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله نبي الهدى، وموضع التقوى، ورسول
الرب الاعلى، جاء بالحق من عند الحق لينذر بالقرآن المبين، والبرهان المستنير
فصدع (6) بالكتاب المبين (7) ومضى على ما مضت عليه الرسل الأولون.
أما بعد أيها الناس فلا تقولن رجال قد كانت الدنيا غمرتهم فاتخذوا العقار
وفجروا الأنهار، وركبوا أفره الدواب (8) ولبسوا ألين الثياب، فصار ذلك عليهم

(1) الأكيل يكون بمعنى المأكول وبمعنى الأكل والمراد هنا الثاني.
(2) كأن الرجل كان هو الخضر عليه السلام (الوافي).
(3) المصدر ص 360 تحت رقم 551.
(4) في بعض نسخ المصدر " حريز " وفى جامع الرواة ص 107 ج 1 " حريث ".
(5) يعنى في قسمة الأموال والعطاء بين المسلمين.
(6) في بعض نسخ المصدر " بالقرآن المبين والبرهان المستبين.
(7) أي تكلم به جهارا أو شق جماعاتهم بالتوحيد وفصل بين الحق والباطل.
(8) الدابة الفارهة: النشيطة القوية.
363

عارا وشنارا (1) إن لم يغفر لهم الغفار إذا منعتهم ما كانوا فيه يخوضون، وصيرتهم
إلى ما يستوجبون، فيفقدون ذلك فيسألون ويقولون ظلمنا ابن أبي طالب وحرمنا
ومنعنا حقوقنا، فالله عليهم المستعان، من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وآمن بنبينا
[صلى الله عليه وآله] وشهد شهادتنا، ودخل في ديننا أجرينا عليه حكم القرآن وحدود الاسلام.
ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، ألا وإن للمتقين عند الله تعالى أفضل
الثواب وأحسن الجزاء والمآب، لم يجعل الله تبارك وتعالى الدنيا للمتقين ثوابا
وما عند الله خير للأبرار. انظروا أهل دين الله فيما أصبتم في كتاب الله (2) وتركتم
عند رسول الله صلى الله عليه وآله، وجاهدتم به في ذات الله أبحسب أم بنسب أم بعمل أم بطاعة
أم زهادة (3) وفيما أصبحتم فيه راغبين فسارعوا إلى منازلكم - رحمكم الله - التي
أمرتم بعمارتها، العامرة التي لا تخرب، الباقية التي لا تنفد، التي دعاكم إليها و
حضكم عليها (4) ورغبكم فيها، وجعل الثواب عنده عنها فاستتموا نعم الله عز ذكره
بالتسليم لقضائه، والشكر على نعمائه فمن لم يرض بهذا فليس منا ولا إلينا وإن
الحاكم يحكم بحكم الله، ولا خشية عليه من ذلك، أولئك هم المفلحون - وفي نسخة
ولا وحشة وأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون -.
وقال: وقد عاتبتكم بدرتي التي أعاتب بها أهلي فلم تبالوا، وضربتكم بسوطي
الذي أقيم به حدود ربي فلم ترعووا (5) أتريدون أن أضربكم بسيفي، أما إني أعلم الذي

(1) الشنار: العيب والعار.
(2) أي من مواعيده الصادقة على الأعمال الصالحة وأراد بتركهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله
ضمانه لهم بذلك كأنه وديعة لهم عنده.
(3) استفهام انكار يعنى ليس ذلك بحسب ولا نسب بل بعمل وطاعة وزهادة. وقوله:
" فيما أصبحتم فيه راغبين " أي انظروا أيضا فيما أصبحتم فيه راغبين هل هو الذي أصبتم في
كتاب الله تعالى يعنى ليس هو بذاك وإنما هو الدنيا وزهرتها.
(4) الحض: الحث والترغيب.
(5) الارعواء: الكف والانزجار، وقيل: هو الندم والانصراف عن الشئ.
364

تريدون، ويقيم أودكم (1) ولكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي (2) بل يسلط الله
عليكم قوما فينتقم لي منكم، فلا دنيا استمتعتم بها، ولا آخرة صرتم إليها، فبعدا و
سحقا لأصحاب السعير.
34 - الكافي: (3) من الروضة خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام عن أحمد بن محمد، عن
سعيد بن المنذر (4) بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن الحسين، عن أبيه، عن
جده، عن أبيه قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام ورواها غيره بغير هذا الاسناد وذكر
أنه خطب بذي قار (5) فحمد الله وأثنى عليه:
ثم قال: أما بعد فإن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق ليخرج عباده من
عبادة عباده إلى عبادته، ومن عهود عباده إلى عهوده، ومن طاعة عباده إلى طاعته، ومن
ولاية عباده إلى ولايته بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، عودا وبدءا
وعذرا ونذرا، بحكم قد فصله (6) وتفصيل قد أحكمه، وفرقان قد فرقه (7) وقرآن
قد بينه ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه، وليقروا به إذ جحدوه، وليثبتوه بعد إذ أنكروه، فتجلى

(1) الأود - بالتحريك -: الاعوجاج.
(2) أي لا أطلب لاحكم بالظلم وبما لم يأمرني به ربى فأكون قد أصلحتكم بافساد
نفسي.
(3) المصدر ص 386 تحت رقم 586.
(4) في بعض نسخ المصدر " سعد بن المنذر ".
5) موضع بين الكوفة وواسط. " القاموس ".
(6) " عودا وبدءا " يعنى إلى لدعوة بعد ما بدأ فيها والمراد تكرير الدعوة. " عذرا
ونذرا " كل منهما مفعول له لقوله: " بعث " أي عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين، أو حال
أي عاذرا ومنذرا. وله: " بحكم " المراد به الجنس أي بعثه مع أحكام مفصلة مبينة.
(7) الفرقان هو القرآن وكل ما فرق بين الحق والباطل. والمراد بتفريقه انزاله متفرقا
أو تعلقه بالأحكام المتفرقة.
365

لهم سبحانه في كتابه (1) من غير أن كونوا رأوه، فأراهم حلمه كيف حلم (2) وأراهم
عفوه كيف عفا، وأراهم قدرته كيف قدر، وخوفهم من سطوته، وكيف خلق ما
خلق من الآيات، وكيف محق من محق من العصاة بالمثلات، واحتصد من احتصد
بالنقمات (3) وكيف رزق وهدى أعطى، وأراهم حكمه كيف حكم (4) وصبر حتى
يسمع ما يسمع ويرى. فبعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وآله بذلك.
ثم إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شئ أخفى
من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله تعالى و
رسوله صلى الله عليه وآله صلى الله عليه وآله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور (5)
من الكتاب إذا تلا حق تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعا 6) ولا أغلى ثمنا من الكتاب
إذا حرف عن مواضعه، وليس في العباد ولا في البلاد شئ، هو أنكر من المعروف
ولا أعرف من المنكر، وليس فيها فاحشة أنكر ولا عقوبة أنكى من الهدى (7) عند
الضلال في ذلك الزمان، فقد نبذ الكتاب حملته، وتناساه حفظته (8) حتى تمالت
بهم الأهواء، وتوارثوا ذلك من الآباء وعملوا بتحريف الكتاب كذبا وتكذيبا
فباعوه بالبخس (9) وكانوا فيه من الزاهدين.
فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيان، وصاحبان مصطحبان
في طريق واحد، لا يؤويهما مؤو، فحبذا ذانك الصاحبان، واها لهما ولما يعملان

(1) أي ظهر من غير أن يرى بالبصر بل نبههم عليه في القرآن من قصص الأولين وما حل
بهم من النقمة عند مخالفة الرسل.
(2) في نسخة " حكمه كيف حكم "
(3) المثلات - بفتح الميم وضم الثاء - جمع المثلة وهي العقوبة. والاحتصاد: المبالغة في
القتل والاستيصال مأخوذ من حصد الزرع.
(4) في نسخة " حلمه كيف حلم ". وهو الصواب.
(5) السلعة - بالكسر -: المتاع. البوار، الكساد.
(6) النفاق: الرواج.
(7) النكاية: الجرج والقرح.
(8) تناساه: أرى من نفسه أنه نسيه.
(9) البخس: بالموحدة ثم المعجمة ثم المهملة: الناقص.
366

له (1) فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس وليسوا فيهم، ومعهم و
ليسوا معهم، وذلك لان الضلالة لا توافق الهدى، إن اجتمعا وقد اجتمع القوم
على الفرقة، وافترقوا على الجماعة، وقد ولو أمرهم وأمر دينهم من يعمل فيهم
بالمكر والمنكر. والرشاء والقتل، كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم، لم يبق
عندهم من الحق إلا اسمه، ولم يعرفوا من الكتاب إلا خطه وزبره (2) يدخل
الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالسا حتى يخرج من الدين ينتقل
من دين ملك إلى دين ملك، ومن ولاية ملك إلى ولاية ملك، ومن طاعة ملك إلى
طاعة ملك، ومن عهود ملك إلى عهود ملك، فاستدرجهم الله تعالى من حيث
لا يعلمون وإن كيده متين بالأمل والرجاء (3) حتى توالدوا في المعصية، ودانوا
بالجور.
والكتاب لم يضرب عن شئ منه صفحا، ضلالا تائهين، قد دانوا بغير دين الله
عز ذكره وأدانوا لغير الله (4).
مساجدهم في ذلك الزمان عامرة من الضلالة، خربة من الهدى وفقراؤها
وعمارها أخائب خلق الله وخليقته، من عندهم جرت الضلالة وإليهم تعود، وحضور
مساجدهم المشي إليها كفر بالله العظيم إلا من مشى إليها وهو عارف بضلالتهم، فصارت
مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو خربه من الهدى، عامرة من الضلالة، قد بدلت

(1) " واها " كلمة تلهف وتوجع. قوله: " لما يعملان " في بعض نسخ المصدر " لم
يعمدان له " بالدال أي العلة الغائية من خلقها.
(2) بكسر الزاي وسكون الباء أي كتابته. وقوله: " يدخل الداخل " أي في الدين وخروجه
لما يرى من عدم عمل أهله به وبدعهم وجورهم.
(3) متعلق بقوله " استدرجهم " استدراج الله تعالى عباده أنه كلما جدد العبد خطيئة جدد له
نعمة وأنساه الاستغفار وأن يأخذه قليلا قليلا ويباغته.
(4) " دانوا " أي أمروا بطاعة غيره تعالى. و " أدانوا " لم يرد هذا البناء فيما عندنا من كتب اللغة و
في النسخة القديمة " وكانوا لغير الله " (منه).
367

سنة الله وتعديت حدوده ولا يدعون إلى الهدى، ولا يقسمون الفئ، ولا يوفون
بذمة. يدعون القتيل منهم على ذلك شهيدا، قد أتوا الله بالافتراء والجحود، و
استغنوا بالجهل عن العلم ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة (1) وسموا
صدقهم على الله فرية، جعلوا في الحسنة العقوبة السيئة، وقد بعث الله عز وجل إليكم
رسولا من أنفسكم عزيزا عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (2) "
وأنزل عليه كتابا عزيزا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم
حميد قرآنا عربيا غير ذي عوج لينذر من كان حيا (3) ويحق القول على الكافرين
فلا يلهينكم الامل، ولا يطولن عليكم الأجل، فإنما أهلك من كان قبلكم أمد
أملهم، وتغطية الآجال عنهم حتى نزل بهم الموعود (4) الذي ترد عنه المعذرة، و
ترفع عنه التوبة، وتحل معه القارعة والنقمة (5).
وقد أبلغ الله عز وجل إليكم بالوعد، وفصل لكم القول، وعلمكم السنة
وشرع لكم المناهج ليزيح العلة (6) وحث على الذكر، ودل على النجاة وإنه من
انتصح لله واتخذ قوله دليلا هداه للتي هي أقوم (7) ووفقه للرشاد، وسدده

(1) المثلة - بالضم -: النكال، قال الفيض رحمه الله -: ومن روى مثلوا - بالتشديد -
أراد جدعوهم بقطع الاذن والأنوف.
(2) " من أنفسكم " أي من جنسكم عربي مثلكم. وقرء من أنفسكم - بفتح الفاء - أي
من أشرفكم " عزيز عليه " أي شديد شاق. " ما عنتم " عنتكم ولقاؤكم المكروه. " حريص عليكم "
أي على ايمانكم وصلاح شأنكم.
(3) أي عاقلا فهما فان الغافل كالميت.
(4) المراد بالموعود الموت.
(5) القارعة: الشديدة من شدائد الدهر.
(6) زاح الشئ يزيح زيحا أي بعد وذهب وأزاحه غيره. " الصحاح "
(7) الانتصاح: قبول النصيحة يعنى من أطاع أوامر الله تعالى وعلم أنه إنما يهديه إلى
مصالحه ويرد عن مفاسده يهديه للحالة التي اتباعها أقوم وهي من الألفاظ القرآنية " ان هذا
القرآن يهدى للتي هي أقوم " وتلك الحالة هي المعرفة بالله وتوحيده كما في الوافي.
368

ويسره للحسنى، فان جار الله آمن محفوظ، وعدوه خائف مغرور، فاحترسوا
من الله عز ذكره بكثرة الذكر، واخشوا منه بالتقى، وتقربوا إليه بالطاعة
فإنه قريب مجيب.
قال الله عز وجل: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع
إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " (1) فاستجيبوا لله وآمنوا به
وعظموا الله الذي لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم (2) فان رفعة الذين يعلمون
ما عظمة الله أن يتواضعوا له، وعز الذين يعلمون ما جلال الله أن يذلوا له
وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له، فلا ينكرون أنفسهم بعد حد
المعرفة، ولا يضلون بعد الهدى، فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الأجرب (3)
والباري من ذي السقم.
واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا
بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي
نبذه، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه، ولن تعرفوا الضلالة
حتى تعرفوا الهدى، ولن تعرفوا التقوى حتى تعرفوا الذي تعدى، فإذا عرفتم
ذلك عرفتم البدع، والتكلف، ورأيتم الفرية على الله وعلى رسوله والتحريف لكتابه
ورأيتم كيف هدى الله من هدى، فلا يجهلنكم (4) الذين لا يعلمون علم القرآن
إن علم القرآن ليس بعلم، ما هو إلا من ذاق طعمه، فعلم بالعلم جهله، وبصر به
عماه (5)، وسمع به صممه، وأدرك به علم ما فات، وحيى به بعد إذ مات، وأثبت
عند الله عز ذكره الحسنات، ومحابه السيئات، وأدرك به رضوانا من الله تبارك وتعالى.

(1) البقرة: 186.
(2) أي يطلب لنفسه العظمة.
(3) أي الذي به الجرب وهو داء معروف.
(4) من التجهيل أي لا ينسبوكم إلى الجهل.
(5) " فعلم بالعلم جهله " أي ما جهل مما يحتاج إليه في جميع الأمور أو كونه جاهلا
قبل ذلك أو كمل علمه حتى أقر بأنه جاهل فان غاية كل كمال في المخلوق الاقرار بالعجز
عن استكماله والاعتراف بثبوته كما ينبغي للرب تعالى أو يقال: إن الجاهل لتساوي نسبة
الأشياء إليه لجهله بجميعها يدعى علم كل شئ واما العالم فهو يميز بين ما يعلمه وما لا يعلمه
فبالعلم عرف جهله ولا يخفى جريان الاحتمالات في الفقرتين التاليتين وان الأول أظهر في
الجميع بأن يكون المراد بقوله: " وبصر به عماه " أي أبصر به ما عمى عنه أو تبدلت عماه
بصيرة. " وسمع به " يمكن أن يقرء بالتخفيف أي سمع ما كان صم عنه أو بالتشديد أي بدل
بالعلم صممه يكونه سميعا (قاله المؤلف في المرآة).
369

فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة (1) فإنهم خاصة نور يستضاء به، وأئمة
يقتدى بهم. وهم عيش العلم وموت الجهل. هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، و
صمتهم عن منطقهم (2) وظاهرهم عن باطنهم لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، فهو
بينهم شاهد صادق وصامت ناطق (3) فهم من شأنهم شهداء بالحق ومخبر صادق (4)
لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، قد خلت لهم من الله سابقة، ومضى فيهم من الله
عز وجل حكم صادق، وفي ذلك ذكرى للذاكرين.
فاعقلوا الحق إذا سمعتموه عقل رعاية، ولا تعقلوه عقل رواية، فان رواة
الكتاب كثير ورعاته قليل، والله المستعان.

(1) كنى عليه السلام بقوله: " من عند أهله " عن نفسه ومن يحذو حذوه من أولاده
وأهله عليهم السلام.
(2) ذلك لان صمت العارف أبلغ من نطق غيره.
(3) إنما لا يخالفون الدين لأنهم قوامه وأربابه وإنما لا يختلفون فيه لان الحق في
التوحيد واحد فالدين أو القرآن بينهم شاهد صادق يأخذون بحكمه كما يؤخذ بحكم الشاهد
الصادق. و " صامت ناطق " لأنه لا ينطق بنفسه بل لابد له من مترجم فهو صامت في الصورة وفى
المعنى انطق الناطقين. لان الأوامر والنواهي والآداب كلها مبنية عليه ومتفرعة عنه فهو شأن
من شأنهم (الوافي).
(4) مخبر صادق في حقهم حال كونهم شهداء بالحق غير مخالفين له ولا مختلفين فيه.
370

35 - أمالي الطوسي: (1) عن الحسين بن عبيد الله، عن علي بن محمد بن محمد العلوي، عن
محمد بن موسى الرقي، عن علي بن محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي
عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبيه، عن أبان مولى زيد بن علي، عن عاصم
ابن بهدلة، عن شريح القاضي قال: أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه يوما وهو يعظهم:
ترصدوا مواعيد الآجال، وباشروها بمحاسن الأعمال، ولا تركنوا إلى ذخائر (2)
الأموال فتخليكم خدائع الآمال، إن الدنيا خداعة صراعة مكارة غرارة سحارة
أنهارها لامعة وثمراتها يانعة (3) ظاهرها سرور وباطنها غرور، تأكلكم بأضراس
المنايا، وتبيركم (4) باتلاف الرزايا، لهم بها أولاد الموت وآثروا زينتها وفطلبوا
رتبتها.
جهل الرجل ومن ذلك الرجل المولع بلذتها، والساكن إلى فرحتها
والامن لغدرتها، دارت عليكم بصروفها، ورمتكم بسهام حتوفها (5) فهي تنزع
أرواحكم نزعا وأنتم تجمعون لها جمعا للموت تولدون، وإلى القبور تنقلون، وعلى
التراب تتوسدون (6) وإلى الدود تسلمون وإلى الحساب تبعثون، يا ذوي الحيل
والآراء والفقه والانباء، اذكروا مصارع الاباء فكأنكم بالنفوس قد سلبت، و
بالأبدان قد عريت، وبالمواريث قد قسمت، فتصير يا ذا الدلال والهيبة (7) والجمال
إلى منزلة شعثاء، ومحلة غبراء، فتنوم على خدك في لحدك في منزل قل زواره ومل
عماله، حتى تشق عن القبور، وتبعث إلى النشور.

(1) الأمالي ج 2 ص 266.
(2) الركون: الميل والاعتماد.
(3) ينع الثمرة: أدرك وطاب وحان قطافه فهو يانع.
(4) المنايا جمع منية وهي الموت. وأباره أي أهلكه.
(5) الحتف: الموت جمعه حتوف.
(6) في بعض النسخ " على التراب ينومون ".
(7) الدلال - بالفتح -: الوقار والتغنج.
371

فان ختم لك بالسعادة صرت إلى الحبور (1) وأنت ملك مطاع وآمن لا تراع
يطوف عليكم ولدان كأنهم الجمان (2) بكأس من معين، بيضاء لذة للشاربين
أهل الجنة فيها يتنعمون، وأهل النار فيها يعذبون، هؤلاء في السندس والحرير
يتبخترون، وهؤلاء في الجحيم والسعير يتقلبون، هؤلاء تحشا جماجمهم بمسك الجنان
وهؤلاء يضربون بمقامع النيران، هؤلاء يعانقون الحور في الحجال، وهؤلاء
يطوقون أطواقا في النار بالاغلال في قلبه فزع قد أعيى الأطباء، وبه داء لا يقبل
الدواء.
يا من يسلم إلى الدود ويهدى إليه اعتبر بما تسمع وترى وقل لعينيك تجفو
لذة الكرى وتفيض من الدموع بعد الدموع تترى (3)، بيتك القبر بيت الأهوال
والبلى، وغايتك الموت. يا قليل الحياء، اسمع يا ذا الغفلة والتصريف من ذي الوعظ
والتعريف، جعل يوم الحشر يوم العرض والسؤال، والحباء والنكال، يوم تقلب
إليه أعمال الأنام، وتحصى فيه جميع الآثام، يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها
وتضع الحوامل ما في بطونها. ويفرق بين كل نفس وحبيبها، ويحار في تلك الأهوال
عقل لبيبها، إذا تنكرت الأرض بعد حسن عمارتها، وتبدلت بالخلق بعد أنيق
زهرتها (4) أخرجت من معادن الغيب أثقالها، ونفضت إلى الله أحمالها يوم لا ينفع
الجد (5) إذا عاينوا الهول الشديد فاستكانوا، وعرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا
فانشقت القبور بعد طول انطباقها، واستسلمت النفوس إلى الله بأسبابها، كشف عن
الآخرة غطاؤها، وظهر للخلق أبناؤها، فدكت الأرض دكا دكا (6)، ومدت

(1) الحبور: السرور. وراعه الامر: أفزعه.
(2) الجمان، اللؤلؤ.
(3) جفا صاحبه أعرض عنه. والكرى: النعاس. وتترى أي متواليا.
(4) الأنيق: الحسن المعجب.
(5) في المصدر " لا ينفع الحذر ".
(6) دكت الأرض أي سوى صعودها وهبوطها.
372

لأمر يراد بها مدا مدا، واشتد المثارون إلى الله (1) شدا شدا، وتزاحفت
الخلايق إلى المحشر زحفا زحفا (2) ورد المجرمون على الأعقاب ردا ردا، وجد
الامر ويحك يا إنسان جدا جدا، وقربوا للحساب فردا فردا، وجاء ربك و
الملك صفا صفا، يسألهم عما عملوا حرفا حرفا، فجئ بهم عراة الأبدان، خشعا
أبصارهم، أمامهم الحساب، ومن ورائهم جهنم يسمعون زفيرها ويرون سعيرها، فلم
يجدوا ناصرا ولا وليا يجيرهم من الذل، فهم يعدون سراعا (3) إلى مواقف الحشر
يساقون سوقا فالسماوات مطويات بيمينه كطي السجل للكتب، والعباد على الصراط
وجلت قلوبهم، يظنون أنهم لا يسلمون، ولا يؤذن لهم فيتكلمون، ولا يقبل منهم
فيعتذرون، قد ختم على أفواهم، واستنطقت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون. يا لها
من ساعة ما أشجى مواقعها من القلوب، حين ميز بين الفريقين فريق في الجنة وفريق
في السعير.
من مثل هذا فليهرب الهاربون، إذا كانت الدار الآخرة لها يعمل العاملون.
36 - أمالي الطوسي: (4) عن محمد بن أحمد بن شاذان، عن محمد بن علي بن المفضل، عن
علي بن حسن النحوي، عن الحسن بن علي الزفري (5) عن العباس بن بكار الضبي
عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال:
الحمد لله الذي لا يحويه مكان، ولا يحده زمان، علا بطوله ودنى بحوله، سابق كل

(1) ثار إليه وثب عليه وفى بعض النسخ " المبارون ".
(2) تزاحف القوم في الحرب: زحف بعضهم إلى بعض وتدانوا. والزحف: الجيش
يزحفون إلى العدو أي يمشون. ويقال زحف إليه كمنع زحفا إذا مشى نحوه. وزحفا زحفا
أي زحفا بعد زحف متفرقين.
(3) في بعض النسخ " يقودون سراعا ".
(4) الأمالي ج 2 ص 296.
(5) كذا وفى المصدر " الرمزنى ".
373

غنيمة وفضل، وكاشف كل عظيمة وإزل (1) أحمده على جود كرمه وسبوغ نعمه
وأستعينه على بلوغ رضاه والرضا بما قضاه وأومن به إيمانا وأتوكل عليه إيقانا
وأشهد أن لا إله إلا الله الذي رفع السماء فبناها وسطح الأرض فطحاها وأخرج
منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها (2) لا يؤوده خلق وهو العلي العظيم، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى المشهور والكتاب المسطور والدين المأثور إبلاء
لعذره وإنهاء لامره، فبلغ الرسالة وهدى من الضلالة وعبد ربه حتى أتاه اليقين
فصلى الله عليه وآله وسلم كثيرا.
أوصيكم بتقوى الله فان التقوى أفضل كنز وأحرز حرز وأعز عز، فيه نجاة
كل هارب ودرك كل طالب وظفر كل غالب وأحثكم على طاعة الله فإنها كهف
العابدين وفوز الفائزين وأمان المتقين، واعلموا أيها الناس إنكم سيارة قد حدا بكم الهادي
وحدي لخراب الدنيا حادي، وناداكم للموت منادي، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم
بالله الغرور ألا وإن الدنيا دار غرارة خداعة تنكح في كل يوم بعلا وتقتل في كل
ليلة أهلا، وتفرق في كل ساعة شملا، فكم من منافس فيها وراكن إليها من الأمم
السالفة قد قذفتهم في الهاوية ودمرتهم تدميرا وتبرتهم تتبيرا وأصلتهم سعيرا (3) أين
من جمع فأوعى، وشد فأوكى، ومنع فأكدى (4) بل أين من عسكر العساكر، و
دسكر الدساكر (5) وركب المنابر، أين من بنى الدور، وشرف القصور، وجمهر -

(1) الا زال - بكسر الهمزة -: الداهية.
(2) " طحيها " أي بسطها. و " أرسيها " أي أثبتها.
(3) التدمير: الاهلاك والتتبير: الاهلاك أيضا، وأصلاه النار: أدخله إياها وأثواه
فيها. والسعير: لهب النار.
(4) أوكى ايكاء - القربة وعلى ما في القربة: شدها بالوكاء، والوكاء رباط القربة
ونحوها. وأكدى اكداء - الرجل -: لم يظفر بحاجته، أو بخل في العطاء. وأكداه عن
كذا: رده عنه ومنعه.
(5) قال الفيومي في المصباح: الدسكرة بناء يشبه القصر، حوله بيوت، ويكون
للملوك: قال الأزهري: وأحسبه معربا. والدسكرة: القربة.
374

الألوف (1) قد تداولتهم أيامها، وابتلعتهم أعوامها، فصاروا أمواتا وفي القبور رفاتا
قد يئسوا ما خلفوا (2) ووقفوا على ما أسلفوا، ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق
ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين.
وكأني بها وقد أشرفت بطلايعها وعسكرت بفظايعها، فأصبح المرء بعد صحته
مريضا، وبعد سلامته نقيصا (3) يعالج كربا ويقاسي تعبا، في حشرجة السباق (4) و
تتابع الفواق، وتردد الأنين، والذهول عن البنات والبنين، والمرء قد اشتمل عليه
شغل شاغل وهو هائل، قد اعتقل منه اللسان وتردد منه البنان، فأصاب مكروها
وفارق الدنيا مسلوبا، لا يملكون له نفعا ولا لما حل به دفعا، يقول الله عز وجل
في كتابه: " فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين (5) " ثم من
دون ذلك أهوال يوم القيامة ويوم الحسرة والندامة، يوم تنصب الموازين، وتنشر
الدواوين بإحصاء كل صغيرة وإعلان كل كبيرة، يقول الله في كتابه " ووجدوا
ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " (6) [ثم قال:].
أيها الناس الآن الآن من قبل الندم ومن قبل أن تقول نفس يا حسرتي
على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني
لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين "

(1) شرف البيت - من باب التفعيل -: جعل له شرفا. وجمهر الشئ: جمعه.
(2) في المصدر " قد نسوا ما خلفوا ".
(3) في المصدر " نقيضا " بالضاد المعجمة.
(4) حشرج الرجل أي غرغر عند الموت وتردد نفسه. والفواق - بالضم -: ما يأخذ
الانسان عند النزع، وترجيع الشهقة العالية.
(5) الواقعة: 86 و 87 وقوله " غير مدينين " أي غير مجزيين يوم القيامة أو غير
مملوكين مقهورين من دانه إذا أذله واستعبده وأصل التركيب للذل والانقياد.
(6) الكهف: 47.
375

فيرد الجليل جل ثناؤه " بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت
من الكافرين " (1) فوالله ما سئل الرجوع إلا ليعمل صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه
أحدا. [ثم قال:]
أيها الناس الآن الآن ما دام الوثاق مطلقا، والسراج منيرا، وباب التوبة
مفتوحا، ومن قبل أن يجف القلم، وتطوى الصحيفة، فلا رزق ينزل، ولا عمل
يصعد، المضمار اليوم، والسباق غدا، فإنكم لا تدرون إلى جنه أو إلى نار.
وأستغفر الله لي ولكم.
(باب 15)
* (مواعظ أمير المؤمنين عليه السلام وخطبه أيضا وحكمه) *
1 - معاني الأخبار، أمالي الصدوق: (2) الطالقاني، عن أحمد بن محمد الهمداني، عن الحسن بن
القاسم قراءة، عن علي بن إبراهيم بن المعلى، عن أبي عبد الله محمد بن خالد، عن عبد الله
ابن بكر المرادي، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده، عن علي بن الحسين
عن أبيه عليهم السلام قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع أصحابه يعبيهم
للحرب إذ أتاه شيخ عليه شخبة السفر (3) فقال أين أمير المؤمنين؟ فقيل هو ذا فسلم عليه
ثم قال: يا أمير المؤمنين إني أتيتك من ناحية الشام وأنا شيخ كبير قد سمعت فيك
من الفضل ما لا أحصى، وإني أظنك ستغتال (4) فعلمني مما علمك الله، قال: نعم.
يا شيخ من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته

(1) الزمر: 58 إلى 61.
(2) معاني الأخبار ص 197، المجالس ص 236.
(3) عبأهم تعبئة وتعبيئا: جهزهم. والشخبة: التعب والمشقة. وفى المصدر بالحاء
المهملة بمعنى تغير اللون من مرض ونحوه. وفى أمالي الشيخ ج 2 ص 49 " في هيئة السفر ".
(4) غاله واغتاله: اخذه من حيث لا يدرى وقتله.
376

عند فراغها، ومن كانت غده شر يوميه فمحروم، ومن لم يبال ما رزء (1) من
آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه
الهوى، ومن كان في نقص فالموت خير له.
يا شيخ إن الدنيا خضرة حلوة ولها أهل وإن الآخرة لها أهل، ظلفت
أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا (2) لا يتنافسون في الدنيا، ولا يفرحون بغضارتها،
ولا يحزنون لبؤسها.
يا شيخ من خاف البيات قل نومه، ما أسرع الليالي والأيام في عمر العبد، فاخزن
لسانك، وعد كلامك يقل كلامك إلا بخير.
يا شيخ ارض للناس ما ترضى لنفسك، وأت إلى الناس ما تحب أن يؤتي
إليك.
ثم أقبل على أصحابه فقال: أيها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون
ويصبحون على أحوال شتى، فبين صريع يتلوى، وبين عائد ومعود (3) وآخر بنفسه
يجود، وآخر لا يرجى وآخر مسجى (4) وطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل و
ليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي يصير الباقي.
فقال له زيد بن صوحان العبدي: يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب وأقوى؟
قال: الهوى قال: فأي ذل أذل؟ قال: الحرص على الدنيا، قال: فأي فقر
أشد؟ قال: الكفر بعد الايمان، قال: فأي دعوة أضل؟ قال: الداعي بما لا يكون
قال: فأي عمل أفضل؟ قال: التقوى، قال فأي عمل أنجح؟ قال: طلب
ما عند الله، قال: فأي صاحب شر؟ قال: المزين لك معصية الله، قال:

(1) رزأه: أصابه ونقصه.
(2) ظلف نفسه عن الشئ: كف عنه.
(3) تلوى أي انعطف وانطوى. والصريع: المطروح على الأرض. والمعود الذي
يعوده الناس في مرض.
(4) سجى الميت تسجية: مد عليه ثوبا يستره.
377

فأي الخلق أشقى؟ قال: من باع دينه بدنيا غيره، قال: فأي الخلق أقوى؟ قال:
الحليم، قال: فأي الخلق أشح؟ قال: من أخذ المال من غير حله فجعله في غير
حقه، قال: فأي الناس أكيس؟ قال: من أبصر رشده من غيه فمال إلى رشده،
قال: فمن أحلم الناس؟ قال: الذي لا يغضب، قال: فأي الناس أثبت رأيا؟ قال:
من لم يغره الناس من نفسه ولم تغره الدنيا بتشوفها (1) قال: فأي الناس أحمق؟
قال المغتر بالدنيا وهو يرى ما فيها من تقلب أحوالها، قال: فأي الناس أشد
حسرة؟ قال: الذي حرم الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، قال: فأي
الخلق أعمى؟ قال: الذي عمل لغير الله، يطلب بعمله الثواب من عند الله عز وجل
قال: فأي القنوع أفضل؟ قال: القانع بما أعطاه الله، قال: فأي المصائب أشد؟
قال: المصيبة بالدين، قال: فأي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: انتظار
الفرج، قال: فأي الناس خير عند الله عز وجل؟ قال: أخوفهم لله وأعملهم بالتقوى
وأزهدهم في الدنيا، قال: فأي الكلام أفضل عند الله عز وجل؟ قال: كثرة ذكره
والتضرع إليه ودعاؤه، قال: فأي القول أصدق؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله
قال: فأي الأعمال أعظم عند الله عز وجل؟ قال: التسليم والورع، قال: فأي
الناس أكرم؟ قال: من صدق في المواطن.
ثم أقبل عليه السلام على الشيخ فقال: يا شيخ إن الله عز وجل خلق خلقا ضيق
الدنيا عليهم نظرا لهم، فزهدهم فيها وفي حطامها، فرغبوا في دار السلام الذي دعاهم
إليه، وصبروا على ضيق المعيشة، وصبروا على المكروه، واشتاقوا على ما عند الله
من الكرامة، وبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله، وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة فلقوا
الله وهو عنهم راض، وعلموا أن الموت سبيل من مضى ومن بقي، فتزودوا لآخرتهم
غير الذهب والفضة، ولبسوا الخشن، وصبروا على القوت (2) وقدموا الفضل، و

(1) التشوف: التزين.
(2) في المصدر " فصبروا على الذل ".
378

أحبوا في الله وأبغضوا في الله عز وجل، أولئك المصابيح (1) وأهل النعيم في الآخرة
والسلام.
فقال الشيخ: فأين أذهب وأدع الجنة وأنا أراها وأرى أهلها معك يا أمير المؤمنين
جهزني بقوة أتقوى بها على عدوك، فأعطاه أمير المؤمنين عليه السلام سلاحا وحمله
فكان في الحرب بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام يضرب قدما [قدما] وأمير المؤمنين عليه السلام
يعجب مما يصنع، فلما اشتدت الحرب أقدم فرسه حتى قتل رحمه الله وأتبعه رجل
من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام فوجده صريعا ووجد دابته ووجد سيفه في ذراعه
فلما انقضت الحرب أتى أمير المؤمنين عليه السلام بدابته وسلاحه وصلى أمير المؤمنين عليه السلام
عليه وقال: هذا والله السعيد حقا فترحموا على أخيكم.
أمالي الطوسي (2): عن الحسين بن عبيد الله الغضائري، عن الصدوق باسناده مثله.
كتاب الغايات: (3) للشيخ جعفر بن أحمد القمي مرسلا مثله.
2 - أمالي الصدوق: (4) عن جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة، عن
جده الحسن، عن جده عبد الله، عن إسماعيل بن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمد
عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام كانت الفقهاء والحكماء إذا
كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة: من كانت الآخرة همه كفاه الله
همه من الدنيا، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح فيما بينه وبين
الله عز وجل أصلح الله له فيما بينه وبين الناس.
3 - أمالي الصدوق: (5) عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني
عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: ما من يوم يمر على

(1) في المصدر " أولئك المصابيح في الدنيا ".
(2) الأمالي ج 2 ص 49.
(3) مخطوط.
(4) المجالس ص 22.
(5) المصدر ص 66.
379

ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم: يا ابن آدم أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل في
خيرا واعمل في خيرا، أشهد لك به يوم القيامة فإنك لن تراني بعده أبدا.
4 - أمالي الصدوق: (1) عن محمد بن علي، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن هارون بن
مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام
أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بالبصرة، فقال بعد ما حمد الله عز وجل وأثنى عليه
وصلى على النبي وآله: المدة وإن طالت قصيرة، والماضي للمقيم عبرة، والميت
للحي عظة، وليس لامس مضى عودة، ولا المرء من غد على ثقة [إن] الأول
للأوسط رائد والأوسط للاخر قائد، وكل لكل مفارق، وكل بكل لاحق، و
الموت لكل غالب، واليوم الهائل لكل آزف، وهو اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون
إلا من أتى الله بقلب سليم.
ثم قال عليه السلام: معاشر شيعتي اصبروا على عمل لا غنى بكم عن ثوابه، و
اصبروا عن عمل لا صبر لكم على عقابه، إنا وجدنا الصبر على طاعة الله أهون من
الصبر على عذاب الله عز وجل، اعملوا أنكم في أجل محدود، وأمل ممدود، ونفس
معدود، ولابد للأجل أن يتناهى، وللأمل أن يطوى، وللنفس أن يحصى، ثم
دمعت عيناه، وقرأ " وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون
مالا تفعلون " (2).
5 - التوحيد، أمالي الصدوق: (3) عن ابن عصام، عن الكليني، عن محمد بن علي بن معن، عن
محمد بن علي بن عاتكة، عن الحسن بن النضر الفهري، عن عمرو الأوزاعي، عن
عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن
أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة خطبها بعد موت
النبي صلى الله عليه وآله بتسعة (4) أيام وذلك حين فرغ من جمع القرآن فقال:

(1) المصدر ص 67.
(2) الانفطار: 11 - 13.
(3) التوحيد ص 54 والمجالس ص 193.
(4) في التوحيد " بسبعة " أيام.
380

الحمد لله الذي أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده، وحجب العقول أن تتخيل
ذاته في امتناعها من الشبه والشكل، بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته، ولم يتبعض
بتجزئة العدد في كماله، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن، وتمكن منها لا على
الممازجة، وعلمها لا بأداة، لا يكون العلم إلا بها، وليس بينه وبين معلومة علم
غيره، إن قيل: " كان " فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل: " لم يزل " فعلى تأويل
نفي العدم، فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا.
نحمده بالحمد الذي ارتضاه لخلقه وأوجب قبوله على نفسه، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول
وتضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه، وبهما الفوز
بالجنة، والنجاة من النار، والجواز على الصراط، وبالشهادتين تدخلون الجنة
وبالصلاة تنالون الرحمة، فأكثروا من الصلاة على نبيكم وآله " إن الله وملائكته
يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " أيها الناس إنه
لا شرف أعلى من الاسلام، ولا كرم أعز من التقوى. ولا معقل أحرز من الورع،
ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا كنز أنفع من العلم، ولا عز أرفع من الحلم، ولا حسب
أبلغ من الأدب، ولا نصب أوضع من الغضب، ولا جمال أزين من العقل، ولا سوءة
أسوء من الكذب، ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا لباس أجمل من العافية، ولا غائب
أقرب من الموت.
أيها الناس إنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها، والليل
والنهار مسرعان في هدم الاعمار، ولكن ذي رمق قوت، ولكل حبة آكل، وأنت
قوت الموت، وإن من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد، لن ينجو من الموت
غني بماله، ولا فقير لاقلاله، أيها الناس من خاف ربه كف ظلمه، ومن لم يرع
في كلامه أظهر هجره، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهم (1)، ما أصغر
المصيبة مع عظم الفاقة غدا، هيهات هيهات وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي

(1) في المجالس " بهيمة ".
381

والذنوب، فما أقرب الراحة من التعب، والبؤس من النعيم، وما شر بشر بعده
الجنة، وما خير بخير بعده النار، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون
النار عافية.
6 - أمالي الصدوق: (1) عن محمد بن القاسم الاسترآبادي، عن أحمد بن الحسن الحسيني
عن الحسن بن علي العسكري، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه وإنما هو كفنه، ويبني بيتا ليسكنه وإنما هو موضع
قبره.
7 - أمالي الصدوق: (2) قيل لأمير المؤمنين عليهم السلام: ما الاستعداد للموت؟ قال: أداء
الفرائض، واجتناب المحارم، والاشتمال على المكارم، ثم لا يبالي أوقع على الموت
أم وقع الموت عليه، والله ما يبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت، أم وقع الموت
عليه.
8 - أمالي الصدوق: (3) قال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه: أيها الناس إن
الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم
عند من لا يخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج
منها أبدانكم، ففي الدنيا حييتم، وللآخرة خلقتم، إنما الدنيا كالسم يأكله من
لا يعرفه، إن العبد إذا مات قالت الملائكة: ما قدم، وقال الناس: ما أخر، فقدموا
فضلا يكن لكم، ولا تؤخروا كلا يكن عليكم، فإن المحروم من حرم خير ماله
والمغبوط من ثقل بالصدقات والخيرات موازينه، وأحسن في الجنة بها مهاده، وطيب
على الصراط بها مسلكه.
9 - أمالي الصدوق: (4) عن ابن إدريس، عن أبيه، عن ابن أبي الخطاب، عن المغيرة

(1) المجالس ص 67. وسيأتي بهذا السند أيضا عن العيون.
(2) المجالس ص 68.
(3) المصدر ص 68.
(4) المصدر ص 126.
382

ابن محمد، عن بكر بن خنيس، عن أبي عبد الله الشامي، عن نوف البكالي قال:
أتيت أمير المؤمنين عليه السلام وهو في رحبة مسجد الكوفة فقلت: السلام عليك يا أمير -
المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك السلام يا نوف ورحمة الله وبركاته،
فقلت له: يا أمير المؤمنين عظني، فقال: يا نوف أحسن يحسن إليك، فقلت زدني
يا أمير المؤمنين، فقال: يا نوف ارحم ترحم، فقلت: زدني يا أمير المؤمنين، قال:
يا نوف قل خيرا تذكر بخير، فقلت: زدني يا أمير المؤمنين، قال: اجتنب الغيبة
فإنها إدام كلاب النار.
ثم قال: قال عليه السلام: يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يأكل لحوم
الناس بالغيبة وكذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يبغضني ويبغض الأئمة من
ولدي، وكذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يحب الزناء وكذب من زعم أنه
يعرف الله عز وجل وهو مجتر على معاصي الله كل يوم وليلة، يا نوف أقبل وصيتي
لا تكونن نقيبا ولا عريفا ولا عشارا ولا بريدا، يا نوف صل رحمك يزيد الله في عمرك
وحسن خلقك يخفف الله في حسابك، يا نوف إن سرك أن تكون معي يوم القيامة
فلا تكن للظالمين معينا، يا نوف من أحبنا كان معنا يوم القيامة، ولو أن رجلا
أحب حجرا لحشره الله معه، يا نوف إياك أن تتزين للناس وتبارز الله بالمعاصي
فيفضحك الله يوم تلقاه، يا نوف احفظ عني ما أقول لك تنل به خير الدنيا والآخرة.
10 - عيون أخبار الرضا (ع)، أمالي الصدوق: (1) عن علي بن أحمد بن موسى، عن محمد بن هارون الصوفي
عن عبيد الله موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: قلت لأبي -
جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام يا ابن رسول الله حدثني بحديث عن آبائك عليهم
السلام فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير -
المؤمنين عليه السلام: لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا فإذا استووا هلكوا.
قال: قلت له: زدني يا ابن رسول الله، فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لو تكاشفتم ما تدافنم.

(1) العيون ص 216. والمجالس ص 267.
383

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم
فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللقاء فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " إنكم لن
تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم ".
قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من عتب على الزمان طالت معتبته.
قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: مجالسة الأشرار تورث سوء الظن
بالأخيار.
قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله، قال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: بئس الزاد إلى المعاد العدوان
على العباد.
قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله، فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قيمة كل امرء ما يحسنه.
قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله، قال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: المرء مخبو تحت لسانه.
قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله، فقال: حدثني أبي، عن جدي
عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما هلك امرء عرف قدره
قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله، فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم.
قال: قلت له: زدني يا ابن رسول الله، فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من وثق بالزمان، صرع.
قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: خاطر بنفسه من استغنى برأيه.
384

قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله، فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قلة العيال أحد اليسارين.
قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من دخله العجب هلك.
قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله، فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من أيقن بالخلف جاد بالعطية.
قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من رضي بالعافية ممن دونه رزق
السلامة ممن فوقه. قال: فقلت له: حسبي.
11 - مجالس المفيد، أمالي الطوسي: (1) عن المفيد، عن علي بن محمد بن حبيش الكاتب، عن
الحسن بن علي الزعفراني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن عبد الله بن محمد بن
عثمان، عن علي بن محمد بن أبي سعيد، عن فضيل بن الجعد، عن أبي إسحاق الهمداني
قال: لما ولى أمير المؤمنين عليه السلام محمد بن أبي بكر مصر وأعمالها كتب له كتابا وأمره
أن يقرأه على أهل مصر وليعمل بما وصاه به فيه فكان الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى أهل
مصر ومحمد بن أبي بكر، سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما
بعد فإني أوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسؤولون وإليه تصيرون، فإن الله تعالى
يقول: " كل نفس بما كسبت رهينة " (2) ويقول: " ويحذركم الله نفسه وإلى الله
المصير " (3) ويقول: " فوربك لنسئلنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " (4).
واعلموا عباد الله إن الله عز وجل سائلكم عن الصغير من عملكم

(1) مجالس المفيد ص 152. وأمالي الشيخ ج 1 ص 24.
(2) المدثر: 43.
(3) آل عمران: 28.
(4) الحجر: 93.
385

والكبير فإن يعذب فنحن أظلم وإن يعف فهو أرحم الراحمين.
يا عباد الله إن أقرب ما يكون العبد إلى المغفرة والرحمة حين يعمل لله
بطاعته وينصحه في التوبة. عليكم بتقوى الله فإنها تجمع الخير، ولا خير غيرها
ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا وخير الآخرة
قال الله عز وجل: " وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين
أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين (1). اعلموا يا
عباد الله إن المؤمن من يعمل الثلاث من الثواب أما الخير فان الله يثيبه بعمله في دنياه
قال الله سبحانه لإبراهيم " وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " (2)
فمن عمل لله تعالى أعطاه الله أجره في الدنيا والآخرة، وكفاه المهم فيهما، وقد
قال الله تعالى " يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا
حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب (3) " فما أعطاهم.
الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة.
قال الله تعالى: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة (4) " والحسنى هي الجنة
والزيادة هي الدنيا. وإن الله تعالى يكفر بكل حسنة سيئة قال الله عز وجل " إن
الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين (5) " حتى إذا كان يوم القيامة
حسبت لهم حسناتهم، ثم أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال
الله عز وجل " جزاء من ربك عطاء حسابا (6) " وقال " أولئك لهم جزاء الضعف
بما عملوا وهم في الغرفات آمنون (7) " فارغبوا في هذا رحمكم الله، واعملوا له و

(1) النحل: 31.
(2) العنكبوت: 26.
(3) الزمر: 13. " بغير حساب " أي أجرا لا يهتدى إليه حساب الحساب.
(4) يونس: 27.
(5) هود: 116.
(6) النبأ: 36. أي حسب لهم حسناتهم ثم أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها.
(7) السبأ: 37.
386

تحاضوا عليه (1).
واعلموا يا عباد الله إن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا
في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، أباحهم الله ما كفاهم، وأغناهم قال
الله عز اسمه " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل
هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيمة كذلك نفصل الآيات لقوم
يعلمون (2) " سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، شاركوا
أهل الدنيا في دنياهم وأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون، وشربوا من طيبات ما
يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وتزوجوا
من أفضل ما يتزوجون، وركبوا من أفضل ما يركبون أصابوا لذة الدنيا مع أهل
الدنيا وهم غدا جيران الله تعالى يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون، لا يرد لهم دعوة
ولا ينقص لهم نصيب من اللذة، فإلى هذا يا عباد الله يشتاق إليه من كان له عقل، و
يعمل له بتقوى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يا عباد الله إن اتقيتم الله وحفظتم نبيكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد
وذكرتموه بأفضل ما ذكر، وشكرتموه بأفضل ما شكر، وأخذتم بأفضل الصبر والشكر،
واجتهدتم بأفضل الاجتهاد، وإن كان غيركم أطول منكم صلاة وأكثر منكم صياما، فأنتم
أتقى لله وأنصح منهم لأولي الأمر، احذروا يا عباد الله الموت وسكرته، فأعدوا له عدته
فإنه يفجأكم بأمر عظيم، بخير لا يكون معه شر أبدا، أو بشر لا يكون معه خير أبدا
فمن أقرب إلى الجنة من عاملها؟ ومن أقرب إلى النار من عاملها؟ إنه ليس أحد
من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي المنزلتين يصير، إلى الجنة أم النار
أعدو هو لله أم ولي، فإن كان وليا لله فتحت له أبواب الجنة وشرعت له طرقها و
رأى ما أعد الله له فيها، ففرغ من كل شغل، ووضع عنه كان ثقل، وإن كان عدو الله
فتحت له أبواب النار، وشرع له طرقها، ونظر إلى ما أعد الله له فيها، فاستقبل
كل مكروه، وترك كل سرور، كل هذا يكون عند الموت، وعنده يكون بيقين

(1) تحاض القوم: تحاثوا.
(2) الأعراف: 30.
387

قال الله تعالى: " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة
بما كنتم تعملون " (1).
ويقول: " الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل
من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون * فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها
فلبئس مثوى المتكبرين " (2).
يا عباد الله إن الموت ليس منه فوت فاحذروه قبل وقوعه وأعدوا له عدته
فإنكم طرد الموت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، وهو ألزم لكم
من ظلكم، الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تطوي خلفكم، فأكثروا ذكر الموت
عندما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات وكفى بالموت واعظا، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله
كثيرا ما يوصي أصحابه بذكر الموت فقال: " أكثروا ذكر الموت فإنه هاذم اللذات
حائل بينكم وبين الشهوات.
يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت، القبر فاحذروا ضيقه
وضنكه وظلمته وغربته، إن القبر يقول كل يوم: أنا بيت الغربة، أنا بيت التراب
أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود والهوام، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من
حفر النيران، إن العبد المؤمن إذا دفن قالت له الأرض: مرحبا وأهلا، قد كنت ممن
أحب أن تمشي على ظهري، فإذا وليتك فستعلم كيف صنيعي بك، فيتسع له مد
البصر. وإن الكافر إذا دفن قالت له الأرض: لا مرحبا بك ولا أهلا، لقد كنت من أبغض
من يمشي على ظهري، فإذا وليتك فستعلم كيف صنيعي بك، فتضمه حتى تلتقي
أضلاعه، وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر، إنه يسلط
على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا فينهشن لحمه ويكسرن عظمه، يترددن عليه
كذلك إلى يوم يبعث، لو أن تنينا منها تنفخ في الأرض لم تنبت زرعا أبدا.
[اعلموا] يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي

(1) النحل: 34.
(2) النحل: 30 و 31.
(3) الهاذم بالذال المعجمة بمعنى الهادم.
388

يكفيها اليسير، تضعف عن هذا فان استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم (1) وأنفسكم
مما لا طاقة لكم به ولا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحب الله، واتركوا ما كره الله.
يا عباد الله إن بعد البعث ما هو أشد من القبر يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر
منه الكبير، ويسقط فيه الجنين، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، يوم عبوس قمطرير
يوم كان شره مستطيرا، إن فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الذين لا ذنب لهم وترعد
منه السبع الشداد، والجبال الأوتاد، والأرض المهاد، وتنشق السماء فهي يومئذ
واهية، وتتغير فكأنها وردة كالدهان، وتكون الجبال سرابا مهيلا، بعد ما كانت
صما صلابا، وينفخ في الصور فيفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فكيف
من عصى بالسمع والبصر واللسان واليد والرجل والفرج والبطن، إن لم يغفر الله له
ويرحمه من ذلك اليوم لأنه يفضى ويصير إلى غيره إلى نار قعرها بعيد، وحرها شديد، و
شرابها صديد، وعذابها جديد، ومقامعها حديد، لا يفتر عذابها، ولا يموت ساكنها، دار
ليس فيها رحمة، ولا تسمع لأهلها دعوة.
واعلموا يا عباد الله إن مع هذا رحمة الله التي لا تعجز العباد جنة عرضها
كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين، لا يكون معها شر أبدا. لذاتها لا تمل
ومجتمعها لا يتفرق، وسكانها قد جاوروا الرحمن، وقام بين أيديهم الغلمان بصحاف
من الذهب فيها الفاكهة والريحان.
ثم اعلم يا محمد بن أبي بكر إني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر فإذا
وليتك ما وليتك من أمر الناس فأنت حقيق أن تخاف منه على نفسك، وأن تحذر
منه على دينك، فإن استطعت أن لا تسخط ربك برضى أحد من خلقه فافعل فان لله
عز وجل خلفا من غيره وليس في شئ سواه خلف منه، اشتد على الظالم، وخذ عليه
ولن لأهل الخير وقربهم، واجعلهم بطانتك وأقرانك، وانظر إلى صلاتك كيف
هي فإنك إمام لقومك ان تتمها ولا تخففها وليس من إمام يصلي بقوم يكون في
صلاتهم نقصان إلا كان عليه لا ينقص من صلاتهم شئ، وتممها وتحفظ فيها يكن لك

(1) في مجالس المفيد " تنزعوا أجسادكم " وهو الصواب.
389

مثل أجورهم ولا ينقص ذلك من أجرهم شئ، وانظر إلى الوضوء فإنه من تمام
الصلاة، تمضمض ثلاث مرات، واستنشق ثلاثا، واغسل وجهك ثم يدك اليمنى ثم
اليسرى ثم امسح رأسك ورجليك فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصنع ذلك، واعلم
أن الوضوء نصف الايمان ثم ارتقب وقت الصلاة فصلها لوقتها، ولا تعجل بها قبله
لفراغ، ولا تؤخرها عنه لشغل، فان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله
عن أوقات الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتاني جبرئيل عليه السلام وقت الصلاة حين
زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن، ثم أتاني وقت العصر فكان ظل كل شئ
مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس، ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق
ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشبكة فصل لهذه الأوقات. وألزم السنة
المعروفة والطريق الواضح، ثم انظر ركوعك وسجودك فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان
أتم الناس صلاة وأخفهم عملا فيها.
واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك فمن ضيع الصلاة فإنه لغيرها
أضيع، أسأل الله الذي يرى ولا يرى وهو بالمنظر الاعلى أن يجعلنا وإياك ممن
يحب ويرضى حتى يعيننا وإياك على شكره وذكره، وحسن عبادته وأداء حقه
وعلى كل شئ اختار لنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا. وأنتم يا أهل مصر فليصدق قولكم
فعلكم وسركم علانيتكم، ولا تخالف ألسنتكم قلوبكم، واعلموا أنه لا يستوي
إمام الهدى وإمام الردى ووصي النبي صلى الله عليه وآله وعدوه. إني لا أخاف عليكم مؤمنا
ولا مشركا، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه وأما المشرك فيحجزه الله عنكم بشركه
ولكني أخاف عليكم المنافق، يقول ما تعرفون، ويعمل ما تنكرون.
يا محمد بن أبي بكر اعلم أن أفضل العفة الورع في دين الله، والعمل بطاعته
وإني أوصيك بتقوى الله في أمر سرك وعلانيتك، وعلى أي حال كنت عليه، الدنيا
دار بلاء ودار فناء والآخرة دار الجزاء ودار البقاء، واعمل لما يبقى واعدل عما يفنى
ولا تنس نصيبك من الدنيا.
أوصيك بسبع هن جوامع الاسلام: تخشى الله عز وجل ولا تخشى الناس في الله.
390

وخير القول ما صدقه العمل، ولا تقض في أمر واحد بقضائين مختلفين فيختلف
أمرك وتزيغ عن الحق، وأحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك، وأكره
لهم ما تكره لنفسك ولأهل بيتك، فان ذلك أوجب للحجة، وأصلح للرعية، و
خض الغمرات إلى الحق ولا تخف في الله لومة لائم.
وأنصح المرء إذا استشارك، واجعل نفسك أسوة لقريب المسلمين وبعيدهم
جعل الله مودتنا في الدين، وحلانا وإياكم حلية المتقين أبقى لكم طاعتكم حتى
يجعلنا وإياكم بها إخوانا على سرر متقابلين، أحسنوا أهل مصر موازرة محمد أميركم
وأثبتوا على طاعته تردوا حوض نبيكم صلى الله عليه وآله، أعاننا الله وإياكم على ما يرضيه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بشارة المصطفى: (1) أخبرنا الشيخ الإمام أبو محمد الحسن بن الحسين بن بابويه قراءة عليه
بالري سنة عشرة وخمسمائة عن شيخ الطائفة مثله - إلى قوله - فأنتم أتقى لله عز
وجل منه وأنصح لولي الأمر، ثم قال: والخبر بكماله أوردته في كتاب الزهد
والتقوى.
12 - أمالي الصدوق: (2) عن أبيه، عن سعد، عن ابن هاشم، عن ابن أبي نجران، عن ابن
حميد، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة
إذا صلى العشاء الآخرة ينادي الناس ثلاث مرات حتى يسمع أهل المسجد أيها الناس
تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل، فما التعرج على الدنيا بعد نداء
فيها بالرحيل، تجهزوا رحمكم الله وانتقلوا بأفضل ما بحضرتكم من الزاد وهو التقوى
واعلموا أن طريقكم إلى المعاد وممركم على الصراط والهول الأعظم أمامكم على
طريقكم عقبة كؤودة ومنازل مهولة مخوفة، لا بد لكم من الممر عليها والوقوف بها
فاما برحمة من الله فنجاة من هولها وعظم خطرها وفظاعة منظرها وشدة مختبرها
وإما بهلكة ليس بعدها انجبار.

(1) بشارة المصطفى ص 52.
(2) الأمالي ص 298.
391

الإحتجاج: (1) عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف، عن ابن
مهزيار، عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام مثله.
13 - أمالي الصدوق: (2) عن الدقاق، عن محمد بن الحسن الطاري، عن محمد بن الحسين
الخشاب، عن محمد بن محسن، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد، عن
أبيه، عن جده، عن أبيه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما دنياكم عندي إلا
كسفر على منهل (3) حلوا، إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا، ولا لذاذتها في عيني
إلا كحميم أشربه غساقا وعلقم أتجرع به زعاقا وسم أفعاة (4) أسقاه دهاقا
وقلادة من نار أوهقها حناقا، ولقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها وقال لي
اقذف بها قذف الأتن، لا يرتضيها ليرقعها فقلت: له أعزب عني.
في عند الصباح يحمد القوم السرى * وتنجلي عني علالات الكرى (5)
ولو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم، ولأكلت لباب هذا
البر بصدور دجاجكم، ولشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم، ولكني أصدق الله
جلت عظمته حيث يقول " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم
فيها وهم لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار " (6) فكيف أستطيع

(1) مجالس المفيد ص 116.
(2) المجالس 368.
(3) السفر - بالفتح فالسكون - جمع سافر وهو المسافر. والمنهل موضع شرب الماء
على الطريق.
اعلم أن الخبر بتمامه مر في المجلد 40 ص 346 مع توضيح لغاته وتفسير غريبه
مفصلا من المؤلف - رحمه الله - فلا حاجة إلى بيان مشكله ههنا.
(4) في المصدر " الأفعى ".
(5) العلالة: بقية كل شئ. وفى بعض النسخ " غلالات " بالمعجمة جمع غلالة وهي
شعار تلبس تحت الثوب استعار لما يشمل الانسان من حالة النوم. وفى المحكى عن مجمع الأمثال
" غيابات " وفى بعض نسخ المجمع " عمايات " والكرى النعاس.
(6) هود: 15 و 16.
392

الصبر على نار لو قذفت بشررة إلى الأرض لأحرقت نبتها ولو اعتصمت نفس بقلة
لانضجها وهج النار في قلتها، وأيما خير لعلي؟! أن يكون عند ذي العرش مقربا؟
أو يكون في لظى خسيئا مبعدا، مسخوطا عليه بجرمه مكذبا؟ والله لان أبيت على
حسك السعدان مرقدا وتحتي أطمار على سفاها ممددا، أواجر في أغلالي مصفدا
أحب إلي من أن ألقى في القيامة محمدا خائنا في ذي يتمة أظلمه [بفلسه] متعمدا ولم
أظلم اليتيم وغير اليتيم لنفس تسرع إلى البلاء قفولها، ويمتد في أطباق الثرى حلولها
وإن عاشت رويدا فبذي العرش نزولها.
معاشر شيعتي احذروا فقد عضتكم الدنيا بأنيابها، تختطت منكم نفسا بعد
نفس كذئابها، وهذه مطايا الرحيل قد أنيخت لركابها، ألا إن الحديث ذو شجون
فلا يقولن قائلكم إن كلام علي متناقض لان الكلام عارض. ولقد بلغني أن رجلا
من قطان المدائن تبع بعد الحنيفية علوجه ولبس من نالة دهقانه منسوجه، وتضمخ
بمسك هذه النوافج صباحه، وتبخر بعود الهند رواحه، وحوله ريحان حديقة يشم
تفاحه، وقد مد له مفروشات الروم على سرره، تعسا له بعد ما ناهز السبعين من
عمره، وحوله شيخ يدب على أرضه من هرمه، وذو يتمة تضور من ضره ومن قرمه
فما واساهم بفاضلات من علقمة، لئن أمكنني الله منه لأخضمنه خضم البر، ولأقيمن
عليه حد المرتد، ولأضربنه الثمانين بعد حد، ولأسدن من جهله كل مسد
تعسا له أفلا شعر؟ أفلا صوف؟ أفلا وبر؟ أفلا رغيف قفار الليل إفطار مقدم (1) أفلا
عبرة على خد في ظلمة ليال تنحدر؟ ولو كان مؤمنا لاتسقت له الحجة إذا ضيع
ما لا يملك.
والله لقد رأيت عقيلا أخي وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعة، و
عاودني في عشر وسق من شعيركم يطعمه جياعه، ويكاد يلوي ثالث أيامه خامصا ما
استطاعه، ورأيت أطفاله شعث الألوان من ضرهم، كأنما اشمأزت وجوههم من
قرهم.

(1) في بعض النسخ أفلا رغيف لليل افطار معدم ".
393

فلما عاودني في قوله وكرره أصغيت إليه سمعي فغره، وظنني واتغ ديني
فأتبع ما سره أحميت له حديدة ينزجر (1) إذ لا يستطيع منها دنوا ولا يصبر، ثم
أدنيتها من جسمه، فضج من ألمه ضجيج ذي دنف يئن من سقمه، وكاد يسبني سفها
من كظمه، ولحرقة في لظى أضنى له من عدمه، فقلت له، ثكلتك الثواكل يا عقيل
أتئن من الأذى ولا أئن من لظى، والله لو سقطت المكافأة عن الأمم، وتركت في
مضاجعها باليات في الرمم لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الأوزار
تنسخ، فصبرا على دنيا تمر بلاوائها، كليلة بأحلامها تنسلخ، كم بين نفس في خيامها
ناعمة. وبين أثيم في جحيم يصطرخ، فلا تعجب (2) من هذا.
وأعجب بلا صنع منا من طارق طرقنا بملفوفات زملها في وعائها، ومعجونة
بسطها في إنائها، فقلت له: أصدقة أم نذر أم زكاة؟ وكل ذلك يحرم علينا أهل بيت
النبوة، وعوضنا منه خمس ذي القربى في الكتاب والسنة، فقال لي: لا ذاك ولا ذاك
ولكنه هدية.
فقلت له: ثكلتك الثواكل أفعن دين الله تخدعني بمعجونة عرقتموها بقندكم
وخبيصة صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم، أمختبط أم ذو جنة، أم تهجر؟ أليست
النفوس عن مثقال حبة من خردل مسؤولة، فماذا أقول في معجونة أتزقمها معمولة
والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها واسترق لي قطانها (1) مذعنة
باملاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها شعيرة فألوكها ما قبلت ولا أردت، ولدنياكم
أهون عندي من ورقة في في جرادة تقضمها، وأقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها
أجذمها، وأمر على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها. فكيف أقبل ملفوفات
عكمتها في طيها، ومعجونة كأنها عجنت بريق حية أو قيئها.

(1) في المصدر " لينزجر ".
(2) في المصدر " ولا تعجب ".
(3) قطان جمع قاطن وهو الساكن والذي أقام في بلدة وتوطنها.
394

اللهم إني نفرت عنها نفار المهرة من كيها - " أريه السها ويريني القمر " (1) -
أأمتنع من وبرة من قلوصها ساقطة وأبتلع إبلا في مبركها رابطة؟! أدبيب العقارب
من وكرها ألتقط؟ أم قواتل الرقش في مبيتي أرتبط؟ فدعوني أكتفي من دنياكم
بملحي وأقراصي؟ فبتقوى الله أرجو خلاصي. ما لعلي ونعيم يفنى، ولذة تنحتها
المعاصي. سألقى وشيعتي ربنا بعيون ساهرة. وبطون خماص " ليمحص الله الذين
آمنوا ويمحق الكافرين " ونعوذ بالله من سيئات الأعمال، وصلى الله على محمد وآله.
14 - تفسير علي بن إبراهيم: (2) قال أمير المؤمنين عليه السلام يوما وقد تبع جنازة فسمع رجلا
يضحك فقال: كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب
وكأن الذي نسمع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، ننزلهم أجداثهم. و
نأكل تراثهم كأنا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظة، ورمينا بكل جائحة،
أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتواضع من غير منقصة، وجالس
أهل التفقه (3) والرحمة، وخالط أهل الذل والمسكنة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية.
أيها الناس طوبى لمن ذل في نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت
خليقته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من كلامه، وعدل (4) عن الناس
شره، وسعته السنة ولم يتعد إلى البدعة.
يا أيها الناس طوبى لمن لزم بيته، وأكل كسرته، وبكى على خطيئته، و
كان من نفسه في تعب (5) والناس منه في الراحة.

(1) هذا مثل، وقد هجا به الكميت الحجاج هكذا:
شكونا إليه خراب السواد * فحرم علينا لحوم البقر
فكنا كما قال من قبلنا * " أريها السها وتريني القمر "
(2) تفسير القمي " ره " ص 428.
(3) في بعض النسخ " أهل الفقه ".
(4) في بعض النسخ " كف عن الناس ".
(5) في بعض النسخ " في شغل ".
395

15 - الخصال: (1) عن ابن المتوكل، عن علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني
عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: كانت الفقهاء
والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة: من كانت الآخرة
همه كفاه الله همه في الدنيا (2)، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح
فيما بينه وبين الله عز وجل أصلح الله فيما بينه وبين الناس.
16 - الخصال: (3) عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عمن
ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه محمد بن
الحنفية: إياك والعجب، وسوء الخلق، وقلة الصبر فإنه لا يستقيم لك على هذه
الخصال الثلاث صاحب، ولا يزال لك عليها من الناس مجانب، وألزم نفسك التودد
وصبر على مؤونات الناس نفسك، وابذل لصديقك نفسك ومالك، ولمعرفتك (4)
رفدك ومحضرك، وللعامة بشرك ومحبتك، ولعدوك عدلك وإنصافك، واضنن بدينك
وعرضك عن كل أحد فإنه أسلم لدينك ودنياك.
17 - أمالي الطوسي: (5) عن المفيد، عن الحسين بن محمد التمار، عن محمد بن الحسين، عن
أبي نعيم، عن صالح بن عبد الله، عن هشام بن أبي مخنف، عن الأعمش، عن أبي
إسحاق السبيعي، عن الأصبغ بن نباتة قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام خطب ذات يوم
فحمد الله وأثنى عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله قال: أيها الناس اسمعوا مقالتي وعوا
كلامي إن الخيلاء من التجبر والنخوة من التكبر، وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم
الباطل، ألا إن المسلم أخو المسلم فلا تنابزوا ولا تخاذلوا فإن شرائع الدين واحدة
وسبيله قاصدة من أخذ بها لحق، ومن تركها مرق، ومن فارقها محق، ليس المسلم
بالخائن إذا ائتمن، ولا بالمخلف إذا وعد، ولا بالكذوب إذا نطق، نحن أهل بيت -

(1) الخصال ج 1 ص 64.
(2) في بعض النسخ " من الدنيا ".
(3) الخصال ج 1 ص 72.
(4) أي لأصحابك.
(5) الأمالي ج 1 ص 9 و 10.
396

الرحمة، وقولنا الحق، وفعلنا القسط، ومنا خاتم النبيين، وفينا قادة الاسلام
وامناء الكتاب، ندعوكم إلى الله ورسوله وإلى جهاد عدوه والشدة في أمره وابتغاء
رضوانه وإلى إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان
وتوفير الفئ لأهله.
ألا وإن أعجب العجب أن معاوية بن أبي سفيان الأموي وعمرو بن العاص
السهمي يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما، وإني والله لم أخالف رسول
الله صلى الله عليه وآله قط ولم أعصه في أمر قط أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الابطال، وترعد
فيها الفرائص بقوة أكرمني الله بها فله الحمد، ولقد قبض النبي صلى الله عليه وآله وأن رأسه في
حجري، ولقد وليت غسله اغسله بيدي وتقلبه الملائكة المقربون معي، وأيم الله
ما اختلف أمة بعد نبيها إلا ظهر باطلها على حقها إلا ما شاء الله.
قال: فقام عمار بن ياسر - رحمة الله عليه - فقال: أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم
أن الأمة لم يستقم عليه فتفرق الناس وقد نفذت بصائرهم.
18 - تفسير علي بن إبراهيم: (1) قال أمير المؤمنين عليه السلام: للظالم غدا يكفيه عضه يديه، و
الرحيل وشيك، وللاخلاء ندامة إلا المتقين.
19 - قرب الإسناد: (2) عن ابن ظريف، عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال:
قال علي عليه السلام، ما ملئ بيت قط خيره إلا أوشك أن يملا غيره، وما ملئ بيت
قط غيره إلا أن يوشك أن يملا خيره (3).

(1) تفسير القمي ص 612.
(2) قرب الإسناد ص 57.
(3) كذا. وهكذا في المصدر، ويمكن أن يتكلف في معناه ويقال: المراد من غيره
تغير الحال وانتقالها عن الصلاح إلى الفساد وذلك لما تحقق من أن الشئ إذا جاوز حده
انعكس ضده. لكن الظاهر فيه تصحيف والصحيح " ما ملئ بيت قط حبرة الا أوشك أن يملأ
عبرة، وما ملئ بيت قط عبرة الا يوشك أن يملأ حبرة " وقد مر نظيره ص 351 والحبرة
بالفتح النعمة وسعة العيش، والعبرة بالفتح الدمعة قبل أن تفيض أو الحزن بلا بكاء ذكرهما
الفيروزآبادي.
397

20 - قرب الإسناد: (1) عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام
قال لرجل وهو يوصيه: خذ مني خمسا: لا يرجون أحدكم إلا ربه، ولا يخاف إلا
ذنبه، ولا يستحي أن يتعلم ما لا يعلم، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا
أعلم، واعلموا أن الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد.
21 - أمالي الطوسي: (2) عن المفيد، عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن
ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر
محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أفضل ما توسل به
المتوسلون الايمان بالله، ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وكلمة الاخلاص فإنها
الفطرة، وإقام الصلاة فإنها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض الله، وصيام
شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله، وحج البيت فإنه ميقات للدين (3) و
مدحضة للذنب (4) وصلة الرحم فإنها مثراة للمال، ومنسأة للأجل (5) والصدقة
في السر فإنها تذهب الخطيئة، وتطفئ غضب الرب، وصنايع المعروف فإنها
تدفع ميتة السوء، وتقي مصارع الهوان.
ألا فاصدقوا فان الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فان الكذب مجانب الايمان
ألا وإن الصادق على شفا منجاة وكرامة، ألا وإن الكاذب على شفا مخزاة وهلكة
ألا وقولوا خيرا تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلى من
ائتمنكم، وصلوا من قطعكم، وعودوا بالفضل على من ساء لكم (6).
علل الشرائع: (7) عن أبيه، عن سعد، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه، عن حماد

(1) المصدر ص 72.
(2) الأمالي ج 1 ص 220.
(3) في بعض النسخ " منفاة للفقر ".
(4) المدحضة - بفتح الميم -: المزلة والمزلقة.
(5) أي مكثر للثروة. والنسيئ: التأخير. والمراد بالأجل: العمر.
(6) في المصدر " وعودوا بالفضل عليهم ".
(7) علل الشرائع المجلد الأول الباب الثاني والثمانون بعد المائة.
398

ابن عيسى، عن إبراهيم بن عمر بإسناده يرفعه إلى علي بن أبي طالب عليه السلام مثله.
الحسين بن سعيد أو النوادر: (1) عن حماد مثله.
22 - الخصال: (2) عن أبيه، عن سعد، عن أيوب بن نوح، عن الربيع بن محمد
المسلي، عن عبد الاعلى، عن نوف قال: بت ليلة عند أمير المؤمنين عليه السلام فكان
يصلي الليل كله، ويخرج ساعة بعد ساعة فينظر إلى السماء، ويتلو القرآن قال:
فمر بي بعد هدوء من الليل فقال: يا نوف أراقد أنت أم رامق (3) قلت: بل رامق أرمقك
ببصري يا أمير المؤمنين قال: يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة
أولئك الذين اتخذوا الأرض بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، والقرآن دثارا
والدعاء شعارا، وقرضوا من الدنيا تقريضا على منهاج عيسى بن مريم عليه السلام.
إن الله عز وجل أوحى إلى عيسى بن مريم عليه السلام: قل للملا من بني -
إسرائيل: لا تدخلوا بيوتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأكف
نقية، وقل لهم: اعلموا أني غير مستجيب لاحد منكم دعوة، ولا لاحد من خلقي
قبله مظلمة. يا نوف إياك أن تكون عشارا، أو شاعرا، أو شرطيا، أو عريفا (4)
أو صاحب عرطبة، وهي الطنبور، أو صاحب كوبة، وهو الطبل فان نبي الله داود
عليه السلام خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال: إنها الساعة التي لا ترد فيها
دعوة إلا دعوة عريف، أو دعوة شاعر، أو دعوة عاشر (5) أو شرطي، أو صاحب
عرطبة (6) أو صاحب كوبة.

(1) مخطوط.
(2) الخصال ج 1 ص 164.
(3) الراقد: النائم. والرامق: اللاحظ والناظر في الشئ.
(4) العريف - بالفتح والتخفيف: العالم بالشئ ومن يعرف أصحابه، والقيم بأمر
القوم والنقيب وهو دون الرئيس.
(5) العشار والعاشر الذي يأخذ العشرية والخراج والجباية.
(6) العرطبة: العود.
399

23 - الخصال (1) عن الحسن بن حمزة العلوي، عن يوسف بن محمد الطبري، عن سهل بن
نجدة، (2) قال: حدثنا وكيع، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عامر الشعبي، قال
تكلم أمير المؤمنين عليه السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة، وأيتمن
جواهر الحكمة، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ثلاث منها في المناجاة، و
ثلاث منها في الحكمة، وثلاث منها في الأدب. فأما اللاتي في المناجاة فقال: إلهي كفى
بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا، أنت كما أحب
فاجعلني كما تحب. وأما اللاتي في الحكمة فقال: قيمة كل امرء ما يحسنه، وما هلك امرء
عرف قدره، والمرء مخبو تحت لسانه. واللاتي في الأدب فقال: امنن على من شئت
تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره.
24 - الخصال: (3) عن العطار، عن أبيه وسعد معا، عن البرقي، عن الحسن بن علي
ابن أبي عثمان، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن الأول، عن أبيه عليهما السلام قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام عشرة يفتنون أنفسهم وغيرهم، ذو العلم القليل يتكلف أن يعلم
الناس كثيرا، والرجل الحليم ذو العلم الكثير ليس بذي فطنة، والذي يطلب مالا
يدرك ولا ينبغي له، والكاد عند المتئد (4)، والمتئد: الذي ليس له مع تؤدته علم
وعالم غير مريد للصلاح، ومريد للصلاح ليس بعالم، والعالم يحب الدنيا، و
الرحيم بالناس يبخل بما عنده، وطالب العلم يجادل فيه من هو أعلم، فإذا علمه لم
يقبل منه.
25 - الخصال: (5) عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس معا، عن سهل
عن محمد بن الحسن الزيات، عن عمرو بن عثمان الخزاز، عن ثابت بن دينار، عن
سعد بن طريف الخفاف، عن الأصبغ بن نباتة قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول:

(1) الخصال: ج 2 ص 45.
(2) في المصدر " سهل بن نحره ".
(3) المصدر ج 2 ص 53.
(4) اتأد في الامر: تمهل وتأنى. والتؤدة - كلمزة - الرزانة وتأنى.
(5) المصدر ج 2 ص 94.
400

الصدق أمانة، والكذب خيانة، والأدب رئاسة، والحزم كياسة، والسرف متواة
والقصد مثراة (1) والحرص مفقرة، والدناءة محقرة، والسخاء قربة، واللؤم غربة
والرقة استكانة، والعجز مهانة، والهوى ميل، والوفاء كيل، والعجب هلاك، و
الصبر ملاك (2).
26 - عيون أخبار الرضا (ع): (3) عن المفسر، عن أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن علي
العسكري، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: كم
من غافل ينسج ثوبا ليلبسه وإنما هو كفنه، ويبنى بيتا ليسكنه وإنما هو موضع
قبره.
27 - أمالي الطوسي: (4) عن أحمد بن محمد الجعابي، عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن ياسين
قال: سمعت العبد الصالح علي بن محمد بن علي الرضا عليهم السلام بسر من رأى يذكر
عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: العلم وراثة كريمة، والآداب حلل
حسان، والفكر مرآة صافية، والاعتذار منذر ناصح، وكفى بك أدبا لنفسك
تركك ما كرهته من غيرك.
28 - أمالي الطوسي: (5) عن المفيد، عن الحسين بن محمد التمار، عن محمد بن القاسم
الأنباري، عن أحمد بن عبيد، عن عبد الرحيم بن قيس الهلالي، عن العمري، عن
أبي حمزة السعدي، عن أبيه قال: أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الحسن
ابن علي عليهما السلام فقال: فيما أوصى إليه: يا بني لا فقر أشد من الجهل، ولا عدم أشد
من عدم العقل، ولا وحدة أوحش من العجب (6) ولا حسب كحسن الخلق، ولا

(1) المتواة: ما يسبب الخسارة والضياع. والمثراة: ما يسبب مزيد الثروة.
(2) الملاك - بالكسر والفتح -: القوام.
(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام ص 165.
(4) الأمالي ج 1 ص 113 و 114.
(5) المصدر ج 1 ص 145.
(6) في بعض النسخ " ولا وحشة أوحش من العجب ".
401

ورع كالكف عن محارم الله، ولا عبادة كالتفكر في صنعة الله عز وجل، يا بني العقل
خليل المرء، والحلم وزيره، والرفق والده، والصبر من خير جنوده.
يا بني إنه لا بد للعاقل من أن ينظر في شأنه، فليحفظ لسانه، وليعرف
أهل زمانه.
يا بني إن من البلاء الفاقة، وأشد من ذلك مرض البدن، وأشد من ذلك
مرض القلب، وإن من النعم سعة المال، وأفضل من ذلك سعة البدن، وأفضل من
ذلك تقوى القلوب.
يا بني للمؤمن ثلاث ساعات، ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه
وساعة يخلو فيها بين نفسه ولذتها فيما يحل ويجمل، وليس للمؤمن بد من أن
يكون شاخصا في ثلاث (1): مرمة لمعاش، أو خطوة لمعاد، أو لذة في غير محرم.
29 - أمالي الطوسي: (2) عن المفيد، عن الجعابي، عن ابن عقدة، عن محمد بن إسماعيل
ابن إبراهيم أبى علي قال: حدثني عم أبي الحسين بن موسى، عن أبيه، عن موسى
عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام قال:
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أن المؤمن لا يصبح إلا خائفا وإن كان محسنا
ولا يمسى إلا خائفا وإن كان محسنا، لأنه بين أمرين: بين وقت قد مضى لا يدري ما
الله صانع به، وبين أجل قد اقترب لا يدري ما يصيبه من الهلكات.
ألا وقولوا خيرا تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، صلوا أرحامكم
وإن قطعوكم، وعودوا بالفضل على من حرمكم، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم،
وأوفوا بعهد من عاهدتم، وإذا حكمتم فاعدلوا.
30 - أمالي الطوسي: (3) روي أن أمير المؤمنين عليه السلام خرج ذات ليلة من المسجد وكانت
ليلة قمراء فأم الجبانة (4) ولحقه جماعة يقفون أثره فوقف عليهم ثم قال: من أنتم؟

(1) شخص - بفتحتين - شخوصا: خرج من موضع إلى موضع.
(2) الأمالي ج 1 ص 211.
(3) المصدر ج 1 ص 219.
(4) أم الامر: قصده. والجبانة بشد الباء مواضع بالكوفة وأهلها يسمون المقبرة
جبانة. منها جبانة كندة، وجبانة السبيع، وجبانة ميمون، وجبانة عرزم، وجبانة سالم و
غيرها وجميعها بالكوفة.
402

قالوا: شيعتك يا أمير المؤمنين، فتفرس في وجوههم ثم قال: فمالي لا أرى عليكم
سيماء الشيعة قالوا: وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين؟ فقال: صفر الوجوه من
السهر عمش، العيون من البكاء، حدب الظهور من القيام، خمص البطون من الصيام،
ذبل الشفاه من الدعاء (1) عليهم غبرة الخاشعين.
وقال عليه السلام: الموت طالب ومطلوب لا يعجزه المقيم، ولا يفوته الهارب، فقدموا
ولا تنكلوا فإنه ليس من الموت محيص، إنكم إن لم تقتلوا تموتوا، والذي نفس علي بيده
لألف ضربة بالسيف على الرأس أهون من موت على فراش.
31 - ومن كلامه عليه السلام (2) أيها الناس أصبحتم أغرضا تنتضل فيكم المنايا (3)
وأموالكم نهب للمصائب، ما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص، وما شربتموه
من شراب فلكم فيه شرق، واشهد بالله ما تنالون من الدنيا نعمة تفرحون بها إلا بفراق
أخرى تكرهونها.
أيها الناس إنا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء ولكنكم من دار تنقلون فتزودوا
لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه والسلام.
32 - أمالي الطوسي: (4) عن ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن القاسم بن جعفر المعروف بابن
الشامي عن عباد بن أحمد القزويني قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن مطرف، عن
الشعبي، عن صعصعة بن صوحان قال: عادني أمير المؤمنين عليه السلام في مرض ثم قال:
أنظر فلا تجعلن عيادتي إياك فخرا على قومك، وإذا رأيتهم في أمر فلا تخرج منه

(1) الحدب ما ارتفع من الأرض وغيره. وخمص بطنه أي ضمر وفرغ وذبل النبات:
قل ماؤه وجف وذهبت نضارته.
(2) الأمالي ج 1 ص 220.
(3) مر معناه غير مرة.
(4) الأمالي ج 1 ص 357.
403

فإنه ليس بالرجل غنى عن قومه، إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه أيدي كثيرة
فإذا رأيتهم في خير فأعنهم عليه، وإذا رأيتهم في شر فلا تخذلنهم، وليكن تعاونكم
على طاعة الله، فإنكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة الله تعالى وتناهيتم عن
معاصيه.
33 - أمالي الطوسي: (1) عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله بن أبي داود السجستاني
عن إبراهيم الحسن المقسمي الطرسوسي، عن بشر بن زاذان، عن عمرو بن صبيح
عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: إن الدنيا
عناء وفناء،، وعبر وغير، فمن فنائها أن الدهر موتر قوسه، مفوق نبله تصيب
الحي بالموت، والصحيح بالسقم، ومن عناها أن المرء يجمع ما لا يأكل، ويبني ما
لا يسكن، ومن عبرها أنك ترى المغبوط مرحوما أو المرحوم مغبوطا ليس بينهما
إلا نعيم زال أو بؤس نزل، ومن غيرها أن المرء يشرف عليه أمله فيختطفه دونه
أجله.
قال: وقال علي عليه السلام أربع للمرء لا عليه الايمان والشكر فان الله تعالى
يقول: " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم " (2) والاستغفار فإنه قال: " وما
كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (3) " والدعاء فإنه
قال تعالى: " قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم (4) ".
34 - أمالي الطوسي: (5) عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبيد الله بن الحسن بن إبراهيم
العلوي، عن أبيه، عن عبد العظيم الحسني، عن أبي جعفر الثاني، عن أبيه، عن آبائه، عن
أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال: أربع أنزل الله تعالى تصديقي بها في كتابه قلت: المرء

(1) المصدر ج 2 ص 107.
(2) النساء: 147. أي لا حاجة له سبحانه إلى عذابكم ان شكرتم نعمته.
(3) الأنفال: 33.
(4) الفرقان: 77. أي ما يصنع بكم. من عبأت الجيش إذا هيأته.
(5) الأمالي ج 2 ص 180.
404

مخبو تحت لسانه فإذا تكلم ظهر، فأنزل الله تعالى " ولتعرفنهم في لحن القول " (1)
قلت: فمن جهل شيئا عاداه، فأنزل الله " بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما
يأتهم تأويله " (2) وقد قلت قدر - أو قال: قيمة - كل امرء ما يحسن، فأنزل الله في
قصة طالوت " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم " (3) وقلت: القتل
يقل القتل، فأنزل الله " ولكم في القصاص حياة يا اولي الألباب " (4).
35 - أمالي الطوسي: (5) عن محمد بن العباس النحوي، عن العباس بن الفرج الرياشي
عن سعيد بن أوس الأنصاري قال: سمعت الخليل بن أحمد يقول: أحث كلمة على
طلب علم قول علي بن أبي طالب عليه السلام " قدر كل امرء ما يحسن ".
36 - أمالي الطوسي: (6) باسناد المجاشعي، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا تتركوا حج
بيتكم لا يخلو منكم ما بقيتم فإنكم إن تركتموه لم تنظروا، وإن أدنى ما يرجع به
من أتاه أن يغفر له ما سلف، وأوصيكم بالصلاة وحفظها فإنها خير العمل وهي
عمود دينكم، وبالزكاة فإني سمعت نبيكم صلى الله عليه وآله يقول: الزكاة قنطرة الاسلام
فمن أداها جاز القنطرة، ومن منعها احتبس دونها وهي تطفئ غضب الرب، وعليكم
بصيام شهر رمضان فإن صيامه جنة حصينة من النار، وفقراء المسلمين أشركوهم
في معيشتكم، والجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان
إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه، وذرية نبيكم صلى الله عليه وآله لا تظلمون بين أظهركم، و
أنتم تقدرون على الدفع، وأوصيكم بأصحاب نبيكم لا تسبوهم وهم الذين لم يحدثوا
بعده حدثا ولم يؤوا محدثا، فان رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم، وأوصيكم بنساءكم

(1) محمد " ص ": 30.
(2) يونس: 39.
(3) البقرة: 247. البسطة: الفضيلة في الجسم والمال.
(4) البقرة: 179.
(5) الأمالي ج 2 ص 108.
(6) المصدر ج 2 ص 136.
405

وما ملكت أيمانكم ولا تأخذكم في الله لومة لائم يكفكم الله من أرادكم وبغى عليكم
وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل، ولا تتركوا الامر بالمعروف و
النهي عن المنكر فيولي الله أموركم شراركم ثم تدعون فلا تستجاب لكم دعاؤكم
وعليكم بالتواضع والتباذل، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق، وتعاونوا
على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد
العقاب.
37 - معاني الأخبار: (1) عن أبيه، عن سعد، عن اليقطيني، عن يونس، عن أبي أيوب
عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: جمع الخير كله في
ثلاث خصال: النظر والسكوت والكلام، وكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو، وكل
سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو.
فطوبى لمن كان نظره عبرة، وسكوته فكرة، وكلامه ذكرا، وبكى على خطيئته
وآمن الناس شره.
38 - تحف العقول: (2) ومن حكمه صلوات الله عليه وترغيبه وترهيبه ووعظه:
أما بعد فان المكر والخديعة في النار فكونوا من الله على وجل، ومن صولته
على حذر (3) إن الله لا يرضى لعباده بعد إعذاره وإنذاره استطرادا واستدراجا من
حيث لا يعلمون، ولهذا يضل سعي العبد حتى ينسى الوفاء بالعهد، ويظن أنه قد
أحسن صنعا ولا يزال كذلك في ظن ورجاء وغفلة عما جاءه من النبأ، يعقد على نفسه
العقد ويهلكها بكل الجهد وهو في مهلة من الله على عهد، يهوي مع الغافلين، ويغدو
مع المذنبين، ويجادل في طاعة الله المؤمنين، ويستحسن تمويه المترفين (4) فهؤلاء

(1) معاني الأخبار ص 344.
(2) تحف العقول ص 154.
(3) الصولة: السطوة والقدرة.
(4) التمويه. التلبيس والممزوج من الحق والباطل. المترف: المتنعم والذي
يترك ويصنع ما يشاء ولا يمنع.
406

قوم شرحت قلوبهم بالشبهة، وتطاولوا على غيرهم بالفرية (1) وحسبوا أنها لله قربة
وذلك لأنهم عملوا بالهوى، وغيروا كلام الحكماء، وحرفوه بجهل وعمى، و
طلبوا به السمعة والرياء (2) بلا سبيل قاصدة، ولا أعلام جارية، ولا منار معلوم إلى
أمدهم، وإلى منهلهم واردوه (3) وحتى إذا كشف الله لهم عن ثواب سياستهم (4) و
استخرجهم من جلابيب غفلتهم، استقبلوا مدبرا واستدبروا مقبلا، فلم ينتفعوا بما
أدركوا من أمنيتهم ولا بما نالوا من طلبتهم ولا ما قضوا من وطرهم (5) وصار ذلك
عليهم وبالا فصاروا يهربون مما كانوا يطلبون.
وإني أحذركم هذه المزلة وآمركم بتقوى الله الذي لا ينفع غيره، فلينتفع
بنفسه إن كان صادقا على ما يجن ضميره (6) فإنما البصير من سمع وتفكر ونظر
وأبصر وانتفع بالعبر وسلك جددا واضحا (7) يتجنب فيه الصرعة في الهوى، ويتنكب
طريق العمى، ولا يعين على فساد نفسه الغواة بتعسف في حق أو تحريف في نطق أو تغيير

(1) تطاول عليه: اعتدى وترفع عليه. والفرية - بالكسر -: القذف والكذبة
العظيمة التي يتعجب منها.
(2) السمعة - بالضم -: ما يسمع، يقال: فعله رئاء وسمعة أي فعله ليراه الناس ويسمعوه.
(3) المنار - بالفتح -: ما يجعل في الطريق للاهتداء. والمنهل: المورد وموضع
الشرب على الطريق ويسمى أيضا المنزل الذي في المفاوز على طريق المسافر منهلا لان
فيه ماء.
(4) في بعض نسخ المصدر " عن جزاء معصيتهم ".
(5) الأمنية: البغية وما يتمنى. والطلبة - بالكسر -: اسم من المطالبة - وبالفتح -:
المرة. والوطر - بفتحتين: الحاجة.
(6) أي يستره. وفى بعض النسخ " فلينتفع بتقية إن كان صادقا على ما يحن ضميره ".
(7) الجدد - بفتحتين - الأرض الصلبة المستوية التي يسهل المشي فيها. ويتنكب:
عدل وتجنب. والغواة - بالضم -: جمع غاوى اسم فاعل من غوى. وتعسف في الحق أو القول:
أخذه على غير هداية أو حمله على معنى لا تكون دلالته عليه ظاهرة.
407

في صدق. ولا قوة إلا بالله.
قولوا ما قيل لكم وسلموا لما روي لكم ولا تكلفوا ما لم تكلفوا فإنما تبعته
عليكم فيما كسبت أيديكم ولفظت ألسنتكم أو سبقت إليه غايتكم، واحذروا الشبهة
فإنها وضعت للفتنة واقصدوا السهولة واعلموا فيما بينكم بالمعروف من القول والفعل
واستعملوا الخضوع واستشعروا الخوف والاستكانة لله. واعملوا فيما بينكم بالتواضع
والتناصف والتباذل (1) وكظم الغيظ، فإنها وصية الله.
وإياكم والتحاسد والأحقاد، فإنهما من فعل الجاهلية " ولتنظر نفس ما
قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " (2).
أيها الناس اعلموا علما يقينا أن الله لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت
حيلته وكثرت نكايته أكثر مما قدر له في الذكر الحكيم، ولم يحل بين المرء على
ضعفه وقلة حيلته وبين ما كتب له في الذكر الحكيم. أيها الناس إنه لن يزداد امرء
نقيرا بحذقه (3) ولن ينتقص نقيرا لحمقه، فالعالم بهذا، العامل به أعظم الناس راحة
في منفعة. والتارك له أكثر الناس شغلا في مضرة. رب منعم عليه في نفسه مستدرج
بالاحسان إليه. ورب مبتلى عند الناس مصنوع له (4).
فأفق أيها المستمتع من سكرك (5) وانتبه من غفلتك وقصر من عجلتك (6)

(1) التناصف: الانصاف.
(2) سورة الحشر: 18.
(3) النقير: النكتة التي في ظهر النواة. والمراد بها هنا الحقير والقليل من الشئ
والمراد بالذكر الحكيم: اللوح المحفوظ، ولا يكون للانسان أن ينال من الكرامة فوق ما
كتب له في اللوح المحفوظ.
(4) أي لا يغتر المنعم عليه بالنعمة. فربما تكون هذه النعمة استدراجا له من الله ثم يأخذه
من حيث لا يشعر. وكذلك لا يقنط المبتلى عند الناس فقد تكون البلوى صنعا من الله له ليرفع
بها مقامه ومنزلته.
(5) في بعض النسخ " فافق أيها المستمع من سكرك ".
(6) أي العجلة في طلب الدنيا.
408

وتفكر فيما جاء عن الله تبارك وتعالى فيما لا خلف فيه ولا محيص عنه ولابد منه، ثم
ضع فخرك، ودع كبرك، واحضر ذهنك، واذكر قبرك ومنزلك، فان عليه ممرك
وإليه مصيرك. وكما تدين تدان (1). وكما تزرع تحصد. وكما تصنع يصنع بك.
وما قدمت إليه تقدم عليه غدا لا محالة.
فلينفعك النظر فيما وعظت به. وع (2) ما سمعت ووعدت، فقد اكتنفك
بذلك خصلتان، ولا بد أن تقوم بأحدهما: إما طاعة الله تقوم لها بما سمعت، وإما
حجة الله تقوم لها بما علمت.
فالحذر الحذر والجد الجد، فإنه لا ينبئك مثل خبير إن من عزائم الله
في الذكر الحكيم (3) التي لها يرضى ولها يسخط ولها يثيب وعليها يعاقب أنه ليس
بمؤمن وإن حسن قوله وزين وصفه وفضله غيره إذا خرج من الدنيا فلقي الله بخصلة
من هذه الخصال لم يتب منها: الشرك بالله فيما افترض عليه من عبادته، أو شفاء غيظ
بهلاك نفسه، أو يقر بعمل فعمل بغيره، أو يستنجح حاجة إلى الناس (4) باظهار بدعة
في دينه، أو سره أن يحمده الناس بما لم يفعل من خير، أو مشى في الناس بوجهين و
لسانين والتجبر والأبهة.
واعلم [وأعقل ذلك ف‍] - ان المثل دليل على شبهه أن البهائم همها بطونها
وأن السباع همها التعدي والظلم، وإن النساء همهن زينة الدنيا والفساد فيها و
إن المؤمنين مشفقون مستكينون خائفون.

(1) أي كما تجازى " بصيغة الفاعل " تجازى " بصيغة المفعول " بفعلك وبحسب ما عملت.
(2) " ع " أمر من وعى يعى أي احفظ.
(3) العزائم جمع: عزيمة وعزيمة الله: فريضته التي افترضها.
(4) في بعض النسخ " حاجته ". ويستنجح: سأل أن يقضوها له. والتجبر: التكبر
والأبهة: النخوة.
409

37 - موعظته عليه السلام ووصفه المقصرين (1):
لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ويرجو التوبة (1) بطول الامل، يقول
في الدنيا قول الزاهدين ويعمل فيها عمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع وإن منع
لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى الناس ولا ينتهي و
يأمر الناس ما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل بأعمالهم، ويبغض المسيئين وهو منهم
ويكره الموت لكثرة سيئاته ولا يدعها في حياته، يقول: كم أعمل فأتعني (2) ألا
أجلس فأتمنى، فهو يتمنى المغفرة ويدأب في المعصية (3).
وقد عمر ما يتذكر فيه من تذكر، يقول فيما ذهب: لو كنت عملت ونصبت
لكان خيرا لي ويضيعه غير مكترث لاهيا (4) إن سقم ندم على التفريط في العمل. وإن
صح أمن مغترا. يؤخر العمل، تعجبه نفسه ما عوفي (5) ويقنط إذا ابتلي، تغلبه
نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن (6) لا يقنع من الرزق بما قسم له ولا
يثق منه بما قد ضمن له، ولا يعمل بما فرض عليه.
فهو من نفسه في شك، إن استغنى بطر وفتن (7) وإن افتقر قنط ووهن، فهو

(1) التحف ص 157.
(1) وفى النهج " ويرجئ التوبة " أي يؤخر التوبة.
(2) في بعض النسخ " لم اعمل ". وأتعنى: أتعب نفسي من العناء أي ألقيت نفسي في التعب والمشقة.
(3) يدأب: يستمر ويجد في المعصية.
(4) نصبت: اجتهدت وأتعبت فيه. و " غير مكترث لاهيا " أي لا يعبأ به ولا يباليه.
(5) أي ما دام في العافية.
(6) يعمل بالظن في اعمال الدنيا ولا يعمل للآخرة باليقين. وهو على يقين من أن
السعادة والشرف في الفضيلة والزهد في الدنيا ولا يكتسبهما ولكن إذا ظن وتوهم لذة حاضرة
وشهوة عاجلة بادر إليها.
(7) بطر أي اغتر بالنعمة ففتن.
410

من الذنب والنعمة موفر (1) ويبتغي الزيادة ولا يشكر، ويتكلف من الناس ما لا يعنيه
ويصنع من نفسه ما هو أكثر. إن عرضت له شهوة واقعها باتكال على التوبة، وهو
لا يدري كيف يكون ذلك. لا تغنيه رغبته ولا تمنعه رهبته. ثم يبالغ في المسألة حين
يسأل، ويقصر في العمل، فهو بالقول مدل (2) ومن العمل مقل، يرجو نفع عمل
ما لم يعمله. ويأمن عقاب جرم قد عمله. يبادر من الدنيا إلى ما يفنى، ويدع جاهدا
ما يبقى (3) وهو يخشى الموت ولا يخاف الفوت. يستكثر من معصية غيره ما يستقل
أكثر منه من نفسه. ويستكثر من طاعته ما يحتقر من غيره. يخاف على غيره بأدنى من
ذنبه. ويرجو لنفسه بأدنى من عمله.
فهو على الناس طاعن ولنفسه مداهن. يؤدي الأمانة ما عوفي وأرضي، و
الخيانة إذا سخط وابتلي. إذا عوفي ظن أنه قد تاب. وإن ابتلي ظن أنه قد عوقب
يؤخر الصوم ويعجل النوم، لا يبيت قائما، ولا يصبح صائما. يصبح وهمته الصبح
ولم يسهر (4). ويمسي وهمته العشاء وهو مفطر. يتعوذ بالله ممن هو دونه ولا يتعوذ ممن
هو هو فوقه. ينصب الناس لنفسه ولا ينصب نفسه لربه. النوم مع الأغنياء أحب إليه
من الركوع مع الضعفاء، يغضب من اليسير ويعصي في الكثير، يعزف لنفسه على
غيره (5) ولا يعزف عليها لغيره. فهو يحب أن يطاع ولا يعصى ويستوفى ولا يوفي.
يرشد غيره ويغوي نفسه. ويخشى الخلق في غير ربه ولا يخشى ربه في خلقه. يعرف
ما أنكر وينكر ما عرف. ولا يحمد ربه على نعمه. ولا يشكره على مزيد، ولا يأمر
بالمعروف ولا ينهى عن منكر، فهو دهره في لبس (6) إن مرض أخلص وتاب وإن عوفي

(1) أي ولا ينقص منهما شيئا من وفره أي كثره وجعله وفرا أي كثيرا.
(2) يقال: أدل على فلان أي أخذه من فوقه واستعلى عليه.
(3) يبادر في الدنيا إلى ما كان يفنى ويترك ما يبقى من الأعمال التي كانت للآخرة، ومع
أنه يخشى من الموت لا يخاف الفوت، وفى النهج " يخشى الموت ولا يبادر الفوت ".
(4) ولم يسهر أي ينام الليل كله والسهر - بالتحريك -: عدم النوم في الليل.
(5) يعزف: يزهد ويمنع.
(6) أي كان في مدة عمره الذي يعيش في خلط واشتباه.
411

قسا وعاد (1)، فهو أبدا عليه ولا له، لا يدري عمله إلى ما يؤديه إليه، حتى متى
وإلى متى (2). اللهم اجعلنا منك على حذر. احفظ وع انصرف إذا شئت.
38 - وصيته عليه السلام لكميل بن زياد (3)
يا كميل سم كل يوم باسم الله وقل لا حول ولا قوة إلا بالله. وتوكل على
الله واذكرنا وسم بأسمائنا وصل علينا. وأدر بذلك على نفسك (4) وما تحوطه
عنايتك، وتكف شر ذلك اليوم إن شاء الله.
يا كميل إن رسول الله صلى الله عليه وآله أدبه الله وهو عليه السلام أدبني وأنا أؤدب المؤمنين
وأورث الآداب المكرمين.
يا كميل ما من علم إلا وأنا أفتحه وما من سر إلا والقائم عليه السلام يختمه.
يا كميل ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا.
يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة.
يا كميل إذا أكلت الطعام فسم باسم الذي لا يضر مع اسمه داء وفيه شفاء
من كل الاسواء.
يا كميل وآكل الطعام ولا تبخل عليه، فإنك لن ترزق الناس شيئا، والله يجزل
لك الثواب بذلك. أحسن عليه خلقك. وابسط جليسك ولا تتهم خادمك. (5)
يا كميل إذا أكلت فطول أكلك ليستوفى من معك ويرزق منه غيرك.
يا كميل إذا استوفيت طعامك فأحمد الله على ما رزقك وارفع بذلك صوتك

(1) في بعض النسخ: " نسي ".
(2) كذا في النسخ. وهو استفهام توبيخي.
(3) التحف ص 171.
(4) " ادر " أمر من أدار الشئ يديره. تحوطه أي تحفظه وتعهده عنايتك.
(5) بسط الرجل -: جرأه وسره، وفى بعض النسخ " ولا تنهرن خادمك ".
412

يحمده سواك فيعظم بذلك أجرك.
يا كميل لا توقرن معدتك طعاما (1) ودع فيها للماء موضعا وللريح مجالا
ولا ترفع يدك من الطعام إلا وأنت تشتهيه، فان فعلت ذلك فأنت تستمرئه (2)،
فان صحة الجسم من قلة الطعام وقلة الماء.
يا كميل البركة في مال من آتي الزكاة وواسى المؤمنين ووصل الأقربين (3).
يا كميل زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين وكن بهم أرأف
وعليهم أعطف. وتصدق على المساكين.
يا كميل لا ترد سائلا ولو من شطر حبة عنب أو شق تمرة، فان الصدقة تنمو
عند الله.
يا كميل أحسن حلية المؤمن التواضع، وجماله التعفف، وشرفه التفقه،
وعزه ترك القال والقيل (4).
يا كميل في كل صنف قوم أرفع من قوم، فإياك ومناظرة الخسيس منهم
وإن أسمعوك واحتمل وكن من الذين وصفهم الله " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا
سلاما " (5).
يا كميل قل الحق على كل حال، وواد المتقين واهجر الفاسقين، وجانب
المنافقين، ولا تصاحب الخائنين.
يا كميل لا تطرق أبواب الظالمين (6) للاختلاط بهم والاكتساب معهم، وإياك

(1) " لا توقرن " أي لا تثقلن معدتك من الطعام. وفى بعض النسخ " توفرن ".
(2) استمرأ الطعام: استطيبه ووجده مريئا.
(3) واسى المؤمنين: عاونهم.
(4) القال والقيل - مصدران -: ما يقوله الناس. وقيل: القال الابتداء والسؤال
والثاني الجواب.
(5) سورة الفرقان: 64.
(6) لا تطرق أي لا تقرع. وأطرق الرجل: سكت ولم يتكلم وبمعنى أرخى عينيه ينظر
إلى الأرض.
413

أن تعظمهم وأن تشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك وإن اضطررت إلى حضورهم
فداوم ذكر الله والتوكل عليه واستعذ بالله من شرورهم وأطرق عنهم وأنكر بقلبك فعلهم
واجهر بتعظيم الله [ل‍] - تسمعهم فإنك بها تؤيد وتكفى شرهم.
يا كميل إن أحب ما امتثله العباد إلى الله بعد الاقرار به وبأوليائه التعفف
والتحمل والاصطبار.
يا كميل لا ترى الناس إقتارك، واصبر عليه احتسابا بعز وتستر.
يا كميل لا بأس أن تعلم أخاك سرك. ومن أخوك؟ أخوك، الذي لا يخذلك
عند الشديدة، ولا يقعد عنك عند الجريرة (1) ولا يدعك حتى تسأله، ولا يذرك وأمرك
حتى تعلمه، فإن كان مميلا أصلحه (2).
يا كميل المؤمن مرآة المؤمن، لأنه يتأمله فيسد فاقته ويجمل حالته.
يا كميل المؤمنون إخوة ولا شئ آثر عند كل أخ من أخيه (3).
يا كميل إن لم تحب أخاك فلست أخاه، إن المؤمن من قال بقولنا، فمن
تخلف عنه قصر عنا، ومن قصر عنا لم يلحق بنا، ومن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل
من النار.
يا كميل كل مصدور ينفث (4) فمن نفث إليك منا بأمر أمرك بستره، فإياك
أن تبديه وليس لك من إبدائه توبة وإذا لم تكن توبة فالمصير إلى لظى (5).

(1) الجريرة: الجناية، لأنها تجر العقوبة إلى الجاني. ولا يذرك أي لا يدعك.
قيل: ولا فعل منه بهذا المعنى الا المضارع والامر.
(2) المميل - اسم فاعل من أمال -: صاحب ثروة كثيرة ومال كثير.
(3) أي أقدم وأكرم.
(4) المصدور: الذي يشتكى من صدره. وينفث المصدور أي رمى بالنفاثة. والمراد
ان من ملاء صدره من محبتنا وأمرنا لا يمكن له أن يقيها ولا يبرزها فإذا أبرزها وأمرك
بسترها فاسترها وفى بعض النسخ " مصدود ".
(5) اللظى: النار ولهبها.
414

يا كميل إذاعة سر آل محمد صلوات الله عليهم لا يقبل منها ولا يحتمل أحد
عليها وما قالوه فلا تعلم إلا مؤمنا موفقا (1).
يا كميل قل عند كل شدة: " لا حول ولا قوة إلا بالله " تكفها، وقل عند كل
نعمة: " الحمد لله " تزدد منها. وإذا أبطأت الأرزاق عليك فاستغفر الله يوسع
عليك فيها.
يا كميل انج بولايتنا من أن يشركك الشيطان في مالك وولدك.
يا كميل إنه مستقر ومستودع (2) فاحذر أن تكون من المستودعين وإنما
يستحق أن يكون مستقرا إذا لزمت الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج (3) ولا تزيلك عن منهج.
يا كميل لا رخصة في فرض ولا شدة في نافلة.
يا كميل إن ذنوبك أكثر من حسناتك، وغفلتك أكثر من ذكرك، ونعم الله
عليك أكثر من عملك.
يا كميل إنك لا تخلو من نعم الله عندك وعافيته إياك، فلا تخل من تحميده
وتمجيده وتسبيحه وتقديسه وشكره وذكره على كل حال.
يا كميل لا تكونن من الذين قال الله " نسوا الله فأنسيهم أنفسهم (4) " ونسبهم
إلى الفسق فهم فاسقون.
يا كميل ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق، الشأن أن تكون الصلاة بقلب
نقي وعمل عند الله مرضي، وخشوع سوي، وانظر فيما تصلي، وعلى ما تصلي، إن لم
يكن من وجهه وحله فلا قبول.

(1) في بعض النسخ " تعلمه الا مؤمنا موفقا ". وفى بعضها " فلا يعلمه الا مؤمنا موفقا ".
وكذا في بشارة المصطفى.
(2) يعنى به الايمان فإنه مستقر ومستودع.
(3) العوج - بكسر العين - للمعاني، و - بفتحها - للأشياء.
(4) سورة الحشر: 19.
415

يا كميل اللسان ينزح القلب (1) والقلب يقوم بالغذاء، فانظر فيما تغذي قلبك
وجسمك فإن لم يكن حلالا لم يقبل الله تسبيحك ولا شكرك.
يا كميل إفهم واعلم أنا لا نرخص في ترك أداء الأمانة لاحد من الخلق، فمن
روى عني في ذلك رخصة فقد أبطل وأثم وجزاؤه النار بما كذب، أقسم لسمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلاثا: يا أبا الحسن أد [اء] الأمانة
إلى البر والفاجر فيما جل وقل حتى الخيط والمخيط.
يا كميل لا غزو إلا مع إمام عادل ولا نفل إلا من إمام فاضل (2).
يا كميل لو لم يظهر نبي وكان في الأرض مؤمن تقي لكان في دعائه إلى الله
مخطئا أو مصيبا، بل والله مخطئا حتى ينصبه الله لذلك ويؤهله له.
يا كميل الدين لله فلا يقبل الله من أحد القيام به إلا رسولا أو نبيا أو وصيا.
يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة وليس بعد ذلك إلا موالين متبعين أو عامهين
مبتدعين، إنما يتقبل الله من المتقين (3).
يا كميل إن الله كريم حليم عظيم رحيم دلنا على أخلاقه وأمرنا بالأخذ
بها وحمل الناس عليها، فقد أديناها غير متخلفين وأرسلناها غير منافقين وصدقناها
غير مكذبين وقبلناها غير مرتابين.
يا كميل لست والله متملقا حتى أطاع ولا ممنيا (4) حتى لا اعصى، ولا مائرا (5)
لطعام الاعراب حتى أنحل (6) إمرة المؤمنين وادعى بها.

(1) في المصباح نزحت البئر من باب نفع نزوحا استقيت ماءها كله. وفى بعض
بالنسخ وبشارة المصطفى " يبوح من القلب ".
(2) النفل - محركة - الغنيمة
(3) أي ما يقوم به النبي والرسول والامام. وعمه أي تحير في طريقه. وفى بعض النسخ
" ضالين مبتدعين ". وفى بشارة المصطفى " الا متولين ومتغلبين وضالين ومعتدين ".
(4) في بشارة المصطفى " ممنا ".
(5) مايره أتى بالميرة وهي الطعام الذي يدخر.
(6) أنحل فلانا شيئا: أعطاه إياه وخصه به. وفى بشارة المصطفى " حتى انتحل ".
416

يا كميل إنما حظي من حظى بدنيا زائلة مدبرة ونحظى بآخرة باقية ثابتة.
يا كميل إن كلا يصير إلى الآخرة والذي نرغب فيه منها رضى الله والدرجات
العلى من الجنة التي يورثها من كان تقيا.
يا كميل من لا يسكن الجنة فبشره بعذاب أليم وخزي مقيم.
يا كميل أنا أحمد الله على توفيقه وعلى كل حال، إذا شئت فقم.
39 - الإرشاد: (1) من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ما اشتهر بين العلماء وحفظه ذووا الفهم
والحكماء.
أما بعد أيها الناس فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد
أقبلت وأشرفت باطلاع. ألا وإن المضمار اليوم وغدا السباق، والسبقة الجنة والغاية
النار. ألا وإنكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل، فمن أخلص الله عمله لم
يضره أمله، ومن بطأ به عمله في أيام مهله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره
أمله. ألا فاعملوا في الرغبة والرهبة، فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا الله، واجمعوا
معها رهبة، وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا الله، واجمعوا معها رغبة، فإن الله قد
تأذن للمحسنين بالحسنى، ولمن شكره بالزيادة، ولا كسب خير من كسب ليوم
تدخر فيه الذخائر، وتجمع فيه الكبائر، وتبلى فيه السرائر، وإني لم أر مثل
الجنة نام طالبها، ولا مثل النار نام هاربها. ألا وإنه من لا ينفعه اليقين يضره الشك
ومن لا ينفعه حاضر لبه ورأيه فغائبه عنه أعجز. ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم
على الزاد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتباع الهوى وطول الامل، لان
اتباع الهوى يصد عن الحق وطول الامل ينسي الآخرة. ألا وإن الدنيا قد ترحلت
مدبرة وأن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا إن
استطعتم من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء، الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب
وغدا حساب ولا عمل.

(1) ارشاد المفيد ص 113.
417

40 - الإرشاد: (1) ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام في الحكمة والموعظة:
قوله: خذوا رحمكم الله من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند
من لا يخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن يخرج منها أبدانكم
فللآخرة خلقتم، وفي الدنيا حبستم. أن المرء إذا هلك قالت الملائكة: ما قدم، وقال
الناس ما خلف. فلله آباؤكم قدموا بعضا يكن لكم، ولا تخلفوا كلا فيكن عليكم
فإنما مثل الدنيا مثل السم يأكله من لا يعرفه.
ومن ذلك قوله عليه السلام لا حياة إلا بالدين، ولا موت إلا بجحود اليقين، فاشربوا
من العذب الفرات ينبهكم من نومة السبات، وإياكم والسمائم المهلكات.
ومن ذلك قوله عليه السلام الدنيا دار صدق لمن عرفها، ومضمار الخلاص لمن
تزود منها، في مهبط وحي الله تعالى، ومتجر أوليائه. اتجروا تربحوا الجنة.
ومن ذلك قوله عليه السلام لرجل سمعه يذم الدنيا من غير معرفة لما يجب أن
يقول في معناها: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، دار غنى
لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه
اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة. فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت
بفراقها، ونعت نفسها فشوقت بسرورها إلى السرور، وحذرت ببلائها إلى البلاء
تخويفا وتحذيرا وترغيبا وترهيبا. فيا أيها الذام للدنيا! والمغتر بتغريرها متى
غرتك؟ أبمصارع آبائك من البلى؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟ كم عللت
بكفيك، ومرضت بيديك؟ تبتغي لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطباء، وتلتمس لهم
الدواء، لم تنفعهم بطلبتك، ولم تشفعهم بشفاعتك، قد مثلت لك الدنيا بهم مصرعك
ومضجعك، حيث لا ينفعك بكاؤك، ولا تغني عنك أحباؤك.
ومن ذلك قوله عليه السلام: أيها الناس خذوا عني خمسا فوالله لو رحلتم المطي
فيها لانضيتموها (2) قبل أن تجدوا مثلها لا يرجون أحد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه

(1) ارشاد المفيد ص 140.
(2) أنضيتم الظهر أي أهزلتموه.
418

ولا يستحيين العالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله يعلم، الصبر من الايمان بمنزلة
الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له.
ومن ذلك قوله عليه السلام: كل قول ليس لله فيه ذكر فلغو، وكل صمت ليس فيه
فكر فسهو، وكل نظر ليس فيه اعتبار فلهو.
وقوله عليه السلام: ليس من ابتاع نفسه فأعتقها كمن باع نفسه فأوبقها.
وقوله عليه السلام: من سبق إلى الظل ضحى، ومن سبق إلى الماء ظمى.
وقوله عليه السلام: حسن الأدب ينوب عن الحسب.
وقوله عليه السلام: الزاهد في الدنيا كلما ازدادت له تجليا ازداد عنه توليا.
وقوله عليه السلام: المودة أشبك الأنساب، والعلم أشرف الأحساب.
وقوله عليه السلام: إن يكن الشغل مجهدة، فاتصال الفراغ مفسدة.
وقوله عليه السلام: من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصر فيها خصم.
وقوله عليه السلام: العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم.
وقوله عليه السلام: من أحب المكارم اجتنب المحارم.
وقوله عليه السلام: من حسنت به الظنون رمقته الرجال بالعيون.
وقوله عليه السلام: غاية الجود أن تعطي من نفسك المجهود.
وقوله عليه السلام: ما بعد كائن، ولا قرب بائن.
وقوله عليه السلام: جهل المرء بعيوبه من أكبر ذنوبه.
وقوله عليه السلام: تمام العفاف الرضا بالكفاف.
وقوله عليه السلام: أتموا الجود ابتناء المكارم واحتمال المغارم.
وقوله عليه السلام: أظهر الكرم صدق الإخاء في الشدة والرخاء.
وقوله عليه السلام: الفاجر إن سخط ثلب، وإن رضي كذب، وأن طمع خلب (1).
وقوله عليه السلام: من لم يكن أكثر ما فيه عقله كان بأكثر ما فيه قتله.
وقوله عليه السلام: احتمل زلة وليك لوقت وثبة عدوك.

(1) ثلبه ثلبا: لامه وذكر معايبه، وخلب أي خدع.
419

وقوله عليه السلام: حسن الاعتراف يهدم الاقتراف.
وقوله عليه السلام: لم يضع من مالك ما بصرك صلاح حالك.
وقوله عليه السلام. القصد أسهل من التعسف، والكف أدرع من التكلف.
وقوله عليه السلام: شر الزاد إلى المعاد احتقاب ظلم العباد.
وقوله عليه السلام: لا نفاد لفائدة إذا شكرت، ولا بقاء لنعمة إذا كفرت.
وقوله عليه السلام: الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك. فإن كان لك فلا تبطر، و
إن كان عليك فاصبر.
وقوله عليه السلام: رب عزيز أذله خلقه، وذليل أعزه خلقه.
وقوله عليه السلام: من لم يجرب الأمور خدع، ومن صارع الحق صرع.
وقوله عليه السلام: لو عرف الأجل قصر الامل.
وقوله عليه السلام: الشكر زينة الغنى، والصبر زينة البلوى.
وقوله عليه السلام: قيمه كل امرئ ما يحسنه.
وقوله عليه السلام: الناس أبناء ما يحسنون.
وقوله عليه السلام: المرء مخبو تحت لسانه (1).
وقوله عليه السلام: من شاور ذوي الألباب دل على الصواب.
وقوله عليه السلام: من قنع باليسير استغنى عن الكثير، ومن لم يستغن بالكثير
افتقر إلى الحقير.
وقوله عليه السلام: من صحت عروقه أثمرت فروعه.
وقوله عليه السلام: من أمل إنسانا هابه، ومن قصر عن معرفة شئ عابه.
ومن كلامه عليه السلام: المؤمن من نفسه في تعب، والناس منه في راحة.
وقال عليه السلام: من كسل لم يؤد حق الله عليه.
وقال عليه السلام: أفضل العبادة الصبر، والصمت، وانتظار الفرج.
وقال عليه السلام: الصبر على ثلاثة أوجه: فصبر على المصيبة، وصبر عن المعصية

(1) أي مستور حاله في سكوته فإذا تكلم ظهر مقداره وعقله.
420

وصبر على الطاعة.
وقال عليه السلام: الحلم وزير المؤمن، والعلم خليله، والرفق أخوه، والبر والده
والصبر أمير جنوده.
وقال عليه السلام: ثلاثة من كنوز الجنة: كتمان الصدقة، وكتمان المصيبة
وكتمان المرض.
وقال عليه السلام: احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره
وأفضل على من شئت تكن أميره.
وكان يقول عليه السلام: لا غنى مع فجور، ولا راحة لحسود، ولا مودة لملول.
وقال عليه السلام لأحنف بن قيس: الساكت أخو الراضي، ومن لم يكن معنا كان علينا.
وقال عليه السلام: الجود من كرم الطبيعة، والمن مفسدة للصنيعة.
وقال عليه السلام: ترك التعاهد للصديق داعية القطيعة.
وكان يقول عليه السلام: إرجاف العامة بالشئ دليل على مقدمات كونه (1).
وقال عليه السلام: اطلبوا الرزق فإنه مضمون لطالبه.
وقال عليه السلام: أربعة لا ترد لهم دعوة: الإمام العادل لرعيته، والولد البار لوالده
والوالد البار لولده، والمظلوم. يقول الله وعزتي وجلالي لأتنصرن لك ولو بعد حين.
وقال عليه السلام: خير الغنى ترك السؤال، وشر الفقر لزوم الخضوع.
وقال عليه السلام: المعروف عصمة البوار، والرفق نعشة من العثار (2).
وقال عليه السلام: ضاحك معترف بذنبه خير من باك مدل على ربه (3).
وقال عليه السلام: لولا التجارب عميت المذاهب.
وقال عليه السلام: لا عدة أنفع من العقل، ولا عدو أضر من الجهل.
وقال عليه السلام: من اتسع أمله قصر عمله.

(1) ارجفوا في الاخبار: خاضوا فيها.
(2) النعشة: قيام العاثر من عثرته.
(3) الادلال: العغنج ونوع من التبختر.
421

وقال عليه السلام: أشكر الناس أقنعهم، وأكفر هم للنعم أجشعهم (1).
في أمثال (2) هذا الكلام المفيد للحكمة، وفصل الخطاب لم نستوف ما جاء في
معناه عنه لئلا ينتشر به الخطاب ويطول الكتاب، وفيما أثبتناه منه مقنع لذوي الألباب.
41 - مجالس المفيد (3): عن محمد بن الحسين المقري، عن علي بن الحسين الصيدلاني، عن
أحمد بن محمد مولى بني هاشم، عن أبي نصر المخزومي، عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال:
لما قدم علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام البصرة مر بي وأنا أتوضأ فقال:
يا غلام أحسن وضوءك يحسن الله إليك. ثم جازني فأقبلت أقفوا أثره فحانت منه التفاتة
فنظر إلي فقال: يا غلام ألك إلي حاجة؟ قلت: نعم علمني كلاما ينفعني الله به فقال
يا غلام من صدق الله نجى، ومن أشفق على دينه سلم من الردى. ومن زهد في الدنيا
قرت عينه بما يرى من ثواب الله عز وجل. ألا أزيدك يا غلام؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين
قال: من كن فيه ثلاث خصال سلمت له الدنيا والآخرة: من أمر بالمعروف وائتمر
به، ونهى عن المنكر وانتهى عنه، وحافظ على حدود الله، يا غلام أيسرك أن تلقى الله
يوم القيامة وهو عنك راض؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين: قال كن في الدنيا زاهدا
وفي الآخرة راغبا، وعليك بالصدق في جميع أمورك فان الله تعبدك وجميع خلقه بالصدق (4)
ثم مشى حتى دخل سوق البصرة فنظر إلى الناس يبيعون ويشترون فبكى بكاء شديدا
ثم قال: يا عبيد الدنيا وعمال أهلها إذا كنتم بالنهار تحلفون، وبالليل في فراشكم
تنامون، وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون، فمتى تجهزون الزاد (5) وتفكرون
في المعاد؟! فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إنه لابد لنا من المعاش فكيف نصنع؟ فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: إن طلب المعاش من حله لا يشغل عن عمل الآخرة فان قلت لابد

(1) أي أشدهم حرصا.
(2) تتمة كلام المفيد (ره) وذكرها هنا غير مناسب إنما يناسب كتاب الارشاد.
(3) مجالس المفيد ص 69.
(4) تعبده أي دعاه للطاعة أو اتخذه عبدا له.
(5) في المصدر " تحرزون الزاد ".
422

لنا من الاحتكار لم تكن معذورا. فولى الرجل باكيا فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:
أقبل علي أزدك بيانا، فعاد الرجل إليه فقال له: اعلم يا عبد الله إن كل عامل في
الدنيا للآخرة لابد أن يوفى أجر عمله في الآخرة، وكل عامل دينا للدنيا عمالته في
الآخرة نار جهنم، ثم تلا أمير المؤمنين عليه السلام قوله تعالى " فأما من طغى وآثر الحياة
الدنيا فان الجحيم هي المأوى " (1).
42 - مجالس المفيد (2): عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف
عن ابن مهزيار، عن عاصم، عن فضيل الرسان، عن يحيى بن عقيل قال: قال علي
عليه السلام: إنما أخاف عليكم اثنتين اتباع الهوى، وطول الامل، فأما اتباع الهوى
فيصد عن الحق، وأما طول الامل فينسي الآخرة، ارتحلت الآخرة مقبلة، وارتحلت
الدنيا مدبرة ولكل بنون فكونوا من بني الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا. اليوم عمل
ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.
43 - من كتاب عيون الحكم والمواعظ (3) لعلي بن محمد الواسطي استنسخناه من أصل
قديم في المواعظ وذكر الموت وهو خمسمائة وثمانية وثمانون حكمة.
قوله عليه السلام: رحم الله عبدا سمع حكما فوعى، ودعي إلى الرشاد فدنا، وأخذ
بحجزة هاد فنجى، وراغب ربه، وخاف ذنبه، قدم خالصا، وعمل صالحا، اكتسب
مذخورا، واجتنب محذورا، رمى غرضا، وأحرز عوضا، كابد هواه، وكذب مناه
جعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة وفاته، ركب الطريقة الغراء، ولزم المحجة
البيضاء، اغتنم المهل، وبادر الأجل، وتزود من العمل.
44 - ومن خطبة له عليه السلام تعرف بالغراء:
منها: جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها، وأبصارا لتجلو عن عشاها، وأشلاء جامعة

(1) النازعات: 39.
(2) مجالس المفيد ص 121. ورواه أيضا بسندين آخرين ص 55 وص 203.
(3) مخطوط.
423

لأعضائها (1) ملائمة لأحنائها، في تركيب صورها (2) ومدد عمرها، بأبدان قائمة بأرفاقها
وقلوب رائدة لارزاقها في مجللات نعمه، وموجبات سننه، وحواجز عافيته (3).
وقدر لكم أعمارا سترها عنكم، وخلف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم، من
مستمتع خلاقهم، ومستفسح خناقهم (4) أرهقهم المنايا دون الآمال، لم يمهدوا في سلامة
الأبدان (5) ولم يعتبروا في انف الأوان، فهل ينتظر أهل بضاضة الشاب إلا حواني
الهرم (6) وأهل غضارة الصحة إلا نوازل السقم؟ وأهل مدة البقاء إلا آونة الفناء، مع
قرب الزيال، وازوف الانتقال، وعلز القلق، وألم المضض، وغصص الجرض (7) وتلفت

(1) تجلو أي تكشف. وكلمة " عن " زائدة. والاشلاء جمع شلو - بالكسر - وهو العضو.
(2) الملائمة: الموافقة. والأحناء جمع حنو وهو الجانب. وفى النهاية " ملائمة
لأحنائها " أي معاطفها. والغرض الإشارة إلى الحكم والمصالح المرعية في تركيب الأعضاء
وترتيبها وجعل كل منها في موضع يليق بها. والظرف متعلق بالملائمة. وقال بعض شراح
النهج كأنه قال مركبة أو مصورة فأتى بلفظة في كما تقول ركب في سلاحه وبسلاحه
أي متسلحا.
(3) " مجللات " و " موجباب " من أضافة الصفة إلى الموصوف، والحواجز: الموانع و
حواجز العافية ما يمنع المضار ويدفعها. وهي صفة مضافة إلى موصوفها كسابقتيها.
(4) المستمتع على صيغة المفعول: ما ينتفع به. والخلاق - بالفتح -: النصيب.
والفسحة - بالضم: السعة: وخنقه إذا عصر حلقه والخناق - بالكسر -: ما يخنق به من
حبل، والمراد مدة آجالهم في الدنيا.
(5) أرهقهم المنايا أي أدركتهم مسرعة أي أدركتهم المنايا قبل وصولهم إلى آمالهم.
وتمهيد الامر: اصلاحه.
(6) انف - بضمتين -: أول الأمر. والبضاضة: رقة اللون وصفاؤه: والحوانى جمع
حانية وهي العلة التي تحت الظهر. والهرم كبر السن.
(7) الغضارة: طيب العيش والسعة والنعمة والخصب. والنوازل جمع نازلة وهي الشديدة
من شدائد الدهر. والآونة جمع أوان. والزيال: مصدر زايله مزايلة وزيالا أي فارقه. والأزوف:
الدنو والقرب. والعلز - بالتحريك قلق وخفة يصيب المريض والمحتضر والأسير. والمضض
- محركة -: وجع المصيبة وبلوغ الحزن من القلب. وجرض بريقه - كفرح -: ابتلعه
بالجهد على هم وحزن.
424

الاستعانة (1) بنصرة الحفظة والأقرباء والأعزة والقرناء، فهل دفعت الأقارب أو نفعت
النواحب، وقد غودر في محلة الأموات رهينا، وفي ضيق المضجع وحيدا، قد
هتكت الهوام جلدته، وأبلت النواهك جدته، وعفت العواصف آثاره، ومحا
الحدثان معالمه (2) وصارت الأجساد شحبة بعد بضتها، والعظام نخرة بعد قوتها، والأرواح
مرتهنة بثقل أعبائها (3) موقنة بغيب أنبائها، لا تستزاد من صالح عملها، ولا تستعتب
من سيئ زللها (4) أو لستم ترون أبناء القوم والآباء وإخوانهم والأقرباء؟ تحتذون

(1) التلفت: أبلغ من الالتفات. والباء في " بنصرة الخ " متعلق بالاستعانة أو بالتلفت
فيكون بمعنى " إلى " وإضافة التلفت تفيد الملابسة. والحفظة في النهج " الحفدة " وهو الصواب و
معناها: الأعوان والخدم وقيل: أولاد الأولاد.
(2) غودر أي ترك وبقى. و " رهينا " أي موثوقا بذنوبه أو بأعماله. والهوام - بشد
الميم - جمع الهامة وهي من الحيوان كل ذات سم يقتل كالحيات واما ما يسم ولا يقتل فهو
السامة كالعقرب والزنبور. والنواهك - جمع ناهك - وهو المبالغ في جميع الأشياء من نهكه
الحمى أي أضناه. وجد الشئ جدة: صار جديدا. و " عفت " أي محت. والعواصف: الرياح
الشديدة. والمعالم: جمع معلم - بفتح الميم - وهو ما يستدل به. والحدثان مصدر يدل على
الاضطراب بمعنى ما يحدث.
(3) الشحبة - بفتح الشين - الهالكة. وشحب يشحب شحوبا أي تغير من سفر أو هزال
أو عمل. وقد مر. والبضة: رقة اللون وصفاؤها ونخرة أي بالية. والاعباء: الأثقال، جمع عبء
- بالكسر - وهو الحمل وأعباء الأرواح ذنوبها.
(4) " لا تستزاد - الخ " أي لا يطلب منها العمل فإنه لا عمل بعد الموت. " ولا تستعتب "
- مبنى للمفعول - أي لا يطلب منها تقديم العتبى يعنى التوبة عن العمل القبيح، أو مبنى للفاعل
أي لا يمكنها أن تطلب الرضا والإقالة من السيئات.
425

أمثلتهم، وتركبون قدتهم، وتطأون جادتهم، فالقلوب قاسية عن حظها (1) لاهية عن
رشدها، سالكة في غير مضمارها، كأن المعني سواها (2) وكأن الرشد في إحراز
دنياها.
فاعلموا أن مجازكم على الصراط ومزالق دحضه، وأهاويل زلله، وتارات
أهواله (3) فاتقوا الله تقية ذي لب شغل التفكر قلبه وأنصب الخوف بدنه وأسهر التهجد
غرار نومه، وأظمأ الرجاء هواجر يومه (4) فظلف الرهب شهواته، وأوجف الذكر
بلسانه، وقدم الخوف لا بأنه، وتنكب المخالج عن وضح السبيل (5) وسلك أقصد المسالك
إلى النهج المطلوب، ولم تفتله فاتلات الغرور، ولم تعم عليه مشتبهات الأمور (6)

(1) القدة - بالكسر والدال المهملة -: الطريقة. و " تطأون جادتهم " أي تسيرون
على سبيلهم بلا انحراف عنهم في شئ أي يصيبكم ما أصابهم بدون أي تفاوت. وقسى القلب:
صلب وغلظ.
(2) المعنى: المقصود والمراد، أي كان المأمور والمنهى والمخاطب بالمواعظ
والزواجر والوعد والوعيد غير تلك القلوب.
(3) المزلق: المكان الذي تزل فيه القدم ولا تثبت. والدحض هو انقلاب الرجل
بغتة فسقط المار. والزلل: هو انزلاق القدم. وتارات الأهوال: دفعاتها.
(4) " أنصب الخوف بدنه " أي أتعبه. والغرار - بالكسر -: قلة النوم، أو قليله، و
لعل المعنى لم يترك العبادة له نوما قليلا. " وأسهر التهجد " أي أزال قيام الليل نومه
القليل، فأذهبه بالمرة. والهواجر جمع هاجرة أي صار رجاء الثواب موجب لان أظمأ
نفسه في هاجرة اليوم بالصوم فيها.
(5) " ظلف الرهب " أي منع الخوف. وفى النهج " ظلف الزهد ". وأوجف دابته
أي حركها مسرعا وحثها على السير. والابان - بكسر الهمزة وتشديد الباء الموحدة -:
حينه ووقته يعنى القيامة. وتنكب الشئ: مال عنه. والمخالج: الطرق المتشعبة عن
الطريق الأعظم. وخلج أي جذب كأنها تجذب الانسان إليها. والوضح: جادة الطريق
والجار والمجرور متعلق بالمخالج أي المخالج المتشعبة عن الطريق الواضح.
(6) فتله - كضربه - صرفه عن وجهه. وفاتلات الغرور: وساوس الشيطان. " ولم
تعم عليه " أي لم تخف عليه الأمور المشتبهة حتى يقع فيها على غير بصيرة.
426

ظافرا بفرحة البشرى، وراحة النعمى في أنعم نومه (1) وآمن يومه، قد عبر معبر
العاجلة حميدا، وقدم زاد الأجلة سعيدا، وبادر من وجل، وأكمش في مهل، ورغب
في طلب، وذهب عن هرب (2) وراغب في يومه غده، ونظر قدما أمامه، فكفى
بالجنة ثوابا، ونوالا وكفى بالنار عقابا ووبالا، وكفى بالله منتقما ونصيرا، وكفى
بالكتاب حجيجا وخصيما.
ومنها: أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام [وشغف الأستار نطفة دهاقا
وعلقة محاقا، وجنينا وراضعا] (3) ووليدا ويافعا (4) ثم منحه قلبا حافظا، ولسانا
لافظا، وبصرا لاحظا، ليفهم معتبرا، ويقصر مزدجزا، حتى إذا قام اعتداله، واستوى
مثاله (5) نفر مستكبرا، وخبط سادرا ماتحا في غرب هواه، كادحا سعيا لدنياه
في لذات طربه، وبدوات أربه، ثم لا يحتسب رزية (6) ولا يخشع نعيه، فمات في قبيلته

(1) النعمى - بالضم -: الخفض والدعة وما أنعم به عليك. وأنعم النوم: أطيبه و
المراد بالنوم اما الراحة في الجنة اطلاقا لاسم الملزوم على لازمه، أو الراحة في البرزخ
أو لان مكث الجسد في القبر يشبه النوم.
(2) الوجل: الخوف أي سارع إلى الأعمال الصالحة من خوف الله تعالى. وأكمش
أي أسرع في مدة حياته. وقوله " ذهب عن هرب " أي فر مما يهرب عن مثله.
(3) الشغف: جمع شغاف وهو في الأصل غلاف القلب استعارة لموضع الولد. والدهاق
الذي أفرغ افراغا شديدا، والمحق: المحو.
(4) اليافع: الغلام الذي شارف الاحتلام.
(5) أي بلغت قامته حد ما قدر لها من النمو.
(6) السادر: الذي لا يهتم ولا يبالي ما صنع والمتحير. والماتح - بالتاء المثناة من
فوق -: الذي يستقى الماء بالدلو من أعلى البئر والمايح - بالياء المثناة من تحت -: الذي
ينزل البئر ليملاء الدلو.
والغرب هو الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد ثور شبه بها لسعة الأماني. وكدح في
العمل كدوحا: سعى. ولعل المراد ببدوات أربه. ما يخطر بباله ويبدو له أي يظهر آرائه
المختلفة باختلاف دواعيه والحاصل أنه ذهب إلى ما يبدو له من رغباته غير متقيد بالشريعة
ولا ملتزم حدود الفضيلة. والإرب محركة: الحاجة. واحتساب الرزية: الاعتداد بها. أي
لا يظنها ولا يفكر في وقوعها. والرزية: المصيبة.
427

عزيزا وعاش في هفوته يسيرا (1)، لم يفد عوضا، ولم يقض مفترضا، دهمته
فجعات المنية في غبر جماحه وسنن مراحه (2) فظل سادرا، وبات ساهرا، في غمرات
الآلام، وطوارق الأوجاع [والأسقام] (3) بين أخ شقيق، ووالد شفيق، وداعية
بالويل جزعا، ولادمة للصدر قلقا، والمرء في سكرة ملهية، وغمرة كارثة، وأنة
موجعة (4) وجذبة مكربة، وسوقة متعبة، قد أدرج في أكفانه مبلسا، وجذب منقادا

(1) النعي: خبر الموت. وفى النهج " ولا يخشع تقية ". وقوله " فمات في قبيلته
عزيزا " في بعض النسخ " فمات في فتنته غريرا " وهكذا في النهج وهو الصواب ظاهرا. والغرير:
المغرور، والهفوة: الزلة.
(2) دهمته أي غشيته. وفجعات المنية أسبابها وأفجعته أي أوجعته والفجيعة. المصيبة
و " غبر جماحه " جمع غابر بمعنى الباقي والمراد بقايا هواه وشهواته وعتوه الذي ذهب كثير
منها. والسنن - محركة -: النهج والطريقة. والمراح - ككتاب اسم من مرح الرجل
إذا أشر وبطر ونشط وتبختر. والمعنى هجمت عليه الأمراض والأوجاع وأسباب الموت في
أثناء غفلته وعتوه واغتراره.
(3) " فظل سادرا " أي كان في جميع النهار متحيرا لشدة ما نزل به. وغمرة الشئ:
شدته. وطوارق الأوجاع: ما يأتي منها ليلا وسمى الآتي بالليل طارقا لحاجته إلى دق
الباب لان الطرق بمعنى الضرب وكثيرا ما يشتد الأوجاع والأسقام ليلا.
(4) الشقيق: الأخ، واتصاف الأخ بالشقيق للمبالغة في العطوفة والرحمة. واللادمة:
الضارية. والكارثة: الشديدة الشاقة. والاونة بفتح فتشديد. من الان أي التوجع. و
المراد بجذبة مكربة جذبات الأنفاس عند النزع. والسوقة: من ساق المريض نفسه عند الموت
سوقا وسياقا. ومبلسا أي آيسا من أهله. وماله أو من الرجوع إلى الدنيا. و " سلسا " أي
سهلا لعدم قدرته على الممانعة.
428

سلسا، ثم القي على الأعواد رجيع وصب، ونضو سقم، تحمله حفدة الولدان وحشدة
الاخوان، إلى دار غربته، ومنقطع زورته (1) حتى إذا انصرف المشيع ورجع
المتفجع أقعد في حفرته نجيا لبهتة السؤال، وعثرة الامتحان (2).
وأعظم ما هنالك بلية نزل الحميم، وتصلية الجحيم، وفورات السعير، و
سورات الزفير (3) لا فترة مريحة، ولا دعة مزيحة، ولا قوة حاجزة، ولا موتة ناجزة
ولا سنة مسلية، بين أطوار الموتات وعذاب الساعات. إنا بالله عائذون (4).
عباد الله أين الذين عمروا فنعموا، وعلموا ففهموا، ونظروا فلهوا، وسلموا
فنسوا، أمهلوا طويلا، ومنحوا جميلا، وحذروا أليما، ووعدوا جسيما، احذروا
الذنوب المورطة، والعيوب المسخطة.
أولى الاسماع والابصار، والعافية والمتاع! هل من مناص، أو خلاص، أو معاذ
أو ملاذ، أو قرار، أو مجاز (5) أم لا؟ فأنى تؤفكون؟ أم أين تصرفون؟ أم بماذا

(1) الرجيع من الدواب ما رجعته من سفر إلى سفر وهو الكال. والوصب: التعب
والمرض. و " نضو " بالكسر: المهزول. والحفدة: الأعوان. والحشدة: المسارعون إلى
التعاون. والزورة من زاره يزوره ومنقطع الزورة: حيث لا يزور.
(2) النجى: من تحادثه سرا. وبهتة السؤال: دهشته وحيرته. والعثرة: الزلة.
(3) الحميم في الأصل، الماء الحار، والتصلية: الاحراق: والمراد هنا دخول
جهنم. وفارت القدر: جاشت. والسعير النار أو لهبها. والسورة: الشدة. والزفير:
صوت النار عند توقدها.
(4) الفترة: السكون بعد حدة واللين بعد شدة. أي لا يفتر العذاب حتى يستريح
المعذب من الألم، ولا تكون دعة - أي راحة - حتى تزيح عنه ما أصابه من التعب، وليست له
قوة بحجز عنه. ولا بموتة حاضرة تذهب باحساسه عن الشعور بتلك الآلام. والناجز:
الحاضر والسريع. والسنة: أوائل النوم. والمسلية: الملتهية عن الألم. والأطوار الأنواع
والمراد بالموتات: العقوبات.
(5) في بعض النسخ " أو فرار أو محار " أي مرجع إلى الدنيا بعد فراقها.
429

تغترون؟ وإنما حظ أحدكم من الأرض، ذات الطول والعرض، قيد قده (1) متعفرا
على خده.
الان عباد الله والخناق مهمل (2) والروح مرسل في فينة الارشاد (3) وراحة
الأجساد، ومهل البقية، وانف المشية، وإنظار التوبة، وانفساح الحوبة (4) قبل الضنك
والمضيق، والروع والزهوق، وقبل قدوم الغائب المنتظر (5) وأخذ العزيز المقتدر.
44 - ومن خطبة له عليه السلام: فاتعظوا عباد الله بالعبر النوافع، واعتبروا بالاي
السواطع، وازدجروا بالنذر البوالغ (6) وانتفعوا بالذكر والمواعظ، فكأن قد
علقتكم مخالب المنية وانقطعت عنكم علائق الأمنية، ودهمتكم مفظعات الأمور (7)
والسياقة إلى الورد المورود (8) وكل نفس معها سائق وشهيد، وسائق يسوقها إلى
محشرها، وشاهد يشهد عليها بعملها.
45 - ومن خطبة له عليه السلام: هل يحس به أحد إذا دخل منزلا؟ أم هل يراه

(1) " قيد قده " - بكسر القاف وفتحها من الثاني -: مقدار طوله، يريد مضجعه من
القبر.
(2) الخناق - بكسر الخاء المعجمة -: الحبل يخنق به والمراد الموت أو أسبابه.
(3) " فينة الارشاد " بفتح الفاء وتقديم الياء على النون: الساعة والحين. ويمكن
أن يقرء " فينة الارتياد " يعنى الطلب.
(4) والأنف بضمتين المستأنف يعنى لو أردتم استيناف المشيئة لأمكنكم. والحوبة:
الحاجة، وانفساح الحوبة: سعة وقت الحاجة أي العمل الذي يحتاج إليه العبد.
(5) الروع: الخوف. والزهوق: الاضمحلال. والمراد بالغائب المنتظر: الموت.
(6) الآي: جمع آية وهي الدليل. والسواطع: الظاهرة الدلالة. والبوالغ: جمع
البالغة غاية البيان لكشف عواقب التفريط. والنذر جمع النذير بمعنى الانذار أو المخوف.
(7) المنية: الموت. وفظع الامر إذا اشتد.
(8) الورد - بالكسر - الأصل فيه: الماء يورد للرى والمراد به الموت أو المحشر
ولعل الوصف بالمورود للدلالة على أنه لابد من ورده.
430

إذا توفى أحدا، بل كيف يتوفى الجنين في بطن أمه، أيلج عليه من بعض جوارحها
أم الروح أجابته باذن ربها، أم هو ساكن معها في أحشائها، كيف يصف إلهه من يعجز
عن صفة مخلوق مثله.
46 - ومن خطبة له عليه السلام: عباد الله، الله الله (1) في أعز الأنفس عليكم،
وأحبها إليكم، فان الله قد أفصح سبيل الحق، وأنار طرقه، بشقوة لازمة، أو سعادة
دائمة (2) فتزودوا في أيام الفناء لأيام البقاء، فقد دللتم على الزاد، وأمرتم بالظعن (3)
وحثثتم على السير، فإنما أنتم كركب وقوف لا يدرون متى يؤمرون بالمسير.
ألا فما يصنع بالدنيا من خلق للآخرة؟ وما يصنع بالمال من عما قليل يسلبه
ويبقى عليه تبعته وحسابه؟
عباد الله إنه ليس لما وعد الله من الخير مترك، ولا فيما نهى عنه من الشر مرغب.
عباد الله احذروا يوما تفحص فيه الأعمال، ويكثر فيه الزلزال وتشيب فيه
الأطفال، اعلموا عباد الله أن عليكم رصدا من أنفسكم، وعيونا من جوارحكم
وحفاظ صدق يحفظون أعمالكم وعدد أنفاسكم، لا تستركم منه ظلمة ليل داج،
ولا يكنكم منه باب ذو رتاج (4) وإن غدا من اليوم قريب، يذهب اليوم بما فيه
ويجئ الغد بما لا خفاء به، فكان كل امرء منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته
ومحط حفرته، فياله من بيت وحدة، ومنزل وحشة، ومفرد غربة، وكأن الصيحة
قد أتتكم، والساعة قد غشيتكم، وبررتم لفصل القضاء، قد زاحت عنكم الأباطيل
واضمحلت عنكم العلل (5) واستحقت بكم الحقايق، وصدرتكم الأمور مصادرها

(1) أي راقبوا الله في أعز الأنفس ولعل المراد بها النفس المطمئنة.
(2) مرفوعان على الخبرية أي فعاقبتكم أو جزاؤكم شقوة أو سعادة واللازم غير مفارق
والدائم: غير الزائل.
(3) والظعن: الرحيل.
(4) الداجي: المظلم. والرتاج - ككتاب: الباب العظيم إذا كان محكم الغلق.
(5) زاحت أي بعدت، والعلل: جمع العلة وهي المرض الشاغل.
431

فاتعظوا بالغير، واعتبروا بالعبر، وانتفعوا بالنذر.
47 - ومن كلامه عليه السلام: قاله بعد تلاوته " ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر " (1)
ياله مراما ما أبعده، وزورا ما أغفله وحطاما ما أفرغه وخطرا ما أفظعه، أفبمصارع
آبائهم يفتخرون؟ أم بعديد الهلكى يتكاثرون، يرتجعون منهم أجسادا خوت (2)
وحركات سكنت (3) ولان يكونوا عبرا أحق من أن يكون مفتخرا، ولان يهبطوا منهم
جناب ذلة أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزة (4) لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة وضربوا
منهم في غمرة جهالة (5) ولو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية، والربوع
الخالية لقالت: ذهبوا في الأرض ضلالا (6)، وذهبتهم في أعقابهم جهالا، تطأون في
هامهم (7) وتستثبتون في أجسادهم، وترتعون فيما لفظوا، وتسكنون فيما خربوا
وإنما الأيام بينهم وبينكم بواك ونوائح عليكم.

(1) أي شغلكم عن طاعة الله وصرفكم عن الآخرة مكاثرة بعضكم لبعض.
(2) خوت أي سقطت بناؤها وخلت من أرواحها.
(3) المعنى أنهم يذكرون آباءهم ويفتخرون بهم فكأنهم ردوهم إلى الدنيا وارتجعوهم
من القبور. وقيل هو استفهام وان لم يكن حرف الاستفهام مذكورا أي يرتجعون منهم
أجسادا خوت. وكلمة " من " يحتمل أن يكون للتجريد فالمعنى أيرتجعون من أجسادهم
أجسادا خوت ومن حركاتهم حركات سكنت. ويحتمل أن يكون صلة للارتجاع فيكون
الأجساد الخاوية كالهبة التي يرتجعها الواهب، وأن يكون للتبعيض فالضمير المجرور لعامة
أهل المقابر.
(4) الجناب بالفتح: الناحية والفناء. و " أحجى " أي أولى.
(5) العشوة بالفتح: سوء البصر بالليل. وضرب في الماء: سبح أي خاضوا وسبحوا
من ذكرهم في غمرة الجهالة.
(6) الخاوية: الخالية والمنهدمة. والربوع: الأماكن والمساكن. والضلال
- كعشاق - جمع ضال.
(7) هام - جمع هامة - وهي أعلى الرأس.
432

أولئكم سلف غايتكم، وفراط مناهلكم الذين كانت لهم مقاوم العز، وحلبات
الفخر ملوكا وسوقا (1) وسلكوا في بطون البرزخ سبيلا، سلطت الأرض عليهم فيه
فأكلت من لحومهم، وشربت من دمائهم، فأصبحوا في فجوات قبورهم جمادا لا ينمون
وضمارا لا يوجدون (2) لا يفزعهم ورود الأهوال، ولا يحزنهم تنكر الأحوال، ولا
يحفلون بالرواجف، ولا يأذنون للقواصف (3) غيبا لا ينتظرون، وشهودا لا يحضرون
وإنما كانوا جميعا فتشتتوا، والافا فافترقوا (4) وما عن طول عهدهم، ولا بعد محلهم
عميت أخبارهم، وصمت ديارهم (5) ولكنهم سقوا كأسا بدلتهم بالنطق خرسا (6)
وبالسمع صمما، وبالحركات سكونا، فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات (7) جيران
لا يتأنسون، وأحباء لا يتزاورون، بليت بينهم عرى التعارف، وانقطعت منهم أسباب

(1) " سلف الغاية ": السابق إليها. والغاية: الحد الذي ينتهى إليه الشئ حسيا أو
معنويا. والمراد: الموت. وفرط فلان القوم كنصر أي تقدمهم إلى الورد لاصلاح
الحوض والدلاء، والفرط - بالتحريك -: المتقدم إلى الماء. والمناهل: مواضع ما تشرب
الشاربة من النهر، وقد تقدم. ومقاوم: جمع مقام. والحلبات جمع حلبة بالفتح و
هي الدفعة من الخيل في الرهان، أو هي الخيل تجتمع للنصرة من كل أوب. والسوق - بضم
ففتح جمع سوقه بالضم: بمعنى الرعية.
(2) الفجوة الفرجة والمراد هنا شق القبر. وقوله " ولا ينمون " من النمو وهو الزيادة من
الغذاء. والضمار: خلاف العيان الغائب والذي لا يرجى إيابه.
(3) " لا يحفلون بكسر الفاء: أي لا يبالون. والرواجف جمع راجفة: الزلزلة
توجب الاضطراب. والقواصف من قصف الرعد: اشتدت هدهدته. وأذن له: استمع.
(4) آلاف جمع آلف أي مؤتلف مع غيره.
(5) صم يصم بالفتح فيها: خرس عن الكلام. وهذه النسبة إلى الديار مجاز.
(6) المراد من خرس الديار عدم صعود الصوت من سكانها.
(7) ارتجال الصفة: وصف الحال بلا تأمل فالواصف لهم بأول النظر يظنهم صرعوا
من السبات - بالضم -: أي النوم.
433

الإخاء، فكلهم وحيد وهم جميع، وبجانب الهجر وهم أخلاء، لا يتعارفون لليل
صباحا ولا لنهار مساء.
أي الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا (1) شاهدوا من أخطار دارهم
أفظع مما خافوا (2) ورأوا من آياتها أعظم مما قدروا (3) فكلتا الغايتين مدت لهم
إلى مباءة فأتت مبالغ الخوف والرجاء (4) فلو كانوا ينطقون بها لعيوا (5) بصفة
ما شاهدوا وما عاينوا.
ولئن عميت آثارهم، وانقطعت أخبارهم، لقد رجعت فيهم أبصار العبر (6)
وسمعت عنهم آذان العقول، وتكلموا من غير جهات النطق فقالوا: كلحت الوجوه
النواضر، وخوت الأجسام النواعم (7) ولبسنا أهدام البلى، وتكاءدنا ضيق المضجع (8)
وتوارثنا الوحشة، وتهكمت علينا الربوع الصموت (9) فانمحت محاسن أجسادنا،

(1) الجديدان: الليل والنهار. فان ذهبوا في نهار فلا يعرفون له ليلا أو في ليل
فلا يعرفون نهارا.
(2) الخطر بالتحريك: الاشراف على الهلاك. وقوله: " أفظع " أي أشد شناعة.
(3) أي تصوروه: بعقولهم.
(4) المباءة: مكان التبوء والاستقرار أي ضرب لها أجل ينتهون فيه إلى مباءة وهي
المرجع إلى الجنة أو النار فاتت ذلك المرجع مبالغ الخوف والرجاء عظمة، أو تجاوزت
عن أن يبلغها خوف خائف أو رجاء راج لعظمتها.
(5) العى العجز، وعيى عن الكلام: عجز.
(6) أي نظرت إليهم بعد الموت نظرة ثانية. والعبر: جمع عبرة.
(7) كلح أي عبس. والنواضر: الحسنة البواسم. خوت أي تهدمت بنيتها، وتفرقت
أعضاؤها.
(8) أهدام جمع هدم وهو الثوب البالي. وتكأد الامر بتشديد الهمزة - أي
شق على.
(9) تهكمت أي تهدمت. والربوع: أماكن الإقامة. والصموت: جمع صامت وهي التي
لا تنطق، والمراد القبور.
434

وتنكرت معارف صورنا، وطالت في مساكن الوحشة إقامتنا، ولم نجد من كرب
فرجا، ولا من ضيق متسعا.
فلو مثلتهم بعقلك أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك، وقد ارتسخت أسماعهم
بالهوام فاستكت، واختلجت (1) أبصارهم بالتراب فخسفت، وتقطعت الألسنة في
أفواههم بعد دلاقتها (2) وهمدت القلوب في صدورهم بعد يقظتها (3) وعاث في كل جارحة منهم
جديد بلى سمجها (4) وسهل طرق الآفة إليها مستسلمات، فلا أيد تدفع ولا قلوب تجزع
لرأيت أشجان قلوب وأقذاء عيون، لهم من كل فظاعة صفة حال لا تنتقل، وغمرة لا
تنجلي (5) فكم أكلت الأرض من عزيز جسد وأنيق لون كان في الدنيا غذي ترف (6)
وربيب شرف، يتعلل بالسرور في ساعة حزنه، ويفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت
به، ضنا بغضارة عيشه، وشحاحة بلهوه ولعبه (7) فبينا هو يضحك إلى الدنيا وتضحك

(1) ارتسخت من رسخ الغدير رسوخا إذا نش ماؤه أي أخذ في النقصان ونضب يعنى
نضب مستودع قوة السماع وذهبت مادته بامتصاص الهوام وهي الديدان هنا. واستكت الاذن
بتشديد الكاف أي صمت وانسدت. وقوله " فاختلجت أبكارهم " في النهج "، اكتحلت أبصارهم "
والظاهر هو الصواب.
(2) خسفت عين فلان: فقأها. ودلاقة الألسن: حدتها في النطق.
(3) الهمود: الموت وطفو النار والسكون. واليقظة نقيض النوم.
(4) عاث أي أفسد. والبلى التحلل والفناء. وسمج الصورة تسميجا: أي قبحها
أي أفسد الفناء في كل عضو منهم فقبحه.
(5) أشجان القلوب: همومها. واقذاء. العيون: ما يسقط فيها فيؤلمها. والفظاعة
والغمرة: الشدة.
(6) " من عزيز جسد " من إضافة الصفة. والأنيق: الحسن المعجب. والغذى اسم
بمعنى المفعول أي مغذي بالنعيم. والترف التنعم.
(7) الربيب بمعنى المربى من ربه يربه بالضم إذا رباه. وتعلل الامر تشاغل به. و
السلوة - بالفتح -: ما يسلى عن الهم أي ينسبه. والضن: البخل. وغضارة العيش: طيبه
والشح: البخل.
435

الدنيا إليه، في ظل عيش غفول (1) إذ وطئ الدهر به حسكه، ونقضت الأيام
قواه، ونظرت إليه الحتوف من كثب، فخالطه بث لا يعرفه، ونجي هم ما كان يجده (2)
وتولدت فيه فترات علل آنس ما كان بصحته، ففزع إلى ما كان عوده الأطباء
من تسكين الحار بالقار (3) وتحريك البارد بالحار، فلم يطفئ ببارد إلا ثور
حرارة، ولا حرك بحار إلا هيج برودة، ولا اعتدل بممازج لتلك الطبايع إلا
أمد منها كل ذات داء (4) حتى فتر معللة، وذهل ممرضه، وتعايا أهله بصفة
دائه، وخرسوا عن جواب السائلين عنه، وتنازعوا دونه شجي خبر يكتمونه (5)

(1) " فبينا هو يضحك إلى الدنيا " أي مشتاقا أي متوجها إليها. و " يضحك الدنيا إليه "
يجرى على وفق مراده. ووصف العيش بالغفلة لأنه إذا كان هنيئا يوجبها.
(2) الحسك: نبات تعلق قشرته بصوف. والمراد ابتلاؤه بآلام الدهر. والحتوف
جمع الحتف - بالفتح - وهو الموت والهلاك. والكثب - بالتحريك -: أي قرب، يعنى
توجهت إليه المهلكات على قرب منه. والبث: الحزن. وخالطه الحزن أي دخل في باطنه
والنجى: المناجى، فعيل من ناجاه مناجاة أي ساره. والهم: الحزن.
(3) الفترة - بالفتح -: انكسار الحدة واللين على الحال. و " آنس " حال من ضمير
" فيه ". أي تولد فيه الضعف بسبب العلل حال كونه أشد انسا بصحته من جميع الأوقات السابقة
والقار هنا ضد الحار.
(4) أي ما طلب تعديل مزاجه بدواء يمازج ما فيه من الطبايع ليعدلها الا وساعد كل
طبيعة على تولد الداء.
(5) معلل المريض: من يسليه عن مرضه بترجية الشفاء، كما أن ممرضه من يتولى
خدمته في مرضه لمرضه. وذهله وذهل عنه - كمنع - أي نسبه أو تناساه عمدا. وتعايا أي أظهر
العيى أي العجز، وعييت بأمري كرضيت: إذا لم تهتد لوجهه، وتعايا أهله بصفة دائه أي اشتركوا
في العجز والحيرة عن وصف دائه للطبيب ومن يسأل عن حاله. وخرس. كفرح - أي انعقد لسانه
ومنع من الكلام خلقة والمراد سكتوا كالأخرس عن جواب السائلين فلا يخبرون عن عافيته
لعدم ظهور أماراتها، وعن عدمها ويأسهم من البرء لكونه مكروها لنفوسهم فلا ينطق بذكره لسانهم.
و " شجى ": الحزن والخبر الذي يكتمونه هو موته، وقال بعض شراح النهج: أي تخاصموا
في خبر ذي شجى أي خبر ذي غصة ينازعونه وهم حول المريض سرا دونه وهو لا يعلم بنجواهم
وبما يفيضون فيه من أمره.
436

فقائل يقول: هو لما به، وممن لهم إياب عافيته، ومصبر لهم على فقده، يذكرهم
أسى الماضين من قبله (1).
فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا وترك الأحبة إذ عرض له عارض
من غصصه، فتحيرت نوافذ فطنته (2) ويبست رطوبة لسانه، فكم من مهم من
جوابه عرفه فعي عن رده، ودعاء مؤلم بقلبه سمعه فتصام عنه (3) من كبير كان
يعظمه أو صغير كان يرحمه (4) وإن للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة
أو تعتدل على عقول أهل الدنيا (5).
48 - ومن كلامه عليه السلام إنكم مخلوقون اقتدارا، ومربوبون اقتسارا (6)

(1) " هو لمابه " أي للامر الذي نزل به أي أشفى على الموت. " وممن لهم اياب
عافيته " الممنى: مخيل الأمنية. والإياب: الرجوع أي يبعثهم على الرجاء بعود عافيته
فيقول: قد رأينا أسوء حالا منه ثم عوفي. والأسى: جمع الأسوة وهي ما يتأسى به الحزين
ويتسلى وسمى المصبر أسوة لأنه يذكرهم التأسي بالماضين في موت أقاربهم وأحبابهم أو
صبرهم عليه.
(2) أي الأفكار الدقيقة الصائبة.
(3) تصام عنه أي أظهر الصمم بعدم الالتفات للعجز عن الكلام.
(4) المراد بالكبير الذي يعظمه الوالد، والصغير الولد. والغمرات الشدائد، والفظيع
الشديد. والاستغراق: الاستيعاب أي شدائد الموت أشد من أن يشمله بيان ووصف.
(5) تعتدل أي تستقيم عليها بالقبول والادراك، أي لغفلتهم عنها لا تتناسب عند عقولهم
قيد ركونها.
(6) مربوبون: مملوكون. والاقتسار: الغلبة والقهر.
437

[ومقبوضون احتضارا] ومضمنون أجداثا، وكاينون رفاتا، ومبعوثون أفرادا
ومدينون، [جزاء ومميزون] حسابا (1)
فرحم الله عبدا اقترف فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، وعبر فاعتبر، وحذر
فازدجر، فأجاب فأناب (2) وراجع فتاب، واقتدى فاحتذى، فباحث طلبا، ونجا
هربا، فأفاد ذخيرة، وأطاب سريرة، وتأهب للمعاد (3) واستظهر بالزاد ليوم رحيله
ووجه مسيله (4) وحال حاجته، وموطن فاقته، تقدم أمامه لدار مقامه. فمهدوا
لأنفسكم في سلامة الأبدان، فهل ينتظر أهل غضارة الشاب إلا جواني الهرم؟ و
أهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم (5) وأهل مدة البقاء إلا مفاجأة الفناء؟
واقتراب الفوت، ودنو الموت، وازوف الانتقال، وإشفاء الزوال، وحفي الأنين
ورشح الجبين، وامتداد العرنين، وعلز القلق، وفيض الرمق، وألم المضض
وغصص الجرض (6).

(1) والاحتضار: الحضور والمراد حضور الموت أو حضور الملائكة الموكلين بقبض
الأرواح، والأجداث. جمع جدث - بفتحتين وهو القبر. ومضمنون أي مجعولون في ضمنها
. والرفات: الحطام.
(2) اقترف: اكتسب. والوجل: خاف. وبادر: سارع. والإنابة: الرجوع إلى
الله باصلاح العمل.
(3) التأهب: التهيؤ والاستعداد. " استظهر بالزاد " أي حمل زادا حمله ظهر راحلته إلى
الآخرة. أو حفظ زاده واستعان به.
(4) في النهج " ووجه سبيله ".
(5) البضاضة. رقة اللون. والحوانى: جمع حانية وهي العلة التي تحت الظهر
وغيره، والغضارة: النعمة والسعة والخصب. والنوازل جمع النازلة وهي الداهية والشديدة
من شدائد الدهر. والأونة جمع أوان وهو الوقت. والانتظار في المواضع عبارة عن الانتهاء
وكون اللواحق غايات للسوابق. وقد تقدمت هذه الجمل سابقا.
(6) الازوف: القرب. أشفى اشفاء عليه أشرف وأشفى المريض على الموت أي قاربه.
والأنين: التأوه. وحفى الأنين أي كثرة التأوه. والعرنين: الانف أو ما صلب منه. والعلز
قلق وخفة وهلع يصيب المريض والمحتضر. والفيض: الموت. والرمق بقية الحياة.
والمضض - محركة -: وجع المصيبة، وبلوغ الهم والحزن من القلب. والغصص جمع غصة.
والجرض: الريق، جرض بريقه كفرح ابتلعه بالجهد على هم وحزن.
438

واعلموا عباد الله إنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى
ممن كان أطول منكم أعمارا، وأشد بطشا، وأعمر ديارا، وأبعد آثارا، فأصبحت
أصواتهم هامدة جامدة (1) من بعد طول تقلبها، وأجسادهم بالية، وديارهم خالية
وآثارهم عافية (2) واستبدلوا بالقصور المشيدة والسرر والنمارق الممهدة (3)
الصخور والأحجار المسندة في القبور اللاطية الملحدة (4) التي قد بين الخراب فناؤها
وشيد التراب بناؤها، فمحلها مقترب، وساكنها مغترب (5) بين أهل عمارة موحشين
وأهل محلة متشاغلين، لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون الجيران والاخوان،
على ما بينهم من قرب الجوار، ودنو الدار، وكيف يكون بينهم تواصل، وقد
طحنهم بكلكلة البلى، فأكلهم الجنادل والثرى (6) فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، وبعد
غضارة العيش رفاتا، فجع بهم الأحباب، وسكنوا التراب، وظعنوا فليس لهم إياب.
هيهات هيهات كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون، وكأن
قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى، والوحدة في دار الموت، وارتهنتم في ذلك

(1) الهمود: طفوء النار أو ذهاب حرارتها والفعل كنصر.
(2) أي ممحوة وعفا أثره أي انمحى واندرس.
(3) النمارق جمع نمرقة وهي الوسادة يتكأ عليها. الممهدة: المبسوطة.
(4) الاستناد إلى الشئ: الاعتماد عليه. ولطأ بالأرض - كمنع وفرح -: لصق.
(5) المغترب: الظاعن.
(6) الكلكل - كجعفر -: صدر البعير، شبه عليه السلام البلى أي الفناء بالجمل يرض
صدره ما برك عليه. والجنادل: الحجارة. والثرى: التراب.
439

المضجع، وضمكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو قد تناهت الأمور، وبعثرت
القبور (1) وحصل ما في الصدور، ووقعتم للتحصيل (2) بين يدي الملك الجليل
فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب، وهتكت منكم الحجب والأستار، و
ظهرت منكم الغيوب والاسرار، هنالك تجزى كل نفس بما كسبت إن الله يقول:
" ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ".
اغتنموا أيام الصحة قبل السقم، والشيبة قبل الهرم، وبادروا التوبة قبل
الندم، ولا يحملنكم المهلة على طول الغفلة، فان الأجل يهدم الامل، والأيام
موكلة بنقص المدة، وتفريق الأحبة، فبادروا رحمكم الله بالتوبة قبل حضور
النوبة، وبرزوا للغيبة التي لا ينتظر معها الاوبة (3) واستعينوا على بعد المسافة بطول
المخافة، فكم من غافل وثق لغفلته، وتعلل بمهلته، فأمل بعيدا وبنى مشيدا، فنقص
بقرب أجله بعد أمله، فاجأته منيته بانقطاع أمنيته، فصار بعد العز والمنعة والشرف
والرفعة مرتهنا بموبقات عمله (4) قد غاب فما يرجع، وندم فما انتفع، وشقي بما جمع
في يومه وسعد به غيره في غده، وبقي مرتهنا بكسب يده ذاهلا عن أهله وولده، لا يغني
عنه ما ترك فتيلا (5) ولا يجد إلى مناص سبيلا.
فعلى م عباد الله التعرج والدلج (6) وإلى أين المفر والمهرب؟ وهذا الموت

(1) أي بلغكم إلى النهاية ووصلتم إلى منتهى تلك الأحوال وهو البعث والنشور. و
بعثر الرجل متاعه إذا فرقه وبدده وبعثرت القبور أي قلب ثراها وأخرج موتاها.
(2) في مطالب السؤول " ووقفتم للتحصيل ".
(3) الاوبة: الرجوع.
(4) الموبقات: المهلكات.
(5) الفتيل: الخيط في شق النبات. أي لا يغنى عنه شيئا بقدر الفتيل. والمناص:
الخلاص.
(6) التعرج: الصعود، والدلج: السفر بالليل.
440

في الطلب، يخترم الأول فالأول (1) لا يتحنن على ضعيف، ولا يعرج على شريف (2)
والجديدان (3) يحثان الأجل تحثيثا، ويسوقانه سوقا حثيثا (4) وكل ما هو آت
فقريب، ومن وراء ذلك العجب العجب، فأعدوا الجواب ليوم الحساب، وأكثروا الزاد
ليوم المعاد.
عصمنا الله وإياكم بطاعته، وأعاننا وإياكم على ما يقرب إليه ويزلف لديه
فإنما نحن به وله. إن الله وقت لكم الأجل، وضرب لكم الأمثال، وألبسكم
الرياش، وأرفع لكم المعاش، وآثركم بالنعم السوابغ، وتقدم إليكم بالحجج
البوالغ، وأوسع لكم في الرفد الروافغ (5) فتشمروا فقد أحاط بكم الاحصاء، و
ارتهن لكم الجزاء (6) القلوب قاسية عن حظها، لاهية عن رشدها، اتقوا الله تقية
من شمر تجريدا، وجد تشميرا، وانكمش في مهل، وأشفق في وجل، ونظر في
كرة الموئل، وعاقبة المصدر، ومغبة المرجع، وكفى بالله منتقما ونصيرا، وكفى
بكتاب الله حجيجا وخصيما (7).
رحم الله عبدا استشعر الحزن، وتجلبب الخوف، وأضمر اليقين، وعري عن الشك

(1) اخترمه: أهلكه واستأصله. واخترمه المرض: هزله واخترمه المنية: أخذته
وتحنن عليه: ترحم.
(2) فلان لا يعرج على قوله أي لا يعتمد عليه. وعلى المكان أن حبس مطيته عليه
وأقام فيه.
(3) أي الليل والنهار.
(4) التحثيث: التحريص والتنشيط على فعل. والحثيث: السريع.
(5) الرفد العطاء، والروافغ الواسعة.
(6) في النهج " وارصد لكم الجزاء ".
(7) شمر تشمرا: مر مسرعا. وانكمش الرجل: أسرع وجد. أي وبالغ في حث
نفسه على المسير إلى الله تعالى مع تمهل البصيرة. والوجل: الخوف. والموئل: مستقر
السير والمراد هنا ما ينتهى إليه الانسان من سعادة وشقاء، وكرته. حملته واقباله.
والمغبة - بفتح الميم والغين وتشديد الباء -: العاقبة. والحجيج: الخصيم والمخاصم. فاعلم
انى استفدت كثيرا في ترجمة لغات هذه الخطب من كتاب بهجة الحدائق من شروح النهج
للسيد علاء الدين محمد بن الأمير شاه أبى تراب من سادات گلستانة الأصفهاني - رحمه الله -
المتوفى سنة 1110 الهجري القمري. ولله الحمد أولا وآخرا.
(علي أكبر الغفاري) 1386
441

في توهم الزوال، فهو منه على وبال، فزهر مصباح الهدى في قلبه وقرب على نفسه
البعيد، وهون الشديد، فخرج من صفه العمى، ومشاركة الموتى، وخيار من
مفاتيح الهدى، ومغاليق أبواب الردى، واستفتح بما فتح به العالم أبوابه، وخاض
بحاره، وقطع غماره، ووضحت له سبيله ومناره، واستمسك من العرى بأوثقها، واستعصم
من الجبال بأمتنها، خواض غمرات، فتاح مبهمات، [دفاع معضلات، دليل
فلوات، يقول فيفهم، ويسكت فيسلم، قد أخلص لله، فاستخلصه، فهو من معادن
دينه وأوتاد أرضه، قد ألزم نفسه العدل، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف
الحق ويعمل به لا يدع للخير غاية إلا أمها] ولا مطية إلا قصدها.
[تم القسم الأول من كتاب الروضة ويليه القسم الثاني أوله كتاب الغارات]
442

كلمة المصحح:
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك اللهم على التوفيق، ونصلي على رسولك وآله هداة الطريق.
أما بعد: فاني لمغتبط بهذه الفرصة التي أتيحت لي لتصحيح هذا الجزء
الذي هو في أجزاء الكتاب كالكوكب الدري، وفي نظام هذا السلك المنضد كالدر -
الوضئ. لما فيه من عقائل الأدب، وكرائم الخطب، وينابيع الحكم، والمواعظ
والزواجر والعبر، ومحاسن الكتب والأثر ما يشفي الغليل من غلته، ويبرئ
العليل من علته، ويطهر النفوس عن درن الرذائل، ويرحض القلوب عن ظلمة -
الآثام، فمن امتثل أوامره وائتمر، وانتهى عن نواهيه وازدجر، واتعظ بمواعظه
واعتبر، فهو أفضل من تقمص وائتزر.
والكتاب بما في غضونه من الدروس الراقية يغنينا عن سرد جمل الثناء عليه أو تسطير
الكلم في إطرائه، غير أنه لم يخرج في زمان مؤلفه الفحل والبطل، وسارع إلى رحمة
ربه الكريم ولم يمهله الأجل. فبقي مسودة دون تصحيح ألفاظه، وتفسير غرائبه ولغاته.
فهو مع كونه جؤنة مشحونة بنفائس الأعلاق، ذو حظ وافر من الاسقاط
والأغلاط، فقاسيت ما قاسيت في تصحيحه، ولم آل جهدا في تحقيقه، وتحملت المشاق
في توضيحه، ولم أرم الاطناب في تعليقه. مع أن الباع قصير، والامر خطير.
ولست بمستعظم عملي، ولا مستكثر جهدي، وما أبرء نفسي، وأنا معترف بأن
الذي خلق من عجل قلما يسلم من الخطأ والزلل، فالمرجو من أساتذتي العظام
أن يمروا على هفواتي مر الكرام، فان العصمة لله الملك العلام، وما توفيقي إلا بالله
عليه توكلت وإليه أنيب.
على أكبر الغفاري
443