الكتاب: بحار الأنوار
المؤلف: العلامة المجلسي
الجزء: ٨٦
الوفاة: ١١١١
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي ، محمد الباقر البهبودي
الطبعة: الثانية المصححة
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: دار إحياء التراث العربي

بحار الأنوار
الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار
تأليف
العلم العلامة الحجة فخر الأمة المولى
الشيخ محمد باقر المجلسي
(قدس الله سره)
الجزء السادس والثمانون
مؤسسة الوفاء
بيروت - لبنان
تعريف الكتاب 1

كافة الحقوق محفوظة مسجلة
الطبعة الثانية المصححة
1403 ه‍ - 1983 م
مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان - صرب: 1457 - هاتف: 386868
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
* (أبواب) *
* (القصر وأسبابه وأحكامه) *
* (باب) *
* (وجوب قصر الصلاة في السفر وعلله) *
* (وشرائطه وأحكامه) *
الآيات: النساء: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من
الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا (1).

(1) النساء: 101، وقد كان على المؤلف العلامة أن ينقل الآيتين بعدها، لما فيهما
من التعلق التام بالمقام، فلا بأس أن ننقلهما ونبحث عن مفاد الآيات الكريمة فنقول و
من الله أسأل العصمة والرشاد: قال الله عز وجل تفريعا على الآية الأولى في بيان حكم صلاة
القصر وصلاة الخوف:
" وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا
سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم
وأسلحتهم، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليك ميلة واحدة
ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم، وخذوا حذركم
ان الله أعد للكافرين عذابا مهينا " (النساء: 102).
ثم قال: عز وجل تماما لحكم صلاة الخوف وتعليقا على الآية الأولى:
(فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا
الصلاة ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا).
فالمراد بالضرب في الأرض هو السفر كناية، وذلك لان المسافة التي كانت تقطع
في يوم واحد، هي مرحلة واحدة ثمان فراسخ، ولم يكن يمكنهم طي هذه المسافة على المعتاد
المتعارف الا بضرب الراحلة والجد في المشي بضرب الاقدام.
وأما قوله عز وجل: (فلا جناح عليكم) فسيأتي الكلام فيه مستوفى انشاء الله
تبارك وتعالى.
وأما قوله عز وجل: (أن تقصروا من الصلاة) فلما كان القصر متعديا بنفسه، كان
تعديته بمن مفيدا لتضمينه معنى القطع والافراز، ولما كان لفظ الصلاة في اطلاق القرآن
العزيز ينصرف إلى الركعتين الأولتين المفروضتين، كما مرت الإشارة إليه مرارا، كان
قصر الصلاة بتنصيف الصلاة واتيان ركعة واحدة، كما هو واضح، وينص على ذلك روايات
أهل البيت عليهم السلام، على ما سيجئ في باب صلاة الخوف.
وأما قوله عز وجل: (ان خفتم أن يفتنكم) الخ فهو نص في الاشتراط ثانيا، أي
إذا سافرتم وكنتم مع ذلك خائفين من أن يهجم عليكم الذين كفروا، فصلوا ركعة واحدة
مكان ركعتين.
ولكن يظهر من سياق الآيات أن هذا الحكم إنما هو أما إذا كان المؤمنون منفردين
في السفر من دون امام يجمع شملهم، فحينئذ يصلى كل واحد منهم ركعة واحدة بالانفراد،
ثم يشتغل عوض الركعة المتروكة بذكر الله عز وجل كما سيأتي في شرح الآية الثالثة، و
اما أما إذا كانوا مع امام يجمع شملهم وكانوا ذوي عدة، فعليهم أن يحتالوا في رفع الخوف
من هجومهم ومباغتتهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله بحكم الآية الثانية.
فتبين كون فرض الآية ومفادها أن الصلاة في السفر إنما فرضت ركعتين، وإذا كان
معه الخوف من فتنة الأعداء يكون الصلاة ركعة واحدة الا أن الأول على الأصل بالمفهوم
الضمني، والثاني بالمنطوق صريحا.
وأما قوله عز وجل: (وإذا كانت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية، فالظاهر من تحويل
السياق أنها بصدد بيان حكم خاص يتفرع على المسألة قبلها، والمعنى أنه أما إذا
كان المؤمنون
مسافرين وهم مع ذلك خائفون من العدو وهجومهم، وكنت أنت فيهم تجمع شملهم، فأردت
أن تقيم لهم الصلاة ركعتين، فاحتل لرفع الخوف من بادرتهم بأن تفرق المؤمنين فرقتين:
فرقة تقوم بإزاء العدو ترصدهم والطائفة الأخرى يصلون معك ركعة جماعة وركعة أخرى
تمام صلاتهم بالانفراد، ثم تقوم هذه الطائفة حذاء العدو ترصدهم ولتأت الطائفة الأخرى
لم يصلوا فليصلوا معك ركعة جماعة وركعة أخرى منفردين، فتكونوا جميعا قد صليتم ركعتين
في السفر، لارتفاع الشرط الثاني وهو المخافة.
فعلى هذا لا ريب في أن فرض هذه الآية هو صلاة السفر من دون المخافة من العدو،
ولو احتيالا في رفعها، ويستنتج من هذا الفرع أن صلاة السفر، أما إذا لم يكن هناك خوف
أبدا، لابد وأن تكون ركعتين بطريق أولى، وهو واضح بحمد الله.
ولا يذهب عليك أن نزول هذه الآية كان في غزوة ذات الرقاع سنة أربع أو خمس.
على ما سيجئ في باب صلاة الخوف، لقوله عز وجل فيها: (ود الذين كفروا لو تغفلون
عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) فإنه اخبار عن واقعة خارجية، الا أن
حكم الآية عام لكل امام يخاف مباغتة الخصم يأمره بأن يحتال في رفع المخافة كما بين الله عز
وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وجه الحيلة في ذلك.
ومما ينص على أن حكم الآية عام ذيل الآية الكريمة: (ولا جناح عليكم إن كان بكم
أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم) الآية حيث يخاطب الأمة
بذلك، ويبين حكم الفروع المحتملة الطارئة، ولو كان الحكم مختصا بالنبي صلى الله عليه وآله في قضية خاصة لم يكن لذلك وجه، كما هو واضح.
وأما قوله عز وجل: (فإذا قضيتم الصلاة) الآية فهو حكم متمم لصلاة الخوف يفرض
على الذين صلوا ركعة واحدة بالانفراد خوفا من باردة العدو، أن يذكروا عز وجل بعد
قضاء صلاتهم تلك ما يوازى الركعة المتروكة.
وإنما أخص الحكم بصلاة الخوف فقط، لما عرفت قبلا من أن الآية الثانية إنما
تتكفل لبيان فرع من فروع المسألة، فتكون الآية الثانية كالمعترضة واقعة بين الآية الأولى
والثالثة.
ومما ينص على اتصال هذه الآية بالأولى اتحاد سياقهما من حيث الخطاب وتحليله
إلى كل فرد فرد، وورود قوله تعالى: (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) في هذه الآية ناظرا
إلى قوله تعالى، (ان خفتم أن يفتنكم) في الآية الأولى.
والمعنى أن حكم صلاة الخوف وايجاب الذكر بدلا عن الركعة الثانية إنما هو ما دام
الخوف باقيا، وأما أما إذا
اطمأننتم بأن ارتفع الخوف رأسا اما بمهادنة أو عدم حضور الكفار
حولكم، فالفرض عليكم أن تقيموا الصلاة تماما ركعتين.
فمفاد ذيل هذه الآية من حيث فرض الطمأنينة من العدو، ووجوب تمام الصلاة ركعتين
مفاد الآية الثانية من حيث الاحتيال في رفع مخافة العدو، ووجوب تمام الصلاة ركعتين،
ولذلك عبر فيهما عن الصلاة ركعتين بإقامة الصلاة، كما كان يعبر عنها في سائر الموارد التي
يأمر النبي صلى الله عليه وآله أو المؤمنين بإقامة الصلاة.
1

تفسير: " وإذا ضربتم في الأرض " أي سافرتم فيها " فليس عليكم جناح " أي
حرج وإثم في (أن تقتصروا) قال في الكشاف في محل النصب بنزع الخافض، وقيل:
2

في موضع جر على تقدير حرف الجر، لان الحرف حذف لطول الكلام، وما حذف
لذلك فهو في حكم الثابت، وقرئ في الشواذ (تقصروا) من الاقصار، (وتقصروا)
من التقصير (من الصلاة) (من) زائدة وقال سيبويه صفة موصوف محذوف أي شيئا
من الصلاة.
3

(إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) في موضع نصب على المفعول به، وقيل
مفعول له أي كراهية أن يفتنكم وفي قراءة أبي بن كعب بغير (إن خفتم) فقيل
المعنى أن لا يفتنكم أو كراهة أن يفتنكم كقوله تعالى (يبين الله لكم أن تضلوا) (1).

(1) النساء: 176.
4

(إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) أي ظاهر العدواة (1) قال في الكافرين عدوا لان
لفظة فعول تقع على الواحد والجماعة.
ثم الضرب في الأرض معتبر في القصر بنص الكتاب، وقد أجمع علماؤنا على
أن المسافة شرط، وسيأتي حدها وحد الترخص، وإن كان خلاف ظاهر الآية إذ
ظاهرها أنه يكفي الخروج من البيت كما قيل.
ونفي الجناح (2) وإن كان يصح في الواجب والمستحب والمباح، بل في

(1) وعلى ما مر في ج 79 ص 180 - 181 (كان) في هذه الموارد شأنية والمعنى أن
الكافرين شأنهم أن يكونوا لكم عدوا مبينا، فلا تطمئنوا إليهم واحذروا منهم أن يفتنوكم
أبدا.
(2) إنما عبر بنفي الجناح، لئلا تصير حكم القصر من الصلاة فرضا تبطل الصلاة
بالاخلال به سهوا وجهلا، كما عبر عن السعي بين الصفا والمروة كذلك لذلك وأما
أن نفى الحرج يوجب حكم القصر في حال العلم والذكر، فلان ذلك منة من الله عز وجل
امتن بها على عباده فرخص لهم القصر من الصلاة، والرخصة والمنة من الكريم تعالى يجب
الاخذ بهما أدبا، كما أخذ بهما النبي صلى الله عليه وآله، وسيأتي في الاخبار من طرق الفريقين ما ينص
على ذلك.
ولا يذهب عليك أن نفى الجناح إنما كان بالنسبة إلى صلاة الخوف في السفر بالاقتصار
على ركعة واحده وتبديل الركعة الثانية بالذكر، فلو جهل أحد من المسلمين هذا الحكم
أو سها وصلى ركعتين فصلاته ماضية.
وأما صلاة السفر حال الطمأنينة من العدو، فالفرض فيها ركعتان على حد صلاة الحضر
الا أن رسول الله صلى الله عليه وآله زاد في ركعات الحضر سبعا وتركها في السفر بحالها لم يضف إليها
شيئا الا ما يوترها وهي ثالثة المغرب، كما أنه صلى الله عليه وآله وضع نوافل هذه الصلوات المقصورة
الا نافلة المغرب.
ولعله صلى الله عليه وآله امتثل في ذلك قوله تعالى: (ان لك في النهار سبحا طويلا) فصلى الركعات
المسنونة - داخل الفرض وخارجها - في الحضر سبحة، واكتفى عند السفر عن هذه السبحة
بالسبحة في الأرض.
فإذا كان وضع ركعات السنة عن صلاة السفر بالسنة، كانت الصلاة أربعا في صورة الجهل
والسهو ماضية على حد سائر السنن التي لا تبطل الصلاة بالاخلال بها سهوا وجهلا ونسيانا
وسيأتي في روايات أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ما ينص على ذلك.
5

المرجوح أيضا لكن الرواية المتواترة من طرق الخاصة والعامة توجب الحمل على
الوجوب، والتعبير بهذا الوجه لنفي توهم أنه ينقص من ثوابهم شئ أو يوجب نقصا
في صلاتهم، قال في الكشاف: كأنهم ألفوا الاتمام فكان مظنة لان يخطر ببالهم أن
عليهم نقصانا في القصر، فنفى الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر، ويطمئنوا إليه، وسيأتي
في رواية زرارة ومحمد بن مسلم إيماء إليه، وإطلاق السفر يعم ما كان معصية، ولكن
رفع الجناح عن القصر إرفاقا يناسب التخصيص بالمباح، كما هو مقتضى الاخبار
والاجماع.
وقال في مجمع البيان (1): إن في المراد من قصر الصلاة هنا أقوالا:
الأول أن معناه أن يقصروا الرباعيات ركعتين ركعتين عن مجاهد، وجماعة
من المفسرين، وهو قول الفقهاء ومذهب أهل البيت عليهم السلام.
الثاني وذهب إليه جماعة من الصحابة والتابعين، منهم جابر بن عبد الله، و
حذيفة بن اليمان، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وأبو هريرة، وكعب، وابن عمر
وابن جبير، والسدي أن المعنى قصر صلاة الخوف من صلاة السفر لا من صلاة
الإقامة، لان صلاة السفر عندهم ركعتان تمام غير قصر، قال فهنا قصران قصر الامن
من أربع إلى ركعتين، وقصر الخوف من ركعتين إلى ركعة واحدة، وقد رواه
أصحابنا أيضا.
الثالث أن المراد القصر من حدود الصلاة عن ابن عباس وطاوس، وهو الذي

(1) مجمع البيان ج 3 ص 101 باختلاف.
6

رواه أصحابنا في صلاة شدة الخوف، وإنما يصلي إيماء والسجود أخفض من الركوع
فإن لم يقدر على ذلك فالتسبيح المخصوص كاف عن ركعة.
الرابع أن المراد به الجمع بين الصلاتين قال: والصحيح الأول.
ثم لا يخفى أن ظاهر الآية أن الخوف أيضا شرط للقصر، فلا يقصر مع الامن
لمفهوم الشرط، لكن قد علم جواز القصر ببيان النبي صلى الله عليه وآله فنقول: المفهوم وإن كان
حجة لكن بشرط عدم ظهور فائدة للتقييد، سوى المفهوم، ويحتمل أن يكون ذكر
الخوف في الآية لوجود الخوف عند نزولها، أو يكون قد خرج مخرج الأعم الأغلب
عليهم في أسفارهم، فإنهم كانوا يخافون الأعداء في غايتها كما قيل، ومثله في القرآن
كثير، مثل (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا) (1) وربما يدعى
لزوم الخوف للسفر غالبا ويؤيد ذلك القراءة بترك (إن خفتم).
على أن المفهوم إنما يعتبر أما إذا لم يعارضه أقوى منه، والمعارض هنا من الاجماع
ومنطوق الاخبار من الخاصة والعامة أقوى.
قال البيضاوي: وقد تظافرت السنن على جوازه أيضا في حال الامن فترك المفهوم
بالمنطوق وإن كان المفهوم حجة لأنه أقوى.
وقيل: قوله (إن خفتم) منفصل عما قبله، روي عن أبي أيوب الأنصاري
أنه قال: نزلت إلى قوله: (أن تقصروا من الصلاة) ثم بعد حول سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) النور: 33: وعندي أن الآية على ظاهرها، والمراد بالبغاء تكليف الإماء
بالبراز إلى الأسواق والتشاغل بالمكاسب ليؤدين ما حصل من ذلك إلى ساداتهن اما مضاربة
أو مكاتبة على ما كان معمولا عندهم.
وإنما عبر عن ذلك بالغاء فان الأمة المسكينة أما إذا أجبرت على تأدية مال معين في
اليوم أو الشهر مضاربة أو مكاتبة آل أمرها إلى تأدية ذلك من مكسب هو أسهل عليها وأوفر
هو الكسب بالفرج حراما، ولذلك قال عز وجل: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان
أردن تحصنا في البيت وخدمة في البيوت، راجع مشروح ذلك ج 79 ص 17 - 18.
7

عن صلاة الخوف فنزل (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) الآية هو في الظاهر كالمتصل
به، وهو منفصل عنه (1).

(1) وأخرج ابن جرير عن علي عليه السلام (على ما في الدرر المنثور ج 2 ص
209) قال: سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله انا نضرب في الأرض
فكيف نصلى؟ فأنزل الله: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة)
ثم انقطع الوحي.
فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وآله فصلى الظهر فقال المشركون: لقد أمكنكم
محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم! فقال قائل منهم: ان لهم مثلها أخرى في
أثرها، فأنزل الله بين الصلاتين: (ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ان الكافرين كانوا
لكم عدوا مبينا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) إلى قوله (ان الله
أعد للكافرين عذابا مهينا) فنزلت صلاة الخوف.
أقول: قصر صلاة السفر ثابت بالسنة القطعية من رسول الله صلى الله عليه وآله، وعليه روايات
الفريقين متواترة، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يقصرون صلاتهم اقتداء بسنة رسول
الله صلى الله عليه وآله، حتى أما إذا
جاء التابعون وظهر أصحاب الرأي والفتيا، توهموا أن حكم القصر
في الصلاة إنما ثبت بالآية الكريمة: (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) فجعلوه
رخصة لا عزيمة.
ولكنهم مع ذلك مجمعون كالشيعة على أن الخوف من فتنة الأعداء ليس بشرط في قصر
الصلاة، وإنما هو شرط في صلاة الخوف على الهيئة المخصوصة، ولذلك أعضل عليهم
توجيه لفظ الآية حيث علق صريحا كون المخافة من العدو شرطا لقصر الصلاة.
فذهب بعضهم إلى أن حكم القصر في الاسفار، إنما يثبت بالسنة، وان كانت الآية
بظاهرها تدل على أن القصر يثبت بشرطين: السفر والمخافة معا، فحكم الآية بوجوب
القصر مع الشرطين، لا ينافي حكم السنة بوجوبه مع شرط واحد.
وبعضهم كأبي بن كعب أنكر نزول الشرط الثاني رأسا وكتب في مصحفه: (وإذا
ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ان يفتنكم الذين كفروا) الآية
فحينئذ تكون الحكم ثابتا من الله عز وجل خوفا منه على الأمة أن يفتنهم الذين كفروا،
فيعم حال السفر مطلقا خاف المسلمون أنفسهم أولم يخافوا كما في قوله تعالى (يبين الله لكم
أن تضلوا) أي مخافة منه أن تضلوا.
لكنه قد ذهب عليه أن قوله تعالى: (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) يصرح بأن حكم
القصر إنما كان في ظرف المخافة وعدم الطمأنينة، فلا يفيد انكاره نزول (ان خفتم) كما
أن قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم) الآية إنما ينظر إلى سفرهم وخوفهم من الأعداء،
وهو واضح.
ثم إنه قد أتى بعضهم الاخر ببدع واختلق حديثا نسبه إلى عظماء الأصحاب بأن صدر
الآية نزلت قبل ثم انقطع الوحي، ثم نزل تتمه الآية بعد سنة، وهو كما ترى لا يدفع
الاشكال، بل يثبته.
وذلك لان الشرط: (ان خفتم أن يفتنكم) أما إذا
لحق بصدر الآية وفيها حكم
القصر، صار مقيدا لاطلاقه، ولزم بعد نزوله اشتراط حكم القصر بالخوف من فتنة الأعداء
وجاء الاشكال برمته بعد سنة، وإذا لم يلحق بصدر هذه الآية وهو خلاف ظاهر الكتاب
والسنة صار ذيل الآية: (ان خفتم) الخ لغوا من القول تعالى الله عما يقول الظالمون
علوا كبيرا.
8

وعلى هذا فيجوز أن يكون التقدير اقصروا من الصلاة إن خفتم، أولا جناح
عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم، بقرينة السؤال، ووقوعه في المصحف بعد
ذلك.
قيل: وعلى هذا يتوجه القول الثاني أو الثالث في القصر بالنسبة إلى الخوف
مع الأول بالنسبة إلى السفر، ويتوجه أيضا قول أصحابنا إن كلا من السفر والخوف
موجب للقصر كما يتوجه على قراءة ترك (إن خفتم).
على أن الاجماع والاخبار تكفي في ذلك كما تقدم، وربما أمكن فهم
9

القصر مع الخوف وحده من الآية الآتية أيضا كما سيأتي بيانه.
قوله تعالى: (أن يفتنكم الذين كفروا) قيل أي في الصلاة، وقيل في
أنفسكم أو دينكم، والفتنة قيل: القتل، وقيل: العذاب. والأظهر أنه هنا التعريض
للمكروه.
1 - الكشي في الرجال: عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان
عن ابن أبي عمير، عن غير واحد من أصحابنا، عن محمد بن حكيم وغيره، عن محمد بن
مسلم، عن أبي جعفر، عن أبيه عليهما السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: التقصير يجب
في بريدين (1).
2 - تحف العقول: عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: والتقصير
في أربعة فراسخ: بريد ذاهبا وبريد جائيا اثنا عشر ميلا وإذا قصرت أفطرت (2).
3 - المقنعة: قال الصادق عليه السلام: ويل لهؤلاء القوم الذين يتمون الصلاة بعرفات
أما يخافون الله؟ فقيل له: وهو سفر؟ قال، وأي سفر أشد منه (3).
4 - المقنع: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل أتى سوقا يتسوق بها، وهي من
منزله على أربع فراسخ فان هو أتاها على الدابة أتاها في بعض يوم، وإن ركب السفن
لم يأتها في يوم، قال: يتم الراكب الذي يرجع من يومه صوما ويقصر صاحب
السفن (4).
بيان: اعلم أنه أجمع العلماء كافة على أن المسافة شرط في القصر، وإنما
اختلفوا في تقديرها، فذهب علماؤنا أجمع إلى أن القصر يجب في مسيرة يوم هي بريدان
ثمانية فراسخ: أربعة وعشرون ميلا، وتدل عليه روايات كثيرة.

(1) رجال الكشي في حديث طويل تحت الرقم 279 ط المصطفوي.
(2) تحف العقول: 440 ط الاسلامية.
(3) المقنعة: 71.
(4) المقنع: 63 ط الاسلامية، وفيه على سبع فراسخ.
10

واختلف الأصحاب في مسيرة أربعة فراسخ، فذهب جماعة من الأصحاب منهم
المرتضى وابن إدريس وكثير من المتأخرين إلى أنه يجب عليه التقصير أما إذا
أراد الرجوع
من يومه، والمنع منه إن لم يرد ذلك.
وقال الصدوق في الفقيه: وإذا كان سفره أربعة فراسخ وأراد الرجوع من يومه
فالتقصير عليه واجب، وإن كان سفره أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع من يومه فهو بالخيار
إن شاء أتم وإن شاء قصر، ونحوه قال المفيد والشيخ في النهاية إلا أنه منع من
التقصير في الصوم فيما أما إذا
لم يرد الرجوع من يومه.
وقال الشيخ في كتابي الاخبار: إن المسافر أما إذا
أراد الرجوع من يومه، فقد وجب
عليه التقصير في أربعة فراسخ، ثم قال: على أن الذي نقوله في ذلك أنه إنما يجب
عليه التقصير أما إذا
كان مقدار المسافة ثمانية فراسخ، وإذا كان أربعة فراسخ كان بالخيار
في ذلك، إن شاء أتم وإن شاء قصر.
وظاهر هذا الكلام العدول إلى القول بالتخيير، وإن أراد الرجوع ليومه،
ولهذا نقل الشهيد في الذكرى عن الشيخ في التهذيب القول بالتخيير في تلك الصورة، و
نقل ذلك عن المبسوط وعن ابن بابويه في كتابه الكبير وقواه.
أقول: النقل من المبسوط لعله اشتباه، إذ فيما عندنا من نسخه هكذا: و
حد المسافة التي يجب فيها التقصير ثمانية فراسخ أربعة وعشرون ميلا، فان كانت أربعة
فراسخ وأراد الرجوع من يومه وجب أيضا التقصير، وإن لم يرد الرجوع من يومه
كان مخيرا بين التقصير والاتمام انتهى والكتاب الكبير للصدوق لم نظفر عليه، نعم
ظاهر كتابي الاخبار ذلك، وإن كانا قابلين للتأويل.
وقال ابن أبي عقيل: كل سفر كان مبلغه بريدين وهو ثمانية فراسخ، وبريد ذاهبا
وبريد جائيا وهو أربعة فراسخ في يوم واحد، أو ما دون عشرة أيام فعلى من سافره عند
آل الرسول أما إذا
خلف حيطان مصره أو قريته وراء ظهره وغاب عنه منها صوت الاذان أن
يصلي صلاة السفر ركعتين، ونقل في المختلف (1) عن سلار أنه إن كانت المسافة

(1) المختلف: 162.
11

أربعة فراسخ وكان راجعا من يومه قصر واجبا، وإن كان من غده فهو مخير بين القصر
والاتمام، ونقله عن ابن بابويه.
فمرادهم بالغد إن كان معناه الحقيقي كان قولا آخر، وإن كان المراد به
ما عدا اليوم كان بعينه قول المفيد، وحد المسافة ابن الجنيد بمسير يوم للماشي و
راكب السفينة.
ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الاخبار ففي كثير منها إناطة التقصير بثمانية
فراسخ، وفي كثير منها بأربعة فراسخ، واختلفوا في الجمع بينها، فحمل الشيخ في
أحد وجهيه وجماعة أخبار الأربعة على ما أما إذا
أراد المسافر الرجوع ليومه.
واحتجوا على ذلك بصحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن التقصير
فقال: بريد ذاهب وبريد جاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أما إذا
أتى ذبابا قصر (1) وذباب على
بريد، وإنما فعل ذلك لأنه أما إذا
رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ. وأمثالها
ولا دلالة فيها على رجوع اليوم بوجه بل تدل على أن الذهاب والمجئ محسوبان معا
في مسافة البريدين.
مع أن الروايات المتضمنة لتوبيخ أهل عرفات على عدم التقصير تأبى عن
هذا الحمل، أما إذا
الظاهر أن خروجهم للحج بل بعضها صريح في ذلك، ولا يتحقق معه
رجوع اليوم، نعم في فقه الرضا ما يدل على هذا الوجه، ولعل الصدوق أخذه منه،
وتبعه القوم.
وجمع الشيخ وغيره بينها بوجه آخر، وهو تنزيل أخبار الثمانية على الوجوب
والأربعة على الجواز، وحمل الشهيد الثاني أخبار الأربعة على الاستحباب، وله
وجه فإنه أنسب بالتوبيخ على الترك والامر بالفعل، وإن كان بعيدا أيضا إذ التهديد
بالويل، والتخويف بالعذاب لا يناسب ترك المستحب إلا أن يقال: التوبيخ والتهديد
لاعتقادهم تعين الاتمام وإيقاعهم ذلك على وجه التعيين واللزوم.

(1) الفقيه ج 1 ص 287 والظاهر انتهاء الخبر هنا.
12

والأظهر في الجمع بينها أن يقال: المعتبر في السفر الموجب للتقصير أن تكون
المسافة التي أرادها المسافر ثمانية فراسخ، وإن كان بحسب الذهاب والعود معا،
فلو أراد السفر أربعة فراسخ وأراد الرجوع إلى المحل الذي سافر منه من غير أن
ينقطع سفره بالوصول إلى منزله أو إقامة عشرة فيما بين ذلك، كان عليه التقصير، وإن
لم يرد الرجوع من يومه، لقصد المسافة التي هي ثمانية فراسخ.
وبه تتطابق الاخبار وتتصالح من غير منافرة، ويؤيده مرسلة صفوان (1) قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل
فلم يزل يتبعه حتى أبلغ النهروان وهي أربعة فراسخ من بغداد أما إذا
أراد الرجوع
ويقصر؟ قال: لا يقصر ولا يفطر، لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية
فراسخ إنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به المسير إلى
الموضع الذي بلغه، ولو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه
أن ينوي من الليل سفرا والافطار، فان هو أصبح ولم ينو السفر فبدا له من بعد أن يصبح
في السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك.
وأما ما ذكره ابن أبي عقيل رحمه الله فإن كان مراده ما ذكرنا، فنسبته
إلى آل الرسول صلى الله عليه وآله حسن لأنه الظاهر من أخبارهم، وإلا فلا وجه لتخصيص
العشرة أيضا، أما إذا
يمكن أن يرجع بعد عشرين يوما مثلا ولم يقطع سفره بقصد إقامة
العشرة في موضع.
ويؤيد الأربعة أن أحدا من المخالفين لم يقل به، ومنهم من قال بالثمانية
فالتعبير عن الأربعة بالثمانية يمكن أن يكون لنوع من التقية، أو لمن يريد الرجوع
كما عرفت.
وأما المخالفون فالأوزاعي قال: هي ثمانية فراسخ، وقال الشافعي: ستة عشر

(1) التهذيب ج 4 ص 225 ط نجف ج 1 ص 416 ط حجر،، وفيه قال: سألت
الرضا عليه السلام.
13

فرسخا (1) ومنهم من قال: ستة وأربعون ميلا، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري

(1) في نسخة الكمباني تبعا لنسخ الأصل ستة وعشرون فرسخا، وهو سهو ظاهر
من طغيان القلم، والشافعي إنما قال: حد المسافة ستة عشر فرسخا ثمانية وأربعون ميلا
وبه قال مالك وأحمد.
قال في مشكاة المصابيح ص 119: وعن مالك بلغه أن ابن عباس كان يقصر الصلاة
في مثل ما يكون بين مكة والطائف (على ثلاث مراحل من مكة أربعة وعشرون فرسخا)
وفى مثل ما بين مكة وعسفان (على مرحلتين من مكة ستة عشر فرسخا) وفي مثل ما بين
مكة وجدة (على مرحلتين شاقتين) وقال مالك: وذلك أربعة برد، ورواه في الموطأ.
أقول: لكن يبقى عليه أن يثبت أن ابن عباس كان يتم فيما دون ذلك، ولم يرد عنه
خبر ينص على ذلك، ولعله كان يقصر فيما دون ذلك حتى ثمان فراسخ: بريدين.
نعم ظاهر الشافعي في باب متعة الحج، أنه تعلق في تعيين مسافة القصر بقوله تعالى:
(ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) توهما منه أن الله عز وجل جعل وجوب
الهدى أو الصيام (حيث قال (ذلك) إشارة إلى الهدى أو بدله الصيام) لمن كان مسافرا
عند حضوره في مكة، فان الحضر مقابل السفر، ولما كان الحكم مقصورا على من كان دون
عسفان وذات عرق بالسنة، لزم كون المسافة مثل ما بين عسفان ومكة، وهو من مكة
على بعد مرحلتين: ستة عشر فرسخا، لتتطابق الفرض والسنة.
لكنه غفل عن أن المراد بالمسجد الحرام هو الحرام كله، على ما عرفت في ج 84
ص 40 باب القبلة (بل وقد استفاض هذا القول عن ابن عباس أيضا كما أخرجه السيوطي في
الدر المنثور ج 1 ص 217) وغفل عن أن الحرم من جانب عسفان يمتد إلى أرض الحديبية
وبين عسفان وما دونها وبين الحديبية (أعنى أرض الحرم منها) أقل من ثمان فراسخ،
فيكون الذي أراد الحج من عسفان وما دونها، وظيفته حج القران أو الافراد، لا حج التمتع
لان أهله يعد من حاضري المسجد الحرام، وهو واضح.
فعلى هذا يجب أن نراعي هذه الدقيقة في كتاب الحج عند تعيين المسافة التي يجب
فيما وراءها حج التمتع، فان زوايا الحرم بعضها أقرب إلى مكة من بعض، كما أن الحرم
من جانب العرفات إنما يمتد من مكة إلى ثلاث فراسخ، وبعض العرفات داخل الحرم و
أكثرها خارج الحرم، والذي يكون بينه وبين عرفات (أعني أرضها الحرم) ثمانية
فراسخ عليه حج التمتع مع أنه على احدى عشرة فرسخا من مكة، لا ستة عشر فرسخا ولك
أن تحمل حديث حريز وفيه (ثمانية عشر ميلا ستة فراسخ) على ما بعد الحرم.
14

أربعة وعشرون فرسخا، وقال داود: يلحق الحكم بالسفر القصير كالطويل، لما روي
أن النبي صلى الله عليه وآله كان أما إذا
سافر فرسخا قصر الصلاة، وعن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين.
وقال الحسين بن مسعود في شرح السنة: ذهب قول إلى إباحة القصر في السفر
القصير روي عن علي عليه السلام أنه خرج إلى النخيلة فصلى بهم الظهر ركعتين، ثم رجع
من يومه، قال عمرو بن دينار: قال لي جابر بن زيد أقصر بعرفة. وأما عامة الفقهاء
فلا يجوزون القصر في السفر القصير، واختلفوا في حده قال الأوزاعي: عامة الفقهاء
يقولون مسيرة يوم تام، وبهذا نأخذ.
قلت: وروى سالم أن عبد الله بن عمر كان يقصر في مسيرة اليوم التام، وقال
محمد بن إسماعيل سمي النبي صلى الله عليه وآله يوما وليلة سفرا، وأراد به ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها
حرمة، ثم نقل ساير الأخبار المتقدمة.
وأما حديث المقنع (1) ففيه دلالة على أن من سافر أربعة فراسخ لا يفطر
إن رجع من يومه، وإلا فيقصر، ويمكن حمله على أن الراكب يمكنه أن يرجع
قبل الزوال فيصوم، بخلاف راكب السفينة، وسيأتي الكلام فيه في كتاب الصوم

(1) في طبعة الكمباني: وأما حديث المقنع ففيه ايماء إلى أن من سافر أربعة فراسخ
يفطر ان رجع من يومه، وإلا فلا يفطر، ولعله مستند الشيخ في الفرق بين الصلاة والصوم)
وقد كان هكذا في نسخة الأصل: الا أن المؤلف العلامة رضوان الله عليه ضرب عليه بعدا
وأصلحه كما جعلناه في الصلب فلا تغفل.
15

إنشاء الله تعالى.
ثم اعلم أنه ورد في كثير من الروايات مسيرة يوم، واعتبره المحقق في المعتبر
والعلامة في المنتهى وغيرهما، وقيدوه بسير الإبل السير العام فيجوز التعويل على
كل منهما في القصر، ولو اعتبرت المسافة بهما واختلفا، فمنهم من اكتفى ببلوغ أحدهما
واحتمل الشهيد الثاني ره تقديم السير، وربما لاح من الذكرى تقديم التقدير
ولعله أقوى لأنه تحقيق والاخر تقريب، وإن كان الأول لا يخلو من قوة، و
الأحوط حينئذ فيما به الاختلاف الجمع.
ثم إنه نقل جماعة من الأصحاب اتفاق العلماء على أن الفرسخ ثلاثة أميال
وهو مروي في الاخبار، وأما الميل فقد روى الصدوق (1) مرسلا عن الصادق عليه السلام
أنه ألف وخمس مائة ذراع، وهو متروك، والظاهر أنه سقط من النساخ شئ،
ويرشد إليه أن في الكافي (2) روى أنه ثلاثة آلاف وخمس مائة، فالظاهر سقوط
الثلاثة من الفقيه، ويؤيده أيضا أنه قال في المعتبر: وفي بعض أخبار أهل البيت
ثلاثة آلاف وخمس مائة ذراع، وقد قطع الأصحاب بأن قدره أربعة آلاف
ذراع.
وفي الشرايع الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربعة وعشرون
أصبعا، تعويلا على المشهور بين الناس، أو مد البصر من الأرض، [وفيه إشعار بنوع
تردد في التفسير المشهور، وفي السرائر أسند ذلك إلى المسعودي في مروج الذهب] (3) و
في القاموس الميل قدر مد البصر، ومنار يبنى للمسافر، أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد
أو مائة ألف أصبع إلا أربعة آلاف أصبع، أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع، بحسب اختلافهم
في الفرسخ، هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو أثنى عشر ألف ذراع بذراع المحدثين
انتهى، ومنه يظهر وجه جمع بين المشهور وبين ما وقع في رواية الكليني بأن يكون

(1) الفقيه: ج 1 ص 286.
(2) الكافي ج 3 ص 432.
(3) ما بين العلامتين ساقط من الكمباني.
16

الاختلاف مبنيا على اختلاف الأذرع.
وقال أحمد بن محمد المقري في المصباح المنير: الميل بالكسر في كلام العرب
مقدار مدى البصري من الأرض، قاله الأزهري، والميل عند القدماء من أهل الهيئة
ثلاثة آلاف ذراع، وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع والخلاف لفظي فإنهم اتفقوا
على أن مقداره ستة وتسعون ألف أصبع، والإصبع ست شعيرات بطن كل واحدة
إلى ظهر الأخرى. ولكن القدماء يقولون الذراع اثنتان وثلاثون إصبعا، والمحدثون
أربع وعشرون أصبعا، فإذا قسم الميل على رأي القدماء كل ذراع اثنتين وثلاثين
كان المتحصل ثلاثة آلاف ذراع، وإن قسم على رأي المحدثين أربعا وعشرين كان
المتحصل أربعة آلاف ذراع، والفرسخ عند الكل ثلاثة أميال انتهى.
وقدر الأكثر الشعيرة بسبع شعرات من شعر البرذون، وضبط مد البصر في
الأرض بأنه ما يميز به الفارس من الراجل للمبصر المتوسط في الأرض المستوية،
وبالجملة الجمع بين هذه التقديرات والعلم بحصول كل منها في المسافات لا تخلو
من عسر وإشكال، والأولى رعاية الاحتياط فيما اشتبه من ذلك بالجمع بين
القصر والتمام.
ثم اعلم أنه ذكر غير واحد من الأصحاب أن مبدأ التقدير من آخر خطة
البلد في المعتدل، وآخر محلته في المتسع عرفا، ولم نطلع على دليله، وقيل مبدأ
التقدير مبدأ سيره بقصد السفر، وقالوا: البحر كالبر، وإن قطع المسافة في ساعة
واحدة، لان التقدير بالأذرع كاف في ثبوت الترخص، قال في المنتهى: لا نعرف في
ذلك خلافا.
ولو تردد يوما في ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائيا، فان بلغ في الرجوع إلى موضع
الاذان ومشاهدة الجدران، فالظاهر أنه لا خلاف في عدم القصر، وإن لم يبلغ
فالمقطوع به في كلام الأصحاب أنه لم يجز القصر، وخالف فيه العلامة في التحرير.
والأول لعله أقوى، إذ الظاهر من أخبار المسافة كون ذلك في جهة واحدة
17

وإنما اعتبرنا في خصوص الأربعة الاياب مع الذهاب، للاخبار الكثيرة الدالة عليه
فلا يتعدى عنه، وإن أمكن أن يقال: أما إذا
ظهر بتلك الأخبار كون الاياب محسوبا
مع الذهاب، فهو كاف في ذلك.
ولو كان لبلد طريقان أحدهما يبلغ المسافة، فان ملك الابعد لا لعلة الترخص
قصر إجماعا وإن كان للترخص لاغير فالمشهور أنه يقصر أيضا، وقال ابن البراج
يتم لأنه كاللاهي بصيده، وهو كما ترى.
ولو شك في بلوغ المسافة القدر المعتبر في القصر، فالمقطوع به في كلام
الأصحاب أنه يتم، وهو قريب، وهل يجب الاعتبار مع الجهل بالبلوغ؟ فيه وجهان
والعدم أقوى.
5 - تفسير علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام ستة لا يقصرون الصلاة: الجباة
الذين يدورون في جبايتهم، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و
الأمير الذي يدور في إمارته، والراعي الذي يطلب مواضع القطر، ومنبت
الشجر، والرجل يخرج في طلب الصيد يريد لهو الدنيا، والمحارب الذي
يقطع الطريق (1).
مقصد الراغب: عنه عليه السلام مرسلا مثله.
6 - الخصال: جعفر بن علي بن الحسن الكوفي عن جده الحسن بن علي، عن
جده عبد الله بن المغيرة، عن السكوني، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: سبعة لا يقصرون
الصلاة: الجابي الذي يدور في جبايته ثم ذكر نحوا مما مر إلا أنه قال: والراعي
والبدوي الذي يطلب والرجل الذي يطلب الصيد يريد به وفي آخره يقطع السبل (2).
ومنه: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن الحسين السعد آبادي

(1) تفسير القمي: 137.
(2) الخصال ج 1 ص 37.
18

عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير يرفعه إلى أبي
عبد الله عليه السلام قال: خمسة يتمون في سفر كانوا أو في حضر: المكاري، والكرى، والاشتقان
وهو البريد والراعي والملاح لأنه عملهم (1).
ومنه: عن أبيه، عن موسى بن جعفر الكمنداني، عن أحمد بن محمد بن عيسى
عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أربعة يجب
عليهم التمام في سفر كانوا أو في حضر: المكاري والكرى والاشتقان والراعي،
لأنه عملهم.
قال الصدوق - ره - الاشتقان البريد (2).
* (تفصيل وتبيين) *
اعلم أن المشهور بين الأصحاب وجوب الاتمام على المسافر الذي سفره أكثر من
حضره، وهذا التعبير شائع في ألسنة الفقهاء، ولم يرد في الاخبار هذا اللفظ، بل
إنما ورد فيها وجوب الاتمام على جماعة مخصوصة عملهم وصناعتهم السفر (3) ولذا

(1) الخصال ج 1 ص 145.
(2) الخصال ج 1 ص 120.
(3) ظاهر قوله عز وجل: (وإذا ضربتم في الأرض) أن المراد هو المسافر الذي يكون له
مقصد وراء المسافة يجد ويجهد ويضرب حتى يصل إلى مقصده ذلك من متجر أو ضياع أو صلة
رحم أو غير ذلك كما قال عز وجل: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون
(يضربون في الأرض) يقاتلون في سبيل الله.
فإذا كان المقصد وراء المسافة، يدخل المسافر تحت الآية الكريمة فيوضع عنه الركعات
المسنونة، سواء كانت داخل الفرض أو خارجه، على ما عرفت من قوله تعالى: (ان لك
في النهار سبحا طويلا) لئلا يجتمع على المسافر مشقة سبحتين، وأما أما إذا
كان المقصد مع
المسافر لا يزال عنه، لم يدخل تحت الآية الكريمة حتى يسقط عنه الركعات المسنونة.
وهذا كالذي اختار السفر لأجل التنزه أو السياحة أو الصيد الحلال، يكون نفس
السفر مقصدا له لا يفرق عنده ما وراء المسافة مما هو دونها، فليس له جد في الذهاب في
الأرض ولا الاسراع في المسير لا بضرب الاقدام ولا بضرب الإباط بل يطلب المواضع النزهة
كلما وجد بغيته أقام فيها يوما أو يومين أو ساعة وساعتين على قدر نشاطه وفرحه، وكلما رأى
صيدا تبعه وتعاقبه ليدركه سواء أنجد أو أغار، شرق أو غرب، ذهب أمامه أو رجع خلفه
وإن كان من أول السياحة عازما على الذهاب في أكثر من المسافة الشرعية.
نعم أما إذا
كان غرضه من التفرج والصيد مباحا أو مندوبا وكان الموضع الذي يريده
للتنزه أو الصيد ما وراء المسافة الشرعية، دخل في القسم الأول وشمله حكم الآية الكريمة
وسنتها، لأنه قصد المسافة لمقصد هو ما وراءها، فيقصر في المسافة ويتم في البساتين و
المتنزهات والنخجيرات وأماكن السياحة.
ومن القسم الثاني الاعراب والأكراد الذين بيوتهم معهم لم يختاروا لتعيشهم موطنا
بعد، فلا يتفاوت لهم بلد من بلد آخر. بل كل بلد موطن لهم، وكل منزل أنا خوا فيه
رحالهم كان منزلهم، فمقصدهم معهم لا ينفك عنهم، الا الذين لهم طول السنة سفرتان فقط
سفرة إلى القر وسفرة إلى الصر، يتمون في القر والصر ويقصرون ما بينهما.
ومن القسم الثاني التاجر الذي يطوف وتجارته معه لم يختر سوقا معينا لتجارته،
بل يدور من سوق إلى سوق ومن قرية إلى أخرى فمقصده معه لا يزول عنه، وإن كان
مجموع أسواقه يبلغ حد المسافة، إلا أما إذا
كان بين سوق وسوق مسافة كاملة يقصر فيها و
إذا بلغ منزله أعنى سوق تجارته أتم.
ومن القسم الثاني الراعي الذي يرعى مواشيه يطلب منابع الشيح ومواضع القطر
كلما رأى نبتا حصل في مقصده وأقام حتى يستوفيه، فهو قاصد لنفس السفر ليس له مقصد
ما وراءها يطلبه ويجد في طلبه، يتم صلواته، الا أما إذا
ابتلى بمفازة لا نبت فيها وطول المسافة
يبلغ المسافة الشرعية، يقصر طي سفره هذا حتى يجوز المفازة ويبلغ منبتا آخر
يرعى فيه.
ومن القسم الثاني الجمال والملاح والبريد والمكاري وأمثالهم، حيث كان نفس
السفر وطى المسافة مقصدا لهم ليس لهم بعد تمام المسافة مقصد: وبعد ما بلغ المسافرون
مقصدهم واشتغلوا بما أهمهم، فرغ هؤلاء من مقصدهم وما أهمهم، فهم طول المسافة في
تجارتهم وكسبهم بل ومنازلهم، كأنهم استوطنوا المسالك واختاروها سوقا لهم يدورون
من سوق إلى سوق وكل سوق فيه مقصدهم وتجارتهم، الا أما إذا
جد بهم السير خوفا من لص
أو طوفان أو سبع أو سيل فحينئذ يشملهم الآية الكريمة، (أما إذا
ضربتم في الأرض) على
ما عرفت من ظاهر معناها، فيقصرون حين جدهم بين المنزلين لئلا يجتمع عليهم
سبحتان.
ومن القسم الثاني المالكون للضياع والعقار أو البساتين أو النخلات يطوفون بينها
لاصلاحها ومرمة معاشهم، فإذا كان بين نخلة ونخلة أو بستان وآخر، أو شيعة وأخرى
مسافة شرعية كان مقصدهم في السفر والضرب في الأرض ما وراء المسافة فيقصرون، وإذا
كانت متقاربة ليس بينها مسافة شرعية، كان مقصدهم دون المسافة وخرجوا عن الآية الكريمة
وأتموا، وان بلغت مجموع ذهابهم ذلك حد المسافة الشرعية، فإنهم كلما حصلوا في واحد
من تلك الضياع والعقار أو النخلات كانوا في منزلهم ومقصدهم، ولا حول ولا قوة الا بالله
العلي العظيم.
19

أول جماعة كلامهم بهذا المعنى والظاهر قصر الحكم على الجماعة المذكورين في تلك الأخبار
، وظاهر ابن أبي عقيل القول بوجوب التقصير على كل مسافر، والأول أقوى
لما مضى من الاخبار وغيرها.
والكرى فسره أكثر اللغويين بالمكاري، ويحتمل تخصيص الكرى بالجمال،
20

والمكاري بغيره، أو تعميم المكاري، وتفسير الكري بمن يكري نفسه للسفر كالبريد
قال في الذكرى: المراد بالكرى في الرواية المكتري، وقال بعض أهل اللغة قد يقال
الكرى على المكاري، والحمل على المغايرة أولى بالرواية لتكثر الفائدة، ولأصالة
عدم الترادف انتهى.
ولعل مراده بالمكترى من يكرى نفسه، وقيل: الذي يأخذ الكرى من المكاري
21

أو من صاحب المتاع، ويكون دائما مع المكاري ملازما له.
والاشتقان سمعنا من مشايخنا أنه معرب دشتبان أي أمين البيادر، يذهب من
بيدر إلى بيدر، ولا يقيم مكانا واحدا، وفسره الصدوق بالبريد، قال في المنتهى: الاشتقان
هو أمين البيدر ذكره أهل اللغة، وقيل البريد.
وقال في النهاية في الحديث إني لا أحبس البرد، قال الزمخشري البرد يعني
ساكنا جمع بريد وهو الرسول، والبريد كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل،
وأصلها بريده دم أي محذوف الذنب، لان بغال البريد كانت محذوفة الأذناب
كالعلامة لها، فأعربت وخففت، ثم سمي الرسول الذي يركبه بريدا والمسافة التي
بين السكتين بريدا.
والسكة موضع كان يسكنه الفيوج المرتبون من بيت أو قبة أو رباط، وكان
يرتب في كل سكة بغال، وكان بعدما بين السكتين فرسخا وقيل أربعة، ومنه الحديث
لا تقصر الصلاة في أقل من أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا والفرسخ ثلاثة أميال
والميل أربعة آلاف ذراع انتهى.
ويستفاد من تعليل رواية ابن أبي عمير (1) أن كل من كان السفر عمله وصنعته
يجب عليه الاتمام، وفي رواية إسحاق بن عمار (2) قال: سألته عن الملاحين والاعراب
هل عليهم تقصير؟ قال: لا بيوتهم معهم، فيستفاد منها أن كل من شأنه أن يتحرك مع
بيته ورحله فعليه التمام.
فالظاهر أن المرجع في هذا الباب إلى صدق اسم المكاري والملاح وأمثالهم
عرفا، وكذا صدق كون السفر عمله كاف في وجوب الاتمام، وبهذا قطع العلامة و
الشهيد، لكنه قال في الذكري: وذلك إنما يحصل بالسفرة الثالثة التي لم يتخلل
قبلها إقامة تلك العشرة، أي العشرة المنوية في غير بلده ومطلقا في بلده، واعتبر ذلك

(1) يعنى خبر الخصال المتقدم تحت الرقم 6.
(2) التهذيب ج 1 ص 122.
22

جماعة من الأصحاب، واعتبر ابن إدريس في غير صاحب الصنعة ثلاث دفعات
وقال إن صاحب الصنعة من المكارين والملاحين يجب عليهم الاتمام بنفس خروجهم إلى
السفر، لان صنعتهم تقوم مقام من لا صنعة له ممن سفره أكثر من حضره، واستقرب
في المختلف الاتمام في الثانية أما إذا
لم يقيموا بعد الأولى مطلقا، وليس لهذه التعليلات
مستند يصح التعويل عليه، غير ادعاه دلالة العرف عليه.
وإذ قد عرفت أن الحكم في الاخبار ليس معلقا على الكثرة، بل على مثل
المكاري والجمال ومن اتخذ السفر عمله، أو من كان بيته معه، وجب أن تراعى هذه
الأسماء عرفا، فلو فرض عدم صدق الاسم بمرات كثيرة لم يتعلق حكم الاتمام.
ثم اعلم أن أكثر الأصحاب قطعوا بأنه يشترط في إتمام هؤلاء أن لا يقيموا في
بلدهم عشرة أيام، واحتجوا بما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام وأقل، قصر في
سفره بالنهار، وأتم بالليل، وعليه صوم شهر رمضان، وإن كان له مقام في البلد الذي
يذهب إليه عشرة أيام وأكثر قصر في سفره وأفطر.
وهذه الرواية في سندها جهالة (2) وما تضمن من الاكتفاء في التقصير نهارا
بأقل من خمسة أيام متروك بين الأصحاب ومقتضاها إقامة العشرة في البلد الذي يذهب
إليه وهو غير ما اعتبروه من الإقامة في بلدهم، ومع ذلك فالحكم فيه مختص بالمكارى
ولذا احتمل المحقق في المعتبر اختصاص الحكم بالمكارى ونقل في الشرايع قولا
بذلك، هو مجهول القائل.
وعبارة الحديث تحتمل احتمالا آخر وهو أن يكون المراد إن كان له إرادة
المقام في البلد الذي يذهب إليه قصر في سفره إلى ذلك البلد بل هو أظهر (3) وهو

(1) التهذيب ج 1 ص 315.
(2) يريد اهمال إسماعيل بن مرار، وقد عرفت أن الاهمال غير الجهالة.
(3) ولعل المراد أن المكارى قد يكون مع كريه قاصدا للمسافة لغيرها، كالذي له
حاجة ببعض البلدان فيكري دوابه إلى هذا البلد ليفوز بالحسنيين كالحاج الذي يبتغى في
سفره فضل الله عز وجل.
وذلك بعد حمل المقام في الرواية على المقام لمقصد خاص أو رفع حاجة تخصه،
ولذلك يقيم أكثر من خمسة أيام كالمقام عشرة لزيارة، فيقصر في سفره ذلك، لأنه كأحد
المسافرين، واما أما إذا
لم يستقر في المنزل والمقصد الا ثلاثة أيام يريد بذلك راحة جماله
ورفع التعب عنها واشتراء علوفتها، فالظاهر أنه قصد المسافة تجارة، فيتم صلاته ويصوم
شهر رمضان، وهكذا نقول فيما سيأتي من الروايات.
23

خلاف مقصودهم، وهذه الرواية أوردها الصدوق بطريق صحيح عن ابن سنان (1) ومتنه
مغاير لما أورده الشيخ، فإنه قال: المكاري أما إذا
لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو
أقل قصر في سفره بالنهار، وأتم صلاة الليل، وعليه صوم شهر رمضان، فإن كان
له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر وينصرف إليه منزله، ويكون
له مقام عشرة أيام أو أكثر، قصر في سفره وأفطر.
والظاهر أن في رواية الشيخ سقطت هذه الفقرة ومقتضى هذه الرواية اعتبار
إقامة العشرة في المنزل الذي يذهب إليه أيضا، والقول به غير معروف بين الأصحاب
إلا أن العمل بمقتضى هذه الرواية الصحيحة غير بعيد.
واستوجه ذلك بعض أفاضل المتأخرين ولم يعتن بمخالفة المشهور ومرسلة
يونس (2) أيضا تدل على ذلك حيث قال عليه السلام: أيما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي
يدخله أكثر من عشرة أيام، فعليه التقصير، لكنها تدل على الاكتفاء بأحدهما، و
يمكن حمل الخبر الأول عليه، والمسألة محل إشكال، وقد مكار لا يقيم في بلده

(1) الفقيه ج 1 ص 281.
(2) التهذيب ج 1 ص 414، ولفظه: (أيما مكار أقام في منزله أو في البلد
الذي يدخله أقل من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبدا، وإن كان مقامه في
منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والافطار).
24

أو في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام.
وقال في المدارك: ظاهر الأصحاب الاتفاق على أن إقامة العشرة أيام في البلدة
قاطعة لكثرة السفر، وموجبة للقصر، والظاهر أنه محل للاحتياط، وألحق الفاضلان
ومن تأخر عنهما بإقامة العشرة في البلد العشرة المنوية في غير بلده، وهو حسن
بحمل العشرة في رواية يونس على المنوية، للاجماع المنقول على عدم تأثير غير
المنوية، وألحق الشهيد العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين، وفي التردد ثلاثين خلاف
والأقرب عدم الالحاق كما اختاره الشهيدان.
ومتى وجب القصر على كثير السفر بإقامة العشرة، ثم سافر مرة ثانية بدون
إقامة، فالأظهر وجوب الاتمام عليه، مع بقاء الاسم كما صرح به ابن إدريس وغيره
واعتبر في الذكرى المرة الثالثة وهو ضعيف.
وأما إقامة الخمسة فذهب الشيخ وابن البراج وابن حمزة إلى أنه يتم صلاة
الليل خاصة للرواية المتقدمة والمشهور أنه لا تأثير لذلك أصلا، وأجيب عن
الرواية بأنها متروكه الظاهر فإنها تتضمن المساواة بين الخمسة والأقل منها، و
الأقل يصدق على يوم وبعض يوم ولا قائل به، مع أنها معارضة بقوله في صحيحة
معاوية بن وهب (1): هما واحد أما إذا
قصرت أفطرت، وإذا أفطرت قصرت.
وما بعض أفاضل المتأخرين إلى العمل به، وأول الخبر بأن المراد
إثبات الحكم المذكور لمن أقام خمسة أحيانا وأقل منه أحيانا أو بأن المراد بالأقل
ما قارب الخمسة، وظاهر الصدوق العمل به، وعدم الاشتهار بين المتأخرين
غير ضائر.
وربما يحمل الخبر على التقية، لان الشافعي وجماعة كثيرة من العامة
ذهبوا إلى الاكتفاء للاتمام بإقامة أربعة أيام، سوى يوم القدوم والخروج، وذهب
جماعة منهم إلى احتساب اليومين، وفيه تأمل، والمسألة مشكلة، ولعل الاحتياط

(1) الفقيه ج 1 ص 280.
25

في الجمع.
7 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن
رجل [عن أبي عبد الله عليه السلام (1) في الرجل يخرج مسافرا؟ قال: يقصر أما إذا
خرج
من البيوت (2).
ومنه: بهذا الاسناد عن حماد] (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المسافر يقصر
حتى يدخل المصر (4).
ومنه: بهذا الاسناد عنه عليه السلام قال: أما إذا
سمع الاذان أتم المسافر (5).
8 - قرب الإسناد: عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن الحسن بن
محبوب، عن علي بن رئاب قال: سمعت بعض الزراريين يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة، وله بالكوفة دار وعيال، فيخرج و
يمر بالكوفة يريد مكة ليتجهز منها، وليس من رأيه أن يقيم أكثر من يوم أو يومين
قال: يقيم في جانب الكوفة ويقصر حتى يفرغ من جهازه، وإن هو دخل منزله
فليتم الصلاة (6).
ومنه: عن محمد بن الوليد، عن عبد الله بن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة وله بها دار وأهل ومنزل ويمر بها
وإنما هو يختلف لا يريد المقام، ولا يدري ما يتجهز يوما أو يومين؟ قال: يقيم في
جانبها ويقصر، قال: قلت له: فان دخل أهله؟ قال: عليه التمام (7).

(1) في المطبوع من المصدر: عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) المحاسن: 370.
(3) ما بين العلامتين ساقط من ط الكمباني موجود في نسخة الأصل.
(4) المحاسن: 371.
(5) المحاسن: 371.
(6) قرب الإسناد: 100 ط نجف.
(7) قرب الإسناد: 105 ط نجف.
26

ومنه: عن السندي ابن محمد البزاز، عن أبي البختري وهب القرشي عن
الصادق، عن أبيه أن عليا عليه السلام كان أما إذا
خرج مسافرا لم يقصر من الصلاة حتى
يخرج من احتلام البيوت، وإذا رجع لا يتم الصلاة حتى يدخل احتلام البيوت (1).
* (تبيين) *
اعلم أن الأصحاب اختلفوا في أنه هل يعتبر في قصر المسافر حد يصل إليه
ذهابا وعودا أم لا؟ فقال الشيخ علي بن بابويه: أما إذا
خرجت من منزلك فقصر حتى
تعود إليه، وذهب المرتضى والشيخ في الخلاف والعلامة وجماعة من المتأخرين
إلى اشتراط خفاء الجدران والاذان، وذهب الأكثر إلى أن المعتبر أحد الامرين
المذكورين، ونسبه الشهيد الثاني إلى أكثر القدماء وقال ابن إدريس: الاعتماد عندي
على الاذان المتوسط، والصدوق في المقنع اعتبر خفاء الحيطان، والقائلون بالجمع
جمعوا بين الاخبار بذلك والقائلون بالتخيير جمعوا بينها بالحمل على أن كلا منهما
كاف لذلك، وهو أصوب.
ثم المشهور اتحاد حكم الذهاب والعود، وذنب المرتضى وابن الجنيد إلى
أنه يجب عليه التقصير في العود حتى يبلغ منزله (2).

(1) قرب الإسناد ص 89 ط نجف.
(2) وهذا هو الصحيح، فان ملاك القصر ليس هو نية المسافة وإرادة السفر فقط.
بل اللازم فيه التلبس بالسير ليصدق عليه الضرب في الأرض، وليس يصدق عليه ذلك عند أهل
البيت عليهم السلام الا بعد الخروج عن البلد والابتعاد منه حتى يخفى الجدران المتعارفة، وإذا كانت
البلد رفيعة البنيان، فحتى يخفى الصوت الرفيع منه بالاذان، واما عند المراجعة إلى البيت
فلا يلزم مراعاة ذلك، فان عنوان السفر والضرب في الأرض بعد ما تحقق، لا يرتفع الا
بالوصول إلى المقصد، والمقصد هو بيته أو بيت تجارته، أيهما دخل أتم الصلاة.
وهكذا أما إذا
كان له دار أو ضيعة أو نخلة يمر عليها في سفره، إنما يكون الدخول
فيها قاطعا لحكم السفر، أما إذا
كان احدى هذه التي ذكرناها مقصدا له، وأما أما إذا
لم يكن
من قصده الدخول إلى تلك الدار أو الضيعة أو النخلة، بل كان قصده السير إلى ما وراءها
وإنما وصل إليها لاتحاد الطريق، فله أن ينزل خارج الدار والضيعة ويقصر صلاته.
27

واعلم أن الظاهر من أخبار التواري تواري المسافر عن البيوت أي أهلها، لا
تواري البيوت عنه وهو أقرب إلى خفاء الاذان، ولا يبعد العمل وبه حينئذ هل يكفي
التواري بالحائل بحيث لا تضر الرؤية بعده أم لا؟. وجهان ولعل العمل باعتبار الاذان أضبط
وأولى، وأما خفاء الجدران، فان اعتبر خفاء شبحها فلا تحصل في فراسخ، ولذا
اعتبروا خفاء صورتها، وعدم تميز خصوصياتها، لتقارب العلامة الأخرى.
وذكر الشهيدان أن البلد لو كان في علو مفرط أو وهدة اعتبر فيها الاستواء
تقديرا، ويحتمل الاكتفاء بالتواري في المنخفضة كيف كان، لاطلاق الخبر.
وقالوا لا عبرة بأعلام البلد كالمنارة والقلاع، ولا عبرة بسماع الاذان المفرط
في العلو كما أنه لا عبرة بخفاء الاذان المفرط في الانخفاض، فتكون الرواية مبنية
على الغالب.
وقالوا: المراد جدران آخر البلد الصغير والقرية، وإلا فالمحلة، وكذا أذان مسجد
البلد والمحلة، ويحتمل البيت ونهاية البلد، وظاهر بعض الروايات خفاء جميع بيوت
البلد وأذانه، ويحتمل البيوت المتقاربة من بيته، وكذا أذانها.
ويدل على مذهب المرتضى وابن الجنيد في العود صحيحة العيص بن القاسم (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته، وفي موثقة
إسحاق بن عمار (2) حتى يدخل أهله، وحملوهما على أن المراد الوصول إلى
موضع يسمع فيه الاذان، ويشاهد الجدران، وهو بعيد جدا.
ويمكن القول بالتخيير بعد الوصول إلى سماع الاذان بين القصر والاتمام جمعا
بين الاخبار، كما اختاره بعض المحققين من المتأخرين، وربما يحمل أخبار عدم
اشتراط حد الترخص في الذهاب والعود على التقية إذ عامة فقهائهم على عدم

(1) التهذيب ج 1 ص 317.
(2) التهذيب ج 1 ص 317.
28

اشتراط ذلك.
وأقول: يمكن حمل الاخبار الاخر أيضا على التقية، لان فقهاءهم الأربعة
يشترطون الخروج من سور البلد، وإن كان داخل السور مزارع أو مواضع خربة،
وذهب بعضهم إلى أنه أما إذا
كان خارج السور دور ومقابر، فلا بد من مجاوزتها، ولا
يشترط عندهم مجاوزة المزارع والبساتين المتصلة بالبلد، إلا أما إذا
كانت فيها دور وقصور
يسكن فيها.
وأما الاخبار التي قدمناها، فالخبر الأول من المحاسن ظاهره الخروج من
البيوت، ولا يوافق شيئا من مذاهب الأصحاب إلا بالتكلف، وهو بما ذكرنا من أقوال
العامة أنسب، وكذا الثاني.
وأما الثالث فيوافق القول باعتبار الاذان، وهو يشمل ظاهر الذهاب والعود
معا، والخبر الرابع من قرب الإسناد يدل آخره على أن المعتبر في العود دخول
المنزل، وأوله على أنه لا يتوسط البلد، إن حمل الجانب على الداخل، أولا يدخل
البلد، إن حمل على الخارج، فيمكن حمل هذا الجزء على التقية، ويمكن حمل
المنزل على البلد مجازا.
أو يكون محمولا على أنه لما كانت الكوفة من البلاد الوسيعة تعتبر فيها
المحلة، فإذا لم يدخل البلد يكون غالبا بينه وبين محلته حد الترخص، فيحمل
على ما أما إذا
لم تكن محلته في آخر البلد من تلك الجهة، ويمكن حمل الجزء الأول
على الاستحباب وكذا الكلام في الخبر الخامس لكن الأهل فيه أوسع من المنزل،
وأقبل للتأويل.
وبالجملة يشكل الاستدلال بالخبرين على شئ من المذاهب، والخبر الأخير لعل
فيه تصحيفا، ولا أعرف لاحتلام البيوت معنا مناسبا في المقام، إلا أن يكون كناية عن
غيبة شبحها، فإنها بمنزلة الخيال والمنام، أو يكون بالجيم بمعنى القطع، والبيوت
تحتمل بيوت البلد والمحلة، وبالجملة ظاهره عدم الاكتفاء بالخروج من المنزل،
29

والدخول فيه، وأما تعيين ما يعتبر فيه على أحد المذاهب فلا يستفاد منه.
9 - كتاب المسائل: باسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال:
سألته عن المكارين الذين يختلفون إلى النيل هل عليهم تمام الصلاة؟ قال: أما إذا
كان
مختلفهم فليصوموا وليتموا الصلاة، إلا أن يجد بهم السير فليفطروا وليقصروا (1).
بيان: قال في القاموس: النيل بالكسر نهر مصر، وقرية بالكوفة، وآخر
بيزد، وبلد بين بغداد وواسط انتهى.
قوله عليه السلام: (أما إذا
كان مختلفهم) أي يختلفون اختلافهم المعهود بالكراء أو
من غير جد.
واعلم أن هذا وصحيحة محمد بن مسلم (2) وصحيحة الفضل بن عبد الملك (3)
تدل على أن المكاري والجمال أما إذا
جد بهما السير يقصران، وظاهر الجد في السير
زيادته عن القدر المعتاد في أسفارهما غالبا، والحكمة فيه واضحة فيمكن تخصيص
الأخبار السابقة بهذه الاخبار، أو القول بالتخيير في صورة الجد في السير، ولعل
الأول أقوى.
واختلف كلام الأصحاب في تنزيل هاتين الروايتين، فقال الشيخ في التهذيب:
الوجه في هذين الخبرين ما ذكره محمد بن يعقوب الكليني (4) ره قال: هذا محمول
على من يجعل المنزلين منزلا فيقصر في الطريق خاصة ويتم في المنزل.
واستدل بما رواه عن عمران الأشعري عن بعض أصحابنا (5) يرفعه إلى أبي
عبد الله عليه السلام قال: الجمال والمكاري أما إذا
جد بهما السير فليقصرا بين المنزلين،
وليتما في المنزل، وهذه الرواية مع عدم قوة سندها غير دالة على ما ذكره، لجواز

(1) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 254.
(2) التهذيب ج 1 ص 315.
(3) التهذيب ج 1 ص 315.
(4) الكافي: ج 3 ص 437.
(5) التهذيب ج 1 ص 315، وتراه في الفقيه ج 1 ص 282.
30

أن يكون المراد بالمنزلين المنزل الذي يبتدء منه سفره، والذي ينتهى إليه.
وقال في المختلف: الأقرب عندي حمل الحديثين على أنهما أما إذا
أقاما عشرة أيام
قصرا، وحملهما في الذكرى على ما أما إذا
أنشأ المكاري والجمال سفرا غير صنعتهما،
قال: ويكون المراد بجد السير أن يكون مسيرهما مسيرا متصلا كالحج والاسفار
التي لا يصدق عليها صنعته.
واحتمل أيضا أن يكون المراد أن المكارين يتمون ما داموا يترددون في أقل
من المسافة أو في مسافة غير مقصودة، فإذا قصدوا مسافة قصروا، قال: ولكن هذا
لا يختص المكاري والجمال به، بل كل ما فر، قيل: ولعل ذلك مستند ابن أبي
عقيل حيث عمم وجوب القصر.
وحملهما الشهيد الثاني على ما أما إذا
قصد المكاري والجمال المسافة قبل
تحقق الكثرة، وربما يحمل (ويتم في المنزل) على أن المعنى يتم أما إذا
سافر
منزلا منزلا، ولا يخفى بعد هذه الوجوه، والأظهر ما ذكرنا أولا نعم يمكن
تخصيص جد السير بما ذكره الكليني لأنه من أرباب النصوص مع أنه غير بعيد عن
الاطلاق العرفي.
10 - المحاسن: عن بعض أصحابه عن علي بن أسباط، عن عبد الله بن بكير
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتصيد اليوم واليومين والثلاثة، أيقصر
الصلاة؟ قال: لا، إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين وإن المتصيد لهوا باطل
لا يقصرا الصلاة فيه (1).
وقال: يقصر الصلاة أما إذا
شيع أخاه (2).
بيان: في التهذيب (3) والكافي (4): وإن التصيد مسير باطل.

(1) المحاسن: 371.
(2) المحاسن: 371.
(3) التهذيب ج 1 ص 316.
(4) الكافي ج 3 ص 437.
31

واعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن جواز السفر شرط في جواز التقصير
سواء كان السفر واجبا كحجة الاسلام، أو مندوبا كزيارة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام
أو مباحا كاسفار التجارات، ولو كان معصية لم يقصر كاتباع الجائر، وصيد اللهو،
والسفر لضرر المسلمين، والفساد في الأرض، وقد حكى اتفاق الأصحاب على ذلك
جماعة منهم الفاضلان، وتدل عليه أخبار كثيرة.
ويدل التعليل الوارد في هذا الخبر، وغيره من الاخبار على عموم الحكم
بالنسبة إلى كل سفر حرام (1) سواء كانت غايته معصية كقاصد قطع الطريق، أو قتل
مسلم، أو كان نفس سفره معصية كالفار من الزحف، وتارك الجمعة بعد وجوبها، و
السالك طريقا يغلب على الظن الهلاك فيه، وإن كان لغاية حسنة كالحج والزيارات
وكذا إطلاقات كلام الأصحاب يقتضي التعميم.
ولا خلاف ظاهرا في أنه أما إذا
رجع المسافر العاصي عن نية المعصية في أثناء
السفر يقصر إن كان الباقي مسافة، ولو قصد المعصية في أثناء السفر المباح انقطع
ترخصه، ولو عاد إلى الطاعة قصر، وهل يعتبر حينئذ كون الباقي مسافة؟ قيل:
نعم، كما حكم به في القواعد لبطلان المسافة الأولى بقصد المعصية، وقيل: لا وهو ظاهر
المنتهي والمعتبر، والمقطوع به في الذكري وهو قوي لما رواه الشيخ (2) عن بعض
أهل العسكر قال: خرج عن أبي الحسن عليه السلام أن صاحب الصيد يقصر ما دام على
الجادة فإذا عدل أتم فإذا رجع إليها قصر.
ثم إن هذا كله في صيد اللهو، ولا خلاف في أن الصائد لقوته وقوت عياله
يقصر، وأما الصائد للتجارة فقد اختلف الأصحاب فيه، فذهب المرتضى - ره - و
جماعة منهم الفاضلان إلى أنه يقصر في الصلاة والصوم وذهب الشيخ في النهاية

(1) ووجهه واضح، حيث إن المسافر حراما مبغوض سفره عند الله عز وجل، فلا معنى
لان يكون سفره هذا موجبا للمنة عليه والرخصة في تقصير الصلوات.
(2) التهذيب ج 1 ص 316.
32

والمبسوط وجماعة إلى أنه يتم صلاته دون صومه كما يدل عليه ما سيأتي في فقه
الرضا عليه السلام.
وقال ابن إدريس: إن كان الصيد للتجارة دون الحاجة للقوت، روى أصحابنا
بأجمعهم أنه يتم الصلاة ويفطر الصوم وكل سفر أوجب التقصير في الصلاة أوجب
التقصير في الصوم، وكل سفر أوجب التقصر في الصوم أوجب التقصير في الصلاة،
إلا هذه المسألة، فحسب، للاجماع عليها انتهى وهو غريب، ومع ذلك فلعل الأول
أقوى، والأحوط الجمع في الصلاة.
11 - المقنع: روي ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام فإذا جاز ثلاثة أيام
فعليه التقصير (1).
بيان: هذا الخبر رواه الشيخ بسند (2) فيه إرسال عن أبي بصير، عن أبي -
عبد الله عليه السلام وقال: فالوجه في هذا الخبر من كان صيده لقوته وقوت عياله فأما من كان
صيده للهو، فلا يجوز له التقصير انتهى ورواه الصدوق في الفقيه (3) بطريق حسن
أو موثق عن أبي بصير ثم قال: يعني الصيد للفضول.
أقول: ما ذكره الشيخ أصوب، ولعله محمول على أن الغالب في صاحب
الصيد أنه لا يبلغ مسافة القصر قبل ثلاثة أيام، فإنه يتأنى في الحركة ويذهب يمينا
وشمالا لا لطلب الصيد، فلذا حكم بأنه لا يقصر قبلها.
ويؤيده ما رواه الشيخ (4) في الصحيح عن عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يتصيد، فقال: إن كان يدور حوله فلا يقصر، وإن كان تجاوز الوقت

(1) المقنع: 38 ط الاسلامية.
(2) التهذيب ج 1 ص 316.
(3) الفقيه ج 1 ص 288.
(4) التهذيب ج 1 ص 316.
33

فليقصر، ورواه الصدق أيضا في الصحيح (1) عن عيص بن القاسم عنه عليه السلام فان
الظاهر أن المراد بتجاوز الوقت بلوغ حد التقصير، والمراد به أيضا غير صيد اللهو
وحمله على صيد اللهو وحمل الوقت على وقت الصيد بعيد جدا.
وأما ما ذكره الصدوق في الحديث الأول فلعله حمله على أن الغالب أنه لا
يشتغل بالصيد أكثر من ثلاثة أيام، فعبر عن ترك الصيد بتجاوز الثلاثة، أو مراده
بالفضول فضول الرزق للتجارة.
وقال العلامة في المختلف: قال ابن الجنيد: والمتصيد شيئا أما إذا
كان دائرا
حول المدينة غير متجاوز حد التقصير لم يقصر يومين، فان تجاوز الحد واستمر
به دورانه ثلاثة أيام قصر بعدها، ولم يعتبر علماؤنا ذلك، بل أوجبوا القصر مع قصد
المسافة والإباحة، لنا أنه مسافر فوجب عليه التقصير احتج برواية أبي بصير والجواب
أنه مرسل، ولا يعول عليه انتهى.
أقول: لعل كلام ابن الجنيد أيضا مؤول بما وجهنا به الخبر، والخبر
في الفقيه غير مرسل، بل سنده معتبر، وإن لم يكن صحيحا على مصطلح القوم.
12 - قرب الإسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي
نصر البزنطي قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يخرج إلى الضيعة فيقيم اليوم و
اليومين والثلاثة يتم أو يقصر؟ قال: يتم فيها (2).
ومنه: عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن البزنطي قال: سألت
الرضا عليه السلام عن الرجل يريد السفر إلى ضياعه في كم يقصر؟ قال: ثلاثة (3).
بيان: لعل الثلاثة محمول على ما أما إذا
لم يبلغ حد مسافة التقصير قبلها، فان
من يخرج إلى ضيعته للتنزه يسير متأنيا ومتدرجا، ويمكن حمله على التقية

(1) الفقيه ج 1 ص 288.
(2) قرب الإسناد ص 214 ط نجف.
(3) قرب الإسناد ص 226 ط نجف.
34

فإنه قريب من مذهب أبي حنيفة وأصحابه، ويمكن حمله على إقامة ثلاثة في الضيعة
فإنه ذهب جماعة من العامة إلى أنه إن نوى الإقامة ثلاثة أيام قصر، وإن زاد
عليها أتم.
ثم اعلم أن المشهور بين المتأخرين أن المسافر أما إذا
دخل بلدا وقرية له
في أحدهما منزل استوطنه ستة أشهر يتم، وإن كان عازما على السفر قبل انقضاء
العشرة، والأكثر لم يفرقوا في الملك بين المنزل وغيره، حتى صرحوا بالاكتفاء
في ذلك بالشجرة الواحدة، وبعضهم اعتبر المنزل خاصة.
وقال الشيخ في النهاية ومن خرج إلى ضيعة له وكان له فيها موضع ينزله و
يستوطنه وجب عليه التمام، فإن لم يكن له فيها مسكن يجب عليه التقصير، وظاهره
اعتبار المنزل، وعدم اعتبار ستة أشهر، بل الاستيطان، وقريب منه عبارة ابن
البراج في الكامل.
وقال أبو الصلاح: وإن دخل مصرا له فيه وطن، ونزل فيه، فعليه التمام
ولو صلاة واحدة والظاهر منه المنزل الذي يستوطنه، سواء كان ملكا له أم لا، وقال
ابن البراج أيضا: من مر في طريقه على مال له أو ضيعة يملكها أو كان له في طريقه
أهل أو من جرى مجراهم ونزل عليهم ولم ينو المقام عندهم عشرة أيام، كان عليه
التقصير، وهو نفي للقول المشهور مطلقا كما حكي عنه.
وقال في المبسوط: وإذا سافر فمر في طريقه بضيعة له أو على مال له أو كانت
له أصهار أو زوجة، فنزل عليهم ولم ينو المقام عشرة أيام قصر، وقد روي أن عليه
التمام وقد بينا الجمع بينهما، وهو أنه ما روى أنه أما إذا
كان منزله وضيعته مما
قد استوطنه بستة أشهر فصاعدا تمم، وإن لم يكن استوطن ذلك قصر انتهى.
وأجرى ابن الجنيد منزل الزوجة والأب والابن والأخ مع كونهم لا
يزعجونه مجرى منزله، وبالجملة فالأقوال في هذه المسألة مختلفة، وكذا الروايات
في ذلك في غاية الاختلاف.
35

فمنها صحيحة ابن بزيع (1) عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقصر
في ضيعته؟ فقال: لا بأس، ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل
يستوطنه فقلت ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون له منزل يقيم فيه ستة أشهر.
ومنها موثقة عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يخرج في سفر فيمر
بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: يتم الصلاة، ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة، فلا
يقصر وليصم أما إذا
حضره الصوم وهو فيها.
ومستند المشهور هذان الخبران استدلوا بالثاني على مطلق الملك، وبالأول
على استيطان ستة أشهر، ويرد على الأول أنه مع عدم قوة سنده معارض بأخبار
كثيرة دالة على أن المعتبر في الاتمام أن يكون له منزل يستوطنه لا مطلق الملك،
وعلى الثاني أن ظاهر الخبر اعتبار إقامة ستة أشهر في كل سنة.
وبهذا صرح الصدوق في الفقيه (3) حيث قال بعد إيراد صحيحة إسماعيل بن
الفضل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل سافر من أرض إلى أرض، وإنما
نزل قراه وضيعته، قال: أما إذا
نزلت قراك وضيعتك فأتم الصلاة، وإذا كنت في غير
أرضك فقصر.
يعني بذلك أما إذا
أراد المقام في قراه وأرضه عشرة أيام، ومن لم يرد المقام بها عشرة
أيام قصر إلا أن يكون له بها منزل يكون فيه في السنة أشهر، فإن كان
كذلك أتم متى دخلها، وتصديق ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع وأورد
الخبر الأول.
وصحيحة ابن الفضل المتقدمة، تدل على الاتمام في مطلق الملك والضيعة
وصحيحة البزنطي التي أخرجناها من قرب الإسناد أيضا تدل على ذلك.

(1) التهذيب ج 1 ص 315، الفقيه ج 1 ص 288.
(2) التهذيب ج 1 ص 314.
(3) الفقيه ج 1 ص 287 و 288.
36

ومن الاخبار ما يدل على مطلق الاستيطان كصحيحة علي بن يقطين (1) قال:
قلت لأبي الحسن عليه السلام: الرجل يتخذ المنزل فيمر به أيتم أو يقصر؟ قال: كل منزل لا
تستوطنه فليس له بمنزل وليس لك أن تتم فيه.
وصحيحة الحسين بن علي (2) قال: سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن رجل يمر ببعض
الأمصار وله بالمصر دار، وليس المصر وطنه، أيتم صلاته أم يقصر؟ قال: يقصر
الصلاة، والضياع مثل ذلك أما إذا
مر بها.
والذي يقتضي الجمع بين الاخبار، القول بأن الوصول إلى بلد أو قرية أو
ضيعة له فيها منزل يستوطنه بحيث يصدق الاستيطان عرفا أو ولد ونشأ بها بحيث يصدق
عرفا أنه وطنه وبلده كاف في الاتمام، وأخبار الضيعة والملك المطلق محمولة
على ذلك أو على التقية، لأنه قول جماعة من العامة.
قال في شرح السنة: ذهب ابن عباس إلى أن المسافر أما إذا
قدم على أهل أو ماشيته
أتم الصلاة، وبه قال أحمد، وهو أحد قولي الشافعي إن المسافر أما إذا
دخل بلدا له به
أهل وإن كان مجتازا انقطعت رخصة السفر في حقه انتهى.
والأحوط فيما أما إذا
وصل بلدة أو قرية أو ضيعة استوطنها ستة أشهر أن يحتاط
بالجمع بين الصلاتين رعاية للمشهور.
ثم إن جماعة من القائلين بالملك كالشهيدين اعتبروا سبق الملك على الاستيطان
وبقاء الملك، واشترط جماعة في الستة أن يكون مقيما فيها، وأن يكون إتمام
الصلاة عليه فيها للإقامة، فلا يكفي مطلق الإقامة، كما لو أقام ثلاثين ثم أتم من
غير نية الإقامة، ولا التمام بسبب كثرة السفر أو المعصية أو شرف البقعة، نعم لا يضر
مجامعتها لها.
والمشهور أنه لا يشترط التوالي ولا السكنى في ملكه، بل يكفي الاستيطان
في البلد أو القرية، ولا يبعد أن يكفي في ذلك عدم الخروج على حد الخفاء، ولا

(1) التهذيب ج 1 ص 314 ط حجر ج 3 ص 213 ط نجف.
(2) التهذيب ج 1 ص 314 ط حجر ج 3 ص 213 ط نجف.
37

يكفي استيطان الوقوف العامة كالمدارس، وذهب جماعة إلى الاكتفاء بالخاص، و
اشترط الشهيد ملك الرقبة، فلا تجزي الإجارة، وفيه تأمل، وألحق العلامة ومن
تأخر عنه بالملك اتخاذ البلد دار مقام على الدوام، ولا بأس به.
وهل يشترط استيطان الستة أشهر قال في الذكرى الأقرب ذلك، وهو بعيد
والأصل ما ذكرنا من شهادة العرف بأنها وطنه أو مسكنه، ليدخل تحت الأخبار الواردة
في ذلك، وأما ما شك في دخوله فيها فالاحتياط فيه سبيل النجاة.
13 - السرائر: نقلا من كتاب حريز بن عبد الله قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام
أرأيت من قدم بلدة متى ينبغي له أن يكون مقصرا، ومتى ينبغي أن يتم؟ قال: إذا
دخلت أرضا فأيقنت أن لك فيها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة، فإن لم تدر ما مقامك
بها تقول غدا أخرج وبعد غد فقصر ما بينك وبين أن يمضي شهر، فإذا تم شهر فأتم
الصلاة، وإن أردت أن تخرج من ساعتك فأتم (1).

(1) السرائر: 472، ويستفاد هذا الحكم من كتاب الله عز وجل بمعونة السنة أما
الكتاب فحيث يقول عز وجل: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) والمراد
بالعاكف المقيم قطعا كما في قوله عز وجل: (سواء العاكف فيه والباد). وأما السنة
فحيث امتثل رسول الله صلى الله عليه وآله دعوة الآية الكريمة، واعتكف في مسجده عشرة، حتى أنه لم
يعتكف في سنة فقضاها في السنة بعدها عشرين: عشرة أداء وعشرة قضاء، فصارت الاعتكاف
في محل عشرة من تمام الإقامة.
بل ويدل على ذلك بوجه أجمع قوله تعالى: (وإذ واعدنا موسى ثلاثين ليلة و
أتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) أي كان يواعده كل ليلة أنه أما إذا
تم ميقاته واعتكافه
بالصوم والصلاة أنزل عليك التوراة، وهو عليه السلام ينتظر في كل ثلاثة أيام نزول
التوراة لما كان بحسابه أن اعتكافه بالصوم والصلاة إنما يتم في ثلاث، على ما أمرهم الله
عز وجل بالصيام ثلاثة أيام - أيام العشر: العاشر والحادي عشر والثاني عشر من كل شهر
كما مر في ج 83 ص 91.
لكنه عليه السلام لما كان مسافرا ولم يقصد الإقامة عشرا، كان ميقاته واعتكافه غير تامة
حتى مضى ثلاثون تمام الشهر، وانقطع حكم السفر وصار اعتكافه وميقاته في العشرة بعدها
تاما واقعا في محله ونزل عليه التوراة فيها حكم الله عز وجل.
وهذا معنى قوله عز وجل: (فأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة)، وفقا
لقوله عز وجل: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) أي كنا نواعده أربعين ليلة: كل ليلة
نقول: أما إذا
تم الاعتكاف والميقات نزل عليك التوراة، ولم يتم الا بعد الأربعين: لم يتم
في ثلاث لان أقل الإقامة عشرة، ولم يتم في العشرات الأول لكونه مسافرا.
وإنما لم يوح إليه بأن اعتكافه لا يتم الا بعشرة عن قصد إقامة، ليفتتن طول ذلك قومه
قال عز وجل: (وما أعجلك عن قومك يا موسى؟ قال: هم أولاء على أثرى وعجلت إليك
رب لترضى، قال: فانا قد فتنا قومك من بعدك وأصلهم السامري).
وذلك لان الله عز وجل واعدهم جميعا جانب الطور الأيمن، لكن موسى عليه السلام
استبطأهم لمسيرهم بالأثقال والأطفال وخلف فيهم أخاه هارون وتعجل إلى الميقات بنفسه،
ليتم ميقاته واعتكافه مدى سيرهم إلى الطور، فيتوافق نزوله من الطور مع وصول قومه،
فقد كان بخلده عليه السلام رقى قومه وهدايتهم إلى أرض القدس بنفسه، والله عز وجل بالرصد من
افتتانهم بعد ايمانهم (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين
من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).
38

بيان: لا خلاف بين الأصحاب في أنه أما إذا نوى المقصر في بلد عشرة أيام أتم
ويدل عليه هذا الخبر وأخبار كثيرة، والمشهور عدم الاتمام بنية الإقامة دون العشرة
بل قال في المنتهى: إنه قول علمائنا أجمع.
ونقل في المختلف عن ابن الجنيد ره أنه اكتفى في وجوب الاتمام بنية
خمسة أيام، ولعل مستنده ما رواه الشيخ في الحسن (1) عن أبي أيوب قال:
سأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام، قال

(1) الكافي ج 3 ص 436، التهذيب ج 1 ص 316.
39

فليتم الصلاة، فإن لم يدر ما يقيم أو أكثر، فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم وإن أقام
يوما أو صلاة واحدة.
فقال له محمد بن مسلم: بلغني أنك قلت خمسا، قال: قد قلت ذلك، قال أبو أيوب
فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقل من خمسة أيام؟ قال: لا.
وأجيب عنه بنه غير دال على نية إقامة الخمسة صريحا، لاحتمال عود
الإشارة إلى الكلام السابق، وهو الاتمام مع العشرة، ولا يخلو من بعد، وأوله
الشيخ بوجهين:
أحدهما: أنه محمول على ما أما إذا
كان بمكة أو المدينة للحسن كالصحيح (1)
عن محمد بن مسلم قال: سألته عن المسافر يقدم الأرض فقال: إن حدثته نفسه أن يقيم
عشرا فليتم وإن قال اليوم أخرج أو غدا أخرج، ولا يدري، فليقصر ما بينه وبين
شهر، فان مضى شهر فليتم ولا يتم في أقل من عشرة إلا بمكة والمدينة، وإن أقام
بمكة والمدينة خمسا فليتم.
وثانيهما استحباب الاتمام لناوي المقام خمسة أيام، ولا يخلو من وجه، و
المناقشة بأن القصر عند الشيخ عزيمة فكيف يصير رخصة ضعيف، لأنه سد لباب القول
بالتخيير بين الاتمام والقصر مطلقا مع ثبوت ذلك في مواضع لا يمكن إنكارها.
والأظهر عندي حمله على التقية، لان الشافعي وجماعة منهم قائلون بإقامة
الأربعة، ولا يحسبون يوم الدخول ويوم الرحيل فيتحصل خمسة ملفقة، وسياق
الخبر أيضا يدل عليها كما لا يخفى على الخبير.
وهل يشترط في العشرة التوالي بحيث لا يخرج بينها إلى محل الترخص أم لا؟
فيه وجهان: وقطع بالاشتراط الشهيد في البيان (2) والشهيد الثاني في جملة من كتبه

(1) التهذيب ج 1 ص 316.
(2) لا اعتبار بذلك أبدا، وذلك لان الشارع الأقدس جعل إقامة العشرة بمنزلة
الإقامة الدائمية وضعا، ولازمه تسوية الحكم بين المقيمين والمتواطنين مطلقا في الظعن و
الإقامة، فكما أن المتوطن في بلدة أما إذا
حصل في رحله لا يضر بإقامته الخروج إلى ما دون
المسافة، وإذا خرج إلى المسافة ثم رجع إلى رحله أتم من حين دخوله الرحل، فهكذا
المقيم للعشرة ما دام لم يخرج إلى المسافة، فهو على اقامته، وإذا خرج إلى المسافة ثم
رجع إلى محل إقامته ورحله أتم قضاء لحق الإقامة.
ينص على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: من قدم قبل التروية
بعشرة أيام وجب عليه اتمام الصلاة، وهو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه
التقصير، فإذا زار البيت أتم الصلاة، وعليه اتمام الصلاة أما إذا
رجع إلى منى حتى ينفر.
فموضع النص هو قوله عليه السلام: (وهو بمنزلة أهل مكة) وذلك لان حكم الاتمام
والإقامة، يثبت بقصد الإقامة، لا بعد الإقامة عشرة، وإنما شرط عليه السلام القدوم إلى مكة
بعشرة أيام قبل التروية ليتحقق منه قصد الإقامة وهو واضح.
وقوله عليه السلام بعد ذلك (فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، فإذا زار البيت
أتم الصلاة، شرح لهذه القاعدة من حيث شقه الثاني أعنى انشاء سفر جديد، فإنهم أما إذا
خرجوا
إلى منى عازما لعرفات، فعليهم التقصير لخروجه عن حد الترخص، وإذا جاؤوا لزيارة البيت
ودخلوا رحالهم (على ما ستعرف الوجه في ذلك دراية ورواية) انقطع حكم السفر وكان
على جميعهم الاتمام أما أهل مكة فإنها وطنهم واما قاصد الإقامة لاتحاد حكمه مع
المتوطنين.
وقوله عليه السلام: (وعليه اتمام الصلاة أما إذا
رجع إلى منى حتى ينفر) شرح لهذه
القاعدة من حيث شقه الأول أعنى الخروج إلى ما دون المسافة وأنه لا يضر بقصد الإقامة،
فإنهم بعد ما رجعوا إلى منى لرمي الجمرات، كانوا خارجين من مكة إلى ما دون المسافة
وكان عليهم الاتمام، فان أنشأوا السير إلى بلادهم من منى حين النفر، قصروا سواء مروا في
سيرهم ذلك إلى مكة أولم يمروا بها وإذا رجعوا إلى مكة ثم خرجوا منها إلى بلادهم قصروا
منها، وهو واضح، وسيجئ تمام الكلام في هذا الحديث في الباب الآتي تحت الرقم 10
انشاء الله تعالى.
ومن فروع هذه القاعدة (اتحاد حكم المقيمين بالحكم الوضعي مع المتواطنين)
الإقامة بعد ثلاثين مترددا، فإنها بمنزلة الإقامة الدائمية، كقصد العشرة من دون اختلاف
فإذا عرض له حاجة إلى سفر لكنه لم يرتفع بعد حاجته عن محل إقامته تلك ولم يحصل على
مراده من قصد البلدة هذه، فأبقى رحله في البلدة وأنشأ سفرا إلى بريدين ثم رجع إلى
محل إقامته تلك قصر أيابا وذهابا وأتم في محل الإقامة كسائر المقيمين.
ينص على ذلك ما رواه الشيخ باسناده عن صفوان عن إسحاق بن عمار قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن أهل مكة أما إذا
زاروا، عليهم اتمام الصلاة؟ قال: المقيم بمكة إلى
شهر بمنزلتهم.
40

وقال في بعض فوائده بعد أن صرح باعتبار ذلك:
وما يوجد في بعض القيود من أن الخروج إلى خارج الحدود مع العود إلى
41

موضع الإقامة كيوم أو ليلة لا يؤثر في نية الإقامة، وإن لم ينو إقامة عشرة مستأنفة لا
حقيقة له، ولم نقف عليه مستندا إلى أحد من المعتبرين الذين يعتبر فتواهم، فيجب
الحكم بإطراحه حتى لو كان ذلك في نيته من أول الإقامة لكان باقيا على القصر،
لعدم الجزم بإقامة العشرة، فان الخروج إلى ما يوجب الخفاء يقطعها، ونيته في ابتدائه
يبطلها انتهى.
وقيل: المعتبر صدق إقامة العشرة في البلد عرفا، والظاهر أن عدم التوالي في
أكثر الأحيان يقدح في صدق المعنى المذكور عرفا، ولا يقدح فيه أحيانا كما أما إذا
خرج
يوما أو بعض يوم إلى بعض البساتين والمزارع المقاربة في البلد، وإن كان في حد
الخفاء، ولا بأس به، والمسألة مشكلة، وهي من مواقع الاحتياط.
والظاهر أن بعض اليوم لا يحسب بيوم كامل، بل يلفق فلو نوى المقام عند الزوال
كان منتهاء زوال اليوم الحادي عشر.
وهل يشترط عشر غير يومي الدخول والخروج، فلا يكفي التلفيق؟ فيه وجهان،
واستشكل العلامة في النهاية والتذكرة احتسابهما من العددين حيث إنهما من نهاية
42

السفر وبدايته لاشتغاله في الأول بأسباب الإقامة، وفي الأخير بالسفر، ومن صدق
الإقامة في اليومين، واحتمل التلفيق، ولعل التلفيق أظهر.
ولافرق في وجوب الاتمام بنية الإقامة بين أن يكون ذلك في بلد أو قرية، لعموم
بعض الأخبار كما في صحيحة زرارة، (أما إذا
دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقاما)
والظاهر أنه لا خلاف فيه.
ولو عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية إلى قرية ولم يعزم على
إقامة العشرة في واحدة منها لم يبطل حكم سفره، لأنه لم ينو الإقامة في بلد بعينه،
فكان كالمنتقل في سفره من منزل إلى منزل، قاله العلامة في المنتهى وغيره.
ولو قصد الإقامة في بلد ثم خرج بقصد المسافة إلى حد خفاء الاذان ثم رجع
إلى محل الإقامة لغرض مع بقاء نية السفر، فالظاهر بقاؤه على حكم التقصير، بخلاف
ما لو كان الرجوع إلى بلده، ولو رجع عن نية السفر أتم في الموضعين كما ذكره
الأصحاب.
ولو صلى بتقصير ثم نوى الإقامة في أثنائها يتم، ونقل في التذكرة الاتفاق
عليه.
وهذا كله يتعلق بالحكم الأول من الخبر، وأما الحكم الثاني وهو أن
من تردد في الإقامة يقصر إلى شهر ثم يتم فلا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب، ونقل
بعض المتأخرين عليه الاجماع، وتدل عليه أخبار، لكن بعضها بلفظ الشهر، وبعضها
بلفظ الثلاثين يوما.
فهل يجوز الاكتفاء بالشهر الهلالي أما إذا
حصل التردد في أوله؟ يحتمل ذلك
لصدق الشهر عليه، وهو مقتضى إطلاق كلام أكثر الأصحاب، وحينئذ فالثلاثين محمول
على الغالب، من عدم كون مبدء التردد مبدء الشهر.
واعتبر في التذكرة الثلاثين ولم يعتبر الشهر الهلالي وله وجه (1) والأحوط

(1) قد عرفت أن الملاك هو مضى الثلاثين تاما لقوله عز وجل: (وواعدنا موسى
ثلاثين ليلة).
43

في يوم الثلاثين الجمع.
14 - فقه الرضا: قال عليه السلام: إن نويت المقام عشرة أيام وصليت صلاة واحدة
بتمام ثم بدا لك في المقام وأردت الخروج، فأتم، وإن بدا لك في المقام بعد ما نويت
المقام عشرة أيام وتممت الصلاة والصوم (1).
بيان: (إن) في قوله (وإن بدا لك) وصلية، ولا خلاف ظاهرا بين الأصحاب
في أنه لو نوى قاصد الإقامة عشرا السفر قبل أن يصلي صلاة بتمام يرجع إلى التقصير،
ولو صلى صلاة بتمام يتم إلى أن يخرج إلى المسافة (2) وظاهر الأصحاب أنه لا يشترط
في الرجوع إلى القصر في صورة العدول عن نية الإقامة من غير صلاة كون الباقي
مسافة، وقواه الشهيد الثاني - ره - واحتمل الاشتراط وإطلاق هذه الرواية وغيرها
يؤيد المشهور.
ثم إنهم اختلفوا في أنه هل يلحق بالصلاة الفريضة الصوم الواجب فيثبت حكم
الإقامة بالشروع فيه مطلقا أو أما إذا
زالت الشمس قبل الرجوع عن نية الإقامة أم لا؟ فيه
أوجه، والثالث أشهر وأقوى، وإن كان ظاهر عبارة الفقه كون إتمام الصوم في حكم
إتمام الصلاة، إن حملنا الواو في قوله: (والصوم) بمعنى أو، ويمكن أن يكون
ذكر الصوم استطرادا ولا دخل له في الحكم.
ثم الظاهر أن المعتبر إتمام الصلاة الفريضة فقط كما صرح به في صحيحة
أبي ولاد (3) فالحاق نافلة لا يؤتي بها في السفر بالفريضة كما فعله العلامة في

(1) فقه الرضا ص 16 باب صلاه المسافر والمريض.
(2) وذلك لان الذي قصد الإقامة في قرية كأنه يعرض بنفسه أن يكتب عنوانه في
جمع المقيمين المتوطنين وضعا، فما لم يمض قصده ذلك عملا، كان له البداء، وأما أما إذا
مضى
على قصده عملا وصلى صلاة واحدة على التمام وجبت الصفقة، وتحقق عنوان المقيم موضوعا
وسجله الكرام الكاتبون في ديوان المتوطنين، فلا يخرج عن جمعهم الا بالخروج الموضوعي
كأن يسافر جديدا على حد سائر المواطنين.
(3) التهذيب ج 1 ص 317.
44

النهاية وقواه الشهيد الثاني ره لاوجه له، والظاهر أن الحكم معلق على فعل
الفريضة، فلا يكفي دخول وقتها، ولا فوت وقت الصلاة مع تركها، سواء كان الترك
عمدا أو سهوا، وقطع العلامة في التذكرة بكون الترك كالصلاة، نظرا إلى استقرارها
في الذمة تماما، واستشكله في النهاية وكذا الشهيد في الذكرى.
ولو كان الترك لعذر مسقط للقضاء كالجنون والحيض، فهو كمن لم يصل قولا
واحدا، وهل يشترط كون التمام بنية الإقامة فلا يكفي التمام سهوا قبل الإقامة؟ فيه
وجهان وظاهر الخبر الاشتراط.
ولو نوى الإقامة ثم صلى تماما لشرف البقعة ذاهلا عن نية الإقامة ثم رجع
عن الإقامة، فالظاهر الكفاية لعموم الرواية، ولو نوى الإقامة في أثناء الصلاة المقصورة
فأتمها ففي الاجتزاء بها وجهان، ولعل الاجتزاء أقوى.
ثم ظاهر الرواية إتمام الصلاة، فلو شرع في الصلاة بنية الإقامة ثم رجع
عن الإقامة في أثنائها لم يكف، وإن كان بعد الركوع في الثالثة، وهو ظاهر
المنتهى، وتردد في المعتبر، وفصل في التذكرة والمختلف بمجاوزة محل القصر
وعدمه.
15 - فقه الرضا: قال عليه السلام: فان فاتتك الصلاة في السفر فذكرتها في الحضر
فاقض صلاة السفر ركعتين، كما فاتتك، وإن فاتتك في الحضر فذكرتها في السفر فاقضها
أربع ركعات صلاة الحضر كما فاتتك، وإن خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت
الصلاة ولم تصل حتى خرجت، فعليك التقصير، وإن دخل عليك وقت الصلاة و
أنت في السفر ولم تصل حتى تدخل أهلك فعليك التمام، إلا أن يكون قد فاتك
الوقت فتصلي ما فاتك من صلاة الحضر في السفر، وصلاة السفر في الحضر (1).
بيان: لا ريب في أن الاعتبار في القضاء بحال الفوات لا بحال الفعل، فما فات قصرا
يقضى قصرا، وإن قضاه في الحضر، وكذا العكس، ولو حصل الفوات في أماكن التخيير

(1) فقه الرضا ص 16.
45

ففي ثبوت التخيير في القضاء أو تحتم القصر وجهان أحوطهما الثاني.
ولو سافر بعد دخول الوقت قبل أن يصلي فالأصحاب فيه على أقوال شتى ذهب
ابن أبي عقيل والصدوق في المقنع والعلامة إلى أنه يجب عليه الاتمام، وذهب
المفيد إلى أنه يجب عليه التقصير، واختاره ابن إدريس، ونقله عن المرتضى في
المصباح، وهو اختيار علي بن بابويه والمحقق وجماعة.
وذهب الشيخ في الخلاف إلى التخيير واستحباب الاتمام، وذهب - ره - في
النهاية وكتابي الاخبار إلى أنه يتم إن بقي من الوقت مقدار ما يصلى فيه على التمام
فان تضيق الوقت قصر، وبه قال في موضع من المبسوط، وبه قال ابن البراج، وهو
اختيار الصدوق في الفقيه.
وكذا الخلاف فيما أما إذا
دخل محل التمام بعد دخول الوقت، فذهب المفيد
وعلي بن بابويه وابن إدريس والفاضلان إلى أنه يتم، وهو المشهور بين المتأخرين
ونقل عن ابن الجنيد والشيخ القول بالتخيير، وذهب الشيخ في النهاية وكتابي
الاخبار إلى أنه يتم مع السعة، ويقصر مع الضيق، وحكى الشهيدان أن في
المسألة قولا بالتقصير مطلقا.
ومنشأ هذا الاختلاف الاختلاف الاخبار (1) ففي صحيحة إسماعيل بن جابر قال:

(1) بل لا اختلاف في الاخبار، كما مرت الإشارة إليه في باب أوقات الصلوات، و
باب تقديم الفائتة على الحاضرة، وإنما توهموا الاختلاف فيها، لقولهم باشتراك وقت الظهرين
من الزوال إلى المغرب مطلقا واشتراك وقت العشاءين من المغرب إلى ثلث الليل أو نصفه
أو آخره على اختلاف في ذلك، مع أن كل صلاة لها وقت محدود مختص بها بعضها بحكم
السنة وبعضها بحكم الفرض، على ما مر تفصيلها في باب أوقات الصلوات.
فمن توجه إلى ذلك حق التوجه ورجع إلى روايات الباب لم يجد فيها اختلافا الا
ما يتراءى من بعضها وسيأتي بيانها وحملها على وجوه قريبة أقرب مما حملوها عليه عادة
وحينئذ يتظافر أخبار الباب مع ما سبق في باب تقديم الفائتة على الحاضرة وباب أوقات
الصلوات، ويثبت الأوقات الخمسة بالتواتر القطعي، ولله الحمد.
46

قلت لأبي عبد الله عليه السلام يدخل على وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل
أهلي، فقال: صل وأتم الصلاة قلت: فدخل على وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر
فلا أصلي حتى أخرج، فقال: صل وقصر، فإن لم تفعل فقد خالفت والله
رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفي صحيحة محمد بن مسلم (2) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدخل
من سفره وقد دخل وقت الصلاة، وهو في الطريق، فقال: يصلي ركعتين، وإن خرج
إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا.
وفي موثقة عمار (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن الرجل أما إذا
زالت
الشمس وهو في منزله ثم يخرج في سفر، قال: يبدء بالزوال فيصليها ثم يصلي
الأولى بتقصير ركعتين لأنه خرج من منزله قبل أن يحضر الأولى، وسئل: فان خرج

(1) الفقيه ج 1 ص 283، التهذيب ج 1 ص 137 و 301 و 317، ووجه الحديث
أنه دخل عليه وقت صلاة الظهر مثلا حين بلوغ الظل إلى قدم وهو في السفر ودخل إلى
أهله ولم يدخل وقت صلاة العصر بعد، وهكذا العكس.
(2) التهذيب ج 1 ص 317، الفقيه ج 1 ص 284، وهو محمول على ما أما إذا
دخل
على أهله وقد فات وقت الظهر ودخل وقت العصر، وهكذا العكس.
(3) التهذيب ج 1 ص 138، وصدر الحديث نص فيما قلنا، فان صلاة الزوال ثابت
عليه لان وقتها حين زوال الشمس فلا يسقط هذه النافلة لادراك وقتها ولو خفيفة في الحضر
وقال عليه السلام: (ثم يصلى الأولى بتقصير ركعتين) مع أنه أدرك أول وقت الزوال في الحضر
وذلك لعدم العبرة بالزوال، بل العبرة بالوقت المسنون ولذلك قال بعده (لأنه خرج من
منزله قبل أن يحضر الأولى).
واما ذيل الخبر فليحمل على أنه خرج بعد ما حضرت الأولى وحينما غاب وتوارى
عن البيوت وأراد الصلاة فات وقتها المسنون وحضر وقت الثانية.
47

بعد ما حضرت الأولى قال: يصلي الأولى أربع ركعات ثم يصلي بعد النوافل ثمان ركعات
لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى.
وعن بشير النبال (1) قال: خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام حتى أتينا الشجرة، فقال
لي أبو عبد الله عليه السلام: يا نبال، فقلت: لبيك، قال إنه لم يجب على أحد من أهل هذا
العسكر أن يصلي أربعا غيري وغيرك وذلك أنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج.
وربما يحصل صحيحة محمد بن مسلم على أن المراد أن الركعتين يؤتى بهما في
السفر، والأربع في الحضر بأن يكون المراد بقوله: (يدخل من سفره) إرادة
الدخول أو الاشراف عليه، وكأن في الايراد بصيغة المضارع إعانة على هذا المعنى
وكذا قوله (خرج) يحمل على أحد الوجهين، وكذا خبر بشير يحمل على أنه عليه السلام صلى
قبل أن يخرج، أو على أن المراد وجب علينا التمام وبعد السفر انقلب الحكم وإن
كانا بعيدين، مع أن سنده غير نقي على المشهور.
والقائل بالتخيير جمع به بين الروايات ويؤيده في الرجوع صحيحة منصور (2)

(1) التهذيب ج 1 ص 317 و 301، الكافي ج 3 ص 434، والظاهر أنه أراد
مسجد الشجرة، وهو على رأس فرسخين من المدينة، ومعلوم أن من خرج بعد دخول
وقت الصلاة وسار حتى أتى الشجرة يفوته وقت الأولى، ولو أسرع، وأما أفراد العسكر،
فلما خرجوا قبل دخول وقت الصلاة كان عليهم التقصير، وهو واضح.
(2) التهذيب ج 1 ص 317، والمراد أنه ان شاء صلى في السفر أول الوقت عند
القدم، وان شاء سار ودخل على أهله وصلى أربعا آخر الوقت عند القدمين، والثاني
أولى، أما إذا
كان يمكنه الاسراع وادراك آخر الوقت المسنون.
وهذا الاحتمال أقوى من غيره لاعتضاده بالاخبار المتكثرة المروية في هذا الباب و
غيره كما عرفت ولقوله عليه السلام (فسار حتى يدخل أهله) حيث أتى بصيغة المضارع،
كأنه يقول: (فسار وأسرع حتى يدخل أهله) أي يدخل أهله ووقت السنة باق ولذلك
قال عليه السلام، والاتمام أحب إلى.
48

ابن حازم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول أما إذا
كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة
قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله، فان شاء قصر وإن شاء أتم، والاتمام
أحب إلى، وحمله على التقصير قبل الدخول والاتمام بعده بعيد جدا.
والشيخ جمع بينها بالسعة والضيق وأيده بما رواه في الموثق (1) عن
إسحاق ابن عمار قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في الرجل يقدم من سفره في
وقت الصلاة فقال: إن كان لا يخاف الفوت فليتم وإن كان يخاف خروج الوقت
فليقصر.
وروي هذا المضمون بسند (2) مرسل عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا وهما يدلان
على التفصيل في القدوم، ويمكن حملهما على أنه إن كان لا يخاف فوت الوقت يؤخر
حتى يدخل أهله ويتم، وإن كان يخاف الفوت أما إذا
دخل أهله يصلي قصرا قبل
الدخول.
وأقول: يمكن الجمع بينها بوجهين آخرين:
أحدهما حمل ما دل على الاعتبار بحال الوجوب، على ما أما إذا
مضى زمان من أول
الوقت يمكنه تحصيل الشرائط المفقودة، وإتمام الصلاة فيه، وما دل على الاعتبار
بحال الأداء على ما أما إذا
خرج عن حد الترخص، أو دخل فيه ولم يمض هذا المقدار
من الزمان، كما أشار إليه العلامة في المنتهى، والشيخ في الخلاف قيد الحكم بذلك
حيث قال: أما إذا
خرج إلى السفر وقد دخل الوقت إلا أنه مضى مقدار ما يصلي فيه الفرض
أربع ركعات جاز له التقصير، وكذا قال العلامة وأكثر الأصحاب والفرق أيضا ظاهر

(1) التهذيب ج 1 ص 317، والمراد فوات وقت الأولى مثلا بدخول وقت الثانية
عند القدمين، بحيث أما إذا
صلى الظهر أربعا وقع نصفه في وقت الظهر ونصفه في وقت العصر
فيفوت عليه بذلك أول وقت الثانية مع أنه حاضر.
(2) الفقيه ج 1 ص 284، رواه عن كتاب الحكم بن مسكين، ورواه الشيخ في
التهذيب ج 1 ص 317 عن الحكم عن رجل.
49

إذا بعضي مضى هذا الزمان يستقر الفرض في ذمته.
وثانيهما أن يقال: إنه أما إذا
خرج بعد دخول وقت الفضيلة يعني أما إذا
صار الفئ
قدمين، أو انقضى مقدار النافلة للمتنفل يتم الصلاة، وإذا خرج قبل دخول وقت
[الفضيلة، وإن كان بعد دخول وقت] الاجزاء يقصر.
فالمراد بالوقت في بعض الأخبار الفضيلة، وفي بعضها الاجزاء، ويشهد لهذا
التأويل مؤثقة عمار، لكن لا أعرف قائلا به، وكذا الكلام في العود لاختلاف
الاخبار فيه أيضا، والمسألة في غاية الاشكال وإن كان القول بالتخيير لا يخلو من قوة
والاحتياط في الجمع.
16 - السرائر: نقلا من كتاب جميل بن دراج، عن زرارة، عن أحدهما
عليهما السلام أنه قال في رجل مسافر نسي الظهر والعصر في السفر حتى دخل أهله،
قال: يصلي أربع ركعات (1).
وقال لمن نسي صلاة الظهر [أ] والعصر وهو مقيم حتى يخرج قال: يصلي أربع
ركعات في سفره (2).
وقال: أما إذا
دخل على الرجل وقت صلاة وهو مقيم ثم سافر صلى تلك الصلاة
التي دخل وقتها عليه وهو مقيم أربع ركعات في سفره (3).
بيان: أقول: يمكن أن يكون قوله عليه السلام: (وإذا دخل على الرجل) بعد
قوله: (لمن نسي صلاة الظهر) تعميما بعد التخصيص أو يكونا حديثين سمعهما في
مقامين، أو يكون الأول للقضاء، والثاني للأداء، أو يكون الأخير محمولا على
العمد كما أن الأول كان للنسيان، وقوله: أولا (في رجل مسافر) يحتمل الأداء
والقضاء والأعم، وظاهر الخبر الاتمام في الدخول والخروج معا، كما هو مختار
العلامة إن لم نحمل أحدهما على القضاء.
ثم اعلم أنهم اختلفوا في القضاء أيضا أي أما إذا دخل وقت الصلاة في السفر ودخل
بلده ثم فاتته الصلاة، وكذا العكس هل يعتبر بحال الوجوب أي أول الوقت أو بحال

(1) السرائر: 468.
(2) السرائر: 468.
(3) السرائر: 468.
50

الفوات أي آخره؟ فذهب المرتضى وابن الجنيد إلى أنه يقضي بحسب حالها في أول
وقتها، وآخرون إلى أنه يقضي بحسب حالها في آخر وقتها.
ويدل على الأول ما رواه الشيخ عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي
جعفر عليه السلام أنه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخر الصلاة حتى
قدم فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها، قال: يصليها ركعتين صلاة
المسافر، لان الوقت دخل وهو مسافر، كان ينبغي أن يصليها عند ذلك (1).
وموسى بن بكر وإن لم يذكر له توثيق، وذكر الشيخ أنه واقفي لكن واقفيته
لم يذكره إلا الشيخ، ورواية ابن أبي عمير وصفوان وأجلاء الأصحاب عنه مما يدل
على جلالته، فالخبر لا يقصر عن الصحيح أو الموثق.
وأجاب في المعتبر عنه باحتمال أن يكون دخل مع مضيق الوقت عن أداء الصلاة
أربعا، فيقضي على وقت إمكان الأداء، والمسألة في غاية الاشكال والجمع أيضا
فيه طريق الاحتياط.
17 - العياشي: عن حريز قال: قال زرارة ومحمد بن مسلم قلنا لأبي جعفر عليه السلام:
ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟ قال: إن الله يقول (أما إذا
ضربتم في
الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب
التمام في الحضر، قالا قلنا إنما قال الله عز وجل: (فليس عليكم جناح) ولم يقل
افعلوا فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ قال: أوليس قد قال الله عز و
جل في الصفا والمروة (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)
ألا ترى أن الطواف بهما واجب مفروض لان الله عز وجل ذكره في كتابه وصنعه نبيه
وكذلك التقصير في السفر شئ صنعه النبي صلى الله عليه وآله وذكره الله عز وجل في كتابه.
قالا قلنا فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال: إن كان قد قرئت عليه
آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا

(1) التهذيب ج 1 ص 301.
51

إعادة عليه، والصلاة في السفر كلها الفريضة ركعتان كل صلاة إلا المغرب، فإنها
ثلاث ليس فيها تقصير، تركها رسول الله صلى الله عليه وآله في السفر والحضر ثلاث ركعات (1).
دعائم الاسلام: عن أبي جعفر عليه السلام مثله إلى قوله وكذلك التقصير في السفر ذكره
الله هكذا في كتابه وقد صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله (2).
بيان: (كيف هي) أي على العزيمة أو الرخصة، وكم هي أي في كم يجب
القصر أو كم يصير عدد الركعات (ولم يقل افعلوا) قد يستفاد منه أن الامر للوجوب
مطلقا أو أمر القرآن (أوليس قال الله) الاستشهاد بالآية لبيان أن نفي الجناح لا
ينافي الوجوب أما إذا
دل عليه دليل آخر، إذ قد يكون التعبير على هذا الوجه لحكمة
كما مر وسيأتي.
(وصنعه نبيه) أي فعله صلى الله عليه وآله يدل على الوجوب، والجواز مستفاد من
الآية، فيدل على أن التأسي واجب مطلقا، وإن لم يعلم أن فعله صلى الله عليه وآله على وجه
الوجوب إلا أن يقال: المراد أنه صنعه على وجه الوجوب، أو واظب عليه أو الصنع
كناية عن إجرائه بين الناس وأمره به.
(إن كان قد قرئت) لعل ذكر قراءة الآية على التمثيل، والمراد إن علم
وجوب التقصير فعليه الإعادة وإلا فلا.
وجملة القول فيه أن تارك التقصير في موضع يجب عليه لا يخلو من أن
يكون عالما عامدا أو ناسيا أو جاهلا، فالعامد العالم لا ريب في أنه تبطل
صلاته، ويعيدها في الوقت وخارجه، وأما الناسي فالمشهور بين الأصحاب أنه
يعيد في الوقت خاصة، وذهب علي بن بابويه والشيخ في المبسوط إلى أنه
يعيد مطلقا.
وقال الصدوق - ره - في المقنع إن نسيت فصليت في السفر أربع ركعات فأعد الصلاة

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 271.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 195.
52

إن ذكرت في ذلك اليوم، وإن لم تذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا تعد، فمراده باليوم
إن كان بياض النهار فقد وافق المشهور في الظهرين، وأهمل أمر العشاء، وإن كان
مراده ذلك والليلة الماضية كان مخالفا في العشاء للمشهور لاقتضائه قضاء العشاء في النهار
وإن كان مراده ذلك والليلة المستقبلة خالف المشهور في الظهرين وفي العشاء أيضا
إلا على القول ببقاء وقتها إلى الصبح.
والأول أقوى لصحيحة عيص بن القاسم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة، قال: إن كان في وقت فليعد، وإن كان الوقت
قد مضى فلا، والحكم يشمل العامد والجاهل أيضا لكنهما خرجا عنه بدليل منفصل
فيبقى الحكم في الناسي سالما عن المعارض.

(1) الكافي ج 3 ص 435، التهذيب ج 1 ص 303 و 318، والوجه في ذلك و
ما يجرى مجراها أن الإعادة عقوبة لنسيانه، أي عدم اهتمامه بأمر الصلاة حتى ذهب عليه أنه
مسافر يجب عليه القصر، وهذا كما أمروا عليهم الصلوات والسلام بإعادة الصلاة في الوقت
إن كان علم أن بثوبه شيئا نجسا ولم يغسله حتى نسي وصلى حيث قال أبو عبد الله عليه السلام
يعيد صلاته كي يهتم بالشئ أما إذا
كان في ثوبه عقوبة لنسيانه.
فعلى هذا، كما أن الإعادة في باب نسيان نجاسة الثوب إنما هي عقوبة للنسيان - بل
ومرغمة للشيطان حيث صارا نساؤه ذلك سببا لتكرار الصلاة رغم أنفه وسببا لأنفته، ولا ينسيه
بعد ذلك شيئا - لا يستلزم بطلان صلاته التي صلاها كما نص عليه أبو عبد الله عليه السلام - وقد
سئل عن الرجل يصيب ثوبه الشئ ينجسه فينسى أن يغسله فيصلى فيه ثم يذكر أنه لم يكن غسله أيعيد الصلاة؟ فقال: لا يعيد، قد مضت الصلاة وكتبت له.
فهكذا صلاة ناسي الصفر ماضية مكتوبة له، فان القصر سنة، لا تبطل الصلاة بالاخلال
بها سهوا ونسيانا وجهلا على حد سائر السنن من دون استثناء الا أنه أما إذا
أعاد صلاته، يصير
سببا لطرد الشيطان وترغيم أنفه، وموجبا لاهتمام الرجل بوظائفه.
53

وأما صحيحة أبي بصير (1) قال: سألت عن رجل ينسى فيصلي في السفر أربع
ركعات قال: إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، وإن لم يذكر حتى يمضي اليوم فلا إعادة
عليه، فظاهرها أن المراد باليوم بياض النهار، فتدل أيضا على المشهور في الظهرين
وحكم العشاء غير مستفاد منها، فإن كان مراد الصدوق ذلك فنعم الوفاق، وإلا فلا
تدل على مذهبه، والاستدلال بالاحتمال البعيد غير موجه.
واحتج القائلون بالإعادة مطلقا بأنها زيادة في الصلاة، وخبر العياشي أيضا
لا يخلو من دلالة عليه، وكذا عمومات بعض الروايات الأخر، لكنها مخصصة
بما مر.
وقال الشهيد في الذكري: ويتخرج على القول بأن من زاد خامسة في الصلاة و
كان قد قعد مقدار التشهد تسلم له الصلاة، صحة الصلاة هنا، لان التشهد حائل
بين ذلك وبين الزيادة.
واستحسنه الشهيد الثاني وقال: إنه كان ينبغي لمثبت تلك المسألة القول بها
هنا، ولا يمكن التخلص من ذلك إلا بأحد أمور إما إلغاء ذلك الحكم كما ذهب إليه
أكثر الأصحاب، أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد النص فلا يتعدى
إلى الثلاثية والثنائية فلا يتحقق المعارضة هنا، أو اختصاصه بزيادة ركعة لا غير كما
ورد به النص هناك، ولا يتعدى إلى الزايد كما عداه بعض الأصحاب، أو القول بأن
ذلك في غير المسافر جمعا بين الاخبار، لكن يبقى فيه سؤال الفرق مع اتحاد
المحل انتهى.
والسيد في المدارك ضعف هذه الوجوه، وقال: والذي يقتضيه النظر أن
النسيان والزيادة إن حصلا بعد الفراغ من التشهد كانت هذه المسألة جزئية من جزئيات
من زاد في صلاته ركعة فصاعدا بعد التشهد نسيانا، وقد بينا أن الأصح أن ذلك
غير مبطل للصلاة مطلقا، لاستحباب التسليم، وإن حصل النسيان قبل ذلك اتجه القول بالإعادة

(1) التهذيب ج 1 ص 303 و 318 والفقيه ج 1 ص 281.
54

في الوقت دون خارجه كما اختاره الأكثر انتهى.
وأقول: قد عرفت أن الحكم السابق على تقدير ثبوته مختص بالرابعة فلا
إشكال ولا تنافي، بل هذا مما يؤيد أحد قولي الابطال مطلقا، أو الاختصاص
بالرباعية.
وأما أما إذا
أتم جاهلا بوجوب التقصير فالمشهور بين الأصحاب أنه لا يعيد مطلقا
وحكي عن ابن الجنيد وأبي الصلاح أنهما أوجبا الإعادة في الوقت، وعن ظاهر ابن
أبي عقيل الإعادة مطلقا والأول أقرب لرواية زرارة ومحمد بن مسلم (1) الصحيحة في
ساير الكتب، واختلفوا في أن الحكم هل هو مختص بالجاهل بوجوب التقصير من
أصله أو ينسحب في الجاهل ببعض الاحكام؟ وتوقف العلامة في النهاية فيها، وظاهر
الرواية الأول.
ولو انعكس الفرض بأن صلى من فرضه التمام قصرا جاهلا، فقيل بالبطلان
لعدم تحقق الامتثال، وقيل بالصحة وهو اختيار صاحب الجامع، وروى الشيخ في
الصحيح عن منصور بن حازم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أما إذا
أتيت بلدا وأزمعت
المقام عشرة فأتم الصلاة، فان تركه جاهلا فليس عليه الإعادة، وهو دال على الصحة
في بعض صور الاتمام، والعمل به متجه، وفي التعدي عنه إشكال.
وألحق بعضهم بالجاهل ناسي الإقامة فحكم بأنه لا إعادة عليه، وهو خروج
عن النص، وسيأتي في الفقه أن من قصر في موضع التمام ناسيا يعيد مطلقا، ولعله
محمول على ما أما إذا وقع بعد التسليم المبطل عمدا وسهوا كما عرفت سابقا.
18 - كتاب محمد بن المثنى الحضرمي: عن جعفر بن محمد بن شريح، عن
ذريح المحاربي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن خرج الرجل مسافرا وقد دخل
وقت الصلاة كم يصلي؟ قال: أربعا قال: قلت: وإن دخل وقت الصلاة وهو في السفر؟

(1) الفقيه ج 1 ص 279، التهذيب ج 1 ص 318.
(2) التهذيب ج 1 ص 317.
55

قال: يصلي ركعتين قبل أن يدخل أهله وإن دخل المصر فليصل أربعا.
19 - كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي: عن سماعة بن مهران، عن العبد
الصالح عليه السلام قال: قال لي: أتم الصلاة في الحرمين مكة والمدينة (1).
20 - العلل: عن علي بن حاتم، عن القاسم بن محمد، عن حمدان بن الحسين
عن الحسن بن إبراهيم يرفعه إلى محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأي
علة تصلى المغرب في المسفر والحضر ثلاث ركعات، وسائر الصلوات ركعتين؟ قال:
لان رسول الله صلى الله عليه وآله فرض عليه الصلاة مثنى مثنى، وأضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وآله
ركعتين، ثم نقص عن المغرب ركعة، ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتين في السفر و
ترك المغرب، وقال إني أستحيي أن أنقص منها مرتين، فلذلك العلة تصلى ثلاث
ركعات في الحضر والسفر (2).
أقول: قد مضى بعض الأخبار في ذلك في باب علل الصلاة.
21 - العلل (3) والعيون: عن عبد الواحد بن عبدوس، عن علي بن محمد
ابن قتيبة في علل الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام: فان قال: فلم وجبت الجمعة
على من يكون على (4) فرسخين لا أكثر من ذلك؟ قيل: لان ما يقصر فيه الصلاة
بريدان ذاهبا، أو بريد ذاهبا وجائيا، والبريد أربعة فراسخ، فوجبت الجمعة على
من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير، وذلك أنه يجئ فرسخين ويذهب
فرسخين، فذلك أربعة فراسخ، وهو نصف طريق المسافر.
فان قال: فلم قصرت الصلاة في السفر؟ قيل: لان الصلاة المفروضة أولا
إنما هي عشر ركعات، والسبع إنما زيدت فيها بعد، فخفف الله عنه تلك الزيادة

(1) المناسب الحاقة بالباب الآتي.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 13.
(3) علل الشرايع ج 1 ص 253 - 254.
(4) في العلل: على رأس فرسخين.
56

لموضع سفره وتعبه ونصبه، واشتغاله بأمر نفسه، وظعنه وإقامته، لئلا يشتغل عما
لابد له من معيشته، رحمة من الله تعالى، وتعطفا عليه، إلا صلاة المغرب فإنها لم
تقصر لأنها صلاة مقصرة في الأصل.
فان قال: فلم وجب التقصير في ثمانية فراسخ؟ لا أقل من ذلك ولا أكثر؟
قيل: لان ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة، والقوافل والأثقال، فوجب التقصير
في مسيرة يوم.
فان قال: فلم وجب التقصير في مسيرة يوم؟ قيل: لأنه لو لم يجب في مسيرة يوم
لما وجب في مسيرة سنة، وذلك أن كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير
هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره، أما إذا
كان نظيره مثله، لا
فرق بينهما.
فان قال: قد يختلف السير وذلك أن سير البقر إنما هو أربعة فراسخ، وسير
الفرس عشرين فرسخا فلم جعلت أنت مسيرة يوم ثمانية فراسخ؟ قيل: لان ثمانية فراسخ
هي مسير الجمال والقوافل، وهو السير الذي يسيره الجمالون والمكارون.
فان قال: فلم ترك تطوع النهار ولا يترك تطوع الليل؟ قيل: لان كل صلاة
لا تقصير فيها فلا تقصير في تطوعها، وذلك أن المغرب لا تقصير فيها فلا تقصير فيما
بعدها من التطوع، وكذلك الغداة لا تقصير فيما قبلا من التطوع.
فان قال: فما بال العتمة مقصرة وليس تترك ركعتاها؟ قيل: إن تلك الركعتين
ليستا من الخمسين، فإنما هي زيادة في الخمسين تطوعا، وليتم بها بدل كل ركعة
من الفريضة ركعتين من النوافل.
فان قال: فلم جاز (1) للمسافر والمريض أن يصليا صلاة الليل في أول الليل
قيل: لاشتغاله وضعفه، ليحرز صلاته فيستريح المريض في وقت راحته، ويشتغل المسافر
بأشغاله وارتحاله وسفره (2).

(1) في علل الشرايع: فلم وجب.
(2) عيون الأخبار ج 2 ص 112 - 113.
57

بيان: المشهور بين الأصحاب سقوط الوتيرة في السفر، ونقل ابن إدريس
عليه الاجماع، وقال الشيخ في النهاية يجوز فعلها، قواه في الذكرى لهذا الخبر
ولا يخلو من قوة، أما إذا
لظاهر من الاخبار سقوط نوافل الصلوات المقصورة، وكون
الوتيرة نافلة للعشاء غير معلوم، بل الظاهر أنها تقديم للوتر، وبدل عنها، فكما
أن قبلها نافلة المغرب، ولا يشملها قولهم ليس قبلها نافلة، فكذا بعدها.
22 - العيون: بالاسناد المتقدم فيما كتب الرضا عليه السلام للمأمون: التقصير
في ثمانية فراسخ، وما زاد، وإذا قصرت أفطرت (1).
23 - قرب الإسناد: عن محمد بن الوليد، عن ابن بكير قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الرجل يشيع إلى القادسية أيقصر؟ قال: كم هي؟ قال: قلت التي رأيت
قال: نعم يقصر (2).
بيان: قال في المغرب: القادسية موضع بينه وبين الكوفة خمسة عشر ميلا
انتهى، ويدل على وجوب القصر في أربعة فراسخ لعدم القول بالفصل.
24 - الخصال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن
السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك
وتعالى أهدى إلى وإلى أمتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم، كرامة من الله
لنا، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: الافطار في السفر، والتقصير في الصلاة
فمن لم يفعل ذلك فقد رد على الله عز وجل هديته (3).
العلل: [عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي مثله (4).
دعائم الاسلام]: مرسلا مثله (5).

(1) عيون الأخبار ج 2 ص 123.
(2) قرب الإسناد ص 104 ط نجف، ص 79 ط حجر، ورواه الشيخ في التهذيب
ج 1 ص 313.
(3) الخصال ج 1 ص 10.
(4) علل الشرايع ج 2 ص 69.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 359 وما بين العلامتين ساقط من ط الكمباني.
58

25 - الخصال (1) والمجالس للصدوق: بسند تكرر ذكره في خبر نفر من
اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: أعطاني الله الرخصة لامتي عند الأمراض والسفر (2).
26 - الخصال: عن أحمد بن محمد بن الهيثم وخمسة أخرى من مشايخه، عن
أحمد بن يحيى بن زكريا، عن بكر بن عبد الله حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبي
معاوية، عن الأعمش، عن الصادق عليه السلام قال: التقصير في ثمانية فراسخ، وهو
بريدان وإذا قصرت أفطرت، ومن لم يقصر في السفر لم تجز صلاته، لأنه قد زاد
في فرض الله عز وجل (3).
27 - العيون: بالأسانيد الثلاثة المتقدم ذكرها في صدر الكتاب عن الرضا عليه السلام
عن آبائه عليهم السلام، عن الصادق عليه السلام قال سئل أبي عن الصلاة في السفر فذكر أن أباه عليه السلام
كان يقصر الصلاة في السفر (4).
صحيفة الرضا: باسناده عنه عليه السلام مثله (5).
28 - العيون: عن تميم بن عبد الله القرشي، عن أبيه، عن أحمد بن علي
الأنصاري، عن رجاء بن أبي الضحاك قال: كان الرضا عليه السلام في طريق خراسان يصلي
فرائضه ركعتين ركعتين، إلا المغرب، فإنه كان يصليها ثلاثا، ولا يدع نافلتها، ولا
يدع صلاة الليل والشفع والوتر، وركعتي الفجر في سفر ولا حضر، وكان لا يصلي من
نوافل النهار في السفر شيئا، وكان يقول بعد كل صلاة يقصرها (سبحان الله، والحمد
لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) ثلاثين مرة، ويقول: هذا لتمام الصلاة، وما رأيته

(1) الخصال ج 2 ص 9.
(2) أمالي الصدوق ص 117.
(3) الخصال ج 2 ص 151.
(4) عيون الأخبار ج 2 ص 45.
(5) صحيفة الرضا عليه السلام: 41.
59

صلى الضحى في سفر ولا حضر (1).
وكان لا يصوم في السفر شيئا وكان أما إذا
أقام ببلدة عشرة أيام صائما لا يفطر، فإذا
جن الليل بدء بالصلاة قبل الافطار (2).
بيان: التسبيحات الأربع ثلاثين مرة بعد المقصورات في السفر مما قطع
الأصحاب باستحبابه، وورد خبر المروزي بلفظ الوجوب، ولم ينسب القول به إلى أحد
وقال الصدوق في المقنع والفقيه: وعلى المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصرها) و
لعل ظاهره الوجوب، وظاهر الاخبار اختصاص المقصورة، واحتمل العلامة التعميم
ولاوجه لا، نعم يستحب على وجه آخر في دبر كل صلاة سفرا وحضرا كما مر في التعقيب
وهذا استحباب آخر على الخصوص.
29 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه عن أحمد بن هارون بن الصلت، عن ابن عقدة
عن القاسم بن جعفر بن أحمد، عن عباد بن أحمد، عن عمه، عن أبيه، عن جابر، عن إبراهيم
ابن عبد الاعلى، عن سويد بن غفلة، عن عمر بن الخطاب وعن أبي بكر وعن علي عليه السلام
وعن عبد الله بن العباس قال كلهم قال: أما إذا
كنت مسافرا ثم مررت ببلدة تريد أن تقيم
بها عشرا فأتم الصلاة وإن كنت إنما تريد أن تقيم بها أقل من عشرة فقصر، وإن
قدمت وأنت تقول أسير غدا أو بعد غد حتى تتم شهرا فأكمل الصلاة ولا تقصر في
أقل من ثلاث.
وقال: سألتهم عن صاحب السفينة أيقصر الصلاة كلها؟ قال: نعم أما إذا
كنت في
سفر ممعن، وإن سافرت في رمضان فصم إن شئت، وكلهم قال: أما إذا
صليت في السفينة
فأوجب الصلاة إلى القبلة، فان استدارت فاثبت حيث أوجبت، وكلهم صلى العصر و
الفجاج مسفره فإنها كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وكلهم قنت في الفجر وعثمان أيضا
قنت في الفجر (3).

(1) العيون ج 2 ص 82 بتقديم وتأخير.
(2) العيون ج 2 ص 82 بتقديم وتأخير.
(3) أمالي الطوسي ج 1 ص 357.
60

بيان: الخبر عامي وإنما أوردناه تبعا للشيخ، وفيه أحكام محمولة على
التقية كما في قوله (لا تقصر في أقل من ثلاث) أي مسيرة ثلاث ليال، وهو مذهب
جماعة من العامة، ففتوى أمير المؤمنين عليه السلام معهم إن لم يكن مفترى عليه محمول
على التقية، وكذا قوله: (فصم إن شئت) وكذا تخصيص القنوت بالفجر.
قوله: ممعن يقال أمعن في الطلب أي جد وأبعد، والمراد السفر الذي يكون بقدر
المسافة، والمراد بصاحب السفينة راكبها لا الملاح، قوله: (والفجاج مسفرة)
أي الطرق منيرة قد أشرقت عليها الشمس ردا على أبي حنيفة وأمثاله حيث يؤخرون
صلاة العصر إلى آخر الوقت.
30 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي
وعن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن الحسين السعد آبادي، عن البرقي، عن
محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن أسلم الجبلي، عن صباح الحذاء، عن إسحاق بن
عمار قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن قوم خرجوا في سفر لهم، فلما
انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصروا، فلما أن صاروا على رأس
فرسخين أو ثلاثة أو أربعة فراسخ تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه
إليهم، فأقاموا على ذلك أياما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون، هل ينبغي
لهم أن يتموا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم.
فقال: إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ، فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم
انصرفوا، وإن ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا، فإذا مضوا
فليقصروا.
ثم قال عليه السلام: وهل تدري كيف صارت هكذا؟ قلت: لا أدري، قال: لان
التقصير في بريدين، ولا يكون التقصير في أقل من ذلك، فلما كانوا قد ساروا بريدا
وأرادوا أن ينصرفوا بريدا كانوا قد ساروا سفر التقصير، وإن كانوا قد ساروا أقل من
ذلك لم يكن لهم إلا إتمام الصلاة.
61

قلت: أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا
منه؟ قال: بلى إنما قصروا في ذلك الموضع لأنهم لم يشكوا في سيرهم، وإن
السير سيجد بهم في السفر، فلما جاءت العلة في مقامهم دون البريد، صاروا
هكذا (1).
المحاسن: عن أبي سمينة محمد بن علي، عن محمد بن أسلم مثله (2).
بيان: اعلم أن الأصحاب اشترطوا في القصر استمرار قصد المسافة إلى انتهاء
المسافة فلو قصد المسافة ورجع عن عزمه أو تردد قبل بلوغ المسافة أتم، ولو توقع
رفقة علق سفره عليهم، فإن كان التوقع في محل رؤية الجدار وسماع الاذان أتم
وإن جزم بالسفر دونها، وإن كان بعد بلوغ المسافة قصر ما لم ينو المقام عشرة،
أو يمضي ثلاثون يوما، ولو كان بعد الوصول إلى حد الترخص وقبل بلوغ المسافة
أتم إلا مع الجزم بالسفر بدونهم، وهل يلحق الظن بالعلم ههنا فيه؟ وجهان وألحقه
الشهيد في الذكرى به وكذا لو رجع عن عزم السفر بدون توقع الرفقة في جميع
ما مر.
ولو صلى قصرا ثم عرض له الرجوع أو التردد فالأظهر أنه لا يعيد مطلقا
وذهب الشيخ في الاستبصار إلى أنه يعيد مع بقاء الوقت لخبر المروزي (3) والأجود
حمله على الاستحباب لمعارضته بصحيحة زرارة (4) وهي أقوى.

(1) علل الشرايع ج 02 ص 55.
(2) المحاسن: 312، ورواه الكليني في الكافي ج 3 ص 433، إلى قوله: (فإذا
مضوا فليقصروا).
(3) التهذيب ج 1 ص 416، ولفظه، فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثنى عشر
ميلا وذلك أربعة فراسخ ثم بلغ فرسخين ونيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصر، وان
رجع عما نوى عند بلوغ الفرسخين وأراد المقام فعليه التمام، وإن كان قصر ثم رجع عن
نيته أعاد الصلاة.
(4) التهذيب ج 1 ص 319 و 416، الفقيه ج 1 ص 281 ولفظه قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده، فدخل عليه الوقت و
قد خرج من القرية على فرسخين فصلوا وانصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج،
ما يصنع بالصلاة التي صلاها ركعتين؟ قال: تمت صلاته ولا يعيد.
62

ولو رجع عن التردد الحاصل قبل بلوغ المسافة قصر، وفي احتساب ما مضى
من المسافة نظر، واستقرب الشهيد في البيان الاحتساب.
ثم إن هذا الخبر يدل على الرجوع عن القصر مع الرجوع عن العزم قبل
المسافة، لكن يدل على أن أربعة فراسخ يكفي لذلك، كما قطع به الشيخ في النهاية
في هذه المسألة.
ويدل على ما مر من أن أربعة فراسخ مع إرادة الذهاب قبل قطع السفر
بالإقامة يكفي لوجوب القصر، وإنما حكم بالقصر لأنه مع تردده جازم بالسفر في
الجملة، لأنه إما أن يجئ الرفقة فيذهب إلى منتهى المسافة ثمانية فراسخ أو أكثر
أو يرجع قبل قصد الإقامة أربعة فراسخ فتصير ثمانية، فعلى الوجهين قاطع بالسفر،
ولا يلزم القطع في جهة واحدة، بخلاف ما أما إذا
ذهب أقل من أربعة فراسخ، فإنه
على تقدير الرجوع لا يصير سفره ثمانية فراسخ، فلا يكون قاطعا على المسافة
فتفطن.
31 - ثواب الأعمال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أحمد بن إدريس
عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن أحمد بن هلال، عن عيسى بن عبد الله
عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خياركم
الذين أما إذا
سافروا قصروا وأفطروا (1).
ومنه: عن ابن الوليد، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد الأشعري
رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: من صلى في سفر أربع ركعات متعمدا فأنا إلى الله

(1) ثواب الأعمال ص 34.
63

عز وجل منه برئ (1).
المقنع: مرسلا مثله ومثل الخبر السابق (2).
32 - المحاسن: عن أبيه، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار
قال: قال بعض أصحابنا لأبي عبد الله عليه السلام: ما بال صلاة المغرب لم يقصر فيها رسول
الله صلى الله عليه وآله في السفر والحضر مع نافلتها؟ قال عليه السلام: لان الصلاة كانت ركعتين
ركعتين، فأضاف رسول الله صلى الله عليه وآله إلى كل ركعتين ركعتين، ووضعها عن المسافر وأقر
المغرب على وجهها في السفر والحضر، ولم يقصر في ركعتي الفجر، أن يكون
تمام الصلاة سبعة عشر ركعة في السفر والحضر (3).
بيان: لعل المعنى أنه لما قصر في المفروضات، كان ترك المسنونات المتعلقة
بالمفروضات أولى بالوضع والترك، وإنما أبقيت ركعة من المغرب [مع ست ركعات
نوافل المغرب والفجر ليوافق سبعة عشرة ركعة الفريضة المقررة في الحضر، وأما
صلاة] (4) الليل والوتيرة فإنها صلوات برأسها لاتعلق لها بالفرائض.
33 - المحاسن: عن محمد بن خالد الأشعري، عن إبراهيم بن محمد الأشعري
عن حذيفة بن منصور قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الصلاة في السفر ركعتان بالنهار
ليس قبلهما ولا بعدهما شئ (5).
بيان: (ليس قبلهما ولا بعدهما) أي مما يتعلق بهما، فلا ينافي نافلة المغرب
والوتيرة قبل العشاء وبعدها [هذا إن أريد بالنهار ما يشمل الليل، والأظهر أن
المراد به هنا ما بين طلوع الشمس إلى غروبها كما صرح به في القاموس، فلا إشكال
فيه] (6).

(1) ثواب الأعمال ص 249.
(2) المقنع ص 38.
(3) المحاسن: 327.
(4) ما بين العلامتين ساقط من ط الكمباني.
(5) المحاسن: 371.
(6) ما بين العلامتين زيادة من الأصل، وقد كان اللائح من نسخته قدس سره أنه
زاد هذه الجملة بعدا.
64

34 - المحاسن: عن أبيه، عن سليمان الجعفري، عمن ذكره، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: من سافر فعليه التقصير والافطار غير الملاح فإنه في بيته وهو
يتردد حيث شاء (1).
ومنه: عن أبيه، عن الجعفري، عن موسى بن حمزة بن بزيع قال: قلت
لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك إن لي ضيعة دونت بغداد فأقيم في تلك الضيعة اقصر
أم أتم؟ قال: إن لم تنوا لمقام عشرا فقصر (2).
35 - فقه الرضا: (3) قال عليه السلام: اعلم يرحمك الله أن فرض السفر ركعتان إلا
الغداة، فان رسول الله صلى الله عليه وآله تركها على حالها في السفر والحضر وأضاف إلى المغرب
ركعة.
وقد يستحب أن لا تترك نافلة المغرب، وهي أربع ركعات في السفر ولا في الحضر
وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس، وثمان ركعات صلاة الليل، والوتر وركعتا
الفجر، فإن لم تقدر على صلاة الليل قضيتها في الوقت الذي يمكنك من ليل
أو نهار.
ومن سافر فالتقصير عليه واجب أما إذا
كان سفره ثمانية فراسخ، أو بريدين، و
هو أربعة وعشرون ميلا فإن كان سفرك بريدا واحدا وأردت أن ترجع من يومك
قصرت لأنه ذهابك ومجيئك بريدان.
وإن عزمت على المقام وكان مدة سفرك بريدا واحدا ثم تجدد لك فيه الرجوع
من يومك، وأقمت فلا تقصر، وإن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب أما إذا
غاب عنك
أذان مصرك.
وإن كنت مسافرا فدخلت منزل أخيك أتممت الصلاة والصوم ما دمت عنده
لان منزل أخيك مثل منزلك، وإن دخلت مدينة فعزمت على القيام فيها يوما أو

(1) المحاسن: 371.
(2) المحاسن: 371.
(3) فقه الرضا ص 16 باب صلاة المسافر.
65

يومين، فدافعتك الأيام وأنت في كل يوم تقول أخرج اليوم أو غدا أفطرت وقصرت
ولو كان ثلاثين يوما، وإن عزمت على المقام بها حين تدخل مدة عشرة أيام أتممت
وقت دخولك.
والسفر الذي يجب فيه التقصير في الصوم والصلاة هو سفر في الطاعة، مثل
الحج والغزو والزيارة، وقصد الصديق والأخ وحضور المشاهد، وقصد أخيك
لقضاء حقه، والخروج إلى ضيعتك، أو مال تخاف تلفه، أو متجر لابد منه، فإذا
سافرت في هذه الوجوه وجب عليك التقصير، وإن كان غير هذه الوجوه وجب عليك
الاتمام.
وإذا بلغت موضع قصدك من الحج والزيارة والمشاهد وغير ذلك مما قد
بينته لك فقد سقط عنك السفر، ووجب عليك الاتمام.
وقد أروي عن العالم عليه السلام أنه قال: في أربع مواضع لا يجب أن تقصر: إذا
قصدت مكة والمدينة ومسجد الكوفة والحيرة.
وساير الاسفار التي ليست بطاعة مثل طلب الصيد والنزهة، ومعاونة الظالم
وكذلك الملاح والفلاح والمكاري فلا تقصير في الصلاة، ولا في الصوم.
وإن سافرت إلى موضع مقدار أربع فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك، فأنت
بالخيار، فان شئت تممت وإن شئت قصرت، وإن كان سفرك دون أربع فراسخ فالتمام
عليك واجب.
فإذا دخلت بلدا ونويت المقام بها عشرة أيام فأتم الصلاة والصوم وإن
نويت أقل من عشرة أيام فعليك التقصير، وإن لم تدر ما مقامك بها تقول أخرج
اليوم وغدا فعليك أن تقصر إلى أن يمضي ثلاثون يوما ثم تتم بعد ذلك، ولو صلاة
واحدة، ومتى وجب عليك التقصير في الصلاة أو التمام لزمك في الصوم مثله، وإن
دخلت قرية ولك بها حصة فأتم الصلاة، وإن خرجت من منزلك فقصر إلى أن
تعود إليه.
66

واعلم أن المتمم في السفر كالمقصر في الحضر، ولا يحل التمام في السفر إلا
لمن كان سفره لله عز وجل معصية أو سفرا إلى صيد، ومن خرج إلى صيد فعليه التمام
إذا كان صيده بطرا وشرها وإذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والتقصير
في الصوم، وإذا كان صيده اضطرارا ليعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة
والصوم.
ولو أن مسافرا ممن يجب عليه، مال من طريقه إلى الصيد، لوجب عليه
التمام لطلب الصيد، فان رجع بصيده إلى الطريق فعليه في رجوعه التقصير.
وإن كنت صليت في السفر صلاة تامة فذكرتها وأنت في وقتها فعليك الإعادة،
وإن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شئ عليك، وإن أتممتها بجهالة فليس عليك فيما
مضى شئ، ولا إعادة عليك، إلا أن تكون قد سمعت بالحديث.
وإن قصرت في قريتك ناسيا ثم ذكرت وأنت في وقتها أو في غير وقتها فعليك
قضاء ما فاتك منها، وروي أن من صام في مرضه أو في سفره أو أتم الصلاة فعليه القضاء
إلا أن يكون جاهلا فيه فليس عليه شئ (1).
توضيح: يدل على ما هو المشهور من رجوع اليوم في أربعة فراسخ، ولعله
مستند الصدوق، وبمجرد هذا الخبر يشكل تخصيص الأخبار الكثيرة المعتبرة،
قوله: (وإن كان أكثر من بريد) أي بريدان وأكثر، قوله عليه السلام: (فدخلت منزل
أخيك) موافق لمذهب ابن الجنيد وجماعة من العامة، ولعله محمول على التقية
قوله: (هو سفر في الطاعة) يمكن حمل الطاعة على عدم المعصية، فيشمل المباح و
المكروه كما هو المشهور.
قوله عليه السلام: (سقط عنك السفر) أي مع قصد الإقامة، وظاهره الاتمام في جميع
المشاهد كما قيل، وسيأتي ذكره (والنزهة) أي النزهة في الصيد أو بساير المحرمات

(1) فقه الرضا (وهو كتاب التكليف لابن أبي العزاقر الشلمغاني كما عرفت مرارا)
ص 16، باب صلاة المسافر والمريض.
67

وظاهره عدم القصر في التنزهات المباحة أيضا، ولم يقل به ظاهرا أحد، وإن كان يومي
إليه بعض الأخبار و (الفلاح) غير مذكور في غيره، وهو محمول على فلاح يكون
غالبا في السير كما مر في التاجر والأمير.
قوله عليه السلام: (ولك بها حصة) أي من الملك، وحمل على الاستيطان كما
مر، قوله: (في قريتك) أي في وطنك الذي يجب عليك فيه إتمام الصلاة، وقوله
(إلا أن يكون جاهلا) بظاهره يشمل السفر والمرض، والأول هو المشهور بين
الأصحاب ولم أر قائلا في المرض بذلك.
36 - العياشي: عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (فمن
اضطر غير باغ ولا عاد) (1) قال: الباغي طالب الصيد، والعادي السارق، ليس لهما
أن يقصرا من الصلاة، وليس لهما أما إذا
اضطرا إلى الميتة أن يأكلاها، ولا يحل لهما
ما يحل للناس أما إذا
اضطروا (2).
37 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه قال: قال
علي عليه السلام: جاءت الخضارمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنا لا
نزال ننفر أبدا فكيف نصنع بالصلاة؟ فقال: سبحوا ثلاث تسبيحات ركوعا، وثلاث
تسبيحات سجودا (3).
بيان: أي لا تقصروا في كيفية الصلاة أيضا كما لا تقصرون في الكمية، ويمكن
أن يكون تجويزا للتخفيف، فالمراد بالتسبيحات الصغريات.
38 - كتاب صفين: لنصر بن مزاحم، عن عمر بن خالد، عن زيد بن
علي، عن آبائه عليهم السلام قال: خرج علي عليه السلام وهو يريد صفين حتى أما إذا
قطع النهر أمر
مناديه فنادى بالصلاة، قال: فتقدم فصلى ركعتين حتى أما إذا
قضى الصلاة أقبل علينا

(1) البقرة: 173.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 75، الرقم 156.
(3) لم نجده في المطبوع من المصدر.
68

فقال: يا أيها الناس ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم، فانا قوم على سفر، ومن صحبنا
فلا يصم المفروض، والصلاة ركعتان.
39 - كتاب زيد النرسي: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله بعض أصحابنا
عن طلب الصيد وقال له: إني رجل ألهو بطلب الصيد، وضرب الصوالج، وألهو
بلعب الشطرنج، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما الصيد فإنه مبتغى باطل، وإنما
أحل الله الصيد لمن اضطر إلى الصيد، فليس المضطر إلى طلبه سعيه فيه باطلا،
ويجب عليه التقصير في الصلاة والصيام جميعا أما إذا
كان مضطرا إلى أكله، وإن كان
ممن يطلبه للتجارة، وليست له حرفة إلا من طلب الصيد فان سعيه حق وعليه التمام
في الصلاة والصيام، لان ذلك تجارته، فهو بمنزلة صاحب الدور الذي يدور الأسواق
في طلب التجارة، أو كالمكاري والملاح.
ومن طلبه لاهيا وأشرار وبطرا فان سعيه ذلك سعي باطل، وسفر باطل، و
عليه التمام في الصلاة والصيام، وإن المؤمن لفي شغل عن ذلك، شغله طلب الآخرة
عن الملاهي الحديث.
بيان: ما دل عليه الخبر من أن الصائد للتجارة يتم الصلاة والصوم معا لم
أر قائلا به، لكن ظاهر الخبر أن الحكم مختص بصائد يكون دائما في السير والحركة
للصيد، فيكون بمنزلة التاجر الذي يدور في تجارته، فلا يبعد من مذاهب الأصحاب
وظواهر النصوص القول به، وقد مر في الخبر تعليل الحكم بأنه عملهم، فيشمل
التعليل هذا أيضا.
وأما الصائد الذي يذهب أحيانا إلى الصيد للتجارة، فليس هذا حكمه، و
يمكن حمله أيضا على ما أما إذا
لم يبلغ المسافة ولم يقصدها أولا، كما هو الشايع في
الصيد، والغالب فيه، والأول أظهر من الخبر.
40 - كتاب الغايات: عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خيار
أمتي الذين أما إذا
سافروا قصروا وأفطروا.
69

41 - دعائم الاسلام: عن علي عليه السلام أنه قال: من قصر الصلاة في السفر وأفطر
فقد قبل تخفيف الله وكملت صلاته (1).
وعنه صلوات الله عليه أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى أن تتم الصلاة في السفر (2).
وعن جعفر بن محمد أنه قال: أنا برئ ممن يصلي في السفر أربعا (3).
وعن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه أنه قال: من صلى أربعا في السفر
أعاد إلا أن يكون لم تقرء الآية عليه، ولم يعلمها، فلا إعادة عليه. يعني بالآية آية
القصر (4).
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: الفرض على المسافر من الصلاة ركعتان في كل
صلاة إلى المغرب، فإنها غير مقصورة (5).
وعن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: ليس في السفر في النهار صلاة إلا الفريضة
ولك فيه أن تصلي إن شئت من أول الليل إلى آخره، ولا تدع أن تقضي نافلة
النهار في الليل (6).
وعنه عليه السلام أنه قال: أما إذا
خرج المسافر إلى سفر يقصر في مثله الصلاة قصر و
أفطر، أما إذا
خرج من مصره أو قريته (7).
وعنه عليه السلام أنه قال: تقصر الصلاة في بريدين ذاهبا ورجعا، يعني أما إذا
كان
خارجا إلى سفر مسيرة بريد، وهو يريد الرجوع قصر، وإن كان يريد الإقامة لم
يقصر حتى تكون المسافة بريدين (8).
وعن علي عليه السلام أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تسعة لا يقصرون
الصلاة: الأمير يدور في إمارته، والجابي يدور في جبايته، وصاحب الصيد، والمحارب
يعني قاطع الطريق، والباغي على المسلمين، والسارق، وأمثالهم، والتاجر يدور
في تجارته، والبدوي يدور في طلب القطر، والزراع، فكل هؤلاء المراد فيهم إذا

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 195.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 195.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 195.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 195.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 196.
(6) دعائم الاسلام ج 1 ص 196.
(7) دعائم الاسلام ج 1 ص 196.
(8) دعائم الاسلام ج 1 ص 196.
70

كانوا يدورون من موضع إلى موضع لا يجدون في السفر (1).
وكذلك روينا عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال في المكاري والملاح وهو
النوتي لا يقصران لان ذلك دأبهما وكذلك المسافر إلى أرضين له بعضها قريب من
بعض فيكون يوما ههنا ويوما ههنا، فقال عليه السلام في هذا أيضا أنه لا يقصر وكذلك
قال في المسافر ينزل في بعض أسفاره على أهله لا يقصر (2).
وعن أبي جعفر وأبي عبد الله صلوات الله عليهما أنهما قالا: أما إذا
نزل المسافر
مكانا ينوي فيه مقام عشرة أيام صام وأتم الصلاة، وإن نوى مقام أقل من ذلك قصر
وأفطر وهو في حال المسافر وإن لم ينو شيئا وقال: اليوم أخرج وغدا أخرج قصر ما بينه
وبين شهر ثم أتم (3).
وقال: لا ينبغي للمسافر أن يصلي بمقيم، ولا يأتم به فان فعل فأم المقيمين
سلم من ركعتين وأتموا هم، وإن أئتم بمقيم انصرف من ركعتين (4).
وعن جعفر بن محمد أنه قال: من نسي صلاة في السفر فذكرها في الحضر قضى صلاة
مسافر، وإن نسي صلاة في الحضر فذكرها في السفر قضاها صلاة مقيم (5).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن علي ومحمد بن علي بن الحسين وجعفر بن محمد عليهم السلام
أنهم رخصوا للمسافر أن يصلي النافلة على دابته أو بعيره حيثما توجه للقبلة، أو
لغير القبلة، وتكون صلاته إيماء، ويجعل السجود أخفض من الركوع، فإذا
كانت الفريضة لم يصل إلا على الأرض متوجها إلى القبلة، والعامة أيضا على
هذا (6).
وقالوا في قول الله عز وجل (فأينما تولوا فثم وجه الله) (7) في هذا نزل،
أي في صلاة النافلة على الدابة حيثما توجهت (8).

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 196 و 197.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 196 و 197.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 196 و 197.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 196 و 197.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 196 و 197.
(6) دعائم الاسلام ج 1 ص 196 و 197.
(7) البقرة: 115.
(8) دعائم الاسلام ج 1 ص 197.
71

وروينا عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: من صلى في السفينة وهي تدور
فليتوجه إلى القبلة، فان دارت به دار إلى القبلة بوجهه، وإن لم يستطع أن يصلي قائما
صلى جالسا، ويسجد إن شاء على الزفت (1).
وعنه عليه السلام أنه نهى عن الصلاة على جادة الطريق (2).
وعنه عليه السلام أنه قال في الغريق وحائض الماء: يصليان إيماء، وكذلك العريان
إذا لم يجد ثوبا يصلي فيه، صلى جالسا ويومي إيماء (3).
بيان: (ولا تدع أن تقضي) يدل على استحباب قضاء نوافل النهار بالليل،
وهو خلاف المشهور، وقد ورد في عدة روايات كصحيحة معاوية بن عمار (4) قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أقضي صلاة النهار بالليل في السفر؟ فقال: نعم، فقال له إسماعيل
ابن جابر أقضي صلاة النهار بالليل في السفر؟ فقال: لا، فقال: إنك قلت نعم فقال: إن
ذلك يطيق وأنت لا تطيق.
وفي حسنة سدير (5) كان أبي يقضي في السفر نوافل النهار بالليل، ولا يتم صلاة
فريضة، ويعارضها روايات دالة على المنع، والشيخ حمل الروايات الأولة تارة
على الجواز، وأخرى على من سافر بعد دخول الوقت، والأظهر عندي حملها على
التقية كما يومي إليه الاخبار.
(والنوتي) بالضم الملاح، قال في النهاية النوتي الملاح الذي يدير السفينة
في البحر، وقد نأت ينوت نوتا أما إذا
تمايل في النعاس، كأن النوتي يميل السفينة من
جانب إلى جانب.
42 - الهداية: الحد الذي يوجب التقصير على المسافر أن يكون سفره ثمانية
فراسخ، فإذا كان سفره أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع من يومه فهو بالخيار فان شاء
أتم وإن شاء قصر، وإن أراد الرجوع من يومه فالتقصير عليه واجب، والمتم في
السفر كالمقصر في الحضر، قال النبي صلى الله عليه وآله: من صلي في السفر أربعا متعمدا فأنا إلى

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 197.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 197.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 197.
(4) التهذيب ج 1 ص 138.
(5) التهذيب ج 1 ص 138.
72

الله منه برئ (1).
ولا يحل التمام في السفر إلا لمن كان سفره لله عز وجل معصية، أو سفر إلى
صيد يكون بطرا أو أشرا فأما الذي يجب عليه الاتمام في الصلاة، والصوم في السفر،
فالمكاري والكرى والبريد والراعي والملاح، لأنه عملهم، وصاحب الصيد إن
كان صيده ما يقوت به عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم (2).
43 - الخصال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن
الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن موسى المروزي عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربع يفسدن القلب، وينبتن النقاق في القلب كما ينبت الماء
الشجر: اللهو، والبذاء، وإتيان باب السلطان، وطلب الصيد (3).
بيان: الظاهر أن المراد بالصيد صيد اللهو، وظاهر الاخبار تحريمه كما
هو ظاهر أكثر الأصحاب، ويحتمل كونه مكروها، ولكونه لغوا لا فائدة فيه لا يوجب
قصر الصلاة والصوم والأول أظهر.

(1) الهداية: 33.
(2) الهداية: 33.
(3) الخصال ج 1 ص 108.
73

2 - (باب)
* " (مواضع التخيير (1)) " *
1 - كامل الزيارة: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله قال: سألت أيوب بن
نوح عن تقصير الصلوات في هذه المشاهد: مكة والمدينة والكوفة وقبر الحسين الأربعة، و

(1) من الآيات المتعلقة بالباب قوله تعالى عز وجل في سورة النور: 35 - 38:
(الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في
زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا
غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب
الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم:
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا
تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب
والابصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير
حساب.
وظاهر قوله عز وجل: (ويضرب الله الأمثال للناس) أن في الآية الكريمة مبتدئا من
قوله عز وجل: (نور السماوات والأرض) إلى آخر الآية الكريمة كلمات ضربت أمثالا
لهداية الناس أولها (نور السماوات والأرض) وهو النبي صلى الله عليه وآله وبعده (مثل نوره) وليس
الا عليا عليه الصلاة والسلام، ثم العترة الطاهرة الزكية واحدا بعد واحد: أنوار الهداية
والشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، إلى أن يبلغ (لنوره) وهو المهدى
الذي يختم الله به أنوار هدايته ويظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
ثم قال عز وجل: (في بيوت) أي هم في بيوت (أذن الله أن ترفع) أي يرفع
سمكها كما أذن لبيته أن يرفع: فرفع إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام قواعد
بيته بحيث علا على كل بيت، ولذلك لم يجز لغيرهم أن يرفع سمك بيته عن ثمانية أذرع
وقد كان ارتفاع بيت الله عز وجل في عهد النبي محمد (ص) ثماني عشرة أذرع، فجاز أن
يرفع بيوت العترة الطاهرة أيضا ثماني عشرة أذرع الا قليلا.
ثم قال عز من قائل: (ويذكر فيها اسمه) أي يذكر في تلك البيوت اسم الله عز وجل
كما يذكر اسمه في بيته بيت الله الحرام.
ثم بين هذا الذكر بقوله: (يسبح له فيها بالغدو والآصال) والمراد بالتسبيح
هو السبحة صلوات النوافل كما هو المعهود في لفظ القرآن الكريم أما إذا
نسبه إلى الناس، و
أما الغدو والآصال، فقد عرفت في باب أوقات الصلوات وباب الجهر والاخفات أن الغدو
وقت الزوال يتغدى فيه الناس، والآصال وقت العصر حتى يغترب الشمس، فينطبق على
صلاة الظهر والعصر، ويشير إلى أن نافلتهما مرغوب فيه في هذه البيوت مطلقا حتى في
الاسفار فيعلم بذلك أن الركعات المسنونة الداخلة في الفرائض أيضا مرغوب فيها عند هذه
البيوت الكريمة بطريق أولى.
وقوله عز وجل: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) الخ كأنه إشارة إلى
أن المسافر وإن كان سفره للتجارة والبيع يبتغى فضل الله، لا يكون رغبته ذلك ليلهيه
عن هذه التجارة المعنوية وهو ذكر الله عز وجل في هذه البيوت الشريفة والمشاهد الكريمة
يصلى نوافله في تلك البيوت بأجمعها فإنها (مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) ويقيم صلاته
حق اقامتها ويؤتى زكاته وصدقاته المندوبة والمفروضة (وكأنه يجوز حمل الزكاة إلى
تلك البيوت وتقسيمها بين مستحقيها) (يخافون) أي يتقون بأفعالهم ذلك (يوما تتقلب
فيه القلوب والابصار) لكونها نافعة ليوم المعاد، وليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم
من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب.
وأما ما سيجئ في الروايات من انحصار تلك المواضع بالأربعة: مكة والمدينة و
الكوفة والحائر، فلان الروايات الواردة في ذلك عن الصادقين عليهما السلام، والبيوت
المذكورة في الآية الكريمة لم يتحقق في زمانهما الا هذه الأربعة، ولا حول ولا قوة الا بالله
العلي العظيم.
74

الذي روي فيها، فقال: أنا اقصر، وكان صفوان يقصر، وابن أبي عمير وجميع
75

أصحابنا يقصرون (1).
ومنه عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسن بن متيل، عن سهل بن زياد
الادمي عن محمد بن عبد الله، عن صالح بن عقبة، عن أبي شبل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
أزور قبر الحسين؟ قال: زر الطيب وأتم الصلاة عنده، قلت: أتم الصلاة عنده؟ قال: أتم
قلت: بعض أصحابنا يروي التقصير قال: إنما يفعل ذلك الضعفة (2).
ومنه عن الكليني (3) عن جماعة مشايخه عن سهل باسناده مثله.
وعنه عن أبي عبد الرحمن محمد بن أحمد العسكري، عن الحسن بن علي بن
مهزيار، عن أبيه، عن علي بن الحسن بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن
رجل من أصحابنا يقال له حسين، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تتم الصلاة في ثلاثة
مواطن: في المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله، وعند قبر
الحسين عليه السلام (4).
ومنه عن أبيه وأخيه وعلي بن الحسين، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الملك القمي، عن إسماعيل بن جابر
عن عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تتم الصلاة في
أربعة مواطن في المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله، ومسجد الكوفة، وحرم
الحسين عليه السلام (5).

(1) كامل الزيارة: 248، التهذيب ج 1 ص 570.
(2) كامل الزيارة: 248، التهذيب ج 1 ص 570.
(3) الكافي ج 4 ص 587.
(4) كامل الزيارة: 249، الكافي ج 4 ص 587.
(5) المصدر نفسه، والتهذيب ج 1 ص 570، الكافي ج 4 ص 587.
76

المتهجد: عن إسماعيل بن جابر مثله (1).
2 - الكامل: عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن
أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: من الامر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: بمكة والمدينة
ومسجد الكوفة والحير (2).
قال ابن قولويه وزاده الحسين بن أحمد بن المغيرة عقيب هذا الحديث في هذا
الباب بما أخبره به حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي بإجازته بخطه اجتيازه علينا للحج
عن أبي النضر محمد بن مسعود العياشي، عن علي بن محمد، عن محمد بن أحمد، عن
الحسن بن علي بن النعمان، عن محمد بن خالد البرقي وعلي بن مهزيار وأبي علي
ابن راشد جميعا عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من مخزون
علم الله الاتمام في أربعة مواطن: حرم الله، وحرم رسوله، وحرم أمير المؤمنين، و
حرم الحسين عليهم السلام (3).
ومنه عن محمد بن همام بن سهيل، عن الفزاري، عن محمد بن حمدان المدايني
عن زياد القندي قال: قال أبو الحسن موسى عليه السلام: أحب لك ما أحب لنفسي، أتم
الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين (4).
المتهجد: عن زياد القندي مثله (5) وفيه بعد قوله: (ما أحب لنفسي:
وأكره لك ما أكره لنفسي).
3 - الكامل: عن علي بن حاتم القزويني، عن محمد بن أبي عبد الله الأسدي

(1) مصباح المتهجد: 509.
(2) كامل الزيارة: 249.
(3) المصدر نفسه، والتهذيب ج 1 ص 570، وتراه في الخصال ج 1 ص 120.
(4) كامل الزيارة: 250، والتهذيب نفسه.
(5) مصباح المتهجد: 509.
77

عن القاسم بن الربيع الصحاف عن عمرو بن عثمان، عن عمرو بن مرزوق قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في الحرمين وعند قبر الحسين عليه السلام قال: أتم الصلاة فيها (1).
ومنه عن الكليني (2) وجماعة مشايخه عن محمد العطار، عن محمد بن الحسين
عن محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، عمن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: تتم الصلاة
في المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين عليه السلام (3).
المتهجد: عن حذيفة مثله، ثم قال: وفي خبر آخر في حرم الله، وحرم رسوله
وحرم أمير المؤمنين، وحرم الحسين (4).
4 - الكامل: عن الحسين بن أحمد بن المغيرة، عن أحمد بن إدريس، عن
محمد بن عبد الجبار، عن علي بن إسماعيل، عن محمد بن عمرو، عن فائد الخياط، عن
أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن الصلاة في الحرمين، فقال: أتم ولو مررت
به مارا (5).
ومنه: بالاسناد عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن أبي زاهر، عن محمد بن
الحسين الزيات، عن حسين بن عمران، عن عمران قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام:
اقصر في مسجد الحرام أو أتم؟ قال: إن قصرت فلك، وإن أتممت فهو خير، وزيادة
في الخير خير (6).
ومنه: عن أبيه، ومحمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن
أبان، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة قال: سألت
العبد الصالح، عن زيارة قبر الحسين عليه السلام فقال: ما أحب لك تركه، قلت: ما ترى

(1) كامل الزيارة: 250.
(2) الكافي ج 4 ص 586، التهذيب ج 1 ص 570.
(3) كامل الزيارة: 250.
(4) مصباح المتهجد: 509.
(5) كامل الزيارة: 250، التهذيب ج 1 ص 570 و 582 راجعه.
(6) كامل الزيارة: 250، التهذيب ج 1 ص 570 و 582 راجعه.
78

في الصلاة عنده وأنا مقصر؟ قال: صل في المسجد الحرام ما شئت تطوعا، وفي
مسجد الرسول ما شئت تطوعا وعند قبر الحسين فاني أحب ذلك.
قال: وسألته عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسين، ومشهد النبي صلى الله عليه وآله تطوعا
[وفي مسجد الكوفة] فقال نعم ما قدرت عليه (1).
ومنه: عن جعفر بن محمد بن إبراهيم، عن عبيد الله بن نهيك، عن ابن أبي عمير
عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن التطوع عند قبر الحسين عليه السلام وبمكة و
المدينة وأنا مقصر، قال: تطوع عنده وأنت مقصر ما شئت، وفي المسجد الحرام
وفي مسجد الرسول، وفي مشاهد النبي فإنه خير (2).
ومنه: عن علي بن الحسين، عن علي بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير وإبراهيم
ابن عبد الحميد جميعا، عن أبي الحسن عليه السلام مثله (3).
ومنه: عن أبيه، عن سعد، عن الخشاب، عن جعفر بن محمد بن حكيم الخثعمي
عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام مثله (4).
ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي
ابن إسماعيل، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته
عن التطوع عند قبر الحسين عليه السلام ومشاهد النبي صلى الله عليه وآله والحرمين والتطوع فيهن
بالصلاة ونحن مقصرون؟ قال: نعم تطوع ما قدرت عليه فهو خير (5).
ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن
عليه السلام: جعلت فداك أتنفل في الحرمين، وعند قبر الحسين بن علي، وأنا اقصر؟ قال
نعم ما قدرت عليه (6).
ومنه: عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين

(1) كامل الزيارة: 246، ومثله في ص 248 بسند آخر.
(2) كامل الزيارة: 247.
(3) كامل الزيارة: 247.
(4) كامل الزيارة: 247.
(5) كامل الزيارة: 247.
(6) كامل الزيارة: 247.
79

ابن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أي حمزة البطائني، عن أبي إبراهيم عليه السلام
قال: سألته عن التطوع عند قبر الحسين، ومشاهد النبي صلى الله عليه وآله، والحرمين في الصلاة
ونحن مقصر؟ قال: نعم تطوع ما قدرت عليه (1).
5 - العلل: عن محمد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين
ابن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
مكة والمدينة كسائر البلدان؟ قال: نعم، قلت: روى عنك بعض أصحابنا أنك
قلت لهم: أتموا بالمدينة لخمس؟ فقال: إن أصحابكم هؤلاء كانوا يقدمون فيخرجون
من المسجد عند الصلاة، فكرهت ذلك لهم، فلهذا قلته (2).
6 - الكامل: عن الحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم
عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام في وصف زيارة الحسين عليه السلام إلى أن قال:
ثم اجعل القبر بين يديك وصل ما بدا لك، وكما دخلت الحائر فسلم ثم امش حتى
تضع يديك وخديك جميعا على القبر، فإذا أردت أن تخرج فاصنع مثل ذلك، ولا
تقصر عنده من الصلاة ما أقمت الحديث (3).
ومنه: عن علي بن محمد بن يعقوب الكسائي، عن علي بن الحسن بن فضال، عن
عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار بن موسى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الصلاة في الحاير، قال: ليس الصلاة إلا الفرض بالتقصير، ولا يصلى النوافل (4).
7 - قرب الإسناد: عن الحسن بن علي بن النعمان، عن عثمان بن عيسى
قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن إتمام الصلاة في الحرمين مكة والمدينة، قال:

(1) كامل الزيارة ص 247.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 139.
(3) كامل الزيارة: 216.
(4) كامل الزيارة: 247.
80

أتم الصلاة ولو صلاة واحدة (1).
ومنه: عن عبد الله بن عامر، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن صالح بن
عبد الله الخثعمي قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن الصلاة في المسجدين
اقصر أو أتم؟ فكتب إلى: أي ذلك فعلت فلا بأس.
قال: وكتبت إليه أسأله عن خصي لي في سن رجل مدرك يحل للمرأة أن يراها
وتكشف بين يديه؟ قال: فلم يجبني فيها.
قال: فسألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عنها مشافهة فأجابني بمثل ما أجابني أبوه
إلا أنه قال في الصلاة قصر (2).
8 - العيون: عن جعفر بن نعيم بن شاذان، عن عمه محمد بن شاذان، عن الفضل
ابن شاذان، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أرضا عليه السلام عن الصلاة بمكة
والمدينة تقصير أو تمام؟ فقال: قصر ما لم تعزم على مقام عشرة (3).
9 - الخصال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
الحسن بن علي بن النعمان، عن محمد بن خالد البرقي، عن علي بن مهزيار وأبي
علي بن راشد، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من مخزون علم الله
عز وجل الاتمام في أربعة مواطن: حرم الله عز وجل وحرم رسوله صلى الله عليه وآله، وحرم
أمير المؤمنين، وحرم الحسين عليهما السلام.
قال الصدوق - ره - يعني أن ينوي الانسان في حرمهم عليهم السلام مقام عشرة أيام و
يتم ولا ينوي مقام دون عشرة أيام فيقصر، وليس له ما يقوله غير أهل الاستبصار بشئ
أنه يتم في هذه المواضع على كل حال (4).

(1) قرب الإسناد: 123 ط حجر ص 167 ط نجف وتراه في التهذيب ج 1 ص
568، الكافي ج 4 ص 524.
(2) قرب الإسناد: 125 ط حجر ص 169 - 170.
(3) عيون الأخبار ج 2 ص 18 - 19، وتراه في التهذيب ج 1 ص 569.
(4) الخصال ج 1 ص 120.
81

10 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل قدم مكة قبل التروية بأيام، كيف يصلي أما إذا
كان وحده
أو مع إمام فيتم أو يقصر؟ قال: يقصر إلا أن يقيم عشرة أيام قبل التروية (1).
قال: وسألته عن الرجل كيف يصلي بأصحابه بمنى أيقصر أم يتم؟ قال:
إن كان من أهل مكة أتم، وإن كان مسافرا قصر على كل حال، مع الامام أو
غيره (2).
* (تنقيح وتوضيح) *
اعلم أن الأصحاب اختلفوا في حكم الصلاة في المواطن الأربعة: حرم
الله، وحرم رسوله، ومسجد الكوفة، وحائر الحسين عليه السلام، فذهب
الأكثر إلى أن المسافر مخير بين الاتمام، والقصر، وأن الاتمام أفضل، وقال
الصدوق: يقصر ما لم ينو المقام عشرة، والأفضل أن ينوي المقام بها ليوقع صلاته
تمام كما مر.
وقال السيد المرتضى: لا يقصر في مكة ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ومشاهد الأئمة
القائمين مقامه صلى الله عليه وآله، وهذه العبارة تفيد منع التقصير، وعموم الحكم في مشاهد الأئمة
ونحوه قال ابن الجنيد، والأول أظهر لما مر من الأخبار الكثيرة الدالة على الاتمام
جمعا بينها وبين ما ورد في التقصير والتخيير.

(1) قرب الإسناد: 99 ط حجر، ص 130 ط نجف، لكن الحديثين إنما يبينان
حكم القصر والاتمام على فرض عدم التخيير في المواطن الأربعة غير ناظر إلى ذلك أبدا
كأنه عليه السلام أراد بيان الحكم بعد غمض العين عن خصوص المورد، ومثلهما صحيحة
زرارة وموثقة إسحاق بن عمار المتقدمتان في الباب السابق، فعلى هذا لا غبار في معنى هذه
الأحاديث واخراجها على المذهب المشهور المسلم عند الأصحاب، ولا يصح عنوانها في باب
التخيير، بل اللازم عنوانها في الباب السابق كما عرفت ص 41.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
82

ويدل عليه صحيحة (1) علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام:
الرواية قد اختلفت عن آبائك في الاتمام والتقصير للصلاة في الحرمين (2) ومنها أن
يأمر بأن يتم الصلاة ولو صلاة واحدة، ومنها أن يأمر أن يقصر الصلاة ما لم ينو مقام
عشرة أيام، ولم أزل على الاتمام فيهما إلى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا، فان فقهاء
أصحابنا أشاروا على بالتقصير أما إذا
كنت لا أنوي مقام عشرة، فقد ضقت بذلك حتى
أعرف رأيك.
فكتب بخطه: قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما،
فأنا أحب لك أما إذا
دخلتهما ألا تقصر وتكثر فيهما من الصلاة، فقلت له بعد ذلك
بسنتين مشافهة: اني كتبت إليك بكذا فأجبت بكذا، فقال: نعم، فقلت أي شئ تعني
بالحرمين؟ فقال: مكة والمدينة ومنى أما إذا
توجهت من منى فقصر الصلاة، فإذا
انصرفت من عرفات إلى منى وزرت البيت ورجعت إلى منى فأتم الصلاة، تلك الثلاثة
الأيام وقال بأصبعه ثلاثا.
وأما حديث أيوب بن نوح فلا ينافي التخيير، فإنهم اختاروا هذا الفر، د وأما
حديث أبي شبل وقوله: (إنما يفعل ذلك الضعفة) فيحتمل أن يكون المراد به
الضعفة في الدين الجاهلين بالأحكام، أو من له ضعف لا يمكنه الاتمام، أو يشق عليه
فيختار الأسهل، وإن كان مرجوحا، والوجه الأخير يؤيد ما اخترنا وهو أظهر، و
الأول لا ينافيه إذ يمكن أن يكون الضعف في الدين باعتبار اختيار المرجوح، و
الأخبار المشتملة على الامر بالاتمام محمولة على الاستحباب، وخبر عمران صريح
فيما ذكرنا.
وأما حديث معاوية بن وهب وإن كان فيه إيماء إلى أن الامر بالاتمام محمول
على التقية، لكن يعارضه ما رواه الشيخ بسند لا يقصر عن الصحيح عن عبد الرحمن

(1) التهذيب ج 1 ص 569، الكافي ج 4 ص 525.
(2) زاد في التهذيب: منها أن يأمر بتتميم الصلاة.
83

ابن الحجاج (1) قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إن هشاما روى عنك أنك أمرته
بالتمام في الحرمين، وذلك من أجل الناس، قال، لا، كنت أنا ومن مضى من آبائي
إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس، فان ظاهره أن ما ورد من الامر
بالتقصير محمول على التقية، كما ذكره الفاضل التستري قدس الله سره.
وروى الشيخ خبر معاوية بن وهب (2) بسند صحيح هكذا قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن التقصير في الحرمين والتمام، قال: لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة
أيام، فقلت إن إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم بالتمام، فقال: إن أصحابك كانوا
يدخلون المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم ويخرجون، والناس يستقبلونهم يدخلون
المسجد للصلاة فأمرتهم بالتمام.
ثم قال: فالوجه في هذا الخبر أنه لا يجب التمام إلا على من أجمع على مقام
عشرة أيام، ومتى لم يجمع على ذلك كان مخيرا بين الاتمام والتقصير، ويكون
قوله: (لمن كان يخرج عن الصلاة من المسجد ولا يصلي مع الناس) أمرا على
الوجوب، ولا يجوز تركه لمن هذا سبيله، لان فيه رفعا للتقية، وإغراء للنفس،
وتشنيعا على المذهب.
وأما خبر العلل فيمكن حمله على أن المراد أنهما كساير البلدان في جواز
القصر بالمعنى الأعم، وأما الخمس المذكور فيه، فليس المراد به خصوص الخمس، بل
الأصحاب سألوه عن الخمس فأجابهم بذلك.
وأما حديث عبد الرحمن فيحتاج إلى شرح وبيان، قوله: (وذلك من أجل
الناس) يمكن أن يقرء بتشديد اللام أي كان هشام من أجل الناس وأعظمهم، وهو
لا يكذب عليك أوليس ممن تتقي منهم، أو بالتخفيف وهو أظهر، أي كان يقول
هشام: إن الامر بالاتمام للتقية من المخالفين.
أو يكون استفهاما أي هل أمرته بذلك للتقية؟ فقال: عليه السلام: (لا ليس ذلك

(1) التهذيب: ج 1 ص 569.
(2) التهذيب: ج 1 ص 569.
84

للتقية بل أنا وآبائي كنا أما إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة مع استتارنا عن الناس أيضا
لا أن الاستتار كان لأجل الاتمام بل الاتمام أوفق لما ذهب إليه أكثرهم من التخيير في
السفر مطلقا مع أفضلية الاتمام.
ويمكن أن يكون الاستتار لئلا يحتجوا على الشيعة بفعلهم عليهم السلام أو لئلا
يصير سببا لرسوخهم في الباطل: أو لئلا يصير سببا لمزيد تشنيعهم على الأئمة، لان
الفرق بين المواضع كان أغرب عندهم من الحكم بالتقصير مطلقا، لان هذا القول موجود
بينهم، ولعله لاحد هذه الوجوه قالوا إنه من الامر المذخور، مع أنه يحتمل أن
يكون المراد أنه حجب عنهم هذا العلم، هكذا حقق المقام ولا تصغ إلى ما ذهب إليه
بعض الأوهام.
وأما خبر الساباطي والخثعمي وابن بزيع، فمن ضعف أسانيدها قابلة للتأويل
وتأويل الصدوق ره مع بعده لا يجري في كثير منها، واشتهار الحكم بين القدماء
والمتأخرين مما يؤيد العمل به.
وينبغي التنبيه لأمور:
الأول: المستفاد من الأخبار الكثيرة جواز الاتمام في مكة والمدينة، وإن
وقعت الصلاة خارج المسجد، وهو المشهور بين الأصحاب، وخص ابن إدريس
الحكم بالمسجدين أخذا بالمتيقن المجمع عليه، ومن رأينا كلامه إنما صرح
بالخلاف بين البلدين، وظاهر بعض الأخبار شمول الحكم لمجموع الحرمين وهما أعم
من البلدين.
والأصحاب استدلوا على البلدين بتلك الأخبار، وربما يؤمي كلام بعضهم
إلى كون المراد بالبلدين مجموع الحرمين، وقال في البيان: وفي المعتبر الحرمان
كمسجديهما بخلاف الكوفة، مع أن عبارة المعتبر كعبارات سائر الأصحاب.
وقال الشيخ في النهاية ويستحب الاتمام في أربعة مواطن في السفر: بمكة و
المدينة ومسجد الكوفة والحائر على ساكنه السلام، وقد رويت رواية بلفظة أخرى
85

وهو أن يتم الصلاة في حرم الله، وفي حرم رسوله، وفي حرم أمير المؤمنين عليه السلام وفي
حرم الحسين عليه السلام فعلى هذه الرواية جاز الاتمام خارج المسجد بالكوفة، وعلى الرواية
الأولى لم يجز إلا في نفس المسجد انتهى.
وكأنهم حملوا الحرم على البلد، أو أطلقوا البلد على الحرم مجازا والأول
أظهر، وظاهر عبارة الشيخ في التهذيب عموم الحرمين حيث قال: ويستحب إتمام
الصلاة في الحرمين فان فيه فضلا كثيرا، ثم قال: ومن حصل بعرفات فلا يجوز له
الاتمام على حال، وقد ورد في بعض الروايات الاتمام في خصوص منى، ونقل في
الدروس عن ابن الجنيد أنه قال: روي عن أبي جعفر عليه السلام الاتمام في الثلاثة الأيام
بمنى للحاج، وأرى ذلك أما إذا نوى مقام خمسة أيام أولها أيام منى قال الشهيد و
وهو شاذ.
أقول: لعله أشار بهذه الرواية إلى صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة و
ظاهرها أن خصوص منى داخل في الحكم، ولعله لكونها من توابع مكة، ويمكن
أن يكون لدخولها في الحرم، ويكون المعتبر مطلق الحرم، فالمراد بمكة والمدينة
حرمهما بحذف المضاف، أو تسمية للكل باسم الجزء الأشرف.
فان قيل: فالمشعر أيضا من الحرم، قلنا يمكن: أن يكون عدم ذكر المشعر
لان ما يقع فيه ثلاث صلاة يقصر في واحدة منهن، وهذه يدخل وقتها قبل دخول
الحرم، فلذا لا يتمها اعتبارا بحال الوجوب كما مر، كذا خطر بالبال في توجيه الخبر
لكن الظاهر من الخبر عدم العموم، وبالجملة الحكم في غير البلدين مشكل، ولعل
الأظهر فيها القصر، لاحتمال كون المراد بالحرمين البلدين، فقد روي عن الصادق
عليه السلام (1) أنه قال: مكة حرم الله، وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب
والمدينة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب، والكوفة حرم الله وحرم
رسوله وحرم علي بن أبي طالب عليهما السلام، والظاهر شمول الحكم لمجموع البلدين.

(1) التهذيب ج 6 ص 31 و 32 ط نجف.
86

وعدم اختصاصه بالمسجدين، والتخصيص في بعض الأخبار بالمسجدين لشرافتهما، و
لشيوع وقوع الصلاة فيهما.
وأما التفصيل الوارد في خبر علي بن جعفر (1) في الصلاة بمنى بأنه إن كان
من أهل مكة أتم وإلا فلا، فالحكم في غير أهل مكة يدل على شمول حكم التخيير
لمجموع الحرم، وأما حكم أهل مكة فيمكن أن يكون للتقية كما يظهر من الاخبار
أن المخالفين لم يكونوا يعدون الذهاب إلى عرفات سفرا أو يكون مبنيا على القول
باشتراط رجوع اليوم، وحمله على من لم يذهب إلى عرفات بعيد، والأظهر عندي
حمله على الأيام التي يكون بمنى بعد الرجوع عن مكة فإنه لما رجع إلى مكة
للزيارة انقطع سفره وبعد العود لا يقصد مسافة، لأنه لا يتعدى عن منى، فيتم بخلاف
غير أهل مكة فإنه مسافر ذهابا وعودا فتفطن.
الثاني: ذكر الشيخ أنه أما إذا ثبت الحكم في الحرمين من غير اختصاص
بالمسجد يكون الحكم كذلك في الكوفة لعدم القائل بالفصل، وخص الحكم
ابن إدريس بالمسجد أخذا بالمتيقن، والروايات ورد بعضها بلفظ حرم أمير المؤمنين عليه السلام
وحرم الحسين عليه السلام وبعضها بالكوفة وفي الأول إجمال، وقد مر أن الكوفة حرم
علي بن أبي طالب عليه السلام.
والظاهر أن النجف على ساكنه السلام غير داخل في الكوفة (2) والشيخ في

(1) قد عرفت الوجه في ذلك.
(2) حكم الاتمام في المشاهد المشرفة، إنما تعلق بالبيوت التي أذن الله أن ترفع
لاحتلال أنوار الهداية فيها، فكيف يكون النجف خارجا وفيها مثل نوره تعالى عز وجل
فكما أن لبيت الله عز وجل حريما يعرف بأنصابه واعلامه فهكذا البيوت المشرفة:
فحرم النبي محمد صلى الله عليه وآله ما بين لابتي المدينة من الحرات أو ما بين جبل عير إلى جبل
ثور، لا يعضد شجرها ويختلى خلاها ولا يهاج صيدها، وأما حرم سائر الأئمة عليهم السلام
فالأشبه أن يكون بريدا في بريد اثنى عشر ميلا هكذا وهكذا ففي التهذيب عن ابن قولويه
قال: حدثني حكيم بن داود عن سلمة بن الخطاب عن إبراهيم بن محمد بن علي بن المعلى
عن إسحاق بن داود عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ذكره (ج 6 ص 44 ط نجف)
قال: عليك بالعراق: الكوفة فان البركة منها على اثنى عشر ميلا هكذا وهكذا،
الحديث.
وأما سائر أحكام الحرم، فعندي أن الأئمة الطاهرين إنما لم يصرحوا بذلك تقية،
والأحوط رعاية جميع أحكامه، على ما ورد أن عليا عليه السلام حرم من الكوفة ما حرم
إبراهيم من مكة وما حرم محمد صلى الله عليه وآله من المدينة، راجع أمالي الشيخ ج 2 ص 284.
87

المبسوط عدى الحكم إليه أيضا حيث قال: ويستحب الاتمام في أربعة مواطن في السفر بمكة
والمدينة ومسجد الكوفة والحائر على ساكنه السلام، وقد روي الاتمام في حرم الله
وحرم الرسول، وحرم أمير المؤمنين، وحرم الحسين عليهم السلام، فعلى هذه الرواية
يجوز الاتمام خارج مسجد الكوفة وبالنجف انتهى.
وكأنه نظر إلى أن حرم أمير المؤمنين عليه السلام ما صار محترما بسببه واحترام
الغري به عليه السلام أكثر من غيره، ولا يخلو من وجه، ويومي إليه بعض الأخبار، و
الأحوط في غير المسجد اختيار القصر.
وقال المحقق في المعتبر: ينبغي تنزيل حرم أمير المؤمنين عليه السلام على مسجد
الكوفة خاصة، أخذا بالمتيقن، وأما الحاير فظاهر أكثر الأصحاب اختصاص
الحكم به.
وحكى في الذكرى عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد أنه حكم في كتاب
له في السفر بالتخيير في البلدان الأربعة حتى الحائر المقدس، لورود الحديث بحرم
الحسين عليه السلام، وقدر بخمسة فراسخ وبأربعة وبفرسخ، قال: والكل حرم، وإن
تفاوتت في الفضيلة، وهو غير بعيد، لما رواه الشيخ (1) والكليني (2) بسند فيه

(1) التهذيب ج 6 ص 54 ط نجف.
(2) الكافي ج 4 ص 576 في حديث.
88

ضعف عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أما إذا أتيت أبا عبد الله عليه السلام فاغتسل على شاطئ
الفرات والبس ثيابك الطاهرة ثم امش حافيا فإنك في حرم من حرم الله وحرم
رسوله الخبر.
وبسند مرسل (1) عنه عليه السلام قال: حرم الحسين عليه السلام فرسخ في فرسخ من أربع
جوانب القبر، وبسند ضعيف آخر (2) عنه عليه السلام قال: حريم قبر الحسين عليه السلام خمسة (3)
فراسخ من أربعة جوانبه، والأحوط إيقاع الصلاة في الحائر، وإذا أوقعها في غيره
فيختار القصر.
وأما حد الحائر فقال ابن إدريس: المراد به ما دار سور المشهد والمسجد عليه
دون ما دار سور البلد عليه، لان ذلك هو الحائر حقيقة، لان الحائر في لسان
العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء، وقد ذكر ذلك شيخنا المفيد في
الارشاد لما ذكر من قتل مع الحسين من أهله: والحائر يحيط بهم إلا العباس رحمة
الله عليه، فإنه قتل على المسناة، واحتج عليه بالاحتياط لأنه المجمع عليه، وذكر
الشهيدان في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكل باطلاقه على قبر الحسين عليه السلام ليعفيه
فكان لا يبلغه انتهى.
وأقول: ذهب بعضهم إلى أن الحائر مجموع الصحن المقدس، وبعضهم إلى
أن القبة السامية، وبعضهم إلى أنه الروضة المقدسة، وما أحاط به من العمارات
القديمة من الرواق والمقتل والخزانة وغيرها، والأظهر عندي أنه مجموع الصحن
القديم لا ما تجدد منه في الدولة العلية الصفوية، شيد الله أركانهم.
والذي ظهر لي من القرائن وسمعت من مشايخ تلك البلاد الشريفة أنه لم
يتغير الصحن من جهة القبلة ولا من اليمين ولامن الشمال بل إنما زيد من خلاف جهة
القبلة، وكل ما انخفض من الصحن وما دخل فيه من العمارات فهو الصحن القديم،

(1) التهذيب ج 2 ص 25 ط حجر ج 6 ص 71 ط نجف.
(2) التهذيب ج 2 ص 25 ط حجر ج 6 ص 71 ط نجف.
(3) في ط الكمباني أربعة، وهو سهو.
89

وما ارتفع منه فهو خارج عنه، ولعلهم إنما تركوه كذلك ليمتاز القديم عن الجديد
والتعليل المنقول عن ابن إدريس ره منطبق على هذا، وفي شموله لحجرات الصحن
من الجهات الثلاثة إشكال.
ويدل على أن سعة الحائر أكثر من الروضة المقدسة والعمارات المتصلة بها
من الجهات الثلاثة ما رواه ابن قولويه (1) بسند حسن عن الحسن بن عطية عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: أما إذا
دخلت الحير، وفي بعض النسخ الحائر، فقل: وذكر الدعاء
ثم تمشي قليلا وتكبر سبع تكبيرات، ثم تقوم بحيال القبر، وتقول إلى أن قال:
ثم تمشي قليلا وتقول إلى قوله: (وترفع يديك وتضعهما على القبر).
وعن ثوير بن أبي فاختة (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في وصف زيارته حتى تصير
إلى باب الحائر أو الحير ثم قل إلى أن قال، ثم أخط عشر خطا ثم قف فكبر ثلاثين
تكبيرة ثم امش حتى تأتيه من قبل وجهه.
وعن أبي حمزة الثمالي (3) بسند معتبر عن أبي عبد الله عليه السلام في وصف زيارة
الحسين عليه السلام ثم ادخل الحير أو الحائر وقل إلى قوله: ثم امش قليلا وقل إلى قوله: ثم امش
وقصر خطاك حتى تستقبل القبر، ثم تدنو قليلا من القبر وتقول إلى آخر الخبر.
فهذه الأخبار وغيرها مما سيأتي في كتاب المزار (4) إن شاء الله تعالى تدل على
نوع سعة في الحائر.
الثالث: الظاهر أن الحكم بالتخيير للمسافر إنما وقع في الصلاة خاصة (5)

(1) كامل الزيارة: 193.
(2) كامل الزيارة: 197، الكافي ج 4 ص 578، التهذيب ج 6 ص 54 ط نجف.
(3) كامل الزيارة: 222 - 245، وموضع النص ص 229 و 230.
(4) راجع ج 101 ص 148 با ب زياراته المطلقة.
(5) قد عرفت الوجه في ذلك عند البحث عن آية النور، وأن المرغوب في تلك الأماكن
هو التسبيح أعنى النوافل داخل الفرض وخارجه.
90

في النصوص وفتاوى الأصحاب، وأما الصوم فلا يشرع في هذه الأماكن للأدلة على
وجوب الافطار على المسافر من غير معارض، وقد يقال إن مفهوم صحيحة معاوية بن
وهب (1) حيث قال فيها (أما إذا
قصرت أفطرت) يقتضي جواز الصوم مضافا إلى موثقة
عثمان بن عيسى (2) قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن إتمام الصلاة والصيام في الحرمين
قال أتمهما ولو صلاة واحدة.
والجواب عن الأول أنه يمكن أن يكون المراد به القصر على الحتم كما
هو الغالب فيه، مع أن في عمومه للقوم كلاما، وعلى تقدير ثبوته يشكل تخصيص
الآية، والأخبار الكثيرة به مع خلو سائر الأخبار الواردة في التخيير عن ذكر
الصوم.
وأما موثقة عثمان ففي النسخ التي عندنا (أتمها) وهو يدل على نفي الصوم
ويؤيده قوله: (ولو صلاة واحدة) وإنها قد مرت برواية الحميري (3) ولم يكن فيها
ذكر الصوم أصلا مع أنه لا يعلم قائل به أيضا.
الرابع: صرح المحقق في المعتبر بأنه لا يعتبر في الصلاة الواقعة في هذه
الأماكن التعرض لنية القصر أو الاتمام، وأنه لا يتعين أحدهما بالنسبة إليه، فيجوز
لمن نوى الاتمام القصر، ولمن نوى التقصير الاتمام وهو حسن.
الخامس: الأظهر جواز فعل النافلة الساقطة في السفر في هذه الأماكن كما
صرح في الذكرى، للتحريص والترغيب على كثرة الصلاة فيها، ولما مر من الاخبار
والظاهر عدم الفرق بين اختياره القصر أو الاتمام.
السادس: الأظهر جواز الاتمام في هذه الأماكن وإن كانت الذمة مشغولة بواجب
ونقل العلامة عن والده المنع وهو ضعيف.

(1) التهذيب ج 1 ص 317، وقد مر مرارا.
(2) التهذيب ج 1 ص 568.
(3) مر تحت الرقم 7.
91

السابع: الظاهر بقاء التخيير في قضاء ما فاتته في هذه الأمكنة وإن لم يقض
فيها، لعموم من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته ويحتمل تعيين القصر (1) وهو أحوط
كما مر، والظاهر عدم التخيير في القضاء فيها أما إذا
فاتته في غيرها.
الثامن: لو ضاق الوقت إلا عن أربع، فقيل بوجوب القصر فيهما لتقع الصلاتان
في الوقت، وقيل: بجواز الاتمام في العصر لعموم من أدرك ركعة، وقيل بجواز
الاتيان بالعصر تماما في الوقت، وقضاء الظهر، والأول أحوط بل أظهر.
التاسع: ألحق ابن الجنيد والمرتضى بهذه الأماكن جميع مشاهد الأئمة عليهم السلام
كما عرفت، قال في الذكري: ولم نقف لهما على مأخذ في ذلك، والقياس عندنا
باطل.
أقول: قد مر في فقه الرضا عليه السلام إيماء إليه، ولا يمكن التعويل عليه
في ذلك.
العاشر: روى الشيخ رواية ابن بزيع المنقول عن العيون (2) بسند صحيح
ثم روى بسند ضعيف عن علي بن حديد (3) قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت: إن أصحابنا
اختلفوا في الحرمين، فبعضهم يقصر وبعضهم يتم وأنا ممن يتم على رواية قد رواها
أصحابنا في التمام، وذكرت عبد الله بن جندب أنه كان يتم فقال: رحم الله ابن جندب
ثم قال: لا يكون الاتمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام، وصل النوافل ما شئت
قال ابن حديد: وكان محبتي أن يأمرني بالاتمام. ثم أولها بوجهين أحدهما أنه عليه السلام
نفى الاتمام على سبيل الحتم والوجوب كما مر.
ثم قال: ويحتمل هذان الخبران وجها آخر وهو المعتمد عندي، وهو أن من
حصل بالحرمين ينبغي له أن يعزم على مقام عشرة أيام ويتم الصلاة فيهما، وإن كان

(1) بل هو الأقوى، لان الاتمام كان لخصوصية المحل.
(2) راجع الرقم: 8.
(3) التهذيب ج 1 ص 569.
92

يعلم أنه لا يقيم أو يكون في عزمه الخروج من الغد، ويكون هذا مما يختص به
هذان الموضعان ويتميزان به عن ساير البلاد، لان ساير المواضع متى عزم الانسان
فيها على المقام عشرة أيام وجب عليه الاتمام. ومتى كان دون ذلك وجب عليه
التقصير.
والذي يكشف عن هذا المعنى ما رواه (1) محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن
عبد الجبار، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن إبراهيم الحضيني قال: استأمرت أبا
جعفر عليه السلام في الاتمام والتقصير قال: أما إذا
دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتم الصلاة
فقلت له: إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، قال: انو مقام عشرة أيام
وأتم الصلاة.
وأقول: هذا غريب إذ ظاهر كلامه قدس سره أنه يعزم على إقامة العشرة
وإن علم الخروج قبل ذلك، ولا يخفى أن هذا العلم ينافي ذلك العزم، إلا أن يقال:
أراد بالعزم محض الاخطار بالبال، ولا يخفى ما فيه.
وأما الخبر فيمكن أن يكون المراد به العزم على العشرة متفرقا قبل الخروج
إلى عرفات وبعده (2) ويكون هذا من خصائص هذا الموضع أو العزم على الإقامة في
مكة ونواحيها إلى عرفات (3) ويمكن أن لا يكون هذا من الخصائص وإن كان
خلاف المشهور كما عرفت سابقا، ويمكن حمل كلام الشيخ على أحد هذين المعنيين
وإن كان بعيدا.

(1) المصدر نفسه.
(2) لكنه أيضا غريب كما استغرب كلام الشيخ قدس سره.
(3) وهذا أغرب من الأول، فان أهل مكة يتمون في مكة وعليهم التقصير في سفرهم
إلى عرفات كما قال عليه السلام ويحهم وأي سفر أشد من هذا، فكيف يصح قصد الإقامة
في مكة وعرفات؟
وجه الحديث أن أبا جعفر عليه السلام كان يحب الحضيني (وهو الذي قال أبو
جعفر عليه السلام في حقه: رحمه الله انه كان من خصيص شيعتي) فأراد أن يوفقه لاتمام
الصلاة في الحرمين، لكنه أمره أولا بالإقامة عشرة حتى لا يتردد في ذلك كما تردد سائر
الأصحاب، ولما قال إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين، قال عليه السلام لا بأس بذلك
انو عشرة وأتم الصلاة، فأشار بقوله ذلك أن اتمام الصلاة فيهما مرغوب فيه، مطلقا أقمت
بها عشرة أولم تقم، وذلك لان المسلم عندهم والمعهود من فقه الشيعة أن قصد الإقامة الصورية
لا يوجب اتمام الصلاة.
93

* (فائدة غريبة) *
قال في الذكري: قال الشيخ فرض السفر لا يسمى قصرا، لان فرض المسافر
مخالف لفرض الحاضر، ويشكل بقوله تعالى: (فليس عليكم جناح أن تقصروا
من الصلاة) وبعض الأصحاب سماها بذلك، قيل: وهو نزاع لفظي.
أقول: لعل الشيخ إنما منع من التسمية بذلك، لئلا يتوهم المخالفون
أن الصلاة المقصورة ناقصة في الفضل، أو منع من التسمية به مع قصد هذا
المعنى.
94

3 - " (باب) "
* " (صلاة الخوف وأقسامها وأحكامها) " *
الآيات: البقرة: فان خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما
علمكم ما لم تكونوا تعلمون (1).
النساء: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن
خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا * وإذا كنت فيهم
فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا
من ورائكم، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم
ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة، و
لا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا
حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا * فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما و
قعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة كانت على المؤمنين
كتابا موقوتا (2).
* (تفسير) *
(فان خفتم) أي عدوا أو سبعا أو غرقا ونحوها، فلم تتمكنوا أن تحافظوا
عليها وتوفوا حقها فتأتوا بها تامة الافعال والشروط (فرجالا) جمع راجل مثل تجار

(1) البقرة: 239، والآية تبين حكم صلاة المطاردة وقد مر بعض الكلام فيها في ج
84 ص 90.
(2) النساء: 101 - 103، وقد مر أصول البحث عن الآية، وسنتمه في خلال تفسير
المؤلف العلامة رحمة الله عليه.
95

وصحاب وقيام، وهو الكائن على رجله، واقفا كان أو ماشيا أو فصلوا حال كونكم
رجالا وقيل مشاة (أو ركبانا) جمع ركب كالفرسان، وكل شئ علا شيئا فقد ركبه
أي أو على ظهور دوابكم أي تراعون فيها دفع ما تخافون فلا ترتكبون ما به تخافون،
بل تأتون بها على حسب أحوالكم بما لا تخافون به واقفين أو ماشين أو راكبين إلى القبلة
أو غيرها، بالقيام والركوع والسجود، أو بالايماء، أو بالنية والتكبير والتشهد
والتسليم.
ويروى أن عليا عليه السلام صلى ليلة الهرير خمس صلوات بالايماء وقيل بالتكبير
وأن النبي صلى الله عليه وآله صلى ليلة الأحزاب إيماء، وبالجملة فيها إشارة إلى صلاة
الخوف إجمالا.
(فإذا أمنتم) بزوال خوفكم (فاذكروا الله) أي فصلوا (كما علمكم ما لم تكونوا
تعلمون) من صلاة الامن وقيل: اذكروا الله بالثناء عليه والحمد له شكرا على الامن
والخلاص من الخوف والعدو، كما أحسن إليكم وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من
الشرايع، وكيف تصلون في حال الامن وحال الخوف؟ أو شكرا يوازي نعمه
وتعليمه.
(إن خفتم) يدل على أن الخوف موجب للقصر في الجملة، وقد سبق تفسيره في
باب القصر في السفر، واحتج الأصحاب بهذه الآية على وجوب القصر للخوف
بأنه ليس المراد بالضرب سفر القصر، وإلا لم يكن في التقييد بالخوف فائدة، وأجيب
بأن حمل الضرب في الأرض على غير سفر القصر عدول عن الظاهر، مع أنه غير نافع
لان مجرد الخوف كاف في القصر على قولهم من غير توقف على الضرب في الأرض
وقد مر الوجه في التقييد بالخوف.
ثم إنه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب التقصير في صلاة الخوف في السفر،
وإنما اختلفوا في وجوب تقصيرها أما إذا وقعت في الحضر، فذهب الأكثر منهم المرتضى
والشيخ في الخلاف والأبناء الأربعة إلى وجوب التقصير سفرا وحضرا، جماعة و
96

فرادى، وقال الشيخ في المبسوط: إنما يقصر في الحضر بشرط الجماعة ونسبه الشهيد
إلى ظاهر جماعة من الأصحاب، وحكى الشيخ والمحقق قولا بأنها إنما تقصر في
السفر خاصة والمشهور لعله أقوى لصحيحة زرارة (1).
ثم المشهور أن هذا التقصير كتقصير المسافر برد الرباعية إلى الركعتين، و
إبقاء الثلاثية والثنائية على حالهما، ويدل عليه الأخبار المستفيضة المتضمنة
لكيفية صلاة الخوف، وقيل ترد الركعتان إلى ركعة كما مر أنه ذهب إليه ابن
الجنيد من علمائنا، وكثير من العامة ويدل عليه بعض الأخبار، ولعلها محمولة على
التقية أو على أن كل طائفة إنما تصلي مع الامام ركعة.
(وإذا كنت) يا محمد (فيهم) يعني في أصحابك الضاربين في الأرض الخائفين
عدوهم، أو الأعم فيشمل الحضر كما ذكره الأكثر (فأقمت لهم الصلاة) بحدودها
وركوعها وسجودها، أو بأن تؤمهم (فلتقم طائفة منهم معك) (2) في صلاتك، و
ليكن سائرهم في وجه العدو، فلم يذكر ما ينبغي أن تفعله الطائفة غير المصلية لدلالة
الكلام عليه.
(وليأخذوا أسلحتهم) أي الطائفة المصلية لظاهر السياق، فيأخذون من السلاح
ما لا يمنع واجبا في الصلاة كالسيف والخنجر والسكين ونحوها إلا مع الضرورة

(1) التهذيب ج 1 ص 338، الفقيه ج 1 ص 294.
(2) الطائفة يطلق على الجماعة الطائفين، ولا يلزم أن يكون فيهم كثرة وافرة، بل
إنما يلزم أن يكون المسلمون بحيث أما إذا فرقوا فرقتين وقامت فرقة منهم ترصد العدو، كفوا
شرهم حتى يفرغ المصلون من صلاتهم.
فإذا لم يهجم الكفار على المسلمين، صلوا ركعتين لعدم الخوف بالفعل، كما عرفت
في صدر الباب السابق، وإذا هجموا بعد ما شرعت الطائفة الأولى بالصلاة أتموها ركعة واحدة
امامهم ومأمومهم لكون الخوف فعليا، فيشملهم الآية الأولى قبلها: (ولا جناح عليكم أن
تقصروا من الصلاة ان خفتم) الآية. وقد مر شرح ذلك وسيأتي انشاء الله.
97

فمطلقا وجوبا لظاهر الامر، ولتعليق نفي الجناح فيما سيأتي بشرط الأذى فتثبت مع
عدمه، وهو المشهور بين الأصحاب، وقال ابن الجنيد يستحب وتردد في المعتبر
والنافع وحمله ابن الجنيد على الارشاد، وفيه عدول عن الظاهر، بناء على كون
الامر للوجوب من غير دليل.
وهو يختص الوجوب بالمصلين؟ فيه قولان، وروى ابن عباس أن المأمور
بأخذ السلاح هم المقاتلة، وهو خلاف الظاهر، بل الظاهر إما التعميم أو التخصيص
بالمصلين كما قلنا أولا، بناء على أن أخذ السلاح للفرقة الأولى أمر معلوم لا يحتاج
إلى البيان.
وعلى القول بوجوب أخذ السلاح على المصلين لا تبطل الصلاة بتركه على
المشهور لكون النهي متعلقا بأمر خارج عن حقيقة الصلاة، والنجاسة الكائنة على
السلاح غير مانع من أخذه على المشهور وقيل لا يجوز أخذه حينئذ إلا مع الضرورة
ولعل الأول أقرب، عملا باطلاق النص مع كون النجاسة فيه غير نادر وثبوت العفو
عن نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه منفردا، وانتفاء الدليل على طهارة المحمول ولو تعدت
نجاسته إلى الثوب وجب تطهيره إلا مع الضرورة.
(فإذا سجدوا) (1) أي الطائفة الأولى المصلية (فليكونوا من ورائكم) (2)

(1) المراد بهذه السجدة السجدة الثانية من الركعة الثانية عند تمام الصلاة، وذلك لأنه
عز وجل قال (فإذا سجدوا) وأسند فعل السجدة إليهم دون أن يقول: (فإذا سجدت بهم).
فمبنى الآية على أن النبي صلى الله عليه وآله يصلى بفرقة منهم ركعة بركوعها وسجودها: سجدتين
ويقعد ذاكرا لله عز وجل وتقوم الفرقة المصلية لاتمام صلاتهم (لعدم الخوف بهم من العدو
موقتا بعد تلك الحيلة) ويصلون ركعة واحدة منفردين، فإذا سجدوا، أي أتموا الصلاة
بالسجدة الثانية فكنى عن تمام الصلاة بالسجدة، لأنها آخر أجزاء الصلاة بالفرض على ما
عرفت مرارا.
(2) تنص هذه الجملة على أن الطائفة الراصدة إنما تقوم خلف المصلين أبدا كانت
القبلة في جهة العدو، أو خلاف جهتهم، ويستفاد من ذلك أن أمام المصلى يجب أن
يكون فارغا لا يمر بين يديه أحد من المارة ولا يقوم بإزائه أحد، كما مر في ج 83
ص 294.
وما يقال إن هذا الصلاة بالكيفية المعهودة إنما تقام أما إذا كانت القبلة في خلاف جهة
العدو، حتى يكون الطائفة الراصدة خلف المصلين تواجه الأعداء، واستأنسوا على ذلك أو
استدلوا عليه بقوله عز وجل هذا (فليكونوا من ورائكم)، ثم حملوا الآية الكريمة على
صلاة ذات الرقاع حيث كانت العدو في خلاف جهة القبلة لذلك، فليس بشئ.
وذلك لان ظاهر الآية الكريمة أنها نزلت قبل هذه الوقايع تبين لهم وظيفتهم في
السفر وعند موارد الخوف وامكان رفع الخطر موقتا بالتعبية كذلك، ولذلك عمم وقال:
(وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية.
فحيثما ابتلى المسلمون بالسفر ومخافة العدو: أن يهجموا عليهم، وكان النبي صلى الله عليه وآله
أو من يقوم مقامه في جمع شمل المسلمين فيهم وبامكانه أن يفرق المسلمين فرقتين: فرقة
تصلى وفرقة ترصدهم وجب إقامة الصلاة كذلك، ولا يشترط في اقامتها غير هذه الشروط
المذكورة.
على أنك قد عرفت في صدر الباب السابق عند البحث عن الآية الكريمة ان صلاة السفر
في مقابلة العدو والخوف من فتنتهم إنما تقام على هذه الكيفية ليرتفع بهذه التعبية والرصد
خوف فتنتهم بالفعل وموقتا، وهذا إنما يكون أما إذا
صادفوا العدو، وقاموا في وجههم لا
يدرون مآل الامر أنهم يحاربون أولا، كما كان الامر في صلوات الرسول صلى الله عليه وآله غزوة ذات الرقاع
وعسفان وبطن نخل.
وأما أما إذا نشبت الحرب بينهم أو عزم الامر على ذلك بمواجهة القتال فصار خوف
الهجوم منهم بالفعل كانت الصلاة صلاة مطاردة بالتكبيرة والتسبيح والتهليل كما وقع في بعض
أيام غزوة الخندق، وامتثالا لقوله تعالى: (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) فالقيام في وجه
العدو إنما يجب في هذه الصلاة لا غيرها.
ويؤيد ذلك أن الأئمة الأطهار عليهم صلوات الله الرحمن إنما تعرضوا لصلاة الخوف
بوجه واحد طبقا لحكم الآية الكريمة، ولا يكون ذلك الا لعموم حكم الآية لجميع موارد
الخوف واطلاقها بالنسبة إلى موقف الأعداء وكونهم في جهة القبلة أو خلافها.
بل وعندي أن النبي صلى الله عليه وآله إنما صلى بهذه الكيفية فقط، وسائر ما ورد من طرق
الجمهور، وقد ناهض إلى ستة عشر وجها، فكلها آراء الصحابة والتابعين توهموها على
الآية الكريمة فاختار كل ما وجدها أنسب بظاهر الآية، وسيأتي تمام الكلام فيها عند تعرض
المؤلف العلامة لبعضها انشاء الله تعالى.
98

أي فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم مصافين للعدو، واختلف هنا:
فعندنا أن الطائفة الأولى أما إذا رفعت رأسها من السجود وفرغت من الركعة
يصلون ركعة أخرى ويتشهدون ويسلمون، والامام قائم في الثانية، وينصرفون إلى
99

مواقف أصحابهم، ويأتي الآخرون فيستفتحون الصلاة ويصلي بهم الامام الركعة الثانية
ويطيل تشهده حتى يقوموا فيصلوا بقية صلاتهم ثم يسلم بهم الامام أو يسلم الامام
وتقوم الثانية فيتمون صلاتهم، كما وردت الروايات بهما، وهو مذهب الشافعي
أيضا.
وقيل: إن الطائفة الأولى أما إذا فرغت من ركعة يسلمون ويمضون إلى وجه العدو
وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الركعة الأخرى، وهذا مذهب جابر ومجاهد و
حذيفة وابن الجنيد، ومن يرى أن صلاة الخوف ركعة واحدة.
وقيل: إن الامام يصلي بكل طائفة ركعتين فيصلي بهم مرتين عن الحسن، و
هذه صلاة بطن النخل ولا أعلم من أصحابنا أحدا حمل الآية عليها، وإن جوزها
الأكثر.
وقيل: إنه أما إذا صلى بالأولى ركعة مضوا إلى وجه العدو، وتأتي الأخرى
فيكبرون ويصلي بهم الركعة الثانية، ويسلم الامام خاصة ويعودون إلى وجه العدو
100

وتأتي الأولى فيقضون ركعة بغير قراءة لأنهم لاحقون، ويسلمون يرجعون إلى
وجه العدو، وتأتي الثانية ويقضون ركعة بقراءة لأنهم مسبوقون عن ابن مسعود، وهو
مذهب أبي حنيفة.
فالسجود في قوله (فإذا سجدوا) على ظاهره عند أبي حنيفة، وعلى قولنا
والشافعي بمعنى الصلاة، أو التقدير وأتموا بقرينة ما بعده، وهو وإن كان خلاف
ظاهره من وجه، إلا أنه أحوط للصلاة، وأبلغ في حراسة العدو، وأشد موافقة
لظاهر القرآن، لان قوله: (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا) ظاهره أن الطائفة
الأولى قد صلت، وقوله: (فليصلوا معك) مقتضاه أن يصلوا تمام الصلاة، فالظاهر
أن صلاة كل طائفة قد تمت عند تمام صلاته، وأيضا الظاهر أن المراد الآية بيان
صلاة الطائفتين، وذلك يتم على ما قلناه بأدنى تقدير أو تجوز، بخلافه على قوله، و
قول حذيفة وابن الجنيد في ذلك كقولنا إذ لابد بعد الركعة من التشهد والتسليم،
نعم التجوز حينئذ أقرب من التجوز على ما قلناه.
قيل: وربما يمكن حمل الآية على ما يعم الوجوه حتى صلاة بطن النخل،
وهو في غاية البعد مع مخالفته للروايات وأقوال الأصحاب فيها.
(وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم) أي الطائفة الثانية في صلاتهم، وقد جعل
الحذر وهو التحرز والتيقظ آلة تستعملها الغازي، فجمع بينه وبين الأسلحة في الاخذ
وجعلا مأخوذين مبالغة.
(ود الذين كفروا) أي تمنوا (لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون
عليكم ميلة واحدة) أي يحملون عليكم حملة واحدة، وفيه تنبيه على وجه وجوب
أخذ السلاح.
قال في مجمع البيان: (1) في الآية دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وآله وصحة نبوته

(1) مجمع البيان ج 3 ص 103 وترى مثله في الدر المنثور ج 2 ص 211 قال:
أخرج الترمذي وصححه وابن جرير عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله نزل بين ضجنان و
عسفان وذكر مثله.
101

وذلك أنها نزلت والنبي صلى الله عليه وآله بعسفان والمشركون بضجنان (1) فتواقفوا فصلى
النبي صلى الله عليه وآله بأصحابه صلاة الظهر بتمام الركوع والسجود، فهم المشركون بأن
يغيروا عليهم فقال بعضهم: إن لهم صلاة أخرى أحب إليهم من هذه، يعنون صلاة
العصر، فأنزل الله تعالى عليه الآية، فصلى بهم العصر صلاة الخوف، وكان ذلك سبب
إسلام خالد بن الوليد.
(ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا
أسلحتكم) رخص لهم في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما ينالهم من مطر
أو مرض، وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر بقوله (وخذوا حذركم) لئلا يغفلوا فيهجم
عليهم العدو.
(إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا) هذا وعد للمؤمنين بالنصر على الكفار
بعد الامر بالحزم، لتقوى قلوبهم، وليعلموا أن الامر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة
عدوهم، بل لان الواجب أن يحافظوا في الأمور على مراسم التيقظ والتدبير

(1) ضجنان جبل عرى بريد من مكة، وعسفان على مرحلتين: أربعة برد، فكيف
تواقفوا؟
على أن المسلم من غزوة الحديبية هذه أن رسول الله خرج حتى أما إذا كان بعسفان لقيه
بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك وقد نزلوا بذى طوى
(موضع قرب مكة) وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموا إلى كراع الغميم (وهو واد
أمام عسفان بثمانية أميال) فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله بالمسلمين عن الطريق وسلكوا بين الشعاب
حتى أفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي ثم سلكوا ذات اليمين في طريق يخرجهم على
ثنية المرار مهبط الحديبية (على مرحلة من مكة) من أسفل مكة.
فلما رأت خيل قريش قترة الجيش رجعوا راكضين إلى قريش، وسلك رسول الله ثنية
المرار وخلات الناقة، فأمرهم أن ينزلوا بوادي الحديبية، فنزلوا واطمأنوا بها فلم يلتقوا
مع قريش ولا خيلهم حيت أتاهم رجال خزاعة وقريش وتم الصلح بينهم.
102

فيتوكلوا على الله.
ثم اعلم أن الأصحاب استدلوا بهذه الآية على ما هو المشهور من عموم القصر سفرا
وحضرا، وجماعة وفرادى، وفيه نظر إذ الظاهر أن الضمير في قوله سبحانه (فيهم)
راجع إلى الأصحاب الضاربين في الأرض الخائفين عدوهم، كما ذكره الطبرسي - ره -
وغيره، فلا عموم لها مع أنه لا دلالة فيها على القصر فرادى.
(فإذا قضيتم الصلاة) يحتمل وجهين:
الأول: أن يكون المعنى أما إذا فرغتم من صلاة الخوف لا تدعوا ذكر الله، بل
كونوا مهللين مكبرين مسبحين، داعين بالنصرة والتأييد في كافة أحوالكم [من
قيام وقعود واضطجاع، فان ما أنتم فيه من الخوف والحرب جدير بذكر الله ودعائه
واللجأ إليه.
قال في مجمع البيان: (1) أي ادعوا الله في هذه الأحوال لعله ينصركم على
عدوكم، ويظفركم بهم، عن ابن عباس وأكثر المفسرين، وقيل: المراد به التعقيب
مطلقا، وقيل: إشارة إلى ما ورد به الروايات من استحباب التسبيحات الأربع بعد
الصلوات المقصورة، وقيل: المراد به المداومة على الذكر في جميع الأحوال كما
في الحديث القدسي: يا موسى اذكرني، فان ذكري على كل حال حسن.
الثاني: أن يكون المراد: أما إذا أردتم قضاء الصلاة وفعلها في حال الخوف و
القتال فصلوها (قياما) مسايفين ومقارعين، (وقعودا) جاثين على الركب مرامين
(وعلى جنوبكم) مثخنين بالجراح.
وقيل: المراد حال الخوف مطلقا من غير اختصاص بحال القتال، وقيل:
إشارة إلى صلاة القادر والعاجز أي أما إذا أردتم الصلاة فصلوا (قياما) إن كنتم أصحاء
(وقعودا) إن كنتم مرضى لا تقدرون على القيام (وعلى جنوبكم) إن لم تقدروا
على القعود، روى ذلك عن ابن مسعود. وعلى هذا التفسير يستفاد الترتيب أيضا

(1) مجمع البيان ج 3 ص 104.
103

لكن لم نظفر برواية تدل على هذا التفسير في خصوص هذه الآية. نعم روي ذلك في
تفسير قوله تعالى: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا) (1) كذا قيل.
وأقول: ذكره علي بن إبراهيم (2) بعد إيراد هذه الآية حيث قال: الصحيح
يصلي قائما، والعليل يصلي قاعدا، فمن لم يقدر فمضطجعا يؤمي إيماء، وقد مر
من تفسير النعماني (3) مثله في باب القيام (4) مرويا عن أمير المؤمنين عليه السلام، ولا يخفى
أن عدم اعتبار الخوف يأباه.
قوله: (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) فان ظاهره أما إذا استقررتم بزوال خوفكم
وسكنت قلوبكم فأتموا حدود الصلاة واحفظوا أركانها وشرائطها، إلا أن يحمل
الاطمينان على أعم من زوال الخوف والبرء من المرض، وقيل: معناه أما إذا
أقمتم
فأتموا الصلاة التي أجيز لكم قصرها، وقد يجمع بين الوجهين، وقد مر تفسير
الموقوت (5).
1 - المقنع: سئل الصادق عليه السلام عن الصلاة في الحرب فقال: يقوم الامام قائما
ويجئ طائفة من أصحابه يقومون خلفه، وطائفة بإزاء العدو، فيصلي بهم الامام
ركعة ثم يقوم ويقومون معه ويثبت قائما ويصلون هم الركعة الثانية ثم يسلم بعضهم
على بعض ثم ينصرفون فيقومون مكان أصحابهم بإزاء العدو ويجئ الآخرون
فيقومون خلف الامام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يجلس الامام فيقومون ويصلون

(1) آل عمران: 191.
(2) تفسير القمي: 117.
(3) تفسير النعماني: البحار ج 93 ص 28.
(4) راجع ج 84 ص 331 - 343، وقد مضى فيه الحديث عن الكافي وغيره أيضا،
راجعه أن شئت.
(5) قد مضى في ج 82 ص 313 ما يتعلق بمعنى الموقوت، الا أنه يستدرك تفسير
الآية بما ذكرناه في صدر الباب السابق فلا تغفل.
104

ركعة أخرى (1)] ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمه.
وإذا كنت في المطاردة فصل صلاتك إيماء، وإن كنت تستأنف فسبح الله
واحمده وهلله وكبره، يقوم كل تحميدة وتسبيحة وتهليلة وتكبيرة مكان
ركعة (2).
بيان: ما رواه إلى قوله (بتسليمة) موافقة لما رواه الشيخ (3) في الحسن
كالصحيح عن الحلبي عنه عليه السلام.
واعلم أن صلاة الخوف أنواع منها صلاة ذات الرقاع، وهي الكيفية الأولى
الواردة في هذا الخبر، وسميت بها لان القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر و
صفر وسود كالرقاع، أو كانت الصحابة حفاة فلفوا على أرجلهم الجلود والخرق
لشدة الحر، أو الرقاع كانت في ألويتهم، وقيل: مر بذلك الموضع ثمانية نفر حفاة
فنقبت أرجلهم وتساقطت أظفارهم، وكانوا يلفون عليها الخرق، وقيل: الرقاع اسم
شجرة في موضع الغزو.
والمشهور أن شروط هذه الصلاة أربعة: الأول كون العدو في خلاف جهة
القبلة، بحيث لا يمكنهم مقابلته، وهم يصلون إلا بالانحراف عن القبلة، هذا هو
المشهور واستوجه في التذكرة عدم اعتباره، ورجحه الشهيدان، والثاني أن يكون
الخصم ذا قوة يخاف هجومه على المسلمين، الثالث أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم
الافتراق طائفتين يقاوم كل فرقة منهما العدو حال الأخرى، والرابع عدم
احتياجهم إلى زيادة على الفرقتين، وهذا الشرط في الثنائية واضح، وأما في الثلاثية
فهل يجوز تفريقهم ثلاث فرق وتخصيص كل ركعة بفرقة؟ قولان، واختار الشهيدان
الجواز.

(1) ما بين العلامتين - وقد زاد على الثلاثين بيتا - ساقط عن ط الكمباني أضفناه.
من الأصل.
(2) المقنع: 39، ط الاسلامية.
(3) التهذيب ج 1 ص 303.
105

ثم اختلفوا في أنه هل يجب على الفرقة الأولى نية الانفراد عند مخالفة الامام
أم لا؟ والظاهر عدم انفكاك الانسان في تلك الحال عن النية، وأما الفرقة الثانية
فظاهر الأكثر بقاء اقتدائهم في الركعة الثانية حكما وإن استقلوا بالقراءة والافعال
فيحصل لهم ثواب الايتمام، يرجعون إلى الامام في السهو، وحينئذ لا ينوون الانفراد
عند القيام إلى الثانية، وقد صرح به العلامة في المختلف وصرح ابن حمزة بأن
الثانية تنوي الانفراد في الثنائية، وهو ظاهر المبسوط، واختاره بعض المتأخرين
والروايات مختلفة في تسليم الامام أو لاثم قيامهم إلى الثانية، أو انتظار الامام إلى
أن يفرغوا من الثانية، فيسلم معهم، والظاهر التخيير بينهما، فالظاهر على الأول
انفرادهم، وعلى الثاني بقاء القدوة.
ثم إن جماعة من الأصحاب ذكروا أن المخالفة في هذه الصلاة مع ساير
الصلوات في ثلاثة أشياء: انفراد المؤتم، وتوقع الامام للمأموم حتى يتم، وإمامة
القاعد بالقائم، ولا يخفى أن الانفراد إنما تحصل به المخالفة على قول الشيخ، حيث
منع من ذلك في سائر الصلوات، وإلا فالمشهور الجواز مطلقا إلا أن يقال: بوجوب
الانفراد هنا، فالمخالفة بهذا الاعتبار، وأما توقع الامام المؤتم حتى يتم فإنه غير لازم
هنا كما عرفت، وأما إمامة القاعد بالقائم، فإنما يتحقق أما إذا قلنا ببقاء اقتداء الفرقة الثانية
في الثانية، وقد عرفت الخلاف فيه، وتحقيق هذه الأحكام في تلك الأزمان قليل الجدوى
فلا يهم التعرض لها.
ومن أقسام صلاة الخوف صلاة بطن النخل (1) وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله
صلاها بأصحابه، قال الشيخ، روى الحسن عن أبي بكرة فعل النبي صلى الله عليه وآله و

(1) هذه الصلاة هي صلاة ذات الرقاع نفسها، الا انها رواية الحسن ابن أبي الحسن عن جابر
كما رواه ابن هشام في السيرة، والتي سبق رواية نافع عن ابن عمر وعليه اتفاق الشيعة الإمامية.
وبطن نخل موضع بنجد فيها منازل بنى محارب وبنى ثعلبة من غطفان على مرحلتين
من المدينة، صلى بها رسول الله في بطن الوادي والمشركون من غطفان على رؤس الجبال
بذات الرقاع فسميت الغزوة بهما.
106

صفتها أن يصلي الامام بالفرقة الأولى مجموع الصلاة، والأخرى تحرسهم، ثم يسلم
بهم ثم يمضوا إلى موقف أصحابهم ثم يصلي بالطائفة الأخرى نفلا له وفرضا لهم، و
شرطها كون العدو وفي قوة يخاف هجومه، وإمكان افتراق المسلمين فرقتين، وكونه
في خلاف جهة القبلة.
قال في الذكرى: ويتخير بين هذه الصلاة وبين ذات الرقاع، ويرجح هذا
إذا كان في المسلمين قوة ممانعة بحيث لا تبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية، و
يختار ذات الرقاع أما إذا كان الامر بالعكس، ولا يخفى أن هذه الرواية ضعيفة عامية
يشكل التعويل عليها، وإن كانت مشهورة، فيبني الحكم بالجواز على أنه هل يجوز
إعادة الجامع صلاته أم لا؟ وقد سبق الكلام فيه.
ومن أقسام صلاة الخوف صلاة عسفان وقد نقلها الشيخ في المبسوط بهذه العبارة:
ومتى كان العدو في جهة القبلة، ويكونون في مستوى الأرض، لا يسترهم شئ، و
لا يمكنهم أمر يخاف منه، ويكون في المسلمين كثرة لا يلزمهم صلاة الخوف، ولا
صلاة شدة الخوف، وإن صلوا كما صلى النبي صلى الله عليه وآله بعسفان جاز، فإنه قام صلى الله عليه وآله
مستقبل القبلة والمشركون أمامه، فصف خلف رسول الله صلى الله عليه وآله صف وصف بعد ذلك
الصف صف آخر، فركع رسول الله صلى الله عليه وآله وركعوا جميعا، ثم سجد صلى الله عليه وآله وسجد
الصف الذي يلونه (1) وقام الآخرون يحرسونه، فلما سجد الأولون السجدتين و
قاموا، سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ثم تأخر الصف الذين يلونه إلى مقام
الآخرين، وتقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وآله
وركعوا جميعا في حالة واحدة، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه، وقام الآخرون
يحرسونه، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وآله والصف الذي يليه، سجد الآخرون، ثم

(1) والأصل في ذلك توهمهم أن معنى قوله تعالى: (فإذا سجدوا فليكونوا من
ورائكم) أن طائفة في الصف الأول يسجد وطائفة من ورائهم وهم في الصف الثاني يحرسهم،
وقد عرفت معنى الآية الكريمة.
107

جلسوا جميعا فسلم بهم جميعا.
وقال العلامة: لها ثلاث شرايط أن يكون العدو في جهة القبلة، وأن يكون
في المسلمين كثرة يمكنهم معها الافتراق فرقتين، وأن يكونوا على قلة جبل أو مستومن
الأرض لا يحول بينهم وبين إبصار المسلمين حائل من جبل وغيره، ليتوقوا كبسهم،
والحمل عليهم، ولا يخاف كمين لهم.
وتوقف الفاضلان في العمل بها، لأنه لم يثبت نقلها عن طريق أهل البيت عليهم السلام
وقال في الذكرى مرة هذه صلاة مشهورة في النقل كسائر المشهورات، وأخرى أنها
وإن لم تنقل بأسانيد صحيحة، وذكرها الشيخ مرسلا لها غير مسند (1) ولا محيل على
سنده، فلو لم يصح عنده لم يتعرض حتى ينبه على ضعفه، فلا يقصر فتواه عن رواية
ثم ليس فيها مخالفة لافعال الصلاة غير التقدم والتأخر، والتخلف بركن، وكل
ذلك غير قادح في صحة الصلاة اختيارا فكيف عند الضرورة انتهى.
واعترض عليه أما أولا ففي تصحيحه الرواية بمجرد نقل الشيخ، وأما ثانيا
ففي حكمه بعدم قدم التخلف عن ركن في صحة الصلاة اختيارا.
وأما صلاة شدة الخوف التي أشار إليها أخير فقسمان: إحداهما أن يتمكنوا
من أفعال الصلاة ولو بالايماء، ولا يتمكنوا من الجماعة على الوجوه المذكورة،
فيصلون فرادى كيف ما أمكنهم واقفا أو ماشيا أو راكبا، ويركعون ويسجدون مع
الامكان، وإلا فبالايماء ويستقبلون القبلة مع المكنة، وإلا فبحسب الامكان في
بعض الصلاة، على ما ذكره جماعة من الأصحاب، وإلا فبتكبيرة الاحرام، وإلا
سقط الاستقبال، وهذه الأحكام مجمع عليها بين الأصحاب، ويدل عليها روايات

(1) الظاهر أن الشيخ رحمه الله نظر إلى رواية ذلك عن طرق الجمهور، ورأي أنها
تطابق لفظ القرآن الكريم على الوجه المذكور آنفا فاعتمد على روايتهم، والا فكيف يكون
عنده رواية معتبرة أو غير معتبرة عن أهل البيت عليهم السلام ولا يذكرها ولا يتعرض لها في
كتابي الاخبار؟
108

كثيرة، والثانية صلاة من لم يتمكن من الايماء أيضا حال المسايفة، فإنه يسقط
عنه ذلك، وينتقل فرضه إلى التسبيح وهذا أيضا مجمع عليه بين الأصحاب.
2 - تفسير علي بن إبراهيم: (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) فهي رخصة بعد
العزيمة للخائف أن يصلي راكبا وراجلا.
وصلاة الخوف على ثلاثة وجوه: قال الله تبارك وتعالى: (وإذا كنت
فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا [أسلحتهم فإذا سجدوا
فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا] حذرهم و
أسلحتهم) فهذا وجه.
والوجه الثاني من صلاة الخوف فهو الذي يخاف اللصوص والسباع في السفر،
فإنه يتوجه إلى القبلة ويفتتح الصلاة ويمر على وجهه الذي هو فيه، فإذا فرغ من
القراءة وأراد أن يركع ويسجد ولى وجهه إلى القبلة إن قدر عليه، وإن لم يقدر
عليه ركع وسجد حيثما توجه، وإن كان راكبا يومي إيماء برأسه.
والوجه الثالث من صلاة الخوف صلاة المجادلة، وهي المضاربة في الحرب إذا
لم يقدر أن ينزل ويصلي: يكبر لكل ركعة تكبيرة وصلى وهو راكب، فان أمير -
المؤمنين عليه السلام صلى وأصحابه خمس صلوات بصفين على ظهر الدواب لكل ركعة تكبيرة
وصلى وهو راكب حيثما توجهوا (1).
بيان: ظاهر الروايات الاجتزاء عند تلاحم القتال بالتكبير لكل ركعة، من
غير تكبيرة للاحرام وتشهد وتسليم وفي صحيحة الفضلاء (2) عن أبي جعفر عليه السلام فإذا
كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال، فان أمير المؤمنين عليه السلام ليلة صفين وهي
ليلة الهرير لم تكن صلاتهم الظهر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلا بالتكبير
والتهليل والتسبيح والتحميد، والدعاء، فكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم بإعادة
الصلاة.

(1) تفسير القمي: 69 و 70 وما بين العلامتين ساقط عن ط ك.
(2) التهذيب ج 1 ص 304، الكافي ج 3 ص 458.
109

وفي صحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة الزحف على
الظهر إيماء برأسك وتكبير، والمسايفة تكبير بغير إيماء، والمطاردة إيماء يصلي
كل رجل على حياله.
والمشهور بين الأصحاب أنه يقرء عوض كل ركعة التسبيحات الأربع بعد
النية، وتكبيرة الافتتاح، ويتشهد ويسلم، وإيجاب غير النية لا دليل عليه،
نعم يظهر من صحيحة الفضلاء التسبيحات الأربع من غير ترتيب مع إضافة الدعاء
ولعل المراد به الاستغفار، فالأحوط الجمع بينها، وإن احتمل الواو فيها
بمعنى (أو).
3 - مجالس الصدوق: عن محمد بن عمر الحافظ، عن أحمد بن عبد العزيز،
عن عبد الرحمن بن صالح، عن شعيب بن راشد، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
ما كانت صلاة القوم يوم الهرير إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة (2).
4 - تفسير على ابن إبراهيم: في قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت
لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) الآية، فإنها نزلت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
الحديبية يريد مكة فلما وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس
ليستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله فكان يعارض رسول الله صلى الله عليه وآله على الجبال، فلما كان في بعض
الطريق وحضرت صلاة الظهر أذن بلال وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس، فقال خالد
ابن الوليد: لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم، فإنهم لا يقطعون الصلاة
ولكن تجئ لهم الان صلاة أخرى هي أحب إليهم من ضياء أبصارهم، فإذا دخلوا
فيها حملنا عليهم، فنزل جبرئيل عليه السلام بصلاة الخوف بهذه الآية (وإذا كنت فيهم
فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) إلى قوله: (ميلة واحدة).
ففرق رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه فرقتين، فوقف بعضهم تجاه العدو، وقد أخذوا

(1) الفقيه ج 1 ص 296، والتهذيب ج 1 ص 304.
(2) أمالي الصدوق ص 244.
110

سلاحهم، وفرقة صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله قائما ومروا فوقفوا مواقف أصحابهم،
وجاء أولئك الذين لم يصلوا فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله الركعة الثانية وهي لهم الأولى
وقعد رسول الله صلى الله عليه وآله وقام أصحابه، فصلوا هم الركعة الثانية وسلم عليهم (1).

(1) تفسير القمي: 138، و 632 في سورة الفتح، وترى مثله في الدر المنثور
ج 2 ص 211 قال: أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن
حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدار قطني و
الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي عياش الزرقي وذكر مثله.
لكن الحديث لا يصح، فان أصحاب السيرة كلهم أجمعوا (مستندين بالروايات المعتبرة)
على أن النبي صلى الله عليه وآله لم يواجه خالدا في غزوة الحديبية هكذا، وقد مر بعض ذلك في ص 102
نقلا عن سيرة ابن هشام بتخليص.
وأزيدك الان أن الكليني روى في كتاب الروضة ج 8 ص 322 عن علي بن إبراهيم
عن أبيه عن ابن أبي عمير وغيره عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما
خرج رسول الله في غزوة الحديبية، خرج في ذي القعدة، فلما انتهى إلى المكان الذي
أحرم فيه أحرموا ولبسوا السلاح، فلما بلغه أن المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد
لبرده قال: ابغوني رجلا يأخذ بي على غير هذا الطريق فأتى برجل... فأخذه معه حتى
انتهى إلى العقبة فقال: من يصعدها حط الله عنه كما حط عن بني إسرائيل.....
فابتدرها خيل الأنصار فلما هبطوا الحديبية... وخرج رسول الله فأرسل إليه المشركون
الحديث.
نعم غزى رسول الله صلى الله عليه وآله في جمادى سنة خمس بنى لحيان حتى نزل على غران وهي
منازل بنى لحيان، وغران واد بين أمج وعسفان إلى بلد يقال لها سايه، فوجدهم قد حذروا
وتمنعوا في رؤس الجبال.
فلما نزلها رسول الله وأخطأه من غرتهم ما أراد قال: لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل
مكة أنا قد جئنا مكة فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل بعسفان ثم رجع قافلا،
وسمى تلك الغزوة بغزوة عسفان أيضا.
فالظاهر من تمنع بنى لحيان إلى رؤس الجبال أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى حينذاك بمن
معه من المسلمين صلاة الخوف، خوفا من بادرتهم كما صرح بذلك الطبرسي في إعلام الورى
ص 98 قال: ثم كانت غزوة بنى لحيان، وهي الغزوة التي صلى فيها صلاة الخوف بعسفان
حين أتاه الخبر من السماء بما هم به المشركون، وقيل: إن هذه الغزوة كانت بعد غزوة
بني قريظة.
على أنه قد ثبت من دون ارتياب أن النبي صلى الله عليه وآله صلى صلاة الخوف بذات الرقاع ذكره
ابن هشام في السيرة في حوادث سنة الأربع، وقيل في الخامسة لقى بها رسول الله صلى الله عليه وآله جمعا
من غطفان ولم يكن بينهما حرب وقد خاف الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلاة الخوف
ثم انصرف بالناس، فإذا كان قد صلى قبل الحديبية صلاة الخوف، فلابد وأن تكون الآية
نازلة قبلها، فلا معنى لنزول جبرئيل بصلاة الخوف: (وإذا كنت فيهم) في غزوة الحديبية
آخر سنة ست تارة أخرى.
111

5 - قرب الإسناد وكتاب المسائل: بسنديهما عن علي بن جعفر، عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن صلاة الخوف كيف هي؟ قال: يقوم الامام فيصلي ببعض أصحابه
ركعة ويقوم في الثانية ويقوم أصحابه فيصلون الثانية، ويخففون وينصرفون ويأتي
أصحابهم الباقون فيصلون معه الثانية فإذا قعد في التشهد قاموا فصلوا الثانية لأنفسهم
ثم يعقدون، فيتشهدون معه ثم يسلم وينصرفون معه (1).
وسألته عن صلاة المغرب في الخوف كيف هي؟ قال يقوم الامام ببعض أصحابه
فيصلي بهم ركعة ثم يقوم في الثانية ويقومون فيصلون لأنفسهم ركعتين ويخففون
وينصرفون، ويأتي أصحابه الباقون فيصلون معه الثانية ثم يقوم بهم في الثالثة فيصلي
بهم فتكون للامام الثالثة وللقوم الثانية، ثم يعقدون فيتشهد ويتشهدون معه، ثم
يقوم أصحابه والامام قاعد فيصلون الثالثة ويتشهدون معه، ثم يسلم ويسلمون (2).

(1) قرب الإسناد ص 99 ط حجر ص 131 ط نجف، كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 251.
(2) قرب الإسناد ص 99 ط حجر ص 131 ط نجف، كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 251.
112

بيان: قوله: (لأنفسهم ثم يقعدون) في كتاب المسائل ثم قعدوا فتشهدوا
معه ثم سلم وانصرف وانصرفوا).
ولا خلاف بين الأصحاب ظاهرا في أنه يتخير في المغرب بين أن يصلي بالأولى
ركعة وبالثانية ركعتين، وبالعكس، لورود الروايات المعتبرة بهما جميعا، واختلف
في الأفضلية، فقيل إن الأول أفضل لكونه مرويا عن أمير المؤمنين عليه السلام، فيترجح
للتأسي به، ولأنه يستلزم فوز الفرقة الثانية بالقراءة وبالزيادة ليوازي فضيلة تكبيرة
الافتتاح والتقدم، ولتقارب الفرقتين في إدراك الأركان، ونسب هذا القول إلى الأكثر
واختاره في التذكرة، وقيل: إن الثاني أفضل لئلا يكلف الثانية زيادة جلوس في التشهد
وهي مبنية على التخفيف، والترجيح لا يخلو من أشكال.
6 - فقه الرضا قال عليه السلام: إن كنت في حرب هي لله رضا، وحضرت الصلاة
فصل على ما أمكنك على ظهر دابتك، وإلا تؤمي إيماء أو تكبر وتهلل (1).
وروي أنه فات الناس مع علي عليه السلام يوم صفين صلاة الظهر والمغرب والعشاء
فأمرهم علي فكبروا وهللوا وسبحوا، ثم قرأ هذه الآية (فان خفتم فرجالا أو
ركبانا) (2) فأمرهم علي عليه السلام فصنعوا ذلك رجالا أو ركبانا.
فان كنت مع الامام (3) فعلى الامام أن يصلي بطائفة ركعة، وتقف الطائفة
الأخرى بإزاء العدو ثم يقوم ويخرجون فيقيمون موقف أصحابهم بإزاء العدو،
وتجئ طائفة أخرى فتقف خلف الامام ويصلي بهم الركعة الثانية، فيصلونها ويتشهدون
ويسلم الامام ويسلمون بتسليمه، فيكون للطائفة الأولى تكبيرة الافتتاح، وللطائفة
الأخرى التسليم.

(1) فقه الرضا ص 14 باب صلاة الخوف.
(2) البقرة: 239.
(3) بل أما إذا كان خوف ولم يكن الحرب كما عرفت والا فالمسلمون بصفين كان معهم
الامام الأكبر.
113

وإن كان صلاة المغرب يصلي بالطائفة الأولى ركعة، وبالطائفة الثانية
ركعتين.
وإذا تعرض لك سبع وخفت أن تفوت الصلاة فاستقبل القبلة وصل صلاتك
بالايماء، فان خشيت السبع يعرض لك فدر معه كيف ما دار، وصل بالايماء كيف
ما يمكنك.
وإذا كنت تمشي متفزعة من هزيمة أو من لص أو ذاعر أو مخافة في الطريق،
وحضرت الصلاة استفتحت الصلاة تجاه القبلة بالتكبير، ثم تمضي في مشيتك حيث شئت
وإذا حضر الركوع ركعت تجاه القبلة إن أمكنك وأنت مشي، وكذلك السجود سجدت
تجاه القبلة أو حيث أمكنك، ثم قمت، فإذا حضر التشهد جلست تجاه القبلة بمقدار
ما تقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله)
فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك.
هذه مطلقة للمضطر في حال الضرورة، وإن كانت في المطاردة مع العدو فصل
صلاتك إيماء وإلا فسبح واحمده وهلله وكبره، تقوم كل تسبيحة وتهليلة و
تكبيرة مكان ركعة عند الضرورة، وإنما جعل ذلك للمضطر لمن لا يمكنه أن يأتي
بالركوع والسجود (1).
7 - العياشي: عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فرض الله
على المقيم خمس صلوات، وفرض على المسافر ركعتين، وفرض على الخائف ركعة،
وهو قول الله: (لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا)
يقول: من الركعتين فتصير ركعة (2).
بيان: هذا يدل على مذهب ابن الجنيد، وقد مر أنه يمكن حمله على التقية

(1) فقه الرضا: 14.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 271 وهذا نص فيما قلناه في تفسير الآية الكريمة صدر
الباب السابق، وبمضمونه روايات أخر تراها في التهذيب ج 1 ص 338.
114

أو على أنه يصلي مع الامام ركعة.
8 - العياشي: عن أبن بن تغلب، عن جعفر بن محمد عليهما السلام في صلاة المغرب في
الخوف، قال: يجعل أصحابه طائفتين بإزاء العدو واحدة والأخرى خلفه، فيصلي
بهم ثم ينصب قائما ويصلون هم تمام ركعتين ثم يسلم بعضهم على بعض، ثم تأتي
الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعتين، ويصلون هم ركعة، فيكون للأولين قراءة، و
للآخرين قراءة (1).
بيان: هذا وجه ترجيح لتخصيص الأولين بركعة ليدرك كل منهما ركعة من
الركعتين اللتين يتعين فيهما القراءة.
9 - العياشي: عن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا
حضرت الصلاة في الخوف، فرقهم الامام فرقتين فرقة مقبلة على عدوهم، وفرقة خلفه
كما قال الله تبارك وتعالى، فيكبر بهم ثم يصلي بهم ركعة، ثم يقوم بعد ما يرفع
رأسه من السجود فيتمثل قائما ويقوم الذين صلوا خلفه ركعة فيصلي كل إنسان منهم
لنفسه ركعة، ثم يسلم بعضهم على بعض، ثم يذهبون إلى أصحابهم فيقومون مقامهم
ويجئ الآخرون والامام قائم فيكبرون ويدخلون في الصلاة خلفه، فيصلي بهم
ركعة ثم يسلم، فيكون للأولين استفتاح الصلاة بالتكبير، وللآخرين التسليم
مع الامام، فإذا سلم الامام قام كل إنسان من الطائفة الأخيرة فيصلي لنفسه ركعة واحدة
فتمت للامام ركعتان ولكل إنسان من القوم ركعتان واحدة في جماعة، والأخرى
وحدانا.
وإذا كان الخوف أشد من ذلك مثل المضاربة والمناوشة والمعانقة، وتلاحم
القتال فان أمير المؤمنين عليه السلام ليلة صفين وهي ليلة الهرير لم يكن صلى بهم الظهر و
العصر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة، إلا بالتهليل والتسبيح والتحميد
والدعاء، فكانت تلك صلاتهم، لم يأمرهم بإعادة الصلاة.

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 272.
115

وإذا كانت المغرب في الخوف فرقهم فرقتين فصلى بفرقة ركعتين ثم جلس ثم
أشار إليهم بيده فقام كل إنسان منهم فصلى ركعة ثم سلموا وقاموا مقام أصحابهم
وجاءت الطائفة الأخرى فكبروا ودخلوا في الصلاة وقام الامام فصلى بهم ركعة ثم
سلم ثم قام كل إنسان منهم فصلى ركعة فشفعها بالتي صلى مع الامام ثم قام فصلى ركعة
ليس فيها قراءة، فتمت للامام ثلاث ركعات وللأولين ثلاث ركعات: ركعتين في جماعة
وركعة وحدانا، للآخرين ثلاث ركعات: ركعة جماعة وركعتين وحدانا، فصار
للأولين افتتاح التكبير وافتتاح الصلاة، وللآخرين التسليم (1).
بيان: المناوشة في القتال، وذلك أما إذا
تدانى الفريقان، وليلة الهرير مشهورة
سميت بذلك لكثرة الأصوات فيها.
10 - العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: فات الناس مع
أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، فأمرهم
علي أمير المؤمنين عليه السلام فكبروا وهللوا وسبحوا رجالا وركبانا، لقول الله (فان خفتم
فرجالا أو ركبانا) فأمرهم على فصنعوا ذلك (2).
ومنه: عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له صلاة المواقفة، فقال:
إذا لم تكن انتصفت من عدوك صليت إيماء راجلا كنت أو ركبانا، فان الله يقول:
(فان خفتم فرجالا أو ركبانا) (3) تقول في الركوع: لك ركعت وأنت ربي. وفى
السجود: لك سجدت وأنت ربي - أينما توجهت بك دابتك، غير أنك توجه حين
تكبر أول تكبيرة (4).
ومنه: عن أبان بن منصور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فات أمير المؤمنين عليه السلام

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 272 - 273.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 273 في حديث.
(3) البقرة: 239.
(4) تفسير العياشي ج 1 ص 128.
116

والناس يوما بصفين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأمرهم أمير المؤمنين عليه السلام
أن يسبحوا ويكبروا ويهللوا، قال: وقال الله: (فان خفتم فرجالا أو ركبانا)
فأمرهم علي عليه السلام فصنعوا ذلك ركبانا ورجالا (1).
ورواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فات الناس الصلاة مع علي يوم صفين
إلى آخره (2).
ومنه: عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن قول الله تعالى (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) كيف يفعل وما يقول؟ ومن يخاف
سبعا ولصا كيف يصلى؟ قال: يكبر ويؤمي إيماء برأسه (3).
ومنه: عن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله عليه السلام في صلاة الزحف قال تكبير
وتهليل، يقول: الله أكبر، يقول الله (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) (4).
11 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته
عن الرجل يلقاه السبع وقد حضرت الصلاة، فلا يستطيع المشي مخافة السبع، وإن
قام يصلي خاف في ركوعه أو سجوده، والسبع أمامه على غير القبلة، فان توجه
الرجل أمام القبلة خاف أن يثب عليه الأسد، كيف يصنع؟ قال: يستقبل الأسد
ويصلي ويومي إيماء برأسه، وهو قائم وإن كان الأسد على غير القبلة (5)
بيان: المشهور بين الأصحاب أن خائف السبع والسيل والغرق، يصلي
صلاة الخوف كمية وكيفية، حتى قال في المعتبر: كل أسباب الخوف يجوز معها
القصر، والانتقال إلى الايماء مع الضيق، والاقتصار التسبيح إن خشي مع الايماء
وإن كان الخوف من لص أو سبع أو غرق، وعلى ذلك فتوى الأصحاب.
وتردد في ذلك العلامة في المنتهى، ونقل عن بعض علمائنا قولا بأن التقصير

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 128.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 128.
(3) تفسير العياشي ج 1 ص 128.
(4) تفسير العياشي ج 1 ص 129.
(5) كتاب المسائل البحار ج 10 ص 279، الطبعة الحديثة.
117

في عدد الركعات إنما يكون في صلاة الخوف من العدو خاصة، ولا يظهر من الروايات
إلا القصر في الكيفية على بعض الوجوه، والمذكور فيها العدو واللص والسبع،
فالحاق غيرها بها يحتاج إلى دليل.
وقال الشهيد الثاني: والحق بذلك الأسير في يد المشركين أما إذا
خاف من إظهار
الصلاة، والمديون المعسر لو عجز عن إقامة البينة بالاعسار، وخاف الحبس فهرب
والمدافع عن ماله لاشتراك الجميع في الخوف انتهى.
وقد يستدل على التعميم بأنه تجب الصلاة على جميع المكلفين لعموم الأدلة
والصلاة بالايماء والتكبير مع العجز صلاة شرعية في بعض الأحيان، فحيث تعذر
الأول ثبت الثاني، وإلا يلزم التخصيص فيما دل على وجوب الصلاة على كل
مكلف.
والمسألة قوية الاشكال والمشهور في الموتحل والغريق أنهما يصليان بالايماء
مع العجز، ولكن لا يقصران، وذكر الشهيد في الذكرى أنه لو خاف من إتمام الصلاة
استيلاء الغرق، ورجا عند قصر العدد سلامته وضاق الوقت، فالظاهر أنه يقصر العدد أيضا
واستحسنه الشهيد الثاني، وتنظر في سقوط القضاء، وربما يقال جواز الترك للعجز
لا يوجب جواز القصر من غير دليل، والله يعلم.
12 - كتاب صفين: لنصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام في بعض أيام صفين وحض أصحابه على
القتال، وساق الحديث الطويل إلى قوله: فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب
الشفق، وما كانت صلاة القوم إلا تكبيرا.
ومنه: عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال: اقتتل الناس في
صفين من لدن اعتدال النهار إلى صلاة المغرب، ما كان صلاة القوم إلا التكبير عند
مواقيت الصلاة.
ومنه: عن نمير بن وعلة عن الشعبي في وصف بعض مواقف صفين إلى أن
118

قال: واقتتل الناس قتالا شديدا بعد المغرب فما صلى كثير من الناس إلا إيماء.
ومنه: عن رجل عن محمد بن عتبة الكندي عن شيخ من حضر موت في وصف
بعض مواقف صفين قال: مرت الصلوات كلها ولم يصلوا إلا تكبيرا عند مواقيت
الصلوات.
ومنه: عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في وصف ليلة
الهرير إلى قوله: وكسفت الشمس وثار القتام، وضلت الألوية والرايات ومرت
مواقيت أربع صلوات لم يسجد لله فيهن إلا تكبيرا.
بيان: القتام بالفتح الغبار، ولعل الكسوف أيضا كان لشدة ثوران الغبار.
13 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يلقاه السبع وقد حضرت الصلاة فلم يستطع المشي
مخافة السبع، قال: يستقبل الأسد ويصلي ويومئ برأسه إيماء، وهو قائم، وإن
كان الأسد على غير القبلة (1).
14 - مجمع البيان: قال: يروى أن عليا عليه السلام صلى ليلة الهرير خمس
صلوات بالايماء، وقيل بالتكبير، وإن النبي صلى الله عليه وآله صلى يوم الأحزاب إيماء (2).
15 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه سئل عن صلاة الخوف و
صلاة السفر أتقصران جميعا؟ قال: نعم، وصلاة الخوف أحق بالتقصير من صلاة في
السفر ليس فيها خوف (3).
وعنه: عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى صلاة الخوف بأصحابه في غزوة

(1) لم نجده في المصدر المطبوع، نعم ذكره الصدوق نقلا عن علي بن جعفر راجع
الفقيه ج 1 ص 294.
(2) مجمع البيان ج 2 ص 344.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 199، وتراه في الفقيه ج 1 ص 294، التهذيب
ج 1 ص 338.
119

ذات الرقاع ففرق أصحابه فرقتين أقام فرقة بإزاء العدو، وفرقة خلفه وكبر فكبروا
وقرء فأنصتوا وركع فركعوا، وسجد فسجدوا، ثم استتم رسول الله صلى الله عليه وآله قائما وصلى
الذين خلفه ركعة أخرى وسلم بعضهم على بعض ثم خرجوا إلى مقام أصحابهم فقاموا
بإزاء العدو، وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فكبر وكبروا، وقرأ
فأنصتوا، وركع فركعوا، وسجد فسجدوا، وجلس فتشهد فجلسوا ثم سلم فقاموا فصلوا
لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض (1).
وعنه عليه السلام: أنه وصف صلاة الخوف هكذا وقال: إن صلى بهم صلاة المغرب
صلى بالطائفة الأولى ركعة، وبالثانية ركعتين، حتى يجعل لكل فرقة قراءة (2).
وعن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن الصلاة في شدة الخوف والجلاد حيث لا
يمكن الركوع والسجود، فقال: يؤمئون على دوابهم، وقوفا على أقدامهم، و
تلا قول الله (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) فإن لم يقدروا على الايماء كبروا مكان
كل ركعة تكبيرة (3).

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 199.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 199.
أقول: ومما يؤكد أن الامام يصلى بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين أن
الفرض من ركعات المغرب هو الأولتان والثالثة سنة في فريضة، ولو صلى بالطائفة الأولى
ركعتين لم يبق للطائفة الأخرى الا ركعة السنة.
بقي ههنا شئ، وهو أن كيفية صلاة الخوف هذه على ما ظهر من الآية الكريمة في
صدر الباب السابق، إنما هي تعبية في قبال العدو، وحيلة لرفع الخوف من بادرتهم، لا
أن ذلك من عزيمة الاحكام، فعلى هذا يجوز الصلاة بهذه الكيفية أما إذا
كان الخوف من بادرة
السبع أو اللص أو غير ذلك من المخاوف التي يتوجه إلى المصلين بالقوة لا بالفعل كان
ذلك في السفر والصلاة ركعتان، أو في الحضر والصلاة أربع، وللمسألة فروع أخر غير
مشتبهة.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 199.
120

بيان: الحديث الثاني رواه الصدوق في الفقيه (1) بسند صحيح عن عبد الرحمن
ابن أبي عبد الله عنه عليه السلام.
وقوله عليه الصلاة والسلام أخيرا: فكبر وكبروا، لعل تكبير الامام محمول
على الاستحباب، وليس تكبير الافتتاح، وهذه الرواية مروية في الكافي (2) والتهذيب (3)
وليس فيهما هكذا، وفيهما: فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى بهم ركعة ثم تشهدوا
سلم عليهم إلى آخر الخبر.

(1) الفقيه ج 1 ص 293.
(2) الكافي ج 3 ص 456.
(3) التهذيب ج 1 ص 304.
121

" (أبواب) " *
* " (فضل يوم الجمعة وفضل ليلتها وصلواتهما) " *
* " (وآدابهما وأعمال سائر أيام الأسبوع) " *
1 - (باب)
* " (وجوب صلاة الجمعة وفضلها وشرايطها) " *
* (وآدابها وأحكامها) *
الآيات: البقرة: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله
قانتين (1).
الجمعة: يا أيها الذين آمنوا أما إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى
ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * فإذا قضيت الصلاة فانتشروا
في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * وإذا رأوا تجارة
أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله
خير الرازقين (2).
المنافقون: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر

(1) البقرة: 238، وقد مر الكلام فيها في ج 82 ص 277.
(2) الجمعة: 9 - 11.
122

الله ومن يفعل ذلك فأولئك هو الخاسرون (1).
تفسير: قد مضت الاخبار في تفسير الصلاة الوسطى بصلاة الجمعة، وأن
المراد بقوله: (قوموا الله قانتين) أي في الصلاة الوسطى، وقال الراوندي رحمه الله في فقه
القرآن، قالوا: نزلت هذه الآية يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وآله في سفر، فقنت فيها
وتركها على حالها في السفر والحضر.
(يا أيها الذين آمنوا أما إذا نودي (2) للصلاة من يوم الجمعة) لا ريب في نزول

(1) المنافقون: 9.
(2) ومن الآيات الكريمة التي تشير إلى نداء الاذان للصلوات قوله تعالى عز وجل
(وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا) المائدة: 58، الا أنه في سائر الأيام و
مطلق الصلوات يقول: (أما إذا ناديتم) بصيغة الجمع، كأنه يجوز نداءات متعددة: نداء
للصلاة في مسجد الزقاق، ونداء للصلاة في مسجد القبيلة، ونداء للصلاة في المسجد الأعظم
فيجوز انعقاد جماعات متعددة في بلدة واحدة.
وأما في يوم الجمعة وصلاتها، فقد قال عز وجل: (أما إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة)
فمع أنه يخاطب المؤمنين جميعهم في صدر الآية بقوله: (يا أيها الذين آمنوا) لا يكلفهم
بالتأذين وإقامة الجمعة ولا واحدا منهم، بل يأمرهم بأنه أما إذا حصل النداء ونودى بالاجتماع
للصلاة، فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ومفاد الشرطية أنه أما إذا لم يحصل النداء ولم يناد
بالاجتماع فلا تكليف عليكم الا ما كان في سائر الأيام غير الجمعة والاجتماع، وهو الصلاة
أربع ركعات كل في مسجده.
فمفروض الآية أن هناك من هو فوق المؤمنين ووليهم، وهو الذي يأمر المؤذن للنداء
بصلاة الجمعة أما إذا
تمكن في مقامه كما أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما تمكن في المدينة صلى صلاة
الجمعة في أول جمعة وردها على ما سيجئ شرحه، وإذا لم يتمكن في مقامه، كما أما إذا
كان
في سفر أو في خطر لم يأمر مؤذنه بالنداء للاجتماع كما لم يفعل ذلك رسول الله مدة اقامته
بمكة المكرمة ولا في أسفاره إلى الغزوات وغيرها.
فعلى هذا أما إذا أمر ولى المؤمنين وامامهم بالنداء، وجب على أهل البلد كلهم حتى
على من هو قاطن في حريم البلد بريدا في بريد (على رأس فرسخين) أن يجيب النداء،
فلا يجوز لاحد التخلف عن الاجتماع، ولا أن يجتمعوا في مساجد متعددة ومحال مختلفة
والصلاة أربع ركعات على ما هو وظيفة سائر الأيام، كما لا يجوز أن ينعقد جمعتان في
بلدة أبدا.
123

هذه السورة وتلك الآيات في صلاة الجمعة وأجمع مفسروا الخاصة والعامة عليه،
بمعنى تواتر ذلك عندهم، والشك فيه كالشك في نزول آية الظهار في الظهار، وغيرها
من الآيات والسور التي مورد نزولها متواتر معلوم، ومدار علماء الخاصة والعامة في
الاستدلال على أحكام الجمعة على هذه الآية.
وخص الخطاب بالمؤمنين تشريفا لهم، وتعظيما، ولأنهم المنتفعون به، و
إيذانا بأن مقتضى الايمان العمل بفرائض الله تعالى، وعدم الاستهانة بها، وأن تاركها
كأنه غير مؤمن، وفسر الأكثر النداء بالاذان.
قال في مجمع البيان (1): أي أما إذا أذن لصلاة الجمعة، وذلك أما إذا جلس الامام
على المنبر يوم الجمعة، وذلك لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله نداء سواه (2)
ونحو ذلك قال في الكشاف، والظاهر أن المراد حضور وقت النداء كما أن في قوله
(أما إذا
قمتم إلى الصلاة) (3) المراد إرادة القيام، ولما كان النداء شائعا في ذلك الوقت
عبر عنه به، وفيه الحث على الاذان، لتأكد استحبابه لهذه الصلاة، حتى ذهب
بعضهم إلى الوجوب.

(1) مجمع البيان ج 10 ص 288.
(2) كأنه يعرض بالنداء الأول الذي ابتدعه عثمان، فجعل مؤذنا يؤذن عند الزوال
على دار له بالسوق يقال له الزوراء، ثم أما إذا جلس على المنبر أذن مؤذن المسجد أخرى طبقا
لما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله.
(3) المائدة: 6.
124

واللام في قوله (للصلاة) للأجل والتوقيت، وحينئذ يدل على عدم اعتبار
الاذان قبل وقت الصلاة في ذلك، و (من) بيانية ومفسره لاذا، أو بمعنى (في) أو
للتبعيض، والجمعة بضم الميم والسكون لغتان اليوم المعهود وإنما سمي به لاجتماع
الناس فيه للصلاة (1) وقيل: لأنه تعالى فرغ فيه من خلق الأشياء فاجتمعت فيه
المخلوقات، وقيل: أول من سماه به كعب بن لؤي، وكان يقال له العروبة.
(فاسعوا إلى ذكر الله) (2) الظاهر أن التعبير بهذه العبارة لتأكيد الامر و

(1) وفيه لغة ثالثة على ما حكاه الطبرسي في المجمع عن الفراء وهي الجمعة كضحكة
وهمزة، وفى المغرب أن الجمعة اسم للاجتماع كما أن الفرقة اسم للافتراق.
وقد كان الاجتماع في هذا اليوم معهودا للأمة الاسلامية مسنونا بسنة النبي صلى الله عليه وآله من
لدن أن نزل المدينة فصلى في بنى سالم بن عوف صلاة الظهر ركعتين وقدم لها خطبة فصارت
أول جمعة جمعها رسول الله في الاسلام وخطبته في ذلك اليوم أو خطبة خطبها.
ثم إنه صلى الله عليه وآله التزمها سنة له يصلى في كل أسبوع كذلك ليكون ذكرى لأول يوم تمكن
الاسلام على عرش الحكومة، وعيدا للمسلمين يجتمعون فيه بالبشارة والزينة ويذكرون
الله عز وجل ويشكرونه على ذلك النعم. الا أن الناس لم يكونوا ليجتمعوا كلهم ولا ليسمونه
يوم الجمعة علما (بزعمي) وربما تفرقوا حين خطبته صلى الله عليه وآله وابتغوا التجارة واللهو و
تركوه قائما.
وأما بعد نزول الآية والسورة (وصريح الخطاب فيها يدل على أنها محكمة من
أمهات الكتاب من دون تشابه) فقد صار مفاد الآية بجميع أحكامها ومتعلقاتها مفروضة على
الأمة الاسلامية حتى تسمية اليوم بيوم الجمعة، بحيث أنه لم يجز تسميته بسائر الأسماء المعروفة
عندهم أيام الجاهلية.
(2) المراد بالسعي، هو الاسراع في المضي والاهتمام بالوصول إلى محل النداء حتى
أنه لو وجد فراغا وساحة هرول هرولة كما يسعى الحاج بطواه بين الصفا والمروة.
ولا يذهب عليك أن فرض السعي إنما هو على من سمع النداء ولم يحضر المجتمع
بعد، كما هو المصرح به في لفظ الآية الكريمة، حيث يأمر بالسعي عند النداء وبعده،
لئلا يفوت عنه الخطبة التي يكون فيه ذكر الله تعالى وتكون بمنزلة الركعتين المسنونتين في سائر
الأيام، واما من تهيأ وتعبأ قبل النداء وحضر المجتمع ينتظر صعود الامام للخطبة، فقد
استبق إلى وظيفته، ولم يتوجه خطاب السعي إليه، وهو واضح.
125

المبالغة في الاتيان به، وعدم المساهلة فيه، كما أنه أما إذا
قال المولى لعبده: امض إلى
فلان يفهم منه الوجوب، وإذا قال اسع وعجل واهتم، كان آكد من الأول، و
أدل على الوجوب، قال في مجمع البيان: أي فامضوا إلى الصلاة مسرعين غير متشاغلين
عن قتادة وابن زيد والضحاك، وقال الزجاج: فامضوا إلى السعي الذي هو الاسراع
وقرأ عبد الله بن مسعود (فامضوا إلى ذكر الله) وروي ذلك عن علي بن أبي طالب عليه السلام
وعمرو أبي وابن عباس، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وقال
ابن مسعود: لو علمت الاسراع لأسرعت حتى يقع ردائي من كتفي، وقال الحسن:
ما هو السعي على الاقدام، وقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار،
ولكن بالقلوب والنية والخشوع (1).
وكل ذلك مما يؤكد الوجوب، فان المراد به شدة العزم والاهتمام، و
إخلاص النية فيه، فإنه أقرب المجازات إلى السعي بالاقدام، بل هو مجاز شايع
يعادل الحقيقة:
قال في الكشاف: قيل المراد بالسعي القصد دون العدو، والسعي التصرف في
كل عمل، ومنه قوله تعالى: (ولما بلغ معه السعي) (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) (2)

(1) مجمع البيان ج 10 ص 288.
(2) الصافات: 109 النجم: 40، ولكن المراد من السعي في الآية الأولى هو السعي
بين الصفا والمروة قطعا، وذلك لان إبراهيم ص وابنه إسماعيل بعد ما فرغا من رفع قواعد
البيت دعو الله عز وجل قالا: ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم... وأرنا مناسكنا وتب
علينا انك أنت التواب الرحيم (البقرة: 128).
فاستجاب الله دعاء هما فكان يرى إبراهيم مناسك البيت في منامه (على ما كان يريه الله
عز وجل ملكوت السماوات والأرض) فيمتثل إبراهيم خليل الله نسكه ويتبعه في ذلك إسماعيل
ولده حتى أما إذا
بلغ مع السعي بين الصفا والمروة قال له إبراهيم: يا بنى انى أرى في
المنام أنى أذبحك فانظر ما ذا ترى؟ وإنما ائتمر معه لان ذبحه قربانا ونسيكة إنما يتحقق
بتسليمه.
فقد كان رؤية ذبحه إسماعيل تماما لمناسك الحج التي كان يراها في منامه، كما ينص
عليه روايات الفريقين، ولا يناسب ذلك الا بأن يكون المراد بالسعي هو السعي بين الصفا والمروة،
كما بيناه لك، ومن حمل السعي في الآية على غير ذلك من المعاني غير المناسبة يبقى عليه
توجيه قوله تعالى (معه) فان الكلمة تصير لغوا لا فائدة في ذكرها أبدا.
126

انتهى، وعليه ينبغي حمل ما رواه الراوندي وغيره عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:
السعي قص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، والغسل، والتطيب، ليوم
الجمعة، ولبس أفضل الثياب والذكر (1) فالمعنى اهتموا وعجلوا الفراغ من الآداب
والمستحبات لادراك الجمعة، كل ذلك لا ينافي فهم الوجوب من الامر، بل هي مؤكدة
له كما لا يخفى على العارف بقوانين البلاغة.
وقال الراوندي: المراد بذكر الله الخطبة التي تتضمن ذكر الله والمواعظ، و
قيل: المراد الصلاة انتهى، وإنما جعل الذكر مكان الضمير إيذانا بأن الصلاة متضمنة

(1) وجه الحديث أن هذا السعي المأمور به، إنما هو للاجتماع مع جمهور المسلمين
في مكان واحد، ومن لوازم هذا الاجتماع الوافر أن يتهيأ كل واحد منهم بالطهارة الفطرية
لئلا ينفر طباع المجتمعين من اجتماعهم، وهذه الطهارة الفطرية كما أشار رسول الله صلى الله عليه وآله
وسنها إنما هو قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار والاغتسال وترجيل الشعر والتطيب
ان قدر على ذلك ولبس الثياب النظيفة، فإذا نودي أحدهم بأن يسعى إلى تلك الجماعة
الوافرة، فكأنه نودي بأن يتحصل على هذه الطهارة الفطرية أولا ثم يحضر الجماعة، وهذا
واضح بحمد الله.
127

لذكره تعالى، ولذا يجب السعي إليها، وأن الصلاة الكاملة هي التي تتضمن ذكر الله
وحضور القلب، وقيل: المراد هما جميعا ولعله أظهر.
(وذروا البيع) أي اتركوه ودعوه (ذلكم) أي ما أمرتم به من السعي و
ترك البيع (خير لكم) وأنفع عاقبة (إن كنتم تعلمون) الخير والشر، أو إن كنتم من
أهل العلم والتمييز.
(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) أي أما إذا
صليتم الجمعة وفرغتم
منها فتفرقوا في الأرض (وابتغوا من فضل الله) قيل: أي واطلبوا الرزق في الشراء و
البيع، فأطلق لهم ما حرم عليهم بعد قضاء الصلاة من الانتشار وابتغاء الربح والنفع
من فضل الله ورحمته، مشيرا إلى أن الطالب ينبغي أن لا يعتمد على سعيه وكده، بل
على فضل الله ورحمته وتوفيقه وتيسيره طالبا ذلك من ربه.
قال في مجمع البيان (1): هذا إباحة وليس بأمر إيجاب، وروي عن أنس
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في قوله (فانتشروا) الآية ليس لطلب دنيا ولكن عيادة مريض
وحضور جنازة وزيارة أخ في الله، وقيل: المراد به طلب العلم.
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم
السبت (2).

(1) مجمع البيان ج 10 ص 288 و 289.
(2) وجه الحديث أن الامر بالانتشار والابتغاء من فضل الله إنما هو أمر إباحة لكونه
واقعا عقيب الحظر، فلا يدل على رجحان الانتشار أبدا، كيف وقد سمى الله عز وجل هذا
اليوم يوم جمعة وندب بذلك إلى اجتماع المسلمين وتزاورهم وتباشرهم من أول اليوم
إلى آخره، فعلى هذا يكون تمام اليوم يوم اجتماع وعيد كما تلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك وعند الزوال
وقت إجابة النداء للصلاة المعهودة، وبعدها وقت صلاة العصر وتعقيبها بذكر الله عز وجل
على ما يدل عليه ذيل هذه الكريمة، فلا يكون موقع للانتشار الا يوم السبت.
128

وروى عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال إني لأركب في الحاجة التي
كفاها الله، ما أركب فيها إلا التماس أن يراني الله أضحي في طلب الحلال، أما
تسمع قول الله عز وجل (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله)
أرأيت لو أن رجلا دخل بيتا وطين عليه بابه ثم قال: رزقي ينزل على، أكان يكون
هذا؟ أما إنه أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم.
قال: قلت: من هؤلاء الثلاثة؟ قال: رجل يكون عنده المرأة فيدعو عليها
فلا يستجاب له، لان عصمتها في يده لو شاء أن يخلي سبيلها [لخلى سبيلها] والرجل
يكون له الحق على الرجل، فلا يشهد عليه، فيجحده حقه، فيدعو عليه فلا
يستجاب له، لأنه ترك ما امر به، والرجل يكون عنده الشئ فيجلس في بيته ولا
ينتشر ولا يطلب ولا يلتمس حتى يأكله، ثم يدعو فلا يستجاب له.
(واذكروا الله كثيرا) (1) قال الطبرسي - ره - أي اذكروه على إحسانه إليكم
واشكروه على نعمه، وعلى ما وفقكم من طاعته، وأداء فرضه، وقيل: المراد
بالذكر هنا الفكر، كما قال: تفكر ساعة خير من عبادة سنة، وقيل: معناه اذكروا
الله في تجاراتكم وأسواقكم، كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من ذكر الله في
السوق مخلصا عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه، كتب له ألف حسنة، ويغفر الله
له يوم القيامة مغفرة لم يخطر على قلب شر انتهى (2).
ويحتمل أن يكون المراد به اذكروا الله في الطلب، فراعوا أوامره ونواهيه
فلا تطلبوا إلا ما يحل من حيث يحل، والأعم أظهر، والحاصل أنه تعالى
وصاهم بأن لا يشغلهم التجارة عن ذكره سبحانه كما قال الله تعالى (رجال لا تلهيهم

(1) هذا الامر بالذكر بخلاف الامرين قبله - حيث كانا لرفع الحظر - أمر توكيد
يفرض تعقيب صلاة الجمعة بذكر الله عز وجل كثيرا وقد مر في باب تسبيح الزهراء عليها السلام
أنه من الذكر الكثير، فلا أقل منها.
(2) مجمع البيان ج 10 ص 289.
129

تجارة ولا بيع عن ذكر الله) (1) ويكونوا في أثناء التجارة مشغولين بذكره، مراعين
أو امره ونواهيه.
(لعلكم تفلحون) قال الطبرسي ره: أي لتفلحوا وتفوزوا بثواب النعيم، علق
سبحانه الفلاح بما تقدم ذكره من أعمال الجمعة وغيرها، وصح الحديث عن أبي ذر
- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله و
لبس صالح ثيابه، ومس من طيب بيته أو دهنه، ثم لم يفرق بين اثنين غفر الله له بينه
وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام بعدها، وروى سليمان التميمي، عن
النبي صلى الله عليه وآله قال: إن الله عز وجل في كل جمعة ست مائة ألف عتيق من النار، كلهم
قد استوجب النار.
قال: ثم أخبر سبحانه عن جماعة قابلوا أكرم الكرم بألام اللؤم، فقال: (وإذا
رأوا تجارة أو لهوا) (2) أي عاينوا ذلك، وقيل معناه أما إذا علموا بيعا أو شراء أو لهوا

(1) النور: 37.
(2) ظاهر سياق الآية وعدم اتساقها مع سائر آيات السورة، يدل على أنها نزلت
في سياق آيات أخر تذم المنافقين ومن حذا حذوهم بأنهم لا يهتمون بصلاتهم، حتى أنهم
في يوم الجمعة أو العيدين ربما آثروا اللهو والتجارة على خطبة النبي صلى الله عليه وآله ومواعظه، فتركوه قائما يخطب وليس حوله الا قليل من المسلمين.
وعندي أنها نزلت في خطبة العيدين ثم ألحقت بالسورة لكونهما فرعا على صلاة الجمعة
وذلك لان الخطبة في صلاة العيدين كانت تلقى بعد تمام الصلاة، ولكونها سنة في غير فريضة
كان الاخذ بها فضيلة وتركها إلى غير خطيئة، الا أنه أما إذا كان تركها بالاعراض عنها أو
ايثار اللهو والتجارة عليها من دون حاجة إليها كان مذموما غير جائز، فناسب مقابلة
التاركين لهذه السنة بقوله عز وجل: (قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة، والله
خير الرازقين).
وأما أما إذا جعلنا الآية ناظرة إلى خطبة الجمعة، كما هو المشهور بين المفسرين،
فلا مناص من القول بأنها نزلت قبل آيات الجمعة حين لم تكن صلاة الجمعة مفروضة بأحكامها
ومتعلقاتها من وجوب السعي وتحريم البيع والتعامل بل كان صلاة الجمعة حين نزولها من
السنن، لا يجب استماع خطبتها على حد سائر السنن، حتى يناسب مقابلة التاركين لخطبتها
بالذم فقط.
فلو قيل بأن هذه الآية نزلت مع سائر آيات السورة تتمة لها وملحقة بآيات الجمعة
لكان حكمها بعدم تحريم الانتشار والاشتغال باللهو والتجارة ناسخا لآية الجمعة وأحكامها
قبل العمل بها، وهذا مع أنه لغو باطل لا يصدر عن الحكيم تعالى، لم يتفوه به أحد من
المسلمين.
وأما على القول بأن المراد بقوله عز وجل (وتركوك قائما): قائما في الصلاة، لا
قائما في الخطبة، فالامر أشكل وأشكل، فان ترك الخطبة والذهاب إلى اللهو والتجارة
أهون من ترك الصلاة نفسها أو قطعها وابطالها، وهو واضح.
وأما حكم اللهو والاستماع له فقد مر بعض الكلام فيه في ج 79 ص 248،
راجعه.
130

وهو الطبل عن مجاهد، وقيل: المزامير عن جابر (انفضوا إليها) أي تفرقوا عنك
خارجين إليها، وقيل: مالوا إليها.
والضمير للتجارة، وإنما خصت برد الضمير إليها، لأنها كانت أهم إليهم
وهم بها أسر من الطبل، لان الطبل إنما دلت على التجارة عن الفراء، وقيل: عاد
الضمير إلى أحدهما اكتفاء به، وكأنه على حذف، والمعنى وإذا رأوا تجارة انفضوا
إليها، وإذا رأوا لهوا انفضوا إليه، فحذف إليه، لان إليها تدل عليه.
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: انصرفوا إليها وتركوك قائما تخطب
على المنبر، قال جابر بن سمرة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله خطب إلا وهو قائم، فمن
حدثك أنه خطب وهو جالس فكذبه.
وسئل ابن مسعود، أكان النبي صلى الله عليه وآله يخطب قائما؟ فقال: أما تقرء (وتركوك
131

قائما) وقيل: أراد قائما في الصلاة.
ثم قال تعالى (قل) يا محمد لهم (ما عند الله) من الثواب على الخطبة وحضور
الموعظة والصلاة، والثبات مع النبي صلى الله عليه وآله (خير) وأحمد عاقبة وأنفع (من
اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) يرزقكم وإن لم تتركوا الخطبة والجمعة.
وقال - ره - في سبب (1) نزول الآية: قال جابر بن عبد الله: أقبلت عير ونحن
نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله الجمعة، فانفض الناس إليها، فما بقي غير اثني عشر رجلا
أنا فيهم، فنزلت.
وقال الحسن وأبو مالك: أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر، فقدم
دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام، والنبي صلى الله عليه وآله يخطب يوم الجمعة، فلما
رأوه قاموا إليه بالبقيع خشية أن يسبقوا إليه، فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله إلا رهط فنزلت
الآية، فقال صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد لسال بكم
الوادي نارا.
وقال المقاتلان: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن
خليفة الكلبي من الشام بتجارة وكلان أما إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق إلا أتته، وكان يقدم
إذا قدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق أوبر أو غيره، وينزل عند أحجار الزيت، و
هو مكان في سوق المدينة، ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه، فيخرج إليه الناس
ليتبايعوا معه.
فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم (2) ورسول الله صلى الله عليه وآله قائم على المنبر
يخطب، فخرج الناس، فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا وامرأة. فقال صلى الله عليه وآله:

(1) مجمع البيان ج 10 ص 287.
(2) دحية بن خليفة الكلبي هذا من الذين شهدوا بدرا، ويدل الرواية ان صحت
أن ذلك كان أوائل نزوله صلى الله عليه وآله بالمدينة حين يصلى بهم الجمعة سنة متبعة لا فرضا بعد نزول
سورة الجمعة، فيؤيد بعض ما قلناه.
132

لولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة من السماء، وأنزل الله هذه الآية.
وقيل: لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط عن الكلبي عن ابن عباس، وقيل
إلا أحد عشر رجلا عن ابن كيسان، وقيل: إنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات في
كل يوم مرة لعير تقدم من الشام، وكل ذلك يوافق يوم الجمعة عن قتادة و
مقاتل انتهى.
* (تذييل) *
اعلم أن الله سبحانه أكد في هذه السورة الشريفة للامر الذي نزلت فيه - وهو
وجوب صلاة الجمعة - تقدمة وتذييلا - أنواعا من التأكيد، لم يأت بها في شئ
من العبادات، فيدل على أنه آكدها وأفضلها عنده، وأحبها إليه، وذلك من
وجوه:
أولها إنزال سورة مخصوصة لذلك، ولم ينزل في غيره سورة.
الثاني: أنه قدم قبل الآية المسوقة لذلك آيات كلها معدات لقبولها، و
الاتيان بها، حيث افتتح السورة بأن جميع ما في السماوات والأرض تسبح له
فينبغي للانسان الذي هو أشرف المخلوقات أن لا يقصر عنها، بل يكون تنزيهه له سبحانه
وطاعته له أكثر منها.
ثم وصف سبحانه نفسه بأنه ملك العالم، ويجب على جميع الخلق طاعته،
ثم بأنه القدوس المنزه عن الظلم والعبث، بل إنما كلفهم بالطاعات لأعظم المصالح
ولوصولهم إلى درجات السعادات.
ثم هددهم بأنه عزيز غالب قادر مع مخالفتهم على عقوبتهم في الدنيا والآخرة
وأنه حكيم لا يفعل شيئا ولا يأمر ولا ينهى إلا لحكمة، فلا ينبغي أن يتجاوز عن
مقتضى أمره ونهيه.
133

ثم ذكر امتنانه على عباده بأنه بعث في قوم أميين عارين عن العلوم والمعارف
رسولا منهم، ليكون أدعى لهم إلى قبول قوله، يتلو عليهم آياته المشتملة على مصالحهم
ويطهرهم من الصفات الذميمة والنقائص والجهالات، ويعلمهم الكتاب والحكمة
ولقد كانوا من قبله لفي ضلال مبين عن الملة والشريعة فلا بدلهم من قبول قوله في كل
ما يأمرهم به، ومنها هذه الصلاة.
ثم بين أن شريعة هذا النبي وأحكامه لا تختص بقوم، ولا بالموجودين في
زمانه، بل شريعته باقية، وحلال حلال، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ردا
على من يزعم أن الخطاب مخصوص بالموجودين فقال (وآخرين منهم) أي ويعلم
آخرين من المؤمنين (لما يلحقوا بهم) وهم كل من بعد الصحابة إلى يوم القيامة.
ثم هدد وحث بوصف نفسه سبحانه مرة أخرى بالعزيز الحكيم، ثم عظم
شأن النبوة لئلا يجوزوا مخالفة النبي صلى الله عليه وآله فيما أتى به من الشرايع، ثم ذم الحاملين
للتوراة، العالمين غير العاملين به، تعريضا لعلماء السوء مطلقا، بأنهم لعدم عملهم
بعلمهم كالحمار يحمل أسفارا.
ثم أوعدهم بالموت الذي لابد من لقائه، وبما يتبعه من العذاب والعقاب، و
نبههم على أن ولاية الله لا تنال إلا بالعمل بأوامره سبحانه، واجتناب مساخطه
وليس ذلك بالعلم فقط، ولا بمحض الدعوى.
ثم لما مهد جميع ذلك، خاطبهم بما هو المقصود من السورة أحسن خطاب
وألطفه.
الثالث: أنه سبحانه أكد في نفس الآية المنزلة لذلك ضروبا من التأكيد:
الأول: إقباله تبارك وتعالى إليهم بالخطاب، تنشيطا للمكلفين وجبرا لكلفة
التكليف بلذة المخاطبة.
الثاني أنه ناداهم بياء الموضوعة لنداء البعيد، تعظيما لشأن المنادى له، و
تنبيها على أنه من العظم والجلالة بحيث المخاطب في غفلة منه وبعد عنه، وإن كان
134

في نهاية التيقظ والتذكر له.
الثالث أنه أطنب الكلام تعظيما لشأن ما فيه الكلام، وإيماء إلى أنه من
الشرافة والكرامة بحيث يتلذذ المتكلم بما تك لم فيه كما يتلذذ بذكر المحبوبين، و
وصفهم بصفاتهم والاطناب في أحوالهم.
والرابع أنه أجمل أولا المنادى، حيث عبر بأي العامة لكل شئ تخييلا
لان هذا الامر لعظم شأنه مما لا يمكن المتكلم أن يعلم أول الأمر وبادئ
الرأي أنه بمن يليق، ومن يكون له؟ حتى أما إذا
تفكر وتدبر علم من يصلح له
ويليق به.
الخامس أنه أتى بكلمة ها التي للتنبيه لمثل ما قلناه في يا.
السادس أنه عبر عنهم بصيغة الغائب، تنبيها على بعدهم لمثل ما قلناه في يا.
السابع أنه طول في اسمهم ليحصل لهم التنبيه الكامل، فإنهم في أول النداء
يأخذون في التنبه، فكلما طال النداء واسم المنادي ازداد تنبههم.
الثامن أنه خص المؤمنين بالنداء مع أن غيرهم مكلفون بالشرايع، تنبيها على
أن الامر من عظمه بحيث لا يليق به إلا المؤمنون.
التاسع أنه عظم المخاطبين به بذكر اسمهم ثلاث مرات من الاجمال والتفصيل،
فان (أيها) مجمل و (الذين) مفصل بالنسبة إليه ثم الصلة تفصيل للموصول.
العاشر أنه عظمهم بصيغة الغيبة.
الحادي عشر أنه خص المعرفة بالنداء تنبيها على أنه لا يليق بالخطاب إلا رجال
معهودون معروفون بالايمان.
الثاني عشر أنه علق الحكم على وصف الايمان تنبيها علي عليه له واقتضائه
إياه.
الثالث عشر أنه أمرهم بالسعي الذي هو الاسراع بالمشي إما حقيقة أو مجازا
كما مر والثاني أبلغ.
135

الرابع عشر أنه رتبه على الشرط بالفاء الدالة على عدم التراخي.
الخامس عشر أنه عبر عنها بذكر الله، فوضع الظاهر موضع الضمير إن فسر
بالصلاة للدلالة على أنها ذكر الله، فمن تركها كان ناسيا لذكر الله، غافلا عنه، وإن
فسر بالخطبة أيضا يجرى فيه مثله.
السادس عشر تعقيبه بالامر بترك ما يشغل عنه من البيع.
السابع عشر تعقيبه بقوله: (ذلكم خير لكم) وهو يتضمن وجوها من التأكيد
الأول نفس تعقيب هذا الكلام لسابقه، والثاني الإشارة بصيغة البعيد المتضمن
لتعظيم المشار إليه، والثالث تنكير (خير) إن لم نجعله اسم تفضيل لأنه أيضا
للتعظيم.
الثامن عشر تعقيبه بقوله: (إن كنتم تعلمون) وهو يتضمن التأكيد من
وجوه:
الأول نفس هذا الكلام فان العرف يشهد بأنه يذكر في الأمور العظام المرغب
فيها (إن كنت تعلم ما فيه من الخير لفعلته).
الثاني الدلالة على أن من توانى فيه فإنما هو لجهله بما فيه من الفضل، ففيه
تنزيل لبعض العالمين منزلة الجاهلين، ودلالة على أنه لا يمكن أن يصدر الترك أو التواني
فيه من أحد إلا عن جهل بما فيه.
والثالث أنه ترك الجزاء ليذهب الوهم كل مذهب ممكن، وهو نهاية في
المبالغة.
والرابع أنه ترك مفعول العلم فاما أن يكون لتنزيله منزلة اللازم فيدل على
أنه يكفي في الرغبة والمسارعة إليه وترك ما يشغل عنه الاتصاف بمجرد العلم، و
الكون من أهله، أو ترك إبهاما له لتعظيمه، وليذهب الوهم كل مذهب ممكن،
فيكون المفهوم أن كل من علم شيئا من الأشياء أسرع إليها، لان فضلها من البديهيات
التي ليس شئ أجلى منها.
136

الرابع: ما أكد الحكم به بعد هذه الآية وهو أيضا من وجوه:
الأول قوله: (فإذا قضيت الصلاة) فإنه بناء على كون الامر للإباحة كما
هو الأشهر والأظهر هنا، دل بمفهوم الشرط على عدم إباحة الانتشار قبل الصلاة.
الثاني أن أصل هذا الكلام نوع تأكيد للحكم بإزاحة علتهم في ذلك، أي إن
كان غرضكم التجارة فهو ميسور ومقدور بعد الصلاة، فلم تتركون الصلاة لذلك.
الثالث تعليق الفلاح بما مر كما مر.
الرابع الاتيان به بلفظ الترجي ليعلموا أن تحصيل الفلاح أمر عظيم لا يمكن
الجزم بحصوله بقليل من الاعمال، ولامع عدم حصول شرايط القبول، فيكون أحث
لهم على العمل ورعاية شرايطه.
الخامس لومهم على ترك الصلاة والتوجه إلى التجارة واللهو أشد لوم.
السادس بيان المثوبات المترتبة على حضور الصلاة.
السابع إجمال هذه المثوبات إيذانا بأنه لا يمكن وصفه ولا يكتنه كنهه ولا يصل
عقول المخاطبين إليه.
الثامن بيان أن اللذات الأخروية ليست من جنس المستلذات الدنيوية و
أنها خير منها بمراتب.
التاسع بيان أن الرازق والقادر عليه، فلا ينبغي ترك طاعته وخدمته لتحصيل
الرزق، فإنه قادر على أن يحرمكم مع ترك الطاعة ويرزقكم مع فعلها.
العاشر بيان أنه خير الرازقين على سبيل التنزل، أي لو كان غيره رازق فهو خير
منه، فكيف ولا رازق سواه، ويحتاج إليه كل ما عداه.
الحادي عشر تعقيب هذه السورة بسورة المنافقين إيذانا بأن تارك هذه الفضيلة
من غير علة منافق، كما ورد في الأخبار الكثيرة من طرق الخاصة والعامة، وبه يظهر
سر تلك الأخبار، ويشهد له الامر بقراءتهما في الجمعة، وصلوات ليلة الجمعة و
يومها، وتكرر ذكر الله فيهما على وجه واحد.
137

وروي الكليني في الحسن (1) كالصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله أكرم
بالجمعة المؤمنين، فسنها رسول الله صلى الله عليه وآله بشارة لهم، والمنافقين توبيخا للمنافقين،
ولا ينبغي تركها فمن تركها متعمدا فلا صلاة له.
وبالجملة قوله سبحانه في الجمعة (فاسعوا إلى ذكر الله) وقوله (أما إذا
رأوا
تجارة أو لهوا انفضوا إليها) وقوله في المنافقين (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم
ولا أولادكم عن ذكر الله) أي لا يشغلكم تدبيرها والاهتمام بها عن ذكره سبحانه
(ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) حيث طلبوا تجارة الدنيا الفانية وربحها
فسروا الآخرة الباقية، ذلك هو الخسران المبين، فكل ذلك مما يورث الظن
القوى بأن هذه الآية أيضا مسوقة للتهديد على ترك الجمعة أو ما يشملها، ولذا أوردناها
ههنا تأييدا لا استدلالا فلا تغفل.

(1) الكافي ج 3 ص 425.
138

* (تفصيل) *
* " (ولنذكر الاحكام المستنبطة) " *
* " (من تلك الآيات مجملا) " *
الأول أن تلك الآيات تدل على وجوب صلاة الجمعة عينا في جميع الأزمان
ولنذكر أولا الاختلافات الواقعة فيها، ثم لنتعرض لوجه الاستدلال بالآيات على ما
وهو الحق عندي منها.
اعلم أنه لا خلاف بين الأمة في وجوب صلاة الجمعة وجوبا عينيا في الجملة،
وإنما الخلاف في بعض شرايطها والكلام على وجوه تفصيلها أنه هل يشترط الامام
أو نائبه (1) أم لا؟ وعلى تقدير الاشتراط هل هو شرط الانعقاد أو شرط الوجوب؟

(1) الإمامة التي تعتقدها الشيعة الإمامية إنما تساوق معنى الولاية وتستلزم العصمة
من الله عز وجل في العلم والعمل متأيدة بالروح القدس وإشاراته والهاماته، وهذا معنى
لا يتصور في النيابة حتى يدعيها مدع، الا من اشتبه عليه لفظ الإمامة بالمعنى الذي تعتقده
الجمهور حيث لا يتعقدون بالعصمة والولاية وإنما هي عندهم بمعنى سياسة شؤنهم وتدبير
أمرهم كما كان يتكفل السلاطين والامراء شؤون أمتهم وسياسة مجتمعهم.
فالامام عندنا هو الذي جهزه الله بحقيقة العلم والحكمة وميزه بالولاية التكوينية
وأصدره من لباب المعرفة، ثم نصبه علما هاديا ووليا مرشدا يهدى إلى طريق الحق و
صراط مستقيم. -
يتلو عليهم آيات الله مبنية، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويرشدهم إلى معالم السنة
ويزكيهم عن أدناس الشبهة وفى كل ذلك معتصم بعصمة الله عز وجل مؤيد بالروح القدسي
(يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجه من الظلمات إلى النور باذن ربهم ويهديهم
إلى صراط مستقيم).
فإذا كانت الإمامة بهذا المعنى، والولاية والعصمة من شؤنها وأسرارها، فكيف
تقبل النيابة، وكيف يجترئ أحد على ادعائها! أهناك من يقف موقف الامام ويغنى مغناه؟
أو من يقوم بأعباء الإمامة والولاية ويسد مسدها؟
أو هل عرفت أحدا من الفقهاء صدر من لباب العلم والحكمة؟ أو عرف الكتاب - وفيه
الهدى والنور - حق معرفته فلم يقل انه ظني الدلالة، أو أيقن بأن هذا... حكم الله
عز وجل، ولم يتعذر بأن ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم، أو... أو...
نعم قد جعل للفقهاء كثر الله أحياءهم منصب القضاء وجواز الافتاء، وذلك من زمن
الباقرين عليهما السلام، حيث بلغ كثير من أصحابهما رضوان الله عليهم مبلغ الفتوى وتولية
القضاء لكنه منصب لا يتقلده المفتى بعنوان النيابة عن الامام ولذلك لم يختص بزمن الغيبة،
بل هو منصب كسائر المناصب المجعولة، يقلدها الامام لمن تصداه كامارة الحاج، وولاية
الثغور، وبعث السرايا.
فوظيفتهم التورع عن المحارم، والتحري لمعرفة حقائق الاحكام، والاجتهاد في الدين
ولو أن أحدا اتبع الشيطان وعبد الطاغوت وتعدى ما بعث لأجله كما فعل خالد بن الوليد
حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بنى جذيمة من كنانة، لكان مثله، ولقال فيه الامام كما قال
رسول الله صلى الله عليه وآله رافعا يديه إلى السماء: اللهم إني أبرء إليك مما صنع خالد بن الوليد
ثلاث مرات.
وأما الحكومة والقضاء في الأمور التي تعرض الأمة الاسلامية ومجتمعهم، فأمرهم
كان إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله، لكنه مع ذلك أمر رسوله صلى الله عليه وآله أن يستشيرهم في تلك الأمور و
يكون هو الأمير في شوراهم، وذلك بعد ما تولوا يوم التقى الجمعان وقالوا لإخوانهم إذا
ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، وكثر القيل والقال في ذلك
حتى أنكروا عليه من الخروج من المدينة، وقد كانوا هؤلاء الناقدين أشاروا إليه صلى الله عليه وآله بأن يغزوا
المشركين في أزقة المدينة وحوائطها فأنزل عليه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت
فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت
فتوكل على الله)، وهكذا مدح المؤمنين في آية الشورى باستشارتهم في الأمور حيث قال
عز وجل: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم
ينفقون).
فهذه الحكومة والقضاء على الأمة بأجمعهم وتولية أمورهم إنما كان لله ولرسوله بعد
المشورة منهم برئاسة الرسول صلى الله عليه وآله، ومن بعده يكون لمن هو صاحب الامر والعزم من
الرسول، كما يقول عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم).
ومعرفة هذه الآية حق معرفتها أن اللام في (الرسول) عوض من المضاف إليه - كما
هو الشأن في سائر الموارد - وهكذا اللام في (الامر) ويكون تقدير الكلام أطيعوا الله
وأطيعوا رسوله وأطيعوا أولى أمر الرسول، فتجب على المؤمنين إطاعة من أمره رسول
الله على المسلمين عند مضيه صلى الله عليه وآله وهم الأئمة الطاهرون كما نص عليهم عز وجل في قوله: (إنما وليكم الله) الآية الكريمة.
ومعلوم أن هذا المقام إنما فوض إلى الرسول وأولى أمره لكونهم معصومين أولى
الولاية الكبرى، فلا يصح أن يقوم مقامهم أحد من عرض الناس كما لم يكن لاحد أن ينوب
عنه ويقف موقفه في الفتيا ولاغيرها من شؤون الإمامة اللهم الا بأن ينعقد سقيفة بنى
ساعدة مرة أخرى و...
وأما الحكومة والقضاء على الافراد بأشخاصهم، فكل أحد مختار بنفسه ينفذ في
نفسه وماله الذي اكتسبه بعمل يديه ما شاء، لا حكومة عليه في أموره الشخصية لاحد، الا لله
ولرسوله كما قال عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة أما إذا قضى الله ورسوله أمرا أن
يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا).
وإذا كانت الحكومة والقضاء هذه أيضا للأئمة الهادين كما هو الظاهر من آية
الولاية، كانت من شؤون الإمامة التي لا يتحصل الا لمن كان معصوما وقد عرفت تمام
البحث فيه.
فإذا لم يكن للفقيه ولاية على المسلمين، ولا صح كونه نائبا عن وليهم لا يصح له الامر
بنداء الصلاة يوم الجمعة ولا وجب على من سمع النداء أن يجيبها، فان النداء لم يكن من
قبل الولي حتى يجب الإجابة له، وهذا واضح مما عرفت في آية الجمعة (أما إذا
نودي للصلاة)
حق الوضوح.
على أن صلاة الجمعة لا ريب أنها من شؤون الرئاسة والحكومة وذلك بمعنى فعليتها
لاجعل الحكومة شرعا ولذلك ترى رسول الله صلى الله عليه وآله لم يصل صلاة الجمعة في مكة، مع أنه
كان يصلى بجماعة المسلمين في دار الأرقم بن أبي الأرقم، حتى أما إذا هاجر إلى المدينة
صلى صلاة الجمعة في أول يوم ورده - وكان يوم الجمعة - وذلك لأنه قد قام على عرش الحكومة
الإلهية ذاك اليوم.
وهكذا الروايات التي تنص على أن الجمعة إنما تقام بعد حضور سبعة أحدهم الامام
وفى صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام التصريح بأنهم: الامام، وقاضيه، و
المدعى حقا، والمدعى عليه (كأنه عليه السلام يعنى الوكيل المدافع والذي يدعى عليه
لقيامه بالأمور الحسبية) والشاهدان، والذي يضرب الحدود بين يدي الامام، تشير إلى
أن الجمعة إنما يقيمها ولى المسلمين أما إذا كان له البسطة في الرئاسة والحكومة.
وعلى هذا. فلو ثبت لفقهاء الأمة نيابة عن الامام في الحكومة على الناس لما جاز لهم
أن يقيموا الجمعة، وهم بعد رعايا السلاطين تسوقهم سوق الأغنام، فكيف ولم يثبت لهم نيابة
أبدا.
139

فبدونها يستحب؟ وإن كان شرط الانعقاد فهل هو مخصوص بزمن حضور الامام أو
عام أو أنه مخصوص بامكان الوصول بأحدهما حتى لو تعذر كفى إمام الجماعة، أو
عام حتى لو تعذر لم تنعقد.
140

فكلام الفاضلين في التحرير والمعتبر والشهيد في الدروس والبيان صريح في
أنه شرط الوجوب دون الانعقاد، وهو ظاهر الشيخ في النهاية، وصريح العلامة في
141

غير التحرير، وظاهر ابن إدريس والمرتضى، بل كل من نسب إليه التحريم في الغيبة.
والشهيد في الذكرى والألفية، والشهيد الثاني في شرح [الألفية و] كذا الرسالة أنه شرط
142

الانعقاد، وكلام الشيخ في المبسوط والخلاف مضطرب، والشهيد الثاني في شرح الألفية
تردد بين أن يكون شرطا للانعقاد أو للوجوب العيني.
ثم الذين شرطوا الانعقاد به، اختلفوا في أنه عام أو مخصوص بزمان الحضور
أو مخصوص بامكان أحد الامرين: فصريح الشهيد الثاني في كتبه والشهيد الأول في الذكرى
والعلامة في النهاية أنه مخصوص بزمان الحضور، وصريح أبي الصلاح أنه مخصوص
بالامكان والمحرمون لها في الغيبة مع بعض الموجبين والمجوزين يعممون الاشتراط
إلا أن الموجبين والمجوزين يعدون الفقيه من نواب الامام، وبعضهم وافق ظاهر
الشيخ في عد كل من يصلح للإمامة من نوابه.
فقد تحقق أن ههنا مقامات: الأول هل الامام أو نائبه شرط أم لا؟
والثاني شرط لأي شئ؟ فيه خمسة أقوال الأول شرط الوجوب، والثاني شرط
الوجوب العيني، والثالث شرط الانعقاد مطلقا، والرابع شرط له حين حضور الامام،
والخامس شرط له ما أمكن.
والثالث النائب من هو؟ فيه وجوه ثلاثة الأول من استنابه الامام بعينه، والثاني
هو والفقيه، والثالث هما وكل من يصلح لامامة الجماعة.
فأما القائلون بوجوبها عينا في الغيبة فهو أبو الصلاح والمفيد في المقنعة و
الاشراف والكراجكي وكثير من الأصحاب، حيث أطلقوا ولم يقيدوا الوجوب
بشئ كالكليني والصدوق وساير المحدثين التابعين للنصوص الواردة عن أئمة الدين عليهم السلام
أما الكليني (1) فلانه قال: (باب وجوب الجمعة وعلى كم تجب) ثم أورد الأخبار الدالة
على الوجوب العيني، ولم يورد خبرا يدل على اشتراط الامام أو نائبه، حتى
أنه لم يورد رواية محمد بن مسلم الآتية التي توهم جماعة دلالتها على اعتبار الامام
أو نائبه.
ولا يخفى على المتتبع أن قدماء المحدثين لا يذكرون في كتبهم مذاهبهم، و

(1) الكافي ج 3 ص 418.
143

إنما يوردون أخبارا يصححونها، ومنه يعلم مذاهبهم وآراؤهم وكذا الصدوق
في الفقيه (1) قال: (باب وجوب الجمعة وفضلها وأورد الاخبار ولم يورد
معارضا، ورواية ابن مسلم نتكلم على دلالتها، وعبارته في المقنع كالصريح في ذلك
كما سيأتي.
وقال - ره - في كتاب المجالس (2) في مجلس أورده لوصف دين الإمامية:
(والجماعة يوم الجمعة فريضة وفي ساير الأيام سنة فمن تركها رغبة عنها وعن جماعة
المسلمين من غير علة فلا صلاة له، ووضعت الجمعة عن تسعة: عن الصغير والكبير و
المجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين).
وتخصيصها بزمان الحضور مع كونه بصدد مذهب الإمامية ليعمل به تلامذته
والآخذون عنه من غير قرينة في غاية البعد (3) وكذا ساير المحدثين ظواهر
كلماتهم ذلك.

(1) الفقيه ج 1 ص 266.
(2) أمالي الصدوق: 383.
(3) قالوا: ومما يدل على أن الشيعة في عهد الصدوق لم يكن يصلى الجمعة أنه قال
في الفقيه: وقال أبو عبد الله عليه السلام: أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان
لأنه كان أما إذا
صلى لم يقف الناس على خطبته وتفرقوا وقالوا ما نصنع بمواعظه وهو لا يتعظ بها
وقد أحدث ما أحدث، فلما رأى ذلك قدم الخطبتين على الصلاة.
ولولا أنه لم يكن ليصلى الجمعة لم اشتبه عليه أن الخطبة في يوم الجمعة مقدم على
الصلاة اجماعا من المسلمين.
قيل: ولا يبعد أن يكون لفظ الجمعة في كلامه هذا من سهو القلم. وليس بشئ لان
الصدوق قد تعرج على ذلك في كتابه علل الشرايع ج 1 ص 252 وعيون الأخبار ج 2 ص
112، حيث أنكر على الفضل روايته بتقديم الخطبة في الجمعة قال:
قال مصنف هذا الكتاب: جاء هذا الخبر هكذا والخطبتان في الجمعة والعيدين
من بعده، لأنهما بمنزلة الركعتين الأخراوين وان أول من قدم الخطبتين عثمان إلى آخر
ما قاله في الفقيه بلفظه.
وهكذا صرح بذلك في كتابه المقنع حيث يقول: وإنما جعلت الصلاة يوم الجمعة
ركعتين من أجل الخطبتين: جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين فهي صلاة حتى ينزل
الامام ومثله ما في الهداية على ما سيجئ تحت الرقم 71.
144

وممن ظاهر كلامه ذلك الشيخ عماد الدين الطبرسي في كتابه المسمى بنهج
العرفان، حيث قال بعد نقل الخلاف بين المسلمين في شروط وجوب الجمعة أن الامامية
أكثر إيجابا للجمعة من الجمهور، ومع ذلك يشنعون عليهم بتركها، حيث إنهم لا
يجوزون الايتمام بالفاسق ومرتكب الكبائر والمخالف في العقيدة الصحيحة.
وأما القائلون بالتحريم فهم ابن إدريس وسلار والعلامة في المنتهى، وجهاد
التحرير، ونسب إلى الشيخ وعبارته مضطربة، وإلى علم الهدى في مسائل الميافارقيات
وهي أيضا ليست بصريحة فيه، لأنه قال: صلاة الجمعة ركعتان من غير زيادة
عليهما، ولا جمعة إلا مع إمام عادل أو مع نصبه الإمام العادل، فإذا عدم صليت الظهر
أربع ركعات، فيحتمل أن يكون الفقيه أو كل من جمع صفات إمام الجماعة، من المنصوبين
من قبل الامام عنده، كما أن الشيخ قال مثل هذا الكلام ثم صرح بالجواز في زمان
الغيبة.
وقال ابن البراج في النسخة التي عندنا من المهذب: واعلم أن فرض الجمعة
لا يصح كونه فريضة إلا بشروط متى اجتمعت صح كونه فريضة جمعة، ووجبت لذلك،
ومتى لم يجتمع لم يصح ولم يجب كونه كذلك، بل يجب كون هذه الصلاة ظهرا
ويصليها المصلي بنية كونها ظهرا، والشروط التي ذكرناها هي أن يكون المكلف
لذلك حرا بالغا كامل العقل، سليما عن المرض والعرج والعمى والشيخوخة التي
لا يمكن الحركة معها، وأن لا يكون مسافرا ولا في حكم المسافر، وأن يكون بينه و
بين موضع الجمعة فرسخان فما دونهما، ويحضر الإمام العادل أو من نصبه أو من جرى
145

مجراه، ويجتمع من الناس سبعة أحدهم الامام، ويتمكن من الخطبتين ويكون بين
الجمعتين ثلاثة أميال.
فهذه الشروط أما إذا
اجتمعت وجب كون هذه الصلاة فريضة جمعة، ومتى لم يجتمع
سقط كونها فريضة جمعة، وصليت ظهرا كما قدمناه، فان اجتمع من الناس خمسة
نفر أحدهم الامام، وحصل باقي هذه الشروط، كانت صلاتها ندبا واستحبابا.
ويسقط فرضها مع حصول الشروط المذكورة، عن تسعة نفر، وهم: الشيخ الكبير
والطفل الصغير والعبد والمرأة والأعمى والمسافر والأعرج والمريض وكل من
كان منزله من موضعها على أكثر من فرسخين.
ثم قال: وإذا كان الزمان زمان تقية جاز للمؤمنين أن يقيموا في مكان لا
يلحقهم فيه ضرر وليصلوا جماعة بخطبتين، فإن لم يتمكنوا من الخطبة صلوا جماعة
أربع ركعات، ومن صلى فرض الجماعة مع إمام يقتدي به فليصل العصر بعد الفراغ
من فرض الجمعة، ولا يفصل بينهما إلا بالإقامة انتهى.
ولا يخفى أن المستفاد من كلامه أولا وآخرا أنه تجب الجمعة عينا مع الامام
أو نائبه الخاص أو العام أعني الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، وهو المراد بقوله أو
من جرى مجراه، وحمله على أن المراد من نصبه لخصوص الصلاة أو من جرى مجراه
بأن نصبه للأعم منه بعيد، مع أنه يشمل الفقيه أيضا، ومع عدم النائب والفقيه
ووجود العادل يجب تخييرا مع التمكن من الخطبة فتدبر.
ثم أقول: أما إذا
عرفت هذه الاختلافات، فالذي يترجح عندي منها الوجوب
المضيق العيني في جميع الأزمان، وعدم اشتراط الامام أو نائبه الخاص أو العام (1)

(1) المراد بالنائب الخاص أمثال العمرى وابن روح من وكلاء الناحية، وقد كانوا
رضوان الله عليهم في سالف الأزمان عند قدماء الأصحاب والمترجمين لهم لا يعرفون الا بأنهم
سفراء الناحية ووكلاء الامام في أخذ الوجوهات البرية من المؤمنين وانفاقها فيما يأمرهم
به أو ايصالها إليه عليه السلام، كما كانوا ينفذون في بعض الأحيان كتبهم ورسائلهم إليه
ثم ايصال توقيعه عليه السلام إليهم، وهذا غير النيابة عن الامام كما هو واضح.
لكن المتأخرين من أصحاب التراجم بلغوا بهم مبلغ النيابة الخاصة عن الامام، و
تفرع عليه أن يكون سائر الفقهاء رضوان الله عليهم نوابا عامة، فهذا هو أصل الخبر
فافهم.
146

بل يكفي العدالة المعتبرة في الجماعة، والعلم بمسائل الصلاة إما اجتهادا أو تقليدا
أعم من الاجتهاد والتقليد المصطلح بين الفقهاء، أو العالم والمتعلم على اصطلاح
المحدثين.
نعم يظهر من الاخبار زائدا على إمام الجماعة القدرة على إيراد الخطبة البليغة
المناسبة للمقام، بحسب أحوال الناس، والأمكنة والأزمنة، والأعوام والشهور و
الأيام، والعلم بآدابها وشرائطها.
فإذا عرفت ذلك، فاعلم أنه استفيد من تلك الآيات أحكام:
الأول: وجوب الجمعة على الأعيان في جميع الأزمان، وجه الاستدلال
اتفاق المفسرين على أن المراد بالذكر في الآية الأولى صلاة الجمعة أو خطبتها
أوهما معا، حكى ذلك غير واحد من العلماء، والامر للوجوب على ما تحقق في
موضعه، لا سيما أوامر القرآن المجيد.
والمراد بالنداء الاذان أو دخول وقته كما مر، فالمستفاد من الآية الامر
بالسعي إلى صلاة الجمعة أي الاهتمام في إيقاعها لكل واحد من المؤمنين، متى تحقق
الاذان لأجل الصلاة أو وقت الصلاة، وحيث كان الأصل عدم التقييد بشرط يلزم
عموم الوجوب بالنسبة إلى زمان الغيبة والحضور.
واعترض عليه بوجوه: الأول أن كلمة أما إذا غير موضوعة للعموم لغة، فلا
يلزم وجوب السعي كلما تحقق النداء. والجواب أن (أما إذا
) وإن لم تكن موضوعة للعموم لغة، لكن يستفاد منها
العموم في أمثال هذه المواضع، إما بحسب الوضع العرفي أو بحسب القرائن الدالة
147

عليه، كما قالوا في آية الوضوء وأمثالها، مع أن حمله على الاهمال يجعل الكلام
خاليا عن الفائدة المعتد بها، ويجب تنزيه كلام الحكيم عنه.
وأيضا لا يخلو إما يكون المراد إيجاب السعي ولو في العمر مرة أو إيجابه على
سبيل العموم أو إيجابه عند حضور الامام أو نائبه، لا سبيل إلى الأول إذ ظاهر أن
المسلمين متفقون على أن ليس المراد من الآية إيجاب السعي مطلقا، بحيث يتحقق
بالمرة، بل أطبقوا على أن المراد بها التكرار، ولا سبيل إلى الثالث لكونه خلاف
الظاهر من اللفظ إلا لا دلالة للفظ عليه، ولا قرينة تدل عليه، فالعدول عن الظاهر
إليه يحتاج إلى دليل واضح، فثبت الثاني وهو المطلوب.
وأيضا الخطاب عام بالنسبة إلى جميع المؤمنين، سواء تحقق الشرط المدعى
بالنسبة إليه أم لا، فعلى تقدير تجويز أن لم يكن المراد بالآية التكرار يلزم إيجاب
السعي على من لم يتحقق الشرط بالنسبة إليه ولو مرة، ويلزم منه الدوام والتكرار
لعدم القائل بالفصل.
الثاني: أن الخطاب إنما يتوجه إلى الموجودين عند المحققين ولا يشمل
من سيوجد إلا بدليل خارج، وليس إلا الاجماع وهو لا يجري في موضع الخلاف.
والجواب أن التحقيق أن الخطاب يتوجه إلى المعدومين بتبعية الموجودين
إذا كان في اللفظ ما يدل على العموم كهذه الآية، وقد حقق في محله والاجماع على
عدم اختصاص الاحكام بزمانه لم يتحقق على كل مسألة مسألة حتى يقال لا يجري
في موضع الخلاف، بل على هذا المفهوم الكلي مجملا، وإلا فلا يمكن الاستدلال
بالآيات ولا بالاخبار على شئ من المسائل الخلافية أما إذا
ورد بلفظ الخطاب، وهذا سفسطة.
مع أن الأخبار المتواترة تدل على عدم اختصاص أحكام القرآن والسنة
بزمان دون زمان وأن حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه
حرام إلى يوم القيامة.
148

الثالث: أن الامر معلق على الاذان فمن أين ثبت الوجوب مطلقا.
والجواب أنه يلزم بصريح الآية الايجاب مع تحقق الاذان، ويلزم منه الايجاب
مطلقا، مع أنا قد قدمنا أن الظاهر أن المراد دخول وقت النداء.
واعترض عليه بوجوه سخيفة أخرى وبعضها يتضمن الاعتراض على الله تعالى
إذ لم يرتب متتبع في أن الآية إنما نزلت لوجوب صلاة الجمعة والحث عليها،
فقصورها عن إفادة المرام يؤول إلى الاعتراض على الملك العلام، ويظهر الجواب عن
بعضها مما قررنا سابقا في تفسير الآيات.
ثم إن أمثال تلك الاعتراضات إنما يحسن ممن لم يستدل في عمره بآية ولا
خبر على حكم من الاحكام، وأما من كان دأبه الاستدلال بالظواهر والابهامات على
الاحكام الغريبة، لا يليق به تلك المناقشات، وهل يوجد آية أو خبر لا يمكن المناقشة
في الاستدلال بها بأمثال ذلك.
ومن العجب أنهم يقولون: ورد في الخبر أن الذكر رسول الله صلى الله عليه وآله فيمكن
أن يكون المراد به هنا السعي إليه صلى الله عليه وآله: ولا يعرفون أن الأخبار الواردة في تأويل
الآيات وبطونها، لا ينافي الاستدلال بظاهرها، فقد ورد في كثير من الاخبار أن
الصلاة رجل والزكاة رجل، وأن العدل رسول الله صلى الله عليه وآله والاحسان أمير المؤمنين عليه السلام
والفحشاء والمنكر والبغي الثلاثة، وأمثال ذلك أكثر من أن تحصى، وشئ منها
لا ينافي العمل بظواهرها، والاستدلال بها، وقد حققنا معانيها وأشبعنا الكلام فيها
في تضاعيف هذا الكتاب، والله الموفق للصواب.
الثاني: تدل الآية على شرعية الاذان لتلك الصلاة، وقد مر الكلام فيه
والمشهور أن الاذان إنما يؤتى به بعد صعود الامام المنبر، قال في مجمع البيان (1)
في قوله تعالى (وإذا نودي) أي اذن لصلاة الجمعة، وذلك أما إذا جلس الامام على المنبر
يوم الجمعة، وذلك لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله نداء سواه.

(1) مجمع البيان ج 10 ص 288.
149

قال السائب بن يزيد: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله مؤذنان أحدهما بلال، فكان أما إذا
جلس
على المنبر أذن على باب المسجد، فإذا أذن أقام للصلاة، ثم كان أبو بكر وعمر
كذلك حتى أما إذا كان عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل، زاد أذانا فأمر بالتأذين
الأول على سطح دار له بالسوق يقال له الزوراء، وكان يؤذن عليها، فإذا جلس عثمان
على المنبر أذن مؤذنة، فإذا نزل أقام للصلاة، انتهى، ولذا حكم أكثر الأصحاب بحرمة
الاذان الثاني وبعضهم بالكراهة.
واختلفوا في أن الحرام أو المكروه هل الثاني زمانا أو وضعا، ويدل على استحباب
كون الاذان بعد صعود الامام المنبر، ما رواه الشيخ (1) عن عبد الله بن ميمون عن
جعفر، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله أما إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى
يفرغ المؤذنون، لكن تعارضه حسنة إبراهيم بن هاشم (2) عن محمد بن مسلم قال:
سألته عن الجمعة فقال أذان وإقامة يخرج الامام بعد الاذان فيصعد المنبر الخبر.
وهذا يدل على استحبابه قبل صعود الامام كما ذهب إليه أبو الصلاح، حيث قال: إذا
زالت الشمس أمر مؤذنيه بالاذان فإذا فرغوا منه صعد المنبر فخطب، والأول مؤيد
بالشهرة، ويمكن حمل الثاني على التقية، والتخيير لا يخلو من قوة.
الثالث: ربما يتوهم رجحان العدو والاسراع إلى الجمعة، لقوله تعالى:
(فاسعوا) وقد عرفت أنه غير محمول على ظاهره، وقد وردت الاخبار باستحباب
السكينة والوقار إلا مع ضيق الوقت وخوف فوت الصلاة، فلا يبعد وجوب
الاسراع حينئذ.
الرابع: بناء على تفسير الذكر بالخطبة فقط أو مع الصلاة، يدل على شرعية
الخطبة بل وجوبها إذ الظاهر أن وجوب السعي إليها يستلزم وجوبها، ولا خلاف في
وجوب الخطبتين في الجمعة ولا تقديمهما على الصلاة في الجمعة إلا من الصدوق - ره -

(1) التهذيب ج 3 ص 244 ط نجف.
(2) الكافي ج 3 ص 424 في حديث.
150

حيث يقول بتأخير الخطبتين في الجمعة والعيدين وهو ضعيف، وفيها دلالة ما على التقديم
إن فسر بالخطبة فقط إذ مع تقديم الصلاة الامر بالسعي إلى الخطبة فقط بعيد،
بخلاف ما أما إذا كانتا متقدمتين، فان حضورهما يستلزم حضور الصلاة وهما من
مقدماتها.
الخامس: استدل بها على وجوب إيقاع الخطبة بعد الزوال، واختلف
الأصحاب فيه، فذهب الأكثر منهم المرتضى وابن أبي عقيل وأبو الصلاح إلى أن
وقتها بعد الزوال، وقال الشيخ في الخلاف والنهاية والمبسوط أنه ينبغي للامام
إذا قرب من الزوال أن يصعد المنبر ويأخذ في الخطبة بمقدار ما أما إذا
خطب الخطبتين
زالت الشمس، فإذا زالت نزل فصلى بالناس، واختاره ابن البراج والمحقق و
الشهيدان، وظاهر ابن حمزة وجوب التقديم وجواز التقديم لا يخلو من قوة، ويدل
عليه صحيحة ابن سنان (1) وغيرها.
واحتج المانعون بهذه الآية حيث أوجب السعي بعد النداء الذي هو الاذان
فلا يجب قبله، وأجيب بأنه موقوف على عدم جواز الاذان يوم الجمعة قبل الزوال
وهو ممنوع.
السادس: تدل الآية على تحريم البيع بعد النداء ونقل الاجماع عليه العلامة
وغيره، والاستدلال بقوله: (وذروا البيع) فإنه في قوة اتركوا البيع بعد النداء
وربما يستدل عليه بقوله تعالى: ((فاسعوا) بناء على أن الفورية تستفاد من ترتب
الجزاء على الشرط، والامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده، وهذا على تقدير تمامه
إنما يدل على التحريم مع المنافاة والمشهور التحريم مطلقا.
ثم اعلم أن المذكور في عبارة أكثر الأصحاب تحريم البيع بعد الاذان حتى
أن العلامة في المنتهى والنهاية نقل إجماع الأصحاب على عدم تحريم البيع قبل
النداء ولو كان بعد الزوال، وفي الارشاد أناط التحريم بالزوال، وتبعه الشهيد الثاني

(1) التهذيب ج 3 ص 12 ط نجف ج 1 ص 248 ط حجر.
151

في شرحه، وهو ضعيف، إلا أن يفسر النداء بدخول وقته فتدل الآية عليه.
واختلف الأصحاب في تحريم غير البيع من العقود والايقاعات والمشهور عدم
التحريم، وذهب بعضهم إلى التحريم للمشاركة في العلة المومى إليها، بقوله (ذلكم
خير لكم) وبأن الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده، والأخير إنما يتم مع
المنافاة، والدعوى أعم من ذلك، والأحوط الترك مطلقا لا سيما مع المنافاة، و
هل الشراء مثل البيع في التحريم؟ ظاهر الأصحاب ذلك وحملوا البيع الواقع فيها على
ما يعم الشراء وللمناقشة فيه مجال.
واختلفوا أيضا فيما لو كان أحد المتعاقدين ممن لا يجب عليه السعي، فذهب
جماعة من المتأخرين إلى التحريم، والمحقق إلى عدمه، وفاقا للشيخ، فإنه كرهه
والأحوط الترك، لا سيما أما إذا اشتمل على معاونة الاخر على الفعل.
ثم اختلفوا في أنه مع التحريم هل يبطل العقد فالمشهور عدم البطلان، لان
النهي في المعاملات لا يستلزم الفساد عندهم، وذهب ابن الجنيد والشيخ في المبسوط
والخلاف إلى عدم الانعقاد ولعل الأول أقوى.
السابع: في الآية الأخيرة دلالة على وجوب الحضور في وقت الخطبة إن فسر
قوله: (وتركوك قائما) على القيام في وقت الخطبة، ولعله لا خلاف فيه، إنما
اختلفوا في وجوب الانصات، فذهب الأكثر إلى الوجوب وذهب الشيخ في المبسوط والمحقق
في المعتبر إلى أنه مستحب، وعلى تقدير الوجوب هل يجب أن يقرب البعيد بقدر
الامكان؟ المشهور بينهم ذلك، ولا يبعد كون حكمه حكم القراءة، فلا يجب قرب
البعيد واستماعه.
وكذا اختلفوا في تحريم الكلام فذهب الأكثر إلى التحريم فمنهم من عمم التحريم
بالنسبة إلى المستمعين والخطيب، ومنهم من خصه بالمستمعين، ونقل عن الشيخ
الجليل أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي أنه قال في جامعه أما إذا
قام الامام يخطب فقد
وجب على الناس الصمت، وذهب الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف والمحقق
152

إلى الكراهية، ولعله أقرب، ومن القائلين بالتحريم من صرح بانتفاء التحريم
بالنسبة إلى البعيد الذي لا يسمع ولا صم لعدم الفائدة، ومن المتأخرين من صرح
بعموم التحريم، ولم يصرح الأكثر ببطلان الصلاة أو الخطبة بالكلام، والأقرب
العدم، قال العلامة في النهاية: ولا تبطل جمعة المتكلم وإن حرمناه إجماعا، والخلاف
في الاثم وعدمه، والظاهر تحريم الكلام أو كراهته بين الخطبتين، ولا يحرم بعد الفراغ
منهما، ولا قبل الشروع فيهما اتفاقا.
1 - الخصال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار،
عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران والحسين بن سعيد، عن
حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: إنما فرض الله عز وجل من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة، فيها
صلاة واحدة فرضها الله في جماعة، وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير،
والكبير، والمجنون، والمسافر، والعبد، والمرأة، والمريض، والأعمى،
ومن كان على رأس فرسخين، والقراءة فيها جهار، والغسل فيها واجب، و
على الامام فيها قنوتان: قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعد
الركوع (1).
مجالس الصدوق: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد
إلى قوله على رأس فرسخين (2).
مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن الحسين بن عبيد الله الغضائري، عن
الصدوق، عن أبيه مثله (3).
الخصال: عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن إبراهيم مثله
إلى قوله وهي الجمعة (4).

(1) الخصال ج 2 ص 46.
(2) أمالي الصدوق: 234.
(3) أمالي الطوسي ج 2 ص 47.
(4) الخصال ج 2 ص 108.
153

* (تبيين) *
اعلم أن هذا الخبر في أعلا مراتب الصحة، ورواه الصدوق أيضا بسند
صحيح (1) عن زرارة، وفيه (إنما فرض الله عز وجل على الناس) إلى قوله: (منها
صلاة) وفي بعض النسخ (فيها) ورواه في الكافي (2) في الحسن كالصحيح وفيه: (و
فرض الله على الناس) وفيه أيضا (منها صلاة) ويستفاد منه أحكام:
الأول: وجوب صلاة الجمعة (3) عينا في جميع الأزمان مع تأكيدات كثيرة:

(1) الفقيه ج 1 ص 266.
(2) الكافي ج 3 ص 418.
(3) وجوب صلاة الجمعة لا ريب فيه، وإنما الكلام في وجود شرائطها، فعلى هذا
ورود الأحاديث الكثيرة بوجوبها شئ، واشتراطها بوجود الامام مبسوط اليد شئ آخر،
فحيث لم يوجد شرطها تركها الشيعة منذ عهد الغيبة كما عرفت من عهد الصدوق رضوان
الله عليه.
وهكذا ورود أحاديث كثيرة بوجوب الجهاد شئ، واشتراطه بحضور الامام واذنه
شئ آخر كما اجمع بذلك الأصحاب، ولم يجاهد أحد ممن قال بالنيابة وأقام الجمعة!!
وهكذا ورود الأحاديث بوجوب الخمس من أرباح المكاسب شئ، واشتراط اخراجه بحضور
الامام صاحب الحق ومطالبته شئ آخر، ولذلك أفتى فقهاؤنا رضوان الله عليهم من زمن
الغيبة باباحتها الا في هذه السنوات الأخيرة لشبهة دخلت عليهم وهي تعارض الاخبار بالإباحة
وعدمها مع أنه لا تعارض فيها.
وذلك لان الخمس إنما جعل حقا لذوي سهامه فقال عز وجل: (واعلموا أن ما غنمتم
من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) الآية بخلاف الزكاة حيث جعل حكما شرعيا
وأوجب على المؤمنين أداءها فقال: (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة).
فإذا كان الخمس حقا كان كالدين فإذا أباح صاحب الحق والدين وأحله لهم، صار
ساقطا، ولا يكون بين الإباحة ووجوب الحق تعارض لان الإباحة فرع وجوب الحق كما أنه
لا تعارض بين إباحة بعض وطلب بعض آخر، ولذلك أباح الباقر والصادق ومن قبلهما عليهم السلام عن
حقهم وطلب حقه أبو الحسن الكاظم والرضا ومن بعدهما من الأئمة الطاهرين كما ورد
به الروايات.
فعلى هذا، المحكم ما ورد عن صاحب الحق اليوم وهو المهدى امام عصرنا صلوات
الله عليه، وهو عليه السلام وان طلب حقه في زمن الغيبة الصغرى ووكل لذلك وكلاء يقبضون
حقه من الشيعة، لكنه صلوات الله عليه لم يوكل أحدا عند غيبته الكبرى حيث قال في توقيعه
المبارك إلى السمرى (... ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة
فلا ظهور الابعد اذن الله) وصرح بالإباحة في توقيعه الاخر (... وأما الخمس
فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث)، وتمام
البحث موكول إلى محله.
154

الاتيان بلفظ الفرض الذي هو أصرح العبارات في الوجوب وآكدها، ثم قوله: (على
الناس) كما في سائر الكتب لئلا يتوهم منه التخصيص بصنف وجماعة، ثم ضمها مع
الصلوات التي كلها واجبة عينا.
ثم قوله: (وضعها عن تسعة) فإنه في قوة الاستثناء، فيفيد تأكيد شمول الحكم
لغير تلك الافراد، ويرفع احتمال حمل الفرض على الوجوب التخييري، فان
فيهم من يجب عليهم تخييرا بالاتفاق، ولفظ الامام الواقع فيها وفي سائر أخبار
الجمعة والجماعة لا ريب في أن الظاهر فيها إمام الجماعة، بقرينة الجماعة المذكورة
سابقا.
فان قيل: لعل المراد بقوله خمسا وثلاثين صلاة الصلوات التي منها الصلاة
الواقعة في ظهر يوم الجمعة أعم من الجمعة والظهر، وقوله (منها صلاة) أريد بها فرد
من واحدة من الخمس والثلاثين فهو في غاية البعد.
155

فان قيل: الحضر المستفاد من (إنما) على ما في بعض النسخ، يؤيد الحمل
على الأعم، وإلا انتقض الحصر بصلاة ظهر يوم الجمعة، لمن سقط عنه الجمعة.
قلنا: لا تأييد فيه، لان قوله عليه السلام: (ووضعها عن تسعة) في قوة الاستثناء
فكأنه قال: لم يفرض الله على جميع الناس من الصلوات اليومية إلا الخمس والثلاثين
التي أحدهما الجمعة، إلا هؤلاء التسعة، فإنه لا يجب عليهم خصوص هذه الخمس
والثلاثين.
وإنما لم يتعرض صريحا لم يجب على هؤلاء التسعة لان بعضه لا يجب عليهم
شئ أصلا، والبعض الذي يجب عليهم الظهر حكم اضطراري تجب عليهم بدلا من
الجمعة لبعض الموانع الخلقية أو الخارجية، وإنما الأصل في يوم الجمعة الجمعة،
فلذا عدها من الخمس والثلاثين، ولم يتعرض للبدل صريحا، وهذا ظاهر من الخبر
بعد التأمل فظهر أن الحصر مؤيد ومؤكد لما ذكرنا، لا لما ذكرتم.
الثاني: يدل على كون الجماعة فرضا فيها، ولا خلاف فيه، وفي اشتراطها
بها. ويتحقق الجماعة بنية المأمومين الاقتداء بالامام، ويعتبر في انعقادها نية
العدد المعتبر، وفي وجوب نية الامام نظر، ولو بان كون الامام محدثا قال في الذكري:
فإن كان العدد لا يتم بدونه فالأقرب أنه لا جمعة لهم، لانتفاء الشرط، وإن كان العدد
حاصلا نم غيره صحت صلاتهم عندنا، لما سيأتي في باب الجماعة.
وربما افترق الحكم هنا وهناك، لان الجماعة شرط في الجمعة ولم يحصل
في نفس الامر، بخلاف باقي الصلوات، فان القدوة أما إذا
قاتت فيها يكون قد صلى
منفردا وصلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة، وذهب بعض المتأخرين إلى
الصحة مطلقا وإن لم يكن العدد حاصلا من غيره، ولا يخلو من قوة، والأحوط
الإعادة مطلقا.
الثالث: يدل على عدم الوجوب على الصغير والمجنون ولا خلاف فيه إذا
كان حالة الصلاة مجنونا.
156

الرابع: يدل على السقوط عن الشيخ الكبير، وهو مذهب علمائنا، وقيده
في القواعد بالبالغ حد العجز أو المشقة الشديدة، والنصوص مطلقة والأحوط عدم
الترك مع الامكان.
الخامس: يدل على عدم وجوبه على المسافر، ونقل اتفاق الأصحاب عليه الفاضلان
والشهيد، والمشهور أن المراد به المسافر الشرعي فتجب على ناوي الإقامة عشرا
والمقيم في بلد ثلاثين يوما، وفي المنتهى نقل الاجماع عليه، وكذا كثير السفر و
العاصي كما صرح به في الذكرى وغيره، وقال في المنتهى: لم أقف على قول لعلمائنا
في اشتراط الطاعة في السفر لسقوط الجمعة، وقرب الاشتراط، والمسألة لا تخلو من
إشكال، وإن كان ما قر به قريبا.
ومن حصل في مواضع التخيير فالظاهر عدم الوجوب عليه، لصدق السفر، و
جزم في التذكرة بالوجوب، وذهب في الدروس إلى التخيير.
السادس: يدل على عدم الوجوب على المرأة، وقل الفاضلان وغيرهما اتفاق
الأصحاب عليه وفي الخنثى المشكل قولان وظاهر هذا الخبر الوجوب عليها كظاهر
أكثر الاخبار.
السابع: يدل على عدم وجوبها على العبد ونقل الفاضلان وغيرهما اتفاق
الأصحاب عليه، ولافرق في ذلك بين القن والمدبر والمكاتب الذي لم يؤد شيئا
لصدق المملوك على الكل، وهل يجب أما إذا أمره المولى؟ فيه إشكال، واختلف
الأصحاب في المبعض أما إذا هاياه المولى، فاتفقت الجمعة في يومه، فالمشهور
سقوطها عنه، وفي المبسوط تجب عليه ولا يخلو من قوة، لعدم صدق العبد و
المملوك عليه.
الثامن: يدل على عدم وجوبها على المريض والأعمى، ونقل الفاضلان
وغيرهما اتفاق الأصحاب عليها، وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق فيهما بين ما
يشق معه الحضور وغيره، وبهذا التعميم صرح في التذكرة، واعتبر في المسالك
157

تعذر الحضور أو المشقة التي لا يتحمل مثلها عادة، أو خوف زيادة المرض، ولا يظهر
ذلك من النصوص.
ثم اعلم أن الشيخ عد في جملة من كتبه والعلامة في بعض كتبه العرج أيضا من
الاعذار المسقطة، حتى أنه قال في المنتهى: وهو مذهب علمائنا أجمع، لأنه
معذور بالعرج لحصول المشقة في حقه، ولأنه مريض فسقطت عنه، ولا يخفى ما
فيهما، وقيده في التذكرة بالاقعاد، ونقل إجماع الأصحاب عليه، ولم يذكره المفيد
ولا المرتضى، وقال المتأخرون النصوص خالية عنه، وقال المرتضى: وروي أن
العرج عذر، وقال المحقق فإن كان يريد به المقعد فهو أعذر من المريض والكبير
لأنه ممنوع من السعي فلا يتناوله الامر بالسعي، وإن لم يرد ذلك فهو في
حيز المنع.
أقول: ويمكن أن يستدل لهم بعموم قوله تعالى (ليس على الأعمى حرج
ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) (1) كما استدل الشهيد - ره - في

(1) النور: 61، الفتح: 17، وعندي أن توارد الجملتين في مورد المؤاكلة والجهاد
ولا نسبة بينهما، يفيد أن هذا الجملة استعملت في القرآن العزيز كالكبرى قاعدة كلية،
لا دخل لخصوص المورد والمقام في رفع الحرج عن الطوائف الثلاث، فيكون نتيجة مفاد
الآيتين أن العمى والعرج والمرض عذر في الأمور التي تشق عليهم ويدخل عليهم الحرج
وهو واضح.
ولا يذهب عليك أن الاعذار إنما يرتفع بها وجوب السعي والحضور إلى الجمعة و
الجماعة والجهاد وتولى الاذان، وأما أصل الحكم فهي على حاله من المحبوبية والانتداب
له، فيستحب لصاحب الاعذار أن يجيب النداء ويحضر الجماعة ويتولى الاذان، تحصيلا
على مراد الله عز وجل، الا النساء حيث يجب عليهن الستر وعدم التزاحم مع الرجال.
فإذا حضر وانتدب لهذه الأحكام ولم يكن له عذر آخر يمنعه من ذلك، كما إذا
حضر في المسجد قبل النداء أو بعده، أو لم يكن زحام يمنع المرأة عن الحضور في المسجد،
فعليه أن يستمع الخطبة، ويصلى مع امامه، والا لكان راغبا عن ولاية امامه معرضا عن
مراده عاصيا له، ودخل عليه الذم بقوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها و
تركوك قائما).
على أن نفى الالتزام ورفع الوجوب عليهم إنما كان شفقة عليهم رفعا للضيق والحرج
وبعدما انتدبوا للنداء وحضروا بأنفسهم فلا ضيق عليهم ولاحرج في استماع الخطبة والصلاة
مع الامام حتى تسقط عنهم، وهذا واضح بحمد الله.
158

الأعمى بذلك، لكن يرد عليه أن هذا نزل في موضعين من القرآن أحدهما في سورة
النور، والمشهور كما هو ظاهر ما بعده، بل ما قبله أنها نزلت في المؤاكلة، والاخر
في سورة الفتح وظاهره النزول في الجهاد، فشموله لما نحن فيه بعيد، فالظاهر وجوب
حضوره كما هو المصرح في التذكرة والذكرى لعموم أدلة الوجوب، وعدم ما
يصلح للتخصيص، نعم سيأتي من كتاب الدروس رواية مرسلة، وهي أيضا لا تصلح
للتخصيص.
التاسع: يدل على عدم وجوبها على من كان على رأس فرسخين، واختلف
الأصحاب في تحديد البعد المقتضي لعدم السعي إلى الجمعة، فالمشهور بينهم أن حده
أن يكون أزيد من فرسخين، وظاهر الصدوق في المقنع والمجالس أنه لا يجب على
من كان على رأس فرسخين أيضا، كما هو مدلول هذا الخبر وذهب إليه ابن حمزة
أيضا.
وقال ابن أبي عقيل: من كان خارجا من مصر أو قرية أما إذا غدا من أهله بعدما
يصلي الغداة فيدرك الجمعة مع الامام، فاتيان الجمعة عليه فرض، وإن لم يدركها
إذا غدا إليها بعد ما يصلي الغداة فلا جمعة عليه، وقال ابن الجنيد: وجوب السعي إليها
على من يسمع النداء بها أو كان يصل إلى منزله أما إذا راح منها قبل خروج نهار يومه،
وهو قريب من قول ابن أبي عقيل، وأكثر الاخبار تدل على الأول، وهذا
الخبر وما سيأتي من خطبة أمير المؤمنين تدل على الثاني، ويمكن الجمع بينهما
159

بوجهين:
أحدهما أن يكون المراد بمن كان على رأس فرسخين أن يكون أزيد منها
ويؤيده أن العلم بكون المسافة فرسخين إنما يكون غالبا عند العلم بكونها
أزيد.
وثانيهما حمل الوجوب فيما دل على الوجوب في فرسخين على الاستحباب
المؤكد، ولعل الأول أولى، وهذا الاختلاف يكون في الأخبار الواردة في أشياء
لا يمكن العلم بحدها حقيقة غالبا كمقدار الدرهم والكر وأمثالهما.
ويدل على الثالث صحيحة زرارة (1) وحملت على الفرسخين، فان الضعفاء
والمشاة لا يمكنهم السعي في يوم واحد أكثر من أربعة فراسخ، فيكون كالتعليل
للفرسخين، ويمكن حملها على الاستحباب.
ثم اعلم أن الأصحاب عدوا من مسقطات الجمعة المطر، وقال في التذكرة
إنه لا خلاف فيه بين العلماء، ويدل عليه صحيحة (2) عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بأن يترك الجمعة في المطر، وألحق العلامة ومن
تأخر عنه بالمطر الوحل والحر والبرد الشديدين أما إذا خاف الضرر معهما، ولا بأس به
تفصيا من لزوم الحرج المنفى.
وأما الثلج والبرد أما إذا لم يخف معهما الضرر، فيشكل إلحاقه بالمطر لعدم
صدقه عليهما لغة وعرفا، والقياس بالطريق الأولى - مع عدم ثبوت حجيته مطلقا
وعسر إثبات الأولوية هنا مشكل، والأولى عدم الترك بغير ما ورد فيه النص من تلك
الاعذار، إلا مع خوف الضرر الشديد، لا سيما للامام.
وقال في المعتبر: قال علم الهدى: وروي أن من يخاف على نفسه ظلما أو ماله

(1) التهذيب ج 1 ص 321.
(2) التهذيب: ج 1 ص 322، وقد مر في باب المساجد أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال.
160

فهو معذور في الجمعة وكذا من كان متشاغلا بجهاز ميت أو تعليل والد أو من يجري
مجراه من ذوي الحرمات الوكيدة يسعه التأخر.
العاشر: يدل على أن القراءة جهر ولا خلاف في رجحان الجهر فيها، وظاهر
الأكثر الاستحباب قال في المنتهى: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أنه يجهر
بالقراءة في صلاة الجمعة، ولم أقف على قول للأصحاب في الوجوب وعدمه، والأصل
عدمه.
أقول: الأحوط عدم ترك الجهر.
الحادي عشر: يدل على وجوب الغسل في يوم الجمعة، وحمل في المشهور
على تأكد الاستحباب (1) ثم إن الظاهر إرجاع ضمير (فيها) إلى الصلاة فيدل
على أن وجوبها لأجل الصلاة، فإذا لم تصلى الجمعة لم يجب (2) وهذا وجه جمع
بين الاخبار، لكن لم يقل بهذا التفصيل أحد، ويحتمل إرجاعه إلى الجمعة بمعنى
اليوم على الاستخدام أو بتقدير الصلاة في الأول.
الثاني عشر: يدل على أن قنوتها اثنان: في الأولى قبل الركوع، وفي الثانية
بعده وهو المشهور بين الأصحاب، وظاهر ابن أبي عقيل وأبي الصلاح أن في الجمعة
قنوتين قبل الركوع، مع احتمال موافقتهما للمشهور، وظاهر الصدوق في الفقيه أن
فيها قنوتا واحدا في الثانية قبل الركوع، وظاهر ابن إدريس أيضا ذلك.
وقال المفيد: إن في الجمعة قنوتا واحدا في الركعة الأولى قبل الركوع، وهو
ظاهر ابن الجنيد، ومختار المختلف وبعض المتأخرين، ويظهر من المرتضى التردد
بين أن يكون له قنوت واحد قبل الركوع، أو قنوتان في الأول قبل الركوع، وفي

(1) وقد عرفت أنها سنة في غير فريضة: فالأخذ بها هدى وتركها إلى غير خطيئة،
الا أما إذا
كان متمكنا من ذلك ولم يغتسل رغبة عنها، فيكون عاصيا.
(2) الظاهر من موارد تعليله أن الاغتسال لأجل الجمعة والاجتماع لها.
161

الثانية بعده، والمشهور أقوى لهذه الصحيحة وصحيحة أبي بصير (1) لكن وردت أخبار
كثيرة دالة على مذهب المفيد، فيمكن الجمع بينها بعدم تأكد الاستحباب في الثانية
أو بالوجوب في الأولى، والاستحباب في الثانية.
ويظهر من المعتبر جمع آخر حيث قال: والذي يظهر أن الامام يقنت قنوتين
إذا صلى جمعة ركعتين، ومن عداه يقنت مرة جامعا كان أو منفردا.
والظاهر أن المراد بالامام إمام الأصل أي القنوتان في الجمعة إنما هو إذا
كان الامام فيها إمام الأصل، وإلا فواحدة، ولكن الجامع جمعة يقنت الواحدة في
الأولى، والجامع ظهرا والمنفرد في الثانية، وهذا الخبر مما يؤيده وعلى المشهور
يمكن أن يكون التخصيص بالامام بكونه عليه آكد أو واجبا أو لمعلومية كون
المأموم تابعا له.
2 - المعتبر: قال الصادق عليه السلام: إن الله فرض في كل أسبوع خمسا وثلاثين
صلاة، منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة: المريض، والمملوك
والمسفار، والمرأة، والصبي (2).
بيان: هذا الخبر رواه الكليني (3) والشيخ بسند صحيح (4) عن أبي بصير
ومحمد بن مسلم عنه عليه السلام وفيهما في كل سبعة أيام، والتصريح بالتعميم فيه أكثر من
الخبر السابق، لقوله: (في كل سبعة أيام) وقوله: (على كل مسلم) والاستثناء
الموجب لزيادة التأكيد في العموم، فيشمل الحكم زمان الغيبة.
ثم الظاهر أن قوله (على كل مسلم) متعلق بقوله (واجبة) وقوله: (أن يشهدها)

(1) التهذيب ج 1 ص 250.
(2) المعتبر: 200.
(3) الكافي ج 3 ص 418.
(4) التهذيب ج 1 ص 250.
162

إما فاعل لقوله: (واجبة) أو بدل اشتمال من الضمير، ويحتمل على بعد أن يكون
(على كل مسلم أن يشهدها) جملة مستأنفة مؤكدة للأولى، وهذه العبارة أيضا دالة
على الوجوب، عرفا، لا سيما مع قرينة الكلمات السابقة، والأصل في الوجوب العيني
وإطلاق الواجب على أحد فردي التخييري مجاز كما حقق في محله، إذ الواجب ما
لا يجوز تركه، فالواجب هو المفهوم المردد بينهما، مع أن استثناء الخمسة يأبى
عن الحمل عليه كما عرفت.
وقوله: (أن يشهدها) لبيان اشتراط الجماعة فيها والظاهر أن الامام والعدد
الذين ينعقد بهم الجمعة داخلون في قوله: (كل مسلم) والشهود لا يستلزم انعقاد
جمعة قبله، بل الشهور أعم من أن يكون لانعقادها أو إيقاعها مع من عقدها، فحاصل
الكلام أن من جملة ذلك العدد صلاة يجب على كل مسلم إيقاعها على الاجتماع جماعة
إلا الخمسة، وليس هذا إلا صلاة الجمعة.
وقد عرفت أن الشرائط غير مأخوذة في الجمعة، ولا يؤخذ فيها إلا العدد و
الخطبة، فما ثبت من الشرايط بدليل من خارج يعتبر فيها وإلا فلا، ولو لم يحمل
على هذا فأية فائدة في هذا الكلام، ولابد من حمل أفعال الحكيم وأقواله على
وجه يفيد فائدة معتدا بها، ويشتمل على حكمة عظيمة، وحمله على الالغاز والتعمية
غير موجه.
3 - المقنعة (1): اعلم أن الرواية جاءت عن الصادقين عليهم السلام أن الله جل
جلاله فرض على عباده من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة لم يفرض فيها
الاجتماع إلا في صلاة الجمعة خاصة، فقال جل من قائل: (يا أيها الذين
آمنوا) الآية.
وقال الصادق عليه السلام: من ترك الجمعة ثلاثا من غير علة طبع الله على قلبه، فغرضنا
وفقك الله الاجتماع على ما قدمناه إلا أنه بشريطة إمام مأمون، على صفات: يتقدم

(1) في ط الكمباني: توضيح، وهو سهو.
163

الجماعة، ويخطب بهم خطبتين يسقط بهما و بالاجتماع عن المجتمعين من الأربع
الركعات ركعتان، وإذا حضر الامام وجبت الجمعة على ساير المكلفين إلا من أعذره
الله تعالى منهم، وإن لم يحضر إمام سقط فرض الاجتماع، وإن حضر إمام يخل
بشريطة من يتقدم فيصلح به الاجتماع، فحكم حضوره حكم عدم الامام، والشرايط
التي تجب فيمن يجب معه الاجتماع أن يكون حرا بالغا طاهرا في ولادته مجنبا من
الأمراض الجذام والبرص خاصة في خلقته (1) مسلما مؤمنا معتقدا للحق بأسره في
ديانته مصليا للفرض في ساعته.
فإذا كان كذلك واجتمع معه أربعة نفر وجب الاجتماع، ومن صلى خلف إمام
بهذه الصفات وجب عليه الانصات عند قراءته، والقنوت في الأولى من الركعتين في
فريضته، ومن صلى خلف إمام بخلاف ما وصفناه رتب الفرض على المشروح فيما
قدمناه.
ويجب الحضور مع من وصفناه من الأئمة فرضا، ويستحب مع من خالفهم تقية
وندبا روى هشام بن سالم عن زرارة بن أعين قال: حثنا أبو عبد الله عليه السلام على صلاة
الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: إنما عنيت
ذلك عندكم (2).
بيان: هذا الكلام كما ترى صريح في اشتراط الامام ونائبه، وأنه لا يشترط
فيها إلا ما يشترط في إمام الجماعة، والشيخ في التهذيب أورد هذا الكلام ولم ينكر
عليه، وأورد الأخبار الدالة عليه، فيظهر أنه في هذا الكلام يوافقه، ولو كان إجماع
معلوم فكيف كان يخفى على المفيد، وهو أستاذ الشيخ وأفضل منه، فلا بد من تأويل
وتخصيص في كلام الشيخ كما ستعرف.
وأما الحديث الأخير فرواه الشيخ بسند صحيح (3) ويدل على وجوب الجمعة

(1) في المصدر: في جلدته.
(2) المقنعة: 27.
(3) التهذيب ج 1 ص 321.
164

في زمان الغيبة، إذ صرح الأكثر بأن زمان عدم استيلاء الإمام عليه السلام في حكم أزمنة
الغيبة، وما قيل من أن الحث يدل على الاستحباب فلا وجه له، لان التحريض
كما يكون على المستحبات يكون على الواجبات، والاستبعاد من ترك زرارة في تلك
المدة مما لاوجه له أيضا لان الأزمنة كانت أزمنة تقية وخوف، وكان تركهم لذلك
ولما علم عليه السلام في خصوص هذا الزمان كسر سورة التقية، لان دولة بني أمية زالت
ودولة بني العباس لم يستقر بعد، فلذا أمره بفعلها، وهو عليه السلام كان الامر عليه
أشد، وخوفه أكثر، فلذا لم يجوز أن يأتوه عليه السلام (وعندكم) يحتمل أن يكون المحلة
التي كانوا يسكنونها في المدنية أو في الكوفة، والأخير أظهر، وأما حمله على
إيقاعها مع المخالفين تقية فهو بعيد، لان الصلاة معهم ظهر لا جمعة، لكن ذلك
ليس ببعيد كل البعيد، ويمكن أن يكون المفيد - ره - حمله على ذلك، فلذا أخره
أو يكون ذكره مؤيدا لأول الكلام.
4 - المعتبر: قال النبي صلى الله عليه وآله: الجمعة حق على كل مسلم
إلا أربعة (1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى
يوم القيامة (2).
قال: وقال صلى الله عليه وآله: الجمعة واجبة على كل مسلم في جماعة (3).
5 - رسالة الجمعة: للشهيد الثاني في وجوب الجمعة قال: قال النبي صلى الله عليه وآله:
الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة أو صبي أو
مريض (4).
قال: وقال صلى الله عليه وآله: من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه (5).

(1) المعتبر: 200.
(2) المعتبر: 200.
(3) المعتبر: 200.
(4) رسالة الجمعة: 54.
(5) رسالة الجمعة: 55.
165

وفي حديث آخر: من ترك ثلاث جمع متعمدا من غير علة طبع الله على قلبه
بخاتم النفاق (1).
قال: وقال صلى الله عليه وآله: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن على قلوبهم
ثم ليكونن من الغافلين (2).
قال: وقال النبي صلى الله عليه وآله في خطبة طويلة نقلها المخالف والمؤالف: إن الله تبارك
وتعالى فرض عليكم الجمعة، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي استخفافا أو جحودا
لها فلا جمع الله شمله، ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا زكاة له، ألا ولا
حج له، ألا ولا صوم له، ألا ولا بر له حتى يتوب (3).
6 - مجالس الصدوق: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن الحسين
السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن زرعة، عن سماعة، عن الصادق
عن أبيه عليهم السلام أنه قال: أيما مسافر صلى الجمعة رغبة فيها وحبا لها أعطاه الله عز وجل
أجر مائة جمعة للمقيم (4).
ثواب الأعمال: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن أبي
عبد الله مثله (5).
7 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر،
عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين والجمعة ما
على الرجال؟ قال: نعم (6).
بيان: اعلم أن الأصحاب ذكروا أن من لا يلزمه الجمعة أما إذا حضرها جاز له
فعلها تبعا وأجزأته عن الظهر، وهذا الحكم مقطوع به في كلامهم، بل قال في المنتهى

(1) رسالة الجمعة: 55.
(2) رسالة الجمعة: 55.
(3) رسالة الجمعة: 55.
(4) أمالي الصدوق: 8.
(5) ثواب الأعمال ص 34.
(6) قرب الإسناد ص 100 ط حجر 133 ط نجف.
166

لا خلاف في أن العبد والمسافر أما إذا صليا الجمعة أجزأتهما عن الظهر، وحكى نحو ذلك
في العبد، وقال في المريض: لو حضر وجبت عليه وانعقدت به، وهو قول أكثر أهل
العلم، وقال في الأعرج لو حضر وجبت عليه وانعقدت به بلا خلاف، وقال في التذكرة
لو حضر المريض والمحبوس بعذر المطر أو الخوف وجب عليهم، وانعقدت بهم
إجماعا وقال في النهاية: من لا تلزمه الجمعة أما إذا حضرها وصلاها انعقدت جمعة
وأجزأته.
ويدل موثقة سماعة على الاجزاء عن المسافر، ورواية علي بن جعفر على
الاجزاء عن المرأة، بل الوجوب عليها، وتحمل على ما بعد الحضور، أو على
الاستحباب.
ثم المشهور بينهم أن من لا يجب عليه السعي إلى الجمعة تجب عليه الصلاة
مع الحضور، وممن صرح بذلك المفيد في المقنعة، فقال: وهؤلاء الذين وضع عنهم
الجمعة متى حضروها لزمهم الدخول فيها وأن يصلوها كغيرهم، ويلزمهم استماع
الخطبة والصلاة ركعتين، ومتى لم يحضروها لم تجب عليهم، وكان عليهم الصلاة
أربع ركعات كفرضهم في ساير الأيام، ومقتضى كلامه - ره - وجوبها على الجميع
مع الحضور من غير استثناء، ونحوه قال الشيخ في النهاية.
وقال في المبسوط: أقسام الناس في الجمعة خمسة: من تجب عليه وتنعقد به،
وهو الذكر حر البالغ العاقل الصحيح المسلم من العمى والعرج والشيخوخة التي لا
حراك معها: الحاضرون من هو في حكمه، ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به وهو الصبي
والمجنون والمسافر والمرأة، لكن يجوز لهم فعلها إلا المجنون، ومن تنعقد به ولا
تجب عليه وهو المريض والأعمى والأعرج، ومن كان على رأس أكثر من فرسخين،
ومن تجب عليه ولا تنعقد به وهو الكافر لأنه مخاطب بالفروع عندنا، ومختلف فيه
وهو من كان مقيما في بلد من التجار وطلاب العلم ولا يكون مستوطنا بل يكون من
عزمه متى انقضت حاجته خرج فإنه يجب عليه وتنعقد به عندنا، وفي انعقادها
167

به خلاف.
والظاهر أن مراده قدس سره بنفي الوجوب في موضع جواز الفعل نفي الوجوب
العيني لان الجمعة لا تقع مندوبة إجماعا كما قيل، وينبغي أن يقيد الوجوب
المنفي عن المريض والأعمى والأعرج في كلام الشيخ بحال عدم الحضور لئلا ينافي
الاجماع المنقول عن العلامة، لكنه خلاف الظاهر من كلامه.
والمستفاد من كلام المفيد والشيخ في النهاية وجوبها على المرأة عند الحضور
وصرح به ابن إدريس فقال بوجوبها على المرأة عند الحضور غير أنها لا تحسب من العدد
وقطع المحقق في المعتبر والشرايع بعدم الوجوب على المرأة وقال في المعتبر إن وجوب
الجمعة عليها مخالف لما عليه اتفاق فقهاء الأمصار، وطعن في رواية حفص (1) الدالة
على الوجوب بضعف السند، وظاهره عدم جواز الفعل أيضا، وأما المسافر والعبد
فالمشهور أنه تجب عليهما الجمعة عند الحضور، وظاهر المبسوط عدم الوجوب، و

(1) التهذيب ج 1 ص 251 ط حجر ج 3 ص 22 ط نجف، ولفظه: قال: سمعت
بعض مواليهم سأل ابن أبي ليلى عن الجمعة هل تجب على العبد والمرأة والمسافر؟ قال:
لا، قال: فان حضر واحد منهم الجمعة مع الامام فصلاها هل تجزيه تلك الصلاة عن ظهر
يومه؟ قال: نعم، قال: وكيف يجزى ما لم يفرضه الله عليه عما فرض الله عليه، وقد قلت:
ان الجمعة لا تجب عليه، ومن لم تجب عليه الجمعة فالفرض عليه أن يصلى أربعا؟ ويلزمك
فيه معنى أن الله فرض عليه أربعا فكيف أجزأه عنه ركعتان؟ مع ما يلزمك أن من دخل فيما
لم يفرضه الله عليه لم يجزء عنه مما فرض الله عليه؟
فما كان عند ابن أبي ليلى فيها جواب وطلب إليه أن يفسرها له فأبى، ثم سألته أنا
ففسرها لي، فقال: الجواب عن ذلك أن الله عز وجل فرض على جميع المؤمنين والمؤمنات
ورخص للمرأة والعبد والمسافر أن لا يأتوها، فلما حضروا سقطت الرخصة ولزمهم
الفرض الأول، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم، فقلت: عمن هذا؟ قال: عن مولانا أبى
عبد الله عليه السلام.
168

هو المنقول عن ابن حمزة، وقال في المدارك، والحق أن الوجوب العيني منتف
قطعا بالنسبة إلى كل من سقط عنه الحضور، وأما الوجوب التخييري فهو تابع لجواز
الفعل انتهى.
أقول: أمر النية هين، لا سيما بالنسبة إلى نوعي الوجوب، فإذا ثبت
الوجوب في الجملة فلا يلزم تعيين نوعه، وأنت أما إذا تأملت في العبارات التي نقلناها في
هذه المسألة، والأقوال التي قدمناها تبين حقيقة الاجماعات المنقولة.
بقي الكلام في أن الجمعة بمن تنعقد من هؤلاء؟ فقد نقل اتفاق الأصحاب على
انعقادها بالعبد والأعمى والمحبوس بعذر المطر ونحوه، مع الحضور، وأطبقوا على
عدم انعقادها بالمرأة بمعنى احتسابها من العدد، لان الرهط والقوم والنفر الواقعة
في الاخبار خصها أكثر اللغويين بالرجال.
واختلفوا في انعقادها بالمسافر والعبد لو حضرا، فقال الشيخ في الخلاف و
المحقق في المعتبر ينعقد بهما، لان ما دل على اعتبار العدد يتناولهما، وقال في
المبسوط وجمع من الأصحاب: لا ينعقد بهما لأنهما ليسا من أهل فرض الجمعة، و
المسألة لا تخلو من إشكال، وإن كان الانعقاد لا يخلو من قوة.
وقال في الذكرى: الظاهر وقوع الاتفاق على صحة الجمعة لجماعة المسافرين
وإجزاؤها عن الظهر، وهو مشكل لدلالة الروايات الصحيحة على أن فرض
المسافر الظهر، وعلى منعه من عقد الجمعة، وإطلاق موثقة سماعة محمول على ما إذا
حضر جمعة الحاضرين.
8 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى،
عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: لا تكون الجماعة بأقل من خمسة (1).
بيان: لا خلاف بين العلماء في اعتبار العدد واشتراطه في صحة صلاة الجمعة،

(1) الخصال ج 1 ص 139.
169

وإنما الخلاف في أقله، فللأصحاب فيه قولان: أحدهما أنه خمسة وإليه ذهب الأكثر
وثانيهما أنه سبعة في الوجوب العيني وخمسة في التخييري، وذهب إليه الشيخ و
ابن البراج وابن زهرة والصدوق، ومال إليه في الذكرى، وهو أقوى، وبه يجمع
بين الاخبار، وفي هذا الحديث أيضا إيماء إليه، وفي أكثر النسخ (لا تكون
الجماعة) فالمراد الجماعة التي هي شرط صحة الصلاة، والجمعة كما في بعض النسخ
أظهر.
9 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر،
عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الزوال يوم الجمعة ما حده؟ قال: أما إذا
قامت الشمس
صل الركعتين، فإذا زالت الشمس صل الفريضة، وإذا زالت الشمس قبل أن تصلي
الركعتين فلا تصلهما وابدء بالفريضة واقض الركعتين بعد الفريضة (1).
السرائر: نقلا من جامع البزنطي عن الرضا عليه السلام مثله (2) إلا أن فيه
فيه (فصل ركعتين فإذا زالت فصل الفريضة ساعة تزول الشمس، فإذا زالت قبل أن
تصلي الركعتين فلا تصلهما) إلى آخر الخبر.
10 - العياشي: عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الآية (إن
الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) فقال: إن للصلاة وقتا، والامر فيه واسع
يقدم مرة ويؤخر مرة إلا الجمعة، فإنما هو وقت واحد، وإنما عنى الله كتابا
موقوتا أي واجبا يعني بها أنها الفريضة (3).
ومنه: عن جعفر بن أحمد، عن العمركي، عن العبيدي، عن يونس، عن
علي بن جعفر، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: لكل صلاة وقتان ووقت يوم الجمعة زوال
الشمس (4).

(1) قرب الإسناد: 128 ط نجف.
(2) السرائر: 469.
(3) تفسير العياشي ج 1 ص 274.
(4) تفسير العياشي ج 1 ص 314 في حديث.
170

11 - البصائر: للصفار عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن علي
ابن النعمان، عن ابن مسكان، عن عبد الاعلى بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إن من الأشياء أشياء ضيقة، وليس تجري إلا على وجه واحد، منها وقت الجمعة
ليس لوقتها إلا حد واحد حين تزول الشمس، ومن الأشياء أشياء موسعة تجري على
وجوه كثيرة (1).
المحاسن: عن علي بن النعمان مثله، وفيه: أشياء مضيقة (2).
12 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليه السلام قال: قال علي عليه السلام:
تصلي الجمعة وقت الزوال (3).
(تبيين)
اعلم أن المشهور بين الأصحاب أن أول وقت الجمعة زوال الشمس، فقال
الشيخ في الخلاف: وفي أصحابنا من أجاز الفرض عند قيام الشمس، قال: واختاره
علم الهدى، قال ابن إدريس: ولعل شيخنا سمعه من المرتضى مشافهة، فان الموجود
في مصنفات السيد موافق للمشهور والأول أقرب.
ثم اختلفوا في آخر وقتها، فالمشهور بينهم أن آخره أما إذا صار ظل كل شئ
مثله، بل قال في المنتهى: إنه مذهب علمائنا أجمع، وقال أبو الصلاح أما إذا
مضى
مقدار الاذان والخطبة وركعتي الفجر فقد فاتت، ولزم أداؤها ظهرا، وقال الشيخ
في المبسوط: إن بقي من وقت الظهر قدر خطبتين وركعتين خفيفتين صحت الجمعة،
وقال ابن إدريس: يمتد وقتها بامتداد وقت الظهر، واختاره في الدروس والبيان، و
قال الجعفي: وقتها ساعة من النهار.

(1) البصائر: 328 في حديث.
(2) المحاسن: 300 في حديث.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 140.
171

ومستند المشهور غير معلوم (1) واستند أبو الصلاح إلى هذه الأخبار الدالة

(1) مستند المشهور فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسنته التي سنها، فإنه صلى الله عليه وآله كان يصلى يوم
الجمعة حين الزوال - مطلقا: سواء صلى صلاة الجمعة أو صلى في السفر ركعتين - وذلك
لما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما جعل القدم والقدمين وبعبارة أخرى المثل والمثلين
لمكان النافلة.
وأما يوم الجمعة فلما جعله يوم عيد وفراغ واجتماع من أول يوم ورد المدينة،
صارت النوافل بزيادة أربع ركعات قبل الزوال لمكان الفراغ، وصار الميقات الأول
المقدر للنوافل في سائر الأيام (وهو من أول الزوال إلى أن يصير الظل مثله) مختصا
بصلاة الجمعة يقدم أولا فأولا، صار الميقات الثاني المقدر لصلاة الظهر في سائر الأيام (وهو
من أول المثل إلى أن يصير الفئ مثليه) لصلاة العصر يقدم أولا فأولا، وبقى الميقات الثالث
المقدر لصلاة العصر في ساير الأيام فارغا لا صلاة فيها.
فعلى هذا، أما إذا
كان الامام في سفر أو مطر أو يخاف من خطر أو لم يجتمع العدد،
ولم يرتفع العذر الا بعد ما صار ظل كل شئ مثله فقد خرج وقت صلاة الجمعة وحان وقت
صلاة الظهر على حدها في سائر الأيام، وكان النداء غير جامعة، يصلى بهم الامام أربع ركعات
ثم يصلى بهم العصر عندما يصير الظل مثليه.
كل ذلك بناء على ما مر في باب أوقات الصلوات أن بالزوال يحين وقت الصلاتين جميعا
الا أن هذه قبل هذه، وإنما سن رسول الله المثل والمثلين لمصلحة رآها، فحصل بذلك
مواقيت ثلاثة في الحضر، واما في السفر، فلما كانت النافلة ساقطة عن المسافر، كان عليه
أن يصلى صلاة الظهر أول الزوال الا لعذر ثم يصلى العصر يجمع بينهما الا لعذر أيضا،
كما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله، ورود بذلك أحاديث أهل البيت عليهم الصلوات
والسلام.
ولذلك نفسه صلى رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة ظهره حين قدم المدينة أول الزوال ولما كان
أول يوم غلب على عرش الحكومة وظهر له البسطة في اليد، قدم لصلاته خطبة واتخذ ذلك
اليوم يوم ذكرى هجرته صلى الله عليه وآله ويوم عيد يجتمع فيه المسلمون يتباشرون بتأسيس دولتهم،
فسماه يوم جمعة، واتخذ الخطبة قبل الصلاة سنة لصلاة الجمعة وشعارا لرئيس دولتهم ووليهم
يحيى بها ذكر الله عز وجل وذكر رسوله صلى الله عليه وآله، إلى أن نزلت سورة الجمعة وفرض هذا
العيد بصلاته على ما عرفت في صدر الباب.
172

على التضييق، والظاهر أن التضييق في مقابلة الوسعة التي في ساير الصلوات،
ومستند الجعفي - ره - ما روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: وقت الجمعة أما إذا
زالت
وبعده بساعة (1).
وكان والدي قدس الله روحه يذهب إلى أن وقتها بقدر قدمين، وهو قوي
لدلالة الأخبار الكثيرة على أن وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في ساير الأيام،
ووقت الظهر بعد القدمين، فالقدمان وقت الجمعة، والقول بالفاصلة بين وقتي الصلاتين
في غاية البعد.
ولا ينافي أخبار التضييق كما عرفت ولا أخبار الساعة، أما إذا
الساعة في الاخبار
تطلق على قدر قليل من الزمان، لا الساعة النجومية، مع أن مقدارهما قريب من
الساعات المعوجة التي قد مر في بعض الأخبار إطلاق الساعة عليها في باب علل
الصلاة.
وظاهر الصدوق في المقنع أنه اختار هذا الرأي وإن لم ينسب إليه حيث
قال: واعلم أن وقت صلاة العصر يوم الجمعة في وقت الأولى في ساير الأيام، والعجب
من القوم أنهم لم يتفطنوا لذلك لامن الاخبار، ولامن كلامه.
والأحوط الشروع بعد تحقق الوقت في الخطبة، ثم الصلاة بلا فصل، و
أما قصر الخطبة فلا يلزم لنقل الخطب الطويلة من الأئمة عليهم السلام فيها وقال في المبسوط
ولا يطول الخطبة بل يقتصد فيهما، لئلا تفوته فضيلة أول الوقت، وقال فيه: وقد روي
أن من فاته الخطبتان صلى ركعتين، فعلى هذه الرواية يمكن أن يقال: يصلي الجمعة

(1) مصباح المتهجد: 254.
173

ركعتين، ويترك الخطبتين، والأول أحوط، والوجه في هذه الرواية أن تكون
مختصة بالمأموم الذي تفوته الخطبتان، فإنه يصلي الركعتين مع الامام فأما أن تنعقد
الجمعة بغير خطبتين، فلا يصلح على حال انتهى.
أقول: وما ذكره أخيرا هو الوجه، بل هو ظاهر الرواية.
13 - المقنع: وإن صليت الظهر مع الامام يوم الجمعة بخطبة، صليت ركعتين
وإن صليت بغير خطبة صليتها أربعا بتسليمة واحدة، قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا كلام
والامام يخطب يوم الجمعة ولا التفات إلا كما تحل في الصلاة.
وإنما جعلت الصلاة يوم الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، جعلتا مكان الركعتين
الأخيرتين، وهي صلاة حتى ينزل الامام (1).
بيان: لا يخفى على المتأمل أن ظاهر هذه العبارة الوجوب وعدم الاشتراط
بالامام، وروى الشيخ في الصحيح (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما جعلت الجمعة
ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتى ينزل الامام.
واستدل به على اشتراط طهارة الخطيب من الحدث في حال الخطبتين كما هو
مختار الشيخ في المبسوط والخلاف ومنعه ابن إدريس والفاضلان ومنع دلالة الخبر
على المساواة من جميع الجهات، وصرح الشهيد في البيان باشتراط الطهارة من الخبث
أيضا ولا ريب أنه أحوط، بل الأولى رعاية جميع شرايط الصلاة للخطيب والمستمع،
إلا ما أخرجه الدليل، لا سيما الالتفات الفاحش كما ورد في هذا الخبر.
14 - قرب الإسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن الصادق
عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان يقول: لا بأس أن يتخطى الرجل يوم الجمعة إلى
مجلسه حيث كان، فإذا خرج الامام فلا يتخطان أحد رقاب الناس، وليجلس حيث تيسر

(1) المقنع: 45 و 46، وقوله: (جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين) قد عرفت
معناه في ص 145.
(2) التهذيب ج 1 ص 248.
174

إلا من جلس على الأبواب ومنع الناس أن يمضوا إلى السعة، فلا حرمة له أن
يتخطاه (1).
بيان: قال في المنتهى: أما إذا
أتى المجلس جلس حيث ينتهي به المكان، و
يكره له أن يتخطى رقاب الناس، سواء ظهر الامام أو لم يظهر، وسواء كان له مجلس
يعتاد الجلوس فيه أو لم يكن، وبه قال عطا وسعيد بن المسيب والشافعي وأحمد
وقال مالك: إن لم يكن قد ظهر لم يكره وإن ظهر كره إن لم يكن له مجلس معتاد
وإلا لم يكره، لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال للذي يتخطى الناس:
رأيتك آنيت وآذيت أي أخرت المجئ.
ثم ذكر - ره - روايتين أخريين عاميتين ثم قال: لو رأى فرجة لا
يصل إليها إلا بالتخطي كان مكروها لعموم الخبر، إلا أن لا يجد إلى مصلاه سبيلا
فيجوز له التخطي إليه، أما إذا لم يكن له موضع يتمكن من الصلاة فيه، وبه قال
الشافعي، وقال الأوزاعي: يتخطاهم إلى السعة مطلقا، وقال قتادة: إلى مصلاه، وقال
الحسن: يتخطا رقاب الذين يجلسون على أبواب المسجد، فإنه لا حرمة له،
أما لو تركوا الأولى خالية جاز له أن يتخطاهم لأنهم رغبوا عن الفضل فلا حرمة
لهم انتهى.
وأقول: الخبر الذي رواه الحميري وإن كان فيه ضعف فهو أقوى سندا مما
استند إليه العلامة ره من الروايات العامية، ويشكل حمله على التقية لعدم
المعارض مع اختلاف الأقوال بينهم، بل خلاف الرواية بينهم أشهر، فلا بأس بالعمل
به، وقال الجزري في الحديث إنه قال لرجل جاء يوم الجمعة فتخطى رقاب الناس
آذيت وآنيت أي آذيت الناس بتخطيك وأخرت المجئ وأبطأت.
15 - العلل: عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن
عمه عبد الله، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

(1) قرب الإسناد: 72 ط حجر ص 94 نجف.
175

إذا قمت إلى الصلاة إنشاء الله تعالى فأتها سعيا، وليكن عليك السكينة والوقار،
فما أدركت فصل، وما سبقت به فأتمه، فان الله عز وجل يقول: (يا أيها الذين
آمنوا أما إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) ومعنى قوله: فاسعوا هو
الانكفات (1).
بيان: (وليكن عليك السكينة) أي ليس المراد بالسعي في الآية العدو، بل
يلزم السكينة وهي اطمينان البدن والوقار، وهو اطمينان القلب أو العكس، فالمراد
بالسعي إما مطلق المشي أو الاهتمام والمبالغة كما مر، قال في القاموس: سعى يسعى
سعيا كرعي قصد وعمل ومشى وعدا ونم وكسب، وقوله: (ومعنى قوله) إما كلام
الصدوق أو سائر الرواة، أو الامام، والأخير أظهر، والانكفات المراد به الانقباض كناية
عن ترك الاسراع، والقصد في المشئ، أو المراد السعي مع الانكفات، أو المراد
الانكفات والانصراف عن سائر الأعمال، فيرجع إلى معنى الاهتمام المتقدم، ويحتمل
أن يراد بالسعي والانكفات الاسراع، وبالسكينة والوقار عدم التجاوز عن الحد فيه
أو كلاهما بمعنى اطمينان القلب بذكر الله، ولا يخلو من بعد.
قال في القاموس: كفته يكفته: صرفه عن وجهه، وانكفت، والشئ إليه ضمه
وقبضه، والطائر وغيره أسرع في الطير، ورجل كفت وكفيت خفيف سريع دقيق و
كافته سابقه، والانكفات الانقباض والانصراف.
16 - كتاب العروس: للشيخ الفقيه جعفر بن أحمد القمي - رحمه الله -
باسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المؤمنين ولا تجب
على أقل منهم: الامام، وقاضيه، والمدعي حقا، والمدعى عليه، والشاهدان، و
الذي يضرب الحدود بين يدي الامام.
بيان: هذا الخبر رواه في التهذيب (2) عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد

(1) علل الشرايع ج 2 ص 46.
(2) التهذيب ج 1 ص 251، وقد مر البحث عنه.
176

ابن الحسين، عن الحكم بن مسكين، عن العلا، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام
ورواه الصدوق في الفقيه (1) باسناده، عن محمد بن مسلم وفيه (ومدعيا حق وشاهدان)
وهو عمدة مستمسك المشترطين للامام أو نائبه بعد الاجماع، لدلالته على أنه إنما تجب
الجمعة مع الامام، فلا تجب مع غيره، والمراد بالامام إمام الكل بقرينة القاضي
وساير من ذكر بعده.
واعترض عليه الشهيد الثاني رفع الله درجته بوجوه: الأول ضعف الخبر، فان
في طريقه الحكم بن مسكين وهو مجهول (2) لم يذكره أحد من علماء الرجال المعتمدين
ولم ينصوا عليه بتوثيق ولا ضده، وما هذا شأنه يرد الحديث لأجله، لان أدنى مراتب
قبوله أن يكون حسنا أو موثقا إن لم يكن صحيحا، وشهرته بين الأصحاب على وجه
العمل بمضمونه بحيث يجبر ضعفه ممنوعة فان مدلوله لا يقول به الأكثر.
أقول: وقد يجاب عنه بأن الخبر موجود في الفقيه عن محمد بن مسلم كما عرفت
وسنده إليه صحيح.
أقول: صحة سنده إليه ممنوع على طريقه المتأخرين إذ في سنده علي بن
أحمد بن عبد الله بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن جده أحمد، وهو أبوه غير
مذكورين في كتب الرجال (3) ولم يوثقهما أحد، وكونه من مشايخ الصدوق غير مفيد
لتوثيق ولا مدح في غير هذا المقام وإن اعتبروه هنا اضطرارا.
ثم قال الشهيد الثاني - ره - وثانيها أن الخبر متروك الظاهر، لان مقتضى
ظاهره أن الجمعة لا تنعقد إلا باجتماع هؤلاء (4) واجتماعهم جميعا ليس بشرط

(1) الفقيه ج 1 ص 267.
(2) بل مهمل، ولذلك عنونه ابن داود في القسم الأول.
(3) راجع في ذلك ج 88 ص 272.
(4) قد عرفت أن ذكر هؤلاء السبعة إنما هو إشارة إلى بسط يد الامام وغلبته على
دولة الاسلام، وهذا معنى واضح على فرض العمل بالحديث، والا لما كان للحديث معنى أبدا،
ومتى كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله قاض يقضى بين المسلمين دونه، ومن الذي كان يضرب الحدود
بين يديه ولم ينزل الحدود الا بعد سنوات من قدومه المدينة، و... و.. بل وكيف
يصلون الجمعة في القرى، ولا أثر فيها من الولاة والقضاة وغير ذلك.
177

إجماعا، وإنما الخلاف في حضور أحدهم وهو الامام، فما يدل عليه الخبر لا يقول به
أحد، وما يستدل به منه لا يدل عليه بخصوصه، فان قيل: حضور غيره خرج بالاجماع
فيكون هو المخصص لمدلول الخبر، فتبقى دلالته على ما لم يجمع عليه باغية، قلنا
يكفي في إطراحه وتهافته مع ضعفه مخالفة أكثر مدلوله لاجماع المسلمين، وما الذي
يضطر إلى العمل ببعضه مع هذه الحالة العجيبة.
وثالثها أن مدلوله من حيث العدد، وهو السبعة متروك أيضا، ومعارض
بالأخبار الصحيحة الدالة على اعتبار الخمسة خاصة، وما ذكر فيه السبعة غير هذا
الخبر لا ينافي إيجابها على من دونهم، بخلاف هذا الخبر، فإنه نفي فيه وجوبها عن
أقل من السبعة.
ورابعها أنه مع تقدير سلامته من هذه القوادح يمكن حمله على حالة إمكان
حضور الامام، وأما مع تعذره فيسقط اعتباره جمعا بين الأدلة، ويؤيده إطلاق
الوجوب فيه الدال بظاهره على الوجوب العيني المشروط عند من اعتبر هذا الحديث
بحالة الحضور، وأما حال الغيبة فلا يطلقون على حكم الصلاة اسم الوجوب، بل
الاستحباب، بناء على ذهابهم حينئذ إلى الوجوب التخييري مع كون الجمعة أحد الفردين
الواجبين تخييرا.
وخامسها حمل العدد المذكور في الخبر على اعتبار حضور قوم من المكلفين
بها بعدد المذكورين، أعني حضور سبعة وإن لم يكونوا عين المذكورين، نظرا إلى
فساد حمله على ظاهره من اعتبار أعيان المذكورين لاجماع المسلمين على عدم اعتباره
وقد نبه على هذا التأويل شيخنا المتقدم السعيد أبو عبد الله المفيد في كتاب الاشراف
فقال: وعددهم في عدد الامام والشاهدين والمشهور عليه والمتولي لإقامة
178

الحد. وسادسها أن الامام المذكور في الخبر، لا يتعين حمله على الامام المطلق أعني
السلطان العادل، بل هو أعم منه، والمتيقن منه كون الجماعة لهم إمام يقتدون به
حتى لا تصح صلاتهم فرادى، ونحن نقول به.
فان قيل: قرينته الاطلاق، وعطف قاضيه عليه بإعادة الضمير إليه، فان الامام
غيره لا قاضي له، قلنا قد اضطررنا عن العدول عن ظاهره، لما ذكرناه من عدم اعتبار
قاضيه وغيره، فالامام غيره، وإن اعتبرنا خصوص الامام، فلا حجة فيه حينئذ و
جاز إضافة القاضي إليه بأدنى ملابسة لان المجمل باب تأويل لا محل تنزيل، وباب
التأويل متسع خصوصا مع دعاء الضرورة إليه على كل حال، ونمنع من كون الامام
محمولا على السلطان خصوصا مع وجود الصارف.
وسابعها أن العمل بظاهر الخبر يقتضي أن لا يقوم نائبه مقامه (1) وهو خلاف
إجماع المسلمين، فهو قرينة أخرى على كون الامام ليس هو المطلق، أو محمول على
العدد المقدم أو غيره.
وثامنها أنه معارض بما رواه محمد بن مسلم راوي هذا الحديث في الصحيح (2)
عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال: نعم
يصلون أربعا أما إذا
لم يكن فيهم من يخطب، ومفهوم الشرط أنه أما إذا
كان فيه من يخطب
يصلون الجمعة ركعتين (ومن) عامة فيمن يمكنه الخطبة، الشامل لمنصوب الامام و

(1) قد عرفت أنه لا يعقل النيابة عن الامام وانه ينصب الامام واليا على المسلمين
فيكون ولى أمرهم ويصلى بهم صلاة الجمعة أو ينصب أحدا ليقيم لهم صلواتهم بالجمعة و
الجماعات كأنه ولاه على تلك المصلحة من مصالح المسلمين، والا فلا معنى لان ينوب عن
الامام في صلاته.
(2) التهذيب ج 1 ص 321.
179

غيره، ومفهوم الشرط حجة عند المحققين (1) وإذا تعارضت رواية الرجل الواحد
سقط الاستدلال بها فكيف مع حصول الترجيح لهذا الجانب بصحة طريقه، وموافقته
لغيره من الأخبار الصحيحة، وغير ذلك مما علم، انتهى كلامه رفع الله في الجنان
مقامه.
وأقول: حاصل كلامه قدس سره أن في الخبر جهات كثيرة من الضعف متنا
أيضا كما أنه ضعيف سندا لان متنه مشتمل إما على ما لم يعمل بظاهره أحد كاشتراط
الامام فإنه قد انعقد إجماع المسلمين على عدم اشتراطه بخصوصه، بل يقوم نائبه الخاص
مقامه، وإن قيد بحضوره عليه السلام سقط الاستدلال رأسا وكذا انعقد إجماعهم على عدم
اعتبار أحد من الستة الباقية بخصوصهم، وإما على ما لم يعمل به الأكثر من اشتراط
السبعة في الوجوب، فان أكثرهم يكتفون بالخمسة كما عرفت، فلا يمكنهم الاستدلال
به، مع أن معارضته لكثير من الاخبار مما يضعفه.
ولو حملنا الخبر على أن المراد به بيان الحكمة (2) لاشتراط هذا العدد،

(1) لكنه قد ذهب عليه قدس سره أن ما تضمنه الصحيحة هو شرط الانعقاد فان الخطبة
من أركان صلاة الجمعة أو هي كالركن لها بحيث أما إذا
لم يكن فيهم من يخطب لم يتحقق صلاة
الجمعة وصلوا أربعا، وهذا غير شرط الوجوب الذي تضمنته الرواية المتقدمة على ما
عرفت معناه.
بل وهكذا اشتراط العدد، سواء قلنا بالخمسة أو السبعة، فان العدد شرط الانعقاد
ناظرا إلى القرى التي ليس فيها عدد كثير، وأما في الأمصار فشرط الوجوب، وهو بسط
يد الامام أو الوالي المنصوب من قبله يغنى عن اشتراط العدد، فان بسط اليد لا يكون الا بجمع
كثير ذوي عدة وعدد، وهو واضح.
(2) لكنه في غاية البعد، على ما ستعرف من كلامه قدس سره، إنما أحوجهم إلى
هذا الحمل البعيد، لعدم التفطن لما ذكرناه، وهو أن يكون إشارة بأن صلاة الجمعة من
شؤون الحاكم الشرعي حقا.
180

لسقط عنه عمدة الفساد، وعليه قرينة واضحة، وهو قوله (ولا تجب على أقل منهم)
ولو كان المراد خصوص الأشخاص لقال (ولا يجب على غيرهم)، فأشعر بذلك إلى
أن المراد هذا العدد، وذكر الأشخاص لبيان النكتة والعلة في اعتبار العدد، وقد عرفت
سابقا أنه لا يعتبر في تلك العلل اطراد.
وعلى هذا الوجه ينتظم الكلام، ويتضح المرام، ويرتفع التنافي بينه وبين
سائر الأخبار، ولا ريب في أن ارتكاب مثل هذا التكلف القليل في الكلام بحيث
يكون أجزاء الكلام محمولا على حقيقته، أولى من حمله على معنى لا يبقي شئ
على حقيقته.
وذلك مثل أن يقول رجل أحضر عندي زيدا وعمرا وبكرا وخالدا وسعيدا
ورشيدا ثم يقول كان غرضي من زيد إما زيد أو نائبه، ومن ساير الأشخاص كل من كان من
أهل أصفهان فإنه في غاية البعد والركاكة، بخلاف ما أما إذا قال: كان ذكر هذه الجماعة
على سبيل المثال، وكان الغرض إحضار هذا العدد، فلا يريب عاقل في أن الأخير أقرب
إلى حقيقة كلامه، لا سيما وإذا ضم إليه قوله (ولا تحضر أقل من سبعة) خصوصا
إذا كان في ذكر خصوص هؤلاء إشارة إلى حكمة لطيفة كما في ما نحن فيه.
وتفصيل الكلام في ذلك أن قوله: (الامام وقاضيه) يحتمل وجوها من الاعراب
الأول أن يكون بدلا من قوله: (سبعة نفر) الثاني أن يكون خبر مبتدء محذوف
أو مبتدء محذوف الخبر، الثالث أن يكون في الكلام تقدير مضاف أو نحوه، الرابع
أن يكون الظرف أعني (منهم) خبره.
أما الأول، فلا يستقيم عليه قوله: (ومدعيا حق وشاهدان) إلا بتكلف
عظيم، والثاني يمكن تقدير المبتدء أعني هو الامام، فيوافق فهم القوم، إن حمل
على الحقيقة، وقد عرفت أنه لا يمكن حمله عليه على طريقتهم أيضا لعدم تعين
الإمام عليه السلام ولا أحد من المذكورين، فلابد من حمله على الفرد والمثال، أو
الأكمل والأفضل، أو بيان الحكمة في خصوص العدد، مع أن معارضته لساير الاخبار
181

من جهة مفهوم اللقب أو الوصف: والأول غير حجة، والثاني على تقدير حجيته
معارض بمنطوق ساير الأخبار، بل بصدر هذا الخبر أيضا إذ ظاهر قوله: (سبعة نفر
من المؤمنين) وقوله: (ولا تجب على أقل منهم) الاكتفاء بالعدد مع خصوصية الايمان
من غير اشتراط خصوصية أخرى.
ويمكن تقدير الخبر أي (منهم) وتكون الفائدة رفع توهم اشتراط كون
السبعة غير الامام ومن يكون معه من خدمه وأتباعه المخصوصين به عليه السلام كما ورد في خبر
آخر (1) في هذا المقام (أحدهم الامام) لرفع توهم أن المقصود تمام العدد بغيره، و
لا يبعد مثل هذا التوهم من السائل والمستمعين، فيكون على هذا الاحتمال على
التعميم أدل وكذا الاحتمال الرابع وهو أظهر من حيث إنه لا يحتاج إلى تقدير مبتدأ
أو خبر، وحذف متعلق الأقل والأكثر شايع ذايع، بل حذفه أكثر من ذكره.
وأما الثالث أي تقدير مضاف كالمثل ونحوه فيدل على ما ذكرنا لكنه مع
الأول مشترك الفساد، فإذا كان في الخبر هذه الاحتمالات، فكيف يستقيم جعله ببعض
محتملاته البعيدة معارضة للاخبار الصريحة الصحيحة، مع أنه يمكن حمله على زمان
الحضور كما يومي إليه الخبر، وذكره الفاضل المتقدم، ولو قدر التعارض بينه و
بين سائر الأخبار لوجب العمل بها دونه لحصتها وكثرتها، وكونها موافقة للكتاب
العزيز كما مر في باب ترجيح الاخبار المتعارضة.
17 - العروس: باسناده، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس تكون جمعة إلا
بخطبة وإذا كان بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء
وهؤلاء.
بيان: روى الشيخ (2) هذا الخبر سند حسن بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن

(1) رجال الكشي: 167 تحقيق المصطفوي، ولفظه قال صلى الله عليه وآله: أما إذا
اجتمع خمسة
أحدهم الامام فلهم أن يجمعوا، ذيل حديث طويل. وسيأتي تحت الرقم 59.
(2) التهذيب ج 1 ص 252.
182

مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال يعني لا تكون جمعة
إلا فيما بينه وبين [ثلاثة أميال، فإذا كان بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال] (1)
فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء، ونقل الفاضلان وغيرهما اتفاق
الأصحاب على اعتبار وحدة الجمعة، بمعنى أنه لا يجوز إقامة جمعتين بينهما أقل
من فرسخ.
وذكر بعض الأصحاب أنه يعتبر الفرسخ من المسجد إن صليت في مسجد، وإلا
فمن نهاية المصلين، ولو كان بعضهم بحيث لا يبلغ البعد بينه وبين الجمعة الأخرى
النصاب دون من صواه، مما تم بهم العدد، فيحتمل بطلان صلاته خاصة، وبطلان
المجموع والأخير أحوط بل أظهر.
ومنه: باسناده عن الأصبغ بن نباته، عن علي عليه السلام قال: أما إذا قال الرجل يوم
الجمعة صه! فلا صلاة له.
ومنه: باسناده عن الصادق عليه السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الكلام يوم الجمعة
والامام يخطب، فمن فعل ذلك فقد لغى، ومن لغى فلا جمعة له.
بيان: (صه) وفي بعض الروايات (مه) وهو اسم فعل بمعنى اسكت، والظاهر
أن المراد قول ذلك في وقت الخطبة، وهو غاية المبالغة في ترك الكلام أي وإن كان
الكلام قليلا ومتعلقا بمصلحة الصلاة، فهو مناف لكمالها (فقد لغى) أي أتى بلغو،
وكلام باطل في غير موقعه، قال في النهاية لغى الانسان يلغو أما إذا تكلم بالمطرح من القول
بما لا يعني، وفيه: من قال لصاحبه والامام يخطب (صه) فقد لغى، والحديث
الاخر من مس الحصى فقد لغى أي تكلم وقيل عدل من الصواب، وقيل خاب،
والأصل الأول انتهى، وفي بعض النسخ بغى بالباء والأول أشهر وأظهر.
18 - أقول: وجدت في أصل قديم من أصول أصحابنا مرفوعا عن أمير المؤمنين
عليه السلام قال: من ترك الجمعة ثلاثا متتابعة لغير علة كتب منافقا.

(1) ما بين العلامتين ساقط عن ط الكمباني.
183

وقال عليه السلام: تؤتى الجمعة ولو حبوا.
19 - مجالس الصدوق: عن الحسين بن إبراهيم بن ناتانه، عن علي بن إبراهيم
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي زياد النهدي، عن ابن بكير قال: قال الصادق عليه السلام
ما من قدم سعت إلى الجمعة إلا حرم الله جسدها على النار (1).
بيان: (جسدها) أي جسد القدم من إضافة اكل إلى الجزء، وفي بعض
النسخ جسده، فالضمير راجع إلى صاحب القدم بقرينة المقام.
20 - المجالس: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن يحيى، عن
أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن مفضل بن عمر، عن جابر
ابن يزيد، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: أما إذا كان حين يبعث الله تبارك وتعالى العبادات
بالأيام، يعرفها الخلائق باسمها وحليتها، يقدمها يوم الجمعة، له نور ساطع تتبعه
ساير الأيام كأنها عروس كريمة ذات وقار تهدى إلى ذي حلم ويسار، ثم يكون
يوم الجمعة شاهدا وحافظا لمن سارع إلى الجمعة، ثم يدخل المؤمنون الجنة على قدر
سبقهم إلى الجمعة (2).
كتاب العروس: باسناده عن جابر مثله إلا أن فيه بأسمائها وفيه (إلى ذي
حلم وشأن ثم يكون يوم الجمعة شاهدا لمن حافظ وسارع).
بيان: قدم القوم كنصر وعلى التفعيل أي تقدمهم، (إلى الجمعة) أي إلى
صلاة الجمعة.
21 - المجالس: عن الحسين بن إبراهيم بن ناتانه، عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: صلاة الجمعة
فريضة، والاجتماع إليها فريضة مع الامام، فان ترك رجل من غير علة ثلاث جمع
فقد ترك ثلاث فرائض، ولا يدع ثلاث فرائض من غير علة إلا منافق.

(1) أمالي الصدوق ص 221.
(2) أمالي الصدوق ص 238.
184

وقال عليه السلام: من ترك الجماعة رغبة عنها وعن جماعة المسلمين من غير علة
فلا صلاة له (1).
ثواب الأعمال: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب
ابن يزيد، عن حماد، عن حريز وفضيل، عن زرارة مثله (2).
المحاسن: عن أبي محمد، عن حماد مثله إلى قوله إلا منافق (3).
بيان: هذا الحديث الصحيح صريح في وجوب الجمعة، وباطلاقه بل عمومه
شامل لزمان الغيبة، ومعلوم أن الظاهر من الامام في مثل هذا المقام إمام الجماعة، و
قد عرفت أنه لا معنى لاخذ الامام أو نائبه في حقيقة الجمعة، والعهد إنما يعقل الحمل
عليه أما إذا
ثبت عهد، ودلت عليه قرينة، وههنا مفقود، وحمل مثل هذا التهديد العظيم
على الكراهة أو ترك المستحب في غاية البعد، ولا يحمل عليه إلا مع معارض قوي
وههنا غير معلوم كما ستعرف.
22 - تفسير القمي: (4) عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن الحسين
ابن سعيد، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير أنه عليه السلام سئل عن الجمعة كيف
يخطب الامام؟ قال: يخطب قائما، فان الله يقول (وتركوك قائما) (5).
بيان: ظاهره وجوب كون الخطيب قائما، ونقل عليه في التذكرة الاجماع مع
القدرة، فأما مع عجزه فالمشهور جواز الجلوس، وقيل: يجب حينئذ الاستنابة، و
المسألة لا تخلو من إشكال، وهل يجب اتحاد الخطيب والامام؟ فيه قولان، والأحوط
الاتحاد.

(1) أمالي الصدوق ص 290.
(2) ثواب الأعمال: 209.
(3) المحاسن: 85.
(4) في ط الكمباني قرب الإسناد وهو سهو.
(5) تفسير القمي: 679.
185

23 - مجالس الصدوق: بالاسناد المتقدم في مناهي النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى
عن الكلام يوم الجمعة والامام يخطب، فمن فعل ذلك فقد لغى، ومن لغى فلا
جمعة له (1).
24 - قرب الإسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر
عن أبيه، أن عليا عليه السلام كان يكره رد السلام والامام يخطب (2).
ومنه: بهذا الاسناد عن علي عليه السلام قال: يكره الكلام يوم الجمعة والامام
يخطب، وفي الفطر والأضحى والاستسقاء (3).
بيان: كراهة رد السلام لعله محمول على التقية، إذ لا يكون حكمها أشد
من الصلاة (4) ويمكن حمله على ما أما إذا رد غيره، قال العلامة في النهاية: ويجوز
رد السلام بل يجب لأنه كذلك في الصلاة، وفي الخطبة أولى، وكذا يجوز تسميت
العاطس وهل يستحب؟ يحتمل ذلك لعموم الامر به، والعدم لان الانصات أهم، فإنه
واجب على الأقوى انهى، والكراهة الواردة في الكلام غير صريح في الكراهة المطلحة
لما عرفت مرارا.
وظاهره شمول الحكم لمن لم يسمع الخطبة أيضا، قال العلامة في النهاية: و
هل يجب الانصات على من لم يسمع الخطبة؟ الأولى المنع، لان غايته الاستماع
فله أن يشتغل بذكر وتلاوة، ويحتمل الوجوب لئلا يرتفع اللغط، ولا يتداعى إلى منع
السامعين عن السماع.
25 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن بن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام
قال: سألته عن الامام أما إذا خرج يوم الجمعة، هل يقطع خروجه الصلاة أو يصلي الناس

(1) أمالي الصدوق: 255.
(2) قرب الإسناد: 91.
(3) قرب الإسناد: 92.
(4) راجع في ذلك ج 84 ص 269.
186

وهو يخطب؟ قال: لا تصلح الصلاة والامام يخطب، إلا أن يكون قد صلى ركعة
فيضيف إليها أخرى، ولا يصلي حتى يفرغ الامام من خطبته (1).
وسألته عن القراءة في الجمعة بما يقرء؟ قال عليه السلام: بسورة الجمعة، وإذا جاءك
المنافقون، وإن أخذت في غيرها، وإن كان قل هو الله أحد فاقطعها من أولها، و
ارجع إليها (2).
وسألته عن القعود في العيدين والجمعة والامام يخطب كيف أصنع؟ أستقبل الامام
أو أستقبل القبلة؟ قال استقبل الامام (3).
قال: وقال أخي: يا علي بما تصلي في ليلة الجمعة؟ قلت: بسورة الجمعة وإذا
جاءك المنافقون، فقال: رأيت أي يصلي في ليلة الجمعة بسورة الجمعة وقل هو الله
أحدو في الفجر بسورة الجمعة وسبح اسم ربك الاعلى وفي الجمعة بسورة الجمعة وإذا
جاءك المنافقون (4).
بيان: يدل على كراهة الصلاة في حال الخطبة، قال العلامة في النهاية: يستحب
لمن ليس في الصلاة أن لا يفتتحها، سواء صلى أولا، ومن كان في الصلاة خففها لئلا

(1) قرب الإسناد: 128.
(2) قرب الإسناد: 128.
(3) قرب الإسناد: 129، ووجه الحديث ما مر من قوله عز وجل (فاسعوا إلى
ذكر الله وذروا البيع) حيث أن السعي إنما يكون إلى استماع الخطبة، وفيها ذكر الله
عز وجل بمحامده ونعمه على المسلمين، حيث أظهرهم على الدين، فعلى هذا يجب استماع
الخطبة كما اتخذه رسول الله سنة فلا يصح الا بالاستقبال الامام الخطيب: ليعى ما يذكره،
ولا يصلح حين الخطبة الا الانصات لها ولو كان بعيدا لا يسمع، كما في مورد جهر الامام وهو
لا يسمع، ولا يصح صلاته حينذاك، حتى أنه لو شرع فيها، ولو يركع بعد، سلم على النبي
صلى الله عليه وآله وجلس للاستماع بانصات وإذا كان ركع خفف صلاته وسلم، ولو خالف
ذلك عصى.
(4) قرب الإسناد: 129.
187

يفوته سماع أول الخطبة، ولقول أحدهما عليه السلام أما إذا صعد الامام المنبر يخطب فلا
يصلي الناس ما دام الامام على المنبر، والكراهية تتعلق بالشروع في الخطبة لا بالجلوس
على المنبر، ولو دخل والامام في آخر الخطبة وخاف فوت تكبيرة الاحرام، لم يصل
التحية، لان إدراك الفريضة من أولها أولى، وأما الداخل في أثناء الخطبة فالأقرب
أنه كذلك للعموم انتهى.
ويدل على لزوم قراءة الجمعة والمنافقين في الجمعة، والمشهور تأكد
الاستحباب، وذهب المرتضى إلى الوجوب، والأول أقوى، والثاني أحوط، ويدل
على رجحان العدول من التوحيد إليهما في الجمعة، وهذا هو المشهور بين الأصحاب
ولكن خص بعضهم الحكم بعدم تجاوز النصف، وأطلق بعضهم كما هو ظاهر الخبر،
وألحق الأكثر بالتوحيد الجحد، لكن لم يرد فيما رأينا من النصوص مع أنه ورد
إطلاق المنع عن العدول عنهما، وقد مر بعض القول في ذلك في باب القراءة.
ويدل على استحباب استقبال الناس الخطيب بأن ينحرفوا عن القبلة ويتوجهوا
إليه، ويحتمل أن يكون الحكم مخصوصا بمن يكون خلف الامام كالصوف المتقدمة
على المنبر، أو من يأتي لاستماع الخطبة من بعيد فيقف أو يجلس خلف المنبر، وأما
الصوف التي المنبر بحذائهم، فلا يلزم انحرافهم، ويكفيهم التوجه إلى الجانب
الذي الامام فيه.
وكلام العلامة يدل على الأول، حيث قال في المنتهى: يستحب أن يستقبل
الناس الخطيب، فيكون أبلغ في السماع، وهو قول عامة أهل العلم، إلا الحسن البصري
فإنه استقبل القبلة ولم ينحرف إلى الامام، وعن سعيد بن المسيب أنه كان لا يستقبل
هشام بن إسماعيل أما إذا خطب، فوكل به هشام شرطيا ليعطفه إليه، لنا ما رواه الجمهور
عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده قال: كان النبي صلى الله عليه وآله أما إذا
قام على المنبر استقبله
أصحابه بوجوههم.
ثم قال: إنما يستحب هذا للقريب بحيث يحصل له السماع أو شدته،
188

وأما البعيد الذي لا تبلغه الأصوات، فالأقرب عندي أنه ينبغي له استقبال
القبلة انتهى.
وأقول: يمكن حمل حديث بل كلام العلامة أيضا عل الالتفات بالوجه
فقط، وإن كان بعيدا، لا سيما عن كلامه قدس سره، ولعل في قوله: (بوجوههم)
إيماء إليه، وقد مرت الرواية نقلا عن المقنع بالنهي عن الالتفات، إلا كما يجوز
في الصلاة، وظاهره الالتفات عن القبلة.
26 - قرب الإسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي
نصر البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: يقرء في ليلة الجمعة الجمعة، وسبح اسم ربك
الاعلى، وفي الغداة الجمعة وقل هو الله أحد، وفي الجمعة الجمعة والمنافقين، والقنوت
في الركعة الأولى قبل الركوع (1).
27 - تفسير علي بن إبراهيم: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل
مسجد) (2) قال: في العيدين والجمعة، يغتسل ويلبس ثيابا بيضا (3).
28 - مجالس الصدوق: عن أحمد بن هاروى الفامي، عن محمد بن جعفر
ابن بطة، عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمد، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: الناس في الجمعة على ثلاثة منازل: رجل شهدها بانصات و
سكون قبل الامام، وذلك كفارة لذنوبه من الجمعة إلى الجمعة الثانية وزيادة
ثلاثة أيام لقول الله عز وجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) (4) ورجل
شهدها بلغط وملق وقلق، فذلك حظه، ورجل شهدها والامام يخطب فقام
يصلي فقد أخطأ السنة، وذلك ممن أما إذا سأل الله عز وجل إن شاء أعطاه وإن شاء

(1) قرب الإسناد ص 158 ط حجر 211 ط نجف.
(2) الأعراف: 31.
(3) تفسير القمي: 214.
(4) الانعام: 160.
189

حرمه (1).
مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن الحسين بن عبيد الله الغضائري، عن
الصادق عليه السلام مثله (2).
قرب الإسناد: عن أحمد بن إسحاق مثله (3).
بيان: في القاموس اللغطة ويحرك الصوت والجبلة، أو أصوات مبهمة لا تفهم
وقال ملقه بالعصا ضربه، وفلان سار شديدا، والملق محركة ألطف الحضر وأسرعه،
وقال: القلق محركة الانزعاج انتهى، وليس الملق في بعض النسخ.
29 - مجالس الصدوق: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن حماد، عن
حريز، عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: القنوت في الوتر كقنوتك يوم الجمعة
تقول في دعاء القنوت: اللهم تم نورك فهديت فلك الحمد ربنا، وبسطت يدك فأعطيت
فلك الحمد ربنا، وعظم حلمك فعفوت فلك الحمد ربنا، وجهك أكرم الوجوه،
وجهتك خير الجهات، وعطيتك أفضل العطيات، وأهنأها، تطاع ربنا فنشكر، و
تعصي ربنا فتغفر لمن شئت، تجيب المضطر وتكشف الضر وتشفي السقيم وتنجي
من الكرب العظيم، لا يجزي بآلائك أحد، ولا يحصي نعماءك قول قائل.
اللهم إليك رفعت الابصار، ونقلت الاقدام، ومدت الأعناق، ورفعت الأيدي
ودعيت بالألسن، وتحوكم إليك في الاعمال، ربنا اغفر لنا وارحمنا وافتح بيننا وبين
خلقك بالحق وأنت خير الفاتحين.
اللهم إنا نشكو غيبة نبينا، وشدة الزمان علينا، وقوع الفتن، وتظاهر
الأعداء، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، فافرج ذلك يا رب بفتح منك تعجله، و
نصر منك تعزه، وإمام عدل تظهره، إله الحق رب العالمين (4).

(1) أمالي الصدوق: 223.
(2) أمالي الطوسي ج 2 ص 45 - 44.
(3) قرب الإسناد ص 97 ط حجر.
(4) أمالي الصدوق: 235.
190

مجالس ابن الشيخ: عن الحسين بن عبيد الله الغضائري، عن الصدوق
مثله (1).
30 - المتهجد وجمال الأسبوع: روى حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: في قنوتك يوم الجمعة تقول قبل دعائك: اللهم تم نورك إلى قوله أكرم الوجوه، وجاهك
أكرم الجاه، وجهتك) إلى قوله: (فتغفر لمن شئت فلك الحمد تجيب) إلى قوله (و
تكشف الضر وتنجي من الكرب العظيم وتقبل التوبة وتشفي السقيم) وفي بعض
النسخ (السقم وتعفو عن الذنب لا يجزي أحد بآلائك ولا يبلغ نعماءك) إلى قوله:
(بالألسن وتقرب إليك بالاعمال) إلى قوله: (بيننا وبين قومنا بالحق) إلى قوله
(إله الحق آمين) (2).
بيان: في القاموس الجهة مثلثة، والوجه بالضم والكسر الجانب والناحية،
يقال: فرج الله الهم يفرجه كشفه كفرجه، وقد مر في قنوت الوتر (3) ولا يخفى
على المنصف دلالة هذا الدعاء المنقول بأسانيد صحيحة على رجحان صلاة الجمعة،
بل وجوبها في زمان الغيبة، لاشتماله على أحوال الغيبة، وإذا جازت في الغيبة فهي
واجبة عينا لعدم استناد التخيير إلى حجة كما ستعرف.
31 (الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني،
عن القاسم بن يحيى، عن جده، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يكون السهو في الجمعة (4).
وقال عليه السلام: القنوت في صلاة الجمعة قبل الركوع ويقرء في الأولى الحمد و

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 47 - 48.
(2) مصباح المتهجد: 256.
(3) راجع ج 87 ص 199.
(4) الخصال ج 2 ص 164 في كلام له.
191

الجمعة، وفي الثانية الحمد والمنافقين (1).
32 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد
عن حريز عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل يقول: اقرأ سورة الجمعة والمنافقين، فان قراءتهما سنة يوم الجمعة في الغداة والظهر والعصر، ولا ينبغي لك أن
تقرأ بغيرهما في صلاة الظهر، يعني يوم الجمعة إماما كنت أو غير إمام (2).
33 - ثواب الأعمال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي
عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أتى
الجمعة إيمانا واحتسابا استأنف العمل (3).
ومنه: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى
اليقطيني، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم
قالا: سمعنا أبا جعفر عليه السلام يقول: من ترك الجمعة ثلاثا متواليات بغير علة طبع الله
على قلبه (4).
المحاسن: عن أبيه، عن النضر مثله (5).
بيان: هذا الخبر مع صحته يدل على عموم وجوب الجمعة في جميع الأزمان
لعموم كلمة (من) وفيه من المبالغة والتأكيد ما لا يخفى، أما إذا
الطبع والختم مما شاع
استعماله في الكتاب والسنة في الكفار والمنافقين الذين لامتناعهم من قبول الحق
وتعصبهم في الباطل كأنه ختم على قلوبهم، فلا يمكن دخول الحق فيه، أو هو بمعنى
الريق الذي يعلو المرآة والسيف أي لا ينطبع في قلوبهم صورة الحق كما قال تعالى:

(1) الخصال ج 2 ص 165.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 44.
(3) ثواب الأعمال: 34، وفيه: الجماعة بدل الجمعة.
(4) ثواب الأعمال: 209.
(5) المحاسن: 85.
192

(بل طبع الله عليها بكفرهم) (1) وقال سبحانه: (بل ران على قلوبهم ما كانوا
يكسبون) (2) والتخصيص بالثلاثة لترتب ما يشبه الكفر لا ينافي كون الترك مرة
واحدة معصية، وظاهر أن المواظبة على المكروهات لا يصير سببا لمثل هذا التهديد
البليغ.
34 - فقه الرضا: قال عليه السلام: اعلم أن ثلاث صلوات أما إذا
حل وقتهن ينبغي
لك أن تبتدئ بهن، ولا تصل بين أيديهن نافلة: صلاة استقبال النهار، وهي الفجر،
وصلاة استقبال الليل، وهي المغرب، وصلاة يوم الجمعة، واقنت في أربع صلوات:
الفجر والمغرب والعتمة وصلاة الجمعة، والقنوت كلها قبل الركوع بعد الفراغ
من القراءة (3).
ووقت الجمعة زوال الشمس ووقت الظهر في السفر زوال الشمس، ووقت العصر
يوم الجمعة في الحضر نحو وقت الظهر في غير يوم الجمعة (4).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا كلام والامام يخطب يوم الجمعة ولا التفات، و
إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين فهي صلاة
حتى ينزل الامام (5).
والذي جاءت به الاخبار أن القنوت في صلاة الجمعة في الركعة الأولى بعد
القراءة فصحيح، وهو للامام الذي يصلي ركعتين بعد الخطبة التي تنوب عن الركعتين،
ففي تلك الصلاة يكون القنوت في الركعة الأولى بعد القراءة وقبل الركوع (6).
واقرن بها صلاة العصر فليس بينهما نافلة في يوم الجمعة، ولا تصل يوم الجمعة

(1) النساء: 155.
(2) المطففين: 14.
(3) فقه الرضا: 8 ذيل الصفحة.
(4) فقه الرضا ص 11 صدر الصحيفة.
(5) فقه الرضا ص 11 صدر الصحيفة.
(6) فقه الرضا ص 11 ذيل الصفحة.
193

بعد الزوال غير الفرضين والنوافل قبلهما أو بعدهما (1).
35 - المحاسن: عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن محمد بن سنان، عن العلا
ابن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس في السفر جمعة ولا أضحى ولا فطر.
وقال: ورواه أبي، عن خلف بن حماد، عن ربعي، عن أبي عبد الله عليه السلام
مثله (2).
36 - السرائر: قال: قال البزنطي في كتابه: من أراد أن يصلي الجمعة فإذا
زالت الشمس قام المؤذن فأذن وخطب الامام، ويكثر من قوله في الخطبة وأورد دعاء
تركت ذكره (3).
37 - العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى) (4) وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وهي وسط صلوتين
بالنهار: صلاة الغداة وصلاة العصر (وقوموا لله قانتين)) في الصلاة الوسطى.
وقال: نزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله في سفر، فقنت فيها و
تركها على حالها في السفر والحضر، وأضاف للمقيم ركعتين، وإنما وضعت الركعتان
اللتان أضافهما يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الامام، فمن صلى الجمعة في غير
الجماعة فليصلها أربعا كصلاة الظهر في ساير الأيام.
قال: قوله: (وقوموا لله قانتين) قال: مطيعين راغبين (5).
بيان: يدل هذا الخبر على أن الأصل في الصلوات كلها كان ركعتين، فأضاف
رسول الله صلى الله عليه وآله للمقيم في غير الجمعة ركعتين وفي يوم الجمعة خطبتين، ومع الانفراد

(1) فقه الرضا ص 11 ذيل الصفحة.
(2) المحاسن: 372
(3) السرائر: 469.
(4) البقرة: 238.
(5) تفسير العياشي ج 1 ص 127.
194

يصلي أربع ركعات، وفيه إشعار بأن مع تحقق شرايط الجمعة تجب الجمعة، ولفظ
الامام الواقع في مقابلة غير الجماعة مفاده معلوم، ويدل على أن الصلاة الوسطى
المخصوصة من بين ساير الصلوات بمزيد التأكيد هي صلاة الجمعة.
38 - العياشي: عن زرارة ومحمد بن مسلم أنهما سألا أبا جعفر عليه السلام عن قول
الله: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) قال: صلاة الظهر، وفيها فرض الله
الجمعة، وفيها الساعة التي لا يوافقها عبد مسلم فيسأل خيرا إلا أعطاه الله إياه (1).
بيان: (وفيها فرض الله) أي في الصلاة الوسطى فيدل على أن الصلاة الوسطى
المراد بها صلاة الجمعة في يوم الجمعة والظهر في سائر الأيام، أو المعنى في هذه الكلمة
وهي الصلاة الوسطى فرض الله الجمعة، فيوافق الخبر السابق، (وفيها) أي في الجمعة
بمعنى اليوم، ففيه استخدام أو يقدر الصلاة في الأول.
39 - مناقب ابن شهرآشوب: مجاهد وأبي يوسف يعقوب بن أبي سفيان قال
ابن عباس في قوله تعالى (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) إن
دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة، فنزل عند أحجار الزيت ثم ضرب
بالطبول ليؤذن الناس بقدومه فتفرق الناس إليه إلا علي والحسن والحسين وفاطمة
وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب، وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما يخطب على المنبر
فقال النبي صلى الله عليه وآله: لقد نظر الله يوم الجمعة إلى مسجدي فلو لا الفئة الذين جلسوا في
مسجدي لأضرمت المدينة على أهلها، وحصبوا بالحجارة، كقوم لوط، ونزل فيهم
(رجال لا تلهيهم تجارة) (2) الآية.
40 - العياشي: عن المحاملي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: (خذوا
زينتكم عند كل مسجد) قال الأردية في العيدين والجمعة (3).

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 127.
(2) النور: 37.
(3) تفسير العياشي ج 2 ص 13، والآية في الأعراف: 31.
195

41 - كتاب اليقين: للسيد ابن طاوس، عن محمد بن العباس، عن محمد بن
همام بن سهيل، عن محمد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النجار، عن موسى
ابن جعفر، عن آبائه عليهم السلام في حديث المعراج قال أوحى الله تعالى إليه: هل تدري ما
الدرجات؟ قلت: أنت أعلم يا سيدي، قال: إسباغ الوضوء في المكروهات، والمشي على
الاقدام إلى الجمعات، معك ومع الأئمة من ولدك، وانتظار الصلاة بعد الصلاة
الخبر (1).
ورواه الشيخ حسن بن سليمان في كتاب المحتضر نقلا من تفسير محمد بن العباس مثله (2).
بيان: لا يخفى أن هذا الخبر مع جهالته إنما يدل على أن الجمعة مع النبي
والأئمة من ولده عليهم السلام أتم وأكمل وأدخل في رفع الدرجات، لا الاشتراط بقرينة ضمه
مع المستحبات سابقا ولاحقا.
42 - مجمع البيان: عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى (خذوا زينتكم
عند كل مسجد) قال: أي خذوا ثيابكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات
والأعياد (3).
43 - كتاب سليم بن قيس: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الواجب في حكم الله
وحكم الاسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل، ضالا كان أو مهديا أن لا
يعملوا عملا ولا يقدموا يدا ولا رجلا قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما
ورعا عارفا بالقضاء والسنة، يجبي فيئهم ويقيم حجهم وجمعتهم، ويجبي صدقاتهم
الخبر (4).

(1) اليقين في امرة أمير المؤمنين: 90 في حديث.
(2) راجع ص 148 - 150.
(3) مجمع البيان ج 4 ص 412.
(4) كتاب سليم: 161 - 162.
196

بيان: كون إقامة الجمعة من فوائد قيام الامام بالامر لا يدل على الاشتراط
لان الامام يقيم جميع شرايط الاسلام بين الناس، كما أن إقامة الحج لا يدل على
اشتراطه به.
44 - نوادر الراوندي: (1) باسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل واعظ قبلة.
وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاث لو يعلم أمتي ما لهم فيها لضربوا
عليها بالسهام: الاذان والغدو إلى يوم الجمعة والصف الأول.
وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربعة يستأنفون العمل: المريض إذا
برئ، والمشرك أما إذا
أسلم، والحاج أما إذا
فرغ، والمنصرف من الجمعة.
[وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من استأجر أجيرا فلا يحبسه عن
الجمعة] (2) فيشتركان في الاجر.
وبهذا الاسناد قال: قال علي عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الاتيان إلى الجمعة
زيارة وجمال، قيل: يا أمير المؤمنين وما الجمال؟ قال: ضوء الفريضة.
وبهذا الاسناد قال: قال علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف بكم أما إذا
تهيأ
أحدكم للجمعة كما يتهيؤ اليهود عشية الجمعة لسبتهم.
وبهذا الاسناد قال: سئل علي عليه السلام عن رجل يكون في زحام في صلاة الجمعة
أحدث ولا يقدر على الخروج، فقال: يتمم ويصلي معهم ويعيد.
وبهذا الاسناد قال: نهى علي عليه السلام أن يشرب الدواء يوم الخميس مخافة أن
يضعف عن الجمعة.
وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: التهجير إلى الجمعة حج فقراء
أمتي.

(1) نوادر الراوندي: 24 و 46 و 50 و 51.
(2) ما بين العلامتين ساقط عن ط الكمباني، أضفناه من المصدر، والظاهر أن لفظ
الحديث هكذا، (من استأجر أجيرا فلا يحبسه عن الجمعة فيأثم، والا فيشتركان جميعا
في الاجر) راجع مستدرك الوسائل ج 1 ص 407.
197

بيان: ((كل واعظ قبلة) أي للموعوظ، ورواه في الفقيه (1) عن النبي صلى الله عليه وآله
مرسلا، وأضاف إليه وكل موعوظ قبلة للواعظ، ثم قال: يعني في الجمعة والعيدين
وصلاة الاستسقاء، والمراد استقبال كل منهما الاخر باستدبار الامام القبلة، و
استقبال المأموم القبلة، أو الانحراف إليه كما مر (لضربوا عليها بالسهام) أي
لنازعوا فيها حتى احتاجوا إلى القرعة بالسهام ويدل على فضل المباكرة.
(يستأنفون العمل) أي يبتدؤونه كناية عن مغفرة ما مضى من ذنوبهم، فيشتركان
أي إن لم يحبسه (وزيارة) أي لقاء الاخوان (ضوء الفريضة) أي نورها، أي يظهر
في الوجه كما قال تعالى: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) (2).
وأما الإعادة لمن صلى بتيمم أما إذا
منعه الزحام، فقد مر أنه مختار الشيخ و
ابن الجنيد، والمشهور عدم الإعادة، ويمكن حمله على الاستحباب أو الصلاة مع
المخالف، ولعل في قوله (معهم) إيماء إليه وحمل النهي عن شرب الدواء في الخميس
على الكراهة.
(والتهجير إلى الجمعة) المبادرة إليها بادراك أول الخطبة، أو المباكرة
إلى المسجد، قال في النهاية فيه لو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه، التهجير
التبكير إلى كل شئ والمبادرة إليه، أراد المبادرة إلى أول الصلاة، ومنه حديث
الجمعة فالمهجر إليها كالمهدي بدنة أي المبكر إليها انتهى وقيل أراد السير في
الهاجرة وشدة الحر عقيب الزوال أو قريبا منه.
45 - مجالس ابن الشيخ: الحسين بن عبيد الله عن التعلكبري، عن الحكيمي
عن سفيان بن زياد، عن عباد بن صهيب، عن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن أبي رافع

(1) الفقيه ج 1 ص 275.
(2) الفتح: 29.
198

مولى رسول الله صلى الله عليه وآله أن مروان بن الحكم استخلف أبا هريرة وخرج إلى مكة، و
صلى بنا أبو هريرة الجمعة فقرء بعد سورة الجمعة في الركعة الثانية أما إذا
جاءك المنافقون
قال عبد الله بن أبي رافع، فأدركت أبا هريرة حين انصرفت، فقلت له: سمعتك تقرأ
سورتين كان علي عليه السلام يقرؤهما بالكوفة فقال أبو هريرة: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقرء بهما (1).
دعوات الراوندي: قال النبي صلى الله عليه وآله: الجمعة حج المساكين.
46 - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تسافر في يوم جمعة حتى تشهد
الصلاة إلا فاصلا في سبيل الله أو في أمر تعذر به (2).
بيان: فاصلا أي شاخصا، قال تعالى: (فلما فصلت العير) (3) واعلم أنه
نقل العلامة وغيره الاجماع على تحريم السفر بعد الزوال لمن وجبت عليه الصلاة (4)
وكذا على كراهته بعد الفجر، واعترض على الأول بأن علة تحريم السفر استلزامه
لفوات الجمعة، ومع التحريم يجوز إيقاعها (5) فتنتفي العلة فكذا المعلول وهو
التحريم، وهذا دور فقهي وهو ما يستلزم وجوده عدمه، وأجيب بأن علة حرمة السفر
استلزام جوازه لجواز تفويت الواجب، والاستلزام المذكور ثابت ساء كان السفر

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 261.
(2) نهج البلاغة تحت الرقم 69 من قسم الرسائل.
(3) يوسف: 94.
(4) وذلك لان إجابة النداء واجبة، ومن لم يجب النداء فقد عصى، سواء اشتغل
بالسفر أو اختفى في بيته ونام.
(5) جواز ايقاع صلاة الجمعة للمسافر، إنما يستلزم جواز السفر أما إذا
كان متمكنا
في سفره ذلك من إقامة الجمعة كما أما إذا سافر من قريته - وقد سمع النداء بها - وأدرك
الصلاة في البلد أو قرية أخرى مثلها يقام فيها الجمعة، وأما أما إذا سمع النداء ثم خرج عن
البلد وليس يدرك في سفره ذلك صلاة جمعة أخرى فالعصيان مقطوع به كما عرفت.
199

حراما أو مباحا فتأمل.
47 - كتاب الغارات: لإبراهيم بن محمد الثقفي، عن عبد الله بن أبي شيبة عن
أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن المنهال بن عمر، عن عباد بن عبد الله قال:
كان علي عليه السلام يخطب على منبر من آجر.
48 - تفسير علي بن إبراهيم: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي بالناس
يوم الجمعة، ودخلت ميرة وبين يديها قوم يضربون بالدفوف والملاهي فترك الناس
الصلاة ومروا ينظرون إليهم، فأنزل الله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها
وتركوك قائما).
أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب، عن
ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزلت (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها
وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة (يعني للذين اتقوا) والله
خير الرازقين) (1).
49 - كنز الكراجكي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من الناس من لا يأتي الجمعة
إلا نزرا ولا يذكر الله إلا هجرا.
بيان: النزر القليل وفي النهاية فيه من الناس من لا يذكر الله إلا مهاجرا
يريد هجران القلب وترك الاخلاص في الذكر، فكان قلبه مهاجر للسانه غير مواصل
له، ومنه ولا يسمعون القرآن إلا هجرا، يريد الترك له والاعراض عنه، يقال
هجرت الشئ هجرا أما إذا تركته.
50 - عدة الداعي: قال الباقر عليه السلام: أول وقت يوم الجمعة ساعة تزول
الشمس إلى أن تمضي ساعة تحافظ عليها، فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا يسأل الله تعالى
فيها خيرا إلا أعطاه الله تعالى (2).

(1) تفسير القمي: 679.
(2) عدة الداعي: 28.
200

51 - جنة الأمان: عن الرضا عليه السلام قال: ما يأمن من سافر يوم الجمعة قبل
الصلاة أن لا يحفظه الله تعالى في سفره، ولا يخلفه في أهله، ولا يرزقه من فضله (1).
52 - العيون والعلل: عن عبد الواحد بن عبدوس، عن علي بن محمد بن
قتيبة، عن الفضل بن شاذان في العلل التي رواها عن الرضا عليه السلام قال: فان قال: فلم
صارت صلاة الجمعة أما إذا كانت مع الامام ركعتين، وإذا كانت بغير إمام ركعتين وركعتين؟
قيل: لعلل شتى:
منها أن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد، فأحب الله عز وجل أن يخفف
عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه.
ومنها أن الامام يحبسهم للخطبة، وهم منتظرون للصلاة، ومن انتظر الصلاة
فهو في صلاة في حكم التمام.
ومنها أن الصلاة مع الامام أتم وأكمل لعلمه وفقهه وعدله وفضله.
ومنها أن الجمعة عيد وصلاة العيد ركعتان،، ولم يقصر لمكان الخطبتين.
فان قال: فلم جعلت الخطبة؟ قيل: لان الجمعة مشهد عام فأراد أن يكون
الامام سببا لموعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم عن المعصية، وتوقيفهم على ما
أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفات، ومن الأهوال
التي لهم فيها المضرة والمنفعة.
فان قال: فلم جعلت خطبتين؟ قيل: لان يكون واحدة للثناء والتمجيد والتقديس
لله عز وجل، والأخرى للحوائج والاعذار والانذار والدعاء وما يريد أن يعلمهم
من أمره، ونهيه ما فيه الصلاح والفساد.
فان قال: فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة وجعلت في العيدين بعد
الصلاة؟ قيل: لان الجمعة أمر دائم تكون في الشهر مرارا، وفي السنة كثيرا، فإذا
كثر ذلك على الناس صلوا وتركوه ولم يقيموا عليه، وتفرقوا عنه، فجعلت قبل
الصلاة ليحتبسوا على الصلاة ولا يتفرقوا ولا يذهبوا، وأما العيدين فإنما هو في السنة

(1) مصباح الكفعمي: 184.
201

مرتين، وهو أعظم من الجمعة، والزحام فيه أكثر، والناس فيه أرغب، فان تفرق
بعض الناس بقي عامتهم، وليس هو بكثير فيملوا ويستخفوا به.
قال الصدوق: جاء هذا الخبر هكذا والخطبتان في الجمعة والعيدين بعد الصلاة
لأنهما بمنزلة الركعتين الأخراوين، وأول من قدم الخطبتين عثمان لأنه لما
أحدث ما أحدث، لم يكن الناس يقفون على خطبته، ويقولون: ما نصنع بمواعظه و
قد أحدث ما أحدث، فقدم الخطبتين ليقف الناس انتظارا للصلاة فلا يتفرقوا عنه (1).
فان قال: فلم وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك؟
قيل: لان ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا، أو بريد ذاهبا وجائيا، والبريد
أربعة فراسخ، فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير
ولك أنه يجئ فرسخين ويذهب فرسخين، فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق
المسافر.
فان قال: فلم زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات، قيل: تعظيما لذلك
اليوم، وتفرقة بينه وبين ساير الأيام (2).
أقول: في العلل (فهو في الصلاة) إلى قوله: (فأراد أن يكون للأمير سبب
إلى موعظتهم إلى قوله وفعلهم وتوقيفهم على ما أرادوا بما ورد عليهم من الآفات) و
في بعض النسخ (من الآفات من الأهوال التي لهم فيها المضرة والمنفعة، ولا يكون
الصائر في الصلاة منفصلا وليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة، فان
قال إلى قوله: (واحدة للتمجيد) إلى قوله: (وتكون في الشهور والسنة كثيرا و
إذا كثر ذلك على الناس ملوا) إلى قوله (وليس هو كثيرا) إلى قوله: (لم يكن
الناس ليقفوا).

(1) راجع كلامنا في ذلك ص 144 مما سبق في هذا المجلد.
(2) علل الشرايع ج 1 ص 251 - 253، عيون الأخبار ج 2 ص 111 - 112.
202

* (توضيح مرام ودفع أوهام) *
(ركعتين وركعتين) أي أربع ركعات (وهم ينتظرون للصلاة) يدل على
تقديم الخطبة كما سيصرح به (في حكم التمام) أي هذا في حكم إتمام الصلاة لان
الخطبتين مكان الركعتين، والحاصل أن كونه بمنزلة من هو في الصلاة إنما هو في
إتمام ثواب الصلاة لا في جميع الأحكام.
(ولم تقصر لمكان الخطبتين):
أقول: يخطر بالبال فيه وجوه:
الأول أن يكون المراد بيان أمر آخر، وهو أن الجمعة مع كونها ركعتين لمشابهة
العيد أو غير ذلك فليست من الصلوات المقصورة، لان الركعتين بمنزلة الخطبتين.
الثاني أن يكون المعنى أنها لا توقع في السفر قصرا لان الجمعة لا تكون
جمعة إلا بالخطبة، والخطبة بمنزلة الركعتين، فإذا أتى بها في السفر يكون بمنزلة
الاتمام في السفر وهو غير جائز.
الثالث أن يكون بيانا لعلة قصر العيدين، فيقرأ (لم) بكسر اللام، فيكون
استفهاما أي إنما تقصر صلاة العيد للخطبتين، وفيه بعد.
قوله: (والمنفعة) لعلها معطوفة على الأهوال أو يقدر في الكلام شئ كما
في قولهم (علفته تبنا وماء باردا) ولا يبعد أن يكون الأهوال تصحيف الأحوال.
قوله: (ولا يكون الصائر في الصلاة) هذه الفقرات ليست في العيون كما عرفت
ولعله أسقطه هناك، لعدم اتضاح معناها، ويخطر بالبال في حلها وجوه:
الأول: أن يكون المراد بيان كون حالة الخطبة حالة متوسطة بين الصلاة
وغيرها، فتقدير الكلام لا يكون الصائر في الصلاة أي الكائن فيها منفصلا عنها في
غير يوم الجمعة، وفي يوم الجمعة في حال الخطبة كذلك وليس فاعل غير الصلاة
يؤم الناس في غير يوم الجمعة، وفيه كذلك لان الامام في حالة الخطبة بمنزلة
الامام للناس يستمعون له ويجتمعون إليه، وليست الخطبة بصلاة، وعلى هذا وإن
كان الظاهر غيرها، لكن يمكن إرجاع ضمير المذكر إليه بتأويل الفعل ونحوه.
203

الثاني: أن يكون بيان علة أخرى للخطبة، بأن يكون (وليس بفاعل غيره)
تأكيدا لقوله: (منفصلا) وقوله: (من يؤم) متعلقا بقوله (منفصلا) أي لا
يكون المصلي في يوم الجمعة منفصلا عن المصلي في غيره، بأن تكون صلاته ركعتين
ولا يكون فاعلا غير فعل المصلي في غيره، أولا يكون فاعلا مغايرا له في الصفة، بل
يكونان سواء لكون الخطبتين بمنزلة الركعتين.
الثالث: أن يكون المعنى إنما جعلت الخطبة قبلها، لئلا يكون الصائر
في الصلاة قبل الدخول منفصلا عن الصلاة، بل يكون في حكم من كان في الصلاة
وقوله: (وليس بفاعل غيره) المراد به أن الامام في غير يوم الجمعة أيضا كذلك
وليس بمنفصل عن الصلاة لايقاع النافلة قبلها، ولما لم تكن في يوم الجمعة نافلة
بعد الزوال، جعلت الخطبة مكانها، فقوله (وليس بفاعل) إما حال أي لا يكون
منفصلا والحال أن غيره منفصل، فيكون هو مثلهم (وغيره) فاعل (فاعل) أي ليس
بفاعل غير هذا الفعل أحد ممن يؤم أو استدراك والأول أظهر.
الرابع: أن يكون المعنى ولا يكون الصائر في الصلاة أي إمام هذه الصلاة
منفصلا أي عن العمل بما يعظ الناس به في الخطبة، لقوله سبحانه (أتأمرون الناس
بالبر وتنسون أنفسكم) (1) وغيره، (وليس بفاعل غيره) بالإضافة أي لا يكون
فاعلا غير ما يقول في الخطبة ممن يؤم أي من بينهم، ليكون حالا عن الصاير،
ويمكن أن يقرء حينئذ (فاعل) بالتنوين (وغيره) بالرفع ليكون فاعله، أي ليس
يصدر الخطبة من أئمة الصلوات غير الجمعة، فلا بد فيها من ذلك.
الخامس: أن يكون (ممن يؤم) خبر (كان) وقوله: (منفصلا) وقوله
(وليس بفاعل) حالين عن الصائر أي لامتياز إمام الجمعة باعتبار اشتراط علمه بالخطبة
عن إمام غير الجمعة، وهذا أبعد الوجوه.
وأما تأخير الخطبة في الجمعة فقد عرفت أنه مما تفرد به الصدوق، ولم أظفر
على موافق له في ذلك، فما عد من بدع عثمان إنما هو تقديم خطبة العيدين، وجعل

(1) البقرة: 44.
204

الخطبتين مكان الساقطتين (1).
إذا عرفت مضمون الخبر مع إشكاله وإغلاقه فاعلم أن بعض المنكرين لوجوب
الجمعة في زمن الغيبة، الشارطين للإمام عليه السلام أو نائبه فيها، استدلوا على مطلوبهم
بهذا الخبر من وجوه:
الأول من لفظة الامام المترر ذكره في الخبر، حيث زعموا أنه حقيقة في
إمام الكل.
الثاني من قوله: (منها أن الصلاة مع الامام أتم وأكمل) حيث قالوا يدل
على اشتراط العلم والفقه والفضل من إمام الجمعة زائدا على ما يشترط في إمام
الجماعة، والقائلون بالغيبة لا يفرقون بينهما، وغيرهم يشرطون الامام أو نائبه، فلا
بد من حمله عليه.
الثالث من قوله عليه السلام: (فأراد أن يكون للامام أو للأمير سبب إلى موعظتهم)
إلى قوله: (من الأحوال التي فيها المضرة والمنفعة) قالوا: (الامام والأمير)
يدلان على ما قلنا، وأيضا ظاهر أن تلك الفوائد ليس إلا شأن الامام أو الحاكم من
قبله، لا سيما الاخبار بما يرد عليه من الآفاق مما فيه المضرة والمنفعة لاكل
عادل.
الرابع من قوله: (وليس بفاعل غيره ممن يوم الناس في غير يوم الجمعة) فإنه
يدل على أن صلاة الجمعة لا يفعلها من يؤم في غير الجمعة فيدل على اشتراط الامام
أو نائبه بالتقريب المتقدم.
الخامس من قوله: (للحوائج والاعذار والانذار) وإعلام الأمر والنهي
كلها من شؤون إمام الكل، والأمير والحاكم، لاكل إمام.
والجواب من وجوه: الأول أن السند غير صحيح على طريقتهم، فان ابن
عبدوس غير مذكور في شئ من كتب الرجال، ولا وثقه أحد، وابن قتيبة وإن كان

(1) حيث قال: لأنهما بمنزلة الركعتين الأخراوين، ولا نعرف القول بذلك الا عن
الشلمغاني في كتاب التكليف المعروف بفقه الرضا عليه السلام كما مر تحت الرقم: 34.
205

ممدوحا لم يوثقه أيضا أحد.
ثم إن الفضل - ره - ذكر أولا تلك العلل من غير رواية، ثم لما سأله
ابن قتيبة هل قلت جميع ذلك برأيك أو عن خبر؟ قال: بل سمعتها من مولاي أبي
الحسن علي بن موسى الرضا المرة بعد المرة، والشئ بعد الشئ فجمعتها، ويظهر
من الصدوق - ره - أنه حمل هذا الكلام على أن بعضها سماعي وبعضها استنباطي
ولذا تراه يقول في مواضع وغلط الفضل بن شاذان في ذلك، وهذا مما يضعف
الاحتجاج به.
الثاني ما ذكره من الاستدلال بلفظ الامام، فقد عرفت جوابه مما سبق.
الثالث أنا لا نسلم دلالة قوله: (لعلمه وفقهه وعدله وفضله) على اشتراط هذه
الأمور، إذ يمكن أن يكون التعليل مبنيا على أن في الغالب من يتصدى فيها
يكون متصفا بتلك الأوصاف، أو يكون مبنيا على تأكد استحباب كون الامام أعلم
وأفضل كما مر عن النبي صلى الله عليه وآله (إمام القوم وافدهم فقدموا أفضلكم) ولما كان
الاجتماع هنا أكثر، فيكون زيادة الفضل هنا مستلزما لمزيد فضل في نفسه، كما
لا يخفى.
والحق أن هذه الصلاة لما كان السعي إليها واجبا على الجميع إلا جماعة
قليلة، فلا بد في إمامها من مزيد فضل ليكون أفضلهم، فيظهر وجه التخصيص، و
يكفي هذا لصحة التعليل، على أنه لا يلزم اطراد التعليل، فجاز أن يكون لصلاة
حضر فيها الامام أو الأمير المنصوب من قبله، فإنه لا ريب أنهما مع حضورهما
أولى من غيرهما.
وأكثر التعليلات الواردة هذا الخبر الطويل غير مطرد كعلة الجهر والاخفات
وغسل الميت، والقصر في السفر وأشباهها، وإنما هي مناسبات يكفي فيها
التحقق في الجملة، وأيضا قد بينا أن إمام الجمعة يزيد على إمام غيرها بالعلم
بالخطبة، والقدرة على إيقاعها، والعلم بأحكام خصوص الجمعة من الوقت والعدد
والشرائط والآداب.
206

الرابع أن التعبير بالأمير لا يستلزم التخصيص، بل يمكن أن يكون على
المثال أو ذكر أفضل أفراده، ليكون العلة فيه أتم وأظهر، مع أن في العيون مكانه
الامام وقد عرفت أن ظاهره مطلق إمام الجماعة في المقام.
والخامس أن كون إخبارهم بما ود عليه من الآفاق مخصوص بالامام أو
النائب ممنوع، إذ يمكن أن يخبر كل واعظ وخطيب الناس بما سنح في الأطراف
من هجوم الكفار، وأعادي المؤمنين، وقوتهم وشوكتهم، ليهتموا في الدعاء والخيرات
وبذل الصدقات.
مع أنه في أكثر نسخ العيون (بما ورد عليهم من الآفاق ومن الأهوال) فيمكن
أن يكون المراد إخبارهم بآفات زروعهم وأشجارهم وأسعارهم، وبأن علتها
المعاصي وشرور أنفسهم، ثم يأمرهم بالتوبة والإنابة، كما اشتمل عليه كثير من
الخطب المنقولة.
على أن كون شئ علة لحدوث حكم لا يستلزم بقاء العلة إلى يوم القيامة كما
مر أن علة التكبيرات السبع أن النبي صلى الله عليه وآله كلما صعد سماء كبر تكبيرة، ولما رأى
من نور عظمته سبحانه ركع، ولما رأى نورا أشد من ذلك سجد، ولما رأى النبيين
خلفه سلم، فلو كانت العلة موجبة للتخصيص، فلا تلزم هذه الأمور لغيره، ولا له إلا
في المعراج.
السادس لا نسلم دلالة ذكر الحوائج والاعذار والانذار وإعلام ما فيه الصلاح
والفساد بالامام، فان مدار الخطباء والوعاظ على ذكر ما يحتاج إليه الناس من
أمور دينهم ودنياهم نقلا عن أئمتهم ويتمون حجة الله عليهم، وينذرونهم عقابه
ويدعون لهم ولأنفسهم، ويأمرونهم بما فيه صلاحهم، وينهونهم عما فيه فسادهم
ولو سلم فيرد عليه ما مر في الوجه السابق.
السابع الاستدلال بقوله: (وليس بفاعل) مع أن معناه غير معلوم، والمقصود
منه غير مفهوم، وإنما قطعوا من الكلام جزء غير تام، واستدلوا به وهذا في غاية
الغرابة والظرافة، وقد عرفت الوجوه الدقيقة التي حملنا الكلام عليها، وليس في
207

شئ منها دلالة على مطلوبهم.
على أن هذه الفقرة غير مذكورة في العيون مع أنه أورد فيه ساير أجزاء الخبر
وإنما توجد في نسخ العلل، وهذا مما يضعفها، والاحتجاج بها.
قوله: (لان ما يقصر فيه الصلاة) أقول: هذا أيضا يحتمل عندي وجوها:
الأول: أن المراد أن هذه الصلاة لما كانت واسطة بين صلاة التمام والقصر
من جهة أنها ركعتان، وأن الخطبتين مكان الركعتين، فناسب كون المسافة المعتبرة
فيها نصف المسافة المعتبرة في القصر.
الثاني أنه أما إذا
لوحظ من الجانبين يصير بقدر مسافة القصر ومسافة القصر موجبة
للتخفيف، فلذا أسقطت عمن بعد عنها أكثر من فرسخين.
الثالث أن مسافة القصر أربعة فراسخ، وإن لم يرد الرجوع من يومه، بل
أراد الرجوع قبل أن يقطع سفره كما عرفت، فقطع أربعة فراسخ موجب للقصر في
الجملة، فناسب تخفيف الحكم عليه، وشئ من الوجوه لا يخلو من التكلف بحسب اللفظ
والمعنى، ولعل بناء التعليل على مناسبة واقعية في عدل الله تعالى وحكمته بين العلتين
هي خفية علينا (1).
53 - كتاب العروس: للشيخ الفقيه أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي
باسناده عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: فرض الله على الناس من الجمعة إلى
الجمعة خمسا وثلاثين صلاة، منها واحدة فرضها في جماعة، وهي الجمعة، ووضعها
عن تسعة: عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمريض والمرأة والأعمى
ومن كان على رأس فرسخين، وروي مكان المجنون الأعرج.
وقال: صلاة يوم الجمعة فريضة والاجتماع إليها فريضة مع الامام.
ومنه: باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أما إذا
أدركت الامام قبل أن يركع
الآخرة فقد أدركت الصلاة، وإذا أدركت بعد ما رفع رأسه فهي أربع ركعات بمنزلة

(1) في ط الكمباني بعد ذلك تكرار نحو صفحتين منه وقد أسقطناه لما سيأتي ذيل
الباب بعينه.
208

الظهر، وخصوصيتها للذي أدرك الركعة الأخيرة يضيف إليها ركعة أخرى وقد تمت
صلاته، ولا يعتبر بما فاته من سماع الخطبتين مكان الركعتين، وسائر الصلوات إذا
أدرك الركعة الأخيرة يضيف إليها ثلاث ركعات التي فاتته.
ومنه: باسناده عن الصادق عليه السلام قال: ينبغي لك أن تصلي يوم الجمعة ست
ركعات في صدر النهار، وست ركعات قبل الزوال، وركعتان مع الزوال، فإذا زالت
الشمس صليت الفريضة، إن كنت مع الامام ركعتين، وإن كنت وحدك فأربع ركعات
ثم تسلم وتصلي بين الظهر والعصر ثمان ركعات.
وروي يصلي بين الظهر والعصر ست ركعات.
ومنه: باسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن ركعتي
الزوال يوم الجمعة قبل الاذان أو بعده؟ قال: قبل الاذان.
ومنه: باسناده عن الصادق عليه السلام قال: تصلى العصر يوم الجمعة في وقت الظهر في
غير يوم الجمعة، وقال: وقت صلاة الجمعة ساعة نزول الشمس، ووقتها في السفر و
الحضر واحد، أو هي في المضيق وقت واحد حين تزول الشمس.
ومنه: باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله أكرم المؤمنين بالجمعة
فسنها رسول الله صلى الله عليه وآله بشارة لهم، والمنافقين توبيخا للمنافقين ولا ينبغي تركهما فمن
تركهما متعمدا فلا صلاة له.
بيان: اعلم أن المراد بالجمعة اليوم أو الصلاة أو السورة، والمراد بالضمير
السورة، فعلى الأوليين فيه استخدام، وقوله: (والمنافقين) عطف على الضمير
البارز في سنها، وحمل لا صلاة له على نفي الكمال.
54 - العروس: باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: القنوت في يوم الجمعة إذا
كنت وحدك ففي الثانية، وإن كان الامام ففي الركعة الأولى.
وروى حريز أن القنوت يوم الجمعة قنوتان: قنوت في الركعة الأولى قبل
الركوع، وقنوت في الثانية بعد الركوع.
ومنه: باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: وقت الظهر يوم
209

الجمعة حين تزول الشمس، وليجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين أما إذا
كان وحده،
ويقنت.
وقال الباقر عليه السلام: الرجل أما إذا صلى الجمعة أربع ركعات يجهر فيها، وكان رسول الله
صلى الله عليه وآله أول ما صلى في السماء صلاة الظهر يوم الجمعة جهر بها.
بيان: قوله عليه السلام: ((أما إذا كان وحده) لعله بيان للفرد الخفي، وكذا قوله:
(أما إذا
صلى الجمعة أربع ركعات) والمشهور بين قدماء الأصحاب استحباب الجهر
بالظهر يوم الجمعة، ونقل المحقق في المعتبر عن بعض الأصحاب المنع من الجهر
بالظهر مطلقا وقال: إن ذلك أشبه بالمذهب وقال ابن إدريس: يستحب الجهر بالظهر
إن صليت جماعة لا انفرادا، ويدفعه صريحا رواية زرارة، هنا، وحسنة الحلبي في
التهذيب (1) والأول أقوى.
55 - العروس: باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي للامام الذي يخطب
يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف، ويتردى ببرد يمنية أو عبري، ويخطب
وهو قائم.
ومنه: باسناده عن جعفر بن محمد قال: ليس على أهل القرى جماعة ولا خروج
في العيدين.
ومنه: باسناده عن الصادق عليه السلام قال: لا جمعة إلا في مصر يقام
فيه الحدود.
بيان: روى الشيخ في التهذيب هذه الرواية عن طلحة بن زيد (2) والذي
قبله عن حفص بن غياث (3)، والأول ضعيف على المشهور والثاني موثق، وحملهما
الشيخ على التقية، لأنهما موافقان لمذاهب أكثر العامة، أو على حصول البعد بأكثر
من فرسخين مع اختلال الشرايط عندهم، وورد هما في المنتهى بالضعف والحمل على

(1) التهذيب ج 1 ص 249.
(2) التهذيب ج 1 ص 322.
(3) التهذيب ج 1 ص 324.
210

ما ذكر، وقال: المصر ليس شرطا في الجمعة (1) وهو قول علمائنا، ثم قال: و
قال أبو حنيفة: لا تجب على أهل السواد، وقال في الذكرى: ليس من شرط الجمعة
المصر على الأظهر في الفتاوي، والأشهر في الروايات، ثم قال: وقال ابن أبي
عقيل: صلاة الجمعة فرض على المؤمنين حضورها مع الامام في المصر الذي هو فيه، و
حضورها مع أمرائه في الأمصار والقرى النائية عنه، وفي المبسوط لا تجب على أهل
البادية والأكراد، لأنه لا دليل عليه ثم قال: لو قلنا إنما تجب عليهم أما إذا
حضر العدد
لكان قويا انتهى.
واستدلال جماعة بالخبرين على اشتراط الامام طريف.
56 - قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: لما سوى رسول
الله صلى الله عليه وآله الصفوف بأحد قام فخطب الناس فقال: أيها الناس أوصيكم بما أوصاني به الله
في كتابه من العمل بطاعته، والتناهي عن محارمه، وساق الخطبة إلى أن قال: ومن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه بالجمعة يوم الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا
أو عبدا مملوكا، ومن استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه، والله غني حميد
الخبر (2).
بيان: قال في النهاية: استغنى الله عنه أي أطرحه الله، ورمى به من عينه فعل

(1) المصر ليس بشرط في انعقاد الجمعة، وإنما هو شرط الوجوب، بمعنى أنه إذا
لم يكن مصر فيه العدة والعدد، لم يكن الامام مبسوط اليد، بل كان خائفا لا يجب عليه
صلاة الجمعة، كما أنه لا يجب عليه إقامة الحدود، وإذا كان مصر يقام فيه الحدود، و
أقام الامام الجمعة، فعلى أهل المصر ومن في حريمه إلى رأس فرسخين إجابة النداء.
وأما من هو خارج المصر وحريمه، فمن كان في سائر الأمصار تحت ولاية الولادة
أجاب نداء الوالي، أقام فيه الحدود أو لم يقم، ومن كان في القرى فإذا كان فيهم من
يحسن الخطبة، واجتمع العدد. فالأولى لهم أن يقيموا الجمعة، الا أنه لا يجب، لعدم النداء
من قبل ولى الامر على ما عرفت وجهه في ذيل الآية الكريمة ص 123.
(2) شرح نهج البلاغة ج 3 ص 365.
211

من استغنى عن الشئ فلم يلتفت إليه، وقيل جزاه جزاء استغنائه عنها كقوله تعالى:
(نسوا الله فنسيهم) (1).
57 - رسالة الجمعة: في أعمال الجمعة للشهيد الثاني قال: قال النبي صلى الله عليه وآله
الجمعة حج المساكين.
وكان سعيد بن المسيب يقول: الجمعة أحب إلى من حجة تطوع.
وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يقرأ في الجمعة في الركعة الأولى بسورة الجمعة
ليحرض بها المؤمنين، وفي الثانية بسورة المنافقين ليفزع بها المنافقين.
وقال: من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت،
غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام.
وقال عليه السلام: من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها، و
لبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة، كان كفارة
لما بينهما، ومن لغى وتخطى رقاب الناس كانت له طهرا.
وقال: من تكلم يوم الجمعة والامام يخطب، فهو كالحمار يحمل أسفارا،
والذي يقول له أنصت لا جمعة له.
وقال: من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس من طيب إن كان عنده، ولبس
من أحسن ثيابه، ثم خرج يأتي المسجد، ولم يتخط رقاب الناس، ثم يركع ما شاء
الله أن يركع، وأنصت أما إذا
خرج الامام، كان كفارة لما بينها وبين الجمعة التي
قبلها.
وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله برد يلبسه في العيدين والجمعة سوى ثوب مهنته.
وفي حديث آخر عنه عليه السلام: إن الله وملائكة يصلون على أصحاب العمائم
يوم الجمعة.
وقال عليه السلام: أما إذا كان يوم الجمعة كان على باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون
الأول فالأول، فإذا جلس الامام طووا الصحف وجاؤوا يستعملون الذكر.

(1) براءة: 67.
212

وقال عليه السلام: يجلس الناس من الله يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات
الأول والثاني والثالث.
قوله: (من الله) أي من كرامة ونحوها.
وقال عليه السلام: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة
ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة
فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في
الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، وإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون
الذكر.
وعن الباقر عليه السلام قال: يجلس الملائكة يوم الجمعة على باب المسجد فيكتبون
الناس على قدر منازلهم الأول والثاني، حتى يخرج الامام.
وروى عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فضل الله الجمعة
على غيرها من الأيام، وإن الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها، وإنكم
لتتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة، وإن أبواب السماء لتفتح لصعود
أعماد العباد (1). وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر
وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الامام واستمع، ولم يلغ، كان له بكل خطوة
عمل سنة أجر صيامها وقيامها.
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله: مشيك إلى المسجد وانصرافك إلى أهلك في الاجر
سواء.
وعنه صلى الله عليه وآله أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: إن جهنم
تسجر كل يوم إلا يوم الجمعة.
وعنه صلى الله عليه وآله: أما إذا
اشتد الحر أبرد بالصلاة يغير الجمعة.
وعن سهل بن سعيد قال: كنا لا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة، وكنا نصلي

(1) راجع التهذيب ج 1 ص 246، وهكذا بعض الأحاديث منقول من التهذيب و
الفقيه.
213

مع النبي صلى الله عليه وآله الجمعة، ثم تكون القائلة (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه أن لا يصاحب في سفره،
ولا تقضى له حاجة.
وجاء رجل إلى سعيد بن المسيب يوم الجمعة يودعه لسفر فقال: لا تعجل
حتى تصلي فقال: أخاد أن تفوتني أصحابي، ثم عجل فكان سعيد يسأل عنه حتى
قدم قوم فأخبروه أن رجله انكسرت. فقال سعيد: إني كنت لأظن أنه سيصيبه
ذلك.
وروي أن صيادا كان يخرج في الجمعة لا يحرجه مكان الجمعة من الخروج
فخسف به وببغلته فخرج الناس وقد ذهبت بغلته في الأرض، فلم يبق منها إلا اذناها
وذنبها.
وروي أن قوما خرجوا إلى سفر حين حضرت الجمعة فاضطرم عليهم خباؤهم
نارا من غير نار يرونها.
وعن سلمان الفارسي - ره - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: أتدري ما يوم
الجمعة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هو اليوم الذي جمع الله فيه بين أبويكم، لا
يبقى منا عبد فيحسن الوضوء ثم يأتي المسجد لجمعة إلا كانت كفارة لما بينها و
بين الجمعة الأخرى ما اجتنب الكبائر.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله النهي عن الاحتباء وقت الخطبة، قيل: والمعني فيه
أن الحبوة تجلب النوم فتعرض طهارته للنقض ويمنع من استماع الخطبة.
وعنه صلى الله عليه وآله قال: إن لكم في كل جمعة حجة وعمرة، فالحجة الهجرة إلى
الجمعة، والعمرة انتظار العصر بعد الجمعة.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إذا راح منا سبعون رجلا إلى الجمعة
كان كسبعين من قوم موسى الذين وفدوا إلى ربهم وأفضل.

(1) رواه في مشكاة المصابيح ص 123، وقال: متفق عليه، وهكذا سائر الأحاديث
النبوية موجود فيه.
214

بيان: قال في النهاية: فيه ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي
مهنته أي بذلته وخدمته، والرواية بفتح الميم وقد تكسر وخطأ الزمخشري الكسر
انتهى (غسل الجنابة) أي كغسلها ويحتمل الحقيقة كما يظهر استحباب الجماع قبل
الذهاب إلى الجمعة من بعض روايات العامة.
قوله عليه السلام: (غسل يوم الجمعة واغتسل) قال في النهاية: ذهب كثير من
الناس إلى أن (غسل) أراد به المجامعة قبل الخروج إلى الصلاة، لان ذلك يجمع
غض الطرف في الطريق يقال غسل الرجل امرأته بالتشديد وبالتخفيف أي جامعها
وقد روي مخففا وقيل: أراد غسل غيره واغتسل هو لأنه أما إذا جامع زوجته أحوجها
إلى الغسل وقيل: أراد بالغسل غسل أعضائه للوضوء، ثم يغتسل للجمعة، وقيل: هما
بمعنى واحد كرر للتأكيد انتهى، وقال بعضهم غسل معناه غسل الرأس خاصة، لان
العرب لهم شعور يبالغون في غسلها فأفردها بالذكر، واغتسل يعني غسل سائر جسده.
أقول: ويحتمل أن يراد به غسل الرأس بالخطمي والسدر أو غسل
الثياب.
(وبكر وابتكر) قال في النهاية بكر إلى الصلاة أتى أول وقتها، وكل
من أسرع إلى شئ فقد بكر إليه، وأما ابتكر فمعناه أدرك أول الخطبة، وأول كل
شئ باكورته، وابتكر الرجل أما إذا أكل باكورة الفواكه.
وقيل: معنى اللفظين واحد فعل وافتعل، وإنما كررا للمبالغة والتوكيد،
كما قالوا جاد مجدا انتهى، وقال بعضهم: معنى بكر أي تصدق قبل خروجه كما في
الحديث، باكروا بالصدقة فان البلاء لا يتخطاها.
أقول: هذه الأخبار أكثرها عامية أوردناها تبعا للشيخ المتقدم ذكره قدس
الله لطيفه.
58 - المكارم: عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله
عليا: يا علي ليس على النساء جمعة ولا جماعة، ولا أذان ولا إقامة ولا تسمع
215

الخطبة ولا تخرج من بيت زوجها إلا باذنه الخبر (1).
59 - المحاسن: عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن
إبراهيم بن يحيى المديني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بالخروج في السفر
ليلة الجمعة (2).
60 - الكشي: عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي
عمير، عن غير واحد من أصحابنا، عن محمد بن حكيم وغيره، عن محمد بن مسلم، عن
محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله في الجمعة قال: أما إذا
اجتمع خمسة
أحدهم الامام فلهم أن يجمعوا (3).
61 - المعتبر: نقلا من جامع البزنطي، عن داود بن الحصين، عن أبي
العباس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا جمعة إلا بخطبة، وإنما جعلت ركعتين
لمكان الخطبتين (4).
62 - المتهجد: عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الجمعة
قال: وقتها أما إذا
زالت الشمس، فصل ركعتين قبل الفريضة، فان أبطأت حتى يدخل
الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة، ودع الركعتين حتى تصليهما بعد الفريضة (5).
ومنه: عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن وقت
الصلاة فقال: وجعل لكل صلاة وقتين إلا الجمعة في السفر والحضر، فإنه عليه السلام
قال: وقتها أما إذا زالت الشمس، وهي فيما سوى الجمعة، لكل صلاة وقتان، وقال:
إياك أن تصلي قبل الزوال، فوالله ما أبالي بعد العصر صليتها أو قبل الزوال (6).

(1) مكارم الأخلاق: 510 في حديث طويل.
(2) المحاسن: 347.
(3) رجال الكشي: 167 تحقيق المصطفوي ذيل حديث طويل.
(4) المتبر: 203.
(5) مصباح المتهجد: 254.
(6) مصباح المتهجد: 255.
216

وعن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: وقت الجمعة ساعة تزول
الشمس إلى أن تمضي ساعة تحافظ عليها فأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا يسأل الله تعالى
عبد فيها خيرا إلا أعطاه الله (1).
وروى حريز قال: سمعته يقول: أما أنا أما إذا زالت الشمس يوم الجمعة بدأت
بالفريضة، وأخرت الركعتين أما إذا لم أكن صليتهما (2).
ومنه: روى ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إني
لأحب للرجل أن لا يخرج من الدنيا حتى يتمتع، ولو مرة، وأن يصلي الجمعة
في جماعة (3).
بيان: قد يستدل بهذا الخبر على الوجوب التخييري لصلاة الجمعة، لقوله
(لأحب) وهو ظاهر في الاستحباب، ولذكرها مع المتعة وهي مستحبة اتفاقا، والجواب
أن قوله: (لأحب) لا ظهور له في الاستحباب بحيث يصلح لتخصيص تلك العمومات
ولذا ضمها مع مستحب لا دلالة فيه على الاستحباب، بل هو نكتة باعثة للتعبير عنهما
بقوله: (لأحب) ليشملهما.
على أنه لا ريب أن للجمعة أفرادا واجبة، وأفرادا مستحبة كمن بعد بأزيد
من فرسخين والأعمى والمريض والمسافر، وساير من تقدم ذكره، فلو لم يمكن
حملها على الواجبة فلتحمل على الافراد المستحبة، ولا تعيين في الرواية أن أي فرد
من أفرادها المستحبة أريد بها، حتى يتعين حملها عليه، مع أنه يمكن حملها على
الصلاة مع المخالفين تقية جمعا بين الاخبار (4).
63 - المتهجد: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن
الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة، قال: ما بين فراغ الامام من
الخطبة إلى أن تستوي الصفوف بالناس، وساعة أخرى من آخر النهار إلى غروب

(1) مصباح المتهجد: 255.
(2) مصباح المتهجد: 255.
(3) مصباح المتهجد: 255.
(4) ذكر المتعة يأبى عن هذا الحمل.
217

الشمس (1).
64 - المجالس (2) والخصال للصدوق: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن
عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن علي بن الحسين
البرقي، عن عبد الله بن جبلة، عن الحسن بن عبد الله، عن آبائه، عن جده الحسن
ابن علي عليه السلام في حديث طويل قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله
أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين،
وأعطى أمتك من بين الأمم فقال: أعطاني الله عز وجل فاتحة الكتاب، والاذان، و
الجماعة في المسجد، ويوم الجمعة، والصلاة على الجنايز، والاجهار في ثلاث صلوات
والرخصة لامتي عند الأمراض والسفر، والشفاعة لأصحاب الكبائر من أمتي
قال: صدقت يا محمد فما جزاء من فعل هذه الأشياء؟ وساق الحديث إلى أن قال.
قال: وأما يوم الجمعة فيوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين، فما من
مؤمن مشى فيه إلى الجمعة، إلا خفف الله عليه أهوال يوم القيامة، ثم يؤمر به إلى
الجنة (3).
65 - الصحيفة السجادية: (4) وكان من دعائه عليه السلام في يوم الأضحى ويوم

(1) مصباح المتهجد: 254 وفى نسخة الكمباني بعد ذلك تكرار حديث البزنطي
المذكور تحت الرقم 61 رواية عن جامعه، من دون ذكر المصدر مع بياض في محله، وقد
حذفناه، وقال السيد الأجل المرزا محمد خليل الموسوي رحمه الله مصحح طبعة الكمباني
ما هذا لفظه نقلا عن هامش الطبعة: (حديث البزنطي ليس في النسخة الخطية المعتبرة، فلا
اعتبار في مكان البياض).
(2) أمالي الصدوق: 117، في حديث. وفيه بدل الجمعة الجماعة.
(3) الخصال ج 2 ص 9، وفيه: وأما يوم القيمة فيجمع الله فيه الأولين والآخرين
للحساب، فما من مؤمن مشى إلى الجماعة الا خفف الله عز وجل عليه أهوال يوم القيامة ثم
يجازيه الجنة).
(4) ههنا أيضا تكرر في طبعة الكمباني حديث الكشي المذكور تحت الرقم 60
فأسقطناه.
218

الجمعة:
اللهم هذا يوم مبارك ميمون، والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك،
يشهد السائل منهم والطالب والراغب والراهب - إلى قوله - اللهم إن هذا المقام
لخلفائك وأصفيائك، ومواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها، قد
ابتزوها وأنت المقدر لذلك - إلى قوله - حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين
مبتزين، يرون حكمك مبدلا، وكتابك منبوذا - إلى قوله عليه السلام - وعجل الفرج
والروح والنصرة والتمكين والتأييد لهم إلى آخر الدعاء (1).
بيان: لا يخفى على العارف بأساليب البلاغة أن هذا الدعاء يدل على مطلوبية
اجتماع المؤمنين في الجمعة والأعياد للصلاة والدعاء، والسؤال والرغبة، وبث
الحوائج في جميع الأحوال والأزمان، لأنه معلوم أن أدعية الصحيفة الشريفة مما
أملاها عليه السلام لتقرأها الشيعة إلى آخر الدهر، وهي كالقرآن المجيد من البركات المستمرة
إلى يوم الوعيد.
ووجه الدلالة أنه ذكر في وصف اليوم وبيان فضله أن المسلمين يجتمعون في
أقطار الأرض، ومعلوم أن اجتماعهم كانوا لصلاة الجمعة والعيد، ولم يكونوا مأذونين
منه عليه السلام لغاية خوفه واختفائه، وكذا الأزمان بعده إلى زمان القائم، فلابد من
مصداق لهذا الاجتماع في زمانه عليه السلام وأكثر الأزمان بعده، حتى يحسن تعليمهم مثل
هذا الدعاء.
ولما كان في البلاد الذي كان فيه حاضرا فارغا لم يجز لغيره التقدم عليه أشار
إلى خصوص هذا المقام فقال عليه السلام: (إن هذا المقام لخلفائك) وشكى إلى الله سبحانه
ذلك، أو أنه لما كان من الحكم العظيمة للجمعات والأعياد ظهور دولتهم عليهم السلام و
تمكنهم، وأمرهم ونهيهم، وإرشادهم، وكان في تلك الأزمان الامر بعكس ذلك
تظهر فيها دولة المتغلبين والغاصبين، وتقوى فيها بدعهم وإضلالهم، فأشار بتلك المناسبة

(1) الصحيفة السجادية تحت الرقم 48 ص 277 ط الآخوندي.
219

إلى الخلافة الكبرى التي ادعوها وابتزوها وغصبوها.
فان قيل ذكر اجتماعهم لا يدل على رجحان بل هو بيان لأمر واقعي، قلنا
معلوم من سياق الكلام حيث ذكر لبيان كرامة اليوم وشرافته، ولتمهيد الدعاء وإدخال
نفسه المقدسة في جملتهم إما تواضعا أو تعليما أنه في مقام التحسين والتجويز، ولو كان
اجتماعهم كذلك بدعة وحراما لكان مثل أن يقول أحد: اللهم إن هذا يوم مبارك يجتمع
فيه الناس في أقطار الأرض لشرب الخمور وضرب الدفوف والمعازف واللعب بالقمار
والملاهي، ويطلبون حوائجهم فأسئلك أن توفر حظي ونصيبي منه.
والعجب أن جماعة من المانعين استدلوا بالعبارة الأخيرة على عدم وجوب
صلاة الجمعة في أزمنة الغيبة، بل بعضهم على حرمتها، حيث قالوا: هذا المقام إشارة
إلى إمامة الجمعة والعيد والخطبة وقوله: (لخلفائك) يدل على الاختصاص بهم
وكذا قوله (قد اختصصتهم بها) وقوله: (قد ابتزوها) فان الابتزاز هو الاستلاب
والاخذ قهرا.
والجواب أما أولا فبما عرفت أن المشار إليه بهذا المقام يحتمل أن يكون
الخلافة الكبرى، لظهور آثارها في هذا اليوم، بقرينة قوله بعد ذلك (حتى عاد
صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلا وكتابك منبوذا و
فرائضك محرفة من جهات إشراعك، وسنن نبيك متروكة) إذ ظاهر أن الأمور المذكورة
مما يترتب على الولاية الكبرى، والخلافة العليا.
وثانيا بأنه على تقدير تسليم إرجاع الضمير إلى الصلاة والخطبة، يمكن
إرجاعه إلى الصلاة المخصوصة، إذ إرجاع الضمير إلى الخاص أولى من إرجاعه إلى
العام المتحقق في ضمن الخاص، كما أما إذا أشير إلى هذا بزيد وأريد به زيد أو
الانسان المتحقق في ضمنه، وظاهر أن الأول أظهر وأحق بكونه حقيقة، والصلاة
المخصوصة كانت صلاة [محرمة] ظ لحضور الامام بغير إذنه عليه السلام مع قهره عليه السلام على الحضور
والاقتداء به، فلا يدل على المنع من غيرها.
220

وثالثا بأنه على تقدير تسليم إرجاع الضمير إلى مطلق الصلاة يكفي لصدق
الاختصاص المستفاد من اللام كونهم أحق بها في الجملة، مع أنه قد حقق المحقق
الدواني في حواشيه على شرح المختصر العضدي أن هذا الاختصاص ليس بمعنى الحصر
بل يكفي فيه ارتباط مخصوص، كما يقال: الجل للفرس وقد حققنا ذلك في الفرائد
الطريفة في شرح الحمد لله.
وقوله: (ابتزوها) في بعض النسخ على بناء الفاعل، وفي بعضها على بناء
المفعول، فعلى الأول ظاهر أن الضمير المرفوع راجع إلى خلفاء الجور، وأتباعهم
الغاصبين لحقوقهم، وعلى الثاني أيضا المراد ذلك لان شيعتهم ومواليهم الذين
يفعلونها إطاعة لأمرهم، وإحياء لذكرهم، لا يصدق عليهم أنهم ابتزوها منهم، كما
أن النائب الخاص خارج منهم اتفاقا.
ورابعا بأنه يمكن تعميم الخلفاء والأصفياء والامناء بحيث تشمل فقهاء الشيعة
ورواة أخبار الأئمة، كما روى الصدوق وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله اللهم ارحم خلفائي
قيل له: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي: يروون حديثي
وسنتي، وفي رواية أخرى زاد فيه: ويعلمون الناس بعدي، لكن في هذا الوجه بعد،
نعم لا يبعد حمل الامناء بل الأصفياء على الشيعة، لا سيما علماؤهم، والتأسيس
أولى من التأكيد.
* (تتميم) *
أقول: جملة القول في هذا المسألة التي تحيرت فيها الأوهام، واضطرب
فيها الاعلام، أنه لا أظن عاقلا يريب في أنه لو لم يكن الاجماع المدعى فيها، لم
يكن لاحد مجال شك في وجوبها على الأعيان في جميع الأحيان والأزمان كما في
ساير الفرائض الثابتة بالكتاب والسنة فكما ليس لأحد أن يقول لعل وجوب صلاة
العصر وزكاة الغنم مشروطان بوجود الامام وحضوره وإذنه، كذا ههنا لعدم الفرق
بين الأدلة الدالة عليها.
لكن طرأ ههنا نقل إجماع من الشيخ وتبعه جماعة ممن تأخر عنه كما هو
دأبهم في ساير المسائل، فهو عروتهم الوثقى، وحجتهم العظمى، به يتصاولون،
221

وعليه يتطاولون، فاشتهر في الأصقاع، ومالت إليه الأطباع، والاجماع عندنا على
ما حققه علماؤنا رضوان الله عليهم في الأصول هو قول جماعة من الأمة يعلم دخول
قول المعصوم في أقوالهم، وحجيته إنما هو باعتبار دخول قوله عليه السلام، فهو كاشف عن
الحجة، والحجة إنما هي قوله عليه السلام.
قال المحقق - ره - في المعتبر: وأما الاجماع فهو عندنا حجة بانضمام قول
المعصوم، فلو خلا المائة من فقهائنا من قوله لما كان حجة، ولو حصل في اثنين
لكان قولهما حجة، لا باعتبار اتفاقهما، بل باعتبار قوله، ولا تغتر أما إذا
بمن يتحكم
فيدعي الاجماع باتفاق الخمسة والعشرة من الأصحاب مع جهالته قول الباقين، إلا
مع العلم القطعي بدخول الامام في الجملة انتهى.
والاجماع بهذا المعنى لا ريب في حجيته على فرض تحققه، والكلام في
ذلك.
ثم إنهم قدس الله أرواحهم لما رجعوا إلى الفروع، كأنهم نسوا ما أسسوه
في الأصول فادعوا الاجماع في أكثر المسائل، سواء ظهر الاختلاف فيها أم لا، وافق
الروايات المنقولة فيها أم لا حتى أن السيد رضي الله عنه وأضرابه كثيرا ما يدعون
الاجماع فيما يتفردون في القول به، أو يوافقهم عليه قليل من أتباعهم، وقد يختار هذا
المدعي للاجماع قولا آخر في كتابه الاخر، وكثيرا ما يدعي أحدهم الاجماع على
مسألة ويدعى غيره الاجماع على خلافه.
فيغلب الظن على أن مصطلحهم في الفروع غير ما جروا عليه في الأصول (1) بأن
سموا الشهرة عند جماعة من الأصحاب إجماعا كما نبه عليه الشهيد - ره - في الذكرى
وهذا بمعزل عن الحجية ولعلهم إنما احتجوا به في مقابلة المخالفين ردا عليهم أو
تقوية لغيره من الدلائل التي ظهرت لهم.
ولا يخفى أن في زمان الغيبة لا يمكن الاطلاع على الاجماع، إذ مع فرض

(1) قد مر في ج 85 ص 7 كلام في الاجماع الذي يدعيه الشيخ قدس سره، راجعه
ان شئت.
222

إمكان الاطلاع على مذاهب جميع الامامية، مع تفرقهم وانتشارهم في أقطار البلاد،
والعلم بكونهم متفقين على مذهب واحد، لا حجة فيه، لما عرفت أن العبرة عندنا
بقول المعصوم، ولا يعدم دخوله فيها.
وما يقال: من أنه يجب حينئذ على المعصوم أن يظهر القول بخلاف ما أجمعوا
عليه، لو كان باطلا، فلو لم يظهر ظهر أنه حق، لا يتم، سيما أما إذا
كانت في روايات
أصحابنا رواية بخلاف ما أجمعوا عليه، إذ لافرق بين أن يكون إظهار الخلاف على
تقدير وجوبه بعنوان أنه قول فقيه، وبين أن يكون الخلاف مدلولا عليه بالرواية
الموجودة في روايات أصحابنا.
بل قيل إنه على هذا لا يبعد القول أيضا بأن قول الفقيه المعلوم النسب أيضا
يكفي في ظهور الخلاف، وإن كان في زمان الحضور، أي ادعوا أنه يتحقق الاجماع
في زمان حضور إمام من الأئمة عليهم السلام، فإن لم يعلم دخول قول الإمام بين أقوالهم فلا
حجية فيه أيضا، وإن علم فقوله كاف، ولا حاجة إلى انضمام الأقوال الأخر إلا أن
لا يعلم الامام بخصوصه، وإنما يعلم دخوله لأنه من علماء الأمة، وهذا فرض نادر
يبعد تحققه في زمان من الأزمنة.
وأيضا دعوى الاجماع إنما نشأ في زمن السيد والشيخ ومن عاصرهما ثم
تابعهما القوم، ومعلوم عدم تحقق الاجماع في زمانهم، فهم ناقلون عمن تقدمهم
فعلى تقدير كون المراد بالاجماع هذا المعنى المعروف، لكان في قوة خبر مرسل،
فكيف يرد به الأخبار الصحيحة المستفيضة، ومثل هذا يمكن أن يركن إليه عند
الضرورة، وفقد دليل آخر أصلا.
وما قيل من أن مثل هذا التناقض والتنافي الذي يوجد في الاجماعات يكون
في الروايات أيضا، قلنا: حجية الاخبار ووجوب العمل بها مما تواترت به الاخبار، و
استقر عليه عمل الشيعة، بل جميع المسلمين في جميع الأعصار، بخلاف الاجماع الذي
لا يعلم حجيته ولا تحققه، ولا مأخذه ولا مراد القوم منه، وبالجملة من تتبع موارد
الاجماعات وخصوصياتها، اتضح عليه حقيقة الامر فيها.
223

وأما الاجماع المدعى ههنا بخصوصه، فله جهات مخصوصة من الضعف.
منها تحقق الخلاف في المسألة من الشيخ المفيد الذي هو أفضل وأقدم، والكليني
والصدوق وأبي الصلاح والكراجكي فكيف يقبل دعوى الاجماع مع ذلك، و
مع أنهم عللوا الاجماع هنا بعلة ضعيفة بخلاف ساير الاجماعات.
قال في المعتبر: والبحث في مقامين أحدهما في اشتراط الامام أو نائبه، والمصادمة
مع الشافعي ومعتمدنا فعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه كان يعين لصلاة الجمعة وكذا الخلفاء بعده
كما يعين للقضاء، فكما لا يصح أن يصب الانسان نفسه قاضيا من دون إذن الإمام
كذا إمامة الجمعة، وليس هذا قياسا بل استدلالا بالعمل المستمر في الاعصار، فمخالفته
خرق للاجماع انتهى.
وقال الشهيد الثاني: مع تسليم اطراده في جميع الأزمنة نمنع دلالته على
الشرطية، بل هو أعم منها، والعام لا يدل على الخاص، والظاهر أن تعيين
الأئمة إنما هو لحسم مادة النزاع في هذه المرتبة، ورد الناس إليه بغير تردد، و
اعتمادهم على تقليده بغير ريبة، واستحقاقه من بيت المال لسهم وافر من حيث قيامه
بهذه الوظيفة الكبيرة من أركان الدين.
ويؤيد ذلك أنهم يعينون لامامة الصلوات اليومية أيضا، والاذان وغيرهما
من الوظائف الدينية مع عدم اشتراطها باذن الامام باجماع المسلمين، ولم يزل
الامر مستمرا في نصب الأئمة للصلوات الخمس والاذان ونحوهما أيضا من عهد
النبي صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا من الخلفاء والسلاطين، وأئمة العدل والجور، كل
ذلك لما ذكرنا من الوجه، لا للاشتراط، وهذا أمر واضح، لا يخفى على منصف
انتهى.
ومنها أن ظاهر كلام أكثرهم أن هذا الشرط إنما هو عند حضور الامام،
والتمكن منه كما أومأ إليه المحقق، حيث شبهه بالقضاء، فان التعيين في القضاء
عندهم إنما هو عند حضور الامام، وأما مع غيبته فيجب على الفقهاء القيام به مع
تمكنهم منه.
224

قال الشهيد الثاني روح الله روحه: إن الذي يدل عليه كلام الأصحاب أن
موضع الاجماع المدعى إنما هو حال حضور الامام، وتمكنه، والشرط المذكور
حينئذ إنما هو إمكانه لا مطلقا في وجوبها عينا لا تخييرا كما هو مدعاهم حال الغيبة
لأنهم يطلقون القول باشتراطه في الوجوب ويدعون الاجماع عليه أولا، ثم يذكرون
حال الغيبة وينقلون الخلاف فيه، ويختارون جوازها حينئذ أو استحبابها، معترفين
بفقد الشرط.
هكذا عبروا به عن المسألة، وصرحوا به في الموضعين، فلو كان الاجماع
المدعى لهم شاملا لموضع النزاع، لما ساغ لهم نقل الخلاف بعد ذلك، بل اختيار
جواز فعلها بدونه أيضا فإنهم يصرحون بأنه شرط للوجوب، ثم يذكرون الحكم بعد
الغيبة، ويجعلون الخلاف في الاستحباب فلا يعبرون عن حكمها حينئذ بالوجوب
وهو دليل بين على أن الوجوب الذي يجعلونه مشروطا بالامام عليه السلام وما في معناه
إنما هو حيث يمكن أو في الوجوب العيني حين حضوره، بناء منهم على أن ما عداه
لا يسمونه واجبا، وإن أمكن إطلاقه عليه من حيث أنه واجب تخييري، وعلى هذا الوجه
يسقط الاستدلال بالاجماع في موضع النزاع، لو تم في غيره.
ومنها أن كلامهم في الاذن مشوش، فبعض كلماتهم يدل على الاذن لخصوص
الشخص، لخصوص الصلاة، أو لما يشملها، وبعضها على الاذن الشامل للاذن العام
للفقيه، وبعضها على الأعم من ذلك حتى يشمل كل من يصلح للإمامة، فتسقط
فائدة النزاع.
قال الشيخ في الخلاف بعد أن اشترط أولا في الجمعة الامام أو نائبه، ونقل فيه
الاجماع ما هذا لفظه: فان قيل أليس قد رويتم فيما مضى من كتبكم أنه يجوز لأهل
القرى والسواد من المؤمنين أما إذا
اجتمعوا العدد الذي ينعقد بهم أن يصلوا جمعة؟
قلنا: ذلك مأذون فيه ومرغب فيه، فجرى ذلك مجرى أن ينصب الامام من يصلي
بهم انتهى.
فظهر أن الاذن الذي ادعي الاجماع على اشتراطه يشمل الاذن العام لسائر
225

من يمكنه أن يأتي بها، فيرد عليه أنه لا ريب أن أصل صلاة الجمعة كانت واجبة عينا
والباعث على عدم وجوبها في زمان الغيبة باعتقادكم عدم الإذن، فإذا قام الاذن العام
مقام النصب الخاص، فأي مانع من الوجوب العيني؟ ولذا حمل كلامه هذا جماعة
على الوجوب العيني، وقالوا مأذون فيه ومرغب فيه، لا ينافي ذلك لما رأوا أنه
يلزمه ذلك وإن كان بعيدا من كلامه.
وقال - ره - في المبسوط: وأما الشروط الراجعة إلى صحة الانعقاد، فأربعة:
السلطان العادل أو من يأمره السلطان، وقال بعد ذلك بجواز صلاة الجمعة في زمان
الغيبة، وبينهما تناف ظاهرا، ويمكن أن يوجه بوجهين أحدهما تخصيص الأول
بزمان الحضور، والثاني أن يقال: من يأمره السلطان أعم من أن يكون منصوبا
بخصوصه أو مأذونا من قبلهم، ولو بالألفاظ العامة على ما استفيد من الخلاف.
وقال العلامة قدس سره في المختلف بعد ما حكى المنع من ابن إدريس:
والأقرب الجواز، ثم استدل بعموم الآية والاخبار، ثم حكى حجة ابن إدريس
على المنع بأن شرط انعقاد الجمعة الامام أو من نصبه الامام إجماعا، ثم قال: والجواب
بمنع الاجماع على خلاف صورة النزاع، وأيضا فانا نقول بموجبه لان الفقيه المأمون
منصوب من قبل الامام على العموم انتهى.
والذي يغلب على الظن ولعله ليس من بعض الظن أن الذي دعى القوم إلى
دعوى الاجماع على اشتراط الاذن أحد أمرين:
الأول إطباق الشيعة على ترك الاتيان بها علانية في الاعصار الماضية خوفا
من المخالفين، لأنهم كانوا يعينون لذلك أئمة مخصوصين في البلاد، ولم يكن يتمكن
أحد من الاتيان بها إلا معهم، وكان يلزم المشاهير من العلماء الحضور في مساجدهم
ولو كانوا يفعلون في بيوتهم كان نادرا مع نهاية السعي في الاستتار، فظن أن تركهم
إنما هو لعدم الاذن.
الثاني أن المخالفين كانوا يشنعون عليهم بترك الجمعة، ولم يمكنهم الحكم
بفسقهم وكفرهم، فكانوا يتعذرون بعدم إذن الإمام، وعدم حضوره دفعا لتشنيعهم، و
226

كان غرضهم عدم الإذن للتقية، وعلى هذا يظهر وجه تشويش كلام الشيخ وتنافر
أجزائه كما لا يخفى على المتأمل.
فاعتبر أيها العاقل الخبير أنه يجوز لمنصف أن يعول على مثل هذا الاجماع
مع هذا التشويش والاضطراب، والاختلاف بين ناقليه، مع ما عرفت مع ما في أصله
من البعد والوهن، ويعرض عن مدلولات الآيات والاخبار الصريحة الصحيحة،
وهل يشترط في التكليف بالكتاب والسنة عمل الشيخ ومن تأخر عنه إلى زمان الشهيد
حيث يعتبر أقوال أولئك ولا يعتبر أقوال هؤلاء، مع أنه لا ريب أن هؤلاء أدق فهما
وأذكى ذهنا وأكثر تتبعا منهم، ونرى أفكارهم أقرب إلى الصواب في أكثر الأبواب
وابتداء الفحص والتدقيق وترك التقليد للسلف نشأ من زمان الشهيد الأول قدس
الله لطيفه، وإن أحدث المحقق والعلامة شيئا من ذلك.
قال الشهيد الثاني نور الله ضريحه في كتاب الرعاية: إن أكثر الفقهاء الذين
نشأوا بعد الشيخ، كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا له لكثرة اعتقادهم فيه، وحسن ظنهم
به، فلما جاء المتأخرون، وجدوا أحكاما مشهورة، قد عمل بها الشيخ ومتابعوه،
فحسبوها شهرة بين العلماء، وما دروا أن مرجعها إلى الشيخ، وأن الشهرة إما حصلت
بمتابعته، ثم قال: وممن اطلع على هذا الذي تبينته وتحققته من غير تقليد
الشيخ الفاضل سديد الدين محمود الحمصي (1) والسيد رضي الدين بن طاوس
وجماعة.
قال السيد في كتابه المسمى بالبهجة الثمرة المهجة أخبرني جدي الصالح ورام
ابن أبي فراس قدس الله روحه: أن الحمصي حدثه أنه لم يبق للامامية مفت على
التحقيق، بل كلهم حاك، وقال السيد عقيب ذلك: والآن قد ظهر أن الذي يفتى به

(1) هو الشيخ الجليل سديد الدين محمود بن علي بن الحسن الحمصي الرازي المتكلم
المتبحر صاحب كتاب المنقذ من التقليد، والمرشد إلى التوحيد، المعروف بالتعليق العراقي
في فن الكلام، كان من مشايخ الشيخ الأمير الزاهد ورام بن أبي فراس، راجع بعض ترجمته
في خاتمة المستدرك ج 3 ص 477 - 478.
227

ويجاب على سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدمين.
وقال طيب الله مضجعه في رسالة صلاة الجمعة، بعد أن أورد بعض الأخبار الدالة
على وجوبها: فهذه الأخبار الصحيحة الطرق، والواضحة الدلالة، التي لا
يشوبها شك ولا يحوم حولها شبهة من طريق أهل البيت في الامر بصلاة الجمعة، و
الحث عليها، وإيجابها على كل مسلم عدا ما استثني، والتوعد على تركها بالطبع
على القلب الذي هو علامة الكفر، والعياذ بالله، كما نبه عليه تعالى في كتابه
العزيز، وتركت غيرها من الاخبار حسما لمادة النزاع ودفعا للشبهة العارضة في
الطريق.
وليس في هذه الأخبار مع كثرتها تعرض لشرط الامام، ولامن نصبه،
ولا لاعتبار حضوره في إيجاب هذه الفريضة المعظمة، فكيف ينبغي للمسلم
الذي يخاف الله أما إذا سمع مواقع أمر الله ورسوله وأئمته بهذه الفريضة، وايجابها
على كل مسلم أن يقصر في أمرها، ويهملها إلى غيرها، ويتعلل بخلاف بعض العلماء
فيها، وأمر الله تعالى ورسوله وخاصته عليهم السلام أحق، ومراعاته أولى، فليحذر الذين
يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.
ولعمري لقد أصابهم الأول، فليرتقبوا الثاني إن لم يعف الله ويسامح، نسأل
الله تعالى العفو والعافية.
وقد يحصل من هذين أن من كان مؤمنا فقد دخل تحت نداء الله تعالى وأمره
في الآية الكريمة، بهذه الفريضة العظيمة، وتهديده عن الالهاء عنها، ومن كان مسلما
فقد دخل تحت قول النبي صلى الله عليه وآله وقول الأئمة أنها واجبة على كل مسلم، ومن
كان عاقلا فقد دخل تحت تهديد قوله تعالى: (من يفعل ذلك) يعني الالهاء عنها
(فأولئك هم الخاسرون) وقولهم عليهم السلام من تركها على هذا الوجه طبع الله على قلبه
لان (من) موضوعه لمن يعقل إن لم يكن أعم.
فاختر لنفسك واحدا من هذه الثلاث، وانتسب إلى اسم من هذه الأسماء أعني
الايمان أو الاسلام أو العقل، وادخل تحت مقتضاه، أو التزم قسما رابعا إن شئت،
228

نعوذ بالله من قبح المدلة وتيه الغفلة.
ثم قال - ره - بعد ما بين حقيقة الاجماعات المنقولة، وضعف الاحتجاج بها
لا سيما المنقول منها بخبر الواحد: والله تعالى شهيد وكفى بالله شهيدا أن الغرض
من كشف هذا كله ليس إلا تبيان الحق الواجب المتوقف عليه لقوة عسر الفطام عن
المذهب الذي يألفه الأنام، ولو لاه لكان عنه أعظم صارف، والله تعالى يتولى أسرار
عباده، ويعلم حقايق أحكامه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ثم قال: حتم ونصيحة: أما إذا
اعتبرت ما ذكرناه من الأدلة على هذه الفريضة
المعظمة، وما ورد من الحث عليها في غير ما ذكرناه مضافا إليه، وما أعده الله
من الثواب الجزيل عليها، وعلى ما يتبعها ويتعلق بها يوم الجمعة من الوظائف و
الطاعات وهي نحو مائة وظيفة، وقد أقررنا عيونها في رسالة مفردة ذكرنا فيها
خصوصيات يوم الجمعة، ونظرت إلى شرف هذا اليوم المذخور لهذه الأمة، كما
جعل لكل أمة يوما يفرغون إليه، وفيه يجتمعون على طاعته، واعتبرت الحكم
الإلهية الباعثة على الامر بهذا الاجتماع، وإيجاب الخطبة المشتملة على الموعظة،
وتذكير الخلق بالله تعالى، وأمرهم بطاعته، وزجرهم عن معصيته، وتزهيدهم في
هذه الدار الفانية، وترغيبهم في الدار الآخرة الباقية، المشتملة على ما لا عين رأت
ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وحثهم على التخلق بالأخلاق الحميدة،
واجتناب الصفات الرذيلة، وغير ذلك من المقاصد الجميلة، كما يطلع عليها من
طالع الخطب المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وغيرهما من الأئمة
الراشدين والعلماء الصالحين.
علمت أن هذا المقصد العظيم الجليل لا يليق من الحكيم إبطاله، ولا يحسن
من العاقل إهماله، بل ينبغي بذل الهمة فيه، وصرف الحيلة إلى فعله، وبذل الجهد
في تحصيل شرائطه ورفع موانعه، ليفوز بهذه الفضيلة الكاملة، ويحوز هذه المثوبة
الفاضلة.
ثم أورد - ره - أخبارا كثيرة دالة على فضل يوم الجمعة وعباداتها وصلاة الجمعة
229

والمباكرة إليها، وأن الصلاة أشرف العبادات وأن الصلاة الوسطى من بينها
أفضلها.
ثم قال: وأصح الأقوال أنها صلاة الظهر، وصلاة الظهر يوم الجمعة هي صلاة
الجمعة على ما تحقق أو هي أفضل فرديها على ما تقرر، فقد ظهر من جميع المقدمات
القطعية أن صلاة الجمعة أفضل الأعمال الواقعة من المكلفين بعد الايمان مطلقا، وأن
يومها أفضل الأيام، فكيف يسع الرجل المسلم الذي خلقه الله لعبادته، وفضله على
جميع بريته، وبين له مواقع أمره ونهيه، وعرضه لتحصيل السعادات الأبدية
والكمالات النفسية السرمدية، وأرشده إلى هذه العبادة المعظمة السنية، ودله
على متفرعاتها العلية أن يتهاون في هذه الجليلة، أو بحرمة هذا اليوم الشريف
ويصرفه في البطالة وما في معناها، فان من قدر على اكتساب درة يتيمة قيمتها مائة
ألف دينار، مثلا في ساعة خفيفة، فأعرض عنها أو اكتسب بدلها خرقة قيمتها فلس،
يعد عند العقلاء في جملة السفهاء الأغبياء، وأين نسبة الدنيا بأسرها إلى ثواب
فريضة واحدة.
مع ما قد استفاض بطريق أهل البيت أن صلاة فريضة خير من الدنيا وما فيها
فما ظنك بفريضة هي أعظم الفرائض، وأفضلها، على تقدير السلامة من العقاب، و
الابتلاء بحرمان الثواب، فكيف بالتعرض لعقاب ترك هذه الفريضة العظيمة، والتهاون
في حرمتها الكريمة، مع ما سمعت من توعد الله ورسوله وأئمته بالخسران العظيم
والطبع على القلب، والدعاء عليهم من تلك النفوس الشريفة بما سمعت، إلى غير
ذلك من الوعيد وضروب التهديد، على ترك الفرائض مطلقا فضلا عنها.
وتعلل ذوي الكسالة وأهل البطالة المتهاونين بحرمة الجلالة في تركها، بمنع
بعض العلماء من فعلها في بعض الحالات، مع ما عرفت من شذوذه وضعف دليله، معارض
بمثله في الامر بها والحث عليها، والتهديد لتاركها من الله ورسوله وأئمته، و
العلماء الصالحين، والسلف الماضين، ويبقى بعد المعارضة ما هو أضعاف ذلك، فأي
وجه لترجح هذا الجانب مع خطره وضرره، لولا قلة التوفيق، وشدة الخذلان، و
230

خدع الشيطان انتهى.
وأقول: وناهيك شدة اهتمام هذا البارع الورع المتين الذي هو أفقه فقهائنا
المتأخرين بل المتقدمين، وفاز بالسعادة فلحق بالشهداء الأولين في أعلا عليين
في إظهار هذا الحق المبين، مع أنه لم يكن متهما في ذلك بغرض من أغراض المبطلين
إذ لم يكن يمكنه إقامتها في بلاد المخالفين.
وإني لم أطل الكلام في هذا المقام بايراد حجج الجانبين، ونقل كلمات القوم
والتعرض لمدلولاتها، وإيراد الأخبار المذكورة في ساير الكتب، ولم أعمل في
ذلك كتابا ولا رسالة، لظني أن الامر في هذه المسألة أوضح من أن يحتاج
إلى ذلك.
وأيضا المنكرون لذلك إما علماء لهم أهلية الترجيح والنظر والاجتهاد، أو
جهلة يتلبسون بلباس أهل العلم، لا لهم علم يمكنهم به التمييز بين الحق والباطل
ولا ورع به يحترزون عن الافتراء على الله ورسوله، والقول بغير علم، أو جهال بحت
يلزمهم تقليد العلماء:
فأما الفرقة الأولى، فان خلوا أنفسهم عن الاغراض الدنيوية، وبالغوا في
الفحص والنظر، وتتبع مدارك الأدلة فأدى اجتهادهم إلى أحد الآراء المتقدمة،
فلا حرج عليهم في الدنيا ولا في الآخرة، وإن قصروا في ذلك، فأمرهم إلى الله، وعلى
أي حال الكتاب والرسالة لا ينفعان هذه الطائفة، وربما يصير سببا لمزيد رسوخهم
في خطائهم، وإن أخطأوا.
وأما الفرقة الثانية فحالهم معلومة فإنهم في جل أعمالهم مبتدعون حائرون
بائرون، ليس لهم علم يغنيهم، ولا يرجعون إلى عالم يفتيهم، وإنما هو تبع للدنيا
وأهلها، ويختارون ما هو أوفق لدنياهم، فأي انتفاع لهم بالرسائل والزبر.
وأما الفرقة الثالثة فحكمهم بذل الجهد في تحصيل عالم رباني لا يتبع
الهوى، ولا يختار على الآخرة الدنيا، وله تتبع تام في الكتاب والسنة، فالرسائل
لا تنفعهم أيضا.
231

ونعم قال الصدوق - ره - في الفقيه إن البدعة إنما تماث وتبطل بترك ذكرها
ولا قوة إلا بالله.
66 - مجمع البيان: قال: أما أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه
فقيل إنه قدم رسول الله مهاجرا حتى نزل قبا على بني عمرو بن عوف، وذلك يوم
الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين الضحى، فأقام بقبا يوم
الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجدهم، ثم خرج من بين أظهرهم
يوم الجمعة عامدا المدينة، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم
قد اتخذوا اليوم في ذلك الموضع مسجدا، وكانت هذه الجمعة أول جمعة جمعها
رسول الله صلى الله عليه وآله في الاسلام.
فخطب في هذه الجمعة، وهي أول خطبة خطبها بالمدينة فيما قيل،
فقال صلى الله عليه وآله:
الحمد لله الذي أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه، وأومن به ولا أكفره
وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والموعظة، على فترة من الرسل، وقلة من
العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من
الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، وضل
ضلالا بعيدا.
أوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة
وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، وإن تقوى الله لمن عمل
به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح
الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية، لا ينوى بذلك إلا وجه الله يكن له
ذكرا في عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت، حين المرء إلى ما قدم، وما كان
من سوى ذلك يود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف
بالعباد، والذي صدق قوله، ونجز وعده لأخلف لذلك، فإنه يقول: ما يبدل القول
232

لدى وما أنا بظلام للعبيد.
فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السرو العلانية، فإنه من يتق الله
يكفر عنه سيئاته، يعظم له أجرا، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما، وإن تقوى
الله توقي مقته، وتوقي عقوبته وتوقي سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجوه، وترضي
الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم، ولا تفرطوا في جنب الله، فقد علمكم الله
في كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما
أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم و
سماكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، ولا حول ولا
قوة إلا بالله.
فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفيه
الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس، ولا يقضون عليه، ويملك
من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فلهذا صارت الخطبة شرطا في انعقاد الجمعة (1).
بيان: قال الفيروزآبادي الكفر ضد الايمان، وكفر نعمة الله وبها كفورا
وكفرانا جحدها وسترها، والفترة ما بين النبيين و (من) بعضها ابتدائية وبعضها
صلة كدنو من الساعة، والمراد بانقطاع الزمان قرب انقطاعه بقرب القيامة، وقوله
(ومن يعصهما) يدل على أن ما يقال: إنه صلى الله عليه وآله قال لمن قال ذلك: بئس الخطيب
أنت، لا أصل له، إن كان ذلك المقام مقاما يقتضي التصريح بمقتضى البلاغة.
(فإنه) الضمير للشأن (على ما تبغون) أي تطلبون وترجون (تود لو أن
بينها) اقتباس من قوله سبحانه (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما
عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف
بالعباد) (2) وفي الآية ضمير بينها راجع إلى النفس، وضمير بينه راجع إلى اليوم

(1) مجمع البيان ج 10 ص 286.
(2) آل عمران: 30.
233

أو إلى ما عملت، والظاهر هنا العكس، وإن أمكن حمله على ما في الآية بارجاع
الضمير إلى النفس بقرينتها، وفي قوله: (ويحذركم الله نفسه) تهديد بليغ.
وقوله: (والذي صدق) يحتمل عطفه على رؤوف ويحتمل القسم، والتوقية
الكلاءة والحفظ (بحظكم) أي من ثواب الآخرة (في جنب الله) أي قربه وطاعته (ونهج
لكم) أي أوضح (ليعلم) أي بعد الوقوع أو ليعلم أولياؤه.
67 - المتهجد: روى جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام
يوم الجمعة فقال: الحمد لله ذي القدرة والسلطان، والرأفة والامتنان، أحمده
على تتابع النعم، وأعوذ به من العذاب والنقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، مخالفة للجاحدين، ومعاندة للمبطلين، وإقرارا بأنه رب العالمين.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قفى به المرسلين، وختم به النبيين، و
بعثه رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله أجمعين، وقد أوجب الصلاة عليه، وأكرم
مثواه لديه، وأجمل إحسانه إليه.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي هو ولي ثوابكم، وإليه مردكم ومآبكم،
فبادروا بذلك قبل الموت الذي لا ينجيكم منه حصن منيع، ولا هرب سريع، فإنه
وارد نازل، وواقع عاجل، فان تطاول الأجل، وامتد المهل، فكل ما هو آت
قريب، ومن مهد لنفسه فهو المصيب، فتزودوا رحمكم الله ليوم الممات، واحذروا
أليم هول البيات، فان عقاب الله عظيم، وعذابه أليم، نار تلهب، ونفس تعذب،
وشراب من صديد، ومقامع من حديد، أعاذنا الله وإياكم من النار، ورزقنا و
إياكم مرافقة الأبرار، وغفر لنا ولكم جميعا إنه هو الغفور الرحيم.
إن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله - ثم تعوذ بالله، وقرأ سورة العصر
ثم قال: جعلنا الله وإياكم ممن تسعهم رحمته، ويشملهم عفوه ورأفته، وأستغفر
الله لي ولكم ثم جلس يسيرا ثم قال:
الحمد لله الذي دنا في علوه، وعلا في دنوه، وتواضع كل شي لجلاله، و
234

استسلم كل شئ لعظمته، وخضع كل شئ لقدرته، مقصرا عن كنه شكره، وأومن
به إذعانا لربوبيته، وأستعينه طالبا لعصمته، وأتوكل عليه مفوضا إليه، و
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا أحدا فردا صمدا وترا لم يتخذ
صاحبة ولا ولدا.
وأشهد أن محمدا عبده المصطفى، رسوله المجتبى، وأمينه المرتضى، أرسله
بالحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إليه باذنه وسراجا منيرا، فبلغ الرسالة، وأدى
الأمانة، ونصح الأمة، وعبد الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وآله في الأولين،
وصلى الله عليه وآله في الآخرين، وصلى الله عليه وآله يوم الدين.
أوصيكم عباد لله بتقوى الله، والعمل بطاعته، واجتناب معصيته، فإنه من
يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا،
وخسر خسرانا مبينا، إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا
صلوا عليه وسلموا تسليما، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك أفضل صلواتك على
أنبيائك وأوليائك (1).
ايضاح: السلطان الحجة والبرهان، وقدرة الملك، والامتنان الانعام، وقال
الفيروزآبادي: قفيت زيدا وبه تقفية أتبعته إياه (وقد أوجب) يدل على وجوب
الصلاة عليه صلى الله عليه وآله في الجملة، والمثوى المنزل، (ولي ثوابكم) أي المتولي له
والقائم به، والمرد والمآب المرجع (فبادروا بذلك) أي بالتقوى أي سارعوا إليه
قبل الموت، فكأن الموت يريد أن يحول بينكم وبينه، فبادروا إليه قبله، أو بادروا
الناس إليه قبل ذلك، أو لم يعتبر فيه المغالبة بل المعنى عجلوا في فعله، والأول
أبلغ، والعاجل السريع.
وقوله عليه السلام: (فكل ما هو آت) تعليل لذلك، والأجل مدة العمر وغايته
والمهل بالتحريك المهلة والسكون والرفق، والبيات هو أن يقصد العدو بالليل

(1) مصباح المتهجد: 269.
235

من غير أن يعلم فيأخذه بغتة (تلهب) أي تتلهب بحذف إحدى التائين، وتلهب
النار اشتعالها، والصديد ماء الجرح الرقيق، والحميم اغلي حتى خثر.
(المقمعة) كمكنسة العمود من حديد أو كالمحجن يضرب به رأس الفيل،
وخشبة يضرب بها الانسان رأسه (دنا في علوه) أي دنوه دنو العلية والإحاطة العلمية
والرأفة والرحمة، وهو لا ينافي علوه عن مناسبة الخلق ومشابهتهم، واستغناءه
عنهم، وعدم وصول عقولهم إلى كنه ذاته وصفاته، وكذا العكس، بل كل من
الجهتين تستلزم الأخرى.
(لجلاله) أي عند جلاله أو عند سبب جلاله، والاحتمالان جاريان في الفقرتين
الآتيتين (مقصرا) حال (إذعانا) مفعول مطلق من غير اللفظ أو مفعول لأجله، و
يحتمل الحالية أي مذعنا (واستعينه) في جميع الأمور لا سيما في الطاعات طالبا
لعصمته عن المعاصي (وأتوكل عليه) أي أعتمد عليه في جميع أموري مفوضا إليه
راضيا بكل ما يأتي به.
(إلها) أي معبودا أو خالقا، والنصب على الحالية (واحدا) لا نظير له (أحدا)
لا تثنية فيه بوجه (فردا) منفردا بخلق الأشياء (صمدا) مقصودا إليه في جميع الأمور
(وترا) لا شريك له في المعبودية.
والاصطفاء والاجتباء والارتضاء متقاربة في المعنى، (بالحق) متلبسا و
مؤيدا به. بشيرا بالثواب، ونذيرا بالعقاب، وداعيا إليه أي إلى الاقرار به وبتوحيده
وما يجب الايمان به من صفاته (باذنه) بتيسيره وتوفيقه وعونه، وسراجا منيرا
يستضاء به من ظلمات الجهالة ويقتبس من نوره أنوار البصائر (ونصح الأمة) أي بذل
الجهد في هدايتهم وإرشادهم (حتى أتاه اليقين) أي الموت المتيقن (في الأولين)
أي معهم أما إذا صلى عليهم.
68 - المتهجد (1): روى زيد بن وهب قال: خطب أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب صلوات الله عليه يوم الجمعة فقال:

(1) مصباح المتهجد: 266.
236

الحمد لله الولي الحميد، الحكيم المجيد، الفعال لما يريد، علام الغيوب،
وستار العيوب، وخالق الخلق، ومنزل القطر، ومدبر الامر، ورب السماوات
والأرض، والدنيا والآخرة، وارث العالمين، وخير الفاتحين، الذي من عظم شأنه
أنه لا شئ مثله.
تواضع كل شئ لعظمته، وذل كل شئ لعزته، واستسلم كل شئ لقدرته
وقر كل شئ قراره لهيبته، وخضع كل شئ من خلقه لملكه وربوبيته، الذي
يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه، وأن (1) تقوم الساعة ويحدث شئ
إلا بعلمه.
نحمده على ما كان، ونستعينه من أمرنا على ما يكون، ونستغفره ونستهديه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ملك الملوك، وسيد السادات، وجبار
السماوات والأرض (2) الواحد القهار، الكبير المتعال، ذو الجلال والاكرام، ديان
يوم الدين، ورب آبائنا الأولين.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله داعيا إلى الحق وشاهدا على الخلق
فبلغ رسالات ربه كما أمره، لا متعديا ولا مقصرا، وجاهد في الله أعداءه لا وانيا
ولا ناكلا، ونصح له في عباده صابرا محتسبا، وقبضه الله إليه وقد رضي عمله، وتقبل
سعيه، وغفر ذنبه، صلى الله عليه وآله.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله، واغتنام طاعته ما استطعتم في هذه الأيام الخالية
الفانية وإعداد العمل الصالح لجليل ما يشفى به عليكم الموت، وآمركم (3) بالرفض
لهذه الدنيا التاركة لكم، الزائلة عنكم، وإن لم تكونوا تحبون تركها، والمبلية
لأجسادكم وإن أحببتم تجديدها، فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا سبيلا، فكأنهم
قد قطعوه وأفضوا إلى علم، فكأنهم قد بلغوه، وكم عسى المجري إلى الغاية أن يجري

(1) لن تقوم خ ل.
(2) جبار الأرض والسماوات خ ل. وهو أقرب بالسجع.
(3) وفى أمركم خ ل.
237

إليها حتى يبلغها، وكم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه، وطالب حثيث من
الموت يحدوه.
فلا تنافسوا في عز الدنيا و فخرها، ولا تعجبوا بزينتها ونعيمها، ولا تجزعوا من
ضرائها وبؤسها، فان عز الدنيا وفخرها إلى انقطاع، وإن زينتها ونعيمها إلى ارتجاع
وإن ضراءها وبؤسها إلى نفاد، وكل مدة منها إلى منتهى، وكل حي فيها
إلى بلى.
أوليس لكم في آثار الأولين وفي آبائكم الماضين معتبر وبصيرة إن كنتم
تعقلون، أو لم تروا إلى الأموات لا يرجعون، وإلى الاخلاف منكم لا يخلدون، قال
الله والصدق قوله (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون)) وقال: (كل نفس
ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة
فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
أو لستم ترون إلى أهل الدنيا وهم يصبحون على أحوال شتى، فمن ميت يبكى
ومفجوع يعزى، وصريع يتلوى، وآخر يبشر ويهنا، ومن عائد يعود، وآخر
بنفسه يجود، وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر
الماضي ما يمضي الباقي، والحمد لله رب العالمين، ورب السماوات السبع ورب
الأرضين السبع، ورب العرش العظيم، الذي يبقى ويفنى ما سواه، وإليه موئل الخلق
ومرجع الأمور، وهو أرحم الراحمين.
إن هذا يوم جعله الله لكم عيدا، وهو سيد أيامكم، وأفضل أعيادكم وقد أمركم الله
في كتابه بالسعي فيه إلى ذكره، فلتعظم فيه رغبتكم، ولتخلص نيتكم، وأكثروا فيه من
التضرع إلى الله، والدعاء ومسألة الرحمة والغفران، فان الله يستجيب لكل مؤمن
دعاءه، ويورد النار كل مستكبر عن عبادته، وقال الله تعالى (ادعوني أستجب لكم
إن الذين يستكبرون عن عبادته سيدخلون جهنم داخرين).
واعلموا أن فيه ساعة مباركة لا يسأل الله فيها عبد مؤمن خيرا إلا أعطاه الله
238

والجمعة واجبة على كل مؤمن إلا الصبي والمرأة والعبد والمريض غفر الله لنا و
لكم سالف ذنوبنا، وعصمنا وإياكم من اقتراف الذنوب بقية أعمارنا، إن أحسن
الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله الكريم، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
إن الله هو السميع العليم.
وكان يقرء قل هو الله أحد أو قل يا أيها الكافرون أو ألهيكم التكاثر أو العصر،
وكان مما يدوم عليه قل هو الله أحد، ثم يجلس جلسة كلا ولا، ثم يقوم
فيقول:
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله عليه وآله، وسلامه
ومغفرته ورضوانه، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، ونبيك وصفيك صلاة
تامة نامية زاكية ترفع بها درجته، وتبين بها فضيلته، وصل على محمد وآل محمد كما
صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم عذب كفرة أهل الكتاب والمشركين، الذين يصدون عن سبيلك، و
يجحدون آياتك، ويكذبون رسلك، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق الرعب في
قلوبهم، وأنزل عليهم رجزك ونقمتك وبأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.
اللهم انصر جيوش المسلمين، وسراياهم ومرابطيهم، حيث كانوا في مشارق
الأرض ومغاربها إنك على كل شئ قدير.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، ولمن هو لاحق
بهم، واجعل التقوى زادهم، والجنة مآبهم، والايمان والحكمة في قلوبهم، وأوزعهم
أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم، وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، إله
الحق وخالق الخلق آمين.
إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر
والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله فإنه ذاكر لمن ذكره، وسلوه رحمته
239

وفضله، فإنه لا يخيب عليه داع من المؤمنين دعاه، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (1).
توضيح: (الحمد لله الولي) أي المتولي لأمور العالم والخلايق، القائم بها
أو المستحق لجميع المحامد باستجماعه للكمالات، وقيل هو الناصر (الحميد) أي
المحمود على كل حال، فعيل بمعنى مفعول (الحكيم) هو فعيل بمعنى الفاعل أي
الحاكم، وهو القاضي كما قيل، أو بمعنى مفعل أي الذي يحكم الأشياء ويتقنها، و
قيل ذو الحكمة، وهي عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، أو الذي لا يفعل شيئا
إلا لغرض أو منفعة تصل إلى غيره تعالى.
(المجيد) ذو المجد والعظمة والكبرياء، وفي النهاية المجد في كلام العرب
الشرف لواسع، ورجل ماجد: مفضال كثير الخير شريف، والمجيد فعيل منه للمبالغة
وقيل هو الكريم الفعال، وقيل أما إذا
قارن شرب الذات حسن الفعال سمي مجدا و
فعيل أبلغ من فاعل، فكأنه يجمع معنى الجليل والوهاب والكريم.
(الفعال لما يريد) أما إذا
كان مشتملا على الحكم الكثيرة والمنافع الغزيرة
(علام الغيوب) أي كثير العلم بما يغيب عن حواس الخلق وعقولهم، بحيث لا تخفى
عليه خافية، والقطر جمع قطرة وهي المطر.
وفي الفقيه (2) (ومدبر أمر الدنيا والآخرة ووارث السماوات والأرض) أي
تنتقل السماوات والأرض من الخلايق إليه تعالى أو الباقي بعد فنائهما، أو الوارث للخلق في
السماوات والأرض من قبيل مصارع البلد (من عظم شأنه) أي مرتبته أو فعله أو جميع ما
يتعلق به وفي الفقيه (الذي عظم شأنه فلا شئ مثله).
(تواضع كل شئ) أي من ذوي العقول أو الأعم لنفوذ قدرته وإرادته في
كل ما يريد منها (لعظمته) أي عندها أوله تعالى بسببها، وكذا البواقي والعزة الغلبة
والشدة والقوة والاستيلاء على الأشياء.

(1) مصباح المتهجد: 266.
(2) الفقيه ج 1 ص 275.
240

والضمير في (قراره) راجع إلى الشئ وإرجاعه إلى الله بعيد أي جعل لكل
شئ بحسب الأمكنة الظاهرة والباطنة والدرجات الصورية والمعنوية والاستعدادات
والقابليات مقرا لا يمكنه تعديه وتجاوزه فكأنه يهابه، فعبر عن عدم تجاوزهم
عن مقتضى إرادته ومشيته بالهيبة، لان من يهاب أحدا لا يخرج عن أمره، وإن
كان ظاهره أن للجمادات أيضا شعورا كما قيل، والملكة المالكية والسلطنة، و
الخضوع الانقياد والطاعة.
أن تقع أي من أن تقع أو كراهة أن تقع (إلا باذنه) أي إلا بمشيته وذلك
يوم القيامة (وأن تقوم) عطف على السماء، وربما يقرء بالكسر بناء على كونها
نافية، ويكون من عطف الجملة على الجملة، وكذا الجملة التالية تحتمل الوجهين،
والاحتمال الأخير بعيد فيهما.
(نحمده على ما كان) من النعماء والضراء (ونستعينه من أمرنا على ما
يكون) أي على ما يكون بعد ذلك من أمورنا للدنيا والآخرة، وفي النهج (1)
بعده: ونسأله المعافاة في الأديان كما نسأله المعافاة في الأبدان، يقال: عافاه الله
من المكروه معافاة وعافية، أي وهب له العافية، وقيل المعافاة أن يعافيك الله من
الناس ويعافيهم منك، والتشبيه لشدة اهتمام الناس بالمشبه به، وإن كان المشبه أهم
وأحرى بالطلب عند أولى الألباب.
(وجبار الأرضين والسماوات) أي الجبار فيهما أو جبارهما بايجادهما و
إعدامهما وساير ما يتصرف فيهما، قال في النهاية: الجبار في أسمائه تعالى الذي يقهر
العباد على ما أراد من أمر ونهي، وقيل هو العالي فوق خلقه (القهار)) أي الغالب
على جميع الخلق أو معذبهم أو قهر العدم وأوجد الأشياء منه (الكبير) أي العظيم
ذو الكبرياء والمتعالي عن صفات الخلق، حذفت الياء تخفيفا وأبقيت الكسرة
لتدل عليها.

(1) نهج البلاغة تحت الرقم 97 من قسم الخطب التقط منها غررها، وهي نحو
عشرين بيتا منها، أوله: نحمده على ما كان الخ.
241

(ذو الجلال) أي الاستغناء المطلق، (والاكرام) أي الفضل العام (ديان يوم الدين)
أي الحاكم أو المجازي أو المحاسب في يوم الجزاء، قال الجوهري: الدين الجزاء والمكافأة
ومنه الديان في صفته تعالى.
(أرسله داعيا إلى الحق) أي إلى الله فإنه الحق الثابت الذي لا يتغير، أو
إلى دين الحق، وفي الفقيه (أرسله بالحق داعيا إلى الحق وشاهدا على الخلق)
قال الوالد قدس سره: أي الأنبياء والأئمة فإنهم الخلق حقيقة كما قال تعالى (ويوم
نبعث من كل أمة شهيدا وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) وقد ورد بذلك تفسيره في الأخبار الكثيرة
، أو الأعم لعدم المنافاة.
(لا متعديا) بأن يبلغ ما لم يوح إليه (ولا مقصرا) بأن لا يبلغ ما أوحي إليه
(وجاهد في الله) أي له وفي سبيله (لاوانيا) من الونى بمعنى الضعف والفتور، (ولا
ناكلا) أي جبانا ممتنعا من الجهاد لذلك (ونصح له) أي أطاع أمره وأخلص النية
فيه أو نصح للعباد خالصا لوجهه سبحانه أو الأعم، قال الجزري فيه إن الدين النصيحة
لله ورسوله ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم، النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة
هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة
تجمع معناه غيرها، وأصل النصح في اللغة الخلوص يقال: نصحته ونصحت له، و
معنى نصيحة الله الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته، والنصيحة
لكتاب الله هو التصديق والعمل بما فيه، ونصيحة رسول الله صلى الله عليه وآله التصديق بنبوته
والانقياد لما أمر به ونهى عنه، ونصيحة الأئمة إطاعتهم، ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم
إلى مصالحهم انتهى.
(صابرا) على ما يلحقه من الأذى في ذلك (محتسبا) أي طالبا للاجر فيه
خالصا لله (وغفر ذنبه) أي ما صدر عنه من ترك الأولى أو المباحات، فان حسنات
الأبرار سيئات المقربين، أو ذنب من يستحق المغفرة من أمته، نسب إليه مجازا
أو الذنب الذي كان المشركون ينسبونه إليه من جعل الآلهة إلها واحدا فغفر وستر
ورفع ذلك بترويج الدين وقمع رؤساء المشركين وقد مر الكلام فيه مستوفى في محله.
242

والخالية الماضية أي إنها بمعرض الانقضاء والزوال، وأشفى على الشئ أشرف
أي إعداد العمل للأمور العظيمة التي جعلها الموت مشرفة عليكم قريبة منكم من
سكرات الموت وأهوال القبر وعقوباته وغيرها، أو أشرف الموت عليكم معها.
(وآمركم) وفي بعض النسخ في أمركم فهو متعلق بقوله يشفي أي في الأمور
المتعلقة بكم، وقوله: (بالرفض) متعلق بالاعداد أي بأن ترفضوا، أو حال عن فاعل
الاعداد، والباء للملابسة أي متلبسين بالرفض، أو في أمركم متعلق بقوله أوصيكم
بأن يكون الامر مصدرا وبالرفض متعلقا به، وشئ منها لا يخلو من تكلف
(وآمركم) أظهر، وفي الفقيه (بتقوى الله واغتنام ما استطعتم عملا به من طاعته في هذه
الأيام الخالية وبالرفض) وفي النهج (أوصيكم بالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم
وإن لم تحبوا تركها، والمبلية لأجسامكم وإن كنتم تحبون تجديدها) والرفض
الترك، والإضافة في قوله: (تركها) من إضافة المصدر إلى المفعول أي لا تحبكم
الدنيا مع حبكم لها ولا تعاملكم بما يقتضيه حبكم، أو إلى الفاعل أي تترككم البتة
وإن كنتم كارهين لذلك، ولا يبالي بسخطكم، وكذا الإضافة في (تجديدها) يحتمل
الوجهين.
(كركب) وفي النهج (كسفر) والركب جمع راكب كسفر جمع سافر، والفاء
في قوله: (فإنما مثلكم) للتعليل وما بعدها علة لكون الدنيا تاركة لهم وحقيقا
بالرفض، وفي بعض النسخ بالواو، والمثل بالتحريك في الأصل بمعنى النظير، ثم
استعمل في كل صفة وحال وقصة لها غرابة وشأن.
والغرض تشبيه حالهم بالمسافرين، وحال الدنيا بالسبيل في قرب انقضاء السفر
والوصول إلى الغاية، فكأنهم في حال كونهم غير قاطعين للسفر قاطعون له لشدة قرب
إحدى الحالتين من الأخرى، قال ابن ميثم: فائدة (كان) في الموضعين تقريب الأحوال
المستقبلة من الأحوال الواقعة.
(وأفضوا إلى علم) أي خرجوا إلى الفضاء متوجهين إلى علم، قال الجوهري
243

الفضاء الساحة وما اتسع من الأرض يقال: أفضيت أما إذا
خرجت إلى الفضاء انتهى،
وفي النهج (أموا علما) أي قصدوا، والعلم بالتحريك المنار والجبل في الطريق
يهتدى به.
(وكم عسى) استفهام في معنى التحقير لمدة الجري والبقاء، وفي النهج في الثاني
(وما عسى) والغاية نهاية السير وإجراء الفرس إرساله وحمله على السير، وفي النسخ
مضبوطة على بناء اسم الفاعل، والفعل على بنائه ويمكن أن يقرء على بناء المفعول
فيهما، كما لا يخفى.
وعدا الامر وعنه أي جاوزه وتركه، والحثيث المسرع الحريص، والطالب
الحثيث هو الموت أو أسبابه، فكلمة (من) على الأول للبيان، وعلى الثاني للابتداء
وحدوته على السير أي حثثته وبعثته عليه، ومنه الحداء للغناء المعروف للإبل (فلا تنافسوا)
المنافسة الرغبة في الشئ والانفراد به لنفاسته وجودته، في أكثر نسخ الفقيه (تتنافسوا)
على صيغة التفاعل والمعنى واحد.
(ولا تعجبوا) بفتح التاء والجيم من قولهم عجب بالشئ كعلم أما إذا
عظم موقعه
عنده، وعده عجيبا، أو بضم التاء من بناء المفعول من الاعجاب من قولهم أعجبه
إذا حمله على العجب منه، وفلان معجب برأيه بالفتح، والجزع نقيض الصبر، و
الضراء الحالة التي تضر، والبؤس شدة الحاجة.
(إلى انقطاع) متعلقه راجع أو آئل ونحوهما، وكذا فيما سيأتي من الظروف
والنفاد الفناء والذهاب، والبلى بالكسر والقصر الخلق والاندراس.
وفي النهج: وكل مدة فيها إلى انتهاء وكل حي فيها إلى فناء أوليس لكم
في آثار الأولين مزدجر وفي آبائكم الماضين تبصرة ومعتبر إن كنتم تعقلون أولم
تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، وإلى الخلف الباقي لا يبقون.
والأثر محركة بقية الشئ وعلامته، ونقل الحديث، وهنا يحتمل الكل
والمزدجر يحتمل المكان والمصدر، وهو غير موجود في بعض النسخ، والتبصرة مصدر
244

بصره تبصيرا أي جعله بصيرا وعرفه، والمعتبر أيضا يحتمل المكان والمصدر، و
الاعتبار الاتعاظ، والخلف بالتحريك كل من يجئ بعد من مضى، وكذا بالسكون
إلا أنه بالتحريك في الخير، وبالتسكين في الشر، وفي المقام أعم، والاخلاف
جمعه.
(وحرام على قرية أهلكناها) (1) أي ممتنع على أهل قرية حكمنا باهلاكها

(1) الأنبياء: 95، والمراد بالحرام في لغة العرب ما نعبر عنه بالفارسية غدغن
ومعناه العزيمة المؤكدة كالتي يصدر من الملوك والحكام في الأمور الاجتماعية ونظام المجتمع
إذا كانت ذات أهمية خاصة، فيهدد ناقض تلك العزيمة والهاتك لهذه الحرمة بأشد
النكال والنقمة.
وتلك العزيمة قد يكون في أمر يجب اتيانه وقد يكون في أمر يجب الانتهاء عنه،
يستفاد ذلك بالقرائن اللفظية والحالية المقامية، كما قال عز وجل: (قل تعالوا أتل ما
حرم ربكم عليكم: ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا أولادكم من أملاق نحن
نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله
الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون، ولا تقربوا ما اليتيم الا بالتي هي أحسن حتى
يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط - لا نكلف نفسا الا وسعها - وإذا قلتم
فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون (الانعام:
(151 - 152).
فقد عزم الله عز وجل في هذه الأمور وبعضها فعل وبعضها ترك فعل وقد ورد بذلك
آيات كثيرة في القرآن الكريم وعلى ذلك قول الخنساء:
وان حراما لا أرى الدهر باكيا * على شجوة الا بكيت على صخر
فعلى هذا يكون معنى قوله عز وجل: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون)
واضحا لا ريب فيه، يعنى أننا عزمنا عزيمة مؤكدة مولوية على القرى التي نستأصل أهلها
بالعذاب والنقمة أنهم لا يرجعون إلى الحياة الدنيا في الرجعة، فتفيد الآية بمفهومها أن
غيرهم قد يرجع إلى الدنيا كما تعتقده الشيعة الإمامية تبعا لائمة أهل البيت عليهم الصلاة
والسلام والتحية والاكرام.
ولعل الوجه في ذلك أن الله عز وجل إنما خلق الموت والحياة ليبلوهم أيهم أحسن
عملا، وقد لا يتهيأ في نظام الخلقة وخصوصا في أدوار الفترة بلاؤهم وفتنتهم بحيث يظهر
سرائرهم وتتم الحجة عليهم (فيقضى عليهم اما بالنار أو الجنة قضاء حتم) أو يحول بين بلائهم
الموت المقدر لهم من دون أن يكون ذلك نقمة عليهم واستئصالا لهم، فلا من رجوعهم إلى
الحياة الدنيا ليتم بلاؤهم، على ما ورد بذلك روايات أهل البيت عليهم السلام.
ولعل ما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام أن تمام الرجعة أو جلها ومعظمها
إنما تكون بعد ظهور دولة الحق بظهور المهدى المنتظر عليه الصلاة والسلام - حيث يكون
الجو صالحا لاعمال الخير، ودعائم الشيطان والطغيان منكسرة بالعكس من أيامنا هذه -
إنما هو لئلا يعذر معتذرهم يوم القيامة أنه قد عاقه عن الخير والعمل الصالح ما كان مسلطا على
جوه مع الطغيان ووساوس الشيطان، أو يدعى مدعيهم بأن ولادته في البيت الفلاني الغاشم
الظالم أو مجتمع الشرك والضلال وبيئة الفحشاء والفساد هو الذي أخذ بناصيته إلى الكفر
والعصيان، ولذلك يحكى القرآن العزيز عنهم: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا
بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل).
وأما إذا كان في عمل الانسان الواحد أو القوم والمجتمع ما يسجل عليه أو عليهم
البوار والنار قضاء حتم كالذي يستعجل بالشر ويباهل النبي أو يقترح عليه أن يأتي بآية
كذا وكذا فيؤتاه ولا يؤمن به عنادا، أو يقتل نفسه دفعا للبلاء الذي توجه إليه وغير ذلك من
الموارد التي لا مجال للبحث عنها، فحينئذ يتم بلواؤه ويظهر سريرته ويحتم عليه بالهلاك
وإذا أهلكه الله عز وجل بعذاب نازل إليه أو إليهم لا يبقى مجال لإقالتهم عن البلوى الأولى،
وارجاعهم إلى دار الامتحان مجددا وهو واضح.
وأما قوله عز وجل: (حتى أما إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلى أعمل
صالحا فيما تركت. كلا! انها كلمة هو قائلها. ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)
(المؤمنون: 100) فلا ينافي الرجعة أبدا كما أنه لا ينافي قوله عز وجل: (ربنا أمتنا
اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) وغير ذلك من الآيات
التي تنص على أن هناك موتين وحياتين.
وذلك لان الآية نزلت في جمع خاص من معاندي النبي صلى الله عليه وآله وقد حتم عليهم بالنار
قضاء حتم، حيث يقول عز وجل قبلها (قل رب اما تريني ما يوعدون * رب فلا تجعلني في
القوم الظالمين * وانا على أن نريك ما نعدهم لقادرون.... حتى أما إذا جاء أحدهم الموت)
الآية.
فعلى هذا عدم رجوع هذه الجماعة من المعاندين الذين وعد النبي صلى الله عليه وآله اهلاكهم،
وهم الذين أهلكهم الله ببدر، إنما كان طبقا لحكم هذه الآية الكريمة: (وحرام على
قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) ولا منافاة بينهما وهو واضح.
245

أو وجدناها هالكة (أنهم لا يرجعون) أي رجوعهم إلى التوبة أو إلى الحياة، و (لا)
زائدة أو عدم رجوعهم للجزاء وهو مبتدء خبره حرام، أو فاعل له ساد مسد خبره
246

أو دليل عليه وتقدير توبتهم، أو حياتهم، أو عدم بعثهم، أو لأنهم لا يرجعون ولا ينيبون.
(وحرام) خبر محذوف أي وحرام عليها ذلك، وهو المذكور في الآية المتقدمة
(فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون) وقيل حرام
أي عزم وموجب عليهم أنهم لا يرجعون.
(كل نفس ذائقة الموت) وعد ووعيد للمصدق والمكذب (وإنما توفون
أجوركم) أي تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرا تاما وافيا (يوم القيمة) أي
يوم قيامكم من القبور، وقيل: لفظ التوفية يشعر بأنه قد يكون قبلها بعض الأجور
يعني في البرزخ.
(فمن زحزح عن النار) أي بعد عنها (فقد فاز) بالنجاة ونيل المراد والفوز الظفر
بالبغية (وما الحياة الدنيا) أي لذاتها وزخارفها (إلا متاع الغرور) شبهها بالمتاع
الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه، والغرور مصدر وجمع غار.
(أو لستم ترون إلى أهل الدنيا) في النهج (ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون
على أحوال شتى فميت يبكى وآخر يعزى، وصريع مبتلى) والباقي بالرفع و
كأن الرؤية ضمنت هنا معنى النظر، وشت الامر تفرق، وأشياء شتى أي متفرقة
247

وبكيته وبكيت عليه بمعنى، والعز الصبر والتعزية الحمل عليه.
والصريع المطروح على الأرض، والمراد هنا الجريح المشرف على القتل أو
المريض العاجز عن القيام، واللي فتل الحبل والتلوي عند المرض والشدة مجاز
شائع في عرف العرب والعجم، وقوله: (يعود) على ما في النهج [أي] يعيد الاشتغال
بالعيادة بالفعل وقيل مشتق من العود لإفادة التكرار وهو بعيد.
ويقال: يجود فلان بنفسه أما إذا
كان يخرجها وهي تفارقه كأنه يهب نفسه و
يسخي بها (وغافل)) أي عن الموت وما يراد به وما يصيبه من المكاره والمصائب،
وما يكتب عليه من الخطايا (وليس بمغفول عنه) فان الكتبة يحفظون عمله، والله
سبحانه رقيب عليه، والمقادير متوجهة عليه.
وفلان يمضي على أثر فلان أي يحذو حذوه كأنه يضع القدم على أثر قدمه،
وكلمة (ما) فيما يمضى مصدرية أو زائدة، والمعنى شأن الباقين في الأمور المذكورة
ما شاهدتموه من أحوال الماضين، أو المراد يمضي الباقون كما مضى من مضى وعاقبة
الجميع الفناء، وقيل: أي على أثر من سلف يمضي من خلف فتزودوا فان خير الزاد
التقوى.
(ويفنى) على بناء المجرد، يمكن أن بقرء على بناء الافعال، والموئل
الملجأ وفي الفقيه (يؤول الخلق ويرجع الامر).
(ألا إن هذا يوم) وفي بعض النسخ (اليوم) وفي الفقيه (إن هذا اليوم يوم)).
(إن الذين يستكبرون عن عبادتي) أي دعائي، سماه عبادة ترغيبا إليه و
إيذانا بأنه ينبغي أن يكون الدعاء مقصودا بالذات للداعي ولا يمل منه لعدم الإجابة
وقيل: المراد بالدعاء في قوله: (ادعوني) العبادة، والأول هو مدلول الصحيفة السجادية
والأخبار الكثيرة، والدخور الصغار والذل.
وفي الفقيه (لا يسأل الله عبد مؤمن فيها شيئا إلا أعطاه، والجمعة واجبة على
كل مؤمن إلا على المريض والصبي والشيخ الكبير والمجنون والأعمى والمسافر
248

والعبد المملوك، ومن كان على رأس فرسخين) إلى قوله: (من اقتراف الآثام بقية
أيام دهرنا) إلى قوله: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو الفتاح
العليم).
(وكان مما يدوم عليه) أي يقرؤه في غالب الأوقات، قوله: (صلوات الله
عليه) في الفقيه (صلوات الله وسلامه عليه وآله ومغفرته ورضوانه).
(زاكية) أي نامية تأكيدا، أو طاهرة من النيات والعقائد الفاسدة وغيرها
مما يوجب عدم قبولها.
(ترفع بها درجته) في الآخرة (وتبين بها فضيلته) في الدنيا، أو الأعم فيهما
وفي الفقيه (فضله). (كفرة أهل الكتاب) لعله أراد عليه السلام لصوص الخلافة الثلاثة وأتباعهم
فالمراد بالسبيل والآيات الأئمة عليهم السلام كما مر في الاخبار.
والزجر العذاب، والسرايا جمع السرية وهي قطعة من الجيش، ويمكن أن
يراد بالمسلمين المؤمنون الكاملون المنقادون لله في أوامره ونواهيه وبالمؤمنين غيرهم
أو يراد بالمؤمنين الكاملون وبالمسلمين غير الكمل منهم، أو يراد بالمؤمنين كل من
صحت عقائده، وبالمسلمين المستضعفون من المخالفين.
(ولمن هو لاحق بهم) أي المستضعفين وأهل الكبائر من المؤمنين على بعض
الوجوه في الفقرتين السابقتين، وعلى بعضها المراد بالمؤمنين والمسلمين الموجودون
أو هم مع من مضى، وبمن هو لاحق بهم، من يأتي بعده، وليست هذه الفقرة في الفقيه
ههنا لكن زاد بعد قوله وخالق الخلق (الهم اغفر لمن توفي من المؤمنين والمؤمنات
والمسلمين والمسلمات ولمن هو لاحق بهم من بعدهم منهم إنك أنت العزيز الحكيم)
وهو أظهر.
وفي النهاية اللهم أوزعني شكر نعمتك أي ألهمني وأولعني انتهى (إله الحق)
لعله من إضافة الموصوف إلى الصفة، كقولهم رجل صدق، أو الا له المنسوب إلى الحق
فإنه يلهم الحق ويعطيه من يشاء، كل ما ينسب إليه فهو حق من دينه وكتابه
وشرعه ورسله، وهو يحق الحق بكلماته.
249

(إن الله يأمر بالعدل) قيل هو التوسط في الأمور اعتقادا وقولا وعملا (و
الاحسان) أي إحسان الطاعات كمية وكيفية، أو العدل بين الناس والاحسان إليهم
وقيل: العدل التوحيد والاحسان أداء الفرائض، وقيل: العدل في الافعال والاحسان
في الأقوال، وقيل: العدل أن ينصف وينتصف، والاحسان أن ينصف ولا ينتصف
(وإيتاء ذي القربى) أي إعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه أو أقارب الرسول صلى الله عليه وآله
حقوقهم من الخمس وغيره كما ورد في الاخبار.
(وينهى عن الفحشاء) أي الافراط في متابعة القوى الشهوية كالزنا (والمنكر)
أي ما ينكر على متعاطيه في إثارة القوة الغضبية (والبغي) أي الاستعلاء والاستيلاء
على الناس والتجبر عليهم بالشيطنة التي هي مقتضى القوة الوهمية قيل: لا يوجد من
الانسان شئ إلا وهو مندرج في هذه الاقسام، صادر بتوسط إحدى هذه القوى
(يعظكم) بالأمر والنهي والمميز بين الخير والشر (لعلكم تذكرون) أي تتعظون
وقرئ بتخفيف الذال وتشديدها.
69 - المتهجد وجمال الأسبوع: وأما القنوت فيها، فان صلى جماعة
ففيها قنوتان أحدهما في الركعة الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعد الركوع، وإن
صلى منفردا فقنوت واحد، ويستحب أن يقنت بهذا الدعاء: اللهم إني أسئلك لي
ولوالدي ولولدي وأهل بيتي وإخواني اليقين والعفو والمعافاة والمغفرة والرحمة
والعافية في الدنيا والآخرة.
وروى أبو حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قنوت الجمعة
كلمات الفرج ويقول: (يا الله الذي ليس كمثله شئ صل على محمد وآل محمد، صلاة
كثيرة طيبة مباركة، اللهم أعط محمدا وآل محمد جميع الخير كله، واصرف عن محمد و
آل محمد الشر كله، اللهم اغفر لي وارحمني وتب على وعافني ومن علي بالجنة
طولا منك، ونجني من النار، واغفر لي ما سلف من ذنوبي، وارزقني العصمة فيما
بقي من عمري أن أعود في شئ من معاصيك أبدا حتى تتوفاني وأنت عني راض،
250

وأثبت لي عندك الشهادة، ثم لا تحولني عنها أبدا برحمتك.
يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي على دينك وطاعتك ودين رسولك، و
ثبت قلبي على الهدى برحمتك، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة
إنك أنت الوهاب (1).
وروى مقاتل بن مقاتل قال: قال أبو الحسن الرضا عليه السلام: أي شئ تقول في
قنوت صلاة الجمعة قال: قلت: ما يقول الناس قال: لا تقل كما يقولون، ولكن قل:
اللهم أصلح عبدك وخليفتك بما أصلحت به أنبياءك ورسلك، وحفه بملائكتك،
وأيده بروح القدس من عندك، واسلكه من بين يديه ومن خلفه رصدا يحفظونه من
كل سوء، وأبد له من بعد خوفه أمنا يعبدك لا يشرك بك شيئا، ولا تجعل لاحد من
خلقك على وليك سلطانا، واذن له في جهاد عدوك وعدوه، واجعلني من أنصاره
إنك على كل شئ قدير (2).
وروى المعلى بن خنيس قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليكن من قولكم
في قنوت الجمعة اللهم إن عبيدا من عبادك الصالحين قاموا بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله
فأجزهم عنا خير الجزاء (3).
وروى سليمان بن حفص المروزي عن أبي الحسن علي بن محمد الرضا يعني
الثالث عليه السلام قال: قال: لا تقل في صلاة الجمعة في القنوت (والسلام على المرسلين).
وقال سمع علي بن محمد القاشاني مسائل أبي الحسن الثالث سنة أربع وثلاثين
ومائتين (4).
بيان: قوله: (ويستحب أن يقنت) قال الصدوق في الفقيه (5): روي عن
زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: القنوت كله جهار، والقول في قنوت الفريضة في الأيام

(1) مصباح المتهجد: 255.
(2) المصباح: 256.
(3) المصباح: 257.
(4) المصباح: 257.
(5) الفقيه ج 1 ص 209.
251

كلها إلا في الجمعة: اللهم إني أسألك لي ولوالدي إلى آخر ما مر، وفهم الأكثر
أنه جزء الخبر الصحيح، وعندي أنه يحتمل أن يكون كلام الصدوق بل هو أظهر،
وعلى التقديرين ينافي ما ذكره الشيخ، ويمكن الجمع بحمل كلام الصدوق على أن
مراده أن قراءة ما رواه عن أبي جعفر عليه السلام في الجمعة وهو (اللهم تم نورك إلى
آخر ما مر) (1) أحسن من هذا الدعاء، لا عدم استحبابه، وفي الفقيه (وإخواني
المؤمنين فيك).
قوله: (في اليقين) أي في جميع العقايد الحقة الايمانية، لا سيما في أمور
المعاد والقضاء والقدر، وربما يشعر بعض الأخبار بتخصيصه بأحد الأخيرين (و
المعافاة) أن تسلم من شر الناس ويسلموا من شرك، قوله: (اللهم أصلح عبدك)
ظاهره رجحان صلاة الجمعة في زمان عدم استيلاء الامام، وحمله على الجمعة مع المخالفين
بعيد إذ لا إطلاق الجمعة على ما يفعل معهم مجاز.
(واسلكه من بين يديه) إشارة إلى قوله سبحانه (عالم الغيب فلا يظهر على
غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم
أن قد أبلغوا رسالات ربهم) (2) الآية فقيل: الرصد الطريق أي يجعل له إلى علي
من كان قبله من الأنبياء والسلف، وعلم ما يكون بعده طريقا، وقيل: هو جمع
راصد بمعنى الحافظ أي يحفظ الذي يطلع عليه الرسول فيجعل من بين يديه وخلفه رصدا
من الملائكة يحفظون الوحي من أن تسترقه الشياطين فتلقيه إلى الكهنة وقيل رصدا
من بين يدي الرسول ومن خلفه، وهم الحفظة من الملائكة يحرسونه من شر الأعداء
وكيدهم.
وقيل: المراد به جبرئيل أي يجعل بين يديه ومن خلفه رصدا كالحجاب تعظيما
لما يتحمله من الرسالة، والظاهر من الدعاء المعنى الثالث، ثم الظاهر على سياق
الآية (واسلك) بدون ضمير، وفيما رأينا من النسخ المعتبرة مع الضمير، وكأن

(1) راجع ج 87 ص 198 - 199 باب كيفية صلاة الليل.
(2) الجن: 28.
252

التصحيف من الناسخ الأول، وإرجاع الضمير إلى روح القدس يأبى عنه قوله: (يحفظونه).
ويمكن إرجاعه إلى العبد، فيكون (من بين يديه) بدلا من الضمير، أو المراد اسلك
له، بارتكاب حذف وإيصال.
قوله: (وقال سمع) لعله - ره - ذكر ذلك لرفع استبعاد رواية المروزي عن
أبي الحسن الثالث، إذ كان المروزي في زمن الرضا عليه السلام من علماء بلاد خراسان
ووقع بينه وبينه عليه السلام مناظرات عند المأمون وإن المروزي ذكر ذلك تأييدا لقوله
بأن القاساني سمع أيضا ذلك في جملة ما سمع من مسائله، وعلى التقديرين فاعل
(قال) المروزي، ويحتمل أن يكون الفاعل الراوي المتروك ذكره، ويكون القاساني
راويا عن المروزي سمع منه هذه المسائل في التاريخ المذكور (*) ويحتمل العكس و
هو أبعد، وبالجملة الكلام لا يخلو من اضطراب، والنهي عن السلام في القنوت لعله
على الكراهة، وإن كان الأحوط الترك، وقد مر الكلام فيه (1).
70 - جمال الأسبوع: باسناده عن الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد
ابن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن بعض أصحابنا، عن سماعة، عن أبي بصير، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: القنوت قنوت الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة، تقول في
القنوت لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب
السماوات السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين
اللهم صل على محمد كما هديتنا به، الله صل على محمد كما كرمتنا به، اللهم اجعلنا
ممن اخترنه لدينك، وخلقته لجنتك، الله لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من
لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (2).
أقول: الأولى ضم الصلاة على الآل في نسخ الدعاء للنهي عن الاقتصار

* وهو المقطوع على ما يظهر من الرجال.
(1) راجع ج 85 ص 206، وعندي أن التسليم هكذا لا بأس به فان السلام اسم من
أسماء الله تعالى عز وجل فيكون دعاء لهم عليهم السلام، ولما كان هذا غيابا لم يصدق عليه
تسليم التحية حتى يكون مخرجا عن الصلاة.
(2) الكافي ج 3 ص 426.
253

على الصلاة عليه بدون آله صلى الله عليه وآله، وإن ترك هنا تقية أو من الرواة
وقوله: (كما هديتنا به) أي صلاة تناسب حقه علينا بالهداية في العظمة والجلالة
و (ما) مصدرية أو كافة (من اخترته لدينك) أي وفقنا لاختياره، فنكون ممن
خلقته لجنتك، فان المؤمنين مخلوقون لها.
(لا تزغ قلوبنا) الزيغ الميل إلى الباطل، وقيل فيه وجوه: الأول أن المعنى
لا تمنعنا لطفك الذي معه تستقيم القلوب، فتميل قلوبنا عن الايمان بعد إذ وفقتنا بألطافك
حتى هديتنا إليك، الثاني أن معناه لا تكلفنا من الشدائد ما يصعب علينا فعله وتركه
فيزيغ قلوبنا بعد الهداية، الثالث أنه قد يكون الدعاء بما وجب عليه سبحانه فعله
على سبيل الانقطاع كقوله تعالى: (قال رب الحكم بالحق)) (1).
(من لدنك رحمة) قيل أي من عندك لطفا نتوصل به إلى الثبات على
الايمان، وقيل نعمة وقيل مغفرة (إنك أنت الوهاب) لكل سؤال.
71 - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام
عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أربعة يستقبلون العمل: المريض أما إذا
برئ، والمشرك إذا أسلم، والمنصرف من الجمعة إيمانا واحتسابا، والحاج (2).
وعن علي عليه السلام أنه قال: يوشك أحدكم أن يتبدا حتى لا يأتي المسجد إلا
يوم الجمعة ثم يستأخر حتى لا يأتي الجمعة إلا مرة ويدعها مرة ثم يستأخر حتى
لا يأتيها فيطبع الله على قلبه (3).
وعن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال: صلاة الجمعة فريضة، والاجتماع
إليها مع الإمام العدل فريضة، فمن ترك ثلاث جمع على هذا فقد ترك ثلاث فرائض
ولا يترك ثلاث فرائض من غير علة ولا عذر إلا منافق (4).

(1) الأنبياء: 112.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 179.
(3) الدعائم ج 1 ص 180 ويتبدى أي يقيم بالبادية.
(4) الدعائم ج 1 ص 180.
254

وعن علي عليه السلام أنه قال: ليس على المسافر جمعة ولا جماعة ولا تشريق، إلا
في مصر جامع (1).
وعن جعفر عليه السلام أنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله بخمس وثلاثين صلاة في كل
سبعة أيام، منها صلاة لا يسع أحدا أن يتخلف عنها إلا خمسة: المرأة والصبي و
المسافر والمريض والمملوك، يعني صلاة الجمعة مع الإمام العدل (2).
وعن علي عليه السلام أنه قال: أما إذا
شهدت المرأة والعبد الجمعة أجزءت عنهما من
صلاة الظهر (3).
وعن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال: تجب الجمعة على من كان منها على
فرسخين أما إذا
كان الامام عدلا (4).
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: يجمع القوم يوم الجمعة أما إذا
كانوا خمسة
فصاعدا، وإن كانوا أقل من خمسة لم يجمعوا (5).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: التهجير إلى الجمعة حج فقراء
أمتي (6).
وعن علي عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا
نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) قال: ليس السعي الاشتداد و
لكن يمشون إليها مشيا (7).
وعنه عليه السلام أنه كان يمشي إلى الجمعة حافيا [تعظيما لها] ويعلق نعليه
بيده اليسرى ويقول: إنه موطن لله وهذا منه عليه السلام تواضع لله عز وجل لا
على أن ذلك شئ يجب، ولا يجزي غيره، ولا بأس بالانتعال والركوب إلى
الجمعة (8).
وعن علي بن الحسين عليه السلام أنه كان يشهد الجمعة مع أئمة الجور تقية، ولا
يعتد بها، ويصلي الظهر لنفسه (9).

(1) الدعائم ج 1 ص 181.
(2) الدعائم ج 1 ص 181.
(3) الدعائم ج 1 ص 181.
(4) الدعائم ج 1 ص 181.
(5) الدعائم ج 1 ص 181.
(6) الدعائم ج 1 ص 181.
(7) الدعائم ج 1 ص 181.
(8) الدعائم ج 1 ص 182.
(9) الدعائم ج 1 ص 182.
255

وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: لا جمعة إلا مع إمام عدل تقى (1).
وعن علي عليه السلام أنه قال: لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة إلا بامام
عدل (2).
وعنه عليه السلام أنه قال: الناس في إتيان الجمعة ثلاثة رجال: رجل حضر الجمعة
للغو والمراء، فذلك حظه منها، ورجل جاء والامام يخطب فصلى فان شاء الله أعطاه
وإن شاء حرمه، ورجل حضر قبل خروج الامام فصلى ما قضي له ثم جلس في إنصات
وسكون، حتى خرج الامام، إلى أن قضيت، فهي كفارة لما بينها و بين الجمعة
التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك، لان الله يقول: (من جاء بالحسنة فله عشر
أمثالها) (3).
وعنه عليه السلام أنه قال: لان أجلس عن الجمعة أحب إلى من أن أقعد حتى
إذا جلس الامام جئت أتخطى رقاب الناس (4).
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: أما إذا قام الامام يخطب فقد وجب على الناس
الصمت (5).
وعن علي عليه السلام أنه قال: لا كلام والامام يخطب ولا التفات، إلا بما يحل
في الصلاة (6).
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: لا كلام حتى يفرغ الامام من الخطبة، فإذا
فرغ منها فتكلم ما بينك وبين افتتاح الصلاة إن شئت (7).
وعن علي عليه السلام أنه قال: يستقبل الناس الامام عند الخطبة بوجوههم و
يصغون إليه (8).
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: إنما جعلت الخطبة عوضا من الركعتين اللتين
أسقطتا من صلاة الظهر، فهي كالصلاة لا يحل فيها إلا ما يحل في الصلاة (9).
وعنه عليه السلام أنه قال: يبدء بالخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة، وإذا صعد الامام

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 182.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 182.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 182.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 182.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 182.
(6) دعائم الاسلام ج 1 ص 182.
(7) دعائم الاسلام ج 1 ص 182.
(8) دعائم الاسلام ج 1 ص 183.
(9) دعائم الاسلام ج 1 ص 183.
256

جلس وأذن المؤذنون بين يديه، فإذا فرغوا من الاذان قام فخطب ووعظ ثم جلس
جلسة خفيفة، ثم قام فخطب خطبة أخرى يدعو فيها ثم أقام المؤذنون الصلاة ونزل
يصلي الجمعة ركعتين يجهر فيهما بالقراءة (1).
وعن علي عليه السلام أنه كان أما إذا صعد المنبر سلم على الناس (2).
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: وينبغي للامام يوم الجمعة أن يتطيب ويلبس
أحسن ثيابه ويتعمم (3).
وعنه عليه السلام: السنة أن يقرأ في أول ركعة يوم الجمعة بسورة الجمعة والثانية
بسورة المنافقين (4).
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: من أدرك ركعة من صلاة الجمعة يضيف
إليها ركعة أخرى بعد انصراف الامام، وإن فاته الركعتان معا صلى وحده الظهر
أربعا (5).
بيان: (ولا تشريق إلا في مصر) التشريق صلاة العيد قال في النهاية: فيه من
ذبح قبل التشريق فليعد أي قبل أن يصلي صلاة العيد، وهو من شروق الشمس لان
ذلك وقتها، ومنه حديث علي عليه السلام (لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع) أراد صلاة
العيد ويقال لموضعها: المشرق انتهى.
وقد مر أنها محمولة على التقية (6) ويظهر من النهاية أنها من روايات
العامة، ويحتمل هنا وجها آخر، وهو أن يكون المراد بالمصر محل الإقامة أو أن
المعنى لا يصلي المسافر العيد والجمعة إلا أما إذا
حضر مصرا يصليها أهله، فيصلي معهم
وعلى الأخير يكون الاستثناء متصلا بل على الأول أيضا على وجه وهو أولى من أخذه
منقطعا، وأما الجماعة فيمكن حملها على نفي الاستحباب المؤكد وقوله: (يعني

(1) الدعائم ج 1 ص 183.
(2) الدعائم ج 1 ص 183.
(3) الدعائم ج 1 ص 183.
(4) الدعائم ج 1 ص 183.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 184.
(6) مر في ص 211 ما يتعلق بهذا الكلام وسيجئ في باب صلاة العيد أنها تتبع أحكام
صلاة الجمعة.
257

صلاة الجمعة) لعله من كلام المؤلف مع أنه ظاهر أن المراد به نفي الصلاة خلف
الفاسقين والمخالفين، كما يدل عليه ما بعده.
قوله: (لان أجلس) أي اضطرارا، والمراد في الشقين خصور صلاة المخالفين
كما يومى إليه الخبر.
واعلم أنه اختلف الأصحاب في القدر المعتبر في كل من الخطبتين، فقال الشيخ
في المبسوط: أقل ما يكون الخطبة أربعة أصناف: حمدا لله، والصلاة على النبي وآله،
والوعظ، وقراءة سورة خفيفة من القرآن، ومثله قال ابن حمزة وابن إدريس في
موضع من السرائر، وقال الشيخ في الخلاف: أقل ما تكون الخطبة أن يحمد الله تعالى
ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله ويقرأ شيئا من القرآن ويعط الناس ووافقه ابن
إدريس في موضع من السرائر في عدم ذكر السورة، ولم يذكر أبو الصلاح القراءة، والشيخ
في الاقتصاد ذكر قراءة السورة بين الخطبتين.
وقال ابن الجنيد في الخطبة الأولى: وتوشحها بالقرآن، وفي الثانية إن الله
يأمر بالعدل والاحسان الآية، ويظهر من الفاضلين أن وجوب الحمد لله والصلاة
على النبي صلى الله عليه وآله والوعظ موضع وفاق بين علمائنا وأكثر العامة، وقد وقع الخلاف
في مواضع:
الأول هل يجب القراءة في الخطبتين أم لا؟ كما نقل عن أبي الصلاح.
الثاني على تقدير الوجوب هل الواجب سورة كاملة أو آية تامة الفائدة فيهما
أو في الأولى خاصة.
الثالث هل تجب الشهادة بالرسالة في الأولى أم لا.
الرابع هل يجب الاستغفار والدعاء لائمة المسلمين كما هو ظاهر المرتضى
أم لا.
وأما الروايات فالذي تدل عليه موثقه سماعة (1) في الأولى الحمد والثناء
والوصية بالتقوى وقراءة سورة صغيرة وفي الثانية الحمد والثناء والصلاة على محمد
صلى الله عليه وآله وعلى أئمة المسلمين والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، وعليها

(1) الكافي ج 3 ص 421، التهذيب ج 1 ص 322.
258

اعتمد المحقق في المعتبر، وفي صحيحة محمد بن مسلم (1) خطبتان تضمنت الأولى منهما
حمدا لله والشهادتين والصلاة على محمد وآله، والوعظ قال: ثم اقرأ سورة من القرآن وادع
إلى ربك وصل على النبي صلى الله عليه وآله وادع للمؤمنين وللمؤمنات، وتضمنت الثانية
الحمد والشهادتين والوعظ والصلاة على النبي وآله قال: ثم يقول: اللهم صل
على أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين ثم تسمي الأئمة حتى تنتهي إلى
صاحبك ثم تقول: اللهم افتح له فتحا يسيرا، وانصره نصرا عزيزا، قال: ويكون
آخر كلامه أن يقول: إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن
الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ثم يقول اللهم اجعلنا ممن يذكر
فتنفعه الذكرى.
فالقول بوجوب السورة في الخطبة الأخيرة لاوجه له، لعدم اشتمال الروايتين
عليها، نعم الثانية تدل على الآية، وقال في الذكرى: قال ابن الجنيد والمرتضى:
ليكن في الأخيرة قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والاحسان) الآية وأورده البزنطي
في جامعه.
ثم إنه ذكر العلامة والشهيد وجماعة أنه يجب في الخطبتين التحميد بصيغة
الحمد لله وفي إثباته إشكال، والظاهر عدم تعين لفظ ومضمون للوعظ، وإجزاء آية
مشتملة عليه، وكذا في التحميد إجزاء آية مشتملة عليه، وإن اختلفوا فيهما،
والأولى بل الأحوط أن يراعي الخطيب أحوال الناس بحسب خوفهم ورجائهم،
فيعظهم مناسبا لحالهم للأيام والشهور والوقايع الحادثة، وأمثال تلك الأمور كما
يومي إليه بعض الأخبار ويظهر من الخطب المنقولة.
وذكر جماعة من الأصحاب أنه يجب الترتيب بين أجزاء الخطبة الحمد ثم
الصلاة ثم الوعظ ثم القراءة، وهو أحوط، والمشهور بين الأصحاب المنع من الخطبة
بغير العربية، ولو لم يفهم العدد العربية ولم يمكن التعلم قيل يجب بغير العربية
واحتمل بعضهم وجوب العربية، واحتمل بعضهم سقوط الجمعة، والظاهر جواز

(1) الكافي ج 3 ص 422 - 424.
259

العربية، والأولى أن يلقي عليهم أولا مضامينها باللغة التي يفهمونها، ولا يبعد
جواز الجمع بينهما بأداء المضامين اللازمة باللغتين معا.
والمشهور وجوب الفصل بالجلوس بين الخطبتين، وإن استشكل العلامة في
المنتهى والمحقق في المعتبر فيه، لاشتمال الروايات عليه من غير معارض، والأولى
السكوت في حال الجلوس، لقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن وهب (1): يجلس
بينهما جلسة لا يتكلم فيها، وإن احتمل أن يكون المراد عدم التكلم في الخطبة،
وذكر العلامة وجماعة أنه لو عجز عن القيام جلس للخطبتين يفصل بينهما بسكتة، واحتمل
في التذكرة الفضل بينهما بالاضطجاع وهو بعيد.
72 - الهداية: فرض الله عز وجل من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة
واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة وهو الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير
والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على
رأس فرسخين.
والقراءة فيها جهار، والغسل فيها واجب، وعلى الامام فيها قنوتان، قنوت
في الركعة الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعد الركوع، ومن صلاها وحده فليصلها
أربعا كصلاة الظهر في ساير الأيام، وإذا اجتمع يوم الجمعة سبعة ولم يخافوا أمهم
بعضهم وخطبهم.
والخطبة بعد الصلاة لان الخطبتين مكان الركعتين الأخراوين وأول من
خطب قبل الصلاة عثمان لأنه لما أحدث ما أحدث لم يكن يقف الناس على خطبته
فلهذا قدمها، والسبعة الذين ذكرناهم: هم الامام، والمؤذن، والقاضي، والمدعي
والمدعى عليه، والشاهدان (2).
بيان: أول الكلام يدل على عدم اشتراط الاذن والكلام في آخره كالكلام

(1) التهذيب ج 1 ص 251.
(2) الهداية 33 و 34 باب فضل الجماعة، وقد مر مثله عن المقنع ص 145 و
عرفت ما فيه.
260

في الخبر المأخوذ هذا منه، وتبديل الحداد بالمؤذن مما يؤيد حمله على العدد.
73 - مشكاة الأنوار: نقلا من كتاب المحاسن قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: إتيان الجمعة زيارة وجمال، قيل له: وما الجمال؟ قال: قضوا
الفريضة وتزاوروا.
وقال عليه السلام: لكم في تزاوركم مثل أجر الحاجين (1).
74 - دعائم الاسلام: روينا عن أهل البيت عليهم السلام في قنوت الجمعة وجوها
وكلها حسن منها أن يقنت بعد الفراغ من قراءة سورة المنافقين في الركعة الثانية قبل
أن يركع فيقول: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله
رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم
والحمد لله رب العالمين، يا الله الذي ليس كمثله شئ، صل على محمد وآل محمد، وعلى أئمة
المؤمنين، اللهم ثبت قلبي على دينك ودين نبيك، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني،
وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم اجعلني ممن خلقته لجنتك و
اخترنه لدينك وصل على محمد وآل محمد كما أنت أهله، وهم بك أهله صلوات الله عليهم
أجمعين (2).
75 - فضائل الأشهر الثلاثة: للصدوق عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق، عن
أحمد بن محمد الكوفي، عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن
الرضا عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له
فأبعده الله، ومن أدرك ليلة القدر فلم يغفر له فأبعده الله، ومن حضر الجمعة مع المسلمين
فلم يغفر له، فأبعده الله، ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يغفر له فأبعده الله، ومن
ذكرت عنده فصلى على فلم يغفر له فأبعده الله الخبر.
76 - أقول: وجدت في أصل قديم من أصول أصحابنا في الدعاء: روى حماد
ابن عثمان عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: القنوت في آخر صلاة إلا في

(1) مشكاة الأنوار: 207.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 207.
261

يوم الجمعة.
قال: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله النهي عن الاحتباء يوم الجمعة والامام
يخطب.
قال: وتقول في القنوت بعد كلمات الفرج: اللهم صل على محمد وآله صلاة كثيرة
زاكية طيبة مباركة متقبلة، رب اغفر لي وارحمني وقني عذاب النار، يا مقلب
القلوب والابصار ثبت قلبي على طاعتك، واجعلني ممن ترضى به لدينك، ولا تزغ
قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
262

2 - (باب)
* " (فضل يوم الجمعة وليلتها وساعاتها) " *
الآيات: البروج: وشاهد ومشهود (1).
تفسير: قال في مجمع البيان (2) فيه أقوال أحدها أن الشاهد يوم الجمعة،
والمشهود يوم عرفة عن ابن عباس وقتادة، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام وعن النبي صلى الله عليه وآله أيضا، وسمي يوم الجمعة شاهدا لأنه يشهد على
كل عامل بما عمل فيه، وفي الحديث ما طلعت الشمس على يوم ولا غربت على يوم
أفضل منه، وفيه ساعة لا يوافقها من يدعو الله فيها بخير إلا استجاب الله له، ولا
استعاذ من شر إلا أعاذه منه، ويوم عرفة مشهود يشهد الناس فيه موسم الحج، و
تشهده الملائكة.
وثانيها أن الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة عن إبراهيم.
وثالثها أن الشاهد محمد صلى الله عليه وآله والمشهود يوم القيامة عن ابن عباس في رواية
أخرى وسعيد بن المسيب، وهو المروي عن الحسن بن علي عليه السلام.
روي أن رجلا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا رجل يحدث عن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: فسألته عن الشاهد والمشهود، فقال نعم الشاهد يوم الجمعة والمشهود
يوم عرفة، فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله فسألته عن ذلك فقال: نعم
أما الشاهد فيوم الجمعة، وأما المشهود فيوم النحر، فجزتهما إلى غلام كان وجهه
الدينار وهو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود، فقال:
نعم، أما الشاهد فمحمد صلى الله عليه وآله وأما المشهود فيوم القيامة، أما سمعته سبحانه يقول:

(1) البروج: 3.
(2) مجمع البيان ج 10 ص 466.
263

(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) (1) وقال: (ذلك يوم مجموع
له الناس وذلك يوم مشهود) (2) فسألت عن الأول فقالوا: ابن عباس، وسألت عن
الثاني فقالوا: ابن عمر، وسألت عن الثالث فقالوا: الحسن بن علي عليه السلام.
ورابعها أن الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم الجمعة عن أبي الدرداء عن النبي
صلى الله عليه وآله قال: أكثروا الصلاة على يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده
الملائكة وإن أحدا لا يصلي على إلا عرضت على صلاته حتى يفرغ منها، قال:
فقلت: وبعد الموت؟ فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء،
فنبي الله حي يرزق.
وخامسها أن الشاهد الملك يشهد على ابن آدم، والمشهود يوم القيامة عن
عكرمة، وتلا هاتين الآيتين (وجاءت كل نفس معا سائق وشهيد) (3) (وذلك يوم
مشهود) (4).
وسادسها أن الشاهد الذين يشهدون على الناس، والمشهود هم الذين يشهد عليهم
عن الجبائي.
وسابعها الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم لقوله تعالى: (لتكونوا
شهداء على الناس) (5) عن الحسن بن الفضل.
وثامنها الشاهد أعضاء بني آدم والمشهود هم لقوله تعالى: (يوم تشهد عليهم
ألسنتهم) (6) الآية.
وتاسعها الشاهد الحجر الأسود، والمشهود الحاج.
وعاشرها الشاهد الأيام والليالي، والمشهود بني آدم، وينشد للحسين
ابن علي عليهما السلام.

(1) الأحزاب: 45.
(2) هود: 103.
(3) ق: 21.
(4) هود: 103.
(5) البقرة: 143.
(6) النور: 24.
264

مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا * وخلفت في يوم عليك شهيد
فان أنت بالأمس اقترفت إساءة * فقيد باحسان وأنت حميد
ولا ترج فعل الخير يوما إلى غد * لعل غدا يأتي وأنت فقيد
الحادي عشر الشاهد الأنبياء، والمشهود محمد صلى الله عليه وآله، بيانه (وإذ أخذ الله ميثاق
النبيين) إلى قوله: (فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) (1).
الثاني عشر الشاهد الخلق، والمشهود الحق:
وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد
وقيل الشاهد الله، والمشهود لا إله إلا الله، لقوله (شهد الله أنه لا إله إلا هو).
1 - مجالس الصدوق: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن سعيد بن عبد الله
عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن ابن أبي نجران والحسين بن سعيد، عن حماد
عن حريز، عن أبان بن تغلب، عن الصادق عليه السلام قال: من مات ما بين زوال الشمس
يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة أعاذه الله من ضغطة القبر (2).
ثواب الأعمال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد الأشعري
عن علي بن إسماعيل، عن حماد مثله (3).
2 - المجالس (4): عن علي بن أحمد بن موسى، عن أحمد بن هارون
الصوفي، عن عبيد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم الحسني، عن إبراهيم بن
أبي محمود قال: قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه
الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى
السماء الدنيا؟

(1) آل عمران: 81.
(2) أمالي الصدوق ص 169.
(3) ثواب الأعمال: 177.
(4) في ط الكمباني المحاسن، وهو سهو.
265

فقال عليه السلام: لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله كذلك
إنما قال صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في
الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فاعطيه؟
هل من تائب فأتوب إليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ يا طالب الخير أقبل، يا طالب
الشر أقصر! فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفرج، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله
من ملكوت السماء، حدثني بذلك أبي عن جدي، عن آبائه، عن رسوله صلى الله عليه وآله (1).
الاحتجاج: عن إبراهيم بن أبي محمود مثله (2).
أقول: قد مضى بأسانيد في أبواب صلاة الليل وغيرها (3).
3 - تفسير على ابن إبراهيم: عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران
عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل
يوم جمعة، فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمن ملكا معه حلة فينتهي إلى باب
الجنة فيقول: استأذنوا لي على فلان فيقال له: هذا رسول ربك على الباب، فيقول
لأزواجه أي شئ ترين علي أحسن؟ فيقلن يا سيدنا والذي أباحك الجنة ما رأينا
عليك شيئا أحسن من هذا بعث إليك ربك، فينزر بواحدة ويتعطف بالأخرى،
فلا يمر بشئ إلا أضاء له حتى ينتهي إلى الموعد، فإذا اجتمعوا تجلى لهم الرب
تبارك وتعالى، فإذا نظروا إليه خروا سجدا، فيقال: عبادي ارفعوا رؤسكم ليس
هذا يوم سجود ولا يوم عبادة، قد رفعت عنكم المؤنة، فيقولون: يا رب وأي شئ
أفضل مما أعطيتنا، أعطيتنا الجنة، فيقول لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا فيرجع المؤمن
في كل جمعة بسبعين ضعف مثل ما في يديه، وهو قوله و (لدينا مزيد) (4) وهو يوم
الجمعة إنها ليلة غراء، ويوم أزهر، فأكثروا فيها من التسبيح والتهليل والتكبير و

(1) أمالي الصدوق: 246.
(2) الاحتجاج: 223.
(3) راجع ج 87 ص 163.
(4) ق: 35.
266

الثناء على الله، والصلاة على محمد وآله قال: فيمر المؤمن فلا يمر بشئ إلا أضاء
له حتى ينتهي إلى أزواجه، فيقلن والذي أباحنا الجنة يا سيدنا ما رأيناك قط أحسن
منك الساعة فيقول: إني قد نظرت بنور ربي قال: إن أزواجه لا يغرن ولا يحضن
ولا يصلفن (1).
أقول: تمامه في باب صفة الجنة (2).
بيان: تجلى لهم أي ظهر لهم بنور من أنوار جلاله (فإذا نظروا إليه) أي إلى ذلك
النور، ويحتمل أن يكون التجلي للقلب والنظر بين القلب، وفي القاموس: الصلف
بالتحريك ألا تحظى المرأة عند زوجها والتكلم بما يكرهه صاحبه، والتمدح بما
ليس عندك، ومجاوزة قدر الظرف، والادعاء فوق ذلك تكبرا.
4 - تفسير علي بن إبراهيم: (وشاهد ومشهود) قال: الشاهد يوم
الجمعة، والمشهود يوم القيامة (3).
5 - الخصال: عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن محمد بن أحمد
الأشعري، عن أبي عبد الله الرازي، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن موسى
ابن بكر، عن أبي الحسن الأول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن
الله تعالى اختار من الأيام أربعة: يوم الجمعة، ويوم التروية، ويوم عرفة، و
يوم النحر (4).
ومنه: عن عبدوس بن علي بن العباس، عن أحمد بن محمد بن إسحاق، عن
الحارث بن محمد بن أبي أسامة، عن يحيى بن أبي بكر، عن زهير بن محمد، عن عبد الله
ابن عقيل، عن عبد الرحمن بن بريد، عن أي لبابة بن عبد المنذر قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: يوم الجمعة سيد الأيام: وأعظم عند الله عز وجل من يوم الأضحى و
(4) الخصال ج 1 ص 107 في حديث.

(1) تفسير القمي: 512.
(2) راجع ج 8 ص 127 - 126.
(3) تفسير القمي: 719.
267

يوم الفطر، فيه خمس خصال: خلق الله عز وجل فيه آدم عليه السلام، وأهبط الله فيه
آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا
آتاه، ما لم يسأل حراما، وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا
بر ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة أن تقوم فيه الساعة (1).
المتهجد: عنه صلى الله عليه وآله مرسلا مثله (2).
6 - المجالس (3) والخصال: في خبر نفر من اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله إلى
أن قالوا: أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين وأعطى أمتك من بين الأمم
فقال النبي: أعطاني الله عز وجل فاتحة الكتاب، والاذان، والجماعة في المسجد
ويوم الجمعة، والصلاة على الجنائز، والاجهار في ثلاث صلوات، والرخصة لامتي
عند الأمراض والسفر، والشفاعة لأصحاب الكبائر من أمتي (4).
7 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن
أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: السبت لنا، والأحد لشيعتنا
والاثنين لأعدائنا، والثلاثاء لبني أمية، والأربعاء يوم شرب الدواء، والخميس
تقضى فيه الحوائج، والجمعة للتنظف والتطيب، وهو عيد المسلمين، وهو أفضل
من الفطر والأضحى، ويوم الغدير أفضل الأعياد، وهو الثامن عشر من ذي الحجة
وكان يوم الجمعة، ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة وتقوم القيامة يوم الجمعة
وما من عمل أفضل يوم الجمعة من الصلوات على محمد وآله (5).
ومنه: عن الحسن بن علي بن محمد العطار، عن محمد بن مصعب، عن أحمد
ابن محمد بن غالب، عن دينار مولى أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن ليلة الجمعة أربع

(1) الخصال ج 1 ص 152.
(2) مصباح المتهجد: 196.
(3) أمالي الصدوق: 117 في حديث، وفى ط الكمباني المتهجد وهو سهو.
(4) الخصال ج 2 ص 9 في حديث.
(5) الخصال ج 2 ص 32.
268

وعشرون ساعة، لله عز وجل في كل ساعة ست مائة ألف عتيق من النار (1).
ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن اليقطيني، عن القاسم بن يحيى
عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير -
المؤمنين عليه السلام: من كانت له إلى الله عز وجل حاجة فليطلبها في ثلاث ساعات: في يوم
الجمعة، وساعة تزول الشمس، وساعة في آخر الليل (2).
8 - معاني الأخبار: عن أحمد بن الحسن القطان، عن عبد الرحمن بن محمد
ابن حماد، عن يحيى بن حكيم، عن أبي قتيبة، عن الأصبغ بن زيد، عن سعد بن رافع،
عن زيد بن علي، عن آبائه، عن فاطمة بنت النبي صلوات الله عليها قالت: سمعت
النبي صلى الله عليه وآله يقول: إن في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عز وجل
فيها خيرا إلا أعطاه إياه.
قالت: فقلت: يا رسول الله أي ساعة هي؟ قال صلى الله عليه وآله: أما إذا
تدلى نصف عين
الشمس للغروب.
قال: وكانت فاطمة تقول لغلامها اصعد إلى الظراب فإذا رأيت نصف عين الشمس
قد تدلى للغروب فأعلمني حتى أدعو (3).
دلائل الإمامة: عن محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن الصدوق
رحمه الله مثله (4).
بيان: الظراب التلال والجبال الصغيرة.
9 - معاني الأخبار: (5) عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الصفار، عن

(1) الخصال ج 2 ص 30.
(2) الخصال ج 2 ص 158.
(3) معاني الأخبار ص 399 - 400.
(4) دلائل الإمامة: 5.
(5) في ط الكمباني ثواب الأعمال وهو سهو وما بعد ذلك إلى تمام الرقم 31، محل
المصادر بياض فيها.
269

أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: (وشاهد ومشهود) قال: الشاهد يوم الجمعة
والمشهود يوم عرفة (1).
ومنه: عن أبيه، عن محمد العطار، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم
عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، والموعود يوم
القيامة (2).
ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن
فضالة، عن أبان، عن أبي الجارود، عن أحدهما عليه السلام مثله (3).
ومنه: بالاسناد عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن محمد بن هاشم
عمن يروي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سأله الأبرش الكلبي عن قول الله عز وجل:
(وشاهد ومشهود) فقال أبو جعفر عليه السلام: ما قيل لك؟ فقال: قالوا: شاهد يوم الجمعة
ومشهود يوم عرفة، فقال أبو جعفر عليه السلام ليس كما قيل لك الشاهد يوم عرفة، والمشهود
يوم القيامة، أما تقرأ القرآن قال الله عز وجل: (ذلك يوم مجموع له الناس و
ذلك يوم مشهود)) (4).
أقول: اختلاف التأويل بحسب اختلاف البطون، واختلاف أحوال السائلين
فالمناسب لكل منهم غير ما هو مناسب للاخر، وقد مضى في خبر آخر أن الشاهد
رسول الله صلى الله عليه وآله والمشهود أمير المؤمنين عليه السلام، وسيأتي بعض الأخبار في هذا المعنى
في باب عرفة (5).
10 - المحاسن: عن عبد الله بن محمد، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الحسين بن جعفر
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الحور العين يؤذن لهم بيوم الجمعة، فيشرفن على

(1) معاني الأخبار: 298.
(2) معاني الأخبار: 299، والآية في هود: 103.
(3) معاني الأخبار: 299، والآية في هود: 103.
(4) معاني الأخبار: 299، والآية في هود: 103.
(5) راجع ج 99 ص 248 - 253.
270

الدنيا فيقلن: أين الذين يخطبونا إلى ربنا (1).
ومنه: عن أبيه، عن الحسن بن يوسف، عن المفضل بن صالح، عن محمد بن
علي عليه السلام قال: ليلة الجمعة ليلة غراء ويومها يوم أزهر، وليس على الأرض يوم
تغرب فيه الشمس أكثر معتقا فيه من النار من يوم الجمعة (2).
بيان: الأغر الأبيض من كل شئ، والزهرة بالضم البياض والحسن، و
هما كنايتان هنا عن كونهما محلين لأنوار رحمته وأزهار عنايته ولطفه.
11 - المحاسن: عن ابن محبوب رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن
المؤمن ليدعو في الحاجة فيؤخر الله حاجته التي سأل إلى يوم الجمعة ليخصه بفضل
يوم الجمعة، وقال: من مات يوم الجمعة كتب له براءة من ضغطة القبر (3).
بيان: ليخصه أي ليضاعف له بسبب فضل يوم الجمعة، فان للأوقات الشريفة
مدخلا في استحقاق الفضل والرحمة، وقيل ليسأل يوم الجمعة فيفوز بثواب الدعاء
ولا يخفى بعده.
12 - المحاسن: عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن ابن طريف، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: من مات ليلة الجمعة كتب الله له براءة من النار، ومن مات يوم
الجمعة أعتق من النار.
وقال أبو جعفر عليه السلام: بلغني أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من مات يوم الجمعة أو ليلة
الجمعة رفع عنه عذاب القبر (4).
13 - المقنعة: عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (سوف
أستغفر لكم ربي) قال: أخرها إلى السحر ليلة الجمعة (5).

(1) المحاسن: 58.
(2) المحاسن: 58.
(3) المحاسن: 58.
(4) المحاسن: 60.
(5) المقنعة: 25، ورواه الصدوق في الفقيه باسناده عن محمد بن مسلم ج 1
ص 272.
271

14 - جمال الأسبوع: مما أرويه باسنادي إلى محمد بن يعقوب الكليني
باسناده إلى الصادق عليه السلام قال: إن ليلة الجمعة مثل يومها، فان استطعت أن تحييها
بالصلاة والدعاء فافعل (1).
وباسنادي عن محمد بن يعقوب الكليني باسناده إلى الرضا عليه السلام أنه قال: إن
من مات يوم الجمعة وليلته مات شهيدا، وبعث آمنا (2).
وباسنادي عن الكليني عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن
النعمان، عن عمر بن يزيد، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سئل عن يوم الجمعة
وليلتها، فقال: ليلتها غراء ويومها يوم زاهر، وليس على وجه الأرض يوم تغرب فيه
الشمس أكثر معافى من النار منه، من مات يوم الجمعة عارفا بحق أهل هذا البيت
كتب الله له براءة من النار، وبراءة من عذاب القبر، ومن مات ليلة الجمعة أعتق
من النار (3).
الاختصاص: عن جابر مثله (4).
الفقيه: مرسلا مثله (5).
15 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إذا كان يوم الجمعة نادت الطير الطير والوحش الوحش و
السباع السباع: سلام عليكم هذا يوم صالح (6).
16 - مجالس ابن الشيخ: عن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان، عن
المعافا بن زكريا، عن أحمد بن هوذه، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمد بن إسحاق
الديلمي، عن أبيه قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام لم سميت الجمعة؟ قال: لان الله

(1) جمال الأسبوع:، الكافي ج 3 ص 414 في حديث.
(2) جمال الأسبوع:، الكافي ج 3 ص 414 في حديث.
(3) جمال الأسبوع:، الكافي ج 3 ص 415.
(4) الاختصاص: 130.
(5) الفقيه ج 1 ص 83.
(6) نوادر الراوندي: 24 ومثله في الكافي ج 3 ص 415.
272

تعالى جمع فيها خلقه لولاية محمد وأهل بيته (1).
17 - دعوات الراوندي: قال الصادق عليه السلام: إن العبد ليدعو فيؤخر الله حاجته
إلى يوم الجمعة.
وعن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الساعة التي يستجاب
فيها الدعاء يوم الجمعة قال ما بين فراغ الامام عن الخطبة إلى أن تستوي الصفوف،
وساعة أخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس، وكانت فاطمة عليها السلام تدعو في ذلك
الوقت.
وعن كعب، إن الله تعالى اختار من الساعات ساعات الصلوات، واختار من
الأيام يوم الجمعة، واختار من الليالي ليلة القدر، واختار من الشهور شهر رمضان
فالصلاة يكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى، والجمعة تكفر بينها وبين الجمعة
الأخرى، ويزيد ثلاثا، وشهر رمضان يكفر ما بينه وبين شهر رمضان آخر، و
الحج مثل ذلك، وهو ما بين حسنتين حسنة ينتظرها وحسنة قضاها، وما من أيام أحب
إلى الله من عشر ذي الحجة ولا ليالي أفضل منها.
18 - المقتضب: لأحمد بن محمد بن عياش: عن أحمد بن محمد العطار، عن
عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن ابن غزوان
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن
الله اختار من الأيام الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة
القدر الخبر.
وروي باسناد آخر عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وآله مثله.
19 - عدة الداعي: قال الصادق عليه السلام: ما طلعت الشمس بيوم أفضل من
يوم الجمعة، وإن كلام الطير فيه أما إذا لقي بعضها بعضا: سلام سلام، يوم صالح.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان أما إذا خرج من البيت في دخول الصيف خرج
يوم الخميس، وإذا أراد أن يدخل عند دخول الشتاء دخل يوم الجمعة.

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 299 - 300.
273

وعن ابن عباس قال: كان يدخل ليلة الجمعة ويخرج ليلة الجمعة.
وعن الباقر عليه السلام أما إذا أردت أن تتصدق بشئ قبل الجمعة أخره إلى يوم
الجمعة.
وعن أحدهما عليه السلام أن العبد المؤمن يسأل الحاجة فيؤخر الله عز وجل قضاء
حاجته التي سأل إلى يوم الجمعة.
وعن الصادق عليه السلام في قول يعقوب لبنيه (سوف أستغفر لكم ربي) قال: أخرهم
إلى السحر من ليلة الجمعة.
وفي نهار الجمعة ساعتان ما بين فراغ الخطيب من الخطبة إلى أن تستوي
الصفوف بالناس، وأخرى من آخر النهار، وروي أما إذا
غاب نصف القرص (1).
20 -: عن النبي صلى الله عليه وآله: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة،
فيه خلق آدم عليه السلام وفيه ادخل الجنة، وفيه اخرج، ولا تقوم الساعة إلا في يوم
الجمعة.
وروى أبو بصير في الصحيح قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما طلعت الشمس
بيوم أفضل من يوم الجمعة.
وروى البزنطي، عن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن يوم الجمعة
سيد الأيام، يضاعف الله عز وجل فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع
فيه الدرجات، ويستجيب فيه الدعوات، ويكشف فيه الكربات، ويقضي فيه الحاجات
العظام، وهو يوم المزيد لله فيه عتقاء وطلقاء من النار ما دعا الله فيه أحد من الناس
وعرف حقه وحرمته، إلا كان حتما على الله أن يجعله من عتقائه وطلقائه من
النار، وإن مات في يومه أو ليلته مات شهيدا، وبعث آمنا، وما استخف أحد بحرمته
وضيع حقه إلا كان حقا على الله عز وجل أن يصليه نار جهنم إلا أن يتوب (2).
جمال الأسبوع: باسناده إلى الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن

(1) عده الداعي: 27 - 28.
(2) بياض في الأصل.
274

محمد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن مختار، عن أبي بصير مثل الحديث
الأول (1) وباسناده أيضا عن الكليني، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن
البزنطي مثل الحديث الثاني (2).
المتهجد: عن البزنطي مثل الثاني (3).
المقنعة: مرسلا مثله (4).
أقول: الظاهر أن تضييع الحرمة بترك الجمعة لأنها الواجب المختص به،
ويحتمل التعميم.
21 - المتهجد: روى المعلى بن خنيس قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
من وافق منكم يوم الجمعة فلا يشتغلن بشئ غير العبادة، فان فيه يغفر للعباد، وتنزل
عليهم الرحمة.
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن للجمعة حقا واجبا فإياك أن تضيع
أو تقصر في شئ من عبادة الله والتقرب إليه تعالى بالعمل الصالح، وترك المحارم
كلها، فان الله يضاعف فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات
ويومه مثل ليلته، فان استطعت أن تحييها بالدعاء والصلاة فافعل، فان الله تعالى
يضاعف فيها الحسنات، ويمحو فيها السيئات وإن الله واسع كريم.
ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود
يوم عرفة.
وروى محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له:
بلغني أن يوم الجمعة أقصر الأيام، قال: كذلك هو، قلت: جعلت فداك كيف ذاك؟

(1) جمال الأسبوع:، الكافي ج 3 ص 413.
(2) جمال الأسبوع:، الكافي ج 3 ص 414.
(3) مصباح المتهجد: 182.
(4) المقنعة: 45.
275

قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله يجمع أرواح المشركين تحت عين الشمس، فإذا ركدت
الشمس عذبت أرواح المشركين بركود الشمس، فإذا كان يوم الجمعة رفع عنهم العذاب
لفضل يوم الجمعة، فلا يكون للشمس ركود (1).
بيان: هذا الخير من عويصات الروايات التي صعب فهمها على أصحاب الدرايات
ولعل عدم الخوض في أمثالها وتسليمها مجملا أسلم، وقد مر بعض القول فيه (2)
ويستشكل بأنه مخالف للحس، وبأنه يلزم أن لا تتحرك الشمس في يوم الجمعة
أصلا، إذ كل درجة من درجاتها ظهر لصقع من الأصقاع، ويمكن أن يجاب عن
الأول بأنه يمكن أن يكون قدرا قليلا لا يظهر في الآلات التي تستعلم بها الأوقات
فان شيئا منها لا تحكم إلا بالتخمين، وعن الثاني بتخصيصه بمكة أو المدينة
أو الكوفة أو غيرها من البلاد التي فيها خصوصية، وربما يؤول بأن الكفار يجدون
سائر الأيام أطول لان يوم العذاب والشدة يتوهم أنه أطول من يوم الراحة.
22 -: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هذا يوم عيد جعله الله
للمسلمين فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان عنده طيب فليمس منه وعليكم
بالسواك.
وعنهم عليهم السلام الأعياد أربعة: الفطر، والأضحى، والغدير، ويوم الجمعة.
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله ذكر يوم الجمعة فقال: فيه ساعة لا يوافقها
عبد مسلم سأل الله شيئا إلا أعطاه إياه.
واختلف أهل العلم في هذه الساعة اختلافا كثيرا وأصحها عندنا أنها من بين
فراغ الامام من الخطبة إلى أن يستوي الصفوف بالناس، وساعة أخرى من آخر
النهار إلى غروب الشمس رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام.
وعن النبي صلى الله عليه وآله من مات يوم الجمعة وقي عذاب القبر.
وعنه عليه السلام قال: ما من مسلم يموت ليلة الجمعة إلا وقاه الله عز وجل فتنة

(1) مصباح المتهجد: 196.
(2) راجع ج 58 ص 168 - 170 باب الشمس والقمر وأحوالهما.
276

القبر، وفي لفظ آخر ألا يرى من فتنة القبر وفي خبر آخر إلا وقي الفتان.
وفي حديث آخر: ما من مسلم ومسلمة يموت ليلة الجمعة أو يوم الجمعة
إلا وقي عذاب القبر، وفتنته، وبقي لا حساب عليه.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله اختار من كل شئ شيئا، واختار من الأيام
يوم الجمعة (1).
23 - المتهجد: روى أبو بصير عن أحدهما عليه السلام أنه قال: إن العبد المؤمن
يسئل الله تعالى الحاجة فيؤخر الله حاجته التي سأل إلى ليلة الجمعة ليخصه بفضل
يوم الجمعة (2).
المقنعة: مرسلا مثله (3).
24 - الاختصاص: روى عن جابر الجعفي قال: كنت ليلة من بعض الليالي
عند أبي جعفر عليه السلام فقرأت هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا أما إذا
نودي للصلاة من
يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) قال: فقال: مه يا جابر كيف قرأت؟ قال: قلت:
(يا أيها الذين آمنوا أما إذا
نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) قال: هذا
تحريف يا جابر، قال: قلت: كيف أقرء جعلني الله فداك؟ قال: فقال: (يا أيها
الذين آمنوا أما إذا
نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله) هكذا نزلت يا
جابر، لو كان سعيا لكان عدوا مما كرهه رسول الله صلى الله عليه وآله لقد كان يكره أن يعدو
الرجل إلى الصلاة.
يا جابر لم سمي يوم الجمعة يوم الجمعة؟ قال: قلت: تخبرني جعلني الله
فداك، قال: أفلا أخبرك بتأويله الأعظم؟ قال: قلت: بلى جعلني الله فداك، فقال:
يا جابر سمى الله الجمعة جمعة لان الله عز وجل جمع في ذلك اليوم الأولين و
الآخرين، وجميع ما خلق الله من الجن والإنس، وكل شئ خلق ربنا، والسماوات

(1) بياض في الأصل.
(2) مصباح المتهجد: 182.
(3) المقنعة: 25.
277

والأرضين والبحار، والجنة والنار، وكل شئ خلق الله في الميثاق فأخذ الميثاق
منهم له بالربوبية، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، ولعلي عليه السلام بالولاية، وفي ذلك اليوم
قال الله للسموات والأرض (ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) (1).
فسمى الله ذلك اليوم الجمعة لجمعه فيه الأولين والآخرين ثم قال عز وجل
(يا أيها الذين آمنوا أما إذا
نودي للصلاة من يوم الجمعة) من يومكم هذا الذي جمعكم
فيه، والصلاة أمير المؤمنين، يعني بالصلاة الولاية، وهي الولاية الكبرى، ففي ذلك
اليوم أتت الرسل والأنبياء والملائكة وكل شئ خلق الله، والثقلان الجن و
الانس، والسماوات والأرضون، والمؤمنون بالتلبية لله عز وجل (فامضوا إلى
ذكر الله) وذكر الله أمير المؤمنين (وذروا البيع) يعنى الأول (ذلكم) يعني بيعة
أمير المؤمنين وولايته (خير لكم) من بيعة الأول وولايته (إن كنتم تعلمون)
(فإذا قضيت الصلاة) يعني بيعة أمير المؤمنين عليه السلام (فانتشروا في الأرض)
يعني بالأرض الأوصياء، أمر الله بطاعتهم وولايتهم كما أمر بطاعة الرسول وطاعة
أمير المؤمنين، كنى الله في ذلك عن أسمائهم فسماهم بالأرض.
(وابتغوا فضل الله) قال جابر: (وابتغوا من فضل الله)، قال عليه السلام:
تحريف، هكذا أنزلت وابتغوا فضل الله على الأوصياء (واذكروا الله كثيرا لعلكم
تفلحون).
ثم خاطب الله عز وجل في ذلك الموقف محمدا فقال يا محمد (أما إذا
رأوا) الشكاك
والجاحدون (تجارة) يعني الأول (أو لهوا) يعني الثاني (انصرفوا إليها) قال:
قلت: (انفضوا إليها) قال: تحريف، هكذا نزلت (وتركوك) مع علي (قائما)
(قل) يا محمد (ما عند الله) من ولاية على والأوصياء (خير من اللهو ومن التجارة)
يعنى بيعة الأول والثاني (للذين اتقوا) قال: قلت: ليس فيها (للذين اتقوا)
قال: فقال: بلى هكذا نزلت، وأنتم هم الذين اتقوا (والله خير الرازقين) (2).

(1) فصلت: 11.
(2) الاختصاص 128 - 130.
278

ومنه: روي علي بن مهزيار رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: من مات ليلة
الجمعة عارفا بحقنا أعتق من النار، وكتب له براءة من عذاب القبر (1).
25 - دعائم الاسلام: عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: ليلة الجمعة غراء و
يومها أزهر، وما من مؤمن مات ليلة الجمعة إلا كتب له براءة من عذاب القبر، وإن
مات في يومها أعتق من النار، ولا بأس بالصلاة يوم الجمعة كله لأنه لا تسعر
فيه النار (2).
وعن الباقر والصادق عليهم السلام أنهما قالا: أما إذا
كان ليلة الجمعة أمر الله ملكا ينادي
من أول الليل إلى آخره، وينادي في كل ليلة غير ليلة الجمعة من ثلث الليل
الاخر: هل من سائل فاعطيه، هل من تائب فأتوب إليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟
يا طالب الخير أقبل! يا طالب الشر أقصر (3).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: في يوم الجمعة ساعة لا يسأل الله عبد مؤمن فيها شيئا
إلا أعطاه، وهي من حين نزول الشمس إلى حين ينادى بالصلاة (4).
26 - تفسير علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إن الرب تعالى ينزل أمره كل ليلة جمعة من أول الليل، وفي
كل ليلة في الثلث الأخير، أمامه ملكان فينادي: هل من تائب فيتاب عليه؟ هل من
مستغفر فيغفر له؟ هل من سائل فيؤتى سؤله؟ اللهم أعط كل منفق خلفا، وكل
ممسك تلفا - إلى أن يطلع الفجر ثم عاد أمر الرب إلى عرشه يقسم الأرزاق بين
العباد.
ثم قال للفضيل بن يسار: يا فضيل نصيبك من ذلك، وهو قوله عز وجل
(وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) (5).

(1) الاختصاص: 130.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 180.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 180.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 181.
(5) تفسير القمي: 541 والآية في سورة سبأ: 39.
279

بيان: ليس في بعض النسخ (أمره) في الموضعين، فالنزول مجاز، والمراد نزوله
من عرش العظمة والجلال والاستغناء المطلق إلى سماء التدبير على الاستعارة والمجاز
(نصيبك) أي خذ نصيبك (من ذلك) أي من خلف الانفاق.
27 - كتاب العروس: للشيخ الفقيه أبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي
باسناده عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله إن جبرئيل أتاني بمرآة في
وسطها كالنكتة السوداء، فقلت له: يا جبرائيل ما هذه؟ قال: هذه الجمعة قال:
قلت: وما الجمعة؟ قال: لكم فيها خير كثير، قال: قلت: وما الخير الكثير؟ فقال:
تكون لك عيدا ولامتك من بعدك، قلت: وما لنا فيها؟ قال: لكم فيها ساعة
لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله مسألة فيها وهي له قسم في الدنيا إلا أعطاها وإن لم
يكن له قسم في الدنيا دخرت له في الآخرة أفضل منها، وإن تعوذ بالله من شر ما هو
عليه مكتوب صرف الله عنه ما هو أعظم منه (1).
ومنه: باسناده عن علي عليه السلام قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذ جاء رجل
فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن يوم الأحد كيف سمي يوم الأحد؟
فقال: لأنه أحد يوم خلق الله الدنيا، وهو أول يوم خلقه الله، فقال: بأبي أنت
وأمي يا رسول الله أخبرني عن يوم الاثنين كيف سمي يوم الاثنين؟ قال: لأنه
ثاني يوم خلق الله الدنيا، وهو يوم ولدت فيه، ويوم نزلت فيه النبوة، وأخبرني حبيبي
أنه يوم أقبض فيه، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني عن يوم الثلاثاء
فقال: هو ثالث يوم خلق الله من الدنيا، وهو يوم تاب الله فيه على آدم، ورضي
عنه واجتباه وهداه فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني عن يوم الأربعا
فقال: هو رابع يوم خلق الله من الدنيا، وهو يوم نحس مستمر، فيه خلق الله الريح
الصرصر، قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرني عن يوم الخميس، فقال صلى الله عليه وآله:

(1) اخرج المحدث النوري هذه الرواية وما يأتي بعدها في كتاب المستدرك و
صححناها عليه.
280

هو خامس يوم خلق الله من الدنيا، ليله أنيس، ونهاره جليس، وفيه رفع إدريس
ولعن فيه إبليس.
قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني عن يوم الجمعة فبكى رسول
الله صلى الله عليه وآله وقال: سألتني عن يوم الجمعة فقال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله تسميه الملائكة
في السماء يوم المزيد:
يوم الجمعة يوم خلق الله فيه آدم عليه السلام، يوم الجمعة يوم نفخ الله في
آدم الروح، يوم الجمعة يوم أسكن الله آدم فيه الجنة، يوم الجمعة يوم أسجد الله ملائكته
لادم، يوم الجمعة يوم جمع الله فيه لادم حوا، يوم الجمعة يوم قال الله للنار: كوني
بردا وسلاما على إبراهيم.
يوم الجمعة يوم استجيب فيه دعاء يعقوب عليه السلام، يوم الجمعة يوم
غفر الله فيه ذنب آدم، يوم الجمعة يوم كشف الله فيه البلاء عن أيوب، يوم الجمعة
يوم فدى الله فيه إسماعيل بذبح عظيم، يوم الجمعة يوم خلق الله فيه السماوات
والأرض، وما بينهما، يوم الجمعة يوم يتخوف فيه الهول وشدة القيامة والفزع
الأكبر.
ومنه: باسناده عن الصادق عليه السلام سميت الجمعة جمعة لان الله جمع الخلق لولاية
محمد وأهل بيته.
وقال أيضا: سميت الجمعة جمعة لان الله جمع للنبي صلى الله عليه وآله أمره.
ومنه: باسناده عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبيه، عن أبي الحسن الأول
قال: سمعته يقول: خلق الله الأنبياء والأوصياء يوم الجمعة، وهو اليوم الذي
أخذ الله فيه ميثاقهم خلقنا نحن وشيعتنا من طينة مخزونة، لا يشذ فيها شاذ إلى
يوم القيامة.
ومنه: باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إذا
كان ليلة
الجمعة رفعت حيتان البحور رؤسها، ودواب البراري، ثم نادت بصوت طلق: ربنا لا
تعذبنا بذنوب الآدميين.
281

ومنه: باسناده قال الصادق عليه السلام: إن لله عتقاء في كل ليلة جمعة، فتعرضوا
لرحمة الله في ليلة الجمعة ويوم الجمعة، ومن مات في ليلة الجمعة أو يوم الجمعة
وقاه الله فتنة القبر، وطبع عليه بطابع الشهداء، لا يقولن أحدكم كان وكان، وكتب
له براءة من ضغطة القبر، وكان شهيدا.
ومنه: باسناده، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تعالى
ليأمر ملكا فينادي كل ليلة جمعة من فوق عرشه من أول الليل إلى آخره: ألا عبد
مؤمن يدعوني لاخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه؟ ألا عبد مؤمن يتوب إلى من
ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب إليه؟ ألا عبد مؤمن قد قترت عليه رزقه فيسألني الزيادة
في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده وأوسع عليه؟ ألا عبد مؤمن سقيم فيسألني أن أشفيه
قبل طلوع الفجر فأعافيه؟ ألا عبد مؤمن مغموم محبوس يسألني أن أطلقه من حبسه
وأفرج عنه قبل طلوع الفجر فأطلقه وأخلي سبيله، ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن
آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له وآخذ بظلامته؟ قال: فلا يزال ينادي
حتى يطلع الفجر.
المقنعة: عن أبي بصير مثله (1).
28 - كتاب العروس: باسناده قال الصادق عليه السلام: الصدقة ليلة الجمعة
بألف، والصدقة يوم الجمعة بألف.
وقال: ليلة الجمعة ويوم الجمعة في الفضل سواء.
ومنه: باسناده قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله اختار الجمعة فجعل يومها
عيدا، واختار ليلها فجعلها مثلها، وإن من فضلها أن لا يسأل الله عز وجل يوم
الجمعة حاجة إلا استجيب له، وإن استحق قوم عقابا فصادفوا يوم الجمعة وليلتها،
صرف عنهم ذلك.
ولم يبق شئ مما أحكمه الله وفصله إلا أبرمه في ليلة جمعة، فليلة

(1) المقنعة: 25.
282

الجمعة أفضل الليالي ويومها أفضل الأيام، وليلة الجمعة ليلة غراء، ويوم الجمعة
يوم أزهر.
ومنه: باسناده قال الصادق عليه السلام: اجتنبوا المعاصي ليلة الجمعة، فان السيئة
مضاعفة والحسنة مضاعفة، ومن ترك معصية الله ليلة الجمعة غفر الله له كل ما سلف
فيه، وقيل له: استأنف العمل، ومن بارز الله ليلة الجمعة بمعصيته أخذه الله عز وجل
بكل ما عمل في عمره، وضاعف عليه العذاب بهذه المعصية، فإذا كان يوم الجمعة
رفعت حيتان البحور رؤسها، ودواب البراري ثم نادت بصوت ذلق: ربنا لا تعذبنا
بذنوب الآدميين.
ومنه: باسناده قال الصادق عليه السلام: يقول الطير بعضهم لبعض في يوم الجمعة
سلام سلام يوم صالح.
ومنه: باسناده عن أبي بصير، عن أحدهما عليه السلام قال: أما إذا
كان يوم الجمعة
وأهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، عرف أهل الجنة يوم الجمعة، و
ذلك أنهم يزاد في نعيمهم، وعرف أهل النار يوم الجمعة وذلك أن كلهم يبطش بهم
الزبانية.
ومنه: باسناده، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الخير والشر يضاعف
يوم الجمعة.
ومنه: باسناده عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل يريد أن
يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو ذلك، قال يستحب أن يكون ذلك
في يوم الجمعة والعمل فيه يضاعف.
ومنه: باسناده عن زريق، عن الصادق عليه السلام قال: الصدقة يوم الجمعة
تضاعف وليلة الجمعة تضاعف وما من يوم كيوم الجمعة، وما ليلة كليلة الجمعة،
يومها أزهر وليلتها غراء.
ومنه: باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الساعة التي يرجى في يوم الجمعة
283

التي لا يدعو فيها مؤمن إلا استجيب؟ قال: نعم أما إذا
خرج الامام، قلت: إن الامام ربما يعجل ويؤخر قال: أما إذا
زالت الشمس.
وقال: الساعة التي يستجاب فيها الدعاء ما بين فراغ الامام من الخطبة إلى أن
يستوي الناس في الصفوف، وساعة أخرى من آخر النهار إلى أن تغيب الشمس وروي
حين ينزل الامام من المنبر إلى أن يقوم في مقامه، وروي ما بين نزول الامام من المنبر
إلى أن يصير الفئ من الزوال قدم.
29 - الخصال: عن محمد بن أحمد الوراق، عن علي بن محمد مولى الرشيد
عن دارم بن قبيصة، عن الرضا، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: تقوم الساعة يوم
الجمعة بين الظهر والعصر (1).
30 - مجمع البيان: عن النبي صلى الله عليه وآله: إن لله تعالى في كل يوم جمعة ست
مائة ألف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا النار (2).
31 - كتاب زيد النرسي: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول أما إذا
كان يوم
الجمعة ويوما العيدين، أمر الله رضوان خازن الجنان أن ينادي في أرواح المؤمنين
وهم في غرفات الجنان أن الله قد أذن لكم بالزيارة إلى أهاليكم وأحبائكم من أهل
الدنيا.
ثم يأمر الله رضوان أن يأتي لكل روح بناقة من نوق الجنة عليها قبة من
زبرجدة خضراء، غشاؤها من ياقوتة رطبة صفراء، على النوق جلال وبراقع من سندس
الجنان واستبرقها.
فيركبون تلك النوق عليهم حلل الجنة متوجون بتيجان الدر الرطب، تضئ

(1) الخصال ج 2 ص 390 ط مكتبة الصدوق، والحديث ساقط عن ط الحجر ولم
يذكر منه الا سنده راجع ج 2 ص 29.
(2) مجمع البيان ج 10 ص 289، وأخرجه النوري في المستدرك عن نثر اللئالي
لابن أبي جمهور الأحسائي.
284

كما تضئ الكواكب الدرية في جو السماء، من قرب الناظر إليها لامن البعد.
فيجتمعون في العرصة، ثم يأمر الله جبرئيل في أهل السماوات أن يستقبلوهم
فيستقبلهم ملائكة كل سماء وتشيعهم ملائكة كل سماء إلى السماء الأخرى، فينزلون
بوادي السلام وهو واد بظهر الكوفة، ثم يتفرقون في البلدان والأمصار حتى
يزوروا أهاليهم الذين كانوا معهم في دار الدنيا، ومعهم ملائكة يصرفون وجوههم عما
يكرهون النظر إليه إلى ما يحبون.
ويزورون حفر الأبدان حتى أما إذا ما صلى الناس، وارح أهل الدنيا إلى
منازلهم من مصلاهم، نادى فيهم جبرئيل بالرحيل إلى غرفات الجنان فيرحلون.
قال: فبكى رجل في المجلس فقال: جعلت فداك هذا للمؤمن فما حال الكافر؟
فقال أبو عبد الله عليه السلام: أبدان ملعونة تحت الثري في بقاع النار وأرواح خبيثة ملعونة
تجري بوادي برهوت من بئر الكبريت في مركبات الخبيثات الملعونات يؤدي ذلك
الفزع والأهوال إلى الأبدان الملعونة الخبيثة تحت الثرى في بقاع النار فهي بمنزلة.
النائم أما إذا
رأى الأهوال.
فلا تزال تلك الأبدان فزعة ذعرة، وتلك الأرواح معذبة بأنواع العذاب في
أنواع المركبات المسخوطات الملعونات المصفوفات مسجونات فيها لا ترى روحا ولا راحة
إلى مبعث قائمنا، فيحشرها من تلك المركبات فترد في الأبدان وذلك عند النشرات
فتضرب أعناقهم، ثم تصير إلى النار أبد الآبدين، ودهر الداهرين (1).
32 - اكمال الدين: عن غير واحد من أصحابه، عن محمد بن همام، عن
عبد الله بن جعفر بن أحمد بن هلال، عن محمد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن
أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن
الله اختار من الأيام الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر

(1) أخرجه المؤلف العلامة في ج 6 ص 292 - 293 من هذه الطبعة الحديثة
مع بيان.
285

الخبر (1).
33 - المقنعة: عن الباقر عليه السلام قال: ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم
الجمعة.
وعن الصادق عليه السلام قال: إن الله اختار من كل شئ شيئا، واختار من
الأيام يوم الجمعة (2).

(1) اكمال الدين ج 1 ص 281 ط مكتبة الصدوق.
(2) المقنعة: 25.
286

3.
(باب)
* " (أعمال ليلة الجمعة وصلاتها وأدعيتها) " *
1 - المتهجد والجمال: من كانت له حاجة فليصم يوم الثلاثاء والأربعاء و
الخميس، فإذا كان العشاء تصدق بشئ قبل الافطار، فإذا صلى العشاء الآخرة ليلة
الجمعة وفرغ منها، سجد وقال في سجوده (اللهم إني أسئلك بوجهك الكريم، و
اسمك العظيم، وعينك الماضية، أن تصلي على محمد وآله، وأن تقضي ديني، و
توسع علي في رزقي) فمن دام على ذلك وسع الله عليه رزقه، وقضى دينه (1).
بيان: (وعينك) أي علمك (الماضية) أي النافذة في الأمور المحيطة بها،
ويحتمل أن يكون العين كناية عن الحفظ أيضا.
2 - المتهجد والجمال: ويستحب لمن صام أن يدعو بهذا الدعاء قبل إفطاره
سبع مرات (الهم رب النور العظيم، ورب الكرسي الواسع، ورب العرش العظيم
ورب البحر المسجور، ورب الشفع والوتر، ورب التوراة والإنجيل، ورب
الظلمات والنور، ورب الظل والحرور، ورب القرآن العظيم، أنت إله من في
السماء وإله من في الأرض، لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السماوات، وجبار
من في الأرض، لاجبار فيهما غيرك، وأنت خالق من في السماء وخالق من في
الأرض لا خالق فيهما غيرك، وأنت ملك من في السماء وملك من في الأرض لا ملك
فيهما غيرك.
أسألك باسمك الكبير، وبنور وجهك المنير وبملكك القديم إنك على كل
شئ قدير، وباسمك الذي أشرق به نور حجبك، وباسمك الذي صلح به الأولون
وبه يصلح الآخرون، يا حي قبل كل حي، ويا حي بعد كل حي، يا حي محيي

(1) مصباح المتهجد: 182 و 183.
287

الموتى، يا حي لا إله إلا أنت، صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ذنوبنا، واقض
لنا حوائجنا، واكفنا ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة، واجعل لنا من أمرنا
يسرا، وثبتنا على هدى رسولك محمد وآله صلى الله عليه وآله، واجعل لنا من كل غم وهم
وضيق فرجا ومخرجا، واجعل دعاءنا عندك في المرفوع المتقبل المرحوم، وهب
لنا ما وهبت لأهل طاعتك من خلقك، فأنا مؤمنون بك منيبون إليك، متوكلون عليك
ومصيرنا إليك.
اللهم اجمع لنا الخير كله، واصرف عنا الشر كله، إنك الحنان المنان
بديع السماوات والأرض، تعطي الخير من تشاء، وتصرفه عمن تشاء.
اللهم أعطنا منه، وامنن علينا به يا أرحم الراحمين، يا الله يا رحمن يا رحيم،
يا ذا الجلال والاكرام، يا الله أنت الذي ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير، يا
أجود من سئل، ويا أكرم من أعطى، ويا أرحم من استرحم، صل على محمد وآله،
وارحم ضعفي، وقلة حيلتي، إنك ثقتي ورجائي، وامنن على بالجنة، وعافني
من النار، واجمع لنا خير الدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين (1).
بيان: (رب النور العظيم) أي النور المخلوق في العرش الذي هو أضوء
الأنوار وأعظمها، أو النور العظيم من الأنوار المعنوية، كالعلم والمعرفة، وربما
يفسر بالعقل (والمسجور) المملو (والموقد) نار في القيمة (والشفع والوتر) أي
جميع الأشياء شفعها ووترها أو صلاة الشفع وصلاة الوتر أو شفع الصلوات ووترها أو
العناصر والأفلاك، أو البروج والسيارات (والحرور) الريح الحارة وحر الشمس
والحر الدائم، والنار (ونور وجهك) أي ظهور ذاتك وسطوع كمالاتها (من
أمرنا) أي فيه أو بسببه أو من جملة الأمور المتعلقة بنا، ويحتمل أن يكون على
سبيل التجريد كقولهم رأيت منك أسدا.
3 - المتهجد: ومن أراد حفظ القرآن فليصل أربع ركعات ليلة الجمعة
يقرء في الركعة الأولى فاتحة الكتاب ويس، وفي الثانية الحمد والدخان، وفي

(1) مصباح المتهجد ص 183.
288

الثالثة الحمد والم تنزيل السجدة، وفي الرابعة الحمد وتبارك الذي بيده الملك،
فإذا فرغ من التشهد حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله واستغفر للمؤمنين
وقال: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني من أن أتكلف مالا
يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني.
اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والاكرام، والعزة التي لا ترام،
أسئلك يا الله يا رحمن، بجلالك وبنور وجهك أن تلزم قلبي بحفظ كتابك كما علمتني
وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، وأسئلك أن تنور بكتابك بصري
وتطلق به لساني، وتفرج به قلبي، وتشرح به صدري، وتستعمل به بدني، و
تقويني على ذلك وتعينني عليه، فإنه لا يعين على الخير غيرك، ولا يوفق له
إلا أنت.
ويستحب الاستكثار فيه من بعد صلاة العصر يوم الخميس إلى آخر نهار يوم
الجمعة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فيقول: (اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل
فرجهم، وأهلك عدوهم، من الجن والإنس، من الأولين والآخرين، وإن قال
ذلك مائة مرة كان له فضل كثير (1).
4 - المتهجد والجمال: ويستحب أن يقرأ فيه من القرآن من سورة
بني إسرائيل والكهف والطواسين الثلاث وسجدة لقمان وسورة ص وحم السجدة وحم
الدخان وسورة الواقعة (2).
أقول: وزاد في جمال الأسبوع سورة الأحقاف والطور واقتربت.
ثم قالا: ويستحب أن يدعو بهذا الدعاء ليلة الجمعة: اللهم أنت الأول فلا شئ
قبلك، وأنت الاخر الذي لا تهلك، وأنت الحي الذي لا تموت، والخالق الذي
لا تعجز، وأنت البصير الذي لا يرتاب، والصادق الذي لا تكذب والقاهر الذي
لا يغلب، البدئ لا تنفذ، القريب لا تبعد، القادر لا تضام، الغافر لا تظلم، الصمد لا
تطعم، القيوم لا تنام، المجيب لا تسأم، الحنان لا ترام، العالم لاتعلم، القوي لا تضعف

(1) مصباح المتهجد: 184.
(2) مصباح المتهجد: 184.
289

العظيم لا توصف، الوفي لا تخلف، العدل لا تحيف، الغني لا تفتقر، الكبير لا تصغر
المنيع لا تقهر، المعروف لا تنكر، الغالب لا تغلب، الوتر لا تستأنس، الفرد لا تستشير
لوهاب لا تمل، الجواد لا تبخل، العزيز لا تذل، الحافظ لا تغفل، القائم لا
تنام، المحتجب لا ترى، الدائم لا تفنى، الباقي لا تبلى، المقتدر لا تنازع، الواحد لا تشبه
بشئ.
ولا إله إلا أنت الحق الذي لا تغيرك الأزمنة، ولا تحيط بك الأمكنة، ولا
يأخذك نوم ولا سنة، ولا يشبهك شئ، وكيف لا تكون كذلك وأنت خالق كل شئ
لا إله إلا أنت كل شئ هالك إلا وجهك الكريم: أكرم الوجوه، أمان الخائفين،
وجار المستجيرين، أسئلك ولا أسئل غيرك، وأرغب إليك ولا أرغب إلى غيرك.
أسئلك بأفضل المسائل كلها، وأنجحها التي لا ينبغي للعباد أن يسألوك إلا بها
أنت الفتاح النفاح، ذو الخيرات، مقيل العثرات، كاتب الحسنات، ماحي السيئات
رافع الدرجات، أسئلك يا الله يا رحمن يا رحيم، بأسمائك الحسنى كلها، وكلماتك
العليا، ونعمك التي لا تحصى.
وأسئلك بأكرم أسمائك عليك، وأحبها، إليك، وأشرفها عندك منزلة، وأقربها
منك وسيلة، وأسرعها منك إجابة، وباسمك المكنون المخزون الجليل الأجل
العظيم الأعظم الذي تحبه وترضي عمن دعاك به، وتستجيب له دعاءه، وحق
عليك أن لا تحرم سائلك، وبكل اسم هو لك في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان
العظيم، وبكل اسم هو لك علمته أحدا من خلقك أو لم تعلمه أحدا أو استأثرت به
في علم الغيب عندك، وبكل اسم دعاك به حملة عرشك، وملائكتك وأصفياؤك من
خلقك، وبحق السائلين لك، والراغبين إليك، والمتعوذين بك، والمتضرعين
إليك.
أدعوك يا الله دعاء من قد اشتدت فاقته، وعظم جرمه، وأشرف على الهلكة
وضعفت قوته، ومن لا يثق بشئ من عمله، ولا بجد لفاقته سادا غيرك، ولا لذنبه
290

غافرا غيرك، فقد هربت منك إليك غير مستنكف ولا مستكبر عن عبادتك، يا انس
كل مستجير، يا سند كل فقير، أسألك بأنك أنت الله الحنان المنان، لا إله إلا
أنت بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والاكرام، عالم الغيب والشهادة،
الرحمن الرحيم.
أنت الرب وأنا العبد، وأنت المالك وأنا المملوك، وأنت العزيز وأنا الذليل
وأنت الغني وأنا الفقير، وأنت الحي وأنا الميت، وأنت الباقي وأنا الفاني، وأنت
المحسن وأنا المسئ، وأنت الغفور وأنا المذنب، وأنت الرحيم وأنا الخاطي، و
أنت الخالق وأنا المخلوق، وأنت القوى وأنا الضعيف، وأنت المعطي وأنا السائل،
وأنت الرازق وأنا المرزوق، وأنت أحق من سكوت إليه واستعنت به ورجوته.
إلهي كم من مذنب قد غفرت له، وكم من مسئ قد تجاوزت عنه، فصل على
محمد وآله، واغفر لي وارحمني، واعف عني وعافني، وافتح لي من فضلك،
سبوح ذكرك، قدوس أمرك، نافذ قضاؤك، يسير لي من أمري ما أخاف عسره، وفرج
لي عنى وعن والدي وعن كل مؤمن ومؤمنة ما أخاف كربه، واكفني ما أخاف
ضرورته، وادرء عنى ما أخاف حزونته، وسهل لي ولكل مؤمن ما أرجوه وآمله،
لا إله إلا أنت سبحانك إلى كنت من الظالمين (1).
بيان: (أنت الأول) أي انحصر فيك الأولية لتعريف الخبر، فيتفرع عليه
(لا شئ قبلك) أو المراد بالأولية كونه علة كل شئ، وكذا الاخر للحصر، أو بمعنى
كونه غاية الغايات، وقد مر الكلام فيهما وسيأتي (البدئ) الأشياء ومبدعها
(لا ينفد) أي لا يفنى أولا ينتهي إبداعه (لا تضام) أي لا تظلم (الصمد) أي البسيط
الذي ليس بذي أجزاء أوليس بأجوف تكون فيه جهة القوة والاستعداد، أو محتاج
إليه الكل ولا يحتاج إلى شئ، وعلى كل الوجوه يصح تفريع عدم احتياج الطعام
عليه كمالا يخفى (القيوم) القائم بالذات الذي يقوم به كل شئ، فلا يكون منه نوم

(1) مصباح المتهجد ص 185 - 186.
291

ولا غفلة، والحنان كثير الحنان والرحمة.
(لا يرام) أي لا يقصد بسوء فليس حنانه لدفع ضرر، أو لا يحتاج في رحمته
إلى أن يقصد ويطلب (لا يوصف) أي لا تصل العقول إلى كنه عظمته فتصفها (لا
ينكر) أي ليس محلا للانكار لكثرة ظهور آثاره في الأقطار، أو المعنى معروف
بالاحسان لا يشاهد منه سوى ذلك، والحق: الثابت (وأنجحها) أي أقربها إلى
الإجابة (وكلماتك) أي علومك أو كتبك أو تقديراتك أو الأنبياء أو الأئمة، وقد
مر مرارا (وأقربها منك وسيلة) أي يكون قربها من جهة كونها وسيلة لحصول المطالب
(وأسرعها منك إجابة) أي إجابة كائنة منك والظرف لا يتعلق بالاسراع (سبوح
ذكرك) أي منزه من أن يدل على نقص أو عيب (قدوس أمرك) أي منزه ومبرء
من أن يشتمل على ظلم وجور أو عبث.
5 - المتهجد والبلد (1) والجمال والاختيار: دعاء آخر: اللهم إني أسئلك
رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلم بها شعثي، وتحفظ بها
غائبي، وتصلح بها شاهدي، وتزكى بها عملي، وتلهمني بها رشدي، وترد بها الفتى
وتعصمني بها عن كل سوء.
اللهم أعطني إيمانا صادقا، ويقينا خالصا، ورحمة أنال بها شرف كرامتك
في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسئلك الفوز في القضاء، ومنازل العلماء، وعيش السعداء
والنصر على الأعداء، اللهم إني أنزلت بك حاجتي، وإن ضعف عملي فقد افتقرت
إلى رحمتك، فأسئلك يا قاضى الأمور، ويا شافي الصدور، كما تجير بين البحور، أن
تجيرني من عذاب السعير، ومن دعوة الثبور، ومن فتنة القبور.
اللهم وما قصر عنه رأيي، ولم تبلغه نيتي، ولم تحط به مسئلتي، من خير
وعدته أحدا من خلقك، فاني أرغب إليك فيه، اللهم يا ذا الحبل الشديد، والامر
الرشيد أسئلك الامن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود، مع المقربين الشهود، و
الركع السجود، الموفين العهود، إنك رحيم ودود، وإنك تفعل ما تريد.

(1) البلد الأمين: 68.
292

اللهم اجعلنا هادين مهديين، غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائك، و
حربا لأعدائك، نحب لحبك التائبين، ونعادي لعداوتك من خالفك.
اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، اللهم اجعل
لي نورا في قلبي ونورا في قبري ونورا بين يدي ونورا من خلفي ونورا من شمالي
ونورا من فوقي ونورا من تحتي ونورا في سمعي ونورا في بصري ونورا في شعري و
نورا في بشري، ونورا في لحمي، ونورا في دمى، نورا في عظامي، اللهم وأعظم لي النور،
وأعطني نورا واجعل لي نورا.
سبحان الله الذي ارتدى بالعز، وبان به، وسبحان الله الذي لبس المجد و
تكرم به، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان ذي الفضل والنعم، سبحان
ذي المجد والكرم، سبحان ذي الجلال والاكرام (1).
بيان: اللمم الجمع، والشعث محركة انتشار الامر، ولم الله شعثه، قارب
بين شتيت أمره ذكره الفيروزآبادي (وترد بها الفتي) أي أهل الفتي ومن أنست
بهم أو الفتى وانسي بجنابك، وليست هذه الفقرة في أكثر الكتب والنسخ (أسئلك
الفوز) أي بالسعادة (في القضاء) أي قضاء الموت وعند نزوله أو كل قضاء (ومنازل
العلماء) وفي بعض النسخ (ونزل الشهداء) والنزل بالضم وبضمتين ما يهيأ
للضيف.
(كما تجير) متعلق بما بعده إشارة إلى قوله سبحانه (وجعل بين البحرين
حاجزا) (2) وقوله: (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج و
جعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) (3) قالوا وذلك مثل دجلة يدخل البحر
فيشقه فيجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمه، وقيل: المراد بالعذب النهر العظيم،
مثل النيل، وبالبحر الملح البحر الكبير، وبالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض وقيل:

(1) مصباح المتهجد: 187.
(2) النمل: 61.
(3) الفرقان: 53.
293

المراد بالبحرين أولا خليجا فارس والروم، ينشعبان من المحيط والأرض فاصل
بينهما لا يمتزجان.
(ومن دعوة الثبور) هو أن ينادوا في القيامة (وا ثبوراه) والثبور الهلاك تلميح
إلى قوله سبحانه (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا) (1) أي
هلاكا، يتمنون الهلاك وينادونه ويقولون وا ثبوراه تعالى فهذا حينك.
(ومن فتنة القبور) وعذابها وسؤالها قال في النهاية: فيه إنكم تفتنون في
القبور يريد مسألة منكر ونكير، من الفتنة الامتحان والاختبار، وفي القاموس
الفضيحة والعذاب.
(يا ذا الحبل الشديد) قال الكفعمي الحبل هنا العهد، ومنه قوله تعالى:
(إلا بحبل من الله وحبل من الناس) (2) وسمي العهد حبلا لأنه يعقد به الأمان
كما يعقد الشئ بالحبل، وفي خط الشهيد قدس الله روحه بالياء المثناة من تحت،
ومعناه يا ذا القوة الشديدة، وإنما قال: الشديد رجوعا إلى لفظ الحبل فإنه
مذكر انتهى.
(والامر الرشيد) أي أمرك ذو رشد وصلاح (والشهود والسجود) جمعا
شاهد وساجد، والسلم بالكسر والفتح الصلح وبالكسر المسالم، والحرب بالفتح
العدو والمحارب، والجهد بالضم والفتح الطاقة، وبالفتح المشقة، والتكلان بالضم
التوكل (وبان به) أي امتاز بذلك العزو الغلبة من جميع الموجودات.
6 - المتهجد والجمال والبلد (3) والجنة: ويستحب أن يدعو ليلة
الجمعة ويوم الجمعة وليلة عرفة ويوم عرفة بهذا الدعاء (اللهم من تعبا وتهيأ وأعد واستعد
لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجائزته فإليك يا رب تعبئتي وتهيئتي وإعدادي واستعدادي

(1) الفرقان: 13.
(2) آل عمران: 112.
(3) البلد الأمين: 69، جنة الأمان، 435.
294

رجاء عفوك وطلب نائلك وجائزتك، فلا تخيب اليوم دعائي يا مولاي، يا من لا تخيب
عليه سائل، ولا ينقصه نائل، فاني لم آتك اليوم ثقة بعمل صالح عملته، ولا لوفادة
إلى مخلوق رجوته، أتيتك مقرا على نفسي بالإساءة والظلم، معترفا بأن لا حجة
لي ولا عذر، أتيتك أرجو عظيم عفوك الذي علوت به على الخاطئين، فلم يمنعك طول
عكوفهم على عظيم الجرم، أن عدت عليهم بالرحمة.
فيا من رحمته واسعة، وعفوه عظيم، يا عظيم يا عظيم يا عظيم، لا يرد غضبك
إلا حلمك، ولا ينجي من سخطك إلا التضرع إليك، فهب لي يا إلهي فرجا بالقدرة
التي بها تحيي ميت العباد، ولا تهلكني غما حتى تستجيب لي وتعرفني الإجابة في
دعائي، وأذقني طعم العافية إلهي منتهى أجلي، ولا تشمت بي عدوي، ولا تسلطه على
ولا تمكنه من عنقي.
يا إلهي إن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني وإن رفعتني فمن ذا الذي يضعني وإن
أهلكتني فمن ذا الذي يتعرض لك في عبدك، أو يسئلك عن أمره، وقد علمت يا إلهي
أنه ليس في حكم ظلم، ولا في نقمتك عجلة، وإنما يعجل من يخاف الفوت، و
إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك علوا كبيرا.
اللهم إني أعوذ بك فأعذني، وأستجير بك فأجرني، وأسترزقك فارزقني، و
أتوكل عليك فاكفني، وأستنصرك على عدوي فانصرني، وأستعين بك فأعني، و
أستغفرك يا إلهي فاغفر لي آمين آمين آمين (1).
بيان: قال الكفعمي (2) تعبأ وتهيأ بمعنى، وكرر للتأكيد واختلاف
اللفظ، وتعبأ يجوز فيه الهمز وعدمه، وعبأت المتاع هيأته انتهى، وأعد أي
نفسه أو ما يحتاج إليه للسفر، وقال الكفعمي تهيأ وتعبأ وأعد واستعد نظائر،
والوفادة بالكسر الورود على الأمير لرسالة أو طلب حاجة، وقال الكفعمي الرفد و
النيل والجائزة نظائر، وقال الجوهري النوال العطاء والنائل مثله.

(1) مصباح المتهجد: 188.
(2) جنة الأمان: 437 في الهامش.
295

(يا من لا يخيب عليه سائل) في الصحيفة وسائر الأدعية (يا من لا يحفيه
سائل) والاحفاء المبالغة في الاخذ أي كلما أخذ السائلون وطلبوا، لا يكون إحفاء
مبالغة في جنب سعة خزائنه، وقال الكفعمي: الحفو المنع أي لا يمنعه سؤال السائلين
وكثرته عن العطاء، وما ذكرنا أظهر، وهو المراد بقوله: (ولا ينقصه نائل) أي لا
ينقص خزائنه كثرة العطاء (طول عكوفهم) أي إقامتهم (ولا تهلكني غما) أي بسبب
الغم أو مغموما بسبب العلم بخطاياي، وعدم العلم بالعفو (من ذا الذي يتعرض) و
في بعض النسخ (يعرض) بمعناه أي يمانعك ويعترضك، يقال: عرض لي في الطريق
عارض أي منعني مانع، والسؤال عن أمره هو أن يسأله تعالى لم أهلكته وبأي
جرم أخذته، ثم لما كان ذلك موهما لان ذلك لمحض قدرته واستيلائه من دون استحقاق
عقبه بقوله (وقد علمت) الخ.
(وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف) لأنه يظلم ليتقوى بما يأخذه من
المظلوم.
7 - المتهجد وسائر الكتب: ويستحب أن يقول ليلة الجمعة ويوم الجمعة
سبع مرات: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وابن أمتك في
قبضتك، وناصيتي بيدك، أمسيت على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ برضاك من شر
ما صنعت، أبوء بعملي وأبوء بذنوبي، فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت (1).
توضيح: على عهدك أي ما هدت إلى من فعل الطاعات وترك المعاصي
(ووعدك) أي إنجازه وطلبه بسبب العقايد والاعمال بقدر استطاعتي، وباء بذنبه: أي
أقر واعترف.
8 - المتهجد وغيره: دعاء آخر في ليلة الجمعة: اللهم اجعلني أخشاك حتى
كأني أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعاصيك، وخر لي في قضائك وبارك

(1) مصباح المتهجد ص 188، البلد الأمين ص 69.
296

لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت، واجعل غناي
في نفسي، ومتعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارثين مني، وانصرني على من ظلمني
وأرني فيه قدرتك يا رب وأقر بذلك عيني.
اللهم أعني على هول القيامة، وأخرجني من الدنيا سالما، وأدخلني الجنة
آمنا، وزوجني من الحور العين، واكفني مؤنتي ومؤنة عيالي، ومؤنة الناس، و
أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.
إلهي إن تعذبني فأهل لذلك أنا، وإن تغفر لي فأهل لذلك أنت، وكيف
تعذبني يا سيدي وحبك في قلبي، أما وعزتك لئن فعلت ذلك بي لتجمعن بيني
وبين قوم طال ما عاديتهم فيك، اللهم بحق أوليائك الطاهرين عليهم السلام ارزقنا صدق
الحديث، وأداء الأمانة، والمحافظة على الصلوات، اللهم إنا أحق خلقك أن تفعل
ذلك بنا، اللهم أفعله بنا برحمتك.
اللهم ارفع ظني إليك صاعدا، ولا تطمعن في عدوا ولا حاسدا، واحفظني
قائما وقاعدا، ويقظان وراقدا، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني سبيلك الأقوم
وقني حر جهنم اللهم وحريقها المضرمة واحطط عنى المغرمة والمأثم واجعلني
من خيار العالم، اللهم ارحمني مما لا طاقة لي به ولا صبر لي عليه، برحمتك يا أرحم
الراحمين (1).
بيان: (وخر لي في قضائك) أي اقض ما هو خير لي (وبارك لي في قدرك) أي
اجعل فيما تقدر لي بركات دنيوية وأخروية حتى لا أكرههما (واجعل غناي في
نفسي) أي تكون نفسي قانعة راضية لا بسبب كثرة، فإنها أما إذا لم تقارن الرضا تكون
سببا لمزيد الفقر والحاجة (واجعلهما الوارثين مني) قال في النهاية: أي أبقهما
صحيحين سليمين إلى أن أموت، وقيل: أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر وانحلال
القوى النفسانية فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوى والباقيين بعدها، وقيل
أراد بالسمع وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر الاعتبار بما يرى انتهى.

(1) مصباح المتهجد: 189.
297

وقيل: الضمير راجع إلى التمتيع والتثنية باعتبار السمع والبصر.
(سالما) أي من الذنوب (آمنا) أي من العقوبات قبله (اللهم ارفع ظني) أي
اقطع ظني ورجائي عن خلقك، واجعلهما صاعدين متصلين إلى جنابك الا رفع،
واجعل ظني بك في أعلى مدارج الكمال (والعزم) هو الذي يجب أداؤه ويقال أثم
الرجل بالكسر إثما ومأثما أما إذا وقع في الاثم ذكره الجوهري.
9 - المتهجد والجمال والمسائل والاختيار: ويستحب أن يزاد في
دعاء الوتر ليلة الجمعة (اللهم هذا مقام البائس الفقير، مقام المستغيث المستجير، مكان
الهالك الغريق، مكان الوجل المشفق، مكان من يقر بخطيئته، ويعترف بذنوبه، و
يتوب إلى ربه، اللهم قد ترى مكاني، ولا يخفي عليك شئ من أمري، يا ذا الجلال
والاكرام، وأسألك بأنك تلي التدبير وتمضي المقادير، سؤال من أساء واقترف،
واستكان واعترف، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تغفر لي ما مضي في علمك من
ذنوبي، وشهدت به حفظتك وحفظة ملائكتك ولم يغب عنه علمك قد أحسنت فيه
البلاء فلك الحمد، وأن تجاوز عن سيئاتي في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا
يوعدون.
اللهم صل على محمد وآل محمد أئمة المؤمنين، اللهم إني أسألك سؤال من
اشتدت فاقته، وضعفت قوته، سؤال من لا يجد لفاقته مسدا ولا لضعفه مقويا غيرك
يا ذا الجلال والاكرام، اللهم أصلح باليقين قلبي، واقبض على الصدق إليك لساني،
وأسألك خير كتاب سبق، وأعوذ بك من شره، جل ثناؤك. وأستجير بك أن أقول
لك مكروها أستحق به عقوبة الآخرة، وأسألك علم الخائفين، وإنابة المخبتين،
ويقين المتوكلين، وتوكل الموقنين بك، وخوف العالمين، وإخبات المنيبين، و
شكر الصابرين، وصبر الشاكرين، واللحاق بالاحياء المرزوقين، آمين آمين.
يا أول الأولين ويا آخر الآخرين، يا الله يا رحمن، يا الله يا رحيم يا الله صل على
محمد وآله اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، واغفر لي الذنوب التي تورث الندم، واغفر لي
298

الذنوب التي تحبس القسم، واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء، واغفر لي الذنوب
التي تحبس غيث السماء، واغفر لي الذنوب التي تظلم الهواء، واغفر لي الذنوب التي
تكشف الغطاء (1).
بيان: (بأنك تلي التدبير) أي بسببه (واقترف) أي اكتسب الخطايا (و
استكان) أي تذلل وخضع (قد أحسنت فيه البلاء) أي النعمة بأن حلمت ولم تعاجل
العقوبة (وعد الصدق) تضمين لقوله: (رب أوزعني إلى قوله أولئك الذين نتقبل
عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب وعد الصدق الذي كانوا
يوعدون) (2).
(في أصحاب الجنة) أي كائنا في عدادهم أو مثابا أو معدودا فيهم، وقوله (وعد
الصدق)) في الآية مصدر مؤكد لنفسه فان (نتقبل ونتجاوز) وعد، وهنا يحتمل
المصدرية لفعل مقدر، وأن يكون مفعولا لأجله (واقبض على الصدق إليك
لساني) لعل الظرف في إليك راجع إلى القبض، والمعنى واقبض إليك لساني عند
الموت حال كونه كائنا على الصدق إلى هذا الوقت، أي اجعلني صادقا إلى وقت الموت
أو المراد بالقبض إليه التصرف فيه أي لا تكله إلى، بل اقبضه إليك لأجل الصدق
أي لان تدعوه إلى الصدق ولا تدعه يكذب في صدق المتوكلين أي حال كوني فيه
(خير كتاب سبق) أي كتاب تقدير الاعمال والاخبات الخشوع والتواضع، وفي
القاموس لحق به كسمع ولحقه لحقا بفتحهما أدركه انتهى، والاحياء المرزوقون
الشهداء كما قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند
ربهم يرزقون) (3) الآية وقد مر تفسير أنواع الذنوب في أبواب صلاة الليل.
10 - المتهجد والاختيار والجمال: ويستحب أن يدعو بعد الوتر بهذا

(1) مصباح المتهجد: 190.
(2) الأحقاف: 16.
(3) آل عمران: 169.
299

بهذا الدعاء: اللهم حبب إلى لقاءك وأحب لقائي، واجعل لي في لقائك الراحة و
البركة والكرامة، وألحقني بالصالحين، ولا تؤخرني في الأشرار، وألحقني بصالح من
مضى، واجعلني من صالح من بقي، واختم لي عملي بأحسنه، واجعل ثوابه الجنة برحمتك
وخذ بي سبيل الصالحين وأعني على صالح ما أعطيتني، كما أعنت المؤمنين على
صالح ما أعطيتهم، ولا تنزع مني صالحا أعطيتنيه، ولا تردني في سوء استنقذتني
منه أبدا، ولا تشمت بي عدوا ولا حاسدا أبدا، ولا تكلني إلى نفسي في شئ من أمري
طرفة عين أبدا، يا رب العالمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد وأسألك يا رب إيمانا لا أجل له دون لقائك،
تحييني عليه وتميتني عليه، وتبعثني عليه أما إذا
بعثتني، وابرء قلبي من الرياء والسمعة
والشك في دينك.
اللهم أعطني نصرا في دينك، وقوة في عبادتك، وفهما في علمك، وفقها في
حكمك، وكفلين من رحمتك وبيض وجهي بنورك، واجعل رغبتي فيما عندك،
وتوفني في سبيلك على ملتك وملة رسولك صلواتك عليه وآله، اللهم إني أعوذ بك
من الكسل والهموم والجبن والغفلة والفترة والمسكنة وأعوذ بك لنفسي ولأهلي و
ذريتي من الشيطان الرجيم.
اللهم إنه لم يجيرني منك أحد، ولا أجد من دونك ملتحدا، فلا تردني في
هلكة، ولا تردني بعذاب، أسألك الثبات على دينك، والتصديق بكتابك، واتباع
سنة رسولك، صلواتك عليه وآله، اللهم اذكرني برحمتك، ولا تذكرني بعقوبتك
لخطيئتي، وتقبل مني وزدني من فضلك، إني إليك راغب.
اللهم اجعل ثواب منطقي وثواب مجلسي رضاك، واجعل عملي ودعائي خالصا
لك، واجعل ثوابي الجنة برحمتك، واجمع لي خير ما سئلتك وزدني من فضلك
إني إليك راغب، اللهم إني أشهد بما شهدت به على نفسك، وشهدت به ملائكتك
وأولو العلم أن لا إله إلا أنت العزيز الحكيم، فمن لم يشهد على ما شهدت به على
300

نفسك، وشهدت به ملائكتك وأولوا العلم بك، فاكتب شهادتي مكان شهادته.
اللهم أنت السلام ومنك السلام أسألك يا ذا الجلال والاكرام، أن تفك
رقبتي من النار، اللهم إني أسألك مفاتيح الخير وخواتيمه وشرايعه وفوائده و
بركاته وما بلغ علمه علمي، وما قصر عن إحصائه حفظي، اللهم انهج لي أسباب
معرفته، وافتح لي أبوابه، وغشني رحمتك ومن على بعصمة عن الإزالة عن
دينك، وطهر قلبي من الشك، ولا تشغل قلبي بدنياي، وعاجل معاشي عن آجل
ثواب آخرتي.
اللهم ارحم استكانة منطقي وذل مقامي ومجلسي، وخضوعي إليك برقبتي
أسألك اللهم الهدى من الضلالة، والبصيرة من العماية، والرشد من الغواية، وأسألك
أكثر الحمد عند الرخاء، وأجمل الصبر عند المصيبة، وأفضل الشكر عند موضع
الشك، والتسليم عند الشبهات، وأسألك القوة في طاعتك،، والضعف عن معصيتك
والهرب إليك منك، والتقرب إليك رب لترضى، والتحري لكل ما يرضيك عنى
في إسخاطك وإسخاط خلقك، التماسا لرضاك.
رب من أرجوه أما إذا لم ترحمني، ومن يعود على إن رفضتني، أو من ينفعني
عفوه إن عاقبتني، أو من آمل عطاياه إن حرمتني، أو من يملك كرامتي إن هنتني
أو من يضرني هوانه إن أكرمتني، رب ما أسوء فعلى، وأقبح عملي، وأقسى قلبي
وأطول أملى، وأقصر أجلى، وأجرأني على عصيان من خلقني، رب ما أحسن بلاءك
عندي، وأظهر نعماءك على، كثرت منك على النعم فما أحصاها، وقل منى الشكر
فيما أوليتنيه فبطرت بالنعم وتعرضت للنقم، وسهوت عن الذكر، وركبت الجهل
بعد العلم، وجرت من العدل إلى الظلم، وجاوزت البر إلى الاثم، وصرت إلى
اللهو من الخوف والحزن.
رب ما أصغر حسناتي وأقلها في كثرة ذنوبي، وأعظمها على قدر صغر خلقي
وضعف عملي، رب ما أطول أملى في قصر أجلى في بعد أملى، وما أقبح سريرتي في
علانيتي، رب لا حجة لي إن احتججت، ولا عذر لي أما إذا اعتذرت، ولا شكر عندي
301

إذا أبليت، وأوليت، إن لم تعنى على شكر ما أوليت، وما أخف ميزاني غدا إن
لم ترجحه، وأزل لساني إن لم تثبته، وأسود وجهي إن لم تبيضه.
رب كيف بي بذنوبي التي سفلت منى قد هد لها أركاني، رب كيف لي بطلب
شهوات الدنيا أو أبكى على حميم فيها، ولا أبكى على نفسي وتشتد حسراتي لعصياني
وتفريطي، رب دعتني دواعي الدنيا فأجبتها سريعا وركنت إليها طائعا، ودعتني
دواعي الآخرة فتثبطت عنها، وأبطأت في الإجابة والمسارعة إليها كما سارعت إلى
دواعي الدنيا وحطامها الهامد، ونسيمها البائد، وسرابها الذاهب، رب خوفتني و
شوقتني واحتججت على وكفك برزقي، فأمنت خوفك، وتثبطت عن تشويقك، ولم أتكل
على ضمانك، وتهاونت باحتجاجك، اللهم اجعل أمنى منك في هذه الدنيا خوفا، و
حول تثبيطي شوقا، وتهاوني بحجتك فرقا منك ثم رضني بما قسمت لي من رزقك
يا كريم.
أسألك باسمك العظيم رضاك عند السخطة، والفرجة عند الكربة، والنور
عند الظلمة، والبصيرة عند شدة الغفلة، رب اجعل جنتي من الخطايا حصينة، و
درجاتي في الجنان رفيعة، وأعمالي كلها متقبلة، وحسناتي مضاعفة زاكية، أعوذ
بك من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، ومن شر المطعم والمشرب ومن شر ما
أعلم ومن شر ما لا أعلم، وأعوذ بك أن أشتري الجهل بالعلم أو الجفاء بالحلم، أو
الجور بالعدل، أو القطيعة بالبر، أو الجزع بالصبر، أو الضلالة بالهدى، أو الكفر
بالايمان.
اللهم إني أسألك برحمتك التي لا تنال إلا برضاك والخروج من جميع معاصيك
والدخول في كل ما يرضيك، والنجاة من كل ورطة، والمخرج من كل كبيرة أتى
بها منى عمد أو زل بها منى خطأ أو خطر بها خطرات الشيطان، أسألك خوفا توقفني
به على حدود رضاك، وتشعث به عنى كل شهوة خطر بها هواي، وأستزل عندها
رأيي لتجاوز حد حلالك.
302

أسألك اللهم الاخذ بأحسن ما تعلم، وترك سيئ كل ما تعلم، أو أبتلى من
حيث أعلم ومن حيث لا أعلم، أسألك السعة في الرزق، والزهد في الكفاف، والمخرج
بالبيان من كل شبهة، والصواب في كل حجة، والصدق في جميع المواطن وإنصاف
الناس من نفسي فيما على وفي مالي، والتذلل في إعطاء النصف من جميع مواطن
السخط والرضا، وترك قليل البغي وكثيرة في القول منى والفعل، وتمام نعمتك في
جميع الأشياء والشكر لك عليها لكي ترضى وبعد الرضا، وأسألك الخيرة في كل ما
يكون فيه الخيرة بميسور الأمور لا بمعسورها، يا كريم يا كريم.
اللهم إني أسألك قول التوابين وعملهم، ونور الأنبياء وصدقهم، ونجاة
المجاهدين وثوابهم، وشكر المصطفين ونصيحتهم، وعمل الذاكرين ويقينهم، و
إيمان العلماء وفقههم، وتعبد الخاشعين وتواضعهم، وحلم الفقهاء وسيرتهم، وخشية
المتقين ورغبتهم، وتصديق المؤمنين وتوكلهم، ورجاء المحسنين وبرهم.
اللهم إني أسألك ثواب الشاكرين، ومنزلة المقربين، ومرافقة النبيين،
اللهم إني أسألك خوف العاملين، وعمل الخائفين، وخشوع العابدين لك، ويقين
المتوكلين عليك، وتوكل المؤمنين بك.
اللهم إنك بحاجتي عالم غير معلم، وأنت لها واسع غير متكلف، وإنك
الذي لا يحفيك سائل، ولا ينقصك نائل، ولا يبلغ مدحتك قول قائل، وأنت
كما تقول، وفوق ما نقول، اللهم اجعل لي فرجا قريبا وأجرا عظيما وسترا
جميلا.
اللهم هدأت الأصوات، وسكنت الحركات، وخلا كل حبيب بحبيبه، وخلوت
بك يا إلهي، فاجعل خلوتي منك الليلة العتق من النار (1).
توضيح: (وخذ بي سبيل الصالحين) أي اذهب بي في سبيلهم (على صالح
ما أعطيتني) كالزوجة الصالحة والأولاد والأموال وغيرها أعنى على حفظها و
تربيتها وصرفها فيما تحب (لا أجل له دون لقائك) أي قبل الموت وعدم الزوال

(1) مصباح المتهجد: 191 - 195.
303

بعده لا يحتاج إلى الدعاء، أو المراد الايمان بالدليل وبعد الموت فينقلب ضرورة و
عيانا، والأول أظهر كما يدل عليه ما بعده من الفقرات، والحاصل أنه لا يكون
له أجل إلا لقاؤك، وهو لا يكون أجلا كقوله صلى الله عليه وآله (بيد أنى
من قريش).
ويحتمل أن يكون المراد بالأجل الحد الذي ينتهى إليه، أي يكون إيماني
مترقيا في الكمال لا ينتهى إلى حد إلا إلى اللقاء، وهو غاية مراتب العرفان، أو
يكون (دون) بمعنى (عند) أي لا يكون له أجل الموت، والتخصيص لأنه عند
ذلك يوسوس الشيطان.
ويحتمل وجها خامسا وهو أن يكون المراد بالدعاء الرؤية ويكون المعنى
لا أجل له سوى الرؤية، والرؤية لا تكون أجلا لامتناعها، فلا أجل له أصلا، و
يكون إشارة إلى ما مر في الخبر أن الرؤية توجب سلب الايمان الذي كان في
الدنيا.
(نصرا في دينك) أي وفقني لان أنصر دينك، وفي بعض النسخ بالباء أي
بصيرة، وهو أظهر.
وقال الجوهري: الكفل الضعف قال تعالى (يؤتكم كفلين من رحمته) ويقال
إنه النصيب.
أقول: يحتمل أن يكون المراد النعم الظاهرة والباطنة في الدنيا والآخرة
(وبيض وجهي بنورك) في الآخرة أو الأعم منها ومن الأنوار المعنوية في الدنيا،
كما قال تعالى: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) (1) ورد في الخبر في المتهجدين
خلوا بربهم فألبسهم من نوره (فيما عندك) أي من المثوبات والقربات (في سبيلك
أي في الجهاد أو الأعم كائنا وثابتا (على ملتك) والكسل التثاقل عن الامر و
الفترة الانكسار والضعف، والملتحد الملجأ.
(فلا تردني في هلكة) أي أما إذا نجيتني من هلكة فلا تردني فيها بمنع لطفك

(1) الفتح: 29.
304

أو لا تردني من الإرادة أو بسكون الراء وكسر الدال من الارداء بمعنى الاهلاك كما
قال الله تعالى: (أرديكم فأصبحتم من الخاسرين) (1).
(فاكتب شهادتي) أي ضاعف الثواب لي بعدد كل من جحد ما أقررت به (أنت
السلام) أي السلم من النقايص، أو مسلم الخلق من الآفات (ومنك السلام) أي
سلامة كل الخلق من العيوب أو البلايا من فضلك (مفاتيح الخير) والمفاتيح جمع
المفتاح أي أسألك ما يصير سببا لفتح أبواب الخيرات (وخواتيمه) أي ما يختم به
الخيرات، أو أسألك أن يكون فتح جميع أموري وختمها بالخير.
والشرايع جمع الشريعة وهو مورد المشاربة من الماء أي طرق الخير، ويقال
نهجت الطريق أي أبنته وأوضحته (وغشني رحمتك) أي اجعل رحمتك تغشاني و
تسترني وتحيط بي (عن الإزالة) أي عن أن يزيلني أحد أو أزيل أحدا، والغواية
بالفتح الضلال والخيبة.
(عند موضع الشك) إذ كفران النعمة غالبا إنما يكون عند الشك في المنعم
أو هو عمدة الكفران (والتسليم) لله ولحججه وانقياد ما يصدر عنهم وأموا به (عند
الشبهات) أي عند اشتباه معنى ما ورد عنهم وصعوبته على الافهام، وخفاء علة الحكم
وقد مر تحقيقه في باب التسليم.
والتحري طلب الأحرى والأليق (في إسخاطك) أي أما إذا ترددت بين
إسخاطك وإسخاط خلقك، أطلب ما هو أحرى وهو إسخاطهم لطلب رضاك وفي
ساير الكتب سوى المتهجد (ليس إسخاطك) ولعله أصوب.
(يعود على) من العائدة وهو العطف والمنفعة (إن رفضتني) أي تركتني،
والبطر الطغيان بالنعمة.
(أسألك برحتمك) أي رحمتك، يقال سأله وسأل به، وقال تعالى (سئل
سائل بعذاب واقع) ويحتمل أن يكون المسؤول (التي لا تنال) ولا يكون صفة لرحمتك
بل لمقدر أي النعمة أو الخلة وشبههما (وبرحمتك) قسما أو الباء للسببية، وفي

(1) فصلت: 23.
305

بعض نسخ الدعاء النجاة بدون الواو فيكون هي المسؤول، والخروج والدخول
معطوفين على قوله (رضاك) وعلى نسخة العطف يحتمل أن يكون الجميع كذلك
ويكون المسؤول (خوفا) و (أسألك) تأكيدا، ولعل الأظهر زيادة الواو في قوله:
(والخروج) كما أنه ليس في بعض نسخ الدعاء.
والورطة الهلكة وكل أمر يعسر النجاة منه (على حدود رضاك) أي لا التجاوز
عن الحدود التي بينتها لرضاك إلى ما ترضى، تشعث: أي تفرق وفي بعض النسخ بالباء
بمعناه يقال: شعثت الشئ أي فرقته لكن الأول على بناء التفعيل والثاني على
بناء المجرد.
(خطر بها هواي) أي خطر بسبب تلك الشهوة ببالي ما أهواه أو طغى بسببها
هواي ولم يطعني، في القاموس الخاطر الهاجس، خطر بباله وعليه يخطر خطورا ذكره
بعد نسيان، وأخطره الله تعالى، والفحل بذنبه يخطر ضرب به يمينا وشمالا، وهي
ناقة خطارة، والرجل بسيفه ورحمه رفعه مرة ووضعه أخرى، وفي مشيته رفع
يديه ووضعهما خطرانا فيهما، والريح اهتز فهو خطار انتهى.
(في الكفاف) أي معه قال في النهاية الكفاف هو الذي لا يفضل عنه الشئ، و
يكون بقدر الحاجة، ويحتمل أن يكون الواو في قوله: (والزهد) بمعنى أو، أو
يكون تفسير اللسعة، وفي التهذيب والزهد فيما هو وبال، وهو أصوب (في جميع المواطن)
أي سواء كان ضارا أو نافعا ما لم يبلغ حد التقية، والنصف بالتحريك الانصاف (لا
يحفيك سائل) قد مر معناه، ويحتمل وجها آخر وهو أن مبالغة السائلين لا يعد عندك مبالغة
لأنك تحب الملحين في الدعاء، والأظهر ما مر، وفي النهاية والهدءة والهدء
السكون من الحركات.
11 - المتهجد: ويستحب أن يقول بعد الركعتين من نوافل الفجر الأول يوم
الجمعة مائة مرة سبحان ربي العظيم وبحمده أستغفر الله ربي وأتوب إليه.
ويستحب أيضا أن يدعو بدعاء المظلوم عند قبر أبي عبد الله عليه السلام وهو: (اللهم
306

إني أعتز بدينك، وأكرم بهدايتك، وفلان يذلني بشره ويهينني بأذيته، ويعيبني
بولاء أوليائك، ويبهتني بدعواه، وقد جئت إلى موضع الدعاء وضمانك الإجابة،
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعدني عليه الساعة) ثم ينكب على القبر ويقول:
مولاي إمامي، مظلوم استعدى على ظالمه، النصر النصر، حتى تنقطع النفس.
ويستحب أيضا أن يقول عند السحر: اللهم صل على محمد وآله، وهب لي
الغداة رضاك، وأسكن قلبي خوفك، واقطعه عمن سواك حتى لا أرجو ولا أخاف إلا
إياك، اللهم صل على محمد وآله، وهب لي ثبات اليقين، ومحض الاخلاص، وشرف
التوحيد، ودوام الاستقامة، ومعدن الصبر، والرضا بالقضاء والقدر، يا قاضي
حوائج السائلين، يا من يعلم ما في ضمير الصامتين، صلى على محمد وآله واستجب
دعائي، واغفر ذنبي، وأوسع رزقي، واقض حوائجي في نفسي وإخواني في ديني
وأهلي.
إلهي طموح الآمال قد خابت إلا لديك، ومعاكف الهمم قد تعطلت إلا عليك
ومذاهب العقول قد سمت إلا إليك، فأنت الرجاء وإليك الملجأ، يا أكرم مقصود
وأجود مسؤول، هربت إليك بنفسي يا ملجأ الهاربين بأثقال الذنوب على ظهري، لا
أجد لي إليك شافعا سوى معرفتي بأنك أقرب من رجاه الطالبون، وآمل ما لديه
الراغبون.
يامن فتق العقول بمعرفته، وأطلق الألسن بحمده، وجعل ما امتن به على
عباده في كفاء لتأدية حقه، صل على محمد وآله، ولا تجعل للشيطان على عقلي سبيلا
ولا للباطل على عملي دليلا (1).
فإذا طلع الفجر فقل: أصبحت في ذمة الله وذمة ملائكته وذمم أنبيائه ورسله
عليهم السلام وذمة محمد صلى الله عليه وآله، وذمم الأوصياء من آل محمد عليهم السلام آمنت بسر آل
محمد عليهم السلام وعلانيتهم، وظاهرهم وباطنهم، وأشهد أنهم في علم وطاعته كمحمد

(1) مصباح المتهجد: 195.
307

صلى الله عليه وآله (1).
بيان: روي ما سوى الدعاء في جمال الأسبوع والاختيار، وقال السيد بعد
الدعاء الأخير رويناه باسنادنا إلى داود الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه من قاله صباحا
ومساء ثلاث مرات آمنه الله مما يخاف، وقال الكفعمي في البلد الأمين (2) دعاء
الفرج يدعى به في سحر ليلة الجمعة، ورأيت في بعض كتب أصحابنا ما ملخصه أن
رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: يا رسول الله إني كنت غنيا فافتقرت إلى
آخر ما مر في كيفية صلاة الليل وذكر الدعاء من قوله (إلهي طموح الآمال) إلى
قوله على عملي دليلا، وافتح لي بخير الدنيا والآخرة، يا ولي الخير، وقد مر
شرح الدعاء.
قوله عليه السلام: (وضمانك) بالكسر عطفا على الدعاء، (والإجابة) بالنصب،
وفي بعض النسخ برفعهما على الابتداء والخبرية أي والحال أنك ضمنت الإجابة
قال الجوهري: العدوي طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك أي ينتقم منه، يقال:
استعديت على فلان الأمير فأعداني أي استعنت به عليه فأعانني عليه، والاسم منه
العدوي، وهي المعونة انتهى.
قوله: (إمامي) نداء (مظلوم) خبر مبتدء محذوف أي أنا مظلوم (واستعدى)
على صيغة الغيبة وفي بعض النسخ استعدي على صيغة التكلم فالخطاب في مولاي إلى
الله، وإمامي مبتدأ ومظلوم خبره، والضمير في ظالمه راجع إلى الامام ((النصر)
بالنصب أي أطلبه (شرف التوحيد) لعل المراد أشرفه.
12 - فقه الرضا: قال عليه السلام: اعلم يرحمك أن الله تبارك وتعالى فضل يوم
الجمعة وليلته على ساير الأيام، فضاعف فيهما الحسنات لعاملها والسيئات على
مقترفها إعظاما لهما فإذا حضر يوم الجمعة فقل في ليلة في آخر السجدة من نوافل

(1) مصباح المتهجد ص 196.
(2) تراه في مصباح الكفعمي: 53 - 54 وقد مر في ج 87 ص 277 - 279
ولم نجد الحديث في البلد الأمين المطبوع.
308

المغرب وأنت ساجد (اللهم إني أسألك باسمك العظيم، وسلطانك القديم، أن
تصلى على محمد وآله، وأن تغفر لي ذنبي العظيم.
واقرء في صلاتك العشاء الآخرة سورة الجمعة في الركعة الأولى، وفي الثانية
سبح اسم ربك الاعلى، وروي أيضا أما إذا جائك المنافقون، وإذا قرأت غيرهما أجزأك
وأكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله في ليلة الجمعة ويومها وإن قدرت أن تجعل
ذلك ألف كرة فافعل فان الفضل فيه.
وقد يروى أنه أما إذا كان عشية يوم الخميس نزلت ملائكة معها أقلا من نور
وصحف من نور، لا يكتبون إلا الصلوات على رسول الله صلى الله عليه وآله إلى آخر النهار من
يوم الجمعة (1).
13 - عدة الداعي: روي يقرأ في الثلث الأخير من ليلة الجمعة سورة
القدر خمس عشرة مرة ثم يدعو بما يريد (2).
14 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن
ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قال في آخر سجدة من
النافلة بعد المغرب ليلة الجمعة، وإن قال في كل ليلة فهو أفضل (اللهم إني أسألك
بوجهك الكريم، واسمك العظيم، أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تغفر لي ذنبي العظيم)
سبع مرات انصرف وقد غفر الله له.
قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: أما إذا كانت عشية الخميس وليلة الجمعة نزلت
ملائكة من السماء معهم أقلام الذهب وصحف الفضة، لا يكتبون عشية الخميس
وليلة الجمعة ويوم الجمعة إلى أن تغيب الشمس إلا الصلاة على النبي وآله صلى
الله عليه وآله (3).
كتاب العروس: باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أما إذا
كانت إلخ.

(1) فقه الرضا: 11.
(2) عدة الداعي: 30.
(3) الخصال ج 2 ص 31.
309

أقول: سيأتي مسندا في كتاب (1) القرآن عن الصادق عليه السلام أنه قال: من
قرء سورة بني إسرائيل في كل ليلة الجمعة لم يمت حتى يدرك القائم عليه السلام، فيكون
من أصحابه (2).
وعنه عليه السلام قال: من قرء سورة الطواسين الثلاث في ليلة الجمعة كان من أولياء الله
وفي جوار الله وكنفه، ولم يصبه في الدنيا بؤس أبدا وأعطى في الآخرة من الجنة
حتى يرضى وفوق رضاه وزوجه الله مائة زوجة من الحور العين (3).
وعنه عليه السلام قال: من قرء سورة السجدة في كل ليلة جمعة أعطاه الله كتابه
بيمينه، ولم يحاسبه بما كان منه، وكان من رفقاء محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته صلى الله
عليه وآله (4).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: من قرأ سورة ص في ليلة الجمعة أعطى من خير
الدنيا والآخرة ما لم يعط أحد من الناس، إلا نبي مرسل أو ملك مقرب وأدخله
الله الجنة وكل من أحب من أهل بيته، حتى خادمه الذي يخدمه، وإن لم يكن
في حد عياله ولا في حد من يشفع فيه (5).
وعن الصادق عليه السلام قال: من قرأ كل ليلة أو كل يوم جمعة سورة الأحقاف
لم يصبه الله بروعة في الحياة الدنيا، وآمنه من فزع يوم القيامة إنشاء الله تعالى (6).
وعنه عليه السلام من قرأ في كل ليلة جمعة الواقعة أحبه الله وحببه إلى الناس
أجمعين، ولم ير في الدنيا بؤسا أبدا، ولا فقرا ولا فاقة، ولا آفة من آفات الدنيا،
وكان من رفقاء أمير المؤمنين صلوات الله عليه (7).

(1) راجع ج 92، أبواب فضائل السور.
(2) راجع ثواب الأعمال: 95، تفسير العياشي ج 2 ص 276.
(3) راجع ثواب الأعمال: 99.
(4) راجع ثواب الأعمال: 99.
(5) راجع ثواب الأعمال: 102.
(6) راجع ثواب الأعمال: 103.
(7) راجع ثواب الأعمال: 105.
310

15 - كتاب تأويل الآيات الباهرة: نقلا عن كتاب محمد بن العباس بن
ماهيار، عن حميد بن زياد، عن عبد الله بن أحمد، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم
ابن عبد الحميد، عن زيد الشحام قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ليلة الجمعة فقال
لي: اقرأ، فقرأت ثم قال: اقرأ فقرأت ثم قال لي: يا شحام أقرأ فإنها ليلة قرآن،
فقرأت حتى بلغت (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولاهم ينصرون) قال: هم، قال
قلت: إلا من رحم، قال: نحن القوم الذين رحم الله، ونحن القوم الذين استثنى
الله وإنا والله نغني عنهم.
16 - كتاب العروس: للشيخ الفقيه أبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي
- رحمه - الله باسناده عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: إن للجمعة ليلتين ينبغي
أن يقرأ في ليلة السبت مثل ما يقرأ في عشية الخميس ليلة الجمعة.
ومنه: باسناده عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: اقرأ ليلة
الجمعة في المغرب بسورة الجمعة وقل هو الله أحد، واقرأ في صلاة العتمة بسورة الجمعة
وسبح اسم ربك الاعلى.
وفي خبر آخر عن الصادق عليه السلام أنه قال: اقرأ في ليلة الجمعة وصلاة العتمة
سورة الجمعة، وسورة الحشر.
ومنه باسناده عن الباقر عليه السلام أنه قال: يستحب أن يقرأ في ليلة الجمعة في صلاة
العتمة سورة الجمعة والمنافقين.
ومنه باسناده عن الصادق عليه السلام قلت: ما أقرأ في ليلة الجمعة؟ قال: اقرأ إنا أنزلناه
في ليلة القدر وقل هو الله أحد.
ومنه باسناده عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال: من صلى [المغرب] ظ ليلة
الجمعة وبعدها أربع ركعات وقال في آخر سجدة من النوافل وإن فعل كل ليلة فهو أفضل
(اللهم إني أسألك بوجهك الكريم، واسمك العظيم، أن تصلي على محمد وآل محمد
وأن تغفر لي ذنبي العظيم) سبع مرات ينصرف وقد غفر له.
ومنه باسناده عن عبد صالح قال: من صلى المغرب ليلة الجمعة وبعدها أربع
311

ركعات ولم يتكلم حتى يصلي عشر ركعات يقرء في كل ركعة الحمد لله وقل هو الله أحد
كانت [عدل] ظ عشر رقبات.
قال الشيخ جعفر بن أحمد: جاء هذا الحديث هكذا والذي هو أفضل منه هو
أن يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة ليلة الجمعة ويصلي أربع ركعات بعد العتمة،
ويؤخر الركعتين اللتين بعد العتمة من جلوس إلى أن يصلي ركعات المغرب ليكون
قد ختمت الصلاة بوتر الليل.
بيان: كذا فيما عندنا من نسخة الكتاب والظاهر عشر ركعات مكان أربع
ركعات ولعله استدرك ذلك لخروج وقت النافلة ودخول وقت العشاء قبل الفراغ منها
وقد سبق قول في ذلك وأنه يمكن القول بجواز فعل غير الرواتب في غير [وقت] ظ الفريضة
إذا لم يخل بوقت فضيلة الفريضة.
وقد رويت صلوات كثيرة بين الفرضين، مع أن تأخير العشاء أفضل والاحتياط
فيما ذكروه، لكن الاتيان بها بعد الفرضين خروج عن النص، ولم أر نصا عاما
في ذلك.
17 - كتاب العروس: باسناده قال الصادق عليه السلام: الصلاة ليلة الجمعة ويوم
الجمعة بألف حسنات ويرفع له ألف درجة، وإن المصلي على محمد وآل محمد ليلة الجمعة
يزهر نوره في السماوات إلى أن تقوم الساعة، وملائكة الله في السماوات يستغفرون
له، ويستغفر له الملك الموكل بقبر النبي عليه وآله السلام إلى أن تقوم
الساعة.
ومنه باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال: من دعا لعشر من إخوانه الموتى
في ليلة الجمعة أوجب الله له الجنة.
ومنه باسناده عن السكني، عن جعفر، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من تمثل ببيت شعر من الخنا ليلة الجمعة لم يقبل منه صلاة
تلك الليلة، ومن تمثل في يوم الجمعة لم يقبل منه صلاة في يومه ذلك.
312

بيان: الخنا بالقصر الفحش من القول.
18 - كتاب العروس: باسناده، عن أبي سعيد الخدري قال: كان فيما
أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله: عليا يا علي إن جامعت أهلك ليلة الجمعة فان الولد يكون
حليما قوالا مفوها، وإن جامعتها ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة، فان الولد
يرجى أن يكون من الابدال، وإن جامعتها بعد العصر يوم الجمعة، فان الولد يكون
مشهورا معروفا عالما.
ومنه باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قال بين ركعتي الفجر إلى الغداة
يوم الجمعة (سبحان ربي العظيم وبحمده أستغفر الله ربي وأتوب إليه) مأة مرة
بنى الله له مسكنا في الجنة.
19 - مصباح الأنوار: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن
الحسين، عن فاطمة الصغرى، عن الحسين بن علي، عن أخيه الحسن صلوات الله عليهم
قال: رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى
انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا
تدعو بشئ لنفسها فقلت: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بني
الجار ثم الدار.
20 - رسالة الشهيد الثاني - ره -: عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: أكثروا من الصلاة علي في الليلة الغراء، واليوم الأزهر:
ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فسئل كم الكثير؟ فقال: إلى مائة وما زاد فهو أفضل.
وروي أن من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين
البيت، وما زاد العتيق، ومن قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى
الله له بيتا في الجنة، ومن قرأ ليلة الجمعة حم ويس أصبح مغفورا له، ومن قرأ
سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة كان له من الاجر كما بين البيداء وعروبا
فالبيداء الأرض السابعة وعروبا السماء السابعة.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قال هذه الكلمات سبع مرات في
313

ليلة الجمعة فمات ليلته دخل الجنة، ومن قالها يوم الجمعة فمات في ذلك اليوم دخل
الجنة من قال: اللهم ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وابن أمتك، وفي قبضتك
وناصيتي بيدك، أمسيت على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت
أبوء بنعمتك وأبوء بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
وروى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يستحب
إذا دخل وإذا خرج في الشتاء أن يكون في ليلة الجمعة.
21 - المقنعة: قال الصادق عليه السلام إن لله كرائم في عباده خصهم بها في كل
ليلة ويوم جمعة، فأكثروا فيها من التهليل والتسبيح والثناء على الله والصلاة
على النبي صلى الله عليه وآله (1).
ومنه روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: الصدقة ليلة الجمعة ويومها بألف
والصلاة على محمد وآله ليلة الجمعة بألف من الحسنات، ويحط الله فيها ألفا من السيئات
ويرفع فيها ألفا من الدرجات، وإن المصلي على محمد وآله ليلة الجمعة يتلألأ نوره في
السماوات إلى أن تقوم الساعة وإن ملائكة الله في السماوات يستغفرون له ويستغفر
له الملك الموكل بقبر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن تقوم الساعة (2).
22 - المحاسن: عن أبيه، عن القاسم روي في أكل الزمان كل ليلة
الجمعة (3).
23 - المتهجد: روي في أكل الرمان في يوم الجمعة وليلته فضل كثير (4).
24 - جمال الأسبوع: باسنادي إلى الكليني عن علي بن محمد، عن سهل بن
زياد، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن عذافر، عن عمر بن يزيد قال: قال لي أبو
عبد الله عليه السلام: يا عمر إنه أما إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذر،

(1) المقنعة: 25.
(2) المقنعة: 26.
(3) المحاسن: 540 باسناده عن سعيد بن غزوان قال: كان أبو عبد الله (ع) يأكل
الرمان كل ليلة جمعه.
(4) مصباح المتهجد ص 197.
314

في أيديهم أقلام الذهب، وقراطيس الفضة، لا يكتبون إلى ليلة السبت إلا
الصلاة على محمد وآل محمد صلى الله عليه وعليهم فأكثر منها، وقال لي: يا عمر إن من
السنة أن تصلي على محمد وأهل بيته في كل جمعة ألف مرة وفي ساير الأيام
مائة مرة.
وروى أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن محمد بن علي بن محبوب، عن
أحمد بن الحسين، عن علي بن مهزيار، عن عثمان بن عيسى، عن سليمان، عن
عبد صالح قال: من صلى المغرب ليلة الجمعة وصلى بعدها أربع ركعات ولم يتكلم
حتى يصلي عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بالحمد والاخلاص كانت عدل عشر
رقاب.
25 - جمال الأسبوع: قال: حدث أبو الحسين أحمد بن أحمد بن علي
الكوفي، عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن يحيى بن زكريا بن شيبان، عن الحسن
ابن علي بن أبي حمزة البطائني وحسين بن أبي العلا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: أما إذا أردت أن تصلي صلاة الليل في ليلة الجمعة قرأت في أول ركعة
بأم الكتاب وقل هو الله أحد، وفي الثانية بأم الكتاب وقل يا أيها الكافرون
وفي الثالثة بأم الكتاب والم السجدة، وفي الركعة الرابعة بأم الكتاب ويا أيها
المدثر، وفي الركعة الخامسة بأم الكتاب وحم السجدة، وإن لم تحسنها فاقرأ
بالنجم، وفي الركعة السادسة بأم الكتاب، وتبارك الذي بيده الملك، وفي الركعة
السابعة بأم الكتاب ويس، وفي الركعة الثامنة بأم الكتاب والواقعة، وتوتر بالمعوذتين
وقل هو الله أحد.
المتهجد: وغيره عنه عليه السلام مرسلا مثله (1).
26 - جمال الأسبوع: ذكر دعاء نافلة الليل: روينا باسنادنا إلى الشيخ محمد
ابن علي الكراجكي من كتابه في عمل يوم الجمعة فقال: أما إذا سلم المصلي من الركعتين

(1) مصباح المتهجد: 189.
315

الأولتين فليقل (اللهم صل على محمد وآل محمد الطاهرين أجمعين، وأعني على طاعتك
ووفقني لعبادتك، اللهم يا إله جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، اجعل اليقين في قلبي
والنور في بصرى، والنصيحة في صدري، وذكرك بالليل والنهار على لساني، و
رزقا واسعا غير ممنون ولا محظور فارزقني، اللهم وسددني ما يرضيك عني).
فإذا تم أربعا فليقل (اللهم صلى على محمد وآل محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين
أجمعين، واجعلنا هادين مهديين، غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائك، وحربا
لأعدائك نحب من أطاعك، ونعصي من خالفك، ونعصي من خالفك، اللهم هذا الدعاء وعليك التكلان
في الإجابة، اللهم اجعل لي نورا في قلبي وصدري وسمعي وبصري وشعري وبشري
ولحمي وعظمي، ونورا يحيط بي، اللهم اهدني للرشاد، والطف لي بالسداد وأكفني
شر العباد، وارحمني يوم المعاد).
فإذا تمم ستا فليقل (اللهم إنك أنت المفضل المنان، بديع السماوات والأرض
ذو الجلال والاكرام، لا إله إلا أنت ذو الجود والانعام، صل على خير الأنام، محمد
رسولك وآله المعصومين الطاهرين الكرام، اللهم إني سائلك الفقير، وعبدك المستجير
الخائف من عذابك، الراجي لفضلك وثوابك، فاجبر فقري بنعمتك، واجبرني
من كسرى برحمتك، وآمن خوفي بغفرانك، وحقق رجائي باحسانك. اللهم إني
مستغفرك فاغفر لي، تائب إليك فتب على، اعف عن ذنوبي كلها قديمها وحديثها،
اللهم لا تجهد بلائي، ولا تشمت بي أعدائي، ولا تجعل النار مأواي).
فإذا تمم الثمانية فليقل (اللهم صل على محمد رسولك الذي اصطفيت، وعلى
الأئمة الطاهرين أهل البيت، ولا تعدني في سوء استنقذتني منه أبدا، ولا تسلبني
صالح ما أعطيتني أبدا، اللهم لك الحمد والمجد، أنت رب السماوات والأرض،
وما فيهن وما بينهن، اللهم إنك أنت الحق وقولك الحق والجنة حق والنار
حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك خاصمت
وحاكمت، اللهم ادرء عني شر كل ذي شر، واصرف عني كل ضر.
316

اللهم صل على محمد وآل محمد الطاهرين أجمعين، وابدء بهم في كل خير، و
اختم بهم الخير في كل خير، وأهلك عدوهم من الجن والإنس من الأولين والآخرين
يا أقدر القادرين).
قال: ويستحب أن يقول في قنوته ليلة الجمعة: اللهم إني أسألك بفضل ليلة
الجمعة وحرمتها وشرفها ومنزلتها، وبحق نبيك محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين
الدال عليها، والداعي إليها، والمعروف بها، والمنبه على واجبها أن تصلي على
محمد وآل محمد الطاهرين خير الأنام، وعلى أهل بيته البررة الكرام، وأن تجعلني
من القوام الصوام، وحجاج بيتك الحرام، وزوار قبر نبيك محمد عليه وآله أفضل
التحية والسلام، وقاصدي المشاهد العظام، اكفني شر الأنام، وأجر أمري في الدين
والدنيا على أحسن نظام.
اللهم لك الحمد على ما هديتني إليه من معرفة حق هذه الليلة الشريفة ويومها
ووفقتني له من ذكرك فيها، اللهم فاجعل دعائي فيها مجابا، وعملي مقبولا، و
ذكرى لك فيها مرفوعا، ولا تسلبني ما عرفتني، وأدم لي ما أوليتني، واشملني بالسعادة
ما أبقيتني، وارحمني أما إذا توفيتني.
اللهم إني أسألك في هذه الليلة الشريفة مغفرة ماحية للمعاصي تؤمن أليم عقابك
وتبشر بعظيم ثوابك، اللهم أشرك في صالح دعائي والدي وولدي وإخواني فيك و
أهلي، وعمنا برحمة منك جامعة، إنك ذو القدرة الواسعة.
قال: وإن لم يتيسر له أن يورد هذا الدعاء على وتره فليدع به بعده.
ذكر ما يدعى به بعد الوتر ليلة الجمعة من رواية الكراجكي قال: أما إذا
فرغت من وترك فسبح التسبيح الذي تقدم ذكره وقل بعد الوتر:
سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك
الحمد تحيى وتميت وتحيى وأنت الحي الذي لا يموت بيدك الخير إنك
على كل شئ قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحي
من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب، اللهم اغفر لنا
317

ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، وبلغنا به من
الدنيا والآخرة آمالنا، واقض كل حاجة هي لنا بأيسر التيسير وأسهل التسهيل
وأتم عافية وأحمد عاقبة.
ثم تقول: (سبحانك ذي الملك والملكوت، سبحان ذي الملك القدوس)
ثلاث مرات ففي ذلك فضل عظيم.
ذكر الدعاء بعد ركعتي الفجر ليلة الجمعة:
سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون
سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا
وحين تظهرون، هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم
هو الله لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر،
سبحان الله عما يشركون، هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح
له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.
اللهم صل على من استنقذتنا به من الضلالة، وعلمتنا على يده بعد الجهالة
سيدنا محمد رسولك ذي الإنابة والدلالة، وعلى أهل بيته الطاهرين ذي الرياسة و
العدالة، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته
على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا
أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
بيان: قال الجوهري: المن القطع، ويقال النقص ومنه قوله تعالى: (لهم
أجر غير ممنون) والمحظور المحروم أو الممنوع ((على واجبها) أي على ما يلزم
من رعاية حرمتها والاتيان بأعمالها الواجبة والمندوبة (خلق الأزواج) أي الأنواع
والأصناف (مما تنبت الأرض) من النبات والشجر (ومن أنفسهم) الذكر و
الأنثى (ومما لا يعلمون) أي أزواجا مما لم يطلعهم الله عليه ولم يجعل لهم طريقا
إلى معرفته.
318

27 - جمال الأسبوع: الصلاة في ليلة الجمعة روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: من قرأ في ليلة الجمعة أو يومها قل هو الله أحد مأتي مرة في أربع ركعات في
كل ركعة خمسين مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر، ويسبح عقيبها فيقول:
سبحان ذي العز الشامخ المنيف، سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي الملك
الفاخر القديم، سبحان من لبس البهجة والجمال، سبحان من تردى بالنور والوقار
سبحان من يرى أثر النمل في الصفا، سبحان من يرى وقع الطير في الهواء، سبحان
من هو هكذا ولا هكذا غيره.
ثم يقول: اللهم إني أتوجه إليك بهم، وأسألك باسمك العظيم الذي أمرت
إبراهيم عليه السلام أن يدعو به الطير فأجابته، وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني
بردا وسلاما على إبراهيم فكانت، وبحق أحب أسمائك إليك، وأشرفها وأعظمها
إجابة وأنجحها طلبة، وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه، وأتوسل إليك و
أرغب إليك وأتصدق منك، وأستغفرك وأستمنحك وأتضرع إليك وأخضع لك وأقر
بسوء صنيعي وأتملقك وألح عليك، وبكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك
صلواتك عليهم من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم من أولها إلى آخرها
فان فيها اسمك الأعظم، وبما فيها من أسمائك العظمى أتقرب إليك وأسألك أن
تصلي على محمد وآل محمد، وأن تفرج عن آل محمد وتقدم بهم إلى كل خير وتبدأ بهم فيه، و
تفتح أبواب السماء لدعائي وترفع عملي في عليين، وتجعل في هذه الساعة وفي هذه
الليلة فرجي، وتعطيني سؤلي في الدنيا والآخرة.
يا من لا يعلم كيف هو وحيث هو وقدرته إلا هو، يا من سد السماء بالهواء
ودحى الأرض على الماء، واختار لنفسه خير الأسماء الحسنى، يامن سمى نفسه بالاسم
الذي يقضي به حاجة من يدعوه، أسألك بهذا الاسم فلا شفيع أقوى منه، أن تصلي
على محمد وآل محمد، وأن تقضي حاجتي، وتسمع دعواتي، وبحق محمد وعلي وفاطمة
والحسن والحسين وأوصيائهم صلواتك وسلامك عليهم، فيشفعوا لي إليك فشفعهم
في ولا تردني خائبا لا إله إلا أنت، ثم سل حاجتك وقد روي أنها صلاة فاطمة الزهراء
319

عليها السلام.
بيان: الشامخ الرفيع، المنيف المشرف، تردى أي جعلهما رداء كناية
عن الاختصاص به، وقع الطير أي يعلم عند كون الطير في الهواء أن يقع ويسقط
بعد نزوله، أو يعلم محل وقوعها على الأشجار في الهواء (أتوجه إليك بهم) الضمير
راجع إلى أهل البيت عليهم السلام بقرينة المقام، أو كانت الصلاة عليهم قبل ذلك
سقط عن قلم النساخ أو زيد (بهم) منهم (أتصدق منك) أي أطلب الصدقة (وأستمنحك)
أي أطلب منحتك وعطائك.
28 - الجمال: ركعتان أخريان عنه صلى الله عليه وآله يقرأ في كل ركعة الحمد وآية
الكرسي مرة مرة وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة، ويقول في آخر صلاته
ألف مرة: اللهم صل على النبي الأمي، أعطاه الله شفاعة ألف نبي وكتب له عشر حجج
وعشر عمر وأعطاه الله قصرا في الجنة كأوسع مدينة في الدنيا.
صلاة أخرى لهذه الليلة وهي صلاة حفظ القرآن رواها ابن عباس رضي الله عنه
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أعلمك كلمات فينفعك الله عز
وجل بهن وينتفع بهن من علمهن، ويثبت ما تعلمته في صدرك؟ قلت: بلى يا
رسول الله قال: أما إذا كان ليلة الجمعة فقم في الثلث الثالث من الليل، فإن لم تستطع
فقبل ذلك فصل أربع ركعات تقرأ في الركعة الأولى منهن فاتحة الكتاب وسورة يس
وفي الثانية فاتحة الكتاب وتنزيل السجدة، وفي الثالثة فاتحة الكتاب وحم الدخان
وفي الرابعة فاتحة الكتاب وتبارك الذي بيده الملك، فإذا فرغت من التشهد وسلمت
فاحمد الله عز وجل وأثن عليه، وصل على بأحسن الصلاة ثم استغفر للمؤمنين
ثم قل:
اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني من أن أتكلف طلب
ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات و
الأرض، ذا الجلال والاكرام، والعز الذي لا يرام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك
ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتنيه، وارزقني أن أتلوه على النحو
320

الذي يرضيك عنى.
اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والاكرام والعز الذي لا يرام
أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري، وأن تشرح
به صدري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرج به عن قلبي، وأن تستعمل به بدني
فإنه لا يعينني على الخير غيرك، ولا يؤتيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
افعل ذلك يا أبا الحسن ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا.
المكارم: صلاة لحفظ القرآن: صل ليلة الجمعة أو يومها أربع ركعات الأولى
بفاتحة الكتاب ويس، والثانية حم الدخان والثالثة حم السجدة، والرابعة تبارك الذي
بيده الملك، فإذا سلمت فاحمد الله وأثن عليه وصل على النبي وآله، واستغفر للمؤمنين
مأة مرة ثم قل (اللهم ازجرني بترك معاصيك أبدا) إلى قوله: (من أن أتكلف)
إلى قوله: (لا ترام يا الله يا رحمن أسألك بجلالك وبنورك) إلى قوله (كتابك القرآن
المنزل على رسولك وترزقني) إلى قوله: لا يرام يا الله يا رحمن أسألك بجلالك
وبنورك) إلى قوله (بصري وتطلق لساني وتفرح به قلبي وتشرح به صدري و
تستعمل به بدني وتقويني على ذلك وتعينني عليه فإنه لا يعين على الخير غيرك ولا
يوفق إلا أنت) إلى آخر الدعاء (1).
29 - الجمال: صلاة أخرى ليلة الجمعة للحوائج آخر الليل أربع ركعات تقرأ
في الأولى الحمد مرة ويس مرة، ثم تركع، فإذا رفعت رأسك من الركوع تقرأ
وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع أما إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا
بي لعلهم يرشدون، تردد ذكرها مائة مرة وتقرأ في الثانية الحمد مرتين ويس مرة
وتقنت وتركع وترفع رأسك وتقرأ المقدم ذكرها مائة مرة ثم تسجد فإذا فرغت
من السجدتين تتشهد وتنهض إلى الثالثة من غير تسليم، فتقرأ الحمد ثلاث مرات
ويس مرة، فإذا رفعت رأسك من الركوع تقرأ (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)

(1) مكارم الأخلاق: 391، ومثله في قرب الإسناد ص 176 ط نجف.
321

مأة مرة، وتقرأ في الركعة الرابعة الحمد أربع مرات، ويس مرة، وتقرأ بعد
الركوع (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) فإذا سلمت سجدت واستغفرت
الله مائة مرة، وتضع خدك الأيمن على الأرض وتصلي على محمد وآله مائة مرة
وتضع خدك الأيسر على الأرض وتقرأ (إنما أمره أما إذا أراد شيئا أن يقول له كن
فيكون) وتدعو بما شئت يستجاب لك إنشاء الله تعالى.
صلاة الحاجة في ليلة الجمعة وليلة عيد الأضحى ركعتين تقرأ فاتحة الكتاب إلى
إياك نعبد وإياك نستعين وتكرر ذلك مائة مرة وتتم الحمد ثم تقرأ قل هو الله أحد
مأتي مرة في كل ركعة ثم تسلم وتقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،
سبعين مرة، وتسجد وتقول مأتي مرة، يا رب يا رب، وتسأل كل حاجة.
صلاة أخرى ليلة الجمعة ركعتين تقرأ: في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي
مرة مرة، والاخلاص خمس عشرة مرة، فإذا سلمت صليت على محمد وآله
مأة مرة.
صلاة أخرى ليلة الجمعة ركعتين في كل ركعة الحمد مرة وإذا زلزلت الأرض
زلزالها خمسين مرة.
صلاة الخضر عليه السلام في ليلة الجمعة أربع ركعات بتسليمتين تقرأ في كل ركعة
فاتحة الكتاب مرة ومائة مرة (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى
في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه
من الغم وكذلك ننجي المؤمنين وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد فوقيه الله
سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب) فإذا فرغت من صلاتك فقل مائة مرة
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم تسئل حاجتك فإنها مقتضية إنشاء الله.
صلاة أخرى ليلة الجمعة: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من صلى ليلة
الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد سبعين مرة، فإذا فرغ
من صلاته يقول أستغفر الله، سبعين مرة، فقيل يا رسول الله فما ثواب هاتين الركعتين؟
322

قال: والذي بعثني بالحق نبيا إن جميع أمتي لو دعا لهم هذا المصلي بهذه الصلاة،
وبهذا الاستغفار لاخذ لهم من الله الجنة بشفاعته، فيعطيه الله بكل حرف قرأ في هذا
الاستغفار بعدد نجوم السماء دورا، في كل دار بعدد نجوم السماء قصور، في كل قصر
بعدد نجوم السماء خزائن، في كل خزينة بعدد نجوم السماء أسرة، في كل سرير
بعدد نجوم السماء فرش، وعلى كل فرش بعدد نجوم السماء وسايد، وبعدد نجوم
السماء جوار، لكل جارية منهن بعدد نجوم السماء وصايف، وولدان، في كل بيت
بعدد نجوم السماء صحايف، في كل صحيفة بعدد نجوم السماء ألوان الطعام، لا
يشبه ريحه ولا طعمه بعضه بعضا، ويعطي الله كل هذا الثواب لمن صلى هاتين
الركعتين.
صلاة أخرى لهذه الليلة وهي صلاة الحاجة لأمر الخوف تصوم الأربعاء والخميس
والجمعة، وتصلي اثنتي عشرة ركعة تقرأ فيهن في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله
أحد عشر مرات، فإذا صليت أربع ركعات قلت: (اللهم يا سابق الفوت، ويا سامع
الصوت، ويا محي العظام بعد الموت، وهي رميم، أسألك باسمك العظيم الأعظم،
أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته الطاهرين، وتعجل لي الفرج مما أنا
فيه برحتمك يا أرحم الراحمين).
بيان: (يا سابق الفوت) أي لا يسبقه فائت، ولا يخرج من قدرته ما هو
بمعرض الفوت، أو يقتدم على الفوت ويغلب عليه فلا يعجزه فوت فائت.
30 - مهج الدعوات: رأيت في كتاب كنوز النجاح تأليف الفقيه أبي علي
الفضل بن الحسن الطبرسي - ره - عن مولانا الحجة عجل الله فرجه ما هذا لفظه
روى أحمد بن الدربي عن خزامة عن أبي عبد الله الحسين بن محمد البزوفري قال: خرج
عن الناحية المقدسة: من كانت له إلى الله تعالى حاجة فليغتسل ليلة الجمعة بعد نصف
الليل، ويأتي مصلاه ويصلي ركعتين يقرأ في الركعة الأولى الحمد فإذا بلغ إياك
نعبد وإياك نستعين، يكررها مائة مرة، ويتمم في المأة إلى آخر السورة ويقرأ
سورة التوحيد مرة واحدة ويسبح فيهما سبعة سبعة ويصلي الركعة الثانية على هيئة
323

الأولى، ويدعو بهذا الدعاء، فان الله تعالى يقضي حاجته البتة كائنا ما كان إلا أن
يكون في قطيعة رحم والدعاء:
اللهم إن أطعتك فالمحمدة لك، وإن عصيتك فالحجة لك، منك الروح و
منك الفرج، سبحان من أنعم وشكر، سبحان من قدر وغفر، اللهم إن كنت قد عصيتك
فاني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو الايمان بك، لم أتخذ لك ولدا ولم أدع
لك شريكا منا منك به علي لا منا مني به عليك، وقد عصيتك يا إلهي على غير
وجه المكابرة، ولا الخروج عن عبوديتك، ولا الجحود لربوبيتك، ولكن أطعت هواي
وأزلني الشيطان، فلك الحجة على والبيان، فان تعذبني فبذنوبي غير ظالم، وإن
تغفر لي وترحمني فإنك جواد كريم يا كريم يا كريم... حتى ينقطع النفس.
ثم يقول: يا آمنا من كل شئ، وكل شئ منك خائف حذر، أسألك بأمنك
من كل شئ وخوف كل شئ منك، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تعطيني
أمانا لنفسي وأهلي وولدي وساير ما أنعمت به على، حتى لا أخاف أحدا ولا أحذر
من شئ أبدا، إنك على كل شئ قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
يا كافي إبراهيم نمرود، ويا كافي موسى فرعون، ويا كافي محمد صلى الله عليه وآله الأحزاب
أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تكفيني شر فلان بن فلان... فيستكفى شر من
يخاف شره، فإنه يكفي شره إنشاء الله تعالى.
ثم يسجد ويسأل حاجته، ويتضرع إلى الله تعالى فإنه ما من مؤمن ولا مؤمنة
صلى هذه الصلاة ودعا بهذا الدعاء إلا فتحت له أبواب السماء للإجابة، ويجاب
في وقته وليلته كائنا ما كان، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس (1).
بيان: (فيستكفي) أي يدعو بكفاية شر من يخاف شره ويسميه ووالده.
البلد الأمين: من كتاب كنوز النجاح قال: خرج من الناحية المقدسة
وذكر نحوه.

(1) مهج الدعوات: 366 - 368.
324

المكارم: عن البزوفري مرفوعا مثله (1).
31 - جمال الأسبوع: عن محمد بن علي بن سعيد، عن عبد الله بن محمد بن
الحسن الخطيب، عن الحسين بن علي بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن الجراح، عن
سعيد بن عبد الكريم الواسطي، عن الربيع بن صبيح، عن الحسن قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: من صلى ليلة الجمعة بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة يقرء في كل ركعة
فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد أربعين مرة لقيته على الصراط وصافحته ورافقته،
ومن لقيته على الصراط وصافحته كفيته الحساب والميزان.
المتهجد: مرسلا مثله (2).
32 - الجمال: عن محمد بن علي بن شاذان، عن ميسرة بن علي، عن الحسين
ابن علي الطنافسي، عن أبيه، عن عبد الله بن الجراح، عن المحاربي، عن سليمان
الفزاري، عن عمر بن عبد الله مولى عقبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى ليلة
الجمعة بين المغرب والعشاء الآخرة عشرين ركعة يقرأ في كل ركعة منها بفاتحة
الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات، حفظه الله تعالى في أهله وماله ودينه ودنياه
وآخرته.
المتهجد: مرسلا مثله (3).
33 - الجمال: عن علي بن عبد الرحمن بن عيسى، عن الحسين بن سليمان
ابن منصور، عن أحمد بن حامد، عن محمد بن جعفر، عن أحمد بن سهيل الوراق،
عن عبد الله بن داود، عن ثابت بن حماد، عن المختار، عن أنس بن مالك قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ فيهما فاتحة
الكتاب وإذا زلزلت خمس عشرة مرة آمنه الله تعالى من عذاب القبر ومن أهوال
يوم القيامة.
المتهجد: مرسلا مثله (4).

(1) مكارم الأخلاق. 390 - 391.
(2) مصباح المتهجد: 180.
(3) مصباح المتهجد: 180.
(4) مصباح المتهجد: 180.
325

رسالة الشهيد الثاني: في أعمال الجمعة، عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله مثله.
34 - الجمال: عن محمد بن أحمد بن شاذان، عن أحمد بن الحسن، عن محمد
ابن الحسن الآجري، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن البلخي، عن عبد الله بن
المبارك، عن أبي حفص، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: من صلى ليلة الجمعة أو يومها أو ليلة الخميس أو يومه أو ليلة الاثنين أو
يومه أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب سبع مرات وإنا أنزلناه في ليلة
القدر مرة، ويفصل بينهما بتسليمة، فإذا فرغ منها يقول مائة مرة اللهم صل على
محمد وآل محمد، ومائة مرة اللهم صل على محمد وعلى جبرئيل، أعطاه الله سبعين ألف
قصر في كل قصر سبعون ألف بيت في كل بيت سبعون ألف دار، في كل دار سبعون ألف
جارية.
المتهجد: مرسلا مثله (1).
35 - الجمال: عن أبي الفضل محمد بن عبد الله، عن محمد بن أحمد بن إسماعيل
الادمي، عن أحمد بن منصور الرمادي، عن عبد الرزاق بن همام، عن معمر بن
راشد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن جابر، عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه -
عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من صلى ليلة الجمعة أربع
ركعات لا يفرق بينها يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسورة الجمعة مرة و
المعوذتين عشر مرات وقل هو الله أحد عشر مرات، وآية الكرسي وقل يا أيها الكافرون
مرة، ويستغفر الله في كل ركعة سبعين مرة، ويصلي على النبي وآله سبعين مرة،
ويقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم، سبعين مرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقضى الله تعالى
له سبعين حاجة من حوائج الدنيا، وسبعين حاجة من حوائج الآخرة، وكتب له
ألف حسنة ومحى عنه ألف سيئة وأعطى جميع ما يريد، وإن كان عاقا لوالديه
غفر له.

(1) مصباح المتهجد: 181.
326

المتهجد: مرسلا مثله إلى قوله وما تأخر ثم قال: إلى آخر الخبر (1).
36 - الجمال: عن علي بن عبد الرحمن بن عيسى، عن الحسين بن سليمان
عن محمد بن حامد، عن محمد بن السرى، عن علي بن داود، عن عبد الرحمن بن بشير
عن أبي مورد، عن سليمان بن هشام، عن ابن عمرو أبي هريرة قالا: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من قرأ في ليلة الجمعة أو يومها قل هو الله أحد مأتي مرة في
أربع ركعات في كل ركعة خمسين مرة غفرت ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر.
المتهجد: مرسلا مثله (2).
37 - الجمال: عن محمد بن علي القزويني، عن أحمد بن محمد بن زمرة، عن
الحسن بن أيوب، عن علي بن محمد الطيالسي، عن عبد الله بن الجراح، عن المحاربي
عن أبي بكر المدني، عن سلمان بن محمد، عن مطلب بن حنطب، عن النبي صلى الله عليه وآله قال:
من صلى ليلة الجمعة أربع ركعات يقرأ فيها قل هو الله أحد ألف مرة في كل ركعة
مائتين وخمسين مرة، لم يمت حتى يرى الجنة أو ترى له.
38 - الجمال: عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في
كل ركعة قل هو الله أحد خمسين مرة ويقول في آخر صلاته (اللهم صل على النبي
العربي وآله) غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكأنما قرأ القرآن اثني عشر
ألف مرة، ورفع الله عنه يوم القيامة الجوع والعطش، وفرج الله عنه كل هم و
حزن، وعصمه من إبليس وجنوده، ولم تكتب عليه خطيئة البتة، وخفف الله عليه
سكرات الموت، فان مات في يومه أو ليلته مات شهيدا، ورفع عنه عذاب القبر، ولم
يسأل الله شيئا إلا أعطاه، وتقبل صلاته وصيامه، واستجاب دعاءه، ولم يقبض ملك
الموت روحه حتى يجيئه رضوان بريحان من الجنة وشراب من الجنة.
وعنه صلى الله عليه وآله أنه قال: من صلى ليلة الجمعة إحدى عشرة ركعة بتسليمة واحدة
يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مرة مرة، وقل أعوذ برب الفلق
مرة، وقل أعوذ برب الناس مرة، فإذا فرغ من صلاته خر ساجدا وقال في سجوده

(1) مصباح المتهجد: 181.
(2) مصباح المتهجد: 181.
327

سبع مرات لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، دخل الجنة يوم القيامة من أي
أبوابها شاء، ويعطيه الله تعالى بكل ركعة ثواب نبي من الأنبياء، وبنى الله تعالى
له بكل ركعة مدينة ويكتب الله له ثواب كل آية قرأها ثواب حجة وعمرة، وكان
يوم القيامة في زمرة الأنبياء عليهم السلام.
المتهجد: مثل الخبرين مع اختصار في الفضل (1).
39 - الجمال: صلاة ليلة الجمعة بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة تقرأ
في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد عشر مرات.

(1) مصباح المتهجد ص 181.
328

4 - " (باب) "
* " (أعمال يوم الجمعة وآدابه ووظائفه) " *
1 - الاقبال: روينا باسنادنا إلى الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية،
عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ادع في العيدين والجمعة أما إذا
تهيأت
للخروج بهذا الدعاء:
اللهم من تهيأ في هذا اليوم أو تعبأ أو أعد أو استعد لوفادة إلى مخلوق رجاء
رفده ونوافله وفواضله وعطاياه، فان إليك يا سيدي تهيئتي وتعبئتي وإعدادي واستعدادي
رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك وفواضلك وعطائك، وقد غدوت إلى عيد من أعياد
أمة محمد صلوات الله عليه وآله ولم أفد إليك اليوم بعمل صالح أثق به قدمته، ولا
توجهت بمخلوق أملته، ولكن أتيتك خاضعا مقرا بذنوبي، وإساءتي إلى نفسي
فيا عظيم يا عظيم، اغفر لي العظيم من ذنوبي، فإنه لا يغفر الذنوب العظام إلا أنت يا لا إله إلا
أنت يا أرحم الراحمين (1).
2 - المتهجد: روي عن النبي صلى الله عليه وآله أن الخير والشر يضاعفان يوم الجمعة
فينبغي للانسان أن يستكثر من الخير فيه، ويتجنب الشر، والحجامة فيه مكروهة
وروي جوازها.
ومن أكيد السنن فيه الغسل ووقته من بعد طلوع الفجر إلى الزوال، وكلما
قارب الزوال كان أفضل، فإذا أراد الغسل فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله، اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، والحمد لله رب العالمين.
ويستحب أن يقص أظفاره ويقول عند ذلك (بسم الله وبالله وعلى سنة رسول

(1) كتاب اقبال الاعمال: 280.
329

الله والأئمة من بعده عليه وعليهم السلام.
ويأخذ من شاربه ويقول: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وملة أمير المؤمنين
والأوصياء عليهم السلام.
وينبغي أن يمس شيئا من الطيب جسده، ويلبس أطهر ثيابه، فإذا تهيأ للخروج
إلى الصلاة قال: اللهم من تهيأ في هذا اليوم إلى آخر ما مر برواية السيد (1).
3 - المتهجد وجمال الأسبوع: ويستحب زيارة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة
عليهم السلام في يوم الجمعة، روي عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: من
أراد أن يزور قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقبر أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين و
قبور الحجج عليهم السلام وهو في بلده فليغتسل في يوم الجمعة وليلبس ثوبين نظيفين وليخرج
إلى فلاة من الأرض ثم يصلي أربع ركعات يقرء فيهن ما تيسر من القرآن، فإذا تشهد
وسلم فليقم مستقبل القبلة وليقل:
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك أيها النبي
المرسل، والوصي المرتضى، والسيدة الكبرى والسيدة الزهراء، والسبطان المنتجبان
والأولاد الاعلام، والامناء المنتجبون، جئت انقطاعا إليكم وإلى آبائكم، و
ولدكم الخلف، على بركة الحق، فقلبي لكم مسلم، ونصرتي لكم معدة، حتى يحكم
الله لدينه، فمعكم معكم لا مع عدوكم، إني لمن القائلين بفضلكم، مقر برجعتكم،
لا انكر لله قدرة، ولا أزعم إلا ما شاء الله، سبحان الله ذي الملك والملكوت، يسبح
لله بأسمائه جميع خلقه، والسلام على أرواحكم وأجسادكم، والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته.
وفي رواية أخرى: افعل ذلك على سطح دارك (2).
أقول: ثم أورد الشيخ قدس سره زيارة أخرى للحسين عليه السلام أوردتها في

(1) مصباح المتهجد: 188 - 189.
(2) مصباح المتهجد: 200.
330

كتاب المزار (1) مع غيرها وشرح جميعها ولم نوردها ههنا لعدم ظهور الاختصاص بيوم
الجمعة من روايتها.
4 - المتهجد: وروي الترغيب في صومه إلا أن الأفضل أن لا يتفرد بصومه
إلا بصوم يوم قبله، وروي في أكل الرمان فيه وفي ليلته فضل كثير، ويكره السفر
فيه ابتداء ويستحب الاكثار فيه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وإن تمكن من ذلك ألف
مرة كان له ثواب كثير.
ويستحب عقيب الفجر يوم الجمعة أن يقرأ مائة مرة قل هو الله أحد، ويصلي
على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة، وأن يستغفر الله مائة مرة، ويقرأ سورة النساء
وسورة هود والكهف والصافات والرحمن ويقول: اللهم اجعل صلواتك و
صلوات ملائكتك ورسلك على محمد وآل محمد، ويقول اللهم صل على محمد وآل محمد
وعجل فرجهم.
ويستحب أن يدعو أيضا بهذا الدعاء: اللهم إني تعمدت إليك بحاجتي، و
أنزلت بك اليوم فقري وفاقتي ومسكنتي، وأنا لمغفرتك أرجا مني لعملي، ولمغفرتك
ورحمتك أوسع من ذنوبي، فتول قضاء كل حاجة لي بقدرتك عليها، وتيسر ذلك
عليك ولفقري إليك، فاني لم أصب خيرا قط إلا منك، ولم يصرف عني سوءا
قط أحد غيرك، ولست أرجو لآخرتي ودنياي غيرك ولا ليوم فقري يوم يفردني الناس
في حفرتي، وأفضى إليك بذنبي سواك (2).
5 - جمال الأسبوع: حدث أبو الحسين محمد بن هارون التلعكبري، عن
أحمد بن محمد بن عياش، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن الحسن بن فضال،
عن إبراهيم بن أبي بكر، عن بعض أصحابه، عن إسماعيل بن منصور الزبالي، عن أبي
ركاز قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من قال يوم الجمعة حين يصلي الغداة قبل أن يتكلم
وحدث به أيضا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن مطلب عن حميد بن زياد، عن علي بن

(1) راجح ج 101 ص 368 - 369.
(2) مصباح المتهجد ص 197.
331

بزرج الحناط، عن محمد بن جعفر المكفوف، عن إسماعيل بن منصور، عن أبي ركاز، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: من قال يوم الجمعة حين يصلي الغداة قبل أن يتكلم:
اللهم ما قلت في جمعتي هذه من قول أو حلف فيها من حلف أو نذرت فيها من
نذر فمشيتك بين يدي ذلك كله، فما شئت منه أن يكون كان، وما لم تشأ منه لم
يكن، اللهم اغفر لي وتجاوز عني، اللهم من صليت عليه فصلواتي عليه، ومن لعنت
فلعنتي عليه.
كان كفارة من جمعة إلى جمعة، وزاد فيه مصنف كتاب جامع الدعوات: ومن
قالها في كل جمعة وفي كل سنة كانت كفارة لما بينهما، وزاد أبو المفضل في آخر
الدعاء: وإن شئت قرأت كل جمعة كان من الجمعة إلى الجمعة، ومن شهر إلى شهر
ومن سنة إلى سنة.
ومنه: قال: حدث أبو عبد الله أحمد بن محمد الجوهري قال كتب إلى محمد بن أحمد بن
سنان يقول: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده محمد بن سنان قال: قال لي العالم عليه السلام:
يا محمد بن سنان هل دعوت في هذا اليوم بالواجب من الدعاء؟ وكان يوم الجمعة، فقلت:
وما هو يا مولاي؟ قال: تقول:
السلام عليك أيها اليوم الجديد المتبارك الذي جعله الله عيدا لأوليائه المطهرين
من الدنس، الخارجين من البلوى، المكرورين مع أوليائه، المصفين من العكر، الباذلين
أنفسهم في محبة أولياء الرحمن تسليما، السلام عليكم سلاما دائما أبدا.
وتلتفت إلى الشمس وتقول: السلام عليك أيتها الشمس الطالعة، والنور
الفاضل البهى أشهدك بتوحيدي الله لتكوني شاهدي أما إذا
ظهر الرب لفصل القضاء في
العالم الجديد.
اللهم إني أعوذ بك وبنور وجهك الكريم أن تشوه خلقي، وأن تردد روحي
في العذاب، بنورك المحجوب عن كل ناظر، نور قلبي، فاني أنا عبدك وفي قبضتك،
ولا رب لي سواك، اللهم إني أتقرب إليك بقلب خاضع، وإلى وليك ببدن خاشع
وإلى الأئمة الراشدين بفؤاد متواضع، وإلى النقباء الكرام والنجباء الأعزة بالذل
332

وأرغم أنفي لمن وحدك، ولا إله غيرك، ولا خالق سواك، وأصغر خدي لأوليائك
المقربين، وأنفي عنك كل ضد وند، فاني أنا عبدك الذليل المعترف بذنوبي أسئلك
يا سدي حطها عني، وتخليصي من الأدناس والأرجاس، إلهي وسيدي قد انقطعت
عن ذوي القربى، واستغنيت بك عن أهل الدنيا، متعرضا لمعروفك، أعطني من معروفك
معروفا تغنيني به عمن سواك.
بيان: لعل المراد بالأولياء أولا الشيعة، أو خواصهم، والدنس سوء العقايد
والبلوى الافتتان والكر الرجوع، يقال كره وكر بنفسه يتعدى ولا يتعدى وهو إشارة
إلى الرجعة، والعكر بالتحريك دردى الزيت وغيره، استعير هنا للعقايد والاعمال
الردية، وأصغر بالغين المعجمة أي اذلل، وفي بعض النسخ بالمهملة، وهو لا يناسب
المقام، وإن ناسب الخد لأنه بمعنى إمالة الخد تكبرا إلا أن يراد به إمالة الوجه
عن أعدائهم لهم وبسببهم.
6 - الجمال: حدثني الجماعة الذين قدمت أسماءهم باسنادهم إلى محمد بن
الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن زيد أبي
أسامة الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: ما من عمل يوم الجمعة أفضل
من الصلوات على محمد وآل محمد، ولو مائة مرة ومرة، قال: قلت كيف أصلي عليهم؟
قال: تقول: اللهم اجعل صلواتك وصلوات ملائكتك وأنبيائك ورسلك وجميع خلقك
على محمد وأهل بيت محمد عليه وعليهم السلام ورحمة الله وبركاته.
7 - البلد: روي أن من قرأ الجحد عشرا قبر طلوع الشمس من يوم الجمعة
ودعا استجيب له.
8 - من أصل قديم من مؤلفات قدمائنا، فإذا صليت الفجر يوم الجمعة، فابتدئ
بهذه الشهادة، ثم بالصلاة على محمد وآله وهي هذه:
اللهم أنت ربي ورب كل شئ، وخالق كل شئ آمنت بك وبملائكتك
وكتبك ورسلك، وبالساعة والبعث والنشور، وبلقائك والحساب ووعدك ووعيدك
وبالمغفرة والعذاب، وقدرك وقضائك، ورضيت بك ربا، وبالاسلام دينا، و
333

بمحمد صلى الله عليه وآله نبيا، وبالقرآن كتابا وحكما، وبالكعبة قبلة، وبحججك على
خلقك حججا وأئمة، وبالمؤمنين إخوانا، وكفرت بالجبت والطاغوت، وباللات
والعزى، وبجميع ما يعبد دونك، واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله
سميع عليم.
وأشهد أن كل معبود من لدن عرشك إلى قرار الأرضين السابعة سواك باطل
لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، كنت قبل الأيام والليالي، وقبل الأزمان و
الدهور، قبل كل شئ إذ أنت حي قبل كل حي وحي بعد كل حي، تباركت
وتعاليت في عليائك وتقدست في أسمائك لا إله غيرك، ولا رب سواك،
وأنت حي قيوم ملك قدوس متعال أبدا، لا نفاد لك ولا فناء ولا زوال ولا غاية
ولا منتهى.
لا إله في السماوات والأرضين إلا أنت تعظمت حميدا، وتحمدت كريما
وتكبرت رحيما، وكنت عزيزا قديما، قديرا مجيدا، تعاليت قدوسا رحيما قديرا
وتوحدت إلها جبارا قويا عليا عليما عظيما كبيرا، وتفردت بخلق الخلق كلهم
فما خالق بارئ مصور متقن غيرك، وتعاليت قاهرا معبودا مبدئا معيدا منعما مفضلا
جوادا ماجدا رحيما كريما.
فأنت الرب الذي لم تزل ولا تزال وتضرب بك الأمثال، ولا يغيرك
الدهور، ولا يفنيك الزمان ولا تداولك الأيام، ولا يختلف عليك الليالي ولا تحاولك
الاقدار، ولا تبلغك الآجال، لا زوال لملكك ولا فناء لسلطانك، ولا انقطاع لذكرك
ولا تبديل لكماتك، ولا تحويل لسنتك، ولا خلف لوعدك، ولا تأخذك سنة ولا نوم و
لا يمسك نصب ولا لغوب.
فأنت الجليل القديم الأول الاخر الباطن الظاهر القدوس عزت أسماؤك، و
جل ثناؤك، ولا إله سواك، وصفت نفسك أحدا صمدا فردا لم تتخذ صاحبة ولا ولدا
لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد.
334

أنت الدائم في غير وصب ولا نصب، لم تشغلك رحمتك عن عذابك، ولا عذابك
عن رحمتك، خلقت خلقك من غير وحشة بك إليهم، ولا انس بهم، وابتدعتهم لامن شئ
كان ولا بشئ شبهتهم.
لا يرام عزك، ولا يستضعف أمرك، لا عز لمن أذللت، ولا ذل لمن أعززت، أسمعت
من دعوت، وأجبت من دعاك.
اللهم اكتب شهادتي هذه واجعلها عهدا عندك توفنيه يوم تسئل الصادقين عن
صدقهم، وذلك قولك (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا)
اللهم إني أتوجه إليك بمحمد نبيك صلى الله عليه وآله، وبايماني به، وبطاعتي له،
وتصديقي بما جاء به من عندك، فنزل به الروح الأمين من وحيك على محمد نبي
الرحمة، القائد إلى الرحمة، الذي بطاعته تنال الرحمة، وبمعصيته تهتك العصمة
صلى الله عليه وآله ورحم وكرم.
يا داحي المدحوات، ويا باني المسموكات، ويا مرسى المرسيات، ويا جبار
السماوات، وخالق القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها، وباسط الرحمة للمتقين
اجعل شرايف صلواتك، ونوامى بركاتك، ورأفة تحننك وعواطف زواكي رحمتك
على محمد عبدك ورسولك الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ومظهر الحق بالحق
ودامغ الباطل كما حملته فاضطلع بأمرك، محتملا لطاعتك، مستوفزا في مرضاتك
غيرنا كل في قدم، ولا واهن في عزم، حافظا لعهدك، ماضيا على نفاذ أمرك، حتى
أورى قبس القابس وبه هديت القلوب بعد خوضات الفتن، وأقام موضحات الاعلام،
ومنيرات الاسلام، ونائرات الاحكام.
فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك
نعمة ورسولك رحمة، فافسح له مفسحا في عدلك، وأجزه مضعفات الخير من فضلك
مهنات غير مكدرات من فوز فوائدك المحلول وجزيل عطائك الموصول.
اللهم أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم لديك نزله ومثواه وأتمم له نوره
وأرناه بابتعاثك إياه مرضى المقالة، مقبول الشهادة، ذا منطق عدل، وخطة فصل
335

وحجة وبرهان عظيم الجزاء.
اللهم اجعلنا شافعين مخلصين، وأولياء مطيعين، ورفقاء مصاحبين، أبلغه منا
السلام، وأوردنا عليه وأورد عليه منا السلام.
اللهم إني أشهد والشهادة حظي، والحق علي أن محمدا عبدك ورسولك ونبيك
وصفيك ونجيك وأمينك ونجيبك وحبيبك، وصفوتك من خلقك، وخليلك و
خاصك وخالصتك، وخيرتك من بريتك، النبي الذي هديتنا به من الضلالة،
وعلمتنا به من الجهالة، وبصرتنا به من العمى، وأقمتنا به على المحجة العظمى،
وسبيل التقوى، وأخرجتنا به من الغمرات، وأنقذتنا به من شفا جرف الهلكات.
أمينك على وحيك، ومستودع سرك وحكمتك، ورسولك إلى خلقك، وحجتك
على عبادك، ومبلغ وحيك، ومؤدي عهدك، وجعلته رحمة للعالمين، ونورا يستضئ
به المؤمنون، يبشر بالجزيل من ثوابك، وينذر بالأليم من عقابك.
فأشهد أنه قد جاء بالحق من عندك، وعبدك حتى أتاه اليقين من وعدك،
وأنه لسانك في خلقك، وعينك والشاهد لك، والدليل عليك، والداعي إليك
والحجة على بريتك، والسبب فيما بينك وبينهم.
وإنه قد صدع بأمرك، وبلغ رسالتك، وتلا آياتك، وحذر أيامك وأحل
حلالك وحرم حرامك، وبين فرايضك، وأقام حدودك وأحكامك، وحض على
عبادتك، وأمر بطاعتك، وائتمر بها، ونهى عن معصيتك، وانتهى عنها، ودل على
حسن الأخلاق وأخذ بها، ونهى عن مساوي الأخلاق واجتنبها، ووالى أولياءك
قولا وعملا، وعادى أعداءك قولا وعملا، ودعا إلى سبيلك بالحكمة والموعظة
الحسنة.
وأشهد أنه لم يكن ساحرا ولا مسحورا، ولا شاعرا ولا مجنونا، ولا كاهنا و
لا أفاكا ولا جاحدا ولا كذابا ولا شاكا ولا مرتابا وأنه رسولك وخاتم النبيين جاء
بالوحي من عندك، وصدق المرسلين.
336

وأشهد أن الذين كذبوه ذائقوا العذاب الأليم، وأن الذين آمنوا به واتبعوا
النور الذي انزل معه أولئك هم المتقون.
اللهم صل على محمد وآله أفضل وأشرف وأكمل وأكبر وأطيب وأطهر
وأتم وأعم وأزكى وأنمى وأحسن وأجمل وأكثر ما صليت على أحد من الأولين
والآخرين إنك حميد مجيد.
اللهم صل على محمد حيا، وصل على محمد ميتا، وصل على محمد مبعوثا، و
صل على روحه في الأرواح الطيبة، وصل على جسده في الأجساد الزاكية.
اللهم شرف بينانه، وكرم مقامه، وأضئ نوره، وأبلغه الدرجة الوسيلة
عندك في الرفعة والفضيلة، وأعطه حتى يرضى وزده بعد الرضى، وابعثه مقاما
محمودا، اللهم صل عليه بكل منقبة من مناقبه، وموقف من مواقفه، وحال من
أحواله رأيته لك فيها ناصرا، وعلى مكروه بلائه صابرا، صلاة تعطيه بها خصائص
من عطائك، وفضائل من حبائك، تكرم بها وجهه، وتعظم بها خطره، وتنمي بها
ذكره، وتفلج بها حجته، وتظهر بها عذره، حتى تبلغ به أفضل ما وعدته من جزيل
جزائك، وأعددت له من كريم حبائك، وذخرت له من واسع عطائك.
اللهم شرف في القيامة مقامه، وقرب منك مثواه وأعطه أعظم الوسائل، و
أشرف المنازل، وعظم حوضه، وأكرم وارديه وكثرهم، وتقبل في أمته شفاعته
وفيمن سواهم من الأمم، وأعطه سؤله في خاصته وعامته، وبلغه في الشرف
والتفضيل أفضل ما بلغت أحدا من المرسلين، الذين قاموا بحقك، وذبوا عن حرمك،
وأفشوا في الخلق إعذارك وإنذارك، وعبدوك حتى أتاهم اليقين.
اللهم اجعل محمدا أفضل خلقك منك زلفى، وأعظمهم عندك شرفا، وأرفعهم
منزلا وأقربهم مكانا، وأوجههم عندك جاها، وأكثرهم تبعا، وأمكنهم شفاعة، و
أجز لهم عطية.
اللهم صل على محمد وآله صلاة يثمر سناها، ويسمو أعلاها، وتشرق أولاها
وتنمى أخريها، نبي الرحمة، والقائد إلى الرحمة، الذي بطاعته تنال الرحمة
337

وبمعصيته تهتك العصمة، وسلم عليه سلاما عزيزا يوجب كثيرا ويؤمن ثبورا أبدا إلى
يوم الدين.
وعلى آله مصابيح الظلام، ومرابيع الأنام، ودعائم الاسلام، الذين إذا
قالوا صدقوا، وإذا خرس المغتابون نطقوا، آثروا رضاك، وأخلصوا حبك، واستشعروا
خشيتك، ووجلوا منك، وخافوا مقامك، وفزعوا من وعيدك، ورجوا أيامك، و
هابوا عظمتك، ومجدوا كرمك، وكبروا شأنك، ووكدوا ميثاقك، وأحكموا عرى
طاعتك، واستبشروا بنعمتك، وانتظروا روحك، وعظموا جلالك، وسددوا عقود حقك
بموالاتهم من والاك، ومعاداتهم من عاداك، وصبرهم على ما أصابهم في محبتك،
ودعائهم بالحكمة والموعظة الحسنة إلى سبيلك، ومجادلتهم بالتي هي أحسن من
عاندك، وتحليلهم حلالك، وتحريمهم حرامك، حتى أظهروا دعوتك، وأعلنوا دينك
وأقاموا حدودك، واتبعوا فرائضك، فبلغوا في ذلك منك الرضى، وسلموا لك
القضاء، وصدقوا من رسلك من مضى، ودعوا إلى سبيل كل مرتضى.
الذين من اتخذهم مآبا سلم، ومن استتر بهم جنة عصم، ومن دعاهم إلى
المعضلات لبوه، ومن استعطاهم الخير آتوه، صلاة كثيرة زاكية نامية مباركة
صلاة لاتحد ولا تبلغ نعتها، ولا تدرك حدودها، ولا يوصف كنهها، ولا يحصى عددها
وسلام عليهم بانجاز وعدهم، وسعادة جدهم، وإسناد رفدهم، كما قلت (سلام على
آل ياسين إنا كذلك نجزي المحسنين).
اللهم اخلف فيهم محمدا أحسن ما خلفت أحدا من المرسلين في خلفائهم، والأئمة
من بعدهم حتى تبلغ برسولك وبهم كمال ما تقربه أعينهم في الدنيا والآخرة، مما
لاتعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون، واجعلهم في مزيد
كرامتك، وجزيل جزائك مما لا عين رأت، ولا اذن سمعت، وأعطهم ما يتمنون
وزدهم بعد ما يرضون، وعرف جميع خلقك فضل محمد وآل محمد، ومنزلتهم منك،
حتى يقروا بفضلك فضلهم وشرفهم، ويعرفوا لهم حقهم الذي أوجبت عليهم، من فرض
338

طاعتهم ومحبتهم، وابتاع أمرهم، واجعلنا سامعين لهم مطيعين، ولسنتهم تابعين،
وعلى عدوهم من الناصرين، وفيما دعوا إليه ودلوا عليه من المصدقين.
اللهم فانا قد أقررنا لهم بذلك، وبما أمرتنا به على ألسنتهم، ونشهد أن
ذلك من عندك، فبرضاهم نرجو رضاك، وبسخطهم نخشى سخطك.
اللهم فتوفنا على ملتهم، واحشرنا في زمرتهم، واجعلنا ممن تقر عينه غدا
برؤيتهم، وأوردنا حوضهم، وأسقنا بكأسهم، وأدخلنا في كل خير أدخلتهم فيه،
وأخرجنا من كل سوء أخرجتهم منه، حتى نستوجب ثوابك، وننجو من عقابك،
ونلقاك وأنت عنا راض، ونحن لك مرضيون، صلوات الله ربنا الرؤف الرحيم
على نبينا وآله أجمعين.
اللهم إنا نسألك بمحمد وآل محمد الموصوفين بمعرفتك، تقربا إليك بالمسألة
وهربا منك غير بالغ في مسئلتي لهم معشار ما برحمتك أعتقد لهم، إلا التماس
المناصحة لهم، وثواب موعودك، والتوجه إليهم بهم والشفاعة لنا منهم.
اللهم إني أسألك لآل محمد الماضين من أئمة الهدى أفضل المنازل عندك، و
أحبها إليك من الشرف الاعلى، والمكان الرفيع من الدرجات العلى، يا شديد
القوى، نفحة من عطائك التي لامن فيها ولا أذى. خصهم منك بالفوز العظيم، في النظرة
والنعيم، والثواب الدائم المقيم، الذي لا نصب فيه ولا يريم.
اللهم أسكنهم الغرف المبنية، على الفرش المرفوعة والسرر المصفوفة
متكئين عليها متقابلين، لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما، يا
رب العالمين.
اللهم ارفع محمدا في أعلى عليين، فوق منازل المرسلين، وملائكتك المقربين
وجميع النبيين وصفوتك من خلقك أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم
أجزهم بشكر نعمتك، وتعظيم حرمتك، جزاء لاجزاء فوقه، وعطاء لاعطاء مثله،
وخلودا لا خلود يشاكله، ولا يطمع أحد في مثله، ولا يقدر أحد قدره، ولا تهتدي
339

الألباب إلى طلبه، نعمة لما شكروا من أياديك، وإرصادا لما صبروا على الأذى
فيك.
اللهم وعلى الباقي منهم فترحم، وما وعدتهم من نصرك فتمم، وأشياعهم
من كل سوء سلم، وبهم يا رب العالمين جناح الكفر فحطم، وأموال الظلمة وليك
فغنم، وكن لهم وليا وحافظا وناصرا، واجعلهم والمؤمنين أكثر نفيرا، وأنزل
عليهم من السماء ملائكة أنصارا، وابعث لهم من أنفسهم لدماء أسلافهم ثارا، ولا
تدع على الأرض من الكافرين ديارا، ولا تزد الظالمين إلا خسارا.
اللهم مد لآل محمد وأشياعهم في الآجال، وخصهم بصالح الاعمال، ولا تجعلنا
ممن تستبدل بهم الابدال، يا ذا الجود والفعال.
اللهم خص آل محمد بالوسيلة، وأعطهم أفضل الفضيلة، واقض لهم في الدنيا
بأحسن القضية، واحكم بينهم وبين عدوهم بالعدل والوفا، واجعلنا يا رب لهم
أعوانا ووزراء، ولا تشمت بنا وبهم الأعداء.
اللهم احفظ محمدا وآل محمد، وأتباعهم وأولياءهم بالليل والنهار من أهل الجحد
والانكار، واكفهم حسد كل حاسد متكبر جبار، وسلطهم على كل ناكث ختار
حتى يقضوا من عدوك وعدوهم الأوطار، واجعل عدوهم مع الأذلين والأشرار
وكبهم رب على وجوههم في النار، إنك الواحد القهار.
اللهم كن لوليك في خلقك وليا وحافظا وقائدا وناصرا حتى تسكنه أرضك
طوعا، وتمتعه منها طولا، وتجعله وذريته فيها الأئمة الوارثين، واجمع له شمله
وأكمل له أمره، وأصلح له رعيته، وثبت ركنه، وافرغ الصبر منك عليه حتى
ينتقم فيشتفى ويشفي حزازات قلوب نغلة، وحرارات صدور وغرة، وحسرات أنفس
ترحة، من دماء مسفوكة، وأرحام مقطوعة [وطاعة] مجهولة قد أحسنت إليه البلاء،
ووسعت عليه الآلاء، وأتممت عليه النعماء، في حسن الحفظ منك له.
اللهم اكفه هول عدوه، وأنسهم ذكره، وأرد من أراده، وكد من كاده، وامكر
بمن مكر به، واجعل دائرة السوء عليهم، اللهم فض جمعهم، وفل حدهم، وأرعب
340

قلوبهم، وزلزل أقدامهم، واصدع شعبهم، وشتتت أمرهم، فإنهم أضاعوا الصلاة
واتبعوا الشهوات، وعملوا السيئات، واجتنبوا الحسنات، فخذهم بالمثلات وأرهم
الحسرات، إنك على كل شئ قدير.
اللهم صل على جميع المرسلين والنبيين، الذين بلغوا عنك الهدى، و
اعتقدوا لك المواثيق بالطاعة، ودعوا العباد بالنصيحة، وصبروا على ما لقوا في
جنبك من الأذى والتكذيب، وصل على أزواجهم وذراريهم وجميع أتباعهم من
المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، والسلام عليهم جميعا ورحمة الله
وبركاته.
اللهم صل على ملائكتك المقربين، وأهل طاعتك أجمعين، صلاة زاكية
نامية طيبة، وخص آل نبينا الطيبين السامعين لك، المطيعين القوامين بأمرك،
الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا، وارتضيتهم لدينك، أنصارا، وجعلتهم
حفظة لسرك، ومستودعا لحكمتك، وتراجمة لوحيك، وشهداء على خلقك، وأعلاما
لعبادك، ومنارا في بلادك فإنهم عبادك المكرمون، الذين لا يسبقونك بالقول وهم
بأمرك يعملون، يخافون بالغيب وهم من الساعة مشفقون، بصلوات كثيرة طيبة زاكية
مباركة نامية بجودك وسعة رحمتك من جزيل ما عندك في الأولين والآخرين واخلف
عليهم في الغابرين.
اللهم أقصص بنا آثارهم، واسلك بنا سبلهم، وأحينا على دينهم، وتوفنا
على ملتهم، وأعنا على قضاء حقهم الذي أوجبته علينا لهم، وتمم لنا ما عرفتنا من
حقهم، والولاية لأوليائهم، والبراءة من أعدائهم، والحب لمن أحبوا، والبغض
لمن أبغضوا، والعمل بما رضوا، والترك لما كرهوا، وكما جعلتهم السبب إليك، و
السبيل إلى طاعتك، والوسيلة إلى جنتك، والادلاء على طرقك.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرجهم - تقوله ألف مرة إن قدرت عليه -
وصلى الله على محمد وآل محمد وسلم، اللهم اجعل فرجى معهم يا أرحم الراحمين،
ثم قل مائة مرة: صلوات الله وملائكته ورسله وجميع خلقه على محمد النبي وآل محمد
341

والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته.
توضيح: (لا تحاولك الأقدار) أي لا تقصدك وتريدك التقديرات كالعباد
يتوجه إليهم قضاياك وتقديراتك، والوصب المرض (مستوفزا) أي مهتما مستعجلا
والوفز العجلة، واستوفز في قعدته انتصب فيها غير مطمئن وقد تهيأ للوثوب، وتوفز
للشئ تهيأ.
وفي النهاية في حديث علي عليه السلام غير نأكل في قدم أي في تقدم ويقال: رجل
قدم أما إذا
كان شجاعا، وقد يكون القدم بمعنى المتقدم، وقال: يقال: ورى الزند
إذا خرجت ناره وأوراه غيره أما إذا استخرجه ومنه حديث علي عليه السلام حتى أورى قبسا
لقابس، أي أظهر نورا من الحق لطالب الهدى انتهى.
والمحلول صفة للفوز أو للفوائد، وذكر بتأويل لرعاية السجع وهو بمعنى
الحال أو المحلل، ولعل فيه تصحيفا، وفي النهاية فيه أن يفصل الخطة أي أما إذا
تزل
به أمر مشكل فصله برأيه، الخطة الحال والامر والخطب انتهى.
(وحذر أيامك) أي الأيام التي ينزل فيها العقوبات على المجرمين في الدنيا
والآخرة، والأفاك الكذاب، والمرابيع الأمطار التي تجئ في أول الربيع (لا
يريم) أي لا يبرح ولا يزول (على الفرش المرفوعة) أي الرفيعة القدر أو المنضدة
المرتفعة، وقيل هي النساء (لغوا) أي باطلا (ولا تأثيما) أي نسبة إلى إثم أي لا يقال
لهم أثيم (إلا قيلا) أي قولا (سلاما سلاما)) بدل من (قيلا) كقوله تعالى (لا يسمعون
فيها لغوا إلا سلاما) أو صفة له أو مفعوله بمعنى إلا أن يقولوا سلاما أو مصدر و
التكرير للدلالة على فشو السلام بينهم.
والأرصاد الاعداد، والتحطيم التكسير، والنفير من ينفر مع الرجل من قومه
وقيل هو جمع نفر وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو (ممن تستبدل بهم) أي تذهب
بنا لعدم قابليتنا لنصرة الحق وتأتي بغيرنا لذلك.
وفي القاموس الفعال كسحاب اسم الفعل الحسن والكرم، أو يكون في الخير
والشر، والوسيلة درجة للنبي صلى الله عليه وآله في القيامة تختص به، وقد مر شرحها في
342

أبواب المعاد، والختار الغدار، والأوطار جمع الوطر وهو الحاجة، والأوتار
جمع الوتر بالفتح وهو طلب الدم.
ويقال: جمع الله شملهم أي ما تشتت من أمرهم، وقال الراغب في مفرداته
أفرغت الدلو صببت ما فيه، ومنه استعير (أفرغ علينا صبرا) والاشتفاء والتشفي
زوال ما في القلب من الغيظ، وشفاء الغيظ إزالته، وفي الصحاح الحزازة وجمع في القلب
من غيظ ونحوه وقال نغل قلبه على أي ضغن، وقال الوغرة شدة توقد الحر، ومنه
قيل في صدره على وغر بالتسكين أي ضغن وعداوة وتوقد من الغيظ، وقال: الترح
ضد الفرح.
(وطاعة مجهولة) أي جهلهم بوجوب طاعتهم، وقال الراغب الدائرة عبارة
عن الخط المحيط ثم عبر بها عن الحادثة، والدورة والدائرة في المكروه كما يقال:
دولة في المحبوب، قال تعالى: (نخشى أن تصيبنا دائرة) وقوله عز وجل: (و
يتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء) أي يحيط بهم السوء إحاطة الدائرة بمن
فيها فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه.
وقال الجوهري الشعب الصدع في الشئ وإصلاحه أيضا، وشعبت الشئ فرقته
وشعبته جمعته، وهو من الأضداد، تقول: التأم شعبهم أما إذا
اجتمعوا بعد التفرق، وتفرق شعبهم أما إذا
تفرقوا بعد الاجتماع، قال المثلة بفتح الميم وضم الثاء العقوبة،
والجمع المثلات.
(في جنبك) أي في طاعتك وقربك، والاعلام جمع العلم، وهو العلامة يهتدى
بها في الطريق، والمنار أيضا علم الطريق، والموضع المرتفع توقد في أعلاه النار
ليهتدي به من ضل الطريق، واستعيرا لهم لاهتداء الخلق بهم عليهم السلام.
(بالغيب) حال عن الفاعل أو المفعول أي حال كونهم غائبين عن الخلق أو عن
ربهم، أو حال كون ربهم غائبا عنهم، أو المراد بالغيب القلب، فالبلاء للآلة (مشفقون)
أي خائفون، وقوله: (بصلوات) متعلق بخص (في الأولين) أي خصهم بذلك من
343

بين الأولين والآخرين أو اجعل ذلك في الأولين منهم والآخرين (واخلف عليهم)
أي كن خليفة محمد صلى الله عليه وآله أو من مضى من الأئمة (في الغابرين) أي في الباقين منهم عليهم السلام
وقد مر في باب صلاة الجنائز وجوه في شرح هذه الفقرة، وتصحيحها أما إذا أردت الاطلاع
عليها فارجع إليه.
9 - الخصال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد الأشعري
عن أبي عبد الله الرازي، عن محمد بن عبد الله، عن إبراهيم بن عقبة، عن زكريا، عن
أبيه، عن يحيى قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من قص أظافيره يوم الخميس وترك واحدة
ليوم الجمعة نفى الله عنه الفقر (1).
ثواب الأعمال: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن محمد العطار، عن الأشعري
مثله (2).
10 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن
النوفلي، عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
أطرفوا أهاليكم في كل جمعة بشئ من الفاكهة واللحم حتى يفرحوا بالجمعة.
وكان النبي صلى الله عليه وآله أما إذا خرج في الصيف من بيت خرج يوم الخميس وإذا أراد
أن يدخل البيت في الشتاء من البرد دخل يوم الجمعة.
وقد روي أنه كان دخوله وخروجه يوم الجمعة (3).
11 - تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله: (يا أيها الذين آمنوا أما إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا
إلى ذكر الله وذروا البيع) يقول اسعوا امضوا، ويقال: اسعوا اعملوا لها، وهو قص
الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافير، والغسل، ولبس أفضل ثيابك،
وتطيب للجمعة، فهي السعي، يقول الله (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو

(1) الخصال ج 2 ص 29.
(2) ثواب الأعمال ص 22.
(3) الخصال ج 2 ص 29 - 30، والسند ساقط عن مطبوعة الحجر.
344

مؤمن) (1).
12 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي
الخطاب، عن صالح بن عقبة، عن أبي كهمش قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: علمني
دعاء أستنزل به الرزق، قال لي: خذ من شاربك وأظفارك، وليكن ذلك في يوم
الجمعة (2).
ثواب الأعمال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن سعد مثله (3).
13 - الخصال وثواب الاعمال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد
ابن عيسى اليقطيني، عن أبي أيوب المديني، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم
عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: تقليم الأظفار يوم الجمعة يؤمن من الجذام والبرص والعمى
وإن لم تحتج فحكها حكا.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: من قلم أظفاره وقص شاربه في كل جمعة ثم قال:
(بسم الله وعلى سنة محمد وآل محمد) أعطي بكل قلامة وجزازة عتق رقبة من ولد
إسماعيل (4).
ومنه عن أبيه، عن محمد العطار، عن محمد بن أحمد الأشعري، عن محمد بن حسان، عن
أبي محمد الرازي، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله من أنامله الداء، وأدخل
فيه الدواء وروى أنه لا يصيبه جنون ولا جذام ولا برص (5).
ثواب الأعمال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي إلى

(1) تفسير القمي: 679، والآية في سورة الإسراء: 19.
(2) الخصال ج 2 ص 30.
(3) ثواب الأعمال ص 23.
(4) الخصال ج 2 ص 30 ثواب الأعمال ص 23.
(5) الخصال ج 2 ص 30.
345

قوله: الدواء (1).
أعلام الدين: مرسلا مثله ومثل الحديث السابق.
14 - الخصال: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن أحمد
ابن أبي عبد الله، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن سليمان الجعفري قال:
سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: قلموا أظفاركم يوم الثلاثاء، واستحموا يوم الأربعا، و
أصيبوا من الحجام حاجتكم يوم الخميس، وتطيبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة (2).
العيون: عن أبيه وابن الوليد معا، عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا
عن محمد بن أحمد مثله (3).
15 - الخصال: عن أبيه، عن محمد العطار، عن محمد بن أحمد الأشعري، عن
معاوية بن حكيم، عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: لا ينبغي للرجل
أن يدع الطيب في كل يوم، فإن لم يقدر عليه فيوم ويوم لا، فإن لم يقدر ففي كل
جمعة ولا يدع ذلك (4).
العيون: عن أحمد بن محمد، عن العطار، عن أبيه، عن الأشعري مثله (5).
16 - الخصال: عن أبيه، عن محمد العطار، عن محمد بن أحمد الأشعري
عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن موسى بن الفرات، عن علي بن مطر
عن السكن الخزاز قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لله حق على كل محتلم
في كل جمعة: أخذ شاربه وأظفاره، ومس شئ من الطيب (6).
17 - الخصال: عن أحمد بن زياد الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه

(1) ثواب الأعمال ص 22.
(2) الخصال ج 2 ص 30.
(3) عيون الأخبار ج 1 ص 279.
(4) الخصال ج 2 ص 30.
(5) عيون الأخبار ج 1 ص 279 - 280.
(6) الخصال ج 2 ص 30.
346

عن ابن أبي عمير وعلي بن الحكم معا، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يريد أن يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا، قال:
يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة فان العمل يوم الجمعة يضاعف (1).
ومنه: بهذا الاسناد، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن أبي البلاد عمن
رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أنشد بيت شعر يوم الجمعة فهو حظه من ذلك
اليوم، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إذا رأيتم الشيخ يحدث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية
فارموا رأسه ولو بالحصى (2).
بيان: يدل على جواز النهي عن المكروه والزجر على تركه، ويمكن
حمله على الأحاديث الكاذبة، أو على ما أما إذا كان النقل على وجه التفاخر بالاباء
الكفرة.
18 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن أبن
أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أما إذا
كانت عشية الخميس
وليلة الجمعة، نزلت ملائكة من السماء معها أقلام الذهب وصحف الفضة لا يكتبون
عشية الخميس، وليلة الجمعة، ويوم الجمعة، إلى أن تغيب الشمس، إلا الصلاة
على النبي وآله، صلى الله عليهم، ويكره السفر والسعي في الحوائج يوم الجمعة
بكرة، من أجل الصلاة فأما بعد الصلاة فجايز يتبرك به (3).
19 - الخصال: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب
ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن قول الله عز وجل: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل
الله) قال: الصلاة يوم الجمعة، والانتشار يوم السبت.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: أف للرجل المسلم إن لا يفرغ نفسه في الأسبوع يوم
الجمعة لأمر دينه فيسأل عنه (4).
20 - عن محمد بن علي بن الشاه، عن أبي بكر بن عبد الله النيشابوري

(1) الخصال ج 2 ص 31.
(2) الخصال ج 2 ص 31.
(3) الخصال ج 2 ص 31.
(4) الخصال ج 2 ص 31.
347

عن عبد الله بن أحمد بن عامر، عن أبيه وعن أحمد بن إبراهيم الخوزي، عن إبراهيم
ابن مروان، عن جعفر بن محمد الفقيه، عن أحمد بن عبد الله الهروي وعن الحسين بن
محمد الأشناني العدل، عن علي بن محمد بن مهرويه، عن داود بن سليمان كلهم عن
الرضا، عن أبيه، عن الصادق عليه السلام قال: السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والاثنين
لبني أمية، والثلاثا لشيعتهم، والأربعا لبني العباس، والخميس لشيعتهم، والجمعة
لله تعالى ولساير الناس جميعا، وليس فيه سفر، قال الله تبارك وتعالى (فإذا قضيت
الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) يعنى يوم السبت (1).
21 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر،
عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن النساء هل عليهن من التطيب والتزين في الجمعة و
العيدين ما على الرجال؟ قال: نعم (2).
22 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن
العجوز والعائق هل عليهما من التطيب إلى آخر الخبر (3).
23 - الاحتجاج: كتب الحميري إلى القائم عليه السلام يسأله عن صلاة جعفر بن
أبي طالب في أي أوقاتها أفضل أن تصلى فيه؟ وهل فيها قنوت؟ وإن كان ففي أي
ركعة منها؟ فأجاب عليه السلام أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ثم في أي الأيام
شئت وأي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز، والقنوت فيها مرتان في الثانية
قبل الركوع وفي الرابعة بعد الركوع (4).
24 - ثواب الأعمال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن يحيى
العطار، عن محمد بن أحمد الأشعري، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد
عن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله محمد بن قال: من وافق منكم يوم الجمعة فلا يشتغلن

(1) عيون الأخبار ج 2 ص 42، وليس فيه: (لله تعالى).
(2) قرب الإسناد ص 100 ط حجر ص 133 ط نجف.
(3) المسائل: البحار ج 10 ص 273.
(4) الاحتجاج: 275.
348

بشئ غير العبادة، فان فيها يغفر للعباد وتنزل الرحمة (1).
25 - المحاسن: عن عبد الله بن محمد، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال:
كان علي عليه السلام يقول: أكثروا المسألة يوم الجمعة والدعاء، فان فيه ساعات يستجاب
فيها الدعاء والمسألة ما لم تدعوا بقطيعة أو معصية أو عقوق، واعلموا أن الخير و
الشر يضاعفان يوم الجمعة (2).
ومنه: عن الحسن بن علي بن فضال، عن العلا، عن محمد بن مسلم، عن
أبي جعفر عليه السلام قال: إن الصدقة يوم الجمعة تضاعف، وكان أبو جعفر عليه السلام يتصدق
بدينار (3).
26 - أقول: سيأتي مسندا في كتاب القرآن عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:
من قرأ سورة النساء في كل جمعة أمن من ضغطة القبر (4).
وعن الباقر عليه السلام أنه قال: من قرأ سورة المائدة في كل خميس لم يلبس إيمانه
بظلم، ولم يشرك أبدا (5).
وعن الصادق عليه السلام أنه قال: من قرأ سورة الأعراف في كل جمعة كان ممن
لا يحاسب يوم القيامة (6).
وعن الباقر عليه السلام أنه قال: من قرء سورة هود في كل جمعة بعثه الله عز وجل
يوم القيامة في زمرة النبيين، ولم يعرف لم خطيئة عملها يوم القيامة (7).
وعن الصادق عليه السلام من قرأ سورة إبراهيم والحجر في ركعتين جميعا في كل

(1) ثواب الأعمال ص 34، وتراه في المقنعة: 25 مصباح المتهجد: 196.
(2) المحاسن: 58.
(3) المحاسن: 59.
(4) تفسير العياشي ج 1 ص 215، ثواب الأعمال: 95.
(5) تفسير العياشي ج 1 ص 215، ثواب الأعمال: 95.
(6) تفسير العياشي ج 2: 2 ثواب الأعمال، 95.
(7) تفسير العياشي ج 2 ص 139، ثواب الأعمال: 96.
349

جمعة لم يصبه فقر أبدا ولا جنون ولا بلوى (1).
وعنه عليه السلام قال: من قرأ سورة المؤمنين ختم الله له بالسعادة أما إذا
كان يدمن
قراءتها في كل جمعة، وكان منزله في الفردوس الاعلى مع النبيين والمرسلين (2).
وعنه عليه السلام قال: من قرأ سورة الصافات في كل يوم جمعة لم يزل محفوظا عن
كل آفة، مدفوعا عنه كل بلية، في الحياة الدنيا، مرزوقا في الدنيا بأوسع ما
يكون من الرزق، ولم يصبه الله في ماله ولا ولده ولا بدنه بسوء من شيطان رجيم،
ولامن جبار عنيد، وإن مات في يومه أو في ليلته بعثه الله شهيدا وأماته شهيدا وأدخله
الجنة مع الشهداء في درجة من الجنة (3).
وعنه عليه السلام قال: من قرأ كل ليلة أو كل جمعة سورة الأحقاف لم يصبه الله
بروعة في الحياة الدنيا، وآمنه من فزع يوم القيامة إنشاء الله تعالى (4).
27 - ثواب الأعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن الحسين السعد -
آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن عمرو
ابن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الخير والشر يضاعف يوم الجمعة (5).
28 - ومنه: بالاسناد عن البرقي، عن أبيه، عن سعدان، عن عبد الله بن
سنان قال: أتى سائل أبا عبد الله عليه السلام عشية الخميس فسأله فرده، ثم التفت إلى
جلسائه فقال: أما إن عندنا ما نتصدق عليه ولكن الصدقة يوم الجمعة تضاعف
أضعافا (6).
ومنه: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد، عن ابن

(1) تفسير العياشي ج 2 ص 222، ثواب الأعمال ص 97.
(2) ثواب الأعمال: 98.
(3) ثواب الأعمال: 101.
(4) ثواب الأعمال: 103.
(5) ثواب الأعمال: 128.
(6) المصدر نفسه.
350

محبوب، عن أبي محمد الوابشي وابن بكير وغيره رووه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
كان أبي عليه السلام أقل أهل بيته ومالا وأعظمهم مؤنة، قال: وكان يتصدق كل
جمعة بدينار، وكان يقول: الصدقة يوم الجمعة تضاعف لفضل يوم الجمعة على غيره
من الأيام (1).
ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي،
عن الحسن بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
من صلى على يوم الجمعة مائة مرة قضى الله له ستين حاجة منها للدنيا ثلاثون حاجة
وثلاثون للآخرة (2).
رسالة الشهيد الثاني: عن الكاظم عليه السلام مثله.
29 - جمال الأسبوع: باسناده عن زرارة والفضيل قالا قلنا: يجزي إذا
اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ قال: نعم.
وبهذا الاسناد عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لا تدع الغسل يوم الجمعة
فإنه سنة، وشم الطيب، والبس صالح ثيابك، وليكن فراغك من الغسل قبل
الزوال، فإذا زالت الشمس فقم وعليك السكينة والوقار، وقال: الغسل واجب
يوم الجمعة.
وباسناده إلى محمد بن جمهور العمي فيما رواه في كتاب الواحدة عن الباقر عليه السلام
قال: من أخذ أظفاره وشاربه كل جمعة وقال حين يأخذه: بسم الله وبالله وعلى سنة
محمد وآل محمد، لم يسقط منه قلامة ولا جزازة إلا كتب له بها عتق نسمة، ولم يمرض
إلا المرضة التي يموت فيها.
وباسناد له عن محمد بن طلحة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أخذ الشارب و
الأظفار وغسل الرأس بالخطمي يوم الجمعة ينفي الفقر، ويزيد في الرزق.

(1) ثواب الأعمال: 168.
(2) ثواب الأعمال: 141.
351

وباسناده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أخذ من
شاربه وقلم أظفاره وغسل رأسه بالخطمي يوم الجمعة كان كم أعتق نسمة.
وباسناده عن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: غسل الرأس بالخطمي يوم
الجمعة أمان من البرص والجنون.
وباسناده عن هشام بن الحكم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ليتزين أحدكم يوم
الجمعة يغتسل ويتطيب ويسرح لحيته، ويلبس أنظف ثيابه، وليتهيأ للجمعة،
وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار، وليحسن عبادة ربه، وليفعل الخير ما
استطاع، فان الله يطلع على الأرض ليضاعف الحسنات.
قال: ونقلت من خط أبي الفرج بن أبي قرة، عن أحمد بن الجندي، عن
عثمان بن أحمد بن السماك، عن أبي نصر السمرقندي، عن حسين بن حميد، عن
زهير بن عباد، عن محمد بن عباد، عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن جده
عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام في وصيته له: يا علي على الناس
في كل يوم من سبعة أيام الغسل، فاغتسل في كل جمعة، ولو أنك تشترى الماء بقوت
يومك وتطويه، فإنه ليس شئ من التطوع أعظم منه.
وباسناده عن أبي ولاد الحناط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من اغتسل يوم
الجمعة فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، اللهم
صل على محمد وآل محمد واجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) كان طهرا له
من الجمعة إلى الجمعة.
30 - مجالس الشيخ: عن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان، عن أبي
عبد الله محمد بن علي، عن محمد بن جعفر بن بطة، عن محمد بن الحسن، عن حمزة بن
يعلى، عن محمد بن داود النهدي، عن علي بن الحكم، عن الربيع بن محمد المسلي، عن
عبد الله بن سليمان، عن الباقر عليه السلام قال: سألته عن زيارة القبور قال: أما إذا
كان يوم
الجمعة فزرهم، فإنه من كان منهم في ضيق وسع عليه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع
352

الشمس، يعلمون بمن أتاهم في كل يوم، فإذا طلعت الشمس كانوا سدى قلت: فيعلمون
بمن أتاهم فيفرحون به؟ قال: نعم ويستوحشون له أما إذا
انصرف عنهم (1).
31 - المحاسن: عن أيوب بن نوح، عن أحمد بن الفضل، عن درست عمن
ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أكل سبع ورقات هندباء يوم الجمعة قبل الزوال
دخل الجنة (2).
32 - كتاب العروس: للشيخ الفقيه أبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي
باسناده عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال: أما إذا
كان يوم القيامة بعث الله الأيام في
صور يعرفها الخلق أنها الأيام، ثم يبعث الله الجمعة أمامها يقدمها كالعروس ذات
جمال وكمال تهدى إلى ذي دين ومال، قال: فتقف على باب الجنة والأيام خلفها
يشهد، ويشفع لكل من أكثر الصلاة فيه على محمد وآل محمد عليهم السلام، قيل له وكم الكثير
من هذا وفي أي أوقات أفضل، قال: مائة مرة، وليكن ذلك بعد صلاة العصر قال:
فكيف أقول: قال تقول: اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرجهم.
ومنه باسناده عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام اقرأ ليلة الجمعة
في المغرب بسورة الجمعة وقل هو الله أحد، واقرأ في صلاة العتمة بسورة الجمعة وسبح
اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى، وفي الفجر سورة الجمعة وقل هو الله أحد، و
في الظهر سورة الجمعة والمنافقين، وفي العصر يوم الجمعة سورة الجمعة وقل هو
الله أحد.
جمال الأسبوع: باسناده عن الشيخ باسناده عن الكناني مثله.
33 - العروس وفي خبر آخر، عن الصادق عليه السلام أنه قال: اقرأ في ليلة الجمعة
في صلاة العتمة سورة الجمعة وسورة الحشر.
ومثله باسناده عن الباقر عليه السلام أنه قال: يستحب أن يقرأ في ليلة الجمعة في صلاة

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 300، وتراه مشروحا في ج 6 ص 256 من هذه
الطبعة.
(2) المحاسن: 510.
353

العتمة سورة الجمعة والمنافقين، وفي صلاة الفجر مثل ذلك، وفي صلاة الظهر مثل ذلك
وفي صلاة العصر مثل ذلك.
ومنه باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أما إذا كانت عشية الخميس ليلة الجمعة
نزلت الملائكة من السماء معها أقلام الذهب وصحف الفضة، لا يكتبون عشية
الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة إلى أن تغيب الشمس إلا الصلاة على محمد و
آل محمد صلى الله عليه وآله.
ومنه باسناده عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من تمثل ببيت شعر من الخنا ليلة الجمعة لم تقبل منه صلاة تلك
الليلة، ومن تمثل في يوم الجمعة لم تقبل منه صلاة في يومه ذلك.
ومنه باسناده عن أبي سعيد الخدري قال: كان فيما أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله
عليا عليه السلام: يا علي إن جامعت أهلك ليلة الجمعة فان الوليد يكون حليما قوالا
مفوها، وإن جامعتها ليلة الجمعة بعد عشاء الآخرة، فان الولد يرجى أن يكون
من الابدال، وإن جامعتها بعد العصر يوم الجمعة فان الولد يكون مشهورا
معروفا عالما.
ومنه باسناده عن الرضا عليه السلام أنه قال: صل صلاة الغداة أما إذا طلع الفجر و
أضاء حسنا، وصل صلاة الغداة يوم الجمعة أما إذا طلع الفجر في أول وقتها.
ومنه باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: يجب أن تقرأ في دبر الغداة يوم
الجمعة الرحمن ثم تقول كلما قلت فبأي آلاء ربكما تكذبان قلت لا بشئ من آلائك
رب اكذب.
ومنه عن أبي بصير، عن الصادق عليه السلام أنه قال: من قال يوم الجمعة بعد صلاة
الغداة: اللهم اجعل صلوات ملائكتك وحملة عرشك وجميع خلقك وسمائك وأرضك
وأنبيائك ورسلك على محمد وآل محمد لم يكتب عليه ذنب سنة.
ومنه باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مر سلمان الفارسي رحمة الله عليه
354

بمقابر يوم الجمعة فوقف ثم قال: السلام عليكم يا أهل الديار، فنعم دار قوم مؤمنين
يا أهل الجمع! هل علمتم أن اليوم الجمعة؟ قال: ثم انصرف فلما أن أخذ مضجعه أتاه
آت في منامه، فقال له: يا أبا عبد الله إنك أتيتنا فسلمت علينا ورددنا عليك السلام،
وقلت لنا يا أهل الديار هل علمتم أن اليوم الجمعة، وإنا لنعلم ما يقول الطير في يوم
الجمعة، قال: يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبقت رحمتك غضبك،
ما عرف عظمتك من حلف باسمك كاذبا.
ومنه: باسناده عن ابن مريم قال: قال علي عليه السلام لا يدخل الصائم الحمام، ولا
يحتجم ولا يتعمد صوم يوم الجمعة إلا أن يكون من أيام صيامه.
ومنه: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام إن في يوم الجمعة ساعة لا يحتجم فيها أحد إلا مات.
ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من السنة الصلاة على محمد وآل محمد ألف
مرة وفي غير يوم الجمعة مائة مرة، ومن صلى على محمد وآل محمد في يوم جمعة مائة
صلوات واستغفر مائة مرة، وقرء قل هو الله أحد مائة مرة غفر له البتة.
ومنه عن الحسين بن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن آية الكرسي
في لوح من زمرد أخضر مكتوب بمداد مخصوص بالله، ليس من يوم الجمعة إلا صك
ذلك اللوح جبهة إسرافيل، فإذا صك جبهته سبح فقال سبحان من لا ينبغي التسبيح
إلا له، ولا العبادة والخضوع إلا لوجهه، ذلك الله القدير الواحد العزيز، فإذا سبح
سبح جميع من في السماوات من ملك وهللوا، فإذا سمع أهل السماء الدنيا تسبيحهم
قدسوا، فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا دعا لقارئ آية الكرسي على
التنزيل.
قال جعفر بن محمد: كان سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام أما إذا
أصبح لا يقرأ
غيرها حتى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس صلى فإذا فرغ من صلاته ابتدأ في سورة
إنا أنزلناه في ليلة القدر.
قال عبد الله بن الحسن قالت أمي فاطمة بنت الحسين رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في
355

النوم فقال لي: يا بنية لا تخسري ميزانك، وأقيمي وزنه وثقليه بقراءة آية الكرسي
فما قرأها من أهلي أحد إلا ارتجت السماوات والأرض بملائكتها وقد سوا بزجل
التسبيح والتهليل والتقديس والتمجيد، ثم دعوا بأجمعهم لقاريها يغفر له كل ذنب
ويجاوز عنه كل خطيئة.
وقال الصادق عليه السلام: كان علي بن الحسين عليه السلام يحلف مجتهدا أن من قرأها
قبل زوال الشمس سبعين مرة فوافق تكملة سبعين زوالها غفر له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر، فان مات في عامه ذلك مات مغفورا غير محاسب.
الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في
الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحدا
من ذا الذي يشفع عنده إلا باذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ
من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي
العظيم لا إكراه في الدين - إلى قوله - هم فيها خالدون.
ومنه باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اغتسل يوم الجمعة إلا أن تكون مريضا
تخاف على نفسك.
ومنه قال الصادق عليه السلام لا يترك غسل يوم الجمعة إلا فاسق، ومن فاته غسل
يوم الجمعة فليقضه يوم السبت.
ومنه عن زيد النرسي عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: غسل الرأس بالخطمى
يوم الجمعة من السنة يدر الرزق، ولا يضر الفقر، ويحسن الشعر والبشرة، وهو
أمان من الصداع.
ومنه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أخذ الشارب والأظفار وغسل الرأس بالخطمي
يوم الجمعة ينفي الفقر ويزيد في الرزق.
ومنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله من أنامله داء
وأدخل فيه دواء، ولم يصبه جنون ولا جذام ولا برص، ومن أخذ من شاربه وقلم
356

أظفاره يوم الجمعة وقال حين يأخذه: بسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله لم
يسقط منه قلامة ولا جزازة إلا كتب الله له بها عتق نسمة، ولم يمرض إلا مرضه الذي
يموت فيه.
ومنه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من اغتسل يوم الجمعة وأحسن
طهوره ولبس صالح ثيابه ومس من طيب أهله، ثم راح إلى الجمعة ولم يؤذ أحدا
ولم يتخط رقاب الناس كان كفارة ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام
إلى ما شاء الله من الأضعاف،، لان الله يقول (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) (1)
ويؤت من لدنه أجرا عظيما بعد العشر، وكان وافدا إلى نفسه وفيمن خلف إلى
يوم القيمة.
ومنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال حبيبي جبرئيل: تطيب يوم ويوم لا، ويوم
الجمعة لابد منه، أولا يترك له، ليتطيب أحدكم ولو من قارورة امرأته فان الملائكة
نستنشق أرواحكم وتمسح وجوهكم بأجنحتها للصف الأول ثلاثا، وما بقي فمسحة
مسحة.
ومنه باسناده عن الرضا عليه السلام قال: يستحب أن يقرأ في الركعتين الأخراوين من
صلاة الظهر يوم الجمعة في كلتيهما: الحمد لله وقل هو الله أحد.
ومنه روي عن الصادق عليه السلام قال: يقرأ في صلاة الظهر يوم الجمعة في الركعتين
بسورة الجمعة والمنافقين ويقرأ في الأخريين بأم الكتاب وقل هو الله أحد.
بيان: الخبران نادران لم أرهما في غير هذا الكتاب ولم أر من عمل بهما.
34 - رسالة الشهيد الثاني - ره - روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من
جاء منكم الجمعة فليغتسل.
وقال صلى الله عليه وآله: من اغتسل يوم الجمعة محيت ذنوبه وخطاياه، وإذا أخذ في
المشي كتب له بكل خطوة عشرون حسنة.
وكان علي عليه السلام أما إذا وبخ رجلا يقول له: والله لانت أعجز من تارك الغسل يوم

(1) الانعام: 160.
357

الجمعة، فإنه لا يزال في طهر إلى يوم الجمعة الأخرى.
وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الغسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم وأن
يستن يعني يستاك، وأن يمس طيبا إن وجد.
وكان صلى الله عليه وآله يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى
الصلاة.
وعنه صلى الله عليه وآله: قال: لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر
ويتدهن بدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ويخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي
ما كتب له ثم ينصت أما إذا تكلم الامام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى.
35 - ومنها ومن المقنعة: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أخذ من شاربه
وقلم أظفاره يوم الجمعة ثم قال: (بسم الله على سنة محمد وآل محمد) كتب الله له بكل
شعرة وكل قلامة عتق رقبة ولم يمرض مرضا يصيبه إلا مرضت الموت (1).
بيان: التخلف في بعض الموارد لعله لتخلف بعض الشرايط من الاخلاص و
التقوى وغيرهما، وقد قال تعالى (وافوا بعهدي أوف بعهدكم) (2) أو هذا مشروط
بالمصلحة.
36 - الرسالة: عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أكثروا من الصلاة على في كل جمعة
فمن كان أكثركم صلاة على كان أقربكم مني منزلة، ومن صلى على يوم الجمعة
مائة مرة جاء يوم القيامة وعلى وجهه نور، ومن صلى على في يوم الجمعة ألف مرة
لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة.
وروى أن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام، و
إن خرج الدجال عصم منه، ومن قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى

(1) المقنعة: 26.
(2) البقرة: 40.
358

الله له بيتا في الجنة ومن قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله
عليه وملائكته حتى تغيب الشمس.
وعن النبي صلى الله عليه وآله أن في يوم الجمعة ساعة لا يحتجم فيها أحد إلا مات.
وعنه صلى الله عليه وآله أن للمجامع فيه أجرين اثنين أجر غسله وأجر غسل امرأته.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قال قبل صلاة الغداة يوم الجمعة
ثلاث مرات: أستغفر الله الذي لا إله هو الحي القيوم وأتوب إليه) غفرت ذنوبه وإن
كانت أكثر من زبد البحر.
وعنه صلى الله عليه وآله من صلى الجمعة وصام يومه وعاد مريضا وشهد جنازة وشهد
نكاحا وجبت له الجنة.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قال هذه الكلمات سبع مرات في
ليلة الجمعة فمات ليلته دخل الجنة، ومن قالها يوم الجمعة فمات في ذلك اليوم دخل
الجنة، من قال: اللهم ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وابن أمتك وفي
قبضتك، وناصيتي بيدك، أمسيت على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما
صنعت أبوء بنعمتك وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
وقال صلى الله عليه وآله: من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب برا.
قال بعض الصالحين: إن الموتى يعلمون زوارهم يوم الجمعة، ويوما قبله، و
يوما بعده.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قرأ يوم الجمعة بعد صلاة الامام قل
هو الله أحد مائة مرة وصلى على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة، وقال سبعين مرة (اللهم
اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك) قضى الله له مائة حاجة ثمانين
من حوائج الآخرة، وعشرين من حوائج الدنيا.
37 - مجالس الصدوق: في خبر مناهي النبي صلى الله عليه وآله أنه نهي عن الحجامة
يوم الأربعاء والجمعة (1).

(1) أمالي الصدوق: 255 س 19.
359

38 - فقه الرضا: قال عليه السلام: اقرأ في صلاة الغداة يوم الجمعة سورة الجمعة
في الأولى وفي الثانية المنافقون، وروي قل هو الله أحد، واقنت في الثانية قبل
الركوع (1).
وعليكم بالسنن يوم الجمعة، وهي سبعة إتيان النساء، وغسل الرأس واللحية
بالخطمي، وأخذ الشارب، وتقليم الأظافير، وتغيير الثياب ومس الطيب فمن
أتى بواحدة من هذه السنن نابت عنهن، وهي الغسل، وأفضل أوقاته قبل الزوال،
ولا تدع في سفر ولا حصر، وإن كنت مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسل
يوم الخميس، فان الغسل يوم الجمعة تتميم لما يلحق الطهور في ساير الأيام من
النقصان (2).
ويستحب يوم الجمعة صلاة التسبيح، وهي صلاة جعفر وصلاة أمير المؤمنين
وركعتا الطاهرة عليها السلام، ولا تدع تسبيح فاطمة بعقب كل فريضة وهي المائة، والاستغفار
بعقبها سبعين مرة، قبل أن تثني رجلك يغفر الله لك جميع ذنوبك إن شاء (3)
وتقرأ في صلواتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقون،
وسبح اسم ربك الاعلى، وإن نسيتها أو في واحدة منها فلا إعادة عليك، فان ذكرتها
من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة، وإن لم تذكرها إلا بعد ما قرأت
نصف سورة فامض في صلاتك (4).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكثروا الصلاة على الليلة الغراء واليوم الأزهر،
[فقيل: وما الليلة الغراء و اليوم الأزهر؟] ظ فقال: الليلة الغراء ليلة الجمعة واليوم
الأزهر يوم الجمعة فيهما لله طلقاء وعتقاء، وهو يوم العيد لامتي، أكثروا الصدقة
فيهما، وروي أطرفوا أهاليكم في كل جمعة بشئ من الفاكهة واللحم حتى يفرحوا
بالجمعة (5).
39 - المحاسن: عن النهيكي عبد الله بن محمد، عن زياد بن مروان قال:

(1) فقه الرضا ص 11.
(2) فقه الرضا ص 11.
(3) فقه الرضا ص 12.
(4) فقه الرضا ص 12.
(5) فقه الرضا ص 12.
360

سمعت أبا الحسن الأول عليه السلام يقول: من أكل رمانة يوم الجمعة على الريق نورت قلبه
أربعين صباحا فان أكل رمانتين فثمانين يوما، فان أكل ثلاثا فمائة وعشرين يوما،
وطردت عنه وسوسة الشيطان، ومن طردت عنه وسوسة الشيطان لم يعص الله، ومن
لم يعص الله أدخله الله الجنة (1).
40 - محاسبة النفس: للسيد علي بن طاوس نقلا من كتاب التذييل لمحمد
ابن النجار في ترجمة محمد بن الحسن بن محمد العطار باسناده إلى جعفر بن محمد عليه السلام قال:
إذا كان يوم الخميس عند العصر أهبط الله عز وجل ملائكة من السماء إلى الأرض،
معها صحائف من فضة، بأيديهم أقلا من ذهب تكتب الصلاة على محمد وآله إلى عند
غروب الشمس من يوم الجمعة.
41 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله من قلم أظافيره يوم الجمعة لم تشعث أنامله (2).
وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قلم أظافيره يوم الجمعة أخرج الله
تعالى من أنامله داء وأدخل فيه شفاء (3).
وبهذا الاسناد قال: قال النبي صلى الله عليه وآله ليتطيب أحدكم يوم الجمعة ولو كان من
قارورة امرأته (4).
42 - عدة الداعي: في بعض الروايات أن الدعاء بعد قراءة الجحد عشر
مرات عند طلوع الشمس من يوم الجمعة مستجاب.
43 - قرب الإسناد: عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر
عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لرجل من أصحابه يوم جمعة: هل صمت
اليوم؟ قال: لا، قال: فهل تصدقت اليوم بشئ؟ قال: لا، قال: قم فأصب من أهلك فإنه
منك صدقة عليها (5).

(1) المحاسن: 544.
(2) نوادر الراوندي: 23.
(3) نوادر الراوندي: 23.
(4) نوادر الراوندي: 23.
(5) قرب الإسناد: 32 ط حجر 45 ط نجف.
361

44 - الخصال: باسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خمس
خصال تورث البرص: النورة يوم الجمعة، ويوم الأربعا الخبر (1).
بيان: لعله في الجمعة محمولة على التقية أو النسخ، لما رواه الكليني (2)
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن البرقي رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قيل له
يزعم بعض الناس أن النورة يوم الجمعة مكروهة، فقال: ليس حيث ذهب، أي طهور
أطهر من النورة يوم الجمعة.
45 - المقنعة: عن الصادق عليه السلام يستحب أن يقرأ دبر الغداة يوم الجمعة
الرحمن ثم تقول كلما قلت فبأي آلاء ربكما تكذبان: لا بشئ من آلائك رب
اكذب، وقال: من قرء سورة الجمعة في كل ليلة جمعة كانت كفارة لما بين الجمعة
إلى الجمعة (3).
46 - العلل: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن عبد الله بن جعفر الحميري
عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن الثمالي
قال: صليت مع علي بن الحسين عليه السلام الفجر بالمدينة في يوم جمعة فلما فرغ من صلاته
وتسبيحه نهض إلى منزله وأنا معه، فدعا مولاة له تسمى سكينة فقال لها: لا يعبر على
بابي سائل إلا أطعمتموه، فان اليوم يوم الجمعة الخبر (4).
47 - المقنعة: روى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: الصدقة ليلة الجمعة و
يومها بألف (5).
48 - المحاسن: عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه

(1) الخصال ج 1 ص 130.
(2) الكافي ج 6 ص 506.
(3) المقنعة: 26.
(4) علل الشرايع ج 1 ص 43 في حديث.
(5) المقنعة: 26.
362

عليهما السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: من صلى بين الجمعتين خمس مائة صلاة فله عند
الله ما يتمنى من الخير (1).
ثواب الأعمال: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد،
عن محمد بن حسان، عن أبي محمد الرازي، عن السكوني مثله (2).
بيان: لعل المراد بالصلاة الركعة لما رواه الكليني (3) عن علي بن إبراهيم
عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من تنفل ما بين الجمعة
إلى الجمعة بخمس مائة ركعة فله عند الله ما شاء إلا أن يتمنى محرما.
49 - مجمع البيان وجنة الأمان: في الحديث: أما إذا كان يوم الجمعة قعدت
الملائكة على أبواب المسجد بأيديهم صحف من فضة وأقلام من ذهب، يكتبون الأول
فالأول على مراتبهم، وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر
مختصة بالمبتكرين إلى الجمعة يمشون بالطرق، وقيل: أول بدعة في الاسلام ترك
البكورة إلى الجمعة.
وعن ابن مسعود أنه بكر فرأى ثلاثة نفر قد سبقوه فاغتم وجعل يعاتب نفسه
ويقول لها أراك رابع أربعة [وما رابع أربعة] بسعيد (4).
50 - اختيار ابن الباقي والجنة: يدعو في ساعة الاستجابة بهذا الدعاء و
هو مروي عن النبي صلى الله عليه وآله: سبحانك لا إله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السماوات
والأرض يا ذا الجلال والاكرام) ثم تدعو بما أحببت (5).
51 - المتهجد والجنة: عن الصادق عليه السلام من قال بعد صلاة الظهر وصلاة
الفجر في الجمعة وغيرها: (اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم) لم يمت حتى

(1) المحاسن ص 60.
(2) ثواب الأعمال: 41.
(3) الكافي ج 3 ص 488.
(4) جنة الأمان ص 420 في الهامش وقال: قاله الطبرسي في مجمعه.
(5) جنة الأمان: 420.
363

يدرك القائم المهدي عليه السلام (1).
52 - الجنة: فمن صلى على النبي صلى الله عليه وآله بهذه الصلوات يوم الجمعة مائة
قضى الله له ستين حاجة: ثلاثون من حوائج الدنيا، وثلاثون من حوائج الآخرة (2).
وفي كتاب فضائل الاخلاص لأبي نعيم يرفعه أن من قرأ يوم الجمعة سورة
التوحيد مائة مرة فقد أدى من فضائل سورة الاخلاص ما أدى حملة العرش من حق
العرش.
53 - المتهجد والجنة: عن الصادق عليه السلام: من قال بعد صلاة الفجر وبعد
صلاة الجمعة: اللهم اجعل صلواتك وصلوات ملائكتك ورسلك على محمد وآل محمد لم يكتب
عليه ذنب سنة (3).
54 - المتهجد: قال أبو عبد الله عليه السلام: إني أسبح وأذكر الله تعالى يوم
الجمعة ثلاثين مرة (4).
55 - الذكرى: نقلا عن كتاب علي بن إسماعيل الميثمي باسناده إلى الصادق
عليه السلام قال: صل يوم الجمعة الغداة بالجمعة والاخلاص، واقنت في الثانية بقدر
ما قمت في الركعة الأولى (5).
56 - الدعائم: عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة فإنه
يوم يضاعف فيه الاعمال (6).
عن جعفر بن محمد عليه السلام أن الله تبارك وتعالى يبعث ملائكة أما إذا
انفجر الفجر يوم الجمعة
يكتبون الصلاة على محمد وآله إلى الليل (7).

(1) مصباح المتهجد ص 197، جنة الأمان ص 421 الهامش.
(2) مصباح الكفعمي: 421 في الهامش.
(3) جنة الأمان: 422.
(4) المتهجد: 257، وفيه بعد الجمعة.
(5) الذكرى: 158.
(6) دعائم الاسلام ج 1 ص 179.
(7) دعائم الاسلام ج 1 ص 179.
364

وعن محمد بن علي عليه السلام أنه قال: الاعمال تضاعف يوم الجمعة فأكثروا فيه من
الصلاة والصدقة والدعاء (1).
وعنه عليه السلام قال: لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه من السنة، وليكن غسلك
قبل الزوال (2).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ليطيب أحدكم يوم الجمعة ولو من قارورة
امرأته (3).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تدع يوم الجمعة أن تلبس صالح ثيابك (4).
57 - كتاب من مؤلفات علي بن بابويه: عن أحمد بن علي، عن محمد بن
الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني
عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: غسل يوم
الجمعة واجب على كل محتلم.
58 - كتاب الحسين بن عثمان: عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إذا كان يوم الجمعة فالبس أحسن ثيابك، ومس الطيب، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان
إذا لم يصب الطيب دعا بالثوب المصبوغ فرشه بالماء ثم مسح به وجهه.
59 - جمال الأسبوع: صلاة علمها رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لأمير المؤمنين
عليه السلام ولابنته فاطمة عليها السلام: إنني أريد أن أخصكما بشئ من الخير مما
علمني الله عز وجل وأطلعني الله عليه، فاحتفظا به، قالا: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وآله
فما هو؟ قال: يصلي أحدكما ركعتين يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي
ثلاث مرات، وقل هو الله أحد ثلاث مرات، وآخر الحشر ثلاث مرات، من قوله
(لو أنزلنا هذا القرآن على جبل) إلى آخره، فإذا جلس فليتشهد وليثن على الله
عز وجل، وليصل على النبي صلى الله عليه وآله وليدع للمؤمنين والمؤمنات، ثم يدعو على

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 180.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 181.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 181.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 181.
365

أثر ذلك فيقول: اللهم إني أسئلك بحق كل اسم هولك يحق عليك فيه إجابة الدعاء
إذا دعيت به، وأسئلك بحق كل ذي حق عليك، وأسئلك بحقك على جميع ما
هو دونك أن تفعل بي كذا وكذا.
صلاة أخرى ليوم الجمعة عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: من صلى يوم الجمعة ركعتين
يقرء في إحداهما فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد مائة مرة، ثم يتشهد ويسلم
ويقول: (يا نور النور يا الله يا رحمن يا رحيم، يا حي يا قيوم افتح لي أبواب
رحمتك ومغفرتك، ومن على بدخول جنتك، وأعتقني من النار) يقولها سبع
مرات غفر الله له سبعين مرة، واحدة تصلح دنياه وتسعة وستين له في الجنة درجات
ولا يعلم ثوابه إلا الله عز وجل.
60 - المتهجد والجمال: روى أبو إسحاق، عن الحارث، عن أمير المؤمنين
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أراد أن يدرك فضل يوم الجمعة فليصل
قبل الظهر أربع ركعات يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي خمس
عشر مرة، وقل هو الله أحد خمس عشر مرة، فإذا فرغ من هذه الصلاة استغفر الله
سبعين مرة، ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، خمسين مرة، ويقول: لا إله إلا الله وحده
لا شريك له خمسين مرة، ويقول: صلى الله على النبي الأمي وآله خمسين مرة، فإذا
فعل ذلك لم يقم من مقامه حتى يعتقه الله من النار (1).
أقول: رواها السيد في موضع آخر مسندا، عن محمد بن وهبان، عن محمد بن
إبراهيم، عن محمد بن زكريا، عن أبي حديثه، عن سفيان، عن أبي إسحاق مثله و
زاد في آخره: ويقبل صلاته ويستجيب دعاءه، ويغفر له ولأبويه، ويكتب الله تعالى
له بكل حرف خرج من فيه حجة وعمرة، وينبي له بكل حرف مدينة، ويعطيه
ثواب من صلى في مساجد الأمصار الجامعة من الأنبياء.
61 - المتهجد والجمال والبلد: أربع ركعات أخرى روى أنس بن مالك

(1) مصباح المتهجد: 221.
366

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى يوم الجمعة أربع ركعات قبل الفريضة يقرء في
الأولى فاتحة الكتاب مرة، وسبح اسم ربك الاعلى مرة، وقل هو الله أحد خمس عشر مرة
وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب مرة وإذا زلزلت الأرض مرة، وقل هو الله أحد
خمس عشر مرة، وفي الركعة الثالثة فاتحة الكتاب مرة وألهيكم التكاثر مرة، وقل
هو الله أحد خمس عشرة مرة، وفي الركعة الرابعة فاتحة الكتاب مرة، وسورة إذا
جاء نصر الله والفتح مرة، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة، فإذا فرغ من صلاته رفع
يديه إلى السماء إلى الله تعالى ويسأله حاجته (1).
62 - الجمال: عن محمد بن علي اليزدآبادي، عن أحمد بن محمد القزويني،
عن يعقوب بن شعيب، عن أحمد بن عبد الله، عن يزيد بن حميد، عن أنس مثله.
أربع ركعات اخر روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
من صلى يوم الجمعة أربع ركعات يقرء في الأولى والثانية والثالثة والرابعة فاتحة
الكتاب مرة، وقل هو الله أحد خمسين مرة، وآية الكرسي خمسين مرة، جعل الله
تعالى له جناحين يطير بهما على الصراط والجنة حيث يشاء.
أربع ركعات اخر روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه أمر رجلا أن يصلي الضحى
يوم الجمعة أربع ركعات يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب عشر مرات، وقل هو الله
أحد عشر مرات، ثم قال: فإذا سلمت استغفر الله عز وجل سبعين مرة، وقل
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم.
63 - المتهجد والجمال: صلاة أخرى ليوم الجمعة روى حميد بن المثنى
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أما إذا
كان يوم الجمعة فصل ركعتين تقرء في كل ركعة الحمد
مرة، وقل هو الله أحد ستين مرة، فإذا ركعت قلت: سبحان ربي العظيم وبحمده،
ثلاث مرات، وإن شئت سبع مرات، فإذا سجدت قلت:
سجد لك سوادي وخيالي، وآمن بك فؤادي، وأبوء إليك بالنعم، وأعترف

(1) البلد الأمين: 150، المتهجد: 221.
367

لك بالذنب العظيم، عملت سوء وظلمت نفسي، فاغفر لي ذنوبي، فإنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت، أعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ برحمتك من نقمتك، وأعوذ برضاك من
سخطك، وأعوذ بك منك لا أبلغ مدحتك ولا أحصى نعمتك، ولا الثناء عليك، أنت
كما أثنيت على نفسك وعملت سوء وظلمت نفسي، فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت.
قال: قلت في أي ساعة أصليها من يوم الجمعة؟ جعلت فداك، قال: إذا
ارتفع النهار ما بينك وبين زوال الشمس، ثم قال: من فعلها فكأنما قرأ القرآن
أربعين مرة (1).
بيان: السواد الشخص، وحبة القلب أي سويداؤه، والخيال بالفتح شخص
الرجل وطلعته والطيف وصورة الانسان في الماء والمرآة، وهنا يحتمل السواد الوجهين
والخيال يحتمل الأول والثاني والقوى المدركة.
أقول: روى السيد هذه الصلاة في موضع آخر عن علي بن محمد بن يوسف
البزاز، عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عبد
الحميد العطار، عن منصور بن يونس، عن أبي المغرا حميد بن المثنى مثله.
64 - الجمال والمتهجد: أربع ركعات اخر روي عن صفوان قال: دخل
محمد بن علي الحلبي على أبى عبد الله عليه السلام في يوم الجمعة فقال له: تعلمني أفضل ما أصنع
في هذا اليوم، فقال: يا محمد ما أعلم أن أحدا كان أكبر عند رسول الله صلى الله عليه وآله من فاطمة عليها السلام
ولا أفضل مما علمها أبوها محمد بن عبد الله، قال: من أصبح يوم الجمعة فاغتسل وصف
قدميه وصلى أربع ركعات مثنى مثنى، يقرء في أول ركعة الحمد والاخلاص خمسين
مرة وفي الثانية فاتحة الكتاب والعاديات خمسين مرة، وفي الثالثة فاتحة الكتاب
وإذا زلزلت الأرض خمسين مرة، وفي الرابعة فاتحة الكتاب وإذا جاء نصر الله و
الفتح خمسين مرة، وهذه سورة النصر وهي آخر سورة نزلت، فإذا فرغ منها
دعا فقال:

(1) مصباح المتهجد ص 220.
368

إلهي وسيدي من تهيأ أو تعبأ أو أعد أو استعد لوفادة إلى مخلوق رجاء
رفده وفوائده ونائله وفواضله وجوائزه، فإليك يا إلهي كانت تهيئتي وتعبئتي و
إعدادي واستعدادي رجاء رفدك ومعروفك ونائلك وجوائزك، فلا تخيبي من ذلك
يا من لا يخيب مسألة سائل ولا تنقصه عطية نائل، لم آتك بعمل صالح قدمته، ولا
بشفاعة مخلوق رجوته، أتقرب إليك بشفاعة محمد وأهل بيته صلواتك عليهم أجمعين
أرجو عظيم عفوك الذي عفوت به على الخاطئين عند عكوفهم على المحارم، فلم يمنعك
طول عكوفهم على المحارم، أن عدت عليهم بالمغرة، وأنت سيدي العواد بالنعماء
وأنا العواد بالخطأ، أسئلك بمحمد وآله الطاهرين، أن تغفر لي ذنبي العظيم فإنه لا يغفر
ذنبي العظيم إلا العظيم، يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم (1).
صلاة أخرى روى عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قرأ سورة
إبراهيم وسورة الحجر في ركعتين جميعا في يوم جمعة لم يصبه فقر أبدا ولا جنون
ولا بلوى (2).
وصلاة أخرى روى الحارث الهمداني، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: إن
استطعت أن تصلي يوم الجمعة عشر ركعات تتم سجودهن وركوعهن وتقول فيما بين
كل ركعتين سبحان الله وبحمده مائة مرة، فافعل تمام الخبر (3).
65 - المتهجد وجمال الأسبوع: صلاة أخرى ركعتان روى محمد بن داود بن
كثير، عن أبيه قال: دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فرأيته يصلى
ثم رأيته قنت في الركعة الثانية في قيامه وركوعه وسجوده ثم أقبل بوجهه الكريم على الله ثم
قال: يا داود هي ركعتان والله لا يصليهما أحد فيرى النار بعينه بعدما يأتي فيهما ما
أتيت، فلم أبرح من مكاني حتى علمني، قال محمد بن داود فعلمني يا أبه كما علمك،
قال إني لأشفق عليك أن تضيع، قلت كلا إن شاء الله، قال: أما إذا كان يوم الجمعة
قبل أن تزول الشمس فصلهما، واقرأ في الركعة الأولى فاتحة الكتاب وإنا أنزلناه
وفي الثانية فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، وتستفتحهما بفاتحة الكتاب، فإذا فرغت

(1) مصباح المتهجد ص 222 - 223.
(2) مصباح المتهجد ص 222 - 223.
(3) مصباح المتهجد ص 222 - 223.
369

من قراءة قل هو الله أحد في الركعة الثانية فارفع يديك قبل أن تركع وقل:
إلهي إلهي إلهي أسئلك راغبا، وأقصدك سائلا، واقفا بين يديك، متضرعا
إليك، إن أقنطتني ذنوبي نشطني عفوك، وإن أسكتني عملي أنطقني صفحك، فصل
على محمد وأهل بيته، فأسئلك العفو العفو.
ثم تركع وتفرغ من تسبيحك وقل:
هذا وقوف العائذ بك من النار، يا رب أدعوك متضرعا وراكعا متقربا إليك
بالذلة خاشعا، فلست بأول منطق من حشمة متذللا، أنت أحب إلي مولاي أنت
أحب إلى مولاي.
فإذا سجدت فابسط يديك كطالب حاجة وقل: (سبحان ربي الأعلى و
بحمده، رب هذه يداي مبسوطتان بين يديك، هذه جوامع بدني خاضعة بفنائك،
وهذه أسبابي مجتمعة لعبادتك، لا أدري بأي نعمائك أقلب، ولأيها أقصد لعبادتك
ألمسألتك أم الرغبة إليك، فاملأ قلبي خشية منك، واجعلني في كل حالاتي لك
قصدي، أنت سيدي في كل مكان وإن حججت عنك أعين الناظرين إليك أسألك بك
إذ جعلت في طمعا فيك لعفوك، أن تصلي على محمد وآل محمد وترحم من يسألك وهو
من قد علمت بكمال عيوبه وذنوبه، لم يبسط إليك يده إلا ثقة بك، ولا لسانه إلا
فرحا بك، فارحم من كثر ذنبه على قلته، وقلت ذنوبه في سعة عفوك، وجرأني
جرمي وذنبي بما جعلت من طمع أما إذا يئس الغرور الجهول من فضلك، أن تصلى على
محمد وآل محمد وأسألك لاخواني فيك العفو العفو.
ثم تجلس ثم تسجد الثانية وقل:
(يامن هداني إليه ودلني حقيقة الوجود عليه، وساقني من الحيرة إلى معرفته
وبصرني رشدي برأفته، صل على محمد وآل محمد، واقبلني عبدا ولا تذرني فردا أنت
أحب إلي مولاي أنت أحب إلى يا مولاي.
ثم قال داود: والله لقد حلف لي عليهما جعفر بن محمد عليهما السلام وهو تجاه القبلة
370

أنه لا ينصرف أحد من بين يدي ربه تعالى إلا مغفورا له، وإن كانت له حاجة
قضاها (1).
بيان: بأول منطق، على بناء المفعول (من حشمة) أي لست أول من أنطقته
حشمته أي استحياؤه وفي بعض النسخ (منطو) أي من انطوى بحاجته لحيائه ولم يظهرها
(وهذه أسبابي) أي أعضائي وقواي ومشاعري (على قلته) أي ذلته وحقارته و
قوله عليه السلام (ودلني حقيقة الوجود عليه) إشارة إلى طريقة الصديقين الذين يستدلون
بالحق عليه.
66 - الجمال: عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يوم الجمعة
صلاة كله ما من عبد قام أما إذا ارتفعت الشمس قدر رمح وأكثر يصلي ركعتين إيمانا و
احتسابا إلا كثب الله له مائتي حسنة، ومحا عنه مائتي سيئة، ومن صلى ثمان ركعات
رفع الله له في الجنة ثمان مائة درجة، وغفر له ذنوبه كلها، ومن صلى اثنتي عشر
ركعة كنت الله له ألفا ومائتي حسنة، ومحا عنه ألفا ومائتي سيئة، ورفع له في الجنة
ألفا ومائتي درجة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى الصبح يوم الجمعة ثم جلس في المسجد حتى
تطلع الشمس، كان له في الفردوس سبعون درجة بعد ما بين الدرجتين حضر الفرس المضمر
سبعين سنة، ومن صلى يوم الجمعة أربع ركعات قرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل
هو الله أحد خمسين مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له.
بيان: الحضر بالضم العدو، وتضمير الفرس أن تعلفه حتى يسمن.
67 - جمال الأسبوع: الصلاة المعروفة بالكاملة حدث محمد بن وهبان، عن
محمد بن أحمد بن زكريا الغلابي، عن محمد بن جعفر بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر
ابن محمد عليهما السلام وعن عتبة بن الزبير، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن
أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى أربع ركعات يوم الجمعة قبل
الصلاة يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب عشر مرات، ومثلها قل أعوذ برب الفلق

(1) مصباح المتهجد: 223 - 225.
371

ومثلها قل أعوذ برب الناس، ومثلها قل هو الله أحد، ومثلها قل يا أيها الكافرون،
ومثلها آية الكرسي.
وفي رواية أخرى يقرء عشر مرات إنا أنزلناه في ليلة القدر، وعشر مرات
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز
الحكيم وبعد فراغه من الصلاة يستغفر الله مائة مرة ويقول أستغفر الله ربي و
أتوب إليه.
وفي رواية أخرى: أستغفر الله الذي لا إله هو الحي القيوم غافر الذنب
واسع المغفرة، ويقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، مائة مرة، ويصلي على محمد وآل محمد مائة مرة، ثم
يدعو بعد ذلك بالدعاء الذي يأتي.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى هذه الصلاة وقال هذا القول، رفع الله عنه
شر أهل السماء وأهل الأرض، وشر الشيطان، وشر كل سلطان جائر، وقضى
الله له سبعين حاجة في الدنيا، وسبعين حاجة في الآخرة، مقضية غير مردودة.
وقال: الليل والنهار أربع وعشرون ساعة، يعتق الله تعالى لصاحب هذه الصلاة
في كل ساعة لكرامته على الله سبعين ألف انسان قد استوجبوا النار من الموحدين
يعتقهم الله من النار، ولو أن صاحب هذه الصلاة أتى المقابر فدعا الموتى أجابوه بإذن الله
لكرامته على الله تعالى.
ثم قال عليه السلام: والذي بعثني بالحق إن العبد أما إذا
صلى هذه الصلاة ودعا بهذه
الدعاء بعث الله له سبعين ألف ملك، يكتبون له الحسنات، ويرفعون عنه السيئات
ويرفعون له الدرجات ويستغفرون له، ويصلون عليه حتى يموت.
ولو أن رجلا لا يولد له ولد، وامرأة لا يولد لها، صليا هذه الصلوات ودعوا
بهذا الدعاء، رزقهما الله ولدا، ولو مات بعد هذه الصلاة لكان له أجر سبعين ألف شهيد
وحين يفرغ من هذه الصلوات يعطيه الله بكل قطرة قطرت من السماء، وبعدد نبات
الأرض، وكتب له مثل أجر إبراهيم وموسى وزكريا ويحيى صلى الله عليهم وآلهم
372

وفتح عليه باب الغنى، وسد عنه باب الفقر، ولم يلذعه حية ولا عقرب، ولا يموت
غرقا ولا حرقا ولا شرقا.
قال جعفر بن محمد الصادق: أنا الضامن عليه، وينظر الله إليه في كل يوم ثلاث
مائة وستين نظرة، ومن ينظر إليه ينزل عليه الرحمة والمغفرة. ولو صلى هذه الصلاة
وكتب ما قال فيها بزعفران وغسل بماء المطر، وسقى المجنون والمجذوم والأبرص
لشفاهم الله عز وجل، وخفف عنه وعن والديه، ولو كانا مشركين.
قال جعفر بن محمد عليهما السلام: وهذه الصلاة يقال لها الكاملة.
الدعاء بعد هذه الصلاة.
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الصادقين كما أنت - وهم بك
ومنك - أهله، واكفني بمحمد وآله صلواتك عليه وعليهم كل مهم، واقض لي
بهم كل حاجة مع حوائج الدنيا والآخرة، وفقني لما يرضيك عني، وأرشدني
للذي هو أفضل، واعصمني في جميع أموري، وأعذني من الشيطان الرجيم، ولا
تسلطه على طرفة عين، ولا أقل من ذلك ولا أكثر، وامنعني أن يفرط على أو أن
يطغى أو أن يصل إلى منه مكروه أو أذى، أو يستفز عنى أو يزين لي ارتكاب ما فيه سخطك
والبعد من رضوانك، إنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وانظر إلى في وقتي هذا وفي جميع أوقاتي
نظرة يكون لي فيها الخيرة للدنيا والآخرة، وتقلبني معها عن موضعي بالمغفرة
والرحمة، وتجعلني من عتقائك وطلقائك من النار.
اللهم صل على محمد وآله واجعلني وأهلي ومن أعنى به وأحزن له في ودايعك
وأمانك وعياذك وجوارك وحراستك وصيانتك وكلاءتك وحياطتك ورعايتك
وحمايتك ومراعاتك، حيث كنت وأين حللت في بر أو بحر أو سهل أو جبل، واكفنا
شر كل عدو وباغ وحاسد ولص ومعاند وفريد وكائد وغاصب وظالم ومخاصم
ومن شر كل ذي شر ومن شر الجن والإنس، وخذه من بين يديه ومن خلفه
وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، وطمه بالبلاء طما، وغمه بالبلاء غما
373

وقمه بما قما، واجتثه عن جدد الأرض، وارمه ببلية لا أخت لها، وامنعه من
أن يفرط علينا أو أن يطغى، أو أن يصل إلينا بمكروه وأذى، وأحلل به كل بلاء
وأنزل بساحته وعقوته كل لأواء، ولا تمهله لحظة، ولا طرفة عين أبدا إنك على
كل شئ قدير.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وافعل بي ما أنت أهله، وامنن على بالعفو
عن ذنوبي، والتعمد لخطاياي، والصفح عن جرايري، والمسامحة لي، وترك
مؤاخذتي بجهلي وسوء عملي، واعف عنى، واغفر لي قبيح ما كان منى بحسن ما
عندك، يا من أما إذا
وعد وفا، وإذا توعد عفا، يا من يعفو عن السيئات، ويعلم ما
يفعل عباده، يا من يأمر بالعفو والتجاوز، صل على محمد وآل محمد، واعف عنى و
تجاوز يا كريم يا كريم.
يا أكرم من كل كريم، وأرأف من كل رؤوف، وأعطف من كل عطوف،
صل على محمد وآل محمد، وأنعم على بالعفو والعافية والمغفرة والرحمة، أنت يا
سيدي قلت (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) يا كريم يا غفور يا جواد يا محسن يا
مجمل يا منعم يا مفضل، يا أرحم من استرحم، وأجود من سئل، وأكرم من أعطى
صل على محمد وآل محمد، وانظر إلي بعينك الرحيمة نظرة تكون لي فيها الخيرة،
ومعها المغفرة والرضوان، وأعتقني من النار، وأنقذني من النار، وفك رقبتي
من النار، وأدخلني الجنة يا رحمن، وزوجني من الحور العين، ووفقني لما
يرضيك عني، وطهرني من الذنوب، وطهر قلبي من الذنب، وطهر جسدي من
الدنس، وعيني من الخيانة، وصدري من الوسواس والحرج، والا تخرجني من الدنيا
إلا وأنت عني راض يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقني رزقا واسعا حلالا طيبا صبا صبا
هنيئا مريئا عفيا دارا عاجلا سيحا سيحا سريعا وشكا تغنيني به عن جميع خلقك،
وتصونني به عمن سواك، وسهل لي من أمري ما قد عسر، وأصلح لي ما فسد،
374

يا لطيف يا لطيف، أستلطف الله اللطيف لما أخاف وأحذر تغييره أن ييسر، يا من
العسر عليه سهل يسير.
أسئلك بخفي لطفك وبمحمد حبيبك وبآله الطيبين صفوتك، أن تصلي على
محمد وأن تلطف بي بلطفك اللطيف الخفي، وتفضل على برحمتك وجودك، وتوحدني
بنظرك ونصرك، وتجعلني ممن رضيت عنه فأرضيته، وتوكل عليك فكفيته، و
سألك فأسعفته وأملك فكنت عند أمله، يا أملى يا ثقتي ورجائي، يا عدتي يا كهفي
يا سيدي يا سيدي، يا معتمدي يا مفزعي، يا من هو وليي في كل شدة وعليه توكلي
في كل كربة، وذخري وذخيرتي في كل نائبة وضرورة، وعدتي وعياذي من كل
مرض وعلة.
اللهم صل على محمد وآله، وهب لي ولوالدي ولولدي وذوي عنايتي العافية
الشافية الكافية الدائمة التامة السابغة الكاملة وأدمها لنا وانشرها علينا، وامسح علينا
يدك يد العافية، وهب لنا عافية في أثر عافية، متصلة بعافية، عافية تشتمل على عافية تحيط
العافية عافية في الدنيا و عافية في الآخرة، عافية شافية كافية تامة دائمة متتابعة مترادفة
متصلة متراكمة متضاعفة متوالية يا وهاب يا كريم.
اللهم صل على محمد وآله، واقض عنى الدين، وخلصني من أذاه وبليته،
وسهل لي الخروج إلى كل ذي حق من حقه وتحمل عنى يا مولاي مظالم عبادك
وتبعاتهم، وهب لي ما بيني وبينك، واستوهب لي ما بيني وبين خلقك، يا من لا
تنقص خزائنه، ولا يبيد ما عنده صل على محمد وآله، وجد لي بما لا ينقصك، واعف
لي عمالا يضرك.
اللهم صل على محمد وآله، واكفني مؤنة من تعاديني ويبغيني ويكيدني
ويخلفني مما لاعلم لي به، وبما أنه في غفلة عنه، وخذه من مأمنه ومن بين يديه
ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته ولا تمهله لحظة ولا طرفة
عين إنك على كل شئ قدير.
اللهم صل على محمد وآله، وارزقني الحج إلى بيتك الحرام، وزيارة قبر
375

نبيك محمد صلى الله عليه وآله في عامي هذا وفي كل عام ما أبقيتني في يسر منك وعافية، في سعة
رزق وكفاية، وخير وسعادة وسلامة وغبطة، إنك على كل شئ قدير.
اللهم صل على محمد وآله، وانشر على رحمتك، وافتح لي أبواب مغفرتك
وافتح لي أبواب سعتك، وافتح لي أبواب رزقك، وافتح لي أبواب غناك، وافتح لي
أبواب توفيقك، وافتح لي أبواب تيسيرك، وافتح لي أبواب عصمتك، وافتح لي
أبواب عفوك، وافتح لي أبواب عافيتك، وافتح لي أبواب جوامع الخير والبركات و
السعادات والمعونات والكفايات والوقايات والأرزاق الدارة من خزائنك
الواسعات.
وأغلق عني أبواب الشرور والآثام والأحلام والأسقام والأورام والأمراض
والعلل والعاهات والآفات واللوازب والمصائب والمهمات والشدائد والكربات والرزيات
والفجيعات والحادثات والأذيات والهموم والغموم والفقر والغدر والمكر والختر
والكفر وعذاب القبر وبلية أعدم عليها الصبر إنك على كل شي قدير.
اللهم قد أملتك يا مولاي فلا تخيبني، ورجوتك فلا تقطع رجائي، دعوتك
يا إلهي فلا ترد دعائي، وابتهلت إليك فلا تعرض عني، يا معتمدي، وتقربت إليك
بنبيك محمد وآله الطاهرين صلواتك عليه وعليهم، فاقض حوائجنا صغيرها و
كبيرها، ما ذكرته ونسيته منها، ما قصدته أو سهوت عنه، وما أنت أعلم به، وجميع
ما أنت أحصى لقدره، وأنت أحصى لذنوبي مني، فاغفرها لي.
يا إلهي إن ذنوبي كثيرة وأفعالي سيئة وجرائري وأجرامي عظيمة، وإقدامي
واجترائي أكثر من أن يحصى أو يعد أو يذكر أو ينشر، واعتمادي يا سيدي على عفوك
وعلى ما وعدت به من فضلك، فإنك يا سيدي قلت وقولك الحق (يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور
الرحيم) فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وأخطأت وتعمدت
وحفظت ونسيت، وعلمت وشهدت، ورحمتك وسعت كل شئ وأنا شئ فلتسعني
رحمتك يا أرحم الراحمين.
376

مغفرتك يا سيدي أعظم من كل شئ، فتفضل بها على، اغفر لي يا سيدي
ما تبت إليك منه ثم عدت فيه، واغفر لي يا سيدي ما آليت على نفسي أن لا آتيه
وتغمد لي ما أكذب على نفسي الاقلاع منه، ثم لم أف به، واصفح عما جعلت على
نفسي عند الشدائد والعلل والاخطار والاضطرار والمرض أن لا أفعله، فلما أقلت
وأنهضت وعافيت وأتممت لم يكن مني وفاء به، يا غافر الذنب يا ساتر العيوب يا كاشف
الضر عن أيوب صل على محمد وآل محمد، واكشف ضري برحمتك، وأقل عثرتي
بعزتك.
اللهم صل على محمد وآله، واجعل لي في نفسي وأهلي ومالي وولدي و
والدي ومن يعنيني أمره ويخصني البركة التامة، وكن لي ولهم راحما ووليا و
حافظا وناصرا ورازقا ومعينا واجعلني في ودائعك وأمانك وحرزك وحراستك و
صيانتك وخير ما جرت به المقادير من عندك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وما قسمت لي من قسم أو رزقتني من رزق
فاجعله حلالا طيبا واسعا مباركا، قريب المطلب، سهل المأخذ، في يسر منك وعافية و
سلامة وسعادة إنك على كل شئ قدير.
اللهم صل على محمد وآل محمد، ووسع رزقي أبدا ما أبقيتني، وثمره ووفره،
ولا تكدره ولا تعسره، وسهله ولا تنكده، وإن كان في أم الكتاب عندك أني شقى
أو محروم أو مقتر علي رزقي فامح من أم الكتاب شقائي وحرماني وإقتاري، و
اكتبني عندك سعيدا موفقا للخير موسعا على في رزقي، فإنك قلت وأنت أصدق القائلين
(يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب).
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا
وجازهما عني بالاحسان إحسانا، وبالسيئات غفرانا، ونضر وجوههما، وألحقهما
بنبيهما نبي الرحمة وآله صلوات الله عليه وعليهم، واسقهما بكاسه مشربا ماء عذبا
رويا سايغا هنيئا لا ظمأ بعده أبدا، وبيض وجوههما يوم تبيض فيه الوجوه
377

وأعلهما وأعطهما منيتهما وكتابهما بأيمانهما، ومحص عنهما سيئاتهما، وضاعف
لهما حسناتهما، وكن أنت يا سيدي لهما فإنهما فقيران إلى رحمتك، محتاجان إلى
عفوك، مضطران إلى غفرانك.
أدخل قبورهم الضياء والنور، والفرحة والسرور والسعة والحبور، ولا
تؤاخذ هما بقبيح كان منهما، واجعلهما من أهل جناتك جنات النعيم، وأحلهما دار
المقامة من فضلك لا يمسهما فيها نصب ولا يمسهما فيها لغوب، وأجرهما من العذاب
وأعتقهما من النار، واجمع بيني وبينهما في مستقر رحمتك، وقرب من رضوانك
ومغفرتك، وافعل مثل ذلك بأجدادي وجداتي وأعمامي وعماتي وأخوالي وخالاتي
وأولادي وأمهات أولادي ومعارفي وجيراني ومن أحبني ورباني وخدمني من
المؤمنين والمؤمنات، الاحياء منهم والأموات، ومحبي محمد وآل محمد عليه وعليهم السلام
إنك على كل شئ قدير.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وإذا صرت إلى دار البلى، ونسيني أهل الدنيا
ولم يكن لي زائر ولا ذاكر، فكن أنت يا سيدي مؤنسي وذاكري، والناظر إلى
والراحم لي، والغافر لذنبي والصافح عن خطيئاتي، والمنور لحفرتي، والساتر
لي برحمتك يا أرحم الراحمين، إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم صل على محمد وآله
واجعل الموت خير غائب أنتظره، والقبر خير بيت سكنته، ولقني حجتي عند خروج
روحي، وسهل على فراق الدنيا، وأرني قبل خروج روحي ما تقربه عيني، و
اجعل ملك الموت شفيقا رفيقا لي وعلى متحننا متعطفا وبي رؤوفا رحيما.
أرني يا سيدي ملائكة الرحمة، والبشرى بالمغفرة، بما تكون به عيني
قريرة، ونفسي إليه تائقة ساكنة، وجوارحي به مطمئنة، قبل فراق الدنيا، وسهل
على المسألة، وادفع عني الضغطة، واجعل لي في قبري النور والرحمة، والجعل
منقلبي أطيب منقلب، وقبري أفسح قبر، واقلبني إلى رضوانك والجنة، ولا تجعلني
حطبا للنار يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وما ذكرته من حوائجي ونسيته أو حفظته أو
378

أهملته نطق به لساني أو لم ينطق، فاقضه لي وتفضل به على وأرني في يومى من
علامات إجابتك وتباشير قبولك وإقبالك ما أغتبط به في الدنيا والآخرة، وارزقني التوبة
قبل الموت، والعصمة والطهارة من الذنوب، إنك على كل شئ قدير ربنا آتنا
في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم صل على محمد وآل محمد، ووفقني للحمد على نعمتك التي أنعمت بها
على والشكر لاحسانك الذي أسديت إلى، والاقبال على تحميدك وتكبيرك وتسبيحك
وتقديسك وتهليلك وتمجيدك وتعظيمك في كل وقت والرضا بقضائك وقدرك إذا
قضيت وقدرت، والصبر على بلاءك ومحنك أما إذا
ابتليت وامتحنت، والتسليم
عند حتمك أما إذا
حتمت وأمرت، ورضني بقضائك، وبارك لي في فضلك وعطائك، وسهل
لي حلول دار جنتك، وأذهب عنى الحزن بفضلك، وجنبني معصيتك، وأعذني من
التعرض لما يسخطك ويباعدني من رضوانك، إنك على كل شئ قدير.
اللهم صل على محمد وآله، واحفظني واحفظ على، واحرسني واحرس علي، واكنفني
واكفني واجعلني وأهلي وولدي من يعنيني أمره ويخصني في ودايعك المحفوظة، وصيانتك
المكلوءة، أسئلك بحق محمد وآله، وبحق ملائكتك المقربين، ورسلك وحملة عرشك
وبحق يس والقرآن الحكيم، وبحق القبر الذي تضمن حبيبك محمدا صلواتك عليه
وآله، وبحق بيتك الحرام، والركن والمقام، والآلاء العظام، وبأسمائك الحسنى
الكرام، وباسمك الأعظم الأعظم الأجل الأكرم المكنون المخزون الذي أما إذا
دعيت
به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وأسعفت، ولم ترد سائلك، وبكل اسم هولك
أو تسميت به لاحد من خلقك، أو مأثور في علم الغيب عندك، وما أحاط به علمك
ووسعه حلمك، واستقل به عفوك وعرشك، وبك ولا شئ أعظم منك، أن تصلي
على محمد وآله، وأن تسمع دعائي، وتجيب ندائي، وترحم تضرعي، وتقبل على
وتقبل توبتي، وتديم عافيتي، وتسهل قضاء حاجتي وديني، وتوسع على في رزقي
وتصح جسمي، وتطيل عمري، وتغفر ذنبي، وتوفقني لما يرضيك، وتقلبني إلى
379

رضوانك والجنة برحمتك، وتعتقني من النار بجودك، وتكفيني كل مهم من
أمر الدنيا والآخرة بكرمك، إنك على كل شي قدير، وذلك عليك يسير وأنت أرحم
الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
ما يقال في آخر سجدة من الصلاة الكاملة.
اللهم إني أسئلك بالمماسة التي لا تتزعزع إلا صليت على محمد وآله، و
غفرت لي ذنبي، وعزمت على قضاء حوائجي، وأسئلك بالذي نظر به موسى إلى نورك
ولم يستطع النظر إليك لجلالك وهيبتك إلا صليت على محمد وآل محمد، وغفرت لي
ذنبي، وعزمت على قضاء حوائجي، وأسئلك بالقدرة التي أنزلت بها الصخرة بعد
نورك فانشقت لاعتزازك عن قدرك بلحظ أو وهم أو فكر أو رؤية بعلم أو عقل تعاليت
عن ذلك علوا كبيرا، إلا صليت على محمد وآل محمد، وغفرت لي ذنبي، وعزمت على قضاء
حوائجي، وأسألك بالقدرة التي نظرت بها إلى ساير الجبال فتصدعت لكبرياء عظمتك
أقطارها إلا صليت على محمد وآل محمد وغفرت لي ذنبي، وعزمت على قضاء حوائجي
وأسئلك بالقدرة التي نظرت بها إلى أغوار البحار فماجت وتقلبت بأمواجها إلا صليت
على محمد وآل محمد، وغفرت لي ذنبي وعزمت على قضاء حوائجي.
يا كفيل الكفلاء كفلتك نفسي حيث ما توجهت، فاحفظني يا خيرا لي من أبي
وأمي، وكفلتك أبي وأمي حتى تحفهما بنورك، وتوفقهما لطاعتك، وتنجيهما
من عذابك، وكفلتك ديوني وديون خلقك على حتى تقضيها جميعها عني، وتخلصني
من تبعاتها، وأماناتي حتى تؤديها، وحاجاتي في الدنيا والآخرة حتى تقضيها،
وتغفر لي وترحمني، وتصلي على محمد وآل محمد، يا محتملا لعظائم الأمور، يا منتهى
هم المهموم، ويا كاشف الكرب العظيم، يا ربنا العظيم شأنه، حسبنا أنت إنك ربنا
لا إله إلا أنت أما إذا
أردت شيئا تقول له كن فيكون أسألك بهذا الدعاء، وبهذه
الأسماء، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تقضي لي حاجاتي، وتفرج عني وعن
جميع إخواني المؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا
محمد النبي وآله الطاهرين.
380

بيان: (لا أخت لها) أي لا تشبهها بلية أخرى في الشدة كقوله سبحانه (وما
نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) (1) أي من التي تشبهها، أولا يبقى إلى
بلية أخرى بل يفني بها، والأول أظهر، والعقوة الساحة وما حول الدار، واللاواء
الشدة، والتغمد الستر يقال تغمده الله برحمته أي ستر الله ذنوبه وحفظه عن المكروه
كما يحفظ السيف بالغمد، ومثله تغمد زللي أي اجعله مشمولا بالعفو والغفران، و
تغمدت فلانا أي سترت ما كان منه وغطيته.
والوعيد في الاشتقاق اللغوي كالوعد إلا أنهم خصوا الوعد بالخير، والوعيد
بالشر، للفرق بين المعنيين، وربما يستعمل الوعد فيهما للاتباع، والازدواج، قال
الجوهري الوعد يستعمل في الخير والشر، فان أسقطوا الخير والشر قالوا في الخير
الوعد والعدة، وفي الشر الايعاد والوعيد، والحرج الضيق (صبا) أي مصبوبا
كناية عن الكثرة (عفيا) أي كثيرا وفي بعض النسخ بالقاف ولم نعرف له معنى، والسيح
الجريان، وفي بعض النسخ سحا بالحاء المشددة وهو الصب أي جاريا أو مصبوبا،
والوشك بالفتح والضم السرعة.
وقال الجوهري اللطف في العمل الرفق فيه واللطف من الله تعالى التوفيق و
العصمة، والتلطف للامر الترفق له، وقال الفيروزآبادي: لطف كنصر لطفا بالضم
رفق ودنا، والله لك أوصل إليك مرادك بلطف، وقال الجوهري توحده الله بعصمته
أي عصمه ولم يكله إلى غيره، وقال أسعفت الرجل بحاجته أما إذا
قضيتها له (وذوي
عنايتي) أي من أعتني وأهتم بشأنهم (ويخلفني) أي يخلف وعدي أو يبليني ويخلقني
أو يفسدني، ويقال: أخلف الرجل أما إذا
أهوى بيده إلى سيفه ليسله، وفي بعض النسخ
بالقاف كناية عن هتك العرض، والختر بالفتح الغدر، وقوله عليه السلام (وما أخرت)
لعله هنا سقط شئ، ويحتمل تقدير العامل بقرينة المقام أي واغفر لي ما أخرت،
والعطف على الضمير في قوله: (فاغفرها) أبعد.
وقال الجوهري: ثمر الله ماله أي كثره، وقال نكد عيشهم بالكسر أما إذا
اشتد

(1) الزخرف: 48.
381

وقال: التباشير البشرى وتباشير الصبح أو ايله وكذا أوايل كل شئ، وقال الغبطة أن
تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه، وليس بحسد، تقول منه غبطته
بما نال أغبطه غبطا وغبطه فاغتبط هو.
قوله عليه السلام: (لاعتزازك عن قدرك) أي إنما انشقت صخرة الجبل الذي كان
عليه موسى بعد تجليك عليه، ونزلت وتقطعت، ليظهر للعباد أنك أعز من أن
يقدر العباد قدرك ويطلعوا على كنه جلالك بلحظ عين أو وهم أو فكر يقال قدرت الشئ
أقدره أو أقدره قدرا من التقدير، وقال تعالى (وما قدروا الله حق قدره) (1)
أقول: كانت نسخ الدعاء سقيمة، ولم أجده في كتاب آخر سوى جمال الأسبوع
فصحح بقدر الطاقة، وبقيت فيه أشياء إلى أن يتيح الله لنا ما يمكن تصحيحه به،
والدعاء الطويل مخصوص بكتاب السيد ره وأما الصلوات فهي من المشهورات ذكرها
أكثر الأصحاب في كتب الدعوات وغيرها.
ورواها الشيخ (2) في المتهجد عن محمد بن زكريا الغلابي، عن جعفر بن محمد بن
عمارة، عن أبيه عن الصادق عليه السلام، وعن عتبة بن أبي الزبير، عن جعفر بن محمد، عن أبيه،
عن جده عليهم السلام وذكر نحوا مما مر من الروايتين إلى قوله: (فإذا فرغ من الصلاة
استغفر الله مائة مرة ثم يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم) مائة مرة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة، قال
من صلى هذه الصلاة وقال هذا القول دفع الله عنه شر أهل الأرض تمام الخبر.
ونحو ذلك قال العلامة ره في المنتهى وغيره، والشهيد في الذكرى وغيرهما
من الأصحاب في كتبهم.
68 - جمال الأسبوع: صلوات الاعرابي عن محمد بن هارون، عن محمد بن
القاسم، عن أبي يعلى بن أبي الحسين، عن عبد الله بن محمد النيسابوري عن أحمد بن
عبد الله، عن عبد الرحمن بن زياد، عن أبيه، عن حارثة بن قدامة، عن زيد بن ثابت

(1) الزمر: 67.
(2) مصباح المتهجد ص 220 - 221.
382

قال: قام رجل من الاعراب فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنا نكون في
هذه البادية، ولا نقدر أن نأتيك في كل جمعة فدلني على عمل فيه فضل صلاة يوم الجمعة
إذا مضيت إلى أهلي خبرتهم به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إذا
كان ارتفاع النهار فصل
ركعتين تقرأ في أول ركعة الحمد مرة واحدة، وقل أعوذ برب الفلق سبع مرات،
واقرأ في الثانية الحمد مرة واحدة، وقل أعوذ برب الناس سبع مرات، فإذا سلمت
فاقرأ آية الكرسي سبع مرات.
ثم قم فصل ثمان ركعات بتسليمتين، وتجلس في كل ركعتين منها، ولا تسلم
فإذا تممت أربع ركعات الاخر كما صليت الأول، واقرأ في كل ركعة الحمد مرة
واحدة، وإذا جاء نصر الله والفتح مرة واحدة، وقل هو الله أحد خمسا وعشرين مرة
فإذا أتممت ذلك تشهدت وسلمت ودعوت بهذا الدعاء، سبع مرات وهو: يا حي يا
قيوم يا ذا الجلال والاكرام يا إله الأولين والآخرين، يا أرحم الراحمين، يا رحمن
الدنيا والآخرة، ورحيمهما، يا رب يا رب يا رب يا رب يا رب يا رب يا رب
يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله صل على محمد وآله واغفر لي.
واذكر حاجتك وقل (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) سبعين مرة،
و (سبحان الله رب العرش الكريم) فوالذي بعثني واصطفاني بالحق ما من مؤمن ولا
مؤمنة يصلي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلا وأنا ضامن له الجنة، ولا يقوم من
مقامه حتى يغفر له ذنوبه، ولأبويه ذنوبهما، وأعطاه الله تعالى ثواب من صلى في ذلك
اليوم في أمصار المسلمين، وكتب له أجر من صام وصلى في ذلك اليوم في مشارق الأرض
ومغاربها، وأعطاه الله ما لا عين رأت ولا اذن سمعت.
المتهجد: صلاة الاعرابي، عن زيد بن ثابت وذكر نحوه إلى قوله: وقل هو الله
أحد خمسا وعشرين مرة، فإذا فرغت من صلواتك فقل سبحان الله رب العرش الكريم
ولا حول، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبعين مرة، ثم ذكر بعض ما مر من
الفضل (1).

(1) مصباح المتهجد: 222.
383

بيان: هذه الصلاة مشهورة بين العلماء، استثنوها من القاعدة المقررة عندهم
أن النوافل ركعتان بتشهد وتسليم كما ورد في رواية علي بن جعفر، قال الأكثر إلا
الوتر إجماعي، وأما صلاة الاعرابي فاستثناؤها مشهور بين المتأخرين ولم يستثنها
المحقق في المعتبر، وقال ابن إدريس وقد روي رواية في صلاة الاعرابي أنها أربع بتسليم
بعدها، فان صحت هذه الرواية نقف عليها ولا نتعداها.
وأقول: يشكل التخصيص بهذه الرواية العامية، وإن قيل ضعفها منجبر
بالشهرة، وكذا كثير من الصلوات التي أوردناها من طرق العامة تبعا للشيخ والسيد
وغيرهما حيث أوردوه في كتبهم لمساهلتهم في المستحبات، ويشكل العمل بها فيما كان
مخالفا للهيئات المنقولة، وإن كان الحكم بالمنع أيضا مشكلا، والأولى العمل
بالروايات المعتبرة، فان الاعمال كثيرة ولا يمكن الاتيان بجميعها، فاختيار ما هو أصح
سندا أولى وأحوط وأحرى. * *
384

صورة فتوغرافية من نسخ الأصل بخط يد المؤلف العلامة
المجلسي قدس سره تراها في الصفحة الأولى من هذا الجزء
385

صورة فتوغرافية أخرى من نسخة الأصل
تراها في ص 120 و 121 من هذا الجزء
386

بسمه تعالى
ههنا ننهي بالجزء العاشر من المجلد الثامن عشر من
كتاب بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار -
صلوات الله وسلامه عليهم ما دام الليل والنهار - وهو الجزء
السادس والثمانون حسب تجزئتنا في هذه الطبعة النفيسة
الرائقة.
ولقد بذلنا جهدنا في تصحيحه ومقابلته فخرج
بحمد الله ومشيته نقيا من الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ
عنه البصر، وكل عنه النظر، لا يكاد يخفى على القارئ
الكريم، ومن الله نسأل العصمة وهو ولي التوفيق.
السيد إبراهيم الميانجي - محمد الباقر البهبودي
387

كلمة المصحح:
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليه توكلي وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعترته الطاهرين.
وبعد: فهذا هو الجزء العاشر من المجلد الثامن عشر، وقد انتهى رقمه
في سلسلة الاجزاء حسب تجزئتنا إلى 86 حوى في طيه سبعة أبواب من كتاب الصلاة.
وقد قابلناه على طبعة الكمباني المشهورة بطبع أمين الضرب، وهكذا على نص
المصادر التي استخرجت الأحاديث منها ثم على نسخة الأصل التي هي بخط يد
المؤلف العلامة المجلسي رضوان الله عليه إلى آخر باب صلاة الخوف الصفحة 121
ترى صورتين منها فتوغرافيتين فيما يلي.
وقد أضفنا إلى طبعتنا هذه ما استدركه العلامة المرزا محمد العسكري رضوان الله
عليه على طبعة الكمباني (طبعه على حدة في احدى عشر صحيفة ليلحق بها في محلها)
وقد وقع من طبعتنا هذه من ص 297، السطر الخامس: (واكفني مؤنتي ومؤنة
عيالي) إلى آخر الباب ص 328.
ومما كان سقط عن طبعة الكمباني ولم يتنبه له أحد ما جعلناه في ص 103 - 104
نقلا من نسخة الأصل، وهو نحو ثلاثين بيتا وقد جعلناه بين المعقوفتين.
وهذه النسخة لخزانة كتب الفاضل البحاث الوجيه الموفق المرزا فخر الدين النصيري
الأميني زاده الله توفيقا لحفظ كتب السلف عن الضياع والتلف، فقد أودعها سماحته
عندنا للعرض والمقابلة، خدمة للدين وأهله، فجزاه الله عنا وعن المسلمين أهل العلم
خير جزاء المحسنين.
المحتج بكتاب الله على الناصب - محمد الباقر البهبودي
جمادي الأولى عام 1391 ه‍ ق
388