الكتاب: بحار الأنوار
المؤلف: العلامة المجلسي
الجزء: ٨٠
الوفاة: ١١١١
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي ، محمد الباقر البهبودي
الطبعة: الثالثة المصححة
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

بحار الأنوار
الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار
تأليف
العلم العلامة الحجة فخر الأمة المولى
الشيخ محمد باقر المجلسي
(قدس الله سره)
الجزء الثمانون
دار إحياء التراث العربي
بيروت - لبنان
تعريف الكتاب 1

الطبعة الثالثة المصححة
1403 ه‍. 1983 م
دار احياء التراث العربي
بيروت - لبنان - بناية كليوباترا - شارع دكاش - ص. ب 7957 / 11
تلفون المستودع: 274696 - 273032 - 278766 - المنزل 830711 - 830717
برقيا: التراث - تلكس LE / 23644 تراث
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
[6]
* (باب) *
* (الحث على المحافظة على الصلوات وأدائها) *
* (في أوقاتها وذم اضاعتها والاستهانة بها) *
الآيات: البقرة: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (1).
الانعام: والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم
يحافظون (2).
مريم: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف
يلقون غيا (3).
الأنبياء: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات (4).
المؤمنون: والذين هم على صلواتهم يحافظون (5).
وقال تعالى: أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون (6).

(1) البقرة: 238.
(2) الانعام: 92.
(3) مريم: 59.
(4) الأنبياء: 90.
(5) المؤمنون: 8
(6) المؤمنون: 61.
1

النور: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو
والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وايتاء
الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا
ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب (1).
المعارج: إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دائمون * إلى قوله تعالى:
والذين هم على صلاتهم يحافظون (2).
الماعون: فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون (3).
تفسير: (يؤمنون به) أي بالقرآن أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وهم على صلاتهم)
قال الطبرسي (4) أي على أوقاتها (يحافظون) أي يراعونها ليؤدوها فيها ويقيموها
باتمام ركوعها وسجودها، وجميع أركانها، ففي هذا دلالة على عظم قدر الصلاة
ومنزلتها، لأنه سبحانه خصها بالذكر من بين سائر الفرائض، ونبه على أن من
كان مصدقا بالقيامة وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يخل بها ولا يتهاون بها ولا يتركها.
(فخلف من بعدهم خلف) (5) أي فعقبهم وجاء من بعدهم عقب سوء يقال
خلف صدق بالفتح، وخلف سوء بالسكون (أضاعوا الصلاة) قيل أي تركوها، و
قيل: أضاعوها بتأخيرها عن مواقيتها، قال الطبرسي - ره - (6) وهو المروي
عن أبي عبد الله عليه السلام، وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث (7) وليس إن
عجلت قليلا أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضيع تلك الإضاعة، فان الله
عز وجل يقول لقوم (أضاعوا الصلاة) الآية. (واتبعوا الشهوات) أي فيما

(1) النور: 36 - 38.
(2) المعارج: 23 - 34.
(3) الماعون: 4.
(4) مجمع البيان ج 4 ص 334 في آية الانعام: 92.
(5) مريم: 59.
(6) مجمع البيان ج 6 ص 519.
(7) الكافي ج 3 ص 270.
2

حرم عليهم، وفي الجامع عن أمير المؤمنين عليه السلام من بنى الشديد وركب المنظور
ولبس المشهور. وفي المجمع: قال وهب: فخلف من بعدهم خلف شرابون
للقهوات (1) لعابون بالكعبات، ركابون للشهوات، متبعون للذات، تاركون
للجمعات، مضيعون للصلوات (فسوف يلقون غيا) أي جزاء الغي، وعن ابن
عباس أي شرا وخيبة، وقيل الغي واد في جهنم.
(والذين هم على صلاتهم يحافظون) قال علي بن إبراهيم (2): أي على أوقاتها
وحدودها، وفي الكافي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال هي الفريضة
قيل: (الذين هم على صلاتهم دائمون) قال: النافلة (أولئك يسارعون في الخيرات)
أي يبادرون إلى الطاعات، ويسابقون إليها رغبة منهم فيها (وهم لها سابقون) أي
وهم لأجل تلك الخيرات سابقون إلى الجنة أو هم إليها سابقون قيل أي سبقوا
الأمم أو أمثالهم إلى الخيرات، والآية تدل على استحباب أداء الفرائض والنوافل
في أوائل أوقاتها.
(في بيوت أذن الله أن ترفع) (3) أي المشكاة المقدم ذكرها في بيوت هذه
صفتها وهي المساجد في قول ابن عباس وجماعة، وقيل هي بيوت الأنبياء قال
الطبرسي (4) روي ذلك مرفوعا أنه سئل النبي صلى الله عليه وآله لما قرأ الآية: أي بيوت هذه؟
فقال: بيوت الأنبياء، فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ يعني
بيت علي وفاطمة عليهما السلام قال: نعم، من أفاضلها، ويعضده آية التطهير وقوله
تعالى (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) (5).

(1) المراد بالقهوة: الخمر، يقال: سميت الخمر قهوة لأنها تقهى: أي تذهب
بشهوة الطعام.
(2) تفسير القمي ص 444 في آية المؤمنون: 8.
(3) النور: 36.
(4) مجمع البيان ج 7 ص 144.
(5) هود: 73.
3

فالمراد بالرفع التعظيم، ورفع القدر من الأرجاس، والتطهير من المعاصي
والأدناس، وقيل: المراد برفعها رفع الحوائج فيها إلى الله تعالى وقد مر في كتاب
الحجة الأخبار الكثيرة في تأويل البيوت وأهلها، فلا نعيدها.
(ويذكر فيها اسمه) قيل: أي يتلى فيها كتابه وقيل: أي يذكر فيها
أسماؤه الحسني (يسبح له فيها بالغدو والآصال) قال الطبرسي - ره - أي يصلى
له فيها بالبكر والعشايا عن ابن عباس وقال: كل تسبيح في القرآن صلاة (1)
وقيل: المراد به معناه المشهور (رجال لا تلهيهم) أي لا تشغلهم ولا تصرفهم (تجارة
ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة) أي إقامتها، فحذف الهاء لأنها عوض عن الواو
في إقوام، فلما أضافه صار المضاف إليه عوضا عن الهاء، وروي عن أبي جعفر و
أبي عبد الله عليهما السلام أنهم قوم إذا حضرت الصلاة تركوا التجارة، وانطلقوا إلى الصلاة
وهم أعظم أجرا ممن لم يتجر انتهى.
وفي الفقيه (2) عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال: كانوا أصحاب تجارة فإذا
حضرت الصلاة تركوا التجارة وانطلقوا إلى الصلاة، وهم أعظم أجرا ممن لا
يتجر، وفي الكافي (3) رفعه قال: هم التجار الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر
الله إذا دخل مواقيت الصلوات أدوا إلى الله حقه فيها، وعن الصادق عليه السلام (4)
أنه سئل عن تاجر ما فعل؟ فقيل: صالح، ولكنه قد ترك التجارة فقال عليه السلام:

(1) ومعنى هذا أن كل تسبيح ذكر في القرآن موقتا بوقت من الأوقات، جعله
النبي صلى الله عليه وآله في صلاة ذلك الوقت اما في ركوعها أو سجودها أو زاد في ركعاتها حتى يتمكن
من امتثال ذاك التسبيح، وقصارى ما تدل عليه هذه الآية جواز ايقاع الصلوات بالغدوة
والأصيل في هذه البيوت التي أذن الله أن يذكر فيها اسمه. فتكون بيوتهم عليهم السلام
بمنزلة المساجد التي يذكر فيها اسم الله كثيرا.
(2) الفقيه ج 3 ص 119.
(3) الكافي ج 5 ص 154.
(4) الكافي ج 5 ص 75.
4

عمل الشيطان ثلاثا، أما علم أن رسول الله صلى الله عليه وآله اشترى عيرا أتت من الشام فاستفضل
منها ما قضى دينه وقسم في قرابته، يقول الله عز وجل: (رجال لا تلهيهم) الآية
يقول القصاص (1) إن القوم لم يكونوا يتجرون كذبوا ولكنهم لم يكونوا يدعون
الصلاة في ميقاتها، وهو أفضل ممن حضر الصلاة ولم يتجر.
(يخافون يوما) مع ما هم فيه من الذكر والطاعة (تتقلب فيه القلوب و
الابصار) تضطرب وتتغير فيه من الهول (ويزيدهم من فضله) أشياء لم يعدهم
على أعمالهم ولم تخطر ببالهم (والله يرزق من يشاء بغير حساب) تقرير للزيادة،
وتنبيه على كمال القدرة، ونفاذ المشية، وسعة الاحسان، ويحتمل أن يكون
الغرض التنبيه على أنه ينبغي ألا يجعل طلب الرزق مانعا من إقامة الصلاة وذكر
الله وساير العبادات.
(الذين هم على صلاتهم دائمون) (2) أي مستمرون على أدائها لا يخلون بها ولا
يتركونها، وقال الطبرسي - ره - (3) روي عن أبي جعفر عليه السلام أن هذا في النوافل
وقوله: (والذين هم على صلاتهم يحافظون) في الفرائض والواجبات، وقيل هم
الذين لا يزيلون وجوههم عن سمت القبلة و (الذين هم على صلاتهم يحافظون) (4)
قال الطبرسي - ره - روى محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: أولئك
أصحاب الخمسين صلاة من شيعتنا، وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:
هذه الفريضة من صلاها عارفا بحقها، لا يؤثر عليها غيرها كتب الله له بها براءة
لا يعذبه، ومن صلاها لغير وقتها مؤثرا عليها غيرها، فأن ذلك إليه، إن شاء

(1) يريد به رواة القصص والأكاذيب، وعبر عليه السلام به عن مفسري العامة و
علمائهم لابتناء تفاسيرهم وتأويلاتهم على الأكاذيب والقصص الإسرائيليات، أو عبر عليه السلام
به عن أمثال سفيان الثوري وأشباهه من المتصوفة حيث تركوا التجارة.
(2) المعارج: 23.
(3) مجمع البيان ج 10 ص 356.
(4) المعارج: 34.
5

غفر له، وإن شاء عذبه.
(الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال علي بن إبراهيم (1): قال: عنى به
تاركون، لان كل إنسان يسهو في الصلاة، قال أبو عبد الله عليه السلام تأخير الصلاة
عن أول وقتها لغير عذر، وفي المجمع: هم الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها
عن ابن عباس، وروي ذلك مرفوعا وقيل يريد المنافقين الذين لا يرجون لها
ثوابا إن صلوا، ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها
فإذا كانوا مع المؤمنين صلوها رئاء، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا، وهو قوله:
(الذين هم يراؤون) عن علي عليه السلام وابن عباس، وقيل ساهون عنها لا يبالون
صلوا أم لم يصلوا، وقيل: هم الذين يتركون الصلاة، وقيل هم الذين لا يصلونها
لمواقيتها، ولا يتمون ركوعها ولا سجودها.
وروى العياشي بالاسناد عن يونس بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن قوله: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) أهي وسوسة الشيطان؟ قال: لا كل
أحد يصيبه هذا: ولكن أن يغفلها ويدع أن يصلي في أول وقتها.
وعن أبي أسامة زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى:
(الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: هو الترك لها والتواني عنها.
وعن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام قال: هو التضييع لها (2).
1 - السرائر: نقلا من كتاب حريز، عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام:
اعلم أن أول الوقت أبدا أفضل، فتعجل الخير أبدا ما استطعت، وأحب الاعمال
إلى الله تعالى ما دام عليه العبد وإن قل (3).
بيان: يدل على أفضلية أول الوقت مطلقا واستثني منه مواضع:
الأول: تأخير الظهر والعصر للمتنفل بمقدار ما يصلي النافلة وأما غير

(1) تفسير القمي: 740، في سورة الماعون.
(2) مجمع البيان ج 10 ص 547 و 548.
(3) السرائر ص 472، وتراه في التهذيب ج 1 ص 145.
6

المتنفل، فأول الوقت له أفضل، هذا هو المشهور بين الأصحاب، وذهب المتأخرون
إلى استحباب تأخير الظهر مقدار ما يمضي من أول الزوال ذراع من الظل، وفي
العصر ذراعان مطلقا، وقيل إلى أن يصير ظل كل شئ مثله، والأول أظهر
كما ستعرف، فما ورد من الاخبار بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي الظهر على ذراع،
والعصر على ذراعين، محمول على أنه كان يطيل النوافل بحيث يفرغ في ذلك
الوقت، أو كان ينتظر الجماعة واجتماع الناس، وما ورد أن وقت الظهر على
ذراع وما يقرب منه، فمحمول على الوقت المختص الذي لا يشترك النافلة معها
فيه، وكذا المثل.
الثاني: يستحب تأخير المغرب إلى ذهاب الحمرة المشرقية على القول
بدخول وقتها بغيبوبة القرص.
الثالث: يستحب تأخير المغرب والعشاء للمفيض من عرفة، فإنه يستحب
تأخيرهما إلى المزدلفة، وإن مضى ربع الليل ونقل عليه الاجماع.
الرابع: تأخير العشاء إلى ذهاب الحمرة المغربية كما ستعرف.
الخامس: المستحاضة تؤخر الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما للجمع
بينهما وبين العصر والعشاء بغسل واحد.
السادس: من في ذمته قضاء الفريضة يستحب له تأخير الحاضرة إلى آخر
الوقت، وقيل بوجوبه وسيأتي تحقيقه.
السابع: تأخير صلاة الفجر حتى يكمل له نافلة الليل، إذا أدرك منها
أربعا.
الثامن: تأخير المغرب للصائم إذا نازعته نفسه إلى الافطار، أو كان من
يتوقع إفطاره.
التاسع: الظان دخول الوقت، ولا طريق له إلى العلم، يستحب له
التأخير إلى حصول العلم كما مر.
العاشر: المدافع للأخبثين يستحب له التأخير إلى أن يدفعهما.
7

الحادي عشر: تأخير صلاة الليل إلى آخره.
الثاني عشر: تأخير ركعتي الفجر إلى طلوع الفجر الأول.
الثالث عشر: تأخير مريد الاحرام الفريضة الحاضرة حتى يصلى نافلة
الاحرام.
الرابع عشر: تأخير الصلاة للمتيمم إلى آخر الوقت كما مر.
الخامس عشر: تأخير السلس والمبطون الظهر والمغرب للجمع.
السادس عشر: تأخير ذوات الاعذار الصلاة إلى آخر الوقت عند رجاء
زوال العذر وأوجبه المرتضى - ره - وابن الجنيد وسلار.
السابع عشر: تأخير الوتيرة ليكون الختم بها إلا في نافلة شهر رمضان
على قول.
الثامن عشر: تأخير المربية ذات الثوب الواحد الظهرين إلى آخر
الوقت ليصلي أربع صلوات بعد غسله.
التاسع عشر: تأخير الصبح عن نافلته إذا لم يصل قبله.
العشرون: تأخير المسافر إلى الدخول ليتم، وقد دل عليه صحيحة محمد
ابن مسلم (1).
الحادي والعشرون: توقع المسافر النزول إذا كان ذلك أرفق به كما
قيل.
الثاني والعشرون: انتظار الإمام والمأموم الجماعة كما يظهر من
بعض الأخبار.
الثالث والعشرون: إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال كالوصول
إلى مكان شريف أو التمكن من استيفاء أفعالها على الوجه الأكمل كحضور القلب
وغيره.
الرابع والعشرون: التأخير لقضاء حاجة المؤمن، ولا شك أنه أعظم من

(1) راجع التهذيب ج 1 ص 301 ط حجر، وسيأتي في بابه انشاء الله تعالى.
8

النافلة، فلا يبعد استحباب تأخير الفريضة أيضا كما قيل.
الخامس والعشرون: الابراد بالظهر على قول كما سيأتي.
2 - كتاب حسين بن عثمان: عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إن العبد إذا صلى الصلاة لوقتها وحافظ عليها ارتفعت بيضاء نقية تقول حفظتني
حفظك الله، وإذا لم يصلها لوقتها ولم يحافظ عليها رجعت سوداء مظلمة تقول:
ضيعتني ضيعك الله.
3 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
علي بن حديد وابن أبي نجران، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: لا تحتقرن بالبول، ولا تتهاون به، ولا بصلاتك، فان
رسول الله صلى عليه وآله وسلم قال عند موته: ليس مني من استخف بصلاته لا يرد على الحوض
لا والله، ليس مني من شرب مسكرا لا يريد على الحوض، لا والله (1).
4 - ومنه: عن أبيه، عن سعد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير،
عن الحسن بن زياد العطار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس
مني من استخف بالصلاة لا يرد على الحوض لا والله (2).
5 - مجالس المفيد: عن محمد بن عمر الجعابي، عن ابن عقدة، عن أحمد
ابن يحيى، عن محمد بن علي، عن أبي بدر، عن عمرو، عن يزيد بن مرة، عن
سويد بن غفلة، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من
عبد اهتم بمواقيت الصلاة ومواضع الشمس، إلا ضمنت له الروح عند الموت،
وانقطاع الهموم والأحزان، والنجاة من النار، كنا مرة رعاة الإبل، فصرنا
اليوم رعاة الشمس (3).
6 - مجالس الصدوق: فيما كلم موسى عليه السلام ربه: إلهي ما جزاء من

(1) علل الشرائع ج 2 ص 45.
(2) علل الشرائع ج 2 ص 45.
(3) أمالي المفيد ص 88.
9

صلى الصلاة لوقتها؟ قال اعطيه سؤله، وأبيحه جنتي (1).
7 - ومنه: عن الحسين بن إبراهيم بن ناتانه، عن علي بن إبراهيم، عن
أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمار الساباطي، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: من صلى الصلوات المفروضات في أول وقتها فأقام حدودها،
رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقية وهي تهتف به: حفظك الله كما حفظتني، و
استودعك الله كما استودعتني ملكا كريما، ومن صلاها بعد وقتها من غير علة
فلم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة، وهي تهتف به ضيعتني ضيعك الله كما
ضيعتني، ولا رعاك الله كما لم ترعني.
ثم قال الصادق عليه السلام: إن أول ما يسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جل
جلاله عن الصلوات المفروضات، وعن الزكاة المفروضة، وعن الصيام المفروض
وعن الحج المفروض، وعن ولايتنا أهل البيت، فان أقر بولايتنا ثم مات عليها
قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجه، وإن لم يقر بولايتنا بين يدي الله جل
جلاله لم يقبل الله عز وجل منه شيئا من أعماله (2).
8 - ومنه: بهذا الاسناد، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز، عن ابن أبي
يعفور قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إذا صليت صلاة فريضة فصلها لوقتها صلاة مودع
يخاف أن لا يعود إليها أبدا، ثم اصرف ببصرك إلى موضع سجودك، فلو تعلم من
عن يمينك وشمالك لأحسنت صلاتك، وأعلم أنك بين يدي من يراك ولا تراه (3).
9 - ومنه: عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن إبراهيم بن
هاشم، عن ابن محبوب مثله (4).

(1) أمالي الصدوق ص 125، وتمامه في ج 69 ص 383 - 384 باب جوامع
المكارم.
(2) أمالي الصدوق ص 154.
(3) أمالي الصدوق ص 155.
(4) أمالي الصدوق ص 299.
10

ثواب الأعمال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار
عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن ابن محبوب مثله (1).
10 - مجالس الصدوق: عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن
محمد بن أحمد الأشعري، عن محمد بن آدم، عن الحسن بن علي الخزار، عن الحسين
ابن أبي العلا، عن الصادق عليه السلام قال: أحب العباد إلى الله عز وجل رجل صدوق
في حديثه، محافظ على صلواته وما افترض الله عليه، مع أدائه الأمانة (2).
الاختصاص: عن ابن أبي العلا مثله (3).
11 - مجالس الصدوق: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن عبد الله بن
جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير
عن أبي الربيع، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا ينال شفاعتي غدا
من أخر الصلاة المفروضة بعد وقتها (4).
مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن الحسين بن عبيد الله الغضايري، عن
الصدوق مثله (5).
12 - مجالس الصدوق وثواب الاعمال: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن
عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الصيرفي، عن الحسن بن علي بن فضال
عن سعيد بن غزوان، عن السكوني، عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم ذعرا منه ما صلى الصلوات الخمس
لوقتهن، فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم (6).

(1) ثواب الأعمال ص 33.
(2) أمالي الصدوق ص 177 في حديث.
(3) الاختصاص: 242
(4) أمالي الصدوق ص 240.
(5) أمالي الطوسي ج 2 ص 55.
(6) أمالي الصدوق: 290، ثواب الأعمال ص 207.
11

المحاسن: عن محمد بن علي، عن ابن فضال مثله (1).
بيان: قال الجوهري ذعرته أذعره ذعرا أفزعته والاسم الذعر بالضم وقد
ذعر فهو مذعور وفي النهاية فيه لا يزال الشيطان ذاعرا من المؤمن أي ذا ذعر وخوف
أو هو فاعل بمعني مفعول أي مذعور.
13 - قرب الإسناد: عن أحمد بن إسحاق بن سعد، عن بكر بن محمد
الأزدي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لفضل الوقت الأول على الأخير خير للمؤمن
من ولده وماله (2).
14 - ثواب الأعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن عبد الله بن جعفر
الحميري، عن أحمد بن محمد، عن العباس بن معروف، عن الأزدي مثله (3).
15 - ثم قال: وفي حديث آخر: قال الصادق عليه السلام: فضل الوقت الأول
على الأخير كفضل الآخرة على الدنيا.
16 - الخصال: عن العطار، عن أبيه، عن أحمد بن محمد البرقي، عن محمد
ابن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن عمر بن عبد العزيز، عن الخيبري، عن
يونس بن ظبيان والمفضل بن عمر معا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خصلتان من كانتا
فيه وإلا فاعزب ثم أعزب، ثم أعزب، قيل: وما هما؟ قال: الصلاة في مواقيتها
والمحافظة عليها، والمواساة (4).
17 - كتاب الاخوان: للصدوق باسناده عن المفضل بن عمر مثله (5).
بيان: وإلا فاعزب أي مستحق لان يقال له: أعزب أي ابعد كما يقال:
سحقا وبعدا أو أقيم الامر مقام الخبر أي هو عازب وبعيد عن الخير، ويمكن

(1) المحاسن ص 82.
(2) قرب الإسناد ص 21 ط حجر ص 30 ط نجف.
(3) ثواب الأعمال ص 33.
(4) الخصال ج 1 ص 25.
(5) كتاب الاخوان: 8.
12

أن يقرأ على صيغة أفعل التفضيل، أي هو أبعد الناس من الخير، والأول أفصح
وأظهر، قال الجوهري عزب عني فلان يعزب ويعزب أي بعد وغاب، وإبل عزيب
لا تروح على الحي وهو جمع عازب، وفي الحديث من قرء القرآن في أربعين ليلة
فقد عزب أي بعد عهده بما ابتدأه منه (1).
18 - الخصال: عن الخليل بن أحمد، عن أبي القاسم البغوي، عن علي
ابن الجعد، عن شعبة، عن الوليد بن العيزار، عن أبي عمرو الشيباني، عن ابن
مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي الاعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال:
الصلاة لوقتها (2).
19 - ومنه: في خبر الأعمش بالسند المتقدم، عن الصادق عليه السلام قال:
الصلاة تستحب في أول الأوقات (3).
20 - العيون: فيما كتب الرضا عليه السلام للمأمون: الصلاة في أول الوقت أفضل (4).
21 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني
عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام ليس عمل أحب إلى الله عز و
جل من الصلاة، فلا يشغلنكم عن أوقاتها شئ من أمور الدنيا، فان الله عز
وجل ذم أقواما فقال: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) يعني أنهم غافلون استهانوا
بأوقاتها (5).
22 - العيون: عن محمد بن علي بن الشاه، عن أبي بكر بن عبد الله النيسابوري

(1) الصحاح ص 181 ط شربتلى.
(2) الخصال ج 1 ص 78 في حديث.
(3) الخصال ج 2 ص 151.
(4) عيون الأخبار ج 2 ص 123.
(5) الخصال ج 2 ص 161.
13

عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه، وعن أحمد بن إبراهيم الخوزي
عن إبراهيم بن مروان، عن جعفر بن محمد بن زياد، عن أحمد بن عبد الله الهروي
وعن الحسين بن محمد الأشناني، عن علي بن محمد بن مهرويه، عن داود بن سليمان
جميعا، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يزال الشيطان
ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيعهن تجرء عليه وأوقعه
في العظائم (1).
23 - ومنه: بهذه الأسانيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تضيعوا صلاتكم
فان من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان، وكان حقا على الله أن يدخله النار
مع المنافقين، فالويل لمن لم يحافظ على صلاته وأداء سنة نبيه صلى الله عليه وآله (2).
صحيفة الرضا: باسناده عنه عن آبائه عليهم السلام مثل الخبرين (3).
24 - مجالس ابن الشيخ: باسناده فيما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام عند
وفاته: أوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها والزكاة في أهلها عند محلها (4).
25 - ومنه: فيما كتب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن أبي بكر: ارتقب
وقت الصلاة، فصلها لوقتها، ولا تعجل بها قبله لفراغ، ولا تؤخرها عنه لشغل
فان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أوقات الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتاني
جبرئيل عليه السلام وقت الصلاة حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن، ثم أتاني
وقت العصر فكان ظل كل شئ مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس، ثم
صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق، ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة
فصل لهذه الأوقات، والزم السنة المعروفة، والطريق الواضح. ثم انظر ركوعك
وسجودك فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان أتم الناس صلاة وأخفهم عملا فيها.

(1) عيون الأخبار ج 2 ص 28.
(2) عيون الأخبار ج 2 ص 31.
(3) صحيفة الرضا: 3 و 29.
(4) أمالي الطوسي ج 1 ص 6 في حديث طويل.
14

واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك، فمن ضيع الصلاة فإنه
لغيرها أضيع (1).
26 - معاني الأخبار: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن
الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد البرقي، عن هارون بن الجهم، عن
أبي جميلة، عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ثلاث كفارات: إسباغ
الوضوء في السبرات، والمشي بالليل والنهار إلى الجماعات، والمحافظة على
الصلوات (2).
27 - العلل: عن أبي الهيثم عبد الله بن محمد، عن محمد بن علي الصمائغ، عن سعيد
بن منصور، عن سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فان الحر من فيح جهنم،
واشتكت النار إلى ربها فأذن لها في نفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فشدة
ما يجدون من الحر من فيحها وما يجدون من البرد من زمهريرها.
قال الصدوق - رحمه الله - معنى قوله: فأبردوا بالصلاة أي اعجلوا بها و
هو مأخوذ من البريد، وتصديق ذلك ما روي أنه ما من صلاة يحضر وقتها إلا
نادى ملك قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فأطفئوها بصلاتكم (3).
بيان: ظاهر الخبر استحباب تأخير صلاة الظهر عن وقت الفضيلة، في شدة
الحر، وهذا الخبر ضعيف لكن روى الصدوق في الفقيه (4) في الصحيح عن معاوية
ابن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان المؤذن يأتي النبي صلى الله عليه وآله في الحر في
صلاة الظهر فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله: أبرد أبرد، ولا استبعاد في كون التأخير في
الحر أفضل، توسيعا للامر، ودفعا للحرج، لكن لما كان مخالفا لسائر

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 29 في حديث.
(2) معاني الأخبار ص 314 في حديث ومثله في الخصال ج 1 ص 42، المحاسن: 4.
(3) علل الشرائع ج 1 ص 235.
(4) فقيه من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 144.
15

الاخبار وموافقا لطريقة المخالفين، حمله بعضهم على التقية، وبعضهم أوله
كالصدوق.
وقال في المنتهى: لا نعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب تعجيل الظهر في غير
الحر قالت عايشة ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر من رسول الله صلى الله عليه وآله أما في
الحر فيستحب الابراد بها إن كانت البلاد حارة، وصليت في المسجد جماعة، و
به قال الشافعي ثم نقل الروايتين من طريق الخاصة والعامة، ثم قال: ولأنه
موضع ضرورة، فاستحب التأخير لزوالها، أما لو لم يكن الحر شديدا، أو كانت البلاد
باردة أو صلى في بيته فالمستحب فيه التعجيل وهو مذهب الشافعي خلافا لأصحاب
الرأي وأحمد انتهى.
وأما تأويل الصدوق - رحمه الله - ففي أكثر النسخ وهو مأخوذ من البريد
وفي بعضها من التبريد والبريد الرسول المسرع والاخذ منه بعيد، وأما التبريد
والابراد فقال في القاموس أبرد دخل في آخر النهار وأبرده جاء به باردا والأبردان
الغداة والعشي وقال في النهاية: في الحديث أبردوا بالظهر، فالابراد انكسار
الوهج والحر، وهو من الابراد الدخول في البرد، وقيل: معناه صلوها في أول
وقتها من برد النهار وهو أوله، وفي المغرب الباء للتعدية، والمعنى أدخلوا صلاة الظهر
في البرد، أي صلوها إذا سكنت شدة الحر انتهى.
وقد يقال في توجيه كلام الصدوق أنه صلى الله عليه وآله أمر بتعجيل الاذان والاسراع
فيه، كفعل البريد في مشيه إما ليتخلص الناس من شدة الحر سريعا، ويتفرغوا
من صلاتهم حثيثا، وإما ليعجل راحة القلب وقرة العين، كما كان النبي صلى الله عليه وآله
يقول: أرحنا يا بلال، وكان يقول: قرة عيني الصلاة.
وقيل: يعني أبرد نار الشوق، واجعلني ثلج الفؤاد بذكر ربي، وقيل:
الباء للسببية، والابراد الدخول في البرد، والمعنى أدخلوا في البرد، وسكنوا
عنكم الحر بالاشتغال بمقدمات الصلاة من المضمضة والاستنشاق وغسل الأعضاء
فإنها تسكن الحر.
16

وقال في النهاية: فيه شدة الحر من فيح جهنم الفيح سطوع الحر وفورانه
ويقال بالواو، وفاحت القدر تفوح وتفيح إذا غلت، وقد أخرجه مخرج التشبيه
والتمثيل، أي كأنه نار جهنم في حرها انتهى.
وقال بعضهم: اشتكاء النار مجاز من كثرتها وغليانها، وازدحام أجزائها بحيث
يضيق عنها مكانها، فيسعى كل جزء في إفناء الجزء الآخر، والاستيلاء على مكانها
ونفسها لهبها، وخروج ما ينزل منها، مأخوذ من نفس الحيوان في الهواء الدخاني
الذي تخرجه القوة الحيوانية، وينقي منه حوالي القلب.
وقوله: (أشد ما يجدون من الحر) خبر مبتدأ محذوف، أي ذلك أشد
وتحقيقه أن أحوال هذا العالم عكس أمور ذلك العالم وآثارها، فكما جعل
المستطابات وما يستلذ بها الانسان في الدنيا أشباه نعيم الجنان، ومن جنس ما
أعدلهم فيها ليكونوا أميل إليها وأرغب فيها، ويشهد لذلك قوله تعالى: (كلما
رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) (1) كذلك جعل
الشدائد المؤلمة والأشياء المؤذية أنموذجا لأحوال الجحيم، وما يعذب
الكفرة والعصاة ليزيد خوفهم وانزجارهم عما يوصلهم إليه، فما يوجد من
السموم المهلكة فمن حرها، وما يوجد من الصراصر المجمدة فمن زمهريرها،
وهو طبقة من طبقات الجحيم.
28 - ثواب الأعمال: عن أبيه عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج
عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبان! هذه الصلوات الخمس
المفروضات، من أقامهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد
يدخله به الجنة، ومن لم يصلهن لمواقيتهن فذلك إليه، إن شاء غفر له، وإن
شاء عذبه (2).

(1) البقرة: 25.
(2) ثواب الأعمال ص 27.
17

29 - ومنه: بالاسناد المتقدم عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير،
عن إسماعيل البصري، عن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل رسول الله
صلى الله عليه وآله المسجد وفيه ناس من أصحابه، قال: تدرون ما قال ربكم؟
قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن ربكم يقول: هذه الصلوات الخمس المفروضات
فمن صلاهن لوقتهن وحافظ عليهن لقيني يوم القيامة وله عندي عهد ادخله به
الجنة، ومن لم يصلهن لوقتهن ولم يحافظ عليهن، فذلك إلى إن شئت عذبته
وإن شئت غفرت له (1).
توضيح: (لوقتهن) قال الشيخ البهائي قدس سره: اللام إما بمعنى في
كما قالوه في قوله تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) (2) أو بمعنى
بعد كما قالوه في قوله عليه السلام: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، أو بمعنى عند
كما قالوه في قولهم كتبت الكتاب لخمس خلون من شهر كذا، والجار و
المجرور في قوله تعالى: (فذلك إلى) خبر مبتدء محذوف، والتقدير فذلك
أمره إلى، ويحتمل أن يكون هو الخبر عن اسم الإشارة أي فذلك الشخص صائر
إلى وراجع إلي انتهى، والواو في قوله: (ولم يحافظ) إن لم يكن العطف
للتفسير فهو بمعنى أو كما يدل عليه ما تقدمه.
30 - ثواب الأعمال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد
عن ابن محبوب، عن سعد بن أبي خلف، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال:
الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيم حدودها أطيب ريحا من قضيب الاس
حين يؤخذ من شجره في طيبه، وريحه وطراوته، فعليكم بالوقت الأول (3).
بيان: قال الجوهري شئ طري أي غض بين الطراوة، وقال قطرب:
طرو اللحم وطري طراوة وطراءة.

(1) ثواب الأعمال ص 27.
(2) الأنبياء: 47.
(3) ثواب الأعمال ص 33 و 34.
18

31 - مجالس الصدوق (1) وثواب الاعمال: عن محمد بن علي ماجيلويه
عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أبي سمينة، عن الحسن بن علي بن فضال عن
الميثمي، عن أبي بصير قال: دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله عليه السلام
فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا با محمد لو رأيت أبا عبد الله عليه السلام عند الموت
لرأيت عجبا: فتح عينيه، ثم قال: أجمعوا لي كل من بيني وبينه قرابة، قالت:
فلم نترك أحدا إلا جمعناه، قالت: فنظر إليهم، ثم قال: إن شفاعتنا لا تنال
مستخفا بالصلاة (2).
المحاسن: عن محمد بن علي وغيره، عن ابن فضال، عن المثنى، عن أبي
بصير مثله (3).
32 - ثواب الأعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن
الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبي عمران الأرمني
عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن هشام الجواليقي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى الصلاة لغير وقتها رفعت له سوداء مظلمة، تقول:
ضيعك الله كما ضيعتني، وأول ما يسأل العبد إذا وقف بين يدي الله عز وجل
عن الصلاة، فان زكت صلاته زكى ساير عمله، وإن لم تزك صلاته لم
يزك عمله (4).
33 - المحاسن: عن أبي عمران الدهني، عن عبد الله بن عبد الرحمن
الأنصاري عن هشام الجواليقي مثله، وفيه لم تزك ساير أعماله (5).
بيان: أكثر تلك الأخبار ظاهرها أن المراد بها وقت الفضيلة.

(1) أمالي الصدوق: 290.
(2) ثواب الأعمال ص 205.
(3) المحاسن ص 80.
(4) ثواب الأعمال ص 206.
(5) المحاسن ص 81.
19

34 - المحاسن: عن ابن محبوب، عن جميل، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
أيما مؤمن حافظ على صلاة الفريضة فصلاها لوقتها، فليس هو من الغافلين، فان
قرأ فيها بمائة آية فهو من الذاكرين (1).
35 - ومنه: عن ابن محبوب رفع الحديث إلى [أبي جعفر عليه السلام] أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه وأغمي عليه ثم
أفاق فقال: لا ينال شفاعتي من أخر الصلاة بعد وقتها (2).
36 - ومنه: عن عبد الرحمن بن حماد الكوفي، عن ميسر بن سعيد
القصير الجوهري، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يعرف من يصف الحق
بثلاث خصال: ينظر إلى أصحابه: من هم؟ وإلى صلاته كيف هي؟ وفي أي وقت
يصليها؟ فإن كان ذا مال نظر أين يضع ماله؟ (3).
37 - فقه الرضا: قال عليه السلام: حافظوا على مواقيت الصلوات فان
العبد لا يأمن الحوادث، ومن دخل عليه وقت فريضة فقصر عنها عمدا متعمدا فهو
خاطئ من قول الله: (ويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون) (4) يقول:
عن وقتهم يتغافلون (5).
واعلم أن أفضل الفرائض بعد معرفة الله جل وعز الصلوات الخمس، و
أول الصلوات الظهر، وأول ما يحاسب العبد عليه الصلاة، فان صحت له الصلاة
صحت له ما سواها، وإن ردت ردت ما سواها (6).
وإياك أن تكسل عنها، أو تتوانى فيها، أو تتهاون بحقها، أو تضيع
حدها وحدودها، أو تنقرها نقر الديك، أو تستخف بها، أو تشتغل عنها بشئ

(1) المحاسن ص 51.
(2) المحاسن ص 79.
(3) المحاسن: 254.
(4) الماعون: 3.
(5) فقه الرضا ص 6.
(6) فقه الرضا ص 6.
20

من عرض الدنيا، أو تصلي بغير وقتها (1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس مني من استخف بصلاته، لا يرد على الحوض
لا والله (2).
وقال العالم عليه السلام: إن الرجل يصلي في وقت وما فاته من الوقت الأول
خير من ماله وولده (3).
38 - الخرايج: عن إبراهيم بن موسى القزاز قال: خرج الرضا عليه السلام
يستقبل بعض الطالبيين، وجاء وقت الصلاة فمال إلى قصر هناك فنزل تحت صخرة
فقال: أذن، فقلت: ننتظر يلحق بنا أصحابنا، فقال: غفر الله لك لا تؤخرن
صلاة عن أول وقتها إلى آخر وقتها من غير علة، عليك أبدا بأول الوقت فأذنت
وصلينا تمام الخبر (4).
بيان: يدل على أنه لا ينبغي التأخير عن أول وقت لانتظار الرفقة للجماعة
أيضا.
39 - فلاح السائل: أروى بحذف الاسناد عن سيدة النساء فاطمة ابنة سيدة
الأنبياء صلوات الله عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وعلى أبنائها الأوصياء أنها سألت
أباها محمدا صلى الله عليه وآله فقالت: يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟ قال:
يا فاطمة من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة: ست
منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة إذا
خرج من قبره.
فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا: فالأولى يرفع الله البركة من عمره،
ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله عز وجل سيماء الصالحين من وجهه،

(1) فقه الرضا ص 6.
(2) فقه الرضا ص 7.
(3) فقه الرضا ص 2.
(4) الخرائج والجرائح ص 230.
21

وكل عمل يعمله لا يوجر عليه، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له
حظ في دعاء الصالحين.
وأما اللواتي تصيبه عند موته فأولاهن أنه يموت ذليلا، والثانية يموت
جائعا، والثالثة يموت عطشانا، فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه.
وأما اللواتي تصيبه في قبره فأولاهن يوكل الله به ملكا يزعجه في قبره،
والثانية يضيق عليه قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره.
وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره: فأولاهن أن يوكل الله
به ملكا يسحبه على وجهه والخلايق ينظرون إليه، والثانية يحاسب حسابا شديدا،
والثالثة لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم (1).
وروى ابن بابويه في كتاب مدينة العلم فيما رواه عن الصادق عليه السلام قال:
قال رسول الله عليه السلام: لا تنال شفاعتي غدا من أخر الصلاة المفروضة بعد وقتها (2).
40 - الخصال: عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه، عن محمد بن
أحمد، عن هارون بن مسلم، عن الليثي، عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: امتحنوا
شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلوات كيف محافظتهم عليها، وعند أسرارهم كيف
حفظهم لها عن عدونا؟ وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها؟ (3).
41 - ومنه ومن العيون: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن
أحمد، عن إبراهيم بن حمويه، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن الرضا عليه السلام قال:
في الديك الأبيض خمس خصال من خصال الأنبياء عليهم السلام: معرفته بأوقات الصلوات
والغيرة، والسخاء، والشجاعة، وكثرة الطروقة (4).
بيان: فيه إشعار بجواز الاعتماد على صوت الديك في معرفة الأوقات، وسيأتي

(1) فلاح السائل ص 22.
(2) فلاح السائل ص 127.
(3) الخصال ج 1 ص 51.
(4) الخصال ج 1 ص 143، عيون الأخبار ج 1 ص 277.
22

الكلام فيه، والطروقة بالضم أن يعلوا الفحل أنثاه، وبالفتح أنثاه، قال في
النهاية: في حديث الزكاة فيها حقة طروقة الفحل أي يعلو الفحل مثلها في سنها،
وهي فعولة بمعنى مفعولة، أي مركوبة للفحل انتهى، والخبر يحتملهما، وإن
كان الضم أظهر.
42 - قرب الإسناد: عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها (1).
43 - ارشاد القلوب للديلمي: قال: كان علي عليه السلام يوما في حرب صفين
مشتغلا بالحرب والقتال، وهو مع ذلك بين الصفين يراقب الشمس، فقال له ابن
عباس: يا أمير المؤمنين ما هذا الفعل؟ قال: أنظر إلى الزوال حتى نصلي، فقال
له ابن عباس: وهل هذا وقت صلاة؟ إن عندنا لشغلا بالقتال عن الصلاة،
فقال عليه السلام: على ما نقاتلهم؟ إنما نقاتلهم على الصلاة، قال: ولم يترك صلاة الليل
قط حتى ليلة الهرير.
44 - كتاب الغارات: لإبراهيم بن محمد الثقفي، عن يحيى بن صالح، عن
مالك بن خالد، عن عبد الله بن الحسن، عن عباية قال: كتب أمير المؤمنين عليه السلام
إلى محمد بن أبي بكر: انظر صلاة الظهر فصلها لوقتها، لا تعجل بها عن الوقت
لفراغ، ولا تؤخرها عن الوقت لشغل، فان رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فسأله عن وقت الصلاة فقال صلى الله عليه وآله: أتاني جبرئيل عليه السلام فأراني وقت الصلاة،
فصلى الظهر حين زالت الشمس ثم صلى العصر وهي بيضاء نقية، ثم صلى المغرب
حين غابت الشمس، ثم صلى العشاء حين غابت الشفق، ثم صلى الصبح فأغلس به
والنجوم مشتبكة.
كان النبي صلى الله عليه وآله كذا يصلي قبلك، فان استطعت ولا قوة إلا بالله أن تلتزم
السنة المعروفة، وتسلك الطريق الواضح الذي أخذوا فافعل، لعلك تقدم عليهم
غدا، ثم قال:

(1) قرب الإسناد ص 38 ط حجر ص 52 ط نجف وتمامه كما مر من الخصال.
23

واعلم يا محمد أن كل شئ تبع لصلاتك، واعلم أن من ضيع الصلاة فهو
لغيرها أضيع.
45 - ومنه: باسناده عن ابن نباته قال: قال علي عليه السلام في خطبته: الصلاة
لها وقت فرضه رسول الله صلى الله عليه وآله لا تصلح إلا به، فوقت صلاة الفجر حين يزائل
المرؤ ليله، ويحرم على الصائم طعامه وشرابه، ووقت صلاة الظهر إذا كان القيظ
يكون ظلك مثلك، وإذا كان الشتاء حين تزول الشمس من الفلك وذلك حين تكون
على حاجبك الأيمن مع شروط الله في الركوع والسجود، ووقت العصر تصلي والشمس
بيضاء نقية قدر ما يسلك الرجل على الجمل الثقيل فرسخين قبل غروبها، ووقت
صلاة المغرب إذا غربت الشمس وأفطر الصائم، ووقت صلاة العشاء الآخرة حين
يسق الليل وتذهب حمرة الأفق إلى ثلث الليل، فمن نام عند ذلك فلا أنام الله
عينه، فهذه مواقيت الصلاة (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (1).
بيان: يدل على استحباب تأخير الظهر عند شدة الحر كما مر، ويمكن
حمله على التقية أيضا (حين تكون على حاجبك الأيمن) أي عند استقبال نقطة
الجنوب أو القبلة، فان قبلتهم قريبة منها (قدر ما يسلك الرجل) أي بقي ربع
اليوم تقريبا فإنهم جعلوا ثمانية فراسخ لمسير الجمل بياض اليوم، وهذا قريب
من زيادة الفئ قامة أي سبعة أقدام، إذ في أواسط المعمورة في أول الحمل والميزان
عند استواء الليل والنهار يزيد الفئ سبعة أقدام في ثلاث ساعات ودقايق، ويزيد وينقص
في سائر الفصول، ولا يبعد حمل هذا أيضا على التقية لجريان عادة الخلفاء قبله
على التأخير أكثر من ذلك، فلم يمكنه عليه السلام تغيير عادتهم أكثر من هذا.
(حين يسق الليل) مأخوذ من قوله تعالى: (والليل وما وسق) أي (2)
وما جمع، وما ضم مما كان منتشرا بالنهار في تصرفه، وذلك أن الليل إذا
أقبل أوي كل شئ إلى مأواه، وقيل أي وما طرد من الكواكب، فإنها تظهر

(1) النساء: 103، وكتاب الغارات مخطوط.
(2) الانشقاق: 18.
24

بالليل وتخفى بالنهار، وأضاف ذلك إلى الليل لان ظهورها فيه مطرد.
46 - اسرار الصلاة: عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن أول ما يحاسب به
العبد الصلاة فان قبلت قبل ما سواها، إن الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى
صاحبها وهي بيضاء مشرقة، تقول: حفظتني حفظك الله، وإذا ارتفعت في غير
وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة، تقول: ضيعتني
ضيعك الله (1).
بيان: رجعت إلى صاحبها، الرجوع إما في الآخرة وهو أظهر أو في الدنيا
بعد الثبت في ديوان عمله، إما برجوع حاملها من الملائكة أو الكتاب الذي أثبتت
فيه، ولا يبعد أن يكون الرجوع والقول استعارة تمثيلية، شبه الصلاة الكاملة
وما يعود بها على صاحبها من النفع والبركة بالذي يذهب ويرجع ويقول هذا القول
وكذا الصلاة الناقصة والله يعلم.
47 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد عليه السلام في قول الله عز وجل (موقوتا)
قال: مفروضا (2).
وعنه عليه السلام قال: لكل صلاة وقتان أول وآخر، فأول الوقت أفضله، وليس
لاحد أن يتخذ آخر الوقتين وقتا إلا من علة، وإنما جعل آخر الوقت للمريض
والمعتل ولمن له عذر وأول الوقت رضوان الله، وآخر الوقت عفو الله (3) وإن
الرجل ليصلي في الوقت وإن ما فاته من الوقت خير له من أهله وماله (4).

(1) تراه في التهذيب ج 1 ص 203، الكافي ج 3 ص 268.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 131.
(3) زاد في المصدر: والعفو لا يكون الا من تقصير.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 137.
25

[7]
(باب)
* (وقت فريضة الظهرين ونافلتهما) *
1 - مجالس الصدوق: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن
أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا زالت الشمس فتحت أبواب
السماء، وأبواب الجنان، واستجيب الدعاء، فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل
صالح (1).
2 - الخصال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن الحسين
السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير،
عن أبان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة، وساعات النهار
اثنتا عشرة ساعة، وأفضل ساعات الليل والنهار أوقات الصلوات، ثم قال عليه السلام:
أنه إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وهبت الرياح، ونظر الله عز وجل
إلى خلقه، وإني لأحب أن يصعد لي عند ذلك إلى السماء عمل صالح، ثم قال:
عليكم بالدعاء في أدبار الصلوات، فإنه مستجاب (2).
3 - ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن الصادق
عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من كانت له إلى ربه
عز وجل حاجة فليطلبها في ثلاث ساعات: ساعة في يوم الجمعة، وساعة تزول الشمس
حين تهب الرياح، وتفتح أبواب السماء، وتنزل الرحمة، ويصوت الطير، و

(1) أمالي الصدوق ص 343.
(2) الخصال ج 2 ص 85
26

ساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر، فان ملكين يناديان: هل من تائب يتاب عليه
هل من سائل يعطى؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ هل من طالب حاجة فتقضى له؟
فأجيبوا داعي الله (1).
4 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر،
عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن وقت الظهر قال: نعم، إذا زالت الشمس فقد دخل
وقتها، فصل إذا شئت بعد أن تفرغ من تسبيحتك (2).
وسألته عن وقت العصر متى هو؟ قال: إذا زالت الشمس قدمين وصليت الظهر
والسبحة بعد الظهر فصل العصر إذا شئت (3).
5 - ومنه: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن الفضل بن
يونس قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت: المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس
كيف تصنع بالصلاة؟ قال: فقال: إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس
أربعة أقدام، فلا تصلي إلا العصر، لان وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم و
خرج عنها الوقت وهي في الدم، فلم يجب عليها أن تصلي الظهر، وما طرح
الله عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر (4).
بيان: استدل به على ما ذهب إليه الشيخ من أن الأوقات المقدرة بالاقدام
والأذرع أوقات للمختار، لا أوقات فضيلة، وفيه نظر ظاهر. وأما ما تضمنه من
سقوط الظهر عن الحائض إذا طهرت بعد الأربعة أقدام فهو مختار الشيخ في الاستبصار
وخالفه عامة المتأخرين، وقالوا: إن طهرت قدر ما تغتسل وتأتي بخمس ركعات
قبل الغروب تجب عليها الصلاتان، وأجاب عنه العلامة بوجوه: الأول القدح في

(1) الخصال ج 2 ص 158.
(2) قرب الإسناد: 86 ط حجر: 12 ط نجف.
(3) قرب الإسناد: 86 ط حجر: 12 ط نجف.
(4) قرب اسناد ص 130 ط حجر ص 176 ط نجف، ورواه الشيخ في التهذيب
ج 1 ص 111، وتراه في الكافي ج 1 ص 102.
27

السند بأن الفضل واقفي، وأجيب بأن النجاشي وثقه ولم يذكر كونه واقفيا
وإنما ذكر ذلك الشيخ، والنجاشي أثبت منه، مع أنه روى الكشي ما يدل
على مدحه.
الثاني أنها منفية بالاجماع، إذ لا خلاف بيننا في أن آخر وقت الظهر
للمعذور يمتد إلى قبل الغروب بمقدار العصر، وفيه نظر، إذ قد عرفت أن الشيخ
قال به في الاستبصار، فالاجماع مع مخالفة الشيخ ممنوع.
الثالث أنه علق الحكم على الطهارة بعد أربعة أقدام، فيحمل على أنه أراد
بذلك ما إذا خلص الوقت للعصر، ولا يخفى بعد هذا التأويل وركاكته، لكن يعارضه
موثق عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا طهرت المرأة قبل غروب
الشمس فلتصل الظهر والعصر، وإن طهرت في آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء (1)
ويمكن الجمع بحمل خبر ابن سنان على الاستحباب، وربما يحمل خبر الفضل
على التقية، وفيه نظر إذ لم يظهر موافقة العامة لمدلوله، بل المشتهر بينهم خلافه،
والأحوط العمل بالمشهور.
6 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير
عن حماد، عن عبيد الله الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر، قلت: ما الموتور أهله وماله؟ قال:
لا يكون له في الجنة أهل ولا مال [قيل: وما تضييعها، قال:] ظ يضيعها فيدعها
متعمدا حتى تصفر الشمس وتغيب (2).
بيان: الظاهر أن الواو بمعني أو، كما في الفقيه (3) وروى نحوه محيي
السنة من محدثي العامة، ونقل عن الخطابي أن معنى وتر: نقص وسلب، فبقي
وترا فردا بلا أهل ولا مال، يريد فليكن حذره من فوتها كحذره من ذهابهما

(1) التهذيب ج 1 ص 111.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 45.
(3) الفقيه ج 1 ص 141، وفيه (حتى تصفر الشمس أو تغيب).
28

وقيل: الوتر أصله الجناية، فشبه ما يلحق هذا الذي يفوته العصر بما يلحق الموتور
من قتل حميمه أو أخذ ماله.
7 - معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم
وأيوب بن نوح، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
كان جدار مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن يظلل قدر قامة، فكان إذا كان الفئ ذراعا
- وهو قدر مربض عنز - صلى الظهر، فإذا كان الفئ ذراعين وهو ضعف ذلك صلى
العصر (1).
8 - ثواب الأعمال ومعاني الأخبار: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن
أبي القاسم، عن أبي سمينة، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: قال
أبو جعفر عليه السلام: ما خدعوك عن شئ فلا يخدعوك في العصر، صلها والشمس بيضاء نقية،
فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر، قلت: وما الموتور
أهله وماله؟ قال: لا يكون له أهل ولا مال في الجنة، قلت: وما تضييعها؟ قال:
يدعها والله حتى تصفار الشمس أو تغيب (2).
المحاسن: عن أبي سمينة مثله (3).
9 - ثواب الأعمال: بالاسناد المقدم، عن أبي سمينة، عن حنان بن سدير، عن
أبي سلام العبدي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: ما تقول في رجل
يؤخر العصر متعمدا؟ قال: يأتي يوم القيامة موتورا أهله وماله قال: قلت: جعلت
فداك وإن كان من أهل الجنة؟ قال: وإن كان من أهل الجنة، قلت: فما منزلته
في الجنة موتورا بأهله وماله؟ قال: يتضيف أهلها ليس له فيها منزل (4).

(1) معاني الأخبار ص 159 في حديث.
(2) معاني الأخبار ص 171.
(3) المحاسن ص 83.
(4) ثواب الأعمال ص 208.
29

المحاسن: عن أبي سمينة مثله (1).
بيان: قال في القاموس: ضفته أضيفه ضيفا وضيافة بالكسر نزلت عليه ضيفا
كضيفته.
10 - المحاسن: عن أبيه، عن الحسن بن علي بن فضال، عن عبد الله بن
بكير، عن محمد بن هارون قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من ترك صلاة العصر
غير ناس لها حتى تفوته وتره الله أهله وماله يوم القيامة (2).
11 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن
الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين، عن ابن مسكان، عن زرارة قال: قال لي:
أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت: لم؟ قال: لمكان الفريضة، لان لك
أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يبلغ فيئك ذراعا، فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة
وتركت النافلة، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة (3).
12 - فقه الرضا: قال عليه السلام: أول صلاة فرضها الله على العباد صلاة يوم
الجمعة الظهر، فهو قوله تبارك وتعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل
وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) (4) تشهده ملائكة الليل وملائكة
النهار.
وقال: أول وقت الظهر زوال الشمس، وآخره أن يبلغ الظل ذراعا أو قدمين
من زوال الشمس في كل زمان، ووقت العصر بعد القدمين الأولين إلى قدمين
آخرين، وذراعين لمن كان مريضا أو معتلا أو مقصرا فصار قدمان للظهر، وقدمان
للعصر.
فإن لم يكن معتلا من مرض أو من غيره ولا تقصير ولا يريد أن يطيل التنفل
فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وليس يمعنه منها إلا السبحة بينهما،

(1) المحاسن ص 83.
(2) المحاسن ص 83.
(3) علل الشرائع ج 2 ص 38.
(4) أسرى: 78.
30

والثمان ركعات قبل الفريضة، والثمان بعدها، فان شاء طول إلى القدمين، وإن شاء
قصر، والحد لمن أراد أن يطول في الثماني والثماني أن يقرأ مائة آية فما دون و
إن أحب أن يزداد فذاك إليه، وإن عرض له شغل أو حاجة أو علة يمنعه من الثماني
والثماني إذا زالت الشمس صلى الفريضتين، وقضى النوافل متى ما فرغ من ليل أو
نهار، في أي وقت أحب، غير ممنوع من القضاء، ووقت من الأوقات.
وإن كان معلولا حتى يبلغ ظل القامة قدمين أو أربعة أقدام صلى الفريضة،
وقضى النوافل متى ما تيسر له القضاء.
وتفسير القدمين والأربعة أقدام، أنهما بعد زوال الشمس في أي زمان كان
شتاء أو صيفا طال الظل أم قصر، فالوقت واحد أبدا، والزوال يكون في نصف النهار
سواء قصر النهار أم طال، فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة، وله مهلة في
التنفل، والقضاء والنوم والشغل إلى أن يبلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال فإذا بلغ
ظل قامته قدمين بعد الزوال، فقد وجب عليه أن يصلي الظهر في استقبال القدم
الثالث، وكذلك يصلي العصر إذا صلى في آخر الوقت في استقبال القدم الخامس، فإذا
صلى بعد ذلك فقد ضيع الصلاة، وهو قاض للصلاة بعد الوقت.
وأول وقت المغرب سقوط القرصة وعلامة سقوطه أن يسود أفق المشرق وآخر
وقتها غروب الشفق، وهو أول وقت العتمة، وسقوط الشفق ذهاب الحمرة، وآخر
وقت العتمة نصف الليل وهو زوال الليل.
وأول وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق، وهو بياض كبياض النهار
وآخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب، وإنما يمتد وقت الفريضة
بالنوافل، فلولا النوافل وعلة المعلول لم يكن أوقات الصلاة ممدودة على قدر
أوقاتها، فلذلك تؤخر الظهر إن أحببت، وتعجل العصر إن لم يكن هناك نوافل
ولا علة تمنعك أن تصليهما في أول وقتهما وتجمع بينهما في السفر، إذ لا نافلة تمنعك من
الجمع، وقد جاءت أحاديث مختلفة في الأوقات، ولكل حديث معنى وتفسير (1).

(1) فقه الرضا ص 3.
31

إن أول وقت الظهر زوال الشمس، وآخر وقتها قامة رجل: قدم وقدمان
وجاء على النصف من ذلك وهو أحب إلي وجاء آخر وقتها إذا تم قامتين وجاء
أول وقت العصر إذا تم الظل قدمين وآخر وقتها إذا تم أربعة أقدام. وجاء أول
وقت العصر إذا تم الظل ذراعا وآخر وقتها إذا تم ذراعين وجاء لهما جميعا وقت
واحد مرسل قوله (إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين) وجاء أن رسول الله
صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر ثم بالعشاء والعتمة من غير سفر ولا مرض
وجاء أن لكل صلاة وقتين أول وآخر كما ذكرناه في أول الباب.
وأول الوقت أفضلها، وإنما جعل آخر الوقت للمعلول، فصار آخر الوقت
رخصة للضعيف، لحال علته ونفسه وماله، وهي رحمة للقوي الفارغ لعلة الضعيف
والمعلول، وذلك أن الله فرض الفرائض على أضعف القوم قوة ليستوي فيها الضعيف
والقوي، كما قال الله تبارك وتعالى: (فما استيسر من الهدى) (1) وقال: (فاتقوا
الله ما استطعتم) (2) فاستوى الضعيف الذي لا يقدر على أكثر من شاة، والقوي
الذي يقدر على أكثر من شاة، إلى أكثر القدرة في الفرائض، وذلك لان لا تختلف
الفرائض ولا تقام على حد.
وقد فرض الله تبارك وتعالى على الضعيف ما فرض على القوي، ولا يفرق
عند ذلك بين القوى والضعيف، فلما أن لم يجز أن يفرض على الضعيف المعلول
فرض القوى الذي هو غير معلول، ولم يجز أن يفرض على القوى غير فرض الضعيف
فيكون الفرض محمولا ثبت الفرض عند ذلك على أضعف القوم، ليستوي فيها
القوى والضعيف رحمة من الله للضعيف لعلته في نفسه ورحمة منه للقوى لعلة
الضعيف، ويستتم الفرض المعروف المستقيم عند القوى والضعيف.
وإنما سمي ظل القامة قامة، لان حائط رسول الله صلى الله عليه وآله قامة إنسان، فسمي
ظل الحائط ظل قامة وظل قامتين، وظل قدم وظل قدمين، وظل أربعة أقدام

(1) البقرة: 196.
(2) التغابن: 16.
32

وذراع، وذلك أنه إذا مسح بالقدمين كان قدمين وإذا مسح بالذراع كان ذراعا، و
إذا مسح بالذراعين كان ذراعين، وإذا مسح بالقامة كان قامة، أي هو ظل القامة
وليس هو بطول القامة سواء مثله، لان ظل القامة ربما كان قدما، وربما كان
قدمين، ظل مختلف على قدر الأزمنة، واختلافها باختلافهما، لان الظل قد
يطول وينقص لاختلاف الأزمنة، والحائط المنسوب إلى قامة إنسان قائم معه غير
مختلف، ولا زائد ولا ناقص، فلثبوت الحائط المقيم المنسوب إلى القامة كان الظل
منسوبا إليه ممسوحا به، طال الظل أم قصر.
فان قال: لم صار وقت الظهر والعصر أربعة أقدام، ولم يكن الوقت أكثر
من الأربعة ولا أقل من القدمين؟ وهل كان يجوز أن يصير أوقاتها أوسع من هذين
الوقتين أو أضيق؟
قيل له: يجوز الوقت أكثر مما قدر لأنه إنما صير الوقت على مقادير
قوة أهل الضعف واحتمالهم، لمكان أداء الفرائض، ولو كانت قوتهم أكثر مما قدر
لهم من الوقت، لقدر لهم وقت أضيق، ولو كانت قوتهم أضعف من هذا لخفف
عنهم من الوقت وصير أكثرهما، ولكن لما قدرت قوى الخلق على ما قدر لهم
الوقت الممدود بها بقدر الفريقين، قدر لأداء الفرائض والنافلة وقت ليكون
الضعيف معذورا في تأخيره الصلاة إلى آخر الوقت لعلة ضعفه وكذلك القوي معذورا
بتأخيره الصلاة إلى آخر الوقت لأهل الضعف، لعلة المعلول، مؤديا للفرض، وإن
كان مضيعا للفرض بتركه للصلاة في أول الوقت وقد قيل أول الوقت رضوان الله
وآخر الوقت عفو الله.
وقيل: فرض الصلوات الخمس التي هي مفروضة على أضعف الخلق قوة ليستوي
بين الضعيف والقوى كما استوى في الهدي شاة وكذلك جميع الفرائض المفروضة
على جميع الخلق إنما فرضها الله على أضعف الخلق قوة مع ما خص أهل القوة على أداء
الفرائض في أفضل الأوقات وأكمل الفرض كما قال الله (ومن يعظم شعائر الله فإنها
من تقوى القلوب) (1).

(1) الحج: 32.
33

وجاء أن آخر وقت المغرب إلى ربع الليل للمقيم المعلول والمسافر، كما
جاز أن يصلي العتمة في وقت المغرب الممدود كذلك جاز أن يصلي العصر في أول
وقت الممدود للظهر (1).
وقال عليه السلام في موضع آخر: أول وقت الظهر زوال الشمس إلى أن يبلغ
الظل قدمين، وأول وقت العصر الفراغ من الظهر، ثم إلى أن يبلغ الظل أربعة
أقدام، وقد رخص للعليل والمسافر منهما إلى أن يبلغ ستة أقدام، وللمضطر إلى
مغيب الشمس (2).
توضيح وتبيين وتحقيق متين
قوله عليه السلام: (وآخره أن يبلغ الظل ذراعا) أي وآخر الوقت الذي يمكن
تأخير الفريضة فيه للنافلة ولعلة أخرى كما سيأتي تفسيره، وكذا الأربعة الاقدام
وقت يجوز تأخير العصر عنه للنافلة وغير ذلك، ولم يذكر آخر وقت الفرضين هنا.
وهذا الخبر مع ما فيه من الاضطراب في الجملة قريب مما روي في الكافي
والتهذيب (3) (عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن سعيد، عن يونس، عن
بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عما جاء في الحديث أن صل الظهر إذا
كانت الشمس قامة وقامتين، وذراعا وذراعين، وقدما وقدمين، من هذا، ومن هذا
فمتى هذا؟ وكيف هذا؟ وقد يكون الظل في بعض الأوقات نصف قدم. قال إنما
قال: ظل القامة، ولم يقل قامة الظل، وذلك أن ظل القامة يختلف مرة يكثر
ومرة يقل، والقامة قامة أبدا لا تختلف.
ثم قال: ذراع وذراعان، وقدم وقدمان، فصار ذراع وذراعان تفسير القامة
والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعا، وظل القامتين ذراعين،
ويكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان معروفين

(1) فقه الرضا ص 3.
(2) فقه الرضا ص 7 س 19.
(3) التهذيب ج 1 ص 140، الكافي ج 3 ص 277.
34

مفسرا أحدهما بالاخر مسددا أبدا، فإذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة
ذراعا كان الوقت ذراعا من ظل القامة وكانت القامة ذراعا من الظل، وإذا كان
ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين (فهذا تفسير القامة
والقامتين، والذراع والذراعين) ولنمهد لشرح هذا الحديث مقدمة تكشف الغطاء
عن وجوه سائر الأخبار الواردة في هذا المطلب، مع اختلافها وتعارضها.
اعلم أن الشمس إذا طلعت كان ظلها طويلا، ثم لا يزال ينقص حتى تزول
فإذا زالت زاد، ثم قد تقرر أن قامة كل إنسان سبعة أقدام بأقدامه تقريبا كما
عرفت، وثلاث أذرع ونصف بذراعه، والذراع قدمان تقريبا، فلذا يعبر عن السبع
بالقدم، وعن طول الشاخص الذي يقاس به الوقت بالقامة وإن كان غير الانسان
وقد جرت العادة بأن تكون قامة الشاخص الذي يجعل مقياسا لمعرفة الزوال ذراعا
وكان رحل رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان يقيس به الوقت أيضا ذراعا، فلأجل ذلك
كثيرا ما يعبر عن القامة بالذراع، وعن الذراع بالقامة، وربما يعبر عن الظل
الباقي عند الزوال من الشاخص بالقامة، وكأنه كان اصطلاحا معهودا.
ثم إنه لما كان المشهور بين المخالفين تأخير الظهرين عن أول الوقت بالمثل
والمثلين فقد اختلف الاخبار في ذلك، ففي بعضها، إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر وإذا
صار ظلك مثليك فصل العصر، وفي بعضها أن آخر وقت الظهر المثل، وآخر وقت العصر
المثلان، كما ذهب إليه أكثر المتأخرين من علمائنا وفي بعضها أن وقت نافلة الزوال
قدمان، ووقت فريضة الظهر ونافلة العصر بعدهما قدمان، ووقت فضيلة العصر أربعة
أقدام في بعض الأخبار وفي بعضها قدمان وفي بعضها قدمان ونصف، وفي كثير
منها أنه لا يمنعك من الفريضة إلا سبحتك إن شئت طولت، وإن شئت قصرت.
والذي ظهر لي من جميعها أن المثل والمثلين إنما وردا تقية لاشتهارهما
بين المخالفين، وقد أولوهما في بعض الأخبار بالذراع والذراعين، تحرجا عن
الكذب، أو المثل والمثلان وقت للفضيلة بعد الذراع والذراعين والأربع، أي إذا
أخروا الظهر عن أربعة أقدام فينبغي أن لا يؤخروها عن السبعة، وهي المثل، وإذا
35

أخروا العصر عن الثمانية فينبغي أن لا يؤخروها عن الأربعة عشر أعني المثلين.
فالأصل من الأوقات الاقدام لكن لا بمعنى أن الظهر لا يقدم عن القدمين
بل بمعنى أن النافلة لا توقع بعد القدمين، وكذا نافلة العصر، لا يؤتي بها بعد الأربعة
أقدام، فأما العصر فيجوز تقديمها قبل مضى الأربعة إذا فرغ من النافلة قبلها، بل
التقديم فيهما أفضل وأما آخر وقت فضيلة العصر فله مراتب: الأولى سته أقدام،
والثانية ستة أقدام ونصف، الثالثة ثمانية أقدام، والرابعة المثلان على احتمال،
فإذا رجعت إلى الأخبار الواردة في هذا الباب لا يبقى لك ريب في تعين هذا الوجه
في الجمع بينها، ومما يؤيد ذلك هذا الخبر ولنرجع إلى حله.
قوله عليه السلام: (أن صل الظهر) لعل ذكر الظهر على المثال، ويكون القامتان
والذراعان والقدمان للعصر، كما هو ظاهر سائر الأخبار، ويمكن أن يكون
وصل إليه الخبر لجميع تلك المقادير في الظهر.
قوله: (من هذا) بفتح الميم في الموضعين أي من صاحب الحكم الأول؟
ومن صاحب الحكم الثاني؟ أو استعمل بمعنى (ما) وهو كثير، أو بكسرها في
الموضعين أي سألت من هذا التحديد ومن هذا التحديد، وفيه بعد ما.
قوله: (وقد يكون الظل) لعل السائل ظن أن الظل المعتبر في المثل
والذراع هو مجموع المتخلف والزائد، فقال قد يكون الظل المتخلف نصف قدم
فيلزم أن يؤخر الظهر إلى أن يزيد الفئ ستة أقدام ونصفا، وهذا كثير. أو أنه
ظن أن المماثلة إنما تكون بين الفئ الزايد والظل المتخلف، فاستبعد الاختلاف
الذي يحصل من ذلك بحسب الفصول، فان الظل المتخلف قد يكون في بعض البلاد
والفصول نصف قدم وقد يكون خمسة أقدام.
وحاصل جوابه عليه السلام أن المعتبر في ذلك هو الذراع والذراعان من الفئ
الزايد، وهو لا يختلف في الأزمان والأحوال.
ثم بين عليه السلام سبب صدور أخبار القامة والقامتين، ومنشأ توهم المخالفين
وخطائهم في ذلك فبين أن النبي صلى الله عليه وآله كان جدار مسجده قامة، وفي وقت كان
36

ظل ذلك الجدار المتخلف عند الزوال ذراعا قال إذا كان الفئ مثل ظل القامة فصلوا الظهر
وإذا كان مثليه فصلوا العصر، أو قال مثل القامة وكان غرضه ظل القامة لقيام القرينة
بذلك، فلم يفهم المخالفون ذلك وعملوا بالقامة والقامتين، وإذا قلنا القامة والقامتين
تقية فمرادنا أيضا ذلك، فقوله عليه السلام متفقين في كل زمان يعني به أنا لما فسرنا ظل
القامة بالظل الحاصل في الزمان المخصوص الذي صدر فيه الحكم عن النبي صلى الله عليه وآله
وكان في ذلك الوقت ذراعا فلا يختلف الحكم باختلاف البلاد والفصول، وكان
اللفظان مفادهما واحدا (مفسرا أحدهما) أي ظل القامة (بالاخر) أي
بالذراع.
وأما التحديد بالقدم، فأكثر ما جاء في الحديث فإنما جاء بالقدمين و
الأربعة أقدام، وهو مساو للتحديد بالذراع والذراعين، وما جاء نادرا بالقدم
والقدمين فإنما أريد بذلك تخفيف النافلة وتعجيل الفريضة طلبا لفضل أول الوقت
فالأول، ولعل الإمام عليه السلام إنما لم يتعرض للقدم عند تفصيل الجواب وتبيينه، لما
استشعر من السائل عدم اهتمامه بذلك، وأنه إنما كان أكثر اهتمامه بتفسير القامة
وطلب العلة في تأخير أول الوقت إلى ذلك المقدار.
وربما يفسر هذا الخبر بوجه آخر، وهو أن السائل ظن أن غرض
الامام من قوله عليه السلام: (صل الظهر إذا كانت الشمس قامة) أن أول وقت الظهر وقت
ينتهي الظل في النقصان إلى قامة أو قامتين، أو قدم أو قدمين، أو ذراع أو ذراعين، فقال: كيف تطرد هذه القاعدة، والحال أن في بعض البلاد ينتهي النقص إلى
نصف قدم، فإذا عمل بتلك القواعد، يلزم وقوع الفريضة في هذا الفصل قبل
الزوال.
فأجاب عليه السلام بأن المراد بالشمس ظلها الحادث بعد الزوال، بدليل أن
قوله عليه السلام: (صل الظهر إذا كانت الشمس قامة) يدل على أن هذا الظل يزيد
وينقص في كل يوم، وإذا كان المراد الظل المتخلف فهو في كل يوم قدر معين
لا يزيد ولا ينقص ثم حمل كلامه عليه السلام على أن الأصل صيرورة ظل كل شئ مثله
37

لكن لما كان الشاخص قد يكون بقدر ذراع، وقد يكون بقدر ذراعين، أو بقدر
قدم أو قدمين، فلذا قيل إذا كان الظل ذراعا أي في الشاخص الذي يكون ذراعا
وهكذا، وقوله فإذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا حمله على أن المعنى
أنه إذا كان الشاخص ذراعا، وكان الظل المتخلف ذراعا، فبعد تلك الذراع
يحسب الذراع المقصود، وإن كان المتخلف أقل من الذراع فبعده يحسب الذراع
والذراع الذي هو الظل الزايد ذراع أبدا لا يختلف، وإنما يختلف ما يضم إليه
من الظل المتخلف، ولا يخفى بعد هذا الوجه، وظهور ما ذكرنا على العارف بأساليب
الكلام، المتتبع لاخبار أئمة الأنام عليهم السلام.
وفي التهذيب فسر القامة في هذا الخبر بما يبقى عند الزوال من زوال
الظل سواء كان ذراعا أو أقل أو أكثر، وجعل التحديد بصيرورة الفئ الزايد
مثل الظل الباقي كائنا ما كان، واعترض عليه بأنه يقتضي اختلافا فاحشا في الوقت
بل يقتضي التكليف بعبادة يقصر عنها الوقت، كما إذا كان الباقي شيئا يسيرا جدا
بل يستلزم الخلو عن التوقيت في اليوم الذي تسامت فيه الشمس رأس الشخص،
لانعدام الظل الأول حينئذ ويعني بالعبادة النافلة لان هذا التأخير عن الزوال
إنما هو للاتيان بها.
أقول: ويرد عليه أيضا أنه يأبى عنه قوله (فإذا كان ظل القامة أقل أو
أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين) لأنه على تفسيره يكون محصورا
بمقدار ظل القامة كائنا ما كان، وأيضا ينافي ساير الأخبار الواردة في هذا
الباب، وعلى ما حملنا عليه يكون جامعا بين الاخبار المختلفة الواردة في هذا
الباب، ويؤيده ما رواه (1) الشيخ عن الصادق عليه السلام أنه قال له أبو بصير: كم
القامة؟ فقال: ذراع، أن قامة رحل رسول الله صلى الله عليه وآله كانت ذراعا، وعنه عليه السلام قال:
القامة هي الذراع (2) وعنه عليه السلام (3) قال: القامة والقامتين الذراع والذراعين في
كتاب علي عليه السلام ونصبهما على الحكاية.

(1) التهذيب ج 1 ص 140.
(2) التهذيب ج 1 ص 140.
(3) التهذيب ج 1 ص 140.
38

ولنوضح هذا المطلب بايراد مباحث مهمة تعين على فهم الأخبار الواردة في
هذا الكتاب، وفي سائر الكتب في هذا الباب.
الأول: المشهور بين الأصحاب أن لكل صلاة وقتين، سواء في ذلك المغرب
وغيرهما، كما ورد في الأخبار الكثيرة (لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما)
وحكى ابن البراج عن بعض الأصحاب قولا بأن للمغرب وقتا واحدا عند غروب
الشمس وسيأتي بعض القول فيه.
واختلف الأصحاب في الوقتين فذهب الأكثر منهم المرتضى وابن الجنيد وابن
إدريس والفاضلان وجمهور المتأخرين إلى أن الوقت الأول للفضيلة، والثاني للاجزاء
وقال الشيخان: الأول للمختار، والثاني للمعذور والمضطر، وقال الشيخ في
المبسوط العذر أربعة: السفر، والمطر، والمرض، وشغل يضر تركه بدينه أو دنياه
والضرورة خمسة: الكافر يسلم، والصبي يبلغ، والحائض تطهر، والمجنون
والمغمى عليه يفيقان.
الثاني: أول وقت الظهر زوال الشمس عند وسط السماء، وهو خروج
مركزها عن دائرة نصف النهار باجماع العلماء، نقله في المعتبر والمنتهى، و
تدل عليه الآية والأخبار المستفيضة، وما دل من الاخبار على أن وقت الظهر
بعد الزوال بقدم أو ذراع أو نحو ذلك، فإنه محمول على وقت الأفضلية أو الوقت
المختص بالفريضة.
الثالث: اختلف علماؤنا في آخر وقت الظهر، فقال السيد: يمتد وقت
الفضيلة إلى أن يصير ظل كل شئ مثله ووقت الاجزاء إلى أن يبقى للغروب
مقدار أداء العصر، وهو مختار ابن الجنيد وسلار وابن زهرة وابن إدريس و
جمهور المتأخرين وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والجمل إلى امتداد وقت
الاختيار إلى أن يصير ظل كل شئ مثله، ووقت الاضطرار إلى أن يبقى
للغروب مقدار أداء العصر، وقال في النهاية: آخر وقت الظهر لمن لا عذر له إذا
صارت الشمس على أربعة أقدام، وقال المفيد: وقت الظهر بعد زوال الشمس إلى
39

أن يرجع الفئ سبعي الشخص.
ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل أن أول وقت الظهر زوال الشمس
إلى أن ينتهي الظل ذراعا واحدا، أو قدمين من ظل قامة بعد الزوال، وأنه
وقت لغير ذوي الأعذار، وعن أبي الصلاح أن آخر وقت المختار الأفضل أن
يبلغ الظل سبعي القائم، وآخر وقت الاجزاء أن يبلغ الظل أربعة أسباعه، و
آخر وقت المضطر أن يصير الظل مثله، وقد عرفت ما اخترناه في هذا الباب.
الرابع: أول وقت العصر بعد الفراغ من الظهر، ونقل عليه الاجماع في
المعتبر والمنتهى، ويستحب التأخير بمقدار أداء النافلة كما عرفت، وهل
يستحب التأخير إلى أن يصير الظل أربعة أقدام أو يصير ظل كل شئ مثله؟
فظاهر أكثر الاخبار عدمه كما عرفت، وذهب إليه جماعة من المحققين وذهب
المفيد وابن الجنيد وجماعة إلى استحباب التأخير إلى أن يخرج فضيلة الظهر،
وهو المثل أو الاقدام، وجزم الشهيد في الذكرى باستحباب التفريق بين الصلاتين
وقد عرفت أن التفريق يتحقق بتوسط النافلة بينهما.
الخامس: اختلف الأصحاب في آخر وقت العصر، فقال المرتضى - ره -
يمتد وقت الفضيلة إلى أن يصير الفئ قامتين، ووقت الاجزاء إلى الغروب و
إليه ذهب ابن الجنيد وابن إدريس وابن زهرة وجمهور المتأخرين وقال المفيد
يمتد وقتها للمختار إلى أن يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب، وللمضطر و
الناسي إلى الغروب.
وقال الشيخ في الخلاف: آخره إذا صار ظل كل شئ مثليه، وقال في
المبسوط آخره إذا صار ظل كل شئ مثليه للمختار، وللمضطر إلى غروب
الشمس، وهو المنقول عن ابن البراج وأبي الصلاح وابن حمزة وظاهر سلار
وعن ابن أبي عقيل أن وقته إلى أن ينتهى الظل ذراعين بعد زوال الشمس، فإذا
جاوز ذلك دخل في الوقت الاخر مع أنه زعم أن الوقت الاخر للمضطر.
وعن المرتضى في بعض كتبه: يمتد حتى يصير الظل بعد الزيادة
40

مثل ستة أسباعه للمختار، وقد عرفت أن الظاهر أن وقت الاجزاء ممتد إلى
الغروب، ووقت الفضيلة إلى المراتب المختلفة المقررة للفضل والأفضلية.
وقال المحقق في المعتبر ونعم ما قال: هذا الاختلاف في الاخبار دلالة الترخيص
وأمارة الاستحباب.
ثم الظاهر من كلام القائلين بالاختيار والاضطرار أن المختار وإن أثم
بالتأخير عن الوقت الأول لكنها لا تصير قضاء، بل الظاهر من كلام بعضهم أنه
إثم معفو عنه بل يظهر من بعض كلمات الشيخ أن المناقشة لفظية حيث قال في
موضع من التهذيب: (وليس لاحد أن يقول إن هذه الأخبار إنما تدل على أن
أول الأوقات أفضل، ولا تدل على أنه تجب في أول الوقت، لأنه إذا ثبت أنه
في أول الوقت أفضل، ولم يكن هناك منع ولا عذر، فإنه يجب أن يفعل، ومن
لم يفعل والحال هذه استحق اللوم والعتب، ولم نرد بالوجوب ههنا ما يستحق.
بتركه العقاب، لان الوجوب على ضروب عندنا، منها ما يستحق بتركه العقاب
ومنها ما يكون الأولى فعله، ولا يستحق بالاخلال به العقاب، وإن كان يستحق
به ضربا من اللوم والعتب) وهذا كالصريح في أن المراد بالوجوب الفضيلة.
وهذا كله في الحضر، فأما السفر فلا إشكال بل قيل لا خلاف بين المسلمين
في جواز الجمع للاخبار الكثيرة الصريحة في ذلك.
13 - اختيار الرجال للكشي: عن محمد بن إبراهيم الوراق، عن علي بن
محمد بن يزيد، عن بنان بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمد بن
أبي عمير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: كيف تركت زرارة؟ فقلت:
تركته لا يصلي العصر حتى تغيب الشمس، قال: فأنت رسولي إليه، فقل له فليصل
في مواقيت أصحابه، فاني قد حرقت قال: فأبلغته ذلك، فقال أنا والله أعلم أنك
لم تكذب عليه، ولكن أمرني بشئ فأكره أن أدعه (1).
بيان: قوله عليه السلام: (فاني قد حرقت) أقول: النسخ هنا مختلفة، ففي

(1) رجال الكشي ص 129
41

بعضها بالحاء المهملة والفاء على بناء المجهول من التفعيل أي غيرت عن هذا الرأي
فاني أمرته بالتأخير لمصلحة والآن قد تغيرت المصلحة، ويؤيده أن في بعض
النسخ صرفت بالصاد المهملة بهذا المعنى، وفي بعضها بالحاء والقاف كناية عن
شدة التأثر والحزن، أي حزنت لفعله ذلك، وفي خبر آخر من أخبار زرارة
(فحرجت) من الحرج، وهو الضيق، وعلى التقادير الظاهر أن قول الراوي
حتى تغيب الشمس مبني على المبالغة والمجاز، أي شارفت الغروب.
14 - الاختيار: عن حمدويه، عن محمد بن عيسى، عن القاسم بن عروة، عن
ابن بكير قال: دخل زرارة على أبي عبد الله عليه السلام قال: إنكم قلتم لنا في الظهر و
العصر على ذراع وذراعين، ثم قلتم: أبردوا بها في الصيف، فكيف الابراد بها؟
وفتح ألواحه ليكتب ما يقول فلم يجبه أبو عبد الله عليه السلام بشئ فأطبق ألواحه فقال
إنما علينا أن نسألكم وأنتم أعلم بما عليكم، وخرج ودخل أبو بصير على أبي
عبد الله فقال عليه السلام: إن زرارة سألني عن شئ فلم أجبه. وقد ضقت من ذلك،
فاذهب أنت رسولي إليه فقل: صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك مثلك والعصر
إذا كان مثليك، وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف ولم أسمع أحدا من أصحابنا
يفعل ذلك غيره، وغير ابن بكير (1).
بيان: هذا الخبر مؤيد لما مر من استحباب تأخير الظهر في شدة الحر
ويدل على استحباب تأخير العصر أيضا والأصحاب خصوا الحكم بالظهر، ولا
يخلو من قوة فان الخروج عن الأخبار الكثيرة الدالة علي فضيلة أول الوقت
بمجرد ذلك مشكل، مع احتمال التقية أيضا، بل الحكم في الظهر أيضا مشكل كما
عرفت، ولعل مضايقته عليه السلام عن بيان الحكم مما يؤيده.
ويؤيده أيضا اشتهار الرواية والحكم بين المخالفين، قال محيي السنة في
شرح السنة بعد أن روى عن أبي هريرة بأسانيد (أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا اشتد الحر
فأبردوا بالصلاة فان شدة الحر من فيح جهنم، وقال: اشتكت النار إلى ربها

(1) رجال الكشي ص 130.
42

فقالت رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء، ونفس في الصيف
فأشد ما تجدون من الحر فمن حرها، وأشد ما تجدون من البرد فمن زمهريرها)
معنى الابراد انكسار حر الظهيرة، وهو أن يفئ الافياء، وينكسر وهج الحر
فهو برد بالإضافة إلى حر الظهيرة، وقوله: (من فيح جهنم) قال الخطابي معناه
سطوع حرها وانتشاره، وأصله في كلامهم السعة والانتشار يقال: مكان أفيح
أي واسع.
ثم قال: واختلف أهل العلم في تأخير صلاة الظهر في شدة الحر فذهب
ابن المبارك وأحمد وإسحاق إلى تأخيرها والابراد بها في الصيف، وهو الأشبه
بالاتباع، وقال الشافعي تعجيلها أولى إلا أن يكون إمام مسجد ينتابه الناس من
بعد، فإنه يبرد بها في الصيف، فأما من صلى وحده أو جماعة في مسجد بفناء
بيته لا يحضره إلا من بحضرته فإنه يعجلها، لأنه لا مشقة عليهم في تعجيلها.
ثم روي عن أبي ذر رضي الله عنه بأسانيد قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله في
سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أبرد، ثم أراد أن يؤذن
فقال له: أبرد حتى رأينا فئ التلول فقال النبي صلى الله عليه وآله إن شدة الحر من فيح
جهنم: فإذا اشتد الحر فأبرد بالصلاة ثم قال: وفيه دليل على أن الابراد
أولى، وإن لم يأت من بعد؟؟؟ النبي صلى الله عليه وآله أمره مع كونهم مجتمعين في
السفر انتهى.
وحمل بعض الأفاضل الخبر على بلد يكون ظل الزوال فيه حال الصيف
خمسة أقدام مثلا، فإذا صار مع الزيادة الحاصلة بعد الزوال مساويا للشخص يكون
قد زاد قدمين فيوافق الاخبار الاخر، وهو محمل بعيد، مع أنه لا يستقيم في
العصر، وفي تنزيل الجمعة منزلة الظهر على القول به فيها وجهان الأقرب الاقتصار
على مورد النص للأخبار الدالة على ضيق وقت الجمعة، وخالف في ذلك في
التذكرة فحكم بشموله لها.
15 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن
43

عباد، عن عمه، عن أبيه، عن جابر، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن
غفلة، عن علي وعمر وأبي بكر وابن عباس قالوا كلهم: صل العصر والفجاج
مسفرة، فإنها كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله (1).
16 - السرائر: من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد، عن ابن أبي عمير،
عن أبي عبد الله الفراء، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له رجل من أصحابنا: إنه ربما اشتبه
علينا الوقت في يوم غيم، فقال: تعرف هذه الطيور التي عندكم بالعراق يقال لها:
الديوك؟ فقال: نعم، قال: إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فعند ذلك فصل (2).
بيان: يدل على جواز التعويل في دخول الوقت على ارتفاع أصوات الديوك
وتجاوبها وأورده الصدوق في الفقيه (3) وظاهره الاعتماد عليها، ومال إليه في الذكرى
ونفاه العلامة في التذكرة، وهو أحوط ولابد من حملها على ما إذا صاتت في
الوقت المحتمل، إذا كثيرا ما تصيح عند الضحى.
17 - منتهي المطلب: روى ابن بابويه في كتاب مدينة العلم في الصحيح
عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان المؤذن يأتي النبي صلى الله عليه وآله في
الحر في صلاة الظهر فيقول صلى الله عليه وآله: أبرد أبرد.
18 - أربعين الشهيد: باسناده عن الصدوق، عن والده، عن سعد بن عبد الله
عن أحمد بن محمد عيسى، عن معاوية مثله.
19 - منتهى المطلب: روى ابن بابويه في كتاب مدينة العلم في الصحيح
عن الحسن بن علي الوشا قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: كان أبي ربما صلى
الظهر على خمسة أقدام.
20 - العياشي: عن إدريس القمي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن (الباقيات
الصالحات) فقال: هي الصلاة، فحافظوا عليها، وقال: لا تصلي الظهر أبدا حتى

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 357.
(2) السرائر ص 496.
الفقيه ج 1 ص 143 و 144
44

تزول الشمس (1).
21 - ومنه: عن سعيد الأعرج قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو
مغضب، وعنده نفر من أصحابنا وهو يقول: تصلون قبل أن تزول الشمس؟ قال
وهم سكوت، قال: فقلت أصلحك الله ما نصلي حتى يؤذن مؤذن مكة، قال:
فلا بأس أما إنه إذا أذن فقد زالت الشمس، ثم قال: إن الله يقول: (أقم
الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) فقد دخلت أربع صلوات فيما بين هذين
الوقتين، وأفرد صلاة الفجر فقال: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)
فمن صلى قبل أن تزول الشمس فلا صلاة له (2).
بيان: ظاهره جواز التعويل على الاذان، وإن أمكن أن يكون عليه السلام علم
أن هذا المؤذن لا يؤذن قبل الظهر.
22 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: إذا زالت الشمس
دخل وقت الصلاتين: الظهر والعصر، وليس يمنع من صلاة العصر بعد صلاة الظهر
إلا قضاء السبحة التي بعد الظهر وقبل العصر، فان شاء طول إلى أن يمضي
قدمان، وإن شاء قصر (3).
وعن أبي جعفر عليه السلام أنه خرج ومعه رجل من أصحابه إلى مشربة أم
إبراهيم، فصعد المشربة، ثم نزل، فقال للرجل: زالت الشمس؟ قال أنت أعلم
جعلت فداك، فنظر فقال: قد زالت وأذن وقام إلى نخلة فصلى صلاة الزوال،
وهي صلاة السنة قبل الظهر، ثم أقام الصلاة وتحول إلى نخلة أخرى، وأقام الرجل
عن يمينه فصلى الظهر أربعا ثم تحول إلى نخلة أخرى فصلى صلاة السنة بعد الظهر
أربع ركعات، ثم أذن وصلى أربع ركعات، ثم أقام الصلاة وصلى العصر أربعا ولم
تكن بين الظهر والعصر إلا السبحة (4).

(1) تفسير العياشي ج 2 ص 327، والآية في سورة الكهف. 46.
(2) تفسير العياشي ج 2 ص 308.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 137.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 137.
45

ايضاح: يدل على استحباب إيقاع نافلة الزوال بين الأذان والإقامة وعلى
جواز إيقاع الامام الأذان والإقامة معا بل، رجحانه وعلى رجحان قيام المقتدي
إذا كان واحدا عن يمين الامام، وعلى أن الأربع الأولى من الثمان ركعات بين
الظهرين للظهر، والأربع الأخيرة للعصر، وعلى استحباب إيقاع الأربع الأخيرة
بين الأذان والإقامة، وعلى أنه يتحقق التفريق المستحب والموجب لإعادة الاذان
بتوسط النافلة بين الفرضين، وعلى استحباب تفريق الفرائض والنوافل على
الأمكنة، وقد وردت العلة بأنها تشهد للمصلي يوم القيامة.
23 - الدعائم: عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: آخر وقت العصر أن تصفر
الشمس (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: صلوا العصر والشمس بيضاء نقية (2).
وعنه عليه السلام أنه كان يأمر بالابراد بصلاة الظهر في شدة الحر، وذلك أن
تؤخر بعد الزوال شيئا (3).
24 - الهداية: قال الصادق عليه السلام: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الصلاتين إلا أن بين يديها سبحة، فان شئت طولت، وإن شئت قصرت (4).
وقال الصادق عليه السلام: أول الوقت زوال الشمس وهو وقت الله الأول وهو
أفضلهما (5).
وقال عليه السلام: إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء فلا أحب أن يسبقني
أحد بالعمل إني أحب أن تكون صحيفتي أول صحيفة يكتب فيها العمل الصالح (6).
وقال عليه السلام: ما يأمن أحدكم الحدث في ترك الصلاة، وقد دخل وقتها و
هو فارغ، فأول وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن تمضي قدمان، ووقت العصر

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 138.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 138.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 140.
(4) الهداية: 28.
(5) الهداية: 28.
(6) الهداية: 28.
46

من حين يمضي قدمان من زوال الشمس إلى أن تغيب (1).
وقال: لفضل الوقت الأول على الاخر كفضل الآخرة على الدنيا (2).
25 - تفسير سعد بن عبد الله: برواية ابن قولويه عند باسناده عنهم عليهم السلام
قال: من كان مقيما على الاقرار بالأئمة عليهم السلام كلهم، وبامام زمانه وولايته، وأنه
قائم العين ومستور من عقب الماضي قبله وقد خفي عليه اسم الحجة وموضعه في
هذا الوقت فمعذور في إدراك الاسم والموضع حتى يأتيه الخبر الذي بمثله تصح
الاخبار، ويثبت الاسم والمكان، ومثل ذلك إذا حجب الله عز وجل عن العباد
عين الشمس التي جعلها دليل الصلاة، فموسع عليهم تأخيرها حتى يتبين لهم،
أو يصح لهم دخول الوقت، وهم على يقين أن عينها لم تبطل، وقد خفي عليهم
موضعها (3).
26 - المجازات النبوية: عن النبي صلى الله عليه وآله قال في حديث طويل: يؤخرون
الصلاة إلى شرق الموتى.
قال السيد: أي يؤخرونها إلى أن لا يبقى من النهار إلا بقدر ما بقي من نفس
الميت قد شرق بريقه وغرغر ببقية نفسه (4).
27 - كتاب عاصم بن حميد: عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام

(1) الهداية: 28.
(2) الهداية: 28.
(3) كتاب التفسير هو الذي روى برواية أخرى عن النعماني، وقد أدرجه المؤلف
العلامة في كتاب القرآن ج 93 وموضع النص منه ص 15 وقد مر سابقا أيضا ملخصا.
(4) المجازات النبوية ص 193 واللفظ فيه هكذا: وقد قيل في ذلك أقوال كلها
بعيدة عن المحجة، ومع ذلك يخرج الكلام من حيز الاستعارة غير قول واحد، وهو أن
يكون المراد أنهم يؤخرون الصلاة إلى أن لا يبقى من النهار الا بقدر ما بقي من نفس
الميت الذي قد شرق بريقه وغرغر ببقية نفسه، فشبه عليه السلام تلك البقية بشفافة الذماء
التي قد قرب انقضاؤها وحان فناؤها.
47

يقول: إن الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر قال: قلت أي أهل له؟ قال:
لا يكون له أهل في الجنة.
28 - كتاب محمد بن المثنى: عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح
المحاربي أنه كان جالسا عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه زرارة بن أعين فقال: يا أبا عبد الله! إني أصلي الأولى إذا كان الظل قدمين، ثم أصلي العصر إذا
كان الظل أربعة أقدام، فقال أبو عبد الله عليه السلام إن الوقت في النصف مما ذكرت
إني قدرت للموالي جريدة فليس يخفى عليهم الوقت.
أقول: قد مضى خبر وصية محمد بن أبي بكر وخبر داود بن سليمان وغيرهما
في الأبواب السابقة.
48

[8]
* (باب) *
* (وقت العشائين) *
1 - مجالس الصدوق والخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن
إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن الحسن القرشي، عن سليمان بن جعفر البصري
عن عبد الله بن الحسين بن زيد، عن أبيه، عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله كره لكم أيتها الأمة أربعا وعشرين خصلة، ونهاكم
عنها - إلى أن قال: وكره النوم قبل العشاء الآخرة وكره الحديث بعد العشاء
الآخرة (1).
2 - أمالي ابن الشيخ: عن أبيه عن جماعة، عن أبي المفضل، عن إسحاق بن محمد
ابن مروان، عن أبيه، عن يحيى بن سالم الفرا، عن حماد بن عثمان، عن جعفر
ابن محمد، عن آبائه عليهم السلام، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما اسرى
بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا من ياقوت أحمر يرى باطنه من ظاهره
لضيائه ونوره، وفيه قبتان من در وزبرجد، فقلت: يا جبرئيل لمن هذا
القصر؟ قال: هو لمن أطاب الكلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وتهجد بالليل
والناس نيام.
قال علي عليه السلام فقلت: يا رسول الله وفي أمتك من يطيق هذا؟ فقال صلى الله عليه وآله
أتدري ما إطابة الكلام؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، قال: من قال: (سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أتدري ما إدامة الصيام؟ قلت: الله و
رسوله أعلم، قال: من صام شهر الصبر شهر رمضان، ولم يفطر منه يوما، أتدري
ما إطعام الطعام؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: من طلب لعياله ما يكف به وجوههم

(1) أمالي الصدوق ص 181، الخصال ج 2 ص 102.
49

عن الناس أتدري ما التهجد بالليل والناس نيام؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال
من لم ينم حتى يصلي العشاء الآخرة، والناس من اليهود والنصارى وغيرهم من
المشركين نيام بينهما (1).
3 - تفسير النعماني: عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله، وفيه لأنهم ينامون
بين الصلاتين (2).
4 - السرائر: من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن الحسين، عن أحمد
القروي، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: دلوك الشمس زوالها
وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار (3).
5 - منتهى المطلب: قال: روى ابن بابويه في كتاب مدينة العلم في الصحيح
عن عبد الله بن مسكان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: وقت المغرب إذا غربت
الشمس فغاب قرصها.
بيان: أول وقت المغرب غروب الشمس بلا خلاف، قال في المعتبر: وهو
إجماع العلماء، وكذا في المنتهى، واختلف الأصحاب فيما يتحقق به الغروب
فذهب الأكثر إلى أنه إنما يتحقق ويعلم بذهاب الحمرة المشرقية، قال في
المعتبر: وعليه عمل الأصحاب، وقال الشيخ في المبسوط: علامة غيبوبة الشمس
هو أنه إذا رأى الآفاق، والسماء مصحية ولا حايل بينه وبينها ورآه قد غابت
عن العين علم غروبها، وفي أصحابنا من قال: يراعي زوال الحمرة من ناحية المشرق
وهو الأحوط فأما على القول الأول إذا غابت الشمس عن النظر ورأي ضوءها على
جبل يقابلها أو مكان عال مثل منار الإسكندرية وشبهها فإنه يصلي، ولا يلزمه
حكم طلوعها بحيث طلعت وعلى الرواية الأخرى لا يجوز ذلك حتى تغيب في كل
موضع تراه وهو الأحوط انتهى.

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 73.
(2) راجع البحار ج 93 ص 83، ورواه القمي في تفسيره ص 19.
(3) السرائر ص 475.
50

ويظهر منه أن الاعتبار عنده بغيبوبة القرص، وإليه ذهب في الاستبصار على
أحد الوجهين في الجمع بين الاخبار، وهو مختار السيد المرتضى وابن الجنيد و
ابن بابويه في كتاب علل الشرايع (1) وظاهر اختياره في الفقيه (2) حيث نقل
الأحاديث الدالة عليه، واختاره بعض المتأخرين.
وقال ابن أبي عقيل: أول وقت المغرب سقوط القرص، وعلامة سقوط القرص
أن يسود أفق السماء من المشرق، وذلك عند إقبال الليل وتقوية الظلمة في الجو،
واشتباك النجوم، ولعله أراد ما يقرب القول الأول والاخبار المعتبرة الكثيرة
تدل على القول الثاني، وهو استتار القرص، ولعل الأكثر إنما عدلوا عنها
لموافقتها لمذاهب العامة: فحملوها على التقية، وتأويلها بذهاب الحمرة في غاية
البعد، لكن العمل بها، وحمل ما يعارضها على الاستحباب وجه قوي به يجمع بين

(1) علل الشرايع ج 2 ص 38 باب العلة التي من أجلها صار وقت المغرب إذا
ذهبت الحمرة من المشرق، وكما ترى عنوان الباب يوافق المشهور وإن كان في طي
الباب أحاديث تحكم بأن غروب الشمس باستتار القرص والذي عندي أن الغروب هو
استتار القرص لا عن وجه الأرض فقط، بل عنها وعن كل ما علاها من الجو الذي يتعلق بها
وهو منتهى ما يمكن للانسان أن يعيش فيه ويتنفس من الهواء المحيط بالأرض، وذلك لان
سلطان الشمس ونفوذها إنما هو في الهواء، ولولاه لم يكن للشمس ضياء ولا بهاء، فاللازم
أن يعتبر الغروب بالنسبة إلى الهواء الذي يعلو كل قطعة من الأرض.
فلو قيل بأن الغروب هو استتار الشمس عن نظر الرائي الذي قام على وجه الأرض
لوجب على ذاك الرائي صلاة المغرب، ولم يجب على من ارتفع إلى الطبقة الثانية، وإذا
غربت الشمس من الطبقة الثانية ولم تغرب من الثالثة عاد الاشكال والمحذور وهكذا في
كل طبقة بالنسبة إلى طبقة أخرى تعلوها، الا إذا اعتبر غروب الشمس عن الطبقة العالية
التي ليس بعدها هواء ولا للشمس فيها شعاع وضياء. ولا يعرف غروبها عن تلك الطبقة
الا بذهاب الحمرة المشرقية عن قمة الرأس.
(2) الفقيه ج 1 ص 141 - 142.
51

الاخبار، ويؤيده بعض الروايات، وإن كان العمل بالمشهور أحوط.
ثم إنه قد عرفت ما دل عليه كلام المبسوط من حصول الاستتار ودخول
الوقت وإن بقي شعاع الشمس على رؤوس الجبال، والمنارة العالية، وقال في التذكرة
وهو أي الغروب ظاهر في الصحاري وأما في العمران والجبال فيستدل عليه بأن لا يبقى
شئ من الشعاع على رؤوس الجدران، وقلل الجبال، وهو أحوط، وإن دل
بعض الأخبار على ما اختاره الشيخ كما ستعرف.
وأما آخر وقت المغرب فالمشهور بين الأصحاب امتداد وقتها للمختار إلى انتصاف
الليل أو إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار العشاء على القول بالاختصاص، وهو
اختيار المرتضى وابن الجنيد وابن زهرة وابن إدريس وجمهور المتأخرين،
ونقل ابن زهره إجماع الفرقة عليه.
وقال المفيد: آخر وقتها غيبوبة الشفق، وهو الحمرة في المغرب، والمسافر
إذا جد به السير عند المغرب فهو في سعة من تأخيرها إلى ربع الليل، ونحوا منه قال
الشيخ في النهاية: وقال في المبسوط آخره غيبوبة الشفق وأطلق، وكذا في الجمل
وهو المحكى عن ابن البراج وابن أبي عقيل [ونقل في المختلف أنه للمختار وللمضطر
إلى ربع الليل، وبه قال ابن حمزة وأبو الصلاح وقال في الخلاف آخره غيبوبة
الشفق، وعن السيد أنه قال في الناصرية: آخر وقتها مغيب الشفق الذي هو الحمرة
وروي ربع الليل وحكم بعض أصحابنا أن وقتها يمتد إلى نصف الليل وعن ابن أبي عقيل]
أن ما بعد الشفق وقت المضطر، وعن ابن بابويه وقت المغرب لمن كان في طلب
المنزل في سفر إلى ربع الليل، وكذا للمفيض من عرفات إلى جمع، وعن سلار
يمتد وقت العشاء الأول إلى أن يبقى لغياب الشفق الأحمر مقدار أداء ثلاث
ركعات.
ونقل في المنتهى عن الشيخ أن آخره للمختار ذهاب الشفق، وللمضطر
إلى ما قبل نصف الليل بأربع، ونقله عن السيد في المصباح، وعن بعض العلماء
يمتد وقت المضطر حتى يبقى للفجر وقت العشاء، واختاره المحقق في المعتبر
52

ونقله الشيخ في المبسوط عن بعض الأصحاب وحكى عن ابن البراج أنه حكى عن
بعض الأصحاب قولا بأن للمغرب وقتا واحدا عند غروب الشمس، ولعل الأقوى
امتداد وقت الفضيلة إلى سقوط الشفق، ووقت الاجزاء للمختار إلى نصف الليل،
وللمضطر إلى ما قبل طلوع الفجر بقدر العشاء.
وأما وقت العشاء الآخرة فالمشهور أن أولها إذا مضى من غروب الشمس
مقدار أداء ثلاث ركعات، وقال الشيخان: أول وقتها غيبوبة الشفق، ونسبه في
الخلاف إلى ابن أبي عقيل وسلار وهو أحد قولي المرتضى وصرح الشيخ في
النهاية بجواز تقديم العشاء قبل غيبوبة الشفق في السفر وعند الاعذار، وجوز في
التهذيب تقديمه إذا علم أو ظن أنه إذا لم يصل في هذا الوقت لم يتمكن منه بعده،
والأول أقوى.
وآخر وقت العشاء على المشهور انتصاف الليل سواء في ذلك المختار والمضطر
وقال المفيد: آخره ثلث الليل، وهو مختار الشيخ في جملة من كتبه، وابن البراج
وقال في المبسوط والنهاية آخره للمختار ثلث الليل وللمضطر نصف الليل، واختاره
ابن حمزة وعن ابن أبي عقيل أول وقت العشاء الآخرة مغيب الشفق وهو الحمرة
فإذا جاز ذلك حتى دخل ربع الليل فقد دخل في الوقت الأخير، وقد روي إلى
نصف الليل.
ونقل الشيخ في المبسوط عن بعض علمائنا قولا بأن آخره للمضطر
طلوع الفجر، واختاره المحقق في المعتبر وبعض المتأخرين، ونقل عن أبي الصلاح
أن آخره للمختار ربع الليل وللمضطر نصف الليل ولعل الأقوى امتداد وقت
الفضيلة إلى ثلث الليل، ووقت الاجزاء للمختار إلى نصف الليل، ووقت المضطر
إلى طلوع الفجر فلو أخر المختار عن نصف الليل أثم، ولكنه يجب عليه الاتيان
بالعشائين قبل طلوع الفجر أداء، وما اخترناه في الجمع أولى مما اختاره الشيخ
من القول باستحباب القضاء إذا زال عذر المعذور بعد نصف الليل، حيث قال في
المبسوط: وفي أصحابنا من قال إلى طلوع الفجر، فأما من يجب عليه القضاء من
53

أصحاب الاعذار والضرورات، فانا نقول ههنا عليه القضاء، إذ الحق قبل الفجر
مقدار ما يصلي ركعة أو أربع ركعات صلى العشاء الآخرة، وإذ الحق مقدار ما يصلي
خمس ركعات صلى المغرب أيضا معها استحبابا وإنما يلزمه وجوبا إذ الحق قبل
نصف الليل بمقدار ما يصلي فيه أربع ركعات أو قبل أن يمضي ربعه مقدار ما يصلي
ثلاث ركعات المغرب انتهى مع أنه قال بهذا الفرق في سائر أوقات الاختيار والاضطرار.
وقال في موضع من الخلاف: لا خلاف بين أهل العلم في أن أصحاب الاعذار
إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة أنه يلزمه العشاء الآخرة.
فان قيل ظاهر الآية انتهاء وقت العشائين بانتصاف الليل، لقوله تعالى:
(إلى غسق الليل) وإذا اختلفت الاخبار يجب العمل بما يوافق القرآن، قلنا
إذا أمكننا الجمع بين ظاهر القرآن والاخبار المتنافية ظاهرا فهو أولى من طرح بعض الأخبار
، وحمل الآية على المختارين الذين هم جل المخاطبين وعمدتهم يوجب
الجمع بينها، وعدم طرح شئ منها وأيضا لو قال تعالى إلى طلوع الفجر لكنا نفهم
منه جواز التأخير من نصف الليل اختيارا، فلذا قال إلى غسق الليل.
وأما حمل أخبار التوسعة على التقية كما فعله الشهيد الثاني قدس الله روحه
حيث قال: وللأصحاب أن يحملوا الروايات الدالة على الامتداد إلى الفجر على
التقية لاطباق الفقهاء الأربعة عليه، وإن اختلفوا في كونه آخر وقت الاختيار أو
الاضطرار، فهو غير بعيد، لكن أقوالهم لم تكن منحصرة في أقوال الفقهاء الأربعة
وعندهم في ذلك أقوال منتشرة، والحمل على التقية إنما يكون فيما إذا لم يكن
محمل آخر ظاهر به يجمع بين الاخبار، وما ذكرنا جامع بينها.
وبالجملة، المسألة لا تخلو من إشكال، والأحوط عدم التأخير عن تتمة
الليل، بعد تجاوز النصف، وعدم التعرض للأداء والقضاء، والله يعلم حقايق الاحكام
وحججه الكرام عليهم السلام.
6 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
العباس بن معروف رفعه، عن محمد بن حكيم، عن شهاب بن عبد ربه قال: قال لي
أبو عبد الله عليه السلام: يا شهاب إني أحب إذا صليت المغرب أن أرى في السماء
54

كوكبا (1).
بيان: قال الشيخ في الاستبصار بع إيراد هذا الخبر: يوجه الاستحباب في
هذا الخبر بأن يتأنى الانسان في صلاته ويصليها على تؤدة، فإنه إذا فعل ذلك يكون
فراغه منها عند ظهور الكواكب، ويحتمل أيضا أن يكون مخصوصا بمن يكون في
موضع لا يمكنه اعتبار سقوط الحمرة من المشرق، بأن يكون بين الحيطان العالية
أو الجبال الشاهقة، فان من هذه صفته ينبغي أن يستظهر في ذلك بمراعاة الكواكب
انتهى.
ولا يخفى أنه لا حاجة إلى هذا التأويل البعيد، لا سيما على ما اختاره عند إبداء
الوجه الأخير من دخول الوقت بذهاب الحمرة، إذ لا ينفك ذهابها عن ظهور كوكب
غالبا، وليس في الخبر الكواكب ولا اشتباكها، بل يمكن أن يقال لا ينافي القول
باستتار القرص أيضا بل يؤيده بوجهين أحدهما أنه عند الغروب يظهر كوكب في
أكثر الأوقات، لا سيما إذا كانت الزهرة مؤخرة عن الشمس، وثانيهما أن (أحب)
يدل على استحباب التأخير لا وجوبه.
7 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى
عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ملك موكل يقول (من
نام عن العشاء إلى نصف الليل فلا أنام الله عينه) (2).
ثواب الأعمال: عن محمد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن
الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن موسى بن بكر مثله (3).
المحاسن: عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد مثله وفيه عينيه (4).
8 - السرائر: من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن الحسن، عن

(1) علل الشرايع ج 2 ص 39.
(2) علل الشرائع ج 2 ص 45.
(3) ثواب الأعمال: 208.
(4) المحاسن ص 84.
55

علي بن يعقوب الهاشمي، عن مروان بن مسلم، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين تغيب الحمرة من
مطلع الشمس عند مغربها، فجعله هو الحمرة التي من قبل المغرب، وكان يصلي
حين يغيب الشفق (1).
9 - مجالس الشيخ: عن الحسين بن عبيد الله، عن التلعكبري، عن محمد بن همام
عن عبد الله بن الحميري، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن زريق الخلقاني، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: كان عليه السلام يصلي المغرب عند سقوط القرص قبل أن تظهر
النجوم (2).
10 - الهداية: قال الصادق عليه السلام: إذا غابت الشمس فقد حل الافطار، و
وجبت الصلاة، ووقت المغرب أضيق الأوقات، وهو إلى حين غيبوبة الشفق، ووقت
العشاء من غيبوبة الشفق إلى ثلث الليل (3).
11 - المحاسن: عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان
قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن صلاة المغرب فقال: أنخ إذا غابت الشمس، قال:
فإنه يشتد على القوم إناخته مرتين، قال: إنه أصون للظهر (4).
12 - مجالس الصدوق: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد
ابن عيسى وموسى بن جعفر البغدادي معا، عن عبد الله بن الصلت، عن الحسن بن
علي بن فضال، عن داود بن أبي يزيد، عن الصادق عليه السلام قال: إذا غابت الشمس
فقد دخل وقت المغرب (5).
13 - ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن

(1) السرائر: 475.
(2) أمالي الطوسي ج 2 ص 306.
(3) الهداية: 29 و 30.
(4) المحاسن ص 639.
(5) أمالي الصدوق ص 49.
56

العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن علي بن النعمان
عن داود بن فرقد قال: سمعت أبي يسأل أبا عبد الله عليه السلام متى يدخل وقت المغرب؟
فقال إذا غاب كرسيها، قال: وما كرسيها؟ قال: قرصها، قلت متى يغيب قرصها؟
قال إذا نظرت إليه فلم تره (1).
بيان: لعل الضمير في كرسيها راجع إلى الشمس بمعنى الضوء، فإنه يطلق
على الجرم وعلى الضوء وعليهما معا، فشبه قرص الشمس بكرسي الضوء لتمكنه
فيه.
14 - مجالس الصدوق: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن
الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زيد الشحام
أو غيره قال: صعدت مرة جبل أبي قبيس والناس يصلون المغرب، فرأيت الشمس
لم تغب، وإنما توارت خلف الجبل عن الناس فلقيت أبا عبد الله عليه السلام الصادق
فأخبرته بذلك، فقال لي: ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت، إنما تصليها إذا لم ترها
خلف جبل غابت أو غارت، ما لم يجللها سحاب أو ظلمة تظلها فإنما عليك مشرقك
ومغربك، وليس على الناس أن يبحثوا (2).
15 - ومنه: عن أبيه وابن الوليد معا، عن سعد بن عبد الله، عن موسى بن
الحسن والحسين بن علي معا، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن
عثمان، عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام في المغرب: إنا ربما صلينا ونحن
نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل، أو قد سترها منا الجبل، فقال: ليس عليك
صعود الجبل (3).
بيان: ظاهر هذا الخبر والخبر المتقدم الاكتفاء بغيبوبة الشمس خلف الجبل
وإن لم تغرب عن الأفق، ولعله لم يقل به أحد، وإن كان ظاهر الصدوق القول به،
لكن لم ينسب إليه هذا القول، ويمكن حمله على ما إذا غابت عن الأفق الحسي،

(1) أمالي الصدوق ص 49.
(2) أمالي الصدوق ص 49.
(3) أمالي الصدوق ص 50.
57

لكن يبقى ضوؤها على رؤوس الجبال، كما نقلنا عن الشيخ في المبسوط، ولعل
الشيخ حملهما على هذا الوجه، وليس ببعيد جدا، والأولى الحمل على التقية.
وقال الوالد قدس سره في الخبر الأول: الظاهر أو ذمه على صعود الجبل
لأنه كان غرضه منه إثارة الفتنة بأن يقول إنهم يفطرون ويصلون والشمس لم تغب
بعد، وكان مظنة أن يصل الضرر إليه وإلى غيره، فنهاه عليه السلام لذلك، ويمكن أن
يكون المراد بقوله عليه السلام فإنما عليك مشرقك ومغربك، أنك لا تحتاج إلى صعود
الجبل، فإنه يمكن استعلام الطلوع والغروب بظهور الحمرة أو ذهابها في المشرق
أو عنه للغروب وعكسه للطلوع، وهذا الوجه جار في الخبر الأخير أيضا.
وقال الجوهري: غارت الشمس تغور غيارا غربت، وقال: جلل الشئ
تجليلا عم والمجلل السحاب الذي يجلل الأرض بالمطر أي يعم.
16 - المجالس: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن
أبان، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن يحيى الخثعمي قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي المغرب ويصلي معه
حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة، منازلهم على نصف ميل فيصلون معه ثم ينصرفون
إلى منازلهم وهم يرون مواضع نبلهم (1).
بيان: (مواضع نبلهم) أي سهامهم، ويدل على استحباب التعجيل بالمغرب
وظاهره دخول الوقت بغيبوبة القرص، وهذا الخبر رواه المخالفون أيضا عن جابر
وغيره، قال: كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله ثم نخرج نتناضل حتى ندخل
بيوت بني سلمة ننظر إلى مواقع النبل من الاسفار.
17 - المجالس: عن جعفر بن علي بن الحسن الكوفي، عن جده الحسن بن
علي بن عبد الله، عن جده عبد الله بن مغيرة، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر
فكنت أنا أصلي المغرب إذا وجبت الشمس واصلي الفجر إذا استبان لي الفجر،

(1) أمالي الصدوق ص 50.
58

فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع، فان الشمس تطلع على قوم
قبلنا وتغرب عنا وهي طالعة على آخرين بعد، قال: فقلت إنما علينا أن نصلي
إذا وجبت الشمس عنا، وإذا طلع الفجر عندنا ليس علينا إلا ذلك، وعلى أولئك
أن يصلوا إذا غربت عنهم (1).
بيان: يمسي بالمغرب أي يوقعها في المساء وبعد دخول الليل، وقال
الجوهري: الغلس ظلمة آخر الليل، والتغليس السير بغلس يقال: غلسنا الماء أي
وردناه بغلس، وكذلك إذا فعلنا الصلاة بغلس.
18 - المجالس: عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد وأحمد بن محمد
العطار كلهم، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن موسى
ابن بشار، عن المسعودي، عن عبد الله بن زبير وعن أبان بن تغلب والربيع بن
سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم قالوا أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأجفر
إذا نحن برجل يصلي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل
يصلي ونحن ندعو عليه، حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول هذا من شباب
أهل المدينة، فلما أتيناه إذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فنزلنا فصلينا معه،
وقد فاتتنا ركعة، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه، فقلنا: جعلنا فداك، هذه الساعة
تصلي؟ فقال إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت (2).
بيان: في القاموس الأجفر موضع بين الخزيمية وفيد، وقال: وجد عليه
يجد ويجد وجدا وجدة وموجدة غضب، وبه وجدا في الحب فقط وكذا في الحزن
ولكن يكسر ماضيه، والمراد بشعاع الشمس الحمرة المشرقية كما يدل
آخر الخبر.
19 - المجالس: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد
عن هارون بن مسلم، عن ابن أبي عمير، عن علي بن إسماعيل، عن زيد الشحام

(1) أمالي الصدوق ص 50.
(2) المصدر نفسه ص 50.
59

قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أخر المغرب حتى تشتبك النجوم من غير
علة فأنا إلى الله منه برئ (1).
بيان: اشتباك النجوم كثرتها قال في النهاية في حديث مواقيت الصلاة إذا
اشتبكت النجوم أي ظهرت جميعا، واختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها، و
لعله محمول على ما إذا أخر معتقدا عدم جواز إيقاعها قبل ذلك، كما كان مذهب
أبي الخطاب أو طلبا لفضلها كما قيد به في ساير الأخبار أو إذاعة وتركا للتقية
فان العامة ينكرون التأخير أشد الانكار أو على من داوم على ذلك تهاونا بالسنة
وعدولا عنها ويمكن حملها على التقية أيضا.
20 - الاحتجاج: عن الكليني رفعه عن الزهري قال: طلبت هذا الامر
طلبا شافيا حتى ذهب لي فيه مال صالح، فرفعت إلى العمري فخدمته ولزمته
فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان عليه السلام فقال: ليس إلى ذلك وصول، فخضعت له
فقال بكر بالغداة، فوافيت فاستقبلني شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا
وفي كمه شئ كهيئة التجار، فلما نظرت إليه دنوت من العمري فأومأ إلى
فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كل شئ أردت، ثم مر ليدخل الدار، وكانت
من الدور التي لا يكترث بها، فقال العمري: إن أردت أن تسئل فسل، فإنك لا
تراه بعد ذا، فذهبت لأسأل فلم يستمع ودخل الدار وما كلمني بأكثر من أن
قال: ملعون ملعون من أخر العشاء إلى أن تشتبك النجوم، ملعون ملعون من أخر
الغداة إلى أن تنقضي النجوم. ودخل الدار (2).
بيان: لعل المراد بالعشاء هنا المغرب، ويحتمل على ما حمل عليه

(1) أمالي الصدوق ص 236، ووجه الحديث أن الوقت المسنون لصلاة المغرب أول
المغرب عند ذهاب الحمرة، فمن أخر صلاة المغرب عن هذا الوقت من غير علة - كما صرح
بذلك في الخبر - فقد تهاون بسنته صلى الله عليه وآله، ورغب عنها، ومن رغب عن سنته فليس منه
في شئ.
(2) الاحتجاج: 267
60

الخبر السابق.
21 - قرب الإسناد: عن أحمد بن إسحاق بن سعد، عن بكر بن محمد
الأزدي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن وقت صلاة المغرب فقال: إذا غاب القرص
ثم سألته عن وقت صلاة العشاء الآخرة، قال: إذا غاب الشفق، قال وآية الشفق
الحمرة، قال: وقال بيده هكذا (1).
بيان: قال: بيده هكذا أي أشار بيده إلى ناحية المغرب، واستعمال القول
في الفعل شايع.
22 - قرب الإسناد: عن السندي بن محمد، عن صفوان الجمال: عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قلت: إن معي شبه الكرش المنثور فأؤخر صلاة المغرب حتى
عند غيبوبة الشفق ثم أصليهما جميعا يكون ذلك أرفق بي، فقال: إذا غاب القرص
فصل المغرب، فإنما أنت ومالك لله عز وجل (2).
23 - ومنه: عن محمد بن خالد الطيالسي، عن صفوان مثله (3). بيان: قال في القاموس: الكرش بالكسر وككتف لكل مجتر بمنزلة
المعدة للانسان، وعيال الرجل وصغار ولده، والجماعة، وفي الصحاح: وكرش
الرجل أيضا عياله من صغار ولده، يقال هم كرش منثورة أي صبيان صغار، و
تزوج فلان فلانة فنثرت له كرشها وبطنها، إذا كثر ولدها له، والكرش أيضا الجماعة
من الناس انتهى، والمراد هنا كثرة العيال أو كثرة الجمال، كما يشهد به حاله وآخر
الخبر أيضا، والغرض أني لكثرة عيالي محتاج إلى العمل، أو لكثرة جمالي
وخوف انتشارها وتفرقها لا أقدر على تفريق الصلاتين، فنهى عليه السلام عن تأخير المغرب
لذلك، وفيه دلالة ما على مرجوحية الجمع أيضا.
24 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن العلوي، عن جده علي بن

(1) قرب الإسناد ص 18 ط حجر ص 26 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 29 ط حجر، ص 41 ط نجف.
(3) قرب الإسناد ص 61 ط حجر ص 81 ط نجف.
61

جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن القوم يتحدثون حتى يذهب الثلث الأول
من الليل وأكثر أيما أفضل؟ يصلون العشاء جماعة أو في غير جماعة؟ قال: يصلونها
جماعة أفضل (1).
بيان: يدل على عدم خروج وقت العشاء بمضي ثلث الليل.
25 - قرب الإسناد: عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن الميثم، عن الحسين
أبي العرندس قال: رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام في المسجد الحرام في شهر رمضان
وقد أتاه غلام له أسود بين ثوبين أبيضين، ومعه قلة وقدح، فحين قال المؤذن:
الله أكبر صب له فناوله وشرب (2).
بيان: ظاهره دخول وقت المغرب بغيبوبة القرص إذ مؤذنهم يؤذن عند
ذلك، ونقل الراوي ذلك أيضا يدل عليه، كما لا يخفى، ويمكن حمله
على التقية.
26 - قرب الإسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن
أبي نصر البزنطي قال: صليت المغرب مع أهل المدينة في المسجد، فلما سلم الامام
قمت فصليت أربع ركعات ثم صليت العتمة ركعتين ثم مضيت إلى أبي الحسن عليه السلام
فدخلت عليه بعد ما أعتمت فقال لي صليت العتمة فقلت له: نعم، قال: متى صليت؟
قلت: صليت المغرب وأمسيت بصلاتي معهم، فلما سلم الامام قمت فصليت أربع
ركعات ثم صليت العتمة ركعتين، ثم أتيتك، فأخذ في شئ آخر ولم يجبني،
فقلت له: إني فعلت هذا وهو عندي جايز، فإن لم يكن جايزا قمت الساعة فأعدت
فأخذ في شئ آخر ولم يجبني (3).
توضيح: قال في النهاية: حتى يعتموا أي يدخلوا في عتمة الليل وهي ظلمته
ويقال: أعتم الشئ وعتمه إذا أخره، وعتمت الجارية وأعتمت إذا تأخرت

(1) قرب الإسناد ص 121 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 173 ط نجف.
(3) قرب الإسناد ص 229 ط نجف.
62

وفي القاموس عتم عنه يعتم كف بعد المضي فيه، كعتم وأعتم أو احتبس عن فعل
شئ يريده، والليل مر منه قطعة كأعتم فيهما، وأعتم وعتم سار في العتمة انتهى،
والظاهر أن عدم الجواب للتقية في تصويب ذلك أو لعدم جرءة المخاطب بعد ذلك
على ترك التقية.
27 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى
عن الحسن بن سعيد، عن أحمد بن عبد الله القروي، عن أبان بن عثمان، عن أبي
بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لولا أن أشق على أمتي
لاخرت العشاء إلى نصف الليل (1).
بيان: قال: في النهاية: أي لولا أن أثقل عليهم من المشقة وهي الشدة
انتهى، ولولا يدل على انتفاء الشئ لثبوت غيره، وتحقيقه أنها مركبة من لو ولا

(1) علل الشرايع ج 2 ص 29، ووجه الحديث ظاهر مما تلوناه عليك من أن صلاة
العشاء وقتها المفروض من أول الليل إلى آخره مع رعاية الأول فالأول لقوله تعالى: (زلفا) لكن رسول الله صلى الله عليه وآله سن لها وقتا معينا وهو أول غيبوبة الشفق لعجلة الناس في
النوم والخوف من فوات العشاء عنهم، ولذلك قال: (من نام قبل العشاء الآخرة فلا أنام
الله عينه).
ومعنى قوله صلى الله عليه وآله (لولا أن أشق) أنه لولا أن أشق عليهم في السهر (بأن لا يناموا إلى ثلث الليل
فيصلوا العشاء الآخرة ثم ينامون. أو ينامون ثم يستيقظون ثلث الليل لأداء الصلاة) لفعلت
ذلك وأخرت وقتها المسنون إلى ثلث الليل أو نصفه، لوجود المصلحة في التفريق بين
الصلوات المفروضة بساعات، ولكني لم أفعل ذلك.
فيكون مغزا هذا الكلام أن المسلم المتبع لسنته صلى الله عليه وآله يجب عليه أن يصلى العشاء
الآخرة عند وقتها المسنون وهو ذهاب الشفق اقتداء به وتبعا لقوله تعالى: (ولقد كان
لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) وان أخرها عن وقتها
المسنون، وفات عنه الاخذ بالسنة فان أمكنه فليؤخرها إلى ثلث الليل ليدرك مراده صلى الله عليه وآله
من المصالح.
63

و (لو) يدل على انتفاء الشئ لانتفاء غيره، فيدل ههنا على انتفاء التأخير لانتفاء نفي
المشقة، ونفي النفي إثبات، فيكون التأخير منتفيا لثبوت المشقة، والمشقة هيهنا
ليست بثابتة، فلابد من مقدر أي لولا خوف المشقة أو توقعها بسبب هذا الفعل
لفعلت، والخبر يدل على استحباب تأخير العشاء عن أول وقت الفضيلة، وهو
مناف لما مر من الأخبار الدالة على كون أول الوقت أفضل، فيمكن تخصيصها به
كما خصص بغيره مما مر.
ويمكن حمله على التقية لاشتهاره بين العامة كما رواه أحمد والترمذي
وابن ماجة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لولا أن أشق على أمتي لامرتهم أن يؤخروا
العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه: وقال محيي السنة من فقهائهم: اختار أهل العلم
من الصحابة والتابعين فمن بعدهم تأخير العشاء، وذهب الشافعي في أحد قوليه
إلى تعجيلها، لكن رووا التعجيل عن عمر كما ورد في أخبارنا معارضته النبي صلى الله عليه وآله
في ذلك.
وقال في الذكرى بعد إيراد بعض الأخبار الدالة على استحباب التأخير:
وظاهر الأصحاب عدم هذا الاستحباب، لمعارضة أخبار أفضلية أول الوقت صرح
به في المبسوط وقال المرتضى - لما قال الناصر أفضل الأوقات أولها في الصلوات
كلها: هذا صحيح وهو مذهب أصحابنا، والدليل على صحته بعد الاجماع ما
رواه ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسأله عن أفضل الأعمال، فقال: الصلاة في
أول وقتها، ومثله رواية أم فروة عن النبي صلى الله عليه وآله ولان في تقديمها احتياطا
للفرض وفي التأخير تغريرا به، لجواز المانع وحينئذ نقول: ما اختاره النبي صلى الله عليه وآله وسلم
جاز أن يكون لعذر أو لبيان الجواز.
28 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى
الأشعري، عن أحمد بن محمد، عن علي بن أحمد، عن بعض أصحابنا رفعه قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، وتدري
كيف ذلك؟ قلت: لا، قال: لان المشرق مطل على المغرب، هكذا، ورفع
64

يمينه فوق يساره، فإذا غابت ههنا ذهب الحمرة من ههنا (1).
بيان، أطل عليه أشرف، ذكره في القاموس والمراد بالمشرق ما يقع عليه
شعاع الشمس من كرة البخار في جانب المشرق، وبالمغرب محل غروب الشمس
من تحت الأفق إذ بعد الانحطاط عن الأفق بزمان تذهب الحمرة عن المشرق و
إشرافه عليه ظاهر بهذا الوجه إذ أحدهما تحت الأفق والاخر فوقه.
29 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن
أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي أسامة الشحام قال: قال رجل
لأبي عبد الله عليه السلام أؤخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ قال: فقال خطابية؟ إن
جبرئيل نزل بها على محمد صلى الله عليه وآله حين سقط القرص (2).
اختيار الكشي: عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير، عن الحسين بن موسى
عن ابن عبد الحميد مثله (3).
بيان: خطابية أي بدعة ابتدعها أبو الخطاب، وهو رجل غال ملعون على
لسان الصادق عليه السلام اسمه محمد بن مقلاص، وكان صاحب بدع وأهواء، وسيأتي
كيفية ابتداعه.
30 - العلل: عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن أحمد الأشعري،
عن محمد بن السندي، عن علي بن الحكم رفعه عن أحدهما عليه السلام أنه سئل عن وقت
المغرب فقال: إذا غابت كرسيها قال: وما كرسيها قال: قرصها قال: ومتى يغيب
قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره (4).
31 - ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
معاوية بن حكيم، عن عبد الله بن المغيرة، عن ابن مسكان، عن ليث، عن أبي عبد الله

(1) علل الشرائع ج 2 ص 38.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 39.
(3) رجال الكشي ص 247.
(4) علل الشرايع ج 2 ص 39.
65

عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يؤثر على صلاة المغرب شيئا إذا غربت
الشمس حتى يصليها (1).
32 - ومنه: عن أبيه وابن الوليد معا عن محمد العطار، عن محمد بن أحمد
الأشعري، عن أحمد بن محمد، عن علي بن أحمد، عن محمد بن أبي حمزة، عمن
ذكره، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال: ملعون من أخر المغرب طلبا
لفضلها (9).
33 - ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي المغرا
عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لولا
نوم الصبي وعيلة الضعيف لاخرت العتمة إلى ثلث الليل (3).
34 - فقه الرضا: قال عليه السلام: أول وقت المغرب سقوط القرص، وعلامة
سقوطه أن يسود أفق المشرق، وآخر وقتها غروب الشفق، وهو أول وقت
العتمة، وسقوط الشفق ذهاب الحمرة، وآخر وقت العتمة نصف الليل، وهو
زوال الليل (4).
وقال في موضع آخر: وقت المغرب سقوط القرص إلى مغيب الشفق، و
وقت العشاء الآخرة الفراغ من المغرب، ثم إلى ربع الليل، وقد رخص للعليل
والمسافر فيهما إلى انتصاف الليل وللمضطر إلى قبل طلوع الفجر، والدليل على غروب
الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق، وفي الغيم سواد المحاجر، وقد كثرت
الروايات في وقت المغرب، وسقوط القرص، والعمل من ذلك على سواد المشرق
إلى حد الرأس (5).

(1) علل الشرايع ج 2 ص 39.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 39.
(3) علل الشرايع ج 2 ص 56.
(4) فقه الرضا: 2.
(5) فقه الرضا: 7.
66

بيان: في القاموس المحجر كمجلس ومنبر الحديقة، ومن العين ما دار بها
وبدا من البرقع أو ما يظهر من نقابها، وعمامته إذا اعتم وما حول القرية.
35 - السرائر: مما استطرفه من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي
عن الفضيل، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (أقم الصلاة لدلوك
الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) (1) قال:
دلوك الشمس زوالها وغسق الليل انتصافها وقرآن الفجر ركعتا الفجر (2).
36 - ومنه: من كتاب البزنطي، عن علي، عن الحلبي، عن أبي عبد الله
عليه السلام: قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وآله العشاء الآخرة ليلة من الليالي حتى
ذهب من الليل ما شاء الله، فجاء عمر يدق الباب فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله نامت
النساء، ونامت الصبيان، وذهب الليل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: ليس
لكم أن تؤذوني ولا تأمروني إنما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا (3).
أربعين الشهيد: باسناده إلى الصدوق، عن والده، عن سعد بن عبد الله،
عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان عنه عليه السلام مثله.
37 - السرائر: من كتاب السياري، عن محمد بن سنان، عن رجل سماه
عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (وأتموا الصيام إلى الليل) (4) قال:
سقوط الشفق (5).
38 - ومنه: من كتاب المسائل برواية أحمد بن محمد بن عياش الجوهري و
رواية عبد الله بن جعفر الحميري عن مسائل علي بن الريان قال: كتبت إلى أبي
الحسن عليه السلام: رجل يكون في الدار يمنعه حيطانها من النظر إلى حمرة المغرب

(1) أسرى: 78.
السرائر: 465.
السرائر ص 465، وتراه في التهذيب ج 1 ص 141.
(4) البقرة: 178.
(5) السرائر: 468.
67

ومعرفة مغيب الشفق ووقت صلاة العشاء، متى يصليها وكيف يصنع؟ فوقع عليه السلام
يصليها إذا كانت على هذه الصفة عن اشتباك النجوم، والمغرب عند قصر النجوم،
وبياض مغيب الشفق (1)
بيان: في التهذيب (2) بعد نقل الرواية قال محمد بن الحسن: معنى قصر
النجوم بيانها، وفي الكافي (3) قصرة النجوم بيانها، وفي بعض نسخه نضرة النجوم
في الموضعين، وفي القاموس القصر اختلاط الظلام، وقصر الطعام قصورا نما وغلا
ونقص ورخص، وفي مصباح اللغة: قصرت الثوب بيضته، فلعل ما ذكراه إما
مأخوذ من المعنى الأخير أو من النمو.
ثم اعلم أن نسخ الحديث في لفظ الخبر مختلفة ففي الكافي (يصليها إذا
كان على هذه الصفة عند قصرة النجوم، والمغرب عند اشتباكها وبياض مغيب
الشفق) وفي التهذيب (يصليها إذا كان على هذه الصفة عند قصر النجوم، والعشاء
عند اشتباكها وبياض مغيب الشمس) وهو أصوب مما في الكتابين، وأوفق بساير
الاخبار كما لا يخفى.
39 - العياشي: عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله:
(أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) (4) قال: إن الله افترض أربع صلوات
أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل، منها صلاتان أول وقتهما من عند
زوال الشمس إلى غروبها إلا أن هذه قبل هذه ومنها صلاتان أول وقتهما من
غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه (5).
40 - ومنه، عن أبي هاشم الخادم، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: ما

(1) السرائر: 471.
(2) التهذيب ج 1 ص 210.
(3) الكافي ج 3 ص 281.
(4) أسرى: 78.
(5) تفسير العياشي ج 2 ص 310.
68

بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق (1).
بيان: هذا معنى آخر للغسق وتأويل آخر للآية، فتكون الآية متضمنة
لأربع صلوات أو ثلاث صلوات أو صلاتين، ويحتمل أن يكون المراد بالشفق أعم
من الحمرة والبياض، فيكون إشارة إلى وقت الفضل للعشائين والظاهر أنه اشتباه
من النساخ أو من الرواة.
41 - العياشي: عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي
عبد الله عليهما السلام عن قوله: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) قال: جمعت
الصلاة كلهن، ودلوك الشمس زوالها، وغسق الليل انتصافه، وقال: إنه ينادي
مناد من السماء كل ليلة إذا انتصف الليل: (من رقد عن صلاة العشاء إلى هذه
الساعة فلا نامت عيناه) (2).
42 - اختيار الرجال للكشي: عن محمد بن مسعود، عن ابن المغيرة، عن
الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن حريز، عن زرارة قال: قال:
يعني أبا عبد الله عليه السلام إن أبا الخطاب كذب علي وقال: إني أمرته أن لا يصلي
هو وأصحابه المغرب حتى يروا كوكب كذا يقال: له القنداني، والله إن ذلك
لكوكب ما أعرفه (3).
بيان: أي ما أعرفه بهذا الوصف أو بهذا الاسم، ولعله كان كوكبا خفيا
لا يظهر إلا بعد اشتباك النجوم كالسهى (4).
43 - الاختيار: عن محمد بن مسعود، عن علي بن الحسن عن معمر بن
خلاد قال: قال: أبو الحسن عليه السلام: إن أبا الخطاب أفسد أهل الكوفة فصاروا
لا يصلون المغرب حتى يغيب الشفق، ولم يكن ذلك، إنما ذلك للمسافر

(1) تفسير العياشي ج 2 ص 310.
(2) تفسير العياشي ج 2: 309 في حديث.
(3) رجال الكشي ص 198.
(4) السها والسهى - بالألف والياء - كوكب صغير من بنات نعش الصغرى.
69

وصاحب العلة (1).
أقول: قد سبق خبر محمد بن أبي بكر وغيره في الأبواب الماضية مما تضمن
وقت الصلاتين.
44 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليه وعليهم السلام أن
أول وقت المغرب غياب الشمس وهو أن يتوارى القرص في أفق المغرب، لغير مانع
من حاجز يحجز دون الأفق مثل جبل أو حائط أو غير ذلك، فإذا غاب القرص فذلك
أول وقت صلاة المغرب، وإن حال حائل دون الأفق فعلامته أن يسود أفق المشرق
وكذلك قال جعفر بن محمد عليه السلام (2).
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا أقبل الليل من ههنا وأومأ إلى
جهة المشرق (3).
وسمع أبو الخطاب أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول: إذا سقطت الحمرة من
ههنا وأومأ بيده إلى المشرق، فذلك وقت المغرب، فقال أبو الخطاب لأصحابه:
لما أحدث ما أحدثه، وقت صلاة المغرب ذهاب الحمرة من أفق المغرب، فلا
تصلوها حتى تشتبك النجوم وروى ذلك لهم عن أبي عبد الله عليه السلام فبلغه عليه السلام ذلك
فلعن أبا الخطاب وقال: من ترك صلاة المغرب عامدا إلى اشتباك النجوم فأنا
منه برئ.
وروينا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أول وقت العشاء الآخرة غياب الشفق
والشفق الحمرة التي تكون في أفق المغرب بعد غروب الشمس، وآخر وقتها أن
ينتصف الليل (4).
بيان: ما ذكره من حمل أخبار ذهاب الحمرة على صورة الاشتباه وعدم
السبيل إلى تيقن استتار القرص وجه جمع بين الاخبار، اختاره المؤلف، ولعل

(1) رجال الكشي: 249.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 138.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 138.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 139.
70

الحمل على الاستحباب أحسن.
45 - المجازات النبوية: سأل النبي صلى الله عليه وآله رجل من جهينة متى تصلي العشاء
الآخرة؟ فقال: إذا ملا الليل بطن كل واد.
قال السيد رضوان الله عليه: هذا مجاز لان الليل على الحقيقة لا تمتلئ به
بطون الأودية كما تمتلئ بطون الأوعية، وإنما المراد إذا شمل ظل الليل البلاد،
وطبق النجاد والوهاد، فصار كأنه سداد لكل شعب، وصمام لكل نقب (1).

(1) المجازات النبوية: 278 والنجاد - بكسر النون - جمع نجد وهو ما أشرف
وارتفع من الأرض خلاف الوهاد جمع وهد وهو ما انخفض من الأرض، والشعب كالنقب
الطريق في الجبل ومسيل الماء بين الجبلين، والسداد والصمام بمعنى كالذي يسد فم
القارورة ويصمها.
71

[9]
(باب)
* (وقت صلاة الفجر ونافلتها) *
1 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي، عن عبد الرحمن بن سالم عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر، قال: مع طلوع الفجر
إن الله تبارك وتعالى يقول: (إن قرآن الفجر كان مشهودا) يعني صلاة الفجر
تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، فإذا صلى العبد صلاة الصبح مع طلوع
الفجر أثبتت له مرتين: أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار (1).
ثواب الأعمال: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن الحسن
ابن موسى الخشاب، عن عبد الله بن جبلة، غن غياث بن كلوب عن إسحاق مثله (2).
2 - فقه الرضا: قال عليه السلام: أول وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق
المشرق، وهو بياض كبياض النهار وآخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب،
وقد رخص للعليل والمسافر والمضطر إلى قبل طلوع الشمس (3).
3 - مجالس الشيخ: عن الحسين بن عبيد الله الغضايري، عن هارون بن
موسى التلعكبري، عن محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن
خالد الطيالسي، عن زريق الخلقاني، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كان يصلي الغداة
بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو، قبل أن يستعرض، وكان يقول:

(1) علل الشرائع ج 2 ص 25.
(2) ثواب الأعمال ص 33. وقد عرفت وجه الحديث خصوصا قوله عليه السلام:
(مع طلوع الفجر) ص 321 من ج 82 باب أوقات الصلوات.
(3) فقه الرضا ص 2.
72

(وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) إن ملائكة الليل تصعد وملائكة
النهار تنزل عند طلوع الفجر، فأنا أحب أن تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار
صلاتي وكان يصلي المغرب عند سقوط القرص قبل أن تظهر النجوم (1).
وقال عليه السلام: إذا طلع الفجر فلا نافلة (2).
بيان: (قبل أن يستعرض) أي قبل أن يعترض وينتشر كثيرا للتقييد بالصادق
قبله، ثم اعلم أنه لا خلاف في أن أول وقت فريضة الفجر الصبح الصادق، و
هو البياض المنتشر في الأفق عرضا، لا الكاذب الشبيه بذنب السرحان، ونقل
المحقق والعلامة عليه إجماع أهل العلم، والمشهور بين الأصحاب أن آخره
طلوع الشمس، وقال ابن عقيل: آخره للمختار طلوع الحمرة المشرقية، و
للمضطر طلوع الشمس واختاره الشيخ في المبسوط وابن حمزة وقال في الخلاف:
وقت المختار إلى أن يسفر الصبح، وهو قريب من مذهب ابن أبي عقيل، والأول
أقوى، والأقوال المتقاربة الأخرى أحوط.
وأما نافلة الفجر فالمشهور أن وقتها بعد طلوع الفجر الأول ولمن يصلي
صلاة الليل أن يأتي بها بعد الفراغ منها، بل هو أفضل وقال الصدوق: كلما قرب
من الفجر كان أفضل، وفي المعتبر أن تأخيرها حتى تطلع الفجر الأول أفضل
والمشهور أن آخر وقتها طلوع الحمرة المشرقية، قال ابن الجنيد على ما نقل
عنه: وقت صلاة الليل والوتر والركعتين من حين انتصاف الليل إلى طلوع الفجر
على الترتيب، وهو ظاهر اختيار الشيخ في كتابي الاخبار، ويدل عليه هذا الخبر
وأخبار اخر، ويمكن حمل أخبار الجواز على التقية أو أخبار التقديم على
الأفضلية والأحوط التقديم، وإن كان الجواز أقوى في الجملة.
أقول: قد سبق وصية محمد بن أبي بكر في باب أوقات الصلوات، وخبر
الزهري في باب وقت العشائين وغيرهما في غيرهما مما يستنبط منه أحكام هذا الباب.

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 306.
(2) المصدر ج 2 س 307. في حديث
73

4 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: وقت صلاة ركعتي
الفجر بعد الفجر (1).
وعن عليه السلام أيضا قال: لا بأس أن تصليها قبل الفجر (2).
وعنه عليه السلام قال: أول وقت صلاة الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق
وآخر وقتها أن يحمر أفق المغرب، وذلك قبل أن يبدو قرن الشمس من
أفق المشرق بشئ، ولا ينبغي تأخيره إلى هذا الوقت لغير عذر، وأول
الوقت أفضل (3).
بيان: اعتبار احمرار المغرب غريب، وقد جرب أنه إذا وصلت الحمرة
إلى أفق المغرب يطلع قرن الشمس.
5 - الهداية: قال الصادق عليه السلام حين سئل عن وقت الصبح فقال: حين
يعترض الفجر ويضئ حسنا (4).
6 - كتاب العروس: باسناده عن الرضا عليه السلام أنه قال: صل صلاة الغداة إذا
طلع الفجر وأضاء حسنا، وصل صلاة الغداة يوم الجمعة إذا طلع الفجر في أول وقتها.
[10]
(باب)
* (تحقيق منتصف الليل ومنتهاه) *
* (ومفتتح النهار شرعا وعرفا ولغة ومعناه) *
اعلم أن بعض أصحابنا في زماننا جددوا النزاع القديم الذي كان في بعض
الأزمان السابقة واضمحل لوضوح الحق فيه واتفق الخاص والعام فيه على
أمر واحد، وهو الخلاف في معنى الليل والنهار شرعا، وعرفا بل لغة: هل ابتداء
النهار من طلوع الفجر أو طلوع الشمس، وعندنا أنه لا يفهم في عرف الشرع ولا في
العرف العام ولا بحسب اللغة من اليوم أو النهار إلا ما هو من ابتداء طلوع الفجر
ولم يخالف في ذلك إلا شر ذمة قليلة قد انقرضوا.

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 139.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 139.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 139.
(4) الهداية: 30.
74

نعم بعض أهل الحرف والصناعات لما كان ابتداء عملهم من طلوع الشمس
قد يطلقون اليوم عليه، وبعض أهل اللغة لما رأوا هذا الاصطلاح ذكروه في كتب
اللغة، ويحتمل أن يكون كلاهما بحسب اللغة حقيقة، وكذا المنجمون قد
يطلقون اليوم على ما بين الطلوع إلى الغروب، وعلى ما بين الطلوع إلى الطلوع
وعلى ما بين الغروب إلى الغروب، وعلى ما بين الزوال إلى الزوال، وكذا النهار
على المعنى الأول، والليل على ما بين غروب الشمس إلى طلوعها.
لكن لا ينبغي أن يستريب عارف بقواعد الشريعة وإطلاقاتها في أنه لا يتبادر
فيها مع عدم القرينة من النهار إلا ما هو مبتدأ من طلوع الفجر، وكذا اليوم بأحد
المعنيين، وقد يطلق اليوم على مجموع الليل والنهار، ولا يتبادر من الليل إلا
ما هو مختتم بالفجر، وأما انتهاء النهار واليوم وابتداء الليل فهو إما غيبوبة القرص
أو ذهاب الحمرة المشرقية كما عرفت.
ولنذكر بعض كلمات أهل اللغة والمفسرين والفقهاء من الخاصة والعامة
ثم لنشر إلى بعض الآيات والأخبار الدالة على هذا المطلب، لإراءة الطالبين للحق
سبيل التحقيق، فان استيفاء جميع الدلائل والبراهين، والتعرض لما استدل به بعض
أفاضل المعاصرين لا يناسب هذا الكتاب، وفي بالي إن ساعدني التوفيق أن أفرد
لذلك رسالة تتضمن أكثر ما يتق بهذا المرام، والله الموفق والمعين.
فأما كلمات القوم فقال الشيخ الطبرسي - رحمه الله - في مجمع البيان في
تفسير قوله تعالى: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) (1) الليلة من غروب الشمس
إلى طلوع الفجر الثاني واليوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، ولم
يذكر لهما معنى آخر (2).
وقال - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى. (وسخر لكم الليل والنهار) (3)

(1) البقرة: 51.
(2) مجمع البيان ج 1 ص 108.
(3) النحل: 12.
75

التسخير في الحقيقة للشمس والقمر، لان النهار هو حركات الشمس من وقت
طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليل حركات الشمس تحت الأرض من وقت
غروب الشمس إلى وقت طلوع الفجر، إلا أنه سبحانه أجرى التسخير على الليل
والنهار، على سبيل التجوز والاتساع (1).
وقال في قوله تعالى: (والنهار مبصرا) (2) أي وجعل لكم النهار وهو ما بين
طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس مضيئا تبصرون فيه لمواضع حاجاتكم (3).
وقال في نقل الأقوال في الصلاة الوسطى: وثانيها أنها صلاة العصر ونسبه
إلى جماعة منهم علي عليه السلام وابن عباس ثم قال: قالوا: لأنها بين صلاتي النهار
وصلاتي الليل، وذكر ذلك أكثر المفسرين والعلماء من الفريقين (4).
وقال ابن البراج في جواهر الفقه: صلاة الصبح من صلاة النهار لقوله تعالى
(أقم الصلاة طرفي النهار) (5) ولا خلاف في أن المراد بذلك صلاة الفجر والعصر
ولما كانت صلاة الفجر وتقام بعد طلوع الفجر إلى قبل طلوع الشمس، كان ذلك
دالا على أن هذا الوقت طرف النهار، لان إجماع الطائفة عليه أيضا.
وقال الشيخ في الخلاف: الفجر الثاني هو أول النهار وآخر الليل، فينفصل
به الليل من النهار، وتحل به الصلاة ويحرم به الطعام والشراب على الصائم، وتكون صلاة الصبح من صلاة النهار، وبه قال عامة أهل العلم، وذهبت طائفة
إلى أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من النهار ولا من الليل، بل هو
زمان منفصل عنهما، وذهبت طائفة إلى أن أول النهار هو طلوع الشمس، وما
قبل ذلك من الليل، فتكون صلاة الصبح من صلاة الليل، ولا يحرم الطعام و

(1) مجمع البيان ج 6 ص 353.
(2) غافر: 61.
(3) مجمع البيان ج 8 ص 530.
(4) مجمع البيان ج 2 ص 343.
(5) هود: 114.
76

الشراب على الصائم إلى طلوع الشمس ذهب إليه الأعمش وغيره. وروي ذلك
عن حذيفة.
دليلنا على فساد قول الفرقة الأولى قوله تعالى: (يولج الليل في النهار و
يولج النهار في الليل) (1) وهذا ينفي أن يكون بينهما فاصل، ويدل على فساد قول
الأعمش قوله تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار) ولم يختلفوا أن المراد بذلك صلاة
الصبح والعصر، فلما كانت صلاة الصبح تقام بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، دل
ذلك على أن الوقت طرف النهار، وعنده أنه من الليل، وأيضا أجمعت الفرقة
المحقة على تحريم الأكل والشرب بعد طلوع الفجر الثاني، وقد بينا أن ذلك
حجة، على أن هذا الخلاف قد انقرض وأجمع المسلمون، فلو كان صحيحا لما
انقرض.
وقال العلامة نور الله مرقده في المنتهى: روى الشيخ في الصحيح عن زرارة، عن
أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال: قبل
الفجر، إنهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل أتريد أن تقايس؟
لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ
بالفريضة (2).
ثم قال: وفي هذا الحديث فوائد: أحدها الحكم بأنهما قبل الفجر، وثانيها
أنهما وإن كانا قبل الفجر فإنهما يسميان بركعتي الفجر، وذلك من باب التجوز
تسمية للشئ باسم ما يقاربه، وثالثها الحكم بأنهما من صلاة الليل، ورابعها تعليل
أنهما قبل الفجر بأنهما من صلاة الليل وذلك يدل على أن ما بعد الفجر ليس من
الليل خلافا للأعمش وغيره ولحذيفة على ما روي عنه حيث ذهبوا إلى أن ما بين
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من الليل وأن صلاة الصبح من صلاة الليل، وأنه
يباح للصائم الأكل والشرب إلى طلوع الشمس، ويزيده فسادا قوله تعالى: (أقم

(1) الحج: 61.
(2) رواه في التهذيب ج 1 ص 173.
77

الصلاة طرفي النهار) واتفق المفسرون على أن المراد بذلك صلاة الصبح والعصر
إلى آخر ما قال.
وقال - ره - في كتاب الاعتكاف: لا تدخل الليالي في الاعتكاف بل ليلتان من
كل ثلاث، ثم أجاب عن حجة المخالف بأن اسم اليوم حقيقة لما بين الفجر إلى
الغروب، والليلة ما عدا ذلك، فلا يتناولها إلا مع القرينة، ومع تجرد اللفظ عنها
يحمل على حقيقته.
ثم قال في سياق كلامه: فمن نذر اعتكاف يوم فإنه يلزمه الدخول فيه قبل
طلوع فجره، ونحو هذا قال المحقق قدس سره في المعتبر، وغيره من الأصحاب.
وقال ابن إدريس قدس سره في السرائر: تراوح على نزحها أربعة رجال من
أول النهار إلى آخره، وأول النهار حين يحرم على الصيام الأكل والشرب، وآخره حين
يحل له الافطار، وقد يوجد في كتب بعض أصحابنا (من الغدوة إلى العشية) وليس
في ذلك ما ينافي ما ذكرناه، لان الغدوة والغداة عبارة عن أول النهار بغير خلاف
بين أهل اللغة العربية، وقال في وقوف المشعر: وقته من طلوع الفجر من يوم النحر
إلى طلوع الشمس من ذلك اليوم.
وقال المفيد في المقنعة: من حصل بعرفات قبل طلوع الفجر من يوم النحر
فقد أدركها، وقال ابن أبي عقيل على ما نقل عنه حين عد النوافل: وثماني عشر
ركعة بالليل، منها أربع ركعات بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء الآخرة من
جلوس تعدان ركعة، وثلاث عشر ركعة من انتصاف الليل إلى طلوع الفجر الثاني
منها ثلاث ركعات الوتر.
وقال المفيد - ره - إذا كان يوم العيد بعد طلوع الفجر اغتسلت إلى آخر
ما قال.
وقال السيد المرتضى - ره - في احتجاج أن الصلاة الوسطى صلاة العصر:
لأنها وسط بين الصبح والظهر، وهما صلاة النهار وبين المغرب والعشاء، وهما
صلاة الليل.
78

وقال ابن الجنيد على ما نقل عنه: وقت صلاة الليل والوتر والركعتين من
حين انتصاف الليل إلى طلوع الفجر على الترتيب، ولا أستحب صلاة الركعتين قبل سدس
الليل من آخره، وقال في الفطرة: أول وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر، وقال
السيد في الجمل: وقت وجوب هذه الصدقة طلوع الفجر من يوم الفطر، وقال أبو الصلاح:
وقت الوقوف بعرفة للمختار من زوال الشمس يوم التاسع إلى غروبها وللمضطر إلى
طلوع الفجر يوم النحر.
وقال المفيد: من لم يتمكن من صلاة الليل في آخره فليترك صلاة الليلة
ثم ليقضها في أول الليلة الثانية، والمسافر إذا خاف أن يغلبه النوم ولا يقوم في
آخر الليل فليقدم صلاة ليلته في أولها، وقال وقت وجوب الفطرة: يوم العيد بعد
الفجر منه، وقال إذا أصبح يوم النحر فليصل الفجر، وقال في التكبيرات، وآخرها
الغداة من يوم الرابع.
وقال البغوي في شرح السنة في قول النبي صلى الله عليه وآله من صلى البردين دخل
الجنة: أنه أراد بالبردين صلاة الفجر والعصر، لكونهما في طرفي النهار، والبردان
الغداة والعشي.
وقال الشهيد روح الله روحه في الذكرى: صلاة الصبح من صلاة النهار عند
الكل إلا أبا محمد الأعمش، إذ حكي عنه أنها من صلاة الليل بناء على أن أول
النهار طلوع الشمس حتى للصوم فيجوز الأكل والشرب إلى طلوع الشمس عنده.
قال في الخلاف: وروي ذلك عن حذيفة لقوله تعالى (وجعلنا آية النهار
مبصرة) (1) وآية النهار الشمس، ولقول النبي صلى الله عليه وآله صلاة النهار عجماء، وجوابه
منع أن الآية الشمس بل نفس الليل والنهار آيتان، وهو من إضافة التبيين كإضافة
العدد إلى المعدود، سلمنا أنها الشمس، ولكن علامة الشئ قد تتأخر حتى تكون
بعد دخوله، سلمنا أن الشمس علامة النهار وأنها متقدمة لكن الضياء الحاصل من
أول الفجر عن الشمس طالعة، وفي الحقيقة هي طالعة وإن تأخر رؤية جرمها

(1) أسرى: 12.
79

ولهذا اختلفت أوقات المطالع بحسب الأقاليم، وأما الخبر فقد نسبه الدارقطني
إلى الفقهاء، ويحمل على معظم صلاة النهار، ويعارض باستقرار الاجماع على خلافه
وبقوله تعالى (أقم الصلاة طرفي النهار) قال الشيخ: ولم يختلفوا أن المراد
بذلك صلاة الصبح وصلاة العصر.
وقال - ره -: في بعض بحث القراءة، وذكر بعض العامة ضابطا للجهر
والاخفات، وتبعهم عليه بعض الأصحاب كذلك وهو أن كل صلاة تختص بالنهار
ولا نظير لها بالليل فجهر كالصبح، والعلامة - ره - في التذكرة قال صلاة صبح
من صلوات النهار لان أول النهار طلوع الفجر الثاني عند عامة أهل العلم، لان
الاجماع على أن الصوم إنما يجب بالنهار، والنص دل على تحريم الأكل والشرب
بعد طلوع الفجر، ثم ذكر قول الأعمش ودلائله كما مر إلى قوله: وقول
أمية ابن الصلت.
والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراء يبصر لونها يتوقد
ثم قال: وأما الشعر فحكى الخليل أن النهار هو الضياء الذي بين طلوع
الفجر وغروب الشمس، وسمي طلوع الشمس في آخر كل ليلة لمقارنتها لذلك
وقال في تعليل كون الصلاة الوسطى هي الظهر بأنها وسط صلوات النهار وقال
الشهيد الثاني - ره - وغيره في مسألة التراوح: واليوم من طلوع الفجر إلى
الغروب.
وذكر أكثر الأصحاب كالمحقق في المعتبر، والعلامة في المنتهى، والشهيد
الثاني وسبطه قدس الله أرواحهم في تعليل أن غسل الجمعة وقته ما بين طلوع الفجر
إلى زوال الشمس بأن الغسل وقع مضافا إلى اليوم، وهو يتحقق بطلوع الفجر،
وكذا في غسل العيدين وعرفة وغيرها مما علق باليوم، وهم كانوا أهل اللسان،
عارفين باللغة والاصطلاح والعرف.
وفي الشرايع وغيره من كتب الفقه في المبيت عند الزوجة: ويختص الوجوب
بالليل دون النهار، وقيل يكون عندها في ليلتها، ويظل عندها في صبيحتها وهو
80

المروي، ثم قالوا: ويستحب أن يكون صبيحة كل ليلة عند صاحبتها، ومعلوم
أن ما بعد الصبح داخل في الصبيحة، وقال ابن الجنيد: العدل بين النساء هو إذا
كن حرائر مسلمات لم يفضل إحداهن على الأخرى في الواجب لهن من مبيت
الليلة، وقيلولة صبيحة تلك الليلة.
وقال النيشابوري في تفسيره في قوله تعالى: (مالك يوم الدين): اليوم هو المدة
من طلوع نصف جرم الشمس إلى غروب نصف جرمها أو من ابتداء طلوعها إلى غروب
كلها، أو من طلوع الفجر الثاني إلى غروبها، وهذا في الشرع.
وقال عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة (إن في خلق السماوات والأرض
واختلاف الليل والنهار) (1) الآية أما النهار فإنه عبارة عن مدة كون الشمس فوق
الأفق وفي الشرع بزيادة ما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع جرم الشمس، وأما
الليل فعبارة عن مدة خفاء الشمس تحت الأفق أو بنقصان الزيادة المذكورة.
وقال الكفعمي في كتاب صفوة الصفات: قال صاحب كتاب الحدود الليل اسم
يقع على امتداد الظلام من أول ما يسقط قرص الشمس إلى أن يسفر الصبح، وقال:
النهار اسم يقع على امتداد الضياء من أول ما يسفر الصبح إلى أن تغيب الشمس قال:
وقال أبو العباس أحمد بن القاضي الطبرسي في كتابه تقويم القبلة: اليوم مبدأه من
طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس لقوله تعالى (كلوا واشربوا) (2) الآية مع
قوله (فصيام ثلاثة أيام) (3) وقال أبو العباس: قيل اليوم والنهار مترادفان.
وذكر الراغب الاصفهاني في مفرداته عند ترجمة النهار: النهار الوقت الذي
ينتشر فيه الضوء وهو في الشرع ما بين طلوع الصبح إلى غروب الشمس.
وقال أحمد بن محمد بن علي المقري في المصباح المنير: الليلة من غروب
الشمس إلى طلوع الفجر، وقال: النهار في اللغة من طلوع الفجر إلى غروب

(1) البقرة: 164.
(2) البقرة: 187.
(3) البقرة: 196، المائدة: 89.
81

الشمس، وهو مرادف لليوم، وفي حديث إنما هو بياض النهار وسواد الليل ولا
واسطة بين الليل والنهار، وربما توسعت العرب فأطلقت النهار من وقت الاسفار
إلى الغروب، وهو في عرف الناس من طلوع الشمس إلى غروبها، وإذا أطلق النهار
في الفروع انصرف إلى اليوم، نحو: صم نهارا واعمل نهارا.
لكن قالوا إذا استأجره على أن يعمل له نهار يوم الأحد مثلا، فهل يحمل
على الحقيقة اللغوية حتى يكون أوله من طلوع الفجر، أو يحمل على العرف
حتى يكون أوله من طلوع الشمس، لاشعار الإضافة به: لان الشئ لا يضاف
إلى مرادفه والأول هو الراجح دليلا، لان الشئ قد يضاف إلى نفسه عند اختلاف
اللفظين، نحو (ولدار الآخرة) (1) (وحق اليقين) (2).
وقال: الصبح الفجر وهو أول النهار، وقال: الفجر الثاني الصادق هو
المستطير، وبطلوعه يدخل النهار، وقال في شمس العلوم آخر الليل قبل الفجر.
وقال إمامهم الرازي في تفسيره - عن ذكر الأقوال في الصلاة الوسطى في
احتجاج من قال إن الصلاة الوسطى صلاة الظهر: الثالث أنها صلاة بين صلاتين
نهاريتين بين الفجر والعصر: وفي احتجاج من قال إنها العصر، وثالثها أن العصر
بين صلاتين بالنهار وصلاتين بالليل، وقال في قوله تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار)
المراد بطرفي النهار الصبح والعصر.
وقال في القاموس: النهار ضياء ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس: أو
من طلوع الشمس إلى غروبها، وقال: الليل والليلاة من مغرب الشمس إلى طلوع
الفجر الصادق أو الشمس، وقال الزمخشري في الأساس: إنما سمي السحر استعارة
لأنه وقت إدبار الليل وإقبال النهار، فهو متنفس الصبح.
وقال الرازي في قوله تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات) (3) الآية ووقت

(1) يوسف: 109.
(2) الواقعة: 95، الحاقة: 51.
(3) البقرة: 198.
82

الوقوف يدخل بزوال الشمس من يوم عرفة، ويمتد إلى طلوع الفجر من يوم
النحر، وذلك نصف يوم وليلة كاملة، وقال في قوله تعالى: (وسبح بالعشي
والابكار) (1) الابكار مصدر أبكر يبكر إذا خرج للامر في أول النهار، هذا هو أصل
اللغة سمي ما بين طلوع الفجر إلى الضحى إبكارا.
وقال البيضاوي: الابكار من طلوع الفجر إلى الضحى، وقال في قوله
تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي) (2) أي في مجامع
أوقاتهم أو في طرفي النهار، وقال الطبرسي - ره -: أي يداومون على الصلوات
والدعاء عند الصباح والمساء لا شغل لهم غيره، ويستفتحون يومهم بالدعاء ويختمونه
بالدعاء.
وقال الراغب في مفرداته: الصبح والصباح أول النهار، وقال: السحر اختلاط
ظلام آخر الليل بضوء النهار، وقال الخليل بن أحمد النحوي - ره - في كتاب
العين وهو الأصل في اللغة، وعليه المعول، وإليه المرجع: النهار ضياء ما بين
طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولم يذكر له معنى آخر، وقال: الليل خلاف
النهار، وقال: السحر آخر الليل.
وقال الطيبي في شرح المشكاة: يوصف العصر بالوسطى لكونها واقعة بين صلاتي
النهار وصلاتي الليل وقال النيشابوري في قوله تعالى (بقطع من الليل) (3) عن ابن عباس
أي في آخر الليل بسحر.
وقال الرازي في قوله تعالى (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) (4)
إن الانسان ما دام في الدنيا لا يمكنه أن يصرف جميع أوقاته في التسبيح، فأشار
الله إلى أوقات إذا أتى العبد بتسبيح فيها يكون كأنه لم يفتر، وهو الأول والاخر
والوسط من اليوم، وأول الليل ووسطه، ولم يأمر بالتسبيح في آخره لان النوم
فيه غالب، فإذا صلى في أول النهار بتسبيحتين وهما ركعتان حسب له صرف ساعتين

(1) آل عمران: 41.
(2) الكهف: 28.
(3) هود: 81.
(4) الروم: 18.
83

إلى التسبيح، وبالظهر أربع ساعات، وبالعصر في أواخر النهار أربع ساعات، وبالمغرب
والعشاء في الليل سبع ساعات فبقي سبع ساعات وهو الذي لو نام الانسان فيه كان
كثيرا، ثم قال بعد تحقيق طويل: النهار اثنى عشر ساعة، والصلاة المؤداة فيها
عشر ركعات، فيبقى على المكلف ركعتان يؤديهما في أول الليل، ويؤدي ركعة
من صلاة الليل ليكون ابتداء الليل بالتسبيح، كما كان ابتداء النهار بالتسبيح
ولما كان المؤدى من تسبيح النهار في أوله ركعتين كان المؤدى من تسبيح الليل
في أوله ركعة، لان تسبيح النهار طويل مثل ضعف تسبيح الليل، لان المؤدى
في النهار عشرة، والمؤدى في الليل من تسبيح الليل خمس انتهى.
وقال الشهيد في الذكرى: وقت الوتر آخر الليل، ونحوه قال جماعة من
الأصحاب، وقال في دعائم الاسلام: وقت صلاة الليل المرغب فيه أن يصلي بعد
النوم والقيام منه في آخر الليل، وسنذكر في الاستدلال بالآيات تصريحات
المفسرين بذلك.
وقال السيد الداماد رزقه الله أقصى السعادة يوم التناد، في بيان ما ورد أن
ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وما بين غروب الشمس وغروب الشفق غير داخل في شئ
من الليل والنهار: ثم إن ما في أكثر رواياتنا عن أئمتنا المعصومين صلوات الله عليهم
أجمعين وما عليه العمل عند أصحابنا رضي الله تعالى عنهم إجماعا هو أن زمان ما بين
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من النهار، ومعدود من ساعاته، وكذلك زمان غروب
الشمس إلى ذهاب الحمرة من جانب المشرق، فان ذلك أمارة غروبها في أفق المغرب
فالنهار الشرعي في باب الصلاة والصوم وفي ساير الأبواب من طلوع الفجر
المستطير إلى ذهاب الحمرة المشرقية، وهذا هو المعتبر والمعول عليه عند الأساطين
الإلهيين والرياضيين من حكماء يونان، وقد مر تمام الكلام في باب علل
الصلاة (1).

(1) راجع ج 82 ص 259 - 260.
84

وأما الآيات:
فالأولى: قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) (1) ووجه
الاحتجاج بها أن الأصل في كلام الحكيم أن يكون مفهوما مفيدا ينتفع به
المخاطب، وأجمعت الطائفة المحقة على حصر الصلاة الوسطى في صلاة الظهر
والعصر، فلو أريد بها العصر لم نستفد من الآية شيئا إذ كونها وسطى بين الصلوات
أو بين صلاتين مشترك بين جميعها فلا يتميز عندنا، وإن قلنا إن وجه التسمية لا
يلزم اطراده، ولو قلنا بأنها الظهر لكونها بين صلاتي النهار كما ورد في الخبر
يحصل لنا فائدة من الآية، ولا يكون ذلك إلا ويكون صلاة الفجر من صلاة
النهار.
وبوجه آخر وهو أن المتبادر من الوسطى المتوسطة بين الشيئين من جنسها
فلو لم يقيد بقيد يشترك فيها جميع الصلوات، فلابد من التقييد، إما بكونها وسطى
بين صلوات الليل، أو صلوات النهار أو صلوات الليل وصلوات النهار، والأولى
باطلة بالاجماع المتقدم، والثانية لا تستقيم إلا بكون صلاة الفجر من صلاة النهار
وكذا الثالثة لان ما سوى العصر من محتملاتها خارجة بالاجماع، والعصر
إنما يتخصص بهذا الوصف إذا قلنا إنها بين صلاتي ليل وصلاتي نهار، ويمكن
المناقشة فيه بوجوه أكثرها مندفعة بالتأمل الصادق.
الثانية: قوله سبحانه: (أقم الصلاة طرفي النهار، وزلفا من الليل) (2)
والتقريب أن المتبادر من الطرف أن يكون داخلا في الشئ، فإنه لا يطلق طرف
الثوب وطرف الخشب على غير جزئه الذي هو نهايته، لا سيما مع مقابلته بالليل،
وليس في الطرف الأول صلاة سوى الفجر، ويؤيده أن أكثر المفسرين فسروهما
بصلاة الفجر والعصر، وما ورد في بعض الأخبار من التفسير بصلاة الفجر والمغرب
فمع ارتكاب التجوز في أحد الطرفين لدليل لا يلزم ارتكابه في الطرف الآخر.

(1) البقرة: 238.
(2) هود: 114.
85

ويمكن أن تكون النكتة في التجوز الحث على المبادرة إلى صلاة المغرب في
أول الليل، ولو قلنا بأن ما بين غيبوبة القرص إلى ذهاب الحمرة داخل في النهار
وجوزنا الصلاة بغيبوبة القرص يكون التجوز فيه أقرب وأحسن.
وأيضا لو قلنا بأن طرفي النهار داخل في الليل، يكون زلفا من الليل
مشتملا على تكرار، أو يرتكب فيه تخصيصات كثيرة، وهما خلاف الأصل،
سواء فسر الزلف بالساعات القريبة من اليوم أو بالقرب، وبالجملة لا ينبغي أن
يريب عارف باللسان في أن المتبادر من (طرفي النهار) المقابل لزلف الليل كونهما
من النهار.
قال النيسابوري في تفسيره: الطرفان الغدوة وهي الفجر، والعشية وفيها الظهر
والعصر، وقيل إن طرفي النهار لا يشمل إلا الفجر والعصر، ثم قال: الطرف
الأول للنهار في الشرع هو طلوع الصبح الصادق.
وقال ابن إدريس - رحمه الله - في السرائر في الاستدلال بهذه الآية:
طرف الشئ ما يقرب من نهايته، ولا يليق ذلك إلا بقول من قال وقت العصر
ممتد إلى قرب غروب الشمس، لان مصير ظل كل شئ مثله أو مثليه يقرب
من الوسط، ولا يقرب من الغاية والنهاية، ولا معنى لقول من حمل الآية على
الفجر والمغرب لان المغرب ليس هي طرف النهار، وإنما هي في طرف الليل.
قال الرازي في تفسير هذه الآية: كثرت المذاهب في تفسير طرفي النهار،
والأقرب أن الصلاة التي تقام في طرفي النهار هما الفجر والعصر، وذلك لان
أحد طرفي النهار طلوع الشمس، والطرف الثاني منه غروبها، فالطرف الأول
هو صلاة الفجر، والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب، لأنها
داخلة تحت قوله تعالى: (وزلفا من الليل) فوجب حمل الطرف الثاني على
صلاة العصر.
إذا عرفت هذا كانت الآية دليلا على قول أبي حنيفة في أن التنوير بالفجر
أفضل، وأن تأخير العصر أفضل، وذلك لان ظاهر هذه الآية يدل على وجوب
86

إقامة الصلاة في طرفي النهار، وبينا أن طرفي النهار هو الزمان الأول لطلوع
الشمس، والزمان الأول لغروبها، وأجمعت الأمة على أن إقامة الصلاة
في ذلك الوقت من غير ضرورة غير مشروعة، فقد تعذر العمل بظاهر هذه الآية،
فوجب حمله على المجاز، وهو أن يكون المراد أقم الصلاة في الوقت الذي يقرب
من طرفي النهار، لان ما يقرب من الشئ يجوز أن يطلق عليه اسمه وإذا كان كذلك
فكل وقت كان أقرب إلى طلوع الشمس وإلى غروبها كان أقرب إلى ظاهر اللفظ
وإقامة صلاة الفجر عند التنوير أقرب إلى وقت الطلوع من إقامتها عند التغليس
وكذلك إقامة صلاة العصر عندما يصير ظل كل شئ مثليه أقرب إلى وقت الغروب
من إقامتها عندما يصير ظل كل شئ مثله، والمجاز ما كان أقرب إلى الحقيقة
كان حمل اللفظ عليه أولى، فظهر أن ظاهر هذه الآية يقوى قول أبي حنيفة في
هاتين المسئلتين انتهى كلامه.
وقد ظهر بما قررنا ما فيه من الوهن والقصور، وكل هذه التكلفات التي
ارتكبه مؤيد لما اخترناه، فان بناء جميع ذلك على أنه جعل ما بين طلوع
الفجر وطلوع الشمس خارجا من النهار، ولو جعله داخلا كما هو ظاهر الآية لم يحتج
إلى شئ من ذلك.
وأماما توهمه من كون الطرف الجزء الغير المنقسم أو الصغير الذي هو نهاية
الشئ قياسا على ما أنس به من السطح والخط والنقطة، فليس كذلك إذ يقال للغداة
والعشي طرفا اليوم، وللنصف الأول والنصف الأخير الطرف الأول والطرف الآخر
ويقال خذ طرف الثوب، وطرف الخشب، ولا يراد به الجزء الأخير، فالظاهر أن
المراد بالطرف الأول ما بين الطلوعين، وبالطرف الاخر إما العصر أو الظهر إلى
آخر اليوم، أو المغرب تجوزا للنكتة التي ذكرناها كما قال البيضاوي والزمخشري
طرفي النهار غدوه وعشيته، وإن قال البيضاوي بعد ذلك صلاة الغداة صلاة الصبح
لأنها أقرب الصلوات من أول النهار، وتبع في ذلك إمامه الرازي.
وقال الطبرسي - ره -: أراد بطرفي النهار صلاة الفجر والمغرب عن ابن عباس
87

وابن زيد، وقيل الغداة والظهر والعصر، وبه قال مجاهد والضحاك، ومحمد بن كعب
والحسن قالوا: لان طرفي الشئ من الشئ، وصلاة المغرب ليست من النهار، و
قيل: أراد بطرفي النهار صلاة الفجر وصلاة العصر انتهى.
وهذا يدل على أن كون وقت صلاة الفجر من النهار كان مسلما عندهم.
الثالثة: قوله تعالى (سلام هي حتى مطلع الفجر) فإنه ظاهر من سياق
هذه السورة من أولها إلى آخرها أنها نزلت لبيان فضيلة تلك الليلة، وأن الغرض
من تلك الآية شمول السلامة والعافية، أو السلام والتحية لجميع تلك الليلة، فلو كان
ما بين الطلوعين داخلا في الليل لم يكن لاخراجه من هذه الفضيلة وجه لا سيما
مع قوله (هي) الراجعة إلى الليلة، مع ما سيأتي من الأخبار الكثيرة الدالة
على أن الاعمال المتعلقة بليلة القدر، من الاحياء والغسل وغيرهما، ينتهي إلى
الفجر، ولا تتعلق بما بعده.
ويؤيده أن الرازي مع تصريحه في مواضع بدخوله في الليل جعله هنا
خارجا ليستقيم الكلام، ويكمل النظام، حيث قال: وسادسها من أولها إلى طلوع
الفجر سالمة في العبادة، كل واحدة من أجزائها خير من ألف شهر، ليست كسائر
الليالي: يستحب للفرض الثلث الأول وللعبادة النصف والدعاء السحر، بل هي
متساوية الأوقات والاجزاء.
وقال الطبرسي - ره -: أي هذه الليلة إلى آخرها سلامة من الشرور
والبلايا وآفات الشيطان، ثم قال: سلام هي حتى مطلع الفجر أي السلامة والبركة
والفضيلة تمتد إلى وقت طلوع الفجر ولا يكون في ساعة منها فحسب بل يكون في جميعها.
الرابعة: قوله تعالى (والليل إذا دبر والصبح إذا أسفر) (1) فان الظاهر
أنه أقسم بوقت واحد هو إدبار الليل وإسفار الصبح، مع أن ظاهر المقابلة عدم
كون الصبح من الليل، وقال الطبرسي ره -: أقسم بالليل إذا ولى وذهب، و

(1) المدثر: 34.
88

قيل دبر إذا جاء بعد غيره، وأدبر إذا ولى مدبرا، فعلى هذا يكون المعنى في إذا
دبر إذا جاء الليل في أثر النهار، وفي إذ أدبر إذا ولى الليل، فجاء الصبح عقيبه.
الخامسة: قوله تعالى (والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس) (1) بتقريب
ما مر في الآية السابقة على الوجهين، قال الرازي: ذكر أهل اللغة أن عسعس
من الأضداد يقال عسعس الليل إذا أقبل، وعسعس إذا أدبر، وأنشدوا في ورودها
بمعنى أدبر قول العجاج:
حتى إذا الصبح لها تنفسا * وانجاب عنها ليلها وعسعسا
ثم منهم من قال المراد هنا أقبل الليل، لان على هذا التقدير يكون القسم
واقعا باقبال الليل، وهو قوله (إذا عسعس) وبادباره وهو قوله (والصبح إذا تنفس) ومنهم من قال قوله (والصبح إذا تنفس) إشارة إلى تكامل طلوع الصبح، فلا يكون
تكرارا انتهى، فظهر أن العجاج والرازي أيضا فهما الآية كما فهمنا، وجعلا
إدبار الليل والصبح متلازمين بل مترادفين.
وقال الواحدي في تفسيره الوسيط قوله (والصبح إذا تنفس) أي امتد ضوؤه
حتى يصير نهارا ونحوه قال الطبرسي - ره -.
السادسة: قوله سبحانه (قل أرأيتم إن أتيكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل
منه المجرمون) (2) استدل بها الراغب الاصفهاني على أن النهار في الشرع
اسم لما بين طلوع الصبح إلى غروب الشمس وقال: بات فلان يفعل كذا موضوعة
لما يفعل بالليل كظل لما يفعل بالنهار.
أقول: لا يتم ذلك إلا بضم ما سيأتي في ضمن الاخبار وأقوال العلماء من
إطلاق التبييت على الزمان الذي نهايته طلوع الفجر كما ذكروا في تبييت الزوج
عند ذات النوبة، والبيتوتة بالمشعر ومنى ومكة، وسيأتي الأخبار الكثيرة في ذلك
وذكروا تبييت نية الصوم ولم يريدوا إلا النية قبل الفجر، قال في النهاية فيه:

(1) التكوير: 18.
(2) يونس: 50.
89

لا صيام لمن لم يبيت الصيام، أي ينويه، من الليل.
والحاصل أن الآية تدل على أن البيات مقابل النهار كما صرح به جميع
أهل اللغة والتفسير، وقد ورد في موارد الشرع أن منتهى البيتوتة طلوع الفجر
فهو نهاية الليل أيضا كما روي في الكافي بسند معتبر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا
جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى ليس لك أن تخرج منها حتى تصبح (1).
وستأتي أخبار كثيرة في ذلك يتم الاستدلال بها، بمعونة تلك الآية وأمثالها.
السابعة: آيات الصيام من قوله تعالى (لعلكم تتقون * أياما معدودات) (2)
وقوله: (فعدة من أيام أخر) (3) وقوله: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى
نسائكم) (4) ثم بيان الليلة بقوله: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) إلى قوله

(1) الكافي ج 4 ص 512.
(2) البقرة: 183 - 184، ولفظ الآيات هكذا: (يا أيها الذين آمنوا كتب
عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون: أياما معدودات فمن كان منكم
مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) والصيام المفروض في هذه الآية هو الصوم والامساك
من المغرب إلى المغرب كما هو المفروض على سائر الأمم، ومنهم اليهود وقد كانوا بمرئى
المؤمنين ومسمعهم: يصومون من الأكل والشرب والجماع من المغرب إلى المغرب، ولذلك
قال عز وجل: (كما كتب على الذين من قبلكم) ولا تجوز في قوله تعالى (أياما
معدودات) وقوله تعالى: (فعدة من أيام أخر) لان اليوم يطلق على مجموع النهار والليل
وعلى ذلك فلا تعلق للآيات بما كان المؤلف العلامة بصدده من البحث في تحقيق معنى
النهار.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) البقرة: 187، ولا بأس بأن نتم بحث الآية ههنا ليكون القارئ على بصيرة
من ذلك فنقول: لما قال عز وجل (كتب عليكم الصيام) صار الصوم مكتوبا عليهم كالدين
على ما عرفت بيانه في كتابة الصلاة: (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) فوجب
عليهم الصوم في ظرف معين، وان فاتهم ذلك وجب عليهم قضاؤه، وان فاتهم مدى عمرهم وجب
على وليهم أن يصوم عنهم أو يستأجر من يصوم عنهم فلا يسقط الصوم عنهم أبدا الا بالأداء.
ولما قال عز وجل (أياما معدودات) وأطلقه علمنا أنه لابد وأن يكون تلك الأيام
متعينا من حيث التكليف، ولا تعين في أفراد الجموع غير المتناهية الا في أقله، وهو الثلاثة
مع أنه القدر المتيقن من كل جمع، وقد كانت هذه الثلاثة أيام متعينا في كل شهر، ولذلك
قال عز وجل: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) ولعلها هي أيام العشر:
- بضم العين وفتح الشين - أعنى اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر ثلاثة أيام كما ورد
به الرواية وهي أيام التشريق.
فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين كانوا يصومون تلك الأيام فريضة
حتى نزلت (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان
فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) فصاموا تمام
شهر رمضان: يصومون من الغروب إلى الغروب، وإنما يفطرون مرة واحدة بين المغربين قبل العشاء
ونومه، ليتحقق مفهوم (صوم اليوم) وليستعد المكلف للصوم في اليوم الآتي.
وكانوا على ذلك ما شاء الله حتى جاء عام الخندق فعلم الله أنهم كانوا يختانون أنفسهم
فتاب عليهم رحمة لهم وعفا عنهم وأنزل (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس
لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفى عنكم فالآن
باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط
الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) فقوله عز وجل (وابتغوا ما كتب الله لكم)
يعنى التطهير من الجنابة بالماء وان أعوزه فبالتراب، ولذلك كانت الطهارة فرضا من أركان
الصوم لو أخل به الصائم عمدا أو جهلا أو نسيانا وسهوا كان صيامه باطلا ووجب عليه القضاء.
ويستفاد من قوله تعالى (أحل لكم ليلة الصيام) أن جواز الأكل والشرب والجماع
ظرفه عامة الليل، وأن الليل تختتم بطلوع الفجر المعترض، وما بعده مفتتح النهار، ولذلك
قال: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) فلو كان بعد الفجر إلى طلوع قرص الشمس من الليل
أيضا لقال (ثم أتموا الصيام إلى الليل القابل) وهو واضح لمن تأمل صدر الآية وذيلها،
وكفى بهذا دليلا على من قال أن ما بين الطلوعين معدود من الليل.
ومعنى قوله عز وجل (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) الخ أن الليل الذي جعله
الله سباتا وسكنا بجعله مظلما، يختتم بطلوع الفجر إذا تبين لكم من نوره وشعاعه الخيط
الأبيض من الخيط الأسود، فحينئذ يقع كمال الابصار ويفتتح النهار كما أشار إليه بقوله
عز وجل (جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتبتغوا فيه من فضله).
وأما ما قيل من أنه شبه بياض الفجر بالخيط، لان القدر الذي يحرم الافطار من
البياض يشبه الخيط فيزول به مثله من السواد، ولا اعتبار بالانتشار أو قيل: شبه أول ما يبدو
من الفجر المعترض في الأفق وما يمتد معه من غبش الليل بخيطين أبيض وأسود، واكتفى
ببيان الخيط الأبيض بقوله (من الفجر) عن بيان الخيط الأسود، لدلالته على كونه من
الليل وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التمثيل. ففيه أن الفجر الثاني على ما أجمع عليه
أهل الاسلام واعتبروه ميقاتا لحرمة الأكل والشرب في شهر رمضان، له من العظمة والبهاء
والنباهة ما يرفعه أن يتشابه بالخيط الأبيض التافه على ما فيه من الدقة والبياض الذي لا يؤبه
به، فلا تشابه ولا تجانس بينها من حيث الحسن والبهاء وعظمة النور حتى يشبه أحدهما
بالاخر، ولو جاز التشبيه بينهما كان الفجر هو المشبه به لكون وجه الشبه فيه أقوى وأجلى
وهو به أعرف وأشهر، لا أن يشبه الفجر في حسنه وبهائه ونوره وسطوعه وانتشار ضيائه بالخيط
الأبيض، وهذا واضح لمن له أدنى دربة بأساليب الكلام.
هذا كله في الخيط الأبيض، وأما الخيط الأسود، فالامر فيه أوهن وأفظع حيث
لا يرى في الأفق شئ يشبه بالخيط الأسود، لان أطباق السماء وأعنانها مملوء حينئذ ظلمة
مطبقة، والغبش الذي يتوهم فوق الفجر المعترض، فمع أنه لا يشبه الخيط من حيث الدقة
والعرض ليس تشبيهه بالخيط الأسود أولى من تشبيهه بالخيط الأبيض لكونه ضياء مختلطا بالظلام
ونسبته إلى البياض والسواد سيان.
90

(ثم أتموا الصيام) فتدل، على معنى اليوم، وكذا ساير ما ورد في الصوم بلفظ اليوم
91

كقوله سبحانه (فصيام ثلاثة أيام في الحج) (1) وأمثاله، والأصل عدم النقل
والتجوز والتخصيص، وليلة الصيام معلوم أن التقييد فيه ليس لتخصيص معنى

(1) البقرة 196، المائدة: 89، وفى سورة مريم: 36: (انى نذرت للرحمن
صوما فلن أكلم اليوم انسيا).
92

الليلة من سائر معانيها بل لمعنى الليلة التي يصبح منها صائما.
وأما (ثم) في قوله تعالى: (ثم أتموا) فمعلوم أنه ليس للتراخي الزماني
بل للتراخي الرتبى إشارة إلى بعد ما بين حكم الليل من الإباحة، وحكم النهار
من وجوب الامساك، وهذا الاطلاق شايع في القرآن، (وأتموا الصيام) معناه
افعلوه تاما كقوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) (1).
ويمكن أن يقال: لما أمر الله تعالى سابقا بالصيام وأشار إليه بقوله (ليلة
الصيام) لم يكن يحتاج إلى الامر بالصوم ثانيا، فلذا أمرهم بالاتمام وعدم النقص
لا أصل الصيام، أو يقال: لما جوز لهم الجماع بالليل بعد التحريم، وكان مظنة
أن يتوهم أن بهذا الفعل يحصل نقص في الصوم، قال: (ثم أتموا الصيام) إيماء
إلى أن هذا الصوم تام لكم كما ورد في قوله تعالى (تلك عشرة كاملة) (2).
وهذان وجهان وجيهان، لم أر من تعرض لهما ولا يخفى أن ارتكاب هذين
التجوزين الشايعين اللذين وردت أمثالهما في الكتاب العزيز كثيرا، مع اشتمالهما
على نكات بديعة توجب حسن الكلام وبلاغته، خير من حمل اليوم والليلة على
المجاز، وارتكاب النقل.
ولقد أبدع من استدل بها على أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس
غير داخل في النهار: حيث قال: حقيقة استعمال لفظة (ثم) التراخي وظاهر الاتمام
أن يكون بعد حصول بعض الشئ، ولابد أن يجعل للنهاية المذكورة في الآية
مبدء تدل القرينة عليه، والأقرب أن يكون المبدء المنوي في الكلام أول النهار
حتى يكون الكلام في قوة أن يقال: ثم أتموا الصيام في زمان مبتدء من أول

(1) البقرة: 196، والذي ظهر لي أن الفرق بين الاتمام والاكمال أن الاتمام
يعتبر من حيث الامتداد بأن يداوم على الفعل حتى يتم، بحيث إذا أخل بالمداومة والاستمرار
لأخل بالمقصود ولحقه النقصان، بخلاف الاكمال فإنه يعتبر من حيث النتيجة، ولو بدفعات
متناوبة، ولذلك قال عز وجل: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وقال في مورد القضاء
(ولتكملوا العدة).
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
93

النهار منته إلى الليل، ويكون مكافيا لقوله تعالى (يتبين لكم الخيط) فان المراد
هنا ترخيص الاكل من أول الليل إلى وقت التبيين، وإذا قيل سرت إلى آخر
الكوفة، كان المتبادر منه سرت من أوله إلى آخره، ولا يستقيم أن يجعل المبدء
زمان التبيين، لمنافاته التراخي المستفاد من ثم، وظاهر معنى الاتمام، ولا جزءا
من النهار من غير تعيين ولا جزءا معينا من النهار مثل النصف أو الثلث وأمثالهما.
وحينئذ نقول: لو كان طلوع الشمس مبدء النهار ومنتهى الليل استقام اعتبار
هذه المعاني في الآية، لان الله تعالى لما خص الترخيص بأول الليل إلى وقت
الفجر، ظهر منه وجوب الامساك في بقية الليل ثم أمر باتمام الامساك المذكور من
أول النهار إلى الليل فصح معنى ثم والاتمام، وظهر حسن التعبير بهذا النحو
بخلاف ما لو كان مبدء النهار الفجر إذ لا يصح حينئذ معنى ثم ولا الاتمام إلا بالعدول
عن الظاهر وارتكاب تكلف، ولا يظهر حسن التعبير بهذا الوجه انتهى.
أقول: بما قررنا انهدم أساس هذا الكلام، وظهر بهذا الوجه حسن التقرير
والنظام، وليت شعري كيف يكون ارتكاب مثل هذه التكلفات التي تخرج الكلام
إلى التعمية والالغاز، أحسن من حمل الكلام على المجاز الشايع في كلام البلغاء،
على أنا نقول على ما قررنا لا حاجة لنا إلى ارتكاب المجاز أصلا وإنما ارتكبنا
لبلاغة الكلام وطراوته إذ نقول لما كان الامر السابق كافيا في الشروع في الصيام، وقد
نبههم عليه بقوله (ليلة الصيام) (1) وتحديد الجماع والأكل والشرب بقوله (حتى
يتبين) أيضا كان يدل عليه كما ذكره القائل الفاضل، فكأنه قال بعد شروعكم
في الصيام بأمرنا يجب عليكم أن تتموه إلى الليل، فأي حاجة لنا إلى ارتكاب المجاز

(1) قد عرفت أن الصيام قبل نزول هذه الآية كان مستوعبا لليل والنهار عامة ولذلك
قال (أحل لكم ليلة الصيام) وظهور قوله تعالى (ليلة الصيام) في أن الليل بتمامه ظرف
لاحلال الرفث والأكل والشرب، أقوى دلالة من التشبث بأن ثم للتراخي الزماني، وقد
عرفت أيضا أنه لو كان أول الصوم واقعا في آخر الليل الماضي، لقال (ثم أتموا الصيام إلى
الليل القابل).
94

في ثم أو الاتمام؟ وأي توقف لهذا الوجه على كون أول النهار طلوع الشمس
وحمل الأيام في المواضع على المجاز؟
ولعله قدس سره توهم أنه لابد من تعيين مبدء للاتمام وهو فاسد، لأنا إذا
قلنا إذا شرعت في عمل فأتمه لا يلزم أن يكون للشروع حد معين، وأما ادعاؤه
أن المتبادر من قول القائل سرت إلى آخر الكوفة، كون مبدء السير أوله غير
مسلم، بل يفهم مبدء السير بالقرائن.
وقال الطبرسي - ره - في المجمع: المراد بليلة الصيام الليلة التي يكون
في غدها الصوم (1) وقال في قوله سبحانه (حتى يتبين) أي يظهر ويتميز لكم
على التحقيق الخيط الأبيض من الخيط الأسود أي النهار من الليل، فأول النهار
طلوع الفجر الثاني وقيل بياض الفجر من سواد [الليل وقيل: بياض أول النهار
من سواد] آخر الليل انتهى (2).
وقال الرازي في قوله تعالى: (أحل لكم) الآية هذا يقتضي حصول هذا
الحل في جميع الليل لان ليلة نصب على الظرف، وإنما يكون الليل ظرفا للرفث
لو كان الليل كله مشغولا به، وإلا لكان ظرف ذلك الرفث بعض الليل لا كله،
فعلى هذا النسخ حصل بهذا اللفظ وأما الذي بعده من قوله (كلوا واشربوا حتى
يتبين) فذاك يكون كالتأكيد لهذا الناسخ، وأما الذي يقول إن قوله (أحل
لكم) الخ يفيد حل الرفث في الليل، فهذا القدر لا يقتضي حصول النسخ به، فيكون
الناسخ قوله (وكلوا) انتهى، فهذان الفاضلان من الفريقين فسرا الليل والنهار في
تلك الآيات بما ترى.
الثامنة: قوله تعالى (ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار) (3) فان
مقابلة أطراف النهار بآناء الليل توجب حمله على الأطراف الداخلة

(1) قد عرفت أن التعبير بليلة الصيام على حقيقته، ولا وجه لهذا التأويل.
(2) مجمع البيان ج 2 ص 280 و 281 وما بين العلامتين إضافة من المصدر.
(3) طه: 13.
95

وعلى ما هو المشهور من حمل التسبيح على الصلاة ليس في الطرف الأول من
اليوم إلا صلاة الفجر، فيكون وقته داخلا في النهار، ولعل الجمع باعتبار وقت
الظهر والعصر أو إجزاء وقتي صلاة الفجر والعصر، ولعل الأول أظهر، وقد مر
الكلام فيها.
التاسعة: قوله تعالى (قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا) إلى
قوله (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا * إن لك في النهار سبحا طويلا) (1) فإنه لا ينبغي أن يرتاب في أن الليل المذكور في الآية وما ذكره المفسرون أنه
كان قيامه واجبا ثم نسخ، هو الذي منتهاه طلوع الفجر، وأن النصف والثلثين
والثلث إنما هي بالنسبة إلى الليل بهذا المعنى، ومن راجع الاخبار والأقوال
الواردة في ذلك، لا يبقى له ريب فيما ذكرنا، وكذا قوله تعالى (إن ناشئة الليل)
فإنه قد ظهر من الاخبار وأقوال المفسرين أنه نزل في صلاة الليل ووقتها إلى
طلوع الفجر.
وقال الطبرسي - ره - (2) والمروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا
هي القيام في آخر الليل إلى صلاة الليل وسيأتي بعض الأخبار في ذلك في باب
صلاة الليل.
العاشرة: قوله سبحانه (فأسر بأهلك بقطع من الليل) إلى قوله (إن موعدهم
الصبح أليس الصبح بقريب) (3) قال الرازي: القطع من الليل بعضه، وهو مثل القطعة
يريد أخرجوا ليلا لتسبقوا نزول العذاب الذي موعده الصبح، قال نافع بن الأزرق
لعبد الله بن عباس أخبرني عن قول الله (بقطع من الليل) قال هو آخر الليل سحر
وروي أنهم لما قالوا للوط: (إن موعدهم الصبح) قال أريد أعجل من ذلك بل
الساعة، فقالوا أليس الصبح بقريب، قال المفسرون: إن لوطا عليه السلام لما سمع

(1) المزمل: 1 - 7.
(2) مجمع البيان ج 10 ص 378.
(3) هود: 81.
96

هذا الكلام خرج بأهله في الليل انتهى وقال في موضع آخر: القطع في آخر الليل
قال افتحي الباب وانظري في النجوم كم علينا من قطع الليل، وظاهر هذه الآية
وقوله تعالى (نجيناهم بسحر) (1) وقوله (ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر) (2)
وأقوال المفسرين فيها أن نجاة آل لوط كان في الليل، وعذاب قومه كان
في النهار بعد الفجر، وقد مر بعض كلام المفسرين فيها.
الحادية عشرة: قوله تعالى (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل
أفلا تعقلون) (3) فإنه سبحانه قابل الليل بالاصباح، فما بعد الصبح ليس من الليل
وقال الطبرسي - ره -: أي تمرون في ذهابكم ومجيئكم إلى الشام على منازلهم
وقراهم بالنهار وبالليل، وقال البيضاوي: مصبحين داخلين في الصباح، وبالليل أي
ومساء أو نهارا وليلا، وقال الرازي: ذلك لان القوم كانوا يسافرون إلى الشام والمسافر
في أكثر الامر إنما يمشي بالليل وفي أول اليوم، فلهذا السبب عين تعالى هذين الوقتين
انتهى وقال الواحدي في تفسيره الوسيط (مصبحين) أي نهارا، فظهر أن المفسرين
أيضا فهموا كما فهمنا.
الثانية عشرة: قوله تعالى (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي انزل
على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) (4) فإنه فسر في كثير
من الروايات الايمان وجه النهار بالصلاة في أول النهار، وليست إلا صلاة الفجر،
كما رواه علي بن إبراهيم (5) عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام أن رسول الله
صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة وهو يصلي إلى نحو بيت المقدس أعجب ذلك
اليهود، فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الله الحرام وجدت اليهود من ذلك،

(1) القمر: 34.
(2) القمر: 38.
(3) الصافات: 137.
(4) آل عمران: 72.
(5) تفسير القمي: 95.
97

وكان صرف القبلة صلاة الظهر، فقالوا: صلى محمد الغداة واستقبل قبلتنا، فآمنوا
بالذي انزل على محمد صلى الله عليه وآله وجه النهار واكفروا آخره، يعنون القبلة حين استقبل
رسول الله المسجد الحرام لعلهم يرجعون إلى قبلتنا.
وقال الرازي: وجه النهار هو أوله، والوجه في اللغة مستقبل كل شئ
لأنه أول ما يواجه منه كما يقال لأول الثوب وجه الثوب، وقال: قال ابن عباس
وجه النهار أوله وهو صلاة الصبح، واكفروا آخره يعني صلاة الظهر وتقريره
أنه صلى الله عليه وآله كان يصلي إلى بيت المقدس بعد أن قدم المدينة، ففرح اليهود بذلك، و
طمعوا أن يكون منهم فلما حوله الله إلى الكعبة كان ذلك عند صلاه الظهر، وقال
كعب بن الأشرف وغيره: آمنوا بالذي انزل على الذين آمنوا وجه النهار يعني
آمنوا بالقبلة التي صلى إليها صلاة الصبح فهي الحق، واكفروا بالقبلة التي صلى
إليها صلاة الظهر وهي آخر النهار فهي الكفر.
ثم روى رواية أخرى وهي أنه لما حولت القبلة إلى الكعبة شق ذلك
عليهم، فقال بعضهم لبعض: صلوا إلى الكعبة في أول النهار، ثم اكفروا بهذه
القبلة في آخر النهار وصلوا إلى الصخرة، لعلهم يقولون إن أهل الكتاب أصحاب
العلم فلولا أنهم عرفوا بطلان هذه القبلة لما تركوها فحينئذ يرجعون عن هذه
القبلة.
وقال الطبرسي - ره -: وجه النهار أوله ثم ذكر تلك الروايات مجملا ونحوه
ذكر البيضاوي وغيره من المفسرين.
الثالثة عشرة: قوله سبحانه (فالق الاصباح وجاعل الليل سكنا) (1) فان
ظاهر التقابل بين الاصباح والليل عدم كون الصبح منه، قال الرازي: قال الليث
الصبح والصباح هما أول النهار، وهو الاصباح أيضا، قال تعالى (فالق الاصباح)
أي الصبح، وقيل الاصباح مصدر سمي به الصبح، وقال الطبرسي - ره -: نبه الله
سبحانه على عظيم نعمته بأن جعل الليل للسكون، والنهار للتصرف، ودل بتعاقبهما

(1) الانعام: 96.
98

على كمال قدرته وحكمته.
الرابعة عشرة: قوله سبحانه (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان
مشهودا) (1) فإنه قد وردت الأخبار المستفيضة بل المتواترة أن المراد بالمشهود
أنه يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، فظهر أن النهار عند الملائكة وفي
السماء أيضا من طلوع الفجر، وقد مضت الروايات فيه أيضا ومقابلته بتهجد الليل
مما يقوي ذلك، وظاهر أن التهجد لا يصدق على القيام إلى صلاة الفجر.
وقال الرازي: قال الجمهور معناه أن ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون
في صلاة الصبح خلف الامام، تنزل ملائكة النهار عليهم وهم في صلاة الغداة قبل
أن تعرج ملائكة الليل، فإذا فرغ الامام من صلاته عرجت ملائكة الليل ومكثت
ملائكة النهار.
وقال الطبرسي - ره -: كلهم قالوا معناه أن صلاة الفجر تشهدها ملائكة
الليل وملائكة النهار، وكذا ذكر غيرهما من المفسرين وروى الشيخ والكليني
والصدوق (2) وغيرهم بأسانيد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في تفسير هذه الآية:
يعني صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، فإذا صلى العبد صلاة
الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار، وبسند
آخر عنه عليه السلام (3) قال: إن ملائكة الليل تصعد وملائكة النهار تنزل عند طلوع
الفجر فأنا أحب أن تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي.
الخامسة عشرة: قوله تعالى (ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر) (4)
فأطلق على وقت عذابهم الصبح والبكرة، وقد صرح اللغويون بأن البكرة أول

(1) اسرى: 78.
(2) راجع التهذيب ج 1 ص 144، الكافي ج 3 ص 283، علل الشرايع ج 2
ص 25، تفسير القمي: 386.
(3) أمالي الطوسي ج 2 ص 306.
(4) القمر: 38.
99

النهار، وقد قال تعالى (إن موعدهم الصبح) قال الراغب الاصفهاني في مفرداته:
أصل الكلمة هي البكرة التي هي أول النهار، فاشتق من لفظه لفظ الفعل فقيل
بكر فلان بكورا إذا خرج بكرة وقال في الكشاف: (ولقد صبحهم بكرة) أول
النهار أو باكره كقوله مشرقين ومصبحين، وقال البيضاوي: وقرء بكرة غير مصروفة
على أن المراد بها أول نهار معين، وقال في قوله تعالى (فأوحى إليهم أن سبحوا
بكرة وعشيا) (1) روي عن أبي العالية ان بكرة صلاة الفجر وعشيا صلاة العصر،
وأيضا ظاهر قوله تعالى قبل ذلك (نجيناهم بسحر) أن ما بعد الصبح ليس بداخل
في السحر كما صرح به اللغويون، وقد صرح جماعة بأن السحر آخر الليل،
وقال الرازي: (نجيناهم بسحر) أي أمرناهم بالخروج آخر الليل والسحر قبيل
الصبح، وقيل هو السدس الاخر من الليل، وفي الكشاف (نجيناهم بسحر) بقطع
من الليل، وهو السدس الاخر منه، وقال البيضاوي: أي في سحر وهو آخر الليل، وقد
مر ما في الأساس.
السادسة عشرة: قوله سبحانه (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال) (2)
فان أكثر المفسرين فسروا تسبيح الغد وبصلاة الفجر، وقد صرح اللغويون
بأن الغداة من النهار، فصلاة الفجر من صلاة النهار، قال في النهاية: الغدوة
المرة من الغدو، وهو سير أول النهار نقيض الروح، والغدوة بالضم ما بين صلاة
الغداة وطلوع الشمس، وفي القاموس الغدوة بالضم البكرة، أو ما بين صلاة الفجر
وطلوع الشمس، كالغداة والغدية، وتغدى أكل أول النهار، وقال الخليل في
كتاب العين: الغداء ما يؤكل في أول النهار، وقال في مصباح اللغة: غدا غدوا من
باب قعد ذهب غدوة، وهو ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس.
السابعة عشرة: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا

(1) مريم: 11.
(2) النور: 36.
100

وسبحوه بكرة وأصيلا) (1) وقد مر أن أكثر المفسرين فسروا تسبيح البكرة
بصلاة الغداة، وصرح اللغويون بأن البكرة أول النهار كما مر، وقال في مصباح
اللغة: البكرة من الغداة جمعها بكر مثل غرفة وغرف، إلى أن قال: قال أبو زيد
في كتاب المصادر: بكر بكورا وغدا غدوا، هذان من أول النهار.
الثامنة عشرة: قوله (وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار) (2) وقد مر
تقريبه ووجه الاستدلال به وقال الطبرسي - ره - وقيل: معناه صل بأمر ربك
بالعشي من زوال الشمس إلى الليل، والابكار من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع
الشمس عن مجاهد، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة،
وبعد العصر ساعة أكفك ما أهمك، وقال الرازي: الابكار مصدر أبكر يبكر إذا
خرج للامر في أول النهار، هذا هو في أصل اللغة ثم سمي ما بين طلوع الفجر
إلى الضحى إبكارا وقال في موضع آخر: العشي والابكار قيل صلاة العصر وصلاة
الفجر، وقيل الابكار عبارة عن أول النهار إلى نصف النهار والعشي من نصف
النهار إلى آخر النهار، وقيل المراد طرفي النهار، وقال البيضاوي: الابكار من
طلوع الفجر إلى الضحى.
التاسعة عشرة: قوله سبحانه (وسبح بحمدك ربك قبل طلوع الشمس وقبل
الغروب ومن الليل فسبحه وإدبار السجود) (3) فان ظاهر المقابلة كون قبل طلوع
الشمس من النهار لا من الليل، وفسره الأكثر بصلاة الفجر كما مر، وقال
الرازي: قبل طلوع الشمس وقبل الغروب إشارة إلى طرفي النهار، ومن الليل
فسبحه إشارة إلى زلفا من الليل.
العشرون: قوله عز وجل: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا * ومن الليل
فاسجد له وسبحه ليلا طويلا) (4) إذ المقابلة بين البكرة والأصيل وبين الليل

(1) الأحزاب: 42.
(2) المؤمن: 55.
(3) ق: 39.
(4) الدهر: 26.
101

تقتضي المغايرة، وفسر ذكر البكرة بصلاة الغداة، قال في الكشاف: واذكر اسم
ربك بكرة وأصيلا ودم على صلاة الفجر والعصر ومن الليل فاسجد له وبعض الليل
فصل له، أو يعني صلاة المغرب والعشاء، وسبحه ليلا طويلا وتهجد له هزيعا
طويلا من الليل ثلثيه أو نصفه أو ثلثه، ونحو ذلك قال الرازي والبيضاوي،
إلا أنهما أدخلا صلاة الظهر في ذكر الأصيل، وقال الطبرسي - ره -: أي أقبل
على شأنك من ذكر الله والدعاء إليه صباحا ومساء أو البكرة أول النهار والأصيل
العشي، وهو أصل الليل، وقال الواحدي في الوسيط أي اذكره بالتوحيد في الصلاة
بكرة وعشيا يعني الفجر والعصر، ومن الليل، فاسجد له يعني المغرب والعشاء،
وسبحه ليلا طويلا يعني التطوع بعد المكتوبة.
الحادية والعشرون: قوله سبحانه: (والفجر وليال عشر والشفع والوتر
والليل إذا يسر) بتقريب ما مر من التقابل كما قابل بين الليل والنهار في آيات
كثيرة كقوله (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى) (والضحى والليل إذا سجى).
وقال الرازي: ذكروا في القسم بالفجر وجوها أحدها ما روي عن ابن عباس
أن الفجر هو الصبح المعروف، فهو انفجار الصبح الصادق والكاذب، أقسم الله
تعالى بما يحصل فيه من انقضاء الليل وظهور الضوء وانتشار الناس، وسائر الحيوانات
من الطير والوحش في طلب الأرزاق، إلى أن قال: ومنهم من قال المراد به جميع النهار
إلا أنه دل بالابتداء على الجميع، ونظيره (والضحى) وقوله (والنهار إذا تجلى)
وثانيها أن المراد نفس صلاة الفجر فأقسم بصلاة الفجر لأنها صلاة في مفتتح النهار،
وتجتمع لها ملائكة الليل وملائكة النهار.
هذا ما حضر في الحال وخطر بالبال من الآيات التي يمكن أن يستدل بها
على هذا المطلوب، فأشرنا إلى كيفية الاستدلال بها وبأضرابها على الاجمال.
واستدل بعض الأفاضل على خلاف هذا المدعى بقوله تعالى (يقلب الله الليل
والنهار) حيث قال: فقد قيل في تفسيره أن الله يقلب بالمعاقبة بينهما أو بنقص

(1) النور: 44.
102

أحدهما وزيادة الاخر أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد، والظلمة والنور، أو ما يعم
ذلك، وعندي كل هذه الوجوه خلاف الظاهر وفرق بين تقليب الشئ وتبديل الشئ
ومعاقبتهما، والظاهر من التقليب جعل الشئ عجزا وبالعكس (1).
وذلك إنما يتحقق في كل واحد من الليل والنهار بالمعنى الذي ذكرناه
حسب، بناء على أن في أول الليل الحمرة في جهة المغرب ثم يزداد الليل ظلمة
وتزول الحمرة، وتبقى الصفرة والبياض المعترض، ثم البياض المرتفع إلى السماء
ثم السواد المحيط بالآفاق، ويزداد الليل ظلمة، وإن لم يظهر أثر الازدياد
حتى ينتصف الليل ويصير رأس ظل المخروط (7) على دائرة نصف النهار فوق
الأرض، ويكون المخروط حينئذ إما قائما أو مائلا إلى جهة الجنوب أو الشمال
مع تساوي بعده عن جهة المشرق والمغرب، ثم إذا زال الليل مال رأس المخروط
عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب، وأخذ الظلمة في الانتقاص، وإن لم يظهر
ذلك حسا وانقلبت الحالات الواقعة في النصف الأول فيميل النور إلى جهة المشرق
حتى يظهر أثر النور المستطيل في الأفق الشرقي ثم الفجر المعترض ثم الصفرة

(1) وفيه أن التقليب أظهر معناه التحويل عن وجهه بجعل أعلاه أسفله، كما يقال:
قلب الامر ظهرا لبطن، ويقال تقلب الشئ ظهرا لبطن كالحية تتقلب على الرمضاء، وإنما
جئ به من باب التفعيل لأجل أن ذلك بالتدريج ولكن وقت الاعتبار عند نصف النهار و
نصف الليل بمعنى أن الذي يكون محيطا بكرة الأرض أو يصورها في مد نظره إذا نظر في
النهار إلى كرة الأرض رأى أعلى الأرض - مثلا - منورا بالضياء وأسفلها مظلما بالليل و
السواد، ثم إذا توجه إلى الأرض بعد اثنا عشر ساعة مثلا يرى الليل والنهار المحيطين
بكرة الأرض مقلبا ظهرا لبطن، الا أن ذلك وقع تدريجا، ولذلك عبر بقوله عز وجل
(يقلب) بالتضعيف.
(2) لكنه غفل عن أن رأس ظل المخروط بل معظمه خارج عن كرة الهواء، فلا
سلطان لهذا الظل بالنسبة إلى كرة الأرض، فلا يزيد فيه سوادا ولا ينقص بعد مغرب الشفق
أبدا، الا عند طلوع الفجر واسفار الهواء المرئى في مشرق الشمس.
103

والحمرة الشرقيتان إلى أن تطلع الشمس من المشرق.
وفي هذه الحالات تقليب للحالة الأولى، وانعكاس لأمرها، وكذلك إذا
طلع الشمس من المشرق، كثر النور في الجهات الشرقية، والظل ممتد من جهة
الغرب، وكلما ارتفع نقص الظل وازداد النور والشعاع وارتفاع الشمس، وجميع
ما يترتب على ذلك حتى إذا زالت الشمس انعكس الامر، وانقلبت الحال، فصارت
الجهات الغربية في حكم الشرقية وبالعكس انتهى.
أقول: يرد عليه أنه مخالف لما ورد في ساير الآيات من إيلاج الليل في
النهار، وتكوير الليل على النهار (1) وغير ذلك، والظاهر أن يكون على سياق
تلك الآيات، مع أن ذلك ليس تقليب الليل والنهار، بل لنصف الليل ونصف
النهار، وعلى ما اخترناه يمكن توجيهه بوجه آخر أظهر، وأوفق بسائر الآيات، و
هو أن يقال الليل مقلوب النهار، والنهار مقلوب الليل، من جميع الوجوه،
إذ ابتداء اليوم ظهور البياض ثم الصفرة، ثم الحمرة، ثم يطلع الشمس، وكلما
ارتفعت ازدادت نورا، وهكذا إلى الزوال، ثم ينقص النور إلى أن تغيب، ثم

(1) ليس المراد من ايلاج الليل في النهار وبالعكس، وهكذا تكوير الليل على
النهار ما يزيد في مدة النهار والليل بحسب الفصول، بل المراد ايلاج الليل وسواده في
بطن النهار وضيائه من جهة المغرب على الاستدامة وايلاج النهار في بطن الليل في المشرق
هكذا الا أن ذلك يترائى لمن خرج ببصره أو بفكره وخياله عن الأرض وعرج بروحه إلى
السماء وتصور كرة الأرض في مقابلته، فحينئذ يشاهد كيف يلج سواد الليل في بطن الضياء
من جهة المغرب، وكيف يلج ضياء النهار في دبر الليل من جهة المشرق، وهكذا كيف
يكور ويلف أطراف الليل على النهار كأنه يستر الضياء بذيله من جهة المغرب وكيف يلف
أطراف النهار بضيائه الليل كأنه يستر السواد بلفاف بياضه، كل هذا على التشبيه البليغ
البديع يجعل كيفية الامساء والاصباح وانسلاخ الليل من النهار مشاهدا لحس المتفكرين
وينبه على عظمة الابداع وحسنه كأن تلك الآيات يعرج بروح المؤمن إلى فوق الأفق خارج
الكرة الأرضية ويشاهده تلك البدايع ومحاسن الصنع ليعرف عظمة ربه.
104

يظهر الليل بعكس النهار ترتيبا وصفة، لغروب الشمس أولا ثم ظهور الحمرة،
ثم الصفرة، ثم البياض، ثم تزداد الظلمة إلى الغسق، ثم تنتقص إلى طلوع الفجر،
فالليل مقلوب النهار، والنهار مقلوب الليل.
ويمكن أن يقال النكتة في جعل الشفق في أحد الطرفين من النهار، وفي
الاخر من الليل أن الانسان بعد نوم الليل والاستراحة يغتنم أدنى ضوء للحركة
والانتشار لطلب المعاد والمعاش، بخلاف انتهاء اليوم فإنه لكثرة مشاغله في اليوم
وتضجره منها يغتنم أدنى ظلمة لترك الاعمال والاستراحة، فلذا عد من الليل.
وأما الاستدلال بأن الغسق نهاية الظلمة، وهو منتصف ما بين الطلوع والغروب
فهو إنما يتم إذا كان المراد بالغسق جزء غير منقسم كالزوال، وهو في محل المنع
بل الظاهر من إطلاقات اللغويين أنه قدر من الزمان في وسط الليل تشتد فيه
الظلمة، فيمكن أن يكون ابتداؤه موافقا لمنتصف ما بين الغروب إلى الفجر.
وأما الأخبار الواردة في ذلك فهي أكثر من أن تجتمع في موضع، ولنذكر
هنا ما يكفي في الدلالة على المقصود والجرعة تدل على الغدير، والحفنة على البيدر
الكبير، وأرجو الإعانة من العليم القدير.
1 - الاحتجاج: عن الحسن بن محبوب، عن سماعة قال: قال أبو حنيفة
لأبي عبد الله عليه السلام: كم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم بل أقل من ذلك
قال: فاستعظمه فقال يا عاجز لم تنكر هذا؟ إن الشمس تطلع من المشرق وتغرب في
المغرب، في أقل من يوم تمام الخبر (1).
بيان: ظاهره أن الأقل باعتبار انضمام ما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس وان أمكن أن يكون باعتبار الأفق الحسى والأفق الحقيقي لكنه بعيد و
الاستدلال بالظواهر.
2 - العلل والخصال: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد
الأشعري، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن أبي هاشم

(1) الاحتجاج: 197
105

الخادم قال: قلت لأبي الحسن الماضي عليه السلام: لم جعلت صلاة الفريضة والسنة
خمسين ركعة، لا يزاد فيها ولا ينقص منها؟ قال: إن ساعات الليل اثنتي عشرة ساعة،
وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة، وساعات النهار اثنتي عشرة ساعة
فجعل لكل ساعة ركعتين، وما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق (1).
بيان: هذا اصطلاح آخر لليل والنهار، وللساعات المعوجة سوى المشهور،
وكان مشهورا بين أهل الكتاب، ولا يدل على شئ من طرفي النزاع، وقال
أبو ريحان البيروني في القانون المسعودي نقلا عن براهمة الهند: إن ما بين طلوع
الفجر وطلوع الشمس وكذلك ما بين غروب الشمس وغروب الشفق خارجان عن
الليل والنهار، بل هما بمنزلة الفصل المشترك.
3 - الخصال: عن الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، عن عمه عن
أبي إسحاق قال: أملى علينا تغلب ساعات الليل: الغسق، والفحمة، والعشوة، و
الهدأة، والسباع، والجنح والهزيع، والفغد، والزلفة، والسحرة والبهرة،
وساعات النهار: الرأد، والشروق: والمتوع، والترجل، والدلوك، والجنوح،
والهجيرة، والظهيرة، والأصيل، والطفل (2).
بيان: قال الفيروزآبادي: الغسق محركة ظلمة أول الليل وقال فحمة الليل
أوله، أو أشد سواده، أو ما بين غروب الشمس إلى نوم الناس، خاص بالصيف وقال:
العشوة بالفتح الظلمة أو ما بين أول الليل إلى ربعه، وقال أتانا بعد هدء من الليل
وهدء وهدءة أي حين هدأه الليل والرجل، والهدو أول الليل إلى ثلثه، ولم
يذكر للسباع معنى مناسبا، وقال: ككتاب الجماع ويحتمل أن يكون سمي بذلك
لأنه وقته أو يكون تصحيفا، وقال الجنح من الليل بالكسر الطائفة ويضم، وقال
هزيع من الليل كأمير طائفة أو نحو من ثلثه أو ربعه.
وقال الزلفة الطائفة من الليل، وقال السحر قبيل الصبح، والسحرة بالضم

(1) علل الشرايع ج 2 ص 17، والخصال ج 2 ص 85.
(2) الخصال ج 2 ص 85، وأخرجه في ج 59 ص 4 من هذه الطبعة مع شرح واف.
106

السحر الاعلى، وقال البهر الإضاءة وابهار الليل أي انتصف أو تراكمت ظلمته أو
ذهب عامته، أو بقي نحو من ثلثه، والبهرة من الليل وسطه، وكأنها الفجر الأول
أو الفجران، وقال: رئد الضحى ورأده ارتفاعه، وقال: شرقت الشمس شروقا
طلعت، وقال: متع النهار متوعا ارتفع والضحى بلغ آخر غايته، وقال: رجل
النهار وترجل ارتفع، وقال: دلكت الشمس زالت عن نصف النهار.
وقال: جنح مال، وجنوح الليل إقباله، والجنح بالكسر الجانب والكنف
وقال: الهجيرة نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر، أو من عند زوالها إلى
العصر، وقال الظهيرة: حد انتصاف النهار، وقال الأصيل العشي وقال طفل العشي
محركا آخره عند الغروب.
أقول: لم أجد للفغد معنى، ولعله تصحيف، وليس فيه دلالة صريحة
على أحد الجانبين، وإنما ذكرناه للمناسبة.
4 - تفسير علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن إسماعيل بن أبان، عن عمر
ابن أبان الثقفي قال: سأل نصراني الشام الباقر عليه السلام عن ساعة ما هي من الليل
ولا هي من النهار، أي ساعة هي؟ قال أبو جعفر عليه السلام: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس، قال النصراني: إذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن
أي ساعات هي؟ فقال: أبو جعفر من ساعات الجنة، وفيها تفيق مرضانا، فقال
النصراني أصبت (1).
بيان: أقول: قد مر أن هذا اصطلاح آخر كان معروفا عند أهل الكتاب
فلذا أجابه عليه السلام على وفق معتقده، وقوله عليه السلام: (من ساعات الجنة) أي شبيهة بها
ولا يبعد أن يكون المراد أنها لا تحسب في انتصاف الليل ولا في انتصاف النهار.
5 - العلل: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن علي بن بشار
عن موسى، عن أخيه علي بن محمد عليهما السلام أنه أجاب في مسائل يحيى بن أكثم القاضي
أما صلاة الفجر وما يجهر فيها بالقراءة، وهي من صلاة النهار، وإنما يجهر في

(1) تفسير القمي: 89 في حديث طويل وتراه في الكافي ج 8 ص 123.
107

صلاة الليل، قال: جهر فيها بالقراءة لان النبي صلى الله عليه وآله كان يغلس فيها لقربها
بالليل (1).
تحف العقول: مرسلا مثله (2).
6 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
علي بن حديد وابن أبي نجران، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر
عليه السلام قال: الصلاة الوسطى صلاة الظهر، وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله،
وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر الخبر (3).
العياشي: عن زرارة مثله (4).
معاني الأخبار: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمان بن أبي نجران والحسين بن سعيد معا، عن حماد
عن حريز، عن زرارة مثله (5).
توضيح: أقول هذه الرواية مع ورودها بأسانيد صحيحة، صريحة في كون
وقت الفجر من النهار، وما قيل من أن قوله عليه السلام: (بالنهار) قيد لصلاة الظهر،
لا لصلاتين - والمعنى أن صلاة الظهر وسط صلاتين، مع كونها بالنهار، وهذا يوجب
فضلها، والكلام مسوق لبيان كونها الصلاة الوسطى، ولا ينافي تسميتها بصلاة وسطى
لما ذكر اشتراكها مع صلاة العصر في الصفة المذكورة، مع أنه يحتمل أن يكون
المراد أنها أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله، والحال أنها على الصفة المذكورة
حتى لا يشاركها صلاة العصر ويحتمل أن يكون الظرف لغوا متعلقا بقوله صلى -
فلا يخفى ما فيه من التهافت والتكلف.

(5) علل الشرايع ج 2 ص 13.
(6) تحف العقول: 508 ط الاسلامية.
(7) علل الشرايع ج 2 ص 43.
(8) تفسير العياشي ج 1 ص 127.
(9) معاني الأخبار: 332.
108

أما الوجه الأول فبعده بحسب اللفظ ظاهر للفصل بالظرف بين البيان والمبين
وأما معنى فلما أومأنا إليه سابقا من أن الحكيم إذا ذكر الصلوات ثم أفرد واحدة
منها من بينها بوصف، لابد أن يكون لهذا الوصف اختصاص ما بتلك الصلاة، و
كونها وسط صلاتين مطلقا مشترك بين جميع الصلوات، فيصير بمنزلة أن يقول:
حافظوا على جميع الصلوات وعلى الصلاة التي هي صلاة، أو مشتملة على الركوع
والسجود، وإن أراد أن كونها بالنهار يستفاد من الآية وسلم ذلك، فذكر
الوسطى لغو إذ لا يستفاد منه تخصيص بوجه، وما أفاده من استفادة الفضل من كونها
بالنهار فمع أنه لا ينفع في المقام غير مسلم بل الظاهر خلافه لقوله تعالى: (إن
ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا) (1).
والوجه الثاني لا أفهم منه معنى محصلا، ولعله أراد أن يجعل الجميع من
قوله وهي أول صلاة إلى آخر الكلام وجها واحدا، فلو أراد أنه عليه السلام بين علة
أنه لم سماها الله وسطى من بين الصلوات، فلا ينفع تكلفه، ولا يدفع شيئا، ويرد
عليه ما أوردناه على الوجه الأول.
وإن أراد أنه عليه السلام أراد أن يذكر نكتة وعلة لتعيين صلاة الظهر، لكونها
وسطى مع قطع النظر عن دلالة لفظ الآية عليه، وعن أنه لم سميت وسطى، فلا
ينفع في هذا إلا الجزء الأول، أعني كونها أول صلاة صلاها صلى الله عليه وآله فأما كونها
وسط صلاتين، فلا مدخل له في ذلك لأنه مشترك بين الصلوات وكونها بالنهار
مشترك بينها وبين العصر، فتدبر. والظرف اللغو الذي أبدى لعله بكونه لغوا أحرى
فان توسيط متعلق جملة بين جملة أخرى ومتعلقها مما يصير به الكلام مشوشا
متهافتا، بل مما لا يكاد يصح.
ولا محصل لمعناه أيضا إذ لو كان الغرض أنه ليس الظهر أول الصلوات
مطلقا بل أول ما فعله صلى الله عليه وآله بالنهار، فلا يخلو إما أن تكون صلاة الفجر من صلاة
النهار أم لا فعلى الثاني لا محصل لهذا الكلام ولا طائل تحته، إذ حينئذ لا يكون

(1) المزمل: 6.
109

أول صلاة النهار إلا الظهر، فلا تترتب فائدة على هذا الكلام، وعلى الأول
يتم مطلوبنا، وإن كان فيه قصور أيضا، إذ الظاهر من الاخبار أن صلاة اليوم والليلة
فرضت مرة واحدة، فيكون أول ما صلى بالنهار الصبح لا الظهر، ولو كان المراد
أنه أول ما صلى مطلقا ومع ذلك قيد بالنهار فكونه لغوا أبين وأظهر.
7 - فقه الرضا: قال عليه السلام: اعلم أن ثلاث صلوات إذا حل وقتهن
ينبغي لك أن تبدأ بهن ولا تصلي بين أيديهن نافلة صلاة استقبال النهار وهي الفجر
وصلاة استقبال الليل وهي المغرب، وصلاة يوم الجمعة (1).
8 - العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الصلاة
الوسطى هي الوسطى من صلاة النهار، وهي الظهر (2).
9 - ومنه: عن حريز: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أقم الصلاة طرفي
النهار) وطرفاه المغرب والغداة، و (زلفا من الليل) وهي صلاة العشاء الآخرة (3).
10 - ارشاد القلوب: عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام في بيان فضل هذه الأمة ومنها أن الله عز وجل فرض عليهم في
الليل والنهار خمس صلوات في حمسة أوقات: اثنتان بالليل، وثلاث بالنهار (4).
11 - العلل: في علل الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في علة أوقات
الصلوات: أن الله عز وجل أحب أن يبدأ في كل عمل أولا بطاعته وعبادته،
فأمرهم أول النهار إن يبدؤا بعبادته ثم ينتشروا فيما أحبوا من مؤنة دنياهم،
فأوجب صلاة الفجر عليهم (5).
12 - الفقيه: باسناده عن معاوية بن وهب قال: لا تنتظر بأذانك وإقامتك

(1) فقه الرضا:
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 127.
(3) تفسير العياشي ج 1 ص 161.
(4) ارشاد القلوب ج 2 ص 22، وقد مر في ج 82 ص 274.
(5) علل الشرايع ج 1 ص 250.
110

إلا دخول وقت الصلاة، واحدر إقامتك (1).
قال: وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله مؤذنان أحدهما بلال، والاخر ابن أم
مكتوم وكان ابن أم مكتوم أعمى وكان يؤذن قبل الصبح، وكان بلال يؤذن
بعد الصبح، فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فإذا سمعتم أذانه
فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال (2).
13 - الكافي: بسند صحيح عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخيط
الأبيض من الخيط الأسود، فقال: بياض النهار من سواد الليل (3) قال: وكان بلال
يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله وابن أم مكتوم وكان أعمى يؤذن بليل، ويؤذن بلال
حين يطلع الفجر الحديث وبسند آخر فيه قوة عن زرارة عنه عليه السلام مثله (4).
14 - التهذيب: عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن ابن سنان، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إن لنا مؤذنا يؤذن بليل، فقال أما إن ذلك ينفع
الجيران لقيامهم إلى الصلاة، وأما السنة فان يتأدى مع طلوع الفجر (5).
بيان: هذه الأخبار صريحة في أن ما بعد الصبح ليس من الليل، ويدل
على أنه كان معلوما مسلما بينهم، وعليه جرى اصطلاحهم.
15 - الكافي: في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قال: ما شاء الله
كان، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، مائة مرة حين يصلي الفجر لم ير في
يومه ذلك شيئا يكرهه (6).
16 - ثواب الأعمال: باسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: من استغفر الله
بعد صلاة الفجر سبعين مرة غفر الله له، ولو عمل ذلك اليوم أكثر من سبعين

(1) الفقيه ج 1 ص 185.
(2) الفقيه ج 1 ص 194.
(3) الكافي ج 4 ص 98.
(4) الكافي ج 4 ص 98.
(5) التهذيب ج 1 ص 148.
(6) الكافي ج 2 ص 530.
111

ألف ذنب (1).
وعن الصادق عليه السلام بسند صحيح قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام من صلى الفجر
وقرأ قل هو الله أحد، أحد عشر مرة، لم يتبعه في ذلك اليوم ذنب (2).
بيان: ظاهر الإشارة في تلك الأخبار بذلك اليوم ويومه ذلك أنه بعد طلوع
الفجر دخل في اليوم وخرج من الليل، ومثله كثير في الاخبار، ولامكان المناقشة
فيها اكتفينا بالقليل منها.
17 - الفقيه: عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن إبليس إنما يبث
جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى أن يغيب الشفق، ويبث جنود النهار من حين
يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس (3).
18 - الخصال: بسنده المعتبر عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: من كانت له
حاجة فليطلبها في ثلاث ساعات إلى قوله: وساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر (4).
بيان: الظاهر أن المراد الساعة التي نهايتها الطلوع لا بدايتها، كما دلت عليه الأخبار
الكثيرة الواردة في ذلك.
19 - عدة الداعي: عن الباقر عليه السلام قال: إن الله ينادي كل ليلة من
أول الليل إلى آخره: ألا عبد مؤمن يدعوني لدينه ودنياه، قبل طلوع الفجر
إلى آخر الخبر (5).
توضيح: نداء المنادي بعد طلوع الفجر بأن يدعو قبل الفجر غير محتمل.
20 - الكافي: في المعتبر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تقول: إذا أصبحت و
أمسيت: الحمد لرب الصباح، الحمد لخالق الاصباح مرتين، الحمد لله الذي ذهب

(1) ثواب الأعمال: 116.
(2) ثواب الأعمال: 116.
(3) الفقيه ج 1 ص.
(4) الخصال ج 2 ص 158 في حديث الأربعمائة.
(5) عدة الداعي ص 50.
112

بالليل بقدرته، وجاء بالنهار برحمته - الخبر - (1).
وبسند حسن عنه عليه السلام قال. إذا أصبحت وأمسيت فقل إلى أن قال: فإذا
قلت ذلك كنت قد أديت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم، وفي تلك
الليلة (2).
21 - المصباح الكبير للشيخ: من أدعية الصباح قال: إذا طلع الفجر
الثاني فقل يا فالقه من حيث لا أرى إلى قوله: واجعل أول يومنا هذا صلاحا وأوسطه
فلاحا وآخره نجاحا، قال ثم تقول: مرحبا بالحافظين إلى قوله: الحمد الله الذي
أذهب الليل بقدرته، وجاء بالنهار برحمته خلقا جديدا
ثم قال: دعاء آخر اللهم إني أصبحت أستغفرك في هذا الصباح، وفي هذا
اليوم لأهل رحمتك.
ثم قال: دعاء آخر برواية معاوية بن عمار تقول بعد الفجر إلى قوله:
الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله إلى قوله على إدبار الليل وإقبال النهار
الحمد لله الذي ذهب بالليل مظلما بقدرته وجاء بالنهار مبصرا برحمته، إلى قوله:
مرحبا بخلق الله الجديد، واليوم العتيد، إلى قوله عليه السلام واجعل أول يومي هذا
صلاحا إلى قوله، وارزقني خير يومي هذا.
ثم ذكره - ره - دعاء العشرات مرويا عن الصادق عليه السلام وساق الدعاء إلى
قوله: الحمد لله الذي ذهب بالليل بقدرته، وجاء بالنهار برحمته، إلى قوله:
اللهم كما ذهبت بالليل وأقبلت بالنهار خلقا جديدا.
22 - الصحيفة السجادية: في دعاء الصباح وهذا يوم حادث جديد، و
هو علينا شاهد عتيد إلى قوله عليه السلام اللهم وفقنا في يومنا هذا إلى قوله عليه السلام:
واجعله أيمن يوم عهدناه إلى قوله عليه السلام في يومي هذا (3).

(1) الكافي ج 2 ص 528 في حديث.
(2) الكافي ج 2 ص 99.
(3) الدعاء السادس من أدعية الصحيفة ص 47 ط الآخوندي.
113

23 - المصباح للشيخ: ذكر في أدعية ساعات اليوم الساعة الأولى وهي من
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام.
24 - الفقيه ومجالس الصدوق والتوحيد والعيون والاحتجاج: بأسانيدهم عن الرضا عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل ملكا من السماء
الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي: هل من
سائل فأعطيه إلى قوله: ينادي بهذا حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد إلى محله
من ملكوت السماء (1).
بيان: الظاهر أن النداء في جميع الثلث الأخير ونهاية الفجر.
25 - الفقيه والمقنعة والتهذيب: بأسانيدهم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
إن الله تعالى لينادي كل ليلة جمعة من فوق عرشه من أول الليل إلى آخره ألا عبد
مؤمن يدعوني لاخرته ودنياه فأجيبه؟ ألا عبد مؤمن يتوب إلي من ذنوبه قبل طلوع
الفجر فأتوب عليه، إلى قوله: فما يزال ينادي بهذا إلى أن يطلع الفجر (2).
26 - الكافي والتهذيب: باسنادهما عن أبي جعفر عليه السلام قال: الاذان
الثالث يوم الجمعة بدعة (3).
أقول: التقريب أن أحسن محامله أن يكون المراد أذان العصر، فإنه
ثالث بالنسبة إلى أذاني الفجر والجمعة.
27 - الكافي والتهذيب والمقنعة: بأسانيدهم الصحيحة، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: يستحب أن يقرء في دبر الغداة يوم الجمعة الرحمن الخبر (4).

(1) الفقيه ج 1 ص 271 في حديث: أمالي الصدوق ص 246، التوحيد ص 176
ط مكتبة الصدوق، عيون الأخبار ج 2 ص 126، الاحتجاج: 223.
(2) الفقيه ج 1 ص 271، المقنعة: 25، التهذيب ج 1 ص 246.
(3) الكافي ج 3 ص 421، التهذيب ج 1 ص 250.
(4) الكافي ج 3 ص 429، المقنعة: 26، التهذيب ج 1 ص 247.
114

28 - مجالس الشيخ: باسناده عن الباقر عليه السلام قال: سألته عن زيارة القبور
قال: إذا كان يوم الجمعة فزرهم، فإنه من كان منهم في ضيق وسع عليه ما بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس، يعلمون بمن أتاهم في كل يوم، فإذا طلعت الشمس
كانوا سدي (1).
29 - الكافي والتهذيب: في الصحيح، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس
يوم الفطر ولا يوم الاضحي أذان ولا إقامة، أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت
خرجوا الخبر (2).
30 - وفي الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر
الصبح وأنت بالبلد، فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد (3).
31 - الاقبال: باسناده عن الصادق عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام
يحيى ليلة عيد الفطر بالصلاة حتى يصبح، ويبيت ليلة الفطر في المسجد (4)
32 - المصباح للشيخ، ومسار الشيعة للمفيد: عن زيد بن علي قال: كان
علي بن الحسين عليهما السلام يجمعنا جميعا ليلة النصف من شعبان ثم يجزي بالليل أجزاء
ثلاثة فيصلي بنا جزء، ثم يدعو فنؤمن على دعائه، ثم يستغفر الله ونستغفره و
نسأله الجنة حتى ينفجر الفجر.
33 - الكافي: في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن العبد يوقظ ثلاث
مرات من الليل، فإن لم يقم أتاه الشيطان فبال في اذنه، قال محمد بن مسلم: وسألته
عن قول الله (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) (5) قال: كانوا أقل الليالي

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 300.
(2) الكافي ج 3 ص 459، التهذيب ج 1 ص 289.
(3) التهذيب ج 1 ص 334.
(4) الاقبال: 274.
(5) الذاريات. 18.
115

تفوتهم لا يقومون فيها (1).
بيان: أقول: ظاهر أن القائم بعد طلوع الفجر غير داخل في الممدوحين
بتلك الآية، وأيضا ظاهر أن الايقاظ من الليل قبل الفجر فتدبر.
34 - التهذيب: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أدرك يوم عرفة إلى طلوع
الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج (2).
35 - الكافي: في الصحيح عن الرضا عليه السلام قال: لا ترم الجمرة يوم النحر
حتى تطلع الشمس (3).
36 - التهذيب: في الصحيح عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال:
سألته عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح قال: إن كان أتاها نهارا فبات
فيها حتى أصبح فعليه دم يهريقه (4).
37 - وفي الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن زار بالنهار أو عشاء فلا
ينفجر الصبح إلا وهو بمنى، وإن زار بعد أن انتصف الليل أو السحر فلا بأس عليه
أن ينفجر الصبح وهو بمكة (5).
38 - التهذيب: عن أبي الحسن عليه السلام فيمن بات ليالي منى بمكة إذا بات مشتغلا
بالعبادة قال: ما أحب أن ينشق الفجر إلا وهو بمنى (6).
وفي صحيحة معاوية بن عمار: وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك بأن
تصبح في غيرها (7).
39 - وفي الكافي مثله، وزاد وسألته عن الرجل زار عشاء فلم يزل في طوافه

(1) الكافي ج 3 ص 446.
(2) التهذيب ج 1 ص..
(3) الكافي ج 4 ص 482.
(4) التهذيب ج 1 ص 520.
(5) الكافي ج 4 ص 514، التهذيب ج 1 ص 520.
(6) التهذيب ج 1 ص 520.
(7) التهذيب ج 1 ص 520.
116

ودعائه وفي السعي بين الصفا والمروة حتى يطلع الفجر، قال: ليس عليه شئ
كان في طاعة الله (1).
وروي مثله في الكتابين بأسانيد جمة أكثرها صحيحة تركنا إيرادها مخافة
الاطناب.
40 - التهذيب: عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته عن رجل زار البيت
فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم رجع فغلبته عينه في الطريق فنام حتى أصبح،
قال: عليه شاة (2).
وعن أبي عبد الله عليه السلام عن الدلجة إلى مكة أيام منى، وأنا أريد أن أزور
البيت فقال: لا حتى ينشق الفجر. كراهية أن يبيت الرجل بغير منى (3).
وفي الصحيح عنه عليه السلام قال: من زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم، وإن
كان قد خرج منها فليس عليه شئ، وإن أصبح دون منى (4).
ورواه الكليني في الحسن (5).
41 - وروى الكليني أيضا بسند حسن عنه عليه السلام قال: إذا زار الحاج من
منى فخرج فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شئ عليه (6).
42 - الفقيه: باسناده عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا خرجت
من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلا بها (7)
وباسناده عن جعفر بن ناجية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا خرج الرجل
من منى أول الليل فلا ينتصف له الليل إلا وهو بمنى، وإذا خرج بعد نصف
الليل فلا بأس أن يصبح بغيرها (8).

(1) الكافي ج 4 ص 514.
(2) التهذيب ج 1 ص 520.
(3) التهذيب ج 1 ص 520.
(4) التهذيب ج 1 ص 520.
(5) الكافي ج 4 ص 514.
(6) الكافي ج 4 ص 515.
(7) الفقيه ج 2 ص 287.
(8) الفقيه ج 2 ص 287.
117

43 - قرب الإسناد: عن وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال
في الرجل أفاض إلى البيت فغلبته عيناه حتى أصبح قال: لا بأس عليه (1).
وعن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل بات بمكة حتى
أصبح في ليالي منى فقال: إن كان أتاها نهارا فبات حتى أصبح فعليه دم شاة يهريقه
وإن كان خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس عليه شئ (2).
بيان: هذه الأخبار الكثيرة وأمثالها تدل على أن منتهى ما يعتبر في
البيتوتة طلوع الفجر، وقد صرح اللغويون وغيرهم أن البيتوتة والبيات الكون
بالليل، وقد قال تعالى: (بياتا أو نهارا) (3) كما مر.
44 - الكافي: بسند معتبر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أراد العمرة
انتظر إلى صبيحة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ثم يخرج مهلا في ذلك اليوم (4).
أقول: لا يخفي أن الظاهر أن الامر بالتوقف لادراك ليلة القدر،
فيدل على أن نهايتها الصبح، وأيضا قوله ذلك اليوم لا يخلو من دلالة على
المطلوب.
45 - الكافي: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح (5).
46 - العلل: باسناده عن ابن عباس في تزويج النبي صلى الله عليه وآله زينب قال: و
لبث سبعة أيام بليالهن عند زينب ثم تحول إلى بيت أم سلمة، وكان ليلتها و
صبيحة يومها من رسول الله صلى الله عليه وآله (6).
بيان: المقابلة بين الليلة وصبيحة اليوم تدل على عدم كونها من الليل.

(1) قرب الإسناد ص 65 ط حجر ص 86 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 106 ط حجر ص 141 ط نجف.
(3) يونس: 50.
(4) الكافي ج 4 ص 536.
(5) الكافي ج 5 ص 499.
(6) علل الشرايع ج ص...
118

47 - الكافي والفقيه والتهذيب: باسنادهم عن إبراهيم الكرخي، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما عليه أن يبيت عندها في ليلتها، ويظل عندها في
صبيحتها الخبر (1).
48 - التهذيب: عن علي بن مهزيار، عن فضالة عن أبان، عن زرارة، عن
أبي جعفر عليه السلام في رجل صلى الغداة بليل غره من ذلك القمر، ونام حتى طلعت
الشمس فأخبر أنه صلى بليل، قال: يعيد صلاته (2).
49 - الفقيه: قال أبو جعفر عليه السلام وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل
إلى آخره (3).
50 - الكافي: عن علي بن محمد، عن سهل، عن علي بن مهزيار قال: قرأت
في كتاب رجل إلى أبي جعفر عليه السلام: الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر من صلاة
الليل هي أم من صلاة النهار؟ وفي أي وقت أصليهما؟ فكتب بخطه: احشهما
في صلاة الليل حشوا (4).
51 - التهذيب: عن الحسين، عن النظر، عن هشام بن سالم، عن زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال
قبل الفجر، إنهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل - الخبر (5).
بيان: قد مر استدلال العلامة قدس سره بهذا الخبر، وربها يناقش فيه
بأنه يدل على كونها من جملة صلاة الليل المعروفة، يعني ثلاث عشر ركعة.
ويؤيده أنه لم يقل من صلوات الليل، بل قال من صلاة الليل.
أقول: هذا الوجه وإن كان متحملا لكن لا يخلو من ظهور في المراد.

(1) الكافي ج 5 ص 564، الفقيه ج 3 ص 270، التهذيب ج 2 ص 232.
(2) التهذيب ج 1 ص 208، ورواه الكليني في ج 3 ص 285.
(3) الفقيه ج 1 ص 302.
(4) الكافي ج 3 ص 450.
(5) التهذيب ج 1 ص 173.
119

52 - التهذيب: عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن
عثمان، عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بصلاة الليل من أول الليل
إلى آخره إلا أن أفضل ذلك إذا انتصف الليل (1).
وعن ابن محبوب عن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير مثله (2)
توضيح: يدل على أن آخر الليل آخر وقت صلاته، ومعلوم أن
الانتصاف الواقع بعد ذكر الأول والاخر على وجه مخصوص، إنما يراعي
بالنسبة إليهما على هذا الوجه.
53 - التهذيب: عن ابن محبوب، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير
عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام، وأظنه إسحاق
ابن غالب قال: قال: إذا قام الرجل من الليل فظن أن الصبح قد أضاء فأوتر ثم
نظر فرأى أن عليه ليلا، قال: يضيف إلى الوتر ركعة ثم يستقبل صلاة الليل
ثم يوتر بعده (3).
وعن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن عبد العزيز قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أقوم وأنا أتخوف الفجر، قال: فأوتر، قلت فأنظر
فإذا علي ليل، قال: فصل صلاة الليل (4).
وعن محمد بن أحمد، عن الحجال، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كان يصلي
ركعتين بعد العشاء يقرء فيهما بمائة آية ولا يحتسب بهما، وركعتين وهو جالس يقرء
فيهما بقل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، فان استيقظ من الليل صلى صلاة
الليل وأوتر، وإن لم يستيقظ حتى يطلع الفجر صلى ركعة فصارت شفعا واحتسب

(1) التهذيب ج 1 ص 320.
(2) التهذيب ج 1 ص 232.
(3) التهذيب ج 1 ص 232.
(4) التهذيب ج 1 ص 232
120

بالركعتين اللتين صلاهما بعد العشاء وترا (1).
بيان: هذه الأخبار تدل على أنه إذا بقي شئ من الليل بقي وقت صلاة
الليل، ولو حمل ليل وليلا على كثير من الليل أيضا يدل على ذلك كما لا يخفي
على العارف بأساليب الكلام.
54 - الكافي: عن محمد، عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن الخزاز،
عن محمد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إن علي بن الحسين عليه السلام كان إذا أصبح قال:
أبتدئ يومي هذا - الدعاء - فإذا فعل ذلك العبد أجزأ مما نسي في يومه (2).
وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل
السراج، عن الحسين بن المختار، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: من قال
إذا أصبح: اللهم إني أصبحت الخ إذا قال: هذا الكلام لم يضره يومه ذلك شئ،
وإذا أمسى فقال لم يضره تلك الليلة شئ إن شاء الله (3).
55 - التهذيب والكافي: محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا،
عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أحدهما عليه السلام
قال: أيما امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس، فليرم
الجمرة ثم ليمض وليأمر من يذبح عنه - الخبر (4).
وعنه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج
عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليه السلام قال: لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان
خائفا (5).
وعنه، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن

(1) التهذيب ج 1 ص 233.
(2) الكافي ج 2 ص 523.
(3) الكافي ج 2 ص 528 وصدر السند هكذا: أبو علي الأشعري، عن محمد بن
عبد الجبار عن محمد بن إسماعيل.
(4) التهذيب ج 1 ص 502، الكافي ج 5 ص 474.
(5) التهذيب ج 1 ص 502، الكافي ج 5 ص 474.
121

أبي المغرا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وآله: للنساء
والصبيان أن يفيضوا بالليل، وأن يرموا الجمار بليل، وأن يصلوا الغداة في منازلهم (1)
وعنه، عن علي بن النعمان، عن سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
جعلت فداك، معنا نساء فأفيض بهن بليل؟ قال: نعم، تريد أن تصنع كما صنع
رسول الله صلى الله عليه وآله قلت: نعم، فقال: أفض بهن بليل الخبر (2).
تقريب أقول: معلوم أن الإفاضة بالليل المذكورة في تلك الأخبار، المراد
بها الإفاضة قبل الفجر، والمناقش مكابر.
56 - التهذيب: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الثمانية ركعات يصليها
العبد آخر الليل زينة الآخرة (3).
وعن مرازم عنه عليه السلام قلت: متى أصلي صلاة الليل؟ قال: صلها آخر
الليل (4).
57 - الخلاف للشيخ: روي النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن بلالا يؤذن بليل،
فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم.
58 - المعتبر: عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثمان من
آخر الليل ثم الوتر ثلاث ركعات: ويفصل بينهما بتسليم، ثم ركعتي الفجر.
59 - التهذيب: في الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الصلاة
بالليل في السفر في أول الليل؟ فقال: إذا خفت الفوت في آخره (5).
وفي الموثق: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوله
إلى آخره، إلا أن أفضل ذلك بعد انتصاف الليل (6).

(1) التهذيب ج 1 ص 502، الكافي ج 5 ص 474.
(2) التهذيب ج 1 ص 169.
(3) التهذيب ج 1 ص 231.
(4) التهذيب ج 1 ص 320.
(5) التهذيب ج 1 ص 232 و 320.
(6) التهذيب ج 1 ص 232 و 320.
122

وعن الحسين بن علي بن بلال قال: كتبت إليه في وقت صلاة الليل، فكتب
عند زوال الليل، وهو نصفه أفضل، فان فات فأوله وآخره جائز (1).
تفهيم: هذه الأخبار تدل على أن وقت صلاة الليل ممتد إلى آخر الليل
وآخر وقت صلاة الليل الفجر الثاني بالاتفاق، والخبران الأخيران يدلان ظاهرا
على أن نصف الليل هو نصف الزمان الممتد من الغروب إلى طلوع الفجر، إذ
ذكر الانتصاف بعد ذكر الأول والاخر لا يفهم منه إلا كونه منتصف ما بينهما،
لا سيما الأخير لارجاع الضماير إلى أمر واحد، ويفهم منه أن زوال الليل لايراد
به الزوال عن دائرة نصف النهار.
60 - الفقيه والكافي: في الصحيح عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قلت له: إن رجلا من مواليك من صلحائهم شكى إلي ما يلقى من النوم،
وقال: إني أريد القيام إلى الصلاة بالليل فيغلبني النوم إلى أن أصبح، إلى قوله
ولم يرخص في النوافل أول الليل، وقال: القضاء بالنهار أفضل (2).
61 - الكافي والتهذيب: عن إسماعيل بن جابر أو ابن سنان قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: إني أقوم آخر الليل، وأخاف الصبح، قال: اقرأ الحمد، و
اعجل اعجل (3).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل
يقوم من آخر الليل، وهو يخشي أن يفجأه الصبح أيبدأ بالوتر - الخبر (4).
62 - التهذيب: في الصحيح، عن سعد بن سعد قال: سألت الرضا عليه السلام
عن الرجل يكون في بيته وهو يصلي، وهو يرى أن عليه ليلا ثم يدخل عليه الاخر
من الباب، فقال: قد أصبحت، هل يعيد الوتر أم لا؟ أو يعيد شيئا من صلاته؟ قال:

(1) التهذيب ج 1 ص 232 و 320.
(2) الفقيه ج 1 ص 302، الكافي ج 3 ص 447.
(3) التهذيب ج 1 ص 125، الكافي ج 3 ص 449.
(4) التهذيب ج 1 ص 125، الكافي ج 3 ص 449.
123

يعيد إن صلاها مصبحا (1).
63 - الفقيه: قال: قال أبو جعفر عليه السلام: وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل
إلى آخره (2).
64 - التهذيب: عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أول وقت
ركعتي الفجر، قال: سدس الليل الباقي (3).
وفي الصحيح عن حماد قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ربما صليتهما وعلي
ليل، فان قمت ولم يطلع الفجر أعدتهما (4).
65 - الكافي: في الموثق، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما كان يحمد الرجل
أن يقوم من آخر الليل فيصلي صلاته ضربة واحدة، ثم ينام ويذهب (5).
66 - التهذيب: عن إسماعيل بن سعد قال: سألت الرضا عليه السلام عن ساعات
الوتر قال: أحبها إلي الفجر الأول (6).
وسألته عن أفضل ساعات صلاة الليل قال: الثلث الباقي (7).
67 - الفقيه: عن بريد عن أبي جعفر عليه السلام قال: أفضل قضاء صلاة
الليل في الساعة التي فاتتك آخر الليل، وليس بأس أن تقضيها بالنهار، وقبل
أن تزول الشمس (8).
68 - الكافي: عن أبي جعفر عليه السلام قال: أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل
بالليل، وصلاة النهار بالنهار، قلت: ويكون وتران في ليلة؟ قال: لا، قلت:
ولم تأمرني أن أوتر وترين في ليلة قال: أحدهما قضاء (9).

(1) التهذيب ج 1 ص 232.
(2) الفقيه ج 1 ص 302.
(3) التهذيب ج 1 ص 173.
(4) التهذيب ج 1 ص 173.
(5) الكافي ج 3 ص 446.
(6) التهذيب ج 1 ص 232.
(7) التهذيب ج 1 ص 232.
(8) الفقيه ج 1 ص 316.
(9) الكافي ج 3 ص 452.
124

69 - غياث سلطان الورى: للسيد بن طاوس، عن حريز، عن زرارة،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن
يدركه الصبح ولم يصل صلاة ليلته تلك، قال يؤخر القضاء ويصلي صلاة ليلته
تلك.
70 - الخصال: بسنده المعتبر عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: من كانت له
حاجة فيطلبها في ثلاث ساعات إلى قوله، وساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر،
فان ملكين يناديان هل من تائب يتاب عليه - الخبر (1).
أقول: ظاهر أن المراد به قبل طلوع الفجر كما روي في أخبار كثيرة، أن
هذا النداء في الليل، وأن وقت الإجابة السحر، وأن ساعة الإجابة في الليل
كما لا يخفى على المتتبع.
71 - الكافي: عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله الله (وظلالهم بالغدو والآصال) (2)
قال: هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وهي ساعة إجابة (3).
أقول: معلوم أن الغدو من اليوم والغداء من طعام اليوم، لكن من لا ينبهه
صلاة الغداة لا ينبهه هذا، ويلتزم أن الغداة من الليل.
72 - مصباح الكفعمي: عن الصادق عليه السلام من كانت به علة فليقل عليها في
كل صباح أربعين مرة أربعين يوما الخ.
أقول: لو كان الصباح من الليل لقال أربعين ليلة.
73 - الكافي: في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أصبحت وأمسيت
فقل عشر مرات (اللهم ما أصبحت بي من نعمة) إلى قوله (فإنك إذا قلت ذلك
كنت قد أديت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم وفي تلك الليلة (4).

(1) الخصال ج 2 ص 158، وقد مر تحت الرقم...
(2) الرعد: 15.
(3) الكافي ج 2 ص 522.
(4) الكافي ج 2 ص 99 وقد مر.
125

وفي الصحيح: عنه عليه السلام قال: شرف المؤمن قيامه بالليل (1).
وعنه عليه السلام في قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) (2) قال: صلاة
المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار (3).
74 - التهذيب: في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام وسئل عن قول الله (قم
الليل إلا قليلا) (4) قال: أمره الله أن يصلي كل ليلة إلا أن يأتي ليلة من
الليالي لا يصلي فيها شيئا (5).
أقول: من البين أن صلاة الفجر غير داخل في هذه الصلاة، بعد القيام،
ولكن عليه السلام يترك صلاة الفجر أبدا.
75 - التهذيب وثواب الاعمال: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل
قال: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) إن الثماني ركعات يصليها العبد آخر
الليل زينة الآخرة (6).
وعنه عليه السلام قال: قال علي عليه السلام قيام الليل مصحة للبدن - الخبر (7).
76 - الفقيه: في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام يا علي ثلاث فرحات
للمؤمن في الدنيا منها التهجد في آخر الليل، يا علي ثلاث كفارات منها التهجد
بالليل والناس نيام (8).

(1) الكافي ج 3 ص 488.
(2) هود: 114.
(3) الكافي ج 3 ص 266.
(4) المزمل: 2.
(5) التهذيب ج 1 ص 231.
(6) التهذيب ج 1 ص 231 وقد مر تحت الرقم 56، ثواب الأعمال: 38.
(7) التهذيب ج 1 ص 169، وتراه في الخصال ج 2 ص 156، المحاسن: 53
ثواب الأعمال: 38.
(8) الفقيه ج 4 ص 260.
126

أقول: ظاهر أن الصلاة بعد الفجر غير داخل في التهجد المذكور هنا.
77 - التهذيب والعلل: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تدع قيام الليل فان
المغبون من حرم قيام الليل (1).
78 - الكافي: قال: مجالس المفيد رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إني قد حرمت
الصلاة بالليل، فقال: عليه السلام: قد قيدتك ذنوبك (2).
أقول: معلوم أن من قام إلى صلاة الفجر فقط يصدق عليه أنه حرم صلاة
الليل أو قيامه.
79 - الفقيه: عن أبي عبد الله عليه السلام إني لامقت الرجل قد قرأ القرآن ثم
يستيقظ من الليل فلا يقوم حتى إذا كان عند الصبح قام يبادر بالصلاة (3).
أقول: ظاهر من هذا السياق أن القيام عند الصبح غير داخل في القيام
بالليل، وأن الصبح غاية الاستيقاظ بالليل.
80 - المعتبر: عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: في
قوله تعالى: (وبالاسحار هم يستغفرون) قال: في الوتر في آخر الليل سبعين
مرة (4).
وروى من طريق المخالفين، عن ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
الوتر ركعة من آخر الليل.
81 - التهذيب: بسند يقرب من الصحيح عن أبي بصير قال: إذا خرجت
بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتم الصوم، واعتد به من شهر رمضان.
وبسند آخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت

(1) التهذيب ج 1 ص 169، علل الشرايع ج 2 ص 51، وترى مثله في
معاني الأخبار ص 342.
(2) الكافي ج 3 ص 450.
(3) الفقيه ج 1 ص 303.
(4) المعتبر:... وتراه في التهذيب ج 1 ص 172.
127

الخروج من الليل فان خرجت قبل الفجر أو بعده، فأنت مفطر، وعليك قضاء ذلك
اليوم (1).
أقول: ظاهر من الخبرين أن نهاية الليل الفجر، مع أن الأصحاب
عبروا من ذلك بتبييت النية، والبيات مقابل النهار كما مر.
82 - الاقبال: باسناده عن حماد بن عيسى، عن محمد بن يوسف، عن أبيه،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الجهني أتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله
إن لي إبلا وغنما وغلمة فأحب أن تأمرني ليلة أدخل فيها فأشهد الصلاة، وذلك في
شهر رمضان، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فساره في اذنه، قال: فكان الجهني إذا كانت
ليلة ثلاث وعشرين دخل بابله وغنمه وأهله وولده وغلمته، فكان تلك الليلة ليلة
ثلاث وعشرين بالمدينة، فإذا أصبح خرج بأهله وغنمه وإبله إلى مكانه (2).
83 - التهذيب ومجالس الشيخ: بسند موثق عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي صل في ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين من
شهر رمضان، في كل واحدة منهما إن قويت على ذلك مائة ركعة سوى الثلاث عشر
وأسهر فيهما حتى تصبح فان ذلك يستحب أن يكون في صلاة ودعاء وتضرع،
فإنه يرجى أن تكون ليلة القدر في إحداهما وليلة القدر خير من ألف شهر
- الخبر (3).
بيان: الرواية بصدرها وعجزها تنادي بأن نهاية ليلة القدر طلوع الفجر.
84 - دعوات الراوندي: عن موسى بن جعفر عليه السلام قال: من اغتسل ليلة
القدر وأحياها إلى طلوع الفجر خرج من ذنوبه.
85 - التهذيب: في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في حديث طويل في
ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين يصلي في كل واحدة منهما إذا قوي على ذلك

(1) التهذيب ج 1 ص 417.
(2) الاقبال ص 207.
(3) التهذيب ج 1 ص 262، أمالي الطوسي ج 2 ص 301.
128

مائة ركعة سوى هذه الثلاث عشرة ركعة، وليسهر فيهما حتى يصبح، فإنه يرجى
أن تكون ليلة القدر في إحداهما (1).
86 - الكافي والتهذيب والسرائر: عن زرارة والفضيل قالا: قلنا له أيجزي
إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ فقال: نعم (2).
87 - التهذيب: عن بكير قال: سألت في أي الليالي أغتسل في شهر رمضان؟
إلى أن قال: والغسل أول الليل، قلت: فان نام بعد الغسل؟ قال: هو مثل غسل
يوم الجمعة، إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك (3)
وبسند آخر عن ابن بكير مثله (4)
قرب الإسناد: عن ابن بكير مثله (5).
بيان: أقول هذه الأخبار تدل على أن غسل الجمعة يجزي بعد الفجر مع
أن الأخبار المستفيضة الواردة في غسل الجمعة كلها وردت بلفظ اليوم، بلا تقييد
وتخصيص، فيدل على أن اليوم إذا ورد في الشرع، المتبادر منه ما بين طلوع الفجر
إلى الغروب.
88 - قرب الإسناد: عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته هل يجزيه
أن يغتسل بعد طلوع الفجر هل يجزيه ذلك من غسل العيدين؟ قال: إن اغتسل يوم
الفطر والأضحى قبل الفجر لم يجزه، وإن اغتسل بعد طلوع الفجر أجزاه (6).
أقول: وجه الاحتجاج ما مر من ورود أخبار غسل العيدين بلفظ اليوم، مع
أن مدلول هذا الخبر والروايات الأخر أن أول وقته طلوع الفجر.
89 - التهذيب: عن الرضا عليه السلام سئل عن رجل أصابته جنابة في آخر الليل

(1) التهذيب ج 1 ص 264 باسناده عن سماعة.
(2) الكافي ج 3 ص 418، التهذيب ج 1 ص 321، السرائر: 473.
(3) التهذيب ج 1 ص 106.
(4) التهذيب ج 1 ص 106.
(5) قرب الإسناد ص 102 ط نجف وص 82 ط حجر.
(6) قرب الإسناد ص 111 ط نجف 78 ط حجر.
129

فقام ليغتسل، فلم يصب ماء فذهب ليطلبه أو بعث من يأتيه بالماء، فعسر عليه حتى
أصبح، كيف يصنع؟ قال: يغتسل إذا جاءه ثم يصلي (1).
وباسناده عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن بعض مواليه قال: سألته عن احتلام
الصائم قال: قال إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينم حتى يغتسل، وإن أجنب ليلا في
شهر رمضان فلا ينام إلا ساعة حتى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح
فعليه عتق رقبة الخبر (2).
أقول: الاخبار في الجنابة في الليل في شهر رمضان والاصباح جنبا، والنوم
الأول والثاني والثالث وغيرها كثيرة، تدل على ما ذكرنا، لم نطول الكلام
بايرادها.
90 - الفقيه والتهذيب: في الصحيح عن عبد الله بن سنان أنه سأل أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل حتى
يجئ آخر الليل، وهو يرى أن الفجر قد طلع، قال: لا يصوم ذلك اليوم
ويصوم غيره (3).
91 - التهذيب: في الموثق عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا طهرت
بليل من حيضتها ثم توانت في أن تغتسل في شهر رمضان حتى أصبحت عليها قضاء
ذلك اليوم (4).
92 - قرب الإسناد: عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: كان علي عليه السلام
يستاك وهو صائم في أول النهار وآخره في شهر رمضان (5).
وعنه عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: قال علي عليه السلام: لا بأس بأن يستاك الصائم

(1) التهذيب ج 1 ص 412.
(2) التهذيب ج 1 ص 443 و 412.
(3) الفقيه ج 2 ص 75، التهذيب ج 1 ص 430.
(4) التهذيب ج 1 ص 112.
(5) قرب الإسناد ص 43 ط حجر.
130

بالسواك الرطب في أول النهار (1).
أقول: كون المراد بالنهار في الخبرين من أول طلوع الفجر أبين من
الفجر.
93 - الكافي: في الموثق عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان يتم صومه كما هو، فقال: لا بأس (2).
94 - الفقيه: عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
فقلت: متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال:
إذا اعترض الفجر وكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام، ويحل الصيام، وتحل
الصلاة صلاة الفجر (3).
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم
أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال (4).
95 - الكافي: في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام في قوله الله عز وجل (أحل
لكم ليلة الصيام) (5) الآية قال: نزلت في خوات بن جبير إلى قوله، فبات
على تلك الحال فأصبح الخبر (6).
96 - الفقيه: سئل الصادق عليه السلام عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر، فقال: بياض النهار من سواد الليل (7).
97 - التهذيب: عن إسحاق قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام آكل في شهر رمضان

(1) قرب الإسناد ص 43 ط حجر.
(2) الكافي ج 4 ص 105.
(3) الفقيه ج 2 ص 81.
(4) الفقيه ج 1 ص 194، وقد مر.
(5) البقرة: 187.
(6) الكافي ج 4 ص 99.
(7) الفقيه ج 2 ص 82.
131

بالليل حتى أشك؟ قال: كل حتى لا تشك (1).
98 - الكافي: بسند معتبر عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أذن ابن
أم مكتوم لصلاة الغداة ومر رجل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتسحر، فدعاه أن يأكل
معه، فقال: يا رسول الله قد أذن المؤذن للفجر، فقال: إن هذا ابن أم مكتوم وهو
يؤذن بليل، فإذا أذن بلال فعند ذلك فأمسك (2).
99 - الفقيه والكافي والتهذيب: بأسانيدهم عن الزهري، عن علي بن
الحسين عليه السلام قال: وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله امر
بالامساك بقية يومه وليس بفرض، وكذلك الحائض إذا طهرت (3).
100 - الكافي: في الصحيح عن عيص قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم
أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام، هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم
الذي أسلموا فيه؟ فقال: ليس عليهم قضاء، ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلا أن
يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر (4).
وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لأبي بصير - في حديث
طويل: فاطلبها - أي ليلة القدر - في ليلة إحدى وثلاث، وصل في كل واحدة
منهما مائة ركعة، وأحيهما إن استطعت إلى النور واغتسل فيهما (5).
101 - مصباح الشيخ والمقنعة: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو قرء رجل ليلة
ثلاث وعشرين من شهر رمضان إنا أنزلناه في ليلة القدر، ألف مرة لأصبح وهو شديد
اليقين في الاعتراف بما يختص فينا (6).

(1) التهذيب ج 1 ص 442،
(2) الكافي ج 4 ص 98.
(3) الفقيه ج 2 ص 48 الكافي ج 4 ص 86، التهذيب ج 1 ص 424.
(4) الكافي ج 4 ص 125.
(5) الكافي ج 1 ص 156، ورواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 263.
(6) المصباح ص 434، المقنعة ص 50 ورواه أيضا في التهذيب ج 1 ص 278.
132

102 - معاني الأخبار وصفات الشيعة والمجالس للصدوق: عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: الشتاء ربيع المؤمن يطول فيه ليله فيستعين به على قيامه، ويقصر
فيه نهاره فيستعين به على صيامه (1).
103 - التهذيب: عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا طهرت المرأة
من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء (2).
104 - الذكرى: عن عبد الله بن سنان، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى:
(ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم) (3) هو الوتر آخر الليل (4) وعن أبي عبد الله
عليه السلام في صلاة الليل والوتر في السفر أول الليل إذا لم يستطع أن يصلي
في آخره قال: نعم (5).
وعن محمد بن أبي قرة باسناده إلى إبراهيم بن سيابة قال: كتب بعض أهل بيتي
إلى أبي محمد عليه السلام في صلاة المسافر أول الليل صلاة الليل، فكتب فضل صلاة
المسافر من أول الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من آخر الليل (6)
105 - دعائم الاسلام عن الصادق عليه السلام قال: صل صلاة الليل متى شئت
من أول الليل أو من آخره بعد أن تصلي العشاء الآخرة وتوتر بعد صلاة
الليل (7).
وعنه عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى يبعث ملائكة إذا انفجر الفجر يوم
الجمعة يكتبون الصلاة على محمد وآله إلى الليل (8).
وعنه عليه السلام قال: التكبير في أيام التشريق من صلاة الفجر يوم عرفة إلى

(1) معاني الأخبار ص 228، صفات الشيعة 179، أمالي الصدوق ص 143.
(2) التهذيب ج 1 ص 111.
(3) الطور: 48.
(4) الذكرى ص 124.
(5) الذكرى ص 124.
(6) الذكرى ص 124.
(7) دعائم الاسلام ج 1 ص 139.
(8) دعائم الاسلام ج 1 ص 179 و 180.
133

صلاة العصر من آخر أيام التشريق (1) وعنه عليه السلام في قوله تعالى: (وإدبار النجوم) قال هو الوتر من آخر الليل (2).
وعن علي عليه السلام قال: من أراد شيئا من قيام الليل فغلبته عيناه حتى يصبح
كان نومه صدقة من الله عليه ويتمم الله قيام ليلته (3).
وعنه عليه السلام قال: من أخر النفر إلى اليوم الثالث فله أن ينفر من أول النهار
إلى آخره متى شاء بعد أن يصلي الفجر ويرمي الجمار (4).
وسئل عليه السلام عن الرجل يكون عنده النساء يغشي بعضهن دون بعض، قال:
إنما عليه أن يبيت عند كل واحدة في ليلتها، ويقيل عندها في صبيحتها
الخبر (5).
106 - الفقيه والتهذيب: باسنادهما عن محمد بن سنان، عن عبد الاعلى بن
أعين قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلا في
شهر رمضان، قال: عليه الكفارة قال: قلت: فان وطئها نهارا؟ قال: عليه
كفارتان (6).
أقول: معلوم أن النهار هنا مبدؤه الفجر، ولنذكر بعض الأخبار الموهمة
لخلاف ما ذكرنا.
فمنها ما رواه السيد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين وقد سئل عن مسافة ما بين المشرق
والمغرب، قال: مسيرة يوم للشمس (7) ولعله محمول على التقريب بقرينة ما مر

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 187.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 204.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 213.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 332.
(5) دعائم الاسلام ج 2 ص 251.
(6) الفقيه ج 2 ص 122، التهذيب ج 1 ص 434.
(7) نهج البلاغة تحت الرقم 294 من قسم الحكم.
134

برواية الاحتجاج أو يقال لما كان السائلون عن تلك المسائل غالبا من أهل الكتاب
فيمكن أن يكون عليه السلام أجابهم على معتقدهم ومصطلحهم، حيث إنهم لا يعدون ما بين
الطلوعين من الليل ولا من النهار كما مر.
ومنها ما رواه الصدوق في الصحيح، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم، فقال: إن خرج قبل
أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم، وإن خرج بعد الزوال فليتم صومه (1).
وجوابه أن الانتصاف هنا مبني على التقريب والتخمين، ولعله عليه السلام لذلك
غير العبارة ثانيا فعبر عنه بالزوال إزاحة لهذا الوهم، وبأمثال هذا الخبر لا يمكن
رد ما مر من الآيات والاخبار الصريحة، وقد ورد بهذا المضمون أخبار، والتوجيه
مشترك. وقد أومأنا سابقا إلى نكتة في عدم عد ما بين الطلوعين من الليل والنهار
تؤيد ذلك، وكذا ما ورد في كلام اللغويين وغيرهم من التعبير عن الزوال بنصف
النهار مبني على المسامحة إذ أكثرهم مع تصريحهم بكون اليوم من طلوع الفجر
عبروا عن الزوال بذلك، فظهر أن بناء كلامهم ليس على التحقيق والمناصفة
الحقيقية، وهذا أمر شايع في العرف، وقد يسامحون في أمثال ذلك كثيرا.
ومنها ما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله كان يغلس بصلاة الفجر أو قال: صلها بغبش (2)
وذكر بعض اللغويين أن الغلس والغبش ظلمة آخر الليل، وجوابه أنه معلوم
أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لا يسمى كله غلسا ولا غبشا وإلا لم يكن
للخبر فائدة، فقولهم ظلمة آخر الليل ينافي ما ذهبتم إليه أكثر من منافاته لما ذهبنا
إليه، فالظاهر أن الخبر وكلام اللغويين مبني على المجاز والتوسع فلا يستقيم
الاستدلال بمثله.
ومنها ما رواه الشيخ بسند يمكن أن يعد من الحسان عن أبي جعفر عليه السلام
قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يصلي من النهار حتى تزول الشمس ولا من الليل

(1) الفقيه ج 2 ص 92.
(2) راجع ص 72 باب وقت صلاة الفجر ونافلتها
135

بعد ما يصلي العشاء حتى ينتصف الليل (1).
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي عليه السلام لا يصلي من الليل
شيئا إذا صلى العتمة حتى ينتصف الليل، ولا يصلي من النهار حتى تزول
الشمس (2).
وروى الصدوق في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلي
بالنهار شيئا حتى تزول الشمس، فإذا زالت صلى ثمان ركعات وهي صلاة الأوابين
تفتح في تلك الساعة أبواب السماء، ويستجاب الدعاء، وتهب الرياح، وينظر
الله إلى خلقه، فإذا فاء الفئ ذراعا صلى الظهر أربعا، وصلى بعد الظهر ركعتين، ثم صلى
ركعتين أخراوين، ثم صلى العصر أربعا إذا فاء الفئ ذراعا، ثم لا يصلي بعد العصر شيئا
حتى تؤوب الشمس فإذا آبت وهو أن تغيب صلى المغرب ثلاثا وبعد المغرب أربعا
ثم لا يصلي شيئا حتى يسقط الشفق، فإذا سقط الشفق صلى العشاء ثم أوى رسول
الله صلى الله عليه وآله إلى فراشه ولم يصل شيئا حتى يزول نصف الليل، فإذا زال نصف الليل
صلى ثمان ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات، فقرأ فيهن
فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، ويفصل بين الثلاث بتسليمة ويتكلم، ويأمر
بالحاجة ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي الثالثة التي يوتر فيها، ويقنت فيها
قبل الركوع، ثم يسلم ويصلي ركعتي الفجر قبيل الفجر، وعنده، وبعيده،
ثم يصلي ركعتي الصبح، وهي الفجر إذا اعترض الفجر، وأضاء حسنا، فهذه
صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله التي قبضه الله عز وجل عليها (3) ونحوه روى الشيخ عن
زرارة عنه عليه السلام (4).
فبعد ما علمت من الأخبار المستفيضة المؤيدة بالآيات الكثيرة لابد من
تأويل في تلك الأخبار: إما بحملها على أنه لم يكن يصلي من نوافل النهار

(1) التهذيب ج 2 ص 266 ط نجف، ج 1 ص 212 ط حجر.
(2) التهذيب ج 2 ص 266 ط نجف، ج 1 ص 212 ط حجر.
(3) الفقيه ج 1 ص 146 - 147.
(4) التهذيب ج 1 ص 210.
136

شيئا إلى الزوال، لأنه صلى الله عليه وآله كان يصلي ركعتي نافلة الفجر قبل الفجر مع صلاة
الليل ويؤيده أن الظاهر أن الغرض نفي صلاة الضحى التي ابتدعتها العامة.
أو على أن المراد أنه لم يكن يصلي بعد صلاة الفجر شيئا إلى الزوال، و
لما كانت صلاة الظهر أول الصلوات وأفضلها أراد أن يبتدء في ذكر الصلوات بها
فلذا أخر ذكر صلاة الفجر
أو يقال: استعمل لفظ النهار في جزئه مجازا لقيام القرينة مع أن في الخبر
الأخير ما يدل على ما ذهبنا إليه، لأنه قال: وأوتر في الربع الأخير من الليل
ومعلوم أن آخر وقت صلاة الوتر طلوع الفجر الثاني، فالظاهر أن النصف أيضا
أراد به نصف الليل الذي نهايته الفجر، إذ حمل الليل في الأخير على معنى، وفي
الأول على معنى آخر في غاية البعد. فظهر أن هذا الخبر على مطلوبنا أدل
وأصرح.
ويحتمل أن يكون هذه الأخبار مبنية على اصطلاح آخر أومأنا إليه
سابقا، وهو عدم عد ما بين الطلوعين من الليل ولا من النهار، لكنه بعيد، و
الأوجه أحد الوجوه المتقدمة، وبالجملة الخبر الأخير قرينة جلية على تأويل
الخبرين الأولين وضعف الاحتجاج بهما.
ومنها ما رواه في الفقيه باسناده عن عمر بن حنظلة أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام
فقال له: زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال: لليل زوال كزوال
الشمس، قال: فبأي شئ نعرفه؟ قال: بالنجوم إذا انحدرت (1).
وروى محمد بن إدريس في آخر السراير نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب
عن الحسين بن أحمد القروي، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
دلوك الشمس زوالها وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار (2).
أقول: أما الخبر الأول فلابد فيه من تخصيص ببعض الكواكب فنخصها

(1) الفقيه ج 1 ص 146.
(2) السرائر: 475.
137

بكواكب مخصوصة تنحدر في منتصف ما بين الغروب وطلوع الفجر، مع أنه
ظاهر أنه أمر تقريبي إذ تعيين كواكب مخصوصة كل ليلة لا يتيسر لأكثر
الخلق مع أن الانحدار لا يتبين لهم إلا بعد مضى زمان من التجاوز عن دائرة
نصف النهار، وفي مثل ذلك لا يؤثر التقدم والتأخر بقدر نصف ساعة أو ثلثيها أو
أكثر من ذلك بقليل.
ويمكن أن يكون هذا التحديد لاستعلام أول صلاة الليل، بل هو الظاهر
وروعي في ذلك الاحتياط لحصول الجزم، أو الظن القوي بانتصاف الليل، ولا
يحصل شئ منهما قبل الانحدار إلا لمن كانت له آلة يستعلم الوقت بها كالإسطرلاب
وأمثاله، وتحصيل أمثالها متعسر على غالب الناس.
ويمكن أن يقال: الخبر يدل على مطلوبنا بهذا الوجه، بل يمكن أن
يدعى ذلك بوجه آخر وهو أن أكثر الكواكب لا تظهر للابصار إلا بعد مضي
زمان من غروب الشمس فإذا حملت على الكواكب التي كانت عند ظهورها على الأفق
فهي تصل إلى دائرة نصف النهار بعد مضى كثير من انتصاف الليل، ولو حملت
على أن يقدر أنها كانت عند الغروب على الأفق، فهذا مما لا يهتدي إليه أكثر
العوام بل الخواص أيضا، فلابد من حملها على ما كانت ترى في البلدان في بدو
ظهورها فوق الأبنية والجدران، والظاهر في أمثالها أنها تصل إلى دائرة نصف
النهار قبل انتصاف الليل المعهود عندهم، فعلى هذا يمكن حمله على أن الغرض بيان
آخر وقت العشائين أيضا.
وأما التشبيه الوارد في الخبرين فلا يلزم أن يكون تشبيها في جميع الأمور
وعلى التحقيق والتدقيق، حتى يلزم أن يكون المعتبر فيه الوسط بين الغروب و
الطلوع، بل يمكن أن يكون التشبيه للانتصاف العرفي أو لوصول أمثال تلك الكواكب
التي ذكرنا إلى دائرة نصف النهار، أو لكونه مبدءا لوقت صلاة معينة وغير ذلك
من جهات التشبيه.
فظهر أنه ليس في هاتين الروايتين أيضا دلالة على مطلوبهم، لا سيما مع
138

معارضة الآيات والاخبار السالفة، ومع تسليم دلالتهما على أن المعتبر في انتصاف
الليل ذلك لا يلزم أن يحمل كل ما ورد من الاحكام معلقة بلفظ النهار أو اليوم
أو الليل على هذا الوجه مع ما مر من النصوص الصحيحة والأقوال الصريحة.
وقال الشهيد - ره - في الذكرى: وروى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى العشاء الآخرة أوى إلى فراشه ثم لا يصلي شيئا
إلا بعد انتصاف الليل (1) ومثله عن أبي جعفر عليه السلام وقال حتى يزول الليل،
فإذا زال الليل صلى ثماني ركعات [ثم ثلاث ركعات] ظ وأوتر في الركعة الأخيرة
ثم يصلي ركعتي الفجر قبل الفجر، وعنده وبعيده (2) قلت: عبر بزوال الليل
عن انتصافه كزوال النهار، ثم نقل رواية عمر بن حنظلة المتقدمة ثم قال:
والظاهر أنه عنى انحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس، والجعفي
اعتمد على منازل القمر الثمانية والعشرين المشهورة، فإنه قال إنها مقسومة على
ثلاث مائة وأربعة وستين يوما، لكل منزل ثلاثة عشر يوما فيكون الفجر مثلا
بسعد الأخبية ثلاثة عشر يوما ثم ينتقل إلى ما بعده، وهكذا. فإذا جعل القطب
الشمالي بين الكتفين نظر ما على الرأس وبين العينين من المنازل فيعد منها إلى
منزلة الفجر ثم يؤخذ لكل منزلة نصف سبع قال: والقمر يغرب في ليلة الهلال
على نصف سبع من الليل ثم؟؟ أيد كذلك إلى ليلة أربع عشرة، ثم يتأخر ليلة
خمس عشرة نصف سبع، وعلى هذا إلى آخره. قال: وهذا تقريب انتهى كلام
الذكرى.
وظاهر كلامه قدس سره وما نقله عن الجعفي وإن كان موهما لكون
المعتبر عندهما منتصف ما بين غروب الشمس وطلوعها لكن لتصريحهما مع ساير
القوم في مواضع ونقلهم الاجماع على معنى الليل والنهار، لابد من حمل كلامهما
على ما يرجع إلى ما ذكرنا في الخبرين، وقد ذكرا أنه على التقريب لا التحقيق

(1) رواه في التهذيب ج 1 ص 168.
(2) التهذيب ج 1 ص 210.
139

وقد ذكر الشهيد بعد ذلك أخبارا صريحة فيما ذكرنا، على أنهما لو صرحا بذلك
أيضا لم يكن في كلامهما حجة.
ثم اعلم أن ما ذكره الشيخ الشهيد وتبعه شيخنا البهائي نور الله ضريحهما
من تخصيص النجوم المذكورة في الخبر بالنجوم التي طلعت عند غروب الشمس
إنما يستقيم إذا كان كل أفق من الآفاق منصفا لمداراة جميع الكواكب، و
ليس كذلك، بل هذا مخصوص بأفق خط الاستواء، إذ في الآفاق المائلة باعتبار
قلة ميل معدل النهار عن سمت الرأس وكثرته، وقرب مدارات الكواكب
بالنسبة إلى المعدل وبعدها عنه، يختلف اختلافا فاحشا، ففي أواسط المعمورة إذا
اتفق طلوع كوكب عند غروب الشمس، فربما وصل قبل انتصاف الليل إلى نصف
النهار قريبا من ساعة كفرد الشجاع، وربما وصل قبله قريبا من ساعتين كالشعراء
اليمانية وربما تأخر وصوله إلى نصف النهار عن الانتصاف بساعة ونصف تقريبا
كالسماك الرامح ورأس الجوزاء وفم الفرس، أو بساعتين تقريبا كالنسر الطائر و
العيوق ونير الفكة، أو بثلاث ساعات تقريبا كالنسر الواقع، أو أربع ساعات
كالردف، وربما اتفق وصول بعض الكواكب القريبة من القطب الشمالي إلى
نصف النهار بعد طلوع الشمس، فلابد على طريقتهم من تخصيص آخر، وهو أن
يكون الكوكب قوس نهاره موافقة لقوس ميل درجة الشمس من منطقة البروج،
أو قريبا منه كالسماك الأعزل بالنسبة إلى بعض درجات أواخر الحمل، وحمل
كلام الإمام عليه السلام في بيان القاعدة التي تحتاج إليها عامة الخلق على معنى لا يعرفه
إلا أوحدي الناس في هذا الفن في غاية البعد، وهذا يؤيد ما ذكرنا أنه مبني
على التقريب والتخمين لاستعلام أول صلاة الليل، فيسقط الاستدلال به على ما
توهموه كما عرفت.
وربما يحمل على الكواكب التي كانت معروفة عند العرب، وكانوا
يعرفون بالتجارب طلوعها وغروبها، ووصولها إلى نصف النهار، ويكون الغرض
تنبيههم على أنه يمكن استعلام الأوقات بأمثال ذلك بعد تحصيل التجربة، وفيه
140

أيضا ما فيه.
وذكر بعض أفاضل الأذكياء لذلك علامات فقال: علامة زوال الليل في
أوايل الحمل طلوع الردف، وفي أواسطه انحدار السماك الأعزل وفي أواخره
طلوع النسر الطاير، وغروب الشعراء الشامية والعيوق، وفي أوائل الثور انحدار
السماك الرامح، وفي أواسطه غروب فرد الشجاع، وفي أواخره طلوع فم الفرس
وانحدار نير الفكة وعنق الحية وغروب قلب الأسد، وفي أوايل الجوزاء انحدار
رأس الجوزاء وفي أواسطه انحدار قلب العقرب وفي أواخره إشراف النسر الواقع
على الانحدار.
وفي أوائل السرطان انحدار النسر الواقع، وفي أواسطه غروب السماك
الأعزل، وفي أواخره انحدار النسر الطاير، وفي أوائل الأسد طلوع العيوق
وانحدار الردف، وفي أواسطه طلوع الثريا وغروب الرامح، وفي أواخره طلوع
عين الثور وانحدار فم الفرس وغروب عنق الحية، وفي أوائل السنبلة إشراف
نير الفكة على الغروب، وفي أواسطه غروب نير الفكة، وفي أواخره طلوع يد
الجوزاء اليمنى ورجلها اليسرى.
وفي أوائل الميزان غروب رأس الجوزاء، وفي أواسطه طلوع الشعراء اليمانية
وفي أواخره إشراف النسر الطاير على الغروب وفي أوائل العقرب غروب النسر
الطائر، وفي أواسطه طلوع قلب الأسد، وغروب النسر الواقع، وفي أواخره
طلوع فرد الشجاع، وفي أوائل القوس انحدار عين الثور وغروب فم الفرس، و
في أواسطه انحدار العيوق ورجل الجوزاء اليسرى وغروب الردف، وفي أواخره
انحدار يد الجوزاء اليمنى.
وفي أوائل الجدي انحدار اليمانية، وفي أواسطه انحدار الشامية وطلوع
الرامح، وفي أواخره طلوع الأعزل ونير الفكة، وفي أوائل الدلو إشراف قلب
الأسد على الانحدار، وفي أواسطه انحدار قلب الأسد والفرد وطلوع العنق، و
في أواخره إشراف رجل الجوزاء اليسرى على الغروب، وفي أوائل الحوت طلوع
141

الواقع وغروب رجل الجوزاء اليسرى، وفي أواسطه غروب عين الثور وفي آخره
غروب اليمانية ويد الجوزاء اليمنى.
وهذا كله مبني على أخذ الليل من غروب الشمس إلى طلوعها، لكن
قد عرفت أنه على هذا التقريب لا يظهر التفاوت بين المعنيين كثيرا، والجعفي
- ره - جعل بناء استعلام زوال الليل تارة على منازل القمر المعروفة بين العرب
ولعله حمل الخبر عليه، وتارة على غروب القمر وطلوعه، أما الأول فلان
العرب قسموا مدار القمر ثمانية وعشرين قسما (1) وضبطوا حدود تلك الاقسام
بكواكب وسموها منازل القمر، وهي التي اشتملت عليها هذه الأبيات بالفارسية
أسماء منازل قمر نزد عرب * شرطين وبطين است ثريا د بران
هقعه هنعه ذراع نثره پس طرف * جبهه زبره صرفه وعوا پس از آن
پس سماك غفر، زبانا إكليل * قلب وشوله نعايم وبلده بدان
سعد ذابح سعد بلع سعد سعود * باشد پس سعد أخبيه چارمشان
از فرغ مقدم بمؤخر چه رسيد * آنگه به رشا رسد كه باشد پايان
ومدة قطع الشمس تلك المنازل ثلاث مائة وخمسة وستون يوما وشئ،
فإذا قسمت على المنازل يقع بإزاء كل منزل ثلاثة عشر يوما وشئ، فإذا حصل
الاطلاع على منزل الشمس من تلك المنازل، يمكن استخراج ما مضى من الليل
وما بقي منه بملاحظة الطالع والمنحدر والغارب من تلك المنازل تقريبا بأدنى

(1) راجع شرح ذلك ج 58 ص 135 من أجزاء كتاب السماء والعالم وفى هامش
طبعة الكمباني: (الزبانيان كوكبان نيران وهما قرنا العقرب، وهما من المنازل، و
عبر عنهما بالزبانا على التخفيف. منه طاب ثراه، وهكذا في هامش المطبوعة، (السماك
ككتاب كوكبان: الأعزل والرامح، والأول من منازل القمر دون الثاني، العوا: بفتح
العين وتشديد الواو، ويمد ويقصر. منه طاب رمسه). وأيضا في هامش المطبوعة شرح
بعض هذه المنازل نقلا من صحاح الجوهري، تركنا ايرادها اتكالا على ما في كتاب السماء
والعالم ج 58 ص 135 و 136.
142

تأمل، إذ عند غروب الشمس يكون المنزل السابع من المنزل الذي فيه الشمس
على نصف النهار، والرابع عشر على المشرق، وفي كل نصف سبع من الليل يتفاوت
بقدر منزل، فيكون التفاوت في ربع الليل بقدر ثلاثة منازل ونصف وفي نصف
الليل بقدر سبعة منازل وعلى هذا القياس.
وهذا أيضا تقريبي لاختلاف مدار الشمس والقمر وجهات اخر، فلو حملنا
الخبر عليه حملنا النجوم على نجوم المنزل الذي يكون مقابلا للمنزل الذي
فيه الشمس.
وأما الثاني وهو بناء الامر على غروب القمر في أوائل الشهر وطلوعه في
أواخره فضابطه أن يضرب عدد ما مضى من أول الشهر إلى الرابع عشر، ومن
الخامس عشر إلى الثامن والعشرين في الستة، وقسمة الحاصل على السبعة،
فالخارج في الأول قدر الساعات المعوجة الماضية من الليل إلى غروب القمر،
وفي الثاني قدر الساعات المذكورة إلى طلوعه، مثاله: إذا ضربنا الأربعة في الستة
حصل أربعة وعشرون، فإذا قسمناها على السبعة خرج ثلاث وثلاثة أسباع، فيكون
غروب القمر في الليلة الرابعة وطلوعه في الثامنة عشر بعد ثلاث ساعات وثلاثة
أسباع ساعة، وكذا إذا قسمنا الحاصل من ضروب الخمسة في الستة وهو الثلاثون
على السبعة خرج أربعة وسبعان، فغروب القمر في الليلة الخامسة وطلوعه في
التاسعة عشر بعد أربع ساعات وسبعي ساعة وهكذا وهذا أيضا تقريبي للاختلاف
بحسب كثرة الزمان بين خروج الشعاع وأول ليلة الغرة وقلته وغيرهما.
143

فذلكة
لا أراك أيها المتفطن اليقظان - بعد ما أحطت خبرا بقوة ما استبني عليه بياننا
من أنواع البرهان، ووهن ما بنوا عليه كلامهم من البنيان، وقد أتينا بنيانهم من
القواعد، وجعلنا مطاوي كلامنا مشحونة بصنوف الفوائد - تستريب في أن الليل
والنهار واليوم في اصطلاح الشرع والعرف العام بل في أصل اللغة أيضا لا يتبادر
منه إلا ما ينتهي إلى طلوع الفجر، أو يبتدئ منه، مع أنا لم نستقص في استخراج
الدلائل، ونقل كلام الأوائل، ولا في نقل الاخبار وذكر الآثار، لأنا اكتفينا
بذكر البعض لتنبيه اولي الألباب عما يؤدي إلى الاسهاب والاطناب.
وأيضا لم نكن عقدنا لذلك بابا عند طرح الكتاب، ورسم الأبواب، وإنما
سنح لنا ذلك بعد ما رأينا الاختلاف في الامر الذي لم نكن نجوز الخلاف في مثله
لا سيما من سدنة العلم وأهله، وهل يقول أحد من أهل العرف والشرع إذا أتاه
قبيل طلوع الشمس طرقتك ليلا أو أتيتك البارحة، وشاع بين الناس يقولون هل
قمت الليلة فيجيب غلبني النوم فلم أنتبه إلا بعد الفجر، ومن تتبع ذلك في محاورات
الناس لا يحتاج إلى الرجوع إلى كتاب، أو التمسك بخطاب.
وما يقال من أن قاطبة الناس يقولون استوى الليل والنهار، وصار النهار
كذا ساعة، ومضى من النهار ساعة، أو ساعتان، ولا يتبادر إلى الأذهان إلا اليوم
من طلوع الشمس، فمعلوم أن هذا إنما هو لألفهم باصطلاح المنجمين، وبناء
الآلات المعدة لاستعلام الساعات عليه، ولذا نرى من لا يألف تلك الاصطلاحات
إذا سألته كم مضى من اليوم لا يفهم إلا ما مضى من طلوع الفجر، كما سمعنا وعهدنا
في عراق العرب والبلاد البعيدة عن تلك الاصطلاحات الجديدة، وكذا استواء الليل
والنهار أيضا مأخوذ من المنجمين ومبني على اصطلاحهم، وأما الفقهاء وأهل
اللسان، فهم لا يفهمون ولا يفهم من كلامهم إلا ما ذكرنا، ولذا ترى الفقهاء
يقولون وقت صلاة الليل من النصف إلى آخر الليل، والوتر كلما قرب من آخر
144

الليل أفضل، ولا يفهمون من ليلة الجمعة وليلة العيد وليلة القدر وأمثالها، إلا
ما قبل الفجر، وكذا يوم الجمعة ويوم العيد ويوم الغدير وأمثالها، يظهر لك
ذلك بالرجوع إلى كتب الفقه والدعاء وغيرها، وإذا قال فقيه أو غيره: افعل ذلك
في الليلة الفلانية، هل يفهم أحد إلا إيقاعه قبل الفجر، وإذا قال افعل اليوم الفلاني
هل يفهم أحد إلا أن ابتداءه الفجر.
ولعمري لا يحتاج هذا إلى الافصاح والايضاح، وهو أبين من الفجر والصباح
فظهر مما قررنا أن نصف الليل وثلثه وربعه وسدسه وأمثالها إنما هي بالمقايسة
إلى الليل المنتهي إلى الفجر، وإذا علق عمل بالليل أو نصف الليل أو ثلثه أو ربعه
أو آخره وأمثال ذلك كمبيت المشعر ومنى وعند الزوجة أو صلاة الليل والوتر
وإحياء الليالي الشريفة وأشباه ذلك أو آخر الليل فإنما ينتهي وقته إلى الفجر
الثاني، إلا مع قيام قرينة على المجاز وكذا إذا علق عمل باليوم أو النهار كالأغسال
والاعمال المتعلقة بالأيام الشريفة، فابتداء وقته الفجر، وإذا نذر رجل أن يعمل
عملا في النهار لا يحنث بايقاعه قبل طلوع الشمس وإذا نذر أن يعمله في الليل يحنث
بايقاعه بعد الفجر، وكذا كل ما يبتني على هذا الخلاف مما يتعلق بالليالي
والأيام.
هذا ما حضر لي وخطر ببالي في تحقيق الحق في هذا المقام، والله تعالى
يعلم حقايق الاحكام، وحججه الكرام، عليهم الصلاة والسلام، ونسأل الله العفو
عن الزلل والخطل، في القول والعمل، والصفح عن الخطاء والتقصير، فإنه ولي
ذلك وهو على كل شئ قدير.
145

[11]
* (باب) *
* (الأوقات المكروهة) *
1 - الاحتجاج: عن محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد علي من
محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان عليه السلام:
أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما
يقول الناس: إن الشمس تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان. فما
أرغم أنف الشيطان شئ مثل الصلاة، فصلها وارغم أنف الشيطان (1).
اكمال الدين: عن محمد بن أحمد السناني وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق
والحسين بن إبراهيم المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق قالوا حدثنا أبو الحسين
محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان
العمري في جواب مسائلي إلى صاحب الدار (ع) وذكر الحديث بعينه (2).
بيان: قال في النهاية فيه الشمس تطلع بين قرني الشيطان، أي ناحيتي رأسه
وجانبيه، وقيل: القرن القوة أي حين تطلع يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون
كالمغلق بها، وقيل بين قرنيه أي أمتيه الأولين والآخرين، وكل هذا تمثيل
لمن يسجد للشمس عند طلوعها، فكأن الشيطان سول له ذلك، فإذا سجد لها فكان
الشيطان مقترن بها، وقال في القاموس قرن الشيطان وقرناه أمته والمتبعون لرأيه
أو قوته وانتشاره أو تسلطه، وقال الطيبي في شرح المشكاة فيه وجوه: أحدها أنه
ينتصب قائما في وجه الشمس عند طلوعها ليكون طلوعها كالمعين لها بين قرنيه أي
فوديه فيكون مستقبلا لمن يسجد للشمس، فتصير عبادتهم له، فنهوا عن الصلاة في

(1) الاحتجاج: 267.
(2) اكمال الدين ج 2 ص 198.
146

ذلك الوقت مخالفة لعبدة الشيطان، وثانيها أن يراد بقرنيه حزباه اللذان يبعثهما
لاغواء الناس، وثالثها أنه من باب التمثيل شبه الشيطان فيما يسول لعبدة الشمس
ويدعوهم إلى معاندة الحق بذوات القرون التي تعالج الأشياء وتدافعها بقرونها
ورابعها أن يراد بالقرن القوة، من قولهم أنا مقرن له أي مطيق، ومعنى
التثنية تضعيف القوة كما يقال: مالي بهذا الامر يد ولا يدان، أي لا قدرة
ولا طاقة.
2 - قرب الإسناد: عن الحسن بن طريف وعلي بن إسماعيل ومحمد بن
عيسى جميعا عن حماد بن عيسى قال: رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام صلى الغداة
فلما سلم الامام قام فدخل الطواف، فطاف أسبوعين بعد الفجر قبل طلوع الشمس
ثم خرج من باب بني شيبة ومضى، ولم يصل (1).
بيان: لعل ترك صلاة الطواف في هذا الوقت للتقية، كما أن قران
الطوافين أيضا محمول عليها كما ستعرف.
3 - مجالس الصدوق: في مناهي النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن الصلاة في
ثلاث ساعات: عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند استوائها (2).
4 - الخصال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز
عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة:
صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها، وصلاة ركعتي طواف الفريضة، وصلاة الكسوف
والصلاة على الميت، وهؤلاء يصليهن الرجل في الساعات كلها (3).
5 - ومنه: عن عبد الله بن أحمد الفقيه، عن علي بن عبد العزيز، عن
عمرو بن عون، عن خلف بن عبد الله، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عبد الله بن
الأسود، عن أبيه، عن عائشة قالت: صلاتين لم يتركهما رسول الله صلى الله عليه وآله سرا و

(1) قرب الإسناد: 170 ط نجف.
(2) أمالي الصدوق ص 255.
(3) الخصال ج 1 ص 118.
147

علانية، ركعتين بعد العصر، وركعتين قبل الفجر (1).
6 - ومنه: عن عبد الله بن أحمد، عن يعقوب بن إسحاق، عن الحوضي،
عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله
عندي يصلي بعد العصر ركعتين (2).
7 - ومنه: عن عبد الله بن أحمد، عن محمد بن علي بن طرخان، عن عبد الله
ابن الصباح، عن محمد بن سيار، عن أبي حمزة، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس
عن أبيه قال: رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى البردين دخل الجنة، يعني بعد الغداة
وبعد العصر (3).
8 - ومنه: عن عبد الله بن أحمد، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي نعيم،
عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن عائشة أنه دخل عليها يسألها عن الركعتين
بعد العصر، قالت: والذي ذهب بنفسه - تعني رسول الله صلى الله عليه وآله - ما تركهما حتى
لقي الله عز وجل، وحتى ثقل عن الصلاة، وكان يصلي كثيرا من صلاته وهو
قاعد، فقلت إنه لما ولي عمر كان ينهى عنهما، قالت: صدقت ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله
كان لا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته، وكان يحب ما خفف
عليهم (4).
قال الصدوق - ره - كان مرادي بايراد هذه الأخبار الرد على المخالفين
لأنهم لا يرون بعد الغداة وبعد العصر صلاة، فأحببت أن أبين أنهم قد خالفوا
النبي صلى الله عليه وآله في قوله وفعله.
بيان: اختلف المخالفون في توجيه هذه الصلاة، فمنهم من قال: إن
النبي صلى الله عليه وآله إنما صلى هاتين الركعتين بعد العصر، لأنه أتاه مال فشغله عن
الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر ولم يعد إليهما، رووا ذلك عن ابن
عباس ورووا عن عائشة أنها قالت كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما،
أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما فكان إذا صلى صلاة أثبتها، وهذا بينهم

(1) الخصال ج 1 ص 36.
(2) الخصال ج 1 ص 36.
(3) الخصال ج 1 ص 36.
(4) الخصال ج 1 ص 36.
148

أشهر، وقالوا إن ذلك كان من خصايصه صلى الله عليه وآله ولا يستحب لغيره ذلك ودعوى
الاختصاص اقتراح بلا دليل.
9 - الخصال: فيما أجاب به أمير المؤمنين عن مسائل اليهود أن قال: إن
الشمس تطلع من قرني الشيطان (1).
أقول: قد مضى مسندا في أبواب الاحتجاجات، وقد سبق أيضا خبر نفر
من اليهود في باب علل الصلاة.
10 - مجموع الدعوات: لمحمد بن هارون التلعكبري في وصف صلاة
الاستخارة عن الصادق عليه السلام - وسيأتي - قال عليه السلام: فيوقف إلى أن تحضر صلاة
مفروضة، ثم قم فصل ركعتين كما وصفت لك، ثم صل الصلاة المفروضة أو
صلهما بعد الفرض ما لم تكن الفجر والعصر، فأما الفجر فعليك بعدها بالدعاء إلى
أن تبسط الشمس، ثم صلهما وأما العصر فصلهما قبلها.
11 - العلل: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن محمد بن يحيى العطار، عن
محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن أحمد بن يحيى، عن ابن أسباط، عن الحسن
ابن علي، عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لا
ينبغي لاحد أن يصلي إذا طلعت الشمس لأنها تطلع بقرني شيطان، فإذا ارتفعت
وصفت فارقها، فيستحب الصلاة ذلك الوقت والقضاء وغير ذلك، فإذا انتصف
النهار قارنها، فلا ينبغي لاحد أن يصلي في ذلك الوقت لان أبواب السماء قد
غلقت، فإذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها (2).
بيان: (وصفت) أي عن كدورة الأبخرة التي تحول بيننا وبينها عند
قربها من الأفق، فلذا يتغير لونها، ويحتمل أن يكون مقارنة الشيطان لها عند
قرب الزوال، لأنها عند ذلك في نهاية الارتفاع والضياء فيكون تسويل الشيطان
لعبدتها بهذا الوضع أكثر وأشد فلما زالت حصل فيها الأفول والانحطاط الذي

(1) الخصال ج 2 ص 146 و 147 في حديث أخرج تمامه في ج 10 ص 1 - 5.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 32.
149

هو علامة كونها مخلوقة مدبرة فينتقص استيلاء الشيطان، وتنحل شبهه، فكأنه
يفارقها.
12 - السرائر: من جامع أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن علي
ابن سليمان، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن محمد بن الفضيل البصري قال: قلت
لأبي الحسن عليه السلام: إن يونس كان يفتي الناس عن آبائك عليهم السلام أنه لا بأس
بالصلاة بعد طلوع الفجر إلي طلوع الشمس، وبعد العصر إلى أن تغيب الشمس؟
فقال: كذب لعنه الله على أبي، أو قال على آبائي (1).
13 - كتاب الراوندي (2) عن علي بن مزيد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
إن الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان، إلا صبيحة ليلة القدر.
14 - المجازات النبوية: عن النبي صلى الله عليه وآله: فإذا طلع حاجب الشمس فلا
تصلوا حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فلا تصلوا حتى تغيب.
قال السيد: المراد بحاجب الشمس أول ما يبدو من قرصها فكأنه صلى الله عليه وآله
شبه الشمس عند صعودها من حدبة الأرض بالطالع من وراء سترة تستره [أو غيب
يطمره] فأول ما يبدو منه وجهه، وأول ما يبدو من مخاطيط وجهه حاجبه، ثم
بقية وجهه ثم ساير جسده شيئا شيئا، وجزءا جزءا، وكأنه صلى الله عليه وآله نهى عن الصلاة
عند ظهور بعض الشمس للعيون حتى يظهر جميعها وعند مغيب بعضها حتى
يغيب جميعها.
وقد يجوز أن يكون لحاجب الشمس ههنا معنى آخر، وهو أن يراد به ما
يبدو من شعاعها قبل أن يظهر جرمها وكذلك ما يغيب من شعاعها قبل أن يغيب
قرصها، فأقام ذلك بها مقام الحاجب، لأنه يدل عليها، ويظهر بين يديها فكأنه
صلى الله عليه وآله نهى عن الصلاة قبل أن يظهر قرص الشمس بعد الشعاع الذي
يظهر قبل طلوعها، وكذا في الغروب، والصلاة المراد ههنا صلاة التطوع دون

(1) السرائر: 470.
(2) كتاب زيد النرسي، خ ل.
150

صلاة الفرض، ألا ترى أن أول ما يظهر قرص الشمس ليس بوقت لشئ من
الصلوات المفروضات (1).
ومنه: عنه صلى الله عليه وآله وقد ذكر صلاة العصر: ولا صلاة بعدها حتى يرى
الشاهد.
قال السيد: المراد بالشاهد هنا النجم و [العرب يسمون الكواكب شاهد
الليل كأنه يشهد بادبار النهار وإقبال الظلام، وكل شئ يدل على شئ فهو يجري
مجرى الشاهد به والمخبر عنه، إذ ليس كل دال بانسان ولا كل دليل من جهة
اللسان] (2).
15 - المناقب: عن علي بن محمد، عن أبيه رفعه قال: قال رجل لأبي
عبد الله عليه السلام: إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان؟ قال: نعم، إن إبليس اتخذ
عرشا بين السماء والأرض، فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت أناس قال:
إبليس إن بني آدم يصلون لي (3).

(1) المجازات النبوية: وزاد في المصدر بعده: وفي أول هذا الخبر ما
يحقق القول الذي قلناه، وهو قوله عليه السلام: (لا تنحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا
غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان) وقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال أبو حنيفة: لا
يجوز أن يتطوع بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس
وقال الشافعي: يجوز أن يصلى في هذين الوقتين النفل الذي له سبب مثل تحية المسجد
ولا يصلى النفل المبتدء الذي لا سبب له.
(2) المجازات النبوية ص 277، وما بين العلامتين زيادة أتممناها من المصدر.
(3) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 257.
151

تحقيق وتوفيق
ذهب أكثر الأصحاب إلى كراهة فعل النوافل المبتدءات التي لا سبب لها
عند طلوع الشمس إلى أن ترفع ويذهب شعاعها، وعند ميلها إلى الغروب واصفرارها
إلى أن يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية، وعند قيامها في وسط السماء
إلى أن يزول إلا يوم الجمعة، فإنه لا يكره فيها الصلاة في هذا الوقت، وبعد صلاة
الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وهذا مختار
الشيخ في المبسوط.
وقال في الخلاف: الأوقات التي تكره فيها الصلاة خمسة: وقتان تكره
الصلاة لأجل الفعل، وثلاثة لأجل الوقت، فما كره لأجل الفعل بعد صلاة الفجر
إلى طلوع الشمس، وبعد العصر إلى غروبها وما كره لأجل الوقت ثلاثة عند طلوع
الشمس، وعند قيامها، وعند غروبها، والأول إنما يكره ابتداء الصلاة فيه نافلة
فأما كل صلاة لها سبب من قضاء فريضة أو نافلة أو تحية مسجد أو صلاة زيارة أو
صلاة إحرام أو صلاة طواف أو نذر أو صلاة كسوف أو جنازة فإنه لا بأس به ولا
يكره، وأما ما نهي فيه لأجل الوقت فالأيام والبلاد والصلوات فيها سواء إلا يوم
الجمعة، فان له أن يصلي عند قيامها النوافل.
ثم قال: ومن أصحابنا من قال: التي لها سبب مثل ذلك، وقال في النهاية:
من فاته شئ من صلاة النوافل فليقضها أي وقت شاء من ليل أو نهار، ما لم يكن
وقت فريضة، أو عند طلوع الشمس وغروبها فإنه تكره صلاة النوافل في هذين
الوقتين، وقد وردت رواية بجواز النوافل في الوقتين اللذين ذكرناهما، فمن
عمل بها لم يكن مخطئا، لكن الأحوط ما ذكرناه، وصرح بكراهة النوافل أداء
وقضاء في الوقتين من غير استثناء.
وكذا المفيد جزم بكراهة النوافل المبتدأة وذات السبب عند الطلوع و
الغروب، وقال: إن من زار أحد المشاهد عند طلوع الشمس أو غروبها أخر الصلاة
حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها وصفرتها عند غروبها، وقال ابن الجنيد:
152

ورد النهي عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس وغروبها و
قيامها نصف النهار، إلا يوم الجمعة في قيامها، وعن الجعفي كراهة الصلاة في
الأوقات الثلاثة إلا القضاء، وعن المرتضى: ومما انفردت الإمامية به كراهية صلاة
الضحى، فان التنفل بالصلاة بعد طلوع الشمس إلى الزوال محرمة إلا يوم
الجمعة خاصة.
قال في الذكرى: وكأنه عنى به - يعني بالتنفل - صلاة الضحى لذكرها
من قبل: وجور في الناصرية أن يصلي في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها كل
صلاة لها سبب متقدم.
وظاهر الصدوق التوقف في أصل هذه المسألة (1) فإنه قال: وقد روي نهي
عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، لان الشمس تطلع بين قرني شيطان
وتغرب بين قرني شيطان، إلا أن روى لي جماعة من مشايخنا عن أبي الحسين محمد
ابن جعفر الأسدي رضي الله عنه ثم أورد الرواية التي أثبتناها في أول الباب.
وقال الشيخ في التهذيب (2) بعد أن أورد الاخبار المتضمنة للكراهة: وقد
روي رخصة في الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، ونقل الرواية بعينها،
والظاهر صحة الرواية، لان قول الصدوق - ره -: (روى لي جماعة من مشايخنا)
يدل على استفاضتها عنده، والمشايخ الأربعة الذين ذكرهم في إكمال الدين، و
إن لم يوثقوا في كتب الرجال، لكنهم من مشايخ الصدوق، ويروي عنهم كثيرا
ويقول غالبا بعد ذكر كل منهم (رضي الله عنه) واتفاق هذا العدد من المشايخ
على النقل، لا يقصر عن نقل واحد قال فيه بعض أصحاب الرجال: ثقة، فلا يبعد حمل أخبار النهي مطلقا على التقية أو الاتقاء، لاشتهار الحكم بين المخالفين، و
اتفاقهم على إضرار من صلى في هذه الأوقات.

(1) الفقيه ج 1 ص 315.
(2) التهذيب ج 1 ص 185.
153

وقد أكثر الشيخ الأجل السعيد المفيد قدس الله روحه في كتابه المسمى
بافعل لا تفعل، من التشنيع على العامة في روايتهم ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وقال:
إنهم كثيرا ما يخبرون عن النبي صلى الله عليه وآله بتحريم شئ وبعلة تحريمه وتلك العلة
خطأ لا يجوز أن يتكلم بها النبي صلى الله عليه وآله، ولا يحرم الله من قبلها شيئا، فمن ذلك
ما أجمعوا عليه من النهي عن الصلاة في وقتين عند طلوع الشمس حتى يلتام طلوعها
وعند غروبها، فلولا أن علة النهي أنها تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني
شيطان لكان ذلك جايزا، فإذا كان آخر الحديث موصولا بأوله وآخره فاسد،
أفسد الجميع، وهذا جهل من قائله، والأنبياء لا تجهل، فلما بطلت هذه الرواية
بفساد آخر الحديث ثبت أن التطوع جائز فيهما.
154

[12]
(باب)
* (صلاة الضحى) *
1 - الاختصاص: عن أحمد بن محمد بن يحيي العطار، عن عبد الله بن جعفر
الحميري، عن محمد بن الوليد الخزاز، عن يونس بن يعقوب قال: دخل عيسى بن
عبد الله القمي على أبي عبد الله عليه السلام فلما انصرف قال لخادمه ادعه، فانصرف إليه
فأوصاه بأشياء ثم قال: يا عيسى بن عبد الله، إن الله يقول: (وأمر أهلك
بالصلاة) (1) وإنك منا أهل البيت، فإذا كانت الشمس من ههنا مقدارها من
هيهنا من العصر، فصل ست ركعات، قال: ثم ودعه وقبل ما بين عيني عيسى
وانصرف.
قال يونس بن يعقوب: فما تركت الست ركعات منذ سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول ذلك لعيسى بن عبد الله (2).
2 - رجال الكشي: عن حمدويه بن نصير، عن محمد بن الحسين بن أبي
الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن يونس بن يعقوب قال: وحدثني
محمد بن عيسى بن عبد الله، عن يونس بن يعقوب مثله (3).
3 - العيون: عن تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، عن أبيه، عن أحمد
ابن علي الأنصاري، عن رجاء بن أبي الضحاك، عن الرضا عليه السلام قال: ما رأيته
صلى الضحى في سفر ولا حضر (4).
4 - التوحيد: للصدوق، عن جعفر بن علي بن أحمد، عن عبد الله الفضل

(1) طه: 132.
(2) الاختصاص: 195 - 196.
(3) رجال الكشي: 282.
(4) عيون الأخبار ج 2 ص 182 في حديث.
155

عن محمد بن يعقوب الجعفري، عن محمد بن أحمد بن شجاع، عن الحسن بن حماد
عن إسماعيل بن عبد الجليل، عن أبي البختري، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه في
حديث أن أمير المؤمنين عليه السلام في صفين نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال
الحديث (1).
5 - العياشي: عن الأصبغ بن نباته قال خرجنا مع علي عليه السلام فتوسط
المسجد فإذا ناس يتنفلون حين طلعت الشمس، فسمعته يقول: نحروا صلاة الأوابين
نحرهم الله، قال: قلت: فما نحروها؟ قال: عجلوها قال: قلت: يا أمير المؤمنين
ما صلاة الأوابين؟ قال: ركعتان (2).
توضيح وتنقيح
النحر الطعن في منحر الإبل، أي ضيعوا صلاة الأوابين وهي نافلة الزوال
بتقديمها على وقتها، فإنهم تركوا بعض الثمان ركعات من نافلة الزوال، وأبدعوا
مكانها صلاة الضحى، فكأنهم نحروها وقتلوها، أو قدموها (نحرهم الله) أي قتلهم
الله، قال في النهاية: في حديث علي عليه السلام إنه خرج وقد بكروا بصلاة الضحى
فقال: نحروها نحرهم الله، أي صلوها في أول وقتها من نحر الشهر وهو أوله و
قوله نحرهم الله [يحتمل أن يكون دعاء لهم أي بكرهم الله بالخير كما بكروا بالصلاة
أول وقتها، و] يحتمل أن يكون دعاء عليهم بالنحر والذبح لأنهم غيروا
وقتها انتهى.
قوله: (ركعتان) أي التي قدموها ركعتان، فإنهما أقل صلاة الضحى
أو صلاة الأوابين هي نافلة وقت الزوال، وهي ركعتان وست ركعات اخر نافلة
الظهر، كما يظهر من بعض الأخبار، أو المعنى أن صلاة الأوابين هي التي
يكتفي المخالفون منها بركعتين، فان نافلة الزوال عند بعضهم ركعتان، أو قال
ذلك تقية.

(1) التوحيد ص 89 س 11 ط مكتبة الصدوق.
(2) تفسير العياشي ج 2 ص 285.
156

وروي الكليني عن محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل القمي، عن علي بن
الحكم، عن سيف بن عميرة رفعه قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام برجل يصلي الضحى
في مسجد الكوفة، فغمز جنبه بالدرة وقال: نحرت صلاة الأوابين نحرك الله،
قال: فأتركها؟ قال: فقال: (أرأيت الذي ينهى * عبدا (1) إذا صلى) فقال
أبو عبد الله عليه السلام: وكفى بانكار علي عليه السلام نهيا (2).
قوله عليه السلام (أرأيت الذي ينهى) الظاهر أنه قال عليه السلام: ذلك تقية، فإنه
قد ورد في الاخبار أنهم كانوا يعارضونه عليه السلام عند نهيه عنها بهذه الآية، أو المعنى
إني إذا قلت لا تفعل، لا تقبل مني وتعارضني بالآية، وعلى التقديرين أزال
الصادق عليه السلام ما يتوهم منه من التجويز، بأن إنكار أمير المؤمنين عليه السلام أولا كان
كافيا في انزجاره، وعلمه بحرمة الفعل، إذ الضرب والزجر والإهانة لا تكون
إلا على الحرام، لكن السائل لما كان غبيا أو مخاصما شقيا، وأعاد السؤال لم ير عليه السلام
المصلحة في التصريح وإعادة النهي.
وأما جواب معارضتهم فهو أنه لا ينافي ما دلت الآية عليه من استحباب الصلاة
في كل وقت أن يكون تعيين عدد مخصوص في وقت معين بغير نص وحجة بدعة
محرمة، كما إذا هلل رجل عند الضحى عشر مرات مثلا من غير قصد تعيين يكون
مثابا مأجورا، وإذا فعلها معتقدا أنها بهذا العدد المعين في هذا الوقت المخصوص
مستحبة مطلوبة، يكون مبتدعا ضالا سبيله إلى النار، كما مر تحقيقه مفصلا في
باب البدعة.
وأما حديث عيسى بن عبد الله فالظاهر أنه عليه السلام أمره بذلك تقية أو اتقاء وإبقاء
عليه لئلا يتضرر بترك التقية وكذا فعل أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفين إما للتقية
أو لغرض آخر يتعلق بخصوص هذا اليوم من صلاة حاجة أو مثلها، إذ كون صلاة
الضحى بدعة من المتواترات عند الإمامية، لا خلاف بينهم فيه.

(1) العلق: 10.
(2) الكافي ج 3 ص 452.
157

قال الشيخ في الخلاف: صلاة الضحى بدعة لا يجوز فعلها، وخالف جميع
الفقهاء في ذلك، وقالوا إنها سنة، وقال الشافعي أقل ما يكون فيها ركعتان،
وأفضله اثنتا عشرة ركعة، والمختار ثمان ركعات، ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: صلاة الضحى بدعة.
وقال العلامة في المنتهى: صلاة الضحى بدعة عند علمائنا، خلافا للجمهور
فإنهم أطبقوا على استحبابها، لنا ما رواه الجمهور عن عائشة قالت: ما رأيت النبي
صلى الله عليه وآله يصلي الضحي قط وسألها عبد الله بن شقيق أكان رسول الله صلى الله عليه وآله
يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجئ من مغيبة، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى
قال: ما حدثني أحد قط أنه رأي النبي صلى الله عليه وآله يصلي الضحى إلا أم هاني فإنها
حدثت أن النبي صلى الله عليه وآله دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثمان ركعات ما رأيته قط
صلى صلاة أخف منها.
وروى أحمد في مسنده قال: رأي أبو بكر ناسا يصلون الضحى، فقال:
إنهم ليصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله ولا عامة أصحابه، ثم قال: لا يقال:
الصلاة مستحبة في نفسها، فكيف حكمتم ههنا بكونها غير مستحبة؟ لأنا نقول:
إذا أتى بالصلاة من حيث إنها نافلة مشروعة في هذا الوقت كان بدعة، أما إذا
أوقعها على أنها نافلة مبتدأة فلا يمنع، وهي عندهم ركعتان وأكثرها ثمان وفعلها
وقت اشتداد الحر انتهى.
والعامة رووا عن أم هاني ثماني ركعات، وعن عايشة أربع ركعات، فما
زاد، وعن أنس اثنتي عشر ركعة، وقال الابي في شرح صحيح مسلم: الأحاديث كلها
متفقة وحاصلها أن الضحى سنة، وأقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، و
بينهما أربع وست.
وروى مسلم في صحيحه، عن زيد بن أرقم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله على
أهل قبا وهم يصلون الضحى، فقال: صلاة الأوابين، إذا رمضت الفصال.
قال في النهاية: هو أن تحم الرمضاء وهي الرمل فتبرك الفصال من شدة
158

حرها وإحراقها أخفافها انتهى، والفصال ككتاب جمع الفصيل وهو ولد الناقة
إذا فصل عن أمه.
أقول: حمل المخالفون صلاة الأوابين على صلاة الضحى، واستدلوا بهذا
الخبر على استحباب إيقاعها عند شدة الحر، والظاهر أنه شبيه هذا الخبر، وكان
غرضه صلى الله عليه وآله منعهم عن صلاه الضحى، وأن نافلة الزوال هي صلاة الأوابين ووقتها
عند زوال الشمس عند غاية اشتداد الحر، فلم قدمتموها وأبطلتموها.
6 - دعائم الاسلام: عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لرجل من الأنصار، سأله
عن صلاة الضحى فقال: إن أول من ابتدعها قومك الأنصار سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله
صلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة، فكانوا يأتون من ضياعهم ضحى، فيدخلون المسجد
فيصلون، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله فنهاهم عنه (1)

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 214.
159

[13]
(باب)
* (فرائض الصلاة) *
1 - الخصال: عن ستة من مشايخه عن أحمد بن يحيى بن زكريا، عن بكر بن
عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن الصادق
عليه السلام قال: فرائض الصلاة سبع: الوقت، والطهور، والتوجه، والقبلة.
والركوع، والسجود، والدعاء (1).
بيان: روى الشيخ بسنده الصحيح، عن حماد، عن حريز، عن زرارة قال:
سألت أبا جعفر عليه السلام عن الفرض في الصلاة، فقال: الوقت والطهور، والقبلة،
والتوجه، والركوع، والسجود، والدعاء، قلت: ما سوى ذلك؟ فقال:
سنة في فريضة (2)، والمراد بالفرض (3) ما ظهر وجوبه بالقرآن أو شرعيته أعم

(1) الخصال ج 2 ص 152 في حديث خصال من شرايع الدين.
(2) التهذيب ج 1 ص 204.
(3) المراد بالفرض ما ذكر في القرآن العزيز صريحا بما هو هو، فكما أشرنا إليه
قبل ذلك يكون كل فرض من فرائض الصلوات ركنا تبطل الصلاة بالاخلال به سهوا وجهلا
ونسيانا - على ما سيأتي شرح ذلك مستوفى - فمن ذلك الوقت وقد مر الآيات التي تصرح
بأوقات الصلوات بما هي صلاة يجمعها قوله تعالى: (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا
موقوتا): أي يؤدى كل صلاة في وقتها الموسع أو المضيق. وأما الطهور فقد مر قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) الآية فأوجب الطهارة للصلاة بما هي صلاة.
وأما القبلة فسيأتي الآيات المتعرضة لها في بابها، وأما التوجه فالمراد به افتتاح الصلاة
بالتكبير، فهو ليس بفرض لأنه لم يذكر في القرآن العزيز ما يدل عليه الا قوله تعالى:
(وربك فكبر) وكما ترى لم يتعرض لوجوب التكبير الا بما هو تكبير، لا بما هو من
أجزاء الصلاة - مع كون الامر به متوجها إلى النبي صلى الله عليه وآله فقط - فلو كان فرضا لكان فرضا
عليه كما في قوله تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) وقوله تعالى (قم الليل الا
قليلا) الآية وإنما عد في الفرائض، لكونه ركنا كالفرض تبطل الصلاة بالاخلال به عمدا
وسهوا ونسيانا، وإنما جعل ركنا لأنه تحريم الصلاة بالحكم الوضعي، فلو ترك لم
يكن المصلى داخل الصلاة وضعا، وان ركع وسجد، ومثله التسليم من بعض الجهات
كما سيأتي.
وأما الركوع والسجود فسيأتي في بابهما، وأما الدعاء فهو مفهوم الصلاة المفروضة
بقوله تعالى (الا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون) وغير ذلك مما ذكر بلفظ الصلاة
وحقيقته التوجه إلى الله مخلصا وصورته بالتكبير والقراءة والتسبيح والتهليل والابتهال
وقد مر في ج 82 ص 277 أن حفظ عدد الركعات أيضا فرض وسيأتي الكلام عليه
في محله.
وأما ما ذكر في القرآن العزيز صريحا لا بما هو صلاة، بل بما هو غيره، لكن النبي صلى الله عليه وآله
جعله في الصلاة، فهو سنة لا تبطل الصلاة بالاخلال به الا عمدا، ومن أخل به جاهلا أو ناسيا أو
سهوا فلا شئ عليه، وذلك مثل طهارة الثوب والبدن ومثل قراءة الحمد والسورة وقول
(سبحان ربى العظيم وبحمده والتشهد وغير ذلك مما سنبحث عنها في محالها بحول
الله وقوته.
160

من الوجوب والاستحباب، والطهور أعم من الطهارة من الحدث والخبث لايتي
الوضوء والغسل، ولقوله تعالى (وثيابك فطهر) (1) والتوجه المراد به إما
تكبيرة الافتتاح لقوله تعالى: (وربك فكبر) (2) والنية لقوله تعالى: (وما
أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (3) وأمثاله، أو استقبال القبلة بأن
يكون المراد بالقبلة معرفتها لا التوجه إليها وهو بعيد، والدعاء القنوت لقوله سبحانه

(1) المدثر: 4.
(2) المدثر: 3.
(3) البينة: 5.
161

(وقوموا لله قانتين) (1) فيدل على التفسير الأول للفرض على وجوبه، أو القراءة
لاشتماله على الدعاء، ويقال للفاتحة سورة الدعاء لقوله تعالى (فاقرؤا ما تيسر
من القرآن) (2) أو الأعم منهما.
قوله عليه السلام: (سنة في فريضة) أي ظهر وجوبه أو رجحانه من السنة بأن
يوقع في فعل ظهر وجوبه بالقرآن وهو الصلاة.
2 - فقه الرضا: اعلم أن الصلاة ثلثه وضوء وثلثه ركوع، وثلثه سجود
وأن لها أربعة آلاف حد، وأن فروضها عشرة ثلاث منها كبار، وهي تكبيرة
الافتتاح والركوع والسجود، وسبعة صغار وهي القراءة، وتكبير الركوع،
وتكبير السجود، وتسبيح الركوع، وتسبيح السجود، والقنوت، والتشهد،
وبعض هذه أفضل من بعض (3).
توضيح: روى الكليني في الحسن، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور، وثلث ركوع، وثلث سجود (4) والحصر
للمبالغة وبيان شدة الاهتمام بتلك الافعال وعد الوضوء من الاجزاء أيضا للمبالغة
وبيان شدة مدخليته في الصحة.
وقال والدي قدس سره التثليث إما باعتبار المسائل والاحكام، أو باعتبار الواجبات
والمندوبات، أو باعتبار الثواب، والغرض منه الترغيب في الاهتمام بشأن هذه الثلاثة
سيما الطهور لأنه رفع المانع ولذا قدمه، وهو أعم من إزالة النجاسات والطهارات
الثلاث، ويمكن إرادة الأخير فقط، والاهتمام بشأن الركوع والسجود باعتبار
كثرة الذكر والتوجه والطمأنينة انتهى.
والخبر يدل على وجوب تكبيري الركوع والسجود والقنوت، ويمكن

(1) البقرة: 238 وقد مر البحث فيها ج 82 ص 278 راجعه.
(2) المزمل: 20، والآية ناظرة إلى قراء القرآن سورة سورة كما سيأتي في محله
(3) فقه الرضا ص 8 السطران الآخران.
(4) الكافي ج 3 ص 273.
162

حمله على شدة الاستحباب وتأكده.
3 - كتاب العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن جده،
عن حماد، عن حريز، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن كبار حدود الصلاة
فقال: سبعة: الوضوء، والوقت، والقبلة، وتكبيرة الافتتاح، والركوع،
والسجود، والدعاء.
فهذه فرض على كل مخلوق، وفرض على الأقوياء والعلماء الاذان، و
الإقامة، والقراءة، والتسبيح، والتشهد، وليست فرضا في نفسها، ولكنها
سنة وإقامتها فرض على العلماء والأقوياء، ووضع عن النساء والمستضعفين والبله
الأذان والإقامة، ولابد من الركوع والسجود وما أحسنوا من القراءة و
التسبيح والدعاء.
وفي الصلاة فرض وتطوع فأما الفرض فمنه الركوع، وأما السنة فثلاث تسبيحات
في الركوع، وأما التطوع فما زاد في التسبيح والقراءة، والقنوت واجب، والاجهار
بالقراءة واجب في صلاة المغرب والعشاء والفجر، والعلة في ذلك من أجل القنوت
حتى إذا قطع الامام القراءة علم من خلفه أنه قد قنت، فيقنتون، وقد قال العالم
عليه السلام: إن للصلاة أربعة آلاف حد.
بيان: الظاهر أن من قوله (فهذه فرض) كلام المؤلف، فلذا لم نتعرض لشرحه
وتأويله.
4 - الهداية: قال الصادق عليه السلام حين سئل عما فرض الله تبارك وتعالى
من الصلاة فقال: الوقت، والطهور، والتوجه، والقبلة والركوع، والسجود،
والدعاء، ومن ترك القراءة في صلاته متعمدا فلا صلاة له، ومن ترك القنوت متعمدا
فلا صلاة له (1).

(1) الهداية: 29.
163

أبواب
لباس المصلي
[1]
(باب)
* (ستر العورة، وعورة الرجال والنساء في الصلاة) *
* (وما يلزمهما من الثياب فيها، وصفاتها وآدابها) *
الآيات: الأعراف: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم
وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون * يا بني آدم
لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما
سوآتهما.
إلى قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد.
إلى قوله سبحانه: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من
الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل
الآيات لقوم يعلمون (1).

(1) الأعراف: 26 - 32، أما الآيتان الأوليان، فكما مر الكلام فيهما في ج 79
ص 295 - 297، عرفت أن المراد باللباس الذي يوارى سوآت الناس هو الإزار،
لكن لبس هذا الإزار بمعنى عدم كشف السوآت ليس مختصا بحال الصلاة، لان كشفهما من
الفاحشة المحرمة، ولذلك وجه الخطاب إلى كل البشر بقوله (يا بني آدم)
وأما قوله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) فالمراد الإزار
والرداء كما مر توضيحه في ج 79 ص 298 وإنما عبر عنهما بالزينة لكونهما موجبا
لتزيين البدن وحشمته، ولما قال (عند كل مسجد) والمسجد موضع الصلاة، كان المراد
أخذ الزينة بلبس الإزار والرداء عند الصلاة، ولذلك كره الصلاة من دون رداء بحيث
يعرى أعالي البدن.
وهذه الآية من المتشابهات على اصطلاح القرآن المجيد حيث إنها تشبه الآيات التي
هي أم الكتاب: توهم كونها مستقلة برأسها وليس كذلك.
بيان هذا انجازا لما وعدنا في ج 82 ص 322 أنه قال الله عز وجل: (هو الذي أنزل
عليك الكتاب: منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات. فأما الذين في
قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله - وما يعلم تأويله الا الله -
والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا أولوا الألباب) آل عمران: 7.
والمعنى أن آيات القرآن على قسمين: قسم هي محكمات وهن مع ذلك أم الكتاب و
أصله ومرجعه، وقسم آخر هي محكمات تشابه أم الكتاب.
فكل الآيات محكمة لقوله تعالى (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)
هود: 1، مثلا قوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) الآية من القسم الأول
فان الصلاة فرض مستقل في حد نفسها، والآية أم الكتاب وأصل يرجع إليه فروع: كقوله
تعالى (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ومعناه في السنة: (لا صلاة لجار المسجد الا في
المسجد) وقوله تعالى: (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) ومعناه في السنة (لا صلاة الا بفاتحة
الكتاب)، وأمثال ذلك مما سنشرحه في محله. فظاهر تلك الأوامر كلها يشبه أم الكتاب وكونها
مستقلة يجب الاتيان بها في نفسها، لكن بعضها أم الكتاب مستقل في حد نفسها كالصلاة
والصوم والحج، وبعضها متشابه به غير مستقل أدخلها النبي صلى الله عليه وآله في الفرائض
المستقلة، الحاق الفرع بالأصل والولد بأمه.
فأما الذين في قلوبهم زيغ واعوجاج عن الفطرة وميل إلى الاستبداد وهوى
إلى الرئاسة، يتبعون بأهوائهم ما تشابه أم الكتاب، مع أن المتشابهات لا يصلح اتباعها
الا بعد تأويلها وهو ارجاعها إلى أمها، ولا يعلم تأويل ذلك الا الله عز وجل وهو بمعزل عن
الاتصال بالوحي، ومع جهلهم يدعون علم ذلك ومعرفتهم بالأم والمتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء
تأويله كما زعموا أن قوله تعالى (إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)
وقوله (فإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) مستقلة من أمهات الكتاب، ويفتون
بوجوب الاستعاذة والانصات والاستماع عند قراءة القرآن مطلقا، وليس كذلك كما أجمع
عليه أهل الفقه بأن شيئا من ذلك ليس بواجب الا في الصلاة.
وأما الراسخون في العلم والايمان فهم يعترفون بأن الأمهات والمتشابهات كلها نزلت
من عند الله، فلابد وأن يوحى علمه إلى رسوله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور: يقولون
آمنا به كل من عند ربنا ولسنا نتبع الكتاب الا بإشارة الرسول وعترته، وما يذكر سر ذلك
الا أولوا الألباب الذين أخذوا بالكتاب والعترة وهجروا مقالة الزائغين الذين قالوا حسبنا
كتاب الله.
164

النحل: والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون إلى قوله
165

سبحانه: وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية
تلبسونها (1).
وقال تعالى: والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام
بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا
ومتاعا إلى حين * والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا
وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم
لعلكم تسلمون (2).
فاطر: وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج
ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها (3).

(1) النحل: 5 - 14.
(2) النحل: 80 - 81.
(3) فاطر: 12.
166

الرحمن: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (1).
تفسير: (قد أنزلنا عليكم لباسا) أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية و
أسباب نازلة منها، أو لكون العلة أشرف من المعلول، فحصول الشئ من العلة كأنه
نزول من الأعلى إلى الأسفل، أو إشارة إلى علو رتبته تعالى، فالنزول منه إلينا
نزول من العليا إلى السفلى، وهو قريب من الثاني، وقيل إشارة إلى إنزال شئ
من اللباس مع آدم وحوا عليهما السلام.
(يواري سوآتكم) أي يستر عوراتكم وكل ما يسوء كشفه منكم (وريشا)
وهو لباس الزينة (2) استعير من ريش الطير لأنه لباسه وزينته، وفسر ابن عباس
الريش بالمال والأول يومى إلى وجوب ستر العورة في جميع الأوقات، لا سيما
في وقت العبادات، فان (يواري سوآتكم) يومي إلى قبح الكشف، وأن الستر مراد
الله تعالى، وظاهر الثاني استحباب التجمل باللباس.
(ولباس التقوى) قيل خشية الله، وقيل العمل الصالح، وقيل ما يقصد به
التواضع لله تعالى وعبادته، كالصوف والشعر والخشن من الثياب وعن زيد بن (3)
علي أنه ما يلبس من الدروع والجواشن والمغافر وغيرها مما يتقى به في الحروب
وقيل مطلق اللباس الذي يتقى به من الضرر كالحر والبرد والجرح وقال علي بن

(1) الرحمن: 22.
(2) الريش - بالكسر - كسوة جناح الطائر، استعير في الآية الكريمة للرداء بعد
تشبيهه بريش الطير، فكما أن ريش الطير يلتف على جناحيه وإبطيه يسترهما، كذلك الرداء
يلتف على العضدين والإبطين يسترهما، فلو عرى جناحا الطير من الريش أشبه الانسان حيث
لبس الإزار من دون رداء أشد الشباهة ولا يخفى لطف التشبيه على من تأمل وتصور ذلك
خيالا ولا يذهب عليك أن مرادنا بالإزار والرداء ما يعرفهما المسلمون اليوم بلباسي الاحرام
كما عرفت شرح ذلك في ج 81 ص 269.
(3) ذكره الطبرسي في المجمع ج 4 ص 408.
167

إبراهيم (1) لباس التقوى ثياب البياض، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام
قال: فأما اللباس فالثياب التي تلبسون وأما الرياش فالمال والمتاع، وأما لباس
التقوى فالعفاف، إن العفيف لا تبدو له عورة، وإن كان عاريا من الثياب، والفاجر
بادي العورة، وإن كان كاسيا من الثياب.
(ذلك خير) أي لباس التقوى ذلك خير، وقيل إشارة إلى مواراة السوءة فإنه
من التقوى تفضيلا له على نفس اللباس مطلقا أو إشارة إلى اللباس المواري للسوءة
(ذلك) يعني إنزال اللباس مطلقا أو جميع ما تقدم (من آيات الله) الدالة على وجوده
ولطفه وفضله ورحمته على عباده، (لعلهم يذكرون) فيعرفون عظيم النعمة فيه أو
يتعظون فيتورعوا عن القبائح.
(لا يفتننكم الشيطان) أي لا يوقعنكم في فتنة وفضيحة بأن يدعوكم أن
لا تتذكروا بآيات الله، ولا تتورعوا عن القبايح، فيخرجكم من محال فضل الله
ومواضع رحمته، فيسلبكم نعمة الله وستره عليكم، ويحرمكم الجنة (ينزع عنهما
لباسهما) إسناد النزع إليه للتسبيب فيه.
(خذوا زينتكم عند كل مسجد) في مجمع البيان عن الباقر عليه السلام أي خذوا
ثيابكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات والأعياد (2) وروى العياشي عن الرضا
عليه السلام قال: هي الثياب (3) وعن الصادق عليه السلام هي الأردية يعني في العيدين
والجمعة (4) وقال علي بن إبراهيم: في العيدين والجمعة يغتسل ويلبس ثيابا بيضا.
وروي أيضا المشط عند كل صلاة (5) وفي الكافي عن الصادق عليه السلام يعني
في العيدين والجمعة (6) وفي العياشي والجوامع كان الحسن بن علي عليهما السلام إذا قام

(1) تفسير القمي: 213، راجع ج 79 ص 297.
(2) مجمع البيان ج 4 ص 412.
(3) تفسير العياشي ج 2 ص 12، الرقم 21.
(4) تفسير العياشي ج 2 ص 13 الرقم: 27.
(5) تفسير القمي ص 214.
(6) الكافي ج 3 ص 424.
168

إلى الصلاة لبس أجود ثيابه، فقيل له في ذلك، فقال: إن الله جميل يحب الجمال
فأتجمل لربي وقرأ هذه الآية (1) وفي الفقيه (2) عن الرضا عليه السلام من ذلك التمشط
عند كل صلاة، والعياشي عن الصادق عليه السلام مثله (3).
وفي التهذيب (4) عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال: الغسل عند لقاء كل
إمام، والعياشي عنه عليه السلام يعني الأئمة (5) وقيل هو أمر بلبس الثياب في الصلاة
والطواف، وكانوا يطوفون عراة ويقولون لا نعبد في ثياب أذنبنا فيها ونحوه ذكر
علي بن إبراهيم (6).
وفي الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير هذه الآية قال: تمشطوا فان
التمشط يجلب الرزق إلى آخر الخبر (7)، وفي العياشي، عن أبي بصير، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: هو المشط عند كل صلاة فريضة ونافلة (8)، وقال بعض
الأفاضل: وقد فسر بالمشط والسواك والخاتم والسجادة والسبحة.
(قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) من الثياب كالقطن والكتان
والحرير والصوف، وما يعمل منه الدروع والخواتيم والحلي وغيرها (والطيبات
من الرزق) المستلذات من المآكل والمشارب أو المباحات والاستفهام للانكار (قل هي)
أي الزينة والطيبات (للذين آمنوا في الحياة الدنيا) الظرف متعلق بآمنوا (خالصة

(1) تفسير العياشي ج 2 ص 14 الرقم 29.
(2) الفقيه ج 1 ص 75 ط نجف.
(3) تفسير العياشي ج 2 ص 13، الرقم 25.
(4) التهذيب ج 6 ص 107 ط نجف.
(5) تفسير العياشي ج 2 ص 12، الرقم 18.
(6) تفسير القمي ص 214 راجع شرح ذلك ج 79 ص 297.
(7) الخصال ج 1 ص 129.
(8) تفسير العياشي ج 2 ص 13، الرقم 25، وقد مر الإشارة إليه.
169

يوم القيامة) حال من المستتر في متعلق للذين، ويوم القيامة ظرف لخالصة، أي
لا يشاركهم غيرهم فيها كما يشاركهم في الدنيا، أو الظرف متعلق بمتعلق (للذين)
أي هي حاصلة للذين آمنوا في الحياة الدنيا غير خالصة لهم، خالصة لهم يوم القيامة (1)
قيل: ولم يقل ولغيرهم لينبه على أنها خلقت لهم بالأصالة، وأن غيرهم تبع لهم
كقوله: (ومن كفر فأمتعه قليلا) (2) الآية.
(والانعام خلقها لكم) (3) أي لمصالحكم (فيها دفء) اسم لما يدفأ به فيقي
البرد، وهو اللباس المعمول من صوف أو وبر أو شعر، والظاهر شموله للفراء أيضا
(ومنافع) هي نسلها ودرورها وظهورها وغير ذلك، (حلية تلبسونها) كاللؤلؤ و
المرجان، وقيل اليواقيت أيضا.
(سكنا) (4) موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم (بيوتا) يعني الخيم
والمضارب المتخذة من الادم والوبر والصوف والشعر (تستخفونها) أي تجدونها
خفيفة يخف عليكم حملها ونقلها ووضعها وضربها (يوم ظعنكم) ترحالكم وسفركم
(ويوم إقامتكم) نزولكم وحضركم، والأثاث أنواع متاع البيت من الفرش
والأكسية، وقيل المال والمتاع ما يتجر به من سلعة أو ينتفع به مطلقا (إلى حين) أي
إلى أن تقضوا منه أوطاركم، أو إلى حين مماتكم، أو إلى مدة من الزمان فإنها
لصلابتها تبقى مدة مد يده أو إلى يوم القيامة، وقيل إلى وقت البلى والفناء، إشارة إلى
أنها فانية، فلا ينبغي للعاقل أن يختارها.
(والله جعل لكم مما خلق) من الشجر والجبل والأبنية وغيرها (ظلالا)
تتقون به حر الشمس (وجعل لكم من الجبال أكنانا) مواضع تستكنون بها

(1) وقيل: معناه: قل هي في الحياة الدنيا للذين آمنوا غير خالصة من الهموم والأحزان
والمشقة، وهي لهم خالصة في الآخرة، منه رحمه الله، على ما في هامش طبعة الكمباني.
(2) البقرة: 126.
(3) النحل: 5.
(4) النحل: 14.
170

من الغيران والبيوت المنحوتة فيها (وجعل لكم سرابيل) ثيابا من القطن والكتان
والصوف وغيرها (تقيكم الحر) اكتفى بذكر أحد الضدين لدلالته على الاخر، ولان
وقاية الحر كانت عندهم أهم (وسرابيل تقيكم بأسكم) يعني الدروع والجواشن،
والسربال يعم كل ما يلبس (كذلك) كاتمام هذه النعم التي تقدمت (يتم نعمته
عليكم لعلكم تسلمون) أي تنظرون في نعمه الفاشية فتؤمنون به، وتنقادون
لحكمه.
(هذا عذب) (1) أي طيب (فرات) أي اشتدت عذوبته، وقيل هو الخالص
الذي لا يشوبه شئ (سائغ شرابه) [أي] مرئ سريع الانحدار لعذوبته، وذكر
الأكثر أن اللؤلؤ كبار الدر، والمرجان صغاره، وقيل المرجان الخرز
الأحمر.
ففي الآيات دلالة على لزوم ستر العورة، لا سيما في الصلاة وعلى استحباب
أنواع الزينة من التنظيف والتطهير والتطييب، والملابس الفاخرة عند الصلاة
والطواف، وعلى جواز اتخاذ الملابس والفرش وغيرها، وأنواع انتفاع يمكن من
أصواف الانعام وأوبارها وأشعارها وجلودها، وجواز الصلاة فيها وعليها إلا ما أخرجه
الدليل من عدم جواز السجود ونحو، وطهارتها ولو من الميتة لاطلاق اللفظ (2) وعلى
جواز بناء الأبنية والاستظلال بها وبالكهوف والغيران والصلاة فيها.
وجواز استعمال ثياب القطن والكتان والصوف وغيرها، والدروع والجواشن
وأمثالهما في الصلاة وغيرها، إلا ما أخرجه الدليل. وعلى جواز التحلي باللؤلؤ
والمرجان للرجال والنساء وصلاتهما فيهما للاطلاق، لا سيما في مقام الامتنان.

(1) فاطر: 12.
(2) لا يتم هذا الاطلاق، فان المولى ليس بصدد بيان حلية أو طهارة جلود الانعام
بل المقام مقام الامتنان عليهم باستفادتهم من جلود الانعام، ويكفى في صدق ذلك المذكى
منها.
171

وقد يستشكل في الصلاة في اللؤلؤ (1) لكونه جزءا من الصدف، والصدف
حيوان لا يؤكل لحمه أما كونه حيوانا فلما ذكره الأطباء وغيرهم من التجار
والغواصين، ولما رواه الكليني (2) في الصحيح عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام
قال: سألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات، أيؤكل؟ قال: ذلك
لحم الضفادع، لا يحل أكله، وأما كونه غير مأكول اللحم فلهذا الخبر، وللاجماع
المنقول على أن من حيوان البحر لا يؤكل لحمه الا السمك، وأما عدم الجواز
الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه فلما سيأتي من عدم جواز الصلاة في شئ منه،
إلا ما استثني.
ويمكن أن يجاب بوجوه الأول لا نسلم كونه جزء من ذلك الحيوان، فان
الانعقاد في جوفه لا يستلزم الجزئية بل الظاهر أنه ظرف لتولد ذلك، نعم يكون
اللؤلؤ في بعض الأصداف مركوزا في جرمه، وهذا نادر، ويمكن أن يناقش
فيه أيضا.
الثاني أنا لا نسلم عدم جواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه مما ليس له
له نفس سائلة وظاهر الأصحاب اختصاص الحكم بماله نفس سائلة وإن أمكن
المناقشة فيه.
الثالث أنه على تقدير عدم اختصاص الحكم بماله نفس سائلة فهو أيضا
من المستثنيات لظواهر الآيات السالفة، ولشيوع التحلي بها، والصلاة معها في
أعصار الأئمة عليهم السلام مع أنه لم يرو منع بخصوص ذلك والظاهر أنه لو كان ممنوعا

(1) وعندي أن اللؤلؤ كالذهب والحرير من لباس أهل الجنة ومواعيدهم كما في
قوله تعالى (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) الحج: 23،
فاطر: 33 ولقبح تمتع الموعود قبلا مما هيئ له ثم حضوره في الميعاد، قال رسول الله (ص)
في مورد الحرير والذهب: ان هذين حرام على ذكور أمتي، فكذلك اللؤلؤ، بحكم
الآية الكريمة،
(2) الكافي ج 6 ص 221.
172

لورد المنع منه في أخبار متعددة، فلم أر خبرا يتضمنه إلا العمومات والاطلاقات
التي يمكن أن يدعى أنها محمولة على الافراد الشايعة، وليس هذا منه.
وبالجملة الحكم بالمنع مع عموم الآيات والأخبار الدالة على الجواز، و
عدم ظهور التخصيص، وتطرق الاجمال فيه من وجوه لا يخلو من إشكال ويؤيد
الجواز ما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته
عن الرجل هل يصلح أن يصلي وفي فيه الخرزة اللؤلؤ؟ قال إن كان يمنعه من
قراءته فلا، وإن كان لا يمنعه فلا بأس (1).
تذنيب
قال الشهيد - ره - في الذكرى: أجمع العلماء على وجوب ستر العورة في
الصلاة، وعندنا وعند الأكثر أنه شرط في الصحة، لقوله تعالى (يا بني آدم خذوا
زينتكم عند كل مسجد) قيل: اتفق المفسرون على أن الزينة هنا ما توارى به
العورة للصلاة والطواف، لأنهما المعبر عنهما بالمسجد، والامر للوجوب، ويؤيده
قوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم) أمر تعالى باللباس
المواري للسوءة، وهي ما يسوء الانسان انكشافه، ويقبح في الشاهد إظهاره، وترك
القبيح واجب، قيل: وأول سوء أصاب الانسان من الشيطان انكشاف العورة، و
لهذا ذكره تعالى في سياق قصة آدم عليه السلام انتهى.
وهل الستر شرط مع الذكر أو مطلقا؟ ظاهر (2) العلامة في المختلف والنهاية

(1) الفقيه ج 1 ص 165.
(2) قد عرفت في صدر الباب أن أخذ اللباس الذي يوارى السوءة وهو الإزار حكم
تكليفي مستقل يشمل كل بشر مسلم أو غير مسلم، مصل أو غيره، فقوله تعالى (قد أنزلنا عليكم
لباسا يوارى سوآتكم) من الآيات أم الكتاب، فلا يتعلق وجوب ستر العورة بحال دون حال
وظرف دون ظرف، ولذلك لم يقيد بما قيد به الآية التالية لها من قوله تعالى (عند كل مسجد)
الا أن كون الستر شرطا للصلاة لم يرد به أية حتى يكون فرضا وركنا تبطل الصلاة بالاخلال
به سهوا وجهلا ونسيانا، نعم بعد ما كان الستر فرضا في حد نفسه وكشف العورة
فاحشة ممقوتا تمنع الصلاة منها لقوله عز وجل: (ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)
كان كشف العورة مانعا للصلاة منافيا له في حال العلم والاختيار، وأما حال الجهل
بالانكشاف مطلقا من أول الصلاة أو أثنائه، فلا. وأما انكشاف تمام العورة فلا معنى
للسهو عنه، فان الانكشاف التام لا يكون الا بوضع الإزار والسربال، وهذا مما لا يسهو عنه
الا من غفل عن صلاته بالمرة. وهو فاقد لركن الدعاء، أعنى التوجه إلى الله وأنه في حال
الصلاة، فصلاته باطلة من رأس.
173

صحة الصلاة إذا لم يعلم بالانكشاف سواء دخل في الصلاة عاريا ساهيا أو انكشف
في الأثناء وسواء كان الانكشاف في جميع الصلاة أو كان في بعضها وقال في
المعتبر، لو انكشفت عورته في أثناء الصلاة ولم يعلم صحت صلاته، لأنه مع عدم
العلم غير مكلف، ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر، عن أخيه
موسى عليه السلام في الرجل يصلي وفرجه خارج لا يعلم به، هل عليه الإعادة؟ قال: لا
إعادة عليه وقد تمت صلاته (1) ويظهر من التعليل عدم الفرق بين عدم الستر ابتداء
والتكشف في الأثناء.
وفرق الشهيد - ره - في كتبه فقال في الذكرى: ولو قيل بأن المصلي
عاريا مع التمكن من الساتر يعيد مطلقا والمصلي مستورا ويعرض له التكشف في
الأثناء بغير قصد لا يعيد مطلقا، كان قويا وقر به في الدروس، وقريب منه كلامه
في البيان، وكلامه يحتمل أمرين أحدهما الفرق بين الانكشاف في الكل والبعض
وثانيهما الفرق بين النسيان ابتداء والتكشف في الأثناء، وكلامه في الذكرى
يشعر بالأول، حيث قال: وليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية وبينها مع
عدمه ببعض الاعتبارات تلازم، بل جاز أن يكون المقتضي للبطلان انكشاف جميع
العورة في جميع الصلاة، فلا يحصل البطلان بدونه، وجاز أن يكون المقتضي
للصحة ستر جميعها في جميعها فيبطل بدونه.
وقال ابن الجنيد: لو صلى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد في الوقت فقط
وقال الشيخ في المبسوط فان انكشفت عورتاه في الصلاة وجب سترهما عليه، ولا

(1) التهذيب ج 1 ص 197، وتراه في السرائر ص 476.
174

تبطل صلاته، سواء كان ما انكشفت عنه قليلا أو كثيرا، بعضه أو كله، وكلام
الشيخ مطلق يشمل صورة العلم والعمد، وعليه حمله العلامة في التذكرة، وإن
كان المنساق إلى الذهن منه الانكشاف بدون العلم والعمد، وعليه حمله في المختلف
والأقرب أن الانكشاف ساهيا غير ضائر، والله يعلم.
1 - مكارم الأخلاق: عن محمد بن حسين بن كثير قال: رأيت على أبي
عبد الله عليه السلام جبة صوف بين قميصين غليظين، فقلت له في ذلك، فقال رأيت أبي
يلبسها وإنا أردنا أن نصلي لبسنا أخشن ثيابنا (1).
بيان: رواه الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن
ابن فضال، عن محمد بن الحسين بن كثير الخزاز، عن أبيه قال: رأيت أبا عبد الله
عليه السلام وعليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه، وفوقه جبة صوف، وفوقها قميص
غليظ فمسستها فقلت: جعلت فداك إن الناس يكرهون لباس الصوف، فقال:
كلا كان أبي محمد بن علي عليه السلام يلبسها، وكان علي بن الحسين عليه السلام يلبسها، و
كانوا عليهم السلام يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة ونحن نفعل ذلك (2).
2 - العياشي: عن خيثمة بن أبي خيثمة قال: كان الحسن بن علي عليه السلام إذا
قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فقيل له: يا ابن رسول الله لم تلبس أجود ثيابك؟
فقال: إن الله جميل يحب الجمال، فأتجمل لربي، وهو يقول: (خذوا زينتكم
عند كل مسجد) فأحب أن ألبس أجود ثيابي (3).
غوالي اللئالي مرسلا مثله.
بيان: الاخبار في فضل التزين للصلاة كثيرة، والجمع بينها وبين ما
سبق بحمل أخبار لبس الخشن على ما إذا صلى لحاجة مهمة، ولدفع بلية، وفي

(1) مكارم الأخلاق: 133.
(2) الكافي ج 6 ص 405.
(3) تفسير العياشي ج 2 ص 14، الرقم 29 من سورة الأعراف الآية: 31.
175

مقام تناسبه غاية الخشوع، لما رواه في الكافي (1) عن حريز، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: اتخذ مسجدا في بيتك فإذا خفت شيئا فالبس ثوبين غليظين من أغلظ ثيابك
فصل فيهما الخبر ولما رواه في المكارم (2) عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال
كان لأبي ثوبان خشنان يصلي فيهما صلاته، وإذا أراد أن يسأل الحاجة لبسهما، وسأل
الله حاجته.
أو يحمل الخشن على ما إذا صلى في الخلوة، والزينة على ما إذا خرج
إلى الناس، كما يظهر من فحوى بعض الأخبار، ولما سيأتي في خبر مسمع (3)
قال: كتب إلى أبو عبد الله إني أحب لك أن تتخذ في دارك مسجدا في بعض بيوتك
ثم تلبس ثوبين طمرين غليظين، ثم تسأل الله أن يعتقك من النار وأن يدخلك
الجنة الخبر، ولما روي عن الباقر عليه السلام في تفسير قوله سبحانه (خذوا زينتكم
عند كل مسجد) قال أي خذوا ثيابكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات
والأعياد (4).
ويمكن حمل لبس الخشن على التقية، لأنه كان الشايع بين أهل البدع في
تلك الأزمنة، وكانوا ينكرون على أئمتنا عليهم السلام لبس الثياب الفاخرة.
وبالجملة الظاهر، أن لبس الفاخر أفضل في جميع الصلوات، إلا فيما ورد
فيه نص باستحباب غيره، لظاهر الآية والأخبار العامة قال في الذكرى بعد إيراد
الرواية الأولى: قلت إما للمبالغة في الستر وعدم الشف والوصف، وإما للتواضع
لله تعالى مع أنه روي استحباب التجمل في الصلاة، وذكره ابن الجنيد وابن
البراج وأبو الصلاح وابن إدريس، وروى غياث بن إبراهيم (5) عن جعفر عن

(1) الكافي ج 3 ص 480.
(2) مكارم الأخلاق: 131.
(3) المحاسن: 412.
(4) قد مر عن المجمع ج 4 ص 412.
(5) راجع التهذيب ج 1 ص 242.
176

أبيه، عن علي عليه السلام لا تصلي المرأة عطلا وهو بضم العين والطاء والتنوين، و
هي التي خلا جيدها من القلائد.
3 - السرائر: من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن أحمد أبي
إسماعيل الهاشمي، عن علي بن الحسين، عن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب والعمركي البوفكي، عن علي بن جعفر، عن أخيه قال:
سألته عن الرجل صلى وفرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال:
لا إعادة عليه، وقد تمت صلاته (1).
بيان: لا خلاف في أن من أخل بستر العورة عمدا يعيد في الوقت وخارجه
ولو أخل ناسيا أو جاهلا، فذهب الأكثر منهم الشيخ والمحقق والعلامة إلى
عدم الإعادة مطلقا، كما يدل عليه هذا الخبر الصحيح، وقال ابن الجنيد يعيد
في الوقت خاصة، وفرق الشهيد ره بين ما إذا صلى جميع الصلاة مكشوف العورة
أو بعضها فحكم في الأول بالإعادة دون الثاني ولا يعلم وجهه، وما ذهب إليه الأكثر
أظهر، كما دل عليه الخبر.
4 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته
عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال: تلتف فيها وتغطي رأسها
وتصلي، فان خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس (2).
تفصيل وتبيين: اعلم أنه لا خلاف في وجوب ستر العورة في الصلاة
والمشهور بين الأصحاب أن عورة الرجل التي يجب سترها في الصلاة وغيرها
قبله ودبره أعني الذكر والأنثيين، وحلقة الدبر دون الأليتين والفخذين (3)

(1) السرائر: 476.
(2) راجع البحار ح 10 ص 279.
(3) قد عرفت في ذيل الآية أن المراد بالسوآت في قوله تعالى: (فبدت لهما
سوآتهما) وهكذا قوله: (ليريهما سوآتهما) هو فلق الأليتين من الرجل والمرأة دبرا
وفلق الحر من المرأة قبلا؟؟ كر والأنثيين من الرجل، بما عليها وعلى حواليها من
الشعر النابت، كما هو الظاهر من لفظ السوآت ولذلك قال عز وعلا (فطفقا يخصفان
عليهما من ورق الجنة) وظاهر أن ورق الجنة لم يكن منسعا كالسربال والإزار حتى يستر
الأليتين والفخذين، الا أن ذلك حكم عام للبشر ولذلك صدر الآية بقوله (يا بني آدم) من
دون تقييد.
فامتثال هذا الحكم بما أنه اجتناب الفاحشة، إنما يكون بلبس خرقة يستر السوآت
من القبل والدبر كالذي يسمونه اليوم، (شرت) بضم الشين وسكون الراء، سواء في
ذلك المسلم وغيره.
وأما المسلمون فقد أوجب الله تعالى عليهم الستر من السرة إلى الركبتين بقوله (قل
للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن
ويحفظن فروجهن) النور: 30 و 31، والمراد بالفرج فرج الإزار بعد لبسه، فإنهم
كانوا يلبسون شملة يلفونها على أسفلهم من السرة إلى الركبة بحيث يدرج أحد طرفيه على
الاخر، الا أنه قد ينفرج الطرفان عن الفخذين خصوصا حين الجلوس أو المشي بسرعة
فينكشف، فأوجب الله على المؤمنين والمؤمنات أن يحفظوا فروج أزرهم حتى لا ينكشف
عن أفخاذهم ومع ذلك أوجب عليهم - إذا انكشف وانفرج ازار أحدهم - أن يغضوا أبصارهم
لئلا يبصروا منه ما وجب ستره.
وأما قول المفسرين بأن المراد بالفرج العورة من القبل والدبر. فلا يناسب مفهوم
الفرج والانفراج خصوصا في الآية الأولى بالنسبة إلى الرجال، فان حلقة الدبر مستورة
بالأليتين، والذكر والأنثيين لا وجه لاطلاق الفرج عليه وهو ظاهر.
وأما قولهم بأن حفظ الفرج كناية عن عدم ارتكاب الزنا، فهو صحيح في بعض الموارد
كقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون) وقوله تعالى: (ومريم ابنت عمران التي
أحصنت فرجها) حيث أطلق حفظ الفرج واحصان الإزار وكنى به عن عدم ارتكاب الفاحشة
لان ارتكابها يوجب وضع الإزار وانفراجه عن القبل أو الدبر، وحفظ فرج الإزار يوجب
الحفظ عن الزنا وارتكاب الفاحشة.
وأما في قوله تعالى: (يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) فالظاهر منه الحفظ
من النظر بقرينة غض البصر، وبعبارة أخرى هو من صنعة الاحتباك كقوله تعالى: (الله الذي
جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) غافر: 61 حيث يكمل كل جزء الجزء الآخر
ويفيد أنه: جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتبتغوا فيه من
فضله.
فالمعنى في آية النور هكذا: قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم من فروج المؤمنين و
المؤمنات، ويحفظوا فروجهم من أبصار المؤمنين والمؤمنات، وقد ورد بذلك قول
الصادق عليه السلام (كل شئ في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا الا هذه الآية فإنها
من النظر) راجع الكافي ج 2 ص 36، تفسير القمي ص 455، الفقيه ج 1 ص 63.
فعلى هذا يجب حفظ الفرج بعد لبس الإزار حتى لا ينكشف عن موضعه - وهو من السرة إلى
الركبة - ولا يمكن حفظه حين الركوع والانحناء الا إذا كان الإزار متدليا إلى نصف الساق
كما كان يلبسه النبي صلى الله عليه وآله كذلك لئلا ينكشف الفخذان حين الركوع.
وهذا الحكم عام بالنسبة إلى الرجال والنساء بنص الآية وصريحها، ويختص النساء
مع ذلك بقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن) والزينة التي أريدت هنا وقد أعطاها الله عز
وجل كل النساء، شعر رأسها) (الا ما ظهر منها) بعد سترها بقطعة من اللباس قهرا و
أحيانا، (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) والخمار كان شملة أخرى كالرداء يعقدنه
النساء على جيوبهن، فيستر من عنقها إلى سرتها، وكان الخمار هذا مذيلا بحيث يتدلى
على الإزار إلى الأليتين، لئلا ينكشف ما فوق الإزار حين الانحناء، أو عند رفع اليدين
لبعض الحاجات كالقنوت في الصلاة.
وهذا حكم ستر المرأة في كل حال حتى في الصلاة، الا أنه استثنى من ستر شعورهن
بقوله عز من قائل (ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن) إلى آخر الآية فرخص
ابداء شعورهن للمحارم، ثم وصاهن بعد الاحتيال فقال: ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين
من زينتهن) أي لا يضربن بأرجلهن حين المشي بحيث يظهر شعورهن شيئا فشيئا من تحت
المقنعة، ثم يعتذرن بأنها ظهرت قهرا وطبعا،
177

ونقل ابن إدريس عليه الاجماع، ونقل عن ابن البراج أنه قال: هي من السرة
إلى الركبة، وعن أبي الصلاح أنه جعلها من السرة إلى نصف الساق، مع أن
178

المحقق في المعتبر قال: ليست الركبة من العورة باجماع علمائنا، والأول أقوى
وعورة المرأة جسدها كله عدا الوجه والكفين والقدمين، هذا هو المشهور بين
الأصحاب، وقيل ظاهر القدمين دون باطنهما، فيجب ستره في الصلاة، ولا تكشف
غير الوجه فقط.
179

وقال أبو الصلاح المرأة كلها عورة (1) وأقل ما يجزي الحرة البالغة
درع سابغ إلى القدمين، وخمار، وهذا قريب من الاقتصار، وقال ابن زهرة:
والعورة الواجب سترها من النساء جميع أبدانهن إلا رؤس المماليك منهن، و
قال ابن الجنيد الذي يجب ستره من البدن العورتان وهما القبل والدبر من
الرجل والمرأة، وهذا يدل على المساواة بينهما عنده، وقال أيضا لا بأس أن تصلي
المرأة الحرة وغيرها وهي مكشوفة الرأس، حيث لا يراها غير محرم لها، وكذلك
الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام (2) انتهى، والأول أقوى لهذه الرواية وغيرها.
ثم إنه ليس في كلام الأكثر تعرض لوجوب ستر الشعر، واستقرب الشهيد
في الذكرى الوجوب وهو أحوط ويجوز للأمة والصبية غير البالغة كشف الرأس
في الصلاة ونقل عليه الفاضلان والشهيد إجماع العلماء عليه، إلا الحسن البصري
فإنه أوجب على الأمة الخمار إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه، ولو انعتق
بعضها فكالحرة.
قوله عليه السلام: (فان خرجت رجلها) أي بعض ساقها، فيكون التقييد بعدم
القدرة على الوجوب أو أصل القدمين، فالتقييد على الاستحباب على المشهور، وربما
يؤيد قول من لم يستثن بطن القدمين.

(1) يعنى من حيث اصطلاح الفقه، والا فهي ريحانة يحق شمها واستطابتها.
(2) التهذيب ج 1 ص 197، وأخرى ص 198، ولفظه لا بأس بالمرأة المسلمة
الحرة أن تصلى وهي مكشوفة الرأس، أقول: ويحمل على ما إذا صلت في بيتها عند
المحارم.
180

5 - قرب الإسناد: قال: سألته عن المرأة الحرة هل يصلح لها أن تصلي
في درع ومقنعة؟ قال لا يصلح لها إلا في ملحفة، إلا أن لا تجد بدا (1)
قال: وسألته عن الأمة هل يصلح لها أن تصلي في قميص واحد؟ قال:
لا بأس (2).
6 - العلل: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى،
عن علي بن الحكم، عن حماد اللحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الخادم
تقنع رأسها في الصلاة؟ قال: اضربوها حتى تعرف الحرة عن المملوكة (3).
7 - ومنه: عن أبيه، عن علي بن سليمان، عن محمد بن الحسين، عن أحمد
ابن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن حماد اللحام قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن المملوكة تقنع رأسها إذا صلت؟ قال: لا قد كان أبي إذا رأى
الخادم تصلي وهي مقنعة ضربها لتعرف الحرة عن المملوكة (4).
المحاسن: عن أبيه، عن يونس، عن حماد مثله (5).
الذكرى: من كتاب البزنطي باسناده إلى حماد اللحام مثله، وفيه
تصلي بمقنعة (6).
8 - ومنه: نقلا من كتاب علي بن إسماعيل الميثمي عن أبي خالد القماط
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأمة أتقنع رأسها؟ فقال: إن شاءت فعلت، و
إن شاءت لم تفعل، سمعت أبي يقول: كن يضربن فيقال لهن: لا تشبهن
بالحرائر (7).
بيان: قال في الذكرى: هل يستحب للأمة القناع؟ أثبته في المعتبر و
نقله عن عطا وعن عمر أنه نهى عن ذلك، وروي ضرب أمة لآل أنس رآها بمقنعة

(1) قرب الإسناد ص 101 ط حجر، ص 133 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 101 ط حجر، ص 133 ط نجف.
(3) علل الشرايع ج 2 ص 34.
(4) علل الشرايع ج 2 ص 34.
(5) المحاسن ص 318.
(6) الذكرى: 140.
(7) الذكرى: 140.
181

قال: لنا أنه أنسب بالخفر والحياء، وهما مرادان من الأمة كالحرة وفعل عمر
جاز أن يكون رأيا ثم ذكر الروايتين ومال إلى عدم الاستحباب.
أقول: ظاهر هذه الأخبار عدم استحباب الستر لهن، بل كراهته بل
التحريم أيضا للامر بالضرب، وهو الظاهر من الصدوق - ره - في العلل حيث
قال: (باب العلة التي من أجلها لا يجوز للأمة أن تقنع رأسها في الصلاة) ثم
ذكر الأخبار المتقدمة، لكن لما كانت روايات اللحام مجهولة لجهالته، وخبر
القماط وإن كان حسنا كالصحيح، لكن قوله عليه السلام: (كن يضربن) يحتمل أن
يكون إشارة إلى ما رواه العامة عن عمر، ويكون ذكره للتقية بقرينة الرواية عن
أبيه عليه السلام فلا تثبت الحرمة.
وأما الكراهة فلما لم يكن لها معارض، فلا يبعد القول بها، أما استحباب
الستر، فيبعد القول به مع ورود تلك الأخبار، وعدم المعارض الصريح، وتجب
على الأمة ستر ما عدا الرأس مما يجب ستره على الحرة، ونقل العلامة الاجماع
عليه، والظاهر تبعية العنق للرأس، إذ هو الظاهر من تجويز ترك التقنع لأنه
يعسر ستره بدون الرأس
9 - العلل: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن الحسين السعد -
أبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن محمد
ابن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ليس على الأمة قناع في الصلاة، ولا على
المدبرة قناع في الصلاة ولا على المكاتبة إذا اشترط عليها قناع في الصلاة، وهي مملوكة
حتى تؤدي جميع مكاتبتها، ويجري عليها ما يجري على المملوكة في الحدود كلها (1)
بيان: ظاهر الخبر أن من انعتق بعضها كالحرة كما ذكره الأصحاب،
والمكاتبة المطلقة إذا لم تؤد شيئا في حكم الأمة كما يظهر من سياق الخبر.
10 - العلل: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن
صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام

(1) علل الشرايع ج 2 ص 35.
182

عن الجارية التي لم تدرك، متى ينبغي لها أن تغطي رأسها ممن ليس بينه وبينها
محرم؟ ومتى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة؟ قال: لا تغطي رأسها حتى
تحرم عليها الصلاة (1).
بيان: المراد بحرمة الصلاة عليها حيضها، وهو كناية عن بلوغها، فيدل
على عدم لزوم القناع للصبية كما مر.
11 - معاني الأخبار: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن يحيى
وأحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بعض
أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثمانية لا تقبل لهم
صلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه، والناشز عن زوجها وهو عليها ساخط
ومانع الزكاة، وتارك الوضوء، والجارية المدركة تصلي بغير خمار، وإمام قوم يصلي
بهم وهم له كارهون، والزبين.
قالوا: يا رسول الله وما الزبين؟ قال: الرجل يدافع الغائط والبول.
والسكران، فهؤلاء ثمانية لا تقبل لهم صلاة (2).
المحاسن: عن بعض أصحابه عنه عليه السلام مثله (3).
توضيح: قد مر في كتاب الطهارة (4) بعض الكلام في هذا الخبر، والفرق
بين القبول والاجزاء، وأنه ليس في غير تارك الوضوء وتاركة الخمار والسكران
بمعني الاجزاء على المشهور، وربما يحمل في الآبق والناشز والمانع أيضا على
الاجزاء، بحمله على ما إذا صلوا في سعة الوقت، بناء على أن الامر بالشئ
يستلزم النهي عن ضده، والنهي في العبادة يوجب الفساد، وهو في محل المنع.
قال الشهيد روح الله روحه في الذكرى عند عد المبطلات: ومنها ما خرجه

(1) علل الشرايع ج 2 ص 252.
(2) معاني الأخبار: 404 ورواه في الخصال ج 2 ص 38.
(3) المحاسن ص 12.
(4) راجع ج 80 ص 232.
183

بعض متأخري الأصحاب من تحريم الصلاة مع سعة الوقت، لمن تعلق به حق
آدمي مضيق مناف لها، ولا نص فيه إلا ما سيجئ إنشاء الله من عدم قبول الصلاة
ممن لا يخرج الزكاة وليس بقاطع في البطلان، وأما احتجاجهم بأن الامر بالشئ
يستلزم النهي عن ضده، وأن حق الادمي مضيق، فيقدم على حق الله تعالى،
وأن النهي في العبادة يفسدها ففيه كلام حققناه في الأصول.
12 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر،
عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في سراويل
واحد، وهو يصيب ثوبا؟ قال: لا يصلح (1)
وسألته عن الرجل يقوم في الصلاة فيطرح على ظهره ثوبا يقع طرفه خلفه
وأمامه الأرض، ولا يضمه عليه أيجزيه ذلك؟ قال: نعم (2).
13 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن القاسم
ابن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: عليكم بالصفيق من الثياب، فان من
رق ثوبه رق دينه (3).
وقال عليه السلام: لا يقومن أحدكم بين يدي الرب جل جلاله وعليه ثوب
يشف (4).
وقال عليه السلام: لا يصلي الرجل في قميص متوشحا به، فإنه من أفعال
قوم لوط (5).
وقال عليه السلام: تجزي الصلاة للرجل في ثوب واحد يعقد طرفيه على عنقه وفي
القميص الضيق يزره عليه (6).

(1) قرب الإسناد ص 89 ط حجر، ص 116 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 89 ط حجر، ص 116 ط نجف.
(3) الخصال ج 2 ص 162.
(4) الخصال ج 2 ص 162.
(5) الخصال ج 2 ص 164.
(6) الخصال ج 2 ص 162.
184

بيان: قال الشهيد قدس الله روحه في الذكرى: تكره الصلاة في الرقيق
الذي لا يحكي، تباعدا من حكاية الحجم، وتحصيلا لكمال الستر، نعم لو كان تحته
ثوب آخر لم تكره، إذا كان الأسفل ساترا للعورة، أما الثوب الواحد الصفيق
فظاهر الأصحاب عدم الكراهية للرجل، لما رواه محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر
عليه السلام أنه رآه يصلي في إزار واحد قد عقده على عنقه، وروي أيضا (2) عن
أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي في ثوب واحد قال: إذا كان صفيقا فلا بأس
وقال الشيخ في المبسوط: تجوز إذا كان صفيقا وتكره إذا كان رقيقا، وفي الخلاف
تجوز في قميص وإن لم يزر ولا يشد وسطه، سواء كان واسع الجيب أو ضيقه، و
روى زياد بن (3) سوقه عن أبي جعفر عليه السلام: لا بأس أن يصلي في الثوب الواحد و
أزراره محلولة إن دين محمد صلى الله عليه وآله حنيف، ولا يعارضه رواية غياث بن إبراهيم (4)
عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: لا يصلي الرجل محلول الازرار إذا لم يكن عليه
إزار للحمل على الكراهية.
أقول: يمكن حمله على ما إذا انكشفت العورة في بعض الأحوال.
ثم قال قدس سره: وقال بعض العامة الفضل في ثوبين لما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله: إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما ولا بأس به، والاخبار
الأولة لا تنافيه لدلالتها على الجواز، ويؤيده عموم قوله تعالى: (خذوا زينتكم
عند كل مسجد) (5) ودلالة الاخبار أن الله أحق أن يتزين له، وأورد هذا في
التذكرة عن النبي صلى الله عليه وآله وأفتى به، فيكون مع القميص إزار أو سراويل، مع

(1) التهذيب ج 1 ص 197.
(2) الكافي ج 3 ص 393.
(3) الكافي ج 3 ص 395.
(4) التهذيب ج 1 ص 238.
(5) الأعراف: 31.
185

الاتفاق على أن الامام يكره له ترك الرداء، وقد رواه سليمان بن خالد (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها، والظاهر
أن القائل بثوب واحد من الأصحاب إنما يريد به الجواز المطلق، ويريد به أيضا
على البدن، وإلا فالعمامة مستحبة مطلقا وكذا السراويل وقد روي تعدد الصلاة
الواحدة بالتعمم والتسرول.
أما المرأة فلابد من ثوبين درع وخمار إلا أن يكون الثوب يشمل الرأس
والجسد، وعليه حمل الشيخ رواية عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام في جواز
صلاة المسلمة بغير قناع (2) ويستحب ثلاث للمرأة لرواية جميل بن دراج (3) عن
أبي عبد الله عليه السلام درع وخمار وملحفة، ورواية ابن أبي يعفور (4) عنه عليه السلام إزار و
درع وخمار قال: فإن لم تجد فثوبين تأتزر بأحدهما وتقنع بالاخر، قلت: فإن كان
درعا وملحفة وليس عليها مقنعة؟ قال: لا بأس إذا تقنعت بالملحفة انتهى.
فظهر أن قوله عليه السلام في خبر علي بن جعفر (لا يصلح) أريد به الكراهة كما
هو الظاهر، والامر بالصفيق أعم من الوجوب والاستحباب، وجملة القول فيه أن
المعتبر في الساتر كونه صفيقا ساترا للون البشرة، وهل يعتبر كونه ساترا للحجم؟
قال الفاضلان: لا، ولعله أظهر، وقيل: يعتبر لمرفوعة أحمد بن حماد (5) عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تصل فيما شف أوصف يعني الثوب الصقيل كذا فيما
وجدناه من نسخ التهذيب وذكر الشهيد (6) - ره - أنه وجده كذلك بخط الشيخ
أبي جعفر - ره - وأن المعروف (ووصف) بواوين، قال: ومعنى شف: لاحت منه
البشرة، ووصف: حكى الحجم، وقريب منه مرفوعة محمد بن يحيى (7) لكنهما ضعيفتا

(1) الكافي ج 3 ص 394.
(2) التهذيب ج 1 ص 198.
(3) التهذيب ج 1 ص 198.
(4) الكافي ج 3 ص 395.
(5) التهذيب ج 1 ص 196.
(6) ذكره في الذكرى ص 146.
(7) الكافي ج 3 ص 402، التهذيب ج 1 ص 112.
186

السند، غير واضحتي الدلالة على التحريم، فيبقى الأصل والعمومات سالمة عن
المعارض.
وإذا كان الستر بالطين فقد صرح الشهيد باعتبار اللون والحجم معا، فان
تعذر فاللون خاصة، قال: وفي الايماء نظر، وتبعه الشهيد الثاني - ره -، وقول
الصادق عليه السلام النورة سترة يدل على خلافه، والأحوط عدم الاكتفاء بستر اللون
فقط، مطلقا.
ثم إن بعض المحققين قالوا: الستر يراعى من الجوانب الأربع، ومن فوق
ولا يراعى من تحت، فلو كان على طرف سطح ترى عورته من تحته أمكن الاكتفاء
بذلك، لان الستر إنما يلزم من الجوانب التي جرت العادة بالنظر إليها، وعدمه
لان الستر من تحت إنما لا يراعى إذا كان على وجه الأرض انتهى.
وأما التوشح فالظاهر أنه محمول على ما إذا انكشفت العورة معه، فيكون
حراما أو بعض ما يستحب ستره فيكون مكروها، والظاهر من الاخبار عدم كراهة
الصلاة في الثوب الواحد الستير الذي يشمل المنكبين وأكثر البدن، وكراهتها في
الرقيق غير الحاكي للون العورة، وفي الثوب الواحد الذي لا يستر أعلى البدن
كالإزار، والسراويل فقط، وأما حمل الجواز في كلام القائلين بالجواز في الثوب
الواحد على الجواز المطلق كما فعله الشهيد - ره - فلا يخلو من بعد.
وأما العمامة والسراويل، فاستحبابهما لا يدل على كراهة تركهما، إذ ليس
ترك كل مستحب مكروها.
14 - اعلام الدين للديلمي: قال أمير المؤمنين عليه السلام: صلاة ركعتين بفص
عقيق تعدل ألف ركعة بغيره.
وقال عليه السلام: ما رفعت إلى الله كف أحب إليه من كف فيها عقيق.
بيان: يدل على استحباب لبس خاتم العقيق في الصلاة، وروى الخبر الأول
في عدة الداعي عن الصادق عليه السلام.
15 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن ميمون
187

عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: إن كل شئ عليك تصلي فيه يسبح معك (1).
بيان: يدل على استحباب كثرة الملابس في الصلاة حتى الخواتيم.
16 - العيون: عن محمد بن الحسين بن يوسف البغدادي، عن علي بن محمد بن
عنبسة، عن الحسين بن محمد العلوي، عن الرضا، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وفي يده خاتم فصه جزع يماني، فصلى بنا فيه فلما
قضى صلاته دفعه إلي وقال: يا علي تختم به في يمينك وصل فيه، أما علمت أن
الصلاة في الجزع سبعون صلاة، وأنه يسبح ويستغفر، وأجره لصاحبه (2)
17 - دعائم الاسلام: عن علي عليه السلام أنه قال: في المرأة تصلي في الدرع و
الخمار إذا كانا كثيفين، وإن كان معهما إزار أو ملحفة فهو أفضل، ولا تجزي
الحرة أن تصلي بغير خمار أو قناع (3).
وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يقبل الله صلاة جارية قد حاضت حتى
تختمر فهذا في الحرة فأما المملوكة فليس عليها أن تختمر (4).
وروينا عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل هل على الأمة أن تقنع رأسها إذا
صلت؟ قال: لا، كان أبي عليه السلام إذا رأى أمة تصلي وعليها مقنعة ضربها، ليعلم
الحرة من الأمة (5).
وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كره للمرأة أن تصلي بلا حلي.
وقال لا تصلي المرأة إلا وعليها من الحلي أدناه خرص فما فوقه ولا تصلي
إلا وهي مختضبة فإن لم تكن مختضبة فلتمس مواضع الحناء بخلوق (6).
وقد روينا عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مر نساءك لا يصلين
معطلات، فإن لم يجدن فليعقدن في أعناقهن ولو السير، ومرهن فليغيرن أكفهن

(1) علل الشرائع ج 2 ص 25.
(2) عيون الأخبار ج 2 ص 132.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 177.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 177.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 177.
(6) دعائم الاسلام ج 1 ص 177.
188

بالحناء ولا يدعنها لكيلا يتشبهن بالرجال (1).
توضيح: قال في النهاية: الخرص بالضم والكسر الحلقة الصغيرة من الحلي
وهو من حلي الاذن.
[2]
* (باب) *
* (الرداء وسدله، والتوشح فوق القميص، واشتمال) *
* (الصماء، وادخال اليدين تحت الثوب) *
1 - قرب الإسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن الصادق
عليه السلام، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: السيف بمنزلة الرداء تصلي فيه ما لم تر
فيه دما، والقوس بمنزلة الرداء (2).
بيان: يظهر من بعض الأصحاب استحباب الرداء للمصلين مطلقا (3) كالشهيدين - ره -

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 178.
(2) قرب الإسناد ص 62.
(3) قد عرفت أن الرداء كانت شملة تلف على الظهر والمنكبين ويقال له بالفارسية:
بالاپوش. أي ما يستر أعلى البدن، ومن كان يعوزه ثوب يلبسه رداء يكتفى بالإزار، وهو
شملة يؤتزر بها على السرة متدليا يستر أسافل البدن من السرة إلى الركبة، وقد دل قوله تعالى
(أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم وريشا) وهكذا قوله تعالى: (خذوا زينتكم عند كل
مسجد) على أن الإزار والرداء سنة مندوبة بحكم الآيتين، فمن قدر على الشملتين فليأتزر
بإحداهما ويرتدى بالأخرى لأنه هو السنة، ومن لم يقدر فلابد من شملة واحدة يأتزر به
لكن لا يليق به أن يؤم غيره، خصوصا إذا كان المأمومون مرتدين، ومن قدر على شملة
واسعة ويسمى ريطة فليتوشح به ويصلى فيه.
وأما اليوم فقد خرج المسلمون عن هذا الزي فخرجوا بذلك عن مورد الآية و
موضع السنة: فليلبس كل أحد ما شاء فإنه مباح، لا ندب فيه ولا كراهة ولا حرمة، الا
أنه لابد وأن يستر أعلاه وأسفله بحكم الآية.
189

ومن بعضهم كراهة الإمامة بغير رداء كأكثر الأصحاب، والذي يظهر لنا من الاخبار
أن الرداء إنما يستحب للامام وغيره، إذا كان في ثوب واحد لا يستر منكبيه أولا
يكون صفيقا وإن ستر منكبيه، لكنه في الامام آكد، وإذا لم يجد ثوبا يرتدي به
مع كونه في إزار وسراويل فقط، يجوز أن يكتفي بالتكة والسيف والقوس
ونحوها.
ويمكن القول باستحباب الرداء مع الأثواب المتعددة أيضا (1) لكن الذي
ورد التأكيد الشديد فيه يكون مختصا بما ذكرنا، وأما ما هو الشايع من جعل
منديل أو خيط على الرقبة في حال الاختيار مع لبس الأثواب المتعددة، ففيه
شائبة بدعة.
ويحتمل أن يكون العباء وشبهه أيضا قائما مقام الرداء بل الرداء شامل له
قال الفاضلان: الرداء هو ثوب يجعل على المنكبين وفي القاموس إنه ملحفة، و
قال الشهيد الثاني رفع الله درجته: اعلم أنه ليس في الاخبار وأكثر عبارات الأصحاب
بيان كيفية لبس الرداء، بل هي مشتركة في أنه يوضع على المنكبين، وفي التذكرة
هو الثوب الذي يوضع على المنكبين، ومثله في النهاية، فيصدق أصل السنة بوضعه
كيف اتفق، لكن لما روي كراهة سدله (2) وهو أن لا يرفع أحد طرفيه على المنكب
فإنه فعل اليهود، وروى علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن
الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال: لا يصلح جمعهما على اليسار
ولكن اجمعهما على يمينك أودعهما، تعين أن الكيفية الخالية عن الكراهة هي
وضعه على المنكبين، ثم يرد ما على الأيسر على الأيمن، وبهذه الهيئة فسره

(1) الرداء موضعه الظهر والمنكبان من أعالي البدن إذا كان عاريا أو مستورا
بالشعار من الثياب كالدرع، وأما إذا كان أعالي البدن مستورا بالدثار وثوب الصون، فلا
معنى للارتداء، أبدا.
(2) الفقيه ج 1 ص 168.
(3) التهذيب ج 1 ص 242.
190

بعض الأصحاب.
لكن لو فعله على غير هذه الهيئة خصوصا ما نص على كراهيته، هل يثاب
عليه؟ لا يبعد ذلك لصدق مسمى الرداء، وهو في نفسه عبادة لا يخرجها كراهتها
عن أصل الرجحان، ويؤيده إطلاق بعض الأخبار وكونها أصح من الاخبار المقيدة.
وما ذكره حسن إلا أن في معنى السدل اختلافا سيأتي تفصيله.
وأما الاخبار الشاهدة لما ذكرنا فمنها ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح (1)
عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أم قوما في قميص
ليس عليه رداء فقال: لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها فإنها
إنما تدل على كراهة الإمامة بدون الرداء إذا كان في القميص وحده، لا مطلقا و
يدل على التخصيص بغير الصفيق قول أبي جعفر عليه السلام (2) لما أم أصحابه في قميص
بغير رداء: إن قميصي كثيف فهو يجزي أن لا يكون على إزار ولا رداء.
وأما استحبابه مطلقا لمن لم يستر أعالي بدنه، ولو بشئ يسير مع الضرورة
فلما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: أدنى
ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف.
والشيخ في الصحيح (4) عن ابن سنان قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل
ليس معه إلا سراويل، قال: يحل التكة منه فيطرحها على عاتقه، ويصلي، قال:
وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائما.
وفي الصحيح (5) عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام أنه قال: إذا لبس

(1) الكافي ج 2 ص 394، التهذيب ج 1 ص 241.
(2) الكافي ج 3 ص 216.
(3) الفقيه ج 1 ص 166.
(4) التهذيب ج 1 ص 240.
(5) التهذيب ج 1 ص 197 ذيل حديث.
191

السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا (1).
وعن جميل قال: سأل مرازم أبا عبد الله عليه السلام وأنا معه حاضر، عن الرجل
الحاضر يصلي في إزار مؤتزرا به، قال: يجعل على رقبته منديلا أو عمامة
يرتدي بها.
فإذا تأملت في تلك الروايات اتضح لك ما ذكرنا غاية الوضوح وسيأتي
ما يزيد إيضاحه.
2 - كتاب المسائل: باسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال:
سألته عن الرجل هل يصلح أن يصلي في قميص واحد أو قباء وحده؟ قال: ليطرح
على ظهره شيئا (2).
وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في سراويل ورداء؟ قال: لا بأس
به (3).
وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلي في ملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال:
لا يصلح لها إلا أن تلبس درعها (4).
وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلي في إزار وملحفة ومقنعة ولها درع؟
قال: إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلا وعليها درع (5).
وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلي في إزار وملحفة تقنع بها ولها درع؟
قال: لا يصلح لها أن تصلي حتى تلبس درعها (6).
وسألته عن السراويل هل يجزي مكان الإزار قال: نعم (7).
وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في إزار وقلنسوة وهو يجد رداء؟ قال:
لا يصلح (8).

(1) التهذيب ج 1 ص 240.
(2) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 255.
(3) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 253.
(4) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 253.
(5) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 253.
(6) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 253.
(7) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 254.
(8) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 254.
192

وسألته عليه السلام عن الرجل هل يصلح أن يؤم في سراويل وقلنسوة؟ قال:
لا يصلح (1).
وسألته عن المحرم هل يصلح له أن يعقد إزاره على عنقه في صلاته؟ قال
لا يصلح أن يعقد، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده (2).
وسألته عن الرجل هل يصلح أن يؤم في ممطر وحده أو جبة وحدها؟ قال:
إذا كان تحتها قميص فلا بأس (3).
وسألته عن الرجل يؤم في قباء وقميص؟ قال: إذا كان ثوبين فلا بأس (4).
بيان: يظهر من تلك الأجوبة أنه يستحب للرجل أن يكون أعالي بدنه
مستورة، وأن يكون للمصلي رجلا كان أو امرأة ثوبان أحدهما فوق الاخر، سواء
كان رداء أو قباء أو عباء أو غيرها كما مر.
3 - المكارم: عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ركعتان بعمامة أفضل من أربع بغير
عمامة (5).
بيان: الظاهر أن هذه الرواية عامية وبها استند الشهيد وغيره ممن ذكر
استحبابها في الصلاة، ولم أر في أخبارنا ما يدل على ذلك، نعم ورد استحباب العمامة
مطلقا في أخبار كثيرة وحال الصلاة من جملة تلك الأحوال، وكذا ورد استحباب
كثرة الثياب في الصلاة وهي منها، وهي من الزينة فتدخل تحت الآية، ولعل
هذه الرواية مع تأيدها بما ذكرنا تكفي في إثبات الحكم الاستحبابي، ويمكن
أن يقال تركه أنسب بالتواضع والتذلل، ولذا ورد في بعض المقامات الامر به، و
لعل الأحوط عدم قصد استحبابها في خصوص الصلاة، بل يلبسها بقصد أنها حال
من الأحوال.
ثم إن الأصحاب ذكروا كراهة العمامة بغير حنك، وأسنده في المعتبر

(1) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 254.
(2) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 254.
(3) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 256.
(4) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 256.
(5) مكارم الأخلاق ص 137.
193

إلى علمائنا، وقال: في المنتهى: ذهب إليه علماؤنا أجمع وهذا أيضا مثل أصل العمامة
إذ الأخبار الواردة بذلك لا اختصاص له بحال الصلاة، قال في المنتهى: المستفاد
من الاخبار كراهة ترك الحنك في حال الصلاة وغيرها، بعد أن أورد الروايات
في ذلك، وهي ما رواه الكليني والشيخ (1) بطرق كثيرة عن الصادق عليه السلام قال:
من تعمم ولم يتحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه وفي الفقيه (2).
عنه عليه السلام إني لأعجب ممن يأخذ في حاجته وهو معتم تحت حنكه، كيف لا تقضى
حاجته؟ وقال النبي صلى الله عليه وآله: الفرق بين المسلمين والمشركين التلحي بالعمائم، وذلك في
أول الاسلام وابتداؤه ثم قال: وقد نقل عنه عليه السلام أهل الخلاف أيضا أنه أمر بالتلحي
ونهى عن الاقتعاط (3) انتهى كلام الفقيه.
ونقل العلامة - ره - في المختلف ومن تأخر عنه عن الصدوق القول بالتحريم
وكلامه في الفقيه هكذا: وسمعت مشايخنا - رضي الله عنهم - يقولون لا تجوز الصلاة
في الطابقية (4) ولا يجوز للمعتم أن يصلي إلا وهو متحنك (5).
وقال الشيخ البهائي قدس سره: لم نظفر في شئ من الأحاديث بما يدل
على استحبابها لأجل الصلاة، ومن ثم قال في الذكرى: استحباب التحنك عام
ولعل حكمهم في كتب الفروع بذلك مأخوذ من كلام علي بن بابويه، فان
الأصحاب كانوا يتمسكون بما يجدونه في كلامه عند إعواز النصوص، فالأولى
المواظبة على التحنك في جميع الأوقات، ومن لم يكن متحنكا وأراد أن يصلي
به، فالأولى أن يقصد أنه مستحب في نفسه، لا أنه مستحب لأجل الصلاة انتهى.

(1) الكافي ج 6 ص 460، و 461 التهذيب ج 1 ص 197.
(2) الفقيه ج 1 ص 173.
(3) اقتعط الرجل: تعمم ولم يدر تحت الحنك وعبارة الأساس: اقتعط العمامة:
إذا لم يجعلها تحت حنكه، وقد نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحى.
(4) الطابقية: هي العمة التي لا حنك لها.
(5) الفقيه ج 1 ص 172.
194

أقول: يمكن أن يستدل لذلك بما رواه الكليني رفعه (1) إلى أبي عبد الله
عليه السلام قال: طلبة العلم ثلاثة وساق الحديث إلى أن قال: وصاحب الفقه والعقل
ذو كآبة وحزن وسهر، قد تحنك في برنسه، وقال الليل في حندسه إلى آخر
الخبر، وفيه أيضا ما ترى.
ولنرجع إلى معنى التحنك فالظاهر من كلام بعض المتأخرين هو أن يدير
جزء من العمامة تحت حنكه ويغرزه في الطرف الآخر كما يفعله أهل البحرين
في زماننا، ويوهمه كلام بعض للغويين أيضا، والذي نفهمه من الاخبار هو
إرسال طرف العمامة من تحت الحنك وإسداله كما مر في تحنيك الميت، وكما
هو المضبوط عن سادات بني الحسين عليه السلام أخذوه عن أجدادهم خلفا عن سلف، ولم
يذكر في تعمم الرسول والأئمة عليهم السلام إلا هذا.
ولنذكر بعض عبارات اللغويين وبعض الأخبار ليتضح لك الامر في ذلك
قال الجوهري: التحنك التلحي وهو أن تدير العمامة من تحت الحنك، وقال:
الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك، وفي الحديث إنه
نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحي، وقال: التلحى تطويق العمامة تحت الحنك،
ثم ذكر الخبر، وقال الفيروزآبادي: اقتعط تعمم ولم يدر تحت الحنك، وقال: العمة
الطابقية هي الافتعاط، وقال تحنك أدار العمامة تحت حنكه، وقال الجزري:
فيه إنه نهى عن الاقتعاط، هو أن يعتم بالعمامة ولا يجعل منها شيئا تحت ذقنه، و
قال: فيه إنه نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحى، هو جعل بعض العمامة تحت الحنك
والاقتعاط أن لا يجعل تحت حنكه منها شيئا وقال الزمخشري في الأساس: اقتعط العمامة
إذا لم يجعلها تحت حنكه ثم ذكر الحديث، وقال الخليل في العين يقال: اقتعط
بالعمامة إذا اعتم بها ولم يدرها تحت الحنك.
وأما الاخبار فقد روى الكليني في الصحيح عن الرضا عليه السلام في قول الله
عز وجل (مسومين) (2) قال: العمائم اعتم رسول الله صلى الله عليه وآله فسد لها من بين يديه

(1) الكافي ج 1 ص 49.
(2) آل عمران: 125، ولفظ الآية: (ولقد نصر كم الله ببدر وأنتم أذلة - إلى
قوله تعالى - الن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى ان
تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين *
وما جعله الله الا بشرى لكم) الخ.
والذي عندي أن العمامة كان يلبسها الناس تارة عند أسفارهم حفظا من الغبار والصعيد
المرتفع من الجادة ألا يغبر رؤوسهم وأشعارهم ويتلثمون بها دفعا للغبار والتراب أن يدخل
فمهم وخياشيمهم، وربما فعلوا ذلك لئلا يعرفهم الأعداء، وهذا ظاهر من شيمتهم. وقد يكونون
يتعصبون بعصابة كالعمة لأجل الوجع وغير ذلك كما فعلوا ذلك بعد خروجهم من الحمام.
وأما عند الحرب، فقد كان علامة يعلم بها الشجعان والابطال كما قال الشاعر:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني
وربما يعلمون بريش النعام كما هو سيرة أبطال الأعاجم في الحرب وقد فعل ذلك
حمزة سيد الشهداء في حرب أحد وأما الزبير وكان من الابطال تعمم بعمامة بيضاء، و
أبو دجانة الأنصاري تعمم بعصابة حمراء، لم يعلم غيرهم الا رسول الله صلى الله عليه وآله، عممه الأصحاب
حين خروجه من المدينة إلى أحد على ما صرح به الواقدي.
وأشار رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام أن يتعمم بعمامة الابطال، فتعذر
باعوازه، فأمر أن يعلم رأسه بصوف، ففتل عليه السلام صوفا وعصب به رأسه كالعمامة
امتثالا لامره صلى الله عليه وآله، والظاهر أنها كانت كالعمة الطابقية.
وعندي أنه - نفسي لروحه الفداء - كان يتهضم أن يعد نفسه في الابطال خصوصا
مع صغر سنه، ما قرب العشرين من عمره وعدم خوضه غمرات الحروب بعد، حتى أنه
صلوات الله الرحمان عليه لم يعلم رأسه بالعمامة ولا غيرها في غزوة الخندق، مع أنه قد شوهد
منه يوم بدر ما لم يشاهد من سائر الابطال، وتثبته وربط جأشه في حرب أحد ومواساته
للنبي صلى الله عليه وآله حتى قيل لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا على.
لكنه لما - قام صلى الله عليه - إلى مبارزة عمرو بن عبد ود، أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله
عمامته السحاب من رأسه الشريف - وكان معلما به - فعمم به عليا عليه السلام وأرسل طرفا
منها إلى صدره وطرفا منها إلى خلفه وقال: هكذا تيجان الملائكة، يريد بذلك ما يجعل
على الرأس علامة يعرف بها لا إكليل الملك، ولذلك قيل: العمائم تيجان العرب، والا
فالعرب متى كانوا ملوكا حتى يكون تيجانهم العمائم، مع أنهم كانوا يلبسونها في الاسفار
والغزوات والغارات والحمامات.
وأما في بدر، فلم يكن معشر المسلمين متخذين أهبة القتال، بل كانوا خارجين
طلبا للعير يودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم، فلم يتعلم بالعمامة يومئذ الا زبير بن
العوام، ولما نزلت الملائكة نصرة لهم في زي الابطال مع العمائم البيض، كان يفتخر بذلك.
وإنما نزلت الملائكة كذلك ترعيبا لقريش، كما نزلت يوم حنين مع العمائم الحمر:
لما صف المسلمون مع قلة عددهم واعواز الأسلحة والفرس بينهم، توهمت قريش أن يكون
للمسلمين كمين فبعثوا عمير بن وهب الجمحي فاستجال بفرسه حول العسكر ثم صوب الوادي
وصعد الاتلال ورجع إليهم فقال: هم ثلاث مائة يزيدون قليلا أو ينقصون، ليس يرى لهم
كمين ومدد، فتعجبت قريش من جسارة المسلمين مع هذه العدة والعدة كيف صفوا في
مقابلهم وهم زهاء عشرة آلاف وأكثرهم الابطال، ولما اطمأنوا أن لا مدد للمسلمين تجرأ
أبو جهل فقال: احملوا عليهم، ما هم الا أكلة رأس، ولو بعثنا إليهم عبيدنا لاخذوهم
أخذا باليد.
فلما التقى الجمعان، وحمى الوطيس، نزلت خمسة آلاف من الملائكة مسومين،
فتراءت في أعين المشركين أن جما غفيرا من الابطال معلمين بعلامة الشجعان انحدرت
من أعلى الوادي كالسيل، يهجمون عليهم فلم قريش الا وأن هذا الجم الغفير من
الشجعان كان كمينا للمسلمين ومددا لهم على قريش فصفروا استهم وانتفخ سحرهم وانهزموا
مدبرين لا يلوون على شئ وهكذا تنزلت الملائكة يوم حنين معلمين بالعمائم الحمر وأرعبوا
المشركين.
هذا شأن نزول الملائكة مسومين بتيجان العمائم علامة الابطال، الا أن الملائكة
كانوا قد أرسلوا طرف العمامة ارسالا، وشأن العرب ومنهم قريش أنهم كانوا يعلمون
بالعمائم يغتبطون اغتباطا، فنهى رسول الله عن كل عمة - إذا كانت العمة للغزو - الا بزى
الملائكة: ونهى عن العمة الطابقية لذلك، وأما إذا لم يكن العمة للحرب، بل كان في
السفر للحفظ عن الغبار والتراب الصاعد، فالسيرة المعروفة عندهم التلحى بالعمائم تحت
الحنك وفوق اللحى شبه اللثام حائدا عن الغبار ومضاره، ولم يرد من نزول الملائكة
ولا غيره ما ينافي هذه السيرة، الا ما أيدته الأخبار الكثيرة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بالتلحى
وإدارة العمامة تحت الحنك. فإذا تحرر محل النزاع ومحط الأحاديث وموارد الاخبار
فعليك بمراجعة أخبار الباب.
195

ومن خلفه واعتم جبرئيل عليه السلام فسدلها من بين يديه ومن خلفه (1).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم
بدر (2).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: عمم رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بيده فسدلها
من بين يديه وقصرها من خلفه، قدر أربع أصابع، ثم قال: أدبر فأدبر، ثم قال:
أقبل فأقبل، ثم قال: هكذا تيجان الملائكة (3).
وعن ياسر الخادم قال: لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا عليه السلام يسأله
أن يركب ويحضر العيد ويصلي ويخطب، فبعث إليه الرضا عليه السلام يستعفيه فألح
عليه، فقال: إن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام
فقال له المأمون: اخرج كيف شئت، فساق الحديث إلى أن قال: فلما طلعت
الشمس قام عليه السلام فاغتسل فتعمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره
وطرفا بين كتفيه وتشمر، إلى آخر الخبر اختصرنا الحديث (4).
ورواه المفيد في الارشاد بسند صحيح (5).
وروى الطبرسي - ره - في المكارم عن عبد الله بن سليمان، عن أبيه أن علي

(1) الكافي ج 6 ص 460.
(2) الكافي ج 6 ص 461.
(3) الكافي ج 6 ص 461.
(4) الكافي ج 2 ص 489 في حديث طويل.
(5) الارشاد ص 293.
198

ابن الحسين عليهما السلام دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد أرسل طرفيها بين كتفيه (1).
وقال السيد بن طاوس قدس سره: روينا عن أبي العباس أحمد بن عقدة في كتابه
الذي سماه كتاب الولاية باسناده إلى عبد الله بن بشر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم إلى علي عليه السلام فعممه وأسدل العمامة بين كتفيه،
وقال: هكذا أيدني ربي يوم حنين بالملائكة معممين قد أسدلوا العمائم، وذلك
حجز بين المسلمين والمشركين إلى آخر الخبر (2).
وقال في الحديث الاخر عمم رسول الله صلى الله عليه وآله عليا يوم غدير خم عمامة سدلها
بين كتفيه، وقال: هكذا أيدني ربي بالملائكة ثم أخذ بيده فقال: أيها الناس
من كنت مولاه فهذا علي مولاه، والى الله من والاه، وعادى الله من عاداه.
ثم قال السيد أقول: هذا لفظ ما رويناه أردنا أن نذكره لتعلم وصف العمامة
في السفر الذي تخشاه انتهى كلامه - ره - (3).
وأقول: لم يتعرض في شئ من تلك الروايات لإدارة العمامة تحت الحنك
على الوجه الذي فهمه أهل عصرنا، مع التعرض لتفصيل أحوال العمائم وكيفيتها
وقوله صلى الله عليه وآله: (وذلك حجز بين المسلمين والمشركين) مشيرا إلى السدل في هذا
الخبر وقع مكان قوله صلى الله عليه وآله وسلم (الفرق بين المسلمين والمشركين التلحى بالعمائم)
وأكثر كلمات اللغويين أيضا لا تأبى عما ذكرنا، إذ إدارة رأس العمامة من خلف
إلى الصدر إدارة أيضا بل كلام الجزري والزمخشري حيث قالا: (أن لا يجعل
شيئا منها تحت حنكه) فيما ذكرنا أظهر، والظاهر من كلام السيد أيضا أن فهمه
موافق لفهمنا لأنه قال: أولا (الفصل الثاني فيما نذكره من التحنك للعمامة عند تحقق عزمك على السفر لتسلم من الخطر) ثم قال بعد إيراد الروايتين
ما قدمنا ذكره، فظهر أنه فسر التحنك بما ورد شرحه في الروايتين من إسدال
العمامة.

(1) مكارم الأخلاق ص 138.
(2) أمان الاخطار ص 91.
(3) أمان الاخطار ص 91.
199

وروى الكليني والشيخ (1) عن عثمان النوا قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
إني أغسل الموتى، قال: أو تحسن؟ قلت: إني أغسل، فقال: إذا غسلت فارفق
به، ولا تغمزه ولا تمس مسامعه بكافور، وإذا عممته فلا تعممه عمة الاعرابي
قلت: كيف أصنع؟ قال: خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها إلى
خلفه، واطرح طرفيها على صدره، وكذا سائر أخبار تعميم الميت ليس في
شئ منها غير إسدال طرفي العمامة على صدره كما عرفت في باب التكفين، فلو فعل
ذلك في جميع الأوقات أو عند الصلوات لا بقصد الخصوص كان أولى، ولو جمع
بينهما كان أحوط.
4 - المناقب لابن شهرآشوب: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن علة ما يصلى
فيه من الثياب، فقال: إن الانسان إذا كان في الصلاة فان جسده وثيابه وكل شئ
حوله يسبح (2).
5 - معاني الأخبار: محمد بن هارون الزنجاني عن علي بن عبد العزيز، عن
القاسم بن سلام بأسانيد متصلة إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن لبستين اشتمال الصماء
وأن يلتحف (3) الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شئ.
قال الأصمعي: اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوبه فيجلل
به جسده كله ولا يرفع منه جانبا فيخرج منه يده، وأما الفقهاء فإنهم يقولون هو
أن يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه
على منكبه يبدو منه فرجه، وقال الصادق عليه السلام (4) التحاف الصماء هو أن يدخل
الرجل رداءه تحت إبطه ثم يجعل طرفيه على منكب واحد، وهذا هو التأويل الصحيح

(1) الكافي ج 3 ص 144، التهذيب ج 1 ص 88.
(2) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 377.
(3) في المصدر: أن يحتبى.
(4) كأنه - رحمه الله - ناظر إلى الحديث الآتي.
200

دون ما خالفه (1).
6 - ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
يعقوب بن يزيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام:
إياك والتحاف الصماء، قال: قلت: وما الصماء؟ قال: أن تدخل الثوب من تحت
جناحك فتجعله على منكب واحد (2).
7 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو
ابن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يؤم بقوم يجوز له أن يتوشح؟ قال: لا يصلي الرجل بقوم وهو متوشح فوق
ثيابه، وإن كانت عليه ثياب كثيرة، لان الامام لا يجوز له الصلاة وهو متوشح (3).
8 - ومنه: عن أبيه، عن سعد، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن
ابن محبوب، عن الهيثم بن واقد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما كره التوشح
فوق القميص لأنه من فعل الجبابرة (4).
9 - ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن جماعة من أصحابه، عن
أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنه سئل ما العلة التي من أجلها لا يصلي الرجل وهو
متوشح فوق القميص؟ قال: لعلة التكبر في موضع الاستكانة والذل (5).
10 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى عن القاسم
ابن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام
عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يصلي الرجل في قميص متوشحا

(1) معاني الأخبار ص 281 في حديث طويل.
(2) معاني الأخبار: 390 باب نوادر الكتاب تحت الرقم 32، وتراه في الكافي
ج 3 ص 394.
(3) علل الشرائع ج 2 ص 18 في حديث.
(4) علل الشرائع ج 2 ص 19.
(5) علل الشرائع ج 2 ص 19.
201

به، فإنه من أفعال قوم لوط (1).
11 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن الحجاج قال:
كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه عبد الملك القمي فقال: أصلحك الله أشرب
وأنا قائم؟ فقال: إن شئت، قال: فأشرب بنفس واحد حتى أروي؟ قال: إن
شئت، قال: فأسجد ويدي في ثوبي؟ قال: إن شئت ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: إني
والله ما من هذا وشبهه أخاف عليكم (2).
بيان: يدل على أنه يجوز للرجل أن يصلي ويده تحت ثوبه قال في
المنتهى: يجوز للرجل أن يصلي ويداه تحت ثوبه وإن أخرجهما كان أولى، لما رواه
الشيخ في الصحيح (3) عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل
يصلي ولا يخرج يديه من ثوبه، فقال: إن أخرج يديه فحسن، وإن لم يخرج
فلا بأس.
ولا يعارض هذا ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن الرجل يصلي ويدخل يديه في ثوبه، قال: إن كان ثوب آخر إزار
أو سراويل فلا بأس، وإن لم يكن فلا يجوز له ذلك، وإن أدخل يدا واحدة ولم يدخل
الأخرى فلا بأس.
أما أولا فلان رواتها ضعيفة، وأما ثانيا فلأنها معارضة للأصل المقتضي
للجواز، وأما ثالثا فلان قوله لا يجوز يحمل على الكراهية لاحتماله ذلك انتهى.
وقال في الدروس: يستحب جعل اليدين بارزتين أو في الكمين لا تحت
الثياب.
12 - كتاب المسائل وقرب الإسناد: بسنديهما عن علي بن جعفر، عن
أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتوشح بالثوب فيقع على الأرض أو يجاوزه

(1) الخصال ج 2 ص 164.
(2) المحاسن ص 581.
(3) التهذيب ج 1 ص 238.
(4) التهذيب ج 1 ص 238.
202

عاتقه أيصلح ذلك؟ قال: لا بأس (1).
13 - المقنع: إياك وسدل الثوب في الصلاة، فان أمير المؤمنين عليه السلام خرج
على قوم يصلون قد أسدلوا أرديتهم فقال: مالكم قد أسدلتم ثيابكم، كأنكم يهود
قد خرجوا من فهرهم، يعني من بيعهم (2).
14 - قرب الإسناد: عن الحسن بن طريف، عن الحسين بن علوان، عن الصادق
عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: إنما كره السدل على الأزر بغير قميص، فأما على
القميص والجباب فلا بأس (3).
* (تبيين وتفصيل) *
اعلم أن هذه الأخبار تشتمل على أحكام:
الأول: المنع من اشتمال الصماء [وهو] أن تجلل جسدك بثوبك نحو شملة
الاعراب بأكسيتهم، وهو أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه
الأيسر، ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن، فيغطيهما جميعا.
وذكر أبو عبيد أن الفقهاء يقولون هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره
ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه، فيبدو منه فرجه، فإذا قلت اشتمل
فلان الصماء كأنك قلت اشتمل الشملة التي تعرف بهذا الاسم، لان الصماء ضرب
من الاشتمال افتعال من الشملة، وهو كساء يتغطى به ويتلفف فيه، والمنهى عنه
هو التجلل بالثوب، وإسباله من غير أن يرفع طرفه، ومنه الحديث (نهى عن اشتمال
الصماء) وهو أن يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا، وإنما قيل له صماء
لأنه يشد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق
ولا صدع، والفقهاء يقولون هو أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه
من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فتكشف عورته.

(1) قرب الإسناد ص 116 ط نجف.
(2) المقنع ص 23 و 24 ط الاسلامية.
(3) قرب الإسناد ص 54 ط حجر 73 ط نجف.
203

وقال النووي في شرح صحيح مسلم: يكره على الأول لئلا تعرض له
حاجة من دفع بعض الهوام أو غيره، فيتعذر عليه أو يعسر، ويحرم على الثاني إن
انكشف بعض عورته، وإلا يكره وهو بمهملة ومد.
وقال في الغريبين: من فسره بما قاله أبو عبيد فكراهته للتكشف وإبداء
العورة، ومن فسره تفسير أهل اللغة فإنه كره أن يتزمل به شاملا جسده مخافة أن
يدفع منها إلى حالة سادة لنفسه فيهلك.
وقال ابن فارس: هو أن يلتحف بالثوب ثم يلقي الجانب الأيسر على الأيمن
وقال في المغرب: لبسة الصماء هي عند العرب أن يشتمل بثوبه فيجلل جسده كله
به، ولا يرفع جانبا يخرج منه يده، وقيل: أن يشتمل بثوب واحد وليس عليه إزار.
وقال الهروي: هو أن يتجلل الرجل بثوبه لا يرفع منه جانبا، وعن الأصمعي
هو أن يشتمل بالثوب حتى يتجلل به جسده لا يرفع منه جانبا فيكون فيه فرجة
يخرج منها يده.
وقال الحسين بن مسعود في شرح السنة: روي عن ابن عمر قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب
فليتزر، ولا يشتمل اشتمال اليهود، هو أن يجلل بدنه الثوب ويسدله من غير أن
يشيل طرفه فأما اشتمال الصماء الذي جاء في الحديث هو أن يجلل بدنه الثوب
ثم يرفع طرفيه على عاتقيه من أحد جانبيه فيبدو منه فرجه، وقد جاء هذا التفسير
في الحديث، وإليه ذهب الفقهاء، وفسر الأصمعي بالأول، فقال: هو عند العرب
أن يشتمل بثوبه فيجلل به جسده كله، ولا يرفع منه جانبا يخرج منه يده، وربما
اضطجع على هذه الحالة. كأنه يذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شئ يحتاج أن
يقيه بيديه ولا يقدر لكونهما في ثيابه.
قلت وقد روى أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الصماء اشتمال اليهود فجعلهما
شيئا واحد انتهى.
وروي العامة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن اشتمال الصماء
204

وهو أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن، ويرد طرفه على الأيسر، وعن
ابن مسعود قال: نهى النبي أن يلبس الرجل ثوبا واحدا يأخذ بجوانبه عن منكبيه
يدعى تلك الصماء، وعن بعض الشافعية هو أن يلتحف بالثوب ثم يخرج يديه من
قبل صدره فتبدو عورته.
أقول: هذا كلام اللغويين وفقهاء المخالفين في تفسير الصماء، وأما فقهاؤنا فقال
الشيخ في المبسوط والنهاية: هو أن يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على
منكب واحد كفعل اليهود، وهو المشهور بين الأصحاب، والمراد بالالتحاف ستر المنكبين
وقال ابن إدريس في السرائر: ويكره السدل في الصلاة كما يفعل اليهود، وهو أن يتلفف
بالإزار ولا يرفعه على كتفيه، وهذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء وهو اختيار
السيد المرتضى.
فأما تفسير الفقهاء لاشتمال الصماء الذي هو السدل قالوا هو أن يلتحف
بالإزار ويدخل طرفيه من تحت يده، ويجعلهما جميعا على منكب واحد، ومقتضى
كلامه اتحاد السدل واشتمال الصماء خلافا للمشهور والمعتمد قول الشيخ والأكثر
موافقا للخبر.
الثاني: التوشح فوق القميص، وقد ذكر أكثر الأصحاب كراهة الايتزار
فوق القميص، وقد ورد الاخبار بجوازه، وإنما ورد في الاخبار النهى عن
التوشح فوق القميص كما مر، وهو خلاف الاتزار، قال الجوهري والفيروز آبادي
يقال: توشح الرجل بثوبه وسيفه إذا تقلد بهما، ونقل الجوهري عن بعض أهل
اللغة أن التوشح بالثوب هو إدخاله تحت اليد اليمنى وإلقاؤه على المنكب الأيسر
كما يفعل المحرم، وقال في النهاية: فيه أنه كان يتوشح به، أي يتغشى به، فالأصل
فيه من الوشاح.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم: التوشح أن يأخذ طرف ثوب ألقاه على
منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر تحت
يده اليمنى، ثم يعقدهما على صدره مع المخالفة بين طرفيه، والاشتمال بالثوب
205

بمعنى التوشح.
وقال المحقق في المعتبر: الوجه أن التوشح فوق القميص مكروه، وأما
شد المئزر فوقه فليس بمكروه، أما ما رواه الشيخ في الحسن عن حماد بن عيسى
قال: كتب الحسن بن علي بن يقطين إلى العبد الصالح عليه السلام هل يصلي الرجل
الصلاة وعليه إزار متوشح به فوق القميص؟ فكتب نعم (1) فمحمول على الجواز
المطلق، وهو لا ينافي الكراهة.
وقال الشيخ: بعد نقل الاخبار المتعارضة: المراد بالاخبار المتقدمة هو أن
لا يلتحف الانسان ويشتمل به كما يلتحف اليهود، وما قدمناه أخيرا هو أن يتوشح
بالإزار ليغطي ما قد كشف منه، ويستر ما تعرى من بدنه، واحتج لهذا بما رواه في
الموثق عن سماعة (2) قال: سألته عن رجل يشمل في صلاته بثوب واحد، قال:
لا يشتمل بثوب واحد فأما أن يتوشح فيغطي منكبيه فلا بأس.
وقال الصدوق في الفقيه (3): بعد أن روى الكراهة: وقد رويت رخصة في
التوشح بالإزار فوق القميص عن العبد الصالح، وعن أبي الحسن وعن أبي جعفر الثاني
عليهم السلام، وبه آخذ وأفتي.
وأما جعل المئزر تحت القميص، فقد نقل العلامة الاجماع على عدم
كراهته.
وروى الشيخ في الضعيف عن زياد بن المنذر (4) عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سأله رجل وأنا حاضر عن الرجل يخرج من الحمام أو يغتسل فيتوشح ويلبس قميصه
فوق الإزار فيصلي، وهو كذلك، قال: هذا عمل قوم لوط، قال: قلت: فإنه
يتوشح فوق القميص، فقال: هذا من التجبر.
وفي هذا الخبر إشعار بأن المراد بالتوشح الاتزار، فيؤيد ما قاله القوم

(1) التهذيب ج 1 ص 197.
(2) التهذيب ج 1 ص 197.
(3) الفقيه ج 1 ص 169.
(4) التهذيب ج 1 ص 242.
206

لكن لا يعارض هذا ما مر، فالأظهر كراهة التوشح فوق القميص إلا لضرورة وعدم
كراهة الاتزار مطلقا، وقال ابن الجنيد: لا بأس أن يتزر فوق القميص إذا كان
يصف ما تحته ليستر عورته.
أقول: ويؤيد ما ذكرناه من عدم كراهة الاتزار فوق القميص وشد
الوسط فوق الثوب ما رواه الكراجكي في كنز الفوائد قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عشرون خصلة في المؤمن من لم يكن فيه لم يكمل إيمانه، إن
من أخلاق المؤمن يا علي الحاضرون للصلاة، والمسارعون إلى الزكاة، والمطعمون
المساكين، الماسحون رأس اليتيم، والمطهرون أظفارهم، والمتزرون على
أوساطهم (1) إلى قوله رهبان بالليل، أسد بالنهار، صائمون النهار، قائمون
الليل الذين مشيهم على الأرض هونا، وخطاهم إلى المساجد، وعلى أثر
المقابر الخبر.
وعن أبي الرجا محمد بن طالب، عن أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني، عن
عبد الله بن جعفر الأزدي، عن خالد بن يزيد بن محمد، عن أبيه، عن حنان بن سدير
عن أبيه، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام لنوف
البكالي: هل تدري من شيعتي؟ قال: لا والله، قال شيعتي الذبل الشفاه، الخمص
البطون، الذين تعرف الرهبانية والربانية في وجوههم، رهبان بالليل، أسد
بالنهار، الذين إذا جنهم الليل اتزروا على أوساطهم، وارتدوا على أطرافهم، وصفوا
على أقدامهم، وافترشوا جباههم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى الله في
فكاك رقابهم - الخبر.
ثم اعلم أن أكثر الأصحاب حكموا بكراهة القباء المشدود في غير الحرب
واعترفوا بأن مستنده غير معلوم، وحرمه صاحب الوسيلة، وقال المفيد في المقنعة:

(1) المراد بالإزار والرداء في هذا الخبر: الإزار والرداء المعروفان عندنا بثوبي
الاحرام كما مر مرارا منا، فلا يكون في الخبرين شاهد على جواز الاتشاح فوق القميص
لأنهم لم يكونوا يلبسون تحتهما ثوبا الا شعارا.
207

ولا يجوز لاحد أن يصلي وعليه قباء مشدود، إلا أن يكون في الحرب، فلا يتمكن
أن يحله، فيجوز ذلك للاضطرار، وقال الشيخ في التهذيب بعد نقل هذه العبارة:
ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة، ولم أعرف به
خبرا مسندا.
وقال الشهيد قدس الله روحه في الذكرى بعد نقل هذا الكلام من الشيخ، قلت:
قد روى العامة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يصلي أحدكم وهو محزم، وهو كناية عن
شد الوسط وكرهه في المبسوط انتهى.
وقال الشهيد الثاني - ره -: الظاهر أنه جعله دليلا على كراهة القباء
المشدود من جهة النص، وهو بعيد لكونه على تقدير تسليمه غير المدعى، ونقل
في البيان عن الشيخ كراهة شد الوسط، ومنهم من حمل القباء المشدود على القباء
الذي شدت أزراره، وظاهر الاخبار كراهة حل الازرار في الصلاة، وأنه من عمل
قوم لوط، ولا وجه لهذا الحكم من أصله، ولا مستند له، وما رواه الشهيد خبر عامي
لا يصلح مستندا لشئ، والله تعالى يعلم.
الثالث: سدل الثوب وحكم الأكثر بكراهته وقال العلامة في التذكرة: يكره
السدل وهو أن يلقي طرف الرداء من الجانبين ولا يرد أحد طرفيه على الكتف
الأخرى، ولا يضم طرفيه بيده، وقال الشهيد في النفلية: هو أن يلتف بالإزار فلا
يرفعه على كتفيه، وقال في الذكرى: بعد نقل كلام التذكرة، وقال ابن إدريس
باتحاده مع اشتمال الصماء، وأنه قول المرتضى كما ذكرنا، وجزم ابن الجنيد
أيضا بكراهة السدل، ونسبه إلى اليهود، وللعامة فيه خلاف، قال ابن المنذر ولا
أعلم فيه حديثا.
وقال في النهاية: فيه أنه نهى عن السدل في الصلاة، هو أن يلتحف بثوبه و
يدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك وكانت اليهود تفعله، فنهوا عنه
وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب، وقيل هو أن يضع وسط الإزار على رأسه
ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه، ومنه حديث علي عليه السلام (*)
208

أنه رأى قوما يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال: كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم، و
قال: من فهرهم أي موضع مدارسهم، وهي كلمة نبطية أو عبرانية عربت وأصلها
بهربالباء، وقال الجوهري: فهر اليهود بالضم مدارسهم (1) وأصلها بهر وهي عبرانية
فعربت، وروى في المشكاة عن أبي داود والترمذي باسنادهما عن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه.
وقال الطيبي في شرحه: السدل منهى عنه مطلقا لأنه من الخيلاء وفي الصلاة
أشنع وأقبح، قيل خص النهي بالمصلي لان عادة العرب شد الإزار على أوساطهم
حال التردد، فإذا انتهوا إلى المجالس والمساجد أرخوا العقد وأسبلوا الإزار حتى
يصيب الأرض، فان ذلك أروح لهم، وأسمح لقيامهم وقعودهم، فنهوا عنه في
الصلاة، لان المصلي يشتغل بضبطه، ولا يأمن أن ينفصل عنه فيكون مصليا في
الثوب الواحد، وهو منهى عنه، وربما يضم إليه جوانب ثوبه فيصدر عنه الحركات
المتداركة انتهى.
وقال شارح السنة: السدل هو إرسال الثوب حتى تصيب الأرض، واختلف
العلماء فيه فذهب بعضهم إلى كراهية السدل في الصلاة وقال: هكذا تصنع اليهود
ورخص بعض العلماء في الصلاة قال الخطابي: ويشبه أن يكونوا إنما فرقوا بين
السدل في الصلاة وخارج الصلاة، لان المصلي في مكان واحد ثابت، وغير المصلي
يمشي فيه، فالسدل في حق الماشي من الخيلاء المنهى عنه، وقال أحمد: إنما يكره
السدل في الصلاة إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد، فأما إذا سدل على القميص
فلا بأس، ومن لم يجوز على الاطلاق احتج بما روي عن ابن مسعود من أسبل إزاره
في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام انتهى.
أقول: لا يبعد أن يكون الذي نهى عنه أمير المؤمنين عليه السلام هو أن يضع
وسط الرداء على رأسه ويرسل طرفيه، فإنه أشبه بفعل ليهود، ولما رواه الصدوق
عن ابن بكير أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي ويرسل جانبي ثوبه، قال:

(1) في الصحاح: مدراسهم، وهو الصحيح ومدارسهم تحريف.
209

لا بأس (1) ويمكن أن يكون إرسال طرفي الرداء مطلقا مكروها كما أن جمعهما
على اليسار أيضا مكروه وإنما المستحب جمع طرفيه على اليمين، ولا ينافي (لا بأس)
الكراهة والأحوط ذلك تبعا للمشهور وقد مرت الأخبار والكلام فيه.
2 - دعائم الاسلام: روينا عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال: حدثني
من رأى الحسين بن علي عليه السلام وهو يصلي في ثوب واحد، وحدثه أنه رأى رسول الله
صلى الله عليه وآله يصلي في ثوب واحد (2).
قال: وصلى بنا جابر بن عبد الله في بيته في ثوب واحد، وإن إلى جانبه
مشجبا (3) عليه ثياب لو شاء أن يتناول منها ما يلبسه لفعل، وأخبر أنه رأى رسول الله
صلى الله عليه وآله يصلي في ثوب واحد (4).
وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: صلى بنا أبي رضوان الله عليه في ثوب واحد
قد توشح به (5).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان يصلي في الثوب الواحد الواسع (6).
وقيل لأبي جعفر عليه السلام: إن المغيرة يقول لا يصلي الرجل في ثوب واحد
إلا وعليه معه إزار، فإن لم يجد شد في وسطه عقالا، فقال أبو جعفر عليه السلام: هذا
فعل اليهود (7).
وعن علي عليه السلام أنه قال: لا بأس بالصلاة [في القميص الواحد الكثيف: إذا
أزره عليه. (8).
وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: لا باس بالصلاة في الإزار] (9).

(1) الفقيه ج 1 ص 169.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 175.
(3) المشجب والشجاب: خشبات موثقة منصوبة توضع عليها الثياب وتنشر.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 175.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 176.
(6) دعائم الاسلام ج 1 ص 176.
(7) دعائم الاسلام ج 1 ص 176.
(8) دعائم الاسلام ج 1 ص 176.
(9) ما بين العلامتين زيادة من المصدر، وقد سقط عن الكمباني، بعد التوجه إليه.
210

أو في السراويل إذا رمى المصلي على كتفيه شيئا ولو مثل جناحي الخطاف (1).
وقد روينا عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أبقى على ثوبه أن
يلبسه في صلاته فليس لله اكتساؤه (2).
وعن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي في البرنس (3).
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال البرنس كالرداء (4).
وعن علي عليه السلام أنه خرج على قوم في المسجد قد أسدلوا أرديتهم وهم قيام
يصلون فقال مالكم أسدلتم أرديتكم كأنكم يهود في بيعتهم إياكم والسدل (5).
قال المؤلف: السدل أن يجعل الرجل حاشية الرداء من وسطه على رأسه أو على
عاتقه ويضم طرفيه على صدره، ويرسله إرسالا إلى الأرض (6).
وعن جعفر بن محمد أنه سئل عن الصلاة في السيف، فقال السيف في الصلاة كالرداء (7).

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 176.
(2) المصدر نفسه وزاد بعده: وعن علي عليه السلام أنه نهى رسول الله صلى الله عليه
وآله عن اشتمال الصماء، والصماء: الاشتمال بالثوب الواحد يجمع بين طرفيه على شق
واحد، كاشتمال البربر اليوم، قال: فالصلاة لا تجوز بذلك الاشتمال، ولكن من صلى
في ثوب واحد يتوشح به فليجعل وسط حاشيتيه على منكبيه ويرخى طرفيه مع يديه ثم يخالف
بينهما فيلقى ما على يده اليمنى من الطرفين على عاتقه الأيسر وما على يده اليسرى على عاتقه
الأيمن ويخرج يديه ويصلى.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 176.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 176.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 176.
(6) دعائم الاسلام ج 1 ص 177.
(7) دعائم الاسلام ج 1 ص 177.
(8) دعائم الاسلام ج 1 ص 177.
211

[3]
* (باب) *
* (صلاة العراة) *
1 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه قال: قال
علي عليه السلام في العريان: إن رآه الناس صلى قاعدا وإن لم يره الناس صلى قائما (1).
2 - قرب الإسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن الصادق عليه السلام
عن أبيه عليه السلام قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت
يبتغي ثيابا، فإن لم يجد صلى عريانا جالسا يؤمي إيماء، ويجعل سجوده أخفض
من ركوعه، فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى (2).
3 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة، عن عبد الله
ابن مسكان، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل عريان ليس معه ثوب قال: إذا كان حيث
لا يراه أحد فليصل قائما (3).
4 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته
عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال:
إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بركوع وسجود، وإن لم يصب شيئا
يستر به عورته أومأ وهو قائم (4).
فوائد لابد من التنبيه عليها لفهم الاخبار:
الأولى: يدل الأخير على جواز ستر العورة بالحشيش والتقييد بالضرورة
وعدم الثياب إنما وقع في كلام السائل، واختلف الأصحاب في ذلك فذهب الأكثر

(1) نوادر الراوندي ص 51.
(2) قرب الإسناد ص 66 ط حجر ص 87 ط نجف.
(3) المحاسن ص 372.
(4) البحار ج 10 ص 278.
212

منهم الشيخ وابن إدريس والفاضلان والشهيد في البيان أنه مخير بين الثوب والورق
والحشيش والطين، وليس شئ منها مقيدا بحال الضرورة (1) وذهب الشهيد في
الذكرى إلى التخيير بين الثلاثة الأول، فان تعذر فبالطين، وفي الدروس إلى
أنه يجب الستر بالثوب، فان تعذر فبالحشيش أو الورق، فان تعذر فبالطين.
والمسألة قوية الاشكال إذ المتبادر من الستر ما كان بالثياب، والغرض من
الستر - وهو عدم كشف العورة - حاصل في غيرها، وقد يقال بالتخيير في الستر
بين الثياب وغيرها في غير حال الصلاة لعدم انتهاض الأدلة على أكثر من ذلك، و
أما في حال الصلاة فيجب تقديم ما عدا الطين عليه تمسكا بما دل على الانتقال إلى
الايماء من غير اعتبار الطين، ولا يخلو من قوة، وإن أمكن أن يقال: قوله عليه السلام
(وإن لم يصب شيئا يستر به عورته) يشمل الطين، فيمكن أن يكون ذكر الحشيش
أولا على المثال، والاحتياط رعاية الترتيب في الجميع.
الثانية: الظاهر من هذا الخبر وجوب الايماء قائما مطلقا كما ذهب إليه
ابن إدريس - ره - وخبر أبي البختري دل على الصلاة جالسا موميا مطلقا كما ذهب
إليه المرتضى - رضي الله عنه - وخبر النوادر والمحاسن يدلان على ما ذهب إليه
الأكثر من أنه مع أمن المطلع يصلي قائما، ومع عدمه جالسا، وبه يجمع
بين الاخبار المختلفة أيضا، ولذا مال إليه الأكثر ورواية المحاسن صحيحة.
لكن رواها الشيخ (2) عن محمد بن علي بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد
عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل
يخرج عريانا فتدركه الصلاة، قال: يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد، فان رآه أحد

(1) بل يظهر من قوله تعالى (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) في سياق
قصة آدم وحواء عليهما السلام أن التستر بالورق والحشيش ستر اضطراري ولذلك من عليهم
بانزال الثوب وقال: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم) فبين أن التستر بالحشيش
والأوراق غير كاف حال الاختيار.
(2) راجع التهذيب ج 1 ص 240 ط حجر ج 2 ص 365 ط نجف.
213

صلى جالسا. وهذا مرسل، لكن الارسال بعد ابن مسكان وهو ممن أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه، ويمكن أن يكونا خبرين لكن رواية ابن مسكان عن
الباقر عليه السلام أيضا (1) غريب ولعل فيه أيضا إرسالا.
وبالجملة أخبار التفصيل معتبرة، فحمل أخبار التفصيل المطلقة عليها
حسن، ويمكن الجمع بين الاخبار بالحمل على التخيير أيضا كما مال إليه المحقق
في المعتبر استضعافا للرواية المفصلة، فيمكن حمل أخبار التفصيل على الفضيلة
والاستحباب، وعلى أي حال العمل بالمشهور أولى، فإنه لا ينافي التخيير.
ثم الظاهر من الروايتين أنه يصلي قائما إذا لم يكن رآه في حال الدخول
في الصلاة، وإن أمكن ورود أحد بعد الدخول فيها، لكن القوم فهموا كما
ذكرنا.
الثالثة: صرح الشيخ في النهاية بجواز صلاة العاري مع سعة الوقت، وقال
المرتضى وسلار: يجب أن يؤخر رجاء لحصول السترة، ومال في المعتبر إلى وجوب
التأخير مع ظن تحصيل الستر، وعدمه بدونه، وقربه في الذكرى، والسيد في
المدارك وخبر أبي البختري يدل على الثاني لكنه قاصر عن إفادة الوجوب سندا
ومتنا.
الرابعة: المستفاد من كلام الأصحاب والاخبار لا سيما الخبر الأخير أن
الايماء في حالتي القيام والجلوس على وجه واحد، فيجعلهما من قيام مع القيام،
ومن جلوس مع الجلوس، وحكى الشهيد في الذكرى عن شيخه السيد عميد الدين
أنه كان يقوي جلوس القائم ليؤمى للسجود جالسا استنادا إلى كونه حينئذ أقرب
إلى هيئة الساجد، فيدخل تحت (فأتوا به ما استطعتم) وهو ضعيف، لان الوجوب

(1) لأنه من أصحاب أبي عبد الله وأبى الحسن موسى عليهما السلام مات في أيامه قبل
الحادثة، روى عن الكاظم ولم يرو عن أبي عبد الله عليه السلام الا حديث من أدرك المشعر
فقد أدرك الحج، كيف وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام، زعم العياشي أنه كان لا يدخل على
أبى عبد الله عليه السلام شفقة أن لا يوفيه حق اجلاله، فكان يسمع من أصحابه.
214

حينئذ انتقل إلى الايماء، فلا معنى للتكليف بالاتيان بالممكن من السجود.
الخامسة: الايماء بالرأس للتصريح به في رواية زرارة (1) وهو الظاهر من
رواية أبي البختري كما لا يخفى، فان تعذر فبالعينين وأوجب الشهيد في الذكرى
الانحناء فيهما بحسب الممكن، بحيث لا تبدو معه العورة، وأن يجعل السجود أخفض
محافظة على الفرق بينه وبين الركوع، واحتمل وجوب وضع اليدين والركبتين
وإبهامي الرجلين في السجود على الكيفية المعتبرة فيه، وقال في المدارك: وكل
ذلك تقييد للنص من غير دليل، نعم لا يبعد وجوب رفع شئ يسجد عليه لقوله عليه السلام
في صحيحة عبد الرحمان (2) الواردة في صلاة المريض (ويضع وجهه في الفريضة على
ما أمكنه من شئ) انتهى وخبر أبي البختري يدل على الأخفضية والأحوط
العمل به.
السادسة: ما ورد في خبر أبي البختري من النهي عن الجماعة، لعله محمول
على التقية بقرينة الراوي، قال في الذكرى: يستحب للعراة الصلاة جماعة، رجالا
كانوا أو نساء، إجماعا لعموم شرعية الجماعة، وأفضليتها، ومنع بعض العامة
من الجماعة إلا في الظلمة حذر كشف العورة، وسترها ساقط لأنا نتكلم على
تقدير عدمه.
ثم الذي دل عليه خبر إسحاق (3) بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوم قطع
عليهم الطريق واخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال:
يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه، فيومئ الامام بالركوع والسجود، و
يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم، وبها عمل الشيخ في النهاية وقال
المرتضى والمفيد يومي الجميع كالصلاة فرادى، وهو اختيار ابن إدريس مدعيا

(1) التهذيب ج 1 ص 305، ج 2 ص 364 ط نجف.
(2) التهذيب ج 3 ص 308 ط نجف.
(3) التهذيب ج 1 ص 240 ط حجر.
215

للاجماع، وفي المعتبر رجح مضمون الرواية لجودة سندها، ويشكل بأن فيه
تفرقة بين المنفرد والجامع، وقد نهى المنفرد عن الركوع والسجود كما تقدم
لئلا تبدو العورة، وقد روى عبد الله بن سنان (1)، عن أبي عبد الله عليه السلام: يتقدمهم
الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس، وأطلق.
وبالجملة يلزم من العمل برواية إسحاق أحد أمرين إما اختصاص المأمومين
بهذا الحكم، وإما وجوب الركوع والسجود على كل عار إذا أمن المطلع
والامر الثاني لا سبيل إليه، والامر الأول بعيد، انتهى.
ويمكن تأويل خبر إسحاق بما يوافق سائر الأخبار لكنه في غاية البعد.
السابعة: قال في المعتبر: لو وجد وحلا أو ماء راكدا بحيث لو نزله ستر
عورته لم يجب نزوله، لان فيه ضررا ومشقة، وهو كذلك مع مخالفته لظواهر
الاخبار، ولو أمكن العاري ولوج حفيرة والصلاة فيها قائما بالركوع والسجود
قيل يحب لمرسلة أيوب بن نوح (2)، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال: العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها فسجد فيها وركع
وقيل: لا، استضعافا للرواية والتفاتا إلى عدم انصراف لفظ الساتر إليها والمسألة
لا تخلو من إشكال: لكنها قليلة الجدوى لقلة الحاجة إليها.

(1) التهذيب ج 1 ص 305 ط حجر ج 3 ص 178 ط نجف.
(2) التهذيب ج 3 ص 79 ط نجف وهكذا ج 2 ص 365، وفى ط حجر
ص 305 و 204.
216

[4]
(باب)
* (ما تجوز الصلاة فيه من الأوبار والاشعار) *
* (والجلود وما لا تجوز) *
1 - العلل عن محمد بن علي ماجيلويه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن
أحمد بن يحيى الأشعري، عن أحمد بن محمد السياري، عن أبي يزيد القسمي، وقسم
حي من اليمن بالبصرة، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه سأله عن جلود الدارش
الذي يتخذ منها الخفاف، قال: فقال لا تصلى فيها، فإنها تدبغ بخرء الكلاب (1).
بيان: قال في القاموس: الدارش جلد معروف أسود كأنه فارسي، قوله
عليه السلام: (فإنها تدبغ) لعلهم لم يكونوا يغسلونها بعد الدباغ، أو بعد الغسل
أيضا كان تبقى فيها أجزاء صغار، أو الحكم محمول على الاستحباب احتياطا، لاحتمال
أن يبقى فيها شئ منه، ولعل عدم أمره عليه السلام بالغسل أيضا لذلك، أو لأجل اللون
بناء على أن الملون بالنجس أو بالمتنجس لا يطهر بالغسل.
قال في المنتهى: يجوز استعمال الطاهر في الدباغ كالشث، والقرظ، والعفص
وقشر الرمان، وغيرها، والقائلون بتوقف الطهارة على الدباغ من أصحابنا والجمهور
اتفقوا على حصول الطهارة بهذه الأشياء، أما الأشياء النجسة، فلا يجوز استعمالها
في الدباغ، وهل تطهر أم لا؟ أما عندنا فان الطهارة حصلت بالتذكية، وكان
ملاقاة النجس موجبة لتنجيس المحل، ويطهر بالغسل، وأما القائلون بتوقف
الطهارة على الدباغ، فقد ذهب بعضهم إلى عدم الطهارة، ذكره ابن الجنيد وبعض
الجمهور لأنها طهارة من نجاسة، فلا تحصل بالنجس كالاستجمار والغسل، وينبغي
أن يكون ما يدبغ به منشفا للرطوبة مزيلا للخبث، وقد روي عن الرضا عليه السلام
عدم جواز الصلاة في الجلود المدبوغة بخرء الكلاب، والرواية ضعيفة، ومع تسليمها

(1) علل الشرائع ج 2 ص 33.
217

تحمل على المنع من الصلاة قبل الغسل.
وقال في الذكرى: الأصح وقوع الذكاة على الطاهر في حال الحياة كالسباع
لعموم (إلا ما ذكيتم) (1) وقول الصادق عليه السلام لا تصل فيما لا يؤكل لحمه ذكاه
الذبح أو لم يذكه، فيطهر بالذكاة والمشهور تحريم استعماله حتى يدبغ، والفاضلان
جعلاه مستحبا لطهارته، وإلا لكان ميتة، فلا يطهره.
وليكن الدبغ بالطاهر كالقرظ، وهو ورق السلم، والشث بالشين والثاء
المثلثتين، وهو نبت طيب الريح مر الطعم يدبغ به، قاله الجوهري، وقيل: بالباء
الموحدة وهو شبه الزاج، والأصل فيهما ما روي من قول النبي صلى الله عليه وآله أليس في
الشث والقرظ ما يطهره، ولا يجوز بالنجس فلا يطهر عند ابن الجنيد، والأجود
أنه يكفي فيما يحتاج إلى الدبغ، ولكن لا يستعمل إلا بعد طهارته لقول الرضا
عليه السلام في جلود الدارش بالراء المهملة والشين المعجمة لا تصل فيها فإنها تدبغ
بخرء الكلاب.
2 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى
عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن جلود
الخز فقال: ليس به بأس، فقلت: جعلت فداك إنها علاجي وإنما هي كلاب
تخرج من الماء، فقال: إذا خرجت تعيش خارجا من الماء؟ قلت: لا، قال: ليس
به بأس (2).
3 - ومنه: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس معا، عن
أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن عيسى اليقطيني معا، عن أيوب بن نوح رفعه قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: الصلاة في الخز الخالص ليس به بأس، وأما الذي يخلط
فيه الأرانب أو غيرها مما يشبه [هذا فلا تصل] فيه (3).

(1) المائدة 3.
(2) علل الشرائع ج 2 ص 45.
(3) علل الشرائع ج 2 ص 46.
218

تبيين: جواز الصلاة في وبر الخز الخالص متفق عليه بين الأصحاب، و
نقل إجماعهم عليه جماعة والمشهور بين المتأخرين أن حكم الجلد حكم الوبر، و
منعه ابن إدريس، ونفى عنه الخلاف، وتبعه العلامة في المنتهى، والمسألة لا تخلو
من إشكال، وإن كان الجواز أقوى.
ثم إن للأصحاب اختلافا في حقيقة الخز فقيل: إنه دابة بحرية ذات
أربع تصاد من الماء وتموت بفقده، وقد رواه الشيخ والكليني عن علي بن محمد
عن عبد الله بن إسحاق العلوي، عن الحسن بن علي، عن محمد بن سليمان الديلمي
عن قريب، عن ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل
من الخزازين فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: لا بأس
بالصلاة فيه [فقال له الرجل: جعلت فداك إنه ميت وهو علاجي وأنا أعرفه]
فقال له أبو عبد الله عليه السلام أنا أعرف به منك فقال له الرجل: إنه علاجي وليس أحد
أعرف به مني، فتبسم أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: أتقول إنه دابة تخرج من الماء
أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل: صدقت جعلت فداك
هكذا هو، فقال له أبو عبد الله عليه السلام فإنك تقول: إنه دابة تمشي على أربع وليس
هو في حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء، فقال الرجل إي والله هكذا
أقول: فقال له أبو عبد الله عليه السلام: فان الله تبارك وتعالى أحله، وجعل ذكاته موته
كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها (1).
وقال في المعتبر: عندي في هذه الرواية توقف لضعف محمد بن سليمان، و
مخالفتها لما اتفقوا عليه من أنه لا يؤكل من حيوان البحر إلا السمك ولا من السمك
إلا ماله فلس، وحدثني جماعة من التجار أنها القندس، ولم أتحققه.
وقال الشهيد في الذكرى: مضمونها مشهور بين الأصحاب، فلا يضر ضعف
الطريق، والحكم بحله جاز أن يسند إلى حل استعماله في الصلاة، وان لم يذك

(1) الكافي ج 3 ص 399، التهذيب ج 1 ص 196 وما بين العلامتين ساقط من الكمباني
زيادة من التهذيب والكافي.
219

كما أحل الحيتان بخروجها من الماء حية، فهو تشبيه للحل بالحل لا في جنس
الحلال، ثم قال الشهيد - ره -: ولعله ما يسمى في زماننا بمصر وبر السمك وهو
مشهور هناك، ومن الناس من يزعم أنه كلب الماء، وعلى هذا يشكل ذكاته بدون
الذبح، لأن الظاهر أنه ذو نفس سائلة انتهى هذا.
واعلم أن في جواز الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخز وشعره
ووبره إشكالا، للشك في أنه هل هو الخز المحكوم عليه بالجواز في عصر الأئمة
أم لا؟ بل الظاهر أنه غيره لأنه يظهر من الاخبار أنه مثل السمك يموت بخروجه
من الماء، وذكاته إخراجه منه، والمعروف بين التجار أن الخز المعروف الان
دابة تعيش في البر ولا تموت بالخروج من الماء، إلا أن يقال إنهما صنفان بري
وبحري، وكلاهما يجوز الصلاة فيه، وهو بعيد، ويشكل التمسك بعدم النقل و
اتصال العرف من زماننا إلى زمانهم عليهم السلام إذ اتصال العرف غير معلوم، إذ وقع
الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين أيضا رضوان الله عليهم، وكون أصل
عدم النقل في مثل ذلك حجة في محل المنع، فالاحتياط في عدم الصلاة فيه.
ثم إن الاتفاق على الجواز إنما هو في الخز الخالص عن الامتزاج
بوبر الأرانب والثعالب وأما الممتزج بشئ منهما فالمشهور بين الأصحاب عدم
جواز الصلاة فيه، قال في المنتهى: وعليه فتوى علمائنا، وقال فيه أيضا: وكثير
من أصحابنا ادعوا الاجماع ههنا، وروي عن داود الصرمي (1) قال: سألته عن
الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب، فكتب يجوز ذلك، وقال الصدوق - ره -
في الفقيه (2) بعد إيراد هذه الرواية: وهذه رخصة الاخذ بها مأجور، ورادها
مأثوم، والأصل ما ذكره أبي - ره - في رسالته: إلى وصل في الخز ما لم يكن
مغشوشا بوبر الأرانب انتهى، والأظهر حمله على التقية، وسيأتي بعض القول
فيه.

(1) التهذيب ج 1 ص 196.
(2) الفقيه ج 1 ص 170 و 171.
220

4 - العلل: عن علي بن أحمد، عن محمد بن عبد الله، عن محمد بن إسماعيل
البرمكي رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل
لحمه، لان أكثرها مسوخ.
قال الصدوق - ره -: يعني أكثر الأشياء التي لا يؤكل لحمها مسوخ (1).
5 - ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن الحسن
ابن علي الوشا رفعه قال: كان أبو عبد الله عليه السلام يكره الصلاة في وبر كل شئ
لا يؤكل لحمه (2).
إيضاح: عدم جواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه وشعره وبره وصوفه
في غير المواضع المستثناة إجماعي، ونقل الاجماع عليه جماعة، واختلف في أمور:
الأول: الصلاة في قلنسوة أو تكة متخذتين من جلد غير المأكول أو وبره
فالمشهور بين الأصحاب المنع، والمستفاد من كلام الشيخ في التهذيب الجواز في
المتخذتين من الجلد، وكذا ذهب الشيخ في النهاية والمحقق في المعتبر إلى الكراهة
في المتخذتين من وبر الأرانب لاخبار حملها على التقية أظهر من حمل معارضها على
الكراهة.
الثاني: قال في التذكرة: لو مزج صوف ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل لحمه
ونسج منهما ثوب، لم تصح الصلاة فيه تغليبا للحرمة على إشكال ينشأ من إباحة
المنسوج من الكتان والحرير، ومن كونه غير متخذ من مأكول اللحم، وكذا لو
أخذ قطعا وخيطت ولم يبلغ كل واحد منها ما يستر العورة، والمنع أظهر كما
لا يخفى على المتدبر.
الثالث: قطع الشهيدان وجماعة باختصاص المنع بالملابس، فلو كانت غيرها
كالشعرات الملقاة على الثوب لم يمنع الصلاة فيه وذهب الأكثر إلى عموم المنع وهو
أحوط بل أظهر إلا في أجزاء الانسان.
الرابع: اختلفوا فيما لو شك في كون الصوف والوبر من مأكول اللحم

(1) علل الشرايع ج 2 ص 31.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 31.
221

فقال المنتهي بالمنع، ولعل الجواز أقوى، لا سيما إذا اخذ من مسلم أخبر
بكونه مأخوذا من مأكول اللحم.
6 - العياشي: عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في قول الله (خذوا
زينتكم عند كل مسجد) (1) قال هي الثياب (2).
7 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن الحفار، عن إسماعيل بن علي
أخي دعبل، عن الرضا عليه السلام أنه خلع على دعبل قميصا من خز وقال له: احتفظ
بهذا القميص فقد صليت فيه ألف ليلة كل ليلة ألف ركعة، وختمت فيه القرآن
ألف ختمة الخبر (3).
8 - عوالي اللئالي: روي أن الصادق عليه السلام لبس ثياب الخز وصلى فيها.
وروي أنه عليه السلام كان عليه جبة خز بسبع مائة درهم.
وروي أن الرضا عليه السلام لبس الخز فوق الصوف، فقال له بعض جهلة
الصوفية لما رأى عليه ثياب الخز: كيف تزعم أنك من أهل الزهد وأنت على
ما نراه من التنعم بلباس الخز؟ فكشف عليه السلام عما تحته فرأوا تحته ثياب الصوف،
فقال: هذا لله، وهذا للناس.
وسئل الباقر عليه السلام عن جلد الميتة أيلبس في الصلاة؟ فقال: لا، ولو دبغ
سبعين دبغة (4).
9 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن
رجل مس ظهر سنور هل يصلح له أن يصلي قبل أن يغسل يده؟ قال: لا بأس (5).
بيان: لا يمكن الاستدلال به على جواز الصلاة في الشعرات مما لا يؤكل لحمه

(1) الأعراف: 29.
(2) تفسير العياشي ج 2 ص 12.
(3) أمالي الطوسي ج 1 ص 370.
(4) ورواه في التهذيب ج 1 ص 193.
(5) البحار ج 10 ص 285.
222

إذ لعل التجويز لعدم العلم بلصوق شئ منها باليد، بل هو أظهر.
10 - قرب الإسناد: باسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته
عن الرجل يصلي ومعه دبة من جلد الحمار، وعليه نعل من جلد الحمار، وهو
يصلي، هل تجزيه صلاته أو عليه إعادة؟ قال لا يصلح له أن يصلي وهي معه إلا
أن يتخوف عليها ذهابها فلا بأس أن يصلي وهي معه (1).
بيان: يدل على كراهة الصلاة فيما يظن اتخاذه من الميتة، والتجويز مع
خوف الذهاب والتعبير عن المنع بلا يصلح يدلان على الكراهية، مع أنه ورد في
الرواية: ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه.
11 - الاحتجاج: فيما كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية
المقدسة: وروي عن صاحب العسكر عليه السلام أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي
يغش بوبر الأرانب فوقع يجوز وروي عنه أيضا أنه لا يجوز، فأي الامرين نعمل
به؟ فأجاب عليه السلام إنما حرم في هذه الأوبار والجلود، فأما الأوبار وحدها
فحلال (2).
وقد سئل بعض العلماء عن معنى قول الصادق عليه السلام: لا يصلي في الثعلب ولا
الثوب الذي يليه، فقال إنما عنى الجلود دون غيره (3).
بيان: ما ذكر في الخبر من الفرق بين الجلد والوبر خلاف ما يعهد في كلام
الأصحاب، وذكروا اتفاق الأصحاب على عدم جواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل
لحمه وشعره ووبره، عدا ما استثني مما سيذكر، وأما وبر الأرانب والثعالب و
جلودهما فالروايات فيها مختلفة، والمشهور عدم جواز الصلاة فيها، قال في المعتبر:
اعلم أن المشهور في فتوى الأصحاب المنع مما عدا السنجاب ووبر الخز والعمل
به احتياط في الدين ثم روى صحيحتي الحلبي وعلي بن يقطين (4) الدالتين على الجواز

(1) قرب الإسناد ص 87 ط حجر.
(2) الاحتجاج ص 275.
(3) الاحتجاج ص 275.
(4) راجع التهذيب ج 1 ص 195.
223

وقال: طريق هذين الخبرين أقوى من تلك الطرق، ولو عمل بهما عامل جاز
وعلى الأولى عمل الظاهرين من الأصحاب منضما إلى الاحتياط للعبادة، وكلامه
- ره - في غاية المتانة، والاحتياط لا يترك في مثله، مع ظهور احتمال التقية في
أخبار الجواز.
قوله عليه السلام: (ولا الثوب الذي يليه) قال الشيخ في النهاية: لا يجوز الصلاة
في الثوب الذي تحت وبر الثعالب والأرانب، ولا الذي فوقه، ونحوه قال في
المبسوط: وقال الصدوق، وإياك أن تصلي في الثعلب لا في الثوب الذي يليه
من تحته وفوقه، وذهب ابن إدريس وجمهور المتأخرين إلى الجواز، ولعله أقوى
وإن كان الأحوط الترك، لورود صحيحة علي بن مهزيار بالمنع (1).
العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن
عبد الرحمان بن الحجاج قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن جلود
الخز، فقال: ليس به بأس، فقلت جعلت فداك: إنها علاجي وإنما هي كلاب
تخرج من الماء، فقال: إذا خرجت تعيش خارجا من الماء؟ قلت: لا، قال:
ليس به بأس (2).
ومنه عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس معا، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى ومحمد بن عيسى اليقطيني معا، عن أيوب بن نوح رفعه قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام الصلاة في الخز الخالص لا بأس به، وأما الذي يخلط فيه الأرانب
أو غيرهما مما يشبه هذا فلا تصل فيه (3)
12 - تحف العقول: قال الصادق عليه السلام: وما يجوز من اللباس فكل ما أنبتت
الأرض فلا بأس بلبسه والصلاة فيه، وكل شئ يحل لحمه فلا بأس بلبس جلده
الذكي منه، وصوفه وشعره ووبره، وإن كان الصوف والشعر والريش والوبر من

(1) التهذيب ج 1 ص 194.
(2) قد مر هذا الحديث تحت الرقم 2 و 3 مع شرح مستوفى وتكرر هنا سهوا.
(3) قد مر هذا الحديث تحت الرقم 2 و 3 مع شرح مستوفى وتكرر هنا سهوا.
224

الميتة وغير الميتة ذكيا فلا بأس بلبس ذلك، والصلاة فيه (1).
13 - فقه الرضا: قال عليه السلام: لا بأس بالصلاة في شعر ووبر من كل ما اكل
لحمه والصوف منه، ولا تجوز الصلاة في سنجاب وسمور وفنك، فإذا أردت الصلاة
فانزع عنك وقد أروي فيه رخصة، وإياك أن تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته
جلد ثعالب، وصل في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب، ولا تصل في جلد
الميتة على كل حال (2).
بيان: اعلم أن الأصحاب اختلفوا في الصلاة في جلد السنجاب ووبره، فذهب
الشيخ في المبسوط وأكثر المتأخرين إلى الجواز، حتى قال في المبسوط: فأما
السنجاب والحواصل فلا خلاف في أنه تجوز الصلاة فيهما، ونسبه في المنتهى إلى
الأكثر، وذهب الشيخ في الخلاف وموضع من النهاية إلى المنع، واختاره ابن
البراج وابن إدريس، وهو ظاهر ابن الجنيد والمرتضى وأبو الصلاح وظاهر ابن
زهرة نقل الاجماع عليه، واختاره في المختلف، ونسبه الشهيد الثاني إلى الأكثر
وذهب ابن حمزة إلى الكراهة، وذكر الصدوق في الفقيه عبارة الفقه عن رسالة
أبيه إليه إلى وقد روى فيه رخص.
والاخبار فيه مختلفة، والجمع بينها إما بحمل أخبار المنع على الكراهة، أو
بحمل أخبار الجواز على التقية، ولعل الأول أرجح، إذ مذهب العامة جواز الصلاة
في جلود ما لا يؤكل لحمه مطلقا، وأخبار الجواز مشتملة على المنع من غيره،
وإن كان الاحتياط في الاجتناب.
ثم على القول بالجواز إنما يجوز الصلاة فيه مع تذكيته لأنه ذو نفس، قال
في الذكرى: وقد اشتهر بين التجار والمسافرين أنه غير مذكى، ولا عبرة بذلك
حملا لتصرف المسلمين على ما هو الأغلب، نعم لو علم ذلك حرم استعماله، و
هو جيد.

(1) تحف العقول ص 355 ط الاسلامية.
(2) فقه الرضا ص 16.
225

وأما السمور والفنك فالمشهور فيهما المنع، وذهب الصدوق في المقنع إلى
الجواز، وقال المحقق في المعتبر بعد نقل خبرين يدلان على الجواز: لو عمل بهما
عامل جاز، والأظهر حمل أخبار الجواز على التقية، وقال في القاموس: الفنك
بالتحريك دابة فروتها أطيب أنواع الفراء، وأشرحها وأعدلها، صالح لجميع
الأمزجة المعتدلة، وقال في حياة الحيوان: الفنك كعسل دويبة يؤخذ منها الفرو،
وقال ابن البيطار: وإنه أطيب من جميع الفراء يجلب كثيرا من بلاد الصقالبة،
وقال في المصباح المنير: قيل نوع من جراء الثعلب الرومي، ولهذا قال الأزهري:
وغيره هو معرب، وحكى لي بعض المسافرين أنه يطلق على فرخ بن آوى في بلاد
الترك انتهى، وبالجملة لا نعرفه في تلك البلاد على التعيين.
14 - المحاسن: عن علي بن أسباط، عن علي بن جعفر، عن أخيه قال:
سألته عن ركوب جلود السباع، قال: لا بأس ما لم يسجد عليها (1).
ومنه عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن جلود
السباع فقال: اركبوا ولا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه (2).
15 - فقه الرضا: قال عليه السلام: كل شئ حل أكل لحمه فلا بأس بلبس جلده
الذكي وصوفه وشعره ووبره وريشه وعظامه، وإن كان الصوف والشعر والوبر
والريش من الميتة وغير الميتة بعد أن يكون مما حلل الله تعالى أكله فلا بأس به،
وكذلك الجلد فان دباغته طهارته، وقد يجوز الصلاة فيما لم تنبته الأرض ولم
يحل أكله مثل السنجاب والفنك والسمور والحواصل، إذا كان مما لا يجوز في مثله
وحده الصلاة، مثل القلنسوة من الحرير، والتكة من الإبريسم، والجورب والخفتان
وألوان رجاجيلك يجوز لك الصلاة فيه (3).
بيان: قوله عليه السلام: (وكذلك الجلد) يدل على جواز استعمال جلد الميتة

(1) المحاسن ص 629.
(2) المحاسن ص 629.
(3) فقه الرضا ص 41، وقوله (فان دباغته طهارته) يؤيد ما قلناه من أن هذا
الكتاب كتاب التكليف للشلمغاني: وقد نسب إليه القول بذلك كما مر في ج 80 ص 78.
226

بعد الدباغ، ويمكن حمله على غير الميتة، ويكون الدباغ محمولا على الاستحباب
على المشهور وعلى الوجوب على مذهب الشيخ والمرتضى، ويدل على جواز الصلاة
فيما لا تتم الصلاة فيه من جلد غير المأكول وصوفه وشعره ووبره، وقد مر
الكلام فيه، ويمكن تخصيص الحكم بخصوص هذه الجلود، ويكون وجه جمع
بين الاخبار، ولعل المراد بالرجاجيل أنواع ما يلبس في الرجل ولعله من
المولدات.
16 - الخرائج: روي عن أحمد بن أبي روح قال: خرجت إلى بغداد في
مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لأوصله وأمرني أن أدفعه إلى أبي جعفر محمد بن
عثمان العمري وأمرني أن لا أدفعه إلى غيره، وأمرني أن أسأل الدعاء للعلة التي
هو فيها، وأسأله عن الوبر يحل لبسه؟ فدخلت بغداد، وصرت إلى العمري فأبى
أن يأخذ المال وقال: صر إلى أبي جعفر محمد بن أحمد وادفع إليه، فإنه أمره بأن
يأخذه، وقد خرج الذي طلبت، فجئت إلى أبي جعفر فأوصلته إليه، فأخرج إلي
رقعة فيها (بسم الله الرحمن الرحيم سألت الدعاء عن العلة التي تجدها، وهب
الله لك العافية، ودفع عنك الآفات، وصرف عنك بعض ما تجده من الحرارة، وعافاك
وصح جسمك، وسألت ما يحل أن يصلى فيه من الوبر والسمور والسنجاب والفنك
والدلق والحواصل، فأما السمور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه،
ويحل لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن فيه غيره، وإن يكن لك ما تصلي
فيه فالحواصل جائز لك أن تصلي فيه، والفراء متاع الغنم ما لم يذبح بارمنية يذبحه
النصارى على الصليب، فجائز لك أن تلبسه إذا ذبحه أخ لك أو مخالف تثق به (1).
بيان: يدل على جواز الصلاة في الحواصل في حال الضرورة، ويمكن حمل
القيد على الاستحباب، وقد عرفت أن ظاهر الشيخ دعوى الاجماع على جواز الصلاة
فيها، والمشهور عدم الجواز، قال في الذكرى: قال الشيخ في المبسوط: لا خلاف
في جواز الصلاة في السنجاب والحواصل، وقيدها ابن حمزة وبعضهم بالخوارزمية

(1) الخرائج ص 241.
227

تبعا لما ذكره في التهذيب (1) عن بشير بن بشار قال: سألته عن الصلاة في الفنك
والسنجاب إلى قوله: صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية، ومنع منه في النهاية
وهو ظاهر الأكثر انتهى، وقال في الدروس: وفي الحواصل الخوارزمية رواية
بالجواز متروكة.
وقال في حياة الحيوان: الحوصل جمعه حواصل وهو طير كبير له حوصلة
عظيمة يتخذ منها الفروة، وقال ابن البيطار: وهذا الطائر يكون بمصر كثيرا و
يعرف بالبجع، وهو جمل الماء، وهو صنفان أبيض وأسود، والأسود منه كريه
الرائحة، لا يكاد يستعمل، والأجود أبيضه، وحرارته قليلة، ورطوبته كثيرة، وهو
قليل البقاء.
17 - السرائر: من كتاب المسائل برواية الحميري وابن عياش، عن داود
الصرمي، عن بشير بن بشار النيسابوري قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة
في الفنك والفراء والسمور والسنجاب والحواصل التي تصطاد ببلاد الشرك أو بلاد
الاسلام، يصلي فيها بغير تقية؟ قال: يصلى في السنجاب والحواصل الخوارزمية،
ولا تصل في الثعالب والسمور (2).
18 - ومنه: من كتاب المسائل برواية ابن عياش والحميري من مسائل
محمد بن [علي بن] عيسى: حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن زياد، وموسى بن محمد، عن
محمد بن علي بن عيسى قال: كتبت إلى الشيخ أعزه الله وأيده أسأله عن الصلاة
في الوبر أي أصنافه أصلح؟ فأجاب لا أحب الصلاة في شئ منه، قال: فرددت
الجواب: إنا مع قوم في تقية، وبلادنا بلاد لا يمكن أحد أن يسافر منها بلا وبر
ولا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره، وليس يمكن الناس كلهم ما يمكن الأئمة
فما الذي ترى أن نعمل به في هذا الباب؟ قال: فرجع الجواب إلي تلبس الفنك
والسمور (3).

(1) التهذيب ج 1 ص 195.
(2) السرائر ص 471.
(3) السرائر ص 471.
228

بيان: الشيح هو الهادي عليه السلام ويدل على أن الفنك والسمور أولى من
غيرهما عند الضرورة والتقية، وهذا أيضا وجه جمع بين الاخبار.
19 - مكارم الأخلاق: عن يونس بن يعقوب قال: دخلت على أبي عبد الله
وهو معتل وهو في قبة، وقباء عليه غشاء مذاري، وقدامه مخضبة هيئ فيها ريحان
مخروط، وعليه جبة خز ليس بالثخينة ولا بالرقيقة، وعليه لحاف ثعالب مظهر
يمنة، فقلت له: جعلت فداك، ما تقول في الثعالب؟ قال: هوذا علي (1).
بيان: في القاموس المذار بلد بين واسط والبصرة انتهى ويدل على جواز
استعمال جلود الثعالب في غير الصلاة.
20 - المكارم: عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام أو أبي الحسن عليه السلام
أنه سئل عن لحوم السباع وجلودها، قال أما لحوم السباع والسباع من الطير، فانا
نكرهه، وأما الجلود فاركبوا فيها ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه (2).
عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:: أهديت لأبي جبة
فرو من العراق، فكان إذا أراد أن يصلي نزعها فطرحها (3).
عن عبد الله بن سنان عنه عليه السلام قال: ما جاءك من دباغ اليمن فصل فيه ولا
تسأل عنه (4).
بيان: الخبر الأول يدل على أن السباع قابلة للتذكية، ولا تجوز الصلاة
في جلودها، والثاني على نزع ما جلب من الجلود من العراق عند الصلاة. ولعله
محمول على الاستحباب، لأنهم كانوا يستحلون الميتة بالدباغ، أو كانوا يدبغون
بخرء الكلاب.
قال في الذكرى: ولو وجد في يد مستحل بالدبغ فقيه صور ثلاث: الأول
أن يخبر بأنه ميتة فليجتنب، لاعتضاده بالأصل من عدم الذكاة، الثاني أن يخبر
بأنه مذكى فالأقرب القبول ويمكن المنع، والثالث أن يسكت ففيه وجهان.

(1) مكارم الأخلاق ص 136.
(2) مكارم الأخلاق ص 136.
(3) مكارم الأخلاق ص 136.
(4) مكارم الأخلاق ص 136.
229

وقد روى الشيخ في التهذيب (1) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
كان علي بن الحسين عليهما السلام رجلا صردا فلا يدفئه فراء الحجاز، لان دباغها بالقرظ
فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه
وألقى القميص الذي يليه، وكان يسئل عن ذلك، فيقول إن أهل العراق يستحلون
لباس الجلود الميتة، ويزعمون أن دباغه ذكاته، قلت: الصرد بفتح الصاد وكسر
الراء من يجد البرد سريعا يقال صرد الرجل يصرد صردا فهو صرد ومصراد وفي
هذا دلالة على جواز لبسه في غيره الصلاة، ويمكن حمله على ما لم يعلم كونه ميتة
ويكون فعل الامام احتياطا للدين انتهى.
وقد سبق الكلام في حكم ما يؤخذ من سوق المسلمين في كتاب الطهارة، و
تخصيص دباغ اليمن في الخبر الثالث لعله يؤيد الوجه الثاني، وإن أمكن حمله
على الأول أيضا بأن يكونوا لم يستحلوا الميتة بالدباغ.
21 - المكارم: سئل الرضا عليه السلام عن جلود الثعالب والسنجاب والسمور
فقال: قد رأيت السنجاب على أبي ونهاني عن الثعالب والسمور (2).
22 - العيون: فيما كتب الرضا عليه السلام للمأمون قال: ولا يصلى في جلود
الميتة ولا جلود السباع (3).
23 - مجمع البيان: نقلا عن العياشي باسناده عن يوسف بن إبراهيم قال:
دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعلى قباء خز وبطانته خز وطيلسان خز مرتفع،
فقلت: إن على ثوبا أكره لبسه، فقال: وما هو؟ قلت: طيلساني هذا، قال:
وما بال الطيلسان؟ قلت: هو خز، قال: وما بال الخز؟ قلت: سداه إبريسم
قال: وما بال الإبريسم؟ قال: لا يكره أن يكون سدا الثوب إبريسم الحديث (4).

(1) التهذيب ج 1 ص 193.
(2) مكارم الأخلاق ص 136.
(3) عيون الأخبار ج 2 ص 123.
(4) مجمع البيان ج 4 ص 413، بغير هذا اللفظ واللفظ للكافي بهذا السند ج 6
ص 415، ومثله في تفسير العياشي ج 2 ص 15.
230

24 - قرب الإسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
عن الرضا عليه السلام أن علي بن الحسين عليهما السلام كان يلبس الجبة الخز بخمس
مائة درهم والمطرف الخز بخمسين دينار فيشتو فيه فإذا خرج الشتاء باعه وتصدق
بثمنه (1).
25 - تفسير العياشي: عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن عليه السلام قال: كان
علي بن الحسين عليهما السلام يلبس الثوب بخمس مائة الحديث (2).
بيان: يدل على استحباب الصدقة بثوب عبد الله فيه، قال في الذكرى: يستحب
الصدقة بثمن الثوب الذي يصلى فيه لو باعه تأسيا بزين العابدين عليه السلام فيما رواه
الشيخ (3) عن الحلبي، عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه كان يلبس الكساء الخز في الشتاء
فإذا جاء الصيف باعه وتصدق بثمنه، ويقول: إني لأستحيي من ربي أن آكل
ثمن ثوب عبدت الله فيه.
26 - ومنه: (4) عن محمد بن عيسى، عن حفص بن محمد مؤذن علي بن يقطين
قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام في الروضة وعليه جبة خز سفر جليلة (5).
26 - مجمع البيان: قال: روى العياشي باسناده عن الحسين بن زيد، عن
عمر بن علي، عن أبيه زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام أنه كان يشتري كساء الخز بخمسين دينارا فإذا أصاف تصدق به ولا يرى بذلك بأسا، ويقول (من حرم
زينة الله) الآية (6).
أقول: وقد أخرجنا تلك الأخبار من تفسير العياشي في أبواب اللباس من

(1) قرب الإسناد ص 157 ط حجر 210 ط نجف.
(2) تفسير العياشي ج 2 ص 16.
(3) التهذيب ج 1 ص 241.
(4) يعنى قرب الإسناد، لا تفسير العياشي.
(5) قرب الإسناد ص 8 ط حجر ص 11 ط نجف.
(6) مجمع البيان ج 4 ص 413، وقوله عليه السلام: أصاف: أي دخل في الصيف.
231

كتاب المناهي والسنن (1). 27 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته
عن الرجل يلبس فراء الثعالب والسنانير؟ قال: لا بأس، ولا يصلي فيه (2).
28 - مكارم الأخلاق: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن الرجل ينفصم سنه أيصلح له أن يشدها بالذهب، وإن سقطت أيصلح أن
يجعل مكانها سن شاة؟ قال: نعم إن شاء ليشدها بعد أن تكون ذكية (3).
وعن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله (4).
وعن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله أبي وأنا حاضر عن الرجل
يسقط سنه فأخذ سن إنسان ميت فيجعله مكانه؟ قال: لا بأس (5).
بيان: يدل الخبر الأول على جواز شد الأسنان بالذهب، وهو موافق
للأصل، وتحريم مطلق التزين بالذهب غير ثابت، وقال العلامة في المنتهى:
لا بأس باتخاذ الفضة اليسيرة كالحلية للسيف، والقصعة، السلسة التي شعب بها الاناء
وأنف الذهب، وما يربط به أسنانه، لما رواه الجمهور في قدح رسول الله صلى الله
عليه وآله، والخاصة في مرآة موسى عليه السلام، وروى الجمهور أن عرفجة
ابن سعد أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وآله
أن يتخذ أنفا من ذهب، وللحاجة إلى ذلك، واتخاذ ذلك جائز مع الحاجة و
بدونها خلافا لبعض.
وقال في التذكرة: لو اتخذ أنفا من ذهب أو فضة أو سنا أو أنملة لم يحرم
لحديث عرفجة، ولو اتخذ أصبعا أو يدا فللشافعية قولان: الجواز قياسا على الانف
والسن، والتحريم لأنه زينة محضة، إذ لا منفعة به انتهى.
وأما السن فظاهر الأصحاب اتفاقهم على كونه مما لم تحل فيه الحياة، و

(1) راجع ج 79 ص 304 - 306 من هذه الطبعة الحديثة.
(2) بحار الأنوار ج 10 ص 269 من هذه الطبعة.
(3) مكارم الأخلاق ص 109.
(4) مكارم الأخلاق ص 109.
(5) مكارم الأخلاق ص 109.
232

يجوز استعماله من الميتة وظاهر الخبر توقف جواز الاستعمال على التذكية ويمكن
حمله على الاستحباب أو على أن المراد بها الطهارة أو عدم كونه مخلوطا بلحم، وإن
كان الأحوط اعتبارها، إذ الأخبار الدالة على كونه مما لا تحله الحياة وكونه مستثنى
من الميتة لا يخلو من ضعف، ومن الأطباء من يعده عصبا لا عظما لطريان الوجع
عليه، مع معارضته هذه الأخبار وصحة بعضها وعدم تحقق الاجماع على خلافها.
وأما سن الانسان فهو إما محمول على ما إذا سقط في حال حياته، وقلنا
بعدم وجوب دفنه معه، وحملنا الخبر به على الاستحباب، أو على ما إذا سقط بعد
نفرق الأعضاء، ولم نقل بوجوب دفن الأعضاء حينئذ أو على سن طاهر ممن لم
يجب دفنه كالمخالفين، على القول بطهارتهم وعدم وجوب دفنهم، أو على سن الكافر
على مذهب السيد حيث يقول بطهارة مالا تحله الحياة من نجس العين، وعلى
التقادير يدل على أن المنع من الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه مخصوص بغير
الانسان، بل هو من النصوص أظهر، قال العلامة في التذكرة لو جبر عظمه بعظم طاهر
العين جاز، لان الموت لا ينجس عظمه ولا شعره ولو جبره بعظم آدمي فاشكال ينشأ من وجوب
دفنه وطهارته، ورواية زرارة عن الصادق عليه السلام عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن
ميت مكانه؟ قال: لا بأس، وقال في الذكرى: ليس له إثبات سن نجسة مكان
سنه ويجوز الطاهرة، ولو كان سن آدمي أو جبر بعظم آدمي أمكن الجواز لطهارته
ولتجويز الصادق عليه السلام أخذ سن الميت لمن سقطت سنه ورد سنه الساقطة أولى
بالجواز لطهارتها عندنا، ويمكن المنع في العظم لوجوب دفنه، وإن أوجبنا دفن
السن توجه المنع أيضا وقال الفيروزآبادي: فصمه يفصمه كسره فانفصم وتفصم.
29 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي قال:
سألته عن الثنية تنفصم وتسقط أيصلح أن يجعل مكانها سن شاة؟ فقال: إن شاء
فليضع مكانها سنا بعد أن تكون ذكية (1).
بيان: يحتمل هذا الخبر زائدا على مر أن يكون المراد بالسن مطلق السن

(1) المحاسن ص 644.
233

وبالذكي، الطاهر أو ما يقبل التذكية.
30 - الخصال: عن أحمد بن محمد بن الهيثم وأحمد بن الحسن القطان و
محمد بن أحمد السناني والحسين بن إبراهيم المكتب وعبد الله بن محمد الصايغ وعلي بن
عبد الله الوراق جميعا، عن أحمد بن يحيى بن زكريا، عن بكر بن عبد الله بن
حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن جعفر بن محمد عليهما السلام
قال: لا يصلى في جلود الميتة وإن دبغت سبعين مرة، ولا في جلود السباع (1).
بيان: عدم جواز الصلاة في جلد الميتة مما لا خلاف، فيه حتى أن القائل
بطهارته بالدباغ كابن الجنيد منع من الصلاة فيه، وقال الشيخ البهائي قدس سره
لا يخفى أن المنع من الصلاة في جلد الميتة يشمل باطلاقه ميتة ذي النفس وغيره
سواء كان مأكول اللحم أولا، وفي كلام بعض علمائنا جواز الصلاة في ميتة غير
ذي النفس من مأكول اللحم كالسمك الطافي مثلا والمنع من الصلاة في ذلك متجه
لصدق الميتة عليه، وكونه طاهرا لا يستلزم الصلاة فيه، وكان والدي قدس سره
يميل إلى هذا القول ولا بأس به انتهى، ولا يخفى أن النهي عن الصلاة في جلود
السباع يشمل أكثر ما اختلف في الصلاة في جلده ووبره.
31 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليهم السلام أن
رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن الصلاة بجلود الميتة وإن دبغت (2).
وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: لا يصلى بجلد الميتة ولو دبغ سبعين مرة
إنا أهل بيت لا نصلي بجلود الميتة وإن دبغت (3).
وعنه عليه السلام أنه سئل عن جلود الغنم يختلط الذكي منها بالميتة، ويعمل
منها الفراء، قال: إن لبستها فلا تصل فيها، وإن علمت أنها ميتة فلا تشترها ولا
تبعها، وإن لم تعلم اشتر وبع (4).
وقال: كان علي بن الحسين عليهما السلام له جبة من فراء العراق يلبسها فإذا حضرت

(1) الخصال ج 2 ص 151.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 126.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 126.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 126.
234

الصلاة نزعها (1).
وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل عن فرو الثعلب والسنور والسمور والسنجاب
والفنك والقاقم، قال: يلبس ولا يصلى فيه، ولا يصلى بشئ من جلود السباع ولا
يسجد عليه وكذلك كل شئ لا يحل أكل لحمه (2).
وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه كره شعر الانسان فقال: كل شئ سقط من
حي فهو ميتة، وكذا كل شئ سقط من أعضاء الحيوان وهي أحياء فهو ميتة
لا يؤكل، ورخص فيما جز عنها من أصوافها وأوبارها وأشعارها إذا غسل أن يمس
ويصلى فيه وعليه إذا كان طاهرا، خلاف شعور الناس (3).
بيان: الحكم بجواز لبس المختلط مخالف للمشهور والحكم به بمجرد هذه
الرواية مشكل إلا أن يحمل على ما إذا اخذ من مسلم وظن عدم تذكية بعضها
كما هو الشائع فالحكم بترك الصلاة للاستحباب، كالرواية التي بعدها، وقال في
المصباح المنير: القاقم حيوان ببلاد الترك على شكل الفارة إلا أنه أطول، ويأكل
الفارة، هكذا أخبرني بعض الترك، وقال في حياة الحيوان دويبة تشبه السنجاب
إلا أنه أبرد منه مزاجا وأرطب، ولهذا هو أبيض يقق، ويشبه جلده جلد الفنك،
وهو أعز قيمة من السنجاب انتهى، والحكم بكون شعر الانسان خلاف أشعار
الحيوانات كأنه لعدم جواز الصلاة فيها كما ذكره بعض الأصحاب في شعر الغير
وظاهر الاخبار الجواز.
32 - كتاب العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم قال: رسول الله صلى الله عليه وآله:
لا يصلى في ثوب ما لا يؤكل لحمه، ولا يشرب لبنه.
فهذه جملة كافية من قول رسول الله صلى الله عليه وآله: ولا يصلى في الخز والعلة في أن
لا يصلى في الخز أن الخز من كلاب الماء وهي مسوخ، إلا أن يصفى وينقى
وعلة أن لا يصلى في السنجاب والسمور والفنك قول رسول الله صلى الله عليه وآله المتقدم.
بيان: لعل مراده عدم جواز الصلاة في جلد الخز بقرينة الاستثناء، وقد تقدم

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 126.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 126.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 126.
235

القول في الجميع، ويمكن حمل الأكثر على الكراهة.
33 - الهداية: قال الصادق عليه السلام: صل في شعر ووبر كل ما أكلت لحمه،
وما لم تأكل لحمه فلا تصل في شعره ووبره (1).
34 - قرب الإسناد وكتاب المسائل: باسنادهما عن علي بن جعفر، عن أخيه
موسى عليه السلام قال: سألته عن لبس السمور والسنجاب والفنك قال: لا يلبس ولا يصلى
فيه إلا أن يكون ذكيا (2).
35 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن يعقوب بن شعيب
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الله عز وجل لموسى عليه السلام (فاخلع نعليك) (3)
لأنها كانت من جلد حمار ميت (4). 36 - كمال الدين: عن محمد بن علي بن حاتم، عن أحمد بن عيسى الوشا، عن
أحمد بن طاهر، عن محمد بن بحر، عن محمد [أحمد] بن مسرور، عن سعد بن عبد الله
القمي قال: دخلت مع أحمد بن إسحاق على أبي محمد عليه السلام وعلى فخذه الأيمن
غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، فأردت أن أسأله عن مسائل، فقال: سل
قرة عيني عنها - وأومأ إلى الغلام [فقال له الغلام سل] عما بدا لك فكان فيما سألته
أخبرني يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيه موسى عليه السلام (فاخلع
نعليك إنك بالواد المقدس) فان فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب
الميتة. فقال القائم عليه السلام: من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته لأنه
ما خلا الامر فيها من خطبين إما أن تكون صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة: فان كانت

(1) الهداية ص 33.
(2) قرب الإسناد ص 118 ط حجر، ص 158 ط نجف. البحار ج 10 ص 269.
(3) طه: 12.
(4) علل الشرايع ج 1 ص 63.
236

صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة، وإن كانت مقدسة مطهرة فليست
بأقدس وأطهر من الصلاة. وإن كانت صلاته غير جائزة فيها فقد أوجب على موسى
عليه السلام أنه لم يعرف الحلال من الحرام، ولم يعلم ما جازت الصلاة فيه مما
لم تجز، وهذا كفر.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما؟ قال: إن موسى عليه السلام ناجى
ربه بالواد المقدس فقال: يا رب إني أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن
سواك، وكان شديد الحب لأهله، فقال الله تبارك وتعالى: (اخلع نعليك) أي
انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة، وقلبك من الميل إلى من
سواي مغسولة (1) والخبر طويل مذكور في محله (2).
بيان: يظهر منه أن الخبر الأول محمول على التقية، ومع قطع النظر
عنه محمول على عدم علمه عليه السلام بذلك أو أنه عليه السلام لم يكن يصلي فيها إن جوزنا
الاستعمال في غيرها، أو لم يكن في شرعه تحريم الصلاة في جلد الميتة، وقد مر بعض
القول فيه مع تأويل الآية وتفسيرها في المجلد الخامس (3) وقد مضى بعض الأخبار
المناسبة للباب في باب ما يؤخذ من سوق المسلمين (4) وأبواب آداب اللباس.

(1) اكمال الدين ج 2 ص 134 في حديث طويل.
(2) راجع ج 52 ص 83 من هذه الطبعة الحديثة.
(3) راجع ج 13 ص 64 - 66 من هذه الطبعة الباب الثالث من أبواب قصص
موسى عليه السلام.
(4) راجع ج 80 ص 83 - 82 من هذه الطبعة.
237

[5]
* (باب) *
* (النهى عن الصلاة في الحرير والذهب والحديد) *
* (وما فيه تماثيل، وغير ذلك مما نهى عن الصلاة فيه) *
الآيات: المائدة حرمت عليكم الميتة (1).
تفسير: استدل به على تحريم لبس جلد الميتة في الصلاة وغيرها، وفيه
نظر لاحتمال انصراف التحريم إلى الانتفاع الشائع وسيأتي القول فيه.
1 - الاحتجاج: كتب الحميري إلى الناحية المقدسة: إنا نجد بأصفهان
ثيابا عتابية على عمل الوشي من قز أو إبريسم، هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟
فأجاب عليه السلام لا يجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان (2).

(1) المائدة: 3 ولما كان تحريم الميتة على اطلاقه ولم يقيد بأكله أو بيعه وشرائه
وأمثال ذلك، والاطلاق في كلام الحكيم محكم، صار المنع شاملا لجميع جهات المنافع
كالحمى، ولذلك قال عليه السلام (ان الله إذا حرم شيئا حرم أكله وشربه ولبسه وملكه و
امساكه وبيعه وثمنه وجميع التقلب فيه).
فعلى هذا لبس جلود الميتة حرام: سواء كان في حال الصلاة أو غيرها، ولما كان
ارتكاب المحرم منكرا والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كان لبس جلود الميتة مانعا
من الصلاة.
(2) الاحتجاج: 275، ووجه الحديث ما مر سابقا من أن ملاك عدم الجواز في
لبس الحرير والذهب قوله تعالى (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها
حرير) ولا ريب أن الذي وعد المتقون من أساور الذهب ولباس الحرير هو الخالص غير
المغشوش، فإذا كان اللباس من الحرير المغشوش أو الذهب قليل العيار لم يكن في التمتع
بها في حياتنا الدنيا مانعا، وهذا بخلاف جلود الميتة إذ اكف بها جيب اللباس وكمه و
ذيله فان مانعية الميتة كانت على الاطلاق وبحسب الفرض ولبس الحرير مانعيته بحكم السنة
من أدب النبي صلى الله عليه وآله، وسيمر عليك أحاديث تشير إلى ذلك.
238

بيان لا خلاف بين علماء الاسلام في عدم جواز لبس الحرير المحض
للرجال في الصلاة وغيرها، ودلت عليه أخبار كثيرة، وذهب علماؤنا إلى بطلان
الصلاة فيه، ونقلوا عليه الاجماع، ولا فرق بين أن يكون ساترا أو غيره، ونسب
المحقق والعلامة عدم الفرق إلى المرتضى والشيخين وأتباعهم، والتحريم والبطلان
مخصوصا بحال الاختيار، أما في حال الضرورة كدفع الحر والبرد فلا، بلا خلاف
وكذا في حال الحرب وإن لم تكن ضرورة.
ثم المعتبر في التحريم كون الحرير محضا ولو خيط الحرير بغيرة لم يخرج
عن التحريم، وأظهر في المنع لو كانت البطانة حريرا وحدها أو الظهارة، وأما
الحشو بالإبريسم فذهب الأكثر إلى التحريم، ومال الشهيد في الذكرى إلى
الجواز، لرواية ورد فيها تجويز الحشو بالقز، وحمله الصدوق على قز الماعز
وهو بعيد، والجواز متجه لعدم تحقق الاجماع على التحريم، وإن كان كلام
الفاضلين موهما له، وقد أجمع الأصحاب ودلت الاخبار على أن المحرم إنما
هو الحرير المحض، أما الممتزج بغيره فالصلاة فيه جائزة، سواء كان الخليط
أقل أو أكثر، ولو كان عشرا كما نص عليه في المعتبر، ما لم يكن مستهلكا بحيث
يصدق على الثوب أنه إبريسم محض، فإنه ورد في الأخبار الكثيرة حصر المحرم في
الحرير المحض أو المبهم، فما ورد هذا الخبر من ذكر السدى أو اللحمة لعله على
المثال أو على الاستحباب، وكذا تخصيص الخليط بالقطن والكتان، فلو كان صوفا
أو فضة أو غيرهما يصدق عليه أنه ليس بحرير محض.
وفي القاموس الوشي نقش الثوب، ويكون من كل لون، ووشى الثوب
كوعى وشيا وشية حسنة نمنمه ونقشه وحسنه كوشاه وفي المصباح المنير: وشيت
الثوب وشيا من باب وعد رقمته ونقشته، فهو موشى، والأصل على مفعول، والوشي
نوع من الثياب الموشية تسمية بالمصدر، وقال: القز معرب، قال الليث هو
ما يعمل منه الإبريسم، ولهذا قال بعضهم القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق.
2 - قرب الإسناد وكتاب المسائل: بسنديهما عن علي بن جعفر، عن أخيه
239

عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له لبس الطيلسان فيه الديباج والبركان
عليه حرير قال: لا (1).
وسألته عن الديباج هل يصلح لبسه للنساء قال: لا بأس (2).
توضيح: الديباج معرب ديباه وفي المصباح المنير الديباج ثوب سداه ولحمته
إبريسم، ويقال: هو معرب ثم كثر حتى اشتقت العرب منه، فقالوا: دبج
الغيث الأرض دبجا من باب ضرب إذا سقاها فأنبتت أزهارا مختلفة، لأنه عندهم اسم
للمنقش، واختلف في الياء فقيل زائدة ووزنه فيعال، ولهذا يجمع بالياء فيقال
دبابيج، وقيل هو أصل والأصل دباج بالتضعيف، فأبدل من أحد المضعفين حرف
العلة، ولهذا يرد في الجمع إلى أصله، وقال الفيروزآبادي يقال: للكساء الأسود
البركان والبركاني مشددتين انتهى، وظاهره أنه إذا كان بعض أجزاء الثوب
حريرا (3) لا تجوز الصلاة فيه.
والظاهر في الزر إذا كان حريرا الجواز، لما رواه الشيخ في الصحيح (4)
عن يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بالثوب أن يكون سداه
وزره وعلمه حريرا، وإنما كره الحرير المبهم للرجال.
وأما الكف (5) به بأن يجعل في رؤس الأكمام والذيل وحول الزيق (6)

(1) قرب الإسناد ص 118 ط حجر. 159 ط نجف كتاب المسائل المطبوع في البحار
ج 10 ص 263.
(2) قرب الإسناد ص 101 ط حجر، 134 ط نجف، البحار ج 10 ص 263.
(3) بل الثوب البركاني كله إبريسم، فإنه معرب پرنيان وهو الحرير المنقش في
غاية اللطافة يجلب من الصين، وقد عربوها بصور مختلفة: برنكان كزعفران، برنكانى
كزعفراني وبركاني وبركان بابدال النون راء وادغامه في الراء الأولى مشددتين.
(4) التهذيب ج 1 ص 195.
(5) هو الخياطة الثانية بعد الشل كخياطة الحاشية.
(6) الزيق من القميص: ما أحاط منه بالعنق، وما كف جانبه الجيب.
240

والجيب فالمعروف بين الأصحاب جوازه، واستدل عليه الفاضلان بما رواه العامة عن عمر أن
النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع ومن طريق الأصحاب
ما رواه جراح المدائني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف
بالديباج، والرواية مجهولة غير دالة على الجواز، لان الكراهة في عرف الحديث
تطلق على معنى شامل للحرمة كما لا يخفى على المتتبع، وكونها حقيقة في المعنى
المصطلح غير واضح، بل بعض المحدثين يستدلون بها إذا ورد في الحديث على التحريم
وهو إفراط، والحق أنه لا يفهم منها التحريم والكراهة المصطلحة، إلا بالقرينة،
على أن الرواية معارضة بما دل على تحريم لبس الحرير مطلقا.
وربما يستدل عليه بفحوى رواية يوسف المتقدمة، قيل: وربما ظهر من
عبارة ابن البراج المنع من ذلك، والاحتياط يقتضيه، وقال الشهيد الثاني - ره -:
التحديد بأربع أصابع ورد في أحاديث العامة، ولم نقف على تحديده في أخبارنا،
وللتوقف فيه مجال وهو حسن، ثم على تقدير اعتباره فالمعتبر أربع أصابع
مضمومة.
ثم اختلفوا فيما لا يتم الصلاة فيه منفردا إذا كان من حرير فالمشهور الجواز
وذهب المفيد والصدوق وابن الجنيد إلى المنع، وقواه في المختلف، وبالغ الصدوق
في الفقيه، فقال: لا تجوز الصلاة في تكة رأسها من إبريسم، والثاني أحوط، ولعله
أقوى أيضا إذ الاخبار مختلفة، وأخبار المنع أكثر وأقوى سندا.
وأما ما ورد في الخبر من جواز لبس الحرير للنساء فقد أجمع المسلمون
عليه كما نقله جماعة، واختلف في جواز اللبس لهن في حال الصلاة، فذهب الأكثر
إلى الجواز، والصدوق إلى المنع لبعض الأخبار الواردة في ذلك، وسيأتي بعضها
ولعل الجواز أقوى، وبحمل أخبار المنع على الكراهة، وإن كان الترك أحوط،
وفي الخنثى إشكال والأحوط المنع، وإن كان الجواز أقوى.
3 - العلل: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن

(1) الكافي ج 6 ص 454.
241

الحسن، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال
النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره
لنفسي، فلا تتختم بخاتم ذهب، فإنه زينتنا في الآخرة، ولا تلبس القرمز فإنه
من أردية إبليس، ولا تركب بميثرة حمراء فإنها من مراكب إبليس، ولا تلبس
الحرير فيحرق الله جلدك يوم القيامة (1).
بيان: في القاموس القرمز بالكسر صبغ أرمني يكون من عصارة دود تكون
في آجامهم انتهى، ويدل على المنع من الصلاة في الثوب المصبوغ به، وحمل على
الكراهة ولا يضر كونه حيوانا غير مأكول اللحم إذ لا نفس له، مع أن المتبادر
منه أن يكون له لحم، وذهب أبو الصلاح وابن إدريس وابن الجنيد إلى كراهة
الصلاة في مطلق الثوب الشديد اللون، وإليه ينظر كلام المبسوط، ومال إليه الشهيد
في الذكرى، وقال: إن كثيرا من الأصحاب اقتصروا على السواد والمعصفر والمزعفر
والمشبع بالحمرة، وأما الألوان الضعيفة فالمستفاد من كلام الأصحاب عدم
كراهتها مطلقا.
وقال بعض المحققين: ولا يبعد استثناء السواد منها، فيحكم بكراهته، وإن
كان ضعيفا لاطلاق الأخبار الواردة فيه، وهو حسن، إذا صدق عليه السواد، وقد
استثنوا من السواد الخف والعمامة والكساء لورود الاخبار به.
وقال ابن الأثير في النهاية: فيه أنه نهى عن ميثرة الأرجوان الميثرة بالكسر
مفعلة من الوثارة، يقال وثر وثارة فهو وثير أي وطئ لين، وأصلها موثرة، فقلبت
الواو ياء لكسرة الميم، وهي من مراكب العجم تعمل من حرير أو ديباج، والأرجوان
صبغ أحمر ويتخذ كالفراش الصغير، ويحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب تحته
على الرحال فوق الجمال، ويدخل فيه مياثر السرج لان النهي يشمل كل ميثرة
حمراء، سواء كان على رحل أو سرج انتهى.
والعامة حملوا النهي على التحريم حملا له على الحرير، وذهب أصحابنا

(1) علل الشرايع ج 2 ص 37.
242

إلى الكراهة للونها، سواء كانت من حرير أم لا، إذ لا يحرم الركوب على الحرير
على المشهور والأحوط ترك الملون بهذا اللون مطلقا، سواء كان متصلا بالسرج
أو غشاء فوقه أو فراشا محشوا يجعل فيه، ويدل الخبر على حرمة لبس الحرير
للرجال مطلقا.
4 - العيون: عن جعفر بن نعيم بن شاذان، عن عمه محمد بن شاذان، عن الفضل
ابن شاذان، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت الرضا عليه السلام [عن الصلاة]
في الثوب المعلم فكره ما فيه تماثيل (1).
بيان: يدل على عدم كراهة الصلاة في المعلم، والكراهة فيما فيه تماثيل
ولا خلاف ظاهرا بين الأصحاب في رجحان الاجتناب عن التماثيل والصورة في الخاتم
والثوب، والحق به السيف، والخلاف في مقامين:
الأول: المشهور بين الأصحاب كراهة الصلاة فيما ذكر، وقال الشيخ في
المبسوط: الثوب إذا كان فيه تماثيل وصور لا تجوز الصلاة فيه، وقال: فيه لا يصلى
في ثوب فيه تماثيل ولا في خاتم كذلك وكذا في النهاية وحرم ابن البراج الصلاة
في الخاتم الذي فيه صورة، ولم يذكر الثوب، والأشهر أقرب، وإن كان الأحوط
الترك.
الثاني: ظاهر الأكثر عدم الفرق بين صور الحيوان وغيره، وقال ابن إدريس:
إنما تكره الصلاة في الثوب الذي عليه الصور والتماثيل من الحيوان وأما صور غير
الحيوان فلا بأس، وما ذكره الأكثر وإن كان أوفق بكلام اللغويين، فان أكثرهم
فسروا الصورة والمثال والتمثال بما يعم ويشمل غير الحيوان أيضا لكن ظاهر إطلاق
أكثر الاخبار التخصيص، ففي بعض الروايات الواردة في خصوص هذا المقام مثال
طير أو غير ذلك، وفي بعضها صورة إنسان وفي بعضها تمثال جسد، وعن أبي جعفر
عليه السلام قال: (إن الذين يؤذون الله ورسوله) (2) هم المصورون يكلفون يوم

(1) عيون الأخبار ج 2 ص 18 في حديث طويل.
(2) الأحزاب: 57.
243

القيامة أن ينفخوا فيها الروح (1) وفي خبر المناهي عن النبي صلى الله عليه وآله من صور
صورة كلفه الله تعالى يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ (2) وفي الخصال عن
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صور صورة كلف أن ينفخ فيها وليس
بفاعل، الخبر (3).
فهذه الأخبار وأمثالها تدل على إطلاق التمثال والصورة على ذي الروح،
وقد وردت أخبار كثيرة تتضمن جواز عمل صور غير ذي الروح، ولا يخلو من
تأييد لذلك.
وكذا ما ورد في جواز كونها في البيت فقد روى الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن جبرئيل أتاني فقال إنا معشر الملائكة لا ندخل
بيتا فيه كلب ولا تمثال جسد، ولا إناء يبال فيه (4).
وفي الموثق عنه عليه السلام في قول الله عز وجل (يعملون له ما يشاء من محاريب
وتماثيل) (5) فقال: والله ما هي تماثيل الرجال والنساء، ولكنها الشجر
وشبهه (6).
وفي الحسن كالصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس بأن يكون التماثيل
في البيوت إذا غيرت رؤسها منها، وترك ما سوى ذلك (7).
وفي الصحيح عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الدار
والحجرة فيها التماثيل أيصلى فيها؟ قال: لا يصلى فيها وشئ يستقبلك إلا أن
لا تجد بدا فتقطع رؤسهم وإلا فلا تصل فيها (8).

(1) راجع المحاسن ص 616.
(2) أمالي الصدوق ص 254.
(3) الخصال ج 1 ص 54.
(4) الكافي ج 3 ص 393.
(5) السبأ: 12.
(6) الكافي ج 6 ص 527.
(7) الكافي ج 6 ص 527.
(8) الكافي ج 6 ص 527.
244

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال جبرئيل عليه السلام: يا رسول الله إنا لا ندخل
بيتا فيه صورة إنسان (1) الخبر.
وروى الطبرسي في المكارم عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس
أن تكون التماثيل في البيوت إذا غيرت الصورة (2).
ووجه الدلالة في الجملة في تلك الأخبار غير نقى وسيأتي بعضها في أبواب
المكان وقد صرح بعض اللغويين أيضا بما ذكرنا قال المطرزي في المغرب: التمثال
ما تصنعه وتصوره مشبها بخلق الله من ذوات الروح، والصورة عام، ويشهد لهذا
ما ذكر في الأصل أنه صلى وعليه ثوب فيه تماثيل كره له ذلك، قال: وإذا قطعت
رؤسها فليس بتماثيل، وقوله عليه السلام لا تدخل الملائكة بيتا فيه تماثيل أو تصاوير
كأنه شك من الراوي، وأما قولهم ويكره التصاوير والتماثيل، فالعطف للبيان
وأما تماثيل شجر فمجاز إن صح، وقال في المصباح المنير: المثال الصورة المصورة
وفي ثوبه تماثيل أي صور حيوانات مصورة.
وقال في الذكرى: وخص ابن إدريس الكراهية بتماثيل الحيوان لا غيرها،
كالأشجار ولعله نظر إلى تفسير قوله تعالى (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل)
فعن أهل البيت عليهم السلام أنها كصور الأشجار، وقد روى العامة في الصحاح أن رجلا
قال لابن عباس: إني أصور هذه الصور فأفتني فيها، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم
وقال: إن كنت لابد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له.
وفي مرسل ابن أبي عمير (3) عن الصادق عليه السلام في التماثيل في البساط لها عينان
وأنت تصلي، فقال: إن كان لها عين واحدة فلا بأس وإن كان لها عينان فلا، وعن محمد

(1) الكافي ج 6 ص 528.
(2) مكارم الأخلاق ص 153.
(3) الكافي ج 3 ص 392.
245

ابن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت
الصورة منه، وأكثر هذه يشعر بما قاله ابن إدريس وإن أطلقه كثير من الأصحاب
انتهى.
أقول: مع قطع النظر عن دلالة تلك الأخبار على تخصيص مدلول التماثيل
والصورة نقول إذا جاز الصلاة وزالت الكراهة بمحض النقص في عضو من الحيوان
مع أن سائر أجزائه مماثلة لما وجد منها في الخارج فالشجر وأمثاله أولى بالجواز
وبالجملة الجزم بالتعميم مع ذلك مشكل مع تأيد التخصيص لأصل البراءة، و
مناسبته للشريعة السمحة، ولقوله تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) (2) وإن
كان الأحوط ترك لبس المصور مطلقا.
وأما الأخبار الدالة على الجواز فكثيرة منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن
محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يصلي وفي ثوبه دراهم فيها تماثيل
فقال: لا بأس بذلك (3).
وروى الكليني في الصحيح عن البزنطي، عن الرضا عليه السلام أنه أراه خاتم
أبي الحسن عليه السلام وفيه وردة وهلال في أعلاه (4).
والأخبار الواردة بلفظ الكراهة ولا أشتهي ولا أحب كثيرة وروي في الصحيح
عن زرارة، عن أبي جعفر قال: لا بأس بتماثيل الشجر (5).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن تماثيل
الشجر والشمس والقمر، فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان (6).
وقال في المنتهى: لو غير الصورة من الثوب زالت الكراهية وذكر صحيحة محمد

(1) التهذيب ج 1 ص 240.
(2) الأعراف: 29،
(3) التهذيب ج 1 ص 240.
(4) الكافي ج 6 ص 437.
(5) راجع المحاسن ص 619.
(6) راجع المحاسن ص 619.
246

ابن مسلم التي رواها في الذكرى.
5 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن القاسم
ابن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة
في ثوبه، وهو يصلي، ويجوز أن تكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف
ويجعلها إلى ظهره (1).
توضيح: ما دل عليه من كراهة استصحاب الدراهم التي فيها صورة في الصلاة
هو المشهور بين الأصحاب، وتزول أو تخف الكراهة بشدها في ثوب أو هميان
وشدها في وسطه، بحيث تكون الدراهم خلفه، لا بمعنى أن يضعها خلفه، كما فهم
ولعل النكتة في ذلك أنها إذا كانت خلفه ولم تكن بينه وبين القبلة، كان أبعد
من توهم العبادة لها، ومشابهة عبادة الأصنام.
ويؤيده ما رواه الصدوق في الفقيه (2) بسنده الحسن أنه سأل عبد الرحمان
ابن الحجاج أبا عبد الله عليه السلام عن الدراهم السود تكون مع الرجل وهو يصلي،
مربوطة أو غير مربوطة؟ قال: ما أشتهي أن يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها التماثيل
ثم قال عليه السلام: ما للناس بد من حفظ بضائعهم فان صلى وهي معه فليكن من خلفه،
ولا يجعل شيئا منها بينه وبين القبلة.
وقال العلامة في المنتهى: لو كانت معه دراهم فيها تماثيل استحب له أن
يواريها عن نظره، لما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الدراهم السود فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه؟ فقال:
لا بأس بذلك إذا كانت مواراة (3) وعن ليث المرادي، عن أبي عبد الله عليه السلام
وإذا كانت معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها بين يديك، واجعلها من

(1) الخصال ج 2 ص 165.
(2) فقيه من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 166 ط نجف.
(3) التهذيب ج 1 ص 240.
247

خلفك (1) انتهى.
والخبر الأخير يحتمل أن يكون المراد به وضعها خلفه لما ذكر، أو لعدم
شغل القلب به، ولعله محمول على ما إذا لم يخف التلف، فان معه يكون شغل
القلب أكثر.
6 - العلل والخصال: بالاسناد المتقدم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون (2).
7 - المحاسن: عن بعض أصحابه، عن ابن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يكون معي الدراهم فيها تماثيل وأنا محرم،
فأجعلها في همياني وأشد في وسطي؟ قال: لا بأس، أوليس هي نفقتك تعينك
بعد الله (3).
8 - الخصال: عن أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي السكري
عن محمد بن زكريا البصري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر الجعفي
عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجوز للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام
وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد، ويجوز أن تتختم بالذهب وتصلي فيه،
وحرم ذلك على الرجال (4).
قال النبي صلى الله عليه وآله يا علي: لا تتختم بالذهب فإنه زينتك في الجنة، ولا تلبس
الحرير فإنه لباسك في الجنة (5).
9 - غوالي اللئالي: قال النبي صلى الله عليه وآله: مشيرا إلى الذهب والحرير: هذان
محرمان على ذكور أمتي دون إناثهم.

(1) التهذيب ج 1 ص 240.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 35، الخصال ج 2 ص 158.
(3) المحاسن ص 358.
(4) الخصال ج 2 ص 142 في حديث طويل.
(5) الخصال ج 2 ص 142 في حديث طويل.
248

10 - كتاب العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم: لا يصلى في الديباج، و
لا يصلى في ثوب أسود، ولا على ثوب عليه اسم الله كثيرا، ولا على ثوب فيه
تصاوير.
ثم قال: والعلة في أن لا يصلي في الإبريسم لأنه من لعاب الدود.
والدود ميتة!
11 - كتاب المسائل وقرب الإسناد: بسنديهما عن علي بن جعفر، عن أخيه
عليه السلام قال: سألته عن الخلاخل هل يصلح لبسها للنساء والصبيان؟ قال: إن
كن صماء فلا بأس، وإن كان لها صوت فلا (1).
بيان: المشهور بين الأصحاب كراهة الخلخال المصوت للمرأة، وهذا
الخبر في سائر الكتب مروي بسند صحيح (2) ولا اختصاص له بحال الصلاة، بل
المستفاد منه الكراهة مطلقا، وقال ابن البراج على ما حكي عنه لا تصح الصلاة في
خلاخل النساء إذا كان لها صوت، والأظهر الكراهة لقصور الرواية عن إفادة
التحريم.
12 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى
الأشعري، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قلت له: أصلي في قلنسوة سوداء؟ قال: لا تصل فيها، فإنها لباس أهل
النار (3).
13 - ومنه: بالاسناد المتقدم عن الأشعري رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكره السواد إلا في ثلاثة: العمامة والخف
والكساء (4).

(1) قرب الإسناد: 101 ط حجر، 134 ط نجف، البحار ج 10 ص 263.
(2) الكافي ج 3 ص 404، الفقيه ج 1 ص 165.
(3) علل الشرائع ج 2 ص 25.
(4) علل الشرايع ج 2 ص 36.
249

14 - رجال الكشي: الخلف بن حماد، عن سهل بن زياد، عن علي بن
الحكم، عن علي بن المغيرة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كأني بعبد الله بن شريك
العامري عليه عمامة سوداء، ذؤابتاها بين كتفيه مصعدا في لحف الجبل بين يدي
قائمنا أهل البيت في أربعة آلاف يكبرون ويكرون (1).
بيان: قال الفيروزآبادي: اللحف بالكسر أصل الجبل.
15 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن بن فضال
عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد، قال: لا، ولا يتختم به الرجل، لأنه من
لباس أهل النار (2).
وقال لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه، لأنه من لباس أهل الجنة (3).

(1) رجال الكشي ص 190 تحت الرقم: 97.
(2) قال الله عز وجل: (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار... ولهم مقامع
من حديد) الحج: 20 - 22، والمراد بالثياب من النار الحديد والقطر والنحاس المحترقة
بالنار بقرينة قوله (قطعت) ومثله قوله تعالى: (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد *
سرابيلهم من قطران) إبراهيم: 50 وقوله تعالى: (خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه *
ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) الحاقة: 30 - 32، وغير ذلك من الآيات التي
تشير إلى أن الحديد وما شابهه لباس أهل النار، فكما نهى النبي صلى الله عليه وآله ان يبتدروا إلى لباس
أهل الجنة في الدنيا، بقية لهم في نعيم الآخرة، كذلك نهى أن يلبسوا لباس أهل النار
فيعجلوا إلى عذابه كأنهم غير مبالين بهذا العذاب.
هذا إذا كان الحديد صيقليا أو مموها بالاستيل ونحوه، وأما إذا كان ذا خبث ظاهر
فهو خبيث غير طاهر لا يليق لبسه في الصلاة كما قال صلى الله عليه وآله (ما طهرت كف فيها خاتم حديد).
(3) علل الشرائع ج 2 ص 37.
250

بيان: اشتمل الخبر على حكمين أحدهما المنع من لبس خاتم الحديد في
الصلاة، والمشهور بين الأصحاب كراهة استصحاب الحديد ظاهرا فيها، وقال
الشيخ في النهاية: ولا تجوز الصلاة إذا كان مع الانسان شئ من حديد مشهر،
مثل السكين والسيف، وإن كان في غمد أو قراب فلا بأس بذلك، وعن ابن البراج أنه
عد ثوب الانسان إذا كان فيه سلاح مشهر مثل سكين أو سيف مما لا يصح الصلاة
فيه على حال، قال: وكذلك إذا كان في كمه مفتاح حديد إلا أن يلفه بشئ، و
إذا كان معه دراهم سود إلا أن يلفه في شئ ولعل الكراهة أقوى، لضعف الاخبار
وعدم صراحتها في التحريم وقال المحقق وتسقط الكراهة مع ستره وقوفا بالكراهة
على موضع الوفاق ممن كرهه، وهو قريب لدلالة بعض الأخبار عليه.
وثانيهما المنع عن لبس الخاتم من الذهب والصلاة فيه، فأما تحريم لبس
الذهب للرجال فلا خلاف فيه، وإنما الخلاف في بطلان الصلاة فيما لا تتم فيه
كالخاتم منه مثلا، وذهب العلامة والأكثر إلى البطلان، وقوى المحقق عدمه،
قال في الذكرى: الصلاة في الذهب حرام على الرجال فلوموه به ثوبا وصلى فيه
بطل، بل لو لبس خاتما منه وصلى فيه بطلت صلاته، قاله الفاضل للرواية، ولان فعل
المنهى عنه مفسد للعبادة، وقوى في المعتبر عدم الابطال بلبس خاتم من ذهب،
لاجرائه مجرى لبس خاتم مغصوب، والنهي ليس عن فعل من أفعال الصلاة، ولا
عن شرط من شروطها.
ثم قال الشهيد - ره -: لوموه الخاتم بذهب فالظاهر تحريمه لصدق اسم
الذهب عليه، نعم لو تقادم عهده حتى اندرس وزال مسماه جاز، ومثله الاعلام على
الثياب من الذهب أو المموه به، في المنع من لبسه والصلاة فيه، قال أبو الصلاح:
يكره الصلاة في الثوب المصبوغ وآكده كراهية الأسود، ثم الأحمر المشبع، و
المذهب، والموشح والملحم بالحرير والذهب، قال: والأفضل الثياب البياض،
والتحريم أحوط وأقوى.
16 - العلل: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن
251

هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يصلي الرجل في خاتم حديد (1).
17 - الاحتجاج: كتب الحميري إلى القائم عليه السلام يسأله عن الرجل في
كمه أو سراويله سكين أو مفتاح من حديد هل يجوز ذلك؟ فكتب عليه السلام جائز (2).
18 - غيبة الشيخ: عن محمد بن أحمد بن داود، عن أحمد بن إبراهيم النوبختي
عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري مثله (3).
بيان: يدل على أن النهي في سائر الأخبار على الكراهة، ويحتمل أن يكون
التجويز فيه لعدم كونه بارزا.
19 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن الثوب فيه التماثيل أو علمة أيصلى فيه؟
قال: لا (4).
أقول: رواه في المحاسن عن موسى بن القاسم، عن أبيه، قال: سألته عن الثوب يكون
فيه تماثيل أو في علمه أيصلى فيه؟ قال: لا يصلى فيه (5).
20 - قرب الإسناد: بالاسناد عن علي بن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن
الخاتم يكون فيه نقش تماثيل سبع أو طير أيصلى فيه؟ قال: لا بأس (6).
بيان: يدل على أن أخبار النهي محمولة على الكراهة، ورواه في كتاب
المسائل (7) وفيه قال: لا، فيؤيد سائر الأخبار، والاعتماد على نسخ قرب الإسناد

(1) علل الشرائع ج 2 ص 37.
(2) الاحتجاج ص 270.
(3) غيبة الشيخ ص 249.
(4) قرب الإسناد ص 86 ط حجر.
(5) المحاسن: 617.
(6) قرب الإسناد ص 97 ط حجر.
(7) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 259.
252

أكثر، مع أنه رواه ابن إدريس (1) في السرائر من قرب الإسناد موافقا لما في
النسخ.
21 - فقه الرضا: قال عليه السلام: لا تصلى في ديباج، ولا في حرير، ولا وشي
ولا في ثوب إبريسم محض، ولا في تكة إبريسم، وإذا كان الثوب سداه إبريسم و
لحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيها، ولا تصل في جلد الميتة على
كل حال، ولا في خاتم ذهب، ولا تشرب في آنية الذهب والفضة، ولا تصل على شئ
من هذه الأشياء إلا ما يصلح لبسه (2).
وقال عليه السلام: اعلم يرحمك الله أن كل شئ أنبتته الأرض فلا بأس بلبسه
والصلاة فيه (3).
ذبيان: النهي عن الوشي إما على الكراهة أو لكونه غالبا من الحرير، وقوله
ولا تصل ظاهره تحريم افتراش الحرير والذهب، وسائر ما لا يجوز الصلاة فيه
حال الصلاة، والمشهور جواز الركوب على الحرير والافتراش له، وحكى في
المختلف عن بعض المتأخرين القول بالمنع، وتردد فيه في المعتبر، ولعل الجواز
أقرب، وفي حكم الافتراش التوسد، وأما الالتحاف ففيه إشكال، والأشهر الجواز
وأما التدثر فقال الشهيد الثاني - ره -: إنه كالافتراش، وحكم بعض المتأخرين
عنه بتحريمه لصدق اللبس عليه، والأحوط ترك الالتحاف والتدثر لا سيما الأخير.
22 - قرب الإسناد عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق
عن أبيه عليهما السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن سبع: عن التختم بالذهب، والشرب في
آنية الذهب، والفضة، وعن المياثر الحمر، وعن لباس الإستبرق والحرير والقز
والأرجوان (4).

(1) السرائر ص 480.
(2) فقه الرضا ص 16.
(3) فقه الرضا ص 41،
(4) قرب الإسناد ص 34 ط حجر ص 48 ط نجف.
253

23 - أربعين الشهيد: باسناده عن الشيخ، عن ابن أبي جيد، عن محمد بن
الوليد، عن الحميري مثله.
24 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته
عن الرجل هل يصلح له ان يتختم بالذهب؟ قال: لا (1).
25 - معاني الأخبار: عن حمزة بن محمد العلوي، عن علي بن إبراهيم، عن
أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيد الله بن علي الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال علي عليه السلام: نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أقول نهاكم عن
التختم بالذهب، وعن ثياب القسي، وعن مياثر الأرجوان، وعن الملاحف المفدمة
وعن القراءة وأنا راكع، قال حمزة بن محمد: القسي ثياب يؤتى بها من مصر فيها
حرير (2).
26 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد وعبد الله ابني محمد
ابن عيسى، عن محمد بن أبي عمير مثله (3).
27 - ومنه: باسناده إلى البراء بن عازب قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن سبع
نهانا أن نتختم بالذهب وعن الشرب في آنية الذهب والفضة وقال: من شرب فيها
في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة (4) وعن ركوب المياثر، وعن لبس القسي

(1) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 274.
(2) معاني الأخبار ص 301. وزاد بعده: وأصحاب الحديث يقولون: القسي
- بكسر القاف - وأهل مصر يقولون: القسي تنسب إلى بلاد يقال لها القس، هكذا ذكره
القاسم بن سلام، وقال: قد رأيتها ولم يعرفها الأصمعي.
(3) الخصال ج 1 ص 139.
(4) وهذا النهى أيضا من أدبه صلى الله عليه وآله على ما مر شرحه، بيانه قوله عز وجل
(ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون * يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب،
الزخرف: 71، وقوله تعالى: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا * متكئين فيها على
الأرائك... ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير قوارير من فضة
قدروها تقديرا) الانسان: 12 - 16، فالشرب من أواني الذهب والفضة ولباس الحرير
كالاتكاء على الأرائك، من نعيم أهل الجنة أعدت لهم نزلا، وأدب الموعود يقتضى أن يزهد
عنها في هذه الدنيا حتى ينزل عليها في الدار الآخرة ويتنعم بها، وأما الذي تنعم بها قبل
الميعاد زاهدا فيها طيلة حياته الدنيا فكأنه رغب عن نعيم الآخرة ورضى بالحياة الدنيا
من الآخرة.
254

وعن لبس الحرير والديباج والإستبرق (1).
بيان: قال في النهاية: فيه أنه نهى عن لبس القسي هي ثياب من كتان
مخلوط حرير يؤتى بها من مصر، نسبت إلى قرية على ساحل البحر قريبا من تنيس
يقال لها: القس بفتح القاف، وبعض أهل الحديث يكسرها، وقيل أصل القسي
القزي بالزاي منسوب إلى القز، وهو ضرب من الإبريسم، فأبدل من الزاء
سينا، وقيل هو منسوب إلى القس وهو الصقيع لبياضه انتهى.
وقال بعض شراح البخاري: هو بمهملة وتحتية مشددتين، وفسر بثياب
مضلعة فيها حرير مثل الاترنج أو كتان مخلوط بحرير، وقال في الذكرى: بفتح
القاف وتشديد السين المهملة المنسوب إلى القس موضع، وهي من ثياب مصر فيها
حرير انتهى، ولما كان ظاهر كلام الأكثر عدم كونه حريرا محضا، فالنهي محمول
على الكراهة للونه، أو لكونه مخلوطا على ما قيل من كراهة المخلوط مطلقا، وإن
لم يثبت، والمفدم يظهر من الجوهري والفيروز آبادي وغيرهما أنه المشبع
بالحمرة، ومن بعضهم أنه المشبع بأي لون كان وبالنظر إلى المعنى الثاني كره
الشيخ وجماعة الصلاة في الثياب المفدمة بأي لون كان كما مر قال في الذكرى:
وفي المبسوط ولبس الثياب المفدمة بلون من الألوان، والتختم بالحديد مكروه
في الصلاة، فظاهره كراهية المشبع مطلقا واختاره أبو الصلاح وابن الجنيد وابن
إدريس، والأولى حمل رواية حماد عليه، والتخصيص بالحمرة أخذه المحقق من
ظاهر كلام الجوهري انتهى.

(1) الخصال ج 2 ص 1.
255

وقال الفيروزآبادي: الإستبرق الديباج الغليظ معرب استبروة، أو ديباج
يعمل بالذهب، أو ثياب حرير صفاق نحو الديباج أو قدة حمراء كأنها قطع
الأوتار.
28 - قرب الإسناد: عن محمد بن عبد الحميد وعبد الصمد بن محمد جميعا، عن
حنان بن سدير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام:
إياك أن تتختم بالذهب، فإنه حليتك في الجنة، وإياك وأن تلبس القسي (1).
29 - الاحتجاج وغيبة الشيخ: عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه
كتب إلى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الفص الخماهن، هل تجوز فيه الصلاة
إذا كان في أصبعه؟ فكتب الجواب: فيه كراهية أن يصلى فيه، وفيه إطلاق، والعمل
على الكراهية (2).
بيان: الخماهن بالضم كلمة فارسية، قالوا حجر أسود يميل إلى الحمرة،
فالظاهر أنه الحديد الصيني (3) وقيل: فيه سواد وبياض، وفي بعض نسخ الاحتجاج
الجوهر بدل الخماهن ولعله تصحيف، وعلى تقديره فهو محمول على غير الجواهر
التي يستحب التختم بها.
أقول: قد مر الاخبار في أبواب آداب اللباس، وسيأتي بعضها في باب
حكم النساء في الصلاة.

(1) قرب الإسناد ص 66 ط نجف ص 47 ط حجر.
(2) الاحتجاج ص 270، غيبة الشيخ الطوسي ص 248.
(3) وقال في البرهان بعد تعريفه بأنه حجر صلب أسود يضرب إلى الحمرة يسحق
للأورام الصفراوية: انه نوع من الحديد يقال له بالعربية حجر حديدي وصندل حديدي.
256

[6]
(باب)
* (الصلاة في الثوب النجس أو ثوب أصابه) *
* (بصاق أو عرق أو ذرق، وحكم ثياب الكفار،) *
* (وما لا يتم فيه الصلاة) *
الآيات: المدثر: وثيابك فطهر (1).
تفسير: المتبادر تطهير الثياب من النجاسات فيجب في جميع الأحوال إلا
ما أخرجه الدليل، ومنها حال الصلاة، وفسر في الروايات بالتشمير، فيستفاد منه
التطهير أيضا، إذ التعبير عن التشمير بالتطهير يومي إلى أن الغرض منه عدم تنجس
الثوب، وقيل المراد طهر نفسك عن الرذائل أولا تلبسها على معصية ولا غدر، وهما
مدفوعان بأن المجاز لا يصار إليه إلا لقرينة أو نص نعم يمكن أن يقال: لعل المراد
به التنظيف بناء على عدم ثبوت الحقايق الشرعية فتأمل.
1 - قرب الإسناد: عن الحسن بن طريف، عن الحسين بن علوان، عن الصادق
عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام سئل عن البزاق يصيب الثوب، فقال: لا بأس به (2).
وقال: إن عليا عليه السلام كان لا يرى بالصلاة باسا في الثوب الذي يشترى من النصارى
والمجوسي واليهودي قبل أن يغسل يعني الثياب التي تكون في أيديهم فيحبسونها،
وليست بثيابهم التي يلبسونها (3).

(1) المدثر: 4، والآية من المتشابهات بأم الكتاب: ظاهره الاستقلال وأنه واجب
الاتباع على الاطلاق، وليس كذلك، بل هو سنة في فريضة بتأويل النبي صلى الله عليه وآله
وأهل بيته ولذلك لا تبطل الصلاة بالاخلال به الا عمدا كسائر السنن التي جعلت في الصلاة.
(2) قرب الإسناد ص 42 ط حجر، 57 ط نجف وقد مر في ج 80 ص 46
وقابلنا الأخير على نسخة مخطوطة مصححة وفيه (فيجتنبونها) بمعنى يأخذونها جنبا
ولا يلبسونها.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
257

بيان: الظاهر أن قوله (يعني) كلام بعض الرواة، أو صاحب الكتاب، و
يحتمل أن يكون كلام الصادق عليه السلام والظاهر شمول البزاق لبزاق الغير، وشمول
السؤال لحال الصلاة، فيدل على جواز الصلاة في فضلات الانسان من عرقه و
نخامته وبصاقه وشعره وظفره كما هو الظاهر من أكثر الاخبار، ويظهر من كلام
بعض الأصحاب أيضا، ويشهد لذلك مصافحتهم في البلاد الحارة ومعانقتهم مع
أزواجهم مع عدم الامر بالغسل للصلاة، وعدم انفكاكهم عن العرق غالبا، قال
في المنتهى: لا بأس أن يصلي الانسان وعلى ثوبه شئ من شعره أو أظفاره وإن لم ينفضه
لأنهما طاهران لا مانع من استصحابهما في الصلاة.
ويؤيده ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن علي بن الريان قال: كتبت إلى
أبي الحسن عليه السلام: هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الانسان و
أظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقع يجوز. فإنه وإن فرض المسألة في
شعر الانسان نفسه، لكن استشهاده بالخبر يعطي العموم، وقد صرح بذلك بعض
المتأخرين ونسب الشهيد الثاني الفرق بين شعرات الانسان وغيره إلى بعض الأصحاب.
2 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يرى في ثوبه خرء الحمام أو غيره، هل يصلح
له أن يحكه وهو في صلاته؟ قال: لا بأس (2).
وسألته عن الرجل يشتري ثوبا من السوق لبيسا لا يدرى لمن كان؟ يصلح له
الصلاة فيه؟ قال إن كان اشتراه من مسلم فليصل فيه، وإن كان اشتراه من نصراني
فلا يصل فيه حتى يغسله (3).
3 - السرائر: من جامع البزنطي، عن الرضا عليه السلام مثله إلا أنه قال في آخره
لا يلبسه ولا يصل فيه (4).

(1) التهذيب ج 1 ص 241.
(2) قرب الإسناد ص 117 ط نجف 89 ط حجر.
(3) قرب الإسناد ص 126 ط نجف.
(4) السرائر ص 465.
258

بيان: ظاهر الجواب الأول جواز الصلاة في خرء الطيور، وعدم كون
الحك فعلا كثيرا، والثاني يدل على جواز الصلاة في ثوب أصابه عرق الغير، و
على نجاسة أهل الكتاب، ولعله إما محمول على العلم بالملاقات، أو النهي على
التنزيه، وقد مر القول فيه مع سائر الأخبار في كتاب الطهارة (1).
4 - قرب الإسناد: بسنده عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته
عن أكسية المرعزى والخفاف ينقع في البول أيصلى فيها؟ قال: إذا غسلت بالماء
فلا بأس (2).
بيان: المرعزى بكسر الميم والعين وتشديد الزاء المفتوحة الزغب الذي تحت
شعر العنز، والغسل في الخفاف، لعله على الاستحباب، لكونها مما لا تتم الصلاة
فيه منفردا، وقد مر تفصيل تلك الأحكام.
5 - الاحتجاج وغيبة الشيخ: بسنديهما أنه كتب الحميري إلى القائم
عليه السلام أن عندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون
لنا ثيابنا، فهل تجوز الصلاة فيها قبل أن تغسل؟ فخرج الجواب: لا بأس بالصلاة
فيها (3).
بيان: حمل على ما إذا لم يعلم ملاقاتهم لها بالرطوبة، وإن غلب الظن
بها.
6 - فقه الرضا: قال عليه السلام: إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو
الجورب أو الخف مني أو بول أو دم أو غايط فلا بأس في الصلاة فيه، وذلك أن.
الصلاة لا يتم في شئ من هذه وحده (4).
وقال عليه السلام: روي في دم الدماميل يصيب الثوب والبدن أنه قال: يجوز فيه

(1) راجع ج 80 ص 46.
(2) قرب الإسناد ص 116 ط نجف.
(3) الاحتجاج ص 270، غيبة الطوسي ص 248.
(4) فقه الرضا ص 6.
259

الصلاة، وأروي أنه لا بأس بدم البعوض والبراغيث (1).
وأروى ليس دمك مثل دم غيرك ونروي قليل البول والغائط والجنابة وكثيرها
سواء لابد من غسله إذا علم به، فإذا لم يعلم به أصابه أم لم يصبه، رش على
موضع الشك الماء، فان تيقن أن في ثوبه نجاسة ولم يعلم في أي موضع على
الثوب غسل كله (2).
ونروي أن بول ما لا يجوز أكله في النجاسة ذلك حكمه، وبول ما يؤكل لحمه
فلا بأس به (3).
بيان: قد مر الكلام في تلك الأحكام في كتاب الطهارة.
7 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته
عن رجل أصا [ب ثواب الأعمال] به خنزير فذكر وهو في صلاته [قال:] فليمض فلا بأس، وإن
لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله (4).
8 - ومنه: قال: سألته عن ثياب النصراني واليهودي أيصلح أن يصلي
فيه المسلم؟ قال: لا (5).
بيان: الجواب الأول يدل على عدم وجوب غسل ما لاقاه الخنزير يابسا
على الظاهر، والثاني محمول على العلم بالملاقاة رطبا أو على الاستحباب، كما
عرفت.
9 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
سئل علي بن أبي طالب عليه السلام عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخنافس ودماء
البراغيث، فقال: لا بأس (6).
10 - دعوات الراوندي: عن محمد بن علي عليه السلام أنه سئل عن قوله تعالى:

(1) فقه الرضا ص 41.
(2) فقه الرضا ص 41.
(3) فقه الرضا ص 41.
(4) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 256.
(5) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 262.
(6) نوادر الراوندي: لم نجده وقد مر في ج 80 ص 110 وفيه الخفافيش.
260

(وثيابك فطهر) قال: يعني فشمر، ثم قال: لا يجوز ثوبك كعبك، فان الاسبال
من عمل بني أمية.
11 - قرب الإسناد: بسنده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال:
سألته عن رجل عريان وقد حضرت الصلاة فأصاب ثوبه بعضه دم أو كله أيصلي فيه
أو يصلي عريانا؟ قال: إن وجد ماء غسله، فإن لم يجد ماء صلى فيه، ولم يصل
عريانا (1).
بيان: اختلف الأصحاب في هذه المسألة، فذهب الشيخ وأكثر الأصحاب
إلى أن من ليس معه إلا ثوب نجس، وتعذر تطهيره، نزعه وصلى عريانا موميا،
وقال ابن الجنيد: لو كان مع الرجل ثوب فيه نجاسة لا يقدر على غسلها، كان صلاته
فيه أحب إلى من صلاته عريانا، وقال العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر
بالتخيير من غير ترجيح، والاخبار في ذلك مختلفة، وجمع ابن الجنيد بينها
بحمل أخبار الصلاة عاريا على الجواز، وهذا ومثله على الاستحباب، وهذا وجه
قريب، ويؤيده أن في الصلاة عاريا يفوت أصل الشرط أعني الستر مع الركوع
والسجود والقيام، بخلاف ما إذا صلى في الثوب النجس فإنه يفوت وصف من أوصاف
الشرط، ويأتي بالأركان صحيحة وأيضا أخبار الصلاة (2) في الثوب أصح
سندا.
وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار بحمل الصلاة على صلاة الجنازة وبأن المراد
الصلاة فيه إذا لم يتمكن من نزعه، وحمل خصوص هذا الخبر على أن المراد بالدم
ما تجوز الصلاة فيه كدم السمك ولا يخفى ما في الجميع من التكلف، والأولى الصلاة
في الثوب وإن كان الأحوط الصلاة عاريا أيضا.
12 - قرب الإسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد
عليه السلام عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: السيف بمنزلة الرداء تصلي فيه

(1) قرب الإسناد ص 116 ط نجف ص 89 ط حجر.
(2) راجع التهذيب ج 1 ص 199، الكافي ج 3 ص 396.
261

ما لم تر فيه دما (1).
بيان: التقييد بعدم رؤية الدم إما على الاستحباب، أو هو مبني على اختصاص
الحكم بالملابس والأثواب، وقد مر القول فيه.
13 - دعائم الاسلام: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن الصلاة في ثياب اليهود
والنصارى والمجوس يعني التي لبسوها (2).
14 - الهداية: كل ما لا تتم الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه، إذا
أصابه قذر، مثل العمامة والقلنسوة والتكة والجورب والخف (3).
بيان: إطلاق كلامه يقتضي عدم الفرق في ما لا تتم الصلاة فيه كونه من الملابس
وغيرها، ولا في الملابس بين كونها في محالها أم لا، وإلى هذا التعميم أشار في المعتبر،
ونقل عن القطب الراوندي أنه حصر ذلك في خمسة أشياء: القلنسوة، والتكة، والخف.
والنعل، والجورب، وعن ابن إدريس أنه خص الحكم بالملابس، واختاره العلامة في
جملة من كتبه، واعتبر كونها في محالها والتعميم أظهر.
ثم اعلم أن إدخال العمامة في ذلك مما تفرد - ره - به وكأنه أخذه من الفقه (4)
ويشكل بأن أكثر العمائم مما تتم الصلاة فيها وحدها، ولعل مراده عدم تمام الصلاة
فيها مع بقاءها على تلك الهيئة، وفيه ما لا يخفى، وربما يحمل كلامه على العمامة
الصغيرة التي لا يمكن ستر العورة بها كالعصابة كما ذكره القطب الراوندي، وبالجملة
العمل بظاهره مشكل، وإن احتمله بعض المحققين من المتأخرين.

(1) قرب الإسناد ص 62 ط حجر ص 82 ط نجف.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 177.
(3) الهداية ص 15 ط الاسلامية.
(4) فقه الرضا ص 6، وقد مر تحت الرقم 6.
262

[7]
* (باب) *
* (حكم المختضب في الصلاة) *
1 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار
عن يونس، عن جماعة من أصحابنا قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام ما العلة التي من
أجلها لا يحل للرجل أن يصلي وعلى شاربه الحنا؟ قال: لأنه لا يتمكن من القراءة
والدعاء (1).
2 - ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، وغيره، عن أبان، عن مسمع بن عبد الملك قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يصلي المختضب، قلت: جعلت فداك ولم؟ قال:
إنه محصر (2).
بيان: محصر أي ممنوع عن القراءة والذكر، وبعض أفعال الصلاة، قال
في النهاية: الاحصار المنع والحبس، يقال أحصره المرض أو السلطان: إذا منعه
عن مقصده، فهو محصر، وحصره إذا حبسه فهو محصور.
3 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل والمرأة أيصلح لهما أن يصليا وهما
مختضبان بالحناء والوسمة؟ قال: إذا برز الفم والمنخر فلا بأس (3).
4 - المحاسن: عن أبيه، عن أبان، عن مسمع بن عبد الملك قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يختضب الجنب ولا يجامع المختضب، ولا يصلي المختضب

(1) علل الشرائع ج 2 ص 32.
(2) علل الشرائع ج 2 ص 42.
(3) قرب الإسناد ص 91 ط حجر، ومثله في المسائل: البحار ج 10 ص 269.
263

قلت: جعلت فداك لم لا يجامع المختضب ولا يصلي؟ قال: لأنه مختضب (1).
بيان: أي الخضاب واقعا له تأثير في المنع، وليس عليكم أن تعلموا سببه،
ولا يبعد أن يكون (لأنه محصر) فصحف، لان الراوي واحد، ويمكن الجمع
بين الاخبار بحمل أخبار المنع على ما إذا منع القراءة أو بعض الأفعال، وأخبار
الجواز على عدمه، فيكون المنع محمولا على الحرمة أو المنع على ما إذا لم يأت
بالافعال على وجه الكمال، فيكون النهي للتنزيه، فلا ينافي الجواز.
قال في المنتهى: لا با س للرجل والمرأة أن يصليا وهما مختضبان، أو
عليهما خرقة الخضاب إذا كانت طاهرة، ثم استشهد بصحيحة رفاعة (2) وخبر سهل
ابن اليسع (3) ثم قال: هذا وإن كان جائزا إلا أن الأولى نزع الخرقة وأن
يصلي ويده بارزة، واستدل بخبر الحضرمي المشتمل على المنع (4) ثم قال:
ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك لرواية عمار (5) وصحيحة علي بن جعفر (6).

(1) المحاسن ص 339.
(2) التهذيب ج 1 ص 238.
(3) التهذيب ج 1 ص 238.
(4) التهذيب ج 1 ص 237، الكافي ج 3 ص 408.
(5) التهذيب ج 1 ص 238.
(6) التهذيب ج 1 ص 238.
264

[8]
* (باب) *
* (حكم ناسي النجاسة في الثوب والجسد وجاهلها) *
(وحكم الثوب المشتبه)
1 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن زرعة، عن سماعة قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة ولم تهرق الماء، ثم
توضأت ونسيت أن تستنجي، فذكرت بعد ما صليت فعليك الإعادة، وإن كنت أهرقت
الماء ونسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغسل
ذكرك، لان البول مثل البراز (1).
بيان: قد سبق الكلام فيه في كتاب الطهارة (2) وأن الأشهر في ناسي استنجاء
البول ذلك، وفي نسيان استنجاء الغائط عدم الإعادة مطلقا، والأحوط العمل
بالمشهور.
2 - تفسير علي بن إبراهيم: من كان عليه ثوبان فأصاب أحدهما بول أو
قذر أو جنابة ولم يدر أي الثوبين أصاب القذر، فإنه يصلي في هذا وفي هذا، فإذا
وجد الماء غسلهما جميعا (3).
بيان: يدل على وجوب الصلاة في كل من الثوبين المشتبهين، كما هو المشهور
بين الأصحاب، والظاهر أخذه من الرواية، لأنه من أرباب النصوص ويدل عليه
حسنة صفوان (4) ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض علمائنا أنه يطرحهما ويصلي

(1) علل الشرائع ج 2 ص 267.
(2) راجع ج 80 ص 208.
(3) تفسير القمي ص 70.
(4) التهذيب ج 1 ص 199.
265

عريانا، وجعله في المبسوط رواية، واختاره ابن إدريس والأول أقوى للرواية
المتقدمة ولورود الروايات بالصلاة في الثوب المتيقن النجاسة، والمشهور في الثياب
الكثيرة المشتبهة أيضا ذلك، إلا، أن يضيق الوقت فيصلي عريانا على الأشهر، والأظهر
تعين الصلاة في الممكن، وإن كان واحدا إذ الأظهر جواز الصلاة في الثوب المتيقن
النجاسة، بل تعينها كما مر.
3 - فقه الرضا: قال عليه السلام: إن كنت أهرقت الماء فتوضأت ونسيت أن
تستنجي حتى فرغت من صلاتك، ثم ذكرت فعليك أن تستنجي ثم تعيد الوضوء
والصلاة (1).
وقال عليه السلام: قدري وفي المنى إذا لم تعلم من قبل أن تصلي فلا إعادة
عليك (2).
4 - السرائر: من كتاب المشيخة لابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رأيت في ثوبك دما وأنت تصلي ولم تكن رأيته قبل ذلك
فأتم صلاتك، فإذا انصرفت فاغسله، قال: وإن كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله
ثم رأيته بعد وأنت في صلاتك، فانصرف واغسله وأعد صلاتك (3).
بيان: يدل ظاهرا على أن الجاهل إذا رأى في أثناء الصلاة لا يستأنف
ولا يطرح، بل يتم الصلاة فيه، ويحمل على ما إذا لم يكن عليه غيره، أو لم يكن
له ثوب غيره أصلا، وعلى أن الناسي إذا رأى في الأثناء يستأنف، وسيأتي تفصيل
القول فيه.
5 - قرب الإسناد: عن محمد بن الوليد، عن عبد الله بن بكير قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه وهو لا يصلي فيه، قال: لا يعلمه

(1) فقه الرضا ص 3.
(2) فقه الرضا ص 6.
(3) السرائر ص 473.
266

قلت: فان أعلمه قال: يعيد (1).
بيان: ظاهره أن قول المالك بالنجاسة وغيرها معتبر مقبول، ويدل على
أنه لا يلزم إعلام الجاهل بشئ لا يجوز له مع علمه، ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن الرجل يرى في
ثوب أخيه دما وهو يصلي قال: لا يؤذيه وفي بعض النسخ لا يؤذنه حتى ينصرف (2).
وأما الامر بالإعادة مع الاعلام فلعله محمول على الاستحباب، أو
على ما إذا صلى بعد الاخبار، وإن كان بعيدا، لما ستعرف من عدم إعادة الجاهل
ولما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى
في ثوب رجل أياما ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلي فيه، قال: لا يعيد
شيئا من صلاته (3).
وقال في التذكرة: لو استعار ثوبا وصلى فيه ثم أخبره المالك بنجاسته لم تجب
عليه الإعادة، خصوصا إذا خرج الوقت عملا بالأصل، ولان قول الغير لا يقبل
في حقه، ولصحيحة العيص.
6 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال علي عليه السلام: من صلى في ثوب نجس فلم يذكره إلا بعد فراغه فليعد
صلاته (4).
بيان: يدل على إعادة الناسي ويحمل على الوقت أو على الاستحباب كما
سيأتي.
7 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز
عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنه أصاب ثوبي دم من الرعاف أو غيره
أو شئ من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له ماء فأصبت الماء وقد حضرت الصلاة

(1) قرب الإسناد ص 79 ط حجر ص 103 ط نجف.
(2) التهذيب ج 1 ص 239.
(3) التهذيب ج 1 ص 239.
(4) نوادر الراوندي: لم نجده.
267

ونسيت أن بثوبي شيئا فصليت ثم إني ذكرت بعد، قال: تعيد الصلاة وتغسله،
قال: قلت: فإن لم أكن رأيت موضعه، وقد علمت أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر
عليه فلما صليت وجدته، قال: تغسله وتعيد.
قال: قلت: فان ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك، فنظرت فلم أر شيئا
ثم طلبت فرأيته فيه بعد الصلاة، قال: تغسله ولا تعيد الصلاة، قال: قلت: ولم ذاك؟
قال: لأنك كنت على يقين من نظافته، ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض
اليقين بالشك أبدا، قلت: فاني قد علمت أنه أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟
قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه أصابها حتى تكون على يقين من
طهارته.
قال: قلت: فهل على إن شككت في أنه أصابه شئ أن أنظر فيه فأقلبه؟
قال: لا، ولكنك إنما تريد بذلك أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك، قال:
قلت: فاني رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة، قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت
في موضع منه ثم رأيته فيه، وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت وغسلته ثم بنيت على
الصلاة، فإنك لا تدري لعله شئ وقع عليك، فليس لك أن تنقض بالشك اليقين (1).
توضيح: قوله عليه السلام: (لأنك كنت على يقين) الخ أقول يحتمل هذا الكلام
وجهين:
الأول: أن يكون المعنى أنك لما كنت أولا على يقين من طهارة الثوب
أي قبل أن تظن أنه أصابته نجاسة، والمراد بقوله ثم شككت الظن الذي حصل
له، ثم انقلب الظن بالشك بعد النظر، ولا عبرة بهذا الشك بعد علم الطهارة، فقد
صليت في ثوب محكوم بطهارته شرعا، فلا يلزمك الإعادة بطريان العلم بعد الصلاة
بكون الثوب نجسا حالة الصلاة، فيومي إلى إجزاء صلاة تكون ظاهرا موافقة للامر

(1) علل الشرائع ج 2 ص 49، ورواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 199.
الاستبصار ج 1 ص 91.
268

وإن ظهر خلافه.
الثاني: أن يكون المراد بحالة اليقين مجموع حالتي اليقين والظن
السابقتين، وبحالة الشك حالة الرؤية أي كنت سابقا على يقين من الطهارة وبعد
الظن والتفحص لم يزل ذلك اليقين وصليت على تلك الحالة، ثم شككت بعد
الرؤية في أنه هل كان حالة الصلاة الثوب نجسا أو طرأت النجاسة بعد حين الرؤية،
فلا يحكم بمجرد الشك ببطلان الصلاة، وعلى هذا لا يدل على عدم إعادة الجاهل،
بل فيه إيماء إلى الإعادة ولا يخفى أن الأول أظهر.
وقال الشيخ البهائي قدس سره: ما تضمنه من قوله عليه السلام (تعيد الصلاة و
تغسله) يدل باطلاقه على ما ذهب إليه الثلاثة قدس الله أرواحهم من أن من علم
بالنجاسة ثم نسيها وصلى ثم ذكر فعليه الإعادة في الوقت وخارجه، وبه قال ابن
حمزة والعلامة وشيخنا الشهيد، ونقل ابن إدريس على ذلك الاجماع، وقال:
لولا الاجماع لما صرت إليه، ويؤيد ذلك إطلاقه عليه السلام الإعادة في بعض الأخبار.
والشيخ في الاستبصار جمع بين هذه الأخبار بحمل ما تضمن الإعادة على أن المراد
به مع بقاء الوقت وما تضمن عدمها على ما إذا خرج الوقت وهو غير بعيد، وقول
زرارة (فان ظننت أنه قد أصابه إلى آخره) وقوله عليه السلام: (لأنك كنت على يقين
من طهارتك ثم شككت) ربما استفيد منه أن ظن النجاسة لا يقوم مقام العلم، وأن
الظن. قد يطلق عليه اسم الشك وليس بشئ، فان قول زرارة (فنظرت فلم أر شيئا)
يعطي تغير ذلك الظن، وقوله عليه السلام: (ثم شككت) ينبئ عن انقلاب ذلك الظن
بسبب عدم الرؤية شكا.
وقد دل هذا الحديث على أن من شك في أن النجاسة هل أصابت ثوبه
فليس عليه أن ينظر إلى الثوب ويستعلم الحال ليصير على يقين من أمره بل يستصحب
طهارة الثوب إلى أن يتحقق ما يزيلها، والمراد أن هذا التفحص ليس أمرا واجبا
عليه بحيث يعاقب على تركه، والظاهر أنه لو تفحص لاستعلام الحال تحصيلا
لليقين، واحتياطا لأمر الدين: واهتماما بشأن العبادة، لكان مثابا ومتمثلا لقوله
269

(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
واعلم أن بعض الأصحاب جعل ما تضمنه هذا الحديث من قول زرارة
(فاني رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة) وقوله عليه السلام في جوابه: (تنقض
الصلاة) دالا على أن من علم النجاسة في ثوبه ثم نسيها ورآها في أثناء الصلاة
فإنه يقطع الصلاة، وهو مبني على أن هذا القول من زرارة مندرج تحت قوله
في أول الحديث أصاب ثوبي دم من الرعاف أو غيره إلى قوله (ونسيت أن بثوبي
شيئا) وأن قوله عليه السلام: (تنقض الصلاة) منقطع عن قوله (وتعيد إذا شككت)
إلى آخره.
وهو كما ترى، فان الظاهر أن هذا القول من زرارة غير مندرج تحت كلامه
ذلك، ولا منخرط في سلكه، وأن قوله عليه السلام (تنقض الصلاة) غير منقطع عن قوله
(وتعيد إذا شككت) بل هو مرتبط به.
وظني أن هذا القول من زرارة إن جعل مرتبطا بما قبل فليجعل مرتبطا
بقوله (فهل على إن شككت) فكأنه قال: إذا شككت قبل الصلاة في إصابته ثوبي
ثم رأيته فيه وأنا في الصلاة فما الحكم؟ فأجابه عليه السلام بأنه إذا سبق شكك في موضع
من الثوب أنه أصابه نجاسة ثم رأيتها وأنت في الصلاة فانقض الصلاة وأعدها،
وإن لم يكن سبق منك شك في إصابة النجاسة وكنت خالي الذهن من ذلك، ثم
رأيته على وجه يحتمل تجدده في ذلك الوقت، قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت
ولعل بعض الشقوق الاخر المحتملة كان زرارة عالما بها، فلذلك سكت عليه السلام عن
التعرض لها انتهى.
وقال الشهيد طاب ثراه في الذكرى: ولو قيل لا إعادة على من اجتهد قبل
الصلاة، ويعيد غيره، أمكن لما رواه محمد بن مسلم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
ذكر المنى فشدده وجعله أشد من البول ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما
تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، فان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت

(1) التهذيب ج 1 ص 72 و 99.
270

فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك. وكذا البول إن لم يكن إحداث قول ثالث.
أقول: قد مر بعض القول منا فيه في كتاب الطهارة (1).
8 - قرب الإسناد: وكتاب المسائل بسنديهما، عن علي بن جعفر،
عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى
إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال: إن كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته
على قدر ما كان يصلي، ولا ينقص منها شئ، وإن كان رآه وقد صلى، فليعتد
بتلك الصلاة ثم ليغسله (2).
بيان: يستفاد منه بظاهره إعادة العامد والناسي في الوقت وخارجه، وعدم
إعادة الجاهل مطلقا، وجملة القول فيه أنه لا خلاف في العامد العالم بعدم جواز
الصلاة في الثوب النجس أنه يعيد في الوقت وخارجه، إن لم تكن النجاسة من
المستثنيات، وأما العامد الجاهل للحكم فالمشهور فيه أيضا ذلك، وفيه إشكال، وإن
كان العمل بالمشهور أحوط بل أقوى.
وأما الناسي فذهب الشيخ في أكثر كتبه والمفيد والمرتضى وابن إدريس
إلى الإعادة في الوقت وخارجه، وحكي عن الشيخ في بعض أقواله عدم وجوب
الإعادة مطلقا، ومال إليه في المعتبر، وذهب في الاستبصار إلى أنه يعيد في الوقت
دون خارجه، جمعا بين الاخبار كما عرفت، والأحوط الأول والثاني لعله أقوى

(1) راجع ج 80 ص 124 - 125.
(2) قرب الإسناد ص 95 ط حجر، 125 ط نجف: ووجه الحديث - مع ما سبق
في ذيل قوله تعالى (وثيابك فطهر والرجز فاهجر) أن طهارة الثوب والبدن من سنن
الصلاة فلا تبطل الصلاة بالاخلال به الا عمدا - أن الذي علم بنجاسة الثوب والبدن ثم
نسي وصلى بالنجاسة، كالعامد حيث أهمل طهارته حين علم بالنجاسة حتى نسيه. وفى الموثق
عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرى في ثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى
يصلى، قال: يعيد صلاته، كي يهتم بالشئ إذا كان في ثوبه، عقوبة لنسيانه، قلت: فكيف
يصنع من لم يعلم؟ أيعيد حين يرفعه؟ قال: لا، ولكن يستأنف.
271

إذ يمكن حمل أخبار الإعادة علي الاستحباب.
وأما الجاهل للنجاسة إذا لم يعلم إلا بعد الصلاة، فالمشهور عدم الإعادة
مطلقا، وقال الشيخ في المبسوط: يعيد في الوقت خاصة، وظاهرهم الاتفاق على
عدم وجوب القضاء إذا علم بها بعد الوقت، ونقل في المهذب عليه الاجماع،
وربما ظهر من عبارة المنتهى تحقق الخلاف فيه أيضا، والأظهر عدم الإعادة
مطلقا.
ولو وجد في ثوبه أو جسده نجاسة وهو في الصلاة فاما أن يعلم سبقها على
الصلاة أم لا؟ أما الأول فقد صرح الشيخ في المبسوط والنهاية والفاضلان ومن
تبعهم بأنه يجب عليه إزالة النجاسة، أو إلقاء الستر النجس، وستر العورة بغيره
مع الامكان، وإتمام الصلاة، وإن لم يمكن إلا بفعل المبطل كالفعل الكثير و
الاستدبار بطلت صلاته واستقبلها بعد إزالة النجاسة.
قال في المعتبر: وعلى قول الشيخ الثاني يستأنف، وأشار بالقول الثاني إلى
ما نقله عن المبسوط من إعادة الجاهل الذي لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من صلاته
في الوقت.
وقال السيد في المدارك: ويشكل بمنع الملازمة، إذ من الجائز أن تكون
الإعادة لوقوع الصلاة بأسرها مع النجاسة، فلا يلزم مثله في البعض، وبأن الشيخ
قطع في المبسوط بوجوب المضي في الصلاة مع التمكن من إلقاء الثوب وستر
العورة بغيره، مع حكمه فيه بإعادة الجاهل في الوقت.
وقد اختلف الروايات في ذلك، فمقتضى روايتي زرارة ومحمد بن مسلم
المتقدمتين تعين القطع مطلقا سواء تمكن من إلقاء الثوب وستر العورة بغيره أم لا
وروى محمد بن مسلم (1) في الحسن قال: قلت له: الدم يكون في الثوب علي وأنا
في الصلاة، قال: إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل، وإن لم يكن عليك

(1) التهذيب ج 1 ص 72.
272

غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك، ويدل على عدم إعادة الجاهل إن علم في
الأثناء، وكذا صحيحة ابن سنان (1) السابقة ويدل هذا على جواز إتمام الصلاة في
الثوب إن لم يكن عليه غيره، ويمكن حمله على ما إذا لم يكن له غيره.
وقال بعض المحققين: الجمع بين الروايات يتحقق بحمل ما تضمن الامر
بالاستيناف على الاستحباب، وإن جاز المضي في الصلاة مع طرح الثوب النجس،
إذا كان عليه غيره، وإلا مضى مطلقا ولا بأس بالمصير إلى ذلك، وإن كان الاستيناف
مطلقا أولى وأحوط.
وأما الثاني وهو أن لا يعلم السبق فالأظهر وجوب طرح النجاسة أو غسلها
وإتمام الصلاة ما لم يكثر الفعل، وإلا استأنف وجعل في المعتبر وجوب
الاستيناف هنا مبنيا على القول بإعادة الجاهل في الوقت، والاشكال في هذا البناء أكثر
من السابق.
ولو صلى ثم رأى النجاسة وشك هل كانت عليه في الصلاة أم لا؟ فالصلاة
ماضية، قال في المنتهى لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم، ولو علم بالنجاسة السابقة
في أثناء الصلاة عند تضيق الوقت عن الإزالة والاستيناف فقد قطع الشهيد في البيان
بوجوب الاستمرار، ومال إليه في الذكرى، والمسألة مشكلة، ولعل الأحوط الصلاة
مع النجاسة والقضاء بعد الإزالة.
ثم اعلم أن الظاهر من الأدلة أن الجاهل والناسي في ساير الشروط حكمهما
عدم الإعادة في الوقت وخارجه كالمصلي في الميتة أو الحرير أو جلد ما لا يؤكل لحمه
أو الساجد على النجس، أو ما لا يصح السجود عليه، أو المصلي مكشوف العورة وغير
ذلك، إلا في استقبال القبلة، فان فيه كلاما سيأتي.

(1) نقلا من السرائر تحت الرقم: 4.
273

[9]
(باب)
* (الصلاة في النعال والخفاف، وما يستر) *
* (ظهر القدم بلا ساق) *
1 - غيبة الشيخ والاحتجاج: فيما كتب الحميري إلى الناحية المقدسة:
هل يجوز للرجل أن يصلي وفي رجليه بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟ فخرج
الجواب: جائز (1).
ايضاح: قال في القاموس: البطيط رأس الخف بلا ساق انتهى.
أقول: اختلف الأصحاب في الصلاة فيما يستر ظهر القدم ولا ساق له
بحيث يغطي المفصل الذي بين الساق والقدم وشيئا من الساق، وإن قل،
فذهب المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية وابن البراج وسلار والفاضلان
إلى التحريم، إلا أن سلارا استثنى الصلاة على الموتى، والأشهر الكراهة،
واستدل الأولون بعدم صلاة النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين في هذا النوع وهو
ممنوع، وعلى تقدير التسليم لا يدل على التحريم، وهذا الخبر يدل على الجواز
وهو أقوى، واستند من حكم بالكراهة إلى الخروج عن الخلاف، وذكر الأكثر
أن الحكم مختص بما يستر ظهر القدم كله، ولا يبعد شموله لما يستر أكثر ظهر
القدم أيضا، لتمثيلهم بالشمشك والنعال السندية، فان أكثرها لا تستر جميع ظهر
الفدم، وعلى ما اخترنا لا جدوى في تحقيق ذلك.
وأما ما لا يستر أكثر ظهر القدم كالنعال العربية أو ماله ساق كالجرموق
والخف فلا خلاف في جواز الصلاة فيها، وعدم كراهتها.
2 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن ميمون
القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليه السلام قال: إن كل شئ عليك تصلي

(1) غيبة الشيخ الطوسي: 241، الاحتجاج: 270.
274

فيه يسبح معك، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أقيمت الصلاة لبس نعليه و
صلى فيهما (1).
3 - العيون: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن
أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام
عند رأس النبي صلى الله عليه وآله صلى ست ركعات أو ثمان ركعات في نعليه (2).
بيان: ذكره الأصحاب في استحباب الصلاة في النعل العربية، ومقتضى
الروايات استحبابها في النعل مطلقا وقيل الوجه في حملها على العربية أنها هي
المتعارفة في ذلك الزمان، ولعل الاطلاق أولى.
4 - الغوالي: روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في النعلين يصيبهما
الأذى: فليمسحهما وليصل فيهما.
5 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: صل في خفيك و
في نعليك إن شئت (3).

(1) علل الشرايع ج 2 ص 25.
(2) عيون الأخبار ج 2 ص 17 في حديث.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 177.
275

* (أبواب) *
* (مكان المصلي وما يتبعه) *
[1]
* (باب) *
* (أنه جعل للنبي صلى الله عليه وآله ولامته الأرض مسجدا) *
1 - معاني الأخبار والعلل والخصال: عن محمد بن الحسن بن الوليد
عن سعد بن عبد الله ومحمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد
ابن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن سنان، عن أبي
الجارود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أعطيت
خمسا لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب
وأحل لي المغنم وأعطيت جوامع الكلم، وأعطيت الشفاعة (1).
بيان: (جعلت لي الأرض مسجدا) أي محل صلاة كما فهمه الأكثر، و
دلت عليه الأخبار الآتية، فأطلق السجود على الصلاة تسمية للكل باسم الجزء
ويظهر وجه التخصيص مما سيأتي، أو محل سجود فيدل على جواز السجود على
جميع أجزاء الأرض (2) إلا ما أخرجه الدليل أو الأعم منهما (وطهورا) أي للتيمم
فيدل على جواز التيمم على جميع أجزاء الأرض إلا ما خرج بالدليل، ويحتمل
شموله لحجر الاستنجاء وتعفير الاناء، وتطهير النعل والرجل وغيرها مما مر

(1) معاني الأخبار، 51، علل الشرائع ج 1 ص 122، الخصال ج 1 ص 140
واللفظ والسند للخصال على السيرة المعهودة.
(2) راجع في ذلك ج 81 ص 165 - 166.
276

تفصيله، ونصرته بالرعب مسيرة شهر أو شهرين من خصائصه المشهورة صلى الله عليه وآله قال
في النهاية فيه: نصرت بالرعب مسيرة شهر، الرعب الخوف والفزع، كان أعداء
النبي صلى الله عليه وآله قد أوقع الله في قلوبهم الخوف منه، فإذا كان بينه وبينهم مسيرة شهر
هابوه وفزعوا منه، وحل المغنم لان ساير الأمم كانوا يحرقون غنائم الكفار و
قال في النهاية: فيه أوتيت جوامع الكلم: يعني القرآن، جمع الله بلطفه في الألفاظ
اليسيرة منه معاني كثيرة، واحدها جامعة، أي كلمة جامعة، ومنه الحديث في
صفته صلى الله عليه وآله أنه كان يتكلم بجوامع الكلم أي أنه كان كثير المعاني قليل الألفاظ.
2 - الخصال: عن محمد بن علي بن شاه، عن محمد بن جعفر البغدادي، عن
أبيه، عن أحمد بن السخت، عن محمد بن الأسود، عن أيوب بن سليمان، عن أبي
البختري، عن محمد بن حميد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن النبي
صلى الله عليه وآله قال: قال الله تعالى: جعلت لك ولامتك الأرض كلها مسجدا
وترابها طهورا الخبر (1).
3 - مجالس ابن الشيخ: عنه عن المفيد، عن محمد بن علي بن رياح، عن
أبيه، عن الحسن بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله جعل لي الأرض مسجدا وطهورا
أينما كنت منها أتيمم من تربتها واصلي عليها (2).
ومنه عن أبيه، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن محمد بن محمد بن سليمان،
عن عبد السلام بن عبد الحميد، عن موسى بن أعين. قال أبو المفضل: وحدثني نصر
ابن الجهم، عن محمد بن مسلم بن وارة، عن محمد بن موسى بن أعين، عن أبيه، عن
عطا بن سائب، عن الباقر، عن آبائه عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: جعلت لي
الأرض مسجدا الخبر (3).

(1) الخصال ج 2 ص 48، ومثله في ج 1 ص 94.
(2) أمالي الطوسي ج 1 ص 56.
(3) أمالي الطوسي ج 2 ص 98.
277

4 - ارشاد القلوب: عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام في جواب اليهودي الذي سأله عن فضل النبي صلى الله عليه وآله فقال عليه السلام:
قال الله تعالى في ليلة المعراج: إني جعلت على الأمم أن لا أقبل منهم فعلا إلا في
بقاع الأرض التي اخترتها لهم، وإن بعدت، وقد جعلت الأرض لك ولامتك
طهورا ومسجدا، فهذه من الآصار، وقد رفعتها عن أمتك (1).
5 - المحاسن: عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن محمد بن مروان جميعا، عن
أبان بن عثمان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى أعطى
محمدا صلى الله عليه وآله شرايع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى إلى أن قال: وجعل له الأرض
مسجدا وطهورا (2).
6 - المعتبر: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: جعلت لي الأرض مسجدا وترابها
طهورا: أينما أدركتني الصلاة صليت (3).
أقول: سيأتي بعض الأخبار في الأبواب الآتية، وقد مر بعضها في المجلدات
السابقة.
تفريع
قد عرفت أنه يستفاد من تلك الأخبار المتواترة معنى جواز الصلاة في جميع
بقاع الأرض، إلا ما أخرجه الدليل. فمنها المكان المغصوب للاجماع على عدم جواز
التصرف في ملك الغير، إلا باذنه صريحا أو فحوى أو بشاهد الحال، وربما يجوز
بعض المحدثين الصلاة في المغصوب لعموم تلك الأخبار، وهو ضعيف للآيات و
الأخبار الكثيرة الدالة على تحريم الظلم والغصب والتصرف في مال الغير، بغير
إذنه.

(1) ارشاد القلوب ج 2 ص 222.
(2) المحاسن: 287.
(3) المعتبر: 158.
278

وروى الكليني في الحسن (1) عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لا يحل دم امرئ مسلم
ولا ماله إلا بطيبة نفسه، وسيأتي بعض الأخبار في آخر الباب، وفي باب
الغصب.
وأما بطلان الصلاة مع العلم بالغصب، فقال في المنتهى: ذهب علماؤنا إلى
بطلان الصلاة فيه، وظاهره دعوى الاجماع، وقال في المعتبر وهو مذهب الثلاثة
وأتباعهم، وظاهره عدم تحقق الاجماع عليه [حيث] إن الفضل بن شاذان من
قدماء أصحابنا ذكر في جواب من قاس من العامة صحة الطلاق في الحيض بصحة
العدة مع خروج المعتدة من بيت زوجها ما هذا لفظه:
وإنما قياس الخروج والاخراج كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم فصلى
فيها فهو عاص في دخوله الدار وصلاته جائزة لان ذلك ليس من شرائط الصلاة
لأنه منهي عن ذلك صلى أم لم يصل، وكذلك لو أن رجلا غصب رجلا ثوبا أو
أخذه فلبسه بغير إذنه فصلى فيه لكانت صلاته جائزة، وكان عاصيا في لبسه ذلك
الثوب، لان ذلك ليس من شرائط الصلاة، لأنه منهي عن ذلك صلى أو لم يصل
وكذلك لو أنه لبس ثوبا غير طاهر أو لم يطهر نفسه أو لم يتوجه نحو القبلة لكانت
صلاته فاسدة غير جائزة، لان ذلك من شرائط الصلاة وحدودها لا يجب إلا
للصلاة.
وكذلك لو كذب في شهر رمضان وهو صائم بعد أن لا يخرجه كذبه من
الايمان، لكان عاصيا في كذبه ذلك، وكان صومه جائزا لأنه منهي عن الكذب صام
أم أفطر، ولو ترك العزم على الصوم أو جامع لكان صومه فاسدا باطلا، لان ذلك
من شرائط الصوم وحدوده، لا يجب إلى مع الصوم.
وكذلك لو حج وهو عاق لوالديه أو لم يخرج لغرمائه من حقوقهم، لكان
عاصيا في ذلك وكانت حجته جائزة، لأنه منهي عن ذلك حج أم لم يحج ولو

(1) الكافي ج 7 ص 273.
279

ترك الاحرام أو جامع في إحرامه قبل الوقوف لكانت حجته فاسدة غير جائزة، لان
ذلك من شرائط الحج وحدوده، لا يجب إلا مع الحج ومن أجل الحج، وكل ما كان
واجبا قبل الفرض وبعده فليس ذلك من شرائط الفرض، لان ذلك أتى على حده
والفرض جائز معه، وكل ما لم يجب إلا مع الفرض، ومن أجل الفرض، فان
ذلك من شرائطه، لا يجوز الفرض إلا بذلك، على ما بينا، ولكن القوم لا يعرفون
ولا يميزون، ويريدون أن يلبسوا الحق بالباطل إلى آخر ما ذكره - ره -.
فظهر أن القول بالصحة كان بين الشيعة بل كان أشهر عندهم في تلك الاعصار
وكلام الفضل يرجع إلى ما ذكره محققوا أصحابنا من أن التكليف الايجابي
ليس متعلقا بهذا الفرد الشخصي بل متعلق بطبيعة كلية شاملة لهذا الفرد وغيره،
وكذا التكليف السلبي متعلق بطبيعة الغصب لا بخصوص هذا الفرد، والنسبة بين
الطبيعتين عموم من وجه، فطلب الفعل والترك غير متعلق بأمر واحد في الحقيقة
حتى يلزم التكليف بما لا يطاق، وإنما جمع المكلف بينهما في فرد واحد باختياره
فهو ممتثل للتكليف الايجابي باعتبار أن هذا فرد الطبيعة المطلوبة، وامتثال الطبيعة
إنما يحصل بالاتيان بفرد من أفرادها، وهو مستحق للعقاب أيضا باعتبار كون هذا
الفرد فردا للطبيعة المنهية.
وقيل: هذا القول غير صحيح على أصول أصحابنا، لان تعلق التكليف
بالطبيعة مسلم، لكن لا نزاع عندنا في أن الطبيعة المطلوبة يجب أن تكون حسنة
ومصلحة راجحة متأكدة يصح للحكيم إرادتها، وقد ثبت ذلك في محله، وغير
خاف أن الطبيعة لا تتصف بهذه الصفات، إلا من حيث التحصل الخارجي باعتبار
أنحاء وجوداته الشخصية وحينئذ نقول: الفرد المحرم لا يخلو إما أن يكون حسنا
ومصلحة متأكدة مرادة للشارع أم لا؟ وعلى الأول لا يصح النهي عنه، وعلى
الثاني لم يكن القدر المشترك بينه وبين باقي الافراد مطلوبا للشارع، بل المطلوب
الطبيعة المقيدة بقيد يختص به ما عدا ذلك الفرد، فلا يحصل الامتثال بذلك الفرد،
لخروجه من أفراد المأمور به.
280

أقول: ويمكن المناقشة فيه بوجوه لو تعرضنا لها، خرجنا عما هو مقصودنا
في هذا الكتاب، وبالجملة الحكم بالبطلان أحوط وأولى، وإن كان إثباته في
غاية الاشكال.
فائدة
اعلم أنهم ذكروا أنه لابد في مكان المصلي من كونه مملوكا عينا أو منفعة
كالمستأجر والموصى للمصلي بمنفعته والمعمر والمستعار، أو مأذونا فيه صريحا
بأن يقال صل في هذا المكان، أو فحوى كادخال الضيف منزله، كذا أطلق الأصحاب
ولو فرض وجود الامارات على كراهة المالك للصلاة فيه بسبب من الأسباب
كمخالفته له في الاعتقاد مثلا، لم يبعد عدم الجواز، أو بشاهد الحال: وفسر بما
إذا كان هناك أمارة تشهد بأن المالك لا يكره وظاهر ذلك أنه يكفي الظن برضا
المالك وظاهر كثير من عبارات الأصحاب اعتبار العلم برضاه، والأول أنسب
وأوفق بعمومات الاخبار السالفة، واعتبار العلم ينفي فائدة هذا الحكم إذ قلما
يتحقق ذلك في مادة.
بل الظاهر جواز الصلاة في كل موضع لم يتضرر المالك بالكون فيه، و
كان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله، وإن فرضنا عدم العلم برضا المالك
هناك على الخصوص بسبب من الأسباب نعم لو ظهرت كراهة المالك لامارة لم تجز
الصلاة فيه مطلقا.
وبالجملة الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في جواز الصلاة في الصحاري
والبساتين إذا لم يتضرر المالك بها، ولم تكن أمارة تشهد بعدم الرضا، وإن لم
يأذن المالك صريحا أو فحوى، وفي حكم الصحارى الأماكن المأذون في غشيانها على
وجه مخصوص إذا اتصف به المصلي كالحمامات والخانات والأرحية وغيرها، ولا
يقدح في الجواز كون الصحراء لمولى عليه بشهادة الحال ولو من الولي.
قال في الذكرى: ولو علم أنها لمولى عليه، فالظاهر الجواز لاطلاق
الأصحاب، وعدم تخيل ضرر لا حق به، فهو كالاستظلال بحائطه، ولو فرض ضرر
281

امتنع منه ومن غيره، ووجه المنع أن الاستناد إلى أن المالك أذن بشاهد الحال
والمالك هنا ليس أهلا للاذن، إلا أن يقال: إن الولي أذن هنا، والطفل لابد له
من ولى انتهى، والعمدة عندي الاستدلال بعموم الاخبار السالفة إذ لم يخرج تلك
الافراد منها بدليل.
تتمة
اعلم أن المشهور بين الأصحاب أنه لا فرق في عدم جواز الصلاة في الملك
المغصوب بين الغاصب وغيره ممن علم الغصب، وجوز المرتضى والشيخ أبو الفتح
الكراجكي الصلاة في الصحاري المغصوبة استصحابا لما كانت عليه قبل الغصب،
وهو غير بعيد، ولو صلى المالك في المكان المغصوب صحت صلاته، ونقل الاجماع
عليه إلا من الزيدية، ولو أذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة صحت لارتفاع
المانع، وقال الشيخ في المبسوط: لو صلى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز الصلاة
فيه، ولا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له في الصلاة، لأنه إذا
كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه انتهى والظاهر أن مراده بالاذن الغاصب
وإن كان الوهم لا يذهب إلى تأثير إذنه في الصحة، إذ يمكن أن يكون الاشتراط
مبنيا على العرف، وأن الغالب أنه لا يتمكن الغير من الصلاة فيه، إلا باذن
الغاصب الغالب.
وحمله على إرادة المالك كما هو ظاهر المعتبر بعيد جدا، إذ لا جهة
للبطلان حينئذ ووجهه في الذكرى بأن المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف
فيه لم يفد إذنه الإباحة، كما لو باعه، فإنه باطل، ولا يجوز للمشتري التصرف
فيه، وفيه نظر لمنع الأصل وبطلان القياس، فلا يتم الحكم في الفرع، وفي الذكرى
أيضا ويجوز أن يقرء اذن بصيغة المجهول، ويراد به الاذن المطلق المستند إلى شاهد
الحال، فان طريان الغصب يمنع استصحابه كما صرح به ابن إدريس، ويكون فيه التنبيه
على مخالفة المرتضى - ره - وتعليل الشيخ مشعر بهذا انتهى، وفيه ما ترى وليت
شعري ما المانع عن الحمل على ما ذكرنا، مع أنه أظهر في عبارته لفظا ومعنى، و
282

ما الداعي على الحمل على ما يوجب تلك التكلفات.
وسمعنا أن بعض أفاضل المتأخرين ممن ولي عصرنا زاد في الطنبور نغمة
وحكم بأنه لا يجوز للمالك أيضا أن يصلي فيه، لأنه يصدق عليه أنه مغصوب،
وهذا فرع ورود تلك العبارة في شئ من النصوص، ولا نص فيه على الخصوص، بل
إنما يستدلون بعموم ما دل على عدم جواز التصرف في ملك الغير ثم يحتجون
للبطلان بأن النهي في العبادة موجب للفساد، ولا يجري ذلك في المالك ومن أذن له
فكم بين من يحكم بجواز الصلاة وصحتها للغاصب وغيره وإن منع المالك صريحا، وبين
من يقول بهذا القول.
ثم اعلم أنه على القول بالبطلان لا فرق بين الفريضة والنافلة، وهل تبطل
الصلاة تحت السقف والخيمة إذا كانا مغصوبين مع إباحة الأرض؟ فيه إشكال،
ولعل الأظهر عدم البطلان، واستند القائل به إلى أن هذا تصرف في السقف و
الخيمة، بناء على أن التصرف في كل شئ بحسب ما يليق به، والانتفاع به
بحسب ما أعدله.
واختلفوا في بطلان الطهارة في المكان المغصوب فذهب المحقق إلى العدم،
بناء على أن الكون ليس جزء منها ولا شرطا فيها، وإليه ذهب العلامة في المنتهى
والفرق بين الطهارة والصلاة في ذلك مشكل، إذ الكون كما أنه مأخوذ في
مفهوم السكون، مأخوذ في مفهوم الحركة، وليس الوضوء والغسل إلا حركات
مخصوصة، وليس المكان منحصرا فيما يعتمد عليه الجسم فقط، فان الملك والأحكام الشرعية
لا تتعلق به خاصة، بل تعم الفراغ الموهوم، أو الموجود، فكل منهما
عبارة حقيقة عن الكون أو مشتمل عليه.
وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لكثرة حاجة الناس إلى تلك المسائل،
ودورانها على ألسن الخاص والعام، والله يعلم حقايق الاحكام.
7 - تحف العقول: للحسن بن علي بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال
في خطبة الوداع: أيها الناس إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لمؤمن مال أخيه
283

إلا عن طيب نفس منه (1).
ومنه باسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لكميل قال: يا كميل انظر
فيما تصلي وعلى ما تصلي إن لم يكن من وجهه وحله فلا قبول (2).
8 - بشارة المصطفى، لمحمد بن أبي القاسم الطبري: عن إبراهيم بن
الحسن البصري، عن يحيى بن الحسن بن عتبة، عن محمد بن الحسين بن أحمد،
عن محمد بن وهبان الدبيلي، عن علي بن أحمد العسكري، عن أحمد بن المفضل
عن راشد بن علي القرشي، عن عبد الله بن حفص المدني. عن محمد بن إسحاق، عن
سعيد بن زيد بن أرطاة عن كميل بن زياد مثله (3).

(1) تحف العقول: 33.
(2) تحف العقول: 169 ط الاسلامية.
(3) بشارة المصطفى ص 34. في حديث طويل، وعندي في هذا المقام أن التصرف
في المغصوب منكر شرعا يضاده طبيعة الصلاة، لقوله تعالى: (ان الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر).
284

[2]
(باب)
* (طهارة موضع الصلاة وما يتبعها) *
* (من أحكام المصلى) *
1 - قرب الإسناد: عن محمد بن الوليد، عن ابن بكير قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيصلى عليها؟ قال: لا (1).
بيان: الشاذكونة في أكثر النسخ بالذال المعجمة، وفي كتب اللغة
بالمهملة، وقد يقال إنه معرب شاديانه، قال الفيروزآبادي: الشاذكونة بفتح
الدال ثياب غلاظ مضربة تعمل باليمين انتهى، وظاهره وجوب طهارة جميع مكان
المصلي كما نقل عن السيد، وعن أبي الصلاح طهارة المواضع السبعة والمشهور
بين الأصحاب عدم اشتراط طهارة غير موضع الجبهة كما يدل عليه أكثر الاخبار
بل يظهر من بعضها عدم اشتراط طهارة موضع الجبهة أيضا، لكن نقل كثير من
الأصحاب كالمحقق والعلامة والشهيد وابن زهرة عليه الاجماع، لكن المحقق
نقل عن الراوندي وصاحب الوسيلة أنهما ذهبا إلى أن الأرض والبواري والحصر
إذا أصابها البول وجففتها الشمس لا يطهر بذلك، لكن يجوز السجود عليها،
واستجوده المحقق، فلعل دعواهم الاجماع فيما سوى هذا الموضع، وبالجملة
لو ثبت الاجماع لكان هو الحجة، وإلا فيمكن المناقشة فيه أيضا، فالخبر إما
محمول على الاستحباب، أو على ما إذا كان رطبا يسري إلى المصلي أو ثيابه، وحمله
على موضع الجبهة بعيد، لبعد كون الشاذكونة مما يصح السجود عليه.
2 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر عليه السلام

(1) قرب الإسناد ص 104 ط نجف.
285

عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن البيت والدار لا تصيبها الشمس، ويصيبها البول، أو
يغتسل فيه من الجنابة، أيصلى فيه إذا جف؟ قال: نعم (1).
قال: وسألته عن رجل مر بمكان قد رش فيه خمر قد شربته الأرض، و
بقي نداه أيصلى فيه؟ قال: إن أصاب مكانا غيره فليصل فيه، وإن لم يصب فليصل
ولا بأس (2).
قال: وسألته عن الرجل يجامع على الحصير أو المصلى هل تصلح الصلاة
عليه؟ قال: إذا لم يصبه شئ فلا بأس وإن أصابه شئ فاغسله وصل (3).
قال: وسألته عن الرجل يكون على المصلى والحصير، فيسجد فيضع يده
على المصلى وأطراف أصابعه على الأرض، أو بعض كفه خارجا عن المصلى على
الأرض قال: لا بأس (4).
قال: وسألته عن رجل يقعد في المسجد ورجله خارجة منه أو أسفل من المسجد
وهو في صلاته، أيصلح له؟ قال: لا بأس (5).
قال: وسألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أتصلح الصلاة عليها إذا يبست
قال: لا بأس (6).
توضيح: الجواب الأول والاخر يدلان على عدم اشتراط طهارة موضع
الصلاة مطلقا، وحمل في المشهور على ما سوى موضع الجبهة، ويمكن حمل الأخير
على ما إذا جفت بالشمس، أو على ما إذا أريد بالقذر غير النجس. والثاني إما
على عدم الاشتراط المذكور أو على عدم نجاسة الخمر، والحمل كما مر مع حمل

(1) قرب الإسناد ص 118 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 119 ط نجف ص 91 ط حجر.
(3) قرب الإسناد ص 119 ط نجف ص 91 ط حجر.
(4) قرب الإسناد ص 122 ط نجف.
(5) قرب الإسناد ص 124 ط نجف.
(6) قرب الإسناد ص 127 ط نجف.
286

الندى على غير المسري، أو على ما إذا طرح عليه ثوبا أو غيره، ويكون النهي مع
إمكان الغير لكونه مقاربا للخمر، ككراهة الصلاة في بيت فيه خمر، والثالث يدل
على اشتراط الطهارة، والحمل على ما مر في الخبر السابق أو على موضع الجبهة
على المشهور، والرابع يومي إلى استحباب طرح مصلى مخصوص للصلاة، ويدل
على أن كون أكثر الجسد عليه يكفي لتحقق الاستحباب، وكذا الخامس إن
أريد بالمسجد المصلى، كما هو الظاهر وحمله على المسجد المعهود بعيد.
287

[3]
* (باب) *
* (الصلاة على الحرير أو على التماثيل، أو في) *
* (بيت فيه تماثيل أو كلب أو خمر أو بول) *
1 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن
أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن فراش حرير ومصلى حرير ومثله من الديباج
هل يصلح للرجل النوم عليه، والتكاءة عليه، والصلاة عليه؟ قال: يفرشه ويقوم
عليه ولا يسجد عليه (1).
وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في بيت على بابه ستر خارجه فيه
التماثيل ودونه مما يلي البيت ستر آخر ليس فيه تماثيل، هل يصلح له أن يرخي
الستر الذي ليس فيه التماثيل حتى يحول بينه وبين الستر الذي فيه تماثيل أو
يجيف الباب دونه ويصلي؟ قال: نعم لا بأس (2).
وسألته عن البيت قد صور فيه طير أو سمكة أو شبهه يعبث به أهل البيت،
هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: لا حتى يقطع رأسه أو يفسده، وإن كان قد صلى
فليس عليه إعادة (3).
وسألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل أيصلى فيها؟ قال: لا يصلى فيها
وشئ منها مستقبلك، إلا أن لا تجد بدا فتقطع رؤوسها، وإلا فلا تصل فيها (4).
المحاسن: عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال:
سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في بيت على بابه ستر إلى آخر الأسؤلة

(1) قرب الإسناد ص 86 ط حجر ص 122 ط نجف.
(2) قرب الإسناد: 86 ط حجر ص 113 ط نجف.
(3) قرب الإسناد: 86 ط حجر ص 113 ط نجف.
(4) قرب الإسناد: 86 ط حجر ص 113 ط نجف.
288

والأجوبة (1).
بيان: يدل الجواب الأول على جواز افتراش الحرير في حال الصلاة و
غيرها، كما هو المشهور وقد مر القول فيه، وأما الأجوبة الباقية، فيظهر منها
ومما سيأتي أنه إذا كان في البيت الذي يصلى فيه صورة حيوان على ما اخترنا أو مطلقا
مما له مشابه في الخارج على ما قيل، يكره الصلاة فيه وتخف الكراهة بكون
الصورة على غير جهة القبلة، أو تحت القدمين، أو بكونها مستورة بثوب أو غيره،
أو بنقص فيها لا سيما ذهاب عينيها أو إحداهما ولو ذهب رأسها فهو أفضل، ويحتمل
ذهاب الكراهة بأحد هذه الأمور، وإن كان الأحوط الاحتراز منها مطلقا. والنمط
محركة ضرب من البسط.
2 - المكارم: عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ربما قمت أصلي
وبين يدي وسادة فيها تماثيل طائر فجعلت عليه ثوبا، وقال قد أهديت إلى طنفسة
من الشام، فيها تماثيل طائر فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر، وقال إن
الشيطان أشد ما يهم بالانسان إذا كان وحده (2).
وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس أن تكون التماثيل
في البيوت إذا غيرت الصورة (3).
وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر والشمس
والقمر؟ قال: لا بأس ما لم يكن فيه شئ من الحيوان (4).
وعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنما يبسط عندنا الوسائد فيها
التماثيل ونفرشها؟ قال: لا بأس لما يبسط منها ويفترش ويوطأ، إنما يكره منها
ما نصب على الحائط والسرير (5).
3 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن

(1) المحاسن ص 617.
(2) مكارم الأخلاق ص 152.
(3) مكارم الأخلاق ص 153.
(4) مكارم الأخلاق ص 153.
(5) مكارم الأخلاق ص 153.
289

أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في بيت فيه أنماط فيها
تماثيل قد غطاها؟ قال: لا بأس (1).
وعن البيت فيه الدراهم السود في كيس أو تحت فراش أو موضوعة في جانب
البيت فيه التماثيل هل تصلح الصلاة فيه؟ قال لا بأس (2).
وسألته عن رجل كان في بيته تماثيل أو في ستر ولم يعلم بها وهو يصلي في ذلك
البيت ثم علم ما عليه؟ قال: ليس عليه فيما لا يعلم شئ، فإذا علم فلينزع الستر
وليكسر رؤس التماثيل (3).
وسألته عن المسجد يكون فيه المصلى تحته الفلوس أو الدراهم البيض أو
السود هل يصلح القيام عليها وهو في الصلاة؟ قال: لا بأس (4).
وسألته عن مسجد يكون فيه تصاوير وتماثيل أيصلى فيه؟ قال: يكسر رؤس
التماثيل ويلطخ رؤس التصاوير ويصلي فيه، ولا بأس (5).
[بيان: في القاموس، النمط محركة ظهارة فراش ما أو ضرب من البسط، و
ثوب صوف يطرح على الهودج والجمع أنماط ونماط].
4 - الخصال: عن سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن صفوان، عن
ابن مسكان، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
إن جبرئيل أتاني فقال: إنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب، ولا تمثال جسد
ولا إناء يبال فيه (6).
المحاسن: عن علي بن محمد، عن أيوب مثله (7).
بيان: لعل هذا الخبر - والاخبار التي مثلها - المراد بالملائكة فيها

(1) قرب الإسناد ص 86 ط حجر ص 113 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 86 ط حجر ص 113 ط نجف.
(3) قرب الإسناد ص 86 ط حجر ص 113 ط نجف.
(4) قرب الإسناد ص 86 ط حجر ص 113 ط نجف.
(5) قرب الإسناد: 97 ط حجر ص 123 ط نجف.
(6) الخصال ج 1 ص 68.
(7) المحاسن ص 615.
290

غير الكاتبين للأعمال، وإن أمكن أن لا يتوقف كتابتهم على دخولهم، لكن قول
أمير المؤمنين عليه السلام للملكين (أميطا عني) (1) يدل على دخولهم.
5 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن
القاسم بن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير، ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يسجد الرجل على صورة، ولا على
بساط فيه صورة، ويجوز أن تكون الصورة تحت قدمه، أو يطرح عليه
ما يواريها (2).
6 - المحاسن: عن علي بن الحكم، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام
أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: [إن جبرئيل قال:] إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة
إنسان ولا بيتا فيه تمثال (3).
ومنه: عن أبيه، عن الحسن بن مخلد، عن أبان، عن عمر بن خلاد، عن
أبي جعفر عليه السلام قال: قال جبرئيل عليه السلام: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنا لا ندخل بيتا فيه
صورة إنسان، ولا بيتا يبال فيه، ولا بيتا فيه كلب (4).
بيان: ذكر أكثر الفقهاء كراهة الصلاة في بيوت الغائط، وعللوا بكونها
مظنة النجاسة، وبهذا الخبر وفي خبر محمد بن مروان (5) ولا إناء يبال فيه: ولو

(1) يعنى الذي رواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 100 عن محمد بن علي بن محبوب
عن اليقطيني، عن الحسن بن علي، عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: ان أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا أراد قضاء الحاجة، وقف على باب المذهب
ثم التفت يمينا وشمالا إلى ملكيه فيقول: أميطا عني! فلكما الله على أن لا أحدث حدثا
حتى أخرج اليكما.
(2) الخصال ج 2 ص 165.
(3) المحاسن ص 614.
(4) المحاسن ص 615.
(5) الكافي ج 6 ص 526، وهكذا في المحاسن 615، الخصال ج 1 ص 68
كما مر.
291

ذكروا كما في الخبر كان أصوب وإن كان بيت الغائط غالبا يبال فيه، والأحوط
عدم كون الاناء الذي يبال فيه في البيت أيضا.
وقال المفيد في المقنعة: لا تجوز الصلاة في بيوت الغائط، ولعل مراده
الكراهة، وربما يستدل له برواية الفضيل (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت:
أقوم في الصلاة فأرى قد أمي في القبلة العذرة فقال: تنح عنها ما استطعت، ولا تصل
على الجواد، وعن عبيد بن زرارة (2) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الأرض
كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة. فالأولى الجمع بينهما، كما فعله الشهيد - ره -
في النفلية، حيث قال: وبيت الغائط، وبيت يبال فيه، ولو قال: وإلى عذرة
كان أجمع.
7 - المحاسن: عن عدة من أصحابنا، عن ابن أسباط، عن علي بن جعفر قال:
سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن البيت يكون على بابه ستر فيه تماثيل
أيصلى في ذلك البيت؟ قال: لا (3).
وسألت عن البيوت يكون فيها التماثيل أيصلى فيها؟ قال: لا (4)
بيان: هذه الأخبار تدل على كراهة الصلاة في بيت فيه تماثيل مطلقا ويمكن
تقييدها بالاخبار الاخر أو القول بالكراهة الخفيفة في غير الصور المخصوصة، ويمكن
أن يقال في النقص أن البقية ليست صورة الانسان ولا الحيوان المخصوص و
فيه نظر.
8 - المحاسن: عن ابن محبوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: قلت
لأبي جعفر عليه السلام: أصلي والتماثيل قدامي وأنا أنظر إليها؟ قال: لا، اطرح عليها
ثوبا، ولا بأس بها إذا كانت على يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق
رأسك، وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا وصل (5).

(1) التهذيب ج 1 ص 200 و 243، وتراه في المحاسن ص 365.
(2) التهذيب ج 1 ص 327.
(3) المحاسن 617.
(5) المحاسن 617.
292

9 - ومنه: عن عدة من أصحابنا، عن ابن أبي نجران، عن العلاء، عن محمد،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس بالتماثيل أن يكون عن يمينك وعن شمالك أو عن خلفك
أو تحت رجليك، فان كانت في القبلة فألق عليها ثوبا إذا صليت (1).
10 - فقه الرضا: لا يصلى في بيت فيه خمر محصور في آنية (2).
11 - المقنع: قال: لا يجوز أن يصلي في بيت فيه خمر محصور في آنية؟
قال: وروي أنه يجوز (3).
بيان: نسب إلى الصدوق - ره - تحريم الصلاة في بيت فيه خمر لظاهر الفقيه
مع أنه حكم بطهارة الخمر، واستبعد المتأخرون ذلك منه، ولا استبعاد فيه بعد
ورود النص لكن الخبر الوارد فيه موثقة عمار قال: ولا تصل في بيت فيه خمر
أو مسكر (4)، والحكم بالتحريم بمثل خبره مشكل، لا سيما مع ورود رواية الجواز
كما أشار إليه.
12 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي عمير رفعه قال: لا بأس بالصلاة والتصاوير
تنظر إليه إذا كانت بعين واحدة (5).
أقول: أوردنا بعض الأخبار في باب السترة، وفي باب تزويق البيوت و
تصويرها من كتاب الآداب والسنن (6).

(1) المحاسن ص 620.
(2) فقه الرضا ص 38.
(3) المقنع ص 25 ط الاسلامية.
(4) التهذيب ج 1 ص 243.
(5) المحاسن ص 620.
(6) راجع ج 76 ص 159 - 161 من طبعتنا هذه.
293

[4]
(باب)
* (ما يكون بين يدي المصلى أو يمر بين يديه) *
* (واستحباب السترة) *
1 - الاحتجاج: عن محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد علي من محمد
ابن عثمان العمري عن القائم عليه السلام: أما ما سألت عنه عن المصلي والنار والصورة و
السراج بين يديه، هل تجوز صلاته؟ فان الناس اختلفوا في ذلك قبلك، فإنه
جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأوثان والنيران (1).
اكمال الدين: عن محمد بن أحمد الشيباني وعلي بن أحمد الدقاق والحسين
ابن إبراهيم المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق جميعا، عن محمد بن جعفر الأسدي
قال: كان فيما ورد علي من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في
جواب مسائلي إلى صاحب الزمان عليه السلام وأما ما سألت وذكر نحوه إلى قوله من أولاد عبدة
الأصنام والنيران (2).
توضيح: قد مر الكلام في الصلاة إلى الصورة، والمشهور فيها وفي السراج
والنار الكراهة، وذهب أبو الصلاح إلى الحرمة فيهما كما نسب إليه والتفصيل الوارد
في هذا الخبر لم أر قائلا به، ويمكن حمله على أنهما بالنسبة إلى أولاد عبدة
النيران والأوثان أشد كراهة، لان احتمال شغل القلب ومظنة كونها معبودة لهم
فيهم أكثر، ولا يبعد حمل المطلق على المقيد، لكون الخبر في قوة الصحيح،
والأظهر الكراهة لما سيأتي وغيره من أخبار الجواز.
ثم إن بعض الأصحاب قيدوا الكراهية في النار بالمضرمة، والروايات غير
مقيدة بها، والاجتناب مطلقا أحوط وأولى.

(1) الاحتجاج ص 268.
(2) اكمال الدين ج 2 ص 199.
294

2 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه
عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وأمامه شئ عليه ثيابه؟
قال: لا بأس (1).
وسألته عن الرجل هل يصلح أن يصلي وأمامه ثوم أو بصل نابت؟ قال:
لا بأس (2).
وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي والسراج موضوع بين يديه في القبلة؟
قال: لا يصلح له أن يستقبل النار (3).
وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وأمامه حمار واقف؟ قال: يضع
بينه وبينه عودا أو قصبة أو شيئا يقيمه بينهما ويصلي لا بأس قلت: فإن لم يفعل وصلى
أيعيد صلاته؟ أو ما عليه؟ قال: لا يعيد صلاته وليس عليه شئ (4).
وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وأمامه النخلة وفيها حملها؟ قال:
لا بأس (5).
وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في الكرم وفيه حمله؟ قال:
لا بأس (6).
وسألته عن الرجل يكون في صلاته هل يصلح له أن يكون امرأة مقبلة بوجهها
عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟ قال: يدرؤها عنه، فإن لم يفعل لم يقطع ذلك
صلاته (7).
وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وأمامه شئ من الطير؟ قال:
لا بأس (8).
بيان: يدل على المنع من كون النار أمامه في الصلاة و (لا يصلح) لا يدل على
أزيد من الكراهة، وعلى كراهة كون الحمار أمامه بدون سترة، ولم أره في كلام

(1) قرب الإسناد ص 114 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 114 ط نجف.
(3) قرب الإسناد ص 114 ط نجف.
(4) قرب الإسناد ص 114 ط نجف.
(5) قرب الإسناد ص 114 ط نجف.
(6) قرب الإسناد ص 114 ط نجف.
(7) قرب الإسناد ص 123 ط نجف.
(8) قرب الإسناد ص 127 ط نجف ص 97 ط حجر.
295

الأصحاب، بل عد بعضهم الحيوان غير الانسان المواجه من السترة إلا أن الصدوق
أورد الرواية في الفقيه (1) ويدل على كراهة المرأة المواجهة، وذكر الأصحاب
الانسان المواجه مطلقا واعترف أكثر المتأخرين بعدم النص فيه، وقال أبو الصلاح
يكره التوجه إلى الطريق والحديد والسلاح المتواري والمرأة النائمة بين يديه
أشد كراهية.
3 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى العطار، عن
محمد بن أحمد الأشعري، عن الحسن بن علي، عن الحسين بن عمر، عن أبيه، عن
عمر بن إبراهيم الهمداني رفع الحديث قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا بأس أن يصلي
الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه، لان الذي يصلي له أقرب إليه من الذي
بين يديه (2).
المقنع: مرسلا مثله (3).
بيان قال الصدوق - ره - في الفقيه بعد إيراد رواية علي بن جعفر السابقة:
هذا هو الأصل الذي يجب أن يعمل به، فأما الحديث الذي روي عن أبي عبد الله
عليه السلام - وذكر هذه الرواية - فهو حديث يروى عن ثلاثة من المجهولين باسناد
منقطع، يرويه الحسن بن علي الكوفي وهو معروف، عن الحسين بن عمرو، عن
أبيه، عن عمرو بن إبراهيم الهمداني وهم مجهولون رفع الحديث قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام ذلك، ولكنها رخصة اقترنت بها علة صدرت عن ثقات، ثم اتصلت
بالمجهولين والانقطاع، فمن أخذ بها لم يكن مخطئا بعد أن يعلم أن الأصل هو
النهي، وأن الاطلاق رخصة، والرخصة رحمة انتهى.
ومراده إما حمل النهي على الكراهة، أو حمل الرخصة على حال الضرورة
والأول أظهر، لتعاضد أخبار الجواز، وكونها معللة موافقة لأصل الإباحة، ونفي

(1) الفقيه ج 1 ص 162.
(2) علل الشرائع ج 2 ص 31.
(3) المقنع ص 25 ط الاسلامية.
296

الحرج وكونها أنسب بالشريعة السمحة السهلة، وإن كان الأحوط الاجتناب عما
نهي عنه لغير الضرورة.
4 - العلل: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد الأشعري
عن علي بن إبراهيم الجعفري، عن أبي سليمان مولى أبي الحسن العسكري عليه السلام
قال: سأله بعض مواليه وأنا حاضر عن الصلاة يقطعها شئ؟ فقال: لا، ليست
الصلاة تذهب هكذا بحيال صاحبها، إنما تذهب مساوية لوجه صاحبها (1).
توجيه وجيه: (مساوية لوجه صاحبها) أي إلى السماء من جهة رأسها، ويحتمل
أن يكون المراد أنها تذهب إلى الجهة التي توجه قلبه إليها فإن كان قلبه متوجها
إلى الله تعالى وعمله خالصا له سبحانه فإنه يعود إليه، ويقبل عنده، سواء كان في
مقابله شئ أو لم يكن، وإن كان وجه قلبه متوجها إلى غيره تعالى وعمله مشوبا
بالاغراض الفاسدة والاعراض الكاسدة، فعمله ينصرف إلى ذلك الغير سواء كان
ذلك الغير في مقابل وجهه أو لم يكن، ولذا يقال له يوم القيامة (خذ ثواب عملك
ممن عملت له) وهو المراد من الخبر الآتي في قوله عليه السلام (الذي أصلي له أقرب
إلى من هؤلاء) أي هو في قلبي وأنا متوجه إليه، ولا يشغلني هذه الأمور عنه فعلى
هذا يمكن أن يكون هذا وجه جمع بين الاخبار، بأن يكون النهي لمن تكون
مقابلة هذه الأمور سببا لشغل قلبه، والتجويز لمن لم يكن كذلك.
ويحتمل الخبر الآتي وجها آخر، وهو أن يكون المعنى أن الرب تعالى
لما كان بحسب العلية والتربية والعلم أقرب إلى العبد من كل شئ فلا يتوهم
توسط ما يكون بين يدي المصلي بينه وبين معبوده، والأول أوجه.
والحاصل أن الغرض من عدم كون الصورة والسراج وأمثالهما بين يديه عدم
انتقاش صورة الغير في القلب والنفس والخيال، وتوجه العبد بشراشره إلى رب
الأرباب، فمن لم يتوجه إلى غيره فلا ضير، والله الموفق لكل خير.
5 - التوحيد: عن أحمد بن زياد الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن

(1) علل الشرائع ج 2 ص 38.
297

أبيه، عن ابن أبي عمير قال: رأى سفيان الثوري أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام و
هو غلام يصلي والناس يمرون بين يديه، فقال له: إن الناس يمرون بك وهم في
الطواف؟ فقال عليه السلام: الذي أصلي له أقرب إلى من هؤلاء (1).
ومنه: عن محمد بن إبراهيم الطالقاني، عن أبي سعيد الرميحي، عن عبد العزيز
ابن إسحاق، عن محمد بن عيسى بن هارون، عن محمد بن زكريا المكي، عن منيف
مولى جعفر بن محمد قال: حدثني سيدي جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال:
كان الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يصلي فمر بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه
فلما انصرف من صلاته، قال له: لم نهيت الرجل؟ قال يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله
خطر فيما بينك وبين المحراب؟ فقال: ويحك إن الله عز وجل أقرب إلى من
أن يخطر فيما بيني وبينه أحد (2).
6 - المحاسن: عن أبيه، عن حماد بن عيسى وفضالة عن معاوية بن عمار
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أقوم أصلي والمرأة جالسة بين يدي أو مارة؟
قال: لا بأس بذلك، إنما سميت بكة لأنه تبك فيها الرجال والنساء (3).
بيان: يدل على ما سيأتي نقلا من التذكرة أنه لا بأس أن يصلى في مكة
إلى غير سترة، وقال في الذكرى بعد نقل كلام التذكرة: قلت قد روي في الصحاح
أن النبي صلى الله عليه وآله صلى بالأبطح فركزت له عنزة، رواه أنس وأبو جحيفة، ولو قيل
السترة مستحبة مطلقا ولكن لا يمنع المار في مثل هذه الأماكن، لما ذكر، كان
وجها انتهى.
أقول: يمكن حمل خبر الجواز على المسجد الحرام، لكون التعليل
فيه أظهر.
7 - قرب الإسناد: عن الحسن بن طريف، عن الحسين بن علوان، عن الصادق

(1) التوحيد ص 179 ط مكتبة الصدوق.
(2) التوحيد ص 184.
(3) المحاسن ص 337
298

عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام سأل عن الرجل يصلي فيمر بين يديه الرجل والمرأة
والكلب أو الحمار، فقال: إن الصلاة لا يقطعها شئ، ولكن ادرؤا ما استطعتم، هي
أعظم من ذلك (1).
تبيين: (ولكن ادرؤا) أي ادفعوا المار إما بإشارة أو برمي شئ كما فهمه
الأصحاب أو ضرر مروره بالسترة لما رواه الكليني (2) في الموثق، عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقطع الصلاة شئ لا كلب ولا حمار ولا امرأة، ولكن
استتروا بشئ، فإن كان بين يديك قدر ذراع رافعا من الأرض فقد استترت.
قال الكليني: والفضل في هذا أن يستتر بشئ ويضع بين يديه ما يتقى به من
المار، فإن لم يفعل فليس به بأس، لان الذي يصلي له المصلي أقرب إليه ممن
يمر بين يديه، ولكن ذلك أدب الصلاة وتوقيرها.
ثم روى مرفوعا عن محمد بن مسلم (3) قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله
عليه السلام فقال له: رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم و
فيه ما فيه؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: ادعوا لي موسى فدعي فقال يا بني إن أبا حنيفة
يذكر أنك كنت تصلي والناس يمرون بين يديك فلم تنههم؟ فقال: نعم يا أبت
إن الذي كنت أصلي له كان أقرب إلى منهم، يقول الله عز وجل: (ونحن أقرب إليه
من حبل الوريد) (4) قال: فضمه أبو عبد الله عليه السلام إلى نفسه ثم قال: بأبي أنت
وأمي يا مودع الاسرار، وهذا تأديب منه عليه السلام لا أنه ترك الفضل انتهى.
أقول: قوله (وفيه ما فيه) أي وفي هذا الفعل ما فيه من الكراهة، أو فيه
عليه السلام ما فيه من توقع إمامته وقوله (وهذا تأديب) كلام الكليني ويحتمل
وجوها:
الأول: أن يكون المعنى أن هذا منه عليه السلام كان تأديبا لأبي حنيفة، ولذا

(1) قرب الإسناد ص 72 ط نجف ص 54 ط حجر.
(2) الكافي ج 3 ص 297.
(3) الكافي ج 3 ص 297.
(4) ق: 16.
299

طلبه ليعلم الملعون أنه عليه السلام لم يترك الفضل، إما لعدم الحاجة إلى السترة لمن
لا يشغله عن الله شئ كما مر، أو لأنه عليه السلام كان لم يترك السترة حيث لم يذكر
في الخبر تركها.
الثاني: أن يكون المراد تأديب موسى عليه السلام فالمراد بالفضل السنة الأكيدة
والتأديب في أصل الطلب، ولا ينافي ذلك مدحه عليه السلام على ما ذكره من العلة في
عدم تأكيد السنة، وفي بعض النسخ لأنه ترك، فالثاني أظهر، ويحتمل الأول
على تكلف.
الثالث: أن يكون ضمير منه راجعا إلى موسى عليه السلام أي صلاته عليه السلام كذلك
كان تأديبا لأبي حنيفة، لا أنه ترك الفضل إذ ترك السنة لهذه العلة ليس تركا
للفضل، بل هو عين الفضل.
فائدة
قال الشهيد - ره - في الذكرى: تستحب السترة بضم السين في قبلة المصلي
إجماعا، فإن كان في مسجد أو بيت فحائطه أو سارية، وإن كان في فضاء أو طريق
جعل شاخصا بين يديه، ويجوز الاستتار بكل ما يعد ساترا ولو عنزة، فقد كان
النبي صلى الله عليه وآله تركز له الحربة فيصلي إليها، ويعرض البعير فيصلي إليه، وركزت
له العنزة يصلي الظهر يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع، والعنزة العصا في أسفلها
حديد، والأولى بلوغها ذراعا، قاله الجعفي والفاضل زاد: فما زاد.
وقد روى أبو بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان طول رحل رسول الله
صلى الله عليه وآله ذراعا، وكان إذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمر بين
يديه، ويجوز الاستتار بالسهم والخشبة وكل ما كان أعرض فهو أفضل.
وروى معاوية بن وهب (2) عن الصادق عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجعل
العنزة بين يديه إذا صلى.

(1) الكافي ج 3 ص 296.
(2) الكافي ج 3 ص 296.
300

وروى السكوني (1) عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا صلى
أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل، فإن لم يجد فحجرا
فإن لم يجد فسهما، فإن لم يجد فيخط في الأرض بين يديه.
وعن أبي عبد الله عليه السلام برواية غياث (2) أن النبي صلى الله عليه وآله وضع قلنسوة
وصلى إليها.
وعن محمد بن إسماعيل (3) عن الرضا عليه السلام يكون بين يديه كومة من تراب
أو يخط بين يديه بخط.
وروى العامة الخط عن النبي صلى الله عليه وآله وأنكره بعض العامة (4) ثم هو عرضا،
وبعض العامة طولا أو مدورا أو كالهلال، وقال - ره - إذا نصب بين يديه عنزة أو
عودا لم يستحب الانحراف عنه يمينا ولا يسارا، قاله في التذكرة، وقال ابن الجنيد
يجعله على جانبه الأيمن ولا يتوسطها، فيجعلها مقصده تمثيلا بالكعبة، وبعض
العامة لتكن على الأيمن أو على الأيسر.
أقول: ظاهر الاخبار المحاذاة، وما ذكره ابن الجنيد لا وجه له ظاهرا.
ثم قال قدس سره: يستحب الدنو من السترة لما روي (5) عن النبي صلى الله عليه وآله
إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته، وقدره ابن الجنيد
بمربض الشاة لما صح من خبر سهل الساعدي قال: كان بين مصلى النبي صلى الله عليه وآله

(1) التهذيب ج 1 ص 244.
(2) التهذيب ج 1 ص 228.
(3) التهذيب ج 1 ص 244.
(4) رواه أبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة على ما في المشكاة ص 74، قيل: قال به
الشافعي في القديم، ونفاه في الجديد لاضطراب الحديث وضعفه، وقال ابن الهمام: وأما
الخط فقد اختلفوا فيه حسب اختلافهم في الوضع إذا لم يكن معه ما يغرزه أو يضعه، فالمانع
يقول: لا يحصل به المقصود، إذ لا يظهر من بعيد، والمجيز يقول: ورد الأثر به.
(5) رواه أبو داود عن سهل بن أبي حثمة على ما في المشكاة ص 74.
301

وبين الجدار ممر الشاة، وبعض العامة بثلاث أذرع، ويجوز الاستتار بالحيوان لما
مر (1) ويجزي إلقاء العصا عرضا إذا لم يمكن نصبها، لأنه أولى من الخط.
أقول: ذكر بعض الأصحاب حد الدنو من مربض عنز إلى مربط فرس،
لما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
أقل ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز، وأكثر ما يكون مربط فرس، وقال
قدس سره سترة الامام سترة لمن خلفه، وقال: يستحب دفع المار بين يديه،
لقوله عليه السلام لا يقطع الصلاة شئ فادرؤا ما استطعتم ثم ذكر الأخبار المتقدمة.
ثم قال: يكره المرور بين يدي المصلي سواء كان له سترة أم لا، ولو احتاج
المصلي في الدفع إلى القتال لم يجز، ورواية أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي
صلى الله عليه وآله (فان أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان) للتغليظ، أيضا أو يحمل على
دفاع مغلظ لا يؤدي إلى جرح ولا ضرر، وهل كراهة المرور وجواز الدفع مختص
بمن استتر أو مطلقا نظر، ولو كان في الصف الأول فرجة جاز التخطي بين الصف
الثاني لتقصيرهم لاهمالها، ولو لم يجد المار سبيلا سوى ذلك لم يدفع، وغلا بعض
العامة في ذلك وجوز الدفع مطلقا. ولا يجب نصب السترة إجماعا وليست شرطا في
صحة الصلاة أيضا بالاجماع، وإنما هي من كمال الصلاة انتهى ملخص كلامه زاد
الله في إكرامه.
8 - العلل والخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني
عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله
عليه السلام، عن آبائه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يصلي أحدكم وبين يديه
سيف، فان القبلة أمن (3).

(1) ولما روى عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وآله كان يعرض راحلته فيصلى إليها،
متفق عليه.
(2) الفقيه ج 1 ص 253
(3) علل الشرائع ج 2 ص 42، الخصال ج 2 ص 158 واللفظ له.
302

بيان: (فان القبلة أمن) أي ذوأمن لا ينبغي أن يكون فيه ما يوجب الخوف
أو ما يوجب تذكر القتال وشغل القلب به، أو أن الله تعالى يحفظ المصلي فلا يحتاج
إلى السيف، ثم اعلم أن المشهور بين الأصحاب أنه يكره الصلاة إلى سيف مشهور
أو غيره من السلاح.
وقال أبو الصلاح: لا يحل للمصلي الوقوف في معاطن الإبل، ومرابط الخيل
والبغال والحمير والبقر، ومرابض الغنم، وبيوت النار، والمزابل ومذابح الانعام
والحمامات، وعلى البسط المصورة، وفي البيت المصور، ولنا في فسادها في هذه
المحال نظر، ثم قال: لا يجوز التوجه إلى النار والسلاح المشهور والنجاسة الظاهرة
والمصحف المنشور، والقبور، ولنا في فساد الصلاة مع التوجه إلى شئ من ذلك نظر
ويكره التوجه إلى الطريق والحديد والسلاح المتواري والمرأة النائمة بين يديه
أشد كراهية انتهى والأشهر أظهر.
وقال ابن الجنيد: إن التماثيل والنيران مشعلة في قناديل أو سرج أو شمع أو
جمر معلقة أو غير معلقة سنة للمجوس وأهل الكتاب، قال: ويكره أن يكون في
القبلة مصحف منشور، وإن لم يقرأ فيه، أو سيف مسلول، أو مرآة ترى المصلى
نفسه أو ما وراءه انتهى.
أقول: لم أر المرآة في رواية، وحمله على الصورة قياس، وربما يبنى
ذلك على الخلاف في الانطباع وخروج الشعاع، فعلى الأول داخل في الصورة
وعلى الثاني رأي نفسه، والظاهر أن الأحكام الشرعية لا تبتني على تلك الدقائق
الحكمية، بل على الدلالات العرفية واللغوية، ولا يطلق في العرف واللغة عليها
المثال والصورة، وإن كان الأولى والأحوط الترك.
9 - دعائم الاسلام: عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: الصلاة إلى غير سترة من
الجفاء ومن صلى في فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل (1).
وعن علي عليه السلام أنه كان يكره الصلاة إلى البعير، ويقول: ما من بعير إلا

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 150.
303

وعلى ذروته شيطان (1).
وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه كره أن يصلي الرجل ورجل بين يديه قائم و
لا يصلي الرجل وبحذائه امرأة، إلا أن يتقدمها بصدره (2).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال إذا قام أحدكم في الصلاة إلى سترة فليدن منها
فان الشيطان يمر بينه وبينها، وحد في ذلك كمربض الثور (3).
وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه كره التصاوير في القبلة (4).
وعن علي عليه السلام أنه سئل عن المرور بين يدي المصلي فقال: لا يقطع الصلاة
شئ، ولا تدع من يمر بين يديك وإن قاتلته (5).
وقال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الصلاة فمر بين يديه كلب ثم مر حمار، ثم
مرت امرأة وهو يصلي، فلما انصرف قال: رأيت الذي رأيتم، وليس يقطع صلاة
المؤمن شئ، ولكن ادرؤا ما استطعتم (6).

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 150.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 150.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 150.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 150.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 191.
(6) دعائم الاسلام ج 1 ص 191.
304

[5]
* (باب) *
* (المواضع التي نهى عن الصلاة فيها) *
1 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمن رواه، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: عشرة مواضع لا يصلى فيها: الطين، والماء، والحمام، والقبور، ومسان
الطريق، وقرى النمل، ومعاطن الإبل، ومجرى الماء، والسبخة، والثلج (1).
ومنه: عن أبيه، عن عبد الله بن الفضل النوفلي، عن أبيه، عن مشيخته، عنه
عليه السلام مثله (2).
الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن البرقي، عن أبيه، عن عبد الله
ابن الفضل مثله إلا أنه أسقط لفظ القبور وزاد في آخره، ووادي ضجنان.
ثم قال رضوان الله عنه: هذه المواضع لا يصلي فيها الانسان في حال الاختيار
فإذا حصل في الماء والطين واضطر إلى الصلاة فيه، فإنه يصلى إيماء، ويكون ركوعه
أخفض من سجوده، وأما الطريق فإنه لا بأس بأن يصلى على الظواهر التي بين
الجواد، فأما على الجواد فلا يصلى، وأما الحمام فإنه لا يصلى فيه على كل حال
فأما مسلخ الحمام فلا بأس بالصلاة فيه لأنه ليس بحمام، وأما قرى النمل فلا يصلى
فيها لأنه لا يتمكن من الصلاة لكثرة ما يدب عليه من النمل، فيؤذيه فيشغله عن
الصلاة.
وأما معاطن الإبل فلا يصلى فيها إلا إذا خاف على متاعه الضيعة فلا بأس
حينئذ بالصلاة فيها، وأما مرابض الغنم فلا بأس بالصلاة فيها، وأما مجرى
الماء فلا يصلى فيه على كل حال، لأنه لا يؤمن أن يجرى الماء إليه وهو
في صلاته، وأما السبخة فإنه لا يصلي فيها نبي ولا وصي نبي، وأما غيرهما فإنه

(1) المحاسن ص 13.
(2) المحاسن ص 366.
305

متى دق مكان سجوده حتى تتمكن الجبهة فيه مستوية في سجوده فلا بأس، وأما
الثلج فمتى اضطر الانسان إلى الصلاة عليه فإنه يدق موضع جبهته حتى يستوي
عليه في سجوده، وأما وادي ضجنان وجميع الأودية فلا تجوز الصلاة فيها لأنها
مأوى الحيات والشياطين (1).
بيان: اشتمل الخبر مع قوته لتكرره في الأصول، ورواية الكليني والشيخ
وغيرهما له (2) على أحكام.
الأول: المنع عن الصلاة في الطين والماء، والظاهر أنه على التحريم إن
منعا شيئا من واجبات الصلاة، كالسجود والاستقرار، وإلا كره، لما رواه الشيخ
في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما
هو؟ قال: إذا غرق الجبهة ولم تثبت على الأرض (3).
الثاني: المنع عن الصلاة في الحمام، والمشهور الكراهة، وقد مر قول
أبي الصلاح أنه منع من الصلاة في الحمام وتردد في الفساد، والأظهر الكراهة
للروايات الدالة على الجواز، وإن حملها الصدوق والشيخ على المسلخ وظاهر الشيخ
نفي ثبوت الكراهة في المسلخ كما صرح به الشهيدان، والصدوق في العلل (4) وإن
كان في دليله نظر، واحتمل في التذكرة ثبوت الكراهة فيه أيضا وأما سطح الحمام
فلا تكره الصلاة فيه قطعا، ويحتمل أن يكون النهي عن الصلاة في الحمام محمولا
على ما إذا كان نجسا لأنهم كانوا يصلون في فرشه، وقلما تخلو عن النجاسة، لما
رواه الصدوق (5) في الصحيح عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام أنه سأله

(1) الخصال ج 2 ص 52 - 53.
(2) تراه في الكافي ج 3 ص 390، فقيه من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 156،
التهذيب ج 1 ص 198.
(3) التهذيب ج 1 ص 224.
(4) بل ذكره في الخصال على ما مر.
(5) الفقيه ج 1 ص 156.
306

عن الصلاة في بيت الحمام فقال: إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس، وروى الشيخ (1)
مثله في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام.
الثالث: المنع عن الصلاة في القبور وقال في المنتهى: يكره الصلاة في
المقابر، ذهب إليه علماؤنا، قال: ونقل الشيخ عن بعض علمائنا القول بالبطلان
وقال: تكره الصلاة إلى القبور وأن يتخذ القبر مسجدا يسجد عليه، وقال ابن بابويه:
لا يجوز فيهما، وهو قول بعض الجمهور، ثم قال: لو كان بينه وبين القبر حائل
أو بعد عشرة أذرع لم تكن بالصلاة إليه بأس، وقد مر أن أبا الصلاح حرمها وتردد
في البطلان، وقال المفيد: لا تجوز الصلاة إلى شئ من القبور حتى تكون بينه وبينه
حائل أو قدر لبنة أو عنزة منصوبة، أو ثوب موضوع.
وعلى القول بالكراهة أو الحرمة الحكم برفعهما بالحوائل التي ذكرها مشكل،
ولم نر مستنده، فأما عشرة أذرع فرواه الشيخ في الموثق (2) عن عمار، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلي بين القبور؟ قال: لا يجوز ذلك إلا أن يجعل
بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه، وعشرة أذرع من خلفه، وعشرة
أذرع عن يمينه، وعشرة أذرع عن يساره، ثم يصلي إن شاء.
واستندوا في التحريم إلى هذه الرواية، وهي عندنا ليست في درجة من القوة
وقد عارضها روايات صحيحة مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (3)
قال: سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن الصلاة بين القبور هل يصلح؟ قال: لا بأس
وفي الصحيح (4) عن علي بن جعفر، عن أخيه مثله، فغاية ما يمكن إثباته مع تلك
المعارضات القوية الكراهة، بل يمكن المناقشة فيها أيضا، نعم الأحوط عدم
التوجه إلى قبر غير الأئمة عليهم السلام لحسنة زرارة الآتية وأما قبور الأئمة عليهم السلام

(1) التهذيب ج 1 ص 243.
(2) التهذيب ج 1 ص 200.
(3) التهذيب ج 1 ص 243.
(4) الفقيه ج 1 ص 158.
307

فسيأتي القول فيها، وألحق جماعة من الأصحاب بالقبور القبر والقبرين ومستنده
غير واضح.
الرابع: المنع من الصلاة في الطرق، وقال في المغرب: سنن الطريق معظمه
ووسطه، وفي القاموس سن الطريقة سار فيها كاستسنها وسنن الطريق مثلثة وبضمتين
[نهجه] وجهته. والمسان من الإبل الكبار انتهى ولعل المراد هنا الطرق المسلوكة
أو العظيمة، والمشهور كراهة الصلاة في الطريق المسلوكة وقال في المنتهى: إنه
مذهب علمائنا أجمع، وظاهر الصدوق والمفيد الحرمة، والكراهة أظهر، والترك
أحوط، ولا فرق بين أن تكون الطريق مشغولة بالمارة وقت الصلاة أولا للعموم، نعم
لو تعطلت المارة اتجه التحريم واحتمل الفساد.
ومنهم من خص الكراهة بجواد الطرق وهي العظمى منها، والأجود التعميم
لموثقة ابن الجهم عن الرضا عليه السلام (1) قال: كل طريق يوطأ فلا تصل عليه، وفي
رواية أخرى عنه (2): كل طريق يوطأ ويتطرق، وكانت فيه جادة أو لم تكن،
فلا ينبغي الصلاة فيه.
الخامس: المنع من الصلاة في قرى النمل، والمشهور الكراهة لهذا الخبر
ولما سيأتي، ولعدم انفكاك المصلي من أذاها، وقتل بعضها.
السادس: المنع من الصلاة في معاطن الإبل، قال الجوهري: العطن
والمعطن واحد الأعطان والمعاطن وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب عللا بعد نهل
فإذا استوفت ردت إلى المراعي والاظماء، قال ابن السكيت: وكذلك تقول هذا
عطن الغنم ومعطنها لمرابضها حول الماء، وقال: العلل الشرب الثاني، والنهل
الشرب الأول، وقال الفيروزآبادي: العطن محركة وطن الإبل ومنزلها حول
الحوض، وقريب منه كلام ابن الأثير وغيره، وقال في مصباح اللغة: العطن للإبل
المناخ والمبرك، ولا يكون إلا حول الماء، والجمع أعطان، نحو سبب وأسباب
والمعطن وزان مجلس مثله، وعطن الغنم ومعطنها، أيضا مربضها حول الماء، قاله
ابن السكيت وابن قتيبة.

(1) التهذيب ج 1 ص 198، ط حجر ج 2 ص 220 و 221 ط نجف.
(2) التهذيب ج 1 ص 198، ط حجر ج 2 ص 220 و 221 ط نجف.
308

وقال ابن فارس: قال بعض أهل اللغة: لا يكون أعطان الإبل إلا حول
الماء، فأما مباركها في البرية أو عند الحي فهي المأوى، وقال الأزهري: أيضا
عطن الإبل موضعها الذي تتنحى إليه أي تشرب الشربة الثانية، وهو العلل، ولا
تعطن الإبل على الماء إلا في حمارة القيظ، فإذا برد الزمان فلا عطن للإبل، والمراد
بالمعاطن في كلام الفقهاء المبارك انتهى.
وظاهر الفقهاء أن الكراهة تشتمل كل موضع يكون فيه الإبل، والأولى
ترك الصلاة في الموضع الذي تأوي إليه الإبل، وإن لم تكن فيه وقت الصلاة كما
يومي إليه بعض الأخبار، وصرح به العلامة في المنتهى معللا بأنها بانتقالها عنها
لا تخرج عن اسم المعطن إذا كانت تأوي إليه.
ثم إن الذي ورد في أخبارنا إنما هو بلفظ العطن، وقد عرفت مدلوله لغة،
وأكثر أصحابنا حكموا بالتعميم كالمحقق والعلامة، وقال ابن إدريس في السرائر
بعد تفسير المعطن بما نقلناه: هذا حقيقة المعطن عند أهل اللغة إلا أن أهل الشرع
لم يخصص ذلك بمبرك دون مبرك انتهى.
واستندوا في التعميم بما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أدركتم الصلاة
وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة، وإن أدركتم الصلاة وأنتم في
أعطان الإبل فاخرجوا منها فإنها جن من جن خلقت ألا ترى أنها إذا نفرت كيف
تشمخ بأنفها.
وعن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله أنصلي في مرابض
الغنم؟ قال: نعم، قال: أنصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا.
وعن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من
الشياطين.
ولا يخفى أن بعض تلك الروايات على تقدير صحتها تؤمى إلى كراهة الصلاة
في كل موضع حضر فيه إبل، مع أنهم ذكروا في السترة أنها تتحقق بالبعير، ورووا
أن النبي صلى الله عليه وآله صلى إلى بعير، ورووا عنه صلى الله عليه وآله أنه كان يعرض راحلته ويصلي إليها
309

قال: قلت: فإذا ذهبت الركاب؟ قال: كان يعرض الرحل ويصلي إلى آخرته
وقال العلامة في المنتهى: لا بأس أن يستر ببعير أو حيوان، ثم ذكر الروايتين
الأخيرتين.
وقال - ره - في المعاطن بعد الروايات الأولة: والفقهاء جعلوه أعم من ذلك
وهي مبارك الإبل مطلقا التي تأوي إليها، ويدل عليه ما فهم من التعليل بكونها من
الشياطين، ثم قال: والمواضع التي تبيت فيها الإبل في سيرها أو تناخ فيها لعلفها
أو وردها الوجه أنها لا بأس بالصلاة فيها، لأنها لا تسمى معاطن، ولو صلى في هذه
المواضع لم يكن به بأس، وليس مكروها خلافا لبعض الجمهور انتهى.
وقد عرفت أنه لو صح التعليل لدل على كراهة مطلق المواضع التي تحضر
الإبل فيها، وإلا فينبغي أن يقتصر على مدلول المعاطن لغة، مع أن الروايات عامية
لا عبرة بمدلولاتها.
ثم إن المشهور بين الأصحاب الكراهة، وقد مر عن أبي الصلاح القول
بالتحريم، والتردد في بطلان الصلاة، وظاهر المفيد في المقنعة أيضا التحريم، وهو
أحوط، وإن كانت الكراهة أقوى في الجملة.
السابع: المنع من الصلاة في مجرى الماء، وهو المكان المعد لجريانه
فيه، وإن لم يكن فيه ماء، والمشهور فيه الكراهة لهذا الخبر، وقيل يكره الصلاة
في بطون الأودية التي يخاف فيها هجوم السيل، وظاهر الصدوق - ره - فيما مر
التحريم، وإن لم ينسب إليه، وقال في المنتهى: تكره الصلاة في مجرى الماء ذهب
إليه علماؤنا.
ثم قال - ره -: تكره الصلاة في السفينة لأنه يكون قد صلى في مجرى
الماء، وكذا لو صلى على ساباط تحته نهر يجري، أو ساقية، وهل يشترط في
الكراهة جريان الماء؟ عندي فيه توقف أقربه عدم الاشتراط، ولا فرق بين الماء
الطاهر والنجس في ذلك، وهل تكره الصلاة على الماء الواقف؟ فيه تردد أقر به
الكراهية انتهى، وقال في النهاية: فان أمن السيل احتمل بقاء الكراهة اتباعا
310

لظاهر النهي، وعدمها لزوال موجبها.
وأقول: ظاهر الاخبار كراهة الصلاة في المكان الذي يتوقع فيه جريان
الماء، وفي المكان الذي يجرى فيه الماء بالفعل، على تفصيل قد تقدم، وقد سبق
القول في الصلاة في السفينة، وأما الساباط فالظاهر عدم الكراهة والله أعلم.
الثامن: المنع من الصلاة في السبخة بفتح الباء، وإذا كانت نعتا للأرض
كقولك الأرض السبخة فبكسر الباء ذكره الخليل في كتاب العين، والذي يظهر
من الاخبار أن المنع لعدم استقرار الجبهة وعدم استواء الأرض فلو دق وسوي
لم يكن به بأس كما ذكره الصدوق - ره - وظاهر الصدوق في العلل (1) التحريم
حيث قال (باب العلة التي من أجلها لا تجوز الصلاة في السبخة) وظاهره في الخصال (2)
تخصيص التحريم بالنبي صلى الله عليه وآله والامام، وظاهر الأكثر الكراهة مطلقا، والأظهر
أنه إن لم تستقر الجبهة أصلا أو كان الارتفاع والانخفاض أزيد من المعفو فتحرم
الصلاة اختيارا، وإلا فتكره، ومع الدق والاستواء تزول الكراهة أو تخف و
الأول أظهر، لما رواه الشيخ (3) في الموثق عن سماعة قال: سألته عن الصلاة في
السباخ فقال: لا بأس، وحملها الشيخ على موضع تقع فيه الجبهة مستوية.
التاسع: المنع من الصلاة على الثلج، والظاهر أنه أيضا مثل السبخة، و
مع عدم الاستقرار أصلا يحرم، ومعه في الجملة يكره، ومع الدق والاستواء التام
تزول الكراهة أو تخف، والثاني أظهر لما سيأتي.
العاشر: المنع من الصلاة في وادي ضجنان وقال المنتهى: تكره الصلاة في
ثلاثة مواطن بطريق مكة: البيداء، وذات الصلاصل، وضجنان وقال: البيداء في
اللغة المفازة، وليس ذلك على عمومه ههنا، بل المراد موضع معين، وقد ورد أنها
أرض خسف روي أن جيش السفياني يأتي إليها قاصدا مدينة الرسول صلى الله عليه وآله فيخسف

(1) علل الشرايع ج 2 ص 16.
(2) قد مر كلامه ص 305 س 21.
(3) التهذيب ج 1 ص 198، الاستبصار ج 1 ص 199.
311

الله تعالى بتلك الأرض، وبينها وبين ميقات أهل المدينة الذي هو ذو الحليفة ميل
واحد، وضجنان جبل بمكة ذكره صاحب الصحاح، والصلاصل جمع صلصال وهي
الأرض التي لها صوت ودوى انتهى.
وقيل: إنه الطين الحر المخلوط بالرمل، فصار يتصلصل إذا جف أي يصوت
وبه فسره الشهيد - ره -، ونقله الجوهري عن أبي عبيدة، ونحو منه كلام
الفيروزآبادي، ويوهم عبارات بعض الأصحاب أن كل أرض كانت كذلك كرهت
الصلاة فيها، وهو خطأ، لأنه قد ظهر من الاخبار وكلام قدماء الأصحاب أنها
أسماء مواضع مخصوصة بين الحرمين.
وورد في بعض الأخبار النهي عن الصلاة في ذات الجيش ويظهر من بعضها أنها
البيداء كما اختاره الأصحاب، وعللوا التسمية بخسف جيش السفياني فيها، ومن
بعضها أنها مبدء البيداء للجائي من مكة، ومن بعضها المغايرة، فيحتمل التكرار
على التأكيد، أو الحمل على أنها متصلة بالبيداء فحكم بالاتحاد مجازا.
2 - المحاسن: عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن عمار الساباطي قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: لا تصل في وادي الشقرة، فان فيه منازل الجن (1).
بيان: قال الجوهري: الشقر بكسر القاف شقائق النعمان، الواحدة شقرة
وقال ابن إدريس: تكره الصلاة في وادي الشقرة بفتح الشين وكسر القاف، وهي واحد
الشقر موضع بعينه مخصوص، سواء كان فيه شقائق النعمان أو لم يكن، وليس كل
واد يكون فيه شقائق النعمان تكره فيه الصلاة بل بالموضع المخصوص فحسب، وهو
بطريق مكة لان أصحابنا قالوا: تكره الصلاة في طريق مكة بأربعة مواضع من
جملتها وادي الشقرة، والذي ينبه على ما اخترناه ما ذكره ابن الكلبي في كتاب
الأوائل وأسماء المدن قال: زرود والشقرة ابنتا يثربن قابية بن مهلهل بن وأم بن
عقيل بن عوض بن ارم بن سام بن نوح، هذا آخر كلام ابن الكلبي النسابة فقد
جعل زرود والشقرة موضعين سميا باسم امرأتين، وهو أبصر بهذا الشأن انتهى.

(1) المحاسن ص 366.
312

وقال في المنتهى: الشقرة بفتح الشين وكسر القاف واحدة الشقرة، وهو شقائق
النعمان، وكل موضع فيه ذلك تكره الصلاة فيه، وقيل: وادي الشقرة موضع
مخصوص بطريق مكة ذكره ابن إدريس والأقرب الأول، لما فيه من اشتغال
القلب بالنظر إليه، وقيل: هذه مواضع خسف فتكره الصلاة فيها لذلك انتهى.
والأظهر ما اختاره ابن إدريس، والتعليل الوارد في الخبر مخالف لما ذكره
إلا بتكلف تام.
3 - مجالس الصدوق: بالاسناد المتقدم في كتاب المناهي أن النبي صلى الله عليه وآله
نهى أن تجصص المقابر ويصلى فيها (1)، ونهى أن يصلي الرجل في المقابر والطرق
والأرحية والأودية ومرابط الإبل وعلى ظهر الكعبة (2).
بيان: كراهة الصلاة في الأرحية لم يذكرها الأكثر، وإن دل عليها هذا
الخبر، والمرابط أعم من المعاطن مطلقا أو من وجه.
4 - العلل: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه
عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الصلاة بين
القبور، قال: صل بين خلالها ولا تتخذ شيئا منها قبلة، فان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى
عن ذلك، وقال: لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا، فان الله عز وجل لعن الذين
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (3).
ايضاح: ظاهره عدم جواز الصلاة إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله والسجود عليه، و
روى في المنتهى من طرق العامة عن ابن عباس وعائشة قالا: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله
الوفاة كشف وجهه وقال: لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وعنه صلى الله عليه وآله
أنه قال: أما إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد ألا
فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك.

(1) أمالي الصدوق ص 253.
(2) المصدر ص 254.
(3) علل الشرائع ج 2 ص 47.
313

ثم قال - ره -: وذلك محمول على الكراهة، إذ القصد بذلك النهي
عن التشبه بمن تقدمنا في تعظيم القبور بحيث تتخذ مساجد، ومن صلى لا لذلك
لم يكن قد فعل محرما، إذ لا يلزم من المساواة التحريم كالسجود لله تعالى المساوي
للسجود للصنم في الصورة ثم قال: قال الشيخ: قد رويت رواية بجواز النوافل إلى
قبور الأئمة عليهم السلام والأصل الكراهية انتهى.
أقول: الجواز وعدم الكراهة في قبور الأئمة عليهم السلام لا يخلو من قوة، لا سيما
مشهد الحسين عليه السلام لما سيأتي من الاخبار، ولا يبعد القول بذلك في قبر الرسول
صلى الله عليه وآله أيضا بحمل أخبار المنع على التقية، لشهرة تلك الروايات عند
المخالفين، وقول بعضهم بالحرمة، ويمكن القول بالنسخ فيها أيضا، أو الحمل على
أن يجعل قبلة كالكعبة، بأن يتوجه إليه من كل جانب، لكن هذا الحمل بعيد
في بعضها، أو الحمل على ما إذا كان المقصود سجدة القبر أو صاحبه.
ويمكن القول بالفرق بين قبر النبي صلى الله عليه وآله وقبور الأئمة عليهم السلام بالقول
بالكراهة في الأول دون الثاني، لان احتمال توهم المعبودية والمسجودية أو
مشابهة من مضى من الأمم فيه أكثر، أو لدفن الملعونين عنده صلى الله عليه وآله.
5 - العيون: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن الحسن
ابن علي بن فضال قال: رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام وهو يريد أن يودع للخروج
إلى العمرة، فأتى القبر من موضع رأس النبي صلى الله عليه وآله بعد المغرب، فسلم على
النبي صلى الله عليه وآله ولزق بالقبر ثم انصرف حتى أتى القبر فقام إلى جانبه يصلي، فألزق
منكبه الأيسر بالقبر قريبا من الأسطوانة المخلقة التي عند رأس النبي صلى الله عليه وآله فصلى
ست ركعات أو ثمان ركعات (1).
6 - مشكاة الأنوار: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رجلا أتى أبا جعفر عليه السلام
فقال له: أصلحك الله إني أتجر إلى هذه الجبال، فنأتي أمكنة لا نستطيع أن
نصلي إلا على الثلج، قال: ألا تكون مثل فلان، يعني رجلا عنده - يرضى بالدون

(1) عيون الأخبار ج 2 ص 17 في حديث.
314

ولا يطلب التجارة إلى أرض لا يستطيع أن يصلي إلا على الثلج (1).
7 - الاحتجاج: قال: كتب الحميري إلى القائم عليه السلام يسأله عن الرجل يزور
قبور الأئمة عليهم السلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند
بعض قبورهم عليهم السلام أن يقوم وراء القبر، ويجعل القبر قبلة أو يقوم عند رأسه أو رجليه؟
وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلى ويجعل القبر خلفه أم لا؟ فأجاب عليه السلام أما السجود
على القبر فلا يجوز في نافلة، ولا فريضة، ولا زيارة، والذي عليه العمل أن يضع
خده الأيمن على القبر وأما الصلاة فإنها خلفه، ويجعل القبر أمامه، ولا يجوز أن
يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره، لان الإمام عليه السلام لا يتقدم
ولا يساوى (2).
بيان: روى الشيخ في التهذيب (3) هذه الرواية عن محمد بن أحمد بن داود، عن
أبيه، عن محمد بن عبد الله الحميري، وقال شيخنا البهائي قدس الله روحه: الواسطة
بين الشيخ وبين محمد، الشيخ المفيد طاب ثراه، فالحديث صحيح لان الثلاثة ثقات
من وجوه أصحابنا، وقال المحقق في المعتبر: إنه ضعيف، ولعل السبب في ذلك
كونه مكاتبة انتهى.
وما ذكره قريب، لان محمد بن أحمد، وإن لم ينص على توثيقه لكن مدحه
النجاشي مدحا يربي على التوثيق، حيث قال فيه (4) شيخ هذه الطائفة وعالمها، و
شيخ القميين في وقته، وفقيههم، حكى أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله أنه لم ير
أحدا أحفظ منه ولا أفقه ولا أعرف بالحديث، وصنف كتبا انتهى لكن في التهذيب
هكذا (وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الامام، ولا يجوز أن يصلي بين يديه، لان
الامام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله) وظاهره تجويز المساواة إلا أن يقال:
بعطف يصلي على يصلي، أو على يتقدم، ولا يخفى بعدهما، وإن أمكن ارتكابه جمعا

(1) مشكاة الأنوار ص 131.
(2) الاحتجاج ص 474.
(3) التهذيب ج 1 ص 200.
(4) رجال النجاشي ص 298.
315

بين الروايتين.
ثم قال الشيخ البهائي قدس سره: هذا الخبر يدل على عدم جواز وضع
الجبهة على قبر الإمام عليه السلام، لا في الصلاة ولا في الزيارة، بل يضع خده الأيمن
عليه، وعلى عدم جواز التقدم على الضريح المقدس حال الصلاة لان قوله عليه السلام
(يجعله الامام) صريح في جعل القبر بمنزلة الامام في الصلاة، فكما أنه لا يجوز
للمأموم أن يتقدم على الامام بأن يكون موقفه أقرب إلى القبلة من موقف الامام
بل يجب أن يتأخر عنه أو يساويه في الموقف يمينا أو شمالا، فكذا هنا، وهذا هو
المراد بقوله عليه السلام (ولا يجوز أن يصلي بين يديه) إلى آخره.
والحاصل أن المستفاد من هذا الحديث أن كل ما ثبت للمأموم من وجوب
التأخر عن الامام، أو المساواة له، وتحريم التقدم عليه ثابت للمصلي بالنسبة
إلى الضريح المقدس، من غير فرق، فينبغي لمن يصلي عند رأس الإمام عليه السلام
أو عند رجليه أن يلاحظ ذلك وقد نبهت على هذا جماعة من إخواني المؤمنين في
المشهد المقدس الرضوي على مشرفه السلام فإنهم كانوا يصلون في الصفة التي
عند رأسه عليه السلام صفين، فبينت لهم أن الصف الأول أقرب إلى القبلة من الضريح
المقدس على صاحبه السلام، وهذا مما ينبغي ملاحظته لمن يصلي في مسجد النبي
صلى الله عليه وآله، وكذا في سائر المشاهد المقدسة، على ساكنيها أفضل
التسليمات.
وربما يستفاد من هذا الحديث المنع من استدبار ضرائحهم صلوات الله عليهم
في غير الصلاة أيضا نظرا إلى أن قوله عليه السلام (لان الامام لا يتقدم) عام في الصلاة
وغيرها، وهذا هو الذي فهمه العلامة في المنتهى، وحمل المنع منه على الكراهة
وقد دل أيضا على جواز الصلاة إلى قبر الإمام عليه السلام إذا كان في القبلة وبهذا تتخصص
أخبار المنع، وظاهر المفيد - ره - بقاؤها على عمومها، فإنه قال في المقنعة:
لا تجوز الصلاة إلى شئ من القبور، حتى يكون بينه وبينه حائل إلى آخر ما مر
ثم قال: وقد روي أنه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام عليه السلام والأصل ما قدمناه
316

انتهى، وقد تقدم الكلام فيه.
8 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن الصلاة في بيت الحمام من غير ضرورة، قال: لا بأس
إذا كان المكان الذي صلى فيه نظيفا.
وسألته عن الصلاة بين القبور قال: لا بأس (1).
9 - الخصال: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد الأشعري
عن محمد بن الحسين باسناده رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ثلاثة لا يتقبل الله عز وجل
لهم بالحفظ: رجل نزل في بيت خرب، ورجل صلى على قارعة الطريق، ورجل
أرسل راحلته ولم يستوثق منها (2).
10 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى
عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن عبد الله القزويني، عن الحسين بن المختار القلانسي
عن أبي بصير، عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري، عن أم المقدام الثقفية قالت:
قال لي جويرية بن مسهر: قطعنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام جسر الصراة
في وقت العصر، فقال: إن هذه أرض معذبة، لا ينبغي لنبي ولا وصي نبي أن يصلي
فيها، فمن أراد منكم أن يصلي فليصل.
فتفرق الناس يمنة ويسرة يصلون، فقلت: أنا والله لأقلدن هذا الرجل
صلاتي اليوم، ولا أصلي حتى يصلي، فسرنا، وجعلت الشمس تسفل، وجعل يدخلني
من ذلك أمر عظيم حتى وجبت الشمس، وقطعنا الأرض، فقال: يا جويرية أذن
فقلت: يقول: أذن وقد غابت الشمس، فقال: أذن فأذنت ثم قال لي: أقم
فأقمت فلما قلت: قد قامت الصلاة، رأيت شفتيه تتحركان، وسمعت كلاما كأنه
كلام العبرانية، فارتفعت الشمس حتى صارت في مثل وقتها في العصر فصلى، فلما
انصرفنا، هوت إلى مكانها، واشتبكت النجوم، فقلت أنا: أشهد أنك وصي رسول الله

(1) قرب الإسناد ص 91 ط حجر ص 119 ط نجف.
(2) الخصال ج 1 ص 69.
317

صلى الله عليه وآله فقال: يا جويرية أما سمعت الله عز وجل يقول: (فسبح باسم
ربك العظيم) (1) فقلت: بلى، قال: فاني سألت الله باسمه العظيم فردها علي (2).
بصائر الدرجات: عن أحمد بن محمد مثله (3).
بيان: قوله (جسر الصراة) قال في القاموس: الصراة نهر بالعراق انتهى، و
في بعض النسخ بالفرات، في الفقيه (4) والبصائر نهر سورى، وفي القاموس سورى
كطوبى موضع بالعراق، من بلد السريانيين، وموضع من أعمال بغداد، وقد يمد،
والظاهر أنه كان مكان جسر الحلة ومسجد الشمس هناك مشهور، ويدل على كراهة
الصلاة في كل أرض عذب أهلها، وقال ابن إدريس - ره - في السرائر: تكره الصلاة
في كل أرض خسف، ولهذا كره أمير المؤمنين عليه السلام الصلاة في أرض بابل، فلما
عبر الفرات إلى الجانب الغربي وفاته لأجل ذلك أول الوقت ردت له الشمس إلى
موضعها في أول الوقت، وصلى بأصحابه صلاة العصر، ولا يحل أن يعتقد أن
الشمس غابت ودخل الليل، وخرج وقت العصر بالكلية، وما صلى الفريضة عليه السلام
لان هذا من معتقده جهل بعصمته عليه السلام لأنه يكون مخلا بالواجب المضيق عليه
وهذا لا يقوله من عرف إمامته، واعتقد عصمته انتهى.
أقول: قد مر الكلام فيه في كتاب فضائله عليه السلام، وأنه لا استبعاد في أن
يكون من خصائصهم عليهم السلام عدم جواز الصلاة في تلك الأراضي مطلقا، وجواز تأخيرهم
الصلاة عن الوقت لذلك مطلقا أو إذا علموا أنهم يدعون ويرجع لهم الشمس،
والحاصل أن النبي صلى الله عليه وآله أخبره بأمره تعالى بأنه يرد عليه الشمس، وأمره بتأخير
الصلاة لتظهر منه تلك المعجزة، لكن سيأتي ما يؤيد تأويله - ره -.
11 - العلل: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن

(1) الواقعة: 74 و 96.
(2) علل الشرائع ج 2 ص 41.
(3) بصائر الدرجات ص 217.
(4) الفقيه ج 1 ص 130 و 131.
318

يزيد، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن الصلاة في السبخة فكرهه لان الجبهة لا تقع مستوية عليها، فقلنا إن كانت أرضا
مستوية؟ قال: لا بأس (1).
المعتبر: نقلا من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن
الحلبي مثله (2).
12 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن داود بن الحصين بن السرى قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: لم حرم الله الصلاة في السبخة؟ قال: لان الجبهة لا تتمكن
عليها (3).
13 - كامل الزيارة: عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي
ابن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد، عن عبد الله بن الأصم، عن
محمد البصري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعت أبي يقول لرجل من مواليه وسأله
عن الزيارة فقال: من صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله، لقي الله يوم يلقاه و
عليه من النور ما يغشى له كل شئ يراه، الخبر (4).
ومنه: بهذا الاسناد عن الأصم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: أتاه رجل فقال له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله هل يزار والدك؟ قال: فقال:
نعم، ويصلى خلفه ولا يتقدم عليه (5).
أقول: تمام الخبرين في أبواب المزار.
ومنه: عن أبيه وعلي بن الحسين وجماعة، عن سعد، عن موسى بن عمر

(1) علل الشرايع ج 2 ص 17.
(2) المعتبر: 157.
(3) علل الشرائع ج 2 ص 16.
(4) كامل الزيارات ص 122.
(5) كامل الزيارات ص 123.
319

وأيوب بن نوح، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي اليسع قال: سأل رجل أبا عبد الله
عليه السلام وأنا أسمع قال: إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام اجعله قبلة إذا صليت؟
قال: تنح هكذا ناحية (1).
ومنه عن علي بن الحسين، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران
عن يزيد بن إسحاق، عن الحسين بن عطية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا فرغت من
التسليم على الشهداء أتيت قبر أبي عبد الله عليه السلام ثم تجعله بين يديك ثم صل
ما بدا لك (2).
ومنه عن علي بن الحسين، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال
عن علي بن عقبة، عن عبيد الله الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت إنا نزور
قبر الحسين عليه السلام كيف نصلي عليه؟ قال: تقوم خلفه عند كتفيه، ثم تصلى على
النبي صلى الله عليه وآله وتصلي على الحسين (3).
ومنه عن محمد بن جعفر، عن محمد بن الحسين، عن أيوب بن نوح وغيره، عن
عبد الله بن المغيرة، عن أبي اليسع قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا أسمع عن
الغسل إذا آتي قبر الحسين عليه السلام قال: قال: اجعله قبلة إذا صليت، قال: تنح
هكذا ناحية، قال: آخذ من طين قبره؟ ويكون عندي أطلب بركته؟ قال:
نعم، أو قال: لا بأس بذلك (4).
بيان: الخبر الأول يدل على استحباب مطلق الصلاة خلف قبر الحسين عليه السلام
فريضة كانت أم نافلة، وكذا الرابع لكنه يحتمل التخصيص بصلاة الزيارة، والثاني
يدل على استحبابها مطلقا خلف القبر وعدم خصوصية الإمام عليه السلام هنا ظاهر، وأما
الثالث والسادس فلعلهما محمولان على الاتقاء، لئلا تتضرر الشيعة بذلك من
المخالفين المانعين مطلقا وفي الخامس النسخ مختلفة ففي بعضها كيف نصلي عليه؟
وفي بعضها كيف نصلي عنده؟ فعلى الأول لا يناسب الباب إذ الظاهر الصلاة والدعاء

(1) كامل الزيارات ص 245.
(2) كامل الزيارات ص 245.
(3) كامل الزيارات ص 245.
(4) كامل الزيارات ص 246
320

لهما صلى الله عليهما، وعلى الثاني يحتمل ذلك والصلاة المصطلح، فلا تغفل
14 - المحاسن: عن ابن فضال، عن عبيس بن هشام، عن عبد الكريم بن عمرو عن الحكم بن محمد بن القاسم، عن عبد الله بن عطا قال: ركبت مع أبي جعفر وسار
وسرت حتى إذا بلغنا موضعا قلت: الصلاة جعلني الله فداك، قال: هذا أرض وادي النمل
لا يصلى فيها حتى إذا بلغنا موضعا آخر قلت له: مثل ذلك فقال: هذه الأرض مالحة
لا يصلى فيها (1).
بيان: يدل على كراهة الصلاة في وادي النمل، سواء وقعت الصلاة عند
قراها أم لا، والمالحة هي السبخة، وفي بعض النسخ نصلي في الموضعين بالنون،
وفي بعضها بالياء فعلى الأول ظاهره اختصاص الحكم بهم عليهم السلام، والمراد التحريم
أو شدة الكراهة، فلا ينافي حصول الكراهة في الجملة لغيرهم أيضا.
أقول: قد مضى تمام الخبر في باب آداب الركوب (2).
15 - المحاسن: عن أبيه، عن صفوان، عن العلا، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما
عليه السلام قال: سألته عن الصلاة على ظهر الطريق، فقال: لا تصل على الجادة
وصل على جانبيها (3).
ومنه: عن صفوان، عن معلى بن عثمان، عن معلى بن خنيس قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة على الطريق، قال: لا اجتنب الطريق (4).
ومنه: عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن الفضيل قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: أقوم في الصلاة في بعض الطريق، فأرى قدامي في القبلة العذرة؟ قال:
تنح عنها ما استطعت، ولا تصل على الجواد (5).
بيان: يمكن أن يكون النهي عن الصلاة على الجواد بعد ذكر التنحي لان

(1) المحاسن ص 352.
(2) راجع ج 76 ص 296.
(3) المحاسن ص 364.
(4) المحاسن ص 365.
(5) المحاسن ص 365.
321

العذرة تكون غالبا في أطراف الطرق، والتنحي إن كان من جهة الطريق يقع في
وسطه، فاستدرك ذلك بأنه لابد أن يكون التنحي على وجه لا يقع المصلي به في
وسط الطريق واستدل به بعض الأصحاب على كراهة الصلاة في بيت الخلاء بطريق
أولى وفيه ما لا يخفى.
16 - المحاسن: عن النوفلي باسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الأرض
كلها مسجد إلا الحمام والقبر (1).
ومنه: عن أبيه، عن صفوان، عن أبي عثمان، عن المعلى بن خنيس قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في معاطن الإبل فكرهه، ثم قال: إن خفت على متاعك
شيئا فرش بقليل ماء وصل (2).
ومنه: بالاسناد قال: سألته عن السبخة أيصلي الرجل فيها؟ فقال إنما تكره
الصلاة فيها من أجل أنها فتك، ولا يتمكن الرجل يضع وجهه كما يريد، قلت:
أرأيت إن هو وضع وجهه متمكنا؟ فقال: حسن (3).
بيان: التفتيك كناية عن كونها رخوة نشاشة لا تستقر الجبهة عليها، قال في
القاموس: تفتيك القطن تفتيته.
17 - المحاسن: عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان وعبد الرحمان بن الحجاج
وغيرهما، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تصل في ذات الجيش، ولا ذات الصلاصل، ولا
البيداء ولا ضجنان (4).
ومنه: عن البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في البيداء، فقال:
البيداء لا يصلى فيها، قلت: وأين حد البيداء قال: أما رأيت ذلك الرفع والخفض؟
قلت: إنه كثير، فأخبرني أين حده؟ فقال: كان أبو جعفر عليه السلام إذا بلغ ذات الجيش
جد في السير ثم لم يصل حتى يأتي معرس النبي صلى الله عليه وآله قلت: وأين ذات الجيش؟
قال: دون الحفيرة بثلاثة أميال (5).

(1) المحاسن ص 365.
(2) المحاسن ص 365.
(3) المحاسن ص 365.
(4) المحاسن ص 365.
(5) المحاسن ص 366.
322

18 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن
الصلاة في معاطن الإبل أتصلح؟ قال: لا تصلح إلا أن تخاف على متاعك ضيعة، فاكنس
ثم انضع بالماء، ثم صل (1).
وسألته عن معاطن الغنم أتصلح الصلاة فيها؟ قال: نعم، لا بأس به (2).
19 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن
الصلاة في الأرض السبخة أيصلى فيها؟ قال: لا إلا أن يكون فيها نبت إلا أن يخاف
فوت الصلاة فيصلي (3).
20 - المقنعة: قال: قال صلى الله عليه وآله تكره الصلاة في طريق مكة في ثلاثة مواضع:
أحدها البيداء، والثاني ذات الصلاصل، والثالث ضجنان (4).
21 - بصائر الدرجات: عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم
ابن أبي البلاد، عن علي بن مغيرة قال: نزل أبو جعفر عليه السلام في ضجنان وذكر حديثا
يقول في آخره وإنه ليقال: إنه واد من أودية جهنم (5).
22 - مجالس الشيخ: عن أحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي
ابن الحسن بن فضال، عن العباس بن عامر، عن أحمد، عن يحيى بن العلا قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لما خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى النهروان وطعنوا في أول
أرض بابل، حين دخل وقت العصر، فلم يقطعوها حتى غابت الشمس، فنزل الناس
يمينا وشمالا لا يصلون إلا الأشتر وحده، فإنه قال: لا أصلي حتى أرى أمير المؤمنين
عليه السلام قد نزل يصلي، قال: فلما نزل قال: يا مالك إن هذه أرض سبخة، ولا
يحل الصلاة فيها، فمن كان صلى فليعد الصلاة، قال: ثم استقبل القبلة فتكلم بثلاث
كلمات ما هن بالعربية ولا بالفارسية، فإذا هو بالشمس بيضاء نقية، حتى إذا صلى

(1) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 277.
(2) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 277.
(3) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 279.
(4) المقنعة ص 71.
(5) بصائر الدرجات ص 285.
323

بنا سمعنا لها حين انقضت خريرا كخرير المنشار (1).
بيان: الخرير الصوت والامر بالإعادة لعله على الاستحباب، أو كانوا صلوا مع
عدم الاستقرار، وكان الوقت واسعا.
23 - كتاب صفين: لنصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن أبي مخنف، عن
عمه ابن مخنف قال: إني لأنظر إلى أبي مخنف بن سليم وهو يساير عليا ببابل، وهو
يقول إن ببابل أرضا قد خسف بها، فحرك دابتك، فعلنا أن نصلي العصر خارجا منها
قال: فحرك دابته وحرك الناس دوابهم في أثره، فلما جاز جسر الصراة نزل فصلى
بالناس العصر.
وعن عمر عن عبد الله بن يعلى بن مرة، عن أبيه، عن عبد خير قال: كنت
مع علي أسير في أرض بابل، قال: وحضرت الصلاة صلاة العصر قال: فجعلنا لا نأتي
مكانا إلا رأيناه أقبح من الاخر، قال: حتى أتينا على مكان أحسن ما رأينا، وقد كادت
الشمس أن تغيب، فنزل علي عليه السلام ونزلت معه، قال: فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها
من صلاة العصر، قال: فصلينا العصر ثم غابت الشمس.
24 - مجالس الشيخ: عن المفيد، عن إبراهيم بن الحسن بن جمهور، عن
أبي بكر المفيد الجرجرائي، عن أبي الدنيا معمر المغربي، عن أمير المؤمنين عليه السلام
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا تتخذوا قبري مسجدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا
علي حيث ما كنتم، فان صلاتكم وسلامكم يبلغني (2).
أقول: ورواه الكراجكي في كنز الفوائد، عن أسد بن إبراهيم السلمي و
الحسين بن محمد الصيرفي معا، عن أبي بكر المفيد، وزاد فيه ولا تتخذوا قبوركم
مساجد.
25 - عدة الداعي: قال جويرية بن مسهر: خرجت مع أمير المؤمنين عليه السلام
نحو بابل، لا ثالث لنا، فمضى وأنا أسايره في السبخة، فإذا نحن بالأسد جاثما في

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 284.
(2) لا يوجد في المطبوع من المصدر.
324

الطريق، ولبوته خلفه، وأشبال لبوته خلفها، فكبحت دابتي لأتأخر، فقال: أقدم
يا جويرية، فإنما هو كلب الله، وما من دابة إلا الله آخذ بناصيتها لا يكفي شرها
إلا هو، وإذا أنا بالأسد قد أقبل نحوه يبصبص له بذنبه، فدنا منه فجعل يمسح قدمه
بوجهه، ثم أنطقه الله عز وجل فنطق بلسان طلق ذلق، فقال: السلام عليك يا أمير -
المؤمنين، ووصي خاتم النبيين، قال: وعليك السلام يا حيدرة، ما تسبيحك؟ قال
أقول: سبحان ربي، سبحان إلهي سبحان من أوقع المهابة والمخافة في قلوب عباده
مني، سبحانه سبحانه.
فمضى أمير المؤمنين عليه السلام وأنا معه واستمرت بنا السبخة ووافت العصر فأهوى
فوتها ثم قلت في نفسي مستخفيا: ويلك يا جويرية أأنت أظن أم أحرص من أمير المؤمنين
عليه السلام وقد رأيت من أمر الأسد ما رأيت فمضى وأنا معه حتى قطع السبخة،
فثنى رجله ونزل عن دابته وتوجه فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم همس
بشفتيه وأشار بيده فإذا الشمس قد طلعت في موضعها من وقت العصر، وإذا لها صرير
عند سيرها في السماء، فصلى بنا العصر، فلما انفتل رفعت رأسي فإذا الشمس بحالها
فما كان إلا كلمح البصر فإذا النجوم قد طلعت فأذن وأقام وصلى المغرب.
ثم ركب وأقبل علي فقال: يا جويرية أقلت هذا ساحر مفتر؟ وقلت ما رأيت
طلوع الشمس وغروبها أفسحر هذا أم زاغ بصري؟ سأصرف ما ألقى الشيطان في قلبك
ما رأيت من أمر الأسد وما سمعت من منطقه، ألم تعلم أن الله عز وجل يقول: (ولله
الأسماء الحسنى فادعوه بها) (1) يا جويرية إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يوحى إليه، وكان
رأسه في حجري، فغربت الشمس، ولم أكن صليت العصر، فقال لي: صليت العصر؟
قلت: لا، قال: اللهم إن عليا في طاعتك وحاجة نبيك، ودعا بالاسم الأعظم،
فردت إلي الشمس، فصليت مطمئنا ثم غربت بعد ما طلعت، فعلمني بأبي هو وأمي
ذلك الاسم الذي دعا به، فدعوت الان به.
يا جويرية إن الحق أوضح في قلوب المؤمنين من قذف الشيطان، فاني قد

(1) الأعراف: 180.
325

دعوت الله عز وجل بنسخ ذلك من قلبك، فماذا تجد؟ فقلت: يا سيدي قد محي
ذلك من قلبي.
بيان: قال الجوهري: جثم الطائر أي تلبد بالأرض، وكذلك الانسان و
قال: اللبوءة أنثى الأسد، واللبوة ساكنة الباء غير مهموز لغة فيها عن ابن سكيت، والشبل
بالكسر ولد الأسد. وقال: كبحت الدابة إذا جذبتها إليك باللجام لكي تقف ولا
تجري، وقال: بصبص الكلب وتبصبص: حرك ذنبه، والتبصبص التملق (فأهوى فوتها)
أي سقط لفوتها أو قرب فوتها (أأنت أظن) أي أعلم وفي بعض النسخ بالضاد أي أبخل
بدينك، وضنائن الله خواص خلقه، والهمس الصوت الخفي.
26 - المحاسن: عن محمد بن علي، عن عبد الرحمان بن أبي هاشم، عن أبي
خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على أم أيمن فقال: مالي
لا أرى في بيتك البركة؟ فقالت: أوليس في بيتي بركة؟ قال: لست أعني ذلك، لك
شاة تتخذينها تستغني ولدك من لبنها؟ وتطعمين من سمنها؟ وتصلين في مربضها (1).
27 - ومنه: عن أبيه، عن سليمان الجعفري رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
امسحوا رغام الغنم، وصلوا في مراحها، فإنها دابة من دواب الجنة، قال: الرغام
ما يخرج من أنوفها (2).
بيان: الرغام في بعض النسخ بالعين المهملة، وفي بعضها بالغين المعجمة، و
روت العامة أيضا على وجهين، قال في النهاية: فيه صلوا في مراح الغنم وامسحوا
رعامها، الرعام ما يسيل من أنوفها، وشاة رعوم، وقال في المعجمة في حديث أبي هريرة
صل في مراح الغنم وامسح الرغام عنها، كذا رواه بعضهم بالغين المعجمة، وقال:
إنه ما يسيل من الانف، والمشهور فيه والمروي بالعين المهملة، ويجوز أن يكون
أراد مسح التراب عنها، رعاية لها، وإصلاحا لشأنها انتهى.
وقال العلامة في المنتهى: لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم، وليس مكروها

(1) المحاسن ص 641.
326

ذهب إليه أكثر علمائنا، وقال أبو الصلاح: لا تجوز الصلاة فيها، لما رواه الشيخ في
الموثق عن سماعة (1) قال: سألته عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم؟
فقال: إن نضحته بالماء وقد كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها، فأما مرابط الخيل والبغال
فلا، قال: وهذا يدل على اشتراك مرابض الغنم وأعطان الإبل في الحكم، وقد بينا تحريم
الصلاة في الأعطان فكذا في المرابض.
وأجاب العلامة قدس سره أولا بضعف السند، وثانيا بكونه موقوفا، وثالثا
بمنع التحريم في المعاطن، ورابعا بمنع الاشتراك مع تسليم التحريم، ثم قال: وتكره
الصلاة في مرابط الخيل والبغال والحمير سواء كانت وحشية أو إنسية، وقال
أبو الصلاح: لا يجوز، والشيخ في بعض كتبه يذهب إلى وجوب الاحتراز عن أبوالها
وأرواثها فيلزم المنع من الصلاة فيها انتهى، والظاهر الكراهة من حيث المكان، وحكم
النجاسة حكم آخر تقدم ذكره، وأما مرابض البقر والغنم فالظاهر عدم الكراهة مطلقا،
إلا أنه يستحب الرش بالماء.
28 - العياشي: عن عبد الله بن عطا قال: ركبت مع أبي جعفر عليه السلام فسرنا حتى
زالت الشمس، وبلغنا مكانا قلت: هذا المكان الأحمر، فقال: ليس يصلى ههنا هذه
أودية النمال، وليس يصلى فيها، قال: فمضينا إلى أرض بيضاء قال: هذه سبخة وليس
يصلى بالسباخ قال: فمضينا إلى أرض خصباء قال ههنا، فنزل ونزلت الخبر (2).
29 - كتاب العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم قال: لا يصلى في
ذات الجيش، ولا ذات الصلاصل، ولا في وادي مجنة، ولا في بطون الأودية، ولا
في السبخة، ولا على القبور، ولا على جواد الطريق، ولا في أعطان الإبل، ولا على
بيت النمل، ولا في بيت فيه تصاوير، ولا في بيت فيه نار أو سراج بين يديك، ولا
في بيت فيه خمر، ولا في بيت فيه لحم خنزير، ولا في بيت فيه الصلبان، ولا في بيت
فيه لحم ميتة، ولا في بيت فيه دم، ولا في بيت فيه ما ذبح لغير الله، ولا في بيت فيه

(1) التهذيب ج 1 ص 198.
(2) تفسير العياشي ج 2 ص 286 في حديث.
327

المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، ولا في بيت فيه ما ذبح على النصب، ولا
في بيت فيه ما أكل السبع، إلا ما ذكيتم، ولا على الثلج، ولا على الماء، ولا على الطين
ولا في الحمام.
ثم قال: أما قوله لا يصلى في ذات الجيش، فإنها أرض خارجة من ذي الحليفة
على ميل، وهي خمسة أميال والعلة فيها أنه يكون فيها جيش السفياني، فيخسف
بهم، وذات الصلاصل موضع بين مكة والمدينة، نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلى فيه، و
العلة في وادي مجنة أنه وادي الجن وهو الوادي الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله
لما رجع من الطائف، فاستمعت الجن لقراءته وآمنوا به، وهو قول الله عز وجل
(وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما
قضي ولوا إلى قومهم منذرين) (1).
والعلة في السبخة أنها أرض مخسوف بها، والعلة في القبور أن فيها أرواح
المؤمنين وعظامهم، وعلة أخرى أنه لا يحل أن يوطأ الميت لقول رسول الله صلى الله عليه وآله
من وطئ قبرا فكأنما وطئ جمرا، والعلة في جواد الطريق لما يقع فيها من بول
الدواب والقذر، والعلة في أعطان الإبل أنها قذرة يبال في كل موضع منها، والعلة
في حجرة النمل أن النمل ربما أذاه، فلا يتمكن من الصلاة، والعلة في بطون الأودية
أنها مأوى الحيات والجن والسباع ولا يأمن منها.
والعلة في بيت فيها تصاوير أنها تصاوير صورت على خلق الله عز وجل، ولا
يصلى في بيت فيه ذلك تعظيما لله عز وجل، ولا في بيت فيه نار أو سراج بين يديك،
لان النار تعبد ولا يجوز أن يصلي ويسجد ونحوه إليه، والعلة في بيت فيه صلبان أنها
شركاء يعبدون من دون الله فينزه الله تبارك وتعالى أن يعبد في بيت فيه ما يعبد من دون
الله، ولا في بيت فيه الخمر ولحم الخنزير والميتة وما أهل لغير الله وهو الذي يذبح
لغير الله، ولا في بيت فيه الموقوذة وهي التي تضرب حتى تموت، ولا في بيت فيه
ما أكل السبع إلا ما ذكي، ولا في بيت فيه النطيحة وهي التي تناطح بها حتى

(1) الأحقاف: 29.
328

تموت وما كانت العرب يذبحونها على الأنصاب، وهو القمار، ولا في بيت فيه بول
أو غائط.
والعلة في ذلك وهذه الأشياء كلها وهذه البيوت أن لا يصلى فيها أن الملائكة
لا يصلون ولا يحضرون هذه المواضع، وقال الصادق عليه السلام: إذا قام المصلي للصلاة نزلت
عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض، وحفت به الملائكة، ونادته
الملائكة، ويروى وناداه ملك لو علم المصلي ما في الصلاة ما انفتل فإذا صلي الرجل
في هذه المواضع لم تحضره الملائكة، ولم يكن له من الفضل ما قال الصادق عليه السلام، و
ترفع صلاته ناقصة.
والعلة في الحمام لموضع القذر والجن.
بيان: اشتمل كلامه على أشياء لم يذكر في أخبار أخر، ولا في كلام غيره، ولما
كان من أصحاب الاخبار، وفي إثبات الكراهة توسعة عند الأصحاب الاحتراز عنها
أحوط وأولى [أوردناه في الباب] ظ، ويظهر منه أن السبخة كراهة الصلاة فيها مخصوصة
بموضع مخصوص، ولعلها فيه آكد كراهة.
30 - الهداية: تكره الصلاة في القبور، والماء والحمام، وقرى النمل، و
معاطن الإبل، ومجرى الماء، والسبخة، وذات الصلاصل، ووادي الشقرة، ووادي
ضجنان، ومسان الطرق، وفي بيت فيه تماثيل إلا أن تكون بعين واحدة أو قد غير
رؤوسها (1).

(1) الهداية ص 32 - 33.
329

[6]
* (باب) *
* (الصلاة في الكعبة ومعابد أهل الكتاب وبيوتهم) *
1 - قرب الإسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن الصادق عليه السلام
عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: لا بأس بالصلاة في البيعة والكنيسة، الفريضة والتطوع
والمسجد أفضل (1).
2 - العياشي: عن حماد، عن صالح بن الحكم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول - وقد سئل عن الصلاة في البيع والكنايس - فقال: صل فيها فقد رأيتها ما أنظفها
قال: قلت أصلي فيها وإن كانوا يصلون فيها؟ فقال: أما تقرأ القرآن (قل كل يعمل
على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) (2) صل إلى القبلة ودعهم (3).
ايضاح: الظاهر أنه عليه السلام فسر الشاكلة بالطريقة، وفسرت في بعض الأخبار
بالنية ولا يناسب المقام كثيرا، وقد حققناه في موضعه، وقال الطبرسي - ره - أي
كل واحد من المؤمن والكافر يعمل على طبيعته وخليقته التي تخلق بها، عن ابن -
عباس، وقيل على طريقته وسنته التي اعتادها عن الفراء والزجاج، وقيل: على ما هو
أشكل بالصواب وأولى بالحق عنده، عن الجبائي، قال: ولهذا قال (فربكم أعلم بمن
هو أهدى سبيلا) أي إنه يعلم أي الفريقين على الهدى، وأيهما على الضلال؟ وقيل:
معناه إنه أعلم بمن هو أصوب دينا وأحسن طريقة انتهى (4).
والظاهر أن الاستشهاد بالآية لأنها يفهم منها أن بطلان المبطلين لا يضر حقية
المحقين، ثم المشهور بين الأصحاب عدم كراهة الصلاة في البيع والكنايس وذهب
ابن البراج وسلار وابن إدريس إلى الكراهة، لعدم انفكاكها من النجاسة غالبا، وقال

(1) قرب الإسناد ص 70 ط حجر ص 92 ط نجف.
(2) أسرى: 84.
(3) تفسير العياشي ج 2 ص 316.
(4) مجمع البيان ج 6 ص 436.
330

الشيخان - ره -: لو كانت مصورة كره قطعا من حيث الصور وظاهر الخبر وما قبله عدم
الكراهة، وهذا الخبر يومي إلى طهارة أهل الكتاب إلا أن يقال ليس المراد بالنظافة
الطهارة، بل المراد أنه ليس فيها قذارة ولا نجاسة مسرية، وقال في المنتهى: الأقرب
أنه يستحب رش الموضع الذي يصلى فيه من البيع والكنايس، لما رواه الشيخ في
الصحيح (1) عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الصلاة في البيع
والكنايس وبيوت المجوس فقال: رش وصل، والعطف يقتضي التشريك في الحكم
انتهى، وهو حسن وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين إذن أهل
الذمة وعدمه، واحتمل الشهيد في الذكرى توقفها على الاذن تبعا لغرض الواقف
وعملا بالقرينة، والظاهر عدمه لاطلاق النصوص ويؤيده ورود الاذن في نقضها، بل لو علم
اشتراطهم عند الوقف عدم صلاة المسلمين فيها، كان شرطهم فاسدا باطلا، وكذا الكلام في
مساجد المخالفين وصلاة الشيعة فيها.
3 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه
موسى عليه السلام قال: سألته عن بواري اليهود والنصارى التي يقعدون عليها في بيوتهم أيصلى
عليها قال: لا (2).
بيان: حمل على الكراهة وعلى العلم بالنجاسة، والأحوط الاجتناب لغلبة
الظاهر فيه على الأصل، وقال الشيخ في المبسوط: تجوز الصلاة في البيع والكنايس
وتكره في بيوت المجوس، وفي النهاية لا يصلى في بيت فيه مجوسي ولا بأس بالصلاة
وفيه يهودي أو نصراني، ولا بأس بالصلاة في البيع والكنايس.
وقال العلامة - ره - في المنتهى: تكره الصلاة في بيوت المجوس لأنها
لا تنفك عن النجاسات، ويؤيده ما رواه أبو جميلة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تصل

(1) التهذيب ج 1 ص 199.
(2) قرب الإسناد ص 112 ط نجف.
(3) التهذيب ج 1 ص 244، ورواه الكليني في الكافي ج 3 ص 389 عن أبي جميلة
عن أبي أسامة عن أبي عبد الله عليه السلام.
331

في بيت فيه مجوسي ولا بأس أن تصلي في بيت فيه يهودي أو نصراني.
ثم قال: ولا بأس بالصلاة في البيت إذا كان فيه يهودي أو نصراني لأنهم أهل
كتاب ففارقوا المجوس ويؤيده رواية أبي جميلة ولو اضطر إلى الصلاة في بيت المجوسي
صلى فيه بعد أن يرش الموضع بالماء على جهة الاستحباب، لما رواه الشيخ في الصحيح
عن أبي بصير (1) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في بيوت المجوس، فقال: رش
وصل.
أقول: ظاهر الاخبار كراهة الصلاة في البيت الذي فيه المجوسي، سواء
كان بيته أم لا، وعدم كراهة الصلاة في بيته إن لم يكن فيه، لكن يستحب الرش،
والأحوط انتظار الجفاف كما هو ظاهر انتهى.
4 - كتاب محمد بن المثنى: عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح المحاربي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألت الصلاة في بيوت المجوس فقال: أليست مغازيكم؟ قلت:
بلى قال: نعم.
بيان أليست مغازيكم أي تردونها في الذهاب إلى غزو العدو، فيدل على أن
التجويز مقيد بالضرورة.
5 - قرب الإسناد: عن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن
محمد، عن أبيه أنه رأى علي بن الحسين عليهما السلام يصلي في الكعبة ركعتين (2).
6 - المقنعة: قال: قال عليه السلام: لا تصل المكتوبة في جوف الكعبة، ولا بأس أن
تصلي فيها النافلة (3).
7 - المناقب: لابن شهرآشوب، عن معاوية بن عمار قال: سألت الصادق
عليه السلام لم لا تجوز المكتوبة في جوف الكعبة؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يدخلها

(1) التهذيب ج 1 ص 199.
(2) قرب الإسناد ص 13 ط حجر ص 18 ط نجف.
(3) المقنعة 71.
332

في حج ولا عمرة، ولكن دخلها في فتح مكة فصلى فيها ركعتين بين العمودين، ومعه أسامة (1).
بيان: رواه في التهذيب (2) عن الطاطري، عن محمد بن أبي حمزة، عن معاوية
وعن الحسين بن سعيد (3) عن فضالة عن معاوية، ويحتمل أن يكون ذكر عدم الدخول
في الحج والعمرة استطرادا، ولو ذكر للتعليل فوجه الاستدلال به أنه لم يدخلها مكررا
حتى يتوهم أنه صلى فيها فريضة، بل دخلها مرة واحدة، ولم يكن وقت فريضة، أو
أنه لم يدخلها في الحج والعمرة حتى يتوهم أنهما كانتا صلاة الطواف الواجب.
ثم اعلم أنه لا خلاف في جواز النافلة في الكعبة وأما الفريضة، فالمشهور بين
الأصحاب فيها الكراهة، وقال ابن البراج والشيخ في الخلاف بالتحريم، بل ادعى
الشيخ إجماع الفرقة عليه، مع أنه خالف ذلك في أكثر كتبه، وقال بالكراهة، والكراهة
أقوى والترك أحوط.

(1) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 257.
(2) التهذيب ج 1 ص 245 ط حجر ج 2 ص 282 ط نجف.
(3) التهذيب ج 1 ص 526 ط حجر. ج 5 ص 279 ط نجف، باب دخول الكعبة.
333

[7]
* (باب) *
* (صلاة الرجل والمرأة في بيت واحد) *
1 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام
قال: سألته عن الرجل يكون يصلي الضحى وأمامه امرأة تصلي بينهما عشرة أذرع؟
قال: لا بأس ليمض في صلاته (1).
وسألته عن الرجل يكون في صلاته هل يصلح له أن تكون امرأة مقبلة بوجهها
عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟ قال: يدرأها عنه فإن لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته (2).
وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأة
قائمة تصلي بحياله، وهو يراها وتراه؟ قال: إن كان بينهما حائط قصيرا أو طويلا
فلا بأس (3).
توضيح: قوله (يصلي الضحى): الضحى ظرف أي يصلي في هذا الوقت
صلاة مشروعة، ولو كان المراد صلاة الضحى فالتقرير للتقية.
2 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان، عن الفضيل، عن
أبي جعفر عليه السلام قال: إنما سميت مكة بكة لأنه يبك بها الرجال والنساء، والمرأة
تصلي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك وعن شمالك ومعك، ولا بأس بذلك، إنما
يكره في سائر البلدان (4).
3 - المحاسن: عن أبيه، عن حماد بن عيسى وفضالة، عن معاوية قال: قلت

(1) قرب الإسناد ص 123 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 91 ط حجر ص 123 ط نجف.
(3) قرب الإسناد ص 124 ط نجف.
(4) علل الشرائع ج 2 ص 84.
334

لأبي عبد الله عليه السلام أقوم أصلي والمرأة جالسة بين يدي أو مارة، فقال: لا بأس إنما
سميت بكة لأنه يبك فيها الرجال والنساء (1).
4 - السرائر: نقلا من كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن
المفضل، عن محمد الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة
وامرأته أو ابنته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى؟ قال: لا ينبغي ذلك إلا أن يكون
بينهما ستر، فإن كان بينهما ستر أجزأه (2).
ومنه: نقلا من كتاب حريز قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام المرأة والرجل يصلي
كل واحد منهما قبالة صاحبه؟ قال: نعم، إذا كان بينهما قدر موضع رحل.
قال: وقال زرارة وقلت له: المرأة تصلي حيال زوجها؟ فقال: تصلي بإزاء
الرجل إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطى، أو قدر عظم الذراع فصاعدا (3).
5 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن
الرجل هل يصلح أن يصلي في مسجد وحيطانه كوى كله قبلته وجانباه وامرأة تصلي حياله
يراها ولا تراه؟ قال: لا بأس (4).
تحقيق وتبيين:
الكوى بالضم جمع كوة بالفتح والضم والتشديد، وهي الخرق في الحائط.
واعلم أن الأصحاب اختلفوا في أن المنع من محاذاة الرجل والمرأة في الصلاة
على التحريم أو الكراهة، فذهب المرتضى وابن إدريس وأكثر المتأخرين إلى الثاني، و
ذهب الشيخان إلى أنه لا يجوز أن يصلي الرجل وإلى جنبه امرأة تصلي، سواء صلت
بصلاته أم لا، فان فعلا بطلت صلاتهما، وكذا إن تقدمته عند الشيخ، ولم يذكر ذلك
المفيد، وتبعهما ابن حمزة وأبو الصلاح، وقال الجعفي: ومن صلى وحياله امرأة وليس

(1) المحاسن ص 337.
(2) السرائر ص 465.
(3) السرائر ص 472.
(4) البحار ج 10 ص 264.
335

بينهما قدر عظم الذراع فسدت الصلاة.
ثم اختلفوا فيما يزول به الكراهة أو التحريم، فمنهم من قال يزول بالحائل بينهما
أو بتباعد عشرة أذرع، أو وقوع صلاتها خلفه بحيث لا يحاذي جزء منها جزءا منه في
جميع الأحوال، وقال في المعتبر: لو كانت متأخرة عنه ولو بشبر أو مسقط الجسد أو
غير متشاغلة بالصلاة لم يمنع، ونحوه قال في المنتهى وظاهر الشيخ في كتابي الحديث أيضا
الاكتفاء بالشبر والظاهر أنه لا خلاف في زوال المنع بتوسط الحائل أو بعد عشرة أذرع وقد
حكى الفاضلان عليه الاجماع، لكن في بعض الروايات أكثر من عشرة أذرع، والظاهر
أن زوال المنع بصلاتها خلفه أيضا في الجملة إجماعي.
ثم إن الشهيد الثاني - ره -: اعتبر في الحائل أن يكون مانعا من الرؤية، و
كلام سائر الأصحاب مطلق، وخبرا علي بن جعفر يدلان على عدمه، وقال العلامة
في النهاية: ليس المقتضي للتحريم أو الكراهة النظر، لجواز الصلاة وإن كانت قد أمه
عارية، ولمنع الأعمى ومن غمض عينيه، وقريب منه كلامه في التذكرة، وفي البيان
وفي تنزيل الظلام أو فقد البصر منزلة الحائط نظر أقر به المنع، وأولى بالمنع منع الصحيح
نفسه من الاستبصار، واستوجه في التحرير الصحة في الأعمى، واستشكل فيمن غمض
عينيه، والظاهر عدم زوال المنع بشئ من ذلك، كما هو الظاهر من الاخبار.
واختلف في الصغيرين والصغير والكبير والظاهر اشتراط البلوغ فيهما، وذهب
الأكثر إلى اشتراط تعلق الكراهة والتحريم بصلاة كل منهما صحة صلاة الاخر، و
احتمل الشهيد الثاني عدم الاشتراط، وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق بين اقتران
الصلاتين أو سبق إحداهما في بطلان الكل، وذهب جماعة من المتأخرين إلى اختصاص
البطلان بالمقترنة والمتأخرة دون السابقة، وفي التقدير بعشرة أذرع الظاهر أن مبدءه
الموقف، وربما يحتمل مع تقدمها اعتباره من موضع السجود.
والذي يظهر من الاخبار أن الحكم على الكراهة تزول بتأخرها بشبر، و
الذراع أفضل، وبمسقط الجسد أحوط، وبعشرة أذرع أو بحائل بينهما، وإن كان بقدر
ذراع أو بقدر عظم الذراع أيضا إذ الظاهر من رواية زرارة (قدر ما لا يتخطى أو قدر
336

عظم الذراع، أن يكون بينهما شئ ارتفاعه أحد المقدارين، ورواية الحلبي رواها
الشيخ في الصحيح (1) عن العلا، عن محمد بن مسلم بتلك العبارة بعينها إلا أن فيه
(لا ينبغي ذلك فإن كان بينهما شبر أجزأه ذلك) بالشين المعجمة والباء الموحدة وقال
الشيخ بعد ذلك يعني إذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر.
واحتمل الشيخ البهائي قدس سره كون المفسر محمد بن مسلم بأن يكون فهم ذلك
من الإمام عليه السلام لقرينة حالية أو مقالية، وقال: قد استبعد بعض الأصحاب هذا التفسير
واختار جعل الشبر في الحديث بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق، وهو كما ترى، و
ربما يقال في وجه الاستبعاد أن بلوغ الحجرة في الضيق إلى حد لا يبلغ البعد بين
المصليين في زاويتيها مقدار شبر خلاف الغالب المعتاد، وليس بشئ لأنه إذا كان المراد
كون الرجل أقرب إلى القبلة من المرأة بشبر، لا يلزم حمل الحجرة على خلاف مجرى
العادة.
وقال - ره - إلحاق التاء بالعشرة يعطي عدم ثبوت ما نقله بعض اللغويين من أن
الذراع مؤنث سماعي انتهى.
ثم إنهم ذكروا أن جميع ذلك في حال الاختيار، فأما مع الاضطرار فلا كراهة
وأما استثناء مكة من هذا الحكم كما مر في رواية الفضيل، فلم أر التصريح به في كلام
الأصحاب، وظاهر الصدوق - ره - القول به، نعم قال العلامة قدس سره في المنتهى:
لا بأس بالصلاة هناك والمرأة قائمة أو جالسة بين يديه، لما رواه الشيخ عن معاوية (2).
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أقوم أصلي بمكة ومرأة بين يدي جالسة أو مارة؟ قال: لا
بأس إنما سميت مكة بكة لأنه تبك فيه الرجال والنساء.
وقال في التذكرة: ولا بأس بأن يصلى في مكة - زادها الله شرفا - إلى غير سترة
لان النبي صلى الله عليه وآله صلى هناك وليس بينه وبين الطواف سترة.
ولان الناس يكثرون هناك لأجل قضاء نسكهم وسميت بكة، لان الناس

(1) التهذيب ج 1 ص 201.
(2) التهذيب ج 1 ص 576 باب الزيادات من الحج.
337

يتباكون فيها: أي يزدحمون، ويدفع بعضهم بعضا، فلو منع المصلي من يجتاز بين
يديه ضاق على الناس، وحكم الحرم كله ذلك لان ابن عباس قال: أقبلت راكبا على
حمار، والنبي صلى الله عليه وآله يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، ولأنه محل المشاعر
والمناسك انتهى.
ولا يبعد القول به، لان رعاية هذا عند المقام يوجب الحرج غالبا لتضيق الوقت
والمكان، ولا يمكن رعاية ذلك في غالب الاوان، ولتلك الرواية (1) التي ليس فيها
ما يتأمل فيه إلا أبان (2) وهو وإن رمي بالناووسية، لكن روي فيه إجماع العصابة.

(1) يعنى ما مر تحت الرقم 2 من كتاب العلل.
(2) يعنى أبان بن عثمان الأحمر، وقوله (وان رمى بالناووسية) فقد اختلف فيه
نسخ رجال الكشي - وهو الأصل في هذا -، ففي بعضها (وكان من القادسية) راجع في ذلك
قاموس الرجال للتستري.
338

[8]
(باب)
* (فضل المساجد وأحكامها وآدابها) *
الآيات: البقرة: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى
في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين * لهم في الدنيا خزي ولهم في
الآخرة عذاب عظيم (1).
الأعراف: وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد (2).
التوبة: ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر
أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر
وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من
المهتدين * أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر
وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين (3).
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام
بعد عامهم هذا (4).
وقال تعالى: والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين و
إرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد
إنهم لكاذبون * لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم
فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين (5).

(1) البقرة: 114 و 115.
(2) الأعراف: 29.
(3) براءة: 17 - 19.
(4) براءة: 28.
(5) براءة: 107 - 108.
339

يونس: واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة (1).
الحج: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات و
مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا (2).
الجن: وأن المساجد لله فلا تدع مع الله أحدا (3).
تفسير: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله) في (4) تفسير العسكري عليه السلام (5)
هي مساجد خيار المؤمنين بمكة، منعوهم عن التعبد فيها بأن ألجأوا رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى الخروج عن مكة، وفي تفسير علي بن إبراهيم (3) وغيره عن الصادق عليه السلام أنهم
قريش حين منعوا رسول الله صلى الله عليه وآله دخول مكة والمسجد الحرام، وروي عن زيد بن
علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام أنه أراد جميع الأرض لقول النبي صلى الله عليه وآله جعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا (7).
أقول: اللفظ يقتضي العموم في المسجد والمانع والذكر.
(وسعى في خرابها) أي في خراب تلك المساجد، لئلا تعمر بطاعة الله (أولئك
ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) في تفسير الإمام عليه السلام أنه وعد للمؤمنين بالنصرة، و
استخلاص المساجد منهم، وقد أنجز وعده بفتح مكة لمؤمني ذلك العصر، وسينجزه
لعامة المؤمنين حين ظهور القائم عليه السلام، وقيل المعنى: كان حقهم بحسب حالهم أن
لا يدخلوها إلا خائفين من المؤمنين، فكيف جاز لهم أن يمنعوا المؤمنين، وقيل:
إلا خائفين من أن ينزل عليهم عذاب، لاستحقاقهم ذلك، وقيل: ما كان لهم أن يدخلوها
إلا بخشية وخضوع فضلا عن أن يجترؤا على تخريبها.
فيستفاد منها استحباب دخولها بالخضوع والخشوع والخشية من الله تعالى، كما

(1) يونس: 87.
(2) الحج: 40.
(3) الجن: 18.
(4) البقرة: 114.
(5) تفسير الإمام العسكري: 256.
(6) تفسير القمي: 50.
(7) تفسير مجمع البيان ج 1 ص 190.
340

هو حال العبد الواقف بين يدي سيده، وقيل: معناه النهي عن تمكينهم من الدخول
في المساجد، وروى العياشي عن محمد بن يحيى (1) يعني لا يقبلون الايمان إلا والسيف
على رؤسهم.
(لهم في الدنيا خزي) قتل وسبي أو ذلة بضرب الجزية، وقيل: أي بعد قيام
القائم، والأولى التعميم بكل ما يصير سببا لمذلتهم في الدنيا.
أقول: تدل الآية بعمومها على عدم جواز منع ما يذكر الله به من الصلوات والدعوات
وتلاوة القرآن ونشر العلوم الدينية وأمثالها في المساجد، وحرمة السعي في خرابها الصوري
بهدمها، وإدخالها في الملك وغير ذلك، بل تعطيلها، وكل ما يوجب ذهاب رونقها و
إحداث البدع فيها، وكل ما ينافي وضعها وحصول الذكر فيها.
(وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) (2) على بعض المحتملات يدل على رجحان
إتيان المساجد، وسيأتي في باب القبلة.
(ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) (3) أي ما كانوا أهل ذلك، ولا جاز
لهم، أو ما صح ولا استقام لهم عمارة شئ من المساجد فضلا عن المسجد الحرام، و
هو صدرها ومقدمها، وقيل: هو المراد كما هو الظاهر على قراءة ابن كثير وأبي عمرو
ويعقوب مسجد الله لقوله تعالى فيما بعد (وعمارة المسجد الحرام) وإنما جمع لأنها قبلة المساجد
كلها وإمامها، فعامرها كعامر جميعها، أو لان كل بقعة منه مسجد.
(شاهدين على أنفسهم بالكفر) باظهار كفرهم، ونصبهم الأصنام حول البيت
وقيل: هي اعترافهم بملة من ملل الكفر كالنصراني بأنه نصراني وروي في الجوامع
أن المسلمين عيروا أسارى بدر، ووبخ علي عليه السلام العباس بقتال رسول الله صلى الله عليه وآله و
قطيعة الرحم، فقال العباس: تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا؟ فقالوا: أو لكم
محاسن؟ قال: نعم، إنا نعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 56.
(2) الأعراف: 29، وقد مر في ص 165 ما يتعلق بها.
(3) براءة: 17.
341

ونفك العاني، فنزلت.
(أولئك حبطت أعمالهم) التي هي العمارة والسقاية والحجابة وفك العناة التي
يفتخرون بها أو مطلقا بما قارنها من الشرك (وفي النار هم خالدون) لأجله، وفيها
دلالة على بطلان أعمال الكفار وعدم صحة شئ منها ويمكن أن يفهم منها جواز
منعهم من مثل العمارة.
(إنما يعمر مساجد الله) الحصر إما إضافي بالنسبة إلى أولئك المشركين، أو
مطلق الكفرة، فهذه الأوصاف لتفخيم شأن عمارة مساجد الله، وتعظيم عاملها، وأنه
ينبغي أن يكون على هذه الأوصاف، ولبيان بعد أولئك عن عملها، أو المراد عمارتها
حق العمارة التي لا يوفق لها إلا هؤلاء الموصوفون باعتبار قوة إيمانهم، وكمال إخلاصهم
أو المراد أنه لا يستقيم ولا يصح عمارة مساجد الله من أحد على طريق الولاية عليها
إلا ممن كان كذلك، فان الظاهر أن أولئك المفتخرين أرادوا نحو ذلك، وأنهم
ولاة المسجد الحرام، فيختص بالنبي والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم. على أن
الظاهر من قوله (ولم يخش إلا الله) عدم سبق الفسق، بل ولا ذنب فكيف الكفر، و
قيل: إنهم كانوا يخشون الأصنام ويرجونها، فأريد نفي تلك الخشية.
(فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء
وحسم لأطماعهم في الانتفاع بأعمالهم التي استعظموها وافتخروا بها، وأملوا عاقبتها
بأن الذين آمنوا وضموا إلى إيمانهم العمل بالشرائع، مع استشعار الخشية والتقوى
اهتداؤهم دائر بين عسى ولعل، فما بال المشركين يقطعون أنهم مهتدون ويأملون عند
الله الحسنى.
وقيل في هذا الكلام ونحوه لطف للمؤمنين في ترجيح الخشية، ورفض الاغترار
بالله، وقيل عسى إشارة إلى حال المؤمنين وأنهم مع ذلك في دعواهم للهداية، وعد
نفوسهم من المهتدين على هذا الحال، فما بال الكفار يقطعون لأنفسهم بالاهتداء، ثم
ذلك للمؤمنين إما أن يكون لرجحان الخشية وقوتها، أو على سبيل التأدب والتواضع
أو نظرا منهم إلى مرتبة أعلى ودرجة أسنى.
342

ثم في الآية حث عظيم على تعمير المساجد، وتعظيم شأنه، وقيل: المراد
بالتعمير بناؤها وإصلاح ما يستهدم منها، وتزيينها وفرشها، وإزالة ما يكره النفس منه
مثل كنسها والاسراج فيها، وقيل: المراد شغلها بالعبادة مثل الصلاة والذكر، وتلاوة
القرآن ودرس العلوم الدينية وتجنبها من أعمال الدنيا، واللهو واللعب، وعمل
الصنايع، وحديث الدنيا ولعل التعميم أولى.
(أجعلتم سقاية الحاج) قد مضى تفسيرها ونزولها في مفاخرة أمير المؤمنين عليه السلام
بسبق الايمان، والعباس بالسقاية وشيبة بالحجابة، وفضل الايمان على تلك الأمور
ظاهر لا سيما إذا لم تكن مع الايمان، فإنها باطلة محبطة كما مر.
(فلا يقربوا المسجد الحرام) (1) استدل به على عدم جواز إدخال النجاسة
المسجد الحرام، وهو غير بعيد للتفريع، وإن أمكن المناقشة فيه، وأما الاستدلال به على
عدم جواز دخولهم شيئا من المساجد فهو ضعيف (2).
(والذين اتخذوا مسجدا) (3) في المجمع (4) والجوامع روي أن بني عمرو بن
عوف لما بنوا مسجد قبا وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله حسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف
وقالوا نبني مسجدا نصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قبا
وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وهو يتجهز إلى تبوك: إنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه،
فقال: إني على جناح سفر، ولما انصرف من تبوك نزلت، فأرسل من هدم المسجد و
أحرقه وأمر أن يتخذ مكانه كناسة تلقى فيها الجيف والقمامة.
(ضرارا) مضارة للمؤمنين أصحاب مسجد قبا (وكفرا) وتقوية للكفر الذي
كانوا يضمرون (وإرصادا) أي وإعدادا أو ترقبا لمن حارب الله ورسوله من قبل، يعني
أبا عامر الراهب، قيل بنوه على أن يؤمهم فيه أبو عامر إذا قدم من الشام، في الجوامع

(1) براءة: 28.
(2) راجع في ذلك ج 80 ص 44.
(3) براءة: 107.
(4) مجمع البيان ج 5 ص 72.
343

أنه كان قد ترهب في الجاهلية، ولبس المسوح، فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله المدينة حسده
وحزب عليه الأحزاب، ثم هرب بعد فتح مكة وخرج إلى الروم وتنصر، وكان هؤلاء
يتوقعون رجوعه إليهم، وأعدوا هذا المسجد له ليصلي فيه، ويظهر على رسول الله
صلى الله عليه وآله لأنه كان يقاتل رسول الله صلى الله عليه وآله في غزواته إلى أن هرب إلى الشام
ليأتي من قيصر بجنود يحارب بهم رسول الله صلى الله عليه وآله ومات بقنسرين وحيدا.
(وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى) أي ما أردنا ببنائه إلا الخصلة الحسنى وهي
الصلاة والذكر، والتوسعة على المصلين (والله يشهد إنهم لكاذبون) في حلفهم (لا تقم
فيه أبدا) أي لا تصل فيه أبدا يقال: فلان يقوم بالليل أي يصلي (لمسجد أسس على
التقوى من أول يوم) من أيام وجوده، وفي الكافي عن الصادق عليه السلام وفي العياشي عن
الباقر والصادق عليهما السلام يعني مسجد قبا، وكذا ذكره علي بن إبراهيم (1) أيضا، وقيل:
أسسه رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى فيه أيام مقامه بقبا، وقيل هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله و
قال في المجمع: روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: هو مسجدي هذا (2) وقيل: هو كل
مسجد بني للاسلام وأريد به وجه الله تعالى.
(أحق أن تقوم فيه) أي أولى بأن تصلي فيه (فيه رجال يحبون أن يتطهروا
والله يحب المتطهرين) روى العياشي عن الصادق عليه السلام (3) أنه الاستنجاء وفي المجمع
عن الباقر والصادق عليهما السلام يحبون أن يتطهروا بالماء عن الغائط والبول، وعن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال لأهل قبا: ما تفعلون في طهركم؟ فان الله قد أحسن
إليكم الثناء؟ قالوا: نغسل أثر الغائط، فقال أنزل الله فيكم (والله يحب المتطهرين).
أقول: قد مضى تفسير تلك الآيات وتأويلها (4) والقصص المتعلقة بها بأسانيدها

(1) راجع الكافي ج 3 ص 560 في حديثين، تفسير العياشي ج 2 ص 111 تحت
الرقم 135 و 136 من سورة براءة، تفسير علي بن إبراهيم ص 280.
(2) مجمع البيان ج 5 ص 74.
(3) تفسير العياشي ج 2 ص 112.
(4) راجع ج 21 ص 252 - 263 من هذه الطبعة الحديثة.
344

في المجلد السادس، والغرض من إيرادها هنا الاستدلال بها على اشتراط القربة في
صحة وقف المساجد وفضلها، وجواز تخريب ما بني منها لغرض فاسد، بل وجوبه
وعدم جواز الصلاة فيما بني لذلك إن أوجب ترويج بدعتهم، وتشييد غرضهم، ولعل
فيها إيماء إلى رجحان الصلاة في مسجد بانوها ومجاوروها والمصلون فيها من الأتقياء
وأهل الطهارة والنظافة، وإلى رجحان الطهارة والنظافة لدخولها.
فان قيل: ما ذكر يستلزم عدم جواز الصلاة في البيع والكنايس، والمساجد التي
بناها المخالفون، قلت: لو استلزم الصلاة فيها ما اشترطناه في عدم جوازها كان الامر
كذلك وما ورد من الرخصة لعلها مختصة بغير تلك الصورة.
فان قيل: إذا كان الوقف باطلا كانت ملكا لهم، فلا يجوز الصلاة فيها بغير إذنهم
قلت: إنهم يقصدون القربة في بنائها ووقفها، لكنهم أخطأوا في أن مستحقه من وافق
مذهبهم، فوقفهم صحيح، وظنهم فاسد، ولا يعلم أنهم شرطوا في الوقف عدم عبادة غير
أهل ملتهم فيها، ولو ثبت أنهم شرطوا ذلك أيضا فيمكن أن يقال بصحة وقفهم، وبطلان
شرطهم المبتني على ظنهم الفاسد بخلاف مسجد الضرار، فإنه لم تكن فيها قربة أصلا
ولو قيل ببطلان الوقف أيضا ففي البيع والكنايس لا يضر ذلك، لان الملك للمسلمين
وإنما قرروهم فيها لمصلحة، بل يمكن قول مثل ذلك في مساجد المخالفين أيضا كما
يظهر من كثير من الاخبار أن الأرض للامام، وبعد ظهور الحق يخرجهم منها أذلة
وهم صاغرون.
وبالجملة تجويز الصلاة في تلك المواضع للشيعة، وتقريرهم عليها في أعصار
الأئمة عليهم السلام يكفينا للجواز، وإن كان الاخوط عدم الصلاة فيها إذا علم اشتراطهم
عدم صلاة الشيعة فيها عند الوقف، وهذا نادر.
وقال الشهيد في الذكرى: يجوز اتخاذ المساجد في البيع والكنايس لرواية العيص
ابن القاسم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في البيع والكنايس، هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟
فقال: نعم، ثم قال: المراد بنقضها نقض ما لابد منه في تحقق المسجدية كالمحراب

(1) التهذيب ج 1 ص 327، الكافي ج 3 ص 368.
345

وشبهه، ويحرم نقض الزائد لابتنائها للعبادة، ويحرم أيضا اتخاذها في ملك أو طريق،
لما فيه من تغيير الوقف المأمور باقراره، وإنما يجوز اتخاذها مساجد إذا باد أهلها،
أو كانوا أهل حرب، فلو كانوا أهل ذمة حرم التعرض لها انتهى.
أقول: يمكن أن يقرأ نقضها بالضم أو الكسر بمعنى آلات بنائها ولا يخلو
من بعد، وتجويز النقض يؤيد ما ذكرنا من عدم صحة الوقف.
(واجعلوا بيوتكم قبلة) (1) قال الطبرسي - ره -: (2) اختلف في ذلك، فقيل:
لما دخل موسى مصر بعد ما أهلك الله فرعون، أمروا باتخاذ مساجد يذكر فيها اسم
الله، وأن يجعلوا مساجدهم نحو القبلة، أي الكعبة عن الحسن. ونظيره (في بيوت
أذن الله أن ترفع) الآية (3) وقيل: إن فرعون أمر بتخريب مساجد بني إسرائيل،
ومنعهم من الصلاة، فامروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم يصلون فيها، خوفا من
فرعون (4) وذلك قوله (واجعلوا بيوتكم قبلة) أي صلوا في بيوتكم لتأمنوا من الخوف

(1) يونس: 87.
(2) مجمع البيان ج 5 ص 128.
(3) النور: 36.
(4) ولعل هذا هو الظاهر من سياق الآيات الكريمة، فان الآيات هكذا: فما آمن
لموسى الا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم، وان فرعون لعال في الأرض
وانه لمن المسرفين * وقال موسى: يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين *
فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين *
وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة
وبشر المؤمنين * وقال موسى ربنا انك آتيت فرعون وملاءه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا
ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب
الأليم * قال: قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون (83 - 89).
فكما ترى، يظهر من الآيات الشريفة أن الله عز وجل أوحى إلى موسى وأخيه - حينما
كانوا بمصر وقد آمن بشريعته جمع من بني إسرائيل على خوف من فرعون وملائه
أن يتبوءا لقومهما بيوتا أي يتخذا محلة لهم يقيمون بها ليكونوا منحازا عن سائر بني إسرائيل
وأمرناهم أن اجعلوا بيوتكم هذه قبلة - أي في قبلة مصر لا يحول بيوت غيركم من
الكافرين بموسى وأخيه - سواء كان قبطيا أو عبريا - بينكم وبين قبلتكم ثم أقيموا الصلاة في
بيوتكم غير متظاهرين بجماعة وغيرها لئلا يشعر بصلاتكم وايمانكم فرعون وملاؤه من القوم
الظالمين فيفتنوكم عن دينكم، وبشر المؤمنين يا موسى بأن الله سينجيهم برحمته من القوم
الكافرين.
346

عن ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم، قيل: معناه اجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضا
عن ابن جبير انتهى.
وروى علي بن إبراهيم عن الكاظم عليه السلام (1) قال: لما خافت بنو إسرائيل جبابرتها أوحى
الله إلى موسى وهارون أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة، قال أمروا
أن يصلوا في بيوتهم انتهى، ويدل على رجحان الصلاة في البيوت في الجملة، وفي بعض الأحوال
واتخاذ المساجد في البيوت، فيمكن حمله على حال التقية، أو على النافلة لرجحانها
في البيت، وقد ورد لا تجعلوا بيوتكم مقابر أي لا تصلى فيها أصلا كالقبور.
(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) (2) أي بتسلط المؤمنين منهم على الكافرين
(لهدمت) أي لخربت باستيلاء المشركين على أهل الملل (صوامع وبيع وصلوات و
مساجد) قال: في المجمع (3) أي صوامع في أيام شريعة عيسى عليه السلام وبيع في أيام شريعة موسى
عليه السلام ومساجد في أيام شريعة محمد صلى الله عليه وآله أي لهدم في كل شريعة المكان الذي يصلى فيه،
وقيل: البيع للنصارى في القرى، والصوامع في الجبال والبوادي، ويشترك فيها الفرق
الثلاث والمساجد للمسلمين، والصلوات كنيسة اليهودي وقال ابن عباس والضحاك وقتادة:
الصلوات كنائس اليهود يسمونها صلاة فعرب، وقرء جعفر بن محمد عليهما السلام بضم الصاد
واللام وقال الحسن: أراد بذلك عين الصلاة وهدم الصلاة بقتل فاعليها ومنعهم من

(1) تفسير القمي ص 290.
(2) الحج: 40.
(3) مجمع البيان ج 7 ص 87.
347

إقامتها، وقيل المراد بالصلوات المصليات كما قال: (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) (1)
وأراد المساجد.
(يذكر فيها اسم الله كثيرا) قال الهاء تعود إلى المساجد، وقيل: إلى جميع المواضع
التي تقدمت لان الغالب فيها ذكر الله، ويدل على فضل المساجد وتعميرها وذم تخريبها
وتعطيلها وفضل إيقاع الذكر بأنواعه فيها كثيرا.
(وأن المساجد لله) (2) قال في المجمع أي لا تذكروا مع الله في المواضع التي
بنيت للعبادة والصلاة أحدا على وجه الاشتراك في عبادته، كما تفعل النصارى في بيعهم
والمشركون في الكعبة، قال الحسن من السنة عند دخول المسجد أن يقال: لا إله إلا
الله لا أدعو مع الله أحدا، وقيل: المساجد مواضع السجود من الانسان، وهي الجبهة
والكفان وأصابع الرجلين وعينا الركبتين، وهي لله تعالى إذ خلقها وأنعم بها، فلا ينبغي
أن يسجد بها لاحد سوى الله، وقيل: المراد بالمساجد البقاع كلها، وذلك لان
الأرض كلها جعلت للنبي صلى الله عليه وآله مسجدا (3) ويدل على استحباب اتخاذ المساجد
ووجوب الاخلاص في العبادة فيها على بعض الوجوه.
1 - مجالس الشيخ: عن الحسين بن عبيد الله الغضائري، عن التلعكبري، عن
محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن زريق
ابن الزبير الخلقاني قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: شكت المساجد إلى الله تعالى
الذين لا يشهدونها من جيرانها، فأوحى الله عز وجل إليها: وعزتي وجلالي لا قبلت
لهم صلاة واحدة، ولا أظهرت لهم في الناس عدالة، ولا نالتهم رحمتي، ولا جاوروني
في جنتي (4).

(1) النساء: 43.
(2) الجن: 18.
(3) المجمع ج 10 ص 372.
(4) أمالي الطوسي ج 2 ص 307.
348

بيان: يدل على فضل عظيم لاتيان المساجد، بل على وجوبه لكن لم نر قائلا
به وأما أصل الرجحان والفضل في الجملة فهو إجماعي بل يمكن أن يعد من ضروريات
الدين، وظاهر كثير من الاخبار أن الشهود للجماعة، وأن التهديد في تركه لتركها، و
على المشهور يمكن حملها على الجماعة الواجبة كالجمعة أو على ما إذا تركه مستخفا به غير
معتقد لفضله، والأحوط عدم الترك لغير عذر، لا سيما إذا انعقدت فيها جماعة لا عذر في
ترك حضورها.
وعدم إظهار العدالة لعله إشارة إلى ما ورد في خبر ابن أبي يعفور (1) من أن
الذي يوجب على الناس توليته وإظهار عدالته في الناس التعاهد للصلوات الخمس إذا
واظب عليهن وحافظ مواقيتهن باحضار جماعة المسلمين وأن لا يتخلف عن جماعتهم في
مصلا هم إلا لعلة.
2 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: جنبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم، ورفع أصواتكم إلا بذكر
الله تعالى، وبيعكم وشراءكم وسلاحكم، وجمروها في كل سبعة أيام، وضعوا المطاهر
على أبوابها.
وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليمنعن أحدكم مساجدكم يهودكم
ونصاراكم وصبيانكم، أو ليمسخن الله تعالى قردة وخنازير ركعا سجدا.
بيان: لا خلاف في كراهة تمكين المجانين والصبيان لدخول المساجد، وربما
يقيد الصبي بمن لا يوثق به، أما من علم منه ما يقتضي الوثوق به لمحافظته على التنزه
من النجاسات وأداء الصلوات، فإنه لا يكره تمكينه، بل يستحب تمرينه ولا بأس به
والمشهور بين الأصحاب كراهة رفع الصوت في المسجد مطلقا وإن كان في القرآن، للاخبار
المطلقة، واستثنى في هذا الخبر ذكر الله، وكذا فعله ابن الجنيد، ولعله المراد في سائر الأخبار
لحسن رفع الصوت بالاذان والتكبير والخطب والمواعظ فيها، وإن كان
الأحوط عدم رفع الصوت فيما لم يتوقف الانتفاع به عليه، ومعه يقتصر على ما يتأدى

(1) راجع علل الشرائع ج 2 ص 15.
349

به الضرورة.
والمشهور كراهة البيع والشراء، فان زاحم المصلين أو تضمن تغيير هيئة المسجد فلا يبعد
التحريم، وبه قطع جماعة، وأما السلاح فالمراد به تشهيره أو عمله، والأحوط تركهما
وروى الشيخ عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن سل
السيف وعن بري النبل في المسجد، وقال إنما بني لغير ذلك (1) وقال ابن الجنيد ولا
يشهر فيه السلاح. واستحباب التجمير لم أره في غير هذا الخبر، والدعائم (2) ولا بأس
بالعمل به.
وأما جعل المطاهر أي محل تطهير الحدث والخبث على أبوابها، فقد ذكر
الأصحاب استحبابه، وأيد بأنها لو جعلت داخلها لتأذى المسلمون برائحتها، وهو
مطلوب الترك ومنع ابن إدريس من جعل الميضاة في وسط المسجد، قال في الذكرى: وهو
حق إن لم يسبق المسجد وهو حسن، وذكر العلامة والمتأخرون عنه كراهة الوضوء
من البول والغائط في المسجد لرواية رفاعة (3) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء في المسجد
فكرهه من الغائط والبول، وحكم الشيخ في النهاية بعدم جواز ذلك، وتبعه ابن إدريس
ومنع في المبسوط عن إزالة النجاسة في المساجد وعن الاستنجاء من البول والغائط قال
في الذكرى: وكأنه فسر الرواية بالاستنجاء ولعله مراده في النهاية وهو حسن.
وأما منع اليهود والنصارى فهو على الوجوب على المشهور قال في الذكرى:
لا تجوز لاحد من المشركين الدخول في المساجد على الاطلاق، ولا عبرة باذن المسلم
له لان المانع نجاسته للآية، فان قلت لا تلويث هنا، قلت: معرض له غالبا، وجاز
اختصاص هذا التغليظ بالكافر، وقول النبي صلى الله عليه وآله من دخل المسجد فهو آمن منسوخ
بالآية، وكذا ربط ثمامة في المسجد إن صح انتهى.
ويحتمل أن تكون القوم الممسوخة من النصاب والمخالفين، وقد مسخوا بتركهم

(1) التهذيب ج 1 ص 327، الكافي ج 3 ص 369.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 149 وسيأتي في أواخر الباب.
(3) التهذيب ج 1 ص 326، الكافي ج 3 ص 369.
350

الولاية فلم يبق فيهم شئ من الانسانية، وقد مسح الصادق عليه السلام يده على عين بعض شيعته
فرآهم في الطواف بصورة القردة والخنازير.
3 - اعلام الدين، للديلمي: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
كونوا في الدنيا أضيافا واتخذوا المساجد بيوتا، وعودوا قلوبكم الرقة، وأكثروا
من التفكر والبكاء من خشية الله، واجعلوا الموت نصب أعينكم، وما بعده من أهوال
القيامة، تبنون مالا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، فاتقوا الله الذي إليه
ترجعون.
4 - مجالس الصدوق: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن
الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن سعد
ابن طريف، عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول: من اختلف
إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفادا في الله، أما علما مستطرفا، أو آية
محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يسمع كلمة تدله على هدى،
أو يترك ذنبا خشية أو حياء (1).
مجالس الشيخ: عن المفيد، عن الحسين بن عبيد الله، عن الصدوق مثله (2).
ثواب الأعمال، والخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن
يزيد، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن سعد الإسكاف، عن زياد بن
عيسى، عن أبي الجارود، عن ابن نباتة مثله (3).
نهاية الشيخ: عن ابن أبي عمير مثله (4).
اعلام الدين: للديلمي عنه عليه السلام مثله.
بيان: (أخا مستفادا في الله) أي يكون استفادة اخوته وتحصيلها لله، لا للأغراض

(1) أمالي الصدوق ص 234.
(2) أمالي الطوسي ج 2 ص 46 و 47.
(3) ثواب الأعمال ص 25، الخصال ج 2 ص 40.
(4) النهاية: 23، ورواه في المحاسن ص 48، قرب الإسناد ص 33 ط حجر.
351

الباطلة (فان الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) وقيل: أي يمكن أن
يستفاد منه العلم والعمل، والكمالات المقربة إلى الله (أو أصاب أخا في الله عز وجل)
يمكن أن يستفيد منه، ففي الكلام على الوجهين الأخيرين حذف وإيصال، والأول
أظهر.
(مستطرفا) أي علما يعد حسنا طريفا بديعا أو علما لم يكن عنده فيكون عنده
طريفا، قال في القاموس المستطرف الحديث من المال، وامرأة طرف الحديث حسنته
يستطرفه من يسمعه (أو آية محكمة) أي واضحة الدلالة، يمكن لأكثر الناس أو مثله
فهمها، والانتفاع بها، أو غير منسوخة إذ ليس كثير انتفاع بالآيات المنسوخة (أو رحمة
منتظرة) بالفتح أي ينتظرها الناس أو بالكسر أي تنتظر القابل كما روي إن لربكم في
أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها، وقيل: يمكن أن يكون كناية عن العبادات
من الصلوات وغيرها، لا سيما الجماعات، ورؤية العلماء والصلحاء، وزيارتهم، و
التبرك بمجالستهم.
(ترده عن ردى) أي ضلالة كان مقيما عليها فيتركها، أو مريدا لها فلا يرتكبها
(على هدى) أي سبيل هداية يسلكها أو يثبت عليها إن كان فيها قبله (أو يترك ذنبا خشية)
من الله أو من الناس أو الأعم في المسجد أو مطلقا وكذا الحياء يحتمل الجميع، قال
في الذكرى: كأن الثامنة ترك الذنب حياء، يعني من الله أو من الملائكة أو من الناس
كما أن الخشية كذلك، ويجوز أن تكون الخشية من الله والحياء من الناس.
5 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
محمد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان
يكسر المحاريب إذا رآها، ويقول: كأنها مذابح اليهود (1).
وبهذا الاسناد عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام رأى مسجدا بالكوفة
قد شرف فقال: كأنه بيعة، وقال: إن المساجد لا تشرف تبنى جما (2).

(1) علل الشرايع ج 2 ص 9.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 10.
352

ايضاح: حكم الأصحاب بكراهة المحاريب الداخلة، وهي قسمان الأول
الداخلة في المسجد بأن يبنى جداران في قبلة المسجد ويسقف ليدخله الامام، وكان
خلفاء الجور يفعلون ذلك خوفا من أعاديهم، والثاني الداخلة في البناء بأن يبنى في
أصل حائط المسجد موضع يدخله الامام، والكسر الوارد في الخبر بالأول أنسب،
وإن احتمل الثاني أيضا بهدم الجدار، والأكثر اقتصروا على الأول مع أن الثاني أولى
بالمنع، والشهيد الثاني - ره -: عمم الحكم بالنسبة إليهما، وقيد الدخول في الحائط
بكونه كثيرا، وبعض المتأخرين قصروا الحكم بالكراهة بالثاني، ولعله أوجه، وإن
كان الأحوط تركهما. وقال في النهاية المذبح واحد المذابح، وهي المقاصير وقيل:
المحاريب، وفي القاموس المذابح المحاريب والمقاصير، وبيوت كتب النصارى، الواحد
كمقعد انتهى.
والمشهور كراهة الشرف للمساجد، وهي ما يجعل في أعلى الجدران فتخرج عن
الاستواء، وقال في النهاية: الجماء التي لا قرن لها، ومنه حديث ابن عباس أمرنا أن
نبني المدائن شرفا، والمساجد جما: الشرف التي طولت أبنيتها بالشرف واحدها
شرفة، والجم التي لا شرف لها، وجم جمع أجم شبه الشرف بالقرون.
6 - غيبة الشيخ: عن الفضل بن شاذان، عن عبد الرحمان بن أبي هاشم، عن
علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: إذا قام القائم دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد
الأربعة حتى يبلغ أساسها، ويصيرها عريشا كعريش موسى، ويكون المساجد كلها
جما لا شرف لها، كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله تمام الخبر (1).
توضيح: قال الجوهري: العرش والعريش ما يستظل به، وعرش يعرش ويعرش
عرشا أي بنى بناء من خشب وبئر معروشة وكروم معروشات، والعريش عريش الكرم، و
العريش شبه الهودج وليس به، يتخذ ذلك للمرأة تقعد فيه على بعيرها، والعريش
خيمة من خشب وثمام والجمع عرش، مثال قليب وقلب، ومنه قيل لبيوت مكة العرش
لأنها عيدان تنصب ويظلل عليها.

(1) غيبة الشيخ الطوسي ص 297.
353

7 - قرب الإسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن الصادق عليه السلام
عن أبيه عليه السلام قال: قال: علي عليه السلام ليس لجار المسجد صلاة إذا لم يشهد المكتوبة في
المسجد، إذا كان فارغا صحيحا (1).
بيان: ظاهره وجوب إيقاع المكتوبة في المسجد، وحمل على تأكيد الاستحباب
وفوت فضل الصلاة لما مر من الاخبار، والتقييد بالمكتوبة يدل على عدم الاهتمام في
إيقاع النافلة فيه، والمشهور بين الأصحاب أن النافلة في المنزل أفضل، ونسبه في
المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بالاجماع، وقال في المعتبر إنه فتوى علمائنا (2) ونقل عن
الشهيد الثاني - ره - أنه رجح في بعض فوائده رجحان فعلها أيضا في المسجد كالفريضة
ولعله أقوى لعموم الاخبار ولما روي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي صلاة النفل
في المسجد، نعم يشعر بعض الأخبار باستحباب أن يأتي بشئ من صلاته في البيت.
وقال الشهيد - ره - في الذكرى: وقال ابن الجنيد: روي عن الصادق عليه السلام (3) أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا صلاة لمن لم يصل في المسجد مع المسلمين إلا من علة ولا غيبة
لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته،
ووجب هجرانه، وإن رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره، ومن لزم جماعة المسلمين
حرمت عليهم غيبته، وثبتت عدالته، ومن قربت داره من المسجد لزمه من حضور
الجماعة ما لا يلزم من بعد منه.
قال: ويستحب أن يقرء في دخوله المسجد (إن في خلق السماوات والأرض) إلى

(1) قرب الإسناد ص 68 ط حجر، ص 89 ط نجف.
(2) قد عرفت في ص 165 أن قوله تعالى (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) يوجب
إقامة الصلاة في المسجد فأوله رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الصلاة المكتوبة، فلا صلاة لجار المسجد
الا في مسجده، إذا كان اعراضه عن المسجد اهمالا له ورغبة عنه، وهو معنى قوله عليه السلام
(إذا كان فارغا صحيحا) وأما صلاة النافلة، فلم يرد ايقاعه في المسجد الا عند الاعتكاف و
لزوم المسجد.
(3) راجع الذكرى: 267.
354

قوله (لا يخلف الميعاد) تمام خمس آيات، وآية الكرسي والمعوذتين وآية السخرة
ويحمد الله ويصلى على محمد وآله وأنبياء الله وملائكته ورسله، ويسأل الله الدخول في
رحمته، ويسلم على الحاضرين فيه، وإن كانوا في صلاة، فان كانوا ممن ينكر ذلك
سلم خفيا على الملائكة فيصلي ركعتين قبل جلوسه، ولا بأس بقتل الحية والعقرب فيه
ولا يتخذ متجرا ولا مجلس حديث، ولا يحدث فيه بالهزل، ولا بمآثر الجاهلية ولا يرفع
فيه الصوت إلا بذكر الله، ولا يشهر فيه السلاح.
قال: ويستحب أن يجعل الانسان لنفسه حظارة من صلاته النوافل في منزله،
ولا يجعله كالقبر له، انتهى كلام ابن الجنيد - ره - وإنما ذكرناه بطوله لكثرة فوائده،
ولأنه من القدماء، وأكثر كلامه على ما ظهر لنا من التتبع مأخوذ من النصوص المعتبرة
مع أن كثير مما ذكره هنا مما لا مدخل للآراء فيها، وبعضها ورد به رواية.
8 - كامل الزيارة: لابن قولويه، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن بعض أصحابه يرفعه إلى أبي عبد الله
عليه السلام قال: قلت نكون بمكة أو بالمدينة أو بالحير أو المواضع التي يرجى فيها
الفضل، فربما يخرج الرجل يتوضؤ فيجئ آخر فيصير مكانه؟ قال: من سبق إلى موضع
فهو أحق به يومه وليله (1).
ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد مثله (2).
بيان ذكر أكثر الأصحاب أن من سبق إلى مكان من المسجد أو المشهد فهو أولى
به ما دام باقيا فيه، فلو فارقه ولو لحاجة كتجديد طهارة وإزالة نجاسة بطل حقه، و
إن كان ناويا للعود، إلا أن يكون رحله أو شئ من أمتعته ولو سبحة وما يشد به
وسطه وخفه باقيا في الموضع، وقيد الشهيد - ره - مع ذلك نية العود، فلو فارق
لا بنيته سقط حقه، وإن كان رحله باقيا، واحتمل الشهيد الثاني قدس سره بقاء
الحق حينئذ لاطلاق النص والفتوى، ثم تردد على تقدير سقوط حقه في جواز دفع
الرحل أم لا، وعلى تقدير الجواز في الضمان وعدمه، ثم قال: وعلى تقدير بقاء الحق

(1) كامل الزيارات ص 331.
(2) كامل الزيارات ص 331.
355

لبقائه أو بقاء رحله فان أزعج مزعج فلا شبهة في إثمه، وهل يصير أولى بعد ذلك يحتمله
لسقوط حق الأول بالمفارقة، وعدمه للنهي فلا يترتب عليه حق، ويتفرع على
ذلك صحة صلاة الثاني وعدمها.
واشترط الشهيد في الذكرى في بقاء حقه مع بقاء الرحل أن لا يطول المكث،
وفي التذكرة استقرب بقاء الحق مع المفارقة لعذر كإجابة داع، وتجديد وضوء، و
قضاء حاجة، وإن لم يكن له رحل، قالوا ولو استبق اثنان دفعة إلى مكان واحد و
لم يمكن الجمع بينهما أقرع، ومنهم من توقف في ذلك.
وقال الشهيد الثاني: ولا فرق في ذلك كله بين المعتاد لبقعة معينة وغيره، وإن
كان اعتياده لدرس وإمامة، ولا بين المفارق في أثناء الصلاة وغيره للعموم، واستقرب
في الدروس بقاء أولوية المفارق في أثنائها اضطرارا إلا أن يجد مكانا مساويا للأول
أو أولى منه، محتجا بأنها صلاة واحدة فلا يمنع من إتمامها.
هذا ما ذكره الأصحاب والذي يظهر من الرواية الأولوية مطلقا في يوم وليلة
إن حملنا الواو على معناها، وإن حملناها على معنى أو كما هو الشايع أيضا فإن كان
يوما فبقية اليوم، وإن كان ليلة فبقية الليلة ويؤيد الأخير ما رواه الكليني عن طلحة (1)
ابن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام سوق المسلمين كمسجدهم، فمن
سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل، وروى بعض أصحابنا عن النبي صلى الله عليه وآله إذا قام
أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحق به إلى الليل، وعلى الأول يمكن الجمع
بحمل خبر الصادق عليه السلام على ما كان المعتاد في ذلك المسجد بقاء الرحل تمام اليوم مع
ليلته، وعدم قضاء وطره بدون ذلك، وحمل غيره على غير ذلك، ولعل حمله على معنى
أو أظهر.
وعلى أي الوجهين، ليس في تلك الأخبار تقييد ببقاء الرحل، نعم يظهر من الخبر
الأول إرادة العود من كلام السائل، والأحقية الواردة في الجواب أيضا تشعر بنية العود،
إذ مع عدمها لا نزاع، وقطع المحقق بعدم بطلان حقه إن كان قيامه لضرورة كتجديد طهارة

(1) الكافي ج 2 ص 662.
356

أو إزالة نجاسة أو ضرورة إلى التخلي، وإن لم يكن رحله باقيا وهو قوي ويفرض
الاشكال في بعض الصور كما إذا كان رحله أو الموضع الذي عينه واقعا في مكان الجماعة، ولو
لم يقف أحد مكانه تحصل الفرجة بين الصفوف وقد نهي عن ذلك لا سيما إذا علم أنه لا يحضر إلا
بعد انقضاء الصلاة، فلا يبعد حينئذ جواز رفع رحله والصلاة في موضعه، ثم يكون بعد
حضوره أولى أو كما إذا بسط ثوبا في مكان من المشهد تحتاج الزوار إليه للدعاء أو الزيارة
أو الصلاة، وغاب زمانا طويلا وعطل المكان والزوار وأشباه ذلك، والأحوط له عدم
فعل ذلك، ولغيره رعاية حقه في المدة المذكورة في الخبر مهما أمكن، ولو كان رحله
في مكان لا يحتاج إليه المصلون والزوار، فالأحوط بل الأظهر عدم جواز التعرض
له مطلقا إلا مع اليأس عن عوده، لعدم جواز التصرف في ملك الغير بغير إذنه من غير
ضرورة.
9 - قرب الإسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن الصادق عليه السلام
عن أبيه عليه السلام قال: قال إن المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله صلى الله
عليه وآله (1).
ومنه: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن النوم في المسجد الحرام قال: لا بأس (2).
وسألته عن النوم في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله قال: لا يصلح (3).
ومنه: عن محمد بن خالد الطيالسي، عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن النوم في المسجد الحرام، فقال: هل بد للناس من أن يناموا في المسجد
الحرام؟ لا بأس به، قلت الريح تخرج من الانسان؟ قال: لا بأس (4).
توفيق: اعلم أن أكثر الأصحاب قطعوا بكراهة النوم في المسجد مطلقا و
استدلوا بما رواه الشيخ عن أبي أسامة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله عز وجل

(1) قرب الإسناد ص 69 ط حجر ص 91 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 120 ط حجر ص 162 ط نجف.
(3) قرب الإسناد ص 120 ط حجر ص 162 ط نجف.
(4) قرب الإسناد ص 79 ط نجف ص 60 ط حجر.
357

(لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) (1) قال: سكر النوم، بناء على أن المراد بالصلاة
مواضعها، وقد مر بعض القول فيه (2).
وذهب المحققون من المتأخرين إلى قصر الكراهة على النوم في المسجد الحرام
ومسجد النبي صلى الله عليه وآله، لما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة (3) قال: قلت لأبي جعفر
عليه السلام: ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال: لا بأس إلا في المسجدين: مسجد
النبي صلى الله عليه وآله والمسجد الحرام، قال: وكان يأخذ بيدي في بعض الليالي فيتنحى ناحية
ثم يجلس، فيتحدث في المسجد الحرام، فربما نام، فقلت له في ذلك، فقال إنما
يكره في المسجد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فأما الذي في هذا الموضع فليس
به بأس.
فالخبر الأول يمكن حمله على الضرورة، لان المساكين مضطرون إلى ذلك، أو
كان ذلك قبل بناء الصفة، وحمله على غير مسجده صلى الله عليه وآله بعيد، والثاني يمكن حمله
على زوائد المسجد الحرام أو يقال النوم في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله أشد كراهة منه، لان
فيه سوء أدب بالنسبة إلى ضريحه المقدس أيضا، والخبر الأخير حمله على الزوائد
أظهر، ويمكن حمله على الضرورة أيضا، وأما خروج الريح فالعامة يكرهون ذلك،
لما رووا أنه تتأذى به الملائكة، والخبر يدل على عدم الكراهة.
10 - قرب الإسناد: بالاسناد عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال:
سألته عن بيت كان حشا زمانا، هل يصلح أن يجعل مسجدا؟ قال: إذا نظف وأصلح
فلا بأس (4).
بيان: لعل المراد بالتنظيف والاصلاح إخراج النجاسات، والتراب النجس،
وحك الجدار إذا كان نجسا، بحيث لا يبقى فيه نجاسة أصلا أو بالقاء التراب عليه

(1) النساء: 43.
(2) راجع ج 81 ص 33 و 131.
(3) التهذيب ج 1 ص 327.
(4) قرب الإسناد ص 120 ط حجر ص 162 ط نجف.
358

أيضا، ويحتمل الاكتفاء بالقاء التراب كما سيأتي، وهو الظاهر من كلام المنتهى، حيث
قال: لا بأس بوضع المسجد على بئر غائط أو بالوعة إذا طم وانقطعت رائحته، لان
الموذي يزول، فتزول الكراهية، ثم ذكر مثل هذه الرواية بأسانيد ثم قال: لا يقال:
قد روى الشيخ (1) عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الأرض كلها مسجد
إلا بئر غائط أو مقبرة، لأنا نقول بموجبه إذ بئر الغائط إنما يتخذ مسجدا مع الطم
وانقطاع الرائحة.
11 - كتاب الغارات: لإبراهيم بن محمد الثقفي باسناده عن هارون بن خارجة
قال: قال لي جعفر بن محمد عليهما السلام: كم بين منزلك ومسجد الكوفة؟ فأخبرته، فقال: ما بقي
ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد صالح إلا وقد صلى فيه، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله
مر به ليلة أسري به، فاستأذن ربه فصلى فيه ركعتين، والصلاة الفريضة فيه ألف
صلاة، والنافلة خمس مائة صلاة، والجلوس فيه من غير تلاوة القرآن عبادة، فأته
ولو زحفا (2).
بيان: الزحف مشي الصبي باسته، وفي التهذيب في رواية أخرى: وإن الجلوس
فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة، ولو علم الناس ما فيه لاتوه ولو حبوا.
12 - كتاب الغارات: عن حبة العرني وميثم التمار قالا: جاء رجل إلى علي
عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد تزودت زادا وابتعت راحلة وقضيت شأني
يعني حوائجي، فأرتحل إلى بيت المقدس؟ فقال له: كل زادك، وبع راحلتك،
وعليك بهذا المسجد يعني مسجد الكوفة، فإنه أحد المساجد الأربعة: ركعتان فيه
تعدل عشرا فيما سواه من المساجد، البركة منه على اثني عشر ميلا من حيث ما أتيته
وقد ترك من اسه ألف ذراع، وفي زاويته فار التنور، وعند الأسطوانة الخامسة صلى

(1) التهذيب ج 1 ص 327.
(2) مخطوط، ورواه الشيخ في التهذيب ج 2 ص 11 و ج 1 ص 324، ورواه في الأمالي
ج 2 ص 43، ورواه البرقي في المحاسن ص 56، ورواه الكليني في الكافي ج 3 ص 490
ورواه الصدوق في الأمالي ص 232.
359

إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد صلى فيه ألف نبي وألف وصي، وفيه عصى موسى، وشجرة
يقطين، وفيه هلك يغوث ويعوق، وهو الفاروق، ومنه يسير جبل الأهواز، وفيه مصلى
نوح عليه السلام، ويحشر منه يوم القيامة سبعون ألفا لا عليهم حساب ولا عذاب، ووسطه على
روضة من رياض الجنة، وفيه ثلاث أعين يزهرن: تذهب الرجس، وتطهر المؤمنين
عين من لبن، وعين من دهن، وعين من ماء جانبه الأيمن ذكر وجانبه الأيسر مكر،
لو يعلم الناس ما فيه لاتوه ولو حبوا (1).
بيان: (فيما سواه) أي من المساجد المباركة كمسجد الأقصى ومسجد السهلة
فلا ينافي الألف، أو الاختلاف باعتبار اختلاف الصلوات والمصلين، ولعل التخصيص
بالألف لكونهم من أعاظم الأنبياء والأوصياء أو هم الذين صلوا فيه ظاهرا بحيث اطلع
عليه الناس وشاهدوهم، وأما سائرهم عليهم السلام فصلوا فيه كما صلى فيه نبينا صلى الله عليه وآله، ولعل
المراد بكون عصى موسى عليه السلام فيه كونها مدفونة فيه في الأزمان السالفة، حتى وصل
إلى أئمتنا عليهم السلام لئلا ينافي الاخبار التي مضت في كتاب الإمامة أنها عندهم عليهم السلام مع
سائر آثار الأنبياء، ويحتمل أن تكون مودعة هناك، وهي تحت أيديهم كلما أرادوا
أخذوها، وأما شجرة يقطين فيمكن أن يكون هناك منبتها إذ يظهر من بعض الأخبار
أنه خرج من الفرات (ويسير جبل أهواز) لم أره في غير هذا الخبر.
قوله (ويحشر منه) أي من جنبه يعني الغري كما صرح به في غيره، والظاهر
أن الأعين يظهرن في زمن القائم عليه السلام وكون جانبه الأيسر مكرا، لان فيه كانت منازل
الخلفاء والظلمة، كما قال الصدوق - ره - في الفقيه (2) يعني منازل الشياطين، وقال
في النهاية: الحبو أن يمشي على يديه وركبتيه أو استه.
13 - كتاب الغارات: باسناده عن الأعمش، عن ابن عطية قال: قال لهم علي
عليه السلام إن بالكوفة مساجد مباركة، ومساجد ملعونة، فأما المباركة فان منها

(1) ترى مثله في التهذيب ج 1 ص 325، الكافي ج 3 ص 491. كامل الزيارات
ص 32.
(2) الفقيه ج 1 ص 150 ط نجف.
360

مسجد غنى، وهو مسجد مبارك، والله إن قبلته لقاسطة، ولقد أسسه رجل مؤمن، و
إنه لفي صرة الأرض، وإن بقعته لطيبة، ولا تذهب الليالي والأيام حتى تنفجر
فيه عين، وحتى يكون على جنبيه جنتان، وأهله ملعونون، وهو مسلوب عنهم، و
مسجد جعفي مسجد مبارك، وربما اجتمع فيه أناس من الغيب يصلون فيه، ومسجد
ابن ظفر مسجد مبارك، والله إن طباقه لصخرة خضراء ما بعث الله من نبي إلا فيها تمثال
وجهه، وهو مسجد سهلة، ومسجد الحمراء، وهو مسجد يونس بن متى عليه السلام ولتنفجرن
فيه عين تطهر السبخة وما حوله.
وأما المساجد الملعونة فمسجد الأشعث، ومسجد جرير، ومسجد ثقيف، ومسجد
سماك بني على قبر فرعون من الفراعنة (1).
بيان: روى مثله في التهذيب (2) عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام وفيه
(حتى تنفجر فيه عينان، وتكون عليه جنتان) وهو أظهر، ولعله إشارة إلى ما في
سورة الرحمن والظاهر أنه المسجد الكبير المعروف الان بمسجد الكوفة، لاشتراك
أكثر الفضائل كما سيأتي ويحتمل أن يكون غيره كما يظهر من بعض الأخبار، ومسجد
الحمراء لعله الموضع المعروف الان بقبر يونس عليه السلام.
14 - كنز الكراجكي: عن محمد بن أحمد بن شاذان، عن أبيه، عن محمد بن
الوليد، عن الصفار، عن محمد بن زياد، عن المفضل بن عمر، عن يونس بن يعقوب
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ملعون ملعون من لم يوقر المسجد، تدري يا يونس لم عظم
الله حق المساجد، وأنزل هذه الآية (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) كانت
اليهود والنصارى إذا دخلوا كنايسهم أشركوا بالله تعالى فأمر الله سبحانه نبيه أن يوحد
الله فيها ويعبده.
15 - عدة الداعي: روى سعدان بن مسلم، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كان إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدم

(1) مخطوط، وترى مثله في الخصال ج 1 ص 144، أمالي الطوسي ج 1 ص 171.
(2) التهذيب ج 1 ص 324.
361

شيئا فتصدق به، وشم شيئا من طيب، وراح إلى المسجد فدعا في حاجته بما شاء.
16 - العدة واعلام الدين: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: الجلسة في الجامع خير لي
من الجلسة في الجنة فان الجنة فيها رضا نفسي، والجامع فيها رضا ربي.
17 - الخصال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن
الحسن بن موسى الخشاب عن علي بن أسباط، عن بعض رجاله قال: قال أبو عبد الله عليه السلام
جنبوا مساجدكم الشراء والبيع والمجانين والصبيان والضالة والاحكام والحدود ورفع
الصوت (1).
العلل: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن
الخشاب مثله (2).
بيان: ذكر الأصحاب كراهة تعريف الضالة وطلبها في المسجد، وهذه الرواية
يحتملهما بل يشملهما، وروى في الفقيه (3) مرسلا أن النبي صلى الله عليه وآله سمع رجلا ينشد
ضالة في المسجد فقال: قولوا لا رد الله عليك، فإنها لغير هذا بنيت، والتجويز الوارد
في رواية علي بن جعفر الآتية لا ينافي الكراهة، وأما الاحكام فالمشهور فيها الكراهة
وحكم الشيخ في الخلاف وابن إدريس بعدم الكراهة، واستقر به العلامة في المختلف
محتجا بأن الحكم طاعة فجاز إيقاعها في المساجد الموضوعة في الطاعات وبأن أمير المؤمنين
عليه السلام حكم في مسجد الكوفة، وقضى فيه بين الناس، ودكة القضاء معروفة فيه
إلى يومنا هذا، وأجاب عن الرواية بالطعن في السند لاحتمال أن يكون متعلق النهي
إنفاذ الاحكام، كالحبس على الحقوق، والملازمة فيها عليها، وقال الراوندي: الحكم
المنهي عنه ما كان فيه جدل وخصومة وربما قيل دوام الحكم فيها مكروه، وأما إذا
اتفق في بعض الأحيان فلا، ويمكن تخصيص الكراهة بما يكون الجلوس لأجل ذلك
بخلاف ما إذا كان الجلوس للعبادة فاتفق صدور الدعوى، والوجهان الأخيران لا ينفعان

(1) الخصال ج 2 ص 40.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 9.
(3) فقيه من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 154.
362

في الجمع بين الاخبار، إذ الظاهر من دكة القضاء والمشهور في ذلك وقوع الحكم فيها
غالبا بل لم يذكر موضع آخر لجلوسه عليه السلام للحكم فيه
أقول: ويحتمل تخصيص المنع بأوقات الصلوات، فإنها توجب شغل خواطر
المصلين أو بغير المعصوم، فإنه يحتمل فيهم الخطا وكذا المشهور في إقامة الحدود الكراهة
لاحتمال تلويث المسجد بخروج الحدث، كما ذكر في المنتهى، وأيضا فيه شغل الخواطر
وتفرق بال المصلين.
18 - قرب الإسناد: عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته أينشد الشعر
في المسجد؟ قال: لا بأس (1).
وسألته عن الضالة ينشد في المسجد؟ قال: لا بأس (2).
وسألته عن السيف هل يصلح أن يعلق في المسجد؟ قال: أما في القبلة فلا، وأما
في جانب فلا بأس (3).
بيان: قال الفيروزآبادي: أنشد الضالة عرفها واسترشد عنها، ضد: والشعر
قرأه وتناشدوا أنشد بعضهم بعضا، والنشدة بالكسر الصوت، والنشيد رفع الصوت، وقال
الجزري نشدت الضالة فأنا ناشد إذا طلبتها، وأنشدتها فأنا منشد إذا عرفتها، ومنه
الحديث قال لرجل ينشد ضالة في المسجد أيها الناشد غيرك الواجد قال ذلك تأديبا له
حيث طلب ضالته في المسجد، وهو من النشيد رفع الصوت انتهى.
والمشهور بين الأصحاب كراهة إنشاد الشعر في المساجد، لما رواه الشيخ في
الصحيح (4) على الظاهر عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من
سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا له: فض الله فاك، إنما نصبت المساجد للقرآن
وحملوا هذه الرواية على الجواز، وهو لا ينافي الكراهة.
وقال في الذكرى بعد إيراد الرواية: وليس ببعيد حمل إباحة إنشاد الشعر على
ما يقل منه وتكثر منفعته، كبيت حكمة أو شاهد على لغة في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله

(1) قرب الإسناد ص 120 ط حجر، ص 162 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 120 ط حجر، ص 162 ط نجف.
(3) قرب الإسناد ص 120 ط حجر، ص 162 ط نجف.
(4) التهذيب ج 3 ص 259 ط نجف.
363

وشبهه، لأنه من المعلوم أن النبي كان ينشد بين يديه البيت والابيات من الشعر في المسجد
ولم ينكر ذلك، وألحق به الشيخ على - ره - مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومراثي الحسين عليه السلام.
أقول: ما ذكراه لا يخلو من قوة ويؤيده استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام بالاشعار
في الخطب، وكانت غالبا في المسجد، وما نقل من إنشاد المداحين كحسان وغيره
أشعارهم عندهم عليهم السلام، ولان مدحهم عليهم السلام عبادة عظيمة والمسجد محلها، فيخص
المنع بالشعر الباطل، لما روي في الصحيح (1) عن علي بن يقطين أنه سأل أبا الحسن
عليه السلام عن إنشاد الشعر في الطواف، فقال: ما كان من الشعر لا بأس به.
وأما تعليق السلاح في المسجد فقد حكم الشهيد بكراهته حيث قال في البيان و
يكره تعليق السلاح في المسجد إلا لسبب وروى في التهذيب (2) بسند صحيح عن
الحلبي قال: سألته عليه السلام أيعلق الرجل السلاح في المسجد؟ فقال: نعم،
وأما المسجد الأكبر فلا، فان جدي نهى رجلا يبري مشقصا في المسجد، ولعل
التعليل مبني على أن النهي عن بري المشقص إنما كان لكونه سلاحا لا لكونه صنعة،
ويحتمل أن يكون من (علق القوس: إذا جعل لها علاقة) وحمل خبر علي بن جعفر على
هذا بعيد، والمسجد الأعظم المراد به المسجد الحرام أو كل جامع للبلد، ولعل فيه
أشد كراهة لا سيما إذا كان في القبلة، لما روي (3) عن أمير المؤمنين عليه السلام لا يصلين أحدكم
وبين يديه سيف فان القبلة أمن.
19 - المجازات النبوية: للسيد الرضي قال صلى الله عليه وآله: ابنوا المساجد واجعلوها
جما (4).
ومنه: قال صلى الله عليه وآله: إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي
الجلدة من النار إذا انقبضت واجتمعت: وقال السيد - ره -: قوله صلى الله عليه وآله جما استعارة

(1) التهذيب ج 1 ص 483.
(2) التهذيب ج 1 ص 325.
(3) راجع الخصال ج 2 ص 158.
(4) المجازات النبوية ص 62.
364

لان المراد ابنوها ولا تتخذوا لها شرفا فشبهها صلى الله عليه وآله بالكباش الجم وهي التي قرونها
صغار خافية.
قوله صلى الله عليه وآله: لينزوي، هذا الكلام مجاز، وفيه قولان أحدهما أن المسجد يتنزه
عن النخامة وهي البصقة بمعنى أنه يجب أن يكرم عنها، فإذا رؤيت عليه كانت شانئة له
وزارئة عليه وكان معها بمنزلة الرجل ذي الهيئة يشمئز مما يهجنه وأصل الانزواء
الانحراف مع تقبض وتجمع. والقول الاخر أن يكون المراد أهل المسجد فأقيم
المسجد في الذكر مقامهم لما كان مشتملا عليهم، فالمعنى أن أهل المسجد ينقبضون
من النخامة إذا رأوها فيه ذهابا به عن الأدناس وصيانة له عن الأدران (1).
بيان: قال في النهاية: في شرح تلك الرواية (لينزوي) أي ينضم ويتقبض، و
قيل أراد أهل المسجد وهم الملائكة انتهى، وذكر الأكثر كراهة التنخم والبصاق في
المسجد، واستحباب سترهما بالتراب أو بالحصا، وقد ورد بجواز البصاق روايات مثل
ما رواه الشيخ (2) عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: الرجل
يكون في المسجد في الصلاة فيريد أن يبصق؟ فقال: عن يساره، وإن كان في غير صلاة
فلا يبزق حذاء القبلة، ويبزق عن يمينه وشماله.
وعن طلحة بن زيد (3)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: لا يبزق أحدكم
في الصلاة قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبزق عن يساره، وتحت قدمه اليسرى.
وعن عبيد بن زرارة (4) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان أبو جعفر عليه السلام يصلي
في المسجد فيبصق أمامه وعن يمينه وعن شماله وخلفه عن الحصا ولا يغطيه.
فيمكن حمل ما عدا الأخير على كون بعضها أشد كراهة، أو على حال الضرورة
والأخير على أنه لبيان الجواز، أو يكون مختصا بهم عليهم السلام لتشرف المسجد
ببصاقهم.
ثم الظاهر من الاخبار أن البصاق أخف كراهة، ويمكن المناقشة في كراهته

(1) المجازات النبوية ص 133.
(2) التهذيب ج 1 ص 326.
(3) التهذيب ج 1 ص 326.
(4) التهذيب ج 1 ص 326.
365

أيضا وسيأتي الاخبار فيهما، وذكر الأصحاب كراهة قتل القمل في المساجد، واستحباب
ستره بالتراب، لكن اعترف أكثر المتأخرين بعدم اطلاعهم على نص فيهما.
20 - المحاسن: عن محمد بن عيسى، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن الحلبي،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان لعلي عليه السلام بيت ليس فيه شئ إلا فراش وسيف ومصحف، وكان
يصلي فيه، أو قال كان يقيل فيه (1).
بيان: على الرواية الأولى المؤيدة بسائر الاخبار، يدل على استحباب اتخاذ
بيت في الدار للصلاة، وعلى الرواية الثانية يدل ظاهرا على جواز القيلولة في البيت
وحده.
21 - المحاسن: عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي -
عبد الله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام قد جعل بيتا في داره ليس بالصغير ولا بالكبير، لصلاته،
وكان إذا كان الليل ذهب معه بصبي لا يبيت معه فيصلي فيه (2).
22 - قرب الإسناد: عن محمد بن خالد الطيالسي، عن ابن بكير عنه عليه السلام
مثله (3).
بيان: يدل على استحباب أن لا يكون في البيت وحده في الليل، وإن كان في
الصلاة، كما دل عليه غيره، بل يكون معه أحد وإن كان صبيا، أو الطفل متعين إذا
كان مصليا لبعده عن الرياء، وعدم منافاته لكمال الخشوع، والاقبال على العبادة لعدم
الاحتشام منه، ويؤيده أن في رواية الطيالسي أخذ صبيا لا يحتشم منه كما سيأتي (4)
قوله عليه السلام (لا يبيت معه) أي لم يكن في سائر الليل عنده، لأنه عليه السلام كان مع أزواجه وسراياه
ولم يكن يناسب كونه نائما [إلا] معهم، ويحتمل أن يكون ليبيت.
23 - مكارم الأخلاق: عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله تعالى (خذوا زينتكم عند كل

(1) المحاسن ص 612.
(2) المحاسن ص 612.
(3) قرب الإسناد ص 75 ط حجر ص 98 ط نجف.
(4) بل هو لفظ حديث الطيالسي في قرب الإسناد.
366

مسجد) قال: تعاهدوا نعالكم عند أبواب المسجد (1).
تنقيح: ذكر الأصحاب استحباب تعاهد النعال عند دخول المساجد، وفسروا
باستعلام حاله استظهارا للطهارة، والحق به ما كان مظنة النجاسة كالعصا، واستدل عليه
بما رواه الشيخ (2) عن القداح، عن جعفر، عن أبيه أن عليا عليه السلام قال: قال النبي
صلى الله عليه وآله: تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم قال الجوهري: التعهد التحفظ
بالشئ، وتجديد العهد به، وهو أفصح من قولك تعاهدت، لان التعاهد إنما يكون
بين اثنين.
أقول: ورود الرواية عن أفصح الفصحاء يدل على خطأ الجوهري. بل يطلق
التفاعل فيما لم يكن بين اثنين للمبالغة، إذ ما يكون بين اثنين يكون المبالغة والاهتمام
فيه أكثر، ويحتمل أن يكون المراد بتعاهد النعل أن يحفظ عند أمين ونحوه لئلا يشتغل
قلبه في حال الصلاة به، ولعل ما فهمه القوم أظهر.
24 - مجالس الشيخ: عن الحسين بن عبيد الله، عن التلعكبري، عن محمد بن همام
عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن رزيق الخلقاني قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: صلاة الرجل في منزله جماعة تعدل أربعا وعشرين صلاة،
وصلاة الرجل جماعة في المسجد تعدل ثمانيا وأربعين صلاة مضاعفة في المسجد، وإن
الركعة في المسجد الحرام ألف ركعة في سواه من المساجد، وإن الصلاة في المسجد
فردا بأربع وعشرين صلاة، والصلاة في منزلك فردا هباء منثورا لا يصعد منه إلى الله
شئ، ومن صلى في بيته جماعة رغبة عن المساجد فلا صلاة له، ولا لمن صلى معه، إلا
من علة تمنع من المسجد (3).
25 - ثواب الأعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن جعفر، عن
موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد، عن حماد بن عمرو، عن أبي الحسن

(1) مكارم الأخلاق ص 142.
(2) التهذيب ج 1 ص 326.
(3) أمالي الطوسي ج 2 ص 307.
367

الخراساني، عن ميسرة بن عبد الله، عن أبي عائشة السعدي، عن يزيد بن عمر بن
عبد العزيز، عن أبي سلمة بن عبد الرحمان، عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس، عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في خطبة طويلة: من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكل
خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات، ويمحى عنه عشر سيئات، ويرفع
له عشر درجات (1).
ومن بنى مسجدا في الدنيا أعطاه الله بكل شبر منه، أو قال بكل ذراع منه،
مسيرة أربعين ألف ألف عام مدينة من ذهب وفضة ودر وياقوت وزمرد وزبرجد و
لؤلؤ، في كل مدينة أربعون ألف ألف قصر، في كل قصر أربعون ألف ألف دار في كل
دار أربعون ألف ألف بيت، في كل بيت أربعون ألف ألف سرير، على كل سرير زوجة
من الحور العين، وفي كل بيت أربعون ألف ألف وصيف، وأربعون ألف ألف وصيفة،
وفي كل بيت أربعون ألف ألف مائدة على كل مائدة أربعون ألف ألف قصعة، في كل
قصعة أربعون ألف ألف لون من الطعام، يعطي الله وليه من القوة ما يأتي على تلك الأزواج
وعلى ذلك الطعام، وعلى ذلك الشراب في يوم واحد (2).
26 - الخصال: عن محمد بن عمر الجعابي، عن عبد الله بن بشر، عن الحسن بن
الزبرقان، عن أبي بكر بن عياش، عن الأبطح، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وآله
قال: يجئ يوم القيامة ثلاثة يشكون: المصحف، والمسجد، والعترة، يقول
المصحف: يا رب حرقوني ومزقوني، ويقول المسجد: يا رب عطلوني وضيعوني،
وتقول العترة: يا رب قتلونا وطردونا وشردونا، فأجثوا للركبتين في الخصومة، فيقول الله
لي: أنا أولى بذلك (3).
27 - تنبيه الخاطر للورام وجامع الأخبار: عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يأتي في آخر
الزمان قوم يأتون المساجد، فيقعدون حلقا، ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، لا تجالسوهم فليس

(1) ثواب الأعمال ص 259.
(2) ثواب الأعمال ص 258.
(3) الخصال ج 1 ص 83.
368

لله فيهم حاجة (1).
28 - ارشاد المفيد: عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا قام القائم لم يبق
مسجد على وجه الأرض له شرف إلا هدمها وجعلها جما (2).
29 - المجازات النبوية: للرضي - ره - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أكل
هاتين البقلتين فلا يقربن مسجدنا - يعني الثوم والكراث - فمن أراد أكلهما فليمتهما طبخا
وفي رواية فليمثهما طبخا (3).
بيان: الإماثة أو الموث الذي هو الدوف في الماء هنا مجاز كما لا يخفى.
30 - مجالس الشيخ: باسناده المتقدم في باب فضل الصلاة عن أبي ذر فيما
أوصى إليه رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر صلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في
غيره من المساجد، إلا المسجد الحرام، صلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في
غيره، وأفضل من هذا كله صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لا يراه إلا الله عز وجل يطلب
به وجه الله تعالى (4).
يا أبا ذر طوبى لأصحاب الألوية يوم القيامة، يحملونها فيسبقون الناس إلى
الجنة، ألا هم السابقون إلى المساجد بالاسحار وغيرها (5).
يا أبا ذر لا تجعلن بيتك قبرا، واجعل فيه من صلاتك يضئ لك قبرك (6).
يا أبا ذر إن الصلاة النافلة تفضل بالسر على العلانية كفضل الفريضة على
النافلة (7).
يا أبا ذر الكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة (8).

(1) جامع الأخبار ص 83.
(2) ارشاد المفيد ص 344 في حديث
(3) المجازات النبوية: 49.
(4) أمالي الطوسي ج 2 ص 141.
(5) أمالي الطوسي ج 2 ص 142.
(6) أمالي الطوسي ج 2 ص 142.
(7) أمالي الطوسي ج 2 ص 143.
(8) لم نجده في الأمالي المطبوع والظاهر أن شطرا من تلك الوصية ساقط
من المطبوعة وتراه في مكارم الأخلاق بروايته عن املاء الطوسي - ره - ص 548.
369

يا أبا ذر من أجاب داعي الله، وأحسن عمارة مساجد الله، كان ثوابه من الله الجنة
فقلت بأبي وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وآله كيف يعمر مساجد الله؟ قال لا ترفع فيها الأصوات
ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشترى فيها ولا يباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل
فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك (1).
يا أبا ذر إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تنفس فيه
درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، ويكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر
حسنات، ويمحى عنك عشر سيئات (2).
يا أبا ذر أتعلم في أي شئ أنزلت هذه الآية (اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا
الله لعلكم تفلحون) (3) قلت: لا فداك أبي وأمي قال: في انتظار الصلاة خلف الصلاة (4).
يا أبا ذر إسباغ الوضوء على المكاره من الكفارات وكثرة الاختلاف إلى المساجد
فذلكم الرباط (5).
يا أبا ذر يقول الله تعالى إن أحب العباد إلى المتحابون بجلالي المتعلقة قلوبهم
بالمساجد، المستغفرون بالاسحار، أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم
فصرفت العقوبة عنهم (6).
يا أبا ذر كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصل أو ذاكر الله تعالى
أو سائل عن علم (7).
بيان: قوله صلى الله عليه وآله (مائة ألف صلاة في غيره) الضمير في غيره إما راجع إلى مسجد
النبي صلى الله عليه وآله فيدل على مساواتهما في الفضل ويؤيده بعض الأخبار، لكن ينافيه
أكثرها، ويمكن حمل المساجد المفضل عليها في المسجد الحرام على المساجد العظيمة
وفي مسجد الرسول صلى الله عليه وآله على غيرها، أو إلى المسجد الحرام، فيصير أزيد من مسجد

(1) لم نجده في الأمالي المطبوع.
(2) لم نجده في الأمالي المطبوع.
(3) آل عمران: 20.
(4) راجع مكارم الأخلاق ص 548 - 549.
(5) راجع مكارم الأخلاق ص 548 - 549.
(6) راجع مكارم الأخلاق ص 548 - 549.
(7) راجع مكارم الأخلاق ص 548 - 549.
370

الرسول صلى الله عليه وآله بأكثر مما ورد في سائر الأخبار، وفي أصل الفضل أيضا يزيد على سائر
ما ورد فيه، ويمكن الحمل على اختلاف المصلين أيضا، وإن كان بعيدا أو على بعض
أجزاء المسجدين، وبه يمكن دفع التنافي بينه وبين ما ورد في فضل مسجد الرسول صلى الله عليه وآله
في سائر الأخبار.
قوله صلى الله عليه وآله: (وأفضل من هذه كله) لعل الغرض التحريص على تحصيل الاخلاص
والحاصل أن الصلاة في البيت مع الاخلاص الكامل أفضل من الصلاة في الأماكن الشريفة
بدونه فالسعي في تحصيل الاخلاص في الاعمال وخلوها عن شوائب الرياء والاغراض
الفاسدة، أهم من السعي في إيقاعها في الأمكنة الشريفة، فلو اجتمعا كان نورا على
نور، ويحتمل تخصيصه بالنوافل والأول أظهر.
قوله صلى الله عليه وآله: (وكثرة الاختلاف) أي هي أيضا من الكفارات، وهي أيضا من
الرباط، إذ هي ربط النفس على الطاعة، وترقب للشيطان لئلا يستولي على القلب فيسلب
الايمان، قوله صلى الله عليه وآله (قراءة مصل) أي إذا صلى جالسا، أو المراد بالجلوس مطلق
اللبث.
31 - مكارم الأخلاق: قال النبي صلى الله عليه وآله: صلاة المرأة وحدها في بيتها كفضل
صلاتها في الجمع خمسا وعشرين درجة (1).
32 - نهاية الشيخ: روى يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: خير
مساجد نسائكم البيوت (2).
بيان: المشهور بين الأصحاب والمقطوع به في كلامهم أنه يستحب للنساء أن
لا يحضرن المساجد، بل المستحب لهن أن يصلين في أستر موضع في بيوتهن كما دلت عليه الأخبار.
33 - ثواب الأعمال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن

(1) مكارم الأخلاق ص 268 باب نوادر النكاح.
(2) ورواه في التهذيب ج 1 ص 325.
371

الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: الصلاة في
مسجد الكوفة فردا أفضل من سبعين صلاة في غيرها جماعة (1).
34 - مجالس الصدوق: عن جعفر بن علي، عن جده الحسن بن علي، عن
جده عبد الله بن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال النبي صلى الله عليه وآله: من سمع النداء في المسجد فخرج من غير علة فهو منافق إلا أن يريد
الرجوع إليه (2).
35 - اختيار الرجال: للكشي، عن حمدويه بن نصير، عن أيوب بن نوح، عن
محمد بن سنان، عن يونس بن يعقوب قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا يونس! قل لهم:
يا مؤلفة! قد رأيت ما تصنعون، إذا سمعتم الاذان أخذتم نعالكم وخرجتم من
المسجد (3).
بيان: أي أنتم من المؤلفة قلوبهم، ولستم من المؤمنين حقيقة، والخبران يدلان
على منع شديد للخروج من المسجد بعد الاذان قبل الصلاة، ولا ينافيه ما رواه الشيخ
في الصحيح عن الحلبي (4) قال: إذا صليت صلاة وأنت في المسجد، وأقيمت الصلاة،
فان شئت فاخرج، وإن شئت فصل معهم، واجعلها تسبيحا. إذا الظاهر من الخبرين سماع
الاذان قبل صلاته، ومن هذا الخبر سماع الإقامة بعد صلاته في المسجد، مع أن
الجواز لا ينافي الكراهة، إذ هما على المشهور محمولان عليها.
36 - دعوات الراوندي: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خصال ست ما من مسلم
يموت في واحدة منهن إلا كان ضامنا على الله أن يدخله الجنة، منها رجل توضأ
فأحسن الوضوء ثم خرج إلى مسجد الصلاة، فان مات في وجهه كان ضامنا على الله.
بيان: (كان ضامنا) أي الرسول صلى الله عليه وآله أو المسلم مجازا لأنه فعل ما يوجب ذلك،

(1) ثواب الأعمال ص 28.
(2) أمالي الصدوق ص 300.
(3) رجال الكشي ص 332، الرقم 244.
(4) التهذيب ج 1 ص 332.
372

فكأنه ضامن وهو بعيد (1).
37 - الهداية: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: في التوراة مكتوب أن بيوتي في الأرض
المساجد، فطوبي لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة
الزائر، ألا بشر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة (2).
38 - المجازات النبوية: عن النبي صلى الله عليه وآله إن للمساجد أوتادا الملائكة
جلساؤهم إذا غابوا افتقدوهم، وإن مرضوا عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم.
قال السيد - ره -: وهذه استعارة كأنه صلى الله عليه وآله شبه المقيمين في المساجد بالأوتاد
المضروبة فيها، وذلك من التمثيلات العجيبة الواقعة موقعها يقال: فلان وتد المسجد،
وحمامة المسجد، إذا طالت ملازمته له وانقطاعه إليه، وتشبيهه بالوتد أبلغ لان
الحمامة تنتقل وتزول والوتد يقيم ولا يريم (3).
39 - كتاب محمد بن المثنى: عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح المحاربي
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النوم في المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال:
نعم.
40 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: إذا بلغت باب المسجد فاعلم أنك
قصدت باب بيت ملك عظيم لا يطأ بساطه إلا المطهرون، ولا يؤذن بمجالسة مجلسه
إلا الصديقون، وهب القدوم إلى بساط خدمة الملك فإنك على خطر عظيم إن غفلت
هيبة الملك، واعلم أنه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك، فان
عطف عليك برحمته وفضله قبل منك يسير الطاعة، وآجرك عليها ثوابا كثيرا، وإن

(1) قد أدرج في طبعة الكمباني (ص 133 و 134) بعد ذلك ثمانية أسطر مصدرا بقول
المؤلف [أقول:] تركنا ايرادها ههنا اكتفاء بما سيجيئ آخر الباب مثلها لفظا بلفظ تحت
قوله [تتميم]، وقد قال في هامش الطبعة ص 133: (ليس في النسخة الموجودة المعتبر بها! قوله
(أقول ذكر الأصحاب) إلى قوله: (الهداية).
(2) الهداية ص 31.
(3) المجازات النبوية ص 265.
373

طالبك باستحقاقه الصدق والاخلاص عدلا بك، حجبك ورد طاعتك وإن كثرت، وهو
فعال لما يريد.
واعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك بين يديه، فإنك قد توجهت للعبادة له، و
المؤانسة، واعرض أسرارك عليه، ولتعلم أنه لا تخفى عليه أسرار الخلائق أجمعين و
علانيتهم، وكن كأفقر عباده بين يديه، وأخل قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك
فإنه لا يقبل إلا الأطهر والأخلص.
وانظر من أي ديوان يخرج اسمك، فان ذقت من حلاوة مناجاته ولذيذ مخاطباته
وشربت بكأس رحمته وكراماته من حسن إقباله عليك وإجابته، فقد صلحت لخدمته،
فادخل، فلك الامن والأمان، وإلا فقف وقوف مضطر قد انقطع عنه الحيل، وقصر
عنه الامل، وقضى عليه الأجل، فإذا علم الله عز وجل من قلبك صدق الالتجاء إليه،
نظر إليك بعين الرحمة والرأفة والعطف ووفقك لما يحب ويرضى فإنه كريم يحب الكرامة
لعباده المضطرين إليه المحترقين على بابه لطلب مرضاته، قال الله عز وجل (أمن يجيب
المضطر إذا دعاه) الآية (1).
بيان: (هب) بالفتح أمر من هاب يهاب، والهيبة المخافة والتقية.
41 - السرائر: من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن الفضل، عن
محمد الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه،
فربما مررت فيه وليس على حذاء فيلصق برجلي من نداوته، فقال: أليس تمشي بعد
ذلك في أرض يابسة؟ قلت: بلى، قال: فلا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضا،
قلت: فأطأ على الروث الرطب؟ قال: لا بأس، أما والله ربما وطئت عليه ثم أصلي
ولا أغسله (2).
بيان: ظاهره عدم جواز إدخال النجاسة إلى المسجد، وإن أمكن أن يكون
السؤال للصلاة، ولا خلاف ظاهرا في عدم جواز إدخال المتعدية إلى المسجد، وأما
غير المتعدية فالظاهر جواز إدخاله كما هو الأشهر بين المتأخرين، وذهب جماعة إلى

(1) مصباح الشريعة ص 10، والآية في سورة النمل: 62.
(2) السرائر ص 465.
374

تحريم إدخال النجاسة مطلقا وادعى ابن إدريس عليه الاجماع، وهو ممنوع، ولم يتم
دليل على عموم المنع.
42 - العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الحائض والجنب
يدخلان المسجد أم لا؟ فقال: لا يدخلان المسجد إلا مجتازين إن الله يقول (ولا
جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) ويأخذان من المسجد الشئ ولا يضعان فيه
شيئا (1).
بيان: يدل على عدم جواز لبث الحائض والجنب في المساجد، وعلى عدم جواز
وضعهما شيئا فيها، كما ذكره الأصحاب وقد مر الكلام فيها في كتاب الطهارة.
43 - السرائر: نقلا من جامع البزنطي، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام
قال: سألته عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره، هل يصلح أن يجعله كنيفا؟
قال: لا بأس (2).
قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده، عن علي بن جعفر مثله (3).
توضيح: يدل على أن مسجد البيت ليس كسائر المساجد، ويجوز تغييره و
إخراجه عن المسجدية، وحمله الأصحاب على موضع لم يوقف لذلك، بل عين في البيت
للصلاة فيه، قال في الذكرى: لو اتخذ في داره مسجدا له ولعياله ولم يتلفظ بالوقف
ولانواه، جاز له تغييره وتوسيعه وتضييقه، لما رواه أبو الجارود عن الباقر عليه السلام في المسجد
يكون في البيت فيريد أهل البيت أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولونه إلى غير مكانه،
قال: لا بأس بذلك (4) انتهى.
وقال الوالد قدس سره: ويمكن تخصيص العمومات بتلك الأخبار الصحيحة،
لكن الأحوط عدم التغيير مع الصيغة.

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 243 في سورة النساء الآية 43.
(2) السرائر ص 469.
(3) قرب الإسناد ص 120 ط حجر ص 162 ط نجف.
(4) رواه في الفقيه ج 1 ص 153.
375

وقال العلامة - ره - في التذكرة: من كان له في داره مسجد قد جعله للصلاة، جاز له
تغييره وتبديله وتضييقه وتوسيعه حسب ما يكون أصلح له، لأنه لم يجعله عاما وإنما
قصد اختصاصه بنفسه وأهله، ولرواية أبي الجارود، وهل يلحقه أحكام المساجد من
تحريم إدخال النجاسة إليه، ومنع الجنب في استيطانه وغير ذلك؟ الأقرب المنع لنقص
المعنى فيه انتهى وكلامه يشعر بالتردد ومع الوقف كذلك أيضا كما احتمله الوالد - ره -.
44 - كشف الغمة: نقلا من دلائل الحميري، عن أبي هاشم الجعفري قال:
كنت عند أبي محمد عليه السلام فقال: إذا خرج القائم أمر بهدم المنار والمقاصير التي في المساجد
فقلت: في نفسي لأي معنى هذا؟ فأقبل على وقال: معنى هذا أنها محدثة مبتدعة،
لم يبنها نبي ولا حجة (1).
غيبة الشيخ: عن سعد بن عبد الله، عن الجعفري مثله (2).
تبيين: المشهور بين الأصحاب كراهة تطويل المنارة أزيد من سطح المسجد
لئلا يشرف المؤذنون على الجيران، والمنارات الطويلة من بدع عمر، والمراد بالمقاصير
المحاريب الداخلة كما مر.
45 - جامع الأخبار: روى باسناد صحيح عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: لو يعلم
الناس ما في مسجد الكوفة لا عدوا له الزاد والرواحل من مكان بعيد، إن صلاة فريضة
فيه تعدل حجة، وصلاة نافلة تعدل عمرة (3).
وروي باسناد صحيح عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: النافلة في مسجد الكوفة
تعدل عمرة مع النبي صلى الله عليه وآله، والفريضة تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وآله وقد صلى فيه ألف
نبي وألف وصي (4).
وقال الصادق عليه السلام: ما من عبد صالح ولا نبي إلا وقد صلى في مسجد كوفان، حتى
أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسري به، قال له جبرئيل عليه السلام: أتدري أين أنت يا رسول الله

(1) كشف الغمة ج 3 ص 296.
(2) غيبة الشيخ الطوسي ص 133.
(3) جامع الأخبار ص 81.
(4) جامع الأخبار ص 81.
376

الساعة؟ أنت مقابل مسجد كوفان، قال: فاستأذن لي ربي حتى آتيه فاصلي ركعتين،
فاستأذن الله عز وجل فأذن له وإن ميمنته لروضة من رياض الجنة، وإن مؤخره
لروضة من رياض الجنة، وإن الصلاة المكتوبة فيه لتعدل بألف صلاة، وإن صلاة
النافلة فيه لتعدل بخمس مائة صلاة، وإن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة، ولو علم
الناس ما فيه لاتوه ولو حبوا (1).
وروى باسناد صحيح عن أبي حمزة الثمالي أنه قال: سألته عن الأسطوانة
السابعة، فقال: هذا مقام أمير المؤمنين عليه السلام (2).
وقال: وكان الحسين علي عليه السلام يصلي عند الخامسة، فإذا غاب أمير المؤمنين عليه السلام
صلى فيها الحسن بن علي عليه السلام وهي من باب كندة (3).
وقال الصادق عليه السلام الأسطوانة السابعة مما يلي أبواب كندة هي مقام إبراهيم
والخامسة مقام جبرئيل عليه السلام (4).
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول: نعم المسجد مسجد الكوفة،
صلى فيه ألف نبي وألف وصي، ومنه فار التنور، وفيه نجرت السفينة، ميمنته
رضوان الله، ووسطه روضة من رياض الجنة وميسرته مكر، فقال: قلت بأبي أنت و
أمي ما معنى ما تقول مكر؟ قال: بعض منازل السلطان (5).
وقال: عليه السلام: صلاة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد (6).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: لحديث البغي في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة
الحشيش (7).
وقال عليه السلام: لا تدخل المساجد إلا بالطهارة (8).
وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أدخل ليلة واحدة سراجا في المسجد، غفر الله له

(1) جامع الأخبار ص 82.
(2) جامع الأخبار ص 82.
(3) جامع الأخبار ص 82.
(4) جامع الأخبار ص 82.
(5) منازل الشيطان خ ل.
(6) جامع الأخبار ص 82.
(7) جامع الأخبار ص 83.
(8) جامع الأخبار ص 83.
377

ذنوب سبعين سنة، وكتب له عبادة سنة، وله عند الله مدينة، وإن زاد على ليلة واحدة
فله بكل ليلة يزيد ثواب نبي فإذا تم عشر ليال لا يصف الواصفون ماله عند الله من
الثواب، فإذا تم الشهر حرم الله جسده على النار (1).
بيان: سيأتي فضل المساجد المخصوصة في كتاب المزار وكتاب الحج، ولنشر
هنا إلى بعض الفوائد.
الأولى: أنه هل يشمل الفضل الوارد للصلاة في المسجد الحرام الصلاة في
الكعبة مع كراهة الفريضة فيها؟ الظاهر العدم وربما يقال الفضل الوارد في الخبر هو
المشترك بين جميع الأجزاء حتى الكعبة، فلا ينافي كون الصلاة خارجها من المسجد
أفضل من الصلاة فيها، وهو بعيد، إذ الظاهر من النهي عن الصلاة في الكعبة رجحان
الصلاة خارج المسجد أيضا بالنسبة إليها.
وقيل: يجوز أن يكون العدد الذي بإزاء الصلاة في بعض أجزاء المسجد مختصا
بفضيلة وثواب زائد على ما ثبت للعدد الذي بإزاء الصلاة في البعض الاخر، ويرد عليه
أن الظاهر أن المراد أن الصلاة الواحدة في المسجد الحرام مثلا مثل مائة ألف صلاة
في غيرها إذا فرضت الصلاتان بوجه واحد من استجماع الشرائط والكمالات وعدمها
إلا باعتبار المكان، فلا وجه لما ذكر، وكذا استشكل في الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله
إذا وقعت في محاذاة ضريحه المقدس مع كراهتها، والجواب زائدا على ما تقدم منع
كراهة الصلاة إلى قبره المقدس، وقد مر الكلام فيه، ولو ثبت يكون مخصصا بغيره.
الثانية: الظاهر أن الثواب المذكور لكل من المساجد الشريفة، المقدر
المشترك بين الجميع، فلا ينافي كون بعض الاجزاء أفضل من سائرها كما ورد في الاخبار
كالحطيم وتحت الميزاب وغيرهما من المسجد الحرام، وبعض الأساطين في مسجد النبي
صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة.
الثالثة: الاختلاف الواقع في عدد فضل الصلاة لكل من المساجد الشريفة لعله
باعتبار اختلاف الصلوات والمصلين في المفضل أو المفضل عليه أو فيهما فتأمل.

(1) جامع الأخبار ص 83
378

الرابعة: الظاهر أن تلك الفضيلة في المسجدين مختصة بما كان في عهد الرسول
وأما ما زيد فيهما في زمن خلفاء الجور، فكسائر المساجد، بل يمكن المناقشة في
كونها مسجدا أيضا لما ورد في كثير من الاخبار أن القائم عليه السلام يردها إلى أربابها وذهب
بعض الأصحاب إلى التعميم وهو بعيد.
الخامسة: ما ورد في بعض الأخبار ألف صلاة أو مائة ألف في غيره لفظ الغير فيها
تام شامل للفاضل والمفضول، فيلزم مساواة الفاضل المفضول، فلابد من تخصيص في الغير
وإن أمكن تصحيحه باختلاف الصلاة والمصلين لكنه بعيد.
46 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن
الطين يطرح فيه السرقين يطين به المسجد أو البيت أيصلى فيه؟ قال: لا بأس (1).
وسألته عن الرجل يقعد في المسجد ورجله خارج منه أو أسفل من المسجد، و
هو في صلاته أيصلح له؟ قال: لا بأس (2).
قال: وسألته عن الدابة يبول فيصيب بوله المسجد أو حائطه أيصلى فيه قبل أن
يغسل؟ قال إذا جف فلا بأس (3).
بيان: حمل على سرقين الدواب المأكولة اللحم، ويدل على طهارتها، والظاهر
أن المراد بالمسجد في قوله (يقعد في المسجد) المصلى الذي يصلى عليه كما مر، و
لما كان محتملا للمسجد المعروف أوردناه هنا، فالمراد أنه يكفي في إدراك فضل المسجد
في الجملة كون بعض الجسد فيه، ويدل ظاهرا على طهارة أبوال الدواب مع كراهة
الصلاة في المسجد قبل جفافها.
47 - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام عن
علي عليه السلام أنه قال: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، إلا أن يكون له عذر أو به

(1) البحار ج 10 ص 261.
(2) البحار ج 10 ص 270.
(3) البحار ج 10 ص 286.
379

علة، فقيل ومن جار المسجد يا أمير المؤمنين؟ قال: من سمع النداء (1).
وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: الصلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة،
والصلاة في مسجد المدينة عشرة ألف صلاة، والصلاة في مسجد بيت المقدس ألف صلاة،
والصلاة في المسجد الأعظم مائة صلاة والصلاة في مسجد القبيلة خمس وعشرون صلاة،
والصلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة، وصلاة الرجل وحده في بيته صلاة
واحده (2).
وعنه عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: الجلوس في المسجد انتظارا للصلاة
عبادة (3).
وقال: من كان القرآن حديثه، والمسجد بيته بنى الله له بيتا في الجنة، ودرجة
دون الدرجة الوسطى (4).
بيان: لعل الوسطى بمعنى الفضلى أي درجة عند أفضل الدرجات أو قريبة منها.
48 - الدعائم: عن علي عليه السلام أنه قال: من السنة إذا جلست في المسجد أن
تستقبل القبلة (5).
وعنه عليه السلام أنه قال: إن المسجد ليشكو الخراب إلى ربه وإنه ليتبشبش من
عماره إذا غاب عنه ثم قدم، كما يتبشبش أحدكم بغائبه إذا قدم عليه (6).
بيان: قال في النهاية: فيه لا يوطن الرجل المسجد للصلاة إلا يتبشبش الله به
كما يتبشبش أهل البيت بغائبهم، البش فرح الصديق بالصديق واللطف في المسألة والاقبال
عليه وقد بششت به أبش، وهذا مثل ضربه لتلقيه إياه ببره وإكرامه انتهى، والظاهر
هنا رجوع الضمير إلى المسجد.
49 - الدعائم: عن علي عليه السلام أنه قال: الجلوس في المسجد رهبانية العرب، و
المؤمن مجلسه مسجده، وصومعته بيته (7).
بيان: رواه في التهذيب (8) عن إسماعيل بن أبي عبد الله، عن أبيه عليه السلام قال: قال

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 148.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 148.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 148.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 148.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 148.
(6) دعائم الاسلام ج 1 ص 148.
(7) دعائم الاسلام ج 1 ص 148.
(8) التهذيب ج 1 ص 324.
380

رسول الله صلى الله عليه وآله: الاتكاء في المسجد رهبانية العرب، فالظاهر أنه ذم للاتكاء، فان
الرهبانية في هذه الأمة مذمومة أي ينبغي أن يكون اتكاؤه في بيته، لأنه صومعته و
محل استراحته، ويحتمل أن يكون مدحا ويكون المراد الاتكاء لانتظار الصلاة
بلا نوم، فالمراد بالصومعة محل النوم، وعلى ما في الدعائم الأخير متعين.
وقد روى العامة مثله: ففي شرح السنة (1) باسناده عن سعد بن مسعود أن
عثمان بن مظعون أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: ائذن لنا في الترهب، فقال: إن ترهب
أمتي الجلوس في المساجد انتظارا للصلاة.
50 - الدعائم: عن علي عليه السلام قال: جنبوا مساجدكم رفع أصواتكم، وبيعكم
وشراءكم وسلاحكم، وجمروها في كل سبعة أيام، وضعوا فيها المطاهر (2).
وقال عليه السلام: من وقر المسجد من نخامته لقي الله يوم القيامة ضاحكا قد أعطي
كتابه بيمينه، وإن المسجد ليلتوي عند النخامة كتلوى أحدكم بالخيزران إذا
وقع به (3).
بيان: قد مر في خبر النوادر (وضعوا المطاهر على أبوابها) وهو أظهر، والمراد
هنا أصل تعيين المطاهر، لا كونها في وسطها، والخيزران بالضم شجر هندي معروف و
تخصيصه لان الضرب به أشد.
51 - الدعائم: عن علي عليه السلام أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن تقام الحدود
في المساجد، وأن يرفع فيها الصوت، وأن ينشد فيها الضالة أو يسل فيها السيف، أو
يرمى فيها النبل أو يباع فيها أو يشترى، أو يعلق في القبلة منها سلاح أو يبرى فيها
نبل (4).
وعن علي عليه السلام أنه قال: لتمنعن مساجدكم يهودكم ونصاراكم وصبيانكم و
مجانينكم، أو ليمسخنكم الله قردة وخنازير ركعا سجدا (5).

(1) راجع مشكاة المصابيح ص 69.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 149.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 149.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 149.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 149.
381

وقال عليه السلام في قول الله عز وجل: (ولا جنبا إلا عابري سبيل) (1) قال: هو
الجنب يمر في المسجد مرورا ولا يجلس فيه (2).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نهى عن أكل الثوم أن يؤذي برائحته أهل المسجد،
وقال: من أكل هذه البقلة فلا يقربن مسجدنا (3).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من ابتنى مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله
له بيتا في الجنة (4).
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه سئل عن المسجد يتخذ في الدار إن بدا لأهله في
تحويله عن مكانه أو التوسع بطائفة منه؟ قال: لا بأس بذلك (5).
52 - كتاب زيد النرسي: عن عبد الله بن سنان، عن محمد بن المنكدر قال: رأيت
أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام في ليلة ظلماء شديدة الظلمة، وهو يمشي إلى المسجد، وإني
أسرعت فدفعت إليه فسلمت عليه فرد، علي السلام وقال لي: يا محمد بن المنكدر قال:
رسول الله صلى الله عليه وآله: بشر المشائين إلى المساجد في ظلم الليل بنور ساطع يوم القيامة.
ومنه قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يحدث عن أبيه أن الجنة والحور لتشتاق إلى
من يكسح المساجد ويأخذ منها القذى.
53 - مشكاة الأنوار: نقلا من المحاسن قال: قال عثمان بن مظعون للنبي
صلى الله عليه وآله: إني هممت بالسياحة، فقال: مهلا يا عثمان فان السياحة في أمتي
لزوم المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة (6) الخبر.
54 - أصل من أصول أصحابنا عن أحمد بن علي، عن محمد بن بن الحسن، عن محمد
ابن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن
محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سوق المسلمين كمسجدهم

(1) النساء: 43.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 149.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 149.
(4) دعائم الاسلام ج 1 ص 150.
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 150.
(6) مشكاة الأنوار ص 262.
382

فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل.
ومنه: عن محمد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن الحسن بن عبيد
الكندي، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ضعوا المطاهر على أبواب المساجد.
55 - كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي: قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: صلوا في
مساجدهم الخبر.
56 - مجالس الصدوق: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن
خالد البرقي، عن محمد بن تسنيم، عن العباس بن عامر، عن ابن بكير، عن سلام بن
غانم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من قم
مسجدا كتب الله له عتق رقبة، ومن أخرج منه ما يقذى عينا كتب الله عز وجل له
كفلين من رحمته (1)
المحاسن: عن محمد بن تسنم مثله (2).
بيان: في القاموس: القذى: ما يقع في العين وفي الشراب، قذيت عينه كرضي
وقع فيها القذى، وقال: الكفل بالكسر الضعف والنصيب والحظ، والتقدير بما يقذى
عينا أو يذر في العين كما في الخبر الآخر، مبالغة في كنس المساجد، وإن كانت نظيفة، وإن
لم يستوعب جميعها أو كنس قليلا منها يترتب عليه هذا الثواب.
57 - مجالس الصدوق: عن أحمد بن هارون الفامي، عن محمد الحميري، عن
أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله تبارك وتعالى إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي،
وفيها ثلاثة نفر من المؤمنين، ناداهم جل جلاله وتقدست أسماؤه: يا أهل معصيتي!
لولا من فيكم من المؤمنين المتحابين بجلالي، العامرين بصلاتهم أرضي ومساجدي، و

(1) أمالي الصدوق ص 108.
(2) المحاسن ص 56.
383

المستغفرين بالاسحار خوفا مني لأنزلت بكم عذابي ثم لا أبالي (1).
58 - العلل: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن هارون مثله (2).
بيان: قد أوردت مثله بأسانيد جمة في باب صلاة الليل وأبواب المكارم، وقوله
بجلالي في بعض النسخ بالجيم أي لعظمتي وطاعتي لا للأغراض الدنيوية، وفي بعضها
بالحاء المهملة أي بالمال الحلال.
59 - مجالس الصدوق: عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، عن الصادق عليه السلام أنه قال: عليكم باتيان
المساجد، فإنها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه، وكتب
من زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء، وصلوا من المساجد في بقاع مختلفة، فان
كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة (3).
بيان: يدل على استحباب الطهارة لاتيان المساجد، وعلى استحباب الصلاة في المواضع
المختلفة منها.
60 - مجالس الصدوق: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن
الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن النوفلي، عن السكوني، عن الصادق
عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة، ما لم
يحدث، قيل: يا رسول الله وما الحدث؟ قال: الاغتياب (4).
بيان: لعل المراد بالحدث الامر المنكر القبيح كما ورد في حديث المدينة من
أحدث فيها حدثا، وفسر بذلك أو شبه صلى الله عليه وآله الاغتياب بالحدث لأنه ناقض لفضل الكون
في المسجد كما أن الحدث ناقض للصلاة، وروى المخالفون مثله عن أبي هريرة ورووا أنه
سئل أبو هريرة عن معنى الحدث ففسره بالفسوة والضرطة مناسبا للحيته الكاذبة الفاجرة.

(1) أمالي الصدوق ص 120.
(2) علل الشرائع ج 2 ص 209.
(3) أمالي الصدوق ص 216.
(4) أمالي الصدوق ص 252.
384

61 - مجالس الصدوق: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد
الأشعري، عن سهل بن زياد، عن محمد بن بشار، عن عبيد الله الدهقان، عن عبد الحميد
ابن أبي الديلم، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من كنس مسجدا يوم الخميس ليلة الجمعة، فأخرج منه من التراب
ما يذر في العين غفر له (1).
ثواب الأعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن يحيى العطار
مثله (2).
بيان: في القاموس الذر طرح الذرور في العين.
62 - مجالس الصدوق: عن جعفر بن علي، عن جده الحسن بن علي، عن
جده عبد الله بن المغيرة، عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من كان القرآن حديثه والمسجد بيته، بنى الله له بيتا في الجنة (3).
نهاية الشيخ: عن السكوني مثله (4).
ثواب الأعمال: عن حمزة العلوي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي
عن السكوني مثله (5).
63 - الخصال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن يحيي العطار، عن
أحمد بن موسى، عن ابن فضال، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاثة يشكون
إلى الله عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق
قد وقع عليه غبار لا يقرء فيه (6).

(1) أمالي الصدوق ص 300.
(2) ثواب الأعمال ص 29.
(3) أمالي الصدوق ص 300.
(4) النهاية ص 23.
(5) ثواب الأعمال ص 26.
(6) الخصال ج 1 ص 69.
385

64 - قرب الإسناد: عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت
جعفر بن محمد وسئل عن الدار والبيت قد يكون فيه مسجد فيبدو لأصحابه أن يتسعوا
بطائفة منه، ويبنوا مكانه ويهدموا البنية قال: لا بأس بذلك (1).
قال مسعدة: وسمعته يقول أيصلح لمكان حش أن يتخذ مسجدا؟ فقال: إذا ألقى
عليه من التراب ما يواري ذلك ويقطع ريحه، فلا بأس بذلك، لان التراب يطهره وبه
مضت السنة (2).
ايضاح: قال الوالد قدس الله روحه: يدل على أن إلقاء التراب مطهر كما
دلت الأخبار الصحيحة على أن الأرض يطهر بعضها بعضا، ولا استبعاد فيه، ويمكن
حمل الاخبار على ما إذا أزيلت النجاسة عنه أولا، ويكون إلقاء التراب لزيادة التنظيف
أو يكون تحته نجسا وبعد إلقاء التراب يجعل فوقه مسجدا ولا تجب حينئذ إزالة النجاسة
عنه، أو يكون هذا الحكم مختصا بمساجد البيوت، كالتحويل والتغيير أو يحمل على ما إذا
لم يوقف ويكون إطلاق المسجد عليه لغويا انتهى.
وقال في الذكرى: يجوز اتخاذ المساجد على الحش ثم ذكر هذه الرواية و
غيرها، وفي القاموس الحش: مثلثة المخرج، لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في
البساطين.
65 - قرب الإسناد: عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق
عليه السلام، عن أبيه عليه السلام قال: قال الحسن بن علي عليه السلام: من أدمن الاختلاف
إلى المساجد، لم يعدم واحدة من سبع: أخا يستفيده في الله، أو علما مستطرفا أو رحمة
منتظرة أو آية محكمة تدل على هدى، أو - إنه أظنه قال: - سدة أو رشدة تصده عن ردى
أو يترك ذنبا حياء أو تقوى (3).
بيان: (أو إنه أظنه قال سدة) إنما نسب إلى الظن للتردد بين العبارتين،
والسدة في بعض النسخ بالسين المهملة من السداد، وهو الصواب من القول والفعل يقال:

(1) قرب الإسناد ص 31 ط حجر ص 44 ط نجف.
(2) قرب الإسناد ص 31 ط حجر ص 44 ط نجف.
(3) قرب الإسناد ص 46 ط نجف.
386

سد يسد صار سديدا، وفي بعضها بالمعجمة أي شدة وقوة في الدين، والرشد الاستقامة
على طريق الحق مع تصلب فيه، والتقوى هنا مكان الخشية في سائر الأخبار بمعناها.
66 - قرب الإسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه
عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمشي في العذرة وهي يابسة، فتصيب ثوبه ورجليه
هل يصلح له أن يدخل المسجد فيصلي ولا يغسل ما أصابه؟ قال: إذا كان يابسا
فلا بأس (1).
بيان (إذا كان يابسا () أي الثوب والرجل أو العذرة أيضا تأكيدا للسؤال، وتغليبا
أو بتأويل النجس.
67 - قرب الإسناد: باسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن
الجص يطبخ بالعذرة أيصلح أن يجصص به المسجد؟ قال: لا بأس (2).
وسألته عن المسجد يكتب في القبلة القرآن أو شئ من ذكر الله؟ قال:
لا بأس (3).
وسألته عن المسجد ينقش في قبلته بجص أو إصباغ؟ قال: لا بأس (4).
بيان: قد مر الكلام في الجص المطبوخ بالعذرة في كتاب الطهارة، والحاصل
أنه محمول في المشهور على العذرة الطاهرة، أو على ما إذا لم يعلم سراية النجاسة إلى
الجص، أو على الاكتفاء في الاستحالة بهذا القدر، ويدل الخبر على عدم كراهة الكتاب
في قبلة المسجد ولا ينافي كراهة النظر إليها حال الصلاة، لما مر عن علي بن جعفر أيضا
أن النظر إلى كتاب في القبلة نقص في الصلاة.
وأما النقش فقد حكم جماعة بتحريم النقش بالذهب، وأطلق العلامة في أكثر
كتبه والمحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى تحريم النقش من غير تقييد بالذهب،
معللين بأن ذلك لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله فيكون بدعة، وهو استدلال ضعيف
وكذا حكم الأكثر بتحريم نقش الصور.

(1) قرب الإسناد ص 123 ط حجر.
(2) قرب الإسناد ص 162 ط نجف، ص 120 ط حجر.
(3) قرب الإسناد ص 162 ط نجف، ص 120 ط حجر.
(4) قرب الإسناد ص 162 ط نجف، ص 120 ط حجر.
387

واحتج عليه الفاضلان بالتعليل السابق، وبما رواه الشيخ (1) عن عمرو بن جميع
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في المساجد المصورة، فقال: أكره ذلك، ولكن
لا يضركم اليوم، ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك. وهي مجهولة غير دالة على
التحريم، والشهيد في البيان حرم زخرفتها ونقشها وتصويرها بما فيه روح وكره غيره
كالشجر، وفي الدروس كره الجميع، وظاهر الخبر جواز الجميع، والأحوط الترك
مطلقا.

(1) التهذيب ج 1 ص 327.
388

بسمه تعالى
ههنا أنهينا الجزء الرابع من المجلد الثامن عشر من
كتاب بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار
- صلوات الله وسلامه عليهم ما دام الليل والنهار - وهو الجزء
الثمانون حسب تجزئتنا في هذه الطبعة الحديثة الرائقة.
وقد بذلنا جهدنا في تصحيحه ومقابلته، فخرج بحمد الله
ومشيته نقيا من الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر،
وكل عنه النظر، لا يكاد يخفى على القارئ الكريم، ومن
الله نسأل العصمة وهو ولي التوفيق.
السيد إبراهيم الميانجي - محمد الباقر البهبودي
389

كلمة المصحح:
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليه توكلي وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعترته الطاهرين.
وبعد: فهذا هو الجزء الرابع من المجلد الثامن عشر، وقد انتهى رقمه
حسب تجزئتنا إلى 80، حوى في طيه خمسا وعشرين بابا من أبواب كتاب الصلاة.
وقد قابلناه على طبعة الكمباني المشهورة بطبع أمين الضرب، وهكذا على نص
المصادر التي استخرجت الأحاديث منها، فسددنا ما كان في المطبوعة الأولى من
خلل وتصحيف بجهدنا البالغ في مقابلة النصوص وتصحيحها وتنميقها وضبط غرائبها
وإيضاح مشكلاتها على ما كان سيرتنا في سائر الأجزاء، والحمد لله، ولا قوة إلا بالله.
وقد كنت عزمت على نفسي أن أكتب ذيل الآيات الشريفة في أوائل الأبواب،
نذرا يسيرا مما ألهمني الله تعالى بلطفه ومنه - من تطبيق الفقه الجعفري على كتاب
الله عز وجل والإشارة إلى بعض ما هو مبنى الأحكام الشرعية ووجه استنباطها من نصوص
الآيات الكريمة، احتجاجا على نصاب أهل البيت ومنكري فقههم بعد ما آمنوا
بالكتاب ولم يتفقهوا فيه، وتحقيقا لما قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: (أما المحتج
بكتاب الله على الناصب من قرقز. فرجل عارف يلهمه الله معرفة القرآن فلا يلقى أحدا
من المخالفين إلا حاجه ويثبت أمرنا في كتاب الله) (1).
ولكن وصل إلينا أنهم نقموا على ذلك المسير ومنهج التفسير، فكففت عن ذلك
بعزيمة من الناشر المحترم، ولعل الله أن يتيح لي فرصة أخرى لا نجاز ما كتب الله على
من نشر علم القرآن وتفسيره على أساس أهل البيت المتخذ من فقههم ونصوصهم، وعلى
الله قصد السبيل، ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين.
المحتج بكتاب الله على الناصب ربيع الأول عام 1390 ه‍
محمد الباقر البهبودي

(1) راجع نص الخبر في غاية المرام ص 724 في أنباء آخر الزمان.
390