الكتاب: المراجعات
المؤلف: السيد شرف الدين
الجزء:
الوفاة: ١٣٧٧
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق: حسين الراضي
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٢ - ١٩٨٢ م
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

المراجعات
1

المراجعات
بقلم
الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي
قدس الله سره
تحقيق وتعليق
حسين الراضي
3

وما أحق كتابي هذا بأن أخاطبه بقول ولي الدين يكن:
كتابي سر في الأرض واسلك فجاجها * وخل عباد الله تتلوك ما تتلو
فما بك من أكذوبة فأخافها * ولا بك من جهل فيزري بك الجهل
4

الطبعة الأولى في بغداد سنة 1399 ه‍.
ترجم مع التتمة إلى اللغة الانكليزية.
الطبعة الثانية - بيروت 1402 ه‍ 1982 م
طبع على نفقة الجمعية الإسلامية
حقوق الطبع محفوظة
6

مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم
يكن له كفوا أحد صاحب " المنن السابغة والآلاء الوازعة والرحمة
الواسعة والقدرة الجامعة والنعم الجسيمة والمواهب العظيمة والأيادي
الجميلة والعطايا الجزيلة (الذي) لا ينعت بتمثيل ولا يمثل بنظير ولا
يغلب بظهير الذي)... خلق فرزق وألهم فأنطق وابتدع فشرع وعلا
فارتفع وقدر فأحسن وصور فأتقن واحتج فأبلغ وانعم فأسبغ وأعطى
فأجزل ومنح فأفضل (الذي)... سما في العز ففات نواظر الأبصار ودنا في
اللطف فجاز هواجز الأفكار (الذي)... توحد بالملك فلا ند له في
ملكوت سلطانه وتفرد بالآلاء والكبرياء فلا ضد له في جبروت شأنه
(الذي) حارت في كبرياء هيبته دقائق لطايف الأوهام وانحسرت دون
إدراك عظمته خطائف أبصار الأنام (الذي)... عنت الوجوه لهيبته
وخضعت الرقاب لعظمته ووجلت القلوب من خيفته ".
وصل اللهم على حبيبك وخيرتك من خلقك سيد المرسلين محمد
بن عبد الله (ص) " الدليل إليك في الليل الأليل والماسك من أسبابك
بحبل الشرف الأطول والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل والثابت
القدم على زحاليفها في الزمن الأول وعلى آله الأخيار المصطفين الأبرار ".
7

الاسلام والوحدة:
وبعد:
فإن الاسلام هو دين التوحيد وتوحيد الكلمة ورص الصفوف
وجمع الشمل ولم الشعث.
* (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * (1) * (إن الله يحب الذين
يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) * (2) فالاسلام يدعو إلى
الاعتصام بمبادئه وتطبيق قوانينه والتمسك بالثقل الثاني الذي خلفه
الرسول (ص) وأحب أن تكون الأمة كالبنيان المرصوص المتماسك
الأطراف والأجزاء وهذا المثال الذي ضربه القرآن الكريم لنا بعيد المرمى
عميق الغور فإن البناء القائم إذا كان متماسك اللبنات متراص الأجزاء
مع بعضه فإنه يبقى دهرا طويلا ويمكن الانتفاع منه في الحر والبرد،
كذلك الأمة إذا اتحدت وتحابت وجمعت كلمتها فإن عزتها وشوكتها تقوى
وتكون لها السيادة والقيادة للبشرية.
في الصحراء القاحلة وكان البرد قارصا ولا كهرباء ولا وسائل
للتدفئة إلا الأمور الابتدائية أمر الرسول (ص) أصحابه جميعا أن ينتشروا
في البيداء ليأتوه بأعواد من الحطب المتناثر على المدر والحجر وبعد أن
جمعوه بين يديه وأشعل فيه النار قال: بما معناه هكذا تكون الجماعة فلو
كان فردا واحدا لما تمكن من تدفئتنا. نعم كان الرسول (ص) بهذا
وغيره يعلم أصحابه أهمية جمع الكلمة والاتحاد فيما بينهم وهو القائل أن
الأمة يجب أن تكون في تماسكها وتعاطفها وتحابها كالجسد الواحد إذا تألم

(1) آل عمران: 103.
(2) الصف: 4.
8

منه عضو سهر له باقي الجسم بالسهر والحمى.
وبالعكس تماما فيما إذا تفككت الأمة وتناحرت وتنازعت فإن
الفضل والذل والهوان والخذلان سوف يكون نصيبها وحليفها وقد حذر
الخالق سبحانه من هذه العواقب الوخيمة بقوله تعالى:
* (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (1) فقد رتب على المنازعة
والاختلاف الفشل وبعدها تذهب ريحهم وهي كناية عن ذهاب القوة
والنصر فإن الله سبحانه يمد الأمة بالنصر والتأييد واللطف منه وهذا
تكريما منه إليهم عند اجتماعهم ووحدتهم فإذا اختلفوا وتفرقوا سلب
تلك النعمة العظيمة وباتوا على شفى جرف هار. ويؤكد سبحانه في
موارد عديدة على عدم الاختلاف ويحذر من الانشقاق ويضرب أمثلة على
ذلك يقول: * (ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا
شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) * (2). ويقول أيضا: * (ولا تكونوا
كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب
عظيم) * (3) فكأن الذي يكون سببا في الخلاف بين الأمة بالتالي يكون
سببا في محو الدين ومحقه.
ويلات الأمة الاسلامية:
ونحن إذا قمنا بدراسة معمقة للقسم الأخير من الآيات وقارنا
بينها وبين الأمة الاسلامية اليوم لرأينا أن ما حذرنا القرآن منه قد وقع
على الأمة وانطبق عليها تماما.

(1) الأنفال: 46.
(2) الروم: 32.
(3) آل عمران: 105.
9

فمأساة الأمة الاسلامية اليوم لا يمكن تحملها بحال من الأحوال،
فإن المصائب والويلات التي تحل بها من استيلاء الاستعمار الشرقي
والغربي عليها واستعبادها ومص دمائها وسلب ثرواتها وهتك مقدساتها
وفصلها عن دينها ومبادئها وتراثها ليس ذلك إلا لأجل تفرق المسلمين
واختلافهم فيما بينهم حتى تركوا دينهم وراء ظهورهم وصاروا يلهثون
خلف مظاهر الاستعمار الشرقي والغربي وخدعهما وحبائلهما وصار ما
صار فاستولى الاستعمال على المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى
وسلمه إلى حثالة من الصهاينة الأنجاس الأرجاس وصاروا يعثون في
الأرض فسادا يقتلون النسل ويدمرون الحرث يقتلون الأطفال والنساء
والرجال حتى حرقوا بيت المقدس كل ذلك بمسمع ومرأى من المسلمين
والأنكى من ذلك كله أن زمرة من عملاء الاستعمال في المنطقة ممن
يتسمون باسم الاسلام نفاقا أخذوا جاهدين في القضاء على الاسلام
ومحو مبادئه واستعباد المسلمين وإذلالهم خدمة لأسيادهم المجرمين
وحفاظا على كراسيهم إلى وقت قصير.
وما هذه الحرب الغادرة التي شنها (صدام الكافر) عميل
الاستعمار والصهيونية على الجمهورية الاسلامية الإيرانية إلا كمثال على
ذلك.
فإن هذا العميل القذر لما رأى أن الجمهورية الاسلامية الإيرانية
هي الدولة الوحيدة في العالم التي تطبق أحكام القرآن وتنشر راية
الاسلام بعد أن حجب نوره قرونا طويلة قام العميل (صدام الكافر)
بالتنسيق مع الاستعمار الغربي والشرقي وعملائها في المنطقة فخططوا
للقضاء على هذه الثورة المباركة فقتل عشرات الآلاف من المسلمين في
10

العراق وإيران وهتك الأعراض والمقدسات وسلب الأموال إلى آلاف
الجرائم في كل يوم. ولكن الحمد لله قد باءت ظنونهم وبالفشل
الذريع والنصر قريب إنشاء الله. ألم يكن من المؤسف أن يتولى على
المسلمين ويحكم في رقابهم (صدام الكافر)؟ الذي أباد الحرث والنسل
والله يقول: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * ألم يكن من
المؤلم أن يتولى على الشعوب المسلمة أذناب الاستعمار فيحكمون
شعوبهم بالحديد والنار ويأخذون ثروات شعوبهم ويقدمونها هدية سائغة إلى
أمريكا وهي بدورها تقدمها إلى إسرائيل فتفتك بالمسلمين في فلسطين
والجنوب اللبناني فتحرق الأطفال والنساء بقنابلها وصواريخها.
إن الحالة المردئة التي تمر به الأمة الاسلامية إنما هو نتيجة
الاختلاف والتنازع حتى حصل الفشل الذريع وذهب النصر عنهم بما
قدمت أيديهم.
عصر الرسالة:
ولو حولنا أنظارنا إلى عصر الرسالة المحمدية (ص) لرأينا ما يذهلنا
كيف تمكنت تلك الثلة؟ القليلة في عددها الكبيرة والعظيمة في معناها وحقيقتها
وأهدافها كيف تمكنت أن تحقق أكبر الانتصارات الرائعة وفتحت البلدان
الكبيرة واستولت على إمبراطورية كسرى وقيصر وكانت في كثير من
الأوقات خصوصا عند أول أمرها كانت بأيد خالية إلا من التماسك
وبقلوب فارغة إلا من الصبر والإيمان الراسخ بالعقيدة. بالعقيدة
والوحدة انتصروا وملكوا العالم حتى أصبحوا سادته.
الثورة الاسلامية:
ولماذا نذهب إلى ما قبل أربعة عشر قرنا - فربما يقال إن الزمان قد
11

اختلف لاختلاف الوسائل - وعندنا المثال الحي الذي نعيشه في ليلنا
ونهارنا وهو ما قام به الشعب المسلم الإيراني البطل بقيادة نائب الإمام
(ع) إمام المسلمين وناصر المظلومين ومعز المستضعفين وناشر أحكام جده
سيد المرسلين ومكسر أصنام المستعمرين سماحة آية الله العظمى الإمام
الأكبر المجاهد روح الله الموسوي الخميني أدام الله ظله على رؤوس
المسلمين.
أثبت الشعب الإيراني العظيم بالاتكال على الله سبحانه وتعالى
والوحدة والتكاتف وحنكة قائده الفذ، أثبت أن قوة الإيمان لا يمكن أن
تقف أمامها أي قوة مادية مهما كانت تلك القوة وأن القدرة والقوة لله
وحده وأن من يستمد قوته وإيمانه منه فهو المنتصر ومن يتكل على غيره
فالفشل والخسران حليفه. نعم هذا الشعب برهن على أن المسلمين
عظماء وأقوياء فيما إذا التزموا بمبادئهم وطبقوا دينهم واتحدوا جميعا وأن
قدرتهم وقوتهم تفوق جميع القدرات والقوى ولا تتمكن أي قوة طاغوتية
في العالم من الشرق أو الغرب أن تهزمهم.
الشعب الإيراني المؤمن توحدت صفوفه وتحابت قلوبه العامرة
بالإيمان فاسقط أكبر إمبراطورية في الشرق يدعمها الطغاة والجبابرة من
الاستعمار الشرقي والغربي وعملائهما في المنطقة استمر طغيانها وجبروتها
وظلمها للمستضعفين طوال (2500) سنة.
الشعب الإيراني نزل إلى الشوارع بصفوف متلاحمة من الرجال
والنساء والأطفال يهتفون (الله أكبر) ويفتحون صدورهم إلى الرصاص
ويرمون بأنفسهم على الدبابات فحققوا نصرهم على طاغوت زمانه الشاه
العميل بل انتصروا على القوى الاستكبارية العالمية وعلى رأسها
12

الإمبريالية الأمريكية مصاصة دماء الشعوب وناهبة ثرواتهم ومرغوا أنفها
في التراب.
وها هو الشعب الإيراني المؤمن بثورته الفتية الميمونة أقام أول
حكومة إسلامية بعد أربعة عشر قرنا من أفولها ورفعوا بذلك الظلم
والعدوان عن الشعب المضطهد وكشفوا للعالم عن ما تعانيه الشعوب
المسلمة من ظلم حكامها لهم وما تعاملهم به. وهذا الشعب البطل في
طريقه إلى تحقيق العدل على وجه الأرض ونشر راية الاسلام على ربوع
المعمورة.
دعوة إلى الوحدة:
ولما رأى المسؤولون في الجمهورية الاسلامية ما للتضامن والوحدة
بين الشعوب الاسلامية على اختلاف قومياتها ومذاهبها وألوانها من أثر بالغ
في إعلاء كلمة التوحيد ونشر راية الهدى وتطبيق العدالة الإلهية وتحقيق
الأهداف الرسالية النصر المؤزر والتغلب على القوى الاستعمارية وأذنابه
حيث مروا بتجربة دقيقة وعرفوا ما للوحدة من قيمة بالغة ونتائج كبيرة
وكانت الوحدة أحد الأسباب الرئيسية لانتصار الثورة الاسلامية في إيران
، فشعورا بالمسؤولية الشرعية عليهم، أعلن قادة الثورة الاسلامية في
إيران بوجوب الوحدة بين المسلمين ورص صفوفهم والتعاون والتكاتف
وجاء هذا النداء المدوي إلى أسماع المسلمين على لسان آية الله العظمى
الشيخ حسين علي المنتظري دامت إفاضاته وكان هذا النداء المدوي له أثره
الكبير في استبشار المسلمين ورغبتهم فيه وقد طلعت بوادره بين المسلمين
في توحيد الكلمة ولم شعثهم.
أيها المسلمون سنة وشيعة عربا وعجما أننا لم نجن من هذه
13

الاختلافات والمنازعات والسباب والقذف والتلامز والتنابز أي تقدم وأي
فائدة لا في ديننا ولا في دنيانا بل نتج الذل والخذلان والاستعباد والفقر
والفاقة حتى سيطر علينا المستكبرون والصهاينة الكافرون لما قاموا بتطبيق
قاعدة " فرق تسد " وقد نجحوا في خطتهم الاستعمارية إلى حد كبير.
فاستعبدوا المسلمين ونهبوا ثرواتهم وهتكوا مقدساتهم وأحلوا بهم
الدمار.
إن من المؤسف حقا أن يدخل الاستعمار بين المسلمين ويستغل كلمة
السنة والشيعة فيحرك أصابعه الأثيمة لأجل إثارة النعرات الطائفية ويحاول
أن يعرض الحالة بصورة أكثر تشويها وأكثر حساسية فيحقق أهدافه
ورغبته ويتصيد في الماء العكر والمسلمون في غفلة من ذلك.
مع أن نقاط الاجتماع بين المسلمين السنة والشيعة أكثر جدا
وأهم وأكبر من نقاط الاختلاف، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله (ص) اللتان بهما يكون الانسان مسلما وبهما تحقن الدماء
والأموال والأعراض ويحل الطعام والنكاح، هذه الكلمة كفيلة بأن تجمع
السنة والشيعة على صعيد واحد وتحقق لهم أهدافهم فهم داخلون في إطار
واحد وهدف واحد فخالقهم واحد وإسلامهم واحد ونبيهم واحد
وقرآنهم واحد وقبلتهم واحدة ويصلون خمس صلوات جميعا ويصومون
شهرا واحدا ويعترفون جميعا: بتوحيد الله ونبوة الرسول الأعظم (ص)
والمعاد في يوم القيامة وغيرها من الركائز والمبادئ الأولية للاسلام فإنهم
يحافظون عليها ويعملون بها جميعا. والنصوص الشرعية لكل من
الفريقين تؤكد على أنهم جميعا مسلمون (1)، والإمام أمير المؤمنين علي

(1) راجع هذه النصوص في كتاب الفصول المهمة في تأليف الأمة الإمام شرف
الدين. الفصل الأول.
14

بن أبي طالب عليه السلام بالرغم من أنه منع من ممارسة حقه الشرعي
فصبر وفي العين قذى وفي الحلق شجى يرى تراثه نهبا ولكن هذا كله لم
يمنعه من إبداء النصح لقادة الحكومة آن ذاك والحفاظ على وحدة الأمة
وعلى الاسلام ونشر راية الهدى وإعلاء كلمة التوحيد. كما سوف يأتي في
ثنايا الكتاب.
والاختلاف بين الطائفتين المسلمتين السنة والشيعة لم يكن أوسع
وأكبر وأكثر من الاختلاف بين المذاهب الأربعة أنفسهم بل قد يحصل
التبدل والاختلاف في مذهب واحد كما في مذهب الإمام الشافعي بين
الفتوى الجديد والقديم وبين تلامذة الإمام أبي حنيفة. وهذه الظاهرة
يمكن للباحث أن يتحصل عليها عندما يراجع الكتب التي تعتني بالفقه
المقارن مثل كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري والفقه على
المذاهب الخمسة للشيخ محمد جواد مغنية وغيرهما فكما أن الاختلاف في
الآراء والفتوى بين المذاهب الأربعة لم يكن عائقا لتوحيدهم وربطهم
كذلك لا ينبغي أن يكون مجرد الاختلاف في وجهات النظر السياسية
والعلمية بين السنة والشيعة عائقا عن تلاحمهم وتعاونهم وتوحيد كلمتهم
ورص صفوفهم أمام عدوهم المشترك. ولا غرو أن يكون مذهب الشيعة
إلى جنب المذاهب الأربعة إن لم يكن في مقدمتها حيث أن الإمام
الصادق (ع) سادس أئمة أهل البيت والذي ينتسب إليه الشيعة
ويأخذون أكثر فقههم من طريقه كان أستاذا لأبي حنيفة وقد قال في حق
أستاذه " لولا السنتان لهلك النعمان " يعني السنتين اللتين تعلمهما عند
الإمام جعفر بن محمد الصاد (ع) بالإضافة إلى المميزات التي تكون
موجودة عنده دون غيره، كما صرح جملة من أعلام الأمة الاسلامية
من أهل السنة وخصوصا من مشايخ الأزهر كالشيخ سليم البشري
15

والشيخ محمود شلتوت على ما سوف يأتي من كلام الأول وفتوى الثاني
في أثناء الكتاب.
والمسائل الخلافية التي تدور بينهم لما يريدوا أن يبحثوها يجب أن
تبحث بحثا علميا موضوعيا بعيدة عن المنابزة والاتهامات والتعصبات بل
في جو يسوده الهدوء والأخوة الاسلامية والمحبة الايمانية مهما كانت نتائج
البحث سلبا أو إيجابا وفي صالح أي طرف من الأطراف والواجب أن
يشعروا جميعا أن هدفهم في البحث هو طلب الحق وتقص الحقائق
ويكون سببا لوحدتهم وجمع كلمتهم على الحق والهدى بعد أن يكتشفوا
الأسباب التي أدت إلى تمزقهم وتفرقهم.
وكتاب المراجعات الذي هو بين أيدينا من أبرز المصاديق لهذه
الحقيقة فقد اجتمع علمان من أعلام الأمة الاسلامية السنة والشيعة
وتحسسوا مشاكل الأمة الاسلامية فرأوا من أبرزها هو الاختلاف والتباعد
بين الطائفتين المسلمتين السنة والشيعة فحددوا الداء ووضعوا له
الدواء وصمموا على أن يبحثوا تلك الأسباب وأن يضعوا لها حدا
فاصلا.
وبالفعل فقد اجتمع كل من الشيخ سليم البشري شيخ جامع
الأزهر في مصر في وقته والإمام شرف الدين (قدس) وبحثا المسائل الخلافية
في الإمامة والمذهب وبعض المسائل التاريخية بحثاها معا بحثا موضوعيا
مشفوعا بالاحساس بالمسؤولية الشرعية والروح الأخوية بعيدة عن
التعصب الطائفي أو الانحياز الشخصي فخدما بذلك الأمة الاسلامية
في توحيد كلمتها ورص صفوفها وسدت فجوات كبيرة كان العدو ينفذ
منها.
16

ونحن في وقت سابق قد قمنا بدعم هذه الأبحاث بتحقيقها
والتعليق عليها وإضافة عشرات المصادر لها استجابة لأمر أستاذنا سماحة
آية الله العظمى الإمام الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر حشره الله
مع أجداده الكرام.
وقد طبع الكتاب الطبعة الأولى باهتمام سماحة السيد الشهيد
(قدس). وإن أنسى فلن أنسى تلك العواطف الأبوية التي شملني بها
بعد طبع الكتاب ونشره. وهنا أسجل مكرمة له حول الكتاب.
الشهيد الصدر يشيد بالكتاب:
في كربلاء المقدسة وفي حرم سيد الشهداء الإمام الحسين عليه
السلام وقرب الرأس الشريف إلى جانب الساعة الكبيرة المقابلة للضريح
التقيت بسماحته وكان مشغولا بين الصلاة والزيارة فلثمت أنامله
الشريفة وكان لي عدة أيام لم أتشرف بخدمته وحضور درسه لظروف
خاصة.
فتفضل في هذا اللقاء بتقديم التهاني والتبريكات وأشاد بهذه
التعليقة على المراجعات وقال (قدس) إضافة إلى ذلك:
" أن جملة من أهل العلم والفضل المختصين قد أشادوا بخدماتكم
الجليلة في التعليقة على الكتاب وقالوا: إنها لا تقل أهمية وجهدا عن
أصل الكتاب ".
وأنا بدوري عرضت بخدمته وقلت:
إن الفضل كله يرجع إلى سماحتكم فقد كنتم السبب فيه.
وهذا اللقاء آخر حديث بيني وبينه حيث كان آخر جمعة زار فيها
17

جده الإمام الحسين (ع) وفي ليلة الأربعاء بعدها مباشرة اعتقل وذلك في
رجب 1399 ه‍.
وإذا كان آخر لقاء لي معه في الدنيا في حرم سيد الشهداء (ع)
فأرجو من العلي القدير أن يجمعني وإياه مع الإمام الحسين (ع) في
الآخرة.
وكم كنت أتمنى أن يعاد طبع هذا الكتاب مرات ومرات تحت
نظره والتزود من توجيهاته وإرشاداته ولكن المستعمر الكافر وعملائه في
المنطقة عرفوا: أن الإمام الشهيد الصدر (قدس) هو الشخصية الوحيدة
في العراق التي لها أهلية القيادة للثورة الاسلامية وتحطيم عروش
الطواغيت وأرادوا أن لا تتكرر الثورة الاسلامية الإيرانية في العراق.
فأقدم عميل الاستعمار صدام الكافر على إعدامه مع أخته الفاضلة بنت
الهدى وظنوا أن يخمدوا بذلك لهيب الثورة الاسلامية ولكن خابت
ظنونهم وطاشت سهامهم. فإن دمه الزكي سيبقى شعلة وضاءة تنير
الطريق للمجاهدين والعاملين في سبيل الله وإعلاء كلمته ولن يهدأ للأمة
الاسلامية قرار حتى تحقق تلك الأهداف العالية وتقيم حكم الله في العالم
الاسلامي وغيره بعد إسقاط عروش الظالمين وتهاويها إلى غير رجعة.
ونحن إذ نقدم الكتاب في طبعته الثانية بحلة قشيبة واهتمام كبير
من التنقيح والتصحيح. نرجو من العلي القدير أن يمن على الأمة
الاسلامية على اختلاف مذاهبها ومشاربها وقومياتها وجنسياتها، أن يمن
عليها بالوحدة والتعاطف والتكاتف ورص صفوفها وتكون كتلة واحدة
مجتمعة على الحق والهدى.
اللهم " واختم لي في قضائك خير ما حتمت واختم لي بالسعادة في
18

من ختمت وأحيني ما أحييتني موفورا وأمتني مسرورا ومغفورا وتولى أنت
نجاتي من مسألة البرزخ وادرأ عني منكرا ونكيرا وارعني مبشرا وبشيرا
واجعل لي إلى رضوانك وجنانك عيشا قريرا وملكا كبيرا وصل على محمد
وآله كثيرا ".
حسين الراضي
19

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك
نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت
عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين *
20

حياة المؤلف (1)
بقلم آية الله علم الهدى سماحة الشيخ مرتضى آل يسين
لست ببالغ من تعريفك - أيها القارئ الكريم - بالسيد المؤلف
مبلغ تعريف هذا الكتاب به، وحسبك منه - وأنت تقرؤه في هذا
الكتاب - أن تعرف به بطلا من أبطال العلم، وفارسا من فرسان
البيان، تأتيه حين تأتيه مالكا لأمرك، مسيطرا على نفسك، فإذا
استقر بك المقام عنده، لم تتمالك دون أن تضع قيادك بين يديه،
فإذا هو يتملك زمام أمرك، ويدخل إلى قرارة نفسك، فيسيطر عليك
بطبيعة قوته وأدبه وعلمه.
وأنت لا تخشى مغبة العاقبة من هذه السيطرة فإنها سيطرة
مضمونة الخير، مأمونة الشر، بعيدة عن الكيد والمكروه، بعد
الصحة عن الفساد، وكن واثقا أكبر الثقة - حين يأخذك بيانه
وبرهانه - أنه إنما يرد بك مناهل مترعة الضفاف، بنمير ذي
سلسبيل، كلما كرعت من فراته جرعة، تحلبت شفتاك لجرعات
تحسب أن ليس لظمئك راويا غيرها.

(1) نقلت عن الطبعة الثانية التي طبعت في دار الساعة - بغداد - 1365 ه‍.
21

هذا بعض ما يعرفك به الكتاب عن مؤلفه، أفتراني أبلغ من
تعريفك به أبعد مما يعرفك هو بنفسه؟ كلا فإن للسيد عبد الحسين في
الحياة مناحي وميادين لا أراني موفيا عليها، وأنا في هذا السبيل
الضيق القصير، ويوشك أن يكون الأمر يسيرا لو أن المترجم له غير
هذا الرجل، ويهون الأمر لو كان من هؤلاء الرجال المحدودة حياتهم
وأعمالهم، أما رجل كهذا الرجل الرحب العريض، فمن الصعب
جدا أن يتحمل كاتب عبء الحديث عنه، والتوفر عليه، لأنه يشعر
حين يقف إليه أنه يقف إلى جيل ينبض بألوان من الحياة، متدفقة من
كل نواحيه وجوانبه، فلا يكاد يرد كل لون إلى مصدره إلا ببحث
عليه مسؤوليات من المنطق والعلم، قد ينوء بها عاتق المؤرخ
الأمين.
ويكفيك من تعريفه - على سبيل الاجمال - ما يعرفك به الكتاب
من علمه وفنه، وكنا نود لو يتاح لنا أن نقف وقفة خاصة لهذه الناحية
الفنية المتعبة، ولا سيما ونحن منه في سبيل العلم والفن اللذين
اجتمعا للمؤلف فصاغا هذا الكتاب متساندين صياغة قدرة وابتداع،
قل أن نجد لها ندا في مقدور زملائه من الأعلام (أمد الله في حياة
أحيائهم).
ولكن إحكام الكتاب على هذا النحو من قوة العارضة في
الأدب، وبعد النظر في البحث، وسلامة الذوق في الفن وحسن
التيسير في إيضاح المشاكل، وتحليل المسائل، أطلق له لسانا من البيان
الساحر اغنانا عن الأخذ بالأعناق إلى مواضع جماله، فكل بحث فيه
لسان مبين عن سره، يناديك حين تغفل عنه، ويدعوك بصوته حين
تمر به سهوان، ولا تقدر لنفسك أن تتملاه أو تعجب به.
22

وكتاب فيه هذه الحياة لا ينفك عن صاحبه بحال، ولا تحسب
أن للكتب حياة خاصة مستقلة، فليست حياة الكتب غير حياة
المؤلفين والكتاب نفسها، فإذا سمعت نبأة، وأدركت حسا في
كتاب، فإنما تسمع جرس الكاتب، وتحس حسه عينه.
وبعد فسأتركك عند هذا القدر من المعرفة بهذا الإمام، ولك
أن تكتفي به، ولك أن لا تكتفي منه، فبحسبي أن أشعرك بطرف
مما عرفت منه، وأنا انغمس في هذه - المراجعات -. وبحسبك مني أن
ترى منزلته من نفسي: كعالم يضم إلى علمه فنا من الأدب منقطع
النظير، ولك أن تثق بي حين تعتبرني دليلا، أمينا سليم الاختيار
بترجمة هذه الذخيرة، وضمها إلى مؤثلات لغتنا الحية.
مولده ونشأته
على أني لا أرى لك أن تقتصر من معرفته على هذا المقدار، كما
لا أرى لك أن تجتزئ بطائر اسمه، وسعة شهرته في العالم
الاسلامي، وإنما أرى أن تتجاوز ذلك إلى الإحاطة بشئ من حياته،
وبشئ من ظروفه التي قدرت له هذه الحياة.
ولد السيد عبد الحسين شرف الدين - أورف الله ظله - في
الكاظمية سنة 1290 ه‍. من أبوين كريمين تربط بينهما أواصر القربى،
ويوحد نسبهما كرم العرق، فأبوه الشريف يوسف بن الشريف جواد
بن الشريف إسماعيل، وأمه البرة (الزهراء) بنت السيد هادي بن
السيد محمد علي، منتهيين بنسب قصير إلى شرف الدين أحد أعلام
هذه الأسرة الكريمة.
23

ثم درج في بيت مهدت له أسباب الزعامة العلمية، ورفعت
دعائمه على أعلام لهم في دنيا الاسلام، ذكر محمود، وفضل
مشهود، وخدمات مشكورة، فكانت طبيعة الإرث الأثيل، تحفزه
للنهوض من جهة، ودواعي الحياة تشحذ ثباته وتصفي جوهره من
جهة أخرى، وتربيته الصالحة - كانت قبل ذلك - تصوغه على خير
مثال يصاغ عليه الناشئ الموهوب، فهو أني التفت من نواحي منشئه
الكريم، أستقي النشاط والتوفر على ما بين يديه من حياة: مؤملة
لخيره ولخير من وراءه من الناس.
ثم شبل في هذا البيت الرفيع، يرتع في رياض العلم
والأخلاق، ويتوغل في معارج الكرامة، فلما بلغ مبلغ الشباب الغض
اصطلحت عليه عوامل الخير، وجعلت منه صورة للفضيلة، ثم كان
لهذه الصورة التي انتزعها من بيته وبيئته وتربيته أثر واضح في نشأته
العلمية، ثم في مكانته الدينية بعدئذ. فلم يكد يخطو الخطوة الأولى
في حياته العلمية حتى دلت عليه كفايته، فعكف عليه طلابه
وتلامذته، وكان له في منتديات العلم في سامراء والنجف الأشرف
صوت يدوي، وشخص يومأ إليه بالبنان.
ومنذ ذلك اليوم بدأ يلتمح نجمه في الأوساط العلمية، ويتسع
إشراقة كلما توسع هو في دراسته، وتقدم في مراحله حتى ارتاضت له
الحياة العلمية، على يد الفحول من أقطاب العلم في النجف الأشرف
وسامراء، كالطباطبائي، والخراساني، وفتح الله الأصفهاني، والشيخ
محمد طه نجف، والشيخ حسن الكربلائي، وغيرهم من أعلام
الدين وأئمة العلم.
24

ولما استوفى حظه العلمي من الثقافة الاسلامية العالية، كان هو
قد صاغ لنفسه ذوقا عاليا، ساعدته على إنشائه ملكاته القوية،
وسليقته المطبوعة على حسن الأداء، وتخير الألفاظ، وقوة البيان،
وذرابة اللسان، وسعة الذهن، فكان بتوفيقه بين العلم والفن ممتازا
في المدرسة، مضافا إلى ما كان له من الميزة الفطرية في ناحيتي الفكر
والعقل.
على أنه لم يكتف من مدرسته بتلقي الدروس واكتناز المعارف
فقط، بل استفاد من ملابسات الحيات العامة التي كانت تزدحم على
أبواب المراجع من أساتذته، وانتفع من الأحداث المؤتلفة، والحوادث
المختلفة التي كانت تولدها ظروف تلك الحياة، فكان يضع لما اختلف
منها، ولما ائتلف حسابا، ويستخرج منه نفعا ويقدر له قيمة، وينظر
إليه نظرة اعتبار، ليجمع بين العلم والعمل، وبين النظريات
والتطبيق.
إذن فقد كانت مدرسته - بالقياس إليه - مدرستين: يعاني في
إحداهما المسائل العلمية، ويعاني في الثانية المسائل الاجتماعية، ثم
تتزاوج في نفسه آثار هذه وآثار تلك مصطلحة على انتاج بطولته.
في عاملة
وحين استعلن نضجه، ولمع فضله في دورات البحث ومجالس
المذاكرة والتحصيل، عاد في الثانية والثلاثين من عمره - إلى جبل
عامل - جنوب لبنان، موقورا مشهورا مملوء الحقائب، ريان النفس،
وريق العود، ندي اللسان، مشبوب الفكر، وكان يوم وصوله يوما
مشهودا، قذفت فيه عاملة بأبنائها لتستهل مقدمه مشرقا في ذراها
25

وأجوائها، واستقبلته مواكب العلماء والزعماء والعامة، إلى حدود
الجبل من طريق الشام في مباهج كمباهج العيد.
ولم تكن عاملة - وهي منبت أسرته - مغالية أو مبالغة بمظاهر
الحفاوة به، أو بتعليق أكبر الآمال عليه، فإنها علمت - ولما يمض
عليه فيها غير زمن يسير - أنه زعيمها الذي ترجوه لدينها ودنياها معا،
فتنيط به الأمل عن " عين " بعد أن أناطته به عن " إذن "، وتتعلق
به عن خبرة، بعد ما تعلقت به عن سماع، وتعرف به الرجل الذي
يضيف عيانه إلى أخباره، أمورا لم تدخل في الظن عند الخبر.
إصلاحه
وابتدأت في عاملة حياة جديدة، شأنها الشدة في الدين،
واللين في الأخلاق، والقوة في الحق، والهوادة مع الضعفاء، والأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتطامن لأهل الدين، والتواضع
للعلماء، وكانت يومئذ اقطاعيات منكرة، لا تملك العامة معها من أمر
نفسها شيئا ولا تفهم من الحياة في ظلها غير معناها المرادف للرق
والعبودية، أو لا يفسح لها أن تفهم غير ذلك من حياتها الهينة
المسخرة للأقوياء من جبابرة الناس وطواغيتهم، فلما استقر به المقام في
عاملة، لم يستطع إقرار هذا النظام الجائح المستبد بحقوق الجماعة،
ولم يجد من نفسه، ولا من إيمانه، ولا من بره، مساغا للصبر على
الاقطاعية هذه، وإن ظاهرها الأقوياء، والمتزعمون، والمستعمرون،
وكل من يتحلب ضرعها المادي الحلوب، لذلك ثار بها وبهم، وأنكر
عليها وعليهم، واستغلظ الشر بينه وبينهم، فجمعوا له وأجلبوا
عليه، وسعوا فيه، وكان كل سعيهم بورا.
26

أثر بلاغته
وكان لمنابره البليغة، ولأساليب إرشاداته البارعة، أكبر الأثر في
تحقيق إصلاحه المنشود، ولا غرو فإن للسيد المؤلف مقاما خطابيا
يغبطه عليه خطباء العرب، ويعتز به الدين والعلم والأدب.
وخطابته ككتابته تستمد معانيها وقوتها وغزارتها من ثقافته
كلها، وترتضع في الموضوع الخاص أثداء شتى من معلوماته الواسعة،
فإذا قرأته أو سمعته رأيت مصادر ثقافته كلها منهلة متفتحة الأفواه
كشرايين الثدي وعروقه، ترفده من كل موضع وعاه في حياته ما
ينسجم وموضوعه الذي هو بسبيله، وعلى ذوقه الممتاز أن يضع
أطراف ما يتدفق إليه في هيكل الموضوع الذي بين يديه، ويركزه في
مكانه، حتى إذا انتهى أنهى إذن بحثا نافعا كله غذاء ومتاع.
وأعظم به - إلى جانب هذه البلاغة - متخيرا لآلئ معانيه،
وأزياء أفكاره يقدرها تقديرا، ويرصفها رصفا، ويبعث فيها حياة
تنبضها بما يريد لها من دلالة في مفهوم. أو من منطوق بأوصافه،
وإضافاته، وبكل تآليفه المنسوقة المنسجمة.
ثم أعظم به محدثا إذا تشاجن الحديث وتشقق وانساب على
سفينة، يمخر العباب، فهناك النكتة البارعة، والطرفة اللامعة،
والنادرة الحلوة، والخبر النافع.
من هذا وذاك علقت به النفوس، واجتمع عليه الرأي، فقاد
للخير وابتغى المصلحة. وتكاملت له زعامة عامة، يحل منها في شغاف
الأفئدة والقلوب، ولم تكن هذه الزعامة مرتجلة مفاجئة، بل كانت
عروقها واشجة الأصول، عميقة الجذور، تتصل بالأعلام من آبائه،
27

والغر من أعمامه وأخواله، ثم صرفت هذا الميراث الضخم يده
البانية، فأعلت أركانه ومدت شطآنه وخلجانه.
بيته
فبيته في ذرى عاملة، مطنب مضروب، للقرى والضيفان،
تزدحم فيه الوفود، وتهدى إليه الحشود إثر الحشود، ويصدر عنه
المكروب بالرفد المحمود، وهو قائم في تيار الموجتين المتعاكستين بالورد
والصدر، هشاشا طلق المحيا لا يشغله تشييع الصادر، عن استقبال الوارد، ولا
يلهيه حق القائم عن حقوق القاعد، ولكنه يجمع الحقوق جميعا ويوفق بينها،
فيوزعها عادلة متناسبة.
ولأريحيته الكريمة جوانب أنفع من هذا الجانب، وأبعد أثر،
فهو مفزع يأوي إليه المحتاجون والمكروبون، ولجأ يلوذون به في
الملمات يستدفعون به المكاره، حين تضيق بها صدور الناس، وتشتد
بهم آلامها، فإذا طفت بيته، رأيت ألوان الغايات، تدفع بألوان من
المحتاجين إليه، المعولين عليه في مختلف أحوالهم، وأوضاعهم الخاصة
والعامة، مما يتصل بدينهم أو دنياهم، وتراه قائما بين هؤلاء
وهؤلاء، يجودهم بنفحاته العلوية، ويغدق عليهم من أريحيته
الهاشمية، ويبذل لهم من روحه وراحته ما يملأ به نفوسهم مرحا
وسرورا، ثم لا يسألهم على ذلك جزاء ولا شكورا.
وها هو لا يزال، مد الله في حياته، يملي على تاريخه من أحداثه
الجسام، ومآتيه الغر في خدمة الله والمؤمنين والوطنية الصحيحة، ما
تضيق عنه هذه العجالة.
28

خدماته
أما خدماته المناضلة ضد الاستعمار الأجنبي فحدث عنها ولا
حرج ولا يتسع مجالنا هذا لتفصيل القول في ذلك النضال، ولكن
بوسعي أن أقول لك بكلمة مجملة: إن خدماته العظيمة في العهد
التركي، ثم في العهد الفرنسي، ثم في أيام الاستقلال، كانت
امتدادا لحركات التحرير، وارتقاء بها نحو كل ما يحقق العدل ويوطد
الأمن، وينعش الكافة على أن السلطات في العهود كلها لم تأل جهدا
في مقاومته، ومناوأة مشاريعه بما تقاوم به السلطات الجائرة من الدس
والاضطهاد وقتل المصالح، ولعل المحن التي كابدها هذا الإمام
الجليل في سبيل إسعاد قومه، لم يكابد نارها إلا أفذاذ من زعماء
العرب وقادتهم، ممن أبلوا بلاءه وعانوا عناءه.
وناهيك بما فاجأته به سلطة الاحتلال الفرنسي حين ضاقت به
ذرعا، إذ أوعزت إلى بعض جفاتها الغلاظ باغتياله. واقتحم ابن
الحلاج عليه الدار في غرة، وهو بين أهله وعياله، دون أن يكون
لديه أحد من أعوانه ورجاله، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد له غير ما
أرادوا، فكف أيديهم عنه، ثم تراجعوا عنه صاغرين يتعثرون بأذيال
الفشل والهوان، وما يكاد يذيع نبأ هذه المباغتة الغادرة في عاملة،
حتى خفت جماهيرهم إلى صور، تزحف إليها من كل صوب
وحدب، لتأتمر مع سيدها فيما يجب اتخاذه من التدابير إزاء هذا
الحدث، غير أن السيد صرفهم بعد أن شكرهم، وأجزل شكرهم،
وارتأى لهم أن يمروا بالحادث كراما.
ثم تلا هذا الحادث أحداث وأحداث اتسع فيها الخرق،
29

وانفجرت فيها شقة الخلاف، حتى أدت إلى تشريد السيد بأهله ومن
إليه من زعماء عاملة إلى دمشق، وقد وصل إليها برغم الجيش
الفرنسي الذي كان يرصد عليه الطريق، إذ كانت السلطة الغاشمة
تتعقبه بقوة من قواتها المسلحة لتحول بينه وبين الوصول إلى دمشق،
وحين يئست من القبض عليه، عادت فسلطت النار على داره في (
شحور) فتركتها هشيما تذوره الرياح، ثم احتلت داره الكبرى الواقعة
في (صور) بعد أن أباحتها للأيدي الأثيمة، تعيث بها سلبا ونهبا،
حتى لم تترك فيها غاليا ولا رخيصا، وكان أوجع ما في هذه النكبة
تحريقهم مكتبة السيد بكل ما فيها من نفائس الكتب وأعلاقها، ومنها
تسعة عشر مؤلفا من مؤلفاته، كانت لا تزال خطية إلى ذلك
التاريخ.
في دمشق
وظل في دمشق تجيش نفسه بالعظائم وتحيط به المكرمات، في
أبهة من نفسه، ومن جهاده، ومن إيمانه، وكان في دمشق يومئذ
مداولات ملكية، واجتماعات سياسية، وحفلات وطنية، تتبعها
اتصالات بطبقات مختلفة من الحكومة والشعب، كان السيد في جميعها
زعيما من زعماء الفكر، وقائدا من قادة الرأي، ومعقدا من معاقد
الأمل في النجاح.
وله في هذه الميادين مواقف مذكورة، وخطابات محفوظة،
سجلها له التاريخ بكثير من الفخر والإعجاب.
ولم يكن بد من اصطدام العرب بجيش الاحتلال، فقد كانت
الأسباب كلها مهيأة لهذا الاصطدام، حتى إذا التقى الجمعان في "
30

ميسلون " واشتبكا في حرب لم يطل أمدها، ودارت الدائرة على
العرب لأسباب نعرض عنها.
غادر السيد دمشق إلى فلسطين ومنها إلى مصر بنفر من أهله،
بعد أن وزع أسرته في فلسطين بين الشام، وبين أنحاء من جبل
عامل، في مأساة تضيف أدلة إلى الأدلة على لؤم، فقد ظل ثقل من
أهله الذين ذهبوا إلى " عاملة " يجوبون الفلوات والوديان في " عاملة "
ليالي وأياما لا يجدون بلغة من العيش يحشون بها معد صغارهم الفارغة
على أنهم يبذلون من المال أضعاف القيمة، ويبسطون أكفهم بسخاء
نادر وأخيرا لم يجدوا حلا بغير توزيع قافلتهم في الأطراف المتباعدة،
بين من بقي من أوليائهم وأصدقائهم على شئ من الوفاء أو
الشجاعة.
في مصر
وحين وصل مصر احتفلت به، وعرفته بالرغم من تنكره وراء
كوفية وعقال، في طراز من الهندام على نسق المألوف من الملابس
الصحراوية اليوم، وكانت له مواقف في مصر وجهت إليه نظر الخاصة
من شيوخ العلم، وأقطاب الأدب، ورجال السياسة، على نحو ما
تقتضيه شخصيته الكريمة.
ولم يكن هذا أول عهده بمصر فقد عرفته مصر قبل ذلك بثمان
سنين، حين زارها في أواخر سنة تسع وعشرين، ودخلت عليه فيها
سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف هجرية، في رحلة علمية جمعته بأهل
البحث، وجمعت به قادة الرأي من علماء مصر وعقدت فيها بينه وبين
شيخ الأزهر يومئذ - الشيخ سليم البشري - اجتماعات متوالية تجاذبا
31

فيها أطراف الحديث وتداولا جوانب النظر في أمهات المسائل الكلامية
والأصولية، ثم كان من نتاج تلك الاجتماعات الكريمة هذه
(المراجعات) التي نحن بصددها.
في فلسطين
وحدثت ظروف دعته إلى أن يكون قريبا من عاملة، فغادر
مصر في أواخر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف هجرية إلى قرية من
فلسطين تسمى (علما) تقع على حدود جبل عامل، وفي هذه القرية
هوى إليه أهله وعشيرته، ولحق به أولياؤه المشردون في هذا الجهاد
الديني الوطني، فكانوا حوله في القرى المجاورة. وكان في (علما)
كما يكون في جبل عامل من غير فرق كأنه غير مبعد عن داره وبلده،
يتوافد إليه الناس من قريب ومن بعيد، ولا يكاد يخلو منزله من أفواج
الناس، فيهم الضيوف، وفيهم طلاب الحاجات، وفيهم رواد
القضاء، والفقه، وفيهم من تستدعه الحياة السياسية أن يعرف ما
عند السيد من وجه الرأي.
وانسلخت شهور في (علما) تصرفت فيها الأمور تصرفا يرضي
السيد بعض الرضا، وأبيح للسيد أن يعود إلى عاملة بعد مفاوضات
أدت إلى العفو عن المجاهدين عفوا عاما، وإلى وعد من السلطة
بإنصاف جبل عامل، وإنهاضه، واعطائه حقوقه كاملة.
العودة
وحين اطمأنت نفسه بما وعدته به السلطة، عاد إلى جبل عامل،
ولم تسمح نفسه بأن يعود والمجاهدون مبعدون، لذلك جعل بيروت طريق
عودته - وطريقه بعيدة عنها - ليستنجز العفو العام عن المجاهدين،
وكذلك كان، فإنه لم يخرج من بيروت حتى كان المجاهدون في حل
32

من الرجوع إلى وطنهم وأهليهم.
ولعل جبل عامل لم يشهد يوما أبهج ولا أحشد من يوم عودته،
ولعله لن يشهد يوما كهذا اليوم، يحشر فيه الجبل من جبله وساحله،
في بحر من الناس يموج بعضه فوق بعض، وتطفوا فوقه الأعلام
رفافة بالبشر، منحنية بالتحية، والهتاف، جلجلة كجلجلة الرعد في
أذن الجوزاء.
ويبدأ من ذلك اليوم موسم للشعر، تفتقت فيه القرائح العاملية
عن ذخائر ممتعة من الأدب العالي، وتفتحت سلائقهم عن أصدق
العواطف، وأسمى المشاعر تنبض بها قوافيهم تهز المحافل في إبداع
وتجويد، صباح، مساء، ولقد امتد هذا الموسم الأدبي زمنا طويلا
اجتمع في أيامه ولياليه ضخم القيمة، ضخم الحجم، يمكن اعتباره
مصدرا لتاريخ الفكر والسياسة في جبل عامل خلال هذه الفترة.
منزلته في العالم الاسلامي
ترتسم على كل أفق من آفاق هذا العالم الاسلامي، أسماء
معدودة لرجال معدودين، امتازوا بمواهب وعبقريات، رفعتهم إلى
الأوج الأعلى من آفاقهم، فإذا أسماؤهم كالنجوم اللامعة تتلألأ في
كبد السماء.
أما الذين ترتسم أسماؤهم في كل أفق من تلك الآفاق،
فقليل، وقليل هم، وليسوا إلا أولئك الذين علت بهم الطبيعة،
فكان لهم من نبوغهم النادر ما يجعلهم أفذاذا في دنيا الاسلام كلها
ومن هؤلاء الأفذاذ سيدنا المؤلف " أطال الله عمره " فقد شاءت
الإرادة العليا أن تبارك علمه وقلمه، فتخرج منهما للناس نتاجا من
33

أفضل النتاج، وقد لا أكون مبالغا حين استبيح لقلمي أن يسجل:
أن السيد المؤلف يتقدم بما أنتج إلى الطليعة من علماء الشيعة الذين
كرسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب. وبهذا استحق
أن يتصدر مجلس الخاصة في العالم الاسلامي اليوم.
حياته العلمية.
وقد يلوح مما قدمنا أن المشاكل الاجتماعية المتراكمة من حوله،
تصرفه عن النظر في حياته العلمية، وتزحزحه عن عمله الفني.
والواقع أن رجلا يمنى بما مني به " سيدنا " ينصرف عادة عما خلق له
من علم وتأليف، فإن ما يحيط به من المشكلات يضيق بالنظر في أمر
المكتبة، والكتابة، لولا بركة وقته، وسعة نفسه، وقدرة ذهنه.
فهو - على حين أنه يوفي حق تلك المشكلات الشاغلة - يوفي
حق علمه فيبلغ من المكتبة نصيب الذي تحتاجه حياته العلمية، وهو
منذ ترك النجف الأشرف على اتصال مستمر بالبحث والمطالعة والكتابة
والمناظرة. يخلو كل يوم في فتراته إلى مكتبته يستريح إلى ما فيها من
موضوعات، وينسى من وراءها من حياة مرهقة لاغبة.
مؤلفاته
وليس أدل على هذا من انتاجه هذا الانتاج الغزير الثري
النبيل. وإن مؤلفاته لتشهد بأنه من الحياة العلمية، كمن ينصرف
إليها، ولا يشغل بغيرها، وأدل ما يدل منها على ذلك، كيفية
مؤلفاته لا كميتها، فهي وإن كانت كثيرة حتى بالقياس إلى رجل
يتفرغ إليها، فإنها من الأصالة، والعمق، والاستيعاب، حيث لا
34

تدل على أن مؤلفها رجل يمتحنه الناس بتلك المشاغل، ويبتلونه بما
عندهم من مشاكل، فهي بما فيها من قوة، ومتانة، وغور، ونحت
وتفكير، وأدل على اتصاله الدائم بحياته العلمية من جهة، وأدل على
فضله وخصوبة سليقته، من جهة أخرى.
بهذا الميزان يرجح علم الرجل وفضله، ثم يرجح به امتياز ما
كتب، وهو امتياز قليل النظير، فإن المؤلفين المكثرين، كثيرا ما
تظهر عليهم السطحية، ويميز كتبهم الحشو، أما المؤلف فليس فيما
قرأنا من مؤلفاته مبتذل سطحي، ولا رخيص سوقي، بل كل ما
كتب أنيق رقيق، رفيع عميق، يجمع بين سمو الفكر وترف اللفظ،
وهو ما أشرنا إليه في صدر كلامنا من كونه حريصا على المزاوجة بين
علمه وفنه، فإذا قرأت فصلا علميا خالصا خلت - لقوة أسلوبه
ونصاعته - أنك تقرأ فصلا أدبيا يروعك جماله المستجمع لكل العناصر
الأدبية.
على أنا حين نتجاوز هذه النقطة، فمؤلفاته كثيرة من حيث
الكمية أيضا، وهذا يضاعف القيمة. إنه يدل على ملكة خصبة
أصيلة لا يؤخرها أشد العوائق عن الاتقان، وأنها لتثبت له بطولة
فكر، وإليك ثبتا بآثار هذه البطولة.
لآلئه المنضودة
1 - المراجعات هذا نموذج صادق لما كتب، ولا أريد أن أحدثك عنه
فإن لسانه أبين من حديثي وأنطق. طبع في مطبعة العرفان بصيداء سنة
1355 ونفدت نسخه، وترجم إلى اللغة الفارسية، وبلغني أنه ترجم إلى
اللغة الانكليزية، ترجمه الدكتور السيد زيد الهندي. وأنه ترجم إلى اللغة
الأوردية أيضا.
35

2 - الفصول المهمة في تأليف الأمة: كتاب من أجل الكتب
الاسلامية، يبحث مسائل الخلاف بين السنة والشيعة على ضوء (الكلام)
والعقل والاستنتاج والتحليل. تم تأليفه سنة 1327 ه‍، وطبع مرتين
بصيداء - جبل عامل - زاد فيه بالطبعة الثانية سنة 1347 ه‍، والفصول
المهمة يغنيك عن مكتبة كاملة في موضوعه. يقع في 192 صفحة قطع
النصف.
3 - أجوبة مسائل موسى جار الله: كتاب على صغر حجمه، عظيم
الإحاطة واسع المعلومات، وهو كما يدل عليه اسمه، أجوبة عن عشرين
مسألة سأل بها موسى جار الله علماء الشيعة، وهو يظن أن فيها شيئا من
الاحراج، كتكفير الشيعة، لبعض الصحابة، ولعنهم، وكنسبة القول
بتحريف القرآن للشيعة، ونسبة تحريم الجهاد إليهم أيضا، وكمسائل
البداء والمتعة والبراءة والعول وما إلى ذلك، فكانت أجوبة من أسد ما
يكون، تستقي من العلم والتوفر، وتقوم على البرهان والمنطق فلا تترك أثرا
للشك، ولها مقدمة في الدعوة إلى الوحدة، وخاتمة في جهل السائل بكتب
الشيعة، وفي بعض ما في كتب السنة من أخلاط. يقع في 152 صفحة من
القطع الصغير، طبع في مطبعة العرفان بصيداء سنة 1355 ه‍ 1936 م.
4 - الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء، تقع في 40 صفحة من قطع
النصف طبعت مع الفصول المهمة في الطبعة الثانية، وهي من أعمق
الدراسات وأصحها منهجا واستنتاجا وأدلها على تدفق القلم: الينبوع.
5 - المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة: طبع منها المقدمة وتقع
في اثنين وسبعين صفحة بقطع النصف يشرح فيها فلسفة المآتم الحسينية
وأسرار شهادة الطف شرحا دقيقا رائعا.
36

6 - أبو هريرة: طبع سنة 1365 ه‍، بمطبعة العرفان في صيداء وهو
نسق جديد في التأليف وفتح في أدب التراجم بطراز المستوعب المحلل،
ولعله من أجل ما تخرجه المطابع الحديثة بحثا وعمقا وأسلوبا. يبحث حياة
أبي هريرة وعصره وظروفه وعلاقاته وأحاديثه وعناية الصحاح الست بروايته
على ضوء العلم والعقل.
7 - بغية الراغبين: " مخطوط " كتاب عائلي خاص يؤرخ لشجرة
(شرف الدين) ومن يتصل بهم من قريب، وهو كتاب ضخم جليل ممتاز في
أدب التراجم بطريقته الخاصة، وتنسيقه المتقن، وربما ترجم بعض الأعلام
من أساتذة المترجمين في الكتاب وتلامذتهم وقد يترجم عصورهم وظروفهم
، وبهذا تقف منه على كتاب أدبي ممتع رائع، بل أنه تاريخ أجيال، بتاريخ
رجال.
8 - فلسفة الميثاق والولاية: وهي رسالة فذة في موضوعها. طبعت
في صيداء سنة 1360 ه‍.
9 - ثبت الأثبات في سلسلة الرواة: ذكر فيه شيوخه من أعلام أهل
المذاهب الاسلامية بكل متصل الإسناد بالنبي (ص) وبالأئمة (ع)
وبالمؤلفات ومؤلفيها من طرق كثيرة متعددة يروي فيها قراءة وسماعا وإجازة
من أعلام الشيعة الإمامية والزيدية، وعن أعلام السنة، واستيعاب طرقه
كلها طويل، اقتصر منه على ما جاء في الثبت وقد طبع في صيداء مرتين (1).

(1) بعد نشر هذه المقدمة خرج لسيدنا عدة كتب جليلة، منها:
1 - مسائل خلافية - في بعض الفروع تكلم فيها على المذاهب الخمسة طبعت في مطبعة العرفان
بصيداء سنة 1370 ه‍.
2 - رسالة كلامية - حول الرؤية طبعت بصيدا أيضا سنة 1371 هو طبع معها - فلسفة الميثاق
والولاية - طبعة ثانية.
3 - كتاب إلى المجمع العلمي العربي بدمشق - طبع بصيداء سنة 1369 ه‍، بحث فيه مع رئيس
المجمع الأستاذ كرد علي وناقشه الحساب فيما نسبه إلى الإمامية متجنيا عليهم.
4 - وسيقدم إلى الطبع كتابه - الاجتهاد مقابل النص -.
37

نفائسه المفقودة
وله غير هذه الروائع الخالدة نفائس، لولا عدوان سنة العشرين
عليها بالحرق والتمزيق، لكانت من الذخائر المعدودة في كنوز العقل
والفكر، ولكنها فقدت في تلك الأحداث المؤلمة، فمني بفقدانها العلم
بخسارة عسى أن يتسع وقت سيدنا للتعويض عنها بإحيائها من جديد،
ونسردها فيما يلي كما يذكرها المؤلف في آخر تعليقته على - الكلمة الغراء -.
1 - شرح التبصرة في الفقه على سبيل الاستدلال خرج منه ثلاثة
مجلدات تتضمن كتب الطهارة والقضاء والشهادات والمواريث.
2 - تعليقة على الاستصحاب من رسائل الشيخ - في الأصول - في
مجلد واحد.
3 - رسالة في منجزات المريض استلالية.
4 - سبيل المؤمنين - في الإمامة - يقع في ثلاثة مجلدات.
5 - النصوص الجلية في الإمامة أيضا فيه أربعون نصا أجمع على
صحتها المسلمون كافة، وأربعون من طرق الشيعة مجلوة بالتحليل
والفلسفة.
6 - تنزيل الآيات الباهرة في الإمامة أيضا وهو مجلد واحد يبتني على
مائة آية من الكتاب نزلت في الأئمة بحكم الصحاح.
7 - تحفة المحدثين فيما أخرج عنه الستة من المضعفين. وهو كتاب
بكر في الحديث لم يكتب مثله من قبل.
8 - تحفة الأصحاب في حكم أهل الكتاب.
38

9 - الذريعة رد على بديعة النبهاني.
10 - المجالس الفاخرة أربعة مجلدات، الأول في السيرة النبوية،
والثاني في سيرة أمير المؤمنين والزهراء والحسن، والثالث في الحسين،
والرابع في الأئمة التسعة عليهم السلام.
11 - مؤلفو الشيعة في صدر الاسلام نشر بعض فصوله في مجلة
العرفان بصيدا (راجع العرفان في مجلداته الأول والثاني).
12 - بغية الفائز في نقل الجنائز نشر أكثرها في العرفان.
13 - بغية السائل عن لثم الأيدي والأنامل، رسالة علمية أدبية،
فكاهية، فيها ثمانون حديثا من طريقنا وطريق غيرنا.
14 - زكاة الأخلاق نشرت العرفان بعض فصوله.
15 - الفوائد والفرائد كتاب جامع نافع.
16 - تعليقة على صحيح البخاري.
17 - تعليقة على صحيح مسلم.
18 - الأساليب البديعة في رجحان مآتم الشيعة يبتني على الأدلة
العقلية والنقلية وهو في بابه بكر جديد.
وله بدايات - وراء ذلك - في مواضيع شتى، بعضها ذهب في
المفقودات وبعضها أعيد ولا يزال في سبيل الاتمام.
ومؤلفاته كلها تمتاز بدقة الملاحظة، وسعة التتبع وشمول الاستقصاء
وصحة الاستنتاج، وشدة الصقل، وأمانة النقل وترابط الجزاء. في
39

خصال تتعب الناقد، وتحفظ الحاقد (1).
ثقافته
ولعلك ألممت بنواحي ثقافته من مؤلفاته، ومما حدثناك عنه في هذه
الكلمة، فهو - كما علمت - أسس، وقام بناؤه في النجف الأشرف، فكان
إماما في اللغة وعلوم العربية وآدابها، والمنطق، والتاريخ، والحديث،
والتفسير، والرجال، والرواية والأنساب، والفقه والأصول، والكلام،
وما يتصل بهذه العلوم من روافد.
هو بالعلوم الاسلامية وما إليها فارس معلم، لا يجارى في حلباتها،
ولا يلحق في مضاميرها، ويمتاز بالإضافة إلى ذلك بأدبه القوي الحافل، وبما
يتصل به من الأسرار النفسية والاجتماعية والنقد. له في ذلك سليقة ملهمة
وملكة قوية ترافقان حديثه وقلمه، محاضرة وخطابة، تأليفا وكتابة؟ أنه
على الاجمال أفضل صورة للعالم الاسلامي الضليع الجامع.
أخلاقه ومواهبه
هو طويل الأناة، ثقيل الحصاة، واسع الصدر لين الطبع، قوي
القلب مهاب، له روعة في النفس، وتأثير يدفعانك لاحترامه وحبه وإن
جهلته.
وهو شديد الشكيمة في الحق متوقد الحماسة للدين، لا يعرف هوادة
ولا لينا حين تهب بادرة للبغي أو الباطل، على أنه متواضع كريم هش.

(1) تحفظ بضم حرف المضارعة من أحفظ بمعنى أغضب. وفي الحديث: بدرت مني كلمة -
أحفظته - أي أغضبته - والمراد منها هنا، أنها تغضب الحاقد بسبب أنه لا تبقي له سبيلا يرتاح إليه في
القدح أو الكلام على المؤلف.
40

وللإنصاف في نفسه موضع يسوي بين القريب والبعيد، الحق
رائده. فلا يمنعه حبه لأحبائه من إقامتهم على العدل، ولا يمنعه إنصافه -
وهو يحكم - من الاحتفاظ بالحب في زوايا نفسه لمن يحب، ومن هنا كان
العدو والصديق عنده سيان في الحكم على ما يأتيان من حسن أو قبح، في
آثارهما وأفعالهما.
ومن هنا أيضا كان قدوة: في الورع وصفاء النفس، ونقاء
الضمير، وقول الحق، وإلى جانب هذا كله له رأي حصيف، ونظر
بعيد، يسبر أغوار الناس ويصل إلى حقائق الأمور وأعماقها، فلا يخدع من
حال، ولا يغش في ظاهر، ولا يفتل عن صواب ولا يغر في رياء.
يعني بإقدار الناس، ويوفيهم فوق ما يستحقون، ويشجعهم على
إيتاء الخير، ويرهف الناشئة العلمية للاتقان والتجويد، فيبالغ لهم في
الاستحسان، ويكيل لهم من الكلم الطيب، والنوال الكريم، ما يدفعهم
إلى ما يرمي إليه من تقدمهم.
ولعله لهذه الخلال الكريمة أثرا في صفاء مواهبه، وقوة تأثيره،
وصدق كفاياته فهو من أفصح الناطقين بالضاد حين يتحدث، وأبلهم ريقا
حين يخطب، ومن انفذ الناس للنفس حين يعظ، وأحكمهم بالقضاء،
وأعدلهم بالحكم، وأبينهم بالحجة، وأفقههم بالحياة.
أسفاره
في سنة ألف وتسع وعشرين وثلاثين هجرية زار مصر زيارة علمية،
كما حدثناك، اجتمع فيها بأفذاذ الحياة العقلية في مصر، وعلى رأسهم
الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الجامع الأزهر في عصره وأنتجت
41

اجتماعاته به، ومراسلاته له هذا الكتاب، وحسبه فائدة من هذه الزيارة (
المراجعات).
وفي حوالي سنة 1328 ه‍. زار المدينة المنورة، وتشرف بأعتاب النبي
(ص) وضرائح أئمة البقيع (ع).
وفي ثمان وثلاثين كانت الهجرة الدينية السياسية التي عرفت شيئا من
حديثها وفيها زار دمشق ومصر وفلسطين وفي كل هذه البلاد كانت له فوائد
علمية ومحاضرات قيمة كما تلمح ذلك فيما حدثناك به في مشايخه في الرواية،
وفي سنة 1340 ه‍، حج البيت من طريق البحر، في عهد المغفور له الملك
حسين، وحج معه خلق كثير من جبل عامل في ذلك الموسم وكان الموسم في
ذلك العام من أحفل مواسم الحج وأكثرها ازدحاما وإقبالا على هذه الفريضة
ولعل مكة لم تشهد مثل هذه الموسم منذ عهد بعيد، وكان في الحجيج تلك
السنة كثير من الأعلام من علماء وزعماء من مختلف الأقطار، وكان السيد
أبرزهم بين تلك الجموع اسما، وأعلاهم مكانة، وأرفعهم بيتا وأسخاهم
كفا.
وهو أول عالم شيعي أم هذه الجماهير الضاغطة المزدحمة في المسجد
الحرام بمكة المشرفة، وهي أول مرة تقام فيها الصلاة وراء إمام شيعي على
هذا النحو العلني تجتمع فيه الألوف معلنة في غير تقية.
ومن هنا كان حجه مشهورا يتحدث عنه الناس في سائر الأقطار
الاسلامية، وقد احتفى به الملك الحسين بن علي أجمل احتفاء وأفضله،
واجتمعا أكثر من مرة وغسلا معا الكعبة.
وفي أواخر سنة 1355 ه‍، زار أئمة العراق، وجدد العهد بأهله
وأرحامه، واستقبله يوم وروده الوزراء والأعيان والزعماء، وعلى رأس
42

الجميع سماحة السيد محمد الصدر من بغداد إلى جسر الفلوجة، في أرتال
من السيارات، واستقبل في كربلاء وفي النجف الأشرف باستقبالات علمية
وشعبية رائعة فخمة قليلة النظير.
وأكاد أسمعه يهتف حين أقبل على مرابع صباه وشبابه:
وأجهشت للتوباد حين رأيته * وكبر للرحمن حين رآني
وطبيعي أن يجهش هو شوقا إلى هذه المعاهد الأنيسة، وأن تكبر هي
ترحيبا به وفرحا بإقباله بعد فراق امتد أمده سنين (1) طوالا.
ألم يصدر هو عنها راويا مرويا؟ ألم تحفل هي به غريدا يملأ أجواءها
بأفضل مما يمتلئ به معهد من طلابه العبقريين؟
بلى، تبادلا الحنين والشوق واللوعة والتحية واستجابت لهذا التبادل
الروحي النقي داعي البر والوفاء في النجف وكربلاء والكاظمية
وسامراء. فكانت حفلات زاهرة زاهية قد بعد العهد به عن مشاهدها
وأعلامها.
وكانت اجتماعاته بالأعلام من أهل العلم، ورجال البحث، آهلة
بالفرائد، في مختلف فروع العلم، وشتى مسائله.
وتابع من العراق سفره إلى إيران، فتشرف بزيارة الإمام الرضا عليه
السلام، وعرج في طريقه على قم وطهران وغيرهما من مدن إيران ولقي في
جميع تلك المدن من مراسيم الحفاوة ما تفرضه شخصيته المحبوبة العظيمة.
آثاره وإنشاءاته
افتتح أعماله الانشائية بوقف حسينية، أعدها ليجتمع إليها الناس

(1) كانت ثلاث وثلاثين سنة.
43

في مختلف الأوقات والظروف والدواعي، يعظمون فيها الشعائر، ويتلقون
فيها دروس الوعظ والارشاد ويقيمون فيها الصلاة، فلم يكن للشيعة
مسجد في مدينة صور يوم جاءها السيد لذلك تملك دارا، ثم وقفها حسينية
في بدء التأسيس، ثم حين سنحت الفرصة أنشأ مسجدا من أضخم
المساجد بناء، وأجملها هيكلا له قبتان عظيمتان، ومنارة شامخة، وباحة
رائعة أمام إيوان واسع، يتصل بأبواب المسجد الرحب، ويقوم في وسطه
عمودان من الآثار الفينيقية، يحملان القبتين، وخلف المسجد مما يلي
المحراب فناء كبير يتصل بخارج البلد.
وحين تم هذا المسجد الجامع العظيم، بدأ بإنشاء ما كان يشغل
تفكيره من قديم أعني إنشاء مدرسة حديثة تمثل مبدأه التربوي في كلمته
السائرة " لا ينشر الهدى إلا من حيث انتشر الضلال ". على أن النهوض
بشعب بادئ خاضع للسلطات الاقطاعية معرض للصدمات، ممتحن
بالعراقيل، لذلك جاء مشروعه الضخم هذا على مراحل، ولولا بطولة
عرفناها مبدعة قادرة في السيد حفظه الله لما تخطى المشروع أولى مراحله.
أنشأ في أولى المراحل، على مدخل المدينة، ستة مخازن، وشيد على
سطحها دارا واسعة مراعيا فيها أن تكون يوما ما المدرسة المرجوة، لكن
إنجاز المشروع لم يكن يومئذ ممكنا لمعارضة كانت من السلطة ومن يمشي في
ركابها من ذوي المصالح الفردية، وبهذا اضطر إلى الاكتفاء يومئذ بهذا القد
ينتظر الفرصة المواتية.
وكانت فترة استجمام طويلة نشط بعدها سنة 1357 ه‍، فإذا الدار
هي المدرسة الجعفرية المثلى، وقد أضاف إليها في الدور الأول مسجدا
خاصا بالمدرسة، وطلابها ورفع على سطحه بناء آخر يماثل المدرسة أضيف
44

إليها أيضا، فكانت المدرسة بذلك مؤلفة من نحو خمس عشرة غرفة عدا
الأبهاء والساحات.
رفع من الجهة الأخرى ناديا فريدا، سماه " نادي الإمام جعفر
الصادق "، طوله اثنان وعشرون مترا ونصف المتر، وعرضه خمسة عشر
مترا ونصف المتر، وقد أعده للاحتفالات والمواسم العلمية والدينية
والاجتماعية والمدرسية. ثم أسس بعد كل ذلك مدرسة للإناث في سنة
إحدى وستين هجرية وهي تتوخى ما توخته مدرسة الذكور من التوفيق في
التربية بين المناهج الصالحة الضامنة لحياة أمثل وأفضل (1).
وموقع المدرسة والنادي من أجمل المواقع وأجملها بروعة المنظر،
وطلاقة المرأى يسبح النظر منها في عباب ذلك الخضم الجميل، ويمتد منه إلى
غير نهاية، فإذا سئم البحر وتزخاره، انطلق منه في جهة أخرى إلى
السهول ومن خلفها الجبال المتساندة، تحتضن القرى على مرمى العين،
ويذهب البصر، من هنا وهنا نشيطا يحلم بذلك الجمال الساحر الآسر،

(1) أما الكلية اليوم فقد نمت نموا مباركا بفضل الله تعالى وعناية سيدنا، قدس الله سره،
وإخلاص ولده السيد جعفر الذي عهد بها إليه منذ نشأتها، فانكب على خدمتها بشبابه ونشاطه حتى سما
بها فأوصلها إلى رتبة أرقي المدارس، فهي اليوم تناهض أرسخ المعاهد قدما، وتسمو على أمثالها مما تستند
كياناته إلى جمعيات ودول، وأبرز ما ولد فيها " صرح المهاجر " الجديد، إذ أوفد قدس الله سره ولديه
السيد صدر الدين والسيد جعفر إلى أبنائه في المهاجر الإفريقية، يتفقدانهم، ويدعوانهم إلى نجدة
المشروع، ففاءا بمائتي وخمسين ألف ليرة لبنانية رفعت الصرح وفق تصميم لأحدث معهد في ثلاثة
أدوار، كل دور جناحان، الأول طوله ثمان وستون مترا، والثاني طوله واحد وأربعون مترا، وعرض
الجناحين عشرة أمتار، وفي وسط الصرح برج عظيم لساعة كبرى تضبط الوقت، وتعد الزمن، وأمام
الصرح ساحة مساحتها عشرة آلاف متر وهي موصولة بالمدرسة القديمة، مسورة تسويرا يجعل من أبنية
الكلية وحدة يصح أن تدعى " مدينة العلم " في صور.
وبعد ذهابه إلى الرفيق الأعلى يوم الاثنين 30 كانون الأول سنة 1957 الموافق في 8 جمادى الثانية
سنة 1377 ه‍، ثم دفن بناء على وصية منه في النجف الأشرف بجوار جده الإمام علي بن أبي طالب داخل
45

ويسرح منعما متجولا لا تعيقه عقبة دون المتعة والانشراح.
فإذا وقفت إلى مجموعة هذه الأبنية الضخمة المتصل بعضها ببعض،
القائم بعضها على بعض، وقفت منها إلى صرح عظيم مشيد الأركان،
متين البنيان يروعك بجماله الهندسي وفخامته العمرانية. ثم هو يروعك
أكثر فأكثر، إذا وقفت على نتاجه الخصب الذي يجمع إلى كثرة (الكم)
جودة (النوع).
ومع ذلك فلا يزال - على تمامه وكماله - نواة بالقياس إلى طماح سيدنا
المؤلف فهو قد تملك في جنوبها أرضا واسعة كبيرة، وألحقها بالمؤسسة ليتم
بها مشاريعه الخيرية، وأغراضه الاسلامية، وينتهي إلى تأسيس جامعة (1)
تلقن طلابها أحسن المبادئ، في أوسع المعارف، وهو يرى أن هذه الطريق
خير طريق لعلاج الخطر الداهم، ولحفظ الجيل الجديد، الناسل من
صفوفنا إلى صفوف قد تضطره أن يعادي صفوفنا. أخذ الله بيده لما فيه
صلاح الدنيا والدين ونفع به الاسلام والمسلمين، والحمد لله رب العالمين.
الكاظمية 1365 ه‍ - 1946 م
مرتضى آل ياسين

الصحن في إحدى الغرف المحيطة بالضريح. في يوم الأربعاء في 1 كانون الثاني 1958، الموافق 10
جمادى الثانية سنة 1377 ه‍.
ترك قدس الله سره، هذه المؤسسات أمانة في عنق جميعة اختار أعضاءها من الذين أعانوه في شتى
مجالاته الدينية والاجتماعية والثقافية. وعهد إليها بأوقافها تغذيها وتنميها وقد كانت هذه الجمعية
بشخص رئيسها السيد خليل فرعوني عند حسن ظن السيد المؤسس إنشاء وبناء، حتى أصبح
للجعفرية اليوم بفضل هذه الجمعية عقارات شامخة هي أبرز عقارات صور التجارية.
(1) أقام سماحته الصرح الجديد للكلية الجعفرية في هذا المكان وفق تصميمه.
46

تنبيه
لم نجعل فهرسا لمصادر كتابنا هذا، استغناء عنه بذكر
الكتاب عند النقل عنه مع تعيين الصفحة من ذلك
الكتاب. ولما كانت الكتب مختلفة في عدد الصفحات
لتكرر طبعها لم نقتصر - في مقام النقل عنها في هذا
الكتاب وغيره من سائر مؤلفاتنا - على تعيين الصفحة
فقط، بل عينا معها الباب أو الفصل مثلا ليرجع إليه من
لم تكن صفحات النسخ التي عنده - من الكتب التي نقلنا
عنها - موافقة في العدد لصفحات النسخ التي عندنا، فانتبه
إلى هذا واحفظه.
47

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم
مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين *
اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت
عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين *
48

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة - وإهداء
هذه صحف لم تكتب اليوم، وفكر لم تولد حديثا، وإنما هي صحف
انتظمت منذ زمن يربو على ربع قرن، وكادت يومئذ أن تبرز بروزها اليوم،
لكن الحوادث والكوارث كانت حواجز قوية عرقلت خطاها، فاضطرتها إلى
أن تكمن وتكن، فتريثت تلتمس من غفلات الدهر فرصة تستجمع فيها ما
تشتت من أطرافها، وتستكمل ما نقص من أعطافها، فإن الحوادث كما
أخرت طبعها، مست وضعها.
أما فكرة الكتاب فقد سبقت مراجعات سبقا بعيدا، إذ كانت تلتمع
في صدري منذ شرخ الشباب، التماع البرق في طيات السحاب، وتغلي
في دمي غليان الغيرة، تتطلع إلى سبيل سوي يوقف المسلمين على حد يقطع
دابر الشغب بينهم، ويكشف هذه الغشاوة عن أبصارهم لينظروا إلى الحياة
من ناحيتها الجدية، راجعين إلى الأصل الديني المفروض عليهم، ثم
يسيروا معتصمين بحبل الله جميعا، تحت لواء الحق إلى العلم والعمل،
إخوة بررة يشد بعضهم أزر بعض.
49

لكن مشهد هؤلاء الأخوة المتصلين بمبدأ واحد، وعقيدة واحدة،
كان - وا أسفاه - مشهد خصومة عنيفة، تغلو في الجدال، غلو الجهال،
حتى كأن التجالد في مناهج البحث العلمي من آداب المناظرة، أو أنه من
قواطع الأدلة! ذلك ما يثير الحفيظة، ويدعو إلى التفكير، وذلك ما يبعث
الهم والغم والأسف فما الحيلة؟ وكيف العمل؟ هذه ظروف ملمة في مئين
من السنين، وهذه مصائب محدقة بنا من الإمام والوراء، وعن الشمال
وعن اليمين، وذاك قلم يلتوي به العقم أحيانا، وتجور به الأطماع أحيانا
أخرى، وتدور به الحزبية تارة، وتسخره العاطفة تارة أخرى، وبين هذا
وذاك ما يوجب الإرتباك فما العمل؟ وكيف الحيلة؟
ضقت ذرعا بهذا، وامتلأت بحمله هما، فهبطت مصر أواخر سنة
1329 مؤملا في " نيله " نيل الأمنية التي أنشدها وكنت ألهمت أني موفق
لبعض ما أريد ومتصل بالذي أداور معه الرأي، وأتداول معه النصيحة،
فيسدد الله بأيدينا من " الكنانة " سهما نصيب به الغرض، ونعالج هذا الداء
الملح على شمل المسلمين بالتمزيق، وعلى جماعتهم بالتفريق، وقد كان -
والحمد الله - الذي أملت، فإن مصر بلد ينبت العلم، فينمو به على
الاخلاص والاذعان للحقيقة الثابتة بقوة الدليل وتلك ميزة لمصر فوق مميزاتها
التي استقلت بها.
وهناك على نعمى الحال، ورخاء البال، وابتهاج النفس، جمعني
الحظ السعيد بعلم من أعلامها المبرزين، بعقل واسع، وخلق وادع،
وفؤاد حي، وعلم عيلم ومنزل رفيع، يتبوأه بزعامته الدينية، بحق
وأهلية.
وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الروح النقي، والقول الرضي،
50

والخلق النبوي، ومتى كان العالم بهذا اللباس الأنيق المترف، كان على خير
ونعمة، وكان الناس منه في أمان ورحمة، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة
رأيه، أو يبثه ذات نفسه.
كذلك كان علم مصر وإمامها، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها
شكرا لا انقضاء له ولا حد.
شكوت إليه وجدي، وشكأ إلي مثل ذلك وجدا وضيقا، وكانت
ساعة موفقة أوحت إلينا التفكير فيما يجمع الله به الكلمة، ويلم به شعث
الأمة، فكان مما اتفقنا عليه أن الطائفتين - الشيعة والسنة - مسلمون يدينون
حقا بدين الاسلام الحنيف، فهم فيما جاء الرسول به سواء، ولا اختلاف
بينهم في أصل أساسي يفسد التلبس بالمبدأ الاسلامي الشريف، ولا نزاع
بينهم إلا ما يكون بين المجتهدين في بعض الأحكام لاختلافهم فيما
يستنبطونه من الكتاب أو السنة، أو الاجماع أو الدليل الرابع، وذلك لا
يقضي بهذه الشقة السحيقة، ولا بتجشم هذه المهاوي العميقة، إذن أي
داع أثار هذه الخصومة المتطاير شررها منذ كان هذان الاسمان - سنة
وشيعة - إلى آخر الدوران.
ونحن لو محصنا التاريخ الاسلامي، وتبينا ما نشأ فيه من عقائد وآراء
ونظريات، لعرفنا أن السبب الموجب لهذا الاختلاف إنما هو ثورة لعقيدة،
ودفاع عن نظرية أو تحزب لرأي، وإن أعظم خلاف وقع بين الأمة،
اختلافهم في الإمامة فإنه ما سل سيف في الاسلام على قاعدة دينية مثل ما
سل على الإمامة، فأمر الإمامة إذن من أكبر الأسباب المباشرة لهذا
الاختلاف، وقد طبعت الأجيال المختلفة في الإمامة على حب هذه
العصبية، وألفت هذه الحزبية، بدون تدبر وبدون روية ولو أن كلا من
الطائفتين نظرت في بينات الأخرى نظر المتفاهم لا نظر الساخط المخاصم،
51

لحصحص الحق، وظهر الصبح لذي عينين.
وقد فرضنا على أنفسنا أن نعالج هذه المسألة بالنظر في أدلة
الطائفتين، فنفهمهما فهما صحيحا، من حيث لا نحس إحساسنا المجلوب
من المحيط والعادة والتقليد بل نتعرى من كل ما يحوطنا من العواطف
والعصبيات، ونقصد الحقيقة من طريقها المجمع على صحته، فنلمسها
لمسا، فلعل ذلك يلفت أذهان المسلمين، ويبعث الطمأنينة في نفوسهم،
بما يتحرر ويتقرر عندنا من الحق فيكون حدا ينتهي إليه إن شاء الله تعالى.
لذلك قررنا أن يتقدم هو بالسؤال خطا عما يريد، فأقدم له الجواب
بخطي على الشروط الصحيحة، مؤيدا بالعقل أو بالنقل الصحيح عند
الفريقين.
وجرت بتوفيق الله عز وجل على هذا مراجعاتنا كلها، وكنا أردنا
يومئذ طبعها لنتمتع بنتيجة عملنا الخالص لوجه الله عز وجل، ولكن الأيام
الجائرة، والأقدار الغالبة اجتاحه العزم على ذلك، " ولعل الذي أبطأ عني
هو خير لي ".
وأنا لا أدعي أن هذه الصحف صحف تقتصر على النصوص التي
تألفت يومئذ بيننا، ولا أن شيئا من ألفاظ هذه المراجعات خطه غير قلمي،
فإن الحوادث التي أخرت طبعها فرقت وضعها أيضا - كما قلنا - غير أن
المحاكمات في المسائل التي جرت بيننا موجودة بين هاتين الدفتين بحذافيرها
مع زيادات اقتضتها الحال، ودعا إليها النصح والارشاد، وربما جر إليها
السياق على نحو لا يخل بما كان بيننا من الاتفاق.
وإني لأرجو اليوم ما رجوته أمس: أن يحدث هذا الكتاب إصلاحا
وخيرا، فإن وفق إلى عناية المسلمين به، وإقبالهم عليه فذلك من فضل
52

ربي، وذلك أرجا ما أرجوه من عملي، إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وإني لأهدي كتابي هذا إلى أولي الألباب من كل علامة محقق،
وبحاثة مدقق، لابس الحياة العلمية فمحص حقائقها، ومن كل حافظ
محدث جهبذ حجة في السنن والآثار، وكل فيلسوف متضلع في علم
الكلام، وكل شاب حي مثقف حر قد تحلل من القيود وتملص من الأغلال
ممن نؤملهم للحياة الجديدة الحرة، فإن تقبله كل هؤلاء واستشعروا منه
فائدة في أنفسهم، فإني على خير وسعادة.
وقد جهدت في إخراج هذا الكتاب، بنحت الجواب فيه على النحو
الأكمل من كل الجهات، وقصدت به إلهام المنصفين فكرته وذو؟ ه، بدليل
لا يترك خليجة، وبرهان لا يدع وليجة، وعنيت بالسنن الصحيحة
والنصوص الصريحة، عناية أغنى بها هذا الكتاب عن مكتبة حافلة مؤثلة
بأنفس كتب الكلام والحديث والسير ونحوها مما يتصل بهذا الموضوع
الخطير، بفلسفة معتدلة كل الاعتدال، صادقة كل الصدق، وبأساليب
تفرض على من ألم به أن يسيروا خلفه وهم - أعني منصفيهم - له تابعون،
من أوله إلى الفقرة الأخيرة منه، فإن ظفر كتابي بالقراء المنصفين فذلك ما
أبتغيه، وأحمد الله عليه.
أما أنا فمستريح والحمد لله إلى هذا الكتاب راض عن حياتي بعده،
فإنه عمل كما أعتقد يجب أن ينسيني ما سئمت من تكاليف الحياة الشاقة،
وهموم الدهر الفاقرة، وكيد العدو الذي لا أشكوه إلا إلى الله تعالى،
وحسبه الله حاكما، ومحمد خصيما، ودع عنك نهبا صيح في حجراته، إلى
ما كان من محن متدفقة كالسيل الآتي من كل جانب، محفوفة بالبلاء،
53

مقرونة بالضيق والاكفهرار، إلا أن حياتي الخالدة بهذا الكتاب حياة رحمة
في الدنيا والآخرة، ترضى بها نفسي، ويستريح إليها ضميري، فأرجو من
الله سبحانه أن يتقبل عملي، ويتجاوز عن خطأي وزللي، ويجعل أجري
عليه نفع المؤمنين وهدايتهم به (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم
ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك
اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين).
54

المراجعة 1 رقم: 6 ذي القعدة سنة 1329
1 - تحية المناظر
2 - استئذانه في المناظرة
1 - سلام على الشريف العلامة الشيخ (1) عبد الحسين شرف
الدين الموسوي ورحمة الله وبركاته.
إني لم أتعرف فيما مضى من أيامي دخائل الشيعة، ولم أبل
أخلاقهم، إذ لم أجالس آحادهم، ولم أستبطن سوادهم. وكنت متلعلعا
إلى محاضرة أعلامهم، حران الحوانح إلى تخلل عوامهم، بحثا عن
آرائهم، وتنقيبا عن أهوائهم، فلما قدر الله وقوفي على ساحل عيلمك
المحيط، وأرشفتني ثغرى كأسك المعين، شفى الله بسائغ فراتك أو أمي،
ونضح عطشي، وألية بمدينة علم الله - جدك المصطفى - وبابها - أبيك
المرتضى - إني لم أذق شربة أنقع لغليل، ولا أنجع لعليل، من سلسال
منهلك السلسبيل، وكنت أسمع أن من رأيكم - معشر الشيعة - مجانبة
إخوانك - أهل السنة - وانقباضكم عنهم، وأنكم تأنسون بالوحشة
وتخلدون إلى العزلة، وأنكم. وأنكم (2). لكني رأيت منك شخصا رقيق
المنافثة دقيق المباحثة، شهي المجاملة، قوي المجادلة، لطيف المفاكهة،
55

شريف المعاركة، مشكور الملابسة، مبرور المنافسة، فإذا الشيعي ريحانة
الجليس، ومنية كل أديب.
2 - وإني لواقف على ساحل بحرك اللجي، أستأذنك في
في خوض عبابه والغوص على درره، فإن أذنت غصنا على دقائق
وغوامض تحوك في صدري منذ أمد بعيد، وإلا فالأمر إليك، وما أنا فيما
أرفعه بباحث عن عثرة، أو متتبع عورة، ولا بمفند أو مندد، وإنما أنا نشاد
ضالة، وبحاث عن حقيقة، فإن تبين الحق، فإن الحق أحق أن يتبع وإلا
فإنا كما قال القائل:
نحن بما عندنا وأنت بما عن‍ * - دك راض والرأي مختلف
وسأقتصر - إن أذنت - في مراجعتي إياك على مبحثين، أحدهما في إمامة
المذهب أصولا وفروعا وثانيهما (1) في الإمامة العامة، وهي الخلافة عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وسيكون توقيعي في أسفل مراجعاتي كلها (س) فليكن
توقيعك (ش) وأسلفك رجاء العفو عن كل هفو والسلام.
س
المراجعة 2 رقم: 6 ذي القعدة سنة 1329
1 - رد التحية
2 - الإذن في المناظرة
1 - السلام على مولانا شيخ الاسلام (3) ورحمة الله وبركاته.
خولتني بكتابك العطوف من النعم، وأوليتني به من المنن ما يعجز

(1) بسم الله الرحمن الرحيم لم يكتف بالاستئذان حتى بين فيه الموضوع الذي ستدور عليه رحى
البحث بيننا، وهذا من كماله وآدابه في المناظرة، ولا يخفى لطف الرمزين (س. و. ش) ومناسبتهما،
فإن السين إشارة إلى اسمه سليم وكونه سنيا، والشين إشارة إلى لقبي (شرف الدين) وكوني شيعيا.
56

عن أداء حقه لسان الشكر، ولا يستوفي بعض فرائضه عمر الدهر.
رميتني بآمالك ونزعت إلي برجائك، وأنت قبلة الراجي، وعصمة
اللاجي، وقد ركبت من سوريا إليك ظهور الآمال، وحططت بفنائك ما
شددت من الرحال، منتجعا علمك، مستمطرا فضلك، وسأنقلب عنك
حي الرجاء، قوي الأمل، إلا أن يشاء الله تعالى.
2 - استأذنت في الكلام - ولك الأمر والنهي - فسل عما أردت، وقل ما
شئت، ولك الفضل، بقولك الفصل، وحكمك العدل وعليك السلام.
ش
57

المبحث الأول
في إمامة المذهب
المراجعة 3 رقم: 7 ذي القعدة سنة 1329
1 - لم لا تأخذ الشيعة بمذاهب الجمهور
2 - الحاجة إلى الاجتماع
3 - لا يلم الشعث إلا بمذاهب الجمهور
1 - إنما أسألك الآن عن السبب في عدم أخذكم بمذاهب الجمهور من
المسلمين، أعني مذهب الأشعري في أصول الدين، والمذاهب الأربعة في
الفروع، وقد دان بها السلف الصالح، ورأوها أعدل المذاهب وأفضلها،
واتفقوا على التعبد بها في كل عصر ومصر، وأجمعوا على عدالة أربابها
واجتهادهم، وأمانتهم وورعهم وزهدهم ونزاهة أعراضهم، وعفة
نفوسهم، وحسن سيرتهم، وعلو قدرهم علما وعملا.
2 - وما أشد حاجتنا اليوم إلى وصل حبل الشمل، ونظم عقد الاجتماع
بأخذكم بتلك المذاهب تبعا للرأي العام الاسلامي، وقد عقد أعداء الدين
ضمائرهم على الغدر بنا وسلكوا في نكايتنا كل طريق، أيقظوا لذلك
59

آراءهم، وأسهروا قلوبهم، والمسلمون غافلون، كأنهم في غمرة ساهون،
وقد أعانوهم على أنفسهم، حيث صدعوا شعبهم، ومزقوا بالتحزب
والتعصب شملهم، فذهبوا أيادي، وتفرقوا قددا، يضلل بعضهم
بعضا، ويتبرأ بعضهم من بعض، وبهذا ونحوه افترستنا الذئاب،
وطمعت بنا الكلاب.
3 - فهل تجدون غير الذي قلناه، هداكم الله إلى لم هذا الشعث
سبيلا، فقل تسمع ومر تطع، ولك السلام.
س
المراجعة 4 رقم: 8 ذي القعدة سنة 1329
1 - الأدلة الشرعية تفرض مذهب أهل البيت
2 - لا دليل على وجوب الأخذ بمذاهب الجمهور
3 - أهل القرون الثلاثة لا يعرفونها
4 - الاجتهاد ممكن
5 - يلم الشعث باحترام مذهب أهل البيت
1 - إن تعبدنا في الأصول بغير المذهب الأشعري وفي الفروع بغير
المذاهب الأربعة لم يكن لتحزب أو تعصب، ولا للريب في اجتهاد أئمة تلك
المذاهب، ولا لعدم عدالتهم وأمانتهم ونزاهتهم وجلالتهم علما وعملا.
لكن الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذهب الأئمة من أهل
بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل،
فانقطعنا إليهم في فروع الدين وعقائده، وأصول الفقه وقواعده، ومعارف
السنة والكتاب، وعلوم الأخلاق والسلوك والآداب، نزولا على حكم
60

الأدلة والبراهين، وتعبدا بسنة سيد النبيين والمرسلين، صلى الله عليه وآله
وعليهم أجمعين.
ولو سمحت لنا الأدلة بمخالفة الأئمة من آل محمد، أو تمكنا من
تحصيل نية القربة لله سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم لقصصنا أثر
الجمهور، وقفونا إثرهم، تأكيدا لعقد الولاء، وتوثيقا لعرى الإخاء،
لكنها الأدلة القطعية تقطع على المؤمن وجهته، وتحول بينه وبين ما يروم.
2 - على أنه لا دليل للجمهور على رجحان شئ من مذاهبهم، فضلا
عن وجوبها وقد نظرنا في أدلة المسلمين نظر الباحث المحقق بكل دقة
واستقصاء، فلم نجد فيها ما يمكن القول بدلالته على ذلك، إلا ما ذكرتموه
من اجتهاد أربابها وأمانتهم وعدالتهم وجلالتهم.
لكنكم تعلمون أن الاجتهاد والأمانة والعدالة والجلالة غير محصورة
بهم، فكيف يمكن - والحال هذه - أن تكون مذاهبهم واجبة على سبيل
التعيين؟
وما أظن أحدا يجرؤ على القول بتفضيلهم - في علم أو عمل - على
أئمتنا وهم أئمة العترة الطاهرة وسفن نجاة الأمة، وباب حطتها، وأمانها
من الاختلاف في الدين، وأعلام هدايتها، وثقل رسول الله، وبقيته في
أمته، وقد قال صلى الله عليه وآله: فلا تقدموهم فتهلكوا، ولا
تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم (4) لكنها السياسة،
وما أدراك ما اقتضت في صدر الاسلام.
والعجب من قولكم أن السلف الصالح دانوا بتلك المذاهب،
ورأوها أعدل المذاهب وأفضلها، واتفقوا على التعبد بها في كل عصر
ومصر، كأنكم لا تعلمون بأن الخلف والسلف الصالحين من شيعة آل
61

محمد - وهم نصف المسلمين في المعنى - إنما دانوا بمذهب الأئمة من ثقل
رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم يجدوا عنه حولا، وأنهم على
ذلك من عهد علي وفاطمة إلى الآن، حيث لم يكن الأشعري ولا واحد من
أئمة المذاهب الأربعة ولا آباؤهم، كما لا يخفى.
3 - على أن أهل القرون الثلاثة مطلقا لم يدينوا بشئ من تلك
المذاهب أصلا، وأين كانت تلك المذاهب عن القرون الثلاثة؟ - وهي خير
القرون - وقد ولد الأشعري سنة سبعين ومئتين، ومات سنة نيف وثلاثين
وثلاث مئة (5) وابن حنبل ولد سنة أربع وستين ومئة، ومات سنة إحدى
وأربعين ومئتين (6) والشافعي ولد سنة خمسين ومئة، وتوفي سنة مئتين
وأربع (7) وولد مالك سنة خمس وتسعين (1) ومات سنة تسع وسبعين ومئة
(8) وولد أبو حنيفة سنة ثمانين، وتوفي سنة خمسين ومئة (9). والشيعة
يدينون بمذهب الأئمة من أهل البيت - وأهل البيت أدرى بالذي فيه -
وغير الشيعة يعملون بمذاهب العلماء من الصحابة والتابعين، فما الذي
أوجب على المسلمين كافة بعد القرون الثلاثة - تلك المذاهب دون غيرها
من المذاهب التي كان معمولا بها من ذي قبل؟ وما الذي عدل بهم عن
أعدال كتاب الله وسفرته وثقل رسول الله وعيبته، وسفينة نجاة الأمة
وقادتها وأمانها وباب حطتها؟!

(1) ذكر ابن خلكان في أحوال مالك من وفيات الأعيان أن مالكا بقي جنينا في بطن أمه ثلاث
سنوات، ونص على ذلك ابن قتيبة حيث ذكر مالكا في أصحاب الرأي من كتابه المعارف ص 170،
وحيث أورد جماعة زعم أنهم قد حملت بهم أمهاتهم أكثر من وقت الحمل صفحة 198
من المعارف أيضا.
62

4 - وما الذي ارتج باب الاجتهاد في وجوه المسلمين بعد أن كان في
القرون الثلاثة مفتوحا على مصراعيه؟ لولا الخلود إلى العجز والاطمئنان إلى
الكسل والرضا بالحرمان، والقناعة بالجهل، ومن ذا الذي يرضى لنفسه
أن يكون - من حيث يشعر أو لا يشعر - قائلا بأن الله عز وجل لم يبعث أفضل
أنبيائه ورسله بأفضل أديانه وشرائعه؟ ولم ينزل عليه أفضل كتبه وصحفه،
فأفضل حكمه ونواميسه، ولم يكمل له الدين، ولم يتم عليه النعمة، ولم
يعلمه علم ما كان وعلم ما بقي، إلا لينتهي الأمر في ذلك كله إلى أئمة تلك
المذاهب فيحتكروه لأنفسهم، ويمنعوا من الوصول إلى شئ منه عن طريق
غيرهم، حتى كأن الدين الاسلامي بكتابه وسنته، وسائر بيناته وأدلته من
أملاكهم الخاصة، وأنهم لم يبيحوا التصرف به على غير رأيهم، فهل كانوا
ورثة الأنبياء، أم ختم الله بهم الأوصياء والأئمة، وعلمهم علم ما كان
وعلم ما بقي، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين؟ كلا بل كانوا كغيرهم
من أعلام العلم ورعاته، وسدنته ودعاته، وحاشا دعاة العلم أن يوصدوا
بابه، أو يصدوا عن سبيله، وما كانوا ليعتقلوا العقول والأفهام ولا ليسملوا
أنظار الأنام، ولا ليجعلوا على القلوب أكنة، وعلى الأسماع وقرا، وعلى
الأبصار غشاوة، وعلى الأفواه كمامات، وفي الأيدي والأعناق أغلالا وفي
الأرجل قيودا، لا ينسب ذلك إليهم إلا من افترى عليهم، وتلك أقوالهم
تشهد بما نقول.
5 - هلم بنا إلى المهمة التي نبهتنا إليها من لم شعث المسلمين، والذي
أراه أن ذلك ليس موقوفا على عدول الشيعة عن مذهبهم، ولا على عدول
السنة عن مذهبهم وتكليف الشيعة بذلك دون غيرهم ترجيح بلا مرجح،
بل ترجيح للمرجوح، بل تكليف بغير المقدور، كما يعلم مما قدمناه.
نعم يلم الشعث وينتظم عقد الاجتماع بتحريركم مذهب أهل
63

البيت، واعتباركم إياه كأحد مذاهبكم، حتى يكون نظر كل من الشافعية
والحنفية والمالكية والحنبلية إلى شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كنظر
بعضهم إلى بعض، وبهذا يجتمع شمل المسلمين وينتظم عقد اجتماعهم.
والاختلاف بين مذاهب أهل السنة لا يقل عن الاختلاف بينها وبين
مذهب الشيعة (10) تشهد بذلك الألوف المؤلفة في فروع الطائفتين
وأصولهما، فلماذا ندد المنددون منكم بالشيعة في مخالفتهم لأهل السنة، ولم
ينددوا بأهل ألسنة في مخالفتهم للشيعة (11)؟ بل في مخالفة بعضهم لبعض،
فإذا جاز أن تكون المذاهب أربعة، فلماذا لا يجوز أن تكون خمسة؟ وكيف
يمكن أن تكون الأربعة موافقة لاجتماع المسلمين، فإذا زادت مذهبا خامسا تمزق
الاجتماع، وتفرق المسلمون طرائق قددا؟ وليتكم إذا دعوتمونا إلى الوحدة
المذهبية دعوتم أهل المذاهب الأربعة إليها، فإن ذلك أهون عليكم
وعليهم (12) ولم خصصتمونا بهذه الدعوة؟ فهل ترون أتباع أهل البيت سببا
في قطع حب الشمل ونثر عقد الاجتماع، وأتباع غيرهم موجبا لاجتماع
القلوب واتحاد العزائم وإن اختلفت المذاهب والآراء، وتعددت المشارب
والأهواء، ما هكذا الظن بكم، ولا المعروف من مودتكم في القربى
والسلام.
س
المراجعة 5 رقم: 9 ذي القعدة سنة 1329
1 - اعترافه بما قلنا
2 - التماسه الدليل على سبيل التفصيل
1 - أخذت كتابك الكريم مبسوط العبارة، مشبع الفصول،
مقبول الأطناب، حسن التحرير، شديد المراء قوي اللداد، لم يدخر
64

وسعا في بيان عدم وجوب اتباع شئ من مذاهب الجمهور في الأصول
والفروع، ولم يأل جهدا في إثبات بقاء باب الاجتهاد مفتوحا.
فكتابك قوي الحجة في المسألتين، صحيح الاستدلال على كل
منهما، ونحن لا ننكر عليك الامعان في البحث عنهما، واستجلاء
غوامضهما، وإن لم يسبق منا التعرض لهما صريحا - والرأي فيهما ما
رأيت -.
2 - وإنما سألناك عن السبب في إعراضكم عن تلك المذاهب
التي أخذ بها جمهور المسلمين، فأجبت بأن السبب في ذلك إنما هو
الأدلة الشرعية وكان عليك بيانها تفصيلا، فهل لك أن تصدع الآن
بتفصيلها من الكتاب أو السنة أدلة قطعية تقطع - كما ذكرت - على
المؤمن وجهته، وتحول بينه وبين ما يروم، ولك الشكر والسلام.
س
المراجعة 6 رقم: 12 ذي القعدة سنة 1329
1 - الالماع إلى الأدلة على وجود أتباع العترة.
2 - أمير المؤمنين يدعو إلى مذهب أهل البيت
3 - كلمة للإمام زين العابدين في ذلك
إنكم (بحمد الله) ممن تغنيه الكتابة عن التصريح، ولا يحتاج
مع الإشارة إلى توضيح، وحاشا لله أن تخالطكم - في أئمة العترة
الطاهرة - شبهة، أو تلابسكم - في تقديمهم على من سواهم - غمة،
وقد آذن أمرهم بالجلاء، فأربوا على الأكفاء وتميزوا عن النظراء،
65

حملوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علوم النبيين، وعقلوا
عنه أحكام الدنيا والدين.
1 - ولذا قرنهم بمحكم الكتاب وجعلهم قدوة لأولي الألباب،
وسفنا للنجاة إذا طغت لجج النفاق، وأمانا للأمة من الاختلاف إذا
عصفت عواصف الشقاق، وباب حطة يغفر لمن دخلها، والعروة
الوثقى لا انفصام لها (13).
2 - وقد قال أمير المؤمنين (1) " فأين تذهبون وأنى تؤفكون؟،
والأعلام قائمة والآيات واضحة، والمنار منصوبة فأين يتاه بكم، بل
كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق، وأعلام الدين
وألسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم
العطاش. أيها الناس خذوها (2) من خاتم النبيين صلى الله عليه وآله
وسلم إنه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلى من بلي منا وليس
ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون فإن أكثر الحق فيما تنكرون، وأعذروا
من لا حجة لكم عليه وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر (3)
وأترك فيكم الثقل الأصغر، وركزت فيكم راية الإيمان.... الخ "
(14) وقال عليه السلام (4): " انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم
واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى، فإن

(1) كما في صفحة 152 من الجزء الأول من النهج من الخطبة 83.
(2) أي خذوا هذه القضية عنه صلى الله عليه وآله وهي (إنه يموت الميت من أهل البيت وهو
في الحقيقة غير ميت) لبقاء روحه ساطعة النور في عالم الظهور، كذا قال الشيخ محمد عبده وغيره.
(3) عمل أمير المؤمنين بالثقل الأكبر وهو القرآن، وترك الثقل الأصغر وهو ولداه، ويقال
عترته قدوة للناس كذا قال الشيخ محمد عبده وغيره من شارحي النهج.
(4) كما في صفحة 189 من الجزء الأول من النهج من الخطبة 93.
66

لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتظلوا، ولا
تتأخروا عنهم فتهلكوا " (15) وذكرهم عليه السلام مرة فقال (1): " هم
عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم
عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا
يختلفون فيه، هم دعائم الاسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق
في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته،
عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية فإن رواة العلم
كثير ورعاته قليل " (16). وقال عليه السلام من خطبة أخرى (2)
" عترته خير العتر وأسرته خير الأسر وشجرته خير الشجر نبتت في
حرم وبسقت في كرم لها فروع طوال وثمرة لا تنال " (17).
وقال عليه السلام (3): " نحن الشعار والأصحاب والخزنة
والأبواب، ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها
سمي سارقا - إلى أن قال في وصف العترة الطاهرة -: فيهم كرائم
القرآن وهم كنوز الرحمن، إن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يسبقوا،
فليصدق رائد أهله، وليحضر عقله " (18)، الخطبة. وقال عليه
السلام من خطبة له (4) " واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا
الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه،
ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، فالتمسوا ذلك من عند أهله،

(1) كما في صفحة 259 من الجزء الثاني من النهج من الخطبة 234.
(2) كما في صفحة 185 من الجزء الأول من النهج من الخطبة 90.
(3) كما في صفحة 58 من الجزء الثاني من النهج من الخطبة 150.
(4) كما في صفحة 43 من الجزء الثاني من النهج من الخطبة 143 [طبعة الاستقامة]
67

فإنهم عيش العلم، وموت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن
علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون
الدين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق "
(19). إلى كثير من النصوص المأثورة عنه في هذا الموضوع نحو قوله
عليه السلام: " بنا اهتديتم في الظلماء، وتسنمتم العلياء، وبنا
انفجرتم عن السرار (1) وقر سمع لم يفقه الواعية " (20)،
الخطبة (2) وقوله (3): " أيها الناس استصبحوا من شعلة مصباح
واعظ متعظ، وامتاحوا من صفو عين قد روقت من الكدر " (21)
الخطبة.
وقوله (4): " نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف
الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم - ناظرنا ومحبنا ينتظر الرحمة،
وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة " (22).
وقوله (5): " أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا

(1) قال الشيخ محمد عبده في تعليقه: السرار - كسحاب وكتاب - آخر ليلة من الشهر يختفي فيها
القمر. وانفجرتم: دخلتم في الفجر، والمراد كنتم في ظلام حالك، وهو ظلام الشرك والضلال،
فصرتم إلى ضياء ساطع بهدايتنا وإرشادنا. والضمير لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم والإمام ابن عمه
ونصيره في دعوته.
(2) هي الخطبة 3 صفحة 33 من الجزء الأول من النهج [طبعة الاستقامة بمصر]
(3) كما في الصفحة 201 من الجزء الأول من النهج من الخطبة 101 [ط الاستقامة بمصر].
(4) في آخر الخطبة 105 آخر صفحة 214 من الجزء الأول من النهج. وقال ابن
عباس " نحن أهل البيت شجرة النبوة ومختلف الملائكة وأهل بيت الرسالة وأهل بيت الرحمة
ومعدن العلم " نقل هذه الكلمة عنه جماعة من إثبات السنة، وهي موجودة في آخر باب
خصوصياتهم صفحة 142 من الصواعق المحرقة لابن حجر [ط الميمنية بمصر 1312 ه‍].
(5) من كلام له 140 صفحة 36 من الجزء الثاني من النهج [ط الاستقامة.
68

علينا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم. بنا
يستعطى الهدى ويستجلى العمى. إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا
البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من
غيرهم - إلى أن قال عمن خالفهم -: آثروا عاجلا وأخروا آجلا،
وتركوا صافيا، وشربوا آجنا " (23) إلى آخر كلامه. وقوله (1) " فإنه
من مات منكم على فراشه، وهو على معرفة حق ربه، وحق رسوله،
وأهل بيته، مات شهيدا ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما
نوى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه " (24).
وقوله عليه السلام: " نحن النجباء، وأفراطنا إفراط الأنبياء،
وحزبنا حزب الله عز وجل، والفئة الباغية حزب الشيطان، ومن
سوى بيننا وبين عدونا فليس منا (2) " (25). وخطب الإمام المجتبى
أبو محمد الحسن السبط سيد شباب أهل الجنة فقال: " اتقوا الله فينا
فإنا أمراؤكم " (26) الخطبة (3).
3 - وكان الإمام أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين وسيد
الساجدين، إذا تلا قوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا
مع الصادقين) * يدعو الله عز وجل دعاء طويلا، يشتمل على طلب
اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية، ويتضمن وصف المحن
وما انتحلته المبتدعة المفارقة لأئمة الدين، والشجرة النبوية ثم يقول:

(1) في آخر الخطبة 185 صفحة 156 من الجزء الثاني من النهج [ط الاستقامة].
(2) نقل هذه الكلمة عنه جماعة كثيرون أحدهم ابن حجر في آخر باب خصوصياتهم من آخر
الصواعق صفحة 142 وقد أرجف فأجحف.
(3) راجعها في أواخر باب وصية النبي بهم من الصواعق المحرقة لابن حجر صفحة 137 [ط
الميمنية بمصر 1312 ه‍ وهذه النسخة هي التي ينقل عنها المؤلف (ره)].
69

" وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن،
فتأولوا بآرائهم، واتهموا مأثور الخبر فينا - إلى أن قال: فإلى من
يفزع خلف هذه الأمة، وقد درست أعلام هذه الملة، ودانت الأمة
بالفرقة والاختلاف، يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول: * (ولا
تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) * فمن
الموثوق به على إبلاغ الحجة، وتأويل الحكم؟ إلا أعدال الكتاب وأبناء
أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، الذين احتج الله بهم على عباده، ولم
يدع الخلق سدى من غير حجة هل تعرفونهم أو تجدونهم؟ إلا من
فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم
الرجس، وطهرهم تطهيرا، وبرأهم من الآفات، وافترض مودتهم في
الكتاب " (27). هذا كلامه (1) عليه السلام بعين لفظه. فأمعن النظر
فيه، وفيما تلوناه عليك من كلام أمير المؤمنين، تجدهما يمثلان مذهب
الشيعة في هذا الموضوع بأجلى مظاهره. واعتبر هذه الجملة من
كلامهما، نموذجا لأقوال سائر الأئمة من أهل البيت، فإنهم مجمعون
على ذلك، وصحاحنا عنهم في هذا متواترة. والسلام.
ش
المراجعة 7 رقم: 13 ذي القعدة سنة 1329.
1 - طلب البينة من كلام الله ورسوله.
2 - الاحتجاج بكلام أئمة أهل البيت دوري
1 - هاتها بينة من كلام الله ورسوله، تشهد لكم بوجوب اتباع

(1) فراجعه في صفحة 90 من الصواعق المحرقة لابن حجر في تفسير الآية الخامس " واعتصموا
بحبل الله جميعا " من الآيات التي أوردها في الفصل الأول من الباب 11.
70

الأئمة من أهل البيت دون غيرهم، ودعنا من هذا المقام في كلام غير
الله ورسوله.
2 - فإن كلام أئمتكم لا يصلح لأن يكون حجة على خصومهم
والاحتجاج به في هذه المسألة دوري كما تعلمون. والسلام.
س
المراجعة 8 رقم: 15 ذي القعدة سنة 1329
1 - الغفلة عما أشرنا إليه 2 - الغلط في لزوم
الدور 3 - حديث الثقلين 4 - تواتره 5 -
ضلال من لم يستمسك بالعترة 6 - تمثيلهم
بسفينة نوح وباب حطة وهم الأمان من
الاختلاف في الدين - 7 - ما المراد بأهل البيت
هنا 8 - الوجه في تشبيههم بسفينة نوح وباب
حطة.
1 - نحن ما أهملنا البينة من كلام النبي صلى الله عليه وآله.
بل أشرنا إليها في أول مراجعتنا صريحة بوجوب اتباع الأئمة من أهل
البيت دون غيرهم. وذلك حيث قلنا أنه صلى الله عليه وآله
قرنهم بمحكم الكتاب، وجعلهم قدوة لأولي الألباب، وسفن
النجاة، وأمان الأمة، وباب حطة، إشارة إلى المأثور في هذه
المضامين من السنن الصحيحة، والنصوص الصريحة. وقلنا أنكم ممن
تغنيه الكناية عن التصريح، ولا يحتاج مع الإشارة إلى توضيح
2 - فكلام أئمتنا إذن يصلح - بحكم ما أشرنا إليه - لأن يكون
71

حجة على خصومهم، ولا يكون الاحتجاج به في هذه المسألة دوريا
كما تعلمون.
3 - وإليك بيان ما أشرنا إليه من كلام النبي صلى الله عليه وآله
وسلم إذا أهاب في الجاهلين، وصرخ في الغافلين، فنادى: " يا أيها
الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي
أهل بيتي " (1) (28) وقال صلى الله عليه وآله: " إني تارك
فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله حبل ممدود من
السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي
الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " (2) (29). وقال صلى الله عليه
وآله وسلم: " إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين
السماء والأرض، أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي،
وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (3) (30). وقال صلى الله عليه
وآله وسلم: " إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما
لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (4) (31) وقال صلى الله عليه وآله

(1) أخرجه الترمذي والنسائي عن جابر. ونقله عنهما المتقي الهندي في أول باب الاعتصام
بالكتاب والسنة من كنز العمال ص 44 من جزئه الأول.
(2) أخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم وهو الحديث 874 من أحاديث كنز العمال في ص 44 من
جزئه الأول.
(3) أخرجه الإمام أحمد من حديث زيد بن ثابت بطريقين صحيحين أحدهما في أول صفحة
182، والثاني في آخر صفحة 189 من الجزء الخامس من مسنده. وأخرجه الطبراني في الكبير عن زيد
بن ثابت أيضا وهو الحديث 873 من أحاديث الكنز ص 44 من جزئه الأول.
(4) أخرجه الحاكم في ص 148 من الجزء الثالث من المستدرك ثم قال: " هذا حديث صحيح
الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ". وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك معترفا بصحته على
شرط الشيخين.
72

وسلم: " إني أوشك أن أدعى، فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين:
كتاب الله عز وجل وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى
الأرض، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " (1) (32)
ولما رجع صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع، ونزل غدير
خم، أمر بدوحات فقممن فقال: " كأني دعيت فأجبت إني قد تركت
فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى وعترتي،
فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
- ثم قال -: إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن - ثم أخذ
بيد علي فقال -: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه،
وعاد من عاداه " (33) الحديث بطوله (2). وعن عبد الله بن حنطب
قال: " خطبنا رسول الله بالجحفة فقال: ألست أولى بكم من
أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال فإني سائلكم عن اثنين:
القرآن وعترتي " (3) (34).

(1) أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري من طريقين أحدهما في آخر ص 17،
والثاني في آخر ص 26 من الجزء الثالث من مسنده وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن أبي
سعيد وهو الحديث 945 من أحاديث الكنز في ص 47 من جزئه الأول.
(2) أخرجه الحاكم عن زيد بن أرقم مرفوعا في صفحة 109 من الجزء الثالث من المستدرك ثم قال
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله. وأخرجه عن طريق آخر عن زيد بن أرقم في
ص 533 من الجزء الثالث من المستدرك ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، قلت: وأورده
الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته.
(3) أخرجه الطبراني كما في أربعين الأربعين للنبهاني، وفي إحياء الميت للسيوطي، وأنت تعلم
أن خطبته صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ لم تكن مقصورة على هذه الكلمة، فإنه لا يقال عمن اقتصر
عليها إنه خطبنا، لكن السياسة كم اعتقلت السن المحدثين وحبست أقلام الكاتبين، ومع ذلك فإن
هذه القطرة من ذلك البحر، والشذرة من ذلك البذر كافية وافية والحمد لله.
73

4 - والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة،
وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة. وقد صدع بها
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواقف له شتى، تارة يوم
غدير خم كما سمعت، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع، وتارة بعد
انصرافه من الطائف، ومرة على منبره في المدينة، وأخرى في حجرته
المباركة في مرضه، والحجرة غاصة بأصحابه، إذ قال: " أيها الناس
يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول
معذرة إليكم ألا إني مخلف فيكم كتاب الله [ربي خ ل] عز وجل،
وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: " هذا علي مع
القرآن، والقرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض "
(35) الحديث (1). وقد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور، حتى
قال ابن حجر - إذ أورد حديث الثقلين -: " ثم اعلم لحديث التمسك
بهما طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا " (قال): ومر له
طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه، وفي بعض تلك الطرق أنه قال
ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه، وقد
امتلأت الحجرة بأصحابه. وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفي
أخرى أنه قال ذلك لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر
(قال): ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن
وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة " (36) إلى آخر
كلامه (2).

(1) راجعه في أواخر الفصل 2 من الباب 9 من الصواعق المحرقة لابن حجر بعد الأربعين حديثا من
الأحاديث المذكورة في ذلك الفصل ص 75.
(2) فراجعه في تفسير الآية الرابعة * (وقفوهم إنهم مسؤولون) * من آياتهم التي أوردها في الفصل
الأول من الباب 11 من صواعقه في آخر صفحة 89.
74

وحسب أئمة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة
الكتاب، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكفى بذلك
حجة تأخذ بالأعناق إلى التعبد بمذهبهم، فإن المسلم لا يرتضي
بكتاب الله بدلا، فكيف يبتغي عن اعداله حولا.
5 - على أن المفهوم من قوله: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم
به لن تضلوا كتاب الله وعترتي " إنما هو ضلال من لم يستمسك بهما
معا كما لا يخفى. ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وآله في
حديث الثقلين عند الطبراني: " فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا
عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم " (37). قال ابن حجر: " وفي
قوله صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم
فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم - دليل على أن من تأهل منهم
للمراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدما على غيره " (38) إلى
آخر كلامه (2)
6 - ومما يأخذ بالأعناق إلى أهل البيت، ويضطر المؤمن إلى
الانقطاع في الدين إليهم، قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
" ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن

(2) فراجعه في باب وصية النبي بهم ص 136 من الصواعق، ثم سله لماذا قدم الأشعري عليهم
في أصول الدين والفقهاء الأربعة في الفروع، وكيف قدم في الحديث عليهم عمران بن حطان وأمثاله من
الخوارج، وقدم في التفسير عليهم مقاتل بن سليمان المرجئ المجسم، وقدم في علم الأخلاق
والسلوك وأدواء النفس وعلاجها معروفا وأضرابه، وكيف أخر في الخلافة العامة والنيابة عن النبي
أخاه ووليه الذي لا يؤدي عنه سواه، ثم قدم فيها أبناء الوزغ على أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ومن أعرض عن العترة الطاهرة في كل ما ذكرناه من المراتب العلية والوظائف الدينية واقتفى
فيها مخاليفهم فما عسى أن يصنع بصحاح الثقلين وأمثالها، وكيف يتسنى له القول بأنه
متمسك بالعترة وراكب سفينتها وداخل باب حطتها.
75

تخلف عنها غرق " (1) (39). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إنما
مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف
عنها غرق. وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل
من دخله غفر له " (2) (40). وقوله صلى الله عليه وآله:
" النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من
الاختلاف (في الدين) فإذا خالفتها قبيلة من العرب (يعني في أحكام
الله عز وجل) اختلفوا فصاروا حزب إبليس " (3) (41). هذا غاية ما
في الوسع من إلزام الأمة باتباعهم، وردعها عن مخالفتهم. وما أظن
في لغات البشر كلها أدل من هذا الحديث على ذلك.
7 - والمراد بأهل بيته هنا مجموعهم من حيث المجموع باعتبار
أئمتهم، وليس المراد جميعهم على سبيل الاستغراق، لأن هذه المنزلة
ليست إلا لحجج الله والقوامين بأمره خاصة، بحكم العقل والنقل.
وقد اعترف بهذا جماعة من أعلام الجمهور، ففي الصواعق المحرقة
لابن حجر. وقال بعضهم: " يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم
أمان، علماؤهم لأنهم الذين يهتدى بهم كالنجوم، والذين إذا فقدوا
جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون (قال): " وذلك عند نزول
المهدي لما يأتي في أحاديثه أن عيسى يصلي خلفه، ويقتل الدجال في
زمنه، وبعد ذلك تتتابع الآيات " (42) إلى آخر كلامه (4). وذكر في

(1) أخرجه الحاكم بالإسناد إلى أبي ذر ص 151 من الجزء الثالث من صحيحه المستدرك.
(2) أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد وهذا هو الحديث 18 من الأربعين الخامسة
والعشرين من الأربعين أربعين للنبهاني ص 216 من كتابه الأربعين أربعين حديثا.
(3) أخرجه الحاكم في ص 149 من الجزء الثالث من المستدرك عن ابن عباس، ثم قال هذا
حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(4) راجعه في تفسير الآية 7 من الباب 11 ص 91 من الصواعق [ط الميمنية بمصر].
76

مقام آخر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: " ما بقاء
الناس بعدهم، قال: بقاء الحمار إذا كسر صلبه " (1) (43).
8 - وأنت تعلم أن المراد بتشبيههم عليهم السلام بسفينة نوح،
أن من لجأ إليهم في الدين فأخذ فروعه وأصوله عن أئمتهم الميامين
نجا من عذاب النار، ومن تخلف عنهم كان كمن آوى (يوم
الطوفان) إلى جبل ليعصمه من أمر الله، غير أن ذاك غرق في الماء
وهذا في الحميم والعياذ بالله. والوجه في تشبيههم عليهم السلام بباب
حطة هو أن الله تعالى جعل ذلك الباب مظهرا من مظاهر التواضع
لجلاله والخضوع لحكمه، وبهذا كان سببا للمغفرة. وقد جعل انقياد
هذه الأمة لأهل بيت نبيها والاتباع لأئمتهم مظهرا من مظاهر التواضع
لجلاله والبخوع لحكمه، وبهذا كان سببا للمغفرة. هذا وجه الشبه،
وقد حاوله ابن حجر إذ قال (2) - بعد أن أورد هذه الأحاديث وغيرها
من أمثالها -: " ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظمهم شكرا
لنعمة مشرفهم، وأخذ بهدي علمائهم نجا، من ظلمة المخالفات،
ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، وهلك في مفاوز
الطغيان). إلى أن قال (3): (وباب حطة - يعني ووجه تشبيههم

(1) فراجع آخر باب إشارته صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما حصل لهم من الشدة بعده، ص 143
من أواخر الصواعق، ونحن نسأل ابن حجر فنقول له: إذا كانت هذه منزلة علماء أهل البيت فأنى
تصرفون.
(2) في تفسير الآية 7 من الباب 11 ص 91 من الصواعق [ط الميمنية بمصر]
(3) راجع كلامه هذا ثم قل لي لماذا لم يأخذ بهدي أئمتهم في شئ من فروع الدين وعقائده، ولا في
شئ من أصول الفقه وقواعده، ولا في شئ من علوم السنة والكتاب، ولا في شئ من الأخلاق
والسلوك والآداب، ولماذا تخلف عنهم فأغرق نفسه في بحار كفر النعم، وأهلكها في مفاوز الطغيان
سامحه الله بكل ما أرجف بنا، وتحامل بالبهتان علينا.
77

بباب حطة - أن الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب
أريحاء أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سببا للمغفرة، وجعل
لهذه الأمة مودة أهل البيت سببا لها " (44) ا ه‍. والصحاح في
وجوب اتباعهم متواترة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة، ولولا
خوف السأم، لأطلقنا في استقصائها عنان القلم، لكن الذي ذكرناه
كاف لما أردناه... والسلام.
ش
المراجعة 9 رقم: 17 ذي القعدة سنة 1329
طلب المزيد من النصوص في هذه المسألة
أطلق عنان القلم، ولا تخف من سأم فإن أذني لك صاغية،
وصدري رحب، وأنا في أخذ العلم عنك على جمام من نفسي،
وارتياح من طبعي، وقد ورد علي من أدلتك وبيناتك ما استأنف
نشاطي، وأطلق عن نفسي عقال السأم، فزدني من جوامع كلمك،
ونوابغ حكمك، فإني ألتمس في كلامك ضوال الحكمة، وأنه لأندى
على فؤادي من زلال الماء، فزدني منه لله أبوك زدني. والسلام.
س
المراجعة 10 رقم: 19 ذي القعدة سنة 1329
لمعة من النصوص كافية
لئن تلقيت مراجعتي بأنسك، وأقبلت عليها وأنت على جمام من
نفسك فطالما عقدت آمالي بالفوز، وذيلت مسعاي بالنجح، وأن من
78

كان طاهر النية، طيب الطوية، متواضع النفس، مطرد الخلق،
رزين الحصاة، متوجا بالعلم، محتبيا بنجاد الحلم، لحقيق بأن يتمثل
الحق في كلمه وقلمه، ويتجلي الإنصاف والصدق في يده وفمه.
وما أولاني بشكرك، وامتثال أمرك، إذ قلت زدني وهل فوق
هذا من لطف وعطف وتواضع، فلبيك لبيك لأنعمن والله عينيك
فأقول:
أخرج الطبراني في الكبير، والرافعي في مسنده بالإسناد إلى ابن
عباس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من سره أن
يحيا حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا
من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم
عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين
بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي " (1)
(45).
وأخرج مطير، والبارودي، وابن جرير، وابن شاهين، وابن
منده، من طريق إسحاق، عن زياد بن مطرف قال: " سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أحب أن يحيا حياتي
ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي، وهي جنة الخلد فليتول

(1) هذا الحديث بعين لفظه هو الحديث 3819 من أحاديث الكنز في آخر ص 217 من جزئه 6.
وقد أورده في منتخب الكنز أيضا فراجع من المنتخب ما هو في أوائل هامش ص 94 من الجزء 5 من مسند
أحمد غير أنه قال ورزقوا فهمي ولم يقل وعلمي ولعله غلط من الناسخ. وأخرجه الحافظ أبو نعيم في حليته
ونقله عنه علامة المعتزلة في ص 450 من المجلد الثاني من شرح النهج طبع مصر، ونقل نحوه في ص 449
عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل في كل من مسنده وكتاب مناقب علي بن أبي طالب.
79

عليا وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم باب هدى، ولن يدخلوكم
باب ضلالة (1) (46).
ومثله حديث زيد بن أرقم قال: " قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: من يريد أن يحيا حياتي، ويموت موتي، ويسكن
جنة الخلد التي وعدني ربي، فليتول علي بن أبي طالب، فإنه لن
يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة " (2) (47).
وكذلك حديث عمار بن ياسر قال: " قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي
طالب، فمن تولاه فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله، ومن
أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد
أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل " (3) (49). وعن عمار

(1) وهذا الحديث هو الحديث 2578 من أحاديث الكنز في ص 155 من جزئه 6. وأورده في المنتخب
أيضا، فراجع من المنتخب ما هو في السطر الأخير من هامش ص 32 من الجزء 5 من مسند أحمد وأورده
ابن حجر العسقلاني مختصرا في ترجمة زياد بن مطرف في القسم الأول من إصابته ثم قال قلت في إسناده يحيى
بن يعلى المحاربي وهو واهي. أقول هذا غريب من مثل العسقلاني فإن يحيى بن يعلى المحاربي ثقة
بالاتفاق، وقد أخرج له البخاري في عمرة الحديبية من صحيحه. وأخرج له مسلم في الحدود من
صحيحه أيضا، سمع أباه عند البخاري وسمع عند مسلم غيلان بن جامع. وأرسل الذهبي في الميزان
توثيقه إرسال المسلمات. وعده الإمام القيسراني وغيره ممن احتج بهم الشيخان وغيرهما (48).
(2) أخرجه الحاكم في آخر ص 128 من الجزء 3 من صحيحه المستدرك ثم قال هذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأخرجه الطبراني في الكبير وأبو نعيم في فضائل الصحابة وهو الحديث
2577 من أحاديث الكنز في ص 155 من جزئه 6، وأورده في منتخب الكنز أيضا فراجع هامش ص 32
من الجزء 5 من المسند.
(3) أخرجه الطبراني في الكبير، وابن عساكر في تاريخه، وهو الحديث 2571 من أحاديث
الكنز، في آخر ص 154 من جزئه 6.
80

أيضا مرفوعا: " اللهم من آمن بي وصدقني، فليتول علي بن أبي
طالب، فإن ولايته ولايتي، وولايتي ولاية الله تعالى " (1) (50).
وخطب صلى الله عليه وآله مرة فقال: " يا أيها الناس إن
الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذريته، فلا تذهبن بكم
الأباطي " (2) (51) وقال صلى الله عليه وآله: " في كل خلف
من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف
الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ألا وإن أئمتكم وفدكم
إلى الله، فانظروا من توفدون " (3) (52). وقال صلى الله عليه وآله
وسلم: " فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا
تعلموهم فإنهم أعلم منكم " (53). وقال صلى الله عليه وآله
" واجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين
من الرأس، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين " (1) (54). وقال صلى الله

(1) أخرجه الطبراني في الكبير عن محمد بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه عن جده
عن عمار، وهو الحديث 2576 من أحاديث الكنز، ص 155 من جزئه 6، وأورده في المنتخب
أيضا.
(2) أخرجه أبو الشيخ في حديث طويل، ونقله ابن حجر في آخر المقصد 4 من المقاصد التي ذكرها
في تفسير آية المودة في القربى ص 105 من صواعقه، فأمعن النظر فيه وفي المقصد الأسمى من مراميه، ولا
تغفل عن قوله: فلا تذهبن بكم الأباطيل.
(3) أخرجه الملا في سيرته، كما في تفسير قوله تعالى * (وقفوهم أنهم مسؤولون) * ص 90 من
الصواعق المحرقة لابن حجر [ط الميمنية بمصر].
(4) أخرجه الطبراني في حديث الثقلين ونقله عنه ابن حجر، في تفسيره الآية الرابعة
* (وقفوهم أنهم مسؤولون) * من الآيات التي أوردها في الباب 11 من صواعقه ص 89 [ط
الميمنية].
(5) أخرجه جماعة من أصحاب السنن بالإسناد إلى أبي ذر مرفوعا، ونقله الإمام
الصبان في فضل أهل البيت من كتابه إسعاف الراغبين، والشيخ يوسف النبهاني في ص 31
من " الشرف المؤبد " وغير واحد من الثقات، وهو نص في وجوب رئاستهم وأن الاهتداء
إلى الحق لا يكون إلا عن طريقهم.
81

عليه وآله وسلم: " الزموا مودتنا أهل البيت، فإنه من لقي الله وهو
يودنا، دخل الجنة بشفاعتنا والذي نفسي بيده، لا ينفع عبدا إلا
بمعرفة حقنا " (1) (55) وقال صلى الله عليه وآله: " معرفة آل
محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاية
لآل محمد أمان من العذاب " (2) (56) وقال صلى الله عليه وآله
وسلم: " لا تزول قدما عبد - يوم القيامة - حتى يسأل عن أربع،
عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه،
ومن أين اكتسبه، وعن محبتنا (3) أهل البيت " (57). وقال صلى الله
عليه وآله وسلم: " فلو أن رجلا صفن - صف قدميه - بين الركن

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط، ونقله السيوطي في إحياء الميت، والنبهاني في أربعين
أربعينه، وابن حجر في باب الحث على حبهم من صواعقه، وغير واحد من الأعلام، فأنعم النظر في
قوله لا ينفع عبدا عمله إلا بعرفة حقنا، ثم أخبرني ما هو حقهم الذي جعله الله شرطا في صحة الأعمال.
أليس هو السمع والطاعة لهم والوصول إلى الله عز وجل عن طريقهم القويم وصراطهم
المستقيم، وأي حق غير النبوة والخلافة يكون له هذا الأثر العظيم، لكنا منينا بقوم لا
يتأملون فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(2) أورده القاضي عياض في الفصل الذي عقده لبيان أن من توقيره وبره صلى الله عليه وآله
وسلم، بر آله وذريته، من كتاب الشفافي أول ص 40 من قسمه الثاني طبع الآستانة سنة 1328، وأنت
تعلم أن ليس المراد من معرفتهم هنا مجرد معرفة أسمائهم وأشخاصهم وكونهم أرحام رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، فإن أبا جهل وأبا لهب ليعرفان ذلك كله، وإنما المراد معرفة أنهم أولوا الأمر بعد
رسول الله على حد قوله صلى الله عليه وآله: " من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية "
(59) والمراد من حبهم وولايتهم المذكورين، الحب والولاية اللازمان " عند أهل الحق " لأئمة
الصدق، وهذا في غاية الوضوح.
(3) لولا أن لهم منصبا من قبل الله يستوجب السمع والطاعة، ما كانت محبتهم بهذه المثابة.
وهذا الحديث أخرجه الطبراني عن ابن عاس مرفوعا. ونقله السيوطي في إحياء الميت، والنبهاني في
أربعينه، وغير واحد من الأعلام.
82

والمقام، فصلى وصام، وهو مبغض لآل محمد دخل النار " (1) (58).
وقال صلى الله عليه وآله: " من مات على حب آل محمد مات
شهيدا، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له، ألا ومن
مات على حب آل محمد مات تائبا، ألا ومن ما مات على
على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألا ومن مات
على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير، ألا
ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى
بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان
إلى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار
ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة
والجماعة، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا
بين عينيه: آيس من رحمة الله إلى آخر خطبته العصماء " (2) (60)

(1) أخرجه الطبراني والحاكم كما في أربعين النبهاني وإحياء السيوطي وغيرهما،
وهذا الحديث نظير قوله صلى الله عليه وآله في حديث سمعته قريبا: " والذي
نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا " ولولا أن بغضهم بغض لله ولرسوله ما
حبطت أعمال مبغضهم ولو صفن بين الركن والمقام فصلى وصام، ولولا نيابتهم عن
النبي صلى الله عليه وآله ما كانت لهم هذه المنزلة. وأخرج الحاكم وابن حبان في
صحيحه - كما في أربعين النبهاني وإحياء السيوطي - عن أبي سعيد قال: قال
رسول الله: " والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا دخل النار " (61)
ا ه‍. وأخرج الطبراني - كما في أربعين النبهاني وإحياء السيوطي - عن الإمام الحسن
السبط، قال لمعاوية بن خديج: " إياك وبغضنا أهل البيت فإن
رسول الله قال: لا يبغضنا أحد ولا يحسدنا أحد إلا ذيد يوم القيامة عن الحوض بسياط من نار " (62)
ا ه‍. وخطب النبي صلى الله عليه وآله، فقال: " أيها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم
القيامة يهوديا " (63). أخرجه الطبراني في الأوسط كما في أحياء السيوطي وأربعين النبهاني وغيرهما.
(2) أخرجها الإمام الثعلبي في تفسير آية المودة من تفسيره الكبير عن جرير بن عبد الله البجلي عن
رسول الله صلى الله عليه وآله، وأرسلها الزمخشري في تفسير الآية من كشافه إرسال المسلمات،
فراجع.
83

التي أراد صلى الله عليه وآله أن يرد بها شوارد الأهواء،
ومضامين هذه الأحاديث كلها متواترة، ولا سيما من طريق العترة
الطاهرة. وما كان لتثبت لهم هذه المنازل، لولا أنهم حجج الله
البالغة، ومناهل شريعته السائغة، والقائمون مقام رسول الله في أمره
ونهيه، والممثلون له بأجلى مظاهر هديه، فالمحب لهم بسبب ذلك
محب لله ولرسوله، والمبغض لهم مبغض لهما، وقد قال صلى الله عليه
وآله وسلم: " لا يحبنا [أهل البيت] إلا مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلا
منافق شقي " (1) (64) ولذا قال فيهم الفرزدق:
من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم (65)
وكان أمير المؤمنين (ع) يقول: " إني وأطائب أرومتي، وأبرار
عترتي، أحلم الناس صغارا وأعلم الناس كبارا، بنا ينفي الله
الكذب، وبنا يعقر الله أنياب الذئب الكلب، وبنا يفك الله
عنتكم، وينزع ربق أعناقكم، وبنا يفتح الله ويختم " (2) (66).
وحسبنا في إيثارهم على من سواهم، إيثار الله عز وجل إياهم، حتى
جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة على جميع عباده، فلا
تصح بدونها صلاة أحد من العالمين، صديقا كان أو فاروقا أو ذا نور
أو نورين أو أنوار، بل لا بد لكل من عبد الله بفرائضه، أن يعبده

(1) أخرجه الملا كما في المقص الثاني من مقاصد الآية 14 من الباب 11 من الصواعق.
(2) أخرجه عبد الغني بن سعد في إيضاح الإشكال، وهو الحديث 6050 من أحاديث الكنز في
آخر صفحة 396 من جزئه 6.
84

في أثنائها بالصلاة عليهم (67) كما يعبده بالشهادتين، وهذه منزلة
عنت لها وجوه الأمة، وخشعت أمامها أبصار من ذكرتم من الأئمة،
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم الفضل أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له (1) (68)
ولنكتف الآن بهذا القدر، مما جاء في السنة المقدسة من الأدلة
على وجوب الأخذ بسنتهم، والجري على أسلوبهم، وفي كتاب الله
عز وجل آيات محكمات توجب ذلك أيضا، أوكلناها إلى شاهد لبكم
ومرهف ذهنكم وأنتم ممن تكفيه اللمحة الدالة، ويستغني بالرمز عن
الإشارة. والحمد لله رب العالمين.
المراجعة 11 رقم: 20 ذي القعدة سنة 1329
1 - الاعجاب بما أوردناه من السنن الصريحة
2 - الدهشة في الجمع بينها وبين ما عليه الجمهور.
3 - الاستظهار بالتماس الحجج من الكتاب.
1 - تشرفت بكتابك الجليل، سديد المناهج متسنى التحصيل،
ملأت الدلو به إلى عقد الكرب، وتحدرت فيه تحدر السيل من

(1) هذان البيتان من مدائح الشافعي السائرة وهما بمكان من الانتشار والاشتهار، وقد
أرسلهما عنه إرسال المسلمات غير واحد من الثقات كابن حجر في تفسير قوله تعالى: * (إن الله
وملائكته يصلون على النبي) * ص 88 من صواعقه، والنبهاني في ص 99 من الشرف المؤبد
والإمام أبي بكر بن شهاب الدين في رشفة الصادي، وجماعة آخرين.
85

رؤوس الجبال، قلبت فيه طرفي، وتأملته مليا فرأيتك بعيد
المستمر (1)، ثبتا في الغدر (2)، شديد العارضة (3) غرب اللسان (4)
2 - وحين أغرقت في البحر عن حجتك، وأمعنت في التنقيب
عن أدلتك، رأيتني في أمر مريج، أنظر في حججك فأراها ملزمة،
وفي بيناتك فأجدها مسلمة، وانظر في أئمة العترة الطاهرة فإذا هي
بمكانة من الله ورسوله، يخفض لها جناح الذل هيبة وإجلالا، ثم
أنظر إلى جمهور أهل القبلة والسواد الأعظم من ممثلي هذه الملة، فإذا
هم مع أهل البيت على خلاف ما توجبه ظواهر تلك الأدلة، فأنا
أؤامر مني نفسين (5): نفسا تنزع إلى متابعة الأدلة، وأخرى تفزع إلى
الأكثرية من أهل القبلة، قد بذلت لك الأولى قيادها، فلا تنبو في
يديك، ونبت عنك الأخرى بعنادها، فاستعصت عليك.
3 - فهل لك أن تستظهر عليها بحجج من الكتاب قاطعة تقطع
عليها وجهتها، وتحول بينها وبين الرأي العام، ولك السلام.
س

(1) قويا في الخصومة لا يسأم المراس.
(2) الغدر - بفتحتين -: الأرض الرخوة ذات الأحجار والحفر، يقال: رجل ثبت الغدر إذا
كان ثابتا في الحرب أو الجدال أو نحوهما.
(3) أي شديد القدرة على الكلام.
(4) أي حديده.
(5) قال في اللسان: والعرب قد تجعل النفس التي يكون بها التمييز نفسين، وذلك أن النفس قد
تأمره بالشئ وتنهاه عنه، فجعلوا التي تأمره نفسا، وجعلوا التي تنهاه كأنها نفس أخرى.
86

المراجعة 12 رقم: 22 ذي القعدة سنة 1329
حجج الكتاب
إنكم - بحمد الله - ممن وسعوا الكتاب علما، وأحاطوا بجليه
وخفيه خبرا، فهل نزل من آياته الباهرة، في أحد ما نزل في العترة
الطاهرة؟ هل حكمت محكماته بذهاب الرجس عن غيرهم؟ (1) وهل
لأحد من العالمين كآية تطهيرهم؟ (2) (69) هل حكم بافتراض المودة
لغيرهم محكم التنزيل (3) (70) وهل هبط بآية المباهلة (71) بسواهم
جبرائيل (4)؟
هل أتى هل أتى بمدح سواهم * لا ومولى بذكرهم حلاها (5) (73)
أليسوا حبل الله الذي قال: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا

(1) كما حكمت بذهابه عنهم في قوله تعالى:
* (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *.
كلا، بل ليس لأحد ذلك وقد امتازوا بها فلا يلحقهم لاحق ولا يطمع في إدراكم طامع.
(3) كلا، بل اختصهم الله سبحانه بذلك تفضيلا لهم على من سواهم، فقال: قل لا أسألكم
عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة (وهي هنا مودتهم) نزد له فيها حسنا إن الله غفور (لأهل
مودتهم) شكور (لهم على ذلك).
(4) كلا، وإنما هبط بآية المباهلة بهم خاصة، فقال عز من قائل:
* (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) * الآية.
(5) إشارة إلى نزول سورة الدهر فيهم وفي أعدائهم، ومن أراد الوقوف على جلية الأمر في كل من
آية التطهير وآية المباهلة وآية المودة في القربى وسورة الدهر، فعليه بكلمتنا الغراء فإنها الشفاء من كل داء
وبها رد جماح الأعداء وزجر غراب الجهلاء والحمد لله.
87

تفرقوا) * (1) (73) والصادقين الذين قال: * (وكونوا مع الصادقين) * (2)
(75)، وصراط الله الذي قال: * (وإن هذا صراطي مستقيما
فاتبعوه) * (76) وسبيله الذي قال: * (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم
عن سبيله) * (3) (77) وأولي الأمر الذين قال: * (يا أيها الذين آمنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * (4) (78) وأهل الذكر

(1) أخرج الإمام الثعلبي في معنى هذه الآية من تفسيره الكبير بالإسناد إلى أبان
بن تغلب عن الإمام جعفر الصادق قال: نحن حبل الله الذي قال: * (واعتصموا بحبل الله
جميعا ولا تفرقوا) *. ا ه‍. وعدها ابن حجر في الآيات النازلة فيهم فهي الآية الخامسة من آياتهم -
التي أوردها في الفصل الأول من الباب 11 من صواعقه، ونقل في تفسيرها عن الثعلبي ما
سمعته من قول الإمام جعفر الصادق. وقال الإمام الشافعي - كما في رشفة الصادي للإمام أبي
بكر بن شهاب الدين -:
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم * مذاهبهم في أبحر الغي والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجا * وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم * كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل (74)
(2) الصادقون هنا: رسول الله والأئمة من عترته الطاهرة بحكم صحاحنا المتواترة،
وهو الذي أخرجه الحافظ أبو نعيم وموفق بن أحمد ونقله ابن حجر في تفسير الآية الخامسة من
الباب 11 من صواعقه ص 90 عن الإمام زين العابدين في كلام له أوردناه في أواخر (المراجعة 6).
(3) كان الباقر والصادق يقولان: الصراط المستقيم هنا هو الإمام، ولا تتبعوا السبل
أي أئمة الضلال، فتفرق بكم عن سبيله ونحن سبيله.
(4) أخرج ثقة الاسلام محمد بن يعقوب بسنده الصحيح عن بريد العجلي قال: سألت
أبا جعفر (محمد الباقر) عن قوله عز وجل: * (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم) *، فكان جوابه * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت
ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) * يقولون لأئمة الضلال والدعاة إلى
النار هؤلاء أهدى من آل محمد سبيلا * (أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا
أم لهم نصيب من الملك) * يعني الإمامة والخلافة * (فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس
على ما آتاهم الله من فضله) * ونحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلقه
* (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيم) * يقول جعلنا منهم الرسل
والأنبياء والأئمة فكيف يقرون به في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمد * (فمنهم من آمن به ومنهم
من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا) *.
88

الذين قال: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * (1) (79)
والمؤمنين الذين قال: * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له
الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم (2)) * (80)
والهداة الذين قال: * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * (3) (81) أليسوا
من الذين أنعم الله عليهم، وأشار في السبع المثاني والقرآن العظيم
إليهم، فقال: * (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت
عليهم (4)) * (82) وقال: * (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين
أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين (2)) * (83)
ألم يجعل لهم الولاية العامة؟ ألم يقصرها بعد الرسول عليهم؟ فاقرأ:
* (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون

(1) أخرج الثعلبي في معنى هذه الآية من تفسيره الكبير عن جابر قال: لما نزلت هذه
الآية قال علي: نحن أهل الذكر، وهذا هو المأثور عن سائر أئمة الهدى وقد أخرج العلامة
البحريني في الباب 35 نيفا وعشرين حديثا صحيحا في هذا المضمون.
(2) أخرج ابن مردويه في تفسير الآية أن المراد بمشاققة الرسول هنا إنما هي المشاقة في
شأن علي، وأن الهدى في قوله من بعد ما تبين له الهدى إنما هو شأنه عليه السلام. وأخرج
العياشي في تفسيره نحوه والصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة في أن سبيل المؤمنين إنما هو
سبيلهم عليهم السلام.
(3) أخرج الثعلبي في تفسيره هذه الآية من تفسيره الكبير عن ابن العباس قال: لما
نزلت هذه الآية وضع رسول الله (ص) يده على صدره وقال: أنا المنذر وعلي الهادي، وبك يا
علي يهتدي المهتدون، وهذا هو الذي أخرجه غير واحد من المفسرين وأصحاب السنن عن ابن
عباس وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (جعفر الصادق) عن هذه الآية، فقال:
كل إمام هاد في زمانه، وقال الإمام أبو جعفر الباقر في تفسيرها: المنذر رسول الله، والهادي
علي، ثم قال: والله ما زالت فينا إلى الساعة. ا ه‍.
(4) أخرج الثعلبي في تفسير الفاتحة من تفسيره الكبير عن أبي بريدة أن الصراط المستقيم
هو صراط محمد وآله. وعن تفسير وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن السدي عن أسباط
ومجاهد عن ابن عباس في قوله: اهدنا الصراط المستقيم، قال: قولوا أرشدنا إلى حب محمد
وأهل بيته.
(5) أئمة أهل البيت من سادات الصديقين والشهداء والصالحين بلا كلام.
89

الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب
الله هم الغالبون (1)) * (84) ألم يجعل المغفرة لمن تاب وآمن وعمل
صالحا مشروطة بالاهتداء إلى ولايتهم إذ يقول. * (وإني لغفار لمن تاب
وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى (2)) * (85) ألم تكن ولايتهم من الأمانة
التي قال الله تعالى: * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض
والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما
جهولا (3)) * (86) ألم تكن من السلم الذي أمر الله بالدخول فيه
فقال: * (يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات
الشيطان (4)) * (87) أليست هي النعيم الذي قال الله تعالى: * (ثم لتسألن

(1) أجمع المفسرون - كما اعترف به القوشجي وهو من أئمة الأشاعرة في مبحث الإمامة من شرح
التجريد - على أن هذه الآية إنما نزلت في علي حين تصدق راكعا في الصلاة. وأخرج النسائي في صحيحه
نزولها في علي عن عبد الله بن سلام، وأخرج نزولها فيه أيضا صاحب الجمع بين الصحاح الستة في تفسير
سورة المائدة. وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير نزولها في أمير المؤمنين كما سنوضحه عند إيرادها.
(2) قال ابن حجر في الفصل الأول من الباب 11 من صواعقه ما هذا لفظه: الآية الثامنة قوله
تعالى: * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * (قال) قال ثابت البنائي اهتدى إلى ولاية
أهل بيته (ص) (قال) وجاء ذلك عن أبي جعفر الباقر أيضا، ثم روى ابن حجر أحاديث في نجاة من اهتدى
إليهم عليهم السلام، وقد أشار بما نقله عن الباقر إلى قول الباقر (ع) للحارث بن يحيى: يا حارث ألا
ترى كيف اشترط الله ولم تنفع انسانا التوبة ولا الإيمان ولا العمل الصالح حتى يهتدي إلى ولايتنا، ثم روى
عليه السلام بسنده إلى جده أمير المؤمنين قال: والله لو تاب رجل وآمن وعمل صالحا ولم يهتد إلى ولايتنا
ومعرفة حقنا ما أغنى ذلك عنه شيئا. ا ه‍. وأخرج أبو نعيم الحافظ عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن
علي نحوه. وأخرج الحاكم عن كل من الباقر والصادق وثابت البناني وأنس بن مالك مثله.
(3) راجع معنى الآية في الصافي وتفسير علي بن إبراهيم، وما رواه ابن بابويه في ذلك عن كل من
الباقر والصادق والرضا، وما أورده العلامة البحريني في تفسيرها من حديث أهل السنة في الباب 115
من كتابه (غاية المرام).
(4) أخرج العلامة البحريني في الباب 224 من كتابه غاية المرام اثني عشر حديثا من صحاحنا في
نزولها بولاية علي والأئمة من بنيه والنهي عن اتباع غيرهم، وذكر في الباب 223 أن الأصفهاني الأموي
روى ذلك عن علي من عدة طرق.
90

يومئذ عن النعيم (1)) *، ألم يؤمر رسول الله صلى الله عليه وآله
بتبليغها؟ ألم يضيق عليه في ذلك بما يشبه التهديد من الله عز وجل
حيث يقول: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم
تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم
الكافرين) * (2) (89) ألم يصدع رسول الله (ص) بتبليغها عن الله يوم
الغدير حيث هضب خطابه، وعب عبابه فأنزل الله يومئذ: * (اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام
دينا (3)) * (90) ألم تر كيف فعل ربك يومئذ بمن جحد ولايتهم علانية،
وصادر بها رسول الله جهرة فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من
عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتنا بعذاب أليم. فرماه الله
بحجر من سجيل كما فعل من قبل بأصحاب الفيل، وأنزل في تلك
الحال: * (سأل (4) سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع) * (91)

(1) أخرج العلامة البحريني في الباب 48 من كتابه غاية المرام ثلاثة أحاديث من طريق أهل السنة
في أن النعيم هو ما أنعم الله على الناس بولاية رسول الله (ص) وأمير المؤمنين وأهل البيت، وأخرج في
الباب 49 اثني عشر حديثا من صحاحنا في هذا المعنى، فراجع.
(2) أخرجه غير واحد من أصحاب السنن كالإمام الواحدي في سورة المائدة من كتابه أسباب
النزول عن أبي سعيد الخدري، قال، نزلت هذه الآية يوم غدير خم في علي بن أبي طالب. وأخرجه
الإمام الثعلبي في تفسيره بسندين، ورواه الحمويني الشافعي في فرائده بطرق متعددة عن أبي هريرة
مرفوعا، ونقله أبو نعيم في كتابه نزول القرآن بسندين أحدهما عن أبي رافع والآخر عن الأعمش عن
عطية مرفوعين، وفي غاية المرام تسعة أحاديث من طريق أهل السنة، وثمانية صحاح من طريق الشيعة
بهذا المعنى، فراجع منه باب 37 وباب 38.
(3) نص على ذلك الإمام أبو جعفر الباقر وخلفه الإمام أبو عبد الله الصادق فيما صح عنهما عليهما
السلام، وأخرج أهل السنة ستة أحاديث بأسانيدهم المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله،
صريحة في هذا المعنى والتفصيل في الباب 39 والباب 40 من غاية المرام.
(4) أخرج الإمام الثعلبي في تفسيره الكبير هذه القضية مفصلة، ونقلها العلامة المصري
91

وسيسأل الناس عن ولايتهم يوم يبعثون كما جاء في تفسير قوله تعالى:
* (وقفوهم أنهم مسؤولون (1)) * (92) ولا غرو فإن ولايتهم لمما بعث الله به
الأنبياء وأقام عليه الحجج والأوصياء، كما جاء في تفسير قوله تعالى:
* (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا (2)) * (93) بل هي مما أخذ الله به
العهد من عهد، ألست بربكم كما جاء في تفسير قوله تعالى: * (وإذ
أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم
ألست بربكم قالوا بلى (3)) * (94) وتلقى آدم من ربه كلمات التوسل
بهم فتاب عليه (4) (95) وما كان الله ليعذبهم (5) (96) وهم أمان أهل

الشبلنجي في أحوال علي من كتابه - نور الأبصار - فراجع منه ص 71 والقضية مستفيضة، ذكرها
الحلبي في أواخر حجة الوداع من الجزء 3 من سيرته، وأخرجها الحاكم في تفسير المعارج من المستدرك،
فراجع صفحة 502 من جزئه الثاني.
(1) أخرج الديلمي " كما في تفسير هذه الآية من الصواعق " عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال:
وقفوهم أنهم مسؤولون عن ولاية علي. وقال الواحدي - كما في تفسيرها من الصواعق أيضا -: روي في
قوله تعالى وقفوهم إنهم مسؤولون أي عن ولاية علي وأهل البيت " قال " لأن الله أمر نبيه أن يعرف الخلق أنه
لا يسألهم على تبيلغ الرسالة أجرا إلا المودة في القربى، " قال " والمعنى أنهم يسألون هل والوهم
حق الموالاة كما أوصاهم النبي أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة، إنتهى
كلام الواحدي. وحسبك إن ابن حجر عدها في الباب 11 من الصواعق في الآيات النازلة فيهم،
فكانت الآية الرابعة وقد أطال الكلام فيها، فراجع.
(2) حسبك ما أخرجه في تفسيرها أبو نعيم الحافظ في حليته، وما أخرجه كل من الثعلبي
والنيسابوري والبرقي في معناها من تفاسيرهم، وما رواه إبراهيم بن محمد الحمويني وغيره من أهل
السنة، ودونك ما رواه أبو علي الطبرسي في تفسيرها من مجمع البيان عن أمير المؤمنين. وفي الباب 44
والباب 45 من غاية المرام سنن في هذا المعنى تثلج الأوام.
(3) يدلك على هذا حديثنا عن أهل البيت في تفسير الآية.
(4) أخرج ابن المغازلي الشافعي عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله عن
الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال (ص) سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين
فتاب عليه وغفر له. ا ه‍. وهذا هو المأثور عندنا في تفسير الآية.
(5) راجع من الصواعق المحرقة لابن حجر تفسير قوله تعالى، وما كان الله ليعذبهم. وهي الآية
السابعة من آيات فضلهم التي أوردها في الباب 11 من ذلك الكتاب تجد الاعتراف بما قلناه.
92

الأرض ووسيلتهم إليه (97) فهم الناس المحسودون الذين قال الله
فيهم: * (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (1)) * (98)
وهم الراسخون في العلم الذين قال: * (والراسخون في العلم يقولون
آمنا به (2)) * (99) وهم رجال الأعراف الذين قال: * (وعلى الأعراف
رجال يعرفون كلا بسيماهم (3)) * (100) ورجال الصدق الذين قال:
* (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه
ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا (4)) * (101) ورجال التسبيح الذين

(1) كما اعترف به ابن حجر حيث عد هذه الآية من الآيات النازلة فيهم فكانت الآية السادسة من
آياتهم التي أوردها في الباب 11 من صواعقه. وأخرج ابن المغازلي الشافعي - كما في تفسير هذه الآية من
الصواعق - عن الإمام الباقر أنه قال: نحن الناس المحسودون والله. وفي الباب 60 والباب 61 من
غاية المرام ثلاثون حديثا صحيحا صريحا بذلك.
(2) أخرج ثقة الاسلام محمد بن يعقوب بسنده الصحيح عن الإمام الصادق قال: نحن قوم
فرض الله عز وجل طاعتنا ونحن الراسخون في العلم ونحن المحسودون، قال الله تعالى: أم يحسدون
الناس على ما آتاهم الله من فضله. وأخرجه الشيخ في التهذيب بإسناده الصحيح عن الإمام الصادق
عليه السلام أيضا.
(3) أخرج الثعلبي في معنى هذه الآية من تفسيره عن ابن عباس قال: الأعراف موضع عال من
الصراط عليه العباس وحمزة وعلي وجعفر ذو الجناحين يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد
الوجوه. ا ه‍. وأخرج الحاكم بسنده إلى علي قال: نقف يوم القيامة بين الجنة والنار، فمن نصرنا
عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة ومن أبغضنا عرفناه بسيماه، وعن سلمان الفارسي سمعت رسول الله
يقول: يا علي إنك والأوصياء من ولدك على الأعراف الحديث، ويؤيده حديث أخرجه الدارقطني -
كما في أواخر الفصل الثاني من الباب 9 من الصواعق أن عليا قال للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم
كلاما طويلا من جملته: أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله: يا علي أنت قسيم الجنة والنار يوم
القيامة غيري؟ قالوا: اللهم لا قال ابن حجر: معناه ما رواه عنترة عن علي الرضا أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال له: يا علي أنت قسيم الجنة والنار، فيوم القيامة تقول للنار هذا لي وهذا لك " قال ابن
حجر " وروى ابن السماك إن أبا بكر قال لعلي رضي الله عنهما: سمعت رسول الله يقول: لا يجوز أحد
الصراط إلا من كتب له علي الجواز.
(4) ذكر ابن حجر في الفصل الخامس من الباب 9 من صواعقه حيث ذكر وفاة علي أنه عليه السلام
سئل وهو على المنبر بالكوفة عن قوله تعالى: رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فقال: اللهم غفرا هذه
الآية نزلت في وفي عمي حمزة وفي ابن عمي عبيدة بن الحرث بن المطلب، فأما عبيدة فقد قضى نحبه
شهيدا يوم بدر، وحمزة قضى نحبه شهيدا يوم أحد، وأما أنا فأنتظر أشقاها يخضب هذه من هذه، وأشار
بيده إلى لحيته وهامته، عهد عهده إلي حبيبي أبو القاسم صلى الله عليه وآله. ا ه‍. وأخرج
الحاكم - كما في تفسيرها من مجمع البيان عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن علي عليه السلام قال: فينا
نزلت رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وأنا والله المنتظر وما بدلت تبديلا.
93

قال الله تعالى: * (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم
تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما
تتقلب فيه القلوب والأبصار (1)) * (102) وبيوتهم هي التي ذكرها الله
عز وجل فقال: * (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه (2)) *
(103) وقد جعل الله مشكاتهم في آية النور مثلا لنوره (3) (104)

(1) عن تفسير مجاهد ويعقوب بن سفيان عن ابن عباس في قوله تعالى: وإذا رأوا تجارة أو لهوا
انفضوا إليها وتركوك قائما. إن دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة فنزل عند أحجار الزيت ثم
ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه فنفر الناس إليه وتركوا النبي (ص) قائما يخطب على المنبر إلا عليا
والحسن والحسين وفاطمة وسلمان وأبا ذر والمقداد، فقال النبي (ص): لقد نظر الله إلى مسجدي يوم
الجمعة فلولا هؤلاء لأضرمت المدينة على أهلها نارا وحصبوا بالحجارة كقوم لوط. وأنزل الله فيمن بقي
مع رسول الله في المسجد قوله تعالى: يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة. الآية.
(2) أخرج الثعلبي في معنى الآية من تفسيره الكبير بالإسناد إلى أنس بن مالك وبريد قالا: قرأ
رسول الله هذه الآية في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله
هذا البيت منها، وأشار إلى بيت علي وفاطمة، قال نعم من أفاضلها. ا ه‍. وفي الباب 12 من غاية
إلمام تسعة صحاح، ينشق منها عمود الصباح.
(3) إشارة إلى قوله تعالى: مثل نوره كمشكاة، الآية، فقد أخرج ابن المغازلي الشافعي في
مناقبه بالإسناد إلى علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن (الكاظم) عن قوله عز وجل: كمشكاة فيها
مصباح، قال عليه السلام: المشكاة فاطمة، والمصباح الحسن والحسين، والزجاجة كأنها كوكب
دري قال: كانت فاطمة كوكبا دريا بين نساء العالمين، توقد من شجرة مباركة شجرة إبراهيم، لا شرقية
ولا غربية، لا يهودية ولا نصرانية، يكاد زيتها يضئ، قال: يكاد العلم ينطق منها ولو لم تمسسه نار نور
على نور، قال: فيها إمام بعد إمام يهدي الله لنوره من يشاء يهدي الله لولايتنا من يشاء. ا ه‍. وهذا
التأويل مستفيض عن أهل بيت التنزيل.
94

* (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) * وهم
السابقون السابقون أولئك المقربون (1) (105) وهم الصديقون (2)
(106). والشهداء والصالحون وفيهم وفي أوليائهم قال الله تعالى:
* (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون (3)) * (107) وقال في
حزبهم وحزب أعدائهم: * (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة
أصحاب الجنة هم الفائزون (4)) * (108)، وقال في الحزبين أيضا:
* (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم

(1) أخرج الديلمي - كما في الحديث 29 من الفصل الثاني من الباب 9 من الصواعق المحرقة لابن
حجر - عن عائشة والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي قال: السبق ثلاثة فالسابق إلى موسى
يوشع بن نون. والسابق إلى عيسى صاحب ياسين. والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب.
ه‍. وأخرجه الموفق بن أحمد والفقيه بن المغازلي بالإسناد إلى ابن عباس.
(2) أخرج ابن النجار - كما في الحديث 30 مما أشرنا إليه من الصواعق - عن ابن عباس قال: قال
رسول الله الصديقون ثلاثة حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب ياسين، وعلي بن أبي
طالب وأخرج أبو نعيم وابن عساكر - كما في الحديث 31 مما أشرنا إليه من الصواعق - عن ابن أبي ليلى أن
رسول الله قال: الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين
قال يا قوم اتبعوا المرسلين، وحزقيل مؤمن آل فرعون قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وعلي ابن
أبي طالب وهو أفضلهم. ا ه‍. والصحاح في سبقه وكونه الصديق الأكبر والفاروق الأعظم متواتراة.
راجع ما يأتي تحت رقم (758)]
(3) نقل صدر الأئمة موفق بن أحد عن أبي بكر بن مردويه بسنده إلى علي قال: تفترق هذه الأمة
ثلاثا وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة فإنها في الجنة وهم الذين قال الله عز وجل في حقهم: وممن خلقنا أمة
يهدون بالحق وبه يعدلون وهم أنا وشيعتي. ا ه‍.
(4) أخرج الشيخ الطوسي في أماليه بإسناده الصحيح عن أمير المؤمنين أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم تلا هذه الآية * (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة) * فقال أصحاب الجنة من أطاعني
وسلم لعلي بن أبي طالب بعدي وأقر بولايته، فقيل وأصحاب النار قال من سخط الولاية ونقض العهد
وقاتله بعدي. وأخرجه الصدوق عن علي عليه السلام. وأخرج أبو المؤيد موفق ابن أحمد عن جابر
قال: قال رسول الله (ص) والذي نفسي بيده إن هذا (يعني عليا) وشيعته هم الفائزون يوم القيامة
95

نجعل المتقين كالفجار (1)) * (109) وقال فيهما أيضا: * (أم حسب
الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات
سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (2) * (110) وقال فيهم وفي
شيعتهم: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير
البرية (3)) * (111) وقال فيهم وفي خصومهم: * (هذان خصمان
اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من
فوق رؤوسهم الحميم (4)) * (112) وفيهم وفي عدوهم نزل: * (أفمن
كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا
الصحالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا
فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا

(1) راجع معنى الآية في تفسير علي بن إبراهيم إن شئت، أو الباب 81 والباب 82 من غاية
المرام.
(2) حيث نزلت هذه الآية في حمزة وعلي وعبيدة لما برز والقتال عتبة وشيبة والوليد فالذين آمنوا حمزة
وعلي وعبيدة والذين اجترحوا السيئات عتبة وشيبة والوليد وفي ذلك أحاديث صحيحة.
(3) حسبك في ذلك أن ابن حجر قد اعترف بنزولها فيهم وعدها من آيات فضلهم فهي الآية 11
من آياتهم التي أوردها في الفصل الأول من الباب 11 من صواعقه، فراجعها وراجع ما أوردناه من
الأحاديث المتعلقة بهذه الآية في فصل بشائر السنة للشيعة من فصولنا المهمة
(4) أخرج البخاري في تفسير سورة الحج ص 107 من الجزء 3 من صحيحه بالإسناد إلى
علي قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة (قال البخاري)
قال قيس: وفيهم نزلت: هذان خصمان اختصموا في ربهم قال هم الذين بارزوا يوم
بدر علي وصاحباه حمزة.
وعبيدة، وشيبة بن ربيعة وصاحباه عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة. ا ه‍. وأخرج في الصفحة
المذكورة عن أبي ذر أنه كان يقسم فيها أن هذه الآية هذان خصمان اختصموا في ربهم نزلت في علي
وصاحبيه وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر.
96

عذاب النار الذي كنتم به تكذبون (1)) * (113) وفيهم وفيمن فاخرهم
بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أنزل الله تعالى: * (أجعلتم سقاية
الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في
سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين (2)) * (114)
وفي جميل بلائهم وجلال عنائهم قال الله تعالى: * (ومن الناس من يشري
نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد (3)) * (115) وقال: * (إن
الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في

(1) نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين والوليد بن عقبة بن أبي معيط بلا نزاع، وهذا هو الذي أخرجه
المحدثون وصرح به المفسرون، أخرج الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي في معنى الآية من كتابه (
أسباب النزول) بالإسناد إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن
أبي طالب: أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا واملأ للكتيبة منك فقال له علي: اسكت فإنما أنت
فاسق فنزل أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون، قال: يعني بالمؤمن عليا وبالفاسق الوليد بن
عقبة.
(2) نزلت هذه الآية في علي وعمه العباس وطلحة بن شيبة وذلك أنهم افتخروا فقال طلحة: أنا
صاحب البيت بيدي مفاتيحه وإلي ثيابه، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها. وقال
علي: ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله تعالى هذه
الآية، هذا ما نقله الإمام الواحدي - في معنى الآية من كتاب أسباب النزول - عن كل من الحسن
البصري والشعبي والقرظي، ونقل عن ابن سيرين ومرة الهمداني أن عليا قال للعباس ألا تهاجر ألا
تلحق بالنبي صلى الله عليه وآله، فقال ألست في أفضل من الهجرة ألست أسقي حاج بيت الله
واعمر المسجد الحرام، فنزلت الآية.
(3) أخرج الحاكم في صفحة 4 من الجزء 3 من المستدرك عن ابن عباس قال: شرى علي نفسه
ولبس ثوب النبي الحديث، وقد صرح الحاكم بصحته على شرط الشيخين وإن لم يخرجاه واعترف بذلك
الذهبي في تلخيص المستدرك وأخرج الحاكم في الصفحة المذكورة أيضا عن علي بن الحسن قال: إن أول
من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علي بن أبي طالب إذ بات على فراش رسول الله ثم
نقل أبياتا لعلي أولها:
وقيت بنفسي خير من وطأ الحصا * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
97

سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل
والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به
وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون
الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين الذين ينفقون أموالهم بالليل
والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم
يحزنون (1)) * (116) وقد صدقوا بالصدق فشهد لهم الحق تبارك اسمه
فقال: * (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون (2)) *
(117) فهم رهط رسول الله المخلصون وعشيرته الأقربون الذين
اختصهم الله بجميل رعايته وجليل عنايته فقال: * (وأنذر عشيرتك
الأقربين) * (118) وهو أولوا الأرحام، * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض في كتاب الله) * (119) وهم المرتقون يوم القيامة إلى درجته
الملحقون به في دار جنات النعيم بدليل قوله تعالى: * (والذين آمنوا
واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من

(1) أخرج المحدثون والمفسرون وأصحاب الكتب في أسباب النزول بأسانيدهم إلى ابن عباس
في قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية قال: نزلت في علي بن أبي طالب كان
عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحدا وبالنهار واحدا وفي السر واحدا وفي العلانية واحدا، فنزلت الآية
أخرجه الإمام الواحدي في أسباب النزول بسنده إلى ابن عباس وأخرجه أيضا عن مجاهد، ثم نقله عن
الكلبي مع زيادة فيه.
(2) الذي جاء بالصدق رسول الله والذي صدق به أمير المؤمنين بنص الباقر والصادق
والكاظم والرضا وابن عباس وابن الحنفية و عبد الله بن الحسن والشهيد زيد بن علي بن الحسين
وعلي بن جعفر الصادق، وكان أمير المؤمنين يحتج بها لنفسه، وأخرج ابن المغازلي في مناقبه عن
مجاهد قال: الذي جاء بالصدق محمد والذي صدق به علي، وأخرجه الحافظان ابن مردويه
وأبو نعيم وغيرهما.
98

شئ) * (1) (120) وهم ذوو الحق الذي صدع القرآن بإيتائه: * (وآت ذا
القربى حقه) * (121) وذوو الخمس الذي لا تبرأ الذمة إلا بأدائه:
* (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) *
(122) وأولوا الفئ: * (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله
وللرسول ولذي القربى) * (123) وهم أهل البيت المخاطبون بقوله
تعالى: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) * (124) وآل ياسين الذين حياهم الله في الذكر الحكيم فقال:
* (سلام على إل ياسين (2)) * (125) وآل محمد الذين فرض الله على
عباده الصلاة والسلام عليهم فقال: * (إن الله وملائكته يصلون على
النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * (126)
فقالوا (3): يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة

(1) أخرج الحاكم في تفسير سورة الطور ص 468 من الجزء الثاني من صحيحه المستدرك عن ابن
عباس في قوله عز وجل ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم قال إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن
كانوا دونه في العمل ثم قرأ: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم، يقول
وما نقصناهم.
(2) هذه هي الآية الثالثة من الآيات التي أوردها ابن حجر في الباب 11 من
صواعقه، ونقل أن جماعة من المفسرين نقلوا عن ابن عباس القول: بأن المراد بها السلام
على آل محمد، قال ابن حجر وكذا قال الكلبي إلى أن قال وذكر الفخر الرازي أن أهل بيته
يساوونه في خمسة أشياء في السلام قال: السلام عليك أيها النبي وقال سلام على آل ياسين وفي
الصلاة عليه وعليهم في التشهد وفي الطهارة قال الله تعالى طه أي يا طاهر وقال ويطهركم
تطهيرا، وفي تحريم الصدقة وفي المحبة قال تعالى: فاتبعوني يحببكم الله وقال قل لا أسألكم
عليه أجرا إلا مودة في القربى.
كما أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن من الجزء الثالث من صحيحه في باب إن الله
وملائكته يصلون على النبي من تفسير سورة الأحزاب، وأخرجه مسلم في باب الصلاة على
النبي من كتاب الصلاة في الجزء الأول من صحيحه وأخرجه سائر المحدثين عن كعب بن
عجرة.
99

عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد... الحديث،
فعلم بذلك أن الصلاة عليهم جزء من الصلاة المأمور بها في هذه
الآية، ولذا عدها العلماء من الآيات النازلة فيهم، حتى عدها ابن
حجر في الباب 11 من صواعقه في آياتهم (1) عليهم السلام فطوبى (2)
لهم وحسن مآب (127) * (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) * (128).
من يباريهم وفي الشمس معنى * مجهد متعب لمن باراها (129)
فهم المصطفون من عباد الله، السابقون بالخيرات بإذن الله،
الوارثون كتاب الله الذين قال الله فيهم: * (ثم أورثنا الكتاب الذين
اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه [وهو الذي لا يعرف الأئمة]
ومنهم مقتصد [وهو الموالي للأئمة] ومنهم سابق بالخيرات بإذن
الله [وهو الإمام] ذلك هو الفضل الكبير (1)) * (130) وفي هذا القدر
من آيات فضلهم كفاية، وقد قال ابن عباس: نزل في علي وحده

(1) فراجع الآية الثانية من تلك الآيات ص 87.
(2) أخرج الثعلبي في معناها من تفسيره الكبير بسند يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قال طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنة. فقال بعضهم يا
رسول الله سألناك عنها فقلت أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة فقال (ص): أليس داري
ودار علي واحدة؟.
(3) أخرج ثقة الاسلام الكليني بسنده الصحيح عن سالم قال: سألت أبا جعفر (الباقر
) عن قوله تعالى " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " الآية، قال عليه السلام:
السابق بالخيرات هو الإمام، والمقتصد هو العارف بالإمام، والظالم لنفسه هو الذي لا يعرف
الإمام، وأخرج نحوه عن الإمام أبي عبد الله الصادق وعن الإمام أبي الحسن الكاظم وعن
الإمام أبي الحسن الرضا. وأخرجه عنهم الصدوق وغير واحد من أصحابنا وروى ابن
مردويه عن علي أنه قال في تفسير هذه الآية: هم نحن، والتفصيل في كتابنا " تنزيل الآيات "
وفي غاية المرام.
100

ثلاث مئة آية (1) (131)، وقال غيره نزل فيهم ربع القرآن (132)،
ولا غرو فإنهم وإياه الشقيقان لا يفترقان، فاكتف الآن بما تلوناه
آيات محكمات هن أم الكتاب، خذها في سراح ورواح، ينفجر منها
عمود الصباح، خذها رهوا سهوا، وعفوا صفوا، خذها من خبير
عليه سقطت، ولا ينبئك مثل خبير، والسلام.
ش
المراجعة 14 رقم: 23 ذي القعدة سنة 1329
قياس ينتج ضعف الروايات في نزول تلك الآيات
لله مراعف يراعك، ومقاطر أقلامك، ما أرفع مهارقها (2) عن مقام
المتحدي والمعارض، وما أمنع وضائعها (3) عن نظر الناقد والمستدرك،
تتجارى أضابيرها (4) إلى غرض واحد، وتتوارد أضاميمها (5) في طريق قاصد،
فلا ترد مراسيمها على سمع ذي لب فتصدر إلا عن استحسان.
أما مرسومك الأخير فقد سال أتيه (6) وطفحت أواذيه (7) جئت فيه

(1) أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس كما في الفصل 3 من الباب 9 من الصواعق ص
76.
(2) أي صحائفها.
(3) جمع وضيعة وهو الكتاب يكتب فيه الحكمة.
(4) جمع أضبارة وهي الحزمة من الصحف.
(5) جمع أضمامة وهي بمعنى الاضبارة.
(6) سيله.
(7) جمع آذي وهو موج البحر.
101

بالآيات المحكمة، والبينات القيمة، فخرجت من عهدة ما أخذ عليك، ولم
تقصر في شئ مما عهد به إليك، فالراد عليك سئ اللجاج، صلف الحجاج،
يماري في الباطل ويتحكم تحكم الجاهل.
وربما اعترض بأن الذين رووا نزول تلك الآيات فيما قلتم إنما هم رجال
الشيعة، ورجال الشيعة لا يحتج أهل السنة بهم، فماذا يكون الجواب (133)،
تفضلوا به إن شئتم ولكم الشكر، والسلام.
س
المراجعة 14 رقم: 24 ذي القعدة سنة 1329
1 - بطلان قياس المعترض
2 - المعترض لا يعلم حقيقة الشيعة
3 - امتيازهم في تغليظ حرمة الكذب في الحديث
1 - الجواب أن قياس هذا المعترض باطل، وشكله عقيم، لفساد كل
من صغراه وكبراه.
أما الصغرى وهي قوله: " إن الذين رووا نزول تلك الآيات إنما هم من
رجال الشيعة " فواضحة الفساد، يشهد بهذا ثقات أهل السنة الذين رووا نزولها
فيما قلناه، ومسانيدهم تشهد بأنهم أكثر طرقا في ذلك من الشيعة كما فصلناه في
كتابنا تنزيل الآيات الباهرة في فضل العترة الطاهرة. وحسبك غاية المرام المنتشر
في بلاد الاسلام (134).
وأما الكبرى وهي قوله: " إن رجال الشيعة لا يحتج أهل السنة بهم "
فأوضح فسادا من الصغرى تشهد بهذا أسانيد أهل السنة وطرقهم المشحونة
102

بالمشاهير من رجال الشيعة، وتلك صحاحهم الستة وغيرها تحتج برجال من
الشيعة، وصمهم الواصمون بالتشيع والانحراف، ونبزوهم
بالرفض والخلاف، ونسبوا إليهم الغلو والافراط والتنكب عن الصراط، وفي
شيوخ البخاري رجال من الشيعة نبزوا بالرفض، ووصموا بالبغض، فلم
يقدح ذلك في عدالتهم عند البخاري وغيره، حتى احتجوا بهم في الصحاح بكل
ارتياح، فهل يصغى بعد هذا إلى قول المعترض: " إن رجال الشيعة لا يحتج أهل
السنة بهم " كلا.
2 - ولكن المعترضين لا يعلمون، ولو عرفوا الحقيقة لعلموا أن الشيعة إنما
جروا على منهاج العترة الطاهرة، واتسموا بسماتها، وأنهم لا يطبعون إلا على
غرارها، ولا يضربون إلا على قالبها، فلا نظير لمن اعتمدوا عليه من رجالهم في
الصدق والأمانة، ولا قرين لمن احتجوا به من أبطالهم في الورع والاحتياط، ولا
شبيه لمن ركنوا إليه من أبدالهم في الزهد والعبادة وكرم الأخلاق، وتهذيب
النفس ومجاهدتها ومحاسبتها بكل دقة آناء الليل وأطراف النهار، لا يبارون في
الحفظ والضبط والاتقان، ولا يجارون في تمحيص الحقائق والبحث عنها بكل
دقة واعتدال، فلو تجلت للمعترض حقيقتهم - بما هي في الواقع ونفس الأمر -
لناط بهم ثقته، وألقى إليهم مقاليده، لكن جهله بهم جعله في أمرهم كخابط
عشواء، أو راكب عمياء في ليلة ظلماء، يتهم ثقة الاسلام محمد بن يعقوب
الكليني 135) وصدوق المسلمين محمد بن علي بن بابويه القمي (136) وشيخ الأمة
محمد بن الحسن بن علي الطوسي (137) ويستخف بكتبهم المقدسة - وهي
مستودع علوم آل محمد صلى الله عليه وآله - ويرتاب في شيوخهم أبطال
العلم وأبدال الأرض الذين قصروا أعمارهم على النصح لله تعالى ولكتابه
ولرسوله صلى الله عليه وآله ولأئمة المسلمين ولعامتهم.
3 - وقد علم البر والفاجر حكم الكذب عند هؤلاء الأبرار، والألوف
103

من مؤلفاتهم المنتشرة تلعن الكاذبين، وتعلن أن الكذب في الحديث من
الموبقات الموجبة لدخول النار (138) ولهم في تعمد الكذب في الحديث حكم قد
امتازوا به حيث جعلوه من مفطرات الصائم، وأوجبوا القضاء والكفارة على
مرتكبه في شهر رمضان (139) كما أوجبوهما بتعمد سائر المفطرات، وفقههم
وحديثهم صريحان بذلك، فكيف يتهمون بعد هذا في حديثهم، وهم الأبرار
الأخيار، قوامون الليل صوامون النهار. وبماذا كان الأبرار من شيعة آل محمد
وأوليائهم متهمين، ودعاة الخوارج والمرجئة والقدرية غير متهمين لولا التحامل
الصريح، أو الجهل القبيح. نعوذ بالله من الخذلان، وبه نستجير من سوء
عواقب الظلم والعدوان، ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والسلام.
ش
المراجعة 15 رقم: 25 ذي القعدة سنة 1329
1 - لمعان بوارق الحق
2 - التماس التفصيل في حجج السنة من رجال الشيعة
1 - كان كتابك الأخير محكم التنسيق، ناصع التعبير، عذب الموارد،
جم الفوائد، قريب المنال، رحيب المجال، بعيد الأمد، واري الزند،
صعدت فيه نظري وصوبته، فلمعت من مضامينه بوارق نجحك، ولاحت لي
أشراط فوزك.
2 - لكنك لما ذكرت احتجاج أهل السنة برجال الشيعة أجملت الكلام،
ولم تفصل القول في ذلك، وكان الأولى أن تذكر أولئك الرجال بأسمائهم، وتأتي
بنصوص أهل السنة على كل من تشيعهم والاحتجاج بهم، فهل لك الآن أن
تأتي بذلك، لتتضح أعلام الحق، وتشرق أنوار اليقين، والسلام.
س
104

المراجعة 16 (1) رقم: 2 ذي الحجة سنة 1329
مئة من أسناد الشيعة في إسناد السنة
نعم آتيك - في هذه العجالة - بما أمرت، مقتصرا على ثلة ممن
شدت إليهم الرحال، وامتدت نحوهم الأعناق، على شرط أن لا
أكلف بالاستقصاء (140) فإنه مما يضيق عنه الوسع في هذا الاملاء،
وإليك أسماءهم وأسماء آبائهم مرتبة على حروف الهجاء.
أ
1 - أبان بن تغلب - بن رباح القارئ الكوفي ترجمه الذهبي في
ميزانه فقال: - أبان بن تغلب م عو - الكوفي شيعي جلد، لكنه
صدوق، فلنا صدقه، وعليه بدعته. (قال): وقد وثقه أحمد بن
حنبل، وابن معين، وأبو حاتم. وأورده ابن عدي وقال: كان غاليا
في التشيع. وقال السعدي: زائغ مجاهر. إلى آخر ما حكاه الذهبي
عنهم في أحواله (141) وعده ممن احتج بهم مسلم، وأصحاب السنن
الأربعة - أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة (142) - حيث
وضع على اسمه رموزهم. ودونك حديثه في صحيح مسلم، والسنن

(1) جاءت هذه المراجعة طويلة لاقتضاء الحال تطويلها، فأهل العلم لا يسأمون من
طولها لما فيها من الفوائد الجليلة التي هي ضالة كل باحث ومدقق، أما غيرهم فمتى أوجس
الملل فليكتف ببعضها وليقس عليه الباقي ثم ليضرب صفحا إلى المراجعة 17 وما بعدها،
وخوفا من التطويل الممل آثرنا ترك فهرستها المشتمل على الإشارة إلى ما جاء في غضون التراجم
من الفوائد والفرائد.
105

الأربع عن الحكم والأعمش، وفضيل بن عمرو، روى عنه عند
مسلم، سفيان بن عيينة، وشعبة، وإدريس الأودي. مات رحمه الله
سنة إحدى وأربعين ومئة.
2 - إبراهيم بن يزيد - بن عمرو بن الأسود بن عمرو النخعي
الكوفي الفقيه، وأمه مليكة بنت يزيد بن قيس النخعية، أخت الأسود
وإبراهيم و عبد الرحمن بني يزيد بن قيس، كانوا جميعا كعميهم:
علقمة، وأبي، ابني قيس: من إثبات المسلمين، وإسناد أسانيدهم
الصحيحة، احتج بهم أصحاب الصحاح الستة وغيرهم، مع الاعتقاد
بأنهم شيعة.
أما إبراهيم بن يزيد صاحب العنوان فقد عده ابن قتيبة في
معارفه (143) (1) من رجال الشيعة، وأرسل ذلك إرسال المسلمات.
ودونك حديثه في كل من صحيحي البخاري ومسلم عن عم أمه علقمة
ابن قيس، وعن كل من همام بن الحارث، وأبي عبيدة بن عبد الله بن
مسعود، وعن عبيدة والأسود بن يزيد - وهو خاله - وحديثه في صحيح
مسلم عن خاله عبد الرحمن بن يزيد، وعن سهم بن منجاب، وأبي
معمر، وعبيد بن نضلة، وعابس. وروى عنه في الصحيحين
منصور، والأعمش، وزبيد، والحكم، وابن عون. روى عنه في
صحيح مسلم، فضيل بن عمرو، ومغيرة، وزياد بن كليب،
وواصل، والحسن بن عبيد الله وحماد بن أبي سليمان، وسماك ولد
إبراهيم سنة خمسين، ومات سنة ست أو خمس وتسعين، بعد موت
الحجاج بأربعة أشهر.
3 - أحمد بن المفضل - بن الكوفي الحفري أخذ عنه أبو زرعة،

(1) ص 206، حيث ذكر رجل الشيعة في المعارف.
106

وأبو حاتم، واحتجا به، وهما يعلمان مكانه في الشيعة، وقد صرح أبو
حاتم بذلك حيث قال - كما في ترجمة أحمد من الميزان -: كان أحمد بن المفضل من
رؤساء الشيعة صدوقا. وقد ذكره الذهبي في ميزانه (144) ووضع على اسمه رمز
أبي داود، والنسائي إشارة إلى احتجاجهما به، ودونك حديثه في صحيحيهما
(145) عن الثوري. وله عن أسباط بن نصر وإسرائيل.
4 - إسماعيل بن أبان - الأزدي الكوفي الوراق شيخ البخاري في
صحيحه، ذكره الذهبي في الميزان (146) بما يدل على احتجاج البخاري
والترمذي به في صحيحيهما (147) وذكر أن يحيى وأحمد أخذا عنه، وأن
البخاري قال: صدوق، وأن غيره قال: كان يتشيع، وأنه توفي سنة
286 لكن القيسراني ذكر أن وفاته كانت سنة ست عشرة ومئتين،
وروى عنه البخاري بلا واسطة في غير موضع من صحيحه، كما نص
عليه القيسراني وغيره.
5 - إسماعيل بن خليفة - الملائي الكوفي، وكنيته أبو إسرائيل
وبها يعرف ذكره الذهبي في باب الكنى من ميزانه (148) فقال: كان
شيعيا بغيضا من الغلاة الذين يكفرون عثمان، ونقل عنه من ذلك شيئا
كثيرا لا يلزمنا ذكره، ومع هذا فقد أخرج عنه الترمذي في صحيحه
وغير واحد من أرباب السنن (149). وحسن أبو حاتم حديثه. وقال أبو زرعة:
صدوق، في رأيه غلو. وقال أحمد: يكتب حديثه. وقال
ابن معين مرة: هو ثقة. وقال الفلاس: ليس هو من أهل الكذب،
ودونك حديثه في صحيح الترمذي وغيره، عن الحكم بن عتيبة،
وعطية العوفي، روى عنه إسماعيل بن عمرو البجلي، وجماعة من
أعلام تلك الطبقة، وقد عده بن قتيبة من رجال الشيعة في كتابه -
المعارف -.
107

6 - إسماعيل بن زكريا - الأسدي الخلقاني الكوفي، ترجمه
الذهبي في ميزانه (150) فقال: - إسماعيل بن زكريا (ع) - الخلقاني
الكوفي صدوق شيعي، وعده ممن احتج بهم أصحاب الصحاح
الستة (151) حيث وضع على اسمه الرمز إلى اجتماعهم على ذلك.
ودونك حديثه في صحيح البخاري عن محمد بن سوقة، وعبيد الله بن
عمر، وحديثه في صحيح مسلم عن سهيل، ومالك بن مغول، وغير
واحد، أما حديثه عن عاصم الأحول فموجود في الصحيحين جميعا،
روى عنه محمد بن الصباح، وأبو الربيع، عندهما، ومحمد بن بكار،
عند مسلم. مات سنة أربع وسبعين ومئة ببغداد، وأمره في التشيع
ظاهر معروف حتى نسبوا إليه القول: بأن الذي نادى عبده من جانب
الطور إنما هو علي بن أبي طالب، وأنه كان يقول: الأول والآخر والظاهر والباطن علي
بن أبي طالب، وهذا من إرجاف المرجفين بالرجل
لكونه من شيعة علي، والمقدمين له على من سواه. قال الذهبي في
ترجمته من الميزان بعد نقل هذا الأبطيل عنه: لم يصح عن الخلقاني هذا
الكلام فإنه من كلام الزنادقة. ا ه‍.
7 - إسماعيل بن عباد - بن العباس الطالقاني أبو القاسم،
المعروف بالصاحب ابن عباد. ذكره الذهبي في ميزانه (1) فوضع على
اسمه دت رمزا إلى احتجاج أبي داود والترمذي به في صحيحيهما (152) ثم
وصفه: بأنه أديب بارع شيعي. قلت: تشيعه مما لا يرتاب فيه أحد،
وبذلك نال هو وأبوه ما نالا من الجلالة والعظمة في الدولة البويهية،
وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء، لأنه صحب مؤيد الدولة بن

(1) خالف الذهبي طريقته في الميزان عند ذكره لإسماعيل بن عباد حيث ذكره بين
إسماعيل ابن أبان الغنوي وإسماعيل بن أبان الأزدي، وقد اهتضمه فلم يوفه شيئا من حقوقه.
108

بويه منذ الصبا فسماه الصاحب، واستمر عليه هذا اللقب حتى اشتهر
به ثم أطلق على كل من ولي الوزارة بعده، وكان أولا وزير مؤيد
الدولة أبي منصور ابن ركن الدولة ابن بويه، فلما توفي مؤيد الدولة
وذلك في شعبان سنة 373 بجرجان، استولى على مملكته أخوه أبو
الحسن علي المعروف بفخر الدولة فأقر الصاحب على وزارته، وكان
معظما عنده، نافذ الأمر لديه، كما كان أبوه عباد بن العباس وزيرا
معظما عند أبيه ركن الدولة، نافذ الأمر لديه، ولما توفي الصاحب -
وذلك ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثلاث
مئة بالري عن تسع وخمسين سنة - أغلقت له مدينة الري، واجتمع
الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته، وحضر فخر الدولة
ومعه الوزراء والقواد، وغيروا لباسهم، فلما خرج نعشه صاح الناس
بأجمعهم صيحة واحدة، وقبلوا الأرض تعظيما للنعش، ومشى فخر
الدولة في تشييع الجنازة كسائر الناس، وقعد للعزاء أياما ورثته
الشعراء، وأبنته العلماء، وأثنى عليه كل من تأخر عنه، قال أبو بكر
الخوارزمي: نشأ - الصاحب بن عباد - من الوزارة في حجرها، ودب
ودرج من وكرها، ورضع أفاويق درها، وورثها عن آبائه. كما قال أبو
سعيد الرستمي في حقه:
ورث الوزارة كابرا عن كابر * موصولة الإسناد بالإسناد
يروي عن العباس عباد وزا * رته وإسماعيل عن عباد
وقال الثعالبي في ترجمة الصاحب من يتيمته: ليست تحضرني
عبارة أرضاها للافصاح عن علو محله في العلم والأدب، وجلالة شأنه
في الجود والكرم، وتفرده بالغايات في المحاسن، وجمعه أشتات المفاخر،
109

لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه، وجهد وصفي -
يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه. ثم استرسل في بيان محاسنه
وخصائصه (153) وللصاحب مؤلفات جليلة منها كتاب المحيط في اللغة
في سبع مجلدات رتبه على حروف المعجم، وكان ذا مكتبة لا نظير لها.
كتب إليه نوح ابن منصور أحد ملوك بني سامان يستدعيه ليفوض إليه
وزارته وتدبير أمر مملكته، فاعتذر إليه: بأنه يحتاج لنقل كتبه خاصة إلى
أربع مئة جمل، فما الظن بغيرها، وفي هذا القدر من أخباره كفاية.
8 - إسماعيل بن عبد الرحمن - بن أبي كريمة الكوفي المفسر المشهور
المعروف بالسدي. قال الذهبي في ترجمته من الميزان (154) رمي
بالتشيع، ثم روى عن حسين بن واقد المروزي: أنه سمعه يشتم أبا
بكر وعمر. ومع ذلك فقد أخذ عنه الثوري وأبو بكر بن عياش،
وخلق من تلك الطبقة. واحتج به مسلم وأصحاب السنن الأربعة
(155) ووثقه أحمد. وقال ابن عدي: صدوق. وقال يحيى القطان:
لا بأس به. وقال يحيى ابن سعيد: ما رأيت أحدا يذكر السدي إلا
بخير " قال " وما تركه أحد. ومر إبراهيم النخعي بالسدي وهو يفسر
القرآن فقال: أما أنه يفسر تفسير القوم. وإذا راجعت أحوال السدي
في ميزان الاعتدال تجد تفصيل ما أجملناه. ودونك حديث السدي في
صحيح مسلم عن أنس بن مالك، وسعد بن عبيدة، ويحيى بن عباد.
روى عنه عند مسلم، وأرباب السنن الأربعة، أبو عوانة، والثوري،
والحسن بن صالح، وزائدة، وإسرائيل، فهو شيخ هؤلاء الأعلام،
مات سنة سبع وعشرين ومئة.
9 - إسماعيل بن موسى - الفزاري الكوفي. قال ابن عدي - كما
في ميزان الذهبي -: أنكروا منه غلوا في التشيع. وقال عبدان - كما في
110

الميزان أيضا -: أنكر علينا هناد، وابن أبي شيبة، ذهابنا إليه. وقال:
أيش عملتم عند ذاك الفاسق الذي يشتم السلف!؟ ومع هذا فقد أخذ
عنه ابن خزيمة، وأبو عروبة خلائق، كان شيخهم من تلك الطبقة،
كأبي داود، والترمذي، إذ أخذا عنه واحتجا به، في صحيحيهما،
وقد ذكره أبو حاتم فقال: صدوق. وقال النسائي: ليس به بأس.
كل ذلك موجود في ترجمته من ميزان الذهبي (156).
ودونك حديثه في صحيح الترمذي، وسنن أبي داود (157) عن مالك،
وشريك، وعمر بن شاكر صاحب أنس. مات سنة خمس وأربعين
ومئتين، وهو ابن بنت السدي، وربما كان ينكر ذلك، والله أعلم.
ت
10 - تليد بن سليمان - الكوفي الأعرج، ذكره ابن معين فقال:
كان يشتم عثمان، فسمعه بعض أولاد موالي عثمان فرماه فكسر
رجليه. وذكره أبو داود فقال: رافضي يشتم أبا بكر وعمر. ومع ذلك
كله فقد أخذ عنه أحمد، وابن نمير، واحتجا به وهما يعلمانه شيعيا.
قال أحمد: تليد شيعي لم نر به بأسا. وذكره الذهبي في ميزانه (158)
فنقل من أقوال العلماء فيه ما قد ذكرناه، ووضع على اسمه رمز
الترمذي، إشارة إلى أنه من رجال أسانيده. ودونك حديثه في صحيح
الترمذي (159) عن عطاء ابن السائب، و عبد الملك بن عمير.
ث
11 - ثابت بن دينار - المعروف بأبي حمزة الثمالي حاله في التشيع
كالشمس. وقد ذكره في الميزان (160) فنقل أن عثمان ذكر مرة في مجلس
أبي حمزة فقال: من عثمان؟! استخفافا به، ثم نقل أن السليماني عد
111

أبا حمزة في قوم من الرافضة، وقد وضع الذهبي رمز الترمذي على اسم
أبي حمزة، إشارة إلى أنه من رجال سنده، وأخذ عنه وكيع، وأبو
نعيم، واحتجا به. ودونك حديثه في صحيح الترمذي (161) عن
أنس، والشعبي، وله عن غيرهما من تلك الطبقة. مات رحمه الله سنة
مئة وخمسين.
12 - ثوبر بن أبي فاخنة - أبو الجهم الكوفي، مولى أم هاني بنت
أبي طالب.
ذكره الذهبي في ميزانه (162) فنقل القول: بكونه رافضيا عن يونس بن
أبي إسحاق، ومع ذلك فقد أخذ عنه سفيان، وشعبة، وأخرج له
الترمذي في صحيحه (163) عن ابن عمر، وزيد بن أرقم. وكان في
عصر الإمام الباقر متمسكا بولايته معروفا بذلك، وله مع عمرو بن ذر
القاضي، وابن قيس الماصر، والصلت بن بهرام نادرة تشهد
بهذا (164).
ج
13 - جابر بن يزيد - بن الحارث الجعفي الكوفي. ترجمه الذهبي
في ميزانه (165) فذكر أنه أحد علماء الشيعة. ونقل عن سفيان القول
بأنه سمع جابرا يقول: انتقل العلم الذي كان في النبي صلى الله عليه
وآله وسلم إلى علي، ثم انتقل من علي إلى الحسن، ثم لم يزل حتى بلغ
جعفرا (الصادق) وكان في عصره (ع). وأخرج مسلم في أوائل
صحيحه عن الجراح. قال سمعت جابرا يقول: عندي سبعون ألف
حديث عن أبي جعفر " الباقر " عن النبي صلى الله عليه وآله،
كلها (166). وأخرج عن زهير، قال سمعت جابرا يقول: أن عندي
لخمسين ألف حديث، ما حدثت منها بشئ - قال ثم حدث يوما
112

بحديث فقال: هذا من الخمسين ألفا (167) وكان جابر إذا حدث عن
الباقر يقول - كما في ترجمته من ميزان الذهبي: - حدثني وصي
الأوصياء. وقال ابن عدي - كما في ترجمة جابر من الميزان -: عامة ما
قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة، وأخرج الذهبي - في ترجمته من
الميزان - بالإسناد إلى زائدة قال: جابر الجعفي رافضي يشتم، قلت:
ومع ذلك فقد احتج به النسائي، وأبو داود (168) فراجع حديثه في
سجود السهو من صحيحيهما، وأخذ عنه شعبة، وأبو عوانة، وعدة
من طبقتهما، ووضع الذهبي علي اسمه - حيث ذكره في الميزان - رمزي
أبي داود والترمذي إشارة إلى كونه من رجال أسانيدهما، ونقل عن
سفيان القول: بكون جابر الجعفي ورعا في الحديث، وأنه قال: ما
رأيت أورع منه، وأن شعبة قال: جابر صدوق. وأنه قال أيضا كان
جابر إذا قال أنبأنا، وحدثنا، وسمعت، فهو من أوثق الناس، وأن
وكيعا قال: ما شككتم في شئ فلا تشكوا أن جابر الجعفي ثقة، وأن
ابن عبد الحكم سمع الشافعي يقول: قال سفيان الثوري لشعبة: لئن
تكلمت في جابر الجعفي لأتكلمن فيك. مات جابر سنة ثمان أو سبع
وعشرين ومئة، رحمه الله تعالى (169)
14 - جرير بن عبد الحميد - الضبي الكوفي، عده ابن قتيبة من
رجال الشيعة في كتابه - المعارف - وأورده الذهبي في الميزان (170) فوضع
عليه الرمز إلى اجتماع أهل الصحاح على الاحتجاج به، وأثنى عليه
فقال: عالم أهل الري صدوق، يحتج به في الكتب، نقل الاجماع على
وثاقته. ودونك حديثه في صحيحي البخاري ومسلم (171) عن
الأعمش، ومغيرة، ومنصور، وإسماعيل بن أبي خالد، وأبي إسحاق
الشيباني، روى عنه في الصحيحين قتيبة ابن سعيد، ويحيى بن يحيى،
113

وعثمان بن أبي شيبة. مات رحمه الله تعالى بالري سنة سبع وثمانين ومئة
عن سبع وسبعين سنة.
15 - جعفر بن زياد - الأحمر الكوفي ذكره أبو داود فقال:
صدوق شيعي. وقال الجوزجاني: مائل عن الطريق - أي لتشيعه مائل
عن طريق الجوزجاني إلى طريق أهل البيت - وقال ابن عدي: صالح
شيعي. وقال حفيده الحسين بن علي بن جعفر بن زياد: كان جدي
جعفر من رؤساء الشيعة بخراسان، فكتب فيه أبو جعفر الدوانيقي -
فأشخص إليه في ساجور (1) مع جماعة من الشيعة فحبسهم في المطبق
دهرا. أخذ عنه ابن عيينة، ووكيع وأبو غسان المهدي، ويحيى بن بشر
الحريري، وابن مهدي، فهو شيخهم. وقد وثقه ابن معين وغيره،
وقال أحمد: صالح الحديث. وذكره الذهبي في الميزان (172) ونقل من أحواله
ما قد سمعت، ووضع على اسمه رمز الترمذي، والنسائي، إشارة إلى
احتجاجهما به. ودونك حديثه في صحيحيهما (173) عن بيان بن بشر،
وعطاء بن السائب. وله عن جماعة آخرين من تلك الطبقة. مات رحمه
الله سنة سبع وستين ومئة.
16 - جعفر بن سليمان - الضبعي البصري أبو سليمان، عده
ابن قتيبة من رجال الشيعة في معارفه (2)، وذكره ابن سعد فنص على
تشيعه ووثاقته (174) ونسبه أحمد بن المقدام إلى الرفض، وذكره ابن عدي
فقال: هو شيعي أرجو أنه لا بأس به، وأحاديثه ليست بالمنكرة، وهو
عندي ممن يحمد أن يقبل حديثه. وقال أبو طالب سمعت أحمد
يقول: لا بأس بجعفر بن سليمان الضبعي، فقيل لأحمد: أن

(1) الساجور في الأصل: قلادة تجعل في عنق الكلب، والمراد هنا أنه أشخص وهو يجر
بحبل في عنقه.
(2) راجع من المعارف ص 206.
114

سليمان بن حرب يقول: لا يكتب حديثه، فقال: لم يكن ينهى
عنه، وإنما كان جعفر يتشيع، فيحدث بأحاديث في علي... الخ.
وقال ابن معين: سمعت من عبد الرزاق كلاما استدللت به على ما
قيل عنه من المذهب، فقلت له: إن أساتذتك كلهم أصحاب سنة،
معمر، وابن جريح، والأوزاعي، ومالك، وسفيان، فعمن أخذت
هذا المذهب؟ فقال: قدم علينا جعفر ابن سليمان الضبعي، فرأيته
فاضلا حسن الهدي، فأخذت عنه هذا المذهب - مذهب التشيع -
قلت: لكن محمد بن أبي بكر المقدمي كان يرى العكس، فيصرح
بأن جعفرا إنما أخذ الرفض عن عبد الرزاق، ولذا كان يدعو عليه
فيقول: فقدت عبد الرزاق ما أفسد بالتشيع جعفرا غيره. وأخرج
العقيلي بالإسناد إلى سهل بن أبي خدوثة، قال: قلت لجعفر بن
سليمان: بلغني أنك تشتم أبا بكر وعمر. فقال: أما الشتم فلا،
ولكن البغض ما شئت. وأخرج ابن حبان في الثقات بسنده إلى جرير
بن يزيد بن هارون، قال: بعثني أبي إلى جعفر الضبعي فقلت له:
بلغني أنك تسب أبا بكر وعمر. قال: أما السب فلا، ولكن
البغض ما شئت، فإذا هو رافضي... الخ. وترجم الذهبي جعفرا
في الميزان فذكر من أحواله كلما سمعت، ونص على أنه كان من
العلماء الزهاد على تشيعه (175) وقد احتج به مسلم في صحيحه (176)
وأخرج عنه أحاديث قد انفرد بها، كما نص عليه الذهبي، وأشار
إليها في ترجمة جعفر. ودونك حديثه في الصحيح عن ثابت البناني،
والجعد بن عثمان، وأبي عمران الجوني، ويزيد بن الرشك، وسعيد
الجريري، روى عنه قطن بن نسير، ويحيى بن يحيى، وقتيبة،
ومحمد بن عبيد بن حساب، وابن مهدي، ومسدد. وهو الذي
115

- حدث عن يزيد الرشك، عن مطرف، عن عمران بن حصين،
قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سرية استعمل
عليهم عليا... الحديث، وفيه -: ما تريدون من علي، علي مني وأنا
منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي " (177) أخرجه النسائي في
صحيحه، ونقله ابن عدي عن صحاح النسائي، نص الذهبي على
ذلك في أحوال جعفر من الميزان. مات في رجب سنة ثمان وسبعين
ومئة، رحمه الله تعالى.
17 - جميع بن عميرة - بن ثعلبة الكوفي التيمي، تيم الله.
ذكره أبو حاتم - كما في آخر ترجمته من الميزان - (178) فقال: كوفي
صالح الحديث، قلت: أخذ عنه العلاء بن صالح، وصدقة بن
المثنى، وحكيم بن جبير، فهو شيخهم. وله في السنن ثلاثة
أحاديث، وحسن الترمذي له (179). نص على ذلك الذهبي في
الميزان، وهو من التابعين، سمع ابن عمر، وعائشة، ومما رواه عن
ابن عمر: أنه سمع رسول الله يقول لعلي:
" أنت أخي في الدنيا والآخرة " (180).
ح
18 - الحارث بن حصيرة - أبو النعمان الأزدي الكوفي. ذكره
أبو حاتم الرازي. فقال: هو من الشيعة العتق. وذكره أبو أحمد
الزبيري، فقال: كان يؤمن بالرجعة. وذكره ابن عدي، فقال:
يكتب حديث على ما رأيته من ضعفه، وهو من المحترقين بالكوفة في
التشيع. وقال ذنيج: سألت جريرا أرأيت الحارث بن حصيرة؟
قال: نعم رأيته شيخا كبيرا، طويل السكوت، يصر على أمر
116

عظيم. وذكره يحيى بن معين، فقال: ثقة خشبي، ووثقه النسائي
أيضا، وحمل عنه الثوري، ومالك بن مغول، و عبد الله بن نمير،
وطائفة من طبقتهم، كان شيخهم ومحل ثقتهم. وترجمه الذهبي في
ميزانه (181)، فذكر كل ما نقلناه من شؤونه. ودونك حديثه في
السنن (182) عن زيد بن وهب، وعكرمة، وطائفة من طبقتهما،
أخرج النسائي من طريق عباد بن يعقوب الرواجني، عن عبد الله بن
عبد الملك المسعودي، عن الحارث بن حصيرة، عن زيد بن وهب،
قال سمعت عليا يقول: " أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يقولها بعدي
إلا كذاب " (183) وروى الحارث بن حصيرة، عن أبي داود
السبيعي، عن عمران بن حصين، قال: كنت جالسا عند النبي
صلى الله عليه وآله وسلم وعلي إلى جنبه، إذ قرأ النبي صلى الله عليه
وآله وسلم: * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم
خلفاء الأرض) *، فارتعد علي، فضرب النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بيده على كتفه، وقال: " ولا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك
إلا منافق " (184) إلى يوم القيامة، أخرجه المحدثون كمحمد بن
كثير، وغيره عن الحارث بن حصيرة، ونقله الذهبي في ترجمة نفيع
بن الحارث بهذا الإسناد، وحين أتى في أثناء السند على ذكر الحارث
بن حصيرة، قال: صدوق لكنه رافضي (185).
19 - الحارث بن عبد الله - الهمداني، صاحب أمير المؤمنين
وخاصته، كان من أفضل التابعين، وأمره في التشيع غني عن
البيان، وهو أول من عدهم ابن قتيبة في معارفه، من رجال
الشيعة، وقد ذكره الذهبي في ميزانه (186): فاعترف بأنه من كبار
علماء التابعين، ثم نقل عن ابن حبان القول: بكونه غاليا في
117

التشيع، ثم أورد من تحامل القوم عليه - بسبب ذلك - شيئا كثيرا،
ومع هذا فقد نقل إقرارهم بأنه كان من أفقه الناس، وأفرض
الناس، وأحسب الناس، لعلم الفرائض، واعترف بأن حديث
الحارث موجود في السنن الأربعة (187) وصرح بأن النسائي مع تعنته
في الرجال قد احتج بالحارث، وقوى أمره، وأن الجمهور مع توهينهم
أمره يروون حديثه في الأبواب كلها، وأن الشعبي كان يكذبه، ثم
يروي عنه. قال في الميزان: والظاهر أنه يكذبه في لهجته وحكاياته،
وأما في الحديث النبوي فلا. قال في الميزان: وكان الحارث من أوعية
العلم، ثم روى - في الميزان - عن محمد بن سيرين أنه قال: كان من
أصحاب ابن مسعود خمسة يؤخذ عنهم أدركت منهم أربعة، وفاتني
الحارث فلم أره، وكان يفضل عليهم وكان أحسنهم (قال): ويختلف
في هؤلاء الثلاثة أيهم أفضل، علقمة ومسروق وعبيدة، ا ه‍. قلت:
وقد سلط الله على الشعبي من الثقات الأثبات من كذبه واستخف به
جزاءا وفاقا، كما نبه على ذلك ابن عبد البر في كتابه - جامع بيان
العلم - حيث أورد كلمة إبراهيم النخعي الصريحة في تكذيب
الشعبي، ثم قال (1) ما هذا لفظه: وأظن الشعبي عوقب لقوله في
الحارث الهمداني حدثني الحارث وكان أحد الكذابين - قال ابن
عبد البر - ولم يبن من الحارث كذب، وإنما نقم عليه إفراطه في حب
علي، وتفضيله له على غيره (قال) ومن هاهنا كذبه الشعبي، لأن
الشعبي يذهب إلى تفضيل أبي بكر، وإلى أنه أول من أسلم،
وتفضيل عمر. ا ه‍. قلت: وأن ممن تحامل على الحارث محمد بن

(1) كما في ص 196 من مختصر كتاب جامع بيان العلم وفضله لشيخنا العلامة أحمد بن
عمر المحمصاني البيروتي المعاصر.
118

سعد، حيث ترجمه في الجزء 6 من طبقاته (188) فقال: " إن له قول
سوء " وبخسه حقه، كما جرت عادته مع رجال الشيعة، إذ لم
ينصفهم في علم، ولا في عمل، والقول السئ الذي نقله ابن سعد
عن الحارث: إنما هو الولاء لآل محمد، والاستبصار بشأنهم، كما أشار
إليه ابن عبد البر فيما نقلناه من كلامه. كانت وفاة الحارث سنة خمس
وستين، رحمه الله تعالى.
20 - حبيب بن أبي ثابت - الأسدي الكاهلي الكوفي التابعي،
يعده في رجال الشيعة كل من ابن قتيبة في معارفه، والشهرستاني في
كتاب - الملل والنحل - وذكره الذهبي في ميزانه (189) ووضع على
اسمه رمز الصحاح الستة (190) إشارة إلى احتجاجها به، وقال: قد احتج به كل
من أفرد الصحاح بلا تردد (قال): ووثقه يحيى بن معن. وجماعة.
قلت: وإنما تكلم فيه الدولابي، وعده من المضعفين، لمجرد تشيعه
وقد أدهشني ابن عون حيث لم يجد وجها للطعن في حبيب ونفسه تأبى
إلا انتقاصه، فكان يعبر عنه بالأعور، ولا نقص بعور العين، وإنما
النقص بالفحشاء والكلمة العوراء. ودونك حديث حبيب في
صحيحي البخاري ومسلم عن سعيد بن جبير، وأبي وائل. أما
حديثه عن زيد بن وهب، ففي صحيح البخاري فقط. وله في
صحيح مسلم عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وعن
طاووس، والضحاك المشرقي، وأبي العباس بن الشاعر. وأبي المنهال
عبد الرحمن، وعطاء بن يسار وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص،
ومجاهد. روى عنه في الصحيحين مسعر، والثوري، وشعبة. وروى
عنه في صحيح مسلم، سليمان الأعمش، وحصين، و عبد العزيز
ابن سياه وأبو إسحاق الشيباني. مات رحمه الله تعالى سنة تسع عشرة
ومئة.
119

21 - الحسن بن حي - واسم حي صالح بن صالح الهمداني،
أخو علي بن صالح وكلاهما من أعلام الشيعة، ولدا توأما، وكان علي
تقدمه بساعة، فلم يسمع أحد أخاه الحسن يسميه باسمه قط، وإنما
كان يكنيه بقول: قال أبو محمد، نقل ذلك ابن سعد في أحوال علي
من الجزء 6 من طبقاته. وذكرهما الذهبي في ميزانه فقال في أحوال
الحسن: كان أحد الأعلام، وفيه بدعة تشيع، وكان يترك الجمعة،
ويرى الخورج على الولاة الظلمة، وذكر أنه كان لا يترحم على
عثمان. وذكره ابن سعد في الجزء 6 من الطبقات فقال: كان ثقة
صحيح الحديث كثيره، وكان متشيعا. ا ه‍. وذكره الإمام ابن قتيبة
في أصحاب الحديث من كتابه - المعارف - مصرحا بتشيعه، ولما ذكر
رجال الشيعة في أواخر - المعارف - عد الحسن منهم (191). احتج به
مسلم وأصحاب السنن (192)، ودونك حديثه في صحيح مسلم،
عن كل من سماك بن حرب، وإسماعيل السدي، وعاصم
الأحول، وهارون بن سعد. وقد أخذ عنه عبيد الله ابن موسى
العبسي، ويحيى بن آدم، وحميد بن عبد الرحمن الرواسي، وعلي بن
الجعد، وأحمد بن يونس، وسائر أعلام طبقتهم وذكر الذهبي في
ترجمته من الميزان: أن ابن معين وغيره وثقوه، وأن عبد الله بن أحمد
نقل عن أبيه: أن الحسن أثبت من شريك وذكر الذهبي أن أبا حاتم
قال: إنه ثقة، حافظ، متقن، وأن أبا زرعة قال: اجتمع فيه
إتقان، وفقه، وعبادة، وزهد، وأن النسائي وثقه، وأن أبا نعيم
قال: كتبت عن ثمان مئة محدث، فما رأيت أفضل من الحسن بن
صالح، وأنه قال: ما رأيت أحدا إلا وقد غلط في شئ، غير
الحسن بن صالح، وأن عبيدة بن سليمان قال: إني أرى الله يستحي
120

أن يعذب الحسن بن صالح، وأن يحيى بن أبي بكير، قال للحسن
بن صالح: صف لنا غسل الميت، فما قدر عليه من البكاء، وأن
عبيد الله بن موسى قال: كنت أقرأ على علي بن صالح، فلما
بلغت: فلا تعجل عليهم، سقط أخوه الحسن يخور كما يخور الثور،
فقام إليه علي فرفعه ومسح وجهه ورش عليه وأسنده، وأن وكيعا
قال: كان الحسن وعلي ابنا صالح، وأمهما قد جزؤوا الليل ثلاثة
أجزاء، فكل واحد يقوم ثلثا، فماتت أمهما فاقتسما الليل بينهما، ثم
مات علي فقام الحسن الليل كله، وأن أبا سليمان الداراني قال: ما
رأيت أحدا الخوف أظهر على وجهه من الحسن بن صالح قام ليلة بعم
يتساءلون فغشي عليه، فلم يختمها إلى الفجر (193). ولد رحمه الله
تعالى سنة مئة، ومات سنة تسع وستين ومئة.
22 - الحكم بن عتيبة - الكوفي، نص على تشيعه ابن قتيبة،
وعده من رجال الشيعة في معارفه (194). احتج به البخاري ومسلم
(195). ودونك حديثه في صحيحيهما عن كل من أبي جحيفة،
وإبراهيم النخعي ومجاهد، وسعيد بن جبير، وله في صحيح مسلم
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، والقاسم بن مخيمرة، وأبي صالح، وذر
بن عبد الله، وسعيد ابن عبد الرحمن بن أبزى، ويحيى بن الجزار،
ونافع مولى بن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وعمارة بن عمير،
وعراك بن مالك، والشعبي، وميمون بن مهران، والحسن العرني،
ومصعب بن سعد، وعلي بن الحسين. روى عنه في الصحيحين:
منصور، ومسعر، وشعبة. وروى عنه في صحيح البخاري خاصة
عبد الملك بن أبي غنية، وروى عنه في صحيح مسلم خاصة كل من
الأعمش، وعمرو بن قيس، وزيد بن أبي أنيسة، ومالك ابن
121

مغول، وأبان بن تغلب، وحمزة الزيات، ومحمد بن جحادة،
ومطرف، وأبو عوانة، مات سنة خمس عشرة ومئة عن خمس وستين
سنة.
23 - حماد بن عيسى - الجهني، غريق الجحفة، ذكره أبو علي
في كتابه - منتهى المقال - وأورده الحسن بن علي بن داود في مختصره
المختص بأحوال الرجال، وترجمه من علماء الشيعة أصحاب الفهارس
والمعاجم (196) وعده جميعا من الثقات الأثبات، من أصحاب
الأئمة الهداة عليهم السلام، سمع من الإمام الصادق عليه السلام
سبعين حديثا، لكنه لم يرو منها سوى عشرين (197). وله كتب
يرويها أصحابنا بالإسناد إليه، دخل مرة على أبي الحسن الكاظم عليه
السلام، فقال له: جعلت فداك: ادع الله لي أن يرزقني دارا،
وزوجة، وولدا، وخادما، والحج في كل سنة. فقال عليه السلام:
اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقه دارا وزوجة وولدا وخادما
والحج خمسين سنة. قال حماد: فلما اشترط خمسين علمت أني لا أحج
أكثر منها. قال: فحججت ثمان وأربعين سنة، وهذي داري
رزقتها، وهذه زوجتي وراء الستر، تسمع كلامي، وهذا ابني،
وهذا خادمي، قد رزقت كل ذلك. ثم حج بعد هذا الكلام حجتين
تمام الخمسين، وخرج بعدها حاجا، فزامل أبا العباس النوفلي
القصير، فلما صار في موضع الاحرام، دخل يغتسل فجاء الوادي
فحمله الماء فغرق قبل أن يحج زيادة على الخمسين. وكانت وفاته
رحمه الله تعالى سنة تسعة ومئتين، وأصله كوفي، ومسكنه البصرة،
وعاش نيفا وسبعين سنة (198). وقد استقصينا أحواله في كتابنا -
مختصر الكلام في مؤلفي الشيعة من صدر الاسلام - وذكره الذهبي
122

(199) فوضع على اسمه ت ق إشارة إلى من أخرج عنه من أصحاب
السنن (200)، وذكر أنه غرق سنة ثمان ومئتين، وأنه يروي عن
الصادق (ع) وتحامل عليه إذ نسب الطامات إليه، كما تحامل عليه من
ضعفه لتشيعه، والعجب من الدارقطني يضعفه، ثم يحتج به في سننه
(وكذلك يفعلون).
24 - حمران بن أعين - أخو زرارة، كانا من أثبات الشيعة،
وحفظة الشريعة وبحار علوم آل محمد، وكانا من مصابيح الدجى،
وأعلام الهدى، منقطعين إلى الإمامين الباقرين الصادقين، ولهما مكانة
عند الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله سامية. أما حمران
فقد ذكره الذهبي في ميزانه (201) فوضع على اسمه ق إشارة إلى من
أخرج عنه من أصحاب السنن (202) ثم قال: روى عن أبي الطفيل
وغيره، وقرأ عليه حمزة، كان يتقن القرآن، قال ابن معين: ليس
بشئ، وقال أبو حاتم: شيخ. وقال أبو داود رافضي إلى آخر كلامه.
25 - خالد بن مخلد - القطواني أبو الهيثم الكوفي، شيخ البخاري
في صحيحه ذكره ابن سعد في الجزء 6 من طبقاته (1) فقال: وكان
متشيعا توفي بالكوفة في النصف من المحرم سنة ثلاث عشرة ومئتين في
خلافة المأمون، وكان في التشيع مفرطا وكتبوا عنه. ا ه‍. وذكره أبو
داود فقال: صدوق لكنه يتشيع. وقال الجوزجاني: كان شتاما معلنا
بسوء مذهبه. وترجمه الذهبي، في ميزانه (203) فنقل عن أبي داود،
وعن الجوزجاني ما نقلناه، احتج به البخاري ومسلم في مواضع من
صحيحيهما (204). ودونك حديثه في صحيح البخاري عن المغيرة بن
عبد الرحمن، وحديثه في صحيح مسلم، عن كل من محمد بن جعفر

(1) ص 283.
123

بن أبي كثير، ومالك بن أنس، ومحمد بن موسى، أما حديثه عن
سليمان بن بلال، وعلي بن مسهر فموجود في الصحيحين، روى عنه
البخاري بلا واسطة في مواضع من صحيحه، وروى عنه بواسطة محمد
بن عثمان بن كرامة حديثين. أما مسلم فقد روى عنه بواسطة أبي
كريب، وأحمد بن عثمان الأودي والقاسم بن زكريا، وعبد بن حميد،
وابن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير. وأصحاب السنن كلهم
يحتجون بحديثه وهم يعلمون بمذهبه.
د
26 - داود بن أبي عوف - أبو الحجاف، ذكره ابن عدي فقال:
ليس هو عندي ممن يحتج به، شيعي عامة ما يرويه في فضائل أهل
البيت. ا ه‍.
فتأمل واعجب! وما ضر داود قول النواصب بعد أن أخذ عنه
السفيانان، وعلي بن عابس، وغيرهم من أعلام تلك الطبقة، واحتج
به أبو داود والنسائي، ووثقه أحمد، ويحيى، وقال النسائي: ليس به
بأس. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وذكره الذهبي في الميزان (
205) فنقل من أقوالهم فيه ما قد سمعت. ودونك حديثه في سنن أبي
داود والنسائي (206) عن أبي حازم الأشجعي، وعكرمة وله عن
غيرهما.
ز
27 - زبيد بن الحارث - بن عبد الكريم اليامي الكوفي أبو عبد
الرحمن، ذكره الذهبي في ميزانه (207) فقال: من ثقات التابعين فيه
تشيع، ثم نقل القول بأنه ثبت عن القطان، ونقل توثيقه عن غير واحد
124

من أئمة الجرح والتعديل. ونقل أبو إسحاق الجوزجاني عبارة فيها من
الفضاضة ما جرت به عادة الجوزجاني وسائر النواصب، قال: وكان من
أهل الكوفة قوم لا يحمد الناس مذاهبهم، هم رؤوس محدثي الكوفة،
مثل أبي إسحاق، ومنصور، وزبيد اليامي، والأعمش، وغيرهم من
أقرانهم، احتملهم الناس لصدق ألسنتهم في الحديث وتوقفوا عندما
أرسلوا إلى آخر كلامه الذي أنطقه الحق به - والحق ينطق منصفا
وعنيدا - وما ضر هؤلاء الأعلام، وهم رؤوس المحدثين في الاسلام،
إذا لم يحمد الناصب مذهبهم في ثقل رسول الله وباب حطته، وأمان
أهل الأرض من بعده وسفينة نجاة أمته، وماذا عليهم من الناصب
الذي لا مندوحة له عن الوقوف على أبوابهم، ولا غنى به عن التطفل
على موائد فضلهم.
إذا رضيت عني كرام عشيرتي * فلا زال غضبانا علي لئامها
لا يبالي هؤلاء الحجج بالجوزجاني وأمثاله، بعد أن احتج بهم
أصحاب الصحاح وأرباب السنن كافة (208). ودونك حديث زبيد في
صحيحي البخاري ومسلم عن كل من أبي وائل، والشعبي، وإبراهيم
النخعي، وسعد بن عبيدة، أما حديثه عن مجاهد فإنه في صحيح
البخاري فقط. وله في صحيح مسلم عن مرة الهمداني، ومحارب بن
دثار، وعمارة بن عمير، وإبراهيم التيمي. روى عنه في الصحيحين
شعبة، والثوري، ومحمد بن طلحة. وروى عنه في صحيح مسلم،
زهير بن معاوية، وفضيل بن غزوان، والحسين النخعي. مات زبيد
رحمه الله تعالى سنة أربع وعشرين ومئة.
28 - زيد بن الحباب - أبو الحسن الكوفي التميمي، عده ابن
قتيبة من رجال الشيعة في كتابه - المعارف - وذكره الذهبي في الميزان (
125

209) فوصفه بالعابد الثقة الصدوق. ونقل توثيقه عن ابن معين وابن
المديني. ونقل القول: بأنه صدوق عن كل من أبي حاتم، وأحمد،
وذكر أن ابن عدي قال: أنه من إثبات الكوفيين لا يشك في صدقه.
قلت: واحتج به مسلم، ودونك حديثه في صحيحه (210) عن
معاوية بن صالح، والضحاك بن عثمان، وقرة بن خالد، وإبراهيم بن
نافع، ويحيى بن أيوب، وسيف بن سليمان، وحسن بن واقد،
وعكرمة بن عمار، و عبد العزيز بن أبي سلمة، وأفلح بن سعيد.
روى عنه ابن أبي شيبة، ومحمد بن حاتم، وحسن الحلواني، وأحمد بن
المنذر، وابن نمير، وابن كريب، ومحمد بن رافع، وزهير بن حرب،
ومحمد بن الفرج.
س
29 - سالم بن أبي الجعد - الأشجعي الكوفي هو أخو عبيد،
وزياد، وعمران، ومسلم بنو أبي الجعد. وذكرهم جميعا ابن سعد في
الجزء 6 من طبقاته (1) وقال عند ذكره لمسلم: كان ستة بنين لأبي الجعد
فكان اثنان منهم يتشيعان - وهما سالم وعبيد - واثنان مرجئان، واثنان
يريان رأي الخوارج، قال: فكان أبوهم يقول، مالكم، أي بني قد
خالف الله بينكم (2). وقد نص جماعة عن الأعلام على تشيع سالم بن
أبي الجعد. وعده ابن قتيبة في كتاب - المعارف (3) - من رجال الشيعة
وعده منهم الشهرستاني أيضا في كتابه - الملل والنحل - (4). وذكره

(1) راجع عنه ص 203 والتي بعدها.
(2) وذكرهم أيضا ابن قتيبة في باب التابعين ومن بعدهم من كتابه المعارف ص 156.
(3) 206.
(4) ص 27 من الجزء الثاني من النسخة المطبوعة في هامش فصل ابن حزم.
126

الذهبي في ميزانه (211) فعده التابعين، وذكر أن حديثه عن النعمان
ابن بشير وعن جابر، موجود في الصحيحين. قلت: وحديثه عن كل
من أنس بن مالك، وكريب، موجود في الصحيحين أيضا كما لا يخفى
على المتتبعين. قال الذهبي: وحديثه عن عبد الله بن عمرو، وعن ابن
عمر موجود في البخاري. قلت: وموجود في صحيح البخاري حديثه
عن أم الدرداء أيضا، وموجود في صحيح مسلم حديثه عن معدان بن
أبي طلحة وأبيه. روى عنه في الصحيحين كل من الأعمش، وقتادة
وعمر بن مرة، ومنصور، وحصين بن عبد الرحمن. وله حديث عن
علي أخرجه النسائي، وأبو داود في سننهما (212). توفي سنة سبع أو
ثمان وتسعين في ولاية سليمان بن عبد الملك، وقيل بل سنة مئة أو
إحدى ومئة في ولاية عمر بن عبد العزيز، والله أعلم.
30 - سالم بن أبي حفصة - العجلي الكوفي، عده الشهرستاني في
كتابه - الملل والنحل - من رجال الشيعة. وقال الفلاس: ضعيف
مفرط في التشيع. وقال ابن عدي: عيب عليه الغلو، وأرجو أنه لا
بأس به. وقال محمد بن بشير العبدي: رأيت سالم بن أبي حفصة
أحمق، ذا لحية طويلة، يا لها من لحية وهو يقول: وددت أني كنت
شريك علي عليه السلام في كل ما كان فيه. وقال الحسين بن علي
الجعفي: رأيت سالم بن أبي حفصة طويل اللحية أحمق، وهو يقول:
لبيك قاتل نعثل، لبيك مهلك بني أمية لبيك. وقال عمرو بن ذر لسالم
بن أبي حفصة: أنت قتلت عثمان؟ فقال: أنا؟ قال: نعم أنت
ترضى بقتله، وقال علي بن المديني سمعت جريرا يقول: تركت سالم بن
أبي حفصة لأنه كان خصما للشيعة - أي يخاصم لهم خصماءهم - وقد
ترجمه الذهبي فنقل كل ما نقلناه من أقوالهم فيه. وذكره ابن سعد في
127

ص 234 من الجزء 6 من طبقاته، فنقل: أنه كان يتشيع تشيعا
شديدا، وأنه دخل مكة على عهد بني العباس وهو يقول: لبيك
لبيك، مهلك بني أمية لبيك، وكان رجلا مجهرا فسمعه داود بن علي
فقال: من هذا؟ قالوا: سالم بن أبي حفظة، وأخبروه بأمره
ورأيه ا ه‍. وذكر الذهبي في ترجمته من الميزان: أنه كان في رؤوس من
ينتقص أبا بكر وعمر (213). ومع ذلك فقد أخذ عنه السفيانان،
ومحمد بن فضيل، واحتج به الترمذي في صحيحه، ووثقه ابن معين.
مات سنة سبع وثلاثين ومئة.
31 - سعد بن طريف - الإسكاف الحنظلي الكوفي. ذكره
الذهبي (214) فوضع على اسمه ت ق إشارة إلى من أخرج عنه من
أرباب السنن. ونقل عن الفلاس القول: بأنه ضعيف يفرط في
التشيع. قلت إفراطه في التشيع لم يمنع الترمذي وغيره عن الأخذ عنه (
215). ودونك حديثه في صحيح الترمذي، عن عكرمة، وأبي
وائل. له عن الأصبغ بن نباتة، وعمران بن طلحة، وعمير بن
مأمون. روى عنه إسرائيل، وحبان، وأبو معاوية (216).
32 - سعيد بن أشوع - ذكره الذهبي في ميزانه فقال - سعيد بن
أشوع صح خ م -: قاضي الكوفة صدوق مشهور - قال النسائي: ليس
به بأس، وهو سعيد بن عمرو بن أشوع صاحب الشعبي. وقال
الجوزجاني: غال زائغ، زائد التشيع. ا ه‍.
قلت: وقد احتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما (217)،
وحديثه ثابت عن الشعبي في الصحيحين. روى عنه زكريا بن أبي
زائدة، وخالد الحذاء عند كل من البخاري ومسلم. توفي في ولاية خالد
128

بن عبد الله.
33 - سعيد بن خيثم - الهلالي، قال إبراهيم بن عبد الله بن
الجنيد: قيل ليحيى بن معين إن سعيد بن خيثم شيعي، فما رأيك به؟
قال: فليكن شيعيا وهو ثقة. وذكره الذهبي في ميزانه (218)، فنقل
عن ابن معين مضمون ما قد سمعت، ووضع على اسم سعيد رمز
الترمذي والنسائي (219) إشارة إلى أنهما قد أخرجا عنه في
صحيحيهما، وذكر أنه يروي عن يزيد ابن أبي زياد، ومسلم الملائي.
وقد روى عنه ابن أخيه أحمد بن رشيد.
34 - سلمة بن الفضل - الأبرش، قاضي الري، وراوي
المغازي عن ابن إسحاق، يكنى أبا عبد الله. قال بن معين (كما في
ترجمة سلمة من الميزان) (220): سلمة الأبرش رازي يتشيع قد كتب
عنه وليس به بأس، وقال أبو زرعة - كما في الميزان أيضا -: كان أهل
الري لا يرغبون فيه لسوء رأيه، قلت: بل لسوء رأيهم في شيعة أهل
البيت. ذكره الذهبي في ميزانه، ووضع على اسمه رمز أبي داود
والترمذي (221) إشارة إلى اعتمادهما عليه، وإخراجهما حديثه. قال
الذهبي: وكان صاحب صلاة وخشوع، مات سنة إحدى وتسعين
ومئة. ونقل عن ابن معين: أنه قال كتبنا عنه، وليس في المغازي أتم
من كتابه (قال) وقال زنيح: سمعت سلمة الأبرش يقول: سمعت
المغازي من ابن إسحاق مرتين، وكتبت عنه من الحديث مثل المغازي.
35 - سلمة بن كهيل - بن حصين بن كادح بن أسد الحضرمي،
يكنى أبا يحيى، عده من رجال الشيعة جماعة من علماء الجمهور، كابن
قتيبة في معارفه (1) والشهرستاني في الملل والنحل (2) (222) وقد احتج

(1) ص 206 حيث ذكر الفرق.
(2) ص 27 من جزئه الثاني.
129

به أصحاب الصحاح الستة (223) وغيرهم، سمع أبا جحيفة،
وسويد بن غفلة، والشعبي، وعطاء بن أبي رباح، عند البخاري
ومسلم، وسمع جندب بن عبد الله عند البخاري. وسمع عند مسلم
كريبا، وذر بن عبد الله وبكير بن الأشج، وزيد بن كعب، وسعيد بن
جبير، ومجاهدا و عبد الرحمن بن يزيد، وأبا سلمة بن عبد الرحمن،
ومعاوية بن سويد، وحبيب بن عبد الله، ومسلما البطين. روى عنه
الثوري وشعبة عندهما. وإسماعيل بن أبي خالد عند البخاري، وسعيد
بن مسروق، وعقيل بن خالد و عبد الملك بن أبي سليمان، وعلي بن
صالح، وزيد بن أبي أنيسة، وحماد ابن سلمة، والوليد بن حرب،
عند مسلم. مات يوم عاشوراء، سنة إحدى وعشرين ومئة.
36 - سليمان بن صرد - الخزاعي الكوفي، كبير شيعة العراق في
أيامه، وصاحب رأيهم ومشورتهم، وقد اجتمعوا في منزله حين كاتبوا
الحسين عليه السلام، وهو أمير التوابين من الشيعة، الثائرين في
الطلب بدم الحسين عليه السلام، وكانوا أربعة آلاف عسكروا بالنخيلة
مستهل ربيع الثاني سنة خمس وستين، ثم ساروا إلى عبيد الله بن زياد،
فالتقوا بجنوده في أرض الجزيرة فاقتتلوا اقتتالا شديدا حتى تفانوا،
واستشهد يومئذ سليمان في موضع يقال له عين الوردة، رماه يزيد بن
الحصين بن نمير بسهم فقتله، وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، وحمل رأسه
ورأس المسيب بن نجبة إلى مروان بن الحكم، وقد ترجمه ابن سعد في
الجزء 6 من طبقاته وابن حجر في القسم الأول من إصابته، وابن عبد
البر في استيعابه (224) وكل من كتب في أحوال السلف وأخبار
الماضين ترجموه وأثنوا عليه بالفضل والدين والعبادة، وكان له سن
عالية، وشرف وقدر وكلمة في قومه، وهو الذي قتل حوشبا مبارزة
130

بصفين، ذلك الطاغية من أعداء أمير المؤمنين، وكان سليمان من
المستبصرين بضلال أعداء أهل البيت. احتج به المحدثون، وحديثه
عن رسول الله صلى الله عليه وآله بلا واسطة، وبواسطة جبير بن
مطعم موجود في كل من صحيحي البخاري ومسلم (225) وقد روى
عنه في كل من الصحيحين أبو إسحاق السبيعي وعدي ابن ثابت،
ولسليمان في غير الصحيحين عن أمير المؤمنين، وابنه الحسن المجتبى
وأبي. وروى عنه في غير الصحيحين يحيى بن يعمر، و عبد الله ابن
يسار، وغيرهما.
37 - سليمان بن طرخان - التيمي البصري، مولى قيس الإمام
أحد الأثبات، عده ابن قتيبة في معارفه من رجال الشيعة (226) وقد
احتج به أصحاب الصحاح الستة (227) وغيرهم، ودونك حديثه في
كل من الصحيحين عن أنس بن مالك، وأبي مجاز، وبكر بن
عبد الله، وقتادة، وأبي عثمان النهدي. وله في صحيح مسلم عن خلق
غيرهم، روى عنه في الصحيحين ابنه معتمر، وشعبة، والثوري،
وروى عنه في صحيح مسلم جماعة آخرون. ومات سنة ثلاث وأربعين
ومئة.
38 - سليمان بن قرم - بن معاذ أبو داود الضبي الكوفي. ذكره
ابن حبان - كما في ترجمة سليمان من الميزان (228) فقال: كان رافضيا
غاليا. قلت: ومع ذلك فقد وثقه أحمد بن حنبل، وقال ابن عدي -
كما في آخر ترجمة سليمان من الميزان -: وسليمان بن قرم أحاديثه
حسان، وهو خير من سليمان بن أرقم بكثير. قلت. وقد أخرج
حديثه كل من مسلم، والنسائي، والترمذي، وأبو داود في صحاحهم (
229) وحين ذكره الذهبي في الميزان وضع على اسمه رموزهم، ودونك
131

في صحيح مسلم حديث أبي الجواب عن سليمان بن قرم، عن
الأعمش، مرفوعا إلى رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم " المرء
مع من أحب " (230) وله في السنن عن ثابت، عن أنس مرفوعا:
" طلب العلم فريضة على كل مسلم " (231) وله عن الأعمش عن عمرو بن
مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن زهير بن الأقمر، عن عبد الله بن
عمرو، قال: كان الحكم بن أبي العاص يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، وينقل حديثه إلى قريش، فلعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وما
يخرج من صلبه إلى يوم القيامة (232).
39 - سليمان بن مهران - الكاهلي الكوفي الأعمش، أحد شيوخ
الشيعة وأثبات المحدثين، عدة في رجال الشيعة جماعة من جهابذة أهل
السنة، كالإمام ابن قتيبة في - المعارف - والشهرستاني في كتاب الملل
والنحل - (233) وأمثالهما، وقال الجوزجاني - كما في ترجمة زبيد من
ميزان الذهبي -: " كان من أهل الكوفة قوم لا يحمد الناس مذاهبهم،
هم رؤوس محدثي الكوفة، مثل أبي إسحاق ومنصور، وزبيد اليامي،
والأعمش، وغيرهم من أقرانهم، احتملهم الناس لصدق ألسنتهم في
الحديث " (234) إلى آخر كلامه الدال على حمقه، وما على هؤلاء من
غضاضة، إذا لم يحمد النواصب مذهبهم في أداء أجر الرسالة بمودة
القربى والتمسك بثقلي رسول الله صلى الله عليه وآله، وما احتمل
النواصب هؤلاء الشيعة لمجرد صدق ألسنتهم، وإنما احتملوهم لعدم
استتغنائهم عنهم، إذ لو ردوا حديثهم لذهبت عليهم جملة الآثار
النبوية، كما اعترف به الذهبي - في ترجمة أبان بن تغلب من ميزانه
(235) وأظن أن المغيرة ما قال أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعمشكم
إلا لكونهم شيعيين، وإلا فإن أبا إسحاق والأعمش كانا من بحار العلم
132

وسدنة الآثار النبوية، وللأعمش نوادر تدل على جلالته، فمنها ما ذكره
ابن خلكان في ترجمته من وفيات الأعيان، قال: " بعث إليه هشام بن
عبد الملك أن أكتب لي مناقب عثمان ومساوي علي، فأخذ الأعمش
القرطاس وأدخلها في فم شاة فلاكتها، وقال لرسوله: قل له هذا
جوا؟ ه، فقال له الرسول: أنه قد آل أن يقتلني إن لم آته بجوابك،
وتوسل إليه بإخوانه، فلما ألحوا عليه كتب له: بسم الله الرحمن
الرحيم. أما بعد، فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك،
ولو كان لعلي مساوي أهل الأرض ما ضرتك، فعليك بخويصة
نفسك، والسلام " (236). ومنها ما نقله ابن عبد البر - في باب حكم
قول العلماء بعضهم في بعض من كتابه جامع بيان العلم وفضله (1) -
عن علي بن خشرم قال: " سمعت الفضل بن موسى يقول دخلت مع أبي
حنيفة على الأعمش نعوده، فقال أبو حنيفة: يا أبا محمح لولا التثقيل
عليك لعدتك أكثر مما أعودك، فقال له الأعمش: والله إنك علي لثقيل
وأنت في بيتك، فكيف إذا دخلت علي! (قال) قال الفضل: فلما
خرجنا من عنده قال أبو حنيفة: أن الأعمش لم يصم رمضان قط، قال
ابن خشرم للفضل: ما يعني أبو حنيفة بذلك؟ قال الفضل: كان
الأعمش يتسحر على حديث حذيفة ". ا ه‍. قلت: بل كان يعمل بقوله
تعالى: فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل. وروى صاحبا الوجيزة والبحار
عن الأحسن بن سعيد النخعي، عن شريك بن عبد الله القاضي، قال:
أتيت الأعمش في علته التي مات فيها، فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ابن
شبرمة، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة، فسألوه عن حاله فذكر ضعفا

(1) راجع ص 199 من مختصره للعلامة الشيخ أحمد بن عمر المحمصاني البيروتي.
133

شديدا، وذكر ما يتخوف من خطيئاته وأدركته رقة، فأقبل عليه أبو
حنيفة فقال له: يا أبا محمد إتق الله، وانظر لنفسك فقد كنت تحدث في
علي بأحاديث لو رجعت عنها كان خيرا لك قال الأعمش: المثلي تقول
هذا... (237) ورد عليه فشتمه بما لا حاجة بنا إلى ذكره، وكان رحمه
الله - كما وصفه الذهبي في ميزانه (238) أحد الأئمة الثقات، وكما قال
ابن خلكان إذ ترجمه في وفياته، فقال: " كان ثقة عالما فاضلا " (239)
واتفقت الكلمة على صدقه وعدالته وورعه، واحتج به أصحاب
الصحاح الستة وغيرهم (240) ودونك حديثه في صحيحي البخاري ومسلم
عن كل من زيد بن وهب، وسعيد بن جبير، ومسلم البطين،
والشعبي، ومجاهد وأبي وائل، وإبراهيم النخعي، وأبي صالح
ذكوان، وروى عنه عند كل منها شعبة، والثوري، وابن عيينة، وأبو
معاوية محمد، وأبو عوانة، وجرير وحفص بن غياث. ولد الأعمش
سنة إحدى وستين، ومات سنة ثمان وأربعين ومئة، رحمه الله تعالى.
ش
40 - شريك بن عبد الله - بن سنان بن أنس النخعي الكوفي القاضي،
عده الإمام ابن قتيبة في رجال الشيعة وأرسل ذلك في كتابه المعارف (
241) إرسال المسلمات، وأقسم عبد الله بن إدريس - كما في أواخر
ترجمة شريك من الميزان - بالله أن شريكا لشيعي (242). وروى أبو داود
الرهاوي - كما في الميزان أيضا - أنه سمع شريكا يقول: " علي خير
البشر (1) فمن أبى فقد كفر (243) " قلت: إنما أراد انه خير البشر بعد

(1) قال ابن عدي: حدثنا الحسين بن علي السكوني الكوفي، حدثنا محمد بن الحسن
السكوني، حدثنا صالح بن الأسود، عن الأعمش، عن عطية، قلت لجابر: كيف كانت
منزلة علي فيكم؟ قال: كان خير البشر. ا ه‍. نقله بهذا الإسناد محمد بن أحمد الذهبي في
134

رسول الله صلى الله عليه وآله، كما هو مذهب الشيعة،. ولذا
وصفه الجوزجاني - كما في الميزان أيضا - بأنه مائل ولا ريب بكونه مائلا
عن الجوزجاني إلى مذهب أهل البيت، وشريك ممن روى النص على
أمير المؤمنين حيث حدث - كما في الميزان أيضا - عن أبي ربيعة الأيادي
عن ابن بريدة، عن أبيه مرفوعا " لكل نبي وصي ووارث، وأن عليا
وصيي ووارثي (244) " وكان مندفعا إلى نشر فضائل أمير المؤمنين
وإرغام بني أمية بذكر مناقبه عليه السلام، حكى الحريري في كتابه درة
الغواص - كما في ترجمة شريك من وفيات ابن خلكان -: أنه كان
لشريك جليس من بني أمية، فذكر شريك في بعض الأيام فضائل علي
ابن أبي طالب. فقال ذلك الأموي: نعم الرجل علي، فأغضبه ذلك
وقال: العلي يقال نعم الرجل ولا يزاد على ذلك (245) (1) وأخرج ابن
أبي شيبة - كما في أواخر ترجمة شريك من الميزان - عن علي بن حكيم عن
علي بن قادم، قال: جاء عتاب ورجل آخر إلى شريك، فقال له: إن
الناس يقولون إنك شاك، فقال يا أحمق كيف أكون شاكا، لوددت أني
كنت مع علي فخضبت يدي بسيفي من دمائهم (246) ومن تتبع سيرة

أحوال صالح بن أبي الأسود من الميزان، ومع شدة نصب الذهبي لم يعلق على الحديث سوى
قوله - لعله عنى في زمانه.
(1) قوله نعم الرجل علي، وإن كان مدحا لكن المتبادر منه في مثل هذا المقام لا يليق
بمدحه عليه السلام، ولا سيما إذا كان صادرا من أذناب أعدائه. فإنكار شريك وغضبه كان
بحكم العرف - في محله وشتان بين قول هذا الصعلوك الأموي بعد سماعه تلك
الفضائل العظيمة: نعم الرجل علي وقول الله عز وجل: فقدرنا فنعم القادرون، وقوله
تعالى: نعم العبد أنه أواب، فقياس كلمة هذا الأموي على كلام الله عز وجل قياس مع
الفارق عرفا، على أن الله تعالى ما اقتصر على قوله نعم العبد بل قال: أنه أواب، فلا وجه
للجواب المذكور في وفيات الأعيان.
135

شريك علم أنه كان يوالي أهل البيت، وقد روى عن أوليائهم علما
جما، قال ابنه عبد الرحمن - كما في أحواله من الميزان -: كان عند أبي
عشرة آلاف مسألة عن جابر الجعفي، وعشرة آلاف غرائب. وقال
عبد الله ابن المبارك - كما في الميزان أيضا -: شريك أعلم بحديث
الكوفيين من سفيان، وكان عدوا لأعداء علي، سئ القول فيهم، قال
له عبد السلام ابن حرب: هل لك في أخ تعوده، قال: من هو؟
قال: هو مالك بن مغول، قال (1): ليس لي بأخ من أزرى على علي
وعمار، وذكر عنده معاوية فوصف بالحلم، فقال شريك (2): " ليس
بحليم من سفه الحق، وقاتل علي بن أبي طالب " (247) وهو الذي
روى عن عاصم، عن ذر، عن عبد الله بن مسعود مرفوعا: " إذا
رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه (3) " (248) وجرى بينه وبين مصعب
بن عبد الله الزبيري كلام بحضرة المهدي العباسي، فقال له مصعب -
كما في ترجمة شريك من وفيات ابن خلكان -: أنت تنتقص أبا بكر
وعمر... الخ (249): بأنه صدوق ثقة، وقال في آخر ترجمته: قد
كان شريك من أوعية العلم، حمل عنه إسحاق الأزرق تسعة آلاف
حديث. ونقل عن أبي توبة الحلبي قال: كنا بالرملة فقالوا، من رجل
الأمة؟ فقال قوم ابن لهيعة، وقال قوم: مالك. فسألنا عيسى بن
يونس فقال: رجل الأمة شريك وكان يومئذ حيا (250). قلت:
احتج بشريك مسلم وأرباب السنن الأربعة (251) ودونك حديثه

(1) كما في ترجمته من الميزان.
(2) كما في ترجمته من الميزان ووفيات ابن خلكان.
(3) أخرجه الطبري ونقله عنه الذهبي في ترجمة عباد بن يعوب.
136

عندهم، عن زياد بن علاقة، وعمار الذهني، وهشام بن عروة،
ويعلى ابن عطاء، وعبد الملك بن عمير، وعمارة بن القعقاع،
و عبد الله بن شبرمة، روى عنه عندهم: ابن أبي شيبة، وعلي بن
حكيم، ويونس ابن محمد، والفضل بن موسى، ومحمد بن الصباح،
وعلي بن حجر. ولد بخراسان أو ببخارى سنة خمس وتسعين. ومات
بالكوفة يوم السبت مستهل ذي القعدة سنة سبع أو ثمان وسبعين ومئة.
41 - شعبة بن الحجاج - أبو الورد العتكي مولاهم، واسطي،
سكن البصرة، يكنى أبا بسطام، أول من فتش بالعراق عن أمر
المحدثين، وجانب الضعفاء والمتروكين، وعده من رجال الشيعة جماعة
من جهابذة أهل السنة، كابن قتيبة في معارفه والشهرستاني في الملل
والنحل (252) واحتج به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم (253)،
وحديثه ثابت في صحيحي البخاري ومسلم عن كل من أبي إسحاق
السبيعي، وإسماعيل بن أبي خالد، ومنصور، والأعمش، وغير
واحد، روى عنه عند كل من البخاري ومسلم محمد بن جعفر، ويحيى
بن سعيد القطان، وعثمان بن جبلة، وغير واحد. كان مولده سنة
ثلاث وثمانين، ومات سنة ستين ومئة، رحمه الله تعالى.
ص
42 - صعصعة بن صوحان - بن حجر بن الحارث العبدي، ذكره
الإمام ابن قتيبة في ص 206 من المعارف في سلك المشاهير من رجال
الشيعة، وأورده ابن سعد في ص 154 من الجزء 6 من طبقاته فقال:
كان من أصحاب الخطط بالكوفة، وكان خطيبا، وكان من أصحاب
علي، وشهد معه الجمل هو وأخواه زيد وسيحان ابنا صوحان، وكان
137

سيحان الخطيب قبل صعصعة، وكانت الراية يوم الجمل في يده (1)
فقتل، فأخذها زيد فقتل، فأخذها صعصعة (قال) وقد روى
صعصعة عن علي، وروى عن عبد الله بن عباس، وكان ثقة، قليل
الحديث. ا ه‍. وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب فقال: كان مسلما
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لم يلقه ولم يره، صغر عن
ذلك (254).
وكان سيدا من سادة قومه - عبد القيس - وكان فصيحا خطيبا،
عاقلا لسنا، دينا فاضلا بليغا يعد في أصحاب علي رضي الله عنه، ثم
نقل عن يحيى بن معين القول: بأن صعصعة وزيدا وسيحان بني صوحان
كانوا خطباء، وأن زيدا وسيحان قتلا يوم الجمل، وأورد قضية أشكلت
على عمر أيام خلافته، فقام خطيبا في الناس فسألهم عما يقولون فيها،
فقام صعصعة وهو غلام شاب فأماط الحجاب، وأوضح منهاج
الصواب، فأذعنوا لقوله، وعملوا برأيه، ولا غرو فإن بني صوحان من
هامات العرب، وأقطاب الفضل والحسب، ذكرهم ابن قتيبة في باب
المشهورين من الأشراف، وأصحاب السلطان من المعارف (2). فقال:
بنو صوحان هم زيد بن صوحان، وصعصعة بن صوحان، وسيحان ابن
صوحان، من بني عبد القيس (قال) فأما زيد فكان من خيار الناس
روي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال، زيد الخير
الأجذم، وجندب ما جندب، فقيل يا رسول الله أتذكر رجلين؟ فقال:
أما أحدهما فتسبقه يده إلى الجنة بثلاثين عاما، وأما الآخر فيضرب ضربة

(1) كما كان أحد الأمراء في قتال أهل الردة فيما ذكره ابن حجر حيث أورد سيحان بن
صوحان في القسم الأول من إصابته.
(2) راجع عنه ص 138.
138

يفصل بها بين الحق والباطل - (قال) فكان أحد الرجلين زيد بن صوحان
شهد يوم جلولاء، فقطعت يده، وشهد مع علي يوم الجمل، فقال: يا
أمير المؤمنين ما أراني إلا مقتولا، قال: وما علمك بذلك يا أبا سلمان؟
قال: رأيت يدي نزلت من السماء وهي تستشيلني، فقتله عمرو بن
يثربي، وقتل أخان سيحان يوم الجمل (255) قلت: لا يخفى أن إخبار
النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، بتقدم يد زيد على سائر جسده وسبقها
إياه إلى الجنة، معدود عند المسلمين كافة من أعلام النبوة، وآيات
الاسلام، وأدلة أهل الحق، وكل من ترجم زيدا ذكر هذا، فراجع
ترجمته من الاستيعاب والإصابة وغيرهما، والمحدثون أخرجوه بطريقهم
المختلفة فزيد - على تشيعه - مبشر بالجنة، والحمد لله رب العالمين.
وصعصعة بن صوحان، ذكره العسقلاني في القسم الثالث من إصابته.
فقال: له رواية عن عثمان وعلي، وشهد صفين مع علي، وكان خطيبا
فصيحا، وله مع معاوية مواقف، (قال) وقال الشعبي: كنت أتعلم منه
الخطب (1) وروى عنه أيضا أبو إسحاق السبيعي، والمنهال بن عمرو،
و عبد الله بن بريدة، وغيرهم. (قال) وذكر العلائي في أخبار زياد: أن
المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة إلى الجزيرة أو إلى البحرين،
وقيل إلى جزيرة ابن كافان، فمات بها. ا؟. (256) كما مات أبو ذر
من قبله بالربذة. وقد ذكر الذهبي صعصعة، فقال: ثقة معروف (257
). ونقل القول بوثاقته عن ابن سعد، وعن النسائي، ووضع على اسمه
الرمز إلى احتجاج النسائي به (258)، قلت: ومن لم يحتج به، فإنما

(1) قيل للشعبي - كما في ترجمة رشيد الهجري من ميزان الذهبي -: ما لك تعيب
أصحاب علي وإنما علمك عنهم؟ قال: عمن؟ فقيل له عن الحارث وصعصعة، قال: أما
صعصعة فكان خطيبا تعلمت منه الخطب، وأما الحارث فكان حاسبا تعلمت منه الحساب.
139

يضر نفسه، وما ظلموه (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
ط
43 - طاووس بن كيسان - الخولاني الهمداني، أبو عبد الرحمن،
وأمه من الفرس، وأبوه من النمر بن قاسط، مولى بجير بن ريسان
الحميري، أرسل أهل السنة كونه من سلف الشيعة إرسال المسلمات،
وعده من رجالهم كل من الشهرستاني في الملل والنحل، وابن قتيبة في
المعارف (259) وقد احتج به أصحاب الصحاح الستة (260)
وغيرهم، ودونك حديثه في كل من الصحيحين عن ابن عباس، وابن
عمر، وأبي هريرة، وحديثه في صحيح مسلم عن كل من عائشة، وزيد
بن ثابت، و عبد الله عمرو، وروى عنه عند البخاري ومسلم كل من
مجاهد وعمرو بن دينار، وابنه عبد الله وروى عنه عند البخاري فقط
الزهري، وعند مسلم غير واحد من الأعلام، وتوفي حاجا بمكة قبل يوم
التروية بيوم، وذلك في سنة ست ومئة أو أربع ومئة، وكان يوما عظيما،
وقد حمل عبد الله بن الحسن بن أمير المؤمنين نعشه على كاهله يزاحم
الناس في ذلك حتى سقطت قلنسوة كانت على رأسه، ومزق رداؤه من
خلفه (1) (261).
ظ
44 - ظالم بن عمرو - بن سفيان أبو الأسود الدؤلي، حاله في
التشيع والاخلاص في ولاية علي والحسين وسائر أهل البيت عليهم
السلام، أظهر من الشمس (2) لا حاجة بنا إلى بيانها،

(1) روى هذا ابن خلكان في ترجمة طاووس من وفيات الأعيان.
(2) وحسبك في إثبات ذلك ما ذكره ابن حجر في أحواله من القسم الثالث من الإصابة
140

وقد استقصينا الكلام فيها حيث ذكرناه في كتابنا - مختصر
الكلام في مؤلفي الشيعة من صدر الاسلام (262) - على
أن تشيعه مما لم يناقش فيه أحد، ومع ذلك فقد احتج به أصحاب
الصحاح الستة (263)، ودونك حديثه في صحيح البخاري عن عمر
ابن الخطاب وله في صحيح مسلم عن أبي موسى، وعمران بن حصين،
روى عنه يحيى بن يعمر في الصحيحين، وروى عنه في صحيح البخاري
عبد الله بن بريدة، وفي صحيح مسلم روى عنه ابنه أبو حرب. توفي
رحمه الله تعالى، بالبصرة سنة تسع وستين في الطاعون الجارف، وعمره
خمس وثمانون سنة (264) وهو الذي وضع علم النحو على قواعد
أخذها عن أمير المؤمنين، كما فصلناه في مختصرنا (265).
ع
45 - عامر بن وائلة - بن عبد الله بن عمرو الليثي المكي أبو الطفيل،
ولد عام أحد، وأدرك من حياة النبي صلى الله عليه وآله ثمان
سنين، عده ابن قتيبة في كتابه المعارف في أول الغالية من الرافضة،
وذكر: أنه كان صاحب راية المختار، وآخر الصحابة موتا (266) وذكره
ابن عبد البر في الكنى من الاستيعاب فقال: نزل الكوفة، وصحب عليا
في مشاهده كلها، فلما قتل علي، انصرف إلى مكة - إلى أن قال -: وكان
فاضلا عاقلا، حاضر الجواب فصيحا، وكان متشيعا في علي رضي الله
عنه، وقال: قدم أبو الطفيل يوما على معاوية فقال: كيف وجدك على
خليلك أبي الحسن؟ قال: كوجد أم موسى على موسى، وأشكو إلى الله
التقصير، وقال له معاوية: كنت فيمن حصر عثمان قال: لا ولكني
كنت فيمن حضره، قال: فما منعك من نصره؟ قال: وأنت فما منعك

ص 241 ج 2.
141

من نصره؟ إذ تربصت به ريب المنون، وكنت في أهل الشام وكلهم تابع
لك فيما تريد، فقال له معاوية: أو ما ترى طلبي لدمه نصرة له، قال:
إنك لكما قال أخو جعف:
لألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادا (267)
روى عنه كل من الزهري، وأبي الزبير، والجريري، وابن أبي
حصين، و عبد الملك بن أبجر، وقتادة، ومعروف، والوليد بن جميع،
ومنصور بن حيان، والقاسم بن أبي بردة، وعمرو بن دينار، وعكرمة
ابن خالد، وكلثوم بن حبيب، وفرات القزاز، و عبد العزيز بن رفيع،
فحديثهم جميعا عنه موجود في صحيح مسلم (268)، وقد روى أبو
الطفيل عند مسلم في الحج عن رسول الله، وروى صفة النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، وروى في الصلاة ودلائل النبوة عن معاذ بن جبل،
وروى في القدر عن عبد الله بن مسعود، وروى عن كل من علي،
وحذيفة بن أسيد، وحذيفة بن اليمان، و عبد الله بن عباس، وعمر بن
الخطاب، كما يعلمه متتبعو حديث مسلم والباحثون عن رجال الأسانيد
في صحيحه. مات أبو الطفيل رحمه الله تعالى بمكة سنة مئة (269) وقيل
سنة اثنين ومئة، وقيل: سنة سبع ومئة، وقيل: سنة عشر ومئة،
وأرسل ابن القيسراني أنه مات سنة عشرين ومئة، والله أعلم.
46 - عباد بن يعقوب - الأسدي الرواجني الكوفي، ذكره الدارقطني،
فقال: عباد بن يعقوب شيعي صدوق، وذكره ابن حبان فقال: كان
عباد بن يعقوب داعية إلى الرفض، وقال ابن خزيمة: حدثنا الثقة في
روايته المتهم في دينه، عباد بن يعقوب، وعباد هو الذي روى عن الفضل
بن القاسم، عن سفيان الثوري، عن زبيد، عن مرة، عن ابن
142

مسعود، أنه كان يقرأ، " وكفى الله المؤمنين القتال " (270) بعلي،
وروى عن شريك عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: " إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه (271
) " أخرجه الطبري وغيره، وكان عباد يقول: من من لم يتبرأ في صلاته كل
يوم من أعداء آل محمد حشر معهم، وقال: أن الله تعالى لأعدل من أن
يدخل طلحة والزبير الجنة، قاتلا عليا بعد أن بايعاه، وقال صالح
بن جزرة: كان عباد بن يعقوب يشتم عثمان، وروى عبادان الأهوازي
عن الثقة: أن عباد بن يعقوب كان يشتم السلف (272). قلت: ومع
ذلك كله فقد أخذ عنه أئمة السنة، كالبخاري، والترمذي، وابن
ماجة، وابن خزيمة، وابن أبي داود (273)، فهو شيخهم ومحل ثقتهم،
وذكره الذهبي في ميزانه فقال: من غلاة الشيعة ورؤوس البدع، لكنه
صادق الحديث ثم استرسل فنقل كل ما ذكرناه من أحواله (274) روى عنه
البخاري بلا واسطة في التوحيد من صحيحه. ومات، رحمه الله تعالى،
في شوال سنة خمسين ومئتين، وكذب القاسم بن زكريا المطرز، فيما نقله
عن عباد مما يتعلق في حفر البحر وجريان مائه (275) نعوذ بالله من إرجاف
المرجفين بالمؤمنين، والله المستعان على ما يصفون.
47 - عبد الله بن داود - أبو عبد الرحمن الهمداني الكوفي، سكن
الحربية من البصرة، وعده ابن قتيبة من رجال الشيعة في معارفه (276)
واحتج به البخاري في صحيحه (377)، ودونك حديثه في الصحيح عن
الأعمش، وهشام بن عروة وابن جريح، روى عنه في صحيح
البخاري، مسدد، وعمرو بن علي، ونصر بن علي، في مواضع. مات
في سنة اثنتي عشر ومئتين.
143

48 - عبد الله بن شداد بن الهاد، واسم الهاد أسامة بن عمرو بن
عبد الله بن جابر بن بشر بن عتوارة بن عامر بن مالك بن ليث الليثي
الكوفي أبو الوليد صاحب أمير المؤمنين، وأمه سلمى بنت عميس
الخثعمية، أخت أسماء فهو ابن خالة عبد الله بن جعفر، ومحمد بن أبي
بكر، وأخو عمارة بنت حمزة بن عبد المطالب لأمها، ذكره ابن سعد فيمن
نزل الكوفة من أهل الفقه والعلم من التابعين وقال في آخر ترجمته - وهي
في ص 86 من الجزء السادس من الطبقات -: وخرج عبد الله بن شداد مع
من خرج من القراء على الحجاج أيام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
فقتل يوم دجيل. قال: وكان ثقة فقيها كثير الحديث متشيعا (278) ا ه‍.
قلت: كانت هذه الوقعة سنة إحدى وثمانين، وقد احتج أصحاب
الصحاح كلهم (279) وسائر الأئمة بعبد الله بن شداد، روى عنه أبو
إسحاق الشيباني، ومعبد ابن خالد، وسعد بن إبراهيم، فحديثهم عنه
موجود في الصحيحين وغيرهما من كتب الصحاح والمسانيد، سمع عند
البخاري ومسلم، عليا وميمونة وعائشة.
49 - عبد الله بن عمر - بن محمد بن أبان بن صالح بن عمير
القرشي الكوفي الملقب مشكدانة، شيخ مسلم، وأبي داود والبغوي،
وخلق من طبقتهم أخذوا عنه، ذكره أبو حاتم فقال: صدوق، ويروي
عنه أنه شيعي، وذكره صالح بن محمد بن جزرة فقال: كان غاليا في
التشيع، ومع ذلك فقد روى عبد الله بن أحمد عن أبيه، قال: مشكدانة
ثقة، وذكره الذهبي في الميزان فقال: صدوق صاحب حديث، سمع
ابن المبارك، والدراوردي، والطبقة، وعنه مسلم، وأبو داود
والبغوي، وخلق، ووضع على اسمه رمز مسلم، وأبي داود، إشارة إلى
احتجاجهما به، ونقل من العلماء فيه ما قد سمعت، وذكر أنه مات سنة
144

تسع وثلاثين ومئتين (280). قلت: ودونك حديثه في صحيح مسلم (
281) عن عبدة بن سليمان، و عبد الله بن المبارك، و عبد الرحمن بن
سليمان، وعلي بن هاشم، وأبي الأحوص، وحسين بن علي الجعفي،
ومحمد بن فضيل، في الفتن روى عنه مسلم بلا واسطة، وقال أبو
العباس السراج: مات سنة ثمان أو سبع وثلاثين ومئتين.
50 - عبد الله بن لهيعة - بن عقبة الحضرمي قاضي مصر وعالمها،
عده ابن قتيبة في معارفه (282) من رجال الشيعة، وذكره ابن عدي - كما
في ترجمة ابن لهيعة من الميزان - فقال: مفرط في التشيع، وروى أبو يعلى
عن كامل بن طلحت فقال: حدثنا ابن لهيعة، حدثني حي بن عبد الله
المغافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله
صلى الله عليه وآله، قال في مرضه: " ادعوا لي أخي، فدعي أبو
بكر فأعرض عنه! ثم قال ادعوا لي أخي، فدعي له عثمان فأعرض
عنه، ثم دعي له علي فستره بثوبه واكب عليه، فلما خرج من عنده قيل
له: ما قال لك؟ قال: علمني ألف باب يفتح ألف باب. ا ه‍.
(283) وقد ذكره الذهبي في ميزانه ووضع على اسمه دت ق إشارة إلى
من أخرج عنه من أصحاب السنن، ودونك حديثه في صحيحي
الترمذي، وأبي داود (284) وسائر مسانيد السنة، وقد ذكره ابن خلكان
في وفياته فأحسن الثناء عليه (285). روى عنه عند مسلم ابن وهب.
ودونك حديثه في صحيح مسلم عن يزيد ابن أبي حبيب، وقد ذكره ابن
القيسراني في كتابه - الجمع بين كتابي أبي نصر الكلاباذي وأبي بكر
الإصبهاني - في رجال البخاري ومسلم. مات ابن لهيعة يوم الأحد
منتصف ربيع الآخر سنة أربع وسبعين ومئة.
145

51 - عبد الله بن ميمون القداح المكي من أصحاب الإمام جعفر بن
محمد الصادق. احتج به الترمذي (286) وذكره الذهبي فوضع على اسمه
رمز الترمذي إشارة إلى إخراجه عنه، وذكر: أنه يروي عن جعفر بن محمد
وطلحة بن عمرو (287).
52 - عبد الرحمن بن صالح الأزدي - هو أبو محمد الكوفي. ذكره
صاحبه وتلميذه عباس الدوري، فقال: كان شيعيا، وذكره ابن عدي
فقال: احترق بالتشيع، وذكره صالح بن جزرة فقال: كان يعترض
عثمان، وذكره أبو داود فقال: ألف كتابا في مثالب الصحابة، رجل
سوء، ومع ذلك فقد روى عنه عباس الدوري والإمام البغوي، وأخرج
له النسائي. وذكره الذهبي في ميزانه (288) فوضع على اسمه رمز
النسائي، إشارة إلى احتجاجه به، ونقل من أقوال الأئمة فيه ما
سمعت. وذكر أن ابن معين وثقه. وأنه مات سنة خمس وثلاثين ومئتين.
ودونك حديثه في السنن (289) عن شريك وجماعة من طبقته.
53 - عبد الرزاق بن همام - بن نافع الحميري الصنعاني، كان من
أعيان الشيعة وخيرة سلفهم الصالحين، وقد عده ابن قتيبة في كتابه -
المعارف - من رجالهم (290)، وذكر ابن الأثير وفاته في آخر حوادث سنة
211 من تاريخه الكامل (1) فقال: وفيها توفي عبد الرزاق بن همام
الصنعاني المحدث (قال) وهو من مشائخ أحمد، وكان يتشيع (291) ا
ه‍. وذكره المتقي الهندي أثناء البحث عن الحديث 5994 من كنزه فنص
على تشيعه (2) وذكره الذهبي في ميزانه فقال: عبد الرزاق بن همام بن
نافع الإمام أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني أحد الأعلام الثقات، ثم

(1) ص 137 من جزئه السادس.
(2) راجع ص 391 من الجزء 6 من الكنز.
146

استرسل في ترجمته إلى أن قال: وكتب شيئا كثيرا وصنف الجامع الكبير
وهو خزانة علم. ورحل الناس إليه، أحمد، وإسحاق، ويحيى
والذهلي، والرمادي، وعبد، ثم أضاف في أحواله إلى أن نقل كلام
العباس بن عبد العظيم في تكذيبه، فأنكر الذهبي عليه ذلك، وقال:
هذا ما وافق العباس عليه مسلم، بل سائر الحفاظ، وأئمة العلم يحتجون
به، ثم تتابع في ترجمته، فنقل عن الطيالسي أنه قال: سمعت ابن معين
يقول: سمعت من عبد الرزاق كلاما يوما فاستدللت به على تشيعه،
فقلت: إن أساتيذك الذين أخذت عنهم، كلهم أصحاب سنة، معمر،
ومالك وابن جريح، وسفيان، والأوزاعي، فعمن أخذت هذا المذهب
- مذهب التشيع - فقال: قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي، فرأيته
فاضلا حسن الهدي، فأخذت هذا عنه (292). قلت: يعترف
عبد الرزاق في كلامه هذا بالتشيع، ويدعي أنه أخذه عن جعفر
الضبعي، لكن محمد بن أبي بكر المقدمي كان يرى أن جعفر الضبعي قد
أخذ التشيع عن عبد الرزاق، وكان يدعو على عبد الرزاق بسبب ذلك
فيقول - كما في ترجمة جعفر الضبعي من الميزان -: فقدت عبد الرزاق، ما
أفسد جعفرا غيره - يعني بالتشيع (293) - ا ه‍. وقد أكثر ابن معين من
الاحتجاج بعبد الرزاق، مع اعتراف عبد الرزاق بالتشيع أمامه كما
سمعت. وقال أحمد بن أبي خيثمة (1): قيل لابن معين أن أحمد يقول:
إن عبيد الله بن موسى يرد حديثه للتشيع، فقال ابن معين: والله الذي
لا إله إلا هو أن عبد الرزاق لأعلى في ذلك من عبيد الله مئة ضعف،
ولقد سمعت من عبد الرزاق أضعاف ما سمعت من عبيد الله (294)

(1) كما في ترجمة عبد الرزاق من الميزان.
147

وقال أبو صالح محمد بن إسماعيل الضراري (1): بلغنا ونحن بصنعاء
عند عبد الرزاق أن أحمد وابن معين وغيرهما تركوا حديث عبد الرزاق أو
كرهوه - لتشيعه - فدخلنا من ذلك غم شديد، وقلنا: قد أنفقنا ورحلنا
وتعبنا، ثم خرجت مع الحجيج إلى مكة فلقيت بها يحيى فسألته، فقال:
يا أبا صالح لو ارتد عبد الرزاق عن الاسلام ما تركنا حديثه (295) وذكره
ابن عدي فقال (2): حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد (3)
وبمثالب لغيرهم مناكير (4) ونسبوه إلى التشيع (298). ا؟. قلت: ومع
ذلك فقد قيل لأحمد بن حنبل (5) هل رأيت أحسن حديثا من عبد الرزاق؟
قال: لا (299)، وأخرج ابن القيسراني في آخر ترجمة عبد الرزاق من

(1) كما في ترجمة عبد الرزاق من الميزان أيضا.
(2) كما في ترجمة عبد الرزاق من الميزان أيضا.
(3) بل وافقه عليه المنصفون، وعدوها في الصحاح بكل ارتياح، وإنما خالفه فيها
النواصب والخوارج، فمنها ما رواه أحمد بن الأزهر وهو حجة بالاتفاق، قال: حدثني عبد
الرزاق خلوة من حفظه، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، أن
رسول الله (ص) نظر إلى علي فقال: أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني،
ومن أبغضك فقد أبغضني، وحبيبك حبيب الله وبغيضك بغيض الله، والويل لمن أبغضك. ا
ه‍. أخرجه الحاكم في ص 128 من الجزء 3 من المستدرك، ثم قال: صحيح على شرط.
الشيخين، ومنها ما رواه عبد الرزاق عن معمر، عن ابن نجيح، عن
مجاهد، عن ابن عباس، قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني عائلا لا مال له، قال: أما
ترضين أن اطلع الله إلى أهل الأرض فاختار منهم رجلين، فجعل أحدهما أباك، والآخر
بعلك. قلت: وهذا الحديث قد أخرجه الحاكم في ص 129 من الجزء 3 من المستدرك من
طريق سريح بن يونس، عن أبي حفص عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا (
296).
(4) حاشا لله أن تكون مناكير إلا عند معاوية أو فئته الباغية، فمنها ما رواه عبد الرزاق
عن ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جذعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مرفوعا: إذا
رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه (297).
(5) كما في ترجمة عبد الرزاق من الميزان.
148

كتابه - الجمع بين رجال الصحيحين - بالإسناد إلى الإمام أحمد، قال: إذا
اختلف الناس في حديث معمر، فالقول: ما قال عبد الرزاق (300).
ا ه‍. وقال مخلد الشعيري: كنت عند عبد الرزاق فذكر رجل
معاوية، فقال عبد الرزاق (1) لا تقذر مجلسنا بذكر ولد ابن سفيان، وعن
زيد ابن المبارك قال: كنا عند عبد الرزاق فحدثنا بحديث بن الحدثان،
فلما قرأ قول عمر لعلي والعباس: جئت أنت تطلب ميراثك من ابن
أخيك، وهذا جاء يطلب ميراث امرأته من أبيها، قال عبد الرزاق - كما
في ترجمته من الميزان -: أنظر إلى هذه الأنوك، يقول: من ابن أخيك؟
من أبيها؟ لا يقول رسول الله صلى الله عليه وآله (301). قلت:
ومع هذا فقد أخذوا بأجمعهم عنه، واحتجوا على بكرة أبيهم به، حتى
قيل - كما في ترجمته من وفيات ابن خلكان: - ما رحل الناس إلى أحد بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ما رحلوا إليه، قال في الوفيات:
روى عنه أئمة الاسلام في زمانه، منهم سفيان بن عيينة، وهو من
شيوخه، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهم. ا ه‍. (302)
قلت: ودونك حديثه في الصحاح كلها، وفي المسانيد بأسرها، فإنها
مشحونة منه (303). كانت ولادته رحمه الله تعالى سنة ست وعشرين
ومئة، وطلب العلم وهو ابن عشرين سنة، وتوفي في شوال سنة إحدى
عشرة ومئتين، وأدرك من أيام الإمام أبي عبد الله الصادق اثنتين وعشرين
سنة (2) عاصره فيها، ومات في أيام الإمام أبي جعفر الجواد قبل وفاته عليه
الصلاة والسلام بتسع سنين (3) حشره الله في زمرتهم، كما أخلص لله عز
وجل في ولايتهم.

(1) كما في ترجمته من الميزان.
(2) لأنه، صلوات الله وسلامه عليه، توفي سنة مئة وثمان وأربعين، وله خمس وستون سنة.
(3) لأن وفاة الجواد، عليه السلام، كانت سنة مئتين وعشرين وله خمس وعشرون.
149

54 - عبد الملك بن أعين - أخو زرارة، وحمران، وبكير،
و عبد الرحمن، وملك، وموسى، وضريس، وأم الأسود بني أعين،
وكلهم من سلف الشيعة، وقد فازوا بالقدح المعلى من خدمة الشريعة،
ولهم ذرية مباركة صالحة، وهي على مذهبهم ومشربهم، أما عبد الملك
فقد ذكره الذهبي في ميزانه فقال - عبد الملك بن أعين ع خ م - عن أبي
وائل وغيره، قال أبو حاتم: صالح، وقال ابن معين: ليس
بشئ، وقال آخر. هو صدوق يترفض، قال ابن عيينة: حدثنا عبد
الملك وكان رافضيا، وقال أبو حاتم: من عتق الشيعة صالح الحديث،
حدث عنه السفيانان، وأخرجا له مقرونا بغيره في حديث (304). ا ه‍.
قلت: وذكره ابن القيسراني في كتاب الجمع بين رجال الصحيحين،
فقال: عبد الملك بن أعين أخو حمران الكوفي وكان شيعيا، سمع أبا وائل
في التوحيد عند البخاري، وفي الإيمان عند مسلم (305)، روى عنه
سفيان بن عيينة عندهما (306) ا ه‍. قلت: مات في أيام الصادق، فدعا
له واجتهد في ذلك، وترحم علي، وروى أبو جعفر بن بابويه أن الصادق
عليه السلام زار قبره بالمدينة ومعه أصحابه (307)، فطوبى له وحسن
مآب.
55 - عبيد الله بن موسى - العبسي الكوفي، شيخ البخاري في
صحيحه ذكره ابن قتيبة في أصحاب الحديث من كتابه المعارف (1) وصرح

سنة، وأخطأ من قال أن عبد الرزاق روى عن الباقر، فإن الباقر توفي، عليه الصلاة
والسلام، سنة أربع عشر ومئة، وله سبع وخمسون سنة، قبل مولد عبد الرزاق باثني عشر
عاما.
(1) راجع منه ص 177.
150

ثمة بتشيعه، ولما أورد جملة من رجال الشيعة في باب الفرق من معارفه (
(308) (1) عده منهم أيضا وترجمه ابن سعد في الجزء 6 من طبقاته فنص على
تشيعه (2) وأنه يروي أحاديث في التشيع، فضعف بذلك عند كثير من
الناس (قال) وكان صاحب قرآن (309) وذكر ابن الأثير وفاته في آخر
حوادث سنة 213 من كامله (3) فقال: وعبيد الله بن موسى العبسي
الفقيه، وكان شيعيا وهو من مشائخ البخاري في صحيحه (310) وذكره
الذهبي في ميزانه فقال: عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي شيخ
البخاري ثقة في نفسه، لكنه شيعي منحرف، وثقه أبو حاتم وابن معين
(قال) وقال أبو حاتم: أبو نعيم أتقن منه، وعبيد الله أثبتهم في إسرائيل،
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان - عبيد الله بن موسى - عالما بالقرآن
رأسا فيه، ما رأيته رافعا رأسه وما رئي ضاحكا قط، وقال أبو داود:
كان - عبيد الله العبسي - شيعيا منحرفا... الخ (311). وذكره
الذهبي - في آخر ترجمة مطر بن ميمون من الميزان - أيضا فقال: عبيد الله
ثقة شيعي، وكان ابن معين يأخذ عن عبيد الله بن موسى، وعن
عبد الرزاق، مع علمه بتشيعهما (312)، قال أحمد بن أبي خيثمة - كما
في ترجمة عبد الرزاق، من ميزان الذهبي - سألت ابن معين وقد قيل له:
أن أحمد يقول: أن عبيد الله بن موسى يرد حديثه للتشيع، فقال ابن
معين: كان والله الذي لا إله إلا هو عبد الرزاق أعلى في ذلك من
عبيد الله مئة ضعف، ولقد سمعت من عبد الرزاق أضعاف ما سمعت
من عبيد الله (313). قلت: وقد احتج الستة وغيرهم بعبيد الله في
صحاحهم (314) ودونك حديثه في كل من الصحيحين عن شيبان بن
عبد الرحمن، أما حديثه في صحيح البخاري فعن كل من الأعمش،

(1) ص 206.
(2) ص 279.
(3) ص 139 من جزئه السادس.
151

وهشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، وأما حديثه في صحيح مسلم
فعن إسرائيل، والحسن بن صالح، وأسامة بن زيد، روى عنه البخاري
بلا واسطة، وروى عنه بواسطة كل من إسحاق بن إبراهيم،
وأبي بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن إسحاق البخاري، ومحمود بن غيلان،
وأحمد بن أبي سريج، ومحمد بن الحسن بن اشكاب، ومحمد بن خالد
الذهلي، ويوسف بن موسى القطان، أما مسلم فقد روى عنه بواسطة
كل من الحجاج بن الشاعر، والقاسم بن زكريا، و عبد الله الدارمي،
وإسحاق بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وإبراهيم بن
دينار، وابن نمير، قال الذهبي في الميزان: مات سنة 213 (قال):
وكان ذا زهد وعبادة واتقان (315). قلت: كانت وفاته مستهل ذي
القعدة، رحمه الله تعالى وقدس ضريحه.
56 - عثمان بن عمير - أبو اليقطان الثقفي الكوفي البجلي، يقال
له: عثمان بن أبي زرعة، وعثمان بن قيس، وعثمان بن أبي حميد، قال
أبو أحمد الزبيري كان يؤمن بالرجعة. وقال أحمد بن حنبل: أبو اليقطان
خرج في الفتنة مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، وقال ابن عدي:
ردئ المذهب يؤمن بالرجعة، على أن الثقات قد رووا عنه مع ضعفه (316).
قلت: كانوا إذا أرادوا تنقيص المحدث الشيعي والحط من قدره نسبوا إليه
القول بالرجعة، وبذلك ضعفوا عثمان بن عمير، حتى قال ابن معين:
ليس بشئ ومع كل ما تحاملوا به عليه، لم يمتنع مثل الأعمش،
وسفيان، وشعبة، وشريك، وأمثالهم من طبقتهم عن الأخذ عنه، وقد
أخرج له أبو داود والترمذي (317) وغيرهما في سننهم، محتجين به، ودونك
حديثه عندهم عن أنس وغيره. وقد ذكره الذهبي في ميزانه فنقل من
أحواله وأقوال العلماء فيه ما قد سمعت ووضع على اسمه د ت ق
152

رمزا إلى من أخرج له أصحاب السنن.
57 - عدي بن ثابت - الكوفي، ذكره ابن معين فقال: شيعي
مفرط وقال الدارقطني: رافضي غال وهو ثقة، وقال الجوزجاني: مائل
عن القصد، وقال المسعودي: ما أدركنا أحدا أقول بقول الشيعة من
عدي ابن ثابت، وذكره الذهبي في مزاينه فقال: هو عالم الشيعة،
وصادقهم، وقاضيهم، وإمام مسجدهم، ولو كانت الشيعة مثله لقل
شرهم (318)، ثم استرسل في ترجمته فنقل من أقوال العلماء فيه كلما
سمعت، ونقل توثقه عن الدارقطني، وأحمد بن حنبل، وأحمد العجلي،
وأحمد النسائي، ووضع على اسمه الرمز إلى أن أصحاب الصحاح الستة
مجمعة على الاخراج عنه (319)، ودونك حديثه في صحيحي البخاري ومسلم
عن كل من البراء من عازب، و عبد الله بن يزيد وهو جده لأمه،
و عبد الله بن أبي أوفى، وسليمان بن صرد وسعيد بن جبير، أما حديثه
عن زر بن حبيش، وابن حازم الأشجعي، فإنما هو في صحيح مسلم،
روى عنه الأعمش، ومسعر، وسعيد، ويحيى ابن سعيد الأنصاري،
وزيد بن أبي أنيسة، وفضيل بن غزوان.
58 - عطية بن سعد - بن جنادة العوفي أبو الحسن الكوفي التابعي
الشهير، ذكره الذهبي في الميزان فنقل عن سالم المرادي بأن عطية: كان
يتشيع (320)، وذكره الإمام ابن قتيبة - في أصحاب الحديث من المعارف
تبعا لحفيده العوفي القاضي - أعني الحسين بن الحسن ابن عطية المذكور -
فقال: وكان عطية بن سعد فقيها في زمن الحجاج وكان يتشيع، وحيث
أورد ابن قتيبة بعض رجال الشيعة في باب الفرق من المعارف، عد عطية
العوفي منهم أيضا (321) وذكره ابن سعد في الجزء السادس من طبقاته (1)

(1) ص 212.
153

بما يدل على رسوخ قدمه وثباته في التشيع، وأن أباه سعد بن جنادة كان
من أصحاب علي، وقد جاءه وهو في الكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين أنه
ولد لي غلام فسمه، قال عليه السلام: هذا عطية الله، فسمي عطية.
قال ابن سعد: وخرج عطية مع ابن الأشعث على الحجاج، فلما انهزم
جيش ابن الأشعث هرب عطية إلى فارس، فكتب الحجاج إلى محمد بن
القاسم: أن أدع عطية فإن لعن علي بن أبي طالب وإلا فاضربه أربع مئة
سوط، واحلق رأسه ولحيته، فدعاه فأقرأه كتاب الحجاج، فأبى عطية أن
يفعل، فضربه أربع مئة سوط، وخلق رأسه ولحيته، فلما ولي قتيبة
خراسان خرج عطية إليه، فلم يزل بخراسان حتى ولي عمر بن هبيرة
العراق، فكتب إليه عطية يسأله الإذن له في القدوم، فأذن له، فقدم
الكوفة، ولم يزل بها إلى أن توفي سنة إحدى عشرة ومئة (قال): وكان ثقة
وله أحاديث صالحة (322). ا ه‍. قلت: وله ذرية كلهم من شيعة آل
محمد (ص) وفيهم فضلاء نبلاء، أولو شخصيات بارزة، كالحسين بن
الحسن ابن عطية ولي قضاء الشرقية بعد حفص بن غياث (1) ثم نقل إلى
عسكر المهدي، وتوفي سنة إحدى ومئتين وكمحمد بن سعد بن الحسن
ابن عطية ولي قضاء بغداد (2) وكان من المحدثين، يروي عن أبيه سعد
عن عمه الحسين بن الحسن بن عطية.
ولنرجع إلى عطية العوفي فنقول: احتج به أبو داود والترمذي (323)
ودونك حديثه في صحيحيهما عن ابن عباس، وأبي سعيد، وابن عمر،
وله عن عبد الله بن الحسن عن أبيه، عن جدته الزهراء سيدة نساء أهل
الجنة، أخذ عنه ابنه الحسن بن عطية، والحجاج بن أرطأة. ومسعر،

(1) كما في ص 176 من معارف ابن قتيبة.
(2) يعلم ذلك من ترجمة جده سعد بن جنادة في القسم الأول من الإصابة.
154

والحسن ابن عدوان وغيرهم.
59 - العلاء بن صالح - التيمي الكوفي، ذكره أبو حاتم فقال - كما
في ترجمة العلاء من الميزان - (324): كان من عتق الشيعة. قلت: ومع ذلك فقد
احتج به أبو داود، والترمذي (325)، ووثقه ابن معين، وقال أبو
حاتم، وأبو زرعة، لا بأس به، ودونك حديثه عن يزيد بن أبي مريم
والحكم بن عتيبة، في صحيحي الترمذي وأبي داود، ومسانيد السنة،
ويروي عنه أبو نعيم، ويحيى بن بكير، وجماعة من تلك الطبقة، وهو
غير العلاء بن أبي العباس الشاعر المكي، لأن العلاء الشاعر من مشايخ
السفيانين، وقد روى عن أبي الطفيل، فهو متقدم على العلاء ابن صالح
على أن ابن صالح كوفي، والشاعر مكي، وقد ذكرهما الذهبي في
ميزانه، ونقل القول: بأنهما من رجال الشيعة عن سلفه، ولعلاء الشاعر
مدائح في أمير المؤمنين كحجج قاطعة، وأدلة على الحق ساطعة، وله
مراثي في سيد الشهداء، شكرها الله له ورسوله والمؤمنون.
60 - علقمة بن قيس - بن عبد الله النخعي أبو شبل، عم الأسود
وإبراهيم ابني يزيد، كان من أولياء آل محمد صلى الله عليه وآله،
وعده الشهرستاني في الملل والنحل (326) من رجال الشيعة، وكان من
رؤوس المحدثين الذين ذكرهم أبو إسحاق الجوزجاني، فقال: كان من
أهل الكوفة قوم لا يحمد الناس مذاهبهم - بسبب تشيعهم - هم رؤوس
محدثي الكوفة... الخ (327)، وكان علقمة، وأخوه أبي من أصحاب
علي، وشهدا معه صفين، فاستشهد أبي وكان يقال له أبي الصلاة لكثرة
صلاته، وأما علقمة فقد خضب سيفه من دماء الفئة الباغية، وعرجت
رجله فكان من المجاهدين في سبيل الله، ولم يزل عدوا لمعاوية حتى
155

مات، وقد كتب أبو بردة اسم علقمة في الوفد إلى معاوية أيام خلافته،
فلم يرض علقمة حتى كتب إلى أبي بردة: أمحني أمحني، أخرج ذلك كله
ابن سعد في ترجمة علقمة من الجزء 6 من الطبقات (328) (1). أما
عدالة علقمة وجلالته عند أهل السنة مع علمهم بتشيعه فمن المسلمات،
وقد احتاج به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم (329)، ودونك حديثه
في صحيحي البخاري ومسلم عن كل من ابن مسعود، وأبي الدرداء
وعائشة، أما حديثه عن عثمان، وأبي مسعود، ففي صحيح مسلم،
روى عنه في الصحيحين ابن أخيه إبراهيم النخعي، وروى عنه في
صحيح مسلم عبد الرحمن بن زيد، وإبراهيم بن يزيد، والشعبي. مات
رحمه الله تعالى سنة اثنتين وستين بالكوفة.
61 - علي بن بديمة - ذكره الذهبي في ميزانه، فنقل القول عن أحمد
بن حنبل: بأنه صالح الحديث، وأنه: رأس في التشيع، وأن ابن معين
وثقه، وأنه يروي عن عكرمة وغيره، وأن شعبة ومعمر أخذا عنه (
330). وقد وضع على اسمه الرمز إلى أن أصحاب السنن (331)
أخرجوا عنه.
62 - علي بن الجعد - أبو الحسن الجوهري البغدادي مولى بني
هاشم، أحد شيوخ البخاري، عده ابن قتيبة من رجال الشيعة في كتاب
المعارف (332) يروى عنه - كما في ترجمته من الميزان (333) -: أنه مكث
ستين سنة يصوم يوما ويفطر يوما، وقد ذكره ابن القيسراني في كتابه الجمع
بين رجال الصحيحين (334) فقال: روى عنه البخاري (335) في
كتابه اثني عشر حديثا. قلت: توفي سنة ثلاثين ومئتين، وهو ابن ست
وتسعين سنة.

(1) راجع ترجمة علقمة ص 57.
156

63 - علي بن زيد - بن عبد الله بن زهير بن أبي مليكة بن جذعان
أبو الحسن القرشي التيمي البصري، ذكره أحمد العجلي فقال: كان
يتشيع، وقال يزيد بن زريع: كان علي بن زيد رافضيا، ومع ذلك فقد
أخذ عنه علماء التابعين كشعبة، و عبد الوارث، وخلق من تلك
الطبقة، وكان أحد فقهاء البصرة الثلاثة، قتادة، وعلي بن زيد،
وأشعث الحداني، وكانوا عميانا، ولما مات الحسن البصري قالوا لعلي بن
زيد: أجلس مجلسه، وذلك لظهور فضله، وكان من الجلالة بحيث لا
يجالسه إلا وجوه الناس، وقلما يتفق ذلك في البصرة لشيعي في تلك
الأوقات، وقد ذكره الذهبي في ميزانه فأورد كلما ذكرناه من أحواله،
وترجمه القيسراني في كتابه - الجمع بين رجال الصحيحين (336) فذكر
أن مسلما أخرج له مقرونا بثابت البناني. وأنه سمع أنس بن مالك في
الجهاد توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثلاثين ومئة.
64 - علي بن صالح - أخو الحسن بن صالح، ذكرنا شيئا من
فضائله في أحوال أخيه الحسن، وهو من سلف الشيعة وعلمائهم (337)
كأخيه، احتج به مسلم في البيوع من صحيحه (338) روى علي بن
صالح عن سلمة بن كهيل، وروى عنه وكيع وهما شيعيان أيضا. ولد
رحمه الله تعالى هو وأخوه الحسن توأمين سنة مئة. ومات علي سنة إحدى
وخمسين ومئة.
65 - علي بن غراب - أبو يحيى الفزاري الكوفي، قال ابن حبان:
كان غاليا في التشيع. قلت: ولذا قال الجوزجاني، ساقط. وقال أبو
داود: تركوا حديثه، ولكن ابن معين والدارقطني وثقاه، وأبو حاتم
قال: لا بأس به، وأبو زرعة قال: هو عندي صدوق وأحمد ابن حنبل
قال: ما أراه إلا كان صدوقا، وابن معين قال: المسكين صدوق،
157

والذهبي ذكره في ميزانه ونقل من أقوال أئمة الجرح والتعديل
فيه ما قد سمعت (339) ووضع على اسمه س ق إشارة إلى من احتج به
من أصحاب السنن (340). يروي عن هشام بن عروة، وعبيد الله بن
عمر. وقد ذكره ابن سعد في الجزء 6 من طبقاته (1) فقال: روى عنه
إسماعيل بن رجاء حديث الأعمش في عثمان... الخ. مات رحمه الله
تعالى بالكوفة أول سنة أربع وثمانين ومئة أيام هارون.
66 - علي بن قادم - أبو الحسن الخزاعي الكوفي، شيخ أحمد بن
الفرات، ويعقوب الفسوي، وخلق من طبقتهما، سمعوا منه واحتجوا
به، ذكره ابن سعد في الجزء 6 من طبقاته (2) فنص على أنه: كان شديد
التشيع. قلت: ولذا ضعفه يحيى، أما أبو حاتم فقد قال: محله
الصدق، وقد ذكره الذهبي في الميزان (341) فنقل من أقوال العلماء فيه
ما: نقلناه، ووضع على اسمه الرمز إلى أن أبا داود والترمذي (342)
أخرج له، يروي عندهما عن سعيد بن أبي عروبة، وقطر. مات رحمه الله
تعالى سنة ثلاث عشرة ومئتين أيام المأمون.
67 - علي بن المنذر - الطرائفي، شيخ الترمذي، والنسائي،
وابن صاعد، و عبد الرحمن بن أبي حاتم، وغيرهم من طبقتهم، أخذوا
عنه واحتجوا به. ذكره الذهبي في ميزانه (343) فوضع على اسمه ت
س ق إشارة إلى من أخرجوا حديثه من أرباب السنن، ونقل عن النسائي
النص: على أن علي بن المنذر شيعي محض ثقة، وأن ابن حاتم قال:
صدوق ثقة، وأنه يروي عن ابن فضيل، وابن عيينة، والوليد بن
مسلم، فالنسائي يشهد بأنه شيعي محض، ثم يحتج بحديثه في الصحيح

(1) صفحة 273.
(2) صفحة 282.
158

(344)، فليعتبر المرجفون المجحفون. مات ابن المنذر رحمه الله تعالى
سنة ست وخمسين ومئتين.
68 - علي بن هاشم - بن البريد أبو الحسن الكوفي الخزاز
العائذي. أحد مشائخ الإمام أحمد، ذكره أبو داود فقال: ثبت متشيع.
وقال ابن حبان: علي ابن هاشم كان مفرطا في التشيع، وقال البخاري:
كان علي بن هاشم وأبوه غاليين في مذهبهما. قلت: ولذا تركه
البخاري، لكن الخمسة احتجوا به، وابن معين وغيره وثقوه، وعده أبو
داود في الأثبات، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال النسائي: ليس به
بأس، وذكره الذهبي في الميزان (345) فنقل من أقوالهم فيه ما نقلناه،
وأخرج الخطيب البغدادي في أحوال علي بن هاشم من تاريخه (1) عن محمد
بن محمد بن سليمان الباغندي قال: قال علي بن المديني: علي بن هاشم
بن البريد كان صدوقا، وكان يتشيع، وأخرج عن محمد بن علي
الآجري، قال: سألت أبا داود عن علي بن هاشم بن البريد، فقال:
سئل عنه عيسى ابن يونس فقال: أهل بيت تشيع، وليس ثم كذب،
وأخرج عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال، هاشم بن البريد وابنه
علي بن هاشم غاليان في سوء مذهبهما. ا ه‍. قلت: احتج الخمسة
(346) مع هذا كله بعلي بن هاشم، ودونك حديثه في النكاح من صحيح
مسلم عن هشام ابن عروة، وفي الاستئذان عن طلحة بن يحيى، روى
عنه في صحيح مسلم أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم، و عبد الله بن
أبان، وروى عنه أيضا أحمد بن حنبل، وابنا أبي شبيبة، وخلق من
طبتهم كان علي ابن هاشم شيخهم، قال الذهبي: مات رحمه الله سنة
إحدى وثمانين ومئة، (قال): فلعله أقدم مشيخة الإمام أحمد وفاة.

(1) راجع صفحة 116 من جزئه 12.
159

69 - عمار بن زريق - الكوفي، عده السليماني من الرافضة، كما
نص عليه الذهبي في أحوال عمار من الميزان (347) ومع رفضه فقد
احتج به مسلم، وأبو داود، والنسائي (348) ودونك حديثه في
صحيح مسلم عن كل من الأعمش، وأبي إسحاق السبيعي، ومنصور،
و عبد الله بن عيسى، روى عنه عند مسلم أبو الجواب وأبو الأحوص
سلام، وأبو أحمد الزبيري، ويحيى بن آدم.
70 - عمار بن معاوية - أو ابن أبي معاوية، ويقال بن
خباب، وقد يقال ابن صالح الدهني البجلي الكوفي، يكنى
أبا معاوية، كان من أبطال الشيعة، وقد أوذي في سبيل آل محمد، حتى
قطع بشر بن مروان عرقوبيه في التشيع، وهو شيخ السفيانين، وشعبة،
وشريك، والآبار، أخذوا عنه، واحتجوا به، وقد وثقه أحمد، وابن
معين، وأبو حاتم، والناس، وأخرج له مسلم وأصحاب السنن
الأربعة، وذكره الذهبي، فنقل من أحواله ما نقلناه وعقد له في الميزان
ترجمتين (349)، وصرح بتشيعه ووثاقته، وأنه ما علم أحدا تكلم فيه
إلا العقيلي، وأنه لا مغمز فيه إلا التشيع، ودونك حديثه في الحج من
صحيح مسلم (350)، عن أبي الزبير. مات سنة ثلاث وثلاثين ومئة،
رحمه الله تعالى.
71 - عمرو بن عبد الله - أبو إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي
الشيعي بنص كل من ابن قتيبة في معارفه، والشهرستاني في كتاب الملل
والنحل (351) وكان من رؤوس المحدثين الذين لا يحمد النواصب مذاهبهم في
الفروع والأصول، إذ نسجوا فيه على منوال أهل البيت، وتعبدوا
باتباعهم في كل ما يرجع إلى الدين، ولذا قال الجوزجاني - كما في ترجمة
زبيد من الميزان -: كان من أهل الكوفة قوم لا يحمد الناس مذاهبهم،
160

هم رؤوس محدثي الكوفة، مثل أبي إسحاق، ومنصور، وزبيد
اليامي، والأعمش، وغيرهم من أقرانهم، احتملهم الناس لصدق
ألسنتهم في الحديث، وتوقفوا عندما أرسلوا. ا ه‍. (352) قلت: ومما
توقف النواصب فيه من مراسيل أبي إسحاق ما رواه عمرو بن إسماعيل
الهمداني - كما في ترجمته من الميزان - عن أبي إسحاق (قال): " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: علي كشجرة أنا أصلها، وعلي
فرعها، والحسن والحسين ثمرها، والشيعة ورقها " (353) وما قال المغيرة
إنما أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق، وأعمشكم. إلا لكونهما شيعيين
مخلصين لآل محمد، حافظين ما جاء في السنة من خصائصهم عليهم
السلام، وقد كانا من بحار العلم قوامين بأمر الله، احتج بكل منهما
أصحاب الصحاح الستة وغيرهم (354)، ودونك حديث أبي إسحاق
في كل من الصحيحين عن البراء بن عازب، ويزيد بن أرقم، وحارثة بن
وهب، وسليمان بن صرد، والنعمان بن بشير، و عبد الله ابن يزيد
الخطمي، وعمرو بن ميمون، روى عنه في الصحيحين كل من شعبة
والثوري، وزهير، وحفيده يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، وقال
ابن خلكان - كما في ترجمته من الوفيات -: ولد لثلاث سنين بقين من
خلافة عثمان، وتوفي سنة سبع وعشرين، وقيل ثمان وعشرين، وقيل
تسع وعشرين ومئة، وقال يحيى بن معين والمدائني: مات سنة اثنتين
وثلاثين ومئة، والله أعلم (355).
72 - عوف بن أبي جميلة - البصري أبو سهل يعرف بالأعرابي
وليس بإعرابي الأصل، ذكره الذهبي في ميزانه (356) فقال: وكان
يقال له عوف الصدق، وقيل: كان يتشيع، وقد وثقه جماعة، ثم نقل
القول: بكونه شيعيا عن جعفر بن سليمان، ونقل القول: بكونه
161

رافضيا عن بندار. قلت: وعده ابن قتيبة في كتابه المعارف من رجال
الشيعة (357) أخذ عنه روح، وهوذة، وشعبة، والنضر بن شميل،
وعثمان بن الهيثم، وخلق من طبقتهم، واحتج به أصحاب الصحاح
الستة (358) وغيرهم، ودونك حديثه في صحيح البخاري عن كل من
الحسن، وسعيد، وابني أبي الحسن البصري، ومحمد بن سيرين،
وسيار بن سلامة، وحديثه في صحيح مسلم عن النضر بن شميل، أما
حديثه عن أبي رجاء العطاردي فموجود في الصحيحين، مات رحمه الله
تعالى سنة ست وأربعين ومئة.
ف
73 - الفضل بن دكين - واسم دكين عمرو بن حماد بن زهير الملائي
الكوفي، يعرف بأبي نعيم، شيخ البخاري في صحيحه، عده من رجال
الشيعة جماعة من جهابذة العلماء، كابن قتيبة في المعارف (359) وذكره
الذهبي في ميزانه فقال: الفضل بن دكين أبو نعيم حافظ حجة إلا أنه
يتشيع، ونقل أن ابن الجنيد الختلي قال: سمعت ابن معين يقول: كان
أبو نعيم إذا ذكر انسانا فقال: هو جيد، وأثنى عليه فهو شيعي، وإذا
قال: فلان كان مرجئا، فاعلم أنه صاحب سنة لا بأس به، قال الذهبي
هذا القول دال على أن يحيى بن معين كان يميل إلى الارجاء (360). قلت:
ودال أيضا على أنه كان يرى الفضل شيعيا جلدا، ونقل الذهبي - في
ترجمة خالد بن مخلد من ميزانه - عن الجوزجاني القول: بأن أبا نعيم كان
كوفي المذهب يعني التشيع (361)، وبالجملة فإن كون الفضل بن دكين
شيعيا مما لا ريب فيه، وقد احتج به أصحاب الصحاح الستة (362)،
ودونك حديثه في صحيح البخاري عن كل من همام بن يحيى و عبد العزيز
بن أبي سلمة، وزكريا بن أبي زائدة، وهشام الدستوائي، والأعمش،
162

ومسعر، والثوري ومالك، وابن عيينة، وشيبان، وزهير، أما حديثه
في صحيح مسلم فعن كل من سيف بن أبي سليمان، وإسماعيل بن
مسلم، وأبي عاصم محمد بن أيوب الثقفي، وأبي العميس، وموسى بن علي،
وأبي شهاب موسى بن نافع، وسفيان، وهشام بن سعد، وعبد
الواحد بن أيمن، وإسرائيل، روى عنه البخاري بلا واسطة، وروى
مسلم عنه بواسطة حجاج بن الشاعر، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة،
وأبي سعيد الأشج، وابن نمير، و عبد الله الدارمي، وإسحاق الحنظلي،
وزهير بن حرب. كان مولده سنة ثلاثين ومئة، وتوفي رحمه الله تعالى
بالكوفة، ليلة الثلاثاء لانسلاخ شعبان سنة عشرة ومئتين أيام المعتصم،
وقد ذكره ابن سعد في الجزء 6 من طبقاته (1) فقال: وكان ثقة مأمونا كثير
الحديث، حجة.
74 - فضيل بن مرزوق - الأغر الرواسي الكوفي أبو عبد الرحمن،
ذكره الذهبي في ميزانه فقال: كان معروفا بالتشيع، ونقل القول بتوثيقه
عن سفيان بن عيينة، وابن معين (قال): ابن عدي: أرجو أنه لا بأس
به، ثم نقل عن الهيثم بن جميل أنه ذكر فضيل بن مرزوق فقال: كان من
أئمة الهدى، زهدا وفضلا (363). قلت: احتج مسلم في الصحيح
(364) بحديثه عن شقيق بن عقبة في الصلاة، واحتج في الزكاة بحديثه
عن عدي بن ثابت، روى عنه عند مسلم يحيى بن آدم، وأبو أسامة في
الزكاة، وروى عنه في السنن وكيع، ويزيد، وأبو نعيم، وعلي بن
الجعد، وخلق من طبقتهم، وكذب عليه زيد بن الحباب فيما رواه عنه
من حديث التأمير. مات رحمه الله تعالى سنة ثمان وخمسين ومئة.
.

(1) ص 279
163

75 - فطر بن خليفة - الحناط الكوفي، سأل عبد الله بن أحمد أباه
عن فطر بن خليفة قال: ثقة صالح الحديث، حديثه حديث رجل
كيس، إلا أنه يتشيع، وروى عباس عن ابن معين: أن فطر بن خليفة
ثقة شيعي، وقال أحمد: كان فطر عند يحيى ثقة، ولكنه خشبي مفرط.
قلت: ولذا قال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عن فطر بن خليفة
إلا لسوء مذهبه - أي لا مغمز فيه سوى أن مذهبه مذهب الشيعة - وقال
الجوزجاني: فطر بن خليفة زائغ، وسمعه جعفر الأحمر يقول في مرضه: ما
يسرني أن يكون لي مكان كل شعرة في جسدي ملك يسبح الله تعالى،
لحبي أهل البيت عليهم السلام، يروي فطر عن أبي الطفيل، وأبي
وائل، ومجاهد وقد أخذ عنه أبو أسامة ويحيى بن آدم، وقبيصة، وغير
واحد من تلك الطبقة، وثقه أحمد وغيره، وقال أبو حاتم: صالح
الحديث. وقال النسائي: ليس به بأس، وقال مرة هو ثقة حافظ كيس
وقال ابن سعد: ثقة إن شاء الله، وأورده الذهبي في ميزانه (365) فنقل
من أحواله وأقوال العلماء فيه ما ذكرناه (1) ولما ذكر ابن قتيبة في معارفه
رجال الشيعة عد فطرا منهم، وقد أخرج البخاري في صحيحه حديث
فطر عن مجاهد، روى الثوري عن فطر في الأدب عند البخاري، وأخرج
أصحاب السنن (366) الأربعة وغيرهم عن فطر مات رحمه الله تعالى
سنة ثلاث وخمسين ومئة.
م
76 - مالك بن إسماعيل - بن زياد بن درهم أبو غسان الكوفي
النهدي، شيخ البخاري في صحيحه، ذكره ابن سهد في ص 282 من الجزء 6
من طبقاته، فكان آخر ما قاله في أحواله: وكان أبو غسان ثقة صدوقا

(1) وأورده ابن سعد في ص 253 من الجزء السادس من طبقاته.
164

متشيعا شديد التشيع (367)، وذكره الذهبي في الميزان بما يدل على
عدالته وجلالته، وأنه أخذ مذهب التشيع عن شيخه الحسن بن صالح،
وأن ابن معين قال: ليس بالكوفة أتقن من أبي غسان، وأن أبا حاتم
قال، لم أر بالكوفة أتقن منه، لا أبو نعيم ولا غيره، له فضل وعبادة،
كنت إذا نظرت إليه رأيته كأنه خرج من قبر، كانت عليه سجادتان (368).
قلت: روى عنه البخاري (369) بلا واسطة في مواضع من صحيحه، وروى
مسلم عنه في الصحيح بواسطة هارون بن عبد الله حديثا في الحدود، أما
مشائخه عند البخاري، فابن عيينة، و عبد العزيز ابن أبي سلمة،
وإسرائيل، وقد أخذ عنه البخاري، ومسلم عن زهير ابن معاوية. مات
رحمه الله. تعالى بالكوفة سنة تسع عشرة ومئتين.
77 - محمد بن خازم - (1) المعروف بأبي معاية الضرير التميمي
الكوفي، ذكره الذهبي في ميزانه فقال: - محمد بن خازم ع - الضرير ثقة
ثبت، ما علمت فيه مقالا يوجب وهنه مطلقا، سيأتي في الكنى، وحين
ذكره في الكنى، قال: أبو معاوية الضرير أحد الأئمة الأعلام الثقات،
إلى أن قال: وقال الحاكم احتج به الشيخان، وقد اشتهر عنه الغلو،
غلو التشيع (370). قلت: احتج به أصحاب الصحاح الستة (371)،
وقد وضع الذهبي على اسمه غ رمزا إلى إجماعهم على الاحتجاج به،
وإليك حديثه في صحيحي البخاري ومسلم عن كل من الأعمش،
وهشام بن عروة وله أحاديث أخر في صحيح مسلم عن غير واحد من
الأثبات، روى عنه في صحيح البخاري علي ابن المديني، ومحمد بن
سلام، ويوسف بن عيسى، وقتيبة، ومسدد، وروى عنه في صحيح

(1) بالخاء المعجمة من فوق وغلط من قال ابن حازم بالحاء المهملة.
165

مسلم سعيد الواسطي، وسعيد بن منصور، وعمرو الناقد، وأحمد بن
سنان، وابن نمير، وإسحاق الحنظلي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو
كريب، ويحيى بن يحيى، وزهير، أما موسى الزمن فقد روى عنه في
الصحيحين كليهما. ولد أبو معاوية سنة ثلاث عشرة ومئة ومات رحمه الله
سنة خمس وتسعين ومئة.
78 - محمد بن عبد الله - الضبي الطهاني النيسابوري، هو أبو
عبد الله الحاكم إمام الحفاظ والمحدثين، وصاحب التصانيف التي لعلها
تبلغ ألف جزء جاب البلاد في رحلته العلمية، فسمع من نحو ألفي
شيخ، وكان أعلام عصره كالصعلوكي، والإمام بن فورك، وسائر
الأئمة يقدمونه على أنفسهم، ويراعون حق فضله، ويعرفون له الحرمة
الأكيدة، ولا يرتابون في إمامته، وكل من تأخر عنه من محدثي السنة
عيال عليه، وهو من أبطال الشيعة وسدنة الشريعة، تعرف ذلك كله
بمراجعة ترجمته في كتاب تذكرة الحفاظ للذهبي، وقد ترجمه في الميزان أيضا
فقال: إمام صدوق، ونص على أنه شيعي مشهور، ونقل عن ابن طاهر
قال: سألت أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله
فقال: إمام في الحديث، رافضي خبيث، وعد له الذهبي شقاشق،
منها قوله أن المصطفى صلى الله عليه وآله، ولد مسرورا مختونا،
ومنها أن عليا وصي، قال الذهبي: فأما صدقه في نفسه ومعرفته بهذا
الشأن فأمر مجمع عليه. ولد سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة في ربيع
الأول، ومات رحمه الله تعالى في صفر سنة خمس وأربع مئة.
79 - محمد بن عبيد الله - بن أبي رافع المدني، كان هو وأبوه عبيد
الله وأخواه (372) الفضل، و عبد الله ابنا عبيد الله، وجده أبو رافع (
166

373)، وأعمامه رافع، والحسن، والمغيرة، وعلي، وأولادهم
وأحفادهم أجمعون من صالح سلف الشيعة. ولهم من المؤلفات ما يدل
على رسوخ قدمهم في التشيع، ذكرنا ذلك في المقصد 2 من الفصل 12
من فصولنا المهمة (374)، أما محمد هذا فقد ذكره ابن عدي فقال - كما
في آخر ترجمته من الميزان (375) -: هو في عداد شيعة الكوفة، وحيث ترجمه
الذهبي في ميزانه، وضع على اسمه ت ق رمزا إلى من أخرج له من
أصحاب السنن (376)، وذكر أنه يروي عن أبيه عن جده، وأن
مندلا، وعلي بن هاشم، يرويان عنه. قلت: ويروي عنه أيضا حبان
بن علي، ويحيى بن يعلى، وغيرهما، وربما روى محمد بن عبيد الله عن
أخيه عبد الله بن عبيد الله كما يعلمه المتتبعون، وقد أخرج الطبراني في
معجمه الكبير بالإسناد إلى محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه،
عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال لعلي: " أول
من يدخل الجنة أنا وأنت، والحسن والحسين، وذرارينا خلفنا، وشيعتنا
عن أيماننا وشمائلنا. ا ه‍. " (377).
80 - محمد بن فضيل - بن غزوان أبو عبد الرحمن الكوفي، عده
ابن قتيبة من رجال الشيعة في كتابه - المعارف - (378) وذكره ابن سعد في
ص 271 من الجزء 6 من طبقاته، فقال: وكان ثقة صدوقا كثير الحديث
متشيعا، وبعضهم لا يحتج به. ا ه‍. (379) وذكره الذهبي في باب من
عرف بأبيه من أواخر الميزان فقال: صدوق شيعي (380)، وذكره في
المحمدين أيضا فقال: صدوق مشهور، وذكر أن أحمد قال: أنه حسن
الحديث شيعي، وأن أبا داود قال: كان شيعيا محترقا، وذكر أنه كان
صاحب حديث ومعرفة، وأنه قرأ القرآن على حمزة، وأن له تصانيف،
وأن ابن معين وثقه، وأحمد حسنه، والنسائي قال: لا بأس به (
167

381). قلت: احتج به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم (382)،
ودونك حديثه في صحيح البخاري ومسلم عن كل من أبيه فضيل،
والأعمش، وإسماعيل ابن أبي خالد وغير واحد من تلك الطبقة، روى
عنه عند البخاري محمد بن نمير، وإسحاق الحنظلي، وابن أبي شيبة،
ومحمد بن سلام، وقتيبة، وعمران بن ميسرة، وعمرو بن علي، وروى
عنه عند مسلم عبد الله بن عامر، وأبو كريب، ومحمد بن طريف،
وواصل بن عبد الأعلى، وزهير، وأبو سعيد الأشج، ومحمد بن يزيد،
ومحمد بن المثنى، وأحمد الوكيعي، وعبد العزيز بن عمر بن أبان. مات
رحمه الله تعالى بالكوفة سنة خمس، وقيل أربع وتسعين ومئة.
81 - محمد بن مسلم - بن الطائفي، كان من المبرزين في أصحاب
الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، وقد ذكره شيخ الطائفة أبو
جعفر الطوسي في كتاب رجال الشيعة، وأورده الحسن بن علي بن داود في
باب الثقات من مختصره (383)، وترجمه الذهبي فنقل القول بوثاقته عن
يحيى بن معين وغيره، وأن القعنبي، ويحيى بن يحيى، وقتيبة، رووا
عنه، وأن عبد الرحمن بن مهدي ذكر محمد بن مسلم الطائفي فقال:
كتبه صحاح، وأن معروف بن واصل قال: رأيت سفيان الثوري بين
يدي محمد بن مسلم الطائفي يكتب عنه (384). قلت: وإنما ضعفه
من ضعفه لتشيعه لكن تضعيفهم إياه ما ضره وذاك حديثه عن عمرو بن
دينار موجود في الوضوء من صحيح مسلم (385)، وقد أخذ عنه - كما
في ترجمته من طبقات ابن سعد (1) كل من وكيع بن الجراح وأبي نعيم،
ومعن بن عيسى، وغيرهم. مات رحمه الله تعالى سنة سبع وسبعين
ومئة، وفي تلك السنة مات سميه محمد بن مسلم بن جماز بالمدينة، وهما
اثنان ترجمهما ابن سعد في الجزء 5 من طبقاته.

(1) راجع صفحة 381 من جزئها الخامس.
168

82 - محمد بن موسى - بن عبد الله الفطري المدني، أورده الذهبي
في ميزانه (386)، فنقل نص أبي حاتم على تشيعه، وروي عن
الترمذي توثيقه، ووضع على اسمه رمز مسلم وأصحاب السنن (
387)، إشارة إلى احتجاجهم به، ودونك حديثه في الأطعمة من
صحيح مسلم يرويه عن عبد الله بن عبد الله ابن أبي طلحة، وله عن
المقبري وجماعة من طبقته، وقد روى عنه ابن أبي فديك، وابن مهدي،
وقتيبة، وعدة من طبقتهم.
83 - معاوية بن عمار - الدهني البجلي الكوفي، كان وجها في
أصحابنا ومقدما عندهم، كبير الشأن، عظيم المحل ثقة (388)، وكان
أبوه عمار أسوة لمن تأسى ومثالا في الثبات، على مبادئ الحق، ومثلا
ضربه الله للصابرين على الأذى في سبيله، قطع بعض الطغاة الغاشمين
عرقوبيه في التشيع كما ذكرناه في أحواله فما نكل، وما وهن، ولا
ضعف، حتى مضى لسبيله صابرا محتسبا، وابنه معاوية هذا على
شاكلته، والولد سر أبيه فيه - ومن يشابه أباه فما ظلم - صحب إمامية
الصادق والكاظم عليهما السلام (389) فكان من حملة علومهما، وله
كتب في ذلك رويناها بالإسناد إليه، وروى عنه من أصحابنا ابن أبي
عمير، وغيره، واحتج به مسلم والنسائي (390)، وحديثه في الحج
من صحيح مسلم عن الزبير، روى عنه عند مسلم يحيى بن يحيى
وقتيبة، وله روايات عن أبيه عمار، وعن جماعة من تلك الطبقة،
موجودة في مسانيد السنة. مات رحمه الله تعالى سنة خمس وسبعين ومئة.
84 - معروف بن خربوذ (1) - الكرخي، أورده الذهبي في ميزانه

(1) وقيل ابن فيروز، وقيل ابن الفيروزان، وقيل ابن علي.
169

فوصفه بأنه صدوق شيعي، ووضع على اسمه رمز البخاري، ومسلم،
وأبي داود إشارة إلى إخراجهم له، وذكر أنه يروي عن أبي الطفيل،
قال: هو مقل، حدث عنه أبو عاصم، وأبو داود، وعبيد الله بن
موسى، وآخرون، ونقل عن أبي حاتم أنه قال: يكتب حديثه (391).
قلت: وذكره ابن خلكان في الوفيات فقال: هو من موالي علي بن موسى
الرضا، ثم استرسل في الثناء عليه فنقل عنه حكاية قال فيها: وأقبلت على
الله تعالى وتركت جميع ما كنت عليه إلا خدمة مولاي علي بن موسى
الرضا، عليه السلام... الخ (392)، وابن قتيبة حين أورد رجال
الشيعة في كتابه المعارف عد معروفا منهم (393)، احتج مسلم
بمعروف، ودونك حديثه في الحج من الصحيح عن أبي الطفيل. توفي
ببغداد سنة مئتين (1)، وقبره معروف يزار، وكان سري السقطي من تلامذته.
85 - منصور بن المعتمر - بن عبد الله بن ربيعة السلمي الكوفي،
كان من أصحاب الباقر والصادق، وله عنهما عليهما السلام، كما نص
عليه صاحب منتهى المقال في أحوال الرجال، وعدة ابن قتيبة من رجال
الشيعة في معارفه (394)، والجوزجاني عده في المحدثين الذين لا تحمد
الناس مذاهبهم في أصول الدين وفروعه، لتعبدهم فيها بما جاء عن آل
محمد، وذلك حيث قال (2): كان من أهل الكوفة قوم لا يحمد الناس
مذاهبهم، هم رؤوس محدثي الكوفة، مثل أبي إسحاق، ومنصور،
وزبيد اليامي، والأعمش، وغيرهم من أقرانهم، احتملهم الناس
لصدق ألسنتهم في الحديث... (395) الخ. قلت: ما الذي نقموه

(1) وقيل سنة 201، وقيل سنة 204.
(2) كما في ترجمة زبيد اليامي من الميزان، وقد نقلنا هذه الكلمة عن الجوزجاني في أحوال كل
من زبيد والأعمش وأبي إسحاق، وعلقنا عليها تعليقات جديرة بالمراجعة.
170

من هؤلاء الصادقين؟ أتمسكهم بالثقلين؟ أم ركوبهم سفينة النجاة؟ أم
دخولهم مدينة علم النبي من بابها؟ - باب حطة - أم التجاءهم إلى أمان
أهل الأرض؟ أم حفظهم رسول الله صلى الله عليه وآله في عترته (
396)؟ أم خشوعهم لله وبكاءهم من خشيته؟ كما هو المأثور من
سيرتهم، حتى قال ابن سعد - حيث ترجم منصورا في ص 235 من الجزء
6 من طبقاته -: أنه عمش من البكاء خشية من الله تعالى (قال) وكانت له
خرقة ينشف بها الدموع من عينيه (قال): وزعموا أنه صام ستين
وقامها... الخ. فهل يكون مثل هذا ثقيلا على الناس مذموما، كلا
ولكن منينا بقوم لا ينصفون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، روى ابن سعد
في ترجمة منصور عن حماد بن زيد قال: رأيت منصورا بمكة (قال):
وأظنه من هذه الخشبية، وما أظنه كان يكذب... الخ. قلت: ألا
هلم فانظر إلى الاستخفاف والتحامل، والامتهان والعداوة المتجلية من
خلال هذه الكلمة بكل المظاهر، وما أشد دهشتي عند وقوفي على قوله:
وما أظنه يكذب، وي، وي كأن الكذب من لوازم أولياء آل محمد،
وكأن منصورا جرى في الصدق على خلاف الأصل، وكأن النواصب لم
يجدوا لشيعة آل محمدا اسما يطلقونه عليهم غير ألقاب الضعة،
كالخشبية، والترابية، والرافضة، ونحو ذلك، وكأنهم لم يسمعوا قوله
تعالى: (ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) (
397). وقد ذكر ابن قتيبة الخشبية في كتابه المعارف فقال: هم من
الرافضة كان إبراهيم الأشتر لقي عبيد الله ابن زياد، وأكثر أصحاب
إبراهيم معهم الخشب فسموا الخشبية. ا ه‍. (398). قلت: إنما
نبزوهم بهذا توهينا لهم، واستهتارا بقوتهم وعتادهم لكن هؤلاء الخشبية
قتلوا بخشبهم سلف النواصب، ابن مرجانة، واستأصلوا شأفة أولئك
171

المردة، قتلة آل محمد (وقطع دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين (
399) فلا بأس بهذا اللقب الشريف، ولا بلقب الترابية نسبة إلى أبي
تراب، بل لنا بهما الشرف والفخر. شط بنا القلم، فلنرجع إلى ما كنا
فيه فنقول: اتفقت الكلمة على الاحتجاج بمنصور ولذا احتج به أصحاب
الصحاح الستة وغيرهم مع العلم بتشيعه (400)، ودونك حديثه في
صحيحي البخاري، ومسلم عن كل من أبي وائل، وأبي الضحى،
وإبراهيم النخعي، وغيرهم من طبقتهم، روى عنه عندهما كل من
شعبة، والثوري، وابن عيينة، وحماد بن زيد، وغيرهم من أعلام تلك
الطبقة، قال ابن سعد: وتوفي منصور في آخر سنة اثنتين وثلاثين ومئة (
قال): وكان ثقة مأمونا كثير الحديث رفيعا عاليا - رحمه الله تعالى -.
86 - المنهال بن عمرو - الكوفي التابعي من مشاهير شيعة الكوفة،
ولذا ضعفه الجوزجاني وقال: سئ المذهب، وكذا تكلم فيه ابن حزم
وغمزه يحيى بن سعيد، وقال أحمد بن حنبل: أبو بشر أحب إلي من
المنهال وأوثق، ومع العلم بكونه شيعيا، وتظاهره بذلك، ولا سيما في
أيام المختار، لم يرتابوا في صحة حديثه، فأخذ عنه شعبة، والمسعودي
والحجاج بن أرطاة، وخلق من طبقتهم، وقد وثقه ابن معين، وأحمد
العجلي، وغيرهما، وذكره الذهبي في الميزان (401) فنقل من أقوالهم
فيه ما نقلناه، ووضع على اسمه رمز البخاري (402) ومسلم، إشارة
إلى إخراجهما عنه، ودونك حديثه في صحيح البخاري عن سعيد بن
جبير، وقد روى عنه في التفسير من صحيح البخاري زيد بن أبي أنيسة
وروى عنه منصور بن المعتمر في الأنبياء.
87 - موسى بن قيس - الحضرمي، يكنى أبا محمد، عده العقيلي
من الغلاة في الرفض، وسأله سفيان عن أبي بكر وعلي فقال: علي أحب
172

إلي، وكان موسى يروي عن سلمة بن كهيل، عن عياض بن عياض،
عن مالك بن جعونة، قال: سمعت أم سلمة تقول: " علي على الحق،
فمن تبعه فهو على الحق، ومن تركه ترك الحق عهدا معهودا، (403) "
رواه أبو نعيم الفضل بن دكين، عن موسى بن قيس، وروى موسى في
فضل أهل البيت صحاحا ساءت العقيلي فقال فيه ما قال، أما ابن معين
فقد وثق موسى، واحتج به أبو داود، وسعيد بن منصور، في سننهما،
وترجمه الذهبي في الميزان (404)، فأورد كلما نقلناه عنهم في أحواله،
ودونك حديثه في السنن (405) عن سلمة بن كهيل، وحجر بن
عنبسة، وقد روى عنه الفضل بن دكين وعبيد الله بن موسى، وغيرهما
من الأثبات. مات رحمه الله تعالى أيام المنصور.
ن
88 - نفيع بن الحارث - أبو داود النخعي الكوفي الهمداني
السبيعي، قال العقيلي: كان يغلو في الرفض وقال البخاري: يتكلمون
فيه - لتشيعه - (406) قلت: أخذ عنه سفيان، وهمام، وشريك،
وطائفة من أعلام تلك الطبقة، واحتج به الترمذي في صحيحه (
407)، وأخرج له أصحاب المسانيد، ودونك حديثه عند الترمذي
وغيره، عن أنس بن مالك، وابن عباس، وعمران بن حصين، وزيد
بن أرقم، وقد ترجمه الذهبي فذكر من شؤونه ما ذكرناه.
89 - نوح بن قيس - بن رباح الحداني، ويقال الطاحي البصري،
ذكره الذهبي في ميزانه فقال: صالح الحديث وقال: وثقه أحمد وابن
معين (قال) وقال أبو داود: كان يتشيع، وقال النسائي: ليس به بأس
(408) ووضع الذهبي على اسمه رمز مسلم وأصحاب السنن (409)،
173

إشارة إلى أنه من رجال صحاحهم، وله حديث في الأشربة من صحيح
مسلم، يرويه عن ابن عون، وله في اللباس من صحيح مسلم أيضا
حديث يرويه عن أخيه خالد بن قيس، روى عنه عند مسلم نصر بن
علي، وروى عنه عند غير مسلم أبو الأشعث، وخلق من طبقته، ولنوح
رواية عن أيوب وعمرو بن مالك، وطائفة.
90 - هارون بن سعد - العجلي الكوفي، ذكره الذهبي فوضع على
اسمه رمز مسلم، إشارة إلى أنه من رجاله، ثم وصفه فقال: صدوق في
نفسه، ولكنه رافضي بغيض، روى عباس عن ابن معين قال: هارون
بن سعد من الغالية في التشيع، له عن عبد الرحمن بن أبي سعيد
الخدري، وعنه محمد بن أبي حفص العطار، والمسعودي، والحسن بن
حي، قال أبو حاتم: لا بأس به. (410) ا؟. قلت: أذكر حديثا -
في صفة النار من صحيح مسلم (411) - يرويه الحسن بن صالح، عن
هارون بن سعد العجلي، عن سلمان.
91 - هاشم بن البريد - بن زيد أبو علي الكوفي، ذكره الذهبي
ووضع على اسمه رمز أبي داود والنسائي (412) إشارة إلى أنه من رجال
صحيحيهما، ونقل توثيقه عن ابن معين وغيره، مع شهادته عليه بأنه
يترفض، قال: وقال أحمد: لا بأس به (413). قلت: يروي هاشم
عن زيد بن علي، ومسلم البطين، ويروي عنه الخريبي، وابنه علي بن
هاشم - الذي ذكرناه في بابه - وجماعة من الأعلام وهاشم هذا من بيت
تشيع، يعلم ذلك مما أوردناه في أحوال علي بن هاشم من هذا الكتاب.
92 - هبيرة بن بريم - الحميري، صاحب علي عليه السلام، نظير
الحارث في ولائه واختصاصه، ذكره الذهبي في ميزانه فوضع على اسمه
174

رمز أصحاب السنن (414). إشارة إلى أنه من رجال أسانيدهم، ثم
نقل عن أحمد القول: بأنه لا بأس بحديثه، هو أحب إلينا من الحارث،
قال الذهبي وقال ابن خراش: ضعيف كان يجهز على قتلى صفين، وقال
الجوزجاني، كان مختاريا يجهز على القتلى يوم الخازر. ا ه‍. (415).
قلت: وعده الشهرستاني في الملل والنحل من رجال الشيعة (416) وهذا من
المسلمات، وحديثه عن علي ثابت في السنن، يرويه عنه أبو إسحاق،
وأبو فاختة.
93 - هشام بن زياد - أبو المقدام البصري، عده الشهرستاني في
الملل والنحل من رجال الشيعة (417) وذكره الذهبي باسمه في حرف
الهاء، وبكنيته في الكنى من ميزانه (418)، ووضع على عنوانه في الكنى
ت ق رمزا إلى من اعتمد عليه من أصحاب السنن، ودونك حديثه في
صحيح الترمذي وغيره (419)، عن الحسن والقرضي، يروي عنه
شيبان بن فروخ، والقواريري، وآخرون.
94 - هشام بن عمار - بن نصير بن ميسرة أبو الوليد، ويقال
الظفري الدمشقي، شيخ البخاري في صحيحه، عده ابن قتيبة من
رجال الشيعة (420)، حيث ذكر ثلة منهم في باب الفرق من معارفه،
وذكره الذهبي في الميزان فوصفه بالإمام، خطيب دمشق ومقريها،
ومحدثها وعالمها، صدوق مكثر، له ما ينكر... (421) الخ.
قلت: روى عنه البخاري بلا واسطة في باب من أنظر معسرا من كتاب
البيوع من صحيحه (422)، وفي مواضع أخر يعرفها المتتبعون، وأظن
أن منها كتاب المغازي، وكتاب الأشربة، وباب فضائل أصحاب النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، يروي هشام عن يحيى بن حمزة، وصدقة بن
خالد، و عبد الحميد بن أبي العشرين، وغيرهم قال في الميزان: وحدث
175

عنه خلق كثير رحلوا إليه في القراءة والحديث "، وحدث عنه الوليد بن
مسلم، وهو من شيوخه، وقد روى هو بالإجازة عن أبي لهيعة، قال
عبدان: ما كان في الدنيا مثله، وقال آخر: كان هشام فصيحا بليغا
مفوها كثير العلم.. قلت: وكان يرى أن ألفاظ القرآن مخلوقة لله تعالى
كغيره من الشيعة، فبلغ أحمد عنه شئ من ذلك فقال - كما في ترجمة
هشام من الميزان -: (423) أعرفه طياشا، قاتله الله، ووقف أحمد
على كتاب لهشام قال في خطبته: الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه، فقام
أحمد وقعد، وأبرق وأرعد، وأمر من صلوا خلف هشام بإعادة
صلاتهم، مع أن في كلمة هشام من تنزيه الله تعالى عن الرؤية وتقديسه
عن الكيف والأين وتعظيم آياته في خلقه، ما لا يخفى على أولي الألباب،
فكلمته هذه على حد قول القائل - وفي كل شئ له آية - بل هي أعظم
وأبلغ بمراتب، لكن العلماء الأقران يتكلم بعضهم في بعض بحسب
اجتهادهم. ولد هشام سنة ثلاث وخمسين ومئة، ومات في آخر المحرم
سنة خمس وأربعين ومئتين، رحمه الله تعالى.
95 - هشيم بن بشير - بن القاسم بن دينار السلمي الواسطي أبو
معاوية، أصله من بلخ، كان جده القاسم نزل واسط للتجارة، عده
ابن قتيبة في معارفه من رجال الشيعة (424)، وهو شيخ الإمام أحمد بن
حنبل وسائر أهل طبقته، ذكره الذهبي في الميزان رامزا إلى احتجاج
أصحاب الصحاح الستة به، ووصفه بالحافظ، وقال: إنه أحد الأعلام
سمع الزهري، وحصين بن عبد الرحمن، وروى عنه يحيى القطان،
وأحمد، ويعقوب الدروقي، وخلق كثير. ا ه‍. (425). قلت:
ودونك حديثه في كل من صحيحي البخاري ومسلم (426) عن حميد
الطويل، وإسماعيل ابن أبي خالد، وأبي إسحاق الشيباني، وغير
176

واحد، روى عنه عندهما عمر والناقد، وعمرو بن زرارة، وسعيد بن
سليمان، وروى عنه عند البخاري عمرو بن عوف، وسعد بن النضر،
ومحمد بن نبهان، وعلي بن المديني، وقتيبة، وروى عنه عند مسلم أحمد
بن حنبل، وشريح، ويعقوب الدورقي، و عبد الله بن مطيع، ويحيى
بن يحيى، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وإسماعيل بن سالم،
ومحمد بن الصباح، وداود بن رشيد، وأحمد ابن منيع، ويحيى بن
أيوب، وزهير بن حرب، وعثمان بن أبي شيبة، وعلي بن حجر، ويزيد
بن هارون. مات رحمه الله تعالى، ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومئة، وله
تسع وسبعون عاما.
و
96 - وكيع بن الجراح - بن مليح بن عدي يكنى بابنه سفيان
الرواسي الكوفي، من قيس غيلان، عده ابن قتيبة في معارفه من رجال
الشيعة (427)، ونص ابن المديني في تهذيبه: على أن في وكيع تشيعا،
وكان مروان بن معاوية لا يرتاب في أن وكيعا رافضي، دخل عليه يحيى
بن معين مرة فوجد عنده لوحا فيه فلان كذا، وفلان كذا، ومن جملة ما
كان فيه، وكيع رافضي، فقال له ابن معين: وكيع خير منك، قال:
مني؟ فقال له: نعم. قال ابن معين فبلغ ذلك وكيعا فقال: إن يحيى
صاحبنا، وسئل أحمد بن حنبل إذا اختلف وكيع وعبد الرحمن ابن مهدي
بقول من نأخذ؟ فرجح قول عبد الرحمن لأمو ذكرها، ومن جملتها: ان
عبد الرحمن كان يسلم منه السلف - دون وكيع بن الجراح (428) -
قلت: ويؤيد ذلك ما أورده الذهبي في آخر ترجمة الحسن بن صالح، من
أن وكيعا كان يقول: إن الحسن بن صالح عندي إمام، فقيل له: إنه لا
يترحم على عثمان، فقال: أتترحم أنت على الحجاج (429)؟ حيث
177

جعل عثمان كالحجاج، وقد ذكره الذهبي في ميزانه، فنقل من شؤونه ما
قد سمعت، احتج به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم (430) ودونك
حديثه في صحيحي البخاري ومسلم عن كل من الأعمش، والثوري،
وشعبة وإسماعيل ابن أبي خالد، وعلي بن المبارك، روى عنه عندهما
إسحاق الحنظلي، ومحمد بن نمير، وروى عنه عند البخاري عبد الله
الحميدي، ومحمد بن سلام، ويحيى بن جعفر بن أعين، ويحيى بن
موسى، ومحمد بن مقاتل، وروى عنه عند مسلم زهير، وابن أبي
شيبة، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشج، ونصر بن علي، وسعيد بن
أزهر، وابن أبي عمر، وعلي بن خشرم. وعثمان بن أبي شيبة، وقتيبة
بن سعيد. مات رحمه الله تعالى بفيد قافلا من الحج في المحرم سنة سبع
وتسعين ومئة، وله من العمر ثمان وستون سنة.
ي
97 - يحيى بن الجزار - العرني الكوفي صاحب أمير المؤمنين عليه السلام
ذكره الذهبي في الميزان رامزا إلى احتجاج مسلم وأصحاب السنن به،
وقد وثقه وقال: صدوق، ونقل عن الحكم بن عتيبة أنه قال: كان يحيى
بن الجزار يغلو في التشيع (431)، وذكره ابن سعد في الجزء 6 من طبقاته
(1) فقال: كان يحيى بن الجزار يتشيع، وكان يغلو يعني في القول،
قالوا: وكان ثقة، وله أحاديث. ا ه‍. قلت: رأيت له في الصلاة في
صحيح مسلم (432) حديثا يرويه عن علي، وله في الإيمان من صحيح
مسلم أيضا حديثا يرويه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، روى عنه الحكم
بن عتيبة، والحسن العرني عند مسلم، وغيره.

(1) ص 206.
178

98 - يحيى بن سعيد - القطان، يكنى أبا سعيد مولى بني تميم
البصري محدث زمانه، عده ابن قتيبة في معارفه (433) من رجال
الشيعة، واحتج به أصحاب الصحاح الستة (434) وغيرهم، فحديثه
عن هشام بن عروة، وحميد الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري،
وغيرهم ثابت في كل من صحيحي البخاري ومسلم، وروى عنه عندهما
محمد بن المثنى، وبندار، وروى عنه عند البخاري مسدد، وعلي بن المديني،
بيان بن عمرو، وروى عنه عند مسلم محمد بن حاتم، ومحمد بن خلاد
الباهلي، وأبو كامل فضيل بن حسين الجحدري، ومحمد المقدمي،
و عبد الله بن هاشم، وأبو بكر بن أبي شيبة، و عبد الله بن سعيد، وأحمد
بن حنبل،، ويعقوب الدورقي، و عبد الله القواريري، وأحمد بن عبدة،
وعمرو بن علي، و عبد الرحمن بن بشر. مات رحمه الله تعالى سنة ثمان
وتسعين ومئة، عن ثمان وسبعين سنة.
99 - يزيد بن أبي زياد - الكوفي أبو عبد الله مولى بني هاشم، ذكره
الذهبي في ميزانه (435) فوضع عليه رمز مسلم وأصحاب السنن
الأربعة (426) إشارة إلى روايتهم عنه، ونقل عن ابن فضيل قال:
كان يزيد بن أبي زياد من أئمة الشيعة الكبار، واعترف الذهبي بأنه أحد
علماء الكوفة المشاهير، ومع ذلك فقد تحاملوا عليه. وأعدوا ما استطاعوا
من القدح، بسبب أنه حدث بسنده إلى أبي برزة، أو أبي بردة، قال:
كنا مع النبي صلى الله عليه وآله، فسمع صوت غناء فإذا عمرو بن
العاص ومعاوية يتغنيان، فقال صلى الله عليه وآله: " اللهم
اركسهما في الفتنة ركسا، ودعهما إلى النار دعا " ودونك حديثه في الأطعمة
من صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن بي ليلى، رواه عنه سفيان بن
179

عيينة. مات رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثون ومئة، وله تسعون سنة
تقريبا.
100 - أبو عبد الله الجدلي - ذكره الذهبي في الكنى، ووضع على
عنوانه د ت إشارة إلى أنه من رجال أبي داود والترمذي في صحيحيهما، ثم
وصفه، بأنه شيعي بغيض، ونقل عن الجوزجاني القول: بأنه كان
صاحب راية المختار،، ونقل عن أحمد توثيقه (437)، وعده
الشهرستاني من رجال الشيعة في كتاب الملل والنحل (438)، وذكره ابن
قتيبة في غالية الرافضة من معارفه (439) ودونك حديث في صحيحي
الترمذي وأبي داود وسائر مسانيد السنة (440) وذكره ابن سعد في طبقاته (1)
فقال: كان شديد التشيع، ويزعمون أنه كان على شرطة المختار،
فوجهه إلى عبد الله بن الزبير في ثمان مئة ليوقع بهم، ويمنع محمد بن
الحنفية مما أراد به ابن الزبير. ا ه‍. حيث كان ابن الزبير حصر ابن
الحنفية وبني هاشم، وأحاطهم بالحطب ليحرقهم، إذ كانوا قد امتنعوا
عن بيعته، لكن أبا عبد الله الجدلي أنقذهم من هذا الخطر، فجزاه الله
عن أهل نبيه خيرا. وهذا آخر من أردنا ذكرهم في هذه العجالة، وهم
مئة بطل من رجال الشيعة، كانوا حجج السنة، وعيبة علوم الأمة، بهم
حفظت الآثار النبوية، وعليهم مدار الصحاح والسنن والمسانيد،
ذكرناهم بأسمائهم، وجئنا بنصوص أهل السنة على تشيعهم.
والاحتجاج بهم، نزولا في ذلك على حكمكم، وأظن المعترضين
سيعترفون بخطئهم فيما زعموه من أن أهل السنة لا يحتجون برجال
الشيعة، وسيعلمون أن المدار عندهم على الصدق والأمانة بدون فرق بين
السني والشيعي، و؟ ر رد حديث الشيعة مطلقا لذهبت جملة الآثار النبوية -

(1) ص 159. من جزئها السادس، وذكر أن اسمه عبدة بن عبد بن عبد الله بن أبي يعمر.
180

كما اعترف به الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب من ميزانه (441) - وهذه
مفسدة بينة، وأنتم - نصر الله بكم الحق - تعلمون أن في سلف الشيعة
ممن يحتج أهل السنة بهم غير الذي ذكرناهم، وأنهم أضعاف أضعاف
تلك المئة عددا وأعلا منهم سندا، وأكثر حديثا، وأغزر علما، وأسبق
زمنا، وأرسخ في التشيع قدما، ألا وهم رجال الشيعة من الصحابة
رضي الله عنهم أجمعين، وقد أوقفناكم على أسمائهم الكريمة في آخر
فصولنا المهمة (442)، وفي التابعين ممن يحتج بهم من إثبات الشيعة،
كل ثقة حافظ ضابط متقن حجة كالذين استشهدوا في سبيل الله نصرة
لأمير المؤمنين أيام الجمل الأصغر (443)، والجمل الأكبر (444)،
وصفين (445). والنهروان (446)، وفي الحجاز واليمن حيث غار
عليهما بسر بن أرطاة (447)، وفي فتنة الحضرمي المرسل إلى البصرة من
قبل معاوية (448)، وكالذين استشهدوا يوم الطف مع سيد شباب أهل
الجنة (449)، والذين استشهدوا مع حفيده الشهيد زيد (450) وغيره
من أباة الضيم، الثائرين لله من آل محمد، وكالذين قتلوا صبرا (
451)، ونفوا عن عقر ديارهم (452) ظلما، والذين أخلدوا إلى التقية
خوفا وضعفا، كالأحنف بن قيس، والأصبغ بن نباتة، ويحيى بن
يعمر، أول من نقط الحروف (453)، والخليل بن أحمد مؤسس علم
اللغة والعروض (454)، ومعاذ بن مسلم الهراء واضع علم الصرف (
455) وأمثالهم، ممن يستغرق تفصيلهم المجلدات الضخمة، ودع عنك
من تحامل عليهم النواصب بالقدح والجرح فضعفوهم ولم يحتجوا بهم (
456)، وهناك مئات من أثبات الحفظة وأعلم الهدى من شيعة آل
محمد، أغفل أهل السنة ذكرهم، لكن علماء الشيعة أفردوا لذكرهم
فهارس ومعاجم تشتمل على أحوالهم (457)، ومنها تعرف أياديهم
181

البيضاء، في خدمة الشريعة الحنيفة السمحاء، ومن وقف على شؤونهم
يعلم أنهم مثال الصدق والأمانة، والورع والزهد والعبادة والاخلاص في
النصح لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وآله، ولكتابه عز
وجل، ولأئمة المسلمين ولعامتهم، نفعنا الله ببركاتهم وبركاتكم إنه
أرحم الراحمين.
ش
المراجعة 17 رقم: 3 ذي الحجة سنة 1329
1 - عواطف المناظر وألطافه
2 - تصريحه بأن لا مانع لأهل السنة من الاحتجاج بثقات الشيعة
3 - إيمانه بآيات أهل البيت
4 - حيرته في الجمع بينها وبين ما عليه أهل القبلة.
1 - أما وعينيك ما رأت عيناي أرشح منك فؤادا، ولا أسرع
تناولا، ولا سمعت أذناي بأرهف منك ذهنا، ولا أنفذ بصيرة، ولا قرع
سمع السامعين ألين منك لهجة، ولا ألحن منك بحجة، تدفقت في كل
مراجعاتك تدفق اليعبوب، وملكت في كل محاوراتك الأفواه والأسماع
والأبصار والقلوب، ولله كتابك الأخير (ذلك الكتاب لا ريب فيه) يلوي
أعناق الرجال، ويقرع بالحق رأس الضلال.
2 - لم يبق للسني مانعا من الاحتجاج بأخيه الشيعي إذا كان ثبتا،
فرأيك في هذا هو الحق المبين، ورأي المعترضين تعنت ومماحكة، أقوالهم
بعدم صحة الاحتجاج بالشيعة تعارض أفعالهم، وأفعالهم في مقام
182

الاحتجاج تناقض أقوالهم، فقولهم وفعلهم لا يتجاريان في حلبة، ولا
يتسايران إلى غاية، يصدم كل منهما الآخر فيدفعه في صدره، وبهذا كانت
حجتهم جذماء، وحجتك العصماء، أوردت في هذه العجالة ما يجب أن
تفرده برسالة سميتها لك - أسناد الشيعة في إسناد السنة - وستكون الغاية
في هذا الموضوع، ليس وراءها مذهب لطالب، ولا مضرب لراغب،
وأرجو أن تحدث في العالم الاسلامي إصلاحا باهرا إن شاء الله تعالى.
3 - آمنا بآيات الله كلها - وآيات الله في سيدنا أمير المؤمنين علي ابن
أبي طالب، وسائر أهل البيت رضي الله عنهم، أكثر مما أوردتموه -.
فما ندري لماذا عدل أهل القبلة عن أئمة أهل البيت، فلم يتعبدوا
بمذاهبهم في شئ من الأصول والفروع، ولا وقفوا في المسائل الخلافية
عند قولهم، ولا كان علماء الأمة يبحثون عن رأيهم، بل كانوا يعارضونهم
في المسائل النظرية، ولا يبالون بمخالفتهم، وما برح عوام الأمة خلفا عن
سلف، يرجعون في الدين إلى غير أهل البيت بلا نكير، فلو كانت آيات
الكتاب وصحاح السنة نصوصا فيما تقولون، ما عدل أهل القبلة عن
علماء أهل البيت، ولا ارتضوا بهم بدلا، لكنهم لم يفهموا من الكتاب
والسنة أكثر من الثناء على أهل البيت، ووجوب مودتهم واحترامهم،
والسلف الصالح أولى بالصواب، وأعرف بمفاد السنة والكتاب (
فبهداهم اقتده) والسلام.
س
183

المراجعة 18 رقم: 4 ذي الحجة سنة 1329
1 - مقابلة العواطف بالشكر
2 - خطأ المناظر فيما نسبه إلى مطلق أهل القبلة
3 - إنما عدل عن أهل البيت ساسة الأمة
4 - أئمة أهل البيت (بقطع النظر عن كل دليل) لا يقصرون عن غيرهم
5 - أي محكمة عادلة تحكم بضلال المعتصمين بهم.
1 - أشكر حسن ظنكم بهذا القاصر، وأقدر نظركم بعين الرضا
إليه، وإلى مراجعاته، فأخشع أمام هذا العطف ببصري، وأعنو لهذا
اللطف هيبة وإجلالا.
2 - بيد أني أستميح سماحتكم مراجعة النظر فيما نسبتموه - من
العدول عن أهل البيت - إلى مطلق أهل القبلة، وأذكركم بأن نصف أهل
القبلة - وهم شيعة آل محمد - ما عدلوا ولا هم عادلون، ولن يعدلوا عن
أئمة أهل البيت في شئ من أصول الدين وفروعه أبدا، وأن من رأيهم
كون التعبد بمذاهبهم عليهم السلام من الواجبات العينية المضيقة بحكم
الكتاب والسنة، فهم يدينون الله عز وجل بذلك في كل عصر ومصر،
وعلى هذا مضى سلفهم وخلفهم الصالحان، منذ قبض رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا.
3 - وإنما عدل عن أهل البيت في فروع الدين وأصوله ساسة الأمة
وأولياء أمورها، منذ عدلوا عنهم بالخلافة فجعلوها بالاختيار، مع ثبوت
النص بها على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، إذ رأوا أن العرب لا تصبر
184

على أن تكون في بيت مخصوص فتأولوا نصوصها، وجعلوها بالانتخاب،
ليكون لكل حي من أحيائهم أمل بها ولو بعد حين، فكانت مرة هنا،
وأخرى هناك، وتارة هنالك، وهبوا بكل ما لديهم من قوة ونشاط إلى
تأييد هذا المبدأ، والقضاء على كل ما يخالفه، فاضطرتهم الحال إلى
التجافي عن مذهب أهل البيت، وتأولوا كل ما يدل على وجوب التعبد به
من كتاب أو سنة، ولو استسلموا لظواهر الأدلة فرجعوا إلى أهل
البيت وارجعوا الخاصة والعامة إليهم في فروع الدين وأصوله، لقطعوا
على أنفسهم خط الرجعة إلى مبدئهم، ولأصبحوا من أكبر الدعاة إلى أهل
البيت، وهذا لا يجتمع مع عزائمهم، ولا يتفق مع حزمهم ونشاطهم في
سياستهم، ومن أمعن النظر في هذه الشؤون علم أن العدول عن إمامة
الأئمة من أهل البيت في المذهب ليس إلا فرعا عن العدول عن إمامتهم
العامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن تأويل الأدلة على
إمامتهم الخاصة، إنما كان بعد تأويل الأدلة على إمامتهم العامة، ولولا
ذلك ما التوى عنهم ملتو.
4 - دعنا من نصوصهم وبيناتهم، وانظر إليهم بقطع النظر عنها
فهل تجد فيهم قصورا - في علم أو عمل أو تقوى - عن الإمام الأشعري،
أو الأئمة الأربعة أو غيرهم، وإذا لم يكن فيهم قصور، فبم كان غيرهم
أولى بالاتباع؟ وأحق بأن يطاع.
5 - وأي محكمة عادلة تحكم بضلال المعتصمين بحبلهم،
والناهجين على منوالهم، حاشا أهل السنة والجماعة أن يحكموا بذلك،
والسلام عليهم.
ش
185

المراجعة 19 رقم: 5 ذي الحجة سنة 1329
1 - لا تحكم محاكم العدل بضلال المعتصمين بأهل البيت
2 - العمل بمذاهبهم يبرئ الذمة.
3 - قد يقال أنهم أولى بالاتباع
4 - التماس النص بالخلافة.
1 - لا تحكم محاكم العدل بضلال المعتصمين بحبل أهل البيت،
الناسجين على منوالهم، ولا قصور في أئمتهم عن سائر الأئمة في شئ من
موجبات الإمامة.
2 - والعمل بمذاهبهم يجزئ المكلفين، ويبرئ ذممهم، كالعمل
بأحد المذاهب الأربعة بلا ريب.
3 - بل قد يقال إن أئمتكم الاثني عشرة أولى بالاتباع من الأئمة
الأربعة وغيرهم لأن الاثني عشرة كلهم على مذهب واحد، قد محصوه
وقرروه بإجماعهم، بخلاف الأربعة، فإن الاختلاف بينهم شائع في
أبواب الفقه كلها، فلا تحاط موارده ولا تضبط، ومن المعلوم أن ما
يمحصه الشخص الواحد لا يكافئ في الضبط ما يمحصه اثنا عشر إماما (
458) هذا كله مما لم تبق فيه وقفة لمنصف، ولا وجهة لمتعسف - نعم قد
يشاغب النواصب في إسناد مذهبكم إلى أئمة أهل البيت، وقد أكلفكم -
فيما بعد - بإقامة البرهان على ذلك.
4 - والآن إنما ألتمس ما زعمتموه من النص بالخلاف على الإمام
علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، فهاته صريحا صحيحا من طريق أهل
السنة، والسلام.
س
186

المبحث الثاني
في الإمامة العامة وهي الخلافة عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
المراجعة 20 رقم: 9 ذي الحجة سنة 1329
1 - إشارة إلى النصوص مجملة
2 - نص الدار يوم الانذار
3 - مخرجو هذا النص من أهل السنة
1 - إن من أحاط علما بسيرة النبي صلى الله عليه وآله، في
تأسيس دولة الاسلام، وتشريح أحكامها، وتمهيد قواعدها، وسن
قوانينها، وتنظيم شؤونها عن الله عز وجل، يجد عليا وزير رسول الله في
أمره، وظهيره على عدوه، وعيبة علمه، ووارث حكمه،
وولي عهده، وصاحب الأمر من بعده، ومن وقف على أقوال
النبي وأفعاله، في حله وترحاله، صلى الله عليه وآله، يجد
نصوصه في ذلك متواترة متوالية، من مبدأ أمره إلى منتهى عمره.
2 - وحسبك منها ما كان في مبدأ الدعوة الاسلامية قبل ظهور
الاسلام بمكة، حين أنزل الله تعالى عليه " وأنذر عشيرتك الأقربين "
فدعاهم إلى دار عمه - أبي طالب - وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا
187

أو ينقصونه، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب،
والحديث في ذلك من صحاح السنن المأثورة، وفي آخره قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: " يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في
العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد
أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون
أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها غير علي - وكان
أصغرهم - إذ قام فقال: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ رسول
الله برقبته، وقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له
وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع
لابنك وتطيع. ا ه‍. (459) ".
3 - أخرجه بهذه الألفاظ كثير من حفظة الآثار النبوية، كابن
إسحاق، وابن جرير وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبي نعيم، والبيهقي في
سننه وفي دلائله، والثعلبي، والطبري في تفسير سورة الشعراء من
تفسيريهما الكبيرين، وأخرجه الطبري أيضا في الجزء الثاني من كتابه:
تاريخ الأمم والملوك (1)، وأرسله ابن الأثير إرسال المسلمات في الجزء
الثاني من كامله (2) عند ذكره أمر الله نبيه بإظهار دعوته، وأبو الفداء في
الجزء الأول من تاريخه (3) عند ذكره أول من أسلم من الناس، ونقله
الإمام أبو جعفر الإسكافي المعتزلي في كتابه: نقض العثمانية مصرحا
بصحته (4)، وأورده الحلبي في باب استخفائه صلى الله عليه وآله،

(1) ص 217 بطرق مختلفة.
(2) ص 22.
(3) ص 116.
(4) كما في ص 263 من المجلد 3 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، طبع مصر. أما
كتاب نقض العثمانية، فإنه مما لا نظير له، فحقيق بكل بحاث عن الحقائق أن يراجعه، وهو موجود
في ص 257 وما بعدها إلى ص 281 من المجلد 3 من شرح النهج، في شرح آخر الخطبة القاصعة.
188

وأصحابه في دار الأرقم (1)، من سيرته المعروفة، وأخرجه بهذا المعنى مع
تقارب الألفاظ غير واحد من إثبات السنة وجهابذة الحديث،
كالطحاوي، والضياء المقدسي في المختارة، وسعيد بن منصور في
السنن، وحسبك ما أخرجه أحمد بن حنبل من حديث علي في ص 111
وفي ص 159 من الجزء الأول من مسنده (460)، فراجع، وأخرج في
أول ص 331 من الجزء الأول من مسنده أيضا حديثا جليلا عن ابن
عباس يتضمن هذا النص في عشر خصائص مما امتاز به علي على من سواه
(461)، وذلك الحديث الجليل أخرجه النسائي أيضا عن ابن عباس في
ص 6 من خصائصه العلوية، والحاكم في ص 132 من الجزء الثالث من
صحيحه المستدرك، وأخرجه الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته،
ودونك الجزء السادس من كتاب كنز العمال فإن فيه التفصيل (2) وعليك
بمنتخب الكنز وهو مطبوع في هامش مسند الإمام أحمد، فراجع منه ما هو
في هامش ص 41 إلى ص 43 من الجزء الخامس تجد التفصيل، وحسبنا
هذا ونعم الدليل، والسلام.
ش

(1) راجع الصفحة الرابعة من ذلك الباب أو ص 381 من الجزء الأول من السيرة الحلبية، ولا
قسط لمجازفة ابن تيمية وتحكماته التي أوحتها إليه عصبيته المشهورة، وهذا الحديث أورده الكاتب
الاجتماعي المصري محمد حسين هيكل، فراجع العمود الثاني من الصفحة الخامسة من ملحق عدد
2751 من جريدته (السياسة) الصادر في 12 ذي القعدة سنة 1350، تجده مفصلا، وإذا راجعت
العمود الرابع من صفحة 6 من ملحق عدد 2785 من السياسة، تجده ينقل هذا الحديث عن كل من
مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده و عبد الله بن أحمد في زيادات المسند، وابن حجر الهيثمي في جمع
الفوائد، وابن قتيبة في عيون الأخبار، وأحمد بن عبد ربه في العقد الفريد، وعمرو بن بحر الجاحظ
في رسالته عن بني هاشم، والإمام أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره، قلت: ونقل هذا الحديث
جرجس الانكليزي في كتابه الموسوم مقالة في الاسلام، وقد ترجمه إلى العربية ذلك الملحد
البروتستانتي الذي سمى نفسه بهاشم العربي. والحديث تجده في صفحة 79 من ترجمة المقالة في
الطبعة السادسة، ولشهرة هذا الحديث ذكره عدة من الإفرنج في كتبهم الافرنسية والانكليزية
والألمانية. واختصره توماس كارليل في كتابه الأبطال.
(2) راجع من الحديث 6008 في ص 392 تجده منقولا عن ابن جرير. والحديث 6045 في
ص 396 تجده منقولا عن أحمد في مسنده، والضياء المقدسي في المختارة، والطحاوي، وابن جرير
وصححه، والحديث 6056 في ص 397 تجده منقولا عن ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي
حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي في شعب الإيمان وفي الدلائل، والحديث 6102
ص 401 تجده منقولا عن ابن مردويه، والحديث 6155 في ص 408 وتجده منقولا عن أحمد في
مسنده، وابن جرير، والضياء في المختارة، ومن تتبع كنز العمال وجد هذا الحديث في أماكن أخر
شتى، وإذا راجعت ص 255 من المجلد الثالث من شرح النهج للإمام المعتزل الحديدي، أو أواخر
شرح الخطبة القاصعة منه، تجد هذا الحديث بطوله..
189

المراجعة 21 رقم: 10 ذي الحجة سنة 1329
التشكيك في سند هذا النص
إن خصمكم لا يعتبر سند هذا الحديث، وله في رده لهجة
شديدة، وحسبكم أن الشيخين لم يخرجاه، وكذلك غير الشيخين من
أصحاب الصحاح، وما أظن هذا الحديث واردا عن طريق الثقات من
أهل السنة، ولا أراكم تعتبرونه صحيحا من طريقهم، والسلام.
190

المراجعة 22 رقم: 12 ذي الحجة سنة 1329
1 - تصحيح هذا النص
2 - لماذا أعرضوا عنه؟
3 - من عرفهم لا يستغرب ذلك.
1 - لولا اعتباري صحته من طريق أهل السنة ما أوردته هنا، على
أن ابن جرير، والإمام أبا جعفر الإسكافي، أرسلا صحته إرسال
المسلمات (1)، وقد صححه غير واحد من أعلام المحققين، وحسبك في
تصحيحه ثبوته من طريق الثقات الأثبات، الذين احتج بهم أصحاب
الصحاح بكل ارتياح، ودونك ص 111 من الجزء الأول من مسند
أحمد، تجده يخرج هذا الحديث عن أسود (2) بن عامر، عن شريك (3)،

(1) راجع الحديث 6045 من أحاديث الكنز في ص 395 من جزئه السادس، تجد هناك
تصحيح ابن جرير لهذا الحديث أيضا. أما أبو جعفر الإسكافي، فقد حكم بصحته جزما في كتابه
نقض العثمانية، فراجع ما هو موجود في ص 263 من المجلد 3 من شرح نهج البلاغة الحديدي،
طبع مصر.
(2) احتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما، وقد سمع شعبة عندهما، وسمع
عبد العزيز بن أبي سلمة عند البخاري، وسمع عند مسلم زهير بن معاوية، وحماد بن سلمة، روى
عنه في صحيح البخاري محمد بن حاتم بن بزيع، وروى عنه في صحيح مسلم هارون بن عبد الله،
والناقد، وابن أبي شيبة، ومهير.
(3) احتج به مسلم في صحيحه، كما أوضحناه عند ذكره في المراجعة 16.
191

عن الأعمش (1)، عن المنهال (2)، عن عباد (3) بن عبد الله الأسدي (
463)، عن علي مرفوعا وكل واحد من سلسلة هذا السند حجة عند
الخصم، وكلهم من رجال الصحاح بلا كلام، وقد ذكرهم القيسراني في
كتابه - الجمع بين رجال الصحيحين - فلا مندوحة عن القول بصحة
الحديث، على أن لهم فيه طرقا كثيرة يؤيد بعضها بعضا.
2 - وإنما لم يخرجه الشيخان وأمثالهما، لأنهم رأوه يصادم رأيه في
الخلافة، وهذا هو السبب في إعراضهم عن كثير من النصوص الصحيحة
خافوا أن تكون سلاحا للشيعة، فكتموها وهم يعلمون، وأن كثيرا من
شيوخ أهل السنة - عفا الله عنهم - كانوا على هذه الوتيرة، يكتمون كل ما
كان من هذا القبيل، ولهم في كتمانه مذهب معروف، نقله عنهم الحافظ
بن حجر في فتح الباري، وعقد البخاري لهذا المعنى بابا في أواخر كتاب
العلم من الجزء الأول من صحيحه فقال (4): " باب من خص بالعلم قوما
دون قوم " (464).
3 - ومن عرف سريرة البخاري تجاه أمير المؤمنين وسائر أهل
البيت، وعلم أن يراعته ترتاع من روائع نصوصهم، وأن مداده ينضب
عن بيان خصائصهم، لا يستغرب إعراضه عن هذا الحديث وأمثاله،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والسلام.
ش

(1) احتج به البخاري ومسلم في صحيحهما، كما بيناه عند ذكره في المراجعة 16.
(2) احتج به البخاري، كما أوضحناه عند ذكره في المراجعة 16.
(3) هو عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، احتج به البخاري ومسلم في
صحيحيهما، سمع أسماء وعائشة، بنتي أبي بكر. وروى عنه في الصحيحين ابن أبي مليكة، ومحمد
بن جعفر بن الزبير، وهشام بن عرة.
(4) في ص 25.
192

المراجعة 23 رقم: 14 ذي الحجة 1329
1 - إيمانه بثبوت الحديث
2 - لا وجه للاحتجاج به مع عدم تواتره
3 - دلالته على الخلافة الخاصة.
4 - نسخه
1 - راجعت الحديث في ص 111 من الجزء الأول من مسند
أحمد، ونقبت عن رجال سنده، فإذا هم ثقات أثبات حجج، ثم بحثت
عن سائر طرقه فإذا هي متضافرة متناصرة، يؤيد بعضها بعضا، وبذلك
آمنت بثبوته.
2 - غير أنهم لا يحتجون - في إثبات الإمامة - بالحديث إلا إذا كان
متواترا، لأن الإمامة عندكم من أصول الدين، وهذا الحديث لا يمكن
القول ببلوغه حد التواتر فلا وجه للاحتجاج به.
3 - وقد يقال بأن الحديث إنما يدل على أن عليا خليفته صلى الله
عليه وآله وسلم، في أهل بيته خاصة، فأين النص على الخلافة العامة؟ (
465).
4 - وربما قيل بنسخ الحديث، إذ أعرض النبي عن مفاده ولذا لم
يكن وازعا للصحابة عن بيعة الخلفاء الثلاثة الراشدين، رضي الله تعالى
عنهم أجمعين.
س
193

المراجعة 24 رقم: 15 ذي الحجة سنة 1329
1 - الوجه في احتجاجنا بهذا الحديث
2 - الخلافة الخاصة منفية بالاجماع
3 - النسخ هنا محال
1 - إن أهل السنة يحتجون في إثبات الإمامة بكل حديث صحيح،
سواء كان متواترا أو غير متواتر (466)، فنحن نحتج عليهم بهذا
لصحته من طريقهم، إلزاما لهم بما ألزموا به أنفسهم، وأما استدلالنا به
على الإمامة فيما بيننا، فإنما هو لتواتره من طريقنا كما لا يخفى (467).
2 - ودعوى أنه إنما يدل على أن عليا خليفة رسول الله في أهل
بيته خاصة، مرودة بأن كل من قال بأن عليا خليفة رسول الله في أهل
بيته، قائل بخلافته العامة، وكل من نفى خلافته العامة، نفى خلافته
الخاصة، ولا قائل بالفصل، فما هذه الفلسفة المخالفة لإجماع
المسلمين؟.
3 - وما نسيت فلا أنس القول بنسخه، وهو محال عقلا وشرعا،
لأنه من النسخ قبل حضور زمن الابتلاء كما لا يخفى، على أنه لا ناسخ
هنا إلا ما زعمه من إعراض النبي عن مفاد الحديث، وفيه أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، لم يعرض عن ذلك، بل كانت النصوص
بعده متوالية متواترة، يؤيد بعضها بعضا، ولو فرض أن لا نص بعده
أصلا، فمن أين علم إعراض النبي عن مفاده، وعدوله عن
مؤداه * (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم
الهدى) *، والسلام.
ش
194

المراجعة 25 رقم: 16 ذي الحجة سنة 1329
1 - إيمانه بهذا النص
2 - طلبه المزيد
1 - آمنت بمن نور بك الظلم، وأوضح بك البهم، وجعلك آية
من آياته، ومظهرا من مظاهر بيناته.
2 - فزدني منها لله أبوك زدني، والسلام.
س
المراجعة 26 رقم: 17 ذي الحجة سنة 1329
1 - نص صريح ببضع عشرة فضائل لعلي ليست لأحد غيره.
2 - توجيه الاستدلال به
1 - حسبك من النصوص بعد حديث الدار، ما قد أخرجه
الإمام أحمد في الجزء الأول من مسنده (1)، والإمام النسائي في خصائصه
العلوية (2)، والحاكم في الجزء 3 من صحيحه المستدرك (3)، والذهبي

(1) في آخر صفحة 330.
(2) ص 6.
(3) ص 123.
195

في تلخيصه معترفا بصحته، وغيرهم من أصحاب السنن بالطرق المجمع على
صحتها، عن عمرو بن ميمون، قال: إني لجالس عند ابن عباس
إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا ابن عباس إما أن تقوم معنا، وإما أن
تخلو بنا من بين هؤلاء، فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم، قال:
وهو يومئذ صحيح قيل أن يعمى، قال: فابتدؤوا، فتحدثوا، فلا
ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في
رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره، وقعوا في رجل قال له
النبي صلى الله عليه وآله: لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا، يحب
الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فاستشرف لها من استشرف، فقال:
أين علي؟ فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر، فنفث في عينيه، ثم هز
الراية ثلاثا، فأعطاها إياه، فجاء علي بصفية بنت حيي، قال ابن
عباس: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وآله، فلانا بسورة
التوبة، فبعث عليا خلفه، فأخذها منه، وقال: لا يذهب بها إلا
رجل هو مني وأنا منه، قال ابن عباس: وقال النبي صلى الله عليه (وآله)
وسلم، لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال وعلي جالس
معه فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، قال: أنت وليي
في الدنيا والآخرة، قال فتركه، ثم قال: أيكم يواليني في الدنيا
والآخرة؟ فأبوا، وقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال
لعلي، أنت وليي في الدنيا والآخرة، قال ابن عباس: وكان علي أول
من آمن من الناس بعد خديجة، قال: وأخذ رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ثوبه، فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين، وقال:
* (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *،
قال، وشرى علي نفسه فلبس ثوب النبي، ثم نام مكانه وكان
196

المشركون يرمونه، إلى أن قال: وخرج رسول الله في غزوة تبوك وخرج
الناس معه، فقال له علي: أخرج معك؟ فقال صلى الله عليه وآله
وسلم: لا. فبكى علي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس
بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له
رسول الله: أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة، قال ابن عباس:
وسد رسول الله أبواب المسجد غير باب علي، فكان يدخل المسجد جنبا
وهو طريقه ليس له طريق غيره، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: من كنت مولاه، فإن مولاه علي... الحديث، قال الحاكم
بعد إخراجه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة،
قلت: وأخرجه الذهبي في تلخيصه، ثم قال: صحيح (468).
2 - ولا يخفى ما فيه من الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة،
على أن عليا ولي عهده، وخليفته من بعده، ألا ترى كيف جعله صلى
الله عليه وآله وسلم، وليه في الدنيا والآخرة، آثره بذلك على سائر
أرحامه، وكيف أنزله منه منزلة هارون من موسى، ولم يستثن من جميع
المنازل إلا النبوة، واستثناؤها دليل على العموم.
وأنت تعلم أن أظهر المنازل التي كانت لهارون من موسى وزارته
له وشد أزره به، واشتراكه معه في أمره، وخلافته عنه، وفرض طاعته
على جميع أمته بدليل قوله * (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي
أشدد به أزري وأشركه في أمري) * (469) وقوله: * (أخلفني في قومي
وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) * وقوله عز وعلا: * (قد أوتيت سؤلك
يا موسى) * فعلي بحكم هذا النص خليفة رسول الله في قومه، ووزيره
في أهله، وشريكه في أمره - على سبيل الخلافة عنه لا على سبيل النبوة -
197

وأفضل أمته، وأولاهم به حيا وميتا، وله عليهم من فرض الطاعة زمن
النبي - بوزارته له - مثل الذي كان لهارون على أمة موسى زمن موسى،
ومن سمع حديث المنزلة فإنما يتبادر منه إلى ذهنه هذه المنازل كلها، ولا
يرتاب في إرادتها منه، وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، الأمر فجعله جليا بقوله: إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت
خليفتي، وهذا نص صريح في كونه خليفته، بل نص جلي في أنه لو
ذهب ولم يستخلفه كان قد فعل ما لا ينبغي أن يفعل، وهذا ليس إلا
لأنه كان مأمورا من الله عز وجل باستخلافه، كما ثبت في تفسير قوله
تعالى: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما
بلغت رسالته) * (470) ومن تدبر قوله تعالى في هذه الآية: * (فما بلغت
رسالته) * ثم أمعن النظر في قول النبي صلى الله عليه وآله: أنه لا
ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وجدهما يرميان إلى غرض واحد كما
لا يخفى، ولا تنس قوله، صلى الله عليه وآله وسلم، في هذا
الحديث: أنت ولي كل مؤمن بعدي، فإنه نص في أنه ولي الأمر وواليه
والقائم مقامه فيه، كما قال الكميت رحمه الله تعالى:
ونعم ولي الأمر بعد وليه * ومنتجع التقوى ونعم المؤدب (471)
والسلام.
ش
198

المراجعة 27 رقم: 18 ذي الحجة سنة 1329
التشكيك في سند حديث المنزلة
حديث المنزلة صحيح مستفيض، لكن المدقق الآمدي - وهو فحل
الفحول في علم الأصول - شك في أسانيده، وارتاب في طرقه، وربما
تشبث برأيه خصومكم، فبماذا تستظهرون عليهم؟ والسلام.
س
المراجعة 28 رقم: 19 ذي الحجة سنة 1329
1 - حديث المنزلة من أثبت الآثار
2 - القرائن الحاكمة بذلك
3 - مخرجوه من أهل السنة
4 - السبب في تشكيك الآمدي
1 - ظلم الآمدي - بهذا التشكيك - نفسه، فإن حديث المنزلة من
أصح السنن وأثبت الآثار.
2 - لم يختلج في صحة سنده ريب، ولا سنح في خواطر أحد أن
يناقش في ثبوته ببنت شفة، حتى أن الذهبي - على تعنته - صرح في تلخيص
المستدرك بصحته (1)، وابن حجر الهيثمي - على محاربته بصواعقه - ذكر
الحديث في الشبهة 12 من الصواعق، فنقل القول بصحته عن أئمة

(1) سمعت في المراجعة 26 تصريحه بصحته.
199

الحديث الذين لا معول فيه إلا عليهم، فراجع (1) (472). ولولا أن
الحديث بمثابة من الثبوت، ما أخرجه البخاري في كتابه، فإن الرجل
يغتصب نفسه عند خصائص علي وفضائل أهل البيت اغتصابا.
ومعاوية كان إمام الفئة الباغية، ناصب أمير المؤمنين وحاربه،
ولعنه على منابر المسلمين، وأمرهم بلعنه، لكنه - بالرغم عن وقاحته في
عدوانه - لم يجحد حديث المنزلة، ولا كابر فيه سعد بن أبي وقاص حين
قال له - فيما أخرجه مسلم (2) -: " ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال:
أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله، فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة
منها أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله يقول له وقد خلفه في
بعض مغازيه: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا
نبوة بعدي... الحديث (3) (473). فأبلس معاوية، وكف عن تكليف سعد.
أزيدك على هذا كله أن معاوية نفسه حدث بحديث المنزلة، قال
ابن حجر في صواعقه (4): أخرج أحمد أن رجلا سأل معاوية عن مسألة،
فقال: سل عنها عليا فهو أعلم، قال: جوابك فيها أحب إلي من جواب
علي، قال: بئس ما قلت! لقد كرهت رجلا كان رسول الله يغره بالعلم
غرا، ولقد قال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي
بعدي، وكان عمر إذا أشكل عليه شئ أخذ منه... إلى آخر كلامه (5)

(1) ص 29 من الصواعق.
(2) في باب فضائل علي أول ص 324 من الجزء الثاني من صحيحه.
(3) وأخرجه الحاكم أيضا في أول ص 109 من الجزء الثالث من المستدرك، وصححه على
شرط الشيخين. وأورده الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته على شرط مسلم.
(4) أثناء المقصد الخامس من المقاصد التي أوردها في الآية الرابعة عشر من الباب 11 ص 107
من الصواعق.
(5) حيث قال وأخرجه آخرون (قال) ولكن زاد بعضهم، قم لا أقام الله رجليك، ومحى
اسمه من الديوان إلى آخر ما نقله في ص 107 من صواعقه مما يدل على أن جماعة من الحدثين
غير أحمد أخرجوا حديث المنزلة بالإسناد إلى معاوية.
200

(474) وبالجملة فإن حديث المنزلة مما لا ريب في ثبوته بإجماع المسلمين.
على اختلافهم في المذاهب والمشارب.
3 - وقد أخرجه صاحب الجمع بين الصحاح الستة (1). وصاحب
الجمع بين الصحيحين (2)، وهو موجود في غزوة تبوك من صحيح
البخاري (3). وفي باب فضائل علي من صحيح مسلم (4). وفي باب
فضائل أصحاب النبي من سنن ابن ماجة (5). وفي مناقب علي من
مستدرك الحاكم (6). وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده من حديث
سعد بطرق إليه كثيرة (7). ورواه في المسند أيضا من حديث كل من: ابن
عباس (8). وأسماء بنت عميس (9). وأبي سعيد الخدري (10). ومعاوية
بن أبي سفيان (11) وجماعة آخرين من الصحابة. وأخرجه الطبراني من
حديث كل من: أسماء بنت عميس، وأم سلمة، وحبيش بن جنادة،
وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن سمرة، وزيد بن أرقم، والبراء بن
عازب، وعلي بن أبي طالب (12). وغيرهم. وأخرجه البزار في

(1) في مناقب علي.
(2) في فضائل علي وفي غزوة تبوك.
(3) في ص 58 من جزئه الثالث.
(4) ص 323 من جزئه الثاني.
(5) في ص 28 من جزئه الأول، حيث يذكر فضل علي.
(6) في أول ص 109 من جزئه 3 وفي أماكن أخر، يعرفها المتتبعون.
(7) راجع ص 173 وص 175 وص 177 وص 179 وص 182 وص 185،
تصفح هذه الصحائف كلها من الجزء الأول من المسند.
(8) راجع ص 331 من الجزء الأول من المسند.
(9) في ص 369 وفي ص 438 من الجزء السادس من المسند.
(10) في ص 32 من الجزء الثالث من المسند.
(11) كما ذكرناه في صدر هذه المراجعة نقلا عن المقصد الخامس من مقاصد الآية 14 من
آيات الباب 11 من الصواعق المحرقة ص 107.
(12) كما نص عليه ابن حجر في الحديث الأول من الأربعين التي أوردها في الفصل
الثاني من الباب 9 ص 72 من صواعقه. وذكر السيوطي في أحوال علي من تاريخ الخلفاء: أن
الطبراني أخرج هذا الحديث عن هؤلاء كلهم، وزاد أسماء بنت قيس.
201

مسنده (1)، والترمذي في صحيحه (2)، من حديث أبي سعيد الخدري.
وأورده ابن عبد البر في أحوال علي من الاستيعاب، ثم قال ما هذا نصه:
وهو من أثبت الآثار وأصحها، رواه عن النبي سعد بن أبي وقاص،
(قال) وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدا، ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره،
(قال) ورواه ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأم سلمة، وأسماء بنت
عميس، وجابر بن عبد الله، وجماعة يطول ذكرهم، هذا كلام ابن
عبد البر. وكل من تعرض لغزوة تبوك من المحدثين وأهل السير
والأخبار، نقلوا هذا الحديث، ونقله كل من ترجم عليا من أهل المعاجم
في الرجال من المتقدمين والمتأخرين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم،
ورواه كل من كتب في مناقب أهل البيت، وفضائل الصحابة من الأئمة،
كأحمد بن حنبل، وغيره ممن كان قبله أو جاء بعده، وهو من الأحاديث
المسلمة في كل خلف من هذه الأمة (475).
4 - فلا عبرة بتشكي الآمدي في سنده فإنه ليس من علم الحديث
في شئ، وحكمه في معرفة الأسانيد والطرق حكم العوام لا يفقهون
حديثا، وتبحره في علم الأصول هو الذي أوقعه في هذه الورطة، حيث
رآه بمقتضى الأصول نصا صريحا لا يمكن التخلص منه إلا بالتشكيك في
سنده، ظنا منه أن هذا من الممكن. وهيهات هيهات ذلك، والسلام.
ش

(1) كما نص عليه السيوطي في أحوال علي من تاريخ الخلفاء ص 65.
(2) كما يدل عليه الحديث 2504 من أحاديث الكنز في ص 152 من جزئه السادس.
202

المراجعة 29 رقم: 20 ذي الحجة سنة 1329
1 - التصديق بما قلناه في سند الحديث
2 - التشكيك في عمومه
3 - الشك في حجيته
1 - كل ما ذكرتموه في ثبوت الحديث - حديث المنزلة - حق لا ريب
فيه مطلقا. والآمدي عثر فيه عثرة دلت على بعده عن علم الحديث
وأهله، وقد أزعجناك بذكر رأيه فأحوجناك إلى توضيح الواضحات،
وتلك خطيئة نستغفرك منها وأنت أهل لذلك.
2 - وقد بلغني أن غير الآمدي من خصومكم، يزعم أن لا عموم
في حديث المنزلة وأنه خاص بمورده، واستدل بسياق الحديث، وسببه
لأنه إنما قاله لعلي حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، فقال له الإمام
رضي الله عنه: أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال صلى الله عليه وآله
وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي
بعدي، وكأنه صلى الله عليه وآله، أراد كونه منه بمنزلة هارون من
موسى حيث استخلفه في قومه عند توجهه إلى الطور، فيكون المقصود
أنت مني أيام غزوة تبوك، بمنزلة هارون من موسى أيام غيبته في مناجاة
ربه.
3 - وربما قالوا: إن الحديث غير حجة وإن كان عاما لكونه
مخصوصا، والعام المخصوص غير حجة في الباقي، والسلام
س
203

المراجعة 30 رقم: 22 ذي الحجة سنة 1329
1 - أهل الضاد يحكمون بعموم الحديث
2 - تزييف القول باختصاصه
3 - إبطال القول بعدم حجيته
1 - نحن نوكل الجواب عن قولهم بعدم عموم الحديث إلى أهل
اللسان والعرف العربيين، وأنت حجة العرب لا تدافع، ولا تنازع،
فهل ترى أمتك - أهل الضاد - يرتابون في عموم المنزلة من هذا الحديث.
كلا وحاشا مثلك أن يرتاب في عموم اسم الجنس المضاف وشموله لجميع
مصاديقه، فلو قلت: منحتكم إنصافي مثلا، أيكون إنصافك هذا خاصا ببعض
الأمور دون بعض، أم عاما شاملا لجميع مصاديقه؟ معاذ الله أن تراه غير
عام، أو يتبادر منه إلا الاستغراق، ولو قال خليفة المسلمين لأحد
أوليائه: جعلت لك ولايتي على الناس، أو منزلتي منهم، أو منصبي
فيهم، أو ملكي، فهل يتبادر إلى الذهن غير العموم؟ وهل يكون مدعي
التخصيص ببعض الشؤون دون بعض؟ إلا مخالفا مجازفا، ولو قال لأحد
وزرائه: لك في أيامي منزلة عمر في أيام أبي بكر إلا أنك لست
بصحابي، أكان هذا بنظر العرف خاصا ببعض المنازل أم عاما؟ ما أراك
والله تراه إلا عاما، ولا أرتاب في أنك قائل بعموم المنزلة في قوله صلى الله
عليه وآله وسلم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى "، قياسا على نظائره
في العرف واللغة، ولا سيما بعد استثناء النبوة فإنه يجعله نصا في العموم،
والعرب ببابك، فسلها عن ذلك.
204

2 - أما قول الخصم بأن الحديث خاص بمورده فمردود من
وجهين.
الوجه الأول: أن الحديث في نفسه عام كما علمت، فمورده - لو
سلمنا كونه خاصا - لا يخرجه عن العموم، لأن المورد لا يخصص الوارد
كما هو مقرر في محله. ألا ترى لو رأيت الجنب يمس آية الكرسي مثلا،
فقلت له: لا يمسن آيات القرآن محدث، أيكون هذا خاصا بمورده، أم
عاما شاملا لجميع آيات القرآن ولكل محدث؟ ما أظن أحدا يفهم كونه
خاصا بمس الجنب بخصوصه لآية الكرسي بالخصوص، ولو رأى الطبيب
مريضا يأكل التمر، فنهاه عن أكل الحلو، أيكون في نظر العرف خاصا
بمورده، أم عاما شاملا لكل مصاديق الحلو؟ ما أرى والله القائل بكونه
خاصا بمورده إلا في منتزح عن الأصول، بعيدا عن قواعد اللغة، نائيا
عن الفهم العرفي، أجنبيا عن عالمنا كله، وكذا القائل بتخصيص العموم
في حديث المنزلة بموردهم من غزوة تبوك لا فرق بينهما أصلا.
الوجه الثاني: أن الحديث لم تنحصر موارده باستخلاف علي على
المدينة في غزوة تبوك ليتشبث الخصم بتخصيصه به، وصحاحنا المتواترة
عن أئمة العترة الطاهرة تثبت وروده في موارد أخر (476) فليراجعها
الباحثون، وسنن أهل السنة تشهد بذلك (477) كما يعلمه المتتبعون،
فقول المعترض بأن سياق الحديث دال على تخصيصه بغزوة تبوك مما لا وجه
له إذن، كما لا يخفى.
3 - أما قولهم بأن العام المخصوص ليس بحجة في الباقي، فغلط
واضح، وخطأ فاضح، وهل يقول به في مثل حديثنا إلا من يعتنف
الأمور، فيكون منها على غماء، كراكب عشواء، في ليلة ظلماء، نعوذ
205

بالله من الجهل، والحمد لله على العافية، أن تخصيص العام لا يخرجه
عن الحجية في الباقي إذا لم يكن المخصص مجملا، ولا سيما إذا كان
متصلا كما في حديثنا، فإن المولى إذا قال لعبده: أكرم اليوم كل من زارني
إلا زيدا، ثم ترك العبد إكرام غير زيد ممن زار مولاه يعد في العرف
عاصيا، ويلومه العقلاء، ويحكمون عليه باستحقاق الذم، والعقوبة على
قدر ما تستوجبه هذه المعصية عقلا أو شرعا، ولا يصغي أحد من أهل
العرف إلى عذره لو اعتذر بتخصيص هذا العام، بل يكون عذره أقبح
عندهم من ذنبه، وهذا ليس إلا لظهور العام - بعد تخصيصه - في
الباقي، كما لا يخفى، وأنت تعلم أن سيرة المسلمين وغيرهم مستمرة على
الاحتجاج بالعمومات المخصصة بلا نكير، وقد مضى الخلف على ذلك
والسلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وتابعي التابعين وتابعيهم
إلى الآن، ولا سيما أئمة أهل البيت وسائر أئمة المسلمين، وهذا مما لا
ريب فيه، وحسبك به دليلا على حجية العام المخصوص، ولولا أنه
حجة لا نسد على الأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين باب العلم
بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية، فإن رحى العلم بذلك
تدور على العمل بالعمومات، وما من عام إلا وقد خص، فإذا سقطت
العمومات ارتج باب العلم، نعوذ بالله، والسلام.
ش
206

المراجعة 31 رقم: 22 ذي الحجة سنة 1329
التماس موارد هذا الحديث
لم تأت بما يثبت ورود الحديث في غير تبوك، وما أشوقني إلى الورود
على سائر موارده العذبة، فهل لك أن توردني مناهله، والسلام.
س
المراجعة 32 رقم: 24 ذي الحجة سنة 1329
1 - من موارده زيارة أم سليم 2 - قضية بنت حمزة
3 - إتكاؤه على علي 4 - المؤاخاة الأولى
5 - المؤاخاة الثانية 6 - سد الأبواب
7 - النبي يصور عليا وهارون كالفرقدين
1 - من موارده يوم حدث صلى الله عليه وآله وسلم أم سليم (1)،
وكانت من أهل السوابق والحجى، ولها المكانة من رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، بسابقتها وإخلاصها ونصحها، وحسن بلائها، وكان

(1) هي بنت ملحان بن خالد الأنصارية، وأخت حرام بن ملحان، استشهد أبوها
وأخوها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله، وكانت على جانب من الفضل والعقل،
روت عن النبي أحاديث، وروى عنها ابنها أنس، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وأبو سلمة
بن عبد الرحمن، وآخرون، تعد في أهل السوابق، وهي من الدعاة إلى الاسلام، كانت في
207

النبي يزورها ويحدثها في بيتها، فقال لها في بعض الأيام: يا أم سليم إن
عليا لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من
موسى. ا ه‍ (1). وقد لا يخفى عليك أن هذا الحديث كان اقتضابا من
رسول الله صلى الله عليه وآله، غير مسبب عن شئ إلا البلاغ
والنصح لله تعالى في بيان منزلة ولي عهده، والقائم مقامه من بعده، فلا
يمكن أن يكون مخصصا بغزوة تبوك (478).
2 - ومثله الحديث الوارد في قضية بنت حمزة حين اختصم فيها علي

الجاهلية تحت مالك ابن النضر، فأولدها أنس بن مالك، فلما جاء الله بالاسلام كانت في
السابقين إليه، ودعت مالكا زوجها إلى الله ورسوله، فأبى أن يسلم، فهجرته، فخرج
مغاضبا إلى الشام، فهلك كافرا، وقد نصحت لابنها أنس إذ أمرته وهو ابن عشر سنين أن
يخدم النبي صلى الله عليه وآله، فقبله النبي إكراما لها، وخطبها أشراف العرب،
فكانت تقول: لا أتزوج حتى يبلغ أنس ويجلس مجلس الرجال، فكان أنس يقول: " جزى الله
أمي خيرا أحسنت ولايتي "، وقد أسلم على يدها أبو طلحة الأنصاري إذ خطبها وهو كافر،
فأبت أن تتزوجه أو يسلم، فأسلم بدعوتها وكان صداقها منه إسلامه، أولدها أبو طلحة ولدا
فمرض ومات، فقالت: لا يذكرن أحد موته لأبيه قبلي، فلما جاء وسأل عن ولده قالت: هو
أسكن ما كان، فظن أنه نائم، فقدمت له الطعام فتعشى، ثم تزينت له وتطيبت فنام معها
وأصاب منها، فلما أصبح قالت له: احتسب -
ولدك فذكر أبو طلحة قصتها لرسول الله فقال: بارك الله لكما في ليلتكما، قالت: ودعا
لي صلى الله عليه وآله، حتى ما أريد زيادة وعلقت في تلك الليلة بعبد الله بن أبي طلحة
فبارك الله فيه، وهو والد إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الفقيه، وإخوته وكانوا عشرة كلهم
من حملة العلم، وكانت أم سليم تغزو مع النبي، وكان معها يوم أحد خنجر لتبقر به بطن من
دنا إليها من المشركين، وكانت من أحسن النساء بلاء في الاسلام، ولا أعرف امرأة سواها كان
النبي يزورها في بيتها فتتحفه. وكانت مستبصرة بشأن عترته، عارفة بحقهم عليهم السلام.
(1) هذا الحديث - أعني حديث أم سليم - هو الحديث 2554 من أحاديث الكنز في ص
154 من جزئه السادس، وهو موجود في منتخب الكنز أيضا فراجع السطر الأخير من هامش
ص 31 من الجزء الخامس من مسند أحمد، تجده بلفظه.
208

وجعفر وزيد، فقال رسول الله (ص): " يا علي أنت مني بمنزلة هارون...
الحديث (1) " (479).
3 - وكذا الحديث الوارد يوم كان أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن
الجراح عند النبي، وهو (ص) متكئ على علي، فضرب بيده على منكبه
ثم قال: " يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا، وأولهم إسلاما وأنت مني بمنزلة
هارون من موسى... " الحديث (2) (480).
4 - والأحاديث الواردة يوم المؤاخاة الأولى، وكانت في مكة قبل
الهجرة حيث آخى رسول الله صلى الله عليه وآله، بين المهاجرين
خاصة.
5 - ويوم المؤاخاة الثانية، وكانت في المدينة بعد الهجرة بخمسة
أشهر، حيث آخى بين المهاجرين والأنصار، وفي كلتا المرتين يصطفى لنفسه
منهم عليا، فيتخذه من دونهم أخاه (3)، تفضيلا له على من سواه ويقول

(1) أخرجه الإمام النسائي ص 19 من الخصائص العلوية.
(2) أخرجه الحسن بن بدر، والحاكم في الكنى، والشيرازي في الألقاب، وابن
النجار، وهو الحديث 6029 والحديث 6032 من أحاديث الكنز ص 395، من جزئه
السادس
(3) قال ابن عبد البر في ترجمة علي من الاستيعاب: آخى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، بين المهاجرين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، وقال في كل واحدة منهما لعلي:
أنت أخي في الدنيا والآخرة، (قال): وآخى بينه وبين نفسه. ا ه‍. قلت: والتفصيل في
كتب السير والأخبار، فلاحظ تفصيل المؤاخاة الأولى في ص 26 من الجزء الثاني من السيرة
الحلبية. وراجع المؤاخاة الثانية في ص 120 من الجزء الثاني من السيرة الحلبية أيضا تجد تفضيل
علي في كلتا المرتين بمؤاخاة النبي له على من سواه وفي السيرة الدحلانية من تفصيل
المؤاخاة الأولى، والمؤاخاة الثانية، ما في السيرة الحلبية، وقد صرح بأن المؤاخاة الثانية
كانت بعد الهجرة بخمسة أشهر.
209

له: " أنت مني بمنزلة هارون بن موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ". والأخبار
في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة (481) وحسبك مما جاء من
طريق غيرهم في المؤاخاة الأولى، حديث زيد بن أبي أوفى، وقد أخرجه
الإمام أحمد بن حنبل في كتاب مناقب علي، وابن عساكر في تاريخه (1)،
والبغوي والطبراني في مجمعيهما، والبارودي في المعرفة، وابن عدي (2)،
وغيرهم، والحديث طويل قد اشتمل على كيفية المؤاخاة، وفي آخره ما
هذا لفظه: فقال علي: " يا رسول الله لقد ذهب روحي، وانقطع
ظهري، حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من
سخط علي فلك العتبى والكرامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة
هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي، فقال:
وما أرث منك؟ قال: ما ورث الأنبياء من قبلي كتاب ربهم وسنة نبيهم،
وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي، ثم
تلا صلى الله عليه وآله * (إخوان على سرر متقابلين) * المتاحبين في
الله ينظر بعضهم إلى بعض " (482) وحسبك مما جاء في المؤاخاة الثانية ما
أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس من حديث جاء فيه: أن
رسول الله قال لعلي: " أغضبت علي حين آخيت بين المهاجرين
والأنصار، ولم أؤاخ بينك وبين أحد منهم، أما ترضى أن تكون مني

(1) نقله عن كل من أحمد وابن عساكر جماعة من الثقات، أحدهم المتقي الهندي،
فراجع من كنزه الحديث 918 في أوائل صفحة 40 من جزئه الخامس. ونقله في ص 390 من
جزئه السادس عن أحمد في كتابه - مناقب علي - وجعله الحديث 5972، فراجع.
(2) نقله عن كل من هؤلاء الأئمة جماعة من الثقات الأثبات، أحدهم المتقي الهندي في
أول ص 41 من الجزء الخامس من كنز العمال، وهو الحديث 919، فراجع.
210

بمنزلة هارون بن موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي... الحديث (1) " (483)
6 - ونحوه الأحاديث الواردة يوم سد الأبواب غير باب علي،
وحسبك حديث جابر بن عبد الله (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: يا علي، إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، وإنك مني بمنزلة
هارون بن موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وعن حذيفة بن أسيد
الغفاري (3) قال: قام النبي صلى الله عليه وآله - يوم سد الأبواب -
خطيبا، فقال: أن رجالا يجدون في أنفسهم شيئا أن أسكنت عليا في
المسجد وأخرجتهم، والله ما أخرجتهم وأسكنته، بل الله أخرجهم
وأسكنه، أن الله عز وجل، أوحى إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما
بمصر بيوتا، واجعلوا بيوتكم قبلة، وأقيموا الصلاة، إلى أن قال: وأن
عليا مني بمنزلة هارون بن موسى، وهو أخي، ولا يجوز لأحد أن ينكح

(1) نقله المتقي الهندي في كنز العمال وفي منتخبه، فراجع من المنتخب ما هو في آخر
هامش ص 31 من الجزء الخامس من مسند أحمد، تجده باللفظ الذي أوردناه، ولا يخفى ما في
قوله: أغضبت علي من المؤانسة والملاطفة والحنو الأبوي على الولد المدلل على أبيه، الرؤوف
العطوف، فإن قلت: كيف ارتاب علي من تأخيره في المرة الثانية مع أنه كان في المرة الأولى قد
ارتاب من ذلك، ثم ظهر له أن النبي صلى الله عليه وآله، إنما أخره لنفسه، وهلا قاس
الثانية على الأولى، قلنا: لا تقاس الثانية على الأولى، لأن الأولى كانت خاصة بالمهاجرين،
فالقياس لم يكن مانعا من مؤاخاة النبي لعلي، بخلاف المؤاخاة الثانية، فإنها كانت بين
المهاجرين والأنصار، فالمهاجر في المرة الثانية إنما يكون أخوه أنصاريا، والأنصاري إنما يكون
أخوه مهاجرا وحيث أن النبي والوصي مهاجران، كان القياس في هذه المرة أن لا يكونا
أخوين، فظن علي أن أخاه إنما يكون أنصاريا قياسا على غيره، وحيث لم يؤاخ رسول الله بينه
وبين أحد من الأنصار وجد في نفسه، لكن الله تعالى ورسوله أبيا إلا تفضيله، فكان هو
ورسول الله أخوين على خلاف القياس المطرد يومئذ بين جميع المهاجرين والأنصار.
(2) كما في آخر الباب 17 من ينابيع المودة، نقلا عن كتاب فضائل أهل البيت لأخطب
خوارزم.
(3) كما في الباب 17 من ينابيع المودة.
211

فيه النساء إلا هو... الحديث (484). وكم لهذه الموارد من نظائر لا
تحصى في هذه العجالة، لكن هذا القدر كاف لما أردناه من تزييف القول
بأن حديث المنزلة مخصص بمورده من غزوة تبوك، وأي وزن لهذا القول مع
تعدد موارد الحديث.
7 - ومن ألم بالسيرة النبوية، وجده صلى الله عليه وآله يصور
عليا وهارون كالفرقدين على غرار واحد، لا يمتاز أحدهما عن الآخر في
شئ، وهذا من القرائن الدالة على عموم المنزلة في الحديث، على أن
عموم المنزلة هو المتبادر من لفظه بقطع النظر عن القرائن كما بيناه،
والسلام.
ش
المراجعة 33 رقم: 25 ذي الحجة سنة 1329
متى صور عليا وهارون كالفرقدين؟
لم يتبين لنا كنه قولكم بأنه صلى الله عليه وآله، كان يصور
عليا وهارون كالفرقدين على غرار واحد، ومتى فعل ذلك؟
س
212

المراجعة 34 رقم: 27 ذي الحجة 1329
1 - يوم شبر وشبير ومشبر
2 - يوم المؤاخاة
3 - يوم سد الأبواب
تتبع سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تجده يصور عليا
وهارون كالفرقدين في السماء، والعينين في الوجه، لا يمتاز أحدهما في أمته
عن الآخر في أمته بشئ ما.
1 - ألا تراه كيف أبى أن تكون أسماء بني علي إلا كأسماء بني
هارون، فسماهم حسنا وحسينا ومحسنا، وقال (1): إنما سميتهم بأسماء
ولد هارون شبر وشبير ومشبر (485) أراد بهذا تأكيد المشابهة بين
الهارونين، وتعميم الشبه بينهما في جميع المنازل وسائر الشؤون.
2 - ولهذه الغاية نفسها قد اتخذ عليا أخاه، وآثره بذلك على من
سواه، تحقيقا لعموم الشبه بين منازل الهارونين من أخويهما، وحرصا على
أن لا يكون ثمة من فارق بينهما، وقد آخى بين أصحابه صلى الله عليه

(1) فيما أخرجه المحدثون بطرقهم الصحيحة من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، ودونك ص 165 وص 168 من الجزء 3 من المستدرك، تجد الحديث صريحا في
ذلك، صحيحا على شرط الشيخين. وقد أخرجه الإمام أحمد أيضا من حديث علي في ص 98
من الجزء الأول من مسنده. وأخرجه ابن عبد البر في ترجمة الحسن السبط من الاستيعاب،
وأخرجه حتى الذهبي في تلخيصه مسلما بصحته مع قبح تعصبه وظهور انحرافه عن هارون هذه
الأمة وعن شبرها وشبيرها - وأخرج البغوي في معجمه وعبد الغني في الايضاح، كما في ص
115 من الصواعق المحرقة، عن سلمان نحوه، وكذلك ابن عساكر.
213

وآله وسلم، مرتين كما سمعت، فكان أبو بكر وعمر في المرة الأولى
أخوين (486) وعثمان و عبد الرحمن بن عوف أخوين، وكان في المرة
الثانية أبو بكر وخارجة بن زيد أخوين، وعمر وعتبان بن مالك أخوين
(487)، أما علي فكان في كلتا المرتين أخا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم (488) كما علمت، ومقامنا يضيق على استقصاء ما جاء في ذلك
من النصوص الثابتة بطرقها الصحيحة عن كل من ابن عباس، وابن
عمر، وزيد بن أرقم، وزيد بن أبي أوفى، وأنس بن مالك، وحذيفة
بن اليمان، ومخدوج بن يزيد، وعمر بن الخطاب، والبراء بن عازب،
وعلي بن أبي طالب، وغيرهم (489). وقد قال له رسول الله: " أنت
أخي في الدنيا والآخرة (1) " (490) وسمعت - في المراجعة 20 - قوله -
وقد أخذ برقبة علي -: " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا
له وأطيعوا " (491) وخرج صلى الله عليه وآله، على أصحابه يوما
ووجهه مشرق، فسأله عبد الرحمن بن عوف، فقال: " بشارة أتتني من
ربي في أخي وابن عمي وابنتي بأن الله زوج عليا من فاطمة...
الحديث (2) " (492) ولما زفت سيدة النساء إلى كفوئها سيد العترة، قال
النبي (ص): " يا أم أيمن ادعي لي أخي، فقالت: هو أخوك وتنكحه،

(1) أخرجه الحاكم في ص 14 من الجزء 3 من المستدرك عن ابن عمر من طريقين
صحيحين على شرط الشيخين. وأخرجه الذهبي في تلخيصه مسلما بصحته. وأخرجه
الترمذي فيما نقله ابن حجر عنه في ص 73 من الصواعق المحرقة، فراجع الحديث السابع من
أحاديث الفصل 2 من باب 9 من الصواعق، وأرسله كل من تعرض لحديث المؤاخاة من أهل
السير والأخبار إرسال المسلمات.
(2) أخرجه أبو بكر الخوارزمي كما في ص 103 من الصواعق.
214

قال: نعم يا أم أيمن، فدعت عليا فجاء... الحديث (1) " (493).
وكم أشار إليه، فقال: " هذا أخي وابن عمي وصهري وأبو ولدي (2) "
(494) وكلمه مرة، فقال له: " أنت أخي وصاحبي (3) " (495) وحدثه
مرة أخرى، فقال له: " أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة (4) "
(496) وخاطبه يوما في قضية كانت بينه وبين أخيه جعفر وزيد بن
حارثة، فقال له: " وأما أنت يا علي فأخي وأبو ولدي ومني وإلي...
الحديث (5) " (497). وعهد إليه يوما، فقال: " أنت أخي ووزيري تقضي ديني
وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي.. الحديث (6) " (498). ولما حضرته الوفاة - بأبي
هو وأمي - قال: " ادعوا لي أخي، فدعوا عليا، فقال: أدن مني، فدنا
منه وأسنده إليه، فلم يزل كذلك وهو يكلمه حتى فاضت نفسه الزكية،

(1) أخرجه الحاكم في ص 159 من الجزء 3 من المستدرك. وأخرجه الذهبي في
تلخيصه مسلما بصحته. ونقله ابن حجر في الباب 11 من صواعقه، وكل من ذكر زفاف
الزهراء ذكره لا أستثني منهم أحدا.
(2) فيما أخرجه الشيرازي في الألقاب، وابن النجار عن ابن عمر، ونقله المتقي الهندي
في كنزه وفي منتخبه المطبوع في هامش المسند، فراجع منه السطر الثاني من هامش ص 32 من
الجزء الخامس.
(3) أخرجه ابن عبد البر في ترجمة علي من الاستيعاب بالإسناد إلى ابن عباس.
(4) أخرجه الخطيب وهو الحديث 6105 من أحاديث كنز العمال في ص 402 من جزئه 6
(5) أخرجه الحاكم في ص 217 من الجزء 3 من المستدرك بسند صحيح على شرط
مسلم، واعترف الذهبي في تلخيصه بصحته على هذا الشرط.
(6) أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر، ونقله المتقي الهندي في كنزه وفي منتخبه،
فراجع من المنتخب ما هو في هامش ص 32 من الجزء الخامس من المسند.
215

فأصابه بعض ريقه صلى الله عليه وآله (1) " (499). وقال صلى الله
عليه وآله وسلم: " مكتوب على باب الجنة: لا إله إلا الله محمد
رسول الله، علي أخو رسول الله... الحديث (2) " (500). " وأوحى
الله عز وجل - ليلة المبيت على الفراش - إلى جبرائيل ومكائيل أني آخيت
بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه
بالحياة، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله إليهما: ألا كنتما مثل علي بن
أبي طالب آخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله، فبات على
فراشه ليفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من
عدوه، فنزلا، فكان جبرائيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه وجبرائيل
ينادي: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة،
وأنزل الله تعالى في ذلك * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات
الله) *... الحديث (3) " (501).
وكان علي يقول: " أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر
لا يقولها بعدي إلا كاذب (4) " (502) وقال: " والله إني لأخوه ووليه،

(1) أحرجه ابن سعد في ص 51 من القسم الثاني من الجزء الثاني من طبقاته، وهو في
ص 55 من الجزء 4 من كنز العمال.
(2) أخرجه الطبراني في الأوسط، والخطيب في المتفق والمفترق، ونقله صاحب كنز
العمال، فراجع من منتخبه ما هو في هامش ص 35 من الجزء 5 من مسند أحمد، ونقله في
هامش ص 46 عن ابن عساكر.
(3) أخرجه أصحاب السنن في مسانيدهم، وذكره الإمام فخر الدين الرازي في تفسير
هذه الآية من سورة البقرة ص 189 الجزء الثاني من تفسيره الكبير مختصرا.
(4) أخرجه النسائي في الخصائص العلوية، والحاكم في أول ص 112 من الجزء 3 من
المستدرك وابن أبي شيبة وابن أبي عاصم في السنة، وأبو نعيم في المعرفة. ونقله المتقي الهندي
في كنز العمال وفي منتخبه، فراجع من المنتخب ما هو في هامش ص 46 من الجزء 5 من مسند
أحمد
216

وابن عمه ووارث علمه، فمن أحق به مني (1)؟ " (503) وقال يوم
الشورى لعثمان و عبد الرحمن وسعد والزبير: " أنشدكم الله هل فيكم أحد
آخى رسول الله بينه وبينه، إذ آخى بين المسلمين غيري، قالوا: اللهم
لا (2) (504)، ولما برز علي للوليد يوم بدر، قال له الوليد: " من أنت؟
قال علي: أنا عبد الله وأخو رسوله... الحديث (3) " (505). وسأل
علي عمر أيام خلافته، فقال له (4): " أرأيت لو جاءك قوم من بني
إسرائيل، فقال لك أحدهم: أنا ابن عم موسى، أكانت له عندك إثرة
على أصحابه، قال: نعم، قال: فأنا والله أخو رسول الله، وابن
عمه، فنزع عمر رداءه فبسطه، وقال: والله لا يكون لك مجلس غيره
حتى نتفرق، فلم يزل جالسا عليه، وعمر بين يديه حتى تفرقوا،
بخوعا لأخي رسول الله وابن عمه " (506).
3 - شط بنا القلم فنقول: وأمر صلى الله عليه وآله، بسد
أبواب الصحابة من المسجد تنزيها له عن الجنب والجنابة، لكنه أبقى
باب علي، وأباح له عن الله تعالى أن يجنب في المسجد، كما كان هذا
مباحا لهارون، فدلنا ذلك على عموم المشابهة بين الهارونين عليهما

(1) راجع ص 126 من الجزء 3 من المستدرك. وأخرجه الذهبي في تلخيصه مسلما
بصحته.
(2) أخرجه ابن عبد البر في ترجمة علي من الاستيعاب. وغير واحد من الأثبات.
(3) أخرجه ابن سعد في عزوة بدر من كتاب الطبقات في ص 15 من القسم الأول من
جزئه الثاني.
(4) فيما أخرجه الدارقطني كما في المقصد الخامس من مقاصد آية المودة في القربى، وهي
الآية 14 من الآيات التي أوردها ابن حجر في الباب 11 من صواعقه، فراجع من الصواعق
ص 107.
217

السلام، قال ابن عباس: " وسد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
أبواب المسجد غير باب علي، فكان يدخل المسجد جنبا وهو طريقه،
ليس له طريق غيره... الحديث (1) (507) ". وقال عمر بن الخطاب
من حديث صحيح (2) على شرط الشيخين أيضا: " لقد أعطي علي بن أبي
طالب ثلاثا، لأن تكون لي واحدة منها أحب إلي من حمر النعم، زوجته
فاطمة بنت رسول الله، وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له ما يحل له
فيه، والراية يوم خيبر (508) ". وذكر سعد بن مالك يوما بعض
خصائص علي في حديث صحيح أيضا فقال (3): " وأخرج رسول الله
عمه العباس وغيره من المسجد، فقال له العباس: تخرجنا وتسكن عليا؟
فقال: ما أنا أخرجتكم وأسكنته، ولكن الله أخرجكم وأسكنه " (509)
وقال زيد بن أرقم (4): " كان لنفر من أصحاب رسول الله أبواب شارعة
في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: سدوا هذه الأبواب
إلا باب علي، فتكلم الناس في ذلك، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني أمرت بسد هذه

(1) هذا الحديث طويل فيه عشرة من خصائص علي، وقد أوردناه في المراجعة 26
(2) هو موجود في ص 125 من الجزء 3 من المستدرك وأخرجه أبو يعلى كما في الفصل 3
من الباب 9 من الصواعق، فراجع منها ص 76. وأخرجه بهذا المعنى مع قرب الألفاظ أحمد
بن حنبل من حديث عبد الله بن عمر في ص 26 من الجزء الثاني من مسنده. ورواه عن كل من
عمر وابنه عبد الله غير واحد من الأثبات بأسانيد مختلفة.
(3) كما في أول صفحة 117 من الجزء 3 من المستدرك، وهذا الحديث من صحاح
السنن. وقد أخرجه غير واحد من إثبات السنة وثقاتها.
(4) فيما أخرجه عنه أحمد في ص 369 من الجزء الرابع من المسند. وأخرجه الضياء
أيضا كما في كنز العمال وفي منتخبه، فراجع من المنتخب ما هو في هامش ص 29 من الجزء 5
من المسند.
218

الأبواب إلا باب علي، فقال فيه قائلكم: وإني والله ما سددت شيئا ولا
فتحته، ولكني أمرت بشئ فاتبعته " (510). وأخرج الطبراني في الكبير
عن ابن عباس (1) أن رسول الله صلى الله عليه وآله، قام يومئذ -
فقال: " ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي ولا أنا تركته، ولكن الله
أخرجكم وتركه، إنما أنا عبد مأمور ما أمرت به فعلت، إن أتبع إلا ما
يوحى إلي " (511) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2): " يا
علي لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد غيري وغيرك " (512) وعن سعد
بن أبي وقاص، والبراء بن عازب، وابن عباس، وابن عمر، وحذيفة
بن أسيد الغفاري، قالوا كلهم (3): " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، إلى المسجد فقال: إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن ابن لي
مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنت وهارون، وأن الله أوحى إلي أن أبني
مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا وأخي علي " (513) وإملاؤنا هذا لا يسع
استيفاء ما جاء في ذلك من النصوص الثابتة عن كل من ابن عباس، وأبي
سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، ورجل صحابي من خثعم، وأسماء بنت
عميس، وأم سلمة، وحذيفة بن أسيد، وسعد بن أبي وقاص، والبراء
بن عازب، وعلي بن أبي طالب، وعمر، و عبد الله بن عمر، وأبي ذر،
وأبي الطفيل، وبريدة الأسلمي، وأبي رافع مولى رسول الله، وجابر بن

(1) نقله عنه المتقي الهندي في آخر هامش الصفحة التي أشرنا الآن إليها.
(2) فيما أخرجه الترمذي في صحيحه ونقله عنه المتقي الهندي فيما أشرنا الآن إليه من
منتخبه. وأخرجه البزار عن سعد كما في الحديث 13 من الأحاديث التي أوردها ابن حجر في
الفصل 2 من الباب 9 من صواعقه، فراجع منها ص 73.
(3) فيما أخرجه عنهم جميعا علي بن محمد الخطيب الفقيه الشافعي المعروف بابن المغازلي
في كتابه - المناقب - بالطرق المختلفة. ونقله الثقة المتتبع البلخي في الباب 17 من ينابيعه
219

عبد الله، وغيرهم (514). وفي المأثور من دعاء النبي صلى الله عليه وآله
وسلم: " اللهم إن أخي موسى سألك فقال: * (رب اشرح لي صدري
ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي
هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري) * فأوحيت إليه:
* (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا) * اللهم وإني عبدك ورسولك
محمد، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي
عليا أخي الحديث (1) " (515) ومثله ما أخرجه البزار من أن رسول الله
صلى الله عليه وآله، أخذ بيد علي فقال: " إن موسى سأل ربه أن
يطهر مسجده بهارون،. وإني سألت ربي أن يطهر مسجدي بك، ثم
أرسل إلى أبي بكر أن سد بابك، فاسترجع، ثم قال: سمعا وطاعة، ثم
أرسل إلى عمر، ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك، ثم قال صلى الله عليه
وآله وسلم: ما أنا سددت أبوابكم، وفتحت باب علي، ولكن الله فتح
بابه، وسد أبوابكم ". ا ه‍ (2) (516).
وهذا القدر كاف لما أردناه من تشبيه علي بهارون في جميع المنازل
والشؤون، والسلام.
ش

(1) أخرجه الإمام أبو إسحاق الثعلبي عن أبي ذر الغفاري في تفسير قوله تعالى (إنما
وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) في سورة المائدة من تفسيره الكبير. ونقل نحوه المتتبع البلخي
عن مسند الإمام أحمد.
(2) وهذا الحديث هو الحديث 6156 من أحاديث الكنز ص 48 من جزئه السادس.
220

المراجعة 35 رقم: 27 ذي الحجة سنة 1329
التماس البقية من النصوص
لله أبوك ما أوضح آياتك وأجلها، وما أفصح بيناتك وأدلها، فحي
على البقية، حي على البقية، من نصوصك المتوالية المتواترة الجلية،
ولك الفضل، والسلام.
س
المراجعة 36 رقم: 29 ذي الحجة سنة 1329
1 - حديث ابن عباس
2 - حديث عمران
3 - حديث بريدة
4 - حديث الخصائص العشر
5 - حديث علي
6 - حديث وهب
7 - حديث ابن أبي عاصم
1 - حسبك منها ما أخرجه أبو داود الطيالسي - كما في أحوال علي
من الاستيعاب - بالإسناد إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب: " أنت ولي كل مؤمن بعدي " (1)
(517)

(1) أخرجه أبو داود وغيره من أصحاب السنن عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله
اليشكري عن أبي بلج يحيى بن سليم الفزاري عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن عباس
مرفوعا، ورجال هذا السند كلهم حجج، وقد احتج بكل منهم الشيخان في صحيحهما إلا
يحيى بن سليم، فإنهما لم يخرجا له، لكن أئمة الجرح والتعديل صرحوا بوثاقته، وأنه كان من
الذاكرين الله كثيرا. وقد نقل الذهبي حيث ترجمه في الميزان توثيقه عن ابن معين، والنسائي،
والدارقطني، ومحمد بن سعد، وأبي حاتم، وغيرهم.
221

2 - ومثله ما صح عن عمران بن حصين، إذ قال: " بعث
رسول الله صلى الله عليه وآله سرية، واستعمل عليهم علي بن أبي
طالب، فاصطفى لنفسه من الخمس جارية، فأنكروا ذلك عليه،
وتعاقد أربعة منهم على شكايته إلى النبي صلى الله عليه وآله، فلما
قدموا، قام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر أن عليا صنع كذا
وكذا، فأعرض عنه، فقام الثاني فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، وقام
الثالث فقال مثل ما قال صاحباه، فأعرض عنه، وقام الرابع فقال: مثل
ما قالوا، فأقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله، والغضب
يبصر في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟! إن عليا مني، وأنا منه، وهو
ولي كل مؤمن بعدي (1) (518) ".
3 - وكذلك حديث بريدة ولفظه في ص 356 من الجزء الخامس من
مسند أحمد، قال: " بعث رسول الله بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي

(1) أخرجه غير واحد من أصحاب السنن كالإمام النسائي في خصائصه العلوية.
وأحمد بن حنبل من حديث عمران في أول ص 438 من الجزء الرابع من مسنده. والحاكم في
ص 111 من الجزء 3 من المستدرك، والذهبي في تلخيص المستدرك مسلما بصحته على شرط
مسلم. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وصححه فيما نقل عنهما المتقي الهندي في أول
ص 400 من الجزء 6 من كنز العمال، وأخرجه أيضا الترمذي بإسناد قوي فيما ذكره العسقلاني
في ترجمة علي من إصابته، ونقله علامة المعتزلة في ص 450 من المجلد الثاني من شرح
النهج. ثم قال: رواه أبو عبد الله أحمد في المسند غير مرة. ورواه في كتاب فضائل علي،
ورواه أكثر المحدثين.
222

بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي على
الناس (1) (519) وإن افترقتم فكل واحد منكما على جنده، قال: فلقينا
بني زبيدة من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقاتلنا
المقاتلة، وسبينا الذرية، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه، قال
بريدة: فكتب معي خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، يخبره
بذلك، فلما أتيت النبي صلى الله عليه وآله، دفعت الكتاب،
فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجهه، فقلت: يا رسول الله هذا مكان
العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تقع في علي فإنه مني، وأنا منه،
وهو وليكم بعدي، وأنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي (2) (520) ".
ا ه‍. ولفظه عند النسائي في ص 17 من خصائصه العلوية: " لا تبغضن

(1) ما أمر رسولا لله صلى الله عليه وآله وسلم، أحدا على علي مدة حياته، بل كانت له
الإمرة على غيره، وكان حامل لوائه في كل زحف بخلاف غيره، فإن أبا بكر وعمر كانا من
أجناد أسامة وتحت لوائه الذي عقده له رسول الله حين أمره في غزوة مؤتة، وعبأهما بنفسه صلى
الله عليه وآله وسلم، في ذلك الجيش بإجماع أهل الأخبار، وقد جعلهما أيضا من أجناد ابن
العاص في غزوة ذات السلاسل، ولهما قضية في تلك الغزوة مع أميرهما عمرو بن العاص،
أخرجها الحاكم في ص 43 من الجزء 3 من المستدرك، وأوردها الذهبي في تلخيصه مصرحا
بصحة ذلك الحديث، أما علي فلم يكن مأمورا ولا تابعا لغير النبي منذ بعث إلى أن قبض صلى
الله عليه وآله وسلم.
(2) هذا ما أخرجه أحمد في ص 356 من طريق عبد الله بن بريدة عن أبيه. وأخرج - في
ص 347 من الجزء 5 من مسنده - من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة، قال،
غزوت مع علي اليمن، فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله ذكرت عليا فتنقصته،
فرأيت وجه رسول الله يتغير، فقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قلت: بلى
يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. ا ه‍. وأخرجه الحاكم في ص 110 من الجزء 3
من المستدرك، وغير واحد من المحدثين وهو كما تراه صريح في المطلوب، فإن تقديم قوله:
الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قرينة على أن المراد بالمولى في هذا الحديث إنما هو الأولى كما لا يخفى، ونظير هذا الحديث ما أخرجه غير واحد من المحدثين كالإمام أحمد في آخر ص 483
من الجزء الثالث من مسنده عن عمرو بن شاس الأسلمي، قال: وكان من أصحاب
الحديبية، فقال: خرجت مع علي إلى اليمن، فجفاني في سفري ذلك حتى وجدت في نفسي
عليه فلما قدمت، أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله، فدخلت المسجد ذات
غدوة ورسول الله صلى الله عليه وآله، في ناس من أصحابه، فلما رآني أبدني عينيه،
يقول حدد إلي النظر حتى إذا جلست، قال: يا عمرو، والله لقد آذيتني، قلت: أعوذ بالله أن
أؤذيك يا رسول الله قال: بلى، من آذى عليا فقد آذاني.
223

يا بريدة لي عليا، فإن عليا مني، وأنا منه، وهو وليكم بعدي
(521) (1). ولفظه عند ابن جرير (2): قال بريدة: " وإذا النبي قد احمر
وجهه، فقال: من كنت وليه فإن عليا وليه، قال: فذهب الذي في
نفسي عليه، فقلت لا أذكره بسوء " (522). والطبراني قد أخرج هذا
الحديث على وجه التفصيل، وقد جاء فيما رواه: " أن بريدة لما قدم من
اليمن، ودخل المسجد، وجد جماعة على باب حجرة النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، فقاموا إليه يسلمون عليه ويسألونه، فقالوا: ما وراءك؟
قال: خير فتح الله على المسلمين، قالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية
أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي بذلك، فقالوا: أخبره
أخبره، يسقط عليا من عينه، ورسول الله صلى الله عليه وآله،
يسمع كلامهم من وراء الباب، فخرج مغضبا فقال: ما بال أقوام
ينتقصون عليا؟ من أبغض عليا فقد أبغضني، ومن فارق عليا فقد
فارقني، أن عليا مني، وأنا منه، خلق من طينتي، وأنا خلقت من طينة
إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم (1) ذرية بعضها من بعض، والله سميع

(1) فيما نقله عنه المتقي الهندي ص 398 من الجزء 6 من كنز العمال. ونقله عنه في
منتخب الكنز أيضا.
(2) لما أخبر أن عليا خلق من طينته صلى الله عليه وآله وسلم، وهو بحكم الضرورة
أفضل من علي، كان قوله: وأنا خلقت من طينة إبراهيم مظنة لتوهم أن إبراهيم أفضل منه
صلى الله عليه وآله، وحيث أن هذا مخالف للواقع صرح بأنه أفضل من إبراهيم دفعا
للتوهم المخالف للحقيقة.
224

عليم، يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ. وأنه
وليكم بعدي (1) " (523) وهذا الحديث مما لا ريب في صدوره، وطرقه
إلى بريدة كثيرة، وهي معتبرة بأسرها.
4 - ومثله ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس من حديث جليل (2)،
ذكر فيه عشر خصائص لعلي، فقال: وقال له رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: " أنت ولي كل مؤمن بعدي (524) ".
5 - وكذلك قوله صلى الله عليه وآله، من حديث جاء فيه:
" يا علي سألت الله فيك خمسا فأعطاني أربعا، ومنعني واحدة، إلى أن
قال: وأعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدي (3) (525) ".
6 - ومثله ما أخرجه ابن السكن عن وهب بن حمزة قال - كما في
ترجمة وهب من الإصابة -: " سافرت مع علي فرأيت منه جفاء، فقلت
لئن رجعت لأشكونه، فرجعت، فذكرت عليا لرسول الله فنلت منه،
فقال: لا تقولن هذا لعلي، فإنه وليكم بعدي (526) " وأخرجه الطبراني

(1) أن ابن حجر نقل هذا الحديث عن الطبراني في ص 103 من صواعقه أثناء كلامه في
المقصد الثاني من مقاصد الآية 14 من الآيات، التي ذكرها في الباب 11 من الصواعق، لكنه
لما بلغ إلى قوله: أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية، وقف قلمه، واستعصت عليه نفسه،
فقال إلى آخر الحديث، وليس هذا من أمثاله بعجيب، والحمد لله الذي عافانا.
(2) أخرجه الحاكم في أول ص 134 من الجزء 3 من المستدرك. والذهبي في تلخيصه
معترفا بصحته. والنسائي في ص 6 من الخصائص العلوية. والإمام أحمد في ص 331 من
الجزء الأول من مسنده. وقد أوردناه بلفظه في أول المراجعة 26.
(3) هذا الحديث هو الحديث 6048 من أحاديث الكنز، في ص 396 من جزئه 6.
225

في الكبير عن وهب، غير أنه قال: " لا تقل هذا لعلي فهو أولى الناس
بكم بعدي (1) (527) ".
7 - وأخرج ابن أبي عاصم عن علي مرفوعا: " ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت وليه فهو وليه (2) "
(528) وصحاحنا في ذلك متواترة، عن أئمة العترة الطاهرة (529).
وهذا القدر كاف لما أردناه، على أن آية الولاية في كتاب الله عز وجل تؤيد
ما قلناه، والحمد لله رب العالمين، والسلام.
ش
المراجعة 37 رقم: 29 ذي الحجة سنة 1329
الولي مشترك لفظي فأين النص؟
الولي مشترك بين النصير والصديق، والمحب والصهر والتابع
والحليف والجار، وكل من ولي أمر أحد فهو وليه، فلعل معنى الأحاديث
التي أوردتها أن عليا نصيركم، أو صديقكم، أو محبكم بعدي، فأين
النص الذي تدعون؟
س

(1) هذا الحديث هو الحديث 2579 من أحاديث الكنز في ص 155 من جزئه
السادس.
(2) نقله المتقي الهندي عن ابن أبي عاصم في ص 397 من الجزء 6 من الكنز
226

المراجعة 38 رقم: 30 ذي الحجة سنة 1329
1 - بيان المراد من الولي
2 - القرائن على إرادته
1 - ذكرتم في جملة معاني الولي: أن كل من ولي أمر أحد فهو
وليه، وهذا هو المقصود من الولي في تلك الأحاديث، وهو المتبادر عند
سماعها (530)، نظير قولنا: ولي القاصر أبوه وجده لأبيه، ثم وصي
أحدهما، ثم الحاكم الشرعي، فإن معناه أن هؤلاء هم الذين يلون
أمره، ويتصرفون بشؤونه.
2 - والقرائن على إرادة هذا المعنى من الولي في تلك الأحاديث لا تكاد
تخفى على أولي الألباب، فإن قوله صلى الله عليه وآله: - وهو
وليكم بعدي - ظاهر في قصر هذه الولاية عليه، وحصرها فيه (1)، وهذا
يوجب تعيين المعنى الذي قلناه، ولا يجتمع مع إرادة غيره، لأن النصرة
والمحبة والصداقة ونحوها غير مقصورة على أحد، والمؤمنون والمؤمنات
بعضهم أولياء بعض، وأي ميزة أو مزية أراد النبي إثباتها في هذه
الأحاديث لأخيه ووليه، إذا كان معنى الولي غير الذي قلناه، وأي أمر
خفي صدع النبي في هذه الأحاديث ببيانه، إذا كان مراده من الولي
النصير أو المحب أو نحوهما، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، أن يهتم بتوضيح الواضحات، وتبيين البديهيات، إن حكمته

(1) لأن معنى قوله - وهو وليكم بعدي - أنه هو لا غيره وليكم بعدي.
227

البالغة، و؟ صمته الواجبة، ونبوته الخاتمة، لأعظم مما يظنون، على أن
تلك الآحاديث صريحة في أن تلك الولاية إنما تثبت لعلي بعد النبي صلى
الله عليه وآله وسلم، وهذا أيضا يوجب تعيين المعنى الذي قلناه، ولا
يجتمع مع إرادة النصير والمحب وغيرهما، إذ لا شك باتصاف علي بنصرة
المسلمين ومحبتهم وصداقتهم منذ ترعرع في حجر النبوة، واشتد ساعده في
حضن الرسالة، إلى أن قضى نحبه عليه السلام، فنصرته ومحبته
وصداقته للمسلمين غير مقصورة على ما بعد النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، كما لا يخفى.
وحبسك من القرائن على تعيين المعنى الذي قلناه، ما أخرجه
الإمام أحمد في ص 347 من الجزء الخامس من مسنده بالطريق الصحيح
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بريدة، قال: " غزوت مع علي
اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله (ص) ذكرت عليا
فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله يتغير، فقال: يا بريدة ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال من كنت مولاه فعلي
مولاه (531) ". ا ه‍. وأخرجه الحاكم في ص 110 من الجزء الثالث من
المستدرك، وصححه على شرط مسلم. وأخرجه الذهبي في تلخيصه
مسلما بصحته على شرط مسلم أيضا. وأنت تعلم ما في تقديم قوله:
ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من الدلالة على ما ذكرناه.. ومن
أنعم النظر في تلك الأحاديث وما يتعلق بها لا يرتاب فيما قلناه. والحمد
لله.
ش
228

المراجعة 39 رقم: 30 ذي الحجة سنة 1329
التماسه آية الولاية
أشهد أنك راسخ الوطأة، صادق الحملة، لك بأس في اللقاء، لا
تقوى عليه الأكفاء، ولا تثبت معه في هيجاء، فأنا من الموقنين بدلالة
الأحاديث على ما تقولون، ولولا وجوب حمل الصحابة على الصحة لنزلت
فيها على حكمكم، لكن صرفها عن ظاهرها مما لا بد منه، اقتداء
بالسلف الصالح رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
أما الآية المحكمة التي زعمتم - في آخر المراجعة 36 - أنها تؤيد ما
قلتموه في معنى هذه الأحاديث فلم توقفونا عليها فاتلوها نتدبرها إن شاء
الله تعالى، والسلام.
س
المراجعة 40 رقم: 2 المحرم سنة 1330
1 - آية الولاية ونزولها في علي
2 - الأدلة على نزولها
3 - توجيه الاستدلال بها
1 - نعم أتلوها عليك آية محكمة من آيت الله عز وجل في فرقانه
العظيم، ألا وهي قوله تعالى في سورة المائدة * (إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن
229

يتول (1) الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) * حيث لا
ريب في نزولها في علي حين تصدق راكعا في الصلاة بخاتمه.
2 - والصحاح - في نزولها بعلي إذ تصدق بخاتمه وهو راكع في
الصلاة - متواترة، عن أئمة العترة الطاهرة (532) وحسبك مما جاء
نصا في هذا من طريق غيرهم حديث ابن سلام مرفوعا إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله، فراجعه في صحيح النسائي أو في تفسير
سورة المائدة من كتاب الجمع بين الصحاح الستة. ومثله حديث ابن
عباس، وحديث علي مرفوعين أيضا. فراجع حديث ابن عباس في
تفسير هذه الآية من كتاب أسباب النزول للإمام الواحدي. وقد أخرجه
الخطيب في المتفق (2). وراجع حديث علي في مسندي ابن مردويه وأبي
الشيخ. وإن شئت فراجعه في كنز العمال (3) (533) على أن نزولها في
علي مما أجمع المفسرون عليه، وقد نقل إجماعهم هذا غير واحد من
أعلام أهل السنة، كالإمام القوشجي في مبحث الإمامة من شرح
التجريد (534) وفي الباب 18 من غاية المرام 24 حديثا من طريق
الجمهور في نزولها بما قلناه، ولولا مراعاة الاختصار، وكون المسألة
كالشمس في رائعة النهار، لاستوفينا ما جاء فيها من صحيح الأخبار،

(1) من هنا أطلق في عرف سوريا " المتوالي " على الشيعي، لأنه يتولى الله ورسوله
والذين آمنوا، الذين نزلت فيهم هذه الآية، وفي أقرب الموارد المتوالي واحد المتأولة وهم
الشيعة، سموا به لأنهم تولوا عليا وأهل البيت.
(2) وهو الحديث 5991 من أحاديث كنز العمال في ص 391 من جزئه السادس. وقد
أورده في منتخب الكنز أيضا فراجع ما هو مطبوع من المنتخب في هامش ص 38 من الجزء
الخامس من مسند أحمد.
(3) فهو الحديث 6137 من أحاديث الكنز في ص 405 من جزئه السادس.
230

لكنها والحمد لله مما لا ريب فيه، ومع ذلك فإنا لا ندع مراجعتنا خالية
مما جاء فيها من حديث الجمهور، مقتصرين على ما في تفسير الإمام أبي
إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي (1)، فنقول:
أخرج عند بلوغه هذه الآية في تفسيره الكبير بالإسناد إلى أبي ذر
الغفاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله، بهاتين
وإلا صمتا، ورأيته بهاتين وإلا عميتا، يقول: علي قائد البررة، وقاتل
الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، أما أني صليت مع
رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم، فسأل سائل في
المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، وكان علي راكعا فأومأ بخنصره إليه
وكان يتختم بها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، فتضرع
النبي صلى الله عليه وآله إلى الله عز وجل يدعوه، فقال: اللهم
إن أخي موسى سألك * (قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري
واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون
أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا
إنك كنت بنا بصيرا) * (535) فأوحيت إليه * (قد أوتيت سؤلك يا
موسى) * (536) اللهم وإني عبدك ونبيك، فاشرح لي صدري، ويسر
لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري، قال أبو ذر:
فوالله ما استتم رسول الله صلى الله عليه وآله، الكلمة حتى هبط
عليه الأمين جبرائيل بهذه الآية: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا

(1) المتوفى سنة 337 ذكره ابن خلكان في وفياته فقال: كان أوحد زمانه في علم
التفسير، وصنف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير، إلى أن قال: وذكره عبد الغافر
بن إسماعيل الفارسي في كتاب سياق نيسابور وأثنى عليه، وقال: هو صحيح النقل موثوق
به... الخ.
231

الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله
ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) * (537). ا ه‍.
3 - وأنت - نصر الله بك الحق - تعلم أن الولي هنا إنما هو الأولى
بالتصرف كما في قولنا: فلان ولي القاصر، وقد صرح اللغويون (1) بأن
كل من ولي أمر واحد فهو وليه، فيكون المعنى أن الذي يلي أموركم
فيكون أولى بها منكم، إنما هو الله عز وجل ورسوله وعلي، لأنه هو
الذي اجتمعت به هذه الصفات، الإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة،
في حال الركوع ونزلت فيه الآية، وقد أثبت الله فيها الولاية لنفسه تعالى
ولنبيه ولوليه على نسق واحد، وولاية الله عز وجل عامة، فولاية النبي
والولي مثلها وعلى أسلوبها، ولا يجوز أن يكون هنا بمعنى النصير أو
المحب أو نحوهما إذ لا يبقى لهذا الحصر وجه كما لا يخفى، وأظن أن
هذا ملحق بالواضحات، والحمد لله رب العالمين.
ش
المراجعة 41 رقم: 3 المحرم سنة 1330
لفظ الذين آمنوا للجمع فكيف أطلق على المفرد؟
قد يقال في معارضتكم أن لفظ الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون، حقيقة في الجمع، فكيف أطلق على
الإمام كرم الله وجهه وهو مفرد، ولو قيل لكم ذلك فما الجواب؟
س

(1) راجع مادة ولي من الصحاح، أو من مختار الصحاح، أو غيرهما من معاجم اللغة.
232

المراجعة 42 رقم: 4 المحرم سنة 1330
1 - العرب يعبرون عن المفرد بلفظ الجمع
2 - الشواهد على ذلك
3 - ما ذكره الإمام الطبرسي
4 - ما ذكره الزمخشري
5 - ما ذكرته
1 - الجواب: إن العرب يعبرون عن المفرد بلفظ الجمع، لنكتة
تستوجب ذلك.
2 - والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران * (الذين
قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا
حسبنا الله ونعم الوكيل) * وإنما كان القائل نعيم بن مسعود الأشجعي
وحده، بإجماع المفسرين والمحدثين وأهل الأخبار (538)، فأطلق الله
سبحانه عليه وهو مفرد لفظ الناس، وهي للجماعة تعظيما لشأن الذين
لم يصغوا إلى قوله، ولم يعبأوا بإرجافه، وكان أبو سفيان أعطاه عشرا
من الإبل على أن يثبط المسلمين ويخوفهم من المشركين، ففعل، وكان
مما قال لهم يومئذ: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فكره أكثر
المسلمين الخروج بسبب إرجافه، لكن النبي صلى الله عليه وآله،
خرج في سبعين فارسا، ورجعوا سالمين، فنزلت الآية ثناء على السبعين
الذين خرجوا معه صلى الله عليه وآله، غير مبالين بإرجاف من
أرجف، وفي إطلاق لفظ الناس هنا على المفرد نكتة شريفة، لأن الثناء
233

على السبعين الذين خرجوا مع النبي يكون بسببها أبلغ مما لو قال الذين
قال لهم رجل إن الناس قد جمعوا لكم كما لا يخفى. ولهذه الآية نظائر
في الكتاب والسنة وكلام العرب، قال الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا
اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف
أيديهم عنكم) * وإنما كان الذي بسط يده إليهم رجل واحد من بني
محارب يقال له غورث، وقيل إنما هو عمرو بن جحاش من بني
النضير، استل السيف فهزه وهم أن يضرب به رسول الله، فمنعه الله
عز وجل عن ذلك، في قضية أخرجها المحدثون وأهل الأخبار
والمفسرون، وأوردها ابن هشام في غزوة ذات الرقاع من الجزء الثالث
من سيرته (539) وقد أطلق الله سبحانه على ذلك الرجل، وهو مفرد
لفظ قوم، وهي للجماعة تعظيما لنعمة الله عز وجل عليهم في سلامة
نبيهم صلى الله عليه وآله، وأطلق في آية المباهلة (540) لفظ
الأبناء والنساء والأنفس - وهي حقيقة في العموم - على الحسنين وفاطمة
وعلي بالخصوص إجماعا وقولا واحدا تعظيما لشأنهم عليهم السلام،
ونظائر ذلك لا تحصى ولا تستقصى، وهذا من الأدلة على جواز إطلاق
لفظ الجماعة على المفرد إذا اقتضته نكتة بيانية.
3 - وقد ذكر الإمام الطبرسي في تفسير الآية من مجمع البيان: أن
النكتة في إطلاق لفظ الجمع على أمير المؤمنين تفخيمه وتعظيمه، وذلك
أن أهل اللغة يعبرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التعظيم
(قال): وذلك أشهر في كلامهم من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه
(541).
4 - وذكر الزمخشري في كشافه نكتة أخرى حيث قال: فإن قلت
كيف صح أن يكون لعلي رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة، قلت:
234

جئ به على لفظ الجمع، وإن كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغب
الناس في مثل فعله، فينالوا مثل نواله، ولينبه على أن سجية المؤمنين
يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والاحسان، وتفقد
الفقراء حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير، وهم في الصلاة، لم يؤخروه
إلى الفراغ منها. ا ه‍ (542).
5 - قلت عندي في ذلك نكتة ألطف وأدق، وهي أنه إنما أتى
بعبارة الجمع دون عبارة المفرد بقيا منه تعالى على كثير من الناس، فإن
شانئي علي وأعداء بني هاشم وسائر المنافقين وأهل الحسد والتنافس، لا
يطيقون أن يسمعوها بصيغة المفرد، إذ لا يبقى لهم حينئذ مطمع في
تمويه، ولا ملتمس في التضليل فيكون منهم - بسبب يأسهم - حينئذ ما
تخشى عواقبه على الاسلام، فجاءت الآية بصيغة الجمع مع كونها
للمفرد اتقاء من معرتهم، ثم كانت النصوص بعدها تترى بعبارات
مختلفة ومقامات متعددة، وبث فيهم أمر الولاية تدريجا تدريجا حتى
أكمل الله الدين وأتم النعمة، جريا منه صلى الله عليه وآله،
على عادة الحكماء في تبليغ الناس ما يشق عليهم، ولو كانت الآية
بالعبارة المختصة بالمفرد، لجعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا
ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكبارا، وهذه الحكمة مطردة في كل ما
جاء في القرآن الحكيم من آيات فضل أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين
كما لا يخفى، وقد أوضحنا هذه الجمل وأقمنا عليها الشواهد القاطعة،
والبراهين الساطعة في كتابينا - سبيل المؤمنين - وتنزيل الآيات (543) -
والحمد لله على الهداية والتوفيق، والسلام.
ش
235

المراجعة 43 رقم: 4 المحرم سنة 1330
السياق دال على إرادة المحب أو نحوه
لله أبوك، نفيت معتلج الريب، فاندرأت الشبهة، وصرح الحق
عن محضه، ولم يبق إلا ما يقال من أن الآية جاءت في سياق النهي عن
اتخاذ الكفار أولياء، يشهد بذلك ما قبلها وما بعدها من الآيات، وهذا
قرينة على أن المراد من الولي في الآية إنما هو النصير أو المحب أو
الصديق أو نحو ذلك، فما الجواب؟ تفضلوا به، والسلام
س
المراجعة 44 رقم: 5 المحرم سنة 1330
1 - السياق غير دال على إرادة النصير أو نحوه
2 - السياق لا يكافئ الأدلة
1 - الجواب: أن الآية بحكم المشاهدة مفصولة عما قبلها من
الآيات الناهية عن اتخاذ الكفار أولياء، خارجة عن نظمها إلى سياق
الثناء على أمير المؤمنين وترشيحه - للزعامة والإمامة - بتهديد المرتدين
ببأسه، ووعيدهم بسطوته، وذلك لأن الآية التي قبلها بلا فصل إنما
هي قوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي
الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون
236

في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله
واسع عليم) *. (544) وهذه الآية مختصة بأمير المؤمنين، ومنذرة
ببأسه (1) وبأس أصحابه، كما نص عليه أمير المؤمنين يوم الجمل،
وصرح به الباقر والصادق، وذكره الثعلبي في تفسيره، ورواه صاحب
مجمع البيان عن عمار، وحذيفة، وابن عباس، وعليه إجماع الشيعة
وقد رووا فيه صحاحا متواترة عن أئمة العترة الطاهرة، فتكون آية
الولاية على هذا واردة بعد الايماء إلى ولايته، والإشارة إلى وجوب
إمامته، ويكون النص فيها توضيحا لتلك الإشارة، وشرحا لما سبق من
الايماء إليه بالأمارة، فكيف يقال بعد هذا أن الآية واردة في سياق النهي
عن اتخاذ الكفار أولياء؟!
2 - على أن رسول الله صلى الله عليه وآله، جعل أئمة
عترته بمنزلة القرآن، وأخبر أنهما لا يفترقان، فهم عدل الكتاب، وبهم
يعرف الصواب، وقد تواتر احتجاجهم بالآية (545)، وثبت عنهم
تفسير الولي فيها بما قلناه (546) فلا وزن للسياق لو سلم كونه معارضا

(1) نظير قول رسول الله صلى الله عليه وآله: لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث
الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان، يضرب أعناقكم وأنتم مجفلون عنه إجفال الغنم،
فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا
ولكنه خاصف النعل، قال وفي كف علي نعل يخصفها لرسول الله صلى الله عليه وآله،
أخرجه كثير من أصحاب السنن وهو الحديث 610 في أول صفحة 393 من الجزء 6 من الكنز
ومثله قوله صلى الله عليه وآله: إن منكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قوتلتم
على تنزيله، فقال أبو بكر: أنا هو، وقال عمر: أنا هو، قال: لا، ولكنه خاصف النعل في
الحجرة، فخرج علي ومعه نعل رسول الله يخصفها. أخرجه الإمام أحمد بن حنبل من حديث
أبي سعيد في مسنده، ورواه الحاكم في مستدركه، وأبو يعلى في المسند،، وغير واحد من
أصحاب السنن، ونقله عنهم المتقي الهندي في ص 155 من جزئه السادس.
237

لنصوصهم (1)، فإن المسلمين كافة متفقون على ترجيح الأدلة على
السياق، فإذا حصل التعارض بين السياق والدليل، تركوا مدلول
السياق واستسلموا لحكم الدليل (547)، والسر في ذلك عدم الوثوق
حينئذ بنزول الآية في ذلك السياق، إذ لم يكن ترتيب الكتاب العزيز في
الجمع موافقا لترتيبه في النزول بإجماع الأمة (548)، وفي التنزيل كثير
من الآيات الواردة على خلاف ما يعطيه سياقها كآية التطهير المنتظمة في
سياق النساء مع ثبوت النص على اختصاصها بالخمسة أهل الكساء
(549)، وبالجملة، فإن حمل الآية على ما يخالف سياقها غير مخل
بالإعجاز، ولا مضر بالبلاغة، فلا جناح بالمصير إليه، إذا قامت
قواطع الأدلة عليه، والسلام.
ش
المراجعة 45 رقم: 6 المحرم سنة 1330
اللواذ إلى التأويل حملا للسلف على الصحة مما لا بد منه
لولا خلافة الخلفاء الراشدين المقطوع بصحتها، ما كان لنا
مندوحة عن المصير إلى رأيكم، والنزول في فهم هذه الآية ونحوها على
حكمكم، لكن التشكيك في صحة خلافتهم رضي الله تعالى عنهم، مما
لا سبيل إليه، فاللواذ إلى التأويل إذن مما لا بد منه، حملا لهم ولمن
بايعهم على الصحة، والسلام.
س

(1) وأي وزن للظاهر إذا عارض النص.
238

المراجعة 46 رقم: 6 المحرم سنة 1330
1 - حمل السلف على الصحة لا يستلزم التأويل
2 - التأويل متعذر
إن خلافة الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم، وهي موضع البحث
ومحل الكلام، فمعارضة الأدلة بها مصادرة.
1 - على أن حملهم وحمل من بايعهم على الصحة، لا يستلزم
تأويل الأدلة، فإن لكم في معذرتهم مندوحة عن التأويل، كما
سنوضحه إذا اقتضى الأمر ذلك.
2 - وهيهات التأويل فيما تلوناه عليك من النصوص، وفيما لم نتله
كنص الغدير ونصوص الوصية، ولا سيما بعد تأييدها بالسنن المتضافرة
المتناصرة، التي لا تقصر بنفسها عن النصوص الصريحة، ومن وقف
عليها بإنصاف، وجدها بمجردها أدلة على الحق قاطعة، وبراهين
ساطعة، والسلام.
ش
المراجعة 47 رقم: 7 المحرم سنة 1330
ليتك أوقفتنا على السنن المؤيدة للنصوص، وهلا أطردتها من
حيث أفضيت، والسلام.
س
239

المراجعة 48
8 المحرم سنة 1330
أربعون حديثا من السنن المؤيدة أ للنصوص.
حسبك من السنن المؤيدة للنصوص أربعون حديثا:
1 - قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أخذ بضبع علي: (هذا
إمام البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله، ثم مد بها
صوته). أخرجه الحاكم من حديث جابر في ص 129 من الجزء الثالث من
صحيحه المستدرك (1)، ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه (550).
2 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أوحي إلي في علي ثلاث: أنه سيد
المسلمين وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين)، أخرجه الحاكم في أول صفحة 138
من الجزء 3 من المستدرك، (2)، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه
(551).
3 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أوحي إلي في علي أنه سيد المسلمين،
وولي المتقين، وقائد الغر المحجلين) أخرجه ابن النجار (3)، وغيره من أصحاب
السنن (552).
4 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم، لعلي: (مرحبا بسيد المسلمين، وإمام
المتقين) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (4). (553).

(1) وهذا هو الحديث 2527 من أحاديث الكنز ص 153 من جزئه 6، وأخرجه الثعلبي من حديث أبي ذر في تفسير آية الولاية من تفسيره الكبير (منه قدس).
(2) وأخرجه البارودي، وابن قانع، وأبو نعيم، والبزار، وهو الحديث 2628 من أحاديث الكنز ص 157 من جزئه السادس (منه قدس سره).
(3) وهو الحديث 2630 ص 157 من الجزء 6 من الكنز (منه قدس).
(4) وهو الخبر 11 من الأخبار التي أوردها ابن أبي الحديد في صفحة 450 من
المجلد الثاني من شرح النهج، والحديث 2627 من أحاديث الكنز ص 157 من جزئه 6
(منه قدس).
240

5 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أول من يدخل من هذا الباب
إمام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم الوصيين، وقائد الغر
المحجلين). فدخل علي، فقام إليه مستبشرا، فاعتنقه وجعل يمسح عرق جبينه،
وهو يقول له: (أنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه
بعدي) (1) (554).
6 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عهد إلي في علي أنه راية الهدى،
وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين...
الحديث (2)) (555). وأنت ترى هذه الأحاديث الستة نصوصا صريحة في إمامته، ولزوم طاعته عليه السلام.
7 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أشار بيده إلى علي: (إن هذا أول
من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق
هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين... الحديث) (3)
(556).
8 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن
تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا، هذا علي فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي، فإن
جبرائيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل) (4) (557).

(1) أخرجه أبو نعيم في حليته عن أنس، ونقله ابن أبي الحديد مفصلا في ص 450،
من المجلد الثاني من شرح النهج، فراجع الخبر 9 من تلك الصفحة (منه قدس).
(2) أخرجه أبو نعيم في حليته من حديث أبي برزة الأسلمي، وأنس بن مالك، ونقله
علامة المعتزلة ص 449 من المجلد الثاني من شرح النهج فراجع الخبر الثالث من تلك الصفحة
(قدس).
(3) أخرجه الطبراني في الكبير من حديث سلمان وأبي ذر، وأخرجه البيهقي في
سننه، وابن عدي في الكامل من حديث حذيفة، وهو الحديث 2608 من أحاديث
الكنز ص 156 من جزء السادس (منه قدس).
(4) أخرجه الطبراني في الكبير وهو الحديث 2625 من الكنز ص 157 من جزئه السادس، وهو الخبر العاشر في ص 450 من المجلد الثاني من شرح نهج البلاغة لابن
أبي الحديد، فانظر كيف جعل عدم ضلالهم مشروطا بالتمسك بعلي، فدل المفهوم على
ضلال من لم يستمسك به، وانظر أمره إياهم أن يحبوه بنفس المحبة التي يحبون النبي
بها، ويكرموه بعين الكرامة التي يكرمون النبي بها، وهذا ليس إلا لكونه ولي عهده
وصاحب الأمر بعده، وإذا تدبرت قوله: فإن جبرائيل أمرني بالذي قلت لكم عن
الله، تجلت لك الحقيقة (منه قدس).
241

9 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد
العلم فليأت الباب) (1) (558).
10 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا دار الحكمة، وعلي بابها) (2)
(559).

(1) أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس كما في ص 107 من الجامع الصغير
للسيوطي، وأخرجه الحاكم في مناقب على ص 226 من الجزء الثالث من صحيحه
المستدرك بسندين صحيحين: أحدهما عن ابن عباس من طريقين صحيحين، والآخر
عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وقد أقام على صحة طرقه أدلة قاطعة. وأفرد الإمام
أحمد بن محمد بن الصديق المغربي نزيل القاهرة لتصحيح هذا الحديث كتابا حافلا سماه
- فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي - وقد طبع سنة 1354 ه‍.
بالمطبعة الاسلامية بمصر فحقيق بالباحثين أن يقفوا عليه، فإن فيه علما جما، ولا وزن للنواصب وجرأتهم على هذا الحديث الدائر كالمثل السائر - على ألسنة الخاصة والعامة من
أهل الأمصار والبوادي، وقد نظرنا في طعنهم، فوجدناه تحكما محضا لم يدلوا فيه بحجة
ما غير الوقاحة في التعصب كما صرح به الحافظ صلاح الدين العلائي، حيث نقل القول
ببطلانه عن الذهبي وغيره، فقال: ولم يأتوا في ذلك بعلة قادحة، سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر (منه قدس).
(2) أخرجه الترمذي في صحيحه، وابن جرير، ونقله عنهما غير واحد من
الأعلام كالمتقي الهندي في ص 401 من الجزء السادس من كنزه، وقال: قال ابن
جرير: هذا خبر عندنا صحيح سنده... الخ. ونقله عن الترمذي جلال الدين السيوطي في حرف الهمزة من جامع الجوامع ومن الجامع الصغير، فراجع من الجامع
الصغير ص 170 من جزئه الأول (منه قدس).
242

11 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (علي باب علمي، ومبين من بعدي
لأمتي ما أرسلت به، حبه إيمان، وبغضه نفاق... الحديث) (1) (560).
12 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: (أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه
من بعدي (561) أخرجه الحاكم في ص 122 من الجزء الثالث من المستدرك (2)
من حديث أنس، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
ا ه‍. إن من تدبر هذا الحديث وأمثاله علم أن عليا من رسول الله بمنزلة الرسول من
الله تعالى، فإن الله سبحانه يقول لنبيه: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) ورسول الله يقول لعلي: (أنت تبين
لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي) (562).
13 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم - فيما أخرجه ابن السماك عن أبي بكر
مرفوعا -: (علي مني بمنزلتي من ربي) (3) (563).
14 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم - فيما أخرجه الدارقطني في الأفراد عن ابن
عباس مرفوعا - (علي بن أبي طالب باب حطة، من دخل منه كان مؤمنا ومن
خرج منه كان كافرا) (4) (564).

(1) أخرجه الديلمي من أحاديث أبي ذر، كما في ص 156 من الجزء السادس من
كنز العمال (منه قدس).
(2) وأخرجه الديلمي عن أنس أيضا، كما في ص 156 من الجزء السادس من
كنز العمال (منه قدس).
(3) نقله ابن حجر في المقصد الخامس من مقاصد الآية 14 من الآيات التي
أوردها في الباب 11 من صواعقه فراجع منها ص 106. (منه قدس)
(4) وهذا هو الحديث 3528 من أحاديث الكنز في ص 153 من جزئه السادس
(منه قدس).
243

15 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم، يوم عرفات في حجة الوداع: (علي
مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي (1)) (565) (إنه لقول رسول
كريم، ذي قوة عند ذي العرش، مكين، مطاع ثم أمين، وما صاحبكم
بمجنون) (566)، (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) (567).
فأين تذهبون؟ وماذا تقولون في هذه السنن الصحيحة؟ والنصوص الصريحة؟
وأنت تأملت في هذا العهد مليا، وأمعنت النظر في حكمة الأذان به في الحج الأكبر
على رؤوس الإشهاد، ظهرت لك الحقيقة بأجلى صورة، وإذا نظرت إلى لفظه ما
أقله، والى معناه ما أجله وما أدله، أكبرته غاية الإكبار، فإنه جمع فأوعى، وعم
- على اختصاره - فاستقصى، لم يبق لغير علي أهلية الأداء لأي شئ من الأشياء،
ولا غرو فإنه لا يؤدي عن النبي إلا وصيه، ولا يقوم مقامه إلا خليفته ووليه،
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
16 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن
عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد

(1) أخرجه ابن ماجة في باب فضائل الصحابة ص 92 من الجزء الأول من
سننه، والترمذي والنسائي في صحيحيهما، وهو الحديث 2531 في ص 153 من الجزء
السادس من الكنز، وقد أخرجه الإمام أحمد في ص 164 من الجزء الرابع من مسنده من
حديث حبشي بن جنادة بطرق متعددة كلها صحيحة، وحسبك أن ه رواه عن يحيى بن
آدم عن إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق السبيعي عن حبشي، وكل هؤلاء
حجج عند الشيخين، وقد احتجا بهم في الصحيحين. ومن راجع هذا الحديث في
مسند أحمد، علم أن صدوره إنما كان في حجة الوداع التي لم يلبث النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، بعدها في هذه الدار الفانية إلا قليلا، وكان صلى الله عليه وآله وسلم،
قبل ذلك أرسل أبا بكر في عشر آيات من سورة براءة، ليقرأها على أهل مكة، ثم دعا
عليا - فيما أخرجه الإمام أحمد في ص 151 من الجزء الأول من مسنده - فقال له: أدرك
أبا بكر، فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه، فاذهب أنت به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم،
فلحقه بالجحفة، فأخذ الكتاب منه (قال) ورجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، فقال: يا رسول الله نزل في شئ: قال: لا ولكن جبرائيل جاءني فقال: لن
يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك. ا ه‍. وفي حديث آخر - أخرجه أحمد في ص 150
من الجزء الأول من المسند عن علي - أن النبي حين بعثه ببراءة قال له لا بد أن أذهب بها
أنا أو تذهب بها أنت، قال علي: فإن كان ولا بد فسأذهب أنا، قال (ص): فانطلق فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك. الحديث (منه قدس).
244

عصاني). أخرجه الحاكم في ص 121 من الجزء الثالث من المستدرك، والذهبي في
تلك الصفحة من تلخيصه، وصرح كل منهما بصحته على شرط الشيخين) (568).
17 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي من فارقني فقد فارق الله،
ومن فارقك فقد فارقني). أخرجه الحاكم في ص 124 من الجزء الثالث من
صحيحه فقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (569).
18 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم، في حديث أم سلمة: (من سب عليا فقد سبني) أخرجه الحاكم في أول ص 121 من الجزء الثالث من المستدرك،
وصححه على شرط الشيخين، وأورده الذهبي في تلخيصه مصرحا بصحته، ورواه
أحمد من حديث أم سلمة في ص 323 من الجزء السادس من مسنده، والنسائي في
ص 17 من الخصائص العلوية، وغير واحد من حفظة الآثار (570). ومثله قول
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في حديث عمرو بن شاس (1): (من آذى
عليا فقد آذاني) (571).

(1) مر عليك حديث عمرو بن شاس فيما علقناه على المراجعة 36 (منه
قدس).
245

19 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب عليا فقد أحبني، ومن
أبغض عليا فقد أبغضني)، أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين في ص
130 من الجزء الثالث من المستدرك، وأورده الذهبي في التلخيص معترفا بصحته
على هذا الشرط (572). ومثله قول علي (1): (والذي فلق الجنة، وبرأ النسمة،
إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم، لا يحبني ألا مؤمن، ولا يبغضني
إلا منافق) (573).

(1) فيما أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ص 46 من الجزء الأول من صحيحه،
وروى ابن عبد البر مضمونه في ترجمة علي من الاستيعاب عن طائفة من الصحابة. ومر
عليك في المراجعة 36 حديث بريدة فراجعه، وقد تواتر قوله (ص): اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، كما اعترف بذلك صاحب الفتاوى الحامدية في رسالته المرسومة بالصلاة الفاخرة في الأحاديث المتواترة (منه قدس).
246

20 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي أنت سيد في الدنيا، وسيد في
الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو
الله، والويل لمن أبغضك من بعدي). أخرجه الحاكم في أول ص 128 من الجزء الثالث من المستدرك، وصححه على شرط الشيخين) (1) (574)
21 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي طوبى لمن أحبك وصدق
فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك). أخرجه الحاكم في ص 135 من الجزء
الثالث من المستدرك، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه
(575).
22 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أراد أن يحيا حياتي ويموت ميتتي،
ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فليتول علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم

(1) رواه من طريق أبي الأزهر عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد
الله بن عبد الله عن ابن عباس، وكل هؤلاء حجج، ولذا قال الحاكم بعد إيراده
صحيح على شرط الشيخين، قال: وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة وإذا انفرد الثقة
بحديث فهو على أصلهم صحيح، ثم قال: سمعت أبا عبد الله القرشي يقول:
سمعت أحمد بن يحيى الحلواني يقول: لما ورد أبو الأزهر من صنعاء وذاكر أهل بغداد
بهذا الحديث، أنكره يحيى بن معين، فلما كان يوم مجلسه، قال في آخر المجلس، أين
هذا الكتاب النيسابوري الذي يذكر عن عبد الرزاق هذا الحديث: فقام أبو الأزهر،
فقال: هو ذا أنا، فضحك يحيى بن معين من قوله وقيامه في المجلس، فقربه وأدناه،
ثم قال له: كيف حدثك عبد الرزاق بهذا ولم يحدث به غيرك، فقال: إعلم يا أبا زكريا
أني قدمت صنعاء و عبد الرزاق غائب في قرية له بعيدة، فخرجت إليه وأنا عليل، فلما
وصلت إليه سألني عن أمر خراسان فحدثته بها، وكتبت عنه وانصرفت معه إلى صنعاء،
فلما ودعته قال: وجب علي حقك، فأنا أحدثك بحديث لم يسمعه مني
غيرك، فحدثني والله بهذا الحديث لفظا، فصدقه يحيى بن معين واعتذر إليه. ا ه‍..
أما الذهبي في التلخيص، فقد اعترف بوثاقة الرواة لهذا الحديث عامة وبنص
وثاقة أبي الأزهر بالخصوص، وشكك مع ذلك في صحة الحديث إلا أنه لم يأت بشئ
قادح سوى التحكم الفاضح، أما تكتم عبد الرزاق فإنما هو للخوف من سلطة الظالمين
كما خاف سعيد بن جبير حين سأله مالك بن دينار، فقال له: من كان حامل راية رسول
الله؟ قال: فنظر إلي، وقال: كأنك رخي البال، قال مالك: فغضبت وشكوته إلى
إخوانه من القراء فاعتذروا بأنه يخاف من الحجاج أن يقول كان حاملها علي بن أبي
طالب، أخرج ذلك الحاكم في ص 137 من الجزء الثالث من المستدرك، ثم قال: هذا
حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (منه قدس).
247

من هدى ولن يدخلكم في ضلالة) (1) (576).
23 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أوصي من آمن بي وصدقني بولاية
علي بن أبي طالب، فمن تولاه تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله، ومن أحبه فقد
أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد
أبغض الله عز وجل) (2) (577).
24 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سره أن يحيا حياتي، ويموت
مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليتول عليا من بعدي، وليوال وليه،
وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي
وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله
شفاعتي) (578).
25 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب أن يحيا حياتي ويموت
ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي وهي جنة الخلد، فليتول عليا وذريته من
بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم باب ضلالة) (3)
(579).
26 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا عمار إذا رأيت عليا قد سلك واديا
وسلك الناس واديا غير فاسلك مع علي، ودع الناس، فإنه لن يدلك على ردى،
ولن يخرجك من هدى) (4) (580).
27 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم، في حديث أبي بكر: (كفي وكف علي
في العدل سواء) (5) (581).
28 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا فاطمة أما ترضين أن الله عز
وجل، اطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين، أحدهما أبوك والآخر بعلك) (6)
(582).
29 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا المنذر، وعلي الهادي، وبك يا

(1) أوردنا هذا الحديث في المراجعة العاشرة (منه قدس).
(2) أوردنا هذا الحديث في المراجعة العاشرة أيضا، فراجع ما علقناه ثمة عليه
وعلى الذي قبله (منه قدس).
(3) راجع ما علقناه على هذا الحديث وعلى الذي قبله، إذ أوردناهما في المراجعة
10 (منه قدس).
(4) أخرجه الديلمي عن عمار وأبي أيوب، كما في أول ص 156 من الجزء 6 من
الكنز (منه قدس).
(5) هذا هو الحديث 2539 في ص 153 من الجزء 6 من الكنز (منه قدس).
(6) أخرجه الحاكم في ص 129 من الجزء 3 من صحيحه المستدرك، ورواه كثير من أصحاب السنن وصححوه (منه قدس).
248

علي يهتدي المهتدون من بعدي) (1) (583)
30 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي، لا يحل لأحد أن يجنب في
المسجد غيري وغيرك) (2) (584) ومثله حديث الطبراني عن أم سلمة، والبزار،
عن سعد، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحل لأحد أن يجنب في
هذا المسجد إلا أنا وعلي) (3) (585).
31 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا وهذا - يعني عليا - حجة على أمتي
يوم القيامة) (586) أخرجه الخطيب من حديث أنس (4)، وبماذا يكون أبو الحسن
حجة كالنبي؟ لولا أنه ولي عهده، وصاحب الأمر من بعده.
32 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (مكتوب على باب الجنة: لا إله إلا
الله، محمد رسول الله، علي أخو رسول الله) (5) (587).
33 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (مكتوب على ساق العشر: لا إله إلا
الله، محمد رسول الله، أيدته بعلي، ونصرته بعلي) (6) (588).

(1) أخرجه الديلمي من حديث ابن عباس وهو الحديث 2631 في ص 157 من
الجزء 6 من الكنز (منه قدس).
(2) راجع ما علقناه على هذا الحديث، إذ أوردناه في المراجعة 34، وأمعن النظر
في كل ما أوردناه ثمة من السنن (منه قدس).
(3) أورده ابن حجر في صواعقه، فراجع الحديث 13 من الأربعين التي أوردها
في الباب 9 (منه قدس).
(4) وهو الحديث 2632 في ص 157 من الجزء 6 من الكنز. (منه قدس).
(5) أخرجه الطبراني في الأوسط، والخطيب في المتفق والمفترق، كما في أول ص 159 من الجزء 6 من كنز العمال. وقد أوردناه في المراجعة 34، وعلقنا عليه ما يفيد الباحث المتتبع. (منه قدس).
(6) أخرجه الطبراني في الكبير، وابن عساكر عن أبي الحمراء مرفوعا، كما في ص
158 من الجزء 6 من الكنز. (منه قدس).
249

34 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه،
والى آدم في علمه، والى إبراهيم في حلمه، والى موسى في فطنته، والى عيسى في
زهده، فلينظر إلى علي بن أبي طالب). أخرجه البيهقي في صحيحه، والإمام
أحمد بن حنبل في مسنده) (1) (589).
35 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي أن فيك مثلا من عيسى أبغضته
اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبه النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها...
الحديث) (2) (590).
36 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (السبق ثلاثة، السابق إلى موسى،
يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى، وصاحب ياسين، والسابق إلى محمد، علي بن
أبي طالب) (3) (591).

(1) وقد نقله عنهما ابن أبي الحديد في الخبر الرابع من الأخبار التي أوردها في ص
449 من المجلد الثاني من شرح النهج، وأورده الإمام الرازي في معنى آية المباهلة من
تفسير الكبير ص 288 من جزئه الثاني، وقد أرسل إرسال المسلمات كون هذا الحديث
موافقا عند الموافق والمخالف وأخرج هذا الحديث ابن بطة من حديث ابن عباس كأم في
صفحة 34 من كتاب فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للإمام أحمد بن محمد
بن الصديق الحسني المغربي نزيل القاهرة، فراجع، وممن اعترف بأن عليا هو الجامع لأسرار
الأنبياء أجمعين شيخ العرفاء محي الدين بن العربي، فيما نقله عنه العارف الشعراني في المبحث 32 من كتابه اليواقيت والجواهر ص 172 (منه قدس).
(2) أخرجه الحاكم في ص 122 من الجزء 3 من المستدرك (منه قدس).
(3) أخرجه الطبراني وابن مردويه، عن ابن عباس. وأخرجه الديلمي عن
عائشة، وهو من السنن المستفيضة (منه قدس).
250

37 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الصديقون ثلاثة: حبيب النجار،
مؤمن آل ياسين، قال، يا قوم اتبعوا المرسلين، وحزقيل، مؤمن آل فرعون، قال
أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم) (1) (592).
38 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: (إن الأمة ستغدر بك بعدي،
وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك
أبغضني، وأن هذه ستخضب من هذا - يعني لحيته من رأسه (2) -) (593) وعن
علي أنه: (أن مما عهد إلي النبي أن الأمة ستغدر بي بعده) (3) (594). وعن
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: (أما أنك
ستلقي بعدي جهدا، قال: في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك)
(595).
39 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن منكم من يقاتل على تأويل
القرآن، كما قاتلت على تنزيله، فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر، قال أبو
بكر: أنا هو، قال لا، قال عمر: أنا هو، قال لا ولكن خاصف النعل يعني
عليا، قال أبو سعيد الخدري: فأتيناه فبشرناه، فلم يرفع يرفع به رأسه كأنه قد
كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4) (596). ونحوه حديث أبي

(1) أخرجه أبو نعيم وابن عساكر عن أبي ليلى مرفوعا، وأخرجه ابن النجار عن
ابن عباس مرفوعا، فراجع الحديث 30 والحديث 31 من الأربعين حديثا التي أوردها
ابن حجر في الفصل الثاني من الباب 9 من صواعقه، آخر ص 74 والتي بعدها (منه
قدس).
(2) أخرجه الحاكم ص 147 من الجزء 3 من المستدرك وصححه، وأورده
الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته (منه قدس).
(3) هذا الحديث والذي بعده، أعني حديث ابن عباس، أخرجهما الحاكم في
ص 140 من الجزء 3 من المستدرك، وأوردهما الذهبي في التلخيص، وصرح كلاهما
بصحتهما على شرط الشيخين (منه قدس).
(4) أخرجه الحاكم في آخر ص 122 من الجزء 3 من المستدرك، وقال هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، واعترف الذهبي بصحته على
شرط الشيخين، وذلك حيث أورده في التلخيص، وأخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد في
ص 82 وفي ص 33 من الجزء 3 من مسنده، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وسعيد بن
منصور في سننه، وأبو نعيم في حليته، وأبو يعلى في السنن، وهو الحديث 2585 في ص 155
من الجزء 6 من الكنز (منه قدس).
251

أيوب الأنصاري في خلافة عمر، إذ قال (1): (أمر رسول الله صلى الله عليه وإله
وسلم، علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين) (597). وحديث
عمار بن ياسر، إذ (2) قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي
ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني)
(598). وحديث أبي ذر، إذ قال: (3) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،

(1) فيما أخرج عنه الحاكم من طريقين في ص 139، والتي بعدها من الجزء 3 من المستدرك (منه
قدس).
(2) فيما أخرجه ابن عساكر، وهو الحديث 2588 في ص 155 من الجزء 6 من الكنز (منه
قدس).
(3) فيما أخرجه الديلمي، كما في آخر ص 155 من الجزء 6 من الكنز (منه قدس).
252

والذي نفسي بيده، أن فيكم رجلا يقاتل الناس من بعدي على تأويل القرآن، كما
قاتلت المشركين على تنزيله) (599). وحديث محمد بن عبيد الله بن أبي رافع،
عن أبيه، عن جده أبي رافع، قال: (قال رسول الله: يا أبا رافع، سيكون بعدي
قوم يقاتلون عليا، حق على الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه
فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه... الحديث) (1) (600). وحديث الأخضر
الأنصاري (2)، قال: (قال رسول الله: أنا أقاتل على تنزيل القرآن، وعلي يقاتل على تأويله) (601).
40 - قوله صلى الله عليه وإله وسلم: (يا علي أخصمك بالنبوة فلا نبوة
بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها أحد من قريش، أنت أولهم إيمانا
بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في
الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية) (3) (602) وعن أبي سعيد
الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي لك سبع
خصال لا يحاجك فيهن أحد يوم القيامة، أنت أول المؤمنين بالله، وأوفاهم بعهد
الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعلمهم
بالقضية، وأعظمهم مزية) (603) ا ه‍ إلى ما لا يسع المقام استقصاءه من أمثال
هذه السنن المتضافرة المتناصرة باجتماعها كلها على الدلالة على معنى واحد، هو أن
عليا ثاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في هذه الأمة، وأن له عليها من
الزعامة بعد النبي ما كان له صلى الله عليه وآله وسلم، فهي من ناحية السنن المتواترة
في معناها، وأن لم يتواتر لفظها، وناهيك بهذا حجة بالغة، والسلام.
المراجعة 49 ش
11 المحرم سنة 1330

(1) أخرجه الطبراني في الكبير، كما في ص 155 من الجزء 6 من الكنز (منه قدس).
(2) هو ابن أبي الأخضر، ذكره ابن السكن، وروى عنه هذا الحديث من طريق الحارث بن
حصيرة عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر عن أبيه الإمام زين العابدين عن الأخضر عن النبي.
وقال ابن السكن: هو غير مشهور في الصحابة، وفي إسناد حديثه نظر، نقل ذلك كله
العسقلاني في ترجمة الأخضر من الإصابة، وأخرج الدارقطني هذا الحديث في الأفراد وقال:
تفرد به جابر الجعفي وهو رافضي (منه قدس).
(3) أخرجه أبو نعيم من حديث معاذ، وأخرج الحديث الذي بعده، أعني حديث أبي سعيد، في
حلية الأولياء، وهما موجودان في ص 156 من الجزء 6 من الكنز (منه قدس).
253

1 - الاعتراف بفضائل علي
2 - فضائله لا تستلزم العهد بالخلافة إليه.
1 - قال الإمام أبو عبد الله أ حمد بن حنبل: (ما جاء لأحد من أصحاب
رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب) (604) (1) وقال ابن
عباس: (ما نزل في أحد في كتاب الله ما نزل في علي) (2) (605) وقال مرة
أخرى (3): (نزل في علي ثلاثمئة آية من كتاب الله عز وجل) (606)، وقال مرة
ثالثة: (4) (ما أنزل الله: يا أيها الذين آمنوا، إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد
عاتب الله أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، في غير مكان من كتابه العزيز،
وما ذكر عليا إلا بخير) (607) ا ه‍ وقال عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: (كان

(1) أخرجه الحاكم في ص 107 من صحيحه في المستدرك، ولم يتعقبه الذهبي في التلخيص
(منه قدس).
(2) أخرجه ابن عساكر وغير واحد من أصحاب السنن (منه قدس).
(3) من حديث أخرجه ابن عساكر أيضا (منه قدس).
(4) من حديث أخرجه الطبراني وابن أبي حاتم وغير واحد من أصحاب السنن، ونقله ابن
حجر، ونقل الأحاديث الثلاثة التي قبله في الفصل 3 من الباب 9 صفحة 76 من صواعقه (منه
قدس).
254

لعلي ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له القدم في الاسلام، والصهر من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والفقه في السنة، والنجدة في الحرب، والجود
في المال) (1) (608) وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن علي ومعاوية، فقال (2):
(إن عليا كان كثير الأعداء، ففتش أعداؤه عن شئ يعيبونه به فلم يجدوه، فجاؤوا
إلى رجل قد حاربه وقاتله، فأطروه كيدا منهم به) (609) ا ه‍ وقال القاضي
إسماعيل، والنسائي وأبو علي النيسابوري، وغيرهم (3): (لم يرد في حق أحد من
الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي) (610).

(1) نقله عن ابن عياش أهل الأخبار وأصحاب السنن، وتراه موجودا فيما تقدمت الإشارة إليه
من الصواعق (منه قدس).
(2) فيما أخرجه السلفي في الطيوريات، ونقله ابن حجر فيما تقدمت الإشارة إليه من الصواعق
(منه قدس).
(3) كما هو مستفيض عنهم، وقد نقله ابن حجر في أول الفصل الثاني من الباب التاسع ص 72
من صواعقه (منه قدس).
255

2 - وهذا مما لا كلام فيه، وإنما الكلام في عهد الرسول إليه بالخلافة عنه،
وهذه السنن ليست من النصوص الجلية في ذلك، وإنما هي من خصائص الإمام
وفضائله، لا تسعها الأرقام، ونحن نؤمن بأنه كرم الله وجهه، أهل لها ولما فوقها،
ولقد فاتكم منها أضعاف أضعاف ما ذكرتموه، وقد لا تخلو من ترشيحه للإمامة،
لكن ترشيحه لها غير العهد بها إليه كما تعلمون، والسلام.
س
المراجعة 50 رقم: 13 المحرم سنة 1330
وجه الاستدلال (بخصائصه) على إمامته
أن من كان مثلكم ثاقب الروية، بعيد المرمى، خبيرا بموارد
الكلام ومصادره، بصيرا بمراميه ومغازيه، مستبصرا برسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، وحكمته البالغة، ونبوته الخاتمة، مقدرا قدره في أفعاله
وأقواله، * (وأنه لا ينطق عن الهوى) * لا تفوته مقاصد تلك السنن ولا
تخفى عليه لوازمها عرفا وعقلا، وما كان ليخفى عليك - وأنت من أثبات
العربية وأسنادها (1) - أن تلك السنن قد أعطت عليا من المنازل المتعالية ما
لا يجوز على الله تعالى وأنبيائه إعطاؤها إلا لخلفائهم وأمنائهم على الدين
وأهله، فإذا لم تكن دالة على الخلافة بالمطابقة فهي كاشفة عنها البتة،

(1) أثبات بفتح الهمزة جمع ثبت بفتحتين، وأسناد جمع سند بفتحتين أيضا والثبت
والسند هو الحجة.
256

ودالة عليها لا محالة بالدلالة الالتزامية، واللزوم فيها بين بالمعنى
الأخص. وحاشا سيد الأنبياء أن يعطي تلك المنازل الرفيعة إلا لوصيه
من بعده، ووليه في عهده. على أن من سبر غور سائر السنن المختصة
بعلي، وعجم عودها بروية وإنصاف، وجدها بأسرها - إلا قليلا منها -
ترمي إلى إمامته، وتدل عليها أما بدلالة المطابقة، كالنصوص
السابقة (1)، وكعهد الغدير، وأما بدلالة الالتزام كالسنن التي أسلفناها -
في المراجعة 48 - وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " علي مع القرآن،
والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (2) " (611)، وقوله
صلى الله عليه وآله: " علي مني بمنزلة رأسي من بدني (3) "
(612) وقوله صلى الله عليه وآله، في حديث عبد الرحمن بن
عوف (4): " والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة، ولتؤتن الزكاة، أو
لأبعثن إليكم رجلا مني أو كنفسي... - الحديث، وآخره - فأخذ بيد علي،
فقال، هو هذا " (613) إلى ما لا يحصى من أمثال هذه السنن، وهذه

(1) المذكورة في المراجعة 20 والمراجعة 26 والمراجعة 36 والمراجعة 40.
(2) أخرجه الحاكم في صفحة 124 من الجزء 3 من المستدرك والذهبي في تلك الصفحة
من تلخيصه، مصرحين بصحته، وهو من الأحاديث المستفيضة ومن ذا يجهل كون علي من
القرآن والقرآن مع علي بعد صحاح الثقلين - الكتاب والعترة - فقف على ما أوردناه منها في -
المراجعة 8 - واعرف حق إمام العترة وسيدها لا يدافع ولا ينازع.
(3) أخرجه الخطيب من حديث البراء، والديلمي من حديث ابن عباس، ونقله ابن
حجر في صفحة 75 من صواعقه، فراجع الحديث 35 من الأربعين حديثا التي أوردها في
الفصل الثاني من الباب 9 من صواعقه.
(4) وهو الحديث 6133 ص 405 من الجزء 6 من كنز العمال، وحسبك حجة على أن
عليا كنفس رسول الله آية المباهلة على ما فصله الرازي في معناها من تفسيره الكبير - مفاتيح
الغيب - ص 488 من جزئه الثاني، ولا يفوتنك ما ذكرناه في مباحث الآية من كلمتنا الغراء.
257

فائدة جليلة ألفت إليها كل غواص على الحقائق، كشاف عن الغوامض،
موغل في البحث بنفسه لنفسه، لا يتبع إلا ما يفهمه من لوازم تلك السنن
المقدسة، بقطع النظر عن العاطفة، والسلام.
ش
المراجعة 51 رقم: 14 المحرم سنة 1330
معارضة الأدلة بمثلها
ربما عارضكم خصومكم بالسنن الواردة في فضائل الخلفاء الثلاثة
الراشدين (614) وبما جاء منها في فضائل أهل السوابق من المهاجرين
والأنصار، فما تقولون؟
المراجعة 62 رقم: 15 المحرم سنة 1330.
دفع دعوى المعارضة
نحن نؤمن بفضال أهل السوابق من المهاجرين والأنصار كافة
رضي الله عنهم ورضوا عنه، وفضائلهم لا تحصى ولا تستقصى،
وحسبهم ما جاء في ذلك من آيات الكتاب وصحاح السنة، وقد تدبرناه إذ
تتبعناه فما وجدناه - كما يعلم الله عز وجل - معارضا لنصوص علي ولا
صالحا لمعارضة شئ من سائر خصائصه. نعم ينفرد خصومنا برواية
أحاديث في الفضائل لم تثبت عندنا، فمعارضتهم إيانا بها مصادرة لا
تنتظر من غير مكابر متحكم، إذ لا يسعنا اعتبارها بوجه من الوجوه،
مهما كانت معتبرة عند الخصم، ألا ترى أنا لا نعارض خصومنا بما انفردنا
258

بروايته، ولا نحتج عليهم إلا بما جاء من طريقهم كحديث الغدير
ونحوه، على أنا تتبعنا ما انفرد به القوم من أحاديث الفضائل، فما وجدنا
فيه شيئا من المعارضة، ولا فيه أي دلالة على الخلافة، ولذلك لم يستند
إليه - في خلافة الخلفاء الثلاثة - أحد، والسلام.
ش
المراجعة 53 رقم: 16 المحرم سنة 1330
التماسه حديث الغدير
تكرر منك ذكر الغدير، فاتل حديثه من طريق أهل السنة نتدبره،
والسلام.
س
المراجعة 54 رقم: 18 المحرم سنة 1330
شذرة من شذور الغدير
أخرج الطبراني وغيره بسند مجمع على صحته (1)، عن زيد بن
أرقم، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بغدير خم
تحت شجرات، فقال: " أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب (2)، وإني

(1) صرح بصحته غير واحد من الأعلام، حتى اعترف بذلك ابن حجر إذ أورده نقلا
عن الطبراني وغيره في أثناء الشبهة الحادية عشر من الشبهة التي ذكرها في الفصل الخامس من
الباب الأول من الصواعق ص 25.
(2) إنما نعى إليهم نفسه الزكية تنبيها إلى أن الوقت قد استوجب تبليغ عهده، واقتضى
الأذان بتعيين الخليفة من بعده وأنه لا يسعه تأخير ذلك مخافة أن يدعى فيجيب قبل إحكام هذه
المهمة التي لا بد له من إحكامها، ولا غنى لأمته عن إتمامها.
259

مسؤول (1)، وإنكم مسؤولون (2)، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد
أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت، فجزاك الله خيرا، فقال: أليس
تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق،
وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة
آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد
بذلك (3)، قال: اللهم اشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي،
وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم (3)، فمن كنت مولاه (4)،

(1) لما كان عهده إلى أخيه ثقيلا على أهل التنافس والحسد والشحناء والنفاق أراد (ص)
وآله - قبل أن ينادي بذلك - أن يتقدم في الاعتذار إليهم تأليفا لقلوبهم وإشفاقا من معرة أقوالهم
وأفعالهم، فقال، وأني مسؤول ليعلموا أنه مأمور بذلك ومسؤول عنه، فلا سبيل له إلى
تركه. وقد أخرج الإمام الواحدي في كتابه أسباب النزول بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري،
قال: نزلت هذه الآية: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك يوم غدير خم في علي بن أبي
طالب.
(2) لعله أشار بقوله (ص) وآله، وإنكم مسؤولون، إلى ما أخرجه الديلمي وغيره كما
في الصواعق وغيرها - عن ابن سعيد أن النبي (ص) وآله، قال: وقفوهم إنهم مسؤولون عن
ولاية علي، وقال الإمام الواحدي: إنهم مسؤولون عن ولاية علي وأهل البيت، فيكون
الغرض من قوله: وإنكم مسؤولون، تهديد أهل الخلاف لوليه ووصيه.
(3) تدبر هذه الخطبة من؟ تدبرها، وأعطى التأمل فيها حقه، فعلم أنها ترمي إلى أن
ولاية علي من أصول الدين كما عليه الإمامية، حيث سألهم أو لا، فقال: أليس تشهدون أن لا
إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؟ إلى أن قال: وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله
يبعث من في القبور، ثم عقب ذلك بذكر الولاية ليعلم أنها على حد تلك الأمور التي سألهم عنها
فأقروا بها، وهذا ظاهر لكل من عرف أساليب الكلام ومغازيه من أولي الأفهام.
(4) قوله: وأنا أولى، قرينة لفظية، على أن المراد من المولى إنما هو الأولى، فيكون
المعنى: أن الله أولى بي من نفسي وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ومن كنت أولى به من نفسه
فعلي أولى به من نفسه.
260

فهذا مولاه - يعني عليا - اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ثم
قال: يا أيها الناس إني فرطكم، وأنكم واردون على الحوض، حوض
أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة،
وأني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، كيف تخلفوني فيهما، الثقل
الأكبر كتاب الله عز وجل، سبب طرفه بيد الله تعالى، وطرفه بأيديكم،
فاستمسكو به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني
اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض (1) ا ه‍. " (615).
وأخرج الحاكم في مناقب علي من مستدركه (2)، عن زيد بن أرقم
من طريقين صححهما على شرط الشيخين، قال: " لما رجع رسول الله
صلى الله عليه وآله، من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر
بدوحات فقممن، فقال: كأني دعيت فأجبت، وأني قد تركت فيكم
الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا
كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن
الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي، فقال:
من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه... "
وذكر الحديث بطوله، ولم يتعقبه الذهبي في التلخيص. وقد أخرجه
الحاكم أيضا في باب ذكر زيد بن أرقم (3) من المستدرك مصرحا بصحته.
والذهبي - على تشدده - صرح بهذا أيضا في ذلك الباب من تلخيصه،
فراجع (616).

(1) هذا لفظ الحديث عند الطبراني وابن جرير والحكيم الترمذي عن زيد بن أرقم،
وقد نقله ابن حجر عن الطبراني وغيره باللفظ الذي سمعته، وأرسل صحته إرسال
المسلمات، فراجع ص 25 من الصواعق.
(2) ص 109 من جزئه الثالث.
(3) ص 533 من جزئه الثالث.
261

وأخرج الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم (1)، قال: " نزلنا مع
1 رسول الله صلى الله عليه وآله، بواد يقال له: وادي خم، فأمر بالصلاة
فصلاها بهجير، قال: فخطبنا، وظلل لرسول الله صلى الله عليه وآله، بثوب على
شجرة سمرة، من الشمس، فقال: ألستم تعلمون، أو لستم تشهدون
أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه،
فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه " (617) ا ه‍.
وأخرج النسائي عن زيد بن أرقم (2)، قال: لما رجع النبي من
حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني
دعيت فأجبت، وأني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر،
كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله مولاي، وأنا ولي كل
مؤمن، ثم إنه أخذ بيد على، فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم
وال من والاه، وعاد من عاداه، قال أبو الطفيل: فقلت لزيد سمعته
من رسول الله صلى الله عليه وآله (3)، فقال: وأنه ما كان في

(1) في ص 372 من الجزء الرابع من مسنده.
(2) ص 21 من الخصائص العلوية عند ذكر قول النبي: من كنت وليه فهذا وليه.
(3) سؤال أبي الطفيل ظاهر في تعجبه من هذه الأمة إذ صرفت هذا الأمر عن علي مع ما
ترويه نبيها في حقه يوم الغدير وكأنه شك في صحة ما ترويه في ذلك فقال لزيد حين سمع -
- روايته منه: أسمعته من رسول الله؟! كالمستغرب المتعجب الحائر المرتاب، فأجابه
زيد بأنه لم يكن في الدوحات أحد على كثرة من كان يومئذ من الخلائق هناك، ألا من رآه بعينيه
وسمعه بأذنيه، فعلم أبو الطفيل حينئذ أن الأمر كما قال الكيميت عليه الرحمة:
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الخلافة لو أطيعا
ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطرا مبيعا
ولم أر مثل ذلك اليوم. يوما * ولم أر مثله حقا أضيعا
262

الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه (618). ا ه‍. وهذا الحديث
أخرجه مسلم في باب فضائل علي من صحيحه (1) من عدة طرق عن زيد
بن أرقم، لكنه اختصره فبتره - وكذلك يفعلون -.
وأخرج الإمام أحمد من حديث البراء بن عازب (2) من طريقين،
قال: كنا مع رسول الله، فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا الصلاة جامعة،
وكسح لرسول الله صلى الله عليه وآله، تحت شجرتين، فصلى
الظهر وأخذ بيد علي، فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من
أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟
قال: فأخذ بيد علي، فقال: من كنت مولاه
فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قال فلقيه عمر
بعد ذلك، فقال له: هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل
مؤمن ومؤمنة (619).
وأخرج النسائي عن عائشة بنت سعد (3)، قالت: سمعت أبي
يقول: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يوم الجحفة،
فأخذ بيد علي وخطب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني
وليكم، قالوا: صدقت يا رسول الله، ثم رفع يد علي، فقال: هذا
وليي، ويؤدي عني ديني، وأنا موالي من والاه، ومعادي من عاداه (620).
وعن سعد أيضا (4)، قال: " كنا مع رسول الله، فلما بلغ غدير

(1) ص 325 من جزئه الثاني.
(2) في ص 281 من الجزء الرابع من مسنده
(3) في ص 4 من خصائصه العلوية في باب ذكر منزلة علي من الله عز وجل، وفي ص
25 في باب الترغيب في موالاته، والترهيب من معاداته.
(4) فيما أخرجه النسائي صفحة 25 من خصائصه.
263

خم، وقف للناس ثم رد من تبعه، ولحق من تخلف، فلما اجتمع الناس
إليه، قال: أيها الناس من وليكم؟ قالوا: الله ورسوله، ثم أخذ بيد
علي فأقامه، ثم قال من كان الله ورسوله وليه، فهذا وليه، اللهم وال
من والاه، وعاد من عاداه " (621). ا ه‍.
والسنن في هذه كثيرة لا تحاط ولا تضبط، وهي نصوص صريحة
بأنه ولي عهده، وصاحب الأمر من بعده (622)، كما قال الفضل بن
العباس بن أبي لهب (1):
وكان ولي العهد بعد محمد * علي وفي كل المواطن صاحبه
ش
المراجعة 55 رقم: 99 المحرم سنة 1330
ما الوجه في الاحتجاج به مع عدم تواتره؟
الشيعة متفقون على اعتبار التواتر فيما يحتجون به على الإمامة لأنها
عندهم من أصول الدين، فما الوجه في احتجاجكم بحديث الغدير مع
عدم تواتره عند أهل السنة؟ وإن كان ثابتا من طرقهم الصحيحة.
س

(1) من أبيات له أجاب فيها الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فيما ذكره محمد محمود
الرافعي في مقدمة شرح الهاشميات صفحة 8.
264

المراجعة 56 رقم: 22 المحرم سنة 1330
1 - النواميس الطبيعية تقضي بتواتر نص الغدير
2 - عناية الله عز وجل به.
3 - عناية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
4 - عناية أمير المؤمنين
5 - عناية الحسين
6 - عناية الأئمة التسعة
7 - عناية الشيعة
8 - تواتره من طريق الجمهور.
حسبك من وجوه الاحتجاج هنا ما قلناه لك آنفا - في المراجعة
24 -.
1 - على أن تواتر حديث الغدير (623) مما تقضي به النواميس التي
فطر الله الطبيعة عليها، شأن كل واقعة تاريخية عظيمة يقوم بها عظيم
الأمة، فيوقعها بمنظر وبمسمع من الألوف المجتمع من أمته من أماكن
شتى، ليحملوا نبأها عنه إلى من وراءهم من الناس (624)، ولا سيما
إذا كانت من بعده محل العناية من أسرته وأوليائهم في كل خلف، حتى
بلغوا بنشرها وإذاعتها كل مبلغ (625)، فهل يمكن أن يكون نبؤها -
والحال هذه - من أخبار الآحاد؟ كلا، بل لا بد أن ينتشر انتشار الصبح،
فينظم حاشيتي البر والبحر * (ولن تجد لسنت الله تحويلا) *.
2 - إن حديث الغدير كان محل العناية من الله عز وجل، إذ أوحاه
تبارك وتعالى، إلى نبيه صلى الله عليه وآله، وأنزل فيه قرآنا يرتله
المسلمون آناء الليل وأطراف النهار، يتلونه في خلواتهم وجلواتهم، وفي
265

أورادهم وصلواتهم، وعلى أعواد منابرهم، وعوالي منائرهم: * (يا أيها
الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله
يعصمك من الناس) * (1) (626) فلما بلغ الرسالة يومئذ بنصه على علي
بالإمامة، وعهده إليه بالخلافة، أنزل الله عز وجل عليه * (اليوم أكملت
لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * (1) (627)
بخ بخ * (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) * إن من نظر إلى هذه الآيات،
بخع لهذه العنايات.
3 - وإذا كانت العناية من الله عز وجل، على هذا الشكل، فلا غرو
أن يكون من عناية رسول الله صلى الله عليه وآله، ما كان، فإنه لما
دنا أجله، ونعيت إليه نفسه، أجمع - بأمر الله تعالى - على أن ينادي بولاية

(1) لا كلام عندنا في نزولها بولاية علي يوم غدير خم، وأخبارنا في ذلك متواترة عن أئمة العترة
الطاهرة، وحسبك مما جاء في ذلك من طريق غيرهم، ما أخرجه الإمام الواحدي في تفسير الآية من
سورة المائدة ص 150 من كتابه - أسباب النزول - من طريقين معتبرين عن عطية عن أبي سعيد
الخدري، قال: نزلت هذه الآية * (يا أيها الرسول بلغ ما إليك من ربك) * يوم غدير خم في علي بن أبي
طالب، قلت: وهو الذي أخرجه الحافظ أبو نعيم في تفسيرها من كتابه - نزول القرآن - بسندين
" أحدهما " عن أبي سعيد " والآخر " عن أبي رافع، ورواه الإمام إبراهيم بن محمد الحمويني الشافعي
في كتابه - الفرائد بطرق متعددة عن أبي هريرة. وأخرجه الإمام أبو إسحاق الثعلبي في معنى الآية من
تفسيره الكبير بسندين معتبرين، ومما يشهد له أن الصلاة كانت قبل نزولها قائمة، والزكاة مفروضة،
والصوم كان مشروعا، والبيت محجوجا، والحلال بينا، والحرام بينا، والشريعة متسقة، وأحكامها
مستتبة، فأي شئ غير ولاية العهد يستوجب من الله هذا التأكيد، ويقتضي الحض على بلاغة بما يشبه
الوعيد، وأي أمر غير الخلافة يخشى النبي الفتنة بتبليغه، ويحتاج إلى العصمة من أذى الناس بأدائه.
(1) صحاحنا في نزول هذه الآية بما قلناه متواترة من طريق العترة الطاهرة، فلا ريب فيه وإن روى
البخاري أنها نزلت يوم عرفة - وأهل البيت أدرى -.
266

علي في الحج الأكبر على رؤوس الأشهاد، ولم يكتف بنص الدار يوم الانذار
بمكة (628)، ولا بغيره من النصوص المتوالية، وقد سمعت بعضها،
فأذن في الناس قبل الموسم أنه حاج في هذا العام حجة الوداع، فوافاه الناس
من كل فج عميق، وخرج من المدينة بنحو مئة ألف أو يزيدون (1) فلما كان
يوم الموقف بعرفات نادى في الناس: " علي مني، وأنا من علي، ولا يؤدي
عني إلا أنا أو علي (2) " (629) ولما قفل بمن معه من تلك الألوف وبلغوا وادي
خم، وهبط عليه الروح الأمين بآية التبليغ عن رب العالمين، حط صلى الله عليه
وآله وسلم، هناك رحله، حتى لحقه من تأخر عنه من الناس، ورجع إليه
من تقدمه منهم، فلما اجتمعوا صلى بهم الفريضة، ثم خطبهم عن الله عز
وجل، فصدع بالنص في ولاية علي، وقد سمعت شذرة من شذوره، وما
لم تسمعه أصح وأصرح، على أن فيما سمعته كفاية، وقد حمله عن
رسول الله صلى الله عليه وآله، كل من كان معه يومئذ من تلك
الجماهير، وكانت تربو على مئة ألف نسمة (630) من بلاد شتى، فسنة
الله عز وجل، التي لا تبديل لها في خلقه تقتضي تواتره مهما كانت هناك
موانع تمنع من نقله، على أن لأئمة أهل البيت طرقا تمثل الحكمة في بثه وإشاعته.
4 - وحسبك منها ما قام به أمير المؤمنين أيام خلافته، إذ جمع الناس
في الرحبة فقال: " أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، يقول يوم غدير خم ما قال، إلا قام فشهد بما سمع، ولا

(1) قال السيد أحمد زيني دحلان في باب حجة الوداع من كتابه - السيرة النبوية -: وخرج معه
صلى الله عليه وآله - من المدينة - تسعون ألفا، ويقال مئة ألف وأربعة وعشرون ألفا، ويقال أكثر
من ذلك (قال) وهذه عدة من خرج معه، وأما الذي حجوا معه فأكثر من ذلك إلى آخر كلامه. ومنه يعلم
أن الذين قفلوا معه كانوا أكثر من مئة ألف وكلهم شهدوا حديث الغدير.
(2) أوردنا هذا الحديث في المراجعة 48 فراجعه تجده الحديث 15 ولنا هناك في أصل الكتاب وفي
التعليقة عليه كلام يجدر بالباحثين أن يقفوا عليه.
267

يقم ألا من رآه بعينيه وسمعه بأذنيه، فقام ثلاثون صحابيا فيهم اثنا عشر
بدريا، فشهدوا أنه أخذه بيده، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين
من أنفسهم؟ قالوا: نعم، قال صلى الله عليه وآله: من كنت
مولاه، فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه... الحديث
(631). وأنت تعلم أن تواطؤ الثلاثين صحابيا على الكذب مما
يمنعه العقل، فحصول التواتر بمجرد شهادتهم إذن قطعي لا ريب فيه، وقد
حمل هذا الحديث، عنهم كل من كان في الرحبة من تلك الجموع، فبثوه
بعد تفرقهم في البلاد، فطار كل مطير. ولا يخفى أن يوم الرحبة إنما كان في
خلافة أمير المؤمنين، وقد بويع سنة خمس وثلاثين، ويوم الغدير إنما كان في
حجة الوداع سنة عشر، فبين اليومين - في أقل الصور - خمس وعشرون
سنة، كان في خلالها طاعون عمواس، وحروب الفتوحات والغزوات على
عهد الخلفاء الثلاثة، وهذه المدة - وهي ربع قرن - بمجرد طولها وبحروبها
وغاراتها، وبطاعون عمواسها الجارف، قد أفنت جل من شهد يوم الغدير
من شيوخ الصحابة وكهولهم، ومن فتيانهم المتسرعين - في الجهاد - إلى لقاء
الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وآله، حتى لم يبق منهم حيا
بالنسبة إلى من مات إلا قليل، والأحياء منهم كانوا منتشرين في الأرض إذ لم
يشهد منهم الرحبة إلا من كان مع أمير المؤمنين في العراق من الرجال دون
النساء، ومع هذا كله فقد قام ثلاثون صحابيا، فيهم اثنا عشر بدريا
فشهدوا بحديث الغدير سماعا من رسول الله صلى الله عليه وآله،
ورب قوم أقعدهم البغض عن القيام بواجب الشهاد كانس (1) ابن مالك

(1) حيث قال له علي عليه السلام: مالك لا تقوم مع أصحاب رسول الله فتشهد بما سمعته يومئذ
منه؟ فقال: يا أمير المؤمنين، كبرت سني ونسيت. فقال علي: إن كنت كاذبا فضربك الله ببيضاء لا
تواريها العمامة، فما قام حتى ابيض وجهه برصا، فكان بعد ذلك يقول: أصابتني دعوة العبد
الصالح. ا ه‍. قلت: هذه منقبة مشهورة ذكرها الإمام ابن قتيبة الدينوري، حيث ذكر أنسا في أهل
العاهات من كتابه - المعارف - آخر ص 194. ويشهد لها ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في آخر
ص 119 من الجزء الأول من مسنده، حيث قال: فقاموا إلا ثلاثة لم يقوموا، فأصابتهم دعوته.
268

وغيره، فأصابتهم دعوة أمير المؤمنين عليه السلام (632)، ولو تسنى له
أن يجمع كل من كان حيا يومئذ من الصحابة رجالا ونساء، ثم يناشدهم
مناشدة الرحبة، لشهد له أضعاف أضعاف الثلاثين، فما ظنك لو تسنت له
المناشدة في الحجاز قبل أن يمضي على عهد الغدير ما مضى من الزمن؟
فتدبر هذه الحقيقة الراهنة تجدها أقوى دليل على تواتر حديث الغدير،
وحسبك مما جاء في يوم الرحبة من السنن ما أحرجه الإمام أحمد - من حديث
زيد بن أرقم في ص 370 من الجزء الرابع من مسنده - عن أبي الطفيل،
قال: " جمع علي الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ
مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول يوم غدير خم ما
سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس (قال) وقال أبو نعيم: فقام ناس
كثير، فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين
من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه، فهذا
مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قال أبو الطفيل، فخرجت
وكأن في نفسي شيئا - أي من عدم عمل جمهور الأمة بهذا الحديث - فلقيت
زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليا يقول: كذا وكذا، قال زيد:
فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول ذلك له "
ا ه‍. (633).
قلت: فإذا ضممت شهادة زيد هذه، وكلام علي يومئذ في هذا
الموضوع إلى شهادة الثلاثين، كان مجموع الناقلين للحديث يومئذ اثنين
وثلاثين صحابيا، وأخرج الإمام أحمد من حديث علي ص 119 من الجزء
الأول من مسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، " قال: شهدت عليا في
الرحبة ينشد الناس، فيقول: أنشد الله من سمع رسول الله يقول يوم غدير
269

خم، من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام فشهد، ولا يقم إلا من قد رآه، قال
عبد الرحمن: اثنا عشر بدريا كأني أنظر إلى أحدهم، فقالوا: نشهد أنا سمعنا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين
من أنفسهم، وأزواجي أمهاتهم؟ فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت
مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه " ا ه‍. (634).
ومن طريق آخر، أخرجه الإمام أحمد في آخر الصفحة المذكورة،
قال: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من
خذله، قال: فقاموا إلا ثلاثة لم يقوموا، فدعا عليهم علي فأصابتهم
دعوته " ا ه‍. (635) وأنت إذا ضممت عليا وزيد بن أرقم إلى الاثني عشر
المذكورين في الحديث، كان البدريون يومئذ 14 رجلا كما لا يخفى، ومن
تتبع السنن الواردة في مناشدة الرحبة، عرف حكمة أمير المؤمنين في نشر
حديث الغدير وإذاعته.
5 - ولسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، موقف - على عهد
معاوية - حصحص فيه الحق، كموقف أمير المؤمنين في الرحبة إذ جمع
الناس - أيام الموسم بعرفات - فأشاد بذكر جده وأبيه وأمه وأخيه، فلم
يسمع سامع بمثله بليغا حكيما يستعبد الأسماع، ويملك الأبصار والأفئدة،
جمع في خطابه فأوعى، وتتبع فاستقصى، وأدى يوم الغدير حقه، ووفاه
حسابه، فكان لهذا الموقف العظيم أثره، في اشتهار حديث الغدير وانتشاره
(636).
6 - وإن للأئمة التسعة من أبنائه الميامين طرقا - في نشر هذا الحديث
وإذاعته - تريك الحكمة محسوسة بجميع الحواس، كانوا يتخذون اليوم
الثامن عشر من ذي الحجة عيدا في كل عام، يجلسون فيه للتهنئة
والسرور، بكل بهجة وحبور، ويتقربون فيه إلى الله عز وجل بالصوم
270

والصلاة، والابتهال - بالأدعية - إلى الله، ويبالغون فيه بالبر والاحسان،
شكرا لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص على أمير المؤمنين
بالخلافة، والعهد إليه بالإمامة، وكانوا يصلون فيه أرحامهم، ويسعون
على عيالهم، ويزورون إخوانهم، ويحفظون جيرانهم ويأمرون أولياءهم
بهذا كله.
7 - وبهذا كان يوم 18 من ذي الحجة في كل عام عيدا عند الشيعة (
637) (1)، في جميع الأعصار والأمصار، يفزعون فيه إلى مساجدهم،
للصلاة فريضة، ونافلة وتلاوة القرآن العظيم، والدعاء بالمأثور، شكرا لله
تعالى على إكمال الدين، وإتمام النعمة، بإمامة أمير المؤمنين، ثم
يتزاورون، ويتواصلون فرحين مبتهجين، متقربين إلى الله بالبر والاحسان
وإدخال السرور على الأرحام والجيران. ولهم في ذلك اليوم من كل سنة
زيارة لمشهد أمير المؤمنين، لا يقل المجتمعون فيها عند ضراحه عن مئة ألف
يأتون من كل فج عميق، ليعبدوا الله بما كان يعبده في مثل ذلك اليوم
أئمتهم الميامين، من الصوم والصلاة والإنابة إلى الله، والتقرب إليه
بالمبرات والصدقات، ولا ينفضون حتى يحدقوا بالضراح الأقدس فيلقوا في
زيارته - خطابا مأثورا عن بعض أئمتهم، يشتمل على الشهادة لأمير
المؤمنين بمواقفه الكريمة، وسوابقه العظيمة، وعنائه في تأسيس قواعد
الدين، وخدمة سيد النبيين والمرسلين إلى ما له من الخصائص والفضائل،
التي منها عهد النبي إليه، ونصه يوم الغدير عليه، هذا دأب الشيعة في كل
عام، وقد استمر خطباؤهم على الإشادة في كل عصر ومصر، بحديث

(1) قال ابن الأثير في عدة حوادث سنة 352 من كامله: وفيها في ثامن عشر ذي الحجة، أمر معز
الدولة بإظهار الزينة في البلد - بغداد - وأشعلت النيران بمجلس الشرطة، وأظهر الفرح، وفتحت
الأسواق بالليل كما يفعل ليالي الأعياد، فعل ذلك فرحا بعيد الغدير يعني غدير خم، وضربت الدبادب
والبوقات، وكان يوما مشهودا، انتهى بلفظه في ص 181 من الجزء الثامن من تاريخه.
271

الغدير مسندا ومرسلا، وجرت عادة شعرائهم على نظمه في مدائحهم قديما
(638) (1) وحديثا، فلا سبيل إلى التشكيك في تواتره من طريق أهل البيت
وشيعتهم، فإن دواعيهم لحفظه بعين لفظه، وعنايتهم بضبطه وحراسته
ونشره وإذاعته، بلغت أقصى الغايات، وحسبك ما تراه في مظانه من
الكتب الأربعة وغيرها من مسانيد الشيعة المشتملة على أسانيده الجمة
المرفوعة وطرقه المعنعنة المتصلة، ومن ألم بها، تجلى له تواتر هذا الحديث من
طرقهم القيمة (639).
8 - بل لا ريب في تواتره من طريق أهل السنة (640) بحكم
النواميس الطبيعية كما سمعت * (لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن
أكثر الناس لا يعلمون) *. وصاحب الفتاوى الحامدية - على تعنته - يصرح
بتواتر الحديث في رسالته المختصرة الموسومة بالصلوات الفاخرة في الأحاديث
المتواترة، والسيوطي وأمثاله من الحفاظ ينصون على ذلك، ودونك محمد
بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، المشهورين، وأحمد بن محمد
بن سعيد بن عقدة، ومحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، فإنهم تصدوا
لطرقه، فأفرد له كل منهم كتابا على حدة، (641) وقد أخرجه بن جرير في
كتابه من خمسة وسبعين طريقا، وأخرجه بن عقدة في كتابه من مئة وخمسة

(1) وقال الكميت بن زيد:
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا الخ.
وقال أبو تمام من عبقريته الرائية، وهي في ديوانه:
ويوم الغدير استوضح الحق أهله * بفيحاء ما فيها حجاب ولا ستر
أقام رسول الله يدعوهم بها * ليقربهم عرف وينآهم، نكر
يمد بضبعيه ويعلم أنه * ولي ومولاكم فهل لكم خبر
يروح ويغدو بالبيان لمعشر * يروح بهم غمر ويغدو بهم غمر
فكان له جهر بإثبات حقه * وكان لهم في بزهم حقه جهر
أثم جعلتم حظه حد مرهف * من البيض يوما حظ صاحبه القبر
272

طرق (1) والذهبي - على تشدده - صحح كثيرا من طرقه (2)، وفي الباب
السادس عشر من غاية المرام تسعة وثمانون حديثا من طريق أهل السنة في
نص الغدير، على أنه على ينقل عن الترمذي، ولا عن النسائي، ولا عن
الطبراني، ولا عن البزار، ولا عن أبي يعلى، ولا عن كثير ممن أخرج هذا
الحديث، والسيوطي نقل الحديث في أحوال علي من كتابه تاريخ الخلفاء
عن الترمذي، ثم قال: وأخرجه أحمد عن علي، وأبي أيوب الأنصاري،
وزيد بن أرقم، وعمر، وذي مر (3)، (قال) وأبو يعلى عن أبي هريرة،
والطبراني عن ابن عمر، ومالك بن الحويرث، وحبشي بن جنادة،
وجرير، وسعد بن أبي وقاص وأبي سعيد الخدري وأنس، (قال) والبزار،
عن ابن عباس، وعمارة وبريدة. ا ه‍. (642). ومما يدل على شيوع هذا
الحديث وإذاعته، ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4)، عن رياح بن
الحارث من طريقين إليه، قال: " جاء رهط إلى علي فقالوا: السلام عليك يا
مولانا، قال: من القوم؟ قالوا: مواليك يا أمير المؤمنين، قال:
كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب، قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه، فإن هذا مولاه، قال

(1) نص صاحب غاية المرام في أواخر الباب 16 ص 89 من كتابه المذكور: ابن جرير أخرج
حديث الغدير من خمسة وتسعين طريقا في كتاب أفرده له سماه كتاب: الولاية، وأن ابن عقدة
أخرجه من مائة وخمسة طرق في كتاب أفرده له أيضا، ونص الإمام أحمد بن محد بن الصديق المغربي
على أن كلا من الذهبي وابن عقدة أفرد لهذا الحديث كتابا خاصا به، فراجع خطبة كتابه القيم
الموسوم - بفتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي -.
(2) نص على ذلك ابن حجر في الفصل 5 من الباب الأول من صواعقه.
(3) أقول: وأخرجه أيضا من حديث ابن عباس ص 131 من الجزء الأول من مسنده، ومن
حديث البراء في ص 281 من الجزء الرابع من مسنده.
(4) راجع ص 419 من جزئه الخامس.
273

رياح: فلما مضوا تبعتهم فسألت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من
الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري " (643). ا؟. ومما يدل على تواتره ما
أخرجه أبو إسحاق الثعلبي في تفسير سورة المعارج من تفسيره الكبير
بسندين معتبرين " أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان يوم غدير
خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه، فعلي
مولاه، فشاع ذلك فطار في البلاد، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان
الفهري، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله، على ناقة له،
فأناخها ونزل عنها، وقال يا محمد أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله،
وأنك رسول الله فقبلنا منك، وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلنا منك،
وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم رمضان فقبلنا، وأمرتنا بالحج
فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا،
فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شئ منك أم من الله؟ فقال
صلى الله عليه وآله: فوالله الذي لا إله إلا هو إن هذا لمن الله عز
وجل، فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول
محمد حقا، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل
إلى راحلته حتى رماه الله سبحانه بحجر سقط على هامته، فخرج من دبره
فقتله، وأنزل الله تعالى * (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع
من الله ذي المعارج) * " إنتهى الحديث بعين لفظه (1)، وقد أرسله جماعة
من أعلام أهل السنة إرسال المسلمات (2) 644) والسلام
ش

(1) وقد نقله عن الثعلبي جماعة من أعلام السنة كالعلامة الشبلنجي المصري في أحوال علي
من كتابه - نور الأبصار - فراجع منه ص 11 إن شئت.
(2) فراجع ما نقله الحلبي من أخبار حجة الوداع في سيرته المعروفة بالسيرة الحلبية، تجد هذا
الحديث في آخر ص 214 من جزئها الثالث.
274

المراجعة 57 رقم: 25 المحرم سنة 1330
1 - تأويل حديث الغدير
2 - القرينة على ذلك
1 - حمل الصحابة على الصحة يستوجب تأويل حديث الغدير
متواترا، كان أو غير متواتر، ولذا قال أهل السنة لفظ المولى يستعمل في
معاني متعددة ورد بها القرآن العظيم، فتارة يكون بمعنى الأولى، كقوله
تعالى مخاطبا للكفار * (مأواكم النار هي مولاكم) * أي أولى بكم، وتارة
بمعنى الناصر، كقوله عز اسمه * (ذلك أن الله مولى الذين آمنوا وأن
الكافرين لا مولى لهم) * وبمعنى الوارث، كقوله سبحانه * (ولكل جعلنا
موالي مما ترك الوالدان والأقربون) * أي ورثة وبمعنى العصبة، نحو قوله عز
وجل * (وإني خفت الموالي من ورائي) * وبمعنى الصديق * (يوم لا يغني مولا عن
مولا شيئا) * وكذلك لفظ الولي يجئ بمعنى الأولى بالتصرف كقولنا: فلان
ولي القاصر، وبمعنى الناصر والمحبوب، قالوا: فلعل معنى الحديث من
كنت ناصره، أو صديقه، أو حبيبه، فإن عليا كذلك، وهذا المعنى
يوافق كرامة السلف الصالح وإمامة الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم
أجمعين.
2 - وربما جعلوا القرينة على إرادته من الحديث، أن بعض من كان
مع علي في اليمن رأى منه شدة في ذات الله، فتكلم فيه ونال منه،
وبسبب ذلك قام النبي صلى ا عليه وآله وسلم، يوم الغدير بما قام فيه من
الثناء على الإمام، وأشاد بفضله تنبيها إلى جلالة قدره، وردا على من
275

تحامل عليه، ويرشد بذلك أنه أشاد في خطابه بعلي خاصة، فقال من
كنت وليه فعلي وليه، وبأهل البيت عامة، فقال: " إني تارك فيكم
الثقلين، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي " (645) فكان كالوصية لهم
بحفظه في علي بخصوصه، وفي أهل بيته عموما، وقالوا: وليس فيها
عهد بخلافة، ولا دلالة على إمامة، والسلام.
س
المراجعة 58 رقم: 27 المحرم سنة 1330.
1 - حديث الغدير لا يمكن تأويله
2 - قرينة التأويل جزاف وتضليل
1 - أنا أعلم بأن قلوبكم لا تطمئن بما ذكرتموه، ونفوسكم لا تركن إليه،
وأنكم تقدرون رسول الله صلى الله عليه وآله، في حكمته البالغة،
وعصمته الواجبة، ونبوته الخاتمة، وأنه سيد الحكماء، وخاتم الأنبياء * (وما ينطق
عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) * (646) فلو سألكم فلاسفة
الأغيار عما كان منه يوم غدير خم، فقال: لماذا منع تلك الألوف المؤلفة يومئذ عن
المسير؟ وعلى م حبسهم في تلك الرمضاء بهجير؟ وفيم اهتم بإرجاع من تقدم منهم
وإلحاق من تأخر؟ ولم أنزلهم جميعا في ذلك العراء على غير كلا ولا ماء؟ ثم خطبهم عن
الله عز وجل في ذلك المكان الذي منه يتفرقون، ليبلغ الشاهد منهم الغائب، وما
المقتضي لنعي نفسه إليهم في مستهل خطابه؟ إذ قال: يوشك أن يأتيني رسول ربي
فأجيب، وإني مسؤول، وأنكم مسؤولون، وأي أمر يسأل النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، عن تبليغه؟ وتسأل الأمة عن طاعتها فيه، ولماذا سألهم فقال: ألستم
276

تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق،
وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله
يبعث من في القبور، قالوا: بلى نشهد بذلك، ولماذا أخذ حينئذ على سبيل الفور بيد
علي فرفعها إليه حتى بان بياض إبطيه؟ فقال: يا أيها الناس إن الله مولاي،
وأنا مولى المؤمنين ولماذا فسر كلمته - وأنا مولى المؤمنين - بقوله: وأنا أولى
بهم من أنفسهم؟ ولماذا قال بعد هذا التفسير: فمن كنت مولاه، فهذا مولاه أو من
كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره،
واخذل من خذله، ولم خصه بهذه الدعوات التي لا يليق لها إلا أئمة الحق، وخلفاء
الصدق، ولماذا أشهدهم من قبل، فقال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟
فقالوا: بلى. فقال: من كنت مولاه، فعلي مولاه، أو من كنت وليه، فعلي
وليه، ولماذا قرن العترة بالكتاب؟ وجعلها قدوة لأولي الألباب إلى يوم الحساب؟
وفيم هذا الاهتمام العظيم من هذا النبي الحكيم؟ وما المهمة التي احتاجت إلى هذه
المقدمات كلها؟ وما الغاية التي توخاها في هذا الموقف المشهود؟ وما الشئ الذي
أمره الله تعالى بتبليغه إذ قال عز من قائل * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * (647) وأي مهمة
استوجبت من الله هذا التأكيد؟ واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه
التهديد؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه؟ ويحتاج إلى عصمة الله من
أذى المنافقين ببيانه؟ أكنتم - بجدك لو سألكم عن هذا كله - تجيبونه بأن
الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله، إنما أراد بيان نصرة علي
للمسلمين، وصداقته لهم ليس إلا، ما أراكم ترتضون هذا الجواب،
ولا أتوهم إنكم ترون مضمونه جائزا على رب الأرباب، ولا على سيد
الحكماء، وخاتم الرسل والأنبياء، وأنتم أجل من أن تجوزوا عليه أن يصرف
هممه كلها، وعزائمه بأسرها، إلى تبيين شئ بين لا يحتاج إلى بيان،
وتوضيح أمر واضح بحكم الوجدان والعيان، ولا شك أنكم تنزهون
277

أفعاله وأقواله عن أن تزدري بها العقلاء، أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء،
بل لا ريب في أنكم تعرفون مكانة قوله وفعله من الحكمة والعصمة، وقد
قال الله تعالى: * (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين
مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون) * (648) فيهتم بتوضيح
الواضحات، وتبيين ما هو بحكم البديهيات، ويقدم لتوضيح هذا
الواضح مقدمات أجنبية، لا ربط له بها ولا دخل لها فيه، تعالى الله عن
ذلك ورسوله علوا كبيرا. وأنت نصر الله بك الحق - تعلم أن الذي يناسب
مقامه في ذلك الهجير، ويليق بأفعاله وأقواله يوم الغدير، إنما هو تبليغ
عهده، وتعيين القائم مقامه من بعده، والقرائن اللفظية، والأدلة
العقلية، توجب القطع الثابت الجازم بأنه صلى الله عليه وآله، ما
أراد يومئذ ألا تعيين علي وليا لعهده، وقائما مقامه من بعده، فالحديث مع
ما قد حف به من القرائن نص جلي، في خلافة علي، لا يقبل التأويل،
وليس إلى صرفه عن هذا المعنى من سبيل، وهذا واضح * (لمن كان له
قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) *.
2 - أما القرينة التي زعموها فجزاف وتضليل، ولباقة في التخليط
والتهويل، لأن النبي صلى الله عليه وآله، بعث عليا إلى اليمن
مرتين، والأولى كانت سنة ثمان (649)، وفيها أرجف المرجفون به،
وشكوه إلى النبي بعد رجوعهم إلى المدينة، فأنكر عليهم ذلك (1) حتى
أبصروا الغضب في وجهه، فلم يعودوا لمثلها، والثانية كانت سنة عشر
(650) وفيها عقد النبي له اللواء وعممه صلى الله عليه وآله بيده،
وقال له: امض ولا تلتفت، فمضى لوجهه راشدا مهديا حتى أنفذ أمر
النبي، ووافاه صلى الله عليه وآله وسلم، في حجة الوداع، وقد أهل بما

(1) كما بيناه في المراجعة 36، فراجعها ولا يفوتنك ما علقناه عليها.
278

أهل به رسول الله فأشركه صلى الله عليه وآله بهديه، وفي تلك المرة
لم يرجف به مرجف، ولا تحامل عليه مجحف، فكيف يمكن أن يكون
الحديث مسببا عما قاله المعترضون؟ أو مسوقا للرد على أحد كما يزعمون.
على أن مجرد التحامل على علي، لا يمكن أن يكون سببا لثناء النبي
عليه، بالشكل الذي أشاد به صلى الله عليه وآله، على منبر
الحدائج يوم خم، إلا أن يكون - والعياذ بالله - مجازفا في أقواله وأفعاله،
وهممه وعزائمه، وحاشا قدسي حكمته البالغة، فإن الله سبحانه
يقول: * (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا
بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين) * (651) ولو أراد
مجرد بيان فضله، والرد على المتحاملين عليه، لقال: هذا ابن عمي،
وصهري، وأبو ولدي، وسيد أهل بيتي، فلا تؤذوني فيه، أو نحو ذلك
من الأقوال الدالة على مجرد الفضل وجلالة القدر على أن لفظ الحديث (1)
لا يتبادر إلى الأذهان منه إلا ما قلناه، فليكن سببه مهما كان، فإن الألفاظ
إنما تحمل على ما يتبادر إلى الأفهام منها، ولا يلتفت إلى أسبابها كما لا
يخفى. وأما ذكر أهل بيته في حديث الغدير، فإنه من مؤيدات المعنى
الذي قلناه، حيث قرنهم بمحكم الكتاب، وجعلهم قدوة لأولي
الألباب، فقال: إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله
وعترتي أهل بيتي، وإنما فعل ذلك لتعلم الأمة أن لا مرجع بعد نبيها إلا
إليهما، ولا معول لها من بعده إلا عليهما، وحسبك في وجوب اتباع
الأئمة من العترة الطاهرة اقترانهم بكتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكما لا يجوز الرجوع إلى كتاب يخالف
في حكمه كتاب الله سبحانه وتعالى، لا يجوز الرجوع إلى إمام يخالف في

(1) ولا سيما بسبب ما أشرنا إليه من القرائن العقلية والنقلية.
279

حكمه أئمة العترة (652)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إنهما لن
ينقضيا أو لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، دليل على أن الأرض لن تخلو
بعده من إمام منهم، هو عدل الكتاب، ومن تدبر الحديث وجده يرمي
إلى حصر الخلافة في أئمة العترة الطاهرة، ويؤيد ذلك ما أخرجه الإمام
أحمد في مسنده (2) عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: " إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود من السماء
إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ".
ا ه‍. " (653). وهذا نص في خلافة أئمة العترة عليهم السلام. وأنت
تعلم أن النص على وجوب اتباع العترة، نص على وجوب اتباع علي، إذ
هو سيد العترة لا يدافع، وإمامها لا ينازع، فحديث الغدير وأمثاله،
يشتمل على النص على علي تارة، من حيث أنه إمام العترة، المنزلة من
الله ورسوله منزلة الكتاب، وأخرى من حيث شخصه العظيم، وأنه ولي
كل من كان رسول الله وليه، والسلام.
ش
المراجعة 59 رقم: 28 المحرم 1330
1 - حصحص الحق
2 - المراوغة عنه
1 - لم أجد فيمن عبر وغبر ألين منك لهجة، ولا ألحن منك بحجة،
وقد حصحص الحق بما أشرت إليه من القرائن، فانكشف قناع الشك عن
محيا اليقين، ولم تبق لنا وقفة في أن المراد من الولي والمولى في حديث الغدير
إنما هو الأولى، ولو كان المراد الناصر، أو نحوه ما سأل سائل بعذاب

(2) راجع أول ص 122 من جزئه الخامس.
280

واقع، فرأيكم في المولى ثابت مسلم.
2 - فليتكم تقنعون منا في تفسير الحديث بما ذكره جماعة من العلماء كالإمام
ابن حجر في صواعقه، والحلبي في سيرته، إذ قالوا: سلمنا أنه أولى
بالإمامة فالمراد المآل، وإلا كان هو الإمام مع وجود النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، ولا تعرض فيه لوقت المآل، فكأن المراد حين يوجد عقد البيعة له،
فلا ينافي حينئذ تقديم الأئمة الثلاثة عليه، وبهذا تحفظ كرامة السلف
الصالح رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
س
المراجعة 60 رقم: 30 المحرم سنة 1330
دحض المراوغة
طلبتم - نصر الله بكم الحق - أن نقنع بأن المراد من حديث الغدير أن
عليا أولى بالإمامة حين يختاره المسلمون لها، ويبايعونه بها، فتكون أولويته
المنصوص عليها يوم الغدير مالية لا حالية، وبعبارة أخرى تكون أولوية
بالقوة لا بالفعل، لئلا تنافي خلافة الأئمة الثلاثة الذين تقدموا عليه فنحن
ننشدكم بنور الحقيقة، وعزة العدل، وشرف الإنصاف، وناموس
الفضل، هل في وسعكم أن تقنعوا بهذا لنحذو حذوكم وننحو فيه نحوكم،
وهل ترضون أن يؤثر هذا المعنى عنكم، أو يعزى إليكم، لنقتص أثركم،
وننسج فيه على منوالكم، ما أراكم قانعين ولا راضين، واعلم يقينا أنكم
تتعجبون ممن يحتمل إرادة هذا المعنى الذي لا يدل عليه لفظ الحديث، ولا
يفهمه أحد منه، ولا يجتمع مع حكمة النبي ولا مع بلاغته صلى الله عليه
وآله وسلم، ولا مع شئ من أفعاله العظيمة، وأقواله الجسيمة يوم
281

الغدير، ولا مع ما أشرنا إليه سابقا من القرائن القطعية، ولا مع ما فهمه
الحارث بن النعمان الفهري من الحديث، فأقره الله تعالى على ذلك ورسوله
صلى الله عليه وآله وسلم، والصحابة كافة.
على أن الأولوية المآلية لا تجتمع مع عموم الحديث لأنها تستوجب أن
لا يكون علي مولى الخلفاء الثلاثة، ولا مولى واحد ممن مات من المسلمين
على هدهم كما لا يخفى، وهذا خلاف ما حكم به الرسول حيث قال صلى
الله عليه وآله وسلم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى، فقال
من كنت مولاه - يعني من المؤمنين فردا فردا - فعلي مولاه من غير استثناء كما
ترى. وقد قال أبو بكر وعمر لعلي (1) - حين سمعا رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، يقول فيه يوم الغدير ما قال -: " أمسيت يا ابن أبي طالب مولى
كل مؤمن ومؤمنة " (654) فصرحا بأنه مولى كل مؤمن ومؤمنة على سبيل
الاستغراق لجميع المؤمنين والمؤمنات منذ أمسى مساء الغدير، وقيل
لعمر (2): " إنك تصنع لعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى
الله عليه وآله وسلم، فقال: إنه مولاي " (655) فصرح بأنه مولاه، ولم
يكونوا حينئذ قد اختاروه للخلافة، ولا بايعوه بها، فدل ذلك على أنه
مولاه، ومولى كل مؤمن ومؤمنة بالحال لا بالمآل، منذ صدع رسول الله
صلى الله عليه وآله، بذلك عن الله تعالى يوم الغدير، " واختصم
أعرابيان إلى عمر، فالتمس من علي القضاء بينهما، فقال أحدهما: هذا

(1) فيما أخرجه الدارقطني - كما في أواخر الفصل الخامس من الباب الأول من صواعق ابن
حجر - فراجع منها ص 26، وقد رواه غير واحد أيضا من المحدثين بأسانيدهم وطرقهم، وأخرج أحمد
نحو هذا القول عن عمر من حديث البراء بن عازب في ص 281 من الجزء الرابع من مسنده، وقد مر
عليك في المراجعة 54 من هذا الكتاب.
(2) فيما أخرجه الدارقطني كما في ص 36 من الصواعق أيضا.
282

يقضي بيننا؟! فوثب إليه عمر (1) وأخذ بتلبيبه، وقال: ويحك ما تدري من
هذا؟ هذا مولاك ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن "
(656) والأخبار في هذا المعنى كثيرة. وأنت - نصر الله بك الحق - تعلم
أن لو تمت فلسفة ابن حجر وأتباعه في حديث الغدير، لكان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، كالعابث يومئذ في هممه وعزائمه - والعياذ بالله - الهاذي في
أقواله وأفعاله - وحاشا لله - إذ لا يكون له - بناء على فلسفتهم - مقصد
يتوخاه في ذلك الموقف الرهيب، سوى بيان أن عليا بعد وجود عقد البيعة له
بالخلافة يكون أولى بها، وهذا معنى تضحك من بيانه السفهاء، فضلا عن
العقلاء، لا يمتاز - عندهم - أمير المؤمنين به على غيره، ولا يختص فيه - على
رأيهم - واحد من المسلمين دون الآخر، لأن كل من وجد عقد البيعة له
كان - عندهم - أولى بها، فعلي وغيره من سائر الصحابة والمسلمين في ذلك
شرع سواء، فما الفضيلة التي أراد النبي صلى الله عليه وآله، يومئذ
أن يختص بها عليا دون غيره من أهل السوابق، إذا تمت فلسفتهم يا
مسلمون؟ أما قولهم بأن أولوية علي بالإمامة لو لم تكن مالية، لكان هو
الإمام مع وجود النبي صلى الله عليه وآله، فتمويه عجيب، وتضليل
غريب، وتغافل عن عهود كل من الأنبياء والخلفاء والملوك والأمراء إلى من
بعدهم، وتجاهل بما يدل عليه حديث: " أنت مني بمنزلة هارون من
موسى، إلا أنه لا نبي بعدي " (657) وتناس لقوله صلى الله عليه وآله
وسلم، في حديث الدار يوم الانذار: " فاسمعوا له وأطيعوا " (658)
ونحو ذلك من السنن المتضافرة. على أنا لو سلمنا بأن أولوية علي بالإمامة لا
يمكن أن تكون حالية لوجود النبي صلى الله عليه وآله، فلا بد أن

(1) أخرجه الدارقطني - كما في أواخر الفصل الأول من الباب الحادي عشر من الصواعق المحرقة
لابن حجر -.
283

تكون بعد وفاته بلا فصل، عملا بالقاعدة المقررة عند الجميع، أعني حمل
اللفظ - عند تعذر الحقيقة - على أقرب المجازات إليها كما لا يخفى. وأما
كرامة السلف الصالح فمحفوظة بدون هذا التأويل، كما سنوضحه إذا
اقتضى الأمر ذلك، والسلام.
ش
المراجعة 61 رقم: 1 صفر سنة 1330
التماس النصوص الواردة من طريق الشيعة
إذا كانت كرامة السلف الصالح محفوظة، فلا بأس بشئ مما
أوردتموه من الأحاديث المختصة بالإمام سواء في ذلك حديث الغدير وغيره،
ولا موجب لتأويلها، ولعل عندكم في هذا الموضوع أحاديث لا يعرفها
أهل السنة، فألتمس إيرادها لنكون على علم منها، والسلام.
س
المراجعة 62 رقم: 2 صفر سنة 1330
أربعون نصا
نعم عندنا من النصوص التي لا يعرفها أهل السنة صحاح متواترة،
من طريق العترة الطاهرة، نتلو عليك منها أربعين حديثا (1).

(1) إنما آثرنا هذا العدد لما رويناه عن كل من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، و عبد الله بن
عباس، و عبد الله بن مسعود، و عبد الله بن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي الدرداء، وأبي
هريرة، وأنس بن مالك، ومعاذ بن جبل، من طرق كثيرة متنوعة أن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، قال: من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء
والعلماء. وفي رواية: بعثه الله فقهيا عالما. وفي رواية أبي الدرداء: كنت له يوم القيامة شافعا وشهيدا.
وفي رواية ابن مسعود: قيل له أدخل من أي أبواب الجنة شئت. وفي رواية ابن عمر كتب في زمرة
العلماء، وحشر في زمرة الشهداء. وحسبنا في حفظ هذه الأربعين وغيرها مما اشتملت عليه مراجعاتنا
كلها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، وقوله
صلى الله عليه وآله وسلم: ليبلغ الشاهد منكم الغائب.
284

1 - أخرج الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه
القمي في كتابه - إكمال الدين وإتمام النعمة - بالإسناد إلى عبد الرحمن بن
سمرة من حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله، جاء فيه: يا
ابن سمرة إذا اختلفت الأهواء، وتفرقت الآراء، فعليك بعلي بن أبي
طالب، فإنه إمام أمتي وخليفتي عليهم من بعدي (659).
2 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا عن ابن عباس، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى، اطلع إلى
أهل الأرض اطلاعة، فاختارني منها فجعلني نبيا، ثم اطلع الثانية،
فاختار عليا فجعله إماما، ثم أمرني أن أتخذه أخا ووليا، ووصيا وخليفة
ووزيرا، الحديث (660).
3 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا بسنده إلى الإمام الصادق عن
أبيه عن آبائه عليهم السلام، أن رسول الله صلى الله عليه وآله،
قال: حدثني جبرائيل عن رب العزة جل جلاله، أنه قال: من علم أن
لا إله إلا أنا وحدي، وأن محمدا عبدي ورسولي، وأن علي بن أبي طالب
خليفتي، وأن الأئمة من ولده حججي، أدخلته الجنة برحمتي. الحديث
(661).
4 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا بسنده إلى الإمام الصادق عن أبيه
285

عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الأئمة بعدي
اثنا عشر، أولهم علي وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي. الحديث
(662).
5 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا بالإسناد إلى الأصبغ بن نباتة،
قال: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ذات يوم، ويده في يد
ابنه الحسن، وهو يقول: خرج علينا رسول الله ذات يوم، ويده في يدي
هكذا، وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيدهم أخي هذا، وهو إمام كل
مسلم، وأمير كل مؤمن بعد وفاتي. الحديث (663).
6 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا بسنده إلى الإمام الرضا عن
آبائه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: من أحب أن
يتمسك بديني، ويركب سفينة النجاة بعدي، فليقتد بعلي بن أبي طالب
فإنه وصيي، وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد وفاتي. الحديث (664).
7 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا بسنده إلى الإمام الرضا عن
أبيه عن آبائه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من حديث
قال فيه: وأنا وعلي أبوا هذه الأمة، من عرفنا فقد عرف الله، ومن
أنكرنا فقد أنكر الله عز وجل، ومن علي سبطا أمتي وسيدا شباب أهل
الجنة الحسن والحسين، ومن ولد الحسين تسعة طاعتهم طاعتي،
ومعصيتهم معصيتي، تاسعهم قائمهم ومهديهم (665).
8 - أخرج الصدوق في الاكمال بالإسناد إلى الإمام الحسن
العسكري عن أبيه عن آبائه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، من حديث قال فيه: يا ابن مسعود علي بن بن أبي طالب إمامكم
بعدي، وخليفتي عليكم. الحديث (666).
286

9 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا بالإسناد إلى سلمان، قال:
دخلت على النبي صلى الله عليه وآله، فإذا الحسين بن علي على
فخذه، وهو يلثم فاه، ويقول: أنت سيد ابن سيد، وأنت إمام ابن
إمام، أخو إمام أبو الأئمة، وأنت حجة الله، وابن حجته، وأبو حجج
تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم (667).
10 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا بالإسناد إلى سلمان أيضا،
عن رسول الله من حديث طويل، جاء فيه: يا فاطمة، أما علمت أنا
أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وأن الله تبارك وتعالى، اطلع
إلى أهل الأرض اطلاعة، فاختارني من خلقه، ثم اطلع اطلاعه ثانية،
اختار زوجك، وأوحى إلي أن أزوجك إياه، وأتخذه وليا ووزيرا، وإن
أجعله خليفتي في أمتي، فأبوك خير الأنبياء، وبعلك خير الأوصياء،
وأنت أول من يلحق بي. الحديث (668).
11 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا من حديث طويل، ذكر فيه
اجتماع أكثر من مئتي رجل من المهاجرين والأنصار في المسجد على عهد
عثمان، يتذاكرون العلم والفقه، وأنهم تفاخروا بينهم، وعلي ساكت،
فقالوا له: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم؟ فذكرهم بقول رسول الله
صلى الله عليه وآله: علي أخي ووزيري، ووارثي ووصيي،
وخليفتي في أمتي، وولي كل مؤمن بعدي، فأقروا له بذلك. الحديث
(669).
12 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا عن كل من عبد الله بن
جعفر، والحسن، والحسين، و عبد الله بن عباس، وعمر بن أبي
سلمة، وأسامة بن زيد، وسلمان، وأبي ذر، والمقداد، قالوا جميعا:
287

سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول: أنا أولى بالمؤمنين
من أنفسهم، ثم أخي علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. الحديث
(670).
13 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا عن الأصبغ بن نباتة، عن
ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
يقول: أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين
مطهرون الحديث (671).
14 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا عن عباية بن ربعي، عن
ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا سيد النبيين
وعلي سيد الوصيين. الحديث (672).
15 - أخرج الصدوق في الاكمال بالإسناد إلى الإمام الصادق،
عن آبائه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: إن الله
عز وجل اختارني من جميع الأنبياء، واختار مني عليا وفضله على جميع
الأوصياء، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين
الأوصياء من ولده، ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال
المبطلين، وتأويل الضالين (673).
16 - أخرج الصدوق في الاكمال أيضا عن علي، قال: قال
رسول الله: الأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم
الذي يفتح الله عز وجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها (1) (674).

(1) هذا الحديث والأحاديث التي قبله موجودة في باب ما روي عن النبي في النص على القائم،
وأنه الثاني عشر من الأئمة، وهو الباب الرابع والعشرون من أبواب إكمال الدين وإتمام النعمة ص 149
وما بعدها إلى ص 167.
288

17 - أخرج الصدوق في أماليه عن الإمام الصادق عن آبائه
مرفوعا من حديث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: علي مني،
وأنا من علي، خلق من طينتي، يبين للناس ما اختلفوا فيه من سنتي وهو
أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، وخير الوصيين. الحديث (675).
18 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا بسنده إلى علي مرفوعا، من
حديث طويل، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: أن عليا
أمير المؤمنين، بولاية من الله عز وجل عقدها فوق عرشه، وأشهد على
ذلك ملائكته، وأن عليا خليفة الله وحجة الله، وأنه لإمام
المسلمين الحديث (676).
19 - أخرج الصدوق في الأمالي أيضا عن ابن عباس، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أنت إمام المسلمين، وأمير
المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، وحجة الله بعدي، وسيد الوصيين
الحديث (677).
20 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا عن ابن عباس، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله. يا علي أنت خليفتي على أمتي،
وأنت مني كشيث من آدم. الحديث (678).
21 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا بالإسناد إلى أبي ذر، قال:
كنا ذات يوم عند رسول الله في مسجده، فقال: يدخل عليكم من هذا
الباب رجل هو أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، فإذا بعلي بن أبي طالب
قد طلع، فاستقبله رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم أقبل علينا
بوجهه الكريم، فقال: هذا إمامكم بعدي. الحديث (1) (679).

(1) هذا الحديث مع الأربعة التي قبله نقلها عن الصدوق في أماليه السيد البحريني في الباب
التاسع من كتابه: غاية المرام، وهي طويلة نقلنا منها محل الشاهد. أما ما بعده من الأحاديث كلها
فموجود في الباب الثالث عشر من غاية المرام.
289

22 - أخرج الصدوق في أماليه عن جابر بن عبد الله الأنصاري،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: علي بن أبي طالب
أقدمهم سلما، وأكثرهم علما، إلى أن قال: وهو الإمام والخليفة بعدي
(680).
23 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا بسنده إلى ابن عباس، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: معاشر الناس من أحسن من
الله قيلا؟ إن ربكم جل جلاه، أمرني أن أقيم لكم عليا علما وإماما
وخليفة ووصيا، وأن أتخذه أخا ووزيرا. الحديث (681).
24 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا بالإسناد إلى أبي عياش،
قال: صعد رسول الله (ص) المنبر فخطب ثم ذكر خطبته، وقد جاء
فيها: وأن ابن عمي عليا هو أخي، ووزيري، وهو خليفتي، والمبلغ
عني: الحديث (682).
25 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا بسنده إلى أمير المؤمنين،
قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم، فقال: أيها
الناس إنه قد أقبل شهر الله، ثم ساق الحديث في فضل شهر رمضان،
قال علي: فقلت يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ قال:
الورع عن محارم الله، ثم بكى، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك؟
فقال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، إلى أن قال: يا علي
أنت وصيي، وأبو ولدي، وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي،
أمرك أمري، ونهيك نهيي. الحديث (683).
290

26 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا عن علي عليه السلام، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أنت أخي وأنا أخوك، أنا المصطفى
للنبوة وأنت المجتبى للإمامة، أنا صاحب التنزيل وأنت صاحب التأويل وأنت أبو
هذه الأمة يا علي أنت وصيي وخليفتي، ووزيري ووارثي، وأبو ولدي، الحديث
(684).
27 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا بسنده إلى ابن عباس، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذات يوم في مسجد قباء،
والأنصار مجتمعون: يا علي أنت أخي، وأنا أخوك، وأنت وصيي
وخليفتي، وإمام أمتي بعدي، والى الله من والاك، وعادى الله من
عاداك (685).
28 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا من حديث طويل عن أم
سلمة، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أم سلمة اسمعي
واشهدي، هذا علي بن أبي طالب وصيي وخليفتي من بعدي، وقاضي
عداتي، والذائد عن حوضي (686).
29 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا بسنده إلى سلمان الفارسي،
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول: يا معاشر
المهاجرين والأنصار، ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا
قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هذا علي أخي ووصيي، ووزيري
ووارثي وخليفتي، إمامكم فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي، فإن
جبرائيل أمرني أن أقوله لكم (687).
30 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا بسنده إلى زيد بن أرقم،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أدلكم على ما إن
291

تمسكتم به لن تهلكوا، ولن تضلوا، قال: إن إمامكم ووليكم علي بن
أبي طالب فوازروه، وناصحوه، وصدقوه، فإن جبرائيل أمرني بذلك
(688).
31 - أخرج الصدوق في أماليه أيضا عن ابن عباس، من حديث
قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أنت إمام أمتي،
وخليفتي عليها بعدي، الحديث (689).
32 - أخرج الصدوق في أماليه عن ابن عباس أيضا، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى أوحى إلي أنه
جاعل من أمتي أخا ووارثا، وخليفة ووصيا، فقلت: يا رب من هو؟
فأوحى إلي أنه إمام أمتك، وحجتي عليها بعدك، فقلت: يا رب من
هو؟ فقال: ذاك من أحبه ويحبني، إلى أن قال في بيانه: هو علي بن أبي
طالب (690).
33 - أخرج الصدوق في أماليه عن الإمام الصادق عن آبائه مرفوعا
قال: قال رسول الله: لما أسري بي إلى السماء عهد إلي ربي جل جلاله في
علي: أنه إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب المؤمنين،
الحديث (691).
34 - أخرج الصدوق في أماليه بسنده إلى الإمام الرضا عن آبائه
مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: علي مني، وأنا
من علي، قاتل الله من قاتل عليا، علي إمام الخليقة بعدي (692).
35 - أخرج شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في
أماليه بسنده إلى عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم لعلي: أن الله زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها،
292

زينك في الزهد بالدنيا فجعلك لا ترزأ منها شيئا، ولا ترزأ منك شيئا،
ووهب لك حب المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعا، ويرضون بك
إماما، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب
عليك، الحديث (693).
36 - أخرج الشيخ في أماليه أيضا بالإسناد إلى علي، إذ قال على
منبر الكوفة: أيها الناس أنه كان لي من رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، عشر خصال، هن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، قال لي
صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأنت
أقرب الخلائق إلي يوم القيامة، ومنزلك في الجنة مواجه منزلي، وأنت
الوارث لي، وأنت الوصي من بعدي في عداتي وأسرتي، وأنت الحافظ لي
في أهلي عند غيبتي، وأنت الإمام لأمتي، وأنت القائم بالقسط في
رعيتي، وأنت وليي، ووليي ولي الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله
(694).
37 - أخرج الصدوق في كتاب النصوص على الأئمة بإسناده إلى
الحسن بن علي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله،
يقول لعلي: أنت وارث علمي، ومعدن حكمي، والإمام بعدي
(695).
38 - أخرج الصدوق في كتاب النصوص على الأئمة أيضا، بسنده
إلى عمران بن حصين، قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول
لعلي: وأنت الإمام والخليفة بعدي (696).
39 - أخرج الصدوق في كتاب النصوص على الأئمة أيضا، بسنده
إلى علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أنت الوصي
293

على الأموات من أهل بيتي، والخليفة على الأحياء من أمتي. الحديث
(697).
40 - أخرج الصدوق في كتاب النصوص على الأئمة أيضا بسنده
إلى الحسين بن علي، قال: لما أنزل الله تعالى: وأولو الأرحام بعضهم
أولى ببعض في كتاب الله، سألت رسول الله عن تأويلها، فقال: أنتم
أولوا الأرحام، فإذا مت فأبوك علي أولى بي وبمكاني، فإذا مضى أبوك،
فأخوك الحسن أولى به، فإذا مضى الحسن، فأنت أولى به. الحديث
(698).
هذا آخر ما أردنا إيراده في هذه العجالة، وما نسبته إلى ما بقي من
النصوص إلا كنسبة الباقة إلى الزهر، أو القطرة إلى البحر، على أن
البعض منها كاف والحمد لله رب العالمين، والسلام.
ش
المراجعة 63 رقم: 3 صفر سنة 1330
1 - لا حجة بنصوص الشيعة
2 - لماذا لم يخرجها غيرهم؟
3 - طلب المزيد من غيرها
1 - لا حجة بهذه النصوص على أهل السنة إذ لم تثبت عندهم.
2 - ولماذا لم يخرجوها لو كانت ثابتة.
3 - فعج بنا إلى ما بقي من حديث أهل السنة في هذا الموضوع،
والسلام.
س
294

المراجعة 64 رقم: 4 صفر سنة 1330
1 - إنما أوردناها إجابة للطلب.
2 - إنما حجتنا على الجمهور صحاحهم
3 - السبب في عدم إخراجهم صحاحنا
4 - الإشارة إلى نص الوراثة
1 - إنما أوردنا هذه النصوص لتحيطوا بها علما، وقد رغبتم إلينا في
ذلك.
2 - وحسبنا حجة عليكم ما قد أسلفناه من صحاحكم.
3 - أما عدم إخراج تلك النصوص فإنما هو لشنشنة نعرفها لكل من أضمر
لآل محمد حسيكة، وأبطن لهم الغل من حزب الفراعنة في الصدر الأول، وعبدة
أولي السلطة والتغلب الذين بذلوا في إخفاء فضل أهل البيت، وإطفاء نورهم كل
حول وكل طول، وكل ما لديهم من قوة وجبروت، وحملوا الناس كافة على مصادرة
مناقبهم وخصائصهم بكل ترغيب وترهيب، وأجلبوا على ذلك تارة بدراهمهم
ودنانيرهم، وأخرى بوظائفهم ومناصبهم، ومرة بسياطهم وسيوفهم، يدنون
من كذب بها، ويقصون من صدق بها، أو ينفونه أو يقتلونه. وأنت تعلم أن
نصوص الإمامة، وعهود الخلافة لما يخشى الظالمون منها أن تدمر عروشهم
وتنقض أساس ملكهم، فسلامتها منهم ومن أوليائهم المتزلفين إليهم،
ووصولها إلينا بالأسانيد المتعددة، والطرق المختلفة، آية من آيات الصدق،
ومعجزة من معجزات الحق، إذ كان المستبدون بحق أهل البيت والمستأثرون
295

بمراتبهم التي رتبهم الله فيها، يسومون من يتهمونه بحبهم سوء العذاب،
يحلقون لحيته، ويطوفون به في الأسواق، ثم يرذلونه ويسقطونه، ويحرمونه
من كل حق، حتى ييأس من عدل الولاة (1) (699)، ويقنط من معاشرة الرعية،
فإذا ذكر عليا ذاكر بخير برئت منه الذمة وحلت بساحته النقمة، فتستصفى
أمواله، وتضرب عنقه، وكم استلوا ألسنة نطقت بفضله، وسملوا أعينا رمقته
باحترام، وقطعوا أيديا أشارت إليه بمنقبة، ونشروا أرجلا سعت نحوه بعاطفة،
وكم حرقوا على أوليائه بيوتهم، واجتثوا نخيلهم، ثم صلبوهم على جذوعها، أو
شردوهم عن عقر ديارهم، فكانوا طرائق قددا (700) وكان في حملة الحديث وحفظة
الآثار، قوم يعبدون أولئك الملوك الجبابرة وولاتهم من دون الله عز وجل، ويتزلفون
إليهم بكل ما لديهم من تصحيف، وتحريف، وتصحيح وتضعيف (701)،
كالذين نراهم في زماننا هذا من شيوخ التزلف، وعلماء الوظائف، وقضاة
السوء، يتسابقون إلى مرضاة الحكام، بتأييد سياستهم عادلة كانت أو جائرة،
وتصحيح أحكامهم، صحيحة كانت أو فاسدة، فلا يسألهم الحاكم فتوى تؤيد
حكمه، أو تقمع خصمه، إلا بادروا إليها على ما تقتضيه رغبته،
وتستوجبه سياسته، وإن خالفوا نصوص الكتاب والسنة،
وخرقوا إجماع الأمة، حرصا على منصب يخافون العزل عنه،
أو يطمعون في الوصول إليه، وشتان بين هؤلاء وأولئك،
فإنه لا قيمة لهؤلاء عند حكوماتهم، أما أولئك فقد كانت حاجة الملوك إليهم
عظيمة، إذ كانوا يحاربون الله ورسوله بهم، ولذا كانوا عند الملوك والولاة أولي
منزلة سامية، وشفاعة مقبولة فكانت لهم بسبب ذلك صولة ودولة، وكانوا

(1) راجع ص 15 من المجلد الثالث من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد،
تجد بعض ما وقع من المحن لأهل البيت وشيعتهم في تلك الأيام، وللإمام الباقر ثمة
كلام في هذا الموضوع، ألفت إليه الباحثين.
296

يتعصبون على الأحاديث الصحيحة إذا تضمنت فضيلة لعلي أو لغيره من أهل بيت
النبوة، فيردونها بكل شدة، ويسقطونها بكل عنف، وينسبون رواتها إلى
الرفض - والرفض أخبث شئ عندهم - هذه سيرتهم في السنن الواردة في علي (
702)، ولا سيما إذا تشبث الشيعة بها، وكان لأولئك المتزلفين من يرفع ذكرهم من
الخاصة في كل قطر، ولهم من يروج رأيهم من طلبة العلم الدنيويين، ومن المرائين
بالزهد والعبادة، ومن الزعماء وشيوخ العشائر، فإذا سمع هؤلاء ما يقولون في رد
تلك الأحاديث الصيحة اتخذوا قولهم حجة، وروجوه عند العامة والهمج،
وأشاعوه وأذاعوه في كل مصر، وجعلوه أصلا من الأصول المتبعة في كل عصر.
وهناك قوم آخرون من حملة الحديث في تلك الأيام، اضطرهم الخوف إلى ترك
التحديث بالمأثور من فضل علي وأهل البيت، وكان هؤلاء المساكين إذا سئلوا عما
يقوله أولئك المتزلفون في رد السنن الصحيحة المشتملة على فضل علي وأهل البيت
يخافون - من مبادهة العامة بغير ما عندهم - أن تقع فتنة عمياء بكماء صماء، فكانوا
يضطرون في الجواب إلى اللواذ بالمعاريض من القول، خوفا من تألب أولئك
المتزلفين، ومروجيهم من الخاصة، وتألب من ينعق معهم من العامة ورعاع
الناس، وكان الملوك والولاة أمروا الناس بلعن أمير المؤمنين، وضيقوا عليهم
في ذلك، وحملوهم بالنقود، وبالجنود، وبالوعيد والوعود، على تنقيصه وذمه،
وصوروه للناشئة في كتاتيبها بصورة تشمئز منها النفوس، وحدثوها عنه بما تستك
منها المسامع، وجعلوا لعنه على منابر المسلمين من سنن العيدين والجمعة (703
)، فلولا أن نور الله لا يطفأ، وفضل أوليائه لا يخفى، ما وصلت إلينا السنن من
طريق الفريقين صحيحة صريحة بخلافته، ولا تواترت النصوص بفضله، وإني
والله لأعجب من الفضل الباهر الذي اختص به عبده وأخا رسوله، علي بن أبي
طالب، كيف خرق نوره الحجب من تلك الظلمات المتراكمة، والأمواج
المتلاطمة، فأشرق على العالم كالشمس في رائعة النهار.
297

4 - وحسبك - مضافا إلى كل ما سمعت من الأدلة القاطعة - نص الوراثة،
فإنه بمجرده حجة بالغة، والسلام.
ش
المراجعة 65 رقم: 5 صفر سنة 1330
حدثنا بحديث الوراثة من طريق أهل السنة، والسلام.
س
المراجعة 66 رقم: 5 صفر سنة 1330
علي وارث النبي صلى الله عليه وآله
لا ريب في أن رسول الله صلى الله عليه وآله، قد أورث عليا من العلم
والحكمة، ما أورث الأنبياء أوصياءهم، حتى قال صلى الله عليه وآله: " أنا
مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب (1) " (704) وقال صلى الله
عليه وآله وسلم: " أنا دار الحكمة وعلي بابها " (705) وقال: " علي باب علمي،
ومبين من بعدي لأمتي ما أرسلت به، حبه إيمان، وبغضه نفاق... الحديث " (
706) وقال صلى الله عليه وآله وسلم، في حديث زيد بن أبي أوفى (2): " وأنت أخي
ووارثي، قال: وما أرث منك؟ قال صلى الله عليه وآله: ما ورث الأنبياء
من قبلي " (707) ونص صلى الله عليه وآله، في حديث بريدة (3) على أن وارثه

(1) أوردنا هذا الحديث والحديثين اللذين بعده في المراجعة 48 ودونك من تلك
المراجعة الحديث 9 والحديث 10 والحديث 11، فراجع ولا تغفل عما علقناه ثمة.
(2) أوردناه في المراجعة 32.
(3) راجعه في المراجعة 68.
298

علي بن أبي طالب، (708) وحسبك حديث الدار يوم الانذار (709)، وكان علي
يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله: " والله إني لأخوه، ووليه
وابن عمه، ووارث علمه، فمن أحق به مني (3)؟ (710) ".
وقيل له مرة: " كيف ورثت ابن عمك دون عمك، فقال: جمع رسول الله
صلى الله عليه وآله، بني عبد المطلب وهم رهط، كلهم يأكل الجذعة،
ويشرب الفرق، فصنع لهم مدا من طعام، فأكلوا حتى شبعوا، وبقي الطعام كما
هو كأنه له يمس، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا بني عبد المطلب أني بعثت
إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي،
وصاحبي، ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه وكنت من أصغر القوم،
فقال لي: أجلس، ثم قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه، فيقول لي: أجلس
حتى كان في الثالثة، ضرب بيده على يدي، فلذلك ورثت ابن عمي دون عمي (
711) (4). وسئل قثم بن العباس - فيما أخرجه الحاكم في المستدرك (5) والذهبي
في تلخيصه جازمين بصحته - فقيل له: " كيف ورث علي رسول الله دونكم،

(1) هذه الكلمة بعين لفظها ثابتة عن علي، أخرجها الحاكم في صفحة 126 من
الجزء 3 من المستدرك بالسند الصحيح على شرط البخاري ومسلم، واعترف الذهبي في
تلخيصه بذلك.
(2) هذا الحديث ثابت ومستفيض، أخرجه الضياء المقدسي في المختارة، وابن
جرير في تهذيب الآثار، وهو الحديث 6155 في صفحة 408 من الجزء 6 من كنز
العمال، وأخرجه النسائي في صفحة 18 من الخصائص العلوية، ونقله ابن أبي الحديد
عن تاريخ الطبري في أواخر شرح الخطبة القاصعة ص 255 من المجلد 3 من شرح
النهج، ودونك صفحة 159 من الجزء الأول من مسند الإمام أحمد بن حنبل، تجد
الحديث بالمعنى.
(3) صفحة 125 من جزئه الثالث، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا، وهو الحديث
6084 في صفحة 400 من الجزء السادس من كنز العمال.
299

فقال: لأنه كان أولنا به لحوقا، وأشدنا به لزوقا " (771) قلت: كان الناس يعلمون
أن وارث رسول الله صلى الله عليه وآله، إنما هو علي، دون عمه العباس
وغيره من بني هاشم، وكانوا يرسلون ذلك إرسال المسلمات كما ترى، وإنما كانوا
يجهلون السبب في حصر ذلك التراث بعلي وهو ابن عم النبي دون العباس، وهو
عمه، ودون غيره من بني أعمامه وسائر أرحامه صلى الله عليه وآله، ولذلك
سألوا عليا تارة، وقثما أخرى، فأجاباهم بما سمعت، وهو غاية ما تصل إليه مدارك
أولئك السائلين، وإلا فالجواب: " أن الله عز وجل اطلع إلى أهل الأرض
فاختار منهم محمدا فجعله نبيا، ثم اطلع ثانية فاختار عليا، فأوحى إلى نبيه صلى الله
عليه وآله وسلم: أن يتخذه وارثا ووصيا " (713) قال الحاكم - في صفحة -: 125
من الجزء 3 من المستدرك بعد أن أخرج عن قثم ما سمعته -: حدثني قاضي القضاة
أبو الحسن محمد ابن صالح الهاشمي، قال: سمعت أبا عمر القاضي، يقول:
سمعت إسماعيل ابن إسحاق القاضي، يقول: وقد ذكر له قول قثم
هذا، فقال: إنما يرث الوارث بالنسب، أو بالولاء، ولا خلاف بين
أهل العلم أن ابن العم لا يرث مع العم (قال) فقد ظهر بهذا الاجماع
أن عليا ورث العلم من النبي دونهم. ا ه‍. (714) قلت: والأخبار
في هذا متواترة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة، (715) وحسبنا
الوصية ونصوصها الجلية والسلام.
ش
المراجعة 67 رقم: 6 صفر سنة: 1330
البحث عن الوصية
أهل السنة لا يعرفون الوصية إلى علي، ولا يتعرفون بشئ من نصوصها،
فتفضلوا بها ولكم الشكر، والسلام.
س
300

المراجعة 68 رقم: 9 صفر سنة 1330
نصوص الوصية
نصوص الوصية متواترة، عن أئمة العترة الطاهرة (716)، وحسبك
مما جاء من طريق غيرهم ما سمعته في المراجعة 20 من قول النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، وقد أخذ برقبة علي: " هذا أخي ووصي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له
وأطيعوا " (717).
وأخرج محمد بن حميد الرازي، عن سلمة الأبرش، عن ابن إسحاق،
عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه بريدة، عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم " لكل نبي وصي ووارث، وإن وصيي ووارثي علي بن أبي
طالب (1) " ا ه‍. (718) " وأخرج الطبراني في الكبير بالإسناد إلى سلمان
الفارسي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أن وصيي وموضع
سري، وخير من أترك بعدي، ينجز عدتي ويقضي ديني، علي بن أبي طالب (2)،

(1) هذا الحديث أو رده الذهبي في أحوال شريك من ميزان الاعتدال، وكذب
به، وزعم أن شريكا لا يحتمله، وقال: إن محمد بن حميد الرازي ليس بثقة،
والجواب: أن الإمام أحمد بن حنبل والإمام أبا القاسم البغوي والإمام ابن جرير
الطبري وإمام الجرح والتعديل ابن معين وغيرهم من طبقتهم، وثقوا محمد بن حميد
ورووا عنه، فهو شيخهم ومعتمدهم كما يعترف به الذهبي في ترجمة محمد بن حميد من
الميزان، والرجل ممن لم يتهم بالرفض ولا بالتشيع، وإنما هو من سلف الذهبي فلا وجه
لتهمته في هذا الحديث.
(2) هذا الحديث بلفظه وسنده هو الحديث 2570 من أحاديث كنز العمال في
آخر صفحة 154 من جزئه السادس، وأورده في منتخب الكنز، فراجع من المنتخب ما
هو مطبوع في هامش ص 32 من الجزء الخامس من مسند أحمد.
301

عليه السلام " (719). وهذا نص في كونه الوصي، وصريح في أنه أفضل الناس
بعد النبي، وفيه من الدلالة الالتزامية على خلافته، ووجوب طاعته، ما لا يخفى
على أولي الألباب. وأخرج أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء (1)، عن أنس،
قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يا أنس أول من يدخل عليك
من هذا الباب إمام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم
الوصيين، وقائد الغر المحجلين، قال أنس، فجاء علي، فقام إليه رسول الله
صلى الله عليه وآله، مستبشرا فاعتنقه، وقال له: أنت تؤدي عني،
وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي (720) ".
وأخرج الطبراني في الكبير بالإسناد إلى أبي أيوب الأنصاري، عن
رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: " يا فاطمة، أما علمت أن الله عز وجل
اطلع على أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية، فاختار
بعلك، فأوحى إلي، فأنكحته واتخذته وصيا (2) (721).
أنظر كيف اختار الله عليا من أهل الأرض كافة بعد أن اختار منهم خاتم
أنبيائه، وانظر إلى اختيار الوصي وكونه على نسق اختيار النبي، وانظر كيف أوحى
الله إلى نبيه أن يزوجه ويتخذه وصيا، وانظر هل كانت خلفاء الأنبياء من قبل إلا
أوصياءهم، وهل يجوز تأخير خيرة الله من عباده ووصي سيد أنبيائه، وتقديم غيره
عليه، وهل يصح لأحد أن يتولى الحكم عليه، فيجعله من سوقته ورعاياه؟
وهل يمكن عقلا أن تكون طاعة ذلك المتولي واجبة على هذا الذي اختاره الله كما اختار
نبيه؟ وكيف يختاره الله ورسوله ثم نحن نختار غيره * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة

(1) كما في ص 450 من المجلد الثاني من شرح النهج، وقد أوردناه في المراجعة 48
(2) هذا الحديث بلفظه وسنده هو الحديث 2541 من أحاديث كنز العمال في
ص 153 من جزئه السادس، وأورده في المنتخب أيضا، فراجع من المنتخب ما هو
مطبوع في هامش ص 31 من الجزء الخامس من مسند أحمد.
302

قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله
ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * (722).
وقد تضافرت الروايات أن أهل النفاق والحسد والتنافس لما علموا أن
رسول الله صلى الله عليه وآله، سيزوج عليا من بضعته الزهراء - وهي
عديلة مريم وسيدة نساء أهل الجنة - حسدوه لذلك وعظم عليهم الأمر، ولا سيما
بعد أن خطبها من خطبها فلم يفلح (1)، وقالوا: أن هذه ميزة يظهر بها فضل علي،
فلا يلحقه بعدها لاحق، ولا يطمع في إدراكه طامع، فأحلبوا بما لديهم من
أرجاف، وعملوا لذلك اعمالا، فبعثوا نساءهم إلى سيدة نساء العالمين
ينفرنها، فكان مما قلن لها: انه فقير ليس له شئ، لكنها عليها السلام لم يخف عليها
مكرهن، وسوء مقاصد رجالهن، ومع ذلك لم تبدلهن شيئا يكرهنه، حتى تم ما
أراده الله عز وجل ورسوله لها وحينئذ أرادت أن تظهر من فضل أمير المؤمنين ما يخزي
الله به أعداءه، فقالت: يا رسول الله زوجتني من فقير لا مال له فأجابها صلى الله
عليه وآله وسلم، بما سمعت.
وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود

(1) أخرج بن أبي حاتم عن أنس، قال: جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلى
النبي فسكت ولم يرجع اليهما شيئا، فانطلقا إلى علي ينبهانه إلى ذلك. الحديث وقد
نقله عن ابن أبي حاتم كثير من الاثبات، كابن حجر في أوائل باب 11 من صواعقه،
ونقل ثمة عن أحمد بالإسناد إلى أنس نحوه، وأخرج أبو داود السجستاني - كما في الآية
12 من الآيات التي أوردها ابن حجر في الباب 11 من صواعقه - أن أبا بكر خطبها،
فأعرض عنه صلى الله عليه وآله، ثم عمر فأعرض عنه فنبهاه إلى خطبتها.
الحديث وعن علي، قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله، فأبى صلى الله
عليه وآله وسلم عليهما، قال عمر: أنت لها يا علي. الحديث. أخرجه ابن جرير،
وصححه وأخرجه الدولابي في الذرية الطاهرة، وهو الحديث 6007 من أحاديث كنز
العمال ص 392 من جزئه السادس.
303

وأخرج الخطيب في المتفق بسنده المعتبر إلى ابن عباس، قال: لما زوج
النبي (ص) فاطمة من علي، قالت فاطمة يا رسول الله زوجتني من رجل فقير ليس
له شئ، فقال النبي (ص): " أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض رجلين،
أحدهما أبوك، والآخر بعلك (1). ا؟ " (723) وأخرج الحاكم في مناقب علي ص
129 من الجزء الثالث من المستدرك عن طريق سريج بن يونس، عن أبي حفص
الأبار، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قالت فاطمة: "
يا رسول الله زوجتني من علي وهو فقير لا مال له؟ قال (ص): يا فاطمة أما
ترضين أن الله عز وجل، اطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين، أحدهما أبوك
والآخر بعلك " ا ه‍. (724) وعن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): " أما
ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاما، وأعلمهم علما، وأنك سيدة نساء
أمتي، كما سادت مريم نساء قومها، أما ترضين يا فاطمة أن الله اطلع على أهل
الأرض فاختار منهم رجلين، فجعل أحدهما أباك، والآخر بعلك " ا ه‍ (2) (
725).
وكان رسول الله (ص) بعد هذا إذا ألم بسيدة النساء من الدهر لم، يذكرها
بنعمة الله ورسوله عليها، إذ زوجها من أفضل أمته، ليكون ذلك عزاء لها، وسلوة
عما يصيبها من طوارق الدهر، وحسبك شاهدا لهذا ما أخرجه الإمام أحمد في ص

(1) هذا الحديث بلفظه وسنده هو الحديث 5992 من أحاديث الكنز، أورده في
فضائل علي ص 391 من جزئه السادس، وصرح بحسن سنده.
(2) وهذا الحديث بلفظه وسنده هو الحديث 2543 من أحاديث كنز العمال ص
153 من جزئه السادس، نقله عن الحاكم بالإسناد إلى كل من ابن عباس وأبي
هريرة، ونقله عن الطبراني وعن الخطيب بالإسناد إلى ابن عباس فقط. أما في منتخب
الكنز فقد نقله عن الخطيب في المتفق بالإسناد إلى ابن عباس فراجع من المنتخب ما هو
في السطر الأول في هامش 39 من الجزء الخامس من مسند أحمد، ونقله علامة المعتزلة
في ص 451 من المجلد الثاني من شرح النهج عن مسند الإمام أحمد.
304

26 من الجزء الخامس من مسنده من حديث معقل بن يسار " أن النبي (ص) عاد
فاطمة في مرض أصابها على عهده، فقال لها: كيف تجدينك، قالت: والله لقد
اشتد حزني، واشتدت فاقتي، وطال سقمي، قال (ص): أو ما ترضين أني
زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما. ا ه‍. (726)
والأخبار في ذلك متضافرة لا تحتملها مراجعتنا، والسلام.
ش
المراجعة 69 رقم: 10 صفر سنة 1330
حجة منكري الوصية
أهل السنة والجماعة ينكرون الوصية محتجين بما رواه البخاري في صحيحه
عن الأسود، قال: ذكر عند عائشة، رضي الله عنها، أن النبي (ص) أوصى إلى
علي (1) رضي الله عنه، فقالت: من قاله؟ لقد رأيت النبي، وإني لمسندته إلى
صدري فدعا بالطست فانخنث فمات، فما شعرت، فكيف أوصى إلى علي (2)
(727)؟ " وأخرج البخاري في الصحيح عنها أيضا من عدة طرق أنها كانت تقول:
" مات رسول الله بين حاقنتي وذاقنتي " (788) وكثيرا ما قالت: " مات بين

(1) هذا الحديث، أخرجه البخاري في كتاب الوصايا ص 83 من الجزء الثاني
من صحيحه وفي باب مرض النبي ووفاته ص 64 من الجزء الثالث من الصحيح،
وأخرجه مسلم في كتاب الوصية ص 14 من الجزء الثاني من صحيحه.
(2) قد تعلم أن الشيخين رويا في هذا الحديث وصية النبي إلى علي من حيث لا
يقصدان فإن الذين ذكروا يومئذ أن النبي أوصى إلى علي لم يكونوا خارجين من الأمة،
بل كانوا من الصحابة أو التابعين الذين لهم الجرأة على المكاشفة بما يسوء أم المؤمنين
ويخالف السياسة في ذلك العهد، ولذلك ارتبكت، رضي الله عنها، عندما سمعت
حديثهم ارتباكا عظيما يمثله ردها عليهم بأوهى الردود وأوهنها، قال الإمام السندي - في
تعليقته على هذا الحديث من سنن النسائي ص 241 من جزئها السادس، طبع المطبعة
المصرية بالأزهر -: ولا يخفى أن هذا لا يمنع الوصية قبل ذلك، ولا يقتضي أنه مات
فجأة بحيث لا تمكن منه الوصية ولا تتصور، فكيف وقد علم أنه علم بقرب أجله قبل
المرض ثم مرض أياما إلى آخر كلامه، فأمعن النظر فيه، تجده في غاية المتانة.
305

سحري ونحري (729) " وربما قالت: " نزل به ورأسه على فخذي (730) (1) "
فلو كانت ثمة وصية لما خفيت عليها. وفي صحيح مسلم عن عائشة (2)، " قالت:
ما ترك رسول الله (ص) دينارا ولا درهما، ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشئ (
(731) ا ه‍. وفي الصحيحين (3) عن طلحة بن مصرف، قال: سألت عبد الله بن
أبي أوفى: هل كان النبي (ص) أوصى؟ قال: لا فقلت: كيف كتب على الناس.
الوصية ثم تركها - قال: أوصى بكتاب الله. ا؟. " (732) وحيث أن هذه الأحاديث
أصح من الأحاديث التي أوردتموها لثبوتها في الصحيحين دون تلك، كانت هي
المقدمة عند التعارض وعليها المعول، والسلام.
س

(1) قولها: مات بين حاقنتي وذاقنتي، وقولها: مات بين سحري ونحري،
موجودان في باب مرضه ووفاته (ص)، من صحيح البخاري أما قولها: نزل به ورأسه
على فخذي، فموجود في باب آخر ما تكلم به بعد باب مرضه ووفاته، بل فصل.
(2) راجع من صحيحه كتاب الوصية، أو ص 14 من جزئه الثاني، تجد
الحديث.
(3) راجع كتاب الوصايا من كل من الصحيحين، تجد الحديث.
306

المراجعة 70 رقم: 11 صفر سنة 1330
1 - لا يمكن جحود الوصية
2 - السبب في إنكارها
3 - لا حجة للمنكرين بما رووه
4 - العقل والوجدان يحكمان بها
1 - وصية النبي (ص) إلى علي لا يمكن جحودها، إذ لا ريب في أنه عهد إليه -
بعد أن أورثه العلم والحكمة (1) - بأن يغسله، ويجهزه، ويدفنه (2) (733)،

(1) قف على المراجعة 66، تعلم أنه (ص)، أورثه ذلك.
(2) أخرج ابن سعد ص 61 من القسم 2 من الجزء الثاني من طبقاته عن علي،
قال: أوصى النبي أن لا يغسله أحد غيري، وأخرج أبو الشيخ وابن النجار - كما في
ص 54 من الجزء 4 من كنز العمال - عن علي، قال: أوصاني رسول الله (ص)،
فقال: إذا أنا مت فغسلني بسبع قرب، وأخرج ابن سعد عند ذكر غسل النبي ص
63 من القسم الثاني من الجزء 2 من طبقاته، عن عبد الواحد بن أبي عوانة، قال:
قال رسول الله في مرضه الذي توفي فيه: يا علي اغسلني إذا مت قال: قال: علي:
فغسلته، فما آخذ عضوا إلا تبعني، وأخرج الحاكم ص 59 من الجزء الثالث من
المستدرك، والذهبي في تلخيصه وصححاه بالإسناد إلى علي، قال: غسلت رسول الله
فجعلت أنظر ما يكون من الميت، فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا، وهذا الحديث
أخرجه سعيد بن منصور في سننه، والمروزي في جنائزه، وأبو داود في مراسيله، وابن
منيع، وابن أبي شيبة في السنن، وهو الحديث 1094 في ص 54 من الجزء 4 من
الكنز، وأخرج البيهقي في سننه عن عبد الله بن الحارث: أن عليا غسل النبي، وعلى
النبي قميص، الحديث وهو الحديث 1104 في ص 55 من الجزء 4 من الكنز، وعن
ابن عباس، قال: إن لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره، وهو أول من صلى مع
رسول الله، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فر عنه
غيره، وهو الذي غسله وأدخله قبره، أخرجه ابن عبد البر في ترجمة علي من
الاستيعاب، والحاكم في ص 111 من الجزء 3 من المستدرك، وعن أبي سعيد
الخدري، قال: قال رسول الله: يا علي أنت تغسلني، وتؤدي ديني، وتواريني في
حفرتي، أخرجه الديلمي وهو -
الحديث 2583 في ص 155 من الجزء 6 من الكنز، وعن عمر، من حديث قال
فيه رسول الله لعلي: وأنت غاسلي ودافني، الحديث، في ص 393 من الجزء 6 من
الكنز، وفي هامش ص 45 من الجزء 5 من مسند أحمد، وعن علي سمعت رسول الله
(ص)، يقول: أعطيت في علي خمسا لم يعطها نبي في أحد قبلي، أما الأولى فإنه
يقضي ديني، ويواريني، الحديث في أول ص 403 من الجزء 6 من الكنز، ولما وضع
على السرير وأرادوا الصلاة عليه (ص)، قال علي لا يئم على رسول الله أحد هو
إمامكم حيا وميتا، فكان الناس يدخلون رسلا رسلا، فيصلون صفا صفا، ليس لهم
إمام، ويكبرون، وعلي قائم حيال رسول الله يقول: سلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته، اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزلت إليه، ونصح لأمته، وجاهد في
سبيل الله حتى أعز الله عز وجل دينه، وتمت كلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل
الله إليه، وثبتنا بعده، واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين آمين، حتى صلى عليه
الرجال ثم النساء ثم الصبيان، روى هذا كله باللفظ الذي أوردناه ابن سعد عند ذكره
غسل النبي من طبقاته، وأول من دخل على رسول الله يومئذ بنو هاشم، ثم
المهاجرون، ثم الأنصار، ثم الناس، وأول من صلى عليه علي والعباس وقفا صفا،
وكبرا عليه خمسا.
307

ويفي دينه وينجز وعده، ويبرئ ذمته (1) (734) ويبين للناس بعده

(1) الأخبار في هذا كله متواترة من طريق العترة الطاهرة وحسبك ما أخرجه
الطبراني في الكبير عن ابن عمر، وأبو يعلى في مسنده عن علي، واللفظ للأول من
حديث قال فيه رسول الله (ص): يا علي أنت أخي ووزيري، تقضي ديني وتنجز
موعدي، وتبرئ ذمتي، الحديث أيضا مسندا إلى علي، ونقل ثمة عن البوصيري أن
رواته ثقات، وأخرج بن مردويه والديلمي - كما في ص 155 من الجزء 6 من كنز
العمال مسندا إلى ابن عمر، وفي ص 404 من الجزء 6 أيضا مسندا إلى علي، ونقل
ثمة عن البوصيري أن رواته ثقات، وأخرج بن مردويه والديلمي - كما في ص 155
من الجزء 6 من الكنز - عن أنس نحوه، وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في ص 164
من الجزء 4 من مسنده عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله يقول: لا يقضي
ديني إلا أنا أو علي، وأخرج ابن مردويه - كما في ص 401 من الجزء 6 من الكنز - عن
علي: قال لما نزلت: وأنذر عشيرتك الأقربين، قال رسول الله (ص) يوم الجحفة،
فأخذ بيد علي وخطب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني وليكم، قالوا:
صدقت يا رسول الله، ثم رفع يد علي، فقال: هذا وليي ويؤدي عني عن قتادة: أن
عليا قضى عن النبي أشياء بعد وفاته كان عامتها عدة حسبت أنه قال خمسمئة ألف
درهم، فقيل لعبد الرزاق: وأوصى إليه النبي بذلك؟ قال: نعم لا أشك أن النبي
أوصى إلى علي، ولولا ذلك ما تركوه يقضي دينه، الحديث أورده صاحب الكنز في
ص 60 من جزئه الرابع، فكان الحديث 1170.
308

ما اختلفوا فيه (1) (735) من أحكام الله وشرائعه عز وجل، وعهد
إلى الأمة بأنه وليها من بعده (736) (2) وأنه أخوه (3) (737) وأبو
ولده (4) (738)،

(1) تضافرت النصوص الصريحة بأنه (ص)، عهد إلى علي بأن يبين لأمته ما
اختلفوا فيه من بعده، وحسبك منها الحديث 11، والحديث 12، من المراجعة 48،
وغيرهما مما أسلفناه ومما تركناه لشهرته.
(2) يعلم ذلك من المراجعة 36، والمراجعة 40 والمراجعة 54 والمراجعة 56.
(3) المؤاخاة بين النبي والوصي متواترة، وحسبك في ثبوتها ما قد أوردناه في
المراجعة 32، والمراجعة 34.
(4) كونه أبا ولده معلوم بالوجدان وقد قال (ص) لعلي: أنت أخي، وأبو ولدي،
تقاتل علي سنتي، الحديث، أخرجه أبو يعلى في مسنده، كما في ص 404 من الجزء 6
من كنز العمال، ورواته ثقات كما صرح به البوصيري، وأخرجه أيضا أحمد في
المناقب، كما في أواخر الفصل الثاني من الباب 9 ص 75 من الصواعق المحرقة لابن
حجر، وقال (ص) إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب
علي، أخرجه الطبراني في الكبير عن جابر، والخطيب في تاريخه عن ابن عباس، وهو
الحديث 2510 في صفحة 152 من الجزء 6 من الكنز، وقال صلى
الله عليه وآله وسلم: كل بني أنثى ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة فأنا وليهم، وأنا
عصبتهم، وأنا أبوهم، أخرجه الطبراني عن الزهراء، وهو الحديث 22 من الأحاديث
التي نقلها ابن حجر في الفصل الثاني من الباب 11 من صواعقه، صفحة 112،
وأخرجه الطبراني عن ابن عمر كما في الصفحة المذكورة، وأخرج الحاكم نحوه في
صفحة 164 من الجزء 3 من المستدرك عن جابر، ثم قال: هذا حديث صحيح
الإسناد، ولم يخرجاه: وقال صلى الله عليه وآله - من حديث أخرجه الحاكم في
المستدرك والذهبي في تلخيصه، وصححاه على شرط الشيخين -: وأما أنت يا علي
فأخي وأبو ولدي، ومني، وإلي، إلى كثير من هذه النصوص الصريحة.
309

وأنه وزيره (1) (739) ونجيه (2) (740) ووليه (3) (741)،
ووصيه (4) (742)، وباب مدينة علمه (5) (743)، وباب دار

(1) حسبك من النصوص في وزارته، قوله صلى الله عليه وآله: أنت مني
بمنزلة هارون من موسى،. كما أوضحناه في المراجعة 26 وغيره، وقوله (ص) في حديث
الانذار يوم الدار: فأيكم يوازرني على أمري هذا؟ فقال علي: أنا يا رسول الله، أكون
وزيرك عليه، الحديث، وقد سمعته في المراجعة 20، ولله در الإمام البوصيري إذ
يقول في همزيته العصماء؟
ووزير ابن عمه في المعالي * ومن الأهل تسعد الوزراء
لم يزده كشف الغطاء يقينا * بل هو الشمس ما عليه غطاء
(2) أجمعت الأمة على أن في كتاب الله آية ما عمل بها سوى علي، ولا يعمل بها
أحد من بعده إلى يوم القيامة، ألا وهي آية النجوى في سورة المجادلة، تصافق على
هذا أولياؤه وأعداؤه، وأخرجوا في هذا نصوصا صححوها على شرط الشيخين،
يعرفها بر الأمة وفاجرها، وحسبك منها ما أخرجه الحاكم في صفحة 482 من الجزء
الثاني من المستدرك والذهبي في تلك الصفحة من تلخيصه، وعليك بتفسير الآية من
تفاسير الثعلبي والطبري، والسيوطي، والزمخشري، والرازي. وغيرهم، وستسمع في
المراجعة 74 حديثي أم سلمة و عبد الله بن عمر في مناجاة النبي وعلي، عند وفاته صلى
الله عليه وآله وسلم، وتقف ثمة على تناجيهما يوم الطائف، وقول رسول الله يومئذ: ما
أنا انتجيته، ولكن الله انتجاه، وعلى تناجيهما في بعض أيام عائشة، فتأمل.
(3) حسبك نصا في أنه وليه قوله صلى الله عليه وآله في حديث ابن
عباس.. وقد -
مر عليك في المراجعة 26 -: أنت وليي في الدنيا والآخرة، على أن هذا ثابت
بالضرورة من دين الاسلام، فلا حاجة إلى الاستقصاء.
حسبك من نصوص الوصية ما قد سمعته في المراجعة 68.
(5) راجع الحديث 9، من المراجعة 48 وما علقناه عليه.
310

حكمته (1) (744)، وباب حطة هذه الأمة (2) (745) وأمانها، وسفينة نجاتها (3) (
746) وأن طاعته فرض عليها كطاعته، ومعصيته موبقة لها كمعصيته (4) (
747)، وأن متابعته كمتابعته، ومفارقته كمفارقته (5) (748) وأنه سلم لمن
سالمه، وحرب لمن حاربه (6) (749)، وولي لمن والاه، وعدو لمن عاداه (7) (
750)، وأن من أحبه فقد أحب الله ورسوله، ومن أبغضه فقد أبغض الله ورسوله
(8) (751)، ومن والاه فقد والاهما، ومن عاداه فقد عاداهما (9) (752)،

(1) راجع الحديث 10 من المراجعة 48
(2) راجع الحديث 14 من المراجعة 48.
(3) كما تحكم به السنن التي أوردناها في المراجعة 8.
(4) بحكم الحديث 16 من المراجعة 48 وغيره.
(5) بحكم الحديث 17 من المراجعة 48 وغيره.
(6) أخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة في صفحة 442 من الجزء الثاني من
مسنده أن رسول الله (ص) نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: أنا حرب لمن
حاربكم، وسلم لمن سالمكم. ا ه‍. وقال (ص) يوم جللهم بالكساء من حديث
صحيح: أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، وعدو لمن عاداهم، نقله ابن
حجر في تفسير الآية الأولى من آيات فضلهم التي أوردها في الفصل الأول من الباب
11 من صواعقه، وقد استفاض قوله صلى الله عليه وآله: حرب علي حربي
وسلمه سلمي.
(7) راجع الحديث 20 من المراجعة 48، على أن قوله المتواتر: اللهم وال من
والاه، وعاد من عاداه كاف والحمد لله وقد سمعت في المراجعة 36 قوله (ص) في
حديث بريدة من أبغض عليا فقد أبغضني ومن فارق عليا فقد فارقني وقد تواتر أنه لا
يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، إنه والله لعهد النبي الأمي.
(8) بحكم الحديث 19 والحديث 20 والحديث 21 من المراجعة 48 وغيرهما.
(9) بحكم الحديث 23 من تلك المراجعة وحسبك اللهم: وال من والاه،
وعاد من عاداه.
311

ومن آذاه فقد آذاهما (1) (753) ومن سبه فقد سبهما (2) (754)، وأنه إمام
البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله (3) (755)، وأنه
سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين (4) (756). وأنه
راية الهدى، وإمام أولياء الله، ونور من أطاع الله، والكلمة التي ألزمها الله
للمتقين (5) (757)، وأنه الصديق الأكبر، وفاروق الأمة، (758) ويعسوب
المؤمنين (5)، وأنه بمنزلة الفرقان العظيم، والذكر الحكيم (7) (759)، وأنه منه
بمنزلة هارون من موسى (760) (8) وبمنزلته من ربه (9) (761)، وبمنزلة رأسه من

(1) حسبك قوله (ص) في حديث عمرو بن شاش من آذى عليا فقد آذاني،
أخرجه أحمد في ص 483 من الجزء 3 من مسنده، والحاكم في ص 123 من الجزء 3
من المستدرك، والذهبي في تلك الصفحة من تلخيصه معترفا بصحته، وأخرجه
البخاري في تاريخه، وابن سعد في طبقاته، وابن أبي شيبة في مسنده، والطبراني في
الكبير، وهو موجود في ص 400 من الجزء 6 من الكنز.
(2) بحكم الحديث 18 من المراجعة 48 وغيره
(3) بحكم الحديث الأول من تلك المراجعة وغيره.
(4) راجع الحديث 2 و 3 و 4 و 5 من المراجعة 48.
(5) راجع الحديث 6 من تلك المراجعة.
(6) بحكم الحديث 7 من تلك المراجعة وغيره.
(7) حسبك في ذلك ما سمعته في المراجعة 8 من صحاح الثقلين، فإنها توضح
الحق لذي عينين، وقد مر عليك في المراجعة 50 أن عليا مع القرآن والقرآن مع علي لا
يفترقان.
(8) كما توضحه المراجعة 26 والمراجعة 28 والمراجعة 30، والمراجعة 32،
والمراجعة 34.
(9) بحكم الحديث 13 من المراجعة 48 وغيره.
312

بدنه (1) (762)، وأنه كنفسه (2) (763)، وأن الله عز وجل اطلع إلى أهل
الأرض فاختارهما منها (764) (3)، وحسبك عهده يوم عرفات من حجة الوداع
بأنه لا يؤدي عنه إلا علي (4) (765)، إلى كثير من هذه الخصائص التي لا يليق لها
إلا الوصي، والمخصوص منهم بمقام النبي، فكيف وأني ومتى يتسنى لعاقل أن
يجحد بعدها وصيته؟! أو يكابر بها لولا الغرض وهل الوصية إلا العهد ببعض هذه
الشؤون؟!.
2 - أما أهل المذاهب الأربعة فإنما أنكرها منهم المنكرون، لظنهم أنها لا
تجتمع مع خلافة الأئمة الثلاثة.
3 - ولا حجة لهم علينا بما رواه البخاري وغيره عن طلحة بن مصرف حيث
قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل كان النبي (ص) أوصى؟ فقال: لا.
قلت: كيف كتب على الناس الوصية - ثم تركها - قال: أوصى بكتاب الله. ا ه‍.
(766) فإن هذا الحديث غير ثابت عندنا، على أن من مقتضيات السياسة
وسلطتها، وبقطع النظر عن هذا كله، فإن صحاح العترة الطاهرة قد تواترت في
الوصية، فليضرب بما عارضها عرض الجدار.
4 - على أن أمر الوصية غني عن البرهان، بعد أن حكم به العقل
والوجدان (5).

(1) بحكم الحديث الذي أوردناه في المراجعة 50 فراجعه وما قد علقناه عليه.
(2) بحكم آية المباهلة وحديث ابن عوف وقد أوردناه في المراجعة 50.
(3) كما هو صريح السنن التي أوردناها في المراجعة 68.
(4) راجع الحديث 15 من المراجعة 48 وراجع ما علقناه عليه.
(1) العقل بمجرده يحيل على النبي (ص) أن يأمر بالوصية ويضيق فيها على أمته،
ثم يتركها في حال أنه أحوج إليها منهم، لأن له من التركة المحتاجة إلى القيم، ومن
اليتامى المضطرين إلى الولي ما ليس لأحد من العالمين، وحاشا الله أن يهمل تركته
الثمينة وهي شرائع الله وأحكامه، ومعاذ الله أن يترك يتاماه وأياماه - وهم أهل الأرض
في الطول والعرض - يتخبطون في عشوائهم، ويسرحون ويمرحون على مقتضى
أهوائهم، بدون قيم تتم لله به الحجة عليهم، على أن الوجدان يحكم بالوصية إلى علي
حيث وجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قد عهد إليه بأن يغسله ويحنطه ويجهزه
ويدفنه ويفي دينه ويبرئ ذمته، ويبين للناس ما اختلفوا فيه من بعده، وعهد إلى
الناس بأنه وليهم من بعده، وأنه... إلى آخر ما أشرنا إليه في أول هذه المراجعة.
313

وإذا استطال الشئ قام بنفسه * وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا
أما ما رواه البخاري عن ابن أبي أوفى من أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، أوصى بكتاب الله فحق، غير أنه أيتر، لأنه صلى الله عليه وآله
وسلم، أوصى بالتمسك بثقليه معا، وعهد إلى أمته بالاعتصام
بحبليه جميعا، وأنذرها الضلالة إن لم تستمسك بهما، وأخبرها أنهما
لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وصحاحنا في ذلك متواترة من
طريق العترة الطاهرة، وحسبك مما صح من طريق غيرهم ما أوردناه
في المراجعة 8 وفي المراجعة 54، والسلام.
ش
المراجعة 71 رقم: 10 صفر سنة 1330
ما السبب في الإعراض عن حديث أم المؤمنين وأفضل أزواج النبي؟
ما لك - عفا الله عنك - وليت أم المؤمنين وأفضل أزواج النبي صفحة
إعراضك، فاتخذت حديثها ظهريا وتركته نسيا منسيا، وقولها هو الفصل،
وحكمها هو العدل، ولك مع ذلك رأيك، فاصدع به نتدبره، والسلام.
س
314

المراجعة 72 رقم: 12 صفر سنة 1330
1 - لم تكن أفضل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
2 - إنما أفضلهن خديجة
3 - إشارة إجمالية إلى السبب في الإعراض عن حديثها
1 - إن لأم المؤمنين عائشة فضلها ومنزلتها، غير أنها ليست بأفضل أزواج
النبي صلى الله عليه وآله، وكيف تكون أفضلهن مع ما صح عنها إذ قالت: "
ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله، خديجة ذات يوم فتناولتها فقلت:
عجوز كذا وكذا، قد أبدلك الله خيرا منها، قال: ما أبدلني الله خيرا منها، لقد
آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها
حين حرمني الناس، ورزقني الله ولده، وحرمني ولد غيرها... " الحديث (1)
(767) وعن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله، لا يكاد
يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوما من الأيام،
فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزا، فقد أبدلك الله خيرا منها،
فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب، ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيرا
منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني
الناس، ورزقني الله منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء... " الحديث (2) (768)

(1) هذا الحديث والذي بعده، من صحاح السنن المستفيضة فراجعهما في أحوال خديجة
الكبرى من الاستيعاب. تجدهما بعين اللفظ الذي أوردناه، وقد أخرجهما البخاري
ومسلم في صحيحهما بلفظ يقارب ذلك.
(2) كما أخرجه البخاري في باب غيرة النساء ووجدهن، وهو في أواخر كتاب
النكاح ص 175 من الجزء الثالث من صحيحه.
315

2 - فأفضل أزواج النبي (ص) خديجة الكبرى صديقة هذه الأمة،
وأولها إيمانا بالله وتصديقا بكتابه، ومواساة لنبيه، " وقد أوحي إليه (ص)، أن
يبشرها (1) ببيت لها في الجنة من قصب " (769) ونص على تفضيلها، فقال: "
أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت
مزاحم، ومريم بنت عمران " (770) وقال صلى الله عليه وآله: " خير نساء
العالمين أربع ثم ذكرهن " (771) وقال: " حسبك من نساء العالمين مريم بنت
عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون "
(772) إلى كثير من أمثال هذه النصوص وهي من أصح الآثار النبوية وأثبتها (1).
على أنه لا يمكن القول بأن عائشة أفضل ممن عدا خديجة من أمهات المؤمنين.
والسنن المأثورة، والأخبار المسطورة، تأبى تفضيلها عليهن، كما لا يخفى على
أولي الألباب، وربما كانت ترى أنها أفضل من غيرها، فلا يقرها رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم على ذلك، كما اتفق هذا مع أم المؤمنين صفية بنت حيي، إذ
دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عليها وهي تبكي " فقال لها: ما يبكيك؟
قالت: بلغني أن عائشة وحفصة تنالان مني، وتقولان نحن خير من صفية، قال
صلى الله عليه وآله: ألا قلت لهن كيف تكن خيرا مني، وأبي هارون، وعمي
موسى، وزوجي محمد " (2) (773). ومن تتبع حركات أم المؤمنين عائشة في
أفعالها وأقوالها وجدها كما نقول. (774).
3 - أما إعراضنا عن حديثها في الوصية فلكونه ليس بحجة، ولا تسألني عن
التفصيل، والسلام.
ش

(1) وقد أوردنا جملة منها في المطلب الثاني من كلمتنا الغراء، فليراجعها من أراد
الاستقصاء.
(2) أخرجه الترمذي من طريق كنانة مولى أم المؤمنين صفية، وأورده ابن عبد
البر في ترجمة صفية من الاستيعاب، وابن حجر في ترجمتها من الإصابة، والشيخ رشيد
رضا في آخر ص 589 من المجلد 12 من مناره، وغير واحد من نقلة الآثار.
316

المراجعة 73 رقم: 13 صفر سنة 1330
طلب التفصيل في سبب الإعراض عن حديثها
إنك ممن لا يدالس (1)، ولا يوالس (2) ولا يدامج (3) ولا يحدج (4) بسوء، في
نجوة (5) من التبعات (6)، ومنتزح من التهم، وأنا والحمد لله ممن لا يندد، ولا
يبحث عن عثرة، ولا يتتبع عورة، والحق ضالتي التي أنشدها، فسؤالي إياك
عن التفصيل مما لا يسعني تركه وإجابتك إياي إلى البيان مما لا بد منه.
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وأبشر وقر بذاك منك عيونا
ووسيلتي إليك في ذلك، إنما هي آية الذكر الحكيم * (إن الذين
يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) *، والسلام.
المراجعة 74 رقم: 15 صفر سنة 1330
1 - تفصيل الأسباب في الإعراض عن حديثها
2 - العقل يحكم بالوصية
3 - دعواها بأن النبي قضى وهو في صدرها معارضة
1 - أبيت - أيدك الله - إلا التفصيل، حتى اضطررتني إليه، وأنت عنه في
غنية تامة لعلمك بأنا من هاهنا أتينا وإن هنا مصرع الوصية،

(1) لا يخادع.
(2) لا يغش.
(3) لا يظهر غير ما يبطن.
(4) لا يرمي.
(5) النجوة: المكان المرتفع لا يعلوه السيل، وهي هنا من الاستعارات
البديعة.
(6) جمع تبعة وهي ما يلحق الانسان من المطالبة بظلامة ونحوها.
317

ومصارع النصوص الجلية، وهنا مهالك الخمس والإرث والنحلة،
وهاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة (1) (775)، حيث جابت في
حرب أمير المؤمنين الأمصار، وقادت في انتزاع ملكه وإلغاء دولته ذلك
العسكر الجرار.
وكان ما كان مما لست أذكره * فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
فالاحتجاج على نفي الوصية إلى علي بقولها - وهي من ألد خصومه - مصادرة لا
تنتظر من منصف، وما يوم علي منها بواحد، وهل إنكار الوصية ألا دون يوم الجمل
الأصغر (2)، ويوم الجمل الأكبر (776)، اللذين ظهر بهما المضمر، وبرز بهما
المستتر، ومثل بهما شأنها من قبل خروجها على وليها، ووصي نبيها، ومن بعد
خروجها عليه إلى أن بلغها موته، فسجدت لله شكرا، ثم أنشدت (3):

(1) بحكم صحاح السنة، فراجع من صحيح البخاري باب ما جاء في بيوت
أزواج النبي من كتاب الجهاد والسير ص 125 من جزئه الثاني، تجد التفصيل.
(2) كانت فتنة الجمل الأصغر في البصرة لخمس بقين من ربيع الثاني سنة 36
قبل ورود أمير المؤمنين إلى البصرة حيث هاجمتها أم المؤمنين ومعها طلحة والزبير وفيها
عامله عثمان بن حنيف الأنصاري، فقتل أربعون رجلا من شيعة علي (ع) في المسجد
وسبعون آخرون منهم في مكان آخر، وأسر عثمان بن حنيف وكان من فضلاء
الصحابة، فأرادوا قتله، ثم خافوا أن يثأر له أخوه سهل والأنصار، فنتفوا لحيته
وشاربيه وحاجبيه ورأسه، وضربوه وحبسوه، ثم طردوه من البصرة وقابلهم حكيم بن
جبلة في جماعة من عشيرته عبد القيس وهو سيدهم، وكان من أهل البصائر والحفاظ
والنهي، وتبعه جماعة من ربيعة فما بارحوا الهيجاء حتى استشهدوا بأجمعهم، واستشهد
مع حكيم ابنه الأشرف، وأخوه الرعل، وفتحت البصرة، ثم جاء علي فاستقبلته
عائشة بعسكرها، وكانت وقعة الجمل الأكبر، وتفصيل الوقعتين في تاريخي ابن جرير
وابن الأثير وغيرهما من كتب السير والأخبار.
(3) فيما أخرجه الثقات من أهل الأخبار كأبي الفرج الأصفهاني في آخر أحوال
علي من كتابه - مقاتل الطالبيين -.
318

فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر (777)
وإن شئت ضربت لك من حديثها مثلا يريك أنها كانت في أبعد الغايات،
قالت (1): " لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله، واشتد به وجعه، خرج
وهو بين رجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس بن عبد المطلب ورجل آخر،
قال المحدث عنها - وهو عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود - فأخبرت
عبد الله بن عباس عما قالت عائشة، فقال لي ابن عباس: هل تدري من الرجل
الذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت: لا. قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب،
ثم قال (2): إن عائشة لا تطيب له نفسا بخير ا ه‍. " (778) قلت: إذا كانت لا
تطيب له نفسا بخير، ولا تطيق ذكره فيمن مشى معه النبي صلى الله عليه وآله
خطوة، فكيف تطيب له نفسا بذكر الوصية، وفيها الخير كله؟ وأخرج الإمام أحمد
من حديث عائشة في ص 113 من الجزء السادس من مسنده عن عطاء بن يسار،
قال: " جاء رجل فوقع في علي وفي عمار عند عائشة، فقالت: أما علي فلست قائلة
لك فيه شيئا، وأما عمار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول
فيه: لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما " ا ه‍. (779).
وي وي، تحذر أم المؤمنين من الوقيعة بعمار لقول النبي صلى الله عليه وآله

(1) فيما أخرجه البخاري عنها في باب مرض النبي ووفاته صلى الله عليه وآله
وسلم، ص 62 من الجزء 3 من صحيحه.
(2) هذه الكلمة بخصوصها - أعني قول ابن عباس: إن عائشة لا تطيب له
نفسا بخير - تركها البخاري واكتفى بما قبلها من الحديث جريا على عادته في أمثال
ذلك، لكن كثيرا من أصحاب السنن أخرجوها بأسانيدهم الصحيحة، وحسبك منهم
ابن سعد في ص 29 من القسم الثاني من الجزء الثاني من طبقاته، إذ أخرجها عن
أحمد بن الحجاج عن عبد الله بن مبارك عن يونس ومعمر عن الزهري عن عبيد الله بن
عتبة بن مسعود عن ابن عباس، ورجال هذا السند كلهم حجج.
319

وسلم: لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما، ولا تحذر من الوقيعة في علي وهو أخو
النبي ووليه، وهارونه ونجيه، وأقضى أمته، وباب مدينته، ومن يحب الله
ورسوله، ويحبه الله ورسوله، أول الناس إسلاما، وأقدمهم إيمانا، وأكثرهم
علما، وأوفرهم مناقب، وي، كأنها لا تعرف منزلته من الله عز وجل، ومكانته من
قلب رسول الله صلى الله عليه وآله، ومقامه في الاسلام وعظيم عنائه،
وحسن بلائه، وكأنها لم تسمع في حقه من كتاب الله وسنة نبيه شيئا يجعله في مصاف
عمار، ولقد حار فكري والله في قولها: " لقد رأيت النبي وإني لمسندته إلى صدري،
فدعا بالطست، فانخنث فمات، فما شعرت فكيف أوصى إلى علي " وما أدري
في أي نواحي كلامها هذا أتكلم، وهو محل البحث من نواحي شتى، وليت أحدا
يدري كيف يكون موته - بأبي وأمي - وهو على الحال التي وصفتها دليلا على أنه لم
يوص، فهل كان من رأيها أن الوصية لا تصح إلا عند الموت، كلا، ولكن حجة
من يكابر الحقيقة داحضة كائنا من كان، وقد قال الله عز وجل مخاطبا لنبيه الكريم،
في محكم كتابه الحكيم: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية
) فهل كانت أم المؤمنين تراه صلى الله عليه وآله، لكتاب الله مخالفا؟ وعن
أحكامه صادفا؟ معاذ الله وحاشا لله، بل كانت تراه يقتفي أثره، ويتبع سوره،
سباقا إلى التعبد بأوامره ونواهيه، بالغا كل غاية من غايات التعبد
بجميع ما فيه، ولا أشك في أنها سمعته يقول (1): " ما حق امرئ
مسلم له شئ يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده "
(780) ا ه‍. أو سمعت نحوا من هذا، فإن أوامره الشديدة بالوصية
مما لا ريب في صدوره منه، ولا يجوز عليه ولا على غيره من الأنبياء
صلوات الله عليهم أجمعين، أن يأمروا بالشئ، ثم لا يأتمرون به،

(1) فيما أخرجه البخاري في أول كتاب الوصايا من صحيحه ص 83 من جزئه
الثاني. وأخرجه مسلم في كتاب الوصية ص 10 من الجزء الثاني من صحيحه.
320

أو يزجروا عن الشئ، ثم لا ينزجرون عنه، تعالى الله عن إرسال
من هذا شأنه علوا كبيرا.
أما ما رواه مسلم وغيره عن عائشة إذ قالت: ما ترك رسول الله دينارا ولا
درهما، ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشئ، فإنما هو كسابقه، على أنه يصح أن
يكون مرادها أنه ما ترك شيئا على التحقيق، وأنه إنما كان صفرا من كل شئ يوصي
به، نعم لم يترك من حطام الدنيا ما يتركه أهلها، إذ كان أزهد العالمين فيها، وقد
لحق بربه عز وجل وهو مشغول الذمة بدين (1) (781) وعدات، وعنده أمانات
تستوجب الوصية، وترك مما يملكه شيئا يقوم بوفاء دينه، وإنجاز عداته ويفضل
عنهما شئ يسير لوارثه، بدليل ما صح من مطالبة الزهراء بإرثها (2) عليها السلام (
782).
2 - على أن رسول الله صلى الله عليه وآله، قد ترك من الأشياء
المستوجبة للوصية ما لم يتركه أحد من العالمين، وحسبك أنه ترك دين الله القويم في
بدء فطرته وأول نشأته، ولهو أحوج إلى الوصي من الذهب والفضة، والدار
والعقار، والحرث والأنعام، وأن الأمة بأسرها ليتاماه وأياماه، المضطرون إلى
وصيه ليقوم مقامه في ولاية أمورهم، وإدارة شؤونهم الدينية
والدنيوية ويستحل على رسول الله صلى الله عليه وآله،
أن يوكل دين الله - وهو في مهد نشأته - إلى الأهواء، أو يتكل

(1) فعن معمر عن قتادة: أن عليا قضى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أشياء بعد وفاته كان عامتها عدة حسبت أنه قال خمس مئة ألف درهم، الحديث،
فراجعه في ص 60 من الجزء الرابع من كنز العمال وهو الحديث 1170 من أحاديثه.
(2) كما أخرجه البخاري في أواخر باب غزوة خيبر، من صحيحه ص 37 من
جزئه الثالث. وأخرجه مسلم في باب قول النبي: لا نورث ما تركناه فهو صدقة، من
كتاب الجهاد من صحيحه ص 72 من جزئه الثاني.
321

في حفظ شرائعه على الآراء، من غير وصي يعهد بشؤون الدين
والدنيا إليه، ونائب عنه يعتمد - في النيابة العامة - عليه، وحاشاه أن يترك يتاماه -
وهم أهل الأرض في الطول والعرض - كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ليس لها من
يرعاها حق رعايتها، ومعاذ الله أن يترك الوصية بعد أن أوحي بها إليه، فأمر أمته بها
وضيق عليهم فيها. فالعقل لا يصغي إلى إنكار الوصية مهما كان منكرها جليلا، وقد
أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله، إلى علي في مبدأ الدعوة الاسلامية،
قبل ظهورها في مكة حين أنزل الله سبحانه (وأنذر عشيرتك الأقربين) كما بيناه - في
المراجعة 20 - ولم يزل بعد ذلك يكرر وصيته إليه، ويؤكدها المرة بعد المرة بعهوده
التي أشرنا فيما سبق من هذا الكتاب إلى كثير منها، حتى أراد وهو محتضر - بأبي
وأمي - أن يكتب وصيته إلى علي تأكيدا لعهوده اللفظية إليه، وتوثيقا لعرى نصوصه
القولية عليه، فقال صلى الله عليه وآله: " ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا
بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي. تنازع، فقالوا: هجر رسول الله (1) (
783). ا؟. " وعندها علم (ص) أنه لم يبق - بعد كلمتهم هذه - أثر لذلك الكتاب
إلا الفتنة، فقال لهم: قوموا واكتفى بعهوده اللفظية، ومع ذلك فقد أوصاهم عند
موته بوصايا ثلاث: أن يولوا عليهم عليا، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة
العرب، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه، لكن السلطة والسياسة يومئذ ما
أباحتا للمحدثين أن يحدثوا بوصيته الأولى، فزعموا أنهم نسوها.
قال البخاري في آخر الحديث المشتمل على قولهم هجر

(1) أخرجه بهذه الألفاظ محمد بن إسماعيل البخاري في باب جوائز الوفد
من كتاب الجهاد والسير من صحيحه ص 118 من جزئه الثاني، وأخرجه مسلم في
صحيحه، وأحمد بن حنبل من حديث ابن عباس في مسنده، وسائر أصحاب السنن
والمسانيد.
322

رسول الله (1) ما هذا لفظه: " وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا
المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزه - ثم
قال - ونسيت الثالثة وكذلك قال مسلم في صحيحه، وسائر أصحاب
السنن والمسانيد (784).
3 - أما دعوى أم المؤمنين بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لحق
بربه تعالى وهو في صدرها فمعارضة بما ثبت من لحوقه صلى الله عليه وآله وسلم،
بالرفيق الأعلى وهو في صدر أخيه ووليه، علي بن أبي طالب، بحكم الصحاح
المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة (785)، وحكم غيرها من صحاح أهل السنة كما
يعلمه المتتبعون، والسلام.
ش
المراجعة 75 رقم: 17 صفر سنة 1330
1 - لا تستسلم أم المؤمنين في حديثها إلى العاطفة
2 - الحسن والقبح العقليان منفيان
3 - البحث عما يعارض دعوى أم المؤمنين
1 - المحور الذي يدور عليه كلامكم مع أم المؤمنين في حديثها الصريح بعدم
الوصية أمران:
أحدهما أن انحرافها عن الإمام يأبى عليها - فيما زعمتم - إلا نفي
الوصية إليه، والجواب: أن المعروف من سيرتها أنها لا تستسلم في حديثها عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلى العاطفة، ولا تراعي فيه الغرض، فلا

(1) فراجعه في باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير ص 118 من الجزء
الثاني من صحيحه.
323

تتهم فيما تنقله عن النبي سواء عليها أكان ذلك خاصا بمن تحب، أم كان خاصا بمن
تبغض، وحاشا الله أن تستحوذ عليها الأغراض، فتحدث عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، بغير الواقع، إيثارا لغرضها على الحق.
2 - الثاني: أن العقل بمجرده يمنع - فيما زعمتم - من تصديق هذا الحديث
لامتناع مؤداه عقلا، فإنه لا يجوز على النبي صلى الله عليه وآله، أن يترك دين
الله عز وجل وهو في أول نشأته، وعباد الله تعالى وهم في أول فطرتهم الجديدة، ثم
يرتحل عن غير وصي يعهد إليه بأمورهم، والجواب أن هذا مبني على الحسن والقبح
العقليين، وأهل السنة لا يقولون بهما، فإن العقل عندهم لا يفضي بحسن شئ
ما أصلا، ولا بقبح شئ ما على الإطلاق، وأن الحاكم بالحسن والقبح في جميع
الأفعال إنما هو الشرع لا غير، فما حسنه الشرع فهو الحسن، وما قبحه فهو القبيح،
والعقل لا معول عليه في شئ من ذلك بالمرة.
3 - أما ما أشرتم إليه - في آخر المراجعة 74 - من معارضة أم المؤمنين في
دعواها، بأن النبي قضى وهو في صدرها، فلا نعرف مما يعارضها حديثا واحدا من
طريق أهل السنة، فإن كان لديكم شئ منه فتفضلوا به، والسلام.
س
المراجعة 76 رقم: 19 صفر سنة 1330
1 - استسلامها إلى العاطفة
2 - ثبوت الحسن والقبح العقليين
3 - الصحاح المعارضة لدعوى أم المؤمنين
4 - تقديم حديث أم سلمة على حديثها
1 - ذكرتم في الجواب عن الأمر الأول أن المعروف من سيرة السيدة أنها لا
324

تستلم إلى العاطفة، ولا تراعي في حديثها شيئا من الأغراض، فأرجو أن تتحللوا
من قيود التقليد والعاطفة، وتعيدوا النظر إلى سيرتها فتبحثوا عن حالها مع من تحب
ومع من تبغض، بحث إمعان وروية، فهناك العاطفة بأجلى مظاهرها، ولا
تنس سيرتها مع عثمان قولا وفعلا (1) (786) ووقائعها مع علي وفاطمة والحسن
والحسين سرا وعلانية، وشؤونها مع أمهات المؤمنين بل مع رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، فإن هناك العاطفة والغرض (787).
وحسبك مثالا لهذا ما أيدته - نزولا على حكم العاطفة - من إفك أهل الزور
إذ قالوا - بهتانا وعدوانا في السيدة مارية وولدها إبراهيم عليه السلام - ما قالوا،
حتى برأهما الله عز وجل من ظلمهم براءة - على يد أمير المؤمنين - محسوسة ملموسة
(2) (788)، (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا) (789) وإن أردت
المريد، فاذكر نزولها على حكم العاطفة إذ قالت (3) لرسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: " إني أجد منك ريح مغافير " (790) ليمتنع عن أكل العسل من بيت أم
المؤمنين زينب رضي الله عنها، وإذا كان هذا الغرض التافه يبيح لها أن تحدث
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن نفسه بمثل هذا الحديث، فمتى نركن إلى
نفيها الوصاية إلى علي عليه السلام، ولا تنس نزولها على حكم العاطفة يوم زفت

(1) دونك ص 77 من المجلد الثاني من شرح النهج لعلامة المعتزلة، وص
457 وما بعدها، وص 497 وما بعدها، من المجلد المذكور، تجد من سيرتها مع
عثمان وعلي وفاطمة ما يريك العاطفة بأجلى المظاهر.
(2) من أراد تفصيل هذه المصيبة فليراجع أحوال السيدة مارية رضي الله عنها.
في ص 39 من الجزء الرابع من المستدرك للحاكم، أو من تلخيصه للذهبي.
(3) فيما أخرجه البخاري في تفسير سورة التحريم من صحيحه ص 136 من
جزئه الثالث، فراجع واعجب: وهناك عدة أحاديث عن عمر في أن المرأتين اللتين
تظاهرتا على رسول الله أنهما عائشة وحفصة، وثمة حديث طويل كله من هذا القبيل.
325

أسماء بنت النعمان عروسا إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقالت لها (1): أن
النبي ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له: أعوذ بالله منك (791)،
وغرضها من ذلك تنفير النبي صلى الله عليه وآله من عرسه، وإسقاط هذه
المؤمنة البائسة من نفسه، وكأن أم المؤمنين تستبيح مثل هذا الحديث عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، ترويجا لغرضها، حتى لو كان تافها أو كان حراما،
وكلفها صلى الله عليه وآله وسلم مرة بالاطلاع على امرأة مخصوصة لتخبره عن حالها
فأخبرته - إيثارا لغرضها - بغير ما رأت (2) (792)، وخاصمته صلى الله عليه وآله
وسلم، يوما إلى أبيها - نزولا على حكم العاطفة - فقالت له: أقصد (3)، فلطمها
أبوها حتى سال الدم على ثيابها (793)، وقالت له مرة في كلام غضبت عنده (4):
أنت الذي تزعم أنك نبي الله؟ (794)، إلى كثير من أمثال هذه الشؤون،
والاستقصاء يضيق عنه هذا الاملاء، وفيما أوردناه كفاية لما أردناه.
2 - وقلتم في الجواب عن الأمر الثاني أن أهل السنة لا يقولون بالحسن والقبح

(1) فيما أخرجه الحاكم في ترجمة أسماء من صحيحه المستدرك ص 37 من جزئه
الرابع، وأخرجه ابن سعد في ترجمتها أيضا ص 104 من الجزء الثامن من الطبقات،
والقضية مشهورة نقلها في ترجمة أسماء كل من صاحبي الاستيعاب والإصابة. وأخرجها
ابن جرير وغيره.
(2) تفصيل هذه الواقعة في كتب السنن والأخبار، فراجع ص 294 من الجزء
السادس من كنز العمال، أو ص 115 من الجزء الثامن من طبقات ابن سعد حيث
ترجم شراف بنت خليفة.
(3) أقصد: فعل أمر من القصد وهو العدل وهذه القضية أخرجها أصحاب
السنن والمسانيد، فراجع الحديث 1020 من أحاديث الكنز وهو في ص 116 من الجزء
السابع وأوردها الغزالي في الباب الثالث من كتاب آداب النكاح ص 35 من الجزء الثاني
من إحياء العلوم، ونقلها أيضا في الباب 94 من كتابه مكاشفة القلوب آخر ص 238
، فراجع.
(4) كما نقله الغزالي في البابين المذكورين من الكتابين المسطورين.
326

العقليين إلى آخر كلامكم في هذا الموضوع وأنا أربابكم عن هذا القول، فإنه شبيه
بقول السوفسطائية الذين ينكرون الحقائق المحسوسة، لأن من الأفعال ما نعلم
بحسنه، وترتب الثناء والثواب على فعله، لصفة ذاتية له قائمة به، كالأحسن
والعدل من حيث هما إحسان وعدل ومنها ما نعلم بقبحه وترتب الذم والعقاب على
فعله لصفته الذاتية القائمة به، كالإساءة والجور من حيث هما إساءة وجور،
والعاقل يعلم أن ضرورة قاضية بذلك، وليس جزم العقلاء بهذا أقل من جزمهم
بكون الواحد نصف الاثنين، والبداهة الأولية قاضية بالفرق بين من أحسن إليك
دائما، وبين من أساء إليك دائما، إذ يستقل العقل بحسن فعل الأول معك،
واستحقاقه للثناء والثواب منك، وقبح فعل الثاني واستحقاقه للذم والقصاص،
والمشكك في ذلك مكابر لعقله، ولو كان الحسن والقبح فيما ذكرناه شرعيين، لما
حكم بهما منكر والشرائع كالزنادقة والدهرية، فإنهم مع إنكارهم الأديان يحكمون
بحسن العدل والاحسان، ويرتبون عليهما ثناءهم وثوابهم، ولا يرتابون في قبح
الظلم والعدوان، ولا في ترتيب الذم والقصاص على فعلهما، ومستندهم في هذا
إنما هو العقل لا غير، فدع عنك قول من يكابر العقل والوجدان، وينكر ما علمه
العقلاء كافة، ويحكم بخلاف ما تحكم به فطرته التي فطر عليها، فإن الله سبحانه
فطر عباده على إدراك بعض الحقائق بعقولهم كما فطرهم على الادراك بحواسهم
ومشاعرهم، ففطرتهم توجب أن يدركوا بعقولهم حسن العدل ونحوه، وقبح
الظلم ونحوه، كما يدركون بأذواقهم حلاوة العسل ومرارة العلقم، ويدركون
بمشامهم طيب المسك ونتن الجيف، ويدركون بملامسهم لين اللين وخشونة
الخشن، ويمييزون بأبصارهم بين المنظرين الحسن والقبيح، وبأسماعهم بين
الصوتين: صوت المزامير وصوت الحمير، تلك فطرة الله * (التي فطر الناس عليها
لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * (795).
وقد أراد الأشاعرة أن يبالغوا في الإيمان بالشرع والاستسلام لحكمه،
327

فأنكروا حكم العقل، وقالوا: لا حكم إلا للشرع، ذهولا منهم عن القاعدة
العقلية المطردة - وهي كل ما حكم به العقل حكم به الشرع - ولم يلتفتوا إلى أنهم
قطعوا خط الرجعة بهذا الرأي على أنفسهم، فلا يقوم لهم بعده على ثبوت الشرع
دليل، لأن الاستدلال على ذلك بالأدلة الشرعية دوري لا تتم به حجة، ولولا
سلطان العقل لكان الاحتجاج بالنقل مصادرة، بل لولا العقل ما عبد الله عابد،
ولا عرفه من خلقه كلهم واحد، وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى مظانه من
مؤلفات علمائنا الأعلام.
3 - أما دعوى أم المؤمنين بأن النبي صلى الله عليه وآله، قضى وهو في
صدرها فمعارضة، بصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة (796) وحسبك
من طريق غيرهم ما أخرجه ابن سعد (1) بالإسناد إلى علي، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله، في مرضه: " ادعوا لي أخي، فأتيته، فقال: أدن
مني، فدنوت منه، فاستند إلي فلم يزل مستندا إلي، وإنه ليكلمني حتى أن بعض
ريقه ليصيبني، ثم نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " (797)
وأخرج أبو نعيم في حليته، وأبو أحمد الفرضي في نسخته، وغير
واحد من أصحاب السنن، عن علي، قال: " علمني رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم - يعني حينئذ - ألف باب كل باب يفتح
ألف باب (2) " (798) وكان عمر بن الخطاب إذا سئل عن شئ
يتعلق ببعض هذه الشؤون، لا يقول غير: سلوا عليا، لكونه هو القائم بها،
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري، " أن كعب الأحبار سأل عمر، فقال: ما كان

(1) في ص 51 من القسم الثاني من الجزء الثاني من الطبقات، في باب من
قال: توفي رسول الله وهو في حجر علي، وهذا الحديث هو الحديث 1107 من الكنز
في ص 55 من جزئه الرابع.
(2) هذا هو الحديث 6009 من الكنز في آخر ص 392 من جزئه السادس.
328

آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال عمر: سل عليا، فسأله
كعب، فقال علي: أسندت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صدري،
فوضع رأسه على منكبي، فقال: الصلاة الصلاة، قال كعب: كذلك آخر عهد
الأنبياء، وبه أمروا وعليه يبعثون، قال كعب فمن غسله يا أمير المؤمنين؟ فقال
عمر: سل عليا، فسأله فقال: كنت أنا أغسله... الحديث (1) " (799) وقيل
لابن عباس: " أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله، توفي ورأسه في حجر
أحد؟ قال: نعم توفي وإنه لمستند إلى صدر علي، فقيل له: إن عروة يحدث عن
عائشة أنها قالت: توفي بين سحري ونحري، فأنكر ابن عباس ذلك قائلا
للسائل: أتعقل؟ والله لتوفي رسول الله وإنه لمستند إلى صدر علي، وهو الذي
غسله... الحديث (800) " (2) وأخرج ابن سعد (3) بسنده إلى الإمام أبي محمد
علي بن الحسين زين العابدين، قال: " قبض رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، ورأسه في حجر علي (801) ا ه‍. "
قلت والأخبار في تلك متواترة، عن سائر أئمة العترة الطاهرة، وأن كثيرا
من المنحرفين عنهم ليعترفون بهذا، حتى أن ابن سعد أخرج (4) بسنده إلى
الشعبي، قال: " توفي رسول الله صلى الله عليه وآله، ورأسه في حجر
علي، وغسله علي. ا ه‍ " (802) وكان أمير المؤمنين عليه السلام يخطب بذلك

(1) أخرجه ابن سعد في ص 51 من القسم الثاني من الجزء الثاني من الطبقات
المتقدم ذكرها، وهذا الحديث هو الحديث 1106 من أحاديث الكنز في ص 55 من
جزئه الرابع.
(2) أخرجه ابن سعد في الصفحة المتقدم ذكرها. وهو الحديث 1108 من
أحاديث الكنز في ص 55 من جزئه الرابع.
(3) في صفحة 51 المتقدمة الذكر من الطبقات.
(4) في الصفحة المتقدم ذكرها من الطبقات.
329

على رؤوس الإشهاد، وحسبك قوله من خطبة له (1) عليه السلام، " ولقد علم
المستحفظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، أني لم أرد على
الله، ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها
الأبطال، وتتأخر فيها الأقدام، نجدة أكرمني الله بها، ولقد قبض (ص)، وإن
رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي، فأمررتها على وجهي، ولقد
وليت غسله (ص)، والملائكة أعواني. فضجت الدار والأفنية، ملأ يهبط،
وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة منهم يصلون عليه، حتى واريناه في
ضريحه، فمن ذا أحق به مني حيا وميتا " (803) ومثله قوله (2) - من كلام له عند دفنه
سيدة النساء عليهما السلام -: " السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة
في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورق
عنها تجلدي، ألا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك، موضع تعز،
فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، فإنا لله وإنا
إليه راجعون... إلى آخر كلامه " (804) وصح عن أم سلمة أنها قالت:
" والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله (ص)، عدناه غداة
وهو يقول: جاء علي، جاء علي، مرارا، فقالت فاطمة: كأنك بعثته في حاجة؟
قالت: فجاء بعد، فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت فقعدنا عند
الباب، قالت أم سلمة: وكنت من أدناهم إلى الباب، فأكب عليه رسول الله

(1) تجدها في آخر ص 196 من الجزء الثاني من نهج البلاغة، وفي ص 561
من المجلد الثاني من شرح ابن أبي الحديد.
(2) هذا الكلام موجود في آخر ص 207 من الجزء الثاني من النهج. وفي ص
590 من المجلد الثاني من شرح ابن أبي الحديد.
330

(ص)، وجعل يساره ويناجيه، ثم قبض (ص) من يومه ذلك، فكان علي أقرب
الناس به عهدا (1) " (805)
وعن عبد الله بن عمرو (2) أن رسول الله (ص)، قال في مرضه: " ادعوا
لي أخي، فجاء أبو بكر، فأعرض عنه، ثم قال: ادعوا لي أخي، فجاء عثمان،
فأعرض عنه، ثم دعي له علي، فستره بثوبه وأكب عليه، فلما خرج من عنده قيل
له: ما قال لك؟ قال: علمني ألف باب كل باب يفتح له ألف باب " (806).
وأنت تعلم أنه هو الذي يناسب حال الأنبياء، وذاك إنما يناسب أزيار (3)
النساء، ولو أن راعي غنم مات ورأسه بين سحر زوجته ونحرها، أو بين حاقنتها
وذاقنتها، أو على فخذها، ولم يعهد برعاية غنمه، لكان مضيعا مسوفا، عفا الله
عن أم المؤمنين، ليتها - إذ حاولت صرف هذه الفضيلة عن علي - نسبتها إلى

(1) هذا الحديث أخرجه الحاكم في أول ص 139 من الجزء 3 من صحيحه
المستدرك، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. قلت: واعترف
بصحته الذهبي إذ أورده في التلخيص وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة في السنن، وهو
الحديث 6096 من أحاديث الكنز في آخر ص 400 من جزئه السادس.
(2) فيما أخرجه أبو يعلى عن كامل بن طلحة عن ابن لهيعة عن حي بن عبد
المغافيري عن أبي عبد الرحمن الحلبي عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، وأخرجه أبو نعيم في
حليته، وأبو أحمد الفرضي في نسخته كما في ص 392 من الجزء السادس من كنز
العمال، وأخرج الطبراني في الكبير أنه لما كانت غزوة الطائف قام النبي مع علي (يناجيه
) مليا، ثم مر فقال له أبو بكر: يا رسول الله لقد طالت مناجاتك عليا منذ اليوم،
فقال (ص) ما أنا انتجيته، ولكن الله انتجاه، هذا الحديث هو الحديث 6075 من
أحاديث الكنز في ص 399 من جزئه السادس وكان كثيرا ما يخلو بعلي يناجيه وقد
دخلت عائشة عليهما وهما يتناجيان، فقالت: يا علي ليس لي إلا يوم من تسعة أيام،
أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي، فأقبل رسول الله عليها وهو محمر الوجه غضبا،
الحديث، راجعه أول ص 78 من المجلد الثاني من شرح نهج البلاغة الحميدي.
(3) جمع زير وهو الرجل يحب محادثة النساء لغير سوء.
331

أبيها، فإن ذلك أولى بمقام النبي مما ادعت، لكن أباها كان يومئذ ممن عبأهم
رسول الله (ص) بيده الشريفة في جيش أسامة، وكان حينئذ معسكرا في الجرف،
وعلى كل حال فإن القول بوفاته (ص) وهو في حجرها، لم يسند إلا إليها، والقول
بوفاته - بأبي وأمي - وهو في حجر علي، مسند إلى كل من علي، وابن عباس، وأم
سلمة، و عبد الله بن عمرو، والشعبي، وعلي بن الحسين، وسائر أئمة أهل
البيت، فهو أرجح سندا وأليق برسول الله (ص).
4 - ولو لم يعارض حديث عائشة إلا حديث أم سلمة وحده، لكان حديث
أم سلمة هو المقدم، لوجوه كثيرة غير التي ذكرناها، والسلام.
ش
المراجعة 77 رقم: 20
صفر سنة 1330
البحث عن السبب في تقديم حديث أم سلمة عند التعارض
لم تكتف سلمك الله - في تقديم حديث أم سلمة على حديث عائشة رضي الله
عنهما - بما ذكرت سابقا، حتى زعمت أن ما لم تذكره من الوجوه المقتضية لذلك أكثر
مما ذكرت، فهاتها رحمك الله على كثرتها، ولا تستأثر بشئ منها، فإن المقام مقام
بحث وإفادة، والسلام.
س
332

المراجعة 78 رقم: 22 صفر سنة 1330
الأسباب المرجحة لحديث أم سلمة مضافا إلى ما تقدم
إن السيدة أم سلمة لم يصغ قلبها بنص الفرقان العظيم، ولم تؤمر بالتوبة في
محكم الذكر الحكيم (1) (807)، ولا نزل القرآن بتظاهرها على النبي، ولا
تظاهرت من بعده على الوصي (2) (808)، ولا تأهب الله لنصرة نبيه عليها وجبريل
وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير، ولا توعدها الله بالطلاق، ولا هددها
بأن يبدله خيرا منها (3) (809) ولا ضرب امرأة نوح وامرأة لوط لها مثلا (4) (810)
ولا حاولت من رسول الله (ص) أن يحرم على نفسه ما أحل الله له (5) (811)، ولا
قام النبي (ص) خطيبا على منبره فأشار نحو مسكنها قائلا: " هاهنا الفتنة، هاهنا
الفتنة، هاهنا الفتنة، حيث يطلع قرن الشيطان (6) " (812)، ولا بلغت في آدابها

(1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة التحريم " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما
(2) تظاهرها على الوصي كان بإنكارها الوصية إليه وبتحاملها عليه مدة حياته
بعد النبي أما تظاهرها على النبي وتأهب الله لنصرة نبيه عليها، فمدلول عليهما بقوله
تعالى: وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه، وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك
ظهير.
(3) هذا والذي قبله إشارة إلى قوله تعالى: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله
أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات. الآية.
(4) إشارة إلى قوله تعالى: ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط،
إلى آخر السور.
(5) إشارة إلى قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات
أزواجك ".
(6) أخرجه البخاري في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي من كتاب الجهاد
والسير من صحيحه، وهو في ص 125 من جزئه الثاني بعد باب فرض الخمس وباب
أداء الخمس بيسير، ولفظه في صحيح مسلم: خرج رسول الله من بيت عائشة، فقال
333

أن تمد رجلها في قبلة النبي (ص)، وهو يصلي - احتراما له ولصلاته - ثم لا ترفعها
عن محل سجوده حتى يغمزها، فإذا غمزها رفعتها، حتى يقوم فتمدها ثانية (1)
(813) وهكذا كانت، ولا أرجفت بعثمان، ولا ألبت عليه، ولا نبزته نعثلا،
ولا قالت: اقتلوا نعثلا فقد كفر (2) (814)، ولا خرجت من بيتها الذي أمرها الله
عز وجل أن تقر فيه (3)، ولا ركبت العسكر (4) (815) قعودا من الإبل تهبط واديا
وتعلو جبلا، حتى نبحتها كلاب الحوأب، وكان رسول الله (ص) أنذرها (5)
(816) بذلك، فلم ترعو ولم تلتو عن قيادة جيشها اللهام الذي حشدته على

: رأس الكفر من ها هنا حيث يطلع قرن الشيطان، فراجع ص 503 من جزئه
الثاني.
(1) راجع من صحيح البخاري باب ما يجوز من العمل في الصلاة وهو في ص
143 من جزئه الأول.
(2) إرجافها بعثمان، وإنكارها كثيرا من أفعاله، ونبزها إياه، وقولها: اقتلوا
نعثلا فقد كفر، مما لا يخلو منه كتاب يشتمل على تلك الحوادث والشؤون وحسبك ما
في تاريخ ابن جرير وابن الأثير وغيرهما، وقد أنبها جماعة من معاصريه، وشافهها
بالتنديد بها إذ قال لها:
فمنك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا إنه قد كفر
إلى آخر الأبيات وهي في ص 80 من الجزء الثالث من الكامل لابن الأثير حيث
ذكر ابتداء أمر وقعة الجمل.
(3) حيث قال عز من قائل: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى.
(4) كان الجمل الذي ركبته عائشة يوم البصرة يدعى العسكر، جاءها به يعلى
بن أمية وكان عظيم الخلق شديدا، فلما رأته أعجبها، فلما عرفت أن اسمه عسكر
استرجعت، وقالت: ردوه لا حاجة لي فيه، وذكرت أن رسول الله ذكر لها هذا الاسم
ونهاها عن ركوبه، فغيروه لها بجلال غير جلاله، وقالوا لها أصبنا لك أعظم منه وأشد
قوة فرضيت به، وقد ذكر هذه القضية جماعة من أهل الأخبار والسير، فراجع ص 80
من المجلد الثاني من شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة.
(5) والحديث في ذلك مشهور وهو من أعلام النبوة وآيات الاسلام، وقد
اختصره الإمام أحمد بن حنبل إذ أخرجه من حديث عائشة في مسنده ص 52 وص
334

الإمام، فقولها: مات رسول الله بين سحري ونحري معطوف على قولها: " إن
رسول الله (ص) رأى السودان يلعبون في مسجده بدرقهم وحرابهم، فقال لها:
أتشتهين تنظرين إليهم؟ قالت: نعم، قالت: فأقامني وراءه وخدي على خده،
وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة - إغراء لهم باللعب لتأنس السيدة - قالت: حتى
إذا مللت، قال: حسبك؟ قلت: نعم، قال: فاذهبي (1) " (817) وإن شئت
فاعطفه على قولها: " دخل علي رسول الله (ص) وعندي جاريتان تغنيان بغناء
بعاث، فاضطجع على الفراش، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة
الشيطان عند رسول الله، قالت: فأقبل عليه رسول الله (ص) فقال:
دعهما... " الحديث (2) (818).
واعطفه إن شئت على قولها (3): " سابقني النبي فسبقته، فلبثناه حتى
رهقني اللحم، سابقني فسبقني، فقال: هذه بتيك " (819) أو على قولها (4):
" كنت ألعب بالبنات ويجئ صواحبي فيلعبن معي، وكان رسول الله يدخلهن

97 من جزئه السادس. وكذلك فعل الحاكم إذ أخرجه في ص 120 من الجزء الثالث
من صحيحه المستدرك، واعترف الذهبي بصحته إذ أورده في تلخيص المستدرك.
(1) هذا الحديث ثابت عنها، أخرجه الشيخان في صحيحيهما، فراجع من
صحيح البخاري أوائل كتاب العيدين ص 116 من جزئه الأول، وراجع من مسند
أحمد صفحة 57 من جزئه السادس.
(2) أخرجه البخاري ومسلم والإمام أحمد من حديث عائشة في المواضع التي
أشرنا إليها من كتبهم في التعليقة السابقة.
(3) فيما أخرجه الإمام أحمد من حديث عائشة في ص 39 من الجزء السادس من
مسنده.
(4) فيما أخرجه أحمد عن عائشة ص 75 من الجزء السادس من مسنده.
335

علي فيلعبن معي... الحديث " (820) أو على قولها (1): " خلال في سبع لم تكن
في أحد من الناس إلا ما آتى الله مريم بنت عمران، نزل الملك بصورتي، وتزوجني
رسول الله بكرا لم يشركه في أحد من الناس، وأتاه الوحي وأنا وإياه في لحاف
واحد، وكنت من أحب النساء إليه، ونزل في آيات من القرآن كادت الأمة تهلك
فيهن، ورأيت جبرائيل ولم يره من نسائه أحد غيري، وقبض في بيتي لم يله أحد
غيري (2) أنا والملك. ا ه‍. " (821) إلى آخر ما كانت تسترسل فيه من خصائصها
وكله من هذا القبيل.
أما أم سلمة فحسبها الموالاة لوليها ووصي نبيها، وكانت موصوفة بالرأي
الصائب، والعقل البالغ، والدين المتين. وإشارتها على النبي (ص) يوم الحديبية
(822) تدل على وفور عقلها، وصواب رأيها، وسمو مقامها، رحمة الله وبركاته
عليها، والسلام.
ش

(1) أخرجه ابن أبي شيبة وهو الحديث 1017 من أحاديث الجزء السابع من كنز
العمال
(2) وقع الاتفاق على أنه (ص) مات وعلي حاضر لموته، وهو الذي كان يقلبه
ويمرضه، وكيف يصح أنه قبض ولم يله أحد غيرها وغير الملك، فأين كان علي
والعباس؟ وأين كانت فاطمة وصفية؟ وأين كان أزواج النبي وبنو هاشم كافة؟ وكيف
يتركونه كلهم لعائشة وحدها! ثم لا يخفى أن مريم عليها السلام، لم يكن فيها شئ
من الخلال السبع التي ذكرتها أم المؤمنين، فما الوجه في استثنائها إياها؟.
336

المراجعة 79 رقم: 23 صفر سنة 1330
الاجماع يثبت خلافة الصديق
إذا تم كل ما قلتم من العهد والوصية، والنصوص الجلية، فماذا تصنعون
بإجماع الأمة على بيعة الصديق؟ وإجماعها حجة قطعية لقوله (ص): لا تجتمع أمتي
على الخطأ (823)، وقوله صلى الله عليه وآله " لا تجتمع على ضلال فماذا
تقولون؟ " (824).
س
المراجعة 80 رقم: 25 صفر سنة 1330
لا إجماع
نقول: أن المراد من قوله (ص): لا تجتمع أمتي على الخطأ، ولا تجتمع على
الضلال، إنما هو نفي الخطأ والضلال عن الأمر الذي اشتورت فيه الأمة فقررته
باختيارها، واتفاق آرائها، وهذا هو المتبادر من السنن لا غير، أما الأمر الذي يراه
نفر من الأمة فينهضون به، ثم يتسنى لهم إكراه أهل الحل والعقد عليه، فلا دليل
على صوابه، وبيعة السقيفة لم تكن عن مشورة، وإنما قام بها الخليفة الثاني، وأبو
عبيدة، ونفر معهما، ثم فاجأوا بها أهل الحل والعقد، وساعدتهم تلك الظروف
على ما أرادوا، وأبو بكر يصرح بأن بيعته لم تكن عن مشورة ولا عن روية، وذلك
حيث خطب الناس في أوائل خلافته معتذرا إليهم، فقال: " إن بيعتي كانت
337

فلتة، وقى الله شرها، وخشيت الفتنة... الخطبة (1) " (825) وعمر يشهد
بذلك على رؤوس الإشهاد في خطبة خطبها على المنبر النبوي يوم الجمعة في أواخر
خلافته، وقد طارت كل مطير، وأخرجها البخاري في صحيحه (2)، وإليك محل
الشاهد منها بعين لفظه، قال: ثم إنه " بلغني أن قائلا (3) منكم يقول: والله لو
مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا
وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها (إلى أن قال): من بايع رجلا من غير
مشورة فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا (4)، (قال): وأنه قد كان من خبرنا

(1) أخرجها أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، في كتاب السقيفة، ونقلها
ابن أبي الحديد ص 132 من المجلد الأول من شرح النهج.
(2) راجع من الصحيح باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت - وهو في كتاب
الحدود والمحاربين من أهل الكفر والردة - تجد الخطبة مع مقدماتها في ص 119 من
جزئه الرابع. وأخرجها غير واحد من أصحاب السنن والأخبار كابن جرير الطبري في
حوادث سنة 11 من تاريخه، ونقلها ابن أبي الحديد ص 122 من المجلد الأول من
شرح النهج.
(3) القائل هو ابن الزبير ونص مقالته، والله لو مات عمر لبايعت عليا فإن بيعة
أبي بكر إنما كانت فلتة وتمت، فغضب عمر غضبا شديدا وخطب هذه الخطبة، صرح
بهذا كثير من شراح البخاري، فراجع تفسير هذا الحديث من شرح القسطلاني ص
352 من جزئه الحادي عشر،؟ جده ينقل ذلك عن البلاذري في الأنساب مصرحا
بصحة سنده - على شرط الشيخين -.
(4) قال ابن الأثير في تفسير هذا الحديث من نهايته، تغرة، مصدر غررته إذا
ألقيته في الغرر، وهي من التغرير كالتعلة من التعليل، وفي الكلام مضاف محذوف
وأقام المضاف إليه الذي هو تغرة مقامه، وا؟ تصب على أنه مفعول له، ويجوز أن يكون
قوله إن يقتلا بدلا من تغرة ويكون المضاف إليه محذوفا كالأول، ومن أضاف تغرة إلى أن
يقتلا فمعناه خوف تغرة قتلهما " قال " ومعنى الحديث: أن البيعة حقها أن تقع صادرة
عن المشورة والاتفاق، فإذا استبد رجلان دون الجماعة فبايع أحدهما الآخر، فذلك
تظاهر منهما بشق العصا واطراح الجماعة فإن عقد لأحد بيعة فلا يكون المعقود له واحدا
منهما وليكونا معزولين من الطائفة التي تتفق على تمييز الإمام منها، لأنه إن عقد لواحد
منهما وقد ارتكبا تلك الفعلة الشنيعة التي أحفظت الجماعة من التهاون بهم والاستغناء
عن رأيهم، لم يؤمن أن يقتلا. ا ه‍. قلت: كان من مقتضيات العدل الذي وصف
به عمر، أن يحكم بهذا الحكم على نفسه وعلى صاحبه كما حكم به على الغير، وكان
قد سبق منه - قبل قيامه بهذه الخطبة - أن قال: إن بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها،
فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، واشتهرت هذه الكلمة عنه أي اشتهار، ونقلها عنه حفظة
الأخبار كالعلامة ابن أبي الحديد في ص 123 من المجلد الأول من شرح النهج.
338

حين توفى الله نبيه (ص) أن الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني
ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما " (826) ثم استرسل في الإشارة إلى ما
وقع في السقيفة من التنازع والاختلاف في الرأي، وارتفاع أصواتهم بما يوجب
الفرق على الاسلام، وأن عمر بايع أبا بكر في تلك الحال.
ومن المعلوم بحكم الضرورة من أخبارهم أن أهل بيت النبوة، وموضع
الرسالة لم يحضر البيعة أحد منهم قط، وقد تخلفوا عنها في بيت علي، ومعهم
سلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، والزبير، وخزيمة بن ثابت، وأبي بن
كعب، وفروة بن عمرو بن ودقة الأنصاري، والبراء بن عازب، وخالد بن سعيد
بن العاص الأموي، وغير واحد من أمثالهم، فكيف يتم الاجماع مع تخلف هؤلاء
كلهم، وفيهم آل محمد كافة وهم من الأمة بمنزلة الرأس من الجسد، والعينين من
الوجه، ثقل رسول الله وعيبته، وأعدال كتاب الله وسفرته، وسفن نجاة الأمة
وباب حطتها، وأمانها من الضلال في الدين وأعلام هدايتها، كما أثبتناه فيما
أسلفناه (1)، على أن شأنهم غني عن البرهان، بعد أن كان شاهده الوجدان.

(1) قف على المراجعة 6 وما بعدها إلى منتهى المراجعة 12 تعرف شأن أهل
البيت عليهم السلام.
339

وقد أثبت البخاري ومسلم في صحيحيهما (1)، وغير واحد من أثبات السنن
والأخبار، تخلف علي عن البيعة، وأنه لم يصالح حتى لحقت سيدة النساء بأبيها
(ص)، وذلك بعد البيعة بستة أشهر، حيث اضطرته المصلحة الاسلامية العامة
في تلك الظروف الحرجة إلى الصلح والمسالمة، والحديث في هذا مسند إلى عائشة،
وقد صرحت فيه: أن الزهراء هجرت أبا بكر، فلم تكلمه بعد رسول الله، حتى
ماتت (828) وأن عليا لما صالحهم، نسب إليهم الاستبداد بنصيبه من الخلافة،
وليس في ذلك الحديث تصريح بمبايعته إياهم حين الصلح، وما أبلغ حجته إذ قال
مخاطبا لأبي بكر:
فإن كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب
وإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب (2)
واحتج العباس بن عبد المطلب بمثل هذا على أبي بكر، إذ قال له في كلام دار

(1) راجع من صحيح البخاري أو آخر باب غزوة خيبر ص 39 من جزئه
الثالث، وراجع من صحيح مسلم باب قول النبي: لا نورث ما تركناه فهو صدقة،
من كتاب الجهاد والسير ص 72 من جزئه الثاني، تجد الأمر كما ذكرناه مفصلا.
(2) هذان البيتان موجودان في نهج البلاغة، وقد ذكر ابن أبي الحديد في
تفسيرهما من شرح النهج ص 319 من مجلده الرابع: أن حديثه فيهما موجه لأبي بكر،
لأن أبا بكر حاج الأنصار في السقيفة، فقال: نحن عترة رسول الله (ص) وبيضته التي
تفقأت عنه، فلما بويع، احتج إلى الناس بالبيعة، وأنها صدرت عن أهل الحل
والعقد، فقال علي (ع): أما احتجاجك على الأنصار بأنك من بيضة رسول الله (ص)
ومن قومه، فغيرك أقرب نسبا منك إليه، وأما احتجاجك بالاختيار ورضا الجماعة
بك، فقد كان قوم من جملة الصحابة غائبين لم يحضروا العقد، فكيف يثبت. ا ه‍.
وللشيخ محمد عبده تعليقتان على هذين البيتين تتضمنان ما قاله ابن أبي الحديد في
تفسيرهما.
340

بينهما (1): " فإن كنت برسول الله طلبت، فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين
طلبت، فنحن منهم متقدمون فيهم، وإن كان هذا الأمر إنما يجب لك بالمؤمنين،
فما وجب إذ كنا كارهين " ا ه‍. (829).
فأين الاجماع بعد هذا التصريح من عم رسول الله (ص) وصنو أبيه؟ ومن
ابن عمه ووليه وأخيه؟ ومن سائر أهل بيته وذويه؟.
ش
المراجعة 81 رقم: 28 صفر سنة 1330
انعقاد الاجماع بعد تلاشي النزاع
أهل السنة لا ينكرون أن البيعة لم تكن عن مشورة ولا عن روية، ويسلمون
بأنها إنما كانت فجأة وارتجالا، ولا يرتابون في مخالفة الأنصار وانحيازهم إلى سعد،
ولا في مخالفة بني هاشم وأوليائهم من المهاجرين والأنصار، وانضوائهم إلى
الإمام، لكنهم يقولون: أن أمر الخلافة قد استتب أخيرا لأبي بكر، ورضيه
الجميع إماما لهم، فتلاشى ذلك الخلاف، وارتفع النزع بالمرة، وأصفق الجميع
على مؤازرة الصديق والنصح له في السر والعلانية، فحاربوا حربه، وسالموا
سلمه، وأنفذوا أمره ونهيه، ولم يختلف منهم عن ذلك أحد، وبهذا تم الاجماع،
وصح عقد الخلافة، والحمد لله على جمع كلمتهم بعد تفرقها، وائتلاف قلوبهم
بعد تنافرها، والسلام.
س

(1) ذكره ابن قتيبة ص 16 من كتابه الإمامة والسياسة.
341

المراجعة رقم: 30 صفر سنة 1330
لم ينعقد إجماع ولم يتلاش نزاع
إصفاقهم على مؤازرة الصديق والنصح له في السر والعلانية شئ وصحة
عقد الخلافة له بالاجماع شئ آخر، وهما غير متلازمين عقلا وشرعا، فإن لعلي
والأئمة المعصومين من بنيه مذهبا في مؤازرة أهل السلطة الاسلامية معروفا، وهو
الذي ندين الله به، وأنا أذكره لك جوابا عما قلت، وحاصله أن من رأيهم أن الأمة
الاسلامية لا مجد لها إلا بدولة تلم شعثها، وترأب صدعها، وتحفظ ثغورها،
وتراقب أمورها، وهذه الدولة لا تقوم إلا برعايا توازرها بأنفسها وأموالها، فإن
أمكن أن تكون الدولة في يد صاحبها الشرعي وهو النائب في حكمه عن رسول الله
(ص) نيابة صحيحة - فهو المتعين لا غير، وإن تعذر ذلك، فاستولى على سلطان
المسلمين غيره، وجبت على الأمة مؤازرته في كل أمر يتوقف عليه عز الاسلام
ومنعته، وحماية ثغوره وحفظ بيضته، ولا يجوز شق عصا المسلمين، وتفريق
جماعتهم بمقاومته، بل يجب على الأمة أن تعامله - وإن كان عبدا مجدع الأطراف -
معاملة الخلفاء بالحق، فتعطيه خراج الأرض ومقاسمتها، وزكاة الأنعام
وغيرها، ولها أن تأخذ منه ذلك بالبيع والشراء، وسائر أسباب الانتقال،
كالصلات والهبات ونحوها، بل لا إشكال في براءة ذمة المتقبل منه بدفع القبالة
إليه، كما لو دفعها إلى إمام الصدق، والخليفة بالحق، هذا مذهب علي والأئمة
الطاهرين من بنيه (830) وقد قال (1) (ص): " ستكون بعد إثرة وأمور تنكرونها،

(1) في حديث عبد الله بن مسعود، وقد أخرجه مسلم في ص 118 من الجزء
الثاني من صحيحه، وغير واحد من أصحاب الصحاح والسنن.
342

قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك، قال (ص): تؤدون الحق الذي
عليكم، وتسألون الله الذي لكم " (831) وكان أبو ذر الغفاري رضي الله عنه،
يقول (1) " إن خليلي رسول الله (ص) أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدا
مجدع الأطراف " (832).
وقال سلمة الجعفي (2): " يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألوننا
حقهم، ويمنعوننا حقنا، فما تأمرنا؟ فقال (ص): اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم
ما حملوا، وعليكم ما حملتم " (833) وقال (ص) في حديث حذيفة بن اليمان (3)
رضي الله عنه: " يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي وسيقوم
فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال حذيفة: قلت كيف
أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير،
وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع " (834)
ومثله وقوله (ص)، في حديث أم سلمة: " ستكون أمراء
عليكم، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم (4)،
قالوا: أفلا نقاتلهم قالوا: لا ما صلوا " ا ه‍. (835) والصحاح في ذلك
متواترة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة، ولذلك صبروا وفي العين قذى، وفي

(1) فيما أخرجه عنه مسلم أيضا في الجزء الثاني من صحيحه وهو من الأحاديث
المستفيضة.
(2) فيما أخرجه عنه مسلم وغيره.
(3) الذي أخرجه مسلم في ص 120 من الجزء الثاني من صحيحه، ورواه سائر
أصحاب السنن.
(4) هذا الحديث: أخرجه مسلم في ص 122 من الجزء الثاني من صحيحه،
والمراد بقوله (ص): فمن عرف برئ، أن من عرف المنكر ولم يشتبه عليه، فقد صار
له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده. أو بلسانه، فإن عجز فليكرهه
بقلبه.
343

الحلق شجى، عملا بهذه الأوامر المقدسة وغيرها مما عهده النبي (ص) إليهم
بالخصوص، حيث أمرهم بالصبر على الأذى، والغض على القذى، احتياطا
على الأمة، واحتفاظا بالشوكة، فكانوا يتحرون للقائمين بأمور المسلمين وجوه
النص، وهم - من استئثارهم بحقهم - على أمر من العلقم، ويتوخون لهم مناهج
الرشد، وهم - من تبوئهم عرشهم - على آلم للقلب من حز الشفار، تنفيذا
للعهد، ووفاء بالوعد، وقياما بالواجب شرعا وعقلا من تقديم الأهم - في مقام
التعارض - على المهم، ولذا محض أمير المؤمنين كلا من الخلفاء الثلاثة نصحه،
واجتهد لهم في المشورة (836). ومن تتبع سيرته في أيامهم، علم أنه بعد أن يئس
من حقه في الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، بلا فصل، شق بنفسه
طريق الموادعة، وآثر مسالمة القائمين بالأمر، فكان يرى عرشه - المعهود به إليه -
في قبضتهم، فلم يحاربهم عليه، ولم يدافعهم عنه احتفاظا بالأمة واحتياطا على
الملة، وضنا بالدين، وإيثارا للآجلة على العاجلة، وقد مني بما لم يمن به غيره،
حيث مثل على جناحيه خطبان فادحان، الخلافة بنصوصها وعهودها إلى جانب،
تستصرخه وتستفزه إليها بصوت يدمي الفؤاد، وأنين يفتت الأكباد (837)،
والفتن الطاغية إلى جانب آخر، تنذره بانتفاض الجزيرة، وانقلاب العرب،
واجتياح الاسلام، وتهدده بالمنافقين من أهل المدينة، وقد مردوا على النفاق،
وبمن حولهم من الأعراب، وهم منافقون بنص الكتاب، بل هم أشد كفرا
ونفاقا، وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله وقد قويت بفقده
صلى الله عليه وآله وسلم، شوكتهم، إذ صار المسلمون بعده كالغنم المطيرة في
الليلة الشاتية، بين ذئاب عادية، ووحوش ضارية، ومسيلمة الكذاب،
وطليحة بن خويلد الأفاك، وسجاح بنت الحرث الدجالة، وأصحابهم قائمون -
في محق الاسلام وسحق المسلمين - على ساق، والرومان والأكاسرة وغيرهما،
كانوا بالمرصاد، إلى كثير من هذه العناصر الجياشة بكل حنق من محمد وآله
344

وأصحابه، وبكل حقد وحسيكة لكلمة الاسلام تريد أن تنقض أساسها،
وتستأصل شأفتها، وأنها لنشيطة في ذلك مسرعة متعجلة، ترى أن الأمر قد
استتب لها، وأن الفرصة - بذهاب النبي (ص)، إلى الرفيق الأعلى - قد حانت،
فأرادت أن تسخر الفرصة، وتنتهز تلك الفوضى قبل أن يعود الاسلام إلى قوة
وانتظام، فوقف أمير المؤمنين بين هذين الخطرين، فكان من الطبيعي له أن يقدم
حقه قربانا لحياة الاسلام، وإيثارا للصالح العام، فانقطاع ذلك النزاع،
وارتفاع الخلاف بينه وبين أبي بكر، لم يكن إلا فرقا على بيضة الدين، وإشفاقا على
حوزة المسلمين، فصبر هو وأهل بيته كافة، وسائر أوليائه من المهاجرين
والأنصار، وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، وكلامه مدة حياته بعد
رسول الله (ص) صريح بذلك، والأخبار في هذا متواترة عن أئمة العترة الطاهرة
(838).
لكن سيد الأنصار سعد بن عبادة، لم يسالم الخليفتين أبدا، ولم تجمعه معهما
جماعة في عيد أو جمعة، وكان لا يفيض بإفاضتهم، ولا يرى أثر الشئ من أوامرهم
ونواهيهم (839)، حتى قتل غيلة بحوران على عهد الخليفة الثاني، فقالوا: قتله
الجن، وله كلام يوم السقيفة، وبعده لا حاجة بنا إلى ذكره (1) (840).
أما أصحابه كحباب بن المنذر (2)، وغيره من الأنصار، فإنما خضعوا

(1) سعد بن عبادة هو أبو ثابت، كان من أهل بيعة العقبة، ومن أهل بدر
وغيرها من المشاهد وكان سيد الخزرج ونقيبهم، وجواد الأنصار وزعيمهم، وكلامه
الذي أشرنا إليه، طفحت به كتب السير والأخبار، وحسبك منه ما ذكره ابن قتيبة في
كتاب الإمامة والسياسة، وابن جرير الطبري في تاريخه، وابن الأثير في كامله، وأبو
بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة، وغيرهم.
(2) كان حباب من سادة الأنصار وأبطالهم بدريا أحديا، ذا مناقب وسوابق،
وهو القائل: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، أنا أبو شبل في عرينة الأسد،
والله لئن شئتم لنعيدنها جذعة. وله كلام أمض من هذا، رأينا الإعراض عنه أولى.
345

عنوة، واستسلموا للقوة (841) فهل يكون العمل بمقتضيات الخوف من السيف
أو التحريق بالنار (1) (842) إيمانا بعقد البيعة؟ ومصداقا للاجماع المراد من قوله
(ص): لا تجتمع أمتي على الخطأ. أفتونا ولكن الأجر، والسلام.
ش

(1) تهديدهم عليا بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي، وحسبك ما ذكره الإمام ابن
قتيبة في أوائل كتاب الإمامة والسياسة، والإمام الطبري في موضعين من أحداث السنة
الحادية عشرة من تاريخه المشهور، وابن عبد ربه المالكي في حديث السقيفة من الجزء
الثاني من العقد الفريد، وأبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة كما
في ص 134 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي الحديدي، والمسعودي في
مروج الذهب نقلا عن عروة بن الزبير في مقام الاعتذار عن أخيه عبد الله، إذ هم
بتحريق بيوت بني هاشم حين تخلفوا عن بيعته، والشهرستاني نقلا عن النظام عند ذكره
الفرقة النظامية من كتاب الملل والنحل، وأفرد أبو مخنف لأخبار السقيفة كتابا فيه
تفصيل ما أجملناه. وناهيك في شهرة ذلك وتواتره قول شاعر النيل الحافظ إبراهيم في
قصيدته العمرية السائرة الطائرة:
وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص بقائلها * أمام فارس عدنان وحاميها
هذه معاملتهم للإمام الذي لا يكون الاجماع حجة عندنا إلا إذا كان كاشفا عن
رأيه، فمتى يتم الاحتجاج بمثل إجماعكم هذا علينا، والحال هذه يا منصفون؟!
346

المراجعة 83 رقم: 2 ربيع الأول سنة 1330
هل يمكن الجمع بين ثبوت النص وحمل الصحابة على الصحة؟
إن أولي البصائر النافذة، والروية الثاقبة، ينزهون الصحابة عن مخالفة
النبي صلى الله عليه وآله، في شئ من ظواهر أوامره ونواهيه، ولا يجوزون
عليهم غير التعبد بذلك، فلا يمكن أن يسمعوا النص على الإمام، ثم يعدلوا عنه
أولا وثانيا وثالثا، وكيف يمكن حملهم على الصحة في عدو لهم عنه مع سماعهم
النص عليه؟ ما أراك بقادر على أن تجمع بينهما، والسلام.
س
المراجعة 84 رقم: 5 ربيع الأول سنة 1330
1 - الجمع بين ثبوت النص وحملهم على الصحة
2 - الوجه في قعود الإمام عن حقه
1 - أفادتنا سيرة كثير من الصحابة أنهم إنما كانوا يتعبدون بالنصوص إذا
كانت متمحضة للدين، مختصة بالشؤون الأخروية، كنصه صلى الله عليه وآله
وسلم، على صوم شهر رمضان دون غيره، واستقبال القبلة في الصلاة دون
غيرها، ونصه على عدد الفرائض في اليوم والليلة، وعدد ركعات كل منها
وكيفياتها، ونصه على أن الطواف حول البيت أسبوع، ونحو ذلك من النصوص
المتمحضة للنفع الأخروي.
أما ما كان منها متعلقا بالسياسة كالولايات والإمارات، وتدبير قواعد
347

الدولة، وتقرير شؤون المملكة، وتسريب الجيش، فإنهم لم يكونوا يرون التعبد
به والالتزام في جميع الأحوال بالعمل على مقتضاه، بل جعلوا لأفكارهم مسرحا
للبحث، ومجالا للنظر والاجتهاد، فكانوا إذا رأوا في خلافه، رفعا لكيانهم، أو
نفعا في سلطانهم، ولعلهم كانوا يحرزون رضا النبي بذلك، وكان قد غلب على
ظنهم أن العرب لا تخضع لعلي ولا تتعبد بالنص عليه، إذ وترها في سبيل الله،
وسفك دماءها بسيفه في إعلاء كلمة الله، وكشف القناع منابذا لها في نصرة الحق،
حتى ظهر أمر الله على رغم كل عاة كفور، فهم لا يطيعونه إلا عنوة، ولا يخضعون
للنص عليه إلا بالقوة، وقد عصبوا به كل دم أراقه الاسلام أيام النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، جريا على عادتهم في أمثال ذلك، إذ لم يكن بعد النبي في عشيرته صلى
الله عليه وآله وسلم، أحد يستحق أن تعصب به تلك الدماء عند العرب غيره،
لأنهم إنما كانوا يعصبونها في أمثل العشيرة، وأفضل القبيلة، وقد كان هو أمثل
الهاشميين، وأفضلهم بعد رسول الله، لا يدافع ولا ينازع في ذلك، ولذا تربص
العرب به الدوائر، وقلبوا له الأمور، وأضمروا له ولذريته كل حسيكة، ووثبوا
عليهم كل وثبة، وكان ما كان مما طار في الأجواء، وطبق رزؤه الأرض والسماء.
وأيضا فإن قريشا خاصة والعرب عامة كانت تنقم من علي شدة وطأته على
أعداء الله، ونكال وقعته فيمن يتعدى حدود الله، أو يهتك حرماته عز وجل،
وكانت ترهب من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وتخشى عدله في الرعية،
ومساواته بين الناس في كل قضية، ولم يكن لأحد فيه مطمع، ولا عنده لأحد
هوادة، فالقوي العزيز عنده ضعيف ذليل حتى يأخذ منه الحق، والضعيف
الذليل عنده قوي عزيز حتى يأخذ له بحقه، فمتى تخضع الأعراب طوعا لمثله
* (وهم أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على
رسوله) * (843) * (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) *
(844) وفيها بطانة لا يألونهم خبالا.
348

وأيضا فإن قريشا وسائر العرب، كانوا يحسدونه على ما آتاه الله من فضله،
حيث بلغ في علمه وعمله رتبة - عند الله ورسله وأولي الألباب - قاصر عنها
الأقران، وتراجع عنها الأكفاء، ونال من الله ورسوله بسوابقه وخصائصه،
منزلة، تشرئب إليها أعناق الأماني، وشأوا تنقطع دونه هوادي المطامع، وبذلك
دبت عقارب الجسد له في قلوب المنافقين، واجتمعت على نقض عهده كلمة
الفاسقين والناكثين والقاسطين والمارقين، فاتخذوا النص ظهريا، وكان لديهم
نسيا منسيا.
فكان ما كان مما لست أذكره * فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
وأيضا، فإن قريشا وسائر العرب، كانوا قد تشوقوا إلى تداول الخلافة في
قبائلهم، واشرأبت إلى ذلك أطماعهم، فأمضوا نياتهم على نكث العهد،
ووجهوا عزائمهم إلى نقض العقد، فتصافقوا على تناسي النص، وتبايعوا على
أن لا يذكر بالمرة، وأجمعوا على صرف الخلافة من أول أيامها عن وليها المنصوص
عليه من نبيها، فجعلوها بالانتخاب والاختيار، ليكون لكل حي من أحيائهم
أمل في الوصول إليها ولو بعد حين، ولو تعبدوا بالنص، فقدموا عليا بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله، لما خرجت الخلافة من عترته الطاهرة،
حيث قرنها يوم الغدير وغيره بمحكم الكتاب، وجعلها قدوة لأولي الألباب، إلى
يوم الحساب، وما كانت العرب لتصبر على حصر الخلافة في بيت مخصوص، ولا
سيما بعد أن طمحت إليها الأبصار من جميع قبائلها، وحامت عليها النفوس من كل
أحيائها.
لقد هزلت حتى بدا من هزالها * كلاها وحتى استامها كل مفلس
وأيضا، فإن من ألم بتاريخ قريش والعرب في صدر الاسلام يعلم أنهم لم
يخضعوا للنبوة الهاشمية، إلا بعد أن تهشموا، ولم يبق فيهم من قوة فكيف يرضون
349

باجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم، وقد قال عمر بن الخطاب لابن عباس في
كلام دار بينهما: " إن قريشا كرهت أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة، فتجحفون
على الناس (1) " (845)
2 - والسلف الصالح لم يتسن له أن يقهرهم يومئذ على التعبد بالنص فرقا
من انقلابهم إذا قاومهم، وخشية من سوء عواقب الاختلاف في تلك الحال، وقد
ظهر النفاق بموت رسول الله صلى الله عليه وآله، وقويت بفقده شوكة
المنافقين، وعتت نفوس الكافرين، وتضعضعت أركان الدين، وانخلعت
قلوب المسلمين، وأصبحوا بعده كالغنم المطيرة، في الليلة الشاتية، بين ذئاب
عادية، ووحوش ضارية، وارتدت طوائف من العرب، وهمت بالردة أخرى،
كما فصلناه في المراجعة 82، فأشفق علي في تلك الظروف أن يظهر إرادة القيام بأمر
الناس مخافة البائقة، وفساد العاجلة، والقلوب على ما وصفنا، والمنافقون على ما
ذكرنا، يعضون عليهم الأنامل من الغيظ، وأهل الردة على ما بينا، والأمم
الكافرة على ما قدمنا، والأنصار قد خالفوا المهاجرين، وانحازوا عنهم يقولون:
منا أمير ومنكم أمير. و (846). و. فدعاه النظر للدين إلى الكف عن طلب
الخلافة، والتجافي عن الأمور، علما منه أن طلبها والحال هذه، يستوجب الخطر
بالأمة، والتغرير في الدين، فاختار الكف إيثارا للاسلام، وتقديما للصالح
العام، وتفضيلا للآجلة على العاجلة.
غير أنه قعد في بيته - ولم يبايع حتى أخرجوه كرها - (847) احتفاظا بحقه،
واحتجاجا على من عدل عنه، ولو أسرع إلى البيعة ما تمت له حجة ولا سطع له

(1) نقله ابن أبي الحديد في ص 107 من المجلد الثالث من شرح النهج، في
قضية يجدر بالباحثين أن يقفوا عليها، وقد أوردها ابن الأثير في أواخر أحوال عمر ص
24 من الجزء الثالث من كامله، قبل ذكر قصة الشورى.
350

برهان، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين، والاحتفاظ بحقه من إمرة المؤمنين،
فدل هذا على أصالة رأيه، ورجاحة حلمه، وسعة صدره، وإيثاره المصلحة
العامة، ومتى سخت نفس امرئ عن هذا الخطب الجليل، والأمر الجزيل،
ينزل من الله تعالى بغاية منازل الدين، وإنما كانت غايته مما فعل أربح الحالين له،
وأعود المقصودين عليه، بالقرب من الله عز وجل.
أما الخلفاء الثلاثة وأولياؤهم، فقد تأولوا النص عليه بالخلافة للأسباب
التي قدمناها، ولا عجب منهم في ذلك بعد الذي نبهناك إليه من تأولهم واجتهادهم
في كل ما كان من نصوصه صلى الله عليه وآله، متعلقا بالسياسات
والتأميرات، وتدبير قواعد الدولة، وتقرير شؤون المملكة، ولعلهم لم يعتبروها
كأمور دينية، فهان عليهم مخالفته فيها، وحين تم لهم الأمر، أخذوا بالحزم في
تناسي تلك النصوص، وأعلنوا الشدة على من يذكرها أو يشير إليها، ولما توفقوا في
حفظ النظام، ونشر دين الاسلام، وفتح الممالك، والاستيلاء على الثروة
والقوة، ولم يتدنسوا بشهوة، علا أمرهم، وعظم قدرهم، وحسنت بهم
الظنون، وأحبتهم القلوب، ونسج الناس في تناسي النص على منوالهم، وجاء
بعدهم بنو أمية ولا هم لهم إلا اجتياح أهل البيت واستئصال شأفتهم، ومع ذلك
كله، فقد وصل إلينا من النصوص الصريحة، في السنن الصحيحة، ما فيه
الكفاية، والحمد لله، والسلام عليكم.
ش
351

المراجعة 85 رقم: 7 ربيع الأول سنة 1330
التماس الموارد التي لم يتعبدوا فيها بالنص
أخذت كتابك الأخير، فإذا هو معجز في تقريب ما استبعدناه، مدهش في
تمثيله بأجلى مظاهر التصوير، فسبحان من ألان لك أعطاف البرهان، وألقى
إليك مقاليد البيان، فبلغت إلى ما لا تبلغ إليه الوسائل، وظفرت بما لا تظفر به
الأماني وكنا نظن أن الأسباب لا تعلق بما استشهدت عليه بنصوص الأثبات، وأن
لا سبيل إلى ما خرجت من عهدته بنواهض البينات. وليتك أشرت إلى الموارد التي لم
يتعبدوا فيها بالنصوص الصريحة، ليتبين وجه السداد، ويتضح سبيل الرشاد،
فألتمس تفصيل ذلك، استظهارا بذكر المأثور من سيرتهم، وسبر المسطور في كتب
الأخبار من طريقتهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
س
المراجعة 86 رقم: 8 ربيع الأول سنة 1330
1 - رزية يوم الخميس
2 - السبب في عدول النبي عما أمرهم به يومئذ
1 - الموارد التي لم يتعبدوا فيها بالنص أكثر من أن تحصى، وحسبك منها
رزية يوم الخميس فإنها من أشهر القضايا، وأكبر الرزايا، أخرجها أصحاب
الصحاح، وسائر أهل السنن، ونقلها أهل السير والأخبار كافة، ويكفيك منها ما
352

أخرجه البخاري (1) بسنده إلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن
عباس، قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله، وفي البيت رجال
فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وآله: هلم أكتب لكم كتابا
لا تضلوا (2) بعده، فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن
حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب
لكم النبي كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو
والاختلاف عند النبي، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: قوموا
[عني خ ل]، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله
(ص)، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. ا ه‍. (848)
وهذا الحديث مما لا كلام في صحته ولا في صدوره، وقد أورده البخاري في عدة
مواضع من صحيحه (3)، وأخرجه مسلم في آخر الوصايا من صحيحه أيضا (4)،
ورواه أحمد من حديث ابن عباس في مسنده (5)، وسائر أصحاب السنن والأخبار،
وقد تصرفوا فيه إذ نقلوه بالمعنى، لأن لفظه الثابت إن النبي يهجر، لكنهم ذكروا أنه
قال: إن النبي قد غلب عليه الوجه تهذيبا للعبارة، وتقليلا لمن يستهجن منها،
ويدل على ذلك ما أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة (6)
بالإسناد إلى ابن عباس، قال: " لما حضرت رسول الله الوفاة، وفي البيت رجال

(1) في باب قول المريض قوموا عني من كتاب المرضى، ص 5 من الجزء الرابع
من صحيحه.
(2) بحذف النون مجزوما، لكونه جوابا ثانيا لقوله هلم.
(3) أورده في كتاب العلم ص 22 من جزئه الأول، وفي مواضع أخر يعرفها
المتتبعون.
(4) ص 14 من جزئه الثاني.
(5) راجع ص 325 من جزئه الأول.
(6) كما في ص 20 من المجلد الثاني من شرح النهج للعلامة المعتزلي.
353

فيهم عمر بن الخطاب، قال رسول الله: إئتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لا
تضلون بعده، (قال): فقال عمر كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول الله
صلى الله عليه وآله، ثم قال: عندنا القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف من
في البيت واختصموا، فمن قائل: قربوا يكتب لكم النبي، ومن قائل ما قال
عمر، فلما أكثروا اللغط واللغو والاختلاف غضب صلى الله عليه وآله،
فقال: قوموا... الحديث " (849) وتراه صريحا بأنهم إنما نقلوا معارضة عمر
بالمعنى لا بعين لفظه. ويدلك على هذا أيضا أن المحدثين حيث لم يصرحوا باسم
المعارض يومئذ، نقلوا المعارضة بعين لفظها، قال البخاري في باب جوائز الوفد
من كتاب الجهاد والسير من صحيحه (1): حدثنا قبيصة حدثنا ابن عيينة عن
سلمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أنه قال: يوم الخميس وما يوم
الخميس، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله وجعه
يوم الخميس، فقال: إئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا،
فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله، قال صلى الله
عليه وآله وسلم: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، وأوصى عند
موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما
كنت أجيزهم، (قال) ونسيت الثالثة (2). ا ه‍. (850) ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا في آخر كتاب الوصية من صحيحه، وأحمد
من حديث ابن عباس في مسنده (3)، ورواه سائر المحدثين، وأخرج مسلم في

(1) ص 118 من جزئه الثاني.
(2) ليست الثالثة إلا الأمر الذي أراد النبي أن يكتبه حفظا لهم من الضلال،
لكن السياسة اضطرت المحدثين إلى نسيانه، كما نبه إليه مفتي الحنفية في صور الحاج
داود الددا.
(3) ص 222 من جزئه الأول.
354

كتاب الوصية من الصحيح عن سعيد بن جبير من طريق آخر عن ابن عباس،
قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه حتى رؤيت على خديه
كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إئتوني
بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا،
فقالوا: إن رسول الله يهجر (1). ا ه‍. (851).
ومن ألم بما حول هذه الرزية من الصحاح، يعلم أن أول من قال يومئذ:
هجر رسول الله. إنما هو عمر، ثم نسج على منواله من الحاضرين من كانوا على
رأيه، وقد سمعت قول ابن عباس - في الحديث الأول (2) -: فاختلف أهل البيت
فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم
من يقول: ما قال عمر - أي يقول: هجر رسول الله - وفي رواية أخرجها الطبراني
في الأوسط عن عمر (3)، قال: " لما مرض النبي قال: إئتوني بصحيفة ودواة،
أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله، قال عمر: فقلت إنكن صويحبات
يوسف إذا مرض رسول الله عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه! قال: فقال
رسول الله: دعوهن فإنهن خير منكم " ا ه‍. (852).
وأنت ترى أنهم لم يتعبدوا هنا بنصه الذي لو تعبدوا به لآمنوا من الضلال،
وليتهم اكتفوا بعدم الامتثال ولم يردوا قوله إذ قالوا: حسبنا كتاب الله، حتى كأنه لا
يعلم بمكان كتاب الله منهم، أو أنهم أعلم منه بخواص الكتاب وفوائده، وليتهم
اكتفوا بهذا كله ولم يفاجئوه بكلمتهم تلك - هجر رسول الله - وهو محتضر بينهم،

(1) وأخرج هذا الحديث بهذه الألفاظ، أحمد في ص 355 من الجزء الأول من
مسنده، وغير واحد من أثبات السنن.
(2) الذي أخرجه البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن
عباس وأخرجه مسلم أيضا، وغيره.
(3) كما في ص 138 من الجزء الثالث من كنز العمال.
355

وأي كلمة كانت وداعا منهم له صلى الله عليه وآله، وكأنهم - حيث لم يأخذوا
بهذا النص اكتفاء منهم بكتاب الله على ما زعموا - لم يسمعوا هتاف الكتاب آناء الليل
وأطراف النهار في أنديتهم * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهو) *
(853) وكأنهم حيث قالوا: هجر، لم يقرأوا قوله تعالى: * (إنه لقول رسول كريم
ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون) * (854) وقوله
عز من قائل: * (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول
كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين) * (855) وقوله جل وعلا * (ما ضل
صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) *
(856) إلى كثير من أمثال هذه الآيات البينات، المنصوص فيها على عصمة قوله من
الهجر، على أن العقل بمجرده مستقل بذلك، لكنهم علموا أنه صلى الله عليه وآله
وسلم، إنما أراد توثيق العهد بالخلافة، وتأكيد النص بها على علي خاصة، وعلى
الأئمة من عترته عامة، فصدوه عن ذلك كما اعترف به الخليفة الثاني في كلام دار بينه
وبين ابن عباس (1) (857).
وأنت إذا تأملت في قوله صلى الله عليه وآله: إئتوني أكتب لكم كتابا لن
تضلوا بعده، وقوله في حديث الثقلين: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن
تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي (858)، تعلم أن المرمى في الحديثين
واحد، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم، أراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما
أوجبه عليهم في حديث الثقلين.
2 - وإنما عدل عن ذلك، لأن كلمتهم تلك التي فاجؤوه بها اضطرته إلى
العدول، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في أنه
هل هجر فيما كتبه - والعياذ بالله - أو لم يهجر، كما اختلفوا في ذلك وأكثروا اللغو

(1) كما في السطر 27 من الصفحة 114 من المجلد الثالث من شرح النهج
الحديدي.
356

واللغط نصب عينيه، فلم يتسن له يومئذ أكثر من قوله لهم: قوموا كما سمعت،
ولو أصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم هجر، ولأوغل أشياعهم في إثبات هجره -
والعياذ بالله - فسطروا به أساطيرهم، وملأوا طواميرهم ردا على ذلك الكتاب
وعلى من يحتج به.
لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب صلى الله عليه وآله، عن ذلك
الكتاب صفحا لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم بابا إلى الطعن في النبوة -
نعوذ بالله وبه نستجير -، وقد رأى صلى الله عليه وآله، أن عليا وأولياءه
خاضعون لمضمون ذلك الكتاب، سواء عليهم أكتب أم لم يكتب، وغيرهم لا
يعمل به ولا يعتبره لو كتب، فالحكمة - والحال هذه توجب تركه إذ لا أثر له
بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى، والسلام.
ش
المراجعة 87 رقم: 9 ربيع الأول سنة 1330
العذر في تلك الرزية مع المناقشة فيه
لعله عليه السلام حين أمرهم بإحضار الدواة والبياض، لم يكن
قاصدا لكتابة شئ من الأشياء، وإنما أراد بكلامه مجرد اختبارهم لا
غير، فهدى الله عمر الفاروق لذلك دون غيره من الصحابة، فمنعهم
من احضارهما فيجب - على هذا - عد تلك الممانعة في جملة موافقاته لربه
تعالى، وتكون من كراماته رضي الله عنه، هكذا أجاب بعض
357

الأعلام، لكن الإنصاف أن قوله عليه السلام: " لا تضلوا بعده " يأبى
ذلك، لأنه جواب ثاني للأمر، فمعناه أنكم إن أتيتم بالدواة
والبياض، وكتبت لكم ذلك الكتاب لا تضلوا بعده، ولا يخفى أن
الأخبار بمثل هذا الخبر لمجرد الاختبار إنما هو من نوع الكذب الواضح،
الذي يجب تنزيه كلام الأنبياء عنه، ولا سيما في موضع يكون ترك
إحضار الدواة والبياض أولى من إحضارهما، على أن في هذا الجواب نظرا
من جهات أخر فلا بد هنا من اعتذار آخر، وحاصل ما يمكن أن يقال:
أن الأمر لم يكن أمر عزيمة وإيجاب، حتى لا تجوز مراجعته،
ويصير المراجع عاصيا، بل كان أمر مشورة، وكانوا يراجعونه عليه
السلام في بعض تلك الأوامر، ولا سيما عمر، فإنه كان يعلم من نفسه
أنه موفق للصواب في إدراك المصالح، وكان صاحب إلهام من الله
تعالى، وقد أراد التخفيف عن النبي إشفاقا عليه من التعب الذي
يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض والوجع، وقد رأى رضي
الله عنه، أن ترك إحضار الدواة والبياض أولى، وربما خشي أن يكتب
النبي عليه السلام أمورا يعجز عنها الناس، فيستحقون العقوبة بسبب
ذلك لأنها تكون منصوصة لا سبيل إلى الاجتهاد فيها، ولعله خاف من
المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب لكونه في حال المرض فيصير
سببا للفتنة، فقال: حسبنا كتاب الله لقوله تعالى: * (ما فرطنا في
الكتاب من شئ) * وقوله: * (اليوم أكملت لكم دينكم) وكأنه رضي
الله عنه أمن من ضلال الأمة حيث أكمل الله لها الدين وأتم عليها
النعمة.
هذا جوابهم وهو كما ترى، لأن قوله عليه السلام: لا تضلوا، يفيد أن
358

الأمر أمر عزيمة وإيجاب، لأن السعي فيما يوجب الأمن من الضلال واجب مع
القدرة عليه بلا ارتياب، واستياؤه منهم وقوله لهم قوموا، حين لم يمتثلوا أمره دليل
آخر على أن الأمر إنما كان للايجاب لا للمشورة.
فإن قلت لو كان واجبا ما تركه النبي عليه السلام، بمجرد مخالفتهم، كما أنه
لم يترك التبليغ بسبب مخالفة الكافرين، قلنا: هذا الكلام لو تم، فإنما يفيد كون
كتابة ذلك الكتاب لم تكن واجبة على النبي عليه السلام، وهذا لا ينافي وجوب
الاتيان بالدواة والبياض عليهم حين أمرهم النبي به، وبين لهم أن فائدته الأمن من
الضلال ودوام الهداية لهم، إذ الأصل في الأمر إنما هو الوجوب على المأمور لا على
الآمر، ولا سيما إذا كانت فائدته إلى المأمور خاصة، والوجوب عليهم هو محل
الكلام لا الوجوب عليه.
على أنه يمكن أن يكون واجبا عليه أيضا، ثم سقط الوجوب عنه بعدم
امتثالهم، وقولهم: هجر، حيث لم يبق لذلك الكتاب أثر سوى الفتنة
كما أفدت.
وربما اعتذر بعضهم بأن عمر رضي الله عنه، لم يفهم من الحديث أن ذلك
الكتاب سيكون سببا لحفظ كل فرد من أفراد الأمة من الضلال، بحيث لا يضل
بعده منهم أحد أصلا، وإنما فهم من قوله: لا تضلوا، أنكم لا تجتمعون على
الضلال بقضكم وقضيضكم، ولا تسري الضلالة بعد كتابة الكتاب إلى كل فرد
من أفرادكم، وكان رضي الله عنه يعلم أن اجتماعهم على الضلال مما لا يكون
أبدا، وبسبب ذلك لم يجد أثرا لكتابته، وظن أن مراد النبي ليس إلا زيادة الاحتياط
في الأمر لما جبل عليه من وفور الرحمة، فعارضه تلك المعارضة بناء منه أن الأمر ليس
للايجاب، وإنما هو أمر عطفة ورأفة ليس إلا، هذا كل ما قيل في الاعتذار عن هذه
البادرة، ومن أمعن النظر فيه جزم ببعده عن الصواب، لأن قوله عليه السلام: لا
359

تضلوا، يفيد أن الأمر للايجاب كما ذكرنا، واستياؤه منهم دليل على أنهم تركوا أمرا
من الواجبات عليهم، فالأولى أن يقال في الجواب: أن هذه قضية في واقعة كانت
منهم على خلاف سيرتهم، كفرطة سبقت، وفلتة ندرت، ولا نعرف وجه الصحة
فيها على التفصيل، والله الهادي إلى سواء السبيل، والسلام عليكم.
س
المراجعة 88 رقم: 11 ربيع الأول سنة 1330
تزييف تلك الأعذار
إن من كان عنده فصلح الخطاب، لحقيق بأن يصدع بالحق وينطق
بالصواب، وقد بقي بعض الوجوه في رد تلك الأعذار، فأحببت عرضه عليكم،
ليكون الحكم فيه موكولا إليكم.
قالوا في الجواب الأول: لعله صلى الله عليه وآله، حين أمرهم
بإحضار الدواة لم يكن قاصدا لكتابة شئ من الأشياء، وإنما أراد مجرد اختبارهم لا
غير، فنقول - مضافا إلى ما أفدتم -: إن هذه الواقعة إنما كانت حال احتضاره بأبي
وأمي كما هو صريح الحديث، فالوقت لم يكن وقت اختبار، وإنما كان وقت إعذار
وإنذار، ووصية بكل مهمة، ونصح تامة للأمة، والمحتضر بعيد عن الهزل
والمفاكهة، مشغول بنفسه وبمهماته ومهمات ذويه ولا سيما إذا كان نبيا.
وإذا كانت صحته مدة حياته كلها لم تسع اختبارهم، فكيف يسعها وقت
احتضاره، على أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم - حين أكثروا اللغو واللغط
والاختلاف عنده -: قوموا، ظاهر في استيائه منهم، ولو كان الممانعون مصيبين
لأستحسن ممانعتهم، وأظهر الارتياح إليها، ومن ألم بأطراف هذا الحديث ولا سيما
قولهم: هجر رسول الله، يقطع بأنهم كانوا عالمين أنه إنما يريد أمرا يكرهونه،
360

ولذا فاجأوه بتلك الكلمة، وأكثروا عنده اللغو واللغط والاختلاف كما لا يخفى،
وبكاء ابن عباس بعد ذلك لهذه الحادثة، وعدها رزية دليل على بطلان هذا
الجواب.
قال المعتذرون: إن عمر كان موفقا للصواب في إدراك المصالح، وكان
صاحب إلهام من الله تعالى، وهذا مما لا يصغى إليه في مقامنا هذا، لأنه يرمي إلى أن
الصواب في هذه الواقعة إنما كان في جانبه لا في جانب النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، وأن إلهامه يومئذ كان أصدق من الوحي الذي نطق عنه الصادق الأمين
صلى الله عليه وآله وسلم.
وقالوا: بأنه أراد التخفيف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إشفاقا عليه
من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض، وأنت - نصر الله بك
الحق - تعلم بأن في كتابة ذلك الكتاب راحة قلب النبي، وبرد فؤاده، وقرة عينه،
وأمنه على أمته صلى الله عليه وآله، من الضلال. على أن الأمر المطاع،
والإرادة المقدسة، مع وجوده الشريف إنما هما له، وقد أراد - بأبي وأمي - إحضار
الدواة والبياض، وأمر به فليس لأحد أن يرد أمره أو يخالف إرادته * (وما كان لمؤمن
ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص
الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * (859).
على أن مخالفتهم لأمره في تلك المهمة العظيمة، ولغوهم ولغطهم
واختلافهم عنده، كان أثقل عليه وأشق من إملاء ذلك الكتاب الذي يحفظ أمته من
الضلال، ومن يشفق عليه من التعب بإملاء الكتاب كيف يعارضه ويفاجئه بقوله
هجر؟!
وقالوا: إن عمر رأى أن ترك إحضار الدواة والورق أولى، وهذا من أغرب
الغرائب، وأعجب العجائب، وكيف يكون ترك احضارهما أولى مع أمر النبي
361

بإحضارهما، وهل كان عمر يرى أن رسول الله يأمر بالشئ الذي يكون تركه
أولى؟.
وأغرب من هذا قولهم: وربما خشي أن يكتب النبي أمورا يعجز عنها الناس
فيستحقون العقوبة بتركها، وكيف يخشى من ذلك مع قول النبي: لا تضلوا
بعده، أتراهم يرون عمر أعرف منه بالعواقب، وأحوط منه وأشفق على أمته؟
كلا.
وقالوا: لعل عمر خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب،
لكونه في حال المرض فيصير سببا للفتنة، وأنت - نصر الله بك الحق - تعلم أن هذا
محال مع وجود قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تضلوا، لأنه نص بأن ذلك
الكتاب سبب للأمن عليهم من الضلال، فكيف يمكن أن يكون سببا للفتنة بقدح
المنافقين؟ وإذا كان خائفا من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب، فلماذا
بذر لهم بذرة القدح حيث عارض ومانع، وقال هجر.
وأما قولهم في تفسير قوله: حسبنا كتاب الله أنه تعالى قال: * (ما فرطنا في
الكتاب من شئ) * وقال عز من قائل: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * فغير
صحيح، لأن الآيتين لا تفيدان الأمن من الضلال، ولا تضمنان الهداية للناس،
فكيف يجوز ترك السعي في ذلك الكتاب اعتمادا عليهما؟ ولو كان وجود القرآن
العزيز موجبا للأمن من الضلال، لما وقع في هذه الأمة من الضلال والتفرق، ما لا
يرجى زواله (1).

(1) وأنت - نصر الله بك الحق - تعلم أن النبي (ص) لم يقل: إن مرادي أن
أكتب الأحكام، حتى يقال في جوابه حسبنا في فهمها كتاب الله تعالى، ولو فرض أن
مراده كان كتابة الأحكام، فلعل النص عليها منه كان سببا للأمن من الضلال، فلا
وجه لترك السعي في ذلك النص اكتفاء بالقرآن، بل لو لم يمكن لذلك الكتاب إلا
الأمن من الضلال بمجرده لما صح تركه والإعراض عنه، واعتمادا على أن كتاب الله
جامع لكل شئ، وأنت تعلم اضطرار الأمة إلى السنة المقدسة وعدم استغنائها عنها
بكتاب الله تعالى وإن كان جامعا مانعا، لأن الاستنباط منه غير مقدور لكل أحد، ولو
كان الكتاب مغنيا عن بيان الرسول ما أمره الله تعالى ببيانه للناس إذ قال عز من قائل (
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم).
362

وقالوا في الجواب الأخير: إن عمر لم يفهم من الحديث أن ذلك الكتاب
سيكون سببا لحفظ كل فرد من أمته من الضلال، وإنما فهم أنه سيكون سببا لعدم
اجتماعهم - بعد كتابته - على الضلال (قالوا): وقد علم رضي الله عنه أن
اجتماعهم على الضلال مما لا يكون أبدا، كتب ذلك الكتاب أو لم يكتب، ولهذا
عارض يومئذ تلك المعارضة.
وفيه مضافا إلى ما أشرتم إليه: أن عمر لم يكن بهذا المقدار من البعد عن
الفهم، وما كان ليخفى عليه من هذا الحديث ما ظهر لجميع الناس، لأن القروي
والبدوي إنما فهما منه أن ذلك الكتاب لو كتب لكان علة تامة في حفظ كل فرد من
الضلال، وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث إلى أفهام الناس، وعمر كان يعلم
يقينا أن الرسول صلى الله عليه وآله، لم يكن خائفا على أمته أن تجتمع على
الضلال، لأنه رضي الله عنه، كان يسمع قوله صلى الله عليه وآله: لا
تجتمع أمتي على ضلال، ولا تجتمع على الخطأ، وقوله: لا تزال طائفة من أمتي
ظاهرين على الحق... الحديث (860) وقوله تعالى * (وعد الله الذين آمنوا منكم
وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم
وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا
يشركون بي شيئا) * (861) إلى كثير من نصوص الكتاب والسنة الصريحين بأن الأمة
لا تجتمع بأسرها على الضلال، فلا يعقل مع هذا أن يسنح في خواطر عمر أو غيره أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حين طلب الدواة والبياض، كان خائفا من اجتماع
أمته على الضلال، والذي يليق بعمر أن يفهم من الحديث ما يتبادر منه إلى
363

الأذهان، لا ما تنفيه صحاح السنة ومحكمات القرآن. على أن استياء النبي صلى
الله عليه وآله وسلم منهم، المستفاد من قوله: قوموا، دليل على أن الذي تركوه كان
من الواجب عليهم، ولو كانت معارضة عمر عن اشتباه منه في فهم الحديث كما
زعموا لا زال النبي شبهته وأبان له مراده منه، بل لو كان في وسع النبي أن يقنعهم بما
أمرهم به، لما آثر إخراجهم عنه، وبكاء ابن عباس وجزعه من أكبر الأدلة على ما
نقوله.
والإنصاف، أن هذه الرزية لمما يضيق عنها نطاق العذر، ولو كانت - كما
ذكرتم - قضية في واقعة، كفرطة سبقت، وفلتة ندرت، لهان الأمر، وإن كانت
بمجردها بائقة الدهر، وفاقرة الظهر، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم.
ش
المراجعة 89 رقم: 14 ربيع الأول سنة 1330
1 - الإذعان بتزييف تلك الأعذار
2 - إلتماسه بقية الموارد
1 - قطعت على المعتذرين وجهتهم، وملكت عليهم مذاهبهم، وحلت
بينهم وبين ما يرومون فلا موضع للشبهة فيما ذكرت، ولا مساغ للريب في شئ مما به
صدعت.
2 - فمض على رسلك حتى تأتي على سائر الموارد التي تأولوا فيها النصوص،
والسلام.
س
364

المراجعة 90 رقم: 17 ربيع الأول سنة 1330
سرية أسامة
لئن صدعت بالحق، ولم تخش فيه لومة الخلق، فأنت العذق المرجب،
والجذل المحكك، وأنك لأعلى - من أن تلبس الحق بالباطل - قدرا، وأرفع - من
أن تكتم الحق - محلا، وأجل من ذلك شانا، وأبر وأطهر نفسا.
أمرتني - أعزك الله - أن أرفع إليك سائر الموارد التي آثروا فيها رأيهم على
التعبد بالأوامر المقدسة، فحسبك منها سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى غزو
الروم، وهي آخر السرايا على عهد النبي صلى الله عليه وآله، وقد اهتم
فيها - بأبي وأمي - اهتماما عظيما، فأمر أصحابه بالتهيؤ لها، وحضهم على ذلك،
ثم عبأهم بنفسه الزكية إرهافا لعزائمهم واستنهاضا لهممهم، فلم يبق أحدا من
وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر (1) (862) وأبي عبيدة وسعد وأمثالهم،

(1) أجمع أهل السير والأخبار على أن أبا بكر وعمر (رض) كانا في الجيش
وأرسلوا ذلك في كتبهم إرسال المسلمات وهذا مما لم يختلفوا فيه. فراجع ما شئت من
الكتب المشتملة على هذه السرية، كطبقات ابن سعد، وتاريخي الطبري وابن الأثير،
والسيرة الحلبية، والسيرة الدحلانية وغيرها، لتعلم ذلك، وقد أورد الحلبي حيث ذكر
هذه السرية في الجزء الثالث من سيرته، حكاية ظريفة، نوردها بعين لفظه، قال إن
الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى أياس بن معاوية الذي يضرب به المثال في الذكاء،
وهو صبي ووراءه أربع مئة من العلماء وأصحاب الطيالسة فقال المهدي: أف لهذا
العثانين أي - اللحى - أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟ ثم التفت إليه
المهدي وقال: كم سنك يا فتى؟ فقال: سني أطال الله بقاء أمير المؤمنين سن أسامة
بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله (ص) جيشا فيه أبو بكر وعمر، فقال: تقدم بارك
الله فيك (قال الحلبي) وكان سنه سبع عشرة سنة. ا ه‍.
365

إلا وقد عبأه بالجيش (1) (863) وكان ذلك لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى
عشر للهجرة، فلما كان من الغد دعا أسامة، فقال له: سر إلى موضع قتل أبيك
فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فاغز صباحا على أهل أبنى (2)، وحرق
عليهم، وأسرع السير لتسبق الأخبار، فإن أظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم،
وخذ معك الادلاء، وقدم العيون والطلائع معك. فلما كان اليوم الثامن
والعشرين من صفر، بدأ به صلى الله عليه وآله، مرض الموت فحم - بأبي
وأمي - وصدع، فلما أصبح يوم التاسع والعشرين ووجدهم مثاقلين، خرج إليهم
فحضهم على السير، وعقد صلى الله عليه وآله، اللواء لأسامة بيده الشريفة
تحريكا لحميتهم، وإرهافا لعزيمتهم، ثم قال: اغز بسم الله وفي سبيل الله،
وقاتل من كفر بالله. فخرج بلوائه معقودا، فدفعه إلى بريدة، وعسكر بالجرف،
ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا، مع ما وعوه ورأوه من النصوص الصريحة في وجوب
إسراعهم كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أغز صباحا على أهل أبنى " (864).
وقوله: " وأسرع السير لتسبق الأخبار " (865) إلى كثير من أمثال هذه الأوامر التي
لم يعملوا بها في تلك السرية. وطعن قوم منهم في تأمير أسامة كما طعنوا من قبل في تأمير
أبيه، وقالوا في ذلك فأكثروا، مع ما شاهدوه من عهد النبي له بالإمارة، وقوله
صلى الله عليه وآله وسلم، له يومئذ: " فقد وليتك هذا الجيش " (866) ورأوه
يعقد له لواء الإمارة - وهو محموم - بيده الشريفة، فلم يمنعهم ذلك من الطعن في

(1) كان عمر يقول لأسامة: مات رسول الله (ص) وأنت علي أمير، نقل عنه
جماعة من الأعلام كالحلبي في سرية أسامة من سيرته الحلبية، وغير واحد من المحدثين
والمؤرخين.
(2) أبنى - بضم الهمزة وسكون الباء ثم نون مفتوحة بعدها ألف مقصورة -:
ناحية بالبلقاء من أرض سوريا بين عسقلان والرملة، وهي قرب موتة التي استشهد
عندها زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين في الجنة عليه السلام.
366

تأميره حتى غضب صلى الله عليه وآله، من طعنهم، غضبا شديدا،
فخرج - بأبي وأمي - معصب الرأس (2)، مدثرا بقطيفته، محموما ألما، وكان
ذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول قبل وفاته بيومين، فصعد المنبر فحمد
الله وأثنى عليه، ثم قال - فيما أجمع أهل الأخبار على نقله، واتفق أولوا العلم على
صدوره -: " أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن
طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله إنه كان لخليقا
بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق بها " (867) وحضهم على المبادرة إلى السير،
فجعلوا يودعونه ويخرجون إلى العسكر بالجرف، وهو يحضهم على التعجيل، ثم
ثقل في مرضه، فجعل يقول: جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة،
أرسلوا بعث أسامة، يكرر ذلك وهم مثاقلون، فلما كان يوم الاثنين الثاني عشر من
ربع الأول دخل أسامة من معسكره على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره
بالسير قائلا له: " أغد على بركة الله تعالى " (868) فودعه وخرج إلى المعسكر، ثم
رجع ومعه عمر وأبو عبيدة، فانتهوا إليه وهو يجود بنفسه، فتوفي - روحي وأرواح
العالمين له الفداء - في ذلك اليوم. فرجع الجيش باللواء إلى المدينة الطيبة، ثم
عزموا على إلغاء البعث بالمرة، وكلموا أبا بكر في ذلك، وأصروا عليه غاية
الاصرار، مع ما رأوه بعيونهم من اهتمام النبي صلى الله عليه وآله، في
إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في الاسراع به على
وجه يسبق الأخبار، وبذله الوسع في ذلك منذ عبأه بنفسه وعهد إلى أسامة في أمره،
وعقد لواءه بيده إلى أن احتضر - بأبي وأمي - فقال: أغد على بركة الله تعالى، كما

(1) كل من ذكر هذه السرية من المحدثين وأهل السير والأخبار، نقل طعنهم في
تأمير أسامة وأنه صلى الله عليه وآله وسلم، غضب غضبا شديدا، فخرج على الكيفية
التي ذكرناها، فخطب الخطبة التي أوردناها، فراجع سرية أسامة من طبقات ابن
سعد، وسيرتي الحلبي والدحلاني، وغيرها من المؤلفات في هذا الموضوع.
367

سمعت، ولولا الخليفة لأجمعوا يومئذ على رد البعث، وحل اللواء،
لكنه أبى عليهم ذلك. فلما رأوا منه العزم على إرسال البعث، جاءه
عمر بن الخطاب حينئذ يلتمس منه بلسان الأنصار أن يعزل أسامة،
ويولي غيره.
هذا ولم يطل العهد منهم بغضب النبي وانزعاجه، من طعنهم في تأمير
أسامة، ولا بخروجه من بيته بسبب ذلك محموما ألما معصبا مدثرا، يرسف في
مشيته، ورجله لا تكاد تقله، مما كان به من لغوب، فصعد المنبر وهو يتنفس
الصعداء، ويعالج البرحاء، فقال: " أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في
تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة، لقد طعنتم في تأميري أباه من
قبله، وأيم الله أنه كان لخليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق بها " فأكد
صلى الله عليه وآله، الحكم بالقسم، وإن وإسمية الجملة ولام التأكيد
ليقلعوا عما كانوا عليه، فلم يقلعوا، لكن الخليفة أبى أن يجيبهم إلى عزل أسامة،
كما أبى أن يجيبهم إلى إلغاء البعث، ووثب فأخذ بلحية عمر (1) فقال: " ثكلتك
أمك وعدمتك يا ابن الخطاب، استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله،
وتأمرني أن نزعه " (869) ولما سيروا الجيش - وما كادوا يفعلون -، خرج أسامة في
ثلاثة آلاف مقاتل فيهم ألف فرس (2)، وتخلف عنه جماعة ممن عبأهم رسول الله
صلى الله عليه وآله، في جيشه. وقد قال صلى الله عليه وآله - فيما أورده

(1) نقله الحلبي والدحلاني في سيرتيهما، وابن جرير الطبري في أحداث
سنة 11 من تاريخه، وغير واحد من أصحاب الأخبار.
(2) فشن الغارة على أهل أبنى، فحرق منازلهم، وقطع نخلهم، وأجال الخيل
في عرصاتهم، وقتل من قتل منهم، واسر من أسر، وقتل يؤمئذ قاتل أبيه، ولم
يقتل، والحمد لله رب العالمين من المسلمين أحد، وكان أسامة يومئذ على فرس أبيه
وشعارهم يا منصور أمت - وهو شعار النبي (ص) يوم بدر - وأسهم للفارس سهمين،
وللراجل سهما واحدا وأخذ لنفسه مثل ذلك.
368

الشهرستاني في المقدمة الرابعة من كتاب الملل والنحل: " جهزوا جيش أسامة،
لعن الله من تخلف عنه " (870).
وقد تعلم، أنهم إنما تثاقلوا عن السير أولا، وتخلفوا عن الجيش أخيرا،
ليحكموا قواعد سياستهم، ويقيموا عمدها، ترجيحا منهم لذلك على التعبد
بالنص، حيث رأوه أولى بالمحافظة، وأحق بالرعاية، إذ لا يفوت البعث بتثاقلهم
عن السير، ولا بتخلف من تخلف منهم عن الجيش، أما الخلافة فإنها تنصرف
عنهم لا محالة إذا انصرفوا إلى الغزوة قبل وفاته صلى الله عليه وآله، وكان - بأبي
وأمي - أراد أن تخلو منهم العاصمة، فيصفوا لأمر من بعده لأمير المؤمنين علي بن
أبي طالب على سكون وطمأنينة، فإذا رجعوا وقد أبرم عهد الخلافة، وأحكم
لعلي عقدها، كانوا عن المنازعة والخلاف أبعد. وإنما أمر عليهم أسامة وهو ابن
سبع عشرة سنة (1) ليا لأعنة البعض، وردا لجماح أهل الجماح منهم، واحتياطا
على الأمن في المستقبل من نزاع أهل التنافس لو أمر أحدهم، كما لا يخفى، لكنهم
فطنوا إلى ما دبر صلى الله عليه وآله وسلم، فطعنوا في تأمير أسامة، وتثاقلوا عن
السير معه، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي صلى الله عليه وآله بربه،
فهموا حينئذ بإلغاء البعث وحل اللواء تارة، وبعزل أسامة أخرى، ثم تخلف كثير
منهم عن الجيش كما سمعت. فهذه خمسة أمور في هذه السرية لم يتعبدوا فيها
بالنصوص الجلية، إيثارا لرأيهم في الأمور السياسية، وترجيحا لاجتهادهم فيها
على التعبد بنصوصه صلى الله عليه وآله وسلم، والسلام.
ش

(1) على الأظهر، وقيل كان ابن ثمان عشرة سنة، وقيل ابن تسع عشرة سنة،
وقيل ابن عشرين سنة، ولا قائل بأن عمره كان أكثر من ذلك.
369

المراجعة 91 رقم: 19 ربيع الأول سنة 1330
1 - العذر فيما كان منهم في سرية أسامة
2 - لم يرد حديث في لعن المتخلف عن تلك السرية
1 - نعم كان رسول الله عليه السلام قد حضهم على تعجيل السير في غزوة
أسامة، وأمرهم بالإسراع كما ذكرت، وضيق عليهم في ذلك حتى قال لأسامة حين
عهد إليه: أغز صباحا على أهل أبنى، فلم يمهله إلى المساء، وقال له: أسرع السير
فلم يرض منه إلا بالإسراع، لكنه عليه السلام تمرض بعد ذلك بلا فصل، فثقل
حتى خيف عليه فلم تسمح نفوسهم بفراقه وهو في تلك الحال، فتربصوا ينتظرون
في الجرف ما تنتهي إليه حاله، وهذا من وفور إشفاقهم عليه، وولوع قلوبهم به،
ولم يكن لهم مقصد في تثاقلهم إلا انتظار إحدى الغايتين، إما قرة عيونهم
بصحته، وإما الفوز بالتشرف في تجهيزه، وتوطيد الأمر لمن يتولى عليهم من
بعده، فهم معذورون في هذا التربص، ولا جناح عليهم فيه.
وأما طعنهم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تأمير أسامة مع
ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره، فلم يكن منهم إلا لحداثته مع
كونهم بين كهول وشيوخ، ونفوس الكهول والشيوخ تأبى - بجبلتها - أن تنقاد إلى
الأحداث، وتنفر بطبعها من النزول على حكم الشبان، فكراهتهم لتأميره ليست
بدعا منهم، وإنما كانت على مقتضى الطبع البشري، والجبلة الآدمية، فتأمل.
وأما طلبهم عزل أسامة بعد وفاة الرسول، فقد اعتذر عنه بعض العلماء
بأنهم ربما جوزوا أن يوافقهم الصديق على رجحان عزله لاقتضاء المصلحة -
370

بحسب نظرهم هكذا قالوا، والإنصاف أني لا أعرف وجها يقبله العقل في طلبهم
عزله بعد غضب النبي من طعنهم في تأميره، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا
مدثرا، وتنديده بهم في خطبته تلك على المنبر التي كانت من الوقائع التاريخية
الشائعة بينهم، وقد سارت كل مسير، فوجه معذرتهم بعدها لا يعلمه إلا الله
تعالى.
وأما عزمهم على إلغاء البعث، وإصرارهم على الصديق في ذلك، مع ما
رأوه من اهتمام النبي في إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه
المتوالية في ذلك، فإنما كان منهم احتياطا على عاصمة الاسلام أن يتخطفها
المشركون من حولهم إذا خلت من القوة، وبعد عنها الجيش، وقد ظهر النفاق
بموت النبي عليه السلام، وقويت نفوس اليهود والنصارى، وارتدت
طوائف من العرب، ومنع الزكاة طوائف أخرى، فكلم الصحابة
سيدنا الصديق في منع أسامة من السفر فأبى، وقال: والله لئن
تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشئ قبل أمر رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم.
هذا ما نقله أصحابنا عن الصديق، وأما غيره فمعذور من رد البعث، إذ لم
يكن لهم مقصد سوى الاحتياط على الاسلام.
وأما تخلف أبي بكر وعمر وغيرهما عن الجيش حين سار به أسامة، فإنما كان
لتوطيد الملك الاسلامي، وتأييد الدولة المحمدية، وحفظ الخلافة التي لا يحفظ
الدين وأهله يومئذ إلا بها.
2 - وأما ما نقلتموه عن الشهرستاني في كتاب الملل والنحل، فقد وجدناه
مرسلا غير مسند، والحلبي والسيد الدحلاني في سيرتيهما قالا: لم يرد فيه حديث
أصلا. فإن كنت سلمك الله تروي من طريق أهل السنة حديثا في ذلك، فدلني
عليه والسلام.
س
371

المراجعة 92 رقم: 22 ربيع الأول سنة 1330
1 - عذرهم لا ينافي ما قلناه
2 - الذي نقلناه عن الشهرستاني جاء في حديث مسند
1 - سلمتم - سلمكم الله تعالى - بتأخرهم في سرية أسامة عن السير،
وتثاقلهم في الجرف تلك المدة مع ما قد أمروا به من الاسراع والتعجيل.
وسلمتم بطعنهم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص
قولا وفعلا على تأميره.
وسلمتم بطلبهم من أبي بكر عزله بعد غضب النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، من طعنهم في إمارته، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا،
وتنديده بهم في خطبته تلك على المنبر التي قلتم: أنها كانت من الوقائع التاريخية،
وقد أعلن فيها كون أسامة أهلا لتلك الإمارة.
وسلمتم بطلبهم من الخليفة إلغاء البعث الذي بعثه رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، وحل اللواء الذي عقده بيده الشريفة، مع ما رأوه من اهتمامه في
إنفاذه، وعنايته التامة في تعجيل إرساله، ونصوصه المتوالية في وجوب ذلك.
وسلمتم بتخلف بعض من عبأهم صلى الله عليه وآله وسلم، في ذلك
الجيش، وأمرهم بالنفوذ تحت قيادة أسامة. سلمتم بكل هذا كما نص عليه أهل
الأخبار، واجتمعت عليه كلمة المحدثين وحفظة الآثار، وقلتم أنهم كانوا
معذورين في ذلك، وحاصل ما ذكرتموه من عذرهم أنهم إنما آثروا في هذه الأمور
مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم لا بما أوجبته النصوص النبوية، ونحن ما
ادعينا - في هذا المقام - أكثر من هذا. وبعبارة أخرى، موضوع كلامنا إنما هو في
372

أنهم هل كانوا يتعبدون في جميع النصوص أم لا، اخترتم الأول، ونحن اخترنا
الثاني، فاعترافكم الآن بعدم تعبدهم في هذه الأوامر يثبت ما اخترناه، وكونهم
معذورين أو غير معذورين خارج عن موضع البحث كما لا يخفى، وحيث ثبت
لديكم إيثارهم في سرية أسامة مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بما
أوجبته تلك النصوص، فلم لا تقولون أنهم آثروا في أمر الخلافة بعد النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بنصوص
الغدير وأمثالها. اعتذرتم عن طعن الطاعنين في تأمير أسامة: بأنهم إنما طعنوا
بتأميره لحداثته مع كونهم بين كهول وشيوخ، وقلتم: إن نفوس الكهول والشيوخ
تأبى بجبلتها وطبعها أن تنقاد إلى الأحداث، فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لم يتعبدوا
بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي وهو شاب على كهول الصحابة وشيوخهم،
لأنهم - بحكم الضرورة من أخبارهم - قد استحدثوا سنه يوم مات رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، كما استحدثوا سن أسامة يوم ولاه صلى الله عليه وآله،
عليهم في تلك السرية، وشتان بين الخلافة وإمارة السرية، فإذا أبت نفوسهم
بجبلتها أن تنقاد للحدث في سرية واحدة، فهي أولى بأن تأبى أن تنقاد للحدث مدة
حياته في جميع الشؤون الدنيوية والأخروية.
على أن ما ذكرتموه من أن نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبعها من الانقياد
للأحداث ممنوع، إن كان مرادكم الإطلاق في هذا الحكم، لأن نفوس المؤمنين
من الشيوخ الكاملين في إيمانهم لا تنفر من طاعة الله ورسوله في الانقياد للأحداث،
ولا في غيره من سائر الأشياء * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم
لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * (871) * (وما آتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * (872).
2 - أما الكلمة المتعلقة فيمن تخلف عن جيش أسامة، التي أرسلها
الشهرستاني إرسال المسلمات، فقد جاءت في حديث مسند، أخرجه أبو بكر
373

أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة، أنقله لك بعين لفظه، " قال:
حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح، عن أحمد بن سيار، عن سعيد بن كثير
الأنصاري عن رجاله، عن عبد الله بن عبد الرحمن: أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين
والأنصار، منهم: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، و عبد الرحمن بن
عوف، وطلحة، والزبير، وأمره أن يغير على مؤتة حيث قتل أبوه زيد، وأن يغزو
وادي فلسطين، فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، في مرضه يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث، حتى
قال له أسامة: بأبي أنت وأمي أتأذن لي أن أمكث أياما حتى يشفيك الله تعالى، فقال
أخرج وسر على بركة الله، فقال: يا رسول الله إن أنا خرجت وأنت على هذه
الحال، خرجت وفي قلبي قرحة، فقال: سر على النصر والعافية، فقال يا
رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان، فقال: انفذ لما أمرتك به، ثم أغمي
على رسول الله صلى الله عليه وآله، وقام أسامة فتجهز للخروج، فلما أفاق
رسول الله صلى الله عليه وآله، سأل عن أسامة والبعث، فأخبر أنهم
يتجهزون، فجعل يقول: أنفذوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عنه، وكرر
ذلك، فخرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه حتى إذا كان بالجرف
نزل ومعه: أبو بكر، وعمر، وأكثر المهاجرين، ومن الأنصار: أسيد بن
حضير، وبشير بن سعد، وغيرهم من الوجوه، فجاءه رسول أم أيمن يقول له:
أدخل فإن رسول الله يموت، فقام من فوره، فدخل المدينة واللواء معه، فجاء به
حتى ركزه بباب رسول الله، ورسول الله قد مات في تلك الساعة " (873) إنتهى
بعين لفظه، وقد نقله جماعة من المؤرخين، منهم العلامة المعتزلي في آخر ص 20
والتي بعدها من المجلد الثاني من شرح نهج البلاغة، والسلام.
ش
374

المراجعة 93 رقم: 23 ربيع الأول سنة 1330
التماس بقية الموارد
أطلنا الكلام فيما يتعلق بسرية أسامة، كما أطلناه في رزية يوم الخميس،
حتى بانت الرغوة عن الصريح، وظهر الصبح فيهما لذي عينين، فمل بنا إلى
غيرهما من الموارد، والسلام.
س
المراجعة 94 رقم: 25 ربيع الأول سنة 1330
أمره صلى الله عليه وآله بقتل المارق
حسبك مما تلتمسه ما أخرجه جماعة من أعلام الأمة وحفظة الأئمة. واللفظ
للإمام أحمد بن حنبل في ص 15 من الجزء الثالث من مسنده من حديث أبي سعيد
الخدري، قال: إن أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا
رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا، فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي،
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذهب إليه فاقتله، قال: فذهب إليه أبو
بكر فلما رآه على تلك الحال، كره أن يقتله، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، قال: فقال النبي صلى الله عليه وآله لعمر: إذهب فاقتله، فذهب
عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر عليها، قال: فكره أن يقتله، قال:
فرجع، فقال: يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعا فكرهت أن أقتله، قال: يا
علي إذهب فاقتله، قال: فذهب علي فلم يره، فرجع علي فقال: يا رسول الله إني
375

لم أره، قال: فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن هذا وأصحابه يقرأون
القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون
فيه حتى يعود السهم في فوقه، فاقتلوهم هم شر البرية. ا ه‍. (874). وأخرج أبو
يعلى في مسنده - كما في ترجمة ذي الثدية من إصابة ابن حجر - عن أنس، قال: كان
في عهد رسول الله رجل يعجبنا تعبده واجتهاده، وقد ذكرنا ذلك لرسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، باسمه فلم يعرفه، فوصفناه بصفته فلم يعرفه، فبينا نحن
نذكره إذ طلع الرجل، قلنا: هو هذا، قال: إنكم لتخبروني عن رجل أن في
وجهه لسفعة من الشيطان، فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلم، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: أنشدك الله هل قلت حين وقفت على المجلس: ما في
القوم أحد أفضل مني أو خير مني؟ قال: اللهم نعم، ثم دخل يصلي، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من يقتل الرجل؟ فقال أبو بكر: أنا، فدخل
عليه فوجده يصلي، فقال: سبحان الله، أقتل رجلا يصلي، فخرج، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: ما فعلت؟ قال: كرهت أن أقتله وهو
يصلي، وأنت قد نهيت عن قتل المصلين، قال: من يقتل الرجل؟ قال عمر:
أنا، فدخل فوجده واضعا جبهته، فقال عمر: أبو بكر أفضل مني، فخرج،
فقال له النبي صلى الله عليه وآله: مهيم؟ قال: وجدته واضعا جبهته لله،
فكرهت أن أقتله، فقال: من يقتل الرجل؟ فقال علي: أنا، فقال: أنت إن
أدركته، فدخل عليه، فوجده خرج، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، فقال: مهيم؟ قال: وجدته قد خرج، قال: لو قتل ما اختلف من أمتي
رجلان (875)، الحديث. وأخرجه الحافظ محمد بن موسى الشيرازي في كتابه
الذي استخرجه من تفاسير يعقوب بن سفيان، ومقاتل بن سليمان، ويوسف
القطان، والقاسم بن سلام، ومقاتل بن حيان، وعلي بن حرب، والسدي،
ومجاهد، وقتادة ووكيع، وابن جريح، وأرسله إرسال المسلمات جماعة من
376

الثقات كالإمام شهاب الدين أحمد - المعروف بابن عبد ربه الأندلسي - عند
انتهائه إلى القول في أصحاب الأهواء من الجزء الأول من عقده الفريد، وقد جاء في
آخر ما حكاه في هذه القضية: أن النبي صلى الله عليه وآله، قال: إن هذا
لأول قرن يطلع في أمتي، لو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان، إن بني إسرائيل افترقت
اثنين وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة كلها في النار إلا
فرقة (1). ا ه‍.
وقريب من هذه القضية ما أخرجه أصحاب السنن (2) عن علي، قال:
" جاء النبي أناس من قريش فقالوا: يا محمد إنا جيرانك وحلفاؤك، وأن ناسا من
عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه، إنما فروا من ضياعنا
وأموالنا فارددهم إلينا، فقال لأبي بكر: ما تقول؟ قال: صدقوا أنهم جيرانك.
قال: فتغير وجه النبي صلى الله عليه وآله، ثم قال لعمر: ما تقول؟ قال:
صدقوا إنهم لجيرانك وحلفاؤك، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
فقال: يا معشر قريش، والله ليبعثن الله عليكم رجلا قد امتحن الله قلبه بالإيمان
فيضربكم على الدين، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: لا، قال عمر: أنا
يا رسول الله، قال: لا، ولكنه الذي يخصف النعل، وكان أعطى عليا نعله
يخصفها " (876) والسلام عليكم.
ش

(1) فرقة وشيعة لفظان - بحساب الجمل - مترادفان لأن كلا منهما 385 وهذا مما
تتفأل به عوام تلك الفرقة.
(2) كالإمام أحمد في أواخر ص 155 من الجزء الأول من مسنده، وسعيد بن
منصور في سننه، وابن جرير في تهذيب الآثار، وصححه ونقله عنهم جميعا المتقي
الهندي في ص 396 من الجزء السادس من كنز العمال.
377

المراجعة 95 رقم: 26 ربيع الأول سنة 1330
العذر في عدم قتل المارق
لعلهما رضي الله عنهما فهما استحباب قتله حملا منهما للأمر على الاستحباب
لا على الوجوب، ولذا لم يقتلاه، أو ظنا أن قتله واجب كفائي، فتركاه اعتمادا على
غيرهما من الصحابة لوجود من تتحقق به الكفاية منهم، ولم يكونا حين رجعا عنه
خائفين من فوات الأمر بسبب هربه إذ لم يخبراه بالقضية، والسلام.
س
المراجعة 96 رقم: 29 ربيع الأول سنة 1330
رد العذر
الأمر حقيقة في الوجوب، فلا يتبادر إلى الأذهان منه سواه، فحمله على
الاستحباب مما لا يصح إلا بالقرينة ولا قرينة في المقام على ذلك، بل القرائن تؤكد
إرادة المعنى الحقيقي، أعني الوجوب، فأنعم النظر في تلك الأحاديث تجد الأمر كما
قلناه، وحسبك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن
لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه
حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية، وقوله صلى الله عليه وآله
وسلم: لو قتل ما اختلف من أمتي رجلان، فإن هذا الكلام ونحوه، لا يقال إلا في
إيجاب قتله والحض الشديد على ذلك.
وإذا راجعت الحديث في مسند أحمد، تجد الأمر بقتله متوجها إلى أبي بكر
378

خاصة، ثم إلى عمر بالخصوص، فكيف - والحال هذه - يكون الوجوب
كفائيا.
على أن الأحاديث صريحة بأنهما لم يحجما عن قتله إلا كراهة أن يقتلاه وهو على
تلك الحال، من التخشع في الصلاة لا لشئ آخر، فلم يطيبا نفسا بما طابت به
نفس النبي صلى الله عليه وآله، ولم يرجحا ما أمرهما به من قتله، فالقضية من
الشواهد على أنهم كانوا يؤثرون العمل برأيهم على التعبد بنصه كما ترى،
والسلام.
ش
المراجعة 97 رقم: 30 ربيع الأول سنة 1330
التماس الموارد كلها
هلم ببقية الموارد، ولا تبقوا منها ما نلتمسه مرة أخرى، وإن احتاج ذلك
إلى التطويل، والسلام.
س
379

المراجعة 98 رقم: 3 ربيع الثاني سنة 1330
1 - لمعة من الموارد
2 - الإشارة إلى موارد أخر
1 - حسبك منها صلح الحديبية، وغنائم حنين، وأخذ الفداء من أسرى
بدر، وأمره صلى الله عليه وآله، بنحر بعض الإبل إذ أصابتهم مجاعة في غزوة
تبوك، وبعض شؤونهم يوم أحد وشعبه، ويوم أبي هريرة إذ نادى بالبشارة لكل من
لقي الله بالتوحيد، ويوم الصلاة على ذلك المنافق، ويوم اللمز في الصدقات
وسؤالهم بالفحش، وتأول آيتي الخمس والزكاة وآيتي المتعتين، وآية
الطلاق الثلاث، وتأول السنة الواردة في نوافل شهر رمضان كيفية وكمية،
والمأثورة في كيفية الأذان، وكمية التكبير في صلاة الجنائز، إلى ما لا يسع
المقام بيانه، كالمعارضة في أمر حاطب بن بلتعة، والمعارضة لما فعله النبي في
مقام إبراهيم. وكإضافة دور جماعة من المسلمين إلى المسجد، وكالحكم
على اليمانيين بدية أبي خراش الهذلي، وكنفي نصر بن الحجاج السلمي،
وإقامة الحد على جعدة بن سليم (1)، ووضع الخراج على السواد، وكيفية
ترتيب الجزية، والعهد بالشورى على الكيفية المعلومة، وكالعس ليلا،
والتجسس نهارا، وكالعول في الفرائض (877) إلى ما لا يحصى من الموارد
التي آثروا فيها القوة والسطوة، والمصالح العامة، وقد أفردنا لها في كتابنا -

(1) راجع ترجمة عمر من طبقات ابن سعد، تقف على إقامة الحد على جعدة بلا
شاهد ولا مدعي سوى ورقة فيها أبيات لا يعرف قائلها، تتضمن رمي جعدة
بالفاحشة.
380

سبيل المؤمنين (1) - بابا واسعا.
2 - على أن هناك نصوصا أخر خاصة في علي وفي العترة الطاهرة غير نصوص
الخلافة لم يعملوا بها أيضا، بل عملوا بنقيضها كما يعلمه الباحثون، فلا عجب
بعدها من تأولهم نص الخلافة عليه، وهل هو إلا كأحد النصوص التي
تأولوها فقدموا العمل بآرائهم على التعبد بها، والسلام.
ش
المراجعة 99 رقم: 5 ربيع الثاني سنة 1330
1 - إيثارهم المصلحة في تلك الموارد
2 - التماس ما بقي منها.
1 - لا يرتاب ذو مسكة في حسن مقاصدهم، وإيثارهم المصلحة العامة في
كل ما كان منهم في تلك الموارد إذ كانوا يتحرون فيها الأصلح للأمة، والأرجح
للملة، والأقوى للشوكة، فلا جناح عليهم في شئ مما فعلوه، سواء عليهم
أتعبدوا بالنصوص أم تأولوها.
2 - وكنا كلفناكم باستقصاء الموارد، فأوردتم منها ما أوردتم، ثم ذكرتم أن
في الإمام وعترته نصوصا غير نصوص الخلافة لم يعمل بها سلفنا، فليتكم أوردتموها
مفصلة وأغنيتمونا عن التماسها، والسلام.
س

(1) لئن فاتكم سبيل المؤمنين، فلا تفوتنكم الفصول المهمة، فإن فيها من
الفوائد ما لا يوجد في غيرها، وقد عقدنا فيها للمتأولين فصلا على حدة، وهو الفصل
8 ص 44 وما بعدها إلى ص 130 من الطبعة الثانية. فيه تفصيل هذه الموارد.
381

المراجعة 100 رقم: 8 ربيع الثاني سنة 1330
1 - خروج المناظر عن محل البحث
2 - إجابته إلى ملتمسه
1 - سلمتم بتصرفهم في النصوص المأثورة في تلك الموارد، فصدقتم بما
قلناه والحمد لله. أما حسن مقاصدهم وإيثارهم المصلحة العامة وتحريهم الأصلح
للأمة، والأرجح للملة، والأقوى للشوكة، فخارج عن محل البحث كما
تعلمون.
2 - التمست في المراجعة الأخيرة تفصيل ما اختص بعلي من الصحاح
المنصوص فيها عليه بغير الإمامة من الأمور التي لم يتعبدوا بل لم يبالوا بها، وأنت إمام
السنن، في هذا الزمن، جمعت أشتاتها، واستفرغت الوسع في معاناتها، فمن ذا
يتوهم أنك ممن لا يعرف تفصيل ما أجملناه، ومن ذا يرى أنه أولى منك بمعرفة كنه ما
أشرنا إليه، وهل يجاريك أو يباريك في السنة أحد، كلا، ولكن الأمر كما قيل - وكم
سائل عن أمره وهو عالم -.
إنكم لتعلمون أن كثيرا من الصحابة كانوا يبغضون عليا ويعادونه، وقد
فارقوه وآذوه، وشتموه وظلموه، وناصبوه، وحاربوه، فضربوا وجهه ووجوه
أهل بيته وأوليائه بسيوفهم، كما هو معلوم بالضرورة من أخبار السلف، وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد
عصى الله، ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد عصاني " (878)
وقال صلى الله عليه وآله: " من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك يا علي فقد
فارقني " (879) وقال صلى الله عليه وآله: " يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في
382

الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو
الله، والويل لمن أبغضك بعدي (880) " وقال صلى الله عليه وآله وسلم: " من
سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله " (881) وقال صلى الله عليه وآله
وسلم: " من آذى عليا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله " (882) وقال صلى
الله عليه وآله وسلم: " من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني "
(883) وقال صلى الله عليه وآله: " لا يحبك يا علي إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا
منافق " (884) وقال صلى الله عليه وآله: " اللهم وال من والاه، وعاد من
عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله " (885) ونظر يوما إلى علي وفاطمة
والحسن والحسين، فقال صلى الله عليه وآله: " أنا حرب لمن حاربكم،
وسلم لمن سالمكم " (886) وحين غشاهم بالكساء قال صلى الله عليه وآله وسلم:
" أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، وعدو لمن عاداهم " (887) إلى كثير
من أمثال هذه السنن التي لم يعمل كثير من الصحابة بشئ منها، وإنما عملوا
بنقيضها تقديما لأهوائهم، وإيثارا لأغراضهم، وأولوا البصائر يعلمون أن سائر
السنن المأثورة في فضل علي - وإنها لتربو على المئات - كالنصوص الصريحة في وجوب
موالاته، وحرمة معاداته، لدلالة كل منها على جلالة قدره وعظم شأنه، وعلو
منزلته عند الله ورسوله، وقد أوردنا منها في غضون هذه المراجعات طائفة وافرة،
وما لم نورده أضعاف أضعاف ما أوردنا (888)، وأنتم - بحمد الله - ممن وسعوا
السنن علما، وأحاطوا بها فهما، فهل وجدتم شيئا منها يتفق مع مناصبته ومحاربته،
أو يلتئم مع إيذائه وبغضه وعداوته، أو يناسب هضمه وظلمه، وسبه على منابر
المسلمين، وجعل ذلك سنة من سنن الخطباء أيام الجمع والأعياد، كلا. ولكن
الذين ارتكبوا منه ذلك لم يبالوا بها على كثرتها وتواترها، ولم يكن لهم منها وازع عن
العمل بكل ما تقتضيه سياستهم، وكانوا يعلمون أنه أخو النبي ووليه ووارثه
ونجيه، وسيد عترته، وهارون أمته، وكفؤ بضعته وأبو ذريته، وأولهم إسلاما،
383

وأخلصهم إيمانا، وأغزرهم علما، وأكثرهم عملا، وأكبرهم حلما، وأشدهم
يقينا، وأعظمهم عناء، وأحسنهم بلاء، وأوفرهم مناقب، وأكرمهم سوابق،
وأحوطهم على الاسلام، وأقربهم من رسول الله، وأشبههم به هديا وخلقا
وسمتا، وأمثلهم فعلا وقولا وصمتا، لكن الأغراض الشخصية كانت هي المقدمة
عندهم على كل دليل، فأي عجب بعد هذا من تقديم رأيهم في الإمامة على التعبد
بنص الغدير، وهل نص الغدير إلا حديث واحد من مئات من الأحاديث التي
تأولوها؟ إيثارا لآرائهم، وتقديما لمصالحهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل
بيتي " (889) وقال صلى الله عليه وآله: " إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة
نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب
حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له " (890) وقال صلى الله عليه وآله:
" النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف،
فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس " (891)، إلى آخر ما
جاء على هذا النمط من صحاح السنن التي لم يتعبدوا بشئ منها، والسلام.
ش
المراجعة 101 رقم: 10 ربيع الثاني سنة 1330
لم لم يحتج الإمام يوم السقيفة بنصوص الخلافة والوصاية؟
صرح الحق عن محضه، والحمد لله رب العالمين، ولم يبق إلا أمر واحد،
تنكرت معالمه، وخفيت أعلامه، أذكره لك لتميط حجابه، وتعلن سره، وهو
أن الإمام لم يحتج - يوم السقيفة على الصديق ومبايعيه - بشئ من نصوص الخلافة
والوصاية التي أنتم عليها عاكفون، فهل أنتم أعرف بمفادها منه؟ والسلام.
س
384

المراجعة 102 رقم: 11 ربيع الثاني سنة 1330
1 - موانع الإمام من الاحتجاج يوم السقيفة.
2 - الإشارة إلى احتجاجه واحتجاج مواليه مع وجود الموانع
1 - الناس كافة يعلمون أن الإمام وسائر أوليائه من بني هاشم وغيرهم، لم
يشهدوا البيعة، ولا دخلوا السقيفة يومئذ وكانوا في معزل عنها وعن كل ما كان
فيها، منصرفين بكلهم إلى خطبهم الفادح بوفاة رسول الله، وقيامهم بالواجب
من تجهيزه صلى الله عليه وآله، لا يعنون بغير ذلك، ما
واروه في ضراحه الأقدس حتى أكمل أهل السقيفة أمرهم
فأبرموا البيعة، وأحكموا العقد، وأجمعوا - أخذا بالحزم - على
منع كل قول أو فعل يوهن بيعتهم، أو يخدش عقدهم، أو يدخل
التشويش والاضطراب على عامتهم، فأين كان الإمام عن السقيفة وعن بيعة
الصديق ومبايعيه ليحتج عليهم؟ وأنى يتسنى الاحتجاج له أو لغيره بعد عقد البيعة
وقد أخذ أولو الأمر والنهي بالحزم، وأعلن أولو الحول والطول تلك الشدة، وهل
يتسنى في عصرنا الحاضر لأحد أن يقابل أهل السلطة بما يرفع سلطتهم، ويلغي
دولتهم؟ وهل يتركونه وشأنه لو أراد ذلك؟ هيهات هيهات، فقس الماضي على
الحاضر، فالناس ناس والزمان زمان.
على أن عليا لم ير للاحتجاج عليهم يومئذ أثرا إلا الفتنة التي كان يؤثر ضياع
حقه على حصولها في تلك الظروف، إذ كان يخشى منها على بيضة الاسلام وكلمة
التوحيد، كما أوضحناه سابقا حيث قلنا: إنه مني في تلك الأيام بما لم يمن به أحد إذ
مثل على جناحيه خطبان فادحان، الخلافة بنصوصها ووصاياها إلى جانب
تستصرخه وتستفزه بشكوى تدمي الفؤاد، وحنين يفتت الأكباد، والفتن
385

الطاغية إلى جانب آخر تنذره بانتقاض شبه الجزيرة، وانقلاب العرب، واجتياح
الاسلام، وتهدده بالمنافقين من أهل المدينة، وقد مردوا على النفاق، وبمن حولهم
من الأعراب، وهم منافقون بنص الكتاب، بل هم أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا
يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، وقد قويت شوكتهم بفقده صلى الله عليه وآله
وسلم، وأصبح المسلمون بعده كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، بين ذئاب
عادية، ووحوش ضارية، ومسيلمة الكذاب، وطليحة بن خويلد الأفاك،
وسجاح بنت الحرث الدجالة، وأصحابهم الرعاع الهمج، قائمون - في محق
الاسلام وسحق المسلمين - على ساق، والرومان والأكاسرة والقياصرة وغيرهم،
كانوا للمسلمين بالمرصاد إلى كثير من هذه العناصر الجياشة بكل حنق من محمد وآله
وأصحابه، وبكل حقد وحسيكة لكلمة الاسلام تريد أن تنقض أساسها
وتستأصل شأفتها، وأنها لنشيطة في ذلك مسرعة متعجلة، ترى الأمر قد استتب
لها، والفرصة - بذهاب النبي إلى الرفيق الأعلى - قد حانت، فأرادت أن تسخر
الفرصة، وتنتهز تلك الفوضى قبل أن يعود الاسلام إلى قوة وانتظام، فوقف علي
بين هذين الخطرين، فكان من الطبيعي له أن يقدم حقه قربانا لحياة المسلمين (1)،

(1) وقد صرح عليه السلام بذلك في كتاب له بعثه إلى أهل مصر مع مالك
الأشتر لما ولاه إمارتها إذ قال: أما بعد، فإن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه
وآله وسلم، نذيرا للعالمين ومهيمنا على المرسلين، فلما مضى عليه السلام، تنازع
المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقي في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج
هذه الأمر من بعده صلى الله عليه وآله وسلم، عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من
بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة
الناس قد رجعت عن الاسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله،
فخشيت أن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم
من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان، كما يزول السراب
أو كما يتقشع السحاب، فنهض في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن
الدين وتنهنه، إلى آخر كلامه، فراجعه في نهج البلاغة.
386

لكنه أراد الاحتفاظ بحقه في الخلافة، والاحتجاج على من عدل عنه بها على وجه لا
تشق بهما للمسلمين عصا، ولا تقع بينهم فتنة ينتهزها عدوهم، فقعد في بيته حتى
أخرجوه كرها بدون قتال، ولو أسرع إليهم ما تمت له حجة، ولا سطع لشيعته
برهان، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين والاحتفاظ بحقه من خلافة المسلمين،
وحين رأى أن حفظ الاسلام، ورد عادية أعدائه موقوفان في تلك الأيام على الموادعة
والمسالمة، شق بنفسه طريق الموادعة، وآثر مسالمة القائمين في الأمر احتفاظا
بالأمة، واحتياطا على الملة، وضنا بالدين، وإيثارا للآجلة على العاجلة، وقياما
بالواجب شرعا وعقلا من تقديم الأهم - في مقام التعارض - على المهم، فالظروف
يومئذ لا تسع مقاومة بسيف، ولا مقارعة بحجة.
2 - ومع ذلك فإنه وبنيه، والعلماء من مواليه، كانوا يستعملون الحكمة في
ذكر الوصية، ونشر النصوص الجلية، كما لا يخفى على المتتبعين، والسلام.
ش
المراجعة 103 رقم: 12 ربيع الثاني سنة 1330
البحث عن احتجاجه واحتجاج مواليه
متى كان ذلك من الإمام؟ ومتى كان ذلك من ذويه ومواليه؟ أوقفونا على شئ
منه، والسلام.
س
387

المراجعة 104 رقم: 15 ربيع الثاني سنة 1330
1 - ثلة من موارد احتجاج الإمام
2 - احتجاج الزهراء عليها السلام
1 - كان الإمام يتحرى السكينة في بث النصوص عليه، ولا يقارع بها
خصومه احتياطا على الاسلام، واحتفاظا بريح (1) المسلمين، وربما اعتذر عن
سكوته وعدم مطالبته - في تلك الحالة - بحقه فيقول (2): " لا يعاب المرء بتأخير
حقه، إنما يعاب من أخذ ما ليس له (892) " وكان له في نشر النصوص عليه طرق
تجلت الحكمة فيها بأجلى المظاهر، ألا تراه ما فعل يوم الرحبة إذ جمع الناس فيها أيام
خلافته لذكرى يوم الغدير، فقال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع
رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول يوم غدير خم ما قال، إلا قام فشهد بما
سمع، ولا يقم إلا من رآه، فقام ثلاثون، من الصحابة فيهم اثنا عشر بدريا
فشهدوا بما سمعوه من نص الغدير (3) " (893) وهذا غاية ما يتسنى له في تلك
الظروف الحرجة بسبب قتل عثمان، وقيام الفتنة في البصرة والشام، ولعمري أنه
قصارى ما يتفق من الاحتجاج يومئذ مع الحكمة في تلك الأوقات، ويا له مقاما
محمودا بعث نص الغدير من مرقده، فأنعشه بعد أن كاد، ومثل - لكل من كان في
الرحبة من تلك الجماهير - موقف النبي (ص) يوم خم، وقد أخذ بيد علي فأشرف

(1) الريح: حقيقة في القوة والغلبة والنصر والدولة.
(2) هذه الكلمة من كلمه القصير الخارج في غرضه الشريف وهي في نهج
البلاغة، فراجع ما ذكره علامة المعتزلة في شرحها ص 324 من المجلد الرابع من شرح النهج
(3) كما ذكرناه في المراجعة 56.
388

به على مئة ألف أو يزيدون، من أمته، فبلغهم أنه وليهم من بعده،
وبهذا كان نص الغدير أظهر مصاديق السنن المتواترة، فانظر إلى حكمة
النبي إذ أشاد به على رؤوس تلك الإشهاد وانتبه إلى حكمة الوصي يوم الرحبة إذ
ناشدهم بذلك النشاد، فأثبت الحق بكل تؤدة اقتضتها الحال، وكل سكينة كان
الإمام يؤثرها، وهكذا كانت سيرته في بث العهد إليه، ونشر النص عليه، فإنه
إنما كان ينبه الغافلين بأساليب لا توجب ضجة ولا تقتضي نفرة.
وحسبك ما أخرجه أصحاب السنن من حديثه عليه السلام في الوليمة التي
أولمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في دار عمه شيخ الأبطاح بمكة يوم أنذر
عشيرته الأقربين، وهو حديث طويل جليل (1)، كان الناس ولم يزالوا يعدونه من
أعلام النبوة، وآيات الاسلام، لاشتماله على المعجز النبوي بإطعام الجم الغفير
من الزاد اليسير، وقد جاء في آخره: أن النبي صلى الله عليه وآله، أخذ
برقبته، فقال: " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيك، فاسمعوا له وأطيعوا (
894) " وكثيرا ما كان يحدث بأن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال له: "
أنت ولي كل مؤمن بعدي " (895) وكم حدث بقوله له: " أنت مني بمنزلة هارون
من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " (896) وكم حدث بقول رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يوم غدير خم -: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى.
قال: من كنت وليه فهذا - علي - وليه " (897) (1) إلى كثير من النصوص التي لم
تجحد، وقد أذاعها بين الثقات الأثبات، وهذا كل ما يتسنى له في تلك الأوقات، (
حكمة بالغة فما تغنى النذر) ويوم الشورى أعذر وأنذر، ولم يبق من خصائصه
ومناقبه شيئا إلا احتج به (898)، وكم احتج أيام خلافته متظلما، وبث شكواه
على المنبر متألما، حتى قال: " أما والله لقد تقمصها فلان، وأنه ليعلم أن محلي منها

(1) أوردناه في المراجعة 20.
(2) أخرجه ابن أبي عاصم كما بيناه في آخر المراجعة 26.
389

محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها
ثوبا، وطويت عنها كشحا، وطفقت أن أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر
على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، و؟ كدح فيها مؤمن
حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا أشجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي
الحلق شجى، أرى تراثي نهبا... " إلى آخر الخطبة (899) الشقشقية (1)، وكم
قال: " اللهم إني أستعينك على قريش ومن أعانهم (2)، فإنهم قطعوا رحمي،
وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي، ثم قالوا: ألا إن في الحق
أن تأخذه وفي الحق أن تتركه. " ا؟. (900) وقد قال له قائل (3): " إنك على هذا
الأمر يا ابن أبي طالب لحريص، فقال: بل أنتم والله لأحرص وإنما طلبت حقا لي
وأنتم تحولون بيني وبينه " (901) وقال عليه السلام (4): " فوالله ما زلت مدفوعا عن
حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله، حتى يوم الناس
هذا " (902).
وقال عليه السلام مرة: " لنا حق فإن أعطيناه، وإلا ركبنا أعجاز الإبل،
وإن طال السرى (5) " (903) وقال عليه السلام في كتاب كتبه إلى أخيه عقيل (6): "
فجزت قريش عني الجوازي، فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن أمي "
(904) وكم قال عليه السلام (7): " فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي،

(1) هي الخطبة 3 من نهج البلاغة في ص 25 من جزئه الأول.
(2) راجع الخطبة 167 أو ص 103 من الجزء الثاني من النهج.
(3) كما في الخطبة 167 أيضا.
(4) كما في الخطبة 5 ص 37 من الجزء الأول من النهج.
(5) هذه الكلمة هي 21 من كلماته في باب المختار من حكمه، ص 155 من النهج، وقد علق
عليها السيد الرضي كلمة نفيسة، وعلق عليها الشيخ محمد عبده كلمة أخرى، يجدر بالأديب
مراجعتهما.
(6) وهو الكتاب 36 في ص 67 من الجزء 3 من النهج.
(7) راجع الخطبة 25 ص 62 من الجزء الأول من النهج.
390

فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجى، وصبرت
على أخذ الكظم، وعلى أمر من طعم العلقم " (905).
وسأله بعض أصحابه: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟
فقال (1): " يا أخا بني أسد إنك لقلق الوضين، ترسل في غير سدد، ولك بعد ذمامة
الصهر وحق المسألة وقد استعلمت فاعلم، أما الاستبداد علينا بهذا المقام، ونحن
الأعلون نسبا، والأشدون برسول الله نوطا، فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس
قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم لله والمعود إليه يوم القيامة، ودع عنك
نهبا صيح في حجراته... الخطبة " (906) وقال عليه السلام (2): " أين الذين
زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا؟ كذبا علينا وبغيا إن رفعنا الله ووضعهم،
وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهدى، ويستجلى
العمى، إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على
سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم... الخ " (907). وحسبك قوله في بعض
خطبه (3): " حتى إذا قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، رجع قوم على
الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج (4)، ووصلوا غير الرحم،
وهجروا السبب الذي أمروا بمودته، ونقلوا البناء عن رص أساسه، فبنوه في غير
مواضعه معادن كل خطيئة، وأبواب كل ضارب في غمرة، قد ماروا في الحيرة،
وذهلوا في السكرة، على سنة من آل فرعون، من منقطع إلى الدنيا راكن، أو
مفارق للدين مباين (908) " وقوله في خطبة خطبها بعد البيعة له، وهي من جلائل
خطب النهج (5): " لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله، من هذه الأمة

(1) كما في ص 79 من الجزء الثاني من النهج من الكلام 157.
(2) كما في ص 36 والتي بعدها من الجزء الثاني من النهج من الكلام 140.
(3) راجعه في آخر ص 48 والتي بعدها من الجزء الثاني من النهج في الخطبة 146.
(4) دخائل المكر والخديعة.
(5) تجدها في أول ص 25 وهي آخر الخطبة 2 من الجزء الأول من النهج.
391

أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا، هم أساس الدين، وعماد
اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية،
وفيهم الوصية والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونقل إلى منتقله (909).
وقوله عليه السلام من خطبة أخرى يعجب فيها من مخالفيه: " فيا عجبي! وما لي لا
أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصون أثر نبي،
ولا يقتدون بعمل وصي... الخطبة (1) (910) ".
2 - وللزهراء عليها السلام حجج بالغة، وخطبتاها في ذلك سائرتان،
كان أهل البيت يلزمون أولادهم بحفظهما كما يلزمونهم بحفظ القرآن، وقد تناولت
أولئك الذين نقلوا البناء عن رص أساسه فبنوه في غير موضعه، فقالت: " ويحهم
أنى زحزحوها - أي الخلافة - عن رواسي الرسالة؟! وقواعد النبوة، ومهبط
الروح الأمين، الطبن (2) بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك الخسران المبين، وما
الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله منه نكير سفيه، وشدة وطأته، ونكال
وقعته، وتنمره في ذات الله، وتالله لو تكافأوا (3) على زمام نبذه إليه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، لاعتقله وسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه، ولا يتتعتع
راكبه، ولأوردهم منهلا رويا فضفاضا (4) تطفح ضفتاه، ولا يترنم جانباه،
ولأصدرهم بطانة (5) ونصح لهم سرا وإعلانا، غير متحل منهم بطائل إلا بغمر

(1) راجعها في ص 145 من الجزء الأول من النهج وهي الخطبة 84.
(2) الخبير.
(3) التكافؤ: التساوي، والزمام الذي نبذه إليه رسول الله - أي ألقاه إليه - إنما هو زمام الأمة في
أمور دينها ودنياها، والمعنى أنهم لو تساووا جميعا في الانقياد بذلك الزمام، والاستسلام إلى ذلك القائد
العام، لاعتقله أي وضعه بين ركابه، وساقه كما يعتقل الرمح، وسار بهم سيرا سجحا أي سهلا لا
يكلم خشاشه أي لا يجرح أنف البعير، والخشاش: عود يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ولا يتتعتع
راكبه أي لا يصيبه أذى.
(4) أي يفيض منه الماء.
(5) أي شبعانين.
392

الناهل (1)، وردعة سورة الساغب (2) ولفتحت عليهم بركات من السماء
والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون، إلا هلم فاستمع وما عشت أراك
الدهر عجا، وإن تعجب، فقد أعجبك الحادث، إلى أي لجأ لجأوا؟ وبأي عروة
تمسكوا، لبئس المولى ولبئس العشير، بئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله
الذنابا بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون
صنعا إلا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، ويحهم * (أفمن يهدي
إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف
تحكمون) *... إلى آخر الخطبة (3) " (911) وهي نموذج كلام العترة
الطاهرة في هذا الموضوع، وعلى هذه فقس ما سواها، والسلام.
ش
المراجعة 105 رقم: 16 ربيع الثاني سنة 1330
نلتمس تتميم الفائدة بنقل احتجاج غير الإمام والزهراء، ولكم الفضل،
والسلام.
س

(1) أي ري الظمآن.
(2) أي كسر شدة الجوع.
(3) أخرجها أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة وفدك، عن محمد بن
زكريا، عن محمد بن عبد الرحمن المهلبي، عن عبد الله بن حماد بن سليمان عن أبيه، عن عبد الله بن
الحسن بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين، مرفوعة إلى الزهراء عليها السلام، ورواها الإمام أبو
الفضل أحمد بن أبي طاهر المتوفى سنة 280، في ص 23 من كتابه - بلاغات النساء - من طريق هارون بن
مسلم بن سعدان، عن الحسن بن علوان، عن عطية العوفي الذي روى هذه الخطبة عن عبد الله بن
الحسن بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن جدتها الزهراء عليها السلام، وأصحابنا يروون
هذه الخطبة عن سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي، عن الزهراء عليها السلام. وقد أوردها الطبرسي
في كتاب الاحتجاج، والمجلسي في بحار الأنوار، ورواها غير واحد من الأثبات الثقات.
393

المراجعة 106 رقم: 18 ربيع الثاني سنة 1330
1 - احتجاج ابن عباس
2 - احتجاج الحسن والحسين
3 - احتجاج أبطال الشيعة من الصحابة
4 - الإشارة إلى احتجاجهم بالوصية
1 - ألفتكم إلى محاورة ابن عباس وعمر، إذ قال عمر (في حديث طويل دار
بينهما): " يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد، صلى الله عليه وآله
وسلم؟ (قال ابن عباس): فكرهت أن أجيبه، فقلت له: إن لم أكن أدري فإن
أمير المؤمنين يدري، فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتجحفوا
على قومكم بجحا بجحا (1)، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت (قال):
فقلت: يا أمير المؤمنين، إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب، تكلمت،
قال: تكلم (قال ابن عباس): أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش
لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشا اختارت لأنفسها من حين اختار الله لها،
لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأما قولك: إنهم أبو أن تكون لنا النبوة
والخلافة، فإن الله عز وجل، وصف قوما بالكراهة، فقال: * (ذلك بأنهم كرهوا
ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) * فقال عمر: هيهات يا ابن عباس قد كانت تبلغني عنك
أشياء أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني، فقلت: ما هي يا أمير المؤمنين؟ فإن
كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن

(1) أي تبجحا، والبجح بالشئ: هو الفرح به.
394

نفسه، فقال عمر: بلغني أنك تقول: إنما صرفوها عنا حسدا وبغيا وظلما، (قال)
فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك
حسدا فإن آدم حسد ونحن ولده المحسودون، فقال عمر: هيهات هيهات، أبت
والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا لا يزول. (قال) فقلت: مهلا يا أمير
المؤمنين، لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا... الحديث (1) (912) "
وحاوره مرة أخرى، فقال له في حديث آخر: " كيف خلفت ابن عمك،
قال: فظننته يعني عبد الله بن جعفر، قال: فقلت: خلفته مع أترابه، قال: لم
أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت، قال: قلت: خلفته يمتح بالغرب وهو
يقرأ القرآن. قال: يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شئ
من أمر الخلافة؟ قال: قلت: نعم. قال: أيزعم أن رسول الله نص عليه؟ قال
ابن عباس: قلت: وأزيدك سألت أبي عما يدعي - من نص رسول الله عليه
بالخلافة - فقال: صدق فقال عمر: كان من رسول الله في أمره ذرو (2) من قول لا
يثبت حجة، ولا يقطع عذرا، ولقد كان يربع (3) في أمره وقتا ما ولقد أراد في مرضه
أن يصرح باسمه فمنعته من ذلك،... الحديث (4) (913) "

(1) نقلناه من التاريخ الكامل لابن الأثير بعين لفظه وقد أورده في آخر سيرة عمر من حوادث سنة
23 ص 24 من جزئه الثالث، وأوردها علامة المعتزلة في سيرة عمر أيضا ص 107 من المجلد الثالث من
شرح نهج البلاغة.
(2) الذرو - بالكسر والضم -: المكان المرتفع والعلو مطلقا، والمعنى أنه كان من رسول الله في
أمر علي علو من القول في الثناء عليه، وهذا اعتراف من عمر كما لا يخفى.
(3) هذا مأخوذ من قولهم ربع الرجل في هذا الحجر إذا رفعه بيده امتحانا لقوته، يريد أن النبي
كان في ثنائه على علي بتلك الكلمات البليغة، يمتحن الأمة في أنها هل تقبله خليفة أم لا.
(4) أخرجه الإمام أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر في كتابه تاريخ بغداد بسنده المعتبر إلى ابن
عباس، وأورده علامة المعتزلة في أحوال عمر من شرح نهج البلاغة، ص 97 من مجلده الثالث.
395

وتحاورا مرة ثالثة فقال: " يا ابن عباس ما أرى صاحبك إلا مظلوما،
فقلت: يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته (قال) فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم
ساعة، ثم وقف فلحقته، فقال: يا ابن عباس ما أظنهم منعهم عنه إلا أنه
استصغره قومه، قال: فقلت له: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ
براءة من صاحبك، قال: فأعرض عني وأسرع، فرجعت " (914) عنه (1) وكم
لحبر الأمة ولسان الهاشميين وابن عم رسول الله عبد الله بن العباس من أمثال هذه
المواقف، وقد مر عليك - في المراجعة 26 - احتجاجه على ذلك الرهط العاتي ببضع
عشرة من خصائص علي في حديث طويل جليل، قال فيه: " وقال النبي لبني
عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا، وقال علي: أنا أوليك في الدنيا
والآخرة، فقال لعلي: أنت وليي في الدنيا والآخرة (إلى أن قال ابن عباس):
وخرج رسول الله في غزوة تبوك وخرج الناس معه، فقال له علي: أخرج معك؟
فقال رسول الله: لا، فبكى علي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: أما
ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي
أن أذهب إلا وأنت خليفتي (قال): وقال له رسول الله: أنت ولي كل مؤمن بعدي
(قال): وقال صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فإن عليا مولاه... " الحديث
(915).
2 - وكم لرجالات بني هاشم يومئذ من أمثال هذه الاحتجاجات، حتى أن
الحسن بن علي جاء إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
فقال له: انزل عن مجلس أبي (916)، ووقع للحسين نحو ذلك مع عمر وهو على
المنبر أيضا (2) (917).

(1) أورد هذه المحاورة أهل السير في أحوال عمر، ونحن نقلناها من شرح نهج البلاغة لعلامة
المعتزلة، فراجع ص 105 من مجلده الثالث.
(2) نقل ابن حجر كلتا القضيتين في المقصد الخامس، مما أشارت إليه آية المودة في القربى، وهي
الآية 14 من آيات الباب 11 من صواعقه، فراجع من الصواعق ص 160، وقد أخرج الدارقطني
396

3 - وكتب الإمامية تثبت في هذا المقام احتجاجات كثيرة قام بها الهاشميون
وأولياؤهم من الصحابة والتابعين، فليراجعها من أرادها في مظانها، وحسبنا ما
في كتاب الاحتجاج للإمام الطبرسي من كلام كل من خالد بن سعيد بن العاص
الأموي (1) وسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والمقداد،
وبريدة الأسلمي، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل وعثمان ابني حنيف، وخزيمة
بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبي أيوب الأنصاري، وغيرهم (
918). ومن تتبع أخبار أهل البيت وأولياءهم، علم أنهم كانوا لا يضيعون فرصة
تخولهم الاحتجاج بأنواعه كلها من تصريح وتلويح، وشدة ولين، وخطابة
وكتابة، وشعر ونثر، حسبما تسمح لهم ظروفهم الحرجة.
4 - وأكثروا من ذكر الوصية محتجين بها كما يعلمه المتتبعون، والسلام.
ش

قضية الحسن مع أبي بكر، وأخرج ابن سعد في ترجمة عمر من طبقاته قضية الحسين مع عمر.
(1) كان خالد بن سعيد بن العاص ممن أبى خلافة أبي بكر، وامتنع عن البيعة ثلاثة أشهر، نص
على ذلك جماعة من أثبات أهل السنة كابن سعد في ترجمة خالد من طبقاته ص 70 من جزئها الرابع، وذكر
أن أبا بكر لما بعث الجنود إلى الشام، عقد له على المسلمين وجاء باللواء إلى بيته، فقال عمر لأبي بكر:
أتولي خالدا وهو القائل ما قال؟ فلم يزل به حتى أرسل أبا أروى الدوسي فقال له: إن خليفة رسول الله
يقول لك: أردد إلينا لواءنا، فأخرجه فدفعه إليه، وقال: ما سرتنا ولايتكم، ولا ساءنا عزلكم،
فجاء أبو بكر فدخل عليه يعتذر إليه، ويعزم عليه أن لا يذكر عمر بحرف. ا ه‍. وكل من ذكر بعث
الجنود إلى الشام، أورد هذه القضية أو أشار إليها، فهي من الأمور المستفيضة.
397

المراجعة 107 رقم: 19 ربيع الثاني سنة 1330
متى ذكروا الوصية؟
متى ذكروا الوصية إلى الإمام؟ ومتى احتجوا بها؟ ما رأيتهم ذكروها إلا في
مجلس أم المؤمنين فأنكرتها، كما بيناه سابقا، والسلام.
س
المراجعة 108 رقم: 22 ربيع الثاني 1330
الاحتجاج بالوصية
بلى، ذكرها أمير المؤمنين على المنبر، وقد تلونا عليك - في المراجعة 104 -
نصه. وكل من أخرج حديث الدار يوم الانذار فإنما أسنده إلى علي، وقد أوردناه
سابقا - في المراجعة 20 - وفيه النص الصريح بوصايته وخلافته، وخطب الإمام
أبو محمد الحسن السبط سيد شباب أهل الجنة حين قتل أمير المؤمنين خطبته
الغراء (1) فقال فيها: " وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي " (919). وقال الإمام
جعفر الصادق (2): " كان علي يرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله، قبل
الرسالة الضوء، ويسمع الصوت (قال): وقال له صلى الله عليه وآله:
لولا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة، فإن لا تكن نبيا فإنك وصي نبي
ووارثه " (920) وهذا المعنى متواتر عن أئمة أهل البيت كافة وهو من الضروريات
عندهم وعند أوليائهم، من عصر الصحابة إلى يومنا هذا وكان سلمان الفارسي

(1) أخرجه الحاكم في ص 172 من الجزء 3 من صحيحه المستدرك.
(2) كما في ص 254 من المجلد الثالث من شرح نهج البلاغة في آخر شرح الخطبة القاصعة.
398

يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " أن وصيي، وموضع
سري، وخير من أترك بعدي، ينجز عدتي، ويقضي ديني، علي بن أبي طالب "
(921) وحدث أبو أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، يقول لفاطمة: " أما علمت أن الله عز وجل اطلع على أهل الأرض فاختار
منهم أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار بعلك، فأوحى إلي فأنكحته واتخذته
وصيا " (922) وحدث بريدة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، يقول: " لكل نبي، وصي ووارث، وأن وصيي ووارثي علي بن أبي
طالب (1) " (923) وكان جابر ابن يزيد الجعفي إذا حدث عن الإمام الباقر يقول -
كما في ترجمة جابر من ميزان الذهبي -: حدثني " وصي الأوصياء " (924) وخطبت
أم الخير بنت الحريش البارقية في صفين تحرض أهل الكوفة على قتال معاوية خطبتها
العصماء، فكان مما قالت فيها: " هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل، والوصي
الوفي، والصديق الأكبر... " إلى آخر كلامها (2) (925).
هذا بعض ما أشاد السلف بذكر الوصية في خطبهم وحديثهم. ومن تتبع
أحوالهم، وجدهم يطلقون الوصي على أمير المؤمنين إطلاق الأسماء على
مسمياتها، حتى قال صاحب تاج العروس في مادة الوصي ص 392 من الجزء
العاشر من التاج: والوصي - كغني -: لقب علي رضي الله عنه.
أما ما جاء من ذلك في شعرهم، فلا يمكن إن يحصى في هذا الاملاء، وإنما
نذكر منه ما يتم به الغرض، قال عبد الله بن العباس بن عبد المطلب:
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه إن قيل هل من منازل (926)

(1) حديث بريدة هذا، وحديثا أبي أيوب وسلمان المتقدمان أوردناهما في المراجعة 68.
(2) أخرج الإمام أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ص 41 من كتاب بلاغات النساء
بسنده إلى الشعبي.
399

وقال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب من أبيات يحرض فيها أهل العراق
على حرب معاوية بصفين:
هذا وصي رسول الله قائدكم * وصهره وكتاب الله قد نشرا (927)
قال عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب:
ومنا علي ذاك صاحب خيبر * وصاحب بدر يوم سالت كتائبه
وصي النبي المصطفى وابن عمه * فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه (928)
وقال أبو الهيثم بن التيهان، وكان بدريا، من أبيات أنشأها يوم الجمل:
إن الوصي إمامنا وولينا * برح الخفاء وباحت الأسرار (929)
وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وهو بدري، من أبيات أنشأها يوم
الحمل أيضا.
يا وصي النبي قد أجلت الحر * ب الأعادي وسارت الأظعان (930)
وقال رضي الله عنه:
أعائش خلي عن علي وعيبه * بما ليس فيه إنما أنت والده
وصي رسول الله من دون أهله * وأنت على ما كان من ذاك شاهده (931)
وقال عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، يوم الجمل وهو من أبطال
الصحابة، وقد استشهد في صفين هو وأخوه عبد الرحمن:
يا قوم للخطة العظمى التي حدثت * حرب الوصي وما للحرب من آسي (932)
ومن شعر أمير المؤمنين في صفين:
ما كان يرضي أحمد لو أخبرا * أن يقرنوا وصيه والأبترا (933)
400

وقال جرير بن عبد الله البجلي الصحابي من أبيات أرسلها إلى
شرحبيل بن السمط، وقد ذكر فيها عليا
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه الحامي به يضرب المثل (934)
وقال عمر بن حارثة الأنصاري من أبيات له في محمد ابن أمير المؤمنين
المعروف بابن الحنفية:
سمي النبي وشبه الوصي * ورايته لونها العندم (935)
وقال عبد الرحمن بن جعيل إذ بايع الناس عليا بعد عثمان:
لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة * على الدين معروف العفاف موفقا
عليا وصي المصطفى وابن عمه * وأول من صلى أخا الدين والتقى (936)
وقال رجل من الأزد يوم الجمل:
هذا علي وهو الوصي * آخاه يوم النجوة النبي
وقال هذا بعدي الولي * وعاه واع ونسي الشقي (937)
وخرج يوم الجمل شاب من بني ضبة معلم من عسكر عائشة، وهو يقول:
نحن بنو ضبة أعداء علي * ذاك الذي يعرف قدما بالوصي
وفارس الخيل على عهد النبي * ما أنا عن فضل علي بالعمي
لكنني أنعي ابن عفان التقي (938)
وقال سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل، وكان مع علي:
آية حرب أضرمت نيرانها * وكسرت يوم الوغى مرانها
قل للوصي أقبلت قحطانها * فادع بها تكفيكها همدانها
401

هم بنوها وهم إخوانها (939)
وقال زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل، وكان من أصحاب علي:
كيف ترى الأنصار في يوم الكلب * إنا أناس لا نبالي من عطب
ولا نبالي في الوصي من غضب * وإنما الأنصار جد لا لعب
هذا علي وابن عبد المطلب * ننصره اليوم على من قد كذب
من يكسب البغي فبئس ما اكتسب (940)
وقال حجر بن عدي الكندي في ذلك اليوم أيضا:
يا ربنا سلم لنا عليا * سلم لنا المبارك المضيا
المؤمن الموحد التقيا * لا خطل الرأي ولا غويا
بل هاديا موفقا مهديا * واحفظه ربي واحفظ النبيا
فيه فقد كان له وليا * ثم ارتضاه بعده وصيا (941)
وقال عمر بن أحجية يوم الجمل في خطبة الحسن بعد خطبة ابن الزبير:
حسن الخير يا شبيه أبيه * قمت فينا مقام خير خطيب
قمت بالخطبة التي صدع الله * بها عن أبيك أهل العيوب
لست كابن الزبير لجلج في القول * وطاطا عنان فسل مريب
وأبى الله أن يقوم بما قا * م به ابن الوصي وابن النجيب
إن شخصا بين النبي لك الخير * وبين الوصي غير مشوب (942)
وقال زجر بن قيس الجعفي يوم الجمل أيضا:
أضربكم حتى تقروا لعلي * خير قريش كلها بعد النبي
من زانه الله وسماه الوصي (943)
402

وقال زجر بن قيس يوم صفين:
فصلى الإله على أحمد * رسول المليك تمام النعم
رسول المليك ومن بعده * خليفتنا القائم المدعم
عليا عنيت وصي النبي * يجالد عنه غواة الأمم (944)
وقال الأشعث بن قيس الكندي:
أتانا الرسول رسول الإمام * فسر بمقدمه المسلمون
رسول الوصي وصي النبي * له السبق والفضل في المؤمنين (945)
وقال أيضا:
أتانا الرسول رسول الوصي * علي المهذب من هاشم
وزير النبي وذي صهره * وخير البرية والعالم (946)
وقال النعمان بن العجلان الزرقي الأنصاري في صفين:
كيف التفرق والوصي إمامنا * لا كيف إلا حيرة وتخاذلا
فذروا معاوية الغوي وتابعوا * دين الوصي لتحمدوه آجلا (947)
وقال عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي من أبيات يهدد فيها معاوية بجنود
العراق:
يقودهم الوصي إليك حتى * يردك عن ضلال وارتياب (1) (948)

(1) هذا البيت وجميع ما قبله من الأشعار والأراجيز، مذكورة في كتب السير والأخبار، ولا سيما
المختصة منها بوقعتي الجمل وصفين، ونقلها بأجمعها العلامة المتتبع ابن أبي الحديد في ص 47 وما بعدها
إلى ص 50 من المجلد الأول من شرح نهج البلاغة، طبع مصر، وذلك حيث شرح خطبة أمير المؤمنين
المشتملة على ذكر آل محمد وقوله فيهم: ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة، وبعد
نقل هذه الأشعار والأراجيز قال ما هذا لفظه: والأشعار التي تتضمن هذه اللفظة " الوصية " كثيرة
جدا، ولكنا ذكرنا منها هاهنا بعض ما قيل في هذين الحزبين - يعني كتاب وقعة الجمل لأبي مخنف،
وكتاب نصر بن مزاحم في صفين - (قال): فأما ما عداهما فإنه يجل عن الحصر، ويعظم عن الاحصاء
والعد، ولولا خوف الملالة والأضجار لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقا كثيرة. ا ه‍.
403

وقال عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
إن ولي الأمر بعد محمد * علي وفي كل المواطن صاحبه
وصي رسول الله حقا وصنوه * وأول من صلى ومن لان جانبه (949)
وقال خزيم بن ثابت ذو الشهادتين:
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه مذ كان في سالف الزمن
وأول من صلى من الناس كلهم * سوى خيرة النسوان والله ذو منن (950)
وقال زفر بن حذيفة الأسدي:
فحوطوا عليا وانصروه فإنه * وصي وفي الاسلام أول (1) (951
وقال أبو الأسود الدؤلي:
أحب محمدا حبا شديدا * وعباسا وحمزة والوصيا (952)
وقال النعمان بن العجلان وكان شاعر الأنصار وأحد ساداتهم من قصيدة
له (2) يخاطب فيها ابن العاص:
وكان هوانا في علي وأنه * لأهل لها من حيث تدري ولا تدري

(1) إن بيت زفر هذا، وبيتي خزيمة السابقين عليه، وبيتي عبد الله بن أبي سفيان المتقدمين
عليهما، قد رواها عنهم الإمام الإسكافي في كتابه نقض العثمانية، ونقلها ابن أبي الحديد في آخر شرح
الخطبة القاصعة ص 258 وما بعدها من المجلد الثالث من شرح النهج طبع مصر.
(2) ذكرها الزبير ابن بكار في الموفقيات، ونقلها علامة المعتزلة ص 13 من المجلد الثالث من
شرح النهج، لكن ابن عبد البر أورد هذه القصيدة في ترجمة النعمان من الاستيعاب، فحذف محل
الشاهد منها (وكذلك يفعلون).
404

فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى * وينهى عن الفحشاء والبغي والنكر
وصي النبي المصطفى وابن عمه * وقاتل فرسان الضلالة والكفر (953)
وقال الفضل بن العباس من أبيات له (3):
ألا أن خير الناس بعد نبيهم * وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر
وأول من صلى وصنو نبيه * وأول من أردى الغواة لدى بدر (954)
وقال حسان بن ثابت من أبيات (4) يمدح فيها عليا بلسان الأنصار كافة:
حفظت رسول الله فينا وعهده * إليك ومن أولى به منك من ومن
ألست أخاه في الهدى ووصيه * وأعلم منهم بالكتاب وبالسنن؟ (955)
وقال بعض الشعراء يخاطب الحسن بن علي عليهما السلام:
يا أجل الأنام يا ابن الوصي * أنت سبط النبي وابن علي (1) (956)
وقالت أم سنان بنت خيثمة بن خرشة المذحجية من أبيات (2) تخاطب فيها
عليا وتمدحه:

(1) أوردها ابن الأثير في آخر أحوال عثمان ص 74 من الجزء الثالث من تاريخه الكامل، غير أنه
قال: إلا أن خير الناس بعد ثلاثة البيت.
(2) أوردها الزبير بن بكار في الموفقيات، ونقلها ابن أبي الحديد ص 15 من المجلد الثاني من شرح
النهج.
(3) نقله الشيخ محمد علي حشيشو الحنفي الصيداوي في هامش ص 65 من كتابه: آثار ذوات
السوار، إذ ذكر غانمة بنت عامر ومعاوية، وأنها أنشدت هذا البيت أمام معاوية في كلام جابهته فيه.
(4) ذكرها الإمام أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر البغدادي حين ذكر أم سنان في ص 67 من بلاغات
النساء، ونقلها أيضا عن أم سنان الشيخ محمد علي حشيشو الحنفي في آخر ص 78 من آثار ذوات
السوار.
405

قد كنت بعد محمد خلفا لنا * أوصى إليك بنا فكنت وفيا (957)
هذا ما نالته يد العالة ووسعه ذرع هذا الاملاء من الشعر المنظوم في هذا المعنى
على عهد أمير المؤمنين، ولو تصدين للمتأخر عن عصره لأخرجنا كتابا ضخما، ثم
اعترفنا بالعجز عن الاستقصاء، على أن استيعاب ما قيل في ذلك مما يوجب الملل،
وقد نخرج به عن الموضوع الأصلي، إذن فلنكتف بالسير من كلام المشاهير،
ولنجعله مثالا لسائر ما قيل في هذا المعنى.
قال الكميت بن زيد في قصيدته الميمية الهاشمية:
والوصي (1) الذي أمال التجوبي * به عرش أمة لا نهدام
كان أهل العفاف والمجد والخي‍ * - ر ونقض الأمور والإبرام
والوصي الولي (2) والفارس المع‍ * - لم تحت العجاج غير الكهام
ووصي الوصي ذي الخطة الفص‍ * - ل ومردي الخصوم يوم الخصام (958)

(1) قال العلامة الشيخ محمد محمود الرافعي حين انتهى إلى شرح هذا البيت من شرحه
هاشميات الكميت: المراد به علي كرم الله وجهه، سمي وصيا لأن رسول الله أوصى إليه، فمن ذلك ما
روي عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا أنه قال: لكل نبي وصي، وأن عليا وصيي ووارثي (قال) وأخرج
الترمذي عن النبي أنه قال: من كنت مولاه فعلي مولاه (قال) وروى البخاري عن سعد: أن رسول الله
خرج إلى تبوك واستخلف عليا، فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: ألا ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (قال) قال ابن قيس الرقيات:
نحن منا النبي أحمد والص‍ * - ديق منا التقي والحكماء
وعلي وجعفر ذو الجنا * حين هناك الوصي والشهداء
(قال): وهذا شئ كانوا يقولونه ويكثرون فيه، ثم استشهد على ذلك بما نقلناه في الأصل عن
كثير عزة.
(2) قال الشارح محمد محمود الرافعي ما هذا لفظه: يعني ولي العهد بعد رسول الله.
406

وقال كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر الخزاعي ويعرف بكثير عزة:
وصي النبي المصطفى وابن عمه * وفكاك أعناق وقاضي مغارم (959)
وقال أبو تمام الطائي من قصيدته الرائية (1):
ومن قبله أحلفتم لوصيه بداهية دهياء ليس لها قدر فجئتم بها بكرا عوانا ولم يكن
أخوه إذا عد الفخار وصهره * فلا مثله أخ ولا مثله صهر
وشد به أزر النبي محمد * كما شد من موسى بهارونه الأزر (960)
وقال دعبل بن علي الخزاعي في رثاء سيد الشهداء:
رأس ابن بنت محمد ووصيه * يا للرجال على قناة يرفع (961)
وقال أبو الطيب المتنبي - إذ عوتب على تركه مديح أهل البيت كما
في ديوانه
وتركت مدحي للوصي تعمدا * إذ كان نورا مستطيلا شاملا
وإذا استطال الشئ قام بنفسه * وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا 962
وقال يمدح أبا القاسم طاهر بن الحسين بن طاهر العلوي كما في
ديوانه أيضا:
هو ابن رسول الله وابن وصيه * وشبههما شبهت بعد التجارب (963)
إلى ما لا يحصى ولا يستقصى من أمثال هذا، والسلام.
ش

(2) التي مطلعها - أظبية حيث استنت الكثب العفر - وهي في ديوانه.
407

المراجعة 109 رقم: 23 ربيع الثاني سنة 1330
كنا - في المراجعة 19 - قلنا لكم: إن بعض المتعصبين عليكم قد يشاغبون
في إسناد مذهبكم - في فروع الدين وأصوله - إلى أئمة أهل البيت، ووعدنا أنفسنا
بمراجعتكم في هذا الشأن، وهذا وقت الوعد، فهل تتفضلون بما يدرأ شغبهم؟
والسلام.
س
المراجعة 110 رقم: 29 ربيع الثاني سنة 1330
1 - تواتر مذهب الشيعة عن أئمة أهل البيت
2 - تقدم الشيعة في تدوين العلم زمن الصحابة
3 - المؤلفون من سلفهم زمن التابعين وتابعي التابعين
1 - إن أولي الألباب ليعلمون بالضرورة انقطاع الشيعة الإمامية (1) خلفا
عن سلف في أصول الدين وفروعه إلى العترة الطاهرة، فرأيهم تبع لرأي الأئمة من
العترة في الفروع والأصول وسائر ما يؤخذ من الكتاب والسنة أو يتعلق بهما من جميع
العلوم لا يعولون في شئ من ذلك إلا عليهم، ولا يرجعون فيه إلا إليهم، فهم
يدينون الله تعالى، ويتقربون إليه سبحانه بمذهب أئمة أهل البيت، لا يجدون عنه حولا
ولا يرتضون بدلا، على ذلك مضى سلفهم الصالح من عهد أمير المؤمنين والحسن
والحسين والأئمة التسعة من ذرية الحسين (ع) إلى زماننا هذا، وقد أخذ الفروع

(1) إن مجلة الهدى العراقية قد اقتبست هذه المراجعة من هذا الكتاب، فنشرتها تباعا في مجلديها
الأول والثاني، وجعلتها كأمالي بتوقيع اسم مؤلفها الحقير عبد الحسين شرف الدين الموسوي.
408

والأصول عن كل واحد منهم جم من ثقات الشيعة وحفاظهم وافر، وعدد من أهل
الورع والضبط والاتقان يربو على التواتر، فرووا ذلك لمن بعدهم على سبيل التواتر
القطعي، ومن بعدهم رواه لمن بعده على هذا السبيل، وهكذا كان الأمر في كل
خلف وجيل، إلى أن انتهى إلينا كالشمس الضاحية ليس دونها حجاب، فنحن
الآن في الفروع والأصول، على ما كان عليه الأئمة من آل الرسول، روينا بقضنا
وقضيضنا مذهبهم عن جميع آبائنا، وروى جميع آبائنا ذلك عن جميع آبائهم،
وهكذا كانت الحال، في جميع الأجيال، إلى زمن النقيين العسكريين، والرضايين
الجوادين، والكاظمين الصادقين، والعابدين والباقرين، السبطين
الشهيدين، وأمير المؤمنين (ع)، فلا نحيط الآن بمن صحب أئمة أهل البيت من
سلف الشيعة، فسمع أحكام الدين منهم، وحمل علوم الاسلام عنهم، وإن
الوسع ليضيق عن استقصائهم وعدهم (964)، وحسبك ما خرج من أقلام
أعلامهم، من المؤلفات الممتعة، التي لا يمكن استيفاء عدها في هذا الاملاء (
965)، وقد اقتبسوها من نور أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله،
واغترفوها من بحورهم، سمعوها من أفواههم، وأخذوها من شفاههم، فهي
ديوان علمهم، وعنوان حكمهم، ألفت على عهدهم (966) فكانت مرجع
الشيعة من بعدهم، وبها ظهر امتياز مذهب أهل البيت على غيره من مذاهب
المسلمين، فإنا لا نعرف أن أحدا من مقلدي الأئمة الأربعة مثلا، ألف على عهدهم
كتابا في أحد مذاهبهم، وإنما ألف الناس على مذاهبهم، فأكثروا بعد انقضاء
زمنهم (967) وذلك حيث تقرر حصر التقليد فيهم، وقصر الإمامة في الفروع
عليهم، وكانوا أيام حياتهم كسائر من عاصرهم من الفقهاء والمحدثين، لم يكن
لهم امتياز على من كان في طبقتهم، ولذلك لم يكن على عهدهم من يهتم بتدوين
أقوالهم، اهتمام الشيعة بتدوين أقوال أئمتها المعصومين - على رأيها - فإن الشيعة
من أول نشأتها، لا تبيح الرجوع في الدين إلى غير أئمتها، ولذلك عكفت هذا
409

العكوف عليهم، وانقطعت في أخذ معالم الدين إليهم، وقد بذلت الوسع والطاقة
في تدوين كل ما شافهوها به، واستفرغت الهمم والعزائم في ذلك بما لا مزيد عليه،
حفظا للعلم الذي لا يصح - على رأيها - عند الله سواه، وحسبك - مما كتبوه أيام
الصادق - تلك الأصول الأربع مئة، وهي أربعمائة مصنف لأربع مئة مصنف،
كتبت من فتاوى الصادق على عهده (968)، ولأصحاب الصادق غيرها هو
أضعاف أضعافها، كما ستسمع تفصيله قريبا إن شاء الله تعالى.
أما الأئمة الأربعة فليس لهم عند أحد من الناس منزلة أئمة أهل البيت عند
شيعتهم، بل لم يكونوا أيام حياتهم، بالمنزلة التي تبوأوها بعد وفاتهم، كما صرح به
ابن خلدون المغربي، في الفصل الذي عقده لعلم الفقه من مقدمته الشهيرة
(969)، واعترف به غير واحد من أعلامهم، ونحن مع ذلك لا نرتاب في أن
مذاهبهم إنما هي مذاهب اتباعهم، التي عليها مدار عملهم في كل جيل، وقد
دونوها في كتبهم، لأن أتباعهم أعرف بمذاهبهم، كما أن الشيعة أعرف بمذهب
أئمتهم، الذي يدينون الله بالعمل على مقتضاه، ولا تتحقق منهم نية القربة إلى الله
بسواه.
2 - وإن الباحثين ليعلمون بالبداهة تقدم الشيعة في تدوين العلوم على من
سواهم (970) إذ لم يتصد لذلك في العصر الأول غير علي وأولوا العلم من
شيعته، ولعل السر في ذلك اختلاف الصحابة في إباحة كتابة العلم
وعدمها، فكرهها كما عن العسقلاني في مقدمة فتح
الباري وغيره - عمر بن الخطاب وجماعة آخرون، خشية أن يختلط
الحديث في الكتاب (971)، وأباحه علي وخلفه الحسن السبط المجتبى
وجماعة من الصحابة، وبقي الأمر على هذه الحال حتى أجمع أهل القرن الثاني في آخر
عصر التابعين على إباحته، وحينئذ ألف ابن جريح كتابه في الآثار عن مجاهد وعطاء
بمكة، وعن الغزالي أنه أول كتاب صنف في الاسلام، والصواب أنه أول كتاب
صنفه غير الشيعة من المسلمين وبعده كتاب معتمر بن راشد الصنعاني باليمن ثم
410

موطأ مالك، وعن مقدمة فتح الباري أن الربيع بن صبيح أول من جمع، وكان في
آخر عصر التابعين، وعلى كل فالإجماع منعقد على أنه ليس لهم في العصر الأول
تأليف (972).
أما علي وشيعته، فقد تصدوا لذلك في العصر الأول، وأول شئ دونه
أمير المؤمنين كتاب الله عز وجل، فإنه (ع) بعد فراغه من تجهيز النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، آلى على نفسه أن لا يرتدي إلا للصلاة، أن يجمع القرآن، فجمعه
مرتبا على حسب النزول، وأشار إلى عامه وخاصه، ومطلقه ومقيده، ومحكمه
ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وعزائمه ورخصه، وسننه وآدابه، ونبه على
أسباب النزول في آياته البينات، وأوضح ما عساه يشكل من بعض الجهات وكان
ابن سيرين يقول (1): " لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم " (973) وقد عني
غير واحد من قراء الصحابة بجمع القرآن، غير أنه لم يتسن لهم أن يجمعوه على
تنزيله، ولم يودعوه شيئا من الرموز التي سمعتها + + + فإذن كان جمعه (ع) بالتفسير
أشبه. وبعد فراغه من الكتاب العزيز ألف لسيدة نساء العالمين كتابا كان يعرف عند
أبنائها الطاهرين بمصحف فاطمة يتضمن أمثالا وحكما، ومواعظ وعبرا،
وأخبارا ونوادر توجب لها العزاء عن سيد الأنبياء أبيها صلى الله عليه وآله
(974). وألف بعده كتابا في الديات وسمه بالصحيفة، وقد أورده ابن سعد في
آخر كتابه المعروف بالجامع مسندا إلى أمير المؤمنين (ع)، ورأيت البخاري ومسلما
يذكران هذه الصحيفة ويرويان عنها في عدة مواضع من صحيحيهما، ومما روياه
عنها ما أخرجاه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه، قال: " قال علي رضي
الله عنه ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله غير هذه الصحيفة، قال: فأخرجها فإذا
فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل " (975) قال: وفيها " المدينة حرم ما بين
عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس

(1) فيما نقله عنه ابن حجر في صواعقه، وغير واحد من الأعلام.
411

أجمعين " (976) الحديث بلفظ البخاري في باب إثم من تبرأ من مواليه من كتاب
" الفرائض " في الجزء الرابع من صحيحه (1)، وهو موجود في باب
فضل المدينة من كتاب الحج من الجزء الأول من صحيح مسلم (2)، والإمام أحمد
بن حنبل أكثر من الرواية عن هذه الصحيفة في مسنده، ومما رواه عنها ما أخرجه من
حديث علي في صفحة 100 من الجزء الأول من مسنده عن طارق بن شهاب، قال:
شهدت عليا رضي الله عنه، وهو يقول على المنبر: " والله ما عندنا كتاب نقرؤه
عليكم إلا كتاب الله تعالى، وهذه الصحيفة، وكانت معلقة بسيفه أخذتها من
رسول الله صلى الله عليه وآله... الحديث " (977).
وقد جاء في رواية الصفار عن عبد الملك قال دعا أبو جعفر بكتاب علي،
فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطويا، فإذا فيه: " إن النساء ليس لهن من عقار
الرجل إذا توفي عنهن شئ، فقال أبو جعفر: هذا والله خط علي وإملاء رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم " (978) واقتدى بأمير المؤمنين ثلة من شيعته فألفوا
على عهده، منهم: سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، فيما ذكره ابن
شهرآشوب، حيث قال: أول من صنف في الاسلام علي بن أبي طالب، ثم
سلمان الفارسي، ثم أبو ذر. ا ه‍ (979).
ومنهم أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وصاحب بيت مال
أمير المؤمنين (ع)، وكان من خاصة أوليائه والمستبصرين بشأنه، له كتاب السنن
والأحكام والقضايا جمعه من حديث علي خاصة، فكان عند سلفنا في الغاية
القصوى من التعظيم، وقد رووه بطرقهم وأسانيدهم إليه (980)، ومنهم علي
بن أبي رافع - وقد ولد كما في ترجمته من الإصابة على عهد النبي فسماه عليا - له كتاب
في فنون الفقه على مذهب أهل البيت، وكانوا عليهم السلام يعظمون هذا

(1) في صفحة 111.
(2) في صفحة 523.
412

الكتاب، ويرجعون شيعتهم إليه، قال موسى بن عبد الله بن الحسن: سأل أبي
رجل، عن التشهد، فقال أبي: هات كتاب ابن أبي رافع، فأخرجه وأملاه
علينا. ا ه‍. (981).
واستظهر صاحب روضات الجنات أنه أول كتاب فقهي صنف في الشيعة
(982)، وقد اشتبه في ذلك رحمه الله، ومنهم عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي
ووليه، سمع النبي وروى عنه صلى الله عليه وآله، قوله لجعفر: " اشبهت
خلقي وخلقي " (983) أخرج ذلك عنه جماعة منهم أحمد بن حنبل في مسنده،
وذكره ابن حجر في القسم الأول من إصابته بعنوان عبيد الله بن أسلم، لأن أباه أبا
رافع اسمه أسلم، ألف عبيد الله هذا كتابا فيمن حضر صفين مع علي، من
الصحابة، رأيت ابن حجر ينقل عنه كثيرا في إصابته، فراجع (1) (984).
ومنهم ربيعة بن سميع، له كتاب في زكاة النعم من حديث علي عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم (985). ومنهم عبد الله بن الحر الفارسي له لمعة في
الحديث جمعها عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله (986).
ومنهم الأصبغ بن نباتة صاحب أمير المؤمنين وكان من
المنقطعين إليه، روى عنه عهده إلى الأشتر، ووصيته إلى ابنه محمد، ورواهما
أصحابنا بأسانيدهم الصحيحة إليه (987). ومنهم سليم بن قيس
الهلالي صاحب علي (ع) روى عنه وعن سلمان الفارسي، له كتاب في الإمامة
ذكره الإمام محمد بن إبراهيم النعماني في الغنية، فقال: وليس بين جميع الشيعة ممن
حمل العلم أو رواه عن الأئمة لا خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من
كتب الأصول التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت وأقدمها، وهو من
الأصول التي ترجع الشيعة إليها وتعول عليها (988) ا ه‍. وقد تصدى أصحابنا
لذكر من ألف من أهل تلك الطبقة من سلفهم الصالح، فليراجع فهارسهم
وتراجم رجالهم من شاء (989).

(1) ترجمة جبير بن الحباب بن المنذر الأنصاري في القسم الأول من الإصابة.
413

3 - وأما مؤلفو سلفنا من أهل الطبقة الثانية - طبقة التابعين - فإن
مراجعاتنا هذه لتضيق عن بيانهم. والمرجع في معرفتهم ومعرفة مصنفاتهم
وأسانيدها إليهم على التفصيل إنما هو فهارس علمائنا ومؤلفاتهم في تراجم
الرجال (1) (990).
سطع - أيام تلك الطبقة - نور أهل البيت، وكان قبلها محجوبا بسحائب
ظلم الظالمين، لأن فاجعة الطف فضحت أعداء آل محمد صلى الله عليه وآله
وسلم، وأسقطتهم من أنظار أولي الألباب، ولفتت وجوه الباحثين إلى مصائب
أهل البيت، منذ فقدوا رسول الله صلى الله عليه وآله، واضطرت الناس
بقوارعها الفادحة إلى البحث عن أساسها، وحملتهم على التنقيب عن أسبابها،
فعرفوا جذرتها وبذرتها، وبذلك نهض أولوا الحمية من المسلمين إلى حفظ مقام
أهل البيت والانتصار لهم، لأن الطبيعة البشرية تنتصر بجبلتها للمظلوم، وتنفر
من الظالم، وكأن المسلمين بعد تلك الفاجعة دخلوا في دور جديد، فاندفعوا إلى
موالاة الإمام علي بن الحسين زين العابدين، وانقطعوا إليه في فروع الدين
وأصوله، وفي كل ما يؤخذ من الكتاب والسنة من سائر الفنون الاسلامية،
وفزعوا من بعده إلى ابنه الإمام أبي جعفر الباقر (ع)، وكان أصحاب هذين الإمامين
" العابدين الباقرين " من سلف الإمامية ألوفا مؤلفة لا يمكن إحصاؤهم، لكن
الذين دونت أسماؤهم وأحوالهم في كتب التراجم من حملة العلم عنهما يقاربون
أربعة آلاف بطل، ومصنفاتهم تقارب عشرة آلاف كتاب أو تزيد، رواها أصحابنا
في كل خلف عنهم بالأسانيد الصحيحة، وفاز جماعة من أعلام أولئك الأبطال
بخدمتهما وخدمة بقيتهما الإمام الصادق عليهم السلام، وكان الحظ الأوفر
لجماعة منهم فازوا بالقدح المعلى علما وعملا.

(1) كفهرست النجاشي، وكتاب منتهى المقال في أحوال الرجال للشيخ أبي علي، وكتاب منهج
المقال في تحقيق أحوال الرجال للميرزا محمد، وغيرها من مؤلفات في هذا الفن وهي كثيرة.
414

فمنهم أبو سعيد أبان بن تغلب بن رباح الجريري القارئ الفقيه المحدث
المفسر الأصولي اللغوي المشهور، كان من أوثق الناس، لقي الأئمة الثلاثة،
فروى عنهم علوما جمة، وأحاديث كثيرة، وحسبك أنه روى عن الصادق خاصة
ثلاثين ألف حديث (1) (991)، كما أخرجه الميرزا محمد في ترجمة أبان من كتاب
منتهى المقال بالإسناد إلى أبان بن عثمان عن الصادق عليه السلام، وكان له
عندهم حظوة وقدم، قال له الباقر عليه السلام - وهما في المدينة الطيبة -: " أجلس
في المسجد وافت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك " (992) وقال له
الصادق عليه السلام: " ناظر أهل المدينة، فإني أحب أن يكون مثلك من رواتي
ورجالي " (993). وكان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الخلق، وأخليت له سارية
النبي صلى الله عليه وآله، وقال الصادق (ع) لسليم ابن أبي حبة: " ائت
أبان بن تغلب فإنه سمع مني حديثا كثيرا، فما روى لك فاروه عني " (994) وقال
عليه السلام لأبان بن عثمان: " إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث
فاروها عنه " (995). وكان إذا دخل أبان على الصادق يعانقه ويصافحه، ويأمر
بوسادة تثنى له، ويقبل عليه بكله (996). ولما نعي إليه قال عليه السلام: " أما
والله لقد أوجع قلبي موت أبان " (997) وكانت وفاته سنة إحدى
وأربعين ومائة (998). ولأبان روايات عن أنس بن مالك،
والأعمش، ومحمد بن المنكدر، وسماك بن حرب،
وإبراهيم النخعي، وفضيل بن عمرو، والحكم، وقد احتج به مسلم
وأصحاب السنن الأربعة كما بيناه إذ أوردناه - في المراجعة 16 - (999). ولا يضره
عدم احتجاج البخاري به، فإن له أسوة بأئمة أهل البيت، الصادق،
والكاظم، والرضا، والجواد التقي، والحسن العسكري الزكي، إذ لم يحتج
بهم، بل لم يحتج بالسبط الأكبر سيد شباب أهل الجنة، نعم احتج بمروان بن

(1) نص على ذلك أئمة الفن كالشيخ البهائي في وجيزته، وغير واحد من أعلام الأمة.
415

الحكم، وعمران بن حطان، وعكرمة البربي، وغيرهم من أمثالهم، فإنا لله وإنا
إليه راجعون (1000).
ولأبان مصنفات ممتعة، منها كتاب تفسير غريب القرآن أكثر فيه من شعر
العرب شواهد على ما جاء في الكتاب الحكيم (1001)، وقد جاء فيما بعد،
عبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي، فجمع من كتاب أبان، ومحمد بن السائب
الكلبي، وابن روق عطية بن الحارث، فجعله كتابا واحدا بين ما اختلفوا فيه،
وما اتفقوا عليه، فتارة يجئ كتاب أبان مفردا، وتارة يجئ مشتركا على ما عمله
عبد الرحمن، وقد روى أصحابنا كلا من الكتابين بالأسانيد المعتبرة، والطرق
المختلفة، ولأبان كتاب الفضائل، وكتاب صفين، وله أصل من الأصول التي
تعتمد عليها الإمامية في أحكامها الشرعية، وقد روت جميع كتبه بالإسناد إليه،
والتفصيل في كتب الرجال (1002).
ومنهم أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار (1003)، كان من ثقات سلفنا
الصالح وأعلامهم، أخذ العلم عن الأئمة الثلاثة - الصادق والباقر وزين
العابدين عليهم السلام - وكان منقطعا إليهم، مقربا عندهم، أثنى عليه
الصادق، فقال عليه السلام: أبو حمزة في زمانه مثل سلمان الفارسي في زمانه
(1004). وعن الرضا عليه السلام: " أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه "
(1005) له كتاب تفسير القرآن، رأيت الإمام الطبرسي ينقل عنه في تفسيره -
مجمع البيان (1) - وله كتاب النوادر، وكتاب الزهد، ورسالة الحقوق (2)

(1) راجع من مجمع البيان تفسير قوله تعالى * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * من
سورة الشورى تجده ينقل عن تفسير أبي حمزة.
(2) وقد روى أصحابنا كتب أبي حمزة كلها بأسانيدهم إليه، والتفصيل في كتب الرجال،
واختصر سيدنا الحجة السيد صدر الدين الصدر الموسوي رسالة الحقوق، وطبعها كرسالة مختصرة
ليحفظها نشء المسلمين، وقد أجاد إلى الغاية متع الله المسلمين بجميل رعايته، وجليل عنايته.
416

(1006)، رواها عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع)، وروى عنه دعاءه
في السحر، وهو أسنى من الشمس والقمر، وله رواية عن أنس، والشعبي،
وروى عنه وكيع، وأبو نعيم، وجماعة من أهل تلك الطبقة من أصحابنا
وغيرهم، كما بيناه في أحواله - في المراجعة 16 (1007).
وهناك أبطال لم يدركوا الإمام زين العابدين، وإنما فازوا بخدمة الباقرين
الصادقين عليهما السلام.
فمنهم أبو القاسم بريد بن معاوية العجلي، وأبو بصير الأصغر ليث ابن مراد
البختري المرادي، وأبو الحسن زرارة بن أعين، وأبو جعفر محمد بن مسلم بن
رباح الكوفي الطائفي الثقفي، وجماعة من أعلام الهدى ومصابيح الدجى، لا
يسع المقام استقصاءهم (1008).
أما هؤلاء الأربعة فقد نالوا الزلفى، وفازوا بالقدح المعلى، والمقام
الأسمى، حتى قال فيهم لصادق عليه السلام - وقد ذكرهم -: هؤلاء أمناء الله على
حلاله وحرامه (1009) وقال: ما أجد أحدا أحيا ذكرنا إلا زرارة وأبو بصير ليث،
ومحمد بن مسلم، وبريد، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، ثم قال: هؤلاء
حفاظ الدين، وأمناء أبي، على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في
الدنيا، والسابقون إلينا في الأخيرة (1010) وقال (ع): بشر المخبتين بالجنة
(1011) ثم ذكر الأربعة، وقال - في كلام طويل ذكرهم فيه -: كان أبي ائتمنهم
على حلال الله وحرامه، وكانوا عيبة علمه، وكذلك اليوم هم عندي مستودع
سري، وأصحاب أبي حقا، وهم نجوم شيعتي أحياء وأمواتا، بهم يكشف الله
كل بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين، وتأويل الغالين. ا ه‍.
(1012) إلى غير ذلك من كلماته الشريفة التي أثبتت لهم من الفضل والشرف
والكرامة والولاية، ما لا تسع بيانه عبارة، ومع ذلك فقد رماهم أعداء أهل البيت
بكل إفك مبين، كما فصلناه في كتابنا مختصر الكلام في مؤلفي الشيعة من صدر
417

الاسلام (1013). وليس ذلك بقادح في سمو مقامهم، وعظيم خطرهم
عند الله ورسوله والمؤمنين، كما أن حسدة الأنبياء ما زادوا أنبياء الله إلا رفعة، ولا
أثروا في شرائعهم إلا انتشارا عند أهل الحق، وقبولا في نفوس أولي الألباب.
وقد انتشر العلم في أيام الصادق عليه السلام بما لا مزيد عليه، وهرع إليه
شيعة آبائه (ع) من كل فج عميق، فأقبل عليهم بانبساطه، واسترسل إليهم
بأنسه، ولم يأل جهدا في تثقيفهم، ولم يدخر وسعا في إيقافهم على أسرار العلوم،
ودقائق الحكمة، وحقائق الأمور، كما اعترف به أبو الفتح الشهرستاني في كتابه
الملل والنحل، حيث ذكر الصادق (ع) فقال (1): وهو ذو علم غزير في
الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات،
قال: وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرار
العلوم، ثم دخل العراق وأقام بها مدة ما تعرض للإمامة - أي للسلطنة - قط، ولا
نازع أحدا في الخلافة (قال): ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلى إلى
ذروة الحقيقة لم يخف من حط، إلى آخر كلامه (1014). والحق ينطق منصفا
وعنيدا.
نبغ من أصحاب الصادق جم غفير، وعدد كثير، كانوا أئمة هدى،
ومصابيح دجى، وبحار علم، ونجوم هداية. والذين دونت أسماؤهم
وأحوالهم في كتب التراجم منهم أربعة آلاف رجل من العراق والحجاز وفارس
وسوريا، وهم أولو مصنفات مشهورة لدى علماء الإمامية، ومن جملتها الأصول
الأربعة مئة وهي - كما ذكرناه سابقا - أربع مئة مصنف لأربع مئة مصنف كتبت من
فتاوى الصادق (ع) على عهده، فكان عليها مدار العلم والعمل من بعده، حتى
لخصها جماعة من أعلام الأمة، وسفراء الأئمة في كتب خاصة، تسهيلا للطالب،

(1) عند ذكره الباقرية والجعفرية من فرق الشيعة من كتابه الملل والنحل.
418

وتقريبا على المتناول، وأحسن ما جمع منها الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في
أصولهم وفروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان، وهي: الكافي،
والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه (1015)، وهي متواترة
ومضامينها مقطوع بصحتها، والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها، وفيه
ستة عشر ألف ومئة وتسعة وتسعون حديثا، وهي أكثر مما اشتملت عليه الصحاح
الستة بأجمعها، كما صرح به الشهيد في الذكرى (1016) وغير واحد
من الأعلام.
وألف هشام بن الحكم بن أصحاب الصادق والكاظم (ع) كتبا كثيرة،
اشتهر منها تسعة وعشرون كتابا (1017)، رواها أصحابنا بأسانيدهم إليه،
وتفصيلها في كتابنا - مختصر الكلام في مؤلفي الشيعة من صدر الاسلام - وهي كتب
ممتعة باهرة في وضوح بيانها، وسطوع برهانها، في الأصول والفروع، وفي
التوحيد والفلسفة العقلية، والرد على كل من الزنادقة، والملاحدة،
والطبيعيين، والقدرية، والجبرية، والغلاة في علي وأهل البيت، وفي الرد على
الخوارج والناصبة، ومنكري الوصية إلى علي ومؤخريه ومحاربيه، والقائلين
بجواز تقديم المفضول وغير ذلك. وكان هشام من أعلم أهل القرن الثاني في علم
الكلام، والحكمة الإلهية، وسائر العلوم العقلية والنقلية، مبرزا في الفقه
والحديث، مقدما في التفسير، وسائر العلوم والفنون، وهو ممن فتق الكلام في
الإمامة، وهذب المذهب (1018) بالنظر، يروي عن الصادق والكاظم، وله
عندهم جاه لا يحيط به الوصف، وقد فاز منهم بثناء يسمو به في الملأ الأعلى قدره وكان
في مبدأ أمره من الجهمية، ثم لقي الصادق فاستبصر بهديه ولحق به، ثم بالكاظم
ففاق جميع أصحابها ورماه بالتجسيم وغيره من الطامات مريدوا إطفاء نور الله من
مشكاته، حسدا لأهل البيت وعدوانا، ونحن أعرف الناس بمذهبه، وفي أيدينا
419

أحواله وأقواله، وله في نصرة مذهبنا من المصنفات ما أشرنا إليه، فلا يجوز أن يخفى
علينا من أقواله - وهو من سلفنا وفرطنا - ما ظهر لغيرنا، مع بعدهم عنه في المذهب
والمشرب، على أن ما نقله الشهرستاني - في الملل والنحل من عبارة هشام - لا يدل
على قوله بالتجسيم. وإليك عين ما نقله، قال: وهشام ابن الحكم صاحب غور
في الأصول، لا يجوز أن يغفل عن الزاماته على المعتزلة، فإن الرجل وراء ما يلزمه
على الخصم، ودون ما يظهره من التشبيه، وذلك أنه ألزم العلاف، فقال: إنك
تقول الباري عالم بعلم، وعلمه ذاته، فيكون عالما لا كالعالمين، فلم لا تقول: هو
جسم لا كالأجسام. ا ه‍. ولا يخفى أن هذا الكلام إن صح عنه فإنما هو بصدد
المعارضة مع العلاف، وليس كل من عارض بشئ يكون معتقدا له، إذ يجوز أن
يكون قصده اختبار العلاف، وسبر غوره في العلم، كما أشار الشهرستاني إليه
بقوله: فإن الرجل وراء ما يلزمه على الخصم، ودون ما يظهر من التشبيه. على أنه
لو فرض ثبوت ما يدل على التجسيم عن هشام، فإنما يمكن ذلك عليه قبل
استبصاره، إذ عرفت أنه كان ممن يرى رأي الجهمية، ثم استبصر بهدي آل
محمد، فكان من أعلام المختصين بأئمتهم، لم يعثر أحد من سلفنا على شئ مما
نسبه الخصم إليه، كما أنا لم نجد أثرا ما لشئ مما نسبوه إلى كل من زرارة بن أعين،
ومحمد بن مسلم، ومؤمن الطاق، وأمثالهم، مع أنا قد استفرغنا الوسع والطاقة
في البحث عن ذلك، وما هو إلا البغي والعدوان، والإفك والبهتان، * (ولا
تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) *.
أما ما نقله الشهرستاني عن هشام من القول بإلهية علي، فشئ يضحك
الثكلى، وهشام أجل من أن تنسب إليه هذه الخرافة والسخافة، وهذا كلام هشام
في التوحيد ينادي بتقديس الله عن الحلول، وعلوه عما يقوله الجاهلون، وذاك
كلامه في الإمامة والوصية يعلن بتفضيل رسول الله صلى الله عليه وآله على
علي، مصرحا بأن عليا من جملة أمته ورعيته، وأنه وصيه وخليفته، وأنه من عباد
420

الله المظلومين المقهورين، العاجزين عن حفظ حقوقهم، المضطرين
إلى أن يضرعوا لخصومهم، الخائفين المترقبين الذين لا ناصر لهم ولا معين
وكيف يشهد الشهرستاني لهشام بأنه صاحب غور في الأصول، وأنه لا يجوز أن
يغفل عن إلزاما؟ ه على المعتزلة، وأنه دون ما أظهره للعلاف من قوله له: فلم لا
تقول إن الله جسم لا كالأجسام، ثم ينسب إليه القول بأن عليا (ع) هو الله تعالى،
أليس هذا تناقضا واضحا؟ وهل يليق بمثل هشام على غزارة فضله أن تنسب إليه
الخرافات؟ كلا. لكن القوم أبوا إلا الإرجاف حسدا وظلما لأهل البيت ومن يرى
رأيهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد كثر التأليف على عهد الكاظم، والرضا، والجواد، والهادي،
والحسن الزكي العسكري، عليهم السلام، بما لا مزيد عليه، وانتشرت الرواة
عنهم وعن رجال الأئمة من آبائهم في الأمصار، وحسروا للعلم عن ساعد
الاجتهاد، وشمروا عن ساق الكد والجد، فخاضوا عباب العلوم، وغاصوا على
أسرارها، وأحصوا مسائلها، ومحصوا حقائقها، فلم يألوا في تدوين الفنون
جهدا، ولم يدخروا في جمع أشتات المعارف وسعا.
قال المحقق في المعتبر أعلى الله مقامه: وكان من تلامذة الجواد عليه السلام
فضلاء كالحسين بن سعيد، وأخيه الحسن، وأحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، وشاذان، وأبي الفضل العمي،
وأيوب بن نوح، وأحمد بن محمد بن عيسى، وغيرهم ممن يطول تعدادهم (قال
أعلى الله مقامه): وكتبهم إلى الآن منقولة بين الأصحاب دالة على العلم الغزير
(1020). ا ه‍.
قلت: وحسبك أن كتب البرقي تربو على مئة كتاب (1021)، وللبزنطي
الكتاب الكبير المعروف بجامع البزنطي، وللحسين بن سعيد ثلاثون
421

كتابا (1022). ولا يمكن في هذا الاملاء إحصاء ما ألفه تلامذة الأئمة الستة من أبناء
الصادق عليهم السلام، بيد أني أحيلك على كتب التراجم والفهارس (1023)
فراجع منها أحوال محمد بن سنان، وعلي بن مهزيار، والحسن بن محبوب،
والحسن بن محمد بن سماعة، وصفوان بن يحيى، وعلي بن يقطين، وعلي بن
فضال، و عبد الرحمن بن نجران، والفضل بن شاذان - فإن له مئتي كتاب
(1024) - ومحمد بن مسعود العياشي - فإن كتبه تربو على المئتين (1025) ومحمد
بن عمير، وأحمد بن محمد بن عيسى، فإنه روى عن مئة رجل من أصحاب الصادق
عليه السلام (1026) ومحمد بن علي بن محبوب، وطلحة ابن طلحة بن زيد،
وعمار بن موسى الساباطي، وعلي بن النعمان، والحسين بن عبد الله، وأحمد بن
عبد الله بن مهران المعروف بابن خانة وصدقة بن المنذر القمي، وعبيد الله بن
علي الحلبي، الذي عرض كتابه على الصادق عليه السلام، فصححه
واستحسنه، وقال: أترى لهؤلاء مثل هذا الكتاب (1027)، وأبي عمرو
الطبيب، و عبد الله بن سعيد، الذي عرض كتابه على أبي الحسن الرضا عليه
السلام، ويونس بن عبد الرحمن الذي عرض كتابه على الإمام أبي محمد الحسن
الزكي العسكري عليه السلام (1028).
ومن تتبع أحوال السلف من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله،
واستقصى أصحاب كل من الأئمة التسعة من ذرية الحسين، وأحصى مؤلفاتهم
المدونة على عهد أئمتهم، واستقرأ الذين رووا عنهم تلك المؤلفات، وحملوا عنهم
حديث آل محمد في فروع الدين وأصوله من ألوف الرجال، ثم ألم بحملة هذه
العلوم في كل طبقة طبقة، يدا عن يد من عصر التسعة المعصومين إلى عصرنا هذا،
يحصل له القطع الثابت بتواتر مذهب الأئمة، ولا يرتاب في أن جميع ما ندين الله به
من فروع وأصول، إنما هو مأخوذ من آل الرسول، لا يرتاب في ذلك إلا مكابر
عنيد، أو جاهل بليد، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا
الله والسلام.
ش
422

المراجعة 111 رقم: 1 جمادي الأولى سنة 1330
أشهد أنكم في الفروع والأصول، على ما كان عليه الأئمة من آل الرسول،
وقد أوضحت هذا الأمر فجعلته جليا، وأظهرت من مكنونه ما كان خفيا، فالشك
فيه خبال، والتشكيك تضليل، وقد استشففته (1) فراقني إلى الغاية، وتمخرت
ريحه (2) الطيبة فأنعشني قدسي مهبها بشذاه الفياح، وكنت - قبل أن أتصل
بسببك - على لبس فيكم لما كنت أسمعه من إرجاف المرجفين، وإجحاف
المجحفين، فلما يسر الله اجتماعنا أويت منك إلى علم هدى، ومصباح دجى،
وانصرفت عنك مفلحا منجحا، فما أعظم نعمة الله بك علي، وما أحسن عائدتك
لدي، والحمد لله رب العالمين.
س
المراجعة 112 رقم: 2 جمادي الأولى سنة 1330
أشهد أنك مطلع لهذا الأمر ومقرن له (1)، حسرت له عن ساق،
وانصلت (2) فيه أمضى من الشهاب (3)، أغرقت في البحث عنه، واستقصيت في
التحقيق والتدقيق، تنظر في أعطافه وأثنائه، ومطاويه وأحنائه، تقلبه منقبا عنه
ظهرا لبطن، تتعرف دخلته، وتطلب كنهه وحقيقته، لا تستفزك العواطف
القومية، ولا تستخفك الأغراض الشخصية، فلا تصدع صفات حلمك، ولا

(1) تقول استشففت الثوب إذا نشرته في الضوء وفتشته تطلب عيبه إن كان فيه عيب.
(2) تمخر الريح أن تبحث عن مهبها ومجراها.
(3) أي مطيق له قادر عليه.
(4) الانصالات: الجد والسبق.
(5) هو ما يرى في الليل من النجوم منقضا.
423

تستثار قطاة رأيك، مغرقا في البحث بحلم أثبت من رضوى، وصدر أوسع من
الدنيا، ممعنا في التحقيق لا تأخذك في ذاك آصرة (1) حتى برح الخفاء، وصرح الحق
عن محضه، وبان الصبح لذي عينين، والحمد لله على هدايته لدينه، والتوفيق لما
دعا إليه من سبيله، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
تم الكتاب بمعونة الله عز وجل وحسن توفيقه تعالى بقلم مؤلفه عبد الحسين
شرف الدين الموسوي العاملي، عامله الله بفضله، وعفا عنه بكرمه، إنه أرحم
الراحمين.

(4) الآصرة: ما عطفك على رجل من رحم أو قرابة أو صهر أو المعروف.
تمت هذه التعليقة والحمد لله، كافلة لإكمال ما نقص في أصل الكتاب، وفيها من الفوائد ما لا
يستغنى عنه أبدا، ومن ألم بها علم أنها كذلك، وكان الفراغ من تأليفها يوم الفراغ من طبع هذا الكتاب
منتصف رجب الحرام سنة 1355 بقلم المؤلف أقل خدمة الدين الاسلامي وسدنة المذهب الإمامي عبد
الحسين بن الشريف يوسف بن الشريف جواد بن الشريف إسماعيل بن الشريف محمد بنا الشريف محمد
بن الشريف إبراهيم الملقب شرف الدين بن الشريف زين العابدين بن علي نور الدين بن نور الدين علي
بن الحسين الموسوي العاملي عاملهم الله جميعا بلطفه ورحمته، والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد
وآله وسلم.
424